Professional Documents
Culture Documents
https://anaheedblogger.blogspot.com
تنبيهات هامة:
2
اللقاء الثاني /االثنين 19صفر 1445هـ
ّ ّ
كنا بدأنا في لقائنا املاض ي في الكالم في موضوع الوعي ،وكيف أننا ال بد
ّ أن نعي ما هي مسؤولياتنا كمربين تجاه من ّ
نربي ،وأن ال نتخلى عن هذه
ا
املسؤوليات ونتركها لغيرنا معتمدين على أن كال يقوم بوظيفته؛ فننس ى
دائما َّ ّ
نتذكر ً وظيفتنا مع أبناءنا ومع من ّ
أن نربي ،فال بد أن
الوعي بوظيفة اإلنسان في الحياة مبدأ نجاحه في هذه الوظيفة
َّ
وأن غياب الوعي لوظيفتنا في الحياة ّ
يسبب أن يكون اإلنسان في حالة
ِّ
يسبب فشل في مقاييسالرضاّ ، من الغفلةّ ،
ويسبب فشل في مقاييس ّ
ِّ ِّ ِّ
ّ
النجاح ،ال بد أن نكون على وعي بما نحن فيه وما سنصل إليه.
3
ّ
العربية التي ولذا إذا ّ
تبين لنا معنى الوعي -وهذه الكلمة من الكلمات
وعيا ،ومن ذلك(وعي ُت العلم أعيه ً
معنى واضح -ومن ذلك قولهمْ : لها ً
جي ًدا في هذا املعنى سنفهم معنى "من كان ً ّ
فكرنا ّ
وعاء ِّ الوعاء) ،ولذلك لو
للخير مأل هللا وعاءه" ،فال بد أن نكون واعين وبهذا ننتظر أن يمأل هللا
وعاءنا بالخير ،وكل استخفاف وغفلة عن ملء هذا الوعاء بالخير ،وكل
النتيجة مزيد من الخسارات.ملء للوعاء بالتوافه ستكون ّ
ّ ال ّبد أن نعلم َّ
أن وظيفتنا في التربية هي:
بناء الوعي ،واستثمارهذا الوعاء الذي رزقه هللا اإلنسان؛
ُ ّ
لو تأملنا آيات سورة الحاقة وهي سورة عظيمة تنبئنا عن أمر عظيم،
انظروا ملطلع السورة ،وستجدون َّأن هذه السورة العظيمة ترشدنا إلى
شأن عظيم..
َّ
بدأت السورة الكريمة بتكرار كلمة {الحاقة} ،وهذا التكرار ال يمكن
ّ
أن يكون –ونحن على يقين من ذلك -إال لغاية عظيمة ،الحاقة من
الحق ،ويظهر فيها وعد وسميت بالحاقة ألنه يح ُّق فيها ّ
أسماء القيامة؛ ّ
ِّ
ّ حقا يظهر فيها ّ الر ّب -سبحانه وتعالى ،-فهي ا
ّ
الحق ،وهي الساعة الحاقة
ُ َ التي ُّ
تحق فيها األمور ،ومن ث َّم يأتي الجزاء على األعمال ،فلذلك ك ِّّر َرت في
ً ً ّ
مبدأ السورة {ما الحاقة} فهذا تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها.
4
ثم يزيد ر ّب العاملين في مخاطبتنا ،وهذا على عوائد العرب في ّ
محاوراتهم اللطيفة إذا أرادوا تشويق املخاطب في معرفة الش يء ودرايته
أي ش يء أعلم املخاطب ما هي؟أتوا بإجمال وتفصيل ،فيقولونُّ :
تأكيدا لتفخيم شأنها فالش يء هذا عظيم ،ما أدراك عنه ،كأنه أمر ً
ّ
خرج من دائرة ِّعلمنا ،هذا بالنسبة للحاقة وهي يوم القيامة نعم هذا
ش يء خارج قد تنا ال يبلغ أحد ّ
منا دراية تلك الحقائق ،وال يمكن إدراكها ر
ّ
إال باألخبار التي أتت ،حتى هذه األخبار لم تنشغل مشاعرنا بها ،ومهما
ّ
يتصوره اإلنسان ،أمر إن علمنا أحواله حصل فهو أمر أعظم من ّ
كل ما
ال يمكن أن نصل إلى دراية كاملة به وال تبلغها األفكار.
