You are on page 1of 20

1

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫ْ ََْ‬ ‫ّ‬
‫(عـل ٌـم ُيـنـتـفـ ُـع ِبـ ِـه) تفاريغ من دروس األستاذة الفاضلة‬ ‫ّ‬
‫تقدم لكم مدونة ِ‬
‫أناهيد بنت عيد السميري حفظها هللا‬

‫ونسأل هللا أن ينفع بها‪.‬‬

‫‪https://anaheedblogger.blogspot.com‬‬

‫تنبيهات هامة‪:‬‬

‫السلف الصالح‪.‬‬‫والسنة على فهم ّ‬


‫‪ -‬منهجنا الكتاب ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬هذه التفاريغ من عمل الطالبات ولم تطلع عليها األستاذة حفظها هللا‪.‬‬
‫وجل‪ ،-‬فما ظهرلكم من صواب فمن هللا وحده‪ ،‬وما ظهرلكم‬ ‫‪ -‬الكمال هلل ‪َّ -‬‬
‫عز َّ‬
‫ّ‬
‫من خطأ فمن أنفسنا والشيطان‪ ،‬ونستغفرهللا‪.‬‬
‫ّ‬
‫املوفق ملا ّ‬
‫يحب ويرض ى‪.‬‬ ‫وهللا‬

‫‪2‬‬
‫اللقاء الثاني‪ /‬االثنين ‪ 19‬صفر‪ 1445‬هـ‬

‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‬


‫نبينا َّ‬
‫محمد وعلى آله‬ ‫والسالم على ّ‬
‫والصالة ّ‬
‫الحمد هلل ر ّب العاملين‪ّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ال زلنا ‪-‬بفضل هللا‪ -‬نجتمع‪ ،‬نسأل هللا أن يرزقنا ً‬
‫وعيا في جرعة وعي‪،‬‬
‫نكون فيها ‪-‬بإذن هللا‪ -‬ممن ِّوع َي مسؤولياته وقام بها‪ ،‬ووصل بعون من هللا‬
‫وجل‪-‬أن يرزقنا ً‬
‫وعيا‪،‬‬ ‫عز ّ‬ ‫وبتوفيق منه إلى ما يحب هللا ويرض ى‪ ،‬نسأله – ّ‬
‫للحق‪ ،‬ويجعلنا من حملته ّ‬
‫الناشرين له‪ .‬اللهم آمين‪.‬‬ ‫وأن يرشدنا ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كنا بدأنا في لقائنا املاض ي في الكالم في موضوع الوعي‪ ،‬وكيف أننا ال بد‬
‫ّ‬ ‫أن نعي ما هي مسؤولياتنا كمربين تجاه من ّ‬
‫نربي‪ ،‬وأن ال نتخلى عن هذه‬
‫ا‬
‫املسؤوليات ونتركها لغيرنا معتمدين على أن كال يقوم بوظيفته؛ فننس ى‬
‫دائما َّ‬ ‫ّ‬
‫نتذكر ً‬ ‫وظيفتنا مع أبناءنا ومع من ّ‬
‫أن‬ ‫نربي‪ ،‬فال بد أن‬
‫الوعي بوظيفة اإلنسان في الحياة مبدأ نجاحه في هذه الوظيفة‬
‫َّ‬
‫وأن غياب الوعي لوظيفتنا في الحياة ّ‬
‫يسبب أن يكون اإلنسان في حالة‬
‫ِّ‬
‫يسبب فشل في مقاييس‬‫الرضا‪ّ ،‬‬ ‫من الغفلة‪ّ ،‬‬
‫ويسبب فشل في مقاييس ّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ّ‬
‫النجاح‪ ،‬ال بد أن نكون على وعي بما نحن فيه وما سنصل إليه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫العربية التي‬ ‫ولذا إذا ّ‬
‫تبين لنا معنى الوعي ‪-‬وهذه الكلمة من الكلمات‬
‫وعيا‪ ،‬ومن ذلك‬‫(وعي ُت العلم أعيه ً‬
‫معنى واضح‪ -‬ومن ذلك قولهم‪ْ :‬‬ ‫لها ً‬
‫جي ًدا في هذا املعنى سنفهم معنى "من كان ً‬ ‫ّ‬
‫فكرنا ّ‬
‫وعاء‬ ‫ِّ‬ ‫الوعاء)‪ ،‬ولذلك لو‬
‫للخير مأل هللا وعاءه"‪ ،‬فال بد أن نكون واعين وبهذا ننتظر أن يمأل هللا‬
‫وعاءنا بالخير‪ ،‬وكل استخفاف وغفلة عن ملء هذا الوعاء بالخير‪ ،‬وكل‬
‫النتيجة مزيد من الخسارات‪.‬‬‫ملء للوعاء بالتوافه ستكون ّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّبد أن نعلم َّ‬
‫أن وظيفتنا في التربية هي‪:‬‬
‫بناء الوعي‪ ،‬واستثمارهذا الوعاء الذي رزقه هللا اإلنسان؛‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫لو تأملنا آيات سورة الحاقة وهي سورة عظيمة تنبئنا عن أمر عظيم‪،‬‬
‫انظروا ملطلع السورة‪ ،‬وستجدون َّأن هذه السورة العظيمة ترشدنا إلى‬
‫شأن عظيم‪..‬‬
‫َّ‬
‫بدأت السورة الكريمة بتكرار كلمة {الحاقة} ‪ ،‬وهذا التكرار ال يمكن‬
‫ّ‬
‫أن يكون –ونحن على يقين من ذلك‪ -‬إال لغاية عظيمة‪ ،‬الحاقة من‬
‫الحق‪ ،‬ويظهر فيها وعد‬ ‫وسميت بالحاقة ألنه يح ُّق فيها ّ‬
‫أسماء القيامة؛ ّ‬
‫ِّ‬
‫ّ‬ ‫حقا يظهر فيها ّ‬ ‫الر ّب ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬فهي ا‬
‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬وهي الساعة الحاقة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫التي ُّ‬
‫تحق فيها األمور‪ ،‬ومن ث َّم يأتي الجزاء على األعمال‪ ،‬فلذلك ك ِّّر َرت في‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫مبدأ السورة {ما الحاقة} فهذا تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ثم يزيد ر ّب العاملين في مخاطبتنا‪ ،‬وهذا على عوائد العرب في‬ ‫ّ‬
‫محاوراتهم اللطيفة إذا أرادوا تشويق املخاطب في معرفة الش يء ودرايته‬
‫أي ش يء أعلم املخاطب ما هي؟‬‫أتوا بإجمال وتفصيل‪ ،‬فيقولون‪ُّ :‬‬

