You are on page 1of 156

‫ول ـ ـ ـ ـي ـ ــام العـ ـ ـ ـ ــوطـ ـ ــة‬

‫الرغبة والسياسة في فلسفة جيل دولوز‬


‫مدخل‬

‫‪2017‬‬

‫‪ - williamouta@gmail.com‬وليام العوطة‬
‫الرغبة والسياسة في فلسفة جيل دولوز‬
‫اسم املؤلف‪ :‬وليام العوطة‬
‫لبنان‬
‫‪williamouta@gmail.com‬‬
‫‪0096171256968‬‬
‫سنة النشر‪7102‬‬
‫من دون دارنشر‬

‫( ُيمكن نسخ واقتباس أي من مضامين هذا الكتاب بشرط ذكراسم املؤلف)‬

‫‪1‬‬
‫فهرس املحتويات‬

‫مقدمة‬

‫القسم ألاول‪ :‬آلوية الرغبة وسياساتها‬


‫تمهيد‬

‫الفصل الاول‪ :‬الرغبة آلة وإنتاج‬


‫ا‬
‫أول‪ :‬الرغبة كآلة‬
‫‪ -0‬النظرية آلالوية للرغبة‬
‫‪ -7‬الانتاج الراغب وتآليفه‬
‫‪ -3‬الجسد بال أعضاء‬
‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬التاريخ الكوني للقمع‬
‫‪ -0‬آلالة البدائية الاقليمية وتشفيرالرغبة‬
‫‪ -7‬آلالة البربرية والتشفيراملضاعف‬
‫‪ -3‬آلالة الرأسمالية وأكسيوماتية الرغبة‬

‫ّ‬
‫الفصامي بمواجهة أوديب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫ا‬
‫أول‪ :‬نقد التحليل النفس ي‬
‫‪ -0‬الرغبة كنقص والتذويت‬
‫‪ -7‬مسرحة الالوعي وامبريالية اوديب‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬التحليل النفس ي وتشكل امللفوظات‬
‫ّ‬
‫الفصامي‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬التحليل‬
‫‪ -0‬الانتاج الراغب وتآليف الالوعي‬
‫ّ‬
‫الفصامي‬ ‫‪ -7‬مهمات التحليل‬

‫‪2‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬السياسة الدولوزية‬

‫تمهيد‬
‫ّ‬
‫الفصل ألاول‪ :‬في الدولة والفاشية والتحكم‬

‫ا‬
‫أول‪ :‬الدولة‬
‫‪ -0‬الدولة الشكل‬
‫‪ -7‬سيادة الدولة وأجهزة الاستيالء‬
‫‪ -3‬الدولة وصورة الفكر‬
‫‪ -4‬آلة الحرب‬

‫ّ‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬مجتمع التحكم‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬الفاشية الجزيئية‬

‫املحايثة وثورة الهروب‬


‫ِ‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬اليوتوبيا‬

‫ا‬
‫أول‪ :‬الصيرورة اليوتوبية والحدث‬
‫‪ -0‬نقد اليوتوبيا املتعالية‬
‫‪ -7‬الصيرورة والحدث‬
‫‪ -3‬الحدث والراهن‬

‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬الاقتالع الاقليمي وخط الهروب‬
‫‪ -0‬الاقلمة والاقتالع الاقليمي‬
‫‪ -7‬خط الهروب‬
‫ا‬
‫‪ -3‬ثالثا‪:‬النومادولوجيا الثورية‬
‫‪ -4‬السياسات الصغرى‬
‫‪ -5‬الفلسفة وآلة الحرب البدوية‬
‫‪ -6‬اليسارواملقاومة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫خاتمة‬

‫ملحق‪ :‬بيوغرافيا دولوز وغاتاري‬


‫معجم املصطلحات‬
‫لئحة املصادرواملراجع‬

‫‪4‬‬
‫املقدمة‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫ُيشك ُل املشروع الفلسفي لجيل دولوز ‪ ) 0225–0275( 0 Gilles Deleuze‬منعطفا في الفلسفة‬
‫ا‬
‫وتمي ازا‪ ،‬أم من حيث‬
‫تعريفا ودو ارا ّ‬ ‫املعاصرة أكان ذلك من حيث الرؤية الجديدة التي طرحها للفلسفة‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫اللغة املبتكرة وألافاهيم املتكثرة التي أتى بها عبر حفرياته في أراض ي الادب والسينما والفنون والسياسة‬
‫سفره "البدو ّي" في نصوص‬ ‫أوعبر َ‬ ‫َ‬ ‫والتحليل النفس ّي والجغرافيا وألالسنية والتاريخ والبيولوجيا‪،‬‬
‫ا‬ ‫الفالسفة وألادباء ا‬
‫بدءا من أسالف سقراط وصول الى معاصره فوكو مرو ارا بأفالطون وسبينوزا‬
‫ونيتشه وبرغسون وماركس وكافكا وبروست غيرهم‪ .‬وبقدر ما تبدو قراءة فلسفة دولوز صعبة بقدر ما‬
‫تجنبها‪ ،‬فالفلسفة مع دولوز تخوض ا‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫حربا ل هوادة فيها ضد الهشاشة والحماقة‬ ‫هي ضرورة يصعب‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫والدغمائية والعدمية‪ ،‬وتقف بمواجهة الاستالب وسلطان القمع واملراقبة والتحكم؛ انها والحال هذه‬
‫حياة جديدة‪ّ ،‬انها الفلسفة‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫املستقل عن العلوم والفنون دورا في إبداع أساليب ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تلعب من موقعها‬
‫املتحررة من قيود القراءة الكالسيكية للتاريخ الفلسفي ومن سجون الهيمنة العلموية‪ ،‬وهي الفلسفة‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫بإعتبارها "الصيرورة ثوريا" التي تحمل في متنها مغزاها السياس ّي متحالفة مع قوى العصر ِ‬
‫املبدعة؛‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫إبداعا لألفاهيم وصيرورة ثورية ل ُيمكن للفلسفة ان تنتهي‪ ،‬كما أن كل الدعوات الى إنهائها‬ ‫وبإعتبارها‬
‫عالم ل يني ينتج‬
‫تبدو متهافتة‪ ،‬إذ ل حدود إلبداع ألافاهيم ول توقف لصيرورة الثورة وفعل املقاومة في ٍ‬
‫إلاستالب والقمع‪.‬‬
‫يتمحور موضوع هذا الكتاب حول الرغبة والسياسة عند دولوز‪ .‬وقد اخترنا هذا العنوان ا‬
‫نظرا لكون‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدولوزي ل ينفصل عن بحثه في أفهوم‪ ‬الرغبة‪ ،‬كما أن التفسير الجديد الذي منحه‬ ‫القول السياس ّي‬
‫له ل ينفصل عن موضوعات السلطة والرأسمالية والثورة ومجتمع املراقبة وهي عناوين بارزة في‬
‫ا‬
‫الخطاب الدولوزي السياس ّي‪ .‬لم تعد الرغبة مع دولوز محصورة في سجن العائلة وفي إلاحالة الى‬
‫إمتدت لتصل الى ّ‬ ‫ّ‬
‫الحيز إلاجتماعي والسياس ّي والى إقتصاديات السوق‪ ،‬ولم‬ ‫أوديب كما مع فرويد بل‬
‫ا‬ ‫ُ‬
‫إنتاج" ل تتوقف عن‬ ‫ٍ‬ ‫آلة‬ ‫"‬ ‫أصبحت‬ ‫بل‬ ‫اللذة‪،‬‬ ‫تحقق‬ ‫عند‬ ‫وتنتهي‬ ‫إشباعه‬ ‫يجب‬ ‫ا‬‫نقص‬ ‫الرغبة‬ ‫تعد‬
‫ّ‬
‫سم خط هروبها من آليات السلطة والتحكم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫التدفق والسيالن‪ ،‬محاولة ر َ‬ ‫ّ‬
‫وألنها كذلك فهي تهدد مجمل‬
‫الرغبة أو الى "إستثمارها"‬ ‫كسر‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫البنية القمعية القائمة التي تسعى‪ ،‬عبر التحليل النفس ي‪ ،‬ل ِ‬

‫نجد في امللحق نبذة عن حياة دولوز وأخرى عن صديقه ومشاركه في تأليف أهم كتبه فليكس غاتاري‪ ،‬مع تفاصيل لقائهما وعملهما املشترك‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬ألافهوم ترجمة ‪ Concept‬الفرنسية‪ .‬وقد ّ‬
‫تصو ًرا ‪ représentation‬معطى وال فكرة عامة‬
‫بدال من "مفهوم"‪ ،‬بإعتبار أن ألافهوم ليس ّ‬ ‫فضلنا هذه الترجمة‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫نحصل عليها بالتجريد أو التعميم‪ ،‬بل أنه فرادة نسبة الى ّ‬
‫مكوناته والى املسطح الذي ينشأ عليه وإلى املسألة التي يجيب عنها من حيث مسألة تعنى بشؤون‬
‫الفكر بما هو كذلك‪ .‬أما املفهوم فهو ترجمة لكلمة ‪ compréhension‬الفرنسية املقابلة في املنطق للماصدق ‪.extension‬‬
‫‪5‬‬
‫و"تشفيرها‪ ،"7‬بما يخدم ديمومة هذه البنية بسلطتها ودولتها وسوقها الرأسمالي‪ .‬إن خطوط الهرب‬
‫ّ‬
‫املتصل باملمارسة السياسية املضادة‬ ‫والدفوق الرغبوية "الثورية" هي التي تحيل الى الطرح الدولوزي‬
‫ملجتمع الرقابة والقمع‪ .‬ونقد التحليل النفس ي وجذره الفرويدي يتشابك مع نقد فكرة الدولة و"الدولة‬
‫وأن تجديد أفهوم الرغبة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتصل بتجديد‬ ‫في الفكر" واملجتمع املعاصر القائم على التحكم‪ ،‬كما‬
‫ّ‬
‫التصورات النظرية السياسية حول الفاشية والثورة واليسار‪.‬‬

‫ّ‬
‫سياق تشكل فلسفة دولوز‬
‫َ‬
‫سياق مواجهة وحوار ُمبتكرين مع فلسفات أخرى هيمنت على الساحة‬ ‫ِ‬ ‫أتت فلسفة جيل دولوز في‬
‫ا‬ ‫متنوعي املشا ب والاتجاهات‪ ،‬ولم تكن ا‬ ‫الفكرية الفرنسية والعاملية ومع فالسفة ّ‬
‫ابدا خارجة عن‬ ‫ر‬
‫وس َمت القرن العشرين منذ نهاية الحرب‬ ‫سيرورات ألاحداث السياسية والاجتماعية الكبرى التي َ‬
‫العاملية الثانية‪ ،‬كما ان هذه الفلسفة جاورت قضايا املنطق والعلوم الطبيعية والرياضيات‪ ،‬ولم‬
‫ا‬
‫تبتعد عن ألادب والرواية والشعر واللسانيات والاقتصاد السياس ّي‪ ،‬كما السينما والفنون عامة ل بل‬
‫حتى عن فن الحروب‪ .‬وهكذا‪ ،‬بدا وكأن دولوز أراد إعادة الصورة الكالسيكية للفيلسوف ّالذي ّ‬
‫يشيد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫منظ ارا في كافة ميادين املعرفة وامليتافيزيقا واملجتمع‪.‬‬‫سيستامه وينطلق منه ِ‬
‫ولقد نمت فلسفة دولوز في الاختالف بمجابهة تلك الرؤية التي تنظر الى العالم من جهة املعنى والتمثيل‬
‫محكوما بالخطأ القائم على التمثيل غير القادر‬ ‫ا‬ ‫‪ ،représentation‬حيث ان تاريخ الفلسفة كان‬
‫ّ‬
‫بطبيعته على استيعاب املختلف‪ ،‬بإعتبار انه ل يعمل الا وفق مبدأ الهوية الفارغ‪ .‬وقد "تحدى دولوز‬
‫ا‬
‫مصرا على ان املعاني أو‬ ‫الايمان املهيمن بأننا نعرف ونختبر عاملنا عبر ُبنى مفروضة من التمثيل‪،‬‬
‫ثقافيا‪ ،‬بل علينا ان نستشعر قوى الرغبة التي تنتج‬ ‫ا‬ ‫التمثيالت التي نحوزها ليست إعتباطية ونسبية‬
‫كل تلك التمثيالت"‪ .3‬فليست "الجواهر" ‪ essences‬هي التي تكمن خلف تمثيالتنا‪ ،‬بل انها القوى التي‬
‫ا‬
‫تجعل من كل تفكيرأو تمثيل ممكنا‪.‬‬
‫يجابه دولوز السيستامات الفلسفية ألافالطونية الطابع‪ ،‬والتي تسجن ألافاهيم والفكر في قوالب‬
‫املاهية والجواهر والهوهو واملشابه واملماثل‪ ،‬ويحاول ان يرصد لعبة الاختالف والتكرار التي تعمل من‬
‫ّ‬ ‫وراء ّ‬
‫للمشابه وللهوهو‪ ،‬وينحاز الى خط نيتشه في رفضه للسيستام الهيغلي املغلق‪ ،‬الذي‬ ‫ِ‬ ‫كل حجاب‬
‫ّ‬ ‫يحول الفلسفة الى علمان ‪ savoir‬مطلق‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬
‫يشيد سيستامه املفتوح الذي هو مجموعة من ألافاهيم‪،‬‬
‫مستقر‪ ،‬ل يميل الى الثبات بل ينتقل من مستوى الى آخر و" ينسب الافاهيم‬ ‫ّ‬ ‫وهو سيستام ّ‬
‫متدرج‪،‬غير‬

‫أو تكويد ‪ ،Codage‬وفي ترجمة أخرى "تسنين" مصدر ُس ّنة‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫‪Colebrook. Claire, Understanding Deleuze, Allen & Unwin, first edition 2002, p xxxi.‬‬
‫‪6‬‬
‫الى ظروف وليس الى ماهيات [وهذه] ألافاهيم ليست عموميات في هواء الزمان‪ .‬على العكس‪ ،‬انها‬
‫حالة من الصيرورة ‪Devenir‬‬ ‫ٍ‬ ‫فلسفة في‬
‫ٍ‬ ‫فرادات تنتفض على دفوق الفكر العادية"‪ ،4‬ما يحيل الى‬
‫ا‬
‫الدائمة‪ .‬وهذه ألافاهيم على عكس ما يعتقد كانط‪ ،‬وكما يعتقد دولوز‪ ،‬ليست ُمعطاة جاهزة‪ ،‬بل يتم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محايثة‪ ،‬وهي ليست البتة قبلية بقدرما ترتبط بتلك املسائل التي تشكل‬ ‫ٍ‬ ‫ابداعها فوق ما اسماه مسطح‬
‫ا‬
‫شرطا إلبداعها وبنائها‪.‬‬
‫ّ‬
‫يعتقد دولوز أنه علينا البحث عن الشروط ألاصلية للتجربة الحقة‪ ،‬وأن نفترض مبدأ إلاختالف؛‬
‫كمبدإ لإلختالف‪ ،‬وللقوى إلاثباتية الايجابية‬ ‫ويستعين في ذلك بجينيالوجيا‪ ‬نيتشه وبإرادة ّ‬
‫القوة‬
‫ٍ‬
‫إلاختالفية‪ .‬وقد سمح ذلك لدولوز بمعالجة الذات (أو ألانا) من دون مصطلحات كالسيكية تفترض‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫مسبقا الذات كوحدة‪ ،‬أو بإعتبارها موجودة مسبقا وعنها تنتج التمثالت‪ ،‬كما في الكوجيتو الديكارتي‪،‬‬
‫متصدعة ومتشققة تخترقها الاحداث‪ ،‬ول يمكن ر ّد الحرية اليها بل الى الرغبة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بل يرى ان هذه الذات‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫بذات محددة بل بمجال لشخص ي ول فردي‪ ،‬انه ما ّ‬
‫يسميه "جسدا بال اعضاء" ولحقا‬ ‫ٍ‬ ‫التي ل ترتبط ٍ‬
‫ّ‬
‫"مسطح املحايثة"‪.‬‬
‫يصنف نفسه بأنه فيلسوف كالسيكي‪ ،‬فإن كالسيكيته هذه تتصل ْ‬ ‫ّ‬
‫بدي ِنه لفالسفة‬ ‫ودولوز اذ‬
‫ّ‬
‫كالسيكيين‪ ،‬وبالدرجة ألاولى ليبنتز (‪ )0206-0646‬واسبينوزا (‪ ،)0622-0637‬فهذا ألاخير يوفر لدولوز‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫التفرد‬ ‫"نمطا من ألاونطولوجيا املحايثة‪ ،‬في حين يمنحه ليبنتز طريقة في التفكير من خالل اشكاليات‬
‫‪ individuation‬ونظرية ألافكار"‪.5‬‬
‫قريبا منها حدد سبعة معايير‬ ‫تشكلت الفلسفة الدولوزية في مواجهة البنيوية‪ ،‬فهو ّالذي كان ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كما‬
‫املفرق والتفريق – السلسلي‪-‬الخانة‬ ‫للتعرف عليها‪( 6‬املعيار الرمزي – املوضعي –التفارقي والفريد – ّ‬ ‫ّ‬

‫‪4‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Pourparlers, Éditions de Minuit, Paris, 1990, pp 48-49‬‬
‫فلسفي في سياق تاريخانية القرن التاسع عشر‪ ،‬في حين ان البعض من الباحثين ّ‬
‫يردها الى ديفيد هيوم في‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬برزت الجينيالوجيا – أو علم النسب‪ -‬كأفهوم‬
‫تأمالته حول ألاصل النفس ي لألخالق في العادات وألاعراف الاجتماعية والتقاليد‪ .‬ومع نيتشه اصبحت ألاداة املعرفية التي ال تقف عند ّ‬
‫مجرد النقد التاريخي‬ ‫ّ‬
‫أو عند وصف ّ‬
‫تطور الفكر وألافاهيم‪ ،‬بل أصبحت بما هي عودة الى الوراء ال تهتم بالبحث في ألاصل ألاول املفرد الذي صدرت عنه املوجودات‪ ،‬باعتباره ما‬
‫ّ‬
‫نمطا من الوجود تتشكل منه ّ‬ ‫ً‬
‫هويتها الثابتة‪ ،‬بل في ألاصول العديدة التي ليست سوى حصيلة صر ِاع قوى ينتج عنه تفاضالت وتفاوتات وتراتبات‬ ‫يمنحها‬
‫َ‬
‫هويات ومعاني وقيم‪.‬‬
‫ُ‬
‫ملزيد من الاطالع على استخدامات نيتشه‪ ،‬فوكو ودولوز للجينيالوجيا‪ ،‬يمكن مراجعة البحث التالي‪:‬‬
‫‪Molina, Lino, Genealogy: Nietzsche, Deleuze and Foucault, the California Undergraduate Philosophy Review, vol. 1, pp. 55-67. Fresno,‬‬
‫‪CA: California State University, Fresno.‬‬
‫على املوقع الالكتروني‪:‬‬
‫‪http://www.fresnostate.edu/artshum/philosophy/documents/Molina-CUPR1-1.pdf.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Jones, Graham & Roffe, Jon, Deleuze’s philosophical lineage, Edinburgh University Press, first edition, 2009, p 45.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Metcalf ,Beth the univocity of Deleuze, Univocity and Structuralism (Part 2), downloaded from :‬‬
‫‪http://users.rcn.com/bmetcalf.ma.ultranet/Univocity%20and%20Structuralism%20(Part%202).htm‬‬
‫‪7‬‬
‫الفارغة‪ -‬و معيار الانتقال من الذات الى املمارسة) وهي معايير تنسجم الى هذا الحد او ذاك مع فلسفته‪،‬‬
‫ّ‬
‫بالخص في إلاختالف والتكرار؛ وهو وإن لم يصنف كفيلسوف بنيوي‪ ،‬الا انه استفاد من البنيوية رغم‬
‫انه يرى الى البنية كإفتراضية ‪ ،virtualité‬وليست مستوى من الدال واملدلول‪ ،‬ترى فقط امكانيات‬
‫ّ‬
‫مادية متشكلة من دون تمييز حقيقي‪" .‬ان بنيوية دولوز الجديدة‪ ،‬تنطلق من الجانب العكس ي‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬
‫تبدو الجزئيات كميات مكثفة (انها البنية كجسد بال اعضاء)‪ ،‬وليس معطاة‪ ،‬بل من خاللها ُيعطى‬
‫مفارق للذاكرة والفكر"‪.2‬‬ ‫املعطى في تمرين ِ‬
‫ان النقد الدولوزي للذات ل يمكن فصله عن سيرة فكره النقدي بشكل عام‪ .‬وان التجريبية التي‬
‫ّ‬
‫يعتمدها دولوز تمنح بكل بداهة الحيلة الاولى الجدية التي تسمح بالنزياح عن الذات ومن ثم تخطي‬
‫أمثلتها ‪ .idéalisation‬و "يكمن دور نيتشه‪ ،‬بحسب قراءة دولوز‪ ،‬في البرهنة ان الذاتوية‬
‫بناء‪ ،‬وان الذات هي تشذيب ‪édification‬‬ ‫‪subjectivité‬ل تنتمي الى الذات كما هي‪ ،‬بل انها ليست سوى ا‬
‫ّ‬
‫وطغياني" ‪.‬‬ ‫اعتباطي ل بل استبدادي‬
‫ّ‬ ‫ومع دولوز‪ ،‬لم تعد الشجرة صورة الفكر (كما عند ديكارت)‪ ،‬بل ّ‬
‫حل محلها الجذمور ‪ ،Rhizome‬الذي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يشير الى الابتعاد والتخلص من امليل الذي لطاملا سيطر على الفكر الغربي املولع بالوصول الى الغايات‬
‫والبحث في البدايات (كما عند هايدغر) والغارق في الثنائيات‪ .‬الجذمور يكون في الوسط‪ ،‬أو هو ل يبدأ‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫ول ينتهي‪ ،‬ويشكل "تحالفا‪ ،‬باملصاهرة فقط‪[ .‬وبينما] تفرض الشجرة صورة الكون‪ ،‬يكون نسيج‬
‫الجذمور هو الربط ‘‘و‪...‬و‪...‬و‪...‬و‪...‬و‘‘"‪ 2‬ويحقق ستة شروط رئيسية في الفكر (الوصل‪ ،‬التنافر‬
‫امللون) تجعل من الفكر دينامية قادرة على‬ ‫والتعددية‪ ،‬الانقطاع الالدال‪ ،‬رسم الخرائط‪ ،‬النقل ّ‬
‫ّ‬ ‫والتكثر‪ .‬ويستخدم الجذمور "انظمة عالمات مختلفة ا‬ ‫ّ‬
‫جدا‪ ،‬وحتى حالت من‬ ‫التوليد والخلق املستمر‬
‫الال‪-‬عالمات"‪ 01‬على عكس الشجرة التي تحيل ا‬
‫دوما الى أنظمة عالمات متماثلة‪.‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫تعلق بها عبر القراءة املبتكرة التي ّ‬ ‫ّ‬
‫قدمها وصول إلى‬ ‫نتتبع مسار دولوز في معالجته ألفهوم الرغبة وما‬
‫ّ‬
‫تصوره لالوعي‬ ‫كنقص ينتهي لحظة إلاشباع وفي‬ ‫تصوره للرغبة‬ ‫ّ‬ ‫القطيعة التي أقامها مع فرويد في‬
‫ٍ‬
‫دائمة إلى عقدة أوديب والى ذكريات الطفولة‪ ،‬فيما جعل دولوز – مع صديقه‬ ‫ٍ‬ ‫إحالة‬
‫ٍ‬ ‫للكبت في‬
‫ِ‬ ‫كمسرح‬
‫ٍ‬
‫ا‬ ‫‪00‬‬
‫فليكس غاتاري )‪ - Pierre-Félix Guattari (1930-1992‬من الرغبة إنتاجا وإبتكر أفهوم "آلالة‬
‫لإلنتاج ل يقف عند حدود العائلة وعقدة أوديب بل يحيل‬ ‫ا‬
‫مسرحا‬ ‫الراغبة" ونظر الى الالوعي بإعتباره‬
‫ِ‬

‫‪7‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, et Guattari, Félix, Capitalisme et schizophrénie 2- Milles Plateaux, les éditions de Minuit, 1980, p36.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪Ibid. p 31.‬‬
‫لحق هذا الكتاب‪.‬‬ ‫نجد تفاصيل أوفر عن فليكس غاتاري في ُم َ‬

‫‪8‬‬
‫إلى املجتمع بمستوياته إلاقتصادية والسياسية‪ ،‬وإلى خبرات الفرد الحياتية اليومية‪ .‬وإن كان دولوز قد‬
‫إستثمر قراءته الخاصة لسبينوزا ولنيتشه كما لبرغسون في محاولة تجديد مفهوم الرغبة‪ ،‬فإنه مع‬
‫فرويد انتج ما يشبه القطيعة الابستيمولوجية (املعرفية)‪ ،‬ولم ينظر الى التحليل النفس ي بإعتباره‬
‫سدا ا‬
‫منيعا‬ ‫طريقة عالج بل وسيلة قمع "تتحالف" مع السلطة وآليات السوق الرأسمالي املعاصروتقف ا‬
‫محاولة للفرار وللتحرر الفردي وإلاجتماعي‪ ،‬وفي ذلك‪ ،‬يرفض دولوز مقولة "الذات" الفرودية‬ ‫ٍ‬ ‫أمام أي‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫لفصامي‪.03‬‬ ‫ويستبدلها بأفهوم "الجذمور"‪ ،07‬كما انه يبتكرطريقة جديدة أسماها التحليل ا‬
‫قدمها دولوز في النظرية السياسية‪،‬‬ ‫الجدة التي ّ‬
‫هذا من جهة‪ ،‬اما من جهة أخرى‪ ،‬فنسعى إلى إظهار ّ‬
‫ّ‬
‫حيث أن البحث في الرغبة قاد دولوز‪ -‬فيلسوف إلاختالف‪ -‬إلى البحث في الفكر السياس ّي وفي سياسة‬
‫ّ‬
‫الفكر‪ ،‬ويمكن القول هاهنا أن "ماركس إفتراض ي" كان يجول بين كتابات دولوز‪-‬الذي رأى نفسه "على‬
‫ّ‬
‫اليسار"‪ -‬في ما تعلق بتحليل ديناميات الرأسمالية في النسق الدولوزي حيث بدت الرأسمالية كنظام‬
‫ّ‬ ‫محايث يتجاوز ا‬
‫دائما حدوده الخاصة التي يرسم نهايتها الرأسمال نفسه‪ .‬إل أن "ماركس الدولوزي"‬
‫تم إستثمار ماركس ضد فرويد ولكن بعد تخليصه من شوائب‬ ‫يختلف عن "ماركس املاركس ي"‪ :‬لقد ّ‬
‫ّ‬
‫القراءة ألايديولوجية‪ ،‬ذلك ان دولوز لم ينظر الى الرغبة إل كبنية تحتية من جهة إلانتاج‪ ،‬بينما‬
‫ا‬
‫يعط أهمية قصوى ألفهوم الطبقة‬ ‫أصبحت العائلة والشخص آنتي‪-‬إنتاج (الجسد بال أعضاء)‪ ،‬ولم ِ‬
‫ومقولة الصراع الطبقي املاركسية‪ ،‬كما أن تأمالته حول الثورة تختلف عن منطلقات ماركس حول‬
‫يتحدث عن "السياسات الصغرى"‪ 04‬وعن ُس ُبل إلابداع الثوري في‬ ‫ّ‬ ‫دور البروليتاريا في ذلك‪ ،‬فدولوز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متواز مع معاصره ميشيل فوكو‬ ‫ٍ‬ ‫خط‬ ‫سياق تجديده لقراءة القيمة الفائضة ومجتمع التحكم ضمن ٍ‬
‫باألخص في الكالم عن السياسة الحيوية ‪ Biopolitique‬والفاشية‪.‬‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫نعتقد أن فلسفة دولوز محاولة مبتكرة في الفلسفة السياسية ترتبط بنقد التحليل النفس ي إنطالقا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إنتاج وبنية تحتية‪ ،‬وان هذه املحاولة أسست لقراءة جديدة تتعلق‬ ‫من أفهوم الرغبة بإعتبارها آلة ٍ‬
‫بالتحليل النفس ي وعالقته باإلقتصاد السياس ّي والدور الراهني والثوري للفلسفة بإعتبارها ا‬
‫نوعا من‬
‫إبداعا لألفاهيم‪ .‬كما نفترض أن فلسفة دولوز في‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫املتميزعدا عن كونها‬ ‫املمارسة السياسية من موقعها‬
‫ما يخص الرغبة والنظرية السياسية ترتبط بتقويضه لصورة الفكر التقليدية وتأسيسه لفلسفة‬
‫حية في ثنايا كتاباته حتى كتابه ألاخير "ما هي الفلسفة؟" مع‬ ‫جديدة هي فلسفة إلاختالف‪ ،‬استمرت ّ‬
‫صديقه غاتاري‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪Rhizome‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Schizo-analyse‬‬
‫‪14‬‬
‫‪Micropolitique‬‬
‫‪9‬‬
‫ّ‬
‫إعتمدنا في هذا البحث على الكتاب الذي أصدره جيل دولوز وفليكس غاتاري واملعنون بـ"الرأسمالية‬
‫ّ‬
‫والفصام"‪ 05‬بجزئيه "آنتي‪-‬أوديب"‪ 06‬الذي صدر عام ‪ ،0223‬و "ألف سطح"‪ 02‬الصادر عام ‪،02 1‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ترجما حتى اللحظة الى اللغة العربية‪ .‬والواقع أن جزئي الكتاب يتصالن ببعضهما‬ ‫والجزءان لم ي ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واحد رغم‬ ‫نهر ٍ‬
‫البعض رغم املسافة الزمنية التي تفصلهما‪ ،‬إل أن العنوانين الفرعين مجريان يصبان في ٍ‬
‫يميزهما‪ :‬فتحت عنوان "آنتي‪-‬أوديب" يجيب دولوز (وغاتاري) عن سؤال ما هو الالوعي بإعتباره ّ‬
‫آلي‬ ‫ما ّ‬
‫ا‬
‫‪ ،machinique‬ومن حيث كونه معمال لإلنتاج‪ ،‬اي إلنتاج آلالت الراغبة ‪.Machines désirantes‬‬
‫يخي‪ ،‬وهكذا‬ ‫ا‬
‫لواعيا لحقل إجتماعي تار ّ‬ ‫ويبحث الكتاب في الهذيان ‪ le délire‬من حيث كونه إستثما ارا‬
‫ٍ‬
‫ا‬ ‫ّ ّ‬ ‫ُ‬
‫صامي الذي ابتدعه دولوز (وغاتاري) تحليال لآللت الراغبة ولتلك إلاستثمارات‬ ‫يكون التحليل الف‬
‫نقدا "شديد‬ ‫يوجه دولوز (وغاتاري) ا‬ ‫إلاجتماعية التاريخية التي تقوم بها هذه آلالت‪ .‬وفي هذا الكتاب ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫اللهجة" الى فرويد عبر نقد عقدة أوديب‪ ،‬فأوديب ليس سوى خطأ أو خطيئة التحليل النفس ي الذي‬
‫ا‬ ‫صد قوى الالوعي املنتجة وسجنها في ّ‬ ‫يستمر في ّ‬
‫ُ‬
‫الحيز العائلي البحت معيقا فهم وتحرير السيرورة‬
‫الفصامية بإعتبارها صيرورة إبداعية وثورية‪.‬‬
‫وتحت عنوان "ألف سطح"‪ ،‬يضع دولوز (وغاتاري) تحت مطرقة النقد كل نظريات التواصل والعلوم‬
‫إلانسانية‪ ،‬وأسس البنيوية التحليلية واملاركسية‪ ،‬كونها تخضع الشرط إلانساني للسستمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متكسر متعثر من‬ ‫‪ .systématisation‬ويستبدل دولوز (وغاتاري) السيستام ‪ système‬الفلسفي بخط‬
‫يشكل املؤلفان ا‬‫ّ‬ ‫ا‬
‫سطوحا متزامنة ّ‬ ‫ّ‬
‫نوعا‬ ‫لكل منها إستقالليتها الخاصة‪ .‬وفي هذا الكتاب‬ ‫ألافاهيم تشكل‬
‫ا‬
‫من الابستيمولوجيا الجديدة تخلق تواصال بين كل الحقول املعرفية وتستجيب ألوضاع املعارف‬
‫بدءا من الكتابة الى الفن وألادب واملوسيقى‬ ‫ويهمنا في هذا الكتاب نقد دولوز ألنظمة املعاني ا‬ ‫الراهنة‪ّ .‬‬
‫وصول إلى الدولة التي تصبح مع دولوز آلة ّ‬ ‫ا‬
‫مجردة تقوم بوظيفة تشفير تدفقات الرغبة‪.‬‬ ‫والفلسفة‬
‫ويقطع دولوز مع املاركسية من حيث نفي الخط التصاعدي للتاريخ بإعتبارها ليست سوى ّ‬
‫تصو ارا‬
‫أيديولوجيا هشا داخل منظومة املعنى‪ ،‬كما ان الاحداث التاريخية بالنسبة الى دولوز (وغاتاري) ليست‬ ‫ا‬
‫تلك الضخمة والكبيرة بل تلك التي تتشكل عبر الاحداث الضئيلة وأن كل صيرورة هي صيرورة صغرى أو‬
‫أقلوية ‪ ،minoritaire‬واملسألة التاريخية املقترنة باألحداث الضئيلة تنشغل بكيفية استقطاب‬

‫ُيمكن القول عنه انه البيان الفلسفي لثورة أيار ‪ 691‬في فرنسا‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪Gilles Deleuze, Félix Guattari ,Capitalisme et schizophrénie 1 : L’Anti-Œdipe, Les Éditions de Minuit, 691 .‬‬
‫ً‬
‫مضادا" أو "الضد من أوديب"‪.‬‬ ‫ترجم ً‬
‫أحيانا "أوديب‬ ‫‪ُ ‬وي َ‬
‫‪  ‬وترجمه البعض بـ"ألف ربوة" أو "ألف هضبة"‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪Gilles Deleuze, Félix Guattari, Capitalisme et schizophrénie 2 : Mille plateaux, Les Éditions de Minuit, 1980.‬‬
‫‪10‬‬
‫ا‬
‫عدد ممكن‪ ،‬واكتساح أو غزو أكبر فضاء ممكن‪ ،‬وما يحدث فعليا في التاريخ هو‬
‫ألاغلبية‪ ،‬وحشد أكبر ٍ‬
‫من صنف الضئيل متناهي الصغر‪ ،‬فالضئيل املتناهي الصغر‪ ،‬هو الحدث الذي يمثل نزوع الصيرورة‬
‫املستقبلية‪ ،‬بامتياز‪ ،‬وما التاريخ سوى تاريخ ما يظل يسقط ول يصل‪ .‬ول يهتم املؤلفان‪ ،‬على الخالف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتحولت في الحقل إلاجتماعي التي تنشأ نتيجة خطوط الفرار أو الهروب ‪lignes de‬‬ ‫من ماركس‪ ،‬إل‬
‫‪ fuite‬املتصلة بعناصرالفن وألادب والسياسة ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الباب ألاول‪ :‬آلوية الرغبة وسياساتها‬

‫‪12‬‬
‫ليست إشكالية الرغبة بجديدة في الجدالات الفلسفية‪ ،‬فقد تحدث أفالطون كثيرا عن الرغبة‬
‫ا‬
‫خصوصا في الكتاب التاسع من " الجمهورية"‪ ،‬حيث رأى أن إلانسان كائن راغب؛ ذلك أن الرغبة‬
‫خاصية متجذرة وفطرية فيه‪ .‬غير أن هناك رغبات غير ضرورية يجب أن يتدخل العقل من أجل‬
‫اقتالعها أو تنظيمها والتقليل منها‪ ،‬وإلابقاء فقط على الرغبات ألافضل‪ .‬يرى افالطون ان الش يء‬
‫ّ‬ ‫موضوعا للرغبة هو الحقيقة‪ّ .‬‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كموضوع‬
‫ٍّ‬ ‫الحقيقة‬ ‫نحو‬ ‫هة‬ ‫املتوج‬ ‫الرغبة‬ ‫هذه‬ ‫ولكن‬ ‫ل‬ ‫يشك‬ ‫ذي‬ ‫ال‬ ‫الوحيد‬
‫لها‪ ،‬ل تشترك في ش يء مع تلك الرغبات التي تنشأ عن الصلة بين النفس والجسد‪ ،‬فهذه ألاخيرة تعطل‬
‫الا ا‬ ‫ّ‬
‫تعبيرا عن‬ ‫الفكر وبالتالي البحث املعرفي عن الحقيقة‪ .‬ان الرغبة عند صاحب الجمهورية ليست‬
‫ّ‬
‫نقص وغياب‪ :‬فنحن ل نرغب الا بالشياء التي نفتقدها أو تلك التي نحتاجها ‪.0‬‬ ‫ٍ‬
‫ا‬
‫ولحقا‪ ،‬في الفلسفة الحديثة‪ ،‬ظهرت معالجة هيغل ‪ )0 30 – 0221( Hegel‬ملقولة الرغبة‬
‫ّ‬
‫‪ ،Begierde‬للمرة الاولى‪ ،‬في مؤلفه الشهير فينومينولوجيا الروح‪ ،‬في معرض حديثه عن حقيقة الايقان‬
‫ّ‬
‫من الذات وعالقة ألانا بالرغبة‪ .‬وهذه ألاخيرة باملنظور الهيغلي‪ ،‬وحتى في شكلها البدائي ألاساس ّي‬
‫ا‬
‫للضرورة‪ ،‬تطلب الاشباع‪ .‬ويفهم هيغل الرغبة الانسانية الاكثر بدائية واساسية من حيث هي الشوق‬
‫الى حالة من الاكتمال‪ ،‬الاكتفاء الذاتي‪ ،‬والسكينة‪ ..‬كما ان الرغبة البشرية تسعى لتحقيق نوع من‬
‫ّ‬
‫الهيمنة على العالم الخارجي‪ ،‬والتحكم به كما الاتحاد معه؛ ومن هنا لنهائية مسار الرغبة من حيث‬
‫استحالة وصولها الى الاشباع والاكتفاء‪ .‬كما ان الوعي حسب تحليل هيجل فى فينومينولوجيا الروح‬
‫ا‬
‫يبدأ فى إدراك ذاته أول على أنها رغبة‪ ،‬ويبدأ فى الاتصال باآلخر من خالل هذه الرغبة‪ ،‬سواء رغبة‬
‫ّ‬
‫جنسية فى آلاخر أو رغبة فى آلاخر بهدف نيل الاعتراف منه فى جدل الاعتراف املتبادل‪ ،‬الا ان "ماهية‬
‫ُ‬
‫املوضوع‬ ‫الرغبة هي في واقع الامر ش ٌيء مغاير للوعي‪ -‬بالذات [الذي] ل يمكنه ان يبلغ الاشباع ما لم ِ‬
‫يأت‬
‫ّ‬
‫السلبي‪ ،‬فال بد أن‬ ‫ّ‬
‫الذاتي من تلقاء نفسه‪ ،‬لنه في ذاته‬ ‫َ‬
‫النفي‬ ‫النفي بنفسه‪ ،‬ول بد للموضوع ان ُي ّ‬
‫تم هذا‬ ‫َ‬
‫يكون لآلخر ما يكونه لنفسه"‪ . 02‬و لقد كتب ألكسندر كوجيف ‪ ،Kojève‬في مؤلفه مدخل لقراءة‬
‫هيجل ما مضمونه "إن وجود إلانسان ذاته‪ ،‬الوجود الواعي بذاته‪ ،‬يستلزم ويفترض الرغبة‪ ،‬بعبارة‬

‫‪18‬‬
‫‪Webster, David, the philosophy of desire in the Buddhist Pali Canon, edition published in the Taylor & Francis e-Library, 2005.pp 23-‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ 6‬هيغل‪ ،‬فنومينولوجيا الروح‪ ،‬ترجمة وتعليق د‪.‬ناجي العونلي‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬الطبعة الاولى‪ ،‬بيروت ‪ ، 009‬ص ‪9‬‬
‫‪ ‬آلكسندر كوجيف ‪ ،) 691 - 60 ( Alexandre Kojève‬فيلسوف هيغلي فرنس ي من أصل روس ّي‪ ،‬كانت له إسهاماته في تجديد الفلسفة الهيغيلية عبر‬
‫نظر إلى كوجيف على أنه أول من أدخل هيغل‪ّ ،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫وصلها باملاركسية من جهة‪ ،‬وبالوجودية كما ّ‬
‫جد ًيا‪ ،‬الى الفلسفة‬ ‫تبدت عند هايدغر من جهة أخرى‪ .‬ي‬
‫الفرنسية في النصف الاول من القرن العشرين‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫أخرى‪ ،‬لكي يكون هناك وعي بالذات ينبغي أن تكون هناك رغبة‪ ،‬ولكي تكون هناك رغبة ينبغي أن يكون‬
‫هنالك وعي بالذات‪ ،‬وبالتالي فالرغبة والوعي بالذات ما هما إل ش يء واحد"‪.71‬‬
‫يستعيد لكان‪ )02 0 -0210( Lacan ‬مقولة اسبينوزا حين ان الرغبة جوهر الكائن البشري‪ ،‬وهي‬
‫قيم‪،)...‬‬‫شخصا كان أو فضائل أو ُم ُثل أو َ‬
‫ا‬ ‫تتموضع في تلك "الفجوة" حيث تكون في البدء رغبة في آلاخر (‬
‫غامض‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كأمر مبهم‪،‬‬
‫وفي داخلها تضع الذات رغبتها الخاصة وانه " في الوجود البدئي للرغبة في آلاخر ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫التعرف على هذا‬ ‫التعرف ‪،reconnaissance‬‬ ‫تكون الذات بال مالذ"‪ ،‬وبالتالي تصبح الرغبة رغبة في‬
‫ّ‬ ‫آلاخر‪ ،‬وتكون ا‬
‫ايضا رغبة في ما نفترض ان آلاخر يرغب به‪ ،‬أي املوضوع الذي يفتقده هذا آلاخر‪ .‬ان‬
‫مما تتصل بالنقص‪ ،‬وهي لهذا السبب إجتماعية‬ ‫بالتعرف أكثر ّ‬
‫ّ‬ ‫مسألة الرغبة والحال هذه ّ‬
‫تتصل‬
‫ا ‪70‬‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫شخصيا بحتا‪.‬‬ ‫وليست شأنا‬
‫دوما (ليبيدو‪ ،)‬وتختلف‬ ‫حصرا‪ ،‬والرغبة الحقيقية لواعية وجنسية ا‬ ‫ا‬ ‫والرغبة بحسب لكان انسانية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫عن الحاجات البيولوجية‪ ،‬فخالفا للحاجة والتي يمكن إشباعها بشكل ّ‬
‫ونهائي‪ ،‬فإن الرغبة ل يمكن‬ ‫تام‬
‫أبدا‪ّ ،‬إنها تقوم بممارسة الضغط الدائم‪ ،‬إنها أبدية‪ .‬ل ّ‬ ‫ا‬ ‫أن ّ‬
‫يتم تحقيق الرغبة من طريق‬ ‫يتم إشباعها‬
‫ُ‬
‫ظهر‬‫"إنجازها"‪ ،‬وإنما من خالل أعادة إنتاجها من جديد بما هي كذلك‪ .‬وهي وإن كانت لواعية فإنها ت ِ‬
‫فائض من الرغبة ل يمكن‬ ‫ٌ‬ ‫نفسها في خيارات الشخص الكالمية‪ ،‬في زلت اللسان والاحالم‪ ،‬فهناك ا‬
‫دوما‬
‫عبر عنه بالكالم‪ .‬وان هذه الرغبة ل يمكن ازالتها أو اشباعها‪ ،‬فتتضمن ازاحة مستمرة للطاقة من‬ ‫أن ُي َّ‬
‫بحثا عن حقيقة رغبات الذات وليس ا‬ ‫ا‬
‫عالجا‬ ‫موضوع الى آخر‪ ،‬وهي لهذا السبب كناية‪ ،‬ويصبح التحليل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫للعوارض‪ .‬وهذه الحقيقة ل تكتشف بقدر ما تبنى في سيرورة ‪ processus‬التحليل الذي يسعى ألن‬
‫تكتشف الذات حقيقة رغباتها عبر الكالم‪ ،‬رغم ان هذه الذات حين تكتسب ملكة الكالم تخضع نفسها‬

‫‪20‬‬
‫‪Kojève, Alexandre, Introduction à la lecture de Hegel, Gallimard, 3ème éditions 1997, p 169‬‬

‫ّ‬
‫‪‬جان الكان ‪ ) 61 – 60 ( Jacques Lacan‬محلل نفس ّي فرنس ي‪ ،‬هو ّربما أشهر املحللين النفسيين بعد فرويد في القرن العشرين‪ .‬أعاد الكان مفهمة‬
‫دوسوسر ‪ ، Ferdinand de Saussure‬والبنيوية الانثروبولوجية وعلى النظريات املابعد بنيوية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫التحليل النفس ّي الفرويدي مست ِن ًدا على ألسنية فرديناند‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بينذاتي من‬ ‫شكل نظام‬
‫وقد أتاح ذلك لالكان بأن ينظر الى الالوعي على انه بنية خطاب يتوجه إلى آلاخر‪ ،‬مرآته اللغة التي تستخدم لكي تمثل الرغبة على ِ‬
‫ّ‬
‫تتصل بالتاريخ واملجتمع والثقافة‪.‬‬ ‫الترميز‪ ،‬وحيث يفيد الدال واملدلول تمثيالت نفسية‬
‫‪21‬‬
‫‪Lacan, Jacques, Écrits II, Éditions du seuil, Paris, 1999, pp169- 295.‬‬
‫لتحوالت النزوة الجنسية من حيث املوضوع‪ ،‬ومن حيث الهدف‪ ،‬كما من‬ ‫‪ ‬الليبيدو ‪ :Libido‬هو الطاقة الشهوانية التي افترض فرويد انها بمثابة اساس ّ‬
‫حيث مصدر الاثارة الجنسية‪ .‬وبإعتبار ان النزوة الجنسية‪ ،‬كما بدت عند فرويد‪ ،‬هي على الحدود بين الجسدي والنفس ي‪ ،‬يشير الليبيدو الى الجانب‬
‫النفس ي منها‪ ،‬وهو يظهر بمثابة طاقة هذه النزوة‪.‬‬
‫راجع‪:‬‬
‫البالنش‪ ،‬جان و بونتاليس‪ ،‬جان برتراند‪ ،‬معجم مصطلحات التحليل النفس ي‪ ،‬ترجمة د‪.‬مصطفى صفوان‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬الطبعة ألاولى‪،‬‬
‫بيروت ‪ ، 0‬ص ص ‪.90 -900-966‬‬
‫‪14‬‬
‫لنظام رمزي مسبق‪ ،‬وتخضع رغبتها الى الضغوط التي يفرضها هذا النظام‪ .77‬كما ان آلاخر يضمن‬
‫ّ‬
‫عدم امكانية تدمير الرغبة وذلك بإبقاء اهدافها في حالة من الهروب الدائم" وبالحالة الى املثلث‬
‫ّ‬
‫املشرع‬ ‫دائما بالخصاء‪ ،‬بعد ان اصبح‬ ‫ألاوديبي ّالذي يتبناه لكان‪ ،‬فان هذا آلاخر هو ألاب ّالذي يهدد ا‬
‫حرم رغبة الطفل بأمه (أو آلاخرالامومي) ‪.73‬‬ ‫الاول حين ّ‬
‫ّ‬
‫وعند سارتر ‪ ،)02 1-0215( J.P Sartre‬الرغبة الحقة هي "اضطرابات"‪ ،troubles 74‬والوعي الراغب‬
‫ّ‬ ‫اسلوبا ا‬‫ا‬ ‫ٌ‬ ‫هو ٌ‬
‫الفرد الذي يعي نفسه‬‫ِ‬ ‫فريدا لذاتية‬ ‫مضطرب‪ ،‬وحامل الرغبة هو "ألانا" فتكون الرغبة‬ ‫وعي‬
‫متعال‪ ،‬والرغبة ل تتوجه الى‬ ‫ٌ‬
‫موضوع‬ ‫على مستوى خاص من الوجود‪ .‬أما موضوع الرغبة‪ ،‬فهو‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫موقف"‪ ،‬فنحن "ل‬ ‫ٍ‬ ‫شكل كلي ضمن‬ ‫مجموعة من العناصر الفيزيولوجية املادية املنفصلة‪ ،‬بل الى " ٍ‬
‫نرغب في الجسد من حيث هو مجرد موضوع مادي‪ :‬املوضوع املادي املحض ل يوجد ضمن موقف"‪،75‬‬
‫مثيرا للرغبة‪ ،‬وهذه ل تصبح‬ ‫آخرا‪ ،‬ا‬‫جسدا ا‬ ‫ا‬ ‫ولهذا السبب يصبح هذا املوضوع ضمن موقف‪ ،‬وليكن‬
‫ٌ‬ ‫ا‬
‫آخر فقط‪ ،‬بل انها بالحرى كشف لجسدي الخاص‪ ،‬من حيث هو وقائعية محضة‪ ،‬انها‬ ‫لجسد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كشفا‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫موقف‬
‫ٍ‬ ‫شامل عضو ّي ضمن‬‫ٍ‬ ‫ككل‬ ‫ُ َ‬
‫"الوعي الذي يجعل نفسه جسدا‪ ،‬كي يمتلك جسد آلاخر الذي يدرك ٍ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫الخلفي"‪ .76‬وان كان حافز الرغبة ُيثارانطالقا من املاض ي‪ ،‬وان لم تكن الرغبة حدثا‬ ‫ّ‬ ‫يشكل الوعي عمقه‬
‫محكوم عليها بالفشل ألنها رغبة في الاخذ وفي الامتالك‪ ،‬وحين تتحقق اللذة التي هي‬ ‫ٌ‬ ‫ا‬
‫فيزيولوجيا‪ ،‬فإنها‬
‫التعرف‪ ،‬ومحاولة لتحقيق‬ ‫غاية الرغبة ونهايتها‪ .‬وهكذا‪ ،‬تبدو الرغبة بالنسبة لسارتر مسا ارا يتجه نحو ّ‬
‫موضوعا‪ ،‬اي‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬املرور من ألانا بذاته‬ ‫ا‬ ‫الوحدة بين ذاتية ألانا وفهم هذه ألانا لذاتها بإعتبارها‬
‫ّالذي هو ٌ‬
‫نقص في الوجود الى ألانا لذاته‪.‬‬
‫قدمها التحليل الكالسيكي النفس ي‬ ‫ويحاول دولوز (وغاتاري) ان يتخطى الرؤية السلبية للرغبة التي ّ‬
‫ّ‬
‫والفلسفي لها وهو الذي يحيل الى "أنا" مقابل موضوع تتجه اليه‪ ،‬وهذه ألانا ل تتحول الى ذات الا عبر‬
‫ا‬
‫هذا النقص ومن خالله‪ :‬نتحدث مثال عن الطفل أمام الثدي‪ :‬ان الطفل الذي اشبع رغبته ونال‬
‫حس بالختالف‪ ،‬وهذه الحالت لن تتحقق‬ ‫أي ّ‬ ‫طعامه‪ ،‬ل يملك أي احساس بذاته أو شعور بالعالم او ّ‬
‫عما ترغب به‬ ‫سوى بالرجوع الى حالة الحرمان‪ ،‬اي عبر وجود آلاخر‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فعبر تمايزها وتفاضلها ّ‬
‫دوما بحالت‬ ‫فقط بإمكان هذه الـ"أنا" أن تبزغ‪ ،‬وهذه السيرورة تستمر طيلة حياتنا‪ ،‬فنحن نرغب ا‬

‫‪.‬‬ ‫ستروك‪ ،‬جون‪ ،‬البنوية وما بعدها‪ ،‬ترجمة د‪ .‬دمحم عصفور‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬شبا ‪ ، 669‬العدد ‪ ، 09‬ص‬
‫‪23‬‬
‫‪What Does Lacan Say About Desire?, on the site:‬‬
‫‪http://www.lacanonline.com/index/2010/05/what-does-lacan-say-about-desire/‬‬

‫سارتر‪ ،‬جان بول‪ ،‬الكينونة والعدم‪ ،‬ترجمة د‪.‬نقوال املتيني‪ ،‬املنظمة العربية للرجمة‪ ،‬الطبعة الاولى‪ ،‬بيروت ‪ ، 006‬ص ‪. 01‬‬
‫املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫‪ 9‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪. 09‬‬
‫‪15‬‬
‫الامتالء والحضور التي في محاولتنا استعادتها تخسر ذواتنا وقد نواجه املوت‪ ،‬ذلك ان الرغبة ستحاول‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫دوما تخطي كل إختالف أو نقص وبالتالي ترسم نهايتها‪.72‬‬
‫ويقع كتاب آنتي‪-‬أوديب في مواجهة هذه القصة البائسة للرغبة املمتدة من افالطون الى فرويد ‪Freud‬‬
‫(‪ )0232 – 0 56‬والتحليل النفس ّي والتي صورت الرغبة‪ ،‬كما يحاجج دولوز‪ ،‬على انها ش ٌيء آخر غير‬
‫ّ‬ ‫تأمله من حيث كونها " ا‬ ‫الحياة‪ ،‬على انها ش يء يمكن ّ‬
‫صورا"‪ ،‬أو "تمثالت" ‪.7‬‬
‫ا‬ ‫تصورا ا‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫جدليا‬ ‫مثاليا‪،‬‬ ‫يعتقد دولوز اذا ان التقسيم الافالطوني بين الانتاح والاكتساب جعل من الرغبة‬
‫نقص في موضوع حقيقي‪ .‬وان قام كانط ‪ )0 14 -0272( Kant‬بما‬ ‫وعدميا‪ ،‬فهو ّالذي ّ‬
‫حولها الى‬ ‫ا‬
‫ٍ‬
‫عرفها بأنها امللكة التي تكون بفضل تصوراتها‬ ‫يعتقده دولوز على انه "ثورة نقدية في نظرية الرغبة حين ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫سببا في واقعية موضوعات هذه التصورات"‪ ،72‬الا ان كانط استعان لتوضيح تعريفه هذا باملعتقدات‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫مرتكزا‬ ‫الوسواسية والاستيهامات والهلوسات‪ ،‬جاعال املوضوع الحقيقي للرغبة يحدث بآليات خارجية‪،‬‬
‫نقصا ُين ِتج‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫الحقيقي‪ ،‬لتبدو حقيقتها الجوهرية‬ ‫كنقص في املوضوع‬‫ٍ‬ ‫على الفهم الكالسيكي للرغبة‬
‫حصرا فتجد تحققها فيها‪،‬‬ ‫ا‬ ‫املوضوع املستوهم‪ ،‬وتنتج الاستيهامات‪ ،‬فتبدو الرغبة مستندة الى الحاجات‬
‫وعلى اساس عالقتها بفقدان املوضوع‪.‬‬
‫وتبقى فلسفة الرغبة الدولوزية موالية لفلسفة اسبينوزا املحايثة ولنظريته في الاشعور ‪ ،affect‬ويبقى‬
‫"امير الفالسفة" الى جانب نيتشه ‪ )0211-0 44( Nietzsche‬وبرغسون ‪)0240 – 0 52( Bergson‬‬
‫نقيض للنقص‪ ،‬وحيثما ّ‬
‫يتم‬ ‫ٌ‬ ‫مؤثرا في فلسفة دولوز الحيوية‪ 31.‬ان الرغبة باملنظور السبينوزي‬ ‫لعبا ا‬‫ا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حقيقي أو وهمي‪ ،‬تبرز الرغبة باملعنى السبينوزي‬ ‫تمثل الرغبة كنقص يبحث عن امتالء واشباع‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫لكل كائن ّ‬‫(‪ )conatus‬على ّانها الجوهر الاثباتي ّ‬
‫افضا اي فكرة‬ ‫حي؛ وهذا ما سيتبناه دولوز صراحة ر‬ ‫ٍ‬

‫‪27‬‬
‫‪Colebrook Claire, Understanding Deleuze, Allen & Unwin, Australia, 2002, p 98.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪Ibid. P 99.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 34‬‬
‫‪30‬‬
‫‪De Bolle, Lee (editor), Deleuze and psychoanalysis, Leuven university press, first edition 2010, p 14.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬الكوناتوس ‪ conatus‬في املصطلح السبينوزي تشير بشكل عام الى القدرة أو الجهد الذي يسمح لكل كائن بأن يوجد ويفعل وبأن يحفظ وجوده‬
‫واستمرارية فعله‪ .‬انها بمعنى آخر قدرة إنتاجية وابداعية تمتلكها الرغبة كي يصبح بإمكانها أن ّ‬
‫تعبر عن نفسها عبر الفعل‪.‬‬
‫راجع مثال‪:‬‬
‫‪Delassus, Éric, Souffrance et jouissance dans la philosophie de Spinoza, Déc. 2011, Paris, France. <hal-00701250>, sur le site‬‬
‫‪électronique:‬‬
‫‪https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00701250‬‬

‫‪16‬‬
‫معتبرا انها ما يمكن أن َ‬
‫يوجد‬ ‫ا‬ ‫تسجن الرغبة في الصراع من أجل الاشباع‪ ،‬أو في ردة الفعل امليكانيكية‪،‬‬
‫دوما في سيرورة اثباتية ل هدف لها سوى الحفاظ على حضور ما يمكن لها ان تكونه‪.30‬‬ ‫ا‬

‫‪31‬‬
‫‪Ibid. P 15.‬‬
‫‪17‬‬
‫الفصل ألاول ‪ :‬الرغبة آلة وإنتاج‬

‫‪18‬‬
‫ا‬
‫أول‪ :‬الرغبة كآلة‬
‫مضادا)‪ ،‬كانت معظم املراجع التي تقود الى‬ ‫ا‬ ‫حتى العام ‪ ،0223‬قبيل ظهور آنتي‪-‬أوديب (أو أوديب‬
‫يتحدث دولوز عن‬‫ّ‬ ‫فلسفة دولوز في الرغبة قد ظهرت في كتابه بروست والعالمات‪ .‬في هذا العمل‪،‬‬
‫الرغبة في سياق كالمه عن فلسفة الحب‪ ،‬وان لم يتطرق الحديث عن عالقة الرغبة بالنقص‪ ،‬فإن‬
‫محور الكالم تمحور حول الرغبة وموضوعها‪ :‬ان الرغبة ل تطلب املوضوع بحد ذاته‪ ،‬بل تتجه ناحية‬
‫ويعبرعنه‪ ،‬وان الخيال هو املسؤول عن حمل تلك الرغبة وادخالها في‬ ‫العالم الذي يحمله هذا املوضوع ّ‬
‫هذا العالم آلاخر من خالل املوضوع‪ .‬ويشير دولوز الى ان هذه الصورة للرغبة نجدها في الحب‪ ،‬حيث‬
‫آخريجده في آلاخراملعشوق وجسده‪.37‬‬‫بعالم ٍ‬
‫يرغب العاشق ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التصور‬ ‫من هذا املنطلق الذي يأخذ الرغبة من حيث ولوجها في عالم املوضوع‪ ،‬يمكن القول ان‬
‫الالحق لدولوز (وغاتاري) بإعطائها الاولية ينحدر‪ ،‬ليس من تثوير مقولة فرويد حول الرغبة‪ ،‬بقدر ما‬
‫ّ‬
‫يتعلق بهذه الرؤية الدولوزية في كتابه حول بروست‪ .‬ذلك ان فرويد‪ ،‬حين يشير الى ان املوضوع قابل‬
‫ا‬
‫للتحويل والتغيير‪ ،‬فإنه ل يعطيه اهمية في عملية اشباع الرغبة‪.‬‬
‫ّ‬
‫يمكن التكلم‪ ،‬من وجهة نظردولوز‪ ،‬عن لعنتين طالتا الرغبة‪ :‬الاولى لعنة مسيحية الطابع استمرت مع‬
‫وسمت الرغبة بالنقص‪ّ .‬أما اللعنة الثانية فهي التي تعتبر ان الرغبة يمكن اشباعها‬ ‫الاغريق‪ ،‬وهي التي َ‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫باللذة‪ ،‬أو يتم ربطها بالتمتع‪ 33.‬يتعلق الامر بما يشبه "دائرة هزلية"‪ :‬رغبة – لذة – تمتع‪".‬مرة أخرى –‬
‫ّ‬
‫ويتحدث عن هذه "الخيانات الثالثة الكبرى" أو الادانات‬ ‫‪34‬‬
‫يقول دولوز – يجري لعن وتصفية الرغبة!"‬
‫ّ‬
‫(رد الرغبة الى النقص واللذة والتمتع) بإعتبارها متصلة مع بعضها البعض‪ ،‬فإدخال النقص في‬
‫الرغبة معناه "ان نجهل بالتمام السيرورة‪ ،‬ومتى فعلنا ذلك‪ ،‬لن يمكننا أن نقيس الامتالءات الظاهرة‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫للرغبة إل باللذة‪ ،‬وبالتالي فإن مرجعية اللذة تتأتى مباشرة من فكرة الرغبة كنقص‪ ،‬ولن يكون بإمكاننا‬
‫ّ‬ ‫ا ّ‬
‫ايضا إل ان نعيدها الى التعالي الخاص بالتمتع املستحيل الذي يعود الى الاخصاء والى الذات‬
‫توترا غير مستساغ ينقصه شٌ ٌ ما‪ ،‬فتكون‬ ‫ا‬
‫مثال‪ ،‬تبدو الرغبة ا‬ ‫املتفسخة"‪ .35‬وبالنظر الى نصوص فرويد‬

‫‪32‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Proust et les Signes, Quadrige / PUF, 7e édition, 1987, PP14 - 15‬‬

‫ّ‬
‫‪ ‬مارسيل بروست ‪ ) 6 – 19 ( Marcel Proust‬روائي فرنس ي شهير‪ ،‬مؤلف الرواية الذائعة الصيت "البحث عن الزمن الضائع"‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Désir-plaisir-jouissance, Cours Vincennes : dualisme, monisme et multiplicités - 26/03/1973, sur le site :‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=166&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1‬‬
‫‪34‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Anti Œdipe et Mille Plateaux, Cours Vincennes- 14/05/1973, sur le site :‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=169&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1‬‬

‫‪19‬‬
‫ا‬ ‫قصدا ّ‬ ‫ا‬
‫لتعال‪ ،‬بنفس الطريقة التي يتم‬ ‫ٍ‬ ‫يتوجه نحو ما ينقصه‪ ،‬ولذلك يجري تعريفها وفقا‬ ‫والحالة هذه‬
‫ا‬
‫لوحدة ل تنتمي اليها هي اللذة أو النشوة التي تحقق افراغها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قياسها وفقا‬
‫ّ‬ ‫واللذة" يهاجم دولوز ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفي ّ‬
‫يسميه فلسفة اللذة عند ميشيل فوكو ‪Michel‬‬ ‫نصه املعنون "الرغبة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويعلن ّ‬
‫تبرمه من كلمة لذة التي يستخدمها فوكو كبديل عن كلمة رغبة‪.‬‬ ‫‪،)02 4-0276( Foucault‬‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫طبيعيا‪ ،‬بينما هي‬ ‫معطى‬ ‫معتبرا اياها‬ ‫مختزل مرة اخرى الرغبة الى النقص‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ويبدو هذا الاستخدام‬
‫ٌ‬
‫التكون؛ ّانها اشعور ‪affect‬‬ ‫ّ‬ ‫لمتجانس يشتغل‪ ،‬و"سيرورة‪ ،‬عكس البنية أو‬ ‫ٌ‬ ‫ارتصاف‪agencement ‬‬
‫هذية (فردية نهار‪ ،‬فردية فصل‪ ،‬فردية حياة) عكس الذاتية؛ وهي‬ ‫عكس الشعور ‪sensation‬؛ انها ّ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫شخصا"‪ .36‬ان اللذة مرفوضة ألنه ل يمكن اعطاؤها اي قيمة ايجابية‪ ،‬ألنها‪،‬‬ ‫حدث وليست شيئا أو‬
‫بحسب دولوز‪ ،‬تقطع السيرورة املحايثة للرغبة‪ ،‬وتبدو من ناحية الانضودات والتنظيمات‪ ،‬التي تحيل‬
‫ا‬ ‫الرغبة ا‬
‫بغاية هي الاستلذاذ‪ ،‬منتزعة منها كل بعد ايجابي ومنتج‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫دائما الى املتعة أو الى النقص وتربطها‬
‫تتوجه ا‬
‫دائما‬ ‫ويجعل هذا الربط أو التماثل بين الرغبة واللذة‪ ،‬من الرغبة في قصديتها ملوضوع ما وكأنها ّ‬
‫ٍ‬
‫صوب املتعالي‪ ،‬ويجري قياسها بما ل ينتمي اليها‪ ،‬بينما هي "سيرورة محضة"‪.‬‬
‫وهكذا تصبح الرغبة مع دولوز "سيرورة انتاج من دون مرجعية ألي ارتصاف خارجي"‪ .‬ذلك ان "ما‬
‫َ‬
‫يفترضه دولوز (وغاتاري)‪ ،‬عبر سيرورة الرغبة املعالجة على مستوى اونطولوجي وليس انتروبولوجي‬
‫كمسطح وحيد للواقع‪ ،‬هي نظرية للكائن الاجتماعي في صيرورته‪ ،‬التطور الجنيني لالجتماعي‪ ،‬تلك التي‬
‫ا‬
‫ٌ‬
‫مرتب‪،‬‬ ‫تشرح شروط انتاج املجتمع"‪ .32‬هذا في حين النقص مثال هو "أثر‪-‬مضاد للرغبة‪ ،‬فهو ُم ّع ٌّد‪،‬‬
‫والاجتماعي [‪ ]...‬وليست الرغبة هي التي ّ‬
‫ّ‬ ‫َّ ٌ‬
‫طاحن لدى الفاعل‬ ‫ٍ‬ ‫نقص‬
‫ٍ‬ ‫عن‬ ‫ر‬ ‫تعب‬ ‫الطبيعي‬ ‫الواقع‬ ‫في‬ ‫ف‬ ‫مجو‬
‫خما يجعلها قليلة‬ ‫[‪[ ]...‬بل] ان الرغبة تخنق الحياة بقوة انتاجية‪ ،‬وتعيد انتاجها بشكل أكثر ز ا‬
‫ٍ‬
‫الاحتياج" ‪.3‬‬
‫يقول دولوز في تقديمه لكتاب غاتاري التحليل النفس ي واملستعرضية‪،‬مقالت في التحليل املؤسساتي‬
‫(‪ ،)Psychanalyse et transversalité, Essais d'analyse institutionnelle‬ان الرغبة كليبيدو‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫الاجتماعي‪" ،‬متزامنة مع الدفوق التي تمر تحت‬ ‫موجودة في كل مكان‪ ،‬وتخترق الجنسانية كل الحقل‬
‫الاشياء‪ ،‬والاشخاص‪ ،‬ورموز الجماعة [‪ ]...‬هذا هو الطابع الكامن لجنسانية الرغبة التي ل تأتي‬
‫لتفصح عن نفسها إل بإختيارات موضوعات جنسية مع رموزها (و من البداهة أن تكون هذه الرموز‬

‫التوسع في أفهوم الا تصاف ً‬


‫الحقا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪‬سوف يجري‬
‫ر‬
‫‪36‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Deux régimes de fous, Éditions Minuits, 2003, P 119.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪Bouaniche, Arnoud, Gilles Deleuze- une introduction, Poket, 2007, p150.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪Anti-Oedipe. PP 36 - 37‬‬
‫‪20‬‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ليبيديا‪ :‬ل وجود‬ ‫لواع‬
‫ٍ‬ ‫واع)‪ .‬انه اذا الاقتصاد السياس ّي بما هو إقتصاد دفوق‬ ‫بشكل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫جنسية‬
‫ّ ‪32‬‬
‫إلقتصادين‪ ،‬فالرغبة أو الليبيدو هما فقط ذاتوية ‪ subjectivité‬الاقتصاد السياس ي"‬
‫ا‬
‫جسدا بال اعضاء [‪]...‬‬ ‫ان الرغبة مسار وهي تقوم "ببسط مستوى الاتساق‪ ،‬أو حقل من املحايثة أو‬
‫ا‬
‫تخترقه جزيئات وسيولت تنفلت من املواضيع ومن الذوات على حد سواء‪...‬ليست الرغبة اذا داخل‬
‫محايثة بشكل دقيق ملستوى ليست سابقة عليه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ميالة الى املوضوع‪ :‬إنها‬‫الذات كما انها ليست ّ‬
‫ّ‬
‫مستوى ينبغي بناؤه‪ ،‬هناك حيث تترامى الجزيئات وتقترن السيولت"‪ .41‬ولذلك ل يمكن التكلم عن‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫لحقل املحايثة‪ ،‬وهي ل تفترض ذاتا بل ل تتحقق ل عند انعدام قول "أنا"‬ ‫ٍ‬ ‫الرغبة الا بقدرما يوجد بسط‬
‫يبحث عن موضوع ويهدف الى استهالكه‪ .‬تصبح الرغبة والحالة هذه‪ ،‬قوة كوسمولوجية تتموضوع‬
‫خلف كل صيرورة‪ ،‬و ل تتوقف حين يتم اشباعها‪ ،‬بل انها تخلق نقصها الخاص‪ ،‬وحين يتم اشباع هذا‬
‫التكلم عن ذات للرغبة‪ ،‬فهي ليست شخصية‪ ،‬بل ّ‬ ‫ّ‬
‫قوة‬ ‫النقص تستمر بمسيرها الازلي‪ ،‬ول يمكن البتة‬
‫طبيعية قبل‪-‬شخصية وقبل‪-‬فردية تؤسس كل كينونة‪" :‬مثلما انه ل وجود ملوضوع الرغبة‪ .‬ول وجود‬
‫ّ‬
‫لذات التلفظ ‪ ،sujet d’énonciation‬فالتدفقات وحدها هي املؤسسة ملوضوعية الرغبة ذاتها"‪.40‬‬
‫َ‬ ‫الرغبة شبيهة بإرادة القوة النيتشوية ّ‬
‫ألاولية وألاصيلة وألاصلية‪ ،‬وهي لهذا السبب "فضيلة تمنح"‪.47‬‬
‫ُ‬
‫وتفيض بدينامية الابتكار والربط‪ ،‬كما ان الرغبة‬ ‫وهي تمتلىء بقوة إثبات غير محددة‪ ،‬وبطاقة إرتصاف‪،‬‬
‫ا‬
‫هذه تبدو محايثة لنفسها‪ ،‬ل هدف لها ول غاية خارجها‪" :‬فالنوم رغبة‪ .‬التفسح رغبة‪ .‬والانصات الى‬
‫املوسيقى او انتاج موسيقى او ممارسة الكتابة‪ ،‬كل هذا رغبة‪ .‬الربيع او الشتاء رغبات‪ .‬الشيخوخة‬
‫ايضا رغبة‪ .‬واملوت ذاته رغبة"‪43‬؛ الا انها انتاج‪ّ ،‬تدفق اختالفات ايجابية وصيروات‪ ،‬سلسلة كاملة من‬ ‫ا‬
‫الترابطات املن ِتجة‪ ،‬وهي ليست رمزية او تشبيهية‪ ،‬ليست مدلولة ول دالة ‪ ":‬انها مكونة من خطوط‬
‫ّ‬
‫مختلفة تتقاطع وتتوحد في ما بينها‪ ،‬أو يمنع بعضها البعض‪ ،‬وتشكل هذا التنسيق أو ذاك فوق مستوى‬
‫من املحايثة"‪ .44‬وهي ل ينقصها ش يء‪ ،‬بل باألحرى " هي الذات التي تنقصها الرغبة‪ ،‬أو الرغبة التي‬
‫تنقصها الذات الثابتة [و] ل يوجد ذات ثابتة الا بالقمع"‪. 45‬‬

‫‪39‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, l’ile déserte, éditions de minuit, 2002, P 273.‬‬
‫‪ 0‬حورات‪ ،‬ص‬
‫دولوز‪ ،‬جيل‪ ،‬بارني كلير‪ ،‬حوارات‪ ،‬ترجمة عبد الحي زرقان و أحمد العلمي‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الغرب‪ ، 666 ،‬ص ‪. 01‬‬
‫املصدر نفسه‪ .‬ص ‪. 9‬‬
‫‪ 1‬حوارات‪ ،‬ص ‪.‬‬
‫املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪Anti-Œdipe, p36.‬‬
‫‪21‬‬
‫النظرية آلالوية للرغبة‬
‫تكلم دولوز (وغاتاري) عن الرغبة بمصطلحات "الدفوق"‪" ،‬القطع" و "آلالت"‪ ،‬وهي مصطلحات‬
‫مجرد استعارات‪ ،‬بل ثمرة حاجة‬ ‫مستعارة كما يبدو من عالم الانتاج‪ ،‬ولكن مع ذلك ل يمكن اعتبارها ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫لتطهير اللغة النظرية من ّ‬
‫املالحظة عندهما تتوثق عند‬ ‫كل افتراضات مثالية مسبقة‪ .‬ان هذه املادية‬
‫وصف الرغبة بمصطلح آلالة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬استعمل دولوز مصطلح "آلالة" في العديد من مؤلفاته‬
‫("فوكو"‪" ،‬السينما‪ :‬الحركة والصورة" في جزئيه‪ ،‬وبالتحديد في آنتي –أوديب و ألف سطح)‪ ،‬وعالج في‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫كمكو ٍن في إرتصافات كبرى‪.46‬‬ ‫ِ‬ ‫بعضها هذا املصطلح بربطه مباشرة بالتكنولوجيا وآثارإستعمالتها‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫وتبدو مقدمة كتاب آنتي‪-‬أوديب ّ‬
‫يتنفس‪ ،‬هذا‬ ‫وكأنها تشتغل فعال كآلة فهذا يعمل في كل مكان و"هذا‬
‫ابدا‪ :‬آلت‬ ‫كل مكان‪ ،‬ل على سبيل املجاز ا‬ ‫يبول‪ ،‬هذا يضاجع [‪ ]...‬إنها آلالت في ّ‬ ‫يحمى‪ ،‬هذا يأكل‪ ،‬هذا ّ‬ ‫ْ‬
‫آلالت‪ ،‬مع مزاوجاتها وارتباطاتها"‪ .42‬فما هي هذه آلالة؟‬
‫بالنسبة لدولوز – و غاتاري‪ -‬يمكن تعريف آلالة بأنها سيستام من القطع ‪ .4‬وليس القطع الذي تقوم به‬
‫ا‬ ‫فصال ‪ séparation‬مع الواقع‪ ،‬بل أن القطوعات تشتغل في ابعاد ّ‬ ‫ا‬
‫لسمات تؤخذ في‬ ‫ٍ‬ ‫متغيرة وفقا‬ ‫آلالة‬
‫سمى ‪ hylé‬أو هيولى‪ ،‬ول يمكن لآللة ان تنتج‬ ‫مادي متواصل ُي ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاعتبار‪ ،‬حيث ان كل آلة ترتبط بدفق‬
‫قطعا‪،‬‬ ‫ا‬
‫قطعا لدفق الا من خالل اتصالها بآلة أخرى ُيفترض انها التي انتجت الدفق‪ ،‬وتكون هذه ايضا ا‬ ‫ا‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫لمتناهيا‪ .‬ان كل ش يء هو انتاج‪ ،‬انتاج الانتاجات‪،‬‬ ‫نسبيا دفقا متصال‬ ‫ثالثة تنتج‬
‫بآلة ٍ‬
‫ولكنها تتصل ٍ‬
‫انتاج الحركات والاشواق والتسجيالت والتوزيعات والوسوم‪ ،‬انها نتاج الاستهالكات والشهوات والقلق‬
‫وآلالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫ان الثدي هو آلة تنتج دفقا من الحليب الذي تقوم آلة الفم بقطعه من الحلمة‪ ،‬والتي بدورها تتزاوج مع‬
‫دوما "آلة منتجة لدفق‪ ،‬وأخرى تتصل به‪ ،‬تحد ُث ا‬
‫قطعا‪ ،‬او‬ ‫آلة أخرى هي املعدة؛ الخالصة ان هناك ا‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫‪42‬‬
‫دفق يفترض تجزئة الش يء" ‪ .‬ويكون هذا الدفق نتاج آلة أخرى‪ ،‬بحيث‬ ‫ا‬
‫اقتطاعا من الدفق[‪ ]...‬وكل ٍ‬
‫ُ‬
‫ان كل آلة هي آلة آلالة‪ ،‬فسلسلة الانتاجات تحوي عدة آلت متصلة ببعضها البعض‪ ،‬وكل آلة "ت ّ‬
‫فسر‬
‫وفقا للطاقة املنسابة منها‪ :‬العين ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫تفسر كل ش يء بتعابير الرؤية –‬ ‫العالم كله وفقا لدفقها الخاص‪،‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫والتغوط والتقبيل‪..‬ولكن ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ضة حيث‬ ‫مستعر ٍ‬ ‫دوما‪ ،‬يوجد ترابط مع آلة أخرى‪ ،‬في‬ ‫وكذلك التكلم والسمع‬
‫مقطوعا من أخرى"‪.51‬‬‫ا‬ ‫ألاولى تقطع دفق ألاخرى أو "ترى" دفقها‬

‫‪ 9‬ملزيد من القاء الضوء على استعمال دولوز وغاتاري ملصطلح آلالية والتقنية وغيرهما‪ُ ،‬يمكن مراجعة ‪:‬‬
‫‪Poster, Mark & Savat, David, Deleuze and the new Technology, Edinburgh University Press, 2009.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪Anti-Œdipe ,p 9‬‬
‫‪48‬‬
‫‪Ibid, P 45 & P 306‬‬
‫‪49‬‬
‫‪Ibid, p 13‬‬
‫‪50‬‬
‫‪Ibid. p 14‬‬
‫‪22‬‬
‫ّ‬
‫هكذا هو نشاط كل آلة‪ :‬الاتصال بدفق‪ ،‬انتزاع قطع منه ومن ثم استهالك القطع التي تشكل ما ّتبقى‬
‫الاولي‪ .‬وان بدت لحظات التآليف الثالثة مستقلة في الظاهر‪،‬الا انها واحدة ذلك ان الانتاج‬ ‫ّ‬ ‫من الانتاج‬
‫ا‬
‫هو مباشرة إستهالك وتدوين ‪ ،enregistrement‬والتدوين كما الاستهالك يحدد مباشرة الانتاج‪ ،‬ولكنه‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫في حد ذاته يكون في ّ‬
‫انقطاعا حيث انه يختلط مع‬ ‫خضم الانتاج نفسه‪ .‬كما ان القطع ليس فصال ول‬
‫واحد يشترط الاستمرارية‪.‬‬
‫نشاط ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الضم في‬
‫ابدا سيرورة مغلقة على نفسها‪ ،‬ولكن تدخل ا‬
‫دوما في‬ ‫وبفضل طبيعتها الاتصالية‪ ،‬فإن آلالة ليست ا‬
‫ّ‬
‫عالقات تأثير متبادل مع آلت أخرى من طبيعة مختلفة‪ ،‬وهذا دليل على تبني دولوز (وغاتاري) لإلوالية‬
‫‪ mécanisme‬املادية‪ ،‬فاآللة ل يمكن اختزالها ا‬
‫ابدا باإلوالية التي تعني بعض العمليات التي تقوم بها‬
‫ّ‬
‫آلت تقنية‪ ،‬او هي نوع من تنظيم املتعض ّي‪ ،‬وهي اقرب الى النظام املغلق الذي يعيق الحركة‪ .50‬بينما‬
‫تعني آلالوية ‪ machinisme‬كل نسق من قطع الدفوق يتخطى إوالية التقنية وتنظيم املتعض ّي‪،‬وهي‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫عناصرا متكثرة وليجري تحديدها بعالقات‬ ‫ليست حصيلة لنظام محدد‪ ،‬بل ابداعية من ِتجة تحتوي‬
‫صل ذلك في الطبيعة أو املجتمع أو داخل الانسان‪ .57‬هذا وبينما تقوم إلاوالية‬ ‫سببية او نماذج ثابتة‪َ ،‬‬
‫أح َ‬
‫املتعض ي؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن النزعة‬ ‫ّ‬ ‫تفسر من خاللها إشتغال‬ ‫بتجريد وحدة بنيوية من آلالة ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫آلة متعلقة بالثبات‬‫الحيوية ‪ vitaliste‬تستحضر وحدة فردية ومحددة من الكائن الحي تفترضها كل ٍ‬
‫كلتي الحالتين‪ ،‬تظهر العالقة بين الرغبة وآلالة على انها متخارجة‪ ،‬وتبدو الرغبة كنتيجة‬‫العضوي‪ .‬وفي ْ‬
‫لنسق من ألاسباب إلاوالية؛ وهكذا تبدو الصلة ثانوية وغير مباشرة بين الاثنتين‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ٍ‬ ‫مححدة‬
‫‪53‬‬
‫يرفضه دولوز وغاتاري ‪.‬‬
‫ان آلالوية التي يقدمها الفيلسوفان تعتبر ان كل آلة تتكون من آلت صغيرة وهذه‪ -‬كالجسد‪ -‬بدورها‬
‫تتكون من أعضاء متعددة مؤلفة بدورها من انسجة تتكون من خاليا وهكذا دواليك حتى نصل الى‬
‫مستوى ينتفي فيه الاختالف بين امليكروفيزيا وامليكروبيولوجيا‪ .‬كما ينبغي فهم آلالة هنا من حيث كونها‬
‫ارتصافات ‪ ،agencement‬التقاءات لعناصر‪ ،‬وبإعتبارها تشغيالت وليس فقط تقانة ما‪ ،‬وليست بنية‬
‫تتكون من عناصر تتصل ببعضها البعض بل ّانها العناصر التي تتراصف في ما بينها داخل هذه آلالة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ا‬
‫ذلك ان كل الحياة هي سيرورة من الاتصالت وتبادل التأثير‪ ،‬كالجسد البشري بإعتباره ارتصافا من‬
‫املادة الجينية‪ ،‬الافكار‪ ،‬القدرة على الحركة والعالقات مع الاجساد ألاخرى ‪ ":‬أن نرغب يعني أن نبني‬
‫ا‬ ‫تصافا‪ ،‬ان ّ‬ ‫ا‬
‫نكون مجموعة‪ ،‬مجموعة تنانير‪ ،‬اشعة شمس‪ ،‬مجموعة شارع‪ ...‬ارتصاف إمرأة‪ ،‬مشهد‬ ‫ار‬

