You are on page 1of 264

‫عند أهل السنة واجلماعة‬

‫تأليف الشيخ‬
‫حممد بن صاحل الشاوي‬
‫غفر اهلل له ولوالدية وللمسلمني‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪2‬‬

‫ح محمد صالح عبداهلل الشاوي‪1442 ،‬هـ‬


‫فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر‬
‫الشاوي‪ ،‬محمد صالح عبداهلل‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة والجماعة‪ / .‬محمد صالح عبداهلل‬
‫الشاوي‪ ،‬الرياض‪1442 ،‬هـ‬
‫‪264‬ص ؛ ‪ 24×17‬سم‬
‫ردمك‪978-603-03-8145-6:‬‬
‫أ‪ .‬العنوان‬ ‫‪ -1‬القضاء والقدر (اإلسالم)‬
‫‪144/10098‬‬ ‫ديوي ‪240‬‬

‫رقم اإليداع‪1442/10098 :‬‬


‫ردمك‪978-603-03-8145-6 :‬‬

‫حقوق الطبع حمفوظة‬


‫الطبعة األوىل‪1443 :‬هـ ‪2022 -‬م‬
‫‪3‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫للل‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫(‪)1‬‬
‫ترمجةٌ مُوجَزةٌ للمؤلِّف‬
‫يمان ِ‬
‫بن‬ ‫بن ُس َل َ‬ ‫محم ِد ِ‬
‫بن عبد اهلل ِ‬ ‫بن عبد اهلل ِ‬
‫بن َّ‬ ‫محمدُ ب ُن صالحِ ِ‬ ‫سمه‪َّ :‬‬ ‫ا ُ‬
‫مي األَ ْز ُّ‬
‫دي‪.‬‬ ‫ُّ ْ‬
‫الشاوي ال َبق ُّ‬ ‫بن غانِ ٍم‬
‫محم ِد ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الموافق‪:‬‬ ‫ف يف ال ُب َك ْير َّي ِة‪ ،‬بتاريخ‪1350/9/23( :‬هـ)‪،‬‬ ‫مولدُ ه‪ُ :‬ولِدَ المؤ ِّل ُ‬
‫(‪1932/1/31‬م)‪.‬‬
‫أبو ْي ِن محافِ َظ ْي ِن ومتد ِّينَ ْين؛ فقد كان‬ ‫ِ‬
‫ف يف ال ُب َك ْير َّية بين َ‬ ‫نشأ ُته‪ :‬نشأ المؤ ِّل ُ‬
‫عالما مِن علماء‬ ‫ً‬ ‫الشاوي ‪‬‬ ‫ِّ‬ ‫بن عبد اهلل‬ ‫والده فضيل ُة الشيخِ صالحِ ِ‬
‫ف‬ ‫لما ُك ِّل َ‬ ‫والمنَّة؛ ولذلك َ‬ ‫ِ‬ ‫الب َكي ِرية‪ ،‬وكان مِن الم ِ‬
‫اعتذ َر َّ‬ ‫وسري َن‪ ،‬وهلل الحمدُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َّ‬
‫االستمرار يف تحصي ِل‬ ‫ِ‬ ‫ألن القضا َء سوف َيش َغ ُل ُه عن‬ ‫مر َت ْين(‪)2‬؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫بالقضاء َّ‬
‫وإلقاء الدروس‪ ،‬وعن أعمال ِ ِه التجار َّية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫العلم‪،‬‬
‫بالحفظ على يد‬ ‫ِ‬ ‫حيث بدأ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫نعومة َأ ْظفاره؛‬ ‫َ‬
‫القرآن منذ‬ ‫َح ِف َظ المؤ ِّل ُ‬
‫ف‬
‫للحر ِم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يكون إما ًما‬ ‫الخ َليفي ‪ ،‬قبل أن‬
‫الشيخ عبد اهلل بن محمد ُ‬
‫المقرئ عبد الرحمن بن سالم‬‫ِ‬ ‫أكم َل ِح ْف َظ ُه على الشيخِ‬
‫المكي‪ ،‬ثم َ‬
‫الكريديس ‪ ‬يف مسجد ُت ْركي(‪.)3‬‬

‫جم ْعتُها مِن ِذكْرياتِ ِه ومِن‬ ‫موسع ٌة َ‬


‫ِ‬
‫مختصر ٌة كتَبْتُها عن الوالد حفظه اهلل‪ ،‬وهناك ترجم ٌة َّ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬هذه ترجم ٌة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ييس َر لي طب َعها‪.‬‬
‫اهلل أن ِّ‬ ‫والمراسالت الموجودة لدَ ْينا‪ ،‬ولع َّل َ‬ ‫َ‬ ‫الوثائق‬
‫فسم َح له‪ ،‬ثم‬‫يم‪ ،‬فامتنَ َع واستش َف َع بالمشايخ‪َ ،‬‬ ‫الملِ ُك عبد العزيز ‪ ‬قاضيًا يف ال َق ِص ِ‬ ‫حيث عيَّنه َ‬ ‫(‪ُ )2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للملك برق َّي ًة قال فيها‪( :‬إنه بلَغَ س َّن‬ ‫فأرس َل َ‬
‫لما تو َّلى الملك سعود ‪ ،‬ع َّينه قاض ًيا يف الجنوب‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫سم ُح له)‪ ،‬فأعف َي؛ ‪ ‬رحم ًة واسعة‪ ،‬وأس َكنَ ُه‬ ‫ُ‬
‫فسيح جناته‪.‬‬
‫َ‬ ‫الصحيَّ َة ال َت َ‬
‫ِّ‬ ‫التقا ُعد‪ ،‬وإ َّن ظرو َف ُه‬
‫مؤسسه ُت ْركي بن منصور الرتكي ‪ .‬ينظر‪ :‬مساجد البُ َك ْير َّية‪ ،‬أ‪.‬د عبد‬ ‫ِ‬
‫سمى؛ نسب ًة إلى ِّ‬ ‫(‪ )3‬هكذا ُي َّ‬
‫العزيز الفريح (ص‪.)61‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪6‬‬

‫ب العلم؛ ُ‬
‫حيث اهت ََّم‬ ‫القرآن بدأ مسير َت ُه يف ط َل ِ‬
‫َ‬ ‫طل ُب ُه للعلم‪ :‬وبعد أن َح ِف َظ‬
‫مجالس العلماء؛ ليتع َّل َم ويستفيدَ منهم‪ ،‬وكان َّأو ُل‬ ‫ِ‬ ‫وأحض َر ُه إلى‬
‫َ‬ ‫به والدُ ُه‪،‬‬
‫العلم الذين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طلبة‬ ‫يجلس مع‬ ‫حيث كان‬‫ُ‬ ‫ذلك عندما ب َل َغ التاسع َة من ُع ُمره؛‬
‫ُ‬
‫ب‬‫فضيلة الشيخ صالح بن عبد اهلل الشاوي ‪‬؛ يف ُك ُت ِ‬ ‫ِ‬ ‫والد ِه‬
‫ون عند ِ‬
‫يدر ُس َ‬‫ُ‬
‫وكتب الس ِ‬
‫يرة‬ ‫ِ ِّ‬ ‫وكتب التفسير‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكتب ابن الق ِّيم‪،‬‬ ‫شيخِ اإلسالم ابن تيم َّية‪،‬‬
‫بعض العلوم‬ ‫األو َل الذي تع َّلم عليه َ‬ ‫َ‬
‫شيخ ُه َّ‬ ‫النبو َّية؛ ولهذا ُيعت َب ُر والدُ ُه هو‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫ولما ب َل َغ الحادي َة َع ْشر َة مِن ُعم ِره‪ ،‬ر ِغب إليه والدُ ه أن ينضم إلى الح ْل ِ‬
‫قة‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ‬
‫محمد بن عبد اهلل‬ ‫يف المسجد الجامع الكبير يف ال ُب َك ْير َّية؛ ُ‬
‫ليدر َس على الشيخ َّ‬
‫الس َب ِّيل(‪،)1‬‬
‫الحر ِم المكي‪ ،‬والشيخ عبد العزيز بن عبد اهلل ُّ‬ ‫َ‬ ‫الس َب ِّي ِل إما ِم‬
‫ُّ‬
‫المقبِل‪ ،‬وغيرهم مِن علماء ذلك الزمان‬ ‫محمد بن ُمقبِ ِل ُ‬ ‫َّ‬ ‫العالمة‬
‫َّ‬ ‫والشيخِ‬
‫‪.‬‬
‫ِ‬
‫طلبة‬ ‫وانضم مع‬ ‫السنة الثالث َة َع ْشر َة مِن ُع ُم ِر ِه‪ ،‬سافر إلى الرياض‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ويف‬
‫َّ‬
‫العلم يف مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ‪ ،‬وأخيه الشيخ عبد‬ ‫ِ‬
‫وغيرهم من العلماء آن ََذاك ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اللطيف بن إبراهيم‪،‬‬
‫محمد بن عثمان الشاوي ‪ ‬مِن‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ولما َقد َم عبد اهلل اب ُن ِّ‬
‫العم الشيخِ‬
‫ودر َس هبا‪ ،‬وبعد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بااللتحاق ِ‬
‫فالتح َق َ‬
‫َ‬ ‫التوحيد يف الطائف؛‬ ‫بدار‬ ‫الطائف‪ ،‬أقنَ َع ُه‬
‫وأكم َل الثانوي َة‬
‫َ‬ ‫طة مِن دار التوحيد‪ ،‬عاد إلى الرياض‪،‬‬ ‫أخ َذ شهاد َة المتوس ِ‬
‫ِّ‬ ‫أن َ‬
‫العلمي بالرياض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المعهد‬ ‫يف‬
‫ِّ‬

‫محمد بن عبد اهلل ال ُّسبَيِّل إما ِم َ‬


‫الحرم المكي ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )1‬وهو شق ُيق الشيخِ‬
‫‪7‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫تسمى آن ََذ َ‬
‫اك‪:‬‬ ‫التح َق بكلية الشريعة‪ ،‬والتي كانت َّ‬ ‫ويف عام (‪1372‬هـ) َ‬
‫تخرجه عام (‪1376‬هـ)‪ ،‬وكان مِن‬ ‫واستمر فيها حتى ُّ‬
‫َّ‬ ‫«دار ال ُع ُلو ِم الشرع َّية»‪،‬‬
‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫در َس‬
‫تخرجت يف الكلية‪ ،‬وكان من مشايخه وأساتذته الذين َ‬ ‫ضمن َّأول ُد ْفعة َّ‬
‫ِ‬
‫تفسير (أضواء‬ ‫الشن ِْقيطي‪ ،‬مؤ ِّل ُ‬
‫ف‬ ‫محمد األمين ِّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫عليهم يف الكلية‪:‬‬
‫الرزاق عفيفي‪ ،‬وغيرهم من‬ ‫ُ‬
‫والشيخ عبد َّ‬ ‫ُ‬
‫والشيخ عبد العزيز بن باز‪،‬‬ ‫البيان)‪،‬‬
‫أهل العلم آنذاك ‪.‬‬
‫تم تعيينُ ُه قاض ًيا يف‬ ‫تخرجه يف كلية الشريعة عام ‪1376‬هـ‪َّ ،‬‬ ‫أعما ُله‪ :‬وبعد ُّ‬
‫ِ‬
‫بتأسيس‬ ‫دة النُّ َع ْير َّي ِة بتاريخ‪1377/2/15( :‬هـ)‪ ،‬وقام‬ ‫المنطقة الشرقية يف ب ْل ِ‬
‫َ‬
‫ال القضاء حتى‬ ‫المحكمة الشرع َّي ِة فيها‪ ،‬و ُع ِّي َن رئيسا لها‪ ،‬واستمر عم ُل ُه يف م َج ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ً‬
‫تاريخ‪1379/8/16( :‬هـ)‪.‬‬
‫ويف أثناء وجوده يف النُّ َع ْير َّي ِة قاض ًيا تو َّلى إمام َة جامع النُّ َع ِير َّية‪ ،‬وتو َّلى‬
‫والمناسبات‪.‬‬ ‫الجمعة‪ ،‬ويف األعياد‬‫ِ‬ ‫الخ َطاب َة يوم‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫هيئات‬ ‫تأسيس‬ ‫رية‪:‬‬
‫ُ‬ ‫توَّلها أثنا َء عمله قاض ًيا يف النُّ َع ْي ا‬ ‫ومن المها ِّم التي ا‬
‫رئيسا لها‪ ،‬وتو َّلى أعمال‬ ‫والنهي عن المن َك ِر فيها‪ ،‬ثم ُع ِّي َن ً‬ ‫ِ‬ ‫األمر بالمعروف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مستق ٍّل لها‪.‬‬‫ِ‬ ‫تم تعيي ُن رئ ٍ‬
‫يس‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫الح ْسبة فيها لفرتة وجيزة‪ ،‬حتى َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عمل ِه يف‬
‫وبعد عامي ِن تقري ًبا من ِ‬
‫ب منه سماحة الشيخ‬ ‫مجال القضاء‪ :‬ط َل َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫كتابة‬ ‫ِ‬
‫لتأسيس وافتتاحِ‬ ‫َ‬
‫االنتقال إلى الرياض؛‬ ‫محمدُ ب ُن إبراهيم ‪‬‬
‫حيث لم يكن هناك كتاب ُة عَدْ ٍل رسم َّي ٌة هبذا‬ ‫ُ‬ ‫ال َعدْ ل‪ ،‬والقيا ِم بعم ِل الالز ِم لها؛‬
‫الرياض وال َق ِصيم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منطقة‬ ‫ِ‬
‫االسم قبل ذلك يف‬
‫رئيسـا لهــا؛‬ ‫ـيس وافتتــاحِ كتابـ ِـة َ ِ‬ ‫ِ‬
‫االنتهاء مِن عم َّليـ ِة تأسـ ِ‬
‫العـدْ ل‪ُ :‬عـ ِّي َن ً‬ ‫وبعد‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪8‬‬

‫رتـب فضــيل ُت ُه مــا َيلـ َـز ُم لهــا مِـن‬


‫العـدْ ِل بالريــاض‪ ،‬وقــد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رئيس لكتابة َ‬ ‫فكان َّأو َل‬
‫العمــــ ـ َل فيهــــــا بتــــــاريخ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫األنظِمـــــ ِـة والقـــــ‬
‫ـوانين والمــــــو َّظفي َن‪َ ،‬‬
‫وباشــــ ـ َر َ‬
‫(‪1379/8/18‬هـ)‪.‬‬
‫عضوا قضائ ًّيا‬ ‫ً‬ ‫بالعم ِل‬
‫َ‬ ‫ف‬‫رئيسا لكتابة ال َعدْ ِل‪ُ :‬ك ِّل َ‬ ‫ً‬ ‫عمل ِه‬
‫ِ‬ ‫وخالل َفت ِ‬
‫ْرة‬ ‫َ‬
‫ب ِ‬
‫أحد‬ ‫ِ‬
‫حالة تغ ُّي ِ‬ ‫الفرتة المسائ َّي ِة يف‬
‫ِ‬ ‫عات التجار َّي ِة يف‬‫المناز ِ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫هبيئة‬ ‫احتياط ًّيا‬
‫عضوا‬‫ً‬ ‫أعضاء الهيئة‪ ،‬وذلك بتاريخ‪1389/5/28( :‬هـ)‪ ،‬ثم صار بعد ذلك‬
‫ِ‬
‫األعضاء مِن الشيخِ‬
‫محمد بن ُج َبير ‪ ‬إعفا َء ُه‬ ‫َّ‬ ‫ب أحدُ‬ ‫رسم ًّيا‪ ،‬بعد أن ط َل َ‬
‫للتفر ِغ إلى عملِ ِه الرسمي‪.‬‬ ‫من الهيئة‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬

‫حيث َع ِمل‬ ‫ُ‬ ‫حة بين الناس؛‬ ‫بعقود األَنكِ ِ‬‫ِ‬ ‫توَّلها‪ :‬قيا ُم ُه‬
‫األعمال التي ا‬ ‫ِ‬ ‫ومن‬ ‫ِ‬

‫مأذونًا لألنكحة‪ ،‬وقد تم تعيينُ ُه يف هذا العمل بتاريخ‪1392/4/5( :‬هـ)‪،‬‬


‫كتابة ال َعدْ ِل بالرياض‪.‬‬‫ِ‬ ‫بجانب عملِ ِه يف‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الجزيرة‬ ‫أيضا‪ :‬تعيينُه عضوا مؤسسا يف مؤس ِ‬
‫سة‬ ‫توَّلها ً‬ ‫ِ‬
‫األعمال التي ا‬ ‫ِ‬
‫ومن‬
‫َّ‬ ‫ِّ ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫عضوا‬
‫ً‬ ‫أيضا مِن قِ َب ِل زمالئِ ِه و ُع ِّي َن‬
‫ب ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للص َحافة وال ِّط َباعة والن َّْشر‪ ،‬ثم ان ُتخ َ‬
‫ِّ‬
‫إدار ًّيا بتاريخ‪1398/8/1( :‬هـ)‪.‬‬
‫عملِ ِه يف كتابة ال َعدْ ل‪.‬‬ ‫بجانب َ‬ ‫ِ‬ ‫كل ذلك‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫آنذاك الشيخ‬ ‫وزير ال َعدْ ِل‬
‫ِ‬ ‫مستشارا لمعالي‬ ‫أيضا‪ :‬تعيينُ ُه‬ ‫ِ‬
‫األعمال ً‬ ‫ومن‬‫ِ‬
‫ً‬
‫محمد بن إبراهيم آل الشيخ‪ ،‬بتاريخ‪1398/3/15( :‬هـ)‪ ،‬وبعد‬ ‫َّ‬ ‫إبراهيم بن‬
‫ب اإلعفا َء والتقا ُعدَ المب ِّكر‪ ،‬فتح َّقق له ما‬ ‫مستشارا ط َل َ‬‫ً‬ ‫عملِ ِه‬ ‫ٍ ِ‬
‫فرتة وجيزة من َ‬
‫ٍ‬

‫نفس ِه مِن‬
‫يريد؛ وذلك بتاريخ‪1399/2/9( :‬هـ)؛ ألنه كان يريدُ إراح َة ِ‬
‫ِ‬
‫والعبادة‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫لكتابة البحوث‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والتفر َغ‬ ‫ِ‬
‫األعمال الرسم َّية‪،‬‬
‫ُّ‬
‫‪9‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫َ‬
‫االنتقال إلى م َّك َة‬ ‫ِ‬
‫حر َسها اهلل‪،‬‬ ‫المكرم َة َ‬
‫َّ‬ ‫قرر‬‫بعد التقا ُعد‪ :‬وبعد التقا ُعد َّ‬
‫ويحض ُر‬
‫ُ‬ ‫الخمس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصلوات‬ ‫الحر ِم المكي‪ ،‬وكان يص ِّلي فيه‬ ‫ِ‬
‫بجوار‬ ‫وس َك َن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫استعادة ِح ْفظِ ِه لكتاب اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والمحاضرات‪ ،‬وقد ساعَدَ ُه ذلك على‬ ‫َ‬ ‫الدروس‬
‫َ‬
‫الوالد حفظه اهلل أثنا َء إقامتِ ِه يف م َّك َة عناي ًة بكتاب اهلل؛‬ ‫ِ‬ ‫رأيت مِن‬‫ُ‬ ‫ولقد‬
‫جميع أعمال ِ ِه وتجاراتِه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وفهما وتد ُّب ًرا؛ حتى إنه َتر َك ألبنائِ ِه‬‫ً‬ ‫تالو ًة وحف ًظا‪،‬‬
‫الحر ِم المكي‪ ،‬حتى ال َيش َغ َل ُه شي ٌء عن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بجوار‬ ‫منذ ُر ُب ِع َق ْر ٍن تقري ًبا‪ ،‬وس َك َن‬
‫يه عن‬ ‫كل يو ٍم مرةً؛ ال ي ْثن ِ ِ‬ ‫القرآن يف ِّ‬‫َ‬ ‫ومدار َستِه‪ ،‬وكان وال يزال‪َ :‬يختِ ُم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫الصالة والقيا ِم‬‫ِ‬ ‫بخالف عباداتِ ِه األخرى مِن‬ ‫ِ‬ ‫ذلك إال الضرور ُة القاهرة؛ هذا‬
‫الحر ِم المكي‪.‬‬ ‫وس َ‬ ‫وحضور در ِ‬‫ِ‬ ‫والطواف‪،‬‬
‫مشغوال يف َّأو ِل‬
‫ً‬ ‫كثيرا بالتأليف؛ ألنه كان‬ ‫مؤ الفاتُه‪ :‬لم َيش َغ ِل الوالدُ َن ْف َس ُه ً‬
‫وغيرها مِن األعمال‪ ،‬وبعد التقا ُع ِد‬ ‫ِ‬ ‫والخ َط ِ‬
‫ابة‬ ‫َ‬ ‫بالوظائف الحكوم َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫حياتِ ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الح َّر ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغيرها‪،‬‬ ‫بالعبادة‪،‬‬ ‫والتجارة‪ ،‬مع االهتما ِم‬ ‫األعمال ُ‬ ‫بمجال‬ ‫ُشغ َل ً‬
‫كثيرا‬
‫ِ‬
‫المفيدة‪ ،‬والتي‬ ‫ِ‬
‫والكتابات‬ ‫ِ‬
‫بحوث‬ ‫ِ‬
‫بعض ال‬ ‫ِ‬
‫تدوين‬ ‫ومع ذلك‪ :‬لم َي ْغ ُف ْل عن‬
‫جم ْعناها يف المؤ َّلفات التالية‪:‬‬ ‫َ‬
‫َاب َر ِّب ال َب ِر َّي ِة‪.‬‬
‫الم ِّك َّي ِة فِي َت ْف ِس ِير كِت ِ‬
‫ات َ‬ ‫‪ -1‬النَّ َف َح ُ‬
‫ات ُمنْتقا ٌة مِ ْن ُد ُر ِ‬
‫وس‬ ‫الحر ِم ‪ -‬فوائِدُ وو َق َف ٌ‬ ‫َ‬ ‫سات مِن‬ ‫وس و َق َب ٌ‬ ‫‪ُ -2‬د ُر ٌ‬
‫الح َر ِم الم ِّك ِّي و َغ ْي ِر ِه‪.‬‬
‫اآليات القرآن َّية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫عليق على‬ ‫حات قرآن َّية ‪ -‬ت ٌ‬ ‫‪َ -3‬ن َف ٌ‬
‫اع ِد ِ‬ ‫ول وال َقو ِ‬ ‫ات الن َِّد َّية َع َلى َب ْع ِ‬ ‫‪ -4‬ال َّت ْعلِي َق ُ‬
‫الف ْق ِه َّية‪.‬‬ ‫ض األُ ُص ِ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ِّك َّي ُة ِم ْن َ‬
‫ين َحدي ًثا َن َب ِو ًّيا َصح ً‬
‫يحا‪.‬‬ ‫كَال ِم َخ ْي ِر ال َب ِر َّية‪َ ،‬ش ْر ُح َس ْبع َ‬ ‫‪ -5‬الت ُّْح َف ُة َ‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪10‬‬

‫الش ِ‬ ‫ض ُع َلم ِ‬ ‫ِ‬


‫او ِّي‪.‬‬ ‫اء َّ‬ ‫‪َ -6‬ت َراج ُم َب ْع ِ َ‬
‫‪ُ -7‬خ ْطب ُة ِ‬
‫المنْ َب ِر‪.‬‬
‫ِ‬
‫متنوع ٌة‪.‬‬‫ومقاالت ِّ‬
‫ٌ‬ ‫والربا‪،‬‬‫‪ -8‬رسالتان يف ال َقدَ ِر ِّ‬
‫الج َما َع ِة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السنَّة َو َ‬
‫ِ‬
‫‪ -9‬ال َق َضا ُء َوال َقدَ ُر عنْدَ َأ ْه ِل ُّ‬
‫ار ِ‬‫الم َص ِ‬
‫ف‪.‬‬ ‫اح ِر َبا َ‬ ‫ف َع َلى َم ْن َأ َب َ‬ ‫الو ِار ُ‬‫الر ُّد َ‬
‫‪َّ -10‬‬
‫ات ُم َتن َِّو َع ٌة‪.‬‬
‫ت َو َم ْو ُضو َع ٌ‬‫وف َدانِ َي ٌة ‪َ -‬م َق َاال ٌ‬
‫‪ُ -11‬ق ُط ٌ‬
‫الش ْع ِر َواألَ َد ِ‬ ‫ات مِن ُعي ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ون ِّ‬ ‫‪ -12‬ح َك ٌم ُم ْخت ََار ٌ ْ ُ‬
‫او ِّي ‪َ -‬ج َم َع ُه َو َر َّت َب ُه ا ْبنُ ُه‬ ‫الش ْيخِ ُم َح َّم ِد ْب ِن َصالِحٍ َّ‬
‫الش ِ‬ ‫‪َ -13‬أيام مِن حي ِ‬
‫اة َّ‬ ‫َّ ٌ ْ َ َ‬
‫الش ِ‬
‫اوي‪.‬‬ ‫َصال ِ ُح َّ‬
‫لوجه ِه الكريم‪ ،‬وأن‬ ‫ِ‬ ‫اهلل أن َيج َع َل هذه األعم َال خالص ًة‬ ‫هذا؛ ون َْس ُأل َ‬
‫الص َّح َة والعافية‪.‬‬ ‫َيح َف َظ الوالد‪ ،‬و ُي َ‬
‫ديم عليه ِّ‬

‫‪‬‬
‫‪11‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املقدمة‬
‫لق ِ‬
‫بعلمه‪ ،‬وقدّ ر‬ ‫خلق َ‬
‫الخ َ‬ ‫ِ‬
‫المبدئ المعيد‪ ،‬الف ّعال لما يريد‪َ ،‬‬ ‫الحمدُ هلل‬
‫ِ‬
‫يستقدمون‪ ،‬قدّ ر‬ ‫ِ‬
‫يستأخرون عنها ساع ًة وال‬ ‫وضرب لهم ً‬
‫آجاال‪ ،‬ال‬ ‫أقدارا‪،‬‬ ‫لهم‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫واألرض بخمسين ألف سنة‪ ،‬وكان‬
‫َ‬ ‫يخلق السموات‬
‫َ‬ ‫مقادير الخالئق قبل أن‬
‫َ‬
‫عرشه على الماء‪ ،‬علِم ما كان وما سيكون‪ّ ،‬‬
‫وكل شيء يجري بتقديره‬
‫ومشيئته‪ ،‬ﮋﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺﯻ ﯼﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂﰃﰄﰅ ﰆﰇ ﰈﮊ [لقمان‪.]34:‬‬
‫ِ‬
‫وأشكره على القضاء ُحل ِوه ِّ‬
‫ومره‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وشره‪،‬‬ ‫أحمدُ ه سبحانه على القدَ ر ِ‬
‫خيره ِّ‬
‫وأستعين به يف الشدة والرخاء‪ ،‬وأتوكل عليه فيما أجراه من القدر والقضاء‪.‬‬
‫اآليات الباهرة‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ُ‬ ‫وأشهد َّأال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له‬
‫حق‬ ‫محمدً ا عبده ورسوله وصف ّيه وخليله وخير ُته من خلقه‪َ ،‬‬
‫جاهد يف اهلل َّ‬ ‫نبينا ّ‬
‫جهاده‪ ،‬صلوات ر ّبي وسالمه عليه‪ ،‬وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم‬ ‫ِ‬
‫الربيع ِ‬
‫بزهره‪.‬‬ ‫بقطره‪ّ ،‬‬
‫وطل َّ‬ ‫بإحسان ما جا َد السحاب ِ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﮊ‬
‫[البقرة‪ ،]177:‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐﮊ [القمر‪.]49:‬‬
‫ان‪َ :‬أ ْن ت ُْؤ ِم َن باهلل‪َ ،‬و َمالَئِكَتِ ِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِل ِه‪،‬‬
‫يم ُ‬ ‫وقال ‪ِ « :‬‬
‫اإل َ‬
‫اآلخرِ‪َ ،‬وا ْل َقدَ ِر ُك ِّل ِه َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»(‪.)1‬‬
‫وا ْليو ِم ِ‬
‫َ َْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)50‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وأخرجه مسلم برقم (‪ ،)8‬عن عمر بن‬
‫الخطاب ‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪12‬‬

‫فدلت هذه النصوص من الكتاب والسنة أنه يجب على كل مسلم أن‬
‫يؤمن هبذه األركان الستة‪ ،‬وهي‪ :‬اإليمان باهلل‪ ،‬والمالئكة‪ ،‬والكتب السماوية‪،‬‬
‫والرسل واألنبياء‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقضاء خيره وشره‪.‬‬
‫وذكر اهلل تعالى ركن اإليمان بالقدر منفر ًدا عن األركان الخمسة‪ ،‬ألنه‬
‫فرع عن اإليمان باهلل وفرع معرفته‪ ،‬فمن عرف اهلل حق المعرفة‪ ،‬وعرف‬
‫صفاته من إرادة وقدرة وعلم ومشيئة وخلق آمن بالقدر ضرور ٌة‪ ،‬إال أن السنة‬
‫النبوية ذكرته مع بقية األركان‪ ،‬للداللة على أنه ركن أصيل من أركان‬
‫اإليمان‪ ،‬وليأخذ نفس األهمية التي لبقية األركان‪.‬‬
‫كما دلت نصوص الكتاب والسنة على كفر من أنكر هذه األركان‪ ،‬أو‬
‫أنكر ركنًا واحدً ا منها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗﮊ [النساء‪.]136:‬‬
‫ويف هذه الرسالة المختصرة سوف أتحدث عن الركن السادس من هذه‬
‫لوه و ُم ِّره‪ ،‬وعن َخ ْل ِق‬
‫األركان‪ ،‬وهو اإليمان بالقضاء والقدر خيره وشره ُح ِ‬
‫أفعال العباد‪ ،‬والكسب‪ ،‬والجرب‪ ،‬واالختيار‪ ،‬والمشيئة‪ ،‬وذلك ألهمية هذا‬
‫الركن الذي ضلت فيه طوائف كثيرة‪ ،‬وأخطأ فيه أناس كثيرون أفراد‬
‫وجماعات‪.‬‬
‫وقد نقلتها من عدد من مصنفات أهل العلم المعتربين من القدامى‬
‫والمعاصرين‪ ،‬وأكثر ما نقلت من مصنفات شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪‬؛‬
‫وأيضا نقلت‬
‫ً‬ ‫حيث إنه بحث هذا الموضوع يف مواضع كثيرة من مصنفاته‪،‬‬
‫عن تلميذه البار ابن قيم الجوزية ‪ ‬وغيرهم من العلماء‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وما قصدت من هذه الرسالة ً‬


‫أوال إال إزالة شوائب كانت تجول يف‬
‫نفسي‪ ،‬وبعد البحث والتحري ظهر لي الصواب‪ ،‬وهو ما عليه أهل السنة‬
‫وآخرا‪ ،‬وأسأل اهلل ‪ ‬أن ينفع هبا‬
‫ً‬ ‫والجماعة‪ ،‬وهلل الحمد والمنة ً‬
‫أوال‬
‫غيري‪.‬‬
‫خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ينفع به‬
‫ً‬ ‫أسأل اهلل تعالى أن يجعل هذا العمل‬
‫خيرا كل من سعى واجتهد يف‬
‫من قرأه‪ ،‬وأن يكتبه يف ميزان عملي‪ ،‬وأن يجزي ً‬
‫إخراجه وتصحيحه وطبعه ونشره وتوزيعه‪ ،‬إنه سميع مجيب‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وصل اهلل وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫ي‬
‫او ُّ‬ ‫َقا َل ُه َو َك َت َب ُه‪ُ :‬م َح امدُ ْب ُن َصالِحِ ْب ِن َع ْب ِد اهلل ِ ا‬
‫الش ِ‬

‫غفر اهلل له ولوالديه وللمسلمين‬


‫يف‪1406/2/15 :‬هـ‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪14‬‬
‫‪15‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫تعريف القضاء والقدر‬


‫تعريف القضاء‪:‬‬
‫القضاء لغة‪ :‬كما قال ابن فارس يف مادة (قضى)‪ :‬القاف‪ ،‬والضاد‪،‬‬
‫والحرف المعتل؛ أصل صحيح يدل على إحكام أمر‪ ،‬وإتقانه‪ ،‬وإنفاذه‬
‫لجهته‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋﭑﭒﭓ ﭔﭕﮊ [فصلت‪.]12:‬‬
‫والقضاء‪ :‬هو الحكم‪ ،‬والصنع‪ ،‬والحتم‪ ،‬والبيان‪ ،‬وأصله القطع‪ ،‬والفصل‪،‬‬
‫وقضاء الشيء‪ ،‬وإحكامه‪ ،‬وإمضاؤه‪ ،‬والفراغ منه؛ فيكون بمعنى الخلق(‪.)1‬‬
‫علمه‪ ،‬واقتضته‬
‫ويف اَّلصطالح‪ :‬تقدير اهلل للكائنات حسبما سبق به ُ‬
‫حكمته(‪.)2‬‬
‫تعريف القدر‪:‬‬
‫أحطت بمقداره‪ ،‬فهو‬
‫ُ‬ ‫ت الشيء أ ْقدُ ره َقدْ ًرا؛ أي‪:‬‬
‫القدَ ر لغة‪ :‬مصدر قدَ ر ُ‬
‫بمقادير األمور‪.‬‬
‫اإلحاطة َ‬
‫ويف اَّلصطالح‪ :‬هو علم اهلل تعالى باألشياء وكِتابته لها قبل كوهنا‪ ،‬على‬
‫لمه‪ ،‬وكتابته بمشيئته وخلقه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ما هي عليه‪ ،‬ووجودها على ما س َبق به ع ُ‬
‫وعليه فكل مِن القضاء والقدر يأيت بمعنى اآلخر؛ فمعاين القضاء تؤول‬
‫إلى إحكام الشيء‪ ،‬وإتقانه‪ ،‬ونحو ذلك من معاين القضاء‪ ،‬ومعاين القدر تدور‬
‫حول ذلك‪ ،‬وتعود إلى التقدير‪ ،‬والحكم‪ ،‬والخلق‪ ،‬والحتم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تأويل مشكل القرآن البن قتيبة (ص‪.)442-441‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رسائل يف العقيدة البن عثيمين (ص‪.)37‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪16‬‬

‫الفرق بني القضاء والقدر‬

‫هذه المسألة اختلف فيها العلماء‪ ،‬فذهب بعضهم إلى أن القضاء سابق‬
‫على القدر‪ ،‬فالقضاء‪ :‬هو ما َعلِ َم ُه اهلل وحكم به يف األزل‪ ،‬والقدر‪ :‬هو وجود‬
‫المخلوقات موافقة لهذا العلم والحكم‪.‬‬
‫ِ‬
‫اإلجمال يف‬ ‫ِ‬
‫بالكليات على سبي ِل‬ ‫الحكم‬ ‫قال ابن حجر(‪( :)1‬القضا ُء‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكليات على سبي ِل‬ ‫َ‬
‫لتلك‬ ‫ِ‬
‫الجزئيات التي‬ ‫الحكم بوقو ِع‬ ‫والقدر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األزل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫التفصي ِل)‪.‬‬
‫البدر العيني(‪ُ ( :)2‬‬
‫الفرق َبين ال َق َضاء َوالقدر؟‬ ‫وقال ُ‬
‫الذي حكم اهلل بِ ِه فِي‬‫الك ِّلي اإلجمالي ِ‬ ‫عبارة َعن األَمر ُ‬
‫قلت‪ :‬ال َق َضاء‪َ :‬‬
‫الم ْجمل التِي‬ ‫ِ‬
‫الك ِّلي‪ ،‬ومفصالت َذلك ُ‬ ‫عبارة َعن جزئيات َذلِك ُ‬ ‫األَ َزل‪َ ،‬والقدر‪َ :‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حكم اهلل بوقوعها َواحدً ا بعد َواحد في اإلن َْزال‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬و ُه َو ُ‬
‫الم َراد بقوله تعالى‪:‬‬
‫ﱣﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱢ [الحجر‪.)]21:‬‬
‫وقال الجرجان(‪( :)3‬القدر‪ :‬خروج الممكنات من العدم إلى الوجود‪،‬‬
‫واحدً ا بعد واحد‪ ،‬مطاب ًقا للقضاء‪ ،‬والقضاء يف األزل‪ ،‬والقدر فيما ال يزال‪،‬‬
‫والفرق بين القدر والقضاء‪ :‬هو أن القضاء‪ :‬وجود جميع الموجودات يف اللوح‬
‫المحفوظ مجتمعة‪ ،‬والقدر‪ :‬وجودها متفرقة يف األعيان بعد حصول شرائطها)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪ ،)149/11‬وشرح مصابيح السنة البن الملك (‪.)23/1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬عمدة القاري للعيني (‪.)259/21‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التعريفات للجرجاين (ص‪.)174‬‬
‫‪17‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫القدر‪ُ :‬ه َو وجود‬‫َ‬ ‫ويوافق هؤالء أبو هالل العسكري حيث يقول(‪( :)1‬إن‬
‫الحاجة إِ َل ْي َها‪ ،‬والكفاية لما فعلت من أجله‪َ ،‬ويجوز َأن‬ ‫ِ‬
‫األَ ْف َعال على م ْقدَ ار َ‬
‫الم َراد َع َل ْي ِه‪ ،‬والمقدر الموجد َل ُه‬ ‫ِ‬
‫الو ْجه ا َّلذي أر ْدت إِي َقاع ُ‬‫يكون القدر‪ُ :‬ه َو َ‬
‫ِ‬
‫على َذلك َ‬
‫الو ْجه‪.‬‬
‫اعل‪َ ،‬و َح ِقي َقة‬
‫الفعل على مِ ْقدَ ار ما أراده ال َف ِ‬ ‫ِ‬
‫َوقيل‪ :‬أصل القدر ُه َو‪ :‬وجود ْ‬
‫المصلحة‪َ ،‬وال َق َضاء‪ُ :‬ه َو فصل‬
‫َ‬ ‫وجودها على مِ ْقدَ ار‬
‫َ‬ ‫َذلِك فِي َأف َعال اهلل َت َعا َلى‬
‫األَمر على التَّمام)‪.‬‬
‫ورأى فريق آخر من‪ ،‬العلماء خالف هذا القول؛ فجعلوا القدر ساب ًقا‬
‫على القضاء‪ ،‬فالقدر هو الحكم السابق األزلي‪ ،‬والقضاء هو الخلق‪.‬‬
‫قال الراغب األصفهان(‪( :)2‬والقضاء من اهلل تعالى أخص من القدر؛‬
‫ألنه الفصل بين التقدير‪ ،‬فالقدر هو التقدير‪ ،‬والقضاء هو الفصل والقطع‪.‬‬
‫الم َعدِّ للكيل‪ ،‬والقضاء بمنزلة‬
‫وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة ُ‬
‫الكيل‪ ،‬ويشهد لذلك قوله تعالى‪ :‬ﱣﲧ ﲨ ﲩﱢ [مريم‪ ،]21:‬وقوله‪:‬‬
‫ﱣﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﱢ [مريم‪ ،]71:‬وقوله‪ :‬ﱣﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬
‫تنبيها أنه صار بحيث ال يمكن تالفيه)‪.‬‬
‫ﲟﱢ [يوسف‪ ،]41:‬أي‪ :‬فصل‪ً ،‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬إنه َّل فرق بينهما؛ فالقضاء هو القدر والقدر هو القضاء‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد العزيز ابن باز(‪( :)3‬القضاء هو القدر‪ ،‬والقدر هو القضاء‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفروق‪ ،‬أبو هالل العسكري (‪.)191/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المفردات لألصفهاين (ص‪.)675‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬فتاوى نور على الدرب البن باز (‪.)291/4‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪18‬‬

‫ومعناهما واحد‪ ،‬وهو الشيء الذي قضاه اهلل ساب ًقا وقدره ساب ًقا‪ ،‬يقال لهذا‪:‬‬
‫قضاء‪ ،‬ولهذا‪ :‬قدر‪ ،‬يعني‪ :‬ما سبق يف علم اهلل أنه قدره من موت وحياة‪ ،‬وعز‬
‫قدرا)‪.‬‬
‫وذل‪ ،‬وأمن وخوف‪ ،‬كله وغيره يسمى قضاء‪ ،‬ويسمى ً‬
‫وذكر الشيخ ابن عثيمين ‪ ‬أهنما مرتادفان يدل أحدهما على اآلخر‬
‫إذا افرتقا‪ ،‬وأما إذا اجتمعا‪ ،‬تفرد كل منهما بمعنى مغاير لآلخر‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن عثيمين(‪( :)1‬القضاء هو‪ :‬القدر إذا ذكر وحده‪ ،‬والقدر‬
‫هو‪ :‬القضاء إذا ذكر وحده؛ فإن اجتمعا وقيل‪ :‬القضاء والقدر؛ صار القضاء ما‬
‫يقضي به اهلل ‪ ‬من أفعاله أو أفعال الخلق‪ ،‬والقدر ما كتبه يف األزل‪ ،‬وكتبه‬
‫يف اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫وهذا كثير يف اللغة العربية؛ أن تكون الكلمة لها معنى عام عند االنفراد‪،‬‬
‫ومعنى خاص عند االقرتان‪ ،‬وذلك أن المقدور سبقه تقدير يف األزل‪ ،‬أي‪:‬‬
‫فعال‪.‬‬
‫كتابة‪ ،‬بأنه سيقع‪ ،‬وقضاء من اهلل تعالى بوقوعه ً‬
‫وإن شئت فقل‪ :‬الكتابة قدر‪ ،‬والمشيئة قضاء؛ فاهلل تعالى كتب الشيء يف‬
‫اللوح المحفوظ‪ ،‬ثم يشاؤه سبحانه يف الوقت الذي اقتضت حكمته إيجاده‬
‫فيه‪ ،‬فالثاين قضاء واألول قدر‪ ،‬فصارت هاتان الكلمتان‪ ،‬إن انفردت إحداهما‬
‫عن األخرى شملت معنى األخرى‪ ،‬وإن اجتمعتا صار لكل واحدة من‬
‫الكلمتين معنى)‪.‬‬
‫وبعد أن ذكر الخطابي معنى الكلمتين أشار إلى أهنما ال ينفكان عن‬

‫(‪ )1‬مادة صوتية للشيخ ابن عثيمين ‪ ‬على اليوتيوب‪ ،‬الرابط‪:‬‬


‫‪https://www.youtube.com/watch?v=OuKYKCRiDLM‬‬
‫‪19‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫مقدرا عن فعل القادر‪ ،‬كما‬


‫ً‬ ‫بعضهما البعض فقال(‪( :)1‬والقدر اسم لما صدر‬
‫الهدم والقبض والنشر أسماء لما صدر عن فعل الهادم والقابض والناشر‪،‬‬
‫رت الشيء‪ ،‬وقدَّ رت‪ ،‬خفيفة وثقيلة؛ بمعنى واحد‪.‬‬
‫يقال‪ :‬قدَ َ‬
‫والقضاء يف هذا معناه الخلق‪ ،‬كقوله ‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱅﱢ [فصلت‪ ،]12:‬أي‪ :‬خل َقهن‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فقد بقي عليهم من وراء علم اهلل فيهم أفعا ُلهم‬
‫وإكساهبم ومباشرهتم تلك األمور‪ ،‬ومالبستهم إياها عن قصد وتعمد‪،‬‬
‫وتقديم إرادة واختيار‪ ،‬فالحجة إنما تلزمهم هبا والالئمة تلحقهم عليها‪.‬‬
‫وجماع القول يف هذا الباب‪ :‬أهنما أمران ال ينفك أحدهما عن اآلخر‪،‬‬
‫ألن أحدهما بمنزلة األساس‪ ،‬واآلخر بمنزلة البناء‪ ،‬فمن رام الفصل بينهما‬
‫ونقضه)‪.‬‬
‫َ‬ ‫فقد رام هدم البناء‬
‫فالذي يهم اإلنسان يف ذلك وجوب اإليمان بالقضاء والقدر؛ سواء كان‬
‫القضاء ساب ًقا أو كان القدر هو السابق‪ ،‬فالخالف يف ذلك غير مؤثر‪ ،‬فهما كما قال‬
‫الخطابي‪( :‬أمران ال ينفك أحدهما عن اآلخر‪ ،‬ألن أحدهما بمنزلة األساس‪،‬‬
‫ونقضه)‪.‬‬
‫هدم البناء َ‬
‫واآلخر بمنزلة البناء‪ ،‬فمن رام الفصل بينهما فقد رام َ‬
‫أيضا‪ :‬أن العبد مسؤول عن أفعاله؛ ألن القضاء والقدر متعلق بالعلم‬
‫وذكر ً‬
‫ً‬
‫مسؤوال عن أفعاله وأقواله وتصرفاته‪.‬‬ ‫والمشيئة‪ ،‬وهذا ال ينايف كون العبد‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬معالم السنن للخطابي (‪.)323/4‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪20‬‬

‫حكم اإلميان بالقضاء والقدر وأدلة وجوبه‬

‫أوالً‪ :‬حكم اإلميان بالقضاء والقدر‪:‬‬


‫اإليمان بالقدر ركن من أركان اإليمان الستة التي وردت يف حديث‬
‫جربيل الطويل‪ ،‬فقال‪« :‬وأن ت ُْؤ ِم َن بال َقدَ ِر‪َ :‬خيرِ ِه‪َ ،‬و َش ِّر ِه»(‪.)1‬‬
‫قال البغوي(‪( :)2‬اإليمان بالقدر ٌ‬
‫فرض الزم‪ ،‬وهو‪ :‬أن يعتقد أن اهلل‬
‫وشرها‪ ،‬كتبها عليهم يف اللوح المحفوظ‬
‫خيرها َّ‬
‫تعالى خالق أعمال العباد‪َ ،‬‬
‫قبل أن يخلقهم‪ ،‬قال اهلل ‪ :‬ﱣﲤ ﲥ ﲦ ﲧﱢ [الصافات‪،]96:‬‬
‫وقال اهلل ‪ :‬ﱣﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﱢ [الرعد‪ ،]16:‬وقال ‪ :‬ﱣﳛ ﳜ ﳝ‬
‫ﳞﳟﱢ [القمر‪.]49:‬‬
‫فاإليمان والكفر‪ ،‬والطاعة والمعصية‪ ،‬كلها بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬وإرادته‬
‫ومشيئته‪ ،‬غير أنه يرضى اإليمان والطاعة‪ ،‬ووعد عليهما الثواب‪ ،‬وال يرضى‬
‫الكفر والمعصية‪ ،‬وأوعد عليهما العقاب‪ ،‬قال اهلل ‪ :‬ﱣﱩ ﱪ‬

‫ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰﱢ [إبراهيم‪ ،]27:‬وقال اهلل ‪ :‬ﱣﱱ ﱲ ﱳ‬

‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱢ [البقرة‪ ،]253:‬ﱣﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱢ‬


‫[الحج‪ ،]18:‬وقال ‪ :‬ﱣﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱢ‬
‫[األنعام‪.]125:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)4777-50‬ومسلم برقم (‪ ،)9‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وأخرجه مسلم‬
‫برقم (‪ ،)1‬عن عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬شرح السنة للبغوي (‪.)142/1‬‬
‫‪21‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫قال ابن عباس‪ :‬الحرج‪ :‬موضع الشجر الملتف ال تصل الراعية إليه(‪،)1‬‬
‫حرج وحرج‪.‬‬
‫ضيق ٌ‬‫وكل ٍ‬
‫فقلب الكافر ال يصل إليه الحكمة‪ُّ ،‬‬

‫وقال اهلل ‪ :‬ﱣﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱢ [البقرة‪ ،]7:‬أي‪ :‬طبع عليها‪،‬‬


‫فال تعقل وال تعي خ ًيرا‪ ،‬ومعنى الختم‪ :‬التغطية على الشيء‪ ،‬واالستيثاق منه‬
‫حتى ال يدخله شيء‪.‬‬
‫وقال جل ذكره‪ :‬ﱣﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬
‫ﲤ ﲥﱢ [اإلسراء‪ ،]45:‬قيل‪ :‬المستور ههنا بمعنى الساتر‪ ،‬والحجاب‪:‬‬
‫الطبع‪.‬‬
‫وقال اهلل ‪ :‬ﱣﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱢ [الزمر‪ ،]7:‬قال ‪:‬‬
‫فالعبد له كسب‪ ،‬وكس ُبه مخلوق يخلقه اهلل حالة ما يكسب‪.‬‬
‫مرسال‪ ،‬ال‬
‫ً‬ ‫والقدر سر من أسرار اهلل لم يطلع عليه مل ًكا مقر ًبا‪ ،‬وال نب ًّيا‬
‫يجوز الخوض فيه‪ ،‬والبحث عنه بطريق العقل؛ بل يعتقد أن اهلل ‪‬‬
‫فضال‪ ،‬وأهل شمال‬
‫ً‬ ‫خلق الخلق‪ ،‬فجعلهم فريقين‪ :‬أهل يمين خلقهم للنعيم‬
‫خلقهم للجحيم ً‬
‫عدال‪.‬‬
‫قال اهلل ‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱢ [األعراف‪،]179:‬‬
‫وقال اهلل ‪ :‬ﱣﳆﳇﳈﳉﳊﱢ [األعراف‪ ،]37:‬قال سعيد‬
‫بن جبير‪ :‬ما قدر لهم من الخير والشر‪ ،‬ومن الشقوة والسعادة(‪.)2‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير الطربي (‪ ،)544/9‬وتفسير ابن كثير (‪.)336/3‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬تفسير الطربي (‪ ،)169/10‬والتمهيد البن عبد الرب (‪.)139/3‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪22‬‬

‫وقال اهلل تعالى‪ :‬ﱣﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱢ [الصافات‪ ،]162:‬قال مجاهد‪:‬‬


‫بمضلين(‪ ،)1‬ﱣﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷﱢ [الصافات‪ ،]163:‬إال من كتب اهلل أنه يصلى‬
‫الجحيم‪.‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪ :‬ﱣﳃ ﳄ ﳅﱢ [األعراف‪ ،]29:‬قال سعيد بن‬
‫(‪)2‬‬
‫ﱣﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﱢ‬ ‫جبير‪ :‬كما كتب عليكم تكونون‬
‫[األعراف‪.]30:‬‬
‫وقال ‪ :‬ﱣﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﱢ [اإلنسان‪.]3:‬‬
‫وقيل يف قوله ‪ :‬ﱣﲛ ﲜﱢ [البلد‪ ،]10:‬أي‪ :‬طريق‬
‫الخير‪ ،‬وطريق الشر‪.‬‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز‪ :‬لو أراد اهلل َّأال يعصى لم يخلق إبليس(‪،)3‬‬
‫ويروى هذا مرفو ًعا(‪.)4‬‬
‫وقال اهلل ‪ :‬ﱣﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢ [السجدة‪.]13:‬‬
‫فنسأل اهلل التوفيق لطيب المكتسب‪ ،‬ونعوذ به من سوء المنقلب‬
‫بفضله)‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير الطربي (‪ ،)647/19‬وفتح الباري البن حجر (‪.)515/11‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬تفسير الطربي (‪ ،)144/10‬وتفسير ابن أبي حاتم (‪.)1463/5‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬تفسير عبد الرزاق (‪ ،)106/3‬وتفسير مكي (‪ ،)6175/9‬والقدر للفريابي برقم (‪،)313‬‬
‫واالعتقاد للبيهقي (ص‪.)158‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه الطرباين يف األوسط برقم (‪ ،)2648‬وال يصح إسناده‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وقد َّ‬
‫دل القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين والفطرة‬
‫والعقل على وجوب اإليمان بالقدر‪ ،‬وأن من أنكر اإليمان بالقدر فقد كفر‬
‫باهلل تعالى‪ ،‬وخرج من ملة اإلسالم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪24‬‬

‫ثانيًا‪ :‬األدلة على وجوب اإلميان بالقضاء والقدر‪:‬‬


‫‪ -1‬األدلة من القرآن الكريم‪:‬‬
‫اآلية األولى‪ :‬قول اهلل تعالى‪ :‬ﱣﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱅﱆﱢ [القمر‪.]50-49:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪( :‬وقوله‪ :‬ﱣﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟﱢ‪ ،‬كقوله‪ :‬ﱣﲻ‬ ‫قال ابن كثير‬
‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱢ [الفرقان‪ ]2:‬وكقوله‪ :‬ﱣﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬
‫قدرا‪ ،‬وهدى الخالئق إليه‪.‬‬
‫ﲖﲗﲘﲙﲚﱢ [األعلى‪ ،]3-1:‬أي‪ :‬قدَّ ر ً‬
‫ولهذا َي ُّ‬
‫ستدل هبذه اآلية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر اهلل السابق‬
‫لخلقه‪ ،‬وهو علمه األشياء قبل كوهنا‪ ،‬وكتابته لها قبل برئها‪ ،‬وردوا هبذه اآلية‬
‫وبما شاكلها من اآليات‪ ،‬وما ورد يف معناها من األحاديث الثابتات على‬
‫الفرقة القدرية الذين نبغوا يف أواخر عصر الصحابة)‪.‬‬
‫ثم ذكر ‪ ،)2( ‬األحاديث المتعلقة هبذه اآلية الكريمة‪ :‬منها‪ :‬ما رواه‬
‫مسلم (‪ )3‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬جاء مشركو قريش إلى النبي ‪‬‬
‫يخاصمونه يف القدر‪ ،‬فنزلت‪ :‬ﱣﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ‬

‫ﳜﳝﳞﳟﱢ [القمر‪.]49-48:‬‬
‫ينزع من زمزم‪ ،‬وقد‬
‫وعن عطاء بن أبي رباح‪ ،‬قال‪ :‬أتيت ابن عباس وهو ُ‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير ابن كثير (‪.)482/7‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬تفسير ابن كثير (‪.)486/7‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2656‬‬
‫‪25‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫أسافل ثيابه‪ ،‬فقلت له‪ :‬قد ُت ُك ِّلم يف القدر‪ ،‬فقال‪ :‬أو قد فعلوها؟ قلت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ابت َّلت‬
‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل ما نزلت هذه اآلية إال فيهم‪ :‬ﱣﳗﳘﳙﳚﳛﳜﳝﳞ‬

‫ﳟﱢ‪ ،‬أولئك شرار هذه األمة‪ ،‬فال تعودوا مرضاهم‪ ،‬وال تصلوا على‬
‫موتاهم‪ ،‬إن رأيت أحدً ا منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين(‪.)1‬‬
‫وعن الوليد بن عبادة‪ ،‬حدثني أبي قال‪ :‬دخلت على عبادة وهو مريض‬
‫أتخايل فيه الموت‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬أوصني واجتهد لي‪ ،‬فقال‪ :‬أجلسوين‪،‬‬
‫لما تطعم طعم اإليمان‪ ،‬ولم تبلغ حق حقيقة‬
‫فلما أجلسوه قال‪ :‬يا بني‪ ،‬إنك َّ‬
‫العلم باهلل‪ ،‬حتى تؤمن بالقدر خيره وشره‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬وكيف لي أن أعلم‬
‫ما خير القدر وشره؟ قال‪ :‬تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك‪ ،‬وما أصابك‬
‫لم يكن ليخطئك‪ ،‬يا بني‪ ،‬إين سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬إن أول‬
‫ما خلق اهلل القلم‪ ،‬ثم قال له‪ :‬اكتب‪ ،‬فجرى يف تلك الساعة بما هو كائن إلى‬
‫يوم القيامة»‪ ،‬يا بني‪ ،‬إن مت ولست على ذلك دخلت النار(‪.)2‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃﱄﱅﱆﱢ‪ ،‬وهو إخبار عن نفوذ مشيئته‬
‫يف خلقه‪ ،‬كما أخرب بنفوذ قدره فيهم‪ ،‬فقال‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ٍ‬
‫بثانية‪،‬‬ ‫ﱆﱢ‪ ،‬أي‪ :‬إنما نأمر بالشيء مر ًة واحدة‪ ،‬ال نحتاج إلى تأكيد‬

‫)‪ (1‬أخرجه الاللكائي يف شرح أصول االعتقاد برقم (‪ ،)948‬والبيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪،)406‬‬
‫ويف السنن الكربى برقم (‪.)20880‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه أحمد يف المسند (‪ ،)317/5‬رقم (‪ ،)22705‬وأبو داود برقم (‪ ،)4700‬والرتمذي برقم‬
‫(‪ )2156‬بلفظ مقارب‪ ،‬والطرباين يف مسند الشاميين برقم (‪ .)1949‬وصححه األلباين يف صحيح‬
‫الجامع برقم (‪.)2017‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪26‬‬

‫فيكون ذلك الذي نأمر به حاص ًال موجو ًدا كلمح البصر‪ ،‬ال يتأخر طرفة عين‪،‬‬
‫وما أحسن ما قال بعض الشعراء‪:‬‬
‫يقــــول لــــه‪ :‬كــــن قولــ ـ ًة فيكــــون)‪.‬‬ ‫أمــــــــرا فإنمــــــــا‬
‫ً‬ ‫إذا مــــــــا أراد اهلل‬
‫وقال القرطبي(‪( :)1‬الذي عليه أهل السنة أن اهلل سبحانه قدَّ ر األشياء‪،‬‬
‫مقاديرها وأحوا َلها وأزما َنها قبل إيجادها‪ ،‬ثم أوجد منها ما سبق يف‬
‫َ‬ ‫أي‪ :‬علم‬
‫علمه أنه يوجده على نحو ما سبق يف علمه‪ ،‬فال يحدث حدث يف العالم‬
‫صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫العلوي والسفلي إال وهو‬
‫وأن الخلق ليس لهم فيها إال نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة‪ ،‬وأن ذلك‬
‫كله إنما حصل لهم بتيسير اهلل تعالى‪ ،‬وبقدرته وتوفيقه وإلهامه‪ ،‬سبحانه ال إله‬
‫إال هو‪ ،‬وال خالق غيره‪ ،‬كما نص عليه القرآن والسنة‪ ،‬ال كما قالت القدرية‬
‫وغيرهم من أن األعمال إلينا واآلجال بيد غيرنا)‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير القرطبي (‪.)148/17‬‬


‫‪27‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫اآلية الثانية‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﱣﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﱢ [األحزاب‪ ،]38:‬أي‪:‬‬


‫وكان أمر اهلل قضاء مقض ًّيا كائنًا ماض ًيا جار ًيا على تقدير وحكمة(‪.)1‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬يف قوله‪ :‬ﱣﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﱢ‬ ‫قال الطربي(‪( :)2‬قال ابن زيد‬
‫[األحزاب‪ :]38:‬إن اهلل كان علمه معه قبل أن يخلق األشياء كلها‪ ،‬فأتمه يف ِ‬
‫علمه‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫أن يخلق خل ًقا‪ ،‬ويأمرهم وينهاهم‪ ،‬ويجعل ثوا ًبا ألهل طاعته‪ ،‬وعقا ًبا ألهل‬
‫فسماه‬
‫معصيته؛ فلما ائتمر ذلك األمر قدَّ ره‪ ،‬فلما قدَّ ره كتب وغاب عليه‪َّ ،‬‬
‫الغيب وأ َّم الكتاب‪ ،‬وخلق الخلق على ذلك الكتاب؛ أرزاقهم‪ ،‬وآجالهم‪،‬‬
‫وأعمالهم‪ ،‬وما يصيبهم من األشياء من الرخاء والشدة‪ ،‬من الكتاب الذي‬
‫كتبه أنه يصيبهم؛ وقرأ‪ :‬ﱣﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬
‫ﳐﱢ [األعراف‪.]37:‬‬
‫وأمر اهلل الذي ائتمر قدَّ ره حين قدَّ ره ُم َقدَّ ر‪ ،‬فال يكون إال ما يف ذلك‪ ،‬وما‬
‫ُ‬
‫أمرا ثم قدَّ ره‪ ،‬ثم خلق عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يف ذلك الكتاب‪ ،‬ويف ذلك التقدير‪ ،‬ائتمر ً‬
‫الخلق ﱣﲤ ﲥﱢ‬
‫َ‬ ‫كان أمر اهلل الذي مضى و ُفرغ منه‪ ،‬وخلق عليه‬
‫أمرا يرضاه من عباده يف‬
‫أمره وقدَ َره‪ ،‬وشاء ً‬
‫أمرا ل ُيمضي به َ‬
‫[األحزاب‪ ،]38:‬شاء ً‬
‫طاعته؛ فلما أن كان الذي شاء من طاعته لعباده رض َيه لهم‪ ،‬ولما أن كان الذي‬
‫وقدره‪ ،‬وقرأ‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬
‫ُ‬ ‫أمره وتدبيره‬
‫شاء أراد أن ينفذ فيه ُ‬
‫ﱇﱢ [األعراف‪.]179 :‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير البغوي (‪ ،)358/6‬وإيجاز البيان عن معاين القرآن (‪.)673/2‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬تفسير الطربي (‪.)118/19‬‬
‫)‪ (3‬أثر ابن زيد هذا من أجمع النصوص الواردة عن السلف يف إثبات القدر وخلق أفعال العباد‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪28‬‬

‫فشاء أن يكون هؤالء من أهل النار‪ ،‬وشاء أن تكون أعمالهم أعمال أهل‬
‫النار‪ ،‬فقال‪ :‬ﱣﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﱢ [األنعام‪ ،]108:‬وقال‪ :‬ﱣﭐ ﲬ ﲭ‬

‫ﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵ‬
‫ﲶ ﲷﱢ [األنعام‪]137:‬؛ هذه أعمال أهل النار ﱣﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﱢ‬
‫إلى‬ ‫ﱣﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱢ [األنعام‪]112:‬‬ ‫[األنعام‪ ]137:‬قال‪:‬‬
‫قوله‪ :‬ﱣﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱢ [األنعام‪ ]112:‬وقرأ‪ :‬ﱣﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫أن‬ ‫[األنعام‪]111-109:‬‬ ‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‪...‬ﱢ إلى‪:‬‬
‫ُ‬
‫الفعال لما‬ ‫يؤمنوا بذلك‪ ،‬قال‪ :‬فأخرجوه من اسمه الذي تسمى به‪ ،‬قال‪ :‬هو‬
‫يريد‪ ،‬فزعموا أنه ما أراد)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪29‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫اآلية الثالثة‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﮋﮇﮈ ﮉﮊﮋﮊ [األنفال‪.]42:‬‬


‫مقدرا يف األزل‪ ،‬ال بد من وقوعه)‪.‬‬
‫ً‬ ‫قال السعدي(‪( :)1‬أي‪:‬‬
‫*****‬
‫اآلية الرابعة‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﮋﮝﮞﮟﮠﮊ [النساء‪.]47:‬‬
‫قال الطربي(‪( :)2‬وأما قوله‪ :‬ﱣﲍ ﲎ ﲏﲐﱢ [النساء‪]47 :‬؛ فإنه يعني‪:‬‬
‫وكان جميع ما أمر اهلل أن يكون كائنًا مخلو ًقا موجو ًدا‪ ،‬ال يمتنع عليه خلق‬
‫شيء شاء خل َقه‪.‬‬
‫واألمر يف هذا الموضع‪ :‬المأمور ُس ِّمي أمر اهلل؛ ألنه عن أمره كان‬
‫ً‬
‫مفعوال)‪.‬‬ ‫وبأمره‪ ،‬والمعنى‪ :‬وكان ما أمر اهلل‬
‫ً‬
‫مفعوال‪ ،‬أي كائنًا كان ال‬ ‫أيضا‪( :‬يقول‪ :‬وكان ما قضى اهلل من قضاء‬
‫وقال ً‬
‫محالة)(‪.)3‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير السعدي (ص‪.)321‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬تفسير الطربي (‪.)121/7‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬المصدر السابق (‪.)118/19‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪30‬‬

‫اآلية الخامسة‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﮋﭞ ﭟ ﭠﭡﭢ ﭣﭤﮊ [التغابن‪.]11:‬‬

‫قال ابن عباس‪( :‬أي‪ :‬بأمر اهلل‪ ،‬يعني‪ :‬عن قدره ومشيئته)‪.‬‬
‫قال السعدي(‪( :)1‬هذا عام لجميع المصائب‪ ،‬يف النفس‪ ،‬والمال‪ ،‬والولد‪،‬‬
‫واألحباب‪ ،‬ونحوهم‪ ،‬فجميع ما أصاب العباد‪ ،‬فبقضاء اهلل وقدره‪ ،‬قد سبق‬
‫بذلك علم اهلل تعالى‪ ،‬وجرى به قلمه‪ ،‬ونفذت به مشيئته‪ ،‬واقتضته حكمته‪،‬‬
‫والشأن كل الشأن‪ ،‬هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه يف هذا المقام‪ ،‬أم ال يقوم‬
‫هبا؟ فإن قام هبا‪ ،‬فله الثواب الجزيل‪ ،‬واألجر الجميل‪ ،‬يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫فإذا آمن أهنا من عند اهلل‪ ،‬فرضي بذلك‪ ،‬وس َّلم ألمره‪ ،‬هدى اهلل قلبه‪،‬‬
‫فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب‪ ،‬كما يجري لمن لم يهد اهلل قلبه؛ بل يرزقه‬
‫ثواب عاجل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الثبات عند ورودها والقيام بموجب الصرب‪ ،‬فيحصل له بذلك‬
‫مع ما يدخر اهلل له يوم الجزاء من الثواب‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﳡ ﳢ ﳣ‬

‫ﳤﳥﳦﱢ [الزمر‪.]10:‬‬
‫و ُعلم من هذا‪ :‬أن من لم يؤمن باهلل عند ورود المصائب‪ ،‬بأن لم يلحظ‬
‫قضاء اهلل وقدره؛ بل وقف مع مجرد األسباب‪ ،‬أنه ُيخذل‪ ،‬ويكله اهلل إلى‬
‫نفسه‪ ،‬وإذا وكل العبد إلى نفسه‪ ،‬فالنفس ليس عندها إال الجزع والهلع الذي‬
‫هو عقوبة عاجلة على العبد‪ ،‬قبل عقوبة اآلخرة‪ ،‬على ما فرط يف واجب‬
‫الصرب‪ .‬هذا ما يتعلق بقوله‪ :‬ﱣﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱢ [التغابن‪ ]11:‬يف مقام‬
‫المصائب الخاص‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير السعدي (ص‪.)867‬‬


‫‪31‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وأما ما يتعلق هبا من حيث العموم اللفظي‪ ،‬فإن اهلل أخرب أن كل من آمن‬
‫أي‪ :‬اإليمان المأمور به‪ ،‬من اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‬
‫والقدر خيره وشره‪ ،‬وصدق إيمانه بما يقتضيه اإليمان من القيام بلوازمه‬
‫وواجباته‪ ،‬أن هذا السبب الذي قام به العبد أكرب سبب لهداية اهلل له يف أحواله‬
‫وأقواله‪ ،‬وأفعاله ويف علمه وعمله‪.‬‬
‫وهذا أفضل جزاء يعطيه اهلل ألهل اإليمان‪ ،‬كما قال تعالى يف األخبار‪ :‬أن‬
‫المؤمنين يثبتهم اهلل يف الحياة الدنيا ويف اآلخرة‪.‬‬
‫وأصل الثبات‪ :‬ثبات القلب وصربه‪ ،‬ويقينه عند ورود كل فتنة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﱣﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱢ [إبراهيم‪]27:‬؛‬
‫فأهل اإليمان أهدى الناس قلو ًبا‪ ،‬وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات‪،‬‬
‫وذلك لما معهم من اإليمان)‪.‬‬
‫فقوله‪ :‬ﮋﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﮊ [التغابن‪ ،]11:‬أي‪ :‬ومن‬
‫أصابته مصيبة فعلم أهنا بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬فصرب واحتسب واستسلم لقضاء‬
‫اهلل‪ ،‬هدى اهلل قلبه‪ ،‬وعوضه عما فاته من الدنيا هدى يف قلبه‪ ،‬ويقينًا صاد ًقا‪،‬‬
‫خيرا منه(‪.)1‬‬
‫وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه‪ ،‬أو ً‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير ابن كثير (‪.)137/8‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪32‬‬

‫اآلية السادسة‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫ﭙﮊ [آل عمران‪.]166:‬‬

‫قال ابن كثير(‪( :)1‬أي‪ :‬فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم‬
‫وجراحتهم آلخرين‪ ،‬كان بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬وله الحكمة يف ذلك)‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير ابن كثير (‪.)159/2‬‬


‫‪33‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫اآلية السابعة‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﮋﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬

‫ﭹ ﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮊ [البقرة‪.]157-156:‬‬
‫قال السعدي(‪( :)1‬فالصابرون‪ ،‬هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة‪،‬‬
‫والمنحة الجسيمة‪ ،‬ثم وصفهم بقوله‪ :‬ﱣﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ‪ ،‬وهي كل‬
‫ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره‪.‬‬
‫ﱣﱢﱣﱤﱢ‪ ،‬أي‪ :‬مملوكون هلل‪ ،‬مد َّبرون تحت أمره وتصريفه‪ ،‬فليس لنا‬
‫من أنفسنا وأموالنا شي ٌء‪ ،‬فإذا ابتالنا بشيء منها‪ ،‬فقد تصرف أرحم الراحمين‬
‫بمماليكه وأموالهم‪ ،‬فال اعرتاض عليه؛ بل من كمال عبودية العبد علمه بأن‬
‫وقوع البلية من المالك الحكيم‪ ،‬الذي أرحم بعبده من نفسه‪ ،‬فيوجب له ذلك‬
‫الرضا عن اهلل‪ ،‬والشكر له على تدبيره‪ ،‬لما هو خير لعبده‪ ،‬وإن لم يشعر‬
‫فمجاز كل عامل‬
‫بذلك‪ ،‬ومع أننا مملوكون هلل‪ ،‬فإنا إليه راجعون يوم المعاد‪ُ ،‬‬
‫موفورا عنده‪ ،‬وإن جزعنا وسخطنا‪،‬‬
‫ً‬ ‫أجرنا‬
‫بعمله‪ ،‬فإن صربنا واحتسبنا وجدنا َ‬
‫لم يكن ح ُّظنا إال السخط وفوات األجر‪ ،‬فكون العبد هلل‪ ،‬وراجع إليه‪ ،‬من‬
‫أقوى أسباب الصرب)‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير السعدي (ص‪.)75‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪34‬‬

‫اآلية الثامنة‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﱣﲘﲙﲚﱢ [األعلى‪.]3:‬‬


‫قال ابن كثير(‪( :)1‬قال مجاهد‪ :‬هدى اإلنسان للشقاوة والسعادة‪ ،‬وهدى‬
‫األنعام لمراتعها‪ ،‬وقال بعض المفسرين‪ :‬ﱣﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥﱢ‬
‫قدرا‪ ،‬وهدى‬
‫[طه‪ ،]50:‬كقوله تعالى‪ :‬ﱣﲘ ﲙ ﲚﱢ [األعلى‪ ،]3:‬أي‪ :‬قدر ً‬
‫الخالئق إليه‪ ،‬أي‪ :‬كتب األعمال واآلجال واألرزاق‪ ،‬ثم الخالئق ماشون‬
‫على ذلك‪ ،‬ال يحيدون عنه‪ ،‬وال يقدر أحد على الخروج منه‪ ،‬يقول‪ :‬ربنا‬
‫الذي خلق الخلق وقدر القدر‪ ،‬وجبل الخليقة على ما أراد)‪.‬‬
‫وغير ذلك من اآليات‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬تفسير ابن كثير (‪.)298/5‬‬


‫‪35‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫أنواع اهلداية‪:‬‬
‫قال ابن حجر(‪( :)1‬عن مجاهد يف قوله تعالى‪ :‬ﱣﲘ ﲙ ﲚﱢ‪ ،‬قدر‬
‫لإلنسان الشقوة والسعادة‪ ،‬وهدى األنعام لمراتعها‪.‬‬
‫وتفسير مجاهد هذا للمعنى ال للفظ‪ ،‬وهو كقوله تعالى‪:‬ﭐﱣﳞ ﳟﳠ‬

‫ﳡﳢﳣﳤﳥﱢ‪.‬‬
‫قال الراغب‪ :‬هداية اهلل للخلق على أربعة أضرب‪:‬‬
‫األول‪ :‬العامة لكل أحد بحسب احتماله‪ ،‬وإليها أشار بقوله‪ :‬ﱣﳞ ﳟ‬

‫ﳠﳡﳢﳣﳤﳥﱢ‪.‬‬
‫والثان‪ :‬الدعاء على ألسنة األنبياء‪ ،‬وإليها أشار بقوله‪ :‬ﱣﭐﱁ ﱂ‬

‫ﱃﱄﱢ [األنبياء‪.]73:‬‬
‫والثالث‪ :‬التوفيق الذي يختص به من اهتدى‪ ،‬وإليها أشار بقوله‪ :‬ﭐﱣﱖ‬

‫ﱗﱘﱙﱚﱢ وقوله‪ :‬ﱣﳀﳁﳂﳃﱢ [محمد‪.]17:‬‬

‫والرابع‪ :‬الهدايات يف اآلخرة إلى الجنة‪ ،‬وإليها أشار بقوله‪ :‬ﱣﳃ ﳄ‬


‫ﳅﳆﳇﳈﳉﱢ [األعراف‪.]43:‬‬
‫قال‪ :‬وهذه الهدايات األربع مرتبة‪ ،‬فإنه من ال يحصل له األولى ال‬
‫تحصل له الثانية‪ ،‬ومن لم تحصل له الثانية ال تحصل له الثالثة والرابعة‪ ،‬وال‬
‫تحصل الرابعة إال لمن حصلت له الثالثة‪ ،‬وال تحصل الثالثة إال لمن حصلت‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪.)515/11‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪36‬‬

‫له اللتان قبلها‪ ،‬وقد تحصل األولى دون الثانية‪ ،‬والثانية دون الثالثة‪ ،‬واإلنسان‬
‫ال يهدي أحدً ا إال بالدعاء وتعريف الطرق دون بقية األنواع المذكورة‪ ،‬وإلى‬
‫ذلك أشار بقوله تعالى‪ :‬ﱣﱙﱚﱛﱜﱝﱢ [الشورى‪ ،]52:‬وإلى بقية‬
‫الهدايات أشار بقوله‪ :‬ﱣﱿﲀﲁﲂﲃﱢ [القصص‪.]56:‬‬

‫‪‬‬
‫‪37‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫‪ -2‬ثان ًيا‪ :‬األدلة من السنة النبوية‪:‬‬


‫لقد تضافرت األدلة من السنة المطهرة على اإليمان بالقضاء والقدر‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫أن‬
‫الحديث األول‪ :‬قوله ‪ ‬يف حديث جربيل الطويل‪َ « :‬و ْ‬
‫وت ُْؤ ِم َن بال َقدَ ِر‪َ :‬خيرِ ِه َو َش ِّر ِه»(‪ ،)1‬وقد سبق ذكره وهو يدل على أن اإليمان‬
‫بالقضاء والقدر ركن من أركان اإليمان ال يصح اإليمان إال به‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)20‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪38‬‬

