You are on page 1of 196

1

‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫العنوان‪:‬‬
‫رس حيايت‬

‫إهـــداء‬ ‫حاكية يروهيا‪:‬‬


‫إلى كل إنسان طموح على وجه األرض‪ ..‬إلى كل شاب ُمبادر‪ ،‬قرر أن يغير‬ ‫محمود العريب‬
‫واقعه‪ ،‬ولم يصدق أكذوبة أنه «ال يقدر»!‪ ..‬إلى كل من بدأ يسلك طريق النجاح‬
‫بالمسيطر الحقيقي على هذا الكون‪..‬‬
‫ِ‬ ‫الشاق بالعمل الجاد‪ ،‬بعد االستعانة‬
‫أهدي هذا الكتاب‪،،‬‬
‫إعداد وصياغة‪:‬‬

‫محمود العريب‬ ‫خالد صاحل مصطىف‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الدءوب‪ ،‬فأغلب األنبياء مل ينجحوا يف مسرية دعوهتم إىل اهلل إال بوجود مجموعة‬ ‫مـقــدمــــــة‬
‫من املؤمنني حوهلم؛ يعملون م ًعا بقلوب خملصة لنرصة الرسالة‪ ،‬ومبشورة حقيقية‪،‬‬ ‫«بدا يل مشوار حيايت يف كثري من األحيان كطريق ميلء بالضباب تعرتيه‬
‫فأي نيب أو لوسر اكن يمسع من خلصائه أكرث مما يتلكم؛ بدون تلك املجموعة‬ ‫العقبات واحلواجز‪ ،‬وحتيط به األخطار‪..‬‬
‫املخلصة ما اكنت الرسالة لتصل إىل أهدافها‪ .‬ولقد أكرمين ريب مبجموعة‬
‫بأخوي دمحم وعبداجليد – رمحه اهلل‪ -‬مث أوالدنا وأحفادنا مجي ًعا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫خملصة‪ ،‬بدأت‬ ‫«ح ًّقا‪ ،‬لوال أن اهلل تعاىل قد أنار يل جوانب عديدة من ذلك الطريق‪ ،‬برمحة منه‬
‫ومجموعة من أوىف وأمهر املهندسني واخلرباء واملستشارين‪ ،‬مث ما يزيد عن ‪32‬‬ ‫أخوي دمحم وعبد اجليد‪ -‬مفاتيح ذلك‬
‫َّ‬ ‫وفضل‪ ،‬ولوال أنه سبحانه قد آتانا – مع‬
‫أل ًفا من العاملني معنا يف مجموعة «العريب»‪ ..‬بدون لك هؤالء ما اكن لسطور‬ ‫تبي‬ ‫ً‬
‫املشوار الطويل‪ ،‬وأ َّيدنا بقلوب واثقة وخطا ثابتة ومه ٍم عالية‪ ،‬ما استطعنا ُّ‬
‫هذه القصة أن ُتكتب»‪..‬‬ ‫حقائق وأرسار التنامغ مع احلياة يف مشوارنا‪ ،‬وما استطعنا أن نستهنض اهلمة‬
‫من داخلنا‪ ،‬ومن داخل لك من شاركنا طريقنا الطويل‪ ،‬لنصنع م ًعا ذلك الرصح‬
‫الذي أمقناه‪..‬‬
‫حمـمـــود العــربـــي‬ ‫«تعملت يف ذلك املشوار أن اهلل تعاىل قد خلق الناس مجي ًعا سواسية‪ ،‬وأنه‬
‫بعضا‪ .‬وأنه عز وجل قد رفع بعضنا فوق بعض‬ ‫ً‬ ‫– سبحانه‪ -‬خسرنا لينفع بعضنا‬
‫َّ‬
‫ليغرت أو يتكرب أحدنا مبا لديه‪ ،‬أو يقنط آخر وحيزن ملا افتقده‪..‬‬ ‫درجات ليختربنا‪ ،‬ال‬
‫«تعملت من القرآن ‪ -‬كتاب اهلل الكرمي‪ -‬أن املال لكه مال اهلل‪ ،‬وأن األصل يف‬
‫العالقة الناحجة بني الناس هو احلب‪ ،‬وأن هبجة احلياة تنعدم بدون ُّ‬
‫توفر احلب‬
‫والرمحة والوفاء‪ ،‬أو عىل األقل يذهب أمجل ما فهيا‪.‬‬
‫شكون الباب املليك‬‫أيضا أن حسن اخللق والصدق واألمانة والوفاء‪ُ ،‬ي ِّ‬
‫«تعملت ً‬
‫املضمون للوصول إىل قلوب الناس‪ ،‬والكتساب ثقهتم يف شىت املعامالت‪..‬‬
‫«وتعملت من سري األنبياء – صلوات اهلل وسالمه علهيم‪ -‬أمهية العمل امجلايع‬

‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫�أربع �سنوات مع ال�شهبندر!‬


‫له مهنج تربوي وأخاليق يف تعامالته ويف إدارته للعمل‪ ،‬ال حييد عنه‪ ،‬وهو‬
‫يؤكد مرا ًرا أن لك رجائه أن حيافظ أبناء األجيال الصاعدة يف العائلة ويف‬ ‫حني التقيته ألول مرة يف مكتبه شعرت برهبة؛ فللرجل وقار وثقة واعتداد‬
‫مجموعة «العريب» عىل منظومة القمي واملبادئ اليت أسست للرشكة وذللت هلا‬ ‫بالنفس دون الغرور‪ ،‬وهيلع هيبة جتربك عىل احرتامه‪ ،‬وفوق ذلك هو قليل الكالم‪،‬‬
‫سبيل النجاح والتوفيق‪ ،‬وحفرت المسها ماك ًنا مرمو ًقا يف مقدمة عاملنا العريب‬ ‫تستطيع أن حتيص عدد اللكامت اليت ينطق هبا يف اجللسة لكها!‬
‫واإلفرييق‪ ،‬وأن حيققوا أمله ببلوغ عدد العاملني يف «العريب» إىل ‪ 200‬ألف مكا‬ ‫اكن تساؤيل وأنا جالس أتطلع إليه‪ :‬كيف سأمعل معه؟! وكيف أعاونه‬
‫هو احلال يف «توشيبا»‪..‬‬ ‫عىل اجرتار ذكريات مشوار النجاح الطويل العريض وسط لك هذه املشاغل‬
‫حني سألته عن احلل ‪ -‬يف رأيه‪ -‬للخروج متا ًما من أزمتنا يف مرصنا احلبيبة‪،‬‬ ‫واملسوئليات؛ لقد ظننت يومها أين ُمقدم عىل مهمة مستحيلة‪..‬‬
‫ميا‪ ،‬أجاب إجابة مفاجئة وخمتلفة متا ًما معا‬
‫والعودة ملقدمة العامل مكا كنّا قد ً‬ ‫ولكن مبرور األيام‪ ،‬فاجأين إرصاره عىل إمتام العمل‪ .‬مل متنعه مسوئلياته‬
‫توقعت‪ ،‬تعملها من القرآن الكرمي‪ ،‬مث من التجربة الواقعية للشعب الياباين بعد‬ ‫الكثرية من إجياد الوقت ليحيك يل‪ ،‬ولرياجع ويدقق يف التفاصيل‪ .‬اكن يعترب‬
‫نعل األطفال كويس‪ ،‬ونربهيم عىل الدين‬ ‫احلرب العاملية الثانية‪ .‬قال‪« :‬األطفال‪ّ ..‬‬ ‫هذا الكتاب أحد املرشوعات الوليدة الذي جيب أن يمت حىت الهناية بإتقان‪ ،‬وكيف‬
‫مه يعملوا لك اليل حوالهيم‪ ..‬يف عرش سنني تاليق البالد‬‫وعىل األخالق‪ ،‬يقوموا ّ‬ ‫ملرشوع بدأه أال يمت حىت الهناية‪ ،‬بإتقان تام؟!‬
‫لكها اتغريت بسبب تغيري اجليل الناشئ دا‪ ..‬هو أنا سبب جنايح إيه؟! مش هو‬
‫مع‬
‫أمضيت معه ساعات طويلة أثناء سفره من مرص اجلديدة إىل مقر ُ ّ‬
‫القرآن اليل حفظته من صغري؟ هو اليل أمدين بالقمي اليل عايشة معايا حلد‬
‫مصانع «العريب» بقويسنا‪ ،‬وأثناء العودة‪ ،‬أو يف مكتبه هناك‪..‬‬
‫دلوقيت‪.»..‬‬
‫مل يكن يزجعه أن الوقت قد امتد وطال يف إعداد الكتاب‪ ،‬فهو يعمل أن توجهياته‬
‫معبة تشري لقمية عزة‬
‫ّ‬ ‫حىك يل ـ واكن معنا واحد من بلدياته ـ قصة بسيطة‬
‫بزيارة لك املصانع‪ ،‬وأخذ فكرة شاملة عن رشاكت املجموعة وأنشطهتا‪..‬‬
‫النفس‪ ،‬وكأنه يعملنا أحد أرسار السعادة والنجاح‪ ،‬قال‪ :‬م ّر أمري عىل رجل بسيط‬
‫فأجعب األمري مبنظر الرجل‬‫ويغن يف رسور‪ُ ،‬‬‫ّ‬ ‫جيلس عىل األرض وقد م ّد رجليه‬ ‫إنه احلاج محمود العريب‪ ،‬هشبندر التجار‪ ،‬ورجل االقتصاد احملرتف‪ .‬رجل‬
‫مال‪ ،‬فرفض الرجل املال‪ ،‬وقال لرسول األمري‪ :‬اشكر‬ ‫وغنائه‪ ،‬فأرسل من هيديه ً‬ ‫جيمع الكثري من اخلصال النبيلة‪ ،‬دون ت ّ‬
‫لكف أو غرور أو كرب‪.‬‬
‫األمري‪ ،‬وقل له‪ :‬اليل مي ّد رجليه ما مي ّدش إيده‪!..‬‬
‫إنه القدوة اليت نبحث عهنا‪ ..‬ليس فقط ملا ميتلكه من قمي وأخالقيات تتحرك‬
‫عزيزي وأستاذي‪ ..‬قائد هذه السفينة العمالقة‪ ،‬سفينة «العريب»‪ ..‬لك مين لك‬ ‫عىل األرض‪ ،‬ولكن ألن النجاح الذي حققه – عىل أرض الواقع‪ -‬يؤكد أن النجاح‬
‫تقدير واحرتام ومودة‪ ..‬ودعاء خاشع للحنّان املنّان أن حيقق لك مطوحاتك اليت ال‬ ‫احلقييق املسمتر والبايق‪ ،‬هو املسمتد من القمي واملبادئ الراخسة‪..‬‬
‫ريا قدي ًرا يف الصناعة والتجارة واالستمثار‪.‬‬
‫حدود هلا‪ ..‬ودمت لنا‪ ،‬خب ً‬ ‫قال يل يف إحدى جلسات العمل يف الكتاب‪ :‬الفلوس ال هتمين يف ذاهتا‪ ،‬بل‬
‫مهي‬
‫يه وسيلة فقط إلجناز األمعال‪ ،‬ووسيلة إلسعاد اآلخرين ولنفعهم‪ .‬إن لك ّ‬
‫هو تشغيل املال الذي رزقنا اهلل به لتشغيل املزيد من عباد اهلل‪..‬‬
‫خالد صاحل مصطىف‬

‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الباب الأول‬
‫مــــــــــن القـــريــــــة‬

‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ولكن‪ ..‬مل تكن تلك النقلة الواسعة ببعيدة عن ملاكت ومواهب هذا الصغري؛ فقد‬ ‫أبــو رقبــــة‬
‫ظهر دليل وبرهان واحض أن يل مهارة وتفوق يف أمور التجارة والبيع‪ ،‬منذ اكن‬
‫معري مخس سنوات‪ ،‬أو أكرث بقليل‪..‬‬ ‫قرية مرصية صغرية كغريها من آالف القرى‪ ..‬تبعد سبعة كيلومرتات عن مركز‬
‫٭٭٭‬ ‫أمشون مبحافظة املنوفية‪.‬‬

‫كنا يف هشر رمضان املبارك‪ ،‬حني فاجأتين رغبة شديدة أن أسىع لكسب‬ ‫ها هنا ولدت يف يوم ‪ 15‬إبريل ‪..1932‬‬
‫هبمة‬
‫رزيق مكا يفعل أيب وإخويت‪ ،‬وسائر رجال القرية من حويل‪ .‬شعرت أيامها ّ‬ ‫اكن يوم مجعة‪ ،‬تصادف أن اكن وقفة عرفات‪..‬‬
‫تدفعين للعمل وللكسب‪ ،‬وهلجر حياة األطفال املتمسة بالدعة والكسل‪..‬‬
‫ها هنا صاغتين أحداث احلياة‪ ،‬وساقتين األقدار ألنطلق من هذه القرية‬
‫قلت أليخ عيل‪« :‬عاوز اشتغل واكسب‪ ،‬زي ما بتعمل إنت وأمحد ودمحم»‪.‬‬ ‫الصغرية إىل القاهرة الواسعة‪ ..‬مل يكن معري يومها قد جتاوز عرش سنني‪!..‬‬
‫تعجب عيل مما قلته‪ ،‬فليس من املعتاد أن يفكر من هو دون السادسة يف العمل‬
‫ً‬
‫حملا برا ًقا اكلكزن اخليف‬ ‫ِّ‬
‫متعث اخلىط‪ ،‬ميتلك‬ ‫طفل صغري‪ ،‬قليل اخلربات‪،‬‬
‫والكسب‪ ،‬وسارعت بإمكال كاليم ليقتنع بالفكرة‪« :‬أنا وفرت تالتني قرش‪ ،‬عاوزك‬
‫املخبوء‪ ،‬يعرف صاحبه يقي ًنا أنه بال ُغه‪ ،‬ولكنه ال يعرف أي يشء عن معامل الطريق‬
‫تشرتي يل بهيم باللني ومبب وحرب أطاليا‪ ،‬أحطهم فوق املصطبة اليل قدام بيتنا‪،‬‬
‫الذي سيوصله إليه‪..‬‬
‫وابيعهم يف العيد!» (اكن موقع تلك املصطبة – اليت اكنت موجودة حىت عهد‬
‫قريب‪ -‬يف مواجهة مجسد «الرمحن» الذي حل حمل بيتنا يف القرية‪ ،‬بعد أن‬ ‫ً‬
‫هائل!‪ .‬كيف ال؟‬ ‫ً‬
‫بسيطا من حطام الدنيا‪ ،‬وزادًا من العمل‬ ‫بريء‪ ..‬حيمل زادًا‬
‫أضفنا له قطعة أرض أخرى)‪..‬‬ ‫اكمل يف صدره ويف وجدانه‪ .‬حيفظه لكه‪ ،‬ويردد آياته حبب‬ ‫ً‬ ‫وهو حيمل كتاب ربــه‬
‫تعل من والديه‪َّ ،‬‬
‫وأكده‬ ‫ويقني أنه سيحفظه من لك سوء‪ ،‬مكا وعاه صدره‪ .‬فهكذا َّ‬
‫واستجاب أيخ عيل لطليب‪ ،‬بل وجشعين هيلع‪..‬‬
‫له مرا ًرا الشيخ دمحم شيخ ُ‬
‫الكتاب‪..‬‬
‫مع هناية العيد‪ ،‬زاد رأس املال؛ فقد رحبت عرشة قروش اكملة‪..‬‬
‫كنت يف العارشة يوم غادرت القرية ألمعل بالقاهرة‪ .‬اكنت مشاعري تتأرحج‪،‬‬
‫ً‬
‫قرشا‪!..‬‬ ‫أصبح رأس مايل أربعني‬ ‫بني األمل واحلرية‪ ،‬بني السعادة واخلوف‪ ،‬بني االستقرار والتشتت‪ .‬لقد تركت‬
‫ً‬
‫ورضا ال يوصف‪ ،‬وأنا أبيع اليشء بأكرث من سعره الذي‬ ‫شعرت بسعادة كبرية‬ ‫أرسيت البسيطة – ألول مرة‪ -‬ألذهب للعمل بالعامصة الصاخبة‪ ،‬لعيل أحتصل من‬
‫اشرتيته به‪ ،‬وأحصل عىل أرباح‪ .‬منذ هذا الوقت‪ ،‬ترخست يف عقيل صورة ذهنية‬ ‫معيل ذاك ما جيعل احلياة أمجل وأيرس يل وألرسيت الصغرية املتاكتفة املتحابة‪..‬‬
‫حمببة عن فكرة التجارة‪ ،‬جعلتين أرتبط هبا معري لكه‪..‬‬ ‫وأنا يف العارشة!‪.‬‬

‫ادخرته لكه حىت اقرتب عيد‬ ‫ّ‬ ‫مل أنفق رأس مايل وما زاد هيلع من رحب‪ ،‬بل‬ ‫فإذا سابقنا األحداث‪ ،‬وألقينا نظرة عىل ما جرى لذاك الطفل بعد سنوات‬
‫األحضى‪ ،‬فطلبت من أيخ عيل أن يعيد ما فعله أول م ّرة‪ .‬ومرة ثانية‪ ،‬بعت لك ما‬ ‫وسنوات وسنوات‪ ،‬سرناه يرجع لنفس املاكن‪ ،‬قرية «أبو رقبة»‪ ،‬تاج ًرا مرمو ًقا‪ ،‬بل‬
‫جاء به أيخ من ألعاب‪ ،‬فزاد رأس املال مر ًة أخرى‪.‬‬ ‫ورئيسا الحتاد غرف جتارة مرص‪ ،!..‬ورجل صناعة حمرتف‪ ،‬جيوب العامل بأرسه‪،‬‬ ‫ً‬
‫حبثا عن أحدث صيحات التكنولوجيا ليأيت هبا إىل مصانع «العريب» العديدة‪،‬‬ ‫ً‬
‫كان لك األطفال من حويل يف العيدين يلهون ويلعبون‪ ،‬وينفقون ما معهم يف‬ ‫اليت قدر اهلل تعاىل أن يكون موقع إنشاهئا ليس ببعيد عن مسقط رأسه بـالقرية‪..‬‬
‫رشاء احللوى أو األلعاب‪ ،‬أما أنا فكنت أقيض أيام العيد لكها أشتغل‪ ..‬أبيع‬

‫‪11‬‬ ‫‪10‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫نفسه الذي اكن قوام مهنيج يف تربية أوالدي‪ ،‬كنت أقول هلم نفس امجللة‪« :‬قول‬ ‫وأرحب‪ ،‬وأشعر بالسعادة الغامرة أكرث من أي واحد من أقراين‪..‬‬
‫احلق‪ ،‬وماختافش ّ‬
‫إل من اليل خلقك!»‪ ..‬وكنت أعظهم بأن الذي يعتاد الكذب ال‬
‫وهكذا اسمتر احلال ملا يزيد عىل أربع سنوات‪ ،‬ويف لك مرة اكنت األرباح‬
‫يثق فيه أحد‪ ،‬وال تستقمي خشصيته يف احلياة‪ ،‬مهام حاول أن يعود إىل اجلادة‪،‬‬
‫اليت أحصل علهيا تزداد‪ ،‬ومل أكن أنفق مهنا إال أقل القليل‪ ،‬فقد زادت رغبيت يف‬
‫فال جناح بغري الصدق‪.‬‬
‫معاودة االسمتتاع بتلك العملية عىل تعليق باألمور اليت اعتاد األطفال من حويل‬
‫ملاحا‪ ..‬واكن أمي ًنا‪..‬‬
‫اكن أيب – رمحه اهلل‪ -‬قوي البنية‪ ،‬متوسط الطول‪ ،‬ذك ًّيا ً‬ ‫عىل االسمتتاع هبا‪.‬‬
‫سملا عىل ُخ ُلق‪ ،‬حيب مساعدة الغري‪ ،‬ويسىع يف اخلري‬ ‫رجل ُم ً‬‫ً‬ ‫اكن باختصار‬ ‫ُّ‬
‫والتعلق‬ ‫رسا ما يمكن يف مزاولة التجارة‪ ..‬من تتولد يف دمه جينات حهبا‬‫إن ًّ‬
‫للجميع‪ ،‬بقدر استطاعته‪..‬‬
‫جيرب حالوة أرباحها‪ ،‬من الصعب ج ّدًا أن يرتكها ليعمل يف جمال آخر‪..‬‬
‫هبا‪ ،‬ومن ِّ‬
‫أذكر امرأة اكنت تعيش يف قريتنا مات زوجها‪ ،‬فاستأمنت أيب عىل مرياثها‬
‫أكد أن‪« :‬تسعة أعشارِ الرزق في ِ ّ‬
‫التجارة»‪..‬‬ ‫صدق النيب دمحم ﷺ حني َّ‬
‫من زوجها‪ ..‬لقد خافت أن تنفقه يف غري رضورة‪ .‬وبرمغ أن أحوالنا املادية يف‬
‫تلك الفرتة اكنت يف غاية الصعوبة‪ ،‬إال أن أيب – رمحه اهلل‪ -‬مل يفكر للحظة أن‬ ‫إنين ال أستطيع أن أمنع عقيل من النظر يف لك األمور العملية اليت أمر هبا‬
‫ميد يده إىل ما ليس له‪ ،‬برمغ وجود ذلك املال معه لفرتة طويلة!‪ ،‬فاألمانة اكنت‬ ‫يف حيايت من زاوية املكسب واخلسارة‪ ..‬حىت عالقة العبد بربه‪ ،‬أحسهبا مكس ًبا‬
‫عنده أمه من احلياة نفهسا‪ .‬حني احتاجت املرأة إىل ماهلا‪ ،‬وجاءت تطلبه عىل‬ ‫يضيع عالقته مع ربه بسبب أية‬
‫وخسارة‪ ،‬ومن خالل هذه احلسبة‪ ،‬اكتشفت أن من ِّ‬
‫ً‬
‫اكمل غري منقوص‪.‬‬ ‫استحياء‪ ،‬دفعه أيب إلهيا‬ ‫فشـل وخيبة عىل وجه األرض‪..‬‬ ‫ً‬ ‫أرباح دنيوية‪ ،‬هو أكرب خارس‪ ،‬بل هو أكرث التجار‬

‫فميا بعد اكتشفت أن األمانة غري أهنا قمية إجيابية حتث علهيا لك األديان‪ ،‬وال‬ ‫ويف احلقيقة‪ ،‬إن أمه سبب دفع يب ملراقبة عالقيت بريب‪ ،‬اكن هو أيب – رمحه‬
‫يقوم جممتع قوي إال يف ظل وجودها‪ ،‬اكتشفت – أيضا‪ -‬أهنا صفة مالزمة للعقالء‬ ‫بثه يف نفيس منذ الصغر من حمتية رفع العالقة بني العبد وربه‬ ‫اهلل تعاىل‪ -‬مبا َّ‬
‫من البرش‪ ،‬فليس هناك إنسان عاقل مزتن إال وجتده أمي ًنا‪!..‬‬ ‫إىل أعىل درجة من درجات االهمتام‪ .‬مع مرور السنني‪ ،‬اكتشفت أن من يرفع أمر‬
‫تلك العالقة إىل ماكنهتا اليت تستحقها‪ ،‬ومن يتعامل مع احلياة من خالل هذه‬
‫أذكر وأنا يف السابعة من معري تقري ًبا‪ ،‬أنين كنت أسري مع أيخ دمحم –‬
‫الزاوية‪ :‬مراقبة اهلل عز وجل‪ ،‬واملوازنة بني حبه وخشيته‪ ،‬هو بالفعل التاجر الراحب‬
‫الذي يكربين بأربع سنوات‪ -‬يف طرقات القرية‪ ،‬فوجدت جنهيني «ورق» عىل‬ ‫املاهر‪ ،‬ولو اكن ال يفقه يف جتارة الدنيا إال ً‬
‫قليل‪!..‬‬
‫خيصوا تاجر املوايش‬
‫ّ‬ ‫األرض‪ ،‬أخذهتام برسعة‪ ،‬وقلت حملمد‪« :‬دول بالتأكيد‬
‫اليل هناك دا‪»..‬‬ ‫٭٭٭‬
‫أرسعت خلف الرجل‪ ،‬الذي اكن قد اعتاد أن يزنل لقريتنا لك حني ليشرتي من‬
‫�أب ــي‪� ..‬إ بــراه ـيـ ــم العــرب ـ ــي‬
‫ً‬
‫بعضا من مواشهيم‪ ..‬ظللت أصيح بأعىل صويت‪« :‬يا مع‪ ..‬يا مع!»‪.‬‬ ‫الفالحني‬ ‫«قول احلق‪ ،‬وماختافش ّ‬
‫إل من اليل خلقك!»‪..‬‬
‫اكن تاجر املوايش الضيف قد انهتى من مهمته‪ ،‬وخرج عائدًا إىل قريته ومعه‬ ‫يف هذه امجللة القصرية‪ ،‬وبذلك التوجيه َّ‬
‫املركز‪ ،‬تتلخص ثقافة والدي ‪ -‬إبراهمي‬
‫ً‬
‫دليل عىل أن‬ ‫مرسعا‪ ،‬وهو ال ياكد يرى‬
‫ً‬ ‫حصيلة ما اشرتاه‪ .‬تبعين شقييق دمحم‬ ‫العريب‪ -‬الرتبوية‪ ،‬اليت اكن يبهثا فينا وحنن صغار بفطرته السلمية‪ .‬إهنا ختترص‬
‫ذلك التاجر هو صاحب اجلنهيني‪ ،‬فقلت له‪« :‬وهو فيه اكم واحد حيتمك عىل اتنني‬ ‫البساطة والتلقائية اليت اكن يتسم هبا أهل ريف مرص حني اكنوا مرتبطني باهلل‬
‫جنيه يف أبو رقبة لكها يا دمحم؟!»‪..‬‬ ‫عز وجل وبآياته يف الكون‪ ،‬عن طريق العمل يف الزراعة واحلرث‪ .‬وهذا التوجيه هو‬

‫‪13‬‬ ‫‪12‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫احلقل‪ .‬ومنذ بلغت اخلامسة‪ ،‬وأنا أذهب إىل احلقل بانتظام يك أساعد أيب يف‬ ‫وبالفعل‪ ،‬اكن اجلنهيان قد سقطا من ذلك التاجر الضيف‪ ،‬الذي فرح كثريا بعودة‬
‫العمل‪ ،‬وبطبيعة احلال اكن أيخ دمحم قد سبقين إىل ذلك‪ ،‬قبل أن يسافر للعمل‬ ‫ترصيف‪ ،‬وراح يؤكد بأن احلق هو ما‬
‫ّ‬ ‫نقوده إليه‪ .‬حيهنا‪ ،‬أثىن أيخ دمحم عىل‬
‫يف القاهرة‪ .‬يف ذلك الوقت كنا نروي األرض بالطنبور‪ ،‬وأساعده يف بذر البذور‪،‬‬ ‫فعلت‪..‬‬
‫أو تنظيف احلشائش الضارة‪..‬‬
‫اكن الصدق واإلخالص واألمانة يف معاملة «إبراهمي العريب» للناس من حوله‪،‬‬
‫كنت أجلس أمام أيب أثناء حرثه لألرض باحملراث‪ .‬اكن وق ًتا مسل ًيا للغاية‬ ‫تشك جعلة قيادة بني يدين قويتني‪ ،‬بفضل العمل يف الزراعة‪ .‬لقد حجنت تلك‬ ‫ّ‬
‫سن‪ .‬حلظات مجيلة‪ ،‬حيث اكن الشغل واللعب جيمتعان يف آن‬ ‫بالنسبة لطفل يف ِّ‬ ‫اليدان يف تسيري سفينتنا الصغرية حنو ب ّر األمان والعيش الكرمي‪ ،‬منذ تزوج من‬
‫واحد‪ ..‬أوقات من اجمتاع العمل مع اللعب مع االسمتتاع بصحبة أيب احلبيب‪ ،‬ال‬ ‫أيم‪ ،‬وحىت ليق اهلل عز وجل‪.‬‬
‫مثيل مجلاهلا‪ ،‬حني أقارهنا يف ذاكريت بسائر ذكريايت األخرى‪..‬‬
‫يدي أيب اخلشنتني‪ ،‬أستحرض مبارشة واقعة هشرية يف‬ ‫عندما أتذكر منظر ْ‬
‫كنت أطيل النظر لوجه أيب اجلاد املُجهد‪ ،‬دون أن يلحظ هو ذلك‪ ،‬اكنت لفتاته‬ ‫تارخينا اإلساليم امليضء‪ ،‬حني رفع احلبيب دمحم –ﷺ‪ -‬يدًا خشنة قوية ألحد‬
‫باهلمة واجلدية‪ ،‬لقد تعملت منه – رمحه اهلل‪ُّ -‬‬
‫محتل املسوئلية جبلد‬ ‫ّ‬ ‫وسكناته متتلئ‬ ‫رس‬ ‫ُ‬
‫ورسوله»‪ .‬لقد ّ‬ ‫يد يحبها ُ‬
‫اهلل‬ ‫الصحابة الكرام‪ ،‬وقال قولته اخلالدة‪« :‬هذه ٌ‬
‫وصرب‪ .‬واكن شعورا جارفا باحلب يش ّدين له – رمحه اهلل تعاىل‪ .-‬اكن شعوري‬ ‫الرسول الكرمي هبذا القول امجليل قمية العمل‪ ،‬وأرىس قاعدة أساسية‪ :‬إن العمل‬
‫باألمان واالمطئنان يف ظل وجوده‪ ،‬من أمه األسباب اليت أمدت نفيس بالقوة‬ ‫واالجهتاد والكد يه أساس احلياة يف املجمتع اإلساليم‪ ،‬وإن اخلاملني الكساىل‬
‫والثقة‪ ،‬وكأن وجوده بيننا قد أعطانا شفرة التعامل مع احلياة‪ ،‬تلك اليت ساعدتنا‬ ‫ال ماكن هلم يف هذا املجمتع‪ ،‬الذي يطبق حقيقة مراد اهلل تعاىل من اإلنسان‪:‬‬
‫يف النجاح – والفضل هلل تعاىل‪ -‬يف التعامل مع متغريات احلياة وتقلباهتا‬ ‫معارة األرض وإصالحها مبا ينفع أهلها‪ ،‬وإقامة العدل واحلق والرخاء بيهنم‪..‬‬
‫املفاجئة‪..‬‬
‫٭٭٭‬
‫٭٭٭‬ ‫كنت املسوئل بني إخويت مجي ًعا عن محل طعام العشاء إىل والدي يف احلقل‪.‬‬
‫كنا نشعر برتابط شديد وفيض من األمان يف ظل وجوده بيننا‪ ،‬حىت لو غاب‬ ‫مل تكن الكهرباء يف تلك األيام قد دخلت قريتنا بعد‪ ،‬مكا مل تكن قد دخلت إىل‬
‫ً‬
‫طويل‪..‬‬ ‫يف احلقل‬ ‫أغلب قرى مرص‪.‬‬
‫ريا‬
‫اكنت أيم – هامن‪ -‬مزتوجة من قبله من ابن معه عبد القوي الذي اكن هش ً‬ ‫مل أكن أشعر باخلوف أو اجلزع من ذلك املشوار اليويم‪ ،‬حىت مع ظملة الليايل‬
‫بامس «جويدة»‪ ،‬والذي انتقل إىل رمحة اهلل وترك هلا ثالثة أوالد‪ ،‬أمحد وعرسانة‬ ‫غري القمرية‪ ،‬بل كنت أنظر للمساء بنجومها املتأللئة البعيدة فينرشح صدري‪،‬‬
‫توف جويدة – رمحه اهلل‪ ،-‬قبل أن يراه ابنه األخري عيل‪.‬‬ ‫وعيل‪ .‬وقد ِّ‬ ‫شيئ منذ الصباح‪ ،‬أوكز جانيب امحلار‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وكنت عندما أتذكر أن أيب مل يألك‬
‫ً‬ ‫ليرسع اخلىط‪ ،‬فلعل أيب يشعر باجلوع يف تلك اللحظات‪..‬‬
‫رغبة يف رعاية أوالدها‪ ،‬و ُرزق مهنا بثالثة بنني‪ :‬دمحم‪،‬‬ ‫قرر أيب أن يزتوج هامن‬
‫ومحمود‪ ،‬وعبد اجليد (رزقا بـ «خرضة» بعد دمحم من قبيل‪ ،‬إال أهنا انتقلت إىل‬ ‫يغيه حىت ليق اهلل‬
‫منذ أن وعيت عىل الدنيا عهدت أيب قد اعتاد عىل أمر مل ِّ‬
‫رمحة اهلل تعاىل‪ ،‬ويه رضيعة)‪.‬‬ ‫تعاىل‪ ،‬فمبجرد أن تبدأ مثار احملصول يف النضوج اكن يلزم احلقل‪ ،‬وال يعود‬
‫إىل البيت إال ناد ًرا حىت ينهتي من احلصاد متا ًما‪ .‬اكن خيزِّن حمصول الذرة أو‬
‫عاش امجليع يف بيت واحد‪ ،‬ومل يشعر إخويت من أيم إال أن أيب إبراهمي‬
‫األرز يف البيت بعد مجعه‪ ،‬أما حمصول القطن والفول فاكن يبيعه مبارشة يف‬

‫‪15‬‬ ‫‪14‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الصالة‪ .‬اكنت تلك املواقف تزيد من مساحات ومناطق اإلميان يف خشصييت‪،‬‬ ‫هو أبومه‪ .‬حدثت بعض املشكالت‪ ،‬إحداها اكنت مريرة للغاية‪ ،‬ولكن رسعان ما‬
‫وتيضء اجلانب الرويح مهنا‪..‬‬ ‫احتوهتا أيم بقلهبا الكبري‪ ،‬وم ّرت عىل أيب الطيب اخللوق مرور الكرام‪ .‬ولقد هشد‬
‫أيب زواجهم مه الثالثة قبل موته‪ ،‬بيمنا هشد زواج شقييق األكرب دمحم فقط‪،‬‬
‫مك من مرة تذكرت والدي «إبراهمي العريب»‪ ،‬بعد أن فتح اهلل علينا من أبواب‬
‫الذي تزوج قبل موته – رمحه اهلل‪ -‬بسنتني‪..‬‬
‫الرزق والفضل‪ ،‬وبنينا العديد من املساجد امجليلة‪..‬‬
‫أرضا زراعية‪ ،‬بدأت بستة‬‫ً‬ ‫أرضا خاصة‪ ،‬بل اكن يستأجر‬ ‫ً‬ ‫مل يكن أيب ميتلك‬
‫مك من مرة تذكرته أثناء افتتاح أحد املصانع‪ ،‬ومك رسحت خبيايل وأنا أرى وزراء‬
‫قرياطا‪ ،‬ظل جيهتد فهيا ويرعاها حىت أصبحت من أجود أرايض مركز‬ ‫ً‬ ‫عرش‬
‫وسفراء ومسوئلني كبا ًرا (من مرص واليابان‪ ،‬ومن دول أخرى عديدة) منهبرين مبا‬
‫أمشون‪ ،‬وبعد سنوات من اجلهد والعمل والكد‪ ،‬وحني وافته املنية اكنت قد بلغت‬
‫يرونه من خطوط إنتاج حديثة ومنتجات تضايه مثيالهتا اليابانية‪ ،‬ومأخوذين أكرث‬
‫املساحة اليت يستأجرها مخسة فدادين‪.‬‬
‫بالقدرات االحرتافية العالية للشباب والفتيات الذين تعملوا يف مصانعنا‪ ،‬عىل أيدي‬
‫خرباء مرصيني ناهبني‪ ،‬أخذوا اخلربات اليابانية وأضافوا إلهيا الكثري‪..‬‬ ‫اكن حيرص متام احلرص عىل دفع إجيار تلك األرض‪ ،‬يف الوقت ُ‬
‫املدد‬
‫دون تأخري‪ .‬واكن حيرص ً‬
‫أيضا عىل إخراج زاكة الزروع‪ ،‬مكا وردت يف الرشع‬
‫كنت أشعر بسعادة امجليع وخفرمه أن هذه املنتجات صنعت يف مرص‬
‫اإلساليم‪.‬‬
‫بأيد مرصية‪ ،‬فأختيل ساعهتا ماذا اكن شعور أيب الفالح البسيط «إبراهمي‬
‫العريب» لو ُوجد معنا ليحصد ما زرعه منذ عرشات السنني‪ ،‬حني زرع فينا – أنا‬ ‫اكن – رمحه اهلل‪ -‬ممطئ ًّنا متا ًما لعدل اهلل تعاىل‪ ،‬الذي مأل أراكن وحنايا األرض‪.‬‬
‫ولك إخويت‪ -‬القمي السامية‪ ،‬وربانا عىل األخالق الفاضلة‪ ،‬وعىل احرتام العمل‬ ‫اكن يصيل لك الصلوات يف موعدها‪ ،‬واكن أغلب أهل القرية – أيامها‪ -‬عىل تلك‬
‫واالهمتام التام بإتقان أي معل نقوم به‪..‬‬ ‫احلال‪ .‬يوقظين قبل أذان الفجر‪ ،‬ويصحبين معه إىل املجسد‪ ،‬وأنا يف تلك السن‬
‫نشأت والصالة تاكد تكون جز ًءا ال ينفصل عن كياين‪ ،‬فمكا كنت‬ ‫ُ‬ ‫املبكرة‪ ،‬حىت‬
‫لقد نضجت أروع مثارك وأينعت اآلن يا مع إبراهمي‪ ،‬فلعل روحك ترشف علينا‪،‬‬
‫أصل‪ .‬اليوم أيع متا ًما قول النيب – ﷺ‪:-‬‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫أيضا‬ ‫آلك وأرشب وأتنفس‪ ،‬كنت‬
‫يس القلب ويهبج الروح‪.‬‬
‫وتطور وتقدم‪ُّ ُ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫وتفرح مبا تراه من جناح‬
‫«‪ِ ُ ..‬‬
‫عيني في الصالة»‪ .‬فال يشء مطل ًقا يشغلين عن صاليت‪ ،‬وامحلد‬ ‫وجع َلت ُق ّرةُ ْ‬
‫٭٭٭‬ ‫هلل ال أحب أن أتعجل فهيا أبدًا‪ ،‬مهام اكن ورايئ من أشغال أو مهام‪ .‬ودا ً‬
‫مئا ما‬
‫لقد جاءت الهناية مبك ًرا‪..‬‬ ‫ؤدى بسكينة وخشوع‪ ،‬مهام‬ ‫أردد ألبنايئ ومن يعملون ميع‪ :‬الصالة‪ ،‬جيب أن ُت َّ‬
‫اكن وراءك من مشاغل‪ .‬وأنا أظن أن أمه سبب الستقرار حاليت الصحية – وهلل‬
‫أصيب أيب بالدوسنتاريا‪ ،‬وهو يف اكمل حصته وعافيته‪ ،‬مل يكن يشكو ‪ -‬قبل‬
‫امحلد‪ -‬هو احلفاظ عىل الصالة يف وقهتا‪ .‬أما بالنسبة الستقرار العقل ونشاطه‬
‫ذلك‪ -‬من أي مرض‪ ،‬ولكنه قضاء الرمحن الرحمي‪ ،‬الذي ال ُير ّد‪..‬‬
‫فالرس يمكن يف القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مع تق ّدم العمر‪،‬‬
‫ظل يعاين من اإلهسال لثالثة أيام متوالية‪ ،‬حىت انتقل إىل رمحته ‪ -‬سبحانه‬
‫يف أحد األيام خرجت لصالة الفجر مع والدى‪ .‬اكن يو ًما ممط ًرا‪ ،‬واكنت املُصالة‬
‫وتعاىل‪ -‬عن تسعة وأربعني سنة‪ ،‬يف يوم ‪ 4‬أكتوبرعام ‪.1948‬‬
‫تقع بالقرب من شاطئ الرتعة‪ .‬مل مينعنا هطول األمطار من إمكال الطريق يك‬
‫كنت يف السادسة عرشة من معري يوم وفاة أيب احلبيب‪ ،‬وأثناء مرضه‬ ‫نصيل يف امجلاعة‪« ..‬إجري‪ ،‬إجري يا محمود‪ ..‬برسعة!»‪ ،‬هكذا أخذين الوالد‬
‫ً‬
‫مريضا يتأمل وأنا يف غاية احلزن‪.‬‬ ‫قضيت معه يوم األحد يف بيتنا بالقرية‪ ،‬وتركته‬ ‫َّ‬
‫املصل‪ ،‬وأدركنا‬ ‫– رمحه اهلل‪ -‬حتت عباءته‪ ،‬وحثين عىل اإلرساع حىت وصلنا‬

‫‪17‬‬ ‫‪16‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ولون امجلال‪ ..‬لون املايض‪ ،‬ولون احلارض واملستقبل معا!‬ ‫تركت أيم ترىع شؤونه‪ ،‬وأيخ أمحد يبارش اختيار معال أمناء لرعاية األرض‪،‬‬
‫٭٭٭‬ ‫واضطررت ألرجع إىل القاهرة ألعاود معيل هناك‪ ،‬وجاءنا اخلرب يف اليوم التايل‪،‬‬
‫خصيصا ليخربنا بوفاته‪ ،‬فمل تكن‬
‫ً‬ ‫عن طريق واحد من أقاربنا‪ ،‬نزل إىل القاهرة‬
‫حيييين حني أقبل هيلع‪ ،‬يف هلفة لالسمتاع إىل أحادييث‬
‫كنت أشعر أن الزرع ِّ‬ ‫يسة يف قريتنا يف ذلك الوقت‪ ،‬واكن السفر بالقطار أرسع من‬ ‫التليفونات ُم َّ‬
‫الطويلة معه‪ ..‬كنت – بالفعل‪ -‬أتلكم مع الزرع!‬
‫حماولة االتصال التليفوين‪!..‬‬
‫ُّ‬
‫التفكر‬ ‫ُّ‬
‫التفكر يف لك تلك الاكئنات اخلرضاء امجليلة‪ ،‬وأكسبين ذلك‬ ‫كنت دامئ‬ ‫مر َّ‬
‫عيل يف حيايت‪.‬‬ ‫مرسعا باك ًيا إىل القرية يف أطول وأقىس مشوار َّ‬
‫ً‬ ‫رجعت‬
‫المتهل عند اختاذ القرارات اهلامة‪ ،‬خاصة حني‬
‫ُّ‬ ‫صفة نفعتين فميا بعد‪ ،‬ويه‬
‫عيل إدارة أمعال ومتاجر ومصانع‪ ،‬مسوئلية مخضة وثقيلة ال تنفع‬ ‫اكن جيب َّ‬ ‫حصبين إىل البلد شقييق دمحم واكن يف العرشين من معره تقري ًبا‪ ،‬وأيخ‬
‫معها األحاكم االنفعالية الرسيعة‪ ،‬بل البد من دراسة األمور بكثري من العمق‪ ،‬مع‬ ‫عيل‪ ،‬وبعض أقاربنا الذين اكنوا يعملون يف القاهرة‪ .‬اكنت اهلمهامت واألنات‬
‫الشورى املتأنية الواعية‪..‬‬ ‫أقىس وق ًعا من أي جرح ألمي مررت به يف حيايت‪ .‬حني اكن أحد أقاربنا حياول‬
‫أن خيفف عين وعن إخويت‪ ،‬كنت أنظر له فال أاكد أمسع ما يقول‪ ،‬فقط ترتاءى‬
‫فلدي بفضل اهلل قدرة عىل‬
‫َّ‬ ‫أيضا أكسبتين مهارات الزراعة قمية الصرب‪،‬‬ ‫ً‬
‫يل صورته مهزوزة غري مستقرة‪ ،‬وأرى شفتيه تتحراكن مبا ال أيع معناه‪.‬‬
‫الصرب عىل أي يشء‪ ،‬خاصة أخطاء البرش‪ ،‬فإنين أصرب عىل أمور لو أن غريي‬
‫صادفها ملا مسح أبدًا باسمترار من فعلها‪ ،‬والرس يف ذلك الصرب أنين حني أوقن‬ ‫ّ‬
‫عيل مثلها يف حيايت‪.‬‬ ‫اكنت دقائق وساعات من احلزن واألىس‪ ،‬مل مي ّر‬
‫أن اخلري هو األصل فمين أخطأ‪ ،‬وأن خطأه اكن بال قصد‪ ،‬فقدرايت عىل الصرب‬ ‫طويل‪ ،‬وأعتقد أن هذا قد أ ّثر عىل برصي فميا بعد‪ .‬رمحه اهلل‬
‫ً‬ ‫ظللت أبيك أيب‬
‫تتسع وتصفو اكتساع وصفاء األرض اخلرضاء اليانعة‪..‬‬ ‫تعاىل رمحة واسعة‪ ،‬وجزاه عن آل «العريب» لكهم خري اجلزاء‪.‬‬
‫إن العمل يف الفالحة مي ّد الروح مبزيد من التعلق بإله هذا الكون امجليل‪ ،‬مفن‬ ‫٭٭٭‬
‫ينتظر حمصول األرض‪ ،‬ويتابعه حلظة بلحظة‪ ،‬يعرف قدر اخلالق – جل وعال‪-‬‬ ‫ذكـ ــري ــات ال ُتـ ـنـ�س ـ ــى‪..‬‬
‫ً‬
‫فشيئ‪ ،‬وكنت‬ ‫ً‬
‫شيئ‬ ‫وقدرته‪ ،‬أكرث من غريه‪ .‬كنت أعشق رؤية احملصول وهو يكرب‬
‫ثالثينيات القرن املايض‪..‬‬
‫مفتو ًنا برؤية المثار ويه تنضج‪..‬‬
‫مل تعرف قرية «أبو رقبة» – يف ذلك العهد‪ -‬أي صورة من صور الرثاء املادي‪،‬‬
‫لقد وعيت الدرس متا ًما من مساعديت لوالدي يف زراعة األرض‪ :‬من جد وجد‪..‬‬
‫فأغلب أهل هذه القرية الصغرية اكنوا من الفالحني الفقراء البسطاء‪..‬‬
‫ومن زرع حصد‪.‬‬
‫مل تعرف قريتنا – أيامها‪ -‬سوى ثالثة من أحصاب األرايض (فدان أو أكرث‬
‫فهمت طبيعة التواصل والتاكمل بني احلياة واملوت‪ ،‬فأي حمصول خيرج من‬
‫ً‬
‫قليل‪ ،)!..‬أما بايق أهل القرية من الفالحني فاكنوا إما أحصاب مساحات صغرية‬
‫األرض له أطوار حياة تبدأ بامليالد مث يبلغ أشده‪ ،‬وتنهتي باملوت والفناء‪ ،‬متا ًما‬
‫للغاية‪ ،‬وإما أهنم اكنوا يستأجرون األرض اليت يعملون فهيا‪ ،‬مثل أيب‪..‬‬
‫مكا يه عند لك املخلوقات والاكئنات األخرى‪..‬‬
‫اكنت الزراعة يه لك حياتنا يف القرية‪ .‬واكنت األرض الزراعية يه أغىل ما‬
‫وتعملت طبيعة العالقة الوثيقة بني السبب والنتيجة‪ ،‬فالبد من بذل اجلهد املناسب‬
‫ميتلكه اإلنسان‪ ،‬ولو اكن قرياط واحد فقط‪ ..‬واكن اللون األخرض هو لون احلياة‪،‬‬
‫والاكيف ليك يكمتل أي معل‪ ،‬ويبدأ يف إخراج مثاره‪ .‬كنت أتابع تلك العملية‬

‫‪19‬‬ ‫‪18‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ح ًّقا‪ ،‬سبحان من خسر تلك الدواب لنا‪َّ ،‬‬


‫ورضاها خبدمة اإلنسان ونفعه‪.‬‬ ‫الربانية ذات األسباب اآلدمية‪ ،‬اليت متد البرش واحليوانات مبا حيتاجونه من‬
‫غذاء‪ ،‬بانهبار شديد‪..‬‬
‫لقد اكن أهل الريف يف مرص يتعاملون مع احليوانات برفق ورمحة‪ ،‬مكا تعملوا‬
‫من ديهنم احلنيف‪ .‬كنا نسهتجن أن يرضب واحد من أهل القرية محاره بقسوة‪،‬‬ ‫إهنا الزراعة‪ ،‬تلك احلرفة اليت ال غىن لإلنسان عهنا‪ ،‬واليت اكنت هلا أياد‬
‫فقد اكن أقىس ما نفعله يك يرسع املسري هو أن «يزغده» أحدنا بباطن قدميه!‪..‬‬ ‫بيضاء كثرية عىل خشصييت وأخاليق‪..‬‬
‫أذكر موق ًفا طري ًفا حدث أثناء الفرتة اليت قضيهتا عض ًوا يف جملس الشعب‬ ‫٭٭٭‬
‫عن دائرة امجلالية يف أواخر المثانينيات من القرن املايض‪ ،‬حني استعنت باللواء‬ ‫عرشات السنني مرت منذ تركت القرية‪ ،‬ورحلت ألمعل يف القاهرة‪ ،‬تغريت‬
‫طلعت حسني إلدارة مكتيب خلدمة أبناء الدائرة‪ ،‬ومتابعة إجراءات تلبية طلباهتم‪،‬‬ ‫فهيا طبيعة احلياة وطبائع الناس وطبائع األشياء‪ ،‬ومل يتغري حيب وتعليق بتلك‬
‫والبت يف شاكوامه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫األماكن‪..‬‬
‫اكن اللواء طلعت من أعضاء جملس قيادة الثورة‪ ،‬مث ترك مرص وهاجر ألمرياك‪،‬‬ ‫منظر املياه ويه جتري يف «الراتب» حاملة اخلري والمناء لألرض المسراء‬
‫وبعد سنوات طويلة عاد مع أبنائه وأحفاده‪ ،‬واكنت املرة األوىل ألولئك األحفاد‬ ‫العطىش‪ ..‬الطريق الرتايب الطويل بني البيت واحلقل‪ُ ..‬كتَّاب الشيخ دمحم عبد‬
‫اليت يزورون مرص فهيا‪..‬‬ ‫املنعم‪ ..‬حضن أيم الدافئ‪ ..‬وغريها الكثري من األماكن واألخشاص اليت مازالت‬
‫يف طريقهم وأثناء جتواهلم يف شوارع القاهرة‪ ،‬اليت فاجأهتم بالكثري من‬ ‫ذكراها متأل حنايا نفيس امطئنا ًنا وسعادة‪.‬‬
‫االختالفات معا ألفوه يف أمرياك‪ ،‬إذا هبم أمام رجل يركب عربة «اكرو»‪ ،‬يرضب‬ ‫هيا!‪ ،‬اقرتحت جارة طيبة القلب أن‬‫اكن لدينا جاموسة‪ ،‬اكن سعرها ‪ 16‬جن ً‬
‫محاره بقسوة ووحشية حىت أدىم جسده‪ ،‬وإذا بالشباب ميسكون بالرجل‪،‬‬ ‫ً‬
‫مناصفة‪ ،‬ومل يكن أيب ميتلك نقودًا ليشارك يف تلك العملية‪ ،‬فقررت تلك‬ ‫نشرتهيا‬
‫ويرصون أن يذهبوا به إىل قسم الرشطة‪ .‬لقد ختيلوا أهنم يف أمرياك‪ ،‬وأن‬ ‫السيدة أن تشرتهيا وأن ترتكها عندنا يك نتوىل حنن أمر ألكها ومرعاها‪ ،‬عىل‬
‫القانون حيمي عندنا تلك احليوانات املسكينة اليت ال تستطيع البوح بآالمها‪..‬‬ ‫ريا ما أصطحب تلك اجلاموسة ميع‬ ‫أن ُيقسم أي مولود يولد هلا مناصفة‪ .‬كنت كث ً‬
‫مل ُيلِّص الرجل من قبضهتم سوى جدمه – رمحه اهلل‪ -‬الذي أفهمهم أن‬ ‫يطوق‬
‫يف طريق عوديت من احلقل إىل البيت‪ ،‬أنا فوق امحلار‪ ،‬وطرف احلبل الذي ِّ‬
‫ً‬
‫شيئ‪.‬‬ ‫املسوئلني يف قسم الرشطة سيخسرون مهنم‪ ،‬ولن يفعلوا بالرجل‬ ‫عنقها يف يدي‪..‬‬

‫ومل يرتكوا الرجل إال بعد أن رضبوه بنفس العصا اليت رضب هبا امحلار‪!..‬‬ ‫اكنت وسيلة املواصالت الرئيسية يف القرية يه امحلار‪.‬‬

‫لقد عملنا ديننا اإلساليم أن امرأ ًة بغ ًّيا دخلت اجلنة ألهنا سقت لك ًبا اكد أن‬ ‫اكن حيلو يل أن أتابع حركة الناس وحركة احلياة وأنا فوق ذلك امحلار‪.‬‬
‫ميوت من العطش‪ ..‬وأن امرأ ًة أخرى دخلت النار ألهنا حبست قطة‪ ،‬مل تطعمها‪،‬‬ ‫مبجرد أن يراين أقرتب منه يستعد حبركة لطيفة هادئة ليبدأ مسريه‪ .‬اكن حيفظ‬
‫ومل ترتكها تألك من األرض‪ ..‬فملاذا ال نقتدي هبدي النيب ىلص اهلل هيلع ملسو‬ ‫الطريق من البيت إىل احلقل عن ظهر قلب‪ ،‬ويرفض متا ًما أي تغيري يف مساره‪،‬‬
‫يف التعامل مع احليوانات اليت ال تقدر عىل التعبري عن آالمها‪..‬‬ ‫فكنت أحيا ًنا أجته به حنو أحد أقاربنا لزيارهتم أثناء عوديت من احلقل‪ ،‬إال أين‬
‫٭٭٭‬ ‫رفضا قاط ًعا‪ ،‬يبدأ يف االحنسار مع إرصاري عىل تنفيذ رغبيت‬ ‫ً‬ ‫كنت ألىق منه‬
‫عىل حساب إرصاره وعناده!‬
‫كنا نعيش يف القرية مع احليوانات والطيور الصديقة للفالح‪ ،‬فنشعر بتنامغ‬

‫‪21‬‬ ‫‪20‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫أيا إفادة يف لك مراحل‬


‫أفادتنا قدراته الفطرية اإلنسانية ومواهبه الرتبوية ّ‬ ‫لك خلق اهلل يف الكون الواسع‪ .‬كنت أتابع العديد من احليوانات اليت تساعد‬
‫مشوار «العريب»‪..‬‬ ‫الفالح يف حقله‪ ،‬وكنت كذلك أحب مراقبة بعض الطيور (اهلدهد‪ ،‬وأبو قردان‪،‬‬
‫٭٭٭‬ ‫وأبو الفصاد‪ ،)..‬ويه تعمل عىل تنظيف األرض من الديدان ومن الاكئنات‬
‫الطفيلية اخلفية اليت هتدد حياة الزرع‪.‬‬
‫حقيقة‪ ،‬اكنت أجوا ًء إنسانية رائعة تلك اليت أحاطت بقريتنا وبسائر قرى مرص‬
‫يف ذلك الزمان‪.‬‬ ‫أيضا الكالب‪ ،‬اكن هلا دور هام يف حياتنا يف تلك األيام؛ فكثري من الفالحني‬‫ً‬
‫اكنوا يتخذون مهنا ُح ّراسا أمناء ملواشهيم ودواهبم‪.‬‬
‫اكن إذا ُتويف واحد من أهل القرية ال ميكن أن يقبل أهل القرية أن ُيقام فرح‬
‫عند أحد اجلريان قبل مرور فرتة اكفية‪ ،‬وإذا اضطر أحصاب الفرح إلقامته ‪-‬‬ ‫ريا ما اكن يرافقنا أثناء الذهاب للحقل‪ ،‬ويظل هناك حىت‬
‫اكن لدينا لكب‪ ،‬كث ً‬
‫ألي سبب‪ -‬فاكن ينبىغ علهيم أن يذهبوا ليستأذنوا من أولئك املصابني مبصيبة‬ ‫يرجع من يرافقه للبيت‪ .‬أطلق هيلع أيخ عبد اجليد امس «مسعود»‪..‬‬
‫املوت‪ .‬اكن من املستحيل أن تسمتع أثناء ذلك الزواج «االضطراري» إىل زغاريد‬ ‫اكن حيلو لعبد اجليد – رمحه اهلل‪ -‬أن يصحبه معه أثناء خروجه باجلاموسة‬
‫أو غناء‪ ،‬أو إىل أي مظهر من مظاهر االحتفال‪ ،‬اكن من العيب الشديد أن يظهر‬ ‫ريا ما يعطيه احلبل الذي يقود به اجلاموسة‪ ،‬فيتناوله‬
‫ليسقهيا من الرتعة‪ ،‬واكن كث ً‬
‫البعض مظاهر الفرح بيمنا جرياهنم يعيشون يف أحزاهنم وجشوهنم‪.‬‬ ‫اللكب الذيك بفمه ويسري حنو املاكن الذي اعتدنا أن نسقهيا عنده بالضبط‪ ،‬وهناك‬
‫اكن احرتام مشاعر اآلخرين صفة الزمة للك أهايل «أبو رقبة»‪ ،‬بل ويف لك‬ ‫يقف «مسعود» صاب ًرا مبنهتى اهلدوء‪ ،‬حىت تنهتي اجلاموسة من رشب املياه مث‬
‫قرى مرص‪.‬‬ ‫يدور عائدًا إىل البيت‪ ،‬وأيخ يسري إىل جواره‪ ،‬وحىت لو تركه لشأن من شوئنه‪،‬‬
‫اكن مسعود يقوم مبهمة إعادة اجلاموسة إىل البيت عىل أمكل وجه‪..‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬اكن من يركب محا ًرا‪ ،‬ومير يف طريقه برجل أكرب منه س ًّنا‪،‬‬
‫ً‬
‫مرتجل حيث يليق السالم هيلع‬ ‫جتده يف ملح البرص يزنل من فوق امحلار‪ ،‬ليسري‬ ‫أذكر ذات ليلة‪ ،‬حني كنت أساعد أيب يف معله باحلقل وميع أيخ عبد اجليد‪،‬‬
‫يف أدب‪ ،‬مث يعود ليقفز فوق امحلار‪ ،‬الذي يكون قد سبقه بأمتار أو وقف ينتظره‪!..‬‬ ‫أننا فوجئنا بذئب هيامجنا برشاسة‪ ،‬وحلسن احلظ أن انضم مسعود إلينا يف‬
‫الوقت املناسب‪ ،‬حيث دارت معركة حامية بيننا وبني الذئب‪ ،‬اكن اللكب الويف‬
‫اكنت االستقامة متالزمة مع سائر جسايا «أبو رقبة»‪ ،‬لذا اكن الزواج يف ذلك‬
‫يقاتل فهيا إىل جانبنا بلك ما أويت من قوة وجشاعة‪ ،‬وقد حجننا بعد عناء شديد‬
‫الوقت من أيرس ما يكون‪ ،‬جمرد رسير ودوالب ومالبس للعروس‪ ،‬ميكن للزفاف أن‬
‫يف االنتصار عىل الذئب وقتله‪ .‬لقد اكن ملسعود دور كبري يف إرباك الذئب‪ ،‬سواء‬
‫يمت يف غرفة صغرية يف أي ناحية من نوايح البيت‪.‬‬
‫بنباحه القوي‪ ،‬أو بقفزاته الرشيقة حنوه لينال منه‪ ،‬حىت تلىق رضبة قاضية من‬
‫مل تكن هناك مغاالة ال يف املهور وال يف جهاز العروس‪.‬‬ ‫فأس أيب‪ .‬وال أنىس منظر اللكب مسعود وهو يدور حول جثة الذئب‪ ،‬وذيله يلف‬
‫يف اهلواء بنشوة النرص‪..‬‬
‫اكن اآلباء يسارعون بإحصان أبناهئم وبناهتم بالزواج يف شباهبم املبكر‪،‬‬
‫ليقطعوا عهنم سبل الفتنة‪..‬‬ ‫لقد حزِنَّا مجي ًعا يوم مات ذلك اللكب الويف‪ ،‬واكن أكرثنا حز ًنا هو عبد اجليد‪،‬‬
‫الذي بىك هيلع وكأنه من البرش‪ ،‬حىت أنه اشرتى له كف ًنا أبيض‪ ،‬ومل يدفنه يف‬
‫اكنت احلياة يف «أبو رقبة» بسيطة ومجيلة‪ ،‬اكنت البيوت مفتوحة يف أمان‬
‫لفه به اكآلدميني متا ًما‪ .‬من تلك اللفتة تبدو خشصية أيخ‬ ‫األرض إال بعد أن َّ‬
‫تام بال خوف من رسقة أو تعد ّيات‪ .‬أطباق الطعام اكنت تتنقل بني البيوت‪ ،‬كهدايا‬
‫ً‬ ‫احلبيب عبداجليد‪ ،‬الذي بلغت طيبة قلبه ورقة مشاعره درجة سبقتنا مجي ًعا‪ ،‬وقد‬
‫قليل‬ ‫محتل قمي احملبة واإليثار والتواد والرتامح واأللفة‪ ،‬مبا مل أره بعد ذلك إال‬

‫‪23‬‬ ‫‪22‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ومساعدة الغري‪ ،‬ومن أقدار اهلل تعاىل أن يكون امسها هو نفس امس زوجيت –‬ ‫يف طرقات وجنبات مدينة القاهرة الصاخبة‪ ،‬رسيعة اإليقاع‪ ،‬إال ما اكنت تراه‬
‫هامن‪ .-‬اكن هذا االمس تطلقه العائالت املرصية الريفية عىل بناهتا يف تلك األيام‪،‬‬ ‫عيناي وتنتعش به رويح يف املوامس الدينية خاصة يف هشر رمضان املبارك‪،‬‬
‫تمينّا واستبشارا أن تنشأ الفتاة ك «اهلامن» اليت قد يروهنا أو يمسعون عهنا يف‬ ‫ويف أيام عيد األحضى‪.‬‬
‫بيوت األثرياء واألجانب من ساكن القصور وأحصاب األرايض الشاسعة‪..‬‬
‫طازجا‪ ،‬كنا نألك‬
‫ً‬ ‫كنا نألك يف اليوم الذي ال تشعل أيم فيه الفرن لتطبخ طعا ًما‬
‫لقد استطاعت بخشصيهتا املتوازنة وقدرهتا عىل العطاء أن توجِ د احملبة‬ ‫يف ذلك اليوم أكرث من غريه‪ !..‬نعم‪ ،‬فاجلريان اكنوا يتملسون من مل يوقد نا ًرا من‬
‫والرتابط بني إخويت غري األشقاء‪ ،‬وبيننا حنن الثالثة‪..‬‬ ‫يومه‪ ،‬فيخرج من لك بيت من بيوت اجلريان املقربني «حصن» به نوع من طعام‬
‫ً‬ ‫يومهم‪ ،‬يأخذ طريقه إىل مائدتنا‪ ،‬فإذا بنا نتغدى عىل ثالثة أو أربعة أصناف‪،‬‬
‫اكمل‪.‬‬ ‫اكنت خفورة يب بشلك خاص بسبب إمتايم حلفظ القرآن الكرمي‬
‫وليس صن ًفا واحدًا‪..‬‬
‫تكتف أيم بأداء أدوارها يف العمل ببيتنا يف «أبو رقبة»‪ :‬طهو الطعام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مل‬
‫ً‬
‫شيئ غري ًبا‬ ‫يف قريتنا مكا يف معظم قرى مرص يف ذلك الزمان‪ ،‬اكن بيع اللنب‬
‫ورعاية الدواجن‪ ،‬ومعل اخلزب يوم ًّيا‪ ،‬والعناية باملوايش‪ ،‬واكنت متتلك ً‬
‫أيضا ماكينة‬
‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬اكنَ الواحد منا إذا أصبح وليس يف بيته لنب أو‬ ‫ُيلحق العيب مبن يفعله!‪.‬‬
‫لفرز اللنب‪ .‬وماكينة فرز اللنب يه آلة بسيطة اكن يوضع اللنب فهيا من جانب‪،‬‬
‫جنب أو قشدة‪ ،‬ترسله أمه فيخرج إىل بيت من بيوت اجلريان ليفطر هناك!‪ .‬أي‬
‫ليخرج من اجلانب اآلخر يف عدة حاالت‪ ،‬واحدة مهنا ذلك اللنب الذي ُيستخدم يف‬
‫طفل اكن يلىق من الكرم ما ال ُيصدق‪ ،‬إن ذهب لبيت جريانه ليفطر فيه‪ ،‬وذلك إذا‬
‫صناعة اجلنب‪ ،‬والثانية لصناعة الزبد‪ ،‬والثالثة للقشدة‪ ..‬وهكذا‪..‬‬
‫ما تصادف أن بقرهتم أو جاموسهتم قد خال رضعها من اللنب‪.‬‬
‫ومل يكن أجر ذلك العمل ُيدفع نقودًا‪ ،‬بل اكن األجر عبارة عن جزء بسيط من‬
‫٭٭٭‬
‫اللنب ومنتجاته‪..‬‬
‫�أمـ ــي‪ ..‬ه ـ ــانـ ـ ــم‬
‫اكنت أيم كسائر ربات البيوت يف القرية (بل يف أغلب مدن وقرى مرص‬
‫سيدة ريفية بسيطة‪ ،‬تتسم بالصرب والقناعة‪ .‬اكنت تربوية بطبعها وفطرهتا‪،‬‬
‫أيامها) تريب الدواجن يف البيت‪ ،‬فكنا نشعر بالغىن والربكة بوجود تلك الاكئنات‬
‫توجهياهتا األخالقية نابعة من القرآن الكرمي مكا اكنت معظم األمهات يف ريف‬
‫وتطيب أوقات‬
‫ِّ‬ ‫الطيبة امجليلة اليت تشيع احلركة والهبجة من حوهلا طوال الوقت‪،‬‬
‫مرص‪ .‬اكنت مثل أيب حتثنا عىل الصدق واألمانة‪ ،‬وعىل اإلحسان إىل احملتاج‪،‬‬
‫الطعام بلحومها الرائعة املذاق‪..‬‬ ‫ً‬
‫مقابل لتلك املساعدة‪.‬‬ ‫ومساعدة الغري دون أن ننتظر‬
‫بعد وفاة أيب – رمحه اهلل تعاىل‪ -‬أضيفت مهمة صعبة إىل املهام الكثرية اليت‬
‫أذكر جارة لنا‪ ،‬اكنت كبرية يف السن وتعيش مبفردها‪ ،‬واكنت أيم تأمرين‬
‫اكنت تقوم هبا أيم‪ ،‬لقد أصبحت مسوئلة عن اختيار األنفار واملزارعني األمناء‬
‫علـي أن أقوم بالعمل بإتقان‪.‬‬
‫مبساعدهتا يف تنظيف بيهتا باسمترار‪ ،‬واكنت تؤكد َّ‬
‫للعمل يف األرض‪ ،‬اليت اكن أيب يستأجرها‪..‬‬
‫اكن معري – حينئذ‪ -‬ال يتجاوز التاسعة‪ ،‬واكنت هذه اجلارة تطلب من أيم أن‬
‫أصبح امحلل شا ًّقا‪ ،‬ولكن اهلل أعاهنا عىل محل تلك الرتكة الثقيلة‪ ،‬وجعلها عىل‬ ‫ريا‪ ،‬بسبب إتقاين الشديد يف‬ ‫ً‬
‫مستقبل كب ً‬ ‫هتمت يب‪ ،‬وأكدت هلا أهنا تتوقع يل‬
‫قدر املسوئلية اليت ألقيت عىل عاتقها‪.‬‬ ‫تنظيف بيهتا‪ ،‬ويف احلقيقة اكنت أيم يه اليت عملتين وحثتين عىل ذلك اإلتقان‬
‫يف أي معل أقوم به‪ ،‬وقد اسمتر هذا التوجيه ميع حىت اليوم‪!..‬‬
‫ظلـت – رمحهــا اهلل‪ُ -‬ت ِّ‬
‫سـي شوئن البيت واألرض الزراعيــة‪ ،‬حىت أصبح أيخ‬
‫األكرب أمحد هو املسوئل عن األرض‪ ،‬فأراحها من تلك املهمة‪ .‬وعندما استقرت‬ ‫ارتبط امس أيم يف ذهين باخلري واحلنان واجلدية واالرتفاع عن الصغائر‬

‫‪25‬‬ ‫‪24‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫قلوبنا فعلها يف كثري من البرش‪ ،‬خاصة حني ُتنِّهيم بالرساب الاكذب والسعادة‬ ‫وشقييق دمحم وعبد اجليد‪ -‬يف القاهرة‪ ،‬وأصبحت لنا مصادر‬ ‫َّ‬ ‫بنا األحوال– أنا‬
‫األمارة بالسوء‪.‬‬
‫الزائفة اليت تتأسس عىل المطع وطاعة النفس َّ‬ ‫دخل جيدة من معلنا‪ ،‬أخذناها لتعيش معنا لفرتة وأغلقنا بيتنا يف القرية‪ .‬إال أهنا‬
‫اكنت تعود للقرية لك حني لزيارة إخويت وأقاربنا هناك‪ ،‬وكذلك لتفقد أحوال البيت‬
‫ماتت أيم هامن وقد اقرتبت من التسعني‪ .‬اكنت عند أيخ دمحم يف شقته‬
‫واجلريان‪.‬‬
‫بشارع أمحد سعيد بالعباسية‪ .‬كنا يف رمضان‪ ،‬يف هشر يوليو سنة ‪ .1981‬ماتت‬
‫بعد العرص‪ ،‬فطلبت من ابين د‪ .‬ممدوح أن يتخذ اإلجراءات الاكملة للحفاظ عىل‬ ‫بعد أن صار للك منا بيته اخلاص به بالقاهرة‪ ،‬اكنت أيم حتتار فميا بيننا‪،‬‬
‫جمثاهنا من أرضار احلر الشديد‪ ،‬ألننا سنؤجل دفهنا لليوم التايل ليصيل علهيا‬ ‫فلك منا يمتىن أن تكون معه طوال الوقت‪ ،‬واكنت حتب أن ترضينا مجي ًعا‪ ،‬إال أهنا‬
‫لك األقارب واألصدقاء‪..‬‬ ‫طويل عن جو القرية‪ ،‬وعن حياهتا هناك‪ .‬كنت أؤكد عىل لك أفراد‬ ‫ً‬ ‫مل تطق البعد‬
‫قائل‪« :‬يه دي‬ ‫ً‬ ‫أرسيت أن يكرموها وأن حيسنوا إلهيا بأكرث مما اكنوا يفعلون‪،‬‬
‫رمحها اهلل رمحة واسعة‪ ،‬ورمح مجيع أمهاتنا الطيبات النقيات‪.‬‬
‫اليل مع ّيشانا‪ ،‬خدوا بالمك مهنا كويس»‪..‬‬
‫٭٭٭‬
‫ومل ُتطق أيم البعد عن تربية الدواجن‪ ،‬ومفارقة احلركة النشيطة من الصباح‬
‫العمل يف «�أبـ ــو رقـبـ ـ ــة»‬
‫اليحص النيق‪ ،‬فآثرت العودة لفتح البيت والعيش‬
‫ّ‬ ‫الباكر‪ ،‬واستنشاق هواء الريف‬
‫اكن اقتصاد بلدتنا بدائ ًّيا‪ ،‬يعمتد عىل املقايضة (أي تبادل السلعة بالسلعة‪،‬‬ ‫فيه وحدها‪ ،‬حىت كربت يف السن ومل تعد تستطيع العيش مبفردها‪ ،‬فعادت للعيش‬
‫مال)‪ ،‬واكنت أصول العمل يف احلقل تعمتد عىل املزاملة‪ ،‬أي‬ ‫وليس دفع مثهنا ً‬
‫معنا يف القاهرة‪ ،‬حىت لقيت اهلل عز وجل‪..‬‬
‫املساعدة يف معل الغري حي ًنا‪ ،‬مث رد املساعدة حي ًنا آخر‪.‬‬
‫٭٭٭‬
‫اكن التعاون مسة واحضة غالبة عىل لك حياتنا يف الريف‪ ،‬مل تكن العاملة‬
‫اكنت تسمتتع بالدعاء يل وإلخويت‪ ،‬وبعد ذلك ألبنائنا وأحفادنا‪ ،‬واكنت تكرث‬
‫الزراعية معروفة يف قريتنا «أبورقبة»‪ ،‬لكهنا اكنت موجودة يف عزبة «اكزويل»‬
‫من الدعاء لنا مجيعا يف السنوات األخرية من معرها بشلك خاص‪ ،‬وكأن الدعاء‬
‫املجاورة لنا‪ .‬اكن اكزويل من األجانب املقميني مبرص‪ ،‬واكن بعض الفالحني من‬
‫املسمتر قد بات هو هوايهتا املفضلة!‬
‫قريتنا يذهبون للعمل يف عزبته‪ .‬وفميا بعد‪ ،‬قام اكزويل ببيع العزبة إىل رجل‬
‫مرصي ُيدىع «دمحم العطار»‪ ،‬وهو الذي اشرتيت منه ثالثة أفدنة لنقمي علهيا‬ ‫اكنت أيم احلبيبة حريصة أشد احلرص عىل أداء الصالة يف أوقاهتا بعد أن‬
‫أول مصنع لـ «توشيبا – العريب»‪ ،‬وهو نفس موقع املصنع املوجود حال ًّيا ببهنا‪.‬‬ ‫ريا‪ ،‬وتغيب عن الواقع لفرتة‬‫كربت يف السن‪ ،‬وحىت بعد أن أصبحت تنىس كث ً‬
‫قصرية مث تعود لوعهيا من جديد‪ ،‬اكن األمر الوحيد الذي مل تكن تنساه أبدًا هو‪..‬‬
‫إىل جانب الزراعة‪ ،‬اكن هناك من يعمل يف التجارة‪ ،‬يبيع ويشرتي يف السوق‪..‬‬
‫الصالة‪.‬‬
‫وهناك من اكن يسافر ليعمل يف القاهرة‪ ..‬وهناك من افتتح داك ًنا للبقالة ليبيع‬
‫للفالحني السلع اهلامة والرخيصة‪ ،‬اليت اكن يشرتهيا من «أمشون» أو يأيت هبا‬ ‫قبل موهتا‪ ،‬اكنت تكرث من قوهلا‪« :‬أنا عايزه ارجع داري‪ ،‬دي مش داري!»‪..‬‬
‫حمل لعصري القصب‪..‬‬ ‫ًّ‬ ‫إليه من يعملون يف القاهرة‪ ..‬وهناك من افتتح‬ ‫فهمت أهنا ال تقصد دارها يف «أبو رقبة»‪ ،‬وإمنا تقصد الدار اآلخرة‪.‬‬

‫كن يبذلن جهدًا فوق الوصف‪ ،‬اكن‬


‫اكن اللك يعمل‪ ،‬والنسـاء بصفة خاصة ّ‬ ‫تلف أيم – رمحها اهلل‪ -‬حني ترانا يدًا واحدة‪ ،‬ال يفسد‬‫اكنت السعادة الغامرة ُّ‬
‫مهنن من تدير الطنبور يف احلقول‪ ،‬ومهنن من محتل «السباخ» من احلظائر عىل‬ ‫ذكرنا دو ًما أال نرتك الدنيا تفعل يف‬ ‫ُ‬
‫املال أو البنون حبنا لبعضنا البعض‪ ،‬اكنت ُت ِّ‬

‫‪27‬‬ ‫‪26‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الجيد وسيلة لالسمتتاع باحلياة‪ ،‬ومعرفة ما حيدث فهيا إال من خالل‪ ..‬الراديو‪.‬‬ ‫ً‬
‫فضل عن أمعاهلن التقليدية الشاقة يف البيت‪..‬‬ ‫امحلار إىل احلقل‪ ،‬هذا‬
‫انترشت أجهزة الراديو يف بيوت الفالحني‪ ،‬واكن إصالحها يأخذ معظم وقت‬ ‫أيخ عيل اكن يعمل يف القاهرة‪ ،‬يف املوسيك يف حمل «عبد العزيز الديب»‬
‫أيخ‪ .‬كنت أحيانا أجلس جبواره أتأمله وهو يعمل يف إصالح هذا اجلهاز‬ ‫لتجارة احلرير اهلندي‪ .‬اكن يعمل لك أيام األسبوع عدا يوم األحد‪ ،‬الذي اكن‬
‫الحسري!‪ ،‬وقد سعدت باالسمتاع إىل براجم اإلذاعة أيام اكنت يه الوسيلة‬ ‫يقضيه يف «أبو رقبة»‪ ،‬واكن هذا هو ما يفعله أغلب من اكنوا يعملون بالقاهرة من‬
‫اإلعالمية األوىل‪ ،‬واألكرث تأثريا يف العامل لكه‪ .‬وبعد سنوات عديدة‪ ،‬أصبح أمحد‬ ‫أهل قريتنا‪ ،‬البد من قضاء إجازة هناية األسبوع يف القرية‪..‬‬
‫صاحب حق بيع راديو «فيليبس» يف مركز أمشون‪.‬‬ ‫ً‬
‫معل غري ًبا‪ ،‬خمتل ًفا متا ًما عن‬ ‫أما أيخ أمحد – رمحه اهلل– فقد احرتف‬
‫تغيت األحوال‪ ،‬وأصبحنا وكالء لتوشيبا يف منتصف السبعينيات‪،‬‬ ‫بعد أن ّ‬ ‫سائر ما اكن يشتغل به أهل القرية‪ .‬اكن رجل اإلعالم األول يف قريتنا‪ ،‬والقرى‬
‫افتتحنا مرك ًزا للخدمة يف املوسيك‪ ،‬واكن أمحد – رمحه اهلل‪ -‬هو املسوئل عنه‬ ‫املجاورة!!‬
‫مع مجموعة من املهندسني والفنيني‪ ،‬اسمتر سنوات معنا‪ ،‬حىت اضطره املرض‬
‫يف بداية األربعينيات‪ ،‬بدأ أمحد معله يف مجتيع الراديوهات‪ .‬اكن قاد ًرا عىل‬
‫لرتك العمل‪.‬‬
‫تصنيع راديو اكمل يعمل بكفاءة تامة‪ ،‬يف وقت اكن جهاز الراديو هو الوسيلة‬
‫٭٭٭‬ ‫اإلعالمية الوحيدة القادرة عىل إدخال الهبجة عىل قلوب الناس‪ .‬ومل يكن ميتلك‬
‫�أخي الأكرب‪ ..‬حممد �إبراهيم العربي‬ ‫مثله يف ذلك الوقت يف قريتنا والقرى املجاورة‪ ،‬سوى ال ُع َمد وأحصاب املقايه‬
‫وميسوري احلال (ومه قليل للغاية حينئذ)‪..‬‬
‫ولد شقييق دمحم يوم ‪ 13‬يونيو سنة ‪ ،1928‬فهو يكربين بثالث سنوات وعرشة‬
‫هشور‪.‬‬ ‫خارسا‬
‫ً‬ ‫فك راديو‬ ‫وقد ّ‬
‫تعل أمحد هذه الصنعة بدون معمل‪ ،‬فقد اكنت البداية يوم َّ‬
‫ميتلكه أحد أقاربنا ألول مرة‪ ،‬واستطاع أن يصلحه مبفرده بعد جهد كبري‪..‬‬
‫درس دمحم مثل أغلب أطفال القرية يف كتاب الشيخ «دمحم عبد املنعم»‪..‬‬
‫ً‬
‫طويل‬ ‫اعتاد أيخ أمحد أن يشرتي مكونات الراديو من القاهرة‪ ،‬واكن جيلس‬
‫وقد تزوج من ابنة خالتنا «ستيتة» ‪ -‬رمحها اهلل ‪ -‬يف بيتنا بالقرية‪ .‬ومن بعده‬ ‫َ‬
‫بصرب معيق‪ ،‬وأمامه «الطبلية» اخلشبية املليئة مبكونات الراديو‪ ،‬يف «املقعد»‬
‫تزوجت أنا ً‬
‫أيضا يف نفس البيت‪.‬‬
‫الذي يعتيل بيتنا‪ ،‬أو حتت جشرة كبرية جبوار البيت‪ ،‬يعمل هبمة يف مجتيع‬
‫عاش دمحم مع زوجته يف القرية أكرث مين‪ ،‬قبل أن ينتقل بأرسته الصغرية إىل‬ ‫مكونات الدائرة اإللكرتونية باللوحة املعدنية‪ ،‬واكن يصنع واجهة مجيلة للراديو من‬
‫القاهرة‪ ،‬وقد أجنبا ابهنام جمدي يف القرية‪..‬‬ ‫اخلشب والقش املنسوج‪..‬‬
‫ريا فايزة‪..‬‬
‫وبعد جمدي‪ُ ،‬رزقا بالرتتيب‪ :‬بدر‪ ،‬وعواطف‪ ،‬وهشام‪ ،‬وأخ ً‬ ‫ً‬
‫قرشا‪.‬‬ ‫جيمعه حينئذ‪ ،‬اكن تقري ًبا مائة وعرشين‬
‫ّ‬ ‫سعر الراديو الذي اكن أمحد‬
‫ً‬
‫وغال ًبا اكن من ينهتي أمحد من مجتيع راديو جديد له‪ ،‬يقمي احتفال بتلك‬
‫وطيبة قلب أيخ دمحم ورقة مشاعره يشء ال ياكد ُيصدق‪ .‬مثال‪ ،‬عندما عمل‬
‫بوفاة أخينا عيل جويدة – رمحه اهلل ‪ -‬والذي تسببت وفاته يف مقتبل العمر يف‬ ‫املناسبة‪ .!..‬والطريف أنه مل يكن يطلب يف إصالحها مث ًنا حمددًا‪ ،‬لك واحد وما‬
‫مرسعا من القاهرة إىل «أبو رقبة»‪ ،‬وراح جيري‬ ‫صدمة شديدة لنا مجي ًعا‪ ،‬جاء‬ ‫جتود به نفسه!‪ ،‬أحيا ًنا اكن صاحب الراديو جيلس معه طوال الهنار‪ ،‬يفطر مث‬
‫ً‬
‫ريا‪ ،‬وقد ال يدفع أي يشء‪،!..‬‬ ‫ً‬
‫شيئ يس ً‬ ‫يتغدى‪ ،‬ويرشب الشاي‪ ،‬مث قد يدفع له‬
‫ملهو ًفا ليليق نظرة أخرية عىل أخينا احلبيب‪ .‬اكن أمام بيتنا ترعة صغرية‪ ،‬مل‬
‫اكن أمحد طيب القلب‪ ،‬يشعر أنه من العيب أن يطلب أج ًرا من فالح بسيط احلال‪،‬‬

‫‪29‬‬ ‫‪28‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وكأن إحلاح أيخ دمحم البنه أن يذهب لدعوة معه يف القرية‬‫َّ‬ ‫الرضيع من املوت‪.‬‬ ‫يصرب دمحم حىت جيتازها عن طريق اجلرس اخلشيب الذي يبعد أمتا ًرا معدودة‬
‫اكن سب ًبا أساس ًّيا إلمتام معلية اإلنقاذ‪ .‬إنين أراها – ببساطة‪ -‬بركة طاعة االبن‬ ‫عن البيت‪ ،‬بل خاض مياه الرتعة مبالبسه الاكملة‪ ،‬ليليق نظرة الوداع قبل أن‬
‫ألبيه‪..‬‬ ‫ُيدفن‪ ،‬وأقبل عىل موضع جمثان «عيل» ليقبله وهو يبيك‪ ،‬دموعه اختلطت مباء‬
‫٭٭٭‬ ‫الرتعة‪ ،‬ومالبسه اكنت مبتلة متا ًما‪..‬‬

‫حامسا يف تارخي عائلة «العريب»‪ ،‬يوم سافر أيخ دمحم‬ ‫ً‬ ‫بالتأكيد اكن يو ًما‬ ‫وقد حدثت بعد عرشين سنة واقعة جعيبة أخرى هلا عالقة بنفس تلك الرتعة‪،‬‬
‫ليعمل يف القاهرة‪ ،‬واكن أول جميئه – مكا حدث ميع بعد ذلك‪ -‬مع أخينا الكبري‬ ‫املرة ملجدي العريب‪ ..‬ابن أيخ دمحم‪..‬‬
‫ولكن حدثت هذه َّ‬
‫عيل جويدة‪ ،‬يف حمل عبد العزيز الديب لتجارة األمقشة‪.‬‬ ‫فيف يوم خطبة جمدي عىل ابنيت ماجدة‪ ،‬مصم شقييق دمحم أن يسافر جمدي‬
‫ً‬
‫قرشا يف الهشر‪ .‬اكن أج ًرا زهيدًا‬ ‫أول أجر حصل هيلع دمحم اكن مائة وثالثني‬ ‫بنفسه إىل البلد ليأيت بأخينا أمحد جويدة‪ ،‬حفاول جمدي المتلّص من ذلك بلك‬
‫مقابل معل شاق‪ ،‬ولكنه صرب عىل ذلك‪ ،‬واكنت فرحته بتخفيف العبء عن اكهل‬ ‫السبل‪ ،‬فهو «عريس»‪ ،‬مث إن معه أمحد سيأيت ليحرض احلفل من نفسه بالتأكيد‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫والدنا الطيب وأمنا الصابرة ينسيه أي متاعب‪ .‬وبعد سنوات‪ ،‬ساعده أيخ عيل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكن أيخ دمحم اكن مصمم عىل رأيه‪ ،‬فسافر جمدي طاعة ألبيه صباح يوم‬
‫يف العمل مبحل «القويص» باملوسيك‪ ،‬يف بيع اخلردوات‪ ،‬مقابل راتب أعىل‪.‬‬ ‫اخلطبة‪ ،‬عىل أن يكون يف البيت مع معه قبل املغرب‪!..‬‬
‫وقد اسمتر معل أيخ دمحم يف رشكة القويص‪ ،‬حىت انضم إليه أخونا األصغر‬ ‫يف «أبو رقبة» تعجب أقاربنا من حضور جمدي بنفسه يوم خطبته!‪ ،‬وأخربوه‬
‫عبد اجليد‪ .‬وقد عاش االثنان معنا يف نفس الشقة الصغرية اليت استأجرهتا يف‬ ‫أن معه أمحد قد سافر بالفعل إىل القاهرة حلضور احلفل‪..‬‬
‫حارة الزاوية بامجلالية‪ ،‬وذلك قبل أن يأتيا بأرستهيام من القرية‪ ،‬وينتقال ليعيشا‬
‫يف شقة أخرى رمق ‪ 18‬شارع امجلايل بالد ّراسة‪..‬‬ ‫عاد جمدي ماش ًيا إىل املاكن الذي ركن فيه سيارته جبوار الرتعة مع أحد‬
‫أقاربنا‪ ،‬حيث اكن دريس الحمق ميأل وقهتا شوارع القرية‪ .‬أثناء مسريمها الحظ‬
‫مثال واحدا عىل ذلك الرتابط‪ ،‬حيث اكن أول تلفزيون اشرتيناه يف بداية‬ ‫ً‬ ‫أذكر‬ ‫ً‬
‫شيئ ملفو ًفا يف مقاش يطفو مث يغوص يف املاء برسعة‪ ،‬فألىق بنفسه ‪-‬‬ ‫جمدي‬
‫الستينيات‪ ،‬ماركة «فيليبس» ‪ 14‬بوصة (اكن هيلع كذلك عالمة رشكة «النرص»‪،‬‬ ‫بدون تفكري‪ -‬باكمل مالبسه يف املاء‪ ،‬حيث فوجئ أن امللفوف يف القامش هو طفل‬
‫قبل أن تدخل «توشيبا» و«شارب» مضامر السوق املرصي للتلفزيون‪ ،‬مكا سيأيت‬ ‫رضيع سقط من أخته الصغرية‪ ،‬واكنت طفلة ال تتجاوز عرش سنوات‪..‬‬
‫ذكره بالتفصيل‪ ،)..‬وضعناه يف شقة بالد َّراسة‪ ،‬اكنت تتقامسها أرسة أيخ دمحم‬
‫وأرسة أيخ عبد اجليد‪ ،‬واكن أوالدي يذهبون هناك ملشاهدة براجم التلفزيون‬ ‫اكنت الطفلة املسكينة مشدوهة ترتعد جبوار الرتعة‪ ،‬وقد أمجلها سقوط أخهيا‬
‫ريا به ملا فيه من‬ ‫الرضيع من يدها يف املاء‪ .‬وامحلد هلل أن جمدي قد أنقذ الرضيع‪ ،‬وأخرجه من‬
‫مع أوالد معهيام‪ ..‬وقد حكوا يل عن أول فيمل رأوه‪ ،‬وتأثروا كث ً‬
‫فيملا هند ًّيا امسه «من أجل أبنايئ»‪ .‬اكنت‬‫ً‬ ‫مواقف إنسانية حزينة مؤثرة‪ ،‬اكن‬ ‫املاء قبل أن يلفظ أنفاسه األخرية‪..‬‬
‫فرحة أوالدنا هبذا التلفزيون كبرية جدا‪..‬‬ ‫الطريف أن حذاء جمدي – العريس‪ -‬التصق بقاع الرتعة‪ ،‬ولكن العرشات من‬
‫دمحم شقييق ذو عاطفة متدفقة‪ ،‬ويف نفس الوقت يتسم حبزم شديد‪ ،‬وال ياكد‬ ‫شباب القرية تطوعوا ليخرجوه له‪ ،‬بعد أن عملوا مبا فعله‪ ،‬ناس ًيا ما وراءه من‬
‫يصدق من ال يعرفه جيدًا كيف جيمع بني البساطة واحلزم هبذه الصورة‪..‬؟!‬ ‫حفل وزينة ومدعوين‪!..‬‬

‫غي املبادئ اليت رخست يف تعامالتنا التجارية عىل مدار‬ ‫ميا ولطي ًفا إذ جاء هبذا الشاب الطيب لينقذ حياة ذلك الطفل‬
‫لقد اكن قدر اهلل رح ً‬
‫ال ميكن أن تراه ُي ّ‬

‫‪31‬‬ ‫‪30‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ما يف أرفف الثالجة الفالنية‪ ،‬وهكذا اكن هو – وال يزال‪ -‬أرسع من يأتينا برد فعل‬ ‫مثل‪ ،‬حنن ال نقبل التعامل بالشياكت من األفراد‪ ،‬بل جيب أن يكون‬ ‫السنني‪ً .‬‬
‫السوق عىل منتجاتنا‪ ،‬وهذا األمر ليس ه ّي ًنا‪ ،‬بل هناك رشاكت اكدت أن تفشل متا ًما‬ ‫التعامل نقدًا‪ ،‬فقط نقبل الشياكت من احلكومة والرشاكت التجارية واملؤسسات‬
‫بسبب انقطاع التواصل بني أحصاهبا وبني مجهور املسهتلكني بشلك مبارش‪.‬‬ ‫الكربى‪ .‬يف هناية التسعينيات‪ ،‬وافق أحد أبنائنا – مدحت‪ -‬أن يكتب أحد معارفه‬
‫املقربني «شيك» مقابل رشاء ‪ 5‬تلفزيونات‪ ،‬ومل تكن األجهزة موجودة إال يف‬
‫وأكرث ما يسعد قلب أيخ دمحم‪ ،‬حضور احتفاالت تكرمي حفاظ القرآن الكرمي‬
‫فرع املوسيك‪ ،‬وحني رأى أيخ دمحم الشيك‪ ،‬اتصل مبدحت َّ‬
‫وذكره مببدئنا يف‬
‫من أبناء وبنات «أبو رقبة»‪.‬‬
‫التعامل النقدي‪ ،‬فأكد له أنه يثق متا ًما بصديقه‪ ،‬فاقرتح شقييق عىل مدحت أن‬
‫إن إميانه القوي جيعله ثاب ًتا يف وجه مغريات احلياة‪ ،‬اليت من املمكن أن تسلب‬ ‫يرسل له مثن التلفزيونات نقدًا‪ ،‬وأن يستعيدها حني حيل وقت رصف الشيك!‪..‬‬
‫عقل اإلنسان‪ ،‬وحتـ ّول هدو َءه إىل تشتت وحرية‪ .‬هو ال حيب الظهور‪ ،‬إال يف أقل‬ ‫ً‬
‫كـامل إلـى معه ليتسمل‬ ‫وبالفعل اضطر مدحت أمام إرصار أيخ أن يرسل املبلغ‬
‫مفثل حيب أن يشاركنا مآدب الطعام مع ضيوفنا اليابانيني حني ندعومه‬ ‫ً‬ ‫احلدود؛‬ ‫توقعه أيخ‪ ،‬فقد «داخ» مدحت حىت استعاد نقوده‬ ‫األجهزة‪ .‬ولألسف حدث ما َّ‬
‫خصوصا لو اكنوا ممن يعرفهم خشص ًّيا‪ ،‬مثل مسرت‬
‫ً‬ ‫يف بيتنا مبرص اجلديدة‪،‬‬ ‫من ذلك الخشص‪..‬‬
‫أندو صديق العائلة القدمي‪ ،‬الذي حيبه ويكرث من الضحك معه‪ ،‬خاصة مع انسياب‬
‫أيضا‪ :‬عدم أخذ أي أمر عىل أعصابه‪ ،‬اكن حيب‬ ‫ً‬ ‫ومما يمتزي به أيخ دمحم‬
‫ذكرياته القدمية معنا يف املوسيك‪..‬‬
‫تبسيط األمور‪ ،‬مهام بدت مع ّقدة‪ ،‬اكن يقابل الصعوبات باالبتسام واملرح‪ ،‬املهم أال‬
‫٭٭٭‬ ‫يكون هناك أحد من األحبة قد انتقل إىل الرفيق األعىل‪..‬‬
‫ريا ما نفعتنا تلك الشدة‪.‬‬
‫يف معله‪ ،‬يسبق حزمه وجديته عاطفته اجلياشة‪ ،‬وكث ً‬ ‫اكن دمحم حىت وقت قريب شديد احلرص عىل إدارة العمل يف فرعنا باملوسيك‪،‬‬
‫ولكن أحيا ًنا قليلة اكنت عاطفته اليت تغلّف قلبه الرقيق تغلب حزمه‪..‬‬
‫وعىل التواجد فيه معظم وقته ‪ .‬اكن– وال يزال‪ -‬تاج ًرا حمرت ًفا إىل أقىص درجة‪،‬‬
‫منذ سنوات قليلة‪ ،‬جاء رجل يبيك ويولول عىل باب احملل باملوسيك‪ ،‬تعجب‬ ‫يعرف أن من أمه أرسار جناح التجارة هو اختيار أصناف البضاعة املناسبة يف‬
‫دمحم من كرثة باكئه‪ ،‬فدعاه وسأله عن رس ذلك الباكء والصياح‪ ،‬فقال إن زوجته‬ ‫األوقات املناسبة‪ ،‬وأن تتوافر لك أصناف البضاعة اجلديدة اليت قد حيتاج إلهيا‬
‫ماتت يف البلد‪ ،‬وجاءه خربها اآلن‪ ،‬وليس معه أية نقود ليقوم بإجراءات وجتهزيات‬ ‫الزبائن‪ .‬وهو شديد احلرص عىل أن حتقق البضائع املوجودة يف احملل مكس ًبا‬
‫دفهنا‪ .‬تأثر أيخ‪ ،‬ولكنه خيش أن يكون اكذ ًبا‪ ،‬فنادى عىل أحد العاملني معنا‪،‬‬ ‫رواجا أفضل‪.‬‬
‫ً‬ ‫معقول‪ ،‬وإال يتخلص مهنا بأرسع وقت‪ ،‬ويبحث عن أنواع أخرى حتقق‬‫ً‬
‫أول إىل مجسد «الرمحن‬ ‫وأعطاه ألف جنيه وأمره أن يذهب مع الرجل‪ ،‬ويذهبا ً‬
‫لديه قدرة كبرية عىل جس نبض السوق‪ ،‬من خالل تعامله الدامئ مع العمالء‬
‫الرحمي» ليأخذا من هناك سيارة نقل املوىت‪ ،‬مث يسافرا هبا إىل قرية الرجل‪،‬‬
‫وج ًها لوجه‪ ،‬حفىت اليوم ُيعترب هو أمه من يأتينا بنبض امجلهور ورأيه يف السلع‬
‫ويعمل له لك الالزم‪..‬‬
‫املُصنّعة يف مصانع «العريب»‪ .‬والذي يساعده يف هذا اجلانب هو ابننا بدر‬
‫مبجرد أن ابتعد الرجل املُصاب مع زوجته عن احملل‪ ،‬توقف عن الباكء وراح‬ ‫دمحم العريب‪ ،‬والذي ينقل لنا من خالل موقعه باملوسيك نبض السوق ومتغرياته‪،‬‬
‫يعرض عىل زميلنا العامل أن يتقامسا املبلغ‪ ،‬دون سفر وال تعب‪ ،!..‬وملا سأله‬ ‫وانطباعات امجلهور عن منتجاتنا ً‬
‫أول بأول‪.‬‬
‫العامل إن اكن صاد ًقا ح ًّقا يف موضوع موت زوجته‪ ،‬أكد الرجل صدقه وأقسم‬
‫ريا ما اكن احلاج دمحم يرفع مساعة التليفون ليتصل بأحد أبنائنا املسوئلني عن‬
‫كث ً‬
‫أهنا ماتت بالفعل‪ ،‬ولكنه يريد أن يرحيه‪ ،‬ويو ِّفر هيلع مشقة السفر‪ ،‬فأرص العامل‬
‫معلية التصنيع ليخربه بشكوى الناس من املروحة ذات املوديل كذا‪ ،‬أو اقرتاح بتعديل‬
‫أن يرافقه إىل القرية‪ ،‬فإذا بالرجل هيرب وخيتيف يف الزحام!‪ ،‬فرجع العامل‬

‫‪33‬‬ ‫‪32‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اجليل الثاين والثالث تع ّودوا عىل الضحك مع أيخ دمحم‪ ،‬ومشاكسته لكام‬ ‫ً‬
‫اكمل أليخ‪..‬‬ ‫األمني إىل احملل وأعاد املبلغ‬
‫ريا بسبب أسلوبه معهم يف‬ ‫مثل يف العيد‪ ،‬اكنوا يضحكون معه كث ً‬ ‫جلسوا معه‪ً ،‬‬
‫أما عن خفة ظله التلقائية‪ ،‬فقد تكشف القصة التالية عن مالحمها‪..‬‬
‫أمر «العيدية»‪ ،‬حىت ولو اكنت قليلة‪ ،‬املهم أن تكون أورا ًقا جديدة‪ ،‬ولو طلبوا املزيد‬
‫يرصون علهيا‪..‬‬
‫ّ‬ ‫اكن حياول الهترب مهنم‪ ،‬ومه‬ ‫كنا يف رحلة أداء مناسك احلج‪ ،‬وكنا جالسني نتحدث عن خطورة التدخني‪،‬‬
‫وكنت أشدد عىل خطرها البالغ عىل حصة اإلنسان‪ ،‬وأؤكد عىل احلارضين‬
‫إنه يفعل ذلك بروح مجيلة‪ ،‬جتعله قري ًبا من قلوب امجليع‪..‬‬
‫أنين لن أتراجع عن قراري مبنع التدخني بني العاملني يف رشكة «العريب» ما‬
‫نع املراوح يف حمل املوسيك‪،‬‬ ‫من طرائفه مع أبنائنا‪ ،‬حني كنا يف املايض ُ ِّ‬ ‫استطعت‪ ،‬فإذا بأحد رفقائنا يف الرحلة‪ ،‬والذي اكن مدخ ًنا رشهً ا‪ ،‬إذا به يقول‪:‬‬
‫اكن يتفق مع األبناء مدحت ودمحم عبد اجليد وحميي الدين (اجليل «اتنني ونص»‬ ‫ابطل جساير دلوقيت‪ ،‬بس برشط تدوين تلفزيون ملون جديد!»‪.‬‬ ‫«طب أنا مستعد َّ‬
‫مكا يمسون أنفهسم!) أن يقوموا مبعاونة العامل عىل مجتيعها مقابل أجر معني‬ ‫وإذا بأيخ دمحم يعتدل بعد أن اكن مستلق ًيا مغمض العينني (حىت أننا كنا نظنه‬
‫معهم‬
‫عن لك مروحة‪ ،‬وحني ينهتي اليوم ويأتون إليه ليحصلوا عىل أجرمه من ّ‬ ‫مئا)‪ ،‬ويقول له‪« :‬تلفزيون إيه يا اخويا؟‪ ..‬ملون؟!!‪ ..‬روح انشاهلل ترشب خمدرات‬ ‫نا ً‬
‫كل مهنم أجر مجتيع مروحة واحدة أو اثنتني وهو يكمت‬‫دمحم‪ ،‬يفاجوئن أنه يعيط ًّ‬ ‫حىت‪ ..‬احنا مالنا؟!»‪.‬‬
‫حضكه‪ ،‬بيمنا يكون الواحد مهنم قد قام بتجميع أكرث من عرش مراوح‪ ،‬وحني‬
‫ويف أحد األيام‪ ،‬يف المثانينيات من القرن املايض‪ ،‬دخل علينا يف حمل‬
‫ويديع أهنم فهموا االتفاق خطأ‪!..‬‬
‫يعرتض أحدمه يضحك أيخ دمحم ملء قلبه‪َّ ،‬‬ ‫املوسيك الكبري لص يبدو أنه اكن يف بدايات احرتافه للرسقة‪ ،‬استغل انشغال‬
‫٭٭٭‬ ‫ريا من جيبه‪ ،‬وقطع به‬
‫مقصا صغ ً‬
‫ًّ‬ ‫العاملني يف معلهم‪ ،‬وكذلك زحام احملل‪ ،‬فأخرج‬
‫اكنت زوجة أيخ دمحم طيبة وكرمية‪ ..‬وبسبب قرابهتا لنا اكن التفامه والتوافق‬ ‫سلك املروحة اليت اكنت موضوعة عىل أحد األرفف ليرسقها‪ ،‬وإذا باللص يرصخ‬
‫جيمعها مع أيم طوال الوقت‪.‬‬ ‫من األمل بسبب الكهرباء اليت رست قوية يف جسده‪ ،‬واكدت أن تقتله‪!..‬‬

‫وقد مجع اهلل تعاىل بني قليب أيخ دمحم وزوجته‪ ،‬وقد أنكر عىل لك من نصحه‬ ‫أمسك به العاملون وذهبوا به إىل احلاج دمحم‪ ،‬الذي أراد أن يؤدبه بعلقة‬
‫بالزواج من أخرى؛ بسبب تأخر اإلجناب لعدة سنوات‪..‬‬ ‫ساخنة‪ ،‬حىت يكون عربة ملن يعترب‪ ..‬إال أنه ساحمه حني أكد له أنه نال عقابه‬
‫ضاحك‪« :‬طب اميش من قدايم‪ ،‬وتوب‬‫ً‬ ‫بالكهرباء الشديدة اليت أمسكت به‪ ،‬وعلَّق‬
‫ذهب دمحم ملجسد احلسني‪ ،‬ودعا اهلل هناك أن يرزقهام بولــد‪ ،‬حتــى لو مــات‬
‫لربنا قبل ما اكهربك انا بنفيس املرة دي‪.»!..‬‬
‫وهو صغري‪ ،‬فهو يوقن أنه ال يوجد مانع طيب لدهيام‪ .‬وبالفعــل رزقهام اهلل بولد‬
‫مسياه «إبراهمي»‪ ،‬وقد تويف يف الهشر الثاين من معره‪ ،‬وقد وصله اخلرب يف‬ ‫مرة أخرى يف المثانينيات‪ ،‬دخل حمل املوسيك رجل فقري‪ ،‬سأله مساعدة‪،‬‬
‫أحد األعياد أثناء توزيــعه للعيدية عىل بعض األطفال‪ ،‬حفمـد اهلل واسرتجع‪،‬‬ ‫ريا‪ ،‬فصاح الرجل‪« :‬إيه دا؟ أبوك اليل بيقعد هناك بيديين‬ ‫ً‬
‫شيئ يس ً‬ ‫فأعطاه دمحم‬
‫وأمكل توزيع العيدية قبل أن يذهب ليوايس زوجته ـ رمحها اهلل‪.-‬‬ ‫جنيه!»‪ ،‬فكمت دمحم حضكه‪ ،‬فلقد ظن الرجل أين أبوه! ومل أكن موجودًا يف‬
‫احملل يف ذلك الوقت‪ .‬قال له دمحم‪« :‬أنا مش مصدقك!»‪ ،‬فإذا بالرجل يقسم له‬
‫أذكر عهنا قصة ال تصدر إال عن صاحبة قلب ينبض حبب الناس‪ ،‬وحب اخلري؛‬
‫هيا قبل ذلك‪ ،‬فقال له احلاج دمحم‪« :‬طب ورهيوين كدا؟!»‪ ،‬فأخرج‬ ‫أين أعطيته جن ً‬
‫فقد اكنت – رمحها اهلل‪ -‬تعيط البهنا جمدي أيام دراسته اإلعدادية ساندويتش‬
‫هيا من جيبه وأشار به مؤكدًا أنه ال يكذب‪ ،‬فإذا بأيخ خيطفه من يده‬ ‫الرجل جن ً‬
‫ومرصو ًفا عبارة عن «تعريفة» (التعريفة اكنت تساوي نصف قرش صاغ‪ ،‬أي‬ ‫ً‬
‫ويليق به يف املكتب ضاحك‪« :‬خالص بىق‪ ،‬مش دا من ابويا‪ ،‬أنا أ ْوىل بيه!»‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫‪34‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫يف سفرياته إىل حمافظات مرص املختلفة لتسويق منتجاتنا من األدوات املكتبية‬ ‫مخسة ملميات‪ ،)..‬ورمغ ذلك اكن يرجع من املدرسة جائ ًعا لك يوم ملهو ًفا عىل‬
‫يف بدايات الرشكة‪ ،‬اكن أداؤه رائ ًعا فقد استمثر قدراته االتصالية خري استمثار‪.‬‬ ‫ً‬
‫شيئ طوال الهنار‪.‬‬ ‫الطعام‪ ،‬فملا تكرر منه ذلك َّ‬
‫شكت أنه ال يألك‬
‫لقد تسببت تلك السفريات وسامهت يف تأسيس وتوسيع قاعدة التجار الذين‬
‫يف أحد األيام‪ ،‬نزل جمدي إىل مدرسته اكملعتاد‪ ،‬فتبعته دون أن يراها‪..‬‬
‫يتعاملون مع «العريب» بثقة تامة‪..‬‬
‫سن‪ .‬مل حت ّدثه‬
‫رأته يعيط التعريفة لسيدة فقرية‪ ،‬مث أعىط الساندويتش لرجل ُم ّ‬
‫ممترسا‪ ،‬أكسبته خربات‬
‫ً‬ ‫ريا‬
‫يف عمل االتصال والتسويق‪ ،‬اكن عبد اجليد خب ً‬ ‫يف يشء‪ ،‬ومل تعاتبه‪ ،‬بل زادت له املرصوف إىل قرش صاغ‪ ،‬وأصبحت وجبته‬
‫ً‬
‫هائل‪..‬‬ ‫احلياة مع ًقا‬
‫املدرسية عبارة عن ساندويتشني‪ ،‬ليعيط واحدًا للفقري‪ ،‬وحيتفظ لنفسه بواحد‪!..‬‬
‫مث بعد ذلك‪ ،‬يف سفرياته إىل دول رشق آسيا للتعاقد عىل بضاعة‪ ،‬قبل أن‬
‫كنا إذا حدث أي خالف بني زوجاتنا مثل بعض اخلالفات التقليدية اليت حتدث‬
‫حنصل عىل توكيل توشيبا (واليت اكن له دور مبارش وأسايس يف الفوز به‪،‬‬ ‫ً‬
‫طـويل‪ ،‬بل اكن جيب أن يتوقف‬ ‫عاد ًة بني النساء يف العائلة الواحدة‪ ،‬اليسمتر‬
‫ً‬
‫وأيضا يف إدارته ملصنع بهنا‪،‬‬ ‫حبسن اتصاله مع مسوئيل توشيبا يف اليابان)‪،‬‬ ‫ساعة أن نرجع من العمل ً‬
‫ليل‪ .‬فقد اتفقنا أن نهني أي مشالك يف العمل أو يف‬
‫والذي توىل إدارته منذ أن افتتحناه عام ‪ ،1982‬يف لك تلك احملطات اكن عبد‬
‫العائلة مبجرد انهتاء اليوم‪ ،‬مفع رشوق المشس‪ ،‬ال جيب أن تتبىق يف ذاكرة‬
‫اجليد – بالفعل‪ -‬أستا ًذا قدي ًرا يف عمل االتصال‪.‬‬
‫واحد من عائلة «العريب» أية رواسب من مشالك األمس؛ هذا اكن أحد أسباب‬
‫اكن يداعب لك إنسان باألسلوب الرقيق الدمث الذي جيعل من يتحدث إليه‬ ‫اسمترار املشوار حىت الهناية بنجاح وتوفيق من اهلل‪.‬‬
‫يفتقده مبجرد غيابه‪.‬‬ ‫ً‬
‫أيضا اكن هلا – مثل زوجيت وزوجة عبد اجليد‪ -‬مساعدات خفية ملن تعرفه‪ ،‬ومل‬
‫اكن عبد اجليد مثيل ومثل شقيقنا األكرب دمحم‪ ،‬قد شعر حباجة العامل لصاحب‬ ‫تكن تنتظر جزا ًء وال شكو ًرا عىل ذلك‪..‬‬
‫العمل‪ ،‬ومبدى الشعور املرير الذي يشعر به العامل إذا ما قهره صاحب العمل‪،‬‬
‫ولقد اكنت وفاة احلاجة «أم جمدي» – رمحها اهلل‪ -‬يف هشر يوليو سنة‬
‫فقط ألنه حيتاج إىل أجره من ذلك العمل‪ .‬هذا الشعور اجلارف باالحتياج الشديد‬
‫‪..2008‬‬
‫للرزق‪ ،‬جعلنا – حنن الثالثة‪ -‬نقدر للعاملني معنا أقدارمه‪ ،‬ونضع أنفسنا يف‬
‫أماكهنم‪ ،‬وال نفكر أن جنور عىل حق من حقوقهم‪ .‬ال أنكر أين – خشصيا‪ -‬كنت‬ ‫٭٭٭‬
‫ميا‪ ،‬بسبب‬ ‫ً‬
‫خطأ جس ً‬ ‫العمل يف حمل املوسيك حني خيطوئن‬ ‫ّ‬ ‫أحيا ًنا أقسو عىل‬ ‫�أخي‪ ..‬عبداجليد �إبراهيم العربي‬
‫عصبييت أيامها (حىت عىل أبنايئ كنت أشتد علهيم‪ ،‬خاصة يف تلك الفرتة اليت‬ ‫اكن يصغرين بسنتني ونصف تقري ًبا‪ ،‬فقد ولد أيخ عبد اجليد – رمحه اهلل‪،-‬‬
‫أدخن فهيا برشاهة!)‪ ،‬إال أن وجود عبد اجليد جبواري دا ً‬
‫مئا‪ ،‬اكن ير ّدين‬ ‫ّ‬ ‫كنت‬ ‫يف ‪ 25‬نومفرب سنة ‪..1934‬‬
‫إىل هدويئ‪ ،‬وبعد رحيله – رمحه اهلل‪ -‬كنت بفضل اهلل قد ختلصت من تلك‬
‫اكن ضعيف البنية باملقارنة بأيخ دمحم‪ ،‬ولقد تابع عبد اجليد عن قرب جتربيت‬
‫العصبية إىل حد كبري‪..‬‬
‫الناحجة يف بيع ألعاب العيد‪ ،‬فاكن حيب أن يقف جبواري ويراقبين أثناء معيل‪.‬‬
‫أذكر مرة يف بداية تصنيع التلفزيون (أواخر عام ‪ )1995‬أن وصلنا فاكس‬ ‫لقد اكن – هو اآلخر‪ -‬تاج ًرا بالفطرة‪ ،‬واكنت خشصيته املرحة‪ ،‬وحبه للتواصل‬
‫من رشكة «توشيبا» يبلغونا فيه بارتفاع كبري يف أسعار مكونات التصنيع جلهاز‬ ‫الفعال مع امجليع سب ًبا يف رسعة حب الناس له وإقباهلم عىل صداقته‪..‬‬
‫التلفزيون‪ ،‬فغضبنا لكنا من هذا اخلرب‪ ،‬فنجاح التلفزيون يف السوق املرصي اكن‬
‫٭٭٭‬
‫‪37‬‬ ‫‪36‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫أثناء رشب الرجل للشاي‪ ،‬سأله عبد اجليد هبدوء عن اخلطأ الذي ارتكبه‪ ،‬والذي‬ ‫حساسا للغاية‪ ،‬وال نستطيع رفعه معا اكن‪ .‬قبل هذا‬
‫ً‬ ‫رائ ًعا‪ ،‬واكن عامل السعر‬
‫استحق به تلك الصفعة‪ ،‬فإذا بالرجل يعتذر له‪ ،‬ويقول له‪« :‬معلش يا ابين اعذرين‪،‬‬ ‫األمر بهشور‪ ،‬اكن عبد اجليد قد انتقل إىل رمحة اهلل تعاىل‪ ،‬فتذكرته وأنا أفكر‬
‫أصل انا والدي ماتوا يف حادث حريق‪ ،‬ماكنتش أنا وال أمهم يف البيت ملا النار‬ ‫يف الطريقة اليت نر ّد هبا علهيم خبصوص رفع األسعار‪ .‬وبالفعل أهلمين اهلل‬
‫ولعت لك حاجة‪ .»..‬وأخربه الرجل أن ذلك قد حدث يوم ‪ 13‬يف الهشر! وأصبح‬ ‫تعاىل أسلو ًبا للرد كتبناه بطريقة مجتع بني شديت وحزيم وبني رفق عبد اجليد‬
‫مهم بعد ذلك‪ .‬اكن عبد اجليد – رمحه اهلل‪ -‬حييك هذه القصة‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫معيل‬ ‫الرجل‬ ‫وقدراته االتصالية العالية‪ ،‬فاكنت النتيجة اعتذار الرشكة لنا‪ ،‬بل وعقاب املوظف‬
‫ألبنائنا وبناتنا‪ ،‬ليؤكد عىل أمهية قمية الصرب وحسن اخللق‪ ،‬حىت مع من ييسء‬ ‫التوجه (اعتذر يل هذا املوظف يف اليابان‪ ،‬بعد‬
‫ّ‬ ‫الياباين الذي اكن سب ًبا يف هذا‬
‫إليك‪ ،‬ولو بغري أي سبب‪.‬‬ ‫هذه احلادثة بهشور قليلة‪ ،‬واعرتف يل خبطئه)‪ .‬إنه الرفق املمزوج باحلزم‪ ،‬الذي‬
‫اكن ّ‬
‫ميي عبد اجليد أكرث منّا‪..‬‬
‫لك من عرف عبداجليد عن قرب شعر بتدفق عاطفة األب ّوة لديه‪ ..‬رزقه اهلل تعاىل‬
‫بصباح وعيل وصالح وإميان ودمحم‪ ..‬و ُرزق جبامل بني صالح وإميان‪ ،‬ولكنه‬ ‫لقد اكن عبد اجليد ودودا رفي ًقا بالعاملني معنا‪ ،‬وإنين أرجو أن ينتقل هذا‬
‫انتقل إىل الرفيق األعىل وهو يف التاسعة من معره‪.‬‬ ‫الشعور الرفيق بالعاملني إىل األجيال اجلديدة‪ ،‬ألنه أحد أمه أرسار النجاح‪ ،‬وإذا‬
‫اهنار هذا املبدأ – ال مسح اهلل– لفقدت رشكتنا الكثري من أساس قوهتا وأسباب‬
‫اكن عبد اجليد يكرث من تعلمي أوالدنا مجي ًعا أمهية إتقان العمل‪ ،‬واكن يكرث‬
‫من تذكيرهم بحديث الحبيب ﷺ‪« :‬إن اهلل يحب إذا عمل أحدكم ً‬ ‫جناحها وسبقها‪.‬‬
‫عمل أن‬
‫يتقنه» اكن اكمت رس أغلب أبناء العائلة من اجليل الثاين‪ .‬اكنوا يعتربونه مبثابة‬ ‫٭٭٭‬
‫ً‬
‫محل‬ ‫معا‪ .‬لقد اكن حيمل عين وعن أيخ دمحم‬ ‫أخهيم األكرب‪ ،‬أكرث مما اكن أ ًبا أو ًّ‬ ‫ً‬
‫وأيضا بتدفق العاطفة‪ .‬اكنت نفسه هادئة‬ ‫اتسم عبد اجليد بطيبة قلب ورمحة‪،‬‬
‫ريا يف حل مشكالت أوالدنا‪ ،‬وتضييق الفجوات بيننا وبيهنم‪ ،‬خاصة بعدما‬ ‫كب ً‬ ‫ممطئنة منذ صغره‪ ،‬اكن حيب العطاء‪ ،‬واكن يكرث من قول‪« :‬السفينة اليل مافهياش‬
‫ً‬
‫وأيضا يف العمل العام بغرفة التجارة‪..‬‬ ‫بدأت أنشغل أكرث يف الرشكة واملصانع‪،‬‬ ‫أحد ُكم حتى‬
‫يؤمن ُ‬
‫ُ‬ ‫قول النيب ﷺ‪« :‬ال‬‫هلل‪ ،‬الزم ييجي يوم تغرق!»‪ .‬واكن حيب َ‬
‫ينس أيخ عبد اجليد أوالدنا لكهم! يف غالب سفرياته الكثرية‪ ،‬مل يكن ينىس‬‫مل َ‬ ‫يح ُّب ِ‬
‫لنفسه»‪..‬‬ ‫ُي ِح ّب ألخيه ما ِ‬
‫أحدًا من األبناء والبنات‪ ،‬بل واكن خيتار باهمتام شديد للك واحد وواحدة من‬ ‫جاء إىل القاهرة حيث التحق ماكين بالعمل يف حمل «رزق»‪ ،‬وظل هناك‬
‫أبناء اجليل الثاين ما يناسهبم من مالبس وهدايا‪ ،‬والعجيب أن التوفيق اكن دا ً‬
‫مئا‬ ‫لسنوات‪ ،‬حىت انتقل منه للعمل يف حمل «القويص» مع أخينا دمحم‪ ،‬حيث التحق‬
‫ما يصادفه يف اختيار اهلدية املناسبة للخشص املناسب‪ ،‬ناد ًرا ما اكن خيطئ‬ ‫ً‬
‫مسوئل عن املخزن‪..‬‬ ‫هناك بفرع البيع‪ ،‬بيمنا أيخ دمحم اكن‬
‫يف تقدير مقاسات األوالد أو األلوان اليت يفضلوهنا‪ .‬كذلك اكن يرسل من البالد‬
‫اليت يزورها كرو ًتا سياحية ويرسلها بالربيد ملن حيهبا من أوالدنا‪ .‬ال يزال لك‬ ‫حني اكن يعمل يف حمل مع «رزق»‪ ،‬جاءه زبون وسأله عن «قاروصة» األقالم‬
‫أبناء اجليل الثاين يذكرون أيخ عبد اجليد هبداياه امجليلة اليت مل يكن يف ّرق‬ ‫«الكوبيا»‪ ،‬فقال له عبد اجليد‪« :‬القاروصة بـ‪ 13‬قرش»‪ ،‬فإذا بالرجل يصفعه عىل‬
‫فهيا بني أوالده وأوالد إخوته‪...‬‬ ‫وجهه بقسوة‪..‬‬

‫ً‬ ‫وبدل من أن يغضب أو يرصخ يف وجهه‪ ،‬إذا بعبد اجليد يتبسم له ويدعوه‬ ‫ً‬
‫طويل مع معه عبد اجليد – رمحه‬ ‫أيضا‪ ،‬اكن ابين إبراهمي حيب أن يقيض وق ًتا‬
‫ً‬
‫اهلل‪ -‬يف بداية معل الرشكة‪ ،‬وبسبب التفامه نتيجة التقارب يف السن والفكر‪،‬‬ ‫للجلوس واهلدوء‪ ،‬ويطلب له الشاي!‬

‫‪39‬‬ ‫‪38‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫التفاعل مع لك ما هو جديد وفيه إبداع‪ ،‬مادام مل يكن فيه ما يغضب اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫اكن إبراهمي يفضل العمل معه يف اإلجازات الصيفية‪ ،‬لدرجة أن أغلب التجار‬
‫يف املوسيك اكنوا يظنون أهنام شقيقان‪ .‬لقد حتدثا يف فكرة حتويل الرشكة إىل‬
‫انهتز فرص سفره املتعددة من أجل متطلبات العمل ليلتقط صو ًرا للك األماكن‬
‫رشكة عائلية مسامهة قبل تنفيذ ذلك عىل أرض الواقع بسنوات طويلة‪ .‬وطاملا‬
‫اليت ذهب إلهيا‪ ،‬فقد اكن التصوير الفوتوغرايف من أحب اهلوايات لديه‪ ،‬وأذكر‬
‫فكرا وتساءال عن طبيعة املنتجات اليت س ُتقدم الرشكة عىل إنتاجها وتصنيعها‬‫ّ‬
‫أنه اشرتى اكمريا تصوير فوري قبل أن نراها مع أحد غريه‪ ،‬وكذلك اكمريا فيديو‪،‬‬
‫بعد املراوح‪..‬‬
‫واكن ابين إبراهمي يشاركه هذه اهلواية‪ .‬لقد و ّثق الكثري من اللحظات امجليلة‬
‫واملؤثرة يف تارخي العائلة‪ ،‬وحنن اليوم هنمت بتوثيق لك االحتفاليات واملناسبات‬ ‫٭٭٭‬
‫اليت متر مبجموعة «العريب» بشلك احرتايف‪ ،‬اكن هذا سيسعد قلب عبد اجليد‬ ‫اكن يأخذ رأي أبنائنا يف الكثري من األمور اهلامة‪ ،‬ويعملهم بصورة جادة‪ ،‬حىت‬
‫ريا إذا ُكتب له أن ُيعايشه‪.‬‬
‫– رمحه اهلل‪ -‬كث ً‬ ‫قبل أن يكربوا‪ ،‬من خالل القصة ورضب املثل‪..‬‬
‫أيضا اكن حيب املوسيىق‪ ،‬واكنت له حماوالت مجيلة للعزف عىل الناي بشلك‬ ‫ً‬ ‫يف عام ‪ ،1994‬عندما بدأ مصنع التلفزيون يف بهنا إنتاجه بصورة مبدئية‪ ،‬وذلك‬
‫مسايع‪ ،‬دون دراسة‪ .‬أما ابنته إميان فقد اكن هلا رحلة طويلة مع العزف عىل‬ ‫قبل وفاته – رمحه اهلل‪ -‬بسنة وعدة أهشر‪ ،‬سأل دمحم عبد اجليد عن رأيه إذا ما‬
‫البيانو‪ ،‬حيث اكنت حمبة لملوسيىق الكالسيك بشلك كبري‪ ،‬ولكن دراسهتا يف‬ ‫جاء تاجر ليتعاقد معنا عىل رشاء لك اإلنتاج من أجهزة التلفزيون مقد ًما (واكن هذا‬
‫لكية الفنون امجليلة ‪ -‬قسم ديكور‪ -‬حالت دون إمكال دراسة املوسيىق‪ .‬أما من‬ ‫ما حدث بالفعل من خالل عرض ألحد أصدقائنا التجار)‪ ،‬سأله‪ :‬ما رأيك؟! فأجابه‬
‫حقق دراسة املوسيىق بصورة أاكدميية فاكنت «كرمية» ابنة إميان‪ .‬وهناك العديد‬ ‫دمحم عىل الفور‪« :‬دي تكون فرصة هايلة طب ًعا يا بابا‪ ،‬والزم نستمثرها برسعة»‪.‬‬
‫من أبناء اجليل الثالث والرابع ممن اهمتوا بالعزف عىل اآلالت املوسيقية املختلفة‪.‬‬
‫سأله عبد اجليد – رمحه اهلل‪ -‬عن سبب كوهنا فرصة هائلة! فأجابه دمحم‪:‬‬
‫اكن لعبد اجليد مهنج تربوي ممتزي‪..‬‬ ‫«طب ًعا‪ ،‬كدا حيوفر علينا جهد كبري يف الدعاية ويف التسويق ويف بيع األجهزة‪.»..‬‬
‫عندما اكن يصل لبيته متأخ ًرا وجمهدًا بسبب معله يف املوسيك‪ ،‬أو من مصنع‬ ‫فقال له أبوه بصرب مجيل‪« :‬افرض إن صديقنا دا بعد فرتة طلب ختفيض السعر‬
‫بهنا ‪ -‬بعد ذلك‪ -‬مل يكن ينام قبل أن يتحدث مع أرسته يف أمورمه اخلاصة‪ ،‬ويف‬ ‫يرضنا؟»‪ ،‬فقال دمحم‪« :‬أل‪ ،‬يف احلالة دي‪ ،‬ما نديلوش فرصة بىق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بشلك كبري‬
‫ً‬
‫طويل‪..‬‬ ‫ليايل الصيف اكنت تلك الهسرات متتد‬ ‫وبعدين ما احنا الزم حنط رشوطنا يف العقد»‪ ،‬فأضاف عبد اجليد‪« :‬طيب‪،‬‬
‫وافرض إنه أرص عىل طلباته‪ ،‬وثبت عىل موقفه‪ ،‬حىت لو اكن فيه عقد؟!»‪ ،‬أجابه‬
‫طاملا حىك هلم معا مير به يف العمل‪ ،‬ونيته أن يوصل هلم خرباته اليت‬ ‫غي كالمه!»‪ .‬وهنا‬
‫دمحم‪« :‬يف احلالة دي‪ ،‬الزم ند ّور عىل حد تاين‪ ،‬ألنه هو اليل َّ‬
‫يصادفها لك يوم‪ ،‬اكن يقصد أن يعملهم الكثري عن طريق القصص وعن طريق ما‬ ‫وصل األب املُعمل إىل هدفه من لك ذلك احلوار‪ ،‬فقال‪« :‬وجنيب غريه منني؟! ومني‬
‫مير به من أحداث يومية متجددة‪.‬‬ ‫يثق فينا بعد ما سبنا التجار لكهم‪ ،‬علشان خاطر الراجل دا‪ ،‬اليل اكن عايز حيتكر‬
‫مهنجه الرتبوي أن ُيع ِمل املرء عقله يف لك ما مير به من مشكالت‪ .‬اكن يرى‬ ‫منتجاتنا‪ ،‬ومييل علينا رشوطه؟»‪..‬‬
‫دا ً‬
‫مئا أن لك من يكون قري ًبا من اهلل عز وجل‪ ،‬وجيهتد يف سعيه ومعله‪ ،‬لن خييبه‬ ‫هنا أدرك دمحم الدرس العميق يف أصول التجارة‪ ،‬والذي عمله إياه األب‬
‫اهلل أبدًا حني ُيعمل عقله يف أي مشلكة تصادفه‪.‬‬ ‫الذيك‪ ،‬هبذه القصة البسيطة الواقعية‪.‬‬
‫مع أوالده‪ ،‬مل يكن حيب العقاب املبارش‪ ،‬بل اكن يكتيف بإظهار عدم الرضا عن‬ ‫اكن عبد اجليد حيب احلياة بلك حواسه‪ ،‬قلبه متوثب حنو امجلال‪ ،‬وحيب‬

‫‪41‬‬ ‫‪40‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫املريض‪ ،‬قال له عبد اجليد‪« :‬إذا مقت من العملية سلمي‪ ،‬حاطلّعك معرة يا إبراهمي‪،‬‬ ‫أي فعل ال يعجبه صدر من واحد من أوالده‪ ،‬بأن يشيح بوجهه عنه‪ ،‬أو هيز رأسه‬
‫إنت وزوجتك»‪ .‬ولكن شاءت إرادة اهلل تعاىل أن ينتقل أيخ إىل الرفيق األعىل‬ ‫مستنك ًرا‪ .‬اكنت هذه اللفتة أو تلك اإلمياءة كفيلة بإشعارمه بالندم ألهنم أغضبوه‪..‬‬
‫وجح مع‬
‫ّ‬ ‫يف تلك العملية‪ ،‬ولكننا نفذنا رغبته واعتربناها مضن وصيته الرشعية‪،‬‬
‫أليخ عبد اجليد – رمحه اهلل‪ -‬موقف ال ننساه له يف العائلة لكها‪ ،‬حفني أصيب‬
‫إبراهمي وزوجته لبيت اهلل احلرام يف نفس السنة‪.‬‬
‫يف عينيه بسبب مرض الكبد‪ ،‬أخربه الطبيب الدكتور إمساعيل حسونة (الذي اكن‬
‫قبل يوم واحد‪ ،‬من سفر أيخ للعالج يف لندن‪ ،‬ذهب إىل مصنع بهنا‪ ،‬ومل يكن‬ ‫يعيش يف أملانيا‪ ،‬وحيرض ملرص مرة لك سنة‪ ،‬وال ًء لبلده وألهلها) بأن الرؤية لديه‬
‫وقهتا قاد ًرا عىل احلركة‪ .‬طلب من سائقه أن يدور بالسيارة حول املصنع عدة مرات‪،‬‬ ‫ريا خالل هشر‪..‬‬
‫ستتضاءل كث ً‬
‫ليقرأ آيات وأذاكر التحصني‪ ،‬مث عاد إىل البيت ليستعد للسفر يف اليوم التايل‪.‬‬
‫وكأن الطبيب أخربه بيشء مجيل‪ ،‬ال يستوجب احلزن‪ ،!..‬لقد بلغ عبد اجليد يف‬
‫َ‬
‫«تعال نقرا الفاحتة يا عيل سوا‪ ،‬بن ّية‬ ‫قبل وفاته مبارشة‪ ،‬قال عبد اجليد لعيل‪:‬‬ ‫الصرب عىل البالء مبلغا جعيبا‪..‬‬
‫إين مساحم أي واحد غلط يف حيق‪ ،‬وانت تطلب من ربنا يغفر يل‪ ،‬لو فيه أي حد‬
‫بعد أن عمل أيخ حبقيقة األمر‪ ،‬عاتب الطبيب أن عيادته هبا أجهزة تلفزيون من‬
‫أنا غلطت يف حقه»‪.‬‬
‫ماركة غري «توشيبا»! ووعده أن يرسل له يف اليوم التايل أجهزة تلفزيون توشيبا‪،‬‬
‫ولقد فعال ذلك‪ ،‬وبعدها بـ ‪ 24‬ساعة فقط‪ ،‬توفاه اهلل تعاىل‪..‬‬ ‫مث خرج مع أبنائه من العيادة (اكن الوقت يف الصباح الباكر) ليدعومه إىل‬
‫اإلفطار يف ماكن مجيل‪ ،‬واتفق معهم أن يقضوا ذلك الهشر يف التزنه والسفر‬
‫شاءت األقدار أن نفقد عبد اجليد مبك ًرا‪ ،‬فقد انتقل إىل رمحة اهلل يف يوم‬
‫إىل مدن مرص السياحية امجليلة‪ .‬وأكد هلم أنه من العقل أن يشكر اإلنسان‬
‫األربعاء ‪ 15‬نومفرب ‪ ،1995‬بعد إجراء معلية جراحية دقيقة‪ ،‬وقد ُعدنا جبمثانه‬
‫ربه يف هذا املوقف‪ ،‬ويأخذ األمر عىل محمل الصرب والرضا‪ ،‬ويتذكر السنوات‬
‫ل ُيدفن يف قريتنا «أبو رقبة» بنا ًء عىل وصيته‪ .‬لقد فقدنا بوفاته رك ًنا ركي ًنا من أمه‬
‫الطويلة اليت َن ِعم فهيا بالبرص احلاد‪ ،‬ويمتتع مبا تبىق له من نصيب من تلك النعمة‬
‫أسباب جناحنا‪ ،‬لكن اهلل تعاىل خفف عنا آالم فراقه بأبنائه األعزاء عيل وصالح‬
‫العظمية‪..‬‬
‫ودمحم‪ ،‬وبنتيه الغاليتني صباح وإميان‪ .‬رمحه اهلل رمحة واسعة‪..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫٭٭٭‬
‫أصيب أيخ عبد اجليد يف السنوات األخرية من حياته مبرض شديد يف الكبد‪،‬‬
‫تزوج شقييق عبد اجليد من «أم دمحم» ويه أخت زوجة أخينا عيل جويدة‪..‬‬
‫وبعد أن ّ‬
‫متكن منه وقبل سفره للعالج بلندن بأيام‪ ،‬قال البنه عيل‪« :‬إنت مش بتسأل‬
‫اكنت طيبة القلب‪ ،‬ترتبط بعالقة قوية مع اهلل عز وجل‪ ،‬فهي من بيت صاحل‬ ‫عىل معك إبراهمي ليه؟‪ ..‬عايزك تروح جتيبه يتغدى معايا هنا يف البيت»‪..‬‬
‫ً‬
‫خطيبة البنه‪ ،‬إال أن‬ ‫معروف عنه التدين واخللق امحليد‪ .‬طلهبا ابن معدة بلدنا‬
‫بالفعل استجاب عيل لرغبة أبيه‪ ،‬وجاء بإبراهمي ليتغدى مع أبيه عبد اجليد‪،‬‬
‫فضل أن تزتوج من عبد اجليد‪ ،‬ألنه اكن حيب عيل جويدة‬ ‫والدها – رمحه اهلل‪ّ -‬‬
‫ً‬
‫اكمل يؤنسه‪ ،‬ويلكمه يف أحوال املصنع‪ ،‬من وجهة نظره‪..‬‬ ‫وجلس معه يو ًما‬
‫زوج ابنته الكربى‪ ،‬ومل يشأ أن يرفض طلبه‪..‬‬
‫اكن مع إبراهمي يعمل معنا يف مصنع بهنا مكسوئل عن احلدائق واألجشار‪،‬‬
‫مت الزواج‪ ،‬واكتشفنا مجي ًعا أن هلل – ح ًّقا‪ -‬أرسا ًرا يف مسألة التوفيق بني‬
‫وذلك منذ بدأنا إنشاء املصنع وحىت توفاه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫الزوجني‪ ،‬املتشاهبني يف اخللق‪ ،‬ويف الكثري من الصفات‪ .‬اكنت كرمية‪ ،‬ال تدع‬
‫مفتوحا ألقاربنا وألهل قريتنا‬
‫ً‬ ‫فرصة لعمل اخلري إال وسارعت إليه‪ ،‬واكن بيهتا‬ ‫يف آخر اللقاء مع مع إبراهمي‪ ،‬ذلك اللقاء الذي أدخل الرسور عىل قلب أيخ‬

‫‪43‬‬ ‫‪42‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكن عبد اجليد يف الليلة السابقة قد عاد متأخرا من مصنع بهنا‪ ،‬فملا استيقظ‬ ‫«أبو رقبة»‪ ،‬فاكن الطعام لألقارب والضيوف والعاملني متوف ًرا طوال اليوم‪..‬‬
‫سأل زوجته أول ما فتح عينيه عن حصة ابهنام احلبيب‪ ،‬فقالت له إنه يف أحسن‬
‫وقد تعودت أن تزور زوجيت أيام كنا نسكن يف شقة العباسية لك يومني‬
‫حال‪ ،‬فامطأن أيخ وتناول فطوره‪..‬‬
‫أو ثالثة أيام‪ ،‬فاكنت بعد أن تهني جولهتا يف السوق‪ ،‬تأيت لبيتنا لترشب الشاي‬
‫بعد أن انهتى من اإلفطار‪ ،‬قالت له‪« :‬مش لو واحد أعطاك حاجة علشان تشيلها‬ ‫مع أم إبراهمي – رمحهام اهلل‪ -‬واكن أصغر أبنايئ مدحت وحميي الدين يظنان‬
‫عندك‪ ،‬وجه يف يوم حب ياخدها‪ ،‬تدهياله وال تعمل إيه؟!»‪ ،‬فقال هلا وقد بدأ يتأكد‬ ‫أهنا خالهتام بالفعل‪ ،‬وذلك من شدة تفامهها مع أمهام‪ ،‬وصفاهئام ومودهتام‪،‬‬
‫أن األمر يتعلق بابنه املريض‪« :‬أدهيا له طب ًعا‪ ،‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪..‬؟!»‪..‬‬ ‫فضل عن وجود تشابه بيهنام يف الشلك‪..‬‬‫ً‬