‫‪51‬‬
‫‪Deleuze and psychoanalysis, p 17‬‬
‫‪52‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪53‬‬
‫‪Anti-Œdipe, p 341.‬‬
‫‪23‬‬
‫فعليا [حيث] الرغبة تفيد‬‫ريفي‪ ،‬لون‪ ،‬هاكم ما هي الرغبة‪ ،‬بناء ارتصاف‪ ،‬بناء مناطق‪ ،‬انه الارتصاف ا‬
‫البنائية" ‪.54‬‬
‫ّ‬
‫ان الارتصاف الذي يشير اليه دولوز في كتاباته يشير الى تلك السيرورة من الترتيب والتنظيم والتركيب‪،‬‬
‫وكوكبة ‪ constellation‬من املوضوعات‪ ،‬الاجساد‪ ،‬التعابير‪ ،‬الكيفيات والاقاليم ‪ territoires‬التي‬
‫ا‬ ‫معا في اوقات ّ‬ ‫تتجمع ا‬ ‫ّ‬
‫متغيرة من أجل أن تنتج طرقا جديدة في التشغيل‪ .‬وتشتغل الارتصافات عبر‬
‫مجردة أو ترتيبات من ِتجة إلتصالت وروابط‪ .‬وينطبق افهوم الارتصاف على كل البنى‬ ‫الرغبة بما هي آلت ّ‬
‫من السلوك الفردي حتى الاشتغالت آلايكولوجية‪ ،‬مرو ارا بالتنظيمات املؤسساتية وترتيبات الفضاء‬
‫واملكان‪.55‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫تركيبا ا‬
‫إواليا‬ ‫ا‬ ‫إلتصالت شاملة ومكتملة‪ ،‬فاآللة ل تفيد "‬
‫ٍ‬ ‫وجودا مسبقا‬ ‫وهو ارتصاف آلو ّي ل يفترض‬
‫متعضيا [‪ ]...‬تكون على العكس من ذلك عبارة عن تجاورات بين حدود غيرمتجانسة ومستقلة [‪]...‬‬ ‫ا‬ ‫ول‬
‫خط ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫مجرد [‪ ]...‬و يكون املستخدم لآللة‬ ‫و ان ما يحدد ارتصافا آليا معينا هو انتقال مركزالجاذبية فوق ٍ‬
‫حاضرا داخلها وداخل مركز الجاذبية أو باألحرى داخل مركز السرعة الذي يخترقها"‪ 56‬وهذا معناه ان‬ ‫ا‬
‫الكالم عن آلالة معناه الكالم عن مجموعات تجاور بين الانسان والاداة والحيوان والاشياء‪ ،‬حيث‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫وتشكل ما ّ‬
‫مجردا ‪ abstrait‬يخترقهم ويجعلهم يعملون‬ ‫يسميه دولوز خطا‬ ‫تتمتع آلالة بالسبقية عليهم‬
‫ا‬
‫جماعة‪ ،‬وآلالة اذ تصوغ ألاداة وليس العكس‪" ،‬تكون أولية بالنسبة للبنيات التي تخترقها والناس‬
‫ا‬ ‫الذين ترتبهم والادوات التي تنتقيها والتقنيات التي ّ‬
‫مثال ليست سوى‬ ‫تطورها"‪ 52.‬ان آلالة إلاجتماعية‬
‫تكونها وتتكون بها في آلان عينه‪ ،‬وهي ارتصافات‬ ‫الارتصافات املختلفة التي تشتغل في داخلها‪ ،‬عناصر ّ‬
‫تسمح بمالحظة التمايزات بين هذا املجتمع وذاك‪ .‬ما يسمح بإستبعاد التعارضات التقليدية‬
‫ّ‬
‫والتأسيسية في الفلسفة بين الواقع الحس ي والعالم العقلي‪ ،‬ويسمح هذا الادخال بنقد الخطاب الذي‬
‫يتناول الانتاج النفس ي أو الذهني‪ ،‬ذلك ان الرغبة الدولوزية ل تفترض موجودات محددة‪ ،‬أو حقائق‬
‫ذهنية أو اعتبارات متعالية‪.‬‬
‫ّ‬
‫فض للثنائية بين إلانسان والطبيعة اللذين ّ‬ ‫وما ينتج عن هذه النظرية آلالوية ‪ machiniste‬ر ٌ‬
‫تصورهما‬
‫ا‬
‫حصرا سيرورة تنتج‬ ‫دوما في مواجهة بعضهما البعض‪ ،‬بينما هما‬ ‫الفكر الفلسفي التقليدي على انهما ا‬

‫‪54‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, - Abécédaire - "D comme désir", sur le site électronique :‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=03YWWrKoI5A‬‬
‫‪55‬‬
‫‪Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary -Revised Edition, Edinburgh University Press, 2010, P 18.‬‬
‫‪ 9‬حوارات‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫‪ 9‬املصدر نفسه ص ‪1‬‬
‫‪24‬‬
‫الواحد في آلاخر وتزاوج آلالت‪ ،‬فالطبيعة ُتنتج والانسان ا‬
‫ايضا‪ ،‬كما آلالة‪ ،‬والكل يمكن تحليله وتفسيره‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫فوق املسطح املادي نفسه لالنتاج‪ .‬وهذا ما سيدخلنا للتوسع بالكالم عن آلالة الراغبة‪.‬‬

‫الانتاج الراغب وتآليفه‬


‫وبناء على ما سبق‪ ،‬وكما كل ّ آلة أخرى‪ ،‬فإن آلالة الراغبة هي نسق من القطع حيث تلتقط الدفق‬ ‫ااذا‪ ،‬ا‬
‫ُ‬ ‫وتقطعه‪ ،‬كما لها نظامها التر ّ‬
‫آلة‬
‫ابطي ‪ ،associatif‬فهي آلة ثنائية ‪ binaire‬دائمة التزاوج ‪ couplage‬مع ٍ‬
‫آلة‪ .‬كما ان "السلسلة الثنائية تكون خطية ومستقيمة في كل الاتجاهات‪ .‬والرغبة ل‬ ‫أخرى اي انها آلة ٍ‬
‫ّ‬
‫واملتجزئة [‪ ]...‬تقطعها اشياء اخرى جزئية‬ ‫تنفك تحدث تزاوج الدفوق املستمرة مع الاشياء الجزئية‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫تنتجها دفوق أخرى قطعتها اشياء جزئية اخرى" ‪ .5‬يقول دولوز‪ ":‬تتوقف القطع الخطية على آلت‬
‫مزدوجة‪ ،‬كثيرة التنوع‪ :‬آلت مزدوجة من الطبقات الاجتماعية‪ ،‬وآلت من الجنس‪ ،‬رجل – امرأة‪ ،‬وآلت‬
‫بالسن‪ ،‬طفل‪-‬راشد‪ ،‬وأخرى بالجناس‪ ،‬أبيض‪-‬أسود‪ ،‬وأخرى خاصة بالقطاعات‪،‬‬ ‫مزدوجة خاصة ّ‬
‫ّ‬
‫عمومي‪-‬خصوص ّي‪ ،‬وأخرى خاصة بخطوط من التشكل الذاتي‪ ،‬ينتمي الينا‪-‬ل ينتمي الينا‪ .‬تكون آلالت‬
‫املزدوجة هاته شديدة التعقيد بحبث انها تتقاطع أو يصطدم بعضها ببعض‪ ،‬وتتواجه في ما بينها‪،‬‬
‫وتقطعنا نحن أنفسنا في كل إلاتجاهات‪ ،‬ليست هذه آلالت ثنائية بشكل سطحي‪ ،‬وإنما تتوالد باألحرى‬
‫ّ‬
‫تعاقبي [‪ ]...‬لقد تحولت الثنائية‪ ،‬ولم تعد متعلقة بإختيار‬ ‫بشكل‬ ‫بشكل ثنائي‪ :‬في استطاعتها ان تعمل‬
‫ٍ‬
‫بين عناصرمتزامنة‪ ،‬وإنما بإختيارات متعاقبة؛ إن لم تكن ل اسود ول ابيض‪ ،‬فأنت اذن مختلط"‪.52‬‬
‫وكل "ش يء" يفترض استمراية دفق‪ ،‬وكل دفق يفترض تجزئة ش يء‪ .‬كما لم يعد ا‬
‫نافعا التمييز بين آلالوية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والحيوية ‪ ،vitalisme‬ول بين الكائن الحي وآلالة‪ ،‬ذلك أن هناك كائنات حية في آلالت بقدر ما يوجد‬
‫ا‬ ‫آلت في الكائن ّ‬
‫الحي وسيكون باإلمكان وصف الانسان مثال بأنه "حيوان فقري آلي"‪ ،،61‬و سيكون من‬
‫جانبا الوحدة الشخصية واملحددة‬ ‫الالمجدي القول ان آلالت هي اعضاء أو بالعكس‪ ،‬ألن حين نضع ا‬
‫وستمر آلالة في الرغبة‪ ،‬وستصبح "آلالة راغبة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫للكائن‪ ،‬سيظهر الرابط املباشر بين آلالة والرغبة‪،‬‬
‫والرغبة آلوية "‪.60‬‬
‫وايضا الكائن ّ‬
‫الحي أو بكلمة واحدة‬ ‫ا‬ ‫ويتحدث دولوز (وغاتاري) عن مستويين مترابطين تظهر فيهما آلالة‬ ‫ّ‬
‫كتلوية ‪ molaires‬تظهر فيها آلالة بإعتبار وحدتها‬ ‫ّ‬ ‫آلالة الراغبة‪ :‬املستوى ألاول عبارة عن مجموعات‬

‫‪58‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 13‬‬
‫‪6‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪60‬‬
‫‪Ibid. P 13‬‬
‫‪61‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 343‬‬
‫‪25‬‬
‫الحي بإعتبار وحدته املحددة والشخصية‪ ،‬ويتعلق الامر بظاهرات كبيرة الحجم ‪67‬؛ انها‬ ‫البنوية‪ ،‬والكائن ّ‬
‫آلت من طبيعة إجتماعية أو عضوية أو تقنية‪ ،‬انها "آلالة املأخوذة في وحدتها البنيوية‪ ،‬والكائن ّ‬
‫الحي في‬
‫ّ‬
‫جمع أو مجموعات كتلوية؛ وتحت هذا العنوان‬ ‫ٍ‬ ‫ظواهر‬ ‫هما‬ ‫]‬ ‫و‬‫[‬ ‫الشخصية‪،‬‬ ‫ى‬ ‫وحت‬ ‫وحدته الخاصة‬
‫يرجعان من الخارج الى بعضهما البعض"‪. 63‬‬
‫ّ‬
‫املعطلة منها هي ا‬ ‫ّ‬
‫ايضا اشتغالية‪،‬‬ ‫والثاني عبارة عن آلت تشكلية ‪،formatives‬وهي "آلت حيث ان‬
‫ّ‬
‫واشتغالها لمتمايز عن تشكلها"‪ّ ،64‬انها آلالت الجزيئية التي هي بالتحديد آلالت الراغبة‪ .‬وعلى خالف‬
‫آلالت الكتلوية‪ ،‬فإن آلالت الراغبة يحكمها نظام من التوزيع ‪ dispersion‬لعناصرها الجزيئية بحيث‬
‫ان " عناصر آلالت الراغبة يمكن التعرف اليها عبر استقالليتها املتبادلة‪ ،‬بحيث ان ل ش يء في واحدة‬
‫‪65‬‬
‫منها يعتمد او يخضع لش يء ما في أخرى‪".‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫مستوييها‪ ،‬هي نفسها في شروط محددة‪ ،‬ولكنها مختلفة على مستوى النظام‬ ‫الا ان هذه آلالت‪،‬في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ ،régime‬ونسب املقادير‪ ،‬واستخدمات التآليف ‪synthèses‬؛ ول يمكن التكلم عن وظائفية إل على‬
‫املستوى تحت‪-‬مجهري ‪ sub-microscopique‬حيث آلالت الراغبة‪ ،‬وعلى مستوى إلارتصافات آلالية‪،‬‬
‫َ‬
‫وآليانية الرغبة‪ .‬وعلى هذا املستوى ينتفي التمييز بين ما هو منتج وبين الانتاج‪ ،‬على العكس من حالة‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫آلالت الكتلوية الكبرى ألن آلالت الاجتماعية مثال أو العضوية ل تتشكل بنفس الطريقة التي تشتغل‬
‫مححدة تفصل انتاجها عن اشتغالها‪ ،‬بينما آلالت الراغبة هي بالتحديد ما‬ ‫ٍ‬ ‫لشروط‬
‫ٍ‬ ‫فيها‪ ،‬بل تخضع‬
‫ا‬
‫تقوم به وتشتغله في ذاتها‪ ،‬وبحسب أنظمة تآليف ل نجد لها مثيال في املجموعات الكبرى‪ 66.‬الا ان هناك‬
‫تقاطعا بين آلالت الراغبة وآلالت الاخرى‪ ،‬بالخص ان دفوق الرغبة تخترق املجموعات والقبائل‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫دوما‬
‫والسكان كي ُتن ِتج الواقع ‪ réel‬بأكمله‪ ،‬وكي تبدو على شكل طاقة عائمة ّ‬ ‫ّ‬
‫حرة ومتحركة قادرة على تحولت‬
‫ّ ‪62‬‬
‫وانتقالت مستمرة بين عناصرمتباينة‪ ،‬كثيفة‪ ،‬جزئيئية‪ ،‬وكلية‪.‬‬
‫من هنا يلزم الكالم عن الطبيعة الاتصالية للرغبة التي ل تسمح لنا برؤية آلالة كسيرورة مغلقة على‬
‫نفسها‪ ،‬ولكن ضمن تبادل تأثير مع آلالت ألاخرى حتى ولو كانت تكنولوجية‪ ،‬بيولوجية أو إجتماعية ‪":‬‬
‫ّ‬
‫ان آلالت الراغبة الجزيئية هي نفسها استثمارات لآللت الكبيرة الكتلوية أو ترتيبات تتشكل وفق‬
‫جهة أخرى آلت متعضية‪،‬‬ ‫قوانين الاعداد الكبرى‪ ،‬بمعنى أو بآخر لإللحاق‪ .‬آلت راغبة من جهة‪ ،‬ومن ٍ‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫شروط محددة [‪ ]...‬ولكن آلالت الراغبة ل تمثل شيئا‪ ،‬ل تعني‬ ‫ٍ‬ ‫تقنية او إجتماعية‪ :‬انها آلالت نفسها في‬

‫‪62‬‬
‫‪Ibid,p 343‬‬
‫‪63‬‬
‫‪Ibid, P 343‬‬
‫‪64‬‬
‫‪Ibid, P 345‬‬
‫‪65‬‬
‫‪Ibid, P 389‬‬
‫‪66‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 346‬‬
‫‪67‬‬
‫‪Deleuze and psychoanalysis, P 22‬‬
‫‪26‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫شيئا‪ ،‬ل تريد ان تقول شيئا‪ ،‬وهي بالضبط [‪ ]...‬ما تشتغله بذاتها [‪ ]...‬وفق أنظمة تآليف ل تجد لها‬
‫ّ‬ ‫مثيال في املجموعات الكبيرة" ‪ . 6‬كما ان الرغبة آلة وموضوعها ا‬ ‫ا‬
‫ايضا‪ ،‬حتى يمكن القول إن الكائن‬
‫املوضوعي للرغبة هو الواقع نفسه‪ ،‬ففي ّ‬
‫كل مكان نجد " آلت منتجة أو راغبة‪ ،‬كل الحياة النوعية‪ :‬أنا و‬
‫ا‬
‫ل‪-‬أنا‪ ،‬الخارج والداخل لم تعد تعني شيئا"‪.62‬‬
‫إن هذه آلالت الراغبة التي تشتغل فينا‪ ،‬هي نمط لوصف دينامية الذاتية التي ّ‬ ‫ل ّ‬
‫تحرك‬ ‫ويمكن القو‬
‫الجسد الخالي من الاعضاء قبل كل تمييزات وتحديدات‪ .21‬وهي ليست اشتغالية فحسب‪ ،‬ولكن ا‬
‫ايضا‬
‫تطوري وليس ا‬
‫ابدا‬ ‫حر‪ ،‬محايث لنفسه‪ّ ،‬‬ ‫حاملة للجديد‪ ،‬وان آواليتها تسمح بفهم العالم كابتكار وخلق ّ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫وخاضعا إلرادة خارجة عنه أو نماذج جاهزة مسبقا‪ .‬ل تخضع آلالت الراغبة ألشكال مسبقة‬ ‫محددا‬
‫التحديد‪ ،‬بل تظهر كنموذج للواقع الدولوزي‪ ،‬وكأنها الطبيعة الجوانية للطبيعة‪ ،‬ذلك ان آلالة الراغبة‬
‫ا‬
‫اونطولوجيا‪ ،‬وبالضرورة من جهة غير اونطولوجية‪.‬‬ ‫معطى بل انتاج يكون بالصدفة‬ ‫ا‬ ‫بجوهرها ليست‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫ويستعير دولوز (وغاتاري) مثال من البيولوجيا الجزيئية كي يلخصا لنا ظاهرة آلالة الراغبة حيث ان‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫ومنتج‪ ،‬كما ان التبدلت ‪ mutations‬الجينية مثال يمكن عزوها الى‬ ‫البروتيين هو في آلان عينه منتج ِ‬
‫ّ‬
‫اخطاء في نسخ املادة الجينية خالل الانقسام الخلوي‪ ،‬ولكن هذه التبدلت او التشوهات تشكل املصدر‬
‫ّا‬
‫ومحركا للتطور‪ .‬ان آلالة الراغبة بجوهرها ل تظهر ككائ ٍن ولكنها نتاج‬ ‫الرئيس ي للتعددية الجينية‪،‬‬
‫ّ‬
‫لشغل‪ ،‬ولهذا السبب اعتبر دولوز (وغاتاري) ان تشكل الالت الراغبة ل ينفصل عن اشتغالها‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫لعمل‪،‬‬
‫َ‬
‫انها في آلان عينه منتجة ومن ِتجة‪ ،‬مثل البروتيين‪.‬‬

‫الجسد بال أعضاء‬


‫التكلم عن مساحتين أو سطحين ّ‬ ‫ّ‬
‫تسجل فوقهما آلالة الراغبة ويشتغل عليهما الانتاج الراغب‪،‬‬ ‫يمكن‬
‫ّ‬
‫باملجتمعي أو السوسيوس ‪.socius‬‬ ‫وهما الجسد الخالي من الاعضاء (أو الجسد بال اعضاء)‪ ،‬وما ُي َ‬
‫عرف‬
‫تسجل آلالة الراغبة أثرها في سطح ما ُيعرف بالجسد بال اعضاء‪ ،‬وهو في مثابة ساحة ُي َّ‬
‫سجل عليها كل‬ ‫ّ‬
‫الانتاج الرغبوي‪ .‬يشير افهوم الجسد بال اعضاء هنا‪ ،‬واملستعار من الشاعر واملسرحي الفرنس ي أنتونان‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫‪20‬‬
‫آرتو ‪ ،‬الى ما هو نقيض للمتعض ي وللتنظيم العضوي‪ ،‬ويبدو جسدا "لمتعضيا" ٍ‬
‫خال من الاعضاء‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫‪Anti-Œdipe, PP 345, 346‬‬
‫‪69‬‬
‫‪Ibid., p 10.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪Deleuze and psychoanalysis, p 22.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫معارضا للتقليد الذي يرى ان الفن يعكس‬ ‫‪9‬انطونان آرتو ‪ :) 6 1- 169( Antonin Artaud‬شاعر ومسرحي وممثل وفنان فرنس ّي مثير للنقاش‪ .‬كان‬
‫ً‬
‫طريقة في تجاوز املحرمات والقيود التي تفرضها َ‬ ‫الحقيقي ّ‬
‫ّ‬
‫القيم الاخالقية والشرو‬ ‫يقدم‬ ‫الحياة وان املسرح مرآة الحياة اليومية‪ .‬بالنسبة له‪ ،‬فإن املسرح‬
‫ّ ً‬
‫ّ‬
‫معبرا عن القلق وألالم والخوف كعناصر تأسيسية في الشر الانساني‪ ،‬وقد أراد من خالل مسرحه أن يختبر‬ ‫الثقافية‪ .‬انشأ ما ُيعرف بمسرح القسوة‬
‫الجمهور مخاوفه العميقة‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫جزيئي وغير كتلو ّي؛ فهو "بال فم ول لسان‬
‫ّ‬ ‫بل حزمة من الاشاعير الراهنة ‪ ،actuel‬تعددية غير متعضية‪،‬‬
‫نقيضا لألعضاء بقدر ما هو كذلك لتنضيد هذه الاعضاء‬ ‫ا‬ ‫ول اسنان‪..‬وبال معدة أو بطن‪ ،27"...‬وهو ليس‬
‫نسميه املتعض ّي‪ .‬ويستعمل دولوز (وغاتاري) تسمية الجسد بال اعضاء لالشارة الى مسطح‬ ‫اي ملا ّ‬
‫ُ ا‬
‫املحايثة الخاص بالرغبة‪ ،‬انه حقلها املحايث كنقيض ملساحات الارتصافات‪ .‬وإن كانت الرغبة حدثا‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫جسد بال اعضاء‪ ،‬فهذا الاخير ل يمكن تحديده‬ ‫ٍ‬ ‫شخصا أو شيئا بل تعني تأسيس‬ ‫‪ événement‬وليست‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫إل بمناطق ّ‬ ‫ّ‬
‫بيولوجي مثلما هو اجتماعي‬ ‫جسد‬ ‫شدة وعتبات وتناقضات فيزيولوجية ودفوق‪ .‬وهو‬
‫يتغير(جسد الاقطاعية الخالي من الاعضاء‬ ‫وسياس ّي "ذلك ان الارتصافات تنشأ عليه وتتفكك [‪ ]...‬وهو ّ‬
‫ليس هو نفسه جسد الرأسمالية الخالي من الاعضاء) [‪ ]...‬ويتعارض مع كل انضودات ‪strates‬‬
‫ايضا] مع تعضيات السلطة‪ .‬وان مجموع تعضيات الجسد‬ ‫التعضية‪ ،‬تعضية املتعض ّي‪ ،‬لكن [يتعا ض ا‬
‫ر‬
‫آخرا من املسطح ينضدّ‬ ‫ا‬
‫تحديدا ما سيكسر سطح املحايثة او حقلها‪ ،‬وسيفرض على الرغبة طرازا ا‬ ‫ا‬ ‫هو‬
‫مر ٍة الجسد الخالي من الاعضاء"‪.23‬‬‫كل ّ‬
‫وتشير الانضودة (والتنضيد ‪ ) stratification‬الى ظواهر تثخين ‪ épaississement‬كتلوية وجزيئية‪ ،‬على‬
‫تثخرات‪ّ ،‬‬
‫وترسبات ّ‬ ‫ّ‬
‫وطيات‪ .‬والانضودات هي احزمة من الترابطات فيزيائية‪-‬كيميائية‪،‬‬ ‫شكل تراكمات‪،‬‬
‫عضوية وتجسيمية ‪ .anthropomorphique‬وتشيركل انضودة الى اشكال ومواد متنوعة ا‬
‫جدا‪ ،‬كما الى‬
‫شيفرات واماكن متعددة‪ ،‬وتمتلك انماطها الخاصة من النمو الشكلي‪ ،‬حيث يصير التنضيد ا‬
‫نوعا من‬
‫خلق مستمر ودائم التجدد‪ ،‬ولهذا السبب يدخل الجزيئي‬ ‫خلق لعالم جديد عبر الخواء ‪ ،chaos‬وهو ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫‪24‬‬
‫والكتلوي في اقترانات مختلفة في ما بينهما ‪.‬‬
‫وفي مقدمة آنتي‪-‬أوديب اشارة الى الصراع الظاهر بين آلالت الراغبة وارتباطاتها وانتاجاتها و"ضجتها"‬
‫ا‬
‫وبين الجسد الخالي من الاعضاء بسطحه "الاملس الالشفاف واملنزلق"‪ ،‬فهذه آلالت تمارس "عمال‬
‫فعل نفورية ألنه "يحس بهذه آلالت وكأنها جهاز اضطهاد"‪،25‬‬ ‫ا‬
‫إكراهيا" عليه‪ ،‬مما يتسدعي منه ردة ٍ‬
‫ّ‬
‫ستعمل كسطح لتسجيل كل عملية‬ ‫َ‬ ‫وهو‪ ،‬الالمن ِتج غير القابل لالستهالك والذي ل يقبل التنضيد‪ُ " ،‬ي‬

‫املصدر‪:‬‬
‫‪http://dlibrary.acu.edu.au/staffhome/siryan/academy/theatres/artaud,%20antonin.htm‬‬
‫و‬
‫‪http://modernism.research.yale.edu/wiki/index.php/Antonin_Artaud‬‬
‫‪72‬‬
‫ورد في هامش‪:‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Francis Bacon : logique de la sensation, Seuil, 2013, P 21.‬‬
‫‪73‬‬
‫‪Deux régimes de fous, p 119‬‬
‫‪74‬‬
‫‪Milles Plateaux, PP 627-628‬‬
‫‪75‬‬
‫‪Anti-Œdipe, p 17‬‬
‫‪28‬‬
‫حد ان آلالت الراغبة تبدو منبثقة عنه"‪ .26‬وإن كان الجسد بال اعضاء أو حقل‬ ‫انتاج اغب‪ ،‬الى ّ‬
‫ٍ ر‬
‫ّ‬
‫املحايثة يتضمن"صحارى وفراغات"‪ 22‬الا ان هذه الاخيرة تنتمي كليا الى الرغبة‪ ،‬ذلك ان هذا الفراغ‬
‫جزءا من ّ‬‫يشكل ا‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫تكون حقل الرغبة‪ ،‬وقلة الجزيئات‬ ‫نقصا بل‬ ‫الخاص بالجسد بال اعضاء ليس‬
‫‪2‬‬ ‫وتباطوء الدفوق تنتمي ا‬
‫ايضا الى الرغبة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وفي آلان عينه‪ ،‬تتمفصل آلالت الراغبة مع الجسد بال أعضاء بحسب عالقات معقدة‪ .‬ويمكن لنا ان‬
‫ّ‬
‫الانتاجي‪.‬‬ ‫نذكر هنا آلالت البارانوية أو الذهانية التي تنتج عن نبذ هذا الجسد لنشاط آلالت الراغبة‬
‫سيتكون هذا الجسد بال أعضاء كذات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبين املقابلة بين هاتين العالقتين (الجذب والنبذ) أو ّ‬
‫القوتين‪،‬‬
‫ّ‬
‫املشتدة‪ ،‬الايجابية‪،‬‬ ‫ذلك ان "التعارض بين قوى الجذب وقوى النبذ ينتج سلسلة مفتوحة من العناصر‬
‫ّ‬
‫املتبدلة الثبات والاستقرار‬ ‫لمحدودا من الحالت‬‫ا‬ ‫تفسر التوازين النهائي للسيستام‪ ،‬ولكن ا‬
‫عددا‬ ‫التي ل ّ‬
‫ا ا‬ ‫ا‬ ‫‪22‬‬ ‫والتي عبرها ّ‬
‫جوهرا ثابتا‬ ‫تمر الذات" ‪ .‬وستكون الذات بهذه املقاربة نتاجا لتجربة ٍ‬
‫حالة ما‪ ،‬وليست‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫نعرف من خالله الفرد أو ألانا‪ ،‬بل بالحرى حالة معيشة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مجال ل مركز فيه ول‬ ‫ويمكن ان نضيف ان للجسد الخالي من الاعضاء دللة فلسفية من حيث هو‬
‫شدة تلتقي عنده كل العناصر العابرة وتتلقف بعضها من دون اية إحالة مرجعية أو‬ ‫ترتيب‪ ،‬اي فعل ّ‬
‫دللة قبلية‪ ،‬ألنه جماع لتعددات ومسارات جزيئية وظرفية‪ ،‬ولتركيبات قبل عضوية تتآلف وتمنح‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫العضو إمكانية التركيب وإمكانية الحياة وبعث للحركة في ما نراه ساكنا‪. 1‬‬

‫ا‬
‫ثانيا ‪:‬التاريخ الكوني للقمع‬
‫يقدمه دولوز (وغاتاري) للرغبة بإعتبارها سيرورة انتاج ُيمكن وضعه ضمن‬ ‫التصور املبتكر ّالذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ان‬
‫مباشرة بنظرية ماركس لالنتاج؛ حيث يظهر أن ما ّ‬ ‫ا‬ ‫تحليلي أوسع‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إطار تار ّ‬
‫نسميه‬ ‫يتصل‬ ‫ومادي‬ ‫يخي‬ ‫ٍ‬
‫‪0‬‬
‫النظرية الاجتماعية للـ آنتي‪ -‬أوديب تبدو جينيالوجية و سيميائية (تداولية) ‪ .‬ويتعلق الامر بنظرية‬
‫ّ‬
‫تلقي الضوء على الكيفية التي يشكل بها املجتمع سيرورة الانتاج الراغب أو الاجتماعي‪ .‬انها نظرية في‬
‫ّ‬
‫الاجتماعي‪،‬‬ ‫احل تفيد الكيفية التي بها ينتظم الانتاج الراغب في الانتاج‬ ‫ّ‬
‫التاريخ الكوني تصف ثالث مر ٍ‬
‫بشكل خاص من الانتاج‬ ‫كل مرحلة ٍ‬ ‫ّ‬
‫وتتميز ّ‬ ‫اي بمعنى آخر انه تاريخ القمع الاجتماعي لآللة الراغبة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫املسجل فوق السوسيوس من حيث كونه السوسيوس الشكل الاجتماعي لالنتاج الراغب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الاجتماعي‬
‫‪76‬‬
‫‪Ibid. P 17.‬‬
‫‪99‬حوارات‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪91‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪79‬‬
‫‪Anti-Œdipe, p 27‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪10‬حدجامي‪ ،‬عادل‪ ،‬فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الاولى ‪ ، 0‬ص ص‬
‫‪81‬‬
‫‪Due, Reidar, Deleuze, Polity Press, 2007, P 103.‬‬
‫‪29‬‬
‫ّ‬
‫تسجيل لإلنتاج حيث يتم تدوين موضوعات‪ ،‬أدوات وقوى العمل‪ ،‬وفوقه تتوزع عوامل‬ ‫ٍ‬ ‫ومساحة‬
‫الانتاج واملنتجات‪ .‬ذلك‪ ،‬ان السوسيوس‪،‬على ما يرى دلولوز (وغاتاري)‪ ،‬هو على عكس الجسد الخالي‬
‫مضاد لالنتاج‪ ،‬ومحطة عقيمة‪ ،‬ور ّبما كان "جسد الارض‪ ،‬أو‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وعنصر‬ ‫جسد ممتلىء‪،‬‬‫ٌ‬ ‫من الاعضاء‪،‬‬
‫ليس ا‬ ‫ّ‬
‫الاستبدادي أو رأس املال‪ .‬وهو الذي قال عنه ماركس‪َ :‬‬ ‫ّ‬
‫نتاجا للعمل‪ ،‬بل يظهر وكأنه‬ ‫الجسد‬
‫‪7‬‬
‫كإفتراضه الالهي أو الطبيعي املسبق" ‪.‬‬
‫خاصا يلعب دور الجسد‬ ‫ا‬ ‫نموذجا اجتماعيا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫مجتمعا "بل‬ ‫يسميه دولوز سوسيوس ل يعني‬ ‫ان ما ّ‬
‫مجتمع كسوسيوس أو جسد ممتلىء تجري فوقه وتتقطع دفوق من طبائع مختلفة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫املمتلىء‪ .‬يظهر كل‬
‫كما الاستثمارات الاجتماعية للرغبة‪ .‬انه تلك العملية التي تؤسس إلقتطاع الدفوق والتي يمكن ان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بشكل مالئم فصامي ‪ ]...[ schize‬والافهوم الاول الذي نربطه بالدفق هو القطب؛ حين يجري‬ ‫ٍ‬ ‫نسميها‬
‫قطب ويخرج من آخر؛ وإن كان الدفق يحيل الى شيفرات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الدفق فوق السوسيوس‪ ،‬فهو يدخل في‬
‫صد‪ ،‬فهو يتحدد بالدخول والخروج‪،‬‬ ‫تمروأخرى ُت َّ‬ ‫إقتصادي من حيث وجود اشياء ّ‬ ‫ّ‬ ‫يمكن ان نصفه بأنه‬
‫فإن القطب يحيل الى حركة الدفق أو يتحدد بها "‪. 3‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املجردة في‬ ‫احل ل يفيد وصفا لآللة الاجتماعية‬ ‫وينبغي التذكير ان هذا التاريخ الكوني املقسم وفق مر ٍ‬
‫ّ‬
‫زمانيتها‪ ،‬بل في نمط إشتغالها‪ ،‬ول يجري الكالم عن التشكيالت الاجتماعية إل من جهة كونها سيرورات‬
‫ا‬
‫آلوية وليست أنماطا لإلنتاج على طريقة فلسفة التاريخ املاركسية؛ ويتأكد ذلك لنا حين نعلم ان كل‬
‫ّ ّ ا‬
‫بشكل متزامن‪ ،‬ما يعني أن‬‫ٍ‬ ‫توجد‬ ‫مجردة‬ ‫إجتماعية‬ ‫آلت‬ ‫من‬ ‫نة‬ ‫تشكيلة إجتماعية عينية ليست إل مكو‬
‫ا‬ ‫العيني‪ ،‬وفي داخل هذا نجد ا‬ ‫ّ‬ ‫مجرد يسبق – ا‬ ‫كل ما هو ّ‬
‫اشتغال موجودة‬
‫ٍ‬ ‫دائما وظائفا وأنماط‬ ‫نظريا –‬
‫ّ ‪4‬‬
‫معا آللت إجتماعية مجردة‪.‬‬ ‫ا‬
‫ا‬
‫إن مبادىء ‪ 5‬هذا التاريخ الكوني تقوم أول على ان هذا التاريخ هو تاريخ قمع الرغبة ودفوقها‪ ،‬وهو‬
‫وليدا إلحتمالية إجتماعية؛ ا‬ ‫إل ا‬ ‫ّ‬
‫ثانيا‪ ،‬وإن كان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لحتمية ما أو ضرور ٍة داخلية‪ ،‬بل لن يكون‬ ‫ٍ‬ ‫تاريخ ل يخضع‬
‫القمع الاجتماعي للرغبة هو الثابت في مختلف انماط السوسيوس بإعتباره الجسد املمتلىء ومساحة‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫املتغيرات؛ وثالثا‪ ،‬ان تسجيل او تدوين دفوق الرغبة أو باألحرى‬ ‫التسجيل‪ ،‬فإن أشكال هذا القمع هي‬
‫وكبت لإلنتاج الراغب‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫دائما ٌ‬
‫قمع‬ ‫تمثيلها هو "السالح" الرئيس ي في هذا القمع‪ ،‬ذلك ان " التمثيل هو ا‬
‫ا‬
‫كثيرة‪ ،‬وفقا للتشكيل الاجتماعي‪[ .‬ولهذا] التمثيل‪ ،‬في العمق‪ ،‬ثالثة عناصر هي املم ِثل املقموع‪،‬‬ ‫ائق ٍ‬
‫بطر ٍ‬
‫‪82‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 33.‬‬
‫‪83‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Anti Oedipe et Mille Plateaux, Cours Vincennes : nature des flux - 14/12/1971‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=118&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1‬‬

‫‪84‬‬
‫‪Thoburn, Nicholas, Deleuze, Marx and Politics, Routledge, April 2014, 240 pages, P 91.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪Mingue, Philipe, Gilles Deleuze ou le système du multiple, éditions KIMÉ, Paris, 1994, pp 185 - 186‬‬
‫‪30‬‬
‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫التمثيل القامع واملمثل الذي يتم إزاحته [‪ ]...‬ان العامل الرئيس ي في كل ذلك هو نمط أو نوع التدوين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دوما ٌ‬ ‫الاجتماعي [‪ ]...‬هناك ا‬
‫إجتماعي‪ ،‬ولكن جهاز هذا الكبت يختلف‪ ،‬بالتحديد وفق الدور الذي‬ ‫كبت‬
‫يلعبه املم ِثل‪ 6".‬املبدأ الرابع يشير الى متبدلت التمثيل هذا وهي على التوالي‪ :‬اقليمية‪ ،‬استبدادية‬
‫ورأسمالية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫واذ يشبه السوسيوس ما يدعوه نيتشه شكل السيادة أو القدرة ‪ ،‬فإنه وبالتوازي مع املتبدلت هذه‪،‬‬
‫يتجسد على التوالي وفق ثالثة انماط للجسد املمتلىء ‪ :‬جسد ألارض‪ ،‬جسد املستبد وجسد رأس املال‪،‬‬
‫والى جانبها يمكن الحديث عن ثالثة انماط من التنظيم الاجتماعي‪ :‬القبيلة البدائية‪ ،‬الدولة‪،‬‬
‫ا‬ ‫آلاكسيوماتية‪ّ .‬‬
‫ويميز دولوز (وغاتاري) بين هذه الانماط وفقا للطرائق املختلفة التي من خاللها يتم‬
‫تدوين وكبت دفوق الرغبة فوق السوسيوس‪ ،‬وتقيدها بالنشاطات واملؤسسات الجماعية التي تؤمن‬
‫استمرارية التنظيم القائم؛ وأنماط التدوين‪-‬الكبت هذه هي على التوالي‪ :‬تشفير الرغبة ‪،Codage‬‬
‫أكسمة" ‪( axiomatisation‬اشتقاق من أكسيوماتية‬ ‫التشفير املضاعف لها ‪ ،surcodage‬و " َ‬
‫‪ )axiomatique‬الدفوق مفكوكة أو محلولة الشيفرات ‪ .décodés‬ان هذه الانماط تنطلق من كون‬
‫يتم تشفير الرغبة‬ ‫دوما في الرغبة‪ ،‬تقتض ّي أن ّ‬ ‫آلالت الاجتماعية الكتلوية ومن حيث هي متضمنة ا‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫وتشفيرا مضاعفا لها‪ ،‬كي يصبح بالمكان للذوات ان يحتلوا مواقعهم الاجتماعية وأدوارهم‪ ،‬ويشكل‬
‫يؤمن استمرارية وظيفة تسجيل دفوق‬ ‫حقال لهذا التشفير والتشفير املضاعف الذي ّ‬ ‫ا‬
‫السوسيوس‬
‫ّ‬
‫نشاط دائم من التحكم والقمع والتشفير‬ ‫ٍ‬ ‫الرغبة‪ ،‬عبر ضبطها‪ ،‬وتقييدها‪ ،‬وتوزيعها‪ ،‬ما يشير الى‬
‫ا‬ ‫إلرتصافات الرغبة في آلالت الكتلوية واملؤسساتية ‪ّ .‬أما ا‬
‫أخيرا‪ ،‬ينص املبدأ الخامس على ان شكال‬
‫معينا من أوديب يظهر عبر هذه الانماط‪ ،‬بإعتبار ان ألوديب سببه الشكلي الناتج عن ّ‬ ‫ا‬
‫التبدل في تسجيل‬
‫وتدوين دفوق الرغبة‪.‬‬
‫لدفق‪،‬‬ ‫بإعتبار ان كل جسد إجتماعي تخترقه الدفوق من كل حدب وصوب‪ ،‬وان كل شخص هو ٌ‬
‫قطع‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اي نوع كان أو بالحرى تشابكٌ‬ ‫ونقطة انطالق انتاج لدفق‪ ،‬كما نقطة وصول لدفق قادم‪ ،‬لدفق من ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتقاءات لدفوق كثيرة‪ ،‬فإن نقطة الالتقاء هذه هي نقطة توقف سيرورة الدفوق‪ ،‬كما في املثل الذي‬
‫وشعره‪ ،‬حيث ّ‬ ‫َ‬
‫مراحل‬
‫ٍ‬ ‫يمر هذا الشعر خالل نموه في‬ ‫ِ‬ ‫يعطيه دولوز في إحدى محاضراته عن الشخص‬
‫ا‬
‫أشكال ّ‬
‫متنوعة‪ ،‬وهو عن الفتاة الشابة ليس نفسه عند تلك املتزوجة أو عند العانس‪،‬‬ ‫عديدة ويأخذ‬
‫ّ‬ ‫هناك ا‬
‫اض لدفوق‬ ‫ف واعتر ٍ‬‫دوما شيفرة لتصفيف الشعر‪ ،‬وسيكون الشخص صاحب الشعر نقطة توق ٍ‬
‫ّ‬
‫الشعر التي تتخطاه وتتخطى حالته والتي ستكون بمثابة الشيفرات املختلفة‪ :‬شيفرة العانس‪ ،‬شيفرة‬

‫‪86‬‬
‫‪Anti-Œdipe. P 221.‬‬
‫‪87‬‬
‫‪Gilles Deleuze ou le système du multiple, pp 179 - 180‬‬
‫‪88‬‬
‫‪Bouaniche, Arnoud, Gilles Deleuze- une introduction, Poket, 2007, P 172.‬‬
‫‪31‬‬
‫الفتاة الشابة‪ ،‬شيفرة املتزوجة‪...‬الخ‪ .‬وهذه هي املسألة التي يطرحها التشفير وألاقلمة ّالتي هي ا‬
‫دوما‬
‫عالمة على الاشخاص‪ ،‬على هؤلء املوجودين عند نقاط اقتطاع‬ ‫ٍ‬ ‫تشفيرا للدفوق عبر تأشير أو رسم‬‫ا‬
‫‪2‬‬
‫الدفوق‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعلى ما يرى مانويل ديالندا ‪ ،De Landa‬أحد أبرز شارحي دولوز‪ ،‬يفيد التشفير الدور الذي تلعبه‬
‫ا‬ ‫اللغة في تثبيت هوية ّ‬
‫إجتماعي ‪ .21‬في التنظيمات املؤسساتية مثال‪ ،‬تتعلق شرعية البنية السلطانية‬
‫ٍ‬ ‫كل‬
‫ٍ‬
‫َّ‬
‫بالشعائر والطقوس والضوابط والقواعد املشفرة (في البنى التقليدية ستتوافر الشرعية هذه من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫خالل النصوص ّ‬
‫قانوني من السلطة ستجيز‬ ‫عقالني‪-‬‬ ‫املقدسة مثال‪ ،‬وفي التنظيمات التي يحكمها شكل‬
‫القوانين الوضعية املكتوبة وعقود الحقوق والواجبات الشرعية‪ .‬وفي حين يتم تشفير كل التنظيمات‬
‫تشفيرا ّ‬
‫يمتد على‬ ‫ا‬ ‫الفردية على هذا النحو‪ ،‬فإن جهاز ‪ Appareil /Apparatus‬الاستيالء الدولني ينجز‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫استبداديا أو‬ ‫كل الارض وألاقاليم‪ ،‬وكل الجماعات والتنظيمات التي تسكنها‪ .‬وكلما كان هذا الجهاز‬
‫توسع فضاء التشفير حتى يصل الى الثياب‪ ،‬الطعام‪ ،‬امللكيات‪ ،‬الفنون‪ ،‬الاداب‪ ،‬التجارة‪،‬‬ ‫شموليا‪ّ ،‬كلما ّ‬
‫ا‬
‫العادات والاعراف والتقاليد‪...‬الخ ولكن وبإعتبار ان العديد من الدول تسمح للجماعات التي تحكمها‬
‫مهيمنة فوق هذه الشيفرات‪ ،‬وهذا ما‬
‫ٍ‬ ‫شيفرة‬
‫ٍ‬ ‫بأن تحتفظ بشيفراتها الاجتماعية‪ ،‬فإنها تقوم بتركيب‬
‫يطلق دولوز عليه تسمية "التشفيراملضاعف"‪.‬‬
‫بدءا بالجساد حتى‬‫تباطات وأقاليم أو أراض ي‪ ،‬ويبدو ان كل ش يء ا‬
‫ٍ‬ ‫وبما ان الحياة تخلق نفسها بتشكيل ار‬
‫شكل من ألاقلمة أو التوطين ‪ ،territorialisation‬التي ل يحيل الى نوع من ثبات الحدود‬‫املجتمعات هو ٌ‬
‫املكانية لجموع ما – كجماعة في إقليم‪ ،‬أو مدينة أو ّامة – ولكن ا‬
‫ايضا الى الدرجة التي يصل اليها‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫تجانس بين مكوناته‪ ،‬وتقليص الاختالفات وتوسيع قدر التماثل والتشابه بين‬ ‫الارتصاف في تحقيق‬
‫ٍ‬
‫القيم املحلية‪ ،‬كما في جماعة دينية أو عرقية‪ .‬وفي ّ‬
‫كل‬ ‫ألاشخاص عبر القسر والاكراه والتشديد على َ‬
‫القيم التي تخص الـ"نحن" بمواجهة‬ ‫صراع بين هذه الجماعات‪ ،‬ستتم مراقبة كل انحراف عن هذه َ‬
‫ُ َ‬ ‫ٍ‬
‫الـ"هؤلء" وسيعاقب‪ ،‬ما يساهم في توسيع وتقوية التجانس وبالتالي درجة ألاقلمة وليس فقط الحفاظ‬

‫‪89‬‬
‫‪Deleuze,‬‬ ‫‪Gilles,‬‬ ‫‪Anti‬‬ ‫‪Oedipe‬‬ ‫‪Et‬‬ ‫‪Mille‬‬ ‫‪Plateaux,‬‬ ‫‪Cours‬‬ ‫‪Vincennes‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪16/11/1971‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=115&groupe=Anti+Oedipe+et+Mille+Plateaux&langue=1‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فنان‪ ،‬ومهندس برمجيات‪ُ .‬يعتبر ً‬ ‫مفكر معاصر‪ّ ،‬‬‫ّ‬


‫ومطوري فلسفة جيل دولوز‪ ،‬وتركز‬ ‫حاليا من أبرز شارحي‬ ‫‪ ‬مانويل ديالندا ‪)- 6 ( Manuel De Landa‬‬
‫أعماله على مسائل ّ‬
‫متنوعة كنظرية الفوض ى‪ ،‬الجيولوجيا‪ ،‬الهندسة املعمارية‪ ،‬الذكاء الاصطناعي والسيستمات ذاتية التنظيم كما تاريخ العلم وألالسنيات‪.‬‬
‫يشغل كرس ي جيل دولوز للفلسفة املعاصرة والعلوم في املدرسة ألاوروبية للدراسات العليا ‪.European Graduat School EGS‬‬
‫(‪)/http://www.egs.edu/faculty/manuel-de-landa/biography‬‬

‫‪90‬‬
‫‪DeLanda, Manuel, Deleuze: History and Science -Think Media Egs Media Philosophy Serie, Atropos Press, 2010, 168 pages, P 13‬‬
‫‪32‬‬
‫التكلم عن أفهوم آخر ّ‬ ‫ّ‬
‫متصل باألقلمة ويفيد التشفير املضاعف‪ ،‬هو أفهوم إعادة‬ ‫عليه‪ .20‬كما يمكن‬
‫ُ‬
‫القبيلة بإعادة القوة ّ‬
‫املقتلعة‬
‫املهجرة أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألاقلمة (أو إعادة التوطين) ‪ ،reterritorialisation‬حيث تقوم‬
‫(املستبد او الزعيم) الى الجماعة‪ ،‬و يصبح كل الافراد زعماء‪ ،‬أو يحكمون أنفسهم بأنفسهم‪.‬‬
‫ا‬ ‫والى جانب ألاقلمة يوجد ا‬
‫دوما شكال من أشكال التهجير إلاقليمي (أو الاقتالع أو الانتشال)‬
‫تشفيرا للرغبة‪ ،‬فإن إلاقتالع إلاقليمي يصف حركة‬ ‫ا‬ ‫‪ .Déterritorialisation‬وإن كانت ألاقلمة تفيد‬
‫اقتالع التشفير أو البدهنة للموضوعات والحيوانات والعالمات والاشخاص؛ انها بهذا املعنى حركة‬
‫وخالقة وليست ا‬ ‫ّ‬
‫ابدا تدميرية‪ ،‬ذلك ان ما يحصل هو ان إلاقليم يفقد أقلمته ويتحرر من‬ ‫ابتكارية‬
‫ّ ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫اقليميا فيها مشكال‬ ‫تحديداته املسبقة‪ .‬فلنأخذ مثال الضوء والنبتة‪ :‬يتصل الضوء بالنبتة ويتوطن‬
‫ضوءا ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ائدا قد يقتل‬ ‫ا ز‬ ‫آخرا غير ما هي‪ ،‬ولكن‬ ‫شيئا ا‬ ‫سامحا للنبتة بالنمو وبأن تصبح‬ ‫التركيب الضوئي‬
‫كتحول ألاوراق النباتية املجففة الى تبغ)؛ وهكذا فإن القوى‬ ‫يحولها الى ش يء مختلف تما اما ( ّ‬ ‫النبتة أو ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ألشكال متنوعة من الحياة بأن تصبح ما هي عليه‬ ‫ٍ‬ ‫املترابطة واملتصلة مع بعضها البعض والتي تسمح‬
‫تتحول الى ش ٍيء آخر‪ ،‬الى ما هي ليس عليه ( ٌ‬
‫تهجير إقليمي)؛‬ ‫ّ‬ ‫ايضا لهذه الاشكال بأن‬ ‫(أقلمة)‪ ،‬تسمح ا‬
‫ٍ‬
‫جماعة ما (أقلمة) بإمكانها ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫تتجمع وتحتشد كي ّ‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن الاجساد البشرية التي ّ‬
‫ايضا‬ ‫تكون قبيلة أو‬
‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ا ّ‬
‫ّ‬
‫إقليمي حيث‬ ‫قبيلة (اقتالع‬
‫ٍ‬ ‫مستبد أو زعيم‬ ‫مجموعا كل ايا يتيح لهذه الاجساد بأن تحكم من قبل‬ ‫ان تنتج‬
‫عما ّ‬
‫يسميانه‬ ‫انتجت قوة الارتصاف عملية انتزاع لسلطة جماعية ) ‪ .‬ويتحدث دولوز (وغاتاري) ّ‬
‫ٍ‬ ‫ا ّ‬
‫تنظيم‪ ،‬وهو سيرورة ل تتحقق بقدر ما‬ ‫أو‬ ‫ابط‬ ‫ر‬ ‫كل‬ ‫من‬ ‫تحرير‬ ‫الى‬ ‫يؤشر‬ ‫ذي‬ ‫وال‬ ‫ا‬
‫اقليميا مطلقا‬ ‫إقتالعا‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫‪27‬‬
‫تخيلها‪ ،‬اذ انها الامكانية القصوى ‪.‬‬ ‫يمكن التفكيربها أو ّ‬
‫ّ‬
‫يقول دولوز (وغاتاري) في ما الفلسفة؟ ‪ ":‬ل تكف ألارض عن تحقيق حركة إقتالع فوق املكان الذي من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫جماعات عن‬
‫ٍ‬ ‫ومهجرة‪ .‬وهي تختلط مع حركة هؤلء الذين يرحلون‬ ‫خالله تتخطى كل إقليم‪ :‬انها مهجرة ِ‬
‫معا‪ ،‬ولكن تكون‬ ‫عنصرا بين عناصر أخرى‪ ،‬فهي تحتضن كل العناصر ا‬ ‫ا‬ ‫اقليمهم [‪ ]...‬ليست ألارض‬
‫أمكنة‬ ‫يهجر إلاقليم‪ .‬ان حركات إلاقتالع ل تنفصل عن ألاقاليم التي تنفتح على‬ ‫لواحد أو آلخر بمثابة ما ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أخرى‪ ،‬وسيرورات إلاقتالع ليست منفصلة عن الارض التي تعيد ألاقاليم‪ .‬إلاقليم والارض هما املكونان‪،‬‬
‫إلاقليمي (من إلاقليم الى الارض)‪ ،‬واعادة ألاقلمة (من الارض الى‬ ‫ّ‬ ‫مع منطقتين لمتمايزتين‪ ،‬إلاقتالع‬
‫‪23‬‬
‫واحدة تسبق ألاخرى‪".‬‬ ‫التحدث عن‬ ‫ّ‬ ‫إلاقليم)‪ .‬ول نستطيع‬
‫ٍ‬

‫‪91‬‬
‫‪Deleuze: History and Science , P 13‬‬
‫‪92‬‬
‫‪Understanding Deleuze, P xxii‬‬
‫‪93‬‬
‫‪Deleuze, Gille & Guattari, Félix, Qu’est-ce que la philosophie?, Les Éditions De Minuit, Paris, 2005, P 82.‬‬
‫‪33‬‬
‫ّ‬
‫إلاقليمية وتشفيرالرغبة‬ ‫آلالة البدائية‬
‫إلاقليمية‪ ،‬آلة التسجيل البدائية‪ ،‬هي الشكل الاول للسوسيوس؛‬ ‫ّ‬ ‫ان جسد ألارض أو آلالة الارضية أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الاجتماعي‪ .‬يشكل البشر مع آلتهم عناصر‬ ‫انها "آلالة العمالقة" ‪ 24 Megamachine‬التي تغطي الحقل‬
‫مؤسساتي في كل مراحل العمل‪ُ .‬ويدخل دولوز‬ ‫ّ‬ ‫وأجزاء هذه آلالة‪ ،‬وفيها ُيدخلون آلتهم وفق نموذج‬
‫ّ‬
‫(وغاتاري) مفهوم إلاقليم لوصف مساحة السوسيوس‪ .‬و إلاقليم يسبق السوسيوس ويشكل ارضية‬
‫الرغبة والانتاج وعالقات القوى الاجتماعية ودفوق الانتاج واملنتجين‪ ،‬فهو الشرط املسبق للرغبة‬
‫وموضوعها في آلان عينه‪ .‬وان الشكل ألاول للسوسيوس يحيل الى أقلمة أو إعادة أقلمة تقوم به آلالة‬
‫الاجتماعي وحين تحصل ألاقلمة‪ ،‬يصبح بإمكان آلالت‬ ‫ّ‬ ‫تقسم الارض الى شرائح تخص املعنى‬ ‫العمالقة‪ّ ،‬‬
‫الاجتماعية الكتلوية أن تشتغل‪ .‬وتقوم آلالت الاجتماعية‪ ،‬التي ل تتحدد بالتبادل بل بطريقتها في‬
‫ممتلىء محدد هو هنا ألارض أو‬
‫ٍ‬ ‫تدوين الدفوق‪ ،‬بتنظيم دفوق الرغبة عبر تشفيرها‪ ،‬ما يحيل الى جسد‬
‫‪25‬‬
‫إلاقليم‪ ،‬عليه يجري انتزاع سلسلة التسجيالت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محركها الالمتحرك‪ ،‬اي ألارض‪ ،‬هي آلة‬ ‫يرى مؤلفا الـ آنتي‪-‬أوديب ان ‪":‬آلالة إلاقليمية البدائية‪ ،‬مع ِ‬
‫ّ‬
‫إجتماعية أو آلة كبرى‪ ،‬تشفر دفوق الانتاج‪ ،‬ووسائل الانتاج‪ ،‬ودفوق املنتجين واملستهلكين‪ :‬الجسد‬
‫املمتلىء لإللهة ألارض التي تجمع حول نفسها ألانواع الزراعية‪ ،‬أدوات الحراثة والاعضاء البشرية [‪]...‬‬
‫ان انتاج هذه آلالة الارضية البدائية هو الاستثمار الجماعي لألعضاء؛ ذلك ان تشفير الدفوق ل يحصل‬
‫ّ‬
‫بشكل متتالي‪ ،‬هذه الدفوق وتقطعها‪ ،‬أن تكون محززة‪ُ ،‬م َعدة‬ ‫ٍ‬ ‫إل حيث يمكن لألعضاء‪ ،‬التي تنتجها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلاقليمية البدائية الدفوق‪ ،‬تستثمر‬ ‫كأشياء جزئية‪ ،‬موزعة ومعلقة على السوسيوس [‪ ]...‬تشفر آلالة‬
‫متعض‬ ‫تأسيس يكف الانسان من خالله عن أن يكون‬ ‫وتسم ألاجساد بعالمات [‪ ]...‬وهو ُ‬
‫فعل‬ ‫ألاعضاء‪ِ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫بيولوجي كي يصبح جسدا ممتلئا‪ ،‬أرضا‪ ،‬تتعلق عليها أعضاؤه‪ ،‬تجذب‪ُ ،‬يدفع بها أو ّ‬
‫تتحول الى معجزة‪،‬‬
‫ا‬
‫وفقا ملتطلبات سوسيوس ما" ‪.26‬‬
‫طبيعة تبادلية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ان هذه آلالة الاجتماعية املتوحشة ‪ ،sauvage‬وككل آلة إجتماعية أخرى‪ ،‬ليس من‬
‫ألنها ليست بنيوية كما يرى ليفي شتراوس‪ ،‬كما ان الرغبة ليست تبادلية وتجهل التبادل‪ ،‬فهي ل تعرف‬ ‫ّ‬
‫سوى العطاء والسرقة بفعل تجانسية جنسانية بدائية‪ ،22‬بل هي – اي هذه آلالة ‪ -‬تقوم فوق‬
‫عالمة على أجساد‪ ،‬أكانت جسد ألارض أو اجساد البشر‪ .‬ولهذا السبب‬ ‫ٍ‬ ‫ا‬
‫تأشيرا أو وضع‬ ‫سوسيوس يفيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن نظام ْ‬
‫املتوحش فوق‬ ‫الدين أو الاستدانة هو الذي سوف يظهر نتيجة متطلبات التسجيل‬

‫‪94‬‬
‫‪Anti-Œdipe. P169.‬‬
‫‪95‬‬
‫‪Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary, Edinburg university press, 2005, PP 255 - 256‬‬
‫‪96‬‬
‫‪Ibid., P 170 -173‬‬
‫‪97‬‬
‫‪Ibid, P 223.‬‬
‫‪34‬‬
‫ّ‬ ‫السوسيوس ‪ ":‬ان ْ‬
‫الدين هو وحدة املصاهرة أو التحالف‪ ،‬وهذه هي التمثيل بحد ذاته‪ .‬التمثيل الذي‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫والذي‪ ،‬عبر ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدين‪ ،‬يجعل من الانسان ذاكرة للكالم‪ .‬انه هو الذي يقمع الذاكرة‬ ‫يشفر دفوق الرغبة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ى ََ‬
‫الجنيني كمم ِث ٍل للدفوق غير املشفرة التي تغمر‬ ‫البنوية ‪ filiative‬الكثيفة والخرساء‪ ،‬والدفق‬ ‫الكبر ‪،‬‬
‫ا‬ ‫كل ش يء [‪ ]...‬ان ْ‬
‫الدين هو النتيجة املباشرة للتدوين البدائي‪ ،‬بدل من أن نجعل منه وسيلة غيرمباشرة‬
‫العالمي" ‪ .2‬وهذا ما سيجعل من التشكيالت املتوحشة تشكيالت شفهية‪ ،‬صوتية‪ ،‬ليس ألنها‬ ‫ّ‬ ‫للتبادل‬
‫نظام تصوير ّي‪ ،‬بل ألن النظام التصويري الكتابي هذا ل يعتمد ول ينشأ نتيجة للصوت‬ ‫تفتقر الى ٍ‬
‫تنظيم متعدد الابعاد‪.‬‬ ‫يتصل به ضمن‬ ‫والكالم بقدرما ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫إلاقليمية الدالة في آلالة البدائية‪ .‬وليست هذه السلسلة‬ ‫ان سيرورة التشفير تقتض ي تفكيكا للسلسلة‬
‫ّ‬
‫خارجة عن املسار الانتاجي‪ ،‬ولكنها بداخله تشكل جها ازا يسمح بإنتقالت هذا الانتاج وبإعادة انتاجه‪،‬‬
‫قنوات من أجل تصفيتها أو تكريرها‪ .‬وبسبب الالتجانس في‬ ‫ٍ‬ ‫كما يفسح املجال لتمرير وصالت الدفوق في‬
‫بشكل يتم فيه تأهيل‬
‫ٍ‬ ‫السلسلة املتتالية لقسام وأجزاء الشيفرة‪ ،‬تشتغل هذه ألاخيرة فوق الدفوق‬
‫ّ‬
‫بشكل مستقل عن عالقاتها‪ ،‬بمعنى أن العالقة بين الدفوق املشفرة‬ ‫ٍ‬ ‫‪ qualification‬هذه الدفوق‬
‫ا‬
‫ستنتج عن تأهيل الشيفرة لهذه الدفوق‪ .‬يعطي دولوز في هذا الخصوص مثال من املجتمعات البدائية‬
‫لكل منها مسارها الخاص‪ ،‬فهناك دفوق لالشياء‬ ‫مكونة من ثالثة أو اربعة دفوق ّ‬ ‫حيث يمكن تمييز آلة ّ‬
‫ٍ‬
‫املستهلكة ودفوق للوجاهة ودفوق الحقوق على الافراد ‪..‬الخ؛ وما يحصل هو ان الشيفرة تعمل على‬
‫تأهيل هذه الدفوق والعالقة بينها‪ ،‬حيث يصبح باإلمكان حصول تبادلت بين الوجاهة والاستهالك‪.22‬‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫نظام من التشفير ل تكون الشيفرات إل متجانسة ومتقاربة تمثل ما يشبه تطويقا ‪quadrillage‬‬ ‫في كل ٍ‬
‫ّ‬
‫وتحركها‪ ،‬وتصنع‬ ‫لساني "تستعير الشيفرة العالمات من كافة الطبائع‬ ‫ّ‬ ‫نسق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للحقل الاجتماعي‪ .‬ففي كل ٍ‬
‫مزيجا من هذه العالمات‪ ،‬وفي هذه التعددية الخاصة بكل شيفرة يتم تطويق الحقل الاجتماعي عبر‬ ‫ا‬
‫سرية" تتصل بما تحمله كل شيفرة من‬ ‫اقترانات لعناصر كثيرة" ‪ .‬ولكن في كل الشيفرات هناك "مناطق ّ‬
‫استثمارات جماعية لألعضاء‪ ،‬حيث تستثمر الجماعة أو املجموعات الاعضاء‪ ،‬وحيث توسم الدفوق‬
‫بمقتض ى الحالة الضعيفة لتطور ونمو القوة الانتاجية‪ ،‬ولذلك يتوقف الوسم هذا على الاعضاء وهو‬
‫املحرمات واملمنوعات‪ ": .‬إن الاخصاء في‬‫ّ‬ ‫ويحرك كل سيستام‬ ‫ّ‬ ‫وسم يفيد الاستثمار الجماعي لألعضاء‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ا‬
‫جماعيا‪ ،‬وان الاستثمارات‬ ‫َ‬
‫مستثمر‬ ‫فم ألاقارب‪ ،‬اي عبر عضو‬ ‫املجتمعات البدائية يقوم من خالل ّ‬
‫تبين ميثولوجيات ليفي‪-‬شتراوس الاستثمارات‬ ‫الجماعية لألعضاء هي جزء اساس ّي من الشيفرات [‪ّ ]...‬‬

‫‪98‬‬
‫‪Ibid, P 222.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Anti Oedipe et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972, sur le site électronique :‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1‬‬

‫‪35‬‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫أعضاء ما‪،‬‬ ‫وشروط ما‪ ،‬بأن تستخدم‬‫ٍ‬ ‫ظروف‬
‫ٍ‬ ‫واملحرمات‪ :‬أنت ليس لك الحق‪ ،‬في‬ ‫الجماعية لألعضاء‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫تحريما ا‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫مما ل يعني ا‬
‫ايجابيا من وجهة نظر شيفرة‪ ،‬من وجهة نظر‬ ‫عاما‪ ،‬ولكن شيئا‬ ‫دفاعا أو‬ ‫ابدا‬
‫جماعي‪ :‬كل الاعضاء يجري تشفيرها أو مضاعفة تشفيرها‪ ،‬ولن يمكنك ان تستفيد من عينيك‬ ‫ّ‬ ‫استثمار‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫شروط كهذه‪ ،‬لن يمكنك ان ترى‪ ،‬لن يمكنك أن تستفيد من أنفك [‪ ]...‬انها العالمة مرسومة على‬ ‫ٍ‬ ‫في‬
‫قناع كهذا هو التنقل بين اعضاء حاملها‬ ‫قدر من الاهمية في ٍ‬ ‫الجسد [‪ ]...‬انه القناع؛ وما يبدو لنا على ٍ‬
‫ّ‬
‫وتلك الاعضاء املمثلة فوق القناع [‪ ]...‬كل هذه الاقنعة حيث الحامل ل يرى عبر فتحات العينين ولكن‬
‫فوهة أخرى [‪ ]...‬انه التباعد ‪ décalage‬بين الاعضاء الخاصة وتلك املحمولة نحو قدر ٍة اخرى بفعل‬ ‫عبر ّ‬
‫ّ‬
‫الجماعي"‪.011‬‬ ‫الاستثمار‬
‫ّ‬
‫يالحظ دولوز انه في التشكيالت ما قبل رأسمالية‪ ،‬وفي الوقت عينه الذي يتم فيه تأهيل الدفوق التي ل‬
‫تأهيل مسبق يتيح لها تشكيل أسر ٍار‪ ،‬فإنه يمكن‬ ‫ٍ‬ ‫تدخل في عالقات غير مباشرة وتفاضلية‪ ،‬بل تنتج عن‬
‫القول ان تشفيرها يعمل على مستوى عملية ثالثية السيرورة تقوم على إلاستخراج أو الطرح‪،‬‬
‫ُ‬
‫التسجيل‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬اي استخراج أجزاء أو شدف ‪ fragments‬الدفوق وانتزاعها من السلسلة‪ ،‬ومن ثم‬
‫متحرك مفتوح ولكن‬ ‫توليف‬ ‫يوحد في‬‫توزيعها على الذوات املستهلكة‪ .‬وعلى هذا املستوى فإن كل جزء ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ا‬
‫محدود بطبيعته كل السمات الالمتجانسة‪ ،‬وينتج عن ذلك شكال من انعدام التوازن على مستوى كل‬
‫مؤهل‪ ،‬وهو انعدام توازن اساس ّي ودائم يتضمن كل سمات التشفير ولكن يجري ا‬
‫دوما التعويض‬ ‫دفق ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شكل دين متناهي ومحدود‪ ،‬مثل انعدام التوازن‬ ‫ْ‬
‫دفق آخر‪ ،‬على ِ‬ ‫بعناصر متجانسة مستعارة من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عنه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بين فعل العطاء وفعل التلقي‪ ،‬أو بين من يوزع اغراض الاستهالك وذلك الذي يتلقاها‪ ،‬سيتم التعويض‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫لدفق آخرهو دفق الوجاهة مثال‪.‬‬ ‫املوزع ٍ‬
‫عنه بإستعارة واستدانة ِ‬

‫آلالة البربرية والتشفيراملضاعف‬


‫ّ‬
‫الاستبدادية‬ ‫في هذا النمط الجديد من آلالة الاجتماعية‪ ،‬تظهر معالجة دولوز لهذا الشكل من الدولة‬
‫ا‬
‫موجودا ا‬ ‫ّ‬ ‫والذي ّ‬ ‫ّ‬
‫دوما في آسيا أو‬ ‫يتصل بنمط الانتاج الاسيوي كما بدا عند كارل ماركس‪ ،‬وهو الذي كان‬
‫ّ‬
‫كمحر ٍك ل‬ ‫أفريقيا أو حتى في أميركا وأوروبا‪ .‬ويرى دولوز ان الوحدة املحايثة لألرض‪ ،‬في هذا النمط‪،‬‬
‫ِ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫يتحرك‪ ،‬تفيد الى جانبها وحدة متعالية من طبيعة أخرى‪ ،‬هي وحدة الدولة بإعتبارها الجسد املمتلىء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للمستبد وليس لألرض؛ ان التشفير املضاعف لهذه آلالة البربرية هو الذي سيشكل جوهر الدولة التي‬
‫ّ‬
‫الوحدة‬
‫ِ‬ ‫بشكل سيحطم فيه كل التشفيرات البدائية لصالح‬ ‫ٍ‬ ‫قامت‪ ،‬وسيجري التشفير املضاعف‬

‫‪100‬‬
‫‪Ibid.‬‬

‫‪36‬‬
‫تتأمن وحدة آلالة الاجتماعية‬ ‫تنضم الى هذه التشفيرات ولكن من خارجها‪ .‬وبدل أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتعالية التي‬
‫ا‬
‫مباشرة فوق جسد ألارض‪ ،‬فإنها س تشتغل في الوحدة العليا املتعالية التي هي جسد املستبد أو الدولة‪.‬‬
‫ّ‬
‫والوحيدة‪،‬والتي ّ‬
‫تتعين وظائفها في‬ ‫وان هذا الجسد املمتلىء للمستبد سيكون آلالة العمالقة الجديدة‬
‫ّا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫أسمال ا‬
‫بدائيا‪ ،‬ثابتا أو متحركا‪ " :‬في انتاج‬ ‫تحطيم عالقات القرابة واملصاهرة وتحويلها الى ما يشبه ر‬
‫أولد‪ ،‬يتم تسجيل الطفل بالعالقة مع النسب املقتطع من ناحية والده أو والدته‪ ،‬وبالعكس ل يتم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البنوة من النسب‪ ،‬بل ان الاثنتين‬ ‫تباط يتمثل بالزواج [‪ ]...‬ول تتأتى‬
‫تسجيل هذين إل بتوسط ار ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫يشكالن دورة مفتوحة حيث يؤثرالسوسيوس في الانتاج‪ ،‬الذي بدوره يؤثربالسوسيوس"‪.010‬‬
‫يسميه‬‫ويبدو التشفير املضاعف على هيئة نظام العالمات ّالذي ينتمي الى دولة املستبد هذا‪ ،‬وهو ّالذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دولوز ‪ :‬الدال‪ .‬ويفترض افهوم الدال ان هناك دال محدد يتم رفعه فوق الكل‪ ،‬وان كل ٍ‬
‫دال آخر يتم‬
‫عاني ينبثق عن تمثيالت ثابتة لسيرورات‬ ‫اقصاؤه‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن التشفير املضاعف هو فرض نظام من امل ّ‬
‫ُ‬
‫متعددة تشتغل عبرها الرغبة والحياة الاجتماعية‪ .‬ذلك أن آلة الدولة هذه تبنى على الجماعات‬
‫وسيد القيمة‬‫البدائية الزراعية وتضعها تحت سلطة امبراطور مستبد هو املالك الوحيد واملتعالي ّ‬
‫ّ‬
‫الفائضة والخزينة‪ ،‬ومنظم ألاعمال الكبرى‪ ،‬ومصدر الوظائف العامة والبيروقراطية‪ .‬انه نسق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الاستعباد الذي ل يتم إل بإلحاق جماعات املحاربين خارج الدولة وبإخضاعهم وبإدخالهم ضمن‬
‫مؤسسات وتنظيمات الدولة الاستبدادية‪.017‬‬
‫يرى دولوز انه من الضروري في نظام التشفير مالحظة ان الجسد املمتلىء يقوم بالستحواذ على القوة‬
‫بشكل يمكن وصفه بانه من طبيعة فوق‪-‬اقتصادية ‪ : extra-économique‬لقد كانت الارض‬ ‫ٍ‬ ‫الانتاجية‬
‫كيانا ا‬ ‫ا‬
‫فرديا‪ ،‬وأتى املستبد عبر‬ ‫في املجتمعات البدائية تلعب دور الجسد الخالي من الاعضاء بإعتبارها‬
‫ّ‬
‫ألاوديبي‪ ،‬وكي‬ ‫يضم اليه كل القوة الانتاجية في "سفاح القربى الاستبدادي الكبير" على الشكل‬ ‫العقم كي ّ‬
‫ّ‬
‫إلاقليمية القديمة‪،‬‬ ‫بتشفير مضاعف للشيفرات الارضية أو‬ ‫يقوم فوق الجسد الامبراطوري املمتلىء‬
‫ٍ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫كقوة مضادة لالنتاج؛ وفي ْ‬‫خاليا من الاعضاء ّ‬ ‫جسدا ا‬ ‫ا‬ ‫َّ ا‬
‫كلتي الحالتين‪ ،‬نجد " هيئة فوق‪-‬اقتصادية‬ ‫مشكال‬
‫[‪ ]...‬العملية املضادة لالنتاج في شكلها املزدوج‪ :‬كبح وتقييد القوة املنتجة‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫ثانية‪ ،‬الارتداد نحوها من أجل الاستحواذ عليها‪ ،‬وهذان الشكالن يكونان منفصلين من حيث نوعية‬
‫عمل القوى الانتاجية وزمانيتها ذاتها‪ .‬بقدر ما يقوم جسد الارض بتقييد القوى الانتاجية وبقدر ما‬
‫بشكل يقترن فيه فوق نفسه‪ :‬فوق الجسد املمتلىء لألرض حيث تقرن آلالة‬ ‫ٍ‬ ‫يستحوذ عليها‪ ،‬فإنه يجري‬
‫طبيعة‬ ‫إلاقليمية البدائية لعبة البنوة واملصاهرة‪ ،‬وهذه الاخيرة تستحوذ على القوى الانتاجية [‪ ]...‬وفق‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫جيولوجية وسياسية من حيث ان السياسة لها جيولوجيا‪ ،‬وبإعتبار ان ما يجعل الجسد الخالي من‬
‫‪101‬‬
‫‪Anti-Œdipe. PP 175- 176‬‬
‫‪102‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 533.‬‬
‫‪37‬‬
‫ّ‬
‫الاعضاء يشتغل هو الارض‪ .‬وعلى مستوى الانظمة الامبراطورية‪ ،‬يظهر الجسد املمتلىء للمستبد الذي‬
‫يقوم بنفس الوظائف على شكل هيئة متعالية‪ ،‬مضادة لالنتاج [ولكن] من طبيعة سياسية‪ ،‬ادارية أو‬
‫ّ‬
‫حتى دينية"‪.013‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫إلاقليمي الذي يقوم به الدال الاستبدادي يشكل حركة من إلاقتالع‪،‬‬ ‫ان التشفير املضاعف للتمثيل‬
‫ا‬
‫املجردة‪ ،‬يلحق بها تدوينا ا‬
‫ّ‬
‫ثانيا يتم فيه الغاء‬ ‫طاملا ان الدولة تستبدل عالمات إلاقليم بالعالمات‬
‫ّ‬
‫إلاقليمية أو الاحتفاظ بها على شكل "لبنات" ‪ briques‬فوق املساحة الجديدة‪ .‬الا ان هذه‬ ‫الشيفرات‬
‫الحركة ليست بش يء أمام تلك الخاصة بالرأسمالية‪.014‬‬

‫آلالة الرأسمالية وأكسيوماتية الرغبة‬


‫ُ‬ ‫ّ‬
‫يقول دولوز‪" :‬أعتقد إن فيليكس غاتاري وأنا نفس ي قد بقينا ماركسيين"‪ -.‬يقول دولوز‪ ،‬وي ِ‬
‫كمل " ربما‬
‫بطريقتين مختلفتين‪ ،‬ولكننا بقينا كذلك نحن الاثنين‪ .‬ذلك أننا ل نعتقد بوجود فلسفة سياسية ل‬
‫يهمنا أكثر من غيره لدى ماركس هو تحليل‬ ‫ّ‬
‫وتطوراتها‪ .‬ما ّ‬ ‫يكون محورها ألاساس ّي تحليل الرأسمالية‬
‫ّ‬
‫الرأسمالية بما هي نسق محايث ل يكف عن مباعدة حدوده الخاصة"‪.015‬‬
‫متب اعا ماركس‪ ،‬يرى دولوز ان السوسيوس الرأسمالي ل يرتكز على الهوية كما التشكيلين السابقين –‬ ‫ّ‬
‫املتوحش والبربري – بل على السيرورة املستمرة لإلنتاج‪ ،016‬الانتاج من أجل الانتاج‪ ،‬مع ما يستتبعها‬
‫ّ‬ ‫من ّ‬
‫ضبط للحدود وتخطيها في آن‪ .‬ول يرى دولوز‬‫ٍ‬ ‫تغيرات مستمر وتكثيف دائم للعالقات في سيرورة من‬
‫ان الرأسمالية تجعلنا فصاميين على مستوى نمط الحياة وشكلها فحسب‪ ،‬بل على املستوى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والضم‪ ،‬تختلف بالطبيعة عن‬ ‫الاقتصادي الذي ل يسير إل من خالل سيستام من الاقترانات والدمج‬
‫وتهجر الدفوق‪ ،‬وإن كانت كل‬ ‫تفك الشفيرات ّ‬‫الشيفرات‪ .‬وإذ تعمل الرأسمالية على شكل أكسيوماتية ّ‬
‫التشكيالت السابقة تسير على منوال التشفير وألاقلمة لهذه الدفوق‪ ،‬فإن إلاختالف الرئيس هذا من‬
‫‪012‬‬ ‫حيث الطبيعة هو ّالذي يجعل الرأسمالية – على ما قال ماركس – ا‬
‫نفيا لكل املجتمعات الاخرى‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Anti Oedipe et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972, sur le site électronique :‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1‬‬

‫‪104‬‬
‫‪Gilles Deleuze ou le système du multiple, P 187.‬‬
‫‪105‬‬
‫‪Pourparlers, PP 229-239‬‬
‫‪106‬‬
‫‪Deleuze, Marx and Politics, P 2‬‬
‫‪107‬‬
‫‪Deleuze,‬‬ ‫‪Gilles,‬‬ ‫‪Anti Oedipe‬‬ ‫‪Et‬‬ ‫‪Mille‬‬ ‫‪Plateaux‬‬
‫‪Cours‬‬ ‫‪Vincennes‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪16/11/1971‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=115&groupe=Anti+Oedipe+et+Mille+Plateaux&langue=1‬‬

‫‪38‬‬
‫تميز آلالة الرأسمالية عن آلالت التي سبقتها‪،‬‬ ‫وفي افتتاح الفصل الثالث من الـ آنتي‪-‬أوديب‪ ،‬نلحظ ّ‬
‫تكونت كما هي عليه بفعل الدفوق‬ ‫فالرأسمالية "هي آلالة الاجتماعية الوحيدة‪ ،‬كما سنرى‪ ،‬التي ّ‬
‫كميات ّ‬ ‫مستبدلة الشيفرات الداخلية بآكسيوماتية ّ‬ ‫ا‬
‫مجردة على شكل نقد‪ .‬تحرر‬ ‫املفكوكة الشيفرة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ا‬
‫تعين حدود هذه الدفوق وإمكانيات تحللها‬ ‫شروط اجتماعية‬ ‫ٍ‬ ‫الرأسمالية‪ ،‬اذا‪ ،‬دفوق الرغبة‪ ،‬ولكن في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذاتي‪ ،‬في الوقت عينه الذي ل تكف فيه‪ ،‬بكل قواها الغاضبة عن ازعاج الحركة التي تدفعها الى تلك‬
‫املهجر مكان الجسد بال اعضاء‪ ،‬تندفع الدفوق‬ ‫ّ‬ ‫يحل السوسيوس‬ ‫الحدود‪ .‬وعند حدود الرأسمالية‪ّ ،‬‬
‫ا‬ ‫ّ ا‬
‫استرداديا‪ ،‬كل التاريخ على ضوء‬ ‫ويصح اذا أن نفهم‪،‬‬ ‫املفكوكة الشيفرات نحو الانتاج الراغب‪.‬‬
‫ا‬
‫الرأسمالية‪ ،‬بشرط ان نتابع بشكل دقيق القواعد التي وضعها ماركس‪ :‬بداية‪ ،‬التاريخ الكوني هو تاريخ‬
‫إلاحتمالت‪ ،‬وليس الضرورة؛ [تاريخ] القطوع والحدود‪ ،‬وليس الاستمرارية " ‪.01‬‬
‫لصور‪ ،‬أعضاء‪ ،‬أو عالقات محددة على طول السوسيوس‬ ‫ٍ‬ ‫خلق‬ ‫ان سيرورة ألاكسيوماتية تعني كل ٍ‬
‫جسدا بال أعضاء ولكن بال صورة‪ .‬وعلى هذا املنوال‪ ،‬ستكون‬ ‫ا‬ ‫الرأسمالي‪ ،‬والذي هو بحد ذاته‬
‫وتشكيل لتلك العالقات في‬ ‫ٍ‬ ‫انات لمتناهية من العالقات‪،‬‬ ‫الاكسيوماتية الوسيلة من أجل سلسلة اقتر ٍ‬
‫‪012‬‬ ‫ا‬
‫كل لحظة‪ ،‬كما استخراج الفائض‪ .‬وبهذا الشكل تكون هذه السيرورة اقتصادية بشكل مباشر‪.‬‬
‫ّ‬
‫ان الفعل الاساس ي لكل مجتمع هو تشفير الدفوق ومعاملة الدفوق غير املشفرة بإعتبارها العدو الذي‬
‫يضع موضع التساؤل الارض بأكملها‪ ،‬جسد هذا املجتمع برمته‪ .‬ولكن مجتمع الرأسمالية – بين كل‬
‫املجتمعات‪ -‬هو الوحيد الذي يخرج عن هذه القاعدة؛ ذلك اننا نجد في التشكيلة الاجتماعية‬
‫ُ‬
‫رعب" كل التشكيالت‬ ‫للرأسمالية " مفارقة اساسية"‪ ،‬فإن كان من الصحيح ان نقول أن ما "ي ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الاجتماعية الاخرى هو الدفوق غير املشفرة أو التي تم تفكيك شيفراتها‪ ،‬فإن الرأسمالية تشكل نفسها‬
‫َّ‬
‫رعب كل املجتمعات ‪ :‬وجود الدفوق غير املشفرة‬ ‫ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫تار ا‬
‫مذهل" أل وهو ذاك الذي ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اساس "‬
‫ٍ‬ ‫يخيا على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والذي يشكل جوهر الرأسمالية‪ .‬يقول دولوز في هذا الخصوص ان " آلالة الرأسمالية [هي] آلالة‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫املهجرة [‪ ]...‬ل يعني ذلك ان‬ ‫الاجتماعية التي تشتغل على اساس الدفوق املفككة الشيفرات‪،‬‬
‫ّ‬
‫الهلع الذي كان ينبغي كبحه [‪]...‬‬ ‫ٍ‬ ‫بمظهر‬
‫ِ‬ ‫املجتمعات لم تمتلك فكرة عن ذلك‪ ،‬لقد امتلكت هذه الفكرة‬
‫مجتمعا كهذا ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ٌ‬
‫يفك‬ ‫مجتمع تأسس على نفي كل املجتمعات املوجودة مسبقا؟ ان‬ ‫وهكذا‪ ،‬كيف يشتغل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫شيفرة كل الدفوق ويقوم بإقتالعها ‪ :‬دفوق الانتاج‪ ،‬دفوق الاستهالك ‪ ]...[...‬الذي كنت ابحث عنه حتى‬
‫عالقة‬
‫ٍ‬ ‫وتأسيس‬
‫ِ‬ ‫تأسيس‪ ،‬عند مستوى محدد‪ ،‬لسؤال العالقة الرأسمالية‪-‬الفصام‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الحين هو إعادة‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫مشترك‪ ،‬وربما هو جماعة‬ ‫ٍ‬ ‫كأمر‬
‫ٍ‬ ‫مشترك بين الرأسمالية والفصام‪ :‬ما يملكانها‬ ‫موجودة في ما هو‬
‫ا ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫‪ communauté‬ل تتحقق ّ‬
‫باملرة‪ ،‬ل تأخذ ابدا صورة عينية‪ ،‬انها جماعة املبدأ املجرد ايضا الذي ل‬
‫‪108‬‬
‫‪Anti-Œdipe. P 167.‬‬
‫‪109‬‬
‫‪Deleuze, Marx and Politics, P 93.‬‬
‫‪39‬‬
‫يتوقفان [اي الرأسمالية والفصام) عن محاولة تمريره‪ ،‬بعثه‪،‬اعتراضه وعن تكثيف دفو ٍق مفككة‬
‫‪001‬‬ ‫َّ‬
‫ومهجرة‪".‬‬ ‫الشيفرة‬
‫ُ‬ ‫ان ّ‬
‫تكون الرأسمالية فوق اقترانات الدفوق املنزوعة الشفيرات يستوجب لقاءات كبرى خالل سيرورة‬
‫ّ‬
‫انتزاع الشيفرات الكثيرة التي تشكلت قبيل سقوط النظام الاقطاعي؛ هذه الانتزاعات من كل طبيعة‪،‬‬
‫تحققت في انتزاع شفيرات الدفوق العقارية على شكل تأسيس امللكيات الخاصة الكبرى‪ ،‬انتزاع‬
‫شيفرات الدفوق النقدية تحت شكل نمو ثروة السوق‪ ،‬وانتزاع شيفرات دفوق العمال على شكل‬
‫والخدم‪ .‬وهكذا نرى ان الرأسمالية قد ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُْ‬
‫تكونت‬ ‫إلاقليمي لصغار املزارعين‬ ‫مصادرة امللكية‪ ،‬وإلاقتالع‬
‫ا‬ ‫وتشكلت على رفات كل الشيفرات وإلا ّ‬ ‫ّ‬
‫قليميات الاجتماعية املوجودة مسبقا‪ ،‬ولذلك يمكن القول عنها‬
‫أنها "آلالة الراغبة املذهلة" والتي يكفي بحسب دولوز أن نأخذ في الاعتبار "مجموع العرضيات‬
‫ا‬
‫تقاطعا من الرغبات‪ ،‬وان بنيتها‬ ‫‪ contingence‬التي كانت في اصل الرأسمالية‪ ،‬كي نرى الى اي حد كانت‬
‫التحتية‪ ،‬اقتصادها بحد ذاته‪ ،‬لم يكونا منفصلين عن ظواهر الرغبات [‪ ]...‬ان الرأسمالية قد ارتبطت‬
‫ا‬
‫بقمع وحش ّي‪ ،‬وكان لها منذ البدء سلطة وجهازها في الدولة"‪.000‬‬ ‫منذ نشوئها ٍ‬
‫تشتغل الرأسمالية على اقتران الدفوق التي تفككت شيفراتها‪ ،‬بإعتبارها آلة أكسيوماتية تقوم ا‬
‫دوما‬
‫بتفكيك شيفرات النقود والعمل وتستدخلها ّ‬
‫آلة جديدة‬ ‫جديد او باألحرى على ِ‬
‫شكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫وتكونها‬
‫ا‬ ‫بالرغم من انها بذاتها ليست آلة تشفير‪ّ .‬‬
‫ويميزدولوز الاكسيوماتية عن التشفيروفقا لخمسة تعارضات‬
‫مفصل في إحدى محاضراته في العام ‪ ،0070227‬بعد أن يستذكر السمات‬ ‫ّ‬ ‫بشكل‬ ‫أو إختالفات عرضها‬
‫ٍ‬
‫سيستاما من املحايثة؛ وتستند هذه السمات على عالقة تفاضلية‬ ‫ا‬ ‫الثالث لآللة الرأسمالية بإعتبارها‬
‫واملهجرة‪ ،‬حيث ان هذه العالقات التفاضلية ل تعني بأية حال‬ ‫َّ‬ ‫بين الدفوق املفككة الشيفرات‬
‫استبدال شيفرة بأخرى‪ ،‬أو أقلمة بأخرى‪ ،‬بل ان "السمة ألاولى للمحايثة الرأسمالية هي هذا الفضاء‬
‫من الاكسيوماتية القائمة على فعل تجديد وتأسيس للعالقات التفاضلية بين الدفوق مفككة‬
‫َ‬
‫املهجرة هو‬ ‫جي للدفوق‬ ‫واملهجرة بإعتبارها كذلك"؛ من ناحية ثانية‪ ،‬وإن كان الحد الخار ّ‬ ‫َّ‬ ‫الشيفرات‬
‫الفصام‪ ،‬فإن العالقات التفاضلية تقرن وتحث وتدفع هذا الحد وتستبدل مجموعة من الحدود‬