‫الحديث الثان‪ :‬عن عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫«إن اهلل كتب مقادير الخالئق قبل أن يخلق السموات واألرض بخمسين ألف‬
‫سنة»(‪ ،)1‬زاد ابن وهب‪ :‬ﱣﱜﱝﱞﱟﱢ [هود‪.]7:‬‬

‫قال النووي(‪( :)2‬المراد تحديد وقت الكتابة يف اللوح المحفوظ أو غيره‬


‫ال أصل التقدير؛ فإن ذلك أزلي ال أول له‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱣﱜﱝ ﱞﱟﱢ ‪،‬‬
‫أي‪ :‬قبل خلق السماوات واألرض‪ ،‬واهلل أعلم)‪.‬‬

‫وذكر مثل ذلك ابن حجر يف الفتح(‪.)3‬‬

‫وقال ابن الجوزي(‪( :)4‬كأن اإلشارة هبذا إلى خلق اللوح والكتابة فيه‪،‬‬
‫وذلك قد كان قبل خلق السموات واألرض)‪.‬‬
‫وسوف يأيت أن هذه هي المرتبة الثانية من مراتب القدر األربعة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2653‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬شرح النوي على مسلم (‪.)203/16‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪.)489/11‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬كشف المشكل البن الجوزي (‪.)129/4‬‬
‫‪39‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫أبي بن كعب فقلت له‪:‬‬ ‫أتيت َّ‬


‫الحديث الثالث‪ :‬عن ابن الدَّ يلم ِّي‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫ذه َبه من‬ ‫لعل اهلل ‪ ‬أن ي ِ‬ ‫بشيء َّ‬ ‫ٍ‬ ‫نفسي شيء من ال َقدَ ِر‪ ،‬فحدّ ْثني‬ ‫وقع يف ِ‬
‫ُ‬
‫غير ظالم‬ ‫أهل أرضه‪ ،‬عذ َبهم وهو ُ‬ ‫عذ َب أهل سماواتِه و َ‬ ‫أن اهلل ا‬
‫قلبي‪ ،‬قال‪« :‬لو ا‬
‫أح ٍد‬
‫أنفقت مثل ُ‬‫َ‬ ‫لهم‪ ،‬ولو َر ِح َمهم كانت رحم ُته خي ًرا لهم من أعمالهم‪ ،‬ولو‬
‫ك لم‬ ‫تؤمن بال َقدَ ر‪ ،‬وتع َل َم أن ما أصا َب َ‬
‫َ‬ ‫ذه ًبا يف سبيل اهلل ما َقبِ َل ُه اهلل َ‬
‫منك حتى‬
‫ت على غير هذا‬‫بك‪ ،‬ولو ُم ا‬ ‫أخ َ‬
‫طاك لم يك ُْن ل ُيصي َ‬ ‫وأن ما ْ‬
‫َك‪ ،‬ا‬‫َيك ُْن ل ُيخطئ َ‬
‫أتيت عبدَ اهلل بن مسعود فقال مثل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ثم‬
‫النار»‪ .‬قال‪ :‬ثم ُ‬
‫لدخلت َ‬
‫َ‬
‫أتيت حذيف َة بن اليمان فقال مثل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ثم أت ُ‬
‫يت زيدَ بن ثابت فحدثني‬ ‫ُ‬
‫النبي ‪ ‬مثل ذلك(‪.)1‬‬
‫عن ِّ‬
‫قال يف مرقاة المفاتيح(‪( :)2‬قوله‪« :‬وقد وقع يف نفسي شيء من القدر»‬
‫أي‪ :‬حزازة‪ ،‬واضطراب عظيم من جهة أمر القضاء والقدر‪ ،‬باعتبار العقل ال‬
‫بموجب النقل‪ .‬قال ابن حجر؛ أي‪ :‬من بعض ُشبه القدر التي ربما تؤدي إلى‬
‫الشك فيه‪ ،‬كاعتقاد أن اإلنسان يخلق َ‬
‫فعل نفسه كما قالته المعتزلة‪ ،‬أو أنه‬ ‫ِّ‬
‫مجبور على الفعل كما قالته الجربية فكيف َّ‬
‫يعذب‪ ،‬وأنا أريد الخالص منه‪.‬‬
‫عذب أهل سم ِ‬
‫غير ظالم لهم»‪:‬‬ ‫واته وأ َ‬
‫هل أرضه‪ ،‬عذ َبهم وهو ُ‬ ‫أن اهلل ا َ‬
‫قوله‪« :‬لو ا‬
‫الواو للحال ألنه متصرف يف ملكه‪ ،‬وملكه فعذابه عدل‪ ،‬وثوابه فضل‪ .‬قيل‪ :‬فيه‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد يف المسند (‪ ،)189-185-183-182/5‬وأبو داود برقم (‪ ،)4699‬وابن ماجه‬


‫برقم (‪ ،)77‬والرتمذي برقم (‪ ،)2516‬والحاكم يف مستدركه (‪ )624/3‬رقم (‪ ،)6304‬عن ابن‬
‫عباس ‪ .‬قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الجامع‬
‫برقم (‪ ،)7957‬ويف السلسلة الصحيحة برقم (‪.)2382‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬مرقاة المفاتيح للقاري (‪.)188/1‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪40‬‬

‫إرشاد عظيم‪ ،‬وبيان شاف إلزالة ما طلب منه؛ ألنه يهدم منه قاعدة الحسن والقبح‬
‫أصال‪.‬‬
‫العقليين‪ ،‬ألنه مالك الجميع‪ ،‬فله أن يتصرف كيف شاء‪ ،‬وال ظلم ً‬
‫خيرا لهم من أعمالهم»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫قوله‪« :‬ولو رحمهم كانت رحمته‬
‫الصالحة؛ إشارة إلى أن رحمته ليست بسبب من األعمال وإيجاهبا إياها‪ ،‬إذ‬
‫هي ال توجبها عليه‪ ،‬كيف وهي من جملة رحمته هبم‪ ،‬فرحمته إياهم محض‬
‫فضل منه تعالى عليهم‪ ،‬فلو رحم األولين واآلخرين فله ذلك‪ ،‬وال يخرج عن‬
‫ِحكمة‪ ،‬غايته أنه أخرب أن المطيعين لهم الثواب‪ ،‬وأن العاصين لهم العقاب‪،‬‬
‫كما هو مثبت يف أ ِّم الكتاب‪ ،‬فاألمر المقدر ال يتبدل‪ ،‬وال يتغير‪ ،‬وهذا هو‬
‫الصواب يف الجواب‪.‬‬
‫قوله‪« :‬ولو أنفقت مثل أحد»‪ :‬بضمتين جبل عظيم قريب المدينة‬
‫المعظمة‪« .‬ذه ًبا»‪ :‬تمييز «يف سبيل اهلل»‪ ،‬أي‪ :‬مرضاته‪ ،‬وطريق خيراته‪« .‬ما‬
‫َقبِ َل َها اهلل منك»‪ ،‬أي‪ :‬ذلك اإلنفاق‪ ،‬أو مثل ذلك الجبل‪ ،‬وهو تمثيل على‬
‫سبيل الفرض ال تحديد؛ إذ لو فرض إنفاق ملء السموات واألرض كان‬
‫كذلك‪« ،‬حتى تؤمن بالقدر»‪ ،‬أي‪ :‬بأن جميع األمور الكائنة خيرها‪ ،‬وشرها‪،‬‬
‫وحلوها‪ ،‬ومرها‪ ،‬ونفعها‪ ،‬وضرها‪ ،‬وقليلها‪ ،‬وكثيرها‪ ،‬وكبيرها‪ ،‬وصغيرها‪،‬‬
‫بقضائه وقدره‪ ،‬وإرادته وأمره‪ ،‬وأنه ليس فيها لهم إال مجرد الكسب‪،‬‬
‫ومباشرة الفعل‪ ،‬والمراد هنا كمال اإليمان‪ ،‬وسلب القبول مع فقده يؤذن بأن‬
‫المبتدعة ال تقبل لهم أعمال‪ ،‬أي‪ :‬ال يثابون عليها ما داموا على بدعتهم‪،‬‬
‫ويؤيده خرب‪« :‬أبى اهلل أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يتوب من بدعته»(‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه ابن ماجه برقم (‪ ،)50‬وابن أبي عاصم يف السنة برقم (‪ ،)39‬عن ابن عباس ‪،‬‬
‫وإسناده مسلسل بالمجاهيل‪ ،‬وضعفه األلباين يف ظالل الجنة‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وفيه إشعار بأن أهل البدعة ليسوا من المتقين؛ لقوله تعالى‪ :‬ﱣﲇ ﲈ‬
‫ﲉﲊﲋﲌﱢ [المائدة‪ ،]27:‬وأنه ال يحبهم فإن اهلل يحب المتقين‪.‬‬
‫«وتعلم»‪ :‬تخصيص بعد تعميم‪« ،‬أن ما أصابك» من النعمة‪ ،‬والبلية‪ ،‬أو‬
‫الطاعة‪ ،‬والمعصية مما قدره اهلل لك أو عليك‪« ،‬لم يكن ليخطئك»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يجاوزك‪« ،‬وأن ما أخطأك» من الخير والشر‪« ،‬لم يكن ليصيبك»‪ ،‬وهذا وضع‬
‫موضع المحال‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬محال أن يخطئك‪.‬‬
‫وفيه ثالث مبالغات‪ :‬دخول أن‪ ،‬ولحوق الالم المؤكدة للنفي‪ ،‬وتسليط‬
‫النفي على الكينونة‪ ،‬وسرايته يف الخرب‪ ،‬وهو مضمون قوله تعالى‪ :‬ﱣﱶ ﱷ‬
‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽﱢ [التوبة‪ ،]51:‬وفيه حث على التوكل والرضا‪،‬‬
‫ونفي الحول والقوة‪ ،‬ومالزمة القناعة‪ ،‬والصرب على المصائب‪.‬‬
‫«ولو ُمت»‪ :‬بضم الميم مِ ْن‪ :‬مات يموت‪ ،‬وبكسرها مِ ْن‪ :‬مات يميت‪،‬‬
‫«على غير هذا»‪ ،‬أي‪ :‬على اعتقاد غير هذا الذي ذكرت لك من اإليمان بالقدر‬
‫«لدخلت النار»)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪42‬‬

‫ول اهللِ ‪:‬‬ ‫الحديث الرابع‪َ :‬ع ْن َأبِي ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫يف‪َ ،‬وفِي ك ٍُّل َخ ْي ٌر‪،‬‬ ‫ب إِ َلى اهلل ِ ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن ا‬
‫الض ِع ِ‬
‫ي‪َ ،‬خ ْي ٌر َو َأ َح ُّ‬
‫ِ‬
‫«ا ْل ُم ْؤم ُن ا ْل َق ِو ُّ‬
‫ك َش ْي ٌء‪َ ،‬ف َال َت ُق ْل‪:‬‬ ‫است َِع ْن بِاهلل ِ َو ََّل َت ْع َجزْ‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب َ‬ ‫ك‪َ ،‬و ْ‬ ‫احرِ ْص َع َلى َما َينْ َف ُع َ‬ ‫ْ‬
‫ت كَا َن ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬و َلكِ ْن ُق ْل‪َ :‬قدَ ُر اهلل ِ َو َما َشا َء َف َع َل‪َ ،‬فإِ ان َل ْو َت ْفت َُح‬ ‫َل ْو َأنِّي َف َع ْل ُ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ان»(‪.)1‬‬ ‫َع َم َل ا‬
‫هنى النبي ﷺ اإلنسان يف هذا الحديث (إذا أصابه شيء من حصول‬
‫ضرر أو فوات نفع عن أن يقول‪( :‬لو)‪.‬‬
‫حتما‪ ،‬وأنه لو فعل‬
‫قال بعض العلماء‪ :‬هذا إنما هو لمن قال معتقدً ا ذلك ً‬
‫ذلك لم يصبه قط ًعا‪ ،‬فأما من ر َّد ذلك إلى مشيئة اهلل‪ ،‬وأنه ال يصيبه إال ما شاء‬
‫اهلل فليس من هذا‪.‬‬

‫واستدل له بقول أبي بكر يف الغار‪« :‬ولو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا»(‪،)2‬‬
‫وسكوته ‪.‬‬
‫قال القاضي عياض(‪ :)3‬ال حجة فيه؛ ألنه إنما أخرب عن أمر مستقبل‪،‬‬
‫وليس فيه دعوى لرد قدره بعد وقوعه‪ .‬قال‪ :‬وكذا جميع ما ذكره البخاري يف‬
‫باب ما يجوز من اللو‪ ،‬كحديث‪« :‬لوَّل حدثان قومك بالكفر‪ »...‬الحديث(‪،)4‬‬

‫(‪ )1‬جزء من حديث أخرجه مسلم برقم (‪ ،)2664‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري برقم (‪ )4663‬بلفظ‪« :‬لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا»‪ ،‬ومسلم برقم (‪)2381‬‬
‫بلفظ‪« :‬لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه»‪.‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬سبل السالم (‪.)691/2‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)1583‬ومسلم برقم (‪ ،)1333‬عن عائشة ‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫أشق على أمتي»(‪ ،)2‬وشبيه ذلك‪،‬‬


‫راجما بغير بينة»(‪ ،)1‬و «لوَّل أن ا‬
‫ً‬ ‫و «لو كنت‬
‫فكله مستقبل وال اعرتاض فيه على قدر فال كراهية فيه؛ ألنه إنما أخرب عن‬
‫اعتقاده فيما كان يفعل لوال المانع‪ ،‬وعما هو يف قدرته‪ ،‬فأما ما ذهب فليس يف‬
‫قدرته‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬فالذي عندي يف معنى الحديث أن النهي على ظاهره‬
‫وعمومه‪ ،‬لكن هني تنزيه‪ ،‬ويدل عليه قوله ‪« :‬فإن لو تفتح عم َل‬
‫الشيطان»‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬وقد جاء من استعمال (لو) يف الماضي قوله ‪:‬‬
‫«لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي»(‪ ،)3‬وغير ذلك‪.‬‬
‫فالظاهر أن النهي إنما هو عن إطالق ذلك فيما ال فائدة فيه‪ ،‬فيكون هني‬
‫تنزيه ال تحريم‪ ،‬وأما من قاله تأس ًفا على ما فاته من طاعة اهلل‪ ،‬وما هو متعذر‬
‫عليه من ذلك‪ ،‬ونحو هذا فال بأس به‪ ،‬وعليه يحمل أكثر االستعمال الموجود‬
‫يف األحاديث)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫)‪ (1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)5310‬ومسلم برقم (‪ ،)1497‬عن ابن عباس‪ ،‬بلفظ‪« :‬لو رجمت أحدً ا‬
‫بغير بينة‪ ،‬رجمت هذه»‪.‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)887‬ومسلم برقم (‪ ،)252‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)7229‬ومسلم برقم (‪ ،)1211‬عن عائشة ‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪44‬‬

‫الحديث الخامس‪ :‬عن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن ُع َم َر ‪ ‬قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬


‫ول‬
‫اهللِ ‪« :‬ك ُُّل َش ْي ٍء بِ َقدَ ٍر‪َ ،‬حتاى ا ْل َع ْج ِز َوا ْل َك ْي ِ‬
‫س»(‪.)1‬‬
‫قال السعدي(‪( :)2‬هذا الحديث متضم ٌن ألص ٍل عظيم من أصول اإليمان‬
‫وخاصه‪ ،‬سابقه‬
‫ِّ‬ ‫الستة؛ وهو اإليمان بال ِ‬
‫قدر خيره وشره‪ُ ،‬حلوه و ُم ِّره‪ ،‬عا ِّمه‬
‫ٌ‬
‫محيط بكل شيء‪ ،‬وأنه علم أعمال‬ ‫والحقه‪ ،‬بأن يعرتف العبد أن علم اهلل‬
‫وشرها‪ ،‬وعلم جميع أمورهم وأحوالهم‪ ،‬وكتب ذلك يف اللوح‬
‫خيرها َّ‬
‫العباد َ‬
‫المحفوظ‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ‬
‫[الحج‪.]70:‬‬
‫ّ‬ ‫ﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﱢ‬

‫ثم إن اهلل ينفذ هذه األقدار يف أوقاهتا بحسب ما تقتضيه حكمته ومشيئته‪،‬‬
‫الشاملتان لكل ما كان وما يكون‪ ،‬الشاملتان للخلق واألمر‪ ،‬وأنه مع ذلك‪،‬‬
‫ومع خلقه للعباد وأفعالهم وصفاهتم‪ ،‬فقد أعطاهم قدر ًة وإرادة تقع هبا‬
‫أفعالهم بحسب اختيارهم‪ ،‬لم يجربهم عليها‪.‬‬
‫خالق للمسبب؛‬
‫وهو الذي خلق قدرهتم ومشيئتهم‪ ،‬وخالق السبب التام ٌ‬
‫فأفعالهم وأقوالهم تقع بقدرهتم ومشيئتهم اللتين خلقهما اهلل فيهم‪ ،‬كما خلق‬
‫كال لما خلق له‪.‬‬
‫بقية قواهم الظاهرة والباطنة‪ ،‬ولكنه تعالى َي َّس َر ً‬
‫وكره إليه الكفر‬
‫وقصدَ ه لربه‪ :‬حبب إليه اإليمان وزينه يف قلبه‪ّ ،‬‬
‫فمن َو َّجه وجهه ْ‬
‫والفسوق والعصيان‪ ،‬وجعله من الراشدين‪ ،‬فتمت عليه نعم اهلل من كل وجه‪.‬‬
‫ييس ْره لهذه‬
‫وجه وجهه لغير اهلل‪ ،‬بل تولى عدوه الشيطان‪ :‬لم ِّ‬
‫ومن ّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم برقم (‪ ،)2655‬عن عبد اهلل بن عمر ‪.‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬هبجة قلوب األبرار (ص‪.)29‬‬
‫‪45‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫فض َّل وغوى‪ ،‬وليس‬


‫األمور؛ بل َو َّاله اهلل ما تولى‪ ،‬وخذله‪ ،‬وو َكله إلى نفسه‪َ ،‬‬
‫له على ربه حجة‪ ،‬فإن اهلل أعطاه جميع األسباب التي يقدر هبا على الهداية‪،‬‬
‫ولكنه اختار الضاللة على الهدى‪ ،‬فال يلوم َّن إال نفسه‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬

‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗﱢ [األعراف‪ ،]30:‬وقال‪ :‬ﱣﱵ ﱶ ﱷ‬


‫ﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ‬
‫ﲂﲃﲄﲅﲆﱢ [المائدة‪.]16:‬‬
‫وهذا القدر يأيت على جميع أحوال العبد وأفعاله وصفاته‪ ،‬حتى العجز‬
‫والكيس‪ ،‬وهما الوصفان المتضادان الذي ينال باألول منهما ‪-‬وهو العجز‪:-‬‬
‫الخيبة والخسران‪ ،‬وبالثاين ‪-‬وهو الكيس‪ :-‬الجدَّ يف طاعة الرحمن‪.‬‬
‫والمراد هنا‪ :‬العجز الذي يالم عليه العبد‪ ،‬وهو عدم اإلرادة‪ ،‬وهو‬
‫الكسل‪ ،‬ال العجز الذي هو عدم القدرة‪ ،‬وهذا هو معنى الحديث اآلخر‬
‫«اعملوا؛ فكل ُم َي اس ٌر لما ُخ ِلق له»(‪ ،)1‬أما أهل السعادة‪ :‬فييسرون لعمل أهل‬
‫السعادة‪ ،‬وذلك بكيسهم وتوفيقهم ولطف اهلل هبم‪.‬‬
‫نفسه‬
‫والك ِّي ُس والعاجز هما المذكوران يف قوله ‪« :‬الك ِّي ُس من دان َ‬
‫ن)(‪.)2‬‬
‫نفسه هواها‪ ،‬وتم انى على اهلل األما ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجزُ من أتبع َ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)4949‬ومسلم برقم (‪ ،)2647‬عن علي ‪.‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي برقم (‪ ،)2549‬وابن ماجه برقم (‪ ،)4260‬وأحمد يف المسند برقم (‪.)17123‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪46‬‬

‫الحديث السادس‪ :‬عن عائشة أم المؤمنين ‪ ،‬قالت‪ :‬دعي رسول‬


‫اهلل ‪ ‬إلى جنازة صبي من األنصار‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل طوبى‬
‫لهذا‪ ،‬عصفور من عصافير الجنة‪ ،‬لم يعمل السوء‪ ،‬ولم يدركه‪ ،‬قال‪« :‬أو غير‬
‫أهال‪ ،‬خلقهم لها وهم يف أصالب آبائهم‪،‬‬
‫ذلك‪ ،‬يا عائشة‪ ،‬إن اهلل خلق للجنة ً‬
‫هال‪ ،‬خلقهم لها وهم يف أصالب آبائهم»(‪.)1‬‬
‫وخلق للنار أ ً‬
‫قال الطيبي(‪( :)2‬وفيه ً‬
‫أيضا أن اهلل تعالى يتصرف يف ملكه ما يشاء وكيف‬
‫اعرتاض عليه؛ ألنه ما ٌ‬
‫لك‬ ‫ٌ‬ ‫يشاء‪ ،‬وكل ذلك ٌ‬
‫عدل وصواب‪ ،‬وليس ألحد‬
‫موجب للتعذيب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يح‬
‫والخلق مملوك‪ ،‬واعرتاض المملوك على المالك قب ٌ‬
‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﱣﲽﲾﲿﳀﳁﳂﱢ [األنبياء‪.]23:‬‬
‫ومن ثم لما نزل ﱣﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬

‫نطيق دفع ما‬


‫ﱸﱢ اشتد ذلك على المؤمنين‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا رسول اهلل! كيف ُ‬
‫يجري يف قلوبنا؟ فقال رسول اهلل ‪« :‬فلعلكم تقولون كما قالت‬
‫بنو إسرائيل‪َ ( :‬س ِم ْعنَا و َع َص ْينَا)‪ ،‬قولوا‪ :‬سمعنا وأطعنا»‪.‬‬
‫فرجا بقوله‪ :‬ﱣﲦ ﲧ‬
‫واشتد ذلك عليهم ومكثوا زما ًنا‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى ً‬
‫ﲨﲩﲪﲫﱢ [البقرة‪.)3(]286:‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2662‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬شرح المشكاة (‪.)535/2‬‬
‫)‪ (3‬يشير إلى حديث أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬لما نزلت على رسول اهلل ‪ :‬ﱣﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬
‫ﲀ‬ ‫ﱿ‬ ‫ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅﱢ [البقرة‪ ،]284:‬قال‪ :‬فاشتد ذلك على أصحاب رسول اهلل ‪،‬‬
‫=‬
‫‪47‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫سهل اهلل عليهم األمر‪ ،‬فإذا ال خالص وال نجاة إال بالتسليم‬
‫فلما أسلموا َّ‬
‫لقضاء اهلل وقدره)‪.‬‬
‫وغير ذلك من األحاديث الكثيرة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫=‬
‫فأتوا رسول اهلل ‪ ‬ثم بركوا على الركب‪ ،‬فقالوا‪ :‬أي رسول اهلل‪ُ ،‬كلفنا من األعمال ما‬
‫نطيق للصالة والصيام والجهاد والصدقة‪ ،‬وقد ُأنزلت عليك هذه اآلية وال نطيقها‪ ،‬قال رسول اهلل‬
‫‪« :‬أتريدون أن تقولوا‪ ،‬كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا‪:‬‬
‫سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»‪ ،‬قالوا‪ :‬سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير‪،‬‬
‫ﱣﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬ ‫فلما اقرتأها القوم‪ ،‬ذلت هبا ألسنتهم‪ ،‬فأنزل اهلل يف إثرها‪:‬‬
‫ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ‬
‫ﲟ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﱢ [البقرة‪ ،]285:‬فلما فعلوا ذلك نسخها اهلل تعالى‪ ،‬فأنزل‬
‫ﲠ‬ ‫ﲞ‬
‫اهلل ‪ :‬ﱣﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬
‫ﲹ ﲺﱢ [البقرة‪ ،]286:‬قال‪« :‬نعم» ﱣﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫ﱣﳑ ﳒ ﳓ ﳔ‬ ‫ﳆﱢ‪ ،‬قال‪« :‬نعم» ﱣﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﱢ‪ ،‬قال‪« :‬نعم»‬
‫ﳕﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﱢ [البقرة‪ ،]286:‬قال‪« :‬نعم»‪ ،‬أخرجه مسلم برقم‬
‫(‪.)125‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪48‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬دليل اإلجماع‪:‬‬


‫فقد أجمع المسلمون على وجوب اإليمان بالقدر خيره وشره من اهلل‪.‬‬
‫قال النووي(‪( :)1‬وقد تظاهرت األدلة القطعيات من الكتاب‪ ،‬والسنة‪،‬‬
‫وإجماع الصحابة‪ ،‬وأهل الحل والعقد من السلف والخلف؛ على إثبات قدر‬
‫اهلل ‪.)‬‬
‫وقال ابن حجر(‪( :)2‬ومذهب السلف قاطبة أن األمور كلها بتقدير اهلل‬
‫تعالى)‪.‬‬
‫ِ‬
‫المؤتسي(‪( :)3‬وأجمع أئمة السلف من أهل اإلسالم على‬ ‫وقال يف تذكرة‬
‫اإليمان بالقدر خيره وشره‪ ،‬حلوه ومره‪ ،‬قليله وكثيره‪ ،‬بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬ال‬
‫يكون شيء إال بإرادته‪ ،‬وال يجري خير وشر إال بمشيئته‪ ،‬خلق من شاء‬
‫فضال‪ ،‬وخلق من أراد للشقاء واستعمله هبا ً‬
‫عدال‪ ،‬فهو‬ ‫للسعادة واستعمله هبا ً‬
‫لم حجبه عن خلقه‪ ،‬ﮋﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﮊ‬ ‫ِ‬
‫سر استأثر به‪ ،‬وع ٌ‬
‫[األنبياء‪ ،]23:‬قال اهلل ‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ‬
‫[األعراف‪ ،]179:‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﮊ [السجدة‪ ،]13:‬وقال ‪ :‬ﮋﰌ ﰍ ﰎ‬
‫ﰏ ﰐﮊ [القمر‪.)]49:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شرح صحيح مسلم للنووي (‪.)155/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪ ،)287/11‬وشرح أصول االعتقاد لاللكائي (‪)538-534/3‬؛‬
‫حيث نقل اإلجماع على ذلك عن جمع غفير من السلف‪ ،‬ومجموع الفتاوى البن تيمية‬
‫(‪.)459-452-449/8‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬تذكرة المؤتسي للبدر (‪.)236/1‬‬
‫‪49‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫‪ -3‬راب ًعا‪ :‬دليل الفطرة‪:‬‬


‫قديما وحدي ًثا‪ ،‬ولم ينكره إال الشوا ُّذ من‬
‫ً‬ ‫اإليمان بالقدر معلوم بالفطرة‬
‫المشركين من األمم‪ ،‬ولم يقع الخطأ يف نفي القدر وإنكاره‪ ،‬وإنما وقع يف‬
‫فهمه على الوجه الصحيح؛ ولهذا قال سبحانه عن المشركين‪ :‬ﮋﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﮊ [األنعام‪.]148:‬‬
‫فهم أثبتوا المشيئة هلل‪ ،‬لكنهم احتجوا هبا على الشرك‪ ،‬ثم ب َّين سبحانه أن‬
‫هذا هو ُ‬
‫شأن من كان قبلهم‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ﮋﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﮊ‬
‫[األنعام‪.]148:‬‬
‫وكانت العرب يف الجاهلية تعرف القدر وال تنكره‪ ،‬ولم يكن هناك من‬
‫مستأنف‪ ،‬وهذا ما نجده مبثو ًثا يف أشعارهم كما مر يف المقدمة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يرى أن األمر‬
‫وكما يف قول عنرتة(‪:)1‬‬
‫قضــ ـاها‬ ‫إن كــــان ربــــي يف الســـ ِ‬
‫ـماء َ‬ ‫المنيـــ ِة ْ‬
‫مهربـــي‬ ‫ُ‬
‫عبـــل أيـــن مـــن ا‬ ‫يـــا‬
‫وقول زهير بن أبي سلمى يف معلقته(‪:)2‬‬
‫وســـك ُْم لِ َيخْ َفــــى َو َم ْه َمــــا ُي ْكــــ َت ِم اهللُ َي ْع َلــــ ِم‬
‫َفـــ َال ت َْكـــتُمن اهلل مـــا ِفـــي ُن ُف ِ‬
‫ُ ا ََ‬
‫اب َأ ْو ُي َع اجــ ـ ْل َف َيــ ـنْ ُق ِم‬
‫ح َســ ـ ِ‬ ‫اب َفيــدا َخر لِيــ ـو ِم ا ْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وضــ ْع فــي ك َتــ ٍ ُ‬ ‫ُيــ َؤ اخ ْر َف ُي َ‬
‫ويف هذا إثبات للمرتبة األولى من مراتب القدر وهي العلم‪ ،‬فهو يثبت‬
‫أن اهلل تعالى عليم بكل شيء ال يخفى عليه شيء يف األرض وال يف السماء‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ديوان عنرتة (ص‪ ،)238‬وذكره ابن القيم يف كتاب اجتماع الجيوش اإلسالمية (ص‪.)505‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ديوان زهير (ص‪.)4‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪50‬‬

‫ولم يقل أحد منهم بنفيه إطال ًقا‪ ،‬كما صرح بذلك أحد كبار علماء‬
‫العربية‪ ،‬وهو أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب بقوله‪( :‬ال أعلم عرب ًّيا قدر ًّيا‪،‬‬
‫قيل له‪ :‬يقع يف قلوب العرب القول بالقدر؟ قال‪ :‬معاذ اهلل‪ ،‬ما يف العرب إال‬
‫مثبت القدر خيره وشره‪ ،‬أهل الجاهلية واإلسالم‪ ،‬وكالمهم كثير ب ِّين‪.‬‬
‫ثم أنشد‪:‬‬
‫مـــــا َتنْ ُفـــــ ُذ ِ‬
‫اإلبـــــر ُة إِ اَّل بِ َقـــــدَ ر)(‪)1‬‬ ‫اإل َبـ ـ ْر‬ ‫َتجـ ـرِي الم َقـ ـ ِ‬
‫اد ُير َع َلـ ـى َغـ ـ ْر ِز ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ومع ذلك فقد كانوا مخلطين يف مسائل القدر غير ضابطين لها‪ ،‬ألن ذلك‬
‫ال يؤخذ إال عن طريق الرسل صلوات اهلل وسالمه عليهم‪ ،‬ولذلك نجد نفس‬
‫الشاعر وهو زهير بن أبي سلمى يقول‪:‬‬
‫ُت ِم ْتــه ومــن ُتخطــي يعمــر َفيهــر ِم(‪)2‬‬
‫ـب‬ ‫أيت ال َمنايا َخ َ‬
‫بط َعشوا َء من ُتصـ ْ‬ ‫َر ُ‬
‫ُ َ ا ْ َْ َ‬ ‫ُ ََ ْ‬
‫ففي هذا البيت يذكر أن المنايا التي تنزل بالناس فتقضي عليهم‪ ،‬إنما هي‬
‫خبط عشواء‪ ،‬ليس لها نظام‪ ،‬والعشواء هي الناقة ضعيفة البصر‪ ،‬تتخبط يف‬
‫ً‬
‫وشماال؛ ألهنا ال ترى‪ ،‬لكن األمر ليس كذلك‪ ،‬فاهلل تعالى يقول‪:‬‬ ‫المشي يمينًا‬
‫ﱣﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦﱢ [فاطر‪]11:‬؛ فليس يف هذا‬
‫الكون خبط عشواء‪ ،‬وإنما هو نظام دقيق محكم يجري بقدرة اهلل تعالى‪،‬‬
‫وعلى وفق حكمته ومشيئته‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شرح أصول االعتقاد لاللكائي (‪.)538/3‬‬


‫(‪ )2‬ذكره ابن كثير يف تفسيره (‪.)585/4‬‬
‫‪51‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫خامسا‪ :‬دليل العقل‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪-4‬‬
‫أما داللة العقل فهي‪ :‬أن العقل الصحيح يقطع بأن اهلل هو خالق هذا‬
‫الكون‪ ،‬ومدبره‪ ،‬ومالكه‪ ،‬وال يمكن أن يوجد على هذا النظام البديع‪،‬‬
‫والتناسق المتآلف‪ ،‬واالرتباط الملتحم بين األسباب والمسببات هكذا‬
‫صدفة؛ إذ الموجود صدفة ليس له نظام يف أصل وجوده‪ ،‬فكيف يكون منتظ ًما‬
‫حال بقائه وتطوره؟‬
‫عقال أن اهلل هو الخالق لزم أال يقع شيء يف ملكه إال ما قد شاءه‬
‫فإذا تقرر ً‬
‫وقدَّ ره‪.‬‬
‫ومما تقدم فإن من لم يؤمن بالقدر ال تقبل أعماله‪ ،‬فال ينتفع ال بصالة‬
‫وال بصيام وال بصدقة وال غير ذلك‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆﰇﮊ [المائدة‪.]5:‬‬
‫فإيمان العبد ودينه ال يمكن أن ينتظم إال إذا آمن بأقدار اهلل ‪َّ ،‬‬
‫وأن‬
‫كل شيء بقدر‪ ،‬وأن يؤمن بالقدر ك ِّله حلوه ومره‪َّ ،‬‬
‫وأن ما شاء اهلل كان وما لم‬ ‫َّ‬
‫يشأ لم يكن‪.‬‬
‫فال إيمان لمن لم يؤمن بالقدر‪ ،‬ومن كذب بالقدر فال إيمان له وال‬
‫ان بِال َقدَ ِر نِ َظا ُم‬
‫اإليم ُ‬
‫توحيد‪ ،‬كما جاء عن ابن عباس ‪ ‬أنَّه قال‪َ « :‬‬
‫يد؛ َفمن آمن وك ََّذب بِا ْل َقدَ ِر َفهو َن ْق ٌض لِلتَّو ِح ِ‬
‫يد»(‪.)1‬‬ ‫التَّو ِح ِ‬
‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه عبد اهلل بن أحمد يف السنة برقم (‪ ،)925‬والاللكائي يف شرح االعتقاد برقم (‪،)1224‬‬
‫والفريابي يف القدر (ص‪ ،)160-159‬واآلجري يف الشريعة (ص‪.)215‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪52‬‬

‫القدر قدر ُة اهللِ)(‪ ،)1‬فأي توحيد‬


‫ومما يوضح هذا قول اإلمام أحمد‪ُ ( :‬‬
‫عند من ينكر قدرة اهلل(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬منهاج السنة النبوية البن تيمية (‪ ،)254/3‬وشفاء العليل البن القيم (ص‪ ،)53‬ومجموع‬
‫الفتاوى البن تيمية (‪ ،)308/8‬وهي من قول عمر بن الخطاب قبل اإلمام أحمد؛ كما ذكره ابن‬
‫بطة يف اإلبانة الكربى برقم (‪.)1562‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تذكرة المؤتسي للبدر (‪.)236/1‬‬
‫‪53‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫درجات اإلميان بالقدَر‬

‫قال ابن رجب(‪( :)1‬واإليمان بالقدر على درجتين‪:‬‬


‫إحداهما‪ :‬اإليمان بأن اهلل تعالى سبق يف علمه ما يعمله العباد من خير‬
‫وشر‪ ،‬وطاعة ومعصية‪ ،‬قبل خلقهم وإيجادهم‪ ،‬ومن هو منهم من أهل الجنة‪،‬‬
‫ومن هو منهم من أهل النار‪ ،‬وأعدَّ لهم الثواب والعقاب جزاء ألعمالهم قبل‬
‫خلقهم وتكوينهم‪ ،‬وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه‪ ،‬وأن أعمال العباد تجري‬
‫على ما سبق يف علمه وكتابه‪.‬‬
‫والدرجة الثانية‪ :‬أن اهلل خلق أفعال العباد كلها من الكفر واإليمان‪،‬‬
‫والطاعة والعصيان‪ ،‬وشاءها منهم‪ ،‬فهذه الدرجة يثبتها أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫وينكرها القدرية‪ ،‬والدرجة األولى أثبتها كثير من القدرية‪ ،‬ونفاها غالهتم‪،‬‬
‫كمعبد الجهني‪ ،‬الذي سئل ابن عمر عن مقالته‪ ،‬وكعمرو بن عبيد وغيره)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهاتان الدرجتان هي مراتب القدر األربعة التي ستأيت‪ ،‬غير أن‬
‫اإلمام ابن رجب ‪ ‬دمج مرتبة الكتابة مع مرتبة العلم وجعلهما درجة‬
‫واحدة‪ ،‬كما دمج مرتبة المشيئة مع مرتبة الخلق وجعلهما درجة واحدة‪ ،‬وال‬
‫مشاحة يف التقسيم واالصطالح‪ ،‬طالما أن المقصود واحد‪ ،‬غير أن التقسيم‬
‫على أربعة مراتب هو الذي عليه أكثر أهل العلم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع العلوم والحكم البن رجب (‪.)103/1‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪54‬‬

‫مراتب اإلميان بالقدر‬

‫من خالل تتبع العلماء لنصوص الكتاب والسنة؛ فقد ذكروا أن للقدر أربع‬
‫مراتب‪ ،‬وقد جمع بعض أهل العلم هذه المراتب يف بيت من الشعر؛ فقال‪:‬‬
‫علــــــم كتابــــــ ُة موَّلنــــــا مشــــــيئتُه وخل ُقـــ ـه وهـــــو إيجـــــا ٌد وتكـــ ـوي ُن‬
‫ٌ‬
‫وهذه المراتب هي أركان اإليمان بالقدر‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬العلم السابق‪.‬‬
‫‪ -2‬الكتابة‪.‬‬
‫‪ -3‬المشيئة‪.‬‬
‫‪ -4‬الخلق‪.‬‬
‫املرتبة األوىل‪ :‬العلم السابق‪:‬‬
‫كل‬ ‫شيء‪ ،‬فعلِم سبحانه ِ‬
‫بعلمه السابق َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أي‪ :‬سبق علم اهلل المحيط ِّ‬
‫بكل‬
‫َ َ‬
‫كل ح ِّي‪ ،‬و َعلِ َم الخير والشر‪ ،‬وقدَّ ر النفع والضر‪ ،‬علم ما كان‬ ‫ٍ‬
‫شيء‪ ،‬و َأ َج َل ِّ‬
‫يكون وما سيكون‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف يكون؛ قال تعالى‪ :‬ﮋﯾ‬ ‫ُ‬ ‫وما‬
‫ﯿ ﰀﰁﮊ [البقرة‪.]282:‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬
‫ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬
‫ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙﱢ [األنعام‪.]59 :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫علمه‪ :‬فما علم أنه سيكون‪ ،‬فال بد أن‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪( :‬أ ّما ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬النبوات البن تيمية (‪.)912/2‬‬


‫‪55‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫يكون‪ ،‬وما علم أنه ال يكون‪ ،‬فال يكون‪ ،‬وهذا مما يعرتف به جميع الطوائف‪،‬‬
‫إال من ينكر العلم السابق؛ كغالة القدرية الذين تربأ منهم الصحابة)‪.‬‬
‫ومن األدلة على العلم السابق قوله تعالى على لسان المسيح عيسى ابن‬
‫مريم ‪ :‬ﱣﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﱢ‬
‫ﲗ‬

‫[المائدة‪]116:‬؛ فأثبت المسيح هلل تعالى العلم السابق للموجودات قبل‬


‫وجودها‪ ،‬وقد أنكر ذلك الجهم بن صفوان‪ ،‬وكفره بعض العلماء على ذلك‪.‬‬

‫وقال ابن تيمية(‪( :)1‬قال‪ :‬وادعى المعارض ً‬


‫أيضا أن اهلل تعالى ال يوصف‬
‫بالضمير‪ ،‬والضمير منفي عن اهلل‪ ،‬وليس هذا من كالم المعارض‪ ،‬وهي كلمة‬
‫خبيثة قديمة من كالم جهم‪ ،‬عارض جهم هبا قول اهلل تعالى‪ :‬ﱣﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬
‫ﲖ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﱢ [المائدة‪ ،]116:‬يدفع بذلك أن يكون‬
‫ﲗ‬ ‫ﲒﲓﲔﲕ‬
‫اهلل سبق له علم يف نفسه بشيء من الخلق وأعمالهم قبل أن يخلقهم‪ ،‬فتلطف‬
‫بذكر الضمير ليكون أسرت له عند الجهال‪.‬‬
‫فر َّد على جهم بعض العلماء قوله هذا‪ ،‬وقال له‪ :‬كفرت هبا يا عدو اهلل‬
‫من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أنك نفيت عن اهلل العلم السابق يف نفسه قبل حدوث‬
‫الخلق وأعمالهم‪.‬‬
‫والوجه الثان‪ :‬أنك استجهلت المسيح ‪ ،‬أنه وصف ربه بما‬
‫ال يوصف به بأن له خفايا علم يف نفسه إذ يقول له‪ :‬ﱣﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﱢ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بيان تلبيس الجهمية البن تيمية (‪.)437/7‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪56‬‬

‫والوجه الثالث‪ :‬أنك طعنت به على محمد ‪ ‬إذ جاء به‬


‫مصد ًقا بعيسى‪ .‬فأفحم ً‬
‫جهما‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقول جهم‪ :‬ال يوصف اهلل بالضمير‪ ،‬يقول‪ :‬لم يعلم اهلل يف نفسه‬
‫شي ًئا من الخلق قبل حدوثهم وحدوث أعمالهم‪ ،‬وهذا أصل كبير يف تعطيل‬
‫النفس والعلم السابق‪ ،‬والناقض عليه بذلك قول اهلل تعالى‪ :‬ﱣﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬
‫ﲖ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﱢ [المائدة ‪]116‬؛ فذكر المسيح أن هلل‬
‫ﲗ‬ ‫ﲒﲓﲔﲕ‬
‫علما ساب ًقا يف نفسه يعلمه اهلل وال يعلمه هو‪ ،‬وقال اهلل‪ :‬ﱣﲆﲇﱢ‬
‫ً‬
‫[طه‪ ،]41:‬وقال‪ :‬ﱣﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱢ [األنعام‪ ،]54:‬وقال‪:‬‬
‫ﱣﳂﳃﳄﱢ [آل عمران‪.)]30 ،28:‬‬
‫وقال الهراس(‪( :)1‬والدليل العقلي على علمه تعالى أنه يستحيل إيجاده‬
‫األشياء مع الجهل؛ ألن إيجاده األشياء بإرادته‪ ،‬واإلرادة تستلزم العلم‬
‫بالمراد‪ ،‬ولهذا قال سبحانه‪ :‬ﱣﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱢ [الملك‪.]14:‬‬
‫وألن المخلوقات فيها من اإلحكام واإلتقان وعجيب الصنعة ودقيق‬
‫الخلقة ما يشهد بعلم الفاعل لها؛ المتناع صدور ذلك عن غير علم‪.‬‬
‫وألن من المخلوقات من هو عالم‪ ،‬والعلم صفة كمال‪ ،‬فلو لم يكن اهلل‬
‫عالما؛ لكان يف المخلوقات من هو أكمل منه‪.‬‬
‫ً‬
‫وكل علم يف المخلوق إنما استفاده من خالقه‪ ،‬وواهب الكمال أحق به‪،‬‬
‫وفاقد الشيء ال يعطيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شرح العقيدة الواسطية للهراس (‪.)93/1‬‬


‫‪57‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وأنكرت الفالسفة علمه تعالى بالجزئيات‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه يعلم األشياء على‬
‫وجه كلي ثابت‪ ،‬وحقيقة قولهم أ َّنه ال يعلم شي ًئا؛ فإن كل ما يف الخارج هو‬
‫جزئي‪.‬‬
‫علمه تعالى بأفعال العباد حتى يعملوها؛‬
‫كما أنكر الغالة من القدرية َ‬
‫توهما منهم أن علمه هبا يفضي إلى الجرب‪ ،‬وقولهم معلوم البطالن بالضرورة‬
‫ً‬
‫يف جميع األديان)‪.‬‬
‫اهلل َّل يحاسب العباد على علمه السابق بهم بل على أفعالهم‪:‬‬
‫قال ابن القيم(‪( :)1‬واهلل سبحانه قد علم قبل أن ي ِ‬
‫وجد عبا َده أحوالهم‪،‬‬
‫وما هم عاملون‪ ،‬وما هم إليه صائرون‪ ،‬ثم أخرجهم إلى هذه الدار ليظهر‬
‫معلو َمه الذي علمه فيهم كما علمه‪.‬‬
‫وابتالهم من األمر والنهي والخير والشر بما أظهر معلومه‪ ،‬فاستحقوا‬
‫المدح والذم‪ ،‬والثواب والعقاب؛ بما قام هبم من األفعال والصفات المطابقة‬
‫للعلم السابق‪ ،‬ولم يكونوا يستحقون ذلك وهي يف علمه قبل أن يعملوها‪،‬‬
‫إعذارا إليهم‪ ،‬وإقامة للحجة عليهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫فأرسل رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه‬
‫لئال يقولوا‪ :‬كيف تعاقبنا على علمك فينا‪ ،‬وهذا ال يدخل تحت كسبنا‬
‫وقدرتنا؟‬
‫فلما ظهر علمه فيهم بأفعالهم‪ ،‬حصل العقاب على معلومه الذي أظهره‬
‫االبتالء واالختبار‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪.)35‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪58‬‬

‫وكما ابتالهم بأمره وهنيه ابتالهم بما زين لهم من الدنيا‪ ،‬وبما ركب‬
‫فيهم من الشهوات‪ ،‬فذلك ابتال ٌء بشرعه وأمره وهذا ابتالء بقضائه وقدره‪،‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱢ‬
‫[الكهف‪ ،]7:‬وقال‪ :‬ﱣﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ‬
‫ﱞ ﱟﱢ [هود‪ ،]7:‬فأخرب يف هذه اآلية أنه خلق السموات واألرض ليبتلي‬
‫عباده بأمره وهنيه‪ ،‬وهذا من الحق الذي خلق به خلقه‪ ،‬وأخرب يف اآلية التي‬
‫أيضا‪ ،‬فأحياهم ليبتليهم بأمره وهنيه‪،‬‬
‫قبلها أنه خلق الموت والحياة ليبتليهم ً‬
‫وقدر عليهم الموت الذي ينالوا به عاقبة ذلك االبتالء من الثواب والعقاب‪.‬‬
‫وأخرب يف اآلية األولى أنه زين لهم ما على األرض ليبتليهم به أيهم يؤثر‬
‫ما عنده وابتلى بعضهم ببعض‪.‬‬
‫وابتالهم بالنعم والمصائب فأظهر هذا االبتالء علمه السابق فيهم‬
‫موجو ًدا عيا ًنا بعد أن كان غي ًبا يف علمه‪ ،‬فابتلى أبوي اإلنس والجن كل منهما‬
‫باآلخر‪ ،‬فأظهر ابتالء آدم ما علِمه منه‪ ،‬وأظهر ابتالء إبليس ما علِمه منه؛ فلهذا‬
‫قال للمالئكة‪ :‬ﱣﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱢ [البقرة‪ ،]30:‬واستمر هذا االبتالء يف‬
‫أممهم هبم‪.‬‬
‫الذرية إلى يوم القيامة؛ فابتلى األنبياء بأممهم‪ ،‬وابتلى َ‬
‫وقال لعبده ورسوله وخليله‪« :‬إِ ِّني ُم ْب َت ِل َي َ‬
‫ك َو ُم ْب َت ٍل بِ َ‬
‫ك»(‪ ،)1‬وقال‪:‬‬
‫ﱣﳎ ﳏ ﳐ ﳑﳒ ﳓ ﳔﱢ [األنبياء‪ ،]35:‬وقال‪ :‬ﱣﲾ‬
‫ﲿﳀﳁﱢ [الفرقان‪.)]20:‬‬

‫ك كِتَا ًبا‬ ‫ك‪َ ،‬و َأ ْبت َِل َي بِ َ‬


‫ك‪َ ،‬و َأ ْن َزلْ ُ‬
‫ت َع َل ْي َ‬ ‫ك ألَ ْبت َِل َي َ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم برقم (‪ :)2865‬بلفظ‪َ « :‬و َق َال‪ :‬إِ ان َما َب َعثْ ُت َ‬
‫َّلَ َيغ ِْس ُل ُه الْ َما ُء‪َ ،‬ت ْق َرؤُ ُه نَائِ ًما َو َي ْقظَا َن»‪ ،‬عن عياض بن حمار المجاشعي ‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫التفرد باَّلختيار واَّلجتباء دليل على العلم السابق‪:‬‬


‫واهلل تعالى هو المتفرد باالختيار‪ ،‬وهذا دليل على علمه السابق؛ إذ كيف‬
‫يختار ويصطفي من ال يعلم أعمالهم التي سوف يحدثوهنا‪ ،‬وال أحوالهم التي‬
‫سوف يتحققون هبا؟‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﱢ [األنعام‪ ،]124:‬وقال تعالى‪:‬‬
‫ﲶ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱢ‬
‫ﲷ‬ ‫ﲱﲳﲴﲵ‬
‫ﲲ‬ ‫ﱣﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫[القصص‪ ،]68:‬أي‪ :‬سبحانه المتفرد بالخلق‪ ،‬واالختيار مما خلق‪ ،‬وهو‬
‫االصطفاء واالجتباء‪ ،‬ولهذا كان الوقف التام عند قوله ويختار‪ ،‬ثم نفى عنهم‬
‫االختيار الذي اقرتحوه بإرادهتم‪ ،‬وأن ذلك ليس إليهم‪ ،‬بل إلى الخالق‬
‫ّ‬
‫بمحال االختيار ومواضعه‪ ،‬ال من قال‪ :‬ﱣﲞ ﲟ ﲠ‬ ‫العليم‪ ،‬الذي هو أعلم‬
‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﱢ [الزخرف‪]31:‬؛ فأخرب سبحانه أنه ال يبعث‬
‫الرسل باختيارهم‪ ،‬وأن البشر ليس لهم أن يختاروا على اهلل؛ بل هو الذي‬
‫يخلق ما يشاء ويختار‪.‬‬
‫ثم نفى سبحانه أن تكون لهم الخيرة كما ليس لهم الخلق‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﱢ‬

‫[األنبياء‪ ،]51:‬قال البغوي(‪( :)1‬إنه أهل للهداية والنبوة)‪ ،‬وقال أبو الفرج(‪:)2‬‬
‫(أي‪ :‬عالمين بأنه موضع إليتاء الرشد)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسير البغوي (‪.)322/5‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬زاد المسير البن الجوزي (‪.)194/3‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪60‬‬

‫ً‬
‫أحواال بديعة‬ ‫وقال صاحب الكشاف(‪( :)1‬المعنى ع ْل ُمه به‪ :‬أنه علم منه‬
‫أهله لمخا َّلته‬
‫وأسرارا عجيبة‪ ،‬وصفات قد رضيها وحمدها‪ ،‬حتى َّ‬
‫ً‬
‫حر من الناس‪ :‬أنا عالم بفالن‪ ،‬فكالمك هذا من‬
‫ومخالصته‪ ،‬وهذا كقولك يف ٍّ‬
‫االحتواء على محاسن األوصاف)‪.‬‬
‫وهذا كقوله‪ :‬ﱣﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﱢ [األنعام‪ ،]124:‬وقوله‪ :‬ﱣﭐ ﲝ‬

‫ﲞﲟﲠﱢ [الدخان‪ ،]32:‬ونظيره قوله‪ :‬ﱣﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂ‬

‫ﲋ ﲍ ﲎ ﲏﱢ [آل عمران‪،]33:‬‬
‫ﲌ‬ ‫ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊ‬

‫وقريب منه قوله‪ :‬ﱣﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﲾ ﲿ‬

‫ﳀ ﳁ ﳂﱢ [األنبياء‪]81:‬؛ حيث وضعنا هذا التخصيص يف المحل الذي‬


‫يليق به من األماكن واألناسي)(‪.)2‬‬
‫العلم بما يف أمره وشرعه من العواقب الحميدة‪:‬‬
‫وهو سبحانه كما هو العليم الحكيم يف اختياره من يختاره من خلقه‪،‬‬
‫وإضالله من يضله منهم‪ ،‬فهو العليم الحكيم بما يف أمره وشرعه من العواقب‬
‫ﱇ‬ ‫ﱆ‬ ‫الحميدة والغايات العظيمة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱖﱘ‬
‫ﱗ‬ ‫ﱎﱐﱑﱒﱓﱔﱕ‬
‫ﱏ‬ ‫ﱈﱉﱊﱋﱌﱍ‬
‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱢ [البقرة‪]216:‬؛ ب َّين سبحانه أن ما أمرهم به يعلم ما فيه من‬
‫المصلحة والمنفعة لهم التي اقتضت أن يختاره ويأمرهم به‪ ،‬وهم قد‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسير الزمخشري (‪.)121/3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪.)31‬‬
‫‪61‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫يكرهونه؛ إما لعدم العلم‪ ،‬وإما لنفور الطبع‪ ،‬فهذا علمه بما يف عواقب أمره‬
‫مما ال يعلمونه‪ ،‬وذلك علمه بما يف اختياره من خلقه بما ال يعلمونه‪.‬‬
‫الحض على التزام أمر اهلل وإن شق على النفوس‪،‬‬
‫َّ‬ ‫فهذه اآلية تضمنت‬
‫وعلى الرضا بقضائه وإن كرهته النفوس‪.‬‬
‫ك‪َ ،‬و َأ ْس َت ْق ِد ُر َك‬ ‫َخ ُير َك بِ ِع ْل ِم َ‬‫ويف حديث االستخارة‪« :‬ال ال ُهم إِنِّي َأست ِ‬
‫ْ‬ ‫ا‬
‫ت‬ ‫اك َت ْق ِد ُر َو ََّل َأ ْق ِد ُر‪َ ،‬و َت ْع َل ُم َو ََّل َأ ْع َل ُم‪َ ،‬و َأ ْن َ‬
‫ك؛ َفإِن َ‬‫ك ِم ْن َف ْض ِل َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬‫بِ ُقدْ َرتِ َ‬
‫ْت َتع َلم َأ ان ه َذا ْاألَمر َخير لِي‪ ،‬فِي ِدينِي‪ ،‬ومع ِ‬
‫اشي‪،‬‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ َ ٌْ‬ ‫َ‬ ‫وب‪ ،‬ال ال ُه ام إِ ْن ُكن َ ْ ُ‬ ‫َع اال ُم ا ْل ُغ ُي ِ‬
‫ْت َت ْع َل ُم ُه َش ًّرا‬‫ار ْك لِي فِي ِه‪َ ،‬وإِ ْن ُكن َ‬ ‫َو َعاقِ َب ِة َأ ْمرِي‪َ ،‬فا ْقدُ ْر ُه لِي‪َ ،‬و َي ِّس ْر ُه لِي‪ُ ،‬ث ام َب ِ‬
‫اص ِر ْفن ِي َعنْ ُه‪َ ،‬وا ْقدُ ْر لِي‬ ‫اص ِر ْف ُه َعنِّي‪َ ،‬و ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لي‪ ،‬في ديني‪َ ،‬و َم َعاشي‪َ ،‬و َعاق َبة َأ ْم ِري؛ َف ْ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬

‫َان‪ُ ،‬ث ام َر ِّضنِي بِ ِه»(‪.)1‬‬


‫ثك َ‬‫ا ْلخَ ْي َر َح ْي ُ‬
‫ولما كان العبد يحتاج يف فعل ما ينفعه يف معاشه ومعاده إلى علم ما فيه‬
‫وتيسره له ‪ -‬وليس له من نفسه شيء من ذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫من المصلحة‪ ،‬وقدرة عليه‪ُّ ،‬‬
‫لمه ممن ع َّلم اإلنسان ما لم يعلم‪ ،‬وقدرته منه‪ ،‬فإن لم ُيقدره عليه‪ ،‬وإال‬ ‫ِ‬
‫بل ع ُ‬
‫ييس ْره عليه وإال فهو متعسر عليه بعد إقداره‬
‫فهو عاجز‪ ،‬وتيسيره منه‪ ،‬فإن لم ِّ‬
‫‪ -‬أرشده النبي صلى اهلل تعالى عليه وسلم إلى محض العبودية‪ ،‬وهو جلب‬
‫الخيرة من العال ِم بعواقب األمور وتفاصيلها‪ ،‬وخيرها وشرها‪ ،‬وطلب القدرة‬
‫قدره وإال فهو عاجز‪ ،‬وطلب فضله منه‪ ،‬فإن لم ييسره له‬
‫منه‪ ،‬فإنه إن لم ُي ْ‬
‫ويهيئه له وإال فهو متعذر عليه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6382‬عن جابر ‪.‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪62‬‬

‫ويسره له من فضله‪ ،‬فهو‬


‫ثم إذا اختاره له بعلمه وأعانه عليه بقدرته َّ‬
‫يحتاج إلى أن يبقيه عليه‪ ،‬ويديمه بالربكة التي يضعها فيه‪.‬‬
‫والربكة تتضمن ثبوته ونموه‪ ،‬وهذا قدر زائد على إقداره عليه وتيسيره‬
‫له‪.‬‬
‫ثم إذا فعل ذلك كله‪ ،‬فهو محتاج إلى أن يرضيه به‪ ،‬فإنه قد يهيئ له ما‬
‫يكرهه‪ ،‬فيظل ساخ ًطا‪ ،‬ويكون قد خار اهلل له فيه‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال عبد اهلل بن عمر ‪( : ‬إِ َّن َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اهلل؛ َف َي ْخ َت َار َل ُه‪،‬‬
‫الر ُج َل َل َي ْستَخي َر َ‬
‫َف َي ْس َخ ُط َع َلى َر ِّب ِه‪َ ،‬ف َال َي ْل َب ُث َأ ْن َينْ ُظ َر فِي ا ْل َعاقِ َب ِة؛ َفإِ َذا ُه َو َقدْ َخ َار َل ُه)‪.‬‬
‫ويف المسند من حديث سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬عن النبي‬
‫‪ِ « :‬م ْن َس َعا َد ِة ا ْب ِن آ َد َم ا ْستِخَ َار ُت ُه اهللَ َت َعا َلى‪َ ،‬و ِم ْن َس َعا َد ِة ا ْب ِن آ َد َم‬
‫ِر َضا ُه بِ َما َق َضا ُه اهللُ‪َ ،‬و ِم ْن ِش ْق َو ِة ا ْب ِن آ َد َم ت َْر ُك ُه ْاستِخَ َار َة اهلل ِ ‪َ ،‬و ِم ْن ِش ْق َو ِة‬
‫ا ْب ِن آ َد َم َسخَ ُط ُه بِ َما َق َضى اهللُ»(‪.)2‬‬
‫فالمقدور يكتنفه أمران‪ :‬االستخارة قبله‪ ،‬والرضا بعده‪:‬‬
‫‪ -‬فمن توفيق اهلل لعبده وإسعاده إياه؛ أن يختار قبل وقوعه‪ ،‬ويرضى بعد‬
‫وقوعه‪.‬‬
‫‪ -‬ومن خذالنه له َّأال يستخيره قبل وقوعه‪ ،‬وال يرضى به بعد وقوعه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد يف المسند برقم (‪ )1444‬والحاكم يف المستدرك برقم (‪ )1903‬وقال‪ :‬صحيح‬
‫اإلسناد ولم يخرجاه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أورده ابن المبارك يف الزهد والرقاق (ص‪ ،)32‬والقرطبي يف تفسيره (‪.)98/5‬‬
‫‪63‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ب‪َ ،‬أ ْو َع َلى َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وقال عمر بن الخطاب ‪( :‬ال ُأ َبالي‪َ ،‬أ ْص َب ْح ُت َع َلى َما ُأح ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫يما َأ ْك َر ُه)‪.‬‬
‫ب َأ ْو ف َ‬ ‫َأك َْر ُه‪،‬؛ألَ ِّني َال َأ ْد ِري‪ ،‬ا ْل َخ ْي َر ف َ‬
‫يما ُأح ُّ‬
‫اد َث ِة‪َ ،‬ف ُلر َّب‬
‫ات الواقِع ِة‪ ،‬والباليا الح ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫وقال الحسن(‪( :)2‬ال َت ْكر ُهوا النَّ َقم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فيه َنجا َت َك‪ ،‬و َلرب أم ٍر ُت ْؤثِره فِ ِ‬
‫أمر َت ْكر َهه ِ‬
‫يه َع َط ُب َك)‪.‬‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ َ ُ‬
‫ومما يناسب هذا قوله تعالى‪ :‬ﱣﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬
‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﱢ [الفتح‪]27:‬؛ ب َّين سبحانه حكمة ما‬
‫كرهوه عام الحديبية من صد المشركين لهم حتى رجعوا ولم يعتمروا‪ ،‬وبين‬
‫لهم أن مطلوهبم يحصل بعد هذا‪ ،‬فحصل يف العام القابل‪ ،‬وقال سبحانه‪:‬‬
‫ﱣﲴ ﲵﲶﲷﲸﲹ ﲺﲻﲼﲽﱢ‪ ،‬وهو صلح الحديبية‪ ،‬وهو‬
‫أول الفتح المذكور يف قوله‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱢ [الفتح‪ ،]1:‬فإن بسببه‬
‫حصل من مصالح الدين والدنيا والنصر وظهور اإلسالم وبطالن الكفر ما لم‬
‫يكونوا يرجونه قبل ذلك‪ ،‬ودخل الناس بعضهم يف بعض‪ ،‬وتكلم المسلمون‬
‫بكلمة اإلسالم وبراهينه وأدلته جهرة ال يخافون‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الزهد والرقائق البن المبارك (‪ ،)143/1‬وشرح السنة للبغوي (‪ ،)306/14‬وحلية‬
‫األولياء (‪ )271/7‬والرضا عن اهلل البن أبي الدنيا (ص‪.)65‬‬
‫(‪ )2‬ذكره القرطبي يف تفسيره (‪ ،)39/3‬والثعلبي يف الكشف والبيان (‪ ،)138/2‬قال‪ :‬وأنشد أبو سعيد الضرير‪:‬‬
‫خفـــي المحبـــوب منـــه وبـــدا المكـــروه فيـــه‬ ‫رب أمــــــر تتقيــــــه جــــ ـر أمــــــرا ترتضــــــيه‬
‫وأنشد محمد بن عرفة لعبد اهلل بن المعتز‪:‬‬
‫إن الحــــــــواد لــــــــم تــــــــزل متباينــــــــة‬ ‫َّل تكــــــــره المكــــــــروه عنــــــــد نزولــــــــه‬
‫هلل يف درج الحـــــــــــــــــواد كامنـــــــــــــــــة‬ ‫كــــــــم نعمــــــــة َّل تســــــــتقل بشــــــــكرها‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪64‬‬

‫ودخل يف ذلك الوقت يف اإلسالم قريب ممن دخل فيه إلى ذلك الوقت‪،‬‬
‫بغي المشركين وعداو ُتهم وعنا ُدهم‪ ،‬وعلم الخاص والعام‬
‫وظهر لكل أحد ُ‬
‫أن محمدً ا وأصحابه أولى بالحق والهدى‪ ،‬وأن أعداءهم ليس بأيديهم إال‬
‫العدوان والعناد‪.‬‬
‫فإن البيت الحرام لم ُيصدّ عنه حاج وال معتمر من زمن إبراهيم‪،‬‬
‫فتحققت العرب عنا َد قريش وعداو َتهم‪ ،‬وكان ذلك داعية لبشر كثير إلى‬
‫اإلسالم‪ ،‬وزاد عناد القوم وطغياهنم‪ ،‬وذلك من أكرب العون على نفوسهم‪،‬‬
‫وزاد صرب المؤمنين واحتمالهم‪ ،‬والتزامهم لحكم اهلل وطاعة رسوله‬
‫‪ ،‬وذلك من أعظم أسباب نصرهم‪ ،‬إلى غير ذلك من األمور التي‬
‫فتحا وسئل النبي ‪‬‬
‫علمها اهلل ولم يعلمها الصحابة ولهذا سماه ً‬
‫أفتح هو؟ قال‪َ « :‬ن َعم»(‪.))1‬‬

‫‪‬‬
‫(‪ )1‬يشير إلى حديث ُم َج ِّم ِع بن َجا ِر َي َة األنصاري ‪َ -‬و َكا َن َأ َحدَ ا ْل ُق َّر ِاء ا َّل ِذي َن َق َرؤُ وا ا ْل ُق ْرآ َن‪َ ،-‬ق َال‪َ :‬ش ِهدْ نَا‬
‫ون األَبَا ِع َر‪َ ،‬ف َق َال بَ ْع ُض‬ ‫ا ْلحدَ يبِي َة مع رس ِ ِ‬
‫اس َي ُهزُّ َ‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬ف َل َّما ان َْص َر ْفنَا َعنْ َها‪ ،‬إِ َذا النَّ ُ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َ ُ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫س نُوج ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س؟ َقا ُلوا‪ُ :‬أوحي إِ َلى َر ُسول اهلل ‪َ ،‬ف َخ َر ْجنَا َم َع النَّا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‪َ :‬ما للنَّا ِ‬ ‫س ل ِ َب ْع ٍ‬ ‫النَّا ِ‬
‫َ‬
‫َّاس َق َر َأ‬ ‫ِ‬ ‫اح َلتِ ِه‪ِ ،‬عنْدَ ُك َرا ِع ا ْلغ َِم ِ‬ ‫َفوجدْ نَا النَّبِي ‪ ‬واقِ ًفا َع َلى ر ِ‬
‫اجت ََم َع َع َليْه الن ُ‬‫يم‪َ ،‬ف َل َّما ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬أ َفتْ ٌح ُه َو؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫َع َل ْي ِه ْم‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱢ [الفتح‪َ ،]1:‬ف َق َال َر ُج ٌل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫والا ِذي َن ْفس محم ٍد بِي ِد ِه‪ ،‬إِ انه لَ َفتْح»‪َ ،‬ف ُق ِسم ْت َخيبر َع َلى َأه ِل ا ْلحدَ يبِي ِة‪َ ،‬ف َقسمها رسو ُل اهللِ‬
‫َ َ َ َ ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َُْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ ا َ‬ ‫َ‬
‫س‪،‬‬ ‫ار ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َث م َئة َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ‬ع َلى َث َمان َي َة ع ََش َر َس ْه ًما‪َ ،‬وكَا َن ا ْل َج ْي ُش َأ ْل ًفا َو َخ ْم َس مئَة‪ ،‬في ِه ْم َثال ُ‬
‫اج َل َس ْه ًما‪ .‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ،)2736‬والطرباين يف‬ ‫الر ِ‬ ‫ار َس َس ْه َميْ ِن‪َ ،‬و َأ ْع َطى َّ‬ ‫َف َأ ْع َطى ا ْل َف ِ‬
‫األوسط برقم (‪ ،)3766‬وقال‪ :‬ال يروى هذا الحديث عن مجمع بن جارية إال هبذا اإلسناد‪ ،‬تفرد‬
‫به مجمع بن يعقوب‪ ،‬وصححه الحاكم برقم (‪ ،)2593‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املرتبة الثانية‪ :‬الكتابة‪:‬‬


‫ِ‬
‫المحفوظ قبل خ ْلق السموات‬ ‫ِ‬
‫العلم يف اللوح‬ ‫أي‪ :‬كتابته سبحانه لهذا‬
‫واألرض‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﮊ‬
‫[القمر‪ ،]53-52:‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﭐﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵ‬
‫ﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱢ [األنبياء‪.]106-105:‬‬
‫فالزبور هنا‪ :‬جميع الكتب المنزلة من السماء‪ ،‬ال تختص بزبور داود‪،‬‬
‫والذكر‪ :‬أم الكتاب الذي عند اهلل‪ .‬واألرض‪ :‬الدنيا‪ ،‬وعباده الصالحون‪ :‬أمة‬
‫محمد صلى اهلل تعالى عليه وسلم‪.‬‬
‫هذا أصح األقوال يف هذه اآلية‪.‬‬
‫وهي َع َل ٌم من أعالم نبوة رسول اهلل صلى اهلل تعالى عليه وسلم‪ ،‬فإنه‬
‫أخرب بذلك بمكة‪ ،‬وأهل األرض كلهم كفار أعداء له وألصحابه‪،‬‬
‫والمشركون قد أخرجوهم من ديارهم ومساكنهم‪ ،‬وشتتوهم يف أطراف‬
‫األرض‪ ،‬فأخربهم رهبم ‪ ‬أنه كتب يف الذكر األول إهنم يرثون األرض‬
‫من الكفار‪ ،‬ثم كتب ذلك يف الكتب التي أنزلها على رسله‪.‬‬
‫ﲴﲶﲷ‬
‫ﲵ‬ ‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﱢ [يس‪]12:‬؛ فجمع بين الكتابين‪ ،‬الكتاب السابق‬
‫ألعمالهم قبل وجودهم‪ ،‬والكتاب المقارن ألعمالهم؛ فأخرب أنه يحييهم بعد‬
‫ما أماهتم للبعث‪ ،‬ويجازيهم بأعمالهم‪ ،‬ونبه بكتابته لها على ذلك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ﱣﲱﲲﲳﱢ‪ ،‬من خير أو شر فعلوه يف حياهتم‪ ،‬ﱣﲴﱢ‪ ،‬ما سنوا‬
‫من سنة خير أو شر؛ فاق ُتدي هبم فيها بعد موهتم‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪66‬‬

‫والمقصود أن قوله‪ :‬ﱣﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻﱢ‪ ،‬وهو اللوح‬


‫المحفوظ‪ ،‬وهو أم الكتاب‪ ،‬وهو الذكر الذي ُكتب فيه كل شيء‪ ،‬يتضمن‬
‫علمه هبا‪،‬‬
‫كتابة أعمال العباد قبل أن يعملوها‪ .‬واإلحصاء يف الكتاب يتضمن َ‬
‫وحف َظه لها‪ ،‬واإلحاطة بعددها‪ ،‬وإثباهتا فيه‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱫ ﱬ ﱭﱮﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱢ [األنعام‪.]38:‬‬
‫وقال‪ :‬ﱣﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬
‫ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾﱿﲀ ﲁﲂﱢ [الزخرف‪ ،]4 – 1:‬قال ابن‬
‫الم َق ِّر ِعنْدَ َنا)(‪ ،)1‬وقال مقاتل‪( :‬إن نسخ ُته يف‬ ‫ِ‬
‫الم ْح ُفوظ ُ‬
‫ِ‬
‫عباس‪( :‬في ا َّل ْ‬
‫لوحِ َ‬
‫أصل الكتاب‪ ،‬وهو اللوح المحفوظ)(‪ ،)2‬وأم الكتاب‪ :‬أصل الكتاب‪ ،‬وأم‬
‫كل شيء أصله‪.‬‬
‫والقرآن كتبه اهلل يف اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات واألرض‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﱢ [الربوج‪.]22 ،21:‬‬
‫وأجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث أن كل كائن‬
‫إلى يوم القيامة فهو مكتوب يف أم الكتاب‪.‬‬
‫وقد دل القرآن على أن الرب تعالى كتب يف أم الكتاب ما يفعله وما‬
‫يقوله‪ ،‬فكتب يف اللوح أفعاله وكالمه‪ ،‬فتبت يدا أبي لهب يف اللوح المحفوظ‬
‫قبل وجود أبي لهب‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التفسير البسيط للنيسابوري (‪.)8/20‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تفسير مقاتل (‪ ،)789/3‬والتفسير البسيط للنيسابوري (‪.)8/20‬‬
‫‪67‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وقوله‪ :‬ﱣﲀ ﲁ ﲂﱢ‪ :‬يجوز فيه أن تكون من صلة «أم‬


‫الكتاب»‪ ،‬أي‪ :‬أنه يف الكتاب الذي عندنا‪ ،‬وهذا اختيار ابن عباس‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون من صلة الخرب؛ أنه عل ّي حكيم عندنا‪ ،‬ليس هو كما عند‬
‫المكذبين به‪ ،‬أي‪ :‬وإن كذبتم به وكفرتم‪ ،‬فهو عندنا يف غاية االرتفاع والشرف‬
‫واإلحكام‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱢ [القمر‪ ،]52:‬قال عطاء ومقاتل‪:‬‬
‫(كل شيء فعلوه مكتوب عليهم يف اللوح المحفوظ)(‪.)1‬‬
‫وروى حماد بن زيد عن داود بن أبي هند عن الشعبي‪ :‬ﱣﱏ ﱐ ﱑ‬
‫ﱒﱓﱢ‪ ،‬قال‪( :‬كتب عليهم قبل أن يعملوه)‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬المعنى‪ :‬إنه يحصى عليهم يف كتب أعمالهم‪.‬‬
‫وجمع أبو إسحاق بين القولين فقال‪( :‬مكتوب عليهم قبل أن يفعلوه‪،‬‬
‫ومكتوب عليهم إذا فعلوه للجزاء)‪ ،‬وهذا أصح‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫ويف الصحيحين‪ ،‬من حديث ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬ما رأيت شي ًئا أشبه باللمم‬
‫َب َع َلى ا ْب ِن آ َد َم َح اظ ُه‬‫مما قال أبو هريرة‪ ،‬أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬إِ ان اهللَ َكت َ‬
‫ان ا ْل َمنْطِ ُق‪،‬‬ ‫ك ََّل َم َحا َل َة؛ َف ِزنَا ا ْل َع ْينَ ْي ِن النا َظ ُر‪َ ،‬و ِزنَا ال ِّل َس ِ‬‫ِم َن ال ِّزنَا‪َ ،‬أ ْد َر َك َذلِ َ‬
‫ك َو ُي َك ِّذ ُب ُه»(‪.)2‬‬ ‫َوالنا ْف ُس ت ََمناى َو َت ْشت َِهي‪َ ،‬وا ْل َف ْر ُج ُي َصدِّ ُق َذلِ َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫أيضا عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬كُت َ‬
‫ويف الصحيح ً‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسير مقاتل (‪ ،)185/4‬والتفسير البسيط للنيسابوري (‪.)127/21‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6612‬ومسلم برقم (‪.)2657‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪68‬‬

