Professional Documents
Culture Documents
2017
- williamouta@gmail.comوليام العوطة
الرغبة والسياسة في فلسفة جيل دولوز
اسم املؤلف :وليام العوطة
لبنان
williamouta@gmail.com
0096171256968
سنة النشر7102
من دون دارنشر
1
فهرس املحتويات
مقدمة
ّ
الفصامي بمواجهة أوديب الفصل الثاني:
ا
أول :نقد التحليل النفس ي
-0الرغبة كنقص والتذويت
-7مسرحة الالوعي وامبريالية اوديب
ّ
-3التحليل النفس ي وتشكل امللفوظات
ّ
الفصامي ا
ثانيا :التحليل
-0الانتاج الراغب وتآليف الالوعي
ّ
الفصامي -7مهمات التحليل
2
القسم الثاني :السياسة الدولوزية
تمهيد
ّ
الفصل ألاول :في الدولة والفاشية والتحكم
ا
أول :الدولة
-0الدولة الشكل
-7سيادة الدولة وأجهزة الاستيالء
-3الدولة وصورة الفكر
-4آلة الحرب
ّ ا
ثانيا :مجتمع التحكم
ا
ثالثا :الفاشية الجزيئية
ا
أول :الصيرورة اليوتوبية والحدث
-0نقد اليوتوبيا املتعالية
-7الصيرورة والحدث
-3الحدث والراهن
ا
ثانيا :الاقتالع الاقليمي وخط الهروب
-0الاقلمة والاقتالع الاقليمي
-7خط الهروب
ا
-3ثالثا:النومادولوجيا الثورية
-4السياسات الصغرى
-5الفلسفة وآلة الحرب البدوية
-6اليسارواملقاومة .
3
خاتمة
4
املقدمة
ا ّ
ُيشك ُل املشروع الفلسفي لجيل دولوز ) 0225–0275( 0 Gilles Deleuzeمنعطفا في الفلسفة
ا
وتمي ازا ،أم من حيث
تعريفا ودو ارا ّ املعاصرة أكان ذلك من حيث الرؤية الجديدة التي طرحها للفلسفة
ّ َ
اللغة املبتكرة وألافاهيم املتكثرة التي أتى بها عبر حفرياته في أراض ي الادب والسينما والفنون والسياسة
سفره "البدو ّي" في نصوص أوعبر َ َ والتحليل النفس ّي والجغرافيا وألالسنية والتاريخ والبيولوجيا،
ا الفالسفة وألادباء ا
بدءا من أسالف سقراط وصول الى معاصره فوكو مرو ارا بأفالطون وسبينوزا
ونيتشه وبرغسون وماركس وكافكا وبروست غيرهم .وبقدر ما تبدو قراءة فلسفة دولوز صعبة بقدر ما
تجنبها ،فالفلسفة مع دولوز تخوض ا ّ ٌ
حربا ل هوادة فيها ضد الهشاشة والحماقة هي ضرورة يصعب
ّ ُ
والدغمائية والعدمية ،وتقف بمواجهة الاستالب وسلطان القمع واملراقبة والتحكم؛ انها والحال هذه
حياة جديدةّ ،انها الفلسفة َ ا
املستقل عن العلوم والفنون دورا في إبداع أساليب ٍ ّ تلعب من موقعها
املتحررة من قيود القراءة الكالسيكية للتاريخ الفلسفي ومن سجون الهيمنة العلموية ،وهي الفلسفة
ا ا
بإعتبارها "الصيرورة ثوريا" التي تحمل في متنها مغزاها السياس ّي متحالفة مع قوى العصر ِ
املبدعة؛
ّ ا ا ا
إبداعا لألفاهيم وصيرورة ثورية ل ُيمكن للفلسفة ان تنتهي ،كما أن كل الدعوات الى إنهائها وبإعتبارها
عالم ل يني ينتج
تبدو متهافتة ،إذ ل حدود إلبداع ألافاهيم ول توقف لصيرورة الثورة وفعل املقاومة في ٍ
إلاستالب والقمع.
يتمحور موضوع هذا الكتاب حول الرغبة والسياسة عند دولوز .وقد اخترنا هذا العنوان ا
نظرا لكون ُ
ّ ّ
الدولوزي ل ينفصل عن بحثه في أفهوم الرغبة ،كما أن التفسير الجديد الذي منحه القول السياس ّي
له ل ينفصل عن موضوعات السلطة والرأسمالية والثورة ومجتمع املراقبة وهي عناوين بارزة في
ا
الخطاب الدولوزي السياس ّي .لم تعد الرغبة مع دولوز محصورة في سجن العائلة وفي إلاحالة الى
إمتدت لتصل الى ّ ّ
الحيز إلاجتماعي والسياس ّي والى إقتصاديات السوق ،ولم أوديب كما مع فرويد بل
ا ُ
إنتاج" ل تتوقف عن ٍ آلة " أصبحت بل اللذة، تحقق عند وتنتهي إشباعه يجب انقص الرغبة تعد
ّ
سم خط هروبها من آليات السلطة والتحكمّ ، ّ ا
التدفق والسيالن ،محاولة ر َ ّ
وألنها كذلك فهي تهدد مجمل
الرغبة أو الى "إستثمارها" كسر ّ
ِ البنية القمعية القائمة التي تسعى ،عبر التحليل النفس ي ،ل ِ
نجد في امللحق نبذة عن حياة دولوز وأخرى عن صديقه ومشاركه في تأليف أهم كتبه فليكس غاتاري ،مع تفاصيل لقائهما وعملهما املشترك.
ً ألافهوم ترجمة Conceptالفرنسية .وقد ّ
تصو ًرا représentationمعطى وال فكرة عامة
بدال من "مفهوم" ،بإعتبار أن ألافهوم ليس ّ فضلنا هذه الترجمة
ُ ّ نحصل عليها بالتجريد أو التعميم ،بل أنه فرادة نسبة الى ّ
مكوناته والى املسطح الذي ينشأ عليه وإلى املسألة التي يجيب عنها من حيث مسألة تعنى بشؤون
الفكر بما هو كذلك .أما املفهوم فهو ترجمة لكلمة compréhensionالفرنسية املقابلة في املنطق للماصدق .extension
5
و"تشفيرها ،"7بما يخدم ديمومة هذه البنية بسلطتها ودولتها وسوقها الرأسمالي .إن خطوط الهرب
ّ
املتصل باملمارسة السياسية املضادة والدفوق الرغبوية "الثورية" هي التي تحيل الى الطرح الدولوزي
ملجتمع الرقابة والقمع .ونقد التحليل النفس ي وجذره الفرويدي يتشابك مع نقد فكرة الدولة و"الدولة
وأن تجديد أفهوم الرغبة ّ ّ ّ
يتصل بتجديد في الفكر" واملجتمع املعاصر القائم على التحكم ،كما
ّ
التصورات النظرية السياسية حول الفاشية والثورة واليسار.
ّ
سياق تشكل فلسفة دولوز
َ
سياق مواجهة وحوار ُمبتكرين مع فلسفات أخرى هيمنت على الساحة ِ أتت فلسفة جيل دولوز في
ا متنوعي املشا ب والاتجاهات ،ولم تكن ا الفكرية الفرنسية والعاملية ومع فالسفة ّ
ابدا خارجة عن ر
وس َمت القرن العشرين منذ نهاية الحرب سيرورات ألاحداث السياسية والاجتماعية الكبرى التي َ
العاملية الثانية ،كما ان هذه الفلسفة جاورت قضايا املنطق والعلوم الطبيعية والرياضيات ،ولم
ا
تبتعد عن ألادب والرواية والشعر واللسانيات والاقتصاد السياس ّي ،كما السينما والفنون عامة ل بل
حتى عن فن الحروب .وهكذا ،بدا وكأن دولوز أراد إعادة الصورة الكالسيكية للفيلسوف ّالذي ّ
يشيد
ّ
ّ
منظ ارا في كافة ميادين املعرفة وامليتافيزيقا واملجتمع.سيستامه وينطلق منه ِ
ولقد نمت فلسفة دولوز في الاختالف بمجابهة تلك الرؤية التي تنظر الى العالم من جهة املعنى والتمثيل
محكوما بالخطأ القائم على التمثيل غير القادر ا ،représentationحيث ان تاريخ الفلسفة كان
ّ
بطبيعته على استيعاب املختلف ،بإعتبار انه ل يعمل الا وفق مبدأ الهوية الفارغ .وقد "تحدى دولوز
ا
مصرا على ان املعاني أو الايمان املهيمن بأننا نعرف ونختبر عاملنا عبر ُبنى مفروضة من التمثيل،
ثقافيا ،بل علينا ان نستشعر قوى الرغبة التي تنتج ا التمثيالت التي نحوزها ليست إعتباطية ونسبية
كل تلك التمثيالت" .3فليست "الجواهر" essencesهي التي تكمن خلف تمثيالتنا ،بل انها القوى التي
ا
تجعل من كل تفكيرأو تمثيل ممكنا.