‫تأكيدا لتفخيم شأنها فالش يء هذا عظيم‪ ،‬ما أدراك عنه‪ ،‬كأنه أمر‬ ‫ً‬
‫ّ‬
‫خرج من دائرة ِّعلمنا‪ ،‬هذا بالنسبة للحاقة وهي يوم القيامة نعم هذا‬
‫ش يء خارج قد تنا ال يبلغ أحد ّ‬
‫منا دراية تلك الحقائق‪ ،‬وال يمكن إدراكها‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫إال باألخبار التي أتت‪ ،‬حتى هذه األخبار لم تنشغل مشاعرنا بها‪ ،‬ومهما‬
‫ّ‬
‫يتصوره اإلنسان‪ ،‬أمر إن علمنا أحواله‬ ‫حصل فهو أمر أعظم من ّ‬
‫كل ما‬
‫ال يمكن أن نصل إلى دراية كاملة به وال تبلغها األفكار‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحاقة التي ُّ‬ ‫ّ‬
‫الحاقة هي‪ّ :‬‬
‫تحق فيها األمور‪.‬‬ ‫الساعة‬
‫ّ‬ ‫فهناك ّ‬
‫حق يجب أن تعيه‪ ،‬الدنيا ليست لعب‪ ،‬ال بد أن تعرف أن‬
‫املربي ملن وراءك‪،‬‬ ‫الحق أيها ّ‬‫ّ‬ ‫الحق وتنقل هذا‬ ‫ّ‬ ‫هناك ّ‬
‫حق وتعي هذا‬
‫ود َو َع ٌاد ب ْال َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ َّ َ ْ َ‬ ‫ّ‬
‫عة}‬ ‫ا‬‫ق‬
‫ِّ ِّر ِّ‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ب‬‫ذ‬ ‫{ك‬ ‫ة‬ ‫بالحاق‬ ‫بوا‬ ‫كذ‬ ‫وانظر إلى من سبق‪ ،‬قد‬
‫ّ‬ ‫[الحاقة‪ ،]4 :‬لكن هذا ّ‬
‫ّ‬
‫التكذيب لم ينفعهم ش يء‪ ،‬القارعة هي الحاقة‪،‬‬
‫قرعا‪ ،‬وهذا يادة في وصف شدتها‪ ،‬وبيان ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫أن‬ ‫ز‬ ‫ة‬ ‫الحاق‬ ‫سيحصل في هذه‬
‫ّ‬
‫هؤالء الذين كذبوا وأهملوا وتركوا وغفلوا وازدادت غفلتهم حتى وصلوا‬
‫إلى التكذيب‪ ،‬كان هالكهم على هللا يسير‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ َ ُ ُ َ ُ ْ ُ‬
‫اغي ِّة} [الحاقة‪ ]5 :‬ثمود وهم قوم صالح –عليه‬ ‫{فأما ثمود فأه ِّلكوا ِّبالط ِّ‬
‫السالم‪ -‬أهلكوا بالطاغية‪ :‬وقع عليهم أمر جاوز ّ‬
‫الحد‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫{وأما عاد} وهم قوم هود –عليه السالم‪{ -‬فأه ِّلكوا ِّب ِّريح صرصر‬
‫الحد بالهبوب‬ ‫َعاتية} صرصر‪ :‬شديدة العصف والبرد {عاتية}‪ :‬متجاوزة ّ‬
‫ِّ‬
‫والبرودة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حسوما} أي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫{سخرها}‪ :‬سلطها {عليهم سبع ليالي وثمانية ّأيام‬
‫ََ‬ ‫متتابعات‪ ،‬فحسمت األمر قطعتهم استأصلتهم ً‬
‫تماما وانتهوا {فت َرى‬
‫َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ‬ ‫ْال َق ْو َم ف َيها َ‬
‫ص ْر َعى}‪ :‬هلكا {كأنهم أعجاز نخل خ ِّاوية} هذا تشبيه غاية في‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫يتصوره من يعرف النخل وموته‪ ،‬قد ذكر أهل العلم‬ ‫َّ‬ ‫بيان الحال‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫َّأن هذه ّ‬
‫الريح كانت تدخل من أفواههم وتخرج من أدبارهم وقد قطعت‬ ‫ِّ‬
‫أحشاءهم وانتهى أمرهم‪.‬‬
‫ذهبوا هؤالء القوم‪ ،‬ذهبوا ثمود الذين أهلكهم رب العاملين‬
‫الصاعقة‪ ،‬أي‪َّ :‬أن ّ‬‫الطاغية هي ّ‬ ‫َّ ّ‬ ‫ُ‬
‫الصواعق‬ ‫بالطاغية‪ ،‬وقد ذ ِّكر أن‬
‫أهلكتهم‪ ،‬وعاد أهلكوا بالريح َو َ‬
‫صف ر ّب العاملين لنا حال هذه الريح‪ ،‬قوم‬
‫وتحضروا سمعت قصة ثمود وعاد َ{ف ْ‬
‫هل‬ ‫ّ‬ ‫ُوجدوا وأنجزوا وعملوا وبنوا‬
‫َ َ‬
‫ت َرى ل ُه ْم ِّم ْن َبا ِّقية}! ال وهللا ما نرى لهم من باقية‪ ،‬انتهوا؛ لذلك نسمع‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ر‬
‫مثال في سو القرآن دائما هذا السؤال‪ :‬أن من قبلكم كانوا موجودين‬
‫وبقي لهم آثار هل تسمع لهم؟ هل تحس بهم؟‬