‫َان ِزن ُ‬
‫َاه َما ال ان َظ ُر‪،‬‬ ‫َع َلى ا ْب ِن آ َد َم ن َِصي ُب ُه ِم ْن الزِّ نَا‪ُ ،‬مدْ ِر ٌك َذ ِل َك ََّل َم َحا َل َة؛ َفا ْل َع ْين ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫األ ُذن ِ‬
‫الر ْج ُل‬ ‫َاها ا ْل َب ْط ُش‪َ ،‬و ِّ‬ ‫ان ِزنَا ُه ا ْلك ََال ُم‪َ ،‬وا ْل َيدُ ِزن َ‬ ‫اع‪َ ،‬وال ِّل َس ُ‬
‫َاه َما اَّل ْست َم ُ‬ ‫َان ِزن ُ‬ ‫َو ْ ُ‬
‫ب َي ْه َوى َو َيت ََمناى‪َ ،‬و ُي َصدِّ ُق ا ْل َف ْر ُج َذ ِل َك ُك ال ُه َو ُيك َِّذ ُب ُه»(‪.)1‬‬ ‫ِزن َ‬
‫َاها ا ْل ُخ َطا‪َ ،‬وا ْل َق ْل ُ‬
‫ويف صحيح البخاري وغيره عن عمران بن حصين‪ ،‬قال‪َ :‬د َخ ْل ُت َع َلى‬
‫يم‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫َاس مِ ْن َبنِي َت ِم ٍ‬ ‫اب‪َ ،‬ف َأ َتا ُه ن ٌ‬ ‫ال َّنبِي ‪َ ،‬و َع َق ْل ُت نَا َقتِي بِا ْل َب ِ‬
‫ِّ‬
‫«ا ْقب ُلوا ا ْلب ْشرى يا بنِي ت َِمي ٍم»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬قدْ ب َّشر َتنَا َف َأ ْعطِنَا‪ ،‬مر َتي ِن‪ُ ،‬ثم د َخ َل َع َليهِ‬
‫ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َّ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫َاس مِ ْن َأ ْه ِل ا ْل َي َم ِن‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ا ْق َب ُلوا ا ْل ُب ْش َرى َيا َأ ْه َل ا ْل َي َم ِن‪ ،‬إِ ْذ َل ْم َي ْق َب ْل َها َبنُو‬ ‫ن ٌ‬
‫اهلل‪َ ،‬قا ُلوا‪ِ :‬ج ْئ َنا ن َْس َأ ُل َك َع ْن َه َذا األَ ْم ِر‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ول ِ‬ ‫ت َِمي ٍم»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬قدْ َقبِ ْلنَا َيا َر ُس َ‬
‫ب ِفي ال ِّذ ْك ِر ك اُل‬ ‫ِ‬
‫َان َع ْر ُش ُه َع َلى ا ْل َماء‪َ ،‬و َك َت َ‬ ‫اهلل‪َ ،‬و َل ْم َيك ُْن َش ْي ٌء َغ ْي ُر ُه‪َ ،‬وك َ‬
‫ان ُ‬ ‫« َك َ‬
‫َاد‪َ :‬ذ َه َب ْت نَا َق ُت َك َيا ا ْب َن ا ْل ُح َص ْي ِن‪،‬‬‫ات واألَر َض»‪َ .‬فنَادى من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫الس َم َاو َ ْ‬ ‫َشيء‪َ ،‬و َخ َل َق ا‬
‫اهلل‪َ ،‬ل َو ِد ْد ُت أنَّي ُكن ُْت َت َر ْك ُت َها(‪.)2‬‬ ‫َفا ْن َط َل ْق ُت‪َ ،‬فإِ َذا ِهي ي ْق َطع دونَها السراب‪َ ،‬فو ِ‬
‫َ َ ُ ُ َ َّ َ ُ َ‬
‫فالرب سبحانه كتب ما يقوله وما يفعله‪ ،‬وما يكون بقوله وفعله‪ ،‬وكتب‬
‫مقتضى أسمائه وصفاته وآثارها‪ ،‬كما يف الصحيحين(‪ )3‬من حديث أبي الزناد‪،‬‬
‫عن األعرج‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ « :‬ل اما َق َضى ُ‬
‫اهلل‬
‫َضبِى»(‪.)4‬‬
‫تغ َ‬ ‫ش‪ :‬إِ ان َر ْح َمتِي َغ َل َب ْ‬
‫َاب؛ َف ُه َو ِعنْدَ ُه َف ْو َق ا ْل َع ْر ِ‬
‫َب ِفي ِكت ٍ‬
‫ا ْلخَ ْل َق‪َ ،‬كت َ‬
‫ويف الحديث عن عبادة بن الصامت ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪.)6243‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري برقم (‪.)3191‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)3194‬ومسلم برقم (‪.)2751‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪ )43–39‬باختصار‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ُب؟‬‫ُب‪َ ،‬ق َال‪ :‬و َما َأ ْكت ُ‬


‫‪« :‬إِ ان َأ او ال َما َخ َل َق اهلل ا ْل َق َل َم‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪ :‬ا ْكت ْ‬
‫الق َي ِام ِة»(‪.)1‬‬
‫َق َال‪ :‬ا ْكتُب ما هو َكائِن إِ َلى يو ِم ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ َ ُ َ‬
‫عاص ‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل‬ ‫ِ‬ ‫عمرو بن ال‬ ‫وعن عبداهلل بن ِ‬
‫ادير الخَ الَئِ ِق َقب َل َأ ْن يخْ ُل َق السمو ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ا ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َب اهلل َم َق َ‬ ‫‪ ‬يقول‪َ « :‬كت َ‬
‫لف سن ٍَة‪َ ،‬ق َال‪ :‬وعر ُشه ع َلى الم ِ‬ ‫ِ‬
‫اء»(‪.)2‬‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ َ‬ ‫ين َأ َ َ‬ ‫َواألَ ْر َض بِخَ ْمس َ‬
‫َان اهلل َو َل ْم‬
‫حصين ‪ ،‬قال‪ :‬قال ‪« :‬ك َ‬ ‫ٍ‬ ‫وعن عمران بن‬
‫ٍ‬
‫شيء َو َخ َل َق‬ ‫َب فِي ال ِّذ ْكرِ ك اُل‬ ‫ِ‬
‫ان َع ْر ُش ُه َع َلى َ‬
‫الماء‪َ ،‬و َكت َ‬ ‫َيك ُْن َشي ٌء َغ ْي ُر ُه‪َ ،‬و َك َ‬
‫ات َواألَ ْر َض»(‪.)3‬‬ ‫السمو ِ‬
‫ا ََ‬
‫*****‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)25‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2653‬‬
‫(‪ )3‬جزء من حديث أخرجه البخاري برقم (‪.)3191‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪70‬‬

‫التقدير يف المرتبتين ‪-‬األولى والثانية‪:-‬‬


‫ويف هاتين الدرجتين ‪-‬األولى والثانية‪ -‬يقول اهلل تعالى‪ :‬ﮋﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪ ﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕﮊ [الحج‪.]70:‬‬
‫وهذا ما يسمى بالتقدير األزلي‪.‬‬
‫وهناك تقديرات أخرى نسبية تتعلق بالكتابة‪:‬‬
‫منها‪ :‬التقدير العمري‪ :‬حين يبلغ الجنين يف بطن أمة أربعة أشهر يرسل‬
‫إليه الملك‪ ،‬فينفخ فيه الروح‪ ،‬ويكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد‪.‬‬
‫ول اهللِ ‪،‬‬ ‫كما يف حديث ابن مسعود ‪ ،‬قال‪َ :‬حدَّ َثنَا َر ُس ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ُهو الص ِ‬
‫ين‬‫وق‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِ ان َأ َحدَ ك ُْم ُي ْج َم ُع َخ ْل ُق ُه في َب ْط ِن ُأ ِّمه َأ ْر َبع َ‬ ‫اد ُق ا ْل َم ْصدُ ُ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ك‪ُ ،‬ث ام ُي ْر َس ُل إِ َل ْي ِه‬ ‫ُون ُم ْض َغ ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬‫ك‪ُ ،‬ث ام َيك ُ‬ ‫ُون َع َل َق ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬ ‫َي ْو ًما‪ُ ،‬ث ام َيك ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُب‪ِ :‬ر ْز َق ُه‪َ ،‬و َأ َج َل ُه‪َ ،‬و َع َم َل ُه‪،‬‬‫وح‪َ ،‬و ُي ْؤ َم ُر بِ َأ ْر َب ِع ك َِل َمات‪َ :‬ي ْكت ُ‬ ‫ك؛ َف َينْ ُف ُخ فيه ال ُّر َ‬ ‫ا ْل َم َل َ‬
‫َو َش ِقي َأ ْم َس ِعيدٌ ‪َ ،‬ف َوا ال ِذي ََّل إِ َل َه َغ ْي ُر ُه‪ ،‬إِ ان َأ َحدَ ك ُْم َل َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َأ ْه ِل ا ْل َجن ِاة‪،‬‬
‫َاب؛ َف َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َأ ْه ِل‬ ‫ِ ِ‬
‫اع؛ َف َي ْسبِ ُق َع َل ْيه ا ْلكت ُ‬ ‫ُون َب ْينَ ُه َو َب ْين ََها إِ اَّل ِذ َر ٌ‬
‫َحتاى َما َيك َ‬
‫ُون َب ْينَ ُه َو َب ْين ََها‬
‫اار‪َ ،‬حتاى َما َيك َ‬ ‫اار؛ َف َيدْ ُخ َل َها‪َ ،‬وإِ ان َأ َحدَ ك ُْم َل َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َأ ْه ِل الن ِ‬
‫الن ِ‬

‫َاب؛ َف َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َأ ْه ِل ا ْل َجنا ِة؛ َف َيدْ ُخ َل َها»(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬


‫إِ اَّل ِذ َر ٌ‬
‫اع؛ َف َي ْسبِ ُق َع َل ْيه ا ْلكت ُ‬
‫ومنها‪ :‬التقدير الحولي‪ :‬وهو الذي يكون يف ليلة القدر‪ ،‬يكتب فيها ما‬
‫يكون يف السنة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋﭠﭡ ﭢﭣﭤﮊ [الدخان‪.]4:‬‬
‫َاب فِي َل ْي َل ِة ا ْل َقدْ ِر َما َي ُك ُ‬
‫ون‬ ‫َب مِ ْن ُأ ِّم ا ْلكِت ِ‬
‫قال ابن عباس ‪ُ ( :‬ي ْكت ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)3208‬ومسلم برقم (‪ ،)2643‬عن ابن مسعود ‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ت‪ ،‬أو حي ٍ‬
‫اة‪َ ،‬و ِر ْز ٍق‪َ ،‬و َم َط ٍر‪َ ،‬حتَّى ا ْل ُح َّجاجِ ‪ُ ،‬ي َق ُال‪َ :‬ي ُح ُّج‬ ‫فِي السن َِة‪ ،‬مِن‪ :‬مو ٍ‬
‫ََ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َّ‬
‫ُف َال ٌن‪َ ،‬و َي ُح ُّج ُف َال ٌن)(‪ ،)1‬وكذا قال الحسن‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬ومقاتل‪ ،‬وأبو‬
‫عبد الرحمن السلمي‪ ،‬وغيرهم(‪.)2‬‬
‫ومنها التقدير اليومي‪ :‬كما ذكره بعض أهل العلم واستدل له بقوله‬
‫تعالى‪ :‬ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮊ [الرحمن‪ ،]29:‬فهو كل يوم يغني‬
‫فقيرا‪ ،‬ويفقر غن ًيا‪ ،‬ويوجد معدو ًما‪ ،‬ويعدم موجو ًدا‪ ،‬ويبسط الرزق ويقدره‪،‬‬
‫ً‬
‫وينشئ السحاب والمطر‪ ،‬وغير ذلك(‪.)3‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مختصر قيام الليل للمقريزي (ص‪ ،)250‬وأعالم السنة المنشورة للحكمي (ص‪،)84‬‬
‫ومعارج القبول للحكمي (‪.)937/3‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬القول المفيد على كتاب التوحيد البن عثيمين (‪.)297/2‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪72‬‬

‫املرتبة الثالثة‪ :‬املشيئة‪:‬‬


‫قال ابن القيم(‪( :)1‬وهذه المرتبة قد دل عليها إجماع الرسل من أولهم‬
‫إلى آخرهم‪ ،‬وجميع الكتب المنزلة من عند اهلل‪ ،‬والفطرة التي فطر اهلل عليها‬
‫خلقه‪ ،‬وأدلة العقول والعيان‪.‬‬
‫وليس يف الوجود موجب ومقتض إال مشيئة اهلل وحده‪ ،‬فما شاء كان وما‬
‫لم يشأ لم يكن‪ ،‬هذا عموم التوحيد الذي ال يقوم إال به‪.‬‬
‫والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على أنه ما شاء اهلل كان‪،‬‬
‫وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫وخالفهم يف ذلك من ليس منهم يف هذا الموضع‪ ،‬وإن كان منهم يف‬
‫فجوز أن يكون يف الوجود ما ال يشاء اهلل‪ ،‬وأن يشاء ما ال يكون‪،‬‬
‫موضع آخر‪َّ ،‬‬
‫وخالف الرسل كلهم وأتباعهم من نفى مشيئة اهلل بالكلية‪ ،‬ولم يثبت له‬
‫واختيارا أوجد هبا الخلق‪ ،‬كما يقوله طوائف من أعداء الرسل‬
‫ً‬ ‫سبحانه مشيئة‬
‫من الفالسفة وأتباعهم)‪.‬‬
‫وذكر ابن القيم عشرات اآليات التي تدل على مشيئة اهلل تعالى‪ ،‬وأن ما‬
‫شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﱣﱛﱜ ﱝﱞﱟﱠﱡﱢ ﱣﱤﱥ ﱦﱧ‬

‫ﱯﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬
‫ﱰ‬ ‫ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ‬
‫ﱺﱢ [البقرة‪ ،]253:‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﱵﱶﱷﱸﱹﱢ [آل عمران‪.]40:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪.)43‬‬


‫‪73‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وقال‪ :‬ﱣﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱢ‬
‫[األنعام‪ ،]112:‬وقال‪ :‬ﱣﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱢ [يونس‪.]99:‬‬
‫وقال‪ :‬ﱣﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢﱢ [األنعام‪ ،]35:‬وقال عن نوح أنه‬
‫قال لقومه‪ :‬ﱣﲖ ﲗ ﲘ ﲙﱢ [هود‪ ،]33:‬وقال إمام الحنفاء وأبو األنبياء‬
‫لقومه‪ :‬ﱣﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻﱢ [األنعام‪ ،]80:‬وقال الذبيح له‪ :‬ﱣﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣﱢ‬
‫[الصافات‪ ،]102:‬وقال خطيب األنبياء شعيب‪ :‬ﱣﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬
‫ﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱢ [األعراف‪.]89:‬‬
‫وقال الصديق الكريم ابن الكريم ابن الكريم‪ :‬ﱣﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬
‫ﲽﲿ ﳀ‬
‫ﲾ‬ ‫ﱸﱢ [يوسف‪ ،]99:‬وقال حمو موسى‪ :‬ﱣﲹﲺﲻﲼ‬
‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﱢ [القصص‪ ،]27:‬وقال كليم الرحمن للخضر‪:‬‬
‫ﱣﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﱢ [الكهف‪ ،]69:‬وقال قوم موسى‬
‫له‪ :‬ﱣﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱢ [البقرة‪ ،]70:‬وقال لسيد ولد آدم وأكرمهم عليه‪:‬‬
‫ﱣﭐﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﱢ [الكهف‪.]24 – 23:‬‬
‫وقال‪ :‬ﱣﲕﲖﲗﲘﲙ ﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﱢ [يونس‪ ،]49:‬وقال‪ :‬ﱣﱭ‬
‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱢ [المدثر‪ ،]56:‬ويف اآلية األخرى‪ :‬ﱣﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬
‫ﳉ ﳊﱢ [التكوير‪]29:‬؛ فأخرب أن مشيئتهم وفعلهم موقوفان على مشيئته لهم‬
‫هذا وهذا‪ ،‬وقال‪ :‬ﱣﱷ ﱸﱹﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﱢ [آل عمران‪ ،]26:‬وقال‪ :‬ﱣﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬
‫ﳔﳕﳖﳗﳘﳙﱢ [يونس‪.)]25:‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪74‬‬

‫وقال ‪ ‬بعد أن ذكر هذه اآليات وغيرها(‪( :)1‬وهذه اآليات ونحوها‬


‫تتضمن الرد على طائفتي الضالل‪ :‬نفاة المشيئة بالكلية‪ ،‬ونفاة مشيئة أفعال‬
‫العباد وحركاهتم وهداهم وضاللهم‪ ،‬وهو سبحانه تارة يخرب أن كل ما يف‬
‫الكون بمشيئته‪ ،‬وتارة أن ما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وتارة أنه لو شاء لكان خالف‬
‫الواقع‪ ،‬وأنه لو شاء لكان خالف القدر الذي قدره وكتبه‪ ،‬وأنه لو شاء ما‬
‫ُعصي‪ ،‬وأنه لو شاء لجمع خلقه على الهدى وجعلهم أمة واحدة‪ ،‬فتضمن‬
‫ذلك أن الواقع بمشيئته‪ ،‬وإن ما لم يقع فهو لعدم مشيئته‪.‬‬
‫وهذا حقيقة الربوبية‪ ،‬وهو معنى كونه رب العالمين‪ ،‬وكونه القائم بتدبير‬
‫عباده‪ ،‬فال خلق وال رزق وال عطاء وال منع وال قبض وال بسط وال موت وال‬
‫حياة وال إضالل وال هدى وال سعادة وال شقاوة إال بعد إذنه‪ ،‬وكل ذلك‬
‫بمشيئته وتكوينه‪ ،‬إذ ال مالك غيره‪ ،‬وال مدبر سواه‪ ،‬وال رب غيره‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﱢ [القصص‪ ،]68:‬وقال‪ :‬ﱣﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬

‫ﲛﱢ [الحج‪ ،]5:‬وقال‪ :‬ﱣﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧﱨﱢ [االنفطار‪ ،]8:‬وقال‪:‬ﭐﱣﲧ ﲨ‬

‫ﲮﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹ‬
‫ﲯ‬ ‫ﲪﲬﲭ‬
‫ﲫ‬ ‫ﲩ‬
‫ﲼ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﱢ [الشورى‪ ،]50 ،49:‬وقال‪ :‬ﱣﳁ‬
‫ﲽ‬ ‫ﲺﲻ‬
‫ﳂﳃﳄﳅﱢ [النور‪.]35:‬‬
‫وتقدم يف حديث حذيفة بن أسيد يف صحيح مسلم يف شأن الجنين‪:‬‬
‫ك»(‪.)2‬‬
‫َب ا ْل َم َل ُ‬ ‫« َف َي ْق ِضي َر ُّب َ‬
‫ك َما َي َشا ُء‪َ ،‬و ُي ْكت ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪ )45–43‬باختصار‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2645‬‬
‫‪75‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ويف صحيح البخاري من حديث أبي موسى عن النبي ‪:‬‬


‫ان َنبِ ِّي ِه َما َي َشاء»(‪.)1‬‬
‫« ْاش َف ُعوا ت ُْؤ َج ُروا‪َ ،‬و َي ْق ِضي اهللُ َع َلى لِ َس ِ‬

‫ويف صحيح البخاري‪ ،‬من حديث علي بن أبي طالب‪ ،‬حين َط َر َق ُه النبي‬
‫ان؟»‪ ،‬فقال علي‪ ،‬إِن ََّما َأ ْن ُف ُسنَا بِ َي ِد‬
‫ليال‪ ،‬فقال‪َ « :‬أَّل ت َُص ِّل َي ِ‬
‫‪ ‬وفاطمة ً‬
‫اهللِ‪َ ،‬فإِ َذا َشا َء َأ ْن َي ْب َع َثنَا َب َع َثنَا(‪.)2‬‬
‫أيضا ‪-‬يف قصة نومهم يف الوادي‪ ،-‬عنه صلى اهلل تعالى‬ ‫ويف صحيحه ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َشا َء»(‪.))3‬‬
‫ين َشا َء‪َ ،‬و َر اد َها ح َ‬ ‫عليه وسلم‪« :‬إ ان اهللَ َق َب َض َأ ْر َو َ‬
‫احك ُْم ح َ‬
‫فما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن؛ قال تعالى‪ :‬ﮋﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧﮊ [السجدة‪ ،]13:‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬

‫ﯳ ﯴ ﯵﮊ [التكوير‪ ،]29-28:‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬

‫ﱯﱱ‬
‫ﱰ‬ ‫ﱢ ﱣﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬
‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱢ [البقرة‪.]253:‬‬
‫فبين أن األمور كلها بمشيئة اهلل تعالى وإرادته‪.‬‬
‫*****‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪.)1432‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)1127‬ومسلم برقم (‪.)775‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)595‬عن أبي قتادة عن أبيه ‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪76‬‬

‫الفرق بين المشيئة الكونية القدرية والمشيئة الشرعية‪:‬‬


‫قال اإلمام ابن القيم(‪( :)1‬وههنا أمر يجب التنبيه عليه‪ ،‬والتنبه له‪،‬‬
‫علما‪ ،‬وهو أن اهلل‬
‫وبمعرفته تزول إشكاالت كثيرة‪ ،‬تعرض لمن لم يحط به ً‬
‫سبحانه له الخلق واألمر‪:‬‬
‫وأمره سبحانه نوعان‪ :‬أمر كون قدري‪ ،‬وأمر ديني شرعي‪.‬‬
‫فمشيئته سبحانه متعلقة بخلقه وأمره الكوين‪ ،‬وكذلك تتعلق بما يحب‬
‫وبما يكرهه‪ ،‬كله داخل تحت مشيئته؛ كما خلق إبليس وهو يبغضه‪ ،‬وخلق‬
‫الشياطين والكفار‪ ،‬واألعيان واألفعال المسخوطة له وهو يبغضها‪ ،‬فمشيئته‬
‫سبحانه شاملة لذلك كله‪.‬‬
‫وأما محبته ورضاه فمتعلقة بأمره الديني‪ ،‬وشرعه الذي شرعه على ألسنة‬
‫رسله‪ ،‬فما وجد منه‪ ،‬تعلقت به المحبة والمشيئة جمي ًعا‪ ،‬فهو محبوب للرب‬
‫واقع بمشيئته؛ كطاعات المالئكة واألنبياء والمؤمنين‪ ،‬وما لم يوجد منه‪،‬‬
‫تعلقت به محبته وأمره الديني‪ ،‬ولم تتعلق به مشيئته‪.‬‬
‫وما وجد من الكفر والفسوق والمعاصي تعلقت به مشيئته‪ ،‬ولم تتعلق به‬
‫محبته وال رضاه‪ ،‬وال أمره الديني‪ ،‬وما لم يوجد منها لم تتعلق به مشيئته وال محبته‪.‬‬
‫فلفظ المشيئة كوين‪ ،‬ولفظ المحبة ديني شرعي‪.‬‬
‫ولفظ اإلرادة ينقسم إلى‪ :‬إرادة كونية؛ فتكون هي المشيئة‪ ،‬وإرادة دينية؛‬
‫فتكون هي المحبة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪.)47‬‬


‫‪77‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫إذا عرفت هذا فقوله تعالى‪ :‬ﱣﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱢ [الزمر‪ ،]7:‬وقوله‪:‬‬


‫ﱣﱽ ﱾ ﱿﱢ [البقرة‪ ،]205:‬وقوله‪ :‬ﱣﲩ ﲪ ﲫ ﲬﱢ [البقرة‪،]185:‬‬
‫ال يناقض نصوص القدر والمشيئة العامة الدالة على وقوع ذلك بمشيئته‬
‫وقضائه وقدره؛ فإن المحبة غير المشيئة‪ ،‬واألمر غير الخلق‪.‬‬
‫ونظير هذا لفظ األمر؛ فإنه نوعان‪ :‬أمر تكوين‪ ،‬وأمر تشريع‪.‬‬
‫والثاين قد ُيعصى ويخا َلف بخالف األول؛ فقوله تعالى‪ :‬ﱣﲾ ﲿ ﳀ‬

‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﱢ [اإلسراء‪ ،]16:‬ال يناقض قوله‪ :‬ﱣﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬

‫ﲫﱢ [األعراف‪ ،]28:‬وال حاجة إلى تكلف تقدير‪َ :‬أ َم ْر َنا ُم ْت َرفِ َيها فيها‬
‫بالطاعة فعصونا وفسقوا فيها؛ بل األمر ههنا أمر تكوين وتقدير ال أمر‬
‫تشريع)‪.‬‬
‫*****‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪78‬‬

‫َّل شيء كان وَّل يكون إَّل بمشيئة اهلل تعالى‪:‬‬


‫سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية(‪ :)1‬عن أقوام يقولون‪ :‬المشيئة مشيئة اهلل يف‬
‫الماضي والمستقبل‪ ،‬وأقوام يقولون‪ :‬المشيئة يف المستقبل ال يف الماضي‪ .‬ما‬
‫الصواب؟‬
‫فأجاب‪( :‬الماضي مضى بمشيئة اهلل‪ ،‬والمستقبل ال يكون إال أن يشاء‬
‫اهلل‪.‬‬
‫فمن قال يف الماضي‪ :‬إن اهلل خلق السموات إن شاء اهلل‪ ،‬وأرسل محمدً ا‬
‫‪ ‬إن شاء اهلل؛ فقد أخطأ‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬خلق اهلل السموات بمشيئة اهلل‪ ،‬وأرسل محمدً ا ‪‬‬
‫بمشيئته‪ ،‬ونحو ذلك؛ فقد أصاب‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬إنه يكون يف الوجود شيء بدون مشيئة اهلل؛ فقد أخطأ‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن؛ فقد أصاب‪.‬‬
‫وك ُّل ما تقدم فقد كان بمشيئة اهلل قط ًعا؛ فاهلل خلق السموات بمشيئته‬
‫قط ًعا وأرسل محمدً ا ‪ ‬بمشيئته قط ًعا‪.‬‬
‫واإلنسان الموجود خلقه اهلل بمشيئته قط ًعا‪ ،‬وإن شاء اهلل أن يغير‬
‫المخلوق من حال إلى حال‪ ،‬فهو قادر على ذلك‪ ،‬فما خلقه فقد كان بمشيئته‬
‫قط ًعا‪ ،‬وإن شاء اهلل أن يغيره غيره بمشيئته قط ًعا‪ .‬واهلل أعلم)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)62/8‬‬


‫‪79‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املرتبة الرابعة‪ :‬اخللق‪:‬‬


‫خالق ِّ‬
‫كل شيء‪ ،‬فال يوجد شي ٌء إال بمشيئته وخلقه‪ ،‬ومن‬ ‫وهي أنَّه تعالى ُ‬
‫أفعال ِ‬
‫العباد خيرها وشرها‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫خالق‬
‫ُ‬ ‫ذلك أفعال ِ‬
‫العباد‪ ،‬فهو تعالى‬
‫ﮋﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ [الرعد‪ ،]16:‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋﯕ ﯖ ﯗ ﯘﮊ‬
‫[الصافات‪.]96:‬‬

‫قال ابن القيم(‪( :)1‬وهذا أمر متفق عليه بين الرسل صلى اهلل تعالى عليهم‬
‫وسلم‪ ،‬وعليه اتفقت الكتب اإللهية والفطر والعقول واالعتبار‪.‬‬

‫وخالف يف ذلك مجوس األمة(‪ ،)2‬فأخرجت طاعات مالئكته وأنبيائه‬


‫ورسله وعباده المؤمنين ‪-‬وهي أشرف ما يف العالم‪ -‬عن ربوبيته وتكوينه‬
‫ومشيئته؛ بل جعلوهم هم الخالقون لها وال تعلق لها بمشيئته‪ ،‬وال تدخل‬
‫تحت قدرته‪.‬‬
‫وكذلك قالوا يف جميع أفعال الحيوانات االختيارية؛ فعندهم أنه سبحانه‬
‫مسلما‪،‬‬
‫ً‬ ‫ال يقدر أن يهدي ًّ‬
‫ضاال‪ ،‬وال يضل مهتد ًيا‪ ،‬وال يقدر أن يجعل المسلم‬
‫كافرا‪ ،‬والمصلي مصل ًيا‪ ،‬وإنما ذلك بجعلهم أنفسهم كذلك ال‬
‫ً‬ ‫والكافر‬
‫بجعله تعالى‪.‬‬
‫وقد نادى القرآن؛ بل الكتب السماوية كلها والسنة وأدلة التوحيد‬
‫والعقول على بطالن قولهم‪ ،‬وصاح هبم أهل العلم واإليمان من أقطار‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪.)49‬‬


‫(‪ )2‬وهم القدرية الضالة‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪80‬‬

‫كره التصانيف يف الرد‬


‫األرض‪ ،‬وصنف حزب اإلسالم وعصابة الرسول وعس ُ‬
‫عليهم‪ ،‬وهي أكثر من أن يحصيها إال اهلل‪ ،‬ولم تزل أيدي السلف وأئمة السنة‬
‫يف أقفيتهم‪ ،‬ونواصيهم تحت أرجلهم‪ ،‬إذ كانوا يردون باطلهم بالحق‬
‫المحض‪ ،‬وبدعتهم بالسنة‪ ،‬والسنة ال يقوم لها شيء‪ ،‬فكانوا معهم كالذمة مع‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫إلى أن نبغت نابغة ردوا بدعتهم ببدعة تقابلها(‪ ،)1‬وقابلوا باطلهم بباطل‬
‫من جنسه‪ ،‬وقالوا العبد مجبور على أفعاله‪ ،‬مقهور عليها‪ ،‬ال تأثير له يف‬
‫وجودها َأ ْلبتة‪ ،‬وهي واقعة بغير إرادته واختياره‪.‬‬
‫وغال غالهتم فقالوا‪ :‬بل هي عين أفعال اهلل‪ ،‬وال ينسب إلى العبد إال‬
‫على المجاز‪ ،‬واهلل سبحانه يلوم العبد ويعاقبه ويخلده يف النار على ما لم يكن‬
‫للعبد فيه صنع‪ ،‬وال هو فعله؛ بل هو محض فعل اهلل‪ ،‬وهذا قول الجربية‪،‬‬
‫شرا من القدرية فليس هو بدونه يف البطالن‪.‬‬
‫وهو إن لم يكن ًّ‬
‫وإجماع الرسل‪ ،‬واتفاق الكتب اإللهية‪ ،‬وأدلة العقول والفطر والعيان؛‬
‫عمى عن الحق القويم والصراط‬
‫يكذب هذا القول ويرده‪ ،‬والطائفتان يف ً‬
‫المستقيم‪.‬‬
‫وأهل السنة وحزب الرسول وعسكر اإليمان ال مع هؤالء وال مع‬
‫هؤالء؛ بل هم مع هؤالء فيما أصابوا فيه‪ ،‬وهم مع هؤالء فيما أصابوا فيه؛‬
‫فكل حق مع طائفة من الطوائف فهم يوافقوهنم فيه‪ ،‬وهم براء من باطلهم؛‬

‫(‪ )1‬وهم الجربية الضالة‪.‬‬


‫‪81‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫فمذهبهم جمع حق الطوائف بعضه إلى بعض والقول به‪ ،‬ونصره ومواالة‬
‫أهله من ذلك الوجه‪ ،‬ونفي باطل كل طائفة من الطوائف‪ ،‬وكسره ومعاداة‬
‫أهله من هذا الوجه‪.‬‬
‫فهم حكام بين الطوائف‪ ،‬ال يتحيزون إلى فئة منهم على اإلطالق‪ ،‬وال‬
‫باطال‬
‫يردون حق طائفة من الطوائف‪ ،‬وال يقابلون بدعة ببدعة‪ ،‬وال يردون ً‬
‫بباطل‪ ،‬وال يحملهم شنآن قوم يعادوهنم ويكفروهنم على أن ال يعدلوا فيهم؛‬
‫بل يقولون فيهم الحق‪ ،‬ويحكمون يف مقااللتهم بالعدل‪.‬‬
‫واهلل ‪ ‬أمر رسوله ‪ ‬أن يعدل بين الطوائف‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﲽﲿﳀﳁﳂﳃﳄ‬
‫ﲾ‬ ‫ﲹﲻﲼ‬
‫ﲺ‬ ‫ﲵﲷﲸ‬
‫ﲶ‬ ‫ﱣﲴ‬
‫ﳅ ﳇ ﳈ ﳉﱢ [الشورى‪]15:‬؛ فأمره سبحانه أن يدعو إلى دينه‬
‫ﳆ‬
‫وكتابه‪ ،‬وأن يستقيم يف نفسه كما أمره‪َّ ،‬‬
‫وأال يتبع هوى أحد من الفرق‪ ،‬وأن‬
‫يؤمن بالحق جميعه‪ ،‬وال يؤمن ببعضه دون بعض‪ ،‬وأن يعدل بين أرباب‬
‫المقاالت والديانات‪.‬‬
‫وأنت إذا تأملت هذه اآلية وجدت أهل الكالم الباطل وأهل األهواء‬
‫والبدع من جميع الطوائف أبخس الناس منها ح ًّظا‪ ،‬وأقلهم نصي ًبا‪ ،‬ووجدت‬
‫أحق هبا وأه ُلها‪ ،‬وهم يف هذه المسألة‬
‫حزب اهلل ورسوله وأنصار سنته هم ُّ‬
‫وغيرها من المسائل أسعد بالحق من جميع الطوائف‪ ،‬فإهنم يثبتون قدرة اهلل‬
‫على جميع الموجودات من األعيان واألفعال‪ ،‬ومشيئته العامة‪ ،‬وينزهونه أن‬
‫يكون يف ملكه ما ال يقدر عليه وال هو واقع تحت مشيئته‪ ،‬ويثبتون القدر‬
‫السابق‪ ،‬وأن العباد يعملون على ما قدره اهلل وقضاه وفرغ منه‪ ،‬وأهنم ال‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪82‬‬

‫يشاؤون إال أن يشاء اهلل‪ ،‬وال يفعلون إال من بعد مشيئته‪ ،‬وأنه ما شاء كان‪ ،‬وما‬
‫لم يشأ لم يكن‪ ،‬وال تخصيص عندهم يف هاتين القضيتين بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫والقدر عندهم‪ :‬قدرة اهلل تعالى وعلمه ومشيئته وخلقه‪ ،‬فال يتحرك ذرة‬
‫فما فوقها إال بمشيئته وعلمه وقدرته‪ ،‬فهم المؤمنون بال حول وال قوة إال باهلل‬
‫على الحقيقة إذا قالها غيرهم على المجاز‪ ،‬إذ العالم علو ُّيه وسفل ُّيه وكل حي‬
‫فعال‪ ،‬فإن فعله بقوة منه على الفعل‪ ،‬وهو يف حول من ترك إلى فعل‪،‬‬
‫يفعل ً‬
‫ومن فعل إلى ترك‪ ،‬ومن فعل إلى فعل‪ ،‬وذلك كله باهلل تعالى ال بالعبد‪.‬‬
‫ويؤمنون بأن من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأنه‬
‫كافرا‪ ،‬والمصلي مصل ًيا‪ ،‬والمتحرك‬
‫مسلما‪ ،‬والكافر ً‬
‫ً‬ ‫هو الذي يجعل المسلم‬
‫متحر ًكا‪.‬‬
‫وهو الذي يسير عبده يف الرب والبحر‪ ،‬وهو المسير والعبد السائر‪ ،‬وهو‬
‫المحرك والعبد المتحرك‪ ،‬وهو المقيم والعبد القائم‪ ،‬وهو الهادي والعبد‬
‫المهتدي‪ ،‬وأنه المطعم والعبد الطاعم‪ ،‬وهو المحي المميت والعبد الذي‬
‫يحيى ويموت‪.‬‬
‫ويثبتون مع ذلك قدرة العبد‪ ،‬وإرادته‪ ،‬واختياره‪ ،‬وفعله؛ حقيقة ال‬
‫مجازا‪.‬‬
‫ً‬
‫بغوي‬
‫وهم متفقون على أن الفعل غير المفعول‪ ،‬كما حكاه عنهم ال ُّ‬
‫وغيره؛ فحركاهتم واعتقاداهتم أفعال لهم حقيقة‪ ،‬وهي مفعولة هلل سبحانه‬
‫علمه وقدر ُته ومشيئ ُته وتكوينُه‪،‬‬
‫مخلوقة له حقيقة‪ ،‬والذي قام بالرب ‪ُ ‬‬
‫والذي قام هبم هو فعلهم وكسبهم وحركاهتم وسكناهتم‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫فهم المسلمون المصلون القائمون القاعدون حقيقة‪ ،‬وهو سبحانه هو‬


‫المقدِّ ر لهم على ذلك القادر عليه‪ ،‬الذي شاءه منهم وخلقه لهم‪ ،‬ومشيئتهم‬
‫وفعلهم بعد مشيئته‪ ،‬فما يشاؤون إال أن يشاء اهلل‪ ،‬وما يفعلون إال أن يشاء اهلل‪.‬‬
‫وإذا وازنت بين هذا المذهب وبين ما عداه من المذاهب وجدته هو‬
‫المذهب الوسط والصراط المستقيم‪ ،‬ووجدت سائر المذاهب خطو ًطا عن‬
‫يمينه وعن شماله‪ ،‬فقريب منه وبعيد وبين ذلك)(‪.)1‬‬
‫*****‬

‫(‪ )1‬ينظر تفاصيل الحديث عن هذه المراتب األربع التي تحدثنا عنها يف‪ :‬الروضة الندية لزيد بن‬
‫فياض (ص‪ ،)353‬والتنبيهات اللطيفة للسعدي م ع تعليقات الشيخ ابن باز (‪ ،)80-75‬وشرح‬
‫العقيدة الواسطية لصالح الفوزان (ص‪ ،)156-150‬وشفاء العليل البن القيم (‪،)116-61‬‬
‫ومعارج القبول لحافظ الحكمي (‪ ،)238-225/2‬وأعالم السنة المنشورة للحكمي‬
‫(ص‪ ،)129-126‬ورسائل يف العقيدة البن عثيمين (ص‪ ،)37‬وتقريب التدمرية البن عثيمين‬
‫(ص‪ ،)109-108‬والقضاء والقدر لعمر األشقر‪( ،‬ص‪ ،)36-29‬و خالصة معتقد أهل السنة‬
‫لعبد اهلل المشعلي (ص‪.)30-29‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪84‬‬

‫كن آدم ًّيا وَّل تكن إبليس ًّيا‪:‬‬


‫سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية(‪( :)1‬ما تقول السادة أئمة المسلمين؟ يف‬
‫جماعة اختلفوا يف قضاء اهلل وقدره‪ ،‬خيره وشره؛ منهم من يرى أن الخير من‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬والشر من النفس خاصة؟ أفتونا مأجورين‪.‬‬
‫فأجاب ‪ :‬مذهب أهل السنة والجماعة أن اهلل تعالى خالق كل‬
‫رب غيره وال خالق سواه؛ ما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم‬
‫شيء وربه ومليكه‪ ،‬ال َّ‬
‫يكن‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ ،‬وبكل شيء عليم‪ ،‬والعبد مأمور بطاعة اهلل‬
‫وطاعة رسوله ‪ ،‬منهي عن معصية اهلل ومعصية رسوله‬
‫‪‬؛ فإن أطاع كان ذلك نعمة‪ ،‬وإن عصى كان مستح ًقا للذم‬
‫والعقاب‪ ،‬وكان هلل عليه الحجة البالغة‪ ،‬وال حجة ألحد على اهلل تعالى‪ ،‬وكل‬
‫ذلك كائن بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬ومشيئته وقدرته؛ لكنه يحب الطاعة ويأمر هبا‪،‬‬
‫ويثيب أهلها على فعلها ويكرمهم‪ ،‬ويبغض المعصية وينهى عنها‪ ،‬ويعاقب‬
‫أهلها ويهينهم‪.‬‬
‫وما يصيب العبد من النعم فاهلل أنعم هبا عليه‪ ،‬وما يصيبه من الشر‬
‫فبذنوبه ومعاصيه‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒﱢ‬
‫[الشورى‪ ،]30:‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ‬
‫ﳠﱢ [النساء‪ ،]79:‬أي‪ :‬ما أصابك من خصب ونصر وهدى؛ فاهلل أنعم به‬
‫عليك‪ ،‬وما أصابك من حزن وذل وشر؛ فبذنوبك وخطاياك‪ ،‬وكل األشياء‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)63/8‬‬


‫‪85‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫كائنة بمشيئة اهلل وقدرته وخلقه‪ ،‬فال بد أن يؤمن العبد بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬وأن‬
‫يوقن العبد بشرع اهلل وأمره‪.‬‬
‫فمن نظر إلى الحقيقة القدرية‪ ،‬وأعرض عن األمر والنهي والوعد‬
‫والوعيد‪ ،‬كان مشاهبًا للمشركين‪.‬‬
‫ومن نظر إلى األمر والنهي وكذب بالقضاء والقدر كان مشاهبًا‬
‫للمجوسيين‪.‬‬
‫ومن آمن هبذا وهبذا؛ فإذا أحسن حمد اهلل تعالى‪ ،‬وإذا أساء استغفر اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬وعلم أن ذلك بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬فهو من المؤمنين‪.‬‬
‫فإن آدم ‪ ‬لما أذنب تاب فاجتباه ر ُّبه وهداه‪ ،‬وإبليس أصر واحتج‬
‫فلعنه اهلل وأقصاه‪ ،‬فمن تاب كان آدم ًّيا‪ ،‬ومن أصر واحتج بالقدر كان إبليس ًّيا؛‬
‫فالسعداء يتبعون أباهم‪ ،‬واألشقياء يتبعون عدوهم إبليس‪.‬‬
‫فنسأل اهلل أن يهدينا الصراط المستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم عليهم من‬
‫النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪ .‬آمين يا رب العالمين)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪86‬‬

‫أهمية موضوع اإلميان بالقضاء القدر‬

‫تقدم أن اإليمان بالقدر هو الركن السادس من أركان اإليمان‪ ،‬وهذا‬


‫الركن له أهمية خاصة‪ ،‬وبسببه ظهرت كثير من الفرق‪ ،‬وتنازع المسلمون‪،‬‬
‫ووجد الشيطان فرصة للتفريق بينهم‪ ،‬ولذلك كان المتمسك بعقيدة أهل‬
‫السنة والجماعة يف هذا الباب قد سلم مما ابتلي به كثير من الناس‪.‬‬
‫ِ‬
‫األدلة منها غالب‬ ‫قال الشوكان(‪( :)1‬فخصال اإليمان يستوي يف األربع‬
‫المسلمين‪ ،‬وأما الخامسة وهي‪ :‬اإليمان بالقدر خيره وشره‪ ،‬فهي الخصلة‬
‫العظمى التي تتفاوت فيها األقدام بكثير من الدرجات؛ فمن رسخ قدمه يف‬
‫هذه الخصلة ارتفعت طبق ُته يف اإليمان‪.‬‬
‫وال يستطيع اإليمان هبا كما ينبغي إال ُخ َّلص المؤمنين وأفراد عباد اهلل‬
‫الصالحين‪ ،‬ألن من الزم ذلك أن يضيف إلى قدر اهلل كل ما يناله من خير‬
‫وشر‪ ،‬غير متعرض لألسباب التي يتعلق هبا كثير من الناس‪.‬‬
‫وإذا م َّكنَّه اهلل من اإليمان هبذه الخصلة كما ينبغي‪ ،‬وعلم أهنا من عند اهلل‬
‫سبحانه بقدره السابق لكل عبد من عباده‪ ،‬هانت عليه المصائب؛ لعلمه بأن‬
‫ذلك من عند اهلل سبحانه‪ ،‬وما كان من عند اهلل سبحانه فالرضى به والتسليم‬
‫شأن كل عاقل‪ ،‬ألنه خالقه وموجده من العدم فهو ح ُّقه ومل ُكه يتصرف به‬
‫له ُ‬
‫كيف يشاء كما يتصرف العباد يف أمالكهم من غير حرج عليهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قطر الولي (ص‪.)395‬‬


‫‪87‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫فإن مالك العبد أو األمة إذا أراد أن يتصرف هبما ويخرجهما عن ملكه‪،‬‬
‫لم تنكر العقول ذلك وال تأباه العادات الجارية بين العباد‪ ،‬فكيف تصرف‬
‫الرب بمخلوقه‪ ،‬فإنه المالك للعبد وسيده‪ ،‬ولما يف األرضين والسموات من‬
‫وشق سمعه وبصره ورزقه‪ ،‬وم َّن عليه بالنعم التي ال يقدر‬
‫العالم الذي خلقه‪َّ ،‬‬
‫على شيء منها إال هو تعالت قدرته‪ ،‬وتقدس اسمه)‪.‬‬
‫ومن خالل ما مضى يتبين لنا شيء يف عظم شأن القضاء والقدر‪ ،‬وفيما‬
‫يلي مزيد بيان ألهميته وفوائده‪:‬‬
‫‪ -1‬ارتباطه باإليمان باهلل؛ فالقدر قدرة اهلل‪ ،‬والمؤمن به مؤمن بقدرة اهلل‪،‬‬
‫والمكذب به مكذب بقدرة اهلل ‪ ،‬ثم إنه مرتبط بحكمة اهلل ‪ ‬وعلمه‪،‬‬
‫ومشيئته‪ ،‬وخلقه‪.‬‬
‫‪ -2‬ارتباط هذا الركن العظيم من أركان اإلسالم بنشأة الكون وبداية‬
‫الخلق‪ ،‬فحين ننظر إلى هذا الكون‪ ،‬ونشأته‪ ،‬وخلق الكائنات فيه‪ ،‬ومنها هذا‬
‫اإلنسان‪ ،‬نجد أن كل ذلك مرتبط باإليمان بالقدر‪ ،‬فـ‪َ « :‬أ او َل َما َخ َل َق اهللُ ا ْل َق َل َم‪،‬‬
‫ُب َما ُه َو كَائِ ٌن إِ َلى َي ْو ِم‬ ‫ُب‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ر ِّب َو َما َذا َأ ْكت ُ‬
‫ُب؟‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا ْكت ْ‬ ‫َف َق َال َل ُه‪ :‬ا ْكت ْ‬
‫الق َي َام ِة»(‪.)1‬‬
‫ِ‬

‫واإلنسان يوجد على هذه األرض‪ ،‬وينشأ تلك النشأة الخاصة‪ ،‬ويعيش‬
‫ما شاء اهلل يف حياة متغيرة‪ ،‬فيها الصحة والسقم‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬والقوة‬
‫والضعف‪ ،‬والنعم والمصائب‪ ،‬والفرح والحزن‪ ،‬وينظر اإلنسان من حوله‬
‫فيرى تفرق هذه الصفات على الناس‪ ،‬وعلى الجماعات والدول‪ ،‬ينظر إلى‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)25‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪88‬‬

‫كل ذلك فال يجد المخرج إال يف العقيدة الصحيحة‪ ،‬وعلى رأسها اإليمان‬
‫بالقدر(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬كثرة وروده يف أدلة الشرع؛ فنصوص الكتاب والسنة حافلة ببيان‬
‫حقيقة القدر‪ ،‬وتجلية أمره‪ ،‬وإيجاب اإليمان به‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه من الموضوعات الكربى التي خاض فيها جميع الناس على‬
‫اختالف طبقاهتم وأدياهنم؛ والتي شغلت أذهان الفالسفة‪ ،‬والمتكلمين‪،‬‬
‫وأتباع الطوائف من أهل الملل وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -5‬ارتباط القدر بحياة الناس وأحوالهم؛ فهو مرتبط بحياهتم اليومية‬
‫وما فيها من أحداث وتقلبات ليس لهم يف كثير منها إرادة أو تأثير‪.‬‬
‫ولو لم يكن هناك إال مسألة الحياة والموت‪ ،‬وتفاوت الناس يف األعمال‬
‫والمواهب‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬والصحة والمرض‪ ،‬والهداية واإلضالل؛ لكان‬
‫ذلك كاف ًيا يف أن يفكر اإلنسان يف القدر‪.‬‬
‫أعوص أبواب العقيدة؛ فمع أن باب القدر معلوم بالفطرة ‪-‬‬
‫َ‬ ‫‪ -6‬كونه‬
‫كما مر‪ -‬وأن نصوص الشرع قد بينته غاية البيان؛ إال أنه يظل أعوص أبواب‬
‫العقيدة؛ فدقة تفاصيله‪ ،‬وتشعب مسائله‪ ،‬وكثرة الخوض فيه‪ ،‬وتنوع الشبهات‬
‫المثارة حوله؛ كل ذلك يوجب صعوبة فهمه‪ ،‬وتعسر استيعابه‪.‬‬
‫فال غرو أن يحار الناس يف شأنه يف القديم والحديث؛ فلقد سلك العقالء‬
‫يف هذا الباب كل واد‪ ،‬وأخذوا يف كل طريق‪ ،‬وولجوا كل مضيق‪ ،‬وقصدوا‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده يف تقرير العقيدة‪ ،‬أحمد عسيري (ص‪.)509‬‬
‫‪89‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫إلى الوصول إلى معرفته‪ ،‬والوقوف على حقيقته؛ فلم يرجعوا بفائدة‪ ،‬ولم‬
‫يعودوا بعائده‪ ،‬ألهنم التمسوا الهدى من غير مظانِّه‪ ،‬فتعبوا وأتعبوا‪ ،‬وحاروا‬
‫وتحيروا‪ ،‬وضلوا وأضلوا‪.‬‬
‫‪ -7‬ما يرتتب على اإليمان به على الوجه الصحيح؛ فذلك يثمر السعادة‬
‫يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويورث اليقين‪ ،‬ويكسب األخالق الفاضلة‪ ،‬والهمم‬
‫العالية‪ ،‬واإلرادات القوية‪.‬‬
‫‪ -8‬ما يرتتب على الجهل به؛ فالجهل به‪ ،‬أو فهمه على غير الوجه‬
‫الصحيح يورث الشقاء‪ ،‬والعذاب يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬والواقع يشهد بذلك يف‬
‫أمم الكفر؛ إذ يشيع فيها قلة التحمل‪ ،‬واالنتحار‪ ،‬والقلق‪.‬‬
‫وكذلك الحال يف أمة اإلسالم؛ فما تخلفت يف عصورها المتأخرة إال‬
‫أبرزها‪ُ :‬‬
‫جهل كثير من المسلمين‪ ،‬وانحرافهم يف باب العقيدة ‪-‬‬ ‫ألسباب‪ُ ،‬‬
‫خصوصا‪.-‬‬
‫ً‬ ‫عمو ًما‪ ،-‬ويف باب القدر ‪-‬‬
‫وذلك عندما اتخذ كثير منهم من اإليمان بالقدر مسو ًغا واه ًيا لعجزهم‪،‬‬
‫واهنيارهم‪ ،‬وإخالدهم إلى األرض‪ ،‬تاركين األخذ باألسباب‪ ،‬ناسين أو‬
‫متناسين أن أقدار اهلل إنما تجري َو ْف َق سنته الثابتة التي ال تتغير وال تتبدل‪ ،‬وال‬
‫تحابي أحدً ا كائنًا من كان‪.‬‬
‫‪ -9‬قال الشوكان(‪( :)1‬ومن فوائد رسوخ اإليمان هبذه الخصلة ‪-‬أي‪:‬‬
‫اإليمان بالقضاء والقدر‪ -‬أنه يعلم أنه ما وصل إليه من الخير على أي صفة‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قطر الولي (ص‪.)396‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪90‬‬

‫كان وبيد من اتفق فهو منه ‪ ،‬فيحصل له بذلك من الحبور والسرور ما ال‬
‫تصورها‬
‫قدره‪ ،‬لما له سبحانه من العظمة التي تضيق أذهان العباد عن ِّ‬
‫ُيقا َد ُر ُ‬
‫وتقص ُر عقولهم عن إدراك أدنى منازلها‪.‬‬
‫وإذا كان للعطية من ملك من ملوك الدنيا ما يتأثر له المعطي‪ ،‬ويفرح به‬
‫ويسر ألجله؛ لكونه من أعظم بني آدم؛ لجعل اهلل سبحانه بيده ِّ‬
‫الحل والعقد‬
‫يف طائفة من عباده‪ ،‬فكيف العطاء الواصل من خالق الملوك ورازقهم‬
‫ومحييهم ومميتهم‪.‬‬
‫وما أحسن ما قاله الحربي ‪( :‬من لم يؤمن بالقدر لم ي َت َه ّن بعيشه)‪،‬‬
‫وهذا صحيح‪ ،‬فما تعاظمت القلوب بالمصائب‪ ،‬وضاقت هبا األنفس‬
‫وحرجت هبا الصدور إال من ضعف اإليمان بالقدر‪.‬‬
‫اللهم ارحمنا برحمت ك فإنا من الضعف ما أنت أعلم به‪ ،‬ومن عدم‬
‫الصرب على حوادث الزمان ما ال يخفى عليك‪ ،‬ومن عدم الثبات عند المحن‬
‫ما لديك حقيقته‪ ،‬ولكننا نسألك العافية التي أرشدتنا إلى سؤالها منك)‪.‬‬
‫فلعل األمة اإلسالمية تفيق من رقدهتا‪ ،‬وتتولى قوامة البشرية‪ ،‬وتأخذ‬
‫مكاهنا الالئق هبا‪ ،‬وذلك بعودهتا إلى عقيدهتا الصافية النقية التي هي مصدر‬
‫مجدها‪ ،‬ومنبع عزها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪91‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫حكمة اإلميان بالقدر‬

‫قال الشيخ السيد سابق(‪( :)1‬وحكمة ذلك‪ :‬أن تنطلق قوى اإلنسان وطاقاته‬
‫لتعرف هذه السنن‪ ،‬ولتدرك هذه القوانين‪ ،‬وتعمل بمقتضاها يف البناء والتعمير‪،‬‬
‫ويف استخراج كنوز األرض واالنتفاع بما أودع يف الكون من خيرات‪.‬‬
‫وبذلك يكون اإليمان بالقدر قوة باعثة على النشاط والعمل واإليجابية‬
‫يف الحياة‪ ،‬كما أن اإليمان بالقدر يربط اإلنسان برب هذا الوجود‪ ،‬فيرفع من‬
‫نفسه إلى معالي األمور‪ :‬من اإلباء والشجاعة والقوة‪ ،‬من أجل إحقاق الحق‪،‬‬
‫والقيام بالواجب‪.‬‬
‫واإليمان بالقدر يري اإلنسان أن كل ش ٍ‬
‫يء يف الوجود إنما يسير وفق حكمة‬ ‫ُ‬
‫مسه الضر فإنه ال يجزع‪ ،‬وإذا صادفه التوفيق والنجاح فإنه ال يفرح وال‬
‫عليا‪ ،‬فإذا ّ‬
‫يبطر‪ ،‬وإذا برئ اإلنسان من الجزع عند اإلخفاق والفشل‪ ،‬ومن الفرح والبطر‬
‫عند التوفيق والنجاح‪ ،‬كان إنسانًا سو ًّيا متزنًا‪ ،‬بال ًغا منتهى السمو والرفعة‪ ،‬وهذا‬
‫هو معنى قول اهلل سبحانه‪ :‬ﱣﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬
‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬
‫ﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﱢ [الحديد‪.]23 ،22:‬‬
‫هذا ما ينبغي أن نفهمه من القدر؛ وهو مقتضى فهم الرسول صلوات اهلل‬
‫وسالمه عليه‪ ،‬وفهم أصحابه ‪ ‬أجمعين‪.‬‬
‫سبيال إلى التواكل‪ ،‬وال ذريعة إلى المعاصي‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫إن القدر ال يتخذ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬العقائد اإلسالمية‪ ،‬سيد سابق (ص‪.)97‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪92‬‬

‫سبيال إلى تحقيق الغايات‬


‫ً‬ ‫طري ًقا إلى القول بالجرب؛ وإنما يجب أن يتخذ‬
‫الكربى من جالئل األعمال‪.‬‬
‫إن القدر ُيدْ َفع بالقدر‪ ،‬فيدفع قدر الجوع بقدر األكل‪ ،‬وقدر الظمأ بقدر‬
‫الر ِّي‪ ،‬وقدر المرض بقدر العالج والصحة‪ ،‬وقدر الكسل بقدر النشاط والعمل‪.‬‬
‫ِّ‬
‫و ُيذكر أن أبا عبيدة بن الجراح قال لعمر بن الخطاب ‪ ‬حينما ّفر‬
‫اهلل؟ َق َال‪َ ( :‬ن َع ْم! َأفِ ُّر مِ ْن َقدَ ِر اهللِ إلى َقدَ ِر اهللِ)(‪،)1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫من الطاعون‪َ :‬أ َتف ُّر م ْن َقدَ ِر َ‬
‫أي‪ :‬يفر من قدر المرض والوباء إلى قدر الصحة والعافية‪.‬‬
‫مثال باألرض الجدباء‪ ،‬واألرض الخصبة‪ ،‬وأنه إذا انتقل من‬
‫ثم ضرب له ً‬
‫األرض الجدباء إلى األرض الخصبة لرتعى فيها إبله‪ ،‬فإنه ينتقل من قدر إلى قدر‪.‬‬
‫لقد كان يمكن للرسول وصحابته أن يستكينوا كما يستكين الضعفاء‬
‫الواهنون‪ ،‬معللين أنفسهم بالفهم المغلوط الذي يتعلل به الفاشلون‪ ،‬ولكنه‬
‫جاء يكشف عن وجه الصواب فلم يهن‪ ،‬ولم يضعف‪ ،‬واستعان بالقدر على‬
‫تحقيق رسالته الكربى‪ ،‬ملتز ًما سنة اهلل يف نصره لعباده‪.‬‬
‫فقاوم الفقر بالعمل‪ ،‬وقاوم الجهل بالعلم‪ ،‬وقاوم المرض بالعالج‪،‬‬
‫وقاوم الكفر والمعاصي بالجهاد‪ ،‬وكان يستعيذ باهلل من الهم والحزن‪،‬‬
‫والعجز والكسل)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)5729‬ومسلم برقم (‪ ،)2219‬عن ابن عباس ‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫جممل االعتقاد احلق يف القدر‬

‫مذهب أهل السنة والجماعة يف القدر وأفعال العباد ما دلت عليه‬


‫نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬من أن اهلل سبحانه هو الخالق لكل شيء من األعيان‬
‫واألوصاف واألفعال وغيرها‪.‬‬
‫وأن مشيئته تعالى عامة شاملة لجميع الكائنات فال يقع منها شيء إال‬
‫بتلك المشيئة‪.‬‬
‫وأن خلقه سبحانه األشياء بمشيئته إنما يكون وف ًقا لما علمه منها بعلمه‬
‫القديم‪ ،‬ولما كتبه وقدَّ ره يف اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫وأن للعباد قدرة وإرادة تقع هبا أفعالهم‪ ،‬وأهنم الفاعلون حقيقة لهذه‬
‫األفعال بمحض اختيارهم‪ ،‬ولهذا يستحقون عليها الجزاء؛ إما بالمدح‬
‫والمثوبة وإما بالذم والعقوبة‪.‬‬
‫وأن نسبة هذه األفعال إلى العباد فع ًال‪ ،‬ال تنايف نسبتها إلى اهلل إيجا ًدا‬
‫وخل ًقا؛ ألنه هو الخالق لجميع األسباب التي وقعت هبا‪.‬‬
‫واإليمان بالقدر جزء من عقيدة المسلم‪ ،‬وليس فيه معنى اإلجبار‪.‬‬

‫قال الخطابي(‪( :)1‬قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر‬


‫إجبار اهلل سبحانه العبد على ما قدره وقضاه‪ ،‬وليس األمر كما يتوهمون‪،‬‬
‫وإنما معناه اإلخبار عن تقديم علم اهلل سبحانه بما يكون من اكتسابات العبد‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬معالم السنن للخطابي (‪ ،)322/4‬وكالم الخطابي منقول باختصار‪.‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪94‬‬

‫وصدورها عن تقدير منه تعالى‪ ،‬وخلقه لها خيرها وشرها‪ ،‬والقدر‪ :‬اسم لما‬
‫صدر مقدَّ را عن فعل القادر‪.‬‬
‫وعلم اهلل سبحانه مما سيقع‪ ،‬ووقوعه حسب هذا العلم ال تأثير له يف‬
‫إرادة العبد‪ ،‬فإن العلم صفة انكشاف ال صفة تأثير(‪.)1‬‬
‫وللشيخ الشعراوي ‪ ‬إضاءة يف هذا الموضع يحسن إيرادها‪ ،‬ألهنا‬
‫تبين أن علم اهلل بما يكون من العبد وكتابته ذلك‪ ،‬ال عالقة له بإرادة العبد‬
‫ومشيئته وفعله‪.‬‬
‫فقد سئل ‪ :)2(‬عن القدر الذي هو علم اهلل باألشياء قبل وقوعها‪،‬‬
‫هل هو صفة جرب؟‬
‫فأجاب‪ :‬العلم ليس صفة جرب‪ ،‬إنما هي صفة انكشاف فقط‪ ،‬يكشف‬
‫مثال بسي ًطا؛ فقال‪ :‬أنت جئت‬
‫األشياء على ما هي عليه‪ ،‬وضرب لذلك ً‬
‫تزورين وعندي خادم؛ فأرسلته ليحضر لك شرا ًبا من البقال‪ ،‬فتأخر؛ فقلت‬
‫لك‪ :‬هل تعرف لماذا أبطأ؟‪ ،‬هناك ولد آخر على ناصية الشارع مستو ٍل على‬
‫خارجا لشراء حاجة يلعب معه‪ ،‬ويأخذ نقوده‪ ،‬والنقود‬
‫ً‬ ‫هذا الولد‪ ،‬حينما يراه‬
‫ضاعت من الولد‪ ،‬وهو خائف أن يأيت؛ فلما جاء الخادم سألناه ما الحكاية‪،‬‬
‫فقال‪ :‬كما قلت أنا‪ ،‬فهل ترى عندما قلت‪ :‬إنه سيحصل منه كذا وكذا‪،‬‬
‫أرسلت معه قو ًة لرتغمه على فعل ما قل ُته لك؛ فكيف قلت أنا هذا الكالم؟‬
‫قلته‪ :‬ألنني أعرف سوابقه‪ ،‬ومعرفتي لسوابقه للعلم فقط‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬كتاب التوحيد المسمى بـ «التخلي عن التقليد والتحلي باألصل المفيد» (ص‪.)203‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪ ،‬حمزة قاسم (‪.)155/4‬‬
‫‪95‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫أزال ما يكون من ِ‬
‫عبده‬ ‫كذلك وهلل المثل األعلى‪ ،‬علِ َم اهلل تعالى ً‬
‫المختار‪ ،‬فقال‪ :‬سيكون من عبدي كذا وكذا‪ ،‬فهو ‪ ‬كتب ال ل ُيلزم‪ ،‬ولكنه‬
‫كتب ألنه عالم بما يكون من العبد‪ ،‬والفرق بين الصورتين أن العلم يف البشر‬
‫قديما‪،‬‬
‫ً‬ ‫فالحق كتب‬
‫ُّ‬ ‫الحق ال خطأ عنده يف علمه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫قد يتخلف فيه شي ٌء‪ ،‬لكن‬
‫ألنه علم ما يكون من عبده باختياره‪ ،‬فهو ال يكتب ليلزم‪ ،‬ألن العلم صفة‬
‫انكشاف وليس صفة تأثير كالقدرة)‪.‬‬
‫قال الصابون(‪( :)1‬ويشهدون ‪-‬يعني‪ :‬أهل السنة‪َّ -‬‬
‫أن اهلل تعالى يهدي‬
‫من يشاء لدينه‪ ،‬و ُيضل من يشاء عنه‪ ،‬ال حجة لمن أضله عليه‪ ،‬وال عذر لديه‪،‬‬
‫قال اهلل ‪ :‬ﮋﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮊ [األنعام‪ ،]149:‬وقال‪:‬‬
‫ﮋﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﮊ [السجدة‪.]13:‬‬
‫سبحانه خلق الخلق بال حاجة إليهم؛ فجعلهم فريقين‪ :‬فري ًقا للنعيم‬
‫فضال‪ ،‬وفري ًقا للجحيم ً‬
‫عدال‪ ،‬وجعل منهم غو ًّيا ورشيدً ا‪ ،‬وشق ًّيا وسعيدً ا‪،‬‬ ‫ً‬
‫وقري ًبا من رحمته وبعيدً ا‪ ،‬ﮋﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳﮊ [األنبياء‪.]23:‬‬
‫والنفع والض َّر؛‬
‫َ‬ ‫والشر‬
‫َ‬ ‫الخير‬
‫َ‬ ‫وقال‪ :‬يشهد أهل السنة‪ ،‬ويعتقدون َّ‬
‫أن‬
‫بقضاء اهلل وقدره ال مر َّد لها‪ ،‬وال محيص وال محيد عنها‪ ،‬ال يصيب المرء إال‬
‫ما كتبه ربه‪ ،‬ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يقضه لم َي ْقدروا‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ومذهب أهل السنة والجماعة أن اهلل ‪ ‬مريد لجميع أعمال‬
‫العباد خيرها وشرها‪ ،‬ولم يؤمن أحدٌ إال بمشيئة اهلل‪ ،‬ولو شاء لجعل الناس‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬عقيدة السلف للصابوين (ص‪.)280‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪96‬‬

‫ُ‬
‫وإيمان‬ ‫أم ًة واحدةً‪ ،‬ولو شاء أال يعصى ما خلق إبليس؛ ف ُك ُ‬
‫فر الكافرين‪،‬‬
‫كل ذلك وشاءه‬‫المؤمنين؛ بقضائه ‪ ‬و َقدَ ِره وإرادته ومشيئته‪ ،‬أراد َّ‬
‫وقضاه‪ ،‬ويرضى اإليمان والطاعة‪ ،‬ويسخط الكفر والمعصية‪.‬‬
‫قال اهلل ‪ :‬ﮋﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊ [الزمر‪.)]7:‬‬

‫وقال ابن تيمية(‪( :)1‬مذهب أهل السنة والجماعة يف هذا الباب وغيره ما‬
‫دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وكان عليه السابقون األولون من المهاجرين‬
‫واألنصار‪ ،‬والذين اتبعوهم بإحسان‪ ،‬وهو أن اهلل خالق كل شيء‪ ،‬وربه‪،‬‬
‫ومليكه‪ ،‬وقد دخل يف ذلك جميع األعيان القائمة بأنفسها‪ ،‬وصفاهتا القائمة‬
‫هبا‪ ،‬من أفعال العباد‪ ،‬وغير أفعال العباد‪ ،‬وأنه سبحانه ما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ‬
‫لم يكن‪ ،‬فال يكون يف الوجود شيء إال بمشيئته‪ ،‬وقدرته‪ ،‬ال يمتنع عليه شيء‬
‫شاءه؛ بل هو قادر على كل شيء‪ ،‬وال يشاء شي ًئا إال وهو قادر عليه‪ ،‬وأنه‬
‫سبحانه يعلم ما كان‪ ،‬وما يكون‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف يكون‪.‬‬
‫وقد دخل يف ذلك أفعال العباد وغيرها‪ ،‬وقد قدر اهلل مقادير الخالئق قبل‬
‫أن يخلقهم؛ قدر آجالهم‪ ،‬وأرزاقهم‪ ،‬وأعمالهم‪ ،‬وكتب ذلك‪ ،‬وكتب ما‬
‫يصيرون إليه من سعادة‪ ،‬وشقاوة‪ ،‬فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء‪ ،‬وقدرته‬
‫على كل شيء‪ ،‬ومشيئته لكل ما كان‪ ،‬وعلمه باألشياء قبل أن تكون‪ ،‬وتقديره‬
‫لها‪ ،‬وكتابته إياها قبل أن تكون‪.‬‬

‫(‪ )1‬بنظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)450-449/8‬‬


‫‪97‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫أيضا‪ -‬على أن العباد‬


‫إلى أن قال‪ :‬وسلف األمة وأئمتها متفقون ‪ً -‬‬
‫مأمورون بما أمرهم اهلل به‪ ،‬منهيون عما هناهم عنه‪ ،‬ومتفقون على اإليمان‬
‫بوعده‪ ،‬ووعيده الذي نطق به الكتاب والسنة‪ ،‬ومتفقون على أنه ال حجة‬
‫ألحد على اهلل يف واجب َتركه‪ ،‬وال محرم ف َعله؛ بل هلل الحجة البالغة على‬
‫عباده‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ومما اتفق عليه سلف األمة وأئمتها ‪-‬مع إيماهنم بالقضاء والقدر‪،‬‬
‫وأن اهلل خالق كل شيء‪ ،‬وأنه ما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأنه يضل من‬
‫يشاء‪ ،‬ويهدي من يشاء‪ -‬أن العباد لهم مشيئة وقدرة‪ ،‬يفعلون بمشيئتهم‪،‬‬
‫وقدرهتم ما أقدرهم اهلل عليه‪ ،‬مع قولهم‪ :‬إن العباد ال يشاؤون إال أن يشاء اهلل‪،‬‬
‫كما قال اهلل تعالى‪ :‬ﮋﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮊ [المدثر‪.)]56 - 54:‬‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪98‬‬

‫الواجب على العبد يف باب القضاء والقدر‬

‫الواجب على العبد يف هذا الباب‪ :‬أن ُيؤمن بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬وأن ُيؤمن‬
‫بشرع اهلل‪ ،‬وأمره وهنيه‪ ،‬فعليه تصديق الخرب‪ ،‬وطاعة األمر‪.‬‬
‫فإذا أحسن َح ِمدَ اهلل‪ ،‬وإذا أساء استغفر اهلل‪ ،‬وعلم أن ذلك كله بقضاء اهلل‬
‫أصر‬
‫وقدره؛ فإن آدم ‪ ‬لما أذنب تاب‪ ،‬فاجتباه ربه وهداه‪ ،‬وإبليس َّ‬
‫أصر واحتج بالقدر صار‬
‫واحتج فلعنه اهلل وأقصاه‪ ،‬فمن تاب كان آدم ًّيا‪ ،‬ومن َّ‬
‫إبليس ًّيا‪ ،‬فالسعداء يتبعون أباهم‪ ،‬واألشقياء يتبعون عدوهم إبليس‪.‬‬
‫وبالمراعاة الصحيحة لقدر اهلل وشرعه يصير اإلنسان عابدً ا ‪-‬حقيقة‪-‬‬
‫فيكون مع الذين أنعم اهلل عليهم من أنبياء‪ ،‬وصديقين‪ ،‬وشهداء‪ ،‬وصالحين‪،‬‬
‫وكفى هبذه الصحبة غبطة وسعادة‪.‬‬
‫وبالجملة‪ :‬فعليه أن يؤمن بمراتب القدر األربع السابقة‪ ،‬وأنه ال يقع‬
‫أيضا‪ -‬بأن اهلل أمر‬
‫شيء إال وقد علمه اهلل‪ ،‬وكتبه‪ ،‬وشاءه‪ ،‬وخلقه‪ ،‬ويؤمن ‪ً -‬‬
‫بطاعته‪ ،‬وهنى عن معصيته‪ ،‬فيفعل الطاعة‪ ،‬ويرتك المعصية‪ ،‬فإذا وفقه اهلل‬
‫لفعل الطاعة وترك المعصية فليحمد اهلل‪ ،‬وليستمر على ذلك‪ ،‬وإن ُخ ِذل‬
‫ووكل إلى نفسه َف َف َعل المعصية‪ ،‬وترك الطاعة؛ فعليه أن يستغفر ويتوب‪.‬‬
‫ُ‬
‫ثم إن على العبد ‪-‬أي ًضا‪ -‬أن يسعى يف مصالحه الدنيوية‪ ،‬ويسلك الطرق‬
‫الصحيحة الموصلة إليها‪ ،‬فيضرب يف األرض‪ ،‬ويمشي يف مناكبها‪ ،‬فإن أتت‬
‫األمور على ما يريد حمد اهلل‪ ،‬وإن أتت على خالف ما يريد تعزى بقدر اهلل‪،‬‬
‫وعلم أن ذلك كله واقع بقدر اهلل ‪ ‬وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما‬
‫أخطأه لم يكن ليصيبه‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وإذا علم العبد من حيث الجملة أن هلل فيما خلق وما أمر به حكمة‬
‫علما وإيمانًا ظهر له من حكمة اهلل ورحمته ما‬
‫عظيمة كفاه هذا‪ ،‬ثم كلما ازداد ً‬
‫يبهر عقله‪ ،‬ويبين له تصديق ما أخرب اهلل به يف كتابه‪.‬‬
‫وال يلزم كل أحد أن يعلم تفاصيل الحديث عن اإليمان بالقدر؛ بل‬
‫يكفي هذا اإليمان المجمل‪ ،‬فأهل السنة والجماعة ‪-‬كما هو مقرر عندهم‪-‬‬
‫ال يوجبون على العاجز ما يجب على القادر‪.‬‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪100‬‬

‫الطوائف اليت ضلت يف القدَر‬

‫َّ‬
‫ضل يف القدر طائفتان من الناس‪ ،‬كالهما على طريف نقيض؛ أحداهما‪:‬‬
‫جنحت إلى ذات اليمين فغالت يف إثبات القدر؛ فضلت‪ ،‬والثانية‪ :‬جنحت‬
‫إلى ذات اليسار فنفته؛ فضلت هي األخرى‪.‬‬
‫الطائفة األوىل‪ :‬اجلربية(‪:)1‬‬
‫الجربية من الطوائف التي ضلت يف القدر‪ ،‬وهم الذين قالوا‪ :‬إن العبد‬
‫مجبور على عمله‪ ،‬وليس له فيه إرادة وال قدرة‪.‬‬
‫فالجبر‪ :‬هو نفي الفعل حقيقة عن العبد‪ ،‬وإضافته إلى الرب تعالى‪.‬‬
‫والجبرية أصناف‪:‬‬
‫الجبرية الخالصة‪:‬‬
‫أصال‪ ،‬فعندهم أن‬ ‫وهي التي ال ُت ْثبِ ُت للعبد ً‬
‫فعال وال قدرة على الفعل ً‬
‫اإلنسان مجبور على أفعاله‪ ،‬فليس له إرادة وال اختيار‪ ،‬وهذا يؤدي إلى أن‬
‫العبد غير مؤاخذ أو محاسب على أفعاله‪.‬‬
‫بل إثبات الفعل للعبد هو عين الشرك عندهم؛ بل هو كالهاوي من أعلى‬
‫إلى أسفل‪ ،‬وكالسعفة تحركها الريح‪ ،‬لم يعمل باختياره طاعة وال معصية‪،‬‬
‫اختيارا‬
‫ً‬ ‫حمله ما ال طاقة له به‪ ،‬ولم يخلق فيه‬
‫ولم يكلفه اهلل وسعه؛ بل َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الملل والنحل للشهرستاين (‪ ،)85/1‬وشرح الطحاوية البن أبي العز (‪ ،)797/2‬ولوامع‬
‫األنوار البهية للسفاريني (‪ )90/1‬ولوائح األنوار السنية للسفاريني (‪ )132/2‬ومعارج القبول‬
‫للحكمي (‪.)372/1‬‬
‫‪101‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ألفعاله‪ ،‬وال قدرة له عليها؛ بل الطاعة والعصيان من األقوال واألعمال هي‬