ّ
الحاقة التي ُّ ّ
الحاقة هيّ :
تحق فيها األمور. الساعة
ّ فهناك ّ
حق يجب أن تعيه ،الدنيا ليست لعب ،ال بد أن تعرف أن
املربي ملن وراءك، الحق أيها ّّ الحق وتنقل هذا ّ هناك ّ
حق وتعي هذا
ود َو َع ٌاد ب ْال َ
ُ ُ ّ َ َّ َ ْ َ ّ
عة} اق
ِّ ِّر ِّ م ث ت بذ {ك ة بالحاق بوا كذ وانظر إلى من سبق ،قد
ّ [الحاقة ،]4 :لكن هذا ّ
ّ
التكذيب لم ينفعهم ش يء ،القارعة هي الحاقة،
قرعا ،وهذا يادة في وصف شدتها ،وبيان ّ ً ّ
أن ز ة الحاق سيحصل في هذه
ّ
هؤالء الذين كذبوا وأهملوا وتركوا وغفلوا وازدادت غفلتهم حتى وصلوا
إلى التكذيب ،كان هالكهم على هللا يسير.
5
َ َّ َ َ َّ َ ُ ُ َ ُ ْ ُ
اغي ِّة} [الحاقة ]5 :ثمود وهم قوم صالح –عليه {فأما ثمود فأه ِّلكوا ِّبالط ِّ
السالم -أهلكوا بالطاغية :وقع عليهم أمر جاوز ّ
الحد.
َ ْ َ َُ ْ ُ ّ
{وأما عاد} وهم قوم هود –عليه السالم{ -فأه ِّلكوا ِّب ِّريح صرصر
الحد بالهبوب َعاتية} صرصر :شديدة العصف والبرد {عاتية} :متجاوزة ّ
ِّ
والبرودة.
ّ ّ
حسوما} أي: ً {سخرها} :سلطها {عليهم سبع ليالي وثمانية ّأيام
ََ متتابعات ،فحسمت األمر قطعتهم استأصلتهم ً
تماما وانتهوا {فت َرى
َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْال َق ْو َم ف َيها َ
ص ْر َعى} :هلكا {كأنهم أعجاز نخل خ ِّاوية} هذا تشبيه غاية في
َ
ِّ
يتصوره من يعرف النخل وموته ،قد ذكر أهل العلم َّ بيان الحال ،وهذا
ّ َّأن هذه ّ
الريح كانت تدخل من أفواههم وتخرج من أدبارهم وقد قطعت ِّ
أحشاءهم وانتهى أمرهم.
ذهبوا هؤالء القوم ،ذهبوا ثمود الذين أهلكهم رب العاملين
الصاعقة ،أيَّ :أن ّالطاغية هي ّ َّ ّ ُ
الصواعق بالطاغية ،وقد ذ ِّكر أن
أهلكتهم ،وعاد أهلكوا بالريح َو َ
صف ر ّب العاملين لنا حال هذه الريح ،قوم
وتحضروا سمعت قصة ثمود وعاد َ{ف ْ
هل ّ ُوجدوا وأنجزوا وعملوا وبنوا
َ َ
ت َرى ل ُه ْم ِّم ْن َبا ِّقية}! ال وهللا ما نرى لهم من باقية ،انتهوا؛ لذلك نسمع
َّ ً ً
ر
مثال في سو القرآن دائما هذا السؤال :أن من قبلكم كانوا موجودين
وبقي لهم آثار هل تسمع لهم؟ هل تحس بهم؟
6
ً َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ْ َ ْ َ ْ ُ ُّ ُ ْ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ ُ ْ ْ
{وكم أهلكنا قبلهم ِّمن قرن هل ت ِّحس ِّمنهم ِّمن أحد أو تسمع لهم ِّركزا} [مريم:
]98
ال ،ال وهللا مع بقاء آثارهم قد ذهبت أرواحهم إلى العذاب ،وأبدانهم
أكلها دود األرض وانتهوا ،وما وعوا ما كان يجب أن يعوه ،وال قاموا بما
يجب أن يقوموا به.