‫‪110‬‬
‫‪Deleuze,‬‬ ‫‪Gilles,‬‬ ‫‪Anti Oedipe et Mille Plateaux, Cours Vincennes‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪16/11/1971‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=115&groupe=Anti+Oedipe+et+Mille+Plateaux&langue=1‬‬

‫‪111‬‬
‫‪L’ile déserte, P 373.‬‬
‫‪112‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Anti Oedipe et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972, sur le site électronique :‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1‬‬

‫‪40‬‬
‫َ‬
‫الداخلية املنتجة على مستوى أكبر‪ ،‬ذلك أن "السمة الثانية للمحايثة الرأسمالية هي إعادة الانتاج‬
‫املحايثة لرأس املال"‪ّ .‬أما السمة الثالثة فهي املتعلقة بالنتاج‬ ‫ِ‬ ‫دوما من الحدود‬ ‫على مستوى أكبر ا‬
‫جهاز لالنتاج املضاد‪،‬‬ ‫انتاجي ما من دون أن يعلن انتماءه الى‬‫ّ‬ ‫نشاط‬
‫ٍ‬ ‫املضاد حيث ل يمكن الكالم عن‬
‫ٍ‬
‫وإنطالقا من هذه السمة ّ‬ ‫ا‬
‫يميز دولوز بين "البيروقراطيات القديمة إمبريالية النمط‪ ،‬وبين‬
‫البيروقراطيات الحديثة التي تعمل على إطالق جهاز الانتاج املضاد على مستوى كل النشاطات‬
‫الانتاجية"‪.‬‬
‫ّأما إلاختالفات بين الاكسيوماتية والتشفيرفهي التالية‪:‬‬
‫إلاختالف ألاول يفيد طبيعة عمل الشيفرات وما ينتج عنها من صناعة أسر ٍار‪ ،‬وما ينتج عن‬
‫َ‬
‫سريا رّبما أو اي ش ٍيء آخر ل يمكن له أن ُيعلن أو‬ ‫ا‬
‫مجتمعا ا‬ ‫إخفاء وتورية؛ ويفيد ّ‬
‫السر‬ ‫ٍ‬ ‫الاكسيوماتية من‬
‫إخفاء أو تورية أو‬
‫ٍ‬ ‫تناقض أو من دون تلغيم السيستام وتفجيره‪ ،‬حيث ل يمكن الكالم عن‬ ‫ٍ‬ ‫يظهر من دون‬
‫مر هذا عبر الشيفرات السرية‪ ،‬ذلك ان ميدان التورية وفئاتها هو ش يء آخر مختلف‬ ‫حجاب حتى لو ّ‬
‫يميز الاكسيوماتية عن التشفير‪ ،‬اذ تنتمي فئات‬ ‫السر‪ ،‬وهذا ما ّ‬ ‫تماما مع ميدان الاسراروفئات ّ‬ ‫متعارض ا‬
‫السر الى التشفير والتشفير املضاعف وألاقلمة وإعادة ألاقلمة فيما ستنتمي فئات التورية والحجاب الى‬ ‫ّ‬
‫الاكسيوماتية وفك الشيفرات وإلاقتالع‪.‬‬
‫لكل من‬‫وإن كانت تتم معاملة أسوأ "الجرائم" في الشيفرة عبر شكلين هما التشفير املضاعف لألعضاء ّ‬
‫السر؛ فإن معاملة هذه‬ ‫ّ‬ ‫حاول الهروب من التشفير أو حركة من الاقصاء والطرد والنفي ّ‬
‫لكل من افش ى‬
‫مرة نحاول فيها‬ ‫الجرائم في التشكيلة الرأسمالية تختلف بإختالف الاكسيوماتية عن التشفير‪ " :‬في كل ّ‬
‫اي ش يء حول كيفية سير وعمل هذه آلالة فإننا نصطدم بجدران [‪ ]...‬جدار الشرطة والصمت‬ ‫معرفة ّ‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مرعبا [‪ ]...‬وحين نريد ان‬ ‫مصنع ما سيكون‬
‫ٍ‬ ‫في‬ ‫ل‬ ‫يحص‬ ‫ذي‬ ‫ال‬ ‫ما‬ ‫ومعرفة‬ ‫[‪]...‬‬ ‫محاولة‬ ‫كل‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫يعا‬ ‫ذي‬ ‫ال‬
‫السر من ناحية الشيفرة‪ ،‬بل أمام ش ٍيء آخر [‪]...‬‬ ‫ّ‬ ‫سجن لن نجد انفسنا في فئة‬ ‫عما يحصل داخل‬ ‫نعلم ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫شيئا على املستوى‬ ‫ا‬ ‫شيئا حتى على مستوى أبسط املعلومات‪ ،‬ول ّ‬ ‫ا‬ ‫نظام ل ّ‬ ‫انه ٌ‬
‫املحلي‪ ،‬انها‬ ‫يتحمل‬ ‫يتحمل‬
‫القوة باملقابل‪.‬‬‫بقوة قمع عاملية تصنع هذه ّ‬ ‫يعوض عن هذه الهشاشة ّ‬ ‫هشاشته بهذا املعنى‪ ،‬ولكنه ّ‬
‫ٍ‬
‫ميدان آخر هو ميدان التورية – التي ليست ذاتية أو نفسانية الرأسماليين‬ ‫ٍ‬ ‫ليس هو ناظم اسرار [‪ ]...‬بل‬
‫– بل التورية املوضوعية التي تنتمي الى الحركة املوضوعية الظاهرة في رأس املال‪ 003".‬ولهذا السبب‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫شكل واحد للنقد‬ ‫يبدو خاطئا قولنا إن هناك في الرأسمالية شكلين من النقود بل يجب التحدث عن ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تفاضلي‪ ،‬وهذا‬ ‫الذي يتخذ شكلين هما دفوق العائدات ودفوق التمويل التي تتمفصل وفق ر ٍ‬
‫ابط‬
‫ّ‬
‫خيالي‬ ‫شكلي الدفوق وعالقاتها التفاضلية لن يعمل سوى بشرط أن يظهر كمبدأ‬ ‫ْ‬ ‫الشكل ّ‬
‫املكون من‬
‫‪113‬‬
‫‪Ibid.‬‬

‫‪41‬‬
‫ّ‬
‫الرأسمالي حيث يخفي الالتجانس في‬ ‫شكلي الدفوق‪ ،‬وهذا ما يقوم به الذهب في النظام‬ ‫ْ‬ ‫للتجانس بين‬
‫الدفوق وطبيعة العالقة التفاضلية بينهما‪.‬‬
‫ّ‬
‫إلاختالف الثاني بين التشفير والاكسيوماتية يتعلق بطبيعة العالقة التي تربط التشفير والاكسيوماتية‬
‫بالدفوق‪ّ .،‬أما في الاكسيوماتية‪ ،‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬لن نجد عالقات غير مباشرة بين الدفوق التي‬
‫ّأهلتها الشيفرة‪ ،‬بل ان تأهيل الدفوق هو نتيجة للعالقات التفاضلية في ما بينها هي التي ل تمتلك ّاية‬
‫كيفية مستقلة عن العالقة التفاضلية التي هي السمة املميزة لألكسيوماتية‪ ،‬وعلى هذا املنوال يعتبر‬
‫ّ‬
‫آخر لرأس املال وتأهيلهما ورصدهما وتكييفهما‬ ‫ٍ‬ ‫ودفق‬
‫ٍ‬ ‫للعمل‬ ‫دفق‬
‫ٍ‬ ‫عن‬ ‫م‬ ‫التكل‬ ‫دولوز اننا لن نستطيع‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫أسماليا على الدوام‬ ‫بشكل مستقل عن العالقة التفاضلية التي يدخالنها‪ ،‬وإل يبقى الرأسمالي ر‬
‫ّ‬ ‫افتراضيا لن يبيع ّ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫قوة عمله ألن اللقاء الوحيد الذي يمكن ان يقوم في حالة غياب عالقة‬ ‫والعامل عامال‬
‫لقاء افتراض ّي وليس ّ‬
‫فعلي‪.‬‬ ‫وعمال افتراضيين‪ ،‬اي ٌ‬ ‫أسمالية افتراضية ّ‬
‫ٍ‬ ‫تفاضلية هو اللقاء بين ر‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫بنظام‬
‫ٍ‬ ‫ّأما بخصوص نقطة الاختالف الثالثة‪ ،‬على املستوى الاكسيوماتي للرأسمالية‪ ،‬فيتعلق ألامر‬
‫ّ‬
‫النهائي‬ ‫جديدا هنا هو استبدال سيستام التوليف‬ ‫ا‬ ‫لمتناهي‪ ،‬نظام للتدمير وللخلق في آن‪ ،‬وما يبدو‬
‫بنظام من الدين املتناهي‪ ،‬وأن الالمتناهي ينتمي بالتحديد الى نظام الاكسيوماتية‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬
‫واملتحرك‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫الالمتناهي نجده على مستوى الاقتصاد الرأسمالي الذي وصفه ماركس حيث شدد على الازدهار‬
‫مال‪ " :‬بقدر ما هي الشيفرة نظام ْ‬‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫الدين‬ ‫الالمتناهي الذي يتخذ شكال له الطريقة التي ينتج فيها املال‬
‫الدين الالمتناهي‪ .‬على املستوى‬ ‫املتناهي والاقتصاد املتناهي‪ ،‬بقدر ما الاكسيوماتية هي سيستام ْ‬
‫ّ‬ ‫الابسط‪ ،‬لن نتوقف ا‬
‫ابدا عن دفع الديون؛ هذا العقاب الذي ل ينتهي‪ ،‬التعويض الامتناهي‪ ،‬هذا ما‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫نراه على املستوى الاقتصادي‪ ،‬اي املرور الكبير للشيفرات القديمة التي تشكل مادة متناهية في‬
‫ا‬
‫جوهرها‪ ،‬مع الاكسيوماتيات ذات الطابع الرأسمالي التي تصنع‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬مادة اساسها‬
‫‪004‬‬
‫الالتناهي‪".‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫الاختالف الرابع يتعلق بموقع الجسد الخالي من الاعضاء بإعتباره الالمنتج أو املضاد لإلنتاج في نظام‬
‫ّ‬
‫التشفير والاكسيوماتية‪ ،‬ذلك ان الاكسيوماتية الرأسمالية هي التشكيلة الاجتماعية الوحيدة التي‬
‫ُ ا‬
‫اقتصادية فاضحة ومباشرة على شكل رأس املال‬ ‫ٍ‬ ‫فرض‬
‫ٍ‬ ‫تصبح قوة‬ ‫حين تجري فوق الجسد املمتلىء‬
‫ّ‬
‫النقدي الذي تستند اليه كل القوى الانتاجية‪ ،‬وفوقه تسيل كل الدفوق‪ .‬وعلى العكس من التشكيالت‬
‫السابقة ليس هناك من فر ٍق في الطبيعة أو في الزمن بين العمل والعمل املضاعف‪ ،‬ويستحيل التمييز‪،‬‬
‫إل على املستوى ّ‬ ‫ّ‬
‫املجرد‪ ،‬بين طبيعة العالقات التفاضلية‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫‪Ibid.‬‬

‫‪42‬‬
‫الاختالف الاخير بين التشفير والاكسيوماتية يحيل الى وسم الدفوق؛ ففي النظامين السابقين ل يجري‬
‫وسم الاشخاص بل الدفوق‪ ،‬ولكن على العكس من ذلك في الرأسمالية يجري وسم الدفوق بمقتض ى‬
‫حالة من تفكيك الاستثمار الجماعي‪ ،‬وسيكون الشرج ‪ anus‬اول‬ ‫تفكيك الشيفرات‪ّ ،‬‬
‫وتمر الاعضاء في ٍ‬
‫الاعضاء التي ستخرج من سياق الاستثمار الجماعي‪ ،‬وستتبعه الاعضاء الاخرى‪ .‬وهذا معناه ان‬
‫ا‬ ‫الاستثمارات الجماعية في الرأسمالية ل ّ‬
‫تمر عبر الاستثمارات الجماعية لألعضاء التي ستكون شانا‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫خاصا‪ .‬ولكن ملاذا الامر على هذا النحو؟ يجيب دولوز بالقول إن " الاستثمارات الجماعية لألعضاء‬
‫معا‪.‬‬‫تفيد من مختلف املناحي ما هو اساس ّي في شيفرة ما بإعتبارها آلة لتحطيم املصاهرات والبنوات ا‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وان كنا نستخدم مصطلح آلة فلكي نشير ان املوضوع ل يتعلق بأكسيوماتية ما‪ ،‬أو بسيستام‬
‫ابدا البنوات [‪ ]...‬هناك آلة تقرن هذه بتلك‪ ،‬وهي آلة تعمل على‬ ‫استنتاجي‪ .‬ل تتضمن املصاهرات ا‬
‫يمر عبر شكل الانتاج البشر ّي [‪ ]...‬وان‬ ‫مستوى الشيفرات [حيث] ان شكل اعادة الانتاج الاجتماعي ّ‬
‫ابدا عائلة‬‫أمر سياس ّي واستراتيجيا وتكتيك‪ ،‬بمعنى آخر ليست ا‬ ‫دوما في مجتمع الشيفرات ٌ‬ ‫العائلة هي ا‬
‫[بل] الشكل املباشر إلستثمار الحقل الاجتماعي فوق‪-‬العائلي‪ ،‬وهنا تجد العائلة وظيفتها الاستراتيجية‬
‫من حيث تقرن البنوات مع املصاهرات [‪ ]...‬ومن هنا ضرورة التشفير الجماعي لألعضاء"‪ّ .005‬أما في‬
‫الرأسمالية‪ ،‬وإن احتفظت املصاهرات والبنوات بمعانيها ولكن يجري هذا الاحتفاظ بمقتض ى طبيعة‬
‫ّ‬
‫جديدة للجسد املمتلىء من حيث هو الرأسمال النقدي الذي سيحيل الى نفسه فئات املصاهرة‬
‫نظام جديد من املصاهرة‪ ،‬حيث ستكون العملية التي من خاللها ينتج رأس املال‬ ‫والبنوة‪ ،‬ما يدخلنا الى ٍ‬
‫صناعي‪" :‬ان الرأسمال الصناعي هو رأس مال البنوة‪ ،‬ورأس مال املصاهرة هو رأس‬ ‫ّ‬ ‫كرأسمال‬ ‫النقد‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫املصرفي ووفق شكله التجار ّي‪ .‬ويصح القول إن الرأسمالية‪ ،‬في جوهرها‪ ،‬وفي‬ ‫ّ‬ ‫مال السوق على الشكل‬
‫تحديدها الخاص كتشكيلة إجتماعية‪ ،‬هي صناعية [‪ ]...‬حيث يكون رأس املال املشتري لوسائل الانتاج‬
‫املهجرين من إقليمهم؛ [‪ ]...‬ولكن في املقابل‪ ،‬ان اشتغال الرأسمالية يتحدد بالرأس‬ ‫العمال ّ‬ ‫ولقوة عمل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صناعي‪ .‬ما يسمح‬ ‫أسمال‬
‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫ى‬ ‫بمقتض‬ ‫ه‬ ‫املوج‬
‫ِ‬ ‫ه‬‫ر‬‫ودو‬ ‫استقالليته‬ ‫كل‬ ‫ينال‬ ‫ذي‬ ‫ال‬ ‫مال البنكي والتجاري‬
‫ا‬ ‫ا ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫أسمال بنوي‪ ،‬مال يولد مال الى ما‬ ‫ٍ‬ ‫بالقول إن البنوة قد اصبحت شيئا من الرأسمال على شكل ر‬
‫مصاهرة ذات الشكل‬
‫ٍ‬ ‫أسمال‬
‫ِ‬ ‫هيئة ر‬‫لنهاية‪ ،‬ومن ناحية أخرى تصبح املصاهرة موضوع الرأسمال على ِ‬
‫البنكي والتجار ّي‪ .‬اعتبا ارا من هذه اللحظة‪ ،‬ليست فقط هي تدوينات الرأسمال التي ل تجري فوق‬
‫املكونات الخاصة‬ ‫ّ‬ ‫ايضا فوق الاعضاء‪ :‬أصبحت البنوة واملصاهرة‬ ‫الاشخاص‪ ،‬بل انها ل تجري ا‬
‫‪006‬‬
‫للرأسمال"‬

‫‪115‬‬
‫‪Ibid.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪43‬‬
‫جديدة من التفكير في‬ ‫ّ‬
‫يوسع دولوز (وغاتاري) الفهم املاركس ي الى ما بعد تطبيقاته التقليدية عبر طريقة‬
‫ٍ‬
‫تميز دور صراع الطبقات‪ ،‬فإن ذلك يؤدي الى التفكير‬ ‫الواقع الاجتماعي‪ .‬وإن كانت النظرية املاركسية ّ‬
‫مسبقا‪ ،‬ما ينتج عنه فشل النظرية املاركسية في ادراك دور‬ ‫ا‬
‫بالرأسمالية من خالل هويات مفترضة‬
‫الرغبة ودرجات التعقيد في الالوعي‪ ،‬ما يدفع الى إعادة أفهمة بمصطلحات آلالية‪ ،‬الدفوق والاراض ي‬
‫ا‬ ‫والاقاليم‪ .‬ا‬
‫تبعا لذلك‪ ،‬يشدد دولوز (وغاتاري) على دور الالوعي ليس بإعتباره مشتقا من الوعي‪ ،‬أو من‬
‫ّ‬
‫غبات يجري تنظيمها وترتيبها‬
‫حيث هو نشاط يتطلب التنشئة الاجتماعية‪ ،‬بل بالحرى على شكل ر ٍ‬
‫كإقتطاع له‬
‫ٍ‬ ‫واستثمارها عبر دفوق الرأسمالية‪ .‬وستبدو هذه الاخيرة كنوع من خصخصة لالوعي‪ ،‬أو‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫إلاقليمي للدفوق ومن ثم اعادة أقلمتها لحقا‪.‬‬ ‫بفعل حركة إلاقتالع‬

‫‪44‬‬
‫ّ‬
‫الفصامي بمواجهة أوديب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫ا‬
‫أول‪ :‬نقد التحليل النفس ّي‬
‫وبعيدا من النقد التقليدي‬ ‫ا‬ ‫يقيم جيل دولوز مع التحليل النفس ّي ما يمكن ان ّ‬
‫نسميه عالقات مجابهة‪.‬‬
‫يعبر مؤلف آنتي‪-‬أوديب عن رفضه لكل الطروحات التي تؤسس للتحليل النفس ي‬ ‫للتحليل النفس ّي‪ّ ،‬‬
‫التقليدي‪ ،‬مثل مقولة النقص أو آلالة التأويلية التحليلية‪ .‬ول يتعلق الامر بمشابهة بالتسمية بين‬
‫ا‬ ‫شكل ا‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫نقدا عنيفا‬ ‫مضادا‪ ،‬بل ان هذا الاخير‪ ،‬كما يدل عنوانه‪ ،‬ي‬ ‫مضادا كتاب نيتشه‪ ،‬وأوديب –‬ ‫املسيح‪-‬‬
‫وقاسيا للتحليل النفس ي – الفرويدي‪ -‬وألفاهيمه ألاوديبية في الالوعي والرغبة‪ .‬أن أوديب فرويد يبدو‬ ‫ا‬
‫وكأنه صيغة معلمنة عن العائلة املسيحية املقدسة بمثلثها العائلي (ألاب – ألام – الولد)‪ .‬ول يتعلق‬
‫الامر فقط بعجز البنية ألاوديبية هذه عن الوصول الى حقيقة الرغبة‪ ،‬بل يتعدى الامر ذلك الى قمع‬
‫هذه الرغبة بسجنها في بنية مثالية الطابع ومفا ِرقة تجد أصلها في صورة الخلية العائلية‪.‬‬
‫ويظهر آنتي‪-‬أوديب كمحاولة لنزع الصفة الاسطورية والسحرية عن الافهوم ألاوديبي لالوعي‪ ،‬ويظهر‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫الكتاب كمعركة تخاض ضد التحليل النفس ّي‪ ،‬وهي معركة مستلهمة من الفلسفة الحيوية الراديكالية‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫للمؤلفين‪ ":002‬علينا ان نقول ان للتحليل النفس ّي امليتافيزيقيا الخاصة به‪ :‬أوديب‪ .‬وأن ثورة‪ ،‬مادية‬ ‫ِ‬
‫هذه املرة‪ ،‬ل يمكنها أن تعبر إل من خالل نقد أوديب‪ ،‬برفض الاستخدام غير الشرعي لتركيبات الالوعي‬
‫كما تظهر في التحليل النفس ي ألاوديبي‪ ،‬بشكل يمكن العثور من خالله عن لوعي مفارق يتحدد بمحايثة‬
‫ّ‬
‫فصامي" ‪. 00‬‬ ‫مناظرة كتحليل‬
‫معاييره‪ ،‬وممارسة ِ‬
‫ليس التمثيل ألاوديبي مجرد خطأ في التحليل النفس ي يتصل بالالوعي وبالرغبة‪ ،‬كما ان هذه الاسطورة‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫التحليلية النفسية ليست ا‬
‫وهما ينبغي تصحيحه‪ ،‬لنه على ارض الوقع يتخذ وظيفة محددة يحتاجها‬
‫التحليل النفس ي الكالسيكي‪ :‬تقييد الرغبة‪ ،‬والقضاء على الانتاج الراغب ضمن املثلث العائلي الذي‬
‫ّ ّ‬ ‫ينتزع الرغبة من استثماراتها الاجتماعية‪ .‬هذا ما ّ‬
‫الفصامي شكل على الدوام حدا‬ ‫يفسر ان الذهان‬
‫نقدم ضد‬‫للتحليل النفس ّي بإعتبا ه ّالذي ل يمكن النفوذ اليه‪ ،‬املستحيل عالجه‪ 002.‬يقول دولوز ‪ ":‬لم ّ‬
‫ر‬
‫ُ‬ ‫ّ ّ‬
‫التحليل النفس ّي سوى انتقادين‪ :‬انه يكسر كل انتاجات الرغبة‪ ،‬ويسحق كل تشكالت النطق‪ .‬من هنا‬
‫ّ‬
‫فإنه يحطم الارتصاف بوجهيه‪ ،‬الارتصاف آلالوي للرغبة‪ ،‬والارتصاف الجمعي للملفوظ"‪.071‬‬
‫تتحول الواحدة منهما الى الاخرى وبالعكس‬ ‫ّ‬ ‫وفي حين اعتبر فرويد ان السادية واملازوشية انحرافات‬
‫التصدع أو التشقق البنيوي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بفعل تحولت الانا والانا الاعلى‪ ،‬يرى دولوز إن هذا الانحراف مرده الى‬
‫ا‬
‫بينهما‪ ،‬وهو انحراف يجب اكتشافه والبحث فيه أكثر مما يجب معالجته‪ ،‬بإعتبارها شكال من أشكال‬

‫‪117‬‬
‫‪Deleuze and psychoanalysis, p 27‬‬
‫‪118‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 92.‬‬
‫‪119‬‬
‫‪Deux régimes de fous, P 72-73‬‬
‫‪0‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪46‬‬
‫"التفكير بطريقة أخرى" تقدم امكانات جديدة للحياة‪.070‬وفي كتابه الشهير الاختالف والتكرار ّ‬
‫يطور‬
‫دولوز رؤيته للمازوشية في سياقه مجابهته لطروحة فرويد حول غريزة املوت‪ ،‬وهو وإن وافقه على‬
‫ّ‬
‫القول بأن هذه الغريزة لواعية وتكشف عن نفسها فقط عبر اقترانها باإليروس (غريزة الحياة)‪ ،‬ولكنه‬
‫ل يوافق على الفكرة التي تعتبر ان غريزة املوت ليست سوى ميل املادة عضوية الى استعادة حالتها‬
‫‪077‬‬
‫الالعضوية السابقة‪.‬‬
‫ا‬
‫نموذجا للفهم الخاطىء‬ ‫بدءا بفرويد وحتى تالميذه‪ -‬باستثناء يونغ ّبما‪ّ -‬‬
‫يقدم‬ ‫ان التحليل النفس ّي ا‬
‫ر‬
‫تصور دولوز‪ّ ،‬‬
‫متنوعة تمس املنهج واملفاهيم والغايات‪.073‬‬ ‫للرغبة‪ ،‬وعناصرهذا الفهم‪ ،‬في ّ‬

‫الرغبة كنقص والتذويت‬


‫ّ‬
‫الرغبة‪ ،‬حيث ل يأخذ التحليل النفس ّي في الاعتبار سوى‬‫ِ‬ ‫من حيث املفاهيم‪ ،‬يتعلق ألامر بفهم معنى‬
‫ا‬
‫مستعيدا الفهم‬ ‫ّ‬
‫السيكولوجي البحت‪ ،‬ول يراها الا من زاوية السلوك الفردي‪،‬‬ ‫الجانب النفساني أو‬
‫ّ‬
‫مخفي‪ ،‬مما‬ ‫الافالطوني لها عبر إختزالها الى الحاجة وربطها بالنقص‪ .‬ويحيل الرغبة ا‬
‫دائما الى ش ٍيء آخر‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ا‬
‫نسق معطى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫خطية‬ ‫دفة‬ ‫ش‬ ‫يجعل منها كناية أو استعارة‪ .‬ان ما يقوم به فرويد فعال هو انتزاع‬
‫وتجريد لحظة من هذا الدفق الرغبوي‪ ،‬ومن ثم يكسر مجموع الرغبة وصيرورتها الفعلية ّ‬
‫ويعوضها‬ ‫ٍ‬
‫بتشابهات خيالية مبالغ في رمزيتها‪ ،‬حتى تبدو كل انتاجات الرغبة موسومة بالنقص والسلب والعيب‪،‬‬
‫ّ‬
‫وبالخص ّي الذي يخفي الرغبة هذه أو تلك‪ ،‬حتى تصبح محصورة بين توجهين ‪ :‬فهي إما أنها موسومة‬
‫بالنقص والعيب والسلب‪ ،‬وإما أنها متسامية‪ ،‬أي أنه يتم تجاوزها نحو ش يء آخر‪.074‬‬
‫يقول دولوز عن فرويد أنه "ريكاردو‪ ‬العالج النفس ّي" ذلك "انه اكتشف الجوهر ّ‬
‫املجرد للرغبة‪ ،‬ولم‬
‫يكتشفها من ناحية ألاوضوعات ‪ objectites‬الكبرى‪ ،‬هوس الارض أو هوس املستبد‪ ،‬بل اكتشفها في‬
‫ملجرد‪ّ ،‬‬
‫يسميه الليبيبدو؛ ولهذا الليبيدو‬ ‫النشاطية الذاتية للرغبة‪ .‬هذه النشاطية الذاتية أو الجوهر ا ّ‬

‫‪121‬‬
‫‪Jones Graham & Roffe Jon, Deleuze’s Philosophical Lineage, Edinburgh University Press, 2009, pp 219-220-222-223.‬‬

‫‪122‬‬
‫‪Ibid., p 226‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ ، 0‬ص ‪.11‬‬ ‫حدجامي‪ ،‬عادل‪ ،‬فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الطبعة الاولى‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪ ‬ديفيد ريكاردو ‪ ) 1 1- 99 ( David Ricardo‬هو واحد من أملع الاقتصاديين الكالسيكيين الى جانب آدم سميث‪ ،‬توماس مالتوس وجيمس ميل‪ .‬اعتقد‬
‫مجردة ملفهوم فائض القيمة ّالذي استند اليه ماركس ً‬
‫الحقا في‬ ‫ريكاردو أن قيمة الربح الاجمالي ملجتمع ما تعتمد على كمية العمل‪ّ .‬‬
‫قدم ريكاردو صيغة أولية ّ‬
‫دراسة الاقتصادي السياس ي للرأسمالية‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫ّ‬
‫غاياته ومصادرره وموضوعاته‪ ،‬ولكن نعرف انه بالنسبة لفرويد فإنه يتخطى غاياته الخاصة‪ ،‬كما‬
‫ا ‪075‬‬
‫مصادره وموضوعاته [‪ ]...‬على هذا املستوى‪ ،‬فرويد وريكاردو متشابهين تماما"‬
‫ا‬
‫موحدا‪.‬‬ ‫ا‬
‫جوهرا‬ ‫يعارض دولوز التحليل النفس ي الفرويد في نقطة محورية هي رفض اعتبار الذات‬
‫وينبغي التذكير ان من بين الاهداف الرئيسية لفلسفة دولوز وغاتاري (كما لفوكو) تهشيم املقولة‬
‫متفكرين بوجودها إر ا‬
‫تداديا‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ّ‬
‫ذات تحليلية‬ ‫ثم تطوير ٍ‬ ‫التقليدية للذات بإعتبارها جوهر الفردانية‪،‬‬
‫لتذويت في خرائطية ‪ cartographie‬متعددة التراكيب مناقضة‬ ‫ٍ‬ ‫فصامية بتركيب انضودة مضاعفة‬
‫ّ‬ ‫لثنائية الوعي والالوعي الفرويدية‪ .‬ول يعني ذلك ٌ‬
‫نفي لسيرورة الفردنة ولكن الاقرار بأن الذاتية توزع‬
‫ّ‬ ‫ذاتها بقدر ما هي ابعد من الفردية بقدر ما هذه تكون قبلها من جانب ّ‬
‫شدات قبل‪ -‬نطقية‪ .‬يتعلق الامر‬
‫شروط محددة‪ ،‬وذلك مقابل الوحدانية الديكارتية او‬ ‫ٍ‬ ‫بإقرار تعددية انضودات ذاتية تظهر من خالل‬
‫‪076‬‬ ‫ّ‬
‫متوحدة فردية ‪.‬‬ ‫ذات ِ‬ ‫الفينومينولوجية‪ ،‬حيث الاحالة املطلقة الى ٍ‬
‫ويعرض دولوز معارضته للطريقة التي يعتبر فيها التحليل النفس ي الفرد كذات‪ ،‬ويرفض الفرضية‬
‫َ‬
‫املسبقة وغير املبررة لذات ُينظر اليها على انها ِوحدة يفرض التحليل النفس ّي عليها آلة كشفية‬
‫‪ heuristique‬ولكن زائفة بالقدر نفسه‪ .‬وفي نصه "الفرضيات الاربعة للتحليل النفس ّي" يستبعد دولوز‬
‫تمر دفوق الرغبة تحت‬ ‫التحدث بمفردات الذات وألانا‪ .‬يقول دولوز ‪ّ ":‬‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫متجنبا‬ ‫"آلة التذويت" هذه‪،‬‬
‫نطق وهمية‪ ،‬أنا مطلقة [‪ ]...‬في تراتبية وتنضيد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دال إمبريالي [‪]...‬لقد تم خلق ذات ٍ‬ ‫هيمنة سيستام ٍ‬
‫نظريا يختلط ألامر مع التاريخ الطويل للكوجيتو [‪ ]...‬اصبحت نقطة الدللة نقطة‬ ‫لواقع مهيمن [‪ ]...‬ا‬
‫ا‬ ‫ٍ‬
‫عالمات تحيلُ‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫التذويت‪ :‬املحلل النفس ي بعينه‪ .‬وانطالقا من هذه النقطة‪ ،‬وبدل تسليط الضوء على‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫واحدة منها الى ألاخرى‪ ،‬فإن عالمة أو كتلة من العالمات تتعاقب على خطها الخاص‪ ،‬مكونة ذاتا‬
‫ا‬
‫للنطق‪ ،‬ومن ثم ذاتا للملفوظ تنغلق عليها الذات الاولى"‪.072‬‬
‫ّ‬ ‫مثال حيث ّ‬ ‫ا‬
‫التصور الالكاني للكالم هو انتزاع الرغبة في الكالم من بعدها‬ ‫يتحدث عن‬ ‫ما يقوم به دولوز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذاتي‪ ،‬حيث يصبح هذا النسق من املجهول هو املتكلم‪ ،‬وبالتحديد املتكلم من دون ذات‪ ،‬بتعبير‬
‫وهما تصنعه اللغة والحلم او‬ ‫تأمل أو ا‬ ‫تصور أو حالة ّ‬ ‫ّ‬ ‫فوكو ّي‪ .‬ولم تعد الرغبة والحالة هذه ّ‬
‫مجرد‬
‫يفرخ اختالفات لشخصية وانتاجات‪ ،‬ولذلك‬ ‫الاسطورة بل اصبحت الحياة بأكملها تدفق رغبوي‪ّ ،‬‬
‫وتدمر اي‬‫فالرغبة ثورية‪ ،‬تخرج عن كل الاحداثيات املتعلقة بعلم الشخصية واملوضوعات الخارجية‪ّ ،‬‬

‫‪125‬‬
‫‪Deleuze, Cours de Vincennes, anti œdipe et mille plateaux, 15/02/1972. Sur le site‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/liste_texte.php?groupe‬‬
‫‪126‬‬
‫‪Bains, Paul, subjectless subjectivities, in a shock to though, Expression after Deleuze and Guattari, (edited by Brian Massumi), Taylor‬‬
‫‪& Francis e-Library, 2005, P 203.‬‬
‫‪127‬‬
‫‪Deux régimes de fous, PP 76- 99‬‬
‫‪48‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫نسق مغلق او بنية اختزالية‪ ،‬وقبل وجود اي ذات راغبة هناك الرغبة التي تن ِتج ‪ ،07‬من حيث هي خط‬
‫الهروب ّالذي ل ُيختزل في شخصية سيكولوجية كما يفعل التحليل النفس ّي أو السلو ّ‬
‫كي‪ ،‬بل كل ما‬
‫ّ‬ ‫تتبع حركته املفتوحة على العالم‪ ،‬في ّ‬
‫يمكننا فعله‪ ،‬هو ّ‬
‫حياة‬
‫مسار ٍ‬
‫ِ‬ ‫تحولتها ومخاتلتها وتمنعها في‬
‫‪072‬‬
‫مجتمعة‪.‬‬

‫مسرحة الالوعي وامبريالية أوديب‬


‫ّ ا‬ ‫إن ّ‬
‫مطول فذلك‪ ،‬كما رأى دولوز‪ ،‬من أجل إختزاله وتدميره‬ ‫تحدث التحليل النفس ّي عن الالوعي‬
‫ا ّ ‪031‬‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫إل بإعتباره ا‬
‫نقيضا للوعي‪ ،‬بل بإعتباره "سلبيا‪ ،‬طفيليا [و]عدوا"‬ ‫نفيا أو‬ ‫وإبعاده‪ ،‬والتعامل معه‬
‫للوعي‪ .‬وان ما يدعوه التحليل النفس ي انتاج الالوعي ل تظهر سوى على شكل صراعات‪ ،‬وتعطيالت أو‬
‫التصور الفرويدي لالوعي‪ ،‬وإن كان أكبر فتوحات التحليل النفس ّي‪ ،‬يحيل الى‬ ‫ّ‬ ‫مساومات أو تساميات‪.‬ان‬
‫وبناء على الرؤية الفرويدية تبدو وكأنها قد‬ ‫ما يشبه الدائرة املغلقة في تفسير الحياة النفسية؛ فهذه ا‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫قبلي‪ ،‬شبه نهائي وحاسم‪ ،‬وتظر حياة الافراد الحاضرة تكرا ارا ل ينتهي لنفس‬ ‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫صيغت‬
‫"املسرحيات" التي تجري في عمق الالوعي هذا؛ ولقد أخطأ فرويد في التشخيص حين استبدل الالوعي‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫بالتصور ّ‬ ‫ُ‬
‫وظل الالوعي تدوينا يقوم‬ ‫بدلت وحدات انتاج الالوعي‬ ‫بمسرح قديم‪ ،‬واست ِ‬
‫ٍ‬ ‫كمصنع لالنتاج‬
‫ّ‬ ‫ستبدل الالوعي املنتج بالوعي ّ‬ ‫ُ ُ‬
‫عناصر متمثلة بالدوافع‬‫ٍ‬ ‫مكون من‬ ‫ٍ‬ ‫جوهره في انقطاعات الزمان‪ ،‬وي ِ‬
‫ّ‬
‫وبالتالي لم يعد بإمكانه إل التعبيرعن نفسه عبر الاسطورة‪ ،‬املأساة‪ ،‬والحلم والاستيهامات‪.030‬‬
‫مبكرا في كتابة الاختالف والتكرار الى ثالث جهالت ينسبها فرويد والتحليل النفس ّي الى‬ ‫ا‬ ‫ويشير دولوز‬
‫ّ‬
‫الالوعي هي الـ"ل" واملوت والزمن‪ ،‬ومع ذلك "ل شأن إل للزمن‪ ،‬وكذلك املوت والـ "ل" في الالوعي [‪]...‬‬
‫‪037‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ ا‬
‫مكونة لالوعي [‪ ]...‬هي ثالثة ما وراء مبدأ اللذة"‬
‫يجب العودة الى هذه التوليفات الثالث بوصفها ِ‬
‫يتحدث دولوز (وغاتاري) عن "إمبريالية أوديب" في اشارة الى الاحالة املستمرة التي يقوم بها املحلل‬ ‫ّ‬
‫‪033‬‬
‫برد كل انتاجات الرغبة الى أوديب‪ ،‬اي تلك الصورة املصغرة للمثلث العائلي‪ :‬بابا‪ -‬ماما – أنا‬ ‫النفس ّي ّ‬
‫(ألاب – ألام – الطفل)‪ .‬ويدرك التحليل النفس ي ان هناك عالقات ما قبل أوديبية لدى الطفل‪ ،‬كما‬
‫توجد عالقات موازية له‪ ،‬وأخرى يسميها دولوز ما فوق‪-‬أوديبية‪ ،‬ولكن دوغمائية التحليل النفس ي‬

‫‪128‬‬
‫‪Deleuze and psychoanalysis, p 44.‬‬
‫‪6‬‬
‫حدجامي‪ ،‬عادل‪ ،‬فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪130‬‬
‫‪Deux régimes de fous, P 72‬‬
‫‪131‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 33‬‬
‫‪1‬‬
‫دولوز‪ ،‬جيل‪ ،‬الاختالف والتكرار‪ ،‬ترجمة وفاء شعبان‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة ألاولى ‪ ، 006‬ص ‪. 11‬‬
‫‪133‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 63‬‬
‫‪49‬‬
‫كاثوليكيا ا‬
‫عامليا"‪ .034‬ما حصل هو أن‬ ‫ا‬ ‫تدفعه الى تعميم افهوم أوديب‪ ،‬مما يجعل من هذا الاخير " ر ا‬
‫مزا‬
‫ا‬
‫ثم منحها وجهها النظري املعمم لحقا في العام ‪0273‬‬ ‫فرويد ّالذي اكتشف عقدة أوديب في ‪ 0 22‬ومن ّ‬
‫في كتابه "ألانا والهو" أغلق الطريق امام التداعي الحر‪ ،‬ولم يفتحها نحو تعددية روابط واقترانات‪ ،‬بل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سجنها في" مأز ِق التسمية ألاحادية‪ ،‬حتى امست كل سالسل الالوعي أحادية التسمية مزدوجة‪ ،‬خطية‬
‫ّ ‪035‬‬ ‫ّ‬
‫بدال استبدادي"‬
‫معلقة ٍ‬
‫حدثا يحيل ا‬‫ا‬ ‫ا‬
‫دوما على‬ ‫وبناء على آلة تأويلية إختزالية‪ ،‬سوف يعالج التحليل النفس ي الرغبة بإعتبارها‬
‫ا‬ ‫ّ ا‬ ‫الطفولي لحاملها الشخص ّي‪ ،‬ا‬
‫ّ‬
‫خزانا أو ذاكرة لواعية ينبغي الحفر فيها من‬ ‫ناظرا اليها على انها‬ ‫املاض ي‬
‫شيئا سوى بالعودة ا‬‫ا‬ ‫أجل فهمها وفك رموزها الحاضرة؛ وهكذا لن َ‬
‫دوما الى‬ ‫يعني الحاضر واملستقبل‬
‫املاض ّي؛ وسوف "يتوفرالتحليل النفس ّي على شبكة محكمة من أجل تجديد التمييزالقديم بين الرغبة‬
‫الحقيقية والرغبة املفتعلة‪ :‬ان املحتويات الحقيقية للرغبة هي الغرائز الجزيئية واملوضوعات‬
‫الجزيئية‪ ،‬و[لكن] سيكون التعبير الحقيقي عن الرغبة هو أدويب‪ ،‬أو الخص ي‪ ،‬أو املوت‪ ،‬أي هيئة من‬
‫للكل"‪ 036‬وهذا ما يطلق عليه دولوز (وغاتاري) تسمية "أسطورة إلاحالة"‪ ،‬بما هي‬ ‫أجل إعطاء بنية ّ‬
‫إحالة الى املاض ي الطفولي وبالتحديد الى أوديب كعقدة كونية‪.‬‬
‫وفي التحليل النفس ّي تتأسس "إلامبريالية ألاوديبية على الغياب"‪032‬؛ وهذا ما يكتشفه دولوز (وغاتاري)‬
‫ّ‬
‫الصبي الذي ُض ِرب‪ ‬ففي اللحظات الثالث للفانتازم املفترضة عند‬ ‫ّ‬ ‫في قراءة نص لفرويد بعنوان‬
‫ّ‬
‫لثة‪،‬أما في الثانية فإنها تفتقد الى الوجود الحقيقي‬ ‫الطفلة‪ ،‬ل يظهر والدها في الاولى كما ل يظهر في الثا‬
‫ا‬
‫عوضا عن‬ ‫حيزالالوعي ول تتم استعادتها عبرالتذكرأو عبرالبناء التحليلي النفس ي‪ ،‬فيجري‬ ‫ألنها تبقى في ّ‬
‫لطفل يتم ضربه‪ ،‬وما يفعله‬
‫ٍ‬ ‫ذلك بناؤها أو اعادة بنائها‪ .‬ان الفانتازم هو مشاهدة الفتاة الصغيرة‬
‫ّ‬
‫مزدوج‪ :‬من ناحية يقلص صفة الجماعة للفانتازم الى بعد شخص ي بحت‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فرويد هو انه يقوم بإختز ٍال‬
‫ومن ناحية اخرى‪ ،‬تبدو وكأن على تغيرات الفانتازم ان تنتظم في فصالت ‪ disjonctions‬حيث يصبح‬
‫الاخصاء بعالقته مع أوديب هو املشترك بين الفتاة والولد‪ ،‬اي الاخصاء من حيث كونه القضيب‪-‬‬
‫ّ‬
‫الفالوس ‪ phallus‬املتعالي واملفارق والتوزيع الحصري الذي سيبدو لدى الفتاة كرغبة بالقضيب وعند‬

‫‪134‬‬
‫‪Ibid, P 64‬‬
‫‪135‬‬
‫‪Ibid, P 66‬‬
‫‪ 19‬حوارات‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪137‬‬
‫‪Anti-Œdipe , P 72‬‬
‫‪‬لإلطالع على النص انظر‪:‬‬
‫‪Freud, Sigmund, On bat un enfant, sur le site électronique :‬‬
‫‪http://psychanalyse-paris.com/On-bat-un-enfant.html‬‬

‫‪50‬‬
‫بأتم الوضوح إقحام إلاخصاء في الرغبة وفي الالوعي‪ ،‬ذلك ان‬ ‫الصبي كخوف من فقدانه‪ .‬وهنا نالحظ ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫لهوت‬
‫ٍ‬ ‫العضو الذكري (الفالوس) أو الانثوي لن يمكن فهمه إل عبر الفقدان والنقص في ما يشبه "‬
‫تماما‪ ،‬حيث ل يوجد ما هو مشترك بين‬ ‫سلبي" ‪ .03‬هذا في حين أن ما يجب الاقرار به هو العكس ا‬ ‫ّ‬
‫مستعرض حيث ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل منهما يملك الاثنين‬ ‫عالم‬
‫ٍ‬ ‫"‬ ‫في‬ ‫بينهما‬ ‫التداخل‬ ‫عن‬ ‫ان‬ ‫يكف‬ ‫ل‬ ‫ذين‬ ‫الل‬ ‫الجنسين‬
‫متواصلين مع بعضهما البعض؛ ّأما بخصوص شربر‪ ،‬لم يرى فرويد املحتوى السياس ي والتاريخي‬
‫تم ادخاله ورؤيته فقط‬ ‫ابدا بهذه الحقول‪ ،‬بل ان ما ّ‬ ‫والاجتماعي الهائل لهذيانه‪ ،‬وكأن الليبيدو ل يتصل ا‬
‫هي الحجج الشخصية وامليثولوجية التي تعود الى الجنسانية والعقدة العائلة والتي تخفي ّ‬
‫القوة‬
‫الانتاجية لالوعي‪ .‬واذ يستنتج فرويد ان سلوك شريبر وقلقه يعود الى مشاعره الشهوانية املثلية تجاه‬
‫والده‪ ،‬فإن دولوز (وغاتاري) ينظران الى هذيان شريبر بإعتباره يحيل الى الطبيعة الاجتماعية للرغبة‪،‬‬
‫الى الرابط بين الالوعي والعالم الطبيعي‪.032‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ويحطم فرويد الانتاج الراغب ويجعله تحت رحمة متطلبات التمثيل وتحت قواعد املم ِثل واملمثل‬
‫َ‬
‫والتمثيل‪ " ،041‬ذلك إن ما يسميه التحليل النفس ي إنتاج الالوعي أو تشكله هو ُم ْحبطات أو صراعات أو‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫يعبرعن‬ ‫ستبدل عند فرويد بالواعي ل يعرف إل ان ّ‬
‫ٍ‬ ‫اضيات أو تالعبات باأللفاظ" ‪ ،040‬فالالوعي املنتج ُي‬ ‫تر‬
‫ّ‬
‫نفسه إل في امليثا والتراجيديا والاحالم‪ .‬وكما املح الى ذلك برغسون‪ ،‬ووافقه دولوز‪ ،‬فإن الفنتازيا‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫جديدا الى الحقيقة بدل أن تحيل‬ ‫ايجابيا بالكامل من حيث انها تضيف شيئا‬ ‫والهلوسات تمتلك معنى‬
‫تصور‬ ‫الى نقص ما وطاملا يجري تقييد الفنتازيا الى صور الايغو‪ ،‬الشخص‪ ،‬الام والاب‪ ،‬فإنه سيتم ّ‬
‫ٍ‬
‫تخيلياا‬ ‫معناها السلبي فقط‪ 047.‬وقد تمت شخصنة هذا الالوعي وشخصنة الانتاج الراغب بجعله ّ‬
‫إل ا‬ ‫ّ‬ ‫وبني ا‬
‫يجرالتعامل معه على انه مصنع أو ورشة عمل‪ ،‬على‬ ‫ِ‬ ‫ولم‬ ‫وللتعبير‪،‬‬ ‫يا‬‫ز‬ ‫للفانتا‬ ‫ا‬‫انتاج‬ ‫ويا‪ ،‬ولم يعد‬
‫ا‬
‫كالسيكيا‪،‬‬ ‫ا‬
‫مسرحا‬ ‫مسرحا أو منصة عرض‪ ،‬ل بل‬ ‫ا‬ ‫حد قول دولوز‪ ،‬بل تمت مالحظته من حيث كونه‬
‫لوحدات من الانتاج تتصارع مع عوامل انتاج ومضادة لالنتاج جماعية‪.043‬‬ ‫ا‬
‫مصنعا‬ ‫خاصا وليس‬ ‫ا‬
‫ٍ‬

‫‪138‬‬
‫‪Ibid. p 73‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬دانيال بول شريبر ‪ ) 6 - 1 ( Daniel Paul Schreber‬قاض املاني اصيب بالذهان واشتهر بهذياناته التي ادرجها في مذكراته تحت عنوان "مذكرات‬
‫شهيرا ً‬
‫ومهما في الطب العقلي والتحليل النفس ي بفضل تأويالت فرويد لها‪.‬‬ ‫ً‬
‫مرجعا ً‬ ‫ّ‬
‫العصابي"‪ .‬اصبحت هذه املذكرات‬ ‫مرض ي‬
‫ل‬
‫ملزيد من املعلومات حو املوضوع‪ ،‬انظر مقدمة كتاب شريبر‪:‬‬
‫‪Schreber, Daniel Paul, memoirs of my nervous illness, new york review books, January 2000, PP xi – xxiv.‬‬
‫‪139‬‬
‫‪Deleuze’s Philosophical Lineage, p 232‬‬
‫‪140‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 66‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪142‬‬
‫‪Deleuze and psychoanalysis, p 16‬‬
‫‪143‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 67‬‬
‫‪51‬‬
‫وقد أدخل فرويد اطروحة الصراع النفس ّي في نصوصه ألاولى حول نفاس الدفاع ‪les‬‬
‫‪ psychonévroses de défense‬كي يؤكد ان النشاطية املستمرة للصدمة النفسية هي دفاع نفس ّي‪،‬‬
‫وكأنها تدفع ضريبة انموذج‬ ‫ونشاط قهر ّي ‪044‬؛ بالنسبة لدولوز‪ ،‬تبدو ألانا عند فرويد في سياق ذلك‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سلبي للمعارضة‪ ،‬وسيبدو الالوعي الفرويدي الى جانب لوعي التعارض والسلب وكأنه هيغيلي‪ 045‬ما بعد‬
‫ّ‬ ‫وتسلسلي وإشكالي ُ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومسائل [إل‬ ‫كانطي‪ .046‬وفي حين ان دولوز يرى "الالوعي بطبيعته تفاضلي وتكراري‬
‫تفاضليا‪ ،‬لوعي القوى الكبيرة‬ ‫ا‬ ‫عما إذا كان الالوعي في نهاية ألامر تعار ا‬
‫ضيا أو‬ ‫أنه] عندما يسأل املرء ّ‬
‫ّ‬
‫املتنازعة أو العناصر الصغيرة املتسلسلة‪ ،‬التمثالت الكبيرة املتعارضة أو إلادراكات الصغيرة املتخالفة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫يبدو إننا نبعث التردد القديم والسجالت القديمة ا‬
‫ايضا‪ ،‬بين التقليد الاليبنتزي والتقليد الكنتي"‪ 042‬؛‬
‫ناقصا لالوعي‪ ،‬فهو عند كانط (كما عند هيغل) انموذج لصراع القوى كما‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫مفهوما‬ ‫وفي التقليدين ّ‬
‫نقدم‬
‫ّ‬
‫أونطولوجي ‪.04‬‬ ‫محمل بأي ثقل‬ ‫في الفيزياء النيوتونية‪ ،‬وهو عند ليبنتزل‪-‬كائن غير ّ‬
‫ّ‬ ‫وإن كان فرويد يرى ان الالوعي ّ‬
‫يعبر عن نفسه في الاساطير والاديان‪ ،‬فإن السؤال الرئيس ي الذي ُيطرح‬
‫يتعلق بمبررات العودة الى الاساطير وأخذها كنموذج‪ ،‬والاجابة عن هذا السؤال تبقى عند فرويد‬
‫مجهولة ومقصية‪" .‬ل يريد املحللون النفسيون‪ ،‬ومنذ البداية‪ ،‬الاهتمام باألوضوعات ‪objectites‬‬
‫ّ‬
‫التاريخية؛ يحاولون أن يحيلوا الاساطير والتراجيديات الى الليبيدو كنشاط ذاتي [‪ ]...‬نظير ٍ‬
‫حلم على‬
‫تحولت الالوعي‬ ‫صعيد الانسانية‪ .‬يربطون الاسطورة بالنشاط الذاتي لليبيدو‪ ،‬آخذين في الاعتبار ّ‬
‫ذاتي ّ‬
‫مجرد‪ ،‬ولكنهم‬ ‫والعمل حوله‪ ]...[ .‬وإن كانوا أول من ربط الاساطير والترجيديات بالليبيدو كجوهر ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫تعبير عن الالوعي‪ .‬على الرغم من املوقف املشوش‬ ‫نظروا الى هذه امليثات والتراجيديات كوحدات‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫لحظة أخرى يرفضها"‪. 042‬‬ ‫ٍ‬ ‫للتحليل النفس ّي نحو الاساطير والذي يجعله في لحظة ما يبحث عنها‪ ،‬وفي‬
‫دخل الدين الى الالوعي‪ ،‬ويجعل من هذا الاخير‬ ‫ُ‬
‫ويبدو ان فرويد امللحد يعود الى الاسطورة بدل هللا‪ ،‬وي ِ‬

‫يشير "معجم مصطلحات التحليل النفس ي" في تعريفه للرغبة (‪ )begierde - Wunsch‬عند فرويد الى ّانها "أحد قطبي الصراع الدفاعي في املفهوم‬
‫الدينامي الفرويدي‪ :‬حيث تنزع الرغبة الالواعية الى ان تتحقق من خالل استرجاع الاشارات املرتبطة بتجارب الاشباع ألاولي‪ً ،‬‬
‫تبعا لقوانين العملية ألاولية"‬
‫راجع‪ :‬البالنش‪ ،‬جان و بونتاليس‪ ،‬جان برتراند‪ ،‬معجم مصطلحات التحليل النفس ي‪ ،‬ترجمة د‪.‬مصطفى صفوان‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬الطبعة‬
‫ألاولى‪ ،‬بيروت ‪ ، 0‬ص‪. 9‬‬
‫راجع ‪:‬‬
‫و‬

‫‪146‬‬
‫‪Rambeau Frédéric, Deleuze et l’inconscient impersonnel, cahiers philosophiques dossier l’inconscient n ° 1 0 7, o c t o b r e 2 0 0 6,‬‬
‫‪54-71, p 57‬‬
‫‪ 9‬إلاختالف والتكرار‪ ،‬ص ص ‪. 1- 9‬‬
‫‪148‬‬
‫‪Rambeau Frédéric, Deleuze et l’inconscient impersonnel, P 58.‬‬
‫‪149‬‬
‫‪Deleuze, Cours de Vincennes, anti œdipe et mille plateaux, 15/02/1972. Sur le site‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/liste_texte.php?groupe=Anti Oedipe et Mille Plateaux‬‬
‫‪52‬‬
‫فسح املجال للمصالحة بين‬ ‫دينيا‪ ،‬وهذا ما نلمسه في التحليل الفرويدي للشعور بالذنب‪ ،‬حيث ُي َ‬ ‫ا‬
‫التحليل النفس ي والكنيسة التي تؤسس تحليالتها النفسية الخاصة‪.051‬‬
‫ا‬
‫كما يقيم التحليل النفس ي شكال من الثنائية‪ .‬فهناك الظاهر من جهة‪ ،‬والباطن من جهة أخرى‪.‬‬
‫فالظاهر هو الرغبة في مص ألاعضاء الجنسية‪ ،‬والباطن هو الرغبة في ثدي ألام ‪ .‬وهذه الثنائية ليست‬
‫متوازية‪ ،‬وإنما هي ثنائية ُمترا ِتبة‪ ،‬أي ل يكتس ي الظاهر القيمة التي للباطن‪ .‬وكما هو ألامر في التقليد‬
‫التأويلي الذي ساد ومازال يسود عند رجال الدين‪ ،‬ليس هناك مكان املعنى هو الظاهر‪ ،‬وإنما مكانه‬
‫ومحله هو الباطن؛ ليس هو الشاهد‪ ،‬وإنما هو الغائب‪ .‬فعوض أن يقف التحليل النفس ي عند الحدث‪،‬‬
‫عند الظاهر‪ ،‬أي عند الرغبة كما هي‪ ،‬فإنه يحيلها على ش يء آخر‪ ،‬ش يء يكون هو باطنها‪ ،‬أي هو معناها‬
‫دائما أن ُي َذ ِّكر ش يء ما بش يء آخر‪ ،‬أي أن تكون هناك ا‬
‫دائما استعارة أو‬ ‫الحقيقي‪ .‬يقول دولوز ‪ « :‬ينبغي ا‬
‫ا‬
‫رومانيا"‪ :050‬يتوقف‬ ‫شيشرونيا‪ ‬أكثر فأكثر‪ ،‬ولقد كان فرويد ا‬
‫دائما‬ ‫ا‬ ‫كناية‪ .‬لقد أصبح التحليل النفس ي‬
‫ّ‬
‫الطفل حيث تبدأ ألام‪ ،‬وتتوقف هذه حيث يبدأ ألاب‪ ،‬وعلى الجميع ان يتخذ موضعه ويثبت عنده‪،‬‬
‫شخص ومن هو بالتحديد‪،‬‬ ‫يوما اين بالتحديد يبدأ كل‬‫ويالحظ دولوز ان التحليل النفس ّي لم يحدد ا‬
‫ٍ‬
‫وتتوجه رغبته نحو الام‪ ،‬ولهذا السبب‪،‬فإن التحليل النفس ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعرف اليه من خالل الاب‬ ‫فالطفل يتم‬
‫"يشبه الثورة الروسية‪ ،‬ل نعرف متى بدأت تتحول إلى ألاسوأ"‪.057‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وإن كان دولوز ل ينفي ان التحليل النفس ي لم يستبعد كل ايا الانتاج الراغب‪ ،‬إل ان هذا التحليل قد‬
‫لوعي تعبيري وليس‬
‫ٍ‬ ‫بأشكال من‬
‫ٍ‬ ‫ألحق كل املقولت التأسيسية إلقتصاد الرغبة (اي العمل والاستثمار)‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫انتاجي‪ .‬وألن لم يكن من املمكن للتحليل النفس ّي أن يتجاهل آلالة الراغبة إل انه اهملها وتركها عند‬
‫حتى ّ‬ ‫ّ‬
‫مشجب ألوديب‪ ،‬العامل‬
‫ٍ‬ ‫تحول التحليل النفس ي الى "‬ ‫العتبة‪ ،‬واوقفها واقصاها من الشخص‪،‬‬
‫ألاكبرلالنتاج املضاد في الرغبة‪ .‬التاريخ عينه لرأس املال"‪.053‬‬
‫ان ما يرفضه مؤلفا آنتي‪-‬أوديب هو هذه الاحالة الحصرية والدائمة (! ‪ )Œdipe forever 054‬الى‬
‫الاسطورة ألاوديبية حين يربط فرويد دفق الرغبة بموضوعات وأشخاص كاألب وألام‪ ،‬وفي الوقت عينه‬
‫يصور الرغبة بإعتبارها رغبة مكبوتة؛ ذلك ان هذا املثلث ألاوديبي يحيل الى معنى ودللة مؤسسة رغبة‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫يمث ُل ا‬ ‫ّ‬
‫محددا‪ :‬الاب – الام – الطفل كأركان دائمة للتحليل‪ .‬إل انهما ل‬ ‫نظاما‬ ‫تأخذ مكانها في املثلث الذي‬
‫مكونات كثيرة أخرى ول يجوز رفضه على اية حال‪،‬‬ ‫مكون بين ّ‬ ‫يرفضان املبدأ ككل‪ ،‬ذلك ان العائلة هي ّ‬

‫‪150‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 70‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬نسبة الى ماركوس توليوس شيشرون (‪ 09‬ق‪.‬م‪ 1-‬ق‪.‬م) الخطيب والسياس ي والفيلسوف الروماني الشهير‪.‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪152‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 69‬‬
‫‪153‬‬
‫‪Ibid., P 69‬‬
‫‪154‬‬
‫باالنكليزية في النص ‪Ibid., P 101-‬‬
‫‪53‬‬
‫ا‬
‫ّ‬
‫مالينوفسكي** ولكان في طرحما ألوديبية جديدة‬ ‫آخرا كما يفعل‬ ‫ا‬
‫أوديبيا ا‬ ‫كما ّانهما ل يسلكان مسلكا‬
‫ا‬
‫بالوعي رمز ّي كما عند لكان‪ .‬ونالحظ مثال ما ورد في لغة‬
‫ٍ‬ ‫بربطها بالشكل الاجتماعي عند مالينوفسكي أو‬
‫التحليل الفصامي للـ آنتي‪-‬أوديب والرأسمالية والفصام‪،‬حيث يوافق دولوز مع رؤية لكان للرغبة‬
‫ظل يربطها بالنقص‬ ‫بإعتبارها جوهر الصيرورة‪ ،‬ولكن وان كان التصور الالكاني التقليدي للرغبة ّ‬
‫والذات والنفي‪ ،‬من حيث اننا ل نرغب الا في ما نحن بحاجة اليه وينقصنا‪ ،‬كما يعتبرها شقا بين الطلب‬
‫ّ‬
‫والحاجة‪ ،‬حيث يبدو الطلب كنوع من "الاستالب للذات" الا انها باملنظور الدولوزي‪ ،‬ليست عالقة بين‬
‫مصطلحات (الذات – املوضوع)‪ ،‬واذ يدعم دولوز (وغاتاري) إلازاحة الالكانية للذات الديكارتية‪،‬‬
‫ويريان ان هناك عناصر نيتشوية املنظور تعيد تفعيل هذه الصيغة‪ .‬وبتعريفه الرغبة بمصطلحات‬
‫عدمي‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ويقيدها في صيغة تشاؤمية الطابع‪،‬‬ ‫مثالي وحتى‬ ‫فهم‬
‫املوضوع املفقود‪ ،‬يجر لكان الرغبة الى ٍ‬
‫ا‬
‫وبالنسبة لدولوز وغاتاري لم تكن فكرة لكان عن "املوضوع أ" سوى وسيلة لقلب هذه الصيغة محاول‬
‫غم‪.055‬‬‫جعل الرغبة اداة تحريرل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السلبي وامليثولوجيا ألاوديبية إلاخصائية تلك النظرة الاخالقية املفعمة‬ ‫وما يتعلق بهذا الالهوت‬
‫ّ‬ ‫بالذنب وعقدة الدونية‪ ،‬ذلك ان نظرة املحلل النفس ّي تبدو ا‬
‫دوما مشبعة بالحزن‪ ،‬فهو الذي يسعى‬
‫ّ‬ ‫املعالج وتحسيسه بالذنب والعار والدونية‪ ،‬فاملحلل وريث الراهب ول ّ‬ ‫َ‬
‫يتحدث إل من‬ ‫إلحراج الشخص‬
‫موقع السلطة الاخالقية التي تحاكم الناس بإسم الضمير وألانا ألاعلى؛ ول ينفك دولوز يركز ا‬
‫كثيرا على‬
‫يفوت مناسبة من دون أن يذكرها‪ ،‬وهي طبيعة‬ ‫التحليلي‪ ،‬فهو ل ّ‬
‫ّ‬ ‫الطبيعة الاخالقية الثاوية في الخطاب‬
‫‪056‬‬
‫مرتبطة بوضوح بالنزعة العائلية ألاوديبية في سرديتها (الرغبة في مضاجعة الام وقتل ألاب) ‪" .‬واذا لم‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علم املحللون‬ ‫يتعلق ألامر بأوديب‪ ،‬فسيتعلق بالخص ي وغرائز املوت املزعومة – يقول دولوز – ي ِ‬
‫النفسيون الاستسالم الالمتناهي‪ ،‬إنهم آخر الكهنة [‪ ]...‬ل يمكن القول انهم منشرحون‪ .‬لحظوا النظرة‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫غبة ما في الضحك‪ ،‬لكنه يعترف‬ ‫امليتة التي يتحلون بها‪ ،‬وقفاهم الجامدة (لقد حافظ لكان وحده على ر ٍ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫عشوائيا ملحلل نفس ّي سنجد] تبعية الانسان املمتدة‬ ‫لوحده) [وحين نفتح مقال‬ ‫ِ‬ ‫بأنه مجبرعلى الضحك‬
‫ّ‬
‫الانساني‪ ،‬الجرح النرجس ي املالزم‬ ‫عبر الزمن‪ ،‬وعجزه عن مساعدة نفسه‪ ،‬النقص الوراثي للكائن‬
‫تقيد الالكمال والصراع‪...‬بؤسه املرتبط‬ ‫لوجوده‪ ،‬الواقع ألاليم للوضعية الانسانية‪ ،‬التي ّ‬
‫موضع آخر ‪ ":‬يجري كل ش يء كما لو أن فرويد يطلب الصفح عن‬ ‫ٍ‬ ‫بكينونته"‪ .052‬ويتابع دولوز كالمه في‬

‫** برونيسالف مالينوفسكي ‪ ،) 6 - 11 ( Bronisław Malinowski‬إنثروبولوجي بريطاني‪ ،‬من أصل بولندي‪ .‬اشتهر بدراسة الشعوب البدائية في جزر‬
‫التروبرياند القريبة من غينيا الجديدة ‪ .‬اشتغل بالتدريس في جامعة لندن منذ ‪ . 6‬يعتبر أحد مؤسس ي املدرسة الوظيفية في إلانثروبولوجية الاجتماعية‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪Luke Caldwell, “Schizophrenizing Lacan: Deleuze, [Guattari], and Anti-Oedipus,” intersections 10, no. 3 (2009): 18-27.P 23‬‬
‫‪9‬‬
‫حدجامي‪ ،‬عادل‪ ،‬فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫‪9‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪09‬‬
‫‪54‬‬
‫اكتشافه العميق للجنسانية بالقول لنا‪ :‬على الاقل لن يخرج ذلك من العائلة! [أي ذلك] ّ‬
‫السر الصغير‬
‫النجس‪ ،‬بدل النظرة الخاطفة الاوسع‪ .‬التشذيب العائلي بدل الاحالة الى الرغبة [‪ ]...‬الداخالنية ّ‬
‫محل‬
‫َ‬
‫خطاب الضمير الس يء و امللومية‬ ‫العالقة الجديدة مع الخارج‪ .‬ومع التحليل النفس ي‪ ،‬نجد ا‬
‫دائما ان‬
‫عالجا)‪ .‬و من هاتين النقطتين على الاقل‪ّ ،‬‬
‫يبرىء‬ ‫يسمى ا‬‫‪ culpabilité‬هو ّالذي يرتفع ويتغذى (عبر ما ّ‬
‫بشكل أفضل‪ ،‬في أصغر‬‫ٍ‬ ‫فرويد العائلة‪ ،‬الحقيقة الخارجية من كل خطأ‪ ،‬كي يدخلهما (الخطأ والعائلة)‬
‫ّ‬
‫الافراد‪ ،‬في الطفل [‪ ]...‬ويجعل من الاهل الحقيقيين أبرياء بقدر ما هم ضحايا [‪ ]...‬الاهل الذين ليسوا‬
‫ّ‬
‫مرض ى إل بسبب طفولتهم [‪ ]...‬فرويد هو لوثروآدم سميث الطب النفس ي" ‪.05‬‬

‫ّ‬
‫التحليل النفس ي وتشكل امللفوظات‬
‫ّ‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬ومثلما يفعل حين يكبح الارتصاف آلالوي للرغبة‪ ،‬يمنع التحليل النفس ّي تشكل‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫ا‬ ‫ان "التحليل النفس ّي هو آلة تامة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫مكونة مسبقا كي‬ ‫امللفوظات ‪ énonciation‬في الانتاج الالواعي‪ ،‬ذلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تمنع الناس من الكالم‪ ،‬وبالتالي من انتاج ملفوظات تخصهم وتخص الجماعات التي ينتسبون‬
‫ّ‬
‫اليها"‪ .052‬فهو وإن بدا في الظاهر انه يدعو الى الكالم‪ ،‬إل انه مؤسس بالفعل على منع الناس من الكالم‬
‫ُ‬
‫وسحب كل شروط النطق منهم‪ ،‬فهو آلة أوامرية ل يمكن ملن يخضع للتحليل أن يفلت منها‪ ،‬ومن‬
‫ا‬
‫الشيفرة ألاوديبية املوجودة مسبقا فيها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تأملية أوتوماتيكية يلخص دولوز‬ ‫ٍ‬ ‫بآلة‬
‫تتصل هذه آلالة التحليلية النفسية الكابحة لتشكل امللفوظات ٍ‬
‫آخرا [‪ ]...‬حين يشرحون لي ان ما قلته ّ‬ ‫ا‬
‫شيئا ا‬
‫يدل‬ ‫مضمونها بما يلي ‪" :‬مهما نقول‪ ،‬فإن ما نقوله يعني‬
‫تصدع لألنا كذات‪ .‬وهذا التصدع معروف ا‬
‫جيدا‪ :‬ما أقوله‬ ‫على ش يء آخر غير ما قلته‪ ،‬ينتج عن ذلك ّ‬
‫ٍ‬
‫كأساس‬ ‫صممه التحليل النفس ّي بذاته‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كذات للنطق‪ .‬هذا التصدع‬ ‫يحيل الى أنا (في عالقتها مع املحلل)‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل منا‪ ،‬ليس‬ ‫إنتاج للمملفوظات [‪[ ]...‬هذا في حين أن] ما يولد ملفوظات في داخل‬ ‫للخصاء ويكبح كل ٍ‬
‫تماما‪ ،‬انها التعدديات‪ ،‬الجموع والكتل‪ ،‬والشعوب والقبائل‬ ‫نحن بقدر ما نحن ذات‪ ،‬بل ش ٌيء آخر ا‬
‫جزء من لوعينا‬ ‫والارتصافات الجماعية التي تخترقنا‪ ،‬والتي تكون داخلنا والتي ل نعرفها ألنها ٌ‬
‫نفسه"‪.061‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وعوض الدال املدلول‪ّ ،‬‬ ‫عوضت الدللة التأويل‪ّ ،‬‬ ‫يقول دولوز‪ّ " :‬‬
‫محل شروحاته‪،‬‬ ‫وحل صمت املحلل‬
‫وعوضت الوظائف البنيوية الصورة الابوية‪ّ ،‬‬ ‫ثباتا من أوديب‪ّ ،‬‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫وعوض اسم‬ ‫شكل أكثر‬
‫وظهر الخص ي في ٍ‬
‫ُ‬
‫املحلل عن الكالم‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫تحليل ما غير هذه ألامور التي يستغني فيها‬ ‫يتكون منه‬‫ألاب أبي أنا‪ ]...[ .‬وما عس ى ان ّ‬

‫‪158‬‬
‫‪Anti-Œdipe PP 325 -326‬‬
‫‪159‬‬
‫‪L’ile Déserte, P 382.‬‬
‫‪160‬‬
‫‪Ibid. P 383.‬‬
‫‪55‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما دام أن املتلقي للتحليل يعرف مثل املحلل هاته ألامور؟ لفد أصبح املتلقي للتحليل مما ِر اسا‬
‫للتحليل‪ 060".‬وان هؤلء الكهنة‪ ،‬ل يفعلون سوى رفض الطابع الانتاجي لالوعي‪ ،‬واذ يسحبون منه‬
‫تشكل امللفوظات‪ ،‬فإنهم ينكرون ان ا تصافات الرغبة الالوعية تسكنها الصيرورات و ّ‬ ‫ّ‬
‫الشدات‪،‬‬ ‫ر‬ ‫شروط‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معينة (التكتالت‪ ،‬الجموع‪ ،‬الانواع‪ ،‬الاعراق‪،‬‬ ‫والسيولت الكثيفة‪ ،‬والتعدديات من طبائع‬
‫والشعوب)"‪.067‬‬
‫لقد اصبح للتحليل النفس ّي مرجعياته الخاصة به ولم يقبل الانفتاح على مرجعيات خارجية‬
‫كالجماعات والدول والشعوب‪ ،‬واقتصر كل الواقع على ما يحصل على أريكة املحلل النفس ّي‬
‫الالمتناهية‪ ،‬وتوقف التحليل النفس ي عن البحث‪ ،‬ذلك انه يمتلك الحقيقة النهائية‪ ،‬و"أصبح املحلل‬
‫يؤول‪ ،‬فإنه‬ ‫يؤول‪ ،‬أو من حيث كونه ّ‬ ‫النفس ّي مثل الصحافي‪ :‬يقوم بصناعة الحدث [‪ ]...‬وطاملا كان ّ‬
‫منحرفة بالنسبة للنظام القائم وبالنسبة للمدلولت السائدة"‪.063‬‬ ‫رجع الرغبات وامللفوظات الى حالة‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ي ِ‬
‫ان التحليل النفس ّي هو "مؤسسة رائعة تقوم على كبح كل انتاجات امللفوظات التي هي رغبات‬
‫يتم "خنق" و "سحق" امللفوظات‪ ،‬حيث‬ ‫ايضا كيف ّ‬ ‫حقيقية"‪ ،064‬ففي التحليل النفس ّي لألطفال‪ ،‬نرى ا‬
‫ّ‬ ‫ملفوظا ‪ énonce‬ما من دون الاستناد الى شبكة ّ‬ ‫ا‬
‫تأم ٍل مشفرة‬ ‫يصبح من املستحيل للطفل أن ينتج‬
‫بالكامل‪ ،‬لن يستطيع الطفل الخروج منها‪ .‬يقارن دولوز‪ ،‬بهذا الخصوص‪ ،‬بين ما يقوله الاطفال‬
‫(هانس‪ ،‬ريتشارد‪ ،‬وآغنيس) من جهة‪ ،‬وبين ما "سيسمعه" املحلل النفس ّي (فرويد وميالني كالين) أو‬
‫ا‬ ‫يترجمه أو بكل بساطة ما سيفبركه‪ّ :‬‬
‫يتبين لدولوز مثال ان فرويد يرفض تصديق رواية الطفل هانس‬
‫ّ‬ ‫شيئا ا‬‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫آخرا‪ ،‬فهو "ل يعلم إل‬ ‫الذي اشتهى طفلة صغيرة‪ ،‬وبدل من ذلك رأى فرويد ان هذه الرغبة تخفي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أمرا ا‬‫ا‬
‫تصاف آخرليس سوى ممثل لهذه العائلة"‪.065‬‬ ‫ٍ‬ ‫منطقي وكل ار‬ ‫كشخص‬
‫ٍ‬ ‫واحدا هو العائلة‬

‫التحليل النفس ي والرأسمالية‬


‫إن كانت الرغبة من جانب الانتاج وإن كان الانتاج هو في الوقت عينه رغبوي وإجتماعي‪ ،‬فإن ما يقوم به‬
‫ا‬
‫مفقرا الالوعي من حركته‬ ‫بشكل عكس ّي‪،‬‬ ‫التحليل النفس ّي هو كسر وكبح لهذا الانتاج‪ ،‬عبر تمثيله‬
‫ٍ‬
‫والتصور ‪ ،croire‬حيث ل يفعل الالوعي سوى انه "يعتقد‬‫ّ‬ ‫ا‬
‫وحاصرا نشاطه في الاعتقاد‬ ‫وإنتاجيته‬
‫بأوديب‪ ،‬يعتقد بالخص ّي‪ ،‬بالقانون‪ ]...[..‬في الحقيقة‪ ،‬وفي اللحظة عينها التي سيكون فيها الانتاج‬

‫‪ 9‬حوارات‪ ،‬ص ‪09‬‬


‫‪162‬‬
‫‪Deux régimes de fous, P 74‬‬
‫‪ 91‬حوارات‪ ،‬ص ‪1‬‬
‫‪164‬‬
‫‪Deux régimes de fous, P 80‬‬
‫‪165‬‬
‫‪Ibid., P 81‬‬
‫‪56‬‬
‫َّ ا‬ ‫َ‬
‫محرفا في‬ ‫مستلبا في الاعتقادات التي ُيظن انها مستقلة‪ ،‬سيكون الانتاج الراغب‬ ‫ا‬ ‫الاجتماعي نفسه‬‫ّ‬
‫ضيا‪ ،‬بل ينتمي الى‬ ‫عر ا‬
‫التمثيالت املفترضة لواعية [‪ ]...‬وان الصلة بين العائلة والتمثيل‪-‬الاعتقاد ليس َ‬
‫عائلي"‪ 066‬ينتفخ – على حد قول دولوز – بسلطة الاسطورة والتراجيديا بإعتبارها‬ ‫ّ‬ ‫تمثيل‬ ‫جوهر‬
‫ٍ‬
‫انتاجات غيرواقعية للوعي‪.‬‬
‫ّ ّ‬
‫ان هذا التمثيل الرمزي الاسطوري والتراجيدي ل ينفصل عن التاريخ الكوني الذي رسمه دولوز في‬
‫ّ‬
‫إلاقليمية‬ ‫مراحله الثالث‪ ،‬ذلك ان الاسطورة تربط الرغبة بعنصر الارض كجسد ممتلىء‪ ،‬وبالشيفرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املحرمات والوسوم؛ كما ان التمثيل التراجيدي يعلق الرغبة بجسد املستبد وبالشيفرة‬ ‫التي توزع‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫الامبراطورية املالئمة ‪ .‬ولكن هذا الربط ل يعود الى التحليل النفس ّي الذي يمتلك طريقة مختلفة كل ايا ‪":‬‬
‫بدل ان يحمل التمثيل الرمزي الى اوضوعات محددة والى شروط اجتماعية موضوعية‪ ،‬فإنه ينقل‬
‫هذه الشروط والاوضوعات الى الجوهر الذاتي والكوني للرغبة بإعتبارها ليبيدو‪ .‬هكذا فإن عملية فك‬
‫الشيفرات في التحليل النفس ّي ل يمكن ان تعني ما تعنيه في علوم الانسان‪ ،‬اي اكتشاف سر هذه‬
‫كمية وكيفية لليبيدو التي‬ ‫الشيفرة أو تلك‪ ،‬بل انها تعني كسر الشيفرات من أجل الوصول الى دفوق ّ‬
‫ٍ‬
‫‪062‬‬
‫املرضية‪ ،‬كما الاسطورة‪ ،‬التراجيديا والتشكيالت الاجتماعية‪".‬‬ ‫تجتاز الحلم‪ ،‬والهذيان‪ ،‬والتشكيالت َ‬
‫ّ‬
‫وبمعنى آخر‪ ،‬ل يقوم التحليل النفس ي على اعادة احياء الشيفرات ومضاعفتها بل على فكها‪.‬‬
‫ان الرأسمالية‪ ،‬وإن كانت قد كشفت عن الجوهر الذاتي للرغبة وللعمل‪ ،‬فإنها ل تكف عن تغريب‬
‫مكونيه‪ ،‬حيث تضع الرغبة مقابل العمل‪ ،‬والتحليل‬ ‫واستالب هذا الجوهر ضمن آلة قمعية تفصل بين ّ‬
‫ٍ‬
‫النفس ي بمواجهة الاقتصاد السياس ّي‪ .‬وهذا الفصل‪،‬على ما يرى دولوز (وغاتاري)‪ ،‬يعود الى ان حدود‬
‫ا‬
‫الرأسمالية هي دفوق الانتاج الراغب مفككة الشيفرة والتي ل تكف عن تقييدها وسجنها مرة أخرى‬
‫ضمن أكسيوماتيتها التي اصبحت بديلة عن الشيفرة‪.‬‬
‫ا‬ ‫وهكذا ّ‬
‫يتضح لنا ما للتحليل النفس ي وللرأسمالية من صلة‪ ،‬هي على حد قول دولوز ليس أقل عمقا من‬
‫تلك التي تجمع الرأسمالية بالقتصاد السياس ّي‪ ،‬ذلك ان اكتشاف الدفوق املفككة الشيفرات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إقليميا هي نفسها التي قام بها الاقتصاد السياس ي بالنسبة لالنتاج الاجتماعي تحت مقولة‬ ‫واملهجرة‬
‫ملجرد والذاتي ‪ ":‬كما قال ماركس‪،‬‬ ‫املجرد الذاتي التي تقابلها في التحليل النفس ي مقولة الليبيدو ا ّ‬ ‫العمل ّ‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫فإنه في الرأسمالية يصبح الجوهر ا‬
‫املجرد يصبح شيئا‬ ‫بشكل عام‪ ،‬وان العمل‬
‫ٍ‬ ‫ذاتيا‪ ،‬اي نشاط الانتاج‬
‫تأمل كل التشكيالت الاجتماعية السابقة من وجهة نظر فك الشيفرات أو‬ ‫من الواقع طاملا اننا نعيد ّ‬
‫املجردة من حيث هي ليبيدو‪ ،‬بإعتبارها‬ ‫ّ‬ ‫إقليمي ّ‬
‫معمم [‪ ]...‬وألامر عينه ينطبق على الرغبة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إقتالعي‬ ‫مسار‬
‫ٍ‬