‫عندهم عين فعل اهلل ‪‬؛ فرفعوا اللوم عن كل كافر وفاسق وعاص‪ ،‬وأنه‬
‫يعذهبم على نفس فعله ال على أعمالهم القبيحة‪.‬‬
‫ثم اعتقدوا أن المعاصي التي هنى اهلل عنها يف كتبه وعلى ألسنة رسله إذا‬
‫عملوها صارت طاعات؛ ألهنم يقولون‪ :‬أطعنا مشيئة اهلل الكونية فينا؛ بل لم‬
‫يثبتوا اإلرادة الشرعية ألبتة‪ ،‬ومن يثبتها منهم يقول يف الطاعات‪ :‬أطعنا اإلرادة‬
‫الشرعية‪ ،‬ويف المعاصي التي سماها اهلل معاصي‪ :‬أطعنا اإلرادة الكونية‪.‬‬
‫أصال؛ بل أفعالهم جميعها حسنها وقبيحها‬
‫وأما هم فلم يثبتوا معصية ً‬
‫كلها عندهم طاعات على أصلهم هذا الفاسد‪ ،‬ويف ذلك ر ُّد منهم على اهلل‬
‫تعالى؛ أمره وهنيه ووعده ووعيده‪ ،‬وفرضه على عباده جهاد الكفار وإقامة‬
‫الحدود؛ بل يف إرساله الرسل وإنزاله الكتب؛ فيجب عندهم تعطيل الشرائع‬
‫بالكلية‪ ،‬واالحتجاج على نفيها بالقدر الكوين‪ ،‬ومحاربتها به‪ ،‬وإثبات الحجة‬
‫على اهلل لكل كافر وفاسق وعاص‪ ،‬وهذا كفر لم يسبقهم إليه غير إمامهم‬
‫إبليس اللعين‪ ،‬إذ يحتج على اهلل تعالى بحجتهم هذه‪ ،‬فقال‪ :‬ﱣﱮ ﱯﱢ‬
‫[األعراف‪.]16:‬‬
‫والعجب أن هذا المذهب المخذول موروث عن جهم بن صفوان‪ ،‬مع‬
‫تناقضه يف إثبات أفعال اهلل ‪‬؛ فإنه ال ُي ْثبِ ُت هلل تعالى ً‬
‫فعال يقوم بذاته‬
‫أصال؛ بل أفعاله خارجة عنه قائمة بغيره من المخلوقات‪ ،‬ثم ينقض ذلك‬
‫ً‬
‫بجعله أفعال العباد أفعال اهلل‪ ،‬وهذا تناقض ب ِّي ٌن لكل عاقل‪ ،‬فإن الفعل إنما‬
‫يضاف إلى من قام به‪ ،‬والقول إلى من قاله‪ ،‬وكذا السمع والبصر والقدرة‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪102‬‬

‫فاعال بدون‬
‫وغيرها محال أن تضاف إلى غير من قامت به‪ ،‬ومحال أن يسمى ً‬
‫فعل يقوم به(‪.)1‬‬
‫والجبرية المتوسطة‪:‬‬
‫هي التي ُت ْثبِ ُت للعبد قدرة غير مؤثرة ً‬
‫أصال‪.‬‬
‫أثرا ما يف الفعل‪ ،‬وسمى ذلك كس ًبا؛ فليس‬
‫فأما من أثبت للقدرة الحادثة ً‬
‫بجربي‪.‬‬
‫وبناء على هذا المذهب الفاسد فإنه ال فائدة من إرسال الرسل وإنزال‬
‫الكتب؛ فإن الرسل جاءت بشرائع ليعمل الناس هبا‪ ،‬ويرتتب على ذلك‬
‫الثواب والعقاب‪ ،‬فالثواب يكون لمن عمل خ ًيرا‪ ،‬والعقاب يكون لمن أساء‬
‫شرا‪.‬‬
‫وعمل ًّ‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬معارج القبول للحكمي (‪.)372/1‬‬


‫‪103‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫الطائفة الثانية‪ :‬القدرية(‪:)1‬‬


‫القدرية من الطوائف التي ضلت يف القدر‪ ،‬وهم الذين قالوا‪ :‬إن العبد‬
‫مستقل بعمله يف اإلرادة والقدرة‪ ،‬وليس لمشيئة اهلل تعالى وقدرته فيه أثر‪.‬‬
‫وهم نفاة القدر‪ ،‬وهم قسمان‪:‬‬
‫قسم نفي تقدير الخير والشر بالكلية‪ ،‬وجعل العباد هم الخالقين‬
‫ألفعالهم خيرها وشرها؛ فأين هؤالء من إثبات مشيئته وإرادته ‪ ،‬وأنه ال‬
‫يكون يف ملكه إال ما شاءه وقدره‪.‬‬
‫ب ا ْل َم ُج ِ‬
‫وس‬ ‫وقسم نفوا تقدير الشر دون الخير‪َ ،‬و َه َذا ر ِ‬
‫اج ٌع إِ َلى َم ْذ َه ِ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ال َّثن َِو َّي ِة ا َّل ِذي َن أثبتوا خالقين‪ :‬خال ًقا للخير‪ ،‬وخال ًقا للشر؛ قحبهم اهلل تعالى(‪.)2‬‬
‫والقدر كما قلنا‪ :‬هو علم اهلل باألشياء‪ ،‬وكتابته لها قبل كوهنا‪ ،‬على ما هي‬
‫عليه‪ ،‬ووجودها على ما سبق به علمه‪ ،‬وكتابته بمشيئته وخلقه‪.‬‬
‫وقد حدثت بدعة القدر يف أواخر عهد الصحابة‪ ،‬ولهذا تكلم فيهم وذم‬
‫مقالتهم‪ :‬عبد اهلل بن عمر‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس‪ ،‬وجابر بن عبد اهلل‪ ،‬وواثلة بن‬
‫األسقع‪.)3( ،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التوحيد للماتريدي (ص‪ ،)314‬والفرق بين الفرق لألسفراييني (ص‪ ،)93‬وشرح الطحاوية‬
‫البن أبي العز (‪ ،)78/1‬ولوامع األنوار البهية للسفاريني (‪ ،)300/1‬وقطف الثمر لل ِقنَّوجي‬
‫(ص‪.)89‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مختصر معارج القبول‪ ،‬هشام آل عقدة (ص‪.)75‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬السنة البن أبي عاصم (ص‪ ،)79‬والشريعة لآلجري (ص‪ ،)238‬وأصول االعتقاد لاللكائي‬
‫(‪ ،)15/1‬ومجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)384/7‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪104‬‬

‫وكان غالة القدرية ينكرون مرتبتي العلم والكتابة‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن اهلل ال‬
‫يعلم أفعال العبد إال بعد وجودها‪ ،‬وأهنا لم تكتب‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن األمر أنف؛‬
‫أي‪ :‬مستأنف‪ ،‬لكن متأخروهم أقروا بالعلم والكتابة‪ ،‬وأنكروا المشيئة‬
‫والخلق‪ ،‬وهذا بالنسبة ألفعال المخلوقين(‪.)1‬‬
‫أما بالنسبة ألفعال اهلل؛ فال أحد ينكر أن اهلل عالم هبا قبل وقوعها(‪.)2‬‬
‫قال الشيخ السعدي(‪( :)3‬فأما القدرية النفاة‪ :‬فهم الذين يطلق عليهم أكثر‬
‫العلماء اسم (القدرية)‪ ،‬وهم الذين ورد فيهم الحديث الذي يف السنن‪ :‬أهنم‬
‫مجوس هذه األمة(‪.)4‬‬
‫وأكثر أهل (المعتزلة) على هذا المذهب الباطل‪ ،‬وحقيقة مذهبهم أهنم‬

‫(‪ )1‬جاء يف فتح الباري (‪( :)119/1‬قال القرطبي وغيره‪ :‬قد انقرض هذا المذهب‪ ،‬وال نعرف أحدً ا‬
‫ينسب إليه من المتأخرين‪ ،‬قال‪ :‬والقدرية اليوم مطبقون على أن اهلل عالم بأفعال العباد قبل‬
‫وقوعها‪ ،‬وإنما خالفوا السلف يف زعمهم‪ :‬بأن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة‬
‫باطال أخف من المذهب األول‪ ،‬وأما المتأخرون منهم فأنكروا‬
‫االستقالل‪ ،‬وهو مع كونه مذهبًا ً‬
‫تعلق اإلرادة بأفعال العباد فر ًارا من تعلق القديم بالمحدث‪ ،‬وهم مخصومون بما قال الشافعي‪ :‬إن‬
‫سلم القدري العلم ُخ ِص َم‪ ،‬يعني‪ :‬يقال له‪ :‬أيجوز أن يقع يف الوجود خالف ما تضمنه العلم؛ فإن‬
‫منع وافق قول أهل السنة‪ ،‬وإن أجاز لزمه نسبة الجهل تعالى اهلل عن ذلك)‪.‬‬
‫(‪ )2‬نظر‪ :‬شرح العقيدة الواسطية البن عثيمين (‪.)203/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الدرة البهية للسعدي (ص‪.)17‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َهذه األُ امة‪ :‬إِ ْن َمرِ ُضوا َفالَ‬ ‫(‪ )4‬يشير إلى حديث ابن عمر‪ ،‬عن النبي ‪ ،‬قال‪« :‬الْ َقدَ ِر اي ُة َم ُج ُ‬
‫وه ْم»‪ .‬أخرجه أبو داود برقم (‪.)4691‬‬ ‫وه ْم‪َ ،‬وإِ ْن َماتُوا َفالَ ت َْش َهدُ ُ‬
‫َت ُعو ُد ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫وس َهذه األُ امة‪ ،‬الاذ َ‬ ‫وس‪َ ،‬و َم ُج ُ‬ ‫وحديث حذيفة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬لك ُِّل ُأ امة َم ُج ٌ‬
‫وه ْم‪َ ،‬و ُه ْم ِشي َع ُة‬ ‫ِ‬ ‫ي ُقولُونَ‪َّ :‬لَ َقدَ ر‪ ،‬من م َ ِ‬
‫ات من ُْه ْم َفالَ ت َْش َهدُ وا َجنَا َز َت ُه‪َ ،‬و َم ْن َمرِ َض من ُْه ْم َفالَ َت ُعو ُد ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ال‪َ ،‬و َحق َع َلى اهلل َأ ْن ُي ْلح َق ُه ْم بِالدا اجال»‪ .‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ،)4692‬وهذا الحديث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدا اج ِ‬
‫ضعفه غير واحد من أهل العلم‪ ،‬وحسنه بعضهم‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫يقولون‪ :‬إن أفعال العباد‪ ،‬وطاعاهتم ومعاصيهم؛ لم تدخل تحت قضاء اهلل‬
‫وقدره‪.‬‬
‫فأثبتوا قدرة اهلل على أعيان المخلوقات وأوصافها‪ ،‬ونفوا قدرته على‬
‫أفعال المكلفين‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن اهلل لم يردها ولم يشأها منهم؛ بل هم الذين‬
‫ً‬
‫استقالال بدون مشيئة اهلل‪.‬‬ ‫أرادوها وشاءوها‪ ،‬وفعلوها‬
‫ويزعمون‪ :‬أهنم هبذا القول ينزهون اهلل عن الظلم‪ ،‬ألنه لو قدر المعاصي‬
‫الما لهم‪ ،‬وللزم من إثبات قدرة اهلل على‬
‫عليهم‪ ،‬ثم عذهبم عليها‪ ،‬لكان ظ ً‬
‫أفعالهم الجرب‪ ،‬الذي هو باطل بالشرع والعقل‪ ،‬كما تقدمت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫نصوصا كثيرة من الكتاب والسنة تثبت‬
‫ً‬ ‫ولكنهم هبذا القول الباطل ر ُّدوا‬
‫وتصرح بأن جميع أعمال العباد من خير وشر‪ ،‬وطاعة ومعصية بقضاء اهلل‬
‫وقدره‪.‬‬
‫كما أجمع المسلمون‪ :‬أنه ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫وسموا‪( :‬مجوس هذه األمة)‪ ،‬ألهنم أشبهوا (المجو َس) الذين أثبتوا‬
‫ُ‬
‫خال ًقا للخير‪ ،‬وخال ًقا للشر‪ ،‬وهو إبليس على زعم المجوس(‪.)1‬‬

‫وس َه ِذ ِه األُ ام ِة»‪ ،‬ومعنى ذلك‪ :‬أهنم‬


‫(‪ )1‬قال ابن األثير يف جامع األصول (‪«( :)128/10‬الْ َقدَ ِر اي ُة َم ُج ُ‬
‫لمشاهبتهم المجوس يف مذهبهم‪ ،‬وقولهم باألصلين ‪-‬وهما النور والظلمة‪-‬؛ فإن المجوس‬
‫يزعمون أن الخير من فعل النور‪ ،‬والشر من فعل الظلمة؛ فصاروا بذلك ثنوية‪ ،‬وكذلك القدرية لما‬
‫أثبت المجوس‪،‬‬‫قادر ْين خال ِ َق ْين لألفعال كما َ‬
‫أضافوا الخير إلى اهلل‪ ،‬والشر إلى العبيد‪ ،‬أثبتوا َ‬
‫فأشبهوهم‪ ،‬وليس كذلك غير القدرية‪ ،‬فإن مذهبهم‪ :‬أن اهلل تعالى خالق الخير والشر‪ ،‬ال يكون‬
‫شيء منهما إال بخلقه ومشيئته‪ ،‬فاألمران م ًعا مضافان إليه خل ًقا وإيجا ًدا‪ ،‬وإلى العباد مباشرة‬
‫واكتسا ًبا)‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪106‬‬

‫وهؤالء (القدرية) أثبتوا‪ :‬أن اهلل خالق للعباد ألعياهنم وأوصافهم‪ ،‬ولم‬
‫يثبتوا أنه خالق ألفعالهم‪.‬‬
‫فأخرجوا أفعال العباد عن قدر اهلل‪ ،‬ولم يهتدوا إلى ما اهتدى إليه أهل‬
‫السنة‪ ،‬من أن اهلل كما أنه الذي خلقهم‪ ،‬خلق ما به يفعلون من قدرهتم‬
‫وإرادهتم‪ ،‬ثم فعلوا األفعال المتنوعة من طاعة ومعصية بقدرهتم وإرادهتم‬
‫اللتين خلقهما اهلل باتفاق المسلمين‪.‬‬
‫حتى هؤالء (القدرية) يثبتون‪ :‬أن قدرة العباد وإرادهتم مخلوقة له‪.‬‬
‫وحيث وقعت أفعال العباد بقدرهتم وإرادهتم اللتين خلقهما اهلل يف العبد‬
‫ليتمكن هبما من كل ما يريده من أقوال وأفعال‪.‬‬
‫فالعبد المؤمن‪ :‬هو الذي يصلي‪ ،‬ويصوم‪ ،‬ويتصدق‪ ،‬ويحج‪ ،‬ويعمل‬
‫أعمال الرب‪ ،‬بما مكنه اهلل‪ ،‬وأعطاه من قدرة وإرادة يتمكن هبما من أفعال‬
‫الخير‪.‬‬
‫والعبد الكافر أو الفاجر‪ :‬هو الذي يشرك‪ ،‬ويقتل‪ ،‬ويزين‪ ،‬ويسرق ويعمل‬
‫أجناس المعاصي‪ ،‬بما مكنه اهلل به‪ ،‬وأعطاه من قدرة وإرادة يفعل هبما تلك‬
‫األفعال‪.‬‬
‫والقدرة واإلرادة اللتان أعطاهما اهلل للعبد خير ونعمة‪ ،‬وفضل من اهلل‪،‬‬
‫وجه قواه وأفعاله إلى أعمال الشر‪.‬‬
‫لكن العبد العاصي هو الذي َّ‬
‫فلم يكن له على اهلل حجة؛ بل هلل عليه الحجة البالغة‪ ،‬هنج اهلل له طريق‬
‫الخير فأباه‪ ،‬وسلك بنفسه طريق الشر وارتضاه‪ ،‬فال يلومن من بعد ذلك إال‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪107‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫الرد على من احتج بالمعاصي على القدر‪:‬‬


‫فمن احتج مع ذلك على ربه‪ ،‬وقال‪ :‬إنه ُقدِّ ر علي المعاصي فال لوم‬
‫علي؟!‬
‫قيل له‪ :‬هذه حجة أبطلها اهلل يف كتابه؛ حيث قال‪ :‬ﱣﱏﱐﱑﱒ‬
‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ‬
‫ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵ‬
‫ﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﱢ [األنعام‪.]149 ،148:‬‬
‫فتضمنت هاتان اآليتان‪ :‬أن االحتجاج بالقدر على المعاصي باطل من‬
‫وجوه‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن هذا هو احتجاج المشركين‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن هذا االحتجاج بالقدر على الشر‪ ،‬لم يمنعهم من عذاب اهلل‪.‬‬
‫حيث قال‪ :‬ﱣﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱢ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن اهلل وبخهم على ذلك‪ ،‬وطالبهم بالربهان‪ ،‬يف قوله‪ :‬ﱣﱧ ﱨ‬

‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱢ؛ فنفى عنهم العلم‪ ،‬وأخرب أهنم يتبعون الظن‬


‫الذي ال يغني من الحق شي ًئا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه أخرب أن له الحجة البالغة على جميع من تجرأ على معاصيه؛‬
‫فمن احتج على المعاصي فهو أظلم الظالمين‪.‬‬
‫وأيضا‪ :‬فهذا المحتج بالقدر‪ ،‬المقيم لعذر نفسه على ربه‪ ،‬هو يكذب‬ ‫ً‬
‫نفسه بنفسه‪ ،‬فإنه لو تجرأ عليه أحد بتعدٍّ على َمال ِ ِه أو بدنه أو محبوباته‪،‬‬
‫واعتذر بالقدر لم يقبل عذره؛ فكيف يقبل عذر نفسه على تجرئه على ربه؟!‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪108‬‬

‫فالمحتج بالقدر على المعاصي‪ :‬يكذبه الكتاب والسنة والعقل‪،‬‬


‫وضميره يكذبه كما ذكرنا‪ ،‬وإنما يقصد باحتجاجه دفع الشناعة عن نفسه‪.‬‬
‫وكانت طائفة القدر يف أول أمرهم ينكرون العلم‪ ،‬وينكرون القدر‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬إن اهلل ال يعلم أعمال العباد قبل أن يعملوها‪ ،‬وال تعلقت هبا مشيئة‬
‫اهلل‪.‬‬
‫فلما شنع عليهم المسلمون‪ ،‬وكفروهم بذلك تحولوا عن قولهم األول‪،‬‬
‫فأثبتوا العلم‪ ،‬وأنكروا القدر‪.‬‬
‫ناظروا القدر َّي َة‬
‫ولهذا كان األئمة كاإلمام أحمد‪ ،‬وغيره يقولون‪ُ ( :‬‬
‫بالعلم‪ ،‬فإ ْن أنكروا العلم كفروا‪ ،‬و ِ‬
‫إن اعرت ُفوا به ُخ ِص ُموا)(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يعني‪ :‬أن (القدرية) النافين لعلم اهلل بأفعال عباده‪ ،‬جاحدون لنصوص‬
‫الكتاب والسنة المصرحة بإحاطة علم اهلل‪ ،‬بما كان وما يكون من أعيان‬
‫وأوصاف‪ ،‬وأفعال‪ ،‬مما دق وجل‪.‬‬
‫صريحا‪ ،‬وذلك هو الكفر‪ ،‬وإن‬
‫ً‬ ‫فمن أنكر ذلك فقد كذب الكتاب والسنة‬

‫(‪ )1‬وينسب كذلك للشافعي ومالك ‪ ‬جمي ًعا‪ ،‬وسئل أحمد ‪ ‬عن القدري هل يكفر؟ قال‪:‬‬
‫إن جحد العلم كفر‪ ،‬قال ابن رجب يف جامع العلوم والحكم (‪( :)103/1‬وقد قال كثير من أئمة‬
‫السلف‪« :‬ناظِروا القدرية بالعلم؛ فإن أقروا به خصموا‪ ،‬وإن جحدوا فقد كفروا»‪ ،‬يريدون أن من‬
‫أنكر العلم القديم السابق بأفعال العباد‪ ،‬وأن اهلل قسمهم قبل خلقهم إلى شقي وسعيد‪ ،‬وكتب ذلك‬
‫كذب بالقرآن؛ فيكفر بذلك‪ ،‬وإن أقروا بذلك‪ ،‬وأنكروا أن اهلل خلق‬ ‫عنده يف كتاب حفيظ؛ فقد َّ‬
‫ِ‬
‫أفعال العباد وشاءها‪ ،‬وأرادها منهم إرادة كونية قدرية؛ فقد ُخص ُموا؛ ألن ما أقروا به حجة عليهم‬
‫فيما أنكروه‪ ،‬ويف تكفير هؤالء نزاع مشهور بين العلماء‪ ،‬وأما من أنكر العلم القديم فنص الشافعي‬
‫وأحمد على تكفيره‪ ،‬وكذلك غيرهما من أئمة اإلسالم)‪ .‬وينظر‪ :‬توضيح المقاصد‪ ،‬أحمد بن‬
‫عيسى (‪ ،)408/2‬وغاية األماين لأللوسي (‪.)53/1‬‬
‫‪109‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫اعرتفوا بإحاطة علم اهلل بكل شيء‪ ،‬وبأفعال العباد قبل وقوعها كما هو القول‬
‫الذي استقر عليه مذهبهم ُخ ِص ُموا‪.‬‬
‫ووجه ذلك‪ :‬أهنم يقولون‪ :‬إن أفعالهم ال تتعلق هبا مشيئة اهلل وإرادته‪،‬‬
‫وإنما هم مستقلون هبا من كل وجه‪.‬‬
‫إذا كان هذا قولهم يف مشيئة اهلل‪ ،‬مع قولهم‪ :‬وإن اهلل يعلم أعمال العباد‬
‫قبل أن يعملوها؛ فهذا تناقض محض!!‬
‫كيف يعلمها وهو لم يقدِّ رها ولم يردها؟ هذا محال ﱣﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬
‫ﱑﱒﱢ [الملك‪.]14:‬‬
‫فيلزم أحد األمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬إما أن ال يتناقضوا‪ ،‬فينفوا األمرين‪ :‬علم اهلل بأفعاله‪ ،‬ومشيئته لها؛‬
‫فيتضح كفرهم‪.‬‬
‫‪ -2‬وإما أن يرجعوا إلى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وأجمع‬
‫عليه المسلمون‪ ،‬وهو‪ :‬أنه تعالى كما أنه بكل شيء عليم‪ ،‬وبكل شيء محيط؛‬
‫فإنه على كل شيء قدير‪.‬‬
‫ومن جملة األشياء‪ :‬أفعال العباد‪ :‬طاعاهتم ومعاصيهم؛ فهو تعالى‬
‫وتفصيال قبل أن يعملوها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إجماال‬ ‫يعلمها‬
‫وأعمالهم وأفعالهم داخلة تحت مشيئة اهلل وإرادته؛ فقد شاءها منهم‬
‫وأرادها‪ ،‬ولم يجربهم ال على الطاعات‪ ،‬وال على المعاصي؛ بل هم الذين‬
‫فعلوها باختيارهم‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬
‫ﳈﳉﳊﳋﳌﱢ [التكوير‪.]29 ،28:‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪110‬‬

‫فهذه اآلية فيها رد على القدرية النفاة وعلى القدرية المجربة‪ ،‬وإثبات‬
‫للحق الذي عليه أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫وفعال‬
‫ً‬ ‫فقوله‪ :‬ﱣﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﱢ‪ ،‬أثبتت أنه لهم مشيئة حقيقية‬
‫حقيق ًّيا‪ ،‬وهو االستقامة باختيارهم‪ ،‬فهذا رد على الجربية‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱣﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﱢ‪ ،‬أخرب أن مشيئتهم تابعة لمشيئة‬
‫اهلل‪ ،‬وأهنا ال توجد بدوهنا؛ فما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫ففيها رد على القدرية القائلين‪ :‬إن مشيئة العباد مستقلة‪ ،‬وليست نابعة‬
‫لمشيئة اهلل‪.‬‬
‫يشاؤ ُه اهلل وال يقدره‪.‬‬
‫بل عندهم‪ :‬يشاء العباد ويفعلون ما ال ُ‬
‫ودلت اآلية على الحق الواضح‪ ،‬وهو‪ :‬أن العباد هم الذين يعملون‬
‫الطاعات والمعاصي حقيقة‪ ،‬وليسوا مجبورين عليها‪.‬‬
‫وأهنا مع ذلك تابعة لمشيئة اهلل‪ ،‬كما تقدم كيفية وجه ذلك‪ ،‬واآليات‬
‫الداالت على هذا كثيرة جدًّ ا)‪.‬‬
‫*****‬
‫‪111‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وسطية أهل السنة بين الطائفتين‪:‬‬


‫قال ابن القيم(‪( :)1‬وأخطأوا ‪-‬أي‪ :‬القدرية‪ -‬يف تسويتهم بين المحبة‬
‫والمشيئة‪ ،‬وأن كل ما شاءه اهلل من األفعال واألعيان فقد أحبه ورضيه‪ ،‬وما لم‬
‫يشأه فقد كرهه وأبغضه‪ ،‬فمحبته مشيئته وإرادته العامة‪ ،‬وكراهته وبغضه عدم‬
‫مشيئته وإرادته؛ فلزمهم من ذلك أن يكون إبليس محبو ًبا له وفرعون وهامان‬
‫وجميع الشياطين والكفار؛ بل أن يكون الكفر والفسوق والظلم والعدوان‬
‫الواقعة يف العالم محبوب ًة له مرضية‪ ،‬وأن يكون اإليمان والهدى ووفاء العهد‬
‫والرب ‪-‬التي لم توجد من الناس‪ -‬مكروه ًة مسخوط ًة له ممقوتة عنده‪.‬‬
‫فسووا بين األفعال التي فاوت اهلل بينها‪ ،‬وسووا بين المشيئة المتعلقة‬
‫بتكوينها وإيجادها‪ ،‬والمحبة المتعلقة بالرضى هبا واختيارها‪.‬‬

‫وهذا مما استطال به عليهم خصومهم(‪ ،)2‬كما استطالوا هم عليهم؛‬


‫حيث أخرجوها عن مشيئة اهلل وإرادته العامة‪ ،‬ونفوا تعلق قدرته وخلقه هبا‪،‬‬
‫فاستطال كل من الفريقين على اآلخر بسبب ما معهم من الباطل‪.‬‬
‫وهدى اهلل أهل السنة الذين هم وسط يف المقاَّلت والنحل لما اختلف‬
‫الفريقان فيه من الحق بإذنه‪ ،‬واهلل يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫فالقدرية حجروا على اهلل‪ ،‬وألزموه شريعة حرموا عليه الخروج عنها‪،‬‬
‫وخصومهم من الجربية جوزوا عليه كل فعل ممكن يتنزه عنه سبحانه‪ ،‬إذ ال‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مفتاح دار السعادة البن القيم (‪.)1014/2‬‬


‫(‪ )2‬يعني‪ :‬الجربية‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪112‬‬

‫يليق بغناه وحمده وكماله ما نزه نفسه عنه‪ ،‬وحمد نفسه بأنه ال يفعله‪،‬‬
‫فالطائفتان متقابلتان غاية التقابل‪.‬‬
‫والقدرية أثبتوا له حكم ًة وغاية مطلوبة من أفعاله على حسب ما أثبتوه‬
‫لخلقه‪.‬‬
‫والجبرية نفوا حكمته الالئقة به التي ال يشاهبه فيها أحد‪.‬‬
‫والقدرية قالت‪ :‬إنه ال يريد من عباده طاعتهم وإيماهنم‪ ،‬وإنه ال يشاء‬
‫ذلك منهم‪.‬‬
‫والجبرية قالت‪ :‬إنه يحب الكفر والفسوق والعصيان ويرضاه من فاعله‪.‬‬
‫والقدرية قالت‪ :‬إنه يجب عليه سبحانه أن يفعل بكل شخص ما هو‬
‫األصلح له(‪.)1‬‬
‫والجبرية قالت‪ :‬إنه يجوز أن يعذب أولياءه وأهل طاعته ومن لم يعصه‬
‫قط‪ ،‬وينعم أعداءه‪ ،‬ومن كفر به وأشرك‪ ،‬وال فرق عنده بين هذا وهذا‪.‬‬
‫فليعجب العاقل من هذا التقابل والتباعد الذي يزعم كل فريق أن قولهم‬
‫هو محض العقل‪ ،‬وما خالفه باطل بصريح العقل‪.‬‬

‫(‪ )1‬وهذا قول المعتزلة‪ ،‬وأجمعت األمة على أن اهلل يتفضل على بعض خلقه فيشرح صدورهم‬
‫لإلسالم‪ ،‬وال يتفضل على آخرين فيحدث العكس‪ ،‬وأنه سبحانه ال يجب عليه فعل األصلح‬
‫لعباده؛ بل يهدي من يشاء‪ ،‬ويضل من يشاء‪ ،‬ال يجب عليه إال ما أوجبه على نفسه‪ ،‬وال يحرم عليه‬
‫إال ما حرمه على نفسه‪ .‬قال صاحب الدرة المضية (ص‪:)63‬‬
‫َو ََّل الصــــ ـالح َو ْيــــ ـح مــــــن لــــــم يفلــــــح‬ ‫َفلــــــم يجــــــب َع َل ْيــــ ـ ِه فعــــــل ْاألَ ْصــــــ َلح‬
‫َوإِن يـــــــــرد ضـــــــــالل عبـــــــــد يعتـــــــــدي‬ ‫َفكـــــــل مـــــــن َشـــــــا َء هـــــــداه َي ْه َتـــــــ ِدي‬
‫‪113‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وكذلك القدرية قالت‪ :‬إنه ألقى إلى عباده زما َم االختيار‪ ،‬وفوض إليهم‬
‫يخص أحدً ا منهم دون أحد بتوفيق وال لطف وال‬
‫ّ‬ ‫المشيئة واإلرادة‪ ،‬وإنه لم‬
‫هداية؛ بل ساوى بينهم يف مقدوره‪ ،‬ولو قدر أن يهدي أحدً ا ولم يهده كان‬
‫بخال‪ ،‬وإنه ال يهدي أحدً ا وال يضله‪ ،‬إال بمعنى البيان واإلرشاد‪ ،‬وأما خلق‬
‫ً‬
‫الهدى والضالل فهو إليهم ليس إليه‪.‬‬
‫وقالت الجبرية‪ :‬إنه سبحانه أجرب عباده على أفعالهم؛ بل قالوا‪ :‬إن‬
‫أفعالهم هي نفس أفعاله‪ ،‬وال فعل لهم يف الحقيقة‪ ،‬وال قدرة وال اختيار وال‬
‫مشيئة‪ ،‬وإنما يعذهبم على ما فعله هو ال على ما فعلوه‪ ،‬ونسبة أفعالهم إليه‬
‫كحركات األشجار والمياه والجمادات‪.‬‬
‫فالقدرية سلبوه قدرته على أفعال العباد ومشيئته لها‪.‬‬
‫والجبرية جعلوا أفعال العباد نفس أفعاله‪ ،‬وأهنم ليسوا فاعلين لها يف‬
‫الحقيقة‪ ،‬وال قادرين عليها‪.‬‬
‫فالقدرية سلبته كمال ملكه‪ ،‬والجبرية سلبته كمال حكمته‪.‬‬
‫والطائفتان سلبته كمال حمده‪.‬‬
‫وأهل السنة الوسط أثبتوا كمال الملك والحمد والحكمة؛ فوصفوه‬
‫بالقدرة التامة على كل شيء‪ ،‬من األعيان وأفعال العباد وغيرهم‪ ،‬وأثبتوا له‬
‫الحكمة التامة يف جميع خلقه وأمره‪ ،‬وأثبتوا له الحمد كله يف جميع ما خلقه‬
‫وأمر به‪ ،‬ونزهوه عن دخوله تحت شريعة يضعها العباد بآرائهم‪ ،‬كما نزهوه‬
‫عما نزه نفسه عنه مما ال يليق به‪ ،‬فاستولوا على محاسن المذاهب‪ ،‬وتجنبوا‬
‫المع َّلى‪ ،‬وغيرهم طاف على أبواب المذاهب‪ ،‬ففاز‬
‫أرداها‪ ،‬ففازوا بالقدح ُ‬
‫بأخس المطالب‪ ،‬والهدى هدى اهلل يختص به من يشاء من عباده)‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪114‬‬

‫مقتطفات من كالم السلف يف القضاء والقدَر‬

‫وألهمية هذا الركن فقد بذل أهل العلم من السلف والخلف ‪‬‬
‫جهو ًدا كبيره يف الرد على منكري القدر؛ سواء الجربية أو القدرية‪ ،‬بأدلة الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬والحجج والرباهين الواضحة البينة‪ ،‬من الواقع والعقل الذي يدل على‬
‫انحرافهم يف هذه المسألة المهمة‪ ،‬فكان مما قالوا ‪ ‬ورضي عنهم‪:‬‬
‫عن أبي بكر الصديق ‪ ‬قال‪« :‬خلق اهلل الخلق فكانوا يف قبضته‪،‬‬
‫فقال لمن يف يمينه‪ :‬ادخلوا الجنة بسالم‪ ،‬وقال لمن يف يده األخرى‪ :‬ادخلوا‬
‫هبت إلى يوم القيامة»(‪.)1‬‬
‫النار وال أبالي‪ ،‬فذ ْ‬
‫وقال ابن عمر‪« :‬جاء رجل إلى أبي بكر‪ ،‬فقال‪ :‬أرأيت الزنا بقدر اهلل؟‬
‫فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فإ َّن اهلل قدَّ ره عل َّي ثم يعذبني؟ قال‪ :‬نعم يا ابن ال َّلخناء(‪،)2‬‬
‫أما واهلل لو كان عندي إنسان أمرت أن يجأ(‪ )3‬أنفك»(‪.)4‬‬
‫وقال عمر بن الخطاب ‪« :‬القدر قدرة اهلل ‪ ،‬فمن كذب‬
‫بالقدر‪ ،‬فقد جحد قدرة اهلل ‪.)5(»‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه اآلجري يف الشريعة برقم (‪ ،)415‬والاللكائي برقم (‪ ،)1204‬وذكره ابن القيم يف طريق‬
‫الهجرتين (ص‪.)80‬‬
‫)‪ (2‬اللخناء‪ :‬اللخن‪ :‬النتن‪ ،‬وقيل معناه‪ :‬يا دينء األصل‪ ،‬يا لئيم األم‪ ،‬ويف األثر ضعف‪ ،‬ولو صح دل‬
‫على عظم وقبح ما قاله هذا الرجل‪.‬‬
‫)‪ (3‬يجأ‪ :‬أي‪ :‬يطعن‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه الاللكائي برقم (‪ ،)1205‬وذكره ابن القيم يف طريق الهجرتين (ص‪.)80‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الشريعة لآلجري (‪ ،)39/2‬واإلبانة الكربى البن بطه (‪.)131/2‬‬
‫‪115‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫قال‪« :‬قام عمر بن الخطاب بالجابية(‪ )1‬خطي ًبا‬ ‫وعن عبد اهلل بن الحار‬
‫فقال يف خطبته‪ :‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادى له‪ ،‬وعنده‬
‫ليق(‪ )2‬يسمع ما يقول‪ ،‬قال‪ :‬فنفض ثوبه كهيئة المنكر‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما‬
‫الجا َث ُ‬
‫يقول؟ قالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬يزعم أن اهلل ال ُّ‬
‫يضل أحدً ا‪ ،‬قال‪ :‬كذبت يا عدو‬
‫اهلل؛ بل اهلل خلقك وهو أضلك‪ ،‬وهو يدخلك النار إن شاء اهلل‪ ،‬أما واهلل لوال‬
‫عهد لك لضربت عنقك‪ ،‬إن اهلل خلق الخلق فخلق أهل الجنة وما هم‬
‫عاملون‪ ،‬وخلق أهل النار وما هم عاملون‪ ،‬قال‪ :‬هؤالء لهذه‪ ،‬وهؤالء‬
‫لهذه»(‪.)3‬‬
‫وعن عبد الرحمن بن أبي أبزى قال‪« :‬بلغ عمر ‪ ‬أن رجلين تكلما‬
‫يف القدر‪ ،‬فقام خطي ًبا‪ ،‬فتهدد فيه وأوعد فيه وعيدً ا شديدً ا وقال‪ :‬إنما هلك من‬
‫كان قبلكم حيث تك َّلموا فيه‪ ،‬أعزم على متك ِّلم يتكلم فيه‪ ،‬فلم يتكلم فيه حتى‬
‫كان زمن الحجاج»(‪.)4‬‬
‫وعن علي ‪ ‬أنه قال‪« :‬إن أحدكم لن يخلص اإليمان إلى قلبه حتى‬
‫يستيقن يقينًا غير ظن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وأن ما أخطأه لم يكن‬
‫ليصيبه ويقر بالقدر كله»(‪.)5‬‬

‫)‪ (1‬الجابية‪ :‬قرية من أعمال دمشق‪.‬‬


‫)‪ (2‬الجا َثليق‪ :‬رئيس األساقفة عند النصارى‪.‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه عبد اهلل بن أحمد يف السنة برقم (‪ ،)929‬واآلجري يف الشريعة برقم (‪.)417‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)452‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)467‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪116‬‬

‫وعنه ‪« :‬أنه خطب الناس على منرب الكوفة فقال‪ :‬ليس منا من لم‬
‫يؤمن بالقدر خيره وشره»(‪.)1‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك‪ ،‬عن علي بن أبي طالب‬
‫أمير المؤمنين ‪ :‬أنه ذكر عنده القدر يو ًما فأدخل أصبعه السبابة‬
‫والوسطى يف فيه‪ ،‬فرقم(‪ )2‬هبما باطن يده‪ ،‬فقال‪ :‬أشهد أن هاتين الرقمتين‬
‫كانتا يف أم الكتاب»(‪.)3‬‬
‫وعن إسحاق بن هاني النيسابوري‪ ،‬قال‪( :‬كنت يو ًما عند أبي عبد اهلل‪،‬‬
‫فجاء رجل فقال‪ :‬إن فال ًنا قال‪ :‬إن اهلل ‪ ‬أجرب العباد على الطاعة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫بئس ما قال‪ ،‬لم يقل شي ًئا غير هذا‪ ،‬وسئل عن القدر؟ فقال‪ :‬القدر قدرة اهلل‬
‫على العباد‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬إن زنى فبقدر؟ وإن سرق فبقدر؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬اهلل‬
‫قدَّ ر عليه)(‪.)4‬‬
‫وض ُع َك َيدَ َك على‬
‫أيضا‪« :‬كل شيء بقدر؛ حتى ْ‬
‫وقال ابن عباس ً‬
‫خدك»(‪.)5‬‬
‫وعن ابن عمر قال‪« :‬لكل أمة مجوس‪ ،‬وإن مجوس هذه األمة الذين‬
‫يقولون‪ :‬ال قدر»(‪.)6‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)468‬‬


‫)‪ (2‬رقم‪ ،‬أي‪ :‬كتب أو نقش‪.‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)469‬‬
‫(‪)4‬ينظر‪ :‬الشريعة لآلجري (‪ ،)39/2‬واإلبانة الكربى البن بطه (‪.)131/2‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري يف خلق أفعال العباد (ص‪.)26‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه البيهقي يف االعتقاد برقم (‪ .)410‬وقال‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪117‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وعنه ‪ ‬قال‪« :‬أول ما يكفأ اإلسالم كما يكفأ اإلناء قول الناس يف‬
‫القدر»(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سموا قدرية؛ ألهنم أثبتوا القدر ألنفسهم‪ ،‬ونفوه‬
‫قال البيهقي ‪( :‬وإنما ُّ‬
‫عن اهلل ‪ ،‬ونفوا عنه خلق أفعالهم‪ ،‬وأثبتوه ألنفسهم‪ ،‬فصاروا‬
‫بإضافة بعض الخلق إليه دون بعض مضاهين للمجوس يف قولهم باألصلين‬
‫النور والظلمة‪ ،‬وأن الخير من فعل النور‪ ،‬والشر من فعل الظلمة)‪.‬‬
‫وعن ابن عون قال‪( :‬دخلنا على أبي وائل فقلنا‪ :‬حدثنا ما سمعت من‬
‫عبد اهلل؟ قال‪ :‬سمعت عبد اهلل يعني ابن مسعود يقول‪ :‬الشقي من شقي يف‬
‫بطن أمه‪ ،‬والسعيد من وعظ بغيره؛ فقلنا‪ :‬يا أبا وائل ما تقول يف الحجاج؟‬
‫قال‪ :‬سبحان اهلل نحن نحكم على اهلل؟)(‪.)3‬‬
‫وعن مسروق قال‪ :‬قال عبد اهلل ‪-‬وهو ابن مسعود‪« :-‬ال يؤمن العبد حتى‬
‫يؤمن بالقدر‪ ،‬ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪،‬‬
‫إلي من أن أقول ألمر قضاه اهلل‪ :‬ليته‬
‫أحب َّ‬
‫أعض على جمرة حتى تطفأ‪ّ ،‬‬
‫ولئن ُّ‬
‫لم ي ُكن»(‪.)4‬‬
‫وعن خيثمة‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ‬قال‪« :‬إن العبد ليهم باألمر من‬
‫التجارة واإلمارة حتى يتيسر له نظر اهلل إليه من فوق سبع سموات فيقول‬

‫)‪ (1‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)453‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬االعتقاد للبيهقي (ص‪.)236‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)480‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)481‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪118‬‬

‫للمالئكة‪ :‬اصرفوه عنه‪ ،‬فإين إن يسر ُته له أدخلته النار‪ ،‬قال‪ :‬فيصرفه اهلل عنه‪،‬‬
‫فيقول العبد‪ :‬من أين ُدهيت؟ أو نحو هذا‪ ،‬وما هو إال فضل اهلل ‪.)1(»‬‬
‫وعن أبي إسحاق قال‪( :‬سمعت أبا الحجاج األزدي قال‪ :‬لقيت سلمان‬
‫الفارسي بأصبهان فقلت له‪ :‬يا أبا عبد اهلل أال تخربين عن اإليمان بالقدر كيف‬
‫هو؟ قال‪ :‬أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك‪ ،‬وما أخطأك لم يكن‬
‫ليصيبك‪ :‬وال تقل‪ :‬لو كان كذا لكان كذا)(‪.)2‬‬
‫وعن ثابت‪« :‬أن أبا الدرداء ‪ ‬ذهب مع سلمان الفارسي ‪‬‬
‫يخطب عليه امرأة من بني ليث‪ ،‬فذكر فضل سلمان وسابقته وإسالمه‪ ،‬وذكر‬
‫بأنه يخطب إليهم فتاهتم فالنة‪ ،‬فقالوا‪ :‬أما سلمان فال نزوجه‪ ،‬ولكنا نزوجك‪،‬‬
‫ثم خرج‪ ،‬فقال‪ :‬يا أخي إنه قد كان شيء وإين ألستحي أن أذكره لك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وما ذاك؟ قال‪ :‬فأخربه أبو الدرداء بالخرب فقال سلمان‪ :‬أنا أحق أن أستحي‬
‫منك أن أخطبها‪ ،‬وكان اهلل تعالى قضاها لك»(‪.)3‬‬
‫وهذا من فوائد اإليمان بالقضاء والقدر؛ فإذا علم العبد أن لم يقدر له‬
‫هذا الشيء الذي أراده اسرتاحت نفسه‪ ،‬وعلم أنه ال سبيل له إليه‪ ،‬إال أن يشاء‬
‫اهلل‪ ،‬وفيه حسن ظن سلمان بأخيه أبي الدرداء‪ ،‬وأنه لم يطلب المرأة لنفسه‬
‫ً‬
‫أوال‪ ،‬فرحمهم اهلل ورضي عنهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه الاللكائي برقم (‪ ،)1219‬وذكره ابن القيم يف طريق الهجرتين (ص‪.)81‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)484‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)485‬‬
‫‪119‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وجف القلم‪ ،‬وأمور تقضى يف‬


‫َّ‬ ‫وقال الحسن بن علي‪« :‬قضي القضاء‪،‬‬
‫كتاب قد سبق»(‪.)1‬‬
‫وعن علي بن موسى الرضا ‪ :‬أنه كان يقعد يف الروضة وهو شاب‬
‫ملتحف ِ‬
‫بم ْطرف خ ٍّز فيسأله الناس ومشايخ العلماء يف المسجد‪ ،‬فسئل عن‬
‫القدر‪ ،‬فقال‪ :‬قال اهلل عز من قائل‪ :‬ﱣﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬
‫ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟﱢ [القمر‪]49-47:‬؛ ثم قال‬
‫الرضا‪ :‬كان أبي يذكر عن آبائه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪‬‬
‫كان يقول‪« :‬إن اهلل خلق كل شيء بقدر‪ ،‬حتى العجز والكيس‪ ،‬وإليه المشيئة‬
‫وبه الحول والقوة»(‪.)2‬‬
‫وعن أبي جعفر محمد بن علي الباقر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قال أبي الحسين بن‬
‫علي بن أبي طالب ‪« :‬واهلل ما قالت القدرية بقول اهلل‪ ،‬وال بقول‬
‫المالئكة‪ ،‬وال بقول النبيين‪ ،‬وال بقول أهل الجنة‪ ،‬وال بقول أهل النار‪ ،‬وال‬
‫فسره لنا يا ابن رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬قال اهلل‬
‫بقول صاحبهم إبليس؛ فقالوا له‪ :‬ت ِّ‬
‫‪ :‬ﱣﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ‪...‬ﱢ [يونس‪ ]25:‬اآلية‪ ،‬وقالت‬
‫المالئكة‪ :‬ﱣﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‪...‬ﱢ [البقرة‪ ]32:‬اآلية‪ ،‬وقال نوح‬
‫‪ :‬ﱣﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭ‪...‬ﱢ‬
‫[هود‪ ]34:‬اآلية‪ ،‬فأما موسى ‪ ‬فقال‪ :‬ﱣﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ‬
‫ﳊ‪...‬ﱢ [األعراف‪ ]155:‬اآلية‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)476‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)472‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪120‬‬

‫ﱣﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‪...‬ﱢ [األعراف‪]43:‬‬ ‫وأما أهل الجنة فإهنم قالوا‪:‬‬


‫ﱣﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‪...‬ﱢ [إبراهيم‪]21:‬‬ ‫اآلية‪ ،‬وأما أهل النار فإهنم قالوا‪:‬‬
‫اآلية‪ ،‬وأما أخوهم إبليس فقال‪ :‬ﱣﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱢ‬

‫[األعراف‪ ]16:‬اآلية‪ ،‬فزعمت القدرية بأن اهلل ال يغوي»(‪.)1‬‬


‫وقال عمر بن عبد العزيز ‪( :‬لو أراد اهلل أن ال يعصى لم يخلق‬
‫وفصلها‪ ،‬علمها من علمها‬
‫إبليس‪ ،‬وقد َبين ذلك يف آية من كتاب اهلل ‪َّ ‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وجهلها من جهلها‪ ،‬ﱣﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱢ‬
‫[الصافات‪.]163-162:‬‬
‫وكتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر فكتب‪:‬‬
‫أما بعد‪ :‬أوصيك بتقوى اهلل‪ ،‬واالقتصاد يف أمره‪ ،‬واتباع سنة رسوله‪،‬‬
‫وترك ما أحدث المحدثون بعدما جرت سنته‪ ،‬و ُك ُفوا مؤنته‪ ،‬فعليك بلزوم‬
‫السنة‪ ،‬فإهنا لك بإذن اهلل عصمة‪ ،‬ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إال وقد‬
‫مضى قبلها ما هو دليل عليها‪ ،‬أو عرب ٌة فيها‪ ،‬فإن السنة إنما سنَّها من قد علم‬
‫عمق‪ ،‬فارض لنفسك ما رضي‬ ‫يف خالفها من الخطأ والزلل والحمق والت ُّ‬
‫القوم ألنفسهم‪ ،‬فإهنم عن علم وقفوا‪ ،‬وببصر نافذ َك ُّفوا‪ ،‬ولهم على كشف‬
‫األمور كانوا أقدر‪ ،‬وبفضل ما فيه كانوا أولى‪ ،‬فإن كان الهدى ما أنتم عليه‪،‬‬
‫لقد سبقتموهم إليه‪ ،‬ولئن قلتم‪ :‬إن ما حدث بعدهم ما أحدثه إال من اتبع غير‬
‫سبيلهم‪ ،‬أو رغب بنفسه عنهم‪ ،‬فإهنم هم السابقون‪ ،‬وقد تكلموا فيه بما‬

‫)‪ (1‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)473‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬االعتقاد للبيهقي (ص‪.)158‬‬
‫‪121‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ٍ‬
‫محسن‪ ،‬قد‬ ‫مقصر‪ ،‬وما فوقهم من‬
‫ٌ‬ ‫يكفي‪ ،‬ووصفوا ما يشفي‪ ،‬فما دوهنم من‬
‫قصر قوم دوهنم فج َفوا‪ ،‬وطمح عنهم أقوام فغ َل ْوا‪ ،‬وإهنم بين ذلك لعلى هدى‬
‫مستقيم‪.‬‬
‫كتبت تسأل عن اإلقرار بالقدر‪ ،‬فعلى الخبير بإذن اهلل وقعت‪ ،‬ما أعلم‬
‫أمرا‬
‫أثرا‪ ،‬وال أثبت ً‬
‫أحدث الناس من محدثة‪ ،‬وال ابتدعوا من بدعة هي أبين ً‬
‫ذكره يف الجاهلية الجهالء‪ ،‬يتكلمون يف كالمهم‬
‫من اإلقرار بالقدر‪ ،‬لقد كان ُ‬
‫عزون به أنفسهم على ما فاهتم‪ ،‬ثم لم يزده اإلسالم بعدُ إال‬
‫ويف شعرهم‪ُ ،‬ي ُّ‬
‫شد ًة‪ ،‬لقد ذكره رسول اهلل ‪ ‬يف غير حديث وال حديثين‪ ،‬قد سمعه‬
‫وتسليما لرهبم ‪،‬‬
‫ً‬ ‫منه المسلمون‪ ،‬فتكلموا به يف حياته وبعد وفاته‪ ،‬يقينًا‬
‫وتضعي ًفا ألنفسهم أن يكون شي ٌء لم ُيحط به علمه‪ ،‬ولم ُيحصه كتابه بذلك‪،‬‬
‫لمنه اقتبسوه ِ‬
‫ولمنْ ُه‬ ‫ولم يمض فيه قدره‪ ،‬وإنه لمع ذلك يف محكم كتابه‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تعلموه‪ ،‬ولئن قلتم‪ :‬ل ِ َم أنزل اهلل ‪ ‬آية كذا‪ ،‬ول ٍ َم قال اهلل كذا‪ ،‬لقد قرؤوا منه‬
‫ٍ‬
‫بكتاب وقدر‪،‬‬ ‫جهلتم‪ ،‬وقالوا بعد ذلك‪ :‬كله‬ ‫ما قرأتم‪ ،‬وعلموا من تأويله ما ِ‬
‫ضرا‬
‫وما يقدَّ ر يكن‪ ،‬وما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وال نملك ألنفسنا ًّ‬
‫وال نف ًعا‪ ،‬ثم ر َّغبوا بعد ذلك ور َّهبوا(‪.)1‬‬

‫وقال الحسن‪( :‬إن اهلل خلق خل ًقا‪ ،‬فخلقهم بقدر‪َّ ،‬‬


‫وقسم اآلجال بقدر‪،‬‬
‫وقسم أرزاقهم بقدر‪ ،‬والبالء والعافية بقدر‪ ،‬وأمر وهنى)(‪.)2‬‬
‫َّ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم (‪.)539‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شرح أصول االعتقاد لاللكائي (‪ ،)682/4‬وأخرجه البيهقي يف القضاء والقدر برقم‬
‫(‪.)514‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪122‬‬

‫كذب باإلسالم)(‪.)1‬‬
‫كذب بالقدر فقد َّ‬
‫أيضا‪( :‬من َّ‬
‫وقال ً‬
‫مرضا‪ ،‬وقدر‬
‫أجال‪ ،‬وقدر معه ً‬
‫وقال يف مرضه الذي مات فيه‪( :‬إن اهلل قدر ً‬
‫كذب بالقرآن‪ ،‬ومن َّ‬
‫كذب بالقرآن فقد‬ ‫كذب بالقدر فقد َّ‬
‫معه معافاة‪ ،‬فمن َّ‬
‫كذب بالحق)(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫مطرف بن عبد اهلل‪( :‬ليس ألحد أن يصعد‪ ،‬فيلقي نفسه من شاهق‪،‬‬
‫وقال ِّ‬
‫ويقول‪ :‬قدَّ ر لي ربي‪ ،‬ولكن يحذر‪ ،‬ويجتهد‪ ،‬ويتقي؛ فإن أصابه شيء علم أنه‬
‫لن يصيبه إال ما كتب اهلل له)(‪.)3‬‬
‫وعن أبي عصمة قال‪( :‬سألت أبا حنيفة من أهل الجماعة؟ قال‪ :‬من‬
‫فضل أبا بكر وعمر‪ ،‬وأحب عل ًّيا وعثمان‪ ،‬وآمن بالقدر خيره وشره من اهلل‪،‬‬
‫َّ‬
‫ومسح على الخفين‪ ،‬ولم يك ِّفر مؤمنًا بذنب‪ ،‬ولم يتكلم يف اهلل بشيء)(‪.)4‬‬
‫ولإلمام الشافعي أبيات جميلة ذكر فيها القدر وما يتعلق به‪ ،‬وصفها ابن‬
‫عبد الرب ‪ ‬بقوله‪( :‬ومن شعره الذي ال يختلف فيه‪ ،‬وهو أصح شيء‬
‫عنه)‪ ،‬وهي قوله(‪:)5‬‬
‫تشـــ ْأ لـــم يكـــن‬
‫شـــئت إن لـــم َ‬
‫ُ‬ ‫ومـــا‬ ‫ـئت كـــــان وإن لـــــم َأ َشـــ ـ ْأ‬
‫مـــــا شــــ َ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬المصدر السابق (‪.)682/4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شرح أصول االعتقاد لاللكائي (‪.)682/4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬سير أعالم النبالء للذهبي (‪.)191/4‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬االعتقاد للبيهقي (ص‪.)162‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البيهقي يف االعتقاد (ص‪ ،)162‬وابن عبد الرب يف االنتقاء (ص‪ ،)80‬وأورده الاللكائي يف‬
‫أصول االعتقاد برقم (‪ ،)1304‬واألسفراييني يف التبصير يف الدين (ص‪.)94‬‬
‫‪123‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫والم ِســن‬
‫ففــي العلــ ِم يجــري الفتــى ُ‬ ‫ـت‬ ‫ت العبــــا َد علــــى مــــا ِ‬
‫علمـــ َ‬ ‫خلقـــ َ‬
‫أعنــــــت وذا لــــــم ُت ِعــــــن‬
‫َ‬ ‫وهــــــذا‬ ‫ـت وهـــــذا خــــ َـذ َ‬
‫لت‬ ‫علـــــى ذا مننــــ َ‬
‫يح ومــــــنهم حســــــن‬
‫ومــــــنهم قبـــــ ٌ‬ ‫فمــــــنهم شــــــقي ومــــــنهم ســــــعيدٌ‬
‫يضا‪( :‬المشيئة إرادة اهلل ‪ ،‬قال اهلل ‪:‬‬
‫وقال الشافعي ‪ ‬أ ً‬
‫ﱣﱨﱩﱪ ﱫﱬ ﱭ‪...‬ﱢ [اإلنسان‪]30:‬؛ فأعلم اهلل خلقه أن المشيئة له دون‬
‫خلقه‪ ،‬وأن مشيئتهم ال تكون إال أن يشاء»(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬االعتقاد للبيهقي (ص‪.)157‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪124‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مسائل حول القدر‬

‫املسألة األوىل‪ :‬الرضا بالقضاء والقدر‪:‬‬


‫ال شك أن الرضى باهلل ر ًّبا هو قطب رحى اإلسالم‪ ،‬وهو أ َّال َيتخذ ر ًّبا‬
‫غير اهلل تعالى يسكن إلى تدبيره‪ ،‬وينزل به حوائجه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﱣﲶ ﲷ‬

‫ﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﱢ [األنعام‪.]164:‬‬

‫قال ابن عباس ‪ ‬يف قوله‪ :‬ﱣﲺﱢ‪َ ( :‬س ِّيدً ا َوإل ِ ًها)(‪ ،)2‬يعني‪ :‬فكيف‬
‫رب كل شيء؟‪.‬‬
‫أطلب ر ًّبا غيره‪ ،‬وهو ُّ‬
‫وقال يف أول السورة‪ :‬ﱣﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﱢ‬
‫وملجا‪ ،‬وهو من المواالة التي‬
‫ً‬ ‫وناصرا ومعينًا‬
‫ً‬ ‫[األنعام‪ ،]14:‬يعني‪ :‬معبو ًدا‬
‫تتضمن الحب والطاعة‪.‬‬
‫وتفسير الرضا باهلل ر ًّبا‪ :‬أن يسخط عباد َة ما دونه‪ ،‬هذا هو الرضا باهلل ر ًّبا‪،‬‬
‫وهو من تمام الرضا باهلل ر ًّبا؛ فمن أعطي الرضا به ر ًّبا حقه سخط عبادة ما‬
‫دونه قط ًعا؛ ألن الرضا بتجريد ربوبيته يستلزم تجريد عبادته‪ ،‬كما أن العلم‬
‫بتوحيد الربوبية يستلزم العلم بتوحيد اإللهية‪.‬‬
‫والنبي ‪ ‬علق ذوق طعم اإليمان بمن رضي باهلل ر ًّبا‪ ،‬كما قال‬

‫(‪ )1‬هذه المسائل جمعتها واختصرهتا من‪ :‬كتاب القدر‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬وهو ضمن مجموع الفتاوى‪،‬‬
‫المجلد الثامن‪ ،‬وكتاب مدارج السالكين‪ ،‬والصواعق المرسلة‪ ،‬والفوائد‪ ،‬وشفاء العليل‪ ،‬البن‬
‫القيم‪ ،‬وكذلك من شروح العقيدة الواسطية‪ ،‬وغيرها من كتب العقيدة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره البغوي يف تفسيره (‪ ،)212/3‬وينظر‪ :‬تفسير الطربي (‪.)48/10‬‬
‫‪125‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ان‪َ :‬م ْن َر ِضي بِاهلل ِ َر ًّبا‪َ ،‬وبِ ِ‬


‫اإل ْس َال ِم ِدينًا‪،‬‬ ‫‪َ « :‬ذ َاق َط ْع َم ِ‬
‫اإلي َم ِ‬
‫َ‬
‫وَّل»(‪.)1‬‬‫َوبِ ُم َح ام ٍد ‪َ ‬ر ُس ً‬
‫فجعل الرضا به قرين الرضا بدينه ونبيه ‪ ،‬وهذه الثالثة هي‬
‫أصول اإلسالم التي ال يقوم إال هبا وعليها‪.‬‬
‫وأيضا‪ :‬فالرضا به ر ًّبا يتضمن توحيده وعبادته‪ ،‬واإلنابة إليه‪ ،‬والتوكل‬
‫ً‬
‫عليه‪ ،‬وخوفه ورجاءه ومحبته‪ ،‬والصرب له وبه‪ ،‬والشكر على نعمه‪ ،‬ويتضمن‬
‫رؤية كل ما منه نعم ًة وإحسا ًنا‪ ،‬وإن ساء عبده‪.‬‬
‫رسوَّل‪:‬‬
‫ً‬ ‫فالرضا به يتضمن‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬والرضا بمحمد‬
‫يتضمن شهادة َّ‬
‫أن محمدً ا رسول اهلل‪ ،‬والرضا باإلسالم دينًا‪ :‬يتضمن التزام‬
‫عبوديته‪ ،‬وطاعته‪ ،‬وطاعة رسوله ‪‬؛ فجمعت هذه الثالثة الدين‬
‫كله‪.‬‬
‫وأما الرضا بقضائه وقدره ففيه تفصيل‪ ،‬ألن السخط بالمقضي ال يستلزم‬
‫السخط على من قضاه‪ ،‬كما أن كراهة المقضي وبغضه والنفرة عنه ال تستلزم‬
‫تعلق ذلك بالذي قضاه وقدره‪ ،‬فالمقضي قد يسخطه العبد وهو راض عمن‬
‫قضاه وقدره؛ بل قد يجتمع تسخطه والرضا بنفس القضاء‪.‬‬
‫فإنه إنما يسخط المقدور وينازعه بمقدور آخر‪ ،‬كما ينازع القدر الذي‬
‫يكرهه ربه بالقدر الذي يحبه ويرضاه‪ ،‬فينازع قدر اهلل بقدر اهلل‪ ،‬باهلل وهلل‪ ،‬كما‬
‫يستعيذ برضاه من سخطه‪ ،‬وبمعافاته من عقوبته‪ ،‬ويستعيذ به منه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم برقم (‪ ،)34‬عن العباس بن عبد المطلب ‪.‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪126‬‬

‫فأما كونه يختار لنفسه خالف ما يختاره الرب‪ ،‬فهذا موضع تفصيل‪ ،‬ال‬
‫يسحب عليه ذيل النفي واإلثبات‪.‬‬
‫فاختيار الرب تعالى لعبده نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬اختيار ديني شرعي‪ ،‬فالواجب على العبد َّأال يختار يف هذا‬
‫النوع غير ما اختاره له سيده‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬

‫ﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱢ [األحزاب‪.]36:‬‬
‫فاختيار العبد ِخ َال َ‬
‫ف ذلك مناف إليمانه وتسليمه‪ ،‬ورضاه باهلل ر ًّبا‪،‬‬
‫ً‬
‫رسوال‪.‬‬ ‫وباإلسالم دينًا‪ ،‬وبمحمد ‪‬‬

‫النوع الثان‪ :‬اختيار كون قدري‪ ،‬ال يسخطه الرب‪ ،‬كالمصائب التي‬
‫يبتلي اهلل هبا عبده‪ ،‬فهذا ال يضره فراره منها إلى القدر الذي يرفعها عنه‪،‬‬
‫ويدفعها ويكشفها‪ ،‬وليس يف ذلك منازعة للربوبية‪ ،‬وإن كان فيه منازعة للقدر‬
‫بالقدر‪.‬‬
‫مباحا مستوي‬
‫فهذا يكون تارة واج ًبا‪ ،‬وتارة يكون مستح ًّبا‪ ،‬وتارة يكون ً‬
‫مكروها‪ ،‬وتارة يكون حرا ًما‪.‬‬
‫ً‬ ‫الطرفين‪ ،‬وتارة يكون‬
‫ِ‬
‫المعائب والذنوب‪-‬؛‬ ‫وأما القدر الذي ال يح ُّبه وال يرضاه ‪-‬مثل ِ‬
‫قدر‬
‫فالعبد مأمو ٌر بسخطِها ومنهي عن الرضا هبا‪.‬‬
‫وهذا هو التفصيل الواجب يف الرضا بالقضاء‪.‬‬
‫عظيما‪ ،‬ونجا منه أصحاب ال َف ْر ِق‬
‫ً‬ ‫وقد اضطرب الناس يف ذلك اضطرا ًبا‬
‫والتفصي ِل‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ِ‬
‫مقامات‬ ‫فإن لفظ الرضا بالقضاء لفظ محمو ٌد مأمور به‪ ،‬وهو من‬
‫الصديقين؛ فصارت له حرم ٌة أوجبت لطائفة قبو َله من غير تفصي ٍل‪ ،‬وظنوا أن‬
‫كل ما كان مخلو ًقا للرب تعالى فهو مقضي مرضي له ينبغي له الرضا به‪.‬‬
‫ثم انقسموا على فرقتين‪:‬‬
‫فقالت فرقة‪ :‬إذا كان القضاء والرضا متالزمين؛ فمعلوم أ َّنا مأمورون‬
‫ببغض المعاصي‪ ،‬والكفر والظلم‪ ،‬فال تكون مقضي ًة مقدر ًة(‪.)1‬‬
‫وفرق ٌة قالت‪ :‬قد دل العقل والشرع على أهنا واقعة بقضاء اهلل وقدره‪،‬‬
‫فنحن نرضى هبا(‪.)2‬‬
‫والطائفتان منحرفتان‪ ،‬جائرتان عن قصد السبيل‪ ،‬فأولئك أخرجوها عن‬
‫قضاء الرب وقدره‪ ،‬وهؤالء رضوا هبا ولم يسخطوها‪ ،‬هؤالء خالفوا الرب‬
‫تعالى يف رضاه وسخطه‪ ،‬وخرجوا عن شرعه ودينه‪ ،‬وأولئك أنكروا تعلق‬
‫قضائه وقدره هبا‪.‬‬
‫واجب‪ ،‬وهو أساس‬
‫ٌ‬ ‫ف هذا‪ ،‬فالرضا بالقضاء الديني الشرعي‬ ‫إذا ُع ِر َ‬
‫اإلسالم وقاعدة اإليمان؛ فيجب على العبد أن يكون راض ًيا به بال حرج‪ ،‬وال‬
‫منازعة وال معارضة‪ ،‬وال اعرتاض‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﱣﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼ‬
‫ﲽ ﲾﱢ [النساء‪]65:‬؛ فأقسم أهنم ال يؤمنون حتى يح ِّكموا رسوله‬

‫(‪ )1‬وهؤالء هم القدرية الذين قالوا‪ :‬إن العبد يخلق أفعاله‪ ،‬وإن لم يشأ اهلل تعالى‪.‬‬
‫(‪ )2‬يريد طائفة الجربية؛ فإهنم رضوا بالمعاصي والشرك والكفر؛ بل جعلوا ذلك طاعة لموافقته مشيئة‬
‫الرب تعالى‪ ،‬ولم يفرقوا بين المحبة والمشيئة‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪128‬‬

‫ِ‬
‫حكمه‪ ،‬وحتى يسلموا‬ ‫‪ ،‬وحتى يرتفع الحرج من نفوسهم من‬
‫تسليما‪ ،‬وهذا حقيقة الرضا بحكمه‪.‬‬
‫ً‬ ‫لحكمه‬
‫فالتحكيم‪ :‬يف مقام اإلسالم‪.‬‬
‫وانتفاء الحرج‪ :‬يف مقام اإليمان‪.‬‬
‫والتسليم‪ :‬يف مقام اإلحسان‪.‬‬
‫ومتى خالط القلب بشاشة اإليمان‪ ،‬واكتحلت بصيرته بحقيقة اليقين‪،‬‬
‫وحيِ َي بروح الوحي‪ ،‬وتمهدت طبيعته‪ ،‬وانقلبت النفس األمارة مطمئنة‬ ‫َ‬
‫الرب تعالى بصدر واسع منشرح مسلم؛ فقد‬‫ِّ‬ ‫راضية وادعة‪ ،‬وتلقى أحكام‬
‫رضي كل الرضا هبذا القضاء الديني المحبوب هلل ولرسوله‪.‬‬
‫والرضا بالقضاء الكون القدري‪ ،‬الموافق لمحبة العبد وإرادته ورضاه ‪-‬‬
‫من الصحة‪ ،‬والغنى‪ ،‬والعافية‪ ،‬واللذة‪ -‬أمر الزم بمقتضى الطبيعة؛ ألنه مالئم‬
‫للعبد‪ ،‬محبوب له؛ فليس يف الرضا به عبودية؛ بل العبودية يف مقابلته بالشكر‪،‬‬
‫يحب اهلل أن توضع فيها‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫واالعرتاف بالمنة‪ ،‬ووضع النعمة مواضعها التي‬
‫َّ‬
‫وأال يعصى المنعم هبا‪ ،‬وأن يرى التقصير يف جميع ذلك‪.‬‬
‫والرضا بالقضاء الكون القدري‪ ،‬الجاري على خالف مراد العبد ومحبته‬
‫‪-‬مما ال يالئمه‪ ،‬وال يدخل تحت اختياره‪ -‬مستحب‪ ،‬وهو من مقامات أهل‬
‫اإليمان‪ ،‬ويف وجوبه قوالن‪ ،‬وهذا كالمرض والفقر‪ ،‬وأذى الخلق له‪ ،‬والحر‬
‫والربد‪ ،‬واآلالم ونحو ذلك‪.‬‬
‫والرضا بالقدر الجاري عليه باختياره ‪-‬مما يكرهه اهلل ويسخطه‪ ،‬وينهى‬
‫عنه‪ -‬كأنواع الظلم والفسوق والعصيان‪ :‬حرا ٌم يعاقب عليه‪ ،‬وهو مخالف ٌة لربه‬
‫‪129‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫تعالى؛ فإن اهلل ال يرضى بذلك وال يحبه؛ فكيف تتفق المحبة ورضا ما‬
‫يسخطه الحبيب ويبغضه؟ فعليك هبذا التفصيل يف مسألة الرضا بالقضاء(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬مدارج السالكين البن القيم (‪.)178/2‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪130‬‬

‫املسألة الثانية‪ :‬منشأ القضاء والقدر‪:‬‬


‫ال ريب أن اهلل خالق كل شيء ومليكه ومقدره‪ ،‬والقدر كما هو ناشئ عن‬
‫علم اهلل‪ ،‬فهو مرتبط أيضا بقدرة اهلل‪ ،‬كما قال اإلمام أحمد ‪( :‬القدر‬
‫قدرة اهلل)(‪ ،)1‬فاهلل هو المقدِّ ر لكل ما هو كائن‪ ،‬لكن هذا ال ينفي العلم وال‬
‫ينفي حقيقة األمر والنهي والوعد والوعيد‪ ،‬وأن من األفعال ما ينفع صاحبه؛‬
‫فيحصل له به نعيم‪ ،‬ومنها ما يضر صاحبه؛ فيحصل له به عذاب‪.‬‬
‫فنحن ال ننكر اشرتاك الجميع من جهة المشيئة والربوبية وابتداء األمور‪،‬‬
‫لكن نثبت فر ًقا آخر من جهة الحكمة واألوامر اإللهية وهناية األمور؛ فإن‬
‫العاقبة للمتقين؛ ال لغير المتقين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﮊ [ص‪ ،]28:‬وقال ‪ :‬ﮋﯬ‬
‫ﯭﯮﮊ [القلم‪.)2(]35:‬‬
‫مأمورا أن ينظر إلى القدر عندما يؤمر به من األفعال‪،‬‬
‫ً‬ ‫واإلنسان ليس‬
‫ولكن عليه أن َي ِ‬
‫جدَّ يف تنفيذ ما ُطلب منه‪ ،‬وعندما يجري عليه من المصائب‬
‫والكوارث التي ال حيلة له يف دفعها فعليه أن يقول حينئذ‪ :‬قدَّ ر اهلل وما شاء‬
‫فعل‪ ،‬كما جاء يف الحديث(‪.)3‬‬
‫والعبد مأمور بأن يجاهد يف سبيل اهلل‪ ،‬ويدفع ما ُقدِّ َر من المعاصي بما‬
‫َي ْق ِد ُر من الطاعات(‪ ،)4‬فهو منازع للمقدور المحظور بالمقدور المأمور هلل‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)52‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)308/8‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخريجه (ص‪.)42‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)307/8‬‬
‫‪131‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫تعالى(‪ ،)1‬كما قال بعض العقالء‪ :‬األمر أمران‪ :‬أمر ال حيلة فيه؛ فال تجزع‬
‫منه‪ ،‬وأمر فيه حيلة؛ فال تعجز عنه(‪.)2‬‬
‫وهذا ينطبق على قول المصطفى ‪« :‬إِ ان اهللَ َي ُلو ُم َع َلى ال َع ْج ِز‪،‬‬
‫يل»(‪.)3‬‬ ‫ك َأ ْم ٌر‪َ ،‬ف ُق ْل‪َ :‬ح ْسبِ َي اهللُ َونِ ْع َم ا ْل َوكِ ُ‬
‫س‪َ ،‬فإِ َذا َغ َل َب َ‬ ‫َو َلكِ ْن َع َل ْي َ‬
‫ك بِال َك ْي ِ‬
‫ومما يدل على ارتباط القدر بالعلم والقدرة ما ذكره اإلمام ابن القيم‬
‫منشؤه عن‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬يف كتابه‪ :‬طريق الهجرتين(‪ )4‬حيث قال‪« :‬والقضا ُء والقدر‬
‫القدر قدرة اهلل)(‪ ،)5‬واستحسن‬
‫علم الرب وقدرته‪ ،‬ولهذا قال اإلمام أحمد‪ُ ( :‬‬
‫اب ُن عقيل هذا الكالم من أحمد غاية االستحسان‪ ،‬وقال‪ :‬إنه شفى هبذه الكلمة‬
‫وأفصح هبا عن حقيقة القدر‪.‬‬
‫ولهذا كان المنكرون للقدر فرقتين‪ :‬فرقة كذبت بالعلم السابق ونف ْته‪،‬‬
‫وهم غالهتم الذين ك َّفرهم السلف واألئمة وتربأ منهم الصحابة‪.‬‬
‫وفرقة جحدت كمال القدرة وأنكرت أن تكون أفعال العباد مقدورة هلل‬
‫تعالى‪ ،‬وصرحت بأن اهلل ال يقدر عليها‪ ،‬فأنكر هؤالء كمال قدرة الرب‪،‬‬
‫وأنكرت األخرى كمال علمه‪.‬‬

‫(‪ )1‬لعل يف قصة عمر بن الخطاب مع أبي عبيدة بن الجراح ‪ ‬عندما جاء عمر إلى الشام‪ ،‬وكان قد‬
‫ثيرا منهم؛ فعلم عمر بالوباء قبل أن يصل إلى الجيش؛ فقرر‬
‫انتشر الطاعون بالجيش‪ ،‬وأهلك ك ً‬
‫الرجوع لكيال يصاب هو ومن معه بالطاعون؛ فقال له أبو عبيدة‪ :‬أتفر من قدر اهلل؛ فقال له لو غيرك‬
‫قالها يا أبا عبيدة‪ ،‬نفر من قدر اهلل إلى قدر اهلل؛ فأقول‪ :‬لعل هذه القصة تلقي ضو ًءا على الموضوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)285-284/8‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ،)3627‬وأحمد يف المسند برقم (‪ ،)23983‬عن عوف بن مالك ‪.‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬طريق الهجرتين البن القيم (ص‪.)92‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخريجه (ص‪.)52‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪132‬‬

‫وقابلتهم الجربية فحافظت على إثبات القدرة والعلم‪ ،‬وأنكرت الحكمة‬


‫ِ‬
‫والقضاء والشرع عن علم الرب‬ ‫والرحمة‪ ،‬ولهذا كان مصدر الخلق واألمر‬
‫ِ‬
‫الثالث‬ ‫وعزته وحكمته‪ ،‬ولهذا يقرن تعالى بين االسمين والصفتين من هذه‬
‫كثيرا كقوله‪ :‬ﱣﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱢ [النمل‪ ،]6:‬وقال‪ :‬ﱣﱤ‬
‫ً‬
‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱢ [الزمر‪ ،]1:‬وقال‪ :‬ﱣﱕﱖﱗ ﱘﱙﱚﱛ‬
‫ﱜﱢ [غافر‪ ]2-1:‬وقال‪ :‬يف حم فصلت بعد ذكر تخليق العالم‪ :‬ﱣﱒ ﱓ‬
‫ﱔﱕﱢ [فصلت‪.]12:‬‬
‫وذكر نظير هذا يف األنعام فقال‪ :‬ﱣﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬

‫ﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱢ [األنعام‪.]96 :‬‬


‫فارتباط الخلق بقدرته التامة يقتضي أ َّال يخرج موجود عن قدرته‪،‬‬
‫وارتباطه بعلمه التام يقتضي إحاطته به وتقدمه عليه‪ ،‬وارتباطه بحكمته‬
‫يقتضي وقوعه على أكمل الوجوه وأحسنها واشتماله على الغاية المحمودة‬
‫المطلوبة للرب تعالى‪.‬‬
‫وكذلك ارتباط أمره بعلمه وحكمته وعزته‪ ،‬فهو عليم بخلقه وأمره‬
‫حكيم يف خلقه عزيز يف خلقه وأمره‪.‬‬
‫ولهذا كان الحكيم من أسمائه الحسنى‪ ،‬والحكمة من صفاته العلى‪،‬‬
‫والشريعة الصادرة عن أمره مبناها على الحكمة‪ ،‬والرسول المبعوث هبا‬
‫مبعوث بالكتاب والحكمة‪.‬‬
‫والحكمة هي سن ُة الرسول ‪ ‬وهي تتضمن العلم بالحق‬
‫والعمل به‪ ،‬والخرب عنه واألمر به‪ ،‬فكل هذا يسمى حكمة ويف األثر‪« :‬الحكمة‬
‫‪133‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ضالة المؤمن»(‪ ،)1‬ويف الحديث‪« :‬إن من الشعر حكمة»(‪ ،)2‬فكما ال يخرج‬


‫مقدور عن علمه وقدرته ومشيئته‪ ،‬فهكذا ال يخرج عن حكمته وحمده‪ ،‬وهو‬
‫محمود على جميع ما يف الكون من خير وشر‪ ،‬حمدً ا استحقه لذاته‪ ،‬وصدر‬
‫عنه خلقه وأمره‪ ،‬فمصدر ذلك كله عن الحكمة‪ ،‬فإنكار الحكمة إنكار لحمده‬
‫يف الحقيقة)‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬ورد مرفو ًعا‪ ،‬أخرجه الرتمذي برقم (‪ ،)2687‬وابن ماجه برقم (‪ ،)4169‬وقال الرتمذي‪ :‬غريب‪،‬‬
‫وضعفه األلباين‪ .‬وقد ورد موقو ًفا على سعيد بن أبي برده‪ ،‬أخرجه البيهقي يف المدخل إلى السنن‬
‫برقم (‪ ،)844‬وابن أبي شيبة يف المصنف برقم (‪.)35681‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6045‬عن أبي بن كعب ‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪134‬‬

‫املسألة الثالثة‪ :‬نؤمن بالقدر وال حنتجُّ به على املعاصي‪:‬‬


‫والقدر ُن ْؤ َم ُن به وال ن َْحت َُّج به على المعاصي التي نحن عليها ولم نتب‬
‫منها؛ فمن لم يؤمن بالقدر ضارع(‪ )1‬المجوس‪ ،‬ومن احتج به على معاصيه‬
‫التي لم يتب منها ضارع المشركين‪ ،‬ومن أقر باألمر والقدر وطعن يف عدل اهلل‬
‫شبيها بإبليس؛ حيث قال‪ :‬ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮊ‬
‫وحكمته كان ً‬
‫معارضا لألمر والنهي‪ ،‬فمن كان‬
‫ً‬ ‫[األعراف‪]16:‬؛ فأثبت القدر‪ ،‬وجعل ذلك‬
‫كذلك فقد أذهب األصل‪ ،‬وكفر باتفاق الملل‪.‬‬
‫وذكر العلماء أن اَّلحتجاج بالقدر يجوز يف أمرين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬االحتجاج بالقدر على المصائب‪:‬‬
‫فإذا نزلت به مصيبة‪ ،‬سلم ألمر اهلل‪ ،‬واحتج بالقدر؛ فقال‪ :‬هذا قدر اهلل‪،‬‬
‫أو قدَّ ر اهلل وما شاء فعل(‪ ،)2‬وليس لنا حيلة يف ذلك‪ ،‬وهذا شيء مكتوب ال‬
‫يمكن دفعه‪ ،‬أو كال ًما من هذا القبيل‪.‬‬
‫األمر الثان‪ :‬االحتجاج بالقدر على المعصية التي تاب منها وندم عليها‪،‬‬
‫وأقلع عنها‪ ،‬فقد ذكر ابن القيم ‪ ‬أن االحتجاج بالقدر يف ذلك‪ ،‬ليس‬
‫تربيرا للمعصية؛ ألنه تاب منها وأقلع عنها وندم عليها‪ ،‬فلو كان االحتجاج‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬ضارع‪ :‬أي‪ :‬شابه وجارى‪ ،‬يقال‪ :‬ضارع الرجل أباه‪ ،‬أي‪ :‬شاهبه؛ وضارع المشركين‪ ،‬أي‪ :‬شابه‬
‫المشركين وجاراهم؛ فقوله‪ :‬ضارع المجوس‪ ،‬أي‪ :‬شابه المجوس وجاراهم؛ ألن المجوس‬
‫قالوا‪ :‬إن للكون إلهين‪ :‬إل َه النور‪ :‬وهو خالق الخير‪ ،‬وإل َه الظلمة‪ :‬وهو خالق الشر‪ .‬ينظر‪ :‬معجم‬
‫اللغة العربية المعاصرة (ص‪ ،)3123‬باب‪َ ( :‬ض َر َع)‪.‬‬
‫(‪ )2‬كما يف الحديث الذي أخرجه مسلم‪ ،‬وقد سبق تخريجه (ص‪.)42‬‬
‫‪135‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫تربيرا للمعصية لما تاب منها ولما ندم عليها‪ ،‬ولكنه نظر‬
‫ً‬ ‫بالقدر يف ذلك‬
‫محض إلى التوحيد‪ ،‬وأن كل شيء إنما يجري بمشيئة اهلل وقدره‪.‬‬
‫قال ابن القيم(‪( :)1‬وقد يتوجه جواب آخر‪ ،‬وهو أن االحتجاج بالقدر‬
‫على الذنب ينفع يف موضع ويضر يف موضع؛ فينفع إذا احتج به بعد وقوعه‪،‬‬
‫والتوبة منه‪ ،‬وترك معاودته‪ ،‬كما فعل آدم؛ فيكون يف ذكر القدر إذ ذاك من‬
‫التوحيد ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع؛‬
‫أمرا وال هن ًيا‪ ،‬وال يبطل به شريعة؛ بل يخرب بالحق‬ ‫ألنه ال يدفع بالقدر ً‬
‫المحض على وجه التوحيد والرباءة من الحول والقوة‪.‬‬
‫َان َم ْكتُو ًبا‬ ‫ومنِي َع َلى َأ ْن َع ِم ْل ُ‬
‫ت َع َم ًال ك َ‬ ‫يوضحه أن آدم قال لموسى‪َ « :‬أ َف َت ُل ُ‬
‫َع َل اي َق ْب َل َأ ْن ُأ ْخ َل َق؟»(‪)2‬؛ فإذا أذنب الرجل ذن ًبا‪ ،‬ثم تاب منه توبة‪ ،‬وزال أمره‬
‫حسن منه أن يحتج بالقدر بعد‬
‫مؤنب عليه والمه‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫حتى كأن لم يكن؛ فأنبه‬
‫علي قبل أن أخلق‪ ،‬فإنه لم يدفع بالقدر‬ ‫ُ‬
‫ذلك‪ ،‬ويقول‪ :‬هذا أمر كان قد قدِّ ر ّ‬
‫ح ًّقا وال ذكره حجة له على باطل‪ ،‬وال محذور يف االحتجاج به)‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫صح االحتجاج‬
‫ثم قال ابن القيم ‪( :‬ونكتة المسألة‪ :‬أن اللوم إذا ارتفع َّ‬
‫بالقدر‪ ،‬وإذا كان اللوم واق ًعا فاالحتجاج بالقدر باطل‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد احتج علي بالقدر يف ترك قيام الليل‪ ،‬وأقره النبي‬
‫ول اهللِ ‪َ ‬ط َر َق ُه‬‫أن َر ُس َ‬
‫‪ ،‬كما يف الصحيح عن علي‪َّ :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪.)18‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)4738‬ومسلم برقم (‪ ،)2652‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪.)19‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪136‬‬

‫ول اهللِ! إِن ََّما‬


‫ون؟»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َو َفاطِ َم ُة َل ْي ًال؛ َف َق َال َل ُه ْم‪َ « :‬أ ََّل ُت َص ُّل َ‬
‫ف رس ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول اهلل ‪‬‬ ‫َأ ْن ُف ُسنَا بِ َيد اهلل‪َ ،‬فإِ َذا َشا َء َأ ْن َي ْب َع َث َها َب َع َث َها؛ َفا ْن َص َر َ َ ُ‬
‫خ َذ ُه‬‫ِحين ُق ْل ُت َله َذل ِ َك و َلم ير ِجع إ َلي َشي ًئا‪ُ ،‬ثم س ِمع ُته و ُهو مدْ بِر ي ْض ِرب َف ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ َ ُ ٌ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ْ َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ول‪« :‬ﱣﱋﱌﱍﱎﱏﱢ [الكهف‪.)1(»]54:‬‬ ‫َو ُه َو َي ُق ُ‬
‫قيل‪ :‬علي لم يحتج بالقدر على ترك واجب وال فعل محرم‪ ،‬وإنما قال‪:‬‬
‫إن نفسه ونفس فاطمة بيد اهلل؛ فإذا شاء أن يوق َظها ويبعث أنفسها بعثها‪ ،‬وهذا‬
‫موافق لقول النبي ‪ ‬ليلة ناموا يف الوادي‪« :‬إ ان اهللَ َق َب َض َأ ْر َو َ‬
‫احنَا‬
‫ث َشا َء»(‪.)2‬‬
‫يث َشا َء‪َ ،‬و َر اد َها َحي ُ‬
‫َح ُ‬
‫وهذا احتجاج صحيح‪ ،‬صاحبه يعذر فيه؛ فالنائم غير مفرط‪ ،‬واحتجاج‬
‫غير المفرط بالقدر صحيح‪.‬‬
‫وقد أرشد النبي ‪ ‬إلى االحتجاج بالقدر يف الموضع الذي‬
‫ينفع العبد االحتجاج به‪ ،‬فروى مسلم يف صحيحه عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫ب إِ َلى اهلل ِ ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن‬ ‫ى َخ ْي ٌر َو َأ َح ُّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ‪« :‬ا ْل ُم ْؤم ُن ا ْل َق ِو ُّ‬
‫ك‪َ ،‬و ْاست َِع ْن بِاهلل ِ‪َ ،‬وَّلَ َت ْع َج ْز‪،‬‬ ‫احرِ ْص َع َلى َما َينْ َف ُع َ‬ ‫ا ِ ِ ِ‬
‫الضعيف‪َ ،‬وفي ك ٍُّل َخ ْي ٌر‪ْ ،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)1127‬ومسلم برقم (‪.)775‬‬


‫ِ‬
‫(‪ )2‬يشير إلى ما رواه عبد اهلل بن أبي قتادة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬س ْرنَا َم َع النَّبِ ِّي ‪َ ‬ل ْي َلةً‪َ ،‬ف َق َال َب ْع ُض‬
‫الصالَةِ»‪َ ،‬ق َال بِالَ ٌل‪َ :‬أنَا ُأوقِ ُظ ُك ْم‪،‬‬ ‫ا ْل َقومِ‪َ :‬لو َعرس َت بِنَا يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أخَ افُ َأنْ َتن َُاموا َع ِن ا‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ َّ ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْي َق َظ النَّبِ ُّي ‪َ ،‬و َقدْ‬ ‫اض َط َج ُعوا‪َ ،‬و َأ ْسنَدَ بِال ٌَل َظ ْه َر ُه إِ َلى َراح َلته‪َ ،‬ف َغ َل َبتْ ُه َع ْينَا ُه َفنَا َم‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َف ْ‬
‫ت؟» َق َال‪َ :‬ما ُأ ْل ِقيَ ْت َع َل َّي نَ ْو َم ٌة مِثْ ُل َها َق ُّط‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِنا‬ ‫س‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬يا بِال َُل‪َ ،‬أ ْي َن َما ُق ْل َ‬ ‫الش ْم ِ‬
‫ب َّ‬ ‫اج ُ‬ ‫َط َل َع َح ِ‬
‫لصالَةِ»‪َ ،‬فت ََو َّض َأ‪،‬‬
‫س بِا ا‬ ‫ين َشا َء‪َ ،‬يا بِالَ ُل‪ُ ،‬ق ْم َفأَ ِّذنْ بِال انا ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َشا َء‪َ ،‬و َر اد َها َع َل ْيك ُْم ح َ‬
‫ِ‬
‫احك ُْم ح َ‬ ‫اهللَ َق َب َض َأ ْر َو َ‬
‫اض ْت‪َ ،‬قا َم َف َص َّلى‪ .‬أخرجه البخاري برقم (‪.)595‬‬ ‫ت َّ‬
‫الش ْم ُس َوا ْبيَ َّ‬ ‫َف َلما ار َت َفع ِ‬
‫َّ ْ َ‬
‫‪137‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ت َك َذا َوك ََذا‪َ ،‬و َلكِ ْن ُق ْل‪َ :‬قدا َر اهللُ َو َما‬


‫ك َشي ٌء َفالَ َت ُق ْل‪َ :‬ل ْو َأنِّى َف َع ْل ُ‬
‫َوإِ ْن َأ َصا َب َ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ان»(‪.)1‬‬ ‫َشا َء َف َع َل؛ َفإِ ان َل ْو َت ْفت َُح َع َم َل ا‬
‫أصوَّل عظيمة من أصول اإليمان‪:‬‬‫ً‬ ‫فتضمن هذا الحديث الشريف‬
‫ب حقيق ًة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أحدها‪ :‬أن اهلل ‪ ‬موصوف بالمحبة‪ ،‬وأنه ُيح ُّ‬
‫ب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها‪ ،‬فهو القوي ويحب‬ ‫ِ‬
‫الثان‪ :‬أنه ُيح ُّ‬
‫يحب الوتر‪ ،‬وجميل يحب الجمال‪ ،‬وعليم يحب‬ ‫ُّ‬ ‫وتر‬
‫المؤمن القوي‪ ،‬وهو ٌ‬
‫العلماء‪ ،‬ونظيف يحب النظافة‪ ،‬ومؤمن يحب المؤمنين‪ ،‬ومحسن يحب‬
‫المحسنين‪ ،‬وصابر يحب الصابرين‪ ،‬وشاكر يحب الشاكرين‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن محبته للمؤمنين تتفاضل‪ ،‬فيحب بعضهم أكثر من بعض‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن سعادة اإلنسان يف حرصه على ما ينفعه يف معاشه ومعاده‪.‬‬
‫والحرص‪ :‬هو بذل الجهد واستفراغ الوسع‪ ،‬فإذا صادف ما ينتفع به‬
‫الحريص‪ ،‬كان حرصه محمو ًدا‪ ،‬وكماله كله يف مجموع هذين األمرين أن‬
‫حريصا‪ ،‬وأن يكون حرصه على ما ينتفع به‪ ،‬فإن حرص على ما ال‬
‫ً‬ ‫يكون‬
‫ينفعه‪ ،‬أو فعل ما ينفعه بغير حرص‪ ،‬فاته من الكمال بحسب ما فاته من ذلك‪،‬‬
‫فالخير كله يف الحرص على ما ينفع‪.‬‬
‫ولما كان حرص اإلنسان وفعله إنما هو بمعونة اهلل ومشيئته وتوفيقه‪،‬‬
‫أمره أن يستعين به ليجتمع له مقام‪ :‬ﱣﱒﱓﱔﱕﱢ [الفاتحة‪]5:‬؛‬
‫فإن حرصه على ما ينفعه عبادة هلل‪ ،‬وال تتم إال بمعونته‪ ،‬فأمره بأن يعبده‪ ،‬وأن‬
‫يستعين به‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)42‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪138‬‬

‫ثم قال‪َ « :‬و ََّل َت ْع َج ْز»؛ فإن العجز ينايف حرصه على ما ينفعه‪ ،‬وينايف‬
‫استعانته باهلل‪ ،‬فالحريص على ما ينفعه المستعين باهلل ضد العاجز‪.‬‬
‫فهذا إرشاد له قبل رجوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله‪،‬‬
‫وهو الحرص عليه مع االستعانة بمن أ ِز َّم ُة األمور بيده ومصدرها منه ومردها‬
‫إليه‪.‬‬
‫فإن فاته ما لم يقدر له فله حالتان‪:‬‬
‫حالة عجز وهي مفتاح عمل الشيطان‪ ،‬فيلقيه العجز إلى «لو»‪ ،‬وال فائدة‬
‫يف «لو» ههنا؛ بل هي مفتاح اللوم والجزع‪ ،‬والسخط واألسف والحزن‪،‬‬
‫وذلك كله من عمل الشيطان‪ ،‬فنهاه ‪ ‬عن افتتاح عمله هبذا‬
‫المفتاح‪.‬‬
‫وأمره بالحالة الثانية‪ ،‬وهي النظر إلى القدر ومالحظته‪ ،‬وأنه لو قدر له لم‬
‫يفته‪ ،‬ولم يغلبه عليه أحد؛ فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر‪ ،‬ومشيئة‬
‫الرب النافذة التي توجب وجود المقدور‪ ،‬وإذا انتفت امتنع وجوده‪ ،‬فلهذا‬
‫َان ك ََذا‪َ ،‬و َلكِ ْن ُق ْل‪َ :‬قدا َر اهللُ َو َما‬ ‫ك َأ ْم ٌر َفالَ َت ُق ْل‪َ :‬ل ْو َأنِّى َف َع ْل ُ‬
‫ت َلك َ‬ ‫قال‪َ « :‬فإِ ْن َغ َل َب َ‬
‫َشا َء َف َع َل»؛ فأرشده إلى ما ينفعه يف الحالتين؛ حالة حصول مطلوبة‪ ،‬وحالة‬
‫فواته‪.‬‬
‫فلهذا كان هذا الحديث مما ال يستغني عنه العبد أبدً ا؛ بل هو أشد شيء‬
‫إليه ضرورة‪ ،‬وهو يتضمن إثبات القدر والكسب واالختيار والقيام والعبودية‬
‫ظاهرا وباطنًا‪ ،‬يف حالتي حصول المطلوب وعدمه‪ ،‬وباهلل التوفيق)‪.‬‬
‫ً‬
‫‪139‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة الرابعة‪ :‬العباد خميَّرون غري جمبورين‪:‬‬


‫ثبت بالنصوص القطعية الشرعية أن العباد مختارون‪ ،‬غير مجبورين على‬
‫أفعالهم‪ ،‬وأن أعمالهم خيرها وشرها واقعة بمشيئتهم وقدرهتم التي خلقها‬
‫اهلل لهم‪ ،‬وخالق السبب التام خالق للمسبب‪.‬‬
‫وااللتفات إلى األسباب شرك يف التوحيد‪ ،‬ومحو األسباب أن تكون‬
‫أسبا ًبا نق ص يف العقل‪ ،‬واإلعراض عن األسباب بالكلية قدح يف الشرع‪،‬‬
‫ُ‬
‫وجعل األسباب‬ ‫ومجرد حصول األسباب ال يوجب حصول المسبب(‪،)1‬‬
‫مبتدعات مخرتعات هو اإلشراك‪ ،‬وإثباهتا أسبا ًبا موصوالت هو التوحيد‪.‬‬

‫مخير ال أحد ُيجربه‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫قال الشيخ ابن عثيمين(‪( :)2‬وكل يعرف أن اإلنسان‬
‫أحضر من بيتي إلى المسجد هل أشعر بأن أحدً ا أجربين؟ ال‪ ،‬وكذا‬
‫فعندما ُ‬
‫عندما أتأخر باختياري ال أشعر بأن أحدً ا أجربين‪.‬‬
‫فاإلنسان مخير ال شك‪ ،‬لكن ما يفعله اإلنسان نعلم أنه مكتوب من قبل‪،‬‬
‫ولهذا نستدل على كتابة اهلل ‪ ‬ألفعالنا وإرادته لها وخلقه لها بعد وقوعها‪،‬‬
‫أما قبل الوقوع فال ندري‪ ،‬ولهذا قال اهلل ‪ :‬ﱣﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ‬

‫ﳌﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘﱢ [لقمان‪.]34:‬‬
‫ﳍ‬

‫فإذا كان هذا هو الواقع بالنسبة للمشيئة‪ :‬أن اهلل تعالى يشاء كل شيء‪،‬‬
‫لكن ال يجرب العباد؛ بل العباد مختارون فال ظلم حينئذ‪ ،‬ولهذا إذا وقع فعل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)70/8‬‬


‫(‪ )2‬انظر شرح األربعين النووية البن عثيمين (ص‪.)68‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪140‬‬

‫مكرها أو ناس ًيا؛ فإنه‬


‫ً‬ ‫جاهال أو‬
‫ً‬ ‫العبد من غير اختيار رفع عنه اإلثم‪ ،‬إن كان‬
‫يرفع عنه اإلثم ألنه لم يخرته‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َم ْق َعدُ ُه‬‫ولهذا لما قال النبي ‪َ « :‬ما منْك ُْم م ْن َأ َحد إِ اَّل و َقدْ كُت َ‬
‫اار»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُسو َل اهللِ‪َ ،‬أ َف َال نَدَ ِع ا ْل َع َم َل‪ ،‬و َنتَّكِ ُل‬ ‫الجن ِاة‪َ ،‬و َم ْق َعدُ ُه ِم َن الن ِ‬
‫م َن َ‬
‫ِ‬

‫الس َعا َد ِة؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ب؟‪َ ،‬ق َال‪ََّ « :‬ل‪ ،‬ا ْع َم ُلوا‪َ ،‬فكُل ُم َي اس ٌر ل َما ُخل َق َل ُه‪َ ،‬أ اما َأ ْه ُل ا‬
‫ِ‬
‫َع َلى َما ُكت َ‬
‫ون لِ َع َم ِل َأ ْه ِل‬‫او ِة؛ َف ُي َي اس ُر َ‬ ‫الس َعا َد ِة‪َ ،‬و َأ اما َأ ْه ُل ا‬
‫الش َق َ‬ ‫ون ل َع َم ِل َأ ْه ِل ا‬
‫َفييسر َ ِ‬
‫َُ ا ُ‬
‫قال‪ -‬قول اهلل‬ ‫ومقررا ل ِ َما َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مستدال‬ ‫الش َق َاو ِة»(‪ ،)1‬ثم قرأ النبي ‪- ‬‬ ‫ا‬
‫‪ :‬ﱣﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬
‫ﲲﲳﲴﱁﱂﱢ [الليل‪.]10-5:‬‬
‫إ ًذا علينا أن نعمل؛ فالرزق مكتوب ومراد هلل‪ ،‬ومع ذلك اإلنسان يسعى‬
‫للرزق‪ ،‬وكذا الولد مكتوب‪ ،‬أي‪ :‬أن اإلنسان سيولد له مكتوب‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فاإلنسان يسعى لهذا ويطلب األوالد بالنكاح‪ ،‬وال يقول‪ :‬سأنام على الفراش‬
‫مقدرا لي الولد سيأيت به؛ فلو قال أحد هذا الكالم لقالوا‪ :‬إنه‬
‫ً‬ ‫وإن كان اهلل‬
‫مجنون‪.‬‬
‫صالحا من أجل أن تدخل الجنة‪،‬‬
‫ً‬ ‫عمال‬
‫كذلك العمل الصالح‪ :‬اعمل ً‬
‫وال أحد يمنعك من الطاعة‪ ،‬وال أحد يكرهك على المعصية‪.‬‬
‫وقد احتج المشركون بالقدر على شركهم‪ ،‬كما قال اهلل عنهم‪ :‬ﱣﱏ‬

‫ﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱢ [األنعام‪.]148:‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)45‬‬


‫‪141‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫والجواب‪ :‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﱣﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬

‫ﱥﱢ [األنعام‪]148:‬؛ فلم تقبل منهم هذه الحجة‪ ،‬ألن اهلل تعالى جعل ذلك‬
‫تكذي ًبا وجعل له عقوبة فقال‪ :‬ﱣﱣﱤﱥﱢ)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪142‬‬

‫املسألة اخلامسة‪ :‬فعل العبد وكسبه‪:‬‬


‫فعل العبد خلق هلل ‪ ‬وكسب للعبد‪ ،‬وخروج الفعل من العدم إلى‬
‫الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة‪ ،‬يعني‪ :‬أن القدرة المخلوقة هي سبب‬
‫وواسطة يف خلق اهلل ‪ ‬الفعل هبذه القدرة؛ كما خلق النبات بالماء‪،‬‬
‫وخلق جميع المسببات والمخلوقات بوسائط وأسباب‪.‬‬
‫وليست إضافة التأثير هبذا التفسير إلى قدرة العبد شركًا؛ ّ‬
‫وإال فتكون‬
‫جميع األسباب شركًا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔﮊ‬
‫[التوبة‪ ،]14:‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﮊ [األعراف‪،]57:‬‬
‫ِّ‬
‫المعذب‪،‬‬ ‫وقال تعالى‪ :‬ﮋﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮊ [النمل‪]60:‬؛ فبين أنه هو‬
‫وأن أيدينا أسباب وآالت ووسائط يف وصول العذاب إليهم(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪-‬وهلل المثل األعلى‪ :-‬إذا كتبت أنت بالقلم‪ ،‬وضربت‬ ‫مثال ذلك‬
‫بالعصا‪ ،‬ونجرت بالقدُّ وم؛ هل يكون القلم شري َكك‪ ،‬أو يضاف إليه شيء من‬
‫نفس الفعل وصفاته؟ أم هل يصح أن تلغي أثره‪ ،‬وتقطع خربه‪ ،‬وتجعل‬
‫وجوده كعدمه؟ أم يقال‪ :‬به فعل‪ ،‬وبه صنع‪ ،‬مع أن األسباب بيد العبد ليست‬
‫من فعله‪ ،‬وهو محتاج إليها ال يتمكن إال هبا‪.‬‬
‫واهلل سبحانه خلق األسباب ومسبباهتا‪ ،‬وجعل خلق البعض شر ًطا وسب ًبا‬
‫يف خلق غيره‪ ،‬وهو مع ذلك سبحانه غني عن االشرتاط واألسباب‪ ،‬ونظم‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬لكن لحكمة تتعلق باألسباب‪ ،‬وتعود إليها‪ ،‬واهلل عزيز حكيم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)389/8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المصدر السابق (‪.)391/8‬‬
‫‪143‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة السادسة‪ :‬اجلرب الذي أنكره السلف‪:‬‬


‫تيسير العبد للعمل هو نفس إلهامه ذلك العمل‪ ،‬وهتيئة أسبابه‪ ،‬وهذا هو‬
‫تفسير خلق أفعال العباد؛ فنفس خلق ذلك العمل هو السبب المفضي إلى‬
‫السعادة أو الشقاوة‪ ،‬ولو شاء سبحانه لفعله بال عمل؛ بل هو فاعله‪ ،‬فإنه ينشئ‬
‫صالحا قط؛ لما يتبقى هبا من الفضل‪ ،‬فقدرة العبد‬
‫ً‬ ‫للجنَّة خل ًقا لم يعملوا‬
‫المحدثة لها تأثير من حيث هي سبب كتأثير القلم‪ ،‬وليس لها تأثير من حيث‬
‫االبتداع واالخرتاع والربء‪ ،‬وقدَّ منا أن جعل األسباب مبتدعات مخرتعات هو‬
‫اإلشراك‪ ،‬وإثباهتا أسبا ًبا موصوالت هو التوحيد(‪.)1‬‬
‫فالعبد فاعل على الحقيقة‪ ،‬وله مشيئة ثابتة‪ ،‬وله إرادة جازمة وقوة‬
‫صالحة‪ ،‬وقد نطق القرآن بإثبات مشيئة العباد يف غير ما آية كقوله‪ :‬ﱣﲿ ﳀ‬
‫ﳁ ﳂ ﳃﱢ [التكوير‪ ،]28:‬ﱣﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﱢ‬

‫[التكوير‪ ،]29:‬ﱣﳄ ﳅ ﳆﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﱢ [المزمل‪ ،]19:‬ﱣﱩ‬

‫ﱪ ﱫﱢ [المدثر‪ ،]55:‬ﱣﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬

‫ﱸﱢ [المدثر‪.]56:‬‬
‫ونطق بإثبات فعله يف عامة آيات القرآن‪ :‬ﱣﱸﱢ‪ ،‬ﱣﱬﱢ‪،‬‬
‫ﱣﱔﱢ‪ ،‬ﱣﲾﱢ‪ ،‬ﱣﲸﱢ‪ ،‬ﱣﲊﱢ‪ ،‬ﱣﲉﱢ‪.‬‬
‫وكما أ َّنا فارقنا مجوس األمة بإثبات أنه تعالى خالق؛ فارقنا الجربية‬
‫بإثبات أن العبد كاسب فاعل صانع عامل‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)392/8‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪144‬‬

‫والجبر المعقول الذي أنكره سلف األمة وعلماء السنة؛ هو أن يكون‬


‫صادرا على الشيء من غير إرادة وَّل مشيئة وَّل اختيار؛ مثل‪ :‬حركة‬
‫ً‬ ‫الفعل‬
‫األشجار هببوب الرياح‪ ،‬ومثله‪ :‬يف األناسي حركة المحموم والمفلوج‬
‫والمرتعش‪.‬‬
‫فإن كل عاقل يجد تفرقة بديهية بين قيام اإلنسان وقعوده وصالته‬
‫وجهاده‪ ،‬وزناه وسرقته‪ ،‬وبين ارتعاش المفلوج وانتفاض المحموم‪ ،‬ونعلم‬
‫أن األول قادر على الفعل مريد له مختار‪ ،‬وأن الثاين غير قادر عليه وال مريد‬
‫له وال مختار‪.‬‬
‫والمحكي عن جهم وشيعته الجربية أهنم زعموا‪ :‬أن جميع أفاعيل العباد‬
‫قول ظاهر الفساد(‪.)1‬‬
‫قسم واحد‪ ،‬وهو ٌ‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)393/8‬‬


‫‪145‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة السابعة‪ :‬اآلثار املرتتبة على فعل العبد‪:‬‬


‫أما أن يكون الفعل المراد والمختار الواقع بمشيئة العبد‪ ،‬مثل‪ :‬صالته‬
‫وعبادته‪ ،‬أو زناه وسرقته؛ واقعة باإلرادة والمشيئة التي خلقهما اهلل‪ ،‬خالق كل‬
‫شيء‪ ،‬ومقدِّ ر كل شيء؛ فهذا ال يعترب جربًا؛ ألن اهلل خلق وجعل فعل العبد‬
‫سب ًبا مقتض ًيا آلثار محمودة أو مذمومة‪.‬‬
‫فالعمل الصالح تعقبه طمأنينة يف النفس‪ ،‬وانشراح يف الصدر‪ ،‬وانتهاء‬
‫عن الفحشاء‪ ،‬وحب يف قلوب الخلق‪.‬‬
‫والعمل السيئ تعقبه ظلمة يف الوجه‪ ،‬وضيق يف الصدر‪ ،‬واضطراب يف‬
‫التصرفات‪.‬‬
‫ولذلك قيل‪ :‬إن ثواب الحسنة الحسنة بعدها‪ ،‬وإن عقوبة السيئة السيئة‬
‫بعدها(‪.)1‬‬
‫فهذه اآلثار هي التي أورثتها األعمال هي الثواب والعقاب‪ ،‬وإفضاء‬
‫العمل إليها كإفضاء جميع األسباب إلى مسبباهتا‪ ،‬واإلنسان إذا أكل أو شرب‬
‫حصل له الري والشبع‪ ،‬وقد ربط اهلل ‪ ‬الري والشبع باألكل‬
‫والشرب رب ًطا محك ًما‪ ،‬ولو شاء اهلل أن ال يشبعه وال يرويه مع وجود األكل‬
‫والشرب فعل؛ إما أن ال يجعل يف الطعام قوة مشبعة‪ ،‬أو أن يجعل يف المحل‬
‫قوة مانعة‪ ،‬أو بما شاء سبحانه‪ ،‬ولو شاء أن يشبعه ويرويه بال أكل وال شرب‪،‬‬
‫أو بأكل وشرب غير معتاد فعل(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)396/8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المصدر السابق (‪.)397/8‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪146‬‬

‫املسألة الثامنة‪ :‬الثواب والعقاب‪:‬‬


‫كذلك يف األعمال المثوبات والعقوبات حذو القذة بالقذة؛ فإنه إنما‬
‫ُس ِّمي الثواب‪ :‬ثوا ًبا؛ ألنه يثوب إلى العامل من عمله‪ ،‬أي‪ :‬يرجع‪ ،‬والعقاب‪:‬‬
‫عقا ًبا؛ ألنه يعقب العمل‪ ،‬أي‪ :‬يكون بعده‪.‬‬
‫ولو شاء اهلل أن ال يثيبه على ذلك العمل لفعل‪ ،‬إما بأن ال يجعل يف‬
‫العمل خاصة تفضي إلى الثواب‪ ،‬أو لوجود أسباب تنفي ذلك الثواب‪ ،‬أو‬
‫غير ذلك؛ لفعله ‪ ،‬وكذلك يف العقوبات(‪.)1‬‬
‫وبيان ذلك‪ :‬أن نفس األكل والشرب باختيار العبد ومشيئته التي هي من‬
‫أيضا‪ ،‬وحصول الشبع عقب األكل ليس للعبد فيه صنع‬
‫فعل اهلل ‪ً ‬‬
‫البتة‪ ،‬حتى لو أراد دفع الشبع بعد تعاطي األسباب الموجبة له لم يطق‪.‬‬
‫وكذلك نفس العمل هو بإرادته واختياره؛ فلو شاء أن يدفع أثر ذلك‬
‫العمل وثوابه بعد وجود موجبه لم يقدر(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)397/8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر المصدر السابق (‪.)397/8‬‬
‫‪147‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة التاسعة‪ :‬إضافة الفعل إىل اإلنسان‪:‬‬


‫وقد صح إضافة الفعل إلى اإلنسان حقيق ًة وكس ًبا‪ ،‬مع أن اهلل تعالى خالق‬
‫عمال قام به وصدر عنه‪ ،‬وحدث بقدرته‬
‫العبد وعمله‪ ،‬وجعل هذا العمل له ً‬
‫الحادثة‪.‬‬
‫وإذا صح نسبة الطاعة والمعصية إلى من خلقت فيه‪ ،‬ولو أنه بخلق‬
‫الصفات؛ أفيحسن باإلنسان أن يقول‪ :‬أسود وأحمر‪ ،‬وطويل وقصير‪ ،‬وذكي‬
‫وبليد‪ ،‬وعربي وعجمي؟؛ فيضيف إليه جميع الصفات التي ليس لإلنسان‬
‫فيها إرادة البتة لقيامها به وتأثيرها فيه؛ تارة بما يالئمه‪ ،‬وتارة بما ينافره‪ ،‬ثم‬
‫يستبعد أن يضاف إليه ما خلق فيه من الفعل بواسطة قصده وإرادته‬
‫أيضا‪.‬‬
‫المخلوقين ً‬
‫ثم يقول‪ :‬وليس للعبد يف الس ِّي ِئ شي ٌء فهل الجميع إال له؟؛ بل ليست‬
‫ألحد غيره‪ ،‬لكن اهلل ‪ ‬خلقها له‪ ،‬وإضافة الفعل إلى خالقه ومبدعه‬
‫ال تنايف إضافته إلى صاحبه ومح ِّله الذي هو فاعله وكاسبه‪ ،‬وقد تقدم الجرب‬
‫تنزه اهلل عنه(‪.)1‬‬
‫المذموم الذي َّ‬
‫والخلق بمعنى‪ :‬اإلبداع والربء والتصوير والتقدير هلل وحده‪ ،‬والعبد‬
‫فاعل عامل كاسب‪.‬‬
‫ئما أو‬
‫والكسب‪ :‬هو األثر والتأثر؛ فكل محل تأثر عن شيء تأثي ًرا مال ً‬
‫منا ًفرا صح وصفه باالكتساب‪ ،‬ولو لم يكن له عليه قدرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)403/8‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪148‬‬

‫فيقال‪ :‬الثوب قد اكتسب من ريح المسك‪ ،‬والمسجد قد اكتسب الحرمة‬


‫من أفعال العابدين‪ ،‬والجلد غالف المصحف اكتسب الحرمة من‬
‫وريحا وطع ًما‪ ،‬واإلنسان يتأثر عن األفعال‬
‫ً‬ ‫المصحف‪ ،‬والثمرة اكتسبت لونًا‬
‫ً‬
‫وأحواال‪.‬‬ ‫االختيارية وال يتأثر عن األفعال االضطرارية‪ ،‬فتورثه أخال ًقا‬
‫ثم إن االضطرار إنما يكون على بدنه دون قلبه؛ إما بفعل اهلل تعالى‬
‫كاألمراض‪ ،‬وإما بفعل العباد كالقيد والحبس(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)405-404/8‬‬


‫‪149‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة العاشرة‪ :‬هلل يف قَدَرهِ سرٌّ وعلمٌ‪:‬‬


‫ويكفي العاقل أن يعرف أن اهلل ‪ ‬حكيم رحيم‪ ،‬هبرت األلباب‬
‫لوحه‬
‫علما‪ ،‬وأحصاه ُ‬ ‫حكمته‪ ،‬ووسعت كل شيء رحمته‪ ،‬وأحاط بكل شيء ً‬
‫وقلمه‪ ،‬وأن هلل تعالى يف َقدَ ِره ًّ‬
‫سرا مصونًا‪ ،‬وعل ًما مخزونًا‪ ،‬احرتز به دون‬ ‫ُ‬
‫سر‬
‫جميع خلقه‪ ،‬وقد سأل موسى وعيسى وعزير ربنا ‪ ‬عن شيء من ِّ‬
‫القدر(‪ ،)1‬وأنه لو شاء أن ُيطاع ألُطيع‪ ،‬وأنه مع ذلك ُي ْع َصى؛ فأخربهم‬
‫‪ ‬أن هذا سره(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ومن هذا المنطلق تجد المؤمن بالقدر ال يعتمد على الد َّجالين والمشعوذين‪ ،‬وال يذهب إلى‬
‫سالما‬
‫ً‬ ‫الكهان والمنجمين والعرافين‪ ،‬فال يعتد بأقوالهم‪ ،‬وال ينطلي عليه زيفهم ودجلهم؛ فيعيش‬
‫ررا من جميع تلك الخرافات واألباطيل‪.‬‬
‫من زيف هذه األقاويل‪ ،‬متح ً‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)399/8‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪150‬‬

‫املسألة احلادية عشرة‪ :‬اإلرادة الشرعية واإلرادة الكونية‪:‬‬


‫وهو سبحانه يعاقب الخلق على مخالفة أمره وإرادته الشرعية‪ ،‬وإن كان‬
‫أيضا بعقاهبا‪ ،‬كما‬
‫ذلك بإرادته القدرية؛ فإن القدر كما جرى بالمعصية جرى ً‬
‫أمراضا تعقبها اآلم؛ فالمرض بقدره واأللم‬
‫ً‬ ‫أنه سبحانه قد يقدر على العبد‬
‫بقدره‪.‬‬
‫فإذا قال العبد‪ :‬قد تقدمت اإلرادة بالذنب فال أعاقب؛ كان بمنزلة قول‬
‫المريض‪ :‬قد تقدمت اإلرادة بالمرض فال أتألم؛ وهذا مع أنه جهل فإنه ال ينفع‬
‫أيضا‪ ،‬مثل إبليس حيث اعتل‬ ‫صاحبه؛ بل اعتالله بالقدر ذنب ٍ‬
‫ثان يعاقب عليه ً‬
‫بالقدر‪ ،‬فقال‪ :‬ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮊ [األعراف‪ ،]16:‬وأما آدم‬
‫فقال‪ :‬ﮋﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﮊ [األعراف‪.)1(]23:‬‬
‫فمن أراد اهلل سعادته ألهمه أن يقول كما قال آدم أو نحوه عليه وعلى نبينا‬
‫محمد الصالة والسالم‪.‬‬
‫ومن أراد اهلل شقاوته اعتل بعلة إبليس ‪-‬لعنه اهلل‪-‬؛ فيكون كالمستجير‬
‫من الرمضاء بالنار‪.‬‬
‫لئال‬
‫ومثله‪ :‬مثل رجل طار إلى داره شرارة نار؛ فقال له العقالء‪ :‬أطفئها؛ ّ‬
‫تحرق المنزل؛ فأخذ يقول‪ :‬من أين كانت؟ من أين جاءت؟ هذه ريح ألقتها‪،‬‬
‫وأنا ال ذنب لي يف هذه النار؛ فما زال يتعلل هبذه العلل حتى استعرت‬
‫وانتشرت وأحرقت الدار وما فيها(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)199/8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المصدر السابق (‪.)200/8‬‬
‫‪151‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫هذه حال من شرع؛ يحيل الذنوب على المقادير وال يردها باالستغفار‬
‫والمعاذير؛ بل حاله أسوء من ذلك بالذنب الذي فعله من الشرارة؛ فإنه كما‬
‫أيضا ممكن‬
‫أنه من الممكن إخماد الشرارة قبل أن تستفحل وتنتشر‪ ،‬كان ً‬
‫محو السيئات والجرائم باالستغفار واألعمال الصالحة وغير ذلك(‪.)1‬‬
‫فاهلل تعالى أعظم وأجل وأعز من أن يجرب أو ي ِ‬
‫عضل أو ُي ْك ِره‪ ،‬ولكن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يقضي ويقدر ويجبل عبده على ما أحب‪ ،‬وييسره لما خلقه له‪ ،‬والمراد بقوله‬
‫‪ :‬ﮋﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﮊ [النساء‪ :]79:‬النعم‬
‫والمصائب‪ ،‬وليس الطاعات والمعاصي‪.‬‬
‫فالنعم من اهلل وإن كانت بسبب أعمالك الصالحة؛ فهو الذي هداك‬
‫إليها‪ ،‬وأعانك عليها‪ ،‬ويسرها لك‪ ،‬وم َّن عليك باإليمان‪ ،‬وزينه يف قلبك‪.‬‬
‫أما المصائب وما ُيبتلى به العبد من الذنوب الوجودية؛ وإن كانت خل ًقا‬
‫هلل تعالى فهي عقوبة على ذنوب قبلها؛ فالذنب يكسب الذنب‪ ،‬ومن عقاب‬
‫بعضا(‪.)2‬‬
‫السيئة السيئة؛ فالذنوب كاألمراض يورث بعضها ً‬
‫يبقى أن يقال‪ :‬الذنب األول الجالب لما بعده من الذنوب كيف جاء؟‬
‫أيضا على عدم شغل القلب والجوارح والنفس فيما‬
‫فيقال‪ :‬هو عقوبة ً‬
‫ُخلقت أو ُخلقن له‪ ،‬و ُفطرن عليه؛ فإن اهلل خلق اإلنسان لعبادته وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬وفطره على محبته وتأليهه‪ ،‬واإلنابة إليه‪ ،‬كما قال المصطفى‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)200/8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للبعلي (ص‪.)241‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪152‬‬

‫ود ُيو َلدُ اإَّل َع َلى ال ِف ْط َر ِة»(‪ ،)1‬وقال ‪:‬‬ ‫‪« :‬ما ِمن مو ُل ٍ‬
‫َ ْ َْ‬
‫ادي حنَ َفاء ُك ال ُهم‪ ،‬وإِن ُاهم َأ َتت ُْهم ا ِ‬ ‫ت ِعب ِ‬
‫ين‬
‫الش َياط ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ول اهللُ َت َعا َلى‪ :‬إِ ِّني َخ َل ْق ُ َ‬ ‫« َي ُق ُ‬
‫ت َل ُه ْم‪َ ،‬و َأ َم َرت ُْه ْم َأ ْن ُي ْشرِكُوا‬
‫ت َع َل ْي ِه ْم َما َأ ْح َل ْل ُ‬ ‫اجتَا َل ْت ُه ْم َع ْن ِدين ِ ِه ْم(‪َ ،)2‬و َح ار َم ْ‬
‫َف ْ‬
‫‪ ،‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ‬
‫(‪)3‬‬
‫بِي َما َل ْم ُأ ْن ِّز ْل بِ ِه ُس ْل َطانًا»‬
‫ﯛ ﯜﯝﯞﮊ [الروم‪.]30:‬‬
‫فلما لم يفعل ما ُخلِق له وفطر عليه من محبة اهلل وعبوديته واإلنابة إليه‪،‬‬
‫عوقب بأن َز ّين له الشيطان أنواع المعاصي والشرك فارتاح لها وقبلها؛ ألنه‬
‫صادف قل ًبا فار ًغا خال ًيا قا ًبال للخير والشر‪ ،‬ولو كان فيه الخير الذي يمنع‬
‫ضده‪ ،‬لم يتمكن من قبول الشر والرتحيب له(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬جزء من حديث أخرجه مسلم برقم (‪ ،)2658‬عن أبي هريرة ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫يف درء التعارض (‪( :)362/8‬وكانت القدرية تحتج هبذا الحديث على أن الكفر والمعاصي ليس‬
‫بقدر اهلل؛ بل مما فعله الناس؛ ألن كل مولود يولد خلقه على الفطرة‪ ،‬وكفره بعد ذلك من الناس‪،‬‬
‫ولهذا قالوا لمالك بن أنس‪ :‬إن القدرية يحتجون علينا بأول الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬احتجوا عليهم‬
‫ِ‬
‫بآخره‪ ،‬وهو قوله‪« :‬اهللُ َأ ْع َل ُم بِ َما كَا ُنوا َعام ِل َ‬
‫ين»؛ فبين األئمة أنه ال حجة فيه للقدرية؛ فإهنم ال‬
‫نص َره؛ بل هو هتود وتنصر باختياره‪ ،‬لكن كانا سببًا يف ذلك‬ ‫يقولون‪ :‬إن نفس األبوين َخ َلقا ُّ‬
‫هتو َده وت ُّ‬
‫بالتعليم والتلقين؛ فإذا أضيف إليهم هبذا االعتبار؛ فألن يضاف إلى اهلل الذي هو خالق كل شيء‬
‫سليما؛ فقد قدر عليه ما سيكون بعد ذلك‬
‫ً‬ ‫بطريق األولى؛ ألن اهلل‪ ،‬وإن خلقه مولو ًدا على الفطرة‬
‫من تغييره وعلم ذلك)‪.‬‬
‫(‪ )2‬فاجتالتهم عن دينهم‪ :‬أي‪ :‬استخفوهم فذهبوا هبم وأزالوهم عما كانوا عليه‪ ،‬وجالوا معهم يف‬
‫شمر‪( :‬اجتال الرجل الشيء ذهب به‪ ،‬واجتال أموالهم‬
‫الباطل‪ ،‬كذا فسره الهروي وآخرون‪ ،‬وقال َّ‬
‫ساقها وذهب هبا‪ ،‬قال القاضي‪ :‬ومعنى فاختالوهم بالخاء على رواية من رواه‪ ،‬أي‪ :‬يحبسوهنم عن‬
‫دينهم‪ ،‬ويصدوهنم عنه)‪ .‬ذكره النووي يف شرح مسلم (‪.)197/17‬‬
‫(‪ )3‬جزء من حديث طويل أخرجه مسلم برقم (‪ ،)2865‬عن عياض المجاشعي ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للبعلي (ص‪.)241‬‬
‫‪153‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة الثانية عشرة‪ :‬من أسباب إضالل اهلل للعبد‪:‬‬


‫إن من أساب إضالل اهلل للعبد خبث نفسه‪ ،‬وعدم قبول المحل للهداية‪،‬‬
‫واهلل سبحانه قادر على أن يخلق يف أهل الكفر والضالل مشيئة اإليمان‬
‫وإرادته ومحبته؛ فيؤمنون بغير قسر وال إلجاء؛ بل إيمان اختيار وطاعة‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱢ [يونس‪.]99:‬‬
‫وإيمان القسر واإللجاء ال يسمى إيما ًنا‪ ،‬ولهذا يؤمن الناس كلهم يوم‬
‫القيامة وال يسمى ذلك إيما ًنا؛ ألنه عن إلجاء واضطرار‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﱒ‬
‫ﱓﱔﱕﱖﱗﱢ [السجدة‪.]13:‬‬
‫وما يحصل للنفوس من المعرفة والتصديق بطريق اإللجاء واالضطرار‬
‫والقسر ال يسمى هدى‪ ،‬وكذلك قوله‪ :‬ﱣﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬

‫ﲄﲅﲆﱢ [الرعد‪.]31:‬‬
‫فقول القدرية‪ :‬لم يبق طريق إلى اإليمان إال بالقسر باطل؛ فإنه بقي إلى‬
‫إيماهنم طريق لم يرهم اهلل إياه‪ ،‬وهو مشيئته وتوفيقه وإلهامه‪ ،‬وإمالة قلوهبم‬
‫إلى الهدى‪ ،‬وإقامتها على الصراط المستقيم‪.‬‬
‫وذلك أمر ال يعجز عنه رب كل شيء ومليكه؛ بل هو القادر عليه كقدرته‬
‫على خلقه ذواهتم وصفاهتم‪ ،‬ولكن منعهم ذلك لحكمته وعدله فيهم‪ ،‬وعدم‬
‫استحقاقهم وأهليتهم لبذل ذلك لهم‪ ،‬كما منع السفل خصائص العلو‪ ،‬ومنع‬
‫الحار خصائص البارد‪ ،‬ومنع الخبيث خصائص الطيب‪.‬‬
‫وَّل يقال‪ :‬فلم فعل هذا؟ فإن ذلك من لوازم ملكه وربوبيته‪ ،‬ومن‬
‫مقتضيات أسمائه وصفاته‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪154‬‬

‫وهل يليق بحكمته أن يسوي بين الطيب والخبيث‪ ،‬والحسن والقبيح‪،‬‬


‫والجيد والرديء‪.‬‬
‫ومن لوازم الربوبية خلق الزوجين وتنويع المخلوقات وأخالقها‪.‬‬
‫فقول القائل‪ :‬لم خلق الرديء والخبيث واللئيم؟‬
‫سؤال جاهل بأسمائه وصفاته وملكه وربوبيته‪.‬‬
‫وهو سبحانه فرق بين خلقه أعظم تفريق‪ ،‬وذلك من كمال قدرته‬
‫وربوبيته؛ فجعل منه ما يقبل جميع الكمال الممكن‪ ،‬ومنه ما ال يقبل شي ًئا‬
‫منه‪ ،‬وبين ذلك درجات متفاوتة ال يحصيها إال الخالق العليم‪.‬‬
‫وهدى كل نفس إلى حصول ما هي قابلة له‪ ،‬والقابل والمقبول والقبول‬
‫كله مفعوله ومخلوقه‪ ،‬وأثر فعله وخلقه‪ ،‬وهذا هو الذي ذهب عن الجربية‬
‫والقدرية‪ ،‬ولم يهتدوا إليه‪ ،‬وباهلل التوفيق(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪.)89‬‬


‫‪155‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة الثالثة عشرة‪ :‬الطبع واخلتم والقفل‪:‬‬


‫فإن قيل‪ :‬فإذا جوزتم أن يكون الطبع والختم والقفل عقوبة وجزاء على‬
‫الجرايم واإلعراض والكفر السابق على فعل الجرائم‪.‬‬
‫قيل‪ :‬هذا موضع يغلط فيه أكثر الناس‪ ،‬ويظنون باهلل سبحانه خالف‬
‫موجب أسمائه وصفاته‪.‬‬
‫والقرآن من أوله إلى آخره إنما يدل على أن الطبع والختم والغشاوة لم‬
‫يفعلها الرب سبحانه بعبده من أول وهلة‪ ،‬حين أمره باإليمان أو بينه له‪ ،‬وإنما‬
‫فعله بعد تكرار الدعوة منه سبحانه‪ ،‬والتأكيد يف البيان واإلرشاد‪ ،‬وتكرار‬
‫اإلعراض منهم‪ ،‬والمبالغة يف الكفر والعناد‪ ،‬فحينئذ يطبع على قلوهبم‪،‬‬
‫ويختم عليها؛ فال تقبل الهدى بعد ذلك‪.‬‬
‫اختيارا‪ ،‬فلما‬
‫ً‬ ‫واإلعراض والكفر األول لم يكن مع ختم وطبع؛ بل كان‬
‫تكرر منهم صار طبيعة وسجية‪.‬‬
‫فتأمل هذا المعنى يف قوله‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬
‫ﱖﱘ‬
‫ﱗ‬ ‫ﱒﱔﱕ‬
‫ﱓ‬ ‫ﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬
‫ﱙﱚﱢ [البقرة‪.]7 – 6:‬‬
‫حكما يعم جميع الكفار؛ بل الذين آمنوا وصدقوا‬
‫ً‬ ‫ومعلوم أن هذا ليس‬
‫الرسل كان أكثرهم كفا ًرا قبل ذلك‪ ،‬ولم يختم على قلوهبم وعلى أسماعهم‪.‬‬
‫فهذه اآليات يف حق أقوام مخصوصين من الكفار؛ فعل اهلل هبم ذلك‬
‫عقوبة منه لهم يف الدنيا هبذا النوع من العقوبة العاجلة‪ ،‬كما عاقب بعضهم‬
‫بالمسخ قردة وخنازير‪ ،‬وبعضهم بالطمس على أعينهم‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪156‬‬

‫فهو سبحانه يعاقب بالطمس على القلوب كما يعاقب بالطمس على‬
‫األعين‪ ،‬وهو سبحانه قد يعاقب بالضالل عن الحق عقوبة دائمة مستمرة‪،‬‬
‫وقد يعاقب به إلى وقت ثم يعايف عبده ويهديه‪ ،‬كما يعاقب بالعذاب‬
‫كذلك(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شفاء العليل البن القيم (ص‪.)91‬‬


‫‪157‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة الرابعة عشرة‪ :‬اإلخالص‪:‬‬


‫والشيطان يعرض بضاعته على كل قلوب البشر؛ فما كان مملو ًءا بالخير‬
‫والصالح ال َي ْق َب ُل منه‪ ،‬وما كان فار ًغا َقبِ َل‪ ،‬قال ‪ :‬ﮋﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮊ [يوسف‪.]24:‬‬
‫واإلخالص‪ :‬خلوص القلب مِ ْن َت َأ ُّل ِه َم ْن سوى اهلل وإرادته ومحبته‪،‬‬
‫فخلص هلل‪ ،‬أي‪ :‬امتأل بتعظيم اهلل وإجالله؛ فلم يتمكن الشيطان من النفاذ إليه‬
‫وإغوائه‪ ،‬كما قال ابن قيم الجوزية يف نونيته‪:‬‬
‫اح َمـــ ـ ُه ُمـــ ـ َرا ٌد َثـــــانِي‬
‫اد َفـــ ـ َال ي َز ِ‬
‫ُ‬
‫ص َتو ِحيــــدُ المـــــ ــــــر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َو َح ِق َ‬
‫يقــــ ُة ِ‬
‫اإل ْخــــ َال ِ ْ‬
‫وخلوه؛ فيكون جعله مسي ًئا‬
‫ِّ‬ ‫أما إذا صادفه فار ًغا تمكن منه بحسب فراغه‬
‫مذن ًبا يف هذه الحال عقوبة عدم هذا اإلخالص(‪ ،)1‬كما قال القائل‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ف َق ْل ًبـــ ـا َخالِ ًيـــ ـا َف َت َم اك َنـــ ـا‬
‫َف َصـــ ـا َد َ‬ ‫الهــ َوى‬
‫ف َ‬ ‫َأ َتــان َه َو َاهــا َق ْبــ َل َأ ْن َأ ْعــرِ َ‬

‫‪‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للبعلي (ص‪.)242‬‬
‫(‪ )2‬قال ابن القيم يف طريق الهجرتين (ص‪( :)18‬واهلل سبحانه لم يجعل لرجل من قلبين يف جوفه‪،‬‬
‫فبقدر ما يدخل القلب من هم وإرادة وحب يخرج منه هم وإرادة وحب يقابله؛ فهو إنا ٌء واحد‬
‫أله لم يبق فيه موضع لغيره‪ ،‬وإنَّما يمتلئ اإلنا ُء ب َأعلى األَشربة إذا‬
‫واألَشربة متعددة‪ ،‬ف َأي شراب م َ‬
‫صادفه خاليًا‪ ،‬ف َأما إذا صادفه ممتلئًا من غيره لم يساكنه حتى يخرج ما فيه ثم يسكن موضعه‪ ،‬كما‬
‫قال بعضهم‪:‬‬
‫ف َق ْل ًبـــــــ ـا َخالِ ًيـــــــ ـا َفت ََمك َانـــــــ ـا‬
‫َف َصـــــــ ـا َد َ‬ ‫الهـــ ـ َوى‬
‫ف َ‬ ‫َأ َتـــ ـان َه َواهـــــا َقبـــــل َأن أعـــ ـرِ َ‬
‫ينظر‪ :‬إغاثة اللهفان البن القيم (‪ ،)92/1‬ومفتاح دار السعادة البن القيم (‪ ،)183/1‬والجواب‬
‫الكايف البن القيم (ص‪.)157‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪158‬‬

‫املسألة اخلامسة عشرة‪ :‬مَنْ خَلَقَ العدم؟‪:‬‬


‫فإن قيل‪ :‬ذلك العدم الذي ترتب عليه هذا الشر‪َ ،‬م ْن َخ َل َق ُه(‪)1‬؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن ذلك العدم كاسمه‪ ،‬ال يفتقر إلى تعلق التكوين‬
‫واإلحداث‪ ،‬فإن عدم الفعل ليس وجود ًّيا حتى يضاف إلى الفعل؛ بل هو شر‬
‫محض‪ ،‬والشر ليس إلى الرب سبحانه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أن َت َس ُّل َط الشيطان إنما هو على الذين يتولونه والذين‬
‫وقد أخرب تعالى َّ‬
‫هم به مشركون‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﮊ [النحل‪ ،]100:‬فلما تو َّلوه دون اهلل وانشغلوا به وبالملذات التي زينها‬
‫لهم‪ ،‬وأشركوه معه؛ عوقبوا على ذلك بتسليطه عليهم‪ ،‬وكانت هذه الوالية‬
‫خلو القلب وفراغه من اإلخالص واإلنابة العاصمة من‬
‫واالشرتاك عقوبة ّ‬
‫ضدها(‪.)2‬‬
‫وضح ونص على أن إخالص الدين يمنع من سلطان الشيطان‬
‫فقد ّ‬
‫خلو القلب فيملؤه بالسيئات؛ ألن فعل السيئات‬
‫الخبيث الذي ينتهز فرصة ّ‬
‫التي توجب العذاب؛ فإخالص القلب هلل مانع له من فعل ما يضاده‪ ،‬وإلهامه‬
‫الرب والتقوى ثمرة هذا اإلخالص ونتيجته‪ ،‬وإلهام الفجور عقوبة خلوه من‬
‫اإلخالص(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للبعلي (ص‪.)242‬‬


‫(‪ )2‬لذا يقول ابن القيم يف الجواب الكايف (ص‪( :)51‬وكل شيء تعلق به وأحبه من دون اهلل فإنه يسومه‬
‫سوء العذاب؛ فكل من أحب شيئًا غير اهلل ُع ِّذب به)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للبعلي (ص‪.)242‬‬
‫‪159‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ذلك ألن القلب ال يخلو قط من الفكر‪ ،‬إما يف واجب آخرته وما يحب‬
‫اهلل‪ ،‬وما يتقرب به إليه‪ ،‬وإما يف مصالح دنياه ومعاشه‪ ،‬وإما يف الوساوس‬
‫واألماين الباطلة‪ ،‬والمقدرات المفروضة‪.‬‬
‫رحا تدور بما يلقى فيها؛ فإن ألقيت‬
‫وقديما قيل‪ :‬إن النفس مثلها كمثل ً‬
‫ً‬
‫وبعرا دارت به‪ ،‬وهي إن لم‬
‫وحصا ً‬
‫ً‬ ‫جاجا‬
‫فيها ح ًّبا دارت به‪ ،‬وإن ألقيت فيها ز ً‬
‫حاضرا‬
‫ً‬ ‫ومستقبال شغلتك بما يضرك‬
‫ً‬ ‫حاضرا‬
‫ً‬ ‫تشغلها بما هو يف صالحها‬
‫ومستقبال‪.‬‬
‫ً‬
‫والنفس المشبهة بالرحى ال تدور بالرديء من األفكار والوساوس إال‬
‫إذا ألقاها الخبيث‪ ،‬وهي فارغة خالية مما هو أنفع لها يف حاضرها ومستقبلها‪.‬‬
‫فإخالص القلب هلل مانع من فعل ما يضاده‪ ،‬وإلهامه الرب والتقوى ثمرة‬
‫خلوه من اإلخالص(‪.)1‬‬
‫هذا اإلخالص ونتيجته‪ ،‬وإلهامه الفجور عقوبة ّ‬
‫الشر العدمي والشر الوجودي‪:‬‬
‫وبين ابن القيم ‪ ‬أن العدم ليس له فاعل‪ ،‬فقال(‪( :)2‬فحقيقة نفس‬
‫اإلنسان جاهلة ظالمة فقيرة محتاجة‪ ،‬والشر الذي يحصل لها نوعان‪ :‬عدم‪،‬‬
‫ووجود‪.‬‬
‫األول‪ :‬الشر العدمي‪:‬‬
‫كعدم العلم واإليمان والصرب وإرادة الخيرات‪ ،‬وعدم العمل هبا‪ ،‬وهذا‬
‫العدم ليس له فاعل‪ ،‬إذ العدم المحض ال يكون له فاعل؛ ألن تأثير الفاعل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفوائد البن القيم (ص‪.)176‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬طريق الهجرتين البن القيم (ص‪.)100‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪160‬‬

‫إنما هو يف أمر وجودي‪ ،‬وكذلك عدم استعدادها للخيرات والكماالت هو‬


‫أصال‪ ،‬وما ليس بشيء ال‬
‫عدم محض ليس له فاعل‪ ،‬فإن العد َم ليس بشيء ً‬
‫األمور‬
‫ُ‬ ‫يقال‪ :‬إنه مفعول لفاعل‪ ،‬فال يقال‪ :‬إنه من اهلل‪ ،‬إنما يحتاج إلى الفاعل‬
‫الوجودية‪ ،‬ولهذا من قول المسلمين كلهم‪ :‬ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم‬
‫يكن(‪)1‬؛ فكل كائن فبمشيئته كان‪ ،‬وما لم يكن فلعدم مشيئته‪.‬‬
‫والعدم يعلل بعدم السبب أو الشرط تارة‪ ،‬وبوجود المانع أخرى‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬علة العدم عدم العلة‪.‬‬
‫بمرجح‪ ،‬فال‬
‫ِّ‬ ‫وبعض الناس يقول‪ :‬الممكن ال يرتجح أحدُ طرفيه إال‬
‫يوجد إال بسبب‪ ،‬وال ُيعدم إال بسبب‪.‬‬
‫أصال‪ ،‬بل إذا‬
‫والتحقيق يف هذا‪ :‬أن العدم ليس له فاعل وال علة فاعلة ً‬
‫أضيف إلى عدم السبب أو عدم الشرط فمعناه المالزمة‪ ،‬أي‪ :‬عدم العلة‬
‫استلزم عد َم المعلول‪ ،‬وعدم الشرط استلزم عدم المشروط‪.‬‬
‫فإذا قيل‪ :‬عدم لعدم ِع َّلتِه أي‪ :‬عد ُم ِعلته مستلزم ٌة لعدمه‪ ،‬والنفس تطلب‬
‫سبب العدم‪ ،‬فتقول‪ :‬لما لم يوجد كذا؟ فيقال‪ :‬لعدم كذا‪ ،‬فيضاف عدم‬
‫المعلوم إلى عدم علته‪ ،‬ال إضافة تأثير ولكن إضافة استلزام وتعريف‪ ،‬وأما‬
‫التعليل بالمانع فال يكون إال مع قيام السبب‪ ،‬إذا جعل المانع مقتضيا للعدم‪،‬‬

‫)‪ (1‬قال البيهقي ‪ ‬يف االعتقاد (ص‪ :)160‬وقد روينا يف حديث زيد بن ثابت‪ ،‬ويف حديث أبي‬
‫الدرداء‪ ،‬وغيرهما‪ :‬أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن»‪ ،‬وهذا كالم‬
‫أخذته الصحابة عن رسول اهلل ‪ ،‬وأخذه التابعون عنهم ولم يزل يأخذه الخلف عن‬
‫السلف من غير نكير وصار ذلك إجماعا منهم على ذلك‪ .‬ويف كتاب اهلل ‪ ‬ما شاء اهلل ال قوة إال‬
‫باهلل فنفى أن يملك العبد كسبا ينفعه أو يضره إال بمشيئة اهلل وقدرته‪.‬‬
‫‪161‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وأما إذا أريد قياس الداللة‪ ،‬فوجود المانع يستلزم عدم الحكم‪ ،‬سواء كان‬
‫المقتضى موجو ًدا أو لم يكن‪.‬‬
‫والمقصود أن ما عدمته النفس من كمالها فمنها‪ ،‬فإهنا ال تقتضي إال‬
‫العدم‪ ،‬أي عدم استعداد ِ‬
‫نفسه وقوهتا هو السبب يف عدم هذا الكمال‪ ،‬فإنه كما‬ ‫ُ‬
‫يكون أحد الوجودين سببا لآلخر فكذلك أحد العدمين يكون سببا لعدم‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫والموجود الحادث يضاف إلى السبب المقتضي إليجاده‪ ،‬وأما المعدوم‬
‫فال يحتاج استمراره على العدم إلى فاعل ُيحدث العدم‪ ،‬بل يكفى يف‬
‫استمراره عدم مشيئة الفاعل المختار له‪ ،‬فما شاء اهلل كان وما لم يشأ لم يكن‪،‬‬
‫النتفاء مشيئته‪ ،‬فانتقاء مشي ِئة كونه سبب عدمه‪ ،‬وهذا معنى قولهم‪ :‬عدم ِ‬
‫علة‬ ‫ُ‬
‫الوجود علة العدم‪ ،‬وهبذا االعتبار الممكن القابل للوجود والعدم ال يرتجح‬
‫مرجحه‪ ،‬ومعنى‬
‫بمرجح‪ ،‬فمرجح عدمه عد ُم ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫أحد طرفيه على اآلخر إال‬
‫الرتجيح والسببية هاهنا االستلزام ال التأثير كما تقدم‪ ،‬فظهر استحالة إضافة‬
‫هذا الشر إلى اهلل ‪.)‬‬
‫الثان‪ :‬الشر الوجودي‪:‬‬
‫قال ابن القيم ‪( :)1(‬وأما الشر الثان‪ :‬وهو الشر الوجودي ‪-‬‬
‫كالعقائد الباطلة واإلرادات الفاسدة‪-‬؛ فهو من لوازم ذلك العدم‪ ،‬فإنه متى‬
‫عدم ذلك العلم النافع والعمل الصالح من النفس لزم أن يخلفه الشر والجهل‬
‫وموجبهما وال بد‪ ،‬ألن النفس ال بد لها من أحد الضدين‪ ،‬فإذا لم تشتغل‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬طريق الهجرتين (ص‪.)102‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪162‬‬

‫بالضد النافع الصالح‪ ،‬اشتغلت بالضد الضار الفاسد‪ ،‬وهذا الشر الوجودي هو‬
‫من خلقه تعالى إذ ال خالق سواه‪ ،‬وهو خالق كل شيء‪ ،‬لكن كل ما خلقه اهلل‬
‫فال بد أن يكون له يف خلقه حكمة ألجلها خلقه‪ ،‬لو لم يخلقه فاتت تلك‬
‫الحكمة‪ ،‬وليس يف الحكمة تفويت هذه الحكمة التي هي أحب إليه سبحانه من‬
‫الخير الحاصل بعدمها‪ ،‬فإن يف وجودها من الحكمة والغايات التي يحمد‬
‫عليها سبحانه أضعاف ما يف عدمها من ذلك‪ ،‬ووجود الملزوم بدون الزمه‬
‫ممتنع‪ ،‬وليس يف الحكمة تفويت هذه الحكمة العظيمة ألجل ما يحصل‬
‫للنفس من الشر مع ما حصل من الخيرات التي لم تكن تحصل بدون هذا‬
‫الشر‪ ،‬ووجود الشيء ال يكون إال مع وجود لوازمه وانتفاء أضداده‪ ،‬فانتفاء‬
‫لوازمه يكون ممتن ًعا لغيره‪ ،‬وحينئذ فقد يكون هد ُي هذه النفوس الفاجرة‬
‫وسعادهتا مشرو ًطا بلوازم لم تحصل‪ ،‬أو بانتفاء أضداد لم تنتف‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فهال حصلت تلك اللوازم وانتفت تلك األضداد‪ ،‬فهذا هو‬
‫السؤال األول‪ ،‬وقد بينا أن لوازم هذا الخلق وهذه النشأة وهذا العالم ال بد‬
‫عالما آخر ونشأة أخرى وخل ًقا‬
‫منها‪ ،‬فلو قدِّ ر عدمها لم يكن هذا العال؛ بل ً‬
‫آخر‪ ،‬وبينا أن هذا السؤال بمنزلة أن يقال‪ :‬هال تجرد الغيث واألهنار عما‬
‫يحصل به من تغريق وتعويق وتخريب وأذى؟‬
‫وسمو ٍم(‪ )1‬وأذى؟‬
‫وهال تجردت الشمس عما يحصل منها من ح ٍّر َ‬
‫وهال تجردت طبيعة الحيوان عما يحصل له من ألم وموت وغير ذلك؟‬
‫وهال تجردت الوالدة عن مشقة الحمل والط ْلق وألم الوضع‪.‬‬

‫)‪ (1‬السموم‪ :‬شدة الحر‪ ،‬والريح الحارة المثيرة للغبار‪.‬‬


‫‪163‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وهال تجرد بدن اإلنسان عن قبوله لآلالم واألوجاع واختالف الطبائع‬


‫الموجبة لتغير أحواله؟‬
‫وهال تجردت فصول العام عما يحدث فيها من الربد الشديد القاتل‬
‫والحر الشديد المؤذي؟‬
‫فهل يقبل عاقل هذا السؤال أو يورده؟‬
‫تاجا‪ ،‬والفقر‬ ‫ِ‬
‫فقيرا مح ً‬
‫وهل هذا إال بمنزلة أن يقال‪ :‬ل َم كان المخلوق ً‬
‫والحاجة صفة نقص‪ ،‬فهال تجرد منها وخلعت عليه خلعة الغنى المطلق‬
‫والكمال المطلق؟‬
‫فهل يكون مخلو ًقا إذا كان غن ًّيا غنى مطل ًقا؟ ومعلوم أن لوازم الخلق ال‬
‫بد منها فيه‪ ،‬وال بد للعلو من سفل‪ ،‬والسفل من مركز‪ .‬ولوازم العلو من‬
‫السعة واإلضاءة والبهجة والخيرات وما هناك من األرواح العلوية النيرة‬
‫المناسبة لمح ِّلها وما يليق هبا ويناسبها من االبتهاج والسرور والفرح والقوة‬
‫والتجرد من عالئق المواد العلية البد منها‪.‬‬
‫ولوازم السفل والمركز من الضيق والحصر ولوازم ذلك من الظلمة‬
‫والغلظ والشر‪ ،‬وما هنالك من األرواح السفلية المظلمة الشريرة وأعمالها‬
‫وآثارها ال بد منها‪ ،‬فهما عالمان علوي وسفلي‪ ،‬ومحالن وساكنان تناسبهما‬
‫مساكنهما وأعمالهما وطبائعهما‪.‬‬

‫وقد ُخلق كل من المحلين م ً‬


‫عمورا بأهليه وساكنيه حكم ًة بالغة وقدرة‬
‫قاهرة‪ ،‬وكل من هذه األرواح ال يليق هبا غير ما خلقت له مما يناسبها‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪164‬‬

‫ويشاكلها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﱢ [اإلسراء‪ ،]84:‬أي‪ :‬على ما‬


‫ﭐ‬ ‫يشاكله ويناسبه ويليق به‪ ،‬كما يقول الناس‪ :‬كل إناء بالذي فيه ينضح‪.‬‬
‫فمن أراد من األرواح الخبيثة السفلية أن تكون مجاورة لألرواح الطيبة‬
‫العلوية يف مقام الصدق بين المأل األعلى فقد أراد ما تأباه حكمة أحكم‬
‫الحاكمين‪ ،‬ولو أن ملِكا من ملوك الدنيا جعل َّ‬
‫خاصته وحاشيته سفل َة الناس‬
‫وسقطهم وغرثهم(‪ )1‬الذين تتناسب أقوالهم وأعمالهم وأخالقهم يف القبح‬
‫والرداءة والدناءة لقدح الناس يف ملكه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال يصلح للملك‪ ،‬فما الظن‬
‫بمجاوري الملك األعظم‪ ،‬مالك الملوك يف داره وتمتعهم برؤية وجهه‬
‫وسماع كالمه ومرافقتهم للمأل األعلى الذين هم أطيب خلقه وأزكاهم‬
‫وأشرفهم‪.‬‬
‫َأ َف َيلِ ُيق بذلك الرفيق األعلى‪ ،‬والمحل األسنى‪ ،‬والدرجات العلى؛ ٌ‬
‫روح‬
‫سفلية أرضية قد أخلدت إلى األرض‪ ،‬وعكفت على ما تقتضيه طبائعها مما‬
‫تشاركها فيه؛ بل قد تزيد على الحيوان البهيم‪ ،‬وقصرت هم َتها عليه‪ ،‬وأقبلت‬
‫سرورا إال ما وافق طباعها من كل‬
‫ً‬ ‫نعيما وال لذة وال‬
‫بكليتها عليه‪ ،‬ال ترى ً‬
‫مأكل ومشرب ومنكح؛ من أين كان وكيف اتفق؟!‪ ،‬فالفرق بينها وبين‬
‫الحمير والكالب والبقر بانتصاب القامة ونطق اللسان واألكل باليد‪ ،‬وإال‬
‫فالقلب والطبع على شاكلة قلوب هذه الحيوانات وطباعها‪ ،‬وربما كانت‬
‫خيرا من طباع هؤالء وأسلم وأقبل للخير‪ ،‬ولهذا جعلهم اهلل‬
‫طباع الحيوانات ً‬
‫سبحانه شر الدواب‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ﱣﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘ ﲙ‬

‫)‪ (1‬الغرثى‪ :‬أي‪ :‬الجوعى‪.‬‬


‫‪165‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﱢ‬
‫[األنفال‪.]23 -22:‬‬
‫فهل يليق بحكمة العزيز الحكيم أن يجمع بين خير الربية وأزكى الخلق‪،‬‬
‫وبين شر الربية وشر الدواب يف دار واحدة يكونون فيها على حال واحدة من‬
‫النعيم أو العذاب؟ قال اهلل تعالى‪ :‬ﱣﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬
‫ﲾﱢ [القلم‪ ،]36 -35:‬فأنكر عليهم الحكم هبذا وأخرجه مخرج اإلنكار ال‬
‫مخرج اإلخبار لينبه العقول على هذا مما تحيله الفطر وتأباه العقول السليمة‪،‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬
‫ﱷﱢ [الحشر‪ ،]20:‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟﱠﱢ [ص‪ ،]28:‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﲴ ﲵ ﲶ‬

‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫ﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﱢ [الزمر‪]9:‬؛ بل الواحد من الخلق ال تستوى‬
‫أعاليه وأسافله‪ ،‬فال يستوي عق ُبه وعينُه‪ ،‬وال رأسه ورجاله‪ ،‬وال يصلح‬
‫أحدهما لما يصلح له اآلخر‪ ،‬فاهلل ‪ ‬قد خلق الخبيث والطيب والسهل‬
‫والحزن والضار والنافع‪ ،‬وهذه أجزاء األرض‪ :‬منها ما يصلح جالء للعين‪،‬‬
‫ِ‬
‫لألتون والنار‪.‬‬ ‫ومنها ما يصلح‬
‫وهبذا ونحوه ُيعرف كمال القدرة وكمال الحكمة‪:‬‬
‫فكمال القدرة بخلق األضداد‪ ،‬وكمال الحكمة تنزيلها منازلها ووضع‬
‫كل منها يف موضعه‪.‬‬
‫والعالم من ال يلقي الحرب بين قدرة اهلل وحكمته ‪-‬فإن آمن بالقدرة‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪166‬‬

‫قدح يف الحكمة وعطلها‪ ،‬وإن آمن بالحكمة قدح يف القدرة ونقصها‪-‬؛ بل‬
‫يربط القدرة بالحكمة‪ ،‬ويعلم شمولها لجميع ما خلقه اهلل ويخلقه‪ ،‬فكما أنه‬
‫ال يكون إال بقدرته ومشيئته‪ ،‬فكذلك ال يكون إال بحكمته‪.‬‬
‫تفصيال‪ ،‬فيكفيها‬
‫ً‬ ‫وإذا كان ال سبيل للعقول البشرية إلى اإلحاطة هبذا‬
‫اإليمان بما تعلم وتشاهد منه‪ ،‬ثم تستدل على الغائب بالشاهد وتعترب ما‬
‫علمت بما لم تعلم)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪167‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة السادسة عشرة‪ :‬العقوبة على العدم‪:‬‬


‫أمرا وجود ًّيا عاد السؤال‪،‬‬
‫الخلو إن كان ً‬
‫ُّ‬ ‫فإن قيل‪ :‬هذا الرتك أو الفراغ أو‬
‫أمرا عدم ًّيا فكيف يعاقب على العدم(‪)1‬؟‬
‫وإن كان ً‬
‫فالجواب‪ :‬إنه ليس هناك ٌ‬
‫ترك‪ ،‬هو كف للنفس ومنع لها عما تريده‬
‫وتح ُّبه‪ ،‬فهذا قد يقال‪ :‬إنه أمر وجودي‪ ،‬ولكن هو عد ٌم وخ ُلو عن أسباب‬
‫بكف للنفس ومنع لها عما تريده وتحبه؛ بل هو‬
‫ٍّ‬ ‫الخير‪ ،‬وهذا العدم ليس‬
‫أنفع شيء لها‪ ،‬ومع ذلك فالعقوبة على األمر العدمي‬
‫خلوها مما هو ُ‬
‫محض ِّ‬
‫هذا هي بفعل السيئات التي تحبها النفس ال بالعقوبات التي تناله بعد إقامة‬
‫الحجة عليه بالرسل‪.‬‬
‫فلله ‪ ‬عقوبتان‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬جعله خاط ًئا مذن ًبا ال يحس بألمها ومضرهتا لموافقتها شهوته‬
‫وإرادته‪ ،‬وهي يف الحقيقة من أعظم العقوبات‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬العقوبة المؤلمة بعد ارتكابه للسيئات‪ ،‬وقيام الحجة عليه‪،‬‬
‫وعدم توبته ورجوعه إلى الحق واستغفاره‪.‬‬
‫وقد قرن اهلل تعالى بين هاتين العقوبتين يف قوله تعالى‪ :‬ﮋﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﮊ [األنعام‪]44:‬؛ فهذه العقوبة األولى التي‬
‫وخلوه من ذكر اهلل وحبه وامتثال قوله‪ :‬ﮋﯩ‬
‫ّ‬ ‫ترتبت على فراغ القلب‬
‫ﯪﮊ [البقرة‪ ،]152:‬وهو إنما خل َقنا لعبادته‪ ،‬ثم قال‪ :‬ﮋﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇﰈﰉ ﰊﰋﮊ [األنعام‪ ،]44:‬فهذه العقوبة الثانية‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للبعلي (ص‪.)242‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪168‬‬

‫واعط هذا الموضوع ح َّقه من التأمل‪ ،‬وانظر كيف ترتبت هاتان‬


‫العقوبتان إحداهما على األخرى‪ ،‬لكن العقوبة األولى عقوبة موافقة لهواه‬
‫وإرادته ومحبته‪ ،‬والثانية مخالفة لما يحبه ويتلذذ به‪ ،‬وتأمل عدل الرب يف‬
‫هذه وهذه‪ ،‬وأنه سبحانه إنما وضع العقوبة يف موضعها ومحلها األَ ْو َلى هبا‬
‫الذي ال يليق هبا غيره(‪.)1‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هل كان يمكنهم أن يأتوا باإلخالص والمحبة له وحده من غير‬
‫أن يخلق ذلك يف قلوهبم ويجعلهم مخلصين له؟ أم أن ذلك من اهلل‪ ،‬وهو‬
‫الذي يجعله يف قلوهبم؟‬
‫فالجواب‪ :‬أنه محض منّته وفضله وفعله‪ ،‬وهو من أعظم الخير الذي يف‬
‫يديه‪ ،‬فالخير كله يف يديه‪ ،‬وال يقدر أحد أن يأخذ من الخير إال ما أعطاه‪ ،‬وال‬
‫يتقي من الشر إال ما وقاه‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للبعلي (ص‪.)243‬‬


‫‪169‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة السابعة عشرة‪ :‬اهلل منزهٌ عن الظلم‪:‬‬


‫فإذا قيل‪ :‬إذا لم يخلق ذلك يف قلوهبم‪ ،‬ولم يو َّفقوا له‪ ،‬وال سبيل لهم إليه‬
‫لما(‪)1‬؟‬
‫بأنفسهم؛ أال يكون منعهم منه ظ ً‬
‫ظالما؛ ألنه إنما‬
‫ً‬ ‫فالجواب‪ :‬أنه ال يكون بمنعه سبحانه لهم من ذلك‬
‫ظالما إذا منع غيره ح ًّقا لذلك الغير عليه‪ ،‬وهذا هو الذي حرمه‬
‫ً‬ ‫يكون المانع‬
‫الرب على نفسه‪ ،‬أما إذا منع غيره ما ليس ح ًّقا له؛ بل محض فضله ومنّته لم‬
‫ظالما بمنعه(‪.)2‬‬
‫يكن ً‬
‫والظلم عند أهل السنة(‪ :)3‬هو وضع الشيء يف غير موضعه كتعذيب‬
‫المطيع ومن ال ذنب له‪ ،‬وهذا قد َّنزه اهلل عنه نفسه يف غير موضع من كتابه‬
‫سبحانه‪ ،‬وهو وإن أضل من شاء‪ ،‬وقضى بالمعصية وا ْل َغ ِّي على من شاء؛ فذلك‬
‫محض العدل فيه؛ ألنه وضع اإلضالل والخذالن يف موضعه الالئق به‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للبعلي (ص‪.)243‬‬


‫(‪ )2‬مما ُيحكي‪ :‬أن القاضي عبد الجبار الهمذاين المعتزلي دخل على الصاحب ابن عبَّاد‪ ،‬وكان معتزليًّا‬
‫أيضا‪ ،‬وكان عنده األستاذ أبو إسحاق اإلسفراييني؛ فقال عبد الجبار على الفور‪ :‬سبحان من تنزه‬
‫ً‬
‫فورا‪ :‬سبحان من ال يقع يف ملكه إال ما يشاء! فقال عبد الجبار‬ ‫عن الفحشاء! فقال أبو إسحاق ً‬
‫وفهم أنه قد عرف مراده‪َ :‬أ َفيُ َشا ُء ربنا أن ُيعصى؟ فقال أبو إسحاق‪ :‬أ ُيعصى ربنا ً‬
‫قهرا؟ فقال له عبد‬
‫إلي أم أساء؟ فقال له أبو إسحاق‪ :‬إن‬ ‫َ‬
‫الجبار‪ :‬أرأيت إن منعني ال ُهدى وقضى علي بالردى‪ ،‬أ ْح َس َن َّ‬
‫كان منعك ما هو لك‪ ،‬فقد أساء‪ ،‬وإن كان منعك ما هو له‪ ،‬فيختص برحمته من يشاء؛ فانقطع عبد‬
‫الجبار وأنصرف الحاضرون وهم يقولون‪ :‬واهلل ليس عن هذا جواب)‪ .‬أهـ‪ .‬ينظر‪ :‬شرح العقيدة‬
‫الطحاوية البن أبي العز (ص‪ ،)251‬وأوردها السبكي يف طبقات الشافعية الكربى (‪-261/4‬‬
‫‪.)262‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الفوائد البن القيم (ص‪.)25‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪170‬‬

‫ومن أسمائه الحسنى‪ :‬العدل الذي كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب‬


‫وحق‪ ،‬وهو سبحانه قد أوضح السبل‪ ،‬وأرسل الرسل‪ ،‬وأنزل الكتب‪ ،‬وأزاح‬
‫العلل‪ ،‬ومكن من أسباب الهداية والطاعة باألسماع واألبصار والعقول؛‬
‫وهذا عدله‪ ،‬ووفق من شاء بمزيد عنايته وتوفيقه‪ ،‬وأراد من نفسه أن يعينه؛‬
‫وهذا فضله‪ ،‬وخذل من ليس بأهل لتوفيقه وفضله‪ ،‬وخ ّلى بينه وبين نفسه ولم‬
‫يرد سبحانه من نفسه أن يوفقه فقطع عنه فضله ولم يحرمه عدله(‪.)1‬‬
‫وهذا نوعان(‪:)2‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما يكون جزا ًء منه للعبد على إعراضه عن اهلل وإيثاره عدوه يف‬
‫الطاعة وموافقته‪ ،‬وتناسي ذكر اهلل وشكره؛ فهو أهل أن يتخلى عنه ويحرمه‬
‫فضله وتوفيقه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﯓ ﯔ ﯕﮊ [التوبة‪ ،]67:‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﯸ‬
‫ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ‬
‫ﰋﮊ [األنعام‪.]44:‬‬
‫الثان‪ :‬أ َّال يشاء له ذلك ابتدا ًء لما يعلم منه أنه ال يعرف قدر النعمة‬

‫(‪ )1‬قال اإلمام الحسن بن علي ‪َ ( :‬م ْن َل ْم ُيؤْ مِ ْن بِ َق َضا ِء اهللِ َو َقدَ ِر ِه َخيْ ِر ِه َو َش ِّر ِه؛ َف َقدْ َك َف َر‪َ ،‬و َم ْن‬
‫استِ ْك َر ًاها‪َ ،‬و َال ُي ْع َصى بِ َغ َل َب ٍة؛ ِألَنَّ ُه َت َعا َلى َمالِ ٌك‬ ‫ِ‬
‫َح َم َل َذنْ َب ُه َع َلى َر ِّبه؛ َف َقدْ َك َف َر‪َ ،‬و َأ َّن َ‬
‫اهلل َت َعا َلى َال ُي َطا ُع ْ‬
‫ل ِ َما َم َّل َك ُه ْم‪َ ،‬و َقا ِد ٌر َع َلى َما َأ ْقدَ َر ُه ْم؛ َفإِ ْن ع َِم ُلوا بِال َّطاع َِة َل ْم َي ُح ْل بَيْنَ ُه ْم َوبَيْ َن َما ع َِم ُلوا‪َ ،‬وإِ ْن ع َِم ُلوا‬
‫بِا ْل َم ْع ِص َي ِة َف َل ْو َشا َء َل َح َال َب ْينَ ُه ْم َو َب ْي َن َما ع َِم ُلوا؛ َفإِ ْن َل ْم َي ْف َع ْل َف َل ْي َس ُه َو ا َّل ِذي َج َب َر ُه ْم َع َلى َذلِ َك‪،‬‬
‫اب‪َ ،‬و َل ْو َجبَ َر ُه ْم َع َلى ا ْل َم ْع ِصيَ ِة َألَ ْس َق َط َعنْ ُه ُم‬ ‫ِ‬
‫اهلل ا ْل َخ ْل َق َع َلى ال َّطاعَة َألَ ْس َق َط َعنْ ُه ُم الثَّ َو َ‬‫َو َل ْو َجبَ َر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يه ُم ا ْل َمشي َئ ُة ا َّلتي َغ َّي َب َها َعنْ ُه ْم؛ َفإِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجزً ا في ا ْل ُقدْ َرة‪َ ،‬و َلك ْن َل ُه ف ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب‪َ ،‬و َل ْو َأ ْه َم َل ُه ْم ك َ‬ ‫ِ‬
‫َان َذل َك ع ْ‬ ‫ا ْلع َق َ‬
‫ع َِم ُلوا بِال َّطاع َِة َف َل ُه ا ْل ِمنَّ ُة َع َليْ ِه ْم‪َ ،‬وإِ ْن ع َِم ُلوا بِا ْل َم ْع ِصيَ ِة َف َل ُه ا ْل ُح َّج ُة َع َليْ ِه ْم)‪ ،‬ذكره الهروي يف مرقاة‬
‫المفاتيح (‪.)59/1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفوائد البن القيم (ص‪.)25‬‬
‫‪171‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫والهداية‪ ،‬وال يشاؤها وال يحبها وال يشكر اهلل عليها‪ ،‬وال يثني على اهلل هبا‪،‬‬
‫فال يشاؤها له لعدم صالحية مح ِّله لها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙﮊ [األنفال‪.]23:‬‬
‫وهو جزء من علم اهلل األزلي الذي قال فيه اإلمام أحمد‪( :‬ناظروا‬
‫القدرية بالعلم؛ فإن أقروا به خصموا‪ ،‬وإن أنكروه وجحدوه كفروا)(‪ ،)1‬وقال‬
‫القدر قدر ُة اهلل)(‪ ،)2‬وهو أنه ‪ً ‬‬
‫أزال قد علم ما هم صائرون‬ ‫فيه ‪ُ ( :‬‬
‫إليه‪ ،‬وما هم مختارون له‪ ،‬وما هم معتقدون وفاعلون‪ ،‬ثم سطره وسجله‪.‬‬
‫ومن أجل المعذرة وترفعه ‪ ‬عن الظلم أو الجرب أرسل الرسل‪،‬‬
‫وأبان الطريق‪ ،‬وأوضح السبيل‪ ،‬ومكن من أسباب الهداية؛ باألسماع‬
‫بعضهم على‬
‫وارحهم‪ ،‬ويشهد ُ‬
‫واألبصار والعقول‪ ،‬لكي تشهد عليهم ج ُ‬
‫بعض‪ ،‬ولتشاهد عظم َة علمه وإحاطتِه وقدرتِه ‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﭒ ﭓ ﭔ‬
‫(‪)3‬‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﮊ‬
‫[األنعام‪ ،]111:‬وقال‪ :‬ﮋﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬

‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﮊ [الحجر‪.]15 ،14:‬‬


‫وقال فيهم حتى يف يوم القيامة عندما يدخلون الجحيم ويذوقون العذاب‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع العلوم والحكم البن رجب (‪ ،)27/1‬وشرح العقيدة الطحاوية البن أبي العز‬
‫(ص‪.)354‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخريجه (ص‪.)52‬‬
‫(‪ )3‬أي‪ :‬لو أراد ‪ ‬جربهم على اإليمان لفعل‪ ،‬وقد خلقهم مختارين‪ ،‬وقد قادهتم نفوسهم‬
‫وشياطينهم إلى الضالل والكفر الذي ال يحيدون عنه‪ ،‬ولو شاء اهلل َجبْ َر ُه ْم على الهدى لفعل‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪172‬‬

‫األليم‪ ،‬ويطلبون العودة‪ :‬ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﮊ [األنعام‪ ،]28:‬ولذلك قال‬


‫‪ :‬ﮋﮭﮮﮯ ﮰ ﮱﯓﮊ [األنفال‪.]23:‬‬
‫فإذا قضى على هذه النفوس بالضالل والمعصية والعذاب األليم يف‬
‫اآلخرة‪ ،‬كان ذلك محض العدل؛ كما إذا قضى على الح َّية بأن ُتقتل‪ ،‬وعلى‬
‫عدال منه‪ ،‬وإن كان مخلو ًقا على‬
‫العقرب‪ ،‬وعلى الكلب العقور‪ ،‬كان ذلك ً‬
‫هذه الصفة(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفوائد البن القيم (ص‪.)25‬‬


‫‪173‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة الثامنة عشرة‪ :‬العقوبة املرتتبة على املنع‪:‬‬


‫فإن قيل‪ :‬إذا كان العطاء والبذل والتوفيق والفضل إحسانًا ورحمة‬
‫وتفضال منه ‪‬؛ فهال كانت الغلبة‪ ،‬له كما أن رحمته تغلب غضبه؟‬
‫ً‬
‫قيل‪ :‬المقصود من هذا البحث‪ :‬بيان وإثبات أن هذه العقوبة المرتتبة‬
‫على هذا المنع‪ ،‬وأن هذا المنع المستلزم لهذه العقوبة ليس بظلم‪ ،‬وهذا‬
‫االستفسار سؤال عن الحكمة التي أوجبت تقديم العدل على الفضل يف‬
‫وهال ساوى بين العباد يف الفضل سبحانه(‪)1‬؟‬ ‫بعض المحال‪ّ ،‬‬
‫وهذا سؤال معناه‪ :‬ل ِ َم تفضل سبحانه على هذا‪ ،‬ولم يتفضل على هذا؟‬
‫وقد تو َّلى سبحانه الجواب عنه بقوله تعالى‪ :‬ﮋﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈﮊ [الجمعة‪ ،]4:‬وقوله تعالى‪ :‬ﮋﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﮊ [الحديد‪.]29:‬‬
‫ولما استشكل المشركون ذلك التخصيص فقالوا‪ :‬ﮋﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛﮊ [األنعام‪ ،]53:‬فقال اهلل مجي ًبا‪ :‬ﮋﭝﭞﭟﭠﮊ [األنعام‪.]53:‬‬
‫ِّ‬
‫بالمحل الذي‬ ‫شاف ٍ‬
‫كاف‪ ،‬ويف ضمنه أنه سبحانه أعلم‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا جواب‬
‫يصلح لغرس شجرة النعمة؛ فتثمر بالشكر من المحل الذي ال يصلح‪ ،‬كما‬
‫قال ‪ :‬ﮋﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ [األنعام‪ ،]124:‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﮑ‬
‫ﮒﮓﮔﮊ [آل عمران‪.]74:‬‬
‫وصعب على جماعة ممن ينتسب إلى اإلسالم الجمع بين العدل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة للبعلي (ص‪.)244‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪174‬‬

‫والقدر‪ ،‬فزعموا أن من أثبت القدر لم يمكنه ذلك من القول بالعدل‪ ،‬ومن‬


‫أثبت العدل لم يمكنه أن يقول بالقدر‪ ،‬كما صعب عليهم وعلى آخرين‬
‫غيرهم الجمع بين التوحيد وإثبات الصفات؛ فزعموا أهنم ال يمكنهم إثبات‬
‫يال‪ ،‬وعدلهم تكذي ًبا بالقدر‪.‬‬
‫التوحيد إال بإنكار الصفات؛ فصار توحيدهم تعط ً‬
‫وأما أهل السنة فهم مثبتون لألمرين‪ ،‬والظلم عندهم وضع الشيء يف غير‬
‫محله‪ ،‬كتعذيب المطيع ومن ال ذنب له(‪.)1‬‬
‫ثم إن ُم ِ‬
‫ور ُد هذا السؤال يظن أن التسوية بين الموجودات أبلغ يف‬
‫الحكمة‪ ،‬وهذا عين الجهل؛ بل الحكمة كل الحكمة يف هذا التفاوت العظيم‬
‫الواقع بينهما‪ ،‬ومن أجله اختلف وضع البشر عن المالئكة وغيرهم من‬
‫المخلوقات‪ ،‬وليس يف خلق النوع البشري تفاوت من حيث التكوين‬
‫واإلدراكات ومعرفة الضار والنافع والخير والشر والنور والظالم‪ ،‬وإنما وقع‬
‫التفاوت بأمور عدمية لم يتعلق هبا الخلق‪ ،‬إذ ليس يف الخلق تفاوت(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفوائد البن القيم (ص‪.)24‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مدارج السالكين البن القيم (‪.)195/2‬‬
‫‪175‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة التاسعة عشرة‪ :‬الرضا واإلعانة‪:‬‬


‫ولو قلت‪ :‬كيف يرضى لعبده شي ًئا وال يعينه عليه(‪)1‬؟‬
‫فالجواب‪ :‬إن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول‬
‫تلك الطاعة التي رضيها له(‪ ،)2‬وقد يكون وقوع تلك الطاعة التي رضيها منه‬
‫يتضمن مفسدة هي أكر ُه إليه سبحانه من محبته لتلك الطاعة؛ بحيث يكون‬
‫حصولها مستلز ًما لمفسدة راجحة ومفو ًتا لمصلحة أرجح(‪.)3‬‬
‫وقد أشار لعينة من ذلك بقوله تعالى‪ :‬ﮋﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫﮊ [التوبة‪.]47 ،46:‬‬
‫فأخرب سبحانه أنه كره انبعاثهم مع رسوله ‪ ‬للغزو‪ ،‬وهو طاعة‬
‫وقربة قد أمرهم هبا؛ فلما كرهه منهم ثبطهم لما علمه منهم‪ ،‬ثم ذكر سبحانه‬
‫بعض المفاسد التي كانت سترتتب على خروجهم لو خرجوا مع رسوله‬
‫وشرا‪،‬‬
‫‪‬؛ فقال‪ :‬ﮋﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﮊ‪ ،‬أي‪ :‬فسا ًدا ًّ‬
‫ﮋﯡ ﯢﮊ‪ ،‬أي‪ :‬سعوا فيما بينكم بالفساد والشر‪ ،‬ﮋﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﮊ‪ ،‬أي‪ :‬قابلون منهم مستجيبون لهم؛ فيتولد من بين سعي‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مدارج السالكين البن القيم (‪.)196/2‬‬


‫(‪ )2‬كتأخير إجابة الدعوة لحبه لسماع صوت عبده اللحوح يف الدعاء‪ ،‬وا ِّدخار ما هو أحظى للعبد من‬
‫إجابة الدعوة‪.‬‬
‫المهلك عليه فيصرفه عن ذلك‪.‬‬
‫ب ُ‬ ‫مثال‪ -‬إذا علم منه ورود ال ُع ْج ِ‬
‫(‪ )3‬كعدم إعانته على قيام الليل ‪ً -‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪176‬‬

‫هؤالء بالفساد وقبول أولئك منهم من الشر؛ ما هو أعظم من مصلحة‬


‫خروجهم‪ ،‬فاقتضت الحكمة والرحمة ْ‬
‫أن منعهم من الخروج وأقعدهم‪،‬‬
‫وهذا مثال ُيعتمد عليه و ُيقاس عليه‪ ،‬وما أ ْط َل َعنَا ‪ ‬إال على النزر اليسير‬
‫من أسرار قدره‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مدارج السالكين البن القيم (‪.)196/2‬‬


‫‪177‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة العشرون‪ :‬التعوذ من سوء القضاء‪:‬‬


‫عن أبي هريرة‪ ،‬أن النبي ‪« ،‬كان يتعوذ من سوء القضاء‪ ،‬ومن‬
‫درك الشقاء‪ ،‬ومن شماتة األعداء‪ ،‬ومن جهد البالء»(‪.)1‬‬
‫سوء القضاء‪ :‬أي‪ :‬القضاء المسيء المحزن يف الدين والدنيا والبدن‬
‫والمال واألهل(‪.)2‬‬
‫(والمراد بالقضاء هنا‪ :‬المقضي‪ ،‬ألن حكمه ك َّله حسن ال سوء فيه‪ ،‬لكن‬
‫خيرا بالنسبة إلى‬
‫قد يكون المقضي عليه سي ًئا يف حق بعض األفراد‪ ،‬وإن كان ً‬
‫مجموع التكوين‪ ،‬وهو عام يف النفس والمال واألهل والولد والخاتمة‬
‫والمعاد‪ ،‬وهو من األدعية الجامعة؛ حيث تعوذ به من كل سوء يعرض‬
‫باإلنسان يف المعاش والمعاد‪ ،‬أي‪ :‬أعوذ بك من المقضي المضر لي‪ ،‬الذي‬
‫ليس لي فيه خير؛ كالكفر والمعاصي والعذاب يف اآلخرة‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬كان يتعوذ من شر القضاء‪ ،‬وضرره‪ ،‬أي‪ :‬الضرر المقضي عليه‬
‫أزال كالكفر والمعاصي)(‪.)3‬‬
‫ً‬

‫قال السندي(‪( :)4‬وأنت خبير بأنه ال مقابلة على ما ذكره بين سوء القضاء‬
‫وغيره؛ بل غيره كالتفصيل لجزئياته‪ ،‬فالمقابلة ينبغي أن تعترب باعتبار أن‬
‫مجموع الثالثة األخيرة بمنزلة القدر‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬من سوء القضاء والقدر‪،‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6347‬ومسلم برقم (‪.)2707‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬فتح المنعم (‪.)275/10‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (‪.)88/25‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬مرعاة المفاتيح (‪.)214/8‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪178‬‬

‫لكن أقيم أهم أقسام سوء القدر مقامه‪ ،‬يعني‪ :‬أستعيذ بسوء القضاء‪ ،‬ثم أتبع‬
‫بأهم أقسام سوء القدر‪ ،‬فال مقابلة بين سوء القضاء وغيره؛ بل غيره‬
‫كالتفصيل لجزئياته‪.‬‬
‫مقضي من حيث القضاء أزلي‪ ،‬فأي فائدة يف االستعاذة منه؟‬
‫َّ‬ ‫بقي أن ال‬
‫والظاهر أن المراد صرف المع َّلق منه‪ ،‬فإنه قد يكون معل ًقا‪ ،‬والتحقيق‪ :‬أن‬
‫الدعاء مطلوب لكونه عبادة وطاعة‪ ،‬وال حاجة لنا يف ذلك إلى أن نعرف‬
‫الفائد َة المرتتبة عليه سوى ما ذكرنا)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪179‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫املسألة احلادية والعشرون‪ :‬الدعاء سبب لرد القضاء‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫كثيرا من أهل العلم لما نظروا يف آيات‬
‫قال الشوكان ‪( :‬اعلم أن ً‬
‫ُ‬
‫يتحول‪ ،‬وأنه ليس يف هذه‬ ‫وأحاديث تدل على أن ما قد سبق به القضاء ال‬
‫الدار إال ما قد فرغ منه‪ ،‬من قليل وكثير‪ ،‬وجليل ودقيق؛ محافظ ًة على ما ورد‬
‫ٍ‬
‫مقررة قد تقررت عند أهل الكالم‪،‬‬ ‫مما يدل على ذلك‪ ،‬ووقو ًفا عند قواعدَ‬
‫حتى قال قائلهم‪ :‬إنه لو وقع غير ما سبق به القلم‪ ،‬وفصل به القضاء‪ ،‬للزم‬
‫حق به القضاء‪.‬‬
‫جهال‪ ،‬لتخلف ما قد َّ‬
‫الزم باطل‪ ،‬وهو انقالب العلم ً‬
‫فقصروا أنظارهم على هذا اإللزام‪ ،‬وغفلوا عن لزوم ما هو أشد منه‪،‬‬
‫الرب القادر القوي المتصرف يف عالمه بما يشاء وكيف يشاء‪ ،‬لم يبق‬
‫وهو أن َّ‬
‫له ‪ ‬إال ما قد سبق به قضاؤه‪ ،‬وال يتمكن من تغييره‪ ،‬وال من نقله إلى‬
‫العلي ‪ ‬وتعالى وتقدس‪ ،‬وهو‬
‫ِّ‬ ‫قضاء آخر‪ ،‬وهذا تقصير عظيم بالجناب‬
‫يستلزم إهمال كثير من األدلة الشرعية من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فمنها إهمال ما أرشدنا إليه سبحانه من التضرع إليه والدعاء له‪ ،‬ألنه‬
‫ليس للداعي إال ما قد جف به القلم دعا أو لم يدع‪ ،‬وهذه مقالة تبطل هبا‬
‫فائدة الدعاء الذي أرشدنا سبحانه إليه يف كتابه العزيز‪ ،‬وقال‪ :‬ﱣﱏ‬
‫ﱐ ﱑ‪...‬ﱢ [غافر‪ ،]60:‬وجعل ترك دعائه من االستكبار عليه‪ ،‬وتوعد‬
‫عليه‪ ،‬كما قال‪ :‬ﱣﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‪...‬ﱢ اآلية‪ ،‬وقال‪ :‬ﱣﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‪...‬ﱢ [النمل‪ ،]62:‬وقال‪ :‬ﱣﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬
‫ﲼﲾﲿﳀﳁﳂﱢ [البقرة‪.]186:‬‬
‫ﲽ‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬قطر الولي (ص‪.)479‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪180‬‬

‫فأخربنا سبحانه أنه يجيب دعوة من دعاه‪ ،‬بعد أن أمرنا بالدعاء يف آيات‬
‫كثيرة‪ ،‬ومنها هذا الحديث القدسي الذي نحن بصدد شرحه‪ ،‬فإنه قال فيه‪:‬‬
‫«لئن سألني ألعطينه‪ ،‬ولئن استعاذن ألعيذنه»(‪ ،)1‬وهو صادق وال يخلف‬
‫الميعاد كما أخربنا بذلك يف كتابه العزيز‪.‬‬
‫وقد أكد اإلجابة منه للعبد يف هذا الحديث القدسي بالقسم على نفسه‬
‫‪ ،‬فكيف تخلف ذلك؟!‬
‫مستقال‪ ،‬فمن‬
‫ً‬ ‫وقد ورد من الرتغيب يف الدعاء ما لو جمع لكان مؤ َّلفا‬
‫ذلك ما هو يف الصحيحين وغيرهما‪ ،‬ومنها ما هو صحيح كما ستقف عليه‪.‬‬
‫فمن ما يف الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬قال اهلل ‪« :‬أنا عند ظن عبدي بي‪ ،‬وأنا معه‬
‫إذا دعان»(‪.)2‬‬
‫ويف الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم وغيره‪ ،‬عن أبي ذر‪« :‬يا عبادي‬
‫لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا يف صعيد فسألون فأعطيت كل‬
‫إ نسان منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إَّل كما ينقص المخيط إذا دخل‬
‫البحر»(‪.)3‬‬
‫وأخرج أهل السنن وابن حبان والحاكم‪ ،‬وصححه الرتمذي وابن حبان‬
‫والحاكم من حديث النعمان بن بشير‪ ،‬عن النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم أنه‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6502‬عن أبي هريرة ‪.‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)7405‬ومسلم برقم (‪ ،)2775‬واللفظ له‪.‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2577‬‬
‫‪181‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫(‪)1‬‬
‫ﱑﱓ‬
‫ﱒ‬ ‫‪ ،‬ثم قرأ‪ :‬ﱣﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫قال‪« :‬الدعاء هو العبادة»‬
‫ﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱢ‪.‬‬
‫وأخرج الرتمذي والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة‪ ،‬أن رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم قال‪« :‬من سره أن يستجيب اهلل له عند الشدائد‬
‫فليكثر من الدعاء يف الرخاء»(‪.)2‬‬
‫وأخرج الرتمذي والحاكم وصححاه من حديث عبادة بن الصامت‪ ،‬أن‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم قال‪« :‬ما على األرض مسلم يدعو اهلل‬
‫بدعوة إَّل آتاه اهلل إياها‪ ،‬أو صرف عنه من السوء مثلها‪ ،‬ما لم يدع بإثم أو‬
‫قطيعة رحم‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬إ ًذا نكثر قال‪ :‬اهلل أكثر»(‪.)3‬‬
‫وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة والحاكم وصححه من‬
‫حديث أبي سعيد الخدري‪ ،‬أن النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم قال‪« :‬ما من‬
‫مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم وَّل قطيعة رحم إَّل أعطاه اهلل بها إحدى‬
‫يصرف‬
‫َ‬ ‫ثال ‪ :‬إما أن يعجل له دعوته‪ ،‬وإما أن يدا خرها له يف اآلخرة‪ ،‬وإما أن‬
‫عنه من السوء مث َلها‪ ،‬قالوا‪ :‬إذن ُنكثر‪ ،‬قال‪ :‬اهلل أكثر»(‪.)4‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ،)1479‬والرتمذي برقم (‪ ،)2969‬وابن ماجه برقم (‪ ،)3828‬وأحمد يف‬
‫المسند برقم (‪ ،)18352‬والنسائي يف الكربى برقم (‪ .)11400‬قال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي برقم (‪ ،)3382‬والحاكم يف المستدرك برقم (‪ ،)1997‬وصححه‪ ،‬وقال‬
‫الرتمذي‪ :‬غريب‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه الرتمذي برقم (‪ ،)3573‬وقال‪ :‬حسن صحيح غريب من هذا الوجه‪ ،‬وقال األلباين‪ :‬حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه أحمد يف المسند برقم (‪ ،)11133‬وابن أبي شيبة يف المصنف برقم (‪ ،)29170‬وابن‬
‫الجعد يف مسنده برقم (‪.)3283‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪182‬‬

‫وأخرج أبو داود والرتمذي وحسنه‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وابن حبان يف صحيحه‪،‬‬
‫والحاكم وصححه‪ ،‬من حديث سلمان‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وآله وسلم‪« :‬إن اهلل حيي كريم‪ ،‬يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن ير ادهما‬
‫ِص ْف ًرا خائبتين»(‪.)1‬‬
‫فلو لم يكن الدعاء ناف ًعا لصاحبه‪ ،‬وأن ليس له إال ما قد كتب له دعا أو‬
‫لم يدع‪ ،‬لم يقع الوعد باإلجابة وإعطاء المسألة يف هذه األحاديث ونحوها‪.‬‬
‫بل قد ثبت أن الدعاء يرد القضاء‪ ،‬كما أخرجه الرتمذي وحسنه من‬
‫حديث سلمان أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم قال‪َّ« :‬ل يرد القضاء‬
‫إَّل الدعاء‪ ،‬وَّل يزيد يف العمر إَّل البر»(‪ .)2‬وأخرجه ً‬
‫أيضا ابن حبان يف‬
‫أيضا الطرباين يف الكبير‪ ،‬والضياء يف‬
‫صحيحه‪ ،‬والحاكم وصححه‪ ،‬وأخرجه ً‬
‫المختارة‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي شيبة‪ ،‬وابن حبان يف صحيحه‪ ،‬والحاكم وصححه‪،‬‬
‫والطرباين يف الكبير‪ ،‬من حديث ثوبان‪َّ« :‬ل يرد القدر إَّل الدعاء‪ ،‬وَّل يزيد يف‬
‫العمر إَّل البر‪ ،‬وإن الرجل ل ُيحرم الرزق بالذنب يصيبه»(‪.)3‬‬
‫وأخرج البزار والطرباين والحاكم وصححه من حديث عائشة‪ ،‬قالت‪:‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ،)1488‬والرتمذي برقم (‪ ،)3556‬وقال‪ :‬حسن غريب وصححه األلباين‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬البزار برقم‬
‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي برقم (‪ ،)2139‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ ،‬وحسنه األلباين‪ .‬وأخرجه ً‬
‫(‪ ،)2540‬والطرباين يف الكبير برقم (‪.)6128‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه ابن ماجه برقم (‪ ،)4022‬وأحمد يف المسند برقم (‪ ،)22386‬والحاكم يف المستدرك برقم‬
‫(‪ ،)1814‬وصححه‪.‬‬
‫‪183‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‪َّ« :‬ل يغني حذر من قدر‪ ،‬والدعاء‬
‫ينفع مما نزل ومما لم ينزل‪ ،‬وأن البالء لينزل‪ ،‬فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم‬
‫القيامة»(‪.)1‬‬
‫فهذه األحاديث وما ورد موردها قد دلت على أن الدعاء ير ُّد القضاء فما‬
‫بقي بعد هذا؟‬
‫ومن األدلة التي تدفع ما قدمناه من قول أولئك القائلين ما ورد من‬
‫االستعاذة من سوء القضاء‪ ،‬كما ثبت الصحيحين وغيرهما‪ ،‬أنه كان صلى اهلل‬
‫عليه وآله وسلم يقول‪« :‬اللهم إن أعوذ بك من سوء القضاء‪ ،‬ودرك الشقاء‪،‬‬
‫وجهد البالء‪ ،‬وشماتة األعداء»(‪ .)2‬وقد قدمنا هذا الحديث‪.‬‬
‫فلو لم يكن للعبد إال ما قد سبق به القضاء لم يستعذ رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وآله وسلم من سوء القضاء‪.‬‬
‫شر ما قضيت»(‪ ،)3‬وهو‬
‫ومن ذلك حديث الدعاء يف الوتر‪ ،‬وفيه‪« :‬وقني ا‬
‫حديث صحيح‪ ،‬وإن لم يكن يف الصحيحين حسبما قدمنا اإلشارة إليه‪.‬‬
‫ومن األدلة التي ترد قول أولئك القائلين ما ورد يف صلة الرحم‪ ،‬ففي‬
‫الصحيحين وغيرهما من حديث أنس‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‬
‫نسأ له يف أثره فليصل رحمه»(‪.)4‬‬
‫قال‪« :‬من أحب أن يبسط له يف رزقه‪ ،‬وي ا‬

‫)‪ (1‬أخرجه الطرباين يف األوسط برقم (‪ ،)2498‬والحاكم يف المستدرك برقم (‪.)1813‬‬


‫)‪ (2‬سبق تخريجه (ص‪.)177‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ،)1425‬والرتمذي برقم (‪ ،)464‬والنسائي برقم (‪ ،)1745‬وابن ماجه‬
‫برقم (‪ ،)1178‬وأحمد يف المسند برقم (‪ .)1718‬وحسنه الرتمذي وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري برقم (‪ ،)2067‬ومسلم برقم (‪ ،)2557‬عن أنس بن مالك ‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪184‬‬

‫نسأ‪ :‬بضم الياء وتشديد السين المهملة مهموز‪ ،‬أي‪ :‬يؤخر له يف‬
‫قوله ُي َّ‬
‫أجله‪ .‬وأخرجه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة(‪.)1‬‬
‫فلو لم يكن للعبد إال ما قد سبق له لم تحصل له الزيادة بصلة رحمه؛ بل‬
‫ليس له إال ما قد سبق به القضاء وصل رحمه أو لم يصل‪ ،‬فيكون ما ورد يف‬
‫لغوا ال عمل عليه وال صحة له‪.‬‬
‫ذلك ً‬
‫ومن األدلة التي ترد قول أولئك ما ورد من األمر بالتداوي‪ ،‬وهي‬
‫لغوا‪.‬‬
‫أحاديث ثابتة يف الصحيح‪ ،‬فلوال أن لذلك فائدة كان األمر به ً‬
‫إذا عرفت ما قدمناه فاعلم أن اهلل سبحانه قال يف كتابه العزيز‪ :‬ﱣﲥﲦ‬

‫ﲧ ﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭﱢ [الرعد‪ ،]39:‬وظاهر هذه اآلية العموم‬


‫المستفاد من قوله ما يشاء‪ ،‬فما شاء سبحانه مما قد وقع يف القضاء ويف اللوح‬
‫المحفوظ محاه‪ ،‬وما شاء أثبته‪.‬‬

‫ومما يستفاد منه مثل معنى هذه اآلية قوله ‪ :‬ﱣﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ‬

‫ﳦ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫﳬﱢ [فاطر‪ ،]11:‬وقوله ‪ :‬ﱣﱖ ﱗ‬


‫ﳧ‬ ‫ﳡﳢﳣﳤﳥ‬

‫ﱘﱚﱛﱜﱢ [األنعام‪.]2:‬‬
‫ﱙ‬

‫فإن قلت‪ :‬فعالم تحمل مثل قوله تعالى‪ :‬ﱣﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬

‫ﲗ ﲘ ﲙﱢ [األعراف‪ ،]34:‬وقوله سبحانه‪ :‬ﱣﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬

‫ﲼﱢ [المنافقون‪ ،]11:‬وقوله سبحانه ﱣﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﱢ [نوح‪.]4:‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري برقم (‪.)5985‬‬


‫‪185‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫قلت‪ :‬أفسرها بما هي مشتملة عليه‪ ،‬فإنه قال‪ :‬يف اآلية األولى‪ :‬ﱣﲒ ﲓ‬

‫ﲔﱢ‪ ،‬وقال يف الثانية‪ :‬ﱣﲺ ﲻ ﲼﱢ‪ ،‬وقال يف الثالثة‪ :‬ﱣﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬


‫ﲑﱢ‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬إذا حضر األجل‪ ،‬فإنه ال يتقدم‪ ،‬وال يتأخر‪ ،‬وقبل حضوره يجوز‬
‫أن ِّ‬
‫يؤخره اهلل بالدعاء أو بصلة الرحم‪ ،‬أو بفعل الخير‪ ،‬ويجوز أن يقدمه لمن‬
‫شرا‪ ،‬أو قطع ما أمر اهلل به أن يوصل‪ ،‬وانتهك محار َم اهلل سبحانه)‪.‬‬
‫عمل ًّ‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪186‬‬

‫املسألة الثانية والعشرون‪ :‬والشر ليس إليك‪:‬‬


‫ورد يف الحديث عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬أن النبي ﷺ كان إذا‬
‫قام إلى الصالة استفتح بدعاء يقول فيه‪« :‬لبيك وسعديك‪ ،‬والخير كله يف‬
‫يديك‪ ،‬والشر ليس إليك»(‪.)1‬‬
‫قال ابن الجوزي(‪( :)2‬قوله‪« :‬والشر ليس إليك»‪ ،‬أي‪ :‬ليس مضا ًفا إليك‪.‬‬
‫وقد يشكل هذا فيقال‪ :‬أليس كل شيء بقدر؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن المعنى‪ :‬ال يضاف الشر إليك فتخاطب به تأد ًبا لك‪ ،‬فال‬
‫يقال‪ :‬يا قاتل األنبياء‪ ،‬ويا مضيق الرزق‪ ،‬وإنما تخاطب بما يليق باألدب‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬يا كريم يا رحيم‪ ،‬ويقول المذنب‪ :‬ظلمت نفسي‪ ،‬وال يقول‪ :‬أنت‬
‫قضيت‪ ،‬ألنه كالمناظرة‪ ،‬والمراد من العبادة الذل للمعبود‪ ،‬ولهذا المعنى لما‬
‫قام آدم مقام العبودية قال‪ :‬ﱣﱂ ﱃ ﱄﱢ [األعراف‪]23:‬؛ فلما التقى‬
‫بموسى قال له‪« :‬أتلومني على أمر قد قدر علي؟»(‪.)3‬‬
‫وكذلك قال ابن مسعود‪« :‬أقول برأيي‪ ،‬فإن كان صوا ًبا فمن اهلل‪ ،‬وإن كان‬
‫خطأ فمني»(‪.)4‬‬
‫وقال الخليل‪ :‬قوله‪« :‬الشر ليس إليك»‪ ،‬أي‪ :‬ليس مما يتقرب به إليك‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم برقم (‪.)771‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬كشف المشكل (‪.)206/1‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6614‬ومسلم برقم (‪ ،)2652‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ،)2116‬وأحمد يف المسند برقم (‪ ،)4276‬والطرباين يف األوسط برقم‬
‫(‪ ،)2108‬والحاكم يف المستدرك برقم (‪.)2737‬‬
‫‪187‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وقد بين شيخ اإلسالم ابن تيمية(‪  )1‬أن اهلل تعالى وإن كان خالق‬
‫كل شيء‪ ،‬إال أن الشر لم يضف إلى اهلل يف الكتاب والسنة إال على أحد وجوه‬
‫ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬إما بطريق العموم‪ ،‬كقوله‪ :‬ﱣﲗﲘﲙﲚﲛﱢ [الرعد‪.]16:‬‬
‫الثان‪ :‬وإما بطريقة إضافته إلى السبب‪ ،‬كقوله‪ :‬ﱣﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱢ‬
‫[الفلق‪.]2:‬‬
‫الثالث‪ :‬وإما أن يحذف فاعله‪ ،‬كقول الجن‪ :‬ﱣﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬
‫ﲬﲭﲮﲯﲰﲱﱢ [الجن‪.]10:‬‬
‫قال‪( :‬وقد جمع يف الفاتحة األصناف الثالثة‪ ،‬فقال‪ :‬ﱣﱆ ﱇ ﱈ‬
‫ﱉﱢ [الفاتحة‪ ،]2:‬وهذا عام‪ ،‬وقال‪ :‬ﱣﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬
‫ﱠ ﱡﱢ [الفاتحة‪ ]7:‬فحذف فاعل الغضب‪ ،‬وقال‪ :‬ﱣﱢ‬

‫ﱣﱢ‪ ،‬فأضاف الضالل إلى المخلوق‪ ،‬ومن هذا قول الخليل‪ :‬ﱣﲿ‬

‫ﳀ ﳁﳂﱢ [الشعراء‪ ،]80:‬وقول الخضر‪ :‬ﱣﲊ ﲋﲌﱢ [الكهف‪،]79:‬‬

‫ﱣﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﱢ [الكهف‪ ،]81:‬ﱣﲸ ﲹ ﲺ‬


‫ﲻﲼﱢ [الكهف‪.]82:‬‬

‫وقد بسط الكالم على حقائق هذه األمور‪ ،‬وبين أن اهلل لم يخلق شي ًئا إال‬
‫لحكمة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱣﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘﱢ [السجدة‪ ،]7:‬وقال‪ :‬ﱣﳘ ﳙ‬
‫ﳚﳛ ﳜﳝﱢ [النمل‪ ،]88:‬فالمخلوق باعتبار الحكمة التي خلق ألجلها‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)511/8‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪188‬‬

‫خير وحكمة‪ ،‬وإن كان فيه شر من جهة أخرى‪ ،‬فذلك أمر عارض جزئي‪،‬‬
‫محضا؛ بل الشر الذي يقصد به الخير األرجح هو خير من الفاعل‬
‫ً‬ ‫شرا‬
‫ليس ًّ‬
‫شرا لمن قام به‪.‬‬
‫الحكيم‪ ،‬وإن كان ًّ‬
‫ظان أن الحكمة المطلوبة التامة قد تحصل مع عدمه(‪ ،)1‬إنما‬
‫وظن ال ِّ‬
‫يقوله لعدم علمه بحقائق األمور وارتباط بعضها ببعض‪ ،‬فإن الخالق إذا خلق‬
‫الشيء فال بد من خلق لوازمه‪ ،‬فإن وجود الملزوم بدون وجود الالزم ممتنع‪،‬‬
‫وال بد من ترك خلق أضداده التي تنافيه‪ ،‬فإن اجتماع الضدين المتنافيين يف‬
‫وقت واحد ممتنع‪.‬‬
‫وهو سبحانه على كل شيء قدير ال يستثنى من هذا العموم شيء؛ لكن‬
‫مسمى الشيء ما ُت ُص ِّور وجوده‪ ،‬فأما الممتنع لذاته فليس شي ًئا باتفاق‬
‫العقالء)‪.‬‬

‫وزاد ابن القيم ‪ ‬هذا المعنى بيا ًنا فقال(‪( :)2‬إذا عرفت هذا ُع ِر َ‬
‫ف‬
‫معنى قوله يف الحديث الصحيح‪« :‬لبيك وسعديك‪ ،‬والخير يف يديك‪ ،‬والشر‬
‫ليس إليك»‪ ،‬وإن معناه أجل وأعظم من قول من قال‪ :‬والشر ال يتقرب به‬
‫إليك‪ ،‬وقول من قال‪ :‬والشر ال يصعد إليك‪ ،‬وأن هذا الذي قالوه وإن تضمن‬
‫تنزيهه عن صعود الشر إليه والتقرب به إليه‪ ،‬فال يتضمن تنزيهه يف ذاته‬
‫شر‪ ،‬بخالف لفظ المعصوم الصادق المصدَّ ق‪ ،‬فإنه‬
‫وصفاته وأفعاله عن ال ِّ‬

‫)‪ (1‬أي‪ :‬مع عدم وجود هذا الشر الجزئي‪.‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬بدائع الفوائد (‪.)214/2‬‬
‫‪189‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫يتضمن تنزيهه يف ذاته ‪ ‬عن نسبة الشر إليه بوجه ما‪ ،‬ال يف صفاته‪ ،‬وال‬
‫يف أفعاله‪ ،‬وال يف أسمائه‪ ،‬وإن دخل يف مخلوقاته كقوله‪ :‬ﱣﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬

‫ﱘﱙﱚﱛﱜﱢ [الفلق‪.]2-1:‬‬
‫وتأمل طريقة القرآن يف إضافة الشر تارة إلى سببه ومن قام به‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫ﱣﲏ ﲐ ﲑﱢ [البقرة‪ ،]254:‬وقوله‪ :‬ﱣﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬
‫ﳁﱢ [الصف‪ ،]5:‬وقوله‪ :‬ﱣﲠ ﲡ ﲢ ﲣﱢ [النساء‪ ،]160:‬وقوله‪:‬‬
‫ﱣﳋﳌﳍﱢ [األنعام‪ ،]146:‬وقوله‪ :‬ﱣﳃﳄﳅﳆﳇ‬
‫ﳈﱢ [النحل‪ ،]118:‬وهو يف القرآن أكثر من أن يذكر هاهنا عشر معشاره‪،‬‬
‫وإنما المقصود التمثيل‪.‬‬
‫وتارة بحذف فاعله‪ ،‬كقوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن‪ :‬ﱣﲥ ﲦ ﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﱢ‪ ،‬فحذفوا فاعل الشر ومريده‪،‬‬
‫وصرحوا بمريد الرشد‪.‬‬
‫ونظيره يف الفاتحة‪ :‬ﱣﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱣﱢ‪ ،‬فذكر النعمة مضافة إليه سبحانه‪ ،‬والضالل منسو ًبا إلى من قام‬
‫به‪ ،‬والغضب محذو ًفا فاعله‪.‬‬
‫ومثله قول الخضر يف السفينة‪ :‬ﱣﲊ ﲋ ﲌﱢ‪ ،‬ويف الغالمين‪ :‬ﱣﲸ‬
‫ﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﱢ‪.‬‬
‫ومثله قوله‪ :‬ﱣﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬
‫ﱹ ﱺﱢ [الحجرات‪ ،]7:‬فنسب هذا التزيين المحبوب إليه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ﱣﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﱢ فحذف الفاعل المزين‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪190‬‬

‫ومثله قول الخليل ‪ :‬ﱣﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬


‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁﳂ ﳃﳄﳅﳆ ﳇ ﳈﳉﳊ‬
‫ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﱢ [الشعراء‪ ،]78:‬فنسب إلى ربه كل كمال من هذه‬
‫األفعال‪ ،‬ونسب إلى نفسه النقص منها‪ ،‬وهو المرض والخطيئة‪.‬‬
‫وهذا كثير يف القرآن الكريم‪ ،‬ذكرنا منه أمثلة كثيرة يف كتاب الفوائد‬
‫المكية‪ ،‬وبينا هناك السر يف مجيء‪ :‬ﱣﱣ ﱤ ﱥﱢ [البقرة‪،]121:‬‬
‫وﱣﲾ ﲿ ﳀﱢ [البقرة‪ ،]101:‬والفرق بين الموضعين‪ ،‬وأنه حيث‬
‫ذكر الفاعل كان من آتاه الكتاب واق ًعا يف سياق المدح‪ ،‬وحيث حذفه كان من‬
‫منقسما‪ ،‬وذلك من أسرار القرآن الكريم‪ ،‬ومثله‪:‬‬
‫ً‬ ‫أوتيه واق ًعا يف سياق الذم‪ ،‬أو‬
‫ﱣﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱢ [فاطر‪ ،]32:‬وقال‪ :‬ﱣﲛ ﲜ ﲝ‬
‫ﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﱢ [األعراف‪.]169:‬‬
‫وبالجملة‪ :‬فالذي يضاف إلى اهلل تعالى كله خير وحكمة ومصلحة‬
‫وعدل‪ ،‬والشر ليس إليه)‪.‬‬
‫وقال أيضا(‪ )1‬معل ًقا على قوله ﷺ‪« :‬والشر ليس إليك»‪( :‬ولم يقف على‬
‫المعنى المقصود من قال‪ :‬الشر ال يتقرب به إليك؛ بل الشر ال يضاف إليه‬
‫سبحانه بوجه‪ ،‬ال يف ذاته وال يف صفاته وال يف أفعاله وال يف أسمائه‪ ،‬فإن ذاته‬
‫لها الكمال المطلق من جميع الوجوه‪ ،‬وصفاته كلها صفات كمال‪ ،‬ويحمد‬
‫عليها‪ ،‬ويثنى عليه هبا‪ ،‬وأفعاله كلها خير ورحمة وعدل وحكمة‪ ،‬ال شر فيها‬
‫بوجه ما‪ ،‬وأسماؤه كلها حسنى‪ ،‬فكيف يضاف الشر إليه؟‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬حادي األرواح البن القيم (ص‪.)375‬‬


‫‪191‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫بل الشر يف مفعوالته ومخلوقاته‪ ،‬وهو منفصل عنه‪ ،‬إذ فعله غير مفعول‪،‬‬
‫ففعله خير كله‪ ،‬وأما المخلوق المفعول ففيه الخير والشر‪ ،‬وإذا كان الشر‬
‫منفصال غير قائم بالرب سبحانه‪ ،‬فهو ال يضاف إليه‪ ،‬وهو لم يقل‪:‬‬
‫ً‬ ‫مخلو ًقا‬
‫أنت ال تخلق الشر حتى يطلب تأويل قوله‪ ،‬وإنما نفى إضافته إليه وص ًفا‬
‫وفعال وأسما ًء‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا ُع ِر َ‬
‫ف هذا فالشر ليس إال الذنوب وموجباهتا‪ ،‬وأما الخير فهو‬
‫اإليمان والطاعات وموجباهتا‪ ،‬واإليمان والطاعات متعلقة به سبحانه‪،‬‬
‫وألجلها خلق اهلل خلقه وأرسل رسله وأنزل كتبه‪ ،‬وهي ثناء على الرب‬
‫‪ ‬وإجالله وتعظيمه وعبوديته‪ ،‬وهذه لها آثار تطلبها وتقتضيها‪ ،‬فتدوم‬
‫آثارها بدوام متعلقها‪ ،‬وأما الشرور فليس مقصودة لذاهتا‪ ،‬وال هي الغاية التي‬
‫خلق لها الخلق فهي مفعوالت قدرت ألمر محبوب وجعلت وسيلة إليه فإذا‬
‫حصل ما قدرت له اضمحلت وتالشت وعاد األمر إلى الخير المحض)‪.‬‬
‫أيضا(‪( :)1‬فينبغي أن يعرف أن الشر الموجود ليس‬
‫وقال شيخ اإلسالم ً‬
‫محضا‪ ،‬وإنما هو شر يف حق من تألم به‪ ،‬وقد‬
‫ً‬ ‫ش ًّرا على اإلطالق‪ ،‬وال ش ًّرا‬
‫تكون مصائب قوم عند قوم فوائد‪.‬‬
‫مسلسال‪« :‬آمنت بال َقدَ ر خيره وشره‪،‬‬
‫ً‬ ‫ولهذا جاء يف الحديث الذي ُرويناه‬
‫وم ِّره»(‪ ،)2‬ويف الحديث الذي رواه أبو داود‪« :‬لو أنفقت ملء األرض‬
‫وحلوه ُ‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)20/14‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه هبذه الزيادة ابن حبان يف صحيحه برقم (‪ ،)168‬وابن منده يف اإليمان برقم (‪،)7‬‬
‫والاللكائي يف شرح أصول االعتقاد برقم (‪.)138‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪192‬‬

‫َذ َه ًبا لما َقبِله منك حتى تؤمن بالقدر خيره وشره‪ ،‬وتعلم أن ما أصابك لم يكن‬
‫ليخطئك‪ ،‬وما أخطأك لم يكن ليصيبك»(‪.)1‬‬
‫والمر سواء‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫فالخير والشر هما بحسب العبد المضاف إليه كالحلو‬
‫شرا‪ ،‬ومن تنعم به فهو يف حقه‬
‫وذلك أن من لم يتألم بالشيء ليس يف حقه ًّ‬
‫خير‪ ،‬كما كان النبي ‪ُ ‬ي َع ِّلم من َّ‬
‫قص عليه أخوه رؤيا أن يقول‪:‬‬
‫وشرا ألعدائنا»(‪ ،)2‬فإنه إذا أصاب العبد شر‬
‫خيرا لنا ًّ‬
‫وشرا توقاه‪ً ،‬‬
‫خيرا تلقاه ًّ‬
‫« ً‬
‫عدوا فليس‬
‫عدوه‪ ،‬فهو خير لهذا وشر لهذا‪ ،‬ومن لم يكن له ول ًّيا وال ًّ‬
‫ُس َّر قلب ِّ‬
‫دائما‪،‬‬
‫شرا‪ ،‬وليس يف مخلوقات اهلل ما يؤلم الخلق كلهم ً‬
‫خيرا وال ًّ‬
‫يف حقه ال ً‬
‫دائما؛ بل مخلوقاته إ َّما من ِّعم ٌة لهم أو لجمهورهم يف‬
‫وال ما يؤلم جمهورهم ً‬
‫أغلب األوقات‪ ،‬كالشمس والعافية‪ ،‬فلم يكن يف الموجودات التي خلقها اهلل‬
‫ما هو شر مطل ًقا عا ًما‪.‬‬
‫الشر المخلوق الموجود شر مقيد خاص‪.‬‬
‫فعلم أن َّ‬
‫وفيه وجه آخر هو به خير وحسن‪ ،‬وهو أغلب وجهيه‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ﱣﲕ ﲖ ﲗ ﲘﱢ [السجدة‪ ،]7 :‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ‬
‫ﳝﱢ [النمل‪ ،]88 :‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬

‫)‪ (1‬أخرجه أحمد يف المسند (‪ ،)189-185-183-182/5‬وأبو داود برقم (‪ ،)4699‬وابن ماجه‬


‫برقم (‪ ،)77‬والرتمذي برقم (‪ ،)2516‬والحاكم يف مستدركه (‪ )624/3‬برقم (‪ ،)6304‬عن ابن‬
‫عباس ‪ .‬قال الرتمذي هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الجامع برقم‬
‫(‪ ،)7957‬ويف السلسلة الصحيحة برقم (‪.)2382‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه الطرباين يف الكبير برقم (‪ ،)8146‬عن الضحاك بن زمل الجهني‪ ،‬وذكره الهيثمي يف مجمع‬
‫الزوائد (‪ ،)184/7‬وقال‪« :‬وفيه سليمان بن عطاء القرشي‪ ،‬وهو ضعيف»‪.‬‬
‫‪193‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ﲜﱢ [الحجر‪ ،]85 :‬وقال‪ :‬ﱣﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬


‫ﲔﲕﱢ [آل عمران‪.]191 :‬‬
‫وقد علم المسلمون أن اهلل لم يخلق شي ًئا ما إال لحكمة؛ فتلك الحكمة‬
‫محض ال خير فيه‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫وجه حسنه وخيره‪ ،‬وال يكون يف المخلوقات شر‬
‫فائدة فيه بوجه من الوجوه؛ وهبذا يظهر معنى قوله‪« :‬والشر ليس إليك»‪،‬‬
‫وكون الشر لم ُي َضف إلى اهلل وحده؛ بل إما بطريق العموم أو يضاف إلى‬
‫السبب أو يحذف فاعله)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪194‬‬

‫املسألة الثالثة والعشرون‪ :‬هل أراد اهلل املعصية من العبد؟‪:‬‬


‫سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:‬‬
‫هل أراد اهلل تعالى المعصية من خلقه أم ال؟(‪.)1‬‬
‫فأجاب‪:‬‬
‫لفظ (اإلرادة) مجمل له معنيان‪ :‬فيقصد به المشيئة لما خلقه‪ ،‬ويقصد به‬
‫المحبة والرضا لما أمر به‪.‬‬
‫فإن كان مقصود السائل‪ :‬أنه أحب المعاصي ورضيها وأمر هبا فلم ُيردها‬
‫هبذا المعنى‪ ،‬فإن اهلل ال يحب الفساد‪ ،‬وال يرضى لعباده الكفر‪ ،‬وال يأمر‬
‫بالفحشاء؛ بل قال لما هنى عنه‪ :‬ﱣﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥﱢ‬
‫[اإلسراء‪.]38:‬‬
‫وإن أراد أهنا من جملة ما شاءه وخلقه‪ ،‬فاهلل خالق ِّ‬
‫كل شيء‪ ،‬وما شاء‬
‫كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وال يكون يف الوجود إال ما شاء‪.‬‬
‫وقد ذكر اهلل يف موضع أنه يريدها ويف موضع أنه ال يريدها‪ ،‬والمراد ب‬
‫األول أنه شاءها خل ًقا‪ ،‬وبالثاين أنه ال يح ُّبها وال يرضاها ً‬
‫أمرا‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬
‫ﱐ ﱑﱢ [األنعام‪ ،]125:‬وقال نوح‪ :‬ﱣﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬

‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰﱢ [هود‪ ،]34:‬وقال يف الثاين‪ :‬ﱣﲥ ﲦ‬


‫ﲧﲨ ﲩﲪ ﲫﲬﱢ [البقرة‪ ،]185:‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﲴ ﲵﲶ‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)159/8‬‬


‫‪195‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ﲾﳀﳁﳂﳃ‬
‫ﲿ‬ ‫ﲷﲸﲹﲺ ﲻﲼﲽ‬
‫ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍ‬
‫ﱓﱕﱖﱗﱢ [النساء‪ ،]28-26:‬وقال‪ :‬ﱣﱲﱳ‬
‫ﱔ‬ ‫ﱎﱏ ﱐ ﱑﱒ‬
‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱢ‬
‫[المائدة‪ ،]6:‬وقال‪ :‬ﱣﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀﱢ [األحزاب‪.]33:‬‬
‫وسئل قدس اهلل روحه عن األقضية‪:‬‬
‫هل هي مقتضية للحكمة أم ال؟‬
‫وإذا كانت مقتضية للحكمة‪ :‬فهل أراد من الناس ما هم فاعلوه أم ال؟‬

‫وإذا كانت اإلرادة قد تقدمت‪ :‬فما معنى وجود العذر والحالة هذه(‪)1‬؟‬
‫فأجاب ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬نعم هلل حكمة بالغة يف أقضيته وأقداره وإن لم‬
‫علما‬
‫علما وعلمه لعباده‪ ،‬أو لمن يشاء منهم‪ ،‬وعلم ً‬
‫يعلمه العباد‪ ،‬فإن اهلل علم ً‬
‫ﳄ‬
‫ﳅ‬ ‫لم يعلمه لعباده؛ ﱣﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﳀ‬
‫ﲿﳁﳂﳃ‬

‫ﳈﳊﳋﳌﱢ [البقرة‪.]255:‬‬
‫ﳉ‬ ‫ﳆﳇ‬

‫وهو سبحانه أراد من العباد ما هم فاعلوه إرادة تكوين‪ ،‬كما اتفق‬


‫المسلمون على أنه ما شاء اهلل كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وكما قال‪ :‬ﱣﱁ ﱂ‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)201/8‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪196‬‬

‫ﱑﱢ [األنعام‪ ،]125:‬وكما قال‪ :‬ﱣﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ‬

‫ﱓﱢ [هود‪ ،]119-118:‬وكما قال‪ :‬ﱣﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬

‫ﱺﱢ [البقرة‪ ،]253:‬وكما قال‪ :‬ﱣﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬


‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱢ [إبراهيم‪.]27:‬‬
‫ورضى‬
‫ولكن لم يرد المعاصي من أصحاهبا إرادة أمر وشرع ومحبة ً‬
‫ودين؛ بل ذلك كما قال تعالى‪ :‬ﱣﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﱢ‪،‬‬
‫وكما قال تعالى‪ :‬ﱣﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬
‫ﲼﱢ‪ ،‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫ﱓ ﱕ ﱖ ﱗﱢ‪ ،‬وقال‬
‫ﱔ‬ ‫ﱋ ﱌ ﱍﱢ‪ ،‬ﱣﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱢ‪ ،‬وكما قال‬
‫تعالى‪ :‬ﱣﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱢ [الذاريات‪.]56:‬‬
‫وبالتقسيم والتفصيل يف المقال يزول االشتباه ويندفع الضالل‪.‬‬
‫وقد بسطت الكالم يف ذلك بما يليق به يف غير موضع من القواعد‪ ،‬إذ‬
‫ليس هذا موضع بسط ذلك‪.‬‬
‫وأما قول السائل‪ :‬ما معنى وجود العذر؟‬
‫عاجزا عن الفعل مع إرادته‬
‫ً‬ ‫فالمعذور الذي يعرف أنه معذور هو من كان‬
‫له‪ :‬كالمريض العاجز عن القيام والصيام والجهاد‪ ،‬والفقير العاجز عن‬
‫اإلنفاق ونحو ذلك‪ ،‬وهؤالء ليسوا مكلفين وال معاقبين على ما تركوه‪،‬‬
‫وكذلك العاجز عن السماع والفهم‪ :‬كالصبي والمجنون؛ ومن لم تبلغه‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫‪197‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫مختارا راض ًيا بفعل السيئات حتى فعلها‪ ،‬فليس‬


‫ً‬ ‫وأما من ُجعل مح ًّبا‬
‫مجبورا على خالف مراده‪ ،‬وال مكرها على ما ال يرضاه‪ ،‬فكيف يسمى هذا‬‫ً‬
‫ورا ولكن بسط ذلك يحتاج إلى الحكمة يف‬
‫معذورا؟‪ ،‬بل ينبغي أن يسمى مغر ً‬
‫الخلق واألمر فهذا مذكور يف موضعه‪ ،‬وهذا المكان ال يسعه‪ ،‬واهلل أعلم‬
‫وصلى اهلل على محمد)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪198‬‬

‫مسألة حمرية‬

‫سئل الشيخ عبد اهلل بن جبرين ‪ ‬عن مسألة محيرة لكثير من الناس‪،‬‬
‫فقال السائل(‪:)1‬‬
‫عندما يؤمر إنسان بمعروف وينهى عن منكر يف أي أمر من أمور الدين‪،‬‬
‫صغيرا‪ ،‬فإنه يرد ذلك إلى القضاء والقدر‪ ،‬ويقول‪ :‬قدر اهلل علي‬
‫ً‬ ‫كبي ًرا كان أو‬
‫أن أفعل هذا الشر وهذه المعصية‪.‬‬
‫فإذا قلت له‪ :‬أال تستطيع عمل الخير وترك الشر؟!‬
‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن إذا قدر اهلل علي أن أكون من أهل النار فيسبق علي‬
‫الكتاب ال محال‪.‬‬
‫ثم يستدل بقول اهلل تعالى‪ :‬ﱣﲆﲇﲈﲉﲊﲋﱢ [فاطر‪.]8:‬‬
‫أيضا بقوله ‪« :‬إن أحدكم يجمع خلقه يف بطن أمه‬
‫ويستدل ً‬
‫يوما‪ ،‬ثم يكون علقه مثل ذلك‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك‪ ،‬ثم يرسل‬
‫أربعين ً‬
‫اهلل إليه الملك فينفخ فيه الروح‪ ،‬ويؤمر بأربع كلمات‪ :‬بكتب‪ :‬رزقه‪ ،‬وأجله‪،‬‬
‫وعمله‪ ،‬وشقي أو سعيد‪.‬‬
‫فوالذي َّل إليه غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه‬
‫وبينها إَّل ذراع فيسبق عليه الكتاب‪ ،‬فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها‪ ،‬وإن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رسالة بعنوان (مسألة محيرة) للشيخ عبد اهلل بن جربين ‪ ،‬وهي عبارة عن سؤال وجه‬
‫للشيخ عن االحتجاج بالقضاء والقدر على فعل المعاصي‪ ،‬وقد أجاب الشيخ على السؤال بإجابة‬
‫مفصلة‪ ،‬طبعت يف رسالة مستقلة‪ ،‬وقد نقلتها هنا كاملة لالستفادة منها‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫أحدكم ليعمل بعمل أهل النار‪ ،‬حتى ما يكون بينه وبينها إَّل ذراع‪ ،‬فيسبق‬
‫عليه الكتاب‪ ،‬فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»(‪.)1‬‬
‫نرجو توجيه رد واضح على هذه المسألة المحيرة لكثير من الناس‪،‬‬
‫خاصة أنني لم أجد كتا ًبا مبس ًطا إلى عامة الناس يوضح المسألة‪ ،‬ويرد على‬
‫خيرا؟!‬
‫الشبهات التي تعرتضهم‪ ،‬وجزاكم اهلل ً‬
‫فأجاب فضيلته‪:‬‬
‫الحمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪ ،‬وعلى آله‬
‫كثيرا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ليما ً‬
‫وصحبه وسلم تس ً‬
‫إن هؤالء الذين يحتجون هبذه الحجج‪ ،‬ال شك أهنم متناقضون‪ ،‬فهم ال‬
‫يعملون هبا يف كل حال! فال يعملون بالقضاء والقدر‪ ،‬ويسلمون له يف كل‬
‫أحوالهم! فألجل ذلك يقال‪ :‬إهنم متناقضون!‬
‫ونحن نقول للجواب عن هذا السؤال‪ :‬إن هذا السؤال قديم‪ ،‬يحتج به‬
‫دائما! ويرددونه يف مجتمعاهتم‪ ،‬ويرددونه إذا نصحوا! فهو ليس بجديد!‬
‫الفسقة ً‬
‫وقد ذكروا أن ذم ًّيا أو ملحدً ا دخل على شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪،‬‬
‫وقدم له أبيا ًتا يحتج فيها بالقدر! فقال‪:‬‬
‫ذمـــــ ـ ُّي ديـــــــنكم‬
‫أيـــــــا علمـــــــا َء الـــــــدين ِّ‬
‫تحيـــــــــ اـر ُد ُّلـــــــــوه بأوضــــــــــحِ حجـــــــــ ِـة‬
‫ي بـــــزعمكم‬
‫ـي بكفـــ ـر ْ‬
‫إذا مـــــا قضـــــى ربــــ ْ‬
‫ولـــــم َي َ‬
‫رضــــ ُه منـــــي فمـــــا َو ْجــــ ُه حيلتـــــي‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6594‬ومسلم برقم (‪ )2643‬من حديث عبد اهلل بن مسعود ‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪200‬‬

‫عنــــي فهــــل إلـــــى‬


‫ْ‬ ‫لبــــاب‬
‫َ‬ ‫دعــــان وســــدا ا‬
‫ـولي ســـــ ٌ‬
‫ـبيل ب ِّينــــــوا لــــــي قضــــــيتي‬ ‫دخـــــ ْ‬
‫ـاللي ثــــم قــــال‪َ :‬‬
‫ارض بالقضــــا‬ ‫قضــــى بضـــ ْ‬
‫ٍ‬
‫راض بالــــــذي فيــــــه شــــــقوتي‬ ‫فمـــــا أنــــــا‬
‫بالمقضـــي ‪-‬يـــا قـــو ُم‪ -‬راضـــ ًيا‬
‫ِّ‬ ‫فـــإن كنـــت‬
‫َف َر ِّبــــــــ َي َّل يرضـــــــــى بشـــــــــؤ ِم بل ايتـــــــــي‬
‫وهـــل لـ ـ ْي رضـ ـا مـــا لـــيس يرضـــاه ســـيدي‬
‫فقـــد ِحـــ ْر ُت ُدلـــون علـــى كشـــف حيرتـــي‬
‫ربــــ ـ ْي الكفـــــ َـر منــــــي مشــــــيئ ًة‬
‫إذا شــــــاء ِّ‬
‫ـاص يف اتبــــــاع المشــــــيئ ِة‬
‫فهــــــل أنــــــا عـــــ ٍ‬
‫ـار أن أخــــ َ‬
‫ـالف ُحك َْمـــ ـ ُه‬ ‫ـي اختيــــ ٌ‬
‫وهـــــل لــــ ْ‬
‫فبــــــــاهلل فاشــــــــفوا بــــــــالبراهين غُلتــــــــي‬
‫نظما‪ ،‬وهو جالس يف مجلسه‪ ،‬فأخذ‬
‫ثم إن شيخ اإلسالم ‪ ‬أجابه ً‬
‫نثرا‪ ،‬فإذا هو‬
‫القلم وجعل يكتب الجواب وهم حاضرون‪ ،‬فظنوا أنه يكتب ً‬
‫نظما على نمط ذلك السؤال! فنظم يف مجلسه مائة وثالثين بي ًتا على‬
‫يكتب ً‬
‫نمط تلك القصيدة التي نظمها ذلك الشاعر الذمي!‬
‫والقصيدة موجودة يف مؤلفات شيخ اإلسالم ‪ ،)1(‬أولها قوله‪:‬‬
‫انؤؤؤؤد‬ ‫سؤؤؤؤك اي ذؤؤؤؤا ُؤؤؤؤ سؤؤؤؤك ا‬
‫خماصؤؤؤؤ ِّب ال ي ؤؤؤؤال يؤؤؤؤاا ي ذؤؤؤؤ ِّ‬
‫ع‬

‫)‪ (1‬موجودة يف مجموع الفتاوى (‪.)245/8‬‬


‫‪201‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫اصؤؤؤؤ ملب ؤؤؤؤ مل ي ا ؤؤؤؤا‬


‫فهؤؤؤؤ سؤؤؤؤك َ ملا مل‬
‫قؤؤؤؤدذه يؤؤؤؤ صيُؤؤؤؤلي صؤؤؤؤ ا ي ُلؤؤؤؤ ِّ‬
‫ا‬
‫و ؤؤؤ ذؤؤؤ ا اصؤؤؤه يُمهؤؤؤلم ذؤؤؤا‬
‫ا ؤؤؤؤؤؤ ِّ‬ ‫عؤؤؤؤؤؤر عٍ ا ي ُاوذؤؤؤؤؤؤا‬
‫وذؤؤؤؤدعو اصؤؤؤؤي اٍ مِّ ذؤؤؤؤي ملٍ ؤؤؤؤا ُب‬
‫ؤؤؤؤؤ ي داذؤؤؤؤؤ ِّ‬ ‫صىل ينؤؤؤؤؤاا ا ؤؤؤؤؤ قا‬
‫مل‬
‫سؤؤؤؤي َف ن ؤؤؤؤي و سؤؤؤؤ ي يلخاصؤؤؤؤمي‬
‫يؤؤؤؤؤ ممل و ؤؤؤؤؤؤااو يؤؤؤؤؤ يُ ؤؤؤؤ ؤذ ِّ‬
‫مل‬
‫إلى أن قال يف آخرها‪:‬‬
‫فؤؤدون فؤؤافهب ؤؤا يؤؤ قؤؤد ا ِّ ؤؤ مل ِّ ؤؤ‬
‫ؤؤؤؤؤا صذ نحُؤؤؤؤؤ ي هؤؤؤؤؤب اذؤؤؤؤؤ‬
‫شؤؤؤؤاا صىل صؤؤؤؤ ذدؤؤؤؤ صىل ؤؤؤؤد‬
‫د ؤؤؤؤؤ ؤ ِّ‬ ‫وم ال خلُؤؤؤؤؤؤؤم ةمؤؤؤؤؤ ؤ‬
‫وقد طبعت هذه القصيدة يف المجلد الثامن من مجموع فتاوى شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية ‪.)1(‬‬
‫أيضا يف ترجمة شيخ اإلسالم ‪( :‬العقود الدرية يف مناقب‬
‫وطبعت ً‬
‫أيضا يف غير ذلك(‪.)3‬‬
‫الشيخ ابن تيمية) البن عبد الهادي(‪ ،)2‬وتوجد ً‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪.)245/8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬العقود الدرية (ص‪.)399‬‬
‫(‪ )3‬ذكر بعضها السبكي يف طبقات الشافعية (‪.)354/10‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪202‬‬