‫‪6‬‬
‫ً‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ْ َ ْ َ ْ ُ ُّ ُ ْ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ ُ ْ ْ‬
‫{وكم أهلكنا قبلهم ِّمن قرن هل ت ِّحس ِّمنهم ِّمن أحد أو تسمع لهم ِّركزا} [مريم‪:‬‬
‫‪]98‬‬

‫ال‪ ،‬ال وهللا مع بقاء آثارهم قد ذهبت أرواحهم إلى العذاب‪ ،‬وأبدانهم‬
‫أكلها دود األرض وانتهوا‪ ،‬وما وعوا ما كان يجب أن يعوه‪ ،‬وال قاموا بما‬
‫يجب أن يقوموا به‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫وأكمل ر ّب العاملين لنا َ{و َج َاء ِّف ْر َع ْون َو َم ْن ق ْبل ُه} من األمم املكذبة‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ َ َ‬
‫كقوم نوح وعاد وثمود {واملؤت ِّفكات} وهي‪ :‬قرى قوم لوط ِّ{بالخ ِّ‬
‫اطئ ِّة}‬
‫بالجريمة العظيمة‪ ،‬هذه الجريمة التي كانت عار عليهم وبقي عارهم‬
‫ص ْوا َر ُسو َل َرّبه ْم َف َأ َخ َذ ُهمْ‬‫كل هؤالء اشتركوا بأنهم َ{ف َع َ‬ ‫ّ‬ ‫به‪،‬‬ ‫ن‬‫و‬ ‫يذم‬ ‫ّ‬
‫ممتد ُّ‬
‫ِّ ِّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َّ َ َ ْ َ‬ ‫َ ْ ًَ َ ًَ‬
‫أخذة ر ِّابية} ‪{ ،‬إن ملا طغا املاء} أي‪ :‬كثر وتجاوز حده؛ بسبب إصرار قوم‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫{ح َمل َناك ْم ِّفي ال َجا ِّرَي ِّة} يعني‪ :‬في السفينة التي‬ ‫نوح على الكفر واملعاص ي‬
‫للنجاة‪ ،‬جعلها ر ّب العاملين آية من آياته‪.‬‬ ‫كانت أداة ّ‬

‫تمر على هذه الديار‬ ‫كل الذي تسمعه وتراه أنت تراه ملّا ّ‬ ‫كل هذا اآلن ّ‬
‫ّ‬
‫يصور لك الخبر وتسمع عن‬ ‫يمر غيرك فيأتيك بالخبر‪ ،‬واليوم ّ‬ ‫أو ّ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫أخبارهم وتسمع عن آثارهم‪ّ ،‬‬
‫كل هذا أهلكوا وبقيت لهم آثار من أجل‬
‫ماذا؟ لنجعل تلك اآلثار وتلك األحوال‪ ،‬لنجعل نجاة أهل اإليمان‬
‫َ ْ َََ َ ُ ْ َ ْ ًَ‬
‫وإغراق أهل الكفر وهالكهم ِّ{لنجعلها لكم تذ ِّكرة} آية وعبرة تبقى في‬
‫ذاكرتكم ال تنسوها‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ ََ ُ ُ‬
‫اعي ٍة}‬
‫{وت ِعيها أذن و ِ‬
‫مسؤو َّليتنا أن نكون واعين‪ ،‬أن نسمع ونعي ما نسمعه‬
‫ال أن نغفل ّ‬
‫عما نسمع‪ ،‬ونسمع سماع الغافل الذي ال يدرك دالالت‬
‫ما يسمع‪ ،‬ال بد أن يكون عندنا ٌ‬
‫أذن واعية‪ ،‬وهذه األذن الواعية ُي َ‬
‫قصد‬
‫ّ‬
‫بها ّأنها ملا تسمع العلم تعيه‪ ،‬بمعنى تسمع الخبر وتفهم الخبر وتعرف‬
‫دالالت الخبر‪ ،‬وتنفعل مع الخبر‪ ،‬تتعظ بالخبر‪ ،‬ال أن نسمع قصة نوح‬
‫ّ‬
‫–عليه السالم‪ -‬كأننا نرى مقطع من فلم‪ ،‬ونتفاعل معه تفاعل املندهش‬
‫ّ‬
‫القصة ليس لها‬ ‫الذي يسمع قصة كأنها من ضرب الخيال‪ ،‬أو ّ‬
‫كأن هذه‬
‫داللة في انفعاله! ال وهللا‪ ،‬ال بد أن يعقل أولو األلباب ما يسمعون‬
‫مما يجري حولهم؛ ّ‬
‫ألن األذن الواعية هي التي تكون‬ ‫ويشاهدون ويرون ّ‬
‫ثم َع ْقله‪ ،‬فهمه‪ ،‬االنفعال معه‪.‬‬
‫ممرا لدخول الخبر ّ‬
‫ا‬