يجابه دولوز السيستامات الفلسفية ألافالطونية الطابع ،والتي تسجن ألافاهيم والفكر في قوالب
املاهية والجواهر والهوهو واملشابه واملماثل ،ويحاول ان يرصد لعبة الاختالف والتكرار التي تعمل من
ّ وراء ّ
للمشابه وللهوهو ،وينحاز الى خط نيتشه في رفضه للسيستام الهيغلي املغلق ،الذي ِ كل حجاب
ّ يحول الفلسفة الى علمان savoirمطلق ،و ّ ّ
يشيد سيستامه املفتوح الذي هو مجموعة من ألافاهيم،
مستقر ،ل يميل الى الثبات بل ينتقل من مستوى الى آخر و" ينسب الافاهيم ّ وهو سيستام ّ
متدرج،غير
4
Deleuze, Gilles, Pourparlers, Éditions de Minuit, Paris, 1990, pp 48-49
فلسفي في سياق تاريخانية القرن التاسع عشر ،في حين ان البعض من الباحثين ّ
يردها الى ديفيد هيوم في ّ برزت الجينيالوجيا – أو علم النسب -كأفهوم
تأمالته حول ألاصل النفس ي لألخالق في العادات وألاعراف الاجتماعية والتقاليد .ومع نيتشه اصبحت ألاداة املعرفية التي ال تقف عند ّ
مجرد النقد التاريخي ّ
أو عند وصف ّ
تطور الفكر وألافاهيم ،بل أصبحت بما هي عودة الى الوراء ال تهتم بالبحث في ألاصل ألاول املفرد الذي صدرت عنه املوجودات ،باعتباره ما
ّ
نمطا من الوجود تتشكل منه ّ ً
هويتها الثابتة ،بل في ألاصول العديدة التي ليست سوى حصيلة صر ِاع قوى ينتج عنه تفاضالت وتفاوتات وتراتبات يمنحها
َ
هويات ومعاني وقيم.
ُ
ملزيد من الاطالع على استخدامات نيتشه ،فوكو ودولوز للجينيالوجيا ،يمكن مراجعة البحث التالي:
Molina, Lino, Genealogy: Nietzsche, Deleuze and Foucault, the California Undergraduate Philosophy Review, vol. 1, pp. 55-67. Fresno,
CA: California State University, Fresno.
على املوقع الالكتروني:
http://www.fresnostate.edu/artshum/philosophy/documents/Molina-CUPR1-1.pdf.
5
Jones, Graham & Roffe, Jon, Deleuze’s philosophical lineage, Edinburgh University Press, first edition, 2009, p 45.
6
Metcalf ,Beth the univocity of Deleuze, Univocity and Structuralism (Part 2), downloaded from :
http://users.rcn.com/bmetcalf.ma.ultranet/Univocity%20and%20Structuralism%20(Part%202).htm
7
الفارغة -و معيار الانتقال من الذات الى املمارسة) وهي معايير تنسجم الى هذا الحد او ذاك مع فلسفته،
ّ
بالخص في إلاختالف والتكرار؛ وهو وإن لم يصنف كفيلسوف بنيوي ،الا انه استفاد من البنيوية رغم
انه يرى الى البنية كإفتراضية ،virtualitéوليست مستوى من الدال واملدلول ،ترى فقط امكانيات
ّ
مادية متشكلة من دون تمييز حقيقي" .ان بنيوية دولوز الجديدة ،تنطلق من الجانب العكس ي ،حيث
ّ
تبدو الجزئيات كميات مكثفة (انها البنية كجسد بال اعضاء) ،وليس معطاة ،بل من خاللها ُيعطى
مفارق للذاكرة والفكر".2 املعطى في تمرين ِ
ان النقد الدولوزي للذات ل يمكن فصله عن سيرة فكره النقدي بشكل عام .وان التجريبية التي
ّ
يعتمدها دولوز تمنح بكل بداهة الحيلة الاولى الجدية التي تسمح بالنزياح عن الذات ومن ثم تخطي
أمثلتها .idéalisationو "يكمن دور نيتشه ،بحسب قراءة دولوز ،في البرهنة ان الذاتوية
بناء ،وان الذات هي تشذيب édification subjectivitéل تنتمي الى الذات كما هي ،بل انها ليست سوى ا
ّ
وطغياني" . اعتباطي ل بل استبدادي
ّ ومع دولوز ،لم تعد الشجرة صورة الفكر (كما عند ديكارت) ،بل ّ
حل محلها الجذمور ،Rhizomeالذي
ّ ّ
يشير الى الابتعاد والتخلص من امليل الذي لطاملا سيطر على الفكر الغربي املولع بالوصول الى الغايات
والبحث في البدايات (كما عند هايدغر) والغارق في الثنائيات .الجذمور يكون في الوسط ،أو هو ل يبدأ
ا ّ
ول ينتهي ،ويشكل "تحالفا ،باملصاهرة فقط[ .وبينما] تفرض الشجرة صورة الكون ،يكون نسيج
الجذمور هو الربط ‘‘و...و...و...و...و‘‘" 2ويحقق ستة شروط رئيسية في الفكر (الوصل ،التنافر
امللون) تجعل من الفكر دينامية قادرة على والتعددية ،الانقطاع الالدال ،رسم الخرائط ،النقل ّ
ّ والتكثر .ويستخدم الجذمور "انظمة عالمات مختلفة ا ّ
جدا ،وحتى حالت من التوليد والخلق املستمر
الال-عالمات" 01على عكس الشجرة التي تحيل ا
دوما الى أنظمة عالمات متماثلة.
ا ّ
تعلق بها عبر القراءة املبتكرة التي ّ ّ
قدمها وصول إلى نتتبع مسار دولوز في معالجته ألفهوم الرغبة وما
ّ
تصوره لالوعي كنقص ينتهي لحظة إلاشباع وفي تصوره للرغبة ّ القطيعة التي أقامها مع فرويد في
ٍ
دائمة إلى عقدة أوديب والى ذكريات الطفولة ،فيما جعل دولوز – مع صديقه ٍ إحالة
ٍ للكبت في
ِ كمسرح
ٍ
ا 00
فليكس غاتاري ) - Pierre-Félix Guattari (1930-1992من الرغبة إنتاجا وإبتكر أفهوم "آلالة
لإلنتاج ل يقف عند حدود العائلة وعقدة أوديب بل يحيل ا
مسرحا الراغبة" ونظر الى الالوعي بإعتباره
ِ
7
Ibid.
8
Ibid.
9
Deleuze, Gilles, et Guattari, Félix, Capitalisme et schizophrénie 2- Milles Plateaux, les éditions de Minuit, 1980, p36.
10
Ibid. p 31.