‫فطن أيخ إىل ما حدث مجلال ابنه‪ ،‬قبل أن تقول له زوجته‪« :‬استعوض ربنا‬ ‫أذكر أهنام اكنتا سب ًبا يف إصالح موقف أغضب أيخ عبد اجليد مين أثناء‬
‫ف مجال‪..»..‬‬ ‫واحدة من رحالت العمرة اليت مقنا هبا م ًعا‪ ،‬وبدون أن أعرف أن أيخ غضب من‬
‫كاليم‪ ،‬سارعت الزوجتان الفاضلتان يف حل املشلكة قبل أن تتفامق‪ ،‬ودون أن‬
‫توفاها اهلل عام ‪ ،1991‬أي قبل وفاة أيخ عبد اجليد بأربع سنوات‪.‬‬
‫ندري بسعهيام لذلك‪ ،‬فلوال أن قلبهيام اكن ميلؤمها احلب والرغبة يف اإلصالح‬
‫رمحها اهلل تعاىل‪ ،‬وجعل مثواها اجلنة‪..‬‬ ‫لاكن العكس هو الذي حدث‪ ،‬ولزادت سعة الشقاق بيين وبني أيخ‪.‬‬
‫٭٭٭‬ ‫هلا قصة مثرية مع القرآن الكرمي‪ ،‬فقد أدى تعلقها بكتاب اهلل إىل تعملها‬
‫هـ ــان ـ ــم‪ ..‬زوج ـت ـ ــي‬ ‫القراءة‪ .‬اكنت تأيت برشائط تعلمي التجويد للشيخ محمود خليل احلرصي‪ ،‬وتظل‬
‫اكنت «هامن عيد» يف الثانية عرشة تقري ًبا من معرها حني اكنت يف زيارة لنا‬ ‫تتابع لكامت القرآن بعينهيا ويه تسمتع بإنصات وتركزي لآليات اليت ُتتىل‪..‬‬
‫يف بيتنا بـ «أبو رقبة»‪.‬‬ ‫ظلت عىل هذا احلال لسنوات‪ ،‬حىت حفظت الكثري من سور القرآن‪ ،‬وبدأت تقرأ‬
‫اكنت أيم تعد العدة لتطبخ لنا طعام يومنا‪ .‬اكنت تنوي أن تطبخ لنا شعرية‪،‬‬ ‫يف املصحف بطالقة‪..‬‬
‫ّ‬
‫«خل البت هامن مرات ابننا محمود تعمل‬ ‫ففوجئنا بأيب يقول هلا حني رأى هامن‪:‬‬ ‫اكنت – رمحها اهلل‪ -‬حتب أن يسود السالم يف البيت‪ ،‬وإذا ما نشأت مشلكة‬
‫ّ‬
‫يه الشعرية‪ ،‬علشان اشوفها بتعرف تطبخ ول أل؟!»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بني ابنهيا عيل وصالح ً‬
‫مثل‪ ،‬تقول هلام حبنان‪« :‬يا بركة األخني لو اتفقوا»‪.‬‬
‫ما الذي دفعه هلذا القول؟!‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬اكنت تكرث من ترديد نفس هذا القول تأكيدًا عىل حسن العالقة بيننا‬
‫هل اكنت فراسة حقيقية من أيب – رمحه اهلل‪ -‬أم اكنت وصية لنا؟ اهلل تعاىل‬ ‫حنن الثالثة‪.‬‬
‫أعمل‪ .‬لكين اعتربت هذا القول من أيب الفاضل اختيارا لزوجيت‪ ،‬وأحب أن أشري‬ ‫هلا موقف نادر يدل عىل إمياهنا العميق‪ ،‬وعىل حمكهتا – رمحة اهلل علهيا‪ -‬فقد‬
‫تقص سرية‬ ‫هنا إىل حقيقة اسمترت يف عائلة «العريب» حىت اليوم‪ ،‬ويه رضورة ّ‬ ‫أصيب مجال ابهنا بورم يف املخ‪ ،‬واكن أيخ عبد اجليد متعل ًقا جبامل بشلك كبري‪.‬‬
‫الزوجات واألزواج الذين ينضمون للعائلة‪ ،‬فليست املسألة عندي مرتبطة باملظاهر أو‬ ‫وكنت أحبه أنا ً‬
‫أيضا‪ ،‬وأحب أن أراه لك يوم‪ ،‬وبعد أن عملنا مبرضه‪ ،‬زاد تعلقنا به‪..‬‬
‫املال‪ ،‬وإمنا الدين واألخالق واألصل الطيب يه أمه املعايري اليت أحمك هبا عىل من‬
‫ينضم للعائلة‪ .‬وهلل امحلد اكن معظم األبناء واألحفاد يرضون حبيمك بعد أن آخذ‬ ‫وشاءت إرادة اهلل تعاىل أن ينتقل مجال إىل الرفيق األعىل يف املستشىف بعد‬
‫‪ 45‬يو ًما من اإلقامة هناك‪ ،‬وهو ابن تسع سنوات‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫‪44‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكنت اإلجازة الرمسية ألغلب احملالت يه يوم األحد‪ ،‬ولذلك كنت أنزل‬ ‫والتقص‪ ،‬اللهم إال بعض احلاالت االستثنائية‪ ،‬أظن – واهلل‬
‫ّ‬ ‫باألسباب يف السؤال‬
‫ًّ‬
‫مستقل القطار من حمطة‬ ‫القرية مساء السبت‪ ،‬وأرجع إىل القاهرة جفر اإلثنني‬ ‫أعمل‪ -‬أن أحصاهبا متنوا بعدها لو اكنوا قد اسمتعوا لنصيحيت‪..‬‬
‫حل ْلوايص»‪ ،‬واليت اكنت من قريتنا تبعد تقري ًبا نصف ساعة س ً‬
‫ريا عىل األقدام‪،‬‬ ‫«ا ِ‬
‫اكنت هامن وحيدة والدهيا (احلاج عيد‪ ،‬واحلاجة حمبوبة)‪ ،‬واكنت مدللة‪ ،‬ولكن‬
‫مث يقطع القطار املسافة إىل القاهرة يف حوايل ساعة وعرش دقائق‪.‬‬
‫ذلك مل جيعلها مغرورة أو متعالية‪ ،‬عىل العكس اكنت متواضعة‪ .‬واكنت أخالقها‬
‫حني جاءت هامن ميع إىل القاهرة‪ ،‬يف أول بيت سكنا فيه (يف كفر ال ُزّغاري‬ ‫مثار إجعاب أهل القرية‪.‬‬
‫بالدراسة)‪ ،‬كنت قد تعملت الكثري يف السنوات المثاين اليت قضيهتا يف القاهرة‬
‫ريا‪ ،‬حتب أن ترى لك من حوهلا سعيدًا‪ ،‬وتكره أن ترى أي إنسان‬
‫اكن قلهبا كب ً‬
‫وحدي‪ .‬كنت قد تعملت يف القاهرة أن أطبخ الطعام بإتقان‪ ،‬وكنت أغسل مالبيس‪.‬‬
‫يتأمل ألي سبب‪.‬‬
‫مكا كنت قد تعملت الكثري عن أحوال التجارة‪ ،‬ومسعت وقرأت كذلك الكثري عن‬
‫أحوال السياسة‪ ،‬فقد اكنت تلك الفرتة غنية بتطورات عاملية هائلة‪ ،‬سياس ًّيا‬ ‫ما زالت ذكراها عطرة يف القرية حىت اليوم‪ ،‬فقد اكنت حتاول دو ًما أن متد‬
‫واقتصاد ًّيا‪.‬‬ ‫يد املساعدة للصغري والكبري يف «أبو رقبة»‪ ،‬خاصة ملن يواجه مشلكة أو ضائقة‪،‬‬
‫واكنت حتب مساعدة من يقبل عىل الزواج من الشباب‪.‬‬
‫ملة خبربات كثرية من‬ ‫أما زوجيت فرمغ أهنا اكنت قد جاءت ميع للقاهرة ُ ّ‬
‫الريف‪ ،‬ولكهنا خربات مرتبطة بأمعال البيت من طبخ وتنظيف وشوئن األبناء‪ ،‬وما‬ ‫تزوجت هامن سنة ‪ ،1950‬واكن معري وقهتا مثاين عرشة سنة‪ ،‬واكنت يه يف‬
‫إىل ذلك‪ ،‬ولكن بالنسبة لطريقة التعامل مع املدينة وأهلها‪ ،‬واليت هلا طبيعة ختالف‬ ‫اخلامسة عرشة من معرها‪ ،‬وظللنا تقري ًبا أربع سنوات يف بيتنا بالقرية‪ ،‬قبل أن‬
‫شكها‪..‬‬‫ما كنا هيلع يف القرية‪ ،‬فاكنت اكملادة اخلام اليت حتتاج إىل من ُي ّ‬ ‫ننتقل للعيش يف القاهرة‪.‬‬

‫ولقد طورت هامن ما عملته إياها مع قدومها إىل القاهرة‪ ،‬ومزجته مع خرباهتا‬ ‫اعتاد لك أب ولك أم أن يتوجها البنهتام قبل زفافها بنصاحئ كثرية‪ ،‬غالهبا أن‬
‫اليت جاءت هبا من الريف‪ ،‬واليت تعملته من والدهتا «حمبوبة»‪ ،‬صاحبة الفضل‬ ‫حتفظ زوجها يف عينهيا إن استطاعت‪ ،‬وأال تغضبه ألي سبب‪ ،‬وكذا ال تغضب‬
‫يف تعلمي زوجيت لك شوئن البيت‪ ،‬واليت فقدت برصها ويه شابة‪ ،‬ولكن ذلك مل‬ ‫أحدًا من والديه‪ ،‬ألن حهبا واحرتامها لوالديه‪ ،‬من احرتامها وتقديرها لزوجها‪..‬‬
‫مينعها من أداء لك ما علهيا من واجبات‪..‬‬ ‫اكن والدا العروس يأمراهنا أال تطلب من زوجها ما ال يطيق من الطلبات‪ ،‬وأن‬
‫اكنت احلاجة حمبوبة تقوم بصنع العجني بنفهسا‪ ،‬وقد اشهترت يف «أبو رقبة»‬ ‫تكون له اكألم واألخت واإلبنة‪ ،‬فضال عن الزوجة‪ ،‬ال تزال أصداء نصاحئ األمهات‬
‫أهنا أحسن من يصنع الفطري «املشلتت»‪..‬‬ ‫فأحن إىل تلك األيام الطيبة املباركة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫لبناهتن ترتدد يف أمسايع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يف «أبو رقبة»‬

‫أيضا اكنت – رمغ ظروفها اخلاصة‪ -‬حتلب اجلاموسة بنفهسا‪ ،‬وتصنع اجلنب‪،‬‬‫ً‬ ‫إنين آسف ح ًّقا عىل ما وصلت إليه احلياة الزوجية يف بالدنا من تفكك لدى‬
‫وال يعجزها يشء عن القيام بلك شوئن البيت مكا تفعل لك النساء من حوهلا‪!..‬‬ ‫نسبة غري قليلة من األرس املرصية‪ ،‬وما آلت إليه قدسيهتا من تدهور‪ ..‬فقد أفزعين‬
‫خرب عن نسبة حاالت الطالق يف سنة من السنوات السابقة‪ ،‬بسبب التطلعات‬
‫ً‬
‫وأيضا‬ ‫وألهنا مل ُترزق بأوالد غري هامن ‪ -‬زوجيت‪ -‬فقد اكن حهبا هلا كب ً‬
‫ريا‪،‬‬
‫املادية املبالغ فهيا‪ ،‬والبعد عن قمينا األصيلة اليت تق ّدس احلياة الزوجية‪ ،‬مما‬
‫اكنت تفيض باحلب واحلنان عىل لك من حييطون هبا من الصغار‪.‬‬
‫يتسبب يف خراب بيوت‪ ،‬وترشيد أطفال أبرياء ال ذنب هلم‪ ،‬وضياع حقوق كثرية‪..‬‬
‫ولقد واظب زوجها مع عيد ‪ -‬رمحهام اهلل‪ -‬عىل أن يصحهبا لزيارتنا يف‬ ‫٭٭٭‬

‫‪47‬‬ ‫‪46‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مل يكن يتقاىض ً‬


‫مال عىل تعلميه القرآن ألبناء القرية وبناهتا‪ ،‬بل اكن أولياء‬ ‫القاهرة‪ ،‬ومها حيمالن ما لذ وطاب من خريات الريف‪..‬‬
‫األمور يدفعون إليه يف وقت حصاد الحمق واألرز والذرة ما جتود به أنفهسم‪،‬‬
‫اكنت احلاجة حمبوبة كثرية الصالة والذكر‪ ،‬كغالب الفالحات املرصيات‬
‫واكن يرىض بذلك متا ًما‪ !..‬مل يكن هذا هو وضع ُم ّفظ القرآن يف القرية وحده‪،‬‬
‫األصيالت‪ ،‬واكنت تش ّيعين لك صباح يف تلك األيام اليت اكنت تقضهيا معنا‬
‫بل اكن ذلك هو الوضع العام ألغلب من يقدمون اخلدمات اهلامة يف قريتنا‪ ،‬فقد‬
‫ريا‪ ،‬وأتفاءل بمساعه يف بداية يويم‪« :‬اللهم حبب فيك‬
‫بدعاهئا الذي كنت أحبه كث ً‬
‫لكن‬ ‫ً‬
‫حمقا أو ذرة‪َّ ،‬‬ ‫اكن احلالق ومفتش الصحة وغريمها يتقاضيان – ً‬
‫أيضا‪ -‬األجر‬
‫الرب والعبد واحلىص يف األرض»‪ ،‬اكنت تدعو يل مكا اكنت تفعل أيم متا ًما‪.‬‬
‫مفتش الصحة اكن له راتب من احلكومة‪ ،‬أما الشيخ دمحم وغريه فال‪..‬‬
‫لقد اكن أمه صفاهتا كرهها لعقاب أي من أوالدنا أمامها‪ ،‬فاكنت تهنر هامن‬
‫كنت أتوجه لك يوم يف الصباح الباكر إىل هناك‪ ،‬فكنت أكتسب مع لك خطوة‬
‫حني يستغيث أحد الصغار هبا خو ًفا من العقاب‪.‬‬
‫حنو الكتاب ثقة وشعو ًرا متجددًا بأين قد بلغت مبلغ الرجال‪ ،‬بيمنا مل أكن قد‬
‫بلغت الرابعة بعد‪!..‬‬ ‫أذكر أين توعدت ابن أيخ جمدي دمحم العريب‪ ،‬أيام اكن طال ًبا يف اإلعدادية‬
‫بعلقة ساخنة‪ ،‬حيث كنت قد طلبت من أيخ دمحم أن يرتك يل أمر متابعته‬
‫اكن أمه ما زاد من ثقيت بنفيس‪ ،‬وأبعدين عن اإلحساس الطفويل التقليدي‪،‬‬
‫يف دراسته‪ ،‬فأردت يومها أن أعاقبه بسبب إمهاله يف دراسته‪ ،‬فأرسع جمدي‬
‫ّ‬
‫عيل أن أمحله مثل بايق‬ ‫ذاك اللوح املعدين (اكن ُيصنع من الصفيح) الذي اكن‬
‫لالستنجاد باحلاجة حمبوبة‪ ،‬واكنت حتبه خلفة ظله وعطفه علهيا‪ ،‬فإذا هبا تقسم‬
‫األوالد لنكتب هيلع بقمل من البوص‪ ،‬كنا نمسيه قمل «بسط»‪ ،‬نغمسه يف احلرب‬ ‫ّ‬
‫عيل أال أرضبه‪ ،‬وهتددين أنين لو رضبته فسترتك البيت وتعود إىل بيهتا يف‬
‫ونكتب به اآليات اجلديدة اليت كنا حنفظها من الشيخ دمحم‪.‬‬
‫القرية (كنا يف ذلك الوقت نعيش يف شقة العباسية)‪ ،‬فمل أستطع أن أخالفها‬
‫يف أياىم األوىل يف ُ‬
‫الكتاب بدأت أقرأ القرآن بصوىت – خمتل ًيا بنفيس‪ -‬كنت‬ ‫وأغضهبا‪..‬‬
‫أحاول أن أحايك طريقة الشيخ دمحم عبد املنعم يف التالوة‪ .‬فكرت يف وسيلة‬
‫٭٭٭‬
‫تضاعف من مجال الصوت‪ ،‬وتعمل عىل تفخميه‪ ،‬ليكون قريب الشبه من صوت الشيخ‬
‫دمحم‪ ،‬فوجدت ضاليت يف ماسورة كبرية‪ ،‬كنت آخذها وأضعها عىل مفى! وأبدأ‬
‫ال�شيخ «حممد عبد املنعم»‬
‫ً‬
‫مجيل قو ًّيا‪..‬‬ ‫التالوة مكا يفعل الشيخ دمحم‪ ،‬فيأيت الصوت – يف ّ‬
‫ظن ومساميع‪-‬‬ ‫رأيت الشيخ «دمحم» ألول مرة يف بيتنا‪ ،‬وأنا صغري للغاية‪.‬‬
‫٭٭٭‬ ‫مسعته يتلو آيات من الذكر احلكمي‪ ،‬قبل أن ألتحق بكتَّابه‪ ،‬فانهبرت بقراءته‬
‫إنين حىت اليوم ال بد أن أقرأ مجموعة من السور املع ّينة من كتاب اهلل‪ ،‬وأنا‬ ‫امجليلة لكتاب اهلل‪..‬‬
‫لوالدي وأليخ‬
‫َّ‬ ‫يف طرييق من البيت إىل مكتيب باملصنع بقويسنا‪ ،‬وبعدها أدعو‬ ‫التحقت بكتَّابه‪ ،‬حني اكن معري ثالث سنوات ونص ًفا تقري ًبا‪.‬‬
‫عبد اجليد ولزوجيت وللك أقاريب وأصدقايئ الذين انتقلوا إىل الرفيق األعىل‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ما اكن يتخلف طفل من أبناء قرية «أبو رقبة» عن االلتحاق بذلك الكتاب‪..‬‬
‫أختل يو ًما – أبدًا‪ -‬عن هذه العادة‪ ،‬اليت أشعر أهنا‬ ‫وأقرأ هلم فاحتة الكتاب‪ .‬مل‬
‫تعطيين قوة هائلة ألبدأ يو ًما جديدًا من العمل‪..‬‬ ‫من يرى الشيخ «دمحم» اكن البد أن يشعر ‪ -‬ألول وهلة‪ -‬هبيبته‪ ،‬فرمغ تواضع‬
‫ظروفه املادية‪ ،‬إال أن نظافة مالبسه مع نورانية وجهه ووقار طلعته‪ ،‬اكن لك ذلك‬
‫لقد تعملت من آيات القرآن الكرمي احلالل واحلرام‪ ،‬وهذا هو ما خلق عندي‬
‫ً‬ ‫يزيده مهابة يف أعني الناس‪..‬‬
‫واحضا لملهنج املستقمي الذي رست هيلع طوال حيايت‪..‬‬ ‫تصو ًرا‬

‫‪49‬‬ ‫‪48‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكنت تلك املدرسة ذات الفصول القليلة مقامة يف مبىن باإلجيار‪ ،‬ميتلكه واحد‬ ‫إن من يبحث عن منظومة القمي اليت حتدد مساره‪ ،‬وتوجهه يف تقاطعات‬
‫من أهايل «أبو رقبة»‪ ،‬ولقد اشتد يب احلزن حني مسعت ورأيت تلك األحوال‪ .‬مث‬ ‫جناحا‪ ،‬ولكنين‬
‫ً‬ ‫احلياة‪ ،‬وطرقاهتا املتشعبة‪ ،‬بعيدًا عن كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬قد يصيب‬
‫اختذنا قرا ًرا – أنا وأخواي دمحم وعبد اجليد‪ -‬ببناء مدرسة ابتدائية وإعدادية‬ ‫واثق أن النجاح القوي املسمتر‪ ،‬بل واألزيل غري املنقطع‪ ،‬حىت بعد املوت‪ ،‬جيب‬
‫وثانوية‪ ،‬وبالفعل نفذناها من مضن خطط املشاركة املجمتعية ملجموعة «العريب»‪،‬‬ ‫أن يسمتد راكئزه من ذلك الكتاب العظمي املعجز‪.‬‬
‫وسملناها لوزارة الرتبية والتعلمي إلدارهتا‪.‬‬
‫إنه لكمة اهلل للبرش‪ ..‬لكمة اهلل اخلالدة لنا يف السياسة‪ ..‬ويف االقتصاد‪ ..‬ويف‬
‫اكنت هناك قطعة أرض ميلكها جار لنا‪ ،‬واكنت مناسبة إلقامة املدارس اجلديدة‪،‬‬ ‫اإلدارة‪ ..‬ويف األخالق‪ ..‬ويف اكفة فروع العلوم‪ ..‬إنه ذخريتنا يف احلياة لنعرب به‬
‫ولكن صاحهبا أرص عىل أن يبيع القرياط بــأكرث من ‪ 3‬آالف جنيه‪ ،‬بيمنا اكن هذا‬ ‫اخلط الفاصل بني الفشل والنجاح‪ ..‬بني اهلزل واجلد‪ ..‬بني العشوائية والتنظمي‪..‬‬
‫هو السعر الذي اشرتينا به ِق َطعا أخرى أيامها‪...‬‬ ‫بني ما هو سليب ولك ما هو إجيايب!‬
‫التقيت به يف مكتيب باملوسيك‪ ،‬وبعد أن انهتيت من كاليم عن سبب رشائنا‬ ‫لقد اكن معل الشيخ دمحم مع أطفال القرية يساوي معل مؤسسة تعلميية اكملة‪،‬‬
‫لألرض‪ ،‬قال جارنا إنه يريد تلك الزيادة يف السعر بسبب ابنه العاجز حيث يريد أن‬ ‫واكن الكثريون من أهل «أبو رقبة» يق ّدرون له ذلك اجلهد‪..‬‬
‫درسا ال ينساه‪:)..‬‬
‫ً‬ ‫ي ّدخر له مثهنا لملستقبل‪ ،‬وهنا حصت فيه (وقد أردت أن أعطيه‬
‫رمح اهلل الشيخ دمحم عبد املنعم‪ ،‬وجزاه عن عائلة «العريب» خري اجلزاء‪.‬‬
‫«أل بىق! اتق اهلل يا ابين‪ ،‬إنت فاكر أبويا ملا مات ساب أليم إيه؟ نص جاموسة‪،‬‬
‫ومحار‪ ،..‬حص؟! وأكيد تعرف إن األرض اليل اكن بزيرعها اكنت إجيار؟ وما‬ ‫٭٭٭‬
‫ّ‬
‫عيل وعىل‬ ‫كناش منتلك وال قرياط!‪ ..‬الهنارده اديك شايف املُلك اليل ربنا فتح بيه‬ ‫التعـلـي ــم ف ــي «�أب ـ ــو رقـب ـ ــة»‬
‫إخوايت ووالدنا‪ ،‬مش بشطارتنا‪ ،‬دا فضل ربك‪ ..‬ما تتدخلش يف شؤونه يا ابين‪..‬‬ ‫تعملت يف املدرسة االبتدائية الوحيدة اليت اكنت موجودة يف قريتنا‪ ،‬حىت‬
‫اتولك عىل اهلل‪ ،‬وبعدين شوفه حيكرمك هو ازاي‪ ،‬سبحانه وتعاىل»‪.‬‬ ‫الصف الرابع االبتدايئ فقط‪ ،‬مث رحلت إىل القاهرة ألمعل هناك‪ ،‬بسبب ظروفنا‬
‫غي رأيه!‪ .‬يف اليوم التايل عملت أن أمه‬‫وغادر احملل دون أن يبدو هيلع أنه قد ّ‬ ‫من اهلل علينا بأن جعلنا سب ًبا يف تمنية وهنضة‬‫االقتصادية‪ .‬وبرمغ ذلك فقد ّ‬
‫اليت اكنت سيدة قوية الخشصية‪ ،‬وهلا لكمهتا رمغ أهنا اكنت قد طعنت يف السن‬ ‫املؤسسات التعلميية يف قرية «أبو رقبة»‪ .‬بعد ذلك حبوايل ‪ 50‬سنة‪ ،‬وحتديدا‬
‫(فلقد اكن ابهنا هذا قد قارب الستني‪ )..‬قالت له ملّا عملت برفضه لبيع األرض‬ ‫يف عام ‪ ،1993‬حني رأيت األحوال املأساوية يف املدرسة االبتدائية الوحيدة يف‬
‫بالسعر الذي أردته‪« :‬انت يا واد يا ناقص‪ ،‬ما بتبيعش األرض لعمك احلاج محمود‬ ‫«أبو رقبة»‪ ،‬واليت اكنت عبارة عن بيت باإلجيار فيه ستة فصول فقط‪ ،‬واكنت‬
‫ليه؟! دا حايعمل علهيا مدارس للبلد يا «وله»‪ ،‬تبيع له األرض الهنارده وإال ال انا‬ ‫تلك الفصول تتكدس مبن فهيا من التالميذ (أكرث من سبعني تملي ًذا يف الفصل‬
‫أمك وال أعرفك‪..»..‬‬ ‫الواحد!)‪ ،‬اكن الكثريون من الطالب جيلسون عىل األرض لعدم وجود مقـاعد‬
‫جيلسون علهيا‪.‬‬
‫لقد أسعدين إرصار هذه السيدة عىل الوقوف جبانب معل خري سينتفع به لك‬
‫أهل القرية‪ ،‬وهذا هو الطبييع يف أخالق املرصيني ذوي األصل الطيب‪.‬‬ ‫حىك يل – بلديايت‪ -‬د‪ .‬دمحم عبد اهلادي أستاذ مساعد الرشيعة والقانون‬
‫جبامعة القاهرة أنه ذهب يف نفس تلك الفرتة لينقل ملف أخيه من الصف اخلامس‬
‫أول يف مطلع عام ‪ 1995‬مدرسة «معر بن اخلطاب» االبتدائية‪ ،‬مث مدرسة‬ ‫بن ْينا ً‬
‫االبتدايئ يف تلك املدرسة إىل الفصل األول اإلعدادي يف األزهر‪ .‬فوجئ باملدرس‬
‫«أبو رقبة» الثانوية‪ .‬مث أمقنا ثالثة معاهد أزهرية‪ ،‬ابتدايئ وإعدادي وثانوي‪ .‬وبعد‬ ‫يقف فوق إحدى «ال ُت َخت» األمامية وبيده عصا طويلة لهيدد هبا الطلبة املساكني‪!..‬‬

‫‪51‬‬ ‫‪50‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وبدأت رحليت الطويلة إىل القاهرة‪ ،‬تلك املدينة الكبرية اليت كنا نمسع عهنا‬ ‫حني‪ ،‬أمقنا – بفضل اهلل‪ -‬معهدًا آخر منوذج ًّيا للغات ابتدايئ وإعدادي وثانوي‪،‬‬
‫قصصا خيالية وأسطورية‪ ،‬كأهنا قصص «ألف ليلة وليلة»‪..‬‬‫ً‬ ‫واللك تابع اآلن إلدارة األزهر الرشيف‪.‬‬
‫ريا معهدًا للقراءات للبنني والبنات‪ ،‬مث أمقنا مكتب‬
‫وعىل مساحة فدانني‪ ،‬بنينا أخ ً‬
‫ً‬
‫فصل دراسـ ًّيا‪ ،‬ومكتبة عامة‬ ‫«العريب» لتحفيظ وتعلمي القرآن الكرمي‪ ،‬ويضم ‪30‬‬
‫مجمع العريب األزهري بأبو رقبة‪ ،‬وامحلد هلل رب‬ ‫ّ‬ ‫كبرية‪ .‬وقد مت مجع لك ذلك يف‬
‫العاملني‪.‬‬
‫٭٭٭‬

‫مغادرة «�أبو رقبة»!‬


‫اكنت أول مرة أغادر قريتنا يف سفر طويل‪..‬‬
‫مضين أيب‪ ،‬وكيف متمت بالدعاء أن يوفقين اهلل يف سعيي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال أنىس كيف‬
‫فربمغ اعرتاضه عىل فكرة سفري للعمل بالقاهرة ألول وهلة‪ ،‬حيث قال لعيل‪« :‬ال‪،‬‬
‫سيب يل محمود‪ ،‬دا بيساعدين كتري يا عيل!»‪ ،‬لكن أيخ أقنعه أنين سأجنح يف‬
‫العمل بالقاهرة‪ ،‬خاصة بعد جتربيت يف بيع ألعاب العيد‪ ،‬واقتنع أيب يف الهناية‪.‬‬
‫«س َبت» به بعض خريات الريف‪ ،‬وأذكر دعاءها يل ويه‬ ‫اكنت أيم قد أعدت يل َ‬
‫تبيك‪ ،‬بيمنا راح أيب هيدئ من روعها‪ ،‬ويؤكد هلا أن اهلل تعاىل سيحفظين‬
‫بالدعاء‪ ،‬وليس بالباكء‪ .‬وكذلك أخذ عيل يمطئهنا أنه سريعاين‪ ،‬وهيمت بلك شوئين‬
‫يف القاهرة‪..‬‬

‫عز َّ‬
‫وجل أن كتب يل أن أعيش هناك – يف أبو رقبة‪ -‬تلك‬ ‫إن من مجيل أقدار اهلل َّ‬
‫السنوات األوىل من العمر اليت تصبغ خشصية اإلنسان بالصبغة اليت تسمتر‬
‫معه العمر لكه‪..‬‬
‫ريا‪ ،‬لكتابه العزيز‪ ،‬مث أليم وأيب‪ ،‬مث هلذه القرية‬ ‫إنين مدين هلل عز وجل ً‬
‫أول وأخ ً‬
‫وألهلها الطيبني‪ ،‬فهناك تعملت‪ ،‬وهناك تنمست نسامئ العمل واحلرية والكرامة‪ ،‬فهيا‬
‫تلقيت أعظم العلوم عىل اإلطالق‪ ،‬كتاب اهلل تعاىل‪..‬‬

‫‪53‬‬ ‫‪52‬‬
‫احلاج محمد العربي والشيخ عبد الرازق عبد املنعم يوزعان جوائز حلفظة القرآن الكرمي يف قرية أبو رقبة‪.‬‬ ‫مسار يومي كنت أقطعه من بيتنا يف أبو رقبة إلى احلقل ألوصل ألبي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬طعامه‬

‫زوجاتنا الثالثة‬ ‫أخي من األم احلاج أحمد جويدة مع أخي عبد اجليد و‬ ‫والدتي احلاجة هامن‬
‫أول حفيدة له‪ ..‬مروة الشيتاني‬
‫تكرمي املتفوقني من طلبة مدارس أبورقبة‪.‬‬ ‫احلاج عبد اجليد‪ ..‬الفنان‪ ،‬هاوي التصوير‪ ..‬يف اليابان‬

‫مع فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي رحمه اهلل و اللواء عثمان شاهني رحمه اهلل‪ ،‬يف افتتاح مجمع العربي التعليمي‬ ‫الشيخ محمد عبد املنعم الذي حفظني القرآن الكرمي‬
‫بقرية أبو رقبة‬
‫مجمع العربي التعليمي بقرية أبو رقبة‬

‫الباب الثاين‬
‫فــــــــي القـــــاهــــرة‬

‫داخل أحد الفصول الدراسية بأبو رقبة‬

‫‪59‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الداخل‪ ،‬أو تأثرت سل ًبا حبيايت اجلديدة‪ .‬وهذا هو نفس شعوري اليوم ‪-‬باملقارنة‬
‫بتلك األيام‪ ،‬فربمغ رسعة اإليقاع بشلك مزتايد خاصة مع تنايم العمل واتساع‬
‫جماالته‪ ،‬ورمغ سيطرة وسائل االتصال احلديثة بصورة مرهقة لألعصاب‪ ،‬إال أنين‬
‫ال أزال أحاول احلفاظ عىل إيقايع اهلاديء مكا هو‪ ،‬وامحلد هلل الذي أعانين‬
‫عىل هذا عىل مدار سنوات طويلة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ..‬لأول مرة‬
‫معا كنت أعايشه يف القرية‪،‬‬
‫يف القاهرة عايشت صورا ومشاهدا خمتلفة متاما ّ‬
‫خارجا من مجسد‬ ‫إال أين بقيت عىل نفس طبايع‪ ،‬مكا يه‪ .‬ذات يوم‪ ،‬كنت‬ ‫اكنت تلك يه املرة األوىل اليت أرى فهيا القاهرة‪ ،‬أو «مرص» مكا كنا نمسهيا‬
‫ً‬
‫رجل يبيع اللنب‪ ،‬حيمله يف فنطاسني عىل دراجة‪.‬‬‫ً‬ ‫احلسني بعد صالة الفجر‪ ،‬رأيت‬ ‫يف تلك األيام‪..‬‬
‫أثناء بيعه ألحد الزبائن‪ ،‬سقط منه قليل من اللنب عىل األرض‪ ،‬مث تركه وسار حلال‬ ‫كنت يف طفوليت قبل أن أرحل من القرية متعودًا عىل رؤية القطار الذي يقطع‬
‫سبيله دون أن هيمت مبحسه‪ .‬مل أمحتل منظر اللنب األبيض الذي أريق عىل األرض‪،‬‬ ‫حامل املائت من املسافرين مبا معهم من أمتعة‬‫ً‬ ‫املسافات بني املراكز والقرى‪،‬‬
‫ومل تطاوعين نفيس أن أتركه لتدوس هيلع أحذية املارة‪ ،‬فأخرجت مندييل القامش‬ ‫ثقال‪ .‬كنت أستقله أحيا ًنا مع الوالد – رمحه اهلل‪ -‬حملطة واحدة‪ ،‬من حمطة‬
‫مئا (كلك مرصي تقري ًبا يف ذلك الوقت)‪ ،‬ورحت أمسح به‬ ‫الذي كنت أحتفظ به دا ً‬ ‫حل ْلوايص» إىل حمطة «أمشون»‪ ،‬لنشرتي بعض احتياجات املزنل من السوق‪،‬‬ ‫«ا ِ‬
‫تعجب املارة‪..‬‬
‫اللنب من فوق األرض‪ ،‬وسط ّ‬ ‫هناك يف مركز أمشون‪ .‬أما يف القاهرة‪ ،‬فألول مرة أرى هذا العدد من السيارات‬
‫اكن توقري نعمة اهلل‪ ،‬واحلفاظ علهيا‪ ،‬وكذلك عدم اإلرساف والتبذير‪ ،‬من املبادئ‬ ‫املاليك واألجرة‪ ،‬وألول مرة أرى‪ ..‬الرتام‪ ..‬ذاك الوحش الصغري – باملقارنة‬
‫األساسية اليت تعملناها يف القرية‪ .‬لـقد تعملت من القريــة أال يفيض مين أي‬ ‫بالقطار‪ -‬خيرتق طريقه عىل قضبان طويلة‪ ،‬من حوهلا برش يروحون وجييوئن‪،‬‬
‫طعام فيكون مصريه إىل القاممة‪ ،‬فالطعام جيب أن يكون عىل قدر احلاجة فقط‪..‬‬ ‫يقفزون صاعدين إليه ونازلني‪.‬‬
‫من املستحيل – حىت اليوم‪ -‬أن أليق لقمة خزب أو بقايا طعام يف سلة املُهمالت‪،‬‬ ‫اكن سعر تذكرة الرتام أربعة ملميات (اجلنيه – ملن ال يعرف من الشباب ‪ -‬يساوي‬
‫ألين أفكر فمين ال جيد لقمة تسد رمقه هنا وهناك‪..‬‬ ‫مائة قرش‪ ،‬والقرش فيه عرشة ملميات)‪ ،‬ميكن للراكب أن يتنقل هبا من الدراسة‬
‫مثل‪ ،‬مث ينتقل لرتام آخر يصل به إىل شارع اهلرم‪ ،‬بنفس التذكرة‪!..‬‬‫للعتبة ً‬
‫وتعملت ً‬
‫أيضا أال آلك رغيفني إن اكن واحد فقط يسد رميق‪..‬‬
‫أيضا‪ ،‬كنا يف الريف قد تعملنا أن مجنع «فتافيت» الطعام من فوق املائدة‬ ‫ً‬ ‫أما األتوبيس الذي ينقل الناس يف خمتلف أحناء القاهرة‪ ،‬فاكن هو الوسيلة‬
‫بعد انهتائنا من الوجبات‪ ،‬ويتطوع واحد منا ليألكها‪ ،‬حىت ال ُترىم يف القاممة‪،‬‬ ‫األرسع لالنتقال بني أحياء العامصة حينئذ‪ .‬واكنت هناك وسيلة نقل أخرى تمسى‬
‫أيضا‪ .‬ال أحب أن أرى من يرتك بعض حبات من‬ ‫وهكذا اكن سلويك يف القاهرة ً‬ ‫«السوارس»‪ ،‬عبارة عن سيارة جيرها اخليل‪ ،‬اكن هلا خط من سيدنا احلسني إىل‬
‫عملت أبناء العائلة ومن بعدمه أحفادنا‪ ،‬حىت يرى اهلل منا‬ ‫األرز يف طبقه‪ ،‬هكذا‬ ‫القلعة‪ ،‬عن طريق الغورية وباب الوزير‪ ..‬وخط آخر من احلسني إىل السيدة زينب‪..‬‬
‫ُ‬
‫ريا لنعمه علينا‪..‬‬
‫توق ً‬ ‫اكنت تذكرة السوارس بنلكة (أي ملميني)‪..‬‬
‫وال أنىس بعض املظاهر القليلة اليت رأيهتا يف القاهرة َّ‬
‫فذكرتين بقريتنا‪ .‬مثال‪،‬‬ ‫برمغ اختالف شلك احلياة متا ًما يف القاهرة عهنا يف الريف‪ ،‬وبرمغ اإليقاع‬
‫خشصا يرتدي مالبس أهل الريف مييش وأمامه قطيع‬ ‫ً‬ ‫اكن من املعتاد أن ترى‬ ‫تغيت من‬‫الرسيع للغاية ‪ -‬باملقارنة بالقرية‪ ،-‬إال أنين مل أشعر قط أين قد ّ‬

‫‪61‬‬ ‫‪60‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ً‬
‫طويـل‪ .‬قـلت أمحتل وأصرب‪ ،‬فوقفـت فـي الطابور‪ ،‬ولكن مبجرد أن‬ ‫طابور اخلزب‬ ‫من املاعز‪ ،‬فإذا أراد أحدمه أن يشرتي منه لب ًنا أعطاه وعاء ليحلب له فيه مبارشة‬
‫وقعت عيناي عىل منظر الناس حني بدءوا يتقاتلون للحصول عىل اخلزب‪ ،‬قررت‬ ‫بمثن قليل‪ .‬اكن أكرث من يقبل عىل لنب املاعز األمهات الاليت يرضعن‪ ،‬ويعانني‬
‫العودة إىل املزنل‪ .‬أحسست أن كراميت ال تحمس بالبقاء يف مثل ذلك املاكن‪،‬‬ ‫ضع ًفا ًّ‬
‫عاما‪ ،‬فلنب املاعز – مكا هو معروف‪ -‬فيه الكثري من مكونات لنب األم‪..‬‬
‫وفضلت ليلهتا أن أنام بدون عشاء‪!..‬‬
‫بالطبع شد انتبايه ما امتألت به شوارع وسط املدينة من دور العرض‬
‫جالسا يف ُمصىل يقع فوق جراج‬ ‫ً‬ ‫أتذكر مرة ‪ -‬يف عام ‪ - 1942‬أنين كنت‬ ‫السيمنايئ‪ ،‬وكذلك املسارح واليت اكن عىل رأهسا مرسح جنيب الرحياين وعيل‬
‫مملوء بالسيارات يف وسط القاهرة‪ ،‬كنت أنتظر الصالة وسقطت علينا إحدى‬ ‫الكسار‪..‬‬
‫القذائف‪ ،‬وأحدثت دو ًّيا مرع ًبا‪ .‬ظننت أهنا هناييت وهناية لك من اكنوا قريبني من‬ ‫ً‬
‫فيملا سيمنائ ًّيا – ألول مرة‪ -‬لملمثل الكوميدي جنيب الرحياين‬ ‫أذكر أين دخلت‬
‫ذلك اجلراج‪ .‬ولكن اكنت ألقدار اهلل تصاريف أخرى‪..‬‬
‫(اكن فيمل «لعبة الست»)‪ ،‬ومن األفالم اليت دخلهتا مع أوالدي يف السيمنا‬
‫اخرتقت القذيفة سقف املصىل‪ ،‬مث اخرتقت أرضيته‪ ،‬مث سقف اجلراج‪ ،‬مث‬ ‫ريا‪ ،‬فيمل «رد قليب» بطولة شكري رسحان ومرمي خفر الدين وحسني‬ ‫وأجعبتين كث ً‬
‫اخرتقت إحدى السيارات‪ ،‬حىت استقرت أسفل أرضية اجلراج‪ ،‬وامحلد هلل الذي‬ ‫رياض‪ .‬اكن دخول السيمنا يف ذلك الوقت هو أكرث ما يدخل علينا الرسور ويشعرنا‬
‫ّ‬
‫سل‪ ،‬مفع لك هذه الصدمات واالخرتاقات‪ ،‬مل تنفجر القذيفة‪!..‬‬ ‫بالتسلية واملرح‪ ،‬وبكرس روتني احلياة أكرث من أي وسيلة ترفهيية أخرى‪..‬‬
‫لقد تعملت وأيقنت بعد ذلك املوقف أن لملوت وق ًتا حمددًا ال يتأخر ثانية وال‬ ‫٭٭٭‬
‫يتقدم أخرى‪ ،‬ومهام حارصت األخطار العبد من لك جانب‪ ،‬فإن مل تكن ساعته‬ ‫احل ــرب الث ــانـي ـ ــة‪..‬‬
‫هناية ألجله يف الدنيا قد حانت‪ ،‬فال ميكن ملخلوق أن يزحزحه‬ ‫ً‬ ‫اليت كتهبا اهلل‬ ‫ق ّدر اهلل تعاىل أن تكون نفس السنة اليت قدمت فهيا إىل القاهرة – ‪ - 1942‬يه‬
‫ليقطع اخلط الفاصل بني احلياة واملوت أبدا‪.‬‬ ‫ذاهتا اليت دارت فهيا أمه معارك احلرب العاملية الثانية بالقرب من اإلسكندرية‪..‬‬
‫يف أثناء ذلك الوقت العصيب من تارخي مرص‪ ،‬اكنت هناك قنابل اكشفة تتساقط‬ ‫اكن ذلك يف «العملني»‪ ،‬تلك املعركة الفاصلة‪ ،‬اليت اندلعت يوم السبت املوافق‬
‫علينا باسمترار يف القاهرة وضواحهيا‪ ،‬تلك اليت اكنت تيضء أثناء سقوطها ً‬
‫ليل‪،‬‬ ‫‪ 24‬أكتوبر من عام ‪ ،1942‬واليت ُتع ّد من أمه املعارك اليت اشتعلت بني القوات‬
‫كأهنا فوانيس‪ .‬اكنت الناس تفر مهنا هر ًبا؛ وبرمغ أننا تأكدنا أن دورها اكن فقط‬ ‫األملانية واإليطالية – من جهة ‪ -‬بقيادة «روميل»‪ ،‬وبني القوات الربيطانية واحللفاء‬
‫إضاءة ظالم الليل للقوات احملاربة‪ ،‬فإن احمتاالت سقوط قنابل مدمرة شديدة‬ ‫بقيادة «مونتجمري»‪.‬‬
‫ريا‪ .‬ولكنين كنت أشعر دوما باألمان – وهلل امحلد‪ -‬برمغ‬ ‫التفجري بعدها اكن كب ً‬
‫طويل يف أحناء القاهرة بسبب‬ ‫ً‬ ‫أثناء تلك املعركة‪ ،‬اكنت طوابري اخلزب متتد‬
‫األخطار اليت أصبحت حتيط بنا من لك ماكن؛ لقد عملتين احلياة – وأحاديث‬
‫احلبيب دمحم‪ -‬أن يكون ذكر املوت من حويل دافعا يل للحياة وللبذل فهيا‪ ،‬طاملا‬ ‫معت مرص لكها‪ .‬اكنت معظم إماكنات البلد قد توجهت –‬ ‫األزمة االقتصادية اليت َّ‬
‫مل حتن ساعة املوت بعد‪..‬‬ ‫بأمر احملتل الغاصب‪ -‬لصاحل القوات اإلجنلزيية يف احلرب الدائرة يف العملني‪،‬‬
‫برمغ أن املرصيني مل يكن هلم من وراء هذه احلرب الرهيبة ال ناقة وال مجل‪.‬‬
‫اكن الكثريون من املرصيني يتعاطفون مع األملان‪ ،‬ليس ح ًّبا فهيم بقدر ما اكن‬
‫ً‬
‫رفضا لالحتالل اإلجنلزيي‪ ،‬وبسبب املعاناة من ذلك االحتالل لسنوات طويلة‪ .‬وهذا‬ ‫اكن الوقوف يف الطابور للحصول عىل اخلزب مره ًقا للغاية‪ ،‬واكن الناس‬
‫هو الذي دفع الرئيس السادات – رمحه اهلل‪ -‬يف تلك األيام‪ ،‬حني اكن ضابطا‬ ‫ُيضيعون فيه الكثري من أوقاهتم‪ .‬يف إحدى املرات‪ ،‬كنت جائ ًعا للغاية‪ ،‬فوجدت‬

‫‪63‬‬ ‫‪62‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ً‬
‫أيضا يف حمافظة املنوفية‪ .‬وقد‬ ‫يف عام ‪ ،1906‬يف قرية «دنشواي»‪ ،‬اليت تقع‬ ‫صغريا يف اجليش‪ ،‬حملاولة مساعدة األملان يف التجسس عىل القوات الربيطانية‬
‫بدأت وقائعها بسبب اصطياد بعض جنود اإلجنلزي للحامم‪ ،‬مث اكن ما اكن من قتل‬ ‫داخل مرص ً‬
‫أمل يف إهناء االحتالل اإلجنلزيي‪.‬‬
‫لفالحة بريئة احتجت عىل إصابة امحلام الذي متلكه‪ ،‬مث حرق حلقول رجل قريب‬
‫اكنت نداءات مثل‪« :‬إىل األمام يا روميل»‪ ،‬و«هايل هتلر»‪ ،‬قد انترشت بني الناس‬
‫لتلك الفالحة‪ ،‬فاشتعلت القرية غض ًبا‪ ،‬فأطلق اإلجنلزي األعرية النارية عىل عدد من‬
‫تؤصلها‬
‫ّ‬ ‫يف القاهرة‪ ،‬خملوطة بروح الدعابة املعروفة عن املرصيني‪ ،‬واليت اكنت‬
‫الفالحني الذين خرجوا ليعلنوا عن غضهبم‪ ،‬فأصيب عدد مهنم‪ ،‬خفرج املزيد من أهل‬
‫الروايات املرسحية اهلزلية يف شارع معاد الدين‪ ،‬وكذلك األفالم السيمنائية‪..‬‬
‫القرية مع الغفر غاضبني‪ ،‬وطاردوا اجلنود اإلجنلزي‪ ،‬الذين خافوا مهنم وأرسعوا‬
‫يف ّرون يف فزع‪..‬‬ ‫ولكن انهتت لك أحالمنا بانتصار اإلجنلزي عىل خصرة معركة الدبابات الهشرية‬
‫بالعملني‪ ،‬واليت أطاحت حبمل القوات األملانية بالسيطرة عىل اإلسكندرية مث‬
‫أثناء تلك املطاردة‪ ،‬مات جندي إجنلزيي بتأثري حرارة المشس‪ ،‬فقامت الدنيا‬
‫الوصول إىل القاهرة بوابة الرشق األوسط‪ .‬اكن ذلك سب ًبا يف حزن الكثريين‬
‫ومل تقعد عىل موته‪ ،‬ومل يلتفت أحد إىل موت الفالحة املرصية‪ ،‬وال إىل إصابة‬
‫من املرصيني‪ ،‬ولكن هناك طائفة أخرى من الشعب املرصي اكنوا يرتعدون من‬
‫الفالحني‪ ،‬وال إىل حرق احلقول!!‬
‫احمتال انتصار روميل يف الصحراء الغربية‪ ،‬لذا بدأ معمظهم يف ترك اإلسكندرية‬
‫ومن أجل القصاص لدم اجلندي اإلجنلزيي‪ ،‬مت القبض عىل الكثريين من أهايل‬ ‫ومرص‪ ،‬وبدءوا اهلجرة حنو أرض فلسطني‪ ،‬وإىل أمرياك ودول أوروبا‪ .‬إهنم هيود‬
‫«دنشواي»‪ ،‬وسيقوا حملامكة ظاملة‪ ،‬اكن ُقضاهتا – لألسف‪ -‬مرصيني‪ُ ،‬‬
‫وحمك‬ ‫مرص‪ ،‬الذين عرفهتم عن قرب من خالل معيل يف التجارة يف سوق املوسيك‪،‬‬
‫باإلعدام عىل أربعة من الفالحني‪ ،‬وبالجسن املؤبد عىل اثين عرش آخرين‪ ،‬ومت‬ ‫ومن املعروف أن التجارة يف العامل لكه‪ ،‬قد تبوأ الهيود فهيا املراكز األوىل‪ ،‬وهكذا‬
‫جلد عرشات آخرين أمام الناس ليكونوا عربة لبايق الشعب‪!!..‬‬ ‫أيضا يف مرص‪ ،‬وقد بلغ تعدادمه يف بداية األربعينيات – حني قدمت إىل‬ ‫اكنوا ً‬
‫القاهرة‪ -‬حوايل ‪ 60‬ألف هيودي مرصي‪..‬‬
‫اكنت هناك خشصيات وطنية جديرة باالحرتام‪ ،‬من أمهها ذلك الزعمي صاحب‬
‫املواقف السياسية العظمية‪ ،‬الزعمي «مصطىف اكمل» ‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬والذي وقف‬ ‫٭٭٭‬
‫يف وجه الظمل الذي حدث أمام أعني العامل يف حادثة دنشواي‪ ،‬ففضح ممارسات‬ ‫كنت أالحظ غطرسة اجلنود اإلجنلزي‪ ،‬ومه يتحركون بثقة وتعالٍ يف املالبس‬
‫اإلجنلزي عىل صفحات جريدته «اللواء»‪ ،‬وسافر إىل دول غربية عديدة ليندد‬ ‫العسكرية األنيقة اليت اكنوا يرتدوهنا‪..‬‬
‫مبامرسات االحتالل اإلجنلزيي داخل األرايض املرصية‪..‬‬
‫اكن شعور متناقض خيالطين حينئذ‪ ،‬الغضب والرغبة يف طرد ذلك احملتل‬
‫أنا مل أعايش الفرتة اليت ذاع فهيا صيت مصطىف اكمل يف اآلفاق‪ ،‬وإمنا‬ ‫الغاصب من بالدي‪ .‬مع شعور آخر‪ ،‬وهو اإلجعاب بنظافة اجلنود واحرتامهم‬
‫مسعت عنه وعن مواقفه الوطنية العظمية‪ .‬وقد تعلّقت بخشصية مصطىف النحاس‪،‬‬ ‫للنظام يف لك خطواهتم‪..‬‬
‫ولكن أمه الزمعاء الذين أحببهتم‪ ،‬وأجعبين أداؤه السيايس املرتكز عىل قاعدة‬
‫اكنوا أحيا ًنا ميرون عىل قريتنا «أبو رقبة» ليستعرضوا قوهتم‪ ،‬ولكن دون أن‬
‫راخسة من اإلميان‪ ،‬واختلطت لديه احلمكة العميقة بالدهاء البالغ‪ ،‬فهو الزعمي‬
‫ميا‪ ،‬فبعد ما حدث يف «دنشواي» قبل مولدي‬ ‫يصطادوا امحلام مكا تعودوا قد ً‬
‫الراحل أنور السادات‪ .‬لقد اكن لذلك الرجل العظمي دور كبري يف إنقاذ مرص من‬
‫خبمس وعرشين سنة تقري ًبا‪ ،‬توقفوا عن صيد امحلام يف قرى مرص متا ًما‪.‬‬
‫اليأس واإلحباط الشديد‪ ،‬خاصة بعد هزمية ‪.67‬‬
‫٭٭٭‬ ‫كنت قد مسعت من الكبار يف «أبو رقبة» عن تلك احلادثة الهشرية اليت وقعت‬

‫‪65‬‬ ‫‪64‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫بعد أيام‪ ،‬جاء يل أيخ بعمل آخر يف حمل يف شارع «أم الغالم» خلف مجسد‬ ‫العمل يف القاهرة‪..‬‬
‫«سيدنا احلسني»‪ ،‬اكن يواجه باب مجسد «أم الغالم» الصغري (ما زال ذلك‬
‫اكن أيخ عيل يعمل يف حمل أمقشة «عبد العزيز الديب» باملوسيك‪ ،‬مع أيخ‬
‫احملل اكئ ًنا يف ماكنه حىت اليوم‪ ،‬ولكنه أصبح حم ًّ‬
‫ال لبيع الدواجن‪.)!..‬‬
‫دمحم‪..‬‬
‫ً‬
‫مليئ باخلردوات واألدوات املكتبية ولعب األطفال‬ ‫وبرمغ صغر جحمه‪ ،‬فقد اكن‬
‫اكن املوسيك أيامها ولعقود متوالية هو احلي التجاري األهشر يف مرص لكها‪،‬‬
‫الرخيصة والجسائر‪..‬‬
‫والنحاسني‪ .‬اكن التجار‬
‫َّ‬ ‫ومعه املناطق التجارية‪ :‬بني الصورين‪ ،‬واألزهر‪ ،‬والغورية‪،‬‬
‫اكن ذلك هو ما أريده متا ًما‪ :‬أن أبيع وأشرتي‪.‬‬ ‫يأتون إىل تلك املناطق من لك ماكن يف حمافظات مرص‪ ،‬ليشرتوا ما حيتاجونه‬
‫من بضاعة وسلع‪.‬‬
‫اكن امس صاحب احملل «عبد الرازق عفييف»‪ ،‬ولكنه اشهتر بامس‪ :‬مع رزق‪.‬‬
‫اكن تاجرا فطنا‪ ،‬إال يف مسألة واحدة‪..‬‬ ‫جاء يل أيخ عيل بعمل يف مصنع عطور باملوسيك اكن صاحبه صدي ًقا له‪.‬‬
‫من أول يوم معل‪ ،‬عملين مع رزق – رمحه اهلل‪ -‬أمه درس أثر يف حيايت‬ ‫مل يكن مصن ًعا للعطور يف حقيقة األمر‪ ،‬بل اكن عبارة عن ورشة يف حمل‬
‫ريا‪..‬‬ ‫التجارية لكها‪ :‬أفضل يشء يف التجارة أن تكسب ً‬
‫قليل‪ ،‬وتبيع كث ً‬ ‫صغري باملوسيك (ما زال موقعه موجودًا حىت اليوم)‪ ،‬ميتلكه احلاج «عبد الفتاح‬
‫البلبييس»‪ ،‬واكن معيل ال يتعدى إغالق الزجاجات «بال ِفلة» بعد تعبئهتا‪ ،‬مث‬
‫اكنت أرباح احملل – برمغ صغره‪ -‬وفرية‪ ،‬واكن مع رزق ميأل احملل بالبضاعة اليت‬
‫تتناقص ً‬ ‫بالغطاء األسايس‪ ،‬مث إلصاق «تيكت» املاركة املجسلة‪.‬‬
‫أول بأول‪ .‬لقد أسعدين ذلك‪ ،‬وشعرت باالرتياح للعمل مع مثل ذلك التاجر الناحج‪..‬‬
‫مل أمحتل هذا العمل ألكرث من هشر‪ ،‬وطلبت من عيل البحث يل عن معل غريه‪..‬‬
‫اكنت احلياة رخيصة أيامها‪ ،‬كنا نبيع العرش جسائر بقرش صاغ واحد‪..‬‬
‫سألين أيخ عن السبب‪ ،‬قلت إنين جئت للقاهرة ألمعل يف البيع والرشاء‪..‬‬
‫اكن مع رزق يكتيف بأن يضيف ‪ % 2‬عىل سعر األصناف‪ ،‬بيمنا جرياننا يبيعون‬
‫أريد أن أتعامل مع الناس وأمعل يف التجارة‪« ..‬أنا ماجيتش أقفل القزايز بال ِفلّة‬
‫هبامش رحب ‪ ،% 5‬أو أحيا ًنا ‪ ،% 10‬فاكن فارق السعر بني ما لدينا من بضاعة‬
‫يا عيل!»‪..‬‬
‫ومالدى اآلخرين من نفس األصناف‪ ،‬اكنت تتسبب يف إقبال الناس عىل حملنا‪.‬‬
‫حضك أيخ عيل – رمحه اهلل‪ -‬ووعدين مبساعديت يف البحث عن معل فيه‬
‫حيرضين اآلن مثال عىل أسلوب مع رزق يف البيع‪..‬‬
‫بيع ورشاء‪..‬‬
‫كنا نبيع الكراسة ‪ 32‬ورقة‪ ،‬اليت اكنت ُتصنع من ورق «األوزي» الياباين‪ .‬كنا‬
‫ً‬
‫ومفاجئ أليخ‪ ،‬أن يصدر من طفل معره مل‬ ‫بطبيعة احلال‪ ،‬اكن هذا األمر غري ًبا‬
‫نشرتهيا من حمالت امجللة بستة ملميات للكراسة‪ .‬اكنت أغلب املكتبات من حولنا‬
‫يتجاوز عرش سنوات‪ ،‬ولكهنا الفطرة اليت فطرين اهلل علهيا‪ :‬عشق البيع والرشاء‪،‬‬
‫تبيعها لملسهتلك بقرش صاغ – ‪ 10‬ملميات‪ -‬أي برحب ‪ ،% 40‬ولكن سياسة مع‬
‫وارتباط عقيل ووجداين بالتجارة‪.‬‬
‫رزق جعلتنا نبيع الكراستني بـ ‪« 3‬تعريفة» (مكا ذكرت‪ ،‬التعريفة يساوي نصف‬
‫قرش‪ ،‬أي مخسة ملميات)‪ ،‬فاكن مثن الكراسة ‪ 7.5‬ملمي‪.‬‬ ‫أمحد اهلل تعاىل أن أيخ عيل مل يقابل رغبيت تلك بعصبية أو خسرية‪ ،‬بل‬
‫اقتنع بوجهة نظري‪ ،‬فاكنت استجابته تلك سببا مبارشا يف جناح «احلاكية»‪..‬‬
‫اكن الطلبة يأتون إلينا من أماكن بعيدة‪ ،‬ليك يوفروا «تعريفة» اكملة يف‬
‫الكراستني‪..‬‬ ‫٭٭٭‬

‫‪67‬‬ ‫‪66‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫يف طريق عوديت حملل مع رزق‪ ،‬كنت أسري مشتت الذهن متاما‪ ،‬ال أدري ماذا‬ ‫هذا مثال مما عملين إياه مع رزق من أرسار التجارة ذات رأس املال رسيع‬
‫أفعل‪ ،‬وكيف أواجه غضبته املتوقعة‪ ،‬كنت أستعد ألتلىق منه الصفعة الثالثة‪ ،‬فمل‬ ‫دوران‪.‬‬
‫أنتبه آللة التنبيه الصادرة من عربة تاكيس اكنت تسري بالقرب مين‪ ،‬يبدو أن‬
‫ريا عىل داكن مع رزق بسبب أسعاره‪ ،‬ولكن ذلك اإلقبال‬ ‫اكن إقبال الناس كب ً‬
‫سائقها نهبين كثريًا‪ ،‬وبسبب ما كنت أعانيه من شعور بالظمل والقهر‪ ،‬وما كنت فيه‬
‫اكن يتأرحج بسبب العيب الوحيد يف خشصية مع «رزق» كتاجر؛ لقد اكن تعامله‬
‫من غوص يف أفاكري وخماويف‪ ،‬مل أنتبه ومل أمسع‪ ،‬فزنل السائق من التاكيس‬
‫بدأت يف العمل‬
‫ُ‬ ‫مع الزبائن خشنا وجافا معظم الوقت‪ ،‬فبدءوا يترسبون منه‪ ،‬حىت‬
‫وأرسع حنوي ليصفعين عىل وجهي لثالث مرة عىل التوايل‪ ،‬يف يوم واحد‪!..‬‬
‫معه‪ ،‬فبدأت أعامل الناس بأسلوب خمتلف متاما‪ ،‬تلك املعاملة املصبوغة باحلب‬
‫اكن يو ًما عصي ًبا مل أصادف مثله يف حيايت‪ ..‬فكيف لطفل يف حدود الثانية‬ ‫والرفق‪ ،‬واالسمتاع إىل الزبائن مبلء أذينّ وباكمل وعيي؛ فأصبحت احلركة‬
‫عرشة من معره أن يتحمل لك هذا الضغط النفيس واألمل اجلسدي؟‬ ‫تسل للعمل‪..‬‬‫ضعف ما اكنت هيلع قبل ُّ‬
‫لألسف اكن – وال يزال‪ -‬التعامل مع األطفال الذين يعملون يف احملالت‬ ‫الحظ مع رزق ُ‬
‫تعلّق الزبائن يب‪ ،‬ففرح بذلك‪ ،‬وفضل أن يرتك يل احملل أغلب‬
‫التجارية‪ ،‬أو يف الورش الصناعية‪ ،‬يتسم بكثري من الغلظة والعنف‪ ،‬وما أبرئ‬ ‫الوقت‪ ،‬ولكه ثقة أن األمور ستسري بأفضل مما يفعل‪.‬‬
‫نفيس‪ ،‬فيف بداية املشوار كنت أحيا ًنا أخرج عن شعوري إذا ما كرر العاملون‬
‫اسمتر معيل مع مع «رزق» حوايل سبع سنوات‪ ،‬من عام ‪ 1942‬حىت عام‬
‫نفس األخطاء‪ ،‬ولكن مع الوقت ختلصت متا ًما من هذا وهلل امحلد‪.‬‬
‫‪.1949‬‬
‫مكا أنين أحب هنا أن أذكر شيائ هاما عملين إياه ريب تبارك وتعاىل‪ ،‬وازدادت‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قرشا‪ ،‬واكن‬ ‫قرشا يف الهشر‪ ،‬وانهتيت بأجر ‪320‬‬ ‫بدأت العمل هناك بأجر ‪120‬‬
‫ثقيت يف فعاليته بعد زيارايت املتكررة ملصانع توشيبا يف اليابان وغريها من‬
‫أج ًرا ال بأس به أبدًا لصيب يف مثل معري‪..‬‬
‫دول رشق آسيا‪ ..‬إهنا «الشورى» مع فريق العمل‪ ..‬االسمتاع آلراء لك العاملني‬
‫يف قضية حمددة‪ ،‬مث اخلروج ‪ -‬بعد اإلنصات للك اآلراء‪ -‬باحلل‪ ..‬حفني تعرض‬ ‫مل تكن لك أيام معيل مع مع رزق عىل ما يرام‪ ،‬حصيح اكن أغلهبا جيدًا‪ ،‬ولكن‬
‫لنا مشلكة أو تصادفنا أزمة يصعب علينا – يف جملس اإلدارة‪ -‬حلها‪ ،‬أمجع لك‬ ‫ُ‬
‫ختــل من صعوبات شديدة أحيا ًنا‪ .‬اكن أشدها – عىل اإلطالق‪ -‬يوم تلقيت ثالث‬ ‫مل‬
‫العاملني الذين تتداخل طبيعة معلهم مع تلك املشلكة‪ ،‬وأسمتع إلهيم‪ ..‬أسمتع للك‬ ‫صفعات متتالية عىل وجهي‪!..‬‬
‫واحد‪ ،‬حىت ولو اكن يتلكم بكالم غري موضويع‪ ،‬وأمحتله حىت لو حتدث بصورة‬ ‫يف يوم من تلك األيام طلب مين مع رزق أن أذهب ألشرتي دستيت رباط حذاء‬
‫غري دبلوماسية‪ ،‬أو تف ّوه مبا قد ييسء لنا‪ ..‬تعودت أال أقاطع أحدا من العاملني‬ ‫من ماركة امسها «عبد الوهاب» (!)‪ ،‬القرتاب املعروض يف احملل من النفاد‪..‬‬
‫يف مثل تلك االجمتاعات؛ حىت ال يتخوف زمالؤه من الكالم فنخرس آرا ًء قد يكون‬
‫حميل املوسيك‪ ،‬أو يف مبىن السبع قاعات البحرية بعد‬‫ّ‬ ‫فهيا حل املشلكة‪ ..‬يف‬ ‫ذهبت إىل حمل امجللة‪ ،‬فأخربين صاحبه أنه ال توجد ماركة «عبد الوهاب»‪،‬‬
‫حني‪ ،‬أو يف مصنع بهنا‪ ،‬أو مصنع قويسنا‪ ..‬يف لك موقع من تلك املواقع اكن‬ ‫وقال إنه يوجد لديه صنف آخر أفضل وأرخص‪ ،‬فاشرتيته ورجعت‪ ،‬بعد أن أكد يل‬
‫لنا ماكن م ّت َسع نستطيع أن جنمتع فيه مع زمالئنا العاملني لنسمتع آلراهئم حول‬ ‫أن مع رزق لن يغضب ألنه األرخص‪ ،‬فملا رآين مع رزق قد أتيت له مباركة أخرى‪،‬‬
‫املشلكة املطروحة‪ ،‬فال ينهتي االجمتاع حىت يكون اهلل تعاىل قد فتح علينا بإجياد‬ ‫صفعين عىل وجهي‪ ،‬وأمرين – غاض ًبا‪ -‬أن أقوم بإرجاع ما اشرتيته‪ ،‬وال آيت‬
‫حل حامس لملشلكة‪ ،‬مهام بدت قبل هذا االجمتاع عسرية معقدة‪!..‬‬ ‫إال برباط «عبد الوهاب»‪ ،‬وملا رجعت لصاحب حمل امجللة ألعيد له األربطة غضب‬
‫هو اآلخر‪ ،‬وقام بصفيع عىل وجهي‪ ،‬ورفض استعادة األربطة وإعطايئ مثهنا‪!..‬‬

‫‪69‬‬ ‫‪68‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ميا من اهلل يل خاصة يف فرتة املراهقة‪ ،‬اليت مرت‬ ‫ً‬


‫حفظا عظ ً‬ ‫الفراغ‪ ،‬واكن هذا‬ ‫يف تلك الليلة اليت تلقيت فهيا الصفعات الثالث‪ ،‬الحظ أيخ عيل حزين الشديد‪،‬‬
‫عىل خري‪ ،‬وهلل امحلد‪..‬‬ ‫مكا أين رفضت متا ًما أن أتعىش معه مكا كنا قد تعودنا‪ ،‬وملا حكيت له وأنا أبيك‪،‬‬
‫والدي‪..‬‬
‫َّ‬ ‫وذكرين برضورة الصرب حىت أجنح وأحقق أمل‬ ‫طيب من خاطري‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫مث اكنت القامصة اليت جعلتين أتوقف عن العمل عند مع رزق‪..‬‬
‫سيطر عىل تفكريي ليلهتا صوريت يف «أبو رقبة»‪ ،‬وكيف كنت حمبو ًبا يف‬
‫اكنت إحدى املناسبات اهلامة‪ ،‬واليت يكون إقبال الزبائن عىل احملل فهيا غري‬
‫ً‬
‫اكمل‪ ،‬ولكين‬ ‫قريتنا‪ ،‬فاللك اكن يبتسم يل‪ ،‬خاصة بعد أن حفظت كتاب اهلل‬
‫معتاد‪ ،‬بل يه أمه مناسبات السنة عىل اإلطالق بالنسبة لنا‪ .‬إنه مولد سيدنا‬
‫هاهنا يف القاهرة ُأهان هبذه الدرجة املؤسفة‪ ،‬ودون أسباب‪..‬‬
‫احلسني‪ ،‬الذي يوافق ليلة األربعاء األخرية‪ ،‬من هشر مجادى اآلخرة من لك سنة‬
‫جهرية‪..‬‬ ‫لكن كالم أيخ عيل‪ ،‬وإرصاره أن آلك معه قد خففا من وطأة احلزن والغم‬
‫اللذين أحاطا يب‪..‬‬
‫املعسل والدخان من عندي يف تلك الليلة‪ .‬اكن الطلب علهيا‬
‫ّ‬ ‫انهتت أصناف‬
‫ً‬
‫مرتبطا بشلك وثيق مبظاهر االحتفال مبوالد «األولياء»‬ ‫شديدًا‪ ،‬حيث اكن الدخان‬ ‫وبالفعل نسيت األمر‪ ،‬ورجعت للعمل يف صباح اليوم التايل‪ ،‬ولكين تعملت من‬
‫يف تلك الفرتة‪ ،‬يف لك مدن مرص‪..‬‬ ‫واقعة الصفعات تلك‪ ،‬أن أكون أكرث حذرًا يف التعامل مع الناس‪ ،‬وأكرث دقة يف طاعة‬
‫األوامر‪..‬‬
‫أغلقت احملل وأرسعت حنو مستودع الدخان‪ ،‬بنفس طريقيت اليت كأين أسابق‬
‫هبا من يقود دراجة‪ ..‬ومل يكن ذلك املستودع بعيدًا عن احملل‪ ،‬ورسعان ما جئت‬ ‫ومرت السنوات برسعة‪ ،‬وكنت أتعمل لك يوم الكثري والكثري من فنون التجارة‪.‬‬
‫بلك ما حنتاجه يف وقت قيايس‪ ،‬وفتحت أبواب احملل مرة أخرى‪..‬‬ ‫فـي‪ ،‬فاكن أن أعطاين مفاتيح‬
‫وقد تزايدت أعداد زبائن احملل‪ ،‬وزادت ثقة مع رزق َّ‬
‫احملل ألفتحه وأغلقه بنفيس‪ ،‬وصار لك دوره هو متابعة حصيلة البيع‪ ،‬وإسداء‬
‫ظللت أبيع يف تلك الليلة حىت صباح اليوم التايل‪..‬‬
‫بعض التوجهيات والنصاحئ‪..‬‬
‫كنت أشعر بسعادة غامرة وأنا أرى البضاعة تتناقص برسعة شديدة‪ ،‬والنقود‬
‫٭٭٭‬
‫تباعا‪ -‬بنفس الرسعة‪..‬‬
‫ً‬ ‫يف «الكرتونة» تزداد –‬
‫اكن إيقاع العمل رسي ًعا يف غالب أوقات اليوم‪..‬‬
‫كررت إغالق احملل‪ ،‬وذهبت عدة مرات لرشاء بضاعة‪ .‬من حسن احلظ اكن‬
‫أكرث من حمل مجلة يفتح أبوابه طوال الليل يف أيام ذلك املولد‪..‬‬ ‫علـي أحيا ًنا التوقف عن البيع لرشاء ما ينقصنا من البضاعة‪ ،‬فكنت‬
‫َّ‬ ‫اكن ينبيغ‬
‫أغلق باب احملل هبمة‪ ،‬مث أرسع بلك قويت يف اجتاه تاجر امجللة الذي سأشرتي‬
‫يف اليوم التايل‪ ،‬ملا وصل مع رزق يف الظهرية‪ ،‬سألين عن الوقت الذي فتحت‬ ‫مث أعود لملحل قبل أن مير وقت طويل‪ ،‬وذلك حىت ال يشعر‬ ‫منه ما أريد‪ ،‬ومن َّ‬
‫فيه احملل يف الصباح!‪ ،‬فأخربته أين مل أغلقه ومل أمن‪ ،‬بل هسرت طوال الليل‬ ‫الزبائن بأن احملل قد أغلق‪..‬‬
‫أشتغل حىت طلوع الهنار‪ ،‬ألن الزبائن مل ينقطعوا عن الرشاء‪.‬‬
‫كنت أشعر كأن الرياح محتلين وأنا أرسع ذها ًبا وإيا ًبا‪ ..‬اكنت املسوئلية وثقة‬
‫سألين مع رزق وهو مرسور عن احلصيلة‪ :‬مك؟! فأرشت إىل ماكهنا املعهود داخل‬ ‫مع رزق وحب معيل قد أكسبتين ثقة يف النفس كبرية‪..‬‬
‫الكرتونة‪ ،‬فأرسع ليحصهيا‪ ،‬فإذا به أمام أكرب مفاجأة ميكن ملثله أن جيدها حينئذ‪.‬‬
‫هيا‪ .‬اكن هذا مبل ًغا كب ً‬
‫ريا للغاية يف تلك األيام‪!..‬‬ ‫ووجدها قد تعدت األربعني جن ً‬ ‫اكن العمل يف حمل العم «رزق» يسهتلك لك وقيت وجهدي طوال أيام األسبوع‬
‫ما عدا يوم األحد‪ ،‬والذي كنت أقضيه يف القرية‪ ،‬فمل أعرف – تقريبا‪ -‬معىن‬

‫‪71‬‬ ‫‪70‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫سألين عيل معا أنوي فعله‪ ،‬فقلت له‪ :‬سأتركه‪ ،‬وسأحبث عن معل يف أي حمل‬ ‫توقعت أن يعطيين ماكفأة حمرتمة‪ ،‬عىل األقل عرشة قروش‪ ،‬مقابل اجلهد‬
‫مجلة‪..‬‬ ‫الكبري الذي بذلته‪ ،‬ومقابل عدم نويم طوال الليل‪ ،‬ولكن إذا به يضع النقود لكها‬
‫يف جيبه‪ ،‬دون أن يعطيين مهنا أي يشء مكاكفأة‪ ،!..‬مث قال يل بصوت حنونٍ‬
‫سألين إن مل أجد ما أريد‪ ،‬فهل سأعود إىل البلد؟! فأجبته بثبات أنين وجدت‬
‫عطوف‪« :‬طيب يا محمود‪ ،‬روح البيت ارتاح شويه‪ ،‬بالتأكيد انت حمتاج تنام‪ ،‬لكن‬
‫نفيس يف العمل بالقاهرة‪ ،‬ولن أعود للقرية إال يف اإلجازات فقط‪ ،‬مكا تعودت‬
‫أرجوك ترجع عىل املغرب ابىق ار ّوح أنا مكان اتغدى»‪.‬‬
‫منذ غادرت «أبو رقبة»‪.‬‬
‫ومع أول إجازة لعيل يف القرية جاء بأيخ األصغر عبد اجليد ليعمل ً‬ ‫عدت إىل البيت بقرار حامس أال أرجع لعم رزق‪ ،‬ال عىل املغرب‪ ،‬وال يف أي‬
‫بدل مين يف‬
‫وقت آخر‪..‬‬
‫حمل مع رزق‪ ،‬وهكذا تركنا حنن الثالثة األشقاء القرية‪ ،‬واجمتعنا للعمل يف القاهرة‪..‬‬
‫مذهول ملا حدث‪ .‬ضاع مين الشعور باإلرهاق وعدم النوم‪ ،‬اكن احلزن‬‫ً‬ ‫كنت‬
‫ولكن‪ ،‬السؤال الذي راودين بعد سنوات طويلة من هذه الليلة اليت تسببت يف‬
‫ّ‬
‫عيل متا ًما‪..‬‬ ‫والشعور بالصدمة يستوليان‬
‫تريك العمل عند مع رزق‪ :‬ماذا لو اكن الرجل قد أعطاين حيق من حصيلة تلك‬
‫الليلة‪ ،‬ومل أفكر وقهتا يف تركه؟‬ ‫و‪ ..‬مل أعد بالفعل إىل حمل مع «رزق» من بعدها أبدًا‪ .‬قررت أن أحبث عن‬
‫عيل سبع سنوات يف العمل يف داكن صغري‬ ‫معل يف حمل مجلة‪ ،‬فلقد مضت َّ‬
‫ماذا لو اسمتر معيل مع مع رزق يف ذلك احملل الصغري لسنوات طويلة‪ ..‬أفتح‬
‫تعلت لك خبايا ذلك العمل‪ ،‬حفان الوقت ألتعمل أرسار البيع‬ ‫َّ‬
‫بالقطايع‪ ،‬وقد َّ‬ ‫يعمل‬
‫يف الصباح الباكر‪ ،‬مث أغلق‪ ،‬وأرسع لرشاء البضاعة الناقصة‪ ،‬وأعود ألفتح ثانية‪..‬‬
‫بامجللة‪ .‬واكن قرارا قد مأل لك تفكريي‪ ،‬وشعرت أنه ال قوة عىل وجه األرض‬
‫وهكذا؟‬
‫ستثنيين عن تنفيذه‪!..‬‬
‫إلـي معرو ًفا كب ً‬
‫ريا بذلك الفعل الذي‬ ‫َّ‬ ‫رمحة اهلل عليك يا مع رزق‪ ،‬لقد أسديت‬
‫وحقيقة أتعجب اليوم‪ ،‬حيمنا أتذكر كيف اختذت مثل ذلك القرار احلامس‪ ،‬وأنا‬
‫أغضبين أيامها‪..‬‬
‫يف هذه السن الصغرية‪ .‬إن القدرة عىل اختاذ القرار موهبة من اهلل عز وجل‪،‬‬
‫٭٭٭‬ ‫و َملَكة آتانهيا سبحانه وتعاىل من واسع فضله وفيض عطائه‪ ..‬فله امحلد وله‬
‫من «رزق»‪� ..‬إىل «النـ�ص ـ ــر»‬ ‫الشكر‪ .‬وأرجو أن هيمت لك أبنايئ من الشباب هبذه املسألة‪ :‬دراسة الواقع جيدا‪،‬‬
‫بعد يومني أو ثالثة من اجللوس يف البيت بال معل‪ ،‬ذهبت إىل احلاج «عبد‬ ‫واإلحاطة بقدراتك ورصدها جيدا‪ ،‬وحفص الفرص املتاحة بتد ّبر‪ ،‬مث اختاذ القرار‬
‫الفتاح أبو شليب» صاحب رشكة «النرص» للخردوات ولعب األطفال واألدوات‬ ‫بويع وثقة‪ ،‬بعد املشورة مع أهل اخلربة واستخارة رب العاملني‪.‬‬
‫املكتبية‪ ،‬الاكئن يف ‪ 18‬شارع جوهر القائد (ال يزال موجودًا بنفس االمس يف‬ ‫ّ‬
‫عيل لك ليلة بعد انهتاء معله لنعود إىل البيت‬ ‫اكن أيخ – عيل‪ -‬متعودًا أن مي ّر‬
‫املوسيك حىت اآلن‪ ،)..‬ويديره حال ًّيا ابنه دمحم أبو شليب‪ .،‬واحلاج عبد الفتاح‬ ‫م ًعا‪ ،‬ويف هذه الليلة فوجئ أين غري موجود باحملل‪ ،‬واشتاكين له مع رزق (!)‪:‬‬
‫أصله من مدينة طنطا‪ ،‬واكن واحدًا من جتار امجللة احملرتمني ذوي األخالق‬ ‫روح يرتاح شويه‪ ،‬ومارجعش حلد دلوقيت‪ ،‬أنا ماتغديتش‬ ‫«تصدق يا عيل‪ ،‬محمود َّ‬
‫األصيلة‪ ،‬الذين كنت أشرتي مهنم بضاعة حملل «رزق»‪..‬‬ ‫ومار ّوحتش من الصبح‪..»!..‬‬
‫حريصا عىل ارتداء البدلة الاكملة‪ ،‬برابطة عنق أنيقة‪..‬‬
‫ً‬ ‫اكن احلاج عبد الفتاح‬ ‫جاء «عيل» إىل البيت غاض ًبا‪ ،‬وسألين عن سبب عدم ذهايب لملحل‪ ،‬حفكيت‬
‫طوال الوقت!‬ ‫فطيب خاطري وتعاطف ميع‪..‬‬ ‫له ما حدث‪َّ ،‬‬

‫‪73‬‬ ‫‪72‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫يكسب التاجر الثقة يف حمل امجللة‪ ،‬فيصبح زبو ًنا دا ً‬


‫مئا له‪..‬‬ ‫قابلين ببشاشته وأناقته املعهودة‪ ،‬مث فوجئ أين أعرض هيلع أن أمعل معه‪..‬‬
‫كنت أقف يف أحد جوانب احملل (كنا نمسيه «ريون»)‪ ،‬واكن هناك عامل‬ ‫كنت يف السابعة عرشة من معري‪ ،‬وقد أكسبتين احلياة يف القاهرة لباقة يف‬
‫آخر ميع يف البيع‪ ،‬واكن هناك ثالث يعمل «قومسيوجني»‪ ،‬أي مكندوب مبيعات‬ ‫احلديث‪ ،‬وحسن اتصال مع الناس‪..‬‬
‫يعرض عينات من البضاعة يف احملافظات املختلفة‪.‬‬
‫سألين‪« :‬بس حاتسيب معك رزق ليه يا محمود؟!»‪..‬‬
‫أسع يو ًما للعمل كقومسيوجني أو مندوب‪..‬‬
‫َ‬ ‫كنت أفضل العمل يف البيع‪ ،‬ومل‬
‫أجبته بأن السبب األسايس أين معلت لسبع سنوات يف البيع القطايع‪ ،‬وأريد‬
‫ريا يف السنوات اليت معلت فهيا مع احلاج عبد الفتاح‪ ،‬الذي‬ ‫استقرت حيايت كث ً‬ ‫اآلن أن أمعل يف حمل مجلة‪ .‬مل أشأ أن أذكر له السبب احلقييق لقراري‪ ،‬حىت‬
‫البد أن أذكر له أنه اكن مهذ ًبا يف تعامالته مع لك العاملني معه‪ ..‬رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ال أيسء إىل الرجل الذي كنت أرى أنه قد أحسن إلـي بأكرث مما أساء ّ‬
‫إيل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫٭٭٭‬ ‫كيف جاءت هذه الفكرة يل؟ كيف توصلت يومها هلذا املبدأ‪ :‬أال أيسء ملن أحسن‬
‫َّ‬
‫إيل‪..‬؟! إنه توفيق اهلل عز وجل‪ ،‬والتأثر بآيات القرآن الكرمي الدافعة للتعامل اخللق‬
‫اكن العمل يأخذ لك وقيت منذ وطئت قدماي مدينة القاهرة‪ .‬كنت أبذل جهدًا‬ ‫احلسن مع لك الناس‪ .‬من املؤكد أن ثقة احلاج عبد الفتاح ّ‬
‫يف اكنت ستقل كثريا‬
‫غري عادي سواء عند مع رزق‪ ،‬أو يف حمل النرص بعد ذلك‪..‬‬
‫من انتقادا شديدا وعدم وفاء للرجل الذي كنت أمعل معه‪..‬‬ ‫إذا ما وجد ّ‬
‫واكنت هناك بعض األشياء اليت ختفف عين الشعور بالتعب واإلرهاق‪ ،‬مهنا‬
‫وافق احلاج عبد الفتاح – رمحه اهلل‪ -‬وسألين عن الراتب الذي كنت أتقاضاه‬
‫أغنيات «أم لكثوم»‪..‬‬
‫عند «رزق»‪ ،‬فقلت له‪« :‬تالته جنيه وعرشين قرش»‪ ،‬فقال يل إنه سيعطيين نفس‬
‫أذكر أين عشت سنني أنتظر احلفل الهشري الذي اكنت تقدمه أم لكثوم‪ ،‬واكنت‬ ‫الراتب‪ ،‬وسيعمل يل زيادة عندما يرى مين اجهتادًا يف العمل‪..‬‬
‫ريا ما متنيت لو امتلكت مثن التذكرة‬
‫تنقله اإلذاعة املرصية عىل اهلواء مبارشة‪ .‬كث ً‬ ‫ظن الرجل أين سأفرح بذلك العرض‪ ،‬إال أنين فاجأته بقويل‪« :‬أل‪ ،‬أنا عاوز‬
‫يك أراها ويه تغين عىل املرسح‪ ،‬ولكن ذلك مل يتيرس يل يف تلك الفرتة‪ ،‬فقد‬
‫أربعة جنيه يا حاج!»‪.‬‬
‫اكن مثن التذكرة حوايل عرشة جنهيات؛ بيمنا اكن راتيب يف أحسن حاالته‪ ،‬وبعد‬
‫هيا‪!..‬‬
‫عيل سنوات طويلة كبائع يف املوسيك‪ 27 :‬جن ً‬ ‫ّ‬ ‫أن مرت‬ ‫اندهش الرجل من ثقيت بنفيس‪ ،‬ومن حتديدي للراتب الذي أريده بدون تردد‪،‬‬
‫مث وافق بعد قليل من التفكري‪ .‬وبفرحة كبرية‪ ،‬وأمل يف مستقبل أفضل بدأت‬
‫أما أيخ األكرب دمحم فقد حرض حفالت أم لكثوم عدة مرات‪ ،‬اكن يشرتي‬
‫مرحلة جديدة من حيايت يف حمل «النرص»‪..‬‬
‫أرخص تذكرة يف آخر الصالة‪ ،‬وذات مرة صادف أن صدي ًقا له اكن يعمل‬
‫باملرسح الذي أقمي هيلع احلفل‪ ،‬وأراد الصديق أن يكرم دمحمً ا‪ ،‬مفا إن رأى‬ ‫ويف رشكة «النرص» تعملت أمو ًرا جديدة خاصة بتجارة امجللة‪ ،‬ما اكن يل أن‬
‫أحد املشاهدين األثرياء يف الصفوف األوىل قد غادر احلفل قبل أن ينهتي‪ ،‬حىت‬ ‫أحيط هبا ً‬
‫عملا وأنا يف داكن مع رزق‪..‬‬
‫أرسع إىل أيخ وأخذه إىل املاكن اخلاوي حيث سعر التذكرة اكن يصل إىل‬ ‫تعرفت عىل أشاكل هامة من اإلجراءات اليت يلزم تاجر امجللة أن حييط هبا‪،‬‬
‫هيا (اكنت مبثابة ثروة أيامها‪ ،)!..‬وعاد دمحم ليحيك لنا – بانهبار‬‫مخسني جن ً‬ ‫مثل البيع باألجل‪ ،‬وحترير الشياكت والمكبياالت‪ ،‬وسائر املعامالت بني التجار‪،‬‬
‫شديد‪ -‬كيف اكن وقع غناء أم لكثوم هيلع وهو يراها عن قرب‪..‬‬ ‫واليت ختتلف متا ًما عن البيع القطايع‪ ،‬ألهنا عالقة مسمترة حتتاج إىل صرب‬
‫أما عن غالب شعب مرص‪ ،‬الذي اكن يتابع حفالهتا من خالل أجهزة الراديو‪،‬‬ ‫كبري‪ ،‬وإىل حتديد البضاعة املناسبة للتاجر املناسب يف الوقت املناسب‪ ،‬مما‬

‫‪75‬‬ ‫‪74‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وبرمغ أننا أمقنا رصح «العريب»‪ ،‬ومعلنا وحجننا يف عرص الثورة وما بعدها‪،‬‬ ‫فقد اكنت للكثريين مهنم طقوس خاصة يتبعوهنا أثناء تلك احلفالت الهشرية‪ .‬كنا‬
‫فإنين عشت قبلها‪ ،‬وال أستطيع أن أجتنب اإلدالء بهشاديت بصدق عىل ما رأيته‬ ‫يمسى مقهى «أم لكثوم» (وهو موجود حىت اليوم يف‬ ‫ّ‬ ‫مثل جنمتــع يف مقهى‬‫ً‬
‫وعايشته‪.‬‬ ‫التوفيقية مبنطقة وسط البلد)‪ ،‬اكن به جهاز راديو خضم‪ ،‬وما إن يبدأ مذيع احلفل‬
‫٭٭٭‬ ‫يف اإلعالن عن أمساء العازفني وعن امس األغنية ومؤلف اللكامت وامللحن‪ ،‬حىت‬
‫يمت تقليل األضواء يف املقهى ألقل درجة‪ ،‬حىت نشعر كأننا يف املرسح‪..‬‬

‫زواجـ ـ ــي‪..‬‬ ‫ً‬


‫طويل حىت ينهتي احلفل‪ ،‬وال ندفع سوى مثن املرشوبات فقط‪.‬‬ ‫كنا جنلس وق ًتا‬
‫اكن ذلك املقهى بدورين‪ ،‬وكنت أفضل اجللوس يف الطابق الثاين‪ ،‬حىت أشعر‬
‫حني طلبت من احلاج عبد الفتاح زيادة راتيب‪ ،‬اكن السبب األسايس هو رغبيت‬
‫كأنين يف البلكون يف املرسح‪!..‬‬
‫يف إمتام الزواج من هامن‪ ،‬مكا تنبأ يل أيب – رمحه اهلل‪..-‬‬
‫كنت أسمتع بإجعاب شديد ألغنيات‪ :‬رق احلبيب‪ ..‬وعودت عيين عىل رؤياك‪..‬‬
‫وبالفعل‪ ،‬تزوجت يف هشر نومفرب من عام ‪ ،1950‬وقد جشعتين أيم – رمحها‬
‫وأنا يف انتظارك‪ ..‬وغريها من األغنيات الرائعة اليت ما اكن هلا مثيل – يف‬
‫ريا عىل هذه اخلطوة‪ ،‬وبرمغ أن الفكرة اكنت خممترة يف رأيس‪ ،‬فإن‬ ‫اهلل‪ -‬كث ً‬
‫رأيي‪ -‬بني أغنيات ذلك العرص‪..‬‬
‫مساندة أيم احلبيبة اكن هلا أثر كبري يف إقدايم بجشاعة أكرث‪..‬‬
‫وسبحان اهلل‪ ،‬حني تيرست وانفرجت األمور املادية بعد ذلك‪ ،‬مل يعد األمر يأخذ‬
‫فاجأتين أيم أثناء إحدى إجازايت يف القرية بقوهلا‪« :‬محمود‪ ،‬إنت كربت‬
‫من اهمتايم تلك الدرجة اليت اكن علهيا يف شبايب املبكر‪ ،‬ومل يعد لدي وقت‬
‫والزم تتجوز يا ابين! وامحلد هلل إن مر ّتبك دلوقيت ممكن يفتح بيت»‪ .‬نفس هذه‬
‫حلضور تلك احلفالت اليت كنت أحمل يو ًما ما حبضورها‪ ،‬حفني تو ّفرت املادة زادت‬
‫الفكرة اكنت تراودين بإحلاح‪ ،‬ولكن من قبيل التأدب معها سألهتا إن اكن األمر‬
‫الواجبات‪ ،‬وأصبح معيل يأخذ لك وقيت‪..‬‬
‫ال يزال مبك ًرا؟ فأشارت إىل استقرار أيخ دمحم مع زوجته يف البيت‪ ،‬وأكدت يل‬
‫ِّ‬
‫سأركز أكرث يف معيل‪ ،‬وسيوسع اهلل يل يف الرزق‪..‬‬ ‫أين بالزواج‬ ‫مهتـم يف تلك الفرتة مبطالعة الصحف اليت تقع حتت‬‫ًّ‬ ‫وعىل جانب آخر‪ ،‬كنت‬
‫يدي‪ .‬اكنت الصحافة قبل ثورة يوليو حرة بشلك كبري‪ ،‬وكنا نسعد باالنتقادات‬
‫سألهتا عن العروس اليت تفكر فهيا‪ .‬قالت يل‪« :‬طب ًعا هامن بنت احلاج عيد‪ ،‬هو‬
‫الشديدة اليت اكنت متتلئ هبا املقاالت النارية الساخرة لكبار الصحفيني‪ ،‬وكذلك‬
‫فيه غريها؟! مش دي اليل ابوك – اهلل يرمحه‪ -‬اختارها لك؟»‪ ،‬مث ذكرتين بقصة‬
‫رسوم الاكرياكتري الالذعة‪ .‬تعملت الكثري من شؤون احلياة‪ ،‬وارسار السياسة‬
‫«الشعرية»‪!..‬‬
‫واالقتصاد‪ ،‬بسبب تلك الصحافة احلرة‪.‬‬
‫ومل أتردد‪ ،‬تولكت عىل اهلل تعاىل‪ ،‬وأمتمنا الزواج‪..‬‬
‫اكنت احلياة يف األربعينيات وامخلسينيات حىت منتصف الستينيات (قبل‬
‫هيا! الشبكة ثالثة‬
‫قدمت مه ًرا وشبكة‪ ،‬بلغت لكفهتا لكها حوايل أربعني جن ً‬ ‫هزمية يونيو ‪ )67‬متثل العرص الذهيب يف لك املجاالت‪ .‬قبل ثورة يوليو‪ ،‬اكن هناك‬
‫هيا‪.‬‬
‫هيا‪ ،‬واملهر سبعة عرش جن ً‬
‫وعرشون جن ً‬ ‫رواج جتاري كبري‪ ،‬واكنت ظروف مرص االقتصادية يف غاية القوة‪ ،‬حىت بلغت‬
‫«عفش» متواضع مناسب لظروفنا يف تلك األيام‪.‬‬ ‫قمية اجلنيه املرصي قمية أعىل من اجلنيه الذهب‪ ،‬فقد اكن اجلنيه الذهب يساوي‬
‫بذلك املهر استطعنا رشاء َ‬
‫حينئذ ‪ 97.5‬قرش! واكنت قميته أقل بقليل من اجلنيه اإلسرتليين (تقري ًبا بنفس‬
‫اكن ال َعفش عبارة عن مرتبة وخمدتني وحصرية وبعض األواين النحاسية‬ ‫الفارق عن اجلنيه الذهب!)‪..‬‬

‫‪77‬‬ ‫‪76‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكنت موجودة بني أفراد العائلتني‪ ،‬إال أنين كنت عصب ًّيا يف تلك الليلة بشلك‬ ‫والصندوق اخلشيب املشغول بالنحاس‪ ،‬وكذلك صينية تتسع لست « ُقلل» علهيا‬
‫استثنايئ‪ ،‬واكن مزايج حا ّدًا بسبب اإلرهاق وبسبب صغر سين‪ ،‬وخويف من‬ ‫أغطية ملونة ممتزية من البالستيك! لقد اكن أول ظهور لغطيان القلل البالستيكية‬
‫تلك املسوئلية واحلياة اجلديدة‪..‬‬ ‫يف تلك اآلونة‪ ،‬واكنت العائالت تعترب تلك األغطية امللونة من األشياء اهلامة للغاية‬
‫يف جهاز العروس‪!..‬‬
‫املهم‪ ،‬رفضت التوقيع عىل القامئة‪ .‬فقال يل خاهلا بعصبية‪« :‬إن ما وقعتش‬
‫مفش حانسيب العروسة تركب احلصان»!‪ .‬فصحت غاض ًبا‪« :‬إن شا اهلل ما ركبت‬ ‫من حسن احلظ أن تلك األغطية امللونة اكنت من مضن ما نبيعه – بامجللة‪ -‬عند‬
‫احلصان يا سيدي!»‪..‬‬ ‫احلاج عبد الفتاح‪..‬‬
‫ً‬
‫حفل للزفاف! لوال‬ ‫واكد الفرح أن يتحول إىل جشار أو يشء آخر غري أن يكون‬ ‫ريا‬
‫يف ليلة احلنة‪ ،‬جئنا باملطرب الشعيب «دمحم الكحالوي»‪ ،‬الذي اكن هش ً‬
‫إلـي أيخ عيل جويدة‪ ،‬الذي كنت أحرتمه‪ ،‬فأخذ هيدئ من‬
‫أن قدر اهلل أن أرسل َّ‬ ‫أيامها (والذي ختصص بعد ذلك يف مدح الرسول ﷺ)‪ .‬اكن يغين يف تلك الليلة‬
‫ريا‪َّ ،‬‬
‫فوقعت‪.‬‬ ‫رويع ويؤكد يل عدم وجود أي مشلكة يف التوقيع‪ ،‬حىت اقتنعت أخ ً‬ ‫«آي‬
‫بنفس طريقة املطرب «دمحم طه»‪ ،‬حيث أخذ منه طريقته يف الغناء الشعيب‪ّ :‬‬
‫ياي يا عيين‪ ..»!..‬ولكنه بعد ذلك ختصص يف املدحي النبوي فقط‪..‬‬
‫ياي ّ‬
‫ّ‬
‫ومرت العاصفة بسالم‪ ،‬وهلل امحلد‪..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫أمقنا الفرح يف رسادق‪ ،‬جبوار جشرة توت مخضة قريبة من بيتنا يف «أبو‬
‫رقبة»‪ .‬اكنت ليلة مجيلة‪ ،‬سعد فهيا األهل واجلريان‪ ،‬وهسرنا فهيا مع غناء‬
‫مت الزفاف يف بيتنا بالقرية‪ ،‬وليلهتا تذكرت أيب رمحه اهلل‪..‬‬
‫«الكحالوي» لقرب الفجر‪.‬‬
‫مل تفارقين صورة تفانيه يف معله‪ ،‬ويف خدمته ألرسته وألرضه‪ ،‬وللك من يطلب‬
‫ولكن يف الليلة التالية‪ ،‬ليلة الزفاف حدث أمر طارئ‪ ،‬اكد أن يفسد مرشوع‬
‫منه معرو ًفا‪ .‬ومل تفارقين ً‬
‫أيضا صورته كزوج طيب صاحل‪ ،‬يتيق اهلل يف زوجته‪..‬‬
‫الزواج‪..‬‬
‫إنين أميل حنو الزواج املبكر للشباب‪ ،‬وأوقن أن له بركة كبرية‪ ،‬وأرجو أن يكون‬
‫اكنت تقاليد الزفاف يف قريتنا أن تركب العروس حصا ًنا بعد أن يمت تزيينه‪،‬‬
‫هناك مرشوع قويم خضم يساعد الشباب الراغب يف الزواج‪ ،‬حىت نتغلب عىل‬
‫ومتيض به إىل العريس‪ ،‬وحني تصل إىل ماكنه بني املدعوين‪ ،‬يقوم العريس‬
‫الظواهر األخالقية الدخيلة متا ًما عىل جممتعنا احملافظ بطبيعته‪..‬‬
‫بإنزاهلا (مظه ًرا مدى قوته وثباته)‪ ،‬مث يدخل هبا إىل مزنل الزوجية‪..‬‬
‫أرس يل حفيدي يوسف ممدوح برغبته يف الزواج‬
‫َّ‬ ‫ولقد سعدت – ً‬
‫مثل‪ -‬حني‬
‫أثناء انتظاري للعروس لتأيت راكبة عىل احلصان‪ ،‬جاء أحد أفراد عائلهتا (هو‬
‫من زميلة له يف اجلامعة األملانية‪ .‬ويوسف هو أصغر من تزوج من شباب اجليل‬
‫خاهلا احلاج شاكر) طال ًبا توقييع عىل ورقة مل أكن أعرف ما فهيا‪ ،‬وال عرفت‬
‫الثالث يف عائلة العريب‪ ،‬حيث اكن معره ‪ 21‬سنة‪..‬‬ ‫ً‬
‫شيئ‪..‬‬ ‫عن أمهيهتا‬
‫إن مسألة الزواج يف عائلة «العريب» هلا أمهيهتا القصوى‪ ،‬وقضية اختيار‬
‫قلت له‪« :‬إيه الورقة دي يا حاج شاكر؟!»‪ ..‬قال‪« :‬دي القامية‪ ،‬قامية مفروشات‬
‫لدي‪ ،‬حىت اليوم‪ ،‬ويل فهيا‬
‫ّ‬ ‫رشيك العمر ألبناء العائلة من املسائل احلساسة‬
‫بيت الزوجية يا محمود‪.»..‬‬
‫أسلوب خاص يب‪ ،‬امحلد هلل أن أغلب شباب العائلة ريض به عن طيب خاطر (أو‬
‫عىل األقل‪ ،‬هذا ما اكن يظهر علهيم‪.)..‬‬ ‫اكن توقييع عىل تلك القامئة أم ًرا طبيع ًّيا‪ ،‬كضامن حلق الزوجة‪ ،‬ومل يكن هناك‬
‫أي داعٍ ألن أرفض؛ خاصة أن لك اإلجراءات قبل ذلك مرت بيرس‪ ،‬وأن ثقة كبرية‬

‫‪79‬‬ ‫‪78‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫صباحا حىت قرب منتصف الليل يف لك يوم‪ ،‬ال متل‬ ‫ً‬ ‫اكنت تعمل من السابعة‬ ‫استقرت زوجيت هامن يف بيتنا بالقرية أيام الزواج األوىل‪ ،‬وبعد أن ُعدت للعمل‬
‫وال تلك من العمل‪ ،‬وال تشكو من التعب أو اإلجهاد‪ .‬ونظ ًرا ألسلوب حيايت القريب‬ ‫بالقاهرة رجعت لبيت والدها‪ ،‬واكنت تأيت لتنتظرين يف بيتنا مساء السبت‪ ،‬ونبىق‬
‫من العسكرية (سأقص فميا بعد تفاصيل تأثري اخلدمة العسكرية عىل حيايت‬ ‫م ًعا حىت جفر اإلثنني‪ ،‬حيث أرجع لعميل يف القاهرة‪ ..‬سارت األمور عىل مايرام‬
‫اخلاصة)‪ ،‬فقد كنت أعتربها مبثابة رئيس أراكن البيت احلازم الناحج اليقظ‪ ،‬هذا‬ ‫يف سنوات زواجنا األوىل‪.‬‬
‫بفرض أين كنت القائد األعىل‪..‬‬ ‫ً‬
‫وأيضا‬ ‫رزقنا اهلل بأول مولود‪ ..‬أمسيناه عىل امس أيب رمحه اهلل‪ ..‬إبراهمي‪..‬‬
‫اكنت حياتنا األرسية يف مجملها – وهلل امحلد‪ -‬دافئة مجيلة‪َّ ..‬‬
‫ومنظة للغاية‪،‬‬ ‫عىل امس أول أبناء دمحم شقييق‪ ،‬والذي انتقل للرفيق األعىل بعد أربعني يو ًما من‬
‫برمغ قلة الدخل ايامها‪..‬‬ ‫مولده‪.‬‬
‫اكنت زوجيت تشعر بالسعادة الكبرية ويه وسط أوالدها‪ ،‬واكنت حتب أن‬ ‫ريا وبركة‪ ،‬فقد رفع احلاج عبد‬ ‫اكنت فرحتنا بإبراهمي كبرية‪ ،‬واكن قدومه خ ً‬
‫حتيك ألوالدنا عن أيامها يف «أبو رقبة» قبل الزواج‪ ،‬وعن سبب تمسيهتا «هامن‬ ‫الفتاح راتيب قبل والدته بوقت قليل‪ ،‬ليصل إىل ستة جنهيات‪ ،‬واكن ذلك املبلغ‬
‫احلالوة»‪ ،‬حيث اكنت ُمدللة يف القرية‪ ،‬وكيف اكنت يف طفولهتا رسيعة الباكء‪ ،‬إذا‬ ‫جيدًا أيامها‪ ،‬فاكن يكفينا وهلل امحلد‪ ،‬خاصة مع قدرات زوجيت عىل االقتصاد‬
‫ما أساء إلهيا أي خشص‪ ،‬مهام اكنت إساءة بسيطة‪..‬‬ ‫وأيضا مع رخص احلياة يف الريف يف تلك اآلونة‪.‬‬‫ً‬ ‫والتوفري‪،‬‬
‫تعودنا بعد أن تزوج عدد من أبنائنا وبنتانا‪ ،‬وقبل أن ننتقل لنعيش يف ماكن‬ ‫بعد سنتني رزقنا اهلل بابنتنا ُمىن‪ ،‬وتوقعنا رز ًقا أوسع مع قدومها‪ ،‬مفام يعتقده‬
‫واحد‪ ،‬أن يتناول امجليع طعام الغداء يف بيتنا بالعباسية يوم األحد‪ ،‬واكنت ابنتنا‬ ‫أهل ريف مرص أن مولد البنت يصحبه سعة يف الرزق أكرث من الولد‪ .‬مث ُرزقنا‬
‫مىن تسكن يف نفس الشارع‪ ،‬فاكنت تأيت من الصباح‪ ،‬مث تلحق هبا زوجات‬ ‫بفضل اهلل تعاىل مبمدوح‪ ،‬ودمحم‪ ،‬وماجدة‪ ،‬ومصطىف‪ ،‬ومنصور (توفاه اهلل قبل‬
‫التجمع يدخل الرسور عىل قلبينا‬
‫ّ‬ ‫أبنايئ‪ ،‬ليساعدن يف إعداد الطعام‪ ،‬اكن ذلك‬ ‫ريا حميي الدين‪.‬‬‫أن يمت عا ًما)‪ ،‬ومدحت‪ ،‬وأخ ً‬
‫بدرجة كبرية‪ ،‬حيث كنا نذكر م ًعا سنوات مضت من اجلهد والصرب والعمل‪..‬‬
‫بعد أربع سنوات من الزواج – أي يف عام ‪ - 1954‬جئت بزوجيت وابنينا‬
‫أيضا يف رمضان‪ ،‬اكنت هامن حتب أن نفطر م ًعا َّ‬
‫لك يوم‪ ،‬إال إذا اكن هناك‬ ‫ً‬ ‫إبراهمي ومىن إىل القاهرة‪ ،‬حيث عشنا يف شقة صغرية بكفر الزغاري‪ ،‬واليت‬
‫الزتام عند أحدمه‪..‬‬ ‫أمقنا فهيا حىت عام ‪.1966‬‬
‫اكن إذا مرض واحد من أهل القرية‪ ،‬وجاء للعالج تعودُه يف املستشىف‪ ،‬وترسل‬ ‫اعتدنا يف هذه الفرتة أن نسافر إىل القرية حيمنا محتل «هامن» يف طفل‬
‫ابننا (ممدوح) ليتابع حالته ويسأل عنه بعد ذلك‪..‬‬ ‫جديد‪ ،‬ويقرتب موعد الوالدة‪ ،‬وذلك ملا اكنت تلقاه يف بيت والدهيا من رعاية وتغذية‬
‫طيبة من خريات الريف‪.‬‬
‫اكن هذا حىت قبل أن يلتحق ممدوح بلكية الطب‪ ،‬ولذلك فقد أصبح حبمك تلك‬
‫الزيارات املتكررة اكخلبري يف األمور الصحية والعالجية‪ ،‬وملا رأى رغبيت ورغبة‬ ‫نظ ًرا النشغايل الدامئ يف معيل الشاق املصحوب باإلرهاق والتوتر‪ ،‬فقد اكنت‬
‫معيه دمحم وعبد اجليد‪ ،‬وكذلك رغبة أمه أن يكون واحد من األبناء طبي ًبا‪ ،‬سارع‬‫ّ‬ ‫املسوئلية اخلاصة بالرتبية وإدارة شوئن املزنل تقع عىل عاتق زوجيت بنسبة‬
‫هو لتحقيق حملنا‪ ،‬فالتحق بعد الثانوية بلكية الطب‪ ،‬ومنذ ذلك اليوم أصبح الدكتور‬ ‫كبرية‪ .‬اكنت مسوئلية مخضة بالفعل‪ ،‬ولكهنا محتلهتا بإرصار وأمانة وصرب‪ .‬اكنت‬
‫مسوئل بشلك رمسي عن متابعة حاالت لك األقارب واملعارف الذين اكنوا‬ ‫ً‬ ‫ممدوح‬ ‫ريا ما تقوم بدور األم واألب يف آن واحد‪..‬‬
‫كث ً‬
‫يأتون للعالج يف القاهرة‪..‬‬

‫‪81‬‬ ‫‪80‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكنت ‪ -‬بذاكء فطري‪ -‬جتعل مين خط رجعة قو ًّيا‪ ،‬وحائط صد يف وجه أخطاء‬ ‫إن تلك املتابعة املسمترة‪ ،‬أعطت ملمدوح خربات واسعة يف الطب‪ ،‬وأكسبته‬
‫أبنائنا‪ .‬اكنت خت ّوفهم يب عند املواقف العصيبة‪ ،‬واكن ألسلوهبا هذا أثر كبري‬ ‫رمحة ورف ًقا بأي صاحب شكوى مرضية‪ ،‬واستمثر ممدوح ذلك يف لك تعامالته‪،‬‬
‫يف عبور أبنائنا وبنتينا ملشوار الصبا والشباب عىل خري‪ ،‬وهلل امحلد واملنة‪.‬‬ ‫سواء يف مركز «العريب» الطيب بشربا‪ ،‬أو يف مستشىف«العريب» يف أبو رقبة ‪.‬‬
‫اكنت يه السبب األسايس يف احرتام وتوقري األوالد لكهم يل‪ ،‬وهذا مما ينقص‬ ‫٭٭٭‬
‫الكثريات من أمهات اليوم‪ :‬زرع توقري األب يف نفوس األبناء والبنات‪.‬‬
‫منذ البداية‪ ،‬أرسيت فكرة التفويض يف إدارة البيت (دون أن أدري وقهتا املعىن‬
‫زرعنا يف األوالد مجي ًعا مبدأ‪ :‬أن وقت املذاكرة لملذاكرة اجلادة‪ ،‬ووقت األلك‬ ‫اإلداري للكمة «تفويض»!)؛ فقد ف ّوضهتا متا ًما يف إدارة لك شوئن البيت نظ ًرا‬
‫لأللك‪ ،‬حىت مواعيد االستحامم اكن هلا وقت حمدد يف بيتنا‪.‬‬ ‫النشغايل الشديد يف معيل‪ ،‬مفا خذلتين وال خذلت أوالدنا مرة واحدة‪..‬‬
‫لكن من األشياء الغريبة اليت فرضهتا زوجيت – رمحها اهلل‪ -‬عىل أبنائنا أهنا‬ ‫ميا فاضلة كثرية‪ ،‬من أمهها‪ :‬الرضا‬‫اكنت أم إبراهمي ُتريس يف أوالدنا ق ً‬
‫ساوت يف معل البيت بني البنني والبنات‪ ،‬مفن املألوف يف أغلب بيوت مرص أن‬ ‫ً‬
‫وأيضا‪ ..‬شكر اهلل عىل نعمه اليت ال‬ ‫والصرب عىل الظروف مهام اكنت صعبة‪..‬‬
‫البنات يساعدن األم فقط‪ ،‬أما البنون فغال ًبا ما يكون دورمه هو إما املذاكرة وإما‬ ‫ُتىص‪.‬‬
‫اللعب! ولو ساعدوا يف شوئن البيت فيف أمور بسيطة ال ُيسب هلا حساب‪ ،‬أما‬
‫اكنت ثقافة أو فكرة أن حيب أحد أوالدنا هذا الطعام‪ ،‬وال حيب ذاك‪ ،‬غري‬
‫يف بيتنا فقد اكنت «أم إبراهمي» تساوي بني األوالد مجي ًعا يف العمل‪ ،‬اكنت تقسم‬
‫ً‬
‫حالل طيبا‪ ،‬فال بد وال مف ّر من ألكه‪.‬‬ ‫موجودة يف بيتنا هنائ ًّيا‪ .‬مفا دام الطعام‬
‫وأنت تكنسني األرض‪ ،‬وأنت تضبط املقاعد وتنظف‬ ‫ِ‬ ‫أنت تغسل األطباق‪،‬‬
‫املهام‪َ :‬‬
‫املاكن‪ ،‬وهكذا‪ ..‬اكن البيت يبدو دو ًما خكلية حنل‪ً .‬‬ ‫اكنت حازمة متا ًما مع األوالد يف هذه املسألة‪ ،‬وقد استفادوا مجي ًعا من هذه‬
‫أيضا‪ ،‬اكن وجود أيم معنا يف‬
‫السياسة يف محتل أي ظروف من ُّر هبا‪ ،‬وحىت بعد أن فتح اهلل علينا أبواب الرزق‪،‬‬
‫البيت‪ ،‬خاصة بعد كربها يف السن يتطلب من يرعاها وجيلس معها طوال الوقت‪،‬‬
‫استفاد أوالدنا من هذه املسألة‪ ،‬خاصة مع كرثة سفرمه وترحاهلم يف البالد‪.‬‬
‫فاكنت تقوم بتلك املهمة يه أو مىن يف أوقات الهنار‪ ،‬ويف الليل‪ ،‬فاكنت ماجدة‬
‫‪ -‬وأحيا ًنا ممدوح‪ -‬بسبب الهسر يف املذاكرة‪ .‬اكن لك ذلك يمت بتوجهيات صارمة‬ ‫اكنت حتب النظافة‪ ،‬وتعتربها أحد مظاهر «السرت»‪ ،‬واكن هذا يرشح صدري‪،‬‬
‫مهنا‪..‬‬ ‫األرسة‬
‫ّ‬ ‫ويشعرين أن جهدي البالغ ال يذهب ُسدى‪ .‬اكنت تعتين باملالبس ومبفارش‬
‫منذ تزوجنا ويه تعترب يوم األحد كيوم العيد‪ ،‬حيث كنت أقضيه دا ً‬ ‫كأننا يف فندق!‪ ،‬برمغ ضيق ذات اليد‪ .‬اكنت املساحات اليت تشغلها القمصان –‬
‫مئا يف‬
‫مثل‪ -‬واحـدة‪ ،‬وكذلك لك صنف من أصناف املالبس األخرى‪ ،‬جتدها تأخذ نفس‬ ‫ً‬
‫البيت‪ ،‬وذلك قبل أن تتسع أمعالنا‪ ،‬وأضطر إىل أن أمعل ً‬
‫أيضا يوم األحد‪ .‬اكنت‬
‫املساحة بشلك جعيب‪ .‬اكنت مهندمة يف لك أمورها‪..‬‬
‫مزيانية بايق أيام األسبوع يف كفة‪ ،‬ومزيانية يوم األحد وحده يف كفة أخرى‪..‬‬
‫اعتادت عىل تنظيف البيت يوم ًّيا‪ ،‬ال مير يوم إال ومتسح أرضيته‪ ،‬ولك أسبوع‬
‫يف بداية حياتنا يف القاهرة اتف َقت مع جارات هلا عىل «مجعية» أسبوعية‪ ،‬تقبضها‬
‫اكنت تنظف احلوائط لكها باملاء والصابون‪ ،‬يف الصباح الباكر من لك يوم مجعة‬
‫واحدة مهنن مرة يف األسبوع‪ ،‬واكنت قد اختارت لنفهسا يوم األحد‪ ،‬وذلك حىت‬
‫اكن البد من تنظيف البيت لكه‪ .‬مجيع األوالد اكنوا يشاركون يف العمل‪ ،‬مث‬
‫تسامه يف رشاء الطعام املمزي‪ ،‬وكذلك الفاكهة‪ ،‬لذلك اليوم الذي أقضيه يف البيت‪.‬‬
‫االستحامم‪ .‬بعدها يزنل األبناء مبالبس نظيفة لصالة امجلعة‪ ،‬مث يعودون ليبدأ‬
‫اكنت «امجلعية» هذه‪ ،‬يه املَخرج لنا من أي ضائقة مالية خنرج مهنا‪ ،‬مكا اكنت – وال‬
‫امجليع يف تنفيذ الواجبات املدرسية‪..‬‬
‫تزال‪ -‬الكثري من األرس املرصية تراها امل َ ْخرج العميل لألزمات املالية ولعجز املزيانية‪..‬‬

‫‪83‬‬ ‫‪82‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫«أنا ماعنديش عيلة‪ ،‬ماليش إخوات‪ ،‬فربنا وهبين أوالدي دول‪ ،‬علشان يكونوا مه‬ ‫مل يكن من ثقافة زوجيت أم إبراهمي أن تقرتض من أحد أبدًا‪ ،‬أو أن تأخذ‬
‫اخوايت وعيليت»‪.‬‬ ‫بضاعة «شكك» من بقال أو جزار‪ ،‬مهام مررنا بظروف قاسية (وهذا اكن هو‬
‫أخوي دمحم وعبد اجليد‪ ،‬يف أيام ال ُعرسة)‪ ..‬ومك مررنا بظروف‬
‫َّ‬ ‫نفسه هنج َ‬
‫بيت‬
‫فتجمل هبا البيت بأقل‬
‫ّ‬ ‫اكنت – رمحها اهلل‪ -‬تلجأ ألية وسائل توفري مبتكرة‪،‬‬
‫مادية قاسية قبل أن نؤسس رشكة «العريب»‪.‬‬
‫النفقات‪..‬‬
‫شيئ بالتقسيط‪ ،‬فلكوننا ليس عندنا مثن‬‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬مل نضطر أبدًا أن نشرتي‬ ‫ً‬
‫مثــل‪ ،‬اكنت يف سنوات زواجنا األوىل تستخدم أجزاء القامش امللونة الزائدة‬ ‫ً‬
‫ً‬ ‫ترب أوالدنا‪ ،‬وهكذا نشأوا عىل قدر ما معنا‬
‫اليشء مل نكن نفكر فيه أبدًا‪ ،‬وهكذا َّ‬
‫فبدل من أن يكون‬ ‫عن احلاجة‪ ،‬مكا اكنت تفعل الكثري من األرس املرصية أيامها‪،‬‬
‫من مال نضع مزيانيتنا‪ ،‬وال نتعداها ألي سبب من األسباب‪.‬‬
‫مصريها إىل القاممة‪ ،‬اكنت تصنع مهنا جساجيد مجيلة مزركشة لألرض‪ ،‬ال‬
‫ً‬
‫قروشا قليلة‪ ،‬فتغنينا بذلك عن رشاء الجساد غايل المثن‪..‬‬ ‫تتلكف إال‬ ‫بعد أن أسسنا الرشكة كنت أحيا ًنا أحتاج للنقود‪ ،‬وال أعرف املاكن الذي ختبئ‬
‫فيه ما توفره من املرصوف‪ ،‬وكنت أحب أن أمازحها‪ ،‬وأفاجهئا بوصويل لملخبأ‬
‫ومبناسبة الجساد‪ ،‬أذكر موق ًفا طري ًفا بعد أن بدأنا يف تصنيع املراوح يف بهنا‬
‫دون أن أسأهلا‪ ،‬فآخذ ابنتنا مىن من يدها‪ ،‬وأمهس هلا أن تدلين عىل املاكن‬
‫يف بداية المثانينيات‪ ،‬كنا يف شقة العباسية‪ ،‬اشرتت زوجيت جسادة زرقاء مجيلة‬
‫اجلديد الذي ختيف فيه أمها النقود‪ ،‬فتدلين عىل املاكن‪ ،‬مرة يف جيب بدلة اجليش‬
‫بـ ‪1000‬جنيه ‪ ،‬اكنت سعيدة هبا للغاية‪ ،‬وقد أبدينا مجي ًعا إجعابنا هبا‪ ،‬ماعدا ابننا‬
‫(اليت احتفظت هبا لسنوات طويلة كذكرى)‪ ،‬ومرة يف ماكن آخر‪..‬‬
‫رصينا األلف جنيه‬‫«دمحم»‪ ،‬الذي قال هلا يف غيظ‪« :‬إيه يا ماما دا؟ دا إحنا لو ّ‬
‫جنب بعض‪ ،‬يكونوا أكرب من الجسادة دي! مش دا إرساف؟»‪.‬‬ ‫اكنت هامن – رمحها اهلل‪ -‬تضحك حني تعمل أين قد حجنت يف العثور عىل‬
‫املاكن الرسي‪!..‬‬
‫اكنت وجهة نظر دمحم – مكا عملته إياها‪ -‬أن النقود تنفع أكرث حني ُتستخدم‬
‫يف العمل ويف التجارة‪ ،‬ولكنه مل يفطن ساعهتا إىل أنه حني يفتح اهلل أبواب‬ ‫اكنت تساعد يف مزيانية البيت برتبية الطيور يف عشة كنا قد أمقناها يف‬
‫الرزق‪ ،‬مفن ذا الذي ُيرم زينة اهلل اليت أخرج لعباده؟! (دمحم يشغل حال ًّيا‬ ‫بلكونة بيتنا يف «كفر الزغاري» بالدراسة‪ ،‬واكنت حلظات مجع البيض اجلديد من‬
‫منصب الرئيس التنفيذي ملجموعة رشاكت ومصانع «العريب»)‪..‬‬ ‫َّ‬
‫العشة من اللحظات املمتعة ألبنائنا حني اكنوا صغا ًرا‪..‬‬
‫اكن حظ زوجيت هامن من التعلمي قليل جدًا‪ ،‬ومع ذلك فقد اكنت السبب األسايس‬ ‫زبا يف البيت‪ ،‬وترسله إىل الفرن القريب من بيتنا مع‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬اكنت تعجن لتصنع خ ً‬
‫ريا‪.‬‬ ‫وراء تفوق أوالدنا‪ ،‬والفضل هلل تعاىل ً‬
‫أول وأخ ً‬ ‫أحد األبناء – إبراهمي أو ممدوح أو دمحم‪ -‬إىل الفرن بعد الفجر مبارشة‪ ،‬ومن مث‬
‫حيرضه الفران إىل البيت بعد أن يمت تسويته‪ ،‬واكنت تضع ذلك اخلزب فوق الدوالب‪،‬‬
‫اكنت توجه أبناءنا بإجيابية حنو العمل والدراسة جبدية‪ :‬مثل‪« :‬أبوكو بيتعب قوي‬
‫ً‬
‫طعم وأكرث‬ ‫فال حنتاج إىل رشائه جاه ًزا من الفرن‪ ،‬وبالطبع اكن خزبها أحسن‬
‫يف الشغل‪ ،‬الزم تنجحوا علشان تساعدوه يف شغله!»‪ ..‬ومرة تنادي‪« :‬تعاىل يا‬
‫فائدة حصية‪ ،‬وكذلك أقل تلكفة من مثيله يف السوق‪ ،‬إن َّ‬
‫توفر له يف السوق مثيل‪.‬‬
‫ممدوح شوف لو مدحت حمتاج حاجة يف مذاكرته»‪ ..‬ال أستطيع أن أنكر اليوم‬
‫ً‬
‫وأيضا‬ ‫حثم عىل االهمتام بالتعلمي‪،‬‬‫وأنا أتابع إدارة أبنائنا للرشكة فضلها يف ّ‬ ‫بعد أن بدأنا نعمل مع اليابانيني‪ ،‬وبدأت تكرث زياراهتم لنا يف مرص‪ ،‬كنت‬
‫ُ‬
‫يشكر ال ّناس‪ ،‬لم يشكر اهلل»‪..‬‬ ‫«من َل ْم‬
‫من قبيل قول احلبيب دمحم ﷺ‪َ :‬‬ ‫أدعومه يف بيتنا بالعباسية‪ ،‬مث يف مرص اجلديدة‪ .‬سأهلا بعض اليابانيني حني‬
‫سافرت ميع إىل اليابان يف بداية المثانينيات‪ ،‬يف املؤمتر السنوي ملوزيع‬
‫اكنت جتلس أمامهم طوال وقت مذاكرهتم حىت تمطنئ أهنم قد أهنوا لك ما‬
‫«توشيبا»‪ :‬ملاذا أجنبت لك هذا العدد من األوالد (ستة بنني وبنتني)؟ فأجابت‪:‬‬

‫‪85‬‬ ‫‪84‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫َّ‬
‫بابنيت مىن وماجدة‪ ،‬لتكونا خري عوض‬ ‫لقد اكن من فضل اهلل َّ‬
‫عيل أن رزقين‬ ‫علهيم من واجبات ومن مذاكرة‪ .‬اكنت متسك هلم العصا‪ ،‬ومه يذاكرون عىل طاولة‬
‫عن فقد والدهتام رمحها اهلل‪..‬‬ ‫السفرة‪ ،‬فتوجههم لملزيد من البذل واالجهتاد من أجل النجاح بتفوق‪ .‬وبرمغ أن‬
‫أوالدنا لكهم يعرفون أهنا ال تقرأ جيدًا‪ ،‬فإن واحدًا مهنم مل يكن ليجرؤ أن يرتاىخ‬
‫مل ُتغضب أيم إال مرة واحدة‪ ،‬ويه املرة الوحيدة يف حياتنا الطويلة اليت كنت‬
‫عن إثبات أنه قد أهنى بالفعل ما هيلع من الواجبات‪ ،‬وال يرتدد يف إظهار صفحات‬
‫فهيا عني ًفا معها؛ فقد اكنت أيم تستخدم طقم أسنان مثل كثريين ممن طعنوا يف‬
‫ذلك الواجب أمامها‪..‬‬
‫السن‪ ،‬واكنت أم إبراهمي تصاب بنوع من الغثيان إذا ما رأت ذلك الطقم‪ ،‬خاصة‬
‫ساعة تناول الطعام‪..‬‬ ‫اكنت مههتا العالية حمددة ومتجهة حنو هدف واحد‪ :‬أن ترامه ناحجني ومتفوقني‪.‬‬
‫وبرمغ انشغايل الشديد يف العمل‪ ،‬سواء قبل أن أفتتح رشكيت اخلاصة مع‬
‫أرست أليم – رمحهام اهلل‪ -‬بأهنا عندما ترى تلك األسنان البديلة‬
‫واكنت زوجيت قد َّ‬
‫أخوي‪ ،‬أو قبل ذلك حيمنا كنت أمه موظف عند احلاج «عبد الفتاح ابو شليب»‪،‬‬ ‫ّ‬
‫عند الطعام تفقد الرغبة يف تناوله‪ ،‬وطلبت مهنا أال تظهره أمامها يف هذا الوقت‪..‬‬
‫فقد كنت أقوم مبساعدة زوجيت – رمحها اهلل‪ -‬يف شؤون البيت‪ ،‬خاصة تلك‬
‫بعد فرتة نسيت أيم ذلك األمر بسبب كرب سهنا‪ ،‬وأثناء الطعام أخرجت طامق‬ ‫الشؤون املرتبطة برتبية أبنائنا‪ ،‬فكنت يف األوقات اليت أتواجد فهيا يف البيت‬
‫األسنان ووضعته يف كوب ماء‪ ،‬فأرسعت أم إبراهمي حنو امحلام لتتقيأ‪ ،‬مث عادت‬ ‫أتوىل أمر «محام» الصغار بدال مهنا‪ ،‬واكنوا يفرحون هلذا كثريا‪ ،‬وكنت أقوم‬
‫لرتفع صوهتا عىل أيم وتذكرها مبا اتفقتا هيلع‪!..‬‬ ‫مبراجعة دروهسم املدرسية‪ ،‬خاصة ما حيفظونه من القرآن الكرمي‪ ،‬وكذلك تمسيع‬
‫شكت يل أيم عندما رجعت من معيل‪ ،‬فاندفعت ثائ ًرا غاض ًبا حنو أم أوالدي‪،‬‬ ‫جدول الرضب هلم‪ ،‬والذي اكن حبمك معيل يف التجارة أحفظه اكمسي أو أشد‬
‫أح ّذرها من التعامل بتلك الطريقة مرة أخرى مع صاحبة الفضل األول – بعد اهلل‬ ‫حفظا!‪ ،‬وكنت أحرص عىل تقدمي اهلدايا واللعب هلم مكاكفآت ملن يتفوق يف حفظه‬
‫تعاىل‪ -‬يف وجودي‪.‬‬ ‫للقرآن‪ ،‬ويف إجاباته عىل أسئليت‪ .‬وقبل أن أنشغل يف رشكة «العريب»‪ ،‬كثريا ما‬
‫كنت أخرج معهم يف نزهات مجيلة أيام عطلة يوم األحد‪ ،‬أو ندخل السيمنا م ًعا‪.‬‬
‫مل تتكرب‪ ،‬ومل تعاند‪ ،‬بل اجتهت مبارشة حنو أيم واعتذرت هلا‪ ،‬مث أكدت يل‬
‫أهنا لن تكرر مثل هذا األمر ثانية‪..‬‬ ‫ولقد قدر اهلل عز وجل أن تكون ابنتنا الكربى مىن شبهية بأمها يف الكثري من‬
‫صفاهتا‪ ،‬خاصة يف اعتناهئا يب‪ ،‬ومبتابعهتا للك إخوهتا وألفراد عائلة «العريب»‪،‬‬
‫ً‬
‫طفل فـي الثامنة تقري ًبا من معره حينذاك‪،‬‬ ‫أتذكر أن ابننا (ممدوح) الذي اكن‬ ‫وقلقها الدامئ علينا‪ .‬وكذلك يف مستوى الطعام الذي تطهوه‪ ،‬نفس املذاق تقري ًبا‪..‬‬
‫ريا لذلك املوقف‪ ،‬فقد شعر أن أمه قد أهينت ‪ -‬أمامهم‪ -‬بسبب‬ ‫غضب وبىك كث ً‬
‫معه دمحم عىل هذه احلال من الباكء‪ ،‬وحض له‬ ‫خطأ غري مقصود مهنا‪ .‬فملا رآه ُّ‬ ‫أما ابنيت ماجدة اليت تعمل رئيس قسم النباتات يف لكية العلوم – جامعة‬
‫أنين أريد أن أبث فهيم مفهوم بر الوالدين‪ ،‬وأنين مكا أب ُّر أيم اآلن وأخاف عىل‬ ‫عني مشس ‪ ،‬فهي كذلك تتقامس مع مىن يف إرث العديد من صفات والدهتام‪،‬‬
‫شعورها هلذه الدرجة‪ ،‬فسيكون ذلك هو موقفهم منَّا حني يكربون‪ .‬ورمغ التربير‬ ‫ولكهنا أكرث شهبا هبا من ناحية الشلك‪ .‬وقد أهنت ماجدة رسالة الدكتوراه‬
‫املقنع أليخ‪ ،‬فإن (ممدوح) الصغري اسمتر يبيك‪ ،‬مث صاح حبمكة مفاجئة جعلت‬ ‫عام ‪ 1995‬عن وسائل تمنية وإكثار بعض األجشار والنباتات اهلامة اكملاجنو‬
‫معه «دمحم» حيتضنه وهو يبتسم‪« :‬طيب مش انتوا لككو زعلتوا علشان أممك‪،‬‬ ‫والربتقال وغريها‪ .‬وكأن توفيق اهلل تعاىل ملاجدة يف ذلك النوع اجلاد من الدراسة‬
‫سيبوين بىق أنا مكان ازعل علشان خاطر أيم!»‪..‬‬ ‫واخلربات األاكدميية يف الزرع واإلنبات‪ ،‬كأنه يشري إىل ما اكنت تقوم به أمها‬
‫عىل أرض الواقع من تمنية وإكثار لزروع ومثار آدمية إنسـانية! وباإلضافة لعملها‬
‫٭٭٭‬ ‫يف التدريس اجلاميع فإهنا تتقن الكثري مما اكنت تتقنه أمها من أمور البيت‪..‬‬

‫‪87‬‬ ‫‪86‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫األحفاد ومن أبناء أقاربنا‪ ،‬واكن هلا رقية ممزية‪ ،‬اكن العديد من أحفادنا حيبون‬ ‫ح�سـ ـ ــن ظـ ــن باهلل‬
‫أن جيلسوا بني يدهيا لمتسح عىل رؤوهسم وتذكر لكامت الرقية اليت اكنت تبدأ‬
‫قدره ربنا تبارك‬
‫اكنت هامن دو ًما متنامغة مع لك أقدار اهلل‪ ،‬ال تكره أي يشء َّ‬
‫ب‪« :‬أوهلا بسم اهلل‪ ..‬وتانهيا بسم اهلل‪ ..‬وتالهتا بسم اهلل‪ ...‬ورابعها بسم اهلل‪..‬‬
‫وتعاىل لنا‪ ،‬بل تتعامل معه هبدوء وإجيابية‪ .‬وقد ابتلينا يف فرتة من حياتنا باختالف‬
‫وخامهسا بسم اهلل‪ ..‬وسادهسا بسم اهلل‪ ..‬وسابعها ال حول وال قوة إال باهلل‪..‬‬
‫شديد يف وجهات النظر مع ابننا مصطىف‪ ،‬الذي تزوج و سافر للعمل يف أمرياك‬
‫»‪ ..‬إىل آخر الرقية‪ ،‬اليت تعملهتا من والدهتا «حمبوبة»‪..‬‬
‫دون موافقيت‪ ،‬وابتعد عنا لسنوات‪ ،‬وكنت قد اختذت موق ًفا شديد العنف جتاه عدم‬
‫ريا‪،‬‬
‫اكنت تتقرب إىل اهلل أكرث يف السنوات األخرية‪ ،‬وقد أسعدين ذلك كث ً‬ ‫يرده اهلل‬
‫طاعته يل يف تلك الفرتة‪ ،‬فاكنت صابرة حمتسبة‪ ،‬تكرث من الدعاء أن َّ‬
‫وراحبا إن اكنت خري أمعاله يه خواتميها‪ .‬اكنت تكرث من‬
‫ً‬ ‫فمك يكون املرء موف ًقا‬ ‫من اهلل تعاىل علينا بعودته إلينا وإىل الرشكة بعد أن‬ ‫إلينا وإىل صوابه‪ ،‬حىت َّ‬
‫الدعاء‪« :‬يا رب‪ ،‬يا رب ما تهبدلنيش يف آخر معري!»‪ ،‬واكن ذلك بسبب رؤيهتا‬ ‫ريا‪ ،‬وهلل امحلد واملنَّة‪.‬‬
‫اكتسب خربات كبرية‪ ،‬أفادت الرشكة كث ً‬
‫آال ًما شديدة عاناها بعض األقارب واملعارف يف هناية حياهتم‪.‬‬
‫مل تكن – رمحها اهلل‪ -‬ختىش من الفقر‪ ،‬أو من نقصان ما عندها من رزق‪ ،‬بل‬
‫اكنت ترجو أن متوت دون أن حتتاج إىل أي إنسان يساعدها يف قضاء‬ ‫اكن حهبا للخري مع يقيهنا أن اهلل سيعـ ّوض ويضاعف‪ ،‬اكن يزيدها ذلك إنفا ًقا‬
‫حاجاهتا األساسية‪ .‬وقد حدث – وامحلد هلل‪ -‬أن استجاب هلا املوىل عز وجل‪،‬‬ ‫ً‬
‫وبذل‪ .‬اكنت حسنة الظن باهلل عىل لك األحوال‪.‬‬
‫فمل ُ َ‬
‫تن يف مرضها‪ ،‬ومل ُيطل علهيا‪..‬‬
‫من األشياء اليت أسعدهتا يف السنوات األخرية من حياهتا‪ ،‬انتقالنا مجي ًعا‬
‫مرحا من ناحيهتم‪،‬‬‫ً‬ ‫ريا مايأخذ جان ًبا‬
‫حىت كالمها مع األوالد‪ ،‬والذي اكن كث ً‬ ‫إىل معارة مرص اجلديدة‪ .‬اكنت لتلك العامرة فكرة استقرت يف خاطري من زمن‪،‬‬
‫حني اكنت تويص بأن ُتدفن يف مقربة مبفردها ال يشاركها فهيا أحد‪ ،‬فقد حقق‬ ‫ويه أن أمجع فهيا عائلة «العريب» لكها‪ ،‬لتكون اكلقرية الصغرية اليت حتتوينا‬
‫اهلل تعاىل هلا ما أرادت‪ ،‬حيث دُفنت يف مقابر خاصة جديدة بدأنا يف تشييدها‬ ‫يف قلب العامصة العمالقة‪ .‬فاكن للك فرد من أفراد اجليل األول والثاين فهيا‬
‫يف قريتنا قبل وفاهتا بأسابيع‪ ،‬واكنت بالفعل يه أول من دُفن يف تلك املقابر‪..‬‬ ‫شقة (العامرة هبا ‪ 21‬شقة)‪ ،‬واكنت سب ًبا يف نشأة أبناء اجليل الثالث ممتاسكني‬
‫متحابني‪ ،‬ال يعرفون أصدقاء محميني مثل أبناء العائلة ذاهتا‪ .‬ومكا اكنت بيوتنا‬
‫لقد بدأت رحلة مرضها يوم ‪ 6‬رمضان – املوافق ‪ 6‬سبمترب‪ -‬سنة ‪،2009‬‬
‫الصغرية يف أيام السيع والكفاح تسع أقاربنا وأهل قريتنا‪ ،‬فكذلك اكن بيتنا‬
‫فأدخلناها مستشىف «لكيوباترا» القريبة من بيتنا مبرص اجلديدة‪ ،‬واكنت رحلة‬
‫بعد أن أوسع اهلل علينا من فضله مفتوحا للك أهل أبو رقبة‪ ،‬حيث اكنوا جيدون‬
‫معرة رمضان قد حل موعدها‪ ،‬فسألهتا إن كنت أذهب للعمرة أم أبىق معها؟‬
‫يف زوجيت أم إبراهمي قلبا حنونا‪ ،‬ال ينىس واجباته حنو أهل قريته‪ ،‬وحيب – بل‬
‫حفثتين عىل الذهاب ألداء العمرة يك ندعو هلا‪ .‬وبالفعل سافرنا‪ ،‬أنا وأيخ دمحم‬
‫ويعشق‪ -‬خدمة هؤالء األهل يف أي احتياجات قد تعرض هلم‪..‬‬
‫وابناي دمحم ومدحت‪..‬‬
‫مل تكن تنام إال بعد أن تتأكد أن لك أفراد األرسة من أبنائنا وأحفادنا قد‬
‫املنورة‪،‬‬
‫بعد أن سافرنا‪ ،‬بدأت تدخل يف غيبوبة‪ ،‬ومبجرد أن وصلنا إىل املدينة َّ‬
‫رجعوا إىل البيت‪ ،‬مهام تأخر أحدمه يف اخلارج‪ ،‬مفن املستحيل أن يعرف النوم‬
‫حتديدًا يف يوم ‪ 16‬من هشر رمضان – ‪ 16‬سبمترب‪ -‬من سنة ‪ ،2009‬اتصل بنا‬
‫طريقا إىل جفهنا قبل أن تمطنئ عىل امجليع‪ .‬كذلك اكنت تسعد بإحضار أجندة‬
‫د‪.‬ممدوح الذي اكن يالزمها مع مىن‪ ،‬أخربنا أهنا دخلت يف أطوار مشلكة مرضية‬
‫التليفون لتتصل بأقاربنا وأهلينا يف القرية لك حني لتمطنئ علهيم‪ ،‬واكنت زيارهتا‬
‫معقدة‪ ،‬مث اتصل ثانية يف نفس اليوم ليخربنا أهنا قد انتقلت إىل رمحة اهلل تعاىل‬
‫للقرية تدخل عىل قلهبا الرسور بشلك استثنايئ‪ .‬اكنت حتب ُرقية الصغار من‬
‫ساعة أذان املغرب متا ًما‪.‬‬