َ َ ُ
وأكمل ر ّب العاملين لنا َ{و َج َاء ِّف ْر َع ْون َو َم ْن ق ْبل ُه} من األمم املكذبة
ْ َ َ ُ َ ُْ َ َ
كقوم نوح وعاد وثمود {واملؤت ِّفكات} وهي :قرى قوم لوط ِّ{بالخ ِّ
اطئ ِّة}
بالجريمة العظيمة ،هذه الجريمة التي كانت عار عليهم وبقي عارهم
ص ْوا َر ُسو َل َرّبه ْم َف َأ َخ َذ ُهمْكل هؤالء اشتركوا بأنهم َ{ف َع َ ّ به، نو يذم ّ
ممتد ُّ
ِّ ِّ
ّ ُ َّ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ ًَ َ ًَ
أخذة ر ِّابية} { ،إن ملا طغا املاء} أي :كثر وتجاوز حده؛ بسبب إصرار قوم
ْ َ ْ ُ
{ح َمل َناك ْم ِّفي ال َجا ِّرَي ِّة} يعني :في السفينة التي نوح على الكفر واملعاص ي
للنجاة ،جعلها ر ّب العاملين آية من آياته. كانت أداة ّ
تمر على هذه الديار كل الذي تسمعه وتراه أنت تراه ملّا ّ كل هذا اآلن ّ
ّ
يصور لك الخبر وتسمع عن يمر غيرك فيأتيك بالخبر ،واليوم ّ أو ّ
ِّ
ُ أخبارهم وتسمع عن آثارهمّ ،
كل هذا أهلكوا وبقيت لهم آثار من أجل
ماذا؟ لنجعل تلك اآلثار وتلك األحوال ،لنجعل نجاة أهل اإليمان
َ ْ َََ َ ُ ْ َ ْ ًَ
وإغراق أهل الكفر وهالكهم ِّ{لنجعلها لكم تذ ِّكرة} آية وعبرة تبقى في
ذاكرتكم ال تنسوها.
7
َ َ ٌ َ َ ََ ُ ُ
اعي ٍة}
{وت ِعيها أذن و ِ
مسؤو َّليتنا أن نكون واعين ،أن نسمع ونعي ما نسمعه
ال أن نغفل ّ
عما نسمع ،ونسمع سماع الغافل الذي ال يدرك دالالت
ما يسمع ،ال بد أن يكون عندنا ٌ
أذن واعية ،وهذه األذن الواعية ُي َ
قصد
ّ
بها ّأنها ملا تسمع العلم تعيه ،بمعنى تسمع الخبر وتفهم الخبر وتعرف
دالالت الخبر ،وتنفعل مع الخبر ،تتعظ بالخبر ،ال أن نسمع قصة نوح
ّ
–عليه السالم -كأننا نرى مقطع من فلم ،ونتفاعل معه تفاعل املندهش
ّ
القصة ليس لها الذي يسمع قصة كأنها من ضرب الخيال ،أو ّ
كأن هذه
داللة في انفعاله! ال وهللا ،ال بد أن يعقل أولو األلباب ما يسمعون
مما يجري حولهم؛ ّ
ألن األذن الواعية هي التي تكون ويشاهدون ويرون ّ
ثم َع ْقله ،فهمه ،االنفعال معه.
ممرا لدخول الخبر ّ
ا
بخالف اإلعراض والغفلة هذا حال أهل البالدة وعدم الفطنة هؤالء
ليس لهم انتفاع ً
أبدا بأي ش يء يمر عليهم؛ ألنهم ال يعون ليس لديهم وعي
عن هللا ،وال لديهم فكر بآيات هللا وال انتفعوا بأيامهم ولياليهم في معرفة
هللا.
ومن َث َّم تجد هؤالء لو كانوا ّأمهات وآباء ،لو كانوا ّ
مربين وهم ال يعون!
ِّ
خيرا وال تظن أنهم سيقومون بوظيفتهم التي يجب عليهم فال تظن بهؤالء ً
أن يقوموا بها.
8
ً ً
واسعا ،الناس يتكلمون عن الوعي تستعمل كلمة وعي استعماال
الصحي ،يتكلمون عن وعي إجراءات األمن ّ
والسالمة ،ويجعلون تركيزهم ّ
على اإلنسان الواعي للمخاطر ،يتكلمون عن الوعي الغذائي ،يتكلمون
عن الوعي باألخطار التي تحيط بالطعام ،نجد تعظيم لهذه األمور وهذا
أمر ليس شأننا انتقاده وال املناقشة فيه.