‫بخالف اإلعراض والغفلة هذا حال أهل البالدة وعدم الفطنة هؤالء‬
‫ليس لهم انتفاع ً‬
‫أبدا بأي ش يء يمر عليهم؛ ألنهم ال يعون ليس لديهم وعي‬
‫عن هللا‪ ،‬وال لديهم فكر بآيات هللا وال انتفعوا بأيامهم ولياليهم في معرفة‬
‫هللا‪.‬‬
‫ومن َث َّم تجد هؤالء لو كانوا ّأمهات وآباء‪ ،‬لو كانوا ّ‬
‫مربين وهم ال يعون!‬
‫ِّ‬
‫خيرا وال تظن أنهم سيقومون بوظيفتهم التي يجب عليهم‬ ‫فال تظن بهؤالء ً‬
‫أن يقوموا بها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واسعا‪ ،‬الناس يتكلمون عن الوعي‬ ‫تستعمل كلمة وعي استعماال‬
‫الصحي‪ ،‬يتكلمون عن وعي إجراءات األمن ّ‬
‫والسالمة‪ ،‬ويجعلون تركيزهم‬ ‫ّ‬
‫على اإلنسان الواعي للمخاطر‪ ،‬يتكلمون عن الوعي الغذائي‪ ،‬يتكلمون‬
‫عن الوعي باألخطار التي تحيط بالطعام‪ ،‬نجد تعظيم لهذه األمور وهذا‬
‫أمر ليس شأننا انتقاده وال املناقشة فيه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫و إنما شأننا أال يشغلنا هذا الكالم عما من أجله خلقنا وهو‬
‫الواجب علينا الذي يجب علينا أن نعيه‪ ،‬العلم عن هللا والعيش مع‬
‫هللا والوصول إلى الطمأنينة باهلل‪ ،‬مسؤولية اآلباء واألمهات عن‬
‫الحق العلم عنه –سبحانه وتعالى‪ -‬هو العلم الذي إن‬ ‫األبناء‪ ،‬العلم ّ‬
‫تعلمته أدركت ما حولك وعرفت الحقيقة‪.‬‬
‫لو علمت عن هللا؛ ستفهم بأي ش يء أنت مبتلى‪ ،‬وألي ش يء ُت َ‬
‫خت َبر‪ ،‬لو‬
‫علمت عن هللا وقمت بما يجب عليك من الفهم الناتج من التفكير ومن‬
‫التحليل وما تسمع في كتاب هللا وملا ترى في أقدار هللا‪ ،‬لو طلبت الرشد‬
‫كل يوم مع ّ‬
‫كل‬ ‫من ر ّب العاملين لو طلبته وأنت صادق في طلبه‪ ،‬تطلبه ّ‬
‫ركعة تركعها تسأله الصراط املستقيم‪ ،‬لن يخذلك ر ّب العاملين‪.‬‬
‫لكن لم يطلب الرشد ولم يطلب الصراط املستقيم الذي ال يعي‬
‫حقيقة الدنيا‪ ،‬وال يتصور ما هو املطلوب منها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وال بد أن نعترف أننا واقعين تحت غفلة عظيمة‪ ،‬هذه الغفلة من‬
‫وكل من ّيدعي ّ‬
‫أن‬ ‫أن معهم ّ‬
‫الحق‪ّ ،‬‬ ‫أن حولنا أناس كثير ّيدعون ّ‬
‫أسبابها ّ‬
‫معه ّ‬
‫الحق يحاول أن يسيطر على وعي من حوله‪.‬‬
‫الحقيقة نحن في معركة استيالء على الوعي‬
‫الحق وأن ُينشر ّ‬
‫الحق‪،‬‬ ‫لذلك كان من مقاصد الشريعة أن ُيحفظ ّ‬