‫‪89‬‬ ‫‪88‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫علـي وعىل امجليع‪ ،‬ولكن لرمحة اهلل بنا‬


‫اكن لذلك اخلرب وقعه األلمي الشديد َّ‬
‫أن يأتينا وحنن جبوار جمثان خري البرش ﷺ‪ ،‬وكأهنا اكنت سلوى من اهلل‬
‫تعاىل لنا‪ ،‬فتلقينا اخلرب بأنفس مؤمنة وقلوب صابرة حمتسبة‪ ،‬وقررت أال نغادر‬
‫األرايض املقدسة حىت ننهتي من أداء العمرة يف اليوم التايل‪ ،‬لنعمل هلا معرة‪،‬‬
‫ونكرث فهيا من الدعاء هلا بالرمحة واملغفرة‪.‬‬
‫وقد فوجئت مبائت من املصلني املرصيني يف احلرم النبوي مث يف احلرم امليك‬
‫إلـي ليعزوين يف موهتا‪ .‬أناس طيبون ال أعرفهم‪ ،‬وال يعرفوهنا! ال صلة‬
‫يفدون َّ‬
‫بيننا إال اإلسالم واإلميان برب المساوات واألرض‪..‬‬
‫ً‬
‫واحضا جل ًّيا حب األقارب واجلريان وزمالئنا يف «العريب» هلا‪ ،‬فيف‬ ‫لقد بدا‬
‫ساعة الصالة عىل جمثاهنا يف مجسد «الرمحن الرحمي»‪ ،‬الذي اكن قد افتتح‬
‫ووضوحا‬
‫ً‬ ‫رمس ًّيا قبل وفاهتا بأسابيع قليلة‪ ،‬وبدا ذلك احلب والوفاء أكرث جال ًء‬
‫ترام القاهرة يف األربعينات‬ ‫ليشيعوها معنا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ساعة دفهنا بقريتنا «أبو رقبة»‪ ،‬حيث خرج أغلب أهل القرية‬
‫رمحها اهلل رمحة واسعة‪.‬‬

‫يف نفس موقع محل الدواجن هذا‪ ،‬كان يقع محل عم رزق للخردوات‬

‫‪91‬‬ ‫‪90‬‬
‫شركة النصر لصاحبها احلاج عبد الفتاح أبو شليب‪ ،‬والتي عملت فيها ملدة ‪ 15‬سنة‬

‫مع زوجتي‪ ،‬وخمسة من أوالدنا عام ‪1960‬‬

‫محمد عبد الفتاح أبو شليب يجلس يف نفس مكان والده ‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬يف شركة النصر‪ ،‬التي عملت فيها ‪ 15‬سنة يف‬
‫بداية حياتي‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الباب الثالث‬
‫اجلــيـش واحلـرب‪ ..‬واحـتـراف التـجــارة‬

‫‪95‬‬ ‫‪94‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫العجيب يف األمر‪ ،‬أن الدفعة اليت رفضت أن ُأساق معهم‪ ،‬أخذوا مجي ًعا‬
‫تأجيالت! كتبوا للك واحد مهنم يف هشادة اإلعفاء‪« :‬مل يصبه الدور»‪ ،‬وبالتايل مل‬
‫يؤدوا اخلدمة العسكرية هنائ ًّيا‪..‬‬
‫أنا الوحيد يف لك الدفعة الذي أصابه الدور عام ‪!..1954‬‬
‫من اكفة أحناء القطر املرصي‪ ،‬مل خيدم يف جيش مرص من مواليد ‪ 1932‬إال‪:‬‬ ‫كل مواليد ‪� 1932‬إعفاء‪� ..‬إال �أنا!‬
‫محمود إبراهمي العريب‪..‬‬ ‫يف نفس السنة اليت جئت فهيا بأرسيت الصغرية إىل القاهرة – عام ‪- 1954‬‬
‫لقد تعملت من ذلك املوقف الكثري‪..‬‬ ‫طلبوين ألداء اخلدمة العسكرية‪!..‬‬
‫فطنت إىل كيفية رسيان أقدار اهلل بني العباد‪ّ ..‬‬
‫تعلت أال أعرتض عىل القدر‬ ‫اكنت مفاجأة غري سارة هنائ ًّيا‪..‬‬
‫ّ‬
‫المتي عن الناس من حويل‪ ،‬فعال «هلل يف أمره‬ ‫خريه ورشه‪ .‬وتعملت أال أحاول‬ ‫اكن معري حينئذ ‪ 22‬سنة‪ ،‬واكن لدينا من األبناء إبراهمي ومىن‪ ،‬وكنت يف هذا‬
‫شؤون»‪.‬‬ ‫الوقت أمعل بشلك جيد ومستقر يف رشكة «النرص»‪.‬‬
‫اكنت مدة خدميت العسكرية بالتحديد‪ 3 :‬سنوات و‪ 3‬أهشر و‪ 5‬أيام‪ ،‬بدأت يف‬ ‫وصلين اخلرب أثناء قضاء عطلة آخر األسبوع يف القرية‪ ،‬فكرت من أول حلظة‬
‫‪ 1954/4/27‬وانهتت يف ‪ ،1957/8/1‬وأنا أذكر رمق مسلسل بطاقيت العسكرية‬ ‫أسل نفيس يف قسم امجلالية يف القاهرة‪ً ،‬‬
‫بدل من أن يمت ترحييل من القرية‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫جيدًا‪ ،‬اكن الرمق‪117725 :‬‬ ‫أو من مركز أمشون‪ ،‬حيث كنت أرى املعاملة السيئة ألهل الريف يف ذلك الوقت من‬
‫مل تكن خدميت العسكرية من ذلك النوع اليسري الذي ميكن نسيانه بهسولة‪ ،‬بل‬ ‫ضباط الصف «املتطوعني»‪ .‬كنا نرامه يف أحيان كثرية يربطون املجندين اجلدد‬
‫ظلت ساعاهتا حمفورة يف ذاكريت لسنوات طويلة‪ ..‬وال يزال الكثري من أحداثها‬ ‫حببال يف أيدهيم‪ ،‬أثناء ترحيلهم من القرى واملراكز‪ ،!..‬فقررت جتنّب هذا املصري‬
‫عال ًقا يف ذهين كأنه حدث باألمس‪..‬‬ ‫وتسلمي نفيس يف القاهرة‪..‬‬
‫مزتوجا‪ ،‬أما راتب‬
‫ً‬ ‫اكن راتيب بعد فرتة التدريب ستة جنهيات تقري ًبا ألين كنت‬ ‫ذهبت لقسم امجلالية يوم ‪( 1954 /4 /27‬هذا يوم ال ُيكن أن ُيىح من‬
‫قرشا فقط‪ .‬كنت أعيط أربعة جنهيات لزوجيت وأكتيف‬ ‫ً‬ ‫اجلندي األعزب فاكن ‪198‬‬ ‫ذاكريت)‪ .‬كتبوا هناك خطا ًبا موج ًها ملركز التجنيد حيث يمت مجتيع اجلنود‪ ،‬مبا‬
‫أدخن‪ .‬اكن مثن علبة الجسائر حينئذ‬‫جبنهيني للهشر لكه‪ ،‬فقد كنت يف تلك األيام ّ‬ ‫يفيد أين هارب من أداء اخلدمة العسكرية‪ ،‬وجيب أن أعامل معاملة اهلاربني‪!..‬‬
‫ميا‪!..‬‬
‫ميا‪ ،‬أما زجاجة املياه الغازية فاكن سعرها ‪ 15‬مل ً‬
‫‪ 25‬مل ً‬ ‫سلت نفيس فقط يف ماكن غري حمل‬ ‫أوض هلم أين لست هار ًبا‪ ،‬بل ّ‬ ‫حاولت أن ّ‬
‫ُ‬
‫إقاميت املُد ّون بالبطاقة (أي يف قرية أبو رقبة أمشون منوفية)‪ ،‬حىت ال أعامل‬
‫كنت أعرف أن «هامن» لن تقرتض من خملوق ً‬
‫قرشا واحدًا‪ ،‬واكن عيمل بقدراهتا‬
‫معاملة سيئة‪ ،‬ولكن مل يسمتع ّ‬
‫إيل أحد‪..‬‬
‫ً‬
‫هادئ مستق ًّرا من ناحية‬ ‫ً‬
‫كفيل بأن أكون‬ ‫يف تدبري أمرها بأقل القليل‪ ،‬اكن ذلك‬
‫وأيضا‪ ،‬بسبب زيارات أم زوجيت‬ ‫ً‬ ‫شوئن البيت وأحوال أبنائنا‪ ،‬وأنا بعيد عهنم‪.‬‬ ‫ملا وصلت ملركز التجنيد وميع اخلطاب‪ ،‬أخذوين مبارشة وعاملوين بغلظة‬
‫وأبهيا – رمحهام اهلل‪ -‬لبيتنا بالقاهرة‪ ،‬مبا اكنا حيمالنه من خريات الريف‪.‬‬ ‫بصفيت هار ًبا من التجنيد‪ ،‬عاص ًيا لألوامر! مث أحلقوين بسالح «األنوار الاكشفة»‪..‬‬

‫‪97‬‬ ‫‪96‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكنت القذائف تتساقط اكملطر عىل مواقع اجليش املرصي‪ ،‬ولألسف مل أ َر أية‬ ‫كنت لكام حصلت عىل أيام إجازة أثناء التجنيد‪ ،‬وحبمك عالقيت الطيبة باحلاج‬
‫ردود فعل جادة من قواتنا‪ ،‬مل يكن هناك رد مدفيع مضاد للطائرات ُيذكر من‬ ‫عبد الفتاح صاحب رشكة «النرص»‪ ،‬أعود للعمل يف نفس موقيع باحملل‪ ،‬فاكن‬
‫ً‬
‫شيئ من نريان األعداء املهنمرة! واكن ذلك هو تقري ًبا نفس احلال‬ ‫حويل ليوقف‬ ‫األجر الذي أمعل به يساعد يف رفع ضغط الظروف املادية عن اكهلنا‪..‬‬
‫يف بايق الوحدات‪ ،‬حبسب ما مسعناه بعد ذلك من زمالئنا‪.‬‬
‫مث حدثتت تلك الظروف العجيبة اليت أحاطت بالعدوان الثاليث عىل مرص عام‬
‫من املؤكد أن الرئيس عبد النارص – مع قادة اجليش حينئذ‪ -‬اكنوا يوقنون أهنم‬ ‫‪..1956‬‬
‫ال يستطيعون أن يقاوموا ثالثة جيوش يف وقت واحد‪ ،‬باإلضافة لسوء التنظمي‬ ‫٭٭٭‬
‫واإلدارة حينئذ‪.‬‬
‫�شاهد عيان‪ ..‬على ما حدث يف العدوان الثالثي!‬
‫َّ‬
‫نتلق أيامها أية أوامر‬ ‫كنا يف وحدتنا ُمد ّربني عىل استخدام السالح‪ ،‬ولكننا مل‬ ‫زيا يف اخلدمة العسكرية بقدر ما اكنت تحمس الظروف يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫كنت ممت ً‬
‫نتلق أية تدريبات جادة لعمليات مقاومة عسكرية حقيقية ملثل تلك‬
‫باستخدامه! ومل َّ‬ ‫اجهتدت يف التدريبات‪ ،‬وأجدت التعامل مع السالح‪ ،‬ف ُرقيت إىل رتبة «أومبايش»‬
‫االشتبااكت مع العدو‪..‬‬ ‫بعد عدة أهشر من التدريب واخلدمة‪ ،‬فأصبحت بذلك قائدًا عىل ‪( 154‬عسكري‬
‫اكنت حر ًبا غريبة غري متاكفئة أبدا‪ ،‬وبدت كأهنا من طرف واحد‪..‬‬ ‫ُمنَّد)‪ .‬وصلت يب اجلدية يف التدريبات أين كنت أجري ملسافة عدة كيلومرتات‬
‫بظهري حىت أتابع أداء بايق أفراد الفرقة أثناء اجلري‪.‬‬
‫واكن األغرب مهنا‪ ،‬تلك الطنطنة اإلعالمية‪ ،‬اليت برعنا فهيا أيامها‪ ،‬واليت‬
‫تديع انتصارات‬‫اسمترت حىت اكنت هزمية ‪ .1967‬نفس الطنطنة الساذجة‪ ،‬اليت َّ‬ ‫اكنت أمعالنا ومهامتنا يف سالح «األنوار الاكشفة» بسيطة‪ ،‬اكن لك دورنا أن‬
‫مل تتحقق عىل أرض الواقع‪.‬‬ ‫ُنسلّط أنوا ًرا ساطعة عىل طائرات العدو‪ ،‬لنكشف مواقعها لسالح املدفعية املضادة‬
‫للطائرات! إىل أن بدأ العدوان الثاليث يف هشر أكتوبر من عام ‪( 1956‬حتديدًا‬
‫اكنت اإلذاعة تنقل أخبا ًرا عن حرية جيوش إجنلرتا وفرنسا وإرسائيل‪ ،‬وتقهقرها‬
‫يف يوم ‪ 29‬أكتوبر)‪ ،‬وقد رزقت يف نفس تلك الفرتة بابين د‪ .‬ممدوح‪..‬‬
‫أمام قدرات قواتنا املسلحة! لكن احلقيقة اكنت يه اليت نراها بأعيننا‪ ،‬وليست‬
‫تلك اليت تتناقلها وتبهثا وسائل اإلعالم املرصية‪ ،‬القوات اإلرسائيلية سيطرت عىل‬ ‫أثناء قيايم بنوبة حراسة يف معسكرنا بأملاظة‪ ،‬أذكر أننا فوجئنا بطائرات‬
‫أجزاء كبرية من سيناء‪ ،‬بيمنا قوات إجنلرتا وإرسائيل عاثت يف مدن القناة ويف‬ ‫األعداء (قوات إجنلزيية وفرنسية‪ ،‬بيمنا اكنت القوات اإلرسائيلية ترضب سيناء)‬
‫ً‬
‫وإسقاطا للقذائف من اجلو‪!..‬‬ ‫القاهرة فسادًا‪،‬‬ ‫ترضب مطاراتنا ومواقعنا االسرتاتيجية برشاسة‪ ،‬وتعود إىل مطاراهتا دون أن‬
‫يقوم أي موقع من عندنا بالتعامل معها!‬
‫دمروا معسكراتنا يف أملاظة بشلك شبه اكمل‪ ،‬فمت نقلنا إىل معسكر بعزبة «النخل»‪،‬‬
‫َّ‬
‫ً‬
‫وعىل عكس ما هو حاصل اليوم‪ ،‬اكنت عزبة النخل وقهتا متتلئ بالنخيل فعل‪..‬‬ ‫ذكر الرئيس السادات ما حدث يف تلك الليلة يف مذكراته «البحث عن الذات»‬
‫بقوله‪« :‬اكن عبد النارص يف بيته‪ ،‬فطلع إىل سطح املزنل‪ ،‬وشاهد بنفسه الطائرات‬
‫حني رأيت غابات النخيل الشاسعة يف مالزييا بعد ذلك بسنوات‪ ،‬تذكرت منظر‬
‫ويه ترضب مطار أملاظة القريب من مزنله‪ ،‬ويه محتل عالمات إجنلزيية وفرنسية‪،‬‬
‫خنيل مرص يف عزبة النخل عام ‪ ،1956‬مع الفارق أن يف مالزييا حكومات‬
‫فأدرك عبد النارص أن املؤامرة قد متت‪ .‬وذهب إىل القيادة يف مساء نفس اليوم‪،‬‬
‫متعاقبة تعملت كيف تستفيد من النخيل (مالزييا ثاين أكرب منتج لزيت النخيل يف‬
‫وأصدر أوامره بانحساب قواتنا فو ًرا من سيناء تفاد ًيا للفخ الذي اكنت ستقع فيه؛‬
‫السبل‪.‬‬
‫العامل)‪ ،‬ومن لك ما رزقهم اهلل به من موارد طبيعية وبرشية بأحسن ُّ‬ ‫إرسائيل يف املواجهة يف سيناء‪ ،‬واإلجنلزي والفرنسيون من اخللف‪.»..‬‬

‫‪99‬‬ ‫‪98‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫إن الفشل حني يمت النظر إليه بعمق‪ ،‬واالستفادة منه كتجربة حياة‪ ،‬حبيث يمت‬ ‫ومن عزبة النخل‪ ،‬مت نقلنا مرة أخرى إىل طنطا‪ ،‬دون أن نعمل ماذا جيري من‬
‫رصد واستخالص أسباب النجاح مهنا‪ ،‬وحني تمت االستفادة من ذلك الرصد‪،‬‬ ‫حولنا‪..‬‬
‫حفينئذ تكون التجربة الفاشلة با ًبا مضمونا للدخول إىل عامل النجاح‪!..‬‬
‫حني وصلنا طنطا‪ ،‬كنا مائت من اجلنود املرهقني اجلائعني‪ ،‬املدمرة نفسياهتم‬
‫لقد أمدتين اخلربات اليت عايشهتا يف حرب ‪ 1956‬بقوة داخلية غري عادية‪،‬‬ ‫ضوا‬‫واملهنارة معنوياهتم‪ ،‬مفررنا بأرض مزروعة بالفجل‪ ،‬فزنل اجلنود اجلائعون َو َق َ‬
‫وبرغبة معيقة يف جتنّب تكرار أن أواجه مثل هذا املوقف يف حيايت مرة أخرى‪..‬‬ ‫عىل غيط الفجل يف نصف ساعة!‪..‬‬
‫مك هو شعور مرير حني جتد نفسك عاجزا دون أسباب أو أدوات تعينك عىل الفعل‬
‫اكن مهشدًا مري ًرا‪ ،‬لن أنساه طيلة حيايت‪..‬‬
‫أو حىت رد الفعل بصورة صائبة!‬
‫تدخل أمرياك وروسيا لوقف احلرب‪ ،‬ملا تراجعت القوى الثالث‬‫يف الهناية‪ ،‬لوال ُّ‬
‫يستطيع العاقل دامئا أن ينطلق من قلب الفشل واإلخفاق حنو النجاح املهبر‪،‬‬
‫عن عدواهنا الرشس‪ ،‬والسمترت فيه هبدف إرغام عبد النارص عىل الرتاجع عن‬
‫إذا ما تسلّح بالعزمية واإلرصار واإلميان‪..‬‬
‫قراره بتأممي قناة السويس (هبدف توفري المتويل الالزم لبناء السد العايل)‪ ،‬الذي‬
‫٭٭٭‬ ‫أعلنه يف ‪ 26‬يوليو ‪ ،1956‬أي قبل احلرب بثالثة هشور‪..‬‬
‫رمغ لك ما قلته عن سلبيات حرب العدوان الثاليث‪ ،‬فإنين ال أنكر ما تعملته من‬ ‫مع هناية احلرب انتقلنا مرة أخرى من طنطا إىل قويسنا (سبحان اهلل‪ ،‬يف‬
‫ً‬
‫علـم فـي احلياة‬ ‫ّ‬
‫عيل أن أحيط به‬ ‫إجيابيات أثناء فرتة التجنيد‪ ،‬مما اكن يصعب‬ ‫نفس املنطقة الرملية اليت تتواجد هبا مصانعنا اآلن!)‪ ،‬مث عدنا بعد هشور ‪ -‬مرة‬
‫املدنية الروتينية العادية‪ .‬خاصة تلك اجلدية اليت تتسم هبا احلياة العسكرية‪ ،‬وتلك‬ ‫أخرى‪ -‬إىل موقعنا األول يف أملاظة‪!..‬‬
‫متزيت فهيا‪ ،‬واكنت سب ًبا يف ارتفاع لياقيت البدنية والذهنية‪ ،‬وهلل‬
‫ُ‬ ‫التدريبات اليت‬
‫امحلد‪.‬‬ ‫لقد تعملت الكثري من تلك احلرب‪ ،‬ولكن أمه ما تعملته مهنا ‪ -‬بال شك‪ -‬أن‪:‬‬
‫الصدق مث الصدق هو أساس النجاح يف لك أمور احلياة‪ ،‬وأنه أساس احرتام‬
‫وهذا بالضبط ما أشعر به لكام تذكرت خربايت الكثرية اليت مجعهتا بسبب فرتة‬ ‫اآلخرين لك‪ .‬تعملت من فرتة اخلدمة العسكرية أن أحرص عىل الهنوض رسي ًعا‬
‫أجشع أي واحد من أبناء «العريب» سواء من أبناء اجليل‬ ‫ّ‬ ‫اخلدمة العسكرية‪ .‬إنين مل‬ ‫ً‬
‫قائل‪ :‬إنـنـي حضية مؤامرة كذا‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫احلظ حني تسقط‪،‬‬ ‫بعد لك عرثة‪ ،‬فإياك من ندب‬
‫الثاين أو الثالث عىل الهتاون يف أداء اخلدمة العسكرية؛ حىت من اكنت لديه مشكالت‬ ‫وضع العراقيل يف طرييق‪ ..‬أنت املسوئل األول عن‬ ‫يتعمد‬
‫َ‬ ‫أو القول بأن أحدمه َّ‬
‫حصية تكفيه كسبب طيب للحصول عىل اإلعفاء الهنايئ‪ ،‬كنت أرى أنه من األفضل أال‬ ‫جناحك أو إخفاقك‪ ،‬وليس هذا أو ذاك‪.‬‬
‫يفصح عن تلك املشلكة‪ ،‬مادامت ال تعوقه متا ًما عن أداء اخلدمة العسكرية‪..‬‬
‫تعملت كذلك أن التخطيط والهتيئة للعمل‪ ،‬وتدريب فرق العمل التنفيذية‪ ،‬أمه‬
‫إنين عىل قناعة تامة بأن اخلدمة العسكرية تفيد الشباب يف مرحلة بناء‬ ‫ما يف مراحل تنفيذ العمل‪ .‬لذا‪ ،‬فإننا وبعد أن دخلنا جمال التصنيع ال نبخل‬
‫خشصياهتم‪ ،‬وأهنا تفيد لك من مي ّر هبا ويتحملها‪ ،‬تفيده للغاية يف حياته العملية‬ ‫عىل إنفاق املال والوقت واجلهد لتدريب أفراد فرق «العريب»‪ ،‬أثناء الرتتيب ألي‬
‫محتل املسوئلية مهام اكنت صعبة وشاقة‪..‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬أن يرتيق يف درجات ُّ‬ ‫مرشوع جديد‪..‬‬
‫إن اخلدمة يف اجليش ِّ‬
‫تعل املرء قدر وقمية احلرية‪ ،‬وتشعرك بلذة احلياة خارج‬ ‫ال ميكن أن يحجن مرشوع من دون بذل لك اجلهود املمكنة لتدريب طامق العمل‬
‫األسوار‪ ،‬خاصة حني تكون فرتة التجنيد شاقة وخشنة‪..‬‬ ‫عىل لك مراحل اإلنتاج‪..‬‬

‫‪101‬‬ ‫‪100‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫عىل تطبيقها بقدر ما نستطيع‪ ،‬مع لك من يعملون معنا‪ :‬أال يكونوا من املدخنني‪..‬‬ ‫ً‬
‫شيئ‬ ‫ً‬
‫فعل‪ ،‬تعملت أشيا َء إجيابية عديدة يف فرتة اجليش‪ ،‬ولكين لألسف تعملت‬
‫خسي ًفا للغاية‪ ،‬التصق يب لسنوات طويلة‪..‬‬
‫إنين أنظر اليوم ملن أدمن تدخني السيجارة‪ ،‬وال جيهتد لإلقالع عهنا‪ ،‬فأراه‬
‫ضعيف اهلمة‪ ،‬حمدود المطوح‪ ،‬مهام أقنع نفسه أنه غري ذلك‪ ،‬يريد أن حيل‬ ‫لقد تعملت التدخني أثناء خدميت العسكرية‪..‬‬
‫مشالكه حلظ ًّيا‪ ،‬بشعور اكذب خمادع بالنشوة والسعادة‪ ،‬بيمنا هو يفسد ما وهبه‬
‫ال أذكر كيف تناولت أول سيجارة من أحد زماليئ وأشعلهتا‪ ،‬ولكن ما أذكره‬
‫اهلل من حصة وأعضاء سلمية‪ ،‬س ُيسأل عهنا أمام اهلل عز وجل‪..‬‬
‫أهنا اكنت املالذ يل ولزماليئ من الشعور بالضيق وبطء مرور الوقت‪ ،‬وشعور‬
‫أذكر أنين رأيت ابين مدحت يدخن جسائر أثناء دراسته يف اجلامعة األمريكية‪،‬‬ ‫الوحشة وفراق األح ّبة‪..‬‬
‫فصدمت صدمة هائلة يومها‪ .‬كنت متج ًها إىل مكتيب بغرفة التجارة بباب اللوق‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لقد اسمتر التدخني يالزمين‪ ،‬حىت جاء مساء يوم (يف أوائل المثانينيات) كنت‬
‫جالسا يف سيارته يدخن أمام قرص عابدين‪ .‬حني رآين رىم السيجارة‬ ‫ً‬ ‫واكن هو‬
‫أجلس فيه عىل مكتيب يف رشكة «العريب» باملوسيك‪ ،‬وميع سيجارة بيدي‪،‬‬
‫برسعة‪ ،‬وحملت يف عينيه رع ًبا‪..‬‬
‫وعىل «طفاية» الجسائر سيجارة مشتعلة‪ ،‬وحني رأى أحد أصدقايئ التجار‬
‫يف الليل‪ ،‬ذهب مدحت مبك ًرا حلجرته ونام‪ ،‬حىت ال يواجهين بعد عوديت ً‬
‫ليل‬ ‫السيجارة اليت بيدي تاكد تنهتي (مل ي َر تلك املشتعلة يف الطفاية)‪ ،‬أعطاين‬
‫من العمل‪.‬‬ ‫سيجارة ثالثة‪ ،‬وكنا نتناقش يف أمر هام‪ ،‬فتناولهتا منه وأشعلهتا بعد أن أطفأت‬
‫اليت بيدي‪..‬‬
‫دخلت هيلع احلجرة ويف يدي علبة جسائر «رومثان»‪ .‬أيقظته من النوم‪ ،‬فقام‬
‫مفزوعا‪ ،‬فأعطيته علبة الجسائر‪ ،‬سألين‪« :‬إيه دا يا بابا؟»‪ .‬قلت له بعصبية‪« :‬مش‬
‫ً‬ ‫حني استوعبت ما قد حدث‪ ،‬قررت حلظهتا أن أتوقف عن التدخني هنائ ًيا‪..‬‬
‫انت بترشب جساير‪ ،‬خد ارشهبا‪ ،‬انشاهلل متوت! الجساير دي حامت ّوتك!»‪.‬‬
‫قبل ذلك القرار‪ ،‬اكن قد استقر يف عقيل لسنوات أنه ليس هناك ما يساعدين‬
‫تركته وخرجت وهو يف حالة من الفزع‪..‬‬ ‫عىل الرتكزي والشعور بالنشوة مثل الجسائر‪ ،‬ولكن أن أشعل عدة جسائر يف وقت‬
‫واحد! أضاء يل ذلك املوقف إشارات تنبيه وحتذيرات كثرية داخل عقيل‪..‬‬
‫كنت خائ ًفا هيلع بالفعل‪ ،‬وامحلد هلل أقلع بعدها‪ ،‬حصيح بعد فرتة‪ ،‬ولكن امحلد‬
‫هلل أنه أقلع متا ًما‪.‬‬ ‫لقد سألت نفيس يف فرتة املعاناة واملتاعب بسبب االمتناع عن التدخني‪ :‬كيف‬
‫أكون ُمقن ًعا ‪ -‬ملن يعملون ميع‪ -‬مكدير حمرتم‪ ،‬ذي خشصية قوية‪ ،‬وأنا فاشل يف‬
‫مك أرجو أن يكونَ هناك مرشوع قويم جاد حملاربة التدخني بعزم وقوة‪ ،‬ألنه‬
‫ريا له؟ البد أن‬
‫إدارة نفيس؟! أليس هذا التدخني يرض بصحيت؟ أال جيعلين أس ً‬
‫رش يرضب عصب مواردنا وطاقاتنا البرشية‪ ،‬اليت يه كزننا احلقييق يف مرص‪،‬‬
‫أقلع عنه إذن باكمل إراديت ووعيي‪.‬‬
‫يرضبه يف الصممي‪ ،‬سواء املدخنون‪ ،‬أو املساكني الذين يدخنون بشلك سليب‪،‬‬
‫باستنشاق دخان الجسائر دون ذنب مهنم‪..‬‬ ‫لقد عملت أن «النيكوتني» الذي حتتويه السيجارة هو املسوئل عن الشعور‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫املدخن‪ ،‬ولكن مقابل النيكوتني هذا هناك مائت املواد‬ ‫بالنشوة اليت تصيب‬
‫ضئيل من اخلسائر‪ ،‬مهام‬ ‫لن تعوض أرباح بيعها – أقصد الجسائر‪ -‬ولو جز ًءا‬
‫الكمييائية الضارة يف السيجارة الواحدة! مهنا ‪ 60‬مادة سامة وسيئة األثر عىل‬
‫بلغت تلك األرباح‪.‬‬
‫حصة اإلنسان متا ًما‪ .‬فأي إفساد هذا؟!‬
‫فاخلسارة يف املوارد البرشية ال تقدر بأموال األرض‪ .‬هذا عالوة عىل أن جحم‬
‫وامحلد هلل‪ ،‬يف مجموعة «العريب» اليوم‪ ،‬واحد من أمه الرشوط اليت نعمل‬

‫‪103‬‬ ‫‪102‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكن أحدنا يمكل اآلخر يف العمل ويف اخلربات‪ ،‬فقد اكن عنرت حمرت ًفا يف معله‬ ‫األموال اليت تنفقها الدولة من املوازنة العامة عىل عالج األمراض اليت يتسبب‬
‫كـمندوب مبيعات‪ ،‬يأخذ عينات من البضاعة ويدور هبا عىل التجار يف حمافظات‬ ‫التدخني فهيا تتعدى بكثري قمية األرباح اليت حتققها رشاكت الدخان‪..‬‬
‫محم ًل بروح معنوية‬
‫ّ‬ ‫مرص ليتفق معهم عىل صفقات بيع بامجللة‪ .‬أما أنا فقد كنت‬
‫فأي أرباح إذن نتحدث عهنا مقابل خسارة املجمتع لإلنسان ذاته‪ ،‬ولقدراته‬
‫عالية للغاية‪ ،‬خاصة بعد االنهتاء من اخلدمة العسكرية‪ ،‬مث إين كنت قد بلغت مرتبة‬
‫اهلائلة اليت خلقها اهلل فيه‪..‬؟!‬
‫إجادة تامة للك ما خيص البيع والرشاء عىل املستويني‪ :‬امجللة والقطايع‪ ،‬مكا‬
‫لدي أسلوب خاص يب واحض متا ًما‪ ،‬يف التعامل مع الزبائن ومع التجار‬ ‫أصبح َّ‬ ‫٭٭٭‬
‫ً‬
‫أيضا‪..‬‬ ‫عودة‪ ..‬و�صداق ــة م ــع عنـتـ ــر‬
‫بدأنا حنمل وخنطط م ًعا بأن يكون لدينا حمل خاص‪ ،‬وأن نبدأ يف شق طريقنا‬ ‫يف ‪ 1‬أغسطس من عام ‪ ،1958‬أهنيت اخلدمة العسكرية‪ ،‬وعدت للعمل يف‬
‫حنو إنشاء رشكة جتارية خاصة بنا‪ ،‬ورمغ أننا مل نكن منتلك أية أموال لتحقيق‬ ‫رشكة «النرص»‪ .‬وهذا يوم ال ُينىس هو اآلخر‪..‬‬
‫ذلك احلمل‪ ،‬فإننا خالل فرتة الزمالة الطويلة مل نتوقف عن احلديث حوله‪ ،‬وقد طرح‬ ‫لدي شعو ًرا بأمهية‬
‫اكنت السنوات الثالث اليت قضيهتا يف اجليش قد كونت َّ‬
‫ميولنا برأس املال‪ ،‬وحنن نشاركه باملجهود‪.‬‬
‫عيل فكرة أن نبحث معن ِّ‬‫ّ‬ ‫عنرت‬ ‫القوة‪ ،‬وأمهية أن ميتلك الفرد أسلحته وأدواته‪ ،‬اليت ِّ‬
‫متكنه من العمل والبذل‬
‫اكنت فكرة براقة بالنسبة يل‪ ،‬وجديدة كذلك‪ ،‬ومثلت يل القارب الوحيد الذي‬ ‫والدفاع عن وجوده ومصريه ومصري ذويه‪ .‬بدأت يف رفض فكرة االسمترار يف‬
‫سيأخذنا حنو حتقيق حملنا ومطوحاتنا الكبرية‪ .‬مل تكن مطوحات تتناسب مع‬ ‫الوظيفة الثابتة‪ ،‬اليت لن تصل يب إىل حتقيق مطوحايت الكبرية‪ ،‬ولن تساعدين‬
‫عاملـي يتقاضــى الواحد مهنام ستة جنهيات يف الهشر‪ ،‬ولكن رس‬ ‫ْ‬ ‫أحوال‬ ‫عىل أن أقدم العون واملساعدة ملن حويل ممن أحب‪ .‬نعم‪ ،‬كنت أؤدي معيل بلك‬
‫إرصارنا احلقييق اكن يمكن يف اإلميان بقدرة اهلل عز وجل‪ ،‬وبأنه هو الرزاق‬ ‫أمانة وحب مع احلاج عبد الفتاح‪ ،‬ولكن عقيل وذهين‪ ،‬ولك حوايس اكنت تبحث‬
‫الوهاب‪ ،‬وليس أح ٌد غريه‪ ،‬وأنه – سبحانه‪ -‬ال يضيع أجر من أحسن ً‬
‫معل‪..‬‬ ‫عن اليوم الذي سأترك العمل فيه معه‪ ،‬لنبدأ يف حتقيق حملنا التجاري اخلاص‪..‬‬

‫رس آخر مادي مملوس‪ ،‬وهو عالقاتنا الوثيقة القامئة عىل‬ ‫ً‬ ‫ولكن مطويح مل مينعين من إتقان معيل متاما مع احلاج عبد الفتاح‪ .‬مثال‪،‬‬
‫وأيضا اكن هناك ٌّ‬
‫الثقة واالحرتام‪ ،‬مع لك التجار واملوردين الذين نتعامل معهم يف سوق املوسيك‪..‬‬ ‫أصابتين يف تلك الفرتة محى شديدة‪ ،‬واكن احلاج عبد الفتاح يطلب مين أن‬
‫أرتاح يف البيت‪ ،‬إال أين كنت أرفض لعيمل حباجة العمل يل‪ .‬مل أكن أفعل ذلك‬
‫وأحطهتام ً‬
‫عملا بلك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شقييق دمحم وعبد اجليد يف ذلك احلمل الكبري‪،‬‬ ‫أرشكت‬ ‫ريا ًء‪ ،‬بل بالفعل كنت أحب معيل وأخلص له‪ ،‬إال أن مطوحايت اكنت تمنو أكرث‬
‫يجشعانين‪ ،‬ولكن ألننا مل نكن‬ ‫ّ‬ ‫اجلديد من اخلطوات العملية حنو تنفيذه‪ ،‬واكنا‬ ‫وأكرث لكام ازددت إخالصا وأمانة يف معيل‪ ،‬وهذه من األرسار اليت عملتين‬
‫منتلك رأس املال املطلوب‪ ،‬وألهنا مغامرة ال ندري ماذا سيكتب هلا اهلل‪ ،‬فقد آثرنا‬ ‫احلياة إياها‪ :‬لكام معلت أكرث وبذلت لعملك قدر طاقتك‪ ،‬مهام اكن صغريا‪ ،‬لكام‬
‫أن أبدأ باملغامرة– مع عنرت‪ -‬برتك العمل املستقر ذي األجر الثابت‪ ،‬وأن يسمترا‬ ‫أخبأت لك األقدار املزيد من اخلري والتوفيق والنجاح‪..‬‬
‫مها يف معلهام‪ ،‬حىت نتملس النتاجئ‪ ،‬ونرصد جناح التجربة‪..‬‬
‫من مجيل توافق األقدار أن انضم إلينا يف نفس تلك الفرتة زميل جمهتد ُيدىع‬
‫٭٭٭‬ ‫«عنرت عبد الوهاب»‪ ،‬رسعان ما توطدت بيننا أوارص الصداقة‪ ،‬خاصة مع املواظبة‬
‫يف تلك األيام‪ ،‬اكن يف مواجهة موقع رشكة «النرص» مبارشة حمل له مخسة‬ ‫عىل الصلوات م ًعا‪ ،‬وكرثة احلديث بيننا عن احلياة واملستقبل‪ ،‬وتشابه أحالمنا بأن‬
‫أبواب امسه «الربنسيس»‪ ،‬وكنت دامئ الدعاء هلل يوم ًّيا‪ ،‬حي ًنا يف الرس‪ ،‬وأحيا ًنا‬ ‫يصبح للك منا معل جتاري خاص به‪..‬‬

‫‪105‬‬ ‫‪104‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ريا يف تنفيذ ذلك عىل أرض الواقع‪ ،‬خاصة مع الظروف االقتصادية‬ ‫بدا األمر عس ً‬ ‫عديدة بصوت عالٍ ‪« :‬يا رب‪ ..‬مائة ألف جنيه وحمل الربنسيس!»‪.‬‬
‫الصعبة يف تلك الفرتة‪ ..‬ولكننا مل نفقد الثقة يف اهلل تعاىل أبدًا‪..‬‬
‫اكن احلاج «عبد الفتاح» يضحك من دعايئ املتكرر‪ ،‬ويقول يل‪« :‬يا محمود!‬
‫وكيف نفقد الثقة‪ ،‬ومن حييط بنا ً‬
‫عملا يف هذا الكون‪ ،‬هو نفسه من ميلك خزائن‬ ‫مش اليل يطلب‪ ،‬يطلب يشء معقول»‪..‬‬
‫المساوات واألرض‪ ..‬سبحانه وتعاىل‪..‬؟!‬
‫اكن يقصد أن هذا الذي أطلبه أكرث من قدرايت وأحاليم بكثري‪ ،‬فكنت أرد‬
‫٭٭٭‬ ‫هيلع– بيقني تام يف قدرة اهلل تعاىل‪« :-‬ويه خزاين ربنا لهيا حدود يا حاج؟ املهم‬
‫نسىع وماننامش يف اخلط»‪.‬‬
‫‪! 1964‬‬ ‫الطريف أنه بعد حني‪ ،‬مت عرض حمل «الربنسيس» للبيع‪ .‬اشرتاه خشص‬
‫يف عام ‪ ،1964‬أي بعد ‪ 6‬سنوات من الزمالة والصداقة العميقة مع عنرت‪،‬‬ ‫يغيون الفتات احملل إىل االمس اجلديد «حمالت‬
‫يمسى «الهشاوي»‪ ،‬وبدءوا ّ‬
‫ومع إحلاح احلمل املشرتك بيننا‪ ،‬وجدنا ضالتنا يف أخوين تاجرين من الصعيد‪،‬‬ ‫ً‬
‫ضاحك‪« :‬ها‪ ،‬أهو ما بقاش‬ ‫الهشاوي»‪ ،‬جفاءين احلاج عبد الفتاح ليسألين‬
‫اكن يرتدد أكربمها ‪ -‬وامسه محمود عباس‪ -‬عىل املوسيك ليشرتي احتياجاته‬ ‫الربنسيس‪ ،‬حاتعمل إيه بىق يا مع محمود؟!»‪ ،‬فأجبته مبزيد من الثقة وحسن‬
‫من البضاعة‪ ،‬ليعرضها يف احملل اخلاص هبام يف مدينة كوم أمبو‪ ،‬واكن حمل‬ ‫الظن باهلل‪« :‬بسيطة يا حاج‪ ،‬يا رب‪ :‬ميت ألف جنيه‪ ،‬وحمل الهشاوي!»‪..‬‬
‫«النرص» من أمه احملال اليت يأخذ مهنا بضاعته‪..‬‬ ‫ودارت الضحاكت الساخرة أكرث وأكرث‪..‬‬
‫وافق األخوان عىل متويل املرشوع‪ ،‬واملشاركة فيه مببلغ ‪ 4‬آالف جنيه‪ .‬اكن ذلك‬ ‫بعد سنوات‪ ،‬حني أكرمنا اهلل مبحل «العريب»‪ ،‬زارين احلاج عبد الفتاح – رمحه‬
‫ريا يف تلك األيام‪ .‬سبحان اهلل‪ ،‬اكنا مها ً‬
‫أيضا يبحثان جبد ّية عن‬ ‫ميثل مبل ًغا كب ً‬ ‫اهلل‪ -‬وقال يل‪« :‬طلبهتا يا محمود‪ ،‬وربنا نوهلا لك‪ ،‬آديك يا مع عندك حمل خبمس‬
‫ً‬
‫عادل‪ :‬أن يدخال معنا بالنصف‪،‬‬ ‫فرصة للتجارة يف القاهرة‪ ،‬فاكن اتفاقنا معهام‬ ‫أبواب!»‪ ..‬فقلت له‪« :‬أنا كنت عارف يا حاج إين باطلب من كرمي جواد‪ ،‬مث إين مش‬
‫حبيث يكون للك واحد منا ‪ %  25‬من األرباح‪.‬‬ ‫باطلب ده علشان أبىق غين‪ ،‬أنا لك أميل أكون سبب إين اش ّغل ناس كتري معايا»‪..‬‬
‫حمـل مناس ًبا يف املوسيك (عنوانــه‪ 3 :‬شارع جوهر القائد)‪ ،‬ليس‬ ‫ًّ‬ ‫وجدنـا‬ ‫اكن َمن حويل ال يصدقونين وأنا أطلب من اهلل بصوت ممسوع‪ ،‬اعتقدوا‬
‫ببعيد عن رشكة «النرص»‪ ،‬دفعنا فيه أليف جنيه خلو رِجل‪ ،‬لنغري عقد اإلجيار مع‬ ‫أهنا ليست أكرث من أمنيات أو أحالم من ذلك النوع الذي يمتناه بعض الناس وال‬
‫صاحب احملل‪ ،‬لنصبح حنن املستأجرين – أنا وعنرت واألخوان عباس‪ .-‬اكن هذا‬ ‫يتحركون حنوه‪ ،‬وال يبذلون اجلهد املتوايل لتحقيقه‪..‬‬
‫هو النظام السائد أيامها‪..‬‬
‫ظلت فكرة إنشاء رشكة بالتعاون مع بعض األخشاص لدهيم رأمسال ترتدد‬
‫ترك لنا األخوان لك املسائل املتعلقة بالعمل‪ ،‬اكن األخ األكرب يثق متاما‬ ‫عيل أنا وعنرت‪ ،‬ويف تلك األيام عملنا أن رشكة «الطويخ»‪ ،‬ويه إحدى الرشاكت‬ ‫ّ‬
‫يف قدرتنا عىل إدارة األمر بكفاءة‪ ،‬وهلل امحلد‪ .‬أجرينا الكثري من التجهزيات‬ ‫اليت اكن احلاج عبد الفتاح يتعامل معها‪ ،‬قد قامت مبجموعة من الرشاكء‪،‬‬
‫لكفت لكها مبلغ ‪ 500‬جنيه‪ ،‬وبعدها جلست مع رشييك‬ ‫والتعديالت عىل احملل‪ ،‬ت ّ‬
‫بعضهم لديه رأس املال‪ ،‬ومجموعة أخرى لدهيم اخلربة واجلهد يف جمال التجارة‪،‬‬
‫عنرت‪ ،‬وقلت له‪« :‬امسع بىق يا مع عنرت‪ ،‬املبلغ املتبيق دا حنطه يف اخلزنة‪ ،‬ونقفل‬ ‫وبالفعل حجنت الرشكة بذلك الفكر التعاوين الذي قام عىل التاكمل بني رأس املال‬
‫هيلع‪ ،‬ننساه خالص‪ ،‬كأنه مش موجود!»‪.‬‬ ‫واملجهود واخلربة‪..‬‬

‫‪107‬‬ ‫‪106‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ريا من تفكري‬
‫لفرتة‪ ،‬وتأخر ترصيفها‪ ،‬نبيعها دون أي مكسب‪ .‬بالطبع استفدت كث ً‬ ‫تعجب عنرت‪ ،‬وسألين عن كيفية رشاء بضاعة لملحل‪ ،‬فقلت له‪« :‬اصرب بس‪،‬‬
‫أستاذي ‪ -‬مع رزق‪ -‬صاحب احملل الصغري‪ ،‬الذي يعمتد عىل رسعة دوران رأس‬ ‫دلوقيت جه الوقت اليل حاجنين فيه مثار مسعتنا الطيبة عند لك جتار املوسيك‪،‬‬
‫املال‪ ،‬ولكن هذا األسلوب يتطلب يف املقابل مهة وبذل جهد يويم غري عادي‪..‬‬ ‫وحننىس املبلغ دا خالص»‪..‬‬
‫ريا – بعد ذلك‪ -‬من وجود سيولة معنا (مبلغ األلف ومخمسائة جنيه)‪،‬‬ ‫استفدنا كث ً‬ ‫ً‬
‫طويل‪ ،‬فقد اكن يثق ّ‬
‫يف إىل أبعد احلدود‪.‬‬ ‫مل جيادلين عنرت – رمحه اهلل‪-‬‬
‫فقد استطعنا أن نزيد من جحم ونوعية البضاعة عندنا‪ ،‬مبا اكن ُيعرض علينا من‬
‫وبالفعل وضعنا األلف ومخمسائة جنيه يف اخلزينة‪..‬‬
‫بضاعة من جتار ال يعرفوننا‪ ،‬فاكن جيب أن ُيدفع مثهنا نقدًا‪ ،‬وليس مكا احلال مع‬
‫البضاعة اليت نأخذها باآلجل من جتار املوسيك‪..‬‬ ‫اكنت فكريت ببساطة يه أن منأل احملل بلك أشاكل البضاعة حبيث جيد فيه‬
‫التجار من القاهرة ومن حبري وقبيل لك ما حيتاجونه‪ ،‬عىل أن نأخذها كأمانات‬
‫اكن افتتاح أول حمل بامس «العريب»‪ ،‬يف يوم األربعاء ‪ 15‬من هشر إبريل سنة‬
‫جربوا التعامل معنا لسنني طويلة‪ .‬اكن‬
‫من التجار الذين يثقون فينا بعد أن َّ‬
‫‪( 1964‬نفس يوم ميالدي)‪ ،‬قبل عيد األحضى بعدة أيام‪ ..‬يومها جاءنا حوايل‬ ‫ً‬
‫وجريئ لمسعتنا الطيبة بني جتار املوسيك‪..‬‬ ‫مباحا‬
‫ً‬ ‫استمثا ًرا‬
‫‪« 200‬بوكيه» ورد هدايا‪( !..‬احتفلنا يف ‪ 2019‬مبرور ‪ 55‬سنة عىل هذا اليوم‬
‫التارخيي‪ ..‬و قد بلغ عدد العاملني في العربي‪ 32 :‬ألف‪ ،‬وهلل احلمد)‪..‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬ذهبنا إىل احلاج عبد الفتاح أبو شليب‪ ،‬الذي مل يعطنا ماكفأة هناية‬
‫خدمة‪ .‬اكن عنرت قد فكر أن نشتكيه يف وقهتا‪ ،‬فرفضت ذلك‪ ،‬ونصحته بأن نصرب هيلع‬
‫اكنت مفاجأة رائعة لنا أن احملبني واألصدقاء عددمه كبري هلذه الدرجة‪ ..‬اكنت‬ ‫ألننا سنحتاج إليه بعد حني‪ ،‬فقد اكن متأثـ ًرا برتكنا العمل يف وقت واحد‪ً .‬‬
‫أيضا اكن‬
‫أغلهبا جمامالت من التجار الذين أخذنا مهنم البضاعة يف املوسيك‪ ،‬ومن التجار‬
‫الرجل دو ًما خلو ًقا مهذ ًبا يف تعامالته معنا‪ ،‬فليس من العدل أال نتغاىض له عن تلك‬
‫الذين نتعامل معهم يف خمتلف احملافظات‪..‬‬
‫اهلفوة‪ ،‬خاصة أهنا مل تكن – لألسف‪ -‬من الثقافة املعهودة لدى التجار يف املوسيك‪..‬‬
‫واألمه من ذلك‪ ،‬أكرمنا اهلل تعاىل حبصيلة بيع قياسية‪ ،‬فقد بعنا يف اليوم‬
‫ذهبت أنا إىل احلاج عبد الفتاح حبمك سنوات العمل الطويلة‪ ،‬وطلبت منه‬
‫األول بـ ‪ 1300‬جنيه‪..‬‬
‫بضاعة لملحل‪ ،‬فقال يل إنه رمغ حزنه ألننا تركناه يف نفس الوقت‪ ،‬ال يستطيع إال‬
‫ريا للغاية‪ ،‬مل نتوقعه أبدًا‪ ،‬ومل يتخيله واحد منا‪.‬‬
‫جناحا كب ً‬
‫ً‬ ‫اكن يف حقيقة األمر‬ ‫أن يعطينا ما نريد بسبب إخالصنا وأمانتنا‪..‬‬
‫مثل عىل األسعار أيامـهــا‪ً :‬‬
‫مثل‪ ،‬اكن سعر الفدان الزرايع تقري ًبا‬ ‫ألرضب ً‬ ‫سألته عن األسعار واخلصم الذي سيعطيه لنا‪ ،‬فقال‪« :‬انت عارف لك حاجة عن‬
‫هيا‪ ،‬واكن سعر مرت األرض املباين املمتزية يف وسط مدينة القاهرة ‪15‬‬‫‪ 150‬جن ً‬ ‫األسعار يا محمود‪ ،‬خد احلاجة اليل انتو حمتاجيهنا‪ ،‬وحطوا عىل السعر األصيل‬
‫هيا‪ ،‬واكنت هناك فيال معروضة للبيع يف املعادي دورين‬
‫هيا‪ ،‬ويف الديق ‪ 12‬جن ً‬
‫جن ً‬ ‫‪ % 2‬رحب»‪ .‬فقلت له‪« :‬أل‪ ،‬كفاية ‪ % 1‬بس يا حاج!‪ ،‬إذا ما كنتش انت تساعدنا يف‬
‫– يف نفس تلك الفرتة‪ -‬بسعر ‪ 9‬آالف جنيه‪.‬‬ ‫أول طريقنا‪ ،‬مني يساعدنا؟!»‪.‬‬
‫لقد بدأ العمل يسري من أول يوم بصورة ُمرضية ومجيلة متا ًما‪ ،‬وحىت لو اكن‬ ‫وبالفعل‪ ،‬بدأنا يف ملء احملل بالبضاعة من عند احلاج عبد الفتاح‪ ،‬وغريه من‬
‫ريا‪ ،‬فإن رسعة دوران رأس املال اكنت تضمن لنا املزيد من‬
‫هامش رحبنا ليس كب ً‬ ‫هيا واحدًا‪!..‬‬
‫التجار‪ ،‬دون أن ندفع جن ً‬
‫ثقة التجار‪ ،‬وكذلك ثقة امجلهور الذي جيد ما حيتاجه من البضاعة بأسعار أقل‬
‫اتفقت مع صدييق – عنرت‪ -‬أال نرحب أكرث من ‪ % 1‬يف السلع الصغرية رسيعة‬
‫من أي ماكن آخر‪..‬‬
‫احلركة (أي قرش صاغ واحد مكسب عىل اجلنيه)‪ ،‬وإذا تعطلت بضاعة عندنا‬

‫‪109‬‬ ‫‪108‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مل يقتنعا أبدًا‪ ،‬واكن إرصارمها يزداد برضورة إهناء الرشاكة مع عنرت بأية‬ ‫لقد اكنت فرحيت وفرحة عنرت – رمحه اهلل‪ -‬كبرية‪ .‬اكن شعو ًرا رائ ًعا أن‬
‫طريقة‪ ،‬وكنت أرد علهيام بأن ما حدث له ميكن أن حيدث ألي إنسان‪ ،‬وأن األرزاق‬ ‫نصادف مثل ذلك النجاح من أول يوم‪..‬‬
‫من عند اهلل‪ ،‬وأن هذا اخلري الذي يأتينا لك يوم لعله بسببه هو‪ ،‬وليس بسبب آخر‪..‬‬
‫امسا ذا رنني خاص‪ ،‬وذا‬
‫ً‬ ‫اكنت لك املؤرشات تذهب إىل أن «العريب» قد أصبح‬
‫كنت أرجو أن يفهامين‪ ،‬وأن يقدرا ظروف رشيكنا الرابع‪..‬‬ ‫قوة منافسة مؤثرة يف املوسيك‪ ،‬من أول يوم نزل فيه إىل السوق‪..‬‬
‫كررت هلام أن أ ًّيا منا ميكن أن يتعرض ملا تعرض له عنرت‪ ،‬وأننا ساعهتا‬ ‫ريا‪ ،‬فبعد يومني من افتتاح احملل شعر عنرت‬
‫ولكن لألسف‪ ،‬مل تطل فرحتنا كث ً‬
‫سنمتىن لو عاملنا اآلخرون بالرمحة وال ُعذر‪ ،‬فاأليام دُول والدائرة تدور‪ ،‬وأنه من‬ ‫باإلرهاق الشديد‪ ،‬واقرتح َّ‬
‫عيل أن نغلق احملل وكنا ال نزال يف وسط الهنار‪.‬‬
‫الرمحة أال نزيد الرجل بال ًء فوق بالئه‪ ،‬إال أهنم مل يتفهموا األمر هنائ ًّيا‪ ،‬ومل يروا‬ ‫أخوي ‪ -‬دمحم وعبد اجليد‪-‬‬
‫َّ‬ ‫عيل من الوقوف والعمل وحدي‪ ،‬خاصة أن‬ ‫ّ‬ ‫أشفق‬
‫الصورة من الزاوية اليت رأيهتا هبا‪ ،‬ومل يقبلوا وجهة نظري أبدًا‪ ،‬بل اكنوا يرون‬ ‫اكنا ال يزاالن يف وقت العمل عند «القويص»‪ ،‬فاعرتضت وطلبت منه أن يعود هو‬
‫أين «درويش» ال أفهم شيائ يف أمور اإلدارة!‪..‬‬ ‫ليسرتحي يف البيت‪ ،‬وأن أسمتر أنا يف العمل‪ ،‬حىت ينضم يل دمحم وعبد اجليد‬
‫٭٭٭‬ ‫رمحه اهلل‪..‬‬

‫اكن العمل يسري يف احملل بشلك رائع‪ ،‬حيث كنا نبيع يف اليوم الواحد بنفس‬ ‫أساسا مابتنامش من يوم‬
‫ً‬ ‫قال يل‪« :‬إزاي حاتقف لوحدك بس يا محمود‪ ،‬وانت‬
‫ارتفاعا أو‬
‫ً‬ ‫املعدل تقري ًبا الذي بعنا به يوم االفتتاح (‪ 1300‬جنيه)‪ ،‬يتحرك الرمق‬ ‫ما فتحنا؟»‪ .‬أخربته أن اهلل معنا‪ ،‬سيقويين وميدين بالطاقة‪ ،‬وأكدت له أن إغالق‬
‫ً‬
‫اخنفاضا‪ ،‬ولكن اسمتر املعدل عىل ذلك النحو‪..‬‬ ‫احملل سيكون له وقع سيئ عىل الزبائن‪..‬‬

‫وفقين اهلل تعاىل يف تلك الفرتة ألن أمعل بأقىص ما لدي من طاقة‪ ،‬واكن‬ ‫ريا‪ ،‬استجاب عنرت لرأيي‪ ،‬وعاد إىل بيته عىل أن يعود يف الصباح بعد أن‬ ‫وأخ ً‬
‫أخوي دمحم وعبد اجليد بعد انهتاء معلهام عند «القويص» للعمل ميع‪،‬‬
‫َّ‬ ‫انضامم‬ ‫يرتاح‪ ،‬ولكنه – رمحه اهلل‪ -‬مل يعد لملحل أبدًا بعد ذلك اليوم‪!..‬‬
‫يزيدين ثقة وقدرة ورغبة يف إمكال مسرية النجاح املفاجئ‪..‬‬ ‫ذهبنا إىل العديد من األطباء‪ ..‬ذهبنا إىل مستشىف «هبامن» حبلوان‪،‬‬
‫اكن يعمل ميع مساعد وأحيا ًنا اثنان من أول اليوم‪ ،‬وبعد أن ينضم لنا أخواي‬ ‫عالجا جديدًا‪ ،‬وأحيا ًنا‬
‫ً‬ ‫واملستشىف اليوناين بالعباسية‪ ،‬يف لك مرة اكنوا يعطونه‬
‫نصبح أربعة أو مخسة‪ ،‬كنا نقوم بعمل عرشة رجال لك يوم‪ ،‬من جرد لملحل‪،‬‬ ‫يعطونه جلسات كهربية‪ ،‬ويطلبون مزيدًا من األشعة والتحاليل‪ ،‬دون أي حتسن‬
‫رصها يف أماكهنا استعدادًا‬ ‫ُّ‬
‫وتسل البضاعة اجلديدة وتزنيلها من الشاحنات‪ ،‬مث ّ‬ ‫ودون حتديد حقيقة املرض‪..‬‬
‫لليوم التايل‪ ،‬وتنظيف احملل يف آخر اليوم قبل أن نغلقه‪ ،‬يك يكون عىل أمكل‬ ‫ّ‬
‫عيل أن ُنرج عنرت من الرشكة‪ .‬اكنت‬ ‫يلحان‬
‫خالل هاتني السنتني اكن رشياكنا ّ‬
‫وأمت استعداد الستقبال الزبائن مبجرد فتح أبوابه يف الصباح الباكر‪.‬‬ ‫وجهة نظرمها أنه مل يعد يعمل‪ ،‬وأين أمعل مبفردي‪ ،‬فظال يقنعانين أن ذلك ليس‬
‫ويف يوم حزين‪ ،‬بعد سنتني من بدء الرشكة‪ ،‬مات عنرت – رمحة اهلل هيلع‪ -‬بعد‬ ‫بعدل‪ ،‬وأن خروجه من الرشكة أمر حيمت‪..‬‬
‫رصاع شديد مع املرض‪.‬‬ ‫أخوي – دمحم وعبد اجليد‪ -‬يأتيان ليساعداين بعد انهتاء معلهام‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫ذكرهتام بأن‬
‫عيل‪ ،‬خاصة وأنا أختيل ظروف أوالده وزوجته‪ ،‬وحزهنم‬ ‫ّ‬ ‫اكنت صدمة قاسية‬ ‫عند القويص‪ ،‬وأن أمور العمل تسري بأمر جيد ج ّدًا‪ ،‬وسيعيننا اهلل تعاىل بسبب‬
‫العميق بفقدمه رجل البيت الطيب النيق‪ ،‬إال أنين تذكرت ما عملنا إياه ديننـا‬ ‫صربنا عىل هذا الرجل املُبتىل‪.‬‬

‫‪111‬‬ ‫‪110‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ِ‬
‫ميض إال أسبوع واحد تقري ًبا بعد وفاة عنرت‪ ،‬حىت فوجئت ذات ليلة مبا‬ ‫الرشكة؛ فمل‬ ‫العظمي‪ ،‬فقلت يف نفيس‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬اللهم آجرنا يف مصيبتنا‬
‫مل أتوقعه هنائ ًّيا‪ .‬كنت أقف يف احملل وحدي‪ ،‬واكن لملحل بابان‪ ،‬باب أمايم رئييس‪،‬‬ ‫ريا مهنا‪.‬‬
‫واخلفنا خ ً‬
‫وآخر صغري خليف‪ ،‬فإذا حبوايل عرشة رجال يباغتونين‪ ،‬مهنم األخوان عباس‪!..‬‬ ‫ّ‬
‫عيل‬ ‫فوجئت قبل أن نفعل أي يشء خبصوص الدفن‪ ،‬بأحد الرشيكني يقبل‬
‫مسدسا حنوي‪ ،‬وتقدم رجالن يف حماولة لإلمساك يب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫صوب محمود عباس‬‫َّ‬ ‫يف هلفة‪ ،‬ليسألين معا سنفعله! ظننته يسألين عن إجراءات الدفن وتليق العزاء‬
‫ويف حلظة اكن قراري بعدم االستسالم والدفاع عن نفيس أ ًّيا اكنت النتاجئ‪..‬‬ ‫يف عنرت‪ ،‬واالمطئنان عىل أرسته املسكينة‪ ،‬فإذا به يقصد السؤال عن الرشكة‬
‫ومصريها فقط‪ ،‬ومل يذكر مصيبة عنرت بلكمة‪!..‬‬
‫قبل أن هيامجوين‪ ،‬كنت أمسك يف يدي مبطواة أقطع هبا أربطة لف البضائع‪،‬‬
‫فهشرهتا يف وجوههم حبزم (وهذه اكنت املرة األوىل واألخرية اليت أفعل فهيا‬ ‫تعجبت أن أمر وفاة عنرت مل هيز شعرة فيه‪!..‬‬
‫مثل ذلك)‪ ،‬وحصت فهيم‪« :‬اليل حيق ّرب مين‪ ،‬حارضبه باملطواة دي‪ ،‬وأحتدامك لو‬ ‫حتدثت إليه حبزم‪ ،‬أنين سأنهتي ً‬
‫أول من لك إجراءات تكرمي ذلك الرجل الطيب‬
‫قدرتوا تستعملوا املسدس‪.»..‬‬
‫بدفنه‪ ،‬مث لرنى ماذا سيكون؟! فمل ينطق بلكمة‪..‬‬
‫برسعة جعيبة‪ ،‬وثبات مل أعرف كيف حصل‪ ،‬اكنت يدي عىل اهلاتف؛ وفوجوئا‬
‫ومل حيرض أي من األخوين للصالة عىل عنرت‪ ،‬وال دفنه‪!..‬‬
‫مجي ًعا أين قد طلبت رشطة النجدة بالفعل‪ ،‬وأخربهتم بالورطة اليت أواجهها‪!..‬‬
‫بعد يومني من وفاة عنرت‪ ،‬جردنا احملل والبضاعة‪ ،‬فوجدنا أننا قد رحبنا ‪14‬‬
‫يف تلك اللحظات العصيبة‪ ،‬وبعد أن َعلَت األصوات‪ ،‬أرسع الكثري من اجلريان‬
‫ألف جنيه خالل هاتني السنتني‪ ،‬بعد لك املرصوفات وسداد حقوق التجار‪ ..‬أي أن‬
‫ومجتعوا يف احملل‪ .‬اكن بعضهم يعرف حقيقة رغبة الرشيكني يف اإلرضار‬
‫نصيب لك واحد منا حنن األربعة اكن ثالثة آالف جنيه ونصف األلف‪..‬‬
‫صف‪ .‬وخاف املهامجون من أنصار األخوين‬ ‫ّ‬ ‫حبقوق أبناء عنرت‪ ،‬فوقفوا يف‬
‫عباس‪ ،‬وأرسعوا يف اهلرب قبل وصول الرشطة‪ ،‬ومل يبق باحملل غريمها ومعهام‬ ‫اكن ميكن أن نسمتر عىل نفس االتفاق‪ ،‬بأن جنعل ورثة عنرت رشاكء معنا ً‬
‫بدل‬
‫زوج أخهتام‪.‬‬ ‫منه – رمحة اهلل هيلع‪ -‬ويسري املركب مكا اكن بربكة اهلل تعاىل‪ ،‬ولكن األخوين‬
‫عباس اسمترا عىل مطعهام يف نصيب اليتاىم وأمهم األرملة‪ ،‬وبدءا يسعيان‬
‫مل أكن يو ًما ما معتادًا عىل التشاجر؛ لذا ال أدري من أين واتتين لك تلك‬
‫ليفضا الرشكة هنائ ًّيا‪ ،‬ولو بالقوة‪!..‬‬
‫للرش َّ‬
‫الجشاعة‪ ،‬وكأين ممت ّرس عىل املسألة؟! إال أنه تثبيت اهلل عز وجل‪.‬‬
‫راح األخوان يذكران للجميع أن رأس املال الذي وضعاه يف الرشكة هو السبب‬
‫كنت عىل استعداد أن أدافع عن نفيس‪ ،‬وعن حيق وحق اليتاىم‪ ،‬ولو أدى‬ ‫ً‬
‫ريا ما كنت أهسر ألمعل يف‬‫شيئ! نسيا أين كث ً‬ ‫يف ذلك النجاح‪ ،‬وأننا مل نفعل‬
‫ذلك ملويت‪ !..‬لقد زادتين هذه الواقعة ثقة يف اهلل تعاىل‪ ،‬ويف حسن ظين به –‬
‫صباحا‪ .‬نسيا أن عالقايت احلسنة بلك التجار الذين كنا‬
‫ً‬ ‫احملل حىت الثالثة‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫نتعامل معهم‪ ،‬وأن مسعتنا الطيبة يف املوسيك‪ ،‬وقبل لك هذا توفيق اهلل عز‬
‫أرسعت بغلق احملل يف محاية اجلريان‪ ،‬وملا وصلت قوات الرشطة وضعوا‬ ‫وجل ملن خيشاه ويتاجر معه قبل أن يتاجر مع الناس‪ .‬لك ذلك اكن من األسباب‬
‫المشع األمحر عىل الباب‪ ،‬وأعطيت الضابط مفاتيح احملل‪ ،‬فأخذها ووضعها يف‬ ‫الرئيسية يف ذلك النجاح‪ .‬ال أغفل أمهية رأس املال‪ ،‬ولكن هل ينفع املال وحده‬
‫خزينة القسم‪ ،‬وهناك مت حترير حمرض‪ ،‬مث مت حتويله إىل النيابة يف صباح اليوم‬ ‫يف إقامة مرشوع ناحج‪..‬؟!‬
‫التايل‪.‬‬
‫لألسف‪ ،‬اتفق األخوان عباس مع بعض األشقياء عىل استخدام العنف يف ّ‬
‫فض‬

‫‪113‬‬ ‫‪112‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫امس الهشرة لـ «العريب»‪ ،‬املعروف يف املوسيك‪ ،‬وقد اكن وضع ذلك االمس عىل‬ ‫يف النيابة‪ ،‬رشحت القصة اكملة أمام وكيل النيابة‪ .‬اكن قرار وكيل النيابة‪ :‬يمت‬
‫واجهة احملل هو السبب املبارش يف النجاح الكبري خالل السنتني‪ .‬وأضاف‪:‬‬ ‫تسلمي احملل حملمود العريب‪ ،‬ويؤخذ تعهد عىل الرشيكني عباس بعدم التعرض‬
‫«حصيح أن األخوين مها أحصاب رأس املال‪ ،‬لكن امس «العريب» هو الذي يرتدد‬ ‫له هنائ ًّيا‪ ،‬وعىل املترضر اللجوء للقضاء‪.‬‬
‫يف السوق‪ ،‬وهو الذي ترجع إليه ثقة العمالء‪ ،‬وإليه تعود أسباب النجاح»‪ ..‬وأكد‬
‫تسملت املفاتيح وذهبت إىل احملل‪ ،‬وأرسعت ببيع لك البضاعة املوجودة يف‬
‫ً‬
‫وأيضا بعد‬ ‫القايض أن من حيفظ حقوق الرشيك املريض الغائب هلذه الدرجة‪،‬‬
‫احملل‪ ،‬وسداد لك ما علينا من الزتامات متبقية‪ .‬وامتنعت عن رشاء أي بضاعة‬
‫مماته‪ ،‬ألمني بشلك اكمل عىل حفظ حقوق رشاكئه‪.‬‬
‫جديدة‪.‬‬
‫٭٭٭‬ ‫٭٭٭‬
‫مـح ـ ـ ــالن‪!..‬‬
‫أثناء ذلك‪ ،‬قام الرشياكن برفع دعوى حراسة ضدي‪..‬‬
‫ً‬
‫معروضا للبيع‬ ‫ىف بدايات عام ‪ 1967‬اكن هناك حمل آخر – أكرب من األول‪-‬‬
‫عىل بعد بسيط من احملل األول‪ ،‬اكن صاحبه هيود ًّيا امسه «إشعيا إبراهمي‬ ‫مع اقرتاب موعد جلسة احلراسة كنت قد سددت ديون معظم الدائنني من‬
‫جالبوه»‪ ،‬والذي مجعتنا به قصة طويلة سيأيت ذكرها‪..‬‬ ‫ً‬
‫وأيضا تبقت بعض البضاعة‬ ‫أحصاب البضائع‪ ،‬إال أنه تبقت بعض الديون علينا‪،‬‬
‫يف احملل‪..‬‬
‫لقد حان الوقت لنبدأ أنا وأخواي‪ ،‬ومعنا أبناء احلاج عنرت ال ُق َّص‪..‬‬
‫حمايم اخلاص‪ ،‬واكن معهم حمام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ذهبت إىل اجللسة‪ ،‬وميع‬
‫وضعت لك ما رحبته من العمل خالل السنتني األخريتني‪ ،‬وما رحبه أبناء عنرت‪،‬‬
‫إىل جانب بعض األموال اليت مجعناها ‪ -‬أنا وأخواي‪ -‬من بعض التجار‪ ،‬الذين‬ ‫نصحين احملاىم بأال أتلكم‪ ،!..‬ولكين وجدت حمامهيم لب ًقا وبلي ًغا ومقن ًعا‪،‬‬
‫محتسوا لتشغيلها معنا‪ ،‬بعد ما رأوه من جناح وتوفيق من اهلل يف رشكة «العريب»‬ ‫بيمنا احملايم اخلاص يب يتلعمث يف حديثه‪ ،‬فقررت عدم االسمترار يف الصمت‪..‬‬
‫األوىل (هنا البد من إيضاح‪ :‬فبسبب القضية مع األخوين عباس‪ ،‬واليت اشهترت‬ ‫قلت‪ :‬ياسيادة القايض‪ ،‬تحمس يل أتلكم‪ ،‬وسأهشد باحلق‪ ..‬ومسح يل‬
‫تفاصيلها عىل املأل‪ ،‬عمل لك جتار املوسيك بتفاصيل أرباحنا الضخمة اليت حتققت‬
‫قصصت عىل هيئة احملمكة لك التفاصيل بصدق من البداية حىت الهناية‪..‬‬
‫سنيت الرشاكة‪ ،‬بفضل اهلل تعاىل‪ ،‬فتسبب ذلك يف هشرة امس «العريب»‬ ‫ّ‬ ‫خالل‬
‫أرباحا سنوية حسب نسبة‬‫ً‬ ‫أكرث وأكرث)‪ ،‬واكن االتفاق مع أولئك التجار أن يأخذوا‬ ‫قلت للقايض إنين كنت أستطيع أن أجاري األخوين‪ ،‬وأتغافل عن حقوق ذلك‬
‫ما دفعوه‪ ،‬وحبسب ما حنققه من أرباح‪ ،‬دون الدخول يف الرشكة ذاهتا‪..‬‬ ‫املسكني وحقوق أبنائه وزوجته‪ ،‬ولكن أين سأذهب من رب العباد إن أنا فعلت‬
‫ذلك؟!‬
‫وهكذا أصبح عندنا ‪ -‬بفضل اهلل‪ -‬رأس مال يكيف الفتتاح املرشوع اخلاص‬
‫بنا‪ ،‬ليعود امس «العريب» عىل الفتة حمل جديد‪ ،‬وكعالمة جتارية لرشكة جديدة‪..‬‬ ‫وبعد أن انهتيت من القصة بمتامها ناولت القايض مفاتيح احملل‪ ،‬وأضفت‪:‬‬
‫«ويف اآلخر‪ ،‬آدي مفاتيح الرشكة‪ ،‬واحمك سيادتك باليل تشوفه‪.»..‬‬
‫فاشرتينا حمل جالبوه‪ ،‬وكتبناه بامس دمحم وعبد اجليد العريب‪..‬‬
‫حارسا عىل احملل‪.‬‬
‫ً‬ ‫وحمكت احملمكة بتعيني «محمود العريب»‬
‫هبمة يف جتهزي احملل لالفتتاح‪ ،‬بنفس أسلوب العمل الذي حجننا به من‬
‫بدأنا ّ‬
‫قبل‪..‬‬ ‫قال القايض يف أسباب احلمك إن الرشكة قد أخذت جناحها وهشرهتا من‬

‫‪115‬‬ ‫‪114‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وافقت‪ ،‬وسألين احلاج عبد الفتاح عن وضع األوالد ال ُق ّ‬


‫ـص‪ ،‬فأخربته أين قد‬ ‫ّ‬
‫شقييق‬ ‫هنا اعرتض حمايم األخوين عباس‪ ،‬ورفع دعوى وقال يف احملمكة إن‬
‫وسنغي عقد‬
‫ّ‬ ‫نقلت حصهتم عندي‪ ،‬وسأعطهيم مايفيد ذلك من املجلس احلسيب‪،‬‬ ‫ال يستطيعان فتح حمل خاص هبام‪ ،‬وأثبت من خالل هشادة القويص (الذي اكن‬
‫الرشكة والجسل التجاري‪ ،‬فاحملل بالبضاعة اآلن ملك لألخوين عباس وحدمها‪.‬‬ ‫دمحم وعبد اجليد يعمالن لديه)‪ ،‬أهنام يتقاضيان رات ًبا ال يكيف لرشاء حمل كهذا‪..‬‬
‫قال احلاج عبد الفتاح‪« :‬كدا متام‪ ،‬إمىت نكتب الكالم ده؟»‪ .‬قلت‪« :‬يوم األربع‬ ‫قال احملايم‪« :‬محمود العريب هو صاحب احملل‪ ،‬وقد كتبه بامس أخويه من‬
‫اجلاي‪ ،‬إن شاء اهلل»‪..‬‬ ‫قبيل التضليل‪ ،‬مما يتوجب حسب احلراسة منه»‪ ..‬وسألين القايض‪« :‬هل فتح‬
‫ًّ‬
‫حمل إىل جوارك؟!»‪ .‬قلت‪« :‬نعم‪ ،‬وبيننا ‪ 200‬مرت بس‪ ،‬وأنا عايز أختلص‬ ‫أخواك‬
‫وجاء يوم األربعاء‪ ،‬وفوجئنا مجي ًعا باألخوين يسأالنين – يف وجود احلاج‬
‫من الرشاكة دي‪ ،‬واشتغل مع إخويت»‪..‬‬
‫عبد الفتاح‪ ،‬ومه يف حالة واحضة من الضيق‪« :‬انت مش عايز تشرتي احملل يا‬
‫محمود؟!»‪ .‬قلت‪« :‬لألسف‪ ،‬ما عنديش أي فلوس علشان أشرتيه‪ ،‬أنا حطيت لك‬ ‫حمك القايض بحسب احلراسة مين‪ ،‬ووضعها مع األخوين عباس‪..‬‬
‫اليل عندي يف احملل اجلديد»‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫املرض‪« :‬مش هتعمل‬ ‫إيل ليستملا مفاتيح احملل‪ ،‬قال يل‬ ‫حني جاءا‬
‫أخذين احلاج عبد الفتاح بعيدًا عهنام‪ ،‬ومهس يل‪« :‬وليه ما تشرتيش؟ دا حمل‬ ‫استشاكل؟»‪ ..‬قلت‪ :‬أل‪ ،‬بل سأسملهم احملل‪ ،‬وهذا هو كشف البضاعة‪ ،‬وليس‬
‫ّ‬
‫عيل احلاج عبد الفتاح‬ ‫هايل‪ ،‬ولكه بركة»‪ .‬قلت‪« :‬ماعنديش فلوس يا حاج!»‪ .‬رد‬ ‫علينا ديون‪ ،‬بل لنا ديون عند فالن وفالن بإمجايل مبلغ ‪ 700‬جنيه‪.‬‬
‫هامسا‪« :‬عايز وقت قد إيه مكهلة؟ ادفع بالتقسيط يا أيخ‪ ،‬أنا متأكد أهنم مش‬
‫ً‬ ‫فوجئت باألخوين يسأالنين بصوت مرتعش ونظرات منكرسة‪« :‬مش حا تقف‬
‫حميانعوا»‪ ..‬قلت له‪ :‬أحتاج لسنة عىل األقل‪..‬‬
‫معانا يا محمود‪..‬؟؟»‪ .‬فقلت‪« :‬مافيش تعامل بيين وبينمك بعد الهنارده‪ ..‬أبدًا»‪ .‬مل‬
‫قال احلاج عبد الفتاح للرشيكني‪ :‬اعطوه احملل‪ ،‬وخذوا منه مكبياالت عىل سنة‪،‬‬ ‫يكن لدهيام أية خربات عن أرسار العمل يف املوسيك‪..‬‬
‫وسأعطيمك هبا بضاعة‪.‬‬
‫بعد ذلك ذهب األخوان عباس إىل احلاج عبد الفتاح أبو شليب‪ ،‬وطلبا منه أن‬
‫وبالفعل‪ ،‬وقعت عىل ‪ 12‬مكبيالة وأعطيهتا للحاج عبد الفتاح‪ ،‬وأخذوا مه هبا‬ ‫ريا‪ ،‬فذهبت إليه يف احلال‪ ،‬وبعد‬ ‫يتوسط بيننا‪ ،‬فأرسل ّ‬
‫إيل الرجل الذي أحرتمه كث ً‬
‫بضاعة‪ ،‬وأخذنا نسدد للحاج عبد الفتاح لك هشر‪ ،‬حىت أهنينا الدين لكه يف وقته‪،‬‬ ‫ترحيب وهتنئة باحملل اجلديد‪ ،‬وتذكريه يل مبا كنت أردده حول حمل «الربنسيس»‪،‬‬
‫وهلل امحلد واملنّة‪..‬‬ ‫مث قال يل‪ :‬أنا أعرف أنك ال تكذب يا محمود‪ .!..‬قلت له‪ :‬امحلد هلل يا حاج‪.‬‬
‫لقد اكن للحاج عبد الفتاح – رمحه اهلل تعاىل‪ -‬دور كبري يف إهناء تلك اخلصومة‪.‬‬ ‫وتابع احلاج عبد الفتاح‪ :‬ما هو املوقف اآلن برصاحة تامة؟‬
‫مل أنس لذلك الرجل فضله حىت اليوم‪..‬‬ ‫ً‬
‫شيئ حرا ًما‪ ،‬ال عىل نفيس وال عىل‬ ‫قلت‪ :‬احملل مبا فيه من حقهم‪ ،‬أنا ال أقبل‬
‫أوالدي‪ ،‬وال عىل األوالد اليتاىم الذين تركهم زمييل عنرت‪ .‬فقال يل‪« :‬أنا أحمك يا‬
‫ويف هناية األمر‪ ،‬وبعد لك هذه الرشاكة اليت امتألت باجلهد‪ ..‬والعرق‪ ..‬والفرح‪..‬‬
‫محمود‪ ،‬ترىض؟»‪ .‬قلت‪« :‬طبعا‪ ،‬حمكك عىل رقبيت يا حاج»‪.‬‬
‫والنجاح‪ ..‬مث‪ ..‬املرض‪ ..‬والمطع‪ ..‬واملوت‪ ..‬واحلزن‪ ..‬واخلوف‪ ..‬والرجاء‪ ..‬بعد لك هذه‬
‫األحداث املتعاقبة‪ ،‬إذا يب أمتلك – مع أخويّ وأبناء عنرت– حملني‪ ،‬وليس ًّ‬
‫حمل واحدًا!‪..‬‬ ‫حمك احلاج عبد الفتاح أن أعطهيام ‪ 500‬جنيه باإلضافة إىل حقهام‪ ،‬مقابل أن‬
‫٭٭٭‬ ‫ّ‬
‫تنفض الرشكة يف سالم‪ ،‬دون مزيد من املشكالت‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫‪116‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫نفس مااكن حيدث من بركة يف الرزق وحركة رسيعة لدورة رأس املال أثناء‬ ‫بقيت حصة األوالد ال ُق ّص ميع (مه أربعة من البنني)‪ ،‬اكن عنرت – رمحه‬
‫رشاكيت لملرحوم عنرت واألخوين عباس‪ ،‬رأيناه حيدث يف احمللني – وامحلد هلل‬ ‫َ‬
‫مبالغ متفرقة أثناء املرض‪ ،‬وما بيق هلم يف الرشكة القدمية اكن‬ ‫اهلل‪ -‬قد حسب‬
‫‪ -‬باإلضافة الكتسابنا ثقة لك من يتعامل معنا‪ ،‬وهذه الثقة يف عامل التجارة أمه‬ ‫تقري ًبا ‪ 1300‬جنيه‪.‬‬
‫من املال بكثري‪ ،‬ألهنا ال ُتعوض أبدًا‪ ،‬أما املال فميكن تعويضه بهسولة‪..‬‬
‫بعدما أهنوا تعلميهم مجي ًعا‪ ،‬قالوا يل نريد حقنا يف الرشكة وسنخرج مهنا‪،‬‬
‫بعد أن فتح اهلل علينا أبواب الرزق‪ ،‬بدأنا نفكر يف توسعة العمل أفق ًّيا‪..‬‬ ‫ً‬
‫حمكا من‬ ‫فقلت هلم‪ :‬تعالوا جنلس جلسة تصفية‪ ،‬وهاتوا معمك من ترضونه‬
‫أقاربمك‪..‬‬
‫اتفقت مع أيخ عبد اجليد أن يسافر يف رحلة للصعيد لتسويق بضاعتنا هناك‪،‬‬
‫وكذلك للتعاقد مع التجار عىل رشاء ما نعرضه من سلع ومنتجات‪ ،‬خاصة من‬ ‫اكنوا قد حسبوا حىت ذلك احلني مبل ًغا كب ً‬
‫ريا‪ ،‬واكنت لك تفاصيل احلسابات‬
‫األدوات الكتابية واخلردوات ولعب األطفال‪.‬‬ ‫مد ّونة‪.‬‬
‫بعد أيام قليلة من سفر عبد اجليد‪ ،‬فوجئنا هبجوم مسمتر عىل احملل من جتار‬ ‫عقدنا جلسة تسوية وتصفية يف هدوء‪ ،‬وأوحضت للحضور لك تفاصيل‬
‫الصعيد‪ .‬أعداد كبرية يتوافدون علينا لك يوم من مدن الصعيد املختلفة؛ بسبب‬ ‫احلسابات‪ ،‬وعرضت حقوق لك واحد من األبناء‪ ،‬وكيف أهنم أخذوا حقهم اكمال‬
‫احلركة الدءوبة لعبد اجليد هناك‪ .‬لقد اكن – رمحه اهلل‪ -‬يف غاية النشاط‪ ،‬يتقن أي‬ ‫ريا‪ ،-‬ولكن حمكاء املجلس طلبوا مين أن أدفع‬ ‫– والفضل هلل تعاىل ً‬
‫أول وأخ ً‬
‫معل يقوم به‪ ،‬وكذلك اكنت خشصيته الرقيقة الودودة جتعل الناس تألفه برسعة‪.‬‬ ‫خاصا‬
‫ًّ‬ ‫مرشوعا‬
‫ً‬ ‫‪ 30.000‬جنيه للك واحد مهنم فوق ما أخذوا‪ ،‬يك يبدأ لك مهنم‬
‫به‪ ،‬فوافقت وأديت هلم ما حمكوا به‪.‬‬
‫مل يكن عبد اجليد حيب تضييع األوقات فميا اليفيد‪ ،‬ولقد وصل توفيق اهلل‬
‫بعبد اجليد أنه أصبح يتعاقد مع بعض جتار الصعيد‪ ،‬أو يتحدث ويعرض منتجاتنا‬ ‫مل يكن أبناء عنرت – رمحه اهلل‪ -‬يعملون ما ستوئل إليه أوضاع «العريب» مع‬
‫للبعض اآلخر‪ ،‬حىت وهو يف القطار مساف ًرا عرب مدن الصعيد الكثرية‪!..‬‬ ‫خيمن أننا سنتجه للتصنيع‪ ،‬وبرشاكة مع واحدة من أكرب‬ ‫ّ‬ ‫مرور السنني‪ ،‬مفن اكن‬
‫الرشاكت الصناعية والتجارية يف العامل؟! بالطبع لو عمل أبناء عنرت الغيب ما‬
‫يف أحد االتصاالت التليفونية بيننا‪ ،‬اكن يمطنئ عىل األحوال‪ ،‬فوجئ عبد اجليد‬
‫يرصف األمور يف‬‫ّ‬ ‫خرجوا من الرشكة‪ .‬ولكن ال يعمل الغيب إال عالم الغيوب‪ ،‬الذي‬
‫يب أرجوه أن يعود للقاهرة‪ ،‬وأن يكتيف مبا مت من اتفاقات‪ .‬حصت يف اهلاتف‪:‬‬
‫الكون حبمكة ال يعملها إال هو‪ ،‬ومبشيئة ال يتدخل فهيا اكئن من اكن إال بإرادته‬
‫«ارجع يا عبد اجليد‪ ،‬كفاية كده‪ ،‬امحلد هلل»‪..‬‬
‫– سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫سبحان اهلل الوهاب الرزاق‪.‬‬
‫٭٭٭‬
‫وبالفعل‪ ،‬بعد تلك املاكملة‪ ،‬عاد أيخ عبد اجليد يف أول قطار نازل إىل القاهرة‪..‬‬ ‫وبعد أن أصبح لدينا حمالن بامس «العريب»‪ ،‬اكن من الطبييع أن يسمتر‬
‫أيضا أنه يف أحد تلك األيام – يف بداية العام الدرايس‪ -‬ضاق احملل‬ ‫ً‬ ‫أتذكر‬ ‫أخوي‪ -‬ألقىص درجة‪ ،‬مكا كنا نفعل‬
‫ّ‬ ‫الزتامنا بالعمل اجلاد‪ ،‬واالجهتاد فيه – مع‬
‫الصغري (‪ 3‬شارع جوهر القائد) بالزبائن‪ ،‬ومل نستطع التحمك يف األمور‪ ،‬ومل نعد‬ ‫وحنن نعمل لدى اآلخرين‪ ،‬بل وأكرث‪ .‬كنا لك يوم نفتح احمللني للجمهور من‬
‫نستطيع السيطرة عىل املاكن الذي تكدس متا ًما مبن فيه‪ ،‬فطلبت بوليس النجدة‪،‬‬ ‫صباحا وحىت العارشة ً‬
‫ليل تقري ًبا‪ .‬كنا منلؤمها بالبضاعة يف الصباح‬ ‫ً‬ ‫التاسعة‬
‫الذي جاء برسعة وساعدنا يف إخالء املاكن‪ ،‬قبل أن حيدث ما ال محتد عقباه‪.‬‬ ‫الباكر قبل فتح األبواب للجمهور‪ ،‬وال نغلقهام إال يف العارشة ً‬
‫ليل‪..‬‬

‫‪119‬‬ ‫‪118‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫يف أوائل األربعينيات من الهيود‪ ،‬بيمنا اكن التجار املرصيون الكبار قليلني‪ ،‬أذكر‬ ‫لقد اكن هذا اإلقبال عىل بضاعتنا‪ ،‬وعىل السلع املختلفة اليت لدينا‪ ،‬اكن ذلك‬
‫مهنم احلاج عبد العزيز الديب‪ ،‬ويوسف عز‪ ،‬وحسن الطويخ‪..‬‬ ‫يثري جعب الناس من حولنا‪ ،‬وجيلب الكثري من تساؤالهتم‪ ،‬ومل تكن هناك إجابة‬
‫سوى‪ :‬إنه الرزاق الوهاب‪ ..‬مث السيع الدامئ للرزق احلالل الطيب‪.‬‬
‫واكن غالب الهيود يف مرص يعملون يف التجارة أو البنوك وأمعال الرصافة أو‬
‫يف جمال الفن‪ .‬وقد اصطبغ هيود مرص بصبغة الخشصية املرصية إىل حد كبري‪،‬‬ ‫اكن معنا رفيق دربنا «دمحم العوين» وعدد قليل من العامل واملساعدين‪ ،‬اكن‬
‫واكن هلم – كذلك‪ -‬تأثري يف املرصيني‪..‬‬ ‫امجليع يعمل بلك مهة‪ ،‬وبلك حب‪ .‬مل يكن يشكو أي واحد مهنم من كرثة العمل‪،‬‬
‫فقد اكنت الفرحة بربكة اهلل اليت متأل املاكن تنسينا مجي ًعا لك اجلهد‪.‬‬
‫أذكر يف فرتة ما بعد حرب ‪ 67‬أن بعض املرصيني اكن يعيط عددًا من الصبية‬
‫للك واحد «تعريفة» – أي نصف قرش‪ -‬ليسريوا خلف أحد الهيود يف املوسيك‬ ‫رص البضاعة‪ ،‬فاملعروضات األكرث حركة وطل ًبا من‬ ‫اكن لنا نظام نتبعه يف ِّ‬
‫وينادوا بصوت عال وكأهنا «زفة»‪« :‬الهيودي اهو‪ ..‬الهيودي اهو!»‪ .‬اكن ذلك‬ ‫امجلهور‪ ،‬كنا نضعها قريبة من متناول أيدينا‪ ،‬واألخرى أعىل مهنا‪ ..‬وهكذا كنا‬
‫يزجعهم للغاية‪ ،‬حىت اكن يوم مجع فيه أحد أولئك الهيود لك الصبية‪ ،‬واتفق‬ ‫ضي ْع ذلك اجلهد‪..‬‬
‫ريا يف معلنا‪ ،‬وامحلد هلل أن اهلل تعاىل مل ُي ِّ‬
‫نبذل جهدًا كب ً‬
‫ً‬
‫اكمـل لينادوا بنفس النداء‪ .‬فرح الصغار بطبيعة‬ ‫ً‬
‫قرشا‬ ‫معهم أن يعيط للك واحد‬
‫أيضا (جز ًءا من اليوم فقط) يف إعادة تنظيف املاكن‬ ‫ً‬ ‫كنا نعمل أيام األحد‬
‫احلال‪ ،‬وتعجب املرصيون من ذلك الهيودي‪ ،‬ولكهنم ‪ -‬عىل لك حال‪ -‬توقفوا عن‬
‫وتوضيب األرفف‪ .‬إننا حقيقة مدينون للك من معل معنا يف «العريب»‪ ،‬خاصة من‬
‫الدفع لألطفال طاملا حتقق اهلدف بال نفقات!‪ ،‬واسمتر األمر هكذا لفرتة‪ .‬مث قرر‬ ‫ً‬
‫وأيضا لزمالئنا من جتار املوسيك‪ ،‬وغريمه‬ ‫بدءوا معنا العمل يف بدايات الرشكة‪.‬‬
‫الهيودي أن ينقص القرش إىل تعريفة فقبل األوالد وظلوا عىل هتافهم‪ .‬مث عاد‬
‫من جتار مرص الرشفاء‪ .‬مدينون هلم بالكثري‪ ،‬مبا ال يقدر بمثن جفزامه اهلل عنّا‬
‫وقرر بعد أيام أن ينقصه إىل نصف تعريفة!‪ ،‬فرفض األوالد وأعلنوا احتجاجهم‪،‬‬
‫لك خري‪.‬‬
‫ولكهنم اسمتروا يف اللعبة ألن املرصيني رفضوا أن يعودوا للدفع هلم‪ .‬وهنا أهنى‬
‫الهيودي لعبته الذكية وتوقف متا ًما عن الدفع لألوالد الصغار‪ ،‬بعد أن تأكد أن‬ ‫٭٭٭‬
‫املرصيني لن يعاودوا اإلنفاق عىل هذه «الزفة»‪ ،‬بعد أن شعروا أن النداء مل يعد‬ ‫�أمهـر التجــار ف ــي مـ�صـ ــر!‬
‫يضايقه‪!..‬‬ ‫عىل الرمغ أين كنت أختذ مواقف حامسة جتاه التعامل والتبادل االقتصادي‬
‫ً‬
‫رشطا‬ ‫مع إرسائيل‪ ،‬أثناء رائسيت الحتاد الغرف التجارية املرصي‪ ،‬ووضعت‬
‫إهنا العقلية التجارية الهيودية الفذة يف البحث عن خمارج مبتكرة لملآزق‪.‬‬
‫حاسـم للتعاون‪ ،‬أو حىت للقاء أحد من مسوئلهيم أو وفودمه اليت اكنت تزور‬ ‫ً‬
‫اكنت حارة الهيود شبه مغلقة علهيم‪ ،‬اكنت تقع خلف حملنا يف املوسيك‪،‬‬ ‫ً‬
‫واحضا ال تنازل عنه‪ :‬أن تعود احلقوق‬ ‫ً‬
‫رشطا‬ ‫مرص بكرثة يف تلك الفرتة‪ ،‬اكن‬
‫وبالنسبة لنا اكنت تبدو اكلقلعة املمتدة من املوسيك إىل ميدان اجليش‪ .‬مما أتذكره‬ ‫الاكملة للشعب الفلسطيين الشقيق‪ .‬برمغ ذلك‪ ،‬فليست لدي أي مشلكة يف التعامل‬
‫يطلع أحد عىل‬‫عن صفاهتم املالزمة هلم مجي ًعا‪ :‬طبيعهتم الكتومة‪ ،‬فهم ال حيبون أن ّ‬
‫مع الهيود أنفهسم‪ ،‬فالهيود أهل كتاب‪ ،‬وهلم ديهنم ولنا ديننا‪ ،‬مكا تعملنا من كتاب‬
‫أرسار حياهتم اخلاصة‪ ،‬برمغ اختالطهم مع املرصيني يف العمل ويف التجارة‪.‬‬ ‫ربنا‪ ،‬لكن املشلكة اليت ال تزال متنعين أن أتعاون مع دولة االحتالل‪ ،‬يه السياسة‬
‫قبل أن أتزوج‪ ،‬وأثناء معيل يف حمل مع رزق‪ ،‬ذهبت مرة يف أحد أعياد‬ ‫الصهيونية الظاملة‪ ،‬اليت تتعامل هبا إرسائيل مع أحصاب احلق الفلسطيين‪..‬‬
‫الهيود مع بعض رفايق‪ ،‬وحاولنا دخول احلارة ليك نرى كيف يلعب أطفاهلم يف‬ ‫ولألسف‪ ،‬ال يزال الصلف وال تزال الغطرسة عىل أشدها‪..‬‬
‫أعيادمه‪ ،‬فقام أطفاهلم برضبنا بالطوب واألجحار‪ ،‬ومنعونا من الدخول متا ًما‪،‬‬ ‫اكن أغلب التجار الكبار يف املوسيك يف الفرتة اليت قدمت فهيا إىل القاهرة‬

‫‪121‬‬ ‫‪120‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫جـ ــالب ـ ــوه!‬ ‫وكأهنم يف حصن ال يريدون ألحد منّا أن جيتازه‪!..‬‬


‫كنا قد اشرتينا احملل الكبري (‪ 12‬شارع جوهر القائد) من الهيودي «إشعيا‬ ‫لقد بدأ هيود مرص يف الشعور بالغربة والرغبة يف اهلجرة مهنا بعد سلسلة من‬
‫إبراهمي جالبوه»‪ ،‬بدون مضانات ورقية أو شياكت مرصفية‪ .‬اشرتيناه فقط بلكمة‬ ‫األحداث التارخيية‪ ،‬بدأت بإعالن قيام إرسائيل ‪ 1947‬بعد هناية احلرب العاملية‪،‬‬
‫رشف‪.‬‬ ‫مث مذحبة «دير ياسني» يف األرايض احملتلة عام ‪ ،48‬مث حرب ‪ ،48‬واليت اكن‬
‫ً‬
‫ظملا وعدوا ًنا‬ ‫انتصار إرسائيل فهيا هو البداية احلقيقية لدولة إرسائيل‪ ،‬املزروعة‬
‫اكن بعض أصدقائنا التجار ممن جيهلون تعامالهتم‪ ،‬يقولون لنا‪ :‬هذا هيودي‪،‬‬
‫وسط املنطقة‪..‬‬
‫من املمكن أن يبيع احملل لعرشة أخشاص‪ ،‬مث يغادر البلد وال تعرثون له عىل أثر‬
‫بعد ذلك‪ .‬لكن هذا بالطبع مل حيدث‪ ،‬بالعكس اكنت اللكامت اليت يتفوه هبا جالبوه‬ ‫مث اكنت ثورة ‪ ،1952‬وما تبعها من إعالن تأممي قناة السويس يف يوليو ‪،1956‬‬
‫يغيها أبدًا‪.‬‬
‫ميع ال ّ‬ ‫مث العدوان الثاليث من نفس السنة‪ ،‬لك تلك األحداث اكنت سب ًبا يف نزوح هيود‬
‫تأملت احلمكة من وراهئا‪ ،‬الكتشفت ًّ‬ ‫مرص حنو إرسائيل‪ ،‬وكذلك حنو أمرياك وأوروبا بأعداد كبرية‪ ،‬حىت جاء زمن‬
‫مكا هائال‬ ‫اكنت له أفاكر غريبة‪ ،‬ولكنك لو ّ‬
‫حرب ‪ 67‬ومل يتبقَ يف مرص من الهيود إال عدد قليل للغاية‪..‬‬
‫من احلمكة املنطقية النافعة!‪..‬‬
‫ً‬ ‫متكن ظرويف املتواضعة – حينئذ‪ -‬من التعرف عىل كبار‬ ‫ّ‬ ‫بطبيعة احلال‪ ،‬مل‬
‫مثل‪ ،‬الحظت وجود قفص هيلع أرغفة من اخلزب أمام حمل جالبوه‪ ،‬فقلت له حني‬
‫التجار ورجال األمعال الهيود من أبناء وأحفاد داود عدس‪ ،‬وسلمي ومسعان صيدناوي‬
‫رأيت ذلك ألول مرة‪ :‬هل تبيع اخلزب يا خواجه؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن هذا اخلزب أعطيه‬
‫وغريمه‪ ،‬ولكين تعاملت مع بعض جتار املوسيك مهنم‪ ،‬ورأيت مهنم جع ًبا‪..‬‬
‫لملتسول‪ ،‬فاجلائع مهنم حبق يأخذ الرغيف ويذهب‪ ،‬أما املتسول احملرتف والذي‬
‫ً‬
‫شيئ‪!..‬‬ ‫يكزن املال فال يأخذه‪ ..‬وهذا ال أعطيه‬ ‫إن الفكرة األساسية السائدة لدى التاجر الهيودي يه‪ :‬كيف يرحب الزبائن بأي‬
‫وسيلة؟!‪..‬‬
‫سألت جالبوه مرة‪ :‬ملاذا تضع أمامك طب ًقا فيه ماللمي كثرية؟! فأجابين‪ :‬أعيط‬
‫ميا للك طفل يأيت لملحل‪ ،‬حىت يتذكرين‪ ،‬فيحث أباه عىل العودة مرة أخرى‬ ‫مل ً‬ ‫إهنم يف احلقيقة عباقرة يف كسب الزبائن والعمالء‪ ،‬ويف احملافظة عىل‬
‫لملحل‪ ،‬وحيمنا يكرب سيتذكر أنه قد أخذ نقودًا من صاحب هذا احملل‪ ،‬فيظل عىل‬ ‫زبائهنم لوقت طويل بأساليب شىت‪.‬‬
‫والئه لنا وحبه للتعامل معنا‪..‬‬
‫مل تكن نظريت حنو التجار الهيود متزتج بالعنرصية‪ ،‬ومل أرفضهم أبدًا بسبب‬
‫اكن إذا بدأ املفاوضات مع أحد التجار ينادي‪« :‬اجري يا ولد‪ ،‬هات الشاي‬ ‫الدين‪ ،‬فقد كنت أرى فهيم عبقرية جتارية تستحق أن يتعمل املرء من النافع‬
‫أبو أربعة قرش صاغ»‪ ،‬واكن الشاي يف ذلك الوقت بتعريفة (نصف القرش‬ ‫ُ‬
‫ضالة املؤمن‪ ،‬أ ْيمنا وج َدها فهو أ ْوىل هبا»‪..‬‬ ‫حل ُ‬
‫مكة‬ ‫اإلجيايب مهنا‪« ،‬فا ِ‬
‫صاغ)‪ .‬فيذهب الولد وال يأيت بالشاي أبدًا! (فهناك «شفرة» بينه وبني العامل‬
‫اكن التجار الهيود يستوردون بكرثة‪ ،‬وكنا حنن جتار امجللة نشرتي مهنم‪،‬‬
‫الصيب‪ ،‬إن قال «الشاي أبو أربعة قروش»‪ ،‬فال ِ‬
‫يأت به أبدا‪ .)!!..‬فإذا وصلت‬ ‫ً‬
‫قليل يف تلك اآلونة‪ ،‬يف منتصف الستينيات‪.‬‬ ‫واكن عدد املستوردين املرصيني‬
‫املفاوضات التفاق‪ ،‬وبدأ املشرتي يف أخذ البضاعة ومحتيلها‪ ،‬هنا ينادي جالبوه‪:‬‬
‫واكن التجار الهيود يمتزيون بالتنسيق الاكمل فميا بيهنم؛ اكنوا ميتنعون عن‬
‫«اجري يا ولد‪ ،‬استعجل الشاي برسعة»!!‪ ،‬وهنا يفهم العامل أن يأيت بالشاي‬
‫املنافسة الشديدة اليت قد تؤدي إىل خسارهتم مجي ًعا‪..‬‬
‫هذه املرة بالفعل‪..‬‬
‫٭٭٭‬

‫‪123‬‬ ‫‪122‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اخلشبية الطويلة اليت تفصل بني الباعة واملشرتين‪ :‬ريون أو بنك)‪ ،‬ومل تكن به‬ ‫اكن جالبوه هيمت بزبونه إذا اكن تاج ًرا وأفلس‪ ،‬فسألته مرة عن ذلك‪ :‬ملاذا‬
‫جتهزيات تليق مبساحته الكبرية‪ ،‬إال أنه اكن حيتوي عىل مكية مخضة ومتنوعة‬ ‫يا خواجه؟ قال‪« :‬ده من عيلة كويسة‪ ،‬مش ميكن يورث‪..‬؟!»‪.‬‬
‫ً‬
‫شيئ عنده‪ ،‬حىت تلك اإلبرة ذات «الشفة» اليت‬ ‫من البضاعة‪ ،‬تقري ًبا تاكد ال تفتقد‬
‫أنا خشص ًّيا استفدت من سلوكهم مع الزبائن والتجار املتعرسين‪ ،‬ولكن ليس‬
‫جتعل للخشص مكفوف البرص القدرة عىل إدخال اخليط من فتحهتا بدون أية‬
‫مط ًعا يف أن يرثوا مكا اكن جالبوه ينتظر!‪ ،‬بل ألن أخذي بيد التاجر املتعرس‬
‫مشالك (اكنوا يمسوهنا‪ :‬إبرة العميان)‪..‬‬
‫معناه اسمترار معله ميع‪ ،‬واسمتراره لترصيف البضاعة واملنتجات‪ ،‬مكا أن ديننا‬
‫لك يشء كنت جتده لدى جالبوه!‬ ‫– وهو األمه‪ -‬حيثنا عىل الوقوف إىل جانب املعرسين‪ ،‬وأن نعذرمه و ُننظرمه إىل‬
‫ً‬ ‫ميرسة‪..‬‬
‫مفثل‪،‬‬ ‫وقد الحظت ‪ -‬أيامها‪ -‬أن جتار الهيود يعطون العاملني رواتب ضعيفة‪،‬‬
‫اكن يف احملل الذي اشرتيته من التاجر «إبراهمي جالبوه» ثالثة معال‪ ،‬واكن لك‬ ‫مك اكن سلوكنا الرحمي مع التجار املُعرسين سب ًبا يف خري واسع أغدقه اهلل‬
‫واحد مهنم يتقاىض عرشة جنهيات يف الهشر‪ ،‬واكن مبل ًغا ً‬
‫قليل يف ذلك الوقت‪،‬‬ ‫علينا وعلهيم‪..‬‬
‫ناحصا‪ :‬هذا الراتب ال يكيف يا خواجه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا مرتب أسايس أما‬‫ً‬ ‫فقلت له‬
‫رأيت جالبوه يضع «زي ًرا» (الزير هو ذلك اإلناء الفخاري الكبري‪ ،‬الذي اكن‬
‫بايق املرتب فهو من بقشيش «التجار» والزبائن‪..‬‬ ‫ً‬
‫مليئ مباء بارد‪ ،‬فملا سألته عن‬ ‫يستخدم يف تربيد املياه) أمام احملل جيده املارة‬
‫بعد أن اشرتيت مهنم احملل‪ ،‬ومعلنا وحجننا وهلل امحلد‪ ،‬جاءين ابن جالبوه ذات‬ ‫ذلك‪ ،‬أوحض يل أن الذي يرشب املاء ال ينظر إىل الزير أثناء الرشب‪ ،‬بل ينظر إىل‬
‫يوم‪ ،‬وقال يل‪ :‬أريد أن أمعل عندك!‪ .‬قلت له‪ :‬ومك رات ًبا تريد؟ فقال يل بغرور‪ :‬مائيت‬ ‫ّ‬
‫وأرغبه يف‬ ‫داخل احملل‪ ،‬فرمبا يعجبه يشء فيذهب لرشائه‪ ،‬فأنا أسيق العطشان‬
‫هيا وقهتا‪!..‬‬
‫ريا ج ّدًا‪ ،‬فقد اكن راتيب ‪ -‬أنا ‪ -‬سبعة وعرشين جن ً‬‫جنيه‪ ،‬واكن ذلك كث ً‬ ‫الدخول عندي للرشاء‪!..‬‬
‫ّ‬
‫وذكرته مبا اكنوا يعطونه للعاملني معهم‪ ،‬خفجل‬ ‫حضكت‪ ،‬وأخربته براتيب‪،‬‬ ‫اكن يقول‪ :‬إننا نعيط الطفل حىت يكرب‪ ،‬والعطشان حىت يرتوي‪ ،‬واملفلس حىت‬
‫الشاب‪ ،‬وقام ليستأذن‪ ،‬وهو جير قدميه ج ًّرا إىل خارج احملل‪..‬‬ ‫يرث‪!..‬‬
‫أذكر موق ًفا مؤث ًرا مع ذلك التاجر الهيودي وابنه‪ ،‬فقد قرر حمافظ القاهرة ‪-‬‬ ‫مل يكن التاجر الهيودي يضيق بخسرية املرصيني من أساليهبم املاكرة املبتكرة‬
‫سعد زايد ‪ -‬إلغاء خلو الرجل يف تلك السنة‪ ،‬وأعلن بشلك واحض‪ :‬عىل لك من‬ ‫يف البيع والرشاء‪ ،‬بل أظهنم اكنوا يفرحون يف داخلهم هبذه الخسرية‪ ،‬ألهنا تعين‬
‫دفع خلو رجل أن يستعيده‪ .‬مل يكن هناك ورق يثبت خلو الرجل‪ ،‬واكن يكيف أن‬ ‫أن أحدًا من املرصيني لن يقلدمه أبدًا‪ ،‬وبالتايل لن يصلوا إىل ما وصلوا مه إليه‬
‫يقول خشص ما‪ :‬لقد دفعت خلو رجل لذلك املالك‪ ،‬فيستعيده فو ًرا‪..‬‬ ‫يف عامل التجارة‪ ،‬ويف دنيا األمعال واألموال‪..‬‬
‫يف هذه األثناء جاءين تاجر مرصي اكن يتعامل مع جالبوه‪ ،‬وقال يل‪ :‬عليك أن‬ ‫اكنت مساحة احملل الذي اشرتيته من جالبوه مائة ومخسة وعرشين م ً‬
‫رتا‬
‫تسرتد خلو الرجل الذي دفعته له‪ ،‬وراح هيمس يل أن جالبوه وابنه جيمعان املال‪،‬‬ ‫مرب ًعا‪ ،‬اكن يضع فيه عرش ملبات (ملبة ضعيفة‪ ،‬قوة الواحدة مخس وعرشون‬
‫مث يرسالنه إىل إرسائيل‪ ،‬لرشاء األسلحة اليت حياربوننا هبا‪ ،..‬وحثين بإرصار‬ ‫ً‬
‫مظملا يف أوقات عديدة‪ .‬اكن يقصد أن يشعر مأمور‬ ‫«مشعة»)‪ ،‬فاكن احملل يبدو‬
‫أن أذهب إىل حمافظ القاهرة وأطلب استعادة خلو الرجل‪..‬‬ ‫الرضائب حني يأيت لملحل بفقره‪ ،‬فال حيسب علهيم رضائب كثرية‪..‬‬
‫مث ذهب نفس ذلك الرجل وأبلغ جالبوه وابنه بأنين سأشكومه لملحافظ‪!..‬‬ ‫رمغ أن ذلك احملل مل يكن به «ريون» ليقف البائع خلفه (كنا نطلق عىل الطاولة‬

‫‪125‬‬ ‫‪124‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫بيق جالبوه وابنه يف مرص حىت عام ‪( 1967‬قبيل حرب ‪ 5‬يونيو)‪ .‬اكن‬ ‫جاءين االبن وهو مضطرب‪ ،‬وقال يل‪ :‬ماذا ستفعل معنا؟‪ .‬قلت له‪ :‬ماذا تظن؟‬
‫أجل رغبته يف اهلجرة إىل خارج مرص مرا ًرا‪ ..‬مل‬ ‫ً‬
‫مريضا للغاية‪ ،‬واكن ابنه قد ّ‬ ‫قال‪ :‬عملت أنك ستذهب لملحافظ ليك تسرتد خلو الرجل‪ ،‬فقلت له هبدوء‪ :‬هل تعتقد‬
‫يشأ االبن ‪ -‬ب ًرا بأبيه‪ -‬أن يأخذ خطوة اهلجرة يف حياة أبيه‪ ،‬فظل ينتظر حىت‬ ‫أن الهيودي أكرم من املسمل؟ لقد أعطيتك ما طلبت وأعطيتين ما اشرتيت‪ ،‬وأنا لن‬
‫يقيضَ اهلل تعاىل يف أبيه أمرًا‪ ،‬ولكن مع اسمترار حياة جالبوه‪ ،‬قرر االبن يف‬ ‫أذهب ألحد ألغري اتفا ًقا قد اتفقنا هيلع بالرتايض بيننا يو ًما ما‪..‬‬
‫الهناية اهلجرة معه من مرص‪.‬‬
‫مث أخرجت ورقة وقلت له‪ :‬حىت تسرتحي متا ًما سأكتب لك إقرا ًرا‪.‬‬
‫اكنت جهرهتام بالنسبة يل نذي ًرا ليشء ما‪ ..‬جفالبوه ُيعترب من أواخر التجار‬
‫ظل يراقبين وأنا أكتب وهو مذهول ملا أقوم به‪.‬‬
‫الهيود الذين تركوا مرص ورحلوا عهنا‪..‬‬
‫كتبت‪ ،‬وكنت أقرأ له بصوت ممسوع‪« :‬أقر أنا محمود إبراهمي عيل العريب‪،‬‬
‫ال أدري إىل أين سافرا بالضبط‪..‬؟‬
‫أنين كنت قد دفعت للخواجة إشعيا إبراهمي جالبوه مبل ًغا وقدره «كذا‪ »...‬خكلو‬
‫لقد ق ّدر اهلل تعاىل أن أعرف هذا الرجل الهيودي‪ ،‬ألكتسب منه بعض اخلربات‬ ‫ً‬
‫اكمل بتارخي كذا كذا»‪!..‬‬ ‫رده َّ‬
‫إيل‬ ‫رجل‪ .‬وقد َّ‬
‫النافعة يف جمال التجارة‪ .‬ولكين أرجو من اهلل تعاىل أن يكون جناحنا وفوزنا‬
‫وقعت وخمتت اإلقرار خبمت الرشكة‪ ،‬وأعطيته الورقة‪ ،‬فإذا بالشاب يبيك من‬
‫أعظم وأمشل‪ ،‬بأن ميتد إىل ما بعد تلك احلياة القصرية الفانية‪ .‬مكا أرجو منه‬
‫التأثر‪.‬‬
‫مين عىل لك املسملني وينري هلم بصائرمه ليعرفوا أن الدنيا‬‫سبحانه وتعاىل أن ّ‬
‫مزرعة اآلخرة‪ ،‬وأنه ال جيوز أن خيرس املسمل واحدة ليكسب األخرى‪ ،‬بل هيلع‬ ‫نفس األمر حدث بعد ذلك بسنوات مع الدكتور سيد سيف – رمحه اهلل تعاىل‪-‬‬
‫أن يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدًا‪ ،‬ويعمل آلخرته كأنه ميوت غدًا‪ ..‬خاصة يف ظل‬ ‫ً‬
‫فـضـل عــن‬ ‫أستاذ طب العيون يف قرص العيين‪ ،‬والذي اكن صدي ًقا مح ً‬
‫ميا يل‬
‫التح ّديات العاملية اهلائلة احلالية‪.‬‬ ‫كــونه الطبيب الذي اكن يتابع حالة مرض عيين‪..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫اكن د‪ .‬سيد – يف نفـس الوقـت‪ -‬صاحب معارة جماورة لبيتنا بالعباسية‪ ،‬تلك‬
‫بداية الت�صنيع‪..‬‬ ‫اليت اكن يسكن فهيا ‪ُ 4‬أ َس من عائلة «العريب»‪ ،‬واكن بعض من أستأجر شق ًقا‬
‫يف العامرة قد دفعوا له مقدمات برضامه‪ ،‬دون أي إجبار‪..‬‬
‫إنين عىل يقني تام أن األمعال الكبرية إمنا يه وليدة اإلرصار عىل تنفيذ‬
‫حمل ما‪ ،‬يبدأ بفكرة بارقة حمددة‪ ،‬تستقر يف العقل لفرتة حىت يضيق هبا‪ ،‬وتبدأ‬ ‫مث حدث أن رفع بعض مالك الشقق قضايا الستعادة تلك األموال دون أن خيربوا‬
‫النفس اإلنسانية حني تكون ذات مهة ومطوح ومتتلك رصيدًا من األخالق والقمي‪،‬‬ ‫املالك د‪.‬سيد بذلك‪ ،‬حفمكت احملمكة برد تلك املقدمات‪ ،‬وبالفعل بدأ الدكتور سيد‬
‫يف السيع الدءوب لتحقيق ذلك احلمل عىل أرض الواقع‪.‬‬ ‫يعيد لك ما أخذه مهنم‪ .‬أما أنا وأحصاب الشقق من العائلة فقد رفضنا ذلك متا ًما‪،‬‬
‫ً‬
‫حمكا من احملمكة‪ ،‬طاملا‬ ‫فنحن مل جند ما يدعو الستعادة يشء ملجرد أن هناك‬
‫ومهة ومثابرة من أنبل ما فعله‬
‫والسيع اجلاد خلف حتقيق األحالم البنّاءة جبهد ّ‬
‫كنت قد دفعت ذلك املال برضاي غري مرمغ‪ ،‬بل لقد وعدناه بتسلمي الشقق يوم‬
‫اإلنسان عىل مر التارخي‪.‬‬
‫ننهتي من بناء معارة «العريب»‪ ،‬وبالفعل سملنا له الشقق األربع بعد سنوات دون‬
‫ّ‬
‫عيل لسنوات‬ ‫وبالنسبة ملراحل التصنيع يف البداية‪ ،‬فقد سيطرت الفكرة‬ ‫أن نتقاىض أي مبالغ‪ ،‬مكا وعدناه‪..‬‬
‫احمللي اللذين أنشأنامها‬
‫ْ‬ ‫طويلة‪ ،‬حيث مل أستطع أن أكتيف بالتجارة فقط يف‬ ‫٭٭٭‬

‫‪127‬‬ ‫‪126‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫التلفزيون (اكن ذلك سنة ‪ ،)1970‬اكنت فكرة رائعة انطلقت من ذهن أيخ‬ ‫يف املوسيك‪ .‬نعم‪ ،‬اكنت احلركة التجارية جيدة ج ّدًا يف بيع األدوات املكتبية‬
‫عبد اجليد‪ ،‬والذي اكنت تربطه معرفة باملخرج فهمي عبد امحليد‪.‬‬ ‫واخلردوات وهلل امحلد‪ ،‬ولكين مل أختلص من فكرة بيع منتجات من صنعنا‪،‬‬
‫حصيح أهنا ظلت لفرتة جمرد أمل ال ندري كيف حنققه‪ ،‬ولكن حني واتتنا الفرصة‪،‬‬
‫اكن فهمي – آنذاك‪ -‬هو املتخصص األول يف الرسوم املتحركة يف التلفزيون‬
‫ووافقت األقدار ما حنمل به وما نحمط إليه‪ ،‬مل نرتدد ومل نتأخر ‪..‬‬
‫املرصي‪.‬‬
‫بدأنا خبطوات قصرية‪ ،‬ولكهنا اكنت جادة وناحجة‪..‬‬
‫اجمتعنا يف املوسيك مع احلاج فهمي – رمحه اهلل‪ ،-‬يف حضور ماجد عبد‬
‫الرازق مقدم براجم األطفال (بابا ماجد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،)-‬واتفقنا عىل إعالن‬ ‫٭٭٭‬
‫رسوم متحركة‪ ،‬حيتوي أغنية تسهتدف رشحية األطفال الذين اكنوا أمه رشحية‬ ‫يف عام ‪ ،1966‬وبسبب حظر االسترياد‪ ،‬بدأنا التفكري يف تصنيع ألوان المشع‬
‫نسهتدفها لذلك املنتج‪ .‬اكنت لكامت أغنية اإلعالن تقول‪:‬‬ ‫(ألوان الزيت اجلاف)‪ ،‬حيث اكنت مبيعاهتا راجئة لطلبة املدارس واألطفال‪ ،‬يف‬
‫مجيع أحناء امجلهورية يف تلك الفرتة‪.‬‬
‫وهنا البد أن أؤكد أن مبدأنا يف الصناعة مل يتغري منذ تلك األيام‪ ،‬أن ُنصنّع‬
‫أنا لو مرة سبقت األرنب‪ ،‬بس برشط اسبقه بكتري‬ ‫أول‪ ،‬فإذا حجننا‪ ،‬نبدأ يف السيع‬ ‫ما نعرف كيف نبيعه‪ .‬نبدأ بتجارة السلعة ً‬
‫وأنا لو اكن يل جناح‪ ،‬أنا كنت أطري زي العصافري‬ ‫لتصنيعها‪.‬‬
‫جنح توزيع ألوان المشع بشلك هائل‪ ،‬فبدأنا يف البحث معن يعطينا أرسار‬
‫نفيس ا ْت َّ‬
‫قمع وابىق موظف وامسك منصب بس خطري‬ ‫تصنيع ذلك الصنف من األلوان‪ ،‬حىت توصلنا إىل خبري يف تلك الصنعة امسه‬
‫«صربي موىس»‪ ،‬اكن يعمل يف مصنع للمشع ينتج تلك األلوان‪.‬‬
‫إيه دا‪ ..‬إيه دا؟؟!‬
‫ريا‪ ،‬أنتجنا ألوان «اللخبطة»‪ ،‬اليت اكن هلا نصيب كبري من النجاح يف‬
‫وأخ ً‬
‫األسواق‪ ،‬واسمتر اإلنتاج يف ذلك املصنع حىت عام ‪ ،1975‬حيث بدأ الطلب‬
‫عىل ألوان المشع يف الرتاجع بعد ظهور أنواع أخرى من األلوان (اخلشب‪،‬‬
‫ألوان اللخبطة بتلخبط خلبطة‬
‫والفلوماسرت‪.)..،‬‬
‫بتخليل الزحلفة فرحانة مزقططة‬ ‫أنشأنا رشكة خاصة هبذا املرشوع‪ ،‬أمسيناها‪ :‬الرشكة الفنية لصناعة األلوان‬
‫املدرسية «ألوان اللخبطة»‪ ،‬واخرتنا موق ًعا لذلك املصنع الصغري يف ‪ 15‬حارة‬
‫والمسكة طايره طريان‬
‫السنان باملغربلني (يف نفس البيت الذي انتقلنا إليه بعد شقة كفر الزغاري‬
‫والقرد بيعمل إنسان‬ ‫الصغرية)‪ .‬واكن أبناؤنا الصغار – األوالد والبنات‪ -‬يساعدون العامل يف إجازة‬
‫رص األلوان يف علهبا الاكرتونية‪..‬‬
‫الصيف يف ّ‬
‫غطت عىل لك األلوان‬ ‫اكن رواج وجناح ألوان اللخبطة سب ًبا يف التفكري أن نعمل هلا إعال ًنا يف‬

‫‪129‬‬ ‫‪128‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مث دخلنا جمال تصنيع منتج جديد‪..‬‬


‫اكن هناك حرب هشري يف السوق املرصي امسه «ريزن»‪ ،‬تنتجه الرشكة العربية‬
‫ريا‪ ،‬ففكرنا أن ُنصنّع ح ً‬
‫ربا‬ ‫رواجا كب ً‬
‫ً‬ ‫للتجارة اخلارجية «رومين»‪ ،‬واكن يلىق‬
‫إنتاج الرشكة الفنية لصناعة األلوان املدرسية‬
‫منافسا له‪ ،‬وبالفعل تعاقدنا مع رجل اكنت لديه خربة تصنيع مثل تلك األحبار‪،‬‬
‫ً‬ ‫العريب باملوسيك‪ ..‬واملوسيك بالعريب‬
‫وأعطيناه لك اإلماكنات يك نبدأ املرشوع‪.‬‬
‫خاصا باألحبار يف مسطرد‪ ،‬وأطلقنا هيلع امس «فزيبن»‪ ،‬اكن‬‫ًّ‬ ‫فتحنا مصن ًعا‬
‫العريب باملوسيك‪ ..‬واملوسيك بالعريب‬
‫أيضا نصيب كبري من النجاح واالنتشار يف السوق املرصي‪ ،‬وظل هو املنافس‬‫له ً‬
‫األول حلرب «ريزن» حىت منتصف السبعينيات‪ ،‬حيث ظهرت األقالم اجلاف‪ ،‬اليت‬
‫انترشت برسعة كبرية (اكن أهشرها ماركة «بيك»)‪ ،‬وحسبت البساط متا ًما من‬ ‫ريا بوجود األوالد‬
‫وقد ذاعت هشرة هذا اإلعالن لدرجة كبرية‪ ،‬وكنت أسعد كث ً‬
‫أقالم احلرب‪ ،‬لرخص مثهنا وجودة خطها‪ ،‬وعدم احلاجة إىل ملهئا‪..‬‬ ‫يغنوهنا يف الشارع‪ ،‬واكن الكثري من األطفال الذين يأتون إىل حمالتنا مع ذوهيم‬
‫ليشرتوا األدوات الكتابية من عندنا‪ ،‬اكنوا يغنون‪:‬‬
‫وقد أنتجنا إعال ًنا ثان ًيا حلنه لنا ‪ -‬هذه املرة‪ -‬امللحن الهشري البارع دمحم‬
‫املويج‪ ،‬الذي اكن يعمل يف تلحني اإلعالنات حني حيدث كساد فين‪ ،‬بسبب‬ ‫العريب باملوسيك‪ ،‬واملوسيك بالعريب‪..‬‬
‫ً‬
‫وأيضا كبار‬ ‫احلروب أو األزمات االقتصادية‪ ،‬وكذلك اكن يفعل سيد ماكوي‪،‬‬ ‫عندما انترشت ألوان اللخبطة وزاد الطلب علهيا بشلك واسع‪ ،‬فكرنا حينئذ يف إنتاج‬
‫الكتاب أمثال صالح جاهني‪ ،‬وقد كتب لكامت إعالن «تالته رشباتات» الشاعر عبد‬ ‫ألوان مشع أخرى‪ ،‬ذات شلك خمتلف‪ ،‬وأطلقنا علهيا امس‪ :‬ألوان «بويب احلبوب»‪..‬‬
‫السالم أمني‪ – ..‬رمح اهلل امجليع‪.‬‬
‫رواجا‬
‫ً‬ ‫هذه فكرة تسويقية ناحجة ومعروفة‪ ،‬فالتاجر حني ينتج صن ًفا جيد له‬
‫تناول اإلعالن املنتجات الثالثة‪ :‬ألوان اللخبطة‪ ،‬وحرب فزيبن‪ ،‬وألوان بويب‬ ‫ريا يف السوق‪ ،‬رسعان ما يفكر يف إنتاج ُمنتج شبيه له‪ ،‬ولكن بامس وشعار‬ ‫كب ً‬
‫احلبوب‪..‬‬ ‫خمتلف‪ ،‬فتواجد أكرث من نوع من نفس السلعة يزيد يف تروجيها‪ ،‬مكا أنك تكون‬
‫اكنت فكرة موفقة للغاية‪ ،‬أن يسهتدف اإلعالن تلك املنتجات الثالثة م ًعا‪ ..‬اكنت‬ ‫ممطئ ًنا لوجود أنواع عديدة من إنتاجك؛ وكأنك تنافس نفسك!‬
‫لكامته (اليت شارك أيخ عبد اجليد – رمحه اهلل‪ -‬يف صياغهتا) تقول‪:‬‬ ‫اكنت هناك حلقات لألطفال تذاع يف ذلك الوقت يف التلفزيون املرصي‪ ،‬واكن‬
‫احنا تالته رشباتات‪ ..‬جايني حنكيلكوا تالت‬ ‫األطفال حيبوهنا وينتظروهنا بشغف محتل نفس االمس‪ :‬بويب احلبوب!‪ ،‬وقد غرينا‬
‫فقط «استامبة» األلوان لتختلف عن ألوان اللخبطة‪ ،‬جفعلناها مربعة الشلك ً‬
‫بدل‬
‫حاكيات‬
‫من الدائرية مكا اكنت يف األوىل‪..‬‬
‫جايني ليكوا‪ ،‬حانوريكوا أحىل وأمجل احلاكيات‬ ‫أيضا من نصيب ذلك الصنف‪ ،‬وقد استطعنا هبذا تثبيت أقدامنا‬ ‫ً‬ ‫اكن النجاح‬
‫يف السوق املرصي يف منتج األلوان المشع بشلك كبري‪.‬‬
‫٭٭٭‬

‫‪131‬‬ ‫‪130‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اللخبطة اللخبطة‪ ،‬ألوان بتلخبط خلبطة‬


‫احنا تالته رشباتات‪ ..‬قدمنا ليكوا تالت حاكيات‬ ‫ترمسلك بنت حلوة وتضيف هلا شنب‬
‫واحلاكيات يف احملالت‪ ،‬وحمالتنا حمل العريب‬ ‫إن خدت مهنا علبة راح تعرف السبب‬
‫والعريب فاحت يف املوسيك‬ ‫اتنارش لون طبييع م اللون املفتخر‬
‫تالته واتنارش شارع املوسيك‬ ‫ترمس منظر طبييع وتضيف ليه القمر‬
‫العريب باملوسيك‪ ..‬واملوسيك بالعريب‬
‫العريب باملوسيك‪ ..‬واملوسيك بالعريب‬ ‫فزيبن فزيبن احلرب العال فزيبن‬
‫فزيبن فزيبن حيفظلك أجدع سن‬
‫لقد أبدع املويج يف حلنه لذاك اإلعالن‪ ،‬الذي سامه يف جناح معلنا يف‬ ‫قول للناحجني‪ ،‬راحيني جايني‪ ،‬يشرتوا أحبار فزيبن‬
‫تسويق منتجاتنا‪ ،‬ويف ترسيخ امس «العريب» يف أذهان الناس‪ ،‬ولقد ظل شعار‪:‬‬
‫«العريب باملوسيك‪ ،‬واملوسيك بالعريب»‪ ،‬بسبب اإلعالنني املتتاليني‪ ،‬ظل ح ًّيا يف‬ ‫ثابت األلوان‪ ،‬بيجف قوام‪ ،‬له طبع جنان‬
‫أذهان الناس حىت بعد التوقف عن بث اإلعالنات يف التلفزيون‪..‬‬
‫فزيبن فزيبن فزيبن‬
‫لقد أدركنا أمهية اإلعالنات التلفزيونية من هذا الوقت‪ ،‬ومل نفصلها أبدًا عن‬
‫خططنا التسويقية‪.‬‬ ‫حادي بادي حادي‪ ..‬من دي ّ‬
‫ول دي‬
‫لقد طورنا من فكرنا اإلعالين يف رشكة «العريب» فميا بعد‪ ،‬خاصة بعد أن‬
‫عندي أمجل ألوان ف بالدي‬
‫خت ّرج ابين حميي الدين يف اجلامعة األمريكية (هو الرئيس احلايل ملجموعة‬
‫التسويق مبجموعة رشاكت ومصانع «العريب»)‪ ،‬حيث درس فن الدراما فهيا عىل‬ ‫ألوان بويب احلبوب‪ ..‬زيت مشع جاف فاخر‬
‫أيدي خرباء مرصيني وأجانب من املبدعني احملرتفني‪ ،‬مما أتاح له أن يتوسع يف‬
‫ً‬
‫مؤهــل فميا بعد لقيادة‬ ‫استمثار اخليال والقدرات االبتاكرية بشلك عيمل‪ ،‬فاكن‬ ‫بتلون باملقلوب‪ ،‬وبرتمس قط شاطر‬
‫قطاع اإلعالن‪ ،‬مث التسويق باملجموعة‪ .‬ولوال أقدار اهلل امجليلة الحرتف حميي‬
‫الدين العمل املرسيح بعيدًا عنّا‪ ،‬وكنا حيهنا سنفتقد جهوده وخرباته‪ ،‬فامحلد هلل‬
‫وتطلع العيوب‪ ..‬ألوان بويب احلبوب‬
‫ريا عىل أن ذلك مل حيدث‪ ،‬فقد صاغ اهلل تعاىل عقله بأسلوب خمتلف؛ قدرات‬ ‫كث ً‬