ُ ّ
و إنما شأننا أال يشغلنا هذا الكالم عما من أجله خلقنا وهو
الواجب علينا الذي يجب علينا أن نعيه ،العلم عن هللا والعيش مع
هللا والوصول إلى الطمأنينة باهلل ،مسؤولية اآلباء واألمهات عن
الحق العلم عنه –سبحانه وتعالى -هو العلم الذي إن األبناء ،العلم ّ
تعلمته أدركت ما حولك وعرفت الحقيقة.
لو علمت عن هللا؛ ستفهم بأي ش يء أنت مبتلى ،وألي ش يء ُت َ
خت َبر ،لو
علمت عن هللا وقمت بما يجب عليك من الفهم الناتج من التفكير ومن
التحليل وما تسمع في كتاب هللا وملا ترى في أقدار هللا ،لو طلبت الرشد
كل يوم مع ّ
كل من ر ّب العاملين لو طلبته وأنت صادق في طلبه ،تطلبه ّ
ركعة تركعها تسأله الصراط املستقيم ،لن يخذلك ر ّب العاملين.
لكن لم يطلب الرشد ولم يطلب الصراط املستقيم الذي ال يعي
حقيقة الدنيا ،وال يتصور ما هو املطلوب منها.
9
وال بد أن نعترف أننا واقعين تحت غفلة عظيمة ،هذه الغفلة من
وكل من ّيدعي ّ
أن أن معهم ّ
الحقّ ، أن حولنا أناس كثير ّيدعون ّ
أسبابها ّ
معه ّ
الحق يحاول أن يسيطر على وعي من حوله.
الحقيقة نحن في معركة استيالء على الوعي
الحق وأن ُينشر ّ
الحق، لذلك كان من مقاصد الشريعة أن ُيحفظ ّ
ولذلك مدحت الشريعة العلم ،ومدحت العمل املقترن بالعلم .ال بد
وجل -وال بد أن ُن ّ
عز ّ ّ
ونعلم ،البد أن َنعرف هللا ّ - ّ
عرف الجيلِّ ِّ ِّ م ل أن نتع
القادم عن هللا.
وال زلنا ّ
نكرر:
ّ ّ
وكمربية عن وظيفة تعليم األبناء ال تتخلي كأم
ال ُتوكلي هذه ّ
املهمة لغيرك
ال َتحرمي أسرتك من حوار في ّ
كل مناسبة يزيدهم ً
علما عن هللا
ّ
ال تتركي فرصة مهما كانت بسيطة في نظرك ،ال تتركي فرصة تتكلمين
تعرفهم بفضل هللا ،برحمة هللا ،بقرب هللا ،باستجابة هللا ملن فيها بكلمة ّ
تذكرهم ّّ
بأن ر ّب العاملين شكور يعطي على دعاه ،ال تتركي أي فرصة
العمل القليل األجر الكثير.
10
ال تتركي أي فرصة بأن تحكي لهم كيف تكون حكمة ر ّب العاملين ،هللا
ْ َ َ
الحكيم ،الرحمن الرحيم ،كيف حكمته وهو يأمر ّأم موس ى {ف ِّإذا ِّخف ِّت
يطيب خاطر املرأة {إ َّنا َر ُّادوهُ َع َل ْيه َف َأ ْلقيه في َ
الي ّم َوَال َت َخافي َوَال َت ْح َزِّني} ّ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ُ َ ُْ
اعلوه ِّمن املرس ِّلين} [القصص. ]6 : ِّإلي ِّك وج ِّ
السياق ر ّب العاملين قال{َ :ف َر َد ْد َن ُاه إ َلى ُأ ّمه َ
كي ْي َت َقرَّ ّ ّ ّ
ِّ
ِّ ِّ نفس في ه أن ريهمذك
َ ٌّ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ نَ َع ْي ُن َها َوَال َت ْح َز َن َول َت ْع َل َم َّ
أن َو ْع َ
هللا حق ول ِّكن أكثرهم ال يعلمو } [القصص.]13 : ِّ د ِّ
إال ّّ
تنبهيهم: ال تتركي أي فرصة
الناس يعرفون هللا ،وكثير من الناس ال يعلمون! ّأن قليل من ّ
َ ُ ْ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ َن َ ْ َ ُ نَ َ{و ْع َ
اس ال يعلمو * يعلمو ِّ الن ر ثك أ نكِّ لو هدع و هللا ف لِّ خ ي ال هللا
ِّ د
ُّ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َن َ َ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ
ظ ِّاه ًرا ِّم َن ال َح َي ِّاة الدنيا وهم ع ِّن اآل ِّخر ِّة هم غا ِّفلو * أولم يتفكروا في
ُ
ْ ُ َْ
أنف ِّس ِّهم} [الروم.]8-6 :
ذكريهمَّ :أن العا فين باهلل قليل والعا فين بشأن ّ ً ّ
الدنيا كثير، ر ر دائما
ً ّ
وكل يحاول أن يتخطف َو ْعيك؛ لتبقى مشغوال بما اكتشفته وما اكتشفوه ٌ
ّ ّ
عن الطعام والشراب ومصالحه للبدن ،بما اكتشفوه عن مصادر
ّ
ص ّحة واألدوية التي تعالج األمراض. الفيتامينات ،مصادر ال ّ
ّ ّ
هذا كله من نعمة هللا وهذا كله ينفع اإلنسان لو أخذ منه املقدار
ّ
اليسير الذي يكفيه.