‫‪166‬‬
‫‪Anti-Œdipe, PP 356-357‬‬
‫‪167‬‬
‫‪Anti-Œdipe, PP 362-363‬‬
‫‪57‬‬
‫ّ‬
‫مجر ادا [‪ ]...‬ان آلالت الراغبة ليست آلت إجتماعية إل من جهة ان اقترانات الدفوق املفككة‬
‫جوهرا ّ‬
‫ا‬
‫ّ‬
‫وكوني" ‪.06‬‬ ‫الشيفرات في آلالة الرأسمالية تميل الى تحريرالصورة ّ‬
‫الحرة لليبيدو ذاتي‬

‫ّ‬
‫الفصامي‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬التحليل‬
‫ُ‬
‫الفصام‬
‫وجها من أوجه النقد القاس ي‬ ‫ل يمثل نقد الاحالة "الاسطورية" الى العائلة ضمن املثلث ألاوديبي‪ ،‬سوى ا‬
‫بصيغه الفرويدية أو الالكانية‪ .‬فإن كانت العائالنية‬ ‫يوجهه دولوز (وغاتاري) الى التحليل النفس ّي َ‬ ‫ّالذي ّ‬
‫ّ‬
‫‪ ،familialisme‬تصنف التقنية التحليلية لألعراض بإعتبارها تمفصالت دالة لصراعات نفسانية‪،‬‬
‫وتعمل على تشويه الصورة الحقيقية للرغبة الالواعية كآلة من ِتجة في الحقول الاقتصادية والتاريخية‬
‫ّ‬
‫والسياسية التي تستثمرها حين تخترقها فتشكل بهذا الاستثمار الحقيقة الواقعية لالنتاج الاجتماعي‪،‬‬
‫الضيق لألهل ّ‬ ‫الا من جهة اختزال استثماراتها الى ّ‬
‫الحيز ّ‬ ‫ّ‬
‫تخي اليا‬ ‫هذا في حين ل ينظر التحليل النفس ي اليها‬
‫ا‬
‫مزيا‪ .‬وهذا ّكله ل يجعل من نظرية التحليل النفس ّي خطأ ا‬ ‫ور ا‬
‫نظريا فقط‪ ،‬بل يحيل الى الخطاب التحليلي‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫هذا وظيفة يمكن القول عنها انها أيديولوجية‪ ،062‬ألن الامر يتعلق بالطريقة التي يقوم التحليل النفس ي‬
‫ّ‬
‫عبرها بإخفاء وتصفية العنصر املحايث للقوى املن ِتجة ولعالقات الانتاج التي تشكل الاستثمار‬
‫السياس ّي املباشرللرغبة‪.‬‬
‫فصامي ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫يثور‬ ‫تحليل‬
‫ٍ‬ ‫انطالقا من سيرورة التحولت في تآليف الانتاج الراغب‪ ،‬يحيل دولوز (وغاتاري) الى‬
‫التحليل النفس ّي‪ :‬ففي حين يهدف التحليل النفس ي الفرويدي الى معالجة العصابيين عبرمساعدتهم في‬
‫ّ‬
‫الفصامي يهدف الى تحرير سيرورات الانتاج‬ ‫لوعيهم تحت راية توازن الذات‪ ،‬فإن التحليل‬ ‫َ‬ ‫التعرف على‬‫ّ‬
‫كقوة تكسر كل التشفيرات‬ ‫ٍ‬ ‫الراغب من القيود الاجتماعية‪ .‬ويحتفي دولوز (وغاتاري) بهذا التحليل‬
‫ّ‬
‫الاجتماعي‪ ،‬وتقاوم فخ الهوية الذاتية‪ .‬وهما يريان ان التحليل النفس ّي لم‬ ‫الصلبة التي يقيمها الحقل‬
‫‪021‬‬
‫يساعد العصابيين بقدرما اختزل الالوعي الى تجريدات‪.‬‬
‫دوما ألاخذ في الاعتبار الفصام في ايجابيته‪ ،‬كإيجابية من دون اختزاله الى طبائع التدمير أو‬ ‫يجب ا‬
‫النكوص التي تولد في الشخص‪ ،‬أو الى الفجوات أو الانفصالت التي تظهر في بنية مفترضة‪ .‬ولن يمكننا‬
‫ّ ا‬ ‫ا‬
‫مشوشة مع‬ ‫القول الا ان التحليل النفس ي لم يخرج من وجهة النظر السلبية‪ ،‬ذلك انه يقيم عالقة‬
‫صعوبة في النفاذ الى‬
‫ٍ‬ ‫الذهان‪ ،‬كما ان الطريقة التحليلية النفسية تقتصر على العصاب وتبرهن على‬

‫‪168‬‬
‫‪Ibid., P 364‬‬
‫‪169‬‬
‫‪Sibertin-Blanc, Guillaume, et Legrand, Stéphane, Capitalisme et psychanalyse : l’agencement de subjectivation familialiste, sur le site‬‬
‫‪électronique : http://www.europhilosophie.eu/recherche/IMG/pdf/Sibertin_blanc_et_legrand.pdf‬‬
‫‪170‬‬
‫‪Luke Caldwell, “Schizophrenizing Lacan: Deleuze, [Guattari], and Anti-Oedipus,” intersections 10, no. 3 (2009): 18-27. P 25‬‬
‫‪58‬‬
‫الذهان‪ .‬ولذلك‪ ،‬فمن الخطأ تعريف الفصام بمقولت النقص والفقدان‪ ،‬أو ر ّده الى بنية عائلية‬
‫حتى ا‬
‫نتاجا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ابدا ا‬ ‫أوديبية‪ .‬وبالفعل فإن الهذيان ليس ا‬
‫ّ‬
‫العائلي املتمحور حول‬ ‫تخي اليا للتاريخ‬ ‫نتاجا ول‬
‫تماما‪ ،‬فإن ما يحمله الهذيان هو الاعراق والشعوب‬ ‫النقص‪ ،‬كما قال فرويد‪ ،‬بل على العكس ا‬
‫يعبر عن الطريقة عينها التي‬ ‫والحضارات والحروب والطبقات والثقافات والبلدان‪ ،‬ذلك ان "الهذيان ّ‬
‫عبرها يستثمر الليبيدو كل الحقل الاجتماعي التاريخي‪ ،‬حيث الرغبة الالواعية تدفع الى الحد الاقص ى‬
‫موضوعاتها‪ .‬وحتى حين يعالج الهذيان القضايا العائلية‪ ،‬فإن الثقوب‪ ،‬الانقطاعات‪ ،‬الدفوق التي‬
‫ّ‬
‫وتكو ُنها كمتكثرة هي من طبيعة فوق عائلية وتدخل مجموع الحقل الاجتماعي في‬ ‫ّ‬ ‫تخترق العائالت‬
‫تحديداتها الالواعية"‪.020‬‬
‫ولكن الفصام ل ُيحال الى العائلة ول الى الاشخاص والعائلة‪ ،‬بل انه يحدد فوق الجسد بال اعضاء‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬
‫بمقولت ايجابية واثباتية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫علم‪ .‬ل يجري الكالم عن الفصام إل‬ ‫مناطقا وميادين يطلق عليها اسماء ٍ‬
‫وليس بمقولت كتلك الخاصة بفقدان الواقع والحقيقة والانحالل والتي ل تفعل سوى اسكات‬
‫الفصامي‪ .‬وعلى عكس النظرة الشائعة في التحليل النفس ي وفي علم الامراض النفسية‪ ،‬يرى دولوز انه‬
‫"بدل ان نفهم الفصام بفعل التدمير ّالذي يدخله في الشخص‪ ،‬أو الثقوب والثغرات التي ُي ُ‬
‫ظهرها في‬ ‫ِ‬
‫بتلع الطبيعة والتاريخ‪ ،‬املتعض يّ‬ ‫ُ َ‬
‫هروب حيث ت‬
‫ٍ‬ ‫خطوط‬
‫ِ‬ ‫البنية‪ ،‬يجب معاينته كصيرورة [‪ ]...‬وفق‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫والروح‪ .‬انه ذاك الذي ينفذ بين آلالت‪-‬الاعضاء الفصامية‪ ،‬الجساد بال اعضاء‪ ،‬ودفوق الشدة حول‬
‫ا‬ ‫ّا‬
‫مكونا عالقات لآللت وانحرافا في التاريخ"‪.027‬‬ ‫هذا الجسد‪ِ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سكان‬
‫ٍ‬ ‫شعوب‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الفصامي هو الذي يصنع الالوعي ولكن ليس مع العائلة‪ ،‬ول مع ألاهل‪ ،‬ولكن مع‬ ‫ان‬
‫كل‬‫موضوعا لجينولوجيا عائلية‪ ،‬بل لتجمعات سكانية عاملية‪ ،‬وان ّ‬ ‫ا‬ ‫وقبائل ‪[ ...‬ذلك] ان الالوعي ليس‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪023‬‬
‫ذلك يجري نفيه عبر آلالة التحليلية" ‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن مهمة تحليل فصامي‪ ،‬وهو تحليل مضاد للتحليل‬
‫النفس ّي‪ ،‬تكمن في إكتشاف الارتصافات الجماعية للملفوظات‪ ،‬والتسلسالت الجماعية‪ ،‬اي اكتشاف‬
‫ّ‬
‫الشعوب ومن هم في داخلنا‪ ،‬والذين يجعلوننا نتكلم‪ ،‬ومن خاللهم ننتج النطوق‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬تتم‬
‫بحقل كامل من التجريب‪ ،‬من التجريب الشخص ي أو الجماعي"‪.024‬‬ ‫ٍ‬ ‫معارضة التحليل النفس ّي‬
‫القول ان الالوعي ينتج معناه ان نتوقف عن معالجته كما اعتاد التحليل النفس ّي ان يفعل به بإعتباره‬
‫نوعا من آلالوية التي تنتج آلويات أخرى‪،‬‬ ‫قدم مسرحية درامية‪ ،‬دراما أوديب؛ كما يعني ا‬ ‫مسرحا حيث ُت َّ‬‫ا‬
‫املسرحي‪ ،‬ولكن مع آلالت الراغبة‪ .‬وحين نتكلم عن آلالت الراغبة‬ ‫ّ‬ ‫اي ان الالوعي ل عالقة له بالتمثيل‬

‫‪171‬‬
‫‪Deux régimes de fous, P 25‬‬
‫‪172‬‬
‫‪Deux régimes de fous, P 27‬‬
‫‪173‬‬
‫‪L’ile Déserte, P 382.‬‬
‫‪174‬‬
‫‪Ibid. PP 383-384.‬‬
‫‪59‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتسيل دفو ٍق ما‪ .025‬وان مسألة معرفة كيفية اشتغال الالوعي هي مسألة‬ ‫غبة تقطع وتترك‬ ‫نتكلم عن ر ٍ‬
‫تتعلق بكيفية استخدام آلالت الراغبة واشتغالها‪ ،‬ذلك ان بنية الالوعي‪ ،‬كما يقول دولوز‪ " ،‬ليست‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ومؤشكلة"‪.026‬‬
‫ِ‬ ‫بنية نزاعية‪ ،‬تعارضية أو بنية تناقض‪ ،‬بل هي مسائلة‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ ا‬ ‫ّ‬
‫الحقيقي بحد‬ ‫صورا‪ ،‬بل بإعتباره‬ ‫الالوعي آلة لشخصية‪ ،‬ول رمزية ول ترسم‬ ‫يصر دولوز على اعتبار‬
‫ُ َ ّ‬
‫فهم إل‬ ‫ذاته مع انتاجاته التي تنتج الواقع بأكمله‪" :‬انطلقنا غاتاري وأنا من فكرة ان الرغبة ل يمكن ان ت‬
‫تحت فئة الانتاج؛ اي يلزم ادخال الانتاج في الرغبة ذاتها [‪ ]...‬وان فكرة مثل أوديب‪ ،‬التمثيل املسرحي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫غبة‪ .‬أوديب هو نتيجة القمع الاجتماعي لالنتاج الراغب‪ .‬حتى‬ ‫ألوديب‪ ،‬تشوه الالوعي‪ ،‬ول تعبر عن اي ر ٍ‬
‫ا‬
‫على مستوى الطفل‪ ،‬ليست الرغبة أوديبية‪ ،‬بل تشتغل كآلية‪ ،‬تنتج آلت صغيرة‪ ،‬مقيمة روابط بين‬
‫تكون آلت‪،‬‬ ‫كل ما سبق يعني بمعنى أو بآخر ان الرغبة ثورية [‪ ]...‬انها ثورية بطبيعتها ألنها ّ‬ ‫الاشياء‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫بإندراجها في الحقل الاجتماعي‪ ،‬تصبح قادرة على تخطي بعض الاشياء‪ ،‬على نقل النسيج الاجتماعي‪.‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫شكل من املسارح [‪ ]...‬الالوعي‬‫على الضد من ذلك‪ ،‬قلب التحليل النفس ي كل ش يء رأسا على عقب فوق ٍ‬
‫‪022‬‬
‫كمن ِت ٌج آللت الرغبة الصغيرة‪ ،‬الراغبة‪ ،‬ها هي‪ ،‬بالعكس‪ ،‬نقطة الانطالق في عملنا‪.‬‬
‫اشخاصا‪ ،‬وليس له عائلة‪ ،‬فهو يتيم ‪ ،02‬وان‬ ‫ا‬ ‫يواصل دولوز (وغاتاري) التأكيد على ان الالوعي ل يعرف‬
‫اكتشاف الانتاج الذاتي للرغبة يتزامن مع اكتشاف الكوجيتو الديكا تية الذي هو ا‬
‫ايضا يتيم بال اهل‪.‬‬ ‫ر‬
‫انتشال لالوعي من مستنقع الخصاء والصدع الامومي‪ ،‬وسيكون‬ ‫ٍ‬ ‫وسيكون التحليل الفصامي بمثابة‬
‫لسيرورة من حيث هي سيرورة فصامية‬ ‫ٍ‬ ‫انتاجي مع ذلك‪ ،‬فهو " ٌ‬
‫توقير‬ ‫ّ‬ ‫لالوعي يتيم ولكنه‬ ‫الاثبات الفعلي‬
‫ٍ‬
‫ا‬ ‫ّ ّ‬
‫لإلقتالع إلاقليمي التي عليها ان تنتج أرضا جديدة‪ ،‬وبمحاذاة اشتغال آلالت الراغبة‪ ،‬وبوجه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التشوش الذي ل يمكن تجنبه للقناع‬ ‫التراجيديا‪ ،‬وعلى الضد من الدراما القاتلة للشخصية‪ ،‬ضد‬
‫ّ‬
‫واملمثل"‪.022‬‬
‫ّ‬
‫ويمكن التكلم – على مستوى الالوعي ‪ -‬عن نوعين من الانتاج الراغب‪:‬‬
‫صامي ّالذي تطلقه الاكسيوماتية الرأسمالية‪ ،‬وهو انتاج ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫حر ينبعث بكامل‬ ‫الاول هو الانتاج املسمى ف‬
‫ي ‪ ،paranoia‬اي الشكل الثابت للرغبة وهو الخاضع لسلطة إيمان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قوته‪ ،‬والثاني هو املسمى بارانو ِ‬
‫إجتماعية (باهلل‪ ،‬بالوالد‪ ،‬بالزعيم‪ .0 1)...‬وان كلي الانتاجين يجريان فوق الجسد الخالي من الاعضاء‬
‫يتجه صوب الاعداد الكبيرة‬ ‫ّالذي يملك وجهين يحيالن الى اتجاهين أو طريقين ‪" :‬الاتجاه الكتلوي ّالذي ّ‬

‫‪175‬‬
‫‪L’ile Déserte, P 323.‬‬
‫‪ 99‬الاختالف والتكرار‪ ،‬ص ‪. 1‬‬
‫‪177‬‬
‫‪L’ile Déserte, 2002, P 324.‬‬
‫‪178‬‬
‫‪Anti-Œdipe p 59‬‬
‫‪179‬‬
‫‪Ibid., p 359 - 360‬‬
‫‪180‬‬
‫‪Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary, P 66.‬‬
‫‪60‬‬
‫ّ‬
‫وظواهر الجنون‪ ،‬والاتجاه الجزيئي الذي ينفذ‪ ،‬بالعكس‪ ،‬في الفرديات وتبادلتها ووصالتها عبر املسافة‬
‫أو املنتمية الى انظمة مختلفة‪[ ،‬و قد] اختار الزور ّي الاتجاه ألاول‪ :‬انه يحيل الى الفيزياء‪-‬الكبرى‪[ .‬بينما]‬
‫الفصامي في الاتجاه آلاخر‪ ،‬إتجاه الفيزياء‪-‬الصغرى [امليكروفيزياء]‪ ،‬والجزيئيات من حيث ل‬ ‫ّ‬ ‫يذهب‬
‫تخضع الى القوانين الاحصائية [‪ ]...‬خطوط هروب لمتناهية بدل منظورات املجموعات الكبرى"‪. 0 0‬‬
‫جهة استثمارات لظواهر الجموع والاستثمارات‬ ‫وان وجهي الجسد الخالي من الاعضاء يفيدان من ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جهة أخرى ترتصف الاستثمارات الفصامية للظواهر‬ ‫الجماعية البارانوية فوق سل ٍم مجهري‪ ،‬بينما من ٍ‬
‫ّ‬
‫الجزيئية فوق سل ٍم تحت‪-‬مهجر ّي ‪.sub-microscopique‬‬
‫وبالطريقة عينها التي يجعل فيها من آلالت الراغبة جوهرالانسان‪ ،‬فإن الفصام ‪ ،schizophrénie‬يبدو‬
‫أساسية لإلنسان والطبيعة‪.0 7‬‬
‫ٍ‬ ‫كحقيقة‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫ألاولي‬ ‫ّ‬
‫الكوني‬ ‫لدولوز عالم آلالت الراغبة الانتاجية‪ ،‬إلانتاج‬
‫ا‬
‫سيرورة فصام ٍية‪ .‬ولهذا السبب ايضا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫اغبة‪ ،‬فإننا ندخل في‬‫آلت ر ٍ‬‫ولذلك يمكن القول انه طاملا نملك ٍ‬
‫يرفض دولوز التمييزالتقليدي بين العصاب والذهان‪ ،‬ل من حيث الطبيعة أو النوع‪ ،‬فالقمع عليهما هو‬
‫ّ‬
‫العصابي يدور حول نفسه في عقدته ألاوديبية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الفصامي‪ ،‬فإن‬ ‫ّ‬
‫العقلي هذيان‬ ‫نفسه‪ ،‬وحين يكبح الطب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألاوديبي‪ ،‬بنفس الطريقة‬ ‫كنتيجة لكبح القوى الراغبة في حدود املثلث‬ ‫ٍ‬ ‫حيث تتشكل الذات العصابية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العقلي‪.0 3‬‬ ‫ككيان من خالل الطب‬‫ٍ‬ ‫التي يتشكل فيها الفصام‬

‫الانتاج الراغب وتآليف الالوعي‬


‫ان نشاط آلالة الراغبة هذه هو ما نطلق عليه تسميه "الانتاج الراغب" والذي هو بالتحديد حقيقة‬
‫ّ‬
‫الرغبة‪ .‬فعلي مستوى آلالت الراغبة وإن لم يؤخذ الانتاج على انه هدف أو غاية بحد ذاته‪ ،‬إل ان‬
‫سيرورته يجب ان تصل الى تمامها بما هو انتاج الجديد واملختلف‪ .‬ان سيرورة الانتاج الراغب‪ ،‬وعلى‬
‫بهدف ما‪ ،‬ل بل‬ ‫خالف سيرورة الانتاج على مستوى آلالت الكتلوية‪ ،‬ل يخضع ألي اشتراطات ول ّ‬
‫يتقيد‬
‫ٍ‬
‫ا ّ‬ ‫ّ‬
‫دوما‪ .‬الا ان سيرورة الانتاج الراغب ليست من دون قانون‪ .‬ان الانتاج يحصل‬ ‫انه انتاج خالق وابتكاري‬
‫بحسب حركة دائرية مؤلفة من زمنين‪ ،‬التسجيل والاستهالك‪ ،‬وهما مراحل حركة انتاجية آلالت‬
‫الراغبة‪ .‬ويمكن لذلك النظر الى الواقع كحاصل النشاط الانتاجي لآللت الراغبة‪ ،‬كمادة في حركة‬
‫لمتناهية‪ ،‬تشتغل من دون توقف‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الواقع هذا ليس حاصل مجموع آلالت التي تؤلفه‬
‫ّ‬
‫بل أن دولوز (وغاتاري) يرفضان فكرة طبيعة مختزلة الى الوحدة‪ .‬ان آلالت تشكل شبكة دينامية من‬
‫الانتاج مع مختلف مستويات الاتصال فيما بينها‪ ،‬ولهذا فمن الاصح القول أن الواقع ي ّ‬
‫تكون من كثرة أو‬

‫‪181‬‬
‫‪Anti-Œdipe p 336.‬‬
‫‪182‬‬
‫‪Anti-Œdipe, p 11‬‬
‫‪183‬‬
‫‪Ibid. P 155‬‬
‫‪61‬‬
‫ثابت‪ ،‬ذلك أن "الانتاج‬ ‫مجموع ٍ‬
‫ٍ‬ ‫تعددية‪ ،multiplicité 0 4‬تعددية تفلت من كل امكانية لالختزال الى‬
‫‪0 5‬‬
‫وحدة‪".‬‬
‫ٍ‬ ‫الراغب هو تعددية محضة‪ ،‬اي اثبات ل يمكن اختزالها الى‬
‫يتحدث دولوز (وغاتاري) في آنتي‪-‬أوديب عن ثالث "لحظات" للقطع الذي تقوم به آلالة الراغبة‪ ،‬أو عن‬
‫تعبر عن النشاطات الفعلية لالوعي من حيث كونها تآليف‬ ‫ثالث سيرورات‪ 0 6‬متداخلة لألنتاج الراغب ّ‬
‫ْ‬
‫الطرح‬ ‫املكونة بدورها من ثالث مراحل تعود الى لحظات القطع‪ :‬فاللحظة ألاولى هي عملية‬ ‫ّ‬ ‫سلبية‬
‫ّ‬
‫أوإلاقتطاع ‪ prélevement‬املتصلة بمرحلة التأليف الوصلي ‪ ،connectif‬واللحظة الثانية عملية‬
‫الانتزاع او التفكيك ‪ détacher‬املتصلة بالتأليف الفصلي ‪ ،disjonctif‬والثالثة هي عملية الابقاء والترك‬
‫‪ rester‬املرتبطة بالتأليف الربطي ‪ .conjonctif‬وتتحرك هذه التآليف كي ترسم دائرة الانتاج الراغب‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫دفق"‬‫ٍ‬ ‫"‬ ‫إقتطاع‬ ‫هنا‬ ‫ي‬ ‫يجر‬ ‫‪:‬‬ ‫أوديب‬ ‫‪-‬‬ ‫آنتي‬ ‫في‬ ‫دت‬ ‫ر‬‫و‬ ‫تي‬‫ال‬ ‫اللحمة‬ ‫قطع‬ ‫آلة‬ ‫ذلك‬ ‫على‬ ‫مثال‬ ‫لكل آلة‪ .‬فلنأخذ‬
‫يسميه دولوز الدفق الترابطي‬ ‫بحيث ان آلالة تكون على ارتباط بالدفق ّالذي فيه تقطع‪ ،‬وهذا الدفق ّ‬
‫الوصلي‪ .‬ومن ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫ثم‪ ،‬تنتزع آلالة‬ ‫‪ .associatif‬اذا‪ ،‬تتصل آلة قطع اللحمة بدفق قطعة اللحمة في التأليف‬
‫ا‬
‫الفصلي‪ ،‬وفي النهاية تنتج آلالة ما ّتبقى او الباقي من شرحات‬ ‫ّ‬ ‫الدفق الترابطي في التأليف‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫قطعة‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫اللحمة الذي بدوره سيستهلك في التأليف الربطي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫الوصلي‬ ‫أول‪ :‬التأليف‬
‫ّ‬
‫على مستوى الانتاج الراغب‪ ،‬يكون التأليف الوصلي هو القطع ألاول الذي تقوم به آلالة الراغبة‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القطع الذي يشترط الاستمرارية ويؤكدها كإستمرارية مثالية‪ ،‬من حيث ان الدفق الذي تقطعه آلالة‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫الراغبة يمتلك ما ّ‬
‫يسميه دولوز (وغاتاري) استمرارية مثالية‪ ،‬ذلك ان الـ ‪ hylé‬هو استمرارية محضة‬
‫مادة ما كفكرة‪ ،‬وهي الفكرة التي ّ‬ ‫ٌ‬
‫نكونها من استمرارية الدفوق املادية التي تتصل بها اعضاؤنا‬ ‫ٍ‬ ‫تمتلكها‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫في ما ّ‬
‫ومجزأة‬ ‫يسمى التأليف الوصلي‪ .‬وهذا الدفق الترابطي ‪ associatif‬يقابل الاشياء الجزئية املقطعة‬
‫تجزأ الش يء"‪ .0 2‬ان هذه‬ ‫دوما‪ ،‬بحيث ان " كل ش يء يفترض استمرا ية الدفق‪ ،‬وكل دفق يفترض ّ‬ ‫ا‬
‫ر‬
‫الاشياء الجزئية هي بحسب دولوز العناصر الاولى لالوعي‪ ،‬وبإعتبار اننا لم نصل بعد الى الـ ‪ hylé‬الا عبر‬
‫الفاعلية البدئية للتأليف الوصلي بإعتبارها القطع‪ ،‬فإن لوعينا مسكون بأشياء وموضوعات مفردة‪،‬‬
‫املركبات‬‫ّ‬ ‫مجزأة وجزئية‪ .‬انها موضوعات ميكروفيزيائية وميكروبيولوجية او ميكرونفسانية‪ ،‬وهي تلك‬ ‫ّ‬

‫ً‬
‫مجموعا‬ ‫‪ 1‬ليست هذه التعددية (أو الكثرة) سوى دينامية حيوية‪ ،‬تتعلق بحياة العضوية لجسم يعود تركيبه الى بعض الوظائف‪ ،‬وليس الى اعضائه‪ .‬انها‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اصليا‪ ،‬وكيفية واشتدادية ال متجانسة ومستمرة؛ كما ال يمكن تعريفها بعناصرها وبمركز توحيدها ولكن بعدد أبعادها‪ ،‬حيث تكون التغيرات ِ‬
‫أبعادها‬
‫املحايثة لها‪ ،‬وهي ال تنفك ّ‬
‫تتحول الى تعدديات أخرى متالحقة‪.‬‬
‫راجع‪ :‬الثبت التعريفي في الترجمة العربية لكتاب دولوز الاختالف والتكرار‪ ،‬ص ‪. 96‬‬
‫‪185‬‬
‫‪Anti-Œdipe, p 50‬‬
‫‪186‬‬
‫‪Gilles Deleuze ou le système du multiple, pp 178-179‬‬
‫‪187‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 13‬‬
‫‪62‬‬
‫يسميه دولوز (وغاتاري) "قانون انتاج‬ ‫الوصلي عما ّ‬‫ّ‬ ‫والاقسام املشتغلة في آلالت الراغبة‪ّ .‬‬
‫ويعبرالتأليف‬
‫‪0‬‬
‫ثم"‪.‬‬‫الانتاج" أو التأليف الانتاجي‪ ،‬حيث لالنتاج شكله الربطي ‪" :‬و"‪ّ " ،‬‬
‫ّ‪0 2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التأليف الفصلي‬‫ا‬
‫َ‬
‫املقتطعة من التأليف الوصلي ُت َّ‬
‫دون فوق الجسد بال اعضاء بحسب شيفرة (أو‬ ‫ان الاشياء الجزئية‬
‫لعضو واحد ان يترابط بدفوق كثيرة وفق‬ ‫ٍ‬ ‫كود) تنسجم والعضو الذي قام بالقتطاع وحيث يمكن‬
‫بفك شيفرة‬‫ترابطات مختلفة‪ .‬ان كل آلة اغبة تملك بداخلها شيفرتها ‪ code‬الخاصة والتي تسمح لها ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫الدفوق املادية التي تتصل بها‪ :‬تشفر العين اقتطاعتها بصيغة "النظر"‪ ،‬الالوان‪ ،‬الاشكال وال َ‬
‫صور‪،‬‬
‫ّ ُ‬
‫فيما تشفر الاذن الدفوق بصيغة "السمع" والفونيم واملورفيم وألالحان‪...‬الخ‪ .021‬وان هذه الاشياء‬
‫ّ ا‬ ‫ّ‬
‫مشكلة فئات ‪ blocs‬فصلية للطفولة‬ ‫ِ‬ ‫الجزئية تتوزع فوق الجسد بال اعضاء بحسب مجموعات‬
‫الفصلي "املقولت املفككة‪ ،‬يثبتها عبر املسافة بينها‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫والذكورة والانوثة‪..‬الخ‪ .‬ويثبت هذا التأليف‬
‫دون ان ترسم الحدود بينها أو ان تقصيها عن بعضها‪ ،‬وهذه ربما املفارقة الكبرى‪ّ “ .‬إما‪ّ ...‬إما“ بدل‬
‫إقصائيا ويرسم ثنائيات متعارضة (رجل‪ -‬إمرأة‪ ،‬ولد –‬ ‫ا‬ ‫“أو“"‪ .020‬وهذا يدل على ان هذا التأليف ليس‬
‫ثم فإن ا‬
‫نوعا من‬ ‫إثباتي ومحدد‪ ،‬وفي لحظة ما قد يشعر املرء بأنه والد ومن ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهل‪ ،)..‬ل بل ان استخدامه‬
‫ٍ‬
‫الفصلي يجعل من املرء عينه يشعر بأنه طفل؛ فكل‬ ‫ّ‬ ‫الانزلق ‪ glissement‬يعمل فوق شبكة التأليف‬
‫ش يء ينقسم بذاته‪.027‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬التأليف الربطي‬
‫ّ‬
‫القطع الثالث الذي تقوم به آلالة الراغبة في دورة الانتاج الراغب هو التأليف الربطي‪ .‬وان نتيجة هذه‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫الدورة املختتمة في هذا التأليف هي ظهور الذات بإعتبارها قطعة متاخمة لآللة الراغبة ستستهلك ما‬
‫ّ‬
‫تبقى من اشياء جزئية ترسبت من التأليفين السابقين‪ .‬ان التأليف الربطي هو "القطع الذاتي" بعد‬
‫القطعين الوصلي والفصلي في سيرورة الانتاج الراغب على ما يقوله مؤلفا آنتي‪-‬أوديب‪ .‬ذلك ان " القطع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ينتج الذات الى جانب آلالة‪ ،‬القطعة‬ ‫املتبقي أو الراسب ‪ résidu‬الذي ِ‬ ‫الثالث لآللة الراغبة هو القطع‪-‬‬
‫املتاخمة لها‪ .‬وإن لم يكن لهذه الذات هويتها املحددة أو الشخصية‪ ،‬وإن كانت تجتاز الجسد بال اعضاء‬
‫ّ‬
‫جزءا موز اعا بحد ذاته‪ ،‬تعود اليه‬ ‫من دون خرق لمبالته‪ ،‬فألنها ليست فقط الى جانب آلالة‪ ،‬بل ا‬
‫الاجزاء الخاصة بالنفصال عن السلسة وبإقتطاعات الدفوق املشتغلة عبر آلالة"‪ .023‬ان النشاط‬

‫‪188‬‬
‫‪Ibid, p 46‬‬
‫‪189‬‬
‫‪The Deleuze Dictionary, PP 77 - 78‬‬
‫‪190‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 48‬‬
‫‪191‬‬
‫‪Ibid., P 93‬‬
‫‪192‬‬
‫‪Ibid. PP 94 - 95‬‬
‫‪193‬‬
‫‪Ibid. PP 50 - 51‬‬
‫‪63‬‬
‫ّ ّ‬ ‫والفصلي ينتج ما ّ‬
‫ّ‬
‫املتبقي" الذي تستهلكه القطعة املتاخمة في‬ ‫نسميه "‬ ‫الراغب للتأليفين الوصلي‬
‫سيرورة التذويت؛ هذه القطعة املتاخمة هي ما يطلق عليه دولوز اسم "الذات اليرقية" ‪ larvaire‬وهي‬
‫التي تولد عن حالت الاستهالك كقطعة مالزمة لآللة‪ ،‬وهي ذات تنتفي عنها الهوية الثابتة‪ ،‬ل تنفصل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عن القلق والشهوانية وعن السيرورة املتحركة املكثفة للطاقة التي تشغل آلالة‪ .024‬فليس "ألانا أفكر"‬
‫كثافة‬
‫ٍ‬ ‫في عمق هذه الذات واساسها‪ ،‬بل الـ"أنا أشعر" الاصيلة بإعتبارها اشعور السيرورة في‬
‫حاضرة‪.025‬‬
‫ٍ‬

‫ُ‬
‫مه ّمات التحليل الفصامي‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫الفصامي"‪ ،‬يرى دولوز ان تأرجحات‬ ‫في الفصل الرابع من الـ آنتي‪-‬أوديب‪ ،‬واملعنون "مدخل الى التحليل‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫إقليميا وذات الشيفرات املفككة‪ ،‬وبين تلك الدفوق‬ ‫‪ oscillation‬الالوعي بين دفوق الرغبة املنتشلة‬
‫ّ‬ ‫التي جرت أقلمتها وتشفيرها‪[ ،‬أن هذا التأرجح] أو بمعنى آخر "املرور ّ‬
‫نمط إلى آخر"‪ 026‬يشكل‬ ‫السري من ٍ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫الفصامي وهو التحليل املبتكر واملضاد للتحليل النفس ي‬ ‫واحدا من املوضوعات الرئيسية للتحليل‬
‫ّ‬
‫والذي وضعه دولوز وغاتاري كأداة تحليلية وثورية من أجل إكتشاف دفوق الرغبة في تشفيراتها‬
‫وأقاليمها‪ ،‬وفي خطوط هروبها وإقتالعاتها إلاقليمية‪.‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫مصنعا لالنتاج الرغبوي الالمحدود‪،‬‬ ‫انطالقا من التحليل الفصامي‪ ،‬يجب التعامل مع الالوعي على انه‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ومكان للعمل‪ .‬وتناسب صورة‬ ‫ٍ‬ ‫مصنعا‪ ،‬معمال‬ ‫طاملا ل يمكن ان نضع الرغبة على منصة املسرح ألنها‬
‫املصنع الدفوق الالشخصية للرغبة أكثر مما تناسبها صورة املسرح‪ .‬وان التعدد الكبير في الصورة‬
‫َ‬
‫الفنتازية والهلوسات املنتجة ليست بأي شكل من الاشكال تشكيالت ارتدادية او آلية دفاع ميكانيكية‬
‫ابدا الذكريات املكبوتة‪ ،‬ول حتى‬ ‫تنتج عن الصراع الالوعي ‪":‬الالوعي ينبغي ان تنتجوه‪ .‬انه ل يخص ا‬
‫َ‬
‫الاستيهامات [‪ ]...‬اعملوا على انتاج الالوعي [‪ ]...‬ول يتم ذلك في اي مكان‪ ،‬انه ل ُينتج بواسطة فلتة‬
‫ّ‬
‫اجتماعي‬ ‫لسان أو بنكتة أو حتى بحلم‪ .‬ان الالوعي مادة يجب صنعها‪ ،‬والعمل على تسريبها‪ ،‬انه مجال‬
‫وسياس ّي يجب الاستحواذ عليه"‪.022‬‬
‫الفصامي عن التحليل النفس ّي‪ ،‬هو رفضه للدال‪ .‬ذلك ان التحليل عبر الدال هو بحد‬ ‫ّ‬ ‫ما ّ‬
‫يميز التحليل‬
‫ا‬ ‫ذاته ٌ‬
‫قمع كما يقول دولوز؛ وفي مختلف الاحوال‪ ،‬يبدو من املستحيل ان نرسم تخطيطا لالوعي باإلحالة‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫دوما الى الدال ‪":‬ان آلالت الراغبة ل تمثل شيئا‪ ،‬ل تعني شيئا‪ ،‬ل تريد قول اي ش يء‪ ،‬وهي بالتحديد ما‬

‫‪194‬‬
‫‪Deleuze’s Philosophical Lineage, p 230‬‬
‫‪195‬‬
‫‪Anti-Œdipe. PP 24-25‬‬
‫‪196‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 334‬‬
‫‪ 69‬حوارات‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪64‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫‪02‬‬
‫دال ما ول تعني شيئا‪ ،‬فالسؤال الذي‬ ‫تقوم به" ‪ .‬ولكن‪ ،‬وإن كانت هذه آلالت املن ِتجة ل تحيل الى ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُي َ‬
‫طرح هو كيف يمكنها التفلت من الدال؟‬
‫املهمة الاولى تكمن في اكتشاف‬ ‫الفصامي‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫يتحدث دولوز عن َم َه ّم ْتين إيجابيتين يقوم بهما التحليل‬ ‫ّ‬
‫فهم‪ ،‬ذلك ان املحلل‬ ‫تأمل أو ٍ‬‫ذات‪ ،‬كما تشكيل وعمل آلتها الراغبة‪ ،‬بالستقالل عن كل ٍ‬ ‫طبيعة كل ٍ‬
‫‪022‬‬ ‫ّ‬
‫الفصامي هو "ميكانيكي‪ ،‬والتحليل الفصامي هو الذي يشتغل فقط" ‪ .‬ول يقف هذا التحليل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الفصامي للذات عند آلالت التي في ألاحالم والاستيهامات‪ ،‬أو عند آلالت الاجتماعية حيث تستخدم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذات‪ ،‬بل ان هذه آلالت تبقى تمثيلية وتمثل وحدات كبيرة؛ ولكن ل بد أن تؤخذ كلها‪ ،‬حتى ولو كانت‬
‫حلمية أو رمزية أو َّ‬ ‫ُ‬
‫متخيلة‪ ،‬في الاعتبار بشكل كما لو انها مؤشرات على وجود واشتغال آلالت الراغبة‪.‬‬
‫عناصرا متفاوتة‪،‬‬ ‫ا‬ ‫املميزة لكل هذه آلالت الراغبة والفصامية تكمن في انها تضع في الاعتبار‬ ‫وان السمة ّ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫غريبة عن بعضها البعض‪ .‬انها آلت مجمعة ومع ذلك تشتغل‪ ،‬وان اشتغالها يكمن في تهريب ش ٍيء ما أو‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫قديمة‪ ،‬ل يربطها رابط بسياقاتها‪ ،‬والتي ستدخل في‬ ‫ٍ‬ ‫بعناصر‬
‫ٍ‬ ‫الفصامي يصنع آلة عاملة‬ ‫شخص ما‪" .‬ان‬ ‫ٍ‬
‫عالقات بينها بقدر افتقارها الى العالقات ‪ :‬كما لو ان التمييز الحقيقي‪ ،‬وتفاوت مختلف ألاجزاء يصبح‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫سببا كي توضع ْ‬ ‫ا‬
‫الفصامي أن يصل الى الاجزاء املتناثرة‬ ‫وكي يتم تشغيلها سوية"‪ .711‬وعلى التحليل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملوزعة لهذه آلالت‪ ،‬وإل لن يصل الى العناصر الحاسمة لالوعي الانتاجي‪ ،‬وهي عناصر متناثرة‪ ،‬ولكن‬
‫ّ‬
‫بنقص ما‪[ ،‬بل] يشكل طريقتها في الحضور في التعددية التي تخلقها من دون‬ ‫ٍ‬ ‫"تناثرها ل عالقة له‬
‫تمر به‪ ،‬فهو‬ ‫الفصامي (أو الذات الفصامية) يحيا وآلالت ّ‬ ‫ّ‬ ‫توحيد أو تشميل ‪710"totalisation‬؛ ان‬ ‫ٍ‬
‫حاضر في آلالت وآلالت بداخله‪ ،‬أو يكون مجاو ارا لها‪ .‬ليست أعضاؤه هي آلالت املوصوفة‪ ،‬ولكن‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫أجزاء مترابطة مع أخرى خارجية (شجرة‪ ،‬نجمة‪،‬‬ ‫أعضاؤه ل تعمل إل لكونها عناصر ما في هذه آلالت‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتصلة بمصادرها‪ ،‬معلقة فوق دفو ٍق تدخل هي نفسها في آلت معقدة مع‬ ‫محرك)‪ .‬ان الاعضاء‬ ‫ِ‬
‫يبينه بوضوح الهذيان‬ ‫مصنعا ‪717‬؛ "وهذا ما ّ‬ ‫ا‬ ‫فعليا‪ ،‬اي‬ ‫مما يجعل الوعي يظهر كما هو ا‬ ‫الفصامي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫بالشدة‪ ،‬اي‬ ‫عمقا‪ ،‬أشعور‬ ‫الفصامي‪ :‬خلف هلوسات املعنى‪ ،‬خلف هذيان الفكر‪ ،‬هناك ش ٌيء ما أكثر‬ ‫ّ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫عبورا [‪ ]...‬اشعر اني اصبح إمرأة‪ ،‬اشعر انني اصبح ا‬ ‫صيرورة أو ا‬‫ا‬
‫إلها‪ ،‬اصير عرافا ‪ ،voyant‬اصير مادة‬
‫لحظة‬ ‫إل على مستوى ألانا اشعر ّالذي ّ‬
‫يسجل في كل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفصامي ل يمكن معاينته‬ ‫خالصة ‪ ...‬ان الهذيان‬
‫ا‬
‫ٍ‬
‫الشدة لالجساد بال اعضاء ولآللت الاعضاء"‪.713‬‬ ‫عالقة ّ‬

‫‪198‬‬
‫‪Ibid., p 342‬‬
‫‪199‬‬
‫‪Ibid. P 388‬‬
‫‪200‬‬
‫‪Deux régimes de fous, P 18‬‬
‫‪201‬‬
‫‪Anti-Œdipe. P 393‬‬
‫‪202‬‬
‫‪Deux régimes de fous, PP 17 - 18‬‬
‫‪203‬‬
‫‪Deux régimes de fous, P 21‬‬
‫‪65‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جسد بال أعضاء‬ ‫ٍ‬ ‫موقع‬ ‫تتضمن بالضرورة‬ ‫وبالنسبة للتحليل الفصامي‪ ،‬فإن تآليف الالوعي الراغب‬
‫ّ‬
‫والذي ل يظهر كنقيض لألعضاء أو العناصر الجزئية التي يحتويها الالوعي هذا‪ ،‬بل ان هذا الجسد‬
‫ّ‬
‫ولكنه ٌّ‬ ‫يتولد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل إلى جانب الاعضاء والعناصرالجزئية‪ ،‬وهو‬ ‫ككل ‪،un tout‬‬ ‫يتولد في التأليف ألاول‪ ،‬وهو‬
‫متمي ٌزعنها‪.‬‬
‫ل يقوم بجمعها وتوحيدها‪ ،‬بل ينضم اليها كقسم جديد ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الفصامي‪ ،‬في مهمته الايجابية الاولى‪ ،‬يكشف لنا ان الجسد بال اعضاء كما املوضوعات‬ ‫ّ‬ ‫ان التحليل‬
‫الجزئية هي العناصر املادية لآللت الراغبة الفصامية‪ ،‬وان املجموعتين تدخالن في عالقة استمرارية‬
‫جهاز إلعادة‬ ‫نقل أو ٍ‬ ‫لرغبة‪ .‬وتكون هذه السلسلة الجزيئية بمثابة جهاز ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لكي تشكالن سلسلة جزيئية‬
‫فصامي هو أن "نعرف إن كان من املمكن‬ ‫ّ‬ ‫آلة راغبة‪ .‬ويبقى السؤال الرئيس ي لكل تحليل‬ ‫انتاج في كل ٍ‬
‫ٍّ‬
‫التكلم عن شيفرة على مستو السلسلة الجزيئية للرغبة هذه [‪[ ]...‬بسبب أن] مقولتي الشيفرة‬ ‫ى‬
‫إل على مستوى املجموعات الكتلوية‪ ،‬حيث تصنع السلسلة ّ‬ ‫ّ‬
‫الدالة‬ ‫وألاكسيوماتية ل تبدوان مالئمتين‬
‫منتزع"‪ .714‬ويجيب دولوز‬ ‫َ‬ ‫هذا الترتيب املحدد أو ذاك فوق‬
‫دال‬
‫حامل محدد بذاته‪ ،‬وبالعالقة مع ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حامل غير َّ‬
‫محد ٍد‬ ‫ٌ‬ ‫(وغاتاري) انه وعلى مستوى السلسلة الجزيئية‪ ،‬ومن حيث ان الجسد بال اعضاء هو‬
‫وغير ّ‬
‫محد ٍد يشير الى الحدود الجزيئية للمجموعات الكتلوية‪ ،‬فإن وظيفة التشفيروألاقلمة تكاد تنعدم‪،‬‬ ‫ٌ ِ‬
‫تفك شيفرات الجسد بال اعضاء‪.‬‬ ‫بل ل يبقى أمام السلسلة سوى وظيفة التهجير الاقليمي للدفوق‪ ،‬وأن ّ‬
‫سلسلة ّ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فك‬ ‫هروب‪ ،‬وليس شيفرة‪ .‬اصبحت السلسلة الدالة‬ ‫ٍ‬ ‫انها‪ ،‬ولهذا السبب بالتحديد‪ " ،‬سلسلة‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ ا‬
‫غبة؛ ولكن هذه العالمات كفت‬ ‫عالمات ر ٍ‬
‫ِ‬ ‫تظل دالة ألنها مشكلة من‬ ‫وتهجير اقليمي [‪ ]...‬وهي‬
‫ٍ‬ ‫شيفرات‬
‫حرية على‬ ‫مجردة تلعب بكل‬ ‫صور آلوية ّ‬ ‫عن أن تكون عالمات دال [‪ ]...‬بل هي من طبيعة محددة‪َ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجسد بال اعضاء ول تشكل ّ‬
‫اي ترتيب بنيوي [‪ ]...‬وان السلسلة الجزيئية هي الشكل الذي‪ ،‬على‬
‫اساسه‪ ،‬يعيد الالوعي الجيني ‪ génique‬انتاج نفسه مع بقائه كذات"‪.715‬‬
‫تفر من‬ ‫الفصامي يصبح قاد ارا على اكتشاف آلالت الراغبة مع سالسلها الجزيئية التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحده التحليل‬
‫ثوري ا‬
‫ولكنه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ ا‬ ‫التشفير والقمع‪ ،‬فهذا التحليل ّ‬
‫ايضا ألنه‬ ‫انتاجي‪،‬‬ ‫تأمال بقدر ما هو نشاط‬ ‫ثوري ألنه ليست‬
‫ّ‬ ‫مدمر‪ ،‬فهو في إنتاجيته ّ‬ ‫ّ‬
‫يدمر املجموعات الكتلوية والبنى والتمثيالت التي تعطل سيرورة آلالت الراغبة‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتجمدها وتسكتها؛ وعلى عكس الصيغة الفرويدية التي تعتبر ان الالوعي هو الذي يضغط على الوعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفصامي ان الوعي هو الذي يضغط على الالوعي ويمنعه من الفرار ومن الانتاج‪ ،‬ل‬ ‫يكشف لنا التحليل‬
‫بل يقوم هذا الوعي بإستخدام الالوعي بطريقة غير شرعية ومتعالية‪ ،‬ما يمنع هذا الاخير من أن يعمل‬
‫يمثل‪ ،‬وهذا هو ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تماما ما يفعله التحليل‬ ‫املكونة‪ ،‬بل فقط يمثل ما أرادت آلة القمع أن ِ‬ ‫ِ‬ ‫بآلته‬

‫‪204‬‬
‫‪Anti-Œdipe. P 395‬‬
‫‪205‬‬
‫‪Ibid., P 396‬‬
‫‪66‬‬
‫ا‬ ‫الفصامي في ّ‬
‫تتبعه إلنتاج الالوعي وصول إلى آلالت‬ ‫ّ‬ ‫النفس ّي‪ ،716‬وهذا هو بالتحديد ما يجابهه التحليل‬
‫الفصامية الراغبة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّأما َّ‬
‫الفصامي فهي التي تسمح في كشف النقاب عن وجوه التمييز في الاستثمارات‬ ‫املهمة الثانية للتحليل‬
‫الاجتماعية للرغبة‪ ،‬بين الاستثمار الليبيدي الالواعي للمجموعات أو للرغبة من جهة‪ ،‬وبين الاستثمار‬
‫قبل الواعي‪ Préconscient ‬للطبقة أو للمصلحة‪ .‬ويمر هذا الاستثمار ألاخير من خالل الاهداف‬
‫ويتصل باملتعضيات ‪ organisme‬وألاعضاء الجماعية‪ .‬وتحيل املصلحة ما قبل‬ ‫ّ‬ ‫واملطامح الاجتماعية‪،‬‬
‫إقتطاع للدفوق‪ ،‬وانتز ٍاع للشيفرات‪ ،‬والى رواسب متبقية أو الى‬
‫ٍ‬ ‫إجتماعية ما إلى‬
‫ٍ‬ ‫لطبقة‬
‫ٍ‬ ‫الواعية‬
‫ات مضادة ‪ contre-investisments‬تصنع‬ ‫عائدات ذاتية؛ هذا فيما تفيد الطبقة ألاخرى استثمار ٍ‬
‫إنطالقا من غايات اجتماعية ووسائل‪ ،‬وطرائف تآليف إجتماعية جديدة‪ .712‬ا‬ ‫ا‬
‫وتبعا‬ ‫مصلحتها الخاصة‬
‫ّ ّ‬
‫لذلك يمكن التمييز بين ما هو رجعي ‪ réactionnaire‬أو إصالحي‪ ،‬وبين ما هو ثوري‪ .‬إل ان إلاشكالية التي‬
‫دوما – هي ملاذا يحتفظ من لهم مصلحة ثورية بإستثمارات قبل واعية‬ ‫يطرحها دولوز – ويعيد طرحها ا‬
‫من طبيعة رجعية؟‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فصامي يتخطى الترسيمة املاركسية التقليدية بين بنية فوقية أيديولوجية وأخرى‬ ‫ويمكن لتحليل‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫تحتية مادية اقتصادية‪[ ،‬يمكن له] أن ّ‬
‫ليبيدي ليس‬ ‫اقتصاد‬
‫ٍ‬ ‫يقدم اجابة على السؤال أعاله من خالل‬
‫وقت يشترك الاقتصادان في تحليل طبيعة استثمارات‬ ‫أقل موضوعية من الاقتصاد السياس ّي‪ ،‬في ٍ‬ ‫ّ‬
‫الرغبة ولو من منطلقات أو أبعاد مختلفة‪ ،‬اذ "ل يقف الاقتصاد الليبيدي عند انظمة التآليف‬
‫تطور القوى والطاقات التي تعتمد عليها هذه التآليف؛ ول يتوقف عند‬ ‫الاجتماعية‪ ،‬ولكن عند درجة ّ‬
‫الاقتطاعات والانتزاعات والرواسب التي تصنعها هذه التآليف‪ ،‬بل عند طبيعة الدفوق والشيفرات‬
‫ّ‬
‫التي تشترطها‪ .‬ل يتعقب [الاقتصاد الليبيدي] الغايات والوسائل الاجتماعية‪ ،‬بل الجسد املليء‬
‫كسوسيوس‪ ،‬وتشكيالت السيادة أو شكل ّ‬
‫القوة لذاتها والتي تفتقر الى املعنى والهدف طاملا ان هذين‬
‫ّ‬
‫يجريان فيها وليس العكس‪ ]...[ .‬انه الاقتصاد الليبيدي الالواعي الذي يجعلنا نبحث عن مصلحتنا في‬
‫ا‬
‫هذه الجهة وليس تلك‪ ،‬أن نخطط ألهدافنا وفقا لهذا الطريق‪ ،‬مقتنعين انه هنا نكون محظوظين‪،‬‬
‫طاملا ان الحب يدفعنا" ‪. 71‬‬

‫‪206‬‬
‫‪Ibid., P 409‬‬
‫‪ ‬يستعمل فرويد مصطلح ما قبل الوعي للداللة على نظام نفس ي ّ‬
‫يتميز عن نظام الالوعي املكبوت‪ .‬تبقى محتويات ما قبل الوعي قابلة للعبور الى مستوى‬
‫الوعي‪ .‬انه كل ما يفلت من الوعي الراهن ّ‬
‫ولكنه يظل ُم َ‬
‫لحق باألنا وباألنا ألاعلى‪ .‬انظر املصدر السابق ذكره معجم مصطلحات التحليل النفس ي‪ ،‬ص ‪.9 0‬‬
‫‪207‬‬
‫‪Anti-Œdipe. PP 415-416‬‬
‫‪208‬‬
‫‪Ibid., P417‬‬
‫‪67‬‬
‫مهمة التحليل الفصامي هي الوصول الى استثمارات الرغبة الالواعية‬ ‫ونستخلص من ذلك كله ان ّ‬
‫يتم تمييزها عن الاستثمار املاقبل الواعي للمصلحة‪ .‬ولكن هذا التمييز ل يعني‬ ‫إجتماعي ما‪ ،‬طاملا ّ‬
‫ّ‬ ‫لحقل‬
‫ٍ‬
‫انعدام التقاطع والاختالط بين الاستثمارات الليبيدية وتلك الخاصة باملصلحة‪ ،‬حيث ان هناك ا‬
‫دوما‬
‫ّ‬
‫ألشكال رجعية وأخرى ثورية؛ وتكمن أهمية التحليل‬
‫ٍ‬ ‫تركيبات معقدة من الربغة واملصلحة‪ ،‬وامتزاج‬
‫الفصامي في اكتشاف املؤشرات آلالوية التي تسمح‪ ،‬على مستوى الافراد والجماعات‪ ،‬بإظهار وإبراز‬
‫الاستثمارات الليبيدية للحقل الاجتماعي‪.712‬‬
‫ويكشف التحليل الفصامي ان التآليف إلاجتماعية الظاهرة ليست سوى صورة ّ‬
‫مكبرة ما قبل واعية‬
‫ّ‬
‫لدرجة من التطور‪ ،‬وان املصالح والغايات البادية هي فقط عروض ما قبل واعية لجسد اجتماعي‬
‫يشوش الاستثمار الليبيدي فقط في حقل اجتماعي ما استثمارات الرغبة‪ ،‬وبالتالي يناقض‬ ‫مليء‪ ،‬ول ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫آلة قمعية‪ ،‬ولكن‬‫ويعاكس مصالح املستغلين حين يجعلهم يتجهون للبحث عن أهدافهم مستخدمين ٍ‬
‫"ما هو رجعي أو ثوري في الاستثمار املاقبل الواعي للمصلحة ل يتطابق بالضرورة مع ذلك املوجود في‬
‫ا‬
‫الاستثمار الليبيدي الالواعي‪ .‬يحمل الاستثمار الثوري ما قبل الواعي اهدافا جديدة‪ ،‬وتآليف اجتماعية‬
‫لقسم على الاقل من الليبيدي الالواعي ان يستمر في استثمار‬ ‫ٍ‬ ‫جديدة‪ ،‬وسلطة جديدة‪ .‬ولكن يمكن‬
‫شكل قديم من السلطة مع تشفيراتها ودفوقها"‪.701‬‬ ‫جسد قديم‪ٍ ،‬‬‫ٍ‬

‫‪209‬‬
‫‪Ibid., P23‬‬
‫‪210‬‬
‫‪Ibid., P419‬‬
‫‪68‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬السياسة الدولوزية‬

‫‪69‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫سياق عالمي سمته التمردات الطالبية والعمالية والعرقية والقومية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بالرغم من انبثاقها من رحم‬
‫ّ‬
‫والانتفاضات والاحتجاجات واسعة املدى (من الوليات املتحدة حتى اليابان مرو ارا باملكسيك وبولندا‬
‫وتشيكوسلوفاكيا)‪ ،‬والحروب التحررية (الجزائر‪ ،‬فييتنام‪..‬ألخ) الا أن أحداث أيار\مايو ‪026‬‬
‫الباريسية الشهيرة طبعت بطابعها الخاص التاريخ الفرنس ي املعاصر على املستويين الاجتماعي‬
‫والفكري؛ كما سيمتد تأثيرها الى كل أنحاء العالم‪ .‬وقد تزامت حوادث أيار\مايو ‪ 6‬مع وضعين عامليين‬
‫رئيسيين‪ :‬املشروع املكارثي‪ ،‬حيث كانت الرأسمالية تحاول تجديد نفسها في مواجهة ما ُع ِرف بالخطر‬
‫ّ‬
‫الشيوعي‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية‪ ،‬تراجع الطبقة العاملة عن موقعها الطليعي‪ -‬الذي رسمه لها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملهمشين‬ ‫املاركسيون‪ -‬في مواجهة آلة الاستغالل الرأسمالي‪ ،‬حيث حلت مكانها قوى جديدة من الطلبة‬
‫والاقليات العرقية والنساء واملهاجرين والشباب‪.‬‬

‫ّ‬
‫الطالبي على النظام الاجتماعي والاخالقي ّ‬
‫برمته‪،‬‬ ‫الا أن هذه ألاحداث لم تقف عند حدود الاحتجاج‬
‫وعلى النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم‪ ،‬وعند حدود النضال من أجل الاستقاللية الفردية والتسيير‬
‫ّ‬
‫الذاتي الجماعي بوجه السلطات والبيروقراطيات‪ ،‬بل ّانها سرعان ما ولدت دينامية فكرية وفلسفية‬
‫ّ‬
‫والتصورات الفلسفية التقليدية التي كانت مهيمنة وقتها‪ .700‬وهكذا تمخض‬ ‫قلب للمفاهيم‬
‫أبانت عن ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وتحولت فلسفية‬ ‫والتأمالت‪ - 707‬مواقف‬ ‫عن هذا الحدث املتسارع – والذي كث َرت حوله التفسيرات‬
‫ّ‬
‫الكوني‬ ‫جديدة‪ ،‬أبرز سماتها سؤال نهاية الفلسفة‪ ،‬وانحالل مقولة الحقيقة ورفض كل عودة الى‬
‫‪ ،universel‬كما انغمس فالسفة الستينات الجدد بالبحث عن املفارقة‪ 703‬بدل الوضوح‪ ،‬وعن‬

‫‪ ‬المشروع المكارثي أو المكارثية نسبةً الى السيناتور األميركي الجمهوري جوزيف مكارثي (‪ )8091-8091‬رئيس إحدى اللجان الفرعية بمجلس‬
‫الشيوخ األمريكي‪ ،‬والّذي تبنّى خطةً أمنية للنيل من المعارضين الشيوعيين واليساريين في الواليات المتحدة األميركية‪ .‬امتدت المكارثية بين عامي‬
‫‪ 8091‬و‪ 8091‬تمت فيها مالحقة آالف المت ّهمين من بينهم موظفّين حكوميين وكتّاب وفنانين وصحافيين يساريين ومعارضين للمكارثية والحرب‬
‫الباردة أكانوا اميركيين أو أجانب‪.‬‬
‫‪ 88‬لقد وجدت هذه الثورة او االنتفاضة مرجعيتها الفكرية عند بعض الكتّاب والمف ّكرين‪ ،‬كان ابرزهم سارتر في كتابه "العقل الجدلي"‪ ،‬وهربرت‬
‫ماركيوز في "االنسان ذو البعد الواحد‪ ،‬والمحلل النفسي الماركسي فيلهام رايش في "الثورة الجنسية"‪ ،‬وريجيس دوبريه في "الثوة في‬
‫الثورة"‪...‬وغيرهم ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫فري وآالن رينو في كتابهما "فكر ‪ "81‬مراجعة للتأمالت العديدة حول حدث ايار ‪ ،81‬وهي التأ ّمالت التي حاولت ان تعود بهذه‬ ‫يقدّم لوك ّ‬
‫ّ‬
‫االحداث الى أزمة التعليم الجامعي‪ ،‬وفورة الشباب أو أزمة الثقافة والسياسة الفرنسيتين‪ ،‬أو الصراع الطبقي بحل ٍة جديدة (ريجيس دوبريه)‪ ،‬أو الى‬
‫ي ضد التكنوقراط أكثر منه اقتصادي ضد البرجوازية‪...‬الخ‬‫صراع إجتماعي ٍ ثقافي وسياس ّ‬
‫راجع‪:‬‬
‫‪Ferry, Luc, Renaut, Alain, La pensée 68, éditions Gallimard, Paris, 1988, pp79-87‬‬

‫‪ 8‬من بين شعارات و بيانات أيار ‪ 81‬نستذكر‪" :‬الخيال يأخذ السلطة"‪" ،‬أعلن حالة السعادة الدائمة"‪" ،‬الحب يأخذ السلطة" ‪" ،‬انسوا كل ما تعلمتموه‬
‫وابدؤوا بالحلم"‪" ،‬لتسقط الواقعية االشتراكية ولتحيا السريالية"‪...‬الخ‬
‫‪70‬‬
‫الهامشية‪ ،‬وحاولوا تثوير الفلسفة الاملانية (هيغل‪-‬ماركس‪-‬نيتشه‪ )..‬ضمن مشروع نقدي جذري‬
‫للذاتوية (فوكو وموت الانسان)‪.704‬‬

‫ا‬ ‫ا‬
‫مشتغال في عالم الافاهيم‪ ،‬ا‬ ‫وقبل ثورة ‪ 6‬الباريسية‪َ ،‬‬
‫مهتما بتاريخ الفلسفة‪ ،‬منشغال في نقد‬ ‫بقي دولوز‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫جديدا في‬ ‫مبتكرا نمطا‬ ‫جذري ملسلمات صورة الفكر الكالسيكية‪ ،‬وللحس السليم والحس املشترك‪،‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫جديدا من الكتابة الفلسفية‪ ،‬تعكس تحرر الفكر من كل صورة (الفكر البدوي أو‬ ‫التفكير يالئمه نمطا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الترحالي)‪ ،‬الى ان جاء زلزال أيار\مايو ‪ 6‬الذي شكل ما يشبه الازمة لدولوز وغاتاري‪ ،‬ما أوجب على‬
‫ا‬
‫الاثنين مراجعة مسارهما‪ ،‬اذ لم يعد الفيلسوف منغلقا على نفسه في عالم الافاهيم املحضة‪ ،‬ولم يقف‬
‫ا‬
‫فيلسوفا بقدر ما أصبح دولوز ن ا‬ ‫املحلل النفس ي عند ّ‬
‫اقدا‬ ‫حد العلوم النفسية ومقولتها‪ ،‬أصبح غاتاري‬
‫ا‬
‫قاسيا للتحليل النفس ي‪.‬‬

‫لقد أطلقت أحداث أيار\مايو ‪ 6‬كل تلك القوى التي بقيت مطمورة ومسحوقة تحت وطأة آلالة‬
‫إلاجتماعية‪ ،‬ولم تعد التفسيرات والتنظيرات الفلسفية والسياسية الكالسيكية قادرة على التقاط ما‬
‫حدثا "ج ا‬ ‫ا‬
‫زيئيا‪ ،‬يتعذر على السياسات الكبرى [أو‬ ‫حصل عشية هذه ألاحداث‪ .‬لقد كان أيار\مايو ‪6‬‬
‫ثم ُ‬
‫صغيرا في البدء‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫كب َر‬ ‫ا‬ ‫جزيئيا قد ّ‬
‫فر‪،‬‬ ‫املكروسياسة ‪ ] Macro politique‬أن تدركه [‪ ]...‬ان دفقا‬
‫ا‬
‫من دون أن يكون قابال لإلدراك"‪.705‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجزيئي‪ ،‬كان على دولوز ان ّ‬


‫ّ‬
‫ويسيسها‪ ،‬ويجذر قراءته لنصوص فرويد‬ ‫يثور ألافاهيم‬ ‫وأمام هذا الدفق‬
‫وماركس وغيرهما (نيتشه‪ ،‬اسبينوزا‪ ،‬برغسون‪ ،‬فوكو‪ ،‬آرطو‪ ،‬ألادب الاميركي‪..‬الخ)‪ ،‬وكان مفتاح ذلك‬
‫ا‬
‫أفهوم "آلالت الراغبة" آلاتي من غاتاري‪ :‬لم تعد آلالة الراغبة بنية فوقية (كما افترض ماركس)‪ ،‬ولم‬
‫ُ َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫أوديبيا (كما اظهر فرويد)‪ ،‬ولم تعد التوظيفات املجتمعية لليبيدو تختزل الى‬ ‫مسرحا‬ ‫يعد الالوعي‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫توظيفات عائلية‪ ،‬بل لم يعد ممكنا فهم الرغبة الا انطالقا من مقولة "الانتاج"‪ ،‬وهي ليست البتة‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مضادا‬ ‫بنقص‪ ،‬بل انها تن ِتج‪ ،‬وتصنع التاريخ‪ ،‬هذا في حين ان املثلث ألاوديبي العائلي يبدو‬
‫ٍ‬ ‫قة‬ ‫متعل‬

‫انظر مثالً‪http://www.independent.co.uk/extras/saturday-magazine/features/signs-of-the-times-the-sayings-and- :‬‬


‫‪slogans-of-1968-786017.html‬‬
‫‪214‬‬
‫‪Dumas, Jean-Louis, Histoire de la pensée, temps modernes, France Loisirs, 1997, tome 3, pp 436-440‬‬
‫‪215‬‬
‫‪Mille Plateaux, P 264.‬‬
‫‪71‬‬
‫شروط محددة‬ ‫ٌ‬
‫الراغب في‬ ‫ٌ‬
‫إلانتاج‬ ‫ّ‬
‫وبحد ذاته‬ ‫ا‬
‫حصرا‬ ‫لإلنتاج‪ .‬وفي الحقيقة "فإن الانتاج الاجتماعي هو‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫[‪ ]...‬وان الحقل الاجتماعي تقطعه الرغبة مباشرة‪ ]...[...‬ل يوجد إل الرغبة وإلاجتماعي‪ ،‬ل ش يء‬
‫آخر"‪.706‬‬

‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وقدمت أحداث ‪ 6‬لدولوز (وغاتاري) الفرصة كي ّ‬


‫وتصوره‬ ‫يقدم انطولوجيته السياسية املبتكرة‪،‬‬
‫الجديد للتاريخ والصيرورات‪ ،‬كما نظريته حول الثورة وخطوط الهروب‪ ،‬كما حول اشكالية السلطة‬
‫وكيفية اشتغالها‪ .‬وهكذا سيبدو التاريخ كتاريخ القمع إلاجتماعي للرغبة‪ ،‬وستظهر الرأسمالية‬
‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫بإعتبارها الشكل ألاكثر ر ا‬
‫صاميها الذي سيحفر‬ ‫عبا من حيث الهيمنة واملراقبة‪ ،‬وهي التي ستخلق ف‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫قبرها‪ ،‬والذي سينفتح على إحتمالت عديدة وسيقيم "خطوط هروبه" متسلال من بين شقوق النسق‬
‫القائم‪.‬‬

‫َ‬
‫الج ّدة في الفلسفة السياسية الدولوزية‪ ،‬من حيث تأسيسها‬ ‫ِ‬ ‫ستظهر‬ ‫ر‪،‬‬‫املبتك‬ ‫وضمن هذا املنظور‬
‫ّ‬
‫لنظرية مبتكرة في الثورة والدولة واملجتمع‪ .‬وهي مبتكرة ألنها ل تنطلق من مسلمات الهوية والتمثيل‬
‫مفارق‪ ،‬بل انها اونطولوجيا محايثة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ملثال يوتوبي ِ‬
‫موقع أيديولوجي ما‪ ،‬ول تؤسس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫والذاتوية‪ ،‬أو من‬
‫ُ‬ ‫ا‬
‫دوما‪ ،‬ل تعنى بالبحث في الحكومة واملؤسسات وما يتصل بذلك من رؤية تنظر الى الدولة من حيث‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وظيفتها املثالية‪ ،‬فما يهم دولوز هو ان يوسع في احتمالت وامكانيات الاهتمامات السياسية‪ ،‬وان ي ِ‬
‫ظهر‬
‫ّ‬
‫السياسة كسيرورة مستمرة تعكس تعقد الحياة وديناميات املكان‪ ،‬وتنتج افاهيم جديدة تقود الى‬
‫اشكال جديدة من صيرورات والتزامات سياسية‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 36.‬‬
‫‪72‬‬
‫ّ‬
‫الفصل ألاول‪ :‬في الدولة والفاشية والتحكم‬

‫‪73‬‬
‫ا‬
‫أول‪ :‬الدولة‬
‫في الفصل الثالث من آنتي‪-‬أوديب‪ ،‬ومن الفصل الثاني عشر الى الثالث عشر في ألف سطح‪ ،‬يطالعنا‬
‫ٌ‬
‫تحليل لآللة الاجتماعية "املستبدة" وللدولة التي تنتمي اليها‪ .‬ويبدو ان نظرية دولوز في "شكل الدولة"‬
‫شكل يجمع بين آلة‬ ‫ّ‬
‫الاجتماعي والانتاج الراغب‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫تهدف الى توضيح وتبيان أنماط الفاعلية في الانتاج‬
‫ّ‬
‫الجماعي؛‬ ‫آخر من التذويت‬ ‫ّ‬ ‫وموقع رغبوي‬
‫ونسق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسستي معقد‬ ‫ونسق‬
‫ٍ‬ ‫عابر للشخصنة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫للسلطة‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫ويجري التحليل الذي ّ‬
‫يقدمه آنتي‪-‬أوديب فوق ارضية الجدال مع املدرسة الرايشية‪ ‬التي جمعت بين‬
‫خضم نظرية‬‫وايضا في ّ‬
‫ا‬ ‫املاركسية والفرويدية‪ ،‬ورية فرويد في كتابه علم نفس الجماهير وتحليل ألانا‪،‬‬
‫سبينوزا السياسية في كتابه الرسالة الالهوتية‪-‬السياسية‪ .‬الا ان هذه الاحالة الى فرويد ورايش ‪Reich‬‬
‫ل تعني بأية حال اقامة تحليل نفس ّي للظاهرة الدولتية وتلك السياسية بل تعني ّ‬
‫فك الشيفرة التاريخية‬ ‫ٍ‬
‫حوار مع الانظمة الاثنولوجية‬ ‫‪702‬‬ ‫ّ‬
‫واملادية ألجهزة الدولة‪ ،‬وترسيم تحولتها وتفكيكها ؛ وذلك في‬
‫ٍ‬
‫وآلاركيولوجية‪ ،‬مع مسآلة الشروط الاجتماعية‪-‬الاقتصادية‪.‬‬

‫الدولة‪-‬الشكل‬
‫قدمها بيار كالستر‪-0234( ‬‬ ‫مستلهما نتائج الابحاث الانتروبولوجية التي ّ‬
‫ا‬ ‫يعارض دولوز (وغاتاري)‪،‬‬
‫تدرج تار ّ‬ ‫ّ‬
‫يخي خطي يرى الدولة وليدة ّ‬ ‫‪ ،)0222‬النظريات السياسية التقليدية التي تلجأ الى تفسير تار ّ‬
‫يخي‬
‫له قوانينه‪ ،‬والتي تفترض ان الدول تنشأ حين يصل املجتمع الى درجة من التعقيد والنمو تستوجب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ظهور شكل دولني محدد‪ ،‬وتتبنى الرؤية التي تنظر الى املجتمعات البدائية بإعتبارها متخلفة وبسيطة‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ولم ّ‬
‫دولة ل تشترطها‬
‫شكل ٍ‬
‫ِ‬ ‫يتحدثان عن‬ ‫تؤمن الشروط الالزمة لتأسيس دولة؛ وبدل عن ذلك‪،‬‬
‫واحد ‪ ، Urstaat‬تكون‬‫ٍ‬ ‫وبشكل‬ ‫واحدة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫تظهر ملرة‬ ‫دولة‬
‫التبدلت الاجتماعية والاقتصاية‪ ،‬بل عن ٍ‬
‫ٍ‬
‫بمثابة الدولة الاصل ‪ ،originel‬و هي الدولة املستبدة‪ ،‬ذلك الانموذج "الازلي" ملا تتجه اليه كل دولة‬
‫ّ‬ ‫وترغب به‪ ،‬وهي الدولة التي ّ‬
‫تعبر عن نمط الانتاج الاسيوي وتشكل حركته املتموضعة والتي ل تختلف‬

‫‪ ‬نسبةً الى فيلهلم رايش ‪ )8091 – 8101( Wilhelm Reich‬المحلل النفسي النمساوي‪ ،‬وأحد أكثر وجوه التحليل النفسي راديكاليةً وإثارة ً‬
‫للنقاش‪ .‬حاول رايش الجمع بين الفرويدية والماركسية‪ ،‬ووضع نظريته في االقتصاد الجنسي‪ ،‬كما نادى بالثورة الجنسية بإعتبارها الثورة السياسية‬
‫الفعلية التي بإمكانها انهاء الكبت الجنسي‪.‬‬
‫‪217‬‬
‫‪Sibertin-Blanc, Guillaume, “La théorie de l'Etat de Deleuze et Guattari: Matérialisme historico-machinique et‬‬
‫‪schizoanalyse de la forme-Etat”, Revista de Antropologia Social dos Alunos do PPGAS-UFSCar, v.3, n.1, jan.-‬‬
‫‪jun., 2011 p.33‬‬
‫‪ ‬بيار كالستر ‪ )8011-80 9( Pierre Clastres‬أنثروبولوجي وإثنولوجي فرنسي‪ .‬قضى فترات طويلة مع هنود أميركا الجنوبية (في‬
‫معتبرا أن المجتمعات‬
‫ً‬ ‫الباراغوي) ما أتاح له وضع نظريته االنتروبولوجية السياسية‪ -‬التي نشر أبرز خطوطها في كتابه "مجتمع ضد الدولة"‪-‬‬
‫البدائية التي تخلو من الدولة هي مجتمعات ضد الدولة بمعنى انها‪ ،‬بفعل شبكة من الق َيم المعقّدة‪ ،‬تكبح تش ّكل الدولة كسلطة استبدادية‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫عنه‪ ،‬فهي "الشكل الاساس‪ ،‬الذي يحدد افق التاريخ [‪ ]...‬الدولة املستبدة الاصلية التي ليست قطيعة‬
‫مثل الدول ألاخرى" ‪.70‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في الوقت عينه الذي سيعترفان فيه – مع كالستر ‪ -‬بوجود مجتمعات بدائية تفتقر الى الدولة‪ ،‬الا انهما‬
‫دوما‬‫اعتقادا منهما ان هناك ا‬ ‫ا‬ ‫سيرفضان فكرته التي تعتبر ان هذه املجتمعات خلت ا‬
‫تماما من دولة‪،‬‬
‫ميول داخل هذه املجتمعات الى تشكيل دولة وميول أخرى الى منع ذلك‪ ،‬كما باستحالة وجود‬
‫ّ‬ ‫مجتمعات بدائية لم تكن على اتصال مع "دول أمبريالية‪ ،‬عند التخوم‪ ،‬أو في املناطق ّ‬
‫سيئة التحكم‪.‬‬
‫خارج‪ ،‬ول يمكن‬ ‫والامر الاهم هو الفرضية العكسية‪ :‬ان الدولة بحد ذاتها كانت ا‬
‫عالقة مع ٍ‬
‫ٍ‬ ‫دوما على‬
‫الكل أو ل ش يء [‪ ]...‬بل‬‫التفكير فيها بالستقالل عن هذه العالقة‪ " ،‬فقانون الدولة "ليس هو قانون ّ‬
‫قانون الداخل والخارج‪ .‬ان الدولة هي السيادة ‪ .‬ولكن هذه الاخيرة ل تسود إل إن أمكن لها أن‬
‫ّ‬
‫املحلي"‪.702‬‬ ‫َ‬
‫تستولي على املستوى‬ ‫تستدخل‪ ،‬أن‬
‫وبدل الانطالق من معارضة ثابتة بين مجتمعات الدولة ومجتمعات البال دولة‪ ،‬يحملنا التصنيف‬
‫كبعد فاعل في كافة الحقل‬ ‫ٍ‬ ‫الفئوي التاريخي – آلالوي الى الاخذ في الاعتبار سيرورة الاقتدار الدولنية‬
‫املتبدلة بحسب عالقات الهيمنة‬ ‫إفتراضيا‪ ،‬وفاعل في الحالتين‪ ،‬اي انه منتج لآلثار ّ‬ ‫ا‬ ‫الاجتماعي‪ ،‬ر ا‬
‫اهنيا أم‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أو الاخضاع مع سيرورات اقتدارأخرى لمتجانسة وتتواجد في آلان عينه فوق الحقل الاجتماعي ذاته‪ .‬ان‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذا التمفصل املعقد لكافة سيرورات الاقتدار يشكل املوضوع العيني ملادية آلوية تاريخية تقود تحليال‬
‫ّ‬
‫والتصورات‬ ‫يخي‪ ،‬والتي تعمل داخله كما تفعل التمثيالت‬ ‫املوجهة التي تلتقطها في حقل تار ّ‬ ‫لكافة القوى ّ‬
‫ٍ‬
‫كما املمارسات وامللفوظات الجماعية‪ ،‬واملؤسسات كما الاقتصاديات‪ ،‬العقالنيات السياسية وانماط‬
‫ضد دولة‪ ،‬ولكن‬ ‫مجتمعا يفتقر الى دولة‪ ،‬أو مجتمع ّ‬
‫ا‬ ‫مجتمعا بال دولة ل يعني‬‫ا‬ ‫التذويت‪ .‬بهذا املعني فإن‬
‫ٍ‬
‫مترهنة‪،‬‬ ‫مجتمع تقطعه سيرورات دولنة ‪ étatisation‬سيميائية‪ ،‬هي سيروات الاستيالء‪ ،‬التي ّإما تكون ّ‬
‫قائمة‪ ،‬أو منشودة كإفتراضية‪.771‬‬
‫تكون الدولة بتوافر ظروف اجتماعية اقتصادية محددة يجد تبريره في‬ ‫ان رفض املنطلق ّالذي يشترط ّ‬
‫عرف بوجود مجموعة من الزعماء والقادة‪ ،‬مثل حال‬ ‫وجهة النظر الدولوزية التي تعتبر ان الدولة ل ُت ّ‬
‫هم الدولة‪،‬‬ ‫يصبح الاحتفاظ ّ‬ ‫عرف باإلحتفاظ بأعضاء السلطة‪ ،‬حيث ّ‬ ‫زعماء املجتمعات البدائية‪ ،‬بل ُت َّ‬
‫عيم أن يصبح رجل‬ ‫ويصبح من املفروغ منه القول بلزوم "وجود مؤسسات خاصة كي يصبح بإمكان ز ٍ‬
‫ّ‬
‫دولة‪ ،‬ولكن يجب بالقدرعينه توفرآلية جماعية نافذة تمنعه من ان يصبح كذلك"‪.770‬‬