‫ولذلك مدحت الشريعة العلم‪ ،‬ومدحت العمل املقترن بالعلم‪ .‬ال بد‬
‫وجل‪ -‬وال بد أن ُن ّ‬
‫عز ّ‬ ‫ّ‬
‫ونعلم‪ ،‬البد أن َنعرف هللا ‪ّ -‬‬ ‫ّ‬
‫عرف الجيل‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫أن نتع‬
‫القادم عن هللا‪.‬‬
‫وال زلنا ّ‬
‫نكرر‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكمربية عن وظيفة تعليم األبناء‬ ‫ال تتخلي كأم‬
‫ال ُتوكلي هذه ّ‬
‫املهمة لغيرك‬
‫ال َتحرمي أسرتك من حوار في ّ‬
‫كل مناسبة يزيدهم ً‬
‫علما عن هللا‬
‫ّ‬
‫ال تتركي فرصة مهما كانت بسيطة في نظرك‪ ،‬ال تتركي فرصة تتكلمين‬
‫تعرفهم بفضل هللا‪ ،‬برحمة هللا‪ ،‬بقرب هللا‪ ،‬باستجابة هللا ملن‬ ‫فيها بكلمة ّ‬
‫تذكرهم ّ‬‫ّ‬
‫بأن ر ّب العاملين شكور يعطي على‬ ‫دعاه‪ ،‬ال تتركي أي فرصة‬
‫العمل القليل األجر الكثير‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ال تتركي أي فرصة بأن تحكي لهم كيف تكون حكمة ر ّب العاملين‪ ،‬هللا‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫الحكيم‪ ،‬الرحمن الرحيم‪ ،‬كيف حكمته وهو يأمر ّأم موس ى {ف ِّإذا ِّخف ِّت‬
‫يطيب خاطر املرأة {إ َّنا َر ُّادوهُ‬ ‫َع َل ْيه َف َأ ْلقيه في َ‬
‫الي ّم َوَال َت َخافي َوَال َت ْح َزِّني} ّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ ُ ُ َ ُْ‬
‫اعلوه ِّمن املرس ِّلين} [القصص‪. ]6 :‬‬ ‫ِّإلي ِّك وج ِّ‬
‫السياق ر ّب العاملين قال‪{َ :‬ف َر َد ْد َن ُاه إ َلى ُأ ّمه َ‬
‫كي ْي َت َقرَّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫نفس‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫أن‬ ‫ريهم‬‫ذك‬
‫َ ٌّ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ نَ‬ ‫َع ْي ُن َها َوَال َت ْح َز َن َول َت ْع َل َم َّ‬
‫أن َو ْع َ‬
‫هللا حق ول ِّكن أكثرهم ال يعلمو } [القصص‪.]13 :‬‬ ‫ِّ‬ ‫د‬ ‫ِّ‬
‫إال ّ‬‫ّ‬
‫تنبهيهم‪:‬‬ ‫ال تتركي أي فرصة‬
‫الناس يعرفون هللا‪ ،‬وكثير من الناس ال يعلمون!‬ ‫ّأن قليل من ّ‬
‫َ ُ ْ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ َن َ ْ َ ُ نَ‬ ‫َ{و ْع َ‬
‫اس ال يعلمو * يعلمو‬ ‫ِّ‬ ‫الن‬ ‫ر‬ ‫ث‬‫ك‬ ‫أ‬ ‫ن‬‫ك‬‫ِّ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ه‬‫د‬‫ع‬ ‫و‬ ‫هللا‬ ‫ف‬ ‫ل‬‫ِّ‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫هللا‬
‫ِّ‬ ‫د‬
‫ُّ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َن َ َ َ ْ َ َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ظ ِّاه ًرا ِّم َن ال َح َي ِّاة الدنيا وهم ع ِّن اآل ِّخر ِّة هم غا ِّفلو * أولم يتفكروا في‬
‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫أنف ِّس ِّهم} [الروم‪.]8-6 :‬‬
‫ذكريهم‪َّ :‬أن العا فين باهلل قليل والعا فين بشأن ّ‬ ‫ً ّ‬
‫الدنيا كثير‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫دائما‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وكل يحاول أن يتخطف َو ْعيك؛ لتبقى مشغوال بما اكتشفته وما اكتشفوه‬ ‫ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عن الطعام والشراب ومصالحه للبدن‪ ،‬بما اكتشفوه عن مصادر‬
‫ّ‬
‫ص ّحة واألدوية التي تعالج األمراض‪.‬‬ ‫الفيتامينات‪ ،‬مصادر ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذا كله من نعمة هللا وهذا كله ينفع اإلنسان لو أخذ منه املقدار‬
‫ّ‬
‫اليسير الذي يكفيه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫وتظن أنك قمت بما يجب‬ ‫ال يخطف الناس وعيك فتنشغل بهذا‬
‫عليك في هذه الحياة!‬
‫يأتي آخرين يخطفوك ً‬
‫بعيدا بما وصل إليه اإلنسان من حضارة وما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وصل إليه من آالت‪ ،‬وهؤالء يكلموك عن الذكاء االصطناعي‪ ،‬وهؤالء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يكلموك عن العمارة وما وصلت إليه والبناء‪ ،‬وأنت في ذلك تتبع هواك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتسمع لهؤالء وتعي‪ ،‬وإذا كلمك أحد بكلمة تكلمت بتفاصيل تعرفها عن‬
‫هذه املواد التي خلقها هللا‪.‬‬
‫اجعل وعيك معرفة هللا‪ ،‬ال تترك فرصة ً‬
‫أبدا‬
‫يمرعليك و أنت ما ازددت فيه معرفة ب ّ‬
‫رب العاملين من‬ ‫ال تترك يوم ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كالمه ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أو من كالم ّ‬
‫نبيه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪. -‬‬
‫الد ْنياَ‬ ‫أن { َأ ْك َث َر َّ‬
‫الناس َال َي ْع َل ُمو َن* َي ْع َل ُمو َن َظاه ًرا م َن ْال َح َياة ُّ‬ ‫ّ‬
‫وتذكر ّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُ نَ‬
‫وهم ع ِّن اآل ِّخر ِّة هم غا ِّفلو } [الروم‪]7 :‬‬
‫فيا ّأيها ّ‬
‫املربون!‬
‫غدا من أخبار تالفة‪ً ،‬‬‫ترفعوا عن أن تشغلوا وعيكم بما يكون ً‬ ‫ّ‬
‫غدا‬
‫بط ُل هؤالء القوم ما قال غيرهم‪ ،‬ويقول غيرهم ما يضاد قولهم‪ ،‬ويبقى‬ ‫ُ‬
‫ي ِّ‬
‫الناس في ظاهر الحياة الدنيا دائرين‪ ،‬وحول تحقيق مصالحها خائفين‬