‫‪133‬‬ ‫‪132‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكن هناك صديق لنا امسه «بدر جعفر» اكن يعمل يف أحد مصانع البالستيك‪،‬‬ ‫خيالية وإبداعية هائلة‪ ،‬أما حني جت ّد األمور‪ ،‬ويتطلب املوقف حسابات تسويقية‬
‫ريا مع لك عام‬
‫واكنت لديه خربة يف تصنيع تلك املنتجات اليت اكنت مطلوبة كث ً‬ ‫وجتارية‪ ،‬أو قرارات مصريية‪ ،‬فال يعرف حيهنا ال خيال وال دراما‪!..‬‬
‫درايس جديد‪.‬‬
‫ريا من اإلعالنات اجليدة واملمتزية عن أمه منتجاتنا‪ ،‬اكنت‬
‫لقد قدمنا عددًا كب ً‬
‫منتجا جديدًا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أيضا الكرة البالستيكية لتصبح‬ ‫بدأنا يف اإلنتاج‪ ،‬وأضاف بدر‬ ‫أيضا مبستوى فين‬‫ً‬ ‫باإلضافة لقبوهلا عند رشحية عريضة من الناس‪ ،‬قد ُنفذت‬
‫من منتجات مصنع البالستيك‪ .‬راجت تلك املنتجات لعدة سنوات‪ ،‬وازداد علهيا‬ ‫حمرتف‪ ،‬مما سامه يف ارتباط رشحية كبرية بامس «العريب»‪ ،‬فاكنت – وال تزال‪-‬‬
‫أرباحا جيدة‪..‬‬
‫ً‬ ‫ريا‪ ،‬وحققنا مهنا – وهلل امحلد‪-‬‬
‫الطلب كث ً‬ ‫تؤثر إجياب ًّيا يف مبيعاتنا يف السوق املرصي‪.‬‬
‫اسمتر العمل يف تصنيع األدوات اهلندسية لعدة سنوات‪ ،‬واكن الطلب علهيا‬ ‫كنا نرصد نتاجئ املبيعات بعد اإلعالنات من خالل رشاكت متخصصة‪ ،‬واكنت‬
‫كبريا يف املومس الدرايس‪ ،‬حىت انشغلنا بتجارة األجهزة الكهربائية بشلك‬ ‫غال ًبا ما تأتينا آثار ونتاجئ إجيابية لتلك اإلعالنات التلفزيونية‪ .‬وكذلك اكنت إعالنات‬
‫أسايس‪ ،‬وبدأ العمل يف األدوات املكتبية يتضاءل وينحرس‪ ،‬خاصة مع فتح باب‬ ‫السيا يف مومس هشر‬
‫ّ‬ ‫اإلذاعة مفيدة‪ ،‬ال ميكن أن ننكر أمهيهتا وتأثريها الواسع‪،‬‬
‫االسترياد‪ ،‬فمل تعد املنافسة يف صاحلنا يف ظل رخص أسعار مثيالهتا الواردة‬ ‫رمضان الكرمي‪.‬‬
‫من الصني‪ .‬حىت توقف العمل يف تصنيعها متا ًما‪..‬‬ ‫وحنن تسيطر علينا دا ً‬
‫مئا فكرة البحث عن قمية مضافة يف أي منتج جديد‬
‫٭٭٭‬ ‫حىت ينافس يف السوق من أول يوم ُيعرض فيه‪ ،‬فينال حصة جيدة من مبيعات‬
‫مرحلة جديدة يف كل �شيء‪..‬‬ ‫مئا يف إعالنات «العريب» أن نسلّط الضوء‬ ‫األسواق؛ لذا فقد اكن أسلوبنا دا ً‬
‫هناك صفقة اكنت سب ًبا يف خري واسع لنا ولغرينا من التجار‪ ،‬صفقة كراريس‬ ‫عىل تلك القمية املضافة‪ ،‬وقد سامهت تلك االسرتاتيجية – يف أغلب األحيان‪ -‬مع‬
‫وكشاكيل أمتمناها مع الرشكة العربية للتجارة اخلارجية «رومين»‪ ،‬حني اكنت‬ ‫اخلطط التسويقية والرتوجيية االحرتافية بشلك كبري يف جناحنا يف احلصول‬
‫يه رشكة القطاع العام املسوئلة عن توريد الكراريس لاكفة املدارس املرصية‪.‬‬ ‫عىل نسبة احلصة السوقية اليت نسهتدفها لذلك املنتج‪..‬‬
‫اكن لدى الرشكة خمزون كبري راكد من الكراريس والكشاكيل‪ ،‬مل تحجن يف‬ ‫٭٭٭‬
‫تسويقه عىل مدار سنوات متتالية‪..‬‬ ‫بعد مصنع األلوان المشع ومصنع احلرب‪ ،‬أنشأنا مصن ًعا إلنتاج برجل «العريب»‬
‫يف سنة ‪ ،1969‬قررت إدارة رشكة «رومين» أن تبيع لك تلك المكية لتاجر‬ ‫املعدين‪ ،‬يف حارة الهيود‪ ،‬حيث اكن ذلك املنتج ‪ً -‬‬
‫أيضا‪ -‬مطلو ًبا يف السوق‪ ،‬واكن‬
‫أو اثنني من جتار امجللة‪ً ،‬‬
‫بدل من توزيعها عىل املدارس‪ ،‬حبيث يقوم التالميذ‬ ‫املعروض منه منخفض اجلودة بصورة واحضة‪..‬‬
‫وأولياء أمورمه برشاهئا من املكتبات‪ ،‬وبالتايل تتخلص الرشكة من املخزون‬ ‫حبثنا معن يعطينا خربته يف تصنيع الربجل اهلنديس املعدين‪ ،‬الذي اكنت‬
‫الراكد لدهيا‪..‬‬ ‫تشلك اسمطبات تصنيعه جحر العرثة الكبرية يف سبيل إنشاء املصنع‪ ،‬ولكننا‬
‫أخربين بذلك األمر تاجر صديق امسه احلاج «هامش الرشيف»‪ ،‬اكن يعمل يف‬ ‫استطعنا – بفضل اهلل‪ -‬التغلب علهيا‪ ،‬وخرج املنتج مبستوى جيد‪..‬‬
‫ّ‬
‫عيل‬ ‫االسترياد والتصدير‪ ،‬اكن قد مسعه يف كواليس رشكة «رومين»‪ ،‬وأشار‬ ‫ويف سنة ‪ ،1970‬أنشأنا مصن ًعا جديدًا يف باب الشعرية إلنتاج األدوات‬
‫بأن أتقدم مع بعض زماليئ من التجار لنشرتي تلك المكية اهلائلة‪ ،‬واليت ستبيعها‬ ‫اهلندسية من البالستيك‪ :‬املسطرة واملثلث واملنقلة‪.‬‬
‫الرشكة بسعر أقل من السعر الذي تبيع به املطابع نفس الكراريس لتجار امجللة‪،‬‬

‫‪135‬‬ ‫‪134‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫لكام كنت أسمتع لللكامت اليائسة من حويل‪ ،‬أو أنظر يف أرقام حساباتنا يف‬ ‫وبذلك ستكون هناك فرصة كبرية للبيع بسعر مناسب لتجار امجللة‪ ،‬مث لملسهتلك‪.‬‬
‫الدفاتر املثقلة بالديون والمكبياالت‪ ،‬اكن مدد من اهلل العيل القدير يأتيين دا ً‬
‫مئا‬
‫اكنت تلك الصفقة تتيح فرصة جيدة للرحب ملن يقومون هبا‪ ،‬مكا اكنت تتيح لرشحية‬
‫يف الثقة واألمل بأن الليل له آخر‪ ،‬وأن للغمة كش ًفا‪ ،‬وأن فرج اهلل قريب‪..‬‬
‫فيبث ّ‬
‫كبرية من صغار التجار واملسهتلكني الكراريس بسعر مناسب ج ّدًا‪ .‬اكنت معلية‬
‫كنت أقول لنفيس‪ ،‬ولملقربني مين‪ :‬بالتأكيد من ف ّرجها علينا يف مرات سابقة‬ ‫جتارية حتقق منفعة للجميع‪ ،‬وهذا هو ما أحبه يف التجارة‪ :‬املنفعة اليت تعم امجليع‪..‬‬
‫عديدة سيأيت علينا بفرج أكرب وأوسع‪ ،‬وسيرشق جفر يوم جديد‪..‬‬ ‫خاصة يف الظروف االقتصادية الصعبة اليت اكنت متر هبا مرص يف تلك الفرتة‪.‬‬
‫ريا‪ ،‬وبعد طول انتظار‪ ،‬ظهر لنا باب أمل وفرج جديد‪..‬‬
‫وأخ ً‬ ‫هيا لأللف كراس (‪ 28‬ورقة)‪ ،‬واكن‬‫وبالفعل‪ ،‬اشرتينا المكية لكها بسعر ‪ 15‬جن ً‬
‫هيا‪ ،‬وألننا‬
‫هذا سع ًرا جيدًا لنا‪ ،‬فقد اكنت املطابع تبيع األلف بسعر ‪ 17‬جن ً‬
‫فقد بدأت طائفة من التجار ُيدخلون أجهزة كهربائية إىل مرص عن طريق‬
‫اشرتيناها بسعر منخفض فقد استطعنا أن نبيعها برسعة‪ ،‬وبسعر مناسب‪ .‬ومعل‬
‫ليبيا والكويت والسعودية‪ ،‬واكن أجهزة التلفزيون والراديو اكسيت يف مقدمة تلك‬
‫معنا يف هذه العملية العرشات من التجار والسائقني والعامل‪ ،‬واكن العمل يسري‬
‫السلع‪ ،‬واكن أغلهبا أجهزة ماراكت «ناشيونال باناسونيك» و«سانيو« و«سوين»‬
‫بشلك يريض امجليع‪..‬‬
‫و«أيوا» و«توشيبا»‪ ..‬وسبحان اهلل‪ ،‬مل تكن ألجهزة توشيبا – أيامها‪ -‬نفس‬
‫المسعة والثقة احلالية‪ ،‬واليت متزيها يف السوق املرصي حال ًّيا‪..‬‬ ‫أرباحا جيدة‪ ،‬إال أن التجربة مل تتكرر لألسف‪ ،‬ومل تعد‬
‫ً‬ ‫حققنا من تلك الصفقة‬
‫رشكة «رومين» للعمل معنا‪ ،‬برمغ النجاح الكبري الذي حققناه‪ ،‬فقد عادوا إىل‬
‫ولقد وصل ذاكء اليابانيني ملّا وجدوا السوق املرصي غار ًقا باألجهزة الكهربائية‬
‫أسلوب بيع الكراريس والكشاكيل من خالل املدارس‪.‬‬
‫اليابانية‪ ،‬أن بدءوا يف تنفيذ محالت إعالنية يف السوق املرصي‪ ،‬برمغ حظر‬
‫االسترياد يف مرص يف ذلك الوقت‪ ،‬ودخول األجهزة مل يكن عن طريق اليابانيني‬ ‫٭٭٭‬
‫أنفهسم‪ ،‬ولكن املس ّوق الياباين الذيك ما هيمه ‪ -‬يف الهناية‪ -‬هو بيع منتجه‪،‬‬ ‫حني بدأ عرص حمك الرئيس السادات مع هناية عام ‪ ،1970‬اجتهت فيه‬
‫واحلصول عىل ثقة املسهتلك املرصي‪..‬‬ ‫لك موارد الدولة لصاحل التجهزي للحرب مع إرسائيل‪ .‬وتوقفت مصادر جتارة‬
‫لقد رأيت يف ذلك املسلك – وقهتا‪ -‬مقة يف الذاكء التسوييق والرتوجيي‪.‬‬ ‫الكشاكيل والكراريس‪ ،‬ومل تكن جتارة األدوات املكتبية األخرى تكيف لتغطية‬
‫الزتاماتنا الكثرية‪ ،‬خاصة بعد توظيف املزيد من العاملني معنا‪ .‬وكنا قد قطعنا‬
‫اكن ذلك يف أعوام ‪..1973 ،1972 ،1971‬‬ ‫عهدًا عىل أنفسنا منذ بدأنا طريق التجارة اخلاصة أال نستغىن عن خدمات من‬
‫لقد زادت احلركة التجارية مع بيعنا لتلك األجهزة الكهربائية‪ ،‬وازدادت أرباحنا‬ ‫ال ُي ّل بالرشف أو األمانة‪ ،‬أو أن يطلب هو‬
‫التحق بالعمل معنا‪ ،‬إال أن يأيت مع ً‬
‫بأكرث من أرباحنا يف صفقات الكراريس والكشاكيل‪ ،‬واألدوات املكتبية املتنوعة‪.‬‬ ‫إعفاءه من العمل‪ ،‬أو تعوقه أسباب خارجة عن إرادته‪ ،‬ما دون ذلك فليس عندنا‬
‫بأي حال فكرة االستغناء عن عامل ارتبط بالعمل معنا‪..‬‬
‫وهنا البد من وقفة ألنصح أي تاجر أو أي شاب يفكر يف العمل بالتجارة أن‬
‫يصرب عىل أي أزمة أو ضائقة متر به‪ ،‬فالصرب مع االجهتاد يف العمل هو السبيل‬ ‫اكنت ظرو ًفا صعبة للغاية‪ ،‬واكنت مرحلة يف غاية احلرج‪ ،‬مررنا فهيا بأيام‬
‫للنرص والنجاح‪ ،‬أما من جيزع أو يرتاجع أو يقرر اخلروج من السوق مع أول أو‬ ‫مع أرجاء البلد‪،‬‬
‫اكد اليأس فهيا أن يستويل علينا بسبب الشلل التجاري الذي ّ‬
‫ثاين أزمة أو ضائقة متر به؛ فلن جيين إال اخلسارة والندم‪.‬‬ ‫ولوال حسن ظن يف اهلل الرزاق الكرمي‪ ،‬ولوال ثقيت أن اهلل ال يضيع أجر من‬
‫أحسن معال‪ ،‬لوال ذلك هل ّدنا اليأس‪ ،‬وألغلقنا احملالت بالفعل‪..‬‬

‫‪137‬‬ ‫‪136‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫إن التجارة هبا تسعة أعشار الرزق بالفعل‪ ،‬مكا أخربنا الذي ال ينطق عن اهلوى‬
‫ابدأ يومك بـ «بسم اهلل‪ ..‬تولكت عىل اهلل»‪ ،‬وآخر اليوم قل «امحلد هلل»‪..‬‬
‫ﷺ‪ ،‬ولكن بدون صرب وجلد وإرصار كيف لإلنسان أن يتحصل عىل تلك األرباح‬
‫تعامل بأخالق طيبة مع امجليع‪ ،‬واسمتع لآلخرين‪ ،‬من ميدحك ومن ينتقدك‬ ‫واألرزاق؟!‪..‬‬
‫عىل السواء‪ ،‬بل إن أردت النجاح احلقييق املسمتر‪ ،‬فعليك أن تعامل من ينتقدك‬
‫هيا‬
‫اكن سعر التلفزيون األبيض واألسود يرتاوح بني امخلسني والسبعني جن ً‬
‫ويلومك أحسن من معاملتك ملن ميدحك‪ ،‬ألن املدح األجوف ال طائل حقيق ًّيا منه‪ ،‬أما‬
‫هيا)‪ .‬كنا نكسب يف‬‫(مل يكن يزيد سعر أفضل تلفزيون يف ذلك الوقت عن ‪ 70‬جن ً‬
‫االنتقاد فقد تتغري بسببه إىل األحسن‪ ،‬وإىل األمهر‪ ،‬وإىل األجنح‪..‬‬
‫هيا واحدًا فقط‪ ،‬واكن ذلك الرحب الضئيل جيعلنا نبيع لك ما لدينا من‬‫التلفزيون جن ً‬
‫غـ ّيـر من نفسك ً‬
‫أول بأول‪ ،‬فاهلل تعاىل ال يغري ما بقوم حىت يغريوا ما بأنفهسم‪،‬‬ ‫أجهزة يف نفس اليوم تقري ًبا‪..‬‬
‫وسوف ترى كيف سيفتح اهلل عليك أبواب الرزق والربكة‪..‬‬
‫يه نفهسا سياسة مع رزق‪« :‬اكسب قليل‪ ،‬وبيع كتري!»‪..‬‬
‫املهم‪ ،‬أال تتعجل النتاجئ‪ ،‬فاستعجال النتاجئ هو القامص الذي يقيض عىل أي‬ ‫ً‬
‫قرشا (أي ربع‬ ‫أما أجهزة «الاكسيت» فكنا نرحب يف الواحد مخسة وعرشين‬
‫جهد ُيبذل‪..‬‬
‫جنيه فقط!)‬
‫َ‬
‫آم ًنا ِفي ِس ْر ِب ِه‪ُ ،‬م َع ًافى ِفي‬
‫صب َح ِ‬
‫«م ْن أ ْ َ‬
‫هناك حديث رائع للحبيب ﷺ يقول‪َ :‬‬
‫وت َي ْو ِم ِه‪َ ،‬ف َكأَ َّ َ‬ ‫والراديو الصغري مخسة قروش‪..‬‬
‫الدن َْيا بحذافيرها»‪ ..‬أي أنك يف لك‬ ‫نا ِحي َز ْ‬
‫ت َل ُه ُّ‬ ‫بدنه‪ِ ,‬ع ْن َد ُه ُق ُ‬
‫ِ‬
‫يوم مير عليك يف هذه احلياة جتد فيه بيتا آم ًنا يؤويك‪ ،‬وعافية وحصة يف بدنك‪،‬‬ ‫واملروحة اكن الرحب فهيا عرشة قروش فقط‪..‬‬
‫ولقميات تسد هبا جوعك ‪ -‬ومن تعول‪ ،-‬فكأنك ملك امتلك الدنيا مبا فهيا‪!..‬‬ ‫وهكذا اكنت تسري األمور بأرباح قليلة يف السلعة الواحدة‪ ،‬ولكن لوجود مكية‬
‫انطلق مبا آتاك اهلل من نفخة من روح القدس – جل وعال‪ ،-‬وال تقعد عن‬ ‫كبرية من البضاعة ُتباع يوم ًّيا‪ ،‬فلله امحلد والشكر اكن املكسب وف ً‬
‫ريا‪ ،‬فاستطعنا‬
‫احملاوالت الدءوب لتحقيق النجاح األول‪ .‬ستفاجأ بعدها بنجاح يتلوه آخر‪ ،‬مبا‬ ‫بذلك األسلوب أن نقف عىل أقدامنا مرة ثانية‪..‬‬
‫أوتيت من مواهب اكمنة‪..‬‬ ‫كنا جنهتد أكرث وأكرث حىت نعوض تلك الفرتة اليت طالت وحنن نعمل بإيقاع‬
‫نعم‪ ،‬البداية أن حتدد مواهبك‪ ،‬أو عىل األقل موهبتك الرئيسية‪ ،‬هذه يه البداية‬ ‫بيطء للغاية‪ ،‬عكس ما تعودناه قبل هزمية ‪.1967‬‬
‫احلقيقية‪ ..‬ومك يكون رائ ًعا ملستقبل اإلنسان لو اكتشفها مبك ًرا‪ ..‬قد يساعد‬ ‫لقد تع ّودنا يف «العريب» عىل العمل الشاق املسمتر طول الوقت‪ ،‬وقد اكنت‬
‫الوالدان يف ذلك‪ ،‬إن رزقا احلمكة والعمل والبصرية‪ ..‬وقد يسامه املدرسون‪ ،‬إن‬ ‫هذه السلع من األجهزة الكهربائية سب ًبا يف عودة هذا اإليقاع الرسيع للرشكة‬
‫اكن لملدرسة إدارة واعية‪ ،‬وإخالص يف اختيار فريق العمل‪ ،‬وتدريهبم وتأهيلهم‬ ‫مرة أخرى‪.‬‬
‫أول بأول‪ ..‬وقد تساعد فهيا األقدار مبارشة‪ ،‬املرسومة بإتقان من رب علمي‬ ‫ً‬
‫حميط‪ ،‬يوفق من يتجه إليه بقلبه وعقله‪ ،‬ولو بعد حني‪ ..‬مكا حدث ميع يوم رفضت‬ ‫أقول ملن يريد أن يتعمل الدرس األمه يف التجارة ويف الصناعة عىل السواء‪:‬‬
‫االسمترار يف العمل كعامل ُيغلق و ُيغلّف زجاجات العطور‪ ،‬بورشة يف املوسيك‪،‬‬ ‫تولك عىل ربك‪ ،‬وال ختش من الفشل‪ ،‬طاملا تبذل لك ما يف وسعك من أجل‬
‫ً‬
‫واحضا عىل توفيق اهلل لكثري من عباده‪ ،‬ممن‬ ‫ً‬
‫مثال‬ ‫وأنا صغري للغاية‪ ..‬أليس هذا‬ ‫النجاح‪..‬‬
‫يكتشفون مواههبم يف وقت مبكر‪..‬؟!‬ ‫استيقظ مبك ًرا‪ ،‬وال تمن إال وقد أخذت بلك األسباب يف معلك‪..‬‬

‫‪139‬‬ ‫‪138‬‬
‫احلاج محمد العوني مع مجدي محمد العربي وصورة تذكارية مع مجموعة من رجال العربي‬ ‫صورتي بالزي العسكري‪ ،‬حني أديت وحدي اخلدمة‬
‫العسكرية بني كل مواليد سنة ‪.1932‬‬

‫أ‪ .‬علي عبد اجليد وأ‪.‬مجدي محمد واحلاج عبد اجلايد وأ‪.‬عبد اخلالق عطية مع املخرج فهمي عبد احلميد استعداد ًا‬ ‫احلاج محمد يف أحد مكاتب محل املوسكي‪ ..‬مكانه املفضل‬
‫لتصوير إعالنات تليفزيونية للعربي‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الباب الرابع‬
‫مع أخي محمد وأخي عبد اجليد يف محل املوسكي الكبير‪ 12 ،‬شارع جوهر القائد‬
‫أكــــتـــوبــــــــر‪..‬‬
‫وبداية مشوار توشيبا والعربي‪..‬‬

‫‪143‬‬ ‫‪142‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ً‬
‫شيئ عن حقيقة التدريبات واالستعدادات الشاقة املضنية‪ ،‬اخلفية‬ ‫مل نكن ندري‬
‫واجلادة عىل أرض مرص‪ ،‬لتحرير جزء مما احتلته إرسائيل يف حرب يونية‪..‬‬
‫اكنت ذكرى ما حدث أمام عيينّ يف حرب ‪ ،56‬مث ما قرأناه ومسعناه عن‬
‫خسارة جيشنا جلانب كبري من قواته اجلوية الضاربة يف ‪ ،67‬ومع هتاوي احلالة‬
‫املعنوية والنفسية للشعب املرصي‪ ،‬خاصة مع الظروف االقتصادية اخلانقة‪..‬‬
‫اال�ستنزاف‪ ..‬والطريق �إىل �أكتوبر!‬
‫اكنت لك تلك الذكريات املؤملة‪ ،‬تزيد من كآبة الصورة‪ ،‬وجتعلها ُمبِطة للغاية‪،‬‬
‫ست سنوات من الشعور املرير باهلزمية مرت علينا كأهنا ستون سنة‪..‬‬
‫ولقد وصل اإلحباط مقته مع اقرتاب هشر رمضان من عام ‪ ،1973‬وذلك لسبب‬
‫بسيط‪ :‬أننا مل نعد نعرف فرحة باألعياد أو حىت بهشر اخلري والرباكت مع وطأة‬ ‫مل تستطع تلك احلرب الطويلة اليت خاضها جيشنا ببسالة رائعة – بعد إعادة‬
‫الشعور بالذل واهلزمية والعار‪..‬‬ ‫بنائه‪ -‬ضد اجليش اإلرسائييل عقب حرب يونية ‪ ،67‬واليت أطلق علهيا امس‬
‫ً‬ ‫«حرب االستزناف»‪ ،‬مل تستطع أن تنسينا مرارة النكسة‪..‬‬
‫رجل وأنه‪ ..‬وأنه‪..‬‬ ‫كنا نشعر ببلدنا‪ ،‬كرجل اكمل الرجولة يهتمه الناس بأنه ليس‬
‫كذلك اكنت تبدو مرص يف أعني العامل‪ ،‬ذلك البلد العريق‪ ،‬املمتد يف حضارته‬ ‫ريا من الدروس‬‫نعم‪ ،‬لقد استطعنا خالل حرب االستزناف أن نلقن العدو عددًا كب ً‬
‫وتارخيه عرب آالف السنني‪ ،‬اليوم يراها العامل لكه يف صورة بلد ضعيف خائر‬ ‫القاسية‪ ،‬بعد أن استطاع الرئيس عبد النارص البدء يف بناء اجليش املرصي من‬
‫القوى متا ًما!‪ .‬اكن البد من برهان عىل كذب تلك الدعاوى‪ ..‬اكن البد من الب ّينة‪..‬‬ ‫جديد‪ ،‬وإعادة الثقة بنسبة كبرية إىل قادته وجنوده‪ ،‬خاصة تلك العملية العسكرية‬
‫واكنت حرب العارش من رمضان يه تلك البينة‪ ..‬واكن باكء وعويل جولدا مائري‬ ‫الناحجة اليت استطعنا فهيا أن نغرق املدمرة «إيالت» عىل بعد عدة كيلومرتات‬
‫هو ما أكد تلك احلقيقة‪ ،‬أن مرص فتية وقوية‪ ،‬مكا اكنت دو ًما‪..‬‬ ‫من شاطئ بورسعيد‪ ،‬يف أكتوبر من عام‪ .1967‬يومها ُقتل عدد كبري من طامق‬
‫وأيضا اكنت هناك عدة معليات ناحجة أخرى أ ّثرت‬ ‫ً‬ ‫السفينة احلربية اإلرسائيلية‪،‬‬
‫عملت الدنيا لكها‪ ،‬وعرفت دول العامل أن مرص قد يصيهبا الوهن وقد ترتاجع‪،‬‬
‫يف معنويات جيش إرسائيل‪ ،‬ولكن برمغ ذلك؛ فإن مرارة اهلزمية الساحقة اليت‬
‫ولكهنا أبدًا ال ُتقصم‪ ،‬وال يكرسها أحد‪..‬‬
‫لتال من الذاكرة املرصية إال بنرص‬ ‫ُمنينا هبا – يف اخلامس من يونية‪ -‬مل تكن ُ‬
‫ريا فوجئنا يف يوم من أيام هشر‬ ‫ريا حتقق احلمل الذي طال انتظارنا له‪ ..‬أخ ً‬
‫وأخ ً‬ ‫حقييق‪ ،‬نرص شامل جميد يعيد إلينا كرامتنا‪ ،‬وليس جمرد مجموعة معليات‬
‫رمضان املبارك من عام ‪1973‬ببيانات عسكرية صادقة متتالية متدفقة‪ ..‬غنينا مع‬ ‫عسكرية ناحجة‪..‬‬
‫لك شعب مرص‪:‬‬
‫تسل حمك مرص يف بداية عام‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫وطــويل منذ‬ ‫ريا‬
‫لقد حتدث الرئيس السادات كثـ ً‬
‫بسم اهلل‪ ..‬اهلل أكرب بسم اهلل‬ ‫‪ ،1971‬حتدث عن حرب الكرامة‪ ،‬وعن معركة املصري‪ ،‬ولكن مع مرور األيام الثقيلة‬
‫احململة بالوعود‪ ،‬وبدأنا نشعر‬
‫ّ‬ ‫تع ّودنا عىل حديثه املفعم بامحلاس‪ ،‬وألفنا لكامته‬
‫وكب بسم اهلل‬
‫ّ‬ ‫بسم اهلل‪ّ ..‬‬
‫أذن‬ ‫بعدم وجود أمل يف حتريك ذلك الركود عىل ضفاف القناة‪ ،‬خاصة بعد أن مرت‬
‫امحلد هلل‪ ،‬أهنا اكنت بيانات حقيقية واقعية هذه املرة‪ ،‬بيانات مألت اآلفاق‬ ‫ثالث سنوات تقري ًبا من بداية رائسته ملرص دون أن نرضب رضبتنا االنتقامية‬
‫لكها‪ ،‬بأن القوات املرصية استطاعت أن تعرب قناة السويس‪ ،‬وأن حتطم خط‬ ‫املنتظرة‪..‬‬

‫‪145‬‬ ‫‪144‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫لقد أكرمنا اهلل عز وجل بذلك النرص الرائع املجيد‪ ،‬بعد أن ذقنا – ألول مرة‪-‬‬ ‫بارليف‪ ،‬وأن تفسد لك الدفاعات والتكتياكت اإلرسائيلية املنيعة‪.‬‬
‫روعة العمل امجلايع عىل مستوى مرص لكها‪ ،‬حيث حتالف اجليش مع الشعب‬
‫لقد قالت تلك البيانات – الصادقة‪ -‬إن الطلعات اجلوية للطريان املرصي قد‬
‫مع احلكومة لتوجيه رضبة انتقامية للجيش اإلرسائييل املغرور املتغطرس‪..‬‬
‫رضبت الكثري من األهداف اإلرسائيلية يف العمق‪ ،‬ومنعت العرشات من طائرات‬
‫ريا عاد االحرتام والتقدير ملرص بعد افتقادمها لسنوات طويلة‪.‬‬
‫أخ ً‬ ‫العدو أن تغادر أرايض مطاراهتا‪ .‬وإن اجليش املرصي حطم أسطورة اجليش‬
‫اإلرسائييل الذي ال ُيقهر يف ست ساعات فقط‪!..‬‬
‫وجيب علينا إن أردنا أن نشكر اهلل تعاىل عىل ذلك النرص العظمي أن‬
‫نذكر الفضل للناس الذين قاموا به‪ ،‬بغض النظر عن درجة أداء لك مهنم‪ ،‬وعن‬ ‫ريا حق لنا أن نفرح بنرص حقييق‪ ..‬بسم اهلل‪ ..‬اهلل أكرب‪ ..‬بسم اهلل بسم‬
‫أخ ً‬
‫االختالفات اليت حدثت بعد ذلك‪ ،‬مفن مل يشكر الناس مل يشكر اهلل‪ ..‬رمح اهلل‬ ‫اهلل‪.‬‬
‫الرئيس السادات‪ ،‬والفريق سعد الدين الشاذيل‪ ،‬واملشري أمحد إمساعيل‪ ،‬والفريق‬
‫استنجدت جولدا مائري رئيسة الوزراء اإلرسائيلية حبليفهتا الدامئة الواليات‬
‫امجليس‪ ،‬ولك قائد أو ضابط أو جندي شارك يف ذلك النرص العظمي‪.‬‬
‫املتحدة‪ ،‬وبكت يف اهلاتف لنيكسون قائلة له بعد ساعات قليلة من بداية رضبات‬
‫جزامه اهلل عنا خري اجلزاء‪ ،‬فقد أعادوا لنا الروح واألمل والثقة‪ ،‬بعد أن كدنا‬ ‫أكتوبر القامصة للجيش اإلرسائييل‪« :‬إن مل تدركونا برسعة‪ ،‬فستنهتي إرسائيل‪،‬‬
‫نفقدها متا ًما‪..‬‬ ‫ولألبد‪.»!..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫أيضا عىل القوات اإلرسائيلية يف منطقة‬ ‫ً‬ ‫لقد قامت القوات السورية باهلجوم‬
‫الزعيم ال�سادات‪ ..‬وبور�سعيد البا�سلة!‬ ‫اجلوالن اليت اح ُتلت عام ‪ ،67‬وقد حقق السوريون انتصارات رسيعة جعلت القوات‬
‫اإلرسائيلية ترتحن أمام هاتني املفاجأتني الصاعقتني‪ ،‬ولوال اإلمدادات الرسيعة‬
‫زيا لخشص الزعمي السادات ألنه صاحب قرار حرب أكتوبر فقط‪ ،‬بل‬ ‫لست متح ً‬
‫اليت قدمهتا أمرياك ملساندة الدولة الباغية املُدللة ملا قامت للدولة اإلرسائيلية قامئة‬
‫أيضا محل يف خشصيته املرصية الطيبة األصيلة املؤمنة‪ ،‬الكثري من الصفات‬ ‫ألنه ً‬
‫بعد تلك احلرب املباركة املباغتة‪ ،‬اليت أذاقت العدو اإلرسائييل مرارة اهلزمية‪.‬‬
‫التحي لبساطته املمزوجة بدهاء سيايس‬‫ّ‬ ‫النبيلة اليت تدفع املرء إىل حبه وإىل‬
‫معيق‪..‬‬ ‫لقد نيس املرصيون َّ‬
‫لك ما اكنوا فيه من ظروف اقتصادية قاسية عىل لك‬
‫املستويات‪ .‬واجمتعوا حول هدف واحد‪ :‬نرصة قواهتم املسلحة الباسلة‪ ،‬ورد‬
‫ّ‬
‫يمتي – رمحه اهلل‪ -‬بوطنيته الشديدة‪ ،‬وبعشقه لرتاب هذا البلد‪ ..‬وبساطة‬ ‫اكن‬
‫مجيلهم الكبري‪.‬‬
‫ابن البلد‪.‬‬
‫ولقد رأينا كيف اكنت مقاومة املرصيني املدنيني الرائعة يف السويس بقيادة‬
‫من عاش أيام السادات‪ ،‬ورآه كيف يتعامل مع امجليع بأسلوب ابن الريف‬
‫الشيخ حافظ سالمة‪ ،‬ولك أهل السويس البواسل‪ ،‬كيف اكنوا سب ًبا يف كرس‬
‫األصيل‪ ،‬اكن البد أن ُيعجب بخشصيته‪..‬‬
‫شوكة القوات اإلرسائيلية بقيادة إريل شارون‪ ،‬ومنعها من دخول املدينة الباسلة‬
‫مك أجعبين وفاؤه لقريته «ميت أبو الكوم» وألهلها‪ ،‬حىت ح ّوهلا إىل قرية‬ ‫متا ًما‪ ،‬بعد عن عربوا القناة عن طريق ثغرة «الدفرسوار»‪..‬‬
‫مرشفة‪ .‬مل يكن السادات يتكرب عىل أح ٍد من أقاربه‪ ،‬بل اكن با ًّرا هبم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫منوذجية‬
‫مل يكن النرص ليأخذ هذا البعد العظمي‪ ،‬لوال تاكتف اجلهبة الداخلية ومساندهتا‬
‫واكن با ًّرا وف ًّيا كذلك ألصدقائه ومعارفه الذين أحسنوا إليه يف املايض‪ ،‬قبل أن‬
‫للقوات املسلحة‪..‬‬
‫يكون الرجل األول يف مرص‪.‬‬

‫‪147‬‬ ‫‪146‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫بإحضار ُمص ّور جاره من بيته‪ ،‬فقد اكن الوقت مبك ًرا‪ ،‬ومل يفتح حمله بعد‪ ،‬فقال‬ ‫ريا يف بورسعيد ‪ -‬يف شارع امجلهورية‪ -‬عام ‪،1977‬‬ ‫ًّ‬
‫حمل كب ً‬ ‫حني استأجرنا‬
‫قليل عن أحوال بورسعيد وأهلها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫له السادات‪ :‬موافق‪ ،‬بس برشط أن حتيك يل‬ ‫أي بعد سنة من بدء العمل يف بورسعيد مكنطقة حرة يف يناير ‪ ،1976‬وبعد‬
‫ّ‬
‫عيل‪..‬‬ ‫قبل أن يتجمع الناس‬ ‫االنفتاح االقتصادي بثالث سنوات‪ ،‬اكن مدير مباحث بورسعيد قد صار صدي ًقا‬
‫أليخ عبد اجليد‪ ،‬وحني جاءه يف صباح أحد األيام ليجلس معه لبعض الوقت‪،‬‬
‫وبالفعل استأنس الرئيس السادات بكالم ذلك الرجل البسيط‪ ،‬مث ال ُتقطت‬
‫فوجئ بعدد من املخربين يرسعون حنوه‪ ،‬وخيربونه أن الرئيس السادات موجود‬
‫الصورة هلام‪.‬‬
‫يف مقهى «الصحافة»‪ ،‬املوجود حىت اليوم‪ ،‬أمام كنيسة ماري جرجس بشارع‬
‫أحب السادات مدينة بورسعيد بشلك خاص‪ ،‬واكن قراره بتحويلها مدينة‬ ‫لقد َّ‬ ‫دمحم عيل يف قلب املدينة الباسلة‪.‬‬
‫ً‬
‫جشاعا وجريئ‪ ،‬وقد استفاد أهل بورسعيد من حتويلها إىل مدينة حرة‬
‫ً‬ ‫حرة قرا ًرا‬
‫مفزعا بالطبع‪ ،‬مل يصدقه الرجل ألول وهلة‪ :‬رئيس امجلهورية جيلس‬
‫ً‬ ‫ربا‬
‫اكن خ ً‬
‫لسنوات طويلة‪ ،‬ولكن األخطاء الكربى اكنت تمكن يف التخطيط العشوايئ‪ ،‬وعدم‬
‫ً‬ ‫عىل مقهى!!‪..‬‬
‫وأيضا يف التجاوزات القانونية يف موضوع امجلارك‪ ،‬وصور‬ ‫التمنية االحرتافية‪،‬‬
‫الهترب والتحايل العديدة اليت انترشت حىت قضت عىل مزايا القرار‪..‬‬ ‫لقد ظن مدير املباحث أن اضطرا ًبا يف عقول املخربين صـ ّور هلم ذلك األمر‬
‫غري املعقول أبدًا!‪ ،‬ولكهنم اكنوا جادين وصادقني متا ًما‪ ،‬فأرسع هيرول حنو ذلك‬
‫يف رأيي‪ ،‬أن أكرب خطأ وقع فيه جتار بورسعيد (وهو ما نصحهتم مرا ًرا‬
‫املقهى‪ ،‬ليتأكد بنفسه‪..‬‬
‫بشأنه) هو عدم استفادة أحصاب التوكيالت والعالمات التجارية يف بورسعيد‬
‫بإنشاء مصانع لتلك املنتجات وتلك العالمات يف هذه املدينة امجليلة‪ ،‬فالتجارة فقط‬ ‫بالفعل اكن الرئيس السادات هناك‪ ،‬فقد أخذ سيارته الفولكس الصغرية وانطلق‬
‫تعمتد يف غالهبا عىل الغري‪ ،‬ويه غري مستقرة وغري آمنة‪ ،‬متغرية ومتقلبة حبسب‬ ‫من اسرتاحته اخلاصة باإلمساعيلية‪ ،‬وذهب إىل ذلك املقهى الذي اكنت له فيه‬
‫تغي الظروف السياسية واالجمتاعية واالقتصادية العاملية واحمللية‪ ،‬أما التصنيع‬‫ّ‬ ‫ذكريات قدمية أيام اكن هار ًبا من قضية مقتل أمني عمثان‪ ،‬وزير املالية يف حكومة‬
‫املرتبط بالتجارة والتسويق ففيه اخلري لكه‪ ،‬وهو أكرث ثباتا واتزانا واستقاللية‪،‬‬ ‫رئيسا للجمهورية‪ ،‬ولكنه اكن‬‫ً‬ ‫الوفد‪ ،‬ولذلك اكن يرتدد علهيا حىت بعد أن أصبح‬
‫وفيه فوائد متعددة ومتعدية لآلالف من العاملني ورشاكء النجاح‪..‬‬ ‫يرسع هار ًبا مبجرد أن يتع ّرف هيلع الناس‪ ،‬ويبدءوا يف التوافد هيلع ليح ّيوه‪ ،‬أو‬
‫ليلتقطوا صو ًرا معه‪..‬‬
‫أخوي وأبنائنا وبناتنا من‬
‫ّ‬ ‫إن بورسعيد هلا ماكنة خاصة يف قليب ويف قلوب‬
‫اجليل الثاين لكه‪ ،‬منذ افتتحنا هبا متجرنا هناك‪ ،‬ولنا فهيا مع أهلها الطيبني‬ ‫أيضا مسعنا قصة طريفة من أحد أبناء شعب بورسعيد احلبيبة‪ ،‬اكن يعمل‬ ‫ً‬
‫وأصدقائنا هناك ذكريات مجيلة للغاية‪ .‬حقيقة‪ ،‬لك عائلة «العريب» تعترب بورسعيد‬ ‫صا مجرك ًّيا‪ .‬اكن يمتىش يف أحد األيام عىل البحر‪ ،‬وذلك بعد عودة أهل‬ ‫ُملّ ً‬
‫موط ًنا ثان ًيا‪ ،‬قىض فهيا أبناؤنا وبناتنا أياما وليايل يف سعادة وامطئنان خاصة‬ ‫ً‬
‫مشيـة‬ ‫بورسعيد ملدينهتم الباسلة‪ ،‬ففوجئ بالرئيس السادات يسري إىل جواره‬
‫يف إجازات الصيف‪ .‬إهنا امتداد طبييع لنجاحنا الكبري واستقرارنا يف القاهرة‪،‬‬ ‫رياضيـة‪ ،‬مرتد ًيا نظارة سوداء‪ .‬مل يصدق الرجل البورسعيدي نفسه‪ ،‬وقال‬
‫وليست جمرد مدينة باسلة اكنت سب ًبا يف خري واسع لنا عىل مدار سنوات طويلة‪..‬‬ ‫للسادات بتلقائية‪« :‬أنا مش مصدق عيينّ ‪ ،‬مش انت «األستاذ» أنور السادات‪،‬‬
‫أتذكر مرة وأنا يف احلرم ّ‬ ‫رئيس امجلهورية؟!»‪.‬‬
‫املك ألداء مناسك العمرة أن اقرتب مين أحد أبناء‬
‫بورسعيد‪ ،‬وأخربين ‪ -‬بلكنهتم املمزية‪ -‬أنه ألول مرة يأيت إىل مكة‪ ،‬وال يعرف ماذا‬ ‫حضك الرئيس‪ ،‬وأجابه ببساطة أنه بالفعل رئيس امجلهورية‪ .‬فقال له الرجل‬
‫هيلع أن يقول وأن يفعل أثناء العمرة‪ .‬اكن قد الحظ أن هناك مجموعة من املعمترين‬ ‫وتوسل إليه أن ينتظر حىت يرسع‬
‫ّ‬ ‫إنه لن يرتكه يرحل قبل أن يلتقط صورة معه‪،‬‬

‫‪149‬‬ ‫‪148‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ثنايا العمل أثناء ذلك التطبيق‪ ،‬إال أن ذلك اكن واردًا مع أية قيادة أخرى ال ترتكز‬ ‫– من األصدقاء واألهل‪ -‬من حويل يرددون ورايئ ما أقوله من أدعية وأذاكر‪ ،‬فظن‬
‫يف احلمك عىل أسس عملية وتمنوية حقيقية‪ ،‬وبطهارة يد وشفافية اكملة من لك‬ ‫الرجل أين ُمط ّوف حمرتف!‪ .‬قلت له‪« :‬طيب خليك معانا‪ ،‬وقول اليل باقوله‪ ،‬بس انا‬
‫املسوئلني‪ ،‬وبرغبة حقيقية يف حماربة لك أشاكل الفساد‪..‬‬ ‫باخد مائة ريال!»‪ ،‬فصدق البورسعيدي الطيب‪ ،‬ووافق عىل العرض‪..‬‬
‫إن أمه رشط لنجاح أي معلية تمنية كربى يف بلد ما هو أن يمت تطهري لك‬ ‫بعد االنهتاء من املناسك‪ ،‬اقرتب مين الرجل وبيده مائة ريال وناوهلا يل‪،‬‬
‫الكوادر الكبرية من الفساد‪ ،‬حفيمنا تتطهر املواقع القيادية‪ ،‬ويصبح من فهيا عىل‬ ‫فسألته‪« :‬إيه دول؟»‪ .‬فقال‪« :‬أجرك اليل طلبته يا حاج»‪ .‬قلت له‪« :‬انت ما تعرفنيش‬
‫مستوى املسوئلية ونظافة اليد املطلوبة‪ ،‬بالتأكيد سيبدءون مه ً‬
‫أيضا يف تطهري لك‬ ‫خالص؟»‪ .‬فأنكر‪ .‬فقلت له‪« :‬أنا العريب‪ ..‬محمود العريب»‪ .‬فقال يل جبدية‪« :‬آآآه‪..‬‬
‫الكوادر من حتهتم‪ ..‬وهكذا‪..‬‬ ‫انت تقرب البو العريب اليل حاول يقتل الر ّيس؟!»‪ .‬اكن يقصد ذلك الرجل الذي‬
‫اخرتق موكب الرئيس السابق حسين مبارك يف بورسعيد‪ ،‬واهتموه مبحاولة‬
‫لكننا جيب أن نذكر أن أحوال مرص– بال شك‪ -‬قد حتسنت اقتصاد ًّيا بشلك‬
‫اغتياله‪..‬‬
‫كبري بعد ذلك االنفتاح‪ ،‬فأصبحت لدينا بنية أساسية جتارية وصناعية مبفهوم‬
‫واسع‪ ،‬مما شارك يف خلق صورة مرص ما بعد أكتوبر‪ .‬واألمه‪ ،‬أصبحت لدينا‬ ‫حضكت‪ ،‬وقلت له‪« :‬أل يا سيدي‪ ،‬انا ماليش دعوة باحلاكية دي خالص‪ ،‬أنا‬
‫تلك التجربة الرثية العميقة‪ ،‬اليت جيب أن ندرهسا بعمق‪ ،‬لنستفيد مهنا‪ ،‬لصاحل‬ ‫محمود العريب بتاع توشيبا»‪.‬‬
‫األجيال املرصية القادمة‪.‬‬
‫فرحا‪ ،‬وقال إنه يعرف حملنا يف بورسعيد‪ ،‬وإنه زبون لنا‪ ،‬وأعاد‬
‫ً‬ ‫هلّل الرجل‬
‫املهم‪ ،‬سارع أغلب التجار الكبار للحصول عىل توكيالت عاملية مع بداية االنفتاح‬ ‫املائة ريال جليبه وهو يف غاية الرسور!‪ .‬وقد جاءتين األخبار بعد ذلك أنه ذهب‬
‫االقتصادي يف ‪..1974‬‬ ‫إىل احملل يف بورسعيد‪ ،‬وحىك للقامئني هيلع هذه القصة‪ ،‬وهو فرح للغاية من‬
‫يف تلك األثناء‪ ،‬جاءنا تاجر من األردن‪ ،‬اكن وكي ً‬ ‫تلك الدعابة يف بيت اهلل احلرام‪.‬‬
‫ال ملاركة «سانيو» يف منطقة‬
‫الرشق األوسط‪ ،‬ليعرض علينا أن نتعاون معه يف تسويق وبيع منتجاهتا اليابانية‬ ‫٭٭٭‬
‫يف مرص‪ ،‬ولكن من خالله هو‪ ،‬ودون تواصل مبارشة بيننا وبني الرشكة يف‬ ‫االن ـفـتـ ـ ــاح‪..‬‬
‫أخوي‪ ،‬رفضنا ذلك العرض‪ ،‬فقد كنا‬ ‫ّ‬ ‫اليابان‪ .‬بعد اجمتاعات ومشورة بيين وبني‬ ‫بعد وقف إطالق النار‪ ،‬وجنوح الرئيس السادات للسالم من موقع قوة‪ ،‬اكن لدى‬
‫نتوق للحصول عىل توكيل ياباين خاص بنا‪ ،‬بعد أن شاهدنا إقبال الناس يف‬ ‫الكثري من املرصيني محاس خضم للعمل عىل تعويض ما فاهتم‪.‬‬
‫مرص عىل املنتجات اليابانية‪ ،‬حيث وجدوا فهيا دقة الصناعة‪ ،‬وجودة اإلنتاج‪،‬‬
‫وطول العمر‪..‬‬ ‫أخوي وقهتا برغبة عارمة يف استهناض لك اهلمم من حولنا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫شعرت مع‬
‫وحتفزيها حىت نبدأ من جديد‪ ،‬وامحلد هلل أننا بدأنا بالفعل يف تنفيذ ذلك األمر‪..‬‬
‫أيضا‪ ،‬إىل جانب معله كوكيل لسانيو‪ ،‬اكن ذلك التاجر ميتلك مصن ًعا للبالستيك‬
‫يف العامصة األردنية‪ ،‬مث أقام مصن ًعا للبالستيك يف شربا‪ ،‬باستخدام ماكينات‬ ‫لقد مدت دول العامل – رش ًقا وغر ًبا‪ -‬أيدهيا ملرص بعد انهتاء احلرب‪ ،‬بغرض‬
‫واسمطبات قدمية‪ .‬جاء إلينا يف املوسيك بعد أن دلّه أحصابه عىل طريقنا‪،‬‬ ‫التعاون معنا يف املجاالت اكفة‪ ،‬ومل يرتدد الرئيس السادات‪ ،‬بل قرر أن خيوض‬
‫رصف له‬ ‫جتربة االنفتاح االقتصادي‪..‬‬
‫بقوهلم‪«:‬العريب هو هشبندر جتار مرص»‪ ،‬وأكدوا أننا من يستطيع أن ُي ّ‬
‫منتجات مصنعه‪ .‬وبالفعل ساعدناه يف توزيع بضاعته يف سائر حمافظات مرص‪،‬‬ ‫حقيقة‪ ،‬حدثت أثناء تطبيق سياسة االنفتاح جتاوزات عديدة‪ ،‬ودبت عشوائية يف‬

‫‪151‬‬ ‫‪150‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫حلصل مثن البضاعة من البنك‪ ،‬وال‬


‫ّ‬ ‫وبالتايل لو كنت قد و ّق ُ‬
‫عت للرجل عىل األوراق‬ ‫وبإيقاع رسيع مل يكن يتوقعه أبدا‪ .‬إهنا أحد أمه أرسار جناح «العريب»‪ :‬القدرة‬
‫حنصل حنن عىل أي يشء‪!..‬‬ ‫عىل الوصول للتجار يف لك بقاع مرص‪ ،‬وهلل امحلد‪..‬‬
‫مل تكن املسألة سوى معلية نصب ُممكة من رجل ّ‬
‫مطاع عدمي البصرية‪ ،‬بعد‬ ‫بعد هشور جاءين ليخربين بوصول حشنة من البضاعة‪ ،‬عبارة عن أجهزة‬
‫ريا‪..‬‬
‫أن وثقنا فيه لألسف‪ ،‬وساعدناه يف مرص كث ً‬ ‫تلفزيون وراديو اكسيت‪ ،‬لكها ماركة «سانيو»‪ ،‬وصلت إىل ميناء اإلسكندرية‪..‬‬
‫عيل أية ردود فعل مضطربة أو غاضبة‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫وضعت مساعة اهلاتف‪ ،‬ومل تظهر‬ ‫اكن مثن تلك الحشنة تقري ًبا ثالثة ماليني جنيه‪..‬‬
‫جلست يف منهتى اهلدوء والثقة‪ .‬مث قال يل التاجر األردين يف قلق واضطراب‪،‬‬
‫قال يل‪« :‬لو اشرتيت الحشنة دي‪ ،‬حتكون فرصة حصولك عىل التوكيل كبرية‬
‫وهو ينظر إىل الساعة مث إىل وجهي اهلادئ‪« :‬مش حاتو ّقع عىل األوراق يا حاج؟‬
‫يا حاج محمود‪ ،‬بالرشط اليل انت عايزه»‪ ..‬عاد ليتحدث إلينا للحصول عىل‬
‫الطيارة بايق علهيا ساعة ونصف‪ ،‬والزم أرصف املبلغ برسعة»‪ ..‬سألته‪« :‬أي‬
‫التوكيل بشلك مبارش ال وساطة ألحد فيه‪ ،‬فقررنا رشاء الحشنة لكها‪ ،‬فقد اكن‬
‫مبلغ؟»‪ ..‬قال‪« :‬مثن الحشنة»‪ ..‬قلت له هبدوء‪« :‬حشنة إيه؟!»‪ ..‬قال يل‪« :‬إيه يا‬ ‫ً‬
‫متعطشا ملا فهيا‪..‬‬ ‫السوق‬
‫حاج محمود؟ البضاعة اليل يف مينا اسكندرية‪.»..‬‬
‫بسبب العجز يف موارد مرص من العمالت األجنبية يف ذلك الوقت‪ ،‬اكن من‬
‫هنا قلت بصوت ثابت‪« :‬لكن البضاعة دي مش بإمسي‪ ،‬البوليصة بتاعهتا بامس‬
‫الصعب العمل بطريقة فتح االعمتاد املستندي‪ ،‬فاكن التاجر يسملنا البضاعة‬
‫واحد تاين خالص!‪ ،‬بإمس زميلنا‪ ..‬فالن!!»‪.‬‬
‫ويأخذ المثن نق ّدًا‪ ،‬أو حن ّوله حلسابه يف البنك‪..‬‬
‫صاح الرجل‪« :‬إزاي‪ ،‬مني قال كدا؟»‪ ..‬أجبته بلك هدوء‪« :‬أخويا عبد اجليد‬
‫شعرت بعدم االمطئنان لسبب ال أفهمه حني جاء وقت تسلمي مثن الحشنة‪،‬‬
‫دلوقيت يف املينا ف اسكندرية‪ ،‬وهو اليل اكن معايا عىل التليفون من شوية‪ ،‬وقال‬
‫فاتفقت مع أيخ عبد اجليد أن يسافر يف احلال إىل اإلسكندرية ليتأكد من سالمة‬
‫يل لك اليل مسعته مين دلوقيت»‪..‬‬
‫أوراق وبوالص الحشن يف امليناء‪..‬‬
‫وتلعمث التاجر‪ ،‬وراح ينطق بلكامت ال معىن هلا‪ ..‬فقلت له‪« :‬إن مل تأتين تلك‬
‫وسافر عبد اجليد بالفعل‪ ،‬واتفقنا أن يتصل يب قبل الساعة ‪ 12‬ظه ًرا‪ ،‬ليخربين‬
‫البضاعة‪ ،‬فسأبلغ النيابة‪ ،‬البضاعة دي إما حتوهلا المس العريب‪ ،‬وإال حاجسنك‬
‫حبقيقة األمر‪ ،‬وهو موعد حتويل قمية مثن الحشنة إىل حساب ذلك التاجر‪.‬‬
‫انت ولك اليل اتواطوئا معاك يف العملية دي‪.»!..‬‬
‫قبل املوعد بدقائق معدودة جاءين االتصال عىل تليفون مكتب مدير بنك‬
‫ً‬
‫تنازل واحضا عىل ظهر بوليصة الحشن أمام مدير البنك‪،‬‬ ‫وبالفعل كتب لنا‬
‫«أبو ظيب» يف ميدان «سلميان باشا» بوسط القاهرة‪ ،‬يف نفس الوقت الذي‬
‫واستطعنا إخراج الحشنة بعد دفع قمية امجلارك اكملة‪ ،‬ووصلت البضاعة إىل‬ ‫ّ‬
‫عيل من أجل التوقيع يك حيصل عىل سعر الحشنة‪،‬‬ ‫اكن التاجر األردين ُيلح فيه‬
‫خمازننا‪ ،‬وبعناها لكها برحب جيد ج ّدًا‪ ،‬وامحلد هلل‪ ..‬واختىف هذا الخشص من‬
‫ريا‪..‬‬
‫ولكين كنت أنتظر اتصال عبد اجليد‪ ،‬الذي تأخر كث ً‬
‫مرص بعدها متاما‪.‬‬
‫ً‬
‫حامل مفاجأة من العيار الثقيل‪..‬‬ ‫جاء صوته مضطر ًبا‪،‬‬
‫ً‬
‫هائل لنا مجي ًعا‪ ،‬تعملنا منه املزيد من احلرص واألخذ بلك أسباب‬ ‫درسا‬
‫ً‬ ‫اكن‬
‫االحتياط واحلذر‪ ،‬عند التعاقد عىل صفقات جتارية كبرية‪.‬‬ ‫لقد عمل أيخ أن بوليصة الحشن اليت وصلت مع البضاعة ليست بامس‬
‫محمود إبراهمي العريب‪ ،‬إمنا اكن قد حوهلا إىل امس أحد التجار الذين أعرفهم‪،‬‬
‫٭٭٭‬

‫‪153‬‬ ‫‪152‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الواكلة‪ ،‬مهام بلغ من الرثاء‪ ،‬أو من جحم التعامالت‪..‬‬ ‫�أندو‪ ..‬و«العربي»‪ ..‬و‪ ..‬املو�سكي!‬
‫اكنت فكرته ببساطة أننا سنكون الوكيل األصلح واألمثل لتوشيبا‪ ،‬مبا لدينا‬ ‫يف بداية السبعينيات‪ ،‬تعرفنا عىل منوذج آخر من الرجال‪ ..‬ياباين ُيدىع‬
‫من معرفة معيقة خببايا املوسيك‪ ،‬ومبا لدينا من تواجد مكثف يف لك حمافظات‬ ‫«شيجريو أندو»‪ ،‬اكن قد جاء ملرص لدراسة اللغة العربية يف اجلامعة‪ .‬اكن يزورنا‬
‫مرص‪ ،‬من خالل زبائننا التجار الذين يتوافدون لك يوم بكثافة كبرية عىل حمله‪،‬‬ ‫بانتظام يف املوسيك يف نفس الوقت الذي كنا نبحث فيه عن توكيل كبري لنحصل‬
‫يشرتون لك ما حيتاجونه من بضاعة‪ ،‬بأسعار مناسبة للغاية‪ ،‬ويلقون معاملة‬ ‫ً‬
‫مبعوثا‬ ‫هيلع‪ ،‬وال نعرف كيف السبيل إىل ذلك‪ .‬مث اكتشفنا بعد ذلك أن أندو اكن‬
‫حسنة‪ .‬ولكن عىل اجلانب اآلخر‪ ،‬اكن إقناع املسوئلني يف توشيبا بذلك أم ًرا يف‬ ‫وأيضا لدراسة السوق يف مرص لبدء‬ ‫ً‬ ‫من رشكة «توشيبا» لدراسة اللغة العربية‪،‬‬
‫غاية الصعوبة‪..‬‬ ‫ً‬
‫وكيل لتوشيبا‬ ‫نشاط جتاري بني توشيبا وبني كيان جتاري مرصي يصلح ليكون‬
‫يف مرص‪ .‬واكن يهني – يف نفس الوقت‪ -‬اتفاقات تبادل جتاري بني توشيبا وبني‬
‫كنت أالحظ أن مسرت أندو يراقب لك ما حيدث عندنا‪ ،‬وكأنه يص ّوره بعينيه‪،‬‬
‫ً‬ ‫فض ً‬ ‫رشكة مرص لألسواق احلرة‪.‬‬
‫أيضا!‪ .‬اكنت توشيبا تعمل يف ذلك الوقت يف‬ ‫ال عن تصويره له بالاكمريا‬
‫السوق املرصي عن طريق بعض التجار‪ ،‬مكوزعني فقط‪ ،‬ومل تكن قد استقرت عىل‬ ‫اكنت البداية‪ ،‬حني مسع مسرت أندو عنا أثناء جتواله املسمتر يف سوق املوسيك‪،‬‬
‫أهيم يصلح كوكيل‪.‬‬ ‫واكن لوقع أغنية اإلعالن الهشري‪ ،‬والذي احتوى عبارة «العريب باملوسيك‬
‫واملوسيك بالعريب»‪ ،‬اكن لوقعه وانتشاره أثر كبري هيلع مكا حىك لنا فميا بعد؛‬
‫ذات يوم أخربين أندو أن هناك «رسالة مراوح» عبارة عن عرشة آالف مروحة‬
‫حيث بدأ يسىع بشغف للتعرف عىل هؤالء الذين يتغىن األطفال بامسهم‪ ،‬وقرنوا‬
‫«توشيبا» قادمة إىل مرص يف البحر‪ ،‬وذكر يل امس الخشص الذي استورد‬
‫دو ًما بني امسهم وبني «املوسيك»‪..‬‬
‫تلك الرسالة‪ ،‬وقال‪« :‬هل ممكن تاخدوا الحشنة دي حلسابمك يا حاج محمود؟»‪.‬‬
‫مل أتردد‪ ،‬سارعت إىل ذلك الخشص واشرتيت منه المكية لكها‪ .‬وبعناها لكها –‬ ‫اكنت توشيبا قد اختارت ألندو اجلامعة األمريكية ليدرس فهيا‪ ،‬فاكن يأيت‬
‫بفضل اهلل‪ -‬برسعة جعيبة‪ .‬اكنت مراوح من ذلك املوديل الذي حيتوي عىل ملبة‬ ‫إلينا بعد أن يهني دراسته ليجلس معنا‪ ،‬فنتحدث يف أدق أمور التجارة وحركة‬
‫ً‬
‫هائل يف مرص (أذكر رمق املوديل‬ ‫جناحا‬
‫ً‬ ‫لإلضاءة يف الليل‪ .‬ولقد جنح ذلك املوديل‬ ‫البيع يف أسواق مرص لكها‪ ،‬واكنت له نظرة ثاقبة ألحوال االقتصاد املرصي‪،‬‬
‫حىت اآلن‪ ،ES20( :‬بل ويف السوق العريب لكه‪ ،‬وقد اكن ذاك املوديل من املراوح‬ ‫واكن يعمل أن التجارة مع احملافظات يف المشال واجلنوب يه رس أرسار جناح‬
‫سب ًبا يف خري ورزق كبري‪ ،‬حيث استطعنا بفضل اهلل بيع مكيات كبرية منه عىل‬ ‫تاجر امجللة‪ .‬اكن أندو خفيف الظل وذك ًّيا‪ ،‬وذا قدرات اتصالية واسعة‪ ،‬لذا كسب‬
‫مدار سنوات عديدة‪.‬‬ ‫أخوي دمحم وعبد اجليد برسعة‪ ،‬وحدث تآلف معيق فميا بيننا؛‬
‫ّ‬ ‫صداقيت وصداقة‬
‫وقد اسمترت صداقتنا به حىت كتابة هذه السطور‪.‬‬
‫كنت أعرف عن الكثري من الحشنات التجارية اليت تصل من توشيبا إىل التجار‬
‫عن طريق صديقنا املخلص أندو (كأنه رزق ساقه اهلل تعاىل إلينا‪.)..‬‬ ‫أخربته بقصيت يف املوسيك منذ جئت من القرية‪ ،‬وكيف بدأت بالعمل يف حمل‬
‫ً‬ ‫مع رزق – رمحه اهلل‪ -‬مث انتقايل إىل حمل النرص‪ ،‬وكيف بدأنا العمل بعد ذلك‬
‫مثل‪ ،‬أخربين مرة أخرى أن هناك موز ًّعا آخر قد اشرتى من توشيبا اليابان‬
‫من خالل رشكة «العريب»‪.‬‬
‫مائتني ومخسني جهاز تلفزيون ‪ 14‬بوصة أبيض وأسود‪ ،‬وذهبت إىل ذلك التاجر‪،‬‬
‫واشرتيت منه أجهزة التلفزيون‪ ،‬ومقنا ببيعها لكها‪.‬‬ ‫ومع الوقت‪ ،‬أصبح لدى أندو يقني أننا أفضل من يصلح للحصول عىل توكيل‬
‫توشيبا يف مرص‪ ،‬اكن يرغب يف ذلك أكرث من أن حيصل أي تاجر آخر عىل تلك‬
‫مل تتغري سياستنا‪ :‬يكفينا جنيه واح ٌد مككسب يف التلفزيون‪..‬‬

‫‪155‬‬ ‫‪154‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫طريقة العرض‪ ،‬طاملا بدأنا طريق التعامالت التجارية االحرتافية‪ ،‬ومع رشاكت‬ ‫ومع لك معلية جديدة‪ ،‬ومع لك صفقة جتارية من منتجات توشيبا‪ ،‬اكنت قناعيت‬
‫عاملية بقدر «توشيبا»‪..‬‬ ‫بامس «توشيبا» تزداد‪ ،‬ولقد أثبتت األيام حسن ظننا بتوشيبا‪ ،‬مكا أثبتت األيام‬
‫حسن ظن «أندو» بنا‪ ،‬وامحلد هلل‪..‬‬
‫سافر أندو إلهيم يف اليابان‪ ،‬وأكد هلم أن «العريب» هو فقط القادر عىل إجناح‬
‫منتجات توشيبا يف السوق املرصي‪ ،‬يف ظل املنافسة الرشسة مع ناشيونال وسانيو‪..‬‬ ‫اكن مسرت أندو حيرض أثناء قيامنا ببيع أجهزة توشيبا يف تلك الحشنات‪،‬‬
‫وأضاف‪ :‬إن أي وكيل آخر لن يقدم لتوشيبا ما سوف نقدمه هلا‪ ،‬وأن حبهثم عن‬ ‫ويقوم بتصوير الزبائن ومه ُيقبلون ويزتامحون عىل رشاء املراوح والتلفزيونات‪..‬‬
‫ً‬
‫شيئ‬ ‫وكيل ذي مكتب خفم يف وسط املدينة أو يف مرص اجلديدة ال يفيد «توشيبا»‬
‫وبعد أن تأكد أندو من سالمة رؤيته‪ ،‬رحشنا ملسوئيل توشيبا يك نكون وكالءمه‬
‫يف الوقت احلايل‪ ،‬بل ما يفيدها هو وكيل مثل «العريب» من أنشط التجار يف‬
‫يف مرص‪ ،‬فأرسلوا مندوبني من اليابان ليعاينوا ماكن معلنا‪..‬‬
‫«املوسيك» أكرب سوق جتاري يف مرص لكها‪ّ .‬‬
‫وأكد هلم أننا سنتدارك مالحظاهتم‪..‬‬
‫ريا‪..‬‬
‫واكن اختبا ًرا عس ً‬
‫ريا‪ ،‬وبعد جمهود كبري من ذلك الصديق اجلاد‪ ،‬قرروا يف توشيبا أن‬ ‫وأخ ً‬
‫يعطوين سنة عىل سبيل التجربة واالختبار مكوزعني هلم‪ .‬فرحت هلذا القرار‪،‬‬ ‫فقد جاء مندوبو «توشيبا» إىل مرص‪ ،‬وقابلونا يف احملل الكبري يف املوسيك‪،‬‬
‫ألخوي أننا سنحجن – بإذن اهلل‪ -‬يف االختبار‪ ،‬وسنكون الوكالء الوحيدين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأكدت‬ ‫ويقيوا‬
‫ّ‬ ‫ليقيوا املاكن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بدون ترتيب مس ّبق‪ .‬اكنت زيارة مفاجئة متا ًما‪ ،‬جاءوا‬
‫لتوشيبا يف مرص‪.‬‬ ‫أسلوب معلنا‪ .‬اكن ذلك يف صيف عام ‪..1974‬‬

‫بسبب عدم وجود معالت أجنبية مبرص‪ ،‬اضطررت إىل السفر إىل بريوت ألفتح‬ ‫فوجوئا أنين أجلس عىل طاولة متواضعة‪ ،‬ال مكتب وال تلكس وال سكرتارية‪ ،‬وال‬
‫االعمتادات اخلاصة باسترياد حشنات التلفزيون‪ ،‬وأخرى خاصة باملراوح‪ ،‬وثالثة‬ ‫ً‬
‫وأيضا الحظوا أننا ال نعمل يف األجهزة الكهربائية‬ ‫جتهزيات مناسبة من حويل‪،‬‬
‫خاصة باملجسالت‪..‬‬ ‫فقط‪ ،‬بل يف األدوات املكتبية واخلردوات ولعب األطفال‪..‬‬

‫نرصف لك الحشنات اليت‬


‫ّ‬ ‫وبدأنا العمل مع توشيبا مبارشة بشلك منتظم‪ ،‬وكنا‬ ‫يف ذلك الوقت‪ ،‬اكن احملل الكبري عبارة عن أربعة طوابق‪ ،‬خصصنا الطابق‬
‫يرسلوهنا لنا‪ ،‬حبيث اكنت حقوقهم تصل إلهيم يف وقت قيايس‪..‬‬ ‫األول لألدوات الكهربائية‪ ،‬والثاين لألمقشة واملالبس اجلاهزة‪ ،‬والثالث للخردوات‬
‫واألدوات املزنلية‪ ،‬والطابق الرابع للعب األطفال‪.‬‬
‫لقد أجنزنا بالفعل أرقا ًما كبرية يف املبيعات يف ذلك الوقت‪ ،‬وسبقنا بايق‬
‫املوزعني والتجار الذين اكنت أعني توشيبا ترصد حركة بيعهم ومعلهم معنا يف‬ ‫بعد أن رأوا وعاينوا املاكن اكن قرارمه – لألسف‪ -‬أننا ال نصلح للحصول عىل‬
‫السوق املرصي‪..‬‬ ‫التوكيل أبدا‪ ،‬وأهنم جيب أن يبحثوا عن وكيل آخر لتوشيبا غرينا‪!..‬‬

‫ما جعلنا نسبق‪ ،‬أن ما تعودنا هيلع من رسعة ترصيف البضاعة‪ ،‬حيث اكنت‬ ‫أخربين أندو بنتيجة الزيارة‪..‬‬
‫البضاعة تصل إلينا يف امليناء مث إىل املخازن‪ ،‬فنقوم ببيعها بنفس النظرية‪ :‬بِع‬ ‫اكنت صدمة قوية يف احلقيقة‪ ،‬ولكننا مل نفقد األمل‪ ،‬خاصة حني أكد يل أندو‬
‫ال‪ .‬مل نكن نصادف – وهلل امحلد‪ -‬أية صعوبة يف‬ ‫أكرث واجعل هامش الرحب قلي ً‬ ‫أنه سيحاول معهم مرة أخرى‪ ،‬فقد اكن واث ًقا أن أسلوبنا يف العمل هو األمه‪،‬‬
‫ترصيف البضاعة من خالل ذلك املهنج البسيط الرسيع‪..‬‬ ‫ً‬
‫شيئ آخر مما يتعلق‬ ‫وأن مطوحنا ومحاسنا مها اللذان سينفعان توشيبا‪ ،‬وليس‬
‫كنا نتسابق مع الزمن يك حنوز ثقهتم خالل مدة االختبار‪.‬‬ ‫تعلنا من هذا املوقف رضورة االهمتام باملظهر ومبستوى‬‫باملظاهر‪ .‬وال أنكر أننا ّ‬

‫‪157‬‬ ‫‪156‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫«العريب» ألجهزة ومنتجات رشكهتم خالل الهشور األخرية‪ ،‬فالحظ أن مبيعاتنا‬ ‫اكنت االعرتاضات – مكا ذكرت‪ -‬كثرية يك حنصل عىل التوكيل‪ ،‬ولكن اهلل‬
‫يف ازدياد مسمتر‪ ،‬وأن جحم النشاط التجاري بني «العريب» وبيهنم يف تق ّدم‬ ‫أعاننا‪ ،‬مث اكنت مساعدة مسرت أندو الدامئة لنا‪ ،‬اكن يكرر هلم القول‪« :‬العريب‬
‫مسمتر‪ ،‬فقال لعبد اجليد‪ :‬يبدو أنمك ستحظون بالفوز بالتوكيل‪.‬‬ ‫أحسن تاجر يف املوسيك‪ ،‬فهو أقدر من يعرف كيف يدير جتارته يف أحناء مرص‬
‫لكها‪ ،‬وليس يف املوسيك فقط‪ ،‬وذلك من خالل عالقاته الواسعة‪ ،‬وأسعاره املعتدلة؛‬
‫يف نفس الوقت‪ ،‬دخل علهيم خشص ياباين يعرفه عبد اجليد جيدًا‪ ،‬سأهلام‬
‫لذا فهو األنسب لتوشيبا»‪..‬‬
‫مبتمسا إن اكنا يعرفانه‪!..‬؟‬
‫ً‬ ‫رئيس جملس اإلدارة‬
‫حقيقة‪ ،‬لوال إرصار أندو عىل فكرته‪ :‬أننا األصلح لتوشيبا كوكالء‪ ،‬ما حصلنا‬
‫حضك أيخ عبد اجليد‪ ،‬فكيف ال يعرف مسرت «أندو»!! الذي اكن قد عاد ثانية‬
‫عىل تلك الواكلة‪ ،‬وملا اكنت قصة النجاح الرائعة اليت قامت بسبب التعاون بني‬
‫لليابان بعد أن أتقن العربية‪ ،‬وينتظر العودة ملرص إلهناء إجراء عقد الواكلة مع‬
‫«العريب» و«توشيبا»‪..‬‬
‫الطرف املرصي الذي سيستقر هيلع رأي املسوئلني يف توشيبا‪..‬‬
‫٭٭٭‬
‫مازحا أن خيتربا أندو يف اللغة العربية‪.‬‬
‫ً‬ ‫طلب مهنام رئيس جملس إدارة توشيبا‬
‫وحني رأى ثقة أندو وهو يتحدث معهام العربية بطالقة‪ ،‬حضك الرئيس وقال‪ :‬إذن‬
‫الت ــوكـ ـيـ ــل‪� ..‬أخ ـيـ ـ ـ ًرا!‬
‫حان الوقت يك يعود مسرت أندو للقاهرة ليكون املسوئل عن مكتب «توشيبا»‬ ‫أثناء سنة االختبار تلك‪ ،‬سافر أيخ عبد اجليد – رمحه اهلل‪ -‬إىل اليابان والصني‬
‫وأيضا ليو ّقع مع «العريب» عقد الواكلة‪..‬‬
‫ً‬ ‫هناك‪،‬‬ ‫وتايوان وكوريا للتعاقد عىل رشاء أجهزة كهربائية وأدوات كتابية ولعب أطفال‪،‬‬
‫واكن معه زميلنا األستاذ مصطىف غنمي الذي اكن يقوم بالرتمجة (اكن مصطىف‬
‫ريا‪ !..‬امحلد هلل الذي بنعمته تمت الصاحلات‪ ..‬لقد اكن من أمجل األخبار‬
‫أخ ً‬
‫اليزال يعمل أيامها يف رشكة مرص للطريان)‪ ،‬واكن مصطىف سببا يف تعرفنا‬
‫يف حيايت لكها‪.‬‬
‫عىل الكثريين من اليابانيني احملرتمني‪ ،‬حيت شارك أحدمه يف مكتب لالسترياد‬
‫ريا سريتبط امس «توشيبا» مع‬
‫ريا‪ ،‬فزنا بتوكيل «توشيبا» بشلك هنايئ‪ ،‬أخ ً‬
‫أخ ً‬ ‫والتصدير (هو مسرت «يوجريو كوييك» الذي عاش يف مرص ألكرث من ثالثني سنة)‪،‬‬
‫امس «العريب» يف مرص لكها‪.‬‬ ‫واكن يف بداية تعارفنا هيلع يسارع ليعرض علينا أحدث املنتجات ولعب األطفال اليت‬
‫بعد ذلك‪ ،‬جلست مع أيخ عبد اجليد‪ ،‬وعبد اخلالق عطية (زوج ابنيت مىن‪ ،‬والذي‬ ‫تصل إليه‪ ،‬لنكون األسبق يف استريادها وتوزيعها عىل التجار وأحصاب احملالت‪..‬‬
‫اكن مبثابة ذراعنا الميىن يف قسم االسترياد‪ ،‬ويف التعامل مع اليابانيني بعد ذلك‬ ‫هناك زار عبد اجليد مصانع سانيو‪ ،‬وناشيونال‪ ،‬ومصانع أخرى عديدة‪ ،‬وزار‬
‫لسنوات طويلة)‪ ،‬مع مسرت أندو‪ ،‬ومعنا مدير بنك اإلسكندرية فرع املوسيك‪ ،‬الذي‬ ‫ً‬
‫أيضا توشيبا‪ ،‬وقد قابله كبار مسوئيل توشيبا برتحيب كبري‪ ،‬ونمظوا له جولة‬
‫اكن قد خرج عىل املعاش وبدأ يعمل معنا‪ ،‬ومعنا مصطىف غنمي‪..‬‬ ‫واسعة يف مصانعها ومبانهيا‪.‬‬
‫من خالل «درافت» لعقد واكلة قدمي لتوشيبا مع آخرين‪ ،‬بدأنا نضيف ونشطب‬ ‫وعاد إلينا عبد اجليد بنفس االنطباع‪ ،‬وهو أن توشيبا يه األفضل‪ ،‬وأننا قد‬
‫ونع ّدل وحنذف حىت وصلنا لصيغة تعاقد ُمرضية للطرفني‪ ،‬وتولكنا عىل اهلل‬ ‫أصبنا التوفيق حني ركزنا عىل العمل معهم‪ ،‬وحددنا هدفنا يف احلصول عىل‬
‫ووقعت مع مسرت أندو التعاقد‪.‬‬ ‫توكيلها‪..‬‬
‫و‪ ..‬أصبحنا وكالء رمسيني لرشكة توشيبا اليابانية يف ‪.1975‬‬ ‫أثناء لقاء أيخ عبد اجليد العريب ومصطىف غنمي يف توشيبا باليابان مع رئيس‬
‫جملس إدارة توشيبا‪ ،‬طلب الرجل من مساعديه الوثائق اخلاصة حبجم مبيعات‬

‫‪159‬‬ ‫‪158‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مكا اكنوا يفعلون معنا حني كنا نزورمه يف اليابان‪ .‬أثناء زيارات رئيس جملس‬ ‫ولقد استقر مسرت أندو ملدة أربع سنوات يف مرص مكدير ملكتب توشيبا القاهرة‪،‬‬
‫إدارة توشيبا أو أحد معاونيه لنا يف مرص‪ ،‬وصل أمر إعداد برناجم الزيارة إىل‬ ‫مث عاد إىل طوكيو‪..‬‬
‫إجراء بروفات بساعة ميقاتية‪ ،‬حىت تكون مواعيد الزيارة اليت حددناها بالدقيقة‪،‬‬ ‫٭٭٭‬
‫يف مواعيدها متاما‪ ،‬خاصة مع وجود سفر بني مقر املصنع‪ ،‬ومقر املاكتب‪ ،‬مث زيارة‬
‫إن التعامل مع رشكة كبرية حبجم توشيبا ُيتعك ح ًّقا‪ ،‬بسبب التنظمي العايل‬
‫املعامل السياحية يف القاهرة واجلزية‪ .‬لقد أحببنا دقهتم يف احرتام الوقت‪ ،‬وتوافق‬
‫االحرتايف للك األمور‪ ،‬وعدم ترك أي يشء للصدفة؛ إهنم يف احلقيقة ال يعرفون‬
‫ذلك مع ما لدينا من ثقافة احلرص عىل الوقت‪ ،‬وعىل إتقان ما نقوم به من أمعال‪..‬‬
‫ً‬
‫شيئ امسه الصدفة‪!..‬‬
‫وبسبب حرص كبار املسوئلني يف «توشيبا» عىل اصطحاب زوجاهتم وأوالدمه‬
‫إهنم يسعون كأي رشكة صناعية معالقة إىل حتقيق أهدافهم االسرتاتيجية‪،‬‬
‫يف رحالهتم إىل القاهرة‪ ،‬سواء اكنت الفتتاح مرشوعات جديدة‪ ،‬أو لالتفاق علهيا‬
‫ولكهنم يف نفس الوقت حيرتمون اتفاقاهتم‪ ،‬وال يغريون كالمهم‪ .‬لدهيم بالفعل‬
‫من البداية‪ ،‬أو ملتابعة تنفيذ مرشوع قامئ‪ ،‬أو أي سبب آخر‪ ،‬كنا نضع ذلك يف‬
‫منظومة قمي قوية حتدد سلوكهم‪ ،‬مكا أهنم ملزتمون بإتقان صناعهتم بلك األسباب؛‬
‫حسباننا‪ ،‬فكنا نضع براجم ترفهيية ألرس املسوئلني أثناء انعقاد اجمتاعات العمل‪.‬‬
‫لذلك جتد لدهيم نظم ومعايري ضبط جودة من أدق ما يكون‪.‬‬
‫اكنت بعض زوجات مسوئيل توشيبا تودعن مرص بالباكء ملا ترين فهيا من آثار‬
‫كن يلقينه من حفاوة بالغة‪..‬‬
‫باهرة‪ ،‬وملا ّ‬ ‫ريا من توشيبا‪ ،‬حصيح أننا قبل العمل معهم كنا‬ ‫إنين ال أنكر أننا استفدنا كث ً‬
‫قد أتقنّا العمل التجاري باحرتافية‪ ،‬وفهمنا أرسار السوق املرصي من أسوان إىل‬
‫وجيب أن أذكر أنه لوال وجود بنية أساسية سياحية قوية يف مرص‪ ،‬تساعد‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬وتعملنا كيف نكسب مزيدًا من ثقة التجار واملوزعني واملسهتلكني‪،‬‬
‫أي كيان اقتصادي وطين يف تقدمي خدمات سياحية مهبرة لضيوفه ورشاكئه‬
‫األجانب‪ ،‬ملا حجننا يف احلصول عىل ثقة اليابانيني إىل هذه الدرجة‪ً .‬‬ ‫ولكن زياراتنا املتكررة لتوشيبا يف اليابان أكسبتنا خربات أخرى‪ ،‬أمهها –‬
‫أيضا كون‬
‫ميا حيتوي عىل ّ‬ ‫باإلضافة خلربات التصنيع‪ -‬خربة خدمات ما بعد البيع‪ ،‬وكيف تكون من أمه‬
‫مك من اآلثار والثقافة واحلضارة يهبر أي إنسان‪،‬‬ ‫مرص بلدًا عظ ً‬
‫أسباب ثقة العمالء يف منتجاتنا‪..‬‬
‫ريا يف اكتساب ثقة اليابانيني‪ .‬لقد استفدنا كثريا من رصيد احلب‬ ‫ساعدنا كث ً‬
‫المخض لليابانيني لبلدنا العظمي الطيب‪..‬‬ ‫أيضا اكتسبنا قدرات عالية يف التنظمي املتقن للك أمور العمل‪ ،‬سواء يف‬ ‫ً‬
‫التسويق أو البيع أو إدارة مراكز الصيانة‪.‬‬
‫أتذكر يف ندوة أقامهتا لكية التجارة جامعة األسكندرية‪ ،‬نمظها أحد أعضاء‬
‫هيئة التدريس فهيا‪ ،‬وهو يف نفس الوقت صديق عزيز طاملا قضينا أوقاتا مجيلة‬ ‫كذلك اكتسبنا من اليابانيني مهارات تكوين فرق معل مجاعية متنامغة‪ ،‬حتقق‬
‫يف مكة واملدينة‪ ،‬وهو د‪ .‬أمحد الغرباوي‪ ،‬حني سألين مجع من أساتذة وطلبة‬ ‫األهداف االسرتاتيجية بأعىل كفاءة ممكنة‪ .‬لقد الحظنا ورصدنا مهاراهتم يف‬
‫اللكية عن الرس يف اإلجنازات املتوالية اليت متزي هبا «العريب» ككيان اقتصادي‬ ‫التخطيط واإلدارة واستفدنا مهنا؛ حىت تنظمي رحالت كبار املسوئلني يف توشيبا‪،‬‬
‫صنايع وجتاري‪ ،‬مل أغفل دور تأ ّثرنا بالثقافة اليابانية‪ ،‬سواء يف اإلدارة أو يف‬ ‫وختطيط جدول زياراهتم لنا يف مرص‪ ،‬استوعبنا أسلوهبم يف استقبال ضيوفهم‬
‫التصنيع‪ ،‬أو يف جمال العالقات العامة أيضا‪ ،‬الذي بات عصب تستند هيلع كربى‬ ‫يف اليابان‪ ،‬وتفانهيم يف خدمهتم والعمل عىل راحهتم بلك الوسائل‪ ،‬فتعملنا ذلك‪،‬‬
‫املرشوعات االقتصادية‪ ،‬ومن خالله تظهر صورة الرشاكت أمام أنظار امجليع‪،‬‬ ‫وأصبحنا جنارهيم يف تنفيذ براجم زيارهتم ملرص باحرتافية‪..‬‬
‫وليس لملسهتلكني والعمالء فقط‪..‬‬
‫بدأنا يف ضبط براجم العمل واالجمتاعات والزيارات السياحية بلك دقة‪ ،‬متا ًما‬
‫٭٭٭‬
‫‪161‬‬ ‫‪160‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫العمليات العمالقة؟!‬ ‫زيارة اليابان‪ ..‬و‪ ..‬الت�صنيع!‬


‫كنت اكملحسور‪ ،‬وأنا أرى املواد اخلام مرتاصة يف نظام جعيب‪ ،‬واملصنع‬ ‫بعد أن تأكد اليابانيون يف رشكة «توشيبا» أن «العريب» هو من يبحثون عنه؛‬
‫العمالق تغلب هيلع النظافة التامة‪ ،‬ولك العمليات اإلنتاجية الصناعية تسري حبزم‬ ‫مئا هلم يف مرص‪ ،‬وكعادهتم مع وكالهئم وموزعهيم الناحجني يف‬ ‫ليكون وكي ً‬
‫ال دا ً‬
‫تام‪ ،‬حتت ضوابط أمنية هائلة الدقة‪ ،‬وقواعد رائعة لسالمة العاملني‪..‬‬ ‫دول العامل‪ ،‬قرروا دعويت – كرئيس ملجلس إدارة «العريب»‪ -‬لزيارة اليابان يف‬
‫هناية عام ‪.1975‬‬
‫يف آخر خطوط اإلنتاج ترتاص األجهزة الكهربائية – تلك اليت أعرفها جيدًا‪-‬‬
‫يف انتظار دورها حنو املخازن‪ ،‬أو إىل داخل سيارات الحشن‪ ،‬ومن َث إىل أماكن‬ ‫اكنت يه الزيارة األوىل لليابان‪ ،‬واليت رافقين فهيا زميلنا يف الرشكة‪ ،‬األستاذ‬
‫عرضها يف احملال التجارية واألسواق الكبرية‪ ،‬أو إىل احلاويات الضخمة لتأخذ‬ ‫احملاسب اكمل صاحل (مدير بنك اإلسكندرية األسبق)‪ ،‬والذي اكن يتقن اللغة‬
‫طريقها إىل مركب حشن معالقة تطوف هبا موانئ العامل‪ ،‬لتصل إىل الوكالء‬ ‫اإلجنلزيية‪ .‬لقد أقنعت نفيس بأال متثل اللغة أي عائق‪ ،‬وأن أتعامل مع مثل تلك‬
‫واملستوردين‪..‬‬ ‫األمور بيرس ودون تعقيد‪ .‬إنين ‪ -‬حىت اليوم‪ -‬أسمتع جيدًا للك لكمة ممن يتوىل‬
‫أمر الرتمجة‪ ،‬وال أتلكم وال أجيب إال بعد تفكري معيق‪ ،‬وقد اكن لدور الرتمجة من‬
‫نوعا آخر من الثقة‬
‫رأيت يف جدية املهندسني والعاملني داخل مصانع «توشيبا» ً‬
‫اإلجنلزيية إىل العربية وبالعكس‪ ،‬أثر كبري يف مشوارنا‪ .‬ولقد دفعت أبناءنا يف‬
‫يف النفس‪ ،‬وطرازًا خمتل ًفا من اجلدية‪ ،‬ومن العمل امجلايع املذهل‪ .‬تعملت كث ً‬
‫ريا‬
‫عائلة «العريب» بدراسة اللغة اإلجنلزيية وإجادهتا متا ًما‪..‬‬
‫من تلك الزيارة‪ ،‬ورتبت أهدايف‪ ،‬ورأيت بعني اخليال نفس هذه الصورة ولكن‬
‫بوجوه مرصية ‪ .%100‬وجهت عقيل بأسلوب خيتلف متا ًما عن السابق؛ فليس‬ ‫اكن لتلك الزيارة أثر كبري يف مسار «العريب»‪ ،‬ويف حتديد مستقبل الرشكة‬
‫«العريب» الذي اكن هو نفس «العريب» بعد زيارة اليابان ‪ .1975‬ال أظن أن هناك‬ ‫لكه‪..‬‬
‫شيئ أهبرين يف حيايت لكها‪ ،‬قط‪ ،‬مثملا انهبرت خبطوط اإلنتاج داخل مصانع‬ ‫ً‬
‫بالطبع انهبرت باملواقع اإلدارية‪ ،‬ومبعارض بيع منتجات توشيبا‪ ،‬وباألساليب‬
‫توشيبا‪ ،‬حني رأيهتا ألول مرة‪.‬‬
‫العملية واحلضارية اليت يتبعوها يف نظام العمل‪ ،‬ولكن لك هذا «كوم»‪ ،‬وانهباري‬
‫أيضا‪ ،‬لقد فهمت معاين آية سورة «احلديد» بعدما عاينت بعيينّ وبذهين وبلك‬ ‫بعملية «التصنيع» ذاهتا داخل مصانعهم‪ ،‬اكنت «كوما» آخرا‪!!..‬‬
‫ً‬
‫بعضا‬ ‫حوايس روعة ماكينات التصنيع العمالقة داخل مصانع توشيبا‪ ،‬استوعبت‬
‫مل أكن أختيل أن رؤييت لألماكن الفعلية لتصنيع األجهزة اليت تعودنا أن نبيعها‬
‫من مراد اهلل تعاىل حني قال – وقوله احلق‪﴿ :‬وأنزلنا احلديد فيه بأس شديد‬
‫لك يوم – يف املوسيك‪ -‬سيفعل يف نفيس ويف عقيل لك هذا الفعل‪.‬‬
‫ومنافع للناس﴾‪..‬‬
‫شعرت أن لك حوايس ولك خاليا عقيل مشدودة متا ًما حنو معرفة تفاصيل‬
‫ح ًّقا‪ ،‬حني تقف داخل مصنع كبري من مصانع «توشيبا» أو «شارب» أو‬
‫وتعب عهنا لكمة واحدة‪ ،‬ولكن يا هلا من لكمة‬
‫ّ‬ ‫هذه العمليات املعقدة‪ ،‬اليت مجتعها‬
‫«سوين» يف اليابان‪ ،‬أو أحد مصانع «العريب» يف بهنا أو قويسنا اليوم‪ ،‬فإنك‬
‫محتل معاين وأبعادًا معالقة‪ :‬التصنيع‪..‬‬
‫تشعر مبعىن ومدلول «منافع للناس»‪ ،‬وكأنك ترى تفسريها رأي العني‪..‬‬
‫كنت منهب ًرا – طوال مدة الزيارة‪ -‬مبا يقومون به من صناعات عالية اجلودة‪،‬‬
‫وخسر له لك هذه العلوم والتقنيات‪ ،‬ليح ّول احلديد‬
‫َّ‬ ‫سبحان من ّ‬
‫مكن لإلنسان‬
‫تقطر دالئل االبتاكر واإلبداع من لك جزء مهنا‪ .‬نعم‪ ،‬اكنت لدينا خربات تصنيعية‬
‫إىل ماكينات تنفع الناس‪ ،‬وخترج هلم السلع املختلفة اليت حيتاجون إلهيا‪ ،‬واليت‬
‫سابقة‪ ،‬ولكهنا اكنت متواضعة للغاية باملقارنة مبا أراه اآلن‪ ،‬أين يه من هذه‬
‫تيس علهيم سبل احلياة‪ ،‬وجتعل مذاقها أمجل وإيقاعها أرسع‪..‬‬‫ّ‬

‫‪163‬‬ ‫‪162‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫حامسا‪ :‬البد أن ُنصنّع‪ ..‬البد أن ينطلق امس«العريب» إىل عامل‬


‫ً‬ ‫اكن قراري‬ ‫إن الصناعة يه عصب احلياة حال ًّيا‪ .‬مل تعد الزراعة يه اليت تق ّوي الدول‬
‫الصناعة‪.‬‬ ‫وجتعلها تسبق‪ ،‬بل الصناعة‪ ،‬وهذا بإمجاع عملاء وخرباء االقتصاد يف العامل‪،‬‬
‫فامحلد هلل الذي هدانا ألمهية أن نسلك هذا الطريق من أول يوم رأيت فيه مصانع‬
‫نعمق من خرباتنا وتقنياتنا‪ ،‬ونعمل عىل‬‫ستعطينا الصناعة قمية مضافة حني ّ‬
‫«توشيبا»‪..‬‬
‫تطوير املنتجات اليت نصنعها‪ ،‬والوصول هبا جلودة ال تقل عن اجلودة اليابانية‪،‬‬
‫مما يؤثر إجياب ًّيا عىل البلد لكه وعىل شبابه ومهندسيه ومعاله‪..‬‬ ‫نعم‪ ،‬بعد أن زرت مصانع «توشيبا»‪ ،‬ورأيت هناك ما رأيت من اإلماكنات‬
‫والتقنيات املتقدمة للغاية‪ ،‬ومن أعداد هائلة من العاملني تعمل يف ثقة وجدية‬
‫و‪ ..‬تساءلت‪ :‬مك يتلكف املصنع؟ مليو ًنا‪ ..‬مليونني‪ ..‬ثالثة ماليني‪..‬‬
‫والزتام‪ ،‬حمكت عىل نفيس بعدها أنين ال أستحق احلياة‪ ،‬بل وال الطعام الذي‬
‫طب ًعا يتلكف املصنع أكرث‪ ،‬ولكن مهام اكنت تلكفته فإن املردود املعنوي واملادي‬ ‫آلكه! وال نستحق – يف رشكة «العريب»‪ -‬املاكنة اليت رفعنا إلهيا لك من يتعاملون‬
‫لذلك املصنع سيعوض لك ما سننفقه هيلع‪ ،‬بإذن اهلل‪.‬‬ ‫كتجار‪ ،‬إن مل نصنّع بنفس هذه الطريقة‪..‬‬
‫معنا ّ‬
‫اكنت تلك يه األفاكر اليت انطلقت يف رأيس بسبب تلك الزيارة احلامسة‪..‬‬ ‫شعرت أن جناحنا وتفوقنا يف التجارة اكجلوهرة الزائفة‪ ،‬وأن اقرتان الصناعة‬
‫أنواعا أصيلة من اجلواهر ُ‬
‫احل ّرة الكرمية غري املقلّدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بالتجارة هو الذي سهيب لنا‬
‫اكن جحم وارداتنا من توشيبا يف ذلك العام ثالثة ماليني دوالر‪ ،‬واكن سعر‬
‫ً‬
‫قرشا‪ ،‬وكنا‬ ‫ً‬
‫قرشا‪ ،‬ويف السوق السوداء ثالثة وسبعني‬ ‫الدوالر يف البنك أربعني‬ ‫راحت أسئلة كثرية تتدافع يف عقيل‪ ،‬وتقلق راحيت يف الفندق‪ ،‬ويف ذهايب‬
‫ريا ما ُنضطر لرشائه بسعر السوق السوداء‪.‬‬‫كث ً‬ ‫وإيايب أثناء وجودي يف اليابان‪ :‬ما الذي نفعله يف رشكتنا مبرص؟ إننا نستورد‬
‫أفقت من لك أفاكري وتساؤاليت اليت مألت أرجاء عقيل‪ ،‬عىل رد صارم من‬ ‫حشنة من البضائع‪ ،‬مث ندفع مجركها‪ ،‬مث نبيعها!‪ ..‬فقط! فهل هذا إجناز أو مطوح‬
‫إدارة توشيبا‪ :‬كيف تفكر يف التصنيع‪ ،‬وأنت مل حتصل عىل التوكيل إال من سنة‬ ‫يستحق أن حنيا من أجله؟!‬
‫فقط؟؟!‬ ‫مك من العاملني يعملون معنا وحنن جمرد جتار يف املوسيك وشربا وبورسعيد؟!‬
‫و‪ ..‬مل أيأس‪ ..‬ومل حتبطين إجابهتم!‬ ‫ومك سيعمل معنا وحنن منتلك مصانع مثل هذه؟!‬
‫٭٭٭‬ ‫مك عدد البيوت املفتوحة اآلن بسببنا‪ ،‬ومك س ُتفتح إذا امتلكنا مصانع كهذه؟!‬
‫حلم‪ ..‬قد �سيطر على الواقع!‬ ‫مك هو الفارق بني جحم العمل وحنن نصنّع ونتاجر‪ ،‬وجحمه يف حال التجارة‬
‫أخوي بلك ما دار يف رأيس‪ ..‬وبإجابة توشيبا!‬
‫ّ‬ ‫عدت إىل مرص‪ ،‬وأخربت‬ ‫فقط!؟‬

‫قلت هلم‪ :‬إن التصنيع سيو ّفر علينا الكثري من العملة الصعبة‪ ،‬نعم سنحتاج إىل‬ ‫ريا يف مرص؟ ملاذا ال نكون ُمصنّعني يف بلدنا فيكون‬
‫ملاذا ال نبين مصن ًعا كب ً‬
‫الكثري مهنا يف البداية‪ ،‬ولكن مع بدء خروج اإلنتاج إىل النور‪ ،‬وبيعه يف مرص‬ ‫أغلب اخلري لنا وألهلنا‪ ..‬ألهل مرص لكها؟‬
‫وخارجها‪ ،‬ستسري األمور يف اجتاه أفضل بكثري وأكرث نف ًعا من االكتفاء بعمليات‬ ‫إننا بالتصنيع سنقلل األموال اليت خترج من مرص‪ ،‬ونزيد من تلك اليت ستدخل‬
‫التبادل التجاري‪ ،‬بإذن اهلل‪ ..‬وسنقنعهم حني يرون منا اإلرصار التام‪.‬‬ ‫إلينا ببيع تلك األجهزة يف الداخل واخلارج‪.‬‬
‫ً‬
‫أرضا لتكون مق ًّرا ألول مصانعنا‪ ،‬وقلت هلام‪« :‬حىت لو ما‬ ‫قررنا أن نشرتي‬

‫‪165‬‬ ‫‪164‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫فكرنا أن نتخذ أسلو ًبا خمتل ًفا يف التفاوض‪ ،‬فطلبنا مهنم أسعار مجتيع املراوح‬ ‫معلناش املصنع‪ ،‬مش حاخنرس حاجة‪ ،‬سعر األرض يف حد ذاته استمثار جيد‪،‬‬
‫يف ذلك املصنع اجلديد ببهنا‪ ،‬ففوجئنا أن التلكفة ستكون أعىل من سعر املراوح‬ ‫ميا‪.»..‬‬
‫ألنه يف ارتفاع دا ً‬
‫املستوردة بشلك اكمل‪!..‬‬
‫واشرتينا بالفعل ثالثة أفدنة (هو نفس موقع املصنع املوجود حال ًّيا ببهنا) من‬
‫بدل من «صنع‬‫يعين خنوض مغامرة أن نكتب عىل املراوح «صنع يف مرص»‪ً ،‬‬ ‫رجل ُيدىع «دمحم العطار»‪ ،‬اكن ميتلك عزبة جماورة لبلدتنا‪.‬‬
‫يف اليابان»‪ ،‬وفوق ذلك خنرس (اكنت ثقة املسهتلك املرصي أيامها ضعيفة يف‬
‫قلت له‪« :‬يا دمحم‪ ،‬عايز أشرتي عرش فدادين‪ ،‬حابين علهيم مصنع لملراوح‪.»..‬‬
‫غينا هذه الفكرة بفضل اهلل بعد تصنيع املروحة مث‬
‫التصنيع املرصي‪ ،‬لكننا ّ‬
‫الراديو اكسيت‪ ،‬واكن التلفزيون صاحب األهسم األعىل يف عودة ثقة املرصيني‬ ‫قال يل‪« :‬عندي ثالثة يف بهنا‪ ،‬وسبحان اهلل‪ ،‬كنت أخدت رخصة إنشاء مصنع‬
‫يف صناعة بالدمه‪.)..‬‬ ‫علهيم‪.»!..‬‬

‫قلت هلم إنىن أريد أن أصنّع ليك تكون التلكفة أقل والبيع أكرث‪ ،‬فإذا اكن‬ ‫اكنت مفاجأة مجيلة أن األرض هلا ترخيص ببناء مصنع‪ ،‬أما األمجل‪ ،‬فاكن‬
‫التصنيع سيلكفنا أكرث‪ ،‬فملاذا ُنصنّع إذن؟!‪ ..‬وبدأ التفاوض يأخذ اجتاهات‬ ‫ما عملته من أن تلك املنطقة تتوافر فهيا معالة مدربة ماهرة لوجود مصنع بهنا‬
‫خمتلفة‪ :‬ملاذا تتلكف معلية نقل اخلربات لك هذه التلكفة؟!‬ ‫للصناعات اإللكرتونية هناك (وهو واحد من املصانع احلربية املرصية املمتزية)‪،‬‬
‫ينتج أجهزة كهربائية ويمتتع معاله خبربة معقولة‪ ،‬وفيه معهد تدريب فين صنايع‬
‫رصين عىل االسمترار‬
‫أجابوا أن هناك تفاصيل البد أن يوحضوها لنا‪ ،‬إذا كنا ُم ّ‬ ‫مستواه جيد‪ .‬اكنت أقدار مجيلة أن جند قطعة أرض مناسبة يف هذه املنطقة‬
‫يف مناقشة جدوى التصنيع‪ ..‬وقرروا إرسال خبري إىل مرص للتفاوض ميع يف‬
‫املمتازة‪..‬‬
‫أمر املصنع‪..‬‬
‫سألته عن سعر األرض‪ ،‬فقال يل‪« :‬الفدان هنا بيتباع بعرشين ألف جنيه‪ ،‬ولكن‬
‫٭٭٭‬
‫أنا عاوز مخسة وعرشين ألف يف الفدان؛ ألهنا أرض ملك إخوايت البنات‪ ،‬اليل‬
‫قبل وصول مسرت «كرشميا»‪ ،‬وهو اخلبري الياباين املبعوث من توشيبا ملناقشة‬ ‫انا مسوئل عهنم‪.»..‬‬
‫مرشوع إنشاء مصنع املراوح يف بهنا‪ ،‬كنا قد بنينا ثالثة مبانٍ متفرقة فوق األرض‬
‫اليت اشرتيناها‪ ،‬ملا رآها الرجل‪ ،‬تعجب وقال لنا مستنك ًرا‪« :‬ما هذا؟ أتضعون لك‬ ‫وافقته بعد أن تأكدت من صدقه‪ ،‬واشرتيت منه األرض‪ ،‬مث قررنا أن نبدأ بالبناء‬
‫هذه األموال يف البناء واحلديد املسلح قبل أن تفعلوا أي يشء ذي بال يف معلية‬ ‫مبارشة‪ ،‬فقد فكرنا أننا لو بعنا األرض مببانهيا‪ ،‬يف هذه املنطقة‪ ،‬فسرنحب عىل‬
‫التصنيع ذاهتا؟!»‪..‬‬ ‫لك حال‪ ،‬حىت لو مل توافق توشيبا عىل التعاون معنا يف التصنيع‪.‬‬

‫قلت له‪« :‬ما احنا قلنا‪ ،‬تعالوا يا توشيبا ساعدونا نعمل املصنع‪ ،‬وانتوا اليل مش‬ ‫بدأت أشعر أن حمل التصنيع يقرتب من التحقق عىل أرض الواقع‪..‬‬
‫عايزين‪ ،‬فقلنا نبدأ احنا حلد ما تقرروا‪!»..‬‬ ‫مث بدأت طرح السؤال مرة ثانية عىل توشيبا‪ ،‬لعلهم يوافقون هذه امل ّرة عىل إقامة‬
‫فعلّق مسرت «كرشميا»‪ :‬إن إقامتك هلذه املباين‪ ،‬بيمنا فكرة التصنيع ال تزال‬ ‫مصنع لملراوح عىل تلك األرض اليت اشرتيناها‪ .‬ولكهنم اسمتروا يف اعرتاضهم‪..‬‬
‫غري تامة‪ ،‬قرار غري اقتصادي بامل ّرة‪..‬‬ ‫كنا نستورد من «توشيبا» يف تلك األثناء ‪ 50.000‬مروحة سنو ًّيا – تقري ًبا‪-‬‬
‫وأضاف جبدية‪ :‬هل تعمل أن أول ماكينة استخدمهتا توشيبا يف التصنيع قد مت‬ ‫وكنا نبيعها لكها‪..‬‬

‫‪167‬‬ ‫‪166‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ً‬
‫عروضا من عدة‬ ‫سافرت بالفعل إىل تايوان وكوريا وهوجن كوجن‪ ،‬وأخذت‬ ‫وضعها يف «عشة صفيح»‪ ،‬وانطال ًقا من تلك املاكينة يف ذلك املصنع «العشة»‬
‫مصانع هناك إلنشاء مصنع لملراوح‪ ..‬واكن أحسن العروض هو أن نقوم بتصنيع‬ ‫قامت لك مصانع توشيبا العمالقة احلالية! وأصبح لدينا – اليوم ‪ -‬أكرث من ‪180‬‬
‫‪ % 40‬من املنتج يف مرص ملدة سنتني‪ ،‬ويف السنتني التاليتني تصل نسبة التصنيع‬ ‫ألف عامل‪..‬‬
‫احمليل إىل ‪ ،% 75‬وبعد السنتني تصل إىل ‪ ..% 95‬مث بعد سبع سنوات يصل‬ ‫ابدءوا ً‬
‫أول بالتصنيع‪ ،‬باإلنتاج‪ ،‬مث اهمتوا باملباين‪ .‬النجاح يبدأ من املنتج وليس‬
‫اإلنتاج احمليل إىل ‪..% 100‬‬ ‫من املبىن!‬
‫اكن قراري بالسفر‪ ،‬وجبمع عروض من جهات عدة قد مت برسعة فائقة‪ ،‬وهذا‬ ‫هائل يف رضورة ترشيد‬ ‫ً‬ ‫درسا‬
‫ً‬ ‫ميا مل أنسه طيلة حيايت‪..‬‬
‫درسا عظ ً‬
‫ً‬ ‫اكن‬
‫هو رس النجاح يف العمل التجاري أو الصنايع‪ ..‬إن الرس الاكمن يف اإلدارة‬ ‫النفقات واالقتصاد يف بدايات الصناعة‪ ،‬حبيث تضع أموالك يف املاكينات ولوازم‬
‫الناحجة‪ :‬رسعة اختاذ القرار‪ ،‬مع رسعة اإلجناز‪..‬‬ ‫التصنيع‪ ،‬مث من ناجت التصنيع ومن أرباحك مهنا‪ ،‬تبين بعد ذلك وتتوسع مكا‬
‫نعم‪ ..‬رسعة اختاذ القرار‪ ..‬من يريد النجاح يف عامل التجارة أو الصناعة‪ ،‬ال بد‬ ‫تشاء‪..‬‬
‫أن يتسم هبذه الصفة‪ .‬إن الوقت قد ينتظرك يف جماالت معل أخرى‪ ،‬أما هاهنا‪،‬‬ ‫إن هذا هو مهنج اليابانيني يف حياهتم لكها‪ ،‬أال تتوسع يف يشء قبل أن تتقنه‬
‫يف عامل التصنيع والتجارة وإدارة األمعال؛ فالبد أن تسابق الزمن‪ ،‬أو عىل‬ ‫متا ًما عىل مستوى حمدود‪ ،‬وبعد أن تصل فيه إىل مستويات جيدة‪ ،‬تنطلق إىل‬
‫األقل تالحقه‪ ..‬لذا يتحمت عىل من يريد النجاح أن تكون لديه رسعة ومرونة يف‬ ‫املستويات واملدارات األبعد‪ ..‬هذا هو رس التصنيع املتقن يف اليابان‪ ..‬ليست‬
‫علـي أحيا ًنا صورة صاحب القرار‬
‫اختاذ القرارات االسرتاتيجية؛ اكن هذا ُيضيف َّ‬ ‫هناك خطوة غري حمسوبة بدقة بالغة‪ ..‬مث اكن قرار مسرت «كرشميا»‪« :‬عىل‬
‫األوحد – غري الدميقرايط‪ -‬ولكهنا مل تكن احلقيقة‪ ،‬بل احلقيقة أنين كنت أسمتع‬ ‫العموم‪ ،‬سأحاول إقناعهم يف توشيبا مبوضوع التجميع يف هذا املصنع فقط‪،‬‬
‫جيـد اجلــد‪،‬‬
‫ريا مع املق ّربني ومع اخلرباء‪ ،‬ولكن حني ُّ‬
‫للك اآلراء‪ ،‬وأحب التشاور كث ً‬ ‫احلديث عن التجميع أوقع وأجدى‪ ..‬سأقرتح أن تصلمك املراوح مفككة وتقوموا‬
‫فمكا جاء توجيه اهلل تعاىل يف كتابه العزيز‪﴿ :‬فإذا عزمت فتوكل على اهلل﴾‪..‬‬ ‫بتجميعها هاهنا‪ ،‬حبيث يسمتر الوضع عىل هذا النحو ملدة ثالث سنوات‪ ،‬وبعدها‬
‫ً‬
‫فشيئ‪.»..‬‬ ‫ً‬
‫شيئ‬ ‫تزيد نسبة األجزاء املصنعة يف مرص‬
‫عدت إىل توشيبا يف طوكيو باليابان‪ ،‬وميع تلك العروض ودراسات اجلدوى‬
‫اليت مجعناها من مصانع كوريا وتايوان وهوجن كوجن‪ ،‬وقلت هلم إننا سنعمل مع‬ ‫ينصب‬
‫ّ‬ ‫ومل يعجبين هذا الكالم‪ ،‬التجميع فقط ال يكفينا‪ ..‬واسمتر حدييث معه‬
‫واحد من تلك املصانع إن مل تمتوا اتفاق التصنيع معنا‪..‬‬ ‫حنو رضورة البدء يف التصنيع الفعيل‪ ،‬مع التجميع‪ ..‬ولكن‪ ..‬هل تقبل اإلدارة يف‬
‫هنا أسقط يف أيدهيم‪ ،‬وبدءوا يشعرون جبدييت لبدء مشوار التصنيع بأي‬ ‫توشيبا ذلك؟‬
‫شلك‪ .‬مل يتوقعوا أبدا أن نسىع حنو رشاكت عاملية أخرى‪ ،‬يف دول أخرى‬ ‫مع مرور الوقت‪ ،‬تأكدت أن اليابانيني اكنوا يقصدون تأجيل معلية التصنيع‪،‬‬
‫لنعرض علهيم التعاون يف نفس املرشوع الذي اكن رفضهم له قاطعا حامسا‪..‬‬ ‫فيبدو أن مصلحهتم اكنت مع مجتيع مكونات املروحة فقط يف بهنا لعدة سنوات‪،‬‬
‫حملت يف أعيهنم القلق من أن يفقدونا‪ .‬لقد كنا – بالفعل‪ -‬مبثابة دجاجة تبيض‬ ‫بيمنا كنت ُمصـ ًّرا عىل بدء التصنيع بنسبة ‪ ،% 40‬فاكن قراري الرسيع بأن أسافر‬
‫ذه ًبا ألصدقائنا يف توشيبا‪ ،‬فلك ما نأخذه من منتجاهتم يمت بيعه يف السوق‬ ‫أيضا من التصنيع يك أتفاوض معهم عىل‬ ‫ً‬ ‫إىل دول ثالث‪ ،‬تمتزي مبستوى عالٍ‬
‫ومددين معهم يف لك ما نعد به‪ ،‬وكنا‬ ‫املرصي آلخر قطعة‪ ،‬مكا أننا كنا صادقني ُ‬ ‫مهي هو إشعار توشيبا أننا لن نتوقف عن سعينا حنو‬ ‫نقل خرباهتم إلينا (اكن ّ‬
‫أمناء – وهلل امحلد‪ -‬يف لك تعامالتنا املادية املشرتكة‪..‬‬ ‫التصنيع‪ ،‬إذا ما رفضوا املساعدة‪..)..‬‬

‫‪169‬‬ ‫‪168‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وال أنكر أهنم اكنوا كذلك بالنسبة لنا‪ ..‬اكنت عالقة معل حتقق قاعدة «ارحب‪،‬‬
‫ودعين أرحب معك»‪win-win..‬‬
‫وبالفعل بدءوا يعيدون حساباهتم‪..‬‬
‫اكنت املشلكة الرئيسية عندمه‪ ،‬أهنم اكنوا يرون أن يمت البدء يف التصنيع بعد‬
‫والتعمق يف البيع والتجارة‬
‫ّ‬ ‫عرش سنوات ً‬
‫مثل‪ ،‬أو مخس عىل األقل‪ ،‬من المت ّرس‬
‫كوكالء – فقط‪ -‬لتوشيبا‪..‬‬
‫ريا‪،‬‬
‫قلت هلم حبزم‪ :‬إننا نريد أن نعمل معمك دون غريمك‪ ،‬ولقد بذلنا جمهودًا كب ً‬
‫مرفوعا يف مرص‪ ،‬بعد أن اكن السائد والراجئ واملعروف‬
‫ً‬ ‫وجعلنا امس «توشيبا»‬
‫ماراكت أخرى مثل «سانيو» و«ناشيونال» وغريمها‪ ،‬فإذا كنمت تريدون أن نسمتر‬
‫فساعدونا عىل التصنيع‪ ،‬وسرتحبون معنا يف لك خطوة‪..‬‬

‫يف محل املوسكي سنة ‪ ،1972‬وبدايات التعاون التجاري مع توشيبا‬ ‫ريا‪ ..‬جاءنا القرار يف أكتوبر عام ‪ 1980‬من جملس إدارة توشيبا باملوافقة‬
‫وأخ ً‬
‫عىل إقامة املصنع‪ ،‬بنفس الرشوط والرتتيبات اليت أردناها‪ ..‬تصنيع ‪ % 40‬من‬
‫املنتج يف مرص ملدة سنتني‪ ،‬ويف السنتني التاليتني تصل نسبة التصنيع احمليل‬
‫إىل ‪ ،% 75‬وبعد السنتني تصل إىل ‪ ،% 95‬مث يف السنة السابعة تكون نسبة‬
‫التصنيع احمليل ‪..% 100‬‬
‫امحلد هلل‪ ،‬أخريا سينطلق «العريب» لفضاء التصنيع احلقييق‪ .‬سريتبط امس‬
‫«العريب» بالصناعة‪ ،‬بعدما ارتبط أجداده بالزراعة‪ ،‬والزراعة فقط!!‬

‫احلاج عبد اجليد يف محل بورسعيد‪ ،‬وقدرات بيعية متميزة‬

‫‪171‬‬ ‫‪170‬‬
‫زيارة أسرة مستر أندو يف بيتنا يف العباسية‬ ‫احلاج عبد اجليد مع أ‪ .‬مجدي محمد‪ ,‬م‪ .‬ابراهبم محمود‪ ,‬و أ‪ .‬لطفي يف معرض بورسعيد‬

‫مع مستر أندو‪ ،‬يف افتتاح محل العربي ببور سعيد‬ ‫إحدي زيارات مستر أندو ‪ -‬سبب اخلير‪ -‬ملنزلنا بالعباسية‬
‫مؤمتر وكالء توشيبا الشرق األوسط يف اليابان ‪ -‬مع أخي احلاج محمد و احلاج عبد اخلالق و وكيل توشيبا يف السودان‬ ‫رئيس شركة توشيبا مستر أوكامورا و زوجته يف زيارة لألهرامات‪.‬‬

‫احلاج عبد اجليد و م‪ .‬إبراهيم محمود مع مستر أندو يف اليابان عام ‪1984‬‬ ‫انا و زوجتي ‪ -‬رحمها اهلل‪ -‬يف مؤمتر وكالء و موزعني توشيبا يف اليابان‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الباب اخلام�س‬
‫صناعـــة الثـقـــة‪..‬‬
‫تنطـلـــق مـــن بـنـهــا!‬

‫‪177‬‬ ‫‪176‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وكعادة عبد اجليد‪ ،‬مل يكن يصرب أن يبيت وهناك أي كدر بينه وبني زميله العزيز‬ ‫محتل أيخ عبد اجليد – رمحه اهلل‪ -‬العبء األكرب يف إنشاء املصنع‪ ،‬مث يف‬
‫املهندس برغوت‪ ،‬خاصة إذا تأكد من حصة رأيه‪.‬‬ ‫اإلرشاف هيلع إدار ًّيا‪ ،‬بعد أن اكن يدير فرع «العريب» يف بورسعيد من عام‬
‫‪ 1977‬حىت عام ‪..1981‬‬
‫يف م َّرة‪ ،‬طلب أحد العاملني من أيخ عبد اجليد رفع راتبه‪ ،‬واكن عبد اجليد يرى‬
‫أنه يستحق ذلك‪ ،‬وحني استشار املهندس برغوت‪ ،‬اكن رده‪« :‬هل سرنفع رواتب‬ ‫يف ذلك الوقت نفسه‪ ،‬كنت قد تعرفت إىل املهندس دمحم برغوت – رمحه‬
‫لك زمالئه؟»‪ ،‬فرد أيخ عبد اجليد أن ذلك صعب وأن ظروف العامل كذا وكذا‪،‬‬ ‫اهلل‪ -‬الذي اكن يعمل مدي ًرا لإلنتاج يف رشكة البالستيك األهلية‪ .‬أجعبت خبرباته‬
‫خصوصا أن فيه أكفأ‬
‫ً‬ ‫قال‪« :‬خالص‪ ،‬ما نقدرش نرفع أجر واحد ونسيب البايق‪،‬‬ ‫وبخشصيته احلازمة‪ ،‬ومبجرد أن انهتينا من لك املوافقات والرتاخيص من وزارة‬
‫هاما أفادنا مجي ًعا‪.‬‬
‫درسا إدار ًّيا ًّ‬
‫ً‬ ‫منه‪ ..»..‬واكن‬ ‫الصناعة إلنشاء املصنع‪ ،‬وانهتينا من لك التعاقدات مع توشيبا‪ ،‬اتفقت معه عىل‬
‫٭٭٭‬ ‫أن ينضم لفريق «العريب»‪ ،‬ويدير املصنع فن ًّيا‪.‬‬

‫كنا قد تعاقدنا مع توشيبا اليابان عىل رشاء «اسمطبات» جديدة خاصة مبصنع‬ ‫اكنت مسوئلية أيخ عبد اجليد واملهندس برغوت كبرية‪..‬‬
‫املراوح‪ ،‬فملا وصلت إلينا‪ ،‬إذا باملهندس برغوت – رمحه اهلل‪ -‬يفاجئنا خبرب‪ :‬إهنا‬ ‫اكن االثنان متوافقني‪ ،‬يمكل أحدمها اآلخر‪ .‬املهندس برغوت ميتلك اجلوانب‬
‫اسمطبات مستعملة!‬ ‫أيضا‪ ،‬بشلك عيمل مهنيج حمرتم‪ ،‬بيمنا أيخ‬ ‫الفنية مع خربات إدارية تصنيعية ً‬
‫اكن لدينا خبري ياباين حينئذ‪ ،‬فتجادل مع املهندس برغوت‪ ،‬وراح يؤكد لنا‬ ‫عبد اجليد فاكنت خرباته الواسعة يف السوق‪ ،‬وتعامالته مع التجار واملسهتلكني‬
‫أهنا بالتأكيد جديدة ومتفقة متا ًما مع املواصفات‪ ،‬ولكن املهندس برغوت ظل‬ ‫والعامل قد أكسبته رؤية شاملة ملتطلبات السوق‪ ،‬ومتطلبات التعامل مع الطاقات‬
‫رصا عىل رأيه‪..‬‬
‫ُم ًّ‬ ‫البرشية اخلالقة‪.‬‬

‫ريا إىل مرص للحمك يف‬‫اضطر املسوئلون يف توشيبا اليابان أن يرسلوا خب ً‬ ‫ً‬
‫عامل‪..‬‬ ‫بدأنا املصنع خبمسني‬
‫القضية‪ ،‬فإذا به يثبت حصة كالم املهندس برغوت‪ ،‬وبعدها أعادت لنا الرشكة‬ ‫اكن املهندس برغوت صار ًما وحاز ًما‪ ،‬بيمنا اكن أيخ عبد اجليد ودودًا رقي ًقا‪،‬‬
‫وردت هلا االسمطبات يه‬ ‫مبل ًغا كب ً‬
‫ريا بعد أن اعتذرت‪ ،‬وأكدت أن الورشة اليت َّ‬ ‫ال مييل إىل عقاب أحد‪ ،‬إال يف أضيق احلدود‪ .‬بال شك واجهنا صعا ًبا عديدة يف‬
‫اليت أخطأت‪ ،‬وأكدت هلم أهنا اسمطبات جديدة‪..‬‬ ‫البداية‪ ،‬كشأن بداية أي مرشوع كبري‪ .‬استلزم األمر منا وق ًتا ليس بالقصري‪ ،‬حىت‬
‫أذكر يف سنة ‪1986‬أنين كنت يف زيارة لرشكة ماكبس يف اليابان (امسها‬ ‫نصل لنظام ثابت ُيدار به املصنع‪ ،‬ولكن بعد حني – وهلل امحلد‪ -‬استقرت األمور‪..‬‬
‫عايدة ‪ ،)AIDA‬وقد عرفهتم عن طريق مصنع توشيبا ملواتري املراوح يف «ناجويا»‬ ‫كثريا ما احتدمت اخلالفات يف وجهات النظر بني احلاج عبد اجليد واملهندس‬
‫يف اليابان‪ ،‬واكن لدهيم نوع من املاكبس فائق الرسعة خيتلف متا ًما معا تعودنا‬ ‫يرص عىل رأيه‪ ،‬اكن املهندس برغوت يقول له‪:‬‬
‫ّ‬ ‫برغوت‪ ،‬وحني اكن أيخ عبد اجليد‬
‫هيلع‪ ،‬فطلبت من املهندس برغوت – أثناء زيارتنا هلم‪ -‬أن نسىع للحصول عىل‬ ‫رصا عىل رأيك هكذا‪ ،‬فأنا مايش خالص‪ ،‬السالم عليمك‪..»..‬‬
‫دمت ُم ًّ‬
‫َ‬ ‫«ما‬
‫مكبس مثله للوصول لتصنيع مواتري املراوح بكفاءة ال تقل عن املصنَّعة يف اليابان‪،‬‬
‫وفوجئت به خيربين أنه متىن يف قرارة نفسه األمنية ذاهتا‪ ،‬وبالفعل مل مير وقت‬ ‫بالفعل اكن املهندس برغوت يرتدي مالبسه‪ ،‬ويوقف سيارة من عىل الطريق‬
‫طويل حىت اكن عندنا يف مصنع املراوح ببهنا مكبس بنفس مستوى ذلك املكبس‬ ‫الرسيع‪ ،‬ويعود هبا إىل بيته‪ .‬هكذا اكن سلوكه – رمحه اهلل‪ -‬حني ُيغضبه يشء‪ ،‬مل‬
‫الياباين‪..‬‬ ‫يكن ينتظر سيارة الرشكة‪ ،‬بل يرسع باخلروج ليستقل أي سيارة أجرة ويعود لبيته‪..‬‬

‫‪179‬‬ ‫‪178‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫لأول مرة‪� ..‬ضمان ‪� 5‬سنوات للمروحة!‬ ‫هكذا اكن التفاعل والتجاوب بيننا يف غاية الفعالية والرسعة‪.‬‬
‫ً‬
‫شيئ ذا قمية يف األسواق‪ ،‬حيث اكنت أجهزة‬ ‫اكنت املروحة يف ذلك الوقت‬ ‫ويف م ّرة‪ ،‬اكنت هناك ماكينة معطلّة‪ ،‬وحاول املهندس برغوت إصالحها مع‬
‫التكييف ملكفة للغاية‪ ،‬وكبرية احلجم‪ ،‬وذات صوت مزجع‪ .‬واكن من املعتاد أن‬ ‫ً‬
‫طويل دون جدوى‪..‬‬ ‫زمالئه يف املصنع‪ ،‬وبذلوا يف ذلك وق ًتا وجهدًا‬
‫ترى يف املطار ويف املوانئ مرصيني عائدين من دول اخلليج ويف يد لك مهنم‬
‫صباحا‪ ،‬واكن الوقت شتا ًء‪ ،‬مل يستطع املهندس برغوت‬
‫ً‬ ‫يف الساعة الثانية‬
‫مروحة‪!..‬‬
‫النوم‪ ،‬فقد اكن مهمو ًما بسبب عدم جناحهم يف إصالح املاكينة‪ ،‬مث جاءته فكرة‬
‫اكنت تلك الصورة من مضن أسباب أخرى جشعتنا ودفعتنا إىل دخول جمال‬ ‫خبصوص العطل يف تلك املاكينة‪ ،‬شعر أن احلل قد يمكن فهيا‪ ،‬فاستقل سيارته‬
‫تصنيع املراوح‪.‬‬ ‫اخلاصة إىل املصنع ببهنا (اكن يسكن يف مرص اجلديدة)‪ .‬وهناك‪َّ ،‬‬
‫نفذ فكرته‪،‬‬
‫وبالفعل اشتغلت املاكينة كأحسن ما يكون‪ ،‬مع انطالق أذان الفجر‪..‬‬
‫اكنت جودة اإلنتاج يف مصنع املراوح يف بهنا جيدة ج ّدًا يف عامل التصنيع‬
‫– وهلل امحلد‪ ،-‬ولقد أقر رشاكؤنا يف توشيبا اليابان بذلك‪ .‬كنا نعمل بأسلوب‬ ‫لقد اكن – رمحه اهلل‪ -‬صاحب مهة رائعة وطاقة كبرية يف العمل دون ملل‪..‬‬
‫منضبط من رقابة اجلودة‪ ،‬ال يحمس مبرور أي مروحة هبا أي عيب‪ .‬لقد أثبتت‬
‫اكن جشاعا واثقا من نفسه‪ ،‬ومل أره مهزوزا خائفا إال مرة واحدة!‪..‬‬
‫جمعة (بنسبة ‪ % 40‬تصنيع حميل) يف مصانعنا أهنا ليست َّ‬
‫أقــل جودة‬ ‫املراوح املُ ّ‬
‫من تلك اليت كنا نستوردها من اليابان‪ ،‬لدرجة أننا كنا نعيط سنة واحدة مضان‬ ‫كنا يف رحلة معل باليابان‪ ،‬وأثناء تناولنا للطعام يف الفندق‪ ،‬اهزت املبىن‬
‫عىل املروحة املستوردة‪ ،‬أما املراوح اليت بدأنا ننتجها يف مصانعنا‪ ،‬فقد أعطينا‬ ‫بشدة‪ ..‬وبدأت الصيحات‪ :‬زلزال‪ ،‬زلزال‪..‬‬
‫علهيا مضان ‪ 5‬سنوات!‬ ‫زلزال شديدًا للغاية‪ ،‬من تلك اليت اعتادت علهيا اليابان‪ ،‬واليت أسسوا‬ ‫ً‬ ‫اكن‬
‫فوجئ اليابانيون أنفهسم أننا أجرينا جتربة كفاءة املروحة ملدة سنتني ليل هنار‬ ‫لك مبانهيم لتقاومها (إال أن يشاء اهلل تعاىل أم ًرا‪ ،‬حفيهنا ال التقنيات تنفع‪ ،‬وال‬
‫بدل من ‪ 5000‬ساعة (أي ‪ 7‬هشور تقري ًبا)‪ ،‬وجنح‬ ‫بدون توقف‪ ،‬أي ‪ 17500‬ساعة ً‬ ‫األساسات املرنة تيجن!)‪.‬‬
‫مث جعلهم أكرث مرونة معنا يف طلباتنا‬ ‫جناحا فائقا‪ ،‬مما أهبرمه ومن ّ‬
‫ً‬ ‫االختبار‬ ‫أخذت أردد يف سكون‪ ،‬بصوت خافت‪ :‬يا مرح ًبا بلقاء اهلل‪ ،‬يا مرح ًبا بلقاء اهلل‪!..‬‬
‫يف جمال التصنيع‪..‬‬
‫تبي ما كنت أقوله‪ ،،‬مث نظر لوجه‬
‫إيل يف رعب‪ ،‬بعدما ّ‬‫راح املهندس برغوت ينظر ّ‬
‫اكنت فكرة إعطاء مضان ‪ 5‬سنوات لتلك املروحة اليت تعمل ملدة سنتني بشلك‬ ‫مبتسا‪ ،‬فازداد خوفه!‪ .‬لقد أيقن الرجل أن املوت قادم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هادئ‬ ‫أيخ عبد اجليد‪ ،‬فوجده‬
‫متواصل‪ ،‬اكنت فكرة منطقية بسيطة‪ ،‬مفثل هذه املروحة لن تعمل بشلك متواصل‬ ‫ال حمالة‪( ..‬سبحان اهلل‪ ،‬انتقل االثنان إىل الرفيق األعىل يف هشر واحد من سنة‬
‫إال نصف سنة عىل األكرث‪ ،‬هذا إن افرتضنا أن اجلو حار يف مرص ملدة ‪ 6‬أهشر‬ ‫‪..)1995‬‬
‫يف السنة‪ ،‬وبطبيعة احلال فإن عدم معل املروحة ملدة ‪ 6‬أهشر أخرى معناه أن‬
‫كفاءة معلها سزتيد بعد تلك املدة الطويلة من الراحة‪ ،‬لذا أعطينا الضامن ملدة ‪5‬‬ ‫مر دون خسائر‪ ،‬واسمترت حياة الرجل الناحج الذيك‪ ..‬وقد ظل‬ ‫ولكن الزلزال َّ‬
‫سنوات‪ ،‬فاكنت خطوة كبرية حنو مزيد من ثقة العمالء يف منتجاتنا‪ ،‬وقد حجننا‬ ‫املهندس برغوت يتذكر ذلك الزلزال طويال‪ ،‬حامدًا اهلل أنه انهتى عىل خري‪..‬‬
‫ريا‪..‬‬
‫جناحا كب ً‬
‫ً‬ ‫يف ذلك االختبار‬ ‫رمحه اهلل رمحة واسعة‪.‬‬
‫إن موضوع إعطاء عدد سنوات مضان أطول بكثري مما يتوقعه املسهتلكون بل‬ ‫٭٭٭‬
‫‪181‬‬ ‫‪180‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وما خيدم منتجاتنا األساسية‪..‬‬ ‫أيضا‪ ،‬هو أسلوب تسويق خاص بنا‪ ،‬ابتكرناه يف رشكة «العريب» عىل‬ ‫واخلرباء ً‬
‫أساس فكرة نشأت من الرغبة يف نرش قمية‪ :‬الثقة يف منتجاتنا‪ ،‬والثقة يف نظم‬
‫وهلل امحلد‪ ،‬تأكدنا مع مرور السنني من حصة هذه السياسة‪.‬‬
‫ضبط اجلودة اليت نتبعها‪ ..‬وهلل امحلد أمثر ذلك األسلوب بشلك كبري يف انتشار‬
‫٭٭٭‬ ‫منتجاتنا يف لك ماكن يف مرص ويف بعض الدول العربية واألفريقية‪..‬‬
‫اكنت املشلكة األوىل اليت واجهتنا يف جمال الصناعة‪ ،‬أن املسهتلك املرصي‬
‫بدأنا نرى املراوح يف أيدي اإلخوة األشقاء الوافدين للدراسة يف األزهر ويف‬
‫تعود عىل رشاء املنتج املستورد‪ ،‬حيث اكنت عقدة «اخلواجة» منترشة‬ ‫اكن قد َّ‬ ‫غريه من جامعات مرص‪ ،‬خيرجون هبا من مطار القاهرة عائدين إىل بالدمه‪!..‬‬
‫أيامها؛ فقد اكن أغلب املرصيني يفضلون رشاء املنتج املستورد‪ ،‬خاصة إذا اكن‬
‫من تصنيع اليابان‪ ،‬ولكننا حني وضعنا مراوحنا املُص َنّعة يف مرص إىل جانب‬ ‫أدخلنا بعد ذلك تصنيع الشفاطات مث مراوح السقف‪ ،‬مث املجسالت (الراديو‬
‫املراوح اليابانية‪ ،‬وعاين املسهتلك املُ َ‬
‫نتج ْي‪ ،‬وتأكد أنه تقري ًبا ال يوجد فارق يف‬ ‫اكسيت)‪ ..‬مث دخلنا ماراثون القدرة عىل تصنيع التلفزيون‪ ..‬وخالل لك تلك املراحل‬
‫الشلك وال يف اجلودة‪ ،‬مع وجود فارق يف عدد سنوات الضامن لصاحل منتجنا‪،‬‬ ‫اكنت هناك ثوابت استخلصناها من خالل مشوار التصنيع‪ ،‬اكنت سب ًبا معي ًقا من‬
‫وأيضا فارق السعر اكن يف صاحلنا‪ ..‬لك ذلك جعل املسهتلك ُيقبل – ألول مرة‪-‬‬ ‫ً‬ ‫مضن أسباب تف ّوق صناعة «العريب»‪..‬‬
‫عىل املنتج املرصي‪..‬‬ ‫من أمه تلك الثوابت‪ ،‬مبدأ يف غاية األمهية‪ ،‬مل نغريه أبدًا‪ ،‬وأرجو أن يظل‬
‫لقد بلغ جناحنا يف التصنيع إىل الدرجة اليت اكن يسأل فهيا العميل‪« :‬دي‬ ‫«العريب» ثاب ًتا هيلع حىت بعد رحيلنا‪ :‬أال ندخل يف تصنيع منتجات ال نعرف كيف‬
‫صناعة مرصية؟»‪ ،‬فيجيبه البائع بثقة‪« :‬دي صناعة العريب‪ ،»..‬فال يرتدد العميل‬ ‫نس ّوقها‪..‬‬
‫يف رشاهئا‪..‬‬ ‫وإذا عرضت علينا منتجات رأينا أن تصنيعها يستحق املغامرة‪ ،‬واكنت دراسات‬
‫لقد اكن دخولنا جمال التصنيع باب خري كبري لنا ولكثريين غرينا‪ ،‬وأرجو أن‬ ‫اجلدوى لتصنيعها مجشعة مثل التكييفات والملبات الفلورسنت‪ ،‬فال جتدنا ندخل‬
‫تنترش من خالل «حاكية العريب» ثقافة التصنيع يف لك أحناء مرص‪ ،‬حيث أين‬ ‫يف مراحل تصنيعها إال بعد جتربة البيع املستورد مهنا لفرتة اكفية‪ ،‬وبالتوازي‬
‫عىل يقني أن التصنيع هو الذي سيخرجنا من األزمة االقتصادية اخلانقة اليت منر‬ ‫مفصلة‪ ،‬تضمن لنا – بإذن اهلل‪ -‬عدم اخلطأ أثناء إنشاء‬‫ّ‬ ‫ُنري دراسات جدوى‬
‫هبا‪ ،‬إىل جانب العودة لتمنية الزراعة والعناية هبا مكا اكن حالنا قبل ثورة ‪..1952‬‬ ‫املصانع‪ ،‬وخطوط اإلنتاج‪..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫لقد ساعدتنا خربتنا العريضة يف التجارة‪ ،‬حني دخلنا إىل عامل الصناعة‪ ،‬كنا‬
‫ق�صة الرتخي�ص‪!..‬‬ ‫نستورد مراوح؛ فأصبحنا نصنعها‪ ،‬كنا نستورد تلفزيونات فأصبحنا نصنعها‪..‬‬
‫وهكذا‪..‬‬
‫يف عام ‪ ،1976‬كنا قد تقدمنا لوزير الصناعة املهندس‪ /‬فؤاد أبوزغلة بطلب‬
‫لرتخيص بناء مصانع لملراوح والراديو اكسيت والتلفزيون‪ .‬ما إن أخذ الطلب‬ ‫مك من مرة جاءين مدير جملس إدارة بنك‪ ،‬أو صديق عزيز بأفاكر تصنيع‬
‫طريقه إىل مكتب الوزير‪ ،‬حىت بدأت املامطالت واملراوغة من بعض مسوئيل‬ ‫سلع ومنتجات مل نعمل يف بيعها‪ ،‬مثل السيارات‪ ،‬ومك ُعرضت علينا مرشوعات‬
‫الوزارة‪ .‬ذهبت إىل الوزير ثانية‪ ،‬فاستقبلين برتحاب وسألين عن توشيبا وتطور‬ ‫استمثارية مثل إنشاء سلسلة مطامع أو املشاركة يف مرشوعات سياحية‪ ،‬فكنت‬
‫عالقتنا هبا‪..‬‬ ‫أرفض متا ًما‪ ،‬مهام بلغت اإلغراءات املادية من احمتاالت رحبيهتا‪ .‬اكنت فكريت‬
‫ثابتة ال تزتعزع‪ :‬لن نستمثر إال فميا نفهم فيه‪ ،‬ولن ُنصنّع إال ما نعرف كيف نبيعه‪،‬‬