‫‪218‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 261.‬‬
‫‪219‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Guattari, Félix, Capitalisme et Schizophrénie2 - Milles Plateaux, les éditions de Minuits,‬‬
‫‪Paris, 1980, P 445‬‬
‫‪220‬‬
‫‪Sibertin-Blanc, Guillaume, La théorie de l'Etat de Deleuze et Guattari: Matérialisme historico-machinique et‬‬
‫‪schizoanalyse de la forme-Etat, p.66‬‬
‫‪221‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 442.‬‬
‫‪75‬‬
‫تكلمت عن خمس مراحل ّ‬ ‫ّ‬
‫مر بها املجتمع البشري (الشيوعية البدائية‪ ،‬املدينة‬ ‫وإن كانت املاركسية قد‬
‫سماه "نمط الانتاج‬ ‫وأخيرا الاشتراكية) واضاف ماركس اليها ما ّ‬ ‫ا‬ ‫القديمة‪ ،‬الاقطاعية‪ ،‬الرأسمالية‪،‬‬
‫مكونات هذه السلسلة‪ ،‬فإن الدولة التي يتحدث عنها دولوز ليست ضمن‬ ‫يتميز عن ّ‬ ‫آلاسيوي" كنمط ّ‬
‫ُ‬ ‫ا‬
‫تشكيالت هذه السلسة فحسب‪ ،‬بل انها ليست مرحلة انتقالية بينها‪ ،‬لكنها تكون كالشاهد على ب ٍ‬
‫عد‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫التطور املادي للمجتمعات‪ ،‬فكرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫موجهة أو مبدأ للتفكير ينظم‬ ‫ِ‬ ‫آخر‪" ،‬مثالية عقلية تضاف الى‬ ‫ٍ‬
‫‪777‬‬ ‫ّ‬
‫كلي الاقسام والدفوق" ‪.‬‬
‫أساسا أوحد لشكل الدولة (دولة استبدادية) بالرغم من كل‬ ‫ا‬ ‫ان دولوز وغاتاري يريان ان هناك‬
‫الاختالفات بين الدول املعروفة‪ ،‬أكانت ديكتاتورية أم ديمقراطية أو غير ذلك‪ .‬هذا الشكل ألاوحد‪،‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫بعد آخر يبزغ من جديد ويعود في الاشكال‬ ‫الاصلي‪ ،‬يشكل أصال من حيث هو تجريد ينتمي الى ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وجودا ا‬ ‫ا‬
‫متحولة الشكل‪ ،‬ولكن لن يوجد‬ ‫عينيا؛ نستطيع التكلم عن "دولة‬ ‫والتشكيالت التي تمنحه‬
‫التغيرات تندرج تحت الفئة نفسها [‪ ]...‬ليس الاقطاع فقط يفترض‬ ‫سوى دولة واحدة [‪ ]...‬حيث كل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫دولة استبدادية ّ‬
‫السوقي‪ ،‬ولكن هذان‬ ‫مجردة يقطعها بحسب نظام ملكيته الخاصة واندفاع انتاجه‬
‫ّ‬
‫لدولة اقطاعية خالصة‪ ،‬حيث يعود املستبد كملكية مطلقة‬ ‫ٍ‬ ‫الاخيران يحثان باملقابل الوجود العيني‬
‫ا‬
‫"‪ ،773‬والامر عينه ينطبق على الدولة املعاصرة رأسمالية كانت أم اشتراكية التي تتقاسم السمات عينها‬
‫مع الدولة الاستبدادية الاصلية التي تفقد وجودها املحايث والعيني في الاشكال الالحقة (اقطاعية‬
‫وشروط مختلفة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫صور أخرى‬
‫ورأسمالية واشتراكية) التي بدورها تعيد انتاجها تحت ٍ‬
‫مما سبق‪ ،‬يمكن القول أن الدولة ليس ّ‬ ‫ا‬
‫إنطالقا ّ‬
‫مقد ارا لها أن تختفي كما تحاجج الاطروحات املاركسية‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫مجتمع حتى تلك البدائية التي‬
‫ٍ‬ ‫لكل‬ ‫يخي‬ ‫ر‬ ‫التا‬ ‫الافق‬ ‫هي‬ ‫الدولة‬ ‫ان‬ ‫ذلك‬ ‫‪،‬‬ ‫مثال‬ ‫أو الانارشية‪( ‬الالسلطوية)‬
‫ا‬
‫كامنة ا‬ ‫ّ‬
‫دوما‪ ،‬ودائمة إلامكان‪ ،‬وغير قابلة‬ ‫تميل في سيرورتها الى منع تشكلها‪ .‬بهذا املعنى تبدو الدولة‬
‫تحدث دولوز عنها (املتوحشة‪،‬‬ ‫للتدمير‪ .‬هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬إن كافة أشكال الدول التي ّ‬
‫متنوعة للحكم‬‫البربرية املستبدة‪ ،‬املتمدنة‪ ،‬والليبرالية الديموقراطية‪ )..‬تبدو اقرب الى كونها أشكال ّ‬
‫(سلطة السيادة الاقطاعية‪ ،‬الانضباطية‪ ،‬الحيوية و مجتمع التحكم) ل تهدف الى الغاء الدولة‪.774‬‬

‫‪222‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 262.‬‬
‫‪223‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 264.‬‬
‫‪ ‬االنارشية (أو االناركية أو الالسلطوية) ‪ Ananrchisme‬فلسفة سياسية تدعو الى تحقيق مجتمع مساواتي وتحرري عن طريق الغاء كل‬
‫المؤسسات ذات الطابع الهرمي أو السلطوي‪ .‬غالبًا ما يتم ترجمة االنارشية الى العربية بالمصطلح "الفوضوية" وهذا ما يرفضه االنارشيون الّذين‬
‫تكون الدولة ومؤسسات القسر السياسية والدينية واالقتصادية‪.‬‬
‫ينادون بثورة إجتماعية وفيدراليات وكانتونات منظ ّمة تزيل شروط ّ‬
‫‪224‬‬
‫‪Mingue, Philipe, Faire l’idiot- la politique de Deleuze, éditions germina, février 2013, PP 40 - 41‬‬
‫‪76‬‬
‫سيادة الدولة وأجهزة الاستيالء‬
‫ا‬
‫استلهاما من تحليالت‬ ‫يتحدث دولوز (وغاتاري) عن أجهزة الدولة كأجهزة إستيالء؛ تملك‪ ،‬برأيهما‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫واملشرع‪ ،‬الذي يحصد والذي‬ ‫جورج دومزيل ( ‪ ،G.Dumézil )02 6-0 2‬قطبين هما‪ :‬املستبد‬
‫ّ‬
‫ينظم‪ ،‬وقد يتعارض هذان القطبان كما يتعارض العنيف مع الهادىء‪ ،‬أو السريع مع النافذ‪ ،‬أو‬
‫كزوج‪ ،‬بالتناوب‪ ،‬كما لو انهما‬ ‫يعمالن‬ ‫"‬ ‫فهما‬ ‫‪،‬‬ ‫ولكن تعارضهما ّ‬
‫نسبي‬ ‫كاملرعب مع ّالذي يضبط اعصابه‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫معا وحدة سيادية [‪ ]...‬انهما العناصر الاساسية في آلة الدولة‬ ‫يعبران عن انقسام الواحد أو يشكالن ا‬ ‫ّ‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتي تعمل بمنطق الواحد املزدوج‪ ،‬توزع التمييزات الثنائية وتشكل وسطا لإلستدخال‪ .‬هي تمفصل‬
‫يجعل من آلة الدولة انضودة ‪ .775"strate‬وفي السطح الثالث عشرمن ألف سطح‪ ،‬يعودان الى دومزيل‬
‫ويعتبران ان لسيادة الدولة السياسية رأسان هما الامبراطور املرعب الساحر من جهة‪ ،‬والذي يعمل‬
‫العقد والشبكات؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬امللك الكاهن ورجل القانون الذي‬ ‫عبر الاستيالء‪ ،‬والربط‪ ،‬وعبر ُ‬
‫ّ‬
‫ثانية للدولة ل تتجانس مع السيادة ول يمكن‬ ‫وظيفة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّيدعي عبر العقود والاتفاقات‪ .‬وينبغي التكلم عن‬
‫إختزالها اليها‪ ،‬وهي الوظيفة الحربية ‪.776‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويمكن تعريف الاستيالء بإعتباره العملية التي تقوم بها الدولة حين ّ‬
‫تكبل وتسنن (تشفر) آلة الحرب‬
‫موضوع يمكن أن يعمل لصالح الدولة من اجل تدعيم وتوسيع سيادتها‪ .‬وتحيل هذه‬ ‫ٍ‬ ‫عبر تحويلها الى‬
‫خطاب يالئم الحركة التي عبرها تبدو الدولة دائمة الحضور‪ ،‬كما انها تعني العنف الخاص‬ ‫ٍ‬ ‫املقولة الى‬
‫بالمبراطور‪ .‬وجهاز الاستيالء سيرورة خاصة بكافة املجتمعات التي تحكمها الدولة‪ .‬وإن اطلقنا هذه‬
‫التسمية "على ذلك الجوهر الداخلي أو تلك الوحدة للدولة‪ ،‬علينا ان نقول ان مصطلحات "الاستيالء‬
‫وكأنها حاضرة مسبقة وتفترض نفسها‬ ‫جيدا هذه الحالة‪ ،‬ذلك ان [هذه الاخيرة] تظهر ّ‬ ‫السحري" تصف ا‬
‫بنفسها"‪.772‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫سياسيا هو الاستيالء على الثقافة‬ ‫ويمكن والحال هذه التكلم عن الاستيالء على مستويات متعددة‪:‬‬
‫ا‬
‫وجوديا هو الاستيالء على‬ ‫البدوية وأقليمها حيث تستوطن وهو الاقليم املقتلع عبر ثقافة الدولة؛‬
‫منيا هو استيالء على الحدث عبرالتاريخ ‪.77‬‬ ‫الدفوق عبرالنسق والنظام؛ وز ا‬

‫‪*‬‬
‫ي فرنسي قدّم العديد من االبحاث المهمة الخاصة بنصوص الديانات القديمة‬ ‫مؤرخ‪ ،‬وأكاديم ّ‬
‫ي‪ّ ،‬‬ ‫جورج دومزيل (‪ )8018-8101‬ألسني‪ ،‬فيلولوج ّ‬
‫تصو ٍر واحد‬
‫ّ‬ ‫والميثات في المجتمعات الهندو‪-‬اوروبية‪ ،‬وبيّن فيها أن هذه النصوص الدينية تمتلك بنية دينية متماثلة‪ّ ،‬‬
‫وان الميثات الواردة تعبّر عن‬
‫لمجتمعٍ ينتظم وفق ثالث وظائف‪ -8 :‬وظيفة القداسة والسيادة‪ - ،‬الوظيفة الحربية‪ ،‬و ‪ -‬وظيفة االنتاج وإعادة االنتاج‪.‬‬
‫‪225‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 435‬‬
‫‪226‬‬
‫‪Ibid., P 528‬‬
‫‪227‬‬
‫‪Ibid, P 532‬‬
‫‪228‬‬
‫‪Lampert, Jay, Deleuze and Guattari's Philosophy of History, Continuum publishing group, 1st edition, 2006, P‬‬
‫‪155.‬‬
‫‪77‬‬
‫بدئيا مسألة عالمات؛ حين تقوم صورة الامبراطور ذي العين‬ ‫ويمكن ألجهزة الاستيالء هذه أن تكون ا‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫القانوني الذي يشفر هذه العالمات في‬ ‫الواحدة بتثبيت وتقييد العالمات‪ ،‬بالتكامل مع الكاهن‬
‫لتحكم بالعالمات بالترافق مع‬ ‫فهم كتأسيس‬ ‫الاتفاقات‪ ،‬والعقود والقوانين‪ .‬كما يمكن لإلستيالء أن ُي َ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البعد الانموذجي آلاخر للدولة والذي هو التحكم بالدوات‪ .772‬ولكن هذا ل يعني "أن الواحد منهما‬
‫يمتلك حصرية العالمات‪ ،‬وآلاخرية حصرية الادوات‪ .‬ان الامبراطور املرعب هو بالفعل ّ‬
‫سيد الاعمال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويحول كل نظام العالمات‪ .‬وان التركيب عالمات‪-‬أدوات يشكل من‬ ‫العظيمة؛ وامللك الحكيم يجلب‬
‫كافة النواحي العالمة الفارقة للسيادة السياسية‪ ،‬ولتكاملية الدولة"‪.731‬‬
‫ومن خالل نظرية الاستيالء‪ ،‬لم تعد أجهزة الدولة محددة عبر وظائفها الايديولوجية كما عند ألتوسير‪،‬‬
‫أو عبر نمط الانتاج كما عند ماركس‪ ،‬بل عبر نمطها الاشتغالي‪ ،‬حيث تصبح "املالمح ألاساسية لجهاز‬
‫الدين‪ ،‬العمل الفائض والضرائبي‪،‬‬ ‫الدولة‪ :‬ألاقلمة‪ ،‬العمل أو ألاعمال العامة‪ ،‬واملالية"‪ُ 730‬مثبتة عبر ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من حيث ان هذه ألاخيرة تعمل كأجهزة لالستيالء تشكل ميادين املوضوع الذي تالئمه (ألارض‪ ،‬النشاط‬
‫والعمل‪ ،‬والتبادل)‪ .‬ينتج عن هذه الرؤية ألجهزة الدولة أن يصبح لكل إرتصاف دولني إمكانية سيرورة‬
‫ّ‬
‫تحليل لهذا التراكم ألاولي الخاص‬
‫ٍ‬ ‫تراكم بدائي مثيلة لتلك التي تكلم عنها ماركس‪ ،‬وفتح الباب أمام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحربي‪ ،‬اي بمعنى آخر تحليل دور الاستيالء الذي تقوم به الدولة على ألاقاليم والاعمال‬ ‫بالعنف‬
‫‪737‬‬
‫والتبادلت في تأسيس ونمو القدرة العسكرية للدول ‪.‬‬

‫الدولة وصورة الفكر‬


‫ّ ّ‬
‫بشرط أن تكون‪ ،‬ليس في الخارج‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الكوني إل‬ ‫يقول دولوز ان هذه الدولة الاستبدادية "ل تشترط التاريخ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بل ا‬
‫دائما على الجانب‪ ،‬الوحش البارد الذي يمثل الطريقة التي يكون بها التاريخ في الرأس‪ ،‬وفي الدماغ‪،‬‬
‫يسميه دولوز (وغاتاري) " ا‬ ‫عما ّ‬ ‫ا‬
‫دولة"‪ .733‬و الجملة هذه تنقلنا للحديث ّ‬
‫فكرا على نموذج الدولة"‪،‬‬
‫ا‬ ‫ّا‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫ومبنيا على نموذج مستعار من آلة الدولة‪،‬‬ ‫متكيفا‬ ‫ويتعلق الامر أول بشكل الفكر هذا‪ ،‬الذي يصبح‬
‫يحدد له الغايات والطرق والادوات والاعضاء‪ ،‬ليصبح بالنسبة اليه أورغانون‪ ،‬وسيكون هناك صورة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للفكر ستغطي كل الفكر‪ ،‬وستكون بمثابة الشكل‪-‬الدولة الذي ينمو داخل الفكر‪ .‬وتمتلك هذه‬

‫‪229‬‬
‫‪Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary, P 39.‬‬
‫‪230‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 529‬‬
‫‪231‬‬
‫‪Ibid., P 522‬‬
‫‪232‬‬
‫‪Sibertin-Blanc Guillaume, « État et généalogie de la guerre : l’hypothèse de la « machine de guerre » de‬‬
‫‪Gilles Deleuze et Félix Guattari », Astérion [Online], 3 | 2005, Online since 09 Septembre 2005, connection on‬‬
‫‪09 January 2015. URL : http://asterion.revues.org/425‬‬
‫‪233‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 265.‬‬
‫‪78‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصورة رأسين يحيالن بالتحديد الى قطبي السيادة‪ ،‬وهذان الرأسان‪ ،‬اللذان ل ينفكان يتصادمان‪،‬‬
‫هما إمبراطورية ‪ imperium‬التفكيرالصحيح ‪ ،penser-vrai‬و جمهورية العقول ّ‬
‫الحرة ‪.‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألساس (‪،)muthos‬‬
‫ٍ‬ ‫تعمل امبراطورية التفكير الصحيح عبر الاستيالء السحر ّي الذي يشكل فعالية‬
‫إل صحيح واحد كأساس يتم تعميمه‪ ،‬بينما تعمل جمهورية العقول ّ‬ ‫ّ‬
‫الحرة عبر العقد‬ ‫ٍ‬ ‫وحيث لن يوجد ّ ا ٍ‬
‫ألساس (‪ )logos‬سيتم فيه مشاركة الفكر بين‬ ‫ا‬
‫وشرعيا‪ ،‬يجيز‬ ‫ا‬
‫قانونيا‬ ‫ا‬
‫تنظيما‬ ‫أو التحالف‪ ،‬مشكلة‬
‫ٍ‬
‫مرد ذلك فقط‬ ‫الحرة املتعاقدة أو املتحالفة‪ .‬وإن تصادمت الامبراطورية مع الجمهورية‪ ،‬فليس ّ‬ ‫الذوات ّ‬
‫وكأنها بمثابة تحضير لألخرى‪،‬‬ ‫وجود حالت وسطى ومراحل انتقالية بين الاثنتين‪ ،‬أو ألن الواحدة تظهر ّ‬
‫ّ‬ ‫أو ألنها تحفظان وتخدمان بعضهما البعض‪ ،‬ولكن ا‬
‫ايضا ألنهما ضروريتان لبعضهما البعض‪ .‬وتتشكل‬
‫ّ‬
‫صورة الفكر على اساس هذه الامبراطورية وتلك الجمهورية‪" ،‬ويبو ان الامر ليس مجرد استعارة‪ ،‬كلما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شكل من‬ ‫تكلمنا عن امبراطورية الصحيح وعن جمهورية لعقول‪ .‬انه شرط تكون الفكر كمبدأ أو ٍ‬
‫الاستدخال‪ ،‬كأنضودة"‪.734‬‬
‫وليست الانضودات ‪ strates‬سوى تشكيالت تاريخية‪ ،‬وتجاريب ‪ empiricités‬ووضعيات ‪،positivités‬‬
‫مكونة من الكلمات ومن الاشياء‪ ،‬من النظر ومن الكالم‪ ،‬من املرئي ومن امللفوظ‪،‬‬ ‫مترسبة ّ‬ ‫او طبقات ّ‬
‫مضامين وتعابير‪ .‬ولكل تشكيلة‬ ‫ٌ‬ ‫كأمواج من املنظورية ‪ perspectivisme‬وحقول ومن املقروئية‪ ،‬فهي‬
‫ا‬
‫تاريخية توزيعها الخاص للمرئي وللملفوظ‪ ،‬ومن تشكيلة الى أخرى نلحظ اختالفا في التوزيع‪ ،‬هذا من‬
‫حيث رؤية العالم ونظام امللفوظات فيه‪.735‬‬
‫ان ما سيكسبه الفكرمن الدولة هو الجاذبية ‪ gravité‬ومركز ثقلها ‪ ،centre de gravité‬وسيستحصل‬
‫ا‬ ‫ّ ّ‬ ‫على سلطة‪ ،‬وعلى ّ‬
‫كونية وكلية‪ ،‬فالدولة تمنحه شكال من الاستبطانية أو السريرة ‪intériorité‬‬ ‫قوة تبرير‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫نوع من املساومة؛ ذلك ان الفكر وحدة‬ ‫في الوقت الذي سيمنحها شكال من الكلية ‪ ،universalité‬في ٍ‬
‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬وإن كان من املثير‬ ‫افعا ّاياها الى كونية‬ ‫يظل قاد ارا على اختالق اسطورة دولة الحق الكونية‪ ،‬ر ا‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫لالنتباه ان تعتمد الدولة على الفكر‪ ،‬فإنها ستتمدد داخل هذا الفكر ذاته الذي سيمنحها الحق بأن‬
‫يتم تعريف الدولة بكونها تنظ ا‬
‫يما‬ ‫والكوني‪ .‬وعلى الصعيد الحقوقي‪ ،‬سوف ّ‬ ‫ّ‬ ‫عي ان شكلها هو الوحيد‬ ‫ّتد َ‬
‫لجماعة لها‪ ،‬غايته تأمين حاجات الافراد العاقلين‪ .‬وسيسمح هذا التبادل بين العقل والدولة‪،‬‬ ‫ا‬
‫عقالنيا‬
‫ٍ‬
‫فلسفة سياسية‪ ،‬هيغيلية‪ 736‬بالتحديد‪ ،‬سترى ان العقل املتحقق هو دولة الحق‪ ،‬وان دولة‬ ‫ٍ‬ ‫ببزوغ‬
‫ٍ‬

‫‪234‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 465‬‬
‫‪235‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Foucault, éditions de minuit, 2eme édition, 2004, PP 55- 56‬‬
‫‪ 8‬هي هيغيلية يمينة بحسب دولوز‪ ،‬وهي فلسفة سياسية ما زالت حيّة في الفلسفات السياسية المعاصرة‪ ،‬كما عند كوجيف وحتى عند ماركس وفيبر‪،‬‬
‫حتى اصبحت "أفيون" الح ّكام!‬
‫‪ -‬أنظر المصدر السابق‪ ،‬الهامش رقم ‪. 8‬‬
‫‪79‬‬
‫الحق هي صيرورة العقل واملنطق؛ ما سيجيز القول ان الخضوع للدولة معناه الخضوع للعقل في‬
‫يخي‪.732‬‬‫تحققه التار ّ‬
‫ّ‬
‫املشرع والذات‪.‬‬ ‫نقدا الى الفلسفة السياسية املدعوة حديثة‪ ،‬حيث " كل ش يء يدور حول‬ ‫يوجه دولوز ا‬ ‫ّ‬
‫املشرع والذات في الشروط الشكلية بالنسبة الى الفكر‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫[و] يجب على الدولة ان تحقق التمييز بين‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جهته‪ ،‬كي يصبح بإمكانه التفكير بهويتهما‪ .‬أخضعوا ا‬
‫أسيادا‪،‬‬ ‫دوما‪ ،‬ألنهم كلما خضعتم‪ ،‬كلما اصبحتم‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ألنكم ل تخضعون إل للعقل املحض‪ ،‬اي ألنفسكم‪ .‬ومنذ ان ُرِبطت الفلسفة بدور التأسيس‪ ،‬لم تكف‬
‫امللكات الى أعضاء الدولة " ‪ .73‬ولقد أصبح‬ ‫عن مباركة السلطات القائمة‪ ،‬وعن اعارة عقيدتها في ِ‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫الحس املشترك‪ ،‬وكل امللكات التي تشكل مركز الكوجيتو إجماع الدولة محمول الى املطلق‪ .‬ولم تعمل‬
‫غريبا أن‬‫الكانطية سوى على نقد هذه امللكات من أجل تأسيس أقوى لهذا الخضوع واملباركة‪ ،‬ولم يعد ا‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫استاذا ا‬
‫عاما أو مجرد موظف في الدولة‪ .‬وامتدت صورة الفكر هذه الى الشعر والادب‬ ‫يصبح الفيلسوف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫القانوني‪ ،‬وحتى الى التحليل‬ ‫العلماني) والى الفكر‬ ‫والى العلوم الانسانية (دوركايم* مثال وانموذجه للفكر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسفي من الوحدة‬‫ّ‬ ‫الكوني" كصورة للفكر‪" .732‬وقد نما الخطاب‬ ‫ّ‬ ‫النفس ّي الذي تبنى "الكوجيتو‬
‫الامبريالية‪ ،‬عبر آلهة متجسدة ‪ ،avatars‬وهي آلالهة نفسها التي قادتنا من التشكيالت الامبريالية الى‬
‫الفلسفي في عالقة اساسية مع املستبد أو‬ ‫ّ‬ ‫املدينة اليونانية‪ .‬وحتى خالل املدينة اليونانية‪ ،‬بقي الخطاب‬
‫ا‬ ‫ظله‪ ،‬مع الامبريالية‪ ،‬مع ادارة الاشياء والاشخاص [‪ ]...‬ولقد كان الخطاب الفلسفي ا‬ ‫ّ‬
‫دوما متصال‬ ‫مع‬
‫ّ‬ ‫برابط اساس ّي مع القانون‪ ،‬املؤسسة‪ ،‬والعقد وكل ما يؤسس معضلة الحاكم ّ‬
‫السيد‪ ،‬والذي يخترق‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫التاريخ املتباطىء منذ التشكيالت الاستبدادية حتى الديموقراطيات‪ .‬الدال هو بالفعل إلاله املستبد‬
‫املتجسد ألاخيرللمستبد"‪.741‬‬
‫َ‬
‫الدولة بإعتبارها التنظيم العقالني ألاعلى باملقارنة مع باقي التنظيمات املغايرة لشكلها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫و ُينظر الى‬
‫ووجهة النظر هذه تتخذ من فكر الثنائيات ‪ dualismes‬مثل الخير‪/‬الشر‪ ،‬الحق‪/‬الباطل‪،‬‬
‫املقولب في شكل‪-‬الدولة حين ُي َ‬ ‫ومبدأ لها‪ ،‬وهذا ما نجده في الفكر َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫سجن‬ ‫ِ‬ ‫الصح‪/‬الخطأ ‪..‬الخ منطلقا‬
‫متقم ا‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫صا"‬ ‫ضمن ثنائيات مثل أبيض‪/‬اسود‪ ،‬انثى‪/‬ذكر‪ ،‬شرق‪/‬غرب‪..‬رافضا التعددية والاختالف‪ِ " ،‬‬
‫ّ‬ ‫صورة الدولة التي تلغي ّ‬
‫اي خطاب مختلف او مضاد‪ .‬إن التمثيل ‪ représentation‬الذي يقوم على‬
‫ّ‬
‫اعتبار ان املفاهيم ‪ conception‬هي تمثيالت ملوضوعات موجودة في الواقع‪ ،‬والذي يفترض انه يبدأ‬

‫‪237‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 465‬‬
‫‪238‬‬
‫‪Ibid., P 466.‬‬
‫*‬
‫رواد علم النفس االجتماعي‪ .‬اهتم دوركايم بالكيفية التي‬‫إميل دوركايم ‪ )8181-8181( Émile Durkheim‬عالم اجتماع فرنسي شهير ‪ ،‬ومن ّ‬
‫تحافظ فيها المجتمعات على االندماج واالنصحار في خض ّم الحداثة وتحواالتها في وقت تراجعت هيمنة القيَم التقليدية باالخص الدينية منها‪ .‬كان من‬
‫مؤسسي نظ رية الوظائفية البنيوية في علم االجتماع‪ ،‬ومن المجددين في الفلسفة الوضعية‪.‬‬
‫‪239‬‬
‫‪Ibid., P 466.‬‬
‫‪240‬‬
‫‪L’ile Déserte, P 361‬‬
‫‪80‬‬
‫َ‬
‫بالفكر بال أي مصادرات‪ ،‬هذا التمثيل ُينظر إليه في تاريخ الفلسفة بإعتباره النموذج الصحيح للتفكير‪،‬‬
‫آثار‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ويستبعد على هذا الاساس كل نموذج آخرقائم على الاختالف والتعددية‪ ،‬وفي هذا الاستبعاد أثرمن ِ‬
‫تمثيل يقوم على الاختالف‪ ،‬رغم ان‬ ‫ٍ‬ ‫تعامل الدولة مع املختلف عنها هي التي تسعى الى تهميش كل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تحديد ألية هوية وهو الذي يؤسس الهوية ل الذي يتأسس عليها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الاختالف بحسب دولوز يسبق كل‬
‫يقول دولوز في حواراته " ل وجود لدولة ل تكون في حاجة الى صورة للفكر ستسعملها كأكسيوماتية أو‬
‫يقدم اي‬‫مجردة‪ ،‬وتعطيها مقابل ذلك قوة السير‪ :‬من هنا يأتي نقص مفهوم الايديولوجيا ّالذي ل ّ‬ ‫كآلة ّ‬
‫ش يء عن هذه العالقة‪ .‬لقد كان هذا الدور املزعج للفلسفة الكالسيكية‪ ،‬كما رأينا ذلك‪ ،‬اي تزويد‬
‫توافقهن‪ .‬هل يمكن القول أن علوم الانسان قد‬ ‫ّ‬ ‫أجهزة السلطة والكنيسة أو الدولة باملعرفة التي‬
‫مجردة ألجهزة السلطة الحديثة‪ ،‬بواسطة وسائلها الخاصة‪ ،‬مع‬ ‫أخذت الدور ذاته‪ ،‬أي تزويد آلة ّ‬
‫إحتمال الحصول على املرغوب به من هذه ألاجهزة؟"‪.740‬‬
‫ّ‬
‫ولكن‪ ،‬وفي حين ان آلة الدولة تبدو مضادة آللة الرغبة‪ ،‬إل انها هي بحد ذاتها رغبة‪ " ،‬انها الرغبة التي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تمر من عقل املستبد الى قلب الذوات‪ ،‬ومن القانون العقلي الى كل النسق الفيزيائي الذي يتخلص أو‬
‫ذات ترغب وموضوع لرغبة‪ .‬الرغبة‪ ،‬ها‬ ‫ايضا غبة‪ٌ ،‬‬ ‫يتحرر منها‪ .‬غبة الدولة‪ ،‬آلالة العجيبة للقمع هي ا‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫دوما على اعادة غرس الـ ‪ Urstaat‬الاصلية في الحالة الجديدة لالشياء‪ ،‬على‬ ‫هي العملية التي ّ‬
‫تنص ا‬
‫َ ا‬
‫محايثة للنسق الجديد‪ ،‬في داخله"‪.747‬‬ ‫جعلها أكثر‬
‫ُوينظر الى الدولة هذه بإعتبارها قوة مضادة إلنتاجات الرغبة‪ :‬فهي تقف بمواجهة القوة الانتاجية‬
‫ّ‬
‫والابداعية لالنتاج الراغب‪ ،‬كما لالنتاج الاجتماعي بما هو سيرورة تشكل الارتصافات الاجتماعية‬
‫والشبكات الاجتماعية املقاومة آللة الدولة‪ .‬وفي حين يقوم الانتاج الراغب بتوليد وتكثير الاختالفات‪،‬‬
‫وتكسير الحدود عبر سيرورة الرغبة في دفوقها وقطوعها‪ ،‬تعمل آلة الدولة على تقييد وكبح دفوق‬
‫وتوسع الاختالفات املمكنة والابداعية لالنتاج الراغب من أجل الحفاظ على اشكال اجتماعية‬ ‫الطاقة ّ‬
‫ثابتة‪.‬‬
‫بتوسطات مثل ّ‬ ‫ّ‬
‫ول تعمل الدولة الحديثة كقوة مضادة لالنتاج الراغب إل ّ‬
‫توسط التحليل النفس ّي‪ ،‬ألن‬
‫ا‬
‫لهذا الاخير سلطته حتى وإن كانت محدودة ومضبوطة فوق ارتصافات الرغبة‪ ،‬وتتيح هذه السلطة‬
‫ُ‬
‫خضع‬‫للتحليل النفس ّي أن يضاعف تشفير الارتصافات كي يخضع الرغبة لسلسلة من الدللت‪ ،‬وكي ي ِ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫حاجة‪ ،‬كما يقول‬‫ٍ‬ ‫صحيح أن كل تشكل للسلطة في‬ ‫نظام قائم‪ .‬و"‬‫امللفوظات بما يجعلها تنسجم مع ٍ‬
‫ٌ‬
‫وصحيح] ان نجاح‬ ‫فوكو‪ ،‬الى معرفة ل تتوقف عليه‪ ،‬ولكنها تكون هي ذاتها بدونه عديمة الفعالية ‪[ ...‬‬
‫ّ‬
‫التوجه نحو الفيزياء أو البيولوجيا‬ ‫حاجة أكثرالى‬ ‫ٌ‬
‫مشكوك فيه‪ :‬فأجهزة السلطة في‬ ‫التحليل النفس ّي ٌ‬
‫أمر‬
‫ٍ‬

‫‪98‬‬
‫‪88‬‬ ‫حوارات‪ ،‬ص‬
‫‪242‬‬
‫‪Anti-Œdipe, P 266‬‬
‫‪81‬‬
‫أو الاعالميات‪ ،‬ولكنه سيكون قد قام بما كان في استطاعته أن يقوم به‪ :‬لم يعد يخدم النظام القائم‬
‫ّ ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫خاصا و ر ا‬ ‫ا‬ ‫بشكل شبه ر ّ‬
‫مجردة ولغة رسمية يحاول توحيدها‬ ‫مزيا‪ ،‬وآلة‬ ‫نظاما‬ ‫سمي‪ ،‬انه يقترح‬
‫الالمتغير‪ .‬يهتم التحليل النفس ّي أكثر فأكثر بالفكر الخالص‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫باللسانيات بشكل عام‪ ،‬حتى يأخذ وضع‬
‫وهذا ما يجعله حيا"‪.743‬‬
‫قوة العمل‬ ‫كقوة فائقة تجمع ا‬
‫معا ّ‬ ‫وفي ما يخص الدولة الرأسمالية‪ ،‬يرى دولوز (وغاتاري) الدولة ّ‬
‫ا‬ ‫تشكل هذه ّ‬ ‫ّ‬
‫القوة‪ ،‬فاسحة املجال لخلق القيمة الفائضة‪ .‬وكنتيجة لذلك‪ ،‬نشهد‬ ‫والشروط ألاولية التي‬
‫تمون رأس املال مع نموذج تحققه‪،‬‬ ‫عالقة تأسيسية متناقضة بين الدولة والعمال‪ ،‬بالخص ان الدولة ّ‬
‫وبالتالي يمكن الحديث عن تناقض اضافي بين رأس املال وقوة العمل‪ .‬يتحقق رأس املال ّ‬
‫ويؤبد نفسه‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عبر تنظيم ّ‬
‫ذاتي من أجل ان يدير دفة هذا التناقض البروليتاري‪ .‬وتتالزم أجهزة الدول الاستيالئية مع‬ ‫ٍ‬
‫هذا التنظيم في انتاج القيمة الفائضة وتسهيل تراكم رأس املال‪ .‬وكنتيجة‪ ،‬تبقى الدولة ورأس املال‬
‫ّ‬
‫تحت ضغط محاولة تحييد وضبط هذا التناقض الذي وللمفارقة سمح لها بالوجود‪ .‬ويخلق هذا‬
‫ّ‬
‫املادي للقوى املن ِتجة التي تنتج‬ ‫تكون املظهر‬ ‫الارتصاف ّالذي تسنده الدول ورأس املال ذاتوية جماعية ّ‬
‫ّ‬
‫القيمة الفائضة وتجعل من الانتاج والتراكم ممكنين‪ .‬وبموازاة تشكل الذاتوية الجماعية نجد العنف‬
‫ّ‬
‫الذي تمتلكه الدولة والتي عبره تكون قادرة على الاخضاع‪.744‬‬
‫ا‬
‫وإنطالقا من تحليالت فوكو حول اجهزة السلطة والدولة‪ ،‬يشير دولوز الى ان جهاز الدولة هو بدوره‬
‫ّ‬ ‫ا ُ‬ ‫ٌ‬
‫ملجتمع ما‪ ،‬إل أن هذه آلالة ليست الدولة بذاتها بل هي‬ ‫ٍ‬ ‫التشفير‬ ‫ضاعف‬ ‫ت‬ ‫آلة‬ ‫ينجز‬ ‫ملموس‬ ‫تصاف‬‫ار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ملجتمع ما‪ ،‬وتنظم ألالسنة واملعارف‬‫ٍ‬ ‫"آلالة املجردة التي تنظم امللفوظات املهيمنة‪ ،‬والنظام القائم‬
‫املهيمنة‪ ،‬وألافعال والاشاعير السائدة [‪ ]...‬و ل تتوقف هذه آلالة على الدولة لكن فاعليتها تتوقف على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إجتماعي"‪.745‬‬ ‫حقل‬
‫الدولة مثلما تتوقف على الارتصاف الذي ينجزها داخل ٍ‬

‫آلة الحرب‬
‫ّ‬
‫يعتقد كالستر ان الحروب الداخلية في الجماعات البدائية قد كبحت تشكل دولة‪ ،‬وكانت الشعائر‬
‫والس َنن كفيلة بإحتواء آلاثار ّ‬
‫املدمرة لهذه الحروب من دون أن يؤدي ذلك الى‬ ‫والطقوس كما الاعراف ُ‬
‫تشكيل دولة‪ ،‬ل بل انها كانت ّ‬
‫تؤدي دو ارا في الحفاظ على التجانس الداخلي للجماعة وعلى تذرر‬ ‫ٍ‬
‫الجماعات املتحاربة‪ ،‬وعلى تجديد املسافة بين املجموعات الاجتماعية عبر تشفيرات كانت تضعها‬
‫آوالية جماعية نافذة؛ مما جعل الحرب في الوقت عينه ا‬
‫سببا ونتيجة وبدت وكأنها قصدية إجتماعية‬

‫‪9‬‬
‫حوارات‪،‬ص ص ‪889-88‬‬
‫‪244‬‬
‫‪The Deleuze Dictionary, P 265.‬‬
‫‪99‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪.889‬‬
‫‪82‬‬
‫فرض على‬ ‫دولة ل يمكنها – اي هذه الدولة ‪ -‬ان ُت َ‬ ‫للمجموعات البدائية منعت في كل ألاحوال نشوء ٍ‬
‫ا‬
‫جماعات كثيرة مستقلة‪ ،‬ومنفصلة عن بعضها البعض‪ .‬وانطالقا من عدم إمكانية إختزال إلاوالية‬
‫تشكيل سلطة تحتكر‬ ‫ٍ‬ ‫سلطة من النوع الدولني‪ ،‬ومن منطلق التعارض بين‬ ‫ٍ‬ ‫‪ mécanisme‬الحربية الى‬
‫العنف الجسدي الشرعي وإلاواليات البدائية في تقدير دور الحرب‪ ،‬كما من منطلق التشفير والتحويل‬
‫الشعائري للحروب‪ ،‬سيأخذ دولوز (وغاتاري) الخالصة من جهة نظرية للدولة‪ ،‬حيث لن تكون الصلة‬
‫بين الدولة والحرب تحليلية‪ ،‬بل ان الحرب كنمط فعل للدولة ستكون نتيجة تستوجب التفسير‪.746‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وان كان كالستر يعتقد ان الحرب هي تلك آلالية التي تقف بوجه تشكل الدولة ولكنها ل تشكلها في‬
‫التطورية التي بدت‬‫ّ‬ ‫سيوسعان هذه الصيغة بتخليصها من نزعتها‬ ‫ّ‬ ‫الوقت عينه‪ ،‬فإن دولوز وغاتاري‬
‫ا‬ ‫عند كالستر في كالمه عن ّ‬
‫تطور الحرب ضد الدولة من خارجها‪ ،‬وسيطرحان بدل من ذلك فهمهما‬
‫الخاص آللة الحرب التي ستواجه الدولة من الداخل ا‬
‫ايضا‪.742‬‬
‫ّ‬
‫فعلى ضوء مفهوم "آلة الحرب" الذي ظهر في املسطح الثاني عشر من كتاب ألف سطح‪ ،‬يقترح دولوز‬
‫(وغاتاري) عالقات بين الحرب والدولة ضمن ما يشبه قطبية آلة الدولة ‪ -‬خارجيتها‪ .‬وبرؤية مختصرة‪،‬‬
‫تحيل آلة الحرب الى التشكيالت الاجتماعية املتعددة من حيث بنيتها واهدافها (قد تكون عصابات‪،‬‬
‫جماعات سرية‪ ،‬روابط دينية‪ ،‬تنظيمات تجارية‪ ،‬نقابات‪..‬الخ) وتكويناتها التي ترتصف من خاللها‬
‫(أكانت تقنية‪ ،‬علمية‪ ،‬فنية‪ ،‬لغوية‪ ،‬ايكولوجية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬دينية أو غيرذلك‪ )...‬عالقة تخارج بالنسبة‬
‫ُ‬
‫الى التنظيم الدولني للمجتمع‪ .‬ان مجموعة ما تنشأ آلة حرب‪ ،‬ليس حين تأخذ الحرب كهدف لها‪،‬‬
‫ولكن حين تصبح في حالة من الالتجانس مع آلة الدولة ومع طرائقها في ادارة الحقل الاجتماعي‬
‫ّ‬
‫والتحكم به ‪.74‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويقدم دولوز (وغاتاري) مفتاحين بمثابة مسلمتين من اجل الاحاطة أكثر بما تعنيه آلة الحرب‪ّ :‬أولهما‪،‬‬
‫الرحل‪ ".‬ليست الحرب بالتأكيد‬ ‫ان آلة الحرب تخرج عن أجهزة الدولة‪ ،‬وثانيهما ّانها من خلق البدو أو ّ‬
‫ْ‬
‫مغايرين ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫تماما لجهاز الدولة‪ .‬يكمن أصل آلة‬ ‫استعارة‪ .‬نفترض ان آلة الحرب تملك طبيعة وأصال‬
‫مجال‬ ‫ا‬
‫حسابيا داخل‬ ‫ا‬
‫تنظيما‬ ‫ّ‬
‫املستقرين الامبراطوريين؛ انها تفيد‬ ‫الرحل‪ ،‬لتتوجه ضد‬ ‫الحرب في الرعاة ّ‬
‫ٍ‬
‫ا ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مفتوح حيث يتوزع الناس والبهائم‪ ،‬في مقابل التنظيم الهندس ّي للدولة التي توزع مجال مغلقا‪" ،‬وحتى‬ ‫ٍ‬
‫ا‬
‫عندما تستند آلة الحرب الى هندسة‪ ،‬فان الامر يتعلق بهندسة مختلفة جدا عن تلك التي تستند اليها‬

‫‪246‬‬
‫‪Guillaume Sibertin-Blanc, « État et généalogie de la guerre : l’hypothèse de la « machine de guerre » de‬‬
‫‪Gilles Deleuze et Félix Guattari », Astérion [Online], 3 | 2005, Online since 09 September 2005, connection on‬‬
‫‪09 January 2015. URL : http://asterion.revues.org/425‬‬
‫‪247‬‬
‫‪Milles Plateaux, PP 444- 445‬‬
‫‪248‬‬
‫‪Guillaume SIBERTIN-BLANC, État et généalogie de la guerre : l’hypothèse de la « machine de guerre » de‬‬
‫‪Gilles Deleuze et Félix Guattari , Astérion [Online], 3 | 2005, Online since 09 September 2005, connection on 09‬‬
‫‪January 2015. URL : http://asterion.revues.org/425‬‬
‫‪83‬‬
‫الدولة‪ .‬انها نوع من الهندسة الارشميدية‪ ،‬هندسة "الاشكالت" وليست هندسة "النظريات" كما هو‬
‫حال هندسة اقليدس"‪.742‬‬
‫ان الاطروحة التي تفترض وجود إوالية حربية ل يمكن إختزالها الى السيادة‪ ،‬ووجود إواليات يمكن لها‬
‫أن تكون مستقلة بذاها في آلة الحرب هذه‪ ،‬ستقود دولوز (وغاتاري) الى أشكلة موضوع الحرب فوق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مسطحين‪ .‬من جهة‪ ،‬سيطرحان مسألة انتماء الحرب من أجل البحث في كيفية تشكل آلة الحرب‬
‫ا‬
‫بهدف وحيد هو إلحاقها بالدولة‪ ،‬ومن جهة ثانية سيجعالن من الحرب عامال خار اجا عن التشكيل‬
‫ا‬ ‫إل ان آلة الحرب بحد ذاتها ل ّ‬ ‫ّ‬
‫دائما ّإما تكون بوجه الدولة‪ ،‬أو تنتمي اليها‪.751‬‬
‫شيئا فهي ا‬ ‫تفسر‬ ‫الدولني‪.‬‬
‫ا‬
‫حامال لها تدخلها في تنظيماتها املؤسساتية أو ل تكون‬ ‫وفي الحالتين‪ ،‬فإنها تحيل الى الدولة التي هي ّإما‬
‫ا‬
‫حامال لها‪ ،‬وفي جميع الاحوال‪ ،‬ان فكرة آلة حرب مستقلة تفرض الحاق دور العامل الخارجي للحرب‬
‫بعوامل داخلية تستند الى القبض على آلة الحرب والى تأسيس قدرة حربية للدولة‪ .‬ولكن ل يمكن‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحدة داخلية للدولة‪ ،‬وهذه الوحدة‬ ‫ٍ‬ ‫داخلي أو‬ ‫جوهر‬
‫ٍ‬ ‫داخلي إل بالرجوع الى‬ ‫عامل ما على انه‬
‫ٍ‬ ‫تحديد‬
‫الداخلية هي "الاستيالء" أو "الاستيالء السحري"‪.750‬‬
‫ان الحرب الفعلية هنا هي استكمال للسياسة من حيث هي إحدى اشكال تحقيق العالقات السياسية‪،‬‬
‫ّ‬
‫بالضبط ألن فاعليتها ل تتطابق مع افهومها وماهيتها‪ .‬واقتر اابا من كانط أكثر من هيغل‪ ،‬تجد السياسة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مكانها الخاص في هذا املمر الضيق الذي ل يمكن اختزالها بين املفهوم وبين التاريخ‪ ،‬والذي هو عند‬
‫ٌ‬
‫كالوزفيتس فارق بين الشكل املطلق للحرب واساليبها املتغيرة التي تحدد الدولة تحقيقاتها التجريبية‪.‬‬
‫وبالنسبة لدولوز (وغاتاري) يقدم هذا الاجهوز الكالوزفيتس ي نقطة بداية صالحة بشرط تنقيحها‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫التصور ألاداتي للحرب‬ ‫وفقا لفرضية العالئقية بين قدرة آلة الحرب وسلطة الدولة ‪ .757‬وعلى الضد من‬
‫كم ظهر عند كالوزفيتس‪ ‬والذي يستند الى حتمية دولنية للسياسة كما للحرب والعنف‪ ،‬ل يظهر‬
‫مما تستعين باملحاربين‪ ،‬وهي‬ ‫ّ‬
‫والسجانين أكثر ّ‬ ‫عنف الدولة عبر الحرب‪ ،‬فهي تستعين برجال الشرطة‬
‫ا‬
‫لذلك ل تملك اسلحة وليست بحاجة اليها‪ ،‬بل هي ّإما تعمل عبر الاستيالء السحر ّي‪ ،‬حيث تكبح‬

‫‪90‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪810‬‬
‫‪250‬‬
‫‪Milles Plateaux, PP 531- 532‬‬
‫‪251‬‬
‫‪Ibid. P 532‬‬
‫‪252‬‬
‫‪Igor Krtolica et Guillaume Sibertin-Blanc, “Deleuze, une critique de la violence”, dans Deleuze et la‬‬
‫‪violence, coll. Champs&contrechamps, Juin 2012, pp 23‬‬

‫‪De la cite électronique : http://www.europhilosophie-editions.eu/‬‬


‫ي‪ ،‬أصبحت كتباته العسكرية – باالخص في‬ ‫ومنظر عسكري بروس ّ‬‫ّ‬ ‫‪ ‬كارل فون كالوزفيتس ‪ )81 8-8119( Carl von Clausewitz‬ضابط‬
‫كتابه "عن الحرب" – مرج ًعا للنظريات الحربية والعسكرية الحديثة‪ .‬امتدت النظرية العسكرية الكالوزفيتسية الى مجال العلوم االنسانية وباالخص‬
‫الى االقتصاد والسياسة متخطيةً‪ ،‬في ذلك الميدان العسكري البحت‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫ا‬ ‫مسبقا ا‬‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسلح‪ّ ،‬‬ ‫وتقبض على ّ‬
‫تشريعيا‬ ‫دمجا‬ ‫وإما تستخدم السالح ما يفترض‬ ‫كل شكل من القتال‬
‫وقانونيا للحرب ولكل التنظيمات ذات الوظيفة العسكرية‪.753‬‬ ‫ا‬
‫ثابتا تار ا‬ ‫ا‬
‫يخيا يفترض ان كل الدول لم تكن تملك عبر تاريخها‬ ‫ويساجل دولوز (وغاتاري) ان هناك‬
‫ُ‬ ‫جهازها العسكر ّي‪ ،‬وان القدرة على ّ‬
‫شن الحرب كانت تتحقق في أجاهيز (جمع اجهوز) ‪dispositifs‬‬
‫مادية ومؤسساتية غير دولنية (كما عند القبائل البدوية)‪ .‬وبالتالي يجري الكالم ثانية عن عالقة تخارج‬
‫بين الدولة وآلة الحرب كسيرورة إقتدار (‪ )phylum‬تنوجد عبر التاريخ وفي بيئات اجتماعية متعددة‪،‬‬
‫حربا بالضرورة‪ ،‬أو تعمل على إلاخضاع أو تدميرالعدو‪.‬‬ ‫من دون أن ّ‬
‫تشن ا‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫لدولة ما في الجسد‬
‫ٍ‬ ‫لتمركزا للسلطة القمعية‬ ‫اذ‪ ،‬تفترض "جينيالوجيا الحرب" عند دولوز (وغاتاري)‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤسساتي (الشرطة‪ ،‬والجيش)‪ ،‬حيث ان هذا الجسد ل يظهر إل في سياق عالقات الصراع املتبادلة‬
‫تحليل‬
‫ٍ‬ ‫بين الدولة والقوى التي تعاديها أو تفلت من سيادتها‪ .‬كما تفترض هذه الجينيالوجيا برنامج‬
‫متغيرة‪ ،‬تعيد تشكيل‬ ‫لدينامية الصراعات‪ ،‬التي وتحت اشكال تنظيمية وفي مراحل انتقالية تاريخية ّ‬
‫تتوجه ضد الدولة‪ ،‬ضد أجهزتها وضد شكلها‪.‬‬ ‫آلت حرب ّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ألاولي‪ ،‬الى صعوبة تعيين عنف الدولة "بإعتبار‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫ويخلص دولوز‪ ،‬موسعا اطروحة ماركس حول التراكم‬ ‫ّ‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫حاصل مسبقا‪ .‬فال يكفي القول ان العنف يحيل الى نمط الانتاج‪.‬‬ ‫انه دائم الحضور الدائم كما لو انه‬
‫يمر بالضرورة من خالل الدولة‪ ،‬يسبق‬ ‫وقد لحظ ماركس ذلك بالنسبة الى الرأسمالية‪ :‬هنلك عنف ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العامل‬ ‫ألاولي"‪ ،‬ويجعل هذا النمط ممكنا [‪ ]...‬وما شكل‬ ‫نمط الانتاج الرأسمالي‪ ،‬ويشكل "التراكم‬
‫أيضا] في أنماط انتاج أخرى‪ .‬انه عنف ُي َ‬ ‫والرأسمالية يفلت من بين يدينا‪ ،‬ألنه يعمل [ ا‬‫َ‬
‫طرح بشكل مسبق‬
‫وسع؛ ذلك انه ينعدم وجود‬ ‫رمم كل يوم [‪ ]...‬ان تحليالت ماركس هذه يجب أن ُت َّ‬ ‫ومكتمل‪ ،‬رغم انه ُي َّ‬
‫عامة‪ ،‬يوجد تراكم‬ ‫وكقاعدة ٍ‬‫ٍ‬ ‫الزراعي من دون أن يجر َي به؛‬ ‫ّ‬ ‫اطوري يسبق نمط الانتاج‬ ‫ّ‬ ‫تراكم ّ‬
‫أولي إمبر‬
‫جدا الذي يخلق أو يساهم في خلق ما‬ ‫أولي ّكلما تركب جهاز إستيالء‪ ،‬مع كل ذلك العنف الخاص ا‬ ‫ّ‬
‫ا‬
‫سيجري عليه‪ ،‬وبالتالي ما يفترضه [يفترض الجهاز] مسبقا"‪.754‬‬
‫وتسمح تحليالت برودل ‪  Braudel‬لدولوز (وغاتاري) بربط التراكم ألاولي للقدرة العسكرية بالتراكم‬
‫البدائي لرأس املال‪ ،‬حيث ُسيدرجان حركة الاستيالء الدولنية على آلة الحرب في سيرورة تاريخية تصل‬

‫‪253‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 435‬‬
‫‪254‬‬
‫‪Milles Plateaux, PP 528-529.‬‬
‫مؤرخين في القرن العشرين ّالذين أشاروا‬
‫المؤرخين الفرنسيين وواحدٌ من كبار ال ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬فرنان برودل ‪ :)8019-809 ( Fernand Braudel‬أشهر‬
‫التحوالت االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬كما األديان والثقافات والجغرافيا والديموغرافيا والحروب واالطر السياسية‪ ،‬في‬
‫ّ‬ ‫ي التي تلعبه‬
‫الى الدور الرئيس ّ‬
‫صناعة وكتابة التاريخ‪ .‬كان أحد مؤسسي المدرسة الفرنسية الجديدة في كتابة التاريخ وأبرز وجوهها‪ ،‬وهي التي ع ُِرفت بـ"‪" l'école des annales‬‬
‫أو مدرسة الحوليات‪.‬‬
‫أبرز أعماله المترجمة الى العربية‪:‬‬
‫ي في عصر فيليب الثاني"‪La Méditerranée et le monde méditerranéen à l'époque de Philippe II,‬‬ ‫"المتوسط والعالم المتوسط ّ‬
‫و "قواعد لغة الحضارة" ‪.Grammaire des civilisations‬‬
‫‪85‬‬
‫ا‬
‫كل يبدو مستقال عن السمات املحدودة‬ ‫بين نمو وتطور الرأسمالية الصناعية بنمو اقتصاد الحرب‪ ،‬بش ٍ‬
‫للغايات السياسية التي تطرحها الدول ومؤسساتها العسكرية‪ .‬ويمكن لنا ضمن هذا املنظور اعتبار ان‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا ا‬ ‫ّ‬
‫الحربي وسياسة تصدير املنتوجات العسكرية تستحث مباشرة ثورة صناعية‪ ،‬ولحقا زراعية‬ ‫الجهد‬
‫وتجارية ومالية‪ .‬كما ان هذا الجهد وسياسات التصدير تضع موضع التنفيذ ادارة سكانية تهدف الى‬
‫ايضا على مستوى‬ ‫الحيز العسكري (في الثكنات واملرافىء‪ )..‬بل ا‬ ‫خلق يد عاملة‪ ،‬ليس فقط على مستوى ّ‬
‫يتفرع منها‪ ،‬كما يدفع الى تقليص وترشيد كل الهجرات‬ ‫أدوات الانتاج في الصناعات الحربية وما ّ‬
‫الداخلية غيراملرغوب بها الناتجة عن تفقيرالارياف والنمو الدموغرافي‪.755‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ول بد أن نذكر في ما يتعلق بهذا املوضوع‪ ،‬أن مقولة العنف (وبالتالي الحرب كأحد تمظهراته)‪ ،‬وإن‬
‫إل متناثرة بين كتاباته السياسية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫فانها‬ ‫هامشيا في فلسفة جيل دولوز‪ ،‬حيث ل تظهر‬ ‫موقعا يبدو‬ ‫نالت‬
‫موس اعا في ألف سطح في سياق الكالم عن "أنظمة العنف"‪ .‬وغني عن القول ان هذه‬ ‫حيزا ّ‬ ‫أخذت ّ‬
‫املقولة تجد أصولها في التراث السبينوزي‪-‬النيتشوي لدولوز‪ ،‬وهي لذلك تستحضرإثباتين‪ّ :‬أولهما انه ل‬
‫ّ‬
‫متعال بإمكانه الحكم على عالقات القوى التي تشكل الواقع‪ ،‬وثانيهما أنه بالمكان‬ ‫ٍ‬ ‫يوجد مبدأ أخالقي‬
‫جيد (لعنفي) وما هو س ّيء (عنيف) يجب ادانته‪ ،‬ومن‬ ‫التمييز بين هذه العالقات الفيزيائية بين ما هو ّ‬
‫هنا يمكن تحديد ظواهر العنف‪ .‬ولذلك ل يمكن القول عن فلسفة دولوز في معالجته للعنف انها‬
‫تدخل في دائرة ألاخالقية للشر والخير‪ ،‬ول يمكن تناول مقولة العنف والحال هذه من حيث "سلبيته"‬
‫ّ‬
‫والسلبية‪ ،‬وتعالج ظواهر‬ ‫ّ‬
‫الشر‬ ‫املحضة‪ ،‬ذلك ّانها اي هذه الفلسفة تذهب الى القلب النقدي ملشكلة‬
‫إختالفي بحسب ما تظهر عليه في الواقع‪ .‬ويستند هذا التقييم على على الفكرة التي‬ ‫ّ‬ ‫العنف ضمن تقييم‬
‫إل إنعكاس لدرجة من إنتاجية الواقع وبالتالي ل يمكن إختزالها الى ّ‬ ‫ّ‬
‫مجرد‬ ‫تقول ان ظواهر العنف ما هي‬
‫للشر وللسلبية‪ .756‬وبالنسبة لدولوز‪ ،‬فإن املفهوم النيتشوي عن الصراع ‪ combat‬يسمح‬ ‫ّ‬ ‫تمظهرات‬
‫ّ‬
‫الحربي الوحيد القادر على‬ ‫الحربي وملثال الالعنف؛ من جهة نجد العراك والعنف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تناسبي للعنف‬ ‫بنقد‬
‫ٍ‬
‫انتاج تقاطعات بين القوى املتواجدة على ارض املعركة‪ ،‬في حين يتم بطريقة غير مباشرة تدمير قوى‬
‫نفيا لإلرادة (كما عند بوذا‬ ‫أخرى؛ ومن جهة ثانية نجد الصراع والالصراع‪ ،‬حيث يكون هذا ألاخير ا‬
‫يشكالن ا‬ ‫ّ‬ ‫إل ان الشكلين ّ‬ ‫ّ‬
‫نفيا للحياة‪.752‬‬ ‫يشوهان جوهرالصراع‪ ،‬والاثنين‬ ‫واملسيح)‪ ،‬أو إرادة للعدم‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫‪Guillaume Sibertin-Blanc, État et généalogie de la guerre : l’hypothèse de la « machine de guerre » de Gilles‬‬
‫‪Deleuze et Félix Guattari , Astérion [Online], 3 | 2005, Online since 09 September 2005, connection on 09‬‬
‫‪January 2015. URL : http://asterion.revues.org/425‬‬
‫‪256‬‬
‫‪Igor Krtolica et Guillaume Sibertin-Blanc, “Deleuze, une critique de la violence”, dans Deleuze et la‬‬
‫‪violence, coll. Champs&contrechamps, Juin 2012, pp 11- 13‬‬

‫‪Du site électronique : http://www.europhilosophie-editions.eu/‬‬

‫‪257‬‬
‫‪Ibid. pp 23‬‬

‫‪86‬‬
‫ّ‬
‫ولكن السؤال الذي ُيطرح هو حول هذا التخارج بحد ذاته بين الدولة وآلة الحرب‪ .‬في الواقع‪ ،‬يرى‬
‫فضاء أملس"‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫دولوز (وغاتاري) ان الحرب ليس الهدف الخاص أو املباشر آللة الحرب‪ ،‬بل تشكيل "‬
‫ّ‬
‫جماعي للحياة‪ .‬وان املحتوى املاهوي لهذا الالتجانس الشكلي بين آلة الحرب والدولة‬ ‫تصاف‬
‫ٍ‬ ‫كنمط إر‬
‫ّ‬
‫تشكيلي القوة‬ ‫ليس املجابهة العسكرية‪ ،‬ولكن الالتجانس في انماط استثمارات الفضاء والزمن بين‬
‫هذين‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬فإن الاختالف املفاهيمي بين أجهزة الدولة وآلة الحرب يجد تعبيره الفوري في‬
‫إلاقليمي التشكيالت التي ّ‬
‫يسميها‬ ‫ّ‬ ‫أنماط ألاقلمة التي تهيمن في التشكيالت الدولنية وأنماط الاقتالع‬
‫دولوز (وغاتاري) بدوية‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ا‬
‫ثانيأ‪ :‬مجتمع التحكم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للتغيرات التي طرأت على‬ ‫تندرج معالجة دولوز ملقولة مجتمع التحكم في سياق معالجته الفلسفية‬
‫املكان والفضاء والزمن وعالقاتها في املجتمع الاوروبي املعاصر‪ .‬ويرى البعض أن دولوز‪ ،‬في قراءته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لفوكو‪ّ ،‬‬
‫يصح النظر إليه بإعتباره ّ‬
‫مكمال لهذا ألاخير الذي يمكن وصفه بأنه منظرمجتمعات الانضباط‪،‬‬
‫ّ‬
‫باألخص في كتابه راقب وعاقب؛ وهكذا ل تنفصل الرؤية الدولوزية ملجتمعات التحكم عن الرؤية‬
‫الفوكوية ملجتمعات الانضباط وقبلها مجتمعات السيادة‪ .‬وفي تكملة لعمل فوكو‪ّ ،‬‬
‫يميز دولوز بين ثالثة‬
‫ّ‬
‫اصناف متعاقبة من املجتمعات‪ :‬مجتمعات السيادة‪ ،‬املجتمعات الانضباطية ومجتمع التحكم‪ .‬ولكل‬
‫بطريقة‬
‫ٍ‬ ‫مجتمع منها تقنياته السلطوية الخاصة وأجاهيزه التي تتيح الاشتغال عبر تنظيم الفضاء‬‫ٍ‬
‫محددة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وتتميز املجتمعات الانضباطية بذلك التطويق املشدود واملحكم الغلق للفضاء‪ ،‬والذي يسمح بتوزيع‬
‫أفهوما لزمانية ّ‬
‫حيزية‪ .‬ان امليزة الاولى لالنضباط تكمن في انها ل تجري على‬ ‫ا‬ ‫عقالني لألفراد ويفترض‬
‫وتحركاته ‪ ":‬نجد في خضم العصر الكالسيكي‬ ‫ّ‬ ‫أفعال بقدر ما ّ‬
‫تتوجه الى تطويق الفرد وتوجيه قدراته‬
‫إكتشافا للجسد كموضوع وهدف للسلطة‪ .‬ونجد‪ ،‬بكل سهولة‪ ،‬اشارات الى هذا الانتباه العظيم ّ‬ ‫ا‬
‫املوجه‬ ‫ٍ‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ ّ‬
‫صوب الجسد‪ ،‬صوب ذاك الذي نتالعب به‪ ،‬نشكله‪ ،‬نلبسه‪ ،‬والذي يخضع‪ ،‬يستجيب‪ ،‬ويصبح مؤهال‬
‫قوته [‪ ]...‬ان اللحظة التاريخية لالنضباط هي تلك حين ظهر فن الجسد الانساني‬ ‫أو حيث تتضاعف ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذي ل يهدف فقط الى تنمية مؤهالته‪ ،‬ول الى تثقيل تبعيته‪ ،‬ولكن الى تشكيل عالقة‪ ،‬في إلالوالية‬
‫ّ ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫اهات هي نفسها‬ ‫نفسها‪ ،‬تجعله أكثر خضوعا بقدر ما هو أكثر نفعا‪ ،‬وبالعكس‪ .‬تتشكل اذا سياسة إكر ٍ‬
‫يتصل‬ ‫تصرفاته" ‪ .75‬وما ّ‬
‫الاشتغال على الجسد‪ ،‬التالعب املحسوب على عناصره‪ ،‬على حركاته وعلى ّ‬

‫‪258‬‬
‫‪Foucault, Michel, surveiller et punir, Gallimard, 1975, pp 138 - 139‬‬
‫‪87‬‬
‫يسميه فوكو فن توزيع ‪ répartition‬الافراد‬ ‫بهذه امليزة الاولى التي تخص السيطرة على الفضاء هو ما ّ‬
‫لتقنيات خاصة‪ ،‬هي على التوالي‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫فضاء مغلق‪ ،‬وهذا ما يستوجب استخدام السلطة‬ ‫ٍ‬ ‫والاجساد في‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫مكان مغلق على الامكنة الاخرى ويكون‬ ‫ُ‬
‫متنافرا‬ ‫لمتجانسا أو‬ ‫إلاقفال ‪ ،clôture‬حين يجري تحديد ٍ‬
‫معها (كالثكنات واملصانع الكبرى)؛ وإن كان الاقفال ل يكفي في استمرارية أجهزة الانضباط‪ ،‬تجري‬
‫بآلية أخرى هي التطويق ‪ ،quadrillage‬او املوضعة العناصرية ‪localisation‬‬ ‫ٍ‬ ‫الاستعانة‬
‫تجنب اي نوع من ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫كل موضع ٌ‬ ‫فرد مكانه‪ ،‬وفي ّ‬ ‫‪ ،élémentaire‬حيث ّ‬
‫تجمع الافراد‬ ‫فرد‪ ،‬بحيث يتم‬ ‫ٍ‬ ‫لكل ٍ‬
‫ّ‬
‫وتقسيم التجمهرات والجماعات الخطرة على السلطة أو غير املجدية لها‪ ،‬اي بكلمة أخرى يتعلق الامر‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫تحليليا [‪ ]...‬ويكون فضاء‬ ‫فضاء‬ ‫إجراء من أجل املعرفة‪ ،‬والادارة والاستخدام‪ .‬ينظم الانضباط‬ ‫ٍ‬ ‫بـ"‬
‫دائما وفي عمقه‪ ،‬خلوي ‪ّ .752"ascétisme‬أما التقنية الثالثة فهي الاستحكامات الوظيفية‬ ‫الانضباط ‪ ،‬ا‬
‫‪ ،emplacements fonctionnels‬حيث يجري استثمار أماكن ل تستجيب فقط الى املراقبة والعقاب‬
‫متنوعة‪ ،‬كما في‬ ‫ّ‬ ‫وفصل الروابط والتواصالت الخطرة‪ ،‬بل تخلق فضاءات نافعة لستخدامات‬
‫املستشفيات حيث تتمفصل الفضاءات الادارية والسياسية في الفضاء العالجي ليجري فردنة الاجساد‬
‫ّ‬
‫والامراض والاعراض كما الحياة واملوت‪ ،‬وحيث تتشكل لوحة من الفرادات املتجاورة واملتمايزة‪ّ .761‬أما‬
‫ّ‬
‫التقنية الرابعة فهي التي تقوم على تعريف وتحديد العناصر املوزعة‪ ،‬والتي تكون في حالة من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الاستبدال في ما بينها‪ ،‬بالفضاء أو املكان الذي تشغله والذي يفصلها عن غيرها‪ ،‬كما بالفاصل أو‬
‫ّ‬
‫الانزياح ‪ écart‬الذي يفصلها عن العناصر الاخرى‪ ،‬ووحدة القياس هنا ليست الارض أو املكان بل‬
‫املرتبة ‪ rang‬اي مكانها في نظام التصنيف ‪ ،classement‬ذلك ان الانضباط هو "فن املرتبة وتقنية من‬
‫ّ‬
‫أجل تحويل الترتيبات‪ .‬انه يفردن الاجساد عبر املوضعة التي ل تعيد غرسها‪ ،‬ولكن توزعها وتقوم‬
‫بتسييرها في شبكة من العالقات [‪ ]...‬وبتنظيمه الخاليا‪ ،‬الاماكن واملراتب‪ ،‬يصنع الانضباط الفضاءات‬
‫املعقدة‪ ،‬الهندسية والوظيفية والتراتبية في آلان عينه‪ .‬وهي فضاءات ّ‬ ‫ّ‬
‫تؤمن الثبات وتسمع بالتداول؛‬
‫القيم‪ ،‬ول تكفل فقط‬ ‫تقطع الق َطع الفردية وتؤسس الصالت التشغيلية‪ ،‬وتوسم الاماكن ّ‬
‫وتعين َ‬ ‫ّ‬
‫فهي‬
‫ِ‬
‫‪760‬‬ ‫ا‬
‫اقتصادا أفضل للوقت والحركات" ‪.‬‬ ‫خضوع الافراد بل‬
‫ا ُ‬ ‫ّ‬ ‫يقول دولوز ‪ ":‬ل ّ‬
‫غالبا ما ن ِظر‬ ‫شك اننا دخلنا في مجتمعات التحكم‪ ،‬التي ليست بالتحديد انضباطية‪.‬‬
‫ّ‬
‫الى فوكو بإعتباره مفكر مجتمعات الانضباط وتقنيتها الرئيسية اي الانغالق (ليس فقط في املستشفى‬
‫والسجن‪ ،‬بل في املدرسة‪ ،‬املصنع والثكنة)‪ .‬بالفعل‪ ،‬كان من أوائل من قالوا ان املجتمعات الانضباطية‬
‫ّ‬
‫هي تلك التي في طريقنا الى تركها‪ ،‬التي ليست بعد كائنة‪ .‬اننا ندخل في مجتمعات التحكم التي تعمل‪،‬‬

‫‪259‬‬
‫‪Foucault, Michel, surveiller et punir, Gallimard, 1975, P 145.‬‬
‫‪260‬‬
‫‪Foucault, Michel, surveiller et punir, Gallimard, 1975, P 146.‬‬
‫‪261‬‬
‫‪Foucault, Michel, surveiller et punir, Gallimard, 1975, PP 147 - 149‬‬
‫‪88‬‬
‫ّ‬
‫ليس عبر الانغالق‪ ،‬بل عبرالتحكم املستمر والتراسل الفوري‪ .‬بالطبع لم نكف عن التحدث عن السجن‬
‫ّ‬
‫واملدرسة واملستشفى‪[ ،‬الا] ان هذه املؤسسات في ازمة‪ ،‬وهي وإن كانت كذلك فبالتحديد بسبب‬
‫صراعات متأخرة"‪.767‬‬
‫ان هذه الازمة معممة وتطال كافة الاماكن املغلقة "الداخلية" التي كانت تجري فيها تقنيات الانضباط‪،‬‬
‫ايضا موجزية هذا النموذج‪ :‬فهو‬ ‫جيد‪ ،‬ولكن فوكو قد عرف ا‬ ‫املثالي بشكل ّ‬
‫ّ‬ ‫حلل فوكو مشروعها‬ ‫والتي ّ‬
‫ٍ‬
‫لحق ملجتمعات السيادة حيث كانت الغاية كما الوظائف مختلفة (الانتزاع بدل تنظيم الانتاج‪ ،‬تقرير‬ ‫ٌ‬
‫تم الانتقال بشكل تدر ّ‬
‫يجي [‪ ]...‬وعرف الانضباط بدوره الازمة‪،‬‬ ‫املوت وليس بالحرى ادارة الحياة)؛ لقد ّ‬
‫ٍ‬
‫لصالح قوى جديدة"‪ .763‬وبالرغم من محاولت الاصالح التي ّتمت في بديات القرن العشرين (اصالح‬
‫ّ‬
‫التعليم والصناعة والسجون‪..‬الخ)‪ ،‬إل ان الجميع – على حد تعبير دولوز – يعلم ان هذه املؤسسات‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫"قد انتهت‪ ،‬آجال أم عاجال‪ [ .‬وتكمن املسألة] فقط في معالجة آلالم التي تسببت بها [‪ ]...‬الى ان يتم‬
‫ّ‬
‫تثبيت قوى جديدة [‪ ]...‬انها مجتمعات التحكم التي في طريقها للحلول محل املجتمعات الانضباطية"‬
‫‪.764‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫وحش ل‬ ‫ويصف دولوز التحكم بـ"الوحش الجديد"‪ ،‬وبـ"املستقبل القريب" على حد قول فوكو‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬
‫بسرعة فائقة على كل الهواء الطلق‪ ،‬ولن يجري استخدام كل انواع التالعب الجيني‬ ‫ٍ‬ ‫يكف عن السيطرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والصناعات النووية والانتاجات الصيدلنية إل لخدمة سيرورة التحكم حيث ل مجال للتكلم عن‬
‫ّ‬
‫الخوف أو عن ألامل‪ ،‬ألن التحرير والعبودية تجري في دماء هذه السيرورة‪ ،‬بل سيتعلق ألامر فقط‬
‫بالبحث "عن أسلحة جديدة"‪.‬‬
‫ّ‬
‫ان منطق مجتمعات التحكم يقتض ي مقارنة بينها وبين الانضباط‪ ،‬وهذا ما يقوم به دولوز‪ ،‬إذ يالحظ‬
‫متغيرات مستقلة‪ّ ،‬‬
‫ولكل منها لغتها الخاصة ولكنها لغة تماثلية‬ ‫يمر بها الناس هي ّ‬ ‫ان الاماكن املغلقة التي ّ‬
‫التحكمات ليست سوى ّ‬ ‫ّ‬
‫متغيرات غير منفصلة عن بعضها البعض‪،‬‬ ‫‪ ،analogique‬في حين ان مختلف‬
‫متغيرة‪ ،‬وحيث اللغة رقمية ‪":‬ان املغلقات ‪ enfermements‬هي قوالب‬ ‫سيستاما من هندسة ّ‬ ‫ا‬ ‫وتكون‬‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫قالب ذاتي‬‫ٍ‬ ‫‪ ،moules‬قولبة ‪ moulage‬متمايزة‪ ،‬ولكن التحكمات هي تعديالت ‪ ،modulation‬مثل‬
‫يتغير بإستمرار‪ ،‬من لحظة الى أخرى‪ ،‬أو مثل منخل ّ‬ ‫ّ‬
‫التشكل ّ‬
‫تتغير اسالكه من نقطة الى أخرى"‪.765‬‬ ‫ٍ‬
‫ا‬ ‫مثال ا‬ ‫ا‬
‫جسدا يحمل قواه الداخلية عند‬ ‫مالئما في هذه الحالة‪ ،‬اذ في حين كان املصنع‬ ‫وتبدو مسألة الاجور‬
‫نقطة تواز ٍن يصل بها الانتاج الى حده الاقص ى بينما كانت الاجور عند حدها الادنى‪ ،‬فإن ما حصل حين‬

‫‪262‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Pourparlers, P 236.‬‬
‫‪263‬‬
‫‪Ibid., P 240‬‬
‫‪264‬‬
‫‪Ibid. 242.‬‬
‫‪265‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪89‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تم الانتقال الى مجتمع التحكم هو ان املؤسسة قد استبدلت املصنع وأصبحت بمثابة الروح أو "الغاز"‬
‫منافسة‬
‫ٍ‬ ‫على حد تعبير دولوز‪ ،‬من حيث انها اجرت تغييرات على مستوى الاجور ولم تكف عن ادخال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بين ّ‬
‫املتغيرة التي توزعت بحسب الكفاءة ونظام الحوافز‪ ،‬بدل‬ ‫العمال عن طريق التمايزات في الاجور‬
‫ٌ‬ ‫ا‬
‫حصرا بمصلحة صاحب العمل‪ ،‬وهي منافسة اعاقت فيها كل محاولة للمقاومة‬ ‫ان تبقى ثابتة وترتبط‬
‫ا‬
‫كانت تقوم بها النقابات سابقا بمواجهة الرقابة الدائمة ّ‬
‫لرب العمل‪ ،‬ذلك ان نظام املنافسة والحوافز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫انقساما بين ّ‬ ‫ا‬
‫التحول هذا لم‬ ‫العمال ل بل حتى عند العامل نفسه‪ .‬ويرى دولوز ان‬ ‫الكثيرة هذا قد اثار‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يقف عند حدود املصنع بل امتد الى نظام التعليم حيث ستستبدل املدرسة املغلقة بالتأهيل املستمر‬
‫التحكم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محل الاختبارات‪ ،‬بإعتبارذلك الطريق الاضمن لوضع املدرسة بيد املؤسسة‪.‬‬ ‫وسيحل‬ ‫للطالب‪،‬‬
‫ّ‬
‫وابط بين مختلف نقاط‬ ‫تواصل ور ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وكلما نمت الوسائل الجديدة في الاتصال القادرة على تأسيس‬
‫الفضاء‪ ،‬فإن الني ة الاقتصادية تبدو وكأنها تقلب العالقة بين الفضاء والزمن‪ ،‬حيث لم تعد املسألة‬
‫املهمة هي املوضعة ‪ localisation‬بل بالعكس السرعة‪ ،‬حتى يظهران الفضاء ينحني فوق الزمن‪.766‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫فضاء‬
‫ٍ‬ ‫م‪،‬كرونولوجيا‪ ،‬مجتمعات السيادة ومن ثم الانضباط‪ .‬ويجري التحكم فوق‬ ‫تلي مجتمعات التحك‬
‫سكان ّ‬ ‫ّ‬
‫دينامية ما‪ .‬هذا في حين ان املجتمعات الانضباطية‬ ‫ٍ‬ ‫يتحركون ويتنقلون‪ ،‬اي على‬ ‫مفتوح‪ ،‬وعلى‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫(بصورها النموذجية في املدرسة والثكنات واملصانع) تفرض من الخارج شكال أو نموذجا متماثال‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫جديدا من العقوبات وانماط التربية‬ ‫يخضع له الافراد ويصبحون تحت سطوته‪ .‬ويرى دولوز ان شكال‬
‫تميز مجتمعات الانضباط واملراقبة من قبل‪ ،‬فلم تعد‬ ‫حيز العقوبات التي كانت ّ‬ ‫والعناية قد احتل ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫توسعت املساحة في اماكن‬ ‫وبديهيا‪ ،‬كما‬ ‫املستشفيات مغلقة وأصبحت النظافة العامة شرطا ل بد منه‬
‫وتميزت عن أماكن العمل‪ ،‬ولكن وبالرغم من هذا الانفتاح على العالم الخارجي‬ ‫التعليم املدرس ي ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ا‬ ‫وفضائه‪ ،‬الا ان الرعب ّ‬
‫ظل تشكيلة دائمة‪ ،‬وهو رعب التحكم الذي يعبركل الفضاءات املفتوحة‪.762‬‬
‫بشكل من أشكال العود على بدء‪ ،‬حيث نبدأ من‬ ‫تتميز مجتمعات الانضباط‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬وإذ ّ‬
‫ٍ‬
‫التحكم املعاصرة "ل ننتهي ا‬ ‫ّ‬
‫ابدا‬ ‫املدرسة ومن ثم في الثكنة ومن الثكنة الى املصنع‪ ،‬فإنه وفي مجتمعات‬
‫ّ‬
‫مع ش ٍيء ما [‪ ]...‬حيث ان املؤسسة‪ ،‬التأهيل والخدمة [املدنية] هي حالت ذات استقر ٍار دائم التبدل‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومتعايشة وفق التقلب عينه‪ ،‬املسخ الكلي" ‪ .76‬نالحظ مثال ان الاشكال القانونية في مجتمعات‬
‫فضاء مغلق وآخر‪ ،‬بينما يبدو تأجيل الحكم‬ ‫ٍ‬ ‫الانضباط تحكمها التبرئة العلنية أو العفو الواضح بين‬
‫ّ‬ ‫بمظهره الالمحدود هو ما ّ‬
‫يميزتلك الاشكال في مجتمع التحكم‪ .‬ففي املجتمعات الانضباطية نجد قطبين‬

‫‪266‬‬
‫‪Ottaviani, Didier, Foucault - Deleuze : de la discipline au contrôle, sur le site électronique :‬‬
‫‪http://books.openedition.org/enseditions/1217‬‬
‫‪267‬‬
‫‪Pourparlers, P 237.‬‬
‫‪268‬‬
‫‪Ibid.P 242.‬‬
‫‪90‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هما التوقيع ‪ signature‬الذي يشير الى الفرد‪ ،‬ورقم القيد ‪ numéro matricule‬الذي يشير الى موقعه‬
‫ابدا اليهما من حيث انهما غيرمتساوقين أو متنافرين‪ ،‬بل‬ ‫في جمهور ما‪ ،‬وهما قطبان لم ينظر الانضباط ا‬
‫ٍ‬
‫دائما على الجمهرة وعلى صياغة فردانية كل عضو في الجسد الاجتماعي‬ ‫ان سلطة الانضباط قد عملت ا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذي اقامته‪ّ .‬أما في مجتمع التحكم‪ ،‬وعلى العكس من ذلك‪" ،‬ليس الامر الاساس ّي هو التوقيع كما انه‬
‫الشفرة ‪ :chiffre‬الشيفرة هي كلمة مرور‪ ،‬في حين ان كلمات النظام تضبط املجتمعات‬ ‫ليس العدد بل ِ‬
‫الانضباطية [‪ ]...‬تتكون اللغة الرقمية من ِشفرات تحدد الولوج الى املعلومات أو رفضها‪ .‬لم نعد أمام‬
‫عينات ‪،échantillons‬‬ ‫الزوج جمهور‪-‬فرد‪[ ،‬بل] اصبح الافراد تقسيمات ‪ ،dividuels‬والجماهير ّ‬
‫يعبر بأفضل الاشكال عن التمايز بين املجتمعين"‪،762‬‬ ‫معطيات‪ ،‬أسواق أو بنوك‪ .‬ربما هو املال ّالذي ّ‬
‫كعدد معيار ّي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫نقود مصاغة ومنغلقة على الذهب‬ ‫ذلك ان املال في املجتمع الانضباطي يظهر على شكل ٍ‬
‫ا‬
‫وتقلبات تتدخل على شكل شفرة مئوية ملختلف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عينات‬ ‫ِ‬ ‫بينما نجد في مجتمع التحكم تبادلت عائمة‪،‬‬
‫ُ‬
‫النقود‪" ،‬وقد كانت الخلد النقدي القديم هو حيوان أماكن الانغالق‪ ،‬ولكن الافعى هي حيوان‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حيوان الى آخر‪ ،‬من الخلد الى الافعى‪ ،‬في النظام حيث نعيش‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات التحكم‪ .‬لقد عبرنا من‬
‫املنتج املتواصل للطاقة‪ ،‬ولكن انسان‬ ‫ا‬
‫ايضا في أنماط حياتنا وعالقاتنا مع آلاخر‪ .‬انسان الانضباط هو ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫زمة مستمرة" ‪.721‬‬ ‫التحكم هو بالحرى تموجي ‪ ،ondulatoire‬معلق في مدار‪ ،‬على ح ٍ‬
‫شكل من املجتمع نمطه الخاص من آلالت من دون ان تكون هذه آلالت هي‬ ‫ويعتقد دولوز ان لكل ٍ‬
‫ّ‬
‫اشكال إجتماعية تولدها ومن ّ‬ ‫ا‬
‫ثم تخدمها‪ .‬في مجتمعات‬ ‫املحددة لتلك الاشكال‪ ،‬بل انها بالحرى تعكس‬
‫السيادة القديمة نجد آلالت البسيطة على شكل رافعات‪ ،‬بكرات وساعات ضخمة‪ ،‬بينما نجد آلالت‬
‫خطر منفعل للقصور الحراري‪ ،‬أو الخطر الفاعل‬ ‫ٍ‬ ‫الطاقوية ملجتمعات الانضباط‪ ،‬مع ما تنتجه من‬
‫تميز مجتمعات‬ ‫للتخريب‪ .‬وآلالت السيبرنية ‪ cybernétiques‬والحاسوبات ‪ ordinateurs‬هي التي ّ‬
‫ّ‬
‫التحكم‪ ،‬مع خطرها التشويش ي أو الانحرافي املنفعل‪ ،‬والفاعل في القرصنة وادخال الفيروسات‬
‫التبدل العميق في الرأسمالية ذاتها‪ ،‬ذلك ان آلالت‬ ‫تغير اشكال آلالت الى ّ‬ ‫الالكترونية‪ .‬ويعود السبب في ّ‬
‫شيئا"‪ ،‬يلزم اللجوء الى تحليل الارتصافات الجماعية التي تكون آلالت ا‬ ‫ا‬
‫جزءا منها‪ .‬وهذا‬ ‫وألنها "ل تشرح‬
‫يتبين في عوالم الاتصالت املفتوحة في عصر الرأسمالية التي ارتكزت في القرن التاسع عشر على‬ ‫ما ّ‬
‫مالكا لوسائل الانتاج‪ ،‬ولكن ا‬ ‫ا‬
‫ايضا وعند الضرورة كانت‬ ‫الانتاج وامللكية‪ ،‬حين كان الرأسمالي آنذاك‬
‫الاماكن الاخرى كبيوت العمال واملدارس بحوزته‪ ،‬هذا في وقت احتل الاختصاص وتقسيم العمل‬
‫حينا ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫آخرا‪ ،‬أو خضعت لتخفيض في كلفة الانتاج‪.‬‬ ‫السوق حينا‪ ،‬والاستعمار‬