‫‪12‬‬
‫الناس ال يعلمون! أكثر الناس ال‬‫ولكن أكثر ّ‬
‫راجين‪ ،‬وهللا غالب على أمره ّ‬
‫يعلمون‪ ،‬أكثر الناس ال يشكرون‪.‬‬
‫ُ‬
‫وننجي أنفسنا ومن ن ّربي‬
‫فلنع هذه الحقائق ّ‬
‫ِّ‬
‫نحن هنا في األرض لوظيفة شريفة وهي معرفة ر ّب العاملين‪.‬‬
‫تصوروا الكالم الذي نقوله في صالتنا‪،‬‬
‫كلمة (هللا أكبر) وهللا لو َوعيناها؛ لتضاءلت الهموم‪ ،‬وتضاءلت‬
‫َْ‬
‫أمورالدنيا وعلومها في أنفسنا‪ ،‬وبذلنا جهدنا ِلنق ِل هذا املعنى‬
‫ألبنائنا‬
‫ال تتصوروا ّأن املطلوب ‪-‬ونحن كبار ناضجين مرت علينا تجا ِّرب‬
‫وبردت شهوة كثير من األمور في نفوسنا‪ -‬ال تتصوروا ّأن املطلوب نقل‬
‫نفجر قنوات في نفوسهم؛ لكي‬ ‫هذا الوعي بكامله ألبنائنا‪ ،‬لكن الزم ّ‬
‫ثم هم سيكبرون وينضجون ‪-‬بإذن‬ ‫نضخ ّ‬
‫الحق من خاللها‪ّ ،‬‬ ‫نستطيع أن ّ‬
‫هللا‪ -‬ويسقون أنفسهم ّ‬
‫مما تركت لهم من ميراث في نفوسهم‪.‬‬
‫لكن أن نصمت ونسكت! أن نترك التعليم لغيرنا! أن نقول هذه‬
‫الجهات قد قامت بتعليمهم! أو حتى نقول ً‬
‫أحيانا أنهم يحفظون القرآن‪،‬‬
‫حتى وهم يحفظون القرآن ما دخلت معاني اإليمان إلى قلوبهم‪.‬‬
‫معاني اإليمان وتقريبها مسؤولية ّ‬
‫املربين‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ال زلنا نقول‪ :‬املعركة اليوم دائرة حول االستيالء على الوعي؛ ولذلك‬
‫الشريعة من مقاصدها حفظ الحق‪ ،‬نشر الحق‪ ،‬الجهاد يكون ملن يمنع‬
‫الحق‪ ،‬جاهد في نشر الحق‪ ،‬بتعليم الحق‪ ،‬وال زلنا نكرر‪ :‬ال تتركوا فرصة‬
‫ّ‬
‫لبيان هذا الحق إال ّبينتموه‪ ،‬املؤوا قلوبهم بالحق‬
‫َ ُ َ َْ ُ َ ُ ُ َ‬
‫{وهللا أعلم ِبما يوعون} [االنشقاق‪ ]20 :‬هللا أعلم بما يكنون في‬
‫صدورهم التي هي أوعية‬
‫هللا أعلم بما في صدورنا وصدورهم‪ ،‬لكن املطلوب أن نمأل هذه‬
‫ّ‬
‫القلوب التي هي الوعاء وهي مكان الوعي أن نمألها بالحق‪ ،‬أن نكلمهم‬
‫ّ‬
‫وأخبرتهم باالسم املناسب من‬
‫ِّ‬ ‫إال‬ ‫عن هللا وعن عظمته‪ ،‬ال تتركي فرصة‬
‫أسماء هللا أو الصفة املناسبة من صفات هللا في هذا املوقف الذي‬
‫تعيشينه‪.‬‬
‫والذي يجعلنا نؤكد على هذا املعنى اليوم‪:‬‬
‫صو ِرتغييب الوعي‪:‬‬
‫ص َو ِّره‪ ،‬اإلدمان الذي يضيع وعي اإلنسان‪،‬‬
‫ومن أعظمها‪ :‬اإلدمان بكل ُ‬
‫اإلدمان على املخدرات‪ ،‬واإلدمان على األلعاب‪ ،‬واإلدمان على متابعة‬
‫األفالم التي تهبط باإلنسان من درجة اإلنسانية إلى درجة البهيمية‪.‬‬
‫ً‬
‫فدائما كوني قريبة منهم؛‬ ‫هذا اإلدمان من أظهر صور تغييب الوعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من أجل أال يخطفهم اإلدمان‪ ،‬من أجل أال يدمنوا أن يكونوا في غرفهم‬
‫‪14‬‬
‫ُ ّ‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫مع أجهزتهم يقلبو فيها‪ ،‬ويدمنو العالقة في هذا العالم االفتراض ي‪،‬‬
‫ُ‬
‫فال يكونوا واعين بالحقائق بل يخدعهم هذا العالم االفتراض ي‪ ،‬ومعلوم‬
‫هذا العالم إلى أين يأخذهم‪ ،‬وفي أي أودية الهالك يذهب بهم‪.‬‬
‫أن املعركة اليوم معركة حول الوعي‪ ،‬الكل ّيدعي ّ‬
‫أن معه‬ ‫اعلمي‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الحق حتى يسيطر على وعي من حوله‪ ،‬النزاع على الوعي ُي ّ‬
‫غيبون الوعي‪.‬‬
‫فهذا اإلدمان من أحد صور فقدان الوعي‪ ،‬فيغيب اإلنسان ويصبح كل‬
‫أموره دائرة حول هذا األمر الذي أدمن عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫وطبعا من النتائج الخطيرة التي تذبح الوعي اإللحاد ‪-‬نعوذ باهلل منه‪،-‬‬
‫أو إدخالهم في أنواع من الصراعات على توافه األمور‪ ،‬أنواع من‬
‫حديات السخيفة التافهة التي تحط من مقدار عقولهم‪ ،‬يحرصون‬ ‫ّ‬
‫الت ّ‬
‫أن يذهبوا بعقول الخلق في هذه األودية؛ حتى ال تقوم قائمة بالدين‬
‫وحتى يرضوا شياطينهم شياطين اإلنس والجن‪.‬‬
‫فنحن وظيفتنا عظيمة في إيقاظهم كلما غفلوا‪ ،‬وفي تنبيههم كلما مالوا‪،‬‬
‫وفي املحافظة على عقولهم كلما جاءوا بفكرة فاسدة‪.‬‬
‫ال بد من الحوار‪ ،‬والحوار‪ ،‬والحوار‬
‫والصبر‪ ،‬والصبر‪ ،‬والصبر؛‬