لحق هذا الكتاب. نجد تفاصيل أوفر عن فليكس غاتاري في ُم َ
8
إلى املجتمع بمستوياته إلاقتصادية والسياسية ،وإلى خبرات الفرد الحياتية اليومية .وإن كان دولوز قد
إستثمر قراءته الخاصة لسبينوزا ولنيتشه كما لبرغسون في محاولة تجديد مفهوم الرغبة ،فإنه مع
فرويد انتج ما يشبه القطيعة الابستيمولوجية (املعرفية) ،ولم ينظر الى التحليل النفس ي بإعتباره
سدا ا
منيعا طريقة عالج بل وسيلة قمع "تتحالف" مع السلطة وآليات السوق الرأسمالي املعاصروتقف ا
محاولة للفرار وللتحرر الفردي وإلاجتماعي ،وفي ذلك ،يرفض دولوز مقولة "الذات" الفرودية ٍ أمام أي
ّ ا ا
لفصامي.03 ويستبدلها بأفهوم "الجذمور" ،07كما انه يبتكرطريقة جديدة أسماها التحليل ا
قدمها دولوز في النظرية السياسية، الجدة التي ّ
هذا من جهة ،اما من جهة أخرى ،فنسعى إلى إظهار ّ
ّ
حيث أن البحث في الرغبة قاد دولوز -فيلسوف إلاختالف -إلى البحث في الفكر السياس ّي وفي سياسة
ّ
الفكر ،ويمكن القول هاهنا أن "ماركس إفتراض ي" كان يجول بين كتابات دولوز-الذي رأى نفسه "على
ّ
اليسار" -في ما تعلق بتحليل ديناميات الرأسمالية في النسق الدولوزي حيث بدت الرأسمالية كنظام
ّ محايث يتجاوز ا
دائما حدوده الخاصة التي يرسم نهايتها الرأسمال نفسه .إل أن "ماركس الدولوزي"
تم إستثمار ماركس ضد فرويد ولكن بعد تخليصه من شوائب يختلف عن "ماركس املاركس ي" :لقد ّ
ّ
القراءة ألايديولوجية ،ذلك ان دولوز لم ينظر الى الرغبة إل كبنية تحتية من جهة إلانتاج ،بينما
ا
يعط أهمية قصوى ألفهوم الطبقة أصبحت العائلة والشخص آنتي-إنتاج (الجسد بال أعضاء) ،ولم ِ
ومقولة الصراع الطبقي املاركسية ،كما أن تأمالته حول الثورة تختلف عن منطلقات ماركس حول
يتحدث عن "السياسات الصغرى" 04وعن ُس ُبل إلابداع الثوري في ّ دور البروليتاريا في ذلك ،فدولوز
ّ ّ
متواز مع معاصره ميشيل فوكو ٍ خط سياق تجديده لقراءة القيمة الفائضة ومجتمع التحكم ضمن ٍ
باألخص في الكالم عن السياسة الحيوية Biopolitiqueوالفاشية.
ا ُ ٌ
نعتقد أن فلسفة دولوز محاولة مبتكرة في الفلسفة السياسية ترتبط بنقد التحليل النفس ي إنطالقا
ّ ّ
إنتاج وبنية تحتية ،وان هذه املحاولة أسست لقراءة جديدة تتعلق من أفهوم الرغبة بإعتبارها آلة ٍ
بالتحليل النفس ي وعالقته باإلقتصاد السياس ّي والدور الراهني والثوري للفلسفة بإعتبارها ا
نوعا من
إبداعا لألفاهيم .كما نفترض أن فلسفة دولوز في ا ّ
املتميزعدا عن كونها املمارسة السياسية من موقعها
ما يخص الرغبة والنظرية السياسية ترتبط بتقويضه لصورة الفكر التقليدية وتأسيسه لفلسفة
حية في ثنايا كتاباته حتى كتابه ألاخير "ما هي الفلسفة؟" مع جديدة هي فلسفة إلاختالف ،استمرت ّ
صديقه غاتاري.
12
Rhizome
13
Schizo-analyse
14
Micropolitique
9
ّ
إعتمدنا في هذا البحث على الكتاب الذي أصدره جيل دولوز وفليكس غاتاري واملعنون بـ"الرأسمالية
ّ
والفصام" 05بجزئيه "آنتي-أوديب" 06الذي صدر عام ،0223و "ألف سطح" 02الصادر عام ،02 1
ّ ُ
ترجما حتى اللحظة الى اللغة العربية .والواقع أن جزئي الكتاب يتصالن ببعضهما والجزءان لم ي ِ
ّ ّ
واحد رغم نهر ٍ
البعض رغم املسافة الزمنية التي تفصلهما ،إل أن العنوانين الفرعين مجريان يصبان في ٍ
يميزهما :فتحت عنوان "آنتي-أوديب" يجيب دولوز (وغاتاري) عن سؤال ما هو الالوعي بإعتباره ّ
آلي ما ّ
ا
،machiniqueومن حيث كونه معمال لإلنتاج ،اي إلنتاج آلالت الراغبة .Machines désirantes
يخي ،وهكذا ا
لواعيا لحقل إجتماعي تار ّ ويبحث الكتاب في الهذيان le délireمن حيث كونه إستثما ارا
ٍ
ا ّ ّ ُ
صامي الذي ابتدعه دولوز (وغاتاري) تحليال لآللت الراغبة ولتلك إلاستثمارات يكون التحليل الف
نقدا "شديد يوجه دولوز (وغاتاري) ا إلاجتماعية التاريخية التي تقوم بها هذه آلالت .وفي هذا الكتاب ّ
ّ ا
اللهجة" الى فرويد عبر نقد عقدة أوديب ،فأوديب ليس سوى خطأ أو خطيئة التحليل النفس ي الذي
ا صد قوى الالوعي املنتجة وسجنها في ّ يستمر في ّ
ُ
الحيز العائلي البحت معيقا فهم وتحرير السيرورة
الفصامية بإعتبارها صيرورة إبداعية وثورية.
وتحت عنوان "ألف سطح" ،يضع دولوز (وغاتاري) تحت مطرقة النقد كل نظريات التواصل والعلوم
إلانسانية ،وأسس البنيوية التحليلية واملاركسية ،كونها تخضع الشرط إلانساني للسستمة
ّ ّ ّ
متكسر متعثر من .systématisationويستبدل دولوز (وغاتاري) السيستام systèmeالفلسفي بخط
يشكل املؤلفان اّ ا
سطوحا متزامنة ّ ّ
نوعا لكل منها إستقالليتها الخاصة .وفي هذا الكتاب ألافاهيم تشكل
ا
من الابستيمولوجيا الجديدة تخلق تواصال بين كل الحقول املعرفية وتستجيب ألوضاع املعارف
بدءا من الكتابة الى الفن وألادب واملوسيقى ويهمنا في هذا الكتاب نقد دولوز ألنظمة املعاني ا الراهنةّ .
وصول إلى الدولة التي تصبح مع دولوز آلة ّ ا
مجردة تقوم بوظيفة تشفير تدفقات الرغبة. والفلسفة
ويقطع دولوز مع املاركسية من حيث نفي الخط التصاعدي للتاريخ بإعتبارها ليست سوى ّ
تصو ارا
أيديولوجيا هشا داخل منظومة املعنى ،كما ان الاحداث التاريخية بالنسبة الى دولوز (وغاتاري) ليست ا
تلك الضخمة والكبيرة بل تلك التي تتشكل عبر الاحداث الضئيلة وأن كل صيرورة هي صيرورة صغرى أو
أقلوية ،minoritaireواملسألة التاريخية املقترنة باألحداث الضئيلة تنشغل بكيفية استقطاب
ُيمكن القول عنه انه البيان الفلسفي لثورة أيار 691في فرنسا.
16
Gilles Deleuze, Félix Guattari ,Capitalisme et schizophrénie 1 : L’Anti-Œdipe, Les Éditions de Minuit, 691 .
ً
مضادا" أو "الضد من أوديب". ترجم ً
أحيانا "أوديب ُ وي َ
وترجمه البعض بـ"ألف ربوة" أو "ألف هضبة".
17
Gilles Deleuze, Félix Guattari, Capitalisme et schizophrénie 2 : Mille plateaux, Les Éditions de Minuit, 1980.
10
ا
عدد ممكن ،واكتساح أو غزو أكبر فضاء ممكن ،وما يحدث فعليا في التاريخ هو
ألاغلبية ،وحشد أكبر ٍ
من صنف الضئيل متناهي الصغر ،فالضئيل املتناهي الصغر ،هو الحدث الذي يمثل نزوع الصيرورة
املستقبلية ،بامتياز ،وما التاريخ سوى تاريخ ما يظل يسقط ول يصل .ول يهتم املؤلفان ،على الخالف
ّ ّ
بالتحولت في الحقل إلاجتماعي التي تنشأ نتيجة خطوط الفرار أو الهروب lignes de من ماركس ،إل
fuiteاملتصلة بعناصرالفن وألادب والسياسة .