11
ّ ّ ّ
وتظن أنك قمت بما يجب ال يخطف الناس وعيك فتنشغل بهذا
عليك في هذه الحياة!
يأتي آخرين يخطفوك ً
بعيدا بما وصل إليه اإلنسان من حضارة وما
ّ ّ
وصل إليه من آالت ،وهؤالء يكلموك عن الذكاء االصطناعي ،وهؤالء
ّ ّ
يكلموك عن العمارة وما وصلت إليه والبناء ،وأنت في ذلك تتبع هواك
ّ ّ
وتسمع لهؤالء وتعي ،وإذا كلمك أحد بكلمة تكلمت بتفاصيل تعرفها عن
هذه املواد التي خلقها هللا.
اجعل وعيك معرفة هللا ،ال تترك فرصة ً
أبدا
يمرعليك و أنت ما ازددت فيه معرفة ب ّ
رب العاملين من ال تترك يوم ّ
ّ ّ كالمه -سبحانه وتعالى -أو من كالم ّ
نبيه -صلى هللا عليه وسلم. -
الد ْنياَ أن { َأ ْك َث َر َّ
الناس َال َي ْع َل ُمو َن* َي ْع َل ُمو َن َظاه ًرا م َن ْال َح َياة ُّ ّ
وتذكر ّ
ِّ ِّ ِّ ِّ
َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُ نَ
وهم ع ِّن اآل ِّخر ِّة هم غا ِّفلو } [الروم]7 :
فيا ّأيها ّ
املربون!
غدا من أخبار تالفةً ،ترفعوا عن أن تشغلوا وعيكم بما يكون ً ّ
غدا
بط ُل هؤالء القوم ما قال غيرهم ،ويقول غيرهم ما يضاد قولهم ،ويبقى ُ
ي ِّ
الناس في ظاهر الحياة الدنيا دائرين ،وحول تحقيق مصالحها خائفين
12
الناس ال يعلمون! أكثر الناس الولكن أكثر ّ
راجين ،وهللا غالب على أمره ّ
يعلمون ،أكثر الناس ال يشكرون.
ُ
وننجي أنفسنا ومن ن ّربي
فلنع هذه الحقائق ّ
ِّ
نحن هنا في األرض لوظيفة شريفة وهي معرفة ر ّب العاملين.
تصوروا الكالم الذي نقوله في صالتنا،
كلمة (هللا أكبر) وهللا لو َوعيناها؛ لتضاءلت الهموم ،وتضاءلت
َْ
أمورالدنيا وعلومها في أنفسنا ،وبذلنا جهدنا ِلنق ِل هذا املعنى
ألبنائنا
ال تتصوروا ّأن املطلوب -ونحن كبار ناضجين مرت علينا تجا ِّرب
وبردت شهوة كثير من األمور في نفوسنا -ال تتصوروا ّأن املطلوب نقل
نفجر قنوات في نفوسهم؛ لكي هذا الوعي بكامله ألبنائنا ،لكن الزم ّ
ثم هم سيكبرون وينضجون -بإذن نضخ ّ
الحق من خاللهاّ ، نستطيع أن ّ
هللا -ويسقون أنفسهم ّ
مما تركت لهم من ميراث في نفوسهم.
لكن أن نصمت ونسكت! أن نترك التعليم لغيرنا! أن نقول هذه
الجهات قد قامت بتعليمهم! أو حتى نقول ً
أحيانا أنهم يحفظون القرآن،
حتى وهم يحفظون القرآن ما دخلت معاني اإليمان إلى قلوبهم.