‫‪269‬‬
‫‪Ibid.P 243.‬‬
‫‪270‬‬
‫‪Ibid.P 244.‬‬
‫‪91‬‬
‫ّ‬
‫ويرتبط افهوم مجتمع التحكم بالكسيوماتية الرأسمالية وبقدرتها على تأسيس عالقات وروابط بين‬
‫ّ‬
‫حالة متعذرة القياس ولمتعلقة‪ ،‬وعلى الحاق هذه‬ ‫ٍ‬ ‫الدفوق التي تفككت شيفراتها والتي تكون في‬
‫ُ‬
‫بنوع من التماثلية ‪ isomorphie‬املعممة‪ ،‬كأن تن ِتج كل الذوات من أجل السوق‪ .‬ولقد قاد‬ ‫الدفوق ٍ‬
‫إستعباد تتجاوز ألاقاليم والسيادة‬‫ٍ‬ ‫رؤية جديدة آللة‬ ‫افهوم دولوز (وغاتاري) لالكسيوماتية الى طرح ٍ‬
‫ُ‬
‫قساوة أكبر عبر مجهوليتها‬
‫ٍ‬ ‫فصح عن‬ ‫إلمبراطور ما‪ ،‬بل انها ت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫والشرعية‪ ،‬والتي ل تفيد صورة متعالية‬
‫ّ‬
‫‪ impersonnalité‬بالتحديد‪.‬وبفضل نمط اشتغالها الذي يمكنه ان يتجاوز كل القناعات الفردية أو‬
‫املشفرة‪ ،‬فإن تلك الاكسيوماتية ّ‬ ‫ّ‬
‫مجتمع يقوم على الانضباط الى‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫نا‬ ‫تجر‬ ‫كل السلوكيات البشرية‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫مجتمع التحكم‪ ،‬حيث تفعل السلطة فعلها مباشرة على الدفوق الفردية املفككة الشيفرات؛ ول‬
‫ّ‬
‫تستفر الدفوق في اجتياح الاكسيوماتية فقط‪ ،‬ولكن الذاتية غير املؤهلة لرأس املال العالمي ل تصل‬
‫اشكال من التبعية الاجتماعية على هيئة الدول‪-‬الامم‪،‬‬ ‫قليمي مطلق‪ ،‬بل يصحبها ا‬
‫دوما‬ ‫ّ‬ ‫ابدا الى إقتالع إ‬ ‫ا‬
‫ٍ‬
‫كساء من ألاقلمة على مستوى انماط تحققها‪. 720‬‬ ‫ٌ‬ ‫كما يصحبها‬
‫ّ‬
‫ولكن‪ ،‬وفي ما يخص الوضع الراهن‪ ،‬لم تعد الرأسمالية الى جانب الانتاج الذي تمت إحالته الى بلدان‬
‫املصنعة واملنسوجات والنفط‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ّ‬
‫تحولت‬ ‫اشكال معقدة من املعادن‬ ‫ٍ‬ ‫الاطراف في العالم الثالث تحت‬
‫منتجات‬ ‫الرأسمالية الى رأسمالية انتاج فائض ‪ surproduction‬لم تعد تشتري ا‬
‫موادا أولية ول تبيع‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قطعا منتزعة‪ .‬ما تبيعه هذه الرأسمالية هو الخدمات‪ ،‬وما تريد‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫تامة‪ ،‬بل تشتري‬
‫منتجات تامة‪ ،‬أو تنجز ِ‬ ‫ٍ‬
‫شرائه هو ألاعمال‪ .‬وباملثل‪ ،‬لم تعد املدارس‪ ،‬املصانع‪ ،‬الثكنات واملستشفيات تلك ألاماكن املتمايزة‬
‫ّ ّ‬ ‫تناظريا والتي تتمركز بين ْ‬‫ا‬
‫أسمالي متملك‪ ،‬ل بل ان الفن قد انفلت من الاماكن املنغلقة كي يدخل‬ ‫يدي ر‬
‫ا‬
‫الى الدائرة املفتوحة للبنوك والاسواق؛ وفي السياق عينه‪ ،‬اكتسب الفساد سلطة جديدة‪ ،‬واصبحت‬
‫ا‬ ‫ّ ا ا‬ ‫ّ‬
‫خدمة البيع قلب كل مؤسسة‪ ،‬واصبح التسويق "آلة التحكم الاجتماعي‪ ،‬مشكال عرقا صفيقا ألسيادنا‪.‬‬
‫التحكم على املدى القصيروفق دوران سريع‪ ،‬ولكن ا‬ ‫ّ‬
‫ايضا مستمرولمحدود‪ ،‬بينما كان الانضباط‬ ‫ٍ‬ ‫يجري‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫بشكل لمتناهي ومتقطع‪ .‬لم يعد الانسان محجوزا بل أصبح مديونا‪ .‬وان كان‬ ‫ٍ‬ ‫يجري على املدى الطويل‪،‬‬
‫من الصحيح ان الرأسمالية قد حافظت على ثبات البؤس الاقص ى لثالثة ارباع الانسانية‪ ،‬املفقرون‬
‫ّ‬ ‫جدا ألجل الديون‪ ،‬الكثيرون ا‬ ‫ا‬
‫جدا من أجل الاغالق‪ ،‬فإن التحكم ليس عليه فقط أن يجابه تبدد‬
‫ايضا] انفجارات الضواحي والغيتوات"‪.727‬‬ ‫الحدود‪ ،‬بل [ ا‬
‫فضاء مفتوح لم تعد للحواجز والحدود اية قيمة‪ ،‬وعلى عكس مجتمعات‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫يتحرك في‬ ‫مجتمع‬ ‫وفي‬
‫ٍ‬
‫وتوجب على كل‬ ‫ّ‬ ‫الانضباط‪ ،‬فإن الحدود بين الداخل والخارج قد اصبحت ضبابية ومخفية‪،‬‬
‫املؤسسات التي كانت مغلقة ان تفتح أبوابها أمام التعليم املستمر‪ ،‬واملرض ى الخارجيين‪ ،‬كما أمام‬

‫‪271‬‬
‫‪The Deleuze Dictionary -Revised Edition, P 23‬‬
‫‪272‬‬
‫‪Pourparlers, P 246.‬‬
‫‪92‬‬
‫ُ َ‬ ‫ّ‬
‫دخلت العائلة لتشتغل في هذا الترتيب الجديد للخارج‬ ‫تصورات جديدة لألمن وأشكال جديدة لإلنتاج؛ ا ِ‬
‫ا‬ ‫ُ‬
‫جبرت املصانع على إدخال الطلب واملستهلكين في الانتاج مباشرة‪ ،‬بشرط أن يكون الطلب‬ ‫وللداخل‪ِ ،‬‬
‫وا‬
‫ّ‬
‫تحول التعليم الى تعلم من أجل التعلم بشرط مالحظة الفرق بين التعليم ّ‬ ‫ّ‬ ‫مضبوطا‪ ،‬كما ّ‬ ‫ا‬
‫الجيد‬ ‫ٍ‬
‫وتحولت السجون الى سيستام من العواقب‪ ،‬واملستشفيات الى مستشفيات مفتوحة تؤمن‬ ‫ّ‬ ‫والس يء‪،‬‬
‫ٌ‬
‫الرعاية للمرض ى الخارجيين‪ .‬وبكلمة واحدة‪ ،‬يجري نوع من زوال للتمايز بين الخارج والداخل‪ ،‬وبين‬
‫ّ‬
‫املؤسسة وما هو خارجها‪ ،‬ذلك ان الفضاء قد خسر اقفاله في الوقت عينه الذي نمت فيه تقنيات‬
‫التنظيم في الامكنة التي يقض ي فيها الناس معظم حياتهم؛ بل اصبحت الحواسيب الالكترونية‬
‫تشكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ووسائط التواصل هي التي ّ‬
‫التبدل الشامل وترسم مالمحه‪.‬‬ ‫تعين موقع املباح واملمنوع‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬ ‫وحتى وإن ّ‬ ‫ّ‬
‫تم الاحتفاظ ببعض مالمح مجتمعات الانضباط وحتى مجتمعات السيادة‪ ،‬فإن ذلك ل‬
‫ّ‬
‫يجري من دون تكييفها وتوظيفها في التحكم‪ ،‬كما ل تعني الاصالحات في املؤسسات التربوية‬
‫لنظام جديد من الهيمنة يواجه به أزمات املؤسسات التي‬ ‫ٍ‬ ‫تأسيس‬
‫ٍ‬ ‫واملستشفيات واملصانع سوى‬
‫ّ‬
‫يخلقها مجتمع التحكم كما كل حركة ملقاومة هذا الشكل من املجتمعات‪ .‬والقدرة التي يملكها مجتمع‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫فضاء مفتوح تطرح اشكالية –من بين اشكاليات أخرى – تتعلق بآلية‬ ‫ٍ‬ ‫التحكم في الهيمنة على الناس في‬
‫ا‬
‫فضاء مغلق ّميز املجتمعات الانضباطية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫املقاومة التي في الحالة النقابية مثال قد درجت على الكفاح في‬
‫فضاء مفتوح وتبتدع‬
‫ٍ‬ ‫ولذلك يتساءل دولوز حول مدى إستطاعة النقابات وما يشبهها أن ّ‬
‫تتكيف في‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫اشكال جديدة للمقاومة‪ ،‬كما حول إمكانية الشباب والجماعات في مجابهة التسويق و"أفراحه"‪ ،‬وفي‬
‫مجمل ألاحوال يبقى فعل اكتشاف وابتكار سيرورات مقاومة من عمل من يمتلك املصلحة في ذلك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫تعقيدا من حجرالخلد"‪.723‬‬ ‫أخذا في الاعتباران " حلقات الافعى ما زالت أكثر‬
‫وكما يرى أنطونيو نيغري‪ Negri ‬ومايكل هاردت‪ Hardt ‬في كتابهما الامبراطورية فإن الانتقال الى‬
‫التحكم ل يعني نهاية الانضباط بقدر ما يضمر ّ‬ ‫ّ‬
‫ملنطق انضباطي‬
‫ٍ‬ ‫ثة‬‫املحاي‬
‫ِ‬ ‫سات‬ ‫ر‬ ‫املما‬ ‫ع‬ ‫توس‬ ‫مجتمع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خل في الذوات‪ .‬ولكن الذي تغير الى جانب سقوط املؤسسات هو ان الاجاهيز الانضباطية قد‬ ‫مستد ٍ‬
‫وسعت حدودها وفضاءها في الحقل الاجتماعي؛ وإذ تهاوت العناصر املتعالية للمجتمع الانضباطي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫وتوضحت‪.724‬‬ ‫املحايثة قد تعممت‬ ‫فإن مظاهرها‬
‫ِ‬

‫‪273‬‬
‫‪Ibid. P 247.‬‬

‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫المنظرين الرئيسيين لحركة التسيير الذاتي‬ ‫ي وفيلسوف إيطالي نيو‪-‬ماركسي وأحدّ‬ ‫أنطونيو نيغري ‪ )...-80 ( Antonio Negri‬ناشط سياس ّ‬
‫"‪ "Operaismo‬االيطالية الع ّمالية‪ .‬في منفاه الفرنسي‪ ،‬كان نيغري على صلة بدولوز وغاتاري فوكو ومجمل التيار السياسي ما بعد‪-‬الحداثي‪ .‬وضع‬
‫صف بأنه البيان الشيوعي للقرن الحادي والعشرين‪.‬‬ ‫مع صديقه االميركي مايكل هاردت كتاب "االمبراطورية" الّذي ُو ِ‬
‫ي أميركي‪ ،‬من المتأثّرين بفلسفة جيل دولوز‪ ،‬وقد ذاع صيت هاردت بعد‬ ‫ّ‬ ‫سياس‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫ومنظ‬ ‫‪ ‬مايكل هاردت ‪ )..._8089( Michael Hardt‬ناقد أدبي‬
‫اشتراكه مع أنطونيو نيغري في تأليف كتاب "االمبراطورية" والحقًا كتاب "الحشد‪ :‬الحرب والديموقراطية في عصر االمبراطورية"‪.‬‬
‫‪274‬‬
‫‪Negri, Antonio & Hardt, Michael, Empire, Harverd University Press, London, 2001, fourth printing, P 331.‬‬
‫‪93‬‬
‫ا‬
‫هجين للذات‪ .‬واذ ساهم انتاج الذاتية في‬ ‫ٍ‬ ‫انتاج‬
‫كما ان الانتقال الى مجتمع التحكم يتضمن انتقال الى ٍ‬
‫بتوسع رأس املال‪ ،‬فإن الهويات الاجتماعية التي خلقتها املؤسسات كانت أكثر‬ ‫ّ‬ ‫مجتمع الانضباط‬
‫دينامية ومرونة من الصور الذاتية ملجتمعات السيادة‪ ،‬بالرغم من ان املؤسسات كانت اشبه بآلة‬
‫وتوسع رأس املال‪ّ .‬أما في‬‫ّ‬ ‫قياس ونمذجة انتجت هذه الهويات وأدوارها ومواقعها في عملية انتاج‬
‫التحكم فلم يتم انتاج ذوات تمتلك هويات ثابتة بل بالحرى ّ‬ ‫ّ‬
‫مهجنة ومتبدلة‪ ،‬وهي ذوات‬ ‫مجتمعات‬
‫دوما الى خسارة تعريفها وتحديدها ضمن هويات منمذجة‪ ،‬ومع ذلك فإن هذه الهوية املهجنة‬ ‫تميل ا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تشكلت بفعل املنطق عينه الذي شكل الذوات في املجتمع الانضباطي‪.725‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬الفاشية الجزيئية‬
‫مر معنا في الفصل الثاني – عن الرغبة الهذيانية أو‬ ‫في آنتي‪-‬أوديب‪ ،‬يتحدث دولوز (وغاتاري) – كما ّ‬
‫انوية بمقابل الرغبة الفصامية الثورية‪ .‬وفي املقدمة التي وضعها ميشيل فوكو للطبعة الانكليزية‬ ‫البار ّ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫وثوريا يقاوم ويجابه‬ ‫سياسيا‬ ‫للكتاب والتي عنونها "مقدمة الى حياة لفاشية"‪ ،‬اعتبر آنتي‪ -‬أوديب بيانا‬
‫ّ‬
‫كل النزعات الفاشية‪ ،‬ذلك ان هذه هي العدو الرئيس ّي‪ ،‬النقيض الاستراتيجي لدفوق الرغبة؛ ول يتعلق‬
‫ّ‬
‫الامر بالفاشية التاريخية التي نعرفها‪ ،‬فاشية هتلر وموسوليني وغيرهما‪ ،‬بل بالفاشية " في داخلنا كلنا‪،‬‬
‫اليومي‪ ،‬الفاشية التي تجعلنا نحب السلطة‪ ،‬ونرغب بما يهيمن علينا‬ ‫ّ‬ ‫في عقولنا وفي سلوكنا‬
‫ّ‬
‫ويستغلنا"‪.726‬‬
‫يردها الى مجرد خداع السلطة أو الحزب الفاش ي أو الدولة‬ ‫وإن كان التفسير التقليدي للفاشية ّ‬
‫قوة تأتي من‬ ‫للجماهير أو "غسل دماغ" كما ُيقال في اللغة الشعبية املتداولة‪ ،‬وينظر اليها على ّانها ّ‬
‫يوميا على الناس بفعل آليات اعالمية وسياسية وأيديولوجية‪ ،‬فإن دولوز (وغاتاري)‪،‬‬ ‫فرض ا‬ ‫الخارج ُوت َ‬
‫وبالرغم من ابتعادهما عن املعالجة التفصيلية للظواهر الفاشية التاريخية‪ ،‬فإنهما ينظران الى‬
‫شروط‬
‫ٍ‬ ‫الفاشية من حيث هي رغبة تمتلك قوتها الخاصة واملتسقة‪ ،‬وهي رغبة تنتشر وتتعمم بسبب‬
‫ا‬
‫اجتماعية‪ ،‬اقتصادية وسياسية تجعل من الرغبة رغبة بالشيفرات التي تجابه أكسيوماتية الرأسمالية‬
‫غبة فاشية تتجه الى تثبيت الذوات‬ ‫في تحريرها لدفوق الرغبة؛ ان هذه الشيفرات التي ترغب بها كل ر ٍ‬
‫تثبت الاجساد الى انماط ونماذج من الدفوق‬ ‫وتقييدها بحدود قاسية في الفكر وفي املما سة‪ ،‬كما انها ّ‬
‫ر‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫وتشوه ايروتيكي الطابع‪.722‬‬ ‫اف‬
‫معطوف على انحر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫هوس فاش ّي‬
‫مؤسسة مسبقا‪ ،‬ما يحيل غالبا الى ٍ‬
‫وفي ألف سطح يناقش دولوز (وغاتاري) مظهر ْي الفاشية‪ ،‬اي الفاشية‪-‬الجزيئية أو امليكرو‪-‬فاشية‬
‫جزيئيا ل يتطابق مع تقطيعات‬ ‫ا‬ ‫وتلك الفاشية الكتلوية الكبرى أو املاكرو‪-‬فاشية‪ .‬تعني الفاشية ا‬
‫نظاما‬

‫‪275‬‬
‫‪Ibid. P 332.‬‬
‫‪276‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Guattari, Felix, Anti-Oedipus, Preface by Michel Foucault, University of Minnesota Press,‬‬
‫‪Tenth printing 2000,P xiii‬‬
‫‪277‬‬
‫‪The Deleuze Dictionary -Revised Edition, P 103‬‬
‫‪94‬‬
‫مبررا‬ ‫كتلوية ول مع مركزيتها‪ ،‬وبال شك " انتجت الفاشية افهوم الدولة الشمولية‪ ،‬ولكن ل نجد ا‬
‫لتعريف الفاشية بأفهوم وضعته هي‪ :‬هناك دول شمولية من غير ان تكون فاشية‪ ،‬من النمط‬
‫ّ‬
‫الستاليني‪ ،‬أو الديكتاتوري العسكري‪ .‬ل يسري افهوم الدولة الشمولية إل على مستوى السياسة‪-‬‬
‫تقطيعية صلبة ونمط خاص من الشمول واملركزية‪ .‬ولكن الفاشية ل تنفصل عن‬ ‫ٍ‬ ‫الكبرى‪ ،‬من أجل‬
‫البؤر الجزيئية التي ّ‬
‫تأثير‪ ،‬قبل ان تجد صداها بمجموعها في‬ ‫نقطة الى أخرى‪ ،‬في تبادل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تفرخ وتقفز من‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫الدولة القومية‪-‬الاشتراكية‪ .‬فاشية ريفية وفاشية املدينة أو الاحياء‪ ،‬الشباب الفاش ي وفاشية املقاتلين‬
‫القدامى‪ ،‬فاشية اليسار واليمين‪ ،‬فاشية الازواج‪ ،‬العائلة‪ ،‬فاشية املدرسة أو املكتب" ‪ .72‬ان الفاشية‬
‫التي يالحظها دولوز هي تلك التي ل يمكن تعريفها الا بالثقوب السوداء الصغيرة التي تتصل مع بعضها‬
‫ثقب اسود تسقط آلة‬ ‫كل‬ ‫في‬ ‫ان‬ ‫دولوز‬ ‫ى‬ ‫وير‬ ‫وشامل؛‬ ‫ي‬ ‫تتجمع ّكلها في ثقب أسود مركز ّ‬ ‫البعض قبل ان ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وحتى ان الدولة القومية الاشتراكية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دائمة‬
‫ٍ‬ ‫املعرفة كفاشية تظل في حاج ٍة‬ ‫فخ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حرب كأنها تسقط في‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫لهذه الفاشيات الصغيرة أو الكتلوية التي تشكل ما يشبه أداة أو بالحرى الوسيط الذي يسمح لها بنقل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفرض ّ‬
‫تنظيم‬‫ٍ‬ ‫بمجرد‬ ‫مسرطن وليس فقط‬ ‫ٍ‬ ‫بجسد‬
‫ٍ‬ ‫قوتها وهيمنتها على الجموع‪ ،‬ذلك ان املوضوع يتعلق‬
‫ّ‬
‫شمولي‪.‬‬
‫ترد على السؤال الاسبينوزي‬ ‫جوانية" داخلية بإمكانها أن ّ‬ ‫ان النظرة املبتكرة لفاشية صغيرة‪،‬كتلوية و" ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يقاتل الناس‬ ‫الذي لطاملا طرحه املنظرون السياسيون‪ ،‬والذي اعاد فيلهام رايش طرحه‪ ،‬أل وهو ‪":‬ملاذا‬
‫يتحملون منذ قرون الاستغالل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من أجل عبوديتهم كما لو كان الامر من أجل خالصهم [‪ ]...‬ملاذا‬
‫أيضا لهم؟" أو بمعنى آخر‪ ،‬ملاذ ترغب‬ ‫‪722‬‬ ‫الاهانة‪ ،‬العبودية الى حد انهم يريدونها ليس فقط لآلخرين‪ ،‬بل ا‬
‫ا‬
‫بسلطة فاشية وناز ٍية؟ أو‬‫ٍ‬ ‫بقوة تقمعها؟ ملاذا رغبت الجماهير الاملانية مثال والايطالية وغيرها‬ ‫الجماهير ٍ‬
‫باألحرى ملاذا ترغب الرغبة بقمعها الخاص وكيف ترغب بذلك؟ يجيب مؤلفا الـآنتي‪-‬أوديب ‪ ":‬بال شك‪،‬‬
‫ا‬
‫شكل من الهستيريا‬ ‫بسلبية للسلطة؛ ل "تريد" الجماهير بأن تكون مقموعة في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ل تخضع الجماهير‬
‫ّ‬ ‫أيديولوجي‪ .‬بل ان الرغبة ل تنفصل ا‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ‬
‫ابدا عن الارتصافات املعقدة‬ ‫بإغراء‬
‫ٍ‬ ‫املازوشية؛ الجماهير لم تخدع‬
‫بالتتشكيالت الصغرى التي تصيغ املواقف‪ ،‬الاتجاهات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫باملستويات الجزيئية‪،‬‬
‫ِ‬ ‫التي تمر بالضرورة‬
‫الادراكات‪ ،‬التوقعات‪ ،‬السيمياءات"‪.7 1‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫نزوع داخل الرغبة نحو املوت‪ ،‬فليست املسألة‬ ‫ٍ‬ ‫الى‬ ‫كذلك‪،‬‬ ‫ألنها‬ ‫تحيل‪،‬‬ ‫الفاشية‬ ‫ان‬ ‫يعني‬ ‫ل‬ ‫الامر‬ ‫ان‬ ‫إل‬
‫ُ‬
‫تصاف‪ ،‬ألن الرغبة دوماا‬ ‫ٍ‬ ‫جماعي بقدر ما هي مسألة ار‬ ‫ّ‬ ‫فردي أو‬‫ّ‬ ‫نزوع ‪ pulsion‬طبيعي "غريز ّي"‬ ‫ٍ‬ ‫مسألة‬
‫تصاف جماعيّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫حرب بالساس‪،‬ولكنها بفعل ار‬ ‫مرتصفة والارتصاف هو الذي يحدد الكائن‪ ،‬والفاشية آلة ٍ‬

‫‪278‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 261.‬‬
‫‪279‬‬
‫‪Anti-Œdipe, PP 38-39‬‬
‫‪280‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 262‬‬
‫‪95‬‬
‫تنتقل هذه آلالة‪ ،‬ذات الاصل البدوي‪ ،‬من حالة الانشقاق عن الدولة واجاهيزها الى حالة التدمير‬
‫الذاتي‪ ،‬فتفقد قدرتها على الانشقاق والابتكار ويصبح بإمكان الدولة ان تمسك بها وتستولي عليها‬
‫وتستثمرها في التدمير والقتل‪ .‬وهنا نجد مفارقة ‪ paradoxe‬الفاشية وتمايزها عن التوتاليتارية أو‬
‫ُ‬
‫تصاف ممركز‬
‫ٍ‬ ‫الدولة كإر‬
‫ِ‬ ‫الشمولية‪ ،‬ذلك ان هذه الاخيرة "هي مسألة دولة‪ ،‬تخص بالتحديد العالقة بين‬
‫مجردة تقوم الدولة بتشغيلها [‪ ]...‬الشمولية محا ِفظة بإمتياز‪ .‬بينما في‬ ‫ٍ‬ ‫حرب لتشفير مضاعف‬ ‫مع آلة ٍ‬
‫ّ‬
‫دولة شمولية‪ ،‬فليس معنى ذلك ان‬ ‫حرب‪ .‬وحين تتكون الفاشية في ٍ‬ ‫آلة ٍ‬ ‫الفاشية‪ ،‬املسألة هي مسألة ِ‬
‫جيش الدولة يستولي على السلطة‪ ،‬بل بالعكس بمعنى ان آلة الحرب تنتزع الدولة لنفسها‪ 7 0 ".‬ويرى‬
‫تدميرا وإنتحا ارا‪ ،‬ففي الفاشية تتحقق‬ ‫دولوز ان الدولة في الحالة الفاشية تبدو أقل شمولية ولكن أكثر ا‬
‫تتفوق نفقات التسليح على‬ ‫ّ‬ ‫العدمية‪ ،‬وترتفع نبرة املوت حتى على املستوى الاقتصادي حيث‬
‫استثمار ألدوات الانتاج الى استثمارات في التدمير البحت‪ .‬الدولة‬ ‫ٍ‬ ‫الاستهالك‪ ،‬وتنتقل الاستثمارات من‬
‫ُ‬
‫الفاشية ااذا‪ ،‬هي الدولة "الانتحارية [حيث] ل تبدو الحرب التي ت ّ‬
‫سمى بالشاملة كمؤسسة دولة أكثر‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مخرج سوى انتحار الدولة‬ ‫حرب مطلق لن يكون له‬ ‫حرب تستخدم الدولة وتمرر عبرها دفق ٍ‬ ‫مما هي آلة ٍ‬
‫بحد ذاتها"‪.7 7‬‬
‫وفي الـآنتي‪-‬أوديب‪ ،‬يقيم دولوز عالقة بين الفاشية و الانتاج الفصامي مع ما ينتج عنه‪ ،‬اذا يرى دولوز ان‬
‫ّ‬
‫لالنتاج الفصامي ما يشبه القطبين ‪:‬من ناحية‪ ،‬شلل أو تصلب ‪ catatonie‬الجسد الخالي من‬
‫ابدا منفصلين‪،‬‬ ‫الاعضاء‪ ،‬ومن ناحية ثانية النشاط الالمتعض ّي آللت الاعضاء؛ وهذان القطبان ليسا ا‬
‫شكال ُع ا‬‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫يولدان ا‬ ‫ّ‬
‫ظاميا أو زورايا‪،‬‬ ‫آخرا‪:‬‬ ‫حينا ا‬ ‫معا أشكال يجلبها الجذب حينا والطرد ‪répulsion‬‬ ‫ولكن‬
‫ا‬
‫للفصامي‪ .‬وان عالقات التناسب بين الجذب والطرد على الجسد بال‬ ‫ّ‬ ‫وهميا فنتازايا‬
‫عجائبيا أو ا‬ ‫ا‬ ‫شكال‬
‫الفصامي ان تكون ساكنة غير‬ ‫ّ‬ ‫الفصامي عبرها‪ .‬ويمكن لنزهة‬ ‫ّ‬ ‫شدة ّ‬
‫يمر‬ ‫الفصامي تنتج حالت ّ‬ ‫ّ‬ ‫اعضاء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شكل شدات‪ .‬وسيكون الجسد بال‬ ‫متحركة‪ ،‬او حتى متحركة‪ ،‬ولكنها تتولد على الجسد بال اعضاء على ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املحرك الساكن حيث ستشكل آلالت الاعضاء الاجزاء العاملة‬ ‫اعضاء املادة الخالصة املكثفة‪ ،‬أو‬
‫كجسد خالي من الاعضاء ولكنه جسد مشلول أومسرطن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫والقدرات الخاصة‪ .7 3‬وتبدو امليكرو‪-‬فاشية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ان هذا الجسد املسرطن هو أخطر الاجسام‪ ،‬ذلك انه ينتمي الى املتعض ي الذي يتبقى فوق انضودة‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫السلطة‪ ،‬كي يشكل نسخة مكررة عنها‪ .‬ويرى دولوز (وغاتاري) ان هذا السرطان قد يظهر في اية‬
‫تشكيلة اجتماعية وليس فقط في الانضودات املتعضية أو في سيرورات التذويت‪ ،‬ذلك انه انضودة‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫سيرورة امتثالية‬
‫ٍ‬ ‫بإصطفاء لفرديات متجانسة في‬ ‫ٍ‬ ‫تقطيع متفلت يقوم‬ ‫هاربة أو شاردة‪ ،‬أو بالتحديد‬

‫‪281‬‬
‫‪Ibid., P 281‬‬
‫‪282‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 282.‬‬
‫‪283‬‬
‫‪Deux régimes de fous, P 20 - 21‬‬
‫‪96‬‬
‫تصاف لخطوط الشخصية‪ّ .‬اما ما يجعل من هذه الرغبة أو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫اجتماعي وار‬ ‫وتطابقية تقوم على استنساخ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫تتصرف بالطاقة الجزيئية وبدفوق الرغبة‪ ،‬والتي‬ ‫تلك فاشية فهي تلك التقطيعات الرخوة ‪ souple‬التي‬
‫بكتل شخصية وجماعية‪ .‬وما ينتج عن الجسد املسرطن هو سرطنة‬ ‫ٍ‬ ‫تنخر فينا ونقوم بتغذيتها‬
‫ّ‬
‫لالنضودة‪ ،‬تكثر نقاط الاستيالء‪ ،‬وانتشارالثقوب السوداء حيث ُيفرع آلالف من الفرديات الى انفسهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املشرعون والذوات مع القضاة والحكام ومنفذو الاعدامات‪ ،‬ورجال الشرطة والاستخبارات‪.7 4‬‬ ‫ويتوحد‬

‫‪284‬‬
‫‪The Deleuze Dictionary -Revised Edition, PP 104 - 105‬‬
‫‪97‬‬
‫املحايثة وثورة الهروب‬
‫ِ‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬اليوتوبيا‬

‫‪98‬‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫والحدث‬ ‫أول‪ :‬الصيرورة اليوتوبية‬

‫نقد اليوتوبيا املتعالية‬


‫ّ‬
‫يشير املفكر الفرنس ي فيليب َمانغ‪ ‬في سلسلة محاضرات تناولت سؤال اليوتوبيا عند دولوز الى ان فكر‬
‫تعقيدا وصعوبة من التيارات واليوتوبيات التي تهيمن اليوم‪ ،‬بفضل كثرة الافاهيم التي‬ ‫ا‬ ‫هذا ألاخير اكثر‬
‫ّ‬
‫والشدات‪ )..‬وان قراءة‬ ‫ّ‬
‫اليوتوبي وآفاق دللتها (البداوة العاملية‪ ،‬لحدود التدفقات‬ ‫يطرحها في ّ‬
‫تصوره‬
‫تحولها الى انظمة وانساق سلطة ل‬ ‫دولوز تسمح بفهم اسباب ضعف او اختفاء اليوتوبيات اليوم أو ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫واستبدادا عن تلك التي كانت تحاربها‪ .‬ويرى َمانغ إن دولوز وغاتاري يناديان بثورة سياسية‬ ‫تقل عنفا‬
‫وجزيئية رغبوية‪ ،‬ويدعوان الى الفعل الثوري الذي يستند على الرغبة كفاعلية منتجة وليس فقط‬
‫مخيالية او فانتازية او مسرحوية‪ ،‬بل في حقيقتها كآلة في قلب آلالة الاجتماعية؛ ذلك انها تعمل ا‬
‫دوما من‬
‫أجل تحرير نفسها‪ ،‬وهي في ماهيتها متمردة أو منشقة‪ .‬وانشقاقها تمرد سياس ي بشكل مباشر ذلك ان‬
‫الشدات البدوية‪ )..‬والكتلوي (التنظيمات‬ ‫ّ‬ ‫السطحان الجزيئي (نقاط الرغبة‪ ،‬خطوط الهروب‪،‬‬
‫ايجابيا ليوتوبيات الرغبة كما عند‬‫ا‬ ‫الاجتماعية) ل ينفصالن‪ .‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬يعطي دولوز دو ارا‬
‫فورييه‪‬؛ كما يالحظ َمانغ ان نقد دولوز لليوتوبيات ل ينطلق من نزعة رجعية رومانسية‪ ،‬او من تراجع‬
‫عما ّ‬ ‫انطالقا من تراجعه عن دور لفلسفة محاربة‪ ،‬بل ّ‬ ‫ا‬
‫يسميه‬ ‫عن ايمانه بمقولة الصراع وضرورته او‬
‫‪7 5‬‬
‫حرب العصابات ضد العوملة السلعية والتواصلية والنظام العالمي والسلطات ‪.‬‬
‫تميز اليوتوبيا‪،‬على عكس الرأي الشائع‪ ،‬فهي‬ ‫للتصور الدولوزي ان الاستحالة ل ّ‬
‫ّ‬ ‫ويعتبر َمانغ في قراءته‬
‫ّ‬
‫تتصل بالواقع الذي يؤسسها‪ ،‬وهي تلعب معه وتحاوره من أجل تفتحه على ما يمكن ان يأتي‪ .‬كما ان‬
‫وبهدف‬ ‫الخيال او البناء الافاهيمي لليوتوبيا هو رجوع ُيعتبر ضرورايا من أجل فعل ّ‬
‫أصح وأكثر فاعلية‪.‬‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ا‬
‫افهومي الفكر‬ ‫الاقتراب من الواقع ومن ثم تحويله‪ ،‬علينا الابتعاد عنه‪ ،‬اي ان نضع مسافة عبر‬
‫ا‬
‫والخيال‪ .‬ولكن يبقى ان خطورة اليوتوبيا تكمن في بقائها عالقة ومغلقة في رجعتها هذه وبالتالي انفالتها‬
‫من الواقع والتاريخ‪.7 6‬‬

‫‪ ‬فيليب َمنغ ‪ Philippe Mengue‬مف ّكر فرنسي معاصر متخصص بفلسفة دولوز وكتابات الماركيز دو ساد‪ .‬له كتاب مترجم الى العربية تحت‬
‫عنوان "نسق المتعدد أو جيل دولوز" صادر عن دار الحوار للنشر والتوزيع عام ‪. 988‬‬
‫‪ ‬شارل فورييه ‪ )81 1-811 ( Charles Fourier‬فيلسوف وعالم اقتصاد فرنسي‪ .‬وجّه فورييه نقدًا قاسيًا للمجتمع الصناعي كما للرأسمالية‬
‫وأخالقياتها‪ ،‬مناديًا بيوتوبيا اجتماعية اشتراكية تقوم على االنسجام والتناغم بين أعضاء مستوطنات (‪ )Phalanstère‬دعا الى بنائها بعدد محدد من‬
‫الس ّكان‪ .‬كانت لكتابات فورييه تأثيرها الالحق على التيارات االشتراكية ومن بينها الماركسية بالرغم من أن ماركس وإنجلز اتّهما اشتراكيته بأنها‬
‫مثالية وغير علمية‪.‬‬
‫‪285‬‬
‫‪Mengue, Philippe, Deleuze et la question de l’utopie, sur le site : http://www.upavignon.org/IMG/pdf/Deleuze-‬‬
‫‪Utopie.pdf , P 6‬‬
‫‪286‬‬
‫‪Ibid. P 8.‬‬
‫‪99‬‬
‫وفي كتابهما املشترك ألاخير ما الفلسفة؟ وفي الفصل املعنون "جيوفلسفة"‪ ،‬يجري الحديث عن‬
‫اليوتوبيا وعالقتها بالفلسفة والتاريخ والثورة ‪":‬ان اليوتوبيا بالفعل هي التي تربط الفلسفة بعصرها‬
‫سياسية‪ ،‬وتذهب في نقد عصرها الى اقص ى ّ‬ ‫ا‬
‫حد‪ .‬ل‬ ‫مرة‪ ،‬فإنه مع اليوتوبيا تصبح الفلسفة‬ ‫[‪ ]...‬وفي كل ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫إلاقليمي املطلق [الذي] يرتبط‬ ‫اصطالحيا الاقتالع‬ ‫تنفصل اليوتوبيا عن الحركة الالمتناهية‪ :‬انها تفيد‬
‫النسبي الحاضر‪ ،‬وخاصة مع القوى املقموعة في هذا الوسط" ‪ .‬ولن َ‬
‫تعني اليوتوبيا‬ ‫‪7‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ّ‬ ‫مع الوسط‬
‫شائع في الفهم التقليدي لهذا املصطلح‪ ،‬بل ستحيل – عند دولوز‪ -‬الى‬ ‫الالمكان ‪ No-where‬كما هو ٌ‬
‫‪ Now-here‬أي هنا – آلان‪ ،‬ولهذا السبب‪ ،‬وعلى عكس النقد املاركس ي لالشتراكية اليوتوبية التي اسبغ‬
‫عليها ماركس وإنجلز ‪ )0 25-0 71(Engles‬صفات البرجوازية الصغيرة والخيالية واملثالية ‪ ،7‬فإنه لم‬
‫يعد من املبرر التمييز بين إشتراكية يوتوبية وأخرى علمية (ماركسية)‪ ،‬بل سيتعلق ألامر بيوتوبيات من‬
‫أنماط مختلفة‪ ،‬وتكون الثورة إحداها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫مناسبة ّ‬
‫ألنها حتى وهي تجابه‬ ‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬تبدو كلمة يوتوبيا‪ ،‬بالنسبة لدولوز (وغاتاري)‪ ،‬غير‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫كحافز أكثر مما هي فلسفة سياسية في اقترانها مع‬ ‫ٍ‬ ‫كمثال أو‬
‫ٍ‬ ‫التاريخ تعود اليه مرة أخرى وتظهر‬
‫شكل من أشكال ألافكار الافالطونية‪ ،‬ش ٌيء ما فوق هذا العالم‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الفلسفة؛ فهي كمثال‪ ،‬تشتغل وكانها‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ٌ‬
‫يقصد غاية وهدفا‪ .‬ما يفيد هندسة‬ ‫حافزا فإنها ستبدو خارجة عن الفعل‪ ،‬ش ٌيء‬ ‫ثابت وتام‪ .‬وإن كانت‬
‫منظم ا‬
‫ذاتيا‪ .‬وفي ْ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫كلي‬ ‫كمكونات سيستام‬ ‫ومتضم ٍنة تعمل السيرورات داخل قيودها‬
‫ِ‬ ‫امة‬
‫ليوتوبيات ت ٍ‬
‫ا‬
‫املنظورين آلانفين‪ ،‬ستكون اليوتوبيات نقيضة للحركة والسيرورة نحو املستقبل وآلاتي والجديد‪.7 2‬‬
‫نوع من العدمية املقترنة بخنق الحياة‬ ‫كما يجد الرفض الدولوزي للتسمية يوتوبيا مبرره حين تحيل الى ٍ‬
‫ومحاصرتها‪ ،‬وهذا ما نالحظه في يوتوبيات الحداثة – الامراض الكبرى على حد تعبير َمانغ– وما قبلها‪،‬‬
‫حيث ان كل العقائد الكبرى منذ الافالطونية حتى الاشتراكية والفلسفات الشبيهة لم تقم سوى‬
‫تم ذلك تحت الادعاء بحب‬ ‫بالنتقام من الحياة باسم مثال أعلى يرافقه شعور بالذنب والدونية ولو ّ‬
‫ٍ‬
‫شكل من أشكال التقسيم الثنائي للحياة الى اثنتين‪ ،‬واحدة معاشة ولكن‬ ‫ٌ‬ ‫الحياة؛ وما يجري هو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مخفي للحياة ومواجهتها‬ ‫مكروهة‪ ،‬واخرى ل تعاش ولكن يؤمل بتحقيقها‪ .‬كما لو ان الامر يتعلق ٍ‬
‫بكره‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يجر ُمها ويدينها ويعدمها‪ .‬هذا في حين أن املطلوب أل نختزل الكينونة واملعنى إل الى‬ ‫ّ‬
‫باملثال الاعلى الذي ِ‬
‫‪721‬‬
‫حالة الاشياء الحالية‪ ،‬الى الافعال‪ ،‬الى الراهن في املكان والزمان اي في الحاضر‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫‪Qu’est-ce que la philosophie?, PP 95- 96‬‬
‫‪ 11‬راجع مثال ‪:‬‬
‫انجلس‪ ،‬فريدريك‪ ،‬ماركس‪ ،‬كارل‪ ،‬مختارات‪ ،‬االشتراكية الطوبوية واالشتراكية العلمية‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو‪ ،‬دون تاريخ نشر‪ ،‬ص‬
‫ص ‪8 9-9‬‬
‫‪289‬‬
‫‪Bogue, Ronald,” Deleuze and Guattari and the Future of Politics: Science Fiction, Protocols and the People to‬‬
‫‪Come”, Deleuze Studies Volume 5: 2011 supplement: 77–97, Edinburgh University Press‬‬
‫‪www.eupjournals.com/dls, PP 81 - 82‬‬
‫‪290‬‬
‫‪Deleuze et la question de l’utopie, P 13.‬‬
‫‪100‬‬
‫الصيرورة والحدث‬
‫آنفا‪ُ ،،‬ي ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫أفهوم آخر هو‬
‫ٍ‬ ‫فضل دولوز اللجوء الى‬ ‫استلهاما من كتابات نيتشه املبكرة‪ ،‬ولألسباب املذكورة‬
‫الصيرورة ‪ .devenir – Becoming‬و يستخدم دولوز املصطلح "صيرورة"‪ 720‬لوصف الانتاج املستمر‬
‫جسديا أم غير ذلك‪ .‬ان الصيرورة هي الحركة املحضة‬ ‫ا‬ ‫لإلختالف املحايث داخل تأسيس الحدث‪ ،‬أكان‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫البديهية في التغييرات بين الاحداث املحددة؛ ولكن ذلك ل يعني ان الصيرورة تفيد مراحال انتقالية بين‬
‫ا‬
‫حالة جديدة‪ ،‬بل هي انتاج‬ ‫حالت يمرالش يء من خاللها في انتقاله الى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حالتين أو مسافة بين ظهورين‪ ،‬أو‬
‫غاية ما أو حالة نهائية‬ ‫دائم تقع في ما بين الحالت الالمتجانسة من دون ان تتجه نحو ٍ‬ ‫ودينامية تغيير ٍ‬
‫ثابتا‪ ،‬ليس الا ٌ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫أثر‬ ‫ويصر دولوز على ان الحياة هي مسطح صيرورة‪ ،‬وان فهمنا ملا هو كائن بإعتباره‬ ‫‪.727‬‬
‫للصيرورة‪ .‬وبهدف مواجهة الحياة ليس علينا ان ننظر اليها من حيث سكونها وثباتها‪ ،‬بل ان على الفكر‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫التصور التقليدي والسكوني‬ ‫ايضا ان يصبح متحركا كي يحرر نفسه من الاسس الثابتة التي تحكم‬
‫للكينونة في ما هو قائم وحاضر‪.723‬‬
‫يقول دولوز في تحديده للصيرورة انها " تولد في التاريخ وتعاود السقوط فيه‪ ،‬ولكن ل تكونه‪ .‬ليس لها في‬
‫ا‬
‫افية أكثر ّ‬ ‫وسطا فحسب‪ .‬انها ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫مما هي تاريخية‪ .‬تلك هي الثورات‬ ‫ايضا جغر‬ ‫ذاتها بداية ول نهاية وإنما‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫مقاومة‪ ،‬ألن الابداع هو املقاومة‪ :‬صيرورات محضة‪ ،‬أحداثا خالصة‬ ‫ٍ‬ ‫ومجتمعات الاصدقاء‪ ،‬مجتمعات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محددة أو في املعيش‪ ،‬إل‬ ‫ٍ‬ ‫محايثة‪ .‬إن ما يلتقطه التاريخ من الحدث هو تحققه في وضعيات‬ ‫ٍ‬ ‫فوق مسطح‬
‫ان الحدث في صيرورته وفي قوامه الخاص‪ ،‬وفي ذاتية وضعه كأفهوم‪ ،‬يفلت من التاريخ [‪ ]...‬ما هو في‬
‫شعبا وأ ا‬ ‫ُ‬ ‫طور الفعل ليس هو ما ينتهي‪ ،‬ول ما يبدأ [‪ُ ]...‬ت ُ‬
‫والاسطوانة‬
‫ِ‬ ‫السهم‬
‫ِ‬ ‫ضا مثل‬ ‫طلق الصيرورة ا ر‬ ‫ِ‬
‫ا‬
‫طور انجاز نفسه [‪ ]...‬وآلاتي ليس مستقبل التاريخ حتى ولو كان يوتوبيا‪،‬‬ ‫جديد ل ينتهي ولكنه في ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لعالم‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫انه الالمتناهي آلان‪ ،‬الـ ‪( Nûn‬النوين) الذي ميزه أفالطون بالكامل عن ّ‬
‫حاضر‪ ،‬وهو املكثف أو ما هو‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫ا ‪724‬‬ ‫ا‬
‫في غيرأوانه ‪ ،intempestif‬ليس لحظة بل صيرورة‪".‬‬
‫مكونة من سيرورات محددة ومشروطة يصير‬ ‫وفي ألف سطح يصف دولوز (وغاتاري) سلسلة كاملة َّ‬
‫عالقة مع القدرات الواقعية أو الخيالية لش ٍيء آخر‪ ،‬فيجري الكالم‬ ‫ٍ‬ ‫آخرا في‬ ‫ٌ‬
‫شخص ما ا‬ ‫عبرها ش ٌيء ما أو‬
‫عن صيرورة – حيوان‪ ،‬صيرورة‪-‬طفل‪ ،‬صيرورة‪-‬إمرأة ‪...‬الخ‪ .‬ويمكن لهذه الصيرورات املختلفة أن تنتظم‬
‫ا‬
‫وتترتب وفق طرائق متعددة‪ .‬يعتقد دولوز مثال أن كل الصيرورات املتعلقة باملعيار الذكوري في الثقافة‬
‫سالسل أخرى يتكلمان عن صيرورة –‬ ‫وتمر من خالل الصيرورة‪-‬إمرأة‪ .‬وفي‬ ‫التقليدية الاوروبية تبدأ ّ‬
‫ٍ‬
‫شكل لمشروط أو نهاية محايثة لكل الصيرورات‪ ،‬وفي‬ ‫َ‬
‫الالمدرك ‪ imperceptible‬املحددة بالعالقة مع ٍ‬
‫‪291‬‬
‫‪Qu’est-ce que la philosophie?, P 106‬‬
‫‪292‬‬
‫‪Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary, Edinburg university press, 2005, P 21.‬‬
‫‪293‬‬
‫‪Understanding Deleuze, P xx‬‬
‫‪294‬‬
‫‪Qu’est-ce que la philosophie?, PP 106 - 107‬‬
‫‪101‬‬
‫ّ ا‬ ‫ُ َ‬
‫خطوط أخرى ِ‬
‫مشكال‬ ‫ٍ‬ ‫مجرد ليس بإمكانه الاتصال والارتباط مع‬ ‫ٍ‬ ‫هذه الصيرورة يختزل الفرد الى ٍ‬
‫خط‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫سم شفاف‪ .‬انها صيرورة مطلقة حيث الحركة لمتناهية وبالتالي يتعذر‬ ‫عاملا يكسو العالم ألاول مثل ر ٍ‬
‫إدراكها‪ ،‬وهذا من سيجعل منها – كما يقول بول باتون‪ Patton ‬صيرورة مفا ِرقة ‪ paradoxical‬حيث‬
‫يتغيروهو يبدو على ما هو عليه‪.725‬‬ ‫كل ش يء ّ‬
‫وخصوصا ان الصيرورة ل تعني الخيال‪،‬‬ ‫ا‬ ‫سلسلة‪.‬‬ ‫التقدم ول التقهقر وفق‬‫ّ‬ ‫كما ان " الصيرورة ل تعني‬
‫ٍ‬
‫الدينامي ألاعلى‪ ،‬كما عند يونغ وباشالر‪ .‬ان الصيرورات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكوني أو‬ ‫حتى حيث يصل الخيال الى املستوى‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬
‫أحالما ول استيهامات‪ .‬هي بالتمام والكمال واقعية [‪ ]...‬الصيرورة ل تن ِتج إل نفسها‬ ‫الحيوانية ليست‬
‫ََ‬ ‫َُ‬ ‫ّ‬
‫واقعي هو الصيرورة بحد ذاتها‪ ،‬وكتل الصيرورة‪ ،‬وليس املصطلحات املفترضة ثابتة والتي‬ ‫[‪ ]...‬ما هو‬
‫ا‬
‫هبوطيا أو‬ ‫ا‬
‫تطورا‬ ‫قادم [‪ ]...‬وفي خاتمة املطاف‪ ،‬ليست الصيرورة ّ‬
‫تطو ارا‪ ،‬على ألاقل‬ ‫يمر ما هو ٌ‬ ‫عبرها ّ‬
‫الابداعي [‪ ]...‬كما ان الصيرورة هي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والالتطور هو‬ ‫تناسليا‪ .‬انه مصاهرة [‪ ]...‬الصيرورة لتطورية‪،‬‬ ‫ا‬
‫ا‬
‫جينولوجية [‪ ]...‬انها ٌ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫فعل ‪ verbe‬يمتلك كل قوامه ‪consistance‬؛‬ ‫جذمور وليست شجرة تصنيفية ول‬
‫ول يحيلنا الى "الظهور"‪ ،‬ول "الكينونة"‪ ،‬ول الى "التساوي" أو "الانتاج" "‪.726‬‬
‫‪‬‬
‫كتاب بعنوان دولوز ومعنى الحياة ان هذا ألاخير هو بإمتياز‬ ‫وتصف كلير كوليبروك ‪ Colebrook‬في ٍ‬
‫فيلسوف الصيرورة‪ ،‬فيلسوف الحياة واملحايثة‪ ،‬ذلك ان هذا الافهوم وما يتعلق به (الصيرورة – إمرأة‪،‬‬
‫حيوانا‪ ،‬وبالخص الصيرورة – ل ُمد َرك ‪ ) imperceptible‬تربط الصيرورة بش ٍيء َ‬ ‫ا‬
‫آخر غير‬ ‫الصيرورة –‬
‫املو ِلدة‪ .‬وربما أمكن للمرء هنا أن يعارض مقولة دريدا ‪ )7114-0231( Derrida‬في‬ ‫تلك ّ‬
‫القوة َّ‬
‫والذي ّ‬ ‫ا ّ‬
‫يحول‬ ‫"الديمقراطية آلاتية"‪ ‬واملتصلة بصيغة الفعل أتى‪ ،‬بأفهوم دولوز "الصيرورة – حيوانا‬
‫ّ‬
‫لحيوان ما‪ .‬ذلك ان الصيرورة الدولوزية ل تقف‬ ‫ٍ‬ ‫الفعل الى اسم حتى ولو لم يكن هذا الاسم هو اسم‬
‫حيا نحو ما هو مختلف‪ّ ،‬‬
‫ومميز‪.722‬‬ ‫دوما سيستا اما ا‬ ‫والترهن (من راهن)‪ ،‬بل تفتتح ا‬ ‫ّ‬ ‫عند حدود التحقق‬
‫ِ‬

‫وحرر عشرات الكتب واالبحاث المتخصصة بالفلسفة القارية‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬بول باتون ‪ )...-8099(Paul R. Paton‬مؤلِّف وباحث استرالي ذائع الصيت‪ ،‬نشر‬
‫‪ continental philosophy‬وبالفلسفة الفرنسية المعاصرة‪.‬‬
‫‪295‬‬
‫‪Paton, Paul & Protevi, John, Between Deleuze and Derrida, Continuum, First edition, 2003, P 22.‬‬
‫‪296‬‬
‫‪Milles Plateaux, PP 291 - 292‬‬
‫‪ ‬كلير كوليبروك ‪ّ )...-8089( Claire Colebrook‬‬
‫منظرة ثقافية استرالية‪ .‬باالضافة الى مؤلفاتها المهتمة بالفنون البصرية‪ ،‬الشعر والدراسات‬
‫االبية‪ ،‬نشرت العديد من االعمال حول جيل دولوز‪ .‬باالخص في ما ّ‬
‫يتعلق بالفلسفة النسوية من منظور دولوزي‪.‬‬
‫‪ ‬الديموقراطية اآلتية ‪ La démocratie à venir‬مقولة أطلقها الفيلسوف الفرنسي الشهير جاك دريدا ‪،) 999-80 9( Jacques Derrida‬‬
‫ذلك انه يعتقد ان الديموقراطية هي حالة غير مستقرة‪ ،‬دائ ًما في طور من التبرير والنقد الذاتيين‪ .‬ويرى دريدا ان الديموقراطية ليست نظا ًما دستوريًا‬
‫طا من الحكم السياسي‪ ،‬بل هي اقرب الى أن تكون مسألة مأزقية ‪ aporétique‬تتضمن مفارقات وصراعات عديدة بين الفرادة التي ال يمكن‬ ‫أو نم ً‬
‫ّ‬
‫الموزعة‪ ،‬بين مسيحانية متفائلة وأخرى يائسة‪...‬الخ‪.‬‬ ‫احصاؤها والعدالة التي تُعدَ‪ ،‬بين االستقاللية والتبعية‪ ،‬بين السيادة الشخصية الموحّدة أو‬
‫للمزيد من االطالع على الموضوع‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Bernardo, Fernan, L’héritage d’une promesse - la démocratie à venir de Jacques Derrida, sur le site :‬‬
‫‪http://revistas.ucm.es/index.php/ESIM/article/view/37696‬‬
‫‪297‬‬
‫‪Colebrook ,Claire, Deleuze and the Meaning of Life, Continuum International Publishing Group, New York,‬‬
‫‪2010, P 134‬‬
‫‪102‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫وليست الصيرورة عامة‪ ،‬بل انها صيرورة في عالقة‪ .‬وان افهوم الصيرورة‪-‬حيوانا مثال ل تفيد الحيوانات‬
‫ا‬
‫أو هذا الحيوان أو ذاك‪ ،‬بل تخلق تفاضلية ‪ différential‬تتضمن الصيرورة‪-‬ل ُمد َرك أو فكر‬
‫حدا أدنى من الانعطاف أو الاختالف‪ .‬ولن تكون الصيرورة‬ ‫الالكينونة‪ ،‬اي انها تحصل في عالقة تتضمن ا‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لكمية من القوة في عالقتها مع كمية أخرى‪ ،‬مثل املتعض ي البشري بإعتباره حصيلة‬ ‫املفردة سوى نتاج ّ‬
‫ٍ‬
‫كبير من العالقات التفاضلية‪ ،‬والعالقات بين البروتينات والتآليف الكمونية‬ ‫ٍ‬ ‫أو نتيجة لعدد‬
‫اشكال اخرى من التآليف في ألاعضاء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ potentiels‬للشيفرات الجينية‪ ،‬التي بدورها تتأثر بالعالقات مع‬
‫قوة تلك‪ ،‬مما يعني ان الاجتماعي بمجمله ليس‬ ‫إجتماعي أو متعض ي يظهر كأثر لعالقات ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫نسق‬
‫ٍ‬ ‫وكل ٍ‬
‫نظاما أعلى ُي ِنتج العالقات بل يكون حصيلتها ‪.72‬‬ ‫ا‬
‫ّ‬
‫كقطعة من الخواء ‪ ،chaos‬خوائية ‪ chaoïde‬كما حين نتكلم عن املخروطية بالنسبة‬ ‫ٍ‬ ‫تبدو الصيرورة‬
‫مسطح يجري وهو يحمل خطوطه‪ ،‬مع الخطوط آلاتية من مسطحات متحركة‬ ‫ٌ‬ ‫ألقسام املخروط‪ .‬فهي‬
‫ٌ‬
‫وخطوط ا‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َ‬
‫وجهة‬
‫ِ‬ ‫ايضا‪ .‬انها مرور فائق السرعة من‬ ‫الخطوط نقاط‬
‫ِ‬ ‫والتي تتساقط عليه‪ ،‬بحيث تنتزع من‬
‫واحدة‪ ،‬وحيث ان البطيء والسريع‬ ‫ٍ‬ ‫لظاهرة‬
‫ٍ‬ ‫نظر إلى أخرى‪ ،‬ذلك ان السرعة والصيرورة هما هيئتان‬ ‫ٍ‬
‫‪722‬‬
‫كميتين ‪.‬‬ ‫ليسا بدرجتين ّ‬
‫تماس مع ش ٍيء آخر‪ ،‬ش يء ما نصيره‪.‬‬ ‫خارج ما ‪ :un dehors‬ندخل في‬ ‫َ‬
‫استدخال‬ ‫وتقتض ي الصيرورة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ا ّ‬
‫لقاء‪ ،‬بحيث اننا ل نصير بأنفسنا آخرا إل بالعالقة مع ش ٍيء آخر‪ .‬وفكرة‬ ‫تحيل الصيرورة بالتالي الى ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫اللقاء تبدو ملتبسة بعض الش يء وتستند الى الحالة التي منحناها الى هذا الخارج الذي من دونه ل‬
‫ٌ‬
‫جوابا فيه مفارقة (ل‬ ‫ا‬ ‫نخرج من أنفسنا‪ .‬ور ادا على السؤال "ماذا أو من نلتقي؟"‪ ،‬يقدم دولوز (وغاتاري)‬
‫يتجه الى‬ ‫أحد)‪ ،‬بهيئة ساذجة أو اعتباطية (حيوانات أو مشاهد ريفية أو قطع من الطبيعة‪.)..‬ان الحب ّ‬
‫ٍ‬
‫مما ّ‬ ‫ا‬
‫جوا ما أو ريفا أو حيوانات‪ ،‬أكثر ّ‬ ‫ّ‬
‫حياة لشخصية يجعل منها سحره الخاص الذي يتضمن ا‬
‫يتجه‬ ‫ٍ‬
‫خارج عنا‪ ،‬وليست املسألة‬ ‫صوب شخص ما‪ .‬يفهم الخارج هنا باملعنى املطلق‪ :‬ل يتعلق الامر بما هو ٌ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مسألة ان نحب الحيوانات أكثر من البشر‪ ،‬وليست مسألة رحلة‪ ،‬زيارة‪ ،‬أو نزهة الى حديقة حيوانات‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫تماس‬
‫ٍ‬ ‫فهذه كلها لن تكون كافية حتى لو تخللتها لقاءات؛ ان اللقاء املطلوب هو ذاك الذي يجعلنا على‬
‫بشكل مختلف‪ ،‬الى الدخول في عالم‬ ‫ٍ‬ ‫واتصال‪ ،‬من خالل الاشخاص‪ ،‬مع "عالمات" تدفعنا الى الشعور‬
‫مزيج من‬ ‫من التقييمات املجهولة‪ ،‬الى رمينا خارج أنفسنا‪ .‬والحب‪ ،‬باملعنى الدولوزي‪ ،‬هو من هذا النوع‪ٌ :‬‬
‫ِ‬
‫الفرح والرعب‪ .311‬وهذا ما يعنيه دولوز حيث يقول في "حواراته" ان هناك صيرورات حيوانية داخل‬

‫‪298‬‬
‫‪Ibid., PP 153- 154‬‬
‫‪299‬‬
‫‪Villani, Arnaud, la guêpe et l'orchidée, essai sur Gilles Deleuze, éditions belin 1999, p 99‬‬
‫‪300‬‬
‫‪Zourabichvili, François, Qu’est-ce qu’un devenir pour Gilles Deleuze ?, Conférence prononcée à Horlieu‬‬
‫‪(Lyon) le 27 mars 1997, PP 2 – 3.‬‬
‫‪Document accessible à l’adresse électronique suivante :‬‬
‫‪www.horlieu-editions.com/brochures/zourabichvili-qu-est-ce-qu-un-devenir-pour-gilles-deleuze.pdf‬‬
‫‪103‬‬
‫الكتابة ل تكمن في حديث الكاتب عن كلبه او قطه‪ ،‬انها بالحرى التقاء بين مجالين‪ ،‬انها تقاطع‬
‫إلاقليمي‪ .‬فالكتابة معناها ان نمنح ا‬
‫دائما الكتابة‬ ‫ّ‬ ‫واحد إلاقتالع‬
‫ٍ‬ ‫واقتناص للشيفرات حيث ينجز كل‬
‫ألولئك الذين ل يملكونها‪ ،‬ولكن هؤلء يمنحون للكتابة صيرورة قد ل توجد الكتابة من دونها‪ ،‬ومن‬
‫حشوا في خدمة القوى السائدة‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬على الكاتب ان يخون الكتابة‪ .‬والخيانة‬ ‫ا‬ ‫دونها قد تكون‬
‫َا‬ ‫ا‬
‫مدركا‪.310‬‬ ‫ابداع‪ ،‬فقد للهوية والوجه‪ ،‬انها الانتفاء وان يصيراملرء مجهول‪ ،‬غير‬
‫الحدث والراهن‬
‫ا‬
‫مة‪ ،‬ذلك ان ما سيأتي ومن حيث قطيعته‬ ‫ربطا بالصيرورة‪ ،‬يضع افهوم الحدث مقولة التاريخ موضع از ٍ‬
‫يخيا‪ .‬وبإتباع الرواقيين‪ ،‬يحاجج دولوز (وغاتاري)‬ ‫مع املاض ي ل ينتمي الى التاريخ ول يمكن تفسيره تار ا‬
‫ا‬
‫جامعيا‬ ‫ان كل حدث عبارة عن تحولت ل جسدية وليس فقط مؤسساتية (مثل الصيرورة ا‬
‫طالبا‬
‫أحمرا‪ ،‬وان هذه الحالت هي‬ ‫تقطيع ما أو تظهر الصيرورة‪ -‬ا‬ ‫ٌ‬ ‫متخر اجا) ولكنها فيزيائية ا‬
‫ايضا‪ ،‬كأن يجري‬ ‫ّ‬
‫ا‬
‫نعوت لألجساد وليست بالحرى مالزمة لها‪ .‬يبدو الحدث عبارة عن تحولت من طبيعة غير جسدية‬
‫نعوت جسدية‪ ،‬ويتيح ألافهوم الرواقي للحدث لكل من دولوز وغاتاري‬ ‫ّ‬
‫ولكن تعبر عن نفسها في حالت أو ٍ‬
‫ان يعيدا وصف العالقة بين اللغة والعالم من خالل مصطلحات الفاعلية ل التمثيل‪ ،317‬وبقدر ما ّ‬
‫تعبر‬
‫ّ‬ ‫اللغة عن تحولت لجسدية كهذه‪ّ ،‬‬
‫بساطة العالم بل تفعل فعلها به‪ ،‬وذلك بفضل‬ ‫ٍ‬ ‫فإنها ل تمثل بكل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فاعليتها ّ‬
‫املهجرة‪.‬‬
‫ِ‬
‫أفهوم جديد‬
‫ٍ‬ ‫كاف لوصف الحالة املعيشة للصيرورة‪ ،‬بل ينبغي اللجوء الى‬ ‫ولم يعد مصطلح "حاضر" ٍ‬
‫ا‬
‫يوتوبيا‬
‫ا‬
‫كل جديد ومثير لإلهتمام‪ ،‬انه آلان في الصيرورة وليس تشكيال‬ ‫هو الراهن ‪ّ ،Actuel‬الذي يفيد ّ‬
‫آت‪ ،‬وكل صيرورة ثورية ل يجب الخلط بينها وبين ماض ي الثورات ول حاضرها ول‬ ‫مسبق ملستقبل ٍ‬
‫مستقبلها‪ .‬وليس الراهن ما نحن عليه بل " ما نصيره‪ ،‬ما نحن في طور أن نصيره‪ ،‬اي انه آلاخر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫صيرورتنا ا‬
‫آخرا‪[ .‬بينما] الحاضر هو ما نحن عليه‪ ،‬وفي آلان عينه ما نكف عن كونه‪ .‬ليس علينا فقط أن‬
‫نميزبين قسط املاض ي وقسط الحاضر‪ ،‬بل وبشكل أعمق‪ ،‬بين قسط الحاضروالراهن"‪.313‬‬ ‫ّ‬
‫ا‬
‫ان الحاضر اذا هو الراهن‪ ،‬واملاض ي هو الافتراض ي ألنه واقع لإلختالفات الافتراضية التي توجد في‬
‫قوتها‪،‬‬‫املترهن‪ .‬كما ان الترهين ل يسلب افتراضية الاختالف أو تعددية الديمومة ّ‬ ‫الحاضر على الشكل ّ‬
‫ا‬
‫وأنماطا محددة ّ‬ ‫ا‬ ‫ول ّ‬
‫تعبر عن هذه الكينونة من دون أن‬ ‫يجمد الكينونة‪ ،‬بل بالعكس‪ ،‬يمنحها أشكال‪،‬‬
‫ظن انه يختزنه‪ ،‬فهو يحمل في‬ ‫مما ُي ّ‬‫تثقل كاهلها‪ .‬والقول ان الحاضر هو الراهن يجعله يختزن أكثر ّ‬

‫‪98‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪302‬‬
‫‪Patton, Paul (editor), Deleuze: A Critical Reader , Blackwell Publishers , Oxford , 1996 , P 13‬‬
‫‪303‬‬
‫‪Qu’est-ce que la philosophie?, P 107‬‬
‫‪104‬‬
‫ّ‬ ‫أحشائه ماضيه ّالذي هو ا‬
‫ايضا مستقبله‪ .‬وان ديمومة الحاضر هي املستقبل الذي يكون فيه‪ ،‬وهي‬
‫نمط من الاختالف ألنه سيكون قاد ارا على‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ديمومة ل تسلبه التعددية التي تكونه بقدر ما تحوله الى ٍ‬
‫ّ‬
‫نتصورها‪.‬‬ ‫الترهن بطرائق متعددة ل نستطيع ان‬ ‫ّ‬
‫مما‬‫ان هذه الانطولوجيا الزمانية إن أمكن تسميتها كذلك تدفعنا الى التفكير بالعالم على أنه أكثر ّ‬
‫ّ‬
‫الانطولوجي‪ .‬ويشبه افهوم آلالة عند دولوز‬ ‫غني باإلختالف ّالذي هو ّ‬
‫مكونه‬ ‫ونتصور‪ ،‬فهو ٌ‬
‫عالم ّ‬ ‫ّ‬ ‫نعتقد‬
‫(وغاتاري) أفهوم الاختالف عند دولوز قبل تعاونه مع غاتاري‪ .‬وإن كان الفرد محور الصورة‬
‫ضمنا‪ -‬فإن آلالة هي الافهوم السياس ي ّالذي ّ‬
‫يميز‬
‫ا‬
‫الدوغمائية للفكر السياس ي التقليدي – الليبرالي‬
‫يقدم لألنطولوجيا السياسية الدولوزية‬ ‫يطوره دولوز‪ .‬ذلك أن افهوم آلالة ّ‬ ‫الشكل الجديد للفكر ّالذي ّ‬
‫اثباتي ‪ active‬وليس إرتكاس ي‬‫ّ‬ ‫وبإلهام نيتشو ّي تكمن في التشديد على ان الاختالف‬
‫ٍ‬ ‫ثالث خاصيات‪ّ :‬أولها‬
‫قادر على خلق اتصالت ووظائف كثيرة؛ ثانيها‪ ،‬يمكن ان‬ ‫‪ passive‬تنقصه هوية‪ ،‬وهو كاآللة الراغبة ٌ‬
‫تميز إلاختالف من حيث هو حركية افتراضية تسمح له‬ ‫نصفها بأنها نظرية برغسونية آلوية وهي التي ّ‬
‫بالقتران بطرائق متعددة‪ .‬وثالثها‪ ،‬خاصية سبينوزية آللة إلاختالف من حيث هو محايثة‪.314‬‬
‫ا‬
‫ونلمس هنا ابتكارية دولوز في اقامته قطيعة مع ثنائيات الزمن والابدية‪ ،‬الواقع املحسوس والعقلي‪،‬‬
‫الافكار والواقع‪ ،‬بل قطيعة داخل الزمن نفسه‪ ،‬قطيعة مع كل اشكال التاريخانية والحداثة والتقدمية‬
‫مستلهما في ذلك الرواقيين (كما بدا ذلك في كتابه منطق املعنى) ‪ :‬لم يعد الزمن هو‬ ‫ا‬ ‫واملاركسية‪...‬‬
‫من ما هو ُ‬ ‫ّ‬
‫الكرونوس ‪ chronos‬الذي نعرفه‪ ،‬بل أصبح آلايون ‪ Aion‬اي الزمن الذي نبحث عنه‪ ،‬ز ُ‬
‫غير‬
‫اهن‪ ،‬زمن الحدث‪ ،‬الصيرورات‪ ،‬وما هو خارج التوقيت والكرونولوجيا‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬فإن فلسفة‬ ‫ر ٍ‬
‫شعب ما وشكل هذا املستقبل لم يرتبط‬ ‫ٍ‬ ‫دولوز هي فلسفة الحدث والصيرورات‪ ،‬وان مستقبل‬
‫بعد وجودي آخرهو افتراض ّي‪ .‬ولذلك يصبح التاريخ‬ ‫بالحاضر ‪ : présent‬انه افتتاحية الكرونوس فوق ٍ‬
‫ّ‬
‫الالمتناهي‪ .‬التاريخ هو مكان‬ ‫تقريبا كمكان لتفقير الحدث كصيرورة وافهوم الفكر‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫سلبي‬ ‫مجموع‬
‫السقوط و الفشل وهنا تصبح الثورات سيئة‪.‬‬
‫يقلب دولوز العالقة الاعتيادية بين املمكن والحدث؛ ُيقال ان املمكن هو ما يمكن له أن يأتي‪ ،‬ا‬
‫فعليا‬
‫ّ‬ ‫ومنطقيا‪ ،‬وكل الوضعيات تمتلىء باإلمكانات والتي لم ّ‬ ‫ا‬
‫نجربها أو نعاينها كلها‪ .‬وعلى الطريقة البرغسونية‪،‬‬
‫ّ‬
‫يقول دولوز ما هو عكس ذلك‪ :‬ان املمكن ليس هو ما سيأتي‪ ،‬ليس هو القادم الذي سوف نمتلكه‬
‫حتى يمكن القول‬ ‫ّ‬
‫ونعاينه‪ ،‬بل لن يكون بإمكاننا أن نحوز على املمكن إن لم نخلقه‪ ،‬نبدعه ونبتكره‪،‬‬

‫‪304‬‬
‫‪May, Todd, Gilles Deleuze - An Introduction, Cambridge university Press, New York, 2005, PP 125-126‬‬
‫‪105‬‬
‫"أن املمكن هو ابداع املمكن"‪315‬؛ وهذا ما سيبعدنا عن عن الفهم املبتذل لليوتوبيا بإعتبارها صورة‬
‫ا‬
‫استنادا الى خيال محض‪.‬‬ ‫بمشروع آخر‬ ‫لوضع جديد ننتظرأن يستبدل الراهن‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تنوعا وكأنه موضوع هندس يّ‬ ‫ا‬ ‫وحين يستخدم دولوز مقولة "التعددية" ‪ Multiplicité‬فإنه ل يفيد ّ‬
‫َ‬ ‫ا ُ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫تنو اعا وكثرة تستخدم في أفهمة‬ ‫مكثفة‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬تفيد التعددية ّ‬ ‫ابعادا تمتلك خاصيات‬ ‫مجرد‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬
‫حدد ا‬ ‫ُ َ‬
‫أللوان كثيرة‬ ‫ٍ‬ ‫كفضاء‬
‫ٍ‬ ‫لفضاء من الامكانات‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫لغويا بل كبنية‬ ‫فضاءات ممكنة‪ .‬وان الافاهيم ل ت‬
‫ممكنة هي "الافكار"‪ .‬ان التعددية هي الافتراض ّي ولكنه الواقعي وليس الراهن‪ ،‬والقادر على انشاء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقت‬ ‫حقيقية في كل ٍ‬ ‫ترهينات متشعبة‪ .‬يشبه الامر قابلية املاء في التحول الى ٍ‬
‫ثلج أو بخار‪ ،‬وهي قابلية‬
‫تشكيلة‬
‫ٍ‬ ‫تقالية؛ وان املراحل الانتقالية عينها يمكن ترهينها ضمن‬ ‫ٍ‬ ‫مرحلة ان‬
‫ٍ‬ ‫حتى ولو ان املاء ل يعبر في‬
‫متنوعة من املواد حيث تختلف مجريات التكثيف والتبلور‪ .‬وعلى عكس النموذج املنطقي‪ ،‬ل يلتزم‬ ‫ّ‬
‫املستقل لالمكانات بحد ذاتها‪ :‬ان الامكانات حقيقية ولكن فقط حيث‬ ‫َ‬ ‫دولوز بقبول الوجود العقلي‬
‫نتعامل معها بالخذ في الاعتبارالسيناريوهات البديلة ‪.316‬‬
‫ا‬ ‫الا ان سياسة الصيرورة تظهر ا‬ ‫ّ‬
‫دوما ملتبسة‪ ،‬ذلك ان كل املجتمعات وحتى البدائية منها ل تكف عن‬
‫مزية؛ وهذا ما‬ ‫تطابق طوطمية أو ر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الاستحواذ على هذه الصيرورة من أجل كسرها وإختزالها الى عالقات‬
‫ّ‬ ‫النساك في سلسلة ّ‬ ‫ايضا التي حرقت السحرة أو أدخلت ّ‬ ‫ُ‬
‫الكنيسة ا‬
‫القديسين‪ .‬كذلك ل تكف‬ ‫تقوم به‬
‫ا‬
‫جيوش وطنية تحد جدا من صيرورات املحاربين‪ ،‬وفي‬‫ّ‬ ‫الدول عن الاستحواذ على آلة الحرب على شكل‬
‫ٍ‬
‫كقوة‬ ‫الحرب‪،‬املكونة من صيرورات حيوانية‪ ،‬من خارج الدولة‪ ،‬فإن هذه ألاخيرة تعاملها ّ‬ ‫ّ‬ ‫حين تأتي آلة‬
‫شاذة وتحاول دو اما منعها ‪.‬‬
‫‪312‬‬

‫الالمتزمن‬ ‫ّ‬ ‫يفسر لنا جواب دولوز على سؤال الفيلسوف الايطالي أنطونيو نيغري حول كونية‬ ‫وربما ّ‬
‫ُ‬
‫‪ ،intempestif‬وماذا يعنيه دولوز بالصيرورة وموقعها في فلسفته السياسية‪ .‬يقول دولوز ‪ ":‬لقد كنت‬
‫كل ش ٍيء له أهميته ل يحدث من‬ ‫مقتنعا بتمييز ممكن بين الصيرورة والتاريخ؛ انه نيتشه ّالذي قال ان ّ‬ ‫ا‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫ض بين الازلي والتاريخي‪ ،‬أو بين الفعل والتفكر‪:‬‬ ‫غمامة ل‪-‬تاريخية‪ .‬ليست املسألة مسألة تعار ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫دون‬
‫عما يحصل‪ ،‬عن الحدث بحد ذاته أو عن صيرورة‪ .‬ما يناله التاريخ من الحدث هو‬ ‫يتحدث نيتشه ّ‬ ‫ّ‬
‫يفر من التاريخ‪ .‬ليس هذا ألاخير التجربة‪ ،‬بل هو‬ ‫تحققه في حالت الاشياء‪ ،‬ولكن الحدث في صيرورته ّ‬
‫تفر من التاريخ‪.‬‬ ‫حد ما‪ ،‬والتي تضع موضع الامكان تجربة ش ٍيء ما ّ‬ ‫فقط مجموع الشروط السلبية الى ّ‬
‫ٍ‬
‫تبقى التجربة من دون التاريخ غير محددة‪ ،‬لمشروطة‪ ،‬ولكن التجربة ليست التاريخ [‪ ]...‬ليس الحدث‬

‫‪305‬‬
‫‪Zourabichvili, François, Deleuze et le possible (de l'involontarisme en politique) dans Gilles Deleuze. Une vie‬‬
‫‪philosophique, 337‬‬
‫‪306‬‬
‫‪DeLanda, Manuel, Deleuze : History and Science -Think Media Egs Media Philosophy Serie, Atropos Press,‬‬
‫‪2010, 168 pages, P 127 - 128‬‬
‫‪307‬‬
‫‪Milles Plateaux, PP 302 - 303‬‬
‫‪106‬‬
‫ّ‬
‫في التاريخ الذي يفيد فقط مجموع الشروط الجديدة كما هي‪ ،‬ما يحيلنا الى الصيرورة‪ ،‬اي الى ابتكار‬
‫ا‬
‫وتعبيرا‬ ‫ا‬
‫محضا للصيرورة‬ ‫ا‬
‫اقتحاما‬ ‫ش ٍيء جديد‪ .‬هذا ما ّ‬
‫يسميه نيتشه الالمتزمن‪ .‬ولقد كان أيار\مايو ‪6‬‬
‫عنها‪ .‬العادة الدارجة اليوم هي شجب واستنكار فظائع الثورة‪ ،‬وليس هذا الامر بمستجد‪ ،‬فلقد كانت‬
‫بأفكار حول كرومويل‪ ‬شبيهة بتلك التي دارت حول ستالين اليوم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل الرومانطيفية الانكليزية ممتلئة‬
‫ّ‬ ‫ا ا‬
‫نقول ان للثورات مستقبال سيئا‪ ،‬ولكن ل نكف عن الخلط بين أمرين هما مصير الثورات في التاريخ‬
‫ّ‬ ‫والصيرورة ا‬
‫ثوريا للناس‪ ،‬الذين ليسوا هم انفسهم في الحالتين‪ .‬ان الفرصة الوحيدة للناس تكمن في‬
‫ترد على ما ل ُي َ‬ ‫ّ‬
‫تجنبنا الخجل‪ ،‬أو التي ّ‬ ‫الصيرورة ا‬
‫حتمل" ‪.31‬‬ ‫ثوريا‪ ،‬التي وحدها‬

‫ّ‬
‫إلاقليمي وخط الهروب‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬الاقتالع‬
‫ألاقلمة والاقتالع الاقليمي‬
‫ّ‬
‫ان انطولوجيا ألف سطح مشكلة بالكامل من أفاهيم هندسية وجيولوجية كالخطوط‪ ،‬املسطحات‬
‫ّا‬
‫مكونا‬ ‫والانضودات‪ .‬وتهيمن هذه الافاهيم املكانية على الواقع الاجتماعي وتحيط بالواقع‪ ،‬بإعتبارها‬
‫موجود من دون‬ ‫ٍ‬ ‫املجردة الاشارة الى الشروط املادية لتكوين كل‬ ‫ّ‬ ‫للسيرورة‪ .‬وتتيح هذه اللغة ألافهومية‬
‫وانسجاما مع هذه الانطولوجية‪،‬‬ ‫ا‬ ‫نموذج ملا يجب أن يكونه أو إلنسجام الواقع مع تمثالتنا عنه‪.‬‬ ‫اقتراح‬
‫ٍ‬
‫نظاما في املمارسات‬ ‫تخلق ا‬‫ُ‬ ‫متقابلين يحيطان بالسيستامات التي‬‫ْ‬ ‫يتحدث دولوز (وغاتاري) عن مبدأين‬
‫ّ‬
‫منظوري‬ ‫الفكرية والاجتماعية‪ ،‬وهذان املبدأن الشكليان هما‪ :‬املبدأ املتمركز للنقطة واملبدأ الال‪-‬‬
‫ّ ّ‬
‫التركيبي الذي ل بداية له‪ ،‬ول وسط أو نهاية‪ ،‬كما انه ل يمتلك‬ ‫للخط‪ .‬ويظهر الخط من حيث هو املبدأ‬
‫ّ ّ‬ ‫اية وجهة نظر امثولية يمكن من خاللها ّ‬
‫تصوره‪ّ .‬أما النقطة‪ ،‬فهي مبدأ النظام الوظيفي والهرمي الذي‬
‫ا‬ ‫يمكن ّ‬
‫نظر‪.312‬‬
‫وجهة ٍ‬
‫ِ‬ ‫تصوره انطالقا من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلاقليمي النسبي‬ ‫ويتحدث دولوز عن أنماط من إلاقتالع تخص كل تغيير سياس ّي‪ :‬ألاول يتعلق باإلقتالع‬
‫ّ‬
‫والسلبي الذي يشير الى التغيير على مستوى السلطة السياسية املهيمنة فحسب‪ ،‬وذلك من أجل تقوية‬
‫ّ‬
‫سلطة الهيمنة السياسية واعادة انتاجها من جديد‪ .‬الثاني هو إلاقتالع النسبي الايجابي الذي ل يعيد‬
‫ّ‬
‫انتاج السلطة السياسية املهيمنة ولكن الذي ل يساند اي حدث ثوري‪ .‬الثالث هو إلاقتالع السلبي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املطلق الذي ل يحمل اي وضعية سياسية ولكنه يلغم كل وضعية سياسية ممكنة‪ .‬والرابع هو ذلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلاقليمي املطلق والايجابي الذي ل يعيد انتاج اي وضعية لسلطة سياسية مهيمنة‪ ،‬بل في‬ ‫إلاقتالع‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫املقابل يخلق حدثا ا‬
‫ثوريا‪ ،‬وهذا النمط ألاخير هو الذي تدافع عنه السياسة الدولوزية الثورية‪ .‬ويبدو‬

‫‪‬‬
‫‪308‬‬
‫‪Pourparlers, P 231.‬‬
‫‪309‬‬
‫‪Due, Reidar , Deleuze, Polity Press, 2007 , P 128‬‬
‫‪107‬‬
‫سيما ان كل‬ ‫ان هذا التمييز بين الانماط الاربعة يبدو ضرورايا من اجل التمييز بين كل تغيير سياس ّي‪ ،‬ول ّ‬
‫موجودا الى هذا الحد أو ذاك في كل فعل تغييري‪ ،‬وكل فهم ّ‬
‫لقوة‬ ‫ا‬ ‫شكل من أشكال هذا التغيير سيكون‬
‫‪301‬‬
‫ولخطورة اي وضع ثوري يستوجب تحليل وتوضيح هذه الانماط آلانفة‪.‬‬
‫مفصل الكائن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويبدو ان نظرية دولوز في إلاقتالع تنطوي على تحليل‬
‫تشريحي) للمجتمع ي ِ‬ ‫مورفولوجي (‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫إلاقليمي املحيطة‬ ‫الاجتماعي كتعدديات محددة وفقا لتمفصلها املزدوج‪ ،‬ولعالقاتها بعناصر إلاقتالع‬
‫بها‪ .‬كما ان الاخذ في الاعتبار الاحداث أو السيرورات عبر استحضار بنى كالطبقة‪ ،‬الشخصية‪ ،‬الثقافة أو‬
‫منضدة بكونها في آلان عينه كتلوية وجزيئية‪،‬‬ ‫العائلة بصرف النظر عن التمفصل املزدوج لكل كينونة ّ‬
‫معناه فقدان الطريق املؤدي الى فهم الحدث او السيرورة من حيث كونه يشتمل على مستويات عديدة‬
‫ّ‬
‫للواقع في آلان عينه‪ .‬وهذا يفيد ان للحياة الاجتماعية نظامها الذي يحتوي تركيبات متشابطة من‬
‫التنظيم‪ .‬وما تسمح به الاصطالحية الجيولوجية والرياضياتية للتعددية هو القاء الضوء على املالمح‬
‫التنظيمية غيراملختزلة واملتنوعة للحياة الاجتماعية ‪.300‬‬
‫قوة متمركزة‪ّ ،‬‬ ‫مجابهة بين نوعين من القوى أو الى قطبين‪ّ ،‬أولهما يفيد ّ‬ ‫ٌ‬ ‫وفي ّ‬
‫هرمية‬ ‫كل نشا ٍط للفكر تنشأ‬
‫ا‬
‫تسعى الى تأسيس عالقات ثابتة والى تمثيل العالم وفقا لهذه العالقات؛ ّأما القطب الثاني فهو من‬
‫لتنظيم يمكن ان نجده في الطبيعة‪ ،‬الفن واملمارسات الاجتماعية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شكل غيرمتمركز‬ ‫طبيعة لخطية وذو ٍ‬
‫وفي آنتي‪-‬أوديب نالحظ هذا التقابل بين القطبين على شكل التقابل بين السلطة املتحكمة لآللت‬
‫الاجتماعية والانتاجية الالمتمركزة لآللت الراغبة‪ ،‬وفي ألف سطح تكشف قوى النظام وقوى الزعزعة‬
‫عن انفسها على املستوى عينه‪ ،‬في داخل كل ممارسات وخيوط الفكر‪.307‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التحولت والصيرورات‪ ،‬إل أن هذه ألاخيرة سرعان‬ ‫إلاقليمي غبر خطوط الهروب أو‬ ‫واذ يشتغل إلاقتالع‬
‫هجر من سياقه وليس كل إقتالع‬ ‫ما يجري إعادة أقلمتها‪ ،‬ذلك ان كل دفق للرغبة والفكر واملادة ُي َّ‬
‫ٍ‬
‫إقليمي هو خط هروب‪ ،‬ذلك ان إلاقتالع هو بكل بساطة انفالت الشيفرة من تجسيداتها‪ ،‬ولكن وإن كان‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫إلاقتالع يؤثر في عمل واشتغال التنضيد‪ ،‬فإن هذا الاخير ينحرف عن نمطه الاشتغالي الطبيعي وينمو‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫املحايثة راديكالية في السيستام الاجتماعي‬ ‫بشكل مختلف‪ .‬ان الخط الهروب أو الفرار هو أكثر تعبيرات‬ ‫ٍ‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بما يجسده من قوى تؤثر في هذا السيستام من دخله‪ .‬ليست خطوط الهروب محددة بالنظر ملا يسببها‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ومن ناحية السيرورة التي تصدر عنها‪ .‬وهي خطوط ألنها ل تمتلك بداية‪ ،‬وسطا أو نهاية ثابتة‪ ،‬وكما‬