11
الباب ألاول :آلوية الرغبة وسياساتها
12
ليست إشكالية الرغبة بجديدة في الجدالات الفلسفية ،فقد تحدث أفالطون كثيرا عن الرغبة
ا
خصوصا في الكتاب التاسع من " الجمهورية" ،حيث رأى أن إلانسان كائن راغب؛ ذلك أن الرغبة
خاصية متجذرة وفطرية فيه .غير أن هناك رغبات غير ضرورية يجب أن يتدخل العقل من أجل
اقتالعها أو تنظيمها والتقليل منها ،وإلابقاء فقط على الرغبات ألافضل .يرى افالطون ان الش يء
ّ موضوعا للرغبة هو الحقيقةّ . ا ّ ّ
كموضوع
ٍّ الحقيقة نحو هة املتوج الرغبة هذه ولكن ل يشك ذي ال الوحيد
لها ،ل تشترك في ش يء مع تلك الرغبات التي تنشأ عن الصلة بين النفس والجسد ،فهذه ألاخيرة تعطل
الا ا ّ
تعبيرا عن الفكر وبالتالي البحث املعرفي عن الحقيقة .ان الرغبة عند صاحب الجمهورية ليست
ّ
نقص وغياب :فنحن ل نرغب الا بالشياء التي نفتقدها أو تلك التي نحتاجها .0 ٍ
ا
ولحقا ،في الفلسفة الحديثة ،ظهرت معالجة هيغل )0 30 – 0221( Hegelملقولة الرغبة
ّ
،Begierdeللمرة الاولى ،في مؤلفه الشهير فينومينولوجيا الروح ،في معرض حديثه عن حقيقة الايقان
ّ
من الذات وعالقة ألانا بالرغبة .وهذه ألاخيرة باملنظور الهيغلي ،وحتى في شكلها البدائي ألاساس ّي
ا
للضرورة ،تطلب الاشباع .ويفهم هيغل الرغبة الانسانية الاكثر بدائية واساسية من حيث هي الشوق
الى حالة من الاكتمال ،الاكتفاء الذاتي ،والسكينة ..كما ان الرغبة البشرية تسعى لتحقيق نوع من
ّ
الهيمنة على العالم الخارجي ،والتحكم به كما الاتحاد معه؛ ومن هنا لنهائية مسار الرغبة من حيث
استحالة وصولها الى الاشباع والاكتفاء .كما ان الوعي حسب تحليل هيجل فى فينومينولوجيا الروح
ا
يبدأ فى إدراك ذاته أول على أنها رغبة ،ويبدأ فى الاتصال باآلخر من خالل هذه الرغبة ،سواء رغبة
ّ
جنسية فى آلاخر أو رغبة فى آلاخر بهدف نيل الاعتراف منه فى جدل الاعتراف املتبادل ،الا ان "ماهية
ُ
املوضوع الرغبة هي في واقع الامر ش ٌيء مغاير للوعي -بالذات [الذي] ل يمكنه ان يبلغ الاشباع ما لم ِ
يأت
ّ
السلبي ،فال بد أن ّ
الذاتي من تلقاء نفسه ،لنه في ذاته َ
النفي النفي بنفسه ،ول بد للموضوع ان ُي ّ
تم هذا َ
يكون لآلخر ما يكونه لنفسه" . 02و لقد كتب ألكسندر كوجيف ،Kojèveفي مؤلفه مدخل لقراءة
هيجل ما مضمونه "إن وجود إلانسان ذاته ،الوجود الواعي بذاته ،يستلزم ويفترض الرغبة ،بعبارة
18
Webster, David, the philosophy of desire in the Buddhist Pali Canon, edition published in the Taylor & Francis e-Library, 2005.pp 23-
24
6هيغل ،فنومينولوجيا الروح ،ترجمة وتعليق د.ناجي العونلي ،املنظمة العربية للترجمة ،الطبعة الاولى ،بيروت ، 009ص 9
آلكسندر كوجيف ،) 691 - 60 ( Alexandre Kojèveفيلسوف هيغلي فرنس ي من أصل روس ّي ،كانت له إسهاماته في تجديد الفلسفة الهيغيلية عبر
نظر إلى كوجيف على أنه أول من أدخل هيغلّ ، ُ َ وصلها باملاركسية من جهة ،وبالوجودية كما ّ
جد ًيا ،الى الفلسفة تبدت عند هايدغر من جهة أخرى .ي
الفرنسية في النصف الاول من القرن العشرين.
13
أخرى ،لكي يكون هناك وعي بالذات ينبغي أن تكون هناك رغبة ،ولكي تكون هناك رغبة ينبغي أن يكون
هنالك وعي بالذات ،وبالتالي فالرغبة والوعي بالذات ما هما إل ش يء واحد".71
يستعيد لكان )02 0 -0210( Lacan مقولة اسبينوزا حين ان الرغبة جوهر الكائن البشري ،وهي
قيم،)...شخصا كان أو فضائل أو ُم ُثل أو َ
ا تتموضع في تلك "الفجوة" حيث تكون في البدء رغبة في آلاخر (
غامض،
ٍ كأمر مبهم،
وفي داخلها تضع الذات رغبتها الخاصة وانه " في الوجود البدئي للرغبة في آلاخر ٍ
ّ ّ ا
التعرف على هذا التعرف ،reconnaissance تكون الذات بال مالذ" ،وبالتالي تصبح الرغبة رغبة في
ّ آلاخر ،وتكون ا
ايضا رغبة في ما نفترض ان آلاخر يرغب به ،أي املوضوع الذي يفتقده هذا آلاخر .ان
مما تتصل بالنقص ،وهي لهذا السبب إجتماعية بالتعرف أكثر ّ
ّ مسألة الرغبة والحال هذه ّ
تتصل
ا 70 ا ا
شخصيا بحتا. وليست شأنا
دوما (ليبيدو ،)وتختلف حصرا ،والرغبة الحقيقية لواعية وجنسية ا ا والرغبة بحسب لكان انسانية
ّ ّ ا
عن الحاجات البيولوجية ،فخالفا للحاجة والتي يمكن إشباعها بشكل ّ
ونهائي ،فإن الرغبة ل يمكن تام
أبداّ ،إنها تقوم بممارسة الضغط الدائم ،إنها أبدية .ل ّ ا أن ّ
يتم تحقيق الرغبة من طريق يتم إشباعها
ُ
ظهر"إنجازها" ،وإنما من خالل أعادة إنتاجها من جديد بما هي كذلك .وهي وإن كانت لواعية فإنها ت ِ
فائض من الرغبة ل يمكن ٌ نفسها في خيارات الشخص الكالمية ،في زلت اللسان والاحالم ،فهناك ا
دوما
عبر عنه بالكالم .وان هذه الرغبة ل يمكن ازالتها أو اشباعها ،فتتضمن ازاحة مستمرة للطاقة من أن ُي َّ
بحثا عن حقيقة رغبات الذات وليس ا ا
عالجا موضوع الى آخر ،وهي لهذا السبب كناية ،ويصبح التحليل
ُ ُ
للعوارض .وهذه الحقيقة ل تكتشف بقدر ما تبنى في سيرورة processusالتحليل الذي يسعى ألن
تكتشف الذات حقيقة رغباتها عبر الكالم ،رغم ان هذه الذات حين تكتسب ملكة الكالم تخضع نفسها
20
Kojève, Alexandre, Introduction à la lecture de Hegel, Gallimard, 3ème éditions 1997, p 169
ّ
جان الكان ) 61 – 60 ( Jacques Lacanمحلل نفس ّي فرنس ي ،هو ّربما أشهر املحللين النفسيين بعد فرويد في القرن العشرين .أعاد الكان مفهمة
دوسوسر ، Ferdinand de Saussureوالبنيوية الانثروبولوجية وعلى النظريات املابعد بنيوية. ُ التحليل النفس ّي الفرويدي مست ِن ًدا على ألسنية فرديناند
ّ ّ َ ُ ّ
بينذاتي من شكل نظام
وقد أتاح ذلك لالكان بأن ينظر الى الالوعي على انه بنية خطاب يتوجه إلى آلاخر ،مرآته اللغة التي تستخدم لكي تمثل الرغبة على ِ
ّ
تتصل بالتاريخ واملجتمع والثقافة. الترميز ،وحيث يفيد الدال واملدلول تمثيالت نفسية
21
Lacan, Jacques, Écrits II, Éditions du seuil, Paris, 1999, pp169- 295.