معاني اإليمان وتقريبها مسؤولية ّ
املربين.
13
ال زلنا نقول :املعركة اليوم دائرة حول االستيالء على الوعي؛ ولذلك
الشريعة من مقاصدها حفظ الحق ،نشر الحق ،الجهاد يكون ملن يمنع
الحق ،جاهد في نشر الحق ،بتعليم الحق ،وال زلنا نكرر :ال تتركوا فرصة
ّ
لبيان هذا الحق إال ّبينتموه ،املؤوا قلوبهم بالحق
َ ُ َ َْ ُ َ ُ ُ َ
{وهللا أعلم ِبما يوعون} [االنشقاق ]20 :هللا أعلم بما يكنون في
صدورهم التي هي أوعية
هللا أعلم بما في صدورنا وصدورهم ،لكن املطلوب أن نمأل هذه
ّ
القلوب التي هي الوعاء وهي مكان الوعي أن نمألها بالحق ،أن نكلمهم
ّ
وأخبرتهم باالسم املناسب من
ِّ إال عن هللا وعن عظمته ،ال تتركي فرصة
أسماء هللا أو الصفة املناسبة من صفات هللا في هذا املوقف الذي
تعيشينه.
والذي يجعلنا نؤكد على هذا املعنى اليوم:
صو ِرتغييب الوعي:
ص َو ِّره ،اإلدمان الذي يضيع وعي اإلنسان،
ومن أعظمها :اإلدمان بكل ُ
اإلدمان على املخدرات ،واإلدمان على األلعاب ،واإلدمان على متابعة
األفالم التي تهبط باإلنسان من درجة اإلنسانية إلى درجة البهيمية.
ً
فدائما كوني قريبة منهم؛ هذا اإلدمان من أظهر صور تغييب الوعي،
ّ ّ
من أجل أال يخطفهم اإلدمان ،من أجل أال يدمنوا أن يكونوا في غرفهم
14
ُ ّ
ن ن
مع أجهزتهم يقلبو فيها ،ويدمنو العالقة في هذا العالم االفتراض ي،
ُ
فال يكونوا واعين بالحقائق بل يخدعهم هذا العالم االفتراض ي ،ومعلوم
هذا العالم إلى أين يأخذهم ،وفي أي أودية الهالك يذهب بهم.
أن املعركة اليوم معركة حول الوعي ،الكل ّيدعي ّ
أن معه اعلميَّ ،
ّ
الحق حتى يسيطر على وعي من حوله ،النزاع على الوعي ُي ّ
غيبون الوعي.
فهذا اإلدمان من أحد صور فقدان الوعي ،فيغيب اإلنسان ويصبح كل
أموره دائرة حول هذا األمر الذي أدمن عليه.
ً
وطبعا من النتائج الخطيرة التي تذبح الوعي اإللحاد -نعوذ باهلل منه،-
أو إدخالهم في أنواع من الصراعات على توافه األمور ،أنواع من
حديات السخيفة التافهة التي تحط من مقدار عقولهم ،يحرصون ّ
الت ّ
أن يذهبوا بعقول الخلق في هذه األودية؛ حتى ال تقوم قائمة بالدين
وحتى يرضوا شياطينهم شياطين اإلنس والجن.
فنحن وظيفتنا عظيمة في إيقاظهم كلما غفلوا ،وفي تنبيههم كلما مالوا،
وفي املحافظة على عقولهم كلما جاءوا بفكرة فاسدة.
ال بد من الحوار ،والحوار ،والحوار
والصبر ،والصبر ،والصبر؛
15
ألجل أن نسمع ويسمعونا ،ويتكلمون ونكلمهم ونحن صادقين في
كالمنا ،راغبين في مرضاة ربنا ،نريد النجاة لنا ولهم ،ولن يخذلنا رب
العاملين.
أكرر عليكم :أن حفظ وعينا ووعي أبناءنا مسؤوليتنا.