‫‪15‬‬
‫ألجل أن نسمع ويسمعونا‪ ،‬ويتكلمون ونكلمهم ونحن صادقين في‬
‫كالمنا‪ ،‬راغبين في مرضاة ربنا‪ ،‬نريد النجاة لنا ولهم‪ ،‬ولن يخذلنا رب‬
‫العاملين‪.‬‬
‫أكرر عليكم‪ :‬أن حفظ وعينا ووعي أبناءنا مسؤوليتنا‪.‬‬
‫َ‬
‫تسمعون في الحاالت امل َرضية أنهم يقولون‪ :‬هذا اإلنسان فقد وعيه‪،‬‬
‫وما أن يفقد وعيه إال يجتمع عليه املمارسين الصحيين ويبذلون‬
‫جهودهم في إعادة الوعي له‪ ،‬من هنا أجهزة ومن هنا إسعاف‪ ..‬من أجل‬
‫أن يعيدوا الوعي له‪ ،‬وأكثر ش يء يخافونه أن يفقد وعيه‪ ،‬نعم صحيح‬
‫فقدان الوعي هذا بداية الخطر ثم هللا أعلم ماذا يحصل له‪ ،‬وهناك‬
‫عند األطباء مقاييس لفقدان الوعي والغيبوبة‪ ،‬مقاييس يتكلمون عنها‬
‫أن هذا ش يء عميق‪ ،‬أو هذا ش يء سطحي‪ ،‬هذه غيبوبة عميقة وهذه‬
‫كذا‪ ،‬نعم هذا حق‪.‬‬
‫ومثله وأعظم منه أن تفقد الروح وعيها!‬
‫من أعظم االبتالءات أن تفقد الروح وعيها‬
‫ً‬
‫وخصوصا املربي لو فقد وعيه ‪-‬هللا املستعان‪!-‬‬
‫ولذلك ال بد من معرفة‪:‬‬
‫َ‬
‫مربي غير واعي = يعني جيل ُمغ َّيب‬

‫‪16‬‬
‫كيف ملن وعاؤه فارغ أن يمأل وعاء غيره؟!‬
‫لذلك أول التربية أن نمأل وعاءنا بالحق‪.‬‬
‫ولذا ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬سيكون في جرعة وعي للمربين برنامج مستمر في‬
‫تعليم أسماء هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬وصفاته؛ لكي نعي هذا الحق وننقله للخلق‪،‬‬
‫ننقله ملن وراءنا‪ ،‬ننقله ألبنائنا‪- .‬بإذن هللا‪ -‬يبارك لنا وتكون هذه الجرعة‬
‫‪-‬جرعة الوعي للمربين‪ -‬سبب إلرشادهم ماذا يقولون ألبنائهم؟ كيف‬
‫ّ‬
‫يعرفونهم بربهم؟ كيف يستفيدوا من املواقف في تعليمهم عن هللا وفي‬
‫بيان الحق لهم‪.‬‬
‫أبناءنا مستعدين يريدون أن يعرفوا هللا‪ ،‬ويريدون أن يعرفوا كيف‬
‫يتعاملوا معه‪ ،‬ويريدون أن ّ‬
‫يفسروا الحياة التي تدور حولهم‪.‬‬
‫فإذا كان عند املعلمين اللغة التي ُي ّ‬
‫فهموا بها األبناء كيف هذه الحياة؟‬
‫كيف هذه األقدار؟ ما تفسيرها ما معناها؟ إذا حصل هذا ّ‬
‫فإن الجيل‬
‫عنا شر الغفلة – نسأل هللا أن‬ ‫سيستيقظ‪ ،‬وستنصرف‪-‬بإذن هللا‪ّ -‬‬
‫ُ‬
‫يصرف عنا كل شر‪ ،-‬الغفلة عن الوظيفة التي خلقنا من أجلها وهي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫معرفة هللا‪ ،‬هذه الوظيفة التي خلقنا من أجلها خ ِّلقنا لنعرف هللا‪ ،‬فال‬
‫ً ّ ّ‬
‫يؤهلنا ملا نلقاه‪،‬‬ ‫بد أن نجتهد في هذه املعرفة‪ ،‬ال بد أن نفهم عن هللا فهما‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫يؤهلنا في قبرنا ملا نسأل من ربك؟ أن نجيب‪ ،‬وملا نلقى ربنا نكو من القوم‬
‫العارفين به‪ ،‬فإن في يوم القيامة مشهد عظيم يحضره الخلق‪ ،‬يلقون‬