لتحوالت النزوة الجنسية من حيث املوضوع ،ومن حيث الهدف ،كما من الليبيدو :Libidoهو الطاقة الشهوانية التي افترض فرويد انها بمثابة اساس ّ
حيث مصدر الاثارة الجنسية .وبإعتبار ان النزوة الجنسية ،كما بدت عند فرويد ،هي على الحدود بين الجسدي والنفس ي ،يشير الليبيدو الى الجانب
النفس ي منها ،وهو يظهر بمثابة طاقة هذه النزوة.
راجع:
البالنش ،جان و بونتاليس ،جان برتراند ،معجم مصطلحات التحليل النفس ي ،ترجمة د.مصطفى صفوان ،املنظمة العربية للترجمة ،الطبعة ألاولى،
بيروت ، 0ص ص .90 -900-966
14
لنظام رمزي مسبق ،وتخضع رغبتها الى الضغوط التي يفرضها هذا النظام .77كما ان آلاخر يضمن
ّ
عدم امكانية تدمير الرغبة وذلك بإبقاء اهدافها في حالة من الهروب الدائم" وبالحالة الى املثلث
ّ
املشرع دائما بالخصاء ،بعد ان اصبح ألاوديبي ّالذي يتبناه لكان ،فان هذا آلاخر هو ألاب ّالذي يهدد ا
حرم رغبة الطفل بأمه (أو آلاخرالامومي) .73 الاول حين ّ
ّ
وعند سارتر ،)02 1-0215( J.P Sartreالرغبة الحقة هي "اضطرابات" ،troubles 74والوعي الراغب
ّ اسلوبا اا ٌ هو ٌ
الفرد الذي يعي نفسهِ فريدا لذاتية مضطرب ،وحامل الرغبة هو "ألانا" فتكون الرغبة وعي
متعال ،والرغبة ل تتوجه الى ٌ
موضوع على مستوى خاص من الوجود .أما موضوع الرغبة ،فهو
ٍ
ّ
موقف" ،فنحن "ل ٍ شكل كلي ضمن مجموعة من العناصر الفيزيولوجية املادية املنفصلة ،بل الى " ٍ
نرغب في الجسد من حيث هو مجرد موضوع مادي :املوضوع املادي املحض ل يوجد ضمن موقف"،75
مثيرا للرغبة ،وهذه ل تصبح آخرا ،اجسدا ا ا ولهذا السبب يصبح هذا املوضوع ضمن موقف ،وليكن
ٌ ا
آخر فقط ،بل انها بالحرى كشف لجسدي الخاص ،من حيث هو وقائعية محضة ،انها لجسد ٍ ٍ كشفا
ا ّ
موقف
ٍ شامل عضو ّي ضمنٍ ككل ُ َ
"الوعي الذي يجعل نفسه جسدا ،كي يمتلك جسد آلاخر الذي يدرك ٍ
ا ا ّ
الخلفي" .76وان كان حافز الرغبة ُيثارانطالقا من املاض ي ،وان لم تكن الرغبة حدثا ّ يشكل الوعي عمقه
محكوم عليها بالفشل ألنها رغبة في الاخذ وفي الامتالك ،وحين تتحقق اللذة التي هي ٌ ا
فيزيولوجيا ،فإنها
التعرف ،ومحاولة لتحقيق غاية الرغبة ونهايتها .وهكذا ،تبدو الرغبة بالنسبة لسارتر مسا ارا يتجه نحو ّ
موضوعا ،اي ،بمعنى آخر ،املرور من ألانا بذاته ا الوحدة بين ذاتية ألانا وفهم هذه ألانا لذاتها بإعتبارها
ّالذي هو ٌ
نقص في الوجود الى ألانا لذاته.
قدمها التحليل الكالسيكي النفس ي ويحاول دولوز (وغاتاري) ان يتخطى الرؤية السلبية للرغبة التي ّ
ّ
والفلسفي لها وهو الذي يحيل الى "أنا" مقابل موضوع تتجه اليه ،وهذه ألانا ل تتحول الى ذات الا عبر
ا
هذا النقص ومن خالله :نتحدث مثال عن الطفل أمام الثدي :ان الطفل الذي اشبع رغبته ونال
حس بالختالف ،وهذه الحالت لن تتحقق أي ّ طعامه ،ل يملك أي احساس بذاته أو شعور بالعالم او ّ
عما ترغب به سوى بالرجوع الى حالة الحرمان ،اي عبر وجود آلاخر ،وبالتالي ،فعبر تمايزها وتفاضلها ّ
دوما بحالت فقط بإمكان هذه الـ"أنا" أن تبزغ ،وهذه السيرورة تستمر طيلة حياتنا ،فنحن نرغب ا
. ستروك ،جون ،البنوية وما بعدها ،ترجمة د .دمحم عصفور ،سلسلة عالم املعرفة ،الكويت ،شبا ، 669العدد ، 09ص
23
What Does Lacan Say About Desire?, on the site:
http://www.lacanonline.com/index/2010/05/what-does-lacan-say-about-desire/
سارتر ،جان بول ،الكينونة والعدم ،ترجمة د.نقوال املتيني ،املنظمة العربية للرجمة ،الطبعة الاولى ،بيروت ، 006ص . 01
املصدر نفسه ،ص . 0
9املصدر نفسه ،ص . 09
15
الامتالء والحضور التي في محاولتنا استعادتها تخسر ذواتنا وقد نواجه املوت ،ذلك ان الرغبة ستحاول
ّ ا
دوما تخطي كل إختالف أو نقص وبالتالي ترسم نهايتها.72
ويقع كتاب آنتي-أوديب في مواجهة هذه القصة البائسة للرغبة املمتدة من افالطون الى فرويد Freud
( )0232 – 0 56والتحليل النفس ّي والتي صورت الرغبة ،كما يحاجج دولوز ،على انها ش ٌيء آخر غير
ّ تأمله من حيث كونها " ا الحياة ،على انها ش يء يمكن ّ
صورا" ،أو "تمثالت" .7
ا تصورا ا
ا ا
جدليا مثاليا، يعتقد دولوز اذا ان التقسيم الافالطوني بين الانتاح والاكتساب جعل من الرغبة
نقص في موضوع حقيقي .وان قام كانط )0 14 -0272( Kantبما وعدميا ،فهو ّالذي ّ
حولها الى ا
ٍ
عرفها بأنها امللكة التي تكون بفضل تصوراتها يعتقده دولوز على انه "ثورة نقدية في نظرية الرغبة حين ّ
ّ ا
سببا في واقعية موضوعات هذه التصورات" ،72الا ان كانط استعان لتوضيح تعريفه هذا باملعتقدات
ا ا
مرتكزا الوسواسية والاستيهامات والهلوسات ،جاعال املوضوع الحقيقي للرغبة يحدث بآليات خارجية،
نقصا ُين ِتج
ا ّ
الحقيقي ،لتبدو حقيقتها الجوهرية كنقص في املوضوعٍ على الفهم الكالسيكي للرغبة
حصرا فتجد تحققها فيها، ا املوضوع املستوهم ،وتنتج الاستيهامات ،فتبدو الرغبة مستندة الى الحاجات
وعلى اساس عالقتها بفقدان املوضوع.
وتبقى فلسفة الرغبة الدولوزية موالية لفلسفة اسبينوزا املحايثة ولنظريته في الاشعور ،affectويبقى
"امير الفالسفة" الى جانب نيتشه )0211-0 44( Nietzscheوبرغسون )0240 – 0 52( Bergson
نقيض للنقص ،وحيثما ّ
يتم ٌ مؤثرا في فلسفة دولوز الحيوية 31.ان الرغبة باملنظور السبينوزي لعبا اا
ّ ّ
حقيقي أو وهمي ،تبرز الرغبة باملعنى السبينوزي تمثل الرغبة كنقص يبحث عن امتالء واشباع
ا ا ّ لكل كائن ّ( )conatusعلى ّانها الجوهر الاثباتي ّ
افضا اي فكرة حي؛ وهذا ما سيتبناه دولوز صراحة ر ٍ
27
Colebrook Claire, Understanding Deleuze, Allen & Unwin, Australia, 2002, p 98.