‫‪310‬‬
‫‪Nail, Thomas , Deleuze, Occupy, and the Actuality of Revolution, Volume 16, Issue 1, 2013,‬‬
‫‪http://mysite.du.edu/~tnail2/Thomas_Nail/Research._files/Deleuze,%20Occupy,%20and%20the%20Actuality%2‬‬
‫‪0of%20Revolution.pdf‬‬
‫‪311‬‬
‫‪Due, Reidar , Deleuze, Polity Press, 2007 , P 132‬‬
‫‪312‬‬
‫‪Ibid. , P 129‬‬
‫‪108‬‬
‫ّ‬
‫الخطوط التي نعرفها فهي متواصلة؛ كما انها خطوط للهروب ألن التغيير الذي ينتج عنها في داخل‬
‫ذات تمتلك الخيار‪.303‬‬ ‫التنضيد هو التغييرالوحيد املمكن ألن يستحيل ّ‬
‫ألي تغييرأن يبدأ في ٍ‬
‫خط الهروب‬
‫ويميزدولوز بين ثالثة انواع أو اصناف من الخطوط التقطيعية‪ :‬الخط الصلب‪ ،‬الخط الطر ّي ‪،souple‬‬ ‫ّ‬
‫وخط الهروب‪ .‬ليست الخطوط الصلبة سوى اجاهيز ‪ dispositifs‬السلطة‪ ،‬التي هي "تلك الاجهوزات‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫التي حللها فوكو بشكل ّ‬
‫افضا اختزالها الى مجرد تجليات لجهاز دولة موجود مسبقا‪ .‬فيكون كل‬ ‫جيد‪ ،‬ر‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫إقليمية" ؛ وطاملا نحن تحت السيطرة والتحكم فإننا نحاول ا‬ ‫‪304‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫دوما‬ ‫مركب من تشفيرات‬ ‫أجهوز للسلطة‬
‫تقطيع ‪ segment‬صلب الى آخر‪ :‬من املدرسة الى الجامعة‪ ،‬ومن ثم الى العمل املدفوع ألاجر‬ ‫ٍ‬ ‫املرور من‬
‫مستقبل" ‪ ،avenir‬أو بما يأتي‪ ،‬أكان على شكل مهنة أو‬ ‫وأخيرا الى التقاعد‪ ،‬توعدنا الخطوط الصلبة بـ"‬ ‫ا‬
‫ٍ‬
‫تقطيع الى آخر‪":‬‬ ‫مرة عند املرور من‬
‫كل ٍ‬‫عائلة أو قدر يجب اتمامه‪ ،‬او عمل يجب تحقيقه؛ ُويقال لنا ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫انت لم تعد رضيعا؛ وفي املدرسة‪ :‬لم يعد حالك هنا كما كان عليه في وسط العائلة [‪ ]...‬بإختصاربتعلق‬ ‫ا‬
‫ألامر بكل أنواع التقطيعات املحكمة التحديد والسائرة في كل أنواع الاتجاهات‪ ،‬تقطيعات تجزئنا الى‬
‫اطراف متعددة‪ ،‬زفاف من خطوط تقطيعية"‪. 305‬‬
‫تشكلنا وهي تقطيعات بقدر ما هي رخوة ّ‬‫ّ‬
‫ولينة الا‬ ‫ان كل التقطيعات الجزيئية تنتمي الى الانضودات التي‬
‫كقوة ضاربة‪ ،‬وهي ل تحيل الى الخيالي فقط أو الى الفردية أو الى ما بين الفردي‪ ،‬بل تنغمس‬ ‫انها تبدو ّ‬
‫ا‬
‫عميقا في الحقل الاجتماعي الواقعي؛ كما وبإعتبار ان الشكلين الجزيئي والكتلوي ل يتمايزان بأبعادهما‬
‫دوما ا‬
‫وابدا مع وبموازاة كل‬ ‫فقط‪ ،‬بل ان الجزيئي يشتغل عبر مجموعات صغيرة ولكن يجري ويعيش ا‬
‫الحقل الاجتماعي بما فيه التنظيم الكتلوي؛ كما يجب ان نضيف ان الشكلين آلانفين يبدوان ا‬
‫دوما في‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫عكسيا‪ ،‬وهذا ما يفيد انه كلما اصبحت آلالة أكبر وكونية أكثر وكوكبية‪ ،‬كما‬ ‫طرديا أو‬ ‫عالقة تناسبية‬
‫ٍ‬
‫‪306‬‬ ‫ّ‬
‫يقول دولوز‪ ،‬فإنها تميل الى ان تصغروتتجزء وتشكل صيرورة ارتصافات جزيئية ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ان الخطوط الصلبة ل تعامل من وجهة نظرأخالقية ‪ ،morale‬بل باألحرى ايتيقية واستراتيجية‪:‬‬
‫ّ‬
‫بلحظة ما ان تستعبدنا وتشكلنا كما‬‫ٍ‬ ‫ايتيقية من حيث ان اجاهيز السلطة ليست محايدة ويمكنها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الظرفي ‪ -‬فوق الخطوط الصلبة يسمح لنا بأن نحث‬ ‫ترغب‪ .‬واستراتيجية‪ ،‬من حيث ان املرور –‬
‫ّ‬ ‫محاولت الانشقاق ّ‬
‫ونكون مسطحات لالنعتاق‪ :‬يمكن للمال‪ ،‬الرواتب‪ ،‬العمل السياس ي‪ ،‬التمردات‬
‫ّ‬ ‫الصغيرة‪ ،‬امللكية الخاصة أن تخدمنا في ّ‬
‫شامل أو على الاقل تجنب القمع‪ .‬ولكن الصعوبة‬ ‫ٍ‬ ‫هجوم‬
‫ٍ‬ ‫شن‬‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خط صلب الى آخرمن دون أن نستطيع‬ ‫تكمن في أل نبقى فوق الخط الصلب‪ ،‬وإل سوف نبقى نمر فوق ٍ‬
‫‪313‬‬
‫‪Ibid , P 134‬‬
‫‪89‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪.889‬‬
‫‪89‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.890‬‬
‫‪316‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 262.‬‬
‫‪109‬‬
‫ّ‬
‫عناية ودقة‪ ،‬وذلك عبر تجريبه‬‫ٍ‬ ‫الفرار والهروب‪ ،‬وهذا ما يلزمنا ان نرسم مسطح الانعتاق والتحرر بل‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫يوميا‪ ،‬ذللك ان أجاهيز السلطة تحاول ا‬ ‫ا‬
‫دوما وبكل الوسائل أن تنصب فخوخا وتمسك مرة أخرى‬
‫ا‬
‫و"تحتضن" كل الهاربين واملنشقين (عبر الاعانات الاجتماعية مثال‪ ،‬ومراكز املساعدة الاجتماعية التي‬
‫مستقبل أفضل ومزدهر‪ ،‬كما من خالل النقابات‬
‫ٍ‬ ‫توحي بانها تخلق شبكة من الامان الاجتماعي من أجل‬
‫التي تميل الى التسوية واملهادنة ومسامحة ارباب العمل بعد الاضرابات‪ ،‬أو من خالل عيادات عالج‬
‫الاضطرابات العقلية‪ ،‬القضاة‪ ،‬الشرطة‪...‬الخ)‬
‫صلب من الخارج‪ ،‬من خارج الافراد‪ ،‬ولهذا السبب فإن املشاكل‬ ‫ٍ‬ ‫ل تتأتى خطورة البقاء فوق ٍ‬
‫خط‬
‫ليست سياسية فقط تتعلق بأجاهيز السلطة والعمل السياس ي‪ ،‬بل انها اتيقية‪ ،‬تتعلق بداخلية كل‬
‫فرد‪ ،‬بأحكامه املسب قة وحاجاته الخاصة‪ ،‬بتبعيته وعاداته‪ ،‬بنمط حياته مع الانضباط الذاتي والالزام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فرد منا‪.‬‬‫القسري القمعي الداخلي‪ ،‬اي بمعنى آخرمع الشرطي الذي يعيش داخل كل ٍ‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬تبدو الخطوط التقطيعية الطرية مختلفة ولكنها رغم ذلك تدور في فلك الخطوط‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫الصلبة وحولها من دون ان تسائلها أو تجابهها‪ :‬يتعلق الامر بتلك النقاشات الهامسة حول السياسة‪،‬‬
‫بالعائالت وتاريخها‪ ،‬بالرغبات املخفية‪ ،‬بأحالم اليقظة خالل الجري‪ ،‬بالسرار الصغيرة الحقيرة‪ .‬وهي‬
‫تحولت‬‫"خطوط جزيئية بشكل من الاشكال [‪ ]...‬تخترق املجموعات بقدر ما تخترق الافراد‪ .‬وهي ترسم ّ‬
‫صغيرة‪ ،‬وتقوم بإلتواءات‪ ،‬وترسم سقوطات أو ثبات [‪ ]...‬وهي دفوق جزيئية ذات عتبات أو كميات‬
‫جزئية [‪ ]...‬تحدث اشياء كثيرة فوق هذا النوع الثاني من الخطوط‪ ،‬مثل الصيرورات والصيرورات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصغيرة التي ل تتوفر على الوتيرة ذاتها التي يتوفر عليها تاريخنا"‪ ،302‬ان الخطوط الطرية هي تلك التي‬
‫تدخل الى قلب عوالم العالقات‪ ،‬حيث الرفض البسيط إلحترام القواعد أو شيفرات السير‪ ،‬وحيث‬
‫خط طر ّي سرعان ما تتم العودة الى‬ ‫الاضرابات الظرفية‪ ،‬والساحات املفرغة‪ .‬وحين يتم املرور فوق ٍ‬
‫الخط الصلب‪ ،‬وبالتالي العودة الى نسق ‪.ordre‬‬
‫املسماة خطوط الهروب‪ .‬ل تحدد خطوط الهروب‬ ‫ّ‬ ‫ّأما الخطوط التي ل نعود منها الى املوقع عينه فهي‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫هذه مستقبال ما‪ ،‬بل بالحرى صيرورة‪ .‬هي خطوط من دون برامج أو مسطحات ِمل َهن مستقبلية ممكنة‪،‬‬
‫مدركة ومجهولة؛ يتعلق الامر بصيرورة ل يمكن التحكم بها‪،‬‬ ‫دوما غير َ‬‫ومن دون نقطة وصول التي تكون ا‬
‫ّ‬
‫تحرر وانعتاق‪ .‬تقف خطوط الهروب على الضد من القدر أو املوضع أو املهنة‪ .‬وفوق هذه‬ ‫ٍ‬ ‫بخط‬
‫و ِ‬
‫حي ّ‬ ‫ا‬
‫فعال انه ّ‬
‫وحر‪ .‬يقول دولوز ‪" :‬ان معنى الرحيل والهروب هو رسم‬ ‫الخطوط يمكن للمرء أن يشعر‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫خط [‪ ]...‬وليس بتاتا العزوف عن النشاط‪ ،‬اذ ل وجود لش يء أكثر نشاطا من الهروب‪ .‬انه نقيض‬
‫انبوبا [‪]..‬ول تكتشف العوالم الا بواسطة هروب طويل‬ ‫نفجر ا‬ ‫املخيال[‪]...‬انه تهريب لنسق ما مثلما ّ‬
‫ٍ‬

‫‪81‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ص ‪.889 – 890‬‬
‫‪110‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫مكسر" ‪30‬؛ ولذلك لم تعد البداية ول النهاية هما ألامران املهمان‪ ،‬اذ ليست سوى نقاطا ثابتة‪ ،‬فاملهم‬
‫معين حيث الاختناقات وحيث تكون الوضعية أقل ار ا‬ ‫خط هروب ّ‬ ‫ّ‬
‫تياحا‪ .‬وهذه‬ ‫ٍ‬ ‫هو الوسط‪ ،‬وسط‬
‫حزما تنساب من الاشاعير ّ‬ ‫ّ‬
‫تفرد من دون ذات‪ ،‬تؤلف ا‬ ‫الخطوط هي خطوط ّ‬
‫الحية ومن التآليف‪ ،‬فوق ما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يسميها دولوز "خطوط الحظ"‪ ،‬أو" خطوط سوء الحظ"‪ ،‬حيث تتم الالتقاءات التي قد تكون‬
‫حد القتل‪.302‬‬ ‫سيئة تقود الى املوت أو الى ّ‬ ‫التقاءات ّ‬
‫ا‬
‫كما ان خطوط الهروب ل تنوجد مسبقا فوق مسارها الخاص‪ ،‬حيث يمكن القول ان هناك "رحالت"‬
‫مسار ما موجود‪ .‬وفي الفضاء ألاملس‪ ،‬على الضد من الفضاء املحزز‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تقطعها هذه الخطوط فوق‬
‫ّ‬
‫يصبح كل خط أو يميل الى ان يصبح خط هروب‪ ،‬ألن‪ ،‬بالتحديد‪ ،‬ل توجد املسارات فوق نتوءات؛ مثل‬
‫ا‬ ‫سكة حديدية‪ . 371‬وألن خطوط الهروب على هذا املنوال‪ ،‬فإننا لن نملك ا‬ ‫ّ‬
‫أبدا معرفة‬ ‫قطارمن دون‬
‫ٍ‬ ‫رحلة‬
‫ا‬
‫ماض‪ ،‬فال وجود الا لسيولت تتجمد أو تنفد‪ ،‬تتوحد أو تتباعد؛ ولم‬ ‫مسبقة ألننا ل نملك مستقبال ول ٍ‬
‫مرتبط بها‪ ،‬و ل‬
‫ٍ‬ ‫وتجريب‬
‫ٍ‬ ‫يعد هناك اي مجال للقول "أنا"‪ ،‬ول ألي استيهام‪ ،‬وإنما فقط "برامج حياة"‬
‫ّ‬ ‫يمكن ان يوجد اي ش يء فوق خطوط الهروب من غير التجريب املرتبط بالحياة ‪ّ ":‬‬
‫جربوا ول تؤولوا‪.‬‬
‫ابدا"‪.370‬‬ ‫امجا ول تستهيموا ا‬ ‫صوغوا بر ا‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫غامض‪ ،‬الا ان دولوز يرى ان هذه‬ ‫ٍ‬ ‫لقدر‬
‫ان خطوط الهروب هذه قد تبدو فرارا من الحياة أو استسالما ٍ‬
‫ّ‬
‫وتوف ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إل وهو ٌ‬ ‫ّ‬
‫سالح‪ .‬كما ان الهروب ليس‬ ‫ٍ‬ ‫على‬ ‫ر‬ ‫للحياة‬ ‫وإبداع‬ ‫للواقع‪،‬‬ ‫انتاج‬ ‫الخطوط ل تفيد الهروب‬
‫حب للحياة (على طريقة نيتشه أو‬ ‫ادبيا‪ ،‬بل على العكس من ذلك هو ٌ‬ ‫أيديولوجيا كان أم ا‬ ‫ا‬ ‫نقدا للحياة‬ ‫ا‬
‫عامة‪ ،)..‬واقتر ٌ‬ ‫ا‬
‫تكثيفية تتنقل بين التحطيم والابداع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ات‬
‫بسيولت وصيرور ٍ‬‫ٍ‬ ‫ان‬ ‫سبينوزا أو الادب ألاميركي‬
‫مبدعا لهذه الصيرورات التي تنفلت عبرها الحياة من "حقد" الاشخاص والتاريخ‬ ‫ا‬ ‫ويكون خط الهروب‬
‫ٌ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫شكل من أشكال‬ ‫والهيمنات السياسية‪ .‬ويخلص دولوز الى القول إن الكتابة أو الصيرورة‪ -‬كتابة هي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حب الحياة هذا ألنه " ينبغي أن تكون الكتابة من حيث هي وسيلة من أجل تفوق الحياة الشخصية‪،‬‬
‫هدف لها سوى نفسها [‪ ]...‬انه بؤس‬ ‫عوض ان تصبح الحياة سرا ا‬
‫كتابة قد ل يكون من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بائسا من أجل‬
‫دوما الى الغد"‪.377‬‬ ‫يؤجل ا‬ ‫املخيالي والرمزي ما دام الواقع َّ‬
‫ّ‬
‫تمل ا‬ ‫ا‬
‫صا من العائلة أو املدرسة‪ ،‬اي ليس‬ ‫سجن‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬ ‫معركة أو من‬
‫ٍ‬ ‫ض‬‫وهكذا‪ ،‬ليس الهروب فرارا من أر ِ‬
‫زوجي‪ .‬واذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّا‬ ‫ا‬
‫نكون في انفسنا وخارجها أجاهيز للسلطة ولالستالب‪ ،‬قد‬ ‫طالق‬
‫شكل ٍ‬ ‫قطيعة أو تمزقا على ِ‬

‫‪81‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪80‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.98 -99‬‬
‫‪320‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Anti-Œdipe et autres réflexions, cours en 27/05/1980 sur le site :‬‬
‫‪http://www2.univ-paris8.fr/deleuze/article.php3?id_article=68‬‬
‫‪8‬‬
‫حوارات‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪111‬‬
‫ُ‬ ‫ا‬
‫يكون الهروب ساكنا‪ ،‬في املكان عينه‪ ،‬ولكن من حيث هو قلب للعالقات‪ ،‬وهدم لجهوز‪ ،‬واستبعاد‬
‫هروبا من آخر‪ ،‬بل انتاج عالقة جديدة معه‪.‬‬ ‫فضا للخضوع‪ .‬ليس الهروب ا‬ ‫لألدوار الالزامية املطلوبة ور ا‬
‫ا‬
‫يبقى ان هناك أجاهيز سلطوية علينا الفرار منها فعال حين تحاول تصفيتنا‪ ،‬ولكن هناك أجاهيز بنيناها‬
‫ّ‬
‫بأيدينا (العائلة التي اصبحت ابوية‪ ،‬الجماعة التي اصبحت مرعبة‪ ،‬العشيقين الذين تزوجا‪ )..‬وهي‬
‫عالقات جديدة مع الذات ومع آلاخرين‪ ،‬من‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات يتوجب علينا قلبها وتحطيمها من أجل تأسيس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أجل تكوين انماط وجود مختلفة‪ .‬ول تتقدم خطوط الهروب إل من خالل هذه التجارب كلها‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن الاكثر خطورة بين الخطوط هي خطوط الهروب‪ ،‬وذلك بالضبط ألنها واقعية وليست‬
‫البتة خيالية أو استيهامية مثل الخطوط الطرية مع يوتوبياتها الثورية املتعالية واستيهاماتها العدمية‬
‫ّ‬ ‫وأحالم اليقظة التي تخترقها‪ .‬ان هذه الخطورة تستوجب ان نرسم خط الهروب قبل ان ّ‬
‫نمر عبره‪ ،‬وإل‬
‫ّأدى ذلك الى كار ٍثة ما على شاكلة الهذيان والانتحار والجرعات الزائدة ومستشفيات الطب العقلي‬
‫املعزولة‪ ،‬أو الادمان على الكحول والاحباط أو الكآبة‪ .‬قد تؤدي خطوط الهروب الى الهدم بالتحديد‬
‫وحيدا‪ ،‬حين يهرب من آلاخرين ومن أجاهيز أو يعمل على تهريبهم‪ .‬وقد تؤدي بنا خطوط‬ ‫ا‬ ‫حيث يهرب املرء‬
‫يسمى الثقب الاسود‪ ،‬الى نوع من الفاشية الصغيرة ‪ ،micro-fascisme‬او الى سلوك‬ ‫الهروب الى ما ّ‬
‫طريق املغامرات العسكرية ملجموعات صغيرة منعزلة‪ ،‬أو ربما تقود الى تشكيل عبادات جديدة ‪،secte‬‬
‫ّ‬
‫لخطوط صلبة‬‫ٍ‬ ‫ومن ثم السجن وحتى املوت‪ .‬وفي هذه الحالت‪ ،‬فإن ما يحصل هو في الحقيقة تهريب‬
‫ا‬
‫وسوءا‪.‬‬ ‫خطوط أكثرخطورة‬ ‫ٍ‬ ‫والانغالق في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لفشل يصيب خط الهروب‪ .‬يتأتى‬ ‫ٍ‬ ‫كنتيجة غير مرغوب فيها‬
‫ٍ‬ ‫وفي سياق ألف سطح‪ ،‬يبدو الثقب الاسود‬
‫بعيدا من مقولت وحالة الهويات الكتلوية وتتجه‬ ‫إلاقليمي التي تنحرف ا‬
‫ّ‬ ‫هذا الفشل من حركة إلاقتالع‬
‫ا‬
‫بهدم الذات التي تخفيها‬ ‫الى دفع الجماعات املنشقة واملتمردة نحو تشظيات أكبر مما قد يتسبب لحقا ِ‬
‫ا‬ ‫ٌ‬
‫سيرورة من الصيرورة‪ -‬متعددا‪ .‬وحين تنخرط الذات في هذه السيرورة فإنها تتفكك‪ ،‬وتتحول الى ٍ‬
‫شكل‬
‫ّ‬ ‫جديد من الارتصاف ّالذي يحتل ما ّ‬
‫يسميه دولوز (وغاتاري) مسطح إلاتساق ‪ ،consistance‬من حيث‬
‫ا‬
‫هو فضاء لإلبداع والرغبة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن هذا املسطح عينه هو فضاء للموت والتدمير‪ ،‬ألن فخوخا‬
‫يتنبهوا‬‫وفجوات تنتشر على طوال السيرورة هذه‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬يرى دولوز (وغاتاري) ان على البدو ان ّ‬ ‫ٍ‬
‫نوع من انواع‬ ‫ويحذروا حين ينفلتون من التنظيمات الكتلوية كالدولة والاحزاب‪ ،‬ذلك ان رفض كل ٍ‬
‫فقدان للذاتية بحد ذاتها ‪.373‬‬‫ٌ‬ ‫التنظيم قد يصدرعنه‬
‫أخالقية ما قائمة على ثنائية خير و ّ‬ ‫ّ‬
‫شر‪ ،‬فال يجري‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الى‬ ‫يحيل‬ ‫ل‬ ‫ثالث‬ ‫خطوط‬
‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫التمييز‬ ‫هذا‬ ‫ان‬ ‫إل‬
‫ا‬
‫شيطنة وتجريم الخطوط الصلبة ومدح خطوط الهروب على اساس قاعدة أخالق الواجب مثال‪ .‬ان‬

‫‪323‬‬
‫‪Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary -Revised Edition, Edinburgh University Press, 2010, P 34.‬‬
‫‪112‬‬
‫الجيد أو ّ‬ ‫نجرب" وليس أن نختار الطريق ّ‬ ‫خط هروب معناه أن " ّ‬ ‫َ‬
‫الخير‪ .‬تبدو الخطوط الصلبة‬ ‫ٍ‬ ‫نأخذ‬
‫ا‬
‫احيانا حيوية (من أجل تأمين الحاجات الالزمة للحياة كالنوم واملسكن ‪..‬الخ) بالرغم من انها تشتغل‬
‫فعل يحاول‬ ‫ّ‬
‫على اجسادنا‪ ،‬وتقطعنا وتضاعف تشفير طرقنا في الادراك والفعل والشعور‪ .‬ويبدو ان كل ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ان يلغي هذه الخطوط الصلبة أو ّ‬
‫معقدا ذلك ان الامر ل يتعلق بتقويض الدولة أو السلطة أو‬ ‫يقوضها‬
‫ايضا تقويض الذات‪.‬‬ ‫النظام‪ ،‬بل ا‬
‫حال من الاختالط والتقاطع‪.‬‬ ‫ا‬
‫ان هذا التقسيم الثالثي للخطوط ل يفيد انفصالها بل انها دوما في ٍ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ا‬
‫خطوط صلبة تلتف حولها خطوط طرية‪ ،‬و كل اجهوز‬ ‫ٍ‬ ‫حشدا من‬ ‫بمقابل حشد أجاهيز السلطة نجد‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫هروبا من كل‬ ‫يجعل ممكنا ظهور تعددية انشقاق وفرار‪ .‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬ل يعني الانعتاق الكلي‬
‫ا‬
‫أجاهيز السلطة‪ ،‬ومن الخطأ بالنسبة لدولوز ان يكون الانعتاق غاية في حد ذاته‪ ،‬أو ان نستدخل‬
‫صعوبات‬
‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫تحرير بقدر ما يتضمن‬ ‫خطوط الهروب ونسجنها في برنامج سياس ّي‪ .‬ان كل انعتاق هو‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫خطوط صلبة كي يصبح بالمكان تحسين‬ ‫ٍ‬ ‫ظرفيا فوق‬ ‫ومخاطر‪ ،‬ولذلك قد يقتض ي الامر أحيانا مرو ارا‬
‫ُ‬
‫والتمرد على الاجهوز القائم للسلطة‪ ،‬قد يكون التمويل املالي عبر دورة رأس املال ضرورايا‬ ‫ّ‬ ‫الانشاقاقات‬
‫ّ‬ ‫جماعيا و ا‬
‫ا‬ ‫من أجل خلق منطقة ُت َّ‬
‫وذاتيا‪...‬الخ؛ ولكن في كافة الاحوال "يجب على الحركة أن تتخطى‬ ‫سير‬
‫بعدا ذا طبيعة مختلفة [‪ ]...‬هو‬ ‫ظروف الاشياء وأن ترسم خطوط الهروب بشكل كاف كي تفتح في املكان ا‬
‫ٍ ٍ‬
‫انصراف الوجوه الى الانفتاح والحيوية"‪.374‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫املكونة‬ ‫انها اونطولوجيا خطوط هروب من حيث هي الاختالف املحض الذي ينبت بين وفي الهويات‬
‫للخطوط التقطيعية وفي الهويات التي لم يكتمل تكوينها بعد فوق الخطوط الجزيئية؛ وخطوط الهرب‬
‫ّ‬
‫ستترهن في هذه الهويات‪ .‬ويظهر ان‬ ‫هويات محددة بل انها تمنح ألادوات واملواد التي‬ ‫ليست مسجونة في‬
‫ٍ‬
‫إلاقليمي هو الخواء أو الفوض ى الكامنة تحت أو في الاراض ي والاقاليم‪ ،‬ومن دون خطوط‬ ‫ّ‬ ‫إلاقتالع‬
‫ُ‬ ‫ا‬
‫الهروب يستحيل الكالم اصال عن اراض ي أو عن تغيير فيها‪ ،‬ذلك ان خطوط الهروب هي حركة إقتالع‬
‫ثة ّ‬‫ٌ‬
‫تحرك الاقليم واملسكن‪ .‬ويمكن القول ان ما يمنح الفكر الدولوزي السياس ي صفة آلالوية هي‬ ‫محاي‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫املبدعة التي تشكل وتعيد تشكيل نفسها في حياتنا‪ ،‬والتي تتدفق عبر الارض والافراد‬ ‫هذه الخطوط ِ‬
‫‪375‬‬
‫والجماعات‪.‬‬

‫‪ 9‬دولوز‪ ،‬جيل‪ ،‬سينما‪ ،‬الصورة – حركة (الجزء األول)‪ ،‬ترجمة جمال شحيّد‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬نيسان ‪، 989‬‬
‫‪ 988‬صفحة‪ ،‬ص ‪.801‬‬
‫‪325‬‬
‫‪May, Todd, Gilles Deleuze - an Introduction, Cambridge University Press, New York, 2005,PP 138 - 139‬‬
‫‪113‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬النومادولوجيا الثورية‬
‫السياسات الصغرى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫حصرا العلمية واملادية التاريخية على ما يريد املاركسيون‪ ،‬وحتى وإن كنا‬ ‫وهكذا‪ ،‬لم تعد الثورة تفيد‬
‫ا‬ ‫نجد في اليوتوبيا ا‬
‫دوما إحتمال إلعادة تأسيس التعالي‪ ،‬بحيث "يجب التمييز بين اليوتوبيات التسلطية‬
‫أو يوتوبيات التعالي‪ ،‬وتلك التحررية‪ ،‬الثورية واملحايثة؛ [فإن] القول بان الثورة هي بدورها يوتوبيا‬
‫ّ‬ ‫حلم‪ٌ ،‬‬ ‫محايثة ليس معناه انها ٌ‬
‫أمر ل يمكن أن يتحقق أو ل يتحقق إل بخيانة ذاته‪ .‬بالعكس‪ ،‬نطرح‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫كتحليق مطلق‪ ،‬ولكن بقدر ما تتصل هذه املالمح مع ما هو‬ ‫ٍ‬ ‫حركة لمتناهية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫محايثة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الثورة كمسطح‬
‫ّ‬
‫واقع هنا وآلان في الكفاح ضد الرأسمالية‪ ،‬وتطلق النضالت الجديدة كلما تمت خيانة السابقة‪ .‬هكذا‪،‬‬
‫تفيد كلمة يوتوبيا ذلك الاقتران بين الفلسفة أو ألافهوم بالوسط الحاضر‪ :‬فلسفة سياسية"‪.376‬‬
‫ُ‬
‫يقول دولوز بالستناد الى كانط ‪ ":‬ليس افهوم الثورة في الطريقة التي تدار بها هذه ألاخيرة في ٍ‬
‫حقل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فك َرت به [الثورة] على مسطح محاي ٍثة مطلق‪ ،‬بما هي‬ ‫نسبي بالضرورة‪ ،‬بل في الحماس الذي ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مجتمعي‬
‫عقالني أو حتى عاقل‪ .‬ان الافهوم يحرر‬ ‫ّ‬ ‫اي ش يء‬ ‫تقديم لالمتناهي في آلان‪ -‬هنا‪ ،‬الذي ل ينطوي على ّ‬
‫ّ‬
‫املحايثة من كل الحدود التي فرضها رأس املال عليه‪ .‬في هذا الحماس‪ ،‬ل يتعلق ألامر بالتمييز بين‬
‫ُ‬
‫شاهد واملم ِثل‪ ،‬بقدر ما هو تمييز في الفعل نفسه بين العوامل التاريخية وبين الغمامة‪-‬الالتاريخية‪،‬‬ ‫امل ِ‬
‫ُ‬
‫حدث‪ ،‬تحيل الثورة الى ذاتها‪ ،‬أو انها‬ ‫ٍ‬ ‫بين حالة الاشياء والحدث‪ .‬وتحت عنوان الافهوم‪ ،‬وعلى شكل‬
‫محايث من دون أن يتمكن اي ش ٍيء في حالة الاشياء‬ ‫ٍ‬ ‫حماس‬
‫ٍ‬ ‫بموضع ذاتي يجعلها تقبض عليه في‬ ‫ٍ‬ ‫تتمتع‬
‫ّ‬
‫إلاقليمي املطلق الى النقطة‬ ‫أو في املعيش أن يضعفها‪ ،‬حتى لو كانت اضاليل الفكر‪ .‬الثورة هي إلاقتالع‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫التي يستدعي فيها ا ا‬
‫جديدا "‪.372‬‬ ‫وشعبا‬ ‫ضا جديدة‪،‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ويستثمر دولوز في ّ‬
‫تصوره للثورة حساب الالمتناهي الذي وضعه ليبنتز ‪ ،)0206-0646( Leibniz‬لكي‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الجزيئي الذي يحدد‬ ‫يبين كيف ان ان الثورات الحقيقية ل تنتمي الى املستوى الكتلوي‪ ،‬بل الى مستوى‬
‫التكثيفي ‪ intensif‬بمفهومها السبينوزي‪ :‬تركيبات‬ ‫ّ‬ ‫هذه الثورات من حيث لمتناهي معطوف على‬
‫‪37‬‬
‫عالقات انفعالية ‪.‬‬ ‫مكونات الاجسام التي تدخل في‬ ‫لسرعات تتناسب مع ّ‬
‫ٍ‬
‫يهز‪،‬‬‫وتقوض بناء الفعل واملؤسسات القائمة‪ ،‬انها الهواء ّالذي ّ‬ ‫الثورة ليست سوى حركة تعصف وتهتز َ‬
‫تتميز وتختلف‬ ‫انها الصيرورة؛ ولكن هذه الصيرورة الثورية من حيث هي افتراضية وعلى سطح آلايون‪ّ ،‬‬

‫‪326‬‬
‫‪Qu’est-ce que la philosophie?, P 96‬‬
‫‪327‬‬
‫‪Ibid. PP 96-97‬‬
‫‪328‬‬
‫‪David-Ménard, Monique, Agencements deleuziens, dispositifs foucauldiens, Rue Descartes, 2008/1 n° 59, p.‬‬
‫‪44. Article disponible en ligne à l’adresse :‬‬
‫‪http://www.cairn.info/revue-rue-descartes-2008-1-page-43.htm‬‬

‫‪114‬‬
‫يسجلها‬‫ّ‬ ‫عن الحركات الثورية التي تعتمل في التاريخ الكرونولوجي لالفعال وللممارسات (وهي التي‬
‫ُ َ‬
‫املؤرخ او السوسيولوجي)‪ .‬ومن حيث ان الصيرورة افتراضية ول تكتب وتنحفر الا عبر ما قام به الناس‬
‫في التاريخ الكرونولوجي‪ ،‬لن تكون الصيرورة الثورية سوى تلك السيرورة التي تفتح املجال أمام‬
‫الفاعلين السياسيين واملوضوعات بأن يتحرروا من كل التمثيالت السياسية وأنماط الوجود الحاضرة‬
‫ّ‬
‫عبر خلق بدائل عينية وراهنة ‪ .‬ول تحمل الصيرورة الا معنى التغيير‪ ،‬ان ل نركن الى الاشياء أو نشعر و‬
‫ّ‬
‫نفكر بها كما هي وبالطريقة عينها‪ ،‬وأل نقوم بالتقييمات السائدة عينها‪ .‬يتعلق التغيير بما هو معاش‪،‬‬
‫ا‬
‫بمعنى ان كل معطيات الحياة الاكثر ألفة سندخلها عبر الصيرورة بطريقة مختلفة من حيث العالقات‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫مع العناصر املعتادة لنمط وجودنا‪ ،‬أو كما يقول زورابشفيلي‪ :‬ان نحتفل مرة أخرى بالكل‬
‫آخر‪.372‬‬
‫جماهيرا أو حشود ‪ multitude‬من ِتجة تتكون من‬‫ا‬ ‫وباملعنى السياس ّي‪ ،‬ل يستدعي دولوز (وغاتاري)‬
‫ّ‬ ‫القوة العاملة املستلبة ‪ aliéné‬بإعتبارها ّ‬
‫قوة تشكل عالم الانسان‪ .‬ان الجماهير غير موجودة‪ ،‬كما ل‬
‫يمكن خلقها عبر ارادة سياسية جماعية أو عبر عملية إنعاش للسوسيوس‪ .‬على العكس من ذلك‪ ،‬ان‬
‫ّ‬
‫عام‬
‫بشكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الشعب الذي يتحدث عنه دولوز هو شعب مفقود وغير حاضر‪ ،‬حيث ل يوجد صيرورة‬
‫ولكن صيرورة في عالقة؛ وعلى هذا النحو‪ ،‬ل يستدعي افهوم الصيرورة – حيوان الحيوانات أو الحيوان‬
‫ا‬
‫الحياة بل يخلق تفاضلية تتضمن الصيرورة – لمد َرك‪ ،‬أو فكر الالكينونة‪ ،‬اي‬ ‫ِ‬ ‫كشكل من أشكال‬ ‫ٍ‬
‫ا‬
‫تجريبا‬ ‫ا‬
‫تجريبا ل يؤدي الى النفي واحالة الى الوعي املضاد للذات ‪ anti-self-consciousness‬بل‬ ‫تحتوي‬
‫حد أدنى ‪ minima‬يقترب من الصفر‪.331‬‬ ‫مع ٍ‬
‫ويسمح لنا افهوم آلالة الراغبة بالنتقال من السياسات الكتلوية الكبرى (املاكرو) الى تلك السياسات‬
‫الجزيئية الصغرى (امليكرو)‪ .‬وفي ألف سطح‪ ،‬يتبنى دولوز (وغاتاري) املنظور السياس ّي لصيرورة –‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مشددين على ان قوة الاقليات ل تقاس بقدرتها على تشكيل نفسها والدخول في سيستام‬ ‫أقلوية‪،‬‬
‫دوما من حدود ّاية أغلبية معطاة‪ ،‬ذلك ان هذه‬ ‫تفر ا‬‫ألاغلبية‪ .‬ان سيرورة الصيرورات الاقلوية ّ‬

‫‪329‬‬
‫‪Zourabichvili, François, Qu’est-ce qu’un devenir pour Gilles Deleuze ?, Conférence prononcée à Horlieu‬‬
‫‪(Lyon) le 27 mars 1997, P 2.‬‬
‫‪Document accessible à l’adresse électronique suivante :‬‬
‫‪www.horlieu-editions.com/brochures/zourabichvili-qu-est-ce-qu-un-devenir-pour-gilles-deleuze.pdf‬‬

‫ب أو طبقة‬
‫جمهورا ال يفيدُ وحدة َ شع ٍ‬
‫ً‬ ‫المفكرين النيو‪-‬ماركسييْن أنطونيو نيغري ومايكل هاردت‪ ،‬حشدًا أو‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬تعني الـ ‪ multitude‬من وجهة نظر‬
‫هدف أو نضا ٌل مشترك‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عاملة‪ ،‬أو هويةً واحدة جامعة‪ ،‬بل بالعكس يفيدُ تعددية إلختالفات داخلي ٍة في الهويات والتوجّهات‪ ،‬وهي تعددية يجمعها ه ٌّم أو‬
‫ً‬
‫من دون أن تلغي أو تتجاوز اإلختالفات وكثرة الهويات واالنتماءات التي تدخل في تكوينها‪.‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪Negri, Antonio, Hardt, Michael, Multitude, War and Democracy in the Age of Empire, the Penguin Press, New‬‬
‫‪York, first edition 2004, PP xiv, xv‬‬
‫‪330‬‬
‫‪Colebrook ,Claire, Deleuze and the Meaning of Life, Continuum International Publishing Group, New York,‬‬
‫‪2010, PP 151 - 152‬‬
‫‪115‬‬
‫ّ‬
‫الصيرورات تعني القدرة على تحويل الانفعالت‪ ،‬الايمانات والحساسية السياسية للناس‪ -‬الذين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التحولت‬ ‫شعب جديد‪ .330.‬وان هذا القدوم وتلك‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل يدفع الى قدوم‬ ‫ٍ‬ ‫يتشكلون كجماعة سياسية ‪-‬‬
‫لألغلبية‪،‬كالعدالة وشكل الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫منسوبة‬
‫ٍ‬ ‫ستلقي بظاللها على مفاهيم‬
‫محددا بتناقضاته‪ ،‬ولم تعد الحركة‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫املجتمع‬ ‫ومن وجهة نظر السياسات الصغرى‪ ،‬أو الجزيئية‪ ،‬لم يعد‬
‫ّ‬ ‫العميقة التي ّ‬
‫مجتمع هي تلك التي تتمثل في التقطيعات الكتلوية الكبيرة التي تتصارع‪ ،‬ل بل‬ ‫ٍ‬ ‫تحرك كل‬
‫ان السياسة الجزيئية تستوجب تعريف املجتمع من حيث خطوط هروبه‪ ،‬وهي خطوط جزيئية‪ ،‬تسيل‬
‫للضم وملضاعفة الشيفرات‪ ،‬ولقد كان أيار\مايو ‪6‬‬ ‫ّ‬ ‫وتفر‪ ،‬وتهرب من التنظيمات الثنائية ومن كل آلة‬ ‫ّ‬
‫كة من وجهة نظر السياسة الكتلوية والتنظيمات الكبرى‪ ،‬وكل من‬ ‫غير ُم َ‬
‫در ٍ‬ ‫جزيئيا‪ ،‬وكانت شروطه ُ‬ ‫ا‬
‫ابدا الحدث الثوري ّالذي قام وحيث " ّ‬
‫فر‬ ‫أحكاما بمقولت السياسة الكتلوية هذه لن يفهم ا‬ ‫ا‬ ‫يصدر‬
‫منسوبا الى ش ٍيء‬‫ا‬ ‫كب َر من دون ان يتوقف عن كونه غير‬ ‫ثم ُ‬ ‫صغيرا ومن ّ‬ ‫ا‬ ‫الدفق الج ّ‬
‫زيئي‪ ،‬في البداية‬
‫شيئا إن لم ّ‬ ‫ن ا‬ ‫ما‪...‬ومع ذلك‪ ،‬فالعكس صحيح ا‬
‫تمر مرة‬ ‫ايضا ‪ :‬ان الهروب والحركات الجزيئية لن تكو‬
‫أخرى في التنظيمات الكتلوية‪ ،‬ولن تحتفظ بتقطيعاتها‪ ،‬بتوزيعاتها املزدوجة للجنس‪ ،‬الطبقات‬
‫والاحزاب"‪ ،337‬اذ يعتقد دولوز (وغاتاري) بأهمية الجهود من أجل توسيع وتحويل طابع الاغلبية حين‬
‫شيئا إن لم تعود الى التنظيمات الكتلوية كي ّ‬ ‫ن ا‬
‫تعدل من‬ ‫يثبتان ان حركات الهروب الجزيئية لن تكو‬
‫َ‬
‫جديد قط ِعها‪ ،‬وتوزيعاتها املزدوجة‪.‬‬
‫بنقد شامل للتمثيل‪ .‬ومن وجهة نظر هذه السياسات لم‬ ‫ويبدو أن أفهوم السياسات الصغرى يرتبط ٍ‬
‫ا‬
‫مطلوبا‬ ‫يعد املجتمع يتحدد وفق تناقضاته‪ ،‬كما يرى املاركسيون‪ ،‬بل وفق خطوط هروبه؛ ولم يعد‬
‫تسيره صراعات الطبقات واملصالح‪ ،‬بل يجب باملقابل رسم‬ ‫فقط تقويض الرؤية املاركسية ملجتمع ّ‬
‫ُ َ ّ‬
‫فهم إل من خالل‬ ‫مجتمع في مواجهة السلطة القائمة‪ .‬وان خطوط الهروب هذه ل ت‬ ‫ٍ‬ ‫خطوط هروب كل‬
‫تعددية العالقات السياسية والاجتماعية‪.‬‬
‫البديهي ان آلالة الثورية لن تستطيع الاكتفاء بالنضالت املحلية والعينية املحددة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويرى دولوز انه من‬
‫بل ل بد أن تكون في آلان عينه مفرطة في رغبويتها وفي لتمركزها؛ واملسألة املطروحة هي طبيعة‬
‫عامودي يخنق‬ ‫ّ‬ ‫بشكل‬ ‫تعددية‪ ،‬وليس‬
‫ٍ‬ ‫أفقي من خالل‬ ‫ّ‬ ‫بشكل‬ ‫التوحيد والدمج املفترض أن يشتغل‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫الرغبة وتلك التعددية‪ .‬التوحيد ألاول يتعلق بآلة حرب وليس بجهاز دولة ‪ .‬ويعني التوحيد ا‬
‫ثانيا بأن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫علميا عبر العقلنة‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫توليفيا‬ ‫تحليليا لرغبات الجماهير والجماعات‪ ،‬وليس دو ارا‬ ‫ا‬ ‫عليه ان يمتلك دو ارا‬

‫‪331‬‬
‫‪Patton, Paul, Becoming-Democratic, in Deleuze and Politics (Edited by Ian Buchanan and Nicholas Thoburn),‬‬
‫‪Edinburgh University Press, 2008, P 191‬‬
‫‪332‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 264‬‬
‫‪116‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫الشمول والاقصاء ‪ . 333‬ويشير دولوز الى الخطر الذي يمكن أن يسقط فيه الحزب الثوري مثال في‬
‫مجابهته للرأسمالية أو للتشفير حيث يقول ‪ ":‬اعتقد ان في السيستام الرأسمالي‪ ،‬ستأخذ كل‬
‫ّ‬ ‫شبيها بأشكال تفكيك التشفير التي ستخترق‬ ‫شكال ا‬ ‫ا‬
‫وتمر أسفل اكسيوماتيات‬ ‫التشكيالت الثورية‬
‫تفك التشفيرات‪ ،‬لحركات إلاقتالع‬ ‫دائما هي كيف يمكن لحركات ّ‬ ‫النظام‪ .‬ولكن املسألة التي نواجهها ا‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫مشوهة أو‬ ‫إلاقليمي أن تكون في آلان عينه ايجابية ثورية‪ ،‬وفي الوقت عينه ل تعيد خلق أشكال‬
‫مصطعنة من العائلة‪ ،‬اي بمعنى آخر أل تخلق من جديد بطريقتها أنواع من الشيفرات وألاقلمة‬
‫اساسيا في أقلمة الحزب‪.‬‬‫ا‬ ‫[‪]...‬وعلى مستوى الالوعي في عالقاته مع الحقل الاجتماعي‪ ،‬يبدو الخطر‬
‫ا‬
‫ثورية ّ‬ ‫ا‬
‫تحرك الليبيدو‪ ،‬والايروس والرغبة من دون أن تنغلق من‬ ‫فكيف يمكننا أن نجد بين الناس صلة‬
‫ّ‬
‫جديد في البنى املشفرة أوألاكسيوماتية ألاوديبية‪ .‬انها مشكلة على مستوى املمارسة‪ 334".‬بالخص أن "‬
‫وحدة للنضالت الظرفية من دون الوقوع في التنظيم‬ ‫ٍ‬ ‫املسألة الثورية املطروحة اليوم تكمن في ايجاد‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حرب ل تعود الى جهاز دولة‪ ،‬وحدة بدوية مع‬ ‫الاستبدادي أو البيروقراطي للحزب أو لجهاز الدولة‪ :‬آلة ٍ‬
‫ّ‬
‫الخارج الذي ل يحيل الى وحدة استبدادية داخلية"‪. 335‬‬
‫وبهذا املعنى يجدد دولوز (وغاتاري) فهمنا للثورة بالنطالق من فكرة ان الثورة الفعلية التي تكمن في‬
‫‪336‬‬
‫يتجه نحو تغيير الحياة ومعانيها ومنظوراتنا لها‪ ،‬يرتكز على "الاقلية"‪ .‬ان تصغير‬ ‫كل تغيير راديكالي ّ‬
‫جنبا الى جنب تمظهراتها في كل الحقول الاجتماعية بإهمال كل التز ٍام‬ ‫‪ miniaturisation‬السياسة يسير ا‬
‫وتموقع ودخو ٍل في املؤسسات السياسية القائمة‪ ،‬بالخص الدولة والاحزاب السياسية والنقابات‬ ‫ٍ‬
‫ا‬
‫البيروقراطية؛ هذا معناه‪ ،‬ان السياسة لم تعد حكرا على فئة ما أو نخبة سلطوية‪ ،‬بل بالحرى‬
‫ا‬
‫ونشاطا ا‬ ‫ا‬
‫يوميا وممارسات تمتد من الافراد الى الجماعات الجزيئية التي يريد لها دولوز ان‬ ‫اصبحت فعال‬
‫تحتل كل املسرح السياس ّي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وتحولتها‬ ‫ّ‬ ‫ليست الاقلية مجموعة صغيرة العدد بل يجب النظر اليها في حركية املجموعات‪ ،‬في تبدلتها‬
‫الهويات الايديولوجية والعقائد السياسية الشمولية الطاغية والتي‬ ‫ّ‬ ‫تجردها من‬ ‫وإختالفاتها وفي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحزبي أو الايماني والعضوية‪ .‬انها بالحرى محور إلاقتالع‬ ‫تتطلب التجانس والانتماء عبر الالتزام‬
‫إلاقليمي للحياة‪ ،‬ودعوة الى استجالب افتراضية العالم بمواجهة النموذج الكتلوي وألاكثر ّي‪ 332.‬ويرى‬ ‫ّ‬

‫‪333‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Trois problèmes de groupe, Préface du livre de Félix Guattari, Psychanalyse et transversalité,‬‬
‫‪Essais d’analyse institutionnelle. Sur le lien d'origine : http://www.revue-chimeres.org/pdf/23chi01.pdf‬‬
‫‪334‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, anti Oedipe et mille plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972, sur le site électronique :‬‬
‫‪http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&lan‬‬
‫‪gue=1‬‬
‫‪335‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, l’ile déserte et autres textes, éditions Minuit, 2002, P 362‬‬
‫‪336‬‬
‫‪Deleuze and Politics, P 63.‬‬
‫‪337‬‬
‫‪Thoburn, Nicholas, Deleuze, Marx and Politics, Routledge, April 2014, 240 pages, P 7.‬‬
‫‪117‬‬
‫دولوز – (وغاتاري) – ان عصرنا هو عصر الاقليات التي ل تتحدد بعددها بل بالصيرورة أو بالفارق‬
‫ّ‬
‫عدد صغير؛ ولكن‬ ‫ألقلية أن تتضمن سوى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الذي يفصلها عن البداهة التي تشكل ألاكثرية ‪ ":‬ل يمكن‬
‫ا‬ ‫ّ ا‬ ‫يمكن لها ا‬
‫ايضا ان تتضمن العدد الاكبر‪ ،‬مشكلة أكثرية مطلقة‪ ،‬غير محددة [‪ ]...‬ما يحدد أقلية ما هي‬
‫ألقلية ما أن تكون عديدة أو حتى لمتناهية‪ ،‬وألامر عينه بخصوص‬ ‫ٍ‬ ‫العالقات الداخلية للعدد‪ .‬يمكن‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫يميزهما هي العالقة الداخلية للعدد التي ّ‬ ‫الاكثرية‪ .‬ما ّ‬
‫تكون في حالة الاكثرية مجموعة‪ ،‬متناهية أو‬
‫لمتناهية‪ ،‬ولكن قابلة للعد ‪ ،dénombrable‬بينما يمكن تعريف الاقلية على انها مجموعة غير قابلة‬
‫‪33‬‬
‫للعد‪ ،‬مهما كان عدد عناصرها‪".‬‬
‫ا‬
‫ان هذه امليزة التي تحوزها الاقلية ألنها غير قابلة للعد يجعل منها رباطا ‪ connexion‬على شكل حرف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العطف "واو" وهو رباط يتولد بين العناصر واملجموعات والذي ل ينتمي في آلان عينه الى هذه‬
‫ّ‬ ‫ّا‬ ‫ّ‬
‫هروب‪ .‬وفي حين ل تتعامل الاكسيوماتية إل مع‬ ‫ٍ‬ ‫مكونا خط‬ ‫املجموعات وتلك العناصر‪ ،‬بل انه يفر منها ِ‬
‫مجموعات "مبهمة" ‪ ،flou‬أو‬
‫ٍ‬ ‫القابل للعد ومع املجموعات حتى لو كانت لمتناهية‪ ،‬فإن الاقليات تشكل‬
‫باألحرى "تعدديات هروب أو تعدديات دفوق"‪.332‬‬
‫عدد من‬ ‫ألقلية ما أن تكون أكبر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫واذ ل يكمن الفرق بين الاقليات والاكثريات بالعدد‪ ،‬بحيث يمكن‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫سكن الراشد الاوروبي الذكر في‬ ‫التكيف معه‪ :‬مثال‬ ‫أكثرية؛ فإن ما يحدد هذه ألاخيرة هو نموذج يجب‬ ‫ٍ‬
‫نموذجا‪ ،‬انها صيرورة‪ ،‬وسيرورة‪ .‬ان الاقليات هي مغامرات بدوية‪ .‬وأن‬ ‫ا‬ ‫املدن‪ ...‬بينما ل تكون الاقلية‬
‫أقلويا معناه أن يسعى الى ما يربطه مع الحركات املهجورة في الجسد الاجتماعي‪ .‬ويمكن‬ ‫ا‬ ‫يصبح املرء‬
‫للروابط التي ستقام ان تكون ل سياسية فقط‪ ،‬بل فنية أو لسانية أو علمية أو ادبية‪..‬الخ وان نصبح‬
‫هوية ما‪ .‬ان الصيرورة‪-‬إمرأة هي صيرورة صغرى وكل صيرورة صغرى‬ ‫ا‬
‫أقلية ل يفترض مسبقا احتضان ٍ‬
‫هي اصطدام مع هوية الاغلبية من أجل البحث عن إمكانيات وإحتمالت جديدة وعن صيرورات جديدة‬
‫ّ‬ ‫ل ّ‬
‫تقيدها الخطوط الكتلوية وآلتها املجردة؛ انه البحث والتقص ي عن الافتراض ي الذي تحجب رؤيته‬
‫ّ‬
‫الخطوط الكتلوية لألغلبية والذي يدفع الى القطيعة مع فكر الهوية لصالح الاختالف‪ .‬و"يمكن لنا‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫بشكل أو بآخر‪ ،‬يمكن ان يندرجوا في صيرورة‬ ‫ٍ‬ ‫شخصا ما‪ ،‬وان كل الناس‪،‬‬ ‫القول إن الاغلبية ليست‬
‫نماذجا‪ ،‬فألنها تريد أن تصير أغلبية‪ ،‬وهذا‬ ‫ا‬ ‫دروب مجهولة [‪ ]...‬حين تخلق الاقلية‬ ‫أقلوية يسوقونها في‬
‫ٍ‬
‫ا‬
‫تجنبه من أجل خالصها أو بقائها ( مثال الحصول على دولة‪ ،‬فرض قواعد‪)...‬؛ ولكن ّ‬ ‫ما ل يمكن ّ‬
‫قوتها‬ ‫ٍ‬
‫سيمر الى هذا الحد أو ذاك في النموذج‪ ،‬من دون الاعتماد‬ ‫ّ‬ ‫مما كانت قادرة على خلقه‪[ ،‬اي] ما‬ ‫تتأتى ّ‬

‫‪338‬‬
‫‪Milles Plateaux, PP 586-587‬‬
‫‪339‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 587.‬‬
‫‪118‬‬
‫ا‬ ‫عليه‪ .‬ان الشعب هو ا‬
‫دوما اقلية ابتكارية تتبقى له حتى حين يصبح اغلبية‪ :‬يمكن للشكلين ان يتعايشا‬
‫ّ‬
‫ألنهما ل يجريان فوق املسطح عينه"‪.341‬‬
‫وأتعلق ألامر بأقليات من طبيعة قومية أو عرقية‪ ،‬فإن الدولة تحاول ا‬ ‫ّ‬
‫دوما السيطرة عليها وخنقها قدر‬
‫املستطاع من خالل الاكسيوماتية وإلحاق كل الاقليات بالبداهات الاكثرية عبر جعلها قابلة للعد‬
‫وإلاحصاء‪ .‬وتكمن وصفة التعدديات ‪ ،formule des multiplicités‬بحسب دولوز‪ ،‬في صيرورة الاقلية‬
‫محد ادا في خاتمة املطاف‪ ،‬ولكن تلك النضالت العديدة‬ ‫عاملاا وسيكون النضال ضد الاكسيوماتية ّ‬
‫ِ‬
‫للنساء والاقاليم أو للعاطلين عن العمل أو للمقموعين في دول العالم الثالث‪ ،‬هي اشارات لصر ٍاع آخر‬
‫تحمله رغم بساطته‪ .‬انه الصراع‬ ‫اع يصل الى درجة لن تستطيع الاكسيوماتية ّ‬ ‫ينوجد معها‪ ،‬وهو صر ٌ‬
‫ّ‬
‫الذي يظهر حين "يطالب الناس بأن يطرحوا بأنفسهم مشاكلهم الخاصة‪ ،‬وبأن يحددوا‪ ،‬على اقل‬
‫ا‬
‫تقدير‪ ،‬الشروط املحددة التي وفقها يصبح بإمكان هؤلء ان ينالوا حال أكثر عمومية‪ ،‬يتابع دولوز‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وليست املسألة ّ‬
‫مركزية أو لمركزية‪ ،‬بل قضية‬ ‫ٍ‬ ‫مة ما‪ ،‬أو حتى قضية‬ ‫باملرة مسألة أنارشية أو مسألة منظ ٍ‬
‫للعد‪.‬‬‫للعد في مواجهة أكسيوماتية املجموعات القابلة ّ‬ ‫يخص املجموعات غير القابلة ّ‬ ‫ّ‬ ‫حساب أو َ‬
‫تصو ٍر‬
‫ّ‬
‫كما ان هذا الحساب يمكن له أن يحظى بتقسيماته‪ ،‬وتنظيماته‪ ،‬وحتى بمركزيته‪ ،‬و[لكنه] ل يمر في‬
‫مجرى الدول أو في سيرورة الاكسيوماتية‪ ،‬ولكن عبر صيرورة أقليات"‪.340‬‬
‫يؤشر الى سياسة للحياة اليومية‪ ،‬العينية والواقعية والتي ّ‬ ‫ّ‬
‫تبدل‬ ‫ويبدو ان افهوم السياسات الصغرى‬
‫الهرمي على السلطة‬ ‫ّ‬ ‫تتصل بميادين الصراع‬ ‫من طبيعة املسألة السياسية التي‪ ،‬بصورتها التقليدية‪ّ ،‬‬
‫والانقسام الافقي السياس ّي بين التيارات الثورية والاصالحية‪ ،‬والبرجوازية والبروليتارية باملعنى‬
‫املاركس ّي‪.‬‬
‫ولم يعد من الغريب ان تعود الى املشهد كل املسائل الشائكة لألقليات العرقية‪ ،‬واللغوية واملناطقية أو‬
‫تلك الجنسانية‪ ،‬ولكن هذه املرة ليس كقضية منبوذين‪ ،‬بل كأشكال ثورية راهنة تضع موضع السؤال‬
‫ا‬
‫تشاؤميا‬ ‫تماما‪ .‬وبدل الانغالق في فكر يبدو‬ ‫كل ارتصافات الدول‪-‬الامم‪ ،‬والسوق العالمي‪ ،‬بشكل محايث ا‬
‫ٍ‬
‫بنمط‬‫يعتقد ان الصورة اصبحت مستحيلة وان الفاشية تعاود الظهور‪ ،‬فإن املطلوب هو التفكير ٍ‬
‫ّ‬ ‫لكل آلت الحرب البدوية ّ‬ ‫جديد من الثورة وبالصيرورة‪ -‬ممك انا‪ ،‬وبتمفصل ّ‬
‫الحية التي ترسم مسطح‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتساق ينسف مسطح التنظيم الذي تشكله الدولة؛ بالخص ان هذه الاخيرة لم تعد ّ‬ ‫ّ‬
‫سيدة مسطحها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ 347‬وبالنسبة لدولوز سوف تحطم حركة املحايثة على مسطح الفكر البدوي‪ ،‬بإعتبارها حركة ثورية‪،‬‬
‫منهجي‪ ،‬ال قالع املعتادة لوظائف الحكم والتعالي في الالهوت‪ ،‬وعلم النفس وفي الفلسفة‬ ‫ّ‬ ‫وبشكل‬
‫ٍ‬

‫‪340‬‬
‫‪Pourparlers, P 235.‬‬
‫‪341‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 588.‬‬
‫‪342‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, et Claire Parnet, Dialogues, Flammarion, 1996, P 176.‬‬
‫‪119‬‬
‫بشكل مسبق من خالل شيفرات استيالء‬‫ٍ‬ ‫الاخالقية‪ .‬وبإعتبار ان انماط ادراكتنا وافعالنا يجري بناؤها‬
‫ننتزعها من آلاخرين‪ ،‬فإن الحرية لن َ‬
‫تعني سوى اختيار وتنظيم الادراكات والافعال في ضوء طريقة غير‬
‫ا‬
‫محددة مسبقا ولتمثيلية‪.343‬‬
‫الفلسفة وآلة الحرب البدوية‬
‫مشكلة سياسية مباشرة تتعلق بنمط‬ ‫ٍ‬ ‫التوسع في‬ ‫ّ‬ ‫ُويدخل دولوز أفهوم آلة الحرب البدوية لغرض‬
‫عمل ثوري ل يستعيد الشكل التقليدي والرسمي للحزب الثوري‪ ،‬ول‬ ‫بهدف ٍ‬‫ٍ‬ ‫تقسيم املجموعات‬
‫يستنسخ آلة الدولة (رغم ان آلة الدولة قد تنشأ عن آلة حرب كما حصل مع النازيين)‪ .‬وفي هذا‬
‫ّ‬
‫السياق‪ ،‬يجدد دولوز الفهم املاركس ّي للسلطة ولألجهزة القمعية للدولة‪ .‬يتعلق الامر‪ ،‬بإنتاج نظرية‬
‫ا‬ ‫ّ ََ‬
‫ثوري ُمبتكر ل يفترض مسبقا تمركز سلطة الدولة القمعية في جسد‬ ‫ببيان‬
‫حرب أمام سلطة الدولة‪ٍ ،‬‬
‫سلطة كهذه من خالل العالقات املتبادلة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫مؤسساتي كالشرطة أو الجيش‪ ،‬ولكن يأخذ في الاعتبار تكوين‬
‫ضدها‪.344‬‬‫تتوجه ّ‬ ‫بين الدولة والقوى الاجتماعية التي تحاول الافالت منها أو التي ّ‬
‫فضاء أملس – في مقابل الفضاء املحزز ‪ strié‬آللة الدولة ‪ -‬هو املوضوع الداخلي لآللة‬ ‫ٍ‬ ‫ان تكوين‬
‫البدوية‪ ،‬من حيث ان احتالل واعادة انتاج هذا الفضاء يشكالن السيرورة الخاصة حيث ّ‬
‫تترهن‬
‫ّ‬ ‫إل حين تالقي ما ّ‬ ‫ّ‬
‫تفر منه‪ ،‬إل اذا صدمت‬ ‫‪ actualise‬هذه آلالة‪ .‬ول يمكن القول عنها انها آلة بدوية‬
‫نفسها في ما هو خارجها بما سيستبعدها نحو داخلها‪ ":‬إن جرت الحرب داخلها بالضرورة‪ ،‬فألن آلة‬
‫وعندئذ‪ ،‬ستصبح الدولة‬
‫ٍ‬ ‫الحرب تصطدم بالدول وباملدن‪ ،‬كما بالقوة التي تعارض املوضوع الايجابي‪،‬‬
‫كما املدينة‪ ،‬تلك الظاهرة الدولنية املدنية عدوة آلة الحرب‪ ،‬وسيكون هدف [هذه ألاخيرة] تدمير‬
‫تحرك آلة الحرب التي ل تمتلك في داخلها سوى الارتصافات‬ ‫[تلك]"‪ .345‬وهكذا لن تكون الحرب هي التي ّ‬
‫ستشكل ا‬ ‫ّ‬
‫حربا ستجري بالضرورة عبر آلالة‬ ‫الاجتماعية املتعددة للفضاء الاملس‪ ،‬هذه الارتصافات التي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تأليفي‪ .‬وستصبح املسألة من سيتحكم بهذا التأليف ويقوده ويفرض ضرورته‬ ‫ابط‬
‫البدوية‪ ،‬بحسب ر ٍ‬
‫عليه‪.‬‬
‫يسميه دولوز (وغاتاري) "خطوط‬ ‫ان الفضاء ألاملس وليد الفكر البدوي وآلته الحربية في ترسيمه ملا ّ‬
‫َ‬
‫فضاء بدوي ُمحتل ولكن‬‫ٌ‬ ‫الهروب" التي تجابه التخطيطات العقالنية املتعالية‪ .‬ان الفضاء الاملس هو‬
‫بداية أو نقطة وصول‪ .‬وهو‬ ‫وجهة‪ ،‬من دون‬ ‫ا‬
‫ٍ‬ ‫هدف أو ٍ‬ ‫ليس معدودا‪ ،‬وفيه تكون الحركة مستمرة من دون ٍ‬
‫تغير من طبيعتها حين تنقسم؛ اي بمعنى‬ ‫لمتجانس تحكمه التبدلت الدائمة‪ ،‬ويمتلىء بتعددية ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فضاء‬
‫ٍ‬
‫‪343‬‬
‫‪Due, Reidar , Deleuze, Polity Press, 2007 , P 140‬‬
‫‪344‬‬
‫‪Deuchars, Robert, Creating Lines of Flight and Activating Resistance: Deleuze and Guattari’s War Machine,‬‬
‫‪in AntePodium, Victoria University Wellington, 2011‬‬
‫‪http://www.victoria.ac.nz/atp/articles/pdf/Deuchars-2011.pdf‬‬
‫‪345‬‬
‫‪Milles Plateaux, P 519.‬‬
‫‪120‬‬
‫آخر‪ ،‬ان الفضاء الاملس هو فضاء ترتيبات جديدة للقوى‪ ،‬وإمكانات جديدة للحياة‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬نجد‬
‫تنظمها تراتبية ومبادىء متعالية ‪.346‬‬ ‫املحزز يحيل الى حياة ّ‬ ‫ان الفضاء ّ‬
‫ٍ‬
‫وان جوهر الدولة هو الجذب ‪ ،gravitas‬و ما تقوم به هو تحزيز الفضاء الذي تسيطر عليه‪ ،‬أو انها‬
‫فجوات بين‬ ‫ٍ‬ ‫تستخدم لصالحها الفضاء الاملس من أجل خدمة الفضاء املحزز‪ ،‬عبر اختراقه ووضع‬
‫ّ‬
‫حدود لها‬ ‫ٍ‬ ‫مكوناته‪ ،‬والاستيالء على دفوق الرغبة بكافة أنواعها والتحكم بحركتها عبر تبطيئها ووضع‬
‫ّ‬
‫وتقسيمها وتنظيمها؛ فإن الحركات املطلقة للفضاء الاملس يحكمها قانون النوموس ‪ ، nomos‬الذي‬
‫يسرعها بإعتباره قانون آلة الحرب البدوية التي تبتكر السرعة القصوى‪ .342‬لذلك فإن الفضاء ألاملس‬ ‫ّ‬
‫التعرف عليه من خالل دفوق القوى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محيطي ل حدود له‪ ،‬ويمكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلاقليمي النسبي الذي يقوم به رأس‬ ‫فلسفة تصل باإلقتالع‬ ‫ٍ‬ ‫في ما الفلسفة؟ يدعو دولوز (وغاتاري) الى‬
‫ّ‬
‫لمتناهية‪ ،‬ومن ثم تمحيه‬ ‫ٍ‬ ‫كحركة‬
‫ٍ‬ ‫محايثة‬
‫ٍ‬ ‫املال الى حالته املطلقة‪ ،‬وتقوم بتمرير رأس املال فوق مسطح‬
‫ضا جديدة ‪ .34‬ان‬ ‫جديدا وتؤسس أ ا‬ ‫ا‬ ‫حد داخلي‪ ،‬وتقلبه ضد نفسه كي تستدعي ا‬
‫شعبا‬ ‫من حيث هو ٌّ‬
‫ر‬
‫مطلوبا من الفيلسوف ان يكون‬ ‫ا‬ ‫الثورة هي خطيئة الفالسفة وإن كانوا ل يقودونها في الواقع‪ .‬وليس‬
‫سياسيا‪ ،‬بل املطلوب منه ان يصنع الثورة على مستوى الفكر املحض‪ ،‬ألن كل‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫حاكما‬ ‫ا‬
‫قائدا للثورة أو‬
‫مهما لن ّ‬
‫شيئا ا‬ ‫ا‬ ‫ش يء يعود في النهاية الى الفكر‪ .‬ما لم ّ‬
‫يتغير على مستوى الواقع‪،‬‬ ‫تتغير طريقة التفكير فإن‬
‫حتى لو قامت الثورة‪ ،‬ألنها ما تلبث ان تنقلب ضد ذاتها‪ .‬لذا‪ ،‬على الفيلسوف ان يقوم بالثورة الدائمة‬
‫ايضا ان يصير ا‬ ‫إل ببطء‪ .‬وعليه ا‬ ‫ّ‬
‫شعبا حتى‬ ‫وأن ل يستعجل حدوثها في الواقع‪ ،‬ألن املجتمعات ل تتقدم‬
‫غريبا عن أمته‪.‬‬ ‫يمكن للشعب أن يتفلسف‪ .‬فالشعب أو ألامة في داخل الفيلسوف أو الفنان وإن كان ا‬
‫من هنا نقول انه من الخطأ القول ان الفالسفة ل سيما الكبار منهم‪ ،‬يعيشون في أبر ٍاج عاجية‪ ،‬فهم في‬
‫قلب عصرهم ومشاكله وهمومه وقضاياه‪.342.‬‬
‫ْ‬
‫يقول فرنسوا زورابيشفيلي‪ ، Zourabichvili ‬املتخصص في فلسفة جيل دولوز‪ ،‬ان وظيفة الفلسفة‪،‬‬
‫عالمات في‬
‫ٍ‬ ‫عند هذا ألاخير‪ ،‬تكمن في معاينة العالم أو الطبيعة في حدثيتها ‪ ،événementialité‬في ابتكار‬
‫فلسفة أسئلة عامة بل باألحرى خاصة ّ‬ ‫َ‬
‫ومميزة‬ ‫اللغة تحافظ على فردانيتها أو تمايزاتها‪ .‬ليست الفلسفة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫خطابا حول الحياة ولكن نشاط حيو ّي‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ومتفردة‪ ،‬أسئلة تعاين الحدث على انه حدث‪ .‬كما انها ليست‬ ‫ّ‬
‫تشتد وتقوى وهي تحافظ على انتقالتها‪ ،‬من أجل أن تثبت ذاتها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫وتقيم‬ ‫نمط تمتلكه الحياة من أجل أن‬
‫وتشوش السيستام الفصلي للزمن‪ .‬ولن يقوم الافهوم بتمثيل الواقع ول بشرحه‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫تشعباتها في اثبات‬
‫‪346‬‬
‫‪Bell, David, Fail again. Fail better: Nomadic utopianism in Deleuze & Guattari and Yevgeny Zamyatin,‬‬
‫‪Political Perspectives 2010 Vol. 4 (1), P 9.‬‬
‫‪347‬‬
‫‪Milles Plateaux, PP 479 - 481.‬‬
‫‪348‬‬
‫‪Deleuze, Gille & Guattari, Félix, Qu’est-ce que la philosophie?, Les Éditions De Minuit, Paris, 2005, P 95.‬‬
‫‪ 90‬جيل دولوز وتجديد الفلسفة‪ ،‬ص ‪89‬‬
‫‪ ‬فرنسوا زورابي ْشفيلي ‪ ) 998-8089( François Zourabichvili‬فيلسوف فرنسي معاصر متخصص في فلسفتي اسبينوزا وجيل دولوز‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫انه ينسج دراما محضة في ما سوف يأتي‪ ،‬بغض النظر وبالستقالل عن ألاشخاص أو املوضوعات؛‬
‫وهكذا‪ ،‬يصبح بالمكان ألفاهيم آلاخر‪ ،‬الفضاء‪ ،‬الزمان‪ ،‬املادة‪ ،‬الفكر‪ ،‬الحقيقة‪ ،‬املمكن ألخ أن تصبح‬
‫ا‬ ‫ألنها ُت َ‬
‫عامل على ّانها أحداثا ‪.351‬‬ ‫أفاهيما ّ‬
‫ا‬
‫ّ‬
‫وعلى هذا النحو‪ ،‬يمكن القول ان الفكرالفلسفي الذي يريده دولوز هو سرعة مطلقة لتواصل وترابط‬
‫واتصال التحديدات او الصفات املجردة‪ ،‬والعامة‪ .‬فالفكر َيخلق ويبتكر اي انه يجمع بشكل ّ‬
‫حر‬
‫ا‬ ‫مسطح املحايثة‪ ،‬مما يعني انه ليس ّ‬ ‫ّ‬
‫مهج ارا‪ ،‬ومثبتا ملرة واحدة في بناء افاهيمي؛ انه في‬ ‫التحديدات فوق‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ذاته ٌ‬
‫محضا يصل الى سرعات لمتناهية‪.‬‬ ‫حر‪ ،‬منفلت‪ ،‬منعتق‪ ،‬مقتلع من جذوره‪ ،‬بإعتباره تدفقا‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ض جديدة‪ ،‬ملكان كتابة‬ ‫والفكر ايضا ل مكان له فهو لهذا السبب يوتوبي؛ وهو في ذاته يحوي نداء ألر ٍ‬
‫متعال يجب تقليده‪ ،‬ل بل انه‬ ‫مثال‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫وتسجيل جديد‪ ،‬لشعب جديد؛ وألنه إقتالعي فهو ل يعبرعن ذاته في ٍ‬
‫ا‬
‫آلان وهنا يتصل بما هو موجود من دون ان يكون مثال ل يبغي ان يتم استحضاره وتخطيطه‪ ،‬وان‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫إلاقليمي املطلق للفكر‪،‬‬ ‫برنامج له هوية ومبني مسبقا‪ .‬والثورة تتزامن مع إلاقتالع‬ ‫ٍ‬ ‫يشتغل كنموذج او‬
‫ّ‬ ‫دوما والذي سبق ّ‬‫ّ‬ ‫من حيث انها صيرورة محضة‪ ،‬وواقع افتراض ي يصير ويأتي ا‬
‫وتم تخطيه في زمن‬
‫آلايون‪.350‬‬
‫يريد دولوز من الكتابة‪ ،‬كي تفلت من التشفير ومن سجون فكر الدولة‪ ،‬أن تكون جذمورية وليس‬
‫قوة‬‫شجرية كما هي جينولوجيا الفكر املهيمن أو السائد‪ ،‬بإعتبار ان الجذمور هو طريقة تفكير ذات ّ‬
‫ّ‬
‫خالقة ترفض البناءات الثنائية والتماثلية والتراتبية‪ ،‬وتعمل على اظهار الطرائق املتعددة لكيفية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فكر أو ممارسة أو أفهوم‪ .‬وعلى الضد من الفكر السياس ي الشجري بنسخاته العديدة والذي‬ ‫مقاربة اي ٍ‬
‫فكر ّ‬‫فإن الفكر الجذموري ٌ‬ ‫ّ‬
‫ثوري يسمح‬ ‫ينطلق من الفرد الى العائلة فالدولة والقانون كما عند هيغل‪،‬‬
‫ّ‬
‫بتعددية في الاقترانات والروابط واملنظورات وبالتالي في الابداعات‪ ،‬وهو القادر على ان ينتج خط هروب‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ممتد‪.‬‬ ‫فضاء‬
‫ٍ‬ ‫فضاء لحدود له ويجابه في جريانه كل النقاط التي تستخدم كمواقع ثابتة في‬ ‫ٍ‬ ‫يجري في‬
‫ّ‬
‫إلاقليمي وبإعادة ألاقلمة‪.‬‬ ‫يتواصل الجذمور فوق الفجوات والشقوق‪ ،‬وفي آلان عينه يقوم باإلقتالع‬
‫الجذمور هو آلة الحرب البدوية التي دعا دولوز (وغاتاري) اليها‪ ،‬ألن الكتابة البدوية او الجذمورية هي‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫أسطحا ‪plateaux‬‬ ‫وتكون مصاهرات تبني‬ ‫بسرعة قصوى كي تشكل خطوطا‬ ‫ٍ‬ ‫تلك التي تتحرك‬
‫‪357‬‬
‫مؤقتة‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫‪Zourabichvili, François, Deleuze : une philosophie de l'événement, presses universitaires de France, 2e édition,‬‬
‫‪Paris 1996, P 121‬‬
‫‪351‬‬
‫‪Mengue,‬‬ ‫‪Philippe,‬‬ ‫‪Deleuze‬‬ ‫‪et‬‬ ‫‪la‬‬ ‫‪question‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪l’utopie,‬‬ ‫‪sur‬‬ ‫‪le‬‬ ‫‪site :‬‬
‫‪http://www.upavignon.org/IMG/pdf/Deleuze-Utopie.pdf , P 20.‬‬
‫‪352‬‬
‫‪The Deleuze Dictionary -Revised Edition, P237‬‬
‫‪122‬‬
‫املرضية‪ ،‬وتبدو الكتابة‬ ‫وفي كتابه النقد والعيادة يرى دولوز ان العالم يشبه مجموع ألاعراض َ‬
‫مة تأتت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫عما‬ ‫مقاو ٍ‬
‫ِ‬ ‫بصحة‬
‫ٍ‬ ‫ع‬ ‫يتمت‬ ‫ألنه‬ ‫ولكن‬ ‫عظيمة‬ ‫عافية‬ ‫كمؤسسة صحية‪ ،‬ليس ألن الكاتب يمتلك‬
‫تحملها‪ ،‬ما ينهكه ولكن في آلان عينه‬ ‫عاشه وشعر به من اشياء كبيرة وخطيرة‪ ،‬من تجارب ل يمكن ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫العامة للرأي العام املهيمنة والسائدة ان تجعلها مستحيلة؛ انها‬ ‫ات تحاول العافية‬ ‫يمنحه صيرور ٍ‬
‫ُ‬ ‫‪353‬‬ ‫ُ‬
‫رؤية جديدة تفتح لها طريق العبور والانتقال‬ ‫"عافية سبينوزا الخاصة" ‪ ،‬بقدر ما تدوم‪ ،‬تشهد على ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫كي تحرر الحياة ّ‬
‫وصحة وصيرورة‬ ‫مما يسجنها داخل الانسان وخارجه‪ .‬تصبح الكتابة البدوية عافية‬
‫تماما كما تفعل الكتابة الاميركية حين ينقل الكاتب‪ ،‬مثل ملفيل‪ Melville ‬أو‬ ‫ا‬ ‫شعب‪،‬‬ ‫خلق‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ميلر ‪ ،Miller‬ذكرياته الخاصة فإنه في آلان عينه يكتب ّ‬
‫ذكريات كل املهاجرين الذين أتوا‬ ‫ٍ‬ ‫ويحدثنا عن‬
‫ّ‬
‫الكتابة ليس هو الشعب املدعو‬ ‫ِ‬ ‫الى أميركا من كل قارات العالم‪ .‬ولكن الشعب الذي يتم استحضاره في‬
‫صيرورة‪ّ -‬‬ ‫ٌ‬ ‫صغير ا‬
‫ٌ‬ ‫الى الهيمنة على العالم‪ ،‬بل انه " ٌ‬
‫مكتمل‬‫ٍ‬ ‫ثوري [‪ ]...‬غير‬ ‫ٍ‬ ‫دوما‪ ،‬مأخوذ في‬ ‫شعب صغير‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫دائما [‪ ]...‬انه صيرورة الكاتب‪ .‬يمثل كافكا بالنسبة الى اوروبا الوسطى‪ ،‬وملفيل بالنسبة الى أميركا‬
‫تعبيرا سوى من خالل‬ ‫جماعي لشعب صغير‪ ،‬أو لشعوب صغيرة ل تجد لها ا‬ ‫ّ‬ ‫الكتابة من حيث هي ٌ‬
‫نطق‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫‪354‬‬
‫الكاتب وفيه‪".‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫هذيان ل‬ ‫حرب بدوية وهذيانية‪ ،‬فهي‬ ‫حرب‪ ،‬ولكنها آلة ٍ‬ ‫ان الكتابة الجذمورية‪ ،‬الكتابة كصيرورة هي آلة ٍ‬
‫ّ‬
‫الثوري الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحيل الى ألام وألاب كما في التحليل النفس ّي‪ّ ،‬‬
‫يمر في الشعوب والبالد‬ ‫ولكنها الهذيان‬
‫املرض ي‬ ‫الصحي للهذيان في مقابل وجهه َ‬ ‫ّ‬ ‫والاعراق والقبائل؛ أو بالتحديد الكتابة كصيرورة هي الوجه‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫الذي يجعل من الكتابة هيمنة لعر ٍق على أعر ٍاق أخرى‪ ،‬بينما الهذيان الثوري للكتابة هو صيرورة عر ٍق‬
‫مقموع ومستعبد ويبحث عن التحرر‪ ،‬ولو ان هناك خطورة دائمة في أن يغلب املرض على العافية وعلى‬
‫ائدا‪ .‬ولهذا السبب على اللغة الادبية ان‬ ‫قامعا وس ا‬ ‫ا‬ ‫الصيرورة‪ ،‬فيصبح هذا العرق أو الشعب املقموع‬
‫لغة أخرى ولكن صيرورة – ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ترسم ا‬
‫آخرا‬ ‫لغة أجنبية أو غريبة‪ ،‬التي ليست‬ ‫دوما خط هروبها بتحولها الى ٍ‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫إنقاص ‪ minoration‬للغة الغالبة واملهيمنة‪ ،‬اي انها لغة تظهر وكأنها" خط‬ ‫‪ devenir-autre‬للغة اي‬
‫ٌ‬
‫إبتكار نحو ّي ‪ ،syntaxique‬نمط‪ ،‬ها هي صيرورة اللغة‪ :‬ليست‬ ‫ٌ‬ ‫يفر من السيستام املهيمن [‪]...‬‬ ‫مشعو ٍذ ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬
‫اف وخبير [هذا] هو هدف ألادب‪:‬‬ ‫لكلمات [‪ ]...‬تخرج عن اللغة بل هي خارجة في اللغة‪ .‬الكاتب كعر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خلقا‬
‫تكون ألافكار"‪.355‬‬ ‫انه مرورالحياة في اللغة التي ّ‬