‫‪17‬‬
‫ربهم ما بينه وبينهم ترجمان‪ ،‬يكلمهم ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يخاطبهم‬
‫ويخاطبونه‪ ،‬فكيف بنا في ذاك اليوم!‬
‫وقد ورد في الحديث في كتاب التوحيد البن خزيمة‪:‬‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َ َل َّ ْ َ‬
‫هل ت َم ُارو َن في‬ ‫الق َي َام ِّة؟ قال‪:‬‬ ‫َ َ َ‬
‫هل ن َرى َرَّبنا يوم ِّ‬ ‫َّللا‬
‫اس قالوا‪ :‬يا رسو ِّ‬ ‫الن َ‬ ‫أن َّ‬ ‫" َّ‬
‫هل ُت َم ُارونَ‬ ‫قال‪َ :‬ف ْ‬‫َّللا‪َ ،‬‬ ‫َ َل َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََْ َ‬
‫القم ِّر ليلة البد ِّر ليس دونه سحاب؟ قالوا‪ :‬ال يا رسو ِّ‬
‫َ‬
‫ذلك‪ُ ،‬ي ْحش ُر‬ ‫فإن ُك ْم َت َر ْو َن ُه َك َ‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫اب؟ قالوا‪َ :‬ال‪َ ،‬‬ ‫ليس ُد َون َها َس َح ٌ‬ ‫الش ْمس َ‬ ‫في َّ‬
‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُ ُ ً َ ْ َّ‬ ‫َّ‬
‫شيئا فل َيت ِّب ْع‪ ،‬ف ِّم ْن ُه ْم َمن َيت ِّب ُع‬ ‫فيقو ُل‪َ :‬من كان يعبد‬ ‫وم الق َي َامة‪َ ،‬‬
‫ِّ ِّ‬
‫اس َي َ‬ ‫الن ُ‬
‫ُ َّ ُ‬ ‫َّ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َّ ُ َّ َ َ َ ْ َ‬
‫هذه األمة‬ ‫اغيت‪ ،‬وتبقى ِّ‬ ‫ومنهم من يت ِّبع الطو ِّ‬ ‫ومنهم من يت ِّبع القمر‪ِّ ،‬‬ ‫الشمس‪ِّ ،‬‬
‫حتى َي ْأت َيناَ‬ ‫فيقولو َن هذا َم َك ُان َنا َّ‬ ‫فيقو ُل‪َ :‬أنا َرُّب ُك ْم‪َ ،‬‬ ‫وها‪َ ،‬ف َي ْأتيه ُم َّ ُ‬
‫َّللا َ‬ ‫ف َيها ُم َناف ُق َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ْ‬ ‫فيقو ُل‪َ :‬أنا َرُّب ُك ْم‪َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫َرُّب َنا‪َ ،‬فإ َذا َج َاء َرُّب َنا َع َر ْف َن ُاه‪َ ،‬ف َيأتيه ُم َّ ُ‬
‫فيقولون‪ :‬أن َت َرُّب َنا"‪.‬‬ ‫َّللا َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫"فإذا جاء ربنا عرفناه" سبحان هللا!‬
‫معنى الحديث‪َّ :‬أن النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يخبرنا أن يوم القيامة‬
‫كل أمة تتبع ما عبدت فيقول هللا لهم‪ :‬من كان يتبع ش يء فليتبع ما كان‬
‫يعبده‪ ،‬فكما هو واضح في الحديث فيتبع من عبد الشمس الشمس‪،‬‬
‫ومن عبد القمر‪ ،‬ومن عبد الطواغيت‪ ،‬وكل رأس الضالل يتبعونه‪ ،‬كل‬
‫ما ُعبد من دون هللا وهو راض سيتبعونه‪ ،‬وتبقى األمة املحمدية فيها‬
‫منافقوها‪ ،‬وهذا واضح حيث ّأن املنافقين يستترون بها يومئذ كما كانوا‬
‫في الدنيا يعني‪ :‬يستترون داخل املؤمنين‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ملا يأتي ربنا لهم أول األمر فيأتيهم هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬وإتيانه ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬يكون على صفة تليق بذاته‪" ،‬في غير صفته التي يعرفونها"؛‬
‫ً‬
‫امتحانا منه ليقع التمييز بينهم وبين غيرهم ممن يعبد غيره تعالى‪ .‬فيقول‪:‬‬
‫"أنا ربكم" فيستعيذون باهلل منه؛ ألنه لم يظهر لهم بالصفات التي‬
‫يعرفوها بل بما استأثر بعلمه تعالى‪ ،‬وألن معهم منافقين ال يستحقون‬
‫الرؤية وهم ممنوعون من رؤية هللا‪ ،‬فأهل اإليمان يقولون‪ :‬هذا مكاننا‬
‫ا‬
‫متجليا‬ ‫حتى يظهر ربنا فإذا ظهر الرب هنا عرفناه فيظهر هللا عز وجل‬
‫بصفاته املعروفة عندهم وقد تميز املؤمن من املنافق‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬أنا‬
‫ربكم فإذا رأوا ذلك عرفوه ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بهذه الصفات‪ ،‬ويقولون‬
‫ضرب الصراط بين ظهراني جهنم‪ ،‬أي في‬ ‫أنت ربنا "فيدعوهم ربهم‪ُ ،‬وي َ‬
‫وسطها وتحصل بقية األحداث املعلومة ‪-‬نسأل هللا عز وجل أن ينجينا‬
‫ً‬
‫جميعا‪. -‬‬
‫فاملقصود‪ :‬أن العلم باهلل هو وظيفتنا‪ّ ،‬‬
‫وأن هذا العلم ينفعنا في الدنيا‬
‫ُ‬
‫فنعيش ونقوم بوظيفتنا‪ ،‬وينفعنا في قبرنا فنسأل من ربنا؟ وملا نلقاه‬
‫سنمتحن في معرفته‪ ،‬أهل اإليمان ملا يروا ربنا بصفات ال يعرفوها مما‬
‫استأثر بها ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ال يعرفونه‪ ،‬فيظهر لهم ربنا بما يعرفونه من‬
‫صفات فيقولون‪ :‬أنت ربنا ‪ ...‬سبحان ربنا العظيم!‬

‫‪19‬‬
‫كيف جعل هذه الوظيفة هي وظيفتنا وهي التي تنفعنا في الدنيا وفي‬
‫ُّ‬
‫فلنع هذا وليكون دورنا التعلم عن هللا أسمائه‬‫قبرنا ويوم القيامة؛ ِّ‬
‫وصفاته وأفعاله‪ ،‬ولنقوم بوظيفتنا في نقل هذا الوعي ألبنائنا‪.‬‬
‫‪-‬بإذن هللا‪ -‬سيكون في جرعة وعي كل أسبوع إلى أن يشاء هللا‪ ،‬نسمع‬
‫ُ ّ‬
‫عن أسماء هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬وصفاته‪ ،‬ونتعلم ما يجب أن نعلمه ملن وراءنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نسأل هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬أن يعيننا ويبارك لنا ويجعله عمال مقبوال‪ ،‬اللهم‬
‫ارزقنا اإلخالص في القول والعمل! اللهم آمين‪.‬‬
‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪20‬‬

You might also like