28
Ibid. P 99.
29
Anti-Œdipe, P 34
30
De Bolle, Lee (editor), Deleuze and psychoanalysis, Leuven university press, first edition 2010, p 14.
ّ
الكوناتوس conatusفي املصطلح السبينوزي تشير بشكل عام الى القدرة أو الجهد الذي يسمح لكل كائن بأن يوجد ويفعل وبأن يحفظ وجوده
واستمرارية فعله .انها بمعنى آخر قدرة إنتاجية وابداعية تمتلكها الرغبة كي يصبح بإمكانها أن ّ
تعبر عن نفسها عبر الفعل.
راجع مثال:
Delassus, Éric, Souffrance et jouissance dans la philosophie de Spinoza, Déc. 2011, Paris, France. <hal-00701250>, sur le site
électronique:
https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00701250
16
معتبرا انها ما يمكن أن َ
يوجد ا تسجن الرغبة في الصراع من أجل الاشباع ،أو في ردة الفعل امليكانيكية،
دوما في سيرورة اثباتية ل هدف لها سوى الحفاظ على حضور ما يمكن لها ان تكونه.30 ا
31
Ibid. P 15.
17
الفصل ألاول :الرغبة آلة وإنتاج
18
ا
أول :الرغبة كآلة
مضادا) ،كانت معظم املراجع التي تقود الى ا حتى العام ،0223قبيل ظهور آنتي-أوديب (أو أوديب
يتحدث دولوز عنّ فلسفة دولوز في الرغبة قد ظهرت في كتابه بروست والعالمات .في هذا العمل،
الرغبة في سياق كالمه عن فلسفة الحب ،وان لم يتطرق الحديث عن عالقة الرغبة بالنقص ،فإن
محور الكالم تمحور حول الرغبة وموضوعها :ان الرغبة ل تطلب املوضوع بحد ذاته ،بل تتجه ناحية
ويعبرعنه ،وان الخيال هو املسؤول عن حمل تلك الرغبة وادخالها في العالم الذي يحمله هذا املوضوع ّ
هذا العالم آلاخر من خالل املوضوع .ويشير دولوز الى ان هذه الصورة للرغبة نجدها في الحب ،حيث
آخريجده في آلاخراملعشوق وجسده.37بعالم ٍ
يرغب العاشق ٍ
ّ ّ
التصور من هذا املنطلق الذي يأخذ الرغبة من حيث ولوجها في عالم املوضوع ،يمكن القول ان
الالحق لدولوز (وغاتاري) بإعطائها الاولية ينحدر ،ليس من تثوير مقولة فرويد حول الرغبة ،بقدر ما
ّ
يتعلق بهذه الرؤية الدولوزية في كتابه حول بروست .ذلك ان فرويد ،حين يشير الى ان املوضوع قابل
ا
للتحويل والتغيير ،فإنه ل يعطيه اهمية في عملية اشباع الرغبة.
ّ
يمكن التكلم ،من وجهة نظردولوز ،عن لعنتين طالتا الرغبة :الاولى لعنة مسيحية الطابع استمرت مع
وسمت الرغبة بالنقصّ .أما اللعنة الثانية فهي التي تعتبر ان الرغبة يمكن اشباعها الاغريق ،وهي التي َ
ا ّ
باللذة ،أو يتم ربطها بالتمتع 33.يتعلق الامر بما يشبه "دائرة هزلية" :رغبة – لذة – تمتع".مرة أخرى –
ّ
ويتحدث عن هذه "الخيانات الثالثة الكبرى" أو الادانات 34
يقول دولوز – يجري لعن وتصفية الرغبة!"
ّ
(رد الرغبة الى النقص واللذة والتمتع) بإعتبارها متصلة مع بعضها البعض ،فإدخال النقص في
الرغبة معناه "ان نجهل بالتمام السيرورة ،ومتى فعلنا ذلك ،لن يمكننا أن نقيس الامتالءات الظاهرة
ا ّ
للرغبة إل باللذة ،وبالتالي فإن مرجعية اللذة تتأتى مباشرة من فكرة الرغبة كنقص ،ولن يكون بإمكاننا
ّ ا ّ
ايضا إل ان نعيدها الى التعالي الخاص بالتمتع املستحيل الذي يعود الى الاخصاء والى الذات
توترا غير مستساغ ينقصه شٌ ٌ ما ،فتكون ا
مثال ،تبدو الرغبة ا املتفسخة" .35وبالنظر الى نصوص فرويد
32
Deleuze, Gilles, Proust et les Signes, Quadrige / PUF, 7e édition, 1987, PP14 - 15
ّ
مارسيل بروست ) 6 – 19 ( Marcel Proustروائي فرنس ي شهير ،مؤلف الرواية الذائعة الصيت "البحث عن الزمن الضائع".
33
Deleuze, Gilles, Désir-plaisir-jouissance, Cours Vincennes : dualisme, monisme et multiplicités - 26/03/1973, sur le site :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=166&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1
34
Ibid.
35
Deleuze, Gilles, Anti Œdipe et Mille Plateaux, Cours Vincennes- 14/05/1973, sur le site :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=169&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1
19
ا قصدا ّ ا
لتعال ،بنفس الطريقة التي يتم ٍ يتوجه نحو ما ينقصه ،ولذلك يجري تعريفها وفقا والحالة هذه
ا
لوحدة ل تنتمي اليها هي اللذة أو النشوة التي تحقق افراغها. ٍ قياسها وفقا
ّ واللذة" يهاجم دولوز ما ّ ّ وفي ّ
يسميه فلسفة اللذة عند ميشيل فوكو Michel نصه املعنون "الرغبة
ّ ّ
ويعلن ّ
تبرمه من كلمة لذة التي يستخدمها فوكو كبديل عن كلمة رغبة. ،)02 4-0276( Foucault
ا ا ا َ ا ا
طبيعيا ،بينما هي معطى معتبرا اياها مختزل مرة اخرى الرغبة الى النقص، ِ ويبدو هذا الاستخدام
ٌ
التكون؛ ّانها اشعور affect ّ لمتجانس يشتغل ،و"سيرورة ،عكس البنية أو ٌ ارتصافagencement
هذية (فردية نهار ،فردية فصل ،فردية حياة) عكس الذاتية؛ وهي عكس الشعور sensation؛ انها ّ
ا ا
شخصا" .36ان اللذة مرفوضة ألنه ل يمكن اعطاؤها اي قيمة ايجابية ،ألنها، حدث وليست شيئا أو
بحسب دولوز ،تقطع السيرورة املحايثة للرغبة ،وتبدو من ناحية الانضودات والتنظيمات ،التي تحيل
ا الرغبة ا
بغاية هي الاستلذاذ ،منتزعة منها كل بعد ايجابي ومنتج. ٍ دائما الى املتعة أو الى النقص وتربطها
تتوجه ا
دائما ويجعل هذا الربط أو التماثل بين الرغبة واللذة ،من الرغبة في قصديتها ملوضوع ما وكأنها ّ
ٍ
صوب املتعالي ،ويجري قياسها بما ل ينتمي اليها ،بينما هي "سيرورة محضة".