‫‪183‬‬ ‫‪182‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مجمعة‪ ،‬معبأة يف الكراتني من اخلارج‪ ،‬وعلهيا شعار‬ ‫تأتهيام اكملة ولكهنا غري َّ‬ ‫أجبت عن لك أسئلة الوزير‪ ،‬مث دخلت يف املوضوع الذي طلبت حتديد اللقاء‬
‫الرشكة العربية للرتانزستور‪ ،‬أو رشكة النرص للتلفزيون‪ ،‬وتأخذ إعفا ًء مجرك ًّيا‬ ‫من أجله‪..‬‬
‫عىل أهنا مكونات لألجهزة‪ ،‬فقط‪!..‬‬ ‫لقد َّ‬
‫علين اهلل تعاىل‪ ،‬وعملتين األيام كيف أحرتم املسوئلني‪ ،‬وأال أتعدى حدود‬
‫نعم‪ ،‬مل تكن رشاكت القطاع العام ُتصنّع أي يشء يف ذلك الوقت‪ ،‬وال حىت‬ ‫الذوق يف التعامل معهم‪ ،‬مفام عملنا إياه احلبيب دمحم ﷺ أن ُنزنل الناس‬
‫نسبة تصنيع ‪ % 10‬وبرمغ ذلك فاكنوا حيصلون عىل إعفاءات مجركية اكملة‪ ،‬حتت‬ ‫ً‬
‫أيضا أال أنافقهم مهام تعامظ نفوذمه‪،‬‬ ‫منازهلم‪ ..‬لكين يف نفس الوقت‪ ،‬تعملت‬
‫دعوى أهنم يصنِّعون‪.‬‬ ‫ومهام اكن يل عندمه من مصاحل‪ ..‬كنت قد قررت أن أصارح الوزير بلك ما أشعر‬
‫به من إرصار غري ُمربر عىل تعطيل الرخصة اليت تقدمنا هبا بالتصنيع‪..‬‬
‫والسؤال‪ :‬إىل مىت يبىق كبار املسوئلني يف احلكومات املرصية يف معزل معا‬
‫يدور يف كواليس املؤسسات والرشاكت احلكومية وغريها مما جيب علهيم أن‬ ‫سألت املهندس فؤاد جبدية تامة‪ :‬ملاذا ال توافق – يا سيادة الوزير‪ -‬عىل منحنا‬
‫يتابعوا أداءه بإنصاف‪ ،‬ولن يكون هذا إال بتدفق املعلومات علهيم بشلك دقيق‬ ‫ترخيص التصنيع‪ ،‬الذي تقدمنا به إليك من هشور طويلة‪..‬؟‬
‫ومسمتر وصادق‪ ،‬وال يكون ذلك إال بتحراكت مسمترة وواعية لملسؤولني حنو لك‬
‫قال‪ :‬يا حاج محمود‪ ،‬إن مصانع رشاكت القطاع العام تنتج بالفعل تلك األجهزة‪،‬‬
‫القطاعات واجلهات اليت يديروهنا‪..‬‬
‫ّ‬
‫سيرض بالصاحل العام‪..‬‬ ‫وتصنيعك هلا‬
‫اكنت مشلكة حقيقية‪ ،‬خاصة أن كبار ساسة الدولة ومسوئلهيا – يف تلك‬ ‫ً‬
‫شيئ يف مصانعها‪،‬‬ ‫قلت له‪ :‬إن رشاكت القطاع العام ال تنتج يف حقيقة األمر‬
‫التقدم‪ ،‬خاصة‬
‫األيام‪ -‬اكنوا دامئي النداء برضورة االجتاه للتصنيع للحاق بركب ُّ‬ ‫ً‬
‫شيئ‪ ،‬فستجدها ُ ِّ‬
‫تع نسبة قليلة للغاية‬ ‫بل يه تستورد فقط‪ ،‬وبفرض أهنا تنتج‬
‫بعد أن أعلن الرئيس السادات جنوحه للسمل مع إرسائيل‪ ،‬وأن حرب أكتوبر يه‬
‫تديع أهنا صنعهتا‪ .‬ال تصنيع حقييق يف رشاكت القطاع‬ ‫من تلك األجهزة‪ ،‬مث َّ‬
‫آخر احلروب معها‪..‬‬
‫العام يا سيادة الوزير!‬
‫ريا‪ ،‬وافق الوزير عىل إعطائنا الرتخيص يف سنة ‪.1979‬‬
‫وأخ ً‬ ‫فوجئ الوزير متاما مبا أقول‪ ،‬ور ّد‪ :‬يا حاج محمود‪ ،‬املعلومات اليت عندي‬
‫والسؤال‪ :‬مىت تنهتي لك تلك التعقيدات البريوقراطية اليت مت ّثل حاج ًزا عال ًيا‬ ‫ختالف ما تقوله متا ًما‪!..‬‬
‫حنو مزيد من االستمثارات اليت تصب يف مصلحة اقتصاد مرص؟ مما ُيفقدنا‬
‫رجوته أن يزور تلك املصانع والرشاكت‪ ،‬زيارات مفاجئة ليتأكد من األمر بنفسه‪،‬‬
‫فرصا عظمية لزيادة اإلنتاج‪ ،‬وبالتايل للعيش الكرمي‪ ،‬وزيادة الدخل للجميع‪..‬‬
‫ً‬ ‫وأكدت له أنه من العيب الكبري الذي ميس مسعة مرص‪ ،‬أن تأيت مصانع ورشاكت‬
‫لو نظرنا إىل منوذج دولة الصني‪ ،‬واليت أصبحت اليوم ثاين أكرب قوة اقتصادية‬ ‫فيجمعوها‬
‫ّ‬ ‫مجمعة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫القطاع العام باألجهزة واملنتجات جاهزة من اخلارج‪ ،‬أو غري‬
‫يف العامل‪ ،‬جند أن البداية اكنت يف تذليل لك العقبات أمام املستمثرين‪ ،‬سواء‬ ‫مث يكتبوا علهيا‪« :‬صنع يف مرص»‪ ..‬فأي صناعة يف هذا؟‬
‫من داخل الصني أو من خارجها‪ ..‬وقضت عىل معظم مظاهر الفساد اإلداري‬
‫وأضفت مؤكدًا وجهة نظري‪ :‬اذهب سيادتك بنفسك إىل مصانع الرشكة العربية‬
‫وفرت الدولة هناك العاملة املدربة اجلاهزة غري امل ّ‬
‫لكفة‪ ..‬ووفرت‬ ‫واحلكويم‪ ..‬وكذلك َّ‬
‫مثل‪ ،‬أو إىل رشكة «النرص» للتلفزيون‪ ،‬وسوف ترى‬ ‫للرتانزستور «تلميرص» ً‬
‫لك املواد اخلام اليت سيحتاج إلهيا أي مستمثر إلقامة مرشوعه الصنايع‪ ..‬وقبل‬
‫احلقيقة بعينيك‪!..‬‬
‫ذلك أقامت شبكة هائلة من الطرق الرسيعة‪ ،‬وأسست بنية حتتية من أفضل ما‬
‫ميكن يف مجيع أحناء البالد‪..‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬ذهب الوزير يف زيارات مفاجئة ملصانع الرشكتني‪ ،‬فوجد أن البضاعة‬

‫‪185‬‬ ‫‪184‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫حيوي تفاصيل مياكنيكية كثرية‪ ،‬ومل يعد بدائ ًّيا مكا اكن يف أيام معل أيخ أمحد‬ ‫لقد اجتذبت الصني يف سنة ‪ 2010‬فقط ر ً‬
‫مقا فلك ًّيا من االستمثارات اخلارجية‪،‬‬
‫جويدة – رمحه اهلل‪ -‬يف مجتيعه‪.‬‬ ‫بلغ ‪ 600‬مليار دوالر‪** !!..‬يفضل حذف الفقرة يث ا املعلومة قدمية جدا **‬
‫أين أنت يا أيخ أمحد جويدة؟!‪ ،‬لتتأمل معنا كيف يصنّع اليابانيون الراديواكسيت‬ ‫إن البداية احلقيقية يه العمل اجلاد لتذليل العقبات أمام املستمثرين‪ ،‬والقضاء‬
‫ً‬
‫مريضا‪،‬‬ ‫اآلن!! (اكن أيخ أمحد – رائد صناعة الراديو يف املنوفية‪ -‬يف هذه الفرتة‬ ‫نعوض ما فاتنا‪..‬‬
‫عىل الفساد يف قطاعات الدولة‪ ..‬هكذا نبدأ‪ ،‬وهكذا ِّ‬
‫الياكد يفارق بيته يف «أبو رقبة»‪ ،‬ولكن أخبار إنشاءات املصنع اكنت تصله أولً‬
‫٭٭٭‬
‫بأول‪ ،‬واكن سعيدًا للغاية هبا)‪.‬‬
‫م�صنع الراديــو كا�ســيت‬
‫اكنت البدايات التنفيذية صعبة بالفعل‪..‬‬ ‫ً‬
‫طويل مكا حدث‬ ‫مل يستغرق التفاوض مع «توشيبا» إلنشاء ذلك املصنع وق ًتا‬
‫اكنت أول مرة نتعامل فهيا – ً‬
‫مثل‪ -‬مع معليات تشكيل البالستيك بأجحام‬ ‫يف مصنع املراوح‪ .‬اكنت بداية إنشاء مصنع «الراديو اكسيت» عام ‪..1984‬‬
‫صغرية ودقيقة‪..‬‬ ‫اخرتت أربعة من أقرب املعاونني يل لإلرشاف عىل تنفيذ املصنع‪ :‬أيخ عبد‬
‫و أول مرة نتعرض فهيا لعملية الدهان عىل البالستيك (السلك سكرين)‪ ،‬واليت‬ ‫اجليد‪ ،‬واملهندس دمحم برغوت‪ ،‬واملهندس دمحم محمود العريب‪ ،‬واملهندس صالح‬
‫أتقهنا دمحم محمود بعد جهد وصرب طويل (بلغ به األمر يف بداية التصنيع أنه‬ ‫ِ‬
‫منص َبـي‪ :‬الرئيس التنفيذي‪ ،‬ونــائب الرئيس‬ ‫عبد اجليد العريب (مها اآلن يشغالن‬
‫اكن أحيا ًنا يعيد معلية ضبط الطباعة حلرف واحد مرات ومرات حىت يصل إىل‬ ‫التنفيذي‪ ،‬ملجموعة رشاكت ومصانع «العريب»)‪..‬‬
‫درجة اإلتقان املطلوبة)‪..‬‬ ‫اكن لك فرد مهنم يعرف دوره جيدًا يف العمل‪ ،‬واكن هناك تنامغ كبري فميا‬
‫وجاءت أمه مرحلة من مراحل التصنيع‪ ،‬ويه مرحلة تدريب الفتيات والشباب‪،‬‬ ‫بيهنم‪ ،‬ولكن أحيا ًنا اكنت اختصاصاهتم تتداخل‪ ،‬فتحدث بعض املشكالت‪ ،‬فكنت‬
‫الذين جئنا هبم من املدرسة الفنية الصناعية يف بهنا‪ ،‬واكنوا يعملون ألول مرة‬ ‫أتدخل بشلك حامس‪ ،‬أو من قبل أن تبدأ املشكالت يف التفامق بالفعل؛ فاكنت لك‬
‫عىل خط إنتاج مثل هذا‪ ،‬وامحلد هلل أثىن لك اخلرباء واملهندسني اليابانيني عىل‬ ‫تلك املشكالت تذوب حني تتوافر هلا احللول يف الوقت املناسب‪.‬‬
‫األداء حني رأوا النتاجئ األولية‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،1985‬بعد االنهتاء من لك جتهزيات وخطوط إنتاج مصنع الراديو‬
‫أتذكر أن أول ما أنتجناه يف ذلك املصنع اكنت أجهزة راديو اكسيت عبارة عن‬ ‫اكسيت‪ ،‬أعطيت توجهيايت لملهندس صالح عبد اجليد واملهندس دمحم محمود‬
‫جهاز اكسيت بمساعتني ملحق به راديو أربع موجات (مهنا اإلف إم)‪ ،‬اكن ماركة‬ ‫يسمترا يف إدارته‪ ،‬ليتفرغ أيخ عبد اجليد واملهندس برغوث إلدارة مصنع‬
‫َّ‬ ‫أن‬
‫من اهلل علينا بنجاح كبري هلذا اجلهاز يف السوق املرصي‪.‬‬
‫توشيبا ‪ ..110S RT‬ولقد َّ‬ ‫بهنا بشلك عام‪.‬‬
‫وبرمغ توقف إنتاج «الراديو اكسيت» متاما بعد هذه الطفرة يف تكنولوجيا‬ ‫اكن دمحم وصالح متقاربني يف العمر‪ ،‬واكنا زمييل دراسة يف املراحل‬
‫أجهزة الصوتيات‪ ،‬إال أن هناك أجهزة مهنا أضيفت هلا خدمات تقنية عرصية‬ ‫وأيضا خترجا م ًعا يف هندسة عني مشس‪ ،‬لذا نشأت بيهنام درجة‬ ‫ً‬ ‫الدراسية‪،‬‬
‫مثل «اليس دي» وغريها‪ ،‬ال زلنا نستوردها جاهزة من «توشيبا» لتغطية طلبات‬ ‫ً‬
‫ملحوظا يف جودة إنتاج ذلك املصنع‪،‬‬ ‫جناحا‬
‫ً‬ ‫عالية من التفامه والتنامغ‪ ،‬فأمثر ذلك‬
‫السوق مهنا‪ ،‬وذلك لعدم وجود خط إنتاج هلا منذ وقت طويل‪..‬‬ ‫مكا أمثر ذلك التعاون بعد ذلك يف لك مشوار «العريب»‪..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫يف حقيقة األمر اكن تصنيع الراديواكسيت ألول مرة مره ًقا ومعقدًا‪ ،‬فهو جهاز‬

‫‪187‬‬ ‫‪186‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫املصنع قد أع ّد َّ‬
‫لك التجهزيات اخلاصة بتشغيل املاكينات‪ ،‬قبل فرتة من بدء‬ ‫م�صـنـع الف ــوم‬
‫التجربة األوىل‪ ،‬حسب االشرتاطات اليت أخذوها من اخلرباء األملان)‪ ،‬واكن‬
‫يف عام ‪ ،1985‬اكن هناك مصنعان للفوم يف مرص‪ ،‬واحد يف اإلسكندرية‬
‫اإلنتاج رائ ًعا‪ ،‬وهلل امحلد‪..‬‬
‫امسه «شيفرمان»‪ ،‬واآلخر «مرص فوم»‪ ،‬اكن املصنعان «قطاع عام»‪ ،‬واكن‬
‫اكن الضيوف األملان يف غاية السعادة ومه يغادرون املصنع إىل الفندق‬ ‫ريا‪ ،‬فاكنت طلبيات الفوم اخلاصة بنا تتأخر‪ .‬والفوم ميثل‬‫الضغط علهيام كب ً‬
‫لريتاحوا ً‬
‫قليل قبل السفر لبالدمه‪.‬‬ ‫عنرصا حيويا للغاية لتعبئة منتجاتنا‪ ،‬فضال عن استخدامه يف العزل أيضا‪..‬‬
‫بعد سنوات عاد اخلرباء األملان لزيوروا املصنع أثناء تواجدمه يف مرص لتنفيذ‬ ‫وقررنا إنشاء مصنع للفوم داخل مصنع بهنا‪.‬‬
‫مصنع جلهة أخرى‪ ،‬ورصح أحدمه يومها لملهندس برغوت أنه انهبر بنظافة‬
‫انتدبت املهندس برغوت ومعه املهندس حميي امحلالوي للتعاون يف تنفيذ‬
‫مصنع الفوم‪ ،‬وقال إنه يشعر كأنه يف مستشىف أو صيدلية وليس يف مصنع‬
‫مصنع الفوم‪ ،‬واكن معهام «اجلوكران» املهندس صالح عبد اجليد‪ ،‬واملهندس‬
‫مرصي للفوم‪..‬‬
‫دمحم العريب‪ ،‬وأذكر أهنام اكنا يف فرتة التجنيد يف ذلك الوقت‪ ،‬فاكنا يأتيان‬
‫اكنت هشادة كبرية من خبري أملاين حمرتف‪ ،‬ال يعرف املجاملة‪.‬‬ ‫لملصنع مبالبس اخلدمة العسكرية‪ ،‬أحيا ًنا يغرياهنا ببدلة العمل الزرقاء «العفريتة»‪،‬‬
‫وأحيا ًنا ال جيدان الوقت لذلك فيشتغالن هبا‪!..‬‬
‫خالل مشوار حيايت‪ ،‬أيقنت أن نقل اخلربات يه أساس جناح أي مرشوع‬
‫كبري‪ ،‬وآمنت أن التعلمي والرتبية باالقتداء مها األجنح بال شك‪ ،‬فاكن أمه يشء‬ ‫اكنت هناك دراسة جدوى‪ ،‬قد قام بتنفيذها املهندس برغوت ومساعده املهندس‬
‫عندنا أن يكون لك املديرين والقادة قدوة طيبة للك تلك األعداد من الشباب والبنات‬ ‫خليل عبد املنعم‪.‬‬
‫الذين ق ّدر اهلل هلم – ولنا‪ -‬أن يعملوا معنا‪..‬‬
‫مت التعاقد عىل ثالث ماكينات من أملانيا لتصنيع الفوم‪.‬‬
‫ليك نحجن يف نقل اخلربات للشباب فعلينا تقدمي القدوة واملُثل العليا هلم‪ ،‬قبل‬
‫عندما وصلت املاكينات قاموا برتكيهبا يف وجود مهندسني خرباء من أملانيا‪.‬‬
‫أن نطلب مهنم االلزتام والعمل بإتقان‪ ،‬فليس من املنطيق أن نطلب من العاملني‬
‫والعامالت النظافة التامة يف املصنع‪ ،‬بيمنا جيدون واحدًا من املهندسني – ً‬
‫مثل‪-‬‬ ‫ظل فريق العمل جيهتد ً‬
‫ليل وهنا ًرا ملدة هشر‪ ،‬حىت مت تركيب املاكينات‪ ،‬ومت‬
‫يليق ورقة عىل األرض‪ ،‬أو يبدو مكتبه غري نظيف أو مرتب‪!..‬‬ ‫تدريب العاملني والفنيني عىل لك خطوات اإلنتاج‪ .‬استفاد مهندسو وخرباء‬
‫ريا من اخلرباء األملان‪ ،‬واكتسبنا مهنم خربات فنية وإدارية وتقنية‬
‫«العريب» كث ً‬
‫بال قدوة‪ ،‬ال وجود للرتبية الصحيحة‪ ،‬وال للتدريب الناحج الفعال‪.‬‬
‫اكنت سب ًبا يف انطالق مصنع الفوم بشلك رائع‪ ،‬وهلل امحلد‪.‬‬
‫هذا عىل اجلانب األخاليق‪ ،‬والذي ميثل األمهية القصوى لدينا‪.‬‬
‫يف آخر يوم من ذلك الهشر‪ ،‬بقيت مع الفريق وميع أيخ عبد اجليد – رمحه‬
‫أما بالنسبة للنوايح الفنية‪ ،‬فقد كنا نبحث عن املتفوقني يف دراسهتم‪ ،‬اكن‬ ‫اهلل‪ -‬حىت وقت متأخر‪ .‬دعونا اخلرباء األملان إىل طعام العشاء يف تلك الليلة‬
‫اختيارنا للشباب والفتيات من نفس املنطقة اليت حتيط باملصنع يف مدينة بهنا‬ ‫امجليلة‪ ،‬اكنت وجبة دمسة رائعة من «امحلام احمليش»‪ ،‬مل يذق األملان – بطبيعة‬
‫‪ ،‬فقد اكنت هناك مدرسة داخل مصنع رشكة بهنا لإللكرتونيات‪ ،‬عبارة عن معهد‬ ‫احلال‪ -‬مثله من قبل‪..‬‬
‫وأيضا اكنت هناك مدرسة ثانوي فين صنايع يف بهنا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تدريب فين صنايع‪.‬‬
‫وقد جربنا إنتاج املاكينات يف تلك الليلة (اكن فريق «العريب» امللكف بإدارة‬
‫قريبة يه األخرى من موقع املصنع‪..‬‬

‫‪189‬‬ ‫‪188‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ريا‪ ،‬أحبب العمل الشاق‪،‬‬


‫يف طريق االحرتاف‪ ،‬وحتقيق املزيد من األهداف‪ .‬وأخ ً‬ ‫كنا نستعني ً‬
‫أيضا ببعض خرجيي دبلومات التجارة من أبو رقبة‪.‬‬
‫وال تشكو أبدًا من اإلرهاق؛ فاالحرتاف يرتبط برباط وثيق حبب العمل الشاق‪.‬‬
‫ّ‬
‫أفضل أن يكون الشاب – أو الفتاة‪ -‬الذي ندربه واع ًيا للك جوانب ومفاهمي‬ ‫كنت‬
‫وامحلد هلل بزرع تلك املبادئ األخالقية والفنية بني صفوف العاملني والعامالت‬ ‫املدد يف فريق العمل‪..‬‬‫العملية اليت يقوم هبا‪ ،‬وليس فقط املهمة اخلاصة بعمله ُ‬
‫اجلدد؛ حجننا‪ ،‬وأرجو من اهلل العيل القدير أن يسمتر النجاح حىت حنقق‬
‫فرمغ وجود رأي سائد أن األفضل أن يكتيف املدرب أو اخلبري بتلقني العامل‬
‫مطوحنا األمه‪ 200 :‬أل ًفا يعملون حتت سقف «العريب»‪ ..‬يا رب!‬
‫مهمته األساسية اليت يقوم هبا فقط‪ ،‬فإننا اخرتنا املهنج األصعب‪ ،‬حيث اكن‬
‫٭٭٭‬ ‫مدربو «العريب» يتعاملون مع العامل أو العاملة‪ ،‬حبيث ال يكتفون بتعلمي من يقوم‬
‫بـ ــداي ــة‪ ..‬تـ�صـنـيـ ــع التلـ ـف ــزي ـ ــون!‬ ‫مثل‪ -‬بطريقة الرتكيب فقط‪ ،‬بل اكنوا يعملوهنم‬‫برتكيب الرتانزستور يف ماكنه – ً‬
‫اكن قرار وزير الصناعة فؤاد أبو زغلة صار ًما‪ ،‬بوضع جدول زمين لتقوم من‬ ‫غيت هذا اجلزء بذاك‪ ..‬وهكذا‪ ،‬أصبح أي‬ ‫كيفية معل الدائرة بشلك عام‪ ،‬وماذا لو ّ‬
‫خالله رشاكت القطاع العام بالتصنيع الفعيل والواقيع‪ ،‬وإال فعلهيا أن تدفع قمية‬ ‫عامل قاد ًرا عىل أن حيل حمل زميله يف مواجهة أي ظرف غري متوقع‪ ،‬مما قلص‬
‫تعطل خط اإلنتاج يف أي وردية‪.‬‬‫من احمتاالت ُّ‬
‫امجلارك اكملة عىل األجهزة اليت تطرحها يف السوق املرصي‪.‬‬
‫اكن من نتاجئ ذلك القرار اجلاد‪ ،‬أن قامت رشكة النرص للتلفزيون ‪ -‬يف عام‬ ‫لقد غرسنا يف العامل والعامالت اجلدد الوالء لملاكن الذي يعملون به‪ ،‬فأصبحوا‬
‫‪ - 1983‬بعمل مناقصة عامة لملشاركة يف التصنيع‪ ،‬وقد قرصهتا عىل الرشاكت‬ ‫حيافظون عىل نظافة املاكن ألهنم حيبونه ويشعرون بوالء وانمتاء حقييق له‪..‬‬
‫اليابانية فقط‪ .‬تقدمت رشكتا توشيبا وشارب بعرضني إىل رشكة النرص للتلفزيون‪.‬‬ ‫وعملنامه إتقان العمل بشلك اكمل‪ ،‬وزرعنا فهيم أن يتقنوا معلهم هلل‪ ،‬مط ًعا يف‬
‫ثوابه – سبحانه‪ -‬وليس إرضاء لخشص ما‪ ،‬بل هلل تعاىل‪ ،‬الذي حيب أن يتقن‬
‫ً‬
‫سيئ للغاية‪ ،‬لدرجة أن‬ ‫اكن وضع رشكة النرص للتلفزيون يف تلك الفرتة‬ ‫الواحد منا ما يعمله‪ ،‬ما دام يف هذا العمل خري ونفع له ولآلخرين‪.‬‬
‫«شياكت» الرشكة اكنت ُترد من البنوك مبارشة‪ .‬وبرمغ ذلك أقدمت الرشكتان‬
‫اليابانيتان عىل تقدمي عرضهيام بالتعاون مع الرشكة املرصية‪ ،‬ثقة مهنام يف‬ ‫أيضا أن نزرع فهيم كيف تسبق أعيهنم أيدهيم‪ .‬تعملوا أن يرفعوا‬‫ً‬ ‫استطعنا‬
‫أمهية السوق املرصي‪ ،‬خاصة يف جمال تصنيع ذلك املنتج االسرتاتيجي الصاعد‬ ‫أيدهيم بشلك تلقايئ ورسيع عندما يرون أو يقعون يف أي خطأ خيالف ما عملنامه‬
‫يف المساء اكلصاروخ‪ ..‬التلفزيون‪..‬‬ ‫إياه‪ ،‬وأن يصارحونا بذلك اخلطأ الذي وقع لميكننا تداركه عىل وجه الرسعة‪.‬‬

‫عملنا فميا بعد أن عرض رشكة شارب لرشكة النرص اكن أقل من عرض‬ ‫عىل الشباب الساعني الحرتاف العمل الصنايع أن هيمتوا هبذه النصاحئ‪:‬‬
‫«توشيبا»‪ ،‬واكن هناك وقت متاح قبل إعالن القرار الهنايئ الذي اكن لصاحل‬ ‫احرتف معلك بالمترين الدامئ املسمتر عىل أداء لك املهام املتعلقة به مبزيد من‬
‫رشكة شارب‪ ،‬فسافرت إىل اليابان ألحتدث مع املسوئلني يف توشيبا يف األمر‪،‬‬ ‫اإلتقان‪ ،‬مكا يفعل العبو الرياضة احملرتفون؛ فالالعب احملرتف جنده يتدرب عىل‬
‫التصويب من مسافة بعيدة ً‬
‫مثل‪ ،‬وال يرتك ذلك المترين أبدًا‪ ،‬مهام أجاد التصويب‬
‫ونصحهتم بتخفيض العرض ألقىص درجة ممكنة‪ .‬وقد وافق املسوئلون يف‬
‫توشيبا‪ ،‬وبالفعل ع ّدلوا العرض‪ ،‬وخ َّفضوا من سعر مكونات التصنيع ومن تلكفة‬ ‫يف املباريات؛ فبدون مترين وتدريب سيفقد ما اكتسبه من مهارات احرتافية‬
‫اإلرشاف عىل إمداد وتركيب خطوط اإلنتاج اجلديدة‪..‬‬ ‫أيضا يف لك أنشطة احلياة‪ً .‬‬
‫أيضا‪،‬‬ ‫أساسية تعينه عىل تجسيل األهداف‪ ..‬وهكذا ً‬
‫عليك أن تساعد من مه أقل منك خربة‪ ،‬فمكا أنك حتب أن تتعمل ممن سبقوك يف‬
‫ولكن رشكة النرص قالت إن األولوية لشارب ألهنا قدمت العرض األقل قبل‬ ‫العمل واخلربة‪ ،‬فامعل عىل نقل خرباتك ملن حيتاجها‪ ،‬فهذا سيعينك عىل التقدم‬

‫‪191‬‬ ‫‪190‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكن اقرتايح أن نوقع عقدًا مع رشكة النرص يقيض بأن نقوم برشاء مكونات‬ ‫تعديل توشيبا لعرضها‪ ،‬فتقدمت توشيبا اليابان وتفاوضت مع رشكة النرص‪،‬‬
‫التصنيع وأن تقوم الرشكة بتجميع األجهزة‪ ،‬مث نأخذ لك األجهزة املنتجة لنبيعها‬ ‫بتقدمي مزية مهمة ومؤثرة‪ ،‬اكنت عبارة عن تهسيالت يف السداد ملدة ‪ 180‬يو ًما‬
‫مبعرفتنا‪.‬‬ ‫(أي أن تقوم رشكة النرص بدفع مثن هذه املكونات املستوردة من توشيبا بعد ستة‬
‫أهشر من استالمها)‪..‬‬
‫اتفقنا أن تقوم الرشكة بإعطاء القطاع العام نسبة ‪ % 20‬من اإلنتاج‪ ،‬و‪ % 80‬لنا‪..‬‬
‫ترسبت تلك األخبار إىل شارب‪ ،‬فقدموا نفس التهسيالت‪!..‬‬
‫ّ‬ ‫ولكن رسعان ما‬
‫اكنت هذه املناقصة بعرشة آالف جهاز تلفزيون‪ ،‬رشاء مكونات من اخلارج‬
‫ومجتيعها يف رشكة النرص‪ .‬اكن املرشوع لكه مجتي ًعا فقط‪ ،‬دون أية نسبة تصنيع‪..‬‬ ‫اكن من الواحض أن النظام الداخيل يف رشكة «النرص» مفكك‪ ،‬ال ماكن فيه‬
‫حلفظ أرسار العمل‪ ،‬واكن الكثريون من املوظفني يبحثون عن مصاحلهم اخلاصة‬
‫بعد إبرام العقد دفعنا لرشكة النرص ‪ % 15‬مقد ًما لمثن األجهزة اليت سيمت‬
‫بعيدًا عن أي تقدير ملصلحة الرشكة؛ واكن هذا من أمه وأوحض عيوب القطاع‬
‫مجتيعها‪.‬‬
‫العام يف تلك الفرتة‪..‬‬
‫كنا حنن ورشكة النرص نتعامل مع بنك اإلسكندرية‪ ،‬الذي كنا نعمل معه من قبل‪،‬‬
‫املهم‪ ،‬أصبح لتوشيبا أولوية يف تقدمي التهسيالت وأصبح لشارب أولوية يف‬
‫واكنت لديه ثقة تامة يف جديتنا يف التعامالت‪ ،‬واكن بنك اإلسكندرية (كغريه من‬
‫تقدمي العرض األقل‪ ،‬وهكذا أصبحت الرشكتان متساويتني يف املزيان أمام‬
‫البنوك) ال يرصف شياكت رشكة النرص يف ذلك الوقت‪ ،‬بسبب الديون املرتامكة علهيا‪.‬‬
‫جملس إدارة رشكة النرص متخذي القرار‪ ،‬واكن قرار الرشكة الهنايئ هو العمل‬
‫فملا أبرمنا التعاقد معهم‪ ،‬أخذوه وذهبوا لبنك اإلسكندرية‪ ،‬فقال هلم مسوئلو‬ ‫مع توشيبا وشارب م ًعا‪.‬‬
‫البنك إن هذا العقد قد ُيرج الرشكة من كبوهتا‪..‬‬
‫بطبيعة احلال‪ ،‬كنت أمتىن الفوز لتوشيبا‪ ،‬ولكين تقبلت القرار بصدر رحب‪،‬‬
‫وبالفعل‪ ،‬بعد أن أخذوا ذلك املقدم‪ ،‬قاموا بفتح االعمتاد يف بنك اإلسكندرية‪،‬‬ ‫خاصة أن معىن القرار أن يكون هناك تنافس بني الرشكتني‪ ،‬مما يؤيت مثاره يف‬
‫ووصلت مك ّونات التصنيع إىل امليناء‪ ،‬وبدأت معلية التجميع بإيقاع جيد‪ ،‬ويف‬ ‫صاحل املسهتلكني‪..‬‬
‫نفس يوم استالم الحشنة األوىل لألجهزة دفعنا قمية ‪ % 85‬من السعر املتفق هيلع‪،‬‬
‫ففتحوا اعمتادًا ثان ًيا‪ ،‬مث اعمتادًا ً‬ ‫سبحان اهلل‪ ،‬بعد هذا التنافس الشديد بيننا كوكالء وممثلني لرشكة توشيبا‬
‫ثالثا‪..‬‬
‫يف مرص من ناحية‪ ،‬وبني رشكة شارب من ناحية أخرى‪ ،‬ما كنت أختيل أن يأيت‬
‫حجننا يف مهمتنا – وهلل امحلد‪ -‬يف بيع لك تلك المكيات اليت اكنت تأتينا‬ ‫اليوم ونعمل فيه مع رشكة شارب‪ ،‬بعد ذلك حبوايل ‪ 20‬سنة‪ ،‬حني وقعنا عقد‬
‫ّ‬
‫تسلنا أجهزة االعمتاد الثالث‪ ،‬ودفع نسبة ‪% 85‬‬ ‫معة من رشكة النرص‪ .‬ومع‬ ‫ُ ّ‬ ‫إنشاء مصنع تكييفات شارب «بالزما كالسرت» يف مصانع قويسنا‪ ،‬مكا سيأيت‪..‬‬
‫من مثن الحشنة‪ ،‬اكنت رشكة النرص قد سددت لك ما علهيا من ديون لبنك‬
‫مبا أننا كنا وكالء «توشيبا» يف مرص‪ ،‬فاكن الدور الذي يقع علينا لتسيري‬
‫وتغــي حال موظفــي رشكة النرص‪ ،‬فأصبحوا حيصلون عىل أربعة‬ ‫َّ‬ ‫اإلسكندرية‪،‬‬
‫االتفاق الذي مت مع القطاع العام كبريا للغاية‪..‬‬
‫أهشر حوافز يف السنة‪!..‬‬
‫قلنا لرشكة النرص لصناعة التلفزيون‪ :‬إن البنوك لن تفتح لنا اعمتادات إال‬
‫أما شارب فقد اكن يبيع باآلجل للقطاع العام‪ ،‬والقطاع العام يدفع الح ًقا ويبيع‬
‫برشوط‪ ،‬من أمهها أن يكون هناك تعاقد واحض بيننا وبني الرشكة‪ ،‬وليس أمامنا‬
‫بالتقسيط‪ ،‬فمل تكن أحوال احلركة مع شارب يف سوق التلفزيون رسيعة مكا اكنت‬
‫سوى إبرام ذلك التعاقد برسعة‪ ،‬لنستطيع الوفاء بالزتاماتنا‪.‬‬
‫معنا‪..‬‬

‫‪193‬‬ ‫‪192‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫من شارب وتوشيبا‪ ،‬وأن مصلحهتا قد أصبحت جفأة مع الرشكة الكورية (بعد‬ ‫واسمترت األوضاع هكذا لسنوات ثالث متتالية‪ ،‬مقنا فهيا بصفقات عديدة‬
‫أن تسبب العمل مع الرشكتني اليابانيتني يف خروج الرشكتني املرصيتني من لك‬ ‫ناحجة‪ ،‬وبعنا مكيات هائلة من تلفزيونات مصانع القطاع العام‪ .‬ولكن – واحلق‬
‫أزماهتام املادية)‪..‬‬ ‫يقال‪ -‬اإلنتاج مل يكن يتسم باجلودة الاكفية‪ ،‬لعدم مالءمة األجهزة حينئذ ألجواء‬
‫مرص احلارة‪ ،‬مكا اكن اعمتاد أجهزة التلفزيون عىل الملبات سب ًبا يف كرثة‬
‫التغيات بشلك مفاجئ‪ ،‬يف أواخر عام ‪ .1985‬وقد شعرت من‬ ‫ّ‬ ‫حدثت لك هذه‬
‫األعطال (عكس ما اكن حني بدأنا تصنيع التلفزيون عام ‪ ،1995‬حيث اكنت‬
‫أول حلظة أن هناك من ح ّرك هذا التعاقد‪ ،‬وهو من لديه مصلحة مع «جولد ستار»‪..‬‬
‫علين ريب سبحانه وتعاىل‪ ،‬ال أليق ً‬ ‫ولكين‪ ،‬وحسب ما ّ‬ ‫«الرتانزستورات» يه املكونات األساسية لألجهزة‪ ،‬واكنت معلية التصنيع تناسب‬
‫بال إال للحلول‪ ،‬ال أقف عند‬
‫ريا من حاجة العمالء‬‫طبيعة اجلو واالستعامل يف مرص بصورة كبرية‪ ،‬مما قلل كث ً‬
‫املشكالت ومن س ّب َبا؛ بل عملتين احلياة‪ ،‬وقبلها عملين كتاب ريب العزيز السيع‬
‫إىل الصيانة‪ ،‬قبل مرور سنوات عىل رشاء اجلهاز)‪ .‬بالفعل‪ ،‬اكنت هناك شاكوى‬
‫ربم عىل من تسبب فهيا من‬ ‫ومهة‪ ،‬دون النظر حبقد أو ت ّ‬
‫ّ‬ ‫حنو حل املشكالت بعزم‬
‫كثرية من أعطال مفاجئة ألجهزة التلفزيون اليت اكنت تنتجها رشاكت القطاع‬
‫البرش‪.‬‬
‫العام‪ ،‬مما تسبب يف رواج معليات صيانة وتصليح تلفزيونات رشكيت النرص‬
‫وهكذا‪ ،‬بدأت أفكر يف حل حامس لتلك األزمة اخلطرية‪ ،‬اليت سبهبا ذلك‬ ‫وتلميرص حينئذ‪ ،‬بشلك كبري‪ .‬ولقد استفدنا من تلك اخلربات أن نعزم النية أن‬
‫التعاقد املفاجئ‪ ،‬خاصة بعد أن اكتشفت أنه مل يعد هناك ما نقوم به من معل‬ ‫نصنّع التلفزيونات – يوم نصنّعها‪ -‬بكفاءة وجودة كبرية‪ ،‬تبعد عنا ذلك الصداع‬
‫يف جمال جتارة التلفزيون‪ ،‬بعد أن تف ّتحت أمامنا لك السبل‪ ،‬وأوجدنا لنا وكالء‬ ‫الرهيب من شاكوى العمالء واملسهتلكني‪ ،‬بسبب األعطال املفاجئة‪..‬‬
‫وجتا ًرا ومعالء ليساعدونا يف بيع لك حصتنا من إنتاج رشاكت القطاع العام‬
‫٭٭٭‬
‫عىل مستوى مرص لكها‪.‬‬
‫ثم كانت املفاج�أة‪..‬‬
‫اكن حظر االسترياد ال يزال سار ًيا‪ ،‬وبالتايل لك ما أنفقناه عىل نظم بيع‬
‫اكلعادة يف بلدنا احلبيب الط ّيب‪ ،‬يستيقظ الناس جفأة عىل تغيري أشياء كبرية‬
‫وتسويق وصيانة أجهزة التلفزيونات يف مرص‪ ،‬لكها قد أصبح صف ًرا ال قمية‬
‫جبرة قمل صغري‪ ،‬دون أن يعرف أحد ما يه األرسار وال القصص اليت دفعت‬
‫له!‪ ..‬حصيح أن التجار موجودون‪ ،‬والثقة تامة بيننا وبيهنم‪ ،‬والعمالء جاهزون‬
‫املسوئلني لتغيري لك تلك األوضاع واألمور‪ ،‬بال دراسة وال أسباب حقيقية‪!!..‬‬
‫للرشاء مبجرد توافر األجهزة‪ ..‬ولكن‪ ،‬أين تلك األجهزة؟‪ ..‬واسترياد التلفزيونات‬
‫لكف‪ ،‬وال يستطيع منافسة أجهزة القطاع العام‪ ،‬حىت ولو اكن فارق‬ ‫من توشيبا م ّ‬ ‫لقد حدثت لنا واحدة من تلك «اجل ّرات» املؤملة‪ ،‬اليت تلقيناها بقوة محتل وصرب‬
‫اجلودة كبريا‪ ،‬لصاحل املنتج الياباين بطبيعة احلال‪..‬‬ ‫تعودنا هيلع وأدمنّاه‪ ،‬إال أهنا اكنت كفيلة – بالفعل‪ -‬أن تقيض عىل مشوار‬
‫«العريب» يف جمال التصنيع‪ ،‬لوال أن صربنا علهيا‪ .‬اكن ذلك حني و ّقعت رشكة‬
‫حارصنا التجار والوكالء الذين اعمتدنامه لنا يف سائر حمافظات مرص‪،‬‬
‫«النرص» لصناعة التلفزيون‪ ،‬والرشكة العربية للراديو الرتانزيستور واألجهزة‬
‫حارصونا باألسئلة املريرة لك يوم‪ :‬ماذا سنعمل بعد لك هذا النجاح؟! ما يه‬
‫الكهربائية «تلميرص»‪ ،‬حني و ّقعتا تعاقدًا مع رشكة «جولد ستار»‪ LG‬حاليًا‪-‬‬
‫اخلطوة التالية‪ ،‬بعد تلك الرضبة املوجعة؟؟‬
‫الكورية ملدة سبع سنوات‪ ،‬ينص عىل أن تكون جولد ستار يه املتعاون الوحيد مع‬
‫حتركت حنو توشيبا‪ ،‬وألقيت علهيم هذا السؤال‪ :‬هل سنتفرج طوال هذه السنوات‬ ‫بدل من توشيبا وشارب!‬ ‫الرشكتني املرصيتني ً‬
‫السبع اليت ستعمل فهيا «جولدستار» الكورية وحدها مع رشاكت القطاع العام‬
‫جفأة‪ ،‬ودون سابق إنذار‪ ،‬رأت الرشكتان احلكوميتان أن جولدستار أفضل‬
‫املرصي؟ هل سنسكت عن هذه األحوال املريبة؟ وهل سنقبل خسارة الرشحية‬

‫‪195‬‬ ‫‪194‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ومعل مجاع ًّيا وعر ًقا وجهدًا‪ ،‬وقبل ذلك ّ‬


‫توك حقييق عىل اهلل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ختطيطا‬ ‫كالمه‬ ‫الكبرية من التجار ومن امجلهور‪ ،‬الذين يثقون يف تلفزيونات «توشيبا»؟!‬
‫تعاىل‪ ،‬ال ميكن أن ُي ّيبه اهلل أبدًا‪.‬‬
‫وطرحت علهيم املَخرج‪ :‬إقامة مصنع للتلفزيون يف مصنعنا ببهنا‪..‬‬
‫إن هذا هو أمه درس أقدمه ألبنايئ يف لك ماكن عىل أرض مرص احلبيبة‪:‬‬
‫مصنع تلفزيون؟! «تاين يا مسرت العريب؟!!»‪.‬‬
‫امعلوا مبجرد أن تقتنعوا بالفكرة‪ ،‬امعلوا لتكون أيديمك يه العليا‪ ،‬ولتكون حياة‬
‫عائالتمك وذويمك كرمية‪ ،‬ولتفيدوا غريمك‪.‬‬ ‫اكنت لدي املوافقة والرتخيص احلكويم بصناعة التلفزيون بالفعل‪ ،‬من مضن‬
‫الرخص اليت حصلنا علهيا من وزير الصناعة «أبو زغلة»‪..‬‬
‫امعلوا ليك تعود ملرصنا العزيزة إىل ماكنهتا بني البالد‪..‬‬
‫مل يقتنع املسوئلون يف توشيبا بالفكرة هنائ ًّيا؛ قالوا إنه من املستحيل أن يحجن‬
‫ّ‬
‫امليض يف مناقشة تفاصيل وخطوات إنشاء مصنع للتلفزيون‪،‬‬ ‫مع الوقت‪ ،‬ومع‬
‫«العريب» يف تصنيع التلفزيون بكفاءة يف مصنع بهنا‪ ،‬مكا جنح مع املراوح‬
‫تأكد اليابانيون أننا جادون متا ًما يف تصممينا‪ ،‬وأننا ماضون يف طريقنا حنو‬
‫وأجهزة الراديو اكسيت‪..‬‬
‫إنشاء املصنع‪ ،‬مهام عمظت العوائق‪..‬‬
‫اكنت اعرتاضات اليابانيني أكرث وأمعق بكثري من تلك اليت واجهونا هبا عندما‬
‫وبدأ ماراثون اجمتاعات ومفاوضات ودراسات ومناقشات جدلية طويلة بيننا‬
‫فاجأهتم برغبتنا يف تصنيع املراوح ألول مرة‪..‬‬
‫وبني فريق توشيبا‪.‬‬
‫حصيح اكن جناحنا يف تصنيع املراوح مث الراديو اكسيت داف ًعا ألن يصدقوين‬
‫بدا األمر يف غاية الصعوبة لدرجة أنين أحيا ًنا كنت أوشك أن أفقد األمل يف‬ ‫نسب ًّيا‪ ،‬ولكن ظل اعرتاضهم قا ً‬
‫مئا عىل نغمة ثابتة‪ :‬تصنيع التلفزيون خيتلف متا ًما‪!..‬‬
‫القدرة عىل االسمترار يف ذلك املرشوع‪ ،‬خاصة مع تصاعد االعرتاضات من‬
‫ً‬
‫وأيضا من جانب املسوئلني احلكوميني يف مرص‪..‬‬ ‫ناحية اليابانيني‪،‬‬ ‫ً‬
‫سبيل للخروج من االعرتاض الياباين‪ ،‬فبعد أن بنينا قاعدة قوية‬ ‫لكننا وجدنا‬
‫وعريضة مع جتار األجهزة الكهربائية عىل مستوى امجلهورية لكها‪ ،‬وبعد إحاطتنا‬
‫اكنت احلكومة من خالل اهليئة العامة للتصنيع‪ ،‬قد وضعت عراقيل بريوقراطية‬
‫بتفاصيل جتارة أجهزة التلفزيون من األلف إىل الياء‪ ،‬مكا عرفنا طبيعة معليات‬
‫هائلة من جهة‪ ،‬وكذلك مصانع القطاع العام املرصية – النرص وتلميرص وبهنا‪-‬‬
‫الصيانة اخلاصة به‪ ،‬اكن من الصعب علينا أن نرخض لألمر الواقع‪ ..‬اكن البد من‬
‫اكنت تضع عراقيل أخرى‪ ،‬من أمهها‪ :‬حتديد نسبة التصنيع احمليل حبيث ال تقل‬
‫إجياد حل رسيع وحامس‪..‬‬
‫عن ‪ ،% 40‬وكذلك اشرتاط أن يمت تصنيع أجزاء معينة من جهاز التلفزيون يف‬
‫املصنع املرصي (اكنت اشرتاطات تعجزيية بالفعل)‪..‬‬ ‫من هنا‪ ،‬اكن إرصاري عىل تأسيس مصنع للتلفزيون مع «توشيبا»‪ ،‬حبيث‬
‫يكون إنتاجه ذا جودة تتفوق عىل لك املتاح يف السوق املرصي‪ .‬ونعطيه سنوات‬
‫ريا من هذه املكونات ال‬
‫اكن هذا معناه مشلكة أكرب مع توشيبا‪ ،‬وذلك ألن كث ً‬ ‫مضان أعىل من لك املطروح يف السوق‪..‬‬
‫تنتجها الرشكة يف مصانعها يف اليابان‪ ،‬بل تولك معلية تصنيعها إىل رشاكت‬
‫ومصانع أخرى‪ ،‬فاكن البد من الدخول يف مفاوضات عسرية مع تلك الرشاكت‬ ‫يف بادئ األمر ظن اليابانيون يف «توشيبا» أين أتلكم عن جمرد فكرة طرأت‬
‫اليت تصنع تلك األجزاء لتوافق عىل نقل أرسار التصنيع إىل «العريب»‪.‬‬ ‫عىل ذهين كرد فعل غاضب لتعاقد رشكيت النرص وتلميرص مع «جولد ستار»‪،‬‬
‫معي‪ ،‬مث سيخفت ذلك امحلاس وخيبو بعد حني‪ .‬ولكننا‬ ‫وأنين متحمس فقط لوقت َّ‬
‫من جهة ثالثة اكنت هناك املشالك المتويلية املعتادة مع البنوك‪.‬‬
‫ريا‪ .‬إن من جيعل مفردات‬‫ريا‪ ،‬ولكننا نعمل وجنهتد كث ً‬
‫– وهلل امحلد‪ -‬ال نتلكم كث ً‬
‫٭٭٭‬
‫‪197‬‬ ‫‪196‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ولكين واصلت املشوار للهناية‪ ،‬ومل أيأس قط‪!..‬‬ ‫مقت بعدة جوالت مكوكية مؤثرة للغاية يف مشوار تصنيع التليفزيون‪ ..‬يف عام‬
‫ً‬ ‫‪ ،1986‬سافرت إىل اليابان‪ ،‬وميع عدد من املستشارين املتخصصني يف تصنيع‬
‫أيضا أحوال‬ ‫إىل جانب التفاوض حول التلفزيون‪ ،‬اكنت االجمتاعات تتناول‬
‫التلفزيون‪ .‬اكن ميع‪ :‬م‪.‬دمحم برغوث‪ ،‬م‪ .‬عزيز يوسف‪ ،‬م‪ .‬إبراهمي العريب‪ ،‬م‪.‬‬
‫العمل يف مصنيع املراوح والاكسيت اللذين اكنا يعمالن بالفعل‪ ،‬وبنجاح كبري‪.‬‬
‫دمحم الربيدي‪ ،‬مدحت العريب (الذي اكن قد جنح يف ذلك العام يف الثانوية‬
‫انهتينا من االجمتاعات‪ ،‬وحان وقت رجوعنا ملرص دون احلصول عىل يشء‬ ‫العامة بتفوق‪ ،‬وطلب مين أن تكون هديته أن يسافر ميع إىل اليابان‪ ،‬وقد لبيت له‬
‫ذي بال!‬ ‫تلك األمنية‪ ،‬وأخذته يف تلك الرحلة الطويلة اليت مل تقترص عىل اليابان فقط‪ ،‬بل‬
‫قلت لنفيس يف هناية ذلك املاراثون من املفاوضات‪ :‬حصيح أننا مل نحجن يف‬ ‫سافرنا بعدها إىل كوريا وتايوان والصني وهوجن كوجن وسنغافورة)‪.‬‬
‫احلصول عىل موافقهتم الهنائية عىل إنشاء املصنع يف هذه الزيارة‪ ،‬ولكننا عىل‬ ‫اكن السبب األسايس للزيارة هو التفاوض مع اليابانيني للحصول عىل املوافقة‬
‫األقل حجننا يف إزالة بعض من جبال اجلليد واالعرتاضات‪ ،‬اليت وقفت يف وجه‬ ‫إلنشاء مصنع التلفزيون‪.‬اكنت الرحلة شاقة‪ ،‬واالجمتاعات يومية ومكثفة‪ ،‬وبرناجمنا‬
‫حتقيق هذا احلمل الذي سيطر عىل تفكريي متا ًما‪..‬‬ ‫اليويم محشو ًنا‪..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫اكن يومنا يبدأ باإلفطار يف فندق «شيناجاوا باسيفيك مرييديان» بطوكيو‪ ،‬مث‬
‫هليكـ ــوب ـت ـ ـ ــر‪!!..‬‬ ‫صباحا‬
‫ً‬ ‫نتوجه لرشكة «توشيبا»‪ ،‬حيث اكنت االجمتاعات تبدأ يوم ًّيا من التاسعة‬
‫بعد هناية رحلة اليابان سافرنا إىل كوريا اجلنوبية‪ ،‬اكنت لدينا هناك مهمة مع‬ ‫حىت اخلامسة مساء‪ ،‬مث يتبعها العشاء معهم إما يف مقر الرشكة وإما يف أحد‬
‫مصنع كوري ينفذ لنا اسمطبات خاصة باملراوح والشفاطات‪..‬‬ ‫املطامع‪ ..‬وهكذا يف لك األيام اليت قضيناها يف تلك الرحلة‪.‬‬

‫فوجئنا وحنن يف الفندق بالعامصة «سول» بوفد من رشكة «جولد ستار»‬ ‫لدي من‬
‫كنت أسمتع جيدًا للك لكمة ينطق هبا املرتمج‪ ..‬أحللها وأقارهنا مبا ّ‬
‫يرحبون بنا‪ ،‬ويقدمون لنا دعوة لزيارة مصانعهم يف مدينة تبعد مخس ساعات‬ ‫معلومات‪ ،‬مث أطلب وق ًتا للتشاور مع املستشارين احملرتفني الذين حصبهتم ميع‪.‬‬
‫عن العامصة‪ .‬تعجبت كثريا‪ ،‬كيف عملوا بوجودنا؟!‪ .‬اعتذرت هلم ألن الوقت اكن‬ ‫وبعد ذلك أتلكم بعدد قليل من اللكامت‪ ،‬يك نصل هبا للهدف الذي ننشده من‬
‫ضي ًقا‪ ،‬وال بد من إمتام الزيارة ملصنع االسمطبات‪ ،‬ويف اليوم التايل نسافر‬ ‫أقرص طريق‪ .‬مل أكن أف ّوت فرصة للتشاور مع فريق «العريب» إال فعلهتا‪..‬‬
‫لتايوان‪ ،‬إال أهنم أرصوا عىل إمتام الزيارة مط ًعا أن نتفق معهم عىل التعاون يف‬ ‫اكن املهندس «برغوث» يتوىل الرتمجة يل‪..‬‬
‫إنشاء مصنع مشرتك للتلفزيون‪!..‬‬
‫ّ‬
‫امليض يف املرشوع اكن أكرب‬ ‫اكنت اعرتاضاهتم كثرية‪ ،‬ولكن إرصاري عىل‬
‫يف احلقيقة ال أعمل حىت اليوم كيف عرف مسوئلو جولد ستار بوجودنا يف‬ ‫من أية اعرتاضات‪ .‬واكنت شكوك اخلرباء املرصيني املتخصصني يف صناعة‬
‫كوريا؟! املهم أهنا اكنت برهانا جديدا عىل اجلدية واالحرتافية‪ ،‬وقد تكون برهانا‬ ‫أيضا كبرية‪ ،‬من حيث قدرتنا عىل تأسيس املصنع عىل أرض الواقع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التلفزيون‬
‫عىل أن رجاهلم يف مرص جيهتدون أيضا يف معلهم!‪ ..‬وتساءلت‪ :‬هل من عالقة‬ ‫والوصول باإلنتاج لنفس مستوى إنتاج «توشيبا»‪ ،‬واكن ترددمه بني القناعة‬
‫هبذا التحرك النشط من جولدستار حنونا مبن ح ّرك خيوط رشاكت القطاع العام‬ ‫بفكريت ومحايس‪ ،‬وبني اخلوف من العراقيل الضخمة – احلكومية والتنافسية‪-‬‬
‫املرصي للعمل معها دون توشيبا وشارب؟!‪ ..‬حىت اليوم ال أعمل‪ ،‬وليس عندي‬ ‫اليت يصعب أن نتخطاها واحدة واحدة‪ ،‬لك ذلك جعل موقفنا يبدو ضعي ًفا إىل حد‬
‫دليل‪ ..‬اهلل تعاىل وحده أعمل!‬ ‫ما يف مواجهة اجلانب الياباين‪..‬‬

‫‪199‬‬ ‫‪198‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكن املهندس عزيز يعمل مدي ًرا ملصانع تلميرص‪ ،‬مث ملا رأوا كفاءته التامة‪ ،‬قرر‬ ‫املهم‪ ،‬اتفقنا أن ُن ّ‬
‫قسم أنفسنا لفريقني‪ ،‬فريق يذهب ملصنع االسمطبات‪ ،‬واكن‬
‫وزير الصناعة – حينئذ‪ -‬انتدابه لرائسة جملس إدارة رشكة النرص‪ .‬ومبجرد أن‬ ‫مكو ًنا من املهندس دمحم برغوث واملهندس إبراهمي العريب واملهندس دمحم‬ ‫َّ‬
‫خرج ذلك الرجل احملرتم عىل املعاش‪ ،‬طلبت منه أن يعمل معنا يف «العريب»‬ ‫الربيدي‪ ..‬أما أنا واملهندس عزيز يوسف ومدحت‪ ،‬فعلينا زيارة مصنع جولد‬
‫ريا َقبِل العمل معنا استشار ًّيا‬
‫لتحقيق حملنا الكبري‪ ،‬لكنه طلب وق ًتا للتفكري‪ ،‬وأخ ً‬ ‫ستار‪..‬‬
‫لملرشوع‪ ،‬وليس بشلك دامئ‪.‬‬
‫فوجئنا باملسوئلني يف «جولد ستار» يصحبوننا يف اليوم التايل من الفندق إىل‬
‫اكنت مشاركة املهندس عزيز يف املرشوع تعين لنا أن األمل يزداد يف حتقيق‬ ‫املطار يف سيارة فاخرة‪ ..‬املطار؟؟!‪ ..‬مث يف املطار اكنت املفاجأة الكبرية‪ ،‬سننتقل‬
‫احلمل‪ .‬لقد أهسم بشلك قوي يف إهناء دراسات اجلدوى‪ ،‬مكا أهسم يف اختيار الكوادر‬ ‫إىل مقر املصنع بطائرة هليكوبرت ميتلكها رئيس الرشكة لتوفري الوقت علينا بعد‬
‫األصلح لتويل املسوئلية يف املرحلة األكرث حساسية ودقة‪ ،‬مرحلة التشغيل األ ّويل‪.‬‬ ‫أن عملوا بظروف سفرنا يف اليوم التايل (!)‪..‬‬
‫اكن من أمه تلك الكوادر اثنان من زمالئه القداىم يف رشكة تلميرص‪ ،‬مها‬ ‫ورمغ لك تلك الرتتيبات الدقيقة‪ ،‬ورمغ لك ذلك االهمتام والرتحيب من‬
‫اللذان محتال مسوئلية الدراسة واملتابعة والتخطيط إلنشاء املصنع ملدة مخس‬ ‫ً‬
‫حافل‬ ‫«جولد ستار» كوريا‪ ،‬ورمغ أهنم قصدوا أن يكون برناجم زيارة مصانعهم‬
‫سنوات‪ ،‬مث التحقا بالعمل معنا بد ًءا من عام ‪ ،1994‬ليتوليا إدارة مصنع التلفزيون‬ ‫ومهب ًرا‪ ،‬فإين مل أغري موقيف من أن مصنع التلفزيون اجلديد لن يشاركنا يف‬
‫يف بهنا بشلك اكمل‪ ..‬إهنام املهندسان القديران‪ :‬دمحم الربيدي‪ ،‬وسامل السيد‪..‬‬ ‫تنفيذه سوى «توشيبا» اليابان‪ ،‬أولئك الذين سطرنا معهم قصيدة مجيلة من‬
‫اللذان محتال العبء األكرب يف حتويل احلمل إىل حقيقة واقعة‪.‬‬ ‫النجاح والتنامغ والتفامه‪..‬‬
‫ريا‪ ،‬فوجئت بعودة اخلوف والقلق من خربائنا‬ ‫بعد موافقة توشيبا اليابان أخ ً‬ ‫٭٭٭‬
‫املرصيني‪ ،‬بعد أن أثبتوا يف مجمل دراساهتم وتوصياهتم أن االسمترار يف‬ ‫بعد تلك االجمتاعات املكثفة مع توشيبا يف طوكيو‪ ،‬جاء اليابانيون إلينا يف‬
‫سيحمل «العريب» خسارة كبرية (باستثناء املهندس عزيز)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املرشوع‬ ‫مرص مرات عديدة يف رحالت مكوكية لدراسة املرشوع‪ ،‬وإمكال التفاوض‪..‬‬
‫اكنت االعرتاضات تنصب يف كون تاكليف تأسيس وتشغيل مصنع التلفزيون‬ ‫اكنت األوراق والبيانات والدراسات تتمخض‪ ،‬ولكام أشارت تلك األوراق إىل‬
‫تصل حلدود ‪ 100‬مليون جنيه يف ذلك الوقت‪ ،‬فاكن التخ ّوف الشديد من ترامك‬ ‫صعوبة تنفيذ املرشوع‪ ،‬ازددت إرصا ًرا عىل تنفيذه‪ ،‬وبدا يل مصنع التلفزيون‬
‫فوائد البنوك قبل النجاح يف توزيع املنتج يف السوق املرصي بشلك جيد‪ ،‬مما‬ ‫أقرب للواقع‪..‬‬
‫ّ‬
‫املركبة‪ ،‬مهام‬ ‫جيعلنا ندخل دائرة مغلقة بعدم القدرة عىل تسديد قمية الفوائد‬
‫مع بداية عام ‪ ،1988‬بدأت اعرتاضات مسوئيل توشيبا عىل تنفيذ مصنع‬
‫حققنا من أرباح‪ ،‬خاصة مع سيطرة نظام التعامل باآلجل والمكبياالت والشياكت‬
‫ً‬
‫فشيئ‪ ،‬خاصة بعد أن بدأ خرباء تصنيع‬ ‫ً‬
‫شيئ‬ ‫التلفزيون يف مرص يف التاليش‬
‫مع املوزعني وجتار امجللة‪ ،‬يف تلك الفرتة‪..‬‬
‫التلفزيون يف «العريب» يف االقتناع بوجهة نظري‪ ،‬فبدءوا يواجهون مسوئيل‬
‫حني طالعت لك تلك االعرتاضات‪ ،‬وجدهتا تشري إىل خطورة اختاذ ذلك القرار‪،‬‬ ‫توشيبا بثقة وعزمية أكرب مما اكنوا هيلع يف بدء املفاوضات‪..‬‬
‫يدمر لك النجاح الذي حدث‬‫وحتذرين بشلك حامس من أن مصنع التلفزيون قد ّ‬
‫كنت أثق متا ًما يف املهندس عزيز يوسف؛ لزناهته وطهارة يده وقدراته العملية‬
‫يف رشكة ومصانع «العريب» يف السنوات األخرية‪.‬‬
‫الكبرية‪ ،‬مكا أنه اكن أول من أدخل تصنيع أجهزة تلفزيون «توشيبا» للسوق املرصي‪.‬‬
‫كنا قد أهنينا لك التصارحي‪ ،‬ومل يبق سوى توقيع التعاقد مع اليابانيني‪ ،‬فهل‬

‫‪201‬‬ ‫‪200‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫توشيبا‪ ،‬اكن موعدي يف احملاولة األخرية مع مستشاري وخرباء «العريب» يف‬ ‫نرتاجع عن قرارنا‪ ،‬وحنن الذين مل يتعود منا ال القريب وال البعيد أن نرجع عن‬
‫تصنيع التلفزيون‪..‬‬ ‫قرار اختذناه‪ ،‬وال نب ّدل لكمة تفوهنا هبا‪..‬؟!‬
‫قلت لنفيس وأنا يف السيارة يف طرييق لذلك االجمتاع احلامس‪ :‬إما أن أقنعهم‬ ‫ال ميكن أن نرتاجع يف قرار اختذناه أبدًا‪..‬‬
‫ونسمتر يف املرشوع‪ ،‬ونؤسس املصنع‪ ،‬ويظهر تلفزيون «توشيبا‪ -‬العريب» للنور‪،‬‬
‫ظلوا حياولون إقنايع أن الرتاجع خري من اخلسارة والفشل‪ ..‬واكنت النصيحة‬
‫وإما غلبوين وانهتى األمر متا ًما‪..‬‬
‫أن نكتيف باالسمترار يف بيع أجهزة التلفزيون‪ ،‬واليت احرتفنا معلياهتا وعملنا‬
‫اكن اجمتاعا فار ًقا‪..‬‬ ‫لك أرسارها وخباياها‪.‬‬
‫خمرجا‬
‫ً‬ ‫مبش‪ ،‬وكنت أرى يف جناح تصنيع التلفزيون‬ ‫كنا يف وضع مايل غري ّ‬ ‫أرباحا كثرية دون أية نسبة‬
‫ً‬ ‫بالفعل‪ ،‬اكن بيع أجهزة التلفزيون قد حقق لنا‬
‫لنا – بإذن اهلل‪ -‬مما حنن فيه‪ .‬كنت أرى يف خيايل التلفزيون وقد بدأ تصنيعه يف‬ ‫خماطرة‪ ،‬واكن احلظر عىل االسترياد قد انهتى يف ذلك الوقت بالتحديد‪ ،‬فاكنت‬
‫بهنا‪ ،‬وبدأت املتاجر واحملالت الكربى تعرضه يف «فاتريناهتا»‪ .‬كنت متأكدًا أننا‬ ‫التوصيات يف دراسات اجلدوى أننا نستطيع أن حنقق من خالل التجارة يف‬
‫مكا حجننا يف تصنيع املروحة والراديواكسيت‪ ،‬سنحجن بعون اهلل يف تصنيع لك‬ ‫أرباحا أكرث مما سنحققه من صناعة نفس التلفزيون يف‬‫ً‬ ‫تلفزيون توشيبا الياباين‬
‫ما تصنّعه توشيبا‪ ،‬عىل أرض مرص احلبيبة‪.‬‬ ‫مرص‪ ،‬وبدون خماطر أو تعريض استمثارات الرشكة للخطر الدامه؛ خاصة أن‬
‫البيع اآلجل عن طريق المكبياالت والذي اكن متعار ًفا هيلع يف تلك الفرتة‪ ،‬اكن‬
‫ممصت يف داخيل وعقدت العزم أن نسمتر يف املرشوع؛ خاصة بعد أن‬
‫غري آمن‪ ،‬ويف أحيان عديدة اكن حتصيل المكبياالت يصادف ّ ً‬
‫تعثا أو مماطلة‪،‬‬
‫مفتاحا ملواجهة‬
‫ً‬ ‫أبدى مسوئلو بنك مرص موافقهتم عىل متويل املرشوع‪ ،‬وأعطوين‬
‫مما يعود علينا خبسارة مؤكدة‪.‬‬
‫االعرتاض األسايس للخرباء‪ .‬وحىت لو مل يب ِد بنك مرص هذه املوافقة‪ ،‬لبحثت‬
‫عن باب آخر لمتويل املرشوع‪ ،‬إنين أرى يف خم ّيليت اإلنتاج قبل أن يكون عىل‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬اكنت تقلبات أسعار الدوالر والني‪ ،‬وكذلك التخبط يف القرارات السياسية‬
‫أرض الواقع‪ ،‬ال أدري كيف حيدث هذا يف قرارة عقيل‪ ،‬ولكنه حيدث‪ ،‬منذ بدأنا‬ ‫واالقتصادية وامجلركية من املسوئلني بالدولة‪ ،‬لك ذلك اكن يضع املرشوع برمته‬
‫يف تصنيع ألوان اللخبطة واألدوات اهلندسية‪ ،‬وحىت وصلنا لتصنيع التلفزيونات‬ ‫يف حزي اخلطر الشديد‪ ،‬خاصة أهنا عوامل خارجة عن إرادتنا متا ًما‪.‬‬
‫والتكييفات والشاشات ال «إل يس دي»‪ ،‬وغريها من األجهزة املزنلية احلديثة‪..‬‬
‫فرصا ممتزية للعمل‬
‫ً‬ ‫ولكن مل أستطع التوقف عن المطوح بإنشاء مصنع مينح‬
‫بدأ االجمتاع‪..‬‬ ‫الكرمي للشباب‪ ،‬بدخل حمرتم‪ ،‬وحبوافز مجشعة‪ ..‬مصنع ينتج أجهزة تلفزيون‬
‫استعرضت معهم مل ّرة أخرية لك أوجه االعرتاض اليت ب ّينوها لنا يف الدراسات‪.‬‬
‫صنع يف‬ ‫ممتزية‪ ،‬توضع داخل كراتني ُكتب علهيا‪ :‬تلفزيون «توشيبا – العريب»‪ُ ،‬‬
‫مرص‪.‬‬
‫واليت من أمهها أن االسمترار يف بيع أجهزة التلفزيون املستوردة من توشيبا‬
‫أكرث فائدة ورحبية «للعريب»‪ ،‬وأقل خط ًرا وخماطرة‪.‬‬ ‫٭٭٭‬
‫اكنت الساعة قد جتاوزت العارشة مساء‪ ،‬وكنت قد ذهبت إلهيم بعد اجمتاعات‬
‫�أخريا‪!..‬‬
‫طويلة ومرهقة يف غرفة جتارة القاهرة‪ ،‬ويف احتاد الغرف التجارية‪ ،‬حيث كنت‬ ‫يف إحدى ليايل عام ‪ ،1990‬ويف مكتب رشكة «العريب» بشارع امجلهورية‬
‫أرأهسام حينئذ‪.‬‬ ‫بوسط القاهرة‪ ،‬ذلك املكتب الذي اختذناه مقرا للعمل لنا بعد احلصول عىل توكيل‬

‫‪203‬‬ ‫‪202‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ساد الصمت لربهة‪ ،‬مث قلت هلم‪ :‬أنا عندي احلل بإذن اهلل‪ .‬ستقوم رشكة‬ ‫مثلجا!‪ ،‬ومقت لصالة ركعتني‪ ،‬قبل أن أخربمه‬
‫ً‬ ‫طلبت للجميع عصري لميون‬
‫العريب للتجارة والصناعة بطلب تهسيالت من بنك مرص مبائة مليون جنيه‪ ،‬ومهنا‬ ‫بقراري الهنايئ‪ ،‬حىت ينهتوا من رشب اللميون‪..‬‬
‫سندمع رشكة العريب للتلفزيون يك تنطلق يف تنفيذ املصنع وجتهزيه بلك ما‬
‫شعرت بعد هاتني الركعتني بثقة جعيبة‪ ،‬وحسن ظن معيق باهلل العلمي احمليط‪.‬‬
‫حيتاجه‪ .‬ومن خالل اإلنتاج الذي جيب أن يكون عىل أعىل درجة من اإلتقان‬
‫واجلودة‪ ،‬وببيع أجهزة التلفزيون لكها‪ ،‬نسدد لك ما علينا قبل موعده بإذن اهلل‪..‬‬ ‫اكن أيخ عبد اجليد حيرض االجمتاع‪ ،‬ومعه املهندس«عزيز يوسف»‪ ،‬واألستاذ‬
‫متخصصا يف دراسات اجلدوى يف بنك التمنية‬ ‫ً‬ ‫«شويق املاكوي» (الذي اكن‬
‫ريا‪ ،‬حملت يف عيوهنم ما كنت أرجوه من زمن‪ ..‬شعرت بامجليع يتنفس‬ ‫وأخ ً‬ ‫الصناعية)‪ ،‬واحلاج «عبد اخلالق عطية»‪ ،‬واملدير املايل األستاذ «ساحم املنيس»‪،‬‬
‫الصعداء‪ ،‬وقد الحت برشيات انفراج األزمة‪..‬‬
‫واملهندس «إبراهمي العريب»‪ ،‬واملهندس «دمحم العريب»‪ ،‬واملهندس «صالح عبد‬
‫٭٭٭‬ ‫اجليد العريب»‪ ،‬واملهندس «دمحم الربيدي» وزميله املهندس «سامل السيد»‪،‬‬
‫ب ـن ـ ــك م�صـ ـ ــر‪..‬‬ ‫واألستاذ عيل عبد اجليد‪ ،‬ومدحت العريب‪..‬‬
‫مع بداية تصنيع املراوح فضلت أن أتعامل مع «بنك مرص»‪ ،‬كنت أتعجل فتح‬ ‫اكن الصمت والوجوم مسيطرا‪..‬‬
‫االعمتادات اخلاصة باسترياد مكونات التصنيع املستوردة‪ ،‬ويف ذهين أال نرتكها‬
‫بدأ احلديث بتقرير قدمه يل م‪ .‬عزيز يوسف‪ ،‬ملخصه أن الدراسات قد أمجعت‬
‫يف امليناء أليام‪ ،‬مما يضيف لفواتري امجلارك خمالفات التأخري وشغل أرضية‬
‫أن إقامة هذا املرشوع سيكون مبثابة هناية «العريب» من السوق املرصي‪ ،‬وأكد‬
‫يف امليناء‪ ،‬واكنت إدارة بنك مرص تتفهم مثل هذه املطالب لوطنيهتا وأمانهتا‪،‬‬
‫يل أنه برمغ ثقته يف لك اجلوانب الفنية‪ ،‬فإن اجلوانب املالية جتعله مييل ناحية‬
‫فتستجيب هلا وترسع يف فتح االعمتادات‪..‬‬
‫قرار إلغاء املرشوع‪« ..‬حىت أنت يا عزيز‪ ،‬ترجع مرة أخرى إىل املربع صفر؟!»‪.‬‬
‫كنت أشعر يف لك تعاماليت مع بنك مرص باحلس الوطين األمني‪ ،‬الذي بذره‬
‫طلبت مهنم أن يلخصوا يل اجلوانب السلبية مرة أخرى‪ ،‬ففعلوا‪ ..‬تلكم أكرث‬
‫الزعمي االقتصادي العظمي «طلعت حرب» رمحه اهلل‪.‬‬
‫من واحد‪..‬‬
‫اكنت العالقة بيننا وبني إدارات بنك مرص املتعاقبة يف غاية الثقة واملرونة‪.‬‬
‫اكنت أمه عقبة تمكن يف المتويل‪ ،‬ورشوطه الصعبة إذا أخذناها من البنوك‪،‬‬
‫أيضا هو وجهتنا‬ ‫ً‬ ‫وعندما بدأنا يف إنشاء مصنع التلفزيون‪ ،‬اكن بنك مرص‬ ‫مع صعوبة حتصيل ما لنا يف السوق‪ ،‬وقد تع ّود جتار امجللة عىل التعامل باآلجل‬
‫هاما للغاية‪ ،‬أن بنك مرص وتب ًعا ملا أرساه‬
‫ًّ‬ ‫األوىل‪ .‬وهنا البد أن أوحض أم ًرا‬ ‫يف منتج «التلفزيون»‪..‬‬
‫مؤسسه طلعت حرب من قمي ومبادئ‪ ،‬اكن دو ًما نعم السند من بعد اهلل عز وجل‬
‫سألهتم عن توقعاهتم يف حالة جناحنا يف احلصول عىل التهسيالت املطلوبة‪.‬‬
‫لملستمثرين املرصيني الوطنيني‪.‬‬
‫أجابين األستاذ ساحم املنيس أنه واثق أننا إذا حصلنا عىل التهسيالت‬
‫لقد اكن إلنشاء طلعت باشا حرب بنك مرص قصة ذات مغزى معيق‪ ،‬منذ قرر‬ ‫االستمثارية فإننا سنغيط لك تلك التاكليف‪ ،‬ولكن املشلكة احلقيقية تمكن يف‬
‫مع عدد من أعيان مرص قبل احلرب العاملية األوىل‪ ،‬إنشاء بنك مرصي وطين‬ ‫ً‬
‫ضغوطا‬ ‫عدم إقبال البنوك عىل مساعدتنا إال برشوط حجمفة‪ ،‬ستجعل هناك‬
‫برءوس أموال مرصية ألول مرة‪ .‬ووافقوا مجي ًعا عىل سفر دمحم طلعت حرب إىل‬ ‫مالية شديدة علينا‪ ،‬مما سيشلك قوة ضغط مسمترة‪ ،‬خاصة أن دورة رأس مال‬
‫أوروبا لدراسة املرشوع‪ ،‬ومعل دراسة وافية عن املصارف وأسلوب معلها هناك‪.‬‬ ‫املرشوع ليست قصرية‪..‬‬

‫‪205‬‬ ‫‪204‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫قام طلعت حرب بتأسيس عدد من الرشاكت الصناعية الوطنية (حنو ‪ 27‬رشكة‬ ‫سافر طلعت حرب‪ ،‬وأمت املهمة بنجاح‪ ،‬وحني عاد إىل أرض الوطن أصدر كتا ًبا‬
‫تغيط اكفة األنشطة االقتصادية يف مرص) أمهها‪ :‬مطبعة مرص‪ ،‬ليدمع هبا الفكر‬ ‫يف هذا الشأن‪ ،‬فآمن لك من قرأ كتابه بالفكرة اليت راح ير ّوج هلا بلك طاقته‪،‬‬
‫واألدب‪ ،‬ويقوي املقاومة الوطنية حيث اكن يؤكد دو ًما أمهية أن تكون مقومات‬ ‫حبمتية إنشاء بنك مرصي وطين ال عالقة له برءوس األموال األجنبية‪ ،‬تديره‬
‫القراءة والثقافة بأيدينا‪..‬‬ ‫مجموعة من اخلرباء املرصيني‪.‬‬
‫وأنشأ طلعت حرب ست رشاكت خاصة بالقطن‪ :‬مصنع حللج القطن يف بين‬ ‫ولكن اندالع احلرب العاملية األوىل يف ‪ 4‬أغسطس سنة ‪ 1914‬حال دون تنفيذ‬
‫سويف‪ ،‬ورشكة مرص للغزل والنسيج باحمللة الكربى‪ ،‬ورشكة مرص للصباغة بكفر‬ ‫املرشوع‪..‬‬
‫الدوار‪ ،‬مكا أنشأ البنك‪ :‬رشكة مرص للنقل الهنري لتجميع القطن من أحناء مرص‬
‫ومبجرد انهتاء احلرب العاملية سنة ‪ ،1918‬وبعد أن ش ّبت الثورة املرصية سنة‬
‫ليصل إىل موقع املصنع‪ ،‬ورشكة مرص لتصدير األقطان‪ ،‬مث أنشأ رشكة مرص‬
‫‪ ،1919‬عاد دمحم طلعت حرب باشا يدعو وير ّوج ملرشوعه الكبري عند أبناء مرص‬
‫لملالحة البحرية لتقوم بتصدير القطن إىل أحناء العامل‪ .‬مكا استقدم طلعت حرب‬
‫املخلصني من رجال األمعال وكبار التجار‪ ،‬حفاولت سلطات االحتالل منعه بلك‬
‫خرباء صناعة القطن من بلجياك‪ ،‬وكذلك أرسل بعثات العامل والفنيني للتدريب يف‬
‫األساليب‪ ،‬وراحوا يشككون يف قمية املرشوع‪ ،‬ويف عدم أهلية املرصيني للقيام‬
‫اخلارج‪ .‬مكا أنشأ البنك خمازن (شون) مجلع القطن من لك حمافظات مرص‪.‬‬
‫مبثل هذه املشاريع املالية الكبرية‪!..‬‬
‫مث أنشأ رشكة مرص للنقل الربي اليت قامت برشاء حافالت لنقل الراكب‪،‬‬
‫اكن األجانب يؤكدون أن البنوك األجنبية يه احلل الوحيد ألية مرشوعات‬
‫مكا قام البنك برشاء الشاحنات الكبرية لنقل البضائع من املوانئ‪ .‬مث تواصلت‬
‫مرصفية يف مرص‪ ،‬واكن هذا اخلطاب يزيد محاس الزعمي الوطين طلعت حرب‪،‬‬
‫عطاءات طلعت حرب‪ ،‬فأنشأ رشكة مرص ألمعال األمسنت املسلح‪ ،‬ورشكة مرص‬
‫ويزيده إرصا ًرا عىل حتويل مرشوع معره إىل حقيقة واقعة‪.‬‬
‫لملنامج واحملاجر‪ ،‬ومرص لتجارة وتصنيع الزيوت‪ ،‬ورشكة مرص لملستحرضات‬
‫الطبية‪ ،‬ورشكة مرص لأللبان والتغذية‪ ،‬ومرص للكمياويات‪ ،‬ومرص للفنادق‪ ،‬ومرص‬ ‫ريا‪ ،‬استطاع طلعت حرب إقناع مائة وستة وعرشين من املرصيني‬ ‫وأخ ً‬
‫للتأمني‪ .‬مكا أنشأ رشكة بيع املصنوعات املرصية؛ لتبيع منتجات املصانع احمللية‪،‬‬ ‫املتحمسني لملرشوع‪ ،‬باالكتتاب إلنشاء البنك‪ ،‬وبلغ ما اكتتبوا به مثانني ألف‬
‫ولتنافس رشاكت املالبس واألثاث األجنبية مثل بزنايون‪ ،‬وصيدناوي‪!..‬‬ ‫جنيه‪ ،‬متثل عرشين ألف هسم (جعلوا مثن الهسم أربعة جنهيات فقط)‪..‬‬

‫وكذلك‪ ،‬سىع طلعت حرب إلنشاء رشكة مرصية للطريان‪ ،‬اكن امسها يف‬ ‫ويف الثالثاء ‪ 13‬إبريل سنة ‪ 1920‬مت تأسيس «بنك مرص»‪ ،‬بإدارة الشباب‬
‫البداية «اخلطوط اهلوائية املرصية»‪ ،‬وقد اكنت أول رحلة هلا يف يوليو ‪،1933‬‬ ‫املرصيني الوطنيني بعد أن مت تدريهبم عىل أحدث األساليب املرصفية يف اخلارج‪.‬‬
‫من القاهرة إىل اإلسكندرية‪ ،‬اكن معري سنة واحدة حني انطلقت طائرة اخلطوط‬ ‫وقد أطلق طلعت باشا حرب علهيم امس‪« :‬جيش اخلالص االقتصادي»‪ .‬فاكن ر ّدًا‬
‫اهلوائية املرصية ألول مرة يف أجواء مرص!‬ ‫معل ًّيا عىل لك حماوالت التشكيك من اإلجنلزي‪ ،‬بل وأعلن طلعت حرب ‪ -‬ليغيظهم‬
‫أكرث‪ -‬أن اللغة العربية يه لغة تعامالت البنك الرمسية‪!..‬‬
‫إن هلذا البنك الكبري أيادي بيضاء عىل االقتصاد املرصي منذ أنشئ وحىت‬
‫اليوم‪ ،‬وإن نسيت فال أنىس موق ًفا إجياب ًّيا لبنك مرص‪ ،‬اكن مؤث ًرا للغاية يف تارخي‬ ‫هائل يف وضع مرص عىل الطريق الصحيح للتصنيع وللتجارة‬ ‫ً‬ ‫جناحا‬
‫ً‬ ‫جنح البنك‬
‫مسرية «العريب»‪ .‬فيف منتصف التسعينيات مررنا بأزمة مالية شديدة نتيجة‬ ‫العاملية‪ ،‬وهنض هبا هنضة اقتصادية‪ ،‬بل وثقافية شاملة‪ .‬ويف رأيي أن طلعت‬
‫الظروف االقتصادية يف تلك الفرتة‪ ،‬وكنا ُمطالبني بإخراج بضاعة لتوشيبا يف‬ ‫حرب وبنك مرص مها من أمه أسباب وجود دولة مؤسسات حديثة حال ًّيا ببلدنا‪..‬‬

‫‪207‬‬ ‫‪206‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫جبوار رجال الصناعة (أمثال فرغيل وعبود باشا) يف جمال احللج والغزل والنسيج‪،‬‬ ‫ومطالبني بفتح اعمتادات لبضاعة جديدة ومكونات تصنيع‪ ،‬ومل تكن‬ ‫امجلارك‪ُ ،‬‬
‫وجتارة وتصنيع القطن املرصي‪ ،‬الذي اكن العمود الفقري لالقتصاد املرصي‪.‬‬ ‫لدينا السيولة الاكفية للك تلك االلزتامات‪..‬‬
‫اكنت الرضبة الواحدة لبورصة القطن العاملية تكيف لقصم ظهر أي واحد من‬ ‫عقدنا عدة اجمتاعات ملجلس اإلدارة‪ ،‬فاكن القرار األخري حلل تلك األزمة‬
‫أولئك املستمثرين‪ ،‬فاكن بنك مرص يقف جبوار الواحد مهنم بدون أية مضانات‬ ‫ينحرص يف احمتال واحد من اثنني‪ :‬إما اإلبقاء عىل املصانع وبيع احملالت‪ ،‬أو‬
‫أو شياكت‪ ،‬حىت متر األزمة عىل خري‪ ،‬ويستطيع الوقوف مرة أخرى عىل قدميه‪..‬‬ ‫العكس‪ .‬احلالن‪ ،‬اكن أحالمها م ًّرا‪!..‬‬
‫اكن يدمع أي مستمثر وطين – من معالء البنك‪ -‬بأسلوب «تعومي العميل»‪ ،‬أي‬ ‫أذكر أين تأثرت للغاية حني رأيت دموع أيخ عبد اجليد – رمحه اهلل – تتساقط‬
‫دمع العميل وإقراضه حىت يستطيع جتاوز حمنته‪ ،‬هبدف عدم خسارته – باللكية‪-‬‬ ‫عىل وجهه من احلزن بسبب ضغط األزمة اخلانق‪..‬‬
‫مكصدر هام من مصادر االستمثار والتجارة الراحبة مع البنك‪ .‬اكن هذا األسلوب‬
‫مل أوافق عىل أي من االقرتاحني‪ ،‬ومقت من االجمتاع وقد قررت أن أسافر إىل‬
‫املرصيف النبيل‪ ،‬هو أمه أسباب ظهور صناعات وطنية مرصية‪ ،‬وخروج مرص‬
‫وفرجا‪..‬‬
‫ً‬ ‫خمرجا‬
‫ً‬ ‫اليابان لعيل أجد لدهيم – من بعد اهلل عز وجل‪-‬‬
‫من دائرة وحزي احرتاف املرصيني للزراعة فقط‪ ،‬واالنطالق إىل آفاق الصناعة‬
‫اخلالقة‪ .‬اكن اهلدف األسايس من معلية التعومي تلك أن يسرتد البنك أمواله اليت‬ ‫يف اليابان وجدت كبار املسوئلني يف توشيبا يف حالة من التوتر بسبب تأخرينا‬
‫أقرضها لذلك العميل‪ ،‬فلو سقط متا ًما لراحت عىل البنك أمواله‪ ،‬فتكون اخلسارة‬ ‫يف فتح االعمتادات ألن البضاعة واملكونات جاهزة عندمه‪ ،‬وقد ضاقت هبا‬
‫ثالثية‪ :‬خسارة املستمثر ذاته للك جهد وبذل السنني‪ ،‬وخسارة البنك ألمواله‪،‬‬ ‫خمازهنم‪ .‬اكنوا يعذروننا دو ًما يف مثل هذه الظروف‪ ،‬ولكهنم ‪ -‬هذه املرة‪ -‬أحلوا‬
‫وخسارة البلد لنشاط اقتصادي يفتح بيوت املائت وأحيا ًنا اآلالف من العاملني‪.‬‬ ‫علينا يف رضورة اإلرساع يف السداد‪ ،‬وإال ستلحق هبم خسائر كبرية‪..‬‬
‫ً‬
‫صاحلا‪ ،‬يعرف لربه قدره‪ ،‬حفىت اليوم جند مكتو ًبا‬ ‫ً‬
‫رجل‬ ‫لقد اكن طلعت حرب‬ ‫ّ‬
‫عيل وأنا يف اليابان‪ ،‬وشعوري بعدم القدرة عىل‬ ‫أثناء احلرية اليت سيطرت‬
‫بالص َدف عىل مقاعد املديرين‪ ،‬وعىل بعض املاكتب باملقر الرئييس لبنك مرص‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الترصف هنائ ًّيا‪ ،‬حفىت البيع الذي اقرتحه بعض أعضاء جملس اإلدارة اكن‬
‫خبط مجيل‪« :‬إهلي أنت مقصودي‪ ..‬ورضاك مطلويب»‪.‬‬ ‫يتطلب وق ًتا لنستطيع تنفيذه‪ ،‬تذكرت بنك مرص‪ ،‬وقلت لعل اهلل تعاىل جيعل يل‬
‫خمرجا من خالله‪..‬‬
‫ً‬
‫واكنت النقوش اليت تزين صالة العمالء ‪ -‬القاعة الرئيسية‪ -‬يف البنك‪ ،‬ومعظم‬
‫جحراته قد رمسها فنان إيطايل‪ ،‬زيهنا بنفس الطريقة اليت اكن يرمس هبا‬ ‫بالفعل اتصلت برئيس جملس إدارة بنك مرص يف تلك الفرتة (هو األستاذ نبيل‬
‫«مايلك‪ ‬أجنلو» أسقف الكنائس والاكتدرائيات الضخمة يف أوروبا‪ ،‬وهو نامئ عىل‬ ‫ً‬
‫قرضا‬ ‫إبراهمي – رمحه اهلل‪ ،)-‬وحكيت له لك التفاصيل بلك رصاحة‪ ،‬وطلبت منه‬
‫ظهره‪.‬‬ ‫باملبلغ املطلوب‪ ،‬مفا اكن من الرجل إال أن قال‪ :‬أمهلين للغد يا حاج محمود‪..‬‬

‫ومن جعائب هذا املبىن التارخيي األثري للفرع الرئييس لبنك مرص‪ ،‬أنه مل يكن‬ ‫يف اليوم التايل مت عقد اجمتاع ملجلس إدارة البنك ليناقش األمر‪ ،‬ووافق‬
‫هناك غبار ُيذكر عىل السقف حني مت تنظيفه ألول مرة يف عام ‪ ،1990‬واكن ذلك أثناء‬ ‫املجلس عىل طليب‪ ،‬ومل أغادر اليابان إال وقد احنلت املشلكة‪ ،‬وزال خطر األزمة‬
‫رائسة الدكتور عصام األمحدي ملجلس إدارة البنك بعد حوايل ‪ 70‬سنة من إنشاء‬ ‫متا ًما‪ ،‬وامحلد هلل ً‬
‫أول وآخ ًرا‪..‬‬
‫البنك‪..‬‬ ‫٭٭٭‬
‫٭٭٭‬ ‫هكذا اكن دا ً‬
‫مئا دور هذا البنك الوطين‪ ،‬فقد اعتاد طلعت حرب عىل الوقوف‬

‫‪209‬‬ ‫‪208‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫حجننا يف العام األول من اإلنتاج أن نصنّع ‪ 85‬ألف جهاز تلفزيون (بيعت لكها‬ ‫كـ ـ ـ ــا�ش!‬
‫عن آخرها)‪ ،‬ويف العام التايل وصل الرمق إىل ‪ 113‬ألف جهاز‪ ،‬ويف السنة الثالثة‬
‫كنا قد وضعنا خطة بيعية للتلفزيون حبيث يمت تسعريه بإضافة نسبة تهسيالت‪،‬‬
‫تعدى الرمق ‪ 200‬ألف‪ .‬وجبودة ال تقل عن جودة األجهزة املُنتجة يف اليابان‪.‬‬
‫حيث اكن من املفرتض أن يباع بنظام المكبياالت مكا اكن سائدًا – مكا ذكرت‪-‬‬
‫لقد قابل املرصيون جهاز تلفزيون توشيبا‪ -‬العريب مبظاهرة حب رائعة‪ .‬اكنت‬ ‫وكنا نضع التسعري لألجهزة بنا ًء عىل التأخري يف حتصيل المكبياالت‪ .‬حىت‬
‫هشادة غالية وعزيزة علينا للغاية أن يمت بيع لك األجهزة اليت مت إنتاجها يف‬ ‫زارنا يف أحد األيام تاجر معروف عنه التعامالت بأسلوب «الاكش» فقط‪ ،‬حتدث‬
‫مصانعنا ببهنا‪ ،‬بدون استثناء‪ ،‬والفضل هلل تعاىل‪..‬‬ ‫معنا يف رغبته يف رشاء لك اإلنتاج مع دفع السعر نقدًا‪ ،‬واكن من املفرتض أن‬
‫نسعد هبذا العرض‪ ،‬ولكننا رفضنا أن حيتكر خشص ما بيع اإلنتاج لكه وبالتايل‬
‫بعد أن حجننا يف مغامرة بيع تلفزيون «توشيبا‪ -‬العريب» نقدًا‪ ،‬قررنا تعممي‬
‫السيطرة عىل السوق‪ .‬فعاد التاجر الكبري واقرتح علينا أن نبيع «اكش» للجميع‪،‬‬
‫ذلك مع لك منتجات الرشكة‪ ،‬فاكن الفارق يف حصيلة البيع سب ًبا يف رواج‬
‫ويف اليوم التايل جاءنا ومعه نصف مليون جنيه‪ ،‬كسعر ألول حشنة تلفزيونات‬
‫وإنعاش احلالة االقتصادية للرشكة‪ ،‬وانفرجت بفضل اهلل لك األزمات اليت اكنت‬
‫يستملها بعد خروج اإلنتاج‪..‬‬
‫قبل إنتاج التلفزيون‪..‬‬
‫وبالفعل اختذنا قرا ًرا مصري ًّيا ببيع التلفزيون توشيبا ‪ -‬العريب «اكش» ودون‬
‫استطعنا بذلك القرار – وهلل امحلد‪ -‬أن ننقذ الرشكة من الورطة اليت ُتسقط‬
‫أية تهسيالت‪.‬‬
‫أي مرشوع تصنييع خضم يف ورطة وأزمة‪ ،‬إهنا ورطة ترامك مستحقات البنك‬
‫املركبة املتوالية عىل أصل الدين‪.‬‬ ‫واكن شقييق احلاج دمحم أكرثنا سعادة هبذا القرار‪ ،‬حيث اكن يواجه الكثري‬
‫من املشكالت حني اكن أحصاب المكبياالت يتأخرون يف سدادها‪ ،‬أو يتعرثون‬
‫واكن مما ابتكرناه مبعاونة مستشارينا‪ ،‬أن جعلنا هناك نسبة أرباح توزّع‬
‫يف ذلك متا ًما‪..‬‬
‫عىل التجار يف آخر السنة‪ ،‬جكوائز هلم عىل جناحهم يف التوزيع‪ ،‬كتحفزي هلم‬
‫عىل التوسع يف توزيع منتجنا اجلديد‪ :‬تلفزيون «توشيبا ‪ -‬العريب»‪ .‬لقد أمثرت‬ ‫ريا‪ ،‬مت افتتاح مصنع التلفزيون – رمس ًّيا‪ -‬يف عام ‪ ،1995‬بنسبة ‪% 40‬‬ ‫وأخ ً‬
‫السياسة املرنة الرحمية اليت اتبعناها مع التجار يف كسب ثقهتم متا ًما‪ ،‬وألننا‬ ‫ريا وبعد عرش سنوات اكملة حجننا يف‬ ‫‪ -‬مكون حميل‪ -‬من إمجايل التصنيع‪ .‬أخ ً‬
‫ريا‪ ،‬خاصة مع من اكن يتعرث مهنم ألسباب خارجة‬ ‫وقفنا إىل جوارمه من قبل كث ً‬ ‫تقدمي هديتنا اجلديدة للسوق املرصي‪ .‬تلفزيون «توشيبا ‪ -‬العريب» املل ّون‪ ،‬والذي‬
‫عن إرادته‪ ،‬فقد وقفوا إىل جوارنا يف تلك املرحلة‪ ،‬اليت ُتعد األخطر يف تارخي‬ ‫أعطيناه مضا ًنا ملدة مخس سنوات‪ ،‬بيمنا اكنت توشيبا تعيط له مضا ًنا ملدة سنة‬
‫«العريب»‪..‬‬ ‫واحدة‪!..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫اكن ذلك املصنع هو فاحتة اخلري عىل رشكة «العريب» حيث انطلقنا بعد ذلك ال‬
‫اكن أصدقاؤنا اليابانيون يف توشيبا يتصورون أن خطوط اإلنتاج اليت‬ ‫توقفنا عقبات حنو حتقيق لك أحالمنا ومطوحاتنا بإذن من اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ابتكروها‪ -‬لن يتغري فهيا أي يشء معا ممصوه ونفذوه هنائ ًّيا‪ ،‬وأننا سننتظرمه‬ ‫اكن ذلك يوم ‪ 15‬من إبريل عام ‪ ،1995‬بعدها بيومني مت نرش إعالن كبري حبجم‬
‫حىت ينفذوا بأنفهسم لك صغرية وكبرية يف معلية التجميع والتصنيع‪ ،‬ولكهنم‬ ‫الصفحة األخرية لصحيفة األهرام‪ ،‬مبانشيت خضم‪« :‬العريب‪ ..‬وخطوة حنو‬
‫فوجوئا أننا استطعنا بفضل اهلل‪ ،‬مث بقدرات مهنديس وخرباء «العريب»‪ ،‬أن‬ ‫أخوي دمحم وعبد اجليد – رمحه اهلل‪ -‬وبعض‬ ‫ّ‬ ‫املستقبل»‪ ،‬مع صورة يل وسط‬
‫نهني لك مرحلة حىت هنايهتا‪ ،‬مث نعطهيم النتاجئ لرياجعوها فقط‪.‬‬ ‫املسوئلني‪ ،‬وحنن نفتتح مصنع تلفزيون بهنا‪..‬‬

‫‪211‬‬ ‫‪210‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫عىل سبيل املثال‪ ،‬ابتكرنا إضافات للتلفزيون كنا أول من قدمها يف العامل‬ ‫اكن اليابانيون يف توشيبا يتوقعون أن نضاعف عدد العاملني والعامالت عىل‬
‫أيامها‪ ،‬بإضافة صوت للشاشة الفرعية يف التلفزيونات «اآلي كيو» عن طريق‬ ‫خطوط اإلنتاج‪ ،‬مفثال لك يابانية عىل خط اإلنتاج سنحتاج مقابلها إىل فتاتني‬
‫مساعة خاصة «هيدفون»‪ ،‬وكنا نقدم تلك المساعات مع «رميوت كنرتول» إضايف‬ ‫من مرص‪ .‬وأن ُيستبدل بلك مهندس ياباين مهندسان مرصيان‪ .‬ولكن – بفضل‬
‫يك يقوم اجلهاز الواحد بدور جهازين يف نفس الوقت‪ .‬هكذا أصبح ميكن‬ ‫اهلل‪ -‬مل حيدث ذلك‪ ،‬فقد اكن لك مهندس مرصي بعد تدريبه حبيث يصل لنفس‬
‫لخشصني ‪ -‬يف وقت واحد‪ -‬أن يشاهدا برناجمني يف قناتني خمتلفتني يف نفس‬ ‫كفاءة نظريه يف اليابان‪ ،‬يقوم مبا يقوم به املهندس الياباين متا ًما‪ ،‬وكذلك الفتيات‬
‫الوقت‪.‬‬ ‫والعاملون‪ ،‬لو اكن هناك ‪ 20‬فتاة يابانية عىل خط اإلنتاج‪ ،‬فستجد أن هناك ‪20‬‬
‫ومن هذا االبتاكر اكتسبنا الثقة املطلوبة لنع ّدل مرات عديدة – فميا بعد‪ -‬يف‬ ‫فتاة مرصية عىل نفس اخلط‪ ،‬يقمن بنفس األداء وبنفس درجة اإلتقان‪ ،‬واكن ذلك‬
‫موديالت أجهزة خمتلفة‪ ،‬بعد أن يوافق املسوئلون يف توشيبا عىل التعديل‪ .‬إن‬ ‫– بفضل اهلل‪ -‬بعد التدريب الشاق‪ ،‬القامئ عىل أسس عملية صارمة‪..‬‬
‫االبتاكر هو مستنا منذ بدأنا العمل عام ‪ ،1964‬فاكن من الطبييع أن يتناىم‬ ‫ً‬
‫أيضا يف معلية التجميع اآليل‪ ،‬فوجئ اليابانيون أننا أهنينا الرباجم اخلاصة به‬
‫ويزداد بعد خرباتنا الكبرية مع رشكة «توشيبا» العريقة‪ .‬إهنم عىل مدار تعامالتنا‬ ‫وأهنينا لك معليات احملاوالت األولية للتشغيل ببياناهتا‪ ،‬وراجعناها بدقة‪..‬‬
‫عىل مدى أكرث من أربعني سنة كوكالء هلم‪ ،‬مل يضعوا أية عراقيل حنو االبتاكر‪،‬‬
‫كذلك يف مرحلة التجميع اليدوي للشاسيه‪ ،‬أهنينا تدريب الفتيات لكهن عىل‬
‫ما دام خيدم املُن َتج ويزيد من كفاءته‪..‬‬
‫التجميع بدرجة إتقان وانسيابية‪ ،‬وبإيقاع واحد متنامغ‪ ،‬هشد هلن اليابانيون‬
‫باإلتقان‪ ،‬وقالوا أنه من النادر أن حيدث هذا التنامغ هبذه الدقة من أول مرة يف‬
‫مصنع جديد‪..‬‬
‫٭٭٭‬
‫لقد هشدت لنا توشيبا – سنة ‪ - 1997‬بهشادة مكتوبة عىل لوحة رخامية عىل‬
‫بوابة مصنع التلفزيون ببهنا‪َّ ،‬‬
‫وقع علهيا رئيس قطاع اإللكرتونيات بتوشيبا اليابان‪:‬‬
‫«تهشد رشكة توشيبا أن نظام تأكيد اجلودة املوجود برشكة «العريب» مياثل‬
‫متا ًما اجلودة اليابانية»‪.‬‬
‫ورصح أحد قادة توشيبا لنا بعد أن عاين بنفسه مستوى التصنيع‪ ،‬ومستوى‬
‫املنتج الذي وصلنا إليه‪ ،‬وألي حد وصلت درجة مهارة العاملة يف مصانع «العريب»‪:‬‬
‫«لقد اخرتت أحسن الزهور لتشغيل املصنع يا حاج محمود‪ ..»..‬ومعروف أن‬
‫الزهور يف ثقافة اليابانيني هلا ماكنة خاصة رفيعة‪ ،‬وتشبيه أي يشء هبا البد أن‬
‫يرفع من قدر هذا اليشء‪..‬‬
‫لقد رصنا بعد سنوات نضيف لملوديالت تفاصيل فنية جديدة من ابتاكرنا‪،‬‬
‫وبالطبع يمت هذا بعد العرض عىل اليابانيني‪ ،‬فإذا أق ّروها نفذناها‪.‬‬

‫‪213‬‬ ‫‪212‬‬
‫اول ماكينة حقن بالستيك مبصنع العربي للمراوح ببنها عام ‪1982‬‬ ‫واحدة من الزيارات املتكررة من قادة توشيبا ملصنع بنها يف بداياته‬

‫زيارة من توشيبا بعد افتتاح مصنع املراوح‬ ‫افتتاح مصنع املراوح ببنها عام ‪1982‬‬
‫زيارة ملصنع شركة النصر للتلفزيون‬ ‫م‪ .‬محمد عبد الوهاب و د‪ .‬جالل ابو الدهب و م‪ .‬فؤاد ابو زغله يف افتتاح مصنع املراوح عام ‪1982‬‬

‫م برغوت واحلاج عبداخلالق واحلاج محمود واحلاج عبد اجليد يف إحدي رحالت اليابان عام ‪.1985‬‬ ‫أول مروحة تخرج يف مصانع العربي ببنها وعليها توقيعاتنا عام ‪١٩٨٢‬‬
‫زيارة احلاج محمود و احلاج عبد اخلالق و األستاذ مصطفي غنيم الي توشيبا اليابان عام ‪1988‬‬ ‫زيارة شركة توشيبا عام ‪1985‬‬

‫أخي عبد اجليد ‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬مع املهندس برغوت واملهندس صالح عبد اجليد يف اليابان‪.‬‬ ‫احلاج محمود‪ ,‬م‪ .‬عزيز يوسف‪ ,‬و م‪ .‬مدحت محمود يف زيارة شركة الكي جولد ستار (إل جي حالي ًا) يف كوريا‪.‬‬
‫حفل افتتاح مصنع التلفزيون عام ‪1995‬‬

‫شهادة اليابانيني بجودة مصانع تلفزيون توشيبا ‪ -‬العربي‬

‫العامالت املصريات علي أحد خطوط اإلنتاج‬


‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الباب ال�ساد�س‬
‫بنها كاملة العدد‪...‬‬
‫فكانت قويسنا‬

‫‪223‬‬ ‫‪222‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مل يعد مجمع بهنا يتحمل املزيد‪ ،‬خاصة بعد أن بدأنا يف عام ‪ 1998‬يف إنشاء‬
‫مصنع الغساالت هناك‪..‬‬
‫وقد خرجت أول مجموعة من الغساالت من املصنع يف عام‪ ،1999‬فاكنت‬
‫الغساالت النصف أوتوماتيك اليت أطلقنا علهيا امس‪ :‬أم روحني!‪..‬‬
‫املزيد م ــن‪ ..‬امل�ص ــان ــع‬
‫مل يكن هلذا النوع من الغساالت وجود ُيذكر يف مرص قبل ذلك‪ ،‬رمغ انتشارها‬
‫بشلك واسع يف بالد اخلليج‪ ،‬فهي غسالة معلية واقتصادية‪.‬‬ ‫بعد افتتاح مصنع التلفزيون ببهنا‪ ،‬توالت اإلنشاءات واإلجنازات‪..‬‬

‫ولكن لسبب ما‪ ،‬ولعله الرزق الذي كتبه اهلل لنا مهنا‪ ،‬مل يلتفت مصنع آخر – يف‬ ‫هلل امحلد‪ ،‬فقد أصبح لنا يف السوق املرصي امس حمفور من ذهب يف أذهان‬
‫ذلك الوقت‪ -‬إىل حاجة السوق املرصي لذلك املوديل العميل من الغساالت‪..‬‬ ‫املسهتلكني والتجار عىل السواء ‪.‬‬

‫اجتهنا إىل مصنع لتوشيبا موجود يف تايالند ‪ ،‬فبدأنا نستورد مكيات غري كبرية‬ ‫انفتح بالفعل طريق الصناعة أمامنا واس ًعا‪ ،‬فبعد افتتاح مصنع التلفزيون ليعمل‬
‫ً‬
‫واسرتاتيجية واحضتني لتحديد املسرية‬ ‫ً‬
‫رؤية‬ ‫بلك طاقته عام ‪ ،1995‬بدأنا نضع‬
‫مهنا‪ ،‬جكس للنبض ولعمل الدراسة التسويقية الالزمة‪ ،‬وحتديد جحم التصنيع الذي‬
‫سنبدأ به‪.‬‬ ‫فميا هو قادم من أمعال‪.‬‬

‫ومكا توقعنا‪ ،‬وجدنا السوق املرصي متله ًفا هلذا املُنتج بدرجة كبرية‪ .‬فقد مت بيع‬ ‫بدأنا خنطط ونعمل عىل حتويل مصنع بهنا إىل مجمع صنايع خضم لتصنيع‬
‫المكية لكها برسعة‪ ،‬مث بدأنا يف دراسة اجلدوى من تنفيذ املصنع‪..‬‬ ‫خمتلف األجهزة الكهربائية‪ ،‬و بالفعل وتدرجي ًّيا مت حتويل مجمع بهنا الصنايع‬
‫إىل قلعة صناعية تضم ‪10‬مصانع متاكملة‪ ،‬متتد عىل مساحة ‪ 36000‬مرت مربع‪.‬‬
‫ولقد وفقنا اهلل تعاىل يف صفقة توريد وتنفيذ خطوط اإلنتاج لكها‪..‬‬
‫أحيا ًنا أسأل نفيس‪ :‬يوم أن اشرتيت الفدادين الثالثة من احلاج دمحم العطار‪،‬‬
‫بدأنا يف تنفيذ دراسة جدوى حلساب تلكفة إنتاج الغسالة‪ ،‬استغرقت هذه‬ ‫هل كنت أختيل أنه سيأيت اليوم الذي تتحول فيه مساحة تلك الفدادين الثالثة‬
‫الدراسة حوايل عرشة أيام‪ ،‬يف نفس الوقت‪ ،‬وبسبب عالقيت القوية برئيس رشكة‬ ‫(‪ 12600‬مرت مربع) إىل ثالثة أضعاف خالل ‪ 20‬سنة؟!‬
‫«توشيبا» لألجهزة املزنلية يف اليابان يف ذلك الوقت ‪..‬‬
‫خاصا أال يضع لمطوحاته سق ًفا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫مرشوعا‬
‫ً‬ ‫إنين أنصح أي شاب يريد أن يبدأ‬
‫تبن فكرة إنشائنا ملصنع لتلك الغسالة‪ ،‬وساعدنا بلك ما يستطيع‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اجعــل مطوحاتك بال حدود‪ ،‬وستأتيك لكها متحققة عىل أرض الواقع بإذن اهلل‪،‬‬
‫وبالفعل أمقنا املصنع يف مجمع بهنا الصنايع‪ ،‬وبدأت الغسالة «أم روحني»‬ ‫برشط أن تتيق اهلل يف لك ما تعمل‪ ،‬وأن ختلص العمل‪ ،‬وأن تكون خطواتك لكها‬
‫تغزو أسواق األجهزة املزنلية يف لك حمافظات مرص‪..‬‬ ‫مدروسة‪ ،‬وال تبدأ ً‬
‫معل جديدا إال بعد إهناء الذي قبله‪..‬‬
‫جناحا فائ ًقا‪ ،‬مما جعل رشكة «إيديال» ترسل أربعة من‬
‫ً‬ ‫وقد جنح هذا املنتج‬ ‫عليك أال تتعجل النتاجئ‪ ،‬وأن تصرب عىل جين المثار‪ .‬لقد بلغ عدل اهلل تعاىل‬
‫مهندسهيا ليعرضوا علينا أن يشرتوا مكونات تلك الغساالت من «العريب»‪ ،‬مث يمت‬ ‫املدد جلين‬‫أنه يعيط النتاجئ الرائعة ألي إنسان يسىع وجيهتد ‪ ،‬يف الوقت ُ‬
‫مجتيعها يف رشكهتم‪ ،‬ويضعوا علهيا امس «إيديال»‪ ،‬ولكننا – بعد دراسة العرض‪-‬‬ ‫تلك المثار‪ ،‬حىت لو مل يكن مؤم ًنا به‪!..‬‬
‫رفضنا‪..‬‬ ‫٭٭٭‬
‫‪225‬‬ ‫‪224‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫رحلة عجيبة من �أجل عيون الثالجة!‬ ‫ريا‬


‫اكن رأي األغلبية من أعضاء جملس اإلدارة أن ذلك األمر سمينع عنا خ ً‬
‫كبريًا ساقه اهلل إلينا‪ ،‬ألننا بذلنا جهدًا كبريًا يف تصنيعها‪ ،‬اكن من الطبييع‬
‫بدأت الفكرة جبملة وصلت ألمساعنا أطلقها أحد التجار‪ ،‬قال‪« :‬أنا نفيس‬
‫بقوانني التجارة وأصوهلا أن نعتذر عن ذلك العرض‪..‬‬
‫احلاج محمود العريب يصنّع تالجات»‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫والتفرد‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫المتي‬
‫ُّ‬ ‫إن القمي الثابتة ال تعين – بطبيعة احلال‪ -‬أن تزهد يف طلب‬
‫نـكـذب اخلـرب‪ ،‬فبدأنا مجنع معلومات عن سوق الثالجات ‪ ،‬لنمت هبا‬ ‫و‪ ..‬مل‬
‫ما دامت املنافسة رشيفة‪ .‬إن الفيصل يف اختاذ القرار يف مثل هذه األمور يكون‬
‫دراسة جدوى شاملة ملرشوع إقامة مصنع للثالجات‪.‬‬
‫ألغلبية جملس اإلدارة وليس يل وحدي‪..‬‬
‫وقد جائت الدراسة اليت استغرقت ‪ 45‬يوما بتفاصيل يف غاية األمهية للطريق‬
‫اكن جناح هذا املنتج دفعنا أن ننشئ مصن ًعا جديدًا لنفس النوع من الغساالت‬
‫الذي جيب أن نسلكه‪ ،‬وباملواصفات اليت خنتارها‪ ،‬قبل مرحلة التصنيع الفعيل‪..‬‬
‫ريا واكن‬
‫يف قويسنا‪ ،‬حيث اخرتنا ستة موديالت مهنا وأنشأنا بالفعل مصن ًعا كب ً‬
‫اشمتلت الدراسة عىل تفاصيل عن لك املتاح يف السوق من الثالجات األخرى‪،‬‬ ‫اإلنتاج يباع يف األسواق املرصية بإقبال كبري‪..‬‬
‫وأيضا رصدت اخلدمات اليت تقدمها الرشاكت األخرى‬‫ً‬ ‫ومواصفات لك ثالجة‪.‬‬
‫٭٭٭‬
‫ملرحلة ما بعد البيع‪..‬‬
‫افتتاح جممع قوي�سنا ال�صناعي‬
‫٭٭٭‬
‫مع بداية عام ‪ ،1999‬بدأنا يف إجناز املرحلة الصناعية الثانية يف مسرية‬
‫بدأنا يف تنفيذ الشباكت اخلاصة بعملية التصنيع‪ :‬شبكة املياه والكهرباء‬ ‫رشكة «العريب» بإنشاء مجمع قويسنا الصنايع الذي تبلغ مساحته حال ًّيا أكرث‬
‫ريا من‬
‫واإلضاءة‪ ،‬مث بدأنا يف معلية التجهزيات داخل املبىن‪ ،‬ووظفنا عددًا كب ً‬ ‫من ‪ 400‬ألف مرت مربع تقري ًبا‪ ،‬وقد أقميت تلك املنطقة الصناعية فوق منطقة‬
‫الشباب الذين تدربوا معنا يف مراحل إقامة املصنع‪..‬‬ ‫رملية غري صاحلة للزراعة‪..‬‬
‫أيضا اكن لتقسمي الفواصل داخل املصنع (الذي أقمي عىل مساحة ‪ 17‬ألف مرت‬ ‫ً‬ ‫وعندما بدأنا يف هذا املجمع الصنايع اكن أمه يشء جعلناه يف تصممي مباين‬
‫مربع) أصول وقواعد البد من مراعاهتا‪ ،‬وكذلك معليات رشاء املاكينات واملعدات‬ ‫«العريب» هناك‪ ،‬سواء يف تصممي «هناجر» املصانع أو امللحقات اإلدارية‪ ،‬هو‬
‫األساسية فقد متت بني اليابان وإيطاليا وأملانيا وتايالند‪.‬‬ ‫مجمع «العريب»‬ ‫وجود رابط يف التصممي واأللوان يتصل بلك املباين الالحقة يف‬
‫ّ‬
‫لقد بدأنا يف إنشاءات املصنع مع بداية سنة ‪ ،2000‬وانهتينا متا ًما يف هناية‬ ‫‪ ،‬حبيث يستطيع أي زائر أن يعرف أن هذا مصنع من مصانع «العريب»‪.‬‬
‫سنة ‪ ،2001‬حني أنتجنا أول إنتاج نال استحسان اليابانيني‪ ،‬وهشدوا له بالكفاءة‬ ‫واليوم يوجد عىل أرض مجمع قويسنا مصنع الثالجة توشيبا ‪ -‬مصنع الثالجة‬
‫اليت تضايه اإلنتاج يف «توشيبا»‪.‬‬ ‫شارب ‪ -‬ومصانع الغساالت ‪ -‬ومصنع التلفزيون ‪ -‬و مصانع البالستيك ‪ -‬مصنع‬
‫ويف فرباير سنة ‪ ،2002‬بدأنا اإلنتاج بشلك مسمتر‪..‬‬ ‫الملبات ‪ -‬مصنع الزجاج ‪ -‬مصنع التربيد والتكييف ‪ -‬مصنع قطع الغيار ‪ -‬مصنع‬
‫٭٭٭‬ ‫الخسان ‪ -‬مصنع املكونات ‪ -‬مصنع مجتيع اللوحات اإللكرتونية ‪ -‬مصنع الفوم‬
‫‪ -‬مصنع االسمطبات ‪ -‬مصنع البوتاجاز تورنيدو ( حتت اإلنشاء ) وال تزال‬
‫يروج لسلعتنا اليت بذلنا اجلهد الكبري لتخرج إىل‬‫اكن البد من يشء قوي ِّ‬ ‫املرشوعات اجلديدة يف الطريق بإذن اهلل‪..‬‬
‫النور‪ ،‬فاكن الضامن الذي أعطيناه للثالجة هو عرش سنوات‪ ،‬بيمنا اكن اليابانيون‬
‫٭٭٭‬
‫‪227‬‬ ‫‪226‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وخارجه‪ ،‬فهي تعمل عىل تنقية هواء املاكن‪ ،‬وهو اخرتاع مجسل عامل ًّيا برباءة‬ ‫يعطون مضا ًنا لسنة واحدة‪!..‬‬
‫بامس شارب‪ ،‬واملصابون باحلساسية وأمراض الصدر والربو مه أكرث من يشعر‬
‫فوجئ لك املهندسني يف املصنع بقراري‪ ،‬وتساءلت‪ :‬ألسنا نثق يف موتور‬
‫بالقمية الفعلية هلذا اجلهاز‪..‬‬
‫الثالجة ويف مكوناهتا األساسية أن تعيش أكرث من ‪ 10‬سنوات؟ اكنت اإلجابة‪:‬‬
‫لقد مغرين نفس الشعور بالتوفيق من رب العاملني‪ ،‬وكنت يف مقة السعادة حني‬ ‫بىل‪ ،‬بالتأكيد‪ .‬قلت إن أغلبية الشعب املرصي ال يقدرون عىل رشاء ثالجة جديدة‬
‫مت التعاقد عىل تنفيذ مصنع التكييفات يف قويسنا‪ ،‬ومت االتفاق عىل لك األمور‬ ‫لك سنة‪ ،‬وأن هذا الضامن سزييد من والء وثقة العميل مبنتجاتنا‪ ،‬وسريتبطون‬
‫الفنية يف تايالند ويف اليابان ‪.‬‬ ‫هبا أكرث‪ ،‬وسيكون اختيار منتجات «العريب» هو اختياره األول‪..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫متي‬
‫وفقنا اهلل يف جحم مبيعات كبري لثالجة توشيبا – العريب‪ ،‬خاصة مع ُّ‬
‫اكنت بداية معلية تسمل الرسومات اخلاصة باملصنع يف هشر مارس من عام‬ ‫امحللة اإلعالنية اليت اعمتدت عىل إبراز مفاجأة الضامن الـ‪ 10‬سنوات‪..‬‬
‫‪ ،2003‬بعدها بدأنا يف تصنيع لك املستلزمات املياكنيكية والكهربائية‪..‬‬ ‫٭٭٭‬
‫وهلل امحلد‪ ،‬مت افتتاح مصنع تكييف «شارب – العريب» يف ‪،2004 /4 /15‬‬ ‫م�صنـع تكـيـيف «�شــارب»‬
‫وبلغ إمجايل االستمثارات فيه ‪ 140‬مليون جنيه‪..‬‬ ‫بسبب اندماج توشيبا مع «اكريري» األمريكية لتنتجا م ًعا تكييفات محتل عالميت‬
‫واسمتر العمل مبنهتى اجلدية والكفاءة من جانبنا‪ ،‬حىت خرج املنتج من مصنع‬ ‫الرشكتني‪ ،‬واكنت مرص إحدى الدول اليت مت فهيا تنفيذ ذلك االتفاق‪ ،‬فقد بات من‬
‫ريا‪ ،‬وهشدت لنا شارب أنه بنفس مستوى اجلودة لملنتج يف اليابان‪..‬‬
‫قويسنا أخ ً‬ ‫املستحيل أن تتعاون توشيبا معنا يف هذا املرشوع!‬

‫بالتوازي بدأ مصطىف العريب مع مساعديه يف نقل املعلومات اليت مت التد ّرب‬ ‫وألول مرة نفكر يف البحث عن رشيك ياباين آخر ليدمعنا فن ًّيا يف تنفيذ مصنع‬
‫علهيا يف شارب اليابان إىل التجار والفنيني‪ ،‬بل اكن مصطىف يأخذ الفنيني‬ ‫التكييف يف قويسنا‪..‬‬
‫العاملني لدى التجار ليأخذوا دورات داخل مصنع التكييفات بقويسنا‪ ،‬حىت يصبح‬ ‫ريا‪ ،‬استقر اختيارنا عىل «شارب»‪..‬‬
‫وأخ ً‬
‫اجلهاز مألو ًفا متا ًما بالنسبة هلم‪..‬‬
‫٭٭٭‬
‫٭٭٭‬ ‫العقبة األوىل اليت واجهتنا لتأسيس مصنع للتكييف‪ ،‬يه أن أغلب الرشاكت‬
‫سارع كبار التجار واملوزعني بالتعامل مع «العريب» ومع أجهزة تكييف «شارب»‬ ‫اكنت تبيع أجهزة التكييف لملوزعني وكبار التجار باآلجل والتهسيالت‪ ،‬وهذا‬
‫اليت أثبتت كفاءة تامة مبجرد طرحها يف السوق‪ ،‬إن العمل بتخطيط وإتقان قد‬ ‫خيالف قرارنا أال يتعامل «العريب» يف البيع بالتقسيط أو التهسيالت‪.‬‬
‫أمثر وصول ممزيات اجلهاز اجلديد إىل لك التجار واملوزعني والفنيني ‪ ،‬وبالتوازي‬
‫ولكن أمه عقبة اكنت‪ :‬ما يه القمية املضافة اليت سينافس هبا جهاز التكييف‬
‫أمثرت امحللة اإلعالنية ملعرفة املسهتلك املرصي باجلهاز‪..‬‬
‫الذي سيصنِّعه «العريب» بايق األجهزة املوجودة يف السوق؟!‪..‬‬
‫بلغت نسبة احلصة السوقية عام ‪ 2014‬هلذا التكييف ‪.% 43‬‬
‫وامحلد هلل أننا عرثنا عند “شارب” عىل إجابة السؤال‪..‬‬
‫ولقد بدأنا يف تصدير أجهزة تكييف «شارب – العريب» بداية من عام ‪2008‬‬
‫اكنت لتكييفات شارب ذات تقنية «البالزما كالسرت» جناحات مدوية يف اليابان‬

‫‪229‬‬ ‫‪228‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫توصيات لتأسيس املصنع‪ ،‬وأضافوا معلية رصد وحتليل للسوق املرصي من‬ ‫إىل بعض الدول العربية‪ ،‬وبعض دول الكوميسا يف القارة اإلفريقية‪،‬وامحلد هلل‬
‫ناحية منتجات الملبات فيه‪ ،‬وقد انهتت الدراسة بتوصية بعدم تنفيذ املرشوع ألنه‬ ‫ً‬
‫استقبال ممتازًا‪..‬‬ ‫استقبله امجليع يف لك ماكن‬
‫سيكون غري اقتصادي باملرة‪ ،‬وستكون أسعار الملبات عالية‪..‬‬ ‫٭٭٭‬
‫وبرمغ التوصيات احملبطة‪ ،‬إال أنين ممصت عىل امليض قد ًما يف املرشوع‪،‬‬ ‫م�صنع «العربي» للمبات وتكنولوجيا الإ�ضاءة‬
‫وعرضت عىل مدير مصنع «فيليبس» م‪ .‬أمحد زغلول أن ينضم إلينا‪ ،‬فرحب بذلك‪.‬‬ ‫أشار علينا بعض أصدقائنا من جتار أكرب سوق لألدوات الكهربائية يف مرص‪،‬‬
‫بدأنا يف إعداد دراسة فنية بناء عىل اجلوانب املالية اليت وضعها اليابانيون‪.‬‬ ‫أن ندرس االستمثار يف تصنيع الملبات‪ ،‬فالملبات ال غىن عهنا يف أي بيت‪،‬‬
‫ولكن اليابانيون ظلوا عىل رأهيم ورفضهم ‪ ،‬وعاد فريق «العريب» إىل مرص‪،‬‬ ‫فأعطانا ذلك مؤرشات إجيابية يك نتجه لتصنيع الملبات‪..‬‬
‫ووجههتم لالسمترار يف العمل يف تنفيذ املصنع‪ ،‬وأمام اإلرصار والتفاؤل‪ ،‬دب‬ ‫درسنا أحوال السوق‪ ،‬ووجدنا أن هناك فرصة متاحة للحصول عىل نسبة‬
‫النشاط وعادت الثقة للجميع‪ ،‬وامتلوئا باليقني يف النجاح بإذن اهلل‪ ،‬وعادوا للعمل‬ ‫مشاركة جيدة يف السوق املرصي‪ ،‬إذا ما أنتجنا ملبات توشيبا الفلورسنت‪ ،‬ولكن‬
‫بلك مهة‪...‬‬ ‫البد من وجود صفة خاصة ذات قمية مضافة‪ ،‬ال يوجد مثلها يف السوق‪ .‬ووجدهنا‬
‫اكنت هناك عالمات عىل التوفيق زادتين يقي ًنا أننا عىل طريق النجاح‪ ،‬خاصة‬ ‫يف كوهنا ملبات موفرة للطاقة‪.‬‬
‫تلك اليت مت ّثلت يف التغلب عىل العوائق الكثرية اليت صادفتنا‪ ،‬واليت اكن أمهها‪:‬‬ ‫يف البداية اعرتض مسوئلو رشكة توشيبا (كعادهتم يف بدء املرشوعات الكبرية)‬
‫إنشاء املصنع يف منطقة رملية‪ ،‬وبالتايل فلن يكون اجلو مثال ًّيا – أبدًا‪ -‬إلنتاج‬ ‫عىل تصنيعنا لملبات بدعوى أن املرشوع لن يحجن‪ ،‬إال أنين كنت استخرت اهلل‬
‫الملبات‪ ،‬اليت يشرتط أال يدخل فهيا أية نسبة من الرمال أو األتربة وإال تلفت‬ ‫ّ‬
‫امليض يف تنفيذ املرشوع‪..‬‬ ‫تعاىل‪ ،‬وبعد الدراسات واملشاورات عزمنا عىل‬
‫متا ًما‪.‬‬
‫واكلعادة حني رأت توشيبا إرصارنا‪ ،‬استجابوا لنا ونفذوا لنا دراسة جدوى‬
‫وقد تغلبنا عىل هذا العائق‪ ،‬بأن نفذنا مصيدة للرمال عالية األداء ‪ ،‬حىت إن‬ ‫مالية واقتصادية‪ ،‬ولكهنم تركوا لنا اجلانب الفين يف تلك الدراسة‪ ،‬لنضعه عىل‬
‫درجة نقاء اجلو داخل مصنع الملبات يه أنىق نسبة يف مرص ‪ ،‬حيث التتجاوز‬ ‫حسب ظروفنا واستعداداتنا‪..‬‬
‫قمية الغبار ‪ 3‬ممل يف املرت املكعب‪..‬‬
‫عرضا لرشاء مصنع «فيليبس» لملبات يف‬ ‫ً‬ ‫كنت يف نفس الوقت أدرس‬
‫ً‬
‫أيضا بدأنا يف وضع احللول والبدائل لبايق املعوقات‪ ،‬اليت رصدها طامق‬ ‫ريا‬
‫األسكندرية‪ ،‬ولكننا اكتشفنا أن تكنولوجيا اإلضاءة يف اليابان متطورة كث ً‬
‫إدارة املصنع وزمالؤمه املهندسون‪ ،‬مع اجلانب الياباين‪.‬‬ ‫عن تكنولوجيا فيليبس اليت اكنت تقليدية إىل حد ما‪ ،‬باإلضافة إىل ِقدم أغلب‬
‫وقد اكن لملهندس دمحم عبد اجليد زيارة هامة مع د‪ .‬لطيف لويز‪-‬رمحه اهلل‬ ‫املاكينات واملعدات‪.‬‬
‫(عضو جملس إدارة مجموعة «العريب» سابقًا) ملصنع ملبات توشيبا باليابان‪،‬‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬اكن تنفيذ املصنع اجلديد يف قويسنا‪ ،‬جبوار بايق مصانعنا‪ ،‬يضمن أن‬
‫اكن هلا أثر كبري يف جناح املرشوع‪ .‬فقد درس دمحم هناك عمل ياباين امسه‬ ‫تكون معلية إمداد ومتوين اخلامات واحدة‪ ،‬وكذلك يضمن وجود املرافق متقاربة‪،‬‬
‫«‪ ،»TPM‬وهو اختصار مجللة‪« :‬الصيانة الوقائية الشاملة»‪ ،‬لقد أحدث ذلك فار ًقا‬ ‫ووحدة معلية إمداد الطاقة لملصانع‪ ،‬ويف هذا ضغط كبري للنفقات‪..‬‬
‫ريا يف أداء املصنع‪ ،‬حيث أصبح املصنع عىل أعىل درجة من االحرتافية‪..‬‬ ‫كب ً‬
‫وضع لنا اجلانب الياباين يف البداية – من خالل دراسة اجلدوى املالية‪-‬‬

‫‪231‬‬ ‫‪230‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫جبوار مصنع الملبات مبارشة؟‬ ‫لقد فاجأين أبنايئ يف مصنع الملبات مبفاجأة سارة‪ ،‬حيث أصبحنا قادرين‬
‫إن هذا احلل سيتيح لنا تشغيل املزيد من املهندسني والعامل يف مصانعنا‪،‬‬ ‫يف بداية اإلنتاج بكفاءة قالوا إهنا ستذهل اليابانيني أنفهسم‪ ،‬حيث اكنت الدراسة‬
‫ً‬
‫وأيضا سيضمن اسمترار اإلمداد الثابت ملصنع الملبات بالزجاج‪..‬‬ ‫تقول إن نسبة التالف من اإلنتاج ستكون ما بني ‪ ، % 35 – 30‬وإذا هبا بعد أن‬
‫نفذنا لك خططنا االسرتاتيجية البديلة‪ ،‬إذا بنسبة الكفاءة اإلنتاجية تصل – بفضل‬
‫وأقمي املصنع عىل مساحة أكرث من ‪ 9‬آالف مرت مربع‪ ،‬بعد توقيع العقد بني‬
‫اهلل‪ -‬إىل ‪ % 95‬يف التشغيل التجرييب سنة ‪ ،2003‬مث بلغت ‪ % 96‬مع بداية‬
‫«العريب» وإحدى الرشاكت اليابانية يف ‪ 15‬أكتوبر ‪2004‬م يف طوكيو‪ ،‬عىل أن‬
‫التشغيل الاكمل يف سنة ‪ ،2004‬أي أن نسبة التالف تقلصت حىت بلغت ما بني‬
‫تبدأ اإلنشاءات باملصنع يف فرباير من سنة ‪..2005‬‬
‫‪ 4‬و‪.. % 5‬‬
‫يتكون جسم هذا الفرن احلراري من ‪ 2000‬طن من الطوب احلراري‪ ،‬مت‬
‫هشد لنا اليابانيون أن ما مقنا به هو معل أكرث من رائع‪ ،‬وقالوا إن مرشوع‬
‫خصيصا من اليابان‪ ،‬وتصل درجة احلرارة فيه إىل ‪ 1500‬درجة‬
‫ً‬ ‫استرياده‬
‫تكنولوجيا اإلضاءة يف قويسنا قد ولد معال ًقا‪..‬‬
‫موئية‪..‬‬
‫يف سنة ‪ 2008‬حقق مصنعنا املركز الثاين عىل مستوى مصانع توشيبا‬
‫يف يوم ‪ ،2006/8/1‬اكنت من أمجل حلظات حيايت حني وقفت ألمسك بالشعلة‪،‬‬
‫لتكنولوجيا اإلضاءة عىل مستوى العامل‪ ،‬ويف سنة ‪ 2010‬تقدمنا إىل املركز األول‬
‫وأستعد إلشعال ذلك الفرن وسط تكبري العامل واملهندسني‪ ،‬الذين اخرتنامه بعد‬
‫(دخل السباق معنا مصانع توشيبا يف‪ :‬اليابان‪ ،‬وتايالند‪ ،‬ومالزييا‪ ،‬وإندونيسيا)‪.‬‬
‫اختبارات طويلة من بني اآلالف الذين تقدموا ليعملوا معنا يف املصنع اجلديد‪..‬‬
‫بعد حدوث فيضانات هائلة وسيول يف تايالند أرضت مبصنع توشيبا لملبات‬
‫وقد مت افتتاح مصنع زجاج «العريب» يف يوم السبت ‪ 4‬نومفرب ‪ 2006‬م‬
‫هناك‪ ،‬قرروا – يف توشيبا اليابان‪ -‬التعاون مع مصنع «العريب» اجلديد السترياد‬
‫٭٭٭‬ ‫مكيات الملبات اليت تيف هلم بتعاقداهتم‪.‬‬
‫م�صنع الثالجات «�ش ـ ــارب»‬ ‫٭٭٭‬
‫اكن النجاح الذي حققناه يف تصنيع تكييف «شارب» عام ‪ 2003‬داف ًعا لزيادة‬ ‫م�صنع زجاج «العـ ــربـ ــي»‬
‫مساحة التعاون بيننا وبني تلك الرشكة اليابانية العريقة‪ ،‬فبدأنا بالتعاون التجاري‬
‫كنا نستورد الزجاج اخلاص بتصنيع الملبات الفلورسنت من تايالند‪ ،‬وفوجئنا‬
‫يف بيع ثالجات «شارب» بداية من ‪ ،2009‬واليت حجنت يف حتقيق حصة سوقية‬
‫بارتفاع نسبة اهلالك والكرس من الحشنات اليت تصلنا عن طريق البحر‪ ،‬حىت‬
‫جيدة يف وقت قصري‪ ،‬وبالتوازي‪ ،‬أهنينا دراسة جدوى للسوق‪ ،‬وعرضناها عىل‬
‫إهنا وصلت يف بعض األحيان إىل ‪..% 25‬‬
‫«شارب» مفا اكن مهنم إال أن محتسوا متا ًما لملرشوع‪.‬‬
‫مل يكن ذلك الزجاج متوف ًرا يف مرص‪ ،‬بسبب أن ملبات «توشيبا» هلا مواصفات‬
‫مهنا األول أن تكون نسبة التصنيع احمللية يف هذا املنتج عالية‪ ،‬فقد‬ ‫اكن ُّ‬
‫خاصة يف مقاسات الملبة اليت تصنِّعها‪ ،‬ختتلف عن املقاسات العاملية‪ ،‬ومل تكن‬
‫اكتسب أبناؤنا خربات عالية يف جمال تصنيع الثالجات‪ ،‬منذ افتتحنا مصنع‬
‫هناك مصانع زجاج مرصية تنتج هذا املقاس‪.‬‬
‫الثالجات مع توشيبا يف ‪ ،2002‬وبالفعل حجننا – بفضل اهلل‪ -‬يف إقامة املصنع‬
‫خبطوط إنتاج تحمس بتصنيع ‪ % 70‬من مكونات الثالجة حمل ًّيا‪.‬‬ ‫فنشأت الفكرة يف ذهين – برسعة‪ -‬نتيجة احلاجة الرضورية هلا‪ :‬ملاذا ال ُنصنِّع‬
‫الزجاج من خالل فرن حراري نقميه يف مصنع جديد عىل أرض مجمع قويسنا‪،‬‬

‫‪233‬‬ ‫‪232‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ووفر املصنع اجلديد الذي بلغت االستمثارات فيه ‪ 170‬مليون جنيه‪ ،‬أكرث من‬
‫‪ 1200‬فرصة معل جديدة‪.‬‬
‫وافتتح املصنع مبجمع العريب الصنايع بقويسنا يوم الثالثاء ‪،2014/4/15‬‬
‫عىل مساحة ‪ 26‬ألف مرت مربع‪ ،‬حبيث مت إنتاج ‪ 66‬ألف وحدة من ثالجة شارب‬
‫يف العام األول ‪ ،2014‬وصلت إىل ‪ 360‬ألف وحدة حبلول عام ‪ .2018‬وحرض‬
‫االفتتاح حمافظ املنوفية والسفري الياباين‬

‫مع مستر ناكاجاوا أثناء زراعة شجرة مع كل مصنع جديد‪ ،‬حسب التقليد الياباني العريق‬

‫‪234‬‬
‫احلاج محمد العربي وم‪ .‬محمد محمود العربي يف افتتاح مصنع الثالجات‪ ..‬تواصل األجيال‬ ‫بيانات شجرة غرست يوم افتتاح مصنع التلفزيون ببنها عام ‪ 1995‬حسب التقاليد اليابانية‬

‫مع الرئيس التنفيذي لشركة شارب بطوكيو‬


‫بعض الضيوف من توشيبا‪ ،‬يستمعون لشرح م‪ .‬إبراهيم العربي على ماكيت مصانع العربي بقويسنا‬
‫حلظة إشعال الفرن احلرارى مبصنع الزجاج ‪2006-8-1‬‬ ‫حفل افتتاح مصنع التكييف بحضور رئيس شركة شارب سنة ‪2004‬‬

‫افتتاح مصنع الثالجات ‪ 2‬بقويسنا‬ ‫زيارة إحدي قيادات توشيبا ملصنع العربي للمبات الفلورسنت‬
‫الباب ال�سابع‬
‫مع اليابانيني‪ ..‬حتى الشمس املــشـرقة‬

‫‪241‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مثابرون‪ ..‬ولدهيم إرصار مذهل عىل النجاح والتقدم والريق‪..‬‬