‫أيضا على‬
‫ثم إن شيخنا عبد الرحمن بن محمد الدوسري ‪ ‬نظم ً‬
‫نمطها أبيا ًتا أخصر منها متضمنًا لمدلولها(‪.)1‬‬
‫كذلك لشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬رسالة مطبوعة يف المجلد الثامن‬
‫من الفتاوى عنواهنا‪( :‬أقوم ما قيل يف القضاء والقدر والحكمة والتعليل)(‪.)2‬‬
‫والعنوان يظهر أنه ليس من وضع شيخ اإلسالم ‪ ،‬وإنما هو من‬
‫بعض النساخ‪.‬‬
‫أيضا للعالمة ابن القيم ‪ ‬كتاب كبير اسمه‪( :‬شفاء العليل)‬
‫كذلك ً‬
‫يدور حول القضاء والقدر‪ ،‬وضح فيه المسألة وبين كيف يحتج بالقدر؟‬
‫ومتى؟‬
‫وأيضا ذكر شيخ اإلسالم ‪ ‬القضاء والقدر بكالم مختصر يف كتابه‪:‬‬
‫ً‬
‫(العقيدة الواسطية)(‪)3‬؛ حيث ذكر أن اإليمان بالقدر على درجتين‪ ،‬كل درجة‬
‫تتضمن شيئين‪:‬‬
‫فالدرجة األولى‪ :‬اإليمان بأن اهلل تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه‬
‫القديم‪ ،‬الذي هو موصوف به أز ًال وأبدً ا‪ ،‬وعلم جميع أحوالهم من الطاعات‬
‫والمعاصي واألرزاق واآلجال‪ ،‬ثم كتب اهلل يف اللوح المحفوظ مقادير‬
‫الخلق‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫(‪ )1‬وهي مطبوعة عند دار ابن الجوزي بعنوان التائية منظومة يف القدر‪ ،‬اعتنى هبا أحمد بن صالح‬
‫الطويان‪.‬‬
‫(‪ )2‬طبع هبذا العنوان مفر ًدا وهو يف مجموع الفتاوى (‪.)158-81/8‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬العقيدة الواسطية البن تيمية (ص‪.)105‬‬
‫‪203‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وأما الدرجة الثانية‪ :‬فهي مشيئة اهلل النافذة وقدرته الشاملة وهو اإليمان‬
‫بأن ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعة رسله‪ ،‬وهناهم عن معصيته‪ ،‬وهو‬
‫سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وال يحب الكافرين وال يرضى عن القوم الفاسقين‪ ،‬وال يأمر‬
‫بالفحشاء‪ ،‬وال يرضى لعباده الكفر‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ثم قال شيخ اإلسالم ‪ :‬والعباد فاعلون حقيقة‪ ،‬واهلل خالق‬
‫أفعالهم‪ ،‬والعبد هو المؤمن والكافر‪ ،‬والرب والفاجر‪ ،‬والمصلي والصائم‪،‬‬
‫وللعباد قدرة على أعمالهم‪ ،‬ولهم إرادة‪ ،‬واهلل خالقهم وخالق قدرهتم‬
‫وإرادهتم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وهذه الدرجة من القدر يكذب هبا عامة القدرية الذين سماهم‬
‫النبي ‪ ‬مجوس هذه األمة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫أقسام الناس يف القدر‪:‬‬
‫واإليمان بالقدر ينقسم الناس حوله ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬نفوا قدرة اهلل‪:‬‬
‫وهم المعتزلة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن العبد يخلق فعله‪ ،‬وليس هلل قدرة على أفعال‬
‫العباد‪ ،‬بل العبد هو الذي يتحرك بنفسه‪ ،‬وهو الذي يفعل بنفسه‪ ،‬واهلل ال يقدر‬
‫أن يرده‪ ،‬فلو أراد العبد شي ًئا وأراد اهلل ضده‪ ،‬لم يقدر اهلل على أن يرده!‬
‫وهؤالء غلوا يف قدرة العبد‪ ،‬ونفوا قدرة اهلل‪ ،‬وادعوا أن ذلك تنزيه هلل‪،‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪204‬‬

‫عاجزا! وقد تكلم بعض العلماء‬


‫ً‬ ‫وهؤالء يف الحقيقة قد تنقصوا اهلل‪ ،‬وجعلوه‬
‫قصصا وأمث ًاال‪.‬‬
‫ً‬ ‫عليهم يف ذلك‪ ،‬ومنهم صاحب شرح الطحاوية‪ ،‬وأورد لذلك‬
‫القسم الثان‪ :‬غلبوا قدرة اهلل‪:‬‬
‫مجبورا على‬
‫ً‬ ‫وهم الجربية الذين لم يجعلوا للعبد أية قدرة؛ بل جعلوه‬
‫حركاته وعلى أفعاله‪ ،‬وليست له أية أفعال‪ ،‬وال تنسب إليه أية أقوال!‬
‫بل إن حركاته بمنزلة حركة الشجر التي تحركها الرياح‪ ،‬أو حركة‬
‫المرتعش الذي ترتعد يداه‪ ،‬وال يقدر على أن يمسكهما‪ ،‬فجعلوه مجربًا على‬
‫فعله‪ ،‬ولم يجعلوا له أي اختيار يف ذلك‪ ،‬ويقول قائلهم(‪:)1‬‬
‫اك َأ ْن َتب َتـــــ ـ ال بِا ْلمـــــ ـ ِ‬
‫اء‬ ‫اك إِ ايـــــ ـ َ‬ ‫َأ ْل َقـــا ُه ِفـــي ْالـــ َي ِّم َم ْكت ً‬
‫ُوفـــا َو َقـــ َال َلـــ ُه إِ ايـــــ ـ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ويقول آخر(‪:)2‬‬
‫َع َلـــــــــــ ـى ِذ ْر َو َتـــــــــــ ـ ْي َعـــــــــــ ـدَ ْن‬ ‫وضـــــــــــعوا اللحـــــــــــم للبـــــــــــزاة‬
‫َخ َل ُعـــــــــــوا َعـــــــــــن ُْه ُم ا الر َســـــــــــ ْن‬ ‫ُثـــــــــــــ ام ََّل ُمـــــــــــــوا ا ْل ُبـــــــــــــزَا َة إِ ْذ‬
‫ك ا ْل َح َســــــــ ـ ْن‬
‫َســــــــ ـت َُروا َو ْج َهــــــــ ـ َ‬ ‫َلـــــــــــــــــ ـ ْو َأ َرا ُدوا ِصـــــــــــــــــ ـ َيانَتِي‬
‫فكأنهم يقولون‪ :‬إن اهلل هو الذي أوقع العبد يف المعصية‪ ،‬وهو الذي‬
‫ظلما‪ ،‬فليس للعبد أي اختيار!! وال شك‬
‫حرك أفعاله‪ ،‬فإذن تعذيبه له يكون ً‬
‫أهنم مخطئون‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينسب هذا البيت للحالج المتهم بالزندقة‪ ،‬ينظر‪ :‬وفيات األعيان (‪ ،)143/2‬والوايف بالوفيات‬
‫(‪.)46/13‬‬
‫)‪ (2‬نسبت للشبلي كما يف تاريخ بغداد (‪.)95/12‬‬
‫‪205‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وال بأس أن أعلق على أقوالهم وإن كان الكالم يستدعي ً‬


‫طوال‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬إن هؤالء متناقضون‪ ،‬ذلك ألهنم ال يستمرون على فعلهم؛ بل إهنم‬
‫ال يعتمدون عليه يف كل األحوال‪ ،‬وال يحتجون بالقدر يف كل حال من األحوال‪.‬‬
‫ونقول لهؤَّلء‪ :‬إذا كان الحال كذلك فال تطلبوا المعيشة مادام أن اهلل‬
‫قدر لكم رز ًقا‪ ،‬فإنه سيأتيكم به‪ ،‬اجلسوا يف بيوتكم وال تتكسبوا‪ ،‬وال تحرثوا‪،‬‬
‫وال تزرعوا‪ ،‬وال تتاجروا‪ ،‬وال تعلموا‪ ،‬وال تعملوا‪ ،‬أي عمل!‬
‫بل ال تأكلوا‪ ،‬وال تشربوا‪ ،‬وال غير ذلك‪ ،‬فإذا كان اهلل قد قدر لكم ذلك‬
‫فإنه سيأتيكم ويصل إليكم!‬
‫فلو قلنا ذلك لهم لما امتثلوا‪ ،‬فدل ذلك على أهنم متناقضون‪.‬‬
‫فما دام أنك تقدر‪ ،‬وأنك تقلب يف أمور الدنيا‪ ،‬فلماذا ال يكون لك‬
‫القدرة على األعمال الصالحة‪ ،‬مثل العبادات والطاعات والحسنات‬
‫والقربات ونحوها؟!‬
‫أيضا نقول لهم‪ :‬إن هذا كله بقضاء وقدر‪ ،‬ولكن لكم أفعال‬
‫كذلك ً‬
‫تستطيعون هبا أن تنسب إليكم‪.‬‬
‫فقد روي أن عمر ‪ ‬رفع إليه سارق‪ ،‬فلما أراد أن يقطع يده‪ ،‬قال‬
‫السارق‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذا قدر‪ ،‬فاهلل قدر علي هذه السرقة‪.‬‬
‫فقال عمر ‪( :‬أنت سرقت بقدر اهلل‪ ،‬ونحن نقطع يدك بقدر اهلل؛‬
‫أيضا بقدر!)(‪.)1‬‬
‫فإذا كان هذا بقدر فهذا ً‬

‫معزوا لشيء من كتب السنة‪ ،‬وإنما ذكره ابن تيمية يف منهاج السنة (‪ ،)234/3‬قال‪:‬‬
‫ًّ‬ ‫(‪ )1‬هذا األثر لم أجده‬
‫رجال سرق‪ ...‬وذكر القصة)‪.‬‬
‫(ويذكر أن ً‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪206‬‬

‫رجال كان يقود أعمى‪ ،‬فجعل يقوده بعنف‪ ،‬وجعل يمر به‬
‫كذلك ذكر أن ً‬
‫يف الحفر‪ ،‬ويف الحجارة‪ ،‬ونحوها ويقول‪ :‬هذا بقدر! هذا مقدر!‬
‫أيضا بقدر‪ ،‬فإذا كان‬
‫ثم إن الرجل األعمى ضربه بعصاه بقوة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا ً‬
‫تعثرك بي وتعمدك إضراري بقدر‪ ،‬فأنا أضربك بقضاء وقدر!‬
‫أيضا‪ :‬إن العقوبة التي رتبها اهلل تعالى على هذه األفعال‪،‬‬
‫ونقول لهؤَّلء ً‬
‫ال شك أنكم تستحقوهنا؛ ألن اهلل رتب على من فعل كذا عقوبة كذا‪ ،‬فالعقوبة‬
‫على أفعالكم بقضاء وقدر‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬أهل السنة والجماعة‪:‬‬
‫إن عقيدة أهل السنة أن اهلل تعالى أعطى العباد قدرة يزاولون هبا‬
‫اختيارا يفضلون به بعض األعمال على بعض فلذلك‬
‫ً‬ ‫أعمالهم‪ ،‬أو جعل لهم‬
‫تنسب إليهم أعمالهم‪ ،‬وتضاف إليهم أفعالهم‪ ،‬ولو كانت بقضاء اهلل وبقدره‬
‫قسرا‪ ،‬وال يكون يف الوجود إال ما يريد‪،‬‬
‫وبمشيئته‪ ،‬فإنه سبحانه ال يعصى ً‬
‫ولكن له الحجة البالغة‪.‬‬
‫دائما احتجاج المشركين بالقدر‪ ،‬ثم يرد عليهم‪،‬‬
‫واهلل ‪ ‬يذكر ً‬
‫وينكر عليهم‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ :‬ﱣﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗ‬

‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱢ ‪-‬هذا احتجاج من المشركين بعموم مشيئة اهلل– إلى‬


‫قوله تعالى‪ :‬ﱣﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﱢ [األنعام‪.]149-148:‬‬
‫فأخرب بأن له الحجة‪ ،‬ولو شاء لهداهم‪.‬‬
‫ويقول تعالى يف آية أخرى‪ :‬ﱣﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ﱙﱢ [الشعراء‪.]40:‬‬
‫‪207‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫فهو ‪ ‬لو شاء لهداهم‪ ،‬ولكن اقتضت حكمته أن يكون يف هذا‬


‫الخلق سعيد وشقي‪ ،‬وفاجر وتقي‪ ،‬وكافر ومسلم‪ ،‬ومشرك وموحد‪ ،‬وعابد‬
‫وغير عابد‪ ،‬اقتضت ذلك حكمة اهلل ‪ ،‬واقتضى أمره وحكمته أن‬
‫جعل الناس قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬قسم خلقهم للجنة‪ ،‬فبعملها يعملون!‬
‫‪ -2‬وقسم خلقهم للنار‪ ،‬فبعملها يعملون!‬
‫كال منهم‪ ،‬وأعطاهم إرادة‪ ،‬وأعطاهم قدرة يزاولون هبا أعمالهم‪،‬‬
‫ومكن ً‬
‫وتلك القدرة وتلك اإلرادة هي التي يثابون أو يعاقبون عليها!‬
‫ومع ذلك فإهنم كلهم تحت مشيئة اهلل‪ ،‬ولهم مشيئتهم‪ ،‬ولكنها مرتبطة‬
‫بمشيئة اهلل‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪ :‬ﱣﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ‬
‫ﳊ ﳋ ﳌﱢ [التكوير‪ ،]29 ،28:‬يعني‪ :‬أن لكم مشيئة على االستقامة‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإن مشيئتكم مرتبطة بمشيئة اهلل‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱢ [المدثر‪.]56-55:‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱢ‬
‫[اإلنسان‪.]30 ،29:‬‬
‫فاهلل أثبت للعباد مشيئة‪ ،‬ولكنها مغلوبة بمشيئة اهلل ‪ ،‬وله‬
‫الحكمة يف ذلك‪ ،‬وبمشيئة هؤالء العباد الذين مكنهم وأعطاهم إياها‪ ،‬يثابون‬
‫ويعاقبون عليها‪.‬‬
‫فعلى كل حال نقول لهؤَّلء الذين يقولون‪( :‬سبق الكتاب)‪( ،‬وكتب‬
‫الكتاب)!! ونحو ذلك‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪208‬‬

‫نقول لهم‪ :‬قد قال رسول اهلل ‪« :‬ما منكم من أحد إَّل وقد‬
‫كتب مقعده من النار أو من الجنة»‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬أال نتكل؟ قال‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬ثم قرأ‪ :‬ﱣﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫‪َّ« :‬ل‪ ،‬اعملوا فكل ميسر لما خلق له»‬
‫ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱﲲ ﲳ ﲴ ﱁ‬
‫ﱂﱢ [الليل‪.]10-5:‬‬
‫عمال فقال‪ :‬ﱣﲤ ﲥ ﲦ‬
‫فقد أثبت اهلل تعالى يف هذه اآلية أن لإلنسان ً‬
‫صالحا‬
‫ً‬ ‫ﲧﱢ‪ ،‬وهذه كلها أعمال‪ ،‬ثم قال‪ :‬ﱣﲪﲫﱢ‪ ،‬أي‪ :‬إذا عمل‬
‫كالتقوى والصدق ونحوها فإنا سنيسره لليسرى‪.‬‬
‫أيضا أعمال‪ ،‬قال‪ :‬ﱣﱁ‬
‫ثم قال‪ :‬ﱣﲯ ﲰ ﲱ ﲲﱢ‪ ،‬وهذه ً‬
‫ً‬
‫أعماال غير صالحة كالبخل والكذب ونحوها فإنا‬ ‫ﱂﱢ‪ ،‬أي‪ :‬إذا عمل‬
‫سنيسره للعسرى‪.‬‬
‫فاإلنسان إذن له عمل‪ ،‬وعمله هو أنه يؤمر فيأتمر ويمتثل‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫بمشيئة اهلل‪ ،‬فلو شاء اهلل تعالى لم يستطع‪ ،‬ولو شاء اهلل لرده‪ ،‬ولحال بينه وبين‬
‫خيرا‬
‫ذلك‪ ،‬لكنه شاء‪ ،‬وله مشيئته التامة‪ ،‬فحلى بينه وبين هذا االختيار‪ ،‬إن ً‬
‫شرا فشر‪ ،‬وتوعدهم على ذلك‪:‬‬
‫فخير‪ ،‬وإن ً‬
‫قادرا على هدايتهم‪.‬‬
‫فتوعدهم على الشر بأنه يعاقبهم عليه‪ ،‬وإن كان اهلل ً‬
‫قادرا على إضاللهم‪.‬‬
‫ووعدهم على الخير بأنه يثيبهم عليه‪ ،‬وإن كان اهلل ً‬
‫وله الحكمة البالغة بأن‪:‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6605‬ومسلم برقم (‪ )2647‬من حديث علي ‪.‬‬
‫‪209‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫خلق هؤَّلء للجنة وهداهم‪ ،‬وأقبل بقلوهبم‪ ،‬فله المنة عليهم‪ ،‬فال‬
‫ينعمهم إال بفضله‪.‬‬
‫قادرا على أن يهديهم‪.‬‬
‫وخلق هؤَّلء للنار‪ ،‬ويعذبهم بها‪ ،‬وإن كان ً‬
‫ولكنه حال بينهم وبين ذلك‪ ،‬ولم يوفقهم ألسباب الهداية‪ ،‬وجعل لهم‬
‫االختيار يف أن فضلوا الشر على الخير‪ ،‬فإن عملوا بالشر وصاروا من أهله‪،‬‬
‫ظلما‪ :‬ﱣﲇ ﲈ ﲉ ﲊﱢ‬ ‫عاقبهم رهبم‪ ،‬وعقوبتهم تكون ً‬
‫عدال منه وليس ً‬
‫[الكهف‪.]49:‬‬
‫وبالجملة‪ :‬فإن الكالم يف هذا يطول‪ ،‬ومن أراد أن يتوسع يف ذلك‬
‫فليراجع رسالة شيخ اإلسالم ‪ ،‬وغيرها من الرسائل‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا محمدً ا‪ ،‬وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪210‬‬

‫اخلالصة يف مسألة القدر‬

‫وهذه خالصة يف مسألة القدر ذكرها شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪‬‬
‫حينما سئل عن الحديث الذي ورد‪« :‬إِ ان اهللَ َق َب َض َق ْب َض َت ْي ِن َف َق َال‪َ :‬ه ِذ ِه لِ ْل َجنا ِة‬
‫ار َو ََّل ُأ َبالِي»(‪ .)1‬فهل هذا الحديث صحيح؟‪.‬‬ ‫َو ََّل ُأ َبالِي‪َ ،‬و َه ِذ ِه لِل ان ِ‬
‫واهلل قبضها بنفسه أو أمر أحدً ا من المالئكة ِ‬
‫بقبضها؟‬
‫الشم ِ‬
‫ال‪،‬‬ ‫والحديث اآلخر يف‪َ « :‬أ ان اهللَ َل اما َخ َل َق آ َد َم َأ َرا ُه ُذ ِّر اي َت ُه َع ِن ال َي ِم ِ‬
‫ين َو ِّ َ‬
‫الجنا ِة َو ََّل ُأ َبالِي»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ار َو ََّل ُأ َبالي‪َ ،‬و َه ُؤ ََّلء إِ َلى َ‬ ‫ُث ام َق َال‪َ :‬ه ُؤ ََّل ِء إِ َلى النا ِ‬
‫وقد اعتمد ‪ ‬يف هذه الخالصة على األدلة من الكتاب والسنة‪،‬‬
‫ونصر هبا مذهب أهل الحق أهل السنة والجماعة يف مسألة القدر‪ ،‬ور َّد هبا على‬
‫القدرية والجربية الذين ضلوا يف القدر؛ فأجاد وأفاد وبلغ المقصدَ والمراد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وجوه‬ ‫النبي ‪ ‬من‬ ‫(‪)3‬‬
‫فقال ‪( : ‬وهذا المعنى مشهور عن ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد يف المسند برقم (‪ ،)22077‬عن معاذ بن جبل‪َ :‬أ َّن َر ُسو َل اهللِ ‪ ‬تالَ َه ِذ ِه‬
‫اآل َيةَ‪( :‬أصحاب اليمين)‪( ،‬وأصحاب الشمال)؛ َف َقبَ َض بِيَدَ ْي ِه َقبْ َضتَيْ ِن‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ه ِذ ِه فِي ا ْل َجن ِاة َوَّلَ‬
‫اار َوَّلَ ُأبَالِي»‪ .‬وضعفه األرناؤوط يف تحقيق المسند‪ .‬وأخرجه ابن بطة يف اإلبانة‬ ‫ُأبَالِي‪َ ،‬و َه ِذ ِه فِي الن ِ‬
‫الكربى (‪ )316/3‬برقم (‪ ،)1338‬عن ابن عباس ‪ ،‬موقو ًفا عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد يف المسند برقم (‪ ،)17660‬عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي‪ ،‬أنه قال‪َ :‬س ِم ْع ُت‬
‫الجنا ِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‪« :‬إِ ان اهللَ َخ َل َق آ َد َم‪ُ ،‬ث ام َأخَ َذ الْخَ ْل َق م ْن َظ ْهرِه‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬ه ُؤ ََّلء في َ‬ ‫ول اهللِ ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل َف َع َلى َما َذا نَ ْع َم ُل؟ َق َال‪َ « :‬ع َلى‬‫ار َو ََّل ُأبَالِي»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق َال َقائِ ٌل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َو ََّل ُأبَالِي‪َ ،‬و َه ُؤ ََّل ِء فِي النا ِ‬
‫َم َواقِ ِع الْ َقدَ ِر»‪ .‬وأخرجه ابن حبان يف صحيحه برقم (‪ ،)338‬والفريابي يف القدر برقم (‪.)26-25‬‬
‫قال الهيثمي يف مجمع الزوائد (‪( :)186/7‬رواه أحمد ورجاله ثقات)‪ .‬وروي عن أبي سعيد‬
‫الخدري‪ ،‬وابن عمر ‪‬؛ بألفاظ أخرى وطرق متعددة‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)77–65/8‬‬
‫‪211‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫متعددة‪ ،‬مثل ما يف موطأ مالك‪ ،‬وسنن أبي داود والنسائي وغيره‪ ،‬عن مسلم‬
‫بن يسار‪ ،‬ويف لفظ‪ :‬عن نعيم بن ربيعة‪ :‬أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه‬
‫اآلية‪ :‬ﱣﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱢ [األعراف‪ ]172:‬اآلية؛ فقال عمر‪ :‬عن‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬ويف لفظ‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬سئل عنها‪،‬‬
‫فقال رسول اهلل ‪« :‬إِ ان اهللَ َخ َل َق آ َد َم‪ُ ،‬ث ام َم َس َح على َظ ْه َر ُه ِب َي ِمين ِ ِه؛‬
‫ت َه ُؤَّل َِء لِ ْل َجن ِاة‪َ ،‬و ِب َع َم ِل َأ ْه ِل ا ْل َجن ِاة َي ْع َم ُلو َن‪،‬‬ ‫استَخْ َر َج ِمنْ ُه ُذ ِّر اي ًة؛ َف َق َال‪َ :‬خ َل ْق ُ‬‫َف ْ‬
‫اار‪َ ،‬و ِب َع َم ِل َأ ْه ِل‬ ‫ت َه ُؤَّل َِء لِلن ِ‬ ‫استَخْ َر َج ِمنْ ُه ُذ ِّر ايةً‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬خ َل ْق ُ‬
‫ُث ام َم َس َح َظ ْه َر ُه؛ َف ْ‬
‫ون»‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫اار َي ْع َم ُل َ‬
‫ول اهللِ ‪:‬‬ ‫يم ا ْل َع َم ُل؟ َف َق َال َر ُس ُ‬ ‫َف َق َال رج ٌل‪ :‬يا رس َ ِ ِ‬
‫ول اهلل! َفف َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ‬
‫وت َع َلى‬ ‫لجنا ِة ْاس َت ْع َم َل ُه ِب َع َم ِل َأ ْه ِل ا ْل َجن ِاة‪َ ،‬حتاى َي ُم َ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج َل ل َ‬ ‫«إِ ان اهللَ إِ َذا َخ َل َق ا‬
‫الر ُج َل لِلن ِ‬
‫اار ا ْس َت ْع َم َل ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َم ٍل م ْن َأ ْع َمال َأ ْه ِل ا ْل َجناة؛ َف ُيدْ خ ُل ُه ُّب ُه ا ْل َج انةَ‪َ ،‬وإِ َذا َخ َل َق ا‬
‫اار؛‬ ‫ال َأ ْه ِل الن ِ‬ ‫وت َع َلى َعم ٍل ِم ْن َأ ْعم ِ‬ ‫اار‪َ ،‬حتاى َي ُم َ‬ ‫ال َأ ْه ِل الن ِ‬ ‫بِ َعم ِل ِم ْن َأ ْعم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َف ُيدْ ِخ ُل ُه ُّب ُه الناا َر»(‪.)1‬‬
‫ويف حديث الحكم بن سنان‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال‬
‫ِ‬
‫ال‪ :‬إِ َل ا ْْلَنَّة بَِر ْْحَِِت‪َ ،‬وقَبَ َ‬
‫ض‬ ‫ضة؛ فَ َق َ‬
‫ض قَ ْب َ‬ ‫رسول اهلل ‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ قَ بَ َ‬
‫ال‪ :‬إِ َل النَّا ِر َوََل أ ََُبِل»(‪.)2‬‬
‫ضة؛ فَ َق َ‬
‫قَ ْب َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد يف المسند برقم (‪ ،)311‬وأبو داود برقم (‪ ،)4703‬والرتمذي برقم (‪،)3075‬‬
‫والنسائي يف الكربى برقم (‪ ،)11126‬ومالك يف الموطأ برقم (‪ ،)1873‬والحاكم يف المستدرك‬
‫برقم (‪ )74‬وقال‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو يعلى يف مسنده برقم (‪ ،)3453-3422‬وابن أبي عاصم يف السنة برقم (‪ ،)243‬قال‬
‫األلباين‪ :‬حديث صحيح‪ ،‬وإسناده ثقات غير الحكم بن سنان فهو ضعيف‪ ،‬لكن الحديث صحيح؛‬
‫ألن له شواهد كثيرة ساق المصنف الكثير الطيب منها فيما تقدم‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪212‬‬

‫وهذا الحديث ونحوه فيه فصالن‪:‬‬


‫أحدهما‪ :‬القدر السابق‪ :‬وهو أن اهلل سبحانه علِم أهل الجنة من أهل النار‬
‫نص األئمة‪:‬‬
‫من قبل أن يعملوا األعمال‪ ،‬وهذا حق يجب اإليمان به؛ بل قد َّ‬
‫كمالك والشافعي وأحمد أن من جحد هذا فقد كفر؛ بل يجب اإليمان أن اهلل‬
‫علم ما سيكون كله قبل أن يكون(‪.)1‬‬
‫ويجب اإليمان بما أخرب به من أنه كتب ذلك وأخرب به قبل أن يكون‪،‬‬
‫كما يف صحيح مسلم‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬عن النبي ‪ ،‬أنه قال‪:‬‬
‫ين َأ ْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ادير ا ْلخَ َالئِق َقب َل َأ ْن يخْ ُل َق السماو ِ‬
‫ِ‬
‫ف‬ ‫ض بِخَ ْمس َ‬
‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫ا َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫«إِ ان اهلل َقدا َر َم َق َ‬
‫َان َع ْر ُش ُه َع َلى ا ْل َماء»(‪.)2‬‬
‫َسنَة‪َ ،‬وك َ‬
‫ويف صحيح البخاري وغيره‪ ،‬عن عمران بن حصين‪ ،‬عن النبي‬
‫َان عر ُشه ع َلى الم ِ‬
‫اء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪ ،‬أنه قال‪« :‬كَا َن اهللُ َو ََّل َشي َء َغ ْي ُر ُه‪َ ،‬وك َ َ ْ ُ َ‬
‫ات َواألَ ْر َض»(‪- ،)3‬ويف لفظ–‪ُ « :‬ث ام‬ ‫الذ ْكرِ ك اُل َشي ٍء‪ ،‬و َخ َل َق السمو ِ‬
‫ب فِي ِّ‬
‫ا ََ‬ ‫َ‬ ‫َو َك َت َ‬
‫َخ َل َق السمو ِ‬
‫ات َو ْاألَ ْر َض»(‪.)4‬‬ ‫ا ََ‬
‫ويف المسند عن العرباض بن سارية‪ ،‬عن النبي ‪ ،‬قال‪« :‬إِنِّي‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع العلوم والحكم البن رجب (‪ ،)103/1‬وتوضيح المقاصد‪ ،‬أحمد بن عيسى‬
‫(‪ ،)408/2‬وغاية األماين لأللوسي (‪.)53/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم برقم (‪ ،)2653‬عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل‬
‫‪ ،‬يقول‪« :‬كتب اهلل مقادير الخالئق قبل أن يخلق السماوات واألرض بخمسين ألف‬
‫سنة‪ ،‬قال‪ :‬وعرشه على الماء»‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري برقم (‪.)3191‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري برقم (‪.)7418‬‬
‫‪213‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ين‪َ ،‬وإِ ان آ َد َم َل ُمن َْج ِد ٌل فِي طِينَتِ ِه‪َ ،‬و َس ُأ َن ِّب ُئك ُْم بِ َأ او ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب بِخَ ا َت ِم النابِ ِّي َ‬
‫عنْدَ اهلل َم ْك ُت ٌ‬
‫ين َو َلدَ تْنِي‪َ :‬أ ان ُه‬ ‫ِ‬
‫يسى‪َ ،‬و ُرؤْ َيا ُأ ِّمي؛ َر َأ ْت ح َ‬
‫ِ‬
‫يم‪َ ،‬وبِ َش َار ُة ع َ‬
‫ِ‬ ‫َذلِ َ‬
‫ك‪َ :‬د ْع َو ُة َأبِي إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬
‫الشا ِم»(‪.)1‬‬ ‫ُور َأ َضا َء ْت َل ُه ُق ُص ُ‬
‫ور ا‬ ‫َخ َر َج من َْها ن ٌ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬متَى ُكتِ ْب َت َنبِ ًّيا؟ ‪-‬ويف‬ ‫ويف حديث ميسرة الفجر‪ ،‬قلت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫الروحِ َوا ْل َج َس ِد»(‪.)2‬‬
‫لفظ‪َ :-‬م َتى ُكنْ َت َنبِ ًّيا؟ قال‪َ « :‬وآ َد ُم َب ْي َن ُّ‬
‫ويف الصحيحين‪ ،‬عن عبد اهلل بن مسعود ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا رسول اهلل‬
‫‪- ‬وهو الصادق المصدوق‪« :-‬إِ ان َخ ْل َق َأ َحدَ ك ُْم ُي ْج َم ُع فِي َب ْط ِن‬
‫ك‪ُ ،‬ث ام‬ ‫ُون ُم ْض َغ ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬ ‫ك‪ُ ،‬ث ام َيك ُ‬ ‫ُون َع َل َق ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬
‫ين َي ْو ًما‪ُ ،‬ث ام َيك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأ ِّمه َأ ْر َبع َ‬
‫ٍ‬ ‫ث إِ َل ْي ِه ا ْل َم َل َ‬
‫ك؛ َف ُي ْؤ َم ُر بِ َأ ْر َب ِع ك َِل َمات‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪ :‬ا ْكت ْ‬
‫ُب‪ِ :‬ر ْز َق ُه‪َ ،‬و َع َم َل ُه‪َ ،‬و َأ َج َل ُه‪،‬‬ ‫ُي ْب َع ُ‬
‫وح؛ َق َال‪َ :‬ف َوا ال ِذي ََّل إِ َل َه َغ ْي ُر ُه‪ ،‬إِ ان َأ َحدَ ك ُْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َشقي َأ ْو َسعيدٌ ‪ُ ،‬ث ام ُينْ َف ُخ فيه ال ُّر َ‬
‫ِ‬

‫اع؛ َف َي ْسبِ ُق َع َل ْي ِه‬ ‫َل َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َأ ْه ِل ا ْل َجن ِاة‪َ ،‬حتاى َما َيك َ‬


‫ُون َب ْينَ ُه َو َب ْينَ َها إِ اَّل ِذ َر ٌ‬
‫اار؛ َف َيدْ ُخ ُل الن َاار»(‪.)3‬‬ ‫ا ْلكِتَا ُب؛ َف َي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َأ ْه ِل الن ِ‬

‫ويف الصحيحين‪ ،‬عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬قال‪ :‬كنا مع رسول اهلل‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫‪ ،‬ببقيع الغرقد يف جنازة‪ ،‬فقال‪َ « :‬ما منْك ُْم م ْن َأ َحد إِ اَّل َقدْ كُت َ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬أ َف َال َنتَّكِ ُل َع َلى‬ ‫الجن ِاة»‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْق َعدُ ُه م َن الناار‪َ ،‬و َم ْق َعدُ ُه م َن َ‬
‫َان ِم ْن‬
‫َاب َونَدَ ِع ا ْل َع َم َل؟‪َ ،‬ق َال‪« :‬ا ْع َم ُلوا‪َ ،‬فكُل ُم َي اس ٌر لِ َما ُخ ِل َق َل ُه‪َ ،‬أ اما َم ْن ك َ‬‫الكِت ِ‬
‫الش َقا َو ِة؛‬
‫الس َعا َد ِة‪َ ،‬و َأ اما َم ْن كَا َن ِم ْن َأ ْه ُل ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َعا َدة؛ َف َس ُي َي اس ُر ل َع َم ِل َأ ْه ِل ا‬
‫َأ ْه ُل ا‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد يف المسند برقم (‪.)17163‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أحمد يف المسند برقم (‪.)20596‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)3208‬ومسلم برقم (‪.)2643‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪214‬‬

‫او ِة»‪ُ ،‬ث َّم َق َرأ َقو َل ُه َت َعالى‪ :‬ﱣﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬ ‫َف َس ُي َي اس ُر لِ َع َم ِل َأ ْه ِل ا‬


‫الش َق َ‬
‫ﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﱢ [الليل‪.)1(]9 – 5:‬‬
‫الجنَّ ِة مِ ْن ّأ ْه ِل‬ ‫أيضا‪ ،‬أنه قيل له‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل! أ ُعلِ َم َأ ْه ُل َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ويف الصحيح ً‬
‫يم ال َع َمل؟‪َ ،‬ق َال‪« :‬ا ْع َم ُلوا‪َ ،‬فكُل ُم َي اس ٌر لِ َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النَّ ِ‬
‫ار؟ َف َق َال‪َ « :‬ن َع ْم»؛ َفقي َل َل ُه‪َ :‬فف َ‬
‫ُخ ِل َق َل ُه»(‪.)2‬‬
‫فبين النبي ‪ ‬أن اهلل علم أهل الجنة من أهل النار‪ ،‬وأنه كتب‬
‫ذلك‪ ،‬وهناهم أن يتكلوا على هذا الكتاب ويدَ عوا العمل‪ ،‬كما يفعله‬
‫الملحدون‪ ،‬وقال‪« :‬كُل ُم َي اس ٌر لِ َما ُخ ِل َق َل ُه»‪.‬‬
‫وإن أهل السعادة ميسرون لعمل أهل السعادة‪ ،‬وأهل الشقاوة ميسرون‬
‫لعمل أهل الشقاوة‪ ،‬وهذا من أحسن ما يكون من البيان‪ ،‬وذلك أن اهلل‬
‫‪ ‬يعلم األمور على ما هي عليه‪ ،‬وهو قد جعل لألشياء أسبا ًبا تكون‬
‫هبا؛ فيعلم أهنا تكون بتلك األسباب‪ ،‬كما يعلم أن هذا يولد له‪ ،‬بأن يطأ امرأة‬
‫ف ُيحبلها؛ فلو قال هذا‪ :‬إذا علم اهلل أنه يولد لي فال حاجة إلى الوطء كان‬
‫أحمق؛ ألن اهلل علم أن سيكون بما يقدره من الوطء‪.‬‬
‫وكذلك إذا علم أن هذا ينبت له الزرع بما يسقيه من الماء‪ ،‬ويبذره من‬
‫جاهال ضا ًّال؛‬
‫ً‬ ‫الحب؛ فلو قال‪ :‬إذا علم أن سيكون فال حاجة إلى البذر كان‬
‫ألن اهلل علم أن سيكون بذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)45‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6596‬ومسلم برقم (‪ ،)2649‬واللفظ له‪.‬‬
‫‪215‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وكذلك إذا علم اهلل أن هذا يشبع باألكل‪ ،‬وهذا يروى بالشرب‪ ،‬وهذا‬
‫يموت بالقتل؛ فال بد من األسباب التي علم اهلل أن هذه األمور تكون هبا‪.‬‬
‫وكذلك إذا علم أن هذا يكون سعيدً ا يف اآلخرة‪ ،‬وهذا شق ًّيا يف اآلخرة‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬ذلك ألنه يعمل بعمل األشقياء‪ ،‬فاهلل علم أنه يشقى هبذا العمل‪.‬‬
‫باطال؛ ألن اهلل ال يدخل النار أحدً ا‬
‫فلو قيل‪ :‬هو شقي وإن لم يعمل كان ً‬
‫إال بذنبه‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱢ [ص‪]85:‬؛‬
‫فأقسم أنه يملؤها من إبليس وأتباعه‪ ،‬ومن اتبع إبليس فقد عصى اهلل تعالى‪،‬‬
‫وَّل يعاقب اهلل العبد على ما علم أنه يعمله حتى يعم َله‪.‬‬
‫ولهذا لما سئل النبي ‪ ‬عن أطفال المشركين‪ ،‬قال‪« :‬هللاُ أَ ْعلَ ُم‬
‫ِِبَا َكانُوا َع ِاملِي»(‪ ،)1‬يعني‪ :‬أن اهلل يعلم ما يعملون لو بلغوا(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم برقم (‪.)2659‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫(‪ )2‬قال النووي يف شرح مسلم (‪( :)208/16‬والجواب عن حديث‪« :‬اهللُ أ ْع َل ُم بِ َما كَا ُنوا َعاملين»‪ :‬أنه‬
‫ِ‬
‫ين لَ ْو بَ َلغُوا»‪ ،‬ولم يبلغوا؛ إذ‬ ‫ليس فيه تصريح بأهنم يف النار‪ ،‬وحقيقة لفظه‪« :‬اهللُ َأ ْع َل ُم بِ َما كَانُوا َعام ِل َ‬
‫التكليف ال يكون إال بالبلوغ‪ ،‬وأما غالم الخضر فيجب تأويله قط ًعا؛ ألن أبويه كانا مؤمنين؛‬
‫كافرا‪ ،‬ال أنه كافر يف الحال‪،‬‬
‫مسلما؛ فيتأول على أن معناه‪ :‬أن اهلل أعلم أنه لو بلغ لكان ً‬
‫ً‬ ‫فيكون هو‬
‫وال يجري عليه يف الحال أحكام الكفار‪ ،‬واهلل أعلم)‪.‬‬
‫وذكر ابن الجوزي يف كشف المشكل (‪( :)366/2‬أن العلماء يف أوالد المشركين على خمسة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬الوقف فيهم؛ ألن طريق إثبات ذلك النص‪ ،‬وال نص‪ ،‬وهذا اختيار أبي بكر األثرم؛ فإنه‬
‫نارا‪ ،‬ويقال فيهم كما قال رسول اهلل ‪« :‬اهللُ َأ ْع َل ُم ِب َما كَانُوا‬ ‫قال‪ :‬ال ينزلون جنة وال ً‬
‫ام ِلين»‪.‬‬‫ع ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والقول الثان‪ :‬أهنم يف النار؛ روى عبد اهلل بن الحارث‪ ،‬عن خديجة‪َ :‬أ َّن َها َس َأ َلت النَّبِي ‪‬‬
‫َّ‬
‫اهلِيَّ ِة َف َقا َل‪« :‬فِي الن ِ‬
‫اار»‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪ :‬بِ َغيْ ِر ع ََملٍ؟ َف َق َال‪« :‬اهللُ َأ ْع َل ُم بِ َما‬ ‫َعن َأو َال ِد َها مِن َأزواجها فِي ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ْ ْ‬
‫=‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪216‬‬

‫=‬
‫الجن ِاة»؛ َف َقا َل ْت‪ :‬بِ َغ ْي ِر ع ََملِ؟؛ فقال‪« :‬اهللُ َأ ْع َل ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وس َأ َل ْت ُه َع ْن َأ ْو َالد َها منْ ُه؛ َف َق َال‪« :‬في َ‬ ‫ِِ‬
‫كَانُوا َعاملين»‪َ ،‬‬
‫ام ِلين»‪ .‬أخرجه الطرباين يف الكبير برقم (‪ ،)27‬وأبو يعلى يف المسند برقم (‪،)7077‬‬ ‫بِما كَا ُنوا ع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وضعفه األلباين يف السلسلة الضعيفة برقم (‪.)5791‬‬
‫ت َألَسمعتُكِ‬
‫وروى يحيى بن المتوكل‪ ،‬عن هبية‪ ،‬عن عائشة أن النبي ‪ ،‬قال‪« :‬لَو ِشئْ ِ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫اغيَ ُه ْم فِي الن ِ‬
‫اار»‪ .‬قال األثرم‪( :‬وحديث خديجة ليس بالقوي؛ ألنه مرسل‪ ،‬ألن خديجة توفيت‬ ‫ت ََض ِ‬
‫يف عهد رسول اهلل ‪ ،‬ولم يلقها أحدٌ من التابعين‪ ،‬وحديث هبية إسناده واه)‪.‬‬
‫وقد أخرجه أحمد يف المسند برقم (‪ ،)25743‬قال األلباين يف السلسلة الضعيفة برقم (‪:)3898‬‬
‫موضوع‪ ،‬وضعفه األرناؤوط يف تحقيق المسند‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أهنم يمتحنون يف القيامة بنار تأجج لهم‪ ،‬روى علي بن زيد‪ ،‬عن أبي رافع‪ ،‬عن أبي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُوه و َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْولُود‪َ ،‬فت َُؤ اج َج َل ُهم ن ٌ‬
‫َار‪،‬‬ ‫الهالك في ال َفتْ َرة َو َ‬ ‫الم ْعت َ‬ ‫هريرة‪ ،‬عن النبي ‪َ « :‬أنه ُي ْؤتَى بِ َ‬
‫وها؛ َفيَ ُر اد َها؛ َم ْن َكا َن فِي ِع ْل ِم اهلل ِ َس ِعيدً ا؛ َفتَ ُكونَ َع َليْ ِه بَ ْر ًدا َو َس َال ًما‪،‬‬
‫ول‪ُ :‬ر ُّد َ‬ ‫ث إِلَيْ ِهم َر ُس ٌ‬
‫ول؛ َفيَ ُق ُ‬ ‫َويبْ َع َ‬
‫ِ‬
‫َوت َْحبِ ُس َعن َْها َم ْن كَانَ في ع ْل ِم اهلل َشق ًّيا»‪ ،‬وهذا الحديث ليس بشيء؛ فإن علي بن زيد ال يحتج به‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال أحمد ويحيى‪ :‬ليس بشيء‪ .‬وقد أورده ابن الجعد يف مسنده برقم (‪.)2038‬‬
‫والقول الرابع‪ :‬أهنم خدم أهل الجنة؛ لحديث نقل وال يثبت‪ .‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫ين ُه ْم خَ دَ ُم َأ ْه ِل ا ْل َجن ِاة»‪ ،‬أخرجه أبو يعلى يف مسنده برقم‬‫ِ‬
‫رسول اهلل ‪َ « :‬أ ْط َف ُال ا ْل ُم ْش ِرك َ‬
‫(‪.)4090‬‬
‫وأخرجه الطرباين برقم (‪ ،)2225‬عن سمرة بن جندب ‪ .‬وصححه األلباين يف صحيح‬
‫الجامع برقم (‪ ،)5355‬ويف السلسلة الصحيحة برقم (‪ .)1468‬وللشيخ األلباين تعليق نافع على‬
‫هذا الحديث‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬أهنم بين الجنة والنار‪ ،‬إذ ال طاعة لهم وال معصية‪ .‬وكان ابن عقيل ينصر أهنم ال‬
‫ﱣﱈ ﱉ ﱊﱢ‬ ‫يعذبون‪ ،‬ويحتج بقوله‪ :‬ﱣﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﱢ [األنعام‪ ،]164:‬وقوله‪:‬‬
‫[غافر‪ .]17:‬قال‪ :‬وهذا يعطي أن الظلم المؤاخذة بغير كسب‪ ،‬وال صنع للطفل وال كسب‪ ،‬وبقوله‬
‫ﱣﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﱢ‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫[طه‪ ،]134:‬وبقوله‪ :‬ﱣﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬
‫ﱣﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬ ‫ﲂﱢ [األعراف‪ ،]173:‬وبقوله‪:‬‬
‫وطفال لم‬
‫ً‬ ‫ﱽﱢ [النساء‪ ،]165:‬قال‪ :‬فكما أنه ال يعذب بال ًغا لم تأته الرسالة‪ ،‬ال يعذب مجنو ًنا‬
‫تأته الرسالة‪ ،‬وهذا يخرب أنه ال يعذب إال بعد اإلرسال‪ ،‬فلألطفال أن يحتجوا ويقولوا‪ :‬ما جاءنا من‬
‫=‬
‫‪217‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وقد روي أهنم يف القيامة يبعث إليهم رسول؛ فمن أطاعه دخل الجنة‪،‬‬
‫ومن عصاه دخل النار؛ فيظهر ما علمه فيهم من الطاعة والمعصية‪.‬‬
‫وكذلك الجنة خلقها اهلل ألهل اإليمان به وطاعته؛ فمن ُقدِّ ر أن يكون‬
‫يسره لإليمان والطاعة‪.‬‬
‫منهم َّ‬
‫كافرا إذا علم أين من‬
‫فمن قال‪ :‬أنا أدخل الجنة سوا ًء كنت مؤمنًا أو ً‬
‫أهلها‪ ،‬كان مفرت ًيا على اهلل يف ذلك؛ فإن اهلل إنما علم أنه يدخلها باإليمان؛ فإذا‬
‫لم يكن معه إيمان‪ ،‬لم يكن هذا هو الذي علم اهلل أنه يدخل الجنة؛ بل من لم‬
‫كافرا؛ فإن اهلل يعلم أنه من أهل النار ال من أهل الجنة؛ ولهذا‬
‫يكن مؤمنًا بل ً‬
‫أمر الناس بالدعاء واالستعانة باهلل‪ ،‬وغير ذلك من األسباب‪.‬‬
‫أيضا؛ ألن‬ ‫ً‬
‫اتكاال على القدر كان مخط ًئا ً‬ ‫ومن قال‪ :‬أنا ال أدعو وال أسأل‬
‫اهلل جعل الدعاء والسؤال من األسباب التي ينال هبا مغفرته ورحمته وهداه‬
‫خيرا يناله بالدعاء‪ ،‬لم يحصل بدون الدعاء‪،‬‬
‫ونصره ورزقه‪ ،‬وإذا قدر للعبد ً‬
‫وما قدره اهلل وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم؛ فإنما قدره اهلل بأسباب‬
‫يسوق المقادير إلى المواقيت؛ فليس يف الدنيا واآلخرة شيء إال بسبب‪ ،‬واهلل‬
‫خالق األسباب والمسببات‪.‬‬
‫ولهذا قال بعضهم‪ :‬االلتفات إلى األسباب شرك يف التوحيد‪ ،‬ومحو‬

‫=‬
‫رسول‪ ،‬فإن قال قائل‪ :‬أنا أعذبكم بمطلق المشيئة‪ ،‬أفضى إلى أن يكون االعتالل بالرسل ليس‬
‫باعتالل وال احتجاج‪ ،‬ألنه قد أبطله بتعذيب من لم يرسل إليه‪ ،‬وال فعل ما يستحق به الجزاء‪ ،‬ومن‬
‫يقيم الحجة للعدل بتلك اإلقامة ال يعود بتعذيب بغير حجة‪ ،‬وحوشي من االختالف يف أقواله‪،‬‬
‫والتحريف يف أفعاله)‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪218‬‬

‫نقص يف العقل‪ ،‬واإلعراض عن األسباب بالكلية‬


‫األسباب أن تكون أسبا ًبا ٌ‬
‫قدح يف الشرع‪ ،‬ومجرد األسباب ال يوجب حصول المسبب؛ فإن المطر إذا‬
‫ٌ‬
‫نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كاف ًيا يف حصول النبات؛ بل ال بد من ريح ُمربية‬
‫بإذن اهلل‪ ،‬وال بد من صرف االنتفاء عنه؛ فال بد من تمام الشروط وزوال‬
‫الموانع‪ ،‬وكل ذلك بقضاء اهلل وقدره‪.‬‬
‫وكذلك الولد ال يولد بمجرد إنزال الماء يف الفرج؛ بل كم من أنزل ولم‬
‫يولد له؛ بل ال بد من أن اهلل شاء خلقه‪ ،‬فتحبل المرأة و ُتربيه يف الرحم‪ ،‬وسائر‬
‫ما يتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع‪.‬‬
‫وكذلك أمر اآلخرة ليس بمجرد العمل ينال اإلنسان السعادة؛ بل هي‬
‫سبب‪ ،‬ولهذا قال النبي ‪« :‬إِ ان ُه َل ْن َيدْ ُخ َل َأ َحدُ ك ُُم ا ْل َج ان َة ِب َع َم ِل ِه‪َ ،‬قا ُلوا‪:‬‬
‫اهلل ِب َر ْح َم ٍة ِم ْن ُه َو َف ْض ٍل»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َّل َأ ْن َي َتغ اَمدَ ن َي ُ‬ ‫ول اهللِ؟‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َ‬
‫َّل َأنَا‪ ،‬إِ ا‬ ‫َّل َأن َ‬
‫ْت َيا َر ُس َ‬ ‫َو َ‬
‫وقد قال‪ :‬ﱣﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﱢ [النحل‪]32:‬؛ فهذه باء السبب‪،‬‬
‫أي‪ :‬بسبب أعمالكم‪ ،‬والذي نفاه النبي ‪ ‬باء المقابلة‪ ،‬كما يقال‪:‬‬
‫اشرتيت هذا هبذا‪ ،‬أي‪ :‬ليس العمل ِع ً‬
‫وضا وثمنًا كاف ًيا يف دخول الجنة؛ بل ال‬
‫بد من عفو اهلل وفضله ورحمته؛ فبعفوه يمحو السيئات‪ ،‬وبرحمته يأيت‬
‫بالخيرات‪ ،‬وبفضله يضاعف الربكات‪.‬‬
‫ويف هذا الموضع ضل طائفتان من الناس‪:‬‬
‫فريق آمنوا بالقدر‪ ،‬وظنُّوا أن ذلك كاف يف حصول المقصود؛ فأعرضوا‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)5673‬ومسلم رقم (‪ ،)2816‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪219‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫عن األسباب الشرعية واألعمال الصالحة‪ ،‬وهؤالء يؤول هبم األمر إلى أن‬
‫يكفروا بكتب اهلل ورسله ودينه‪.‬‬
‫وفريق أخذوا يطلبون الجزاء من اهلل‪ ،‬كما يطلبه األجير من المستأجر‪ ،‬متكلين‬
‫حولهم وقوهتم وعملهم‪ ،‬وكما يطلبه المماليك‪ ،‬وهؤالء جهال ضالل؛ فإن‬
‫على ْ‬
‫اهلل لم يأمر العباد بما أمرهم به حاج ًة إليه‪ ،‬وال هناهم عما هناهم عنه ً‬
‫بخال به‪ ،‬ولكن‬
‫صالحهم‪ ،‬وهناهم عما فيه فسا ُدهم‪ ،‬وهو سبحانه كما قال‪َ « :‬يا‬ ‫ُ‬ ‫أمرهم بما فيه‬
‫وني‪ ،‬و َلن َتب ُلغُوا َن ْف ِعي َف َت ْن َفع ِ‬
‫وني»(‪.)1‬‬ ‫ادي! ِإناكُم َلن َتب ُلغُوا َضري َفت َُضر ِ‬
‫ِعب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫الملك إذا أمر مملوكيه بأمر أمرهم لحاجته إليهم‪ ،‬وهم فعلوه بقوهتم‬ ‫ف ِ‬

‫التي لم يخلقها لهم؛ فيطالبون بجزاء ذلك‪ ،‬واهلل تعالى غني عن العالمين؛ فإن‬
‫أحسنوا أحسنوا ألنفسهم‪ ،‬وإن أساءوا فلها‪ ،‬لهم ما كسبوا‪ ،‬وعليهم ما اكتسبوا‪:‬‬
‫ﳣﳥﳦﳧﳨﱢ [فصلت‪.]46:‬‬ ‫ﳤ‬ ‫ﳟﳡﳢ‬ ‫ﳠ‬ ‫ﱣﳜﳝﳞ‬

‫ت‬ ‫ادي! إِنِّي َح ار ْم ُ‬‫ويف الحديث الصحيح‪ ،‬عن اهلل تعالى‪ ،‬أنه قال‪« :‬يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬
‫ادي! إِ انك ُْم‬ ‫ال ُّظ ْلم ع َلى َن ْف ِسي‪ ،‬وجع ْل ُته بي َنكُم محرما؛ َفالَ َت َظا َلموا‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ َْ ْ ُ َ ا ً‬ ‫َ َ‬
‫اس َتغ ِْف ُرونِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوب َجمي ًعا‪َ ،‬و ََّل َأ َبالي؛ َف ْ‬ ‫الذن َ‬ ‫ار‪َ ،‬و َأ َنا َأغ ِْف ُر ُّ‬ ‫تُخْ طِئ َ‬
‫ُون بِال ال ْي ِل َوالن َاه ِ‬
‫است َْهدُ ونِي َأ ْه ِدك ُْم‪َ ،‬يا‬ ‫ِ ِ‬
‫َأغْف ْر َلك ُْم‪َ ،‬يا ع َبادي! ُك ُّلك ُْم َضال إَِّلا َم ْن َهدَ ْي ُت ُه؛ َف ْ‬
‫ِ‬

‫ادي! إِ انك ُْم‬ ‫ادي! ُك ُّل ُكم جائِع إَِّلا من َأ ْطعم ُته؛ َفاس َت ْط ِعمونِي ُأ ْط ِعمكُم‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫ِعب ِ‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َْ ُ ْ‬ ‫ْ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ادي! َل ْو َأ ان‬ ‫َلن َتب ُلغُوا َضري َفت َُضرونِي‪ ،‬و َلن َتب ُلغُوا َن ْف ِعي َف َتنْ َفعونِي‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ ْ‬
‫ب َر ُج ٍل ِمنْك ُْم‪َ ،‬ما زَا َد‬ ‫آخ َرك ُْم‪َ ،‬وإِن َْسك ُْم َو ِجناك ُْم‪ ،‬كَانُوا َع َلى َأ ْت َقى َق ْل ِ‬ ‫َأو َلكُم و ِ‬
‫ا ْ َ‬

‫(‪ )1‬سيأيت بتمامه قريبًا‪.‬‬


‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪220‬‬

‫ادي! َل ْو َأ ان َأ او َلك ُْم َوآ ِخ َرك ُْم‪َ ،‬وإِن َْسك ُْم َو ِجناك ُْم‪،‬‬ ‫ك فِي م ْلكِي َشيئًا‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َذلِ َ‬
‫ك ِمن م ْلكِي َشيئًا‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫كَانُوا َع َلى َأ ْف َجرِ َق ْل ِ‬
‫ادي! َل ْو‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ب َر ُج ٍل منكم‪َ ،‬ما َن َق َص َذل َ ْ ُ‬
‫اح ٍد َف َس َأ ُلونِي؛‬ ‫يد و ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫اجت ََم ُعوا في َصع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ان َأ او َلك ُْم َوآخ َرك ُْم‪َ ،‬وإِن َْسك ُْم َو ِجناك ُْم‪ْ ،‬‬
‫ك فِي ُم ْلكِي َش ْيئًا‪ ،‬إَِّلا ك ََما َينْ ُق ُص‬ ‫ان َم ْس َأ َل َت ُه‪َ ،‬ما َن َق َص َذلِ َ‬‫ت ُك ال إِن َْس ٍ‬ ‫َف َأ ْع َط ْي ُ‬
‫ادي! إِن َاما ِه َي َأ ْع َما ُلك ُْم‬ ‫احدَ ةً‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬
‫المخْ ي ُط َغمس ًة و ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫يه ِ‬ ‫البحر َأ ْن يغْمس فِ ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫اها؛ َف َم ْن َو َجدَ َخ ْي ًرا؛ َف ْل َي ْح َم ِد اهللَ‪َ ،‬و َم ْن َو َجدَ َغ ْي َر‬
‫ُأ ْحص َيها َلك ُْم‪ُ ،‬ث ام ُأ َو ِّفيك ُْم إِ اي َ‬
‫ِ‬

‫وم ان إَِّلا َن ْف َس ُه»(‪.)1‬‬ ‫ك؛ َفالَ َي ُل َ‬ ‫َذلِ َ‬


‫ً‬
‫رسوال يبين‬ ‫وهو سبحانه مع غناه عن العالمين خلقهم‪ ،‬وأرسل إليهم‬
‫لهم ما يسعدهم وما يشقيهم‪ ،‬ثم إنه هدى عباده المؤمنين لما اختلفوا فيه من‬
‫ِ‬
‫بفضله‪ ،‬وإرسا ُله‬ ‫الحق بإذنه؛ فم َّن عليهم باإليمان والعمل الصالح؛ َف َخ ْل ُقه‬
‫الرسول بفضله‪ ،‬وهدايته لهم بفضله‪ ،‬وجميع ما ينالون به الخيرات من قواهم‬
‫وغير قواهم هي بفضله‪.‬‬
‫فكذلك الثواب والجزاء هو بفضله‪ ،‬وإن كان أوجب ذلك على نفسه‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬ووعد بذلك‪ ،‬كما قال‪ :‬ﱣﱛ ﱜ ﱝ‬ ‫كما حرم على نفسه الظلم‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم برقم (‪ ،)2577‬عن أبي ذر ‪.‬‬


‫(‪ )2‬قال ابن رجب يف جامع العلوم والحكم (‪( :)35/2‬والظلم‪ :‬أن يعاقب بذنوب غيره‪ ،‬ومثل هذا‬
‫فضال منه وجو ًدا وكر ًما‬
‫كثير يف القرآن‪ ،‬وهو مما يدل على أن اهلل قادر على الظلم‪ ،‬ولكن ال يفعله ً‬
‫وإحسانًا إلى عباده‪ ،‬وقد فسر كثير من العلماء الظلم بأنه‪ :‬وضع األشياء يف غير موضعها‪ ،‬وأما من‬
‫فسره بالتصرف يف ملك الغير بغير إذنه ‪-‬وقد نقل نحوه عن إياس بن معاوية وغيره‪ -‬فإهنم‬
‫يقولون‪ :‬إن الظلم مستحيل عليه‪ ،‬وغيره متصور يف حقه؛ ألن كل ما يفعله فهو تصرف يف ملكه‪،‬‬
‫وبنحو ذلك أجاب أبو األسود الدؤلي لعمران بن حصين حين سأله عن القدر)‪.‬‬
‫‪221‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫ﱞ ﱟﱢ [األنعام‪ ،]54:‬وقال تعالى‪ :‬ﱣﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﱢ‬


‫[الروم‪]47:‬؛ فهو واقع ال محالة‪ ،‬واجب بحكم إيجابه ووعده؛ ألن الخلق ال‬
‫يوجبون على اهلل شي ًئا‪ ،‬أو يحرمون عليه شي ًئا؛ بل هم أعجز من ذلك‪ ،‬وأقل‬
‫من ذلك‪ ،‬وكل نعمة منه فضل‪ ،‬وكل نقمة منه عدل‪ ،‬كما يف الحديث المتقدم‪:‬‬
‫اها؛ َف َم ْن َو َجدَ َخ ْي ًرا؛ َف ْل َي ْح َم ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«إِن َاما ه َي َأ ْع َما ُلك ُْم ُأ ْحص َيها َلك ُْم‪ُ ،‬ث ام ُأ َو ِّفيك ُْم إِ اي َ‬
‫وم ان إَِّلا َن ْف َس ُه»‪.‬‬
‫ك؛ َفالَ َي ُل َ‬ ‫اهللَ‪َ ،‬و َم ْن َو َجدَ َغ ْي َر َذلِ َ‬
‫ْت َر ِّبي‪ََّ ،‬ل‬ ‫ول ال َعبدُ ‪ :‬ال ال ُه ام َأن َ‬ ‫أن َي ُق َ‬ ‫ار ْ‬ ‫اَّلستِ ْغ َف ِ‬
‫ويف الحديث الصحيح‪« :‬سيدَ ِ‬

‫ت‪َ ،‬أ ُعو ُذ ِب َك‬ ‫ْت‪َ ،‬خ َل ْقتَنِي َو َأنَا َع ْبدُ َك‪َ ،‬و َأنَا َع َلى َع ْه ِد َك َو َو ْع ِد َك َما ْاس َت َط ْع ُ‬ ‫إِ َل َه إِ اَّل َأن َ‬
‫اغْف ْر ِلي‪ ،‬إِ ان ُه ََّل َيغ ِْف ُر‬
‫ت‪َ ،‬أبوء َل َك ِبنِعمتِ َك ع َلي‪ ،‬و َأبوء ِب َذ ْنبِي؛ َف ِ‬
‫َ ا َ ُ ُ‬ ‫َْ‬ ‫م ْن َش ِّر َما َص َن ْع ُ ُ ُ‬
‫ِ‬

‫الجن ِاة»(‪.)1‬‬ ‫ِِ‬ ‫وقنًا ِب َها‪َ ،‬فم َ ِ‬


‫ات م ْن َل ْي َلته َد َخ َل َ‬ ‫َ‬
‫ْت؛ من َقا َل َها إِ َذا َأصبح م ِ‬
‫ْ َ َ ُ‬ ‫ُوب إِ اَّل َأن َ َ ْ‬ ‫الذن َ‬ ‫ُّ‬
‫فقوله‪َ « :‬أ ُبو ُء َل َك ِبنِ ْع َمتِ َك َع َل اي‪َ ،‬و َأ ُبو ُء ِب َذ ْنبِي»‪ :‬اعرتاف بإنعام الرب وذنب‬
‫العبد‪ ،‬كما قال بعض السلف‪( :‬إين أصبح بين نعمة تنزل من اهلل علي‪ ،‬وبين ذنب‬
‫استغفارا)(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫شكرا‪ ،‬وللذنب‬
‫يصعد مني إلى اهلل؛ فأريد أن أحدث للنعمة ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)6306‬عن شداد بن أوس ‪.‬‬


‫(‪ )2‬لعله يريد ما رواه ابن أبي الدنيا يف كتاب الشكر برقم (‪ ،)66‬عن بكر بن عبد اهلل‪ ،‬أنه لحق ح َّم ًاال‬
‫عليه حمله‪ ،‬وهو يقول‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬أستغفر اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فانتظرته حتى وضع ما على ظهره‪ ،‬وقلت له‪:‬‬
‫كثيرا‪ ،‬أقرأ كتاب اهلل‪ ،‬غير أن العبد بين نعمة وذنب‪،‬‬
‫خيرا ً‬
‫ما تحسن غير ذا؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬أحسن ً‬
‫فأحمد اهلل على نعمائه السابغة‪ ،‬وأستغفره لذنوبي؛ فقلت‪ :‬الحمال أفقه من بكر‪.‬‬
‫أيضا ابن أبي الدنيا يف كتاب الشكر برقم (‪ ،)150‬عن عبيد اهلل بن أبي حميد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت بكر‬
‫ورواه ً‬
‫بن عبد اهلل المزين‪ ،‬يقول‪ :‬لقيت ً‬
‫أخا لي من إخواين الضعفاء؛ فقلت‪ :‬يا أخي‪ ،‬أوصني؛ فقال‪ :‬ما أدري ما‬
‫أقول‪ ،‬غير أنه ينبغي لهذا العبد َّأال يفرت عن الحمد واالستغفار‪ ،‬وابن آدم بين نعمة وذنب‪ ،‬وال تصلح‬
‫علما ما شئت‪.‬‬
‫النعمة إال بالحمد والشكر‪ ،‬وال الذنب إال بالتوبة واالستغفار‪ ،‬قال‪ :‬فأوسعني ً‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪222‬‬

‫ناظرا إلى القدر؛ فقد‬


‫فمن أعرض عن األمر والنهي‪ ،‬والوعد والوعيد ً‬
‫معرضا عن القدر؛ فقد َّ‬
‫ضل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫ضل‪ ،‬ومن طلب القيام باألمر والنهي‬
‫بل المؤمن كما قال تعالى‪ :‬ﱣﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱢ [الفاتحة‪]5:‬؛‬
‫فنعبده اتبا ًعا لألمر‪ ،‬ونستعينه إيما ًنا بالقدر‪.‬‬
‫ِ‬
‫ى‬‫ويف الحديث الصحيح‪ ،‬عن النبي ‪ ،‬أنه قال‪« :‬ا ْل ُم ْؤم ُن ا ْل َق ِو ُّ‬
‫اح ِر ْص َع َلى َما َي ْن َف ُع َك‪،‬‬ ‫َخير و َأحب إِ َلى اهللِ ِمن ا ْلم ْؤ ِم ِن ا ِ ِ ِ‬
‫الضعيف‪َ ،‬وفي ك ٍُّل َخ ْي ٌر‪ْ ،‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ٌ َ َ ُّ‬
‫َان ك ََذا‬ ‫ت َلك َ‬ ‫ال َت ُق ْل‪َ :‬ل ْو َأنِّى َف َع ْل ُ‬ ‫َو ْاست َِع ْن ِباهللِ‪َ ،‬و َ‬
‫َّل َت ْع َجزَ ان‪َ ،‬و ِإ ْن َأ َصا َب َك َشي ٌء َف َ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ان»(‪.)1‬‬ ‫اهلل َو َما َشا َء َف َع َل؛ َفإِ ان َل ْو َت ْفت َُح َع َم َل ا‬ ‫ِ‬
‫َوك ََذا‪َ ،‬و َلك ْن ُق ْل‪َ :‬قدا َر ُ‬
‫فأمره النبي ‪ ‬بشيئين‪:‬‬
‫أن يحرص على ما ينفعه‪ :‬وهو امتثال األمر‪ ،‬وهو العبادة‪ ،‬وهو طاعة اهلل‬
‫ورسوله ‪.‬‬
‫وأن يستعين باهلل‪ :‬وهو يتضمن اإليمان بالقدر‪ :‬أنه ال حول وال قوة إال‬
‫باهلل‪ ،‬وأنه ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن(‪.)2‬‬
‫فمن ظن أنه يطيع اهلل بال معونته‪ ،‬كما يزعم القدرية المجوسية؛ فقد‬
‫جحد قدرة اهلل التامة‪ ،‬ومشيئته النافذة‪ ،‬وخلقه لكل شيء‪.‬‬
‫ومن ظن أنه إذا أعين على ما يريد‪ ،‬ويسر له ذلك‪ ،‬كان محمو ًدا؛ سواء‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)42‬‬


‫(‪ )2‬قال النووي يف شرح مسلم (‪( :)215/16‬ومعناه احرص على طاعة اهلل تعالى‪ ،‬والرغبة فيما‬
‫عنده‪ ،‬واطلب اإلعانة من اهلل تعالى على ذلك‪ ،‬وال تعجز‪ ،‬وال تكسل عن طلب الطاعة‪ ،‬وال عن‬
‫طلب اإلعانة)‪.‬‬
‫‪223‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وافق األمر الشرعي أو خالفه؛ فقد جحد دين اهلل‪ ،‬وكذب بكتبه ورسله‪،‬‬
‫ووعده ووعيده‪ ،‬واستحق من غضبه وعقابه أعظم مما يستحقه األول‪.‬‬
‫فإن العبد قد يريد ما يرضاه اهلل ويحبه‪ ،‬ويأمر به ويقرب إليه‪ ،‬وقد يريد ما‬
‫يبغضه اهلل ويكرهه ويسخطه‪ ،‬وينهى عنه ويعذب صاحبه؛ فكل من هذين قد‬
‫ُيسر له ذلك‪ ،‬كما قال النبي ‪« :‬ا ْع َم ُلوا‪ ،‬فكُل ُم َي اس ٌر لِ َما ُخ ِل َق َل ُه(‪،)1‬‬

‫(‪ )1‬قال ابن حجر يف فتح الباري (‪( :)498/11‬وهذا الحديث أصل ألهل السنة يف أن السعادة‬
‫والشقاء بتقدير اهلل القديم‪ ،‬وفيه رد على الجربية؛ ألن التيسير ضد الجرب؛ ألن الجرب ال يكون إال‬
‫عن كره‪ ،‬وال يأيت اإلنسان الشيء بطريق التيسير إال وهو غير كاره له‪ ،‬واستدل به على إمكان‬
‫معرفة الشقي من السعيد يف الدنيا‪ ،‬كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه؛ ألن العمل أمارة على‬
‫الجزاء على ظاهر هذا الخرب‪ ،‬ور َّد بما تقدم يف حديث ابن مسعود‪ ،‬وأن هذا العمل الظاهر قد‬
‫ينقلب لعكسه على وفق ما قدر‪ ،‬والحق أن العمل عالمة وأمارة فيحكم بظاهر األمر‪ ،‬وأمر الباطن‬
‫إلى اهلل تعالى‪.‬‬
‫قال الخطابي‪ :‬لما أخرب ‪ ‬عن سبق الكائنات‪ ،‬رام من تمسك بالقدر أن يتخذه حجة يف‬
‫ترك العمل؛ فأع لمهم أن هنا أمرين ال يبطل أحدهما باآلخر؛ باطن وهو العلة الموجبة يف حكم‬
‫الربوبية‪ ،‬وظاهر وهو العالمة الالزمة يف حق العبودية‪ ،‬وإنما هي أمارة مخيلة يف مطالعة علم‬
‫العواقب غير مفيدة حقيقة؛ فبين لهم أ َّن ًّ‬
‫كال ميسر لما خلق له‪ ،‬وأن عمله يف العاجل دليل على‬
‫مصيره يف اآلجل‪ ،‬ولذلك مثَّل باآليات‪ ،‬ونظير ذلك الرزق مع األمر بالكسب‪ ،‬واألجل مع اإلذن‬
‫يف المعالجة‪.‬‬
‫وقال يف موضع آخر‪ :‬هذا الحديث إذا تأملته وجدت فيه الشفاء مما يتخالج يف الضمير من أمر‬
‫القدر‪ ،‬وذلك أن القائل‪« :‬أفال نتكل وندع العمل»‪ ،‬لم يدع شيئًا مما يدخل يف أبواب المطالبات‬
‫واألسئلة إال وقد طالب به وسأل عنه‪ ،‬فأعلمه رسول اهلل ‪ ‬أن القياس يف هذا الباب‬
‫مرتوك‪ ،‬والمطالبة ساقطة‪ ،‬وأنه ال يشبه األمور التي ُعقلت معانيها‪ ،‬وجرت معاملة البشر فيما‬
‫بينهم عليها؛ بل طوى اهلل علم الغيب عن خلقه‪ ،‬وحجبهم عن دركه‪ ،‬كما أخفى عنهم أمر الساعة‪،‬‬
‫فال يعلم أحد متى حين قيامها انتهى‪ .‬وقد تقدم كالم ابن السمعاين يف نحو ذلك يف أول كتاب‬
‫القدر‪ ،‬وقال غيره‪ :‬وجه االنفصال عن شبهة القدرية؛ أن اهلل أمرنا بالعمل‪ ،‬فوجب علينا االمتثال‪،‬‬
‫=‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪224‬‬

‫َان ِم ْن‬
‫الس َعا َد ِة‪َ ،‬و َأ اما َم ْن ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َعا َدة؛ َف َس ُي َي اس ُر ل َع َم ِل َأ ْه ِل ا‬
‫َان م ْن َأ ْه ُل ا‬
‫َأما من ك َ ِ‬
‫ا َ ْ‬
‫او ِة؛ َف َس ُي َي اس ُر لِ َع َم ِل َأ ْه ِل ال اش َق َاو ِة»(‪.)1‬‬ ‫َأ ْه ُل ا‬
‫الش َق َ‬
‫وقد قال تعالى‪ :‬ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬
‫ﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛ‬
‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ‬
‫ﱫﱬﱭﱢ [اإلسراء‪.]20–18:‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬
‫ﲢ ﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﱢ [الفجر‪ ،]16-15:‬بين سبحانه أنه ليس‬
‫كل من ابتاله يف الدنيا يكون قد أهانه؛ بل هو يبتلي عبده بالسراء والضراء‪.‬‬
‫خيرا له‪ ،‬كما يف‬ ‫شكورا؛ فيكون هذا وهذا ً‬ ‫ً‬ ‫صبارا‬
‫ً‬ ‫فالمؤمن يكون‬
‫الصحيح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ََّ « :‬ل َي ْق ِضي اهللُ لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن َق َضا ًء‪ ،‬إَِّلا‬
‫ك ِألَ َح ٍد إِ اَّل لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن‪ ،‬إِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َس ارا ُء َش َك َر‪َ ،‬فك َ‬
‫َان َخ ْي ًرا‬ ‫َان َخ ْي ًرا َل ُه‪َ ،‬و َل ْي َس َذلِ َ‬
‫ك َ‬
‫َان َخ ْي ًرا َل ُه»(‪.)2‬‬ ‫َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َض ارا ُء َص َب َر‪َ ،‬فك َ‬