َ
تسمعون في الحاالت امل َرضية أنهم يقولون :هذا اإلنسان فقد وعيه،
وما أن يفقد وعيه إال يجتمع عليه املمارسين الصحيين ويبذلون
جهودهم في إعادة الوعي له ،من هنا أجهزة ومن هنا إسعاف ..من أجل
أن يعيدوا الوعي له ،وأكثر ش يء يخافونه أن يفقد وعيه ،نعم صحيح
فقدان الوعي هذا بداية الخطر ثم هللا أعلم ماذا يحصل له ،وهناك
عند األطباء مقاييس لفقدان الوعي والغيبوبة ،مقاييس يتكلمون عنها
أن هذا ش يء عميق ،أو هذا ش يء سطحي ،هذه غيبوبة عميقة وهذه
كذا ،نعم هذا حق.
ومثله وأعظم منه أن تفقد الروح وعيها!
من أعظم االبتالءات أن تفقد الروح وعيها
ً
وخصوصا املربي لو فقد وعيه -هللا املستعان!-
ولذلك ال بد من معرفة:
َ
مربي غير واعي = يعني جيل ُمغ َّيب
16
كيف ملن وعاؤه فارغ أن يمأل وعاء غيره؟!
لذلك أول التربية أن نمأل وعاءنا بالحق.
ولذا -إن شاء هللا -سيكون في جرعة وعي للمربين برنامج مستمر في
تعليم أسماء هللا -عز وجل -وصفاته؛ لكي نعي هذا الحق وننقله للخلق،
ننقله ملن وراءنا ،ننقله ألبنائنا- .بإذن هللا -يبارك لنا وتكون هذه الجرعة
-جرعة الوعي للمربين -سبب إلرشادهم ماذا يقولون ألبنائهم؟ كيف
ّ
يعرفونهم بربهم؟ كيف يستفيدوا من املواقف في تعليمهم عن هللا وفي
بيان الحق لهم.
أبناءنا مستعدين يريدون أن يعرفوا هللا ،ويريدون أن يعرفوا كيف
يتعاملوا معه ،ويريدون أن ّ
يفسروا الحياة التي تدور حولهم.
فإذا كان عند املعلمين اللغة التي ُي ّ
فهموا بها األبناء كيف هذه الحياة؟
كيف هذه األقدار؟ ما تفسيرها ما معناها؟ إذا حصل هذا ّ
فإن الجيل
عنا شر الغفلة – نسأل هللا أن سيستيقظ ،وستنصرف-بإذن هللاّ -
ُ
يصرف عنا كل شر ،-الغفلة عن الوظيفة التي خلقنا من أجلها وهي
ُ ُ
معرفة هللا ،هذه الوظيفة التي خلقنا من أجلها خ ِّلقنا لنعرف هللا ،فال
ً ّ ّ
يؤهلنا ملا نلقاه، بد أن نجتهد في هذه املعرفة ،ال بد أن نفهم عن هللا فهما
ّ ُ ّ
ن
يؤهلنا في قبرنا ملا نسأل من ربك؟ أن نجيب ،وملا نلقى ربنا نكو من القوم
العارفين به ،فإن في يوم القيامة مشهد عظيم يحضره الخلق ،يلقون
17
ربهم ما بينه وبينهم ترجمان ،يكلمهم -سبحانه وتعالى -يخاطبهم
ويخاطبونه ،فكيف بنا في ذاك اليوم!
وقد ورد في الحديث في كتاب التوحيد البن خزيمة:
َ ْ ُ َ َل َّ ْ َ
هل ت َم ُارو َن في الق َي َام ِّة؟ قال: َ َ َ
هل ن َرى َرَّبنا يوم ِّ َّللا
اس قالوا :يا رسو ِّ الن َ أن َّ " َّ
هل ُت َم ُارونَ قالَ :ف َّْللاَ ، َ َل َّ ٌ َ َ ُ َ ُ َ ْ َ َ َ ََْ َ
القم ِّر ليلة البد ِّر ليس دونه سحاب؟ قالوا :ال يا رسو ِّ
َ
ذلكُ ،ي ْحش ُر فإن ُك ْم َت َر ْو َن ُه َك َ
قالَّ : اب؟ قالواَ :الَ ، ليس ُد َون َها َس َح ٌ الش ْمس َ في َّ
ِّ
َّ َ َ َ ْ ُ ُ ً َ ْ َّ َّ
شيئا فل َيت ِّب ْع ،ف ِّم ْن ُه ْم َمن َيت ِّب ُع فيقو ُلَ :من كان يعبد وم الق َي َامةَ ،
ِّ ِّ
اس َي َ الن ُ
ُ َّ ُ َّ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َّ ُ َّ َ َ َ ْ َ
هذه األمة اغيت ،وتبقى ِّ ومنهم من يت ِّبع الطو ِّ ومنهم من يت ِّبع القمرِّ ، الشمسِّ ،
حتى َي ْأت َيناَ فيقولو َن هذا َم َك ُان َنا َّ فيقو ُلَ :أنا َرُّب ُك ْمَ ، وهاَ ،ف َي ْأتيه ُم َّ ُ
َّللا َ ف َيها ُم َناف ُق َ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َ ْ فيقو ُلَ :أنا َرُّب ُك ْمَ ، ْ
َرُّب َناَ ،فإ َذا َج َاء َرُّب َنا َع َر ْف َن ُاهَ ،ف َيأتيه ُم َّ ُ
فيقولون :أن َت َرُّب َنا". َّللا َ
ِّ ِّ ِّ
"فإذا جاء ربنا عرفناه" سبحان هللا!