‫يف اليابان ﻻ‌ ﻳﻮﺟﺪ ﺭﺳﻮﺏ يف املرحلتني االبتدائية واإلعدادية؛ ﻷ‌ﻥ ﺍﻬﻟﺪﻑ ﻫﻮ‬
‫ﺍﻟﺮﺘﺑﻴﺔ ﻭﻏﺮﺱ ﺍﻤﻟﻔﺎﻫﻢﻴ ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺨﺸﺼﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢﻴ ﻭﺍﻟﺘﻠﻘﻦﻴ القامئ عىل‬
‫احلفظ‪..‬‬
‫التعلمي هناك من الطفولة يغرس يف عقول األطفال قمية «العمل امجلايع»؛‬ ‫م ـ ــن ه ـ ــم؟؟‬
‫فتجد أغلب األلعاب واألنشطة تأخذ الصغار حنو هذه املعىن املق ّدس لدهيم‪..‬‬ ‫ريا‪ ،‬منذ تعرفت عىل مسرت «أندو» يف مطلع‬ ‫أجعبتين الخشصية اليابانية كث ً‬
‫وبرمغ أن ﺍﻟﻴﺎﺑﺎنيني ﻣﻦ ﺃﻏﻰﻨ ﺷﻌﻮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻢﻟ‪ ،‬فإهنم ليس ﻟﺪﻬﻳﻢ ﺧﺪﻡ‪ ،‬ﻓﺎﻷ‌ﺏ‬ ‫السبعينيات‪ ،‬مث بعد عدة زيارات متتالية لليابان‪ .‬انهبرت بذلك الشعب؛ ورأيت لك‬
‫ﻭﺍﻷ‌ﻡ‪ ‬واألوالد مه ﺍﻤﻟﺴوئلون متا ًما ﻋﻦ ﺍلبيت ونظافته!‪ ،‬ولك ما يتعلق بشوئن املزنل‬ ‫فرد هناك يعترب نفسه وكأنه املسوئل األول عن اقتصاد اليابان!‪ ،‬ويعترب أن معله‬
‫مه يقومون به‪ ،‬فال حاجة للخدم‪.‬‬ ‫من أجل عرشات املاليني من اليابانيني اآلخرين‪ ،‬وليس لنفسه فقط‪..‬‬
‫لك زيارة لليابان محتل يل الكثري من املعلومات اليت تؤكد أن اليابان تستحق‬ ‫إهنم يوالون بلدمه وحيبونه أكرث من أي يشء آخر‪..‬‬
‫املاكنة اليت وصلت إلهيا بني شعوب العامل املتقدم‪ .‬عملت أهنم منذ سنني طويلة‬ ‫شعب جعيب ذو مهة عالية‪ ،‬وطبيعة متوامئة مع فكرة العمل امجلايع؛ لدهيم‬
‫يعودون األطفال يف املدارس اليابانية عىل تنظيف فصوهلم وطرقات املدرسة ﻞﻛ‬ ‫ِّ‬ ‫عقل مجايع يوحدمه حتت مظلة فكرة سائدة‪ ،‬واحضة هلم متا ًما‪ :‬البد لليابان أن‬
‫واملدرسات‪ ،‬وقد ﺃﺩى ذلك ﺇﻰﻟ ﻇﻬﻮﺭ ﺟﻴﻞ‬
‫ِّ‬ ‫ﻳﻮﻡ ﻤﻟﺪﺓ ﺭﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ‪ ،‬مبشاركة ﺍﻤﻟﺪﺭﺳﻦﻴ‬ ‫تظل يف املقدمة‪..‬‬
‫ﻳﺎﺑﺎﻲﻧ جاد وﻣﺘﻮﺍﺿﻊ ﻭﺣﺮﻳﺺ لك احلرص ﻋﻰﻠ قمية ﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ‪ .‬بل إن ﺍﻷ‌ﻃﻔﺎﻝ‬
‫يصحبون ﻓﺮﺵ ﺃﺳﻨﺎﻬﻧﻢ معهم إىل املدارس لينظفوا ﺃﺳﻨﺎﻬﻧﻢ ﺑﻌﺪ ﺍﻷ‌ﻞﻛ‪..‬‬ ‫ريا‪ ،‬منذ تعرفت عىل مسرت «أندو» يف مطلع‬ ‫أجعبتين الخشصية اليابانية كث ً‬
‫السبعينيات‪ ،‬مث بعد عدة زيارات متتالية لليابان‪ .‬انهبرت بذلك الشعب؛ ورأيت لك‬
‫يف اليابان ُﻳﻨﻊ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟهاتف احملمول ﻲﻓ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻤﻟﻄﺎﻢﻋ ﻭﺍﻷ‌ﻣﺎﻛﻦ‬ ‫فرد هناك يعترب نفسه وكأنه املسوئل األول عن اقتصاد اليابان!‪ ،‬ويعترب أن معله‬
‫ﺍﻤﻟﻐﻠﻘﺔ‪ ،‬ﻭمه يطلقون عىل الوضع الصامت لملوبايل‪« :‬ﺃﺧﻼ‌ﻕ»‪!..‬‬ ‫من أجل عرشات املاليني من اليابانيني اآلخرين‪ ،‬وليس لنفسه فقط‪..‬‬
‫ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺒﺖ ﺇﻰﻟ ﻣﻄﻌﻢ يعمل بنظام «البوفيه املفتوح» ﻲﻓ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ‪ ،‬ال ميكن أن‬ ‫إهنم يوالون بلدمه وحيبونه أكرث من أي يشء آخر‪..‬‬
‫ﺃﻱ بقايا طعام‬
‫جتد يابان ًّيا واحدًا ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺍﻷ‌ﻞﻛ فوق ﺣﺎﺟﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻻ‌ ﻳﺮﺘﻙ واﺣﺪ مهنم َّ‬
‫ً‬
‫وأيضا للوقت‬ ‫ﻲﻓ ﺤﺻﻨﻪ؛ إهنم يقدرون للنعمة قدرها‪ ،‬مكا يقدرون للصحة قدرها‪،‬‬ ‫شعب جعيب ذو مهة عالية‪ ،‬وطبيعة متوامئة مع فكرة العمل امجلايع؛ لدهيم‬
‫ميا يف القرية‪ ،‬ونقلناه إىل أبنائنا وأحفادنا هنا يف‬
‫قدره‪ ..‬هذا ما كنا نفعله قد ً‬ ‫عقل مجايع يوحدمه حتت مظلة فكرة سائدة‪ ،‬واحضة هلم متا ًما‪ :‬البد لليابان أن‬
‫املدينة ً‬
‫أيضا؛ فثقة اليابانيني فينا وثقتنا هبم مل ِ‬
‫تأت من فراغ‪..‬‬ ‫تظل يف املقدمة‪..‬‬
‫ً‬
‫تارك املواقف القريبة‬ ‫يف اليابان‪ ،‬من يأت ُمبك ًرا للعمل يقف بسيارته بعيدًا‪،‬‬ ‫قليل‪ ،‬ومع ذلك أصبح‬ ‫ً‬ ‫ال ميتلكون – تقري ًبا‪ -‬خامات وال موارد طبيعية إال‬
‫لملتأخرين حىت يلحقوا بـالعمل يف وقته‪ .‬إهنم مبدعون حىت يف سلوكياهتم‬ ‫ُ‬ ‫اقتصاد بالدمه جبهد امجليع وعرقهم‪ ،‬وبعملهم امجلايع املتقن املبتكر‪ ،‬واحدًا‬
‫اليومية‪ ،‬لذا فمل أجعب حني رأيت ألول مرة عند مدخل العامصة طوكيو لوحة‬ ‫من املتصدرين سباق االقتصاد العاملي‪!..‬‬

‫‪243‬‬ ‫‪242‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫فعال‪ ،‬وإىل‬
‫والرصاخ‪ ،‬وإمنا مه حيولون طاقاهتم العاطفية والوجدانية إىل معل َّ‬ ‫مخضة مكتو ًبا علهيا «أهيا اإلنسان فكر‪ ..‬لتبدع»!‪..‬‬
‫إنتاج ممثر‪ ،‬يصل إىل لك ماكن عىل وجه الكرة األرضية‪ ،‬ليعلن أن اليابان يه‬
‫إنين عىل يقني أن الشعب املرصي خاصة‪ ،‬والشعوب العربية بشلك عام‪ ،‬إذا‬
‫قلعة الصناعة األوىل يف العامل‪ ،‬برمغ ما يعانونه – مكا ذكرت‪ -‬من فقر يف املوارد‬ ‫أحبوا بالدمه مكا حيب اليابانيون بلدمه‪ ،‬ولو َّ‬
‫تعلوا العلوم النافعة بإخالص‪،‬‬
‫الطبيعية‪ ،‬ولكهنم ميتلكون ما هو أغىل‪ :‬اإلنسان الياباين!‬
‫ومعلوا هبمة واحرتافية ومجاعية وإتقان مكا يفعل اليابانيون‪ ،‬واألمه‪ :‬لو مجتعوا‬
‫لقد طفت بدول العامل الصناعية‪ ،‬رشقه وغربه‪ ،‬وزرت العرشات من املصانع‬ ‫ع َ‬
‫ـل‬ ‫ـب إذا َ ِ‬ ‫حتت فكرة واحضة تنبثق من عقيدة قوية راخسة ِّ‬
‫مجتعنا‪« :‬إن اهلل ُي ُّ‬
‫العمالقة‪ .‬وبرأيي أن اليابانيني مه فرسان الصناعة األوائل‪ ،‬وينافهسم األملان يف‬ ‫أحد ُُك َ َ‬
‫ع ًل أن ي ْت ِق َنه»‪ ،‬لاكن لنا شأن آخر‪ ،‬والستعدنا ماكنتنا يف صدارة العامل‪،‬‬ ‫َ‬
‫ذلك اللقب جبدارة‪..‬‬ ‫تصدر اليابانيون املهشد‪ ،‬وجبدارة فائقة‪ .‬كيف لنا أن نتجاهل هذا التوجيه‬ ‫َّ‬ ‫مكا‬
‫٭٭٭‬ ‫الرائع؟!‪ ..‬خالق الكون سبحانه وتعاىل حيب إتقان العمل‪ ،‬كيف لنا أن نتأخر أو‬
‫نرتاىخ عن فعل ما حيبه اهلل عز وجل؟‬
‫فعل– هو الإن�سان!‬
‫اليابانيون يعتربون �أن كنزهم احلقيقي – ً‬
‫لقد وجدوا الغىن والرثاء يف استمثار مواردمه البرشية اهلائلة‪ ،‬ويف توجيه‬ ‫إن قضية إتقان العمل يه قضية قومية‪ ،‬ميكن أن تنطلق مبرص آلفاق الغد‬
‫الطاقات العقلية واجلسدية ألفراد األمة خلدمة األهداف السامية العليا‪ ،‬مع إعطاء‬ ‫املرشق‪..‬‬
‫لك أفراد األمة حقوقهم دون ظمل أو متيزي‪..‬‬ ‫رأيهتم يعملون مع انطالق أشعة المشس األوىل وحىت الليل‪ ،‬دون لكل أو ملل‪.‬‬
‫ً‬
‫مثل‪ ،‬يف جمال الصحة‪ ،‬جتد بعض الرشاكت الكبرية قد أخذت بنظام تكنولويج‬ ‫ال يكتيف أحدمه بنفسه ومبن يعول‪ ،‬بل أغلهبم يفكرون يف مستقبل اليابان‪،‬‬
‫أكرث من رائع‪..‬‬ ‫وتقدم اليابان‪.‬‬
‫ومصلحة اليابان‪ ،‬وجمد اليابان‪ُّ ،‬‬

‫إهنم حيددون للك عامل جحم السعرات احلرارية اليت جيب أن حيصل علهيا‬ ‫اإلنسان الياباين – بشلك عام‪ -‬ال حيب اللف وال الدوران‪ ،‬لقد أيقنوا ـ خبربات‬
‫يف الوجبة‪ .‬فرتى العامل يأخذ أطباق وجبته اليت حيصل علهيا يف الرشكة‪،‬‬ ‫راخسة اكتسبوها أثناء وبعد بناء اليابان عىل أثر خسائر احلرب العاملية الثانية ـ‬
‫ويضعها عىل صينية إلكرتونية هلا إماكنات جعيبة‪ .‬فهي حتدد خشصية حاملها‬ ‫أن أفضل طريق حنو النجاح واإلجناز هو الطريق املستقمي‪..‬‬
‫جيمع عدد السعرات‬ ‫ً‬
‫أيضا هبا عداد إلكرتوين ِّ‬ ‫من بصمة الاكرت اخلاص به‪.‬‬ ‫حىك يل أحد أبنائنا املهندسني العاملني معنا أنه اكن يف مدينة «كيوتو» ويه‬
‫احلرارية اليت يتكون مهنا لك طبق يضيفه العامل هلا‪..‬‬ ‫العامصة اليابانية القدمية‪ ،‬استقل تاكس ًيا واجته به حنو أحد املطامع ليتناول‬
‫ضل الطريق‪ .‬اكن العداد قد وصل إىل ‪ 1220‬ين (اكن‬ ‫َّ‬ ‫العشاء‪ ،‬ولكن السائق‬
‫مزود من األسفل مبجسات إلكرتونية خترب الصينية مبا حيتويه الطبق‬‫لك طبق َّ‬
‫من سعرات حرارية (!)‪ ،‬وبالتايل تستطيع تلك الصينية أن ترصد عدد السعرات‬ ‫الدوالر يساوي وقهتا حوايل ‪ 80‬ين)‪ ،‬ومل يكن قد عرف الطريق الصحيح بعد‪،‬‬
‫احلرارية اليت خيتارها العامل لوجبته؛ فإن الزتم العامل بعدد السعرات احلرارية‬ ‫فاعتذر السائق له‪ ،‬مث أوقف العداد‪ ،‬وملا وصال إىل املطعم طلب من املهندس أن‬
‫اليت حددها له نظام التأمني اليحص هناك‪ ،‬عىل أساس حالته الصحية‪ ،‬فهبا‬ ‫قدره‬
‫يدفع ‪ 580‬ين فقط‪ ،‬ألنه اعترب أنه هو السبب يف هذا اخلطأ (وهو املبلغ الذي َّ‬
‫ونعمت‪ ،‬أما إذا زاد العامل عىل تلك السعرات‪ ،‬فإنه وبشلك إلكرتوين آيل‪ ،‬سيمت‬ ‫لملشوار‪ ،‬لو اكن اجته يف الطريق الصحيح)‪..‬‬
‫خصم جزء من مبلغ التأمني اليحص الذي ترصده الرشكة له‪!..‬‬ ‫ريا مكا ُنغين‪ ،‬وال يرصخون ويتشنجون‬ ‫حلسن حظ اليابانيني‪ ،‬أهنم ال ُيغنُّون كث ً‬
‫حبب بالدمه‪ ،‬حفصيلة اإلنتاج تأيت – غال ًبا‪ -‬ال توازي لك هذا الغناء واحلب‬

‫‪245‬‬ ‫‪244‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫املجمتع الياباين يف حقيقته أشبه بدويالت متاكملة فميا بيهنا‪ ،‬ميثل لك كيان‬ ‫وبتكرار جتاوزه يف السعرات احلرارية املمسوح هبا‪ ،‬فقد جيد نفسه مضط ًّرا‬
‫اقتصادي فيه دويلة متاكملة‪ ،‬ولك مؤسسة كأهنا بلد يف حد ذاهتا‪ ،‬تتاكمل‬ ‫لدفع لك تاكليف عالجه‪ ،‬ألن «الصينية» وشت هبا‪ ،‬فمل يعد له أي رصيد لدى‬
‫الكيانات واملؤسسات فميا بيهنا‪ ،‬لتعيط يف الهناية ذلك الكيان العمالق الرائع‬ ‫التأمني اليحص اخلاص بالرشكة‪.‬‬
‫املمسى‪ :‬اليابان‪..‬‬
‫ّ‬ ‫٭٭٭‬
‫إن توشيبا نفهسا أشبه بدولة صغرية يف غاية النظام‪.‬‬ ‫الزيارة الأوىل لليابان‬
‫لقد شعرت بفضل اهلل الواسع علينا أن يكون أول توكيل حنصل هيلع من لك‬ ‫اكنت زيارىت األوىل لليابان يف سنة ‪..1975‬‬
‫دول العامل هو توكيل تلك الرشكة العمالقة‪ ،‬اليت اقرتن امسنا هبا – كوكالء‪ -‬منذ‬ ‫لك ما اكن يدور يف رأيس هو رضورة استمثار هذه الزيارة يف مزيد من‬
‫عام ‪ 1974‬وحىت اليوم‪ ..‬امحلد هلل عىل توفيقه لنا يف ذلك‪.‬‬ ‫معليات التبادل التجاري الناحجة بيننا وبني توشيبا‪ ،‬وكذلك توطيد العالقة مع كبار‬
‫أعطونا هناك كتي ًبا فيه بيانات وأرقام لك قادة توشيبا‪ ،‬فكنت أتصل – ً‬
‫مثل‪-‬‬ ‫مسوئيل رشكة توشيبا‪..‬‬
‫بالخشص املسوئل يف قسم األجهزة املزنلية‪ ،‬وأبلغه عن لك طلبايت واكن هو‬ ‫حقيقة‪ ،‬مل يدر خبلدي هنائ ًّيا ذلك الذي حدث‪ ،‬ولكن هكذا دو ًما يه أقدار اهلل‬
‫يقوم بإبالغ املسوئلني يف الرشكة الذين يقومون برسعة فائقة برتتيب اكفة األمور‬ ‫تعاىل‪ ،‬خف ّية ولطيفة‪ ،‬ال يعمل عن أرسارها وال نتاجئها الاكملة أحد إال اهلل عز وجل‪..‬‬
‫واملواعيد‪ ،‬بصورة جعلتين أضع لنفيس هد ًفا أن نصل يف أسلوب إدارتنا لرشكة‬
‫«العريب» إىل نفس هذا املستوى من األداء االحرتايف العايل‪..‬‬ ‫كنا قد رتبنا لك تفاصيل الرحلة من القاهرة‪ ،‬واكن اتصالنا مع توشيبا مسمت ًّرا‬
‫إلجراء اكفة ترتيبات وتفاصيل الزيارة مع قسم األجهزة املزنلية هناك‪..‬‬
‫اكنوا ينفذون برناجم الزيارة مبنهتى الدقة‪..‬‬
‫اكن أول يوم يل يف مصانع توشيبا بني املاكينات العمالقة أشبه باحلمل‪..‬‬
‫حقيقة تعملت من هذه الرحلة أن النجاح متالزم متا ًما مع احرتام الوقت‪،‬‬
‫احرتام وقتك ووقت اآلخرين‪ .‬وتعملت هناك ً‬
‫أيضا‪ :‬مكا أنه من أمه أصول التجارة‬ ‫ً‬
‫بعضا ممن قاموا بصناعة لك هذا التفوق والتقدم لذلك البلد‬ ‫رأيت هناك‬
‫أال تف ّرط يف رأمسالك إال حبق‪ ،‬فإنه من أمه رشوط النجاح يف احلياة لكها أال‬ ‫العبقري‪..‬‬
‫تفرط يف وقتك – ولو يف دقيقة واحدة‪ -‬إال حبق‪ ،‬وأن تضع لك دقيقة يف ماكهنا‬ ‫ً‬
‫رجال من البرش‬ ‫أناسا من فصيلة «السوبر مان» اخلياليني‪ ،‬بل اكنوا‬ ‫ً‬ ‫مل أجد‬
‫معل األول‪ ،‬والنيب دمحم ﷺ‪،‬‬ ‫الصحيح‪ .‬يف باب احرتام الوقت‪ :‬القرآن الكرمي ّ‬ ‫العاديني‪ ،‬قاماهتم ليست طويلة‪ ،‬ولكهنم حتولوا إىل معالقة يف الصناعة والتجارة‬
‫مث‪ ..‬اليابانيون‪.‬‬ ‫واالستمثار‪ ،‬استطاعوا بعقوهلم وجبهدمه املتواصل أن يهنضوا باليابان بعد‬
‫٭٭٭‬ ‫اهلزمية املر ّوعة يف احلرب العاملية الثانية‪ ،‬واليت انهتت بإلقاء قنبليت هريوشميا‬
‫وناجازايك النوويتني‪ ،‬واللتان أدتا إىل مقتل ماليني من األبرياء‪..‬‬
‫يف اليابان‪ ،‬رأيت ُأ ً‬
‫ناسا جادين ذوي مهم عالية‪ ،‬ال يقبلون تكرار اخلطأ الكبري‪،‬‬
‫فالذي يكرر نفس اخلطأ أكرث من مرة‪ ،‬يتجنبون التعامل معه‪..‬‬ ‫اكن الدرس األول الذي تلقيته يف اليابان‪ :‬ليس هناك مستحيل ما دامت هناك‬
‫إرادة وهدف‪ ،‬مع منظومة معل مجايع ُتدار بأسلوب عيمل حصيح‪ ،‬وتسىع‬
‫مكا أهنم ال ينسون اإلساءة‪ ،‬خاصة إذا ما اكنت مقصودة‪ ،‬وتسهتدف اإلهانة‪..‬‬
‫إلجياد احللول املبتكرة‪.‬‬
‫يعشقون الشفافية والوضوح التام‪ ،‬ومن حيصل عىل ثقهتم فإهنم يسمترون‬

‫‪247‬‬ ‫‪246‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وليس عرشة؟؟!‪..‬عليك أن ترشح له إذا ما اكن هناك بديل بالسعر ذاته عند غريه‪،‬‬ ‫عىل وفاهئم له‪ ،‬مهام مرت السنون‪ .‬شعب يعشق الوفاء‪ ،‬أحسهبم يفضلون تلك‬
‫ً‬
‫عرضا أفضل ملنتج آخر له نفس اجلودة‪ ..‬أما‬ ‫منافسا ميكن أن يقدم‬
‫ً‬ ‫أو أن هناك‬ ‫الصفة عىل بايق الصفات اإلنسانية اإلجيابية األخرى‪ ،‬وهذا من أمه أرسار‬
‫إن اكن ذلك جمرد ضغط للضغط‪ ،‬فال تتعب نفسك‪ ،‬فال جدوى من ذلك األسلوب‬ ‫التفامه التام بيننا يف «العريب» وبيهنم‪..‬‬
‫مع اليابانيني مطل ًقا‪..‬‬ ‫ً‬
‫حارضا فيه)‪ ،‬نقلت بعض الصحف املرصية ما قالوه‬ ‫يف مؤمتر رمسي (مل أكن‬
‫إنك إذا أعطيت الثقة التامة للياباين وأعطاك هو ثقة مقابلة‪ ،‬فإنك تكون أمام‬ ‫عن من أن «لكميت اكلسيف»‪ ،‬وأهنم يصدقون لك ما أقوله هلم دون مراجعة‪ .‬لقد‬ ‫ّ‬
‫أفضل خشص يف العامل ميكن أن تقمي معه عالقة معل ناحجة ومسمترة‪ .‬لن متل‬ ‫ريا (وميع أبنايئ ولك أرسة «العريب» الكبرية) بأسلوهبم اجلاد يف‬ ‫اسمتتعت كث ً‬
‫ميل التفاوض ومقارعة احلجة باحلجة يف جمال االستمثار والتعاون الصنايع‬ ‫ولن ّ‬ ‫التفاوض والعمل‪ ،‬وال أنكر أننا تعملنا مهنم الكثري حىت نصل لثقة لك معالئنا يف‬
‫ً‬
‫مرسل‪ ،‬بل هو‬ ‫والتجاري‪ ،‬ما دام هناك صدق وثقة فميا بينمكا‪ .‬وهذا ليس كال ًما‬ ‫مرص‪..‬‬
‫نتيجة تعامل معهم – عىل لك املستويات‪ -‬عىل مدى قرابة أربعني سنة‪.‬‬
‫لقد كنا حمظوظني – بالفعل‪ -‬أن اكنت بداية تعاوننا مع هذا الشعب املمتزي‪،‬‬
‫ال جيلس اليابانيون إليك ليتفاوضوا معك ُفرادى‪ ،‬بل جيلسون يف مجاعة منمظة‪،‬‬ ‫ريا خبرباته‪ ،‬وأرجو أن يأيت اليوم الذي نفخر فيه بأننا انطلقنا‬
‫الذي أفادنا كث ً‬
‫هلم رئيس وهلم قواعد وبيهنم تفامه تام واتصال وثيق‪.‬‬ ‫إىل آفاق أبعد مما انطلق إليه أساتذتنا‪ ،‬ولن ننىس فضلهم يومها‪ ،‬فنحن نعرف‬
‫امجليل والفضل ألهله‪ ،‬وال حنب من ينكر مجيل اآلخرين هيلع‪ ،‬ولقد عانينا – يف‬
‫يمسعون بإنصات ويكتبون لك شاردة وواردة‪ ،‬وعند لك نقطة جتد أوهلم يتحدث‪،‬‬
‫مرص‪ -‬من ذلك النكران من جانب البعض‪..‬‬
‫والبايق يسمتع بلك حواسه‪ ،‬مث الثاين مث الثالث‪ ..،‬بعد ذلك جتدمه يستأذنون‬
‫ليرتكوا االجمتاع لربهة‪ ،‬جيلسون يتداولون ويتشاورون فميا بيهنم‪ ،‬يناقشون لك‬ ‫من يرد أن يحجن يف التعامل معهم جيب أن تتوفر فيه صفة اجلدية‪ ،‬وكذلك‬
‫ما قيل يف االجمتاع‪ ،‬ويتساءلون عن لك مجلة ذات أمهية‪ ،‬وعن أي لكمة مفاجئة‬ ‫جيب أن ي ّتسم باألمانة والصدق يف اللكمة‪ ،‬وكذلك «طول البال» والصرب وسعة‬
‫أو مهبمة قاهلا أحدنا‪ ،‬ملاذا قاهلا هبذه العبارة دون غريها؟ وملاذا اس ُتخدمت تلك‬ ‫الصدر‪ ،‬ذلك ألهنم قوم يتمسون باحلساسية‪ .‬وبطبيعة احلال‪ ،‬فالصدق واألمانة‬
‫اللكمة دون سواها؟‬ ‫والصرب صفات ال ُتكتسب عىل املدى القصري‪ ،‬وامحلد هلل أن تلك الصفات اكنت‬
‫موجودة لدينا بالفعل من مجلة القمي واملبادئ اإلسالمية اليت ُفطرنا علهيا يف قرية‬
‫إهنم حيللون لك حرف يمسعونه‪ ،‬حىت يصلوا إىل معرفة وإحاطة اكملة باألمر‬
‫«أبو رقبة»‪..‬‬
‫الذي يناقشونه‪ ،‬من األلف إىل الياء‪ ..‬وهذا من أمه أرسار جناحهم‪.‬‬
‫مكا الحظت أثناء زياريت األوىل لتوشيبا أن من أمه أرسار النجاح يف التعامل‬
‫إن هذه الطريقة قد جتعل الكثريين ال حيبون التعامل مع اليابانيني‪ ،‬أو عىل‬
‫معهم أن يتحدث املرء مبعرفة ومنطق‪ ،‬وأال يتلكم إال فميا يفهم‪ ،‬فال يصلح معهم‬
‫األقل ال يشعرون بالراحة أثناء ذلك التعامل‪ ،‬لشعورمه بامللل من طول الوقت يف‬
‫احلوار العبىث أو التقريرات العشوائية (أقصد‪ ،‬ال تصلح معهم «الفهلوة» عىل‬
‫التفاوض معهم‪ ،‬لكن بالصرب والثقة حيقق املرء معهم أكرث مما يريد‪..‬‬
‫الطريقة اليت اعتادها البعض يف بالدنا‪ً ،)!..‬‬
‫مثل‪ ..‬إذا قــال لك الياباين‪ :‬هذا‬
‫٭٭٭‬ ‫يصـح أن تســاومه بدون موضــوعية‪ ،‬قائ ً‬
‫ال‪ :‬هل‬ ‫ّ‬ ‫املنتج نبيعه بعرشة دوالرات‪ ،‬فـال‬
‫حم�شي ورق عنب‪!..‬‬ ‫ميكن أن أشرتيه خبمسة؟!‪..‬‬
‫اكن لوجود اليابانيني يف بيتنا أثر عىل نشأة األوالد‪ ..‬يف هناية السبعينيات من‬ ‫إذا قلت للياباين‪ :‬سأشرتى هذا بتسعة وليس بعرشة‪ ،‬فعليك أن تقول ملاذا تسعة‬

‫‪249‬‬ ‫‪248‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫بعض أصدقايئ حيفظ بعضا من اللكامت العربية‪ ،‬ويرددها أحيانا يف‬ ‫ريا‪ ،‬وكنا أحيا ًنا‬
‫القرن املايض‪ ،‬بدأ اليابانيون من توشيبا يتوافدون إىل مرص كث ً‬
‫االجمتاعات عىل سبيل املرح وختفيف حدة وضغوط ظروف العمل‪ ،‬وأيضا حييوننا‬ ‫نستضيفهم يف بييت بالعباسية‪ ،‬مث بصورة دورية يف مرص اجلديدة‪.‬‬
‫فرحا عىل‬
‫ً‬ ‫هبا يف اليابان‪ ،‬مهنم صدييق مسرت «نااكجاوا»‪ ،‬والذي اكن يعلّق‬
‫اكنوا يشعرون بالدفء واملرح بني أفراد أرسيت‪ ،‬خاصة مع أصناف الطعام‬
‫أي جناح يف الوصول التفاق بيننا‪« :‬شكرا جزيال جزيال‪ ..‬جزيال!»‪ ..‬وال يزال‬
‫اليت كنا ندعومه إلهيا‪ ،‬مث اعتاد كبار املسوئلني يف «توشيبا» بعد ذلك أن يأتوا‬
‫حىت اليوم حيب أن يكرر هذه امجللة بإيقاع مرح جيعلنا نضحك من قلوبنا لكام‬
‫لزيارتنا يف البيت‪..‬‬
‫رددها‪..‬‬
‫لقد أحبوا ذاك الطعام الذي اكنت تصنعه زوجيت – رمحها اهلل‪ -‬خاصة‪:‬‬
‫٭٭٭‬
‫امللوخية‪ ،‬وحميش ورق العنب والكرنب‪ ،‬والبط‪..‬‬
‫مه أذكياء ومهرة يف التجارة‪ ،‬وحيبون أن يرحبوا عىل طول اخلط‪ ،‬ولكهنم –‬
‫أيضا‪ ،‬فهم ليسوا مثل بعض‬‫ً‬ ‫من جانب آخر‪ -‬حيبون ملن يتعامل معهم أن يرحب‬ ‫اكن الصغار ‪ -‬يف ذلك الوقت – الثاليث‪ :‬مدحت وحميي ودمحم عبد اجليد‬
‫الشعوب املتقدمة تقن ًّيا‪ ،‬واليت حتب أن تستغفل اآلخرين‪ ،‬فرتحب طوال الوقت‪ ،‬دون‬ ‫حيبون أن يلعبوا مع أبناء أصدقايئ اليابانيني ممن يقاربوهنم يف العمر (خاصة‬
‫أن يرحب من يتعامل معهم أي يشء‪!..‬‬ ‫أبناء مسرت أندو)‪ ،‬واكنوا يسألونين عن سبب اختالفهم عهنم يف الشلك ويف‬
‫الطباع‪..‬‬
‫فهم وحتقي ًقا ملبدأ «‪ :»Win – Win‬ارحب‪ ،‬ودعين‬ ‫إهنم أكرث شعوب األرض ً‬
‫أرحب معك‪ .‬إنه مبدأ نوراين‪ ،‬وقاعدة ذهبية تفيد امجليع‪ ،‬وحمتو وحمتق الفقر‬ ‫اكن أكرث ما يثري انتباه أبنايئ يف ضيوفنا هو شعرمه األسود الفامح النامع‪،‬‬
‫واحلاجة عن امجليع!‪ ..‬وهذا ما البد لنا أن نعيه يف مرصنا احلبيبة‪ ،‬وأن نبدأ يف‬ ‫وكنت أحضك من تعليقاهتم املرحة حول رغبهتم الشديدة يف امتالك مثل ذلك‬
‫تطبيقه عىل لك املستويات‪.‬‬ ‫الشعر النامع!‬
‫مئا يف أذهاهنم‪ :‬من مه هؤالء الناس؟ وملاذا أصبحوا‬‫اكن هناك سؤال يرتدد دا ً‬
‫لقد انطلق مبدأ«ارحب‪ ،‬ودعين أرحب معك» بيننا – حنن املسملني‪ -‬من قبل أن‬
‫يعرفه اليابانيون أو الغرب مبائت السنني‪!..‬‬ ‫يزوروننا بكرثة؟! وما الفارق بيننا وبيهنم؟! وملاذا تشيع الفرحة والهبجة يف البيت‬
‫عندما حيرضون؟!‬
‫نعم‪ ،‬حفني ش ّد اهلل العلمي احلكمي عىل عباده يف سورة «املطففني»‪ ،‬حذرنا من‬
‫خطورة من يعمل ويعيش لصاحل نفسه فقط‪ ،‬وينىس – أو يتناىس‪ -‬ما ينتظرنا‬ ‫مل يدركوا وقهتا أن هؤالء اليابانيني سيكونون سب ًبا يف نقلة واسعة يف حياتنا‬
‫من وقوف أمام جبار المساوات واألرض يف اآلخرة‪ ،‬ليحمك بيننا بالعدل‪﴿ ..‬ويل‬ ‫وحياة لك من يعمل معنا‪ ،‬وأننا سننقل من عقوهلم ومن خرباهتم الكثري‪ ،‬وهذا هو‬
‫لملطففني * الذين إذا اكتالوا عىل الناس يستوفون * وإذا اكلومه أو وزنومه‬ ‫ما اكن هيمنا ويشغل بالنا‪ ،‬وليس نعومة شعورمه‪..‬‬
‫خيرسون)‪..‬‬ ‫لقد توطدت عالقات صداقة خشصية وأرسية بيننا وبني كثريين من كبار املسوئلني‬
‫وهذا املبدأ حيتاج إىل عقل حصيف سلمي‪ ،‬وثقة يف النفس ويف اآلخرين ممن‬ ‫يف توشيبا وشارب وسايكو‪ ،‬ورشاكت أخرى يابانية نتعامل معها بانتظام‪ ،‬ومه‬
‫يستحقون الثقة‪ ،‬وبذل جهد خملص حقييق‪ ،‬وصدق تام يف لك التعامالت‪ .‬وغالب‬ ‫اليزالون حىت اليوم ينتظرون زيارايت لليابان ليحتفوا يب‪ ،‬ويأخذوين باألحضان‪.‬‬
‫اليابانيني ميتلكون الصفات السابقة‪.‬‬ ‫نتذكر م ًعا األوقات الطيبة امجليلة‪ ،‬اليت امتألت بالعمل واالجمتاعات اجلادة‬
‫والنجاحات املتتالية‪ ،‬سواء يف مرص أو يف اليابان‪..‬‬

‫‪251‬‬ ‫‪250‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اخلارجة من أحشاء أمعدة اإلنارة!»‪ ..‬فكنت أحضك‪ ،‬وأؤكد هيلع رضورة البحث‬ ‫إن الصدق – يف رأيي‪ -‬هو مفتاح كسب صداقة وثقة الخشصية اليابانية‪،‬‬
‫عن املشلكة ومعاجلهتا‪ ،‬مهام لكفنا األمر‪..‬‬ ‫ومفتاح النجاح ألي تعامل جتاري أو اقتصادي أو سيايس معهم‪.‬‬
‫ً‬
‫مسوئل عن‬ ‫يف الهناية‪ ،‬استدعينا اخلبري الياباين يف توشيبا‪ ،‬والذي اكن‬ ‫إن الشعب الياباين شعب جاد واع ذيك‪ ،‬استطاع أن يفرض احرتامه عىل‬
‫اختبار تلك الفيشة‪ ،‬واكن امسه «اكيم»‪ ،‬وحىت لو مل يكن امسه يطابق امس‬ ‫فأرص‬
‫َّ‬ ‫العامل لكه‪ ،‬مل ُتضعه أو تلوي عنقه حقيقة عدم امتالك بالده ثروات طبيعية‪،‬‬
‫الصابونة الهشرية‪ ،‬مل نكن لننىس امسه أبدًا‪ ،..‬لقد اكن صاحب فضل عىل‬ ‫عىل أن جيعل من العقول اليابانية‪ ،‬ومن التفاين يف العمل واملثابرة واالحرتافية‬
‫«العريب»‪ ،‬بل عىل صناعة األسالك الكهربائية يف مرص لكها‪!..‬‬ ‫وامجلاعية وحب بالدمه ثروة حقيقية يتقدم هبا عىل امجليع‪ ،‬أو عىل األقل ينافس‬
‫هبا عىل الصدارة دوما‪ ،‬وقد جنح اليابانيون بالفعل يف ذلك إىل حد بعيد‪.‬‬
‫اكنت املواصفات الكهربائية لدينا لكها مطابقة لملواصفات اليابانية‪ ،‬حىت قطر‬
‫شعرات السلك الكهربايئ‪ ،‬وعددها‪ .‬مل يتبق سوى اختبار واحد‪ ،‬واكن مسرت‬ ‫وأكرث ما يش ّدين إىل الخشصية اليابانية‪ :‬الزتام الكثري مهنم باألخالق الفاضلة‪.‬‬
‫حريصا عىل مساعدتنا‪ ،‬للوصول إىل السبب احلقييق‪..‬‬ ‫ً‬ ‫«اكيم»‬ ‫حدث مرة أن اكن من مضن فريق «العريب» يف طوكيو زميل ذو اعافة ىف رجله ‪،‬‬
‫فالحظ املهندس الياباين الذي اكن ملكفا مبرافقة الفريق أن حركته بطيئة بالنسبة‬
‫طلب مسرت «اكيم» فر ًنا تصل حرارته إىل ‪ 136‬درجة موئية‪ ،‬ولف سلك الفيشة‬
‫يفضل أن يتحرك الفريق يف مسارات بعيدة عن‬ ‫ّ‬ ‫لبايق الزمالء املرصيني‪ ،‬فاكن‬
‫حول سيخ حديدي قطره ‪ 10‬مللميرتات‪ ،‬فأصبح مثل سلك التليفون‪ ،‬مث ربطه بسلك‬
‫السالمل العلوية حىت ال يرهقه‪ ،‬برمغ أن ذلك اكن يتسبب يف ضياع بعض الوقت‪،‬‬
‫حديد حىت ال يفك يف الفرن‪ .‬وضعنا أكرث من ع ّينة من هذا السلك يف الفرن ملدة‬
‫إال أنه آثر عدم إحراجه‪ ،‬وهذه يه مقة اإلنسانية من وجهة نظري‪..‬‬
‫ساعة اكملة‪ .‬وملا خرج السلك اكن الغطاء العازل البالستييك اخلاريج تالفا‪،‬‬
‫ً‬
‫و«مفرول» متا ًما‪ ،‬وهذا معناه أن أي ماس كهربايئ‪ ،‬أو أي حادث قد يع ّرض‬ ‫بل‬ ‫هناك ً‬
‫أيضا قصة معربة عن مدى جدية الخشصية اليابانية‪ ،‬واحرتامها لإلنسان‪..‬‬
‫السلك للنار‪ ،‬سيسبب خطورة شديدة عىل البرش‪ ،‬وتلك اخلطورة عىل حياة البرش‬
‫فقد اكن هناك قانون يف وزارة الصناعة املرصية يقيض بأن املصنع الذي‬
‫يه أكرث ما خييف اليابانيني‪ ،‬كشعب متحرض يقدر للنفس اإلنسانية قدرها‪..‬‬
‫يصل لنسبة تصنيع ‪ % 40‬من املنتج يمت خفض نسبة الرضائب عىل مكوناته‬
‫ذهب املهندس دمحم الربيدي مع مسرت «اكيم» لرئيس جملس إدارة رشكة‬ ‫بشلك تصاعدي‪ ،‬حسب نسبة التصنيع احمللية‪.‬‬
‫الاكبالت املرصية‪ ،‬اليت اكنت ُتصنع لنا ذلك السلك الذي ثبت ضعفه‪ .‬مجع الرجل‬
‫اكنت توجهيايت تؤكد رضورة الوصول هلذه النسبة يف جهاز تلفزيون «توشيبا‬
‫لك املهندسني واملسؤولني يف مصنعه يك يكتشفوا السبب‪ ،‬فمل يصلوا ليشء‪،‬‬
‫– العريب»‪ ،‬وبالفعل حققنا هذه النسبة يف املوديالت املختلفة‪ ،‬ولكن أحد املوديالت‬
‫فطلب مسرت «اكيم» أن يليق نظرة عىل معلية التصنيع مبراحلها‪ ،‬وهناك وأمام‬
‫حققنا فيه نسبة ‪ ،% 39‬واكن ينقصنا تصنيع «فيشة» اجلهاز حىت نصل إىل نسبة‬
‫املاكينات اكتشف اخلبري الياباين الرس أخريا؛ اكتشف أن خامة السلك العازل‬
‫الـ ‪ % 40‬املطلوبة‪ .‬أخذت منا رحلة تنفيذ هذه الفيشة باملواصفات اليابانية حوايل‬
‫ال يمت جتفيفها برسعة‪ ،‬وبالتايل مل تكن مقاومهتا الرتفاع درجة احلرارة كبرية‪.‬‬
‫‪ 6‬هشور!‬
‫ساعهتا اندفع الربيدي ليق ّبل مسرت «اكيم»‪ ،‬وكذلك فعل رئيس جملس إدارة‬
‫رشكة الاكبالت‪ ،‬الذي قرر يف نفس اللحظة رشاء جمففات إلمتام معلية التصنيع‬ ‫لكام كنا نصنّع الفيشة ونرسلها إىل اليابان‪ ،‬اكنوا يردون علينا أهنا غري مطابقة‬
‫لتكون مواصفات السلك مطابقة ألعىل املواصفات‪!..‬‬ ‫لملواصفات‪ ،‬ومل أقتنع باألسباب اليت اكنوا يضعوهنا ر ّدًا عىل سؤالنا عن سبب‬
‫ً‬
‫ضاحك‪:‬‬ ‫رفض العينة‪ .‬قال يل املهندس دمحم الربيدي (مدير مصانعنا ببهنا)‬
‫واكن من أروع ما مسعته يف حيايت عن قمية الروح اإلنسانية‪ ،‬وقدرها الذي‬
‫«ما ييجي بتوع توشيبا يمتشوا يف شوارع مرص ويشوفوا األسالك الكهربائية‬

‫‪253‬‬ ‫‪252‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫فهنا قد تستغرق معلية البيع الواحدة هشو ًرا‪ ،‬من خالل مناقصات وعروض‪،‬‬ ‫ال يدانيه يشء آخر‪ ،‬حني قال هلم مسرت «اكيم»‪ ،‬ر ّدًا عىل سؤال املهندس‬
‫ربا ومثابرة من نوع خمتلف‪..‬‬
‫تستلزم منا ص ً‬ ‫الربيدي عن الرس يف اهمتامهم البالغ باكبل – أو «فيشة»‪ -‬جهاز تلفزيون‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫«مسرت بريدي‪ ،‬إن أصيب طفل واحد بسبب هذه الفيشة‪ ،‬وعرضنا حياته للخطر‪،‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬معلية الصيانة فهيا ختتلف متا ًما عن الصيانة لبايق األجهزة املزنلية‬
‫فإن لك أموال ومزيانيات توشيبا‪ ،‬ال ميكن أن تعوض حياة هذا الطفل الذي قد‬
‫والكهربائية اليت نعمل فهيا‪ ،‬فهي صيانة بعقود سنوية‪ ،‬وهلا بنود متابعة دورية‬
‫ميوت بسبب خطأ يف التصنيع‪ ،‬حنن مسوئلون عنه!»‪..‬‬
‫عديدة‪ ،‬تلزمنا بإنشاء أقسام غري موجودة يف الرشكة‪..‬‬
‫قيا لنا مجي ًعا‪ ،‬مل ننسه حىت اليوم‪..‬‬
‫درسا ِّ ً‬
‫ً‬ ‫اكن‬
‫ثالثا‪ :‬السلعة نفهسا هامة واسرتاتيجية للرشاكت واملؤسسات ولملاكتب عىل‬
‫اختالف أنشطهتا‪ ،‬فاكن ينبيغ السيع باحرتافية لتحقيق األهداف اليت وضعهتا‬ ‫٭٭٭‬
‫توشيبا معنا قبل أن نبدأ‪..‬‬ ‫طموح‪ ..‬بال حدود!‬
‫بدأ مدحت دراسة السوق‪ ،‬وجاءين بالعديد من تفاصيل وأرسار سوق هذا‬ ‫الشك أننا استفدنا من التعامل مع اليابانيني‪ ،‬وكأن عدوى مطوحهم غري احملدود‬
‫العمل‪ ،‬ووافقته عىل اقرتاحاته وتصوراته‪ ،‬برضورة بناء هذا القسم اجلديد‪،‬‬ ‫قد انتقلت إلينا يف «العريب»‪...‬‬
‫بصورة خمتلفة عن بايق أقسام الرشكة‪ ،‬املهم أن حيقق لك األرقام اليت تضعها‬ ‫وها هو مثال يؤكد ذلك‪ ..‬يف عام ‪ ،1998‬طلبنا من توشيبا أن نبدأ يف التعامل‬
‫لنا توشيبا‪ .‬اكنت هناك رشاكت حمددة تسيطر متا ًما عىل السوق املرصي يف‬ ‫معهم يف توزيع أجهزة المكبيوتر احملمول «الب توب»‪ ،‬ولكهنم ردوا علينا بأن‬
‫ذلك املجال‪ ،‬مهنا من ذهبت إىل مدحت وعرضت هيلع أن نعطهيا لك البضاعة اليت‬ ‫جحم السوق املرصي ال يزال ضعي ًفا يف اإلقبال عىل هذه األجهزة‪ ،‬واقرتحوا‬
‫توردها لنا توشيبا‪ ،‬وتعطينا هامش الرحب املطلوب دون عناء!‬ ‫علينا أن نأخذ ماكن رشكة أخرى اكنت تعمل يف جمال توزيع ماكينات التصوير‪،‬‬
‫جاءين مدحت بعروضهم‪ ،‬فسألته‪« :‬إنت حاسس إنك حاتحجن؟!»‪ ..‬فأجابين‬ ‫واليت اكن جحم مبيعاهتا يف السوق املرصي قد تقلّص عىل مدار السنوات الثالث‬
‫بثقة‪ :‬إنه متأكد من النجاح بإذن اهلل‪ ،‬فقلت له‪« :‬يبىق نتولك عىل اهلل‪ ،‬وما‬ ‫األخرية‪ ،‬فإذا ما حجننا يف حتقيق األهداف جحم املبيعات الذي سيضعوه لنا‪،‬‬
‫نمسعش لهيم أي كالم‪..‬الناس دي طاملا عرضوا كده‪ ،‬يبقوا خايفني من دخولنا‬ ‫نبدأ يف احلديث عن توزيع المكبيوتر احملمول‪..‬‬
‫السوق‪ ،‬وعاملني لينا ألف حساب!»‬ ‫يف ذلك الوقت‪ ،‬ومنذ أن أهنى مدحت دراسته يف قسم الفزيياء يف اجلامعة‬
‫مل تكن البداية هسلة‪ ،‬قابل مدحت خسرية الكثري من الرشاكت عندما اكن يتقدم‬ ‫األمريكية عام ‪ ،1992‬اكن يتنقل من موقع إىل آخر يف الرشكة‪ .‬وفوجئ مدحت‬
‫مثل من يقول‪« :‬املاكينة دي اكم‬‫مبناقصات وعروض لتوريد ماكينات تصوير‪ً ،‬‬ ‫أمحله املسوئلية الاكملة عن هذا القسم اجلديد‪« :‬توزيع وصيانة ماكينات‬
‫متا ًما أين ّ‬
‫قدم؟!‪ ..‬أو اكم بوصة؟!»‪..‬ومهنم من ُيعلق باستخفاف‪« :‬ودي ياترى مكن تصوير‬ ‫التصوير»‪ .‬اكنت مسوئلية مخضة بالفعل‪ ،‬وهو مل يزل شا ًّبا مل يتعد ‪ 28‬سنة‪،‬‬
‫تالت ريشات وال أربعة؟!»‪ ..‬ومل يلقِ ً‬
‫بال بلك تلك التعليقات‪ ،‬بل اسمتر يف العمل‬ ‫ولكنين شددت من عزميته‪ ،‬وأكدت له أنه سيستطيع – بإذن اهلل وعونه‪ -‬أن حيقق‬
‫هبمة وثقة‪ ،‬دون النظر إىل استخفاف املنافسني‪ ..‬كنت أوجهه إىل عدم ترك أي‬ ‫لك املبيعات واألهداف اليت ستضعها توشيبا لنا‪..‬‬
‫بالنص‪« :‬ماعنديش‬
‫ّ‬ ‫مناقصة أو معلية توريد كبرية إال والبد أن ندخل فهيا‪ ،‬وقلت له‬ ‫اكن ً‬
‫معل خمتل ًفا معا مقنا به يف لك تارخي «العريب» من قبل‪..‬‬
‫مشلكة لو خرسنا ملدة سنتني‪ ،‬املهم أن نث ّبت أقدامنا يف السوق ده‪.»..‬‬
‫ً‬
‫فأول‪ ،‬يه جتارة مع رشاكت ومؤسسات‪ ،‬وليس مع جتار ومعالء مسهتلكني‪.‬‬
‫كنت أوجهه أن هيمت بصيانة ماكينات التصوير كأنه يرسل سيارة إسعاف‬

‫‪255‬‬ ‫‪254‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫يف سنة ‪ 1999‬حقق قسم األجهزة املكتبية اجلديد مبجموعة «العريب» الرمق‬ ‫ملريض يرشف عىل املوت‪ ،‬فالسيدة يف املزنل قد تصرب عىل عطل الغسالة أو‬
‫الذي وضعته لنا توشيبا‪ ،‬ويف اجمتاع يف مصنع بهنا جاء فيه مسوئلو توشيبا‬ ‫الثالجة ليوم أو يومني‪ ،‬ولكن الرشكة الكبرية لن تصرب عىل عطل ماكينة التصوير‬
‫ليحتفلوا معنا يف القاهرة بتحقيق املبيعات‪ ،‬اقرتح رئيس الوفد الياباين مدير‬ ‫لساعات‪.‬‬
‫مقا مضاع ًفا – بل أكرث من الضعف‪ -‬للسنة‬ ‫توشيبا لألجهزة املكتبية‪ ،‬أن نضع ر ً‬
‫يف السنة األوىل اكنت املبيعات قليلة‪ ،‬ومل تجشعنا توشيبا‪ ،‬أما يف السنة الثانية‬
‫ً‬
‫معرتضا بسبب ارتفاع‬ ‫اجلديدة ‪ ،2000‬ووافقت دون تردد‪ ،‬وحني مهس يل مدحت‬
‫ترست أقدامنا يف السوق‪ ،‬وأصبحنا نشارك بثقة يف لك املناقصات عىل‬ ‫وبعد أن ّ‬
‫الرمق‪ ،‬قلت له‪« :‬خالص‪ ،‬اللكمة طلعت مين‪ ،‬عليك انت بىق حتسهبا‪ ،‬وتد ّبر نفسك‬
‫مستوى امجلهورية‪ ،‬بدأت توشيبا تشعر جبديتنا‪ ،‬وبرغبتنا احلقيقية يف حتقيق لك‬
‫جنك يف اليل فات‪ ،‬قادر يعينك عىل اليل جاي!»‪..‬‬‫إزاي حنققها؟!‪ ،‬واليل ّ‬
‫أهدافها من السوق املرصي‪ ،‬وبدءوا يف تجشيعنا ويف دمعنا بلك ما يستطيعونه‪..‬‬
‫وبالفعل جنح مدحت مع فريقه اجلاد أن حيقق أكرث من الرمق الذي وضعه مدير‬
‫يف سنة ‪ ،1999‬اكنت هناك مناقصة كبرية اسمتر التفاوض فهيا ملدة ‪19‬‬
‫توشيبا‪ ،‬واستحق جائزة رصدهتا له توشيبا‪ ،‬فقد منحوه رحلة – له ولزوجته ‪ -‬يف‬
‫هش ًرا‪ ،‬وبعد أن كسبنا املناقصة‪ ،‬ووضعنا فهيا أسعا ًرا أقل من امجليع‪ ،‬أسعار‬
‫دول الرشق األقىص‪.‬‬
‫أرباحا‪ ،‬فقد كنا نسهتدف كسب تلك الرشكة الكبرية كعميل لنا‪ .‬ولكن‬
‫ً‬ ‫ال حتقق لنا‬
‫وقال هذا املدير الياباين ملدحت‪ :‬أنه اكن يشك متا ًما يف حتقيق أكرث من ضعف‬ ‫يبدو أنه اكنت هناك مصاحل خفية لعدد من موظيف تلك الرشكة تتعارض مع فوزنا‬
‫ً‬
‫قائل‪« :‬التجربة دي‪ ،‬حاختلينا ما‬ ‫الرمق الذي حققناه يف السنة األوىل‪ ،‬وابتسم له‬ ‫باملناقصة‪ ،‬فاكنوا خيتلقون معنا لك يوم مشكالت ومضايقات‪ ،‬وحىت بعد أن‬
‫ندخلش يف حتدي مع «العريب» مرة تانية!»‪..‬‬ ‫و ّردنا جز ًءا من األجهزة‪ ،‬اسمترت املشكالت واملضايقات حىت وصلنا إىل طريق‬
‫مسدود‪ .‬قلت ملدحت‪« :‬خد يل موعد مع رئيس الرشكة»‪ ،‬ومل أخربه ماذا أنوي أن‬
‫وامحلد هلل‪ ،‬ماكينات تصوير «توشيبا» يه رمق واحد يف السوق املرصي منذ‬
‫أفعل‪..‬‬
‫عام ‪ ،2006‬ويف عام ‪ 2013‬بلغت حصتنا السوقية ‪(. % 41‬حنتاج حتديث املعلومة‬
‫لعام ‪. )2018‬‬ ‫يف مكتب رئيس الرشكة قلت له حبزم تام‪« :‬واحض إن الناس اليل عند حرضتك‬
‫مسرتحيني يف الشغل مع ناس تانية‪ ،‬فربمغ إننا خرسانني يف العملية دي‪،‬‬
‫وبالنسبة لطاقات شباب اجليل الثالث‪ ،‬كنا ندفعهم للعمل يف أقسام الرشكة‬
‫مابطلوش مضايقات ومشالك‪ ،‬وأنا مؤمن أنه ال رضر وال رضار‪ ،‬إحنا معانا أربع‬
‫املختلفة أثناء دراسهتم‪ ،‬وحاولت أن أربط بني مرصوفهم الخشيص ما يقومون به من‬
‫ً‬ ‫عربيات نقل‪ ،‬حرضتك بس تأمر رجالتك ي ّدونا األجهزة‪ ،‬وأوعدك مش حاندخل هنا‬
‫(مثل‪ ،‬اكن البعض مهنم يقف عىل خط إنتاج التلفزيون‪،‬‬ ‫أمعال يف فصل الصيف‬
‫تاين‪ ،‬ويا دار مادخلك رش!»‪..‬‬
‫يقومون بأمعال بسيطة‪ ،‬أو يف احملالت ليتعمل كيف يتعامل مع الزبائن)‪ .‬وقد أمثرت‬
‫هذه التجربة مثا ًرا إجيابية‪ ،‬خاصة بعد أن التحق عدد كبري مهنم بالعمل يف الرشكة‪.‬‬ ‫فوجئ رئيس الرشكة بكاليم‪ ،‬فطلب مين أن أرجئه ملدة ‪ 48‬ساعة فقط‪ ،‬وبعدها‬
‫يبلغين بقراره‪ .‬وبالفعل حت ّرى الرجل عن األمور اخلفية يف الرشكة‪ ،‬وتأكد أن‬
‫كذلك كنا نساعد شباب اجليل الثالث يف اختاذ القرار يف دراسهتم اجلامعية‪،‬‬
‫احلق معنا‪ ،‬فطلب لقايئ‪ ،‬واعتذر يل‪ ،‬وأرص أن نمكل توريد بايق األجهزة‪.‬‬
‫من خالل جلسات مع ابننا دمحم عبد اجليد‪ ،‬الذي اكن يناقهشم يف قدراهتم‬
‫وميوهلم لتحديد املاكن املناسب هلم يف الرشكة‪ ،‬وبالتايل يستطيع لك واحد مهنم‬ ‫من يومها وهذه الرشكة من أمه العمالء‪..‬‬
‫أن حيدد وجهته اجلامعية مبا يفيد مصلحة الرشكة ويضيف قمية حقيقية‪.‬‬ ‫دا ً‬
‫مئا كنت أقول ألبنايئ‪« :‬ماتقلقوش!‪ ،‬اليل ما خيرسش ما يكسبش أبدًا!»‪..‬‬
‫٭٭٭‬
‫‪257‬‬ ‫‪256‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫نقص يف أمعالنا وال‬


‫فضل عن الثواب يف الدنيا ـ جتدنا ّ‬‫ً‬ ‫المساوات واألرض‪،‬‬ ‫بلوفر �أحمر‪!..‬‬
‫نرتيق هبا ملرتبة اإلتقان واإلبداع واالحرتافية‪!..‬‬
‫كنت يف طوكيو‪ ،‬حني بلغت الستني من معري‪ ،‬واكن بعض األصدقاء يف‬
‫إنا ال نعمل مبا ميليه علينا ديننا‪ ،‬رمغ أننا نردد الكثري من اآليات القرآنية‪،‬‬ ‫ً‬
‫حفل‪ ،‬يف املقر الرئييس‬ ‫توشيبا يعرفون يوم ميالدي‪ .‬فوجئت هبم يقميون يل‬
‫واألحاديث النبوية اليت تتحدث عن قمية العمل وقدسيته‪ ،‬وعن حب اهلل تعاىل‬ ‫للرشكة‪ ،‬وخالل احلفل قدم يل نائب رئيس جملس اإلدارة هدية عبارة عن «بلوفر»‬
‫نديع اإلميان – بألسنتنا‪ ،-‬والذي‬‫إلتقان العبد لعمله‪ .‬نعم‪ ،‬حنن يف أحيان كثرية َّ‬ ‫من الصوف لونه أمحر فاقع‪!..‬‬
‫يصدق إمياننا؟!‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وصدقه العمل‪ ..‬فهل معلنا‬
‫َّ‬ ‫يعين ما وقر يف القلب‪،‬‬
‫حضكت‪ ،‬وقلت له‪ :‬هل هذا هدية لواحد من أحفادي؟! فقال‪ :‬بل هو لك‪ ،‬آن لك أن‬
‫جيب علينا أن نراجع أنفسنا يف منظومة العمل اليت حتمكنا‪ ،‬فإذا اسمتر‬ ‫ترتدي مثل هذا!‪ .‬قلت‪ :‬ولكين مل أرتد مثله يف شبايب‪ ،‬فهل أفعل ذلك وقد بلغت‬
‫هذا األداء املرتايخ املتسيب يف أداء العمل‪ ،‬وإذا اسمتر مستوى األداء هبذا‬ ‫الستني؟‬
‫االستخفاف الشديد‪ ،‬فال أمل لبالدنا أن تستعيد ماكنهتا السابقة‪ .‬أما إذا ما معلنا‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬حنن هنا يف اليابان مؤمنون متا ًما أن ما مل يفعله املرء يف حياته‬
‫مبا ميليه علينا ديننا‪ ،‬ويفرضه علينا اهلل تعاىل من تقديس للعمل‪ ،‬وما ّ‬
‫تعلناه من‬
‫قبل الستني واكن يمتىن أن يفعله‪ ،‬سيجد له وق ًتا بعدها‪..‬‬
‫احلبيب دمحم ﷺ‪ ،‬فسنعود لملقدمة مرة أخرى‪ ،‬بإذن اهلل‪..‬‬
‫وأضاف الرجل بثقة‪ :‬حاج محمود‪ ،‬حنن هنا ال ُنيص أمعارنا بعد الستني‬
‫أيضا عىل لك من يعمل يف رشكة أو مصنع أو مؤسسة‪ ،‬االلزتام بقواعد ونظم‬ ‫ً‬
‫هكذا‪ ،.. -64 -63 -62 -61 -60 :‬بل هكذا هو اإلحصاء الصحيح يف اليابان‪:‬‬
‫ذلك الكيان‪ ،‬ما دام قد ريض بالعمل به من البداية‪ ،‬فالبد من االلزتام بقواعده‪..‬‬
‫‪ ،..-56 -57 -58 -59 -60‬فلك سنة بعد الستني تنقص من معرك سنة‪ ،‬وال‬
‫حىك يل م‪ .‬دمحم الربيدي أنه سافر حني اكن يعمل يف رشكة «تلميرص» –‬ ‫تزيده‪!..‬‬
‫يف بداية المثانينيات‪ -‬مع مجموعة من مهنديس الرشكة لزيارة إحدى الرشاكت‬
‫وبالفعل بدأت أتبع أسلوب اليابانيني يف إحصاء معري‪ ،‬فأشعر أن معري –‬
‫اليابانية‪ .‬وصلوا مطار طوكيو يف الليل‪ ،‬وهناك استقبلهم مسوئل بالرشكة‪ ،‬وظل‬
‫اليوم – يرشف عىل األربعني‪ ،‬وليس ‪ 87‬سنة باحلسابات التقليدية‪ .‬وامحلد هلل‪..‬‬
‫معهم حىت الساعة الثانية بعد منتصف الليل‪ .‬عمل املهندس الربيدي أنه سيكون‬
‫صباحا ليتناول معهم وجبة اإلفطار يف مقر إقامهتم‪ ،‬مث يبدءوا‬
‫ً‬ ‫عندمه يف السابعة‬ ‫لقد تعملت من اليابانيني أن يسمتر املرء يف العطاء ما دام قاد ًرا عىل ذلك‪ ،‬ومادام‬
‫يف االجمتاعات بعد ذلك؛ فأشفق هيلع‪ ،‬واقرتح عىل اثنني من زمالئه أن يبيتا يف‬ ‫عقله واع ًيا‪ ،‬ولديـه من اخلربات والعمل ما ميكن أن يقدمه وينقله لألجيال اجلديدة‪.‬‬
‫جحرة واحدة‪ ،‬وأن يرتاك احلجرة لملسوئل الياباين لينام فهيا تلك الساعات القليلة‬ ‫إننا نفتقد يف مرص مهارات إجياد صالت وثيقة بني األجيال الكبرية ذات‬
‫بدل من أن ينفقها يف املواصالت (اكن قد عمل أن بيته يبعد مسافة ساعة تقري ًبا‬ ‫ً‬
‫اخلربة وبني األجيال الصاعدة‪ .‬إن تلك اخلربات املرتامكة اليت حيملها الكبار يف‬
‫عن مقر إقامهتم)‪..‬‬ ‫عقوهلم‪ ،‬ومحتلها سنوات حياهتم العملية الطويلة‪ ،‬إمنا يه خمزون إجيايب ميكن‬
‫اكنت املفاجأة‪ ،‬حني انهتى م‪ .‬الربيدي من إلقاء اقرتاحه عىل مسامع الرجل‬ ‫اكمل إىل عقول وويع الشباب‪ ،‬فيساعدمه عىل جتاوز الكثري والكثري‬ ‫ً‬ ‫أن ننقله‬
‫قائل‪ :‬كيف ال أحرتم نظام رشكيت ومبادهئا؟! كيف أخالف‬ ‫ً‬ ‫الياباين‪ ،‬أن انفجر‬ ‫من العقبات واملشكالت‪.‬‬
‫بندًا من البنود األساسية فهيا؟!! هذا املاكن ليس ماك ًنا ليك أبيت فيه‪ ،‬بل هو‬ ‫يف اليابان‪ ،‬رأيهتم يعملون وجيهتدون طوال الوقت لصاحل بالدمه‪ ،‬بيمنا حنن‬
‫ماكن الضيوف فقط‪..‬‬ ‫املسملني ‪ -‬املأمورين بالعمل‪ ،‬املوعودين بثواب يف اآلخرة جنة عرضها كعرض‬

‫‪259‬‬ ‫‪258‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫تقاليد وأصول راخسة‪ ،‬ومع ذلك فهم يتقبلون احلداثة اآلتية من اخلارج مادامت‬ ‫وتركهم الياباين اجلاد‪ ،‬الذي اكن ساخطا متاما عىل االقرتاح املثايل لظروفه!‪.‬‬
‫فهيا منفعة‪ ،‬واحتوت عىل خري للشعب الياباين‪ ،‬دون أن تزلزل قميهم الثابتة‪.‬‬ ‫صباحا متا ًما‪ ،‬أي أنه نام أقل من ثالث‬
‫ً‬ ‫والعجيب‪ ،‬أنه اكن عندمه يف السابعة‬
‫ً‬
‫مفضل االلزتام بالنظم الصارمة عىل أن يرتاح وينام!‬ ‫ساعات فقط‬
‫ً‬
‫فعل‪ ،‬لقد استطاع اليابانيون أن يـتـوافقوا ويتنامغوا بشلك رائع بــني األصالــة‬
‫واملعارصة‪.‬‬ ‫٭٭٭‬
‫لقد أرسين ما يبديه الياباين من رقة وذوق يف تعامالته مع اآلخرين‪ ،‬وخاصة‬
‫تـ ــوا�ضـ ــع �أن ـيـ ـ ـ ــق!‬
‫جتاه األغراب والضيوف‪ ،‬تلك العادات امجليلة والقمي الراخسة – اليت جيب أن‬ ‫الياباين – يف غالب األحيان‪ -‬خشص متواضع‪ .‬مهام بلغ أحدمه من الرثاء فلن‬
‫تعود إلينا مكا اكنت‪ -‬من أمه أرسار تفوق هذا الشعب الناحج‪..‬‬ ‫رت مبا عنده‪ ،‬تراه دو ًما يبدو رقي ًقا ً‬
‫دمثا‪..‬‬ ‫جتده يغ ّ‬
‫ً‬
‫شيئ رائ ًعا‪ ،‬أرجو أن أراه يو ًما ما يتحقق يف مرص‪،‬‬ ‫ً‬
‫أيضا وجدت يف اليابان‬ ‫إن الياباين ال يتعاىل عىل أحد‪ ،‬وغال ًبا ال تاكد تلحظ أنه ثري‪ ،‬وذلك من فرط‬
‫وهو التاكمل التام بني القطاع احلكويم والقطاع اخلاص‪ .‬الذي جيمع بني القطاعني‬ ‫بساطته فميا يرتديه من مالبس‪ ،‬نظيفة ومهندمة للغاية نعم‪ ،‬ولكهنا بسيطة غري‬
‫بقوة هو حب الوطن‪ ،‬ورغبة امجليع يف تقدم اليابان من خالل العمل اجلاد املتقن‪.‬‬ ‫مت َّ‬
‫لكفة‪.‬‬
‫اجمتاعا مع رشكة توشيبا‪ ،‬يف اليوم التايل جتد تقري ًرا‬
‫ً‬ ‫مثل إذا كنت تعقد‬ ‫ً‬ ‫وهو يف خلقه يشبه – إىل حد كبري‪ -‬أهل الريف يف مرص زمان‪ ،‬أحصاب‬
‫ً‬
‫مفصل معا مت‪ ،‬موجودًا يف وزارة اخلارجية اليابانية‪ .‬كنت أحيا ًنا أتساءل‪ :‬هل‬ ‫املبادئ الثابتة الراخسة اكجلبال‪ ،‬الذين ال تزلزهلم الدنيا حني تنفتح علهيم بأبواب‬
‫جتسسا‪ ،‬بل هو تبادل‬
‫ً‬ ‫حنن يف دولة شيوعية؟ ولكن احلقيقة ليست كذلك‪ ،‬مل يكن‬ ‫اخلري والرزق الوفري‪.‬‬
‫إجيايب لملعلومات بني القطاعني اخلاص والعام‪ ،‬منبعه اإلخالص التام لليابان‪،‬‬ ‫لكام ازداد جناح الياباين ولكام تضخمت ثروته ازداد ثقة يف أن هيلع أن يعمل‬
‫ومر ّده االلزتام بالعمل امجلايع املتنامغ من أجل تقدم بالدمه‪.‬‬ ‫أكرث ليحافظ عىل هذه النعمة‪!..‬‬
‫هناك جتد رشاكت القطاع اخلاص تغ ّذي احلكومة باملعلومات اليت تساعدها عىل‬ ‫إهنم ال يعملون ملجرد أن حييوا يف سعة من العيش‪ ،‬بل إن مطوحاهتم تتعدى‬
‫بناء قاعدة بيانات قوية ليمتكن املسوئلون من اختاذ القرارات املناسبة يف األوقات‬ ‫القمة‪ ،‬وما إن يصلوا لواحدة من الممق‪ ،‬فرسعان ما يبحثون‬
‫ذلك بكثري‪ ،‬مه يريدون َّ‬
‫املناسبة‪ ،‬ويف نفس الوقت ستجد الرشاكت اخلاصة لك العون من احلكومة بوزاراهتا‬ ‫عن أخرى ليصلوا إلهيا‪ .‬ومن يتوقف عند مقة وصل إلهيا‪ ،‬فرسعان ما جتده‬
‫ومؤسساهتا حني حتتاج ملعلومات اكملة عن أي بلد يف العامل‪ ،‬مبا فيه من رشاكت‬ ‫معي‪.‬‬
‫خيرس لك يشء برسعة‪ ،‬ألن لك من حوله ال يتوقفون عند مطوح ّ‬
‫ومؤسسات ثابتة وناحجة ميكن التعاون معها عىل سبيل املزيد من التقدم واالزدهار‬
‫لالقتصاد الياباين‪ ،‬والذي سيستفيد منه لك أفراد الشعب من اكفة القطاعات والرشاحئ‪.‬‬ ‫أيضا الحظت بساطة اليابانيني يف أسلوب تأثيث بيوهتم؛ يشء رائع حقيقة أن‬‫ً‬
‫مجتع بني األناقة والرقة وبني البساطة‪ .‬مه هيمتون باإلضاءات اخلافتة املرحية‬
‫ً‬
‫هائل يف تقدمها‪ .‬إهنم يدرسون – يف تلك‬ ‫إن لوزارة التخطيط يف اليابان دو ًرا‬ ‫لألعصاب‪ ،‬ومثل أسلوهبم يف لك حياهتم ترامه حياولون التغلب عىل املشكالت‬
‫الوزارة‪ -‬السوق العاملي‪ ،‬ماذا حيتاج خالل عرشين سنة قادمة؟! من يزور ماكتب‬ ‫من أقرص وأرسع الطرق‪.‬‬
‫وزارة التخطيط اليابانية‪ ،‬حيسهبا خاليا حنل‪ .‬جيد هناك املرء لك املعلومات‬
‫والبيانات واإلحصاءات واالستقراءات اليت حيتاجها‪ .‬والوزارة متد املؤسسات‬ ‫أيضا يف أخالقهم مبادئَ مجيلة‪ ،‬مثل احرتام األكرب س ًّنا‪ ،‬وكذلك المتسك‬
‫رأيت ً‬
‫والرشاكت اليابانية بلك تلك املعلومات دون أن يطلبوها!‪ ،‬حىت يضعوا خططهم‬ ‫بالتقاليد األرسية والرتابط العائيل مهام تقدم العمر‪ .‬ترامه‪ ،‬فتتعجب ملا عندمه من‬

‫‪261‬‬ ‫‪260‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مبحافظة البحرية‪ ،‬بغرض تنشيط السياحة اليابانية يف مرص‪ ،‬وقد اكنت تدمع‬ ‫واسرتاتيجياهتم عىل أساس هذه املعلومات الصحيحة املُدققة احلديثة‪ ،‬فتضمن –‬
‫تلك الغابة مببلغ كبري سنو ًّيا من خالل مزيانية وزارة البيئة اليابانية‪ ،‬اكن مسرت‬ ‫بذلك‪ -‬تواجدًا قو ًّيا للرشاكت اليابانية يف اكفة األسواق العاملية‪.‬‬
‫يوصله لوزارة الزراعة املرصية اليت اكنت ترشف عىل املرشوع‪..‬‬ ‫يوجريو ِّ‬ ‫ً‬
‫أيضا تدرس وزارة التخطيط اليابانية اكفة النتاجئ واملخلفات اليت ستنتج عن‬
‫مساح ‏ة تلك الغابة تبلغ ‪100‬‏ فدان‪ ،‬وتضم ‏‪15‬‏ ألف جشرة من أجشار األخشاب‬ ‫دخول صناعات أو أية تطبيقات تقنية جديدة عىل املجمتع اليابــاين‪ً .‬‬
‫مثل‪ ،‬تضع‬
‫املمتزية‪ ،‬وقام باملشاركة يف زراعهتا ‏‪ 15‬ألف ساحئ ياباين‪ ،‬فاكنت الفكرة أن لك‬ ‫الوزارة اخلطط ملنع املخلفات الضارة اليت تسبب تلوث البيئة‪ ،‬أو عىل األقل جتعله‬
‫ياباين زرع جشرة هناك يكتب علهيا امسه‪ ،‬وحيفظ رمقها ليعاود زيارهتا بعد ذلك‬ ‫يف أدىن معدل له‪.‬‬
‫ً‬
‫تنشيطا للسياحة اليابانية ملرص‪..‬‬ ‫ريا من جديد؛‬
‫ويعاود ّ‬ ‫حيمنا ينظر اليابانيون يف أمر إقامة مرشوعات ضارة بالبيئة مثل صناعة‬
‫‏وقد قام مسرت «يوجريو كوييك» جبمع عرشات الصور لتلك الغابة اليابانية‬ ‫األمسنت أو الكمياويات‪ ،‬ال ميكن أن تكون املرجعية الالزمة الختاذ القرار ووضع‬
‫املرصية‪ ،‬يف ألبوم صور مجيل‪ ،‬كتب عىل غالفه حديث النيب دمحم ﷺ‪:‬‬ ‫االسرتاتيجيات يه املكسب املادي‪ ،‬أبدًا أبدًا‪ ،‬بل حصة اإلنسان الياباين يه‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وم َح َّتى َيغْرِ َس َها‪،‬‬
‫اع أ ْن ال َيقُ َ‬ ‫اع ُة َو ِفي َي ِد أ َح ِد ُك ْم َف ِسي َل ًة‪َ ،‬فإ ِِن ْ‬
‫اس َتط َ‬ ‫ام ِت َّ‬
‫الس َ‬ ‫«إِ ْن َق َ‬ ‫األساس ويه الفيصل عند اختاذ القرارات‪.‬‬
‫َف ْل َيغْرِ ْس َها»‪!..‬‬
‫إهنم ينظرون هناك إىل اإلنسان وإىل املوارد البرشية من منطلق أهنا كزنمه‬
‫أما السيدة الوزيرة يوريكو كوييك‪ ،‬اليت اكنت تدرس اللغة العربية يف سبعينيات‬ ‫الرئييس‪..‬‬
‫القرن املايض‪ ،‬يف لكية اآلداب جامعة القاهرة‪ ،‬فقد اكنت سب ًبا يف عودة السياحة‬
‫إنين أرجو أن أهشد اليوم الذي يكون أداء الوزارات يف مرص عىل هذا النحو‬
‫اليابانية ملرص مرتني‪ ،‬إحدامها اكنت بدمع تلك الغابة من األجشار‪ ،‬واألخرى بعد‬
‫من اجلدية والتاكمل والعمل امجلايع البنَّاء‪..‬‬
‫حادث األقرص املؤسف سنة ‪ ،1997‬والذي اكن من مضن حضاياه ‪ 10‬يابانيني‪،‬‬
‫واكنت أيامها عضوة يف الربملان الياباين‪ ،‬واكن هناك مرشوع قانون يدرسونه‬ ‫٭٭٭‬
‫هيدف إىل حظر سفر الساحئني اليابانيني إىل مرص‪ ،‬فاعرتضت هيلع متا ًما‪،‬‬ ‫برهان املحبة‪ ..‬غابة!‬
‫وراحت تؤكد أن احلادث عارض واستثنايئ‪ ،‬مث فاجأت امجليع بأن أخرجت‬ ‫تقري ًبا‪ ،‬مل أ َر يابان ًّيا واحدًا زار مرص‪ ،‬سواء اكنت زيارة معل أو للسياحة فقط‪،‬‬
‫سكي ًنا من حقيبهتا ووجهته جلسدها‪ ،‬وصاحت‪ :‬إنين أعدمك بأن أقتل نفيس هبذا‬ ‫إال واكنت مشاعر احلزن واألىس متلؤه وهو يغادرها‪..‬‬
‫السكني إذا ما أوذي ياباين يف مرص مرة أخرى‪!..‬‬
‫إن مرص ميكهنا أن تستقطب املاليني من الساحئني اليابانيني لك سنة‪ ،‬إذا‬
‫هذه الوزيرة بعد أن اكنت وزيرة للبيئة‪ ،‬اختريت لتكون أول سيدة تشغل منصب‬ ‫أديرت السياحة عندنا بعقلية عملية تسويقية عىل درجة عالية من االحرتاف‬
‫تول املنصب‬‫وزيرة الدفاع يف بالدها‪ ،‬وقدمت استقالهتا بعد ‪ 6‬أهشر فقط من ِّ‬ ‫واجلدية‪ ،‬وبقدرات تروجيية ودعائية ممتزية‪.‬‬
‫الرفيع‪ ،‬بعد عملها بقبول أحد كبار موظيف الوزارة هدية (اكنت عبارة عن مجموعة‬
‫أخربين زميلنا الفاضل األستاذ مصطىف غنمي عن صديقه الياباين «يوجريو‬
‫مضارب جولف!)‪ .‬قدمت استقالهتا عىل الفور تقدي ًرا مهنا لملسوئلية‪ ،‬وشعو ًرا‬
‫كوييك» الذي عاش يف مرص ألكرث من ثالثني سنة‪ ،‬وكيف فكر مع ابنته السيدة‪/‬‬
‫بعدم احرتام املوظف هلا‪ .‬احرتامها لذاهتا وملنصهبا وملن اختارها ولشعهبا ـ‬
‫يوريكو كوييك‪ ،‬حني اكنت وزيرة للبيئة اليابانية (يف هناية التسعينيات)‪ ،‬أن‬
‫دفعها لالستقالة بدون تفكري‪..‬‬
‫تساعد حكومة اليابان املرصيني يف مرشوع إلقامة غابة يف وادي النطرون‬

‫‪263‬‬ ‫‪262‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫والتكنولوجيا يف موقع مؤقت بربج العرب (عىل بعد ‪ 60‬مك من اإلسكندرية)‪ ،‬عىل‬ ‫إهنا خشصية عظمية ح ًّقا‪ ..‬حني سألوها يف إحدى القنوات الفضائية املرصية‬
‫مستوى الدراسات العليا (ماجستري ودكتوراه)‪ ،‬حلني االفتتاح الاكمل للجامعة يف‬ ‫واليت ظهرت ضيفة فهيا منذ سنوات‪ ،‬عن رس تواضعها اجل ّم‪ ،‬قالت‪« :‬إن السنبلة‬
‫عام ‪ 2020‬عىل مساحة ‪ 200‬فدان‪..‬‬ ‫املمتلئة تزداد احننا ًء‪ ،‬أما الفارغة فرتتفع وتتجه إىل أعىل‪.»!..‬‬
‫متيل اجلامعة لالهمتام باجلانب البحيث باألسلوب الياباين‪ ،‬حيث االهمتام‬ ‫اكن والدها يوجريو كوييك قد بدأ معله يف مرص يف بداية السبعينيات مبكتب‬
‫ً‬
‫مفثل ال يـوجد يف لكية اهلندســة فرع للهندسة‬ ‫بالتقنيات احلديثة غري التقليدية‪،‬‬ ‫متخصص يف التبادل التجاري بني مرص ودول الرشق األقىص يف جمال‬
‫اإلنشائية أو املياكنيكية‪ ،‬وإمنا توجد فروع‪ :‬هندسة بيئة وهندسة موارد طاقة‬ ‫البرتول‪ ،‬مث أنشأ مكتبا السترياد بضاعة من اليابان‪ ،‬واكن يعمل معه الزميل‬
‫وهندسة «إلكرتومياكنيك» وهندسة وعلوم املواد وهندسة التصنيع وإدارة النظم‪..‬‬ ‫مصطىف غنمي‪ ،‬وقد تعاوننا معهام كثريا يف استرياد لعب األطفال‪ ،‬مث افتتح‬
‫وهناك لكية ثانية إلدارة األمعال والعالقات الدولية‪ ،‬وهتمت هذه اللكية بنرش‬ ‫ً‬
‫مطعم جديدًا فـي فندق هيلتون‬ ‫ً‬
‫مطعم يابان ًّيا امسه «ياماتو»‪ ،‬مث أغلقه وافتتح‬
‫الدراسات واألحباث اليابانية يف تكوين منظومات معل عاملية ذات ثقافات متعددة‪..‬‬ ‫كرمته احلكومة املرصية باختياره مضن الوفد‬ ‫رمسيس أمساه «نانيوا»‪ .‬وقد َّ‬
‫الرمسي الذي صاحب حشنة من األرز كهدية من مرص لليابان بعد زلزال قوي‬
‫وهناك ‪ 12‬جامعة يابانية تساند وتشارك اجلامعة املرصية اليابانية‪ ،‬وكذلك هيئة‬
‫اكن قد رضب عدة مدن يابانية يف التسعينيات‪.‬‬
‫«اجلاياك» ووزارة التعاون الدويل اليابانية‪.‬‬
‫ومل خيرج يوجريو كوييك من مرص ومل َي ُعد إىل اليابان إال بعد أن أصيب‬
‫وهناك بروتوكول تعاون يف جمال البحث العيمل بني مجموعة العريب واجلامعة‬
‫املرصية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا مت توقيعه عام ‪ ،2012‬وقد َّ‬ ‫بأمراض عديدة يف ‪ ،2007‬حىت توفاه اهلل تعاىل عام ‪.2013‬‬
‫وقع املهندس‬
‫إبراهمي العريب عن املجموعة (الذي يشغل حال ًّيا منصب نائب رئيس جملس إدارة‬ ‫إن مسرت يوجريو كوييك وابنته السيدة يوريكو منوذجان رائعان لعشق اليابانيني‬
‫مجموعة رشاكت ومصانع «العريب»)‪َّ ،‬‬
‫ووقع الدكتور أمحد خريي الرئيس السابق‬ ‫تراب مرص وشعهبا‪..‬‬
‫للجامعة‪ .‬وقد بدأ تفعيل هذا الربوتوكول بداية من هشر مايو ‪ .2013‬وبدأ طالبان‬ ‫٭٭٭‬
‫من باحيث املاجستري بالفعل معلهام يف التعاون مع إدارة البحث والتطوير يف‬
‫عن اجلامعة امل�صرية اليابانية ‪E- Just‬‬
‫املجموعة‪ ،‬حتت إرشاف الدكتور معرو الطويل‪ ،‬رئيس قسم اهلندسة الصناعية‬
‫وإدارة النظم باجلامعة املرصية اليابانية‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،2003‬من خالل جامعة الدول العربية‪ ،‬ويف إطار «احلوار العريب‬
‫الياباين» متت التوصية بإنشاء جامعة يابانية للعلوم والتكنولوجيا يف إحدى الدول‬
‫إنين أتوقع أن يكون هلذه اجلامعة دور كبري يف ترسيخ فكر جديد عىل مستوى‬ ‫العربية ذات توجه تكنولويج بصبغة يابانية‪..‬‬
‫الدراسة العملية اجلامعية‪ ،‬ويف أسلوب البحث العيمل املتقدم مبا يضمن للدولة‬
‫ومؤسساهتا املختلفة االستفادة القصوى من لك األحباث‪ً ،‬‬
‫بدل من إلقاهئا بال‬ ‫قدمت مرص لليابان دراسة جدوى عام ‪ ،2005‬ويف نفس الوقت تقدمت السعودية‬
‫فائدة مع سائر ملفات ودفاتر األوراق املهملة!‬ ‫وتونس وقطر بدراسات‪ ،‬إال أن اجلانب الياباين اختار مرص ليمت التعاون معها‬
‫يف تنفيذ هذا املرشوع الواعد الكبري‪ .‬وهذا برهان جديد عىل متانة العالقات بني‬
‫٭٭٭‬ ‫اليابان ومرص ورسوخها‪.‬‬
‫البحث العلمي يف «العربي»‪..‬‬
‫يف فرباير ‪ 2010‬مت االفتتاح المتهيدي للجامعة املرصية اليابانية للعلوم‬
‫جبد منذ عام‬
‫لدينا قسم يف الرشكة متخصص يف البحث والتطوير‪ ،‬يعمل ٍّ‬

‫‪265‬‬ ‫‪264‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫التسونايم الذي صاحب ذلك الزلزال يف دمار رهيب‪ ..‬فهال تأملنا ماذا فعل‬ ‫‪ ،2000‬مت إنشاؤه حتت إرشاف أحد املهندسني اليابانيني املمتزيين (هو «مسرت‬
‫اليابانيون يف مواجهة تلك الاكرثة‪ ،‬اليت اكنت كفيلة بالقضاء عىل اقتصاد أي بلد‬ ‫تاكييش إيواتا» الذي ظل يعمل معنا من عام ‪ 2002‬حىت عام ‪ ،)2008‬لتطوير‬
‫ال يتعامل أبناؤه بنفس الشعور باملسوئلية والوالء واحلب مكا يفعلون مه؟!‬ ‫مطوحا من أمه مطوحاتنا‪ :‬تقدمي منتج‬‫ً‬ ‫املنتجات اليت نقوم بتصنيعها‪ ،‬ولنبلغ‬
‫مرصي ‪ % 100‬مبتكر‪.‬‬
‫مل نشاهد االرتباك واختالط احلابل بالنابل‪ ..‬مل نمسع عن حالة رسقة واحدة‬
‫من ضعاف النفوس الذين يستغلون االنفالت األمين يف أمعال ختالف القانون‬ ‫وقد مت تصممي موديلني ملراوح «تورنيدو» من ابتاكر القسم بنسبة ‪( % 100‬حىت‬
‫واألخالق‪ ..‬بل مسعنا عن اليابانيني األمناء‪ ،‬الذين اكنوا يف وقت الزلزال يف‬ ‫موتور املراوح تصممي وإنتاج حميل متا ًما‪ ،‬مبجهود مهنديس مصنع احملراكت)‪،‬‬
‫حمال «السوبر ماركت»‪ ،‬وكيف أعادوا ما اكن يف أيدهيم إىل الرفوف (ألن لك‬ ‫وقد مت اإلنتاج بالفعل‪ ،‬وقد مت طرحهام يف األسواق خالل ‪ .2015‬وكذلك يعمل‬
‫معال «الاكشري» قد أرسعوا بالفرار)‪ ،‬وغادروا املاكن دون تجسيل حالة رسقة‬ ‫القسم عىل تطوير خسان ماء «تورنيدو دجييتال»‪ ،‬والذي مت طرحه بالفعل يف‬
‫واحدة‪!..‬‬ ‫األسواق عام ‪ ،2015‬وقد بدأ ذلك القسم يف الرتكزي عىل جمال استخدام الطاقة‬
‫المشسية يف توليد الكهرباء‪.‬‬
‫عندما حدث ذلك الزلزال‪ ،‬فقد الكثري من اليابانيني أمواهلم وحافظات نقودمه‪،‬‬
‫فمل تغفل احلكومة هناك تلك املشلكة‪ ،‬بل اتفقوا مع أحد البنوك الوطنية اليابانية أن‬ ‫وهناك بعض املنتجات اليت مت تطوير أجزاء وأنمظة فهيا‪ ،‬لتحسني األداء وتقليل‬
‫قرضا للك من يتقدم ببياناته الخشصية فقط (دون أية مضانات أو إثبات‬ ‫ً‬ ‫يعيط‬ ‫التلكفة‪ ،‬وبعد ذلك يمت اعمتاد تلك التعديالت من الرشكة صاحبة العالمة (توشيبا‬
‫خشصية)‪ ،‬قدره ‪ 100‬ألف ين (حوايل ‪ 1500‬دوالر)‪ُ ،‬يسدد عىل مدار سنة دون‬ ‫وشارب)‪.‬‬
‫أية فوائد‪.‬‬
‫أما بالنسبة لتطوير املاكينات فقد بدأ القسم بالرتكزي عىل ابتاكر عدة ماكينات‬
‫تقدم حوايل ‪ 40‬ألف ياباين للحصول عىل هذا القرض البسيط حلني دوران‬ ‫ذكية ال تزال تعمل حىت اليوم يف عدد من مصانع الرشكة‪ .‬ومن أمه إجنازات هذا‬
‫جعلة احلياة الطبيعية مرة أخرى‪..‬‬ ‫القسم‪ :‬تطوير أحباث يف استخدام الروبوت يف الصناعة (لدينا اليوم ‪ 6‬روبوتات‬
‫مت تطويرها بالاكمل عن طريق القسم)‪.‬‬
‫العجيب‪ ،‬بل املذهل أن عدد من ختلف عن سداد ذلك القرض بعد مرور السنة‬
‫مل يتعد خشصني فقط‪ ،‬عىل مستوى اليابان لكها‪!..‬‬ ‫أيضا اكنت لنا قبل ذلك عدة حماوالت مع عدد من لكيات اهلندسة‪ ،‬ولكهنا مل‬ ‫ً‬
‫ً‬ ‫تصل لملستوى املطلوب (السبب األسايس هو اإليقاع األاكدميي التقليدي الذي‬
‫واحضا متا ًما عن الخشصية اليابانية‪ ،‬ومدى‬ ‫انطباعا‬
‫ً‬ ‫إن هذه القصة تعيط‬
‫تتسم به جامعات مرص‪ ،‬والذي خيتلف عن إيقاع الصناعة الرسيع)‪ .‬حىت أتيحت‬
‫الزتامها باألمانة‪ ،‬ومدى ارتباطها بأداء احلقوق‪.‬‬
‫لنا فرصة التعاون مع اجلامعة املرصية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا يف جمال‬
‫لقد قررت نقابات العامل يف اليابان أن يعمل لك اليابانيني ساعتني إضافيتني‬ ‫دمع البحث العيمل هبا‪ ،‬فقمنا برعاية اثنني من طلبة اجلامعة‪ ،‬اليت تمتزي باجلدية‬
‫بدون أجر‪ ،‬لتعويض خسائر الزلزال‪ ،‬وبالفعل استجاب امجليع لتلك الدعوة‪ ،‬أي أن‬ ‫وباهمتامها مبجال الصناعة وتطوير البحث العيمل فهيا‪.‬‬
‫امجليع معل بشلك إضايف بنسبة تعادل ‪ ( % 25‬بفرض أن العمل اليويم هناك‬
‫٭٭٭‬
‫‪ 8‬ساعات) حىت أزالوا لك آثار اخلسارة اليت تسبب فهيا ذلك الزلزال الرهيب‪..‬‬
‫كيف يواجهون الكوارث؟!‬
‫رأينا كيف خفضت املطامع من أسعارها‪ ،‬وكيف ُتركت أجهزة الرصف اآليل‬
‫يف ‪ 11‬مارس ‪ 2011‬رضب زلزال قوي مدن مشال رشق اليابان‪ ،‬وتسبب‬

‫‪267‬‬ ‫‪266‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫جمرد أن مسعت اخلرب‪ ،‬رددت ما أمرنا به النيب ﷺ عند مواجهة أي مصيبة‪:‬‬ ‫يف أماكهنا‪ ،‬وعىل أحواهلا‪ ،‬فمل ُترسق ماكينة واحدة‪ .‬وكيف امتنع اليابانيون عن‬
‫خيرا منها‪.»..‬‬ ‫رشاء ما يفوق حاجاهتم من األسواق‪ ،‬خو ًفا من نفاد السلع‪ ،‬أو ارتفاع أسعارها‪.‬‬
‫«إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني ً‬ ‫رأينا كيف اهمت القوي بالضعيف‪ ،‬والشاب بالكهل‪ ،‬والغين باحملتاج‪.‬‬
‫رأينا يف موقع احلريق جع ًبا‪ ..‬يف حلظات‪ ،‬اجمتعت النريان بالرمحات‪ ..‬اخلراب‬
‫بالبناء‪ ..‬خسونة وحرارة هليب احلريق مع برد الشعور بلطف الرمحن الرحمي‪..‬‬ ‫لقد ظل مخسون من العاملني من كبار السن‪ ،‬يف مفاعل «فوكوشميا» النووي‪،‬‬
‫الذي شبت فيه النريان‪ ،‬يضخون ماء البحر فيه‪ ،‬مضحني حبياهتم‪ ،‬يف حني‬
‫اكنت النريان تألك برشاسة يف لك حمتويات الطابق الثاين من املصنع‪ ،‬إال أن‬ ‫حمسوا للشباب من العاملني باالنرصاف‪ ،‬ألهنم رأوا أن هذه يه فرصهتم النادرة‬
‫قسوا أنفهسم ملجموعات‬ ‫العاملني اكنوا يواجهون النريان بلك جشاعة‪ ،‬بعد أن َّ‬ ‫لتقدمي يشء ذي بال لوطهنم‪ .‬ومل يغادروا أماكهنم إال بعد أن متت حمارصة‬
‫معل منتمظة‪ .‬مجموعة تسىع إلطفاء النريان‪ ،‬ومجموعة أخرى بدأت يف تزنيل‬ ‫النريان متا ًما‪..‬‬
‫املكونات من الطابق الثاين لألرض‪ ،‬فتتلقاها مجموعة ثالثة كونوا سلسلة برشية‬
‫لينقلوا كراتني املكونات بعيدًا عن ماكن احلريق‪..‬‬ ‫كيف ميكن أن ُياكفأ هؤالء؟! العجيب أهنم ال ينتظرون أية ماكفأة من أحد‪ ،‬بل‬
‫مه يفعلون لك ذلك انطال ًقا من حهبم ووالهئم لبلدمه‪..‬‬
‫وقف العامل إىل جوار الفين إىل جوار املهندس إىل جوار املدير‪..‬‬
‫وامحلد هلل تعاىل‪ ،‬فقد رأينا – يف رشكة «العريب»‪ -‬صورة ملثل هذا احلب‬
‫وتالمحا إنسان ًّيا مل نره من قبل‪..‬‬
‫ً‬ ‫هشدنا يومها تاكت ًفا‬ ‫والوالء حتدث يف أحد مصانعنا يف قويسنا‪ ،‬وهو مصنع الثالجة ‪ 3‬الذي شبت‬
‫يف تلك اللحظات‪ ،‬شعرت أن اهلل تعاىل يبدل – أمام أعيننا‪ -‬تلك احملنة إىل‬ ‫فيه النريان يوم ‪ 28‬إبريل ‪..2012‬‬
‫منحة‪ ،‬فمل يكن من اليسري أن يعرف اإلنسان قدر الرجال الذين حييطون به‬ ‫لقد اكن يو ًما غري بايق أيام «العريب»‪ ..‬إنه السبت ‪ 28‬إبريل ‪ .2012‬يوم‬
‫ويعملون معه‪ ،‬إال يف مثل ذلك املوقف الصعب‪.‬‬ ‫عرصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫اشتعلت النريان يف مصنع الثالجة ‪ 3‬حني اكنت الساعة الثالثة والنصف‬
‫ً‬
‫برشا بل‬ ‫كأن املاكن قد حتول متا ًما إىل خلية حنل‪ ،‬كأن العاملني مل يعودوا‬ ‫خمصصا لتخزين‬
‫ً‬ ‫اندلع احلريق يف الطابق الثاين من املصنع‪ ،‬الذي اكن‬
‫مجوعا من النحل املنتظم يف معله بالفطرة‪ ،‬بدون توجيه أو تنظمي من أحد‪ ،‬إال‬‫ً‬ ‫ً‬
‫أيضا‬ ‫املكونات الصناعية ملنتج الثالجة‪ ،‬وكذلك لتخزين أجهزة ثالجات ُمصنّعة‪.‬‬
‫رمحة ولط ًفا من رب العاملني‪..‬‬ ‫كنا خنزن هناك أجهزة تكييف تامة الصنع‪ ،‬وذلك بصورة مؤقتة الزدحام املخازن‬
‫برمغ النريان اهلائلة والدخان اخلانق‪ ،‬كنت أشعر بربد الرضا واالحتساب‪ ،‬ألين‬ ‫األساسية لتلك األجهزة‪.‬‬
‫عشت يو ًما أرى فيه العاملني يف مصانع ورشاكت «العريب» حيبون مصانعهم‪،‬‬ ‫لألسف اكنت لك البضائع واملكونات املوجودة يف املاكن الذي اندلعت فيه‬
‫ويفتدوهنا بأرواحهم‪ ،‬كأهنم أحصاهبا احلقيقيون‪ ،‬ومه كذلك بالفعل‪..‬‬ ‫النريان قابلة لالشتعال‪ .‬اكنت أجهزة التكييف تنفجر بشدة‪ ،‬مبجرد أن تصل‬
‫مسعت عن شاب يعمل يف نفس املصنع الذي شبت فيه النريان – الثالجة‬ ‫إلهيا النريان‪ ،‬والسبب يرجع إىل ما حيتويه جهاز التكييف من غاز الفريون‬
‫ً‬
‫حمدثا انتشا ًرا شديدًا‬ ‫رسيع االشتعال‪ ،‬فينطلق اجلهاز يف اهلواء إىل ماكن آخر‬
‫‪ - 3‬أرسع مبجرد اكتشاف النريان ليشارك يف اإلطفاء‪ ،‬فأصيب باختناق‪ ،‬واكد‬
‫ميوت يف ماكن احلريق‪ ،‬لوال أن أخرجه زمالؤه برسعة‪ ،‬وأخذته سيارة إسعاف‬ ‫للنريان‪.‬‬
‫مرسعا إىل املصنع ليعاود‬
‫ً‬ ‫لملستشىف يف قويسنا‪ ،‬فعاجلوه من االختناق‪ ،‬مث عاد‬ ‫كنت يف ذلك الوقت يف مكتيب باملبىن اإلداري مبصنع الغساالت يف قويسنا‪..‬‬

‫‪269‬‬ ‫‪268‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫لقد فوجئت متا ًما بذلك الرتشيح الكرمي‪ ،‬ومت تلكيف اثنني يعمالن بالسفارة‬ ‫املشاركة يف حماوالت اإلطفاء‪ .‬مث أرسع بالصعود فوق سمل من السالمل العالية‬
‫اليابانية جبمع لك البيانات املطلوبة لتقدميها لوزارة اخلارجية اليابانية‪ ،‬وللقرص‬ ‫اليت جاء هبا العاملون ليشاركوا رجال اإلطفاء يف حماوالت إمخاد احلريق‪،‬‬
‫اإلمرباطوري‪ .‬وعىل التوازي أرسلوا لنا بيانات وأورا ًقا كثرية لمنألها ونستوفهيا‪.‬‬ ‫ومبجرد أن فتحوا املياه يف اخلرطوم مل يتحمل الشاب – بتأثري إصابته باالختناق‪-‬‬
‫َّ‬ ‫العزم الشديد لملياه املندفعة بقوة‪ ،‬فسقط من فوق السمل عىل األرض‪ ،‬فانكرست‬
‫لكفنا مجموعة من شباب «العريب» يف قسم العالقات العامة إلجناز تلك املهمة‪.‬‬
‫ذراعه‪ ،‬فأرسع به بعض زمالئه لملستشىف مرة أخرى‪..‬‬
‫ظلوا يعملون حتت إرشاف املهندس دمحم محمود العريب‪ ،‬حىت أهنوا املهمة لكها‬
‫عىل أمكل وجه‪.‬‬ ‫انطفأت النريان يف وقت أذان املغرب متا ًما‪ ،‬أي بعد ثالث ساعات تقري ًبا من‬
‫اندالعها‪..‬‬
‫اكنت املعلومات املطلوبة تغيط لك جوانب خشصييت‪ ،‬ولك زوايا وتفاصيل‬
‫قصة جناح التعاون بني «العريب» ورشاكت «توشيبا» و«شارب» و«سايكو»‪،‬‬ ‫قال رجال التحقيقات إن السبب هو املاس الكهربايئ‪..‬‬
‫وبايق الرشاكت اليابانية اليت تعاملنا معها‪ ،‬وكذلك مسامهايت يف مجعية رجال‬
‫اكن أمه ما خفف علينا من آثار احلادث عدم وقوع أي خسارة يف األرواح‪..‬‬
‫األمعال املرصية اليابانية‪ ،‬ولك املناصب اليت شغلهتا‪ ،‬واخلدمات اليت قدمناها‬
‫وامحلد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫للوفود اليابانية الرمسية اليت زارت مرص سواء اليت معلت معنا أو مل تعمل‪..‬‬
‫٭٭٭‬
‫ظلت املعلومات تتبادل بيننا وبني السفارة اليابانية‪ ،‬واملالحظات والتوصيات‬
‫و�أخريًا‪ ..‬و�سام ال�شم�س امل�شرقة‬
‫ريا‪.‬‬
‫تروح وجتيء حىت انهتينا من امللف أخ ً‬
‫بدأ األمر بلقاءات عديدة مجعتين بالسفري الياباين بالقاهرة مسرت «اكؤرو‬
‫مث بعد أسابيع من استيفاء امللف‪ ،‬وسفره للقرص اإلمرباطوري يف اليابان‪،‬‬ ‫إيشياكوا»‪ ،‬الذي اكنت تربطين به صداقة واحرتام‪..‬‬
‫ريا اخلرب السعيد‪ ،‬الذي اكن م‪ .‬دمحم محمود العريب هو أول من تلقاه‪..‬‬
‫وصلنا أخ ً‬
‫عملت فميا بعد أنه رصح لملقربني منه أين أستحق احلصول عىل وسام‬
‫فاز «محمود العريب» جبائزة وسام المشس املرشقة من إمرباطور اليابان‪.‬‬ ‫المشس املرشقة‪ ،‬الذي يقدمه إمرباطور اليابان سنو ًّيا لعدد من األخشاص عىل‬
‫ال أنكر أين قد فرحت حقيقة‪ ،‬ألن هذا التقدير جاء من اليابان‪ ،‬ذاك البلد الذي‬ ‫مستوى العامل‪ ،‬ممن معلوا عىل تعميق العالقات بني بالدمه واليابان‪.‬‬
‫وثق فينا ووثقنا يف لك من تعاملنا معه من أبنائه‪..‬‬ ‫إنه أعىل وسام ُيقدمه اإلمرباطور الياباين ألي أجنيب يرغبون يف تكرميه‪..‬‬
‫أحاط يب شعور قوي أن هذا التكرمي إمنا هو جائزة تقديرية‪ ،‬جاءت لتتوج‬ ‫ذكر سعادة السفري يف مذكرة ترشيحي للجائزة أن العالقة بني «العريب»‬
‫نقص يف لك ما معلناه‬
‫جهودنا– يف العريب‪ -‬مع اجلانب الياباين‪ ،‬حيث إننا مل ّ‬ ‫وتوشيبا قد تعدت عالقة العمل التجاري والصنايع بني الكيانني‪ ،‬بل وصلت ملرحلة‬
‫من مرشوعات مشرتكة مع أصدقائنا اليابانيني‪..‬‬ ‫مد جسور الثقافة والتواصل احلضاري بني الشعبني املرصي والياباين من خالل‬
‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬اكنت سعادة أصدقايئ اليابانيني كبرية‪ ،‬يوم مسعوا خرب حصويل عىل‬ ‫ذلك التعاون الصنايع والتجاري الناحج املمثر‪..‬‬
‫جائزة المشس املرشقة‪.‬‬ ‫لقد الحظ السفري زيادة عدد اخلرباء اليابانيني الذين اكنوا يزورون «العريب»‪،‬‬
‫قبل هذه اجلائزة اكن لك املسوئلني يف توشيبا وغريها من الرشاكت اليابانية‬ ‫ويزنلون ضيو ًفا علينا‪..‬‬

‫‪271‬‬ ‫‪270‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫لقد أشعرتنا حفاوة لك املسوئلني اليابانيني باالمتنان الشديد لذلك البلد الذي‬
‫اليت نتعامل معها حيرتمونين لخشيص‪ ،‬ويعاملون لك من ينيمت إىل «العريب»‬
‫ريا‬
‫يرىع امجليل وال ينساه‪ .‬هذه الصفة بالذات – عدم نسيان امجليل‪ -‬هنمت هبا كث ً‬
‫بتقدير بسبب النجاح الكبري الذي حققناه يف التصنيع مكرحلة ثانية من التعاون‪،‬‬
‫يف «العريب»‪ ،‬ونريب لك أبنائنا والعاملني معنا علهيا‪..‬‬
‫بعدما حجننا متا ًما يف توزيع منتجاهتم مبرص بشلك ممتزي وهلل امحلد‪ ،‬أما‬
‫احتفلت معنا – بعد ذلك‪ -‬السفارة املرصية باليابان‪ ،‬مث العديد من الرشاكت‬ ‫بعد «المشس املرشقة» فقد أصبح التكرمي وصارت احلفاوة زائدة بسبب تكرمي‬
‫اليت نعمل معها هناك‪ ،‬وعىل رأهسا مؤسستا توشيبا وشارب‪ .‬اكن امجليع‬ ‫إمرباطورمه يل‪..‬‬
‫سعيدًا للغاية حبصويل عىل ذلك الوسام‪.‬‬
‫وبرمغ أن خشصية إمرباطور اليابان مسرت «أكهييتو» بالنسبة للشعب الياباين‬
‫ختـل ساعة من األيام العرشة اليت قضيناها يف اليابان من حضور حفل‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫مل‬ ‫– حسب معتقداهتم‪ -‬يه خشصية ذات قداسة خاصة‪ ،‬وليس جمرد حامك عادي‪،‬‬
‫قبول لهتاين اليابانيني الذين تربطهم بنا مرشوعات مشرتكة‪ ،‬أو صداقات قدمية‪.‬‬ ‫ريا‪ ،‬بل ما اكن يعنيين هو التقدير يف حد ذاته‪ ،‬والتكرمي الذي‬
‫فإن ذلك مل َيعنين كث ً‬
‫حفالت عديدة حرضهتا مع الوفد الذي اكن مراف ًقا يل‪ ،‬ولكها اكنت مليئة بالدفء‬ ‫شعرته كأنه ملسة حانية من الشعب الياباين لكه‪ ،‬مع محسة خفيفة حانية صادقة‬
‫وروح املودة اخلالصة‪.‬‬ ‫عىل كتف لك أعضاء فريق «العريب» لكه‪ ،‬وليس عىل كتف محمود العريب فقط‪..‬‬
‫لقد اكن الكثريون من معالقة التصنيع والتجارة يف اليابان يلتقون يب باحرتام‪،‬‬ ‫عملنا عن طريق السفارة اليابانية بالقاهرة أن مرامس تسلمي اجلائزة ستمت يف‬
‫ويق ِّدرون جتربتنا العميقة الناحجة مع الرشاكت اليابانية‪ ،‬إال أنه بعد هذا التكرمي‬ ‫طوكيو‪ ،‬مبقر وزارة اخلارجية اليابانية يوم امخليس املوافق ‪.. 2009/5/28‬‬
‫ريا‪ ،‬أصبحت أشعر أهنم ينظرون يل‬ ‫من اإلمرباطور الياباين تغريت النظرة كث ً‬
‫سافرت مع أبنايئ‪ :‬د‪ .‬ممدوح‪ ،‬م‪.‬دمحم‪ ،‬م‪.‬مدحت‪ ..‬قبل املوعد بيومني إىل‬
‫بتقدير أكرب‪ ،‬ويتلهفون عىل أي طلب نطلبه مهنم‪..‬‬
‫اليابان‪..‬‬
‫وبعد عودتنا للقاهرة ومعنا وسام «المشس املرشقة»‪ ،‬أخربو يف سفارة اليابان‬
‫األصل يف بروتوكول القرص اإلمرباطوري أن أتسمل اجلائزة من سفري اليابان‬
‫بالقاهرة بتنظمي احتفال آخر هبذه املناسبة‪ ،‬مبزنل السفري الياباين‪ ،‬حرضه العديد‬
‫ميا يل فقد آثروا أن جتري مرامس تسلمي اجلائزة يف اليابان‪.‬‬
‫يف مرص‪ ،‬ولكن تكر ً‬
‫من الدبلوماسيني اليابانيني‪ ،‬ومسوئلو توشيبا وشارب يف مرص‪.‬‬
‫حافل من سفري مرص يف طوكيو يف ذلك الوقت د‪ .‬وليد عبد‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫استقبال‬ ‫اكن‬
‫رصح السفري اليابـاين بقوله إنه قابل مسرت «نيمشورو»‬ ‫يف آخر ذلك احلفل‪َّ ،‬‬ ‫النارص منذ وصلنا املطار‪ .‬لقد اكن السفري د‪ .‬وليد يف غاية السعادة حبصويل‬
‫(الرئيس السابق لتوشيبا العاملية والرئيس احلالـي للبورصة اليابانية) قبل جميئه‬
‫عىل اجلائزة‪ ،‬وقال يل إنه يشعر كأن هذا التكرمي له هو خشص ًّيا‪..‬‬
‫لتسمل معله بالقاهرة‪ ،‬الذي قال له تلك اللكمة اليت ترن يف أذين حىت اليوم‪« :‬إن‬
‫مستقبل اليابان يف مرص مرتبط بامس (العريب)‪ ،‬ألهنم مه أحصاب اإلجنازات‬ ‫يف حفل مجيل أنيق‪ ،‬سملين الوسام مسرت «هريوفوىم نااكسوىن»‪ ،‬وزير‬
‫والتطور الرسيع»‪.‬‬ ‫منمظا بأسلوب راقٍ حمرتف‪ .‬واكنت احلفاوة البالغة‬ ‫ً‬ ‫خارجية اليابان‪ .‬اكن احلفل‬
‫يه المسة الغالبة عىل االحتفال‪ ،‬الذي حرضه من اجلانب الياباين عدد من‬
‫ألقيت لكمة عىل احلضور أشدت فهيا بالدور األسايس للسفري الياباين يف‬
‫املسوئلني اليابانيني مع وزير اخلارجية‪ ،‬مهنم‪ :‬مسرت «سوزويك» مدير مكتب‬
‫حصويل عىل اجلائزة‪ ،‬فهو الذي محتس لرتشيحي‪ ،‬وهلذا اكنت سعادته هائلة‪،‬‬
‫وأيضا مسرت «مياكيم»‬ ‫ً‬ ‫إفريقيا والرشق األوسط بوزارة اخلارجية اليابانية‪،‬‬
‫ومعه لك موظيف السفارة بتحقق ذلك بالفعل‪ .‬وقد طلب مين السفري أن أقص‬
‫املدير األول لقطاع الرشق األوسط بوزارة اخلارجية اليابانية‪..‬‬
‫عىل احلضور حملات من بدايات املشوار‪ ..‬استطعت بصعوبة وسط هذا اجلو‬

‫‪273‬‬ ‫‪272‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫االحتفايل أن أستعيد أمه ذكريات البدايات‪ ،‬وذكرت هلم كيف تطور «العريب»‬
‫حىت وصل هلذه الدرجة‪..‬‬
‫حكيت هلم القصة منذ جئت للعمل بالقاهرة باختصار شديد‪ ،‬وتعجب السفري أن‬
‫أخوي اكنت من الصفر‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بداييت مع‬
‫يف هناية احلفل‪ ،‬أوحضت أن حصول «العريب» عىل ذلك الوسام مسوئلية‬
‫كبرية توجب علينا االسمترار يف بذل قصارى جهدنا‪ ،‬لنقدم – يف املستقبل‬
‫بإذن اهلل‪ -‬أفضل ما لدينا‪ ،‬عىل سبيل املزيد من التقارب والتعاون بني الشعبني‬
‫املرصي والياباين‪.‬‬
‫وأنا أشعر بالتفاؤل الشديد مع كتابة هذه السطور يف مستقبل أكرث إرشا ًقا بني‬
‫مرص واليابان‪ ،‬خاصة يف ظل جملس األمعال املرصي الياباين الذي يرأسه حال ًّيا‬
‫ناحجا مع مطلع عام ‪ 2015‬يف حضور‬ ‫ً‬ ‫م‪ .‬إبراهمي العريب‪ ،‬والذي أقام مؤمت ًرا‬
‫صورة تذكارية مع مستر نيشيدا رئيس مجلس إدارة شركة توشيبا يف زيارته ملصانعنا بقويسنا‬ ‫رئيس الوزراء الياباين‪ ،‬ورئيس الوزراء املرصي‪ .‬ومن خالل هذا املجلس ميكن‬
‫للعالقات االقتصادية بني مرص واليابان أن تأخذ دفعات متوالية‪ ،‬بعد عرشات‬
‫السنني من املصداقية والثقة والتعاون البنَّاء املمثر‪ ،‬بيننا وبني الكثري من الرشاكت‬
‫اليابانية العمالقة‪.‬‬

‫مع الرئيس التنفيذي لشركة شارب‬

‫‪275‬‬ ‫‪274‬‬
‫يوريكو كويكي وزيرة البيئة اليابانية السابقة‬ ‫مع مستر نيشيدا رئيس مجلس إدارة شركة توشيبا‬

‫م‪ .‬مدحت محمود العربي يعمل علي خط اإلنتاج مبصنع التلفزيون يف اليابان عام ‪1990‬‬ ‫هدية تذكارية من مستر نيشمورو‪ ،‬ومستر ناكاجاوا يف حفل افتتاح مصنع الثالجات عام ‪2001‬‬
‫األطفال اليابانيون مع أحفادنا يف منزلنا بالعباسية‬ ‫مستر نيشيدا رئيس مجلس إدارة شركة توشيبا مع عائلة العربي يف عمارة مصر اجلديدة‬

‫األطفال اليابانيون مع أوالدنا يف قرية شعشاع باملنوفية‬


‫حفل تسليم ميدالية الشمس املشرقة من مستر ناكاسوني وزير اخلارجية الياباني‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الباب الثـامن‬
‫«شـــهـبــنـــدر التـــجــــار»‬
‫والعــمـل العـــام‬

‫‪281‬‬ ‫‪280‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وأستقبل الوفود الرمسية من لك الدول‪ ،‬وأسافر عىل رأس وفود من مرص للك‬ ‫يف غــرفـة التـج ــارة‬
‫دول العامل‪..‬‬
‫يف عام ‪ ،1973‬سعيت لالنضامم لغرفة جتارة القاهرة كعضو يف شعبة‬
‫مل يعد محمود إبراهمي العريب يسافر إىل أمشون أو شبني الكوم أو القاهرة‬ ‫علـي بثقة وحب عدد‬
‫من اهلل َّ‬
‫اخلردوات واألدوات املكتبية ولعب األطفال‪ ،‬بعدما َّ‬
‫فقط‪ ،‬بل بفضل اهلل تعاىل إىل أملانيا وأمرياك وبريطانيا والمنسا والربازيل ودول‬ ‫كبري من جتار مرص من خالل معيل لعرشات السنني يف املوسيك‪ ،‬من بعد أن‬
‫رشق آسيا‪ ،‬واكفة دول العامل‪ ،‬ليلتيق باملسوئلني هناك‪ ،‬ويلتقوا به يف مرص‪،‬‬ ‫أنشأنا رشكة «العريب»‪..‬‬
‫ممكثل لتجار مرص‪!..‬‬
‫يف الغرفة‪ ،‬تعرفت عىل مجموعة من التجار من ُّ‬
‫الشعب األخرى‪ ،‬اكن أقرهبم‬
‫لقد فاقت احلقيقة لك اخلياالت واألحالم‪ ،‬واكنت النقلة هذه املرة – بالفعل‪-‬‬ ‫إلـي احلاج أمحد العبد‪ ،‬من «شعبة التسايل»‪ ،‬والذي امتدت صداقيت به منذ ذلك‬ ‫َّ‬
‫كبرية‪ ،‬ولكنه فضل اهلل يؤتيه من يشاء‪.‬‬ ‫احلني وحىت اليوم‪ .‬تقري ًبا ال مير يوم إال ويسأل أحدنا عىل اآلخر عرب اهلاتف‪.‬‬
‫أيضا عىل احلاج مسعد أبو املاكرم – رمحه اهلل‪« -‬شعبة املنسوجات»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تعرفت‬
‫وهنا أتوجه برسالة للك الشباب وللنشء الصغري‪ :‬إيامك أن تصدقوا أن هناك‬
‫ً‬ ‫وعىل احلاج رجب العطار «شعبة العطارة»‪ ..‬ومع مرور الوقت مجعتنا صداقة‬
‫شيئ امسه مستحيل‪ ..‬أنا لست خمتل ًفا عنمك يف يشء‪ ..‬فقط محلت كتاب اهلل‬
‫ً‬ ‫معيقة‪ ،‬وكنا مجي ًعا يف لك االنتخابات اليت ُخضناها يف الغرفة نعمل عىل قلب‬
‫متوكل عىل ريب فقط‪،‬‬ ‫تعاىل يف قليب ويف عقيل‪ ،‬وانطلقت به ألمعل وأجهتد‬
‫موق ًنا أنــه هو الرزاق‪ ،‬وأنه ال يضيع أجر من أحسن ً‬ ‫رجل واحد‪..‬‬
‫معل‪ ..‬ال هيمين رضا الناس‬
‫يف املقام األول‪ ،‬بل رضا ريب الرمحن الرحمي اكن دو ًما هديف ومقصودي‪ ،‬اكن‬ ‫الشعبة إىل رئيس شعبة‪ ،‬مث عضو جملس‬ ‫تدرجت يف الغرفة من عضو يف ُّ‬
‫مئا هو األساس يف تعاماليت‪..‬‬ ‫دا ً‬ ‫إدارة‪ ،‬يف عهد األستاذ دمحم البليدي – رمحه اهلل‪ ،-‬حني اكن يرأس الغرفة‪،‬‬
‫واكن ذلك يف عام ‪ .1980‬وبعد أن ُتويف األستاذ البليدي‪ ،‬وجاء األستاذ مكال‬
‫جربوا مكا جربت‪ ،‬وستنعمون خبري اهلل تعاىل وتوفيقه مكا نعمت‪..‬‬
‫رئيسا من بعده‪ ،‬أصبحت أمي ًنا لصندوق الغرفة عام ‪.1983‬‬
‫ً‬ ‫حافظ رمضان‬
‫سبحان ريب امللك الوهاب‪ .‬سبحان من بيده خزائن المساوات واألرض‪..‬‬
‫أما يف سنة ‪ ،1987‬فرتحشت لرائسة جملس اإلدارة ألول مرة‪ ..‬وبالفعل‬
‫يف معيل التجاري كنت أسىع حنو أحاليم ومطوحايت‪ ،‬بلك ما أوتيت من‬ ‫رئيسا لغرفة جتارة‬
‫ً‬ ‫وأصبحت‬
‫ُ‬ ‫حجنت‪ ،‬وجاء فوز قامئيت بفارق كبريعن املنافسني‪.‬‬
‫قوة‪ ،‬وبتعاون وتاكمل من امجليع‪ ،‬نعمل وجنهتد لتكون حقائق واقعية‪ ،‬بتوفيق‬ ‫ريا مجعت بني رائسيت لغرفة القاهرة واالحتاد‬ ‫القاهرة‪ ،‬ملدة مثاين سنوات‪ ،‬وأخ ً‬
‫وفضل من اهلل تعاىل‪..‬‬ ‫العام لغرف جتارة مرص‪ ،‬وذلك ملدة اثنيت عرشة سنة‪.‬‬
‫أما اآلن يف غرفة التجارة‪ ،‬مفا حدث يل من نقلة اعتبارية‪ ،‬وبعد أن وجدت‬ ‫شيئ عن‬ ‫ً‬ ‫ال أنىس أنين يوم جئت إىل القاهرة عام ‪ 1942‬مل أكن أعرف‬
‫نفيس جفأة يف قلب العمل العام‪ ،‬بني كبار املسوئلني يف الدولة‪ ،‬فتلك صورة مل‬ ‫هذه املدينة الكبرية‪ ،‬وال أتصور ما ينتظرين يف املستقبل‪ ،‬هل إىل خري وسعة‬
‫تداعب خيايل من األساس‪..‬‬ ‫يف الرزق؟‪ ،‬أم إىل غري ذلك؟!‪ .‬فقط كنت أمعل وأرتقب ما ستسفر عنه املغامرة‬
‫ولقد اكن تأثري لك تفاصيل ما حدث يل يف غرفة التجارة‪ ،‬يف مواقيع املختلفة‬ ‫والدي ألمعل يف هذه املدينة الصاخبة وأنا‬
‫َّ‬ ‫الكبرية برتك القرية وترك أحضان‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫عىل أبواب العارشة من معري‪ .‬فإذا يب بعد سنوات طويلة‪ ،‬أصبح مسوئل مؤمت ًنا‬
‫ريا معي ًقا يف نفيس؛ فطوال تلك السنوات كنت أمعل جبد ّية – أنا‬ ‫فهيا‪ ،‬تأث ً‬
‫وزماليئ املخلصون‪ -‬يف خدمة التجار‪ ..‬اكنت نييت أن أقدم لك ما أستطيعه هلم‬ ‫عىل مصاحل مائت اآلالف من جتار القاهرة‪ ،‬أمعل عىل حل مشالكهم املرتامكة‪،‬‬

‫‪283‬‬ ‫‪282‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الغرفة مبثابة بيهتم الثاين؛ لذا فأول ما معلناه مع موظيف الغرفة هو أننا ضاعفنا‬ ‫من خالل فرتة خدميت يف الغرفة هبدف رواج التجارة يف السوق املرصي من‬
‫صلها عىل املنشآت‬ ‫ماكفآهتم وحوافزمه‪ ،‬وقد ساعدت الزيادة اليت أصبحنا ُن ِّ‬ ‫ناحية‪ ،‬وبني جتار مرص وجتار العامل من ناحية أخرى‪..‬‬
‫التجارية الستخراج وجتديد الجسل التجاري‪ ،‬ساعدت بشلك كبري يف تمنية لك‬
‫سعينا أن يستفيد مجيع التجار من السوق املرصي المخض‪ ،‬والذي ُيعد من‬
‫مرافق الغرفة‪ ،‬وحتسني أوضاع العاملني فهيا‪.‬‬
‫أفضل أسواق العامل العريب واإلفرييق‪ ،‬إن أحسنّا استمثاره‪ ،‬ومت فرض القوانني‬
‫استطعنا ‪ -‬وهلل امحلد‪ -‬تقدمي خدمات عديدة للتجار‪ ،‬ولصاحل التبادل التجاري‬ ‫العادلة اليت تنظم العمليات التجارية واالستمثارية فيه‪ ،‬بال فساد أو رشاوى أو‬
‫بني مرص وبايق دول العامل‪ ،‬مما اكن له مردود إجيايب كبري عىل االقتصاد‬ ‫حمسوبية‪..‬‬
‫املرصي‪.‬‬
‫اكن مهنا األول أن نفيد التجار الذين وضعوا ثقهتم فينا‪ ،‬وانتخبونا‪ ،‬ال لنكون‬
‫اكن امجليع يالحظ أين ال أغلق مكتيب يف وجه أي تاجر له طلب أو مظملة‪..‬‬ ‫وجهاء ونتعاىل علهيم بعد ذلك‪ ،‬وال ليك نستفيد من موقعنا يف ذلك العمل العام‬
‫ماد ًّيا‪ ،‬مكا يفكر بعض أحصاب النفوس الضعيفة‪..‬‬
‫اكن التاجر أو صاحب احملل جيلس لينتظر انهتاء اجمتايع مع مدير البنك‬
‫أو صاحب املؤسسة يف جحرة مكتيب‪ ،‬ال أدعه ينتظر باخلارج‪ .‬ولو وجدته غاض ًبا‪،‬‬ ‫قررنا أن نفيدمه من خالل مواقع مسوئليتنا يف الغرفة‪ ،‬حبيث حنقق لك‬
‫أو هيلع أثر اإلجهاد أو املرض‪ ،‬أستأذن ضييف املسوئل يف أن أسمتع له ً‬
‫أول‪،‬‬ ‫مصاحلهم اليت انشغلوا عن مساءلة احلكومة علهيا‪ ،‬بسعهيم الدامئ الدءوب يف‬
‫وأحاول حل مشلكته برسعة‪ ،‬مث نمكل اجمتاعنا الطويل بعد ذلك‪..‬‬ ‫وأيضا بسبب صعوبة وصوهلم ألحصاب القرار‪ ،‬عكس املسوئلني يف‬‫ً‬ ‫طلب الرزق‪،‬‬
‫الغرفة‪ ،‬والذين اكن حيسب كبار املسوئلني يف الدولة هلم ألف حساب‪.‬‬
‫اكنت مديرة مكتيب بغرفة التجارة تضيق أحيا ًنا بكرثة التجار املوجودين داخل‬
‫املكتب‪ ،‬بصالوناته الثالثة‪ ،‬وتنصحين أن نغلق الباب أحيا ًنا يك يمت تنظمي دخول‬ ‫وحىت لو استطاع التجار أن يصلوا بأنفهسم لملسوئلني‪ ،‬فأين هلم األدوات‬
‫التجار‪ ،‬وحىت ال يسمتع واحد إىل حدييث مع اآلخر‪ ،‬فكنت أرفض متا ًما‪ ،‬وأمصم‬ ‫ً‬
‫وأيضا اإلحاطة بالقوانني واللواحئ‪ ،‬اليت متكهنم من املطالبة حبقوقهم‬ ‫أو الوسائل‪،‬‬
‫أال ُيغلق باب مكتيب أبدًا يف وجه أحد التجار‪ .‬كنت أوحض هلا أنين ال أحتدث‬ ‫عىل الوجه األمثل‪..‬؟؟ من أجل ذلك‪ ،‬مل أغلق بايب أبدًا – أثناء رائسيت للغرفة أو‬
‫يف أرسار حىت أخىش أن يسمتع امجليع إىل ما نناقشه‪ ،‬وال أجري أية اتفاقات‬ ‫َ‬
‫أتقاض أج ًرا عن معيل بالغرفة‪ ،‬واكنت لك‬ ‫ً‬
‫وأيضا مل‬ ‫لالحتاد‪ -‬يف وجه أي تاجر‪،‬‬
‫غري قانونية أو ال أخالقية حىت أخىش من مساع ما يدور يف االجمتاع‪ ..‬واكنت‬ ‫سفريايت اخلاصة بالغرفة عىل نفقيت اخلاصة‪ ،‬بل كنت أرفض أن أركب السيارة‬
‫تستجيب‪ ،‬ومع الوقت أيقنت أنين لن أغري أسلويب هذا أبدًا‪ ،‬مهام حدث‪..‬‬ ‫اليت توفرها الغرفة لرئيهسا أو لرئيس احتادها‪ .‬نعم‪ ،‬فأثناء مجيع لرائسة غرفة‬
‫خمصصا يل سيارتان بسائقني‪ ،‬ومع‬‫ً‬ ‫القاهرة واالحتاد العام لغرف التجارة‪ ،‬اكن‬
‫والبد أن أذكر – هاهنا‪ -‬أن فرتة خدميت يف غرفة التجارة أثرت سلب ًّيا عىل‬
‫أرض أن أستبدل سياريت وسائيق اخلاص‬ ‫َ‬ ‫ذلك مل أركب أي واحدة مهنام‪ ،‬ومل‬
‫معيل يف الرشكة‪ ،‬ولكين اعتربهتا أمانة وتلكي ًفا ال أملك حق الهترب منه‪ .‬مث بدأت‬
‫بأي مهنام‪.‬‬
‫املشالك ممن استكرثوا علينا ذلك النجاح‪ ،‬من أولئك الذين أمسوا أنفهسم برجال‬
‫انتقاصا‬
‫ً‬ ‫األمعال من أحصاب «البزينس»‪ ،‬ممن يرون يف مهنة وممسى «التجارة»‬ ‫٭٭٭‬
‫لقدرمه‪..‬‬ ‫مبجرد أن تسملت موقيع كرئيس لغرفة جتارة القاهرة‪ ،‬شعرت برضورة تغيري‬
‫طيب‪ ،‬إذا اكنت الغرفة يه نفهسا غرفة «التجارة»‪ ،‬هكذا هو امسها‪ ،‬وهذا هو‬ ‫أوضاع لك من يعمل بالغرفة إىل األحسن‪ ..‬كنت أوقن أننا يك نحجن يف مهمتنا‬
‫جمال معلها‪ ،‬فكيف ينجسم معها من ال يشعر باالنمتاء التام ملهنة التجارة‪ ،‬تلك‬ ‫لصاحل جتار مرص‪ ،‬البد أن يشعر لك املوظفني باألمان واالستقرار‪ ،‬وأن تكون‬

‫‪285‬‬ ‫‪284‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫بتسرتحي كنت أنا اسرتحيت»‪ ..‬حقيقة‪ّ ،‬‬


‫علتين األيام أن بقدر جد ّيتك يف العمل‪،‬‬ ‫املهنة الرشيفة اليت أوصانا احلبيب دمحم ﷺ باالشتغال هبا واحرتافها‪ ،‬واكنت‬
‫بقدر ما يرزقك اهلل تعاىل برجال ونساء جا ّدين‪ ،‬يعاونوك يف لك أمور العمل‪.‬‬ ‫العمل الثاين الذي اشتغل به بعد الريع‪ ،‬وقبل ُّ‬
‫محتل أعباء الويح والرسالة‪.‬‬
‫بعد يومني‪ ،‬بدأنا رحلة مماثلة حنو حمافظات ومدن وجه حبري‪ ،‬بدأناها بزيارة‬ ‫٭٭٭‬
‫ً‬
‫وأيضا وكيل الغرفة مبكتبه بدمهنور‪ ،‬مث زرنا بايق مقار‬ ‫رئيس غرفة اإلسكندرية‪،‬‬ ‫رئا�سة احتاد الغرف‪..‬‬
‫الغرف التجارية يف حمافظات وجه حبري‪ ،‬وأهنينا املهمة يف يومني بالمتام‪ ،‬مث‬ ‫يف هناية عام ‪ ،1995‬وقبل أن تشتعل احلرب اخلفية ‪ -‬مث املعلنة ‪ -‬من حزب‬
‫عدنا إىل القاهرة‪.‬‬ ‫«رجال األمعال اجلدد»‪ ،‬اقرتب موعد انتخاب رئيس احتاد الغرف التجارية‪.‬‬
‫ويف يوم واحد‪ ،‬زرنا السويس واإلمساعيلية وبورسعيد‪ ،‬وبنجاح كبري مثل املرة‬ ‫اكن رئيس االحتاد يف ذلك الوقت هو األستاذ عزت غيطاين – رمحه اهلل‪-‬‬
‫السابقة أهنينا لك اللقاءات‪ ،‬وعدنا إىل القاهرة يف تكمت تام‪ ،‬وأنا أشعر أن األمور‬ ‫رئيسا لغرفة جتارة بين سويف‪ .‬اكن البد من حصول‬ ‫والذي اكن يف نفس الوقت‬
‫ً‬
‫عىل مايرام‪ ،‬وأن تفويق عىل أي منافس يل عىل منصب رئيس االحتاد – بعد‬ ‫أحد رؤساء الغرف التجارية عىل أغلبية من زمالئه رؤساء غرف بايق املدن‬
‫هذه اجلوالت الثالث‪ -‬بات مؤكدًا بإذن اهلل‪.‬‬ ‫املرصية‪ ،‬ليفوز مبنصب رائسة احتاد الغرف املرصية‪..‬‬
‫مث‪ ..‬حدثت مفاجأة غري متوقعة باملرة‪ ،‬أثناء استعدادي لالنتخابات الهنائية‬ ‫يف رسية تامة اتفقت مع سائيق اخلاص أن نأخذ السيارة ونتحرك عىل‬
‫لالحتاد‪ .‬بعد أن أصبحت عىل ثقة كبرية من جنايح يف انتخابات رائسة االحتاد‬ ‫لك حمافظات ومدن الصعيد ً‬
‫أول‪ ،‬أللتيق برؤساء غرف التجارة هناك‪ ،‬وكذلك‬
‫اليت باتت عىل األبواب‪ ،‬فوجئت باتصال من عدد من قيادات احلكومة واحلزب‬ ‫باحملافظني ومساعدهيم ألرشح هلم خطيت وبرناجمي يف حالة فوزي برائسة‬
‫الوطين‪ ،‬قالوا يل إهنم يعرفون متا ًما أنين قد مضنت النجاح يف انتخابات رائسة‬ ‫احتاد الغرف املرصية‪ .‬فكرت أن مثل هذه اجلولة يه األفضل من أية دعاية‬
‫احتاد الغرف التجارية‪ ،‬بعد اجلوالت اليت مقت هبا (كنت أتوقع أن تكون هلم عيون‬ ‫انتخابية ميكن أن أقوم هبا‪.‬‬
‫من خالل بعض رؤساء الغرف أو احملافظني)‪ ،‬وأهنم يوقنون أين أستحق ذلك‬
‫املنصب متا ًما‪ ،‬ولكهنم يطلبون مين أن أتنازل عن الرتشيح لصاحل عزت غيطاين‪،‬‬ ‫انطلقنا عىل بركة اهلل تعاىل‪ ،‬وخالل ثالثة أيام‪ ،‬مل نمن خالهلا إال ساعات قالئل‪،‬‬
‫الذي ليس له معل آخر سوى هذا املنصب‪ ،‬عكيس أنا‪ .‬وأكدوا أنه قد ميوت حز ًنا‬ ‫كنا قد أهنينا مهمتنا عىل أعىل درجة من التنظمي والنجاح‪.‬‬
‫إذا حدث أن خرس منصبه‪ ،‬ألنه لن جيد ً‬
‫معل آخر‪..‬‬ ‫زرت املنيا وبين سويف وأسيوط وسوهاج وقنا واألقرص وأسوان‪ .‬امحلد هلل‪،‬‬
‫ومل أجد أمايم سوى قبول الطلب!‪ ،‬وبالفعل تنازلت‪ ،‬واتصلت برؤساء الغرف‬ ‫مجيع من التقيت هبم من حمافظني ومن رؤساء غرف‪ ،‬أبدوا يل قناعهتم بقدريت‬
‫ريا عىل ذلك‪،‬‬ ‫ً‬
‫اعرتاضا كب ً‬ ‫الذين التقيت هبم يف حمافظات مرص‪ ،‬فوجدت مهنم‬ ‫– بفضل اهلل تعاىل‪ -‬عىل قيادة احتاد غرف جتارة مرص ألربع سنوات قادمة‪.‬‬
‫حفاولت إفهامهم حرج موقيف‪ ،‬ولكن أغلهبم مل يقتنع‪..‬‬ ‫ً‬
‫أمعال‬ ‫يف أسوان‪ ،‬استأذنت الغندور أن أعود أنا بالطائرة إىل القاهرة ألن‬
‫اعرتض أصدقايئ‪ ،‬واملقربون مين يف الغرفة‪ ،‬خاصة أصدقايئ املقربني أمحد‬ ‫كثرية تنتظرين‪ ،‬عىل أن يرجع هو بالسيارة «عىل راحته»‪ .‬يف مساء اليوم التايل‪،‬‬
‫العبد ومسعد أبو املاكرم ورجب العطار‪َّ ،‬‬
‫فعقبت عىل كالمهم بأنه إن اكن فيه خري‬ ‫فوجئت به يقف أمايم يف املكتب يعطيين «متام»‪ .‬قلت له‪« :‬أنا مش قلت تعال‬
‫ً‬
‫عاجل‪ ،‬ألين قد أخذت بلك األسباب‪ ،‬وإن اكن ًّ‬
‫رشا فقد‬ ‫فسيأتيين سواء ً‬
‫آجل أو‬ ‫ري يف السكة؟»‪.‬‬‫براحتك‪ ،‬وابىق َّ‬
‫رصفه اهلل عين‪..‬‬ ‫علـي‪« :‬ما فيش وقت للراحة يا افندم يف األيام دي‪ ،‬لو كنت حرضتك‬
‫َّ‬ ‫رد‬