وهكذا تصبح الرغبة مع دولوز "سيرورة انتاج من دون مرجعية ألي ارتصاف خارجي" .ذلك ان "ما
َ
يفترضه دولوز (وغاتاري) ،عبر سيرورة الرغبة املعالجة على مستوى اونطولوجي وليس انتروبولوجي
كمسطح وحيد للواقع ،هي نظرية للكائن الاجتماعي في صيرورته ،التطور الجنيني لالجتماعي ،تلك التي
ا
ٌ
مرتب، تشرح شروط انتاج املجتمع" .32هذا في حين النقص مثال هو "أثر-مضاد للرغبة ،فهو ُم ّع ٌّد،
والاجتماعي [ ]...وليست الرغبة هي التي ّ
ّ َّ ٌ
طاحن لدى الفاعل ٍ نقص
ٍ عن ر تعب الطبيعي الواقع في ف مجو
خما يجعلها قليلة [[ ]...بل] ان الرغبة تخنق الحياة بقوة انتاجية ،وتعيد انتاجها بشكل أكثر ز ا
ٍ
الاحتياج" .3
يقول دولوز في تقديمه لكتاب غاتاري التحليل النفس ي واملستعرضية،مقالت في التحليل املؤسساتي
( ،)Psychanalyse et transversalité, Essais d'analyse institutionnelleان الرغبة كليبيدو
ا ّ
الاجتماعي" ،متزامنة مع الدفوق التي تمر تحت موجودة في كل مكان ،وتخترق الجنسانية كل الحقل
الاشياء ،والاشخاص ،ورموز الجماعة [ ]...هذا هو الطابع الكامن لجنسانية الرغبة التي ل تأتي
لتفصح عن نفسها إل بإختيارات موضوعات جنسية مع رموزها (و من البداهة أن تكون هذه الرموز
39
Deleuze, Gilles, l’ile déserte, éditions de minuit, 2002, P 273.
0حورات ،ص
دولوز ،جيل ،بارني كلير ،حوارات ،ترجمة عبد الحي زرقان و أحمد العلمي ،أفريقيا الشرق ،الغرب ، 666 ،ص . 01
املصدر نفسه .ص . 9
1حوارات ،ص .
املصدر نفسه ،ص .
45
Anti-Œdipe, p36.
21
النظرية آلالوية للرغبة
تكلم دولوز (وغاتاري) عن الرغبة بمصطلحات "الدفوق"" ،القطع" و "آلالت" ،وهي مصطلحات
مجرد استعارات ،بل ثمرة حاجة مستعارة كما يبدو من عالم الانتاج ،ولكن مع ذلك ل يمكن اعتبارها ّ
ّ َ لتطهير اللغة النظرية من ّ
املالحظة عندهما تتوثق عند كل افتراضات مثالية مسبقة .ان هذه املادية
وصف الرغبة بمصطلح آلالة .وبالفعل ،استعمل دولوز مصطلح "آلالة" في العديد من مؤلفاته
("فوكو"" ،السينما :الحركة والصورة" في جزئيه ،وبالتحديد في آنتي –أوديب و ألف سطح) ،وعالج في
ّ ا
كمكو ٍن في إرتصافات كبرى.46 ِ بعضها هذا املصطلح بربطه مباشرة بالتكنولوجيا وآثارإستعمالتها
ّ ا وتبدو مقدمة كتاب آنتي-أوديب ّ
يتنفس ،هذا وكأنها تشتغل فعال كآلة فهذا يعمل في كل مكان و"هذا
ابدا :آلت كل مكان ،ل على سبيل املجاز ا يبول ،هذا يضاجع [ ]...إنها آلالت في ّ يحمى ،هذا يأكل ،هذا ّ ْ
آلالت ،مع مزاوجاتها وارتباطاتها" .42فما هي هذه آلالة؟
بالنسبة لدولوز – و غاتاري -يمكن تعريف آلالة بأنها سيستام من القطع .4وليس القطع الذي تقوم به
ا فصال séparationمع الواقع ،بل أن القطوعات تشتغل في ابعاد ّ ا
لسمات تؤخذ في ٍ متغيرة وفقا آلالة
سمى hyléأو هيولى ،ول يمكن لآللة ان تنتج مادي متواصل ُي ّ ّ الاعتبار ،حيث ان كل آلة ترتبط بدفق
قطعا، ا
قطعا لدفق الا من خالل اتصالها بآلة أخرى ُيفترض انها التي انتجت الدفق ،وتكون هذه ايضا ا ا
ٍ ٍ
ا ا ا ا ُ
لمتناهيا .ان كل ش يء هو انتاج ،انتاج الانتاجات، نسبيا دفقا متصال ثالثة تنتج
بآلة ٍ
ولكنها تتصل ٍ
انتاج الحركات والاشواق والتسجيالت والتوزيعات والوسوم ،انها نتاج الاستهالكات والشهوات والقلق
وآلالم.
ّ ا
ان الثدي هو آلة تنتج دفقا من الحليب الذي تقوم آلة الفم بقطعه من الحلمة ،والتي بدورها تتزاوج مع
دوما "آلة منتجة لدفق ،وأخرى تتصل به ،تحد ُث ا
قطعا ،او آلة أخرى هي املعدة؛ الخالصة ان هناك ا
ِ ٍ ِ ٍ
42
دفق يفترض تجزئة الش يء" .ويكون هذا الدفق نتاج آلة أخرى ،بحيث ا
اقتطاعا من الدفق[ ]...وكل ٍ
ُ
ان كل آلة هي آلة آلالة ،فسلسلة الانتاجات تحوي عدة آلت متصلة ببعضها البعض ،وكل آلة "ت ّ
فسر
وفقا للطاقة املنسابة منها :العين ّ ا ا
تفسر كل ش يء بتعابير الرؤية – العالم كله وفقا لدفقها الخاص،
َ ٌ والتغوط والتقبيل..ولكن ا ّ ّ
ضة حيث مستعر ٍ دوما ،يوجد ترابط مع آلة أخرى ،في وكذلك التكلم والسمع
مقطوعا من أخرى".51ا ألاولى تقطع دفق ألاخرى أو "ترى" دفقها
9ملزيد من القاء الضوء على استعمال دولوز وغاتاري ملصطلح آلالية والتقنية وغيرهماُ ،يمكن مراجعة :
Poster, Mark & Savat, David, Deleuze and the new Technology, Edinburgh University Press, 2009.
47
Anti-Œdipe ,p 9
48
Ibid, P 45 & P 306
49
Ibid, p 13
50
Ibid. p 14
22
ّ
هكذا هو نشاط كل آلة :الاتصال بدفق ،انتزاع قطع منه ومن ثم استهالك القطع التي تشكل ما ّتبقى
الاولي .وان بدت لحظات التآليف الثالثة مستقلة في الظاهر،الا انها واحدة ذلك ان الانتاج ّ من الانتاج
ا
هو مباشرة إستهالك وتدوين ،enregistrementوالتدوين كما الاستهالك يحدد مباشرة الانتاج ،ولكنه
ا ا في حد ذاته يكون في ّ
انقطاعا حيث انه يختلط مع خضم الانتاج نفسه .كما ان القطع ليس فصال ول
واحد يشترط الاستمرارية.
نشاط ٍ ٍ الضم في
ابدا سيرورة مغلقة على نفسها ،ولكن تدخل ا
دوما في وبفضل طبيعتها الاتصالية ،فإن آلالة ليست ا
ّ
عالقات تأثير متبادل مع آلت أخرى من طبيعة مختلفة ،وهذا دليل على تبني دولوز (وغاتاري) لإلوالية
mécanismeاملادية ،فاآللة ل يمكن اختزالها ا
ابدا باإلوالية التي تعني بعض العمليات التي تقوم بها
ّ
آلت تقنية ،او هي نوع من تنظيم املتعض ّي ،وهي اقرب الى النظام املغلق الذي يعيق الحركة .50بينما
تعني آلالوية machinismeكل نسق من قطع الدفوق يتخطى إوالية التقنية وتنظيم املتعض ّي،وهي
ّ ا
عناصرا متكثرة وليجري تحديدها بعالقات ليست حصيلة لنظام محدد ،بل ابداعية من ِتجة تحتوي
صل ذلك في الطبيعة أو املجتمع أو داخل الانسان .57هذا وبينما تقوم إلاوالية سببية او نماذج ثابتةَ ،
أح َ
املتعض ي؛ ومن جهة أخرى ،فإن النزعة ّ تفسر من خاللها إشتغال بتجريد وحدة بنيوية من آلالة ّ
ٍ
ّ ّ ا
آلة متعلقة بالثباتالحيوية vitalisteتستحضر وحدة فردية ومحددة من الكائن الحي تفترضها كل ٍ
كلتي الحالتين ،تظهر العالقة بين الرغبة وآلالة على انها متخارجة ،وتبدو الرغبة كنتيجةالعضوي .وفي ْ
لنسق من ألاسباب إلاوالية؛ وهكذا تبدو الصلة ثانوية وغير مباشرة بين الاثنتين ،وهذا ما ٍ مححدة
53
يرفضه دولوز وغاتاري .