‫=‬
‫وغيب عنَّا المقادير لقيام الحجة‪ ،‬ونصب األعمال عالمة على ما سبق يف مشيئته؛ فمن عدل عنه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّ َة كشف‬ ‫ضل وتاه؛ ألن القدر سر من أسرار اهلل ال يطلع عليه إال هو؛ فإذا ُأ ْدخ َل أهل َ‬
‫الجنَّة َ‬
‫لهم عنه حينئذ‪ ،‬ويف أحاديث هذا الباب أن أفعال العباد وإن صدرت عنهم لكنها قد سبق علم اهلل‬
‫صريحا‪ ،‬واهلل أعلم)‪.‬‬
‫ً‬ ‫بوقوعها بتقديره؛ ففيها بطالن قول القدرية‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)45‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم برقم (‪ ،)2999‬عن صهيب‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ « :‬ع َجبًا ألَ ْمرِ الْ ُم ْؤم ِن‪،‬‬
‫اك ألَ َح ٍد إَِّلا لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن‪ ،‬إِ ْن َأ َصا َبتْ ُه َس ارا ُء َشك ََر؛ َفكَا َن َخ ْي ًرا َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َبتْ ُه‬
‫إِ ان َأ ْم َر ُه ُك ال ُه َخ ْي ٌر‪َ ،‬و َل ْي َس َذ َ‬
‫َض ارا ُء َصبَ َر؛ َفكَا َن خَ يْ ًرا لَ ُه»‪.‬‬
‫=‬
‫‪225‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫والمنافق هلوع جزوع‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱣﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬


‫ﱲﱳﱴﱵ ﱶﱷﱸﱹﱺ ﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﱢ ‪-‬إلى قوله ‪ :-‬ﱣﳉ ﳊﱢ‬
‫[المعارج‪.]35 – 19:‬‬
‫ميسرا لما ال ينفعه؛ بل يضره؛ من معصية اهلل والبطر‬
‫ً‬ ‫ولما كان العبد‬
‫والطغيان‪ ،‬وقد يقصد عبادة اهلل وطاعته والعمل الصالح فال يتأتى له ذلك‪،‬‬
‫أمر يف كل صالة بأن يقول‪ :‬ﱣﱒﱓﱔﱕﱢ [الفاتحة‪.]5:‬‬
‫ت‬ ‫ول اهللُ ‪َ :‬ق َس ْم ُ‬ ‫صح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪َ « :‬ي ُق ُ‬ ‫وقد َّ‬
‫الصالَ َة َب ْينِي َو َب ْي َن َع ْب ِدي نِ ْص َف ْين ‪-‬نصفها لي‪ ،‬ونصفها لعبدي‪َ ،-‬ولِ َع ْب ِدي َما‬ ‫ا‬
‫َس َأ َل؛ َفإِ َذا َق َال‪ :‬ﱣﱆ ﱇ ﱈﱉﱢ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ح ِمدَ نِي َع ْب ِدي‪َ ،‬فإِ َذا َق َال‪:‬‬
‫ﱣﱋ ﱌﱢ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ ْثنَى َع َل اي َع ْب ِدي‪َ ،‬فإِ َذا َق َال‪ :‬ﱣﱎ ﱏ ﱐﱢ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقا َل‪َ :‬م اجدَ ني َع ْبدي‪َ ،‬فإِ َذا َق َال‪ :‬ﱣﱒﱓﱔﱕﱢ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ه َذه َ‬
‫اآلي ُة‬
‫ال‪ :‬ﱣﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ‬ ‫َب ْينِي َو َب ْي َن َع ْب ِدي َولِ َع ْب ِدي َما َس َأ َل‪َ ،‬فإِ َذا َق َ‬
‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱢ [الفاتحة‪َ ،]7–2:‬ق َال‪:‬‬
‫َف َه ُؤ ََّل ِء لِ َع ْب ِدي َولِ َع ْب ِدي َما َس َأ َل»(‪.)1‬‬
‫وقال بعض السلف(‪( :)2‬أنزل اهلل ‪ ‬مائة كتاب وأربعة كتب‪ ،‬جمع‬

‫=‬
‫ويف المسند لإلمام أحمد برقم (‪ ،)20283‬عن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫جبًا لِ ْل ُم ْؤ ِمن‪ََّ ،‬ل َي ْق ِضي اهللُ َل ُه َشيْئًا إِ اَّل َكا َن خَ يْ ًرا َل ُه»‪.‬‬
‫« َع ِ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم برقم (‪ ،)395‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي يف شعب اإليمان برقم (‪ ،)2155‬عن الحسن ‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪226‬‬

‫علمها يف الكتب األربعة‪ :‬التوراة واإلنجيل والزبور والفرقان‪ ،‬وجمع األربعة‬


‫وعلم‬
‫ُ‬ ‫المفصل يف الفاتحة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫المفصل‪ ،‬و ِع ْل ُم‬
‫َّ‬
‫يف القرآن‪ِ ،‬‬
‫وع ْل ُم القرآن يف‬
‫الفاتحة يف قوله‪ :‬ﱣﱒﱓﱔﱕﱢ [الفاتحة‪.)]5:‬‬
‫صالحا؛ فهو‬
‫ً‬ ‫وعمال‬
‫ً‬ ‫فكل عمل يعمله العبد‪ ،‬وال يكون طاعة هلل وعبادة‬
‫باطل؛ فإن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها‪ ،‬إال ما كان هلل(‪ ،)1‬وإن نال بذلك‬
‫المتمول أن‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫وماال‪ ،‬فغاية المرت ِّئس أن يكون كفرعون‪ ،‬وغاية‬ ‫العمل رئاس ًة‬
‫يكون كقارون‪ ،‬وقد ذكر اهلل يف سورة القصص من قصة فرعون وقارون ما فيه‬
‫عربة ألولي األلباب‪.‬‬
‫اهلل العبدَ عليه فإنه ال يكون وال ينفع؛ فما ال يكون به‬
‫وكل عمل ال يعين ُ‬
‫ال يكون‪ ،‬وما ال يكون له ال ينفع وال يدوم؛ فلذلك ُأمر العبد أن يقول‪:‬‬
‫ﱣﱒﱓﱔﱕﱢ‪.‬‬
‫والعبد له يف المقدور حاَّلن‪ :‬حال قبل القدر‪ ،‬وحال بعده‪:‬‬
‫فعليه قبل المقدور أن يستعين باهلل‪ ،‬ويتوكل عليه‪ ،‬ويدعوه‪ ،‬فإذا ُقدِّ ر‬
‫المقدور بغير فعله؛ فعليه أن يصرب عليه‪ ،‬أو يرضى به‪ ،‬وإن كان بفعله وهو‬
‫نعمة‪ ،‬حمد اهلل على ذلك‪ ،‬وإن كان ذن ًبا استغفر إليه من ذلك‪.‬‬
‫وله يف المأمور حاَّلن‪:‬‬
‫حال قبل الفعل‪ ،‬وهو العزم على االمتثال‪ ،‬واالستعانة باهلل على ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬كما يف حديث أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬وهو يقول‪« :‬الدُّ ْنيَا َم ْل ُعو َنةٌ‪َ ،‬م ْل ُعونٌ‬
‫َما فِ َيها‪ ،‬إَِّلا ذِ ْك َر اهلل ِ َو َما َواَّلَ ُه‪َ ،‬أ ْو َعالِ ًما‪َ ،‬أ ْو ُم َت َع ِّل ًما»‪ .‬أخرجه الرتمذي برقم (‪ ،)2322‬وابن ماجه‬
‫برقم (‪ .)4112‬قال الرتمذي‪ :‬حسن غريب‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫‪227‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وحال بعد الفعل‪ ،‬وهو االستغفار من التقصير‪ ،‬وشكر اهلل على ما أنعم به‬
‫من الخير‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁﱢ [غافر‪،]55:‬‬
‫أمره أن يصرب على المصائب المقدرة‪ ،‬ويستغفر من الذنب‪ ،‬وإن كان استغفار‬
‫كل عبد بحسبه؛ فإن حسنات األبرار سيئات المقربين(‪.)1‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﱢ [آل عمران‪،]186:‬‬

‫(‪ )1‬وقد شرح شيخ اإلسالم ابن تيمية هذه العبارة يف جامع الرسائل (‪ )251/1‬فقال‪( :‬أما معناه‬
‫الصحيح فوجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن األبرار يقتصرون على أداء الواجبات وترك المحرمات‪ ،‬وهذا االقتصار سيئة يف‬
‫طريق المقربين‪ ،‬ومعنى كونه سيئة‪ :‬أن يخرج صاحبه عن مقام المقربين؛ فيحرم درجاهتم‪ ،‬وذلك‬
‫مما يسوء من يريد أن يكون من المقربين؛ فكل من أحب شيئًا وطلبه إذا فاته محبوبه ومطلوبه‬
‫ساءه ذلك‪ ،‬فالمقربون يتوبون من االقتصار على الواجبات‪ ،‬ال يتوبون من نفس الحسنات التي‬
‫يعمل مثلها األبرار؛ بل يتوبون من االقتصار عليها‪ ،‬وفرق بين التوبة من فعل الحسن‪ ،‬وبين التوبة‬
‫من ترك األحسن واالقتصار على الحسن‪.‬‬
‫الثان‪ :‬أن العبد قد يؤمر بفعل يكون حسنًا منه؛ إما واجبًا وإما مستحبًا؛ ألن ذلك مبلغ علمه‬
‫وقدرته‪ ،‬ومن يكون أعلم منه وأقدر‪ ،‬ال يؤمر بذلك؛ بل يؤمر بما هو أعلى منه‪ ،‬فلو فعل هذا ما‬
‫فعله األول‪ ،‬كان ذلك سيئة‪ .‬مثال ذلك‪ :‬أن العامي يؤمر بمسألة العلماء المأمونين على اإلسالم‪،‬‬
‫والرجوع إليهم بحسب قوة إدراكه‪ ،‬وإن كان يف ذلك تقليد لهم‪ ،‬إذ ال يؤمر العبد إال بما يقدر‬
‫عليه‪ ،‬وأما العلماء القادرون على معرفة الكتاب والسنة واالستدالل هبما‪ ،‬فلو تركوا ذلك وأتوا‬
‫قائما؛ فإن لم يستطع‬
‫بما يؤمر به العامي لكانوا مسيئين بذلك‪ ،‬وهذا كما يؤمر المريض أن يصلي ً‬
‫فقاعدً ا؛ فإن لم يستطع فعلى جنب‪ ،‬وكما يؤمر المسافر أن يصلي الظهر والعصر والعشاء ركعتين‬
‫يف السفر‪ ،‬وهذا لو فعله المقيم لكان مسيئًا تاركًا للفرض؛ بل فرضه أربع ركعات؛ فإن المرض‬
‫والسفر ال ينقص العبد عن كونه مقربًا‪ ،‬إذا كان ذلك حاله يف اإلقامة؛ فقد ثبت يف الصحيحين عن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ‪ ‬أنه قال‪« :‬إِ َذا َمرِ َض الْ َع ْبدُ ‪َ ،‬أ ْو َسا َف َر‪ ،‬كُت َ‬
‫ب لَ ُه م َن ال َع َم ِل َما كَانَ َي ْع َم ُل َو ُه َو َصح ٌ‬
‫يح‬
‫ُم ِقيم»‪ .‬أخرجه البخاري برقم (‪.)2996‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪228‬‬

‫وقال يوسف‪ :‬ﱣﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﱢ [يوسف‪]90:‬؛‬


‫فذكر الصرب على المصائب والتقوى برتك المعائب‪.‬‬
‫ك‪َ ،‬و ْاست َِع ْن بِاهلل ِ‪َ ،‬وَّلَ‬ ‫احرِ ْص َع َلى َما َي ْن َف ُع َ‬ ‫وقال النبي ‪ْ « :‬‬
‫َان َك َذا َو َك َذا‪َ ،‬و َلكِ ْن ُق ْل‪:‬‬
‫تك َ‬ ‫ك َشي ٌء َفالَ َت ُق ْل‪َ :‬ل ْو َأنِّى َف َع ْل ُ‬ ‫َت ْع َج َز ان‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب َ‬
‫ان»(‪.)1‬‬ ‫الش ْي َط ِ‬
‫َقدا َر اهللُ َو َما َشا َء َف َع َل؛ َفإِ ان َل ْو َت ْف َت ُح َع َم َل ا‬
‫فأمره إذا أصابته المصائب أن ينظر إلى القدر‪ ،‬وال يتحسر على الماضي؛‬
‫بل يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه(‪.)2‬‬
‫فالنظر إلى القدر عند المصائب‪ ،‬واَّلستغفار عند المعائب‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱣﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫ﲭ ﲮﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬
‫ﲾﱢ [الحديد‪.]23 – 22:‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪.)42‬‬


‫(‪ )2‬قال ابن حجر يف فتح الباري (‪( :)228/13‬قال الطربي‪ :‬طريق الجمع بين هذا النهي ‪(-‬عن قول‪:‬‬
‫لو)‪ ،-‬وبين ما ورد من األحاديث الدالة على الجواز؛ أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم‬
‫يقع‪ ،‬فالمعنى‪ :‬ال تقل لشيء لم يقع‪ :‬لو أين فعلت كذا لوقع قاضيًا بتحتم ذلك‪ ،‬غير مضمر يف‬
‫نفسك شرط مشيئة اهلل تعالى‪ ،‬وما ورد من قول‪( :‬لو) محمول على ما إذا كان قائله موقنًا بالشرط‬
‫المذكور‪ ،‬وهو أنه ال يقع شيء إال بمشيئة اهلل وإرادته‪ ،‬وهو كقول أبي بكر يف الغار‪َ ( :‬ل ْو َأ َّن َأ َحدَ ُه ْم‬
‫َر َف َع َقدَ َم ُه َأل ْب َص َرنَا)؛ فجزم بذلك مع تيقنه أن اهلل قادر على أن يصرف أبصارهم عنهما بع ً‬
‫مى أو‬
‫غيره‪ ،‬لكن جرى على حكم العادة الظاهرة‪ ،‬وهو موقن بأهنم لو رفعوا أقدامهم لم يبصروهما إال‬
‫بمشيئة اهلل تعالى)‪.‬‬
‫قول أبو بكر يف الغار‪َ ( :‬ل ْو َأ َّن َأ َحدَ ُه ْم َر َف َع َقدَ َم ُه َألبْ َص َرنَا)‪ ،‬أخرجه البخاري برقم (‪.)4663‬‬
‫‪229‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫وقال تعالى‪ :‬ﱣﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱢ‬

‫[التغابن‪ ،]11:‬قال علقمة(‪ )1‬وغيره‪ :‬هو الرجل تصيبه المصيبة؛ فيعلم أهنا من‬
‫عند اهلل فيرضى ويسلم‪ .‬واهلل ‪ ‬أعلم)‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسير الطربي (‪ ،)12/23‬وزاد المسير (‪ ،)293/4‬وتفسير ابن كثير (‪.)138/8‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪230‬‬

‫اخلامتة‬

‫ويف ختام هذا الرسالة المختصرة المتواضعة التي بذلت فيهه جهدَ‬
‫المقل‪ ،‬وال أدعي أنني بلغت فيها الكمال‪ ،‬أو أتيت على كل ما يتعلق هبذا‬
‫الموضوع‪ ،‬ولكن لعل فيها إشارات لمن أراد الحق‪.‬‬
‫سا ًئال اهلل تعالى أن ينفع هبا‪ ،‬وأن يجعله فيها ميزان أعمال كل من سعى‬
‫ونشرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وتنبيها وطباعة‬
‫ً‬ ‫وتصحيحا‬
‫ً‬ ‫يف إخراجها‪ :‬مراجع ًة‬
‫وأن يهدي اهلل ضال المسلمين للعمل بكتابه العزيز‪ ،‬وسنة نبيه‬
‫‪‬؛ إنه سميع مجيب‪.‬‬
‫َّ‬
‫وصل اهلل على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬ ‫واهلل أعلم وأحكم‪،‬‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪231‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫أوالً‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬


‫ثانيًا‪ :‬املصادر واملراجع األخرى‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلبانة الكربى‪ ،‬أبو عبد اهلل عبيد اهلل بن محمد بن محمد بن حمدان‬
‫ال ُع ْك َبري المعروف بابن َب َّطة العكربي‪ ،‬المحقق‪ :‬رضا معطي‪ ،‬وعثمان‬
‫األثيوبي‪ ،‬ويوسف الوابل‪ ،‬والوليد بن سيف النصر‪ ،‬وحمد التويجري‪،‬‬
‫دار الراية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -2‬اجتماع الجيوش اإلسالمية على حرب المعطلة والجهمية‪ ،‬أبو عبد اهلل‬
‫محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية‪ ،‬المحقق‪ :‬زائد بن أحمد‬
‫النشيري‪ ،‬دار عالم الفوائد‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬ط‪1431 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -3‬االعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب‬
‫الخ ْس َر ْو ِجردي‬
‫الحديث‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ُ‬
‫الخراساين‪ ،‬أبو بكر البيهقي‪ ،‬المحقق‪ :‬أحمد عصام الكاتب‪ ،‬دار‬
‫اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1401 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -4‬أعالم السنة المنشورة العتقاد الطائفة الناجية المنصورة الكتاب نشر‬
‫أيضا بعنوان‪ 200 :‬سؤال وجواب يف العقيدة االسالمية‪ ،‬حافظ بن‬
‫ً‬
‫أحمد بن علي الحكمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حازم القاضي‪ ،‬وزارة الشؤون‬
‫اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1422 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -5‬إغاثة اللهفان يف مصايد الشيطان‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر بن‬
‫أيوب ابن قيم الجوزية‪ ،‬حققه‪ :‬محمد عزير شمس‪ ،‬خرج أحاديثه‪:‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪232‬‬

‫مصطفى بن سعيد إيتيم‪ ،‬دار عالم الفوائد‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬ط‪،1‬‬


‫‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪ -6‬االنتقاء يف فضائل الثالثة األئمة الفقهاء مالك والشافعي وأبي حنيفة‬
‫‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن محمد بن عبد الرب بن عاصم‬
‫النمري القرطبي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -7‬أيام من حياة الشيخ محمد بن صالح الشاوي‪ ،‬إعداد الشيخ صالح بن‬
‫محمد الشاوي‪ ،‬مخطوط لم يطبع‪.‬‬
‫‪ -8‬إيجاز البيان عن معاين القرآن‪ ،‬محمود بن أبى الحسن بن الحسين‬
‫النيسابوري أبو القاسم‪ ،‬نجم الدين‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتور حنيف بن حسن‬
‫القاسمي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -9‬اإليمان‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن َمنْدَ ه‬
‫العبدي‪ ،‬د‪ .‬علي بن محمد بن ناصر الفقيهي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪1406 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -10‬بدائع الفوائد‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن‬
‫قيم الجوزية‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -11‬هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار‪ ،‬أبو‬
‫عبد اهلل‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اهلل بن ناصر بن حمد آل‬
‫سعدي‪ ،‬وزارة الشئون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪،‬‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1423 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ -12‬بيان تلبيس الجهمية‪ ،‬ابن تيمية يف تأسيس بدعهم الكالمية‪ ،‬تقي الدين‬
‫‪233‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أبي‬
‫القاسم بن محمد ابن تيمية الحراين الحنبلي الدمشقي‪ ،‬المحقق‪:‬‬
‫مجموعة من المحققين‪ ،‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف‬
‫الشريف‪ ،‬ط‪1426 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -13‬تاريخ بغداد‪ ،‬أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي‬
‫الخطيب البغدادي‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتور بشار عواد معروف‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ‪ 2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬تأويل مشكل القرآن‪ ،‬أبو محمد عبد اهلل بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -15‬التائية البهية شرح القصيدة التائية يف حل المشكلة القدرية‪ ،‬أبو عبد اهلل‪،‬‬
‫عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اهلل بن ناصر بن حمد آل سعدي‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬أبو محمد أشرف بن عبد المقصود‪ ،‬أضواء السلف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1419 :‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬التائية منظومة يف القدر‪ ،‬للعالمة عبد الرحمن بن محمد الدوسري‪،‬‬
‫اعتنى هبا‪ :‬د أحمد بن صالح الطويان‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬ط‪2020 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬التبصير يف الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين‪ ،‬طاهر بن‬
‫محمد األسفراييني‪ ،‬أبو المظفر‪ ،‬المحقق‪ :‬كمال يوسف الحوت‪ ،‬عالم‬
‫الكتب‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1403 ،1‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪ -18‬تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي‪ ،‬عبد الرزاق بن‬
‫عبد المحسن البدر‪ ،‬غراس للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪234‬‬

‫‪ -19‬تراجم علماء الشاوي‪ ،‬محمد بن صالح الشاوي‪ ،‬مخطوط لم يطبع‪.‬‬


‫‪ -20‬التعريفات‪ ،‬علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاين‪ ،‬تحقيق‬
‫وضبط وتصحيح‪ :‬جماعة من العلماء بإشراف الناشر‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1403 ،1‬هـ ‪1983-‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬تفسير ابن أبي حاتم = تفسير القرآن العظيم‪ ،‬أبو محمد عبد الرحمن بن‬
‫محمد بن إدريس بن المنذر التميمي‪ ،‬الحنظلي‪ ،‬الرازي ابن أبي حاتم‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬أسعد محمد الطيب‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬ط‪1419 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ -22‬تفسير ابن كثير = تفسير القرآن العظيم‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن‬
‫كثير القرشي البصري ثم الدمشقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي بن محمد سالمة‪،‬‬
‫دار طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1420 ،2‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪ -23‬تفسير البغوي = معالم التنزيل يف تفسير القرآن‪ ،‬محيي السنة‪ ،‬أبو‬
‫محمد الحسين بن مسعود البغوي‪ ،‬المحقق‪ :‬حققه وخرج أحاديثه‬
‫محمد عبد اهلل النمر‪ ،‬عثمان جمعة ضميرية‪ ،‬سليمان مسلم الحرش‪،‬‬
‫دار طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1417 ،4‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن‪ ،‬أبو إسحاق أحمد‬
‫بن إبراهيم الثعلبي‪ ،‬أشرف على إخراجه‪ :‬د‪ .‬صالح باعثمان‪ ،‬د‪ .‬حسن‬
‫الغزالي‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬زيد مهارش‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬أمين باشه‪ ،‬تحقيق‪ :‬عدد من الباحثين‬
‫مثبت أسماؤهم بالمقدمة‪ ،‬أصل رسائل جامعية غالبها ماجستير لعدد‬
‫من الباحثين‪ ،‬دار التفسير‪ ،‬جدة‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1436 ،1‬هـ ‪2015 -‬م‪.‬‬
‫‪235‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫‪ -25‬تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬أبو القاسم‬


‫محمود بن عمرو بن أحمد‪ ،‬الزمخشري جار اهلل‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1407 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -26‬تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان‪ ،‬عبد‬
‫الرحمن بن ناصر بن عبد اهلل السعدي‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الرحمن بن معال‬
‫اللويحق‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ ‪ 2000-‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬تفسير الطربي = جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬محمد بن جرير بن‬
‫يزيد بن كثير بن غالب اآلملي‪ ،‬أبو جعفر الطربي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد‬
‫اهلل بن عبد المحسن الرتكي‪ ،‬بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات‬
‫اإلسالمية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن يمامة‪ ،‬دار هجر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع واإلعالن‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬تفسير القرطبي = الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن أحمد‬
‫بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد الربدوين وإبراهيم أطفيش‪ ،‬دار الكتب المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1384 ،2‬هـ ‪1964 -‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬تفسير النيسابوري = ال َّت ْف ِس ُير ال َب ِس ْيط‪ ،‬أبو الحسن علي بن أحمد بن‬
‫محمد بن علي الواحدي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي‪ ،‬المحقق‪ :‬أصل‬
‫تحقيقه يف (‪ )15‬رسالة دكتوراة بجامعة اإلمام محمد بن سعود‪ ،‬ثم‬
‫قامت لجنة علمية من الجامعة بسبكه وتنسيقه‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪،‬‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬ط‪1430 ،1‬هـ‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪236‬‬

‫‪ -30‬تفسير عبد الرزاق‪ ،‬أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري‬
‫اليماين الصنعاين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمود‬
‫محمد عبده‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -31‬تفسير مقاتل بن سليمان‪ ،‬أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير‬
‫األزدي البلخي‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد اهلل محمود شحاته‪ ،‬دار إحياء الرتاث‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -32‬تفسير مكي = الهداية إلى بلوغ النهاية يف علم معاين القرآن وتفسيره‪،‬‬
‫وأحكامه‪ ،‬وجمل من فنون علومه‪ ،‬أبو محمد مكي بن أبي طالب‬
‫َح ّموش بن محمد بن مختار القيسي القيرواين ثم األندلسي القرطبي‬
‫المالكي‪ ،‬المحقق‪ :‬مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا‬
‫والبحث العلمي‪ ،‬جامعة الشارقة‪ ،‬بإشراف أ‪ .‬د‪ :‬الشاهد البوشيخي‪،‬‬
‫مجموعة بحوث الكتاب والسنة‪ ،‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪،‬‬
‫جامعة الشارقة‪ ،‬ط‪1429 ،1‬هـ ‪2008 -‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬تقريب التدمرية‪ ،‬محمد بن صالح بن محمد العثيمين‪ ،‬دار ابن‬
‫الجوزي‪ ،‬السعودية‪ ،‬الدمام‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -34‬التمهيد لما يف الموطأ من المعاين واألسانيد‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد‬
‫اهلل بن محمد بن عبد الرب بن عاصم النمري القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى‬
‫بن أحمد العلوي محمد عبد الكبير البكري‪ ،‬وزارة عموم األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية‪ ،‬المغرب‪1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -35‬التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة‪ ،‬أبو‬
‫‪237‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫عبد اهلل‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اهلل بن ناصر بن حمد آل‬
‫سعدي‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -36‬التوحيد‪ ،‬محمد بن محمد بن محمود‪ ،‬أبو منصور الماتريدي‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬د‪ .‬فتح اهلل خليف‪ ،‬دار الجامعات المصرية‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ -37‬توضيح المقاصد وتصحيح القواعد يف شرح قصيدة اإلمام ابن القيم‪،‬‬
‫أحمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد اهلل بن عيسى‬
‫‪1327‬هـ‪ ،‬المحقق‪ :‬زهير الشاويش‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -38‬جامع األصول يف أحاديث الرسول‪ ،‬مجد الدين أبو السعادات المبارك‬
‫بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباين الجزري ابن‬
‫األثير‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القادر األرنؤوط‪ ،‬التتمة تحقيق بشير عيون‪ ،‬مكتبة‬
‫الحلواين‪ ،‬مطبعة المالح‪ ،‬مكتبة دار البيان‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -39‬جامع الرسائل‪ ،‬تقي الدين أبو ال َعباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد‬
‫السالم بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراين الحنبلي‬
‫الدمشقي‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ ،‬دار العطاء‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1422‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -40‬جامع العلوم والحكم يف شرح خمسين حدي ًثا من جوامع الكلم‪ ،‬زين‬
‫الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن‪ ،‬ال َسالمي‪،‬‬
‫البغدادي‪ ،‬ثم الدمشقي‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬المحقق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪،‬‬
‫إبراهيم باجس‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1422 ،7‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪238‬‬

‫‪ -41‬الجواب الكايف‪ ،‬لمن سأل عن الدواء الشايف أو الداء والدواء‪ ،‬محمد‬


‫بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية‪ ،‬دار‬
‫المعرفة‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬حادي األرواح إلى بالد األفراح‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد‬
‫شمس الدين ابن قيم الجوزية‪ ،‬مطبعة المدين‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -43‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬أبو نعيم أحمد بن عبد اهلل بن أحمد‬
‫بن إسحاق بن موسى بن مهران األصبهاين‪ ،‬السعادة‪ ،‬بجوار محافظة‬
‫مصر‪1394 ،‬هـ ‪1974 -‬م‪ .‬ثم صورهتا عدة دور منها‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت طبعة ‪1409‬هـ بدون تحقيق‪.‬‬
‫‪ -44‬خالصة معتقد أهل السنة عبد اهلل بن سليمان بن عبد اهلل المشعلي‪ ،‬دار‬
‫المسلم‪ ،‬السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪2002 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ -45‬خلق أفعال العباد‪ ،‬محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة‬
‫البخاري‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬عبد الرحمن عميرة‪ ،‬دار المعارف‬
‫السعودية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -46‬درء تعارض النقل والعقل‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم‬
‫بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراين‬
‫الحنبلي الدمشقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد رشاد سالم‪ ،‬جامعة اإلمام‬
‫محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1411 ،2‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬الدرة البهية شرح القصيدة التائية يف حل المشكلة القدرية‪ ،‬أبو عبد اهلل‪،‬‬
‫‪239‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اهلل بن ناصر بن حمد آل سعدي‪،‬‬


‫المحقق‪ :‬أبو محمد أشرف بن عبد المقصود‪ ،‬أضواء السلف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1419‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ -48‬ديوان زهير بن أبي سلمى‪ ،‬شرحه وقدم له األستاذ علي حسن فاعور‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬ديوان عنرتة‪ ،‬تحقيق الدكتور محمد عناين‪ ،‬طبعة الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬مصر‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -50‬رسائل يف العقيدة‪ ،‬محمد بن صالح ابن عثيمين‪ ،‬مكتبة المعارف‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1404 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -51‬الرضا عن اهلل بقضائه‪ ،‬أبو بكر عبد اهلل بن محمد بن عبيد بن سفيان بن‬
‫قيس البغدادي األموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا‪ ،‬المحقق‪:‬‬
‫ضياء الحسن السلفي‪ ،‬الدار السلفية‪ ،‬بومباي‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -52‬الروضة الندية شرح العقدية الواسطية‪ ،‬زيد بن عبد العزيز الفياض‪ ،‬دار‬
‫األلوكة‪ ،‬السعودية الرياض‪ ،‬ط‪1437 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ -53‬زاد المسير يف علم التفسير‪ ،‬جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن‬
‫علي بن محمد الجوزي‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الرزاق المهدي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -54‬الزهد والرقاق‪ ،‬البن المبارك‪ ،‬يليه الزهد لنعيم بن حماد‪ ،‬أبو عبد‬
‫الرحمن عبد اهلل بن المبارك بن واضح الحنظلي‪ ،‬الرتكي ثم الم ْروزي‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪240‬‬

‫‪ -55‬سبل السالم‪ ،‬محمد بن إسماعيل بن صالح بن محمد الحسني‪،‬‬


‫الكحالين ثم الصنعاين‪ ،‬أبو إبراهيم‪ ،‬عز الدين‪ ،‬المعروف كأسالفه‬
‫باألمير‪ ،‬دار الحديث‪.‬‬
‫‪ -56‬سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها‪ ،‬أبو عبد‬
‫الرحمن محمد ناصر الدين‪ ،‬بن الحاج نوح بن نجايت بن آدم‪،‬‬
‫األشقودري األلباين‪ ،‬مكتبة المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -57‬سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ يف األمة‪ ،‬أبو‬
‫عبد الرحمن محمد ناصر الدين‪ ،‬بن الحاج نوح بن نجايت بن آدم‪،‬‬
‫األشقودري األلباين دار المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ‬
‫‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ -58‬السنة‪ ،‬أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن‬
‫مخلد الشيباين‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1400 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -59‬السنة‪ ،‬أبو عبد الرحمن عبد اهلل بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباين‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد بن سعيد بن سالم القحطاين‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الدمام‪،‬‬
‫ط‪1406 ،1‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ -60‬سنن ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬وماجة اسم أبيه‬
‫محمد كامل قره بللي‪،‬‬
‫يزيد‪ ،‬المحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬عادل مرشد‪َّ ،‬‬
‫َعبد ال ّلطيف حرز اهلل‪ ،‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬ط‪1430 ،1‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫‪ -61‬سنن أبي داود‪ ،‬أبو داود سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن‬
‫‪241‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫شداد بن عمرو األزدي الس ِ‬


‫ج ْستاين‪ ،‬المحقق‪ :‬ش َعيب األرنؤوط‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫مح َّمد كامِل قره بللي‪ ،‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬ط‪1430 ،1‬هـ ‪-‬‬
‫َ‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -62‬سنن الرتمذي‪ ،‬محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك‪،‬‬
‫الرتمذي‪ ،‬أبو عيسى‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬أحمد محمد شاكر ج ‪،2 ،1‬‬
‫ومحمد فؤاد عبد الباقي ج ‪ ،3‬وإبراهيم عطوة عوض المدرس يف‬
‫األزهر الشريف ج ‪ ،5 ،4‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪1395 ،2‬هـ ‪1975 -‬م‪.‬‬
‫لي البيهقي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫الح َسين بن ع ٍّ‬
‫‪ -63‬السنن الكربى‪ ،‬أبو بكر أحمد بن ُ‬
‫الدكتور عبد اهلل بن عبد المحسن الرتكي‪ ،‬مركز هجر للبحوث‬
‫والدراسات العربية واإلسالمية (الدكتور عبد السند حسن يمامة)‪،‬‬
‫ط‪1432 ،1‬هـ ‪2011 -‬م‪.‬‬
‫‪ -64‬السنن الكربى‪ ،‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساين‪،‬‬
‫النسائي‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬حسن عبد المنعم شلبي‪ ،‬أشرف عليه‪:‬‬
‫شعيب األرناؤوط‪ ،‬قدم له‪ :‬عبد اهلل بن عبد المحسن الرتكي‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -65‬سنن النسائي‪ ،‬المجتبى من السنن‪ ،‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب‬
‫بن علي الخراساين‪ ،‬النسائي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب‬
‫المطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪1406 ،2‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ -66‬سير أعالم النبالء‪ ،‬شمس الدين أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن عثمان‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪242‬‬

‫بن َقا ْيماز الذهبي‪ ،‬المحقق‪ :‬مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ‬


‫شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1405 ،2‬هـ ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ -67‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ ،‬أبو القاسم هبة اهلل بن‬
‫الحسن بن منصور الطربي الرازي الاللكائي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد بن سعد‬
‫بن حمدان الغامدي‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1423 ،8‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪ -68‬شرح األربعين النووية‪ ،‬محمد بن صالح بن محمد العثيمين‪ ،‬دار الثريا‬
‫للنشر‪.‬‬
‫‪ -69‬شرح السنة‪ ،‬محيي السنة‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن‬
‫الفراء البغوي الشافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬محمد زهير‬
‫الشاويش‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ ‪-‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫علي بن‬
‫‪ -70‬شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬صدر الدين محمد بن عالء الدين ّ‬
‫محمد ابن أبي العز الحنفي‪ ،‬األذرعي الصالحي الدمشقي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫شعيب األرنؤوط‪ ،‬عبد اهلل بن المحسن الرتكي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1417 ،10‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -71‬شرح العقيدة الواسطية‪ ،‬الهراس‪ ،‬ويليه ملحق الواسطية‪ ،‬محمد بن‬
‫وخرج أحاديثه ووضع الملحق‪ :‬علوي‬
‫هراس‪ ،‬ضبط نصه َّ‬
‫خليل حسن ّ‬
‫بن عبد القادر السقاف‪ ،‬دار الهجرة للنشر والتوزيع‪ ،‬الخرب‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -72‬شرح العقيدة الواسطية‪ ،‬د صالح بن فوزان الفوزان‪ ،‬الرئاسة العامة‬
‫‪243‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫للبحوث العلمية واالفتاء‪ ،‬السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1429 ،8‬هـ ‪-‬‬


‫‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -73‬شرح العقيدة الواسطية‪ ،‬محمد بن صالح بن محمد العثيمين‪ ،‬خرج‬
‫أحاديثه واعتنى به‪ :‬سعد بن فواز الصميل‪ ،‬دار ابن الجوزي للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1421 ،6‬هـ‪.‬‬
‫‪ -74‬شرح النووي على مسلم = المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪،‬‬
‫أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1392 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -75‬شرح مشكاة المصابيح = شرح الطيبي على مشكاة المصابيح =‬
‫الكاشف عن حقائق السنن‪ ،‬شرف الدين الحسين بن عبد اهلل الطيبي‪،‬‬
‫د‪ .‬عبد الحميد هنداوي‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪ ،‬مكة المكرمة‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1417 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫عبد اللطيف ِ‬
‫بن‬ ‫ين ِ‬
‫عز الدِّ ِ‬
‫بن ِّ‬
‫محمدُ ُ‬
‫‪ -76‬شرح مصابيح السنة لإلمام البغوي‪َّ ،‬‬
‫حنفي‪ ،‬المشهور‬ ‫ال‬ ‫ّ‪،‬‬
‫ين‬‫رما‬ ‫الرومي َ‬
‫الك‬ ‫ُّ‬ ‫َا‪،‬‬
‫ت‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫بن فِ ِ‬
‫ر‬ ‫عبد العزيز بن أمين الدِّ ين ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫الم َلك‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ :‬لجنة مختصة من المحققين بإشراف‪ :‬نور‬
‫بـ ابن َ‬
‫الدين طالب‪ ،‬إدارة الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ط‪1433 ،1‬هـ ‪2012 -‬م‪.‬‬
‫اآلج ِّر ُّي البغدادي‪،‬‬
‫‪ -77‬الشريعة‪ ،‬أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد اهلل ُ‬
‫المحقق‪ :‬الدكتور عبد اهلل بن عمر بن سليمان الدميجي‪ ،‬دار الوطن‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1420 ،2‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫الخ ْس َر ْو ِجردي‬
‫‪ -78‬شعب اإليمان‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ُ‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪244‬‬

‫الخراساين‪ ،‬أبو بكر البيهقي‪ ،‬حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه‪:‬‬


‫الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد‪ ،‬أشرف على تحقيقه وتخريج‬
‫أحاديثه‪ :‬مختار أحمد الندوي‪ ،‬صاحب الدار السلفية ببومباي‪ ،‬الهند‪،‬‬
‫مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية‬
‫ببومباي بالهند‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪ -79‬شفاء العليل يف مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل‪ ،‬محمد بن‬
‫أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪1398 ،‬هـ ‪1978 -‬م‪.‬‬
‫‪ -80‬الشكر‪ ،‬أبو بكر عبد اهلل بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي‬
‫األموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا‪ ،‬المحقق‪ :‬بدر البدر‪،‬‬
‫المكتب اإلسالمي‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪1400 ،3‬هـ ‪1980 -‬م‪.‬‬
‫‪ -81‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان‪ ،‬محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن‬
‫معاذ بن َم ْعبدَ ‪ ،‬التميمي‪ ،‬أبو حاتم‪ ،‬الدارمي‪ ،‬ال ُبستي‪ ،‬المحقق‪ :‬شعيب‬
‫األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1414 ،2‬هـ – ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ -82‬صحيح أبي داود‪ ،‬أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين‪ ،‬بن الحاج نوح‬
‫بن نجايت بن آدم‪ ،‬األشقودري األلباين‪ ،‬مؤسسة غراس للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬ط‪ 1423 ،1‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ -83‬صحيح البخاري‪ ،‬المسمى الجامع المسند الصحيح المختصر من‬
‫أمور رسول اهلل ‪ ‬وسننه وأيامه‪ ،‬محمد بن إسماعيل أبو‬
‫عبد اهلل البخاري الجعفي‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ،‬دار‬
‫‪245‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫طوق النجاة مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد‬


‫الباقي‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -84‬صحيح الرتمذي وضعيف سنن الرتمذي‪ ،‬محمد ناصر الدين األلباين‪،‬‬
‫مصدر برنامج منظومة التحقيقات الحديثية‪ ،‬المجاين‪ ،‬من إنتاج مركز‬
‫نور اإلسالم ألبحاث القرآن والسنة باإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ -85‬صحيح الجامع الصغير وزياداته‪ ،‬أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين‪ ،‬بن‬
‫الحاج نوح بن نجايت بن آدم‪ ،‬األشقودري األلباين‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -86‬صحيح مسلم‪ ،‬المسمى المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن‬
‫العدل إلى رسول اهلل ‪ ،‬مسلم بن الحجاج أبو الحسن‬
‫القشيري النيسابوري‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -87‬صحيح وضعيف سنن ابن ماجة‪ ،‬محمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬مصدر‬
‫برنامج منظومة التحقيقات الحديثية‪ ،‬المجاين‪ ،‬من إنتاج مركز نور‬
‫اإلسالم ألبحاث القرآن والسنة باإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ -88‬الصواعق المرسلة يف الرد على الجهمية والمعطلة‪ ،‬محمد بن أبي بكر‬
‫بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية‪ ،‬المحقق‪ :‬علي بن‬
‫محمد الدخيل اهلل‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -89‬طبقات الشافعية الكربى‪ ،‬تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين‬
‫السبكي‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمود محمد الطناحي د‪ .‬عبد الفتاح محمد‬
‫الحلو‪ ،‬هجر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1413 ،2‬هـ‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪246‬‬

‫‪ -90‬طريق الهجرتين وباب السعادتين‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد‬


‫شمس الدين ابن قيم الجوزية‪ ،‬دار السلفية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1394 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ -91‬العقائد اإلسالمية‪ ،‬سيد سابق‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -92‬العقود الدرية‪ ،‬من مناقب شيخ اإلسالم أحمد بن تيمية‪ ،‬شمس الدين‬
‫محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن يوسف الدمشقي الحنبلي‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬دار الكاتب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -93‬العقيدة السفارينية = الدرة المضية يف عقد أهل الفرقة المرضية‪ ،‬شمس‬
‫الدين‪ ،‬أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬أبو محمد أشرف بن عبد المقصود‪ ،‬مكتبة أضواء السلف‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -94‬عقيدة السلف وأصحاب الحديث‪ ،‬أو الرسالة يف اعتقاد أهل السنة‬
‫وأصحاب الحديث واألئمة‪ ،‬اإلمام أبي عثمان بن عبد الرحمن‬
‫الصابوين‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬الدكتور ناصب بن عبد الرحمن بن محمد‬
‫الجديع‪ ،‬دار العاصمة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1419 ،2‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ -95‬العقيدة الواسطية = اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة‬
‫أهل السنة والجماعة‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن‬
‫عبد السالم بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراين‬
‫الحنبلي الدمشقي‪ ،‬المحقق‪ :‬أبو محمد أشرف بن عبد المقصود‪،‬‬
‫أضواء السلف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1420 ،2‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪ -96‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬أبو محمد محمود بن أحمد بن‬
‫‪247‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني‪ ،‬دار‬


‫إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -97‬غاية األماين يف الرد على النبهاين‪ ،‬أبو المعالي محمود شكري بن عبد اهلل‬
‫بن محمد بن أبي الثناء األلوسي‪ ،‬المحقق‪ :‬أبو عبد اهلل الداين بن منير آل‬
‫زهوي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -98‬فتاوى نور على الدرب‪ ،‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز‪ ،‬جمعها‪:‬‬
‫الدكتور محمد بن سعد الشويعر‪ ،‬قدم لها‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن‬
‫محمد آل الشيخ‪.‬‬
‫‪ -99‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل‬
‫العسقالين الشافعي‪ ،‬رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه‪ :‬محمد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬وقام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه‪ :‬محب الدين‬
‫الخطيب دار‪ ،‬وعلق على أجزائه الثالث األولى‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل‬
‫بن باز‪ ،‬المعرفة‪ ،‬بيروت‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -100‬فتح المنعم شرح صحيح مسلم‪ ،‬األستاذ الدكتور موسى شاهين‬
‫الشين‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪( ،1‬لدار الشروق)‪1423 ،‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ -101‬الفرق بين الفرق‪ ،‬وبيان الفرقة الناجية‪ ،‬عبد القاهر بن طاهر بن‬
‫محمد بن عبد اهلل البغدادي التميمي األسفراييني‪ ،‬أبو منصور‪ ،‬دار‬
‫اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1977 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -102‬الفروق اللغوية‪ ،‬أبو هالل الحسن بن عبد اهلل بن سهل بن سعيد بن‬
‫يحيى بن مهران العسكري‪ ،‬حققه وعلق عليه‪ :‬محمد إبراهيم سليم‪،‬‬
‫دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪248‬‬

‫‪ -103‬الفوائد‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم‬
‫الجوزية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1393 ،2‬هـ ‪1973 -‬م‪.‬‬
‫‪ -104‬القدر‪ ،‬أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن بن المستَفاض ِ‬
‫الف ْريابِي‪،‬‬ ‫ُ ْ‬
‫المحقق‪ :‬عبد اهلل بن حمد المنصور‪ ،‬أضواء السلف‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1418‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -105‬القصيدة التائية يف القدر‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم‬
‫بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراين‬
‫الحنبلي الدمشقي‪ ،‬شرح وتحقيق‪ :‬محمد بن إبراهيم الحمد‪ ،‬دار ابن‬
‫خزيمة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪ -106‬القضاء والقدر‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ال ُخ ْس َر ْو ِجردي‬
‫الخراساين‪ ،‬أبو بكر البيهقي‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد بن عبد اهلل آل عامر‪،‬‬
‫مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪ -107‬القضاء والقدر‪ ،‬عمر بن سليمان بن عبد اهلل األشقر العتيبي‪ ،‬دار‬
‫النفائس للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪1425 ،13‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪ -108‬قطر الولي على حديث الولي = والية اهلل والطريق إليها‪ ،‬محمد بن‬
‫علي بن محمد بن عبد اهلل الشوكاين اليمني‪ ،‬المحقق‪ :‬إبراهيم إبراهيم‬
‫هالل‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -109‬قطف الثمر يف بيان عقيدة أهل األثر‪ ،‬أبو الطيب محمد صديق خان‬
‫بن حسن بن علي ابن لطف اهلل الحسيني البخاري ا ِلقنَّوجي ‪1307‬هـ‪،‬‬
‫وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪ ،‬السعودية‪،‬‬
‫ط‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫‪ -110‬القول المفيد على كتاب التوحيد‪ ،‬محمد بن صالح بن محمد‬


‫العثيمين‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪ ،3‬محرم ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -111‬كتاب التوحيد = التخلي عن التقليد والتحلي باألصل المفيد‪ ،‬عمر‬
‫العرباوي الحمالوي‪ ،‬مطبعة الوراقة العصرية‪1404 ،‬هـ ‪1984 -‬م‪.‬‬
‫‪ -112‬كتاب السنة (ومعه ظالل الجنة يف تخريج السنة بقلم‪ :‬محمد ناصر‬
‫الدين األلباين)‪ ،‬أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن‬
‫الضحاك بن مخلد الشيباين‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1400 ،1‬هـ ‪-‬‬
‫‪1980‬م‪.‬‬
‫‪ -113‬كتاب القدر‪ ،‬ضمن مجموع الفتاوى‪ ،‬المجلد الثامن‪ ،‬تقي الدين أبو‬
‫العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراين‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الرحمن‬
‫بن محمد بن قاسم‪ ،‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‪،‬‬
‫المدينة النبوية‪ ،‬السعودية‪1416 ،‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ -114‬كشف المشكل من حديث الصحيحين‪ ،‬جمال الدين أبو الفرج عبد‬
‫الرحمن بن علي بن محمد الجوزي‪ ،‬المحقق‪ :‬علي حسين البواب‪،‬‬
‫دار الوطن‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫والروض‬
‫الوهاج َّ‬
‫‪ -115‬الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم = الكوكب َّ‬
‫ال َب َّهاج يف شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ ،‬جمع وتأليف‪ :‬محمد‬
‫األمين بن عبد اهلل األُ َرمي ال َع َلوي َ‬
‫اله َرري الشافعي‪ ،‬نزيل مكة المكرمة‬
‫والمجاور هبا‪ ،‬مراجعة‪ :‬لجنة من العلماء برئاسة الربفسور هاشم‬
‫محمد علي مهدي‪ ،‬المستشار برابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬مكة المكرمة‪،‬‬
‫دار المنهاج‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪250‬‬

‫‪ -116‬لوامع األنوار البهية وسواطع األسرار األثرية لشرح الدرة المضية يف‬
‫عقد الفرقة المرضية‪ ،‬شمس الدين‪ ،‬أبو العون محمد بن أحمد بن‬
‫سالم السفاريني الحنبلي‪ ،‬مؤسسة الخافقين ومكتبتها‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1402‬هـ ‪1982 -‬م‪.‬‬
‫‪ -117‬لوائح األنوار السنية ولواقح األفكار السنية شرح قصيدة ابن أبي داود‬
‫الحائية يف عقيدة أهل اآلثار السلفية‪ ،‬محمد بن أحمد بن سالم‬
‫السفاريني الحنبلي‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬عبد اهلل بن محمد بن سليمان‬
‫البصيري‪ ،‬مكتبة الرشد للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1415‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ -118‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر‬
‫بن سليمان الهيثمي‪ ،‬المحقق‪ :‬حسام الدين القدسي‪ ،‬مكتبة القدسي‪،‬‬
‫القاهرة‪1414 ،‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ -119‬مجموع الفتاوى‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن‬
‫تيمية الحراين‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬مجمع‬
‫الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‪ ،‬المدينة النبوية‪ ،‬السعودية‪،‬‬
‫‪1416‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ -120‬مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة‪ ،‬مؤلف األصل‪:‬‬
‫محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية‪،‬‬
‫اختصره‪ :‬محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان البعلي شمس‬
‫الدين‪ ،‬ابن الموصلي‪ ،‬المحقق‪ :‬سيد إبراهيم‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪251‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫‪ -121‬مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن‬
‫لم ْر َو ِزي‪ ،‬اختصره‪ :‬العالمة أحمد بن علي‬ ‫نصر بن الحجاج ا َ‬
‫المقريزي‪ ،‬حديث أكادمي‪ ،‬فيصل اباد‪ ،‬باكستان‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ ‪-‬‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ -122‬مختصر معارج القبول‪ ،‬أبو عاصم هشام بن عبد القادر بن محمد آل‬
‫عقدة‪ ،‬مكتبة الكوثر‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1418 ،5‬هـ‪.‬‬
‫‪ -123‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬محمد بن أبي‬
‫بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد‬
‫المعتصم باهلل البغدادي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1416 ،2‬هـ ‪-‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -124‬المدخل إلى السنن أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي‪ ،‬اعتنى به‬
‫وخر َج ن ُقو َله‪ :‬محمد عوامة‪ ،‬دار اليسر للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫َّ‬
‫جمهورية مصر العربية‪ ،‬دار المنهاج للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪1437 ،1‬هـ ‪2017 -‬م‪.‬‬
‫‪ -125‬مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬أبو الحسن عبيد اهلل بن‬
‫محمد عبد السالم بن خان محمد بن أمان اهلل بن حسام الدين‬
‫الرحماين المباركفوري‪ ،‬إدارة البحوث العلمية والدعوة واإلفتاء‪،‬‬
‫الجامعة السلفية‪ ،‬بنارس‪ ،‬الهند‪ ،‬ط‪1404 ،3‬هـ ‪1984 -‬م‪.‬‬
‫‪ -126‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬علي بن سلطان محمد‪ ،‬أبو‬
‫الحسن نور الدين المال الهروي القاري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪1422 ،1‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪252‬‬

‫‪ -127‬مساجد البكيرية‪ ،‬األستاذ الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عبد‬


‫المحسن الفريح‪ ،‬عضو هيئة التدريس يف الجامعة اإلسالمية بالمدينة‬
‫النبوية‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1440 ،1‬هـ ‪-‬‬
‫‪2019‬م‪.‬‬
‫‪ -128‬مسالة محيرة‪ ،‬للعالمة عبد اهلل بن عبد الرحمن الجربين‪ ،‬اعتنى هبا‪:‬‬
‫علي بن حسين أبولوز‪ ،‬دار ابن خزيمة‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -129‬مستدرك الحاكم = المستدرك على الصحيحين‪ ،‬أبو عبد اهلل الحاكم‬
‫محمد بن عبد اهلل بن محمد بن حمدويه بن ُنعيم بن الحكم الضبي‬
‫الطهماين النيسابوري المعروف بابن البيع‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -130‬مسند ابن الجعد‪ ،‬علي بن ال َج ْعد بن عبيد ال َج ْو َهري البغدادي‪ ،‬عامر‬
‫أحمد حيدر‪ ،‬مؤسسة نادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -131‬مسند أبي يعلى‪ ،‬أبو يعلى أحمد بن علي بن الم ُثنى بن يحيى بن‬
‫عيسى بن هالل التميمي‪ ،‬الموصلي‪ ،‬المحقق‪ :‬حسين سليم أسد‪ ،‬دار‬
‫المأمون للرتاث‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1404 ،1‬هـ ‪1984 -‬م‪.‬‬
‫‪ -132‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن‬
‫هالل بن أسد الشيباين‪ ،‬المحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬عادل مرشد‪،‬‬
‫وآخرون‪ ،‬إشراف‪ :‬الدكتور عبد اهلل بن عبد المحسن الرتكي‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -133‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن‬
‫‪253‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫هالل بن أسد الشيباين‪ ،‬المحقق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬دار الحديث‪،‬‬


‫القاهرة‪ ،‬ط‪1416 ،1‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ -134‬مسند البزار = البحر الزخار‪ ،‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق‬
‫بن خالد بن عبيد اهلل العتكي المعروف بالبزار‪ ،‬المحقق‪ :‬محفوظ‬
‫الرحمن زين اهلل‪ ،‬وعادل بن سعد‪ ،‬وصربي عبد الخالق الشافعي‪،‬‬
‫مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬ط‪2009 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -135‬مسند الشاميين‪ ،‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي‬
‫الشامي‪ ،‬أبو القاسم الطرباين‪ ،‬المحقق‪ :‬حمدي بن عبد المجيد‬
‫السلفي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1984 – 1405 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -136‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬الكتاب المصنف يف األحاديث واآلثار‪ ،‬أبو‬
‫بكر بن أبي شيبة‪ ،‬عبد اهلل بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي‬
‫العبسي‪ ،‬المحقق‪ :‬كمال يوسف الحوت‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ -137‬معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم األصول‪ ،‬حافظ بن‬
‫أحمد بن علي الحكمي‪ ،‬عمر بن محمود أبو عمر‪ ،‬دار ابن القيم‪،‬‬
‫الدمام‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -138‬معالم السنن‪ ،‬وهو شرح سنن أبي داود‪ ،‬أبو سليمان حمد بن محمد‬
‫بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي‪ ،‬المطبعة العلمية‪،‬‬
‫حلب‪ ،‬ط‪1351 ،1‬هـ ‪1932 -‬م‪.‬‬
‫‪ -139‬المعجم األوسط‪ ،‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪254‬‬

‫الشامي‪ ،‬أبو القاسم الطرباين‪ ،‬المحقق‪ :‬طارق بن عوض اهلل بن محمد‬


‫عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني‪ ،‬دار الحرمين‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -140‬المعجم الكبير‪ ،‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي‬
‫الشامي‪ ،‬أبو القاسم الطرباين‪ ،‬المحقق‪ :‬حمدي بن عبد المجيد‬
‫السلفي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ -141‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬د أحمد مختار عبد الحميد عمر‪،‬‬
‫بمساعدة فريق عمل‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬ط‪1429 ،1‬هـ ‪2008 -‬م‪.‬‬
‫‪ -142‬مفتاح دار السعادة‪ ،‬ومنشور والية العلم واإلرادة‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد‬
‫بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الرحمن بن حسن‬
‫بن قائد وفق المنهج المعتمد من بكر بن عبد اهلل أبو زيد‪ ،‬راجعه‪:‬‬
‫محمدْ َأجمل اإلص ِ‬
‫الحي‪ ،‬سليمان بن عبد اهلل العمير‪ ،‬دار عالم‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫الفوائد‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬ط‪1432 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -143‬المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف‬
‫بالراغب األصفهاين‪ ،‬صفوان عدنان الداودي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الدار‬
‫الشامية‪ ،‬دمشق بيروت‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -144‬الملل والنحل‪ ،‬أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد‬
‫الشهرستاين‪ ،‬مؤسسة الحلبي‪.‬‬
‫‪ -145‬منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪ ،‬حمزة محمد قاسم‪،‬‬
‫راجعه‪ :‬الشيخ عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬عني بتصحيحه ونشره‪ :‬بشير‬
‫محمد عيون‪ ،‬مكتبة دار البيان‪ ،‬دمشق‪ ،‬الجمهورية العربية السورية‪،‬‬
‫مكتبة المؤيد‪ ،‬الطائف‪ ،‬السعودية‪1410 ،‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪255‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫‪ -146‬منهاج السنة النبوية يف نقض كالم الشيعة القدرية‪ ،‬تقي الدين أبو‬
‫العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أبي القاسم‬
‫بن محمد ابن تيمية الحراين الحنبلي الدمشقي‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد رشاد‬
‫سالم‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬ط‪1406 ،1‬هـ ‪-‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -147‬منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده يف تقرير العقيدة‪ ،‬والرد على‬
‫المخالفين‪ ،‬إعداد‪ :‬أحمد بن علي الزاملي عسيري‪ ،‬إشراف‪ :‬عبد‬
‫الرحمن بن عبد اهلل بن عبد المحسن الرتكي‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل درجة‬
‫الماجستير يف العقيدة والمذاهب المعاصرة‪ ،‬كلية أصول الدين‪ ،‬جامعة‬
‫اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬السعودية‪1431 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -148‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي‬
‫المدين‪ ،‬صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه‪ :‬محمد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1406 ،‬هـ ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ -149‬النبوات‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراين الحنبلي‬
‫الدمشقي‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد العزيز بن صالح الطويان‪ ،‬أضواء السلف‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪ -150‬الوايف بالوفيات‪ ،‬صالح الدين خليل بن أيبك بن عبد اهلل الصفدي‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬أحمد األرناؤوط وتركي مصطفى‪ ،‬دار إحياء الرتاث‪،‬‬
‫بيروت‪1420 ،‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪256‬‬

‫‪ -151‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬أبو العباس شمس الدين أحمد بن‬
‫محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان الربمكي اإلربلي‪ ،‬المحقق‪:‬‬
‫إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مصادر االنرتنت‪:‬‬


‫‪ -1‬مادة صوتية للشيخ محمد بن صالح العثيمين ‪ ‬على اليوتيوب‪،‬‬
‫الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=OuKYKCRiDLM‬‬
‫*****‬
‫‪257‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫فهرس املوضوعات والفوائد‬

‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪5‬‬
‫‪..............................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫ترمجة موجزة للمؤلف‬
‫‪11‬‬
‫‪......................................................................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪15‬‬
‫‪.............................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫تعريف القضاء والقدر‬
‫‪16‬‬ ‫الفرق بني القضاء والقدر‬
‫‪........................................................................................................................................................................................................‬‬

‫* قال الشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل‪ :‬القضاء‪ :‬ما يقضي به اهلل عز وجل من‬

‫‪18‬‬
‫‪.............................................................................................‬‬‫أفاله أو أفعال الخلق‪ ،‬والقدر‪ :‬ما كتبه يف اللوح المحفوظ‬

‫‪20‬‬
‫‪......................................................................................................................................................‬‬ ‫حكم اإلميان بالقضاء والقدر‪ ،‬وأدلة وجوبه‬
‫‪20‬‬
‫‪.........................................................................................................................................................‬‬ ‫أوَّل‪ :‬حكم اإليمان بالقضاء والقدر‬
‫ً‬
‫* يجب اإليمان بالقضاء والقدر‪ ،‬وهو ركن من أركان اإليمان الستة‬

‫‪20‬‬
‫‪..........................................................................................................................‬‬ ‫التي وردت يف حديث جبريل عليه السالم‬

‫‪24‬‬
‫‪.....................................................................................................................‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬األدلة على وجوب اإليمان بالقضاء والقدر‬
‫‪24‬‬
‫‪..........................................................................................................................................................‬‬ ‫أوَّل‪ :‬األدلة من القرآن الكريم‬
‫ً‬
‫‪24‬‬
‫‪.........................................................................................................................................‬‬ ‫‪ -1‬ﱣﳛﳜﳝﳞﳟﱢ‬

‫‪27‬‬
‫‪.................................................................................................................................‬‬‫‪ -2‬ﱣﲡﲢﲣﲤﲥﱢ‬
‫‪29‬‬
‫‪......................................................................................................................‬‬ ‫‪ -3‬ﮋﮇ ﮈﮉﮊﮋﮊ‬
‫‪29‬‬
‫‪.......................................................................................................................................................‬‬ ‫‪ -4‬ﮋﮝ ﮞ ﮟﮠﮊ‬
‫‪30‬‬
‫‪....................................................................................................................‬‬ ‫‪ -5‬ﮋﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢﭣﭤﮊ‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪258‬‬

‫‪32‬‬
‫‪...................................................................‬‬ ‫‪ -6‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙﮊ‬
‫‪33‬‬
‫‪.....................................................................................‬‬ ‫‪7‬ﮋﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﮊ‬

‫‪34‬‬
‫‪..................................................................................................................................................................‬‬‫‪ -8‬ﱣﲘﲙﲚﱢ‬
‫‪35‬‬
‫‪............................................................................................................................................................................‬‬ ‫أنواع الهداية‬
‫‪37‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬األدلة من السنة النبوية‬
‫‪...............................................................................................................................................................‬‬

‫‪37‬‬ ‫أن وت ُْؤ ِم َن بال َقدَ ِر‪ :‬خَ يرِ ِه َو َش ِّر ِه»‬
‫‪...................................................................................................‬‬ ‫* حديث‪َ « :‬و ْ‬
‫* حديث‪« :‬إن اهلل كتب مقادير الخالئق قبل أن يخلق‬

‫‪38‬‬
‫‪................................................................................................................‬‬ ‫السموات واألرض بخمسين ألف سنة»‬

‫أهل أرضه‪ ،‬عذ َبهم‬ ‫عذ َب أهل سماواتِه و َ‬ ‫أن اهلل ا‬


‫* حديث‪« :‬لو ا‬
‫غير ظالم لهم‪ ،‬ولو َر ِح َمهم كانت رحم ُته خي ًرا لهم من‬ ‫وهو ُ‬
‫‪39‬‬ ‫أح ٍد ذه ًبا يف سبيل اهلل ما َقبِ َل ُه اهلل َ‬
‫منك‬ ‫أنفقت مثل ُ‬
‫َ‬ ‫أعمالهم‪ ،‬ولو‬
‫تؤمن بال َقدَ ر‪»... ،‬‬ ‫َ‬ ‫حتى‬
‫‪.............................................................................................................................................................‬‬

‫ب إِ َلى اهللِ ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن‬


‫ي‪ ،‬خَ ْي ٌر َو َأ َح ُّ‬
‫ِ‬
‫* حديث‪« :‬ا ْل ُم ْؤم ُن ا ْل َق ِو ُّ‬
‫ك‪ ،‬واست َِعن بِاهللِ‬ ‫ا ِ ِ ِ‬
‫احرِ ْص َع َلى َما َينْ َف ُع َ َ ْ ْ‬ ‫الضعيف‪َ ،‬وفي ك ٍُّل خَ ْي ٌر‪ْ ،‬‬
‫َان ك ََذا‬
‫تك َ‬ ‫ك َش ْي ٌء‪َ ،‬ف َال َت ُق ْل‪َ :‬ل ْو َأنِّي َف َع ْل ُ‬
‫َو ََّل َت ْع َجزْ‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب َ‬
‫‪42‬‬
‫َوك ََذا‪َ ،‬و َلكِ ْن ُق ْل‪َ :‬قدَ ُر اهللِ َو َما َشا َء َف َع َل‪َ ،‬فإِ ان َل ْو َت ْفت َُح َع َم َل‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ان»‬ ‫ا‬
‫‪....................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪44‬‬
‫‪..................................................................................‬‬ ‫* حديث‪« :‬ك ُُّل َش ْي ٍء بِ َقدَ ٍر‪َ ،‬حتاى ا ْل َع ْج ِز َوا ْل َك ْي ِ‬
‫س»‬

‫أهال‪ ،‬خلقهم لها وهم يف أصالب‬


‫* حديث‪« :‬إن اهلل خلق للجنة ً‬
‫‪46‬‬
‫‪............................................................‬‬ ‫هال‪ ،‬خلقهم لها وهم يف أصالب آبائهم»‬
‫آبائهم‪ ،‬وخلق للنار أ ً‬
‫‪259‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫‪48‬‬
‫‪......................................................................................................................................................................................‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬دليل اإلجماع‬
‫* قال النووي‪ :‬وقد تظاهرت األدلة القطعيات من الكتاب‪،‬‬
‫والسنة‪ ،‬وإجماع الصحابة‪ ،‬وأهل الحل والعقد من السلف‬
‫‪48‬‬
‫‪.......................................................................................................‬‬ ‫والخلف؛ على إثبات قدر اهلل ‪‬‬
‫‪49‬‬
‫‪.........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬دليل الفطرة‬
‫قديما وحدي ًثا‪ ،‬ولم ينكره إال‬
‫ً‬ ‫* اإليمان بالقدر معلوم بالفطرة‬
‫الشوا ُّذ من المشركين من األمم‪ ،‬ولم يقع الخطأ يف نفي القدر‬
‫‪49‬‬
‫‪.....................................................................................‬‬ ‫وإنكاره‪ ،‬وإنما وقع يف فهمه على الوجه الصحيح‬
‫‪51‬‬
‫‪......................................................................................................................................................................................‬‬ ‫خامسا‪ :‬دليل العقل‬
‫ً‬
‫* العقل الصحيح يقطع بأن اهلل هو خالق هذا الكون‪ ،‬ومدبره‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫‪..........................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫ومالكه‬

‫‪53‬‬
‫‪..............................................................................................................................................................................................................‬‬‫درجات اإلميان بالقدر‬
‫‪53‬‬
‫‪......................................................................................................................‬‬ ‫* قال ابن رجب‪ :‬واإليمان بالقدر على درجتين‬
‫‪54‬‬
‫‪...............................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫مراتب اإلميان بالقدر‬
‫‪54‬‬ ‫المرتبة األولى‪ :‬العلم السابق‬
‫‪.......................................................................................................................................................................‬‬

‫كل ح ِّي‪ ،‬و َعلِ َم‬ ‫ٍ‬


‫شيء‪ ،‬و َأ َج َل ِّ‬ ‫* َعلِم سبحانه ِ‬
‫بعلمه السابق َّ‬
‫كل‬ ‫َ‬
‫يكون‪ ،‬وما‬‫ُ‬ ‫الخير والشر‪ ،‬وقدَّ ر النفع والضر‪ ،‬علم ما كان‪ ،‬وما‬
‫‪54‬‬
‫‪.........................................................................................................................‬‬‫سيكون‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف يكون‬
‫‪57‬‬
‫‪...........................................................‬‬ ‫* اهلل ال يحاسب العباد على علمه السابق هبم بل على أفعالهم‬
‫‪59‬‬
‫‪......................................................................................‬‬ ‫* التفرد باالختيار واالجتباء دليل على العلم السابق‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪260‬‬

‫‪65‬‬
‫‪...........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫المرتبة الثانية‪ :‬الكتابة‬
‫العلم يف اللوح المح ِ‬
‫فوظ قبل خ ْلق‬ ‫ِ‬ ‫* وهي كتابته سبحانه لهذا‬

‫‪65‬‬
‫‪....................................................................................................................................................................................‬‬ ‫السموات واألرض‬

‫‪70‬‬
‫‪..............................................................................................................................‬‬‫* التقدير يف المرتبتين ‪-‬األولى والثانية‪-‬‬
‫‪72‬‬
‫‪........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫المرتبة الثالثة‪ :‬المشيئة‬

‫* قال ابن القيم‪ :‬وليس يف الوجود موجب ومقتض إال مشيئة اهلل‬

‫‪72‬‬
‫‪...........................................................................................................................‬‬‫وحده‪ ،‬فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‬

‫‪76‬‬ ‫* الفرق بين المشيئة الكونية القدرية والمشيئة الشرعية‬


‫‪...............................................................................‬‬

‫‪78‬‬
‫‪.........................................................................................................‬‬‫* ال شيء كان وال يكون إال بمشيئة اهلل تعالى‬
‫‪79‬‬
‫‪.........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫المرتبة الرابعة‪ :‬الخلق‬
‫كل شيء‪ ،‬فال يوجد شي ٌء إال بمشيئته‬ ‫خالق ِّ‬ ‫* وهي َّ‬
‫أن اهلل تعالى ُ‬
‫أفعال ِ‬
‫العباد‬ ‫ِ‬ ‫خالق‬
‫ُ‬ ‫وخلقه‪ ،‬ومن ذلك أفعال ِ‬
‫العباد‪ ،‬فهو تعالى‬
‫‪79‬‬
‫‪.................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫خيرها وشرها‬
‫‪84‬‬
‫‪...........................................................................................................................................................‬‬ ‫* كن آدم ًّيا وال تكن إبليس ًّيا‬
‫‪86‬‬ ‫أهمية موضوع اإلميان بالقضاء والقدر‬
‫‪.....................................................................................................................................................................‬‬

‫‪91‬‬
‫‪.................................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫حكمة اإلميان بالقدر‬
‫* حكمة ذلك‪ :‬أن تنطلق قوى اإلنسان وطاقاته لتعرف هذه السنن‪ ،‬ولتدرك‬

‫‪91‬‬
‫‪........................................................................................................................‬‬ ‫هذه القوانين‪ ،‬وتعمل بمقتضاها يف البناء والتعمير‬

‫‪93‬‬ ‫جممل االعتقاد احلق بالقدر‬


‫‪................................................................................................................................................................................................‬‬
‫‪261‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫‪98‬‬
‫‪..............................................................................................................................................................‬‬ ‫الواجب على العبد يف باب القضاء والقدر‬
‫* الواجب على العبد يف هذا الباب‪ :‬أن ُيؤمن بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬وأن ُيؤمن‬
‫بشرع اهلل‪ ،‬وأمره وهنيه‪ ،‬فعليه تصديق الخرب‪ ،‬وطاعة األمر‪ .‬فإذا أحسن‬
‫‪98‬‬
‫َح ِمدَ اهلل‪ ،‬وإذا أساء استغفر اهلل‪ ،‬وعلم أن ذلك كله بقضاء اهلل وقدره‬
‫‪...............................................................‬‬

‫‪100‬‬
‫‪..............................................................................................................................................................................................‬‬ ‫الطوائف اليت ضلت يف القدر‬
‫‪100‬‬
‫‪.....................................................................................................................................................................................‬‬ ‫الطائفة األولى‪ :‬الجبرية‬

‫* وهم الذين قالوا‪ :‬إن العبد مجبور على عمله‪ ،‬وليس له فيه إرادة‬

‫‪100‬‬ ‫وال قدرة‬


‫‪....................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪103‬‬
‫‪.........................................................................................................................................................................................‬‬‫الطائفة الثانية‪ :‬القدرية‬

‫* وهم الذين قالوا‪ :‬إن العبد مستقل بعمله يف اإلرادة والقدرة‪،‬‬

‫‪103‬‬ ‫وليس لمشيئة اهلل تعالى وقدرته فيه أثر‬


‫‪...................................................................................................................................‬‬

‫‪107‬‬
‫‪...................................................................................................................‬‬‫* الرد على من احتج بالمعاصي على القدر‬

‫‪111‬‬
‫‪.............................................................................................................................................‬‬ ‫* وسطية أهل السنة بين الطائفتين‬

‫‪114‬‬
‫‪.......................................................................................................................................................‬‬ ‫مقتطفات من كالم العلماء يف القضاء والقدر‬
‫‪124‬‬
‫‪...........................................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫مسائل حول القدر‬
‫‪124‬‬
‫‪...........................................................................................................................................‬‬‫المسألة األولى‪ :‬الرضا بالقضاء والقدر‬

‫‪130‬‬
‫‪....................................................................................................................................................‬‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬منشأ القضاء والقدر‬

‫‪134‬‬ ‫المسألة الثالثة‪ :‬نؤمن بالقدر وَّل نحتج به على المعاصي‬


‫‪............................................................................................‬‬

‫‪139‬‬
‫‪.......................................................................................................................‬‬ ‫المسألة الرابعة‪ :‬العباد مخيرون غير مجبورون‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪262‬‬

‫‪142‬‬
‫‪...................................................................................................................................................‬‬ ‫المسألة الخامسة‪ :‬فعل العبد وكسبه‬

‫‪143‬‬ ‫المسألة السادسة‪ :‬الجبر الذي أنكره السلف‬


‫‪..............................................................................................................................‬‬

‫‪145‬‬
‫‪.....................................................................................................................‬‬‫المسألة السابعة‪ :‬اآلثار المترتبة على فعل العبد‬

‫‪146‬‬ ‫المسألة الثامنة‪ :‬الثواب والعقاب‬


‫‪.............................................................................................................................................................‬‬

‫‪147‬‬
‫‪.................................................................................................................................‬‬ ‫المسألة التاسعة‪ :‬إضافة الفعل إلى اإلنسان‬

‫‪147‬‬ ‫المسألة العاشرة‪ :‬هلل يف قدره سر وعلم‬


‫‪..............................................................................................................................................‬‬

‫‪150‬‬
‫‪...............................................................................................‬‬ ‫المسألة الحادية عشر‪ :‬اإلرادة الشرعية واإلرادة الكونية‬

‫‪153‬‬
‫‪...............................................................................................................‬‬ ‫المسألة الثانية عشر‪ :‬من أسباب إضالل اهلل للعبد‬

‫‪155‬‬
‫‪.................................................................................................................................‬‬ ‫المسألة الثالثة عشر‪ :‬الطبع والختم والقفل‬

‫‪157‬‬
‫‪.............................................................................................................................................................‬‬ ‫المسألة الرابعة عشر‪ :‬اإلخالص‬

‫‪158‬‬
‫‪.......................................................................................................................................‬‬ ‫المسألة الخامسة عشر‪ :‬من خلق العدم؟‬

‫‪159‬‬
‫‪.....................................................................................................................................................‬‬ ‫الشر العدمي والشر الوجودي‬

‫‪167‬‬
‫‪..................................................................................................................................‬‬ ‫المسألة السادسة عشر‪ :‬العقوبة على العدم‬

‫‪169‬‬
‫‪......................................................................................................................................‬‬‫المسألة السابعة عشر‪ :‬اهلل منزه عن الظلم‬

‫‪173‬‬
‫‪.................................................................................................................‬‬ ‫المسألة الثامنة عشر‪ :‬العقوبة المترتبة على المنع‬

‫‪175‬‬
‫‪..............................................................................................................................................‬‬ ‫المسألة التاسعة عشر‪ :‬الرضا واإلعانة‬

‫‪177‬‬
‫‪..................................................................................................................................‬‬ ‫المسألة العشرون‪ :‬التعوذ من سوء القضاء‬

‫‪179‬‬
‫‪....................................................................................................‬‬ ‫المسألة الحادية والعشرون‪ :‬الدعاء سبب لرد القضاء‬

‫‪186‬‬ ‫المسألة الثانية والعشرون‪ :‬والشر ليس إليك‬


‫‪..............................................................................................................................‬‬
‫‪263‬‬ ‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬

‫‪194‬‬
‫‪.....................................................................................‬‬ ‫المسألة الثالثة والعشرون‪ :‬هل أراد اهلل المعصية من العبد؟‬

‫‪198‬‬
‫‪.......................................................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫مسألة حمرية‬
‫‪210‬‬
‫‪........................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫اخلالصة يف مسألة القدر‬
‫‪230‬‬
‫‪...................................................................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫اخلامتة‬
‫‪231‬‬ ‫فهرس املصادر واملراجع‬
‫‪..............................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪257‬‬
‫‪..................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫فهرس املوضوعات والفوائد‬
‫*****‬
‫القضاء والقدر عند أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪264‬‬

You might also like