‫‪287‬‬ ‫‪286‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكنت األمور تسري عىل مايرام‪ ،‬ولك املشالك استطعنا أن نعاجلها‪ ،‬حىت بدأت‬ ‫وبالفعل جنح األستاذ عزت غيطاين بالزتكية‪..‬‬
‫املشالك تتفامق بشدة‪ ،‬واالضطرابات تتسع أثناء اجمتاعات جملس اإلدارة يف‬ ‫٭٭٭‬
‫عاما للغرفة من لواءات اجليش ‪ -‬عىل املعاش‪،-‬‬‫عام ‪ ،1996‬وذلك حني عينوا أمي ًنا ًّ‬
‫بعد تلك األحداث بثالثة أهشر تقري ًبا‪ ،‬كنت يف مصنع بهنا‪ ،‬حيث كنا نستعد‬
‫واكن موال ًيا ألحد أعضاء جملس اإلدارة املُع ّينني‪ ،‬ممن اكنوا يرفضون قبول واقع‬
‫ً‬
‫مشغول متا ًما يف العمل‪،‬‬ ‫ملرحلة جديدة من مراحل اإلنشاءات والتصنيع‪ ،‬وكنت‬
‫أنين ناحج متاما – وهلل امحلد‪ -‬يف إدارة الغرفة‪ ،‬وميع الفريق املخلص الذي‬
‫فإذا بتليفون من الغرفة خيربونين أن األستاذ عزت رئيس االحتاد قد ُنقل إىل‬
‫اكن يف قامئيت الناحجة‪ .‬وبدأت حالة عارمة من إعالن التذمر‪ ،‬مع الرفض التام‬
‫ً‬ ‫العناية املركزة بالقرص العيين‪..‬‬
‫عملا‪ ،‬وأعىل قد ًرا حبصوهلم عىل‬ ‫أن يسمتروا حتت قياديت‪ ،‬حبجة أهنم أكرث‬
‫هشادات دراسية جامعية‪ .‬مث اكنت بداية الرضبة اليت ظنوها قامصة يل‪ ،‬حني‬ ‫أخذت الغندور واشرتينا يف طريقنا علبة «شوكوالتة»‪ ،‬وذهبنا لزيارته‪ .‬مل‬
‫بدءوا يلوحون برغبهتم يف حسب الثقة مين كرئيس لغرفة جتارة القاهرة‪!..‬‬ ‫يمسحوا لنا بالدخول هيلع‪ ،‬فقد اكنت حالته حرجة‪ .‬رأيته – رمحه اهلل‪ -‬من خالل‬
‫الزجاج فقط‪ ،‬حيث اكن يبدو يف غاية الضعف والوهن‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬ودون أي سبب!‬
‫بعد ثالثة أيام أتانا خرب وفاة األستاذ عزت – رمحه اهلل تعاىل‪.-‬‬
‫كنت أثق يف نفيس متا ًما‪ ،‬واكنت تلك الثقة منبعها حسن ظين يف اهلل تعاىل‪..‬‬
‫إن مثل تلك احلوادث اليت خيتطف فهيا املوت أي إنسان أعرفه‪ ،‬خاصة إذا‬
‫كنت أتساءل ‪ -‬ببساطة ‪ -‬كيف ال يكون النجاح يف التجارة لعرشات السنني‪ ،‬مث‬
‫اكنت أمارات الصحة والقوة تظهر هيلع واحضة جلية‪ ،‬جتعلين شديد االنتباه لقوة‬
‫إنشاء العديد من مصانع‪ ،‬لك تقنياهتا وعنارص تشغيلها مأخوذة من اليابانيني‪،‬‬
‫ً‬
‫هناية حمتومة‬ ‫وسطوة املوت‪ ،‬الهناية الطبيعية للك الاكئنات‪ ..‬سبحان من جعله‬
‫كيف ال يكون هذا النجاح ولك هذه اخلربات ‪ -‬اليت يه بفضل من اهلل‪ -‬منافسة‬
‫للك خملوقاته يف الكون‪..‬‬
‫بل ومتفوقة عىل الهشادات اجلامعية‪ ،‬كيف ال تكون اخلربات العملية الراخسة‬
‫ً‬
‫سبيل لتقدير أحصاهبا؟!‬ ‫إهنا ساعة حمددة ودقيقة‪ ،‬ال تتأجل وال تتقدم بأي مثن‪ ،‬فال ميكن ألي مسوئل‬
‫مهام عال منصبه‪ ،‬أو رشف جاهه‪ ،‬حىت رئيس أكرب وأقوى دولة عىل وجه األرض‪،‬‬
‫ملاذا خيلق أعداء النجاح ملن يريد اخلري لعائلته ولشعبه ولبلده لك هذه املتاعب‪،‬‬
‫ما يكون له أن يتوسط أو جيد أية وسيلة لتأخري تلك اللحظة‪ ،‬ولو لدقيقة واحدة!‪.‬‬
‫ويسببون له لك تلك اآلالم؟ بالضغط املسمتر عىل مسألة ال تعيب اإلنسان الناحج‪،‬‬
‫الذي حقق مبا آتاه اهلل من مواهب وعلوم – بدون هشادات جامعية‪ -‬جناحات‬ ‫وهكذا‪ ،‬خال مقعد رئيس االحتاد‪ ،‬ومل أعاود السفر واملرور عىل املسوئلني يف‬
‫وإجنازات عىل أرض الواقع‪ ،‬هشد هلا القريب والبعيد‪..‬‬ ‫احملافظات‪ ،‬ورؤساء الغرف‪ ،‬فقد اكن أثر زيارايت ال يزال يف األذهان؛ مل أفعل‬
‫سوى االتصال اهلاتيف هبم‪ ،‬ووجدت مهنم لك ترحيب‪..‬‬
‫هل ستظل مقولة عادل إمام يف واحدة من أهشر مرسحيات فؤاد املهندس –‬
‫رمحه اهلل‪ -‬سارية يف مرص‪« :‬بلد هشادات حصيح»!‬ ‫بعد أربعني يو ًما‪ ،‬رحش وكيل االحتاد‪ ،‬األستاذ «عبد الوهاب قوطة» نفسه (الذي‬
‫رئيسا لغرفة جتارة بورسعيد)‪ ،‬وترحشت أنا ً‬
‫أيضا‪ ،‬وجاءت النتيجة لصاحلي‬ ‫ً‬ ‫اكن‬
‫إنين أجعب أن يصل الفهم العقمي وضيق األفق عند البعض لدرجة إناكر‬
‫النجاح‪ ،‬وحماولة هدمه‪ ،‬أو عىل األقل تشوهيه‪ً ،‬‬ ‫رئيسا الحتاد غرف جتارة مرص‪..‬‬
‫ً‬ ‫بفارق كبري‪ ،‬وأصبحت – ألول مرة‪-‬‬
‫بدل من أن يتعاونوا مع أحصابه‪،‬‬
‫لصاحل مرص ولصاحل شعهبا الطيب الكرمي‪.‬‬ ‫٭٭٭‬

‫‪289‬‬ ‫‪288‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ذلك‪ ،‬ولكين مل أكن أغري تلك القاعدة أبدًا‪ ،‬يف تعاماليت العامة باآلخرين‪.‬‬ ‫منـوذجا ُيكن أن حيتذيه أي شاب‬
‫ً‬ ‫أخوي‪-‬‬
‫َّ‬ ‫علـي بأن جعلين – مع‬
‫من اهلل َّ‬
‫لقد َّ‬
‫فعوض‬
‫أو رجل‪ ،‬مل يقدر اهلل عز وجل له أن حيصل عىل هشادة جامعية عالية‪َّ ،‬‬
‫ولكن – بطبيعة احلال‪ -‬كنت آخذ لك حذري واحتيايط من هؤالء األخشاص‪،‬‬
‫ذلك باجلهد املتواصل‪ ،‬وبالكفاح الرشيف‪ ،‬وبالعمل امجلايع حىت حجننا يف‬
‫فاملؤمن ك ّيس فطن‪ ،‬ولكين أبدًا مل أغري حسن ظين يف التعامل مع أي خشص‬
‫علـي‬
‫مـن اهلل َّ‬
‫أن حنصل عىل ثقة امجليع‪ ،‬إال أحصاب النفوس املريضة‪ ،‬حـىت َّ‬
‫جديد أتعرف هيلع ألول مرة‪ .‬فاألصل هو التعامل حبسن الظن باآلخرين‪..‬‬
‫باحلصــول عىل أعىل وسام من اإلمرباطور الياباين‪..‬‬
‫لقد أرسيت يف معيل التجاري والصنايع اخلاص بنا كعائلة «العريب» مبدأ‬
‫ريا من حيايت‪ ،‬مما َّ‬
‫أثر – بالفعل‪ -‬عىل‬ ‫لقد أعطيت هلذا العمل العام وق ًتا كب ً‬
‫حسن الظن‪ ،‬مث مبدأ املتاجرة مع اهلل تعاىل‪ ،‬أرسيت هذا واتبعناه يف مرشوعاتنا‬
‫عطايئ ملرشوعاتنا التجارية والصناعية (اكن عدد العاملني يف رشكة العريب يوم‬
‫الصناعية اليت تعدى االستمثار فهيا مائت املاليني‪ ،‬وهلل امحلد‪..‬‬
‫تركت الغرفة ‪ 2000‬عامل فقط‪ ،‬واليوم بفضل من اهلل‪ ،‬وبعد أن ركزت لك جهدي‬
‫مل أكن ألغري ذلك املبدأ وأنا يف موقع خديم‪ !..‬لقد كنت أحاول من خالل ذلك‬ ‫يف الرشكة‪ ،‬وصل العدد إىل أكرث من ‪ 32‬ألف عامل‪ ،‬وتضاعف عدد املصانع‬
‫املوقع السيع بلك ما أوتيت من طاقة أن آيت حبقوق زماليئ جتار مرص‪ ،‬فكيف‬ ‫ألكرث من الضعف‪ ،‬يف نفس تلك الفرتة القصرية نسبيا)‪..‬‬
‫أيسء الظن بالناس‪ ،‬مهام أساء يل غريمه؟؟!‬
‫ولكن أعداء النجاح مل يروا نتاجئ العمل اجلاد املقرتن باإلخالص هلل عز وجل‪..‬‬
‫شكل أكرث حدة من ذي قبل‪ ،‬وبدا لنا أن هناك‬‫ً‬ ‫مث بدأ اهلجوم ضدنا يتخذ‬
‫ً‬
‫شكل ومضمو ًنا‪ ،‬قل ًبا وقال ًبا‪..‬‬ ‫مل يروا التغيريات اهلائلة يف أداء الغرفة‬
‫تربيطات قوية بني الفريق اخلصم لنا داخل الغرفة‪ ،‬الذين اختذوا من موقيف من‬
‫أرصت احلكومة علهيا‪ ،‬اختذوها دافعا للهجوم املتواصل‬‫ّ‬ ‫رضيبة املبيعات اليت‬ ‫مل يروا سوى أن قائد هذه املسرية هو «محمود العريب»‪ ،‬وفريقه املخلص من‬
‫عىل أدائنا‪ ،‬بيمنا اكن الدافع لدينا لرفض تلك الرضية هو مصلحة زمالئنا التجار‪..‬‬ ‫ً‬
‫وتقليل‬ ‫أصدقائه التجار‪ ،‬فاكنت الدسائس واملؤامرات ال تنهتي‪ ،‬طع ًنا يف نوايانا‪،‬‬
‫من قدرنا‪ ،‬برمغ لك ما كنا نبذله من جهد عىل حساب أمعالنا ومرشوعاتنا اخلاصة‪،‬‬
‫اكن رأيي الخشيص يف غالب املسائل االقتصادية املطروحة اليعجهبم‪ .‬وقد‬
‫إال أن اهلل تعاىل اكن دو ًما جبانبنا‪ ،‬ينرصنا‪ ،‬وخيرجنا من لك أزمة مرفويع‬
‫كنت دامئ اإلدالء برأيي يف أي أمر سيادي ميس مصاحل التجار واملصنّعني حبمك‬
‫الرأس‪..‬‬
‫ماكين عىل رأس جملس إدارة الغرفة‪ ،‬وحبمك كوين ُمص ّن ًعا وتاج ًرا وطن ًّيا‪ ،‬هيمه‬
‫العمل يف مناخ اقتصادي حصي‪ ،‬ال تسلّط فيه للنفوذ املغرضة املُعادية ملصاحل‬ ‫٭٭٭‬
‫بالدنا‪ ،‬وال انتشار فيه للفساد والرشاوى والعموالت غري الرشعية‪..‬‬ ‫عىل مدار حيايت العملية‪ ،‬منذ بدأنا طريق مرشوعنا التجاري اخلاص‪ ،‬والذي‬
‫ومعلن يف مسألة‬
‫مل أكن أقصد أبدًا أن أتعرض للسياسة‪ ،‬فأنا يل رأي واحض ُ‬ ‫توسعنا فيه بعد ذلك‪ ،‬مث بعد أن دخلنا من باب التصنيع واالستمثار‪ ،‬كنت طوال‬
‫اشتغال غري أهلها هبا‪ ،‬دا ً‬
‫مئا أقول‪« :‬السياسة مضيعة للوقت بالنسبة يل»‪ ،‬وقلت‬ ‫الوقت أضع قاعدة لسلويك مع اآلخرين‪ ،‬ال أاكد أفارقها أبدًا‪ :‬عىل اإلنسان أن‬
‫كذلك مرا ًرا‪« :‬أنا يف األصل تاجر ودخلت الصناعة من باب التجارة الذي أفهم‬ ‫ُيقدم حسن الظن باآلخرين حىت يثبت له العكس‪ ،‬هذا ما تعملته من أخالق وسلوك‬
‫فيه‪ ،‬ويف المثانينيات طلب مين حمافظ القاهرة آنذاك أن أرحش نفيس ملجلس‬ ‫احلبيب دمحم – ﷺ‪.-‬‬
‫ً‬
‫رفضا قاط ًعا‪ ،‬مث طلب مين احملافظ‬ ‫الشعب وأحل يف الطلب‪ ،‬ولكين رفضت‬ ‫ريا ما‬
‫عىل وجه اخلصوص‪ ،‬ويف أثناء سنوات معيل يف غرفة التجارة كنت كث ً‬
‫التايل‪ ،‬وبعد طول إحلاح وافقت‪ ،‬ودخلت الربملان لدورة واحدة‪ ،‬لكنين أرى أن‬ ‫ُأصدم حبقيقة بعض األخشاص‪ ،‬الذين يتأكد يل أهنم ال يستحقون حسن الظن‬
‫عضوية جملس الشعب اكنت مضيعة للوقت بالنسبة يل‪.»..‬‬

‫‪291‬‬ ‫‪290‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫لبضائعنا إذا ما حارصته الديون والمكبياالت والشياكت‪ ،‬فوجد نفسه ال يستطيع‬ ‫تلقيت – وميع فرييق املخلص‪ -‬رضبات متوالية يف غاية القسوة‪ ،‬ولكن يف‬
‫السداد‪ ،‬بل كنا نقف إىل جواره‪ ،‬ونساعده بأقىص ما نستطيع‪..‬‬ ‫التحمل‪ ،‬مث ُيظهر سبحانه احلقيقة اكملة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫لك مرة اكن اهلل عز وجل يعيننا عىل‬
‫كنا ننصح ونرشد املتعرسين من التجار حنو أقرص الطرق للنجاح والستعادة‬ ‫وامحلد هلل أن تلك الوقائع لكها ُمجسلة يف مستندات ووثائق الغرفة التجارية‪،‬‬
‫ثقهتم بأنفهسم‪ ،‬بعد التولك عىل اهلل والعمل بإخالص للخروج من الضائقة‪.‬‬ ‫احملفوظة حىت اليوم‪.‬‬
‫أيضا بالنسبة لرضيبة املبيعات‪ ،‬طبقنا يف «العريب» فكرة مبتكرة تو ّفر عىل‬
‫ً‬ ‫أما أجعب ما عايشته أثناء معيل كرئيس للغرفة التجارية فهو هتديد مسوئل‬
‫التجار الذين يتعاملون معنا الدخول يف متاهات تلك الرضيبة املعقدة‪ ،‬فاتفقنا‬ ‫كبري يف احلكومة لنا (أنا وميع فرييق من أعضاء جملس اإلدارة) يوم اجمتع بنا‬
‫مع إدارة رضيبة املبيعات يف مصلحة الرضائب (اليت اكن يرأهسا أ‪ .‬محمود‬ ‫يف مقر معله‪ ،‬وحني أبلغناه رمس ًّيا باعرتاضنا عىل مرشوع قانون رضيبة املبيعات‬
‫دمحم عيل) عىل أن ُتضاف الرضيبة عىل الفواتري اخلاصة بالتعامالت بيننا وبني‬ ‫اجلديد‪ ،‬الذي اكن يفرض رمس رضيبة عىل لك السلع اليت تباع لملسهتلك‪،‬‬
‫التجار‪ ،‬حبيث يتوىل «العريب» عهنم ختليص أمر رضيبة املبيعات مع مصلحة‬ ‫ختتلف عن الرضيبة اليت ُتصل من املنبع‪..‬‬
‫الرضائب‪ ،‬فال ُيضطرون مه إىل الدخول يف متاهاهتا اليت ال يقدرون علهيا‪..‬‬
‫اكن رأينا قد اتفق أن ذلك القانون سيرض للغاية بصغار التجار‪ ،‬فكيف لرجل‬
‫وهكذا أصبحت مصلحة الرضائب ال تسأل التجار الذين يتعاملون مع «العريب»‬ ‫صاحب كشك حلويات أو حمل خردوات صغري أن يضبط حساباته ودفاتره؟ أم‬
‫عن الفواتري اخلاصة بتعامالهتم معنا‪ ،‬فاكن مأمورو الرضائب أيامها يرددون‬ ‫تراه ميتلك أجر حماسب قانوين ليقوم بضبطها له‪ ،‬بعد فرض هذه الرضيبة اليت‬
‫مه بيخلصوها مع‬‫ريا‪« :‬أل‪ ،‬مالكوش دعوة بفواتري «العريب»‪ّ ،‬‬ ‫مجلة تسعدنا كث ً‬ ‫ّ‬
‫ومحتله ما ال يطيق؟!‪..‬‬ ‫ُتع ّقد أمور حسابات أي تاجر‪،‬‬
‫التجار ً‬
‫أول بأول‪..»..‬‬
‫مفا اكن من املسوئل الكبري إال أن ل ّوح لنا بشلك واحض متا ًما‪ ،‬وأمام امجليع‪،‬‬
‫لقد ظن البعض أن هناك بيننا وبني مصلحة الرضائب‪ ،‬أو مع احلكومة مصاحل‬ ‫بأن هناك قانو ًنا للطوارئ ميكن للحكومة أن تستخدمه يف أي وقت‪ ،‬عىل أي‬
‫خاصة (!)‪ ،‬واحلقيقة أن ما بيننا وبني احلكومة أيامها اكن أكرث تعقيدًا مما يتخيله‬ ‫خشص يعرتض عىل سياساهتا‪!..‬‬
‫أحد‪ ،‬ولكن ألننا كنا نعمل عىل مساعدة التجار بأسلوب «ارحب ودع غريك يرحب»‪،‬‬
‫بالطبع سكتنا‪ ،‬مفن ميكنه أن يتعامل مع من يفكرون مبثل ذلك األسلوب غري‬
‫وجنهتد – ما استطعنا‪ -‬يف زيادة الثقة بيننا وبيهنم‪ ،‬فاكن توفيق اهلل تعاىل لنا‬
‫املتحرض‪ ،‬فضال عن كونه غري قانوين؟!‬
‫يف لك خطانا‪..‬‬
‫هل وصل الفساد يف بلدنا أن هيدد مسوئل حكويم كبري‪ ،‬مجموعة من ممثيل‬
‫لقد ذكرت أسلوب طلعت حرب يف إدارة بنك مرص‪ ،‬وكيف اكن ُيقيل عرثات‬
‫جتار مرص الرشعيني‪ ،‬بالجسن أو االعتقال إذا ما أعلنوا له وصارحوه بلكمة‬
‫جتار القطن املرصيني‪ ،‬وكيف أسس سياسة «تعومي» معالء البنك‪ ،‬حىت يستطيع‬
‫احلق‪ ،‬مكسوئل مهمته خدمة شعب مرص‪ ،‬ومهنم التجار الرشفاء؟!‬
‫ً‬
‫وأيضا عىل معالئه الكبار والصغار‪ ،‬وهبذه السياسة‬ ‫البنك أن حيافظ عىل أمواله‪،‬‬
‫كسب بنك مرص احرتام امجليع‪ ،‬ووضع لك معالئه ثقهتم التامة فيه‪ .‬هكذا كنت‬ ‫ولألسف نفذ املسوئلون لك ما أرادوا من سياسات خاطئة متخبطة‪ ،‬وساروا‬
‫أرجو أن تتعامل احلكومة مع التجار ومع سائر طوائف الباعة وأحصاب احملالت‬ ‫يف مساراهتم املتعرجة حىت الهناية األلمية اليت رأيناها مجي ًعا‪ ،‬مع تسلط رجال‬
‫يف مرص‪ ،‬أثناء رائسيت للغرفة‪ ،‬ولكهنم مل يسمتعوا لنصاحئي إال ً‬
‫قليل‪..‬‬ ‫األمعال الوصوليني عىل لك مواقع القرار يف مرص‪..‬‬

‫ولقد اكن إرصاري عىل موقيف سب ًبا يف اندالع املشكالت‪ ،‬اليت حتولت ملعارك‬ ‫مكا قلت آن ًفا‪ ،‬إننا مل نتعسف يف «العريب» يو ًما ما مع أي تاجر أو موزع‬

‫‪293‬‬ ‫‪292‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الجمتاع جملس إدارة فاصل يف فندق شربد (اكن ذلك هو املاكن الذي نعقد فيه‬ ‫مع خصومنا يف الغرفة من املوالني متا ًما للحكومة‪ ،‬والذين جاءوا بتعيني مبارش‬
‫اجمتاعاتنا‪ ،‬أثناء فرتة تنفيذ التجديدات يف املبىن الرئييس للغرفة بباب اللوق)‪..‬‬ ‫مهنا‪..‬‬
‫وافقت عىل ذلك‪ ،‬ومل أكن أعمل مبا خططوا له يك يزعزعوا الثقة ّ‬
‫يف كرئيس‬ ‫٭٭٭‬
‫ملجلس إدارة الغرفة‪ ،‬متهيدًا لطرحها هنائ ًّيا‪..‬‬ ‫معركـ ــة طويلة‪..‬‬
‫يف ذلك االجمتاع بشربد‪ ،‬بدءوا باعرتاضات وجدل طويل عىل أين ال أمارس‬ ‫ً‬
‫أشاكل حادة وعنيفة‪،‬‬ ‫يف سنة ‪ ،1998‬أخذت املشكالت يف أروقة غرفة التجارة‬
‫الدميقراطية يف رائسة املجلس‪ ،‬وأين أهمت فقط جبدول األمعال‪ ،‬وأتغاىض عن‬ ‫فقد هشد ذلك الوقت معارضيت الرصحية لقانون رضيبة املبيعات‪..‬‬
‫طلباهتم العاجلة‪ ،‬وال أمعل إال عىل تصفية احلسابات الخشصية‪!..‬‬ ‫عي من قبل احلكومة يف جملس إدارة‬ ‫اكن من وراء تلك املشكالت‪ ،‬الفريق املُ ّ‬
‫سبحان اهلل‪ ،‬أنا الذي أمعل عىل تصفية احلسابات الخشصية‪..‬؟‬ ‫الغرفة‪ ،‬فقد اكن جملس إدارة الغرفة يتكون من ‪ 20‬عض ًوا‪ ،‬عرشة ُمنتخبني بنظام‬
‫القامئة‪ ،‬وعرشة ُمع ّينني‪.‬‬
‫وبعد لغط وصياح شديد‪ ،‬فوجئت بوكيل الغرفة مع األمني العام وبعض األعضاء‬
‫ّ‬
‫حانشك‬ ‫ً‬
‫قائل‪« :‬احنا‬ ‫يعلنون حسب ثقهتم مين رصخ أحدمه بعصبية شديدة‪،‬‬ ‫بدأت االنقسامات واخلالفات تسري حنو منحنيات شديدة اخلطورة‪ ،‬حىت أن‬
‫هيئة جديدة لملكتب‪ ،‬مستحيل نشتغل حتت رياستك بعد الهنارده يا محمود يا‬ ‫أوقات اجمتاعات جملس اإلدارة صار معمظها ينقيض يف اخلالفات‪ ،‬ويف رفع‬
‫عريب»‪..‬‬ ‫األصوات حبدة وبأسلوب غري متحرض‪ ،‬ودون أي مراعاة ألخالقيات أو الحرتام‬
‫فروق السن – عىل األقل‪..-‬‬
‫وبدءوا يوزعون املناصب بيهنم بصوت مرتفع‪ ،‬وكأين غري موجود هنائ ًّيا‪..‬‬
‫بدل من أن نقيض أوقات االجمتاعات يف إجناز جدول األمعال الذي اكن يف‬ ‫ً‬
‫تناسوا متا ًما أين رئيس الغرفة الرشيع املنتخب!‬
‫معمظه خيدم مصاحل التجار‪ ،‬ويفصل يف الزناعات واملشالك احلادة‪ ،‬مكا فعلنا‬
‫جالسا عىل مقعدي بلك هدوء وسكينة أشاهد تلك املهزلة دون أن أنطق‬ ‫ً‬ ‫ظللت‬ ‫قبل ذلك لسنوات متوالية‪ ،‬أصبح أغلب الوقت – حينئذ‪ -‬يضيع يف أمور عقمية‬
‫بلكمة حول ما يفعلونه‪ ،‬فقط كنت أذكر اهلل تعاىل باسمترار يف قليب وعىل‬ ‫ومض ّيعة للجهود‪.‬‬
‫ُ‬
‫لساين‪ .‬مك أمحده – سبحانه‪ -‬فلوال تثبيته يل يف تلك األوقات الصعبة ملا استطعت‬
‫وأنا ما اعتدت عىل تضييع الوقت يف مثل تلك املسائل التافهة‪ ،‬يف حيايت‪..‬‬
‫االسمترار يف تلك األجواء العصيبة املحشونة الصاخبة‪..‬‬
‫أبدًا‪..‬‬
‫واستفزمه هدويئ أكرث‪ ،‬فبدأوا يتطاولون عىل خشيص‪ ،‬ومل يفلح أعضاء‬
‫كنا نضع جدول األمعال ملجلس إدارة الغرفة عىل أساس أن نهني إجراءات‬
‫جملس اإلدارة من حلفايئ أن يعيدوا األمور إىل نصاهبا‪ ،‬وال أن يوقفوا هذا‬
‫ومتطلبات تسيري أمه شوئن الغرفة – األمه فاألقل أمهية‪ -‬يف أرسع وقت‪ ،‬لنفصل‬
‫الفيض اجلارف من الغضب العارم املد ّبر‪.‬‬
‫بني التجار وبني احلكومة يف الزناعات واخلالفات القامئة‪ .‬ولكن فريق الشغب‬
‫ومعت الفوىض حنايا قاعة االجمتاع‪ ،‬وصار اهلدف األسايس هلؤالء اخلصوم‬ ‫ّ‬ ‫اكن خيطط ويدبر لينحرف مسار معل جملس اإلدارة بعيدًا متا ًما معا ينفع جتار‬
‫أن يستفزوين يك أخرج عن شعوري‪ ،‬وأخطئ فهيم بالقول أو بالفعل‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫مرص‪..‬‬
‫مل حيدث هنائ ًّيا – وهلل امحلد‪ -‬بل احتفظت هبدويئ ما استطعت‪ ،‬واسمتر لساين‬
‫طلب بعض أعضاء جملس اإلدارة‪ ،‬الذين شلكوا جهبة ضدي‪ ،‬حتديد موعد‬

‫‪295‬‬ ‫‪294‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫د‪ .‬اجلوييل‪ ،‬فرمغ أن احلق الرشيع ميع‪ ،‬فإين تصورت جحم ما سيسببونه لنا‬ ‫تعب أبدًا أننا‬
‫مع املاكن‪ ،‬بصورة ال ّ‬
‫يذكر اهلل تعاىل‪ ،‬برمغ ازدياد اهلياج الذي ّ‬
‫من متاعب سيصبح العمل واإلجناز معها شبه مستحيل‪..‬‬ ‫يف اجمتاع جملس إدارة غرفة جتارة القاهرة‪.‬‬
‫كنت أثق يف الدكتور أمحد اجلوييل؛ فأنا أعترب هذا الرجل – رمحه اهلل‪ -‬من‬ ‫طالبوا برشائط الاكسيت من مديرة مكتيب‪ ،‬اليت اكنت تجسل لك وقائع‬
‫املسوئلني احملرتمني الذين قادوا وزاريت التجارة والمتوين‪ ،‬وبذلوا جهدًا مضن ًّيا‬ ‫اجمتاعات جملس اإلدارة‪ ،‬مث تف ّرغها عىل اآللة الاكتبة بعد ذلك‪ .‬جاءتين مدام وفاء‬
‫يك يفتحوا آفا ًقا أمام التجار واملصنعني املرصيني يك ُيص ّدروا بضائعهم إىل‬ ‫برسعة‪ ،‬تسألين يف حرية شديدة معا تفعل؟! فأرشت إلهيا أن تعطهيم الرشائط‬
‫خارج مرص‪ ،‬مكا اكنت له جهود متواصلة إلجناح منمظة مجموعة دول ال ‪15‬‬ ‫ولك ما يريدونه من أوراق‪..‬‬
‫(واليت رشفت برائسهتا‪ ،‬واكنت قد اختذت من مرص مق ًّرا هلا عام ‪ ،1998‬واكنت‬
‫حقيقة‪ ،‬مل أشعر بأي اضطراب أو انعدام ثقة مما حدث‪ ،‬رمغ شدته وعنفه‬
‫تضم مع مرص‪ :‬مالزييا وإندونيسيا واهلند والربازيل واألرجنتني والسعودية‪،‬‬
‫ومفاجأته‪.‬‬
‫وغريها من الدول)‪ ،‬اليت اتفقت فميا بيهنا أن تقوم غرف التجارة والصناعة فهيا‬
‫بالتاكتف والتعاون هبدف تمنية التجارة واالستمثارات املشرتكة‪ ،‬وإزالة املعوقات‬ ‫لقد هداين ريب – سبحانه‪ -‬إىل القرار السلمي منذ بدأ الصخب يزتايد‪ ،‬وميأل‬
‫اليت تواجه انتقال العاملة أو البضائع بني تلك الدول‪.‬‬ ‫القاعة من حويل‪ .‬ونويت أن أنفذ قراري مبجرد انهتاء هذا اهلرج الذي اسمتر‬
‫حىت احلادية عرشة مساء‪..‬‬
‫التجمع أن تواجه تلك الدول ال‪ 15‬القوى االقتصادية‬‫ّ‬ ‫اكن اهلدف من ذلك‬
‫الكربى‪ ،‬اليت تتحمك يف توجيه السياسات واالسرتاتيجيات االقتصادية العاملية‪.‬‬ ‫يف منتصف الليل‪ ،‬أبلغت النيابة بلك ما حدث‪ ،‬وقرر رئيس النيابة إرسال‬
‫قوة من الرشطة محلاية مقر الغرفة املؤقت بشارع عبد العزيز‪ ،‬حيث اكن املبىن‬
‫استجبت لقرار الوزير د‪ .‬اجلوييل بعقد االجمتاع يف الوزارة‪ ،‬ولكين مل أستجب‬
‫الرئييس للغرفة بباب اللوق حتت التشطيبات والتجديدات‪.‬‬
‫لالقرتاح الذي تقدم به خصويم بأن يرأس أمني عام الغرفة ذلك االجمتاع‪ ،‬أو‬
‫وكيل وزارة المتوين‪ .‬رفضت ألين كنت الرئيس الرشيع املنتخب ملجلس إدارة‬ ‫يف الصباح الباكر‪ ،‬دخلت مكتيب يف محاية قوات األمن‪ ،‬وجاء لك املوظفني‬
‫الغرفة‪ ،‬فكيف حيق لغريي رائسة االجمتاع؟‬ ‫وبدأوا يزاولون أمعاهلم وأنشطهتم بشلك طبييع متا ًما‪ ،‬بيمنا خصويم الذين‬
‫أثاروا لك هذه املشكالت مل جيرؤ واحد مهنم عىل أن يقرتب من مقر الغرفة يف‬
‫وقبل الوزير‪ ،‬وقبل اعرتايض حني رآه منطق ًّيا‪ ،‬وبالفعل ترأست ذلك االجمتاع‬
‫ظل وجود قوات األمن تلك‪.‬‬
‫الفاصل‪..‬‬
‫يل جملس إدارهتا‪ ،‬وال‬
‫كنت أعرف متا ًما أن ما فعلوه غري رشيع‪ ،‬فالغرفة ال ُ َ‬
‫كنا عرشين عض ًوا يف جملس اإلدارة‪ 10 ،‬منتخبني‪ ،‬و‪ُ 10‬معينني‪ ،‬واكن من بني‬
‫ُتحسب الثقة من رئيهسا إال بوجود خمالفات مالية أو إدارية جسمية‪ ،‬وهذا مل يكن‬
‫األعضاء املنتخبني األستاذ «كرم زيدان» الذي اكن من فريق احللفاء املخلصني‪،‬‬
‫له أي وجود بفضل اهلل‪..‬‬
‫مريضا‪ ،‬واكن من الصعب أن حيرض االجمتاع لينارصنا يف هذه‬ ‫ً‬ ‫ولكنه اكن‬
‫املوقعة الفاصلة‪..‬‬ ‫ّ‬
‫عيل الدكتور أمحد اجلوييل –‬ ‫وظلت األمور متجمدة عىل هذا النحو حىت أشار‬
‫رمحه اهلل‪ -‬وزير المتوين يف ذلك الوقت أن يمت عقد اجمتاع لالقرتاع عىل حسب‬
‫اكنت اهلزمية لنا شبه مؤكدة إذا مل حيرض زيدان‪ ،‬فقد اكن هناك من فريقنا‬
‫الثقة من رائسيت ملجلس إدارة الغرفة‪ ،‬يف مقر الوزارة هبيئة السلع المتوينية‪.‬‬
‫من اسمتالته اجلهبة األخرى‪ ،‬حفىت حبضور كرم زيدان‪ ،‬كنا ‪ 9‬يوالون «العريب»‪،‬‬ ‫ً‬
‫طويل يف هذا االقرتاح‪ ،‬وبعد استخارة اهلل عز وجل قررت االستجابة لطلب‬ ‫فكرت‬
‫و‪ 11‬للفريق اخلصم‪..‬‬

‫‪297‬‬ ‫‪296‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وفوجئ أعضاء جملس اإلدارة يوم االجمتاع بدخول كرم زيدان؛ لقد اكنوا عىل‬ ‫ّ‬
‫عيل‬ ‫وألين تعملت يف مشوار حيايت أن أبارز ببسالة حىت الهناية‪ ،‬حني جيب‬
‫يقني من عدم قدرته عىل امليجء بسبب مرضه الشديد‪..‬‬ ‫املبارزة‪ ،‬وأال أضعف أو أتراىخ يف تلك املبارزة مادام يل أهداف نبيلة أريد‬
‫حتقيقها من وراهئا‪ ،‬ومادامت املنافسة رشيفة‪ ،‬والسباق فيه ندية وفرص متاكفئة‪.‬‬
‫أردت أن أعلن عن بدء االجمتاع بطريقة خمتلفة هتز ثقة خصومنا‪..‬‬
‫اكن البد من خوض املعركة حىت آخرها‪ ،‬من أجل االسمترار يف السيع‬
‫وبالفعل‪ ،‬فوجئ امجليع يب أبدأ االجمتاع برضبة قوية من يدي عىل طاولة‬
‫لتحقيق أهدافنا من معلنا يف الغرفة‪ ،‬فبدون إمكال املشوار مبا فيه تلك املبارزة‬
‫االجمتاع‪ ،‬مع صيحة قوية خرجت من قليب مبارشة‪ ،‬قلت‪« :‬بسم اهلل الرمحن‬
‫الفاصلة‪ ،‬فستنحرس األصوات العاقلة‪ ،‬وتتوارى الفروسية النبيلة‪ ،‬ويبىق فوق‬
‫الرحمي‪ ..‬يا اهلل‪ ،‬يا حنان يا منان‪ ..‬يا اهلل‪ ،‬يا حنان يا منان‪ ..‬يا اهلل‪ ،‬يا حنان‬
‫ساحة امللعب فقط من يريدون املناصب ملطامع خشصية خاصة‪ ،‬وال يرقبون يف‬
‫يا منان‪ ..‬نبدأ التصويت عىل بركة اهلل»‪.‬‬
‫معلهم املصاحل العامة للبسطاء من جتار البلد‪.‬‬
‫شعرت يف تلك اللحظات أن اهلل تعاىل نارصنا‪ ،‬برمغ تفوق خصومنا‪ ،‬فمل‬
‫نعم‪ ،‬قررنا إمكال املباراة حىت الهناية‪ ،‬رمغ ضعف احمتاالت فوزنا‪..‬‬
‫أكن قد رتبت هلذه البداية هنائ ًّيا‪ .‬نعم‪ ،‬مل أخطط أن أقول ما قلت‪ ،‬وال ختيلت أين‬
‫سأكون عىل ذلك الثبات‪ ،‬وتلك القوة يف ذلك املوقف الصعب‪ ،‬ولكنه التثبيت اإلهلي‪.‬‬ ‫٭٭٭‬
‫مع بداية التصويت‪ ،‬الحظت أن اخلصوم متوترون‪ .‬فوجئت هبم يطالبون‬
‫اليوم احلا�سم‪..‬‬
‫السكرترية بأصوات مرتفعة عصبية بأال محتل يف يدها أي يشء أثناء مرورها‬ ‫تصادف أن اكن وقت ذلك االجمتاع يف ع ّز الصيف‪ ،‬واكن كرم زيدان مريضا‬
‫علهيم بالصندوق الزجايج الذي يضعون فيه األوراق اليت ميلوئهنا!‪ .‬كأهنم‬ ‫طرحي الفراش يف اإلسكندرية‪.‬‬
‫يشكون أين رتبت معها مؤامرة لزتوير االقرتاع!‪ .‬فاكنت تبتسم يف هدوء‪ ،‬وتوحض‬‫ُّ‬
‫اتفقت مع احلاج أمحد العبد الذي اكن مع أرسته – قبل اجلولة الفاصلة‬
‫هلم أن يدها خالية متا ًما‪ ،‬عدا الصندوق الزجايج الذي محتله‪..‬‬ ‫بأيام‪ -‬يف الساحل المشايل‪ ،‬أن يرسل ابنه صالح لزيور األستاذ كرم‪ ،‬ليؤكد هيلع‬
‫أما حنن‪ ،‬فكنا األهدأ أعصا ًبا‪ ،‬ومل يكن التوتر يسيطر عىل أحد من فريقنا‪..‬‬ ‫رضورة حضور ذلك االجمتاع الفاصل‪ .‬وبالفعل ذهب إليه صالح‪ ،‬ولكن زوجة كرم‬
‫رفضت حضوره متا ًما‪..‬‬
‫بعد دقائق مت أخذ األصوات‪ ،‬وبدأت األنفاس تنحبس انتظا ًرا للنتيجة‪..‬‬
‫مث زاره ثانية احلاج أمحد يف مسكنه باإلسكندرية قبل االجمتاع بيومني‪ ،‬وأكد‬
‫مع إعالن النتيجة من القايض امللكف بذلك‪ ،‬فوجئ امجليع باألصوات عرشة‬
‫ثانية عىل رضورة احلضور للقاهرة ليلة االجمتاع‪..‬‬
‫ضد عرشة (!)‪.‬‬
‫حىك يل احلاج أمحد أن زوجة األستاذ كرم بكت حني رأت احلاج أمحد‬
‫اهلل أكرب‪ ،‬وهلل امحلد‪..‬‬
‫مرصا متا ًما عىل حضور زوجها االجمتاع‪ ،‬وقالت إنه مريض للغاية‪ ،‬فأفهمها‬ ‫ًّ‬
‫ماذا حدث؟! اهلل تعاىل وحده أعمل‪..‬‬ ‫احلاج أمحد أنه يستحيل أال حيرض‪ ،‬وأكد هلا احلاج أمحد أن ابنه صالح سريافق‬
‫هل ص ّوت أحدمه لصاحلنا عىل سبيل اخلطأ؟ أم أن هناك مهنم من تراجع‬ ‫األستاذ كرم يف رحلته إىل القاهرة‪ ،‬مث يعود معه بعد ذلك‪..‬‬
‫جفأة عن موقفه‪ ،‬وقرر أن ينارصنا؟!‬ ‫ريا وافقت‪..‬‬
‫وأخ ً‬

‫‪299‬‬ ‫‪298‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مصانعنا بقويسنا‪ ،‬واكن معه د‪ .‬أمحد نظيف رئيس الوزراء أيامها‪ ،‬وعدد كبري‬ ‫ال أفهم حىت اليوم ماذا حدث‪ ،‬ومل يدرك واحد من فريقنا – حىت اليوم‪ -‬الرس‬
‫من الوزراء واملسوئلني يف احلزب الوطين‪..‬‬ ‫يف ذلك‪..‬‬
‫بعدما رأى الرئيس ما وصل إليه مستوى التصنيع يف مصانع التلفزيون‬ ‫املهم أننا فزنا‪ ،‬فعند تعادل األصوات يصبح صوت الرئيس بصوتني حسب‬
‫بدل من أن هينئين عىل ذلك بأسلوب‬‫والثالجات والغساالت والتكييف‪ ،‬فوجئت به ً‬ ‫الالحئة‪.‬‬
‫يشد من أزرنا ويدفعنا لألمام‪ ،‬خاصة أين أخربته أن عدد العاملني يف املجموعة‬
‫حصت بفرحة‪« :‬امحلد هلل‪ ،‬تعادلت األصوات عرشة ضد عرشة‪ ،‬يبىق صوت‬
‫قد جتاوز العرشة آالف‪ ،‬ما بني مهندس وخبري وموظفني ومعال‪ ،‬إذا به يقول يل‬
‫الرئيس بصوتني‪ ..‬فاز فريق «العريب»‪ُ ..‬رفعت اجللسة! »‬
‫وحنن م ًعا يف املصعد‪ ،‬بصوت يثري الشك يف نواياه‪« :‬انت كربت قوي يا حاج‬
‫محمود!»‪..‬‬ ‫مقت مغاد ًرا االجمتاع‪ ،‬وقليب ينبض شك ًرا ومحدًا هلل‪ ،‬بيمنا راح خصومنا‬
‫أمخاسا يف أسداس!‪ ،‬لقد اكنت مفاجأة مذهلة للجميع بالفعل‪ ،‬حىت إن‬
‫ً‬ ‫يرضبون‬
‫فهمت قصده عىل الفور‪ ،‬فقد اكن يقصد أن مصانعنا قد توسعت‪ ،‬وأنه وحكوماته‬
‫خصومنا راح البعض مهنم يهتم البعض اآلخر باخليانة‪ ،‬والتصويت لصاحلنا‪..‬‬
‫املتوالية تركونا نعمل ونتقدم ونحجن دون مضايقات‪..‬‬
‫وما زلت ال أعرف ماذا حدث‪ ،‬سوى أن اهلل قد ق ّدر‪ ،‬وما شاء – سبحانه‪ -‬فعل‪.‬‬
‫لت عقيل برسعة ألجد الرد املناسب‪ .‬لقد اكن يعرف أننا نسدد لك ما علينا‬ ‫أع ُ‬
‫ْ‬
‫رتا واحدًا من أرض الدولة‬ ‫من رضائب قبل أي مستمثر آخر‪ ..‬ويعمل أننا مل نأخذ م ً‬ ‫إن السنوات اليت أمضيهتا يف الغرفة تعترب من أكرث سنوات حيايت عطا ًء‬
‫اكمل غري منقوص‪ ،‬ومكا حددته احلكومة متا ًما‪..‬‬ ‫ً‬ ‫إال وسددنا مثنه‬ ‫ومعل‪ ،‬برمغ أهنا أقل السنوات اليت استفادت فهيا رشكة «العريب» من جهودي‪،‬‬ ‫ً‬
‫ريا‪،‬‬ ‫ريا كث ً‬
‫ولكين مل أندم أبدًا عىل هذا‪ ،‬خاصة أن اهلل تعاىل قد عوضين خ ً‬
‫قرضا من بنك مرصي‪ ،‬إال وسددنا لك أقساطه –‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أيضا أننا مل نأخذ‬ ‫يعمل‬
‫بعد خرويج من الغرفة وعوديت هنائ ًّيا لقيادة سفينة «العريب»‪ ،‬وعودة لك وقيت‬
‫بفضل اهلل‪ -‬يف املواعيد احملددة‪ ،‬بل وأحيا ًنا كثرية قبل أن حيل وقهتا‪ ،‬حىت‬
‫مرشوعا‬
‫ً‬ ‫ليكون يف صاحل الرشكة‪ ،‬لدرجة أننا بدأنا نفتتح يف لك عام – تقري ًبا‪-‬‬
‫نتجنب أخطار السقوط حتت سيف الفوائد الاكرثية‪..‬‬
‫جديدًا يف قويسنا‪ ،‬ومل يكن هذا هو احلال أيام انشغايل يف الغرفة‪ ،‬وامحلد هلل‬
‫أسع أبدًا إىل منصب سيايس‪ ،‬بل كنت دو ًما أخاف من تأثري‬‫َ‬ ‫مث إنين مل‬ ‫رب العاملني‪.‬‬
‫السياسة السلبية عىل العمل التجاري والصنايع‪ ..‬فمب أجيبه؟!‬ ‫٭٭٭‬
‫اكن ردي عىل الرئيس األسبق‪« :‬يا ريس أنا لك مايل واستمثارايت جوه البلد‪،‬‬ ‫يف جمـل ــ�س ال�ش ـ ـعـ ــب‬
‫لكها مصانع بنش ّغل فهيا الناس وبننفعهم‪ ،‬وماليش وال جنيه واحد بره مرص»‪،‬‬ ‫لدي أية مطوحات حنو العمل السيايس‪ ،‬بل كنت أنصح أي تاجر أو‬ ‫مل يكن َّ‬
‫فمل يرد؛ فكأنين أرشت – دون قصد رصاحة‪ -‬إىل الكثريين من املسوئلني الذين‬ ‫مستمثر ناحج بأن ينأى بنفسه بعيدًا عنه‪ ،‬ألنه يفسد األمعال واالستمثارات‪،‬‬
‫رسقوا أموال البلد‪ ،‬وأخذوا القروض من البنوك‪ ،‬وباعوا أصول القطاع العام‬ ‫وقد ثبتت هذه الرؤية متا ًما مع من خلطوا بني االستمثار واالخنراط يف العمل‬
‫ليحصلوا عىل معوالت مخضة ال حق هلم فهيا أبدًا‪ ،‬مث ف ّروا وه ّربوا أمواهلم معهم‬ ‫ستوسع من نطاقات جناحهم‪،‬‬ ‫السيايس بلك آلياته‪ ،‬ومه يتخيلون أن السياسة‬
‫ّ‬
‫إىل اخلارج‪..‬‬ ‫مفا اكن إال أهنا أخذت األمعال واالستمثارات‪ ،‬وتبخرت مجي ًعا‪..‬‬
‫مل يكن هناك سبب ميكن أن يدفعين إىل تغيري رأيي يف االشتغال بالسياسة‬ ‫أتذكر يف هشر فرباير ‪ ،2005‬عندما زار الرئيس السابق ‪ -‬حسين مبارك‪-‬‬

‫‪301‬‬ ‫‪300‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫السياسة‪ ،‬واالكتفاء بالعمل التجاري والصنايع‪ ،‬وخدمة التجار عن طريق غرفة‬ ‫إال أمر واحد فقط‪ ،‬وهو أن تكون هناك ضغوط ُعليا‪ ،‬من كبار املسوئلني يف البلد‪،‬‬
‫التجارة‪.‬‬ ‫مما قد يفسد علينا أمعالنا التجارية والصناعية‪ ،‬مبا اكن لدهيم من سلطات ال‬
‫حدود هلا‪ ،‬خاصة يف ظل قانون الطوارئ الذي اكنوا هيددون به الناس األبرياء‪..‬‬
‫مل تفلح لك جهودمها يك أنضم للحزب الوطين وأقبل الرتحش ملقعد امجلالية‪،‬‬
‫ويف الهناية استسملا وقبال اعتذاري بروح رياضية‪ ،‬وغادرت املاكن وأنا واثق أين‬ ‫لألسف‪ ،‬اكن أغلب من حيركون خيوط العمل السيايس يتعاملون مع الناس‬
‫قد فعلت الصواب‪ ،‬واختذت القرار السلمي‪.‬‬ ‫مكن نيس متا ًما أن هناك ر ًّبا قاد ًرا مهمي ًنا عىل هذا الكون‪ ،‬وأنه عدل يقتص‬
‫للك مظلوم ممن ظمله‪ ،‬عىل مستوى الكون لكه‪ ،‬وليس فقط يف عاملنا األريض‬
‫مرت األيام‪ ،‬ونسيت األمر‪ .‬وبعد ثالث سنوات‪ ،‬أي يف عام ‪ 1987‬طعن الربملاين‬
‫احملدود‪..‬‬
‫البارز األستاذ مكال خالد – رمحه اهلل‪ -‬يف رشعية الربملان‪ ،‬بسبب عدم دستورية‬
‫القانون الذي مت به انتخاب األعضاء عىل أساس القامئة النسبية‪.‬‬ ‫٭٭٭‬
‫عيل أن أنضم ملجلس الشعب عن احلزب الوطين هو حمافظ‬ ‫ّ‬ ‫اكن أول من عرض‬
‫وبالفعل قضت احملمكة الدستورية بعدم دستورية ذلك القانون وبالتايل عدم‬
‫رشعية الربملان لكه‪ ،‬فأصدر رئيس امجلهورية قرا ًرا حبل جملس الشعب‪ ،‬وإجراء‬ ‫القاهرة الفريق سعد مأمون – رمحه اهلل‪ -‬ولكين أبديت له اعتذاري وأوحضت‬
‫انتخابات جديدة يف ظل قانون جديد مت تعديل وضع القوامئ فيه‪..‬‬ ‫له أن معيل يأخذ لك وقيت‪ ،‬سواء يف التجارة والصناعة‪ ،‬أو يف غرفة التجارة‪.‬‬

‫يف عام ‪ ،1987‬فوجئت باتصال هاتيف من ضابط يف أمن الدولة (هو العقيد‬ ‫وقبل الرجل اعتذاري‪..‬‬
‫مدحت عبد امحليد الذي حرض اللقاء األول مع الوزير رشوان وحمافظ القاهرة‪،‬‬ ‫مث حدث أثناء االستعداد النتخابات جملس الشعب لعام ‪ ،1984‬أن طلب األستاذ‬
‫ولكنه مل يتلكم يف ذلك اللقاء هنائ ًّيا‪ ،)..‬يطلب مين أن أزوره يف مكتبه بوزارة‬ ‫فؤاد رساج الدين زعمي حزب الوفد لقايئ‪ ،‬ومكا توقعت طلب مين االنضامم‬
‫الداخلية بالظوغيل‪.‬‬ ‫عيل دخول االنتخابات يف قامئته عن دائرة امجلالية عن مقعد‬‫ّ‬ ‫للحزب‪ ،‬واقرتح‬
‫ً‬
‫بشوشا‪ ،‬وإذا به يطرح‬ ‫ً‬
‫هادئ‬ ‫ذهبت يف املوعد الذي اتفقنا هيلع‪ ،‬وهناك وجدته‬ ‫الفائت‪ ،‬حبيث يكون ميع دمحم «املاليك» عن مقعد العامل‪ .‬ولكين رفضت ذلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عيل‪ ،‬الذي اكنت له مهابة حقيقية‪،‬‬ ‫العرض الكرمي ً‬
‫أيضا‪ ،‬برمغ إحلاح رساج الدين‬
‫الرتش عن دائرة امجلالية‪ ،‬ولكن بصيغة أخرى‪ ،‬وبأسلوب‬ ‫عيل نفس األمر‪:‬‬
‫خمتلف متا ًما‪.‬‬ ‫مكا أن حلزبه العريق تارخيه الذي ال خيىف عىل أحد‪.‬‬

‫إيل بأن حىك يل موقف عدد من الدوائر االنتخابية‬ ‫بدأ العقيد مدحت حديثه ّ‬ ‫عمل املسوئلون باحلزب الوطين مبا دار بيين وبني زعمي الوفد‪ ،‬ففوجئت بدعوة‬
‫بالقاهرة‪ ،‬اكنت متثل نقاط ضعف شديدة‪ .‬أذكر مهنن اآلن ثالثة مقاعد‪ ،‬األول‬ ‫للقاء وزير الدولة لشوئن جمليس الشعب والشورى دمحم رشوان‪ ،‬الذي اكن أمي ًنا‬
‫مقعد يف دائرة عني مشس بسبب قوة املرحش «خمتار نوح»‪ ،‬والذي اكنت له‬ ‫للحزب الوطين يف القاهرة‪ ،‬ومعه حمافظ القاهرة اللواء يوسف صربي أبو طالب‪،‬‬
‫شعبية كبرية كداعية إساليم حمبوب‪ ،‬وعملت أهنم اختاروا ملواجهته العب الكرة‬ ‫والذي اكن يف ذلك الوقت قد تسمل منصبه مكحافظ للقاهرة منذ أيام معدودة‪.‬‬
‫«محمود اخلطيب» لشعبيته الطاغية‪ ،‬ولكن اخلطيب مل يقتنع باملوضوع برمته‪ ،‬ومل‬ ‫ذهبت إلهيام‪ ،‬يف املقر الرئييس للحزب الوطين‪..‬‬
‫يقبل الرتحش‪.‬‬
‫ظل الوزير رشوان واحملافظ أبو طالب يسعيان إلقنايع باكفة الوسائل يك‬
‫واكنت هناك مشلكة أخرى أقوى‪ ،‬يف دائرة الدرب األمحر‪ ،‬واليت اكن يفوز فهيا‬ ‫أقبل الرتشيح عن احلزب الوطين‪ ،‬ولكين تشبثت برأيي برفض دخول جمال‬

‫‪303‬‬ ‫‪302‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مث انتقل لوصلة أخرى من الدهاء‪..‬‬ ‫مئا أهشر عضو برملاين يف تارخي مرص احلديث‪ ،‬وهو األستاذ القدير «علوي‬ ‫دا ً‬
‫يرش املمثل عادل إمام نفسه أمامه‪ ،‬ولكن عادل رفض متا ًما‪،‬‬ ‫حافظ»‪ ،‬ففكروا أن ّ‬
‫قال يل‪ :‬إهنم يريدون يف احلزب الوطين حال ًّيا من خيدم يف جملس الشعب‬
‫وأكد هلم أن جنوميته ستتأثر لو دخل باب السياسة خاصة عن طريق جملس‬
‫دون مطع يف يشء‪ ،‬يريدون «ناس شبعانة»‪ ،‬تعيط وال تأخذ‪ ،‬مث إهنم ‪ -‬يف‬
‫الشعب‪ .‬ولقد فاز علوي – رمحه اهلل‪ -‬يف االنتخابات بذلك املقعد كعادته‪.‬‬
‫احلزب‪ -‬سيرتمجون رفضك عىل أن هذا احلزب ميلؤه الفساد والعفن‪ ،‬وال يليق أن‬
‫تنضم له‪ ،‬وأن ختدم الناس من خالله‪!..‬‬ ‫ّ‬
‫عيل‬ ‫مث ذكر يل املقعد الثالث الذي يواجه متاعب‪ ،‬يف دائرة امجلالية‪ ،‬وعرض‬
‫أن أترحش هلذا املقعد عن الفائت‪..‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ومع ذلك األسلوب من ذلك الضابط اخلبري احملنّك‪ ،‬مل يطل اعرتايض‬
‫وأعلنت له موافقيت برشط أن يكون من حيق االستقالة إن مل تعجبين التجربة‪،‬‬ ‫ومكا حدث من قبل‪ ،‬أعلنت رفيض القاطع‪ ،‬وأكدت له أين ال أحب الدخول‬
‫فأكد يل أن ذلك حق يكفله يل الدستور‪..‬‬ ‫إىل جمال السياسة‪ ،‬وأنه من الثوابت يف رشكة «العريب» أال نتدخل يف الشأن‬
‫السيايس‪ ،‬ويكفيين ما أواجهه من متاعب من معيل اخلديم العام بغرفة التجارة‪.‬‬
‫م ّد العقيد مدحت ميناه ليقرأ ميع سورة الفاحتة‪ ،‬وبالفعل قرأناها عىل ذلك‬
‫االتفاق‪.‬‬ ‫ذكر يل مدحت أنه يعرف أين ال أحب العمل السيايس لعدم نقاء األجواء‬
‫بعد أيام فوجئت باتصال من لواء رشطة‪ ،‬خيربين أنه سيأيت ّ‬ ‫احمليطة به‪ ،‬وأكد يل أنه واثق متا ًما أين عىل حق يف ذلك‪ ،‬ولكن دخول رشفاء‬
‫إيل يف مكتيب‬
‫ً‬
‫طويل عن أن ترك الرشفاء‬ ‫ً‬
‫فشيئ‪ .‬وراح يتحدث‬ ‫ً‬
‫شيئ‬ ‫إىل ذلك العمل قد ُين ّقيه‬
‫باملوسيك ليرشب ميع فنجان شاي‪ ،‬ومل خيربين ماذا يريد غري الشاي! ولكين‬
‫للساحة السياسية ليلعب فهيا املنتفعون والوصوليون فقط‪ ،‬ويصول وجيول فهيا‬
‫توقعت أن تكون لزيارته عالقة مبوضوع جملس الشعب‪..‬‬
‫املتسلقون واالنهتازيون‪ ،‬الذين ال يعملون لصاحل الشعب‪ ،‬بل يستفيدون من‬
‫جاءين وهو حيمل أوراق عضوية احلزب الوطين‪ ،‬وبطاقة انتخابية‪ ،‬وبدأ‬ ‫مناصهبم‪ ،‬ويستمثرون جهود غريمه‪ ،‬لك ذلك سيؤدي بنا يف هناية األمر إىل‬
‫حيادثين يف لك تفاصيل العملية االنتخابية وما جيب أن أفعله فهيا‪..‬‬ ‫مأساة‪ ،‬يف مرص لكها‪..‬‬
‫أيضا أخربين أن احلزب قرر أن أترحش لملقعد الفردي يف امجلالية‪ ،‬فقلت‬ ‫ً‬ ‫ثبت عىل موقيف الرافض‪ ،‬وإن كنت قد بدأت ّ‬
‫أفكر‬ ‫ولكنين‪ ،‬برمغ منطقه القوي‪ُّ ،‬‬
‫هلم‪ :‬إنين سأنفق بنفيس عىل محليت االنتخابية‪ ،‬فكيف ال تضعونين يف القامئة؟‬ ‫يف األمر‪..‬‬
‫وليكن غريي ممن سيتوىل احلزب اإلنفاق عىل محلهتم يف املقعد الفردي‪.‬‬
‫هنا بدأ يف العزف عىل وتر مؤثر بالنسبة يل‪ ،‬سألين‪ :‬ملاذا أرفض العمل من‬
‫غيوا خطهتم يف تلك الدائرة‪ ،‬فرفعوا فتيح رسور من القامئة‬ ‫وبالفعل‪ّ ،‬‬ ‫أجل إعالء لكمة احلق‪ ،‬وإرساء قمي العدل واملساواة‪ ،‬والسيع للقضاء عىل معاناة‬
‫ووضعوه عىل املقعد الفردي‪ ،‬ووضعوين ماكنه (اكن ميع يف تلك القامئة‪ :‬قامئة‬ ‫الفقراء وأحصاب احلاجات من شعب مرص؟‬
‫مجعتين مع‪ :‬آمال عمثان‪ ،‬ونوال عامر‪ ،‬وعبد العزيز مصطىف‪ ،‬وسيد زيك)‪..‬‬
‫مث أهنى العقيد مدحت اجلولة لصاحله‪ ،‬حني قال بثقة بأين أمعل بالفعل يف‬
‫وبالفعل حجنت ودخلت جملس الشعب ألول مرة ‪ -‬وآخر مرة‪ -‬يف حيايت!‬
‫السياسة‪ ،‬وسألين‪ :‬ألست تسىع ملعاونة الناس بإجياد وسيلة معل كرمية هلم؟ ألست‬
‫مل أنفق إال القليل عىل الدعاية االنتخابية‪ ،‬لقد ّ‬
‫تول الكثريون من جتار املوسيك‬ ‫تعمل عىل تشغيل أكرب عدد ممكن من أبناء قريتك وبلدك يف مصانعك ومرشوعاتك؟‬
‫ذلك األمر‪ ،‬فقد بادروا بتعليق الفتات املبايعة يل‪ ،‬وكثريون مهنم طبعوا ملصقات‬ ‫أيضا‪ -‬صو ًتا للك أهل دائرة امجلالية – جريانك‪ -‬لتأيت‬
‫أليس من األجدى أن تكون – ً‬
‫عىل نفقاهتم اخلاصة‪ ،‬وعلقوها عىل احلوائط‪..‬‬ ‫وتوصل أصواهتم إىل أحصاب القرار يف الدولة؟!‬ ‫ّ‬ ‫حبقوقهم من احلكومة‪،‬‬

‫‪305‬‬ ‫‪304‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫بعد عدة أهشر من دخويل الربملان‪ ،‬اتصلوا بسائيق – الغندور‪ -‬ليخربوه أين‬ ‫وجاء وقت االنتخابات‪ ،‬واكن إقبال الناس – اكلعادة‪ -‬ضعي ًفا‪ ،‬لقد اكن عدد‬
‫ال أذهب ألحصل عىل مستحقايت املالية‪ ،‬سواء الهشرية‪ ،‬أو ماكفآت حضور‬ ‫قليل من املرصيني مه الذين لدهيم بطاقات انتخابية‪ ،‬ونسبة أقل مهنم مه الذين‬
‫ً‬
‫تفويضا موق ًعا مين للحصول عىل هذه األموال‪ ،‬وأمرته أن‬ ‫اجللسات‪ .‬فأعطيت له‬ ‫يشاركون يف االنتخابات‪ .‬اكن الناس اليثقون يف صدق العملية االنتخابية ب ُر ّمهتا‪..‬‬
‫يضعها يف «تابلوه» السيارة لنوزعها كصدقات‪..‬‬
‫ومع ذلك كنا جند نسبة املشاركة قد خرجت يف وسائل اإلعالم بأرقام كبرية‪،‬‬
‫٭٭٭‬ ‫وذلك بالطبع اكن من أمه األدوار اليت أتقهنا واحرتفها رجال احلزب الوطين يف‬
‫إنين أرفض متا ًما أن ُيىل عىل التجار نسبة حمددة كهامش الرحب‪ ،‬برمغ‬ ‫ذلك العهد‪..‬‬
‫ريا ما َّ‬
‫فضلنا أسلوب مع «رزق» يف التجارة‪ ،‬حيث نرحب‬ ‫أننا – ومكا قصصت‪ -‬كث ً‬ ‫وبالفعل حجنت ودخلت جملس الشعب يف عام ‪ ،1987‬نفس العام الذي حجنت‬
‫ريا‪..‬‬ ‫ً‬
‫قليل لنبيع كث ً‬ ‫فيه كرئيس لغرفة جتارة القاهرة‪..‬‬
‫إن حتديد هامش الرحب ال تعرفه أصول التجارة السلمية‪ ،‬ومل حيدده الرشع‬ ‫٭٭٭‬
‫ً‬
‫شيئ فيه خري إال وحتدث فيه وقال فيه لكمته‪،‬‬ ‫اإلساليم احلنيف‪ ،‬وديننا مل يرتك‬
‫فكيف يتغاىض عن مثل هذا األمر اهلام إن اكن له وجود من األساس؟‬
‫تـحـ ــت ق ـبـ ــة الربملان‪..‬‬
‫لو اكن هناك حتديد هلامش الرحب يف اإلسالم‪ ،‬ملا بلغ عبد الرمحن بن عوف –‬ ‫حريصا عىل حضور الكثري من جلسات تلك الدورة الوحيدة اليت حصلت‬ ‫كنت‬
‫ً‬
‫ريض اهلل عنه‪ -‬مبلغ أغىن األغنياء يف املدينة املنورة‪ ،‬رمغ أننا نعمل أنه مل يكن‬ ‫فهيا عىل لقب «سيادة النائب‪ ،»!..‬برمغ انشغايل الشديد يف غرفة التجارة‪ ،‬ويف‬
‫ميتلك أي مال حني وصل إىل املدينة‪ .‬فهل لو اكن هناك حتديد هلامش الرحب‪ ،‬اكن‬ ‫مرشوعاتنا الصناعية‪ ،‬وأمعالنا التجارية‪.‬‬
‫سيصبح من األثرياء يف غضون عدة سنوات؟ لذا فقد رفضت قرار أحد وزراء‬
‫التجارة والمتوين بتحديد نسبة هامش الرحب‪ ،‬بغض النظر عن الرمق الذي حدده‪،‬‬ ‫اكنت يل مشاراكت ومداخالت وطلبات إحاطة‪ ،‬ولكن مع الوقت وجدت أن وقيت‬
‫فال يصح إال الصحيح‪ ،‬والصحيح أنه ال ميكن حتديد هامش األرباح وتوحيده للك‬ ‫يضيع يف تلك اجللسات اليت ال تضيف أي يشء ذي أمهية‪ ،‬فقد اكنت املسألة‬
‫التجار‪ ،‬هذا يفسد السوق متا ًما‪ .‬وملاذا نرىض بأية قرارات تفسد علينا أسواقنا‪،‬‬ ‫لكها تبدو حمض ديكورات للدميقراطية املزعومة اليت كنا حنياها‪.‬‬
‫اليت يكون رواجها وحركهتا والتنافس بني التجار فهيا‪ ،‬لكه يف صاحل املواطن‬ ‫لقد اكن أغلب الوقت الذي نقضيه حتت قبة الربملان وق ًتا ُمهد ًرا‪ ،‬فال جدية يف‬
‫املرصي؟!‬ ‫االجمتاعات‪ ،‬وال بناء حقيق ًّيا للبلد‪ ،‬وال ترشيع يسىع إلقامة دولة قوية‪ ،‬ورمغ ذلك‬
‫كنت أتعجب وأنا حتت قبة الربملان‪ ،‬ملاذا أجد هؤالء القوم معظم الوقت يقفون مع‬ ‫علـي الوفاء بتعهدايت حنو من اختاروين ألمثلهم يف الربملان‪ ،‬فأنشأت‬ ‫َّ‬ ‫اكن لزا ًما‬
‫أي مرشوع قانون يفسد عىل جتار مرص وصنّاعها الرشفاء أمعاهلم ومصاحلهم‪،‬‬ ‫مكت ًبا خلدمة املواطنني يف شارع السبع قاعات البحرية باملوسيك‪ ،‬جئت مبدير له‪،‬‬
‫بيمنا كنا جندمه ضد أي رأي حيمل يف طياته ح ًّقا ُمهد ًرا هلذا الشعب الطيب‬ ‫هو اللواء طلعت حسني عضو جملس قيادة الثورة‪ ،‬مكا ذكرت آن ًفا‪..‬‬
‫الصابر‪..‬؟‬ ‫كنت أتردد عىل ذلك املكتب بني احلني واآلخر‪ ،‬ألبارش طلبات أهايل الدائرة‪ .‬كنت‬
‫كنت أعرف أهنم يظنون أن عودة احلقوق ألحصاهبا تتناقض مع مصاحلهم‪،‬‬ ‫أقوم بتقسمي وقيت بني لك ما لدي من مسوئليات وأنشطة‪ ،‬واكن اهلل تعاىل يوفقين‪،‬‬
‫واكن هذا التفكري الشاذ هو السائد لألسف حتت قبة الربملان‪ ،‬إال ما رمح ريب‪.‬‬ ‫ولكين يف تلك الفرتة‪ ،‬كنت أشعر باإلجهاد الشديد من ضغط العمل املسمتر‪..‬‬

‫‪307‬‬ ‫‪306‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫�ضريبة املبيعات‪..‬‬ ‫ّ‬


‫عيل نتيجة كمتاين لهشادة احلق‪ ،‬ذلك الكمتان‬ ‫لقد شعرت بإمث واحض يقع‬
‫أثناء تلك الدورة الربملانية الوحيدة اليت عايشهتا حتت قبة الربملان‪ ،‬اكنت هناك‬ ‫الذي ح ّذر منه القرآن الكرمي يف أكرث من موضع يف كتاب اهلل تعاىل‪ .‬فقررت أن‬
‫أيضا مشلكة قانون رضيبة املبيعات‪ ،‬والذي اكد أن يقيض عىل مصاحل مائت‬ ‫ً‬ ‫أص َد َع باحلق بقدر استطاعيت‪..‬‬
‫ً‬
‫واحضا متا ًما من خالل غرفة التجارة‪ ،‬وحتت‬ ‫اآلالف من التجار‪ ،‬واكن موقيف منه‬ ‫من موقيع يف الربملان‪ ،‬اقرتحت علهيم يف قضية رشاكت توظيف األموال (الريان‬
‫نل صغار التجار واملصنّعني ما ال يطيقون‪..‬‬ ‫قبة جملس الشعب‪ :‬أال ُ ّ‬ ‫والسعد والرشيف‪ )..‬أن يمت حتويل تلك الرشاكت إىل رشاكت مسامهة مرصية‪،‬‬
‫مرة أخرى‪ ،‬أعلنت رفيض للرضيبة يف أثناء مناقشة القانون يف جلسات‬ ‫حبيث يصبح لك مودع مسامهً ا يف الرشكة فال تضيع بذلك حقوق الناس‪ ،‬وأن يمت‬
‫جملس الشعب‪ ،‬ولألسف مرروا القانون رمغ لك االعرتاضات املنطقية‪..‬‬ ‫تقسمي املودعني إىل فئتني‪ ،‬فئة من أودعوا أقل من عرشة آالف جنيه‪ ،‬فيمت إعادة‬
‫أمواهلم عىل مدى مخس سنوات ً‬
‫مثل‪ ،‬وفئة املودعني بأكرث من ذلك‪ ،‬فيأخذون نسبة‬
‫كنت قد اقرتحت عىل احلكومة مرا ًرا‪ ،‬أن يمت احلصول عىل الرضيبة من املنبع‪،‬‬
‫حمددة من أمواهلم سائلة‪ ،‬والبايق يمت حساب نصيهبم من مجموع األهسم اللكية‬
‫فال نلكف صغار التجار وأحصاب احملال الصغرية واألكشاك ماال يطيقون‪ ،‬ولكن‬ ‫للرشكة‪ ،‬وبالتايل يتحولون إىل مسامهني يف الرشكة ً‬
‫بدل من أن تضيع أمواهلم‪.‬‬
‫كأنين كنت أؤذن يف مالطة‪ ،‬فمل يلتفت أحد إىل اعرتاضايت املتكررة خبطورة تلك‬
‫الرضيبة عىل االقتصاد املرصي‪.‬‬ ‫وفوجئت هبم خيربونين رصاحة أن قرار اإلجهاز عىل تلك الرشاكت (أو‬
‫«ذحبها» إذا أردنا احلقيقة والدقة) هو قرار «سيادي» قد صدر من اجلهات العليا‬
‫اكن صدور قانون رضيبة املبيعات يف سنة ‪ ،1991‬واسمتر العمل به حىت سنة‬
‫يف الدولة وال ميكن الرتاجع عنه (!)‪ ،‬ومل يسمتعوا أبدًا إىل حتذيرايت وميع‬
‫ريا‪ -‬الرجوع عن ذلك القانون اجلائر‪،‬‬
‫‪ ،2005‬واليت فهيا قررت احلكومة – أخ ً‬
‫بعض الزمالء الرشفاء‪ ،‬ممن حاولوا أداء دورمه بأمانة حتت قبة الربملان‪ .‬اكنت‬
‫والعمل مبا ناديت به مرا ًرا‪..‬‬
‫ستدر‪ ،‬وأهنا ستضيع أدراج الرياح‬ ‫حتذيراتنا املتكررة تؤكد أن أموال الناس ُ‬
‫يف هشر مايو ‪ ،2001‬استضافين اإلعاليم «محدي قنديل» يف حلقة تلفزيونية‬ ‫هبذا اإلرصار غري املُربر لذحب تلك الكيانات االقتصادية العمالقة‪ ،‬وبشلك فيه جعلة‬
‫من برناجمه الهشري «رئيس التحرير»‪ ،‬ألحتدث عن موقيف من رضيبة املبيعات‪،‬‬ ‫وهرولة غري مربرة‪..‬‬
‫وذكرت توقعايت بتدهور أحوال التجار‪ ،‬كبريمه وصغريمه يف ظل ذلك القانون‬
‫اكن من الواحض أن هناك جهات وأصابع خارجية تسىع لرضبة قامصة‬
‫اجلائر‪.‬‬
‫لالقتصاد املرصي من خالل االستيالء عىل تلك املليارات من أموال الشعب‪ ،‬اليت‬
‫رص عىل رفض القانون مهام‬ ‫أوحضت له أنين كرئيس لغرفة جتارة القاهرة ُأ ّ‬ ‫أساسا قو ًّيا لهنضة اقتصادية مرصية شاملة‪ ،‬لو أحسن‬‫ً‬ ‫اكن ميكن أن تكون‬
‫أرصت احلكومة عىل االسمترار فيه (رمغ أين كتاجر وكصانع ألزتم به متا ًما‪،‬‬ ‫املسوئلون التعامل معها‪ ،‬بأمانة وإخالص‪ ،‬كقضية مصريية اسرتاتيجية اليصح‬
‫وحنن كنا أول من يو ّرد ما للدولة – بسببه‪ -‬يف لك سنة‪ ،‬بل ونساعد لك من يتعاون‬ ‫أن يمت معاجلهتا هبذا األسلوب االرجتايل السفيه‪..‬‬
‫وأيضا أوحضت موقيف من احتاد غرف‬ ‫ً‬ ‫معنا من التجار يف أداء ما علهيم للدولة)‪،‬‬
‫اكنت تلك القضية‪ ،‬وأسلوب تعامل كبار املسوئلني معها‪ ،‬سب ًبا يف انهتاء أميل‬
‫التجارة املرصية‪ ،‬والذي اكن له – لألسف‪ -‬موقف سليب يف تلك الفرتة‪ ،‬حيث أ ّيد‬
‫يف أي نفع ُيرىج من العمل الربملاين‪ ،‬وازداد شعوري بالغربة عن ذلك املجلس‪،‬‬
‫الرضيبة‪ ،‬ورأى املسوئلون يف االحتاد أنه من حق الدولة تنفيذه‪ ،‬رمغ أن الرضر‬
‫حىت أين نويت مغادرته بال رجعة‪..‬‬
‫وصل إىل أكشاك احللوى واملياه الغازية‪ ،‬اليت خضع أحصاهبا للقانون! ألن جحم‬
‫أمعاهلا اكن يتعدى احلد األدىن الذي وضعه القانون ملن يرسي هيلع‪ ،‬وهو ‪150‬‬ ‫٭٭٭‬

‫‪309‬‬ ‫‪308‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ً‬
‫ضاحك‪:‬‬ ‫أثناء تلك الدورة الربملانية‪ ،‬كنت لكام رأيت العقيد مدحت أقول له‬ ‫ألف جنيه يف السنة‪..‬‬
‫يغي أي‬
‫بادن يف مالطة‪ ،‬وما فيش حد عايز َّ‬ ‫«منك هلل‪ ،‬أنا تعمل َّ‬
‫يف كدا؟! دا أنا َّ‬ ‫ريا عند مجوع التجار يف مرص لكها‪ ،‬حىت إن‬ ‫اكنت حلقة ساخنة القت صدى كب ً‬
‫حاجة‪.»!..‬‬
‫خارجا‬
‫ً‬ ‫ريا بعد إذاعة احللقة بأيام‪ ،‬يصور بلطج ًّيا‬
‫مصطىف حسني‪ ،‬رمس اكرياكت ً‬
‫لقد أيقنت بعد جتربة عضوية جملس الشعب أنه من املستحيل أن مجتع بني‬ ‫عن القانون قد خطف وزير املالية حينئذ د‪ .‬مدحت حسنني‪ ،‬وميسك بالتليفون ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫التجارة (أو االستمثار بشلك عام) وبني السياسة هبذا الشلك الرديء‪ ،‬دون أن‬ ‫«أيوه يا محمود يا عريب‪ ،‬إحنا خطفنا الوزير‪ ،‬حاتدفع الفدية وال نسيبه؟!»‪.‬‬
‫يأيت أحدمها عىل اآلخر‪..‬‬
‫بالطبع زادت حلقة محدي قنديل‪ ،‬مث اكرياكتري مصطىف حسني من حساسية‬
‫أحل عيل رئيس الوزراء السابق د‪.‬أمحد نظيف ليك يزنل ابين‬‫وباملناسبة‪ ،‬فقد َّ‬ ‫خشصا غري مرغوب فيه‪ ،‬ال يف‬
‫ً‬ ‫موقيف مع قيادات احلزب الوطين‪ ،‬وأصبحت‬
‫األكرب م‪ .‬إبراهمي العريب مكرحش للحزب الوطين عن دائرة أمشون منوفية‪ ،‬يف‬ ‫احلزب‪ ،‬وال يف جملس الشعب‪ ..‬ومحدت اهلل أهنم قد بدءوا بالفعل يفكرون يف‬
‫انتخابات الربملان لعام ‪ ،2010‬إال أين أبلغته بقراري احلامس يف مسألة العودة‬ ‫إبعادي عن جملس الشعب‪..‬‬
‫للسياسة أو انضامم أحد أبناء عائلة «العريب» ألي حزب أو تيار سيايس‪.‬‬
‫وحدث أثناء مناقشة قضية رضيبة املبيعات يف جملس الشعب أن جاء الرئيس‬
‫السابق مبارك لزيور جلان جملس الشعب‪ ،‬وبعد أن م ّر عىل عدة جلان‪ ،‬جاء دورنا‬
‫يف جلنة التجارة والصناعة‪..‬‬
‫ظللت أرفع يدي ألتلكم يف قضية رضيبة املبيعات‪ ،‬حيث اكنت ذائعة يف تلك‬
‫األيام‪ ،‬واكن لك قادة احلزب الوطين‪ ،‬مبن فهيم الرئيس نفسه‪ ،‬يعرفون موقيف‬
‫الواحض احلامس مهنا‪..‬‬
‫لذلك‪ ،‬لكام رفعت يدي ليمسحوا يل مبداخلة مع الرئيس يك أوحض موقيف من‬
‫القضية بشلك مبارش‪ ،‬جتاهلين رئيس الوزراء – د‪.‬عاطف صديق‪ -‬وكذلك فعل‬
‫إلـي أي مهنام هنائ ًّيا‪ ،‬حىت غادر مبارك القاعة‪..‬‬
‫رئيس اللجنة‪ ،‬مل يلتفت َّ‬
‫وجه رئيس اللجنة احلديث إلـي ً‬
‫قائل – بعد مغادرة الرئيس!‪« :-‬ها‪ ،‬يا حاج‬ ‫هنا َّ‬
‫َّ‬
‫بامسا‪« :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬أنا‬
‫ً‬ ‫محمود‪ ،‬اتفضل اتلكم‪ ،‬أنا كنت شايفك رافع إيدك!»‪ ،‬فقلت له‬
‫مارفعتش إيدي خالص‪ ..‬السالم عليمك»‪ ..‬وخرجت من القاعة‪ ،‬ومن جملس الشعب‬
‫لكه‪.‬‬
‫بالفعل‪ ،‬قررت جهر جملس الشعب‪ ،‬من تلك اللحظات اليت ظهر فهيا متا ًما أهنم‬
‫ال يريدون إال كومبارس أو «مانياكنات» تكون أشبه باآلدميني من أعضاء جملس‬
‫النواب‪..‬‬

‫‪311‬‬ ‫‪310‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مع الوزير ‪ -‬الرجل احملترم‪ -‬د‪ .‬أحمد جويلي‪ ،‬يف اجتماع رجال األعمال املصري البيالروسي‬ ‫انتخابات الغرفة التجارية‬

‫د‪ .‬أحمد جويلي وزير التجارة و وفد احتاد الغرف التجارية يف الصني عام ‪1996‬‬ ‫احلملة الدعائية النتخابات الغرفة التجارية‬

‫‪312‬‬
‫مع رئيس الوزراء السابق د‪ .‬اجلنزوري يف معرض القاهرة الدولي‬ ‫زيارة بعض املسؤولني السعوديني ملؤمتر إحتاد الغرف التجارية اإلسالمية باململكة العربية السعودية‬

‫زيارة الرئيس السابق ملصانعنا يف قويسنا‪ ،‬فبراير ‪2005‬‬ ‫مع م‪ .‬حسب اهلل الكفراوي وزير التعمير األسبق‬
‫محافظ القاهرة السابق د‪ .‬عبد الرحيم شحاتة ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬وصديق عمري احلاج أحمد العبد‬ ‫زيارة ألحد اإلخوة القساوسة ملصانع العربي بقويسنا‬

‫مع اللواء عثمان شاهني ‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬محافظ املنوفية األسبق‬ ‫زيارة وفد الكوميسا ملصانع العربي بقويسنا‬
‫ندوة أقيمت ألحكي فيها حكاية العربي يف كلية التجارة‪ ،‬جامعة األسكندرية‬

‫كاريكتير مصطفى حسني الذي نشر يف األخبار يف شهر مايو ‪2001‬‬

‫احلاج محمود يف برنامج رئيس التحرير‪ ..‬حلقة تسببت يف إثارة مشاكل عددية‬

‫‪319‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫الباب التا�ســع‬
‫حوكمــة «العــربــي»‬
‫كشــركـــة‪ ،‬وعــائـلــــة‬

‫‪321‬‬ ‫‪320‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫العائلية‪ ،‬فهناك يصل عدد الرشاكت العائلية إىل حنو ‪ 20‬مليون رشكة متثل حنو‬
‫‪ % 49‬من مجمل االقتصاد القويم األمرييك!‪ .‬ويف دول االحتاد األورويب متثل‬
‫تلك الرشاكت حوايل ‪ % 70‬من إمجايل الرشاكت املوجودة يف السوق‪..‬‬
‫أما يف املنطقة العربية فال توجد إحصائيات حمددة‪ ،‬وإن اكنت هناك بعض‬
‫الدراسات تشري إىل أن جحم أصول الرشاكت العائلية اليت تعمل يف حميط‬ ‫بدايات العـمــل العـائـلـي‪!..‬‬
‫االقتصاد العريب يزيد عىل تريليون (أي مليون مليون) دوالر‪!..‬‬ ‫بطبيعة احلال‪ ،‬مل يكن العمل العائيل – مبفهومه العيمل‪ -‬قد دار يف عقولنا‬
‫اكن أمه عامل توافق فيه نظام حومكة الرشاكت العائلية مع ما نفكر فيه وما‬ ‫أثناء تأسيس رشكة «العريب» يف البداية‪..‬‬
‫نعمل به‪ ،‬هو أن يكون اجليل الثاين مث الثالث‪ ،‬وما يلهيام من أجيال يف حالة من‬ ‫كنا نعمتد يف بدايات الرشكة عىل تعامالتنا األمينة وقمينا األصيلة الصادقة‬
‫التواصل والتنامغ يف إدارة العمل بالرشكة‪ ،‬وأن يكونوا دامئي االرتباط بالرشكة‬ ‫ً‬
‫أيضا اعمتدنا‬ ‫يف لك ما نعقده من صفقات واتفاقات مع التجار أو مع الزبائن‪،‬‬
‫دون غريها‪ ،‬بنفس األسلوب والفكر الذي بدأنا به‪ ،‬وذلك ال ميكن أن يكون إال بعد‬ ‫بشلك كبري عىل بذل اجلهد املتواصل يف دفع الرشكة لألمام‪ ،‬وعىل اختيار‬
‫نقل منظومة القمي اليت معلنا وحجننا هبا إلهيم‪ ،‬لي ّتبعوها ويعملوا عىل حتسيهنا‬ ‫العنارص العاملة معنا من المناذج الرشيفة واملاهرة واملجهتدة‪ ،‬وكذلك اخلرباء‬
‫يو ًما بعد يوم‪ ،‬وبالتايل يصبحوا قادرين عىل إمكال مسرية النجاح‪ ،‬وتوسيع‬ ‫الذين ساعدونا عىل حتقيق أهدافنا فميا بعد‪..‬‬
‫رقعته‪.‬‬
‫مل تكن لدينا أية تصورات أبعد من ذلك‪ ..‬وحىت بعد أن بدأنا يف تصنيع‬
‫اكن هدفنا من وراء ذلك األمر أن نرمس خططنا املستقبلية عىل بينة وبصرية‬ ‫املراوح‪ ،‬مث ما تالها من أجهزة‪ ،‬مما جعل الرشكة تكرب وتمنو‪ ،‬أيضا مل ّ‬
‫نفكر –‬
‫التوسع‪ ،‬وهنيئ له لك أسباب‬
‫ّ‬ ‫وعمل‪ ،‬وأال نكتيف بالتوسع‪ ،‬دون أن خنطط لذلك‬ ‫حيهنا‪ -‬يف قطع مشوار حتويل العمل إىل نظام‪ :‬الرشاكت العائلية‪.‬‬
‫االحرتاف والتنظمي‪ ،‬اليت جتعله معلية ممهنجة‪ ،‬هلا خطط اسرتاتيجية‪ ،‬يمت تطبيقها‬
‫ختبط أو عشوائية‪.‬‬ ‫فهمنا بعد سنوات طويلة ‪ -‬من خالل خبري إداري ساقته األقدار إلينا ‪ -‬أن ما‬
‫بدون ارتباك أو ُّ‬
‫مقنا به هو منوذج ممتزي للرشاكت العائلية‪ ،‬بل وفوجئنا به يرضب ً‬
‫مثل مبجموعة‬
‫٭٭٭‬ ‫وعائلة «العريب» يف العديد من املؤمترات اليت حيرضها أو ينمظها‪ ،‬اخلاصة‬
‫بدأت اجلذور األوىل للتعاون العائيل لدى «العريب»‪ ،‬والذي أدى فميا بعد‬ ‫بالرشاكت العائلية‪.‬‬
‫إىل انصهار اإلخوة الثالثة وتالقهيم يف نفس الرؤى واألهداف‪ ،‬عىل قلب رجل‬
‫ع ّرف لنا د‪ .‬معرو زيدان العمل العائيل بأنه معل جتاري يكون غالب رأس املال‬
‫واحد‪ ،‬وبعقول متفامهة متاما‪ ،‬بدأت حني كنا ‪ -‬أنا وأخواي دمحم وعبد اجليد ‪-‬‬
‫فيه ملجموعة أفراد من عائلة واحدة‪ .‬وال ُيشرتط أن ترتكز اإلدارة يف يد املؤسسني‬
‫نساعد الوالد «إبراهمي العريب» يف معله الفاليح باألرض الزراعية اليت اكن‬
‫أو أبناهئم‪ ،‬وإن اكن غال ًبا ما يكون ذلك هو الواقع‪.‬‬
‫يستأجرها‪ .‬ومكا حكيت عن السلوك امجلايع ألهل القرية الواحدة من حيث‬
‫مساعدهتم بعضهم البعض بطريقة تلقائية دون تفكري‪ ،‬فاكن من األ ْوىل أن يتعاون‬ ‫لقد قررنا السري وراء النظم العملية يف حتويل العمل يف مجموعة «العريب»‬
‫أفراد العائلة الواحدة يف ذلك‪ ،‬خاصة واحملبة والتفامه تربط بيهنم‪..‬‬ ‫إىل نظام حومكة الرشاكت العائلية مع ذلك اخلبري املمترس يف هذا العمل‪..‬‬
‫كنا نتعاون لصاحل العائلة دون النظر لملصاحل الفردية اخلاصة‪ .‬إن العمل يف‬ ‫عملنا من خالله أن الواليات املتحدة يقوم اقتصادها عىل فكرة الرشاكت‬

‫‪323‬‬ ‫‪322‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫هذه األمور‪ ،‬تلك اخلربات اليت ترامكت علينا بسبب كرثة وتدفق اجلهد الذي نبذله‬ ‫الزراعة يقلّص «األنا» إىل حد كبري‪ ،‬وجيعل ارتباط اإلنسان برب هذا الكون قو ًّيا‪،‬‬
‫إلجناح املرشوعات اليت نؤسهسا‪ ،‬وتبادل اخلربات بيننا وبني الزمالء املهندسني‬ ‫مما خيلق التوازن واالنجسام يف نفس اإلنسان مع غريه من البرش وسائر الاكئنات‪.‬‬
‫والفنيني الذين استعنا هبم يف فرق العمل التنفيذي‪.‬‬
‫إن اجلهود العظمية املباركة للوالد إبراهمي اكنت بال شك يه الركزية األساسية‬
‫مث اكن معيل وأنا يف اخلامسة‪ ،‬عندما بدأت يف بيع ألعاب العيد يف القرية‪،‬‬ ‫يرص أن يرجع‬
‫ّ‬ ‫اليت ُبنيت علهيا لك جناحات «العريب» فميا بعد‪ .‬وعىل من‬
‫والذي أكدت يل نتاجئه أن الزتام العمل التجاري هو طرييق العميل الوحيد الذي‬ ‫النجاح الكبري الذي حققته مجموعة «العريب» إىل واحد من البرش‪ ،‬فليس هناك‬
‫سأسلكه يف هذه احلياة‪..‬‬ ‫من يستحق أن ُنرجع إليه هذا‪ ،‬مثل والدنا احلبيب إبراهمي العريب – رمحه اهلل‬
‫تعاىل‪.-‬‬
‫مث اكنت يف بدايات معل رشكة «العريب»‪ ،‬تأتينا بعض األصناف الراجئة‪،‬‬
‫واليت كنا نعمل يف بيعها لكثري من التجار والزبائن‪ ،‬مثل «بنس» الشعر احلرميي‪،‬‬ ‫ً‬
‫احتفال باالجمتاع السنوي لعائلة «العريب»‬ ‫لذا حني فكر أبناؤنا أن يقميوا‬
‫كنا نشرتهيا بأعداد كبرية يف علب‪ ،‬واكن علينا أن مجنعها دستة دستة (أي ‪12‬‬ ‫(كبديل المس «عيد العائلة»)‪ ،‬واليت اكنت فكرة حفيديت ملك مدحت العريب‪،‬‬
‫بنسة)‪ ،‬لك دستة يف ورقة مقواة بيضاء‪.‬‬ ‫التوصل إىل‬
‫ّ‬ ‫اختاروا تارخي ميالد الوالد – رمحه اهلل‪ ،-‬ولكهنم مل يستطيعوا‬
‫التارخي الصحيح‪ ،‬برمغ البحث الشاق يف جسالت منوف والقاهرة‪ ،‬وحىت مرىس‬
‫يف البداية اكن يقوم بذلك العمل زمالء يعملون معنا يف الرشكة‪ ،‬ولكننا وجدنا‬
‫ً‬ ‫مطروح! حيث إن أصول عائلة «العريب» تنحدر من قبيلة أوالد عيل‪ ،‬واليت‬
‫طويل‪ ،‬فاقرتح عبد اجليد – رمحه اهلل‪ -‬أن تقوم نساء العائلة‬ ‫ذلك يأخذ مهنم وق ًتا‬
‫ارحتلت من اجلزيرة العربية‪ ،‬واستقرت يف مطروح‪.‬‬
‫وبناهتا بتلك املهمة‪ ،‬ومعهن بعض من األوالد يف البيت‪.‬‬
‫ريا‪ ،‬اكن القرار أن نتخذ من تارخي وفاته – ‪ 4‬أكتوبر‪ -‬ذلك اليوم‪ ،‬وقد‬ ‫وأخ ً‬
‫يف ذلك الوقت‪ ،‬كنت أسكن مع أرسيت يف شقة يف الدراسة‪ ،‬واكن أيخ دمحم‬
‫فكرنا أن هذه الوفاة اكن ظاهرها احلزن واملصيبة‪ ،‬ولكن باطهنا الرمحة واخلري‪،‬‬
‫وأيخ عبد اجليد وأرستامها يتقامسان م ًعا شقة أخرى‪ ،‬ال تبعد إال أقل من ‪10‬‬
‫فقد اكن انتقال الوالد احلبيب إىل الرفيق األعىل سب ًبا يف قطع صالتنا – حنن‬
‫ريا عىل األقدام‪..‬‬
‫دقائق س ً‬
‫األشقاء الثالثة‪ -‬باألرض وبالعمل يف الزراعة بشلك تام‪ ،‬واكن استقرارنا يف‬
‫بالفعل حجنت تلك التجربة‪ ،‬واكنت النتيجة أفضل مما تصورنا‪..‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬واحرتافنا للعمل التجاري‪ ،‬سب ًبا أساس ًّيا يف انطالق امس «العريب» –‬
‫بعد ذلك‪ ،‬بدأنا نعمل يف كروت املعايدة امللونة‪ ،‬واليت اكنت مطلوبة يف السوق‬ ‫بعد ذلك بسنوات‪ -‬يف مساء التجارة مث الصناعة‪..‬‬
‫رواجا يف املكتبات وحمالت اخلردوات يف مرص لكها‪ ،‬خاصة تلك‬ ‫ً‬ ‫بشدة‪ ،‬وحتقق‬ ‫وبالفعل استقرت آراؤنا عىل يوم ‪ 4‬أكتوبر من لك عام‪ ،‬ليكون يوم االجمتاع‬
‫اليت اكنت حتتوي عىل ورود وزخارف مجيلة ب ّراقة‪ .‬كنا نضيف إىل تلك األشاكل‬ ‫السنوي لعائلة «العريب»‪..‬‬
‫خطوطا من الصمغ‪ ،‬مث منرر الاكرت فوق كيس به حبيبات فضية‪ ،‬فتلتصق بالصمغ‬ ‫ً‬
‫مث اكنت هناك إضافة نوعية لعملنا األرسي يف البداية‪ ،‬يوم امتلكنا ماكينة‬
‫لزت ّين األشاكل املرسومة بالاكرت‪..‬‬
‫لفرز اللنب‪ ،‬تلك اليت اكنت أيم تعمل علهيا‪ ،‬لتسامه يف تيسري حياة األرسة‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬وبعد أن فتحنا مصن ًعا أللوان المشع «اللخبطة» اكن األوالد يأتون يف‬ ‫فقد اكنت تلك املاكينة مبثابة أول معلية جتارية استمثارية‪ ،‬توفرت هلا لك عنارص‬
‫«رص» األلوان يدو ًّيا يف العلب‪ .‬وكذلك اكن هذا‬
‫ّ‬ ‫أوقات اإلجازات ليعملوا يف‬ ‫العمل االستمثاري الناحج‪ ،‬دون أن تكون هناك أية عقول ترصد املسألة من تلك‬
‫حيدث يف مصنع حرب «فزيبن»‪ ،‬ومصنع الرباجل‪ ،‬ومصنع األدوات اهلندسية‬ ‫الزاوية‪ ،‬حيث اكنت احلياة بسيطة وتلقائية‪ ،‬ومل تكن هناك أية خربات لدينا يف‬

‫‪325‬‬ ‫‪324‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وال تزال املسرية مسمترة وهلل امحلد‪ ،‬مكا أراد اهلل تعاىل أن تسري ُسنّة الكون‪..‬‬ ‫البالستيكية‪.‬‬
‫أما عن مشاركة املرأة يف العمل بشلك معيق‪ ،‬فهناك اآلن أمثلة عديدة داخل‬ ‫اكن األمر يمت بشلك غري دوري‪ ،‬فاعمتادنا األسايس اكن عىل معال يعملون‬
‫ً‬
‫مفثل حفيديت منــال عبد اخلالق ‪ -‬ابنة مىن ‪ -‬تدير حال ًّيا قسم التجارة‬ ‫العائلة‪،‬‬ ‫معنا بانتظام‪ ،‬وبأجور حمددة‪ .‬اكن لك أفراد العائلة يسعون لدفع ذلك الكيان إىل‬
‫اإللكرتونية يف املجموعة‪ ،‬وهلا دور ممتزي يف اإلرشاف عىل تنفيذ املوقع احلايل‬ ‫األمام بلك ما أوتوا من جهد‪.‬‬
‫ملجموعة «العريب» عىل شبكة اإلنرتنت‪ ،‬وقد قام الفريق بتحويله إىل بوابة احرتافية‬
‫ولقد ظل األصل عندنا هو أن يقوم بالعمل من حيرتفه‪ ،‬ويؤديه عىل خري وجه‪،‬‬
‫لرتوجي وتسويق وبيع لك منتجات «العريب» من خالله‪.‬‬
‫وليس من يسعده أن يتواجد معنا دو ًما‪ ،‬من أفراد العائلة‪ ،‬دون أن تكون لديه‬
‫خترجت منال يف جتارة خارجية إجنلزيي‪ ،‬وأثبتت كفاءهتا فأخذت فرصهتا‬ ‫امللاكت أو املهارات املطلوبة‪.‬‬
‫اكملة‪ ،‬مفلاكت املرء ومواهبه يه اليت ختتار ماكنه الذي يبدع فيه أكرث‪ ،‬وليست‬
‫لقد حدثت جتربة هبذا الصدد البد أن ُتروى‪..‬‬
‫املجامالت أو العاطفة‪.‬‬
‫بعدما حصلت ابنيت الكربى «مىن» عىل دبلوم التجارة‪ ،‬طلبت ِم ّن العمل يف‬
‫من ابنتنا صباح عبد اجليد العريب أن خترج للعمل‪ ،‬بعد أن‬ ‫ً‬
‫أيضا عندما طلبت ّ‬
‫احملل الكبري يف املوسيك‪ ،‬ووافقت عىل سبيل التجربة‪..‬‬
‫شفاها اهلل تعاىل من مرض م ّر هبا‪ ،‬بعد وفاة زوجها – رمحه اهلل‪ -‬اخرتنا هلا أن‬
‫تدير فرع القاهرة ملؤسسة «العريب» لتمنية املجمتع‪ ،‬وما زالت ختدم يف ماكهنا‬ ‫بعد فرتة بدأت مىن تثري املشكالت مع العاملني بال قصد‪ .‬اكنت تعمل يف قسم‬
‫أيضا من بنات عائلة «العريب» العامالت معنا يف املجموعة‪:‬‬‫ً‬ ‫بإجادة تامة‪ .‬وهناك‬ ‫احلسابات‪ ،‬واكنت – وال تزال‪ -‬ال حتب األمور الرمادية غري الواحضة‪ ،‬ولكهنا‬
‫يم اليت تعمل يف‬ ‫اكنت حادة بعض اليشء يف مواجهة أخطاء اآلخرين‪ً .‬‬
‫مثل‪ ،‬حني اكنت ترى واحدًا‬
‫مروة الشيتاين اليت تعمل يف إدارة املراجعة‪ ،‬وكذلك شقيقهتا ّ‬
‫التسويق‪ ،‬ومرمي إبراهمي محمود يف العالقات العامة‪ ،‬وشقيقهتا نهيال يف إدارة‬ ‫يتلكم عن زميل له من خلف ظهره‪ ،‬أو ترى آخر هيمل يف معله‪ ،‬ولو مل يكن من‬
‫تسويق العالمات التجارية‪.‬‬ ‫لتوجههم ألخطاهئم من وجهة‬
‫ّ‬ ‫قسم احلسابات الذي تعمل فيه‪ ،‬اكنت تندفع بتلقائية‬
‫نظرها‪ ،‬مما سبب لنا تشتي ًتا يف معلنا‪..‬‬
‫إننا يف لك مجموعة «العريب» ُنويل املرأة ماكنة عالية‪ ،‬سواء خرجت من بيهتا‬
‫لتعمل يف املوقع الذي جتيد فيه‪ ،‬أو اختارت أن تلزم بيهتا لتتوىل تربية وتأهيل‬ ‫انت حاتقعدي يف البيت‬ ‫وبعد هشرين حتديدًا‪ ،‬مهست هلا‪« :‬مىن حبيبيت‪ِ ..‬‬
‫أوالدها ألدوارمه املرتقبة يف املجمتع‪ ،‬فيف احلالتني نفخر متا ًما بأن لملرأة‬ ‫جنب والدتك تساعدهيا‪ ،‬ومرتبك حايوصلك اكمل بإذن اهلل!»‪ ..‬هكذا كنت دا ً‬
‫مئا‬
‫ماكنهتا لدى «العريب»‪ ،‬العائلة والرشكة م ًعا‪.‬‬ ‫أيضا معلت‬‫يف إداريت للعمل‪ ،‬العاطفة ال تتدخل يف العمل‪ ..‬احلزم قبل أي يشء‪ً .‬‬
‫ابنتنا فايزة دمحم العريب يف حمل املوسيك لفرتة يف تسويق ساعات «سيكو»‪،‬‬
‫لقد اكن لنساء العائلة مجي ًعا يف بداية المثانينيات موقف مرشف ال ننساه هلن‬
‫ولكن دورها األسايس يف البيت ناداها يه األخرى بعد فرتة‪ .‬وأنا ال أرى أن بقاء‬
‫مجي ًعا‪..‬‬
‫أي زوجة وأم يف البيت لرعاية شوئنه‪ ،‬تقليل من قدرها‪ ،‬أبدًا‪ ..‬فزوجاتنا وبناتنا‬
‫كنا قد استوردنا بضاعة من توشيبا‪ ،‬ومت بيعها عن آخرها مبجرد اإلفراج عهنا‬ ‫الاليت مل يزنلن للعمل اكن علهين دور أكرب وأصعب من دورنا‪ ،‬مفن اكن لرتبية‬
‫من مجرك بورسعيد‪ ،‬مث وبعد أن مت حتصيل سعرها باجلنيه املرصي‪ ،‬فوجئنا‬ ‫األوالد يف ظل انشغالنا الشديد لوالدهن؟!‪ ..‬لقد قامت زوجاتنا الثالث – رمحهن‬
‫ً‬
‫قرشا إىل ‪120‬‬ ‫بارتفاع كبري ج ّدًا يف سعر الدوالر (مرة ونصف تقري ًبا‪ ،‬من ‪80‬‬ ‫اهلل‪ -‬بدور رائع يف تأسيس وجناح رشكة «العريب» برتبية أبناء وبنات العريب من‬
‫حلً‬
‫قرشا)‪ ،‬فتسبب هذا يف جعز كبري‪ ،‬ومل جند سيولة لنسدد لتوشيبا‪ ،‬ومل جند ّ‬ ‫ً‬ ‫اجليل الثاين‪ .‬وهكذا ال تزال تفعل نساء اجليل الثاين حنو شباب اجليل الثالث‪،‬‬

‫‪327‬‬ ‫‪326‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫معيه‬
‫سنتني فقط‪ ،‬وأنه سيستفيد ويفيدنا باخلربات اخلارجية‪ ،‬مكا نقل يل نصاحئ ّ‬ ‫إال مجتيع لك املصوغات الذهبية من لك نساء العائلة لتغطية هذا العجز‪ .‬مل ُتبقِ‬
‫مدحت ودمحم عبد اجليد عن أمهية أال يكون جمرد موظف يف املجموعة حبمك‬ ‫زوجة من زوجاتنا‪ ،‬وال ابنة‪ ،‬وال زوجة ابن‪ ،‬مل تبقِ واحدة أية ممتلاكت ذهبية إال‬
‫أنه من العائلة‪ ،‬بل جيب أن تكون له بصمة‪ ،‬ونقل يل التخوفات من أن يتحفظ‬ ‫ننس أبدًا هذا املوقف لنساء‬
‫وأخرجهتا‪ ،‬اللك وضع لك ما لديه إلنقاذ الرشكة‪ .‬ومل َ‬
‫بعض الزمالء القدماء يف املجموعة يف تعلميه أرسار العمل من زاوية أنه من‬ ‫عائلة «العريب»‪.‬‬
‫عائلة «العريب»‪ ،‬حيث ال يزال – لألسف‪ -‬البعض لديه تلك الثقافة اليت نبذناها‬ ‫ً‬
‫أيضا اكن هناك بعض رجال العائلة ممن لدهيم مدخرات يف تلك األيام ‪ -‬مل‬
‫من عرشات السنني‪ ،‬ثقافة توقري املنتسبني للعائلة مببالغات تفسد العمل وتفسد‬
‫يرتددوا يف دفعها اكملة لملسامهة يف اخلروج من األزمة‪ ،‬مهنم ابنانا بدر دمحم‬
‫خشصيات الشباب‪..‬‬
‫العريب وعيل عبد اجليد العريب‪..‬‬
‫أخريا‪ ،‬وافقت عىل أن يلزتم بالسنتني حكد أقىص‪ .‬وبالفعل‪ ،‬معل يف تلك الدولة‬ ‫٭٭٭‬
‫اخلليجية‪ ،‬وشارك مع رشكته يف تأسيس نظام اكمل حديث لملوارد البرشية يف‬
‫عندما أخذنا حمل بورسعيد يف شارع امجلهورية تعاقدنا مع رشكة إيطالية‬
‫لك الوزارات هناك‪ ،‬ولكام أهنى مرشوع يف وزارة وثقوا به أكرث‪ ،‬وعهدوا إليه‬
‫متخصصة يف الديكورات‪ ،‬ممصت لنا الديكورات الداخلية لملحل والفاترينة‪ ،‬ولك‬
‫بغريه‪ ،‬مما جعلهم يقدمون له عروضا يسيل هلا اللعاب حني أخربمه برضورة‬
‫االستاندات الداخلية‪ .‬اكنت رشكة ناحجة وهلا معالء كثريون يف بورسعيد ويف‬
‫االستقالة والعودة ملرص وملجموعة «العريب»‪ ،‬إال أنه رفض لك ذلك‪ ،‬خاصة أنه‬
‫بايق مدن مرص‪ ،‬ففكر ابين إبراهمي‪ ،‬الذي أرشف معهم عىل تنفيذ التصمميات‪،‬‬
‫اكن قد قيض الهشور األخرية وشعور باملرارة ال يفارقه‪ ،‬ألنه طلب مهنم إجازة‬
‫بعد أن أهنى دراسته وخدمته العسكرية‪ ،‬أن حيصل عىل توكيلهم يف مرص‪ ،‬وأن‬
‫لريافقين ‪ -‬وجده دمحم‪ -‬ألداء العمرة مكا تع ّودنا‪ ،‬إال أن مديره رفض متاما‪،‬‬
‫ينفصل عن العمل معنا‪ ،‬لينفذ هذا املرشوع‪..‬‬
‫واكنت صدمة لنا مجيعا‪ ،‬ذكرتنا برضورة أن يهني إسالم هذا األمر يف أقرب‬
‫وقت‪ .‬لقد استفاد – حقيقة‪ -‬هبذه التجربة‪ ،‬وعاد أش ّد عودا وأكرث خربة‪ ،‬إال أين ال‬ ‫ً‬
‫طويل يف طلب ابين األكرب‪ ،‬مث جلست معه ألحاوره هبدوء‪ .‬قلت له‪ :‬إنين‬ ‫فكرت‬
‫أحبذ تكرار هذه التجربة مع األجيال الشابة يف العائلة‪ ،‬إال يف حالة وجود فرص‬ ‫ال أمانع أن ينفذ فكرته‪ ،‬بل ال أمانع أن نساعده برأس املال الذي حيتاج إليه‪،‬‬
‫نادرة فقط‪ ،‬برشط حتديد املدة مس ّبقا‪..‬‬ ‫ولكين دعوته للتفكري يف حالة انفصاله عن «العريب»‪ ،‬كيف سينفتح الباب أمام‬
‫لك إخوته وأبناء أمعامه ليسلكوا نفس السلوك‪ ،‬وبذلك ينفرط عقد العائلة‪ ،‬ويضيع‬
‫لقد أكرمنا اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل‪ -‬خبرباء ومهندسني ومعال من خرية مناذج‬
‫من بني أقدامنا طريق العمل العائيل املشرتك الذي كنا حنمل به منذ أسسنا‬
‫هذا الشعب الكرمي‪ ،‬ولكن انطال ًقا من كوننا رشكة عائلية يف املقام األول‪ ،‬فيجب‬
‫الرشكة ووفقنا اهلل وهدانا إىل مسرية النجاح اليت متت عىل أرض الواقع‪.‬‬
‫علينا مجع مشل العائلة حتت سقف واحد‪ ،‬حبيث يمت دفع قاطرة الرشكة جبهود‬
‫أبناء العائلة الصغرية لكهم بالتنامغ مع جهود لك العاملني بالعائلة الكبرية‪..‬‬ ‫وبالفعل اقتنع إبراهمي‪ ،‬وتراجع عن فكرة املرشوع‪ ،‬واكن وجوده معنا من دعامئ‬
‫وأسباب جناح مجموعة «العريب»‪ ،‬وهلل امحلد من قبل ومن بعد‪..‬‬
‫هكذا محني امجليع من انفراط أغىل وأمثن عقد ميتلكونه‪.‬‬
‫قصة أخرى حدثت مع أحد أبناء اجليل الثالث‪ ،‬وهو إسالم دمحم محمود‬
‫وهنا ال بد أن أذكر قمية هامة للغاية تسيطر عىل روح العمل يف لك أحناء‬
‫العريب‪ ،‬الذي استأذنين بعد إهنائه دراسته لعمل املوارد البرشية يف اجلامعة‬
‫الرشكة منذ بدأنا عام ‪ ،1964‬ويه‪ :‬روح العائلة الواحدة وأخالقياهتا األصيلة‪،‬‬
‫الربيطانية‪ ،‬يك يعمل يف رشكة «‪ ”SAP‬العاملية‪ ،‬عىل أن يكون مقر معله يف‬
‫واليت من أمهها‪ :‬التواضع وعدم التعايل عىل أحد‪.‬‬
‫إحدى الدول العربية‪ .‬ترددت يف البداية‪ ،‬ولكنه أخربين أن سيعود لملجموعة بعد‬

‫‪329‬‬ ‫‪328‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مث أضفت هبدوء ألؤكد استيعابه للدرس‪« :‬وبعدين الراجل خايف عىل الشغل‪،‬‬ ‫وسأذكر برها ًنا واحدًا هبذا الصدد‪..‬‬
‫يعين الزم حترتمه وتشكره إنه خايف عىل مصلحتنا‪ ،‬وبيحافظ عىل مالنا‪ ،‬مش‬
‫اكن ابين مدحت يف طفولته مغر ًما بإخراج اللعب من ُعلهبا‪ ،‬مث إعادهتا بعد أن‬
‫كدا برضه؟»‪..‬‬
‫يلعب هبا لبعض الوقت‪.‬‬
‫إننا جنعل للك واحد يعمل معنا ‪ -‬يف الرشكة‪ -‬احلق يف أن يشعر أنه أحد‬
‫اكن أغلب العامل الذين يعملون معنا يف املوسيك يتحملونه ويصربون هيلع‬
‫أحصاهبا‪ ،‬فالوالء التام للرشكة هو العنرص األمه السمترار جناحها‪ ،‬فرشكة‬ ‫ً‬
‫عـامـل حـاز ًما يف قسم اللعب امسه «زكريا» – رمحه اهلل‬ ‫لكونه ابين‪ ،‬ولكن‬
‫ال يشعر العاملون فهيا بالوالء‪ ،‬هلي جمرد عرض غري بايق وبناء ال أساس له‪،‬‬
‫تعاىل‪ -‬مل يكن يعجبه هذا احلال‪ ،‬اكن يتضايق من إرصاره عىل ذلك السلوك‪،‬‬
‫أما ما يبىق وميكث ويسمتر فهي تلك الكيانات اليت يشعر لك عامل فهيا أنه‬
‫خوفا من أن يتسبب ذلك يف كرس بعض اللعب أو تلفها‪ .‬وعندما فاض الكيل‬
‫أحد أحصاهبا‪ ،‬وال يتأىت ذلك من فراغ‪ ،‬أو مبعسول الكالم والوعود الرباقة غري‬
‫بزكريا هنر مدحت بشدة‪ ،‬وأمره أال ُيرج اللعب من أماكهنا‪ ،‬مفا اكن من ابين‬
‫احلقيقية‪ ،‬بل البد أن يشعر أولئك العاملون أهنم حيصلون بالفعل عىل حقوقهم‪،‬‬ ‫إال أن أرسع ّ‬
‫يزعق يل علشان‬
‫إيل‪ ،‬وتساءل غاض ًبا‪« :‬إزاي واحد بيشتغل عندنا ّ‬
‫وأهنم لك حني يتحصلون عىل ممزيات تزيدمه تعل ًقا وحمبة يف رشكهتم‪ .‬البد‬
‫بالعب حباجتنا يا بابا؟!»‪.‬‬
‫من وجود انمتاء حقييق للرشكة يف قلوب وعقول لك العاملني‪ ،‬وهذا ما يضمن‬
‫اسمترار الرشكة وثباهتا عىل مدار السنني‪.‬‬ ‫فهمت منه ما حدث‪ ،‬فتظاهرت بالغضب من أجله‪ ،‬وأين سأؤدب زكريا – رمحه‬
‫اهلل‪ ،-‬وطلبت منه أن يصرب حىت الليل بعد أن يغادر العاملون احملل‪ ،‬وأكدت‬
‫٭٭٭‬
‫له أين سآيت بالرجل ألحاسبه أمامه عىل خطئه الكبري يف حق «ابن أحصاب‬
‫مع مرور السنني اكتشفنا أننا كنا نطبق بالتعامالت األخالقية الفطرية اليت‬ ‫الرشكة»‪..‬‬
‫نلزتم هبا لك نظريات التسويق احلديثة بشلك تلقايئ‪ ،‬ودون أن ندري‪..‬‬
‫اكن أغلب العاملني قد غادروا املاكن‪ ،‬يف حني انتظر مدحت مرتق ًبا تلك اللحظة‬
‫كنت أحتدث كثريا مع خرباء يف التسويق‪ ،‬بل وأساتذة يف لكيات التجارة‪،‬‬ ‫سأ ْحرج فهيا ذلك الرجل املغرور الذي هنره‪ ،‬وهو ابن صاحب‬ ‫احلامسة اليت ُ‬
‫ومهنم رؤساء ومستشارين لرشاكت كبرية‪ ،‬فكنت أجعب من توفيق اهلل لنا حني‬ ‫العمل‪..‬‬
‫اكنوا يتعجبون من رسعة اإلجناز والمنو يف “العريب”‪ ،‬بيمنا غرينا ال حيصل هلم‬
‫نفس األمر‪ ،‬برمغ تو ّفر لك عتوامل النجاح‪ .‬وال أعزي هذا إال أنه توفيق اهلل تعاىل‬ ‫مل يبق يف املاكن إال أنا ومدحت وواحد من املساعدين‪ ،‬وحني أيقن مدحت‬
‫الذي ال يضيع أجر من أحسن معال‪ ،‬ومن الزتم األخالق والفضائل اليت ّ‬
‫حث علهيا‬ ‫أن زكريا قد غادر احملل‪ ،‬سألين عن مصري التعنيف واالنتقام منه؟!‪ ،‬فأمرته‬
‫احلبيب دمحم – ىلص اهلل هيلع ملسو‪..-‬‬ ‫باجللوس أمايم‪ ،‬وسألته‪« :‬امسع كويس‪ ،‬هو انت تقدر تعمل لك حاجة يف احملل‬
‫لوحدك؟»‪ ،‬ومل يفهم ما أقصده‪ ،‬فأمكلت كاليم بشلك حازم مع رفع الصوت ً‬
‫قليل‪:‬‬
‫إن عمل التسويق احلديث يثبت أن من أمه أسس التسويق الناحج لسلعة ما‪ ،‬هو‬ ‫«يعين تقدر تنضف ومتسح األرض وتبيع وتاخد بالك من البضاعة‪ ،‬يف نفس‬
‫معرفة‪ :‬من هو معيلك احملمتل؟! وأن قوتك يف السوق إمنا تأىت من قوة معالئك‬ ‫الوقت؟!»‪..‬‬
‫حي التعامل معك‪ .‬وحنن بتعامالتنا‬‫احلاليني‪ ،‬ومن دخول وتدفق معالء جدد إىل ّ‬
‫احلسنة مع امجليع نرحب ثقة لك من يتعامل معنا‪ ،‬خاصة مع جودة املنتج الذي‬ ‫ه ّز مدحت رأسه ناف ًيا‪ ،‬مث أمكلت حبزم ‪« :‬مافيش حاجة امسها واحد بيشتغل‬
‫نق ّدمه (وهذه نقطة يف غاية األمهية‪ ،‬فبال منتج ذو جودة عالية‪ ،‬لن تسمتر العالقة‬ ‫عندنا‪ ،‬امسها بيشتغل معانا‪ ،‬الناس دي ربنا خسرنا لهيم‪ ،‬وخسرمه لينا‪ ،‬إياك‬
‫أمسعك تاين بتقول علهيم بيشتغلوا عندنا!»‪ .‬ومتمت مدحت‪« :‬حارض‪ ،‬حارض يا بابا»‪..‬‬

‫‪331‬‬ ‫‪330‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫قواعد راخسة ثابتة للعمل العائيل‪ ،‬خاصة أهنا قواعد قد أصبح هلا أصول عملية‬ ‫بيننا وبني أولئك العمالء‪ ،‬مهام تعاملنا معهم بأخالق طيبة!)‬
‫متينة يف العامل لكه؟ ملاذا ال نضع القواعد والضوابط اليت تضمن اسمترارية‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬من أمه ثوابتنا أننا ال نبيع وال ننتج أي سلعة أو منتج إال وحنن واثقون‬
‫الرشكة ألطول فرتة ممكنة‪ ،‬بغض النظر عن األفراد‪..‬؟!‬
‫متا ًما من جودته ومن فائدته لعمالئنا‪..‬‬
‫ً‬
‫طويل بتفامه معيق‪ .‬لقد تعودنا أن‬ ‫فكروا‪ ،‬وحتاوروا – مه الثالثة‪ -‬وجتادلوا‬
‫كذلك‪ ،‬من أمه أسس النجاح يف التجارة أن تسىع إىل تقدمي سلع ومنتجات‬
‫مئا بني هؤالء الثالثة يف غاية القوة والتفامه‪ .‬أذكر حني أصيب‬ ‫تكون العالقة دا ً‬
‫جديدة هلا ممزيات وقمية مضافة يف السوق‪ ،‬وبالتايل تكون هلا قدرات تنافسية‬
‫دمحم يف رأسه‪ ،‬واكن يف السابعة من معره‪ ،‬واضطر األطباء إىل حالقة رأسه‬
‫أعىل من مثيالهتا‪ ،‬فتحقق نسبة بيع كبرية يف فرتة زمنية قصرية‪.‬‬
‫إلجراء ما يلزم من العالج‪ ،‬قرر مدحت وحميي أن حيلقا شعرمها متا ًما مثله‪ ،‬حىت‬
‫ال يشعر دمحم عبد اجليد بأي اختالف أو إحراج وهو يلعب معهام‪.‬‬ ‫مئا ما نقدم‬‫لقد أصبحنا معروفني بني امجلهور‪ ،‬وبني التجار‪ ،‬ووكالئنا أننا دا ً‬
‫السلعة ذات املمزيات اليت تمتزي عن مثيالهتا‪ ،‬جبودة أعىل وبسعر مناسب‪،‬‬
‫بعد مناقشات طويلة‪ ،‬خرج الثالثة بنتيجة‪ :‬إذا ما طبقنا تلك القواعد اخلاصة‬
‫باإلضافة لعدد السنوات اليت نعطهيا مضا ًنا عىل السلعة‪ ،‬واليت غال ًبا ما تزيد‬
‫بالرشاكت العائلية‪ ،‬وحققنا تلك األصول (مبفهوم احلومكة) عىل رشكة «العريب»‪،‬‬
‫عىل سنوات أي مضان تقدمه الرشاكت املنافسة‪..‬‬
‫فإن التجربة ستثبت وتكرب وتمنو لدينا‪ ،‬ومن َث ميكن أن ُيعجب هبا آخرون‪ ،‬فتتكرر‬
‫يف مرص برشاكت وعائالت جديدة‪ ،‬وهكذا تصبح قصة جناحنا غري استثنائية‪،‬‬ ‫لقد معلنا منذ أسسنا «العريب» بنفس املهنج الذي استقر هيلع االقتصاديون‬
‫بل نصبح – بإذن اهلل‪ -‬قدوة لغرينا‪ ،‬وقد ُيسب لنا يشء من الريادة يف ترسيخ‬ ‫الرواد يف العامل‪ ،‬وذلك دون أن ندري!!‪.‬‬
‫ذلك املفهوم العاملي يف مرصنا احلبيبة‪.‬‬ ‫لقد غلب التنامغ والتعاون عىل لك قيادات الرشكة اليوم‪ ،‬بإدارة واعية ال مركزية‬
‫مل أكن أعمل أي يشء عن تلك احملاورات يف وقهتا‪.‬‬ ‫مرنة‪ ،‬سواء اكن املديرون من عائلة «العريب»‪ ،‬أو ممن ارتبطوا بنا بروابط أقوى‬
‫من صالت الدم والنسب‪ ،‬صالت الثقة واإلخالص واألمانة واحلب‪.‬‬
‫ظلوا سنتني يناقشون املسألة‪ ،‬واكنوا مرتددين يف بدء الكالم ميع‪ ،‬فهم يعملون‬
‫أين كنت أحتد أحيا ًنا يف تفاصيل وأمور العمل احلامسة‪ ،‬وال أهتاون يف أي‬ ‫٭٭٭‬
‫ميس معلنا بسوء‪ ،‬ال مسح اهلل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يشء قد‬ ‫البــدايــة!‬
‫وقدر اهلل أن كنا يف معرة رمضان يف عام ‪ ،2007‬وبعد أن انهتينا من أداء‬ ‫لقد بدأت الفكرة تدور يف عقول ثالثة من أبنائنا‪ :‬مدحت ودمحم عبد اجليد‬
‫مناسك العمرة قبيل الفجر‪ ،‬وبعد أداء صالة الصبح يف املجسد احلرام‪ ،‬عدنا إىل‬ ‫لح (اكن ذلك يف هشر رمضان من عام ‪ ،2005‬أثناء تناول‬ ‫وحميي الدين‪ ،‬بسؤال ُم ّ‬
‫الفندق بعد الرشوق‪ ،‬فذهبت حلجريت‪ ،‬بيمنا ظلوا مه الثالثة يتحاورون ثانية حول‬ ‫وجبة اإلفطار)‪ :‬هل سيسمتر هذا الرتابط العائيل حىت بعد انتقال احلاج دمحم‬
‫مرشوع حومكة رشكة «العريب»‪ ،‬وحتويلها إىل رشكة عائلية‪ ،‬حىت قبيل صالة‬ ‫واحلاج محمود إىل الرفيق األعىل؟! هل سيقبل أفراد العائلة أي خشص آخر‬
‫الظهر بقليل‪..‬‬ ‫يتبوأ ماكنة الشقيقني اللذ ْين مل يتعود واحد من أفراد العائلة إال علهيام يف قيادة‬
‫األمور‪ ،‬بعد رحيل ثالهثام‪ ،‬احلاج عبد اجليد رمحه اهلل‪..‬؟!‬
‫مث مجتعوا حويل بعد صالة الظهر‪ ،‬وبدءوا يفاحتونين يف األمر‪..‬‬
‫مث ازدادت التساؤالت مبرور األيام‪ ،‬وعىل مدار سنتني اكملتني‪ :‬ملاذا ال حنقق‬
‫تلكم لك مهنم مبا حيمله من أحالم ومطوحات للرشكة اليت كربت أمام أعيهنم‬ ‫منوذجا رائدًا للنجاح احلقييق الذي يعمتد عىل إرساء‬ ‫يف رشكتنا «العريب»‬
‫ً‬

‫‪333‬‬ ‫‪332‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫املستقرة إىل الصناعة مبشالكها وعوائقها اهلادرة املزتايدة‪ .‬مث إنين أفهم متاما‬ ‫ً‬
‫فشيئ‪ ،‬وأصبح هلا – وامحلد هلل‪ -‬رصيد يف قلوب الناس‪،‬‬ ‫ً‬
‫شيئ‬ ‫منذ الصغر‬
‫أن النجاح املسمتر الدامئ هو الذي ال يتأثر بغياب فرد أو أكرث‪ ،‬فهذه العملية –‬ ‫ً‬
‫طيبة يف لك أرجاء مرص‪ ،‬ويف عدد من الدول‬ ‫ً‬
‫مسعة‬ ‫واكتسبت لك منتجاهتا‬
‫احلومكة‪ -‬سزتيدنا ثباتا وثقة‪ ،‬وتعمل عىل اسمترار النجاح بإذن اهلل‪ ،‬حىت بعد‬ ‫العربية واإلفريقية‪..‬‬
‫غيابنا عن إدارة العمل‪..‬‬
‫قالوا‪ :‬إن البداية اكنت بتساؤل ُم ّي قبل سنتني‪ :‬كيف تسمتر «العريب» يف‬
‫لقد فطرنا اهلل تعاىل عىل املبادرة وحب املغامرة‪ ،‬وال أنكر أن كرثة تعامالتنا مع‬ ‫المنو والعطاء‪ ،‬بغض النظر عن األفراد‪ ،‬ومعن يقود جملس اإلدارة؟!‬
‫اليابانيني قد زادتنا ح ًّبا وإقدا ًما عىل لك ما هو جديد ومبتكر مما ُيرىج منه اخلري‪.‬‬
‫حيمنا وصلوا هلذه النقطة‪ ،‬بدءوا يف الرتدد‪..‬‬
‫إننا بالفعل حنب املغامرة‪ ،‬ولكننا تعملنا – حنن األشقاء الثالثة‪ -‬أن املغامرة‬
‫لقد عاودمه الشعور أين سأقابل اقرتاحهم بغضب‪ ،‬أو عىل األقل باستخفاف‪،‬‬
‫احملسوبة بدقة أفضل من غري احملسوبة‪ ،‬بل إننا نعترب املغامرة املندفعة غري‬
‫ولكين جشعهتم يك يسمتروا يف طرحهم حىت الهناية‪..‬‬
‫احملسوبة نوعًا من املقامرة‪ ،‬وقد هنانا ديننا اإلساليم العظمي عن لك أنواع‬
‫املقامرات‪ .‬لقد تعملت يف مشوار حيايت أن املستمثر الناحج هو الذي يستمثر‬ ‫رشحوا يل كيف جيب أن يكون للرشاكت العائلية جملسان لإلدارة‪ :‬جملس‬
‫الفكرة‪ ،‬وحيول الفرصة إىل جناح واقيع‪ ،‬وقد اعتربت محاس الشباب الثالثة‬ ‫إلدارة الرشكة‪ ،‬وجملس إلدارة العائلة‪ ،‬يمت اختيار أعضاهئام باالنتخاب‪ ،‬من‬
‫لفكرهتم فرصة ساحنة جيب أن أستمثرها‪ ،‬بأن أعيط هلم لك الصالحيات‬ ‫بتغي األخشاص‪ ،‬فاحلمك الفاصل عند‬‫ّ‬ ‫خالل ميثاق واحض ودستور‪ ،‬ال يتأثران‬
‫واإلماكنات ليحولوها إىل واقع‪ ..‬وهذا ما اكن بالفعل‪..‬‬ ‫أي اختالف أو نزاع – ال مسح اهلل‪ -‬هو امليثاق والدستور‪..‬‬

‫مفصلة عن وسيلة توصلهم إىل آلية تنفيذية حتقق هبا‬


‫ّ‬ ‫مل تكن لدهيم أفاكر اكملة‬ ‫وأضافوا أنه البد من تأسيس ذلك النظام اإلداري عىل أرضية من منظومة‬
‫اهلدف املنشود‪ :‬إدارة الرشكة وإدارة العائلة‪ ،‬بأسلوب عيمل واحض حمدد‪ ،‬بغض‬ ‫للقمي‪ ،‬يه موجودة بالفعل عىل أرض الواقع‪ ،‬ولكن جيب أن ُتد ّون بصورة دقيقة‪،‬‬
‫النظر عن خشص من يدير‪..‬‬ ‫من خالل أولويات القمي واملبادئ اليت حتمكنا‪..‬‬

‫ومرة أخرى لعب القدر دو ًرا جعي ًبا معنا‪ ،‬فبعد عودتنا من العمرة بأيام‪،‬‬ ‫قلت هلم – بعد أن اسمتعت بإنصات‪« :-‬أنا عارف كويس إنكوا حاتنفذوا الكالم‬
‫وصلتين دعوة حلضور مؤمتر يتبع جامعة الدول العربية من تنظمي د‪ .‬معرو زيدان‬ ‫امجليل دا‪ ،‬سواء دلوقيت أو بعد مامنوت‪ .‬ما فيش حد ُملّد يف الدنيا‪ ..‬طيب‪،‬‬
‫املتخصص يف عمل «حومكة الرشاكت العائلية»‪ ..‬مبجرد أن وصلتين الدعوة‪،‬‬ ‫مش من األحسن تنفذوه يف حياتنا‪ ،‬عىل األقل نفيدمك برأينا؟!‪ ..‬وياريت تعتربوين‬
‫أعطيهتا هلم‪ ،‬وهناك ُفتح أمامهم باب واسع بالتعاون مع ذلك األاكدميي القدير‪.‬‬ ‫مستشار معاكو‪ ..‬ومكان جما ًنا‪..»!..‬‬

‫وقد اكن‪..‬‬ ‫اكن كاليم مفاجئً هلم‪ ،‬فقد توقعوا أن أثور‪ ،‬أو أن أحزن – عىل األقل‪ -‬ألهنم‬
‫يريدون تغيريات جوهرية يف نظم إدارة الرشكة‪ ،‬بل يريدون وضع مهنج جديد‬
‫٭٭٭‬
‫إلدارة العائلة نفهسا‪.‬‬
‫الإنـ�سـ ـ ــان‪ ..‬هو �صـان ـ ــع احل ـ ــظ!‬
‫ً‬ ‫ال أنكر أن كالمهم قد فاجأين‪ ،‬ولكين تعملت يف مسرية احلياة أال أرفض‬
‫جمال للصدفة‪ ،‬أو ملا‬ ‫حني ينهتج املرء األسلوب العيمل يف معله؛ فإنه ال يرتك‬
‫التغيري‪ ،‬وأن أقبل لك ما هو نافع ومفيد من العلوم أو االبتاكرات احلديثة‪ ،‬لو مل‬
‫مسى‪ :‬احلظ‪..‬‬
‫ُي ّ‬
‫أكن أترصف هبذا األسلوب ما قبلت ‪ -‬من األساس‪ -‬التح ّول من التجارة اآلمنة‬

‫‪335‬‬ ‫‪334‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫بهشور‪ ،‬اكن هناك مؤمتر آخر يف سوريا حرضه ً‬


‫أيضا املهندس دمحم عبد اجليد‪،‬‬ ‫إنين مؤمن متا ًما بأن النجاح ال عالقة له أبدًا بيشء امسه‪ :‬احلظ؛ بل يه أقدار‬
‫إللقاء حمارضة عن جتربة «العريب» كرشكة عائلية‪..‬‬ ‫من عند اهلل العدل تتفق وتتنامغ مع اجلهد املبذول‪ .‬إن احلظ ما هو إال توافق‬
‫القدر مع اجلهد املبذول من الخشص حنو طريق النجاح‪ ،‬وبالتايل فاإلنسان ‪ -‬يف‬
‫هناك – يف سوريا‪ -‬فوجئ دمحم بسيدة أمريكية تدعوه حلضور أكرب‬
‫رأيي‪ -‬هو من يصنع احلظ‪ ،‬وليس العكس‪..‬‬
‫مؤمتر أمرييك للرشاكت العائلية‪ ،‬واكنت يه املسوئلة األوىل عن تنظميه يف‬
‫والية شياكغو يف هشر أكتوبر ‪ ،2010‬مؤمتر «شبكة الرشاكت العائلية »‪FBN‬‬ ‫بل يبلغ من عدل اهلل العظمي احلق‪ ،‬أنه ال حيايب املؤمنني الساجدين له‪ ،‬إذا مل‬
‫‪.)(Family Business Network‬‬ ‫جناحا يف الدنيا ما داموا مل‬
‫ً‬ ‫يبذلوا اجلهد الواجب‪ ،‬نراه – سبحانه‪ -‬ال يعطهيم‬
‫يسعوا إليه جبدية‪ ،‬ويعيط الاكفر الذي ال يؤمن به‪ ،‬ما دام بذل اجلهد املطلوب‪..‬‬
‫خاصا‬
‫ًّ‬ ‫برناجما تعريف ًّيا‬
‫ً‬ ‫وقد أعد جملس اإلدارة باملشاركة مع د‪ .‬معرو زيدان‬
‫برشكة «العريب» وجتربهتا كرشكة عائلية‪ ،‬بدأت من العمل التجاري العادي حىت‬ ‫إن الفرصة الذهبية احلقيقية يه اليت تصنعها أنت مبجهودك‪ ،‬بعقلك وساعديك‪،‬‬
‫وصلت إىل ما وصلت إليه من مجموعة مكونة من عدة رشاكت تعمل يف جمال‬ ‫بتعاونك اجلاد املتاكفئ مع اآلخرين‪ ،‬أما فكرة اقتناص الفرصة بهسولة مكن‬
‫التجارة والصناعة واالسترياد والتصدير واالستمثار‪..‬‬ ‫ينتظر أن تطفو مسكة عىل سطح املاء‪ ،‬فميسك هبا دون (صنارة) أو شبكة!‪ ،‬فهذا‬
‫ّ‬
‫حيط أبدًا عىل أرض الواقع‪..‬‬ ‫ٌ‬
‫وخيال‪ ،‬وانتظا ٌر ألمل لن‬ ‫ومه‬
‫ٌ‬
‫انهبر احلارضون يف شياكغو مبا عرضه دمحم‪ ،‬ومل يصدقوا أهنم أمام جتربة‬
‫ً‬
‫حتول فريدًا من العمل التجاري‬ ‫القدر‪ .‬جتربة براقة هشدت‬ ‫ْ‬ ‫عربية ناحجة هبذا‬ ‫من ذا الذي يتوقع أن يتحرك بقاربه‪ ،‬وهو مستقر به عىل األرض‪ ،‬وجيدف له يف‬
‫الفردي‪ ،‬إىل العمل امجلايع املنظم‪ ،‬مث إىل دخول جمال التصنيع‪ ،‬مع واحدة‬ ‫اهلواء؟! الاكرثة‪ ،‬أن هناك من يظنون أهنم سيحققون أرقا ًما قياسية هبذا القارب‬
‫من أكرب أحصاب اخلربة والنجاح يف الصناعة عىل مستوى العامل – توشيبا‬ ‫الرسيع!‬
‫اليابانية‪ -‬ومع ذلك وبرمغ لك ما يف القصة من مظاهر إجيابية‪ ،‬فإن النظرة‬
‫لقد بدأنا يف صنع امس «العريب» منذ عام ‪ 1964‬وحىت اليوم‪ ،‬وما زلنا نعمل‬
‫السلبية للعرب واملسملني طفت ُمددًا‪ ،‬فقد بدءوا يف إثارة أسئلة مباغتة‪ :‬هل‬
‫القية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫جبد يف حنت هذا االمس يف قلوب الناس‪ ،‬قبل أن ننقشه عىل منتجاتنا‬
‫تعاملون النساء يف عائلة «العريب» مكا يفعل العرب؟ ملاذا متنعون النساء من‬
‫اليت اكتسبت ثقة امجليع‪..‬‬
‫العمل؟؟ هل تضطهدون األقليات غري املسملة؟! وما إىل ذلك‪..‬‬
‫وبانهتاج معلية احلومكة‪ ،‬نستطيع أن نر ّوج لعملنا الدءوب هذا‪ ،‬ونظهر جتربتنا‬
‫ً‬
‫استعراضا لبداية معلنا‬ ‫من فضل اهلل أن دمحمً ا اكن قد أعد يف بداية الربناجم‬
‫للعامل لكه‪ ،‬من خالل املنتديات واملؤمترات اخلاصة بالرشاكت العائلية بشلك‬
‫منوذجا أليم «هامن» وأليب «إبراهمي العريب»‪ ،‬وكيف اكنت‬ ‫ً‬ ‫العائيل‪ ،‬وذكر فيه‬
‫حمرتف‪.‬‬
‫تساعد يف البيت بعملها عىل ماكينة لفرز اللنب‪ ،‬وقال إهنا بذلك العمل البسيط‬
‫قد وضعت بذرة العمل العائيل الفعال‪ .‬مث رشح هلم كيف أن النساء يف عائلة‬ ‫لقد وصلنا إىل درجة مقنعة من العمل العائيل يف رشكة «العريب» أصبحت‬
‫ً‬
‫وأيضا يف جملس إدارة العائلة‪.‬‬ ‫«العريب» هلن دور كبري يف العمل يف الرشكة‪،‬‬ ‫تحمس لنا بعرضها عىل مستوى العامل‪ ،‬يف أي منتدى أو مؤمتر يناقش الرشاكت‬
‫العائلية‪..‬‬
‫مث أضاف دمحم أن قدوتنا ومثلنا األعىل‪ ،‬وهو النيب دمحم ﷺ اكنت زوجته‬
‫األوىل – خدجية‪ ،‬ريض اهلل عهنا‪ -‬سيدة أمعال‪ ،‬تقوم بتوظيف ماهلا يف التجارة‪،‬‬ ‫بعد فرتة من العمل اجلاد يف مرشوع احلومكة‪ ،‬دُيع ابننا دمحم عبد اجليد‬
‫واكن سبب ثقهتا مث زواجها من دمحم‪ ،‬أنه اكن أمي ًنا حني ّ‬
‫محتل مسوئلية جتارهتا‪،‬‬ ‫حلضور مؤمتر عن الرشاكت العائلية بـ (أبو ظيب)‪ ،‬لتقدمي جتربتنا هناك‪ .‬بعدها‬