معنى الحديثَّ :أن النبي -صلى هللا عليه وسلم -يخبرنا أن يوم القيامة
كل أمة تتبع ما عبدت فيقول هللا لهم :من كان يتبع ش يء فليتبع ما كان
يعبده ،فكما هو واضح في الحديث فيتبع من عبد الشمس الشمس،
ومن عبد القمر ،ومن عبد الطواغيت ،وكل رأس الضالل يتبعونه ،كل
ما ُعبد من دون هللا وهو راض سيتبعونه ،وتبقى األمة املحمدية فيها
منافقوها ،وهذا واضح حيث ّأن املنافقين يستترون بها يومئذ كما كانوا
في الدنيا يعني :يستترون داخل املؤمنين.
18
ملا يأتي ربنا لهم أول األمر فيأتيهم هللا -عز وجل -وإتيانه -سبحانه
وتعالى -يكون على صفة تليق بذاته" ،في غير صفته التي يعرفونها"؛
ً
امتحانا منه ليقع التمييز بينهم وبين غيرهم ممن يعبد غيره تعالى .فيقول:
"أنا ربكم" فيستعيذون باهلل منه؛ ألنه لم يظهر لهم بالصفات التي
يعرفوها بل بما استأثر بعلمه تعالى ،وألن معهم منافقين ال يستحقون
الرؤية وهم ممنوعون من رؤية هللا ،فأهل اإليمان يقولون :هذا مكاننا
ا
متجليا حتى يظهر ربنا فإذا ظهر الرب هنا عرفناه فيظهر هللا عز وجل
بصفاته املعروفة عندهم وقد تميز املؤمن من املنافق ،فيقول لهم :أنا
ربكم فإذا رأوا ذلك عرفوه -سبحانه وتعالى -بهذه الصفات ،ويقولون
ضرب الصراط بين ظهراني جهنم ،أي في أنت ربنا "فيدعوهم ربهمُ ،وي َ
وسطها وتحصل بقية األحداث املعلومة -نسأل هللا عز وجل أن ينجينا
ً
جميعا. -
فاملقصود :أن العلم باهلل هو وظيفتناّ ،
وأن هذا العلم ينفعنا في الدنيا
ُ
فنعيش ونقوم بوظيفتنا ،وينفعنا في قبرنا فنسأل من ربنا؟ وملا نلقاه
سنمتحن في معرفته ،أهل اإليمان ملا يروا ربنا بصفات ال يعرفوها مما
استأثر بها -سبحانه وتعالى -ال يعرفونه ،فيظهر لهم ربنا بما يعرفونه من
صفات فيقولون :أنت ربنا ...سبحان ربنا العظيم!
19
كيف جعل هذه الوظيفة هي وظيفتنا وهي التي تنفعنا في الدنيا وفي
ُّ
فلنع هذا وليكون دورنا التعلم عن هللا أسمائهقبرنا ويوم القيامة؛ ِّ
وصفاته وأفعاله ،ولنقوم بوظيفتنا في نقل هذا الوعي ألبنائنا.
-بإذن هللا -سيكون في جرعة وعي كل أسبوع إلى أن يشاء هللا ،نسمع
ُ ّ
عن أسماء هللا -عز وجل -وصفاته ،ونتعلم ما يجب أن نعلمه ملن وراءنا.
ً ً
نسأل هللا -عز وجل -أن يعيننا ويبارك لنا ويجعله عمال مقبوال ،اللهم
ارزقنا اإلخالص في القول والعمل! اللهم آمين.
السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته.
20