‫‪353‬‬
‫‪Deleuze, Critique et clinique, P 14.‬‬
‫‪ ‬هرمان ملفيل ‪ )8108-8180( Herman Melville‬روائي‪ ،‬قصصي‪ ،‬وشاعر أميركي‪ .‬اشهر رواياته "موبي ديك" ‪.Moby-Dick‬‬
‫والتصوف‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬المقصود هنا هو الروائي األميركي هنري ميلر (‪ )8019-8108‬روائي ورسّام أميركي شهير‪ .‬مزج في اعماله بين القصة والفلسفة‬
‫والنقد االجتماعي‪ ،‬في اسلوب يخرج عن االنماط التقليدية السائدة‪ .‬من أبرز رواياته "مدار السرطان"‪.‬‬
‫‪354‬‬
‫‪Ibid, P 15.‬‬
‫‪355‬‬
‫‪Ibid., PP 15 - 16‬‬
‫‪123‬‬
‫ا‬ ‫ولهذا السبب يصبح بالمكان القول ان ّ‬
‫الفلسفة هو الصيرورة – فلسفة‪ ،‬صيرورة تتعامل مع‬ ‫ِ‬ ‫هم‬
‫كحقل من التجريب والتجارب الراديكالية‪ ،‬اي بمعنى آخر هي صناعة للصيرورة في‬ ‫ٍ‬ ‫مسطح املحايثة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شكل من البداوة‪ ،‬في‬ ‫ِ‬ ‫الافهوم ذاته‪ ،‬الافهوم الذي ل نمتلكه‪ ،‬الذي علينا ان نصوغه بأنفسنا في‬
‫أشياء أخرى‪ .356‬وكما ل ّ‬ ‫ا‬
‫يتحرك البدو ولكنهم يستوطنون‬ ‫ٍ‬ ‫جانب‬‫ِ‬ ‫الى‬ ‫فالسفة‬ ‫وغير‬ ‫فالسفة‬ ‫الصيرورات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتحرك في الفضاء‬ ‫الفضاء ألاملس الذي تقطعه خطوط الهروب والتعدديات‪ ،‬فعلى الفلسفة ان‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫محايثة وليس محزو ازا مغلقا على نفسه يمكن تقسيمه وتوزيعه‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫فضاء‬ ‫فضاء مفتوح‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ألاملس الذي هو‬
‫وتقليصه‪ ،‬بل بالعكس ا نه الفضاء الاملس حيث يمكننا الانطالق من جديد ألنه غير منقسم‪ ،‬تام‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫ويشكل كال محايثا‪ .‬وبإعتبار ان الفكر يتأثر بالفضاء‪ ،‬سيكون الفكر الفلسفي البدو ّي ذلك الفكر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتحرر‪ ،‬الذي يقوم على الصدفة والحدس‪ ،‬والذي سيجول فوق خطوط الهروب‪ ،‬ل الذي سينغلق‬
‫إلاقليمي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫قوة تجابه الفكر‬ ‫وهرميا؛ انه فكر الاقتالع‬ ‫عاموديا‬ ‫على معطيات متراتبة فوق مسطح التعالي‬
‫فضاء أملس‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫دوما اعادة أقلمة وتجزيء كل‬ ‫الدولني ّالذي سيحاول ا‬
‫ّ‬ ‫إمكانيات جديدة للحياة عبر ألافاهيم التي ّ‬
‫تقدمها فوق مسطح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وهكذا‪ ،‬وإن كان على الفلسفة ان تبتكر‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫محايثتها‪ ،‬فإن الفن من ناحيته‪ ،‬هو إبداع لألشاعير (جمع اشعور) الذي ل يعني عبورا من ٍ‬
‫حالة الى‬
‫َ‬
‫إنسان لإلنسان ‪ ،devenir non humain de l’homme‬وهي صيرورة ل‬ ‫ٍ‬ ‫أخرى بل يعني صيرورة ل‪-‬‬
‫بتأمله‪ ،352‬وعلى الفنان أن يكون‬ ‫تجعلنا نكون في العالم بل نصير مع العالم‪ ،‬أو بالحرى نصير العالم ّ‬
‫ّ‬
‫دوما تنويعات ‪ variétés‬جديدة للعالم‪ ،‬فهو ل يبتكر الاشاعير في فنه أو في‬ ‫عر اافا ‪ voyant‬ألنه يضيف ا‬ ‫ّ‬
‫ا‬
‫عمله ألادبي فقط‪ ،‬بل انه يعطينا اياها ويجعلنا نصيرها‪ ،‬اي يخلق روابطا جديدة مع هذا العالم‪ ،‬كما‬
‫التغيرات في تجارب‬ ‫ويعبر الاشعور عن ّ‬ ‫بين الناس‪ ،‬وفي هذه الروابط يكمن انتصار الثورة املحايث ‪ّ .35‬‬
‫قوة تجريب تجعله قاد ارا على انتاج وتنظيم نتائج الحركة‬ ‫الحياة والوجود‪ ،‬وبهذا املعنى الاشعور هو ّ‬
‫ّا‬
‫والزمن لألجساد؛ وحين يصطدم هذا الاشعور بالجساد ويمزجها مع بعضها البعض يصبح مغلفا‬
‫ُ‬
‫خضح سيستامات املعرفة والتاريخ والذاكرة‬ ‫باإلحساس‪ ،‬ويصبح صيرورة فكرة‪ ،‬ويكون بإمكانه أن ي ِ‬
‫يغير املعاني والعالقات ويبتكر‬ ‫والسلطة‪ ،‬وهو يشتغل كدينامية رغبة في داخل كل ارتصاف من أجل ان ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الكثافة‪.352‬‬
‫ِ‬
‫ويصرحون ان ما ينقص هو الشعب ‪ ":‬ل يمكن‬ ‫ّ‬ ‫شعبا ما‪،‬‬ ‫وبحسب دولوز‪ ،‬يستدعي الفنانون الكبار ا‬
‫إل ان يستدعي ا‬ ‫ّ‬
‫شعبا‪ ،‬وهو في حاجة اليه في العمق الدفين لعمله‪ ،‬ليس له أن يخلقه ول‬ ‫للفنان‬

‫‪356‬‬
‫‪Alliez, Eric, the Signature of the World, Or, What is Deleuze and Guattari's Philosophy? Continuum, London,‬‬
‫‪2004, P 30‬‬
‫‪357‬‬
‫‪Qu’est-ce que la philosophie?, P 160‬‬
‫‪358‬‬
‫‪Ibid. PP166-167‬‬
‫‪359‬‬
‫‪The Deleuze Dictionary -Revised Edition, P 13.‬‬
‫‪124‬‬
‫يستطيع‪ .‬الفن هو ما يقاوم‪ :‬يقاوم املوت‪ ،‬العبودية‪ ،‬املجاعة‪ ،‬والكره؛ ولكن ل يمكن للشعب أن‬
‫ُ َ‬
‫ظل ِم َح ٍن فظيعة؟ حين يخلق الشعب‪ ،‬فإنه يقوم‬ ‫خلق في ّ‬ ‫لشعب ما أن ي‬
‫ٍ‬ ‫ينشغل بالفن‪ .‬كيف يمكن‬
‫ا‬
‫بطريقة يلتقي فيها الفن ما كان‬
‫ٍ‬ ‫بطريقة يلتقي فيها شيئا من الفن [‪ ]...‬أو‬
‫ٍ‬ ‫بذلك بوسائله الخاصة‪ ،‬ولكن‬
‫‪361‬‬
‫ينقصه"‬
‫اليسارواملقاومة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مصورة‪ ، 360‬يقول دولوز ان اليسار "ليس سوى مسألة إدراك" أو بصيرة‪ ،‬ول يتعلق ألامر‬ ‫في مقابلة‬
‫بمجرد صر ٍاع على السلطة والحكومة‪ ،‬باألخص أنه ل يمكن لحكومة أن تكون‬ ‫ّ‬ ‫ببرنامج حزبي ما‪ ،‬أو‬
‫حال من الاحوال ان ل إختالف بين الحكومات‪ ،‬ولكن أقص ى ما يمكن‬ ‫يسارية‪ ،‬رغم ان هذا ل يعني بأية ٍ‬
‫ّ‬
‫أن نأمل به من الحكومة هو أن تتبنى بعض املطالب والبرامج اليسارية‪ ،‬ولكن ان تكون الحكومة‬
‫ّ‬
‫يسارية فهذا مستحيل‪" ،‬طاملا أن الحكم ليس من اليسار"‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن الواضح ان دولوز يرفض الصورة الدوغمائية للفكر اليساري الذي يرى السلطة بإعتبارها سلطة‬
‫طبقة اقتصاية أو إجتماعية ( البرجوازية في النمط الرأسمالي والبروليتاريا في الاشتراكية)‪ ،‬وأن السلطة‬
‫ا‬ ‫ُ‬
‫جوهرا قد ينتقل عبر الثورة من‬ ‫تنحصرفي آلة الدولة‪ ،‬وهي التي تحددها السلطة الاقتصادية بإعتبارها‬
‫َ‬
‫املستغلين الى املستغلين‪ ،‬وأن الطبقة املهيمنة أو الحاكمة البرجوازية تعيد‬
‫ِ‬ ‫هيمنة طبقية الى أخرى‪ ،‬من‬
‫ّ‬
‫والقوة أو عبرالايديولوجيا وأجهزتها‪.‬‬ ‫انتاج نظامها عبرالعنف‬
‫وقد يبدو دولوز أقرب الى التيارات التحررية الانارشية (الالسلطوية) اليسارية منها الى التيارات‬
‫املاركسية اللينينة التي يرفضها برفضها‪ ،‬ليس فقط لواحدية العقيدة السياسية التي تتبناها‪ ،‬بل‬
‫لدعوتها ملركزية حزبية وسياسية تعتقد انها القادرة على قيادة الطبقة العاملة بإعتبارها الطبقة‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫غامضا في ما يتعلق باليسارالكالسيكي هو من ناحية أولى التشكيك‪ ،‬على‬ ‫الثورية الوحيدة‪ .‬وان ما يبدو‬
‫ّ‬
‫التصورات‬ ‫يتوجه ضد املاركسية بقدر ما ّ‬
‫يتوجه ضد‬ ‫الصعيد النظري‪ ،‬بمسألة السلطة‪ ،‬وهو تشكيك ّ‬
‫البرجوازية‪ ،‬وعلى صعيد املمارسة العملية من ناحية ثانية‪ ،‬حيث ل يرى دولوز ان النضالت املحلية‬
‫شمولية‪ ،‬بل ضمن ما ّ‬
‫يسميها غاتاري املستعرضية‬ ‫ٍ‬ ‫تمركز أو‬ ‫واملحددة يمكن لها ان تندرج ضمن سيرورة‬
‫ٍ‬
‫‪ .transversalité‬وإن كانت النظرية واملمارسة ل ينفصالن البتة‪ ،‬فإن اليسارية لم تكف عن املحافظة‬
‫جدا وعن اعادة ادخالها‪ ،‬ومن ثم محاولة إخفائها وحجبها من‬ ‫على مقتطفات من املاركسية مختصرة ا‬
‫أجل اعادة انتاج مركزية وشمولية جديدة بالخص في تلك املجموعات التي انشقت عن التنظيم‬
‫املستعرضة ‪Les luttes transversales‬‬
‫ِ‬ ‫الستاليني شديد املركزية‪ 367.‬يدخل دولوز أفهوم النضالت‬
‫‪360‬‬
‫‪Pourparlers, P 235.‬‬
‫‪361‬‬
‫‪Gilles Deleuze : L for Left/G comme gauche, sur le site électronique :‬‬
‫‪http://www.youtube.com/watch?v=JV32K1XJiqs‬‬
‫‪362‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Foucault, éditions de minuit, 2eme édition, 2004, P 32‬‬
‫‪125‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫نموذجا لها في أحداث أيار\مايو ‪ 6‬الباريسية بوصفها شبكة مستعرضة لنضال ٍت كفت عن‬ ‫التي تجد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫نضال حيث ل يوجد ممثلون‪ .‬ل أحد يمثله‪،‬‬ ‫ان تكون ممركزة‪ ،‬انه " نمط جديد من النضال [‪ ]...‬انه‬
‫ّ‬
‫ابدا انها‬ ‫يمثله [‪ ]...‬وان كنتم تؤمنون بالفلسفة لن تفكروا ا‬ ‫أحد ما أن ّيدعي انه‬ ‫ولم يكن بإستطاعة ٍ‬
‫نقدا لتمثيل إن لم ننغمس في املمارسة التي ّ‬ ‫نوجه ا‬ ‫شأن املثقفين‪ .‬لن يمكننا ان ّ‬ ‫ُ‬
‫يجرها هذا النقد‪.‬‬
‫أتحدث بإسم آلاخرين‪،‬‬ ‫واملما سة التي يأتي بها هذا النقد تبدو بغاية البساطة‪ ،‬فهي تريد أن تقول انني ل ّ‬
‫ر‬
‫ّ ّ‬
‫ول اعتقد انني أمث ُل أحدهم"‪.363‬‬
‫طرح هو‬ ‫التحكم أو الاتصالت في الفصل السابق‪ ،‬فإن السؤال ّالذي ُي َ‬ ‫ّ‬
‫عاينا مالمح مجتمع‬ ‫كنا قد ّ‬‫ّ‬
‫وإن‬
‫ّ‬
‫هروب والانفالت من رعب هذا التحكم‪ .‬ففي مواجهة آلالت‬ ‫ٍ‬ ‫حول الكيفية التي يمكن فيها رسم خط‬
‫أشكال من‬ ‫ٌ‬ ‫أشكال من الانتهاكات والانشقاقات أو من ناحية أخرى‬ ‫ٌ‬ ‫شكل إجتماعي تقف‬ ‫الخاصة بكل ٍ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املقاومة التي تالئم كل آلة‪ ،‬فإن كنا نتكلم عن حركة تخريب وتحطيم آلالت بإعتبارها خرقا وإنتهاكا‬
‫العمالية كشكل مقاومة لهذه املجتمعات‪ ،‬فإن القرصنة‬ ‫يخص مجتمعات الانضباط‪ ،‬والاضرابات ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الالكترونية والفيروسات الالكترونية هي إلانتهاك الذي يواجه آلالة السيببرنية‪ ،‬بينما ستشكل الاقليات‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫املستعرضة وذات الطبيعة الفصامية شكال من أشكال املقاومة لهذه آلالة ألاخيرة‪.‬‬ ‫الثورية‬
‫ّ‬
‫ويرى دولوز ان املقاومة في مجتمعات التحكم لم تكن ا‬
‫يوما غائبة‪ ،‬مثلها مثل اشكال املقاومة في‬
‫ُ‬ ‫نظر الى هذه املقاومة وكأنها " ّ‬ ‫ُ َ‬
‫لشيوعية ُينظر اليها‬ ‫ٍ‬
‫تقدم من جديد ا‬
‫فرصا‬ ‫املجتمعات السابقة‪ ،‬وقد ي‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫مستعرض ألفر ٍاد أحرار"‪ ،‬بينما الامر هو بالحرى مختلف عن ذلك بحسب دولوز الذي‬ ‫تنظيم‬ ‫وكأنها‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫اختالس للخطاب أو للغة كي يكون الابتكار شيئا مختلفا‬ ‫ٍ‬ ‫نوع من سرقة أو‬ ‫ّيرى ان من اللزوم حصول ٍ‬
‫وكالم والتي اخترقها املال بسبب طبيعة الرأسمالية؛ فاملهم‬ ‫كل ايا عن الاتصالت التي افقرت ّ‬
‫خطاب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫ّ‬ ‫محولت كهربائية ‪ ،interrupteur‬كي ّ‬ ‫تجاويفا من الال‪-‬اتصالت‪ّ ،‬‬ ‫ا‬
‫نفرمن التحكم"‪.364‬‬ ‫هو "ان نخلق‬
‫فرصا جديدة للحياة‪ ،‬اذا يتعلق الامر بتعاقب مبيان‬ ‫وفي كل ألاحوال فإن ما تمنحه املقاومة هو ا‬
‫ئط‪ ،‬وفي كل‬ ‫اكب لخرا ٍ‬ ‫نقطة وأخرى‪ ،‬كما هي عبارة عن تر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ diagramme‬هي صيرورة قوى‪ ،‬وعالقة بين‬
‫مبيان نجد بالضافة الى نقاطه الثابتة‪ ،‬تلك النقاط املنفلتة واملتحررة‪ ،‬اي نقاط الابداع واملقاومة‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫والتغيير والانحراف‪ ،‬وهي النقاط التي نستطيع من خاللها أن نفهم املجموعة كلها؛ وإنطالقا من‬
‫عصر‪ ،‬ومن انماط واشكال النضال بإمكاننا فهم تعاقب الخرائط واملبيانات أو انفصالتها‬ ‫ٍ‬ ‫نضالت كل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫وانقطاعها عن بعضها البعض‪ّ ،‬‬
‫يخصه‪ ،‬وهو‬ ‫شكل خط الخارج ‪ ligne de dehors‬الذي‬ ‫نمط أو ٍ‬ ‫فلكل ٍ‬ ‫ِ‬

‫‪363‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Foucault - Le Pouvoir cours 9 du 07/01/1985 – 2, sur le site :‬‬
‫‪http://www2.univ-paris8.fr/deleuze/article.php3?id_article=438‬‬
‫‪364‬‬
‫‪Pourparlers, P 238.‬‬

‫‪126‬‬
‫محيطي ّ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫يمر في كل نقاط املقاومة‪ ،‬ويصطدم بكل املبيانات‪ ،‬وينحرف‬ ‫خط بال بداية أو نهاية‪ ،‬خط‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫وينعطف كما حصل في أيار\مايو ‪ ،6‬اذ ّ‬
‫تعريف مثلث‪":‬‬
‫ٍ‬ ‫تحولت الكتابة الى ما يجب ان تكون عليه في‬
‫ا‬
‫أن نكتب أي ان نناضل‪ ،‬ان نقاوم‪ ،‬الكتابة هي الصيرورة؛ أن نكتب اي أن نرسم خرائطا"‪.365‬‬

‫‪365‬‬
‫‪Deleuze, Gilles, Foucault, éditions de minuit, 2eme édition, 2004, P 51.‬‬

‫‪127‬‬
‫الخاتمة‬
‫قدمه جيل دولوز في فلسفته الرغبوية‪/‬‬ ‫نبين وجه الابتكار ّالذي ّ‬ ‫حاولنا في مجمل ما تناولناه أن ّ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫فلسفيا راهنا‬ ‫السياسية إن أمكن وصفها كذلك‪ .‬ان هذا الابتكار أو التجديد يجعل من دولوز حدثا‬
‫قدمه هو للحدث‪ ،‬أو ربما يلزم أن نرى الى الابداع الدولوزي من حيث كونه بداوة فكرية أو‬ ‫باملعنى ّالذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫وتصورات أو‬ ‫خطا للهروب من كل السيستامات التي لم تسجن الفكر الفلسفي ضمن أفاهيم ومبادىء‬
‫قيدت املمارسة السياسية اليومية لألفراد وللشعوب في‬ ‫أيديولوجيات ومصالح فحسب‪ ،‬بل ا‬
‫ايضا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرأسمالي‪ ،‬وهي عبودية ما انفكت تؤدي‬ ‫محاولتها الانفالت والتحرر من العبودية على النمط الفاش ي أو‬
‫محن ومآس ي وحروب وتمايزات اقتصادية واجتماعية وثقافية وحتى عرقية‪.‬‬ ‫ما تؤدي اليه من َ‬
‫قدمناه في فصول بحثنا نقول اننا بدأنا بتناول الفهم الدولوزي للرغبة من حيث هي آلة‬ ‫وفي تلخيص ملا ّ‬
‫ثوري وسيرورات دفوق عابرة لألفراد وللعائلة ولقواعد التمثيل‪ ،‬كما ّبينا ان هذه الرغبة من‬ ‫ّ‬ ‫إنتاج‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫حيث هي كذلك ل تتصل بالنقص والعيب والحرمان والاشباع كما كان يتصورها الفكر الفلسفي‬
‫مجرد ميل فردي‬ ‫بصيغته الافالطونية‪ .‬ان هذا الفهم الجديد للرغبة ل من حيث هي نقص وعيب أو ّ‬
‫تصور التحليل النفس ي الفرويدي أو علم النفس بشكل عام‪ ،‬يجعلها في‬ ‫ّ‬ ‫ينتهي عند الاشباع كما‬
‫املنظور الدولوزي آلة انتاج هائلة تخترق الافراد والجماعات والدول والتنظيمات وألاحداث والوقائع‬
‫ٌ‬
‫ثورية ا‬ ‫ّ ا‬
‫ايضا في ابتكارها الجديد من الحياة‬ ‫مكونة ارتصافات جماعية ولغوية‪ ،‬ل بل انها آلة‬ ‫الطبيعية‬
‫مما تريده قوى الاستبداد والسوق في استثمارها لها‪ .‬ان الرغبة‬ ‫بكافة أشكالها بالتحديد حين تتحرر ّ‬
‫طبيعيا أو ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫عفويا‪ ،‬ما يعني ان‬ ‫مبدإ رئيس ّ ٍي من مبادئها‪ :‬فهي لم تعد محددة‬ ‫بإعتبارها إرتصافا يشير الى ٍ‬
‫حر‬ ‫تحرير الرغبة ل يعني إنفالتها من ّ‬
‫تعبير ٍ‬
‫ٍ‬ ‫قيود أو أن يفعل املرء ما يرغب به‪ ،‬فهي ليست دعوة الى‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫بناء لهذه الرغبة؛ أن نرغب‪ ،‬باملنظور الدولوزي‪،‬‬ ‫عن الغرائز‪ ،‬بل ان تحرير الرغبة هو بالعكس نتاج ٍ‬
‫ّ‬ ‫نرسم درابا‪ ،‬أن ّ‬ ‫َ‬
‫تصافات وروابط‪ ،‬أن نستشعر الفرح حين نعدل بالجسد الخالي من‬ ‫ٍ‬ ‫نكون ار‬ ‫معناه أن‬
‫وتتعدل حتى نصل الى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتتحول‬ ‫فرحين‪ ،‬اي انه السماح للرغبة بأن تجر َي وتصير‬ ‫بشكل يجعلنا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الاعضاء‬
‫مأمولة لكل سيرورة الانتاج الراغب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫نتيجة‬
‫ٍ‬ ‫كخالصة أو‬
‫ٍ‬ ‫الابداع‬
‫ا‬
‫لم تعد الرغبة مع دولوز‪ ،‬كما في التقاليد الافالطونية أو الالهوتية‪ ،‬مكمنا للمعاناة وألالم والخطيئة‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫كما في التحليل النفس ي السبب الذاتي للكبت والقمع‪ .‬بل ان هذه ألاخير‪ ،‬بما يتعلق بها من أخالقيات‬
‫ومشاعر بالدونية والذنب وبما تنتجه على مستوى حياة الافراد والجماعات‪ ،‬ليست سوى نتيجة‬
‫ا‬ ‫ّ ُ‬
‫بدع‪ .‬ربطا بذلك‪ ،‬انتقلنا الى‬ ‫تصاف يمكنه ان يحرر الرغبة ويطلقها ويجعلها تتفتح وت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إلستحالة بناء إر‬
‫ٍ‬
‫خضم التاريخ واملجتمع في ما يشبه أركيولوجيا للرغبة تضعها في مواجهة‬ ‫ّ‬ ‫البحث في الرغبة وسيرورتها في‬
‫ويبين دولوز في هذا الفصل ان التاريخ‬ ‫قوى التشفير والاكسيوماتية بصيغتها الرأسمالية الراهنة‪ّ .‬‬

‫‪128‬‬
‫الحقيقي هو تاريخ قمع الرغبة في ارتصافاتها الجماعية والنطوقية‪ ،‬وأن عصرنا الحالي يمتاز بقدرته‬
‫الهائلة على تأبيد هذا القمع بتفكيكه لشيفرات الرغبة واستثمارها في ما يخدم السلطة والسوق‪ .‬و‬
‫ّ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل منا‬ ‫قمع‪ ،‬وعلى‬
‫ٍ‬ ‫وليس‬ ‫فرح‬
‫ٍ‬ ‫مصدر‬ ‫الرغبة‬ ‫‪:‬‬ ‫يلي‬ ‫ما‬ ‫في‬ ‫ص‬ ‫تتلخ‬ ‫ان‬ ‫يمكن‬ ‫أوديب‬ ‫‪-‬‬ ‫آنتي‬ ‫ـ‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫سالة‬ ‫ر‬ ‫فإن‬ ‫برأينا‬
‫ان يخوض غمار الطريق الصعب ولكن املمكن في خريطة الرغبة بما تحتويه من خطوط طول وعرض‪،‬‬
‫اض‪ ،‬في محاولته ايجاد الشروط‬ ‫من تباطؤءات وسرعات‪ ،‬من ّ‬
‫وحوادث وأعر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫شدات ومصادفات‬
‫محايثة في مواجهة شيفرات التمثيل‬ ‫ٍ‬ ‫املناسبة كي تم ّر الرغبة فينا وتجعل من حياتنا اليومية صيرورات‬
‫والسلطة والاقتصاد‪.‬‬
‫ان النقد الدولوزي للرغبة كنقص نقلنا‪ ،‬في الفصل الثاني‪ ،‬الى تناول الصيغة الدولوزية املضادة‬
‫للتحليل النفس ي ومخياله ألاوديبي العائلي‪ ،‬حيث ّبينا كيف جابه دولوز – وغاتاري‪ -‬التحليل النفس ي‬
‫أداة تحليلية فقط‪ ،‬بل من ناحية انغالقه على ّ‬ ‫ا‬ ‫بالنقد القاس ي ليس من ناحية كونه ّ‬
‫تصور‬ ‫طب نفس ّي أو‬
‫كهنوتي وسلطو ّي‬ ‫ّ‬ ‫تمثيلي يخدم القوى التي تسعى الى تشفير الرغبة وقمعها‪ .‬وفي مقابل تحليل نفس ّي‬ ‫ّ‬
‫الفصامي كأداة تحليل وتحرير لقوى الرغبة ودفوقها من أجل الانفتاح على عالم‬ ‫ّ‬ ‫يحل دولوز التحليل‬ ‫ّ‬
‫يحل دولوز – وغاتاري – التحليل‬ ‫وعدته ومفاهيمه‪ّ ،‬‬ ‫والتحرر‪ .‬وبدل التحليل النفس ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫املمكن والابداع‬
‫الفصامي كأداة تحليلية ننطلق منها في فهم اقتصاد الدفوق‪ ،‬دفوق الرغبة وانتاجها الدائم من حيث‬ ‫ّ‬
‫استثمار للزمن واملصلحة ولرأس املال ل بد أن نجد‬ ‫برمته‪ ،‬فخلف كل‬ ‫هي لوعي الانتاج الاجتماعي ّ‬
‫ٍ‬
‫ا‬
‫للرغبة والعكس صحيح‪ .‬ل يعود التحليل الفصامي الى أريكة املحلل النفس ي ول يعيد انتاج‬ ‫ِ‬ ‫استثمارا‬
‫ذات أو أنا اسطورية‪ ،‬بل بالعكس‪ ،‬يصبح هذا‬ ‫مقدسة" جديدة كما يفعل فرويد‪ ،‬ول ينغلق على ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عائلة‬
‫" ٍ‬
‫ا‬ ‫َ ا‬
‫إكشتاف مضادة لألوديبية بما‬ ‫ٍ‬ ‫التحليل املبتكر آلة تكشف الشروط الالواعية للفكر كما للحياة‪ ،‬آلة‬
‫ّ‬ ‫مباشرة باإلجتماعي والتار ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتقدم‬ ‫يخي والسياس ّي‪،‬‬ ‫مفارق‪ ،‬آلة انتاجية تتصل‬ ‫ِ‬ ‫تمثيلي‬ ‫فكر‬
‫ٍ‬ ‫من‬ ‫له‬ ‫تمث‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫صورة جديدة للفكر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مسرحا يحيل ا‬ ‫ا‬ ‫وفي حين لم يجد فرويد في الالوعي سوى‬
‫العائلة‪ ،‬وفي حين لم ينظر الى الفصام‬ ‫ِ‬ ‫دوما الى‬
‫ا‬
‫مصنعا‬ ‫والهذيان الا من جهة الفرد والذات‪ ،‬يقوم دولوز بإطالق الالوعي على املجتمع والتاريخ‪ ،‬ويجعله‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بتصورات‬ ‫لإلنتاج الدائم الذي ل ينغلق على العائلة وعقدة أوديب بصيغتها الفرويدية‪ ،‬ويربط الهذيان‬
‫الفصام ل من ناحية كونه ا‬ ‫ُ‬
‫مرضا أو‬ ‫الشعوب وباألحداث السياسية وبالخيالت الجماعية‪ ،‬وينظر الى‬
‫تجسدا لآللة الراغبة في إنتاجها‪ُ .‬ويمكننا ان ننظرالى التحليل الفصامي من‬ ‫ا‬ ‫اض بل من ناحية كونه‬ ‫أعر ٍ‬
‫تعامل‬ ‫التصور التقليدي للرغبة‪ ،‬فهو‪ ،‬اي هذا التحليل‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ناحية كونه املقابل الايجابي والاثباتي لنقد‬
‫وتصورات ميتافيزيقية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واقعية آلوية‪ ،‬وليس ضمن افاهيم‬ ‫مادية‬ ‫مع الالوعي على انه يندرج ضمن‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الجزيئي‪ ،‬على عالم الانتاج وليس فقط على عالم‬ ‫ّ‬ ‫بنيوية أو حتى أيديولوجية‪ ،‬مما يفتح الالوعي هذا‪،‬‬
‫ا‬
‫التعبيرواللغة‪ ،‬كما عند لكان مثال‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫يخيا كما الى‬ ‫وقدمنا فيها كيف نظر دولوز الى الدولة تار ا‬ ‫في الباب الثاني انتقلنا الى السياسة الدولوزية ّ‬
‫وظائفها وموقعها في حركة تشفير دفوق الرغبة وتكبيلها‪ ،‬كما الى عالقة الدولة بالعنف وبالحرب‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫حرب بدوية‪.‬‬ ‫بإعتبارها آلة استيالء عمالقة تحاول دوما إخضاع كل تمر ٍد يتأتى عما سماه دولوز آلة ٍ‬
‫متابعا فوكو‬ ‫ا‬ ‫عما أطلق عليه دولوز‪-‬‬ ‫وبالعالقة مع الدولة وأجاهيزها ومع نمط الانتاج الرأسمالي ّ‬
‫تحدثنا ّ‬
‫ّ‬
‫– تسمية مجتمع التحكم بإعتباره الصيغة املعاصرة ملجتمعات الرأسمالية‪ ،‬كما انهينا هذا الفصل‬
‫جديدا للفاشية ليس‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫تفسيرا‬ ‫بالحديث عن الفاشية الجزيئية وهي مقولة ابتكرها دولوز كي ّ‬
‫يقدم‬
‫قوة ارتصاف تخترق‬ ‫قوة سلطوية دولنية تأتي من الخارج بالقمع والفرض‪ ،‬بل من حيث هي ّ‬ ‫بإعتبارها ّ‬
‫وتتجه بهم نحو العنف والدمار‪.‬‬ ‫الافراد والاحزاب ّ‬
‫يقدمها‬ ‫ّ‬ ‫بفصل أسميناه "اليوتوبيا املحايثة وثورة الهروب" وعرضنا فيه "الحلول" التي‬ ‫انهينا البحث‬
‫ٍ‬
‫دولوز للخروج من دائرة القمع والاستعباد التي وضعتنا فيها الرأسمالية املعاصرة والسلطات القائمة‪،‬‬
‫فصامي ينظر الى املجتمعات من ناحية خطوط هروبها واقتالعاتها‬ ‫ّ‬ ‫تحليل‬ ‫وهي يوتوبيا معطوفة على‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫طلق دفوق الرغبة من قيودها وتفتح إمكانيات‬ ‫إلاقليمية‪ ،‬أي من ناحية صيروراتها الثورية التي ت ِ‬
‫الحياة‪ .‬أبرزنا في هذا الفصل ألاخيرافهوم امليكروسياسة أو السياسات الصغرى كبديل عن السياسات‬
‫تمرد‬ ‫الكبرى التي تهيمن على الفكر السياس ّي‪ ،‬كما أوضحنا ما ّالذي يعنيه دولوز باألقلية كسيرورة ّ‬
‫فلسفي جديد‪ ،‬بدو ّي ومحايث‪ ،‬يعيد للفلسفة دورها ووظيفتها‬ ‫ّ‬ ‫فكر‬
‫وثورة مع ما يتطلبه ذلك من ٍ‬
‫إبداع افاهيمي وفكري‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫آلة"‬‫كـ" ِ‬
‫وضعا جديدا للفلسفة يعيد اليها‬ ‫ا‬ ‫فصامي كي ترسما ا‬ ‫ّ‬ ‫تحليل‬ ‫الدولوزي ْتين في‬
‫َ‬ ‫وتتمفصل الرغبة والسياسة‬
‫ٍ‬
‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫بريقها ومكانتها بين كافة العلوم وفي مواجهة الابتذال والتسويق من جهة‪ ،‬والعلموية من ٍ‬
‫ا‬
‫إبداعا‬ ‫الفلسفة بجعلها‬ ‫مر معنا عبر مختلف الفصول‪ ،‬بتوسيع آفاق‬ ‫ويسمح هذا التمفصل‪ ،‬كما ّ‬
‫ِ‬
‫والسياسة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ومحايثة تنمو فوق مسطحات الفكر والفن والعلم‬ ‫ٍ‬ ‫كثرة‬
‫مستمرا لألفاهيم بما تتضمنه من ٍ‬ ‫ا‬
‫ّ‬
‫طة للفكر الذي يريد الامساك بالحدث في راهنيته أو‬ ‫فتكون الجغرافيا الفلسفية الدولوزية بمثابة خار ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫خضم حرب عصابات مع كل انواع السلطات داخل‬ ‫الذي يريد ترهين الحرية وجعلها حدثا يندرج في‬
‫الفكرأو خارجه‪.‬‬
‫ومبتكرة‬
‫ٍ‬ ‫جديدة‬
‫ٍ‬ ‫لسياسة‬
‫ٍ‬ ‫عوالم الحياة تؤسس‬‫ِ‬ ‫ان هذه الصورة الجديدة للفكر إذ تنفتح على كافة‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫موقف‬
‫ٍ‬ ‫اك أو‬‫وأفاهيما فلسفية الى جانب إدر ٍ‬ ‫ومقولت علمية‪،‬‬‫ٍ‬ ‫اءات تاريخية‪،‬‬‫يجري فيها استثمار قر ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والرقابة وسياسات الاستعباد والقمع التي تلف عاملنا اليوم‪ .‬وقد فتحت‬ ‫ِ‬ ‫نضالي في وجه مجتمع التحكم‬
‫الصيرورات الثورية في النصف الثاني من القرن العشرين الباب أمام دولوز كي يبتدع لنا ميكروسياسة‬
‫تقطع مع السياسات الكبرى والكتلوية للنظريات السياسة الثورية او الاصالحية السائدة‪ ،‬وهذا ما‬
‫َ ا‬ ‫ا‬
‫عالم من الحرية هي‬ ‫يجعل من السياسة الدولوزية فلسفة محايثة تبدأ من قلب املعاش وتنفتح على ٍ‬
‫‪130‬‬
‫ا‬
‫معيار يحدد مسبقا أفعال املرء‪ ،‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫محايثة تشير الى تلك الحرية التي تنص على انعدام وجود‬ ‫ٍ‬ ‫حرية‬
‫متعال أو عبر مركزية حزبية ما‪ ،‬أو من خالل‬ ‫فارق أو‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫حكم م ِ‬ ‫رفض تقييد حركة الرغبة والثورة من خالل ٍ‬
‫قدري ا‬ ‫ّ َ‬ ‫فكر ّ‬
‫ماديا كان أم لهوتيا‪ .‬ويبدو لنا ان فلسفة دولوز (وغاتاري) السياسية قد‬ ‫غائي أو حتمي‬
‫افاهيمي بالرهانات السياسية في عصر‬ ‫ّ‬ ‫إمساك نظر ّي‬ ‫قدمت أدوات نظرية جديدة كل ّ‬
‫الجدة من أجل‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فشل عام طال‬ ‫الرأسمالية ومجتمع التحكم واملعلوماتية التي تهيمن على عاملنا الحالي‪ ،‬بالخص في ظل ٍ‬
‫كل املشاريع السياسية والبرامج الثورية والاصالحية من ليبرالية وماركسية وديمقراطية إجتماعية لم‬
‫حتى بمعاييرها – تحقيق مجتمعات ّ‬ ‫ّ‬
‫تترسخ فيها ثقافة إلاختالف وممارسة الحرية الفردية‬ ‫تستطع –‬
‫وحقوق تقريراملصيرلألفراد والشعوب‪.‬‬
‫عابرا به ومعه الى السياسة والتاريخ والعلوم‬ ‫ان الابداع الفلسفي ّالذي طرحه دولوز في كافة مؤلفاته ا‬
‫ا‬ ‫جاذبية" جعلت من فيلسوف املحايثة " ا‬
‫جديدا"‬ ‫أميرا‬ ‫ٍ‬ ‫الانسانية والفنون والادب‪ ،‬وبالرغم من " ٍ‬
‫أناقة" و"‬
‫وجهت ا‬ ‫أصواتا فلسفية وسياسة ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫نقدا الى دولوز بالخص الى‬ ‫للفالسفة‪ ،‬إل ان ذلك لم يحجب‬
‫انطولوجيته السياسية‪.‬‬
‫يعتبر سالفوي جيجك‪ Zizek ‬ان الـ آنتي – أوديب هو أسوأ كتب دولوز على الاطالق‪ ،366‬ومن منظور‬
‫لكاني يرى في ألانطولوجية السياسية الدولوزية أيديولوجيا الرأسمالية املتأخرة التي تم‬ ‫ماركس ي‪ّ -‬‬
‫قوة" وهيمنة تكنولوجية‪ .‬و يضيف جيجيك ان السياسة الدولوزية وبالتحديد‬ ‫إختزالها الى "إرادة ّ‬
‫ا‬
‫فعال أن ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫يميز بين الوجوه‬ ‫لعقالنيا‪ ،‬ل يستطيع‬ ‫حيويا‬ ‫تفسيرا‬ ‫التفسير الدولوزي للفاشية ل يعدو كونه‬
‫واملزيفة للفاشية‪ .‬كما ان جيجك يرفض رؤية دولوز للسيرورة الثورية ويتهمها بأنها من دون‬ ‫الحقيقية ّ‬
‫استراتيجية ومن دون أفق وليست سوى محاولة إلضفاء شرعية للرأسمالية بإعتبارها آخر الانماط‬
‫ّ‬ ‫املمكنة‪ .‬كما يعتبر جيجيك ان دولوز‪ ،‬وإن كان معا ا‬
‫ضا لكل أنواع الثنائية‪ ،‬إل انه أسس من جديد‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫إلاقليمي‪،‬‬ ‫انطولوجيا ثنائية بين الراهن والافتراض ي‪ ،‬وبين الصيرورة والكينونة‪ ،‬أو بين ألاقلمة وإلاقتالع‬
‫متب اعا‬‫أو بين البداوة والدولة‪ ،‬وهي ثنائيات تعيد احياء ثنائية الخير والشر التي حاول دولوز نفسه‪ّ ،‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫نيتشه‪ ،‬أن يتخطاها‪ 362 .‬وباملثل‪ ،‬يرى دانييل بنسعيد‪ ‬ان صيرورة من دون تاريخ ل تخلو من الخطورة‬
‫‪36‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أو من انطولوجيا رجعية‪ ،‬ويصبح من الصعوبة بمكان التفكر بها إل من حيث كونها نسخة لهوتية‪.‬‬

‫ّ‬
‫ومنظر سينمائي سلوفيني األصل‪ ،‬اشتهر بتأ ّمالته المتجددة حول‬ ‫‪ ‬سالفوي جيجك ‪ )...-8090( Slavoj Zizek‬فيلسوف ماركسي وناقد ثقافي‪،‬‬
‫ي من أجل حقوق االنسان والحريات‪ ،‬وفيلسوف جدالي غزير االنتاج‪ ،‬وصفه البعض بأنه "أخطر‬ ‫التحليل النفسي الالكاني‪ .‬وجيجك مناضل سياس ّ‬
‫نظرا ألسلوبه الفريد في الكتابة المليء بحس الفكاهة والسخرية الناقدة‪ .‬يدعو جيجك للعودة الى‬
‫ً‬ ‫فيلسوف في الغرب"‪ ،‬و"إلفيس بريسلي" الفلسفة‬
‫الكوجيتو الديكارتي بنفس القدر الى الفلسفة الهيغيلية وكانط وشيلينغ‪ .‬يصف نفسه بأنه شيوعي مستله ًما فالديمير لينين‪ ،‬وقد وضع كتابًا حول دولوز‬
‫بعنوان "أعضاء بال جسد‪ :‬حول دولوز والتبِعات"‪.‬‬
‫‪366‬‬
‫‪Zizek, Slavoj, Organs without Bodies: on Deleuze and Consequences, Routledge. New York and London,‬‬
‫‪2004‬‬
‫‪367‬‬
‫‪Ibid., PP 184 - 189‬‬

‫‪131‬‬
‫ّ‬
‫ويذهب البعض‪ ،‬من منظور ليبرالي ديموقراطي‪ ،‬الى القول إن فلسفة دولوز السياسية تفتقر الى‬
‫وكأنها تحمل اي شكل من‬ ‫املعيا ية‪ ،‬بمعنى ان دعوة دولوز الى الكفاح بوجه الدولة والرأسمالية ل تظهر ّ‬
‫ر‬
‫يتوسع دولوز في الكالم حول حرية التعبير‪ ،‬حكم القانون أو حول‬ ‫اشكال التنظير املعياري‪ ،‬حيث لم ّ‬
‫ُ‬
‫آليات توزيع الثروة وأ ُسس حقوق الاختالف في ما يخص الاقليات الثقافية أو اللغوية أو حول‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫الديموقراطية مثال‪ .‬وبهذا املعنى تبقى الانطولوجيا الدولوزية الغاتارية شكلية ول تمت بصلة الى واقع‬
‫ّ‬ ‫املمارسات السياسية اليومية املستندة على َ‬
‫قيم وأفاهيم معيارية تشكل قواعد املجتمع الديموقراطي‬
‫الليبرالي‪.362‬‬
‫ا‬
‫سياسيا والالفاعلية‬ ‫وبالنسبة لفيليب َمانغ يبدو ان دولوز قد وقع في مفارقة‪ ،‬وفي حالة من الشلل‬
‫ّ ّ‬
‫التحول كل ايا والاحالة الكلية‬ ‫ا‬
‫خطيرا من حيث‬ ‫وانعدام القابلية على املمارسة والتطبيق‪ ،‬ل بل حتى يبدو‬
‫تقريبا بالواقع التجريبي للمؤسسات السياسية حيث يجد هذا‬ ‫نحو الصيرورات الافتراضية وعدم املس ا‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫مهجورا من‬ ‫الواقع اساسه‪ .‬ان فضاء التأمالت والتمثالت‪ ،‬والذي هو واقع السلطة السياسية‪ ،‬يبدو‬
‫جدا تأثيره أوخطره ل بل ينعدم للوهلة الاولى‪ .‬وهكذا‪ ،‬بالنسبة‬ ‫قبل السياسات الصغرى‪ ،‬من هنا يقل ا‬
‫الى َمانغ‪ ،‬تبدو السياسة الدولوزية غير قابلة للهضم عند اليساريين وقابلة للتسويق عند اليمين! رغم‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫ان دولوز يصنف نفسه كيساري في وقت ل يستغيسه اليسار بشكل عام‪ .‬ويطرح َمانغ سؤالا حول كيف‬
‫انسحابا من الحقل السياس ّي من حيث انها ترفض وضع اي ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫تصور لبديل‬ ‫ان سياسة دولوز ربما تشكل‬
‫ألي مشروع سياس ي او مخطط‪ .‬وبذلك تقترب من تيار املحافظين الجدد وطروحاته الرافضة‬ ‫راهن او ّ‬
‫ٍ‬
‫‪321‬‬
‫لليوتوبيا ولكل وهم عن بديل للسوق العالمي والديموقراطية الليبرالية ‪.‬‬
‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬نعتبر ان فلسفة جيل دولوز‪ ،‬أتعلق الامر بالرغبة أو بالسياسة‪ ،‬مع ما تحمله من‬
‫وتصورات وإشكاليات‪ ،‬هي بمثابة "صدمة" للفكر كما للتعبير‪ ،‬صدمة من حيث ابتكاريتها‬ ‫ّ‬ ‫افاهيم‬
‫وغناها الافاهيمي ووسع مدار مناقشاتها وتساؤلتها التي تعيد الينا من جديد صورة الفيلسوف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوسوعي‪ ،‬وشكل الفلسفة الشاملة ولكن التي تقوم هذه ّ‬
‫املرة بتفجير السيستام الذي لطاملا شكل‬

‫ومنظر الحركة الماركسية التروتسكية (نسبة الى ليون تروتسكي) في فرنسا‪ .‬كان من‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬دانييل بنسعيد ‪ ) 989-8098( Daniel Bensaïd‬فيلسوف‬
‫بقي من‬ ‫ّ‬
‫أبرز وجوه أحداث ايار\ مايو ‪ .8081‬بالرغم من خروجه عن الماركسية التقليدية إال انه لم ينخرط في التيارات اليسارية ما‪-‬بعد الحداثية‪ ،‬بل َ‬
‫أبرز نقّاد التنظيرات اليسارية التي استلهمت بالتحديد دولوز وفوكو‪.‬‬
‫‪368‬‬
‫‪Bensaïd, Daniel, Grandeurs et misères de Deleuze et Foucault, sur le site :‬‬
‫‪http://danielbensaid.org/Grandeurs-et-miseres-de-Deleuze-et?lang=fr‬‬

‫‪369‬‬
‫‪Patton , Paul , Political Normativity and Poststructuralism: The Case of Gilles Deleuze,‬‬
‫‪http://www2.hum.uu.nl/cfh/publications/downloads/files/political-normativity-deleuze.pdf‬‬
‫‪370‬‬
‫‪Mengue, Philippe, Deleuze et la question de l’utopie, sur le site :‬‬
‫‪http://www.upavignon.org/IMG/pdf/Deleuze-Utopie.pdf‬‬

‫‪132‬‬
‫ّ‬
‫والتأمل الى الانهماك في الحياة‬ ‫قاسيا" لكل إبداع فلسفي ُيخرج الفلسفة من ّ‬
‫هم التنظير‬ ‫إطا ارا " ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألنها تدفعنا‪ ،‬كمشتغلين في الفلسفة‪ ،‬الى إعادة النظر مرة أخرى في موقع‬ ‫اليومية؛ وهي صدمة ّ‬
‫ّ‬
‫تتحول الى فرصة للحياة‬ ‫الفلسفة اليوم وفي غاياتها وباألخص في تمفصالتها وفي خطابها من أجل أن‬
‫وتأسيس للممكن‪.‬‬
‫ٍ‬

‫‪133‬‬
‫ملحق ‪ :‬بيوغرافيا دولوز وغاتاري‬

‫‪134‬‬
‫‪‬‬ ‫ا‬
‫أول‪ :‬محطات رئيسية في حياة جيل دولوز‬
‫ُ‬ ‫‪320‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كمل بقية حياته بإستثناء‬ ‫‪ -‬و ِلد لعائلة محافظة من الطبقة الوسطى سنة ‪ 0275‬في باريس حيث سي ِ‬
‫فترة قصيرة من شبابه‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬تعلم في إحدى مدارس النورماندي حيث كانت عائلته تقض ي إجازة لحظة دخول الاحتالل النازي‬
‫ّ‬ ‫لفرنسا سنة ‪ .0241‬وخالل هذه السنة ّ‬
‫اهتم دولوز‪ ،‬تحت تأثير استاذه بيار هالبواكس بكتاب مثل‬
‫جيد وبودلير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أكمل دراساته الجامعية الفلسفية في السوربون (‪ ،)024 -0244‬وهناك ّ‬
‫تعرف على مفكرين‬
‫ّ‬
‫ومنظرين أمثال ميشيل بوتور‪ ،‬ميشيل تورنييه‪ ،‬فرنسوا شاتليه‪ ،‬بيير كلوسوفسكي وغيرهم‪ .‬ومن‬
‫بين اساتذته نذكرفرديناند آليكيه‪ ،‬جان هيبوليت‪ ،‬جورج كانغيهم‪ ،‬وموريس كوندياك‪.‬‬
‫‪ -‬نال شهادة الاستاذية في الفلسفة سنة ‪ ،024‬وانتقل للتدريس في عدة ثانويات حتى عام ‪،3270252‬‬
‫حين بدأ بتدريس تاريخ الفلسفة في السوربون‪ .‬وفي العام ‪ ،0253‬نشر كتابه ألاول "الذاتية‬
‫والتجريبية"‪.‬‬
‫ُ‬
‫كباحث في املركز الوطني للبحوث العلمية‪ .‬وفي العام ‪ ،0267‬نشر‬ ‫ٍ‬ ‫لحق‬‫‪ -‬من العام ‪ 0261‬الى ‪ ،0264‬ا ِ‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫كتابه نيتشه والفلسفة والتقى ميشيل فوكو الذي اصبح صديقا ومحاو ارا له‪.‬‬
‫ا‬
‫‪ -‬التقى بشريكه وصديقه املستقبلي فليكس غاتاري عام ‪ ،0262‬السنة التي كان فيها دولوز استاذا‬
‫لللفلسفة في جامعة باريس الثامنة – فينسان‪ .‬وفي نفس العام كان قد ناقش اطروحته الرئيسية‬
‫"الاختالف والتكرار" التي اشرف عليها موريس كوندياك‪ ،‬واطروحته الثانوية "سبينوزا ومسألة‬
‫التعبير" حيث اشرف عليها فرديناند آلكييه‪ .‬ومع غاتاري – تحت التأثير البالغ ألاثر لثورة أيار\مايو‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫‪ - 026‬سيضع دولوز أهم مؤلفاته " الرأسمالية والفصام – آنتي‪-‬أوديب"(‪ )0227‬ولحقا "ألف‬

‫بتصرف‪ ،‬عن ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬نقالً‪،‬‬
‫‪Stanford Encyclopedia of Philosophy‬‬
‫‪http://plato.stanford.edu/entries/deleuze/#LifWor‬‬
‫و‬
‫‪Magazine littéraire, No 406, Février 2002, p 20.‬‬

‫‪ 18‬يذكر فرنسوا دوس في مقابلة أجراها مع ميشال تورنيه وأورد أجزا ًءا منها في كتابه "جيل دولوز وفليكس غاتاري – سيرة متقاطعة" ان جيل‬
‫دولوز قد عانى دو ًما من عقدة تجاه أخاه األكبر جورج الّذي تلّقي معاملة خاصة جدًا من والديه وصلت الى حد إعتباره بطالً يستحق العبادة باالخص‬
‫ظر الى دولوز اال من حيث انه االبن الثاني‪ ،‬الهامشي والعادي جدًا‪ .‬وهذا ما سيظهر الحقًا في موقفه الرافض للعائلية وطموحه‬ ‫بعد وفاته‪ ،‬فيما لم يُن َ‬
‫الدائم في فترات مراهقته للهروب من بيته العائلي‪.‬‬
‫انظر ‪Dosse, François, gilles Deleuze et Félix Guattari, biographie croisée, Éditions La Découverte :‬‬
‫‪,Paris,2009,pp113-116‬‬
‫‪1‬‬
‫تزوج عام ‪ 8089‬من دنيز بول غراندجوان "فاني" والتي كانت تعمل كمترجمة متخصصة في د‪.‬ه لورنس‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫ّ‬ ‫سطح" (‪ .)02 1‬وفي هذه الفترة ا‬ ‫ّ‬
‫ايضا‪ ،‬بدأت تظهر على دولوز عوارض املرض الرئوي الذي‬
‫سيالحقه حتى مماته‪.‬‬
‫عدد من القضايا املتعلقة بحقوق مثلٌي الجنس‪،‬‬
‫‪ -‬في السبعينات من القرن املاض ي‪ ،‬انخرط دولوز في ٍ‬
‫وحركة التحريرالفلسطينية‪ ،‬و مجموعة "املعلومات حول السجون" (على رأسها فوكو)‪.‬‬
‫اهتم دولوز بالسينما والرسم والفن بشكل عام‪ ،‬ووضع حولها‬ ‫‪ -‬في الثمانينات وبدايات التسعينات‪ّ ،‬‬
‫ا‬
‫كتبا عديدة‪ ،‬كان ختامها "ما الفلسفة؟" مع غاتاري‪.‬‬
‫‪ -‬تفاقم مرضه الرئوي بشدة عام ‪.0227‬‬
‫‪ -‬وفي ‪ 4‬ت‪ ،0225 7‬انتحرجيل دولوز بقفزه من شباك شقته في باريس‪.‬‬
‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬بيوغرافيا ‪ ‬موجزة لفليكس غاتاري‬
‫‪ :0231 -‬ولدة غاتاري في ‪ Villeneuve-les-Sablons‬إحدى ضواحي باريس حيث سيقض ي طفولته‬
‫ومراهقته‪.‬‬
‫ّ‬
‫املعرفي وسرعة بديهيته الى ميادين‬ ‫توجه غاتاري نحو الطب النفس ّي‪ .‬قاده فضوله‬ ‫‪ -‬منذ ‪ّ ،0251‬‬
‫معرفية متنوعة – الفلسفة‪ ،‬الاتنولوجيا‪ ،‬الهندسة‪ ،‬اللسانيات‪ – ...‬استفاد منها في مسعاه من‬
‫توجيه أفضل للطب النفس ّي وتوسيعه وتفعيله‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أجل‬
‫‪ -‬تابع غاتاري ابحاثه التجديدة في العيادة النفسية في ‪ ،La Borde à Cour-Cheverny‬التي اصبح على‬
‫عدد كبير من الطالب‪ ،‬الفالسفة‪ ،‬املحللين النفسانيين‪،‬‬ ‫كمكان لتدريب ٍ‬‫ٍ‬ ‫رأسها‪ ،‬والتي اشتهرت‬
‫الناشطين الاجتماعيين وغيرهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫املؤسساتي‪ ،‬و مركز الدراسات والابحاث املؤسساتية‬ ‫‪ -‬سنة ‪ ،0265‬أنشأ جمعية العالج النفس ي‬
‫‪ ،CERFI‬مع مجلة أبحاث ‪ Recherches‬الصادرة عن املركز‪ ،‬والتي انفتحت على الفلسفة‪،‬‬
‫والرياضيات والتحليل النفس ي والتربية وغيرها من امليادين‪.‬‬
‫ا‬
‫مشاركا ّ‬
‫بقوة في حركة الاحتجاجات الشهيرة التي بدأت في شهر أيار\مايو‪،‬‬ ‫‪ -‬في ‪ ،026‬كان غاتاري‬
‫وساهم في تنظيم إحتالل مسرح ‪ .Théâtre de L’Odéon‬كما شارك في الاحتجاجات املناهضة‬

‫‪‬اعتمدنا في هذه السيرة الموجزة على‪:‬‬


‫‪Bouaniche, Arnoud, Gilles Deleuze- une introduction, Poket, 2007, p146.‬‬
‫‪Félix Guattari 1930-1992, Bio/bibliographie : http://1libertaire.free.fr/Guattari16.html‬‬
‫‪Félix Guattari – Biographie : http://www.egs.edu/library/felix-guattari/biography/‬‬

‫‪136‬‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫مبتعدا شيئا فشيئا عن‬ ‫لحرب فييتنام وتلك املتضامنة مع الحركات الشعبية في أميركا الالتينية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معلمه لكان‪ ،‬بدأ غاتاري يخط طريقه الخاص في الانهمام بمسألة الذاتية وكيفية انتاجها‪.‬‬
‫‪ -‬خالل العقد السابع من القرن العشرين‪ُ ،‬اتهم غاتاري باقامة صالت مع منظمات يسارية متطرفة في‬
‫كل من ايطاليا وفرنسا‪ ،‬واهتم في هذه املرحلة باملشاريع الاعالمية املسموعة (الراديو الحر‪...‬الخ)‬
‫‪ -‬في الثمانيات والتسعينات‪ ،‬انحاز غاتاري الى الحركات البيئية والايكولوجية‪ ،‬ا‬
‫داعيا الى بناء يسار‪،‬‬
‫مضاد لإلنتاج ‪ anti-productiviste‬يحمل أخالقية سياسية جديدة تستند على ِحكمة أيكولوجية‬
‫‪ ،Échoscopie‬يعارض املقولة السائدة في البرامج اليسارية التقليدية التي تدعو الى التصنيع وزيادة‬
‫الانتاج والثروة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ا‬
‫مرشحا على لئحة الخضرفي الانتخابات الفرنسية الوطنية‪.‬‬ ‫‪ -‬توفي عام ‪ ،0227‬بعد أن كان‬
‫ّ‬
‫‪ -‬لم تقتصر كتابات غاتاري على تلك التي اشترك فيها مع دولوز (الذي يصفه بأنه يملك سرعة تفكير‬
‫قصوى)‪ ،‬بل نقل أفكاره الخاصة عبرمؤلفات متنوعة أهمها ‪:‬‬
‫‪ psychanalyse et transversalité -‬مقدمة جيل دولوز‪ ،‬عام ‪.0221‬‬
‫‪La révolution moléculaire – 1977 -‬‬
‫‪L’inconscient machinique -1979 -‬‬
‫‪Cartographies schizo-analytiques – 1989 -‬‬
‫‪Les trois écologies – 1989 -‬‬
‫‪Chaosmose - 1992 -‬‬
‫وعلى حد علمنا‪ ،‬لم ُينقل الى العربية أيا من هذه املؤلفات‪.‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬غاتاري ودولوز‬
‫في العام ‪ ،0262‬يلتقي جيل دولوز وفليكس غاتاري للمرة ألاولى (كانا قد تبادل رسائل قليلة قبل ذلك)‪،‬‬
‫نوع من الانجذاب السريع‬‫بتدبيرمن صديق مشترك (جان بيارمويار ‪ ،)Muyard‬ومنذ اللقاء ألاول‪ ،‬ساد ٌ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بين الفيلسوف الذائع الصيت واملعالج النفس ي املشاكس‪ .‬يقول غاتاري انه‪ ،‬وفي الحوار ألاول الذي دار‬
‫ّ‬
‫بينهما‪ ،‬انتهز الفرصة وسارع الى مناقشة الالكانية في ما تعلق بمثلث أوديب والطابع الاختزالي ألطروحة‬
‫ّ‬
‫لكان املتعلقة بالدال‪ .323‬ومن جهة دولوز الذي استقبل غاتاري في منزله في ليموزان ‪ Limousin‬حيث‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫كان يقض ي فترة من النقاهة‪ ،‬شكل اللقاء فرصة للخروج من مأزق الادمان على الكحول والازمات‬
‫َ ّ‬
‫منش اطا ّ‬
‫لهم ِة الفيلسوف املريض‪ .‬ومنذ اللقاء‬ ‫الرئوية التي كانت تصيبه‪ ،‬وكان الصديق الجديد بمثابة ِ‬
‫ا‬
‫حقيقيا من أجل إختبار أفكارهما‪ ،‬وذلك‬ ‫ا‬
‫مخبرا‬ ‫ألاول‪ ،‬تتالت لقاءاتهما وحواراتهما حيث أنتج الرجالن‬

‫‪373‬‬
‫‪Dosse, François, Gilles Deleuze et Félix Guattari, biographie croisée, p 13.‬‬
‫‪137‬‬
‫ّ‬
‫املستعرضة لعملهما‪ ،‬وأنتج الاختالف بين شخصيتهما "آلة متسارعة بزمنين "‪ 324‬ولدت‬ ‫ِ‬ ‫بفضل الطبيعة‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫عملهما املشترك ألاول "آنتي – أوديب" ‪ ،0227‬ولحقا في العام ‪" 02 1‬ألف سطح"‪ ،‬وبينهما "كافكا‪ ،‬من‬
‫اجل أدب أقلوي"‪ ،‬وكان كتاب ما الفلسفة؟– ‪ 0220‬خاتمة عملهما املشترك‪.‬‬
‫أشياء كثيرة [‪ ]...‬كان يتمتع‬ ‫ا‬ ‫غير لقائي وفيليكس غاتاري‬ ‫يقول دولوز بخصوص لقائه مع غاتاري‪ّ ":‬‬
‫أشخاصا قليلين وفروا لي إنطباعا‬‫ا‬ ‫بصيرورة – فيلسوف‪ ،‬وبصيرورات أخرى كثيرة ‪ .‬ما كان ليتوقف ‪ .‬إن‬
‫هائال بالتحرك في كل لحظة‪ ،‬ل التب ّد ل‪ ،‬وانما التحرك بكامله بفعل إيماءة يقوم بها‪ ،‬كلمة يقولها‪ ،‬نبرة‬
‫صوت‪ ،‬كمثل ” مشكال ” يستمد في كل مرة توليفا جديدة [‪ ]...‬لم نكن سوى اثنين‪ ،‬لكن ما كان يهمنا لم‬
‫َّ‬
‫يكن العمل معا بقدر ما هذه الواقعة الغريبة املتمثلة في الكتابة بين الاثنين‪ .‬كف الواحد عن أن يكون‬
‫أناس أخرين‪ ،‬مختلفين من ناحية وأخرى‪ .‬صارت الصحراء‬ ‫مؤلفا ‪ .‬وكان ما ‪-‬بين– الاثنين هذا يحيل إلى ٍ‬
‫ٍ‬
‫ا‬
‫سة ما‪ ،‬أو لعملية "تذهين" (من‬ ‫بصلة ملدر ٍ‬‫تتنامى‪ ،‬لكن مأهولة أكثر فأكثر‪ .‬لم يكن هذا ليمت ِ‬
‫ّ‬
‫"الذهن")‪ ،‬بقدرما تعلق بلقاءات"‪. 325‬‬
‫ُ‬
‫الذ ّ‬
‫هاني في الفكر‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬واقترح غاتاري اخراج الفلسفة الى‬ ‫لقد استمع دولوز وغاتاري الى صوت‬
‫الشارع‪ ،‬من أجل التفكير بالثورة من جديد‪ .‬وهذا ما فرض نفسه على استعمال اللغة‪ ،‬حيث ّ‬
‫تعين على‬
‫بشكل يتجنب وظيفتها التقليدية في تمثيل الدللت املهيمنة‪ ،‬وذلك عبر‬ ‫ٍ‬ ‫الصديقين ان يشتغال باللغة‬
‫‪326‬‬
‫البحث عن نقاط التضاد والتنافر بين املحتوى والتعبير ‪ .‬وقد جاءت الكتابة املشتركة لالثنين‪ ،‬كتابة‬
‫ايد كما قال غاتاري‪ ،‬وقد "حاولت تشكيل فضاءات سيميائية ل دللت لها‪ ،‬منفتحة على‬ ‫بأربعة ٍ‬
‫َ‬
‫التأمل صوب الانتاج والتصنيع‪ ،‬وكانت تبحث في املحتويات التي ُبنيت عبر‬ ‫الابداع وعلى الخروج من ّ‬
‫تعددية في مستويات السياسات الصغرى حيث ألعاب الرغبة و تشكيالت السلطة التي تميل الى تثبيت‬
‫التمثيل"‪.322‬‬

‫‪374‬‬
‫‪Ibid. p 23‬‬
‫‪ 19‬حوارات‪ ،‬ص ص ‪1- 8‬‬
‫‪376‬‬ ‫‪o‬‬
‫‪Querrien, Anne, Deleuze / Guattari : histoire d’une rencontre, magazine littéraire, N 406, Février 2002, p 46‬‬
‫‪377‬‬
‫‪Ibid. p 47‬‬
‫‪138‬‬
‫معجم املصطلحات‬

‫‪139‬‬
A
Actuel ‫راهن‬
Actualité ‫راهنية‬
Affect ‫اشعور‬
Agencement ‫ارتصاف‬
Aion ‫آيون‬
Analogique ّ
‫تماثلي‬
Appareil /Apparatus ‫جهاز‬
Articulation ‫تمفصل‬
Associatif ‫ترابطي‬
Avenir ‫مستقبل‬
C
ّ
Catatonie ‫ تصلب‬-‫شلل‬
Cartographie ‫خرائطي‬
Chaos ‫خواء‬
Chaoïde ‫خوائي‬
Chronos ‫كرونوس‬
Classement ‫تصنيف‬
Clôture ‫اقفال‬
Codage ‫تشفير‬
Communauté ‫جماعة‬
Conjonctif ‫رْبطي‬
Connectif ْ
‫وصلي‬
Consistance ‫ات ّساق‬
Contingence ‫عرض‬ َ
Couplage ‫تزاوج‬
Croire/ Croyance ‫اعتقاد‬
D
Décodage ‫فك الشيفرة‬
140
Déterritorialisation ّ
‫إقليمي‬ ‫تهجير\ اقتالع‬
Devenir ‫صيرورة‬
Diagramme ‫مبيان‬
Différentiel ّ
‫ تفارقي‬/ ‫تفاضلي‬
Disjonctif ْ
‫فصلي‬
Dispersion ‫توزيع‬
Dispositif ‫أجهوز‬
E
empiricité ‫تجاربية‬
Enregistrement ‫تدوين‬
Étatisation ‫دولنة‬
Événement ‫حدث‬
َ
Événementialité ‫َحدثية‬
Extra-Économique ‫فوق اقتصادي‬
F
familialisme ‫عائالنية‬
Filiatif ‫بنوي‬
Flux ‫دفق‬
ّ
Formative ‫تشكلي‬
ُ
Fragment ‫تقطيع‬-‫شدفة‬-‫جزء‬
H
ْ
Heuristique ‫كشفي‬
I
َ
Idéalisation ‫أمثلة‬
Imperceptible ‫لمد َرك‬ُ
Imperium ‫امبراطورية‬
Impersonnalité ‫مجهولية‬
Individuation ّ
‫التفرد‬
Intempestif ّ
‫لمتزمن‬ -‫في غيرأوانه‬
141
Intensif ‫تكثيف‬
Intériorité ‫ سريرة‬- ‫استبطانية‬
L
Larvaire ‫َيرقي‬
Ligne De Dehors ‫خط الخارج‬
Ligne de fuite ‫ خط الفرار‬/ ‫خط الهروب‬
M
Machinisme ‫آلوية‬
Mécanisme ‫إوالية‬
Megamachine ‫آلة عمالقة‬
Micropolitique ‫ سياسة صغرى‬/ ‫ميكروسياسة‬
Modulation ‫تعديل‬
Molaire ‫كتلو ّي‬
Moléculaire ‫جزيئي‬
Multiplicité ‫تعددية‬
Multitude ‫ حشد‬/‫جماهير‬
Mutation ُّ
‫تبدل‬
N
Nomade ‫بدوي‬
Nomadisme ‫بداوة‬
Nomadologie ‫ نومادولوجيا‬- ‫علم البداوة‬
O
Objectité ‫أوضوعة‬
Ordre ‫نسق‬
Organisme ّ
‫متعض‬
Organisation ‫تعضية – تنظيم‬
Originel ْ ‫َأ‬
‫صل‬
P
Potentiel ‫كموني‬
142
Q
Quadrillage ‫تطويق‬
Qualification ‫تأهيل‬
R
Régime ‫نظام‬
Représentation ‫التمثيل‬
Reterritorialisation ‫اعادة ألاقلمة‬
Rhizome ‫جذمور‬
S
Savoir ‫علمان‬
ُ
Schize - Schizo ‫فصامي‬
ُ
Schizophrénie ‫فصام‬
ُ
Schizoanalyse ‫التحليل الفصامي‬
Sens ‫معنى‬
Sensation ‫إحساس‬
Signe ‫عالمة‬
Souple ‫ طر ّي‬- ‫رخو‬
Strate ‫انضودة‬
Strié ‫محزز‬
Subjectivité ‫ذاتوية‬
Surcodage ‫تشفيرمضاعف‬
Synthèse ‫تركيب‬-‫تأليف‬
T
Territorialisation ‫أقلمة‬
Transversal ‫مستعرضة‬
ِ
U
Universalité ّ
‫كلية‬
Urstaat ‫دولة أصل‬
V
143
Virtualité ‫افتراضية‬
Virtuel ‫افتراض ي‬
Voyant ّ
‫عراف‬

144
145
‫لئحة املصادرواملراجع‬

‫‪146‬‬
‫املصادرواملراجع باللغة العربية‬
‫‪ -0‬انجلس‪ ،‬فريدريك‪ ،‬ماركس‪ ،‬كارل‪ ،‬مختارات‪ ،‬الاشتراكية الطوبوية والاشتراكية العلمية‪ ،‬املجلد‬
‫الثالث‪ ،‬دارالتقدم‪ ،‬موسكو‪ ،‬دون تاريخ نشر‪.‬‬
‫‪ -7‬حدجامي‪ ،‬عادل‪ ،‬فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الطبعة الاولى‬
‫‪ 727 ،7107‬صفحة‪.‬‬
‫‪ -3‬دولوز‪ ،‬جيل‪ ،‬الاختالف والتكرار‪ ،‬ترجمة وفاء شعبان‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫ألاولى ‪ 670 ،7112‬صفحة‪.‬‬
‫‪ _______ -4‬مع بارني‪ ،‬كلير‪ ،‬حوارات‪ ،‬ترجمة عبد الحي زرقان و أحمد العلمي‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫‪ 025 ،0222‬صفحة‪.‬‬
‫ّ‬
‫شحيد‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪،‬‬ ‫‪ _______ -5‬سينما‪ ،‬الصورة – حركة (الجزء ألاول)‪ ،‬ترجمة جمال‬
‫الطبعة الاولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬نيسان ‪ 406 ،7104‬صفحة‪.‬‬
‫‪ -6‬ستروك‪ ،‬جون‪ ،‬البنيوية وما بعدها‪ ،‬ترجمة د‪ .‬دمحم عصفور‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬شباط‬
‫‪ ،0226‬العدد ‪ 712 ،716‬صفحة‪.‬‬
‫‪ -2‬لبالنش‪ ،‬جان و بونتاليس‪ ،‬جان برتراند‪ ،‬معجم مصطلحات التحليل النفس ي‪ ،‬ترجمة د‪.‬مصطفى‬
‫صفوان‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬الطبعة ألاولى‪ ،‬بيروت ‪ 0112 ،7100‬صفحة‪.‬‬
‫‪ -‬نعيم‪ ،‬جمال‪ ،‬جيل دولوز وتجديد الفلسفة‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الاولى‪،7101 ،‬‬
‫‪ 575‬صفحة‪.‬‬
‫‪ -2‬هيغل‪ ،‬فنومينولوجيا الروح‪ ،‬ترجمة وتعليق د‪.‬ناجي العونلي‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬الطبعة‬
‫الاولى‪ ،‬بيروت ‪ 32 ،7116‬صفحة‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫املصادرواملراجع باللغة الاجنبية‬
1. Alliez, Eric, The Signature of the World, Or, What is Deleuze and Guattari's
Philosophy?, Continuum, London, 2004, 152 pages.
2. Bains, Paul, Subjectless Subjectivities, in a shock to though, expression after
Deleuze and Guattari, (edited by Brian Massumi), Taylor & Francis e-Library, 2005,
256 pages.
3. Bell, David, Fail again. Fail better: Nomadic utopianism in Deleuze & Guattari and
Yevgeny Zamyatin, Political Perspectives 2010 Vol. 4 (1).
4. Bouaniche, Arnoud, Gilles Deleuze-une introduction, Poket, 2007, 350 pages.
5. Colebrook, Claire, Deleuze and the Meaning of Life, Continuum International
Publishing Group, New York, 2010, 208 pages.
6. _______________Understanding Deleuze, Allen & Unwin, first edition, Australia, 2002,
240 pages.
7- De Bolle, Lee (editor), Deleuze and psychoanalysis, Leuven university press,
first edition, 2010, 160 pages,
8- DeLanda, Manuel, Deleuze: History and Science -Think Media Egs ,Media
Philosophy Serie, Atropos Press, 2010, 168 pages.
9- Deleuze, Gilles, Pourparlers, éditions de Minuit, Paris, 1990, 253 pages.
10- ___________ Critique et clinique, éditions de Minuit, 1993, 187 pages.
11- ___________ Proust et les Signes, Quadrige/PUF, 7e édition, 1987, 221 pages.
12- ____________et Guattari, Félix, Capitalisme et schizophrénie1-L’Anti-Oedipe,
Éditions de Minuit, 1973, 496 pages.
13- ____________et Guattari, Félix, Capitalisme et schizophrénie 2- Milles Plateaux,
éditions de Minuit, 1980, 648 pages.
14- ____________Deux régimes de fous, éditions de Minuit, 2003, 384 pages.
15- ____________l’Ile déserte, éditions de minuit, 2002, 417 pages.
16- ____________Francis Bacon : logique de la sensation, Seuil, 2013, 176 pages.

148
17- ____________et Guattari, Félix, Qu’est-ce que la philosophie?, éditions de Minuit,
Paris, 2005, 208 pages,
18- ____________Foucault, éditions de minuit, 2eme édition, 2004, 144 pages.
19- ____________and Guattari, Felix Capitalism and schizophrenia 1-, Anti-Oedipus,
Preface by Michel Foucault, University of Minnesota Press, Tenth printing, 2000,
432 pages.
20- ____________et Claire Parnet, Dialogues, Flammarion, 1996, 189 pages.
21- Dosse, François, Gilles Deleuze Et Félix Guattari, Biographie Croisée, éditions La
Découverte, Paris, 2009, 644 pages.
22- Due, Reidar, Deleuze, Polity Press, first edition, 2007, 200 pages.
23- Dumas, Jean-Louis, Histoire de la pensée, temps modernes, tome 3, France
Loisirs, 1997, 598 pages.
24- Ferry, Luc, Renaut, Alain, La pensée 68, éditions Gallimard, Paris, 1988, 352
pages.
25- Foucault, Michel, Surveiller et Punir, Gallimard, 1975, 176 pages.
26- Jones, Graham & Roffe, Jon, Deleuze’s philosophical lineage, Edinburgh
University Press, first edition, 2009, 426 pages.
27- Kojève, Alexandre, Introduction à la lecture de Hegel, Gallimard, 3ème
éditions 1997, 601 pages.
28- Lacan, Jacques, Écrits II, éditions du Seuil, Paris, 1999, 416 pages.
29- Lampert, Jay, Deleuze and Guattari's Philosophy of History, Continuum
publishing group, 1st edition, 2006, 178 pages.
30- Luke Caldwell, “Schizophrenizing Lacan: Deleuze, [Guattari], and Anti-
Oedipus”, intersections 10, no. 3 (2009): 18-27.
31- May, Todd, Gilles Deleuze - an Introduction, Cambridge University Press,
New York, 2005, 184 pages.
32- Mingue, Philipe, Faire l’idiot- la politique de Deleuze, editions Germina,
fevrier 2013, 102 pages.

149
33- _______________Gilles Deleuze ou le système du multiple, éditions KIMÉ,
Paris, 1994, 320 Pages.
34- Negri, Antonio & Hardt, Michael, Empire, Harverd University Press, London,
fourth printing, 2001, 496 pages.
35- _______________________________ Multitude, War and Democracy in the Age
of Empire, the Penguin Press, New York,first edition 2004, 405 pages.
36- Parr, Adrian, the Deleuze Dictionary -Revised Edition, Edinburgh University
Press, 2010, 328 pages.
37- ______________The Deleuze Dictionary, Edinburg university press, 2005, 320
pages.
38- Patton, Paul & Protivi, John, Between Deleuze and Derrida, Continuum, First
edition, 2003, 220 pages.
39- __________Deleuze: A Critical Reader, Blackwell Publishers, Oxford, 1996,
332 pages.
40- __________Becoming-Democratic, in Deleuze and Politics (Edited by Ian
Buchanan and Nicholas Thoburn), Edinburgh University Press, 2008, 272
pages.
41- Poster, Mark & Savat, David, Deleuze and the new Technology, Edinburgh
University Press, 2009, 288 pages.
42- Querrien, Anne, Deleuze/Guattari : histoire d’une rencontre, magazine
littéraire, No 406, Février 2002, PP 46-47.
43- Rambeau Frédéric, Deleuze et l’inconscient impersonnel, cahiers
philosophiques dossier l’inconscient n ° 107, Octobre 2006, 54-71.
44- Schreber, Daniel Paul, memoirs of my nervous illness, new york review
books, January 2000, 488 pages.
45- Sibertin-Blanc, Guillaume, “La théorie de l'État de Deleuze et Guattari:
Matérialisme historico-machinique et schizoanalyse de la forme-État”,
Revista de Antropologia Social dos Alunos do PPGAS-UFSCar, v.3, n.1, jan.-
jun., 2011.
150
46- Thoburn, Nicholas, Deleuze, Marx and Politics, Routledge, April 2014, 240
pages.
47- Villani, Arnaud, la guêpe et l'orchidée, essai sur Gilles Deleuze, éditions
Belin, 1999, 137 pages.
48- Webster, David, The Philosophy of Desire in the buddhist Pali Canon,
edition published in the Taylor & Francis e-Library, 2005, 288 pages.
49- Zizek, Slavoj, Organs without Bodies: Deleuze and Consequences,
Routledge. New York and London, 2004, 217 pages.
50- Zourabichvili, François, Deleuze : une philosophie de l'événement, presses
universitaires de France, 2e édition, Paris 1996, 128 pages.

‫املصادرواملراجع الالكترونية‬
‫محاضرات جيل دولوز‬
1. Deleuze, Gilles, Foucault - Le Pouvoir cours 9 du 07/01/1985 – 2 :
http://www2.univ-paris8.fr/deleuze/article.php3?id_article=438
2. ___________Anti Oedipe Et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 16/11/1971 :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=115&groupe=Anti+Oedipe+et
+Mille+Plateaux&langue=1
3. ___________Anti Oedipe et Mille Plateaux , Cours Vincennes : nature des flux -
14/12/1971
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=118&groupe=Anti%20Oedipe%20et
%20Mille%20Plateaux&langue=1
4. ___________Anti Oedipe et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972:
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et
%20Mille%20Plateaux&langue=1
5. ___________Anti Œdipe et Mille Plateaux, Cours De Vincennes ,15/02/1972 :
http://www.webdeleuze.com/php/liste_texte.php?groupe
6. __________, Anti-Œdipe et autres réflexions, cours en 27/05/1980 sur le site :

151
http://www2.univ-paris8.fr/deleuze/article.php3?id_article=68
7. ___________Désir-plaisir-jouissance, Cours Vincennes : dualisme, monisme et
multiplicités - 26/03/1973, sur le site :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=166&groupe=Anti%20Oedipe%20et
%20Mille%20Plateaux&langue=1
8. ___________Anti Œdipe et Mille Plateaux, Cours Vincennes- 14/05/1973, sur le site
:
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=169&groupe=Anti%20Oedipe
%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1
9. ___________ G comme gauche, entretient audiovisuel avec Claire Parnet:
http://www.youtube.com/watch?v=JV32K1XJiqs
10. __________Abécédaire - "D comme désir", sur le site électronique :
https://www.youtube.com/watch?v=03YWWrKoI5A

‫مراجع الكترونية أخرى‬


1. Bensaïd, Daniel, Grandeurs et misères de Deleuze et Foucault :
http://danielbensaid.org/Grandeurs-et-miseres-de-Deleuze-et?lang=fr
2. Bernardo, Fernan, L’héritage d’une promesse - la démocratie à venir de Jacques
Derrida, sur le site : http://revistas.ucm.es/index.php/ESIM/article/view/37696
3. Bogue, Ronald,” Deleuze and Guattari and the Future of Politics: Science Fiction,
Protocols and the People to Come”, Deleuze Studies Volume 5: 2011
supplement: 77–97, Edinburgh University Press: www.eupjournals.com/dls
4. David-Ménard, Monique, Agencements deleuziens, dispositifs foucaldiens, Rue
Descartes, 2008/1 n° 59, p. 44 : http://www.cairn.info/revue-rue-descartes-
2008-1-page-43.htm
5. Delassus, Eric, Souffrance et jouissance dans la philosophie de Spinoza, Dec
2011, Paris, France. <hal-00701250>, sur le site électronique:
https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00701250

152
6. Deuchars, Robert, Creating Lines of Flight and Activating Resistance: Deleuze
and Guattari’s War Machine, in AntePodium, Victoria University Wellington,
2011: http://www.victoria.ac.nz/atp/articles/pdf/Deuchars-2011.pdf
7. Freud, Sigmund, On bat un enfant, sur le site électronique : http://psychanalyse-
paris.com/On-bat-un-enfant.html
8. Hewitson, Owen, What Does Lacan Say About Desire?
http://www.lacanonline.com/index/2010/05/what-does-lacan-say-about-
desire/
9. Mengue, Philippe, Deleuze et la question de l’utopie, sur le site :
http://www.upavignon.org/IMG/pdf/Deleuze-Utopie.pdf
10. Metcalf ,Beth the univocity of deleuze, Univocity and Structuralism (Part 2),
downloaded from:
http://users.rcn.com/bmetcalf.ma.ultranet/Univocity%20and%20Structuralism
%20(Part%202).htm
11. Molina, Lino, Genealogy: Nietzsche, Deleuze and Foucault, The California
Undergraduate Philosophy Review, vol. 1, pp. 55-67. Fresno, CA: California State
University, Fresno:
http://www.fresnostate.edu/artshum/philosophy/documents/Molina-CUPR1-
1.pdf.
12. Nail, Thomas , Deleuze, Occupy, and the Actuality of Revolution, Volume 16,
Issue 1, 2013:
http://mysite.du.edu/~tnail2/Thomas_Nail/Research._files/Deleuze,%20Occup
y,%20and%20the%20Actuality%20of%20Revolution.pdf
13. Ottaviani, Didier, Foucault - Deleuze : de la discipline au contrôle :
http://books.openedition.org/enseditions/1217
14. Patton , Paul , Political Normativity and Poststructuralism: The Case of Gilles
Deleuze: http://www2.hum.uu.nl/cfh/publications/downloads/files/political-
normativity-deleuze.pdf

153
15. Stanford Encyclopedia of Philosophy, Gilles Deleuze :
http://plato.stanford.edu/entries/deleuze/#LifWor
16. Félix Guattari 1930-1992, Bio/bibliographie :
http://1libertaire.free.fr/Guattari16.html
17. Félix Guattari – Biography : http://www.egs.edu/library/felix-
guattari/biography/
18. Zourabichvili, François, Qu’est-ce qu’un devenir pour Gilles Deleuze ?,
Conférence prononcée à Horlieu (Lyon) le 27 mars 1997, P 2. www.horlieu-
editions.com/brochures/zourabichvili-qu-est-ce-qu-un-devenir-pour-gilles-
deleuze.pdf

154

You might also like