‫‪337‬‬ ‫‪336‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫كذلك فاإلسالم هو أول من أقر مبدأ «الرحب للجميع» (ارحب ودع غريك يرحب‬ ‫واسمترت عىل جتارهتا بعد زواجها منه‪..‬‬
‫‪ )win-win‬من خالل الهني عن التطفيف وعن االحتاكر وعن الربا‪ ،‬وبفرض‬
‫مث إن الكثري من علوم ديننا قد تلقيناها من زوجة أخرى للنيب‪ ،‬ويه السيدة‬
‫الزاكة‪ ،‬وبالتوجيه إىل العدل واإلحسان وإيتاء ذي القرىب‪..‬‬
‫عائشة – ريض اهلل عهنا‪ -‬واليت اكنت مبثابة ناقل لكثري من القمي والعلوم‬
‫٭٭٭‬ ‫واملبادئ النبوية لملسملني‪ ،‬واليت ما زلنا نسىع للتأيس واالقتداء هبا إىل اليوم‪.‬‬
‫ه ــذا م ــا قـال ــه لــي‪ ..‬د‪ .‬زيـ ـ ـ ــدان!‬ ‫مث إن القرآن الكرمي والسنة النبوية مليائن بآيات وترشيعات فهيام تقدير لملرأة‬
‫أول لقاءايت بالدكتور معرو زيدان اكن يف عام ‪ ،2005‬وقد قال يل من خالل‬ ‫وإعالء لشأهنا‪ ،‬فهل من املمكن أن نقيص حنن املرأة ونسهتني هبا؟!‬
‫أحاديثنا املتعددة‪ ،‬وهو بصدد تعريف رجل األمعال الناحج‪ ،‬أنه ذلك الذي يعرف‬
‫وطلب مهنم دمحم أال يصدقوا ما تر ّوجه الكثري من قنوات التلفزيون ضد‬
‫كيف ينشئ رشكة قوية‪ ..‬هو الذي يعرف كيف يستمثر الفكرة والفرصة يف الوقت‬
‫اإلسالم‪ ،‬بدون أن يفكروا يف منطقية وواقعية الذي ُيقال‪..‬‬
‫املناسب متا ًما‪..‬‬
‫وبالنسبة ملوضوع املرياث‪ ،‬فهو موضوع غاية يف اخلطورة واحلساسية عندمه‪،‬‬
‫ال هيم أن يكون رجل األمعال‪ ،‬أو صاحب املرشوع الناحج هو صانع الفكرة‪،‬‬
‫وقد ذكر دمحم هلم الفارق بني قوانني املواريث عندمه وبني ما عندنا حنن املسملني‪،‬‬
‫ولكن ُيشرتط أن يكون هو املبادر لتحقيقها عىل أرض الواقع‪ ،‬ومن الرضوري –‬
‫مفن املعلوم أن أي خشص يف الغرب يستطيع أن يويص برتكته لتوئل إىل أي‬
‫بطبيعة احلال‪ -‬إن مل يكن صاحهبا‪ ،‬أن يعيط صاحهبا حقه‪ ،‬ماد ًّيا ومعنو ًّيا‪..‬‬
‫خشص أو إىل أي مؤسسة‪ ،‬بل إىل أي لكب أو قطة‪ ،‬أو حىت قرد (!)‪ ،‬وهذا خيلق‬
‫أيضا‪ :‬لو افتقد رجل األمعال بعض امللاكت يف األمور اإلدارية أو‬ ‫ً‬ ‫قال يل‬ ‫اضطرا ًبا وعدم استقرار يف الرشاكت العائلية هناك عىل املدى البعيد‪ ،‬أما عند‬
‫زيا‪ ،‬فاملهم أن‬‫ناحجا وممت ً‬
‫ً‬ ‫التسويقية‪ ،‬فذلك ال مينعه من أن يكون رجل أمعال‬ ‫املسملني فاألمر خيتلف متا ًما‪ ،‬فاإلسالم حيدد أنصبة الورثة بدقة تامة‪ ،‬وبدرجة‬
‫ويطط هلا‬ ‫ميتلك القدرة عىل إنشاء رشكة قوية هلا رؤية واحضة‪ ،‬وميثاق قوي‪ُ ،‬‬ ‫من العدل واملنطق غري عادية‪ ،‬بل مذهلة‪..‬‬
‫اسرتاتيج ًّيا حبمكة‪ ،‬ويقودها باقتدار مبساعدة فريق معل حمرتف‪ ،‬حيقق له أدا ًء‬
‫ّ‬ ‫لقد قرأنا ومسعنا عن حاالت قتل حدثت هناك نتيجة املفاجآت الغريبة يف‬
‫ويغط بتنوع خرباته القصور الاكئن هنا أو هناك‪.‬‬ ‫ً‬
‫متنامغا‪،‬‬
‫موضوع الوصايا غري املتوقعة‪ ،‬واليت يأخذ فهيا من ال يستحق‪ ،‬و ُيرتك أقرب‬
‫وبالرمغ من أين ال أفضل وصف «رجل أمعال»‪ ،‬بل أحب أن أوصف بأين‬ ‫األقربني‪..‬‬
‫«تاجر»‪ ،‬فإنين شعرت بعدم النفور من لقب «رجل أمعال» وأنا أسمتع إىل‬
‫واكن موضوع املرياث هذا من األمور اليت دافع هبا دمحم عبد اجليد بقوة عن‬
‫التحليل العيمل للدكتور زيدان لألمور‪ ،‬وهذا عكس ما اكن ينتابين حني كنت‬
‫هويتنا اإلسالمية املزتنة العادلة‪ ،‬يف حمارضته الناحجة‪.‬‬
‫أمسعه من غريه‪.‬‬
‫كذلك عرض علهيم مسألة القمي اإلسالمية اليت يرسهيا كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬وحتث‬
‫لقد أقنعنا أنه البد من استخدام هذا الوصف يف جمال األمعال‪ ،‬خاصة حني ال‬
‫علهيا سنة احلبيب دمحم ﷺ‪ ،‬وكيف أن الرمحة والتاكفل واإليثار وغريها من‬
‫يرتبط العمل بالتجارة فقط‪ ،‬مكا هو احلال يف مجموعة رشاكت «العريب»‪ ،‬حيث‬
‫ً‬ ‫املثل العليا تتحقق بصورة مثالية يف اإلسالم بإرساء فريضة الزاكة‪ ،‬ووحض هلم‬
‫خليطا من التجارة والصناعة واإلدارة والتخطيط االسرتاتيجي‪.‬‬ ‫يكون العمل‬
‫أن الزاكة وحدها كفيلة بالقضاء عىل الفقر بني املسملني متا ًما‪ ،‬إذا ما مه اهمتوا‬
‫من أكرث ما لفت انتبايه فميا قاله يل د‪ .‬زيدان‪ :‬إن أمه الصفات اليت متزي‬ ‫وحرصوا عىل إخراجها مكا حددها احلق جل وعال يف الرشع احلكمي‪..‬‬

‫‪339‬‬ ‫‪338‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مثل‪ ،‬إن مل تكن هنـاك قناعة تامة بدور لك واحد مهنم‪ ،‬وحدث أن جاءت فرصة‬ ‫ً‬ ‫رجل األمعال الناحج‪ :‬املبادرة‪ ،‬مث الصرب‪ ،‬مث القدرة عىل محتل املخاطر‪ ،‬مث القدرة‬
‫للظهور التلفزيوين ألحدمه‪ ،‬وأراد واحد آخر غري احلاج محمود أن حيظى بتلك‬ ‫عىل رؤية النجاح‪ ،‬والسيع وراءه حىت يتحقق‪..‬‬
‫الفرصة حتت األضواء‪ ،‬اكنت االنقسامات حينئذ ستبدأ يف هتديد «العريب»‬
‫كذلك‪ ،‬أجعبين حتليله ملوضوع ارتباط رجل األمعال حبب املغامرة‪ ،‬حيث قال‬
‫بتص ّدعات خطرية‪ .‬لكن – وهلل امحلد‪ -‬اللك اكن يعرف أن األمور اإلعالمية‪،‬‬
‫خشصا تع ّود عىل الوظيفة املستقرة مبا توفره من راتب‬
‫ً‬ ‫يل «بالنص»‪ :‬لن جتد‬
‫والتصدي للعمل العام واخلديم‪ ،‬يه مهمة احلاج محمود‪ ..‬والنوايح االتصالية‬
‫مضمون ودخل ثابت‪ ،‬لن جتد عنده صفات رجل األمعال الناحج‪ ،‬فلو امتلكها‬
‫واإلدارية اخلاصة بالتعامل مع فرق العمل باحرتافية وهدوء‪ ،‬فهي مهمة احلاج‬
‫لرتك الوظيفة يوم يستطيع أن يبدأ مشوار حتقيق مرشوعه اخلاص املتوازي مع‬
‫عبد اجليد‪ ..‬ونوايح الضبط والربط والرقابة املالية‪ ،‬وتأمني الرشكة من أية أخطار‬
‫مواهبه وملاكته‪ ،‬إال يف حاالت استثنائية‪ ،‬تمتكن الظروف واألقدار من الخشص‬
‫دخيلة مفهمة احلاج دمحم‪»..‬‬
‫فال يستطيع الفاكك من الضغوط اليت تواجهه‪ ،‬ويرىض باالسمترار يف الوظيفة‪،‬‬
‫لقد تسبب ذلك التنظمي‪ ،‬والتقسمي املتقن لألدوار يف جناة املجموعة من أية‬ ‫برمغ ما ميتلكه من صفات واعدة تتيح له النجاح يف العمل اخلاص بهسولة ويرس‪.‬‬
‫تصدعات خطرية‪ ،‬اكن من املمكن أن تأيت عىل النجاح من قواعده‪.‬‬
‫قال لنا د‪ .‬معرو‪« :‬هناك قصة معربة تؤكد املعاين العميقة اليت تط ّرقنا إلهيا‬
‫قلت يف لقاء مع الدكتور زيدان‪ :‬إن التجارة يه أهسل يشء يف الدنيا‪!..‬‬ ‫أثناء دراستنا ملوضوع احلومكة‪ ،‬فقد حدث قبل ثورة يوليو أن م ّر أحد الباشوات‬
‫ميا يف نظام‬ ‫من أحصاب األرايض الشاسعة مع ناظر «العزبة» فرأى خطأ جس ً‬
‫فقال يل‪ :‬هذا الكالم خيالف ما عندي من علوم ومن خربات!‪ ،‬مفن املعروف‬
‫الري‪ ،‬ومبجرد أن سأل ذلك الباشا ناظر العزبة عن سبب اخلطأ‪ ،‬حىت سارع‬
‫عندنا يف إدارة األمعال أن أصعب وأعقد يشء هو التسويق (االمس العيمل‬
‫الناظر لتصحيح اخلطأ بنفسه‪ ،‬مفا اكن من الباشا إال أن رفده من وظيفته عىل‬
‫للتجارة)‪ ،‬ولكن عندما وحضت له وجهة نظري‪ ،‬وكشفت عن األسلوب الذي معلنا‬
‫الفور‪ ،‬وعلل ذلك بقوله‪« :‬أنا ما حطتكش ناظر يف املاكن دا علشان تصلح األخطاء‬
‫به حىت حنقق ذلك النجاح الذي وفقنا اهلل تعاىل إليه‪ ،‬اقتنع يف الهناية وقال‪ :‬إذن‬
‫بنفسك‪ ،‬أنا عايزك تدير املوظفني والعامل اليل حتت منك‪ ،‬واليل بيقبضوا رواتهبم‬
‫يمكن الرس يف القدرات اخلاصة واملواهب وامللاكت اليت رزقك اهلل – وأخويك‪-‬‬
‫علشان الشغل دا»‪!..‬‬
‫هبا‪ .‬إن أمه سبل التسويق الناحج أن تضع اخلطط االسرتاتيجية للبيع قبل أن‬
‫تنتج ما تريد بيعه‪ ،‬أو من قبل أن تشرتيه أو تستورده‪ ،‬وهذه املسألة كنت أشعر‬ ‫لقد صدق ذلك الرجل يف قوله‪ ،‬وصدق يف قراره‪ ،‬فلو قام لك مسوئل بتنفيذ‬
‫أهنا تعمل يف داخل عقيل بكميياء بسيطة‪ ،‬تؤدي إىل حل لك املعضالت اليت‬ ‫واجباته بإتقان‪ ،‬وبتحري صالحيات ومهام معله عىل أحسن وجه‪ ،‬وتابع اآلخرون‬
‫ريا‪..‬‬ ‫تواجهنا بتلقائية وسالسة‪ ،‬والفضل يف ذلك هلل اخلالق البارئ‪ً ،‬‬
‫أول وأخ ً‬ ‫نفس األمر‪ ،‬فسينصلح – بال شك‪ -‬حال العمل لكه‪.‬‬
‫إنين ال أحتاج لورقة وقمل‪ ،‬لتحديد االسرتاتيجية اليت سنعمل هبا يف تسويق‬ ‫قال لنا د‪ .‬معرو‪« :‬يف اعتقادي‪ ،‬أن من أمه األسباب اليت ساعدت عىل جناح‬
‫منتج معني‪.‬‬ ‫جتربة «العريب‪ ،‬هو معرفة دور لك واحد من اإلخوة الثالثة – محمود ودمحم وعبد‬
‫اجليد‪ ،-‬وتركزي لك واحد مهنم فميا ختصص له يف العمل‪..‬‬
‫هذا األمر من أمه أسس النجاح يف العمل التجاري‪ :‬كيف حتسب لذلك املنتج‬
‫اجلديد سعره الذي يتناسب مع القوة الرشائية للرشحية املتوسطة من العمالء‪،‬‬ ‫«لوال تقسمي األدوار بوضوح وشفافية حلدثت انقسامات خطرية‪ ،‬اكنت ستعرض‬
‫وبالتايل حتدد هامش الرحب فيه‪ ،‬ومن خالل هذه العمليات احلسابية الدقيقة‪ ،‬ميكن‬ ‫الكيان الكبري ألخطار هائلة‪ ،‬وما كنا سند ّرهسا لطالب عمل حومكة الرشاكت‪،‬‬
‫أن حتدد المكية املناسبة لطرحها يف السوق يف األوقات املختلفة؟‬ ‫كمنوذج رائد للرشاكت العائلية العربية الناحجة‪..‬‬

‫‪341‬‬ ‫‪340‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫القمي واملبادئ اليت قامت علهيا رشكة وعائلة «العريب»‪..‬‬ ‫منتجا إلكرتون ًّيا جديدًا أثـنـاء إحدى رحاليت مع أبنايئ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مثل‪ ،‬حيمنا كنت أرى‬
‫إىل اليابان‪ ،‬مكا حدث يف بداية ظهور أجهزة المكبيوتر احملمول‪ ،‬اكنوا يسألونين‬
‫إن منظومة القمي ألي كيان‪ ،‬وقدرته عىل تطبيقها واحلفاظ علهيا‪ ،‬يه اليت‬
‫عن إماكنية رشاء مكية مهنا لتجربته يف السوق املرصي‪ .‬فكنت أستعمل ممن‬
‫حتدد قدرة هذا الكيان عىل االسمترار قويا‪ ،‬ويه اليت متنع عنه خطر االهنيار‪.‬‬
‫يصحبين يف السفر عن اإلماكنات اليت حتتوهيا تلك األجهزة‪ ،‬وعن درجة إقبال‬
‫لقد مت وضع دستور العائلة خالل ثالث دورات (جملس العائلة يسمتر ملدة‬ ‫أمجع لك‬
‫ّ‬ ‫الناس يف مرص عىل رشاهئا‪ ،‬وعن متوسط أسعارها يف مرص‪ ،‬كنت‬
‫سنتني‪ ،‬وجملس إدارة الرشكة املنتخب يسمتر ملدة ثالث سنوات)‪ ،‬بعد الكثري من‬ ‫هذه املعلومات وأخزهنا يف عقيل‪ .‬مث أقوم بفحص األنواع املتاحة لدى توشيبا‪،‬‬
‫جملسا إلدارة‬
‫ً‬ ‫االستقصاءات واالستفتاء عىل مواده‪ .‬وبنا ًء عىل هذه القمي انتخبنا‬ ‫وأسعارها‪ ،‬وحساب التلكفة التقريبية للجهاز بعد لك مرصوفات الحشن وامجلارك‬
‫وجملسا آخر إلدارة العائلة من بني أعضاهئا‪ ،‬ووضعنا قواعد للعالقة‬ ‫ً‬ ‫الرشكة‪،‬‬ ‫والرضائب‪ ،‬وبدون ورقة وال قمل‪ ،‬كنت أعيط توجهيايت برشاء مكية معينة من تلك‬
‫فميا بيهنام‪.‬‬ ‫األجهزة‪..‬‬
‫وال نستطيع أن ننكر اجلهود اليت قام هبا شباب اجليل الثالث يف هذه املرحلة‪،‬‬ ‫وهلل امحلد‪ ،‬غال ًبا ما اكنت تلك الطريقة تصيب اهلدف‪ .‬اكنت المكية اليت كنت‬
‫خاصة يف كتابة االستبيانات وتوزيعها وإعادة مجتيعها من أفراد العائلة‪ ،‬وقد اكن‬ ‫أحددها لنستوردها غال ًبا ما تساوي المكية اليت حتقق البيع اآلمن مع ظروف‬
‫السبب األسايس لنجاحهم يف ذلك‪ :‬ما قاموا به من قبل من تنفيذ جملة مسوها‬ ‫السوق‪ ،‬وإن زادت بعض اليشء‪ ،‬فكنا نبيع املتبيق بأرسع وقت‪ ،‬بسعر التلكفة أو‬
‫«العائلة»‪ ،‬واليت تطورت مع وجود «دش» مركزي يف معارة مرص اجلديدة إىل‬ ‫خبسارة بسيطة حىت ال تتوقف دورة رأس املال‪.‬‬
‫قناة تلفزيونية اكن يرشف علهيا وخيرج براجمها الضاحكة محمود ممدوح ودمحم‬
‫٭٭٭‬
‫جناحا عريضا يف التواصل بني لك أفراد العائلة (بفضل‬ ‫ً‬ ‫مصطىف‪ .‬وقد حققوا‬
‫اهلل وصل عدد أفراد العائلة إىل ‪ 481‬فردًا‪ ،‬بني اجليل األول والثاين والثالث‬
‫منظومة القيم يف عائلة «العربي»‬
‫والرابع‪ ،‬ما شاء اهلل القوة إال باهلل)‪..‬‬ ‫لقد اكن أساس النجاح يف نظام احلومكة هو تغيري ثقافة أفراد العائلة‬
‫حنو التفكري امجلايع يف لك أمور حياتنا‪ ،‬وقد اكن تكرار معل االستبيانات‬
‫اكن أول استبيان قد مت ملؤه هو ذلك الذي مت فيه اختيار ‪ 22‬قمية من بني ‪60‬‬
‫واستقصاءات الرأي هو السبيل هلذا التغيري املنشود‪..‬‬
‫قمية‪ ،‬بصورة تنازلية حبيث خيتار لك فرد بالغ من أفراد العائلة القمي األكرث أمهية‬
‫التوصل ملنظومة قمي «العريب»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فاألقل فاألقل‪ ،‬ومن نتيجة ذلك االستبيان متكنّا من‬ ‫أحيا ًنا كنا جند معارضة أو عدم جتاوب أو محاس مللء االستبيانات‪ ،‬ولكن‬
‫ببعض احليل ومزيد من اجلهد املتكرر – خاصة من اجليل الثالث‪ -‬أصبحت معلية‬
‫اكنت القمي محتل ثالثة أبعاد‪ :‬البعد الديين واألخاليق ‪ -‬البعد العائيل ‪ -‬البعد‬
‫ملء االستبيانات أم ًرا طبيع ًّيا مألو ًفا يف العائلة‪ ،‬وبالتايل حجننا يف الوصول إىل‬
‫العميل‪.‬‬
‫قرارات هيلكة جملس العائلة بصورة جيدة ج ّدًا‪ ،‬مث مت وضع دستور للعائلة‪ ،‬بدأ‬
‫وهذه هي الـ ‪ 22‬قيمة التي مت االتفاق عليها‪:‬‬ ‫يأخذ طريقه ليحمك معل عائلة «العريب»‪.‬‬
‫اإلميان باهلل‬ ‫‪.1‬‬ ‫ً‬
‫هسل علينا يف البداية إقناع أفراد العائلة هبذا النظام‪ ،‬ولكهنم استجابوا‬ ‫مل يكن‬
‫إتقان العمل‬ ‫‪.2‬‬ ‫مبرور الوقت‪ ،‬تقدي ًرا ألمهية انتخاب عنارص من العائلة لتقوم بصياغة دستور‬
‫العائلة‪ ،‬ونعمل عىل احلفاظ عىل ترابط العائلة مبرور األجيال‪ ،‬والثبات عىل نفس‬
‫الرتابط العائيل‬ ‫‪.3‬‬

‫‪343‬‬ ‫‪342‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫خالصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ريا دنيو ًّيا‬ ‫وتمشل ً‬
‫أيضا ُبعدًا وتأث ً‬ ‫احلق‬ ‫‪.4‬‬
‫إن اإلميان الصادق باهلل هيب املؤمن نظرة شاملة للكون‪ ،‬تعينه عىل فهم لك ما‬ ‫حسن التولك عىل اهلل‬ ‫‪.5‬‬
‫يدور حوله‪ ،‬ويرتمج جمريات األحداث ترمجة صادقة‪..‬‬
‫العدالة العائلية فامجليع سواسية أمام دستور وقوانني ولواحئ العائلة‬ ‫‪.6‬‬
‫من اإلميان باهلل تعاىل أن يربط العبد معله بنية الرغبة يف اإلتقان‪ ،‬مث اإلحسان‬
‫الصدق مع النفس واآلخرين‬ ‫‪.7‬‬
‫رغبة يف التحصل عىل حمبة اهلل‪ ،‬فهو – عز وجل – حيب‬ ‫ً‬ ‫فيه ويف صنعته‪ ،‬وذلك‬
‫أن يتقن العبد ما يصنعه‪ .‬أمل يأمر اهلل تعاىل نبيه داوود – هيلع السالم‪ -‬أن‬ ‫احلرص عىل مسعة الرشكة يف املجمتع‬ ‫‪.8‬‬
‫يتقن صنعته للدروع‪ ،‬وأن جيعل املسامري احلديدية ثابتة متا ًما يف مواضعها؟!‪،‬‬ ‫األمانة مع النفس ومع اآلخرين‬ ‫‪.9‬‬
‫واعترب ذلك – سبحانه وتعاىل ‪ -‬من األمعال الصاحلة‪ ،‬مكا جاء يف سورة «سبأ»‪:‬‬
‫﴿‪..‬وقدر في السرد واعملوا صاحلا إني مبا تعملون بصير﴾‪ ..‬ويبدو جل ًّيا أن حصة‬ ‫‪ .10‬احلرص عىل اسمترارية رشكة العائلة‬
‫ّ‬
‫نية العبد يف الرغبة يف اإلتقان تؤدي إىل توفيق اهلل له يف معله‪ ،‬وتعمله أرسار‬ ‫‪ .11‬حسن اخللق‬
‫ومواطن اإلبداع فيه‪.‬‬
‫‪ .12‬احلرص عىل مسعة العائلة يف املجمتع‬
‫أيضا صفة الصدق مع النفس ومع اآلخرين‪ ،‬تلك الصفة اليت اكنت سب ًبا يف‬ ‫هناك ً‬
‫‪ .13‬التعاون‬
‫أن حنوز ثقة اليابانيني‪ ،‬ومن قبلهم ثقة معالء العريب‪ ،‬ولك التجار واملوزعني – رشاكء‬
‫النجاح‪ .-‬مفن الطبييع واملنطيق أن نضع هذه القمية مضن منظومة القمي اليت تؤثر‬ ‫‪ .14‬الصرب‬
‫يف ذلك الكيان‪ ،‬وأن يمت إبرازها كرضورة حمتية السمترار جناح «العريب»‪ ،‬نتيجة‬ ‫‪ .15‬الوفاء بالوعد‬
‫ومف ّعلة يف أذهان وأخالق لك أفراد العائلة‪.‬‬
‫اسمترار نفس القمية حية ُ‬
‫‪ .16‬التواضع‬
‫وكذلك قمية الوفاء بالوعد‪ ،‬والوفاء ألحصاب الفضل‪ ،‬مهام تقلبت األمور‪ ،‬أو‬
‫تبدل هبم احلال‪ .‬لقد دفعتنا أصولنا الريفية‪ ،‬وقمينا املتوارثة أن حنرتم ونو ّقر‬ ‫‪ .17‬احرتام وتوقري الكبري‪ ،‬وعىل الكبري مراعاة الصغري‬
‫أصدقاءنا الذين اكنوا يتبوءون مناصب عليا‪ ،‬حنرتمهم وجنلّهم بعد خروجهم عىل‬ ‫‪ .18‬احلب األرسي‬
‫املعاش‪ ،‬وبعد تركهم ملناصهبم الرباقة‪ ،‬أكرث مما كنا نفعل ومه يف قلب الربيق‬
‫‪ .19‬الثقة بالنفس‬
‫الدنيوي اخلادع قصري األمد‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ .20‬حب اخلري للعائلة‬
‫شيئ أجوف‪،‬‬ ‫مكمسى ولكفظ – دون أثر هلا عىل أرض الواقع‪ -‬تبىق‬
‫ّ‬ ‫إن القمية‬
‫جمرد صوت أو حمض خياالت‪ ،‬حىت تراها تتحرك عىل األرض نابضة باحلياة‬ ‫‪ .21‬العفة والفضيلة‬
‫ومتدفقة باحليوية‪ .‬هنا فقط تأكد أنه سيكون هلذه القمية أثر حقييق بالغ يف‬
‫‪ .22‬احلفاظ عىل أمالك العائلة‬
‫اسمترار جناح ذلك الكيان‪.‬‬
‫ً‬
‫مفثل قمية اإلميان باهلل تمشل بعدًا عقائد ًّيا دين ًّيا‪،‬‬ ‫ولتلك القمي أبعاد متعددة‪،‬‬
‫وبطبيعة احلال ال تكون منظومة القمي ذات بال‪ ،‬مهام امتألت ببنود لقمي مجيلة‬

‫‪345‬‬ ‫‪344‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫قيم ومبادئ‪ ..‬ت�سري على �أر�ض الواقع‬ ‫ومؤثرة‪ ،‬إال أن يكون لتلك القمي وجود قوي ومؤثر عىل أرض الواقع‪.‬‬
‫منذ أنشأنا رشكة «العريب» وحنن نتعامل بقاعدة‪« :‬عامل الناس مكا حتب أن‬ ‫٭٭٭‬
‫يعاملوك»‪ ،‬فاألخالق احلسنة يه أصل العالقة بيننا وبني العمالء‪ ،‬وهذه األخالق‬ ‫م�سابقة «العربي �سنة ‪!!»2064‬‬
‫احلسنة يه اليت تفرض احرتام الناس لك‪.‬‬ ‫يف سنة ‪ ،2009‬ومن أجل املزيد من التقارب بني أفراد اجليل الثالث‪ ،‬ومن أجل‬
‫يف أواخر الستينيات‪ ،‬أذكر أين قلت لرجل ‪ -‬من الصعيد‪ -‬اكن يشرتي منا‬ ‫التدريب عىل العمل امجلايع املمثر‪ ،‬والتأكيد عىل تواصل اجليل الثالث مع قمي‬
‫بضاعة‪« :‬أنا حتت أمرك!»‪ ،‬فإذا به يثور وينفعل ويشمتين دون سبب واحض!!‪..‬‬ ‫ومبادئ «العريب»‪ ،‬أقام جملس العائلة مسابقة مبتكرة‪ ،‬اكن موضوعها‪ :‬خت ّيل ما‬
‫هو شلك رشكة وعائلة «العريب» سنة ‪2064‬؟!‬
‫وسكت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مل أرد هيلع بأي لكمة‪ ،‬بل صربت عىل جهالته‪ ،‬وبلعت غضيب‬
‫أي بعد مرور مائة سنة بالمتام عىل إنشاء الرشكة‪..‬‬
‫عملت بعد ذلك أن الرجل ظن أين شمتته أو أهنته بقويل له‪« :‬حتت أمرك»‪!..‬‬
‫اكنت مسابقة طريفة‪ ،‬وقد فاجأتنا المطوحات اهلائلة واألفاكر اخلالقة لشباب‬
‫مث عاد الرجل بعد يومني ليعتذر يل وعيناه تدمعان‪..‬‬
‫اجليل الثالث وللصغار ً‬
‫أيضا‪ .‬حيث مت تقسمي أفراد اجليل الثالث إىل ثالثة أقسام‪،‬‬
‫تأسف عىل خطئه‪ ،‬وقال إنه ملا حىك ألقاربه وأصدقائه عاتبوه وقالوا له‪ :‬إنين‬
‫ّ‬ ‫القسم األول من ‪ 13-7‬سنة‪ ،‬والقسم الثاين من ‪ 20-13‬سنة‪ ،‬والقسم الثالث‬
‫قصدت أنين يف خدمته‪ ،‬وأقنعوه أنه ليس هناك أي يشء سليب يف‪« :‬حتت‬ ‫األكرب من ‪ 20‬سنة‪.‬‬
‫أمرك»‪..‬‬
‫لقد اكتشف شباب عائلة «العريب» بعضهم البعض من خالل تلك املسابقة‬
‫ماذا لو كنت غضبت‪ ،‬وأرصرت عىل االنتقام لنفيس منه؟ أليست النتيجة يف‬ ‫اليت معلوا فهيا م ًعا لعدة أسابيع‪ ،‬واكن من رشوطها أن يدور امجليع عىل أغلب‬
‫حالة الصرب واحلمل أفضل بكثري‪ ،‬ملصلحة اإلنسان ومصلحة معله‪ ،‬يف الدنيا‬ ‫أفرع الرشكة‪ ،‬وأن يتحدثوا مع كبار املسوئلني فهيا‪ ،‬وأن يتحدثوا مع األقارب يف‬
‫واآلخرة‪ ،‬عىل السواء؟‬ ‫«أبو رقبة»‪ ،‬وأن يلتقطوا الصور‪ ،‬وأن حياولوا احلصول عىل صور قدمية حتيك‬
‫قصة أخرى حدثت يف حمل املوسيك‪ ،‬حيث اكن هناك زبون بسيط دامئ الرتدد‬ ‫تطور قصة النجاح‪ ،‬مث يقوم لك فريق باستخدام لك تلك املعلومات والصور يف‬
‫علينا يف املوسيك‪ ،‬ليشرتي طلبيات صغرية‪ ،‬واكن أحد العاملني معنا يلتيق هذا‬ ‫خت ّيل كيف ستكون الرشكة عام ‪..2064‬‬
‫الزبون برتحاب شديد‪ ،‬غري مبالٍ بأنه ال يشرتي إال مببالغ بسيطة‪..‬‬ ‫اسهتدفنا زرع حمل لدى أولئك الشباب الواعد‪ ،‬ومشاركهتم رؤيهتم‪ :‬كيف يمتنون‬
‫اكن ذلك العامل ينفذ حرف ًّيا تلك القمية اليت أرسيت يف رشكة «العريب» من‬ ‫لرشكهتم أن تكون بعد مخسني سنة من اآلن؟! وقد جاءت النتاجئ أكرث من مهبرة‪..‬‬
‫أول يوم‪ :‬رضورة الرتحيب بالزبائن عىل اختالف مستوياهتم‪ ،‬حىت ولو اكنت‬ ‫إن اسمترار الرشكة عىل نفس اخلىط الثابتة له عالقة وطيدة بقوة وحسن‬
‫الفائدة اليت تعود علينا مهنم قليلة‪..‬‬ ‫أداء أفراد األجيال اجلديدة‪ ،‬وامحلد هلل أن اجليل الثالث من عائلة العريب يثبت‬
‫ويف أحد أيام املطر الشديد‪ ،‬مل نبِع يف ذلك اليوم لكه إال جبنهيات قليلة‪ ،‬وقبل‬ ‫ريا يوم يتحمل أفراده‬
‫جناحا كب ً‬
‫ً‬ ‫يو ًما بعد يوم أنه أهل لتحمل مسوئلياته‪ ،‬وأتوقع له‬
‫أن ُتغلق أبواب احملل‪ ،‬دخل ذلك الزبون البسيط احملل غار ًقا يف مياه املطر ومعه‬ ‫مسوئلية إدارة مجموعة «العريب» بصورة اكملة‪.‬‬
‫تاجر يريد بضاعة كثرية‪ ،‬ع ّوض مثهنا خسارة اليوم لكه‪ .‬لقد التىق ذلك الزبون‬ ‫٭٭٭‬

‫‪347‬‬ ‫‪346‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫كنا يف آخر هشر رمضان‪ ،‬حتـديدًا يف ليـلـة عيد الفطر‪..‬‬ ‫البسيط بالتاجر الغريب عن القاهرة يف املواصالت‪ ،‬وحني سأله عن ماكن يشرتي‬
‫منه بضاعة حملله اجلديد‪ ،‬دلّه – بدون تردد‪ -‬علينا‪..‬‬
‫مل يكن زحا ًما تقليد ًّيا‪ ،‬بل اكن شديدًا‪ ،‬واكن أغلب الزبائن يشرتون لعب األطفال‬
‫حينئذ‪..‬‬ ‫اكنت تلك القصة واحدة من الرباهني العديدة عىل عاقبة معاملة الناس باالحرتام‬
‫وباملعروف وبالتواضع التام‪.‬‬
‫اكن دمحم يقف يومها جبوار املسوئل عن اللعب‪ ،‬وهو احلاج دمحم العمدة‬
‫– رمحه اهلل تعاىل‪ -‬وهو الذي عمله يف تلك الفرتة كيف يعرض اللعب بطريقة‬ ‫وبرمغ أين نسيت امس هذا العامل اآلن‪ ،‬فإن معله وإتقانه وإخالصه‪ ،‬لن ينساه‬
‫جذابة‪ ،‬وكيف يكتب قسمية األسعار‪.‬‬ ‫له رب العباد‪ ،‬الذي ال يغفل وال ينىس وال ينام‪ ..‬فمبثل هذا العامل اجلاد املخلص‬
‫– من بعد فضل اهلل‪ -‬حجنت حمالت «العريب» باملوسيك يف أن تتحول إىل‬
‫أكرث اللعب بي ًعا يف تلك األيام اكنت «زُمارة» هلا بوق مستدير يتحرك‪ ،‬أشبه‬
‫مجموعة «العريب» التجارية والصناعية واالستمثارية‪..‬‬
‫باهلارمونياك‪.‬‬
‫إننا اليوم نريس يف لك العاملني مبجموعة «العريب» أن يصربوا عىل التعامل‬
‫كنا نبيع الدستة (أي الـ ‪ 12‬قطعة) بـ ‪ 4.8‬جنيه‪ ،‬أي أن اللعبة الواحدة اكنت‬
‫ً‬ ‫مع امجليع باملبادئ واألخالقيات اليت اتفقنا علهيا ورخسناها من البداية‪ ،‬فلن‬
‫قرشا‪ .‬اكن األصل يف احملل أن البيع بامجللة‪ ،‬ولكننا وافقنا عىل بيع‬ ‫بأربعني‬
‫نستطيع «تفصيل» معالء عىل حسب أهوائنا‪ ،‬بل سنلتيق ونصادف لك النوعيات‬
‫هذه اللعبة بالقطعة يف تلك األيام‪ ،‬نظ ًرا إلقبال األطفال علهيا‪ ،‬حيث مل ُنرد أن‬
‫من البرش‪ ،‬فإذا ثبت املرء عىل نفس الطريقة يف التعامل اليت حيب أن يعامله الناس‬
‫نردمه خائبني يف ليلة العيد‪.‬‬
‫هبا‪ ،‬بغض النظر عن طريقة تعامل اآلخر معك‪ ،‬فهذا معناه النجاح والتوفيق من اهلل‪،‬‬
‫كنا نبيع من تلك اللعبة أعدادًا كبرية‪ ،‬وملعت فكرة يف عقل دمحم‪ ،‬الذي اكن يف‬ ‫أما عن اخلطأ يف حقك – إذا حدث‪ ،-‬فكن واث ًقا أنك ستأخذ حسنات مقابل السكوت‬
‫السادسة عرشة من معره تقري ًبا‪ ،‬فقرر تنفيذها عىل الفور دون استشارة أحد‪ .‬لقد‬ ‫عاجل أو ً‬
‫آجل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عن رد اإلساءة؛ مكا أن اهلل تعاىل سيأخذ لك حبقك‬
‫وضع خطته البيعية والتسعريية بنفسه‪ ،‬فاكن يتفحص الزبون‪ ،‬مفن بدا له ميسور‬
‫ً‬
‫٭٭٭‬
‫قرشا‪ ،‬ومن يراه متوسط احلال يبيعه إياها خبمسني‪ ،‬ومن‬ ‫احلال يبيعها له بستني‬
‫ريا يبيعها له بسعرها األصيل‪ ،‬دون أي مشورة معنا‪!..‬‬ ‫يراه فق ً‬ ‫وعندما كنا نتعامل مع بضاعة أخرى غري البضاعة اليت منتلك توكيالت هلا‪،‬‬
‫كنا نفاجأ أحيا ًنا كثرية باضطراب شديد يف األسعار‪ ،‬نتيجة عدم قدرتنا عىل‬
‫اكن مكتيب يف وسط احملل متا ًما‪ ،‬ألستطيع متابعة ومالحظة لك ما جيري‬ ‫التحمك يف أسعار البيع للجملة ونصف امجللة والقطايع‪ ،‬واكن ذلك يتسبب يف‬
‫بالداخل‪ .‬فوجئت بالفتاة اليت اكنت تعمل معنا «اكشري»‪ ،‬ختربين أن ابين دمحمً ا‬ ‫عدم االستقرار يف ظروف العمل‪ ،‬مما دفعين الختاذ قرار حازم أن نتوقف عن‬
‫يغي يف أسعار ذلك الصنف بدون سبب مفهوم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫العمل يف منتجات ال نستطيع تثبيت أسعارها‪..‬‬
‫ناديته‪ ،‬وسألته معا قالته الفتاة‪ ،‬فأجابين وهو فرح عن فكرته يف حتديد احلالة‬ ‫إن من أمه مبادئنا يف التجارة‪ :‬تثبيت األسعار بقدر اإلماكن‪ ،‬ما دام مل يكن‬
‫االقتصادية للزبون‪ ،‬قبل أن حيدد له السعر ويكتب له «البون»‪.‬‬ ‫هناك سبب قوي يضطرنا لتغيريه‪..‬‬
‫ظن دمحم أنين سأسعد بتلك الفكرة‪ ،‬مفا اكن مين إال أن قلت له‪« :‬كدا؟‬ ‫ريا (الرئيس التنفيذي احلايل لملجموعة)‪ ،‬واكن‬
‫عندما اكن ابين دمحم صغ ً‬
‫مايش‪ ،‬طيب ر ّوح اقعد عند امك‪ ،‬وما تورنيش وشك‪.»..‬‬ ‫متعودًا مثل بايق األبناء أن يقيض اإلجازة الصيفية يف أحد احمللني باملوسيك‪.‬‬

‫‪349‬‬ ‫‪348‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ال لك�شف �أ�سرار املناف�سني!‬ ‫ً‬


‫وأيضا يك يعمل امجليع أين ال أجامل‬ ‫درسا ال ينساه‪،‬‬
‫ً‬ ‫أردت بذلك أن أعطيه‬
‫ابين نفسه يف مثل هذا اخلطأ الذي أعتربه من أسوأ األخطاء يف التجارة‪.‬‬
‫أذكر يف سنة ‪ 2000‬أن اكن ابين مدحت عائدًا من رحلة إلحدى دول الرشق‬
‫األقىص‪ ،‬واكن حيمل معه حقيبة سفر كبرية‪ ،‬وأخرى صغرية «هاند باج»‪ ،‬حني‬ ‫٭٭٭‬
‫فتح الصغرية‪ ،‬وجد فهيا أشياء أخرى غري تلك اليت اشرتاها‪ ،‬مع مجموعة من‬ ‫من مبادئنا‪ :‬عدم تغيري اللكمة مع معالئنا‪ ،‬مهام اكنت اخلسائر‪..‬‬
‫املستندات ختص إحدى الرشاكت املنافسة‪..‬‬
‫أثناء وجود ابين املهندس إبراهمي العريب يف فرع الرشكة ببورسعيد‪ ،‬وذلك يف‬
‫ً‬
‫بعضا من أصدقائه قبل أن خيربين‪ ،‬مفهنم من‬ ‫احتار ماذا يفعل؟ استشار‬ ‫أواخر السبعينيات‪ ،‬جاءه عدد من املسوئلني يف رشكة املقاولون العرب‪ ،‬ليطلبوا‬
‫نصحه أن يصور املستندات لكها قبل أن يعيدها لصاحهبا‪ ..‬وأحدمه نصحه أال‬ ‫عرض سعر لعدد من أجهزة تلفزيون توشيبا لملستشىف الذي اكنوا يبنونه يف‬
‫ينظر إىل أية بيانات من تلك األوراق‪ ..‬وثالث نصحه أن يستفيد من املعلومات‬ ‫تلك الفرتة يف اجلبل األخرض‪.‬‬
‫املوجودة يف األوراق بأية طريقة‪.‬‬
‫مل تكن البضاعة املطلوبة قد خرجت من امجلارك بعد‪.‬‬
‫وجاءين يف الليل‪ ،‬وحىك يل ما حدث بالتفصيل‪ ،‬فقلت له عىل الفور‪« :‬األمانة‬
‫وضع إبراهمي سع ًرا هلم عىل ضوء سعر األجهزة اليت اشرتيناها به من‬
‫ماتبصش يف الورق دا وال تصوره‪ ،‬وبكره الصبح تروح‬ ‫ّ‬ ‫ماتتجزأش يا مدحت‪،‬‬
‫اليابان‪ ،‬باإلضافة إىل مقدار امجلارك‪ ،‬وهامش الرحب‪ ،‬وأعطامه عرض السعر‪،‬‬
‫تسمل الشنطة لصاحهبا وتاخد شنطتك‪ ،‬وما تقولش انت مني؟ مش عاوزيهنم‬
‫ً‬ ‫وفيه مدة حمددة للتوريد‪.‬‬
‫أصل»‪.‬‬ ‫يشكوا إننا معلنا حاجة إحنا مامعلناهاش‬
‫ً‬ ‫بعد ذهاب املسوئلني بعرض السعر‪ ،‬فوجئ إبراهمي أنه أخطأ فيه‪ ،‬حبيث أعطامه‬
‫وفعل نفذ ابين لك ما قلته له باحلرف‪.‬‬
‫سع ًرا أقل بنسبة ‪ % 30‬تقري ًبا من السعر احلقييق‪..‬‬
‫نسع إليه‪ ،‬بل فكرت أن اهلل‬ ‫َ‬ ‫مل أفكر للحظة أن نستفيد من املوقف الذي مل‬
‫مل يعودوا إليه‪ ،‬إال بعد فوات فرتة التوريد اليت اتفقوا علهيا حكد أقىص لتنفيذ‬
‫تعاىل خيتربنا‪ ،‬واكن قراري احلامس واختياري الذي ال يتبدل‪ :‬األمانة مث األمانة‪..‬‬
‫املدد‪ ،‬الذي حسبه هلم إبراهمي‪.‬‬‫العملية‪ .‬اكن معهم الشيك باملبلغ ُ‬
‫و‪ ..‬مراقبة اهلل تعاىل‪ ،‬وتقديره قدره اجلليل‪ ،‬وغض الطرف عن العباد وتنافهسم‬
‫عىل الدنيا‪.‬‬ ‫ومل يد ِر ابين ماذا يفعل! فاتصل يب وأخربين باألمر لكه‪ ،‬وقال إن فرتة التوريد‬
‫قد انهتت‪ ،‬فهل نعتذر هلم عن العملية؟! قلت له‪« :‬مش احنا اليل نعمل كدا‪ ،‬الزتم‬
‫إن األمانة والصدق يف لك تعامالتنا – بفضل وهدى من اهلل‪ -‬مها الرس‬
‫مبا اتفقت هيلع‪ ،‬فالغلطة غلطتنا‪ ،‬وعليك أن تتحمل الفرق!»‪ ..‬مث سألته عن املاكن‬
‫الرئييس يف احرتام اليابانيني‪ ،‬وثقهتم املتبادلة معنا‪.‬‬
‫الذي ستوضع فيه تلك األجهزة‪ ،‬فأخربين أهنم سيضعونه يف مستشفامه اجلديد‪،‬‬
‫٭٭٭‬ ‫فقلت له‪« :‬خالص‪ ،‬اعترب إنك سامهت باملبلغ دا يف جتهزي املستشىف»‪.‬‬
‫ال�صداق ــة م ــع البـيـئ ـ ــة‪..‬‬
‫وبالفعل نفذ إبراهمي العملية‪ ،‬بعد أن أخرب رجال املقاولون العرب بلك ما حدث‪،‬‬
‫مكا ذكرت‪ ،‬تعملت من السنوات األوىل اليت قضيهتا يف «أبو رقبة» عدم‬ ‫وقد أبدوا له سعادهتم ورضامه بوجود مثل هذا املستوى من احرتام اللكمة‪ ،‬مهام‬
‫التخامص مع البيئة من حويل‪ ،‬وعدم اإلساءة إلهيا‪ .‬واليوم لك من يتعامل مع‬ ‫جنم عهنا من خسارة‪..‬‬
‫«العريب» يعرف أن واحدًا من أمه اشرتاطات اجلودة لدينا‪ ،‬عنرص‪ :‬احملافظة‬
‫٭٭٭‬
‫‪351‬‬ ‫‪350‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫املاجستري عام ‪ - 1985‬عيادة خاصة لطب األطفال يف الطابق الثالث من العامرة‪،‬‬ ‫عىل البيئة‪ ،‬وعدم التع ّدي علهيا بأي شلك من األشاكل‪..‬‬
‫ّ‬
‫للحضانات بـعــد حصوله عىل الدكتـوراه يف طب األطفال عام‬ ‫قمسا‬
‫ً‬ ‫مث أضاف‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬لدينا مرشوع مطوح ملعاجلة القاممة «البيوجاز» مكصدر‬
‫ترخيصا هلا بامس‬
‫ً‬ ‫ريا‪ ،‬أخذنا‬
‫‪ ،1995‬وحني حتولت العيادة إىل مستشىف بدأ صغ ً‬ ‫رخيص بديل للطاقة‪ ،‬باستخدام وحدات بيوجاز يف قرية أبو رقبة لالستفادة‬
‫قمسا لعمليات الوالدة‬
‫ً‬ ‫مستشىف «مركز العريب الطيب»‪ .‬مث توسعنا فهيا لتمشل‬
‫من القاممة ومن خملفات احليوانات صديقة الفالح‪ ،‬واستخراج الطاقة احليوية‬
‫وجراحات لألطفال‪ ،‬حىت مت جتهزيها حتت إرشاف م‪ .‬أمحد زمزم بعد أن أخذنا‬
‫واملستدمية مثل الغاز والكهرباء‪ ،‬وكذلك استخراج المساد الطبييع الغين ج ّدًا‬
‫ً‬
‫ومعمل‬ ‫أيضا لنضيفه لملستشىف‪ ،‬وفيه افتتحنا صيدلية كبرية‬‫ً‬ ‫الطابق اخلامس‬
‫باملواد العضوية عالية الفائدة للرتبة الزراعية‪.‬‬
‫شامل‪ .‬واليوم مت مض لك أدوار العامرة – عدا السابع فقط‪ -‬لملستشىف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طب ًّيا‬
‫حضانات‪ .‬وقد عوجل فهيا الكثري من األهل‬ ‫ّ‬ ‫حىت وصلنا إىل ‪ 50‬رسي ًرا و‪10‬‬ ‫أما عىل مستوى املصانع‪ ،‬فاملياه اليت خترج من لك املصانع ُتعاجل كمييائ ًّيا‬
‫(أجريت هبا معلية املرارة لزوجيت هامن – رمحها‬ ‫والعاملني بالرشكة واألصدقاء ُ‬ ‫قبل أن تذهب إىل مواسري الرصف‪ ،‬وتلك املعاجلة تكفل القضاء عىل أية احمتاالت‬
‫اهلل‪ -‬يف يناير ‪ .)2000‬وقد عوجلت هبا حاالت حرجة كثرية للك الفائت‪ ،‬قادرين‬ ‫تلوث أو إرضار بالبيئة‪ ،‬إذا ما ترسبت تلك املياه لألرايض الزراعية املجاورة‬
‫وغري قادرين‪ ،‬مسملني ومسيحيني‪ ،‬واكن اللك ُيمع عىل أن اخلري والرعاية‬ ‫ملصانعنا‪..‬‬
‫والرمحة اليت يلقوهنا يف هذا املاكن مل جيدوها – بفضل اهلل‪ -‬يف ماكن آخر‪.‬‬ ‫مك يصيبين احلزن حني أرى بعض أهايل الريف يلقون القاممة جبوار األرض‬
‫مث اكن افتتاح مستشىف «العريب» بأبو رقبة يف ‪ 23‬ديمسرب ‪ ،2014‬واليت‬ ‫الزراعية‪ ،‬فيتطاير مهنا األجزاء البالستيكية وأنواع الورق اليت ال تتحلل‪ ،‬وتستقر‬
‫أقميت عىل مساحة ‪ 5‬فدادين اكملة‪ ،‬وبأحدث التجهزيات الطبية والتقنية العاملية‪،‬‬ ‫ريا من خصوبهتا‪ ،‬ويه‬ ‫مكوناهتا يف الرتبة‪ ،‬وبالتايل تفسد طبيعهتا وتقلل كث ً‬
‫واليت اسمتر العمل يف إنشاهئا ملدة ‪ 10‬سنوات متواصلة‪ .‬واهلل أسأل أن يوفقنا‬ ‫اليت عاشت آالف السنني متدنا باخلري والمثار والربكة‪ .‬إن الرتبة املرصية كسائر‬
‫يف جناح هذا املرشوع الطيب المخض‪ ،‬وأن تتضافر اجلهود لتحقيق أهدافنا من‬ ‫أرايض وادي النيل من أجود أنواع األرايض يف العامل لكه‪ ،‬كيف نيسء إلهيا‬
‫هذا الرصح العمالق‪ ،‬ليكون بصمة إنسانية يف جمال العناية بصحة املرصيني‪،‬‬ ‫ويه كزننا احلقييق عىل مر التارخي!‬
‫سواء القادرين أو غري القادرين‪..‬‬ ‫إن النظافة لدينا يف مصانع «العريب» مسألة أساسية‪ .‬نظافة املاكن‪ ،‬ونظافة‬
‫٭٭٭‬ ‫العامل‪ ،‬ونظافة املاكينات‪ ،‬ونظافة املنتجات‪ ،‬ونظافة الطعام ورضورة أن يكون‬
‫ا�ص ـ ـب ـ ــر بــر�ض ـ ـ ـ ــاك‪!..‬‬ ‫ط ّي ًبا‪ .‬النظافة صفة مالزمة للك املنمتني لكيان «العريب»‪ ،‬ومن ال حيافظ علهيا ال‬
‫يستطيع أن يسمتر يف منظومة العمل معنا‪ .‬إهنا واحدة من أمه القمي اليت ُبنيت‬
‫هو من أمه املبادئ اليت نسىع دو ًما للمتسك هبا‪ ،‬وتعلميها للك أفراد العائلة‬
‫علهيا رشكة «العريب»‪ .‬أرجو أن تعود النظافة مرة أخرى‪ ،‬فتكون واحدة من أمه‬
‫واملجموعة‪..‬‬
‫أسس احلياة يف ريفنا‪ ،‬ويف لك مدن وشوارع مرص‪.‬‬
‫إنه الصرب امجليل‪..‬‬ ‫٭٭٭‬
‫والفارق بني الصرب العادي والصرب امجليل أنك يف احلالة األوىل قد تصرب مع‬ ‫الرحمة واحلداثة‪ ..‬يف م�ست�شفيات «العربي»‬
‫ً‬
‫سبيل آخر‬ ‫وجود مرارة داخلك‪ ،‬أو مع شعور طاغٍ برفض االبتالء‪ ،‬ولكنك ال جتد‬ ‫ً‬
‫أيضا‬ ‫لقد أكرمنا اهلل تعاىل أن بنينا معارة من عرشة أدوار يف شربا (هبا‬
‫سوى الصرب‪ُ ،‬م ً‬
‫رمغا ال راض ًيا‪..‬‬
‫معرض جتاري ملنتجات «العريب»)‪ ،‬افتتح هبا ابين د‪ .‬ممدوح – بعد أن حصل عىل‬

‫‪353‬‬ ‫‪352‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫بعد سنة تقري ًبا – ‪ - 1990‬أجريت معلية املياه البيضاء يف أملانيا للعني الميىن‪،‬‬ ‫أما الصرب امجليل‪ ،‬فهو صرب بال شكوى‪ ،‬معه ال يفكر اإلنسان هنائ ًّيا يف أي‬
‫ولكن بعد فرتة بدأ ضغط العني يف االرتفاع (ويه احلالة اليت توصف باملياه‬ ‫احمتال للرفض‪ ،‬بل يشعر بالرضا التام‪ ،‬لدرجة أنه ال يرىض بغري ما ق ّدره اهلل‬
‫الزرقاء)‪ ،‬واسمترت معانايت من ذلك االرتفاع يف ضغط العني بشلك مسمتر‪،‬‬ ‫ً‬
‫بديل‪ ،‬خيتار ما اختاره اهلل له؛ ألنه يوقن أن لك ما جيري بأقدار اهلل للعبد هو‬
‫حىت مت زرع عدسة عام ‪ ،1991‬وبرمغ ذلك اسمتر ضغط العني عىل ارتفاعه‬ ‫خري له‪ ،‬حىت لو بدا يف ظاهره غري ذلك‪!!..‬‬
‫بصورة مسمترة‪..‬‬
‫وهذا ما اكن من نيب اهلل يعقوب حني ابتيل بفقد يوسف‪ .‬وكذلك نيب اهلل‬
‫يف سنة ‪ 1997‬قرر د‪ .‬سيد سيف أن أجري معلية زرع قرنية‪ ،‬ولكن حدث‬ ‫أيوب‪ ،‬حني ابتيل بفقد حصته وماله‪..‬‬
‫ارتشاح مصحوب بالهتاب شديد بسبب ارتفاع ضغط العني‪ ،‬مما جعلنا نرسع‬
‫ّ‬
‫عيل األطباء أن أجري معلية امسها‬ ‫بالسفر إىل سان فرانسيسكو‪ ،‬وهناك اقرتح‬ ‫وكذلك اكن الصرب امجليل يف أمجل صوره يف مواجهة النيب دمحم ﷺ للك‬
‫مصام لعالج ضغط العني املرتفع «مصام أمحد» (مسيت بامس الطبيب األمرييك‬ ‫االبتالءات العظام اليت واجهها يف سبيل الدعوة‪.‬‬
‫املسمل الذي ابتكرها)‪ ،‬ولكن الصامم لألسف مل يسمتر يف العمل ألكرث من ‪4‬‬ ‫البد من اقرتان الصرب امجليل بخشصية أي إنسان يسىع إىل النجاح‪..‬‬
‫أهشر‪ ،‬ومع متابعة احلالة من الطبيبني سيد سيف ومدحت عبد السالم‪ ،‬قررا يف‬
‫يف عام ‪ 1989‬بدأت أشعر بضعف مزتايد يف النظر‪ .‬كنت أظن يف البداية أن‬
‫الهناية أن أسافر إىل بون مرة أخرى إىل نفس الطبيب الذي سافرت إليه قبل ذلك‬
‫أغي كشف النظارات‪ ،‬الواحد تلو اآلخر‪ ،‬دون‬
‫النظارة الطبية يه السبب‪ ،‬وبدأت ّ‬
‫يف عام ‪.1989‬‬
‫جدوى‪.‬‬
‫اسمترت متابعيت مع ذلك الطبيب األملاين يف مدينة بون لسنوات‪ ،‬حىت اكن‬
‫ملا حفصين صدييق د‪ .‬سيد سيف‪ ،‬اكتشف وجود مياه بيضاء عىل العني‬
‫عام ‪ 2005‬حني قال ذلك الطبيب األملاين البين ممدوح باإلجنلزيية‪« :‬والدك الزم‬
‫الميىن‪ ،‬وتوقع أن تنتقل احلالة إىل العني اليرسى بعد فرتة‪ ،‬فاكن البد من‬
‫يو ّقع عىل إقرار باملوافقة عىل إجراء معلية زرع للقرنية»‪ ،‬فرتمج ممدوح يل ما‬
‫الترصف الرسيع‪.‬‬
‫ّ‬
‫قاله الطبيب‪ ،‬فطلبت منه أن يسأله عن احمتاالت جناح العملية‪ ،‬فقال‪ :‬برصاحة‪،‬‬
‫ليست كبرية‪ ،‬ولكن البد من إجراهئا‪ ،‬وإال فقدت العني الميىن برصها متا ًما‪ ،‬ولكن‬ ‫اقرتح د‪ .‬سيف أن أسافر إىل لندن أو إىل أملانيا لعالجها هناك‪ ،‬حيث اكن‬
‫تأكد أننا سنفعل لك ما بوسعنا إلنقاذها‪..‬‬ ‫هناك طبيبان هشريان‪ ،‬اكن د‪.‬سيد عىل عالقة جيدة هبام‪ ،‬فاقرتح ابين د‪ .‬ممدوح‬
‫أن نسافر إىل الطبيبني م ًعا لعرض حاليت علهيام‪ .‬بالفعل سافرت مع د‪ .‬سيف ود‪.‬‬
‫قلت البين بعد أن اسمتعت برتكزي للك لكمة قاهلا يل مرتمجة عن حديث الطبيب‬
‫أول‪ ،‬فاكن تخشيص الطبيب اإلجنلزيي أن املوضوع ال يتعدى‬ ‫ممدوح إىل لندن ً‬
‫األملاين‪« :‬قل لن يصيبنا إال ما كتب اهلل لنا‪ ،‬هات اإلقرار يا ممدوح‪ ،‬سأوقع هيلع‬
‫ً‬ ‫ريا وميكن االنتظار دون خوف‪.‬‬‫وجود مياه بيضاء‪ ،‬وأن األمر ليس خط ً‬
‫حال‪.»..‬‬
‫أما الطبيب األملاين‪ ،‬والذي أجرى حفوصاته الدقيقة يف مستشىف كبري مبدينة‬
‫وقعت عىل اإلقرار‪ ،‬ووقع ممدوح عىل إقرار آخر خاص بتعهده بأنه قد قام‬
‫بون‪ ،‬فاكن تخشيصه الهنايئ أن هناك قط ًعا يف الشبكية باإلضافة لملياه البيضاء‪،‬‬
‫بالرتمجة بأمانة‪.‬‬
‫وكتب يل كش ًفا لنظارة جديدة تتناسب مع حاليت‪ .‬لقد اكن ذلك الطبيب األملاين‬
‫بعد العملية بأيام‪ ،‬اكنت املفاجأة احلزينة‪ ،‬لقد فقدت البرص يف عيين الميىن‬ ‫ريا له‪ ،‬لذا قررت أن أتابع معه حاليت‬ ‫دقي ًقا للغاية يف معله‪ ،‬ولقد اسرتحت كث ً‬
‫بصورة هنائية‪ ،‬وبقيت أرى باليرسى فقط‪ ،‬وإن أخذت حالهتا يه األخرى يف‬ ‫حىت الهناية‪.‬‬

‫‪355‬‬ ‫‪354‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫التدهور‪ ،‬فقد اكنت تعاين من املياه الزرقاء‪ ،‬إىل جانب قرص يف النظر‪ .‬أصبحت‬
‫أرى هبا كأين أنظر من خالل موضع مفتاح الباب‪..‬‬
‫امحلد هلل رب العاملني‪ .‬فلك ذلك مل يزدين من اهلل تعاىل إال ُقر ًبا‪ ،‬ومل يزدين‬
‫طويل بنعمة البرص‪ ،‬تلك‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫عيل – سبحانه‪-‬‬ ‫رضا مبقاديره عز وجل‪ .‬لقد أنعم‬ ‫إال ً‬
‫ً‬
‫طويل‪ ،‬ومل أو ّفــه – جـل وعـال‪ -‬حقه‪ ،‬وال شكرته‬ ‫سعدت هبا‬
‫ُ‬ ‫النعمة العظمية اليت‬
‫علهيا مكا يستحق‪..‬‬
‫اآلن أستطيع أن أشكره‪ ،‬بعد أن أيقنت مك اكنت نعمة عظمية للغاية أن ترى‬
‫األشياء من حولك بوضوح وهسولة ويرس! واآلن أستطيع أن أشكره – سبحانه‪-‬‬
‫ألنه هداين إىل الصرب امجليل واالحتساب‪ ،‬وإىل أن أرجو فضله وعطاءه ملن‬
‫يصرب عىل فقدان نعمة من أغىل ما أعطاه اهلل من نعم‪ .‬إنك حني ُتبتىل‪ ،‬إما أن‬
‫وتأذ‪ ،‬وإما َّ‬
‫أل تصرب هنائ ًّيا‪..‬‬ ‫تصرب برضا واحتساب‪ ،‬وإما أن تصرب بقنوط ٍّ‬
‫أليس من العقل أن تصرب راض ًيا بقضاء اهلل تعاىل‪ ،‬وحتتسب عنده – سبحانه‪-‬‬
‫األجر؟‬
‫امحلد هلل الذي هدانا هلذا‪ ،‬وما كنا لهنتدي لوال أن هدانا اهلل‪.‬‬

‫أخي عبد اجليد و نظرة أمل واعدة إلي الثالثي مدحت محمود و محمد عبد اجليد و محيي الدين‬
‫محمود‪.‬‬

‫‪357‬‬ ‫‪356‬‬
‫م‪ .‬محمد عبد اجليد يشرح لقيادات الشركة عن حوكمة الشركات العائلية‬

‫اول و اخر رحلة مصيف لي مع العائلة يف اإلسكندرية‬


‫احلاج محمود العربي مع رئيس الوزراء م‪ .‬إبراهيم محلب يستمعان لشرح د‪ .‬ممدوح العربي يف افتتاح مستشفى العربي يف‬
‫ابو رقبة‪.‬‬
‫مستشفي العربي بأبو رقبة‬
‫الباب العا�شر‬
‫قــــــالــــــوا عـــــــن‪..‬‬
‫العــــربـــــي‬

‫مسجد الرحمن الرحيم يف العباسية‬

‫‪361‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ويبدو أهنا نتيجة جتارب مرتامكة وسفريات متعددة وإخالص يف العمل‪ .‬إنه هيمت‬
‫بلك التفاصيل‪ ،‬فلديه قوة بصرية‪ ،‬وذاكء عالٍ ‪ ،‬وعىل الرمغ من لك هذه األشياء‬
‫خشصا‬
‫ً‬ ‫امحليدة واإلجيابية يف خشصيته‪ ،‬فمل أره يتباىه هبا قط‪ ،‬بل رأيته‬
‫متواض ًعا‪ ،‬يجشع من حوله عىل التعبريعن آراهئم بلك حرية وثقة‪.‬‬
‫لقد هبرتين قدراهتم عىل استيعاب إدخال التكنولوجيا احلديثة يف املنتجات‬
‫ال�سيدة‪ /‬يوريكـو كويـكي‬
‫اليت يقدموهنا للسوق املرصية وهبرين مطوحهم وشغفهم باإلجناز الرسيع والتنفيذ‬ ‫عضو مبجلس النواب الياباين‪ ،‬ووزيرة للبيئة ساب ًقا‪ ،‬مث وزيرة الدفاع ساب ًقا‪،‬‬
‫املتقن لدى لك فرق العمل لدهيم‪.‬‬ ‫ورئيس حلزب «اخلرض» حال ًّيا‪..‬‬
‫ال أنىس قصة بسيطة حدثت منذ سنوات تدل عىل مدى اهمتامهم باألمور‬ ‫إذا قارنَّا مرص اآلن‪ ،‬ومرص يف سبعينيات القرن املايض‪ ،‬يف ظل حمك‬
‫اإلنسانية الرقيقة‪ ،‬فعندما أتيحت فرصة لالبنة الكربى ألحد العاملني معنا يف‬ ‫الرئيس السادات‪ ،‬حني كنت طالبة يف لكية اآلداب جامعة القاهرة‪ ،‬أدرس اللغة‬
‫حفل للبيانو يف مرص‪ ،‬حيث إهنا عازفة ماهرة عىل‬ ‫ً‬ ‫«توشيبا» اليابان أن تقدم‬ ‫ريا من اآلن‪ ،‬ومل تكن الزيادة‬
‫العربية‪ ،‬فسنجد احلياة يف القاهرة اكنت أيرس كث ً‬
‫سارعت بإرسال خطاب إىل السيد‪ /‬محمود العريب‪ ،‬أطلب منه دمع‬ ‫ُ‬ ‫آلة البيانو‪،‬‬ ‫الساكنية يف مرص قد أخذت هذا الشلك املعقد احلايل‪.‬‬
‫رشكة «العريب» هلذا احلفل الفين‪ ،‬فقد اكنت هذه أول مرة تعزف فهيا تلك الفنانة‬ ‫لقد كنت سب ًبا ‪ -‬أثناء عضوييت يف جملس النواب الياباين ‪ -‬يف عودة السياحة‬
‫املمتزية يف مرص‪.‬‬ ‫إىل مرص بعد األحداث املؤسفة اليت حدثت يف األقرص سنة ‪ ،1997‬ومحتلت‬
‫وبالفعل حرض العديد من عائلة «العريب» ذلك احلفل‪ ،‬مث قاموا بدعوهتا إىل‬ ‫أمام أعضاء املجلس مسوئلية الساحئني اليابانيني الذين سيسافرون إىل مرص‪.‬‬
‫بيهتم يف اليوم التايل‪ .‬وليس هذا فقط‪ ،‬بل اكنوا ً‬
‫أيضا الرايع الرمسي حلفالهتا‬ ‫ً‬
‫ميا خالدًا‪ ،‬ويستحقون أن حييوا حياة كرمية‪.‬‬
‫تارخيا عظ ً‬ ‫إن املرصيني ميتلكون‬
‫مبرص‪ .‬إن هذه القصة البسيطة املعربة تشري بوضوح إىل معق العالقة بني‬
‫«العريب» ولك العاملني يف «توشيبا» اليابان‪.‬‬ ‫أما عن «العريب»‪ ،‬مفا أعرفه أن العالقات التجارية قد بدأت بني رشكة «توشيبا»‬
‫اليابانية ورشكة «العريب» يف سبعينيات القرن املايض‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت امتدت‬
‫٭٭٭‬
‫إجنازات «العريب» بشلك رسيع بالرشاكة مع العديد من الرشاكت اليابانية‪،‬‬
‫ال�سيد‪ /‬ماكوتو ناكاجاوا‬ ‫مكا حصل رئيس جملس إدارة الرشكة‪ ،‬السيد‪ /‬محمود العريب يف عام ‪2008‬‬
‫كنت نائ ًبا للرئيس التنفيذي لرشكة توشيبا‪.‬‬ ‫عىل وسام المشس املرشقة‪ ،‬مكسامه ف ّعال ورائد يف تمنية العالقات االقتصادية‬
‫من أكرث ما رصدته من خالل تعاميل مع السيد محمود العريب‪ ،‬تلك الحشنة‬ ‫اليابانية املرصية‪.‬‬
‫اإلنسانية اهلائلة اليت حيملها بني جنبيه‪ ،‬واليت هبرتين حقيقة‪ ،‬وكذلك املُ ُثل العليا‬ ‫٭٭٭‬
‫اليت يسري هبا يف مشوار حياته الناحج‪ ،‬ويشيعها يف لك املنمتني ملجموعة‬ ‫ال�سيد‪ /‬تايــ�س ـ ــو نا�شـ ـ ـي ــمورا‬
‫«العريب»‪.‬‬ ‫رئيسا ملجلس إدارة «توشيبا»‪ ،‬وأمعل اآلن مستشا ًرا للرشكة‪.‬‬ ‫كنت‬
‫ً‬
‫إنين إذا مقت باختيار ثالثة أمساء من أمه الخشصيات اليت أق ّدرها وأحرتمها‬ ‫لقد الحظت أن للسيد‪ /‬محمود العريب خربات كبرية يف جمال إدارة األمعال‪،‬‬

‫‪363‬‬ ‫‪362‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫لقد أخذ مشوار تنفيذ مصنع التلفزيون عرش سنوات اكملة‪ ،‬مل هيدأ فهيا احلاج‬ ‫خالل حيايت لكها‪ ،‬مفن املؤكد أن السيد «محمود العريب» سيكون واحدًا من‬
‫محمود وال مساعدوه‪ ،‬ومل هتبط عزامئهم قط‪ ،‬برمغ لك املشكالت والعوائق اليت‬ ‫هؤالء الثالثة‪.‬‬
‫مئا عىل أرض الواقع‪ ،‬وينتج أجهزة‬ ‫واجههتم‪ ،‬ومل هيدءوا حىت رأوا املصنع قا ً‬
‫ً‬
‫وأيضا‬ ‫هو دامئ التبسم‪ ،‬وكنت أحلظ فطنته العالية مع لك مناسبة ألتقيه فهيا‪.‬‬
‫تلفزيونات اكنت خف ًرا لـ «العريب» ولنا يف «توشيبا» عىل السواء‪.‬‬
‫حضوره القيادي الالفت دو ًما لالنتباه‪ ،‬وترتيباته الدقيقة للك ما هو هام ورضوري‪.‬‬
‫أما ما هزين بقوة فهو ما رأيته هلم من إهسامات خريية عديدة وفعالة‪ .‬تعجبت‬
‫أتذكر أنه يف لك زياراته لليابان‪ ،‬اكن جدول األمعال اليويم له يبدأ من الصباح‬
‫ريا‬
‫من حهبم لبناء املساجد الكبرية امجليلة املمتزية‪ .‬مكا أن لدهيم اهمتا ًما كب ً‬ ‫الباكر وحىت املساء‪ ،‬فكنت أراه دو ًما ذا قوة جسدية ونفسية متاكملة ومتوازنة‪.‬‬
‫بأهايل قريهتم وما جاورها‪ ،‬وكذلك بالعاملني داخل الرشكة‪.‬‬
‫خشص ملزتم بوعوده‪ ،‬وذو فكر ثاقب سلمي‪.‬‬
‫٭٭٭‬
‫يف إحدى املرات‪ ،‬أثناء مغادريت من مرص إىل اليابان عن طريق لندن‪ ،‬كنا‬
‫ال�سيد‪ /‬تاكوجي كوت�شي‬ ‫يف الصباح الباكر‪ ،‬واكن الطقس شديد الربودة‪ ،‬بشلك أكرث من املعتاد‪ .‬فوجئت‬
‫كنت مدي ًرا لفرع توشيبا يف أثينا‪.‬‬ ‫بالسيد محمود العريب يعطيين عباءته الثقيلة يك محتيين من الربد‪ .‬يف مطار‬
‫«هيرثو» بلندن اكن الناس يطيلون النظر ّ‬
‫إيل ومه يتعجبون من هذا الياباين الذي‬
‫تعاونت مع عائلة «العريب» حني كنت مدي ًرا لفرع أثينا من عام ‪ 1976‬وحىت‬
‫يرتدي عباءة عربية من الصوف! لقد شعرت بامتنان كبري هلذا املوقف‪ً ،‬‬
‫فعل كنت‬
‫عام ‪ ،1978‬وكنت – من خالل هذا العمل‪ -‬أرشف عىل ماكتب الرشق األوسط‪،‬‬
‫ريا مع عائلة العريب‪ ،‬بداية من تلك‬ ‫شاك ًرا للغاية عىل هذه املشاعر الطيبة الودود‪.‬‬
‫واليت اكنت تمشل مكتب القاهرة‪ .‬تعاملت كث ً‬
‫ً‬
‫أيضا أثناء‬ ‫األيام اليت اكنت متتلك فهيا احملالت فقط‪ ،‬وبعد ذلك تعاونت معهم‬ ‫يف رأيي‪ ،‬أمه ما ميزي عائلة «العريب» ومن يعملون معهم‪ ،‬أهنم يتمسون‬
‫وبعد مراحل إنشاء املصانع املتوالية‪.‬‬ ‫بالتفاعل اإلجيايب مع الواقع والمطوح الشديد‪ ،‬مكا أهنم رسيعون للغاية يف‬
‫من أروع ما الحظته يف «العريب» أهنم ال ينفقون ما يرحبونه عىل مظاهر‬ ‫اختاذ القرارات احلامسة حيال املرشوعات اجلديدة‪ ،‬ومثال عىل ذلك الغسالة‬
‫الرتف واملظاهر الخشصية‪ ،‬بل إهنم يستمثرون لك أرباحهم يف املرشوعات‬ ‫األوتوماتيك (ذات الباب العلوي)‪ ،‬اليت أسسوا مصنعها يف قويسنا‪ ،‬وبدءوا‬
‫واالستمثارات املتتالية‪ ،‬اليت تسامه يف منو الرشكة‪ ،‬وتمنية بلدمه الذي يبدو‬ ‫إنتاجها يف وقت قيايس‪.‬‬
‫أهنم حيبونه بصدق‪.‬‬ ‫٭٭٭‬
‫ريا يوم قررت منح «العريب» الواكلة يف مرص‪ ،‬حىت‬
‫إن رشكة توشيبا رحبت كث ً‬
‫ال�سيد‪ /‬نـان ــوج ــي �سـ ــاكــوما‬
‫إنه أصبح بعد سنوات معدودة أمه وكيل لنا عىل مستوى الرشق األوسط لكه‪.‬‬ ‫رئيسا لرشكة ‪.Alex ltd‬‬
‫ً‬ ‫كنت مدي ًرا برشكة توشيبا يف طوكيو‪ ،‬واآلن أمعل‬
‫٭٭٭‬ ‫مقت مبتابعة لك األمعال واخلطوات التنفيذية املتعلقة مبرشوع إنشاء مصنع‬
‫ال�سيد‪� /‬شيجَ رو �أندو‬ ‫التلفزيون مع «العريب»‪ ،‬وما تبعه من تطورات وتوسعات‪.‬‬
‫ريا يف رشكة توشيبا‪ ،‬وقبلها مدي ًرا ملكتب توشيبا بالقاهرة‪.‬‬
‫كنت خب ً‬ ‫أكرث ما رصدته يف خشصية احلاج «محمود العريب» هو‪ :‬اإلميان واليقني‬
‫يف بداية السبعينيات‪ ،‬حرضت إىل مرص لدراسة السوق‪ ،‬ومعلت مع رشكة‬ ‫واجلدية والمطوح‪ ،‬والقدرة عىل التخطيط االسرتاتيجي واملثابرة واإلرصار‪.‬‬

‫‪365‬‬ ‫‪364‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫وزير اخلارجية الياباين مسرت نااكسوين‪ ،‬وذلك أثناء حفل تكرمي احلاج محمود‬ ‫األسواق احلرة التابعة ملرص للطريان لفرتة قصرية مث رجعت إىل اليابان‪ .‬بعد‬
‫حلصوله عىل جائزة «المشس املرشقة» من اإلمرباطور الياباين عام ‪.2008‬‬ ‫هشور رجعت ملرص وعشت مستق ًّرا يف القاهرة ملدة عامني يف بعثة لدراسة اللغة‬
‫العربية باجلامعة األمريكية‪ .‬يف تلك الفرتة تعرفت إىل احلاج محمود وإىل أخويه‬
‫أعتقد أن السيد محمود العريب يعمل عىل مجع مشل اجليل الثاين واجليل الثالث‬
‫دمحم وعبد اجليد‪.‬‬
‫يف عائلة «العريب»‪ ،‬ويعمل كذلك عىل توسيع رقعة املرشوعات واسمترارها‪ ،‬مكا‬
‫أنه يعمل عىل ترسيخ الفكر اإلداري القوي والفعال ما بني اجليل احلايل واألجيال‬ ‫بدأت عالقيت هبم بمسايع ألغنية اإلعالن الهشري‪« :‬العريب باملوسيك واملوسيك‬
‫القادمة‪.‬‬ ‫بالعريب»‪ ،‬مث صارت بيننا صداقة معيقة‪ ،‬وبدأت أساعدمه يف فتح جماالت للتبادل‬
‫التجاري مع منتجات توشيبا‪.‬‬
‫مل أحلظ اختال ًفا كب ً‬
‫ريا بني عائلة «العريب» كرشكة يربطها رابط العمل واإلنتاج‪،‬‬
‫و«العريب» كعائلة يربطها الدم واجلينات‪ ،‬وهذا أمه رس من أرسار النجاح يف‬ ‫كنت مه ًّ‬
‫متا بنقل صورة لنشاطهم الكبري يف حملهم التجاري باملوسيك من‬
‫الرشاكت العائلية‪ .‬املنظومة يف احلالتني واحدة‪.‬‬ ‫خالل التصوير الفوتوغرايف‪ ،‬وقد نقلت صورة إجيابية عهنم لدى رؤسايئ يف‬
‫توشيبا باليابان‪.‬‬
‫ال أنىس ذكرياتنا عام ‪ ،2007‬عندما ذهب السيد محمود العريب مع أوالده‬
‫ً‬
‫ومليئ‬ ‫مرحا‬
‫ً‬ ‫إىل اليابان حلضور مهرجان احتفاالت لأللعاب النارية‪ .‬اكن اجلو‬ ‫ً‬
‫وكيل‬ ‫مألين اقتناع تام بأن «العريب» هو من يستحق ثقة توشيبا ليصبح‬
‫باالنطالق بعيدًا عن قيود ورمسيات العمل‪ .‬الحظت يومها أن أوالده حيبون الضحك‬ ‫هلم‪ ،‬برمغ أن نظرة رؤسايئ – يف البداية ‪ -‬اكنت خمالفة لذلك‪ ،‬ولكين استطعت‬
‫واملناوشات واملقالب اهلادئة الطريفة‪ ،‬ولكن مبجرد أن حرض وقت الطعام وظهر‬ ‫إقناعهم‪ ،‬وقد ساعدين نشاط احلاج محمود وجديته يف إثبات ذلك لرشكيت‪،‬‬
‫والدمه احلاج محمود ليأخذ ماكنه يف صدر املائدة‪ ،‬إذا بامجليع يأخذون أماكهنم‬ ‫ً‬
‫وأيضا بوفائه بلك الزتاماته مع الرشكة‪ ،‬وكذلك‬ ‫ً‬
‫وأيضا من خالل تنفيذه لك وعوده‪،‬‬
‫يف هدوء تام حول والدمه‪ ،‬وبدا علهيم الطاعة واحلب والوالء الشديد له‪ ،‬وقد ظهر‬ ‫ملا اتسم به من رسعة كبرية يف بيعه للك الحشنات اليت استوردها من توشيبا‬
‫ً‬
‫شيئ‪ ،‬بل‬ ‫ذلك جبالء يف حرصهم عىل خدمته‪ ،‬حىت إهنم ال ينتظرون أن يطلب‬ ‫يف بادئ األمر‪.‬‬
‫اكنوا يبادرون بتحقيق لك ما ينوي طلبه قبل أن يطلبه‪.‬‬
‫لقد كنت أسعد إنسان يوم حصل «العريب» عىل توكيل «توشيبا» عام ‪.1975‬‬
‫٭٭٭‬
‫إن إيقاع العمل لدى «العريب» رسيع‪ ،‬دون هرولة أوعشوائية‪ ،‬بل بنظام وثبات‬
‫احلاج �أحم ــد العـ ـبــد‬ ‫وإرصار‪.‬‬
‫اكنت أول معرفيت باحلاج محمود العريب أثناء رائسة األستاذ «دمحم البليدي»‬ ‫٭٭٭‬
‫لغرفة التجارة بالقاهرة‪ .‬تقدمت أنا واحلاج محمود مع بعض الزمالء يف قامئة يف‬ ‫ال�سيد‪ /‬يوتاكا هايا�شي‬
‫انتخابات الغرفة‪ ،‬ووفقنا اهلل وحجننا‪.‬‬
‫رئيسا لرشكة تويوتيش تشوسو‪ .‬مث مدير إدارة رشكة «العريب» العاملية‪.‬‬
‫ً‬ ‫كنت‬
‫يف بداية تعارفنا دعاين إىل حفل افتتاح توكيل للساعات – سايكو‪ -‬اكن قد‬
‫حصل هيلع من اليابان‪ ،‬واعتذرت له بسبب سفري لإلسكندرية لزيارة ابنيت – اليت‬ ‫برمغ تعدد األمعال واملرشوعات اليت مقت فهيا بالتعاون مع رشكة العريب‪،‬‬
‫اكنت مزتوجة هناك‪ -‬لالحتفال مع األرسة بعيد ميالدها‪ .‬وأمام إرصاره‪ ،‬أظهرت له‬ ‫اليت أعزت بالتعامل معهم عىل مدار سنوات طويلة‪ ،‬فإنين أعترب أكرث األشياء‬
‫اليت أخفر هبا يوم مقت بتصوير الصورة التذاكرية للسيد محمود العريب مع‬

‫‪367‬‬ ‫‪366‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫املهم‪ ،‬وصلنا مطار القاهرة‪ ،‬فإذا بأجعب مهشد ميكن لعينيك أن تراه يف مثل هذا‬ ‫تذكرة القطار املك ّيف‪ ،‬واكن هذا رشط لوصول ما ميع من حلوى وشوكوالتة لزوم‬
‫الوقت ويف مثل هذا الزحام الرهيب يف مطار القاهرة يف مومس معرة رمضان‪..‬‬ ‫ميا‪ ،‬حيث مل تكن سياريت مكيفة يف ذلك الوقت‪ ،‬وإذا‬ ‫االحتفال بعيد امليالد سل ً‬
‫ّ‬
‫عيل أن أحرض االفتتاح‬ ‫باحلاج محمود يعطيين مفتاح سيارته املك ّيفة‪ ،‬ويرص‬
‫وجدنا احلاج محمود نا ً‬
‫مئا عىل أريكة يف املطار وحقائبه إىل جواره ينتظر‬
‫مث أسافر هبا إىل اإلسكندرية‪ ،‬واكنت هذه اإلشارة واللفتة امجليلة يه البداية‬
‫قدومنا (!)‪ ،‬وعندما سألته عن الدافع وراء هذا‪ ،‬قال‪ :‬ألست أنا املسؤول عن‬
‫احلقيقية لعالقتنا الوثيقة‪ ،‬واليت توطدت كثريا بعد ذلك‪..‬‬
‫الرحلة؟! كيف أعود لبييت ومل أمطنئ عىل لك أعضاء الرحلة فردا فردا؟؟!‬
‫معلت مع صدييق احلاج محمود يف غرفة القاهرة‪ ،‬مث يف احتاد الغرف‬
‫نظرت يف أعني من اكنوا هيمزون ويملزون يف حقه‪ ،‬فإذا هبم قد طأطوئا‬
‫التجارية لسنوات طويلة‪ .‬لقد بنينا مع احلاج محمود ذاك الرصح العظمي احلايل‬
‫الرؤوس‪!..‬‬
‫للغرفة التجارية يف باب اللوق‪ .‬وأذكر يوما سألت فيه أحد املُعينني يف الغرفة من‬
‫ال أشك للحظة أن كتاب اهلل تعاىل هو الرس وراء لك ذلك النجاح الذي حققه‬ ‫ِق َبل احلكومة عن أداء احلاج محمود كرئيس الحتاد الغرف التجارية‪ ،‬فقال يل‪:‬‬
‫احلاج محمود‪ .‬أخربين أحد املقربني منه يف العمل‪ ،‬أنه اكن خيمت كتاب اهلل أثناء‬ ‫احلاج محمود يصلح رئيسا لوزراء مرص‪ ،‬وليس رئيسا الحتاد الغرف فقط‪.‬‬
‫سفرياته إىل اليابان‪ .‬الحظ أنه يف سفر شاق ملئ باجمتاعات جمهدة للغاية للعقل‬
‫احلاج محمود اكن أحد أسباب تعلّيق برحالت احلج والعمرة‪ ،‬لدرجة أهنا‬
‫قبل اجلسد‪ ،‬ومع ذلك جتده يف لك أوقات فراغه من العمل ميسك بكتاب اهلل‬
‫أصبحت متعيت األوىل يف احلياة مكا يه عنده متاما‪..‬‬
‫تعاىل ويقرأ فيه ما تيرس‪.‬‬
‫أذكر أننا كنا يف رحلة جح‪ ،‬واكن الزحام شديدا يف « ِمىن»‪ ،‬وفوجئنا جبامعة‬
‫لقد فعل الكثري ألهله يف «أبو رقبة»‪ ،‬ويف املنوفية وما جاورها من احملافظات‪.‬‬
‫من املرصيني يدخلون علينا البيت الذي استأجرناه‪ ،‬ويسألون عن ماكن يبيتون فيه‪،‬‬
‫إننا يف مرص‪ ،‬لدينا يف لك قرية ولك مدينة صغرية عىل األقل رجل أو اثنان‬
‫وبتلقائية رد بعضنا أن املاكن ضيق للغاية‪ ،‬فإذا باحلاج محمود يستقبلهم ويرحب‬
‫مملوسا سواء عىل املستوى احمليل أو العاملي‪ ،‬فلو أن لك واحد‬
‫ً‬ ‫حققوا جناحا‬
‫هبم‪ ،‬ويدعومه لملبيت معنا‪ ،‬وتعجبت أشد العجب‪ :‬أين سيبيتون؟! فقال يل احلاج‪:‬‬
‫من هؤالء م ّد يده ألهل بلده‪ ،‬ودمعهم مبا آتاه اهلل من فضله‪ ،‬لهشدنا حتوال باهرا‬
‫أنرتك من يلجأ إلينا وخنذله‪ ،‬وحنن يف مومس الكرم والبذل؟! ونام هو عىل «دكة»‬
‫يف أحوال مرص لكها‪.‬‬
‫خشب يف مدخل البيت‪ ،‬وأنا عىل دكة مواجهة له‪ ،‬واكن هو أيامها رئيس غرفة‬
‫٭٭٭‬ ‫جتارة القاهرة‪ ،‬وكنت أنا أمني الصندوق‪!!..‬‬
‫د‪� .‬أحمد الغرباوي‬
‫يف رحلة معرة يف رمضان‪ ،‬كنا قبل العيد بيومني واكن الزحام شديدا‪ ،‬اضطر‬
‫ترشفت بدعوة احلاج محمود إللقاء حمارضة يف لكية التجارة جبامعة‬ ‫احلاج محمود أن يصحب جزءا من املجموعة يف طائرة‪ ،‬أقلعت قبل موعد طائرتنا‬
‫اإلسكندرية‪ .‬اكنت حمارضة مهبرة للطلبة‪ ،‬بل ولألساتذة أيضا (الذين مهنم من‬ ‫بثالث ساعات‪ ،‬فانتظرت أنا مع بايق املجموعة الطائرة التالية‪ .‬فوجئت هبمز وملز‬
‫يشغل مناصبا رفيعة يف رشاكت جتارية واستمثارية) مبا احتوته من فوائد وعمل‬ ‫يف حق صدييق بصفته املرشف عىل الرحلة‪ ،‬مفن قال أنه أخذ أصدقاءه وعاد‬
‫لكم يومها يف‬‫نافع من رجل أمعال وتاجر جنح معليا بشلك مذهل يثري اإلجعاب‪ .‬ت ّ‬
‫ملرص أوال يف الدرجة األوىل‪ ،‬ومهنم من قال إنه يريد أن يلحق العيد مع أوالده‪.‬‬
‫أرسار النجاح للك من يبدأ مرشوعا خاصا به‪ ،‬وكيف يقمي أنمظة إدارية ومالية‬ ‫ظللت أؤكد هلم أن الرجل اضطر لذلك مع املجموعة اليت اكنت معه‪ ،‬وإال اكنت‬
‫حمرتفة‪ ،‬وكيف ُتدار التعامالت المتويلية بدون أي خسائر عىل الطرفني‪ ،‬املستمثر‬ ‫تذاكرمه ستضيع علهيم‪.‬‬
‫والبنك‪ ،‬أو املؤسسة املمولة أيا ما اكنت ‪.‬‬

‫‪369‬‬ ‫‪368‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫ماكينات «‪ ،»CNC‬ويه عبارة عن خمارط مربجمة تعمل بالمكبيوتر‪ ،‬تعيط كفاءة‬ ‫رضب احلاج محمود أمثلة ملهنجه يف زيادة عدد العاملني باملجموعة لكام ضاقت‬
‫جناحا مهب ًرا وهلل امحلد‪..‬‬
‫ً‬ ‫عالية للغاية‪ ،‬وحجننا‬ ‫األحوال االقتصادية يف البلد بسبب أو آلخر‪ ،‬أو يف ظل تقلّص األمعال والرتاجع‬
‫االقتصادي عىل مستوى الدولة‪ .‬حىك لنا كيف اكن يزيد من عدد العاملني يف‬
‫بعد سنة طلب مين احلاج محمود التفرغ للعمل مع «العريب» طوال الوقت‪،‬‬
‫«العريب» يف تلك األوقات الصعبة‪ ،‬وإذا باهلل تعاىل يف لك مرة خيرجه –‬
‫خاصة بعد وصول ماكينات حقن األلومنيوم‪ ،‬اليت ُطلب مين أن أرشف عىل‬
‫ورشكته – من تلك األزمات‪ ،‬بربكة مساعدة اآلخرين‪ .‬إن نظرية احلاج محمود‬
‫تركيهبا ومعلها بالاكمل‪ .‬فذكرت خماويف من القطاع اخلاص – برصاحة‪ -‬عىل‬
‫العريب يف هذا األمر بسيطة للغاية‪ ،‬فهو يفرتض أن رزق العاملني اجلدد مكفول‬
‫مسامع احلاج‪ ،‬فقال يل‪« :‬جربنا يا مع عادل!»‪ .‬ومن يومها مل أترك «العريب»‪،‬‬
‫من اهلل يف لك األحوال‪ ،‬وطاملا سيأتهيم رزقهم بدون شك‪ ،‬فملاذا ال يكون ذلك من‬
‫وامحلد هلل أن اكن يل الرشف لالنضامم هلذه الرشكة اجلادة‪.‬‬
‫خالل رشكة «العريب»؟! وبالفعل اكنت األزمات تنفرج لكام زاد من العاملني معه‪..‬‬
‫إذا دخلت للحاج محمود بأي طلب خيص العمل أو آخر خشيص‪ ،‬فال بد أن‬
‫إهنا فكرة عبقرية‪ ،‬مجتع بني اإلميانيات والتجارة‪ ،‬ال أظن أن واحدًا من جتار‬
‫ختــرج راض ًيا‪ ،‬سواء حقق لك ما تطلبه‪ ،‬أو طلب منك إرجاءه لوقت آخر‪ ،‬أو رفضه‬
‫مرص – أو العامل‪ -‬سبق هبا احلاج محمود العريب‪!..‬‬
‫لكيـة‪ ،‬فلقد حباه اهلل تعاىل بأسلوب إداري غاية يف اإلقناع ويف الرفق يف آن‬
‫واحد‪..‬‬ ‫رفضت توشيبا يف البداية أن يستمثروا مع «العريب» متاما‪ ،‬وذلك حني قرر أن‬
‫ينشئ أول مصنع لملراوح يف مرص‪ ،‬فاكن هو الذي أخذ زمام املبادرة‪ ،‬ومحل لك‬
‫لديه قدرات غري عادية عىل حتديد كفاءات من جيري معه لقاء للعمل‪ ،‬قدرات‬
‫احمتاالت املغامرة عىل اكهله‪ ،‬ووفر المتويل الاكمل إلنشاء املصانع بنفسه‪ ،‬بيمنا‬
‫تتعدى حدود املنطق‪ ،‬حني تقارنه مبن لديه دراسات وهشادات عديدة‪ ،‬فتجده‬
‫مه اكنوا يرحبون من ورائه ذهبا‪ ،‬فمل يدفعوا ماال يف استمثارات املصانع اليت‬
‫متفو ًقا علهيم مجي ًعا!‪ ..‬فهو حني يقتنع بكفاءة إنسان وبأخالقياته‪ ،‬يبذل لك ما‬
‫أنشأها احلاج محمود وأخواه دمحم وعبد اجليد‪..‬‬
‫يستطيع ليكون واحدًا من فريق «العريب»‪ ،‬وهذا حيدث لقناعة خاصة لديه بقمية‬
‫اإلنسان وقدراته‪ ،‬وهذا قد ال جتده يف كثريين من أحصاب املصانع ممن هبرهتم‬ ‫لك خطوة اكن ميشهيا اليابانيون معه اكن يدفع هلا مقابال ليس قليال‪ ،‬ولكن ثقة‬
‫وغرهتم قدرات اآللة وامليكنة احلديثة‪..‬‬
‫املادة‪َّ ،‬‬ ‫الرجل يف ربه مث يف نفسه ويف معاونيه ويف لك عائلة رشكة «العريب»‪ ،‬ويف‬
‫٭٭٭‬ ‫قدرهتم – بعون اهلل تعاىل‪ -‬عىل النجاح جعلته يقرر خوض التجربة بلك جدية‬
‫وأمانة وإرصار‪ ،‬حىت قررت «توشيبا» بعد سنوات طويلة من التعاون الناحج –‬
‫د‪ .‬ع�صام الأحمدي‬
‫بدون رشاكة اكملة‪ ،-‬قرت «توشيبا» الدخول مع «العريب» يف استمثارات يف‬
‫رئيسا ملجلس إدارة بنك مرص‪ ،‬بعد انتقال األستاذ دمحم حافظ‬ ‫ً‬ ‫حني أصبحت‬ ‫مرشوعات واعدة وكبرية يف مرص‪.‬‬
‫إىل الرفيق األعىل‪ ،‬جاءين احلاج محمود يف مكتيب بعد هشر تقري ًبا‪ .‬بعد أن‬
‫هنأين باملنصب اجلديد‪ ،‬سألين إن اكن البنك سيسمتر فميا وعده به األستاذ‬
‫٭٭٭‬
‫حافظ – رمحه اهلل‪ -‬من متويل التوسعات اجلديدة ملصنع بهنا‪..‬‬ ‫م‪ .‬عادل ال�سيد‬
‫يف سنة ‪ ،1989‬عملت أن «العريب» يبحثون عن خربات وكفاءات لبدء تصنيع‬
‫مصت لربهة‪ ،‬مث قلت له إن بنك مرص مؤسسة كبرية‪ ،‬هلا ميثاق معل‪ ،‬ونظام‬‫ُّ‬
‫مواتري املروحة يف مصانع بهنا‪ .‬وبالفعل التقيت املهندس برغوت – رمحه اهلل‪-‬‬
‫بتغي القيادات‪ ،‬مفا وعدك به «دمحم بك» سننفذه باحلرف‪ ..‬وهذا بالفعل‬
‫ّ‬ ‫ال يتأثر‬
‫ووافق عىل أن أمعل نصف الوقت‪ .‬بدأت العمل يويم امجلعة والسبت عىل‬
‫ما اكن‪.‬‬

‫‪371‬‬ ‫‪370‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫اكنت هناك قصة مضحكة ‪-‬انترشت ال أدري إن اكنت حصيحة أو يه جمرد‬ ‫مل يكن ذلك جماملة للحاج محمود‪ ،‬بل هذا هو أساس التعامالت يف بنك مرص‪،‬‬
‫نكتة‪ -‬أن أحد كبار املسوئلني املرصيني اكن يف زيارة لليابان ‪ -‬يف التسعينيات‪-‬‬ ‫اليت أرساها الزعمي االقتصادي العظمي «طلعت حرب»‪ ،‬وال تزال – حىت اليوم ‪-‬‬
‫فوجد إعالنات توشيبا متأل الشوارع هناك‪ ،‬فهمس ملرافقيه‪« :‬ما شاء اهلل‪ ،‬احلاج‬ ‫تسي لك أمور البنك‪..‬‬
‫ّ‬
‫مكس الدنيا يف اليابان!»‪..‬‬
‫ّ‬ ‫محمود العريب‬ ‫ً‬
‫معيل ممت ً‬
‫زيا لبنك مرص‪ ،‬وما جعله يكرب معنا‪ ،‬ونكرب‬ ‫إن ما جعل «العريب»‬
‫سواء اكنت هذه القصة حقيقية أو نكتة‪ ،‬فهي تدل عىل قوة ارتباط امس «العريب»‬ ‫معه‪ ،‬أنه يعمل بنفس األصول واملبادئ اليت اكن يعمل هبا رائد االقتصاد املرصي‪،‬‬
‫مع «توشيبا»‪ ،‬لدرجة أن البسطاء أحيا ًنا خيتلط علهيم األمر‪َ :‬م ْن بدأ قبل َم ْن؟!‬ ‫مؤسس بنك مرص‪ ،‬دمحم طلعت حرب – رمحه اهلل‪.‬‬
‫ضاحك إنه بالتأكيد قد تزوج‬ ‫ً‬ ‫ذات مرة‪ ،‬وبعد أن فتح اهلل هيلع من فضله‪ ،‬قلت له‬ ‫خاصا أو استثنائ ًّيا‬
‫ًّ‬ ‫منذ تعرفت إىل هذا الرجل المطوح‪ ،‬مل يطلب مين طل ًبا‬
‫من امرأة ثانية شابة‪ ،‬فتعجب وقال جبدية تامة‪« :‬أنا؟! أنا أتزوج عىل من اكنت‬ ‫خيتلف عن نظام التعامل العام يف البنك‪ .‬مل يطلب مين مرة أن أخفض له نسبة‬
‫عيل لسنوات طويلة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تأخذ مين مرصو ًفا عرشة قروش يف اليوم؟! اليت صربت‬ ‫فائدة‪ ،‬أو تعديل يشء ملصلحته‪..‬‬
‫ّ‬
‫عيل أبواب الرزق يكون هذا جزاءها!!»‪ .‬مل أتوقع هذا الرد مطل ًقا‪..‬‬ ‫حني يفتح اهلل‬
‫كنت أالحظ احرتامه للوقت‪ .‬فهو يأيت يف موعده بالدقيقة‪ ،‬وال جيلس ليتلكم إال‬
‫عينـي مبا أجــابنــي به‪ ،‬وازدادت ثقيت فيه‪ ،‬مفن حيفظ لزوجته‬
‫ّ‬ ‫لقد زاد قدره يف‬
‫يف العمل‪ ،‬ويهني االجمتاع مبجرد انهتاء مناقشة لك بنود االجمتاع‪ ،‬ال وقت لديه‬
‫محتلت فهيا خشونة العيش‪ ،‬فال ُيب أن‬ ‫ّ‬ ‫مجيلها‪ ،‬ويتذكر هلا األيام الصعبة اليت‬
‫أيضا أجعبت بأناقته يف ملبسه‪،‬‬‫للرثثرة الفارغة‪ ،‬أو احلوارات اليت ال طائل مهنا‪ً .‬‬
‫يكون جزاؤها يف زمن رغد العيش هو احلزن والغم بأن يزتوج علهيا ‪ -‬رمغ أن‬
‫ولكنه يف نفس الوقت مل يكن يبالغ يف ذلك‪..‬‬
‫الرشع مينحه هذا احلق مادام يعدل فميا بني األوىل والثانية ‪ -‬مثل هذا الرجل‬
‫البد أن حيوز ثقة امجليع بلك بساطة‪ ،‬فهو منوذج نادر للوفاء واالستقامة‪..‬‬ ‫إنه خشص جيربك عىل احرتامه وتوقريه‪..‬‬
‫٭٭٭‬ ‫٭٭٭‬
‫د‪ .‬لط ـفــي ل ــوي ــز‬ ‫د‪ .‬كمال �أبو العيد‬
‫عيل احلاج محمود أن أنضم ملجموعة «العريب» للعمل يف إنشاء مصنع‬ ‫ّ‬ ‫عرض‬ ‫رئيسا ملجلس إدارة‬
‫ً‬ ‫بدأت صليت باحلاج محمود العريب يف عام ‪ 1987‬حني ُعينت‬
‫الملبات‪ ،‬فأخربته – دون تردد‪ -‬أن هذا رشف يمتناه أي إنسان‪ ،‬ولكن مدة انتدايب‬ ‫بنك التمنية الصناعية‪ ،‬واسمترت العالقة حىت خرجت من منصيب بعد ‪ 9‬سنوات يف‬
‫كرئيس جملس إدارة «فيليبس» مل تنت ِه بعد‪ ،‬واقرتحت هيلع أن أشارك يف إعداد‬ ‫عام ‪ .1996‬اكن احلاج محمود العريب أحد أمه معالء البنك‪ .‬ومل تنته العالقة بانهتاء‬
‫الدراسات اخلاصة باملصنع مع فريق العمل من اجلانبني الياباين واملرصي‪ ،‬وبعد انهتاء‬ ‫معيل بالبنك‪ ،‬بل اسمترت بيننا صالت اجمتاعية وإنسانية معيقة‪ ،‬وحىت اليوم‪.‬‬
‫مدة خدميت أنضم للعمل مع «العريب»‪ ،‬فوافق احلاج محمود عىل ذلك‪ ،‬وهذا الذي اكن‪.‬‬ ‫بعد تعارفنا بعدة أهشر‪ ،‬جاء ملكتيب بالبنك ومعه مجموعة من اليابانيني ليمطئنوا‬
‫ً‬
‫أيضا أنه يتجه حنو أهدافه من أقرص الطرق دون مكر أو لف‬ ‫أجعبين فيه‬ ‫صالته بالبنك الذي يعمل معه‪ .‬الحظت أنه ال يتحدث معنا باإلجنلزيية‪،‬‬ ‫عىل حسن ِ‬
‫أو دوران‪..‬‬ ‫وأنه ينتظر الرتمجة‪ ،‬فسألته عن السبب‪ ،‬فأجابين بلك ثقة ولك ثبات أنه ال يعرف‬
‫اإلجنلزيية!‪ ..‬فشعرت بأين أمام رجل ثقته يف نفسه ال حدود هلا‪ ،‬وزاده هذا يف‬
‫أمجل ما فيه‪ ،‬أنه يتعمل بشلك جيد ج ّدًا من أخطائه أكرث مما يتعمل من جناحاته‪،‬‬
‫ريا‪.‬‬
‫نظري احرتا ًما وتوق ً‬
‫فهو حيول أي خطأ لدروس معيقة وخربة مكتسبة يتعمل مهنا الكثري‪ ،‬وال يكتيف‬

‫‪373‬‬ ‫‪372‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫كنا يف يوم ‪ 11‬رمضان‪ ،‬أي مطلوب أن ننتج ‪ 850‬إىل ‪ 900‬جهاز يوميا!!‪..‬‬ ‫بنفسه‪ ،‬بل يتعدى ذلك إىل لك من يعمل معه‪ ،‬اللك يستفيد من خرباته‪.‬‬
‫اكن حتد ًيا رهيبا‪ ،‬ومل يكن من الهسل أن أوافق برسعة‪ ،‬فطلبت مهلة للتفكري‪،‬‬ ‫احلاج محمود العريب أستاذ يف حتويل األزمات إىل فرص‪ ،‬اليض ّيع وقته يف‬
‫وللتشاور مع املهندس سامل‪ ،‬ومع بايق الزمالء املهندسني الشباب‪..‬‬ ‫التفكري يف املشلكة من زاوية حمبطة خميبة لآلمال‪ ،‬بل جتد تفكريه إجياب ًّيا‪ ،‬يبحث‬
‫دو ًما عن احللول‪ ،‬ويبحث عن بقع الضوء يف الصورة املظملة‪.‬‬
‫يف اليوم التايل اجمتعت باحلاج محمود وأخربته أننا سننفذ – بإذن اهلل‪ -‬ما‬
‫يريده‪ ،‬عىل أن نعمل ورديتني‪ ،‬وأن يفطر العاملون يف املصنع‪ ،‬وأن يمت توصيل‬ ‫«صنَّاع الثقة»‪ .‬إنه شعار يف غاية الذاكء‪،‬‬‫أيضا استوقفين شعار الرشكة ُ‬ ‫ً‬
‫البنات إىل بيوهتن بعد العمل‪ .‬وبالفعل مت تنفيذ المكية يف املوعد احملدد‪ ،‬بل وقبله‬ ‫ً‬
‫وأيضا الثقة بني العريب‬ ‫يويح بالثقة التامة بني العريب وبني مستخديم منتجاته‪.‬‬
‫بيوم‪ ..‬اكنت فرحة عظمية‪ ،‬واكنت بداية ملشوار تألق تلفزيون «توشيبا‪ -‬العريب»‪،‬‬ ‫وبني لك فريق العمل برشاكته ومصانعه ومتاجره‪ .‬وكذلك بني العــربــي وبني لك‬
‫وانتشاره يف السوق املرصي بقوة وكفاءة‪ ،‬وحىت اليوم‪..‬‬ ‫التجار واملوردين‪ .‬بل وقبل ذلك وبعده‪ :‬الثقة التامة اليت يولهيا «العريب» يف اهلل‬
‫الذي وفقه لك هذا التوفيق‪ ،‬وبالتايل جتد لك منسويب الكيان يثقون برهبم مكا‬
‫أذكر أن دعتنا توشيبا الجمتاعهم السنوي مع وكالهئم يف منطقة اخلليج العريب‬
‫معل!‪ ..‬أحب أن أطلق هيلع لقب «جورو»‪ ،‬أي‬ ‫عملهم أستاذمه «املعمل»‪ .‬نعم إنه ّ‬
‫سنة ‪ ،1998‬وأمرنا احلاج محمود أن أسافر أنا واملهندس دمحم محمود‪ ،‬وبالفعل‬
‫أيضا‪ ،‬فهو حني يصدر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫«املعل» باليابانية‪ ،‬وهو تعبري شائع استعامله يف الغرب‬
‫سافرنا حلضور االجمتاع فقط‪ ،‬يوما واحدا قضيناه يف اإلمارات‪ ،‬وهناك عملنا‬
‫قرا ًرا فإنه اليصدره من منطلق حسابات ورؤية أنانية تنظر ملصلحته ومصاحل ذويه‬
‫أن توشيبا باعت – يف تلك السنة‪ -‬يف منطقة الرشق األوسط ‪ 150‬ألف جهاز‬
‫فقط‪ .‬ويعجبين للغاية قول شائع كرره مرا ًرا للك من عاونوه يف قصة جناحه‪:‬‬
‫تلفزيون‪ ،‬بيمنا العريب اكن قد باع يف نفس السنة ‪ 375‬ألف جهاز!‪ ،‬يف مرص‬
‫«اليل مش بيخرس‪ ،‬ما بيكسبش!»‪..‬‬
‫فقط‪ ،‬هذا غري ما اكن يباع يف بعض الدول العربية الشقيقة مثل العراق وليبيا‪..‬‬
‫٭٭٭‬
‫يومها شعرت بالفخر العميق أن مصنع «العريب» قد حفر لنفسه ماكنة رائعة‬
‫بني مصانع التلفزيون العاملية‪ ،‬أرجو من اهلل أن تزيد وال ترتاجع أبدا‪.‬‬
‫م‪ .‬حممد البــريدي‬
‫٭٭٭‬ ‫رئيسا للقطاع الصنايع مبجمع مصانع «العريب» ببهنا‪..‬‬
‫ً‬ ‫أمعل اآلن‬
‫�أ‪ .‬حممود عبد العزيز‬ ‫اكنت البداية يف سنة ‪ ،1988‬ملا بدأ احلاج محمود العريب يدرس إماكنية إنشاء‬
‫مصنع إلنتاج تلفزيونات توشيبا يف مرص‪ .‬اكن احلاج محمود قد اختارين مع‬
‫رئيسا ملجلس إدارة البنك األهيل املرصي‪ ،‬التقيت‬
‫ً‬ ‫يف هناية المثانينيات‪ ،‬كنت‬
‫املهندس سامل السيد‪ ،‬لنكون من يعاون «العريب» يف إنشاء ذلك الرصح العظمي‪..‬‬
‫باحلاج محمود العريب‪ ،‬حني كنت أنادي بأال يتوقف دور البنك عند اإلقراض‬
‫واالقرتاض‪ ،‬بل البد أن ينشئ الرشاكت‪ ،‬ويديرها‪ ،‬ويس ّوق إنتاجها‪ .‬اكن احلاج‬ ‫أتذكر واقىع هامة بعد افتتاح مصنع التلفزيون بفرتة‪ ،‬كنا ننتج حوايل ‪200‬‬
‫محمود يف تلك الفرتة يتعامل مع بنك مرص بشلك أسايس‪ ،‬ولكنه جاءين‬ ‫جهاز تلفزيون يف اليوم‪ ،‬جاءين احلاج محمود العريب ومعه احلاج عبد اخلالق‬
‫ليستشريين يف مرشوع إنشاء مصنع للتلفزيون يف بهنا‪..‬‬ ‫عطية‪ ،‬وقال يل‪« :‬عندي مشلكة يا دمحم‪ ،‬ويارب تقدروا تساعدوين حنلّها‪ ،‬فيه‬
‫مركب علهيا ‪ 9‬آالف جهاز تلفزيون مستورد اتأخرت‪ ،‬وأنا أخدت فلوس األجهزة‬
‫مرشوعا ملك ًفا للغاية‪ ،‬وقد نصحته بأن يرتيث يف إقامة ذلك املرشوع‪،‬‬
‫ً‬ ‫اكن‬
‫دي‪ ،‬ومافيش قدايم غري إنكوا تنتجولنا العدد دا قبل رمضان ما خيلص‪ ،‬عىل‬
‫وشهبته مبصنع السيارات الذي البد له أن يقوم بتصنيع ‪ 200‬ألف سيارة – عىل‬
‫يوم ‪ 25‬مثال!!»‬

‫‪375‬‬ ‫‪374‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫بعض الوقت أثناء عودهتم لليابان – عام ‪ - 1864‬بعد إمتام مهمهتم يف أوروبا‪.‬‬ ‫األقل‪ -‬يف السنة‪ ،‬حىت يستطيع أن يسمتر‪ ،‬وإال فإن السيارات املستوردة ستكون‬
‫أرخص من إنتاجه‪ ،‬مهام رفعت الدولة من قمية امجلارك علهيا‪ .‬ظننت أن احلاج‬
‫كتب أولئك الساموراي تقري ًرا حلكومهتم يعلنون فيه انهبارمه مبرص ويقرتحون‬
‫محمود قد اقتنع يومها بكاليم‪ ،‬إال أنه بعد فرتة من الزمن ‪ -‬تقري ًبا مخس سنوات‪-‬‬
‫عىل احلكومة اليابانية أن تقتدي مبرص (!) يف ثالثة أمور مهمة ج ّدًا رأوها هناك‪:‬‬
‫ً‬ ‫افتتح «العريب» مصنع التلفزيون يف بهنا‪ ،‬الذي نفذه بشلك اكمل مع بنك مرص‪..‬‬
‫أول‪ :‬السكة احلديد‪ ،‬اليت مل تكن قد دخلت اليابان يف ذلك الوقت‪ .‬وثان ًيا‪ :‬ربط‬
‫ً‬
‫وثالثا‪ :‬انهبروا‬ ‫جزر اليابان باالتصاالت السلكية «التلغراف»‪ ،‬مكا رأوه يف مرص‪.‬‬ ‫خشصا خمتل ًفا‬
‫ً‬ ‫مثل يف اإلرصار عىل حتقيق اهلدف‪ .‬إنين أراه‬ ‫لقد رضب ً‬
‫بنظافة دورات املياه العمومية‪ ،‬وأشاروا إىل رضورة تقليد مرص يف هذا األمر‪!..‬‬ ‫متا ًما يف قدرته عىل تنفيذ لك ما حيمل به‪ ،‬أو يحمط إليه‪..‬‬
‫يف عام ‪ ،2002‬يف فندق مجيل مبنطقة «أودايبا» السياحية بطوكيو‪ ،‬وأمام‬ ‫لقد أدهشين احلاج محمود خالل السنوات الطويلة اليت عرفته فهيا بأخالقياته‬
‫منظر خالب حيث ردم اليابانيون جز ًءا من خليج طوكيو‪ ،‬وأقاموا فنادق ومنتجعات‬ ‫ومبادئه اليت اكن حيافظ علهيا دو ًما‪ ،‬مما يدعونا ألن نبهتل إىل اهلل أن يرزقنا‬
‫تسويقية وترفهيية مهبرة‪ ،‬حرضت حفل توقيع عقد االتفاق بني توشيبا والعريب‬ ‫عددًا من التجار واملستمثرين مثل هذا الرجل‪ ،‬حىت يعود لالقتصاد املرصي قوته‬
‫ريا‬
‫إلقامة مصنع إلنتاج الملبات الفلورسنت يف قويسنا‪ .‬ألقيت لكمة بصفيت سف ً‬ ‫وعافيته بإذن اهلل‪..‬‬
‫ريا أهنى رئيس جملس‬‫ملرص يف اليابان‪ ،‬مث ألىق احلاج محمود العريب لكمة‪ ،‬وأخ ً‬ ‫مل يكن احلاج محمود ممن يتحدث بلكامت زائفة ال يطبقها عىل أرض الواقع‪،‬‬
‫إدارة رشكة توشيبا لتكنولوجيا اإلضاءة ‪ -‬مسرت «تسواكهارا» ‪- TSUKAHARA‬‬
‫يتفوه بلكمة إال ويكون هو أول من ينفذها‪ ،‬وهذا هو رس‬
‫بل ‪-‬عىل العكس‪ -‬اكن ال َّ‬
‫اللقاء بلكمة مجيلة عن معق العالقة بني توشيبا والعريب‪ .‬اكن هناك عدد كبري من‬
‫ثقة اليابانيني فيه‪..‬‬
‫املسوئلني واملديرين بالرشكتني اليابانية واملرصية‪.‬‬
‫إن رس جناح «العريب» األول – بال شك‪ -‬هو‪ :‬ثباته عىل مبادئه‪..‬‬
‫قلت لرئيس توشيبا لتكنولوجيا اإلضاءة – دون أن يكون معنا أحد حينئذ‪:-‬‬
‫«بالتأكيد سيكون هناك املزيد من اخلطوات العملية‪ ،‬خاصة عىل سبيل التوقيع‬ ‫٭٭٭‬
‫عىل مضانات لتوشيبا‪ ،‬أو شياكت‪ ،‬وما إىل ذلك»‪ .‬ففوجئت بالرجل جييبين‪« :‬حنن‬ ‫د‪ .‬حممود كارم‬
‫ال نو ّقع مضانات‪ ،‬وال شياكت مع السيد محمود العريب‪ ،‬لضامن حقوقنا‪ ،‬فقد‬ ‫كنت أمسع عن احلاج محمود وعن جتربة «العريب» قبل أن ألتيق به بفرتة‬
‫ريا‪ ،‬حنن نفعل ذلك فقط لضبط أمور العمل!»‪.‬‬‫جربنا الرجل كث ً‬ ‫ريا ملرص يف اليابان بلقاءات عديدة معه‪..‬‬
‫طويلة‪ .‬وسنحت الفرصة أثناء معيل سف ً‬
‫حنن هنا يف اليابان يا دكتور‪ ،‬صديقنا ال يصبح صدي ًقا حقيق ًّيا إال بعد وقت‬ ‫مث باعتباري كنت األمني العام لملجلس القويم حلقوق اإلنسان لسنوات‪ ،‬فأنا‬
‫طويل للغاية من اختباره يف أمعال متتالية‪ ،‬والسيد محمود هو صاحب أعىل مرتبة‬ ‫أهشد هلذا الرجل أنه من تلك القلة من املستمثرين املرصيني‪ ،‬اليت تدير أمعاهلا‬
‫لدينا يف الصداقة‪ ،‬وحنن نثق يف أي لكمة خترج من مفه‪..‬‬ ‫مبفهوم العدالة االجمتاعية مبعناها الواسع امجليل‪ ،‬وبتطبيق معيل عىل أرض‬
‫الواقع‪ ،‬وليس جمرد شعارات خاوية زائفة‪.‬‬
‫٭٭٭‬
‫�أ‪ .‬م�صطفى غنيم‬ ‫العالقة بني مرص واليابان ضاربة يف القدم‪ ،‬وقد هشد عام ‪ 1862‬مرور ‪37‬‬
‫خشصا من الساموراي اليابانيني مبرص أثناء سفرمه ألوروبا عن طريق البحر‪،‬‬
‫ً‬
‫ً‬
‫رشيك يف مكتب‬ ‫يف عام ‪ ،1978‬كنت أمعل يف رشكة مرص للطريان‪ ،‬وكنت‬
‫أخذهتم وأهبرهتم مظاهر املدنية والتقدم يف مرص‪ ،‬ومل ينسوا أن ميكثوا يف مرص‬
‫للتسويق مع رجل ياباين‪ ،‬هو نفسه والد وزيرة الدفاع اليابانية السابقة «يوريكو‬

‫‪377‬‬ ‫‪376‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫مقابل اخلربات والـ «‪ »know how‬اليت يقدموهنا بإخالص وتفان للـ «العريب»‪..‬‬ ‫كوييك»‪ ،‬واكن املكتب يعمل يف تسويق السلع املستوردة من اليابان إىل السوق‬
‫٭٭٭‬ ‫املرصي‪.‬‬
‫د‪ .‬م�صطـفى الفـقـي‬ ‫تعرفت إىل احلاج محمود يف تلك الفرتة‪ ،‬حيث اكن املوسيك هو املاكن الذي‬
‫كنت سفريا يف فيينا حني زار احلاج محمود العريب المنسا (اكن ذلك سنة‬ ‫أحترك فيه لتسويق عينات من منتجات وأجهزة يابانية متعددة‪ ،‬وذلك بعد انهتايئ‬
‫‪ ،)1997‬أثناء رائسته الحتاد الغرف التجارية املرصية‪ ،‬وكنت قد التقيت به قبل‬ ‫من معيل األسايس يف مرص للطريان‪ ،‬والحظت أنه أكرث التجار الذين تعاملت‬
‫ذلك يف لندن أثناء معيل يف سفارتنا هناك‪ .‬حىك يل يومهها كيف بدأ حياته‬ ‫معهم جرأة وإقدا ًما‪.‬‬
‫التجارية‪ ،‬وليس معه سيولة سوى ثالثة جنهيات فقط‪ ،‬اكنت ما تبىق له من راتبه‬ ‫اكن «احلاج محمود» إذا أجعبته «عينة» منتج رآها ميع‪ ،‬يغلق حساباته‬
‫الذي اكن يتقاضاه من احملل الذي اكن يعمل به يف املوسيك‪ ،‬اكن ذلك يف عام‬ ‫مرسعا وال ينتظر حىت يرفع غطاء سيارته من فوقها‬
‫ً‬ ‫برسعة‪ ،‬ويرتك احملل‬
‫‪ ..1964‬ماشاء اهلل‪ ،‬لك هذه االمرباطورية الصناعية والتجارية‪ ،‬وفقه اهلل تعاىل‬ ‫لنستقلها‪ ،‬بل اكن يرسع يب لنأخذ تاكيس من شارع األزهر‪ ،‬ونتجه إىل البنك‬
‫لبناهئا بالعمل واجلد واالجهتاد‪ ،‬وليس بأموال ورثها‪ ،‬أو جباه تركه له والده‪ ..‬إنه‬ ‫لفتح اعمتاد‪!..‬‬
‫منوذج رائع لرجل األمعال العصايم الناحج‪ .‬إنين أعتقد أن الرس يف جناحه إمنا‬
‫أذكر أن أول صفقة نفذناهــا م ًعا اكنت عبارة عن حشنة لعب أطفال اختارها‬
‫يمكن يف تفانيه وصدقه واحرتامه للك من يعملون معه‪..‬‬
‫احلاج محمود من اكتالوج ميع اكن حيتوي عىل عدد كبري من املنتجات‪ ،‬بعدها‬
‫ً‬
‫حقيقة خشصية فذة‪ ،‬رأيته يفضل لقب «تاجر» عن «رجل األمعال»‪ ،‬ورأيت‬ ‫إنه‬ ‫فتح احلاج اعمتادًا هلا عن طريق البنك العريب الدويل‪ ،‬ودفع املبلغ املطلوب‪.‬‬
‫منه ح ًبا لفعل اخلري باسمترار‪ ،‬بصورة ال تنفصل وال تتجزأ عن فكره االستمثاري‬ ‫اكن هذا هو البنك الوحيد األجنيب الذي ميكن أن يعطيك دوالرات وميكنك فتح‬
‫الرفيع‪ ،‬فقد فهمت أنه يتاجر مع اهلل بصورة خمتلفة‪..‬‬ ‫اعمتادات منه‪.‬‬
‫معروف عن اليابانيني أنه ليس من الهسل أن يعطوا أي خشص ثقهتم‪ ،‬خاصة‬ ‫بأذين احلاج محمود يقول حملاسبيه – مرات عديدة‪« :-‬مش عايز‬
‫َّ‬ ‫لقد مسعت‬
‫ملن اكن غريبا عن اليابان‪ .‬ولقد اكن تتوجي احلاج محمود العريب بأكرب مظاهر‬ ‫جنيه من حق امجلاعة اليابانيني يف توشيبا نبخسه!»‪..‬‬
‫الثقة الغالية من اليابانيني يوم منحه إمرباطور اليابان جائزة «المشس املرشقة»‪.‬‬
‫مل يكن هناك أي رقيب عىل «العريب» إذا ما أراد تقليل نصيب اليابانيني من‬
‫لقد خفرت وافتخر لك مرصي وطين يوم حصول احلاج محمود عىل هذه الوسام‬
‫أرباحه من املنتجات اليت تنتجها مصانع العريب يف مرص‪ ،‬فلك منتج خيرج‬
‫الرفيع‪ ،‬ولكين أعتب عىل وسائل اإلعالم عدم احتفاهئا حبصوله عىل اجلائزة مكا‬
‫من املصنع ويباع يف األسواق يكون لتوشيبا اليابانية نسبة عىل حصيلة بيعه‪،‬‬
‫اكن ذلك احلدث يستحق‪..‬‬
‫ومه ال يعملون مقدار تلك املبيعات‪ ،‬إال أهنم وثقوا – فقط‪ -‬يف صدق ويف أمانة‬
‫يوم حرضت افتتاح ذلك الرصح الديين واالجمتايع اهلائل يف يوم مجعة‪،‬‬ ‫«العريب»‪ ،‬وقد اكن احلاج محمود وأخواه‪ ،‬ولك من يعمل معهم يف هذا الكيان‬
‫خطبنا فيه شيخ األزهر السابق الدكتور‪ /‬دمحم سيد طنطاوي – رمحه اهلل‪،-‬‬ ‫العمالق عىل قدر املسوئلية متا ًما‪.‬‬
‫وقد أذهلين أنه مل يرش من قريب أو بعيد يف خطبته أو يف دعائه للحاج محمود‬
‫إن نظرية احلاج محمود ببساطة أن الرشاكة البد أن تسمتر إىل الهناية‪ ،‬فهو‬
‫مؤسس املجسد‪ ،‬وظننت أن ذلك س ُيغضب الرجل‪ ،‬إال أين رأيت وجه احلاج‬
‫اليهني رشاكة من ناحيته أبدًا‪ ،‬مفادامت توشيبا (وبعدها شارب) مل ُتن ِه تلك‬
‫محمود وكأنه اسرتاح أكرث لذلك!‪ .‬لقد رأيت يف هذا املوقف مثال ناصعا يف مسألة‬
‫الرشاكة من ناحيهتا‪ ،‬فسيظل عىل اتفاقه معهم‪ ،‬يعطهيم حصهتم من األرباح‬

‫‪379‬‬ ‫‪378‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫أن يعمل الرجل مثل هذه األمعال الكبرية ويف خميلته إرضاء اهلل عز وجل‪ ،‬وليس‬
‫رياء الناس‪ ،‬أو اكتساب المسعة‪.‬‬
‫للك جمهتد نصيب‪ ،‬فعال هذه يه احلقيقية احلمتية اليت جيب أن يوقن هبا‬
‫شباب مرص بعدما يعاينوا قصة كفاح وجناح احلاج محمود‪ ،‬فقد بدأ من الصفر‪،‬‬
‫وأقام قلعة صناعية وجتارية عىل أعىل مستوى‪ ،‬مفا الذي مينع أي شاب أن يكرر‬
‫التجربة يف املجال الذي يكتشف نفسه فيه ّ؟!‬
‫٭٭٭‬
‫د‪ .‬مـيـ ــرف ــت الت ـ ــالوي‬
‫كنت سفرية ملرص باليابان بني عايم ‪..1997 - 1993‬‬
‫يف هذه الفرتة سنحت يل الظروف ألتعرف إىل احلاج محمود العريب‪ ،‬حيث‬
‫اكن يرتدد بشلك مسمتر عىل اليابان‪ ،‬واكن عادة ما يزورين يف مكتيب بالسفارة‪،‬‬
‫أخي احلبيب‪ ..‬احلاج محمد العربي‬ ‫ولقد ملست احرتا ًما وتقدي ًرا له فوق العادة من لك اليابانيني الذين يتعاملون معه‪.‬‬
‫مما الحظته عىل مجموعة «العريب» هو اهمتامهم باحملافظة عىل البيئة بشلك‬
‫كبري‪ ..‬فاملصانع يف غاية النظافة‪ ،‬والجشر واملساحات اخلرضاء يف لك ماكن‪،‬‬
‫وهناك تقليد أخذوه عن اليابانيني وهو زراعة جشرة مع افتتاح لك مصنع جديد‪،‬‬
‫حبيث يروهيا كبار املسوئلني الذين حيرضون االفتتاح‪.‬‬
‫أيضا حني خيتارون املنتجات جتدمه يعتنون باألنواع واملوديالت اليت تسامه‬ ‫ً‬
‫يف احلفاظ عىل البيئة‪ ،‬وعىل تنقية اهلواء‪ ،‬لقد فهمت بعد رؤييت ملصانع «العريب»‬
‫اليت شيدها يف مدينيت بهنا وقويسنا‪ ،‬رس تقدير اليابانيني له‪ .‬إن التخطيط بالعمل‬
‫والنظام واإلتقان هو أساس تق ّدم املجمتع الياباين‪ ،‬وهذا هو رس توطد العالقات‬
‫بني «العريب» وبني اليابانيني‪..‬‬

‫بعد عناء يوم طويل يف أحد املعارض اخلارجية‪ ..‬أخي عبد الراحل عبد اجليد العربي‬

‫‪381‬‬ ‫‪380‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫احلاج عبد اجليد و أ‪ .‬علي عبد اجليد و أ‪ .‬مصطفي غنيم يف رحلة الي تايوان‬ ‫أ‪ .‬بدر الدين محمد و م‪ .‬إبرهيم محمود و م‪ .‬محمد محمود و أ‪ .‬مجدي محمد و أ‪ .‬هشام محمد‬

‫س محمد محمود و األستاذ بدر الدين محمد أثناء رحلة العودة الي القاهرة من طوكيو عام ‪1985‬‬ ‫احلاج عبد اجليد مع العامالت يف مصنع املراوح‬

‫‪383‬‬ ‫‪382‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫صورة تذكارية يف بنك مصر‪ ،‬مع عدد من املساهمني يف املشروعات اخليرية‬ ‫احلاج عبد اجليد و م‪ .‬ابراهيم و أ‪ .‬عبد اخلالق و أ‪.‬رأفت الشيتاني و مستر يوشيدا يف إحدي حفالت املوزعني باملنصورة‬

‫صورة تذكارية مع مستر نيشومورا رئيس مجلس إدارة شركة توشيبا السابق وحرمه‬ ‫افتتاح مصنع إل‪.‬سي‪.‬دي رجزا بقويسنا‬

‫‪385‬‬ ‫‪384‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫زوار من اليابان مع احلاج محمود و احلاج عبد اجليد و علي عبد اجليد يف محل املوسكي‬ ‫احلاج محمود و احلاج عبد اخلالق يف عشاء عمل بأحد الفنادق املصرية‬

‫احلاج محمود برفقة د‪ .‬أحمد الغرباوي و احلاج سعيد بالبيد وأسرته‬

‫‪387‬‬ ‫‪386‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫خــاتـمــــة‬
‫عيين‪ ،‬أن نحجن بكيان «العريب» الذي أسسناه عام‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫حملا يرتاءى بني‬ ‫اكن‬
‫‪ ،1964‬وهاهو احلمل يتحقق يو ًما بعد يوم‪ ،‬بفضل من اهلل‪ ،‬مث جبهد رجال أشداء‬
‫أمناء‪ ،‬قاموا بأداء أدوارمه معنا كأفضل ما يكون‪ .‬لقد اكنت البداية احلقيقية‬
‫يوم أقنعت نفيس ولك من حويل بأمهية التصنيع يف عام ‪ ،1975‬وإنين ألرجو‬
‫أن أرى ذلك اليوم الذي تنترش فيه ثقافة التصنيع يف مرص‪ ،‬يف لك ماكن عىل‬
‫أرضها‪ ،‬وبني لك عائالهتا؛ فصحيح أننا دولة زراعية يف املقام األول‪ ،‬ولكننا جيب‬
‫أن نكتسب خربات صناعية متقدمة تتوازى مع خرباتنا الزراعية‪ ،‬حىت نستطيع‬
‫بناء مرص عىل أساس متني من االحرتافية والعمل امجلايع‪ ،‬الذي ميكن به أن‬
‫نهنض مبرص بشلك حقييق‪ ،‬وندفع هبا (بل‪ُ ..‬نعيدها!) ملصاف الدول الكربى‪..‬‬
‫عىل لك مؤسسات الدولة يف بلدنا احلبيب أن تتحمل مسوئلياهتا اكملة حنو‬
‫تمنية قدرات اإلنسان املرصي‪ .‬إن املنطلق الفعيل للتق ّدم والنجاح ‪ -‬بال شك ‪ -‬هو‪:‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬والعناية بتمنية قدراته غري احملدودة‪ ،‬ليتحول إىل ترس برشي يف‬
‫منظومة معل مجايع خضم‪ ،‬تصب يف مصلحة الوطن‪ .‬ولكن يف نفس الوقت عىل‬
‫لك إنسان أن يعمل عىل تمنية مهاراته اليت خلقها اهلل له‪ ،‬واختصه هبا‪ .‬وأرجو‬
‫أن يأيت اليوم الذي يكون اهمتامنا األول يف مرص باكتشاف املواهب والقدرات‬
‫الاكمنة لدى أبنائنا وبناتنا من األجيال الشابة اجلديدة‪ .‬وأقصد القدرات واملواهب‬
‫الفاعلة البنّاءة اليت تبين األوطان وتدفعها لألمام‪ ،‬وليست تلك اليت تفعل العكس‪..‬‬
‫ويف اخلتام‪ ،‬أشكر لك من أهسم جبهد أو بلكمة أو باقرتاحات تسببت يف‬
‫خروج هذا الكتاب للنور‪ ،‬مكا أشكر لك أفراد عائلة «العريب» بالقاهرة وبهنا‬
‫وقويسنا وأبو رقبة‪ ،‬عىل أداهئم الرايق‪ ،‬خاصة يف السنوات األخرية‪ ،‬مكا أخص‬
‫بالشكر لك شعب مرص احلبيب‪ ،‬الذي مي ّثل العائلة الكربى للعريب‪ ،‬تلك العائلة‬
‫احملرتمة اليت أهسمت ‪ -‬من خالل ثقهتا يف منتجاتنا ‪ -‬يك نصل هلذه املاكنة‬
‫الرفيعة‪ ،‬اليت أكرمنا اهلل تعاىل هبا‪ ،‬فله – سبحانه ‪ -‬امحلد وله الشكر من ُ‬
‫قبل‬
‫ومن بعدُ‪..‬‬
‫حممود العربي‬
‫‪389‬‬ ‫‪388‬‬
‫رس حيايت ‪ ..‬حاكية العريب‬

‫كنت يف العرشينات من معري‪ ،‬ولكام كنت أنظر حملل كبري – امسه الربنسيس‪-‬‬
‫يف مواجهة احملل الذي أمعل به يف املوسيك‪ ،‬كنت أدعو اهلل‪“ :‬يا رب ‪100‬‬
‫ألف جنيه‪ ،‬وحمل زي الربنسيس”‪ ..‬اكن صاحب احملل وزماليئ يضحكون من‬
‫تطلعايت غري املنطقية!‪ ..‬الكثري والكثري من أمثال هذه الصور الواقعية اليت‬
‫ذكرهتا يف هذا الكتاب‪ ،‬مرت خباطري يوم سملين وزير خارجية اليابان وسام‬
‫“المشس املرشقة” نائبا عن امرباطور اليابان‪..‬‬
‫لوال الشواهد الكثرية عىل أرض الواقع‪ ،‬اليت تؤكد صدق ما رويته هاهنا‪ ..‬ما‬
‫صدقت – أنا نفيس‪ -‬لك هذا الذي حدث‪!..‬‬

‫حممود العربي‪،،‬‬

‫‪390‬‬

You might also like