ان آلالوية التي يقدمها الفيلسوفان تعتبر ان كل آلة تتكون من آلت صغيرة وهذه -كالجسد -بدورها
تتكون من أعضاء متعددة مؤلفة بدورها من انسجة تتكون من خاليا وهكذا دواليك حتى نصل الى
مستوى ينتفي فيه الاختالف بين امليكروفيزيا وامليكروبيولوجيا .كما ينبغي فهم آلالة هنا من حيث كونها
ارتصافات ،agencementالتقاءات لعناصر ،وبإعتبارها تشغيالت وليس فقط تقانة ما ،وليست بنية
تتكون من عناصر تتصل ببعضها البعض بل ّانها العناصر التي تتراصف في ما بينها داخل هذه آلالة، ّ
ا
ذلك ان كل الحياة هي سيرورة من الاتصالت وتبادل التأثير ،كالجسد البشري بإعتباره ارتصافا من
املادة الجينية ،الافكار ،القدرة على الحركة والعالقات مع الاجساد ألاخرى ":أن نرغب يعني أن نبني
ا تصافا ،ان ّ ا
نكون مجموعة ،مجموعة تنانير ،اشعة شمس ،مجموعة شارع ...ارتصاف إمرأة ،مشهد ار
51
Deleuze and psychoanalysis, p 17
52
Ibid.
53
Anti-Œdipe, p 341.
23
فعليا [حيث] الرغبة تفيدريفي ،لون ،هاكم ما هي الرغبة ،بناء ارتصاف ،بناء مناطق ،انه الارتصاف ا
البنائية" .54
ّ
ان الارتصاف الذي يشير اليه دولوز في كتاباته يشير الى تلك السيرورة من الترتيب والتنظيم والتركيب،
وكوكبة constellationمن املوضوعات ،الاجساد ،التعابير ،الكيفيات والاقاليم territoiresالتي
ا معا في اوقات ّ تتجمع ا ّ
متغيرة من أجل أن تنتج طرقا جديدة في التشغيل .وتشتغل الارتصافات عبر
مجردة أو ترتيبات من ِتجة إلتصالت وروابط .وينطبق افهوم الارتصاف على كل البنى الرغبة بما هي آلت ّ
من السلوك الفردي حتى الاشتغالت آلايكولوجية ،مرو ارا بالتنظيمات املؤسساتية وترتيبات الفضاء
واملكان.55
ا ا
تركيبا ا
إواليا ا إلتصالت شاملة ومكتملة ،فاآللة ل تفيد "
ٍ وجودا مسبقا وهو ارتصاف آلو ّي ل يفترض
متعضيا [ ]...تكون على العكس من ذلك عبارة عن تجاورات بين حدود غيرمتجانسة ومستقلة []... ا ول
خط ّ ا ا ا
مجرد [ ]...و يكون املستخدم لآللة و ان ما يحدد ارتصافا آليا معينا هو انتقال مركزالجاذبية فوق ٍ
حاضرا داخلها وداخل مركز الجاذبية أو باألحرى داخل مركز السرعة الذي يخترقها" 56وهذا معناه ان ا
الكالم عن آلالة معناه الكالم عن مجموعات تجاور بين الانسان والاداة والحيوان والاشياء ،حيث
ا ا ّ
وتشكل ما ّ
مجردا abstraitيخترقهم ويجعلهم يعملون يسميه دولوز خطا تتمتع آلالة بالسبقية عليهم
ا
جماعة ،وآلالة اذ تصوغ ألاداة وليس العكس" ،تكون أولية بالنسبة للبنيات التي تخترقها والناس
ا الذين ترتبهم والادوات التي تنتقيها والتقنيات التي ّ
مثال ليست سوى تطورها" 52.ان آلالة إلاجتماعية
تكونها وتتكون بها في آلان عينه ،وهي ارتصافات الارتصافات املختلفة التي تشتغل في داخلها ،عناصر ّ
تسمح بمالحظة التمايزات بين هذا املجتمع وذاك .ما يسمح بإستبعاد التعارضات التقليدية
ّ
والتأسيسية في الفلسفة بين الواقع الحس ي والعالم العقلي ،ويسمح هذا الادخال بنقد الخطاب الذي
يتناول الانتاج النفس ي أو الذهني ،ذلك ان الرغبة الدولوزية ل تفترض موجودات محددة ،أو حقائق
ذهنية أو اعتبارات متعالية.
ّ
فض للثنائية بين إلانسان والطبيعة اللذين ّ وما ينتج عن هذه النظرية آلالوية machinisteر ٌ
تصورهما
ا
حصرا سيرورة تنتج دوما في مواجهة بعضهما البعض ،بينما هما الفكر الفلسفي التقليدي على انهما ا
54
Deleuze, Gilles, - Abécédaire - "D comme désir", sur le site électronique :
https://www.youtube.com/watch?v=03YWWrKoI5A
55
Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary -Revised Edition, Edinburgh University Press, 2010, P 18.
9حوارات ،ص 11
9املصدر نفسه ص 1
24
الواحد في آلاخر وتزاوج آلالت ،فالطبيعة ُتنتج والانسان ا
ايضا ،كما آلالة ،والكل يمكن تحليله وتفسيره ِ
ّ
فوق املسطح املادي نفسه لالنتاج .وهذا ما سيدخلنا للتوسع بالكالم عن آلالة الراغبة.
58
Anti-Œdipe, P 13
6
حوارات ،ص 9
60
Ibid. P 13
61
Anti-Œdipe, P 343
25
الحي بإعتبار وحدته املحددة والشخصية ،ويتعلق الامر بظاهرات كبيرة الحجم 67؛ انها البنوية ،والكائن ّ
آلت من طبيعة إجتماعية أو عضوية أو تقنية ،انها "آلالة املأخوذة في وحدتها البنيوية ،والكائن ّ
الحي في
ّ
جمع أو مجموعات كتلوية؛ وتحت هذا العنوان ٍ ظواهر هما ] و[ الشخصية، ى وحت وحدته الخاصة
يرجعان من الخارج الى بعضهما البعض". 63
ّ
املعطلة منها هي ا ّ
ايضا اشتغالية، والثاني عبارة عن آلت تشكلية ،formativesوهي "آلت حيث ان
ّ
واشتغالها لمتمايز عن تشكلها"ّ ،64انها آلالت الجزيئية التي هي بالتحديد آلالت الراغبة .وعلى خالف
آلالت الكتلوية ،فإن آلالت الراغبة يحكمها نظام من التوزيع dispersionلعناصرها الجزيئية بحيث
ان " عناصر آلالت الراغبة يمكن التعرف اليها عبر استقالليتها املتبادلة ،بحيث ان ل ش يء في واحدة
65
منها يعتمد او يخضع لش يء ما في أخرى".
ّ ْ ّ
مستوييها ،هي نفسها في شروط محددة ،ولكنها مختلفة على مستوى النظام الا ان هذه آلالت،في
ّ ّ
،régimeونسب املقادير ،واستخدمات التآليف synthèses؛ ول يمكن التكلم عن وظائفية إل على
املستوى تحت-مجهري sub-microscopiqueحيث آلالت الراغبة ،وعلى مستوى إلارتصافات آلالية،
َ
وآليانية الرغبة .وعلى هذا املستوى ينتفي التمييز بين ما هو منتج وبين الانتاج ،على العكس من حالة
ّ ا
آلالت الكتلوية الكبرى ألن آلالت الاجتماعية مثال أو العضوية ل تتشكل بنفس الطريقة التي تشتغل
مححدة تفصل انتاجها عن اشتغالها ،بينما آلالت الراغبة هي بالتحديد ما ٍ لشروط
ٍ فيها ،بل تخضع
ا
تقوم به وتشتغله في ذاتها ،وبحسب أنظمة تآليف ل نجد لها مثيال في املجموعات الكبرى 66.الا ان هناك
تقاطعا بين آلالت الراغبة وآلالت الاخرى ،بالخص ان دفوق الرغبة تخترق املجموعات والقبائل ا ا
دوما
والسكان كي ُتن ِتج الواقع réelبأكمله ،وكي تبدو على شكل طاقة عائمة ّ ّ
حرة ومتحركة قادرة على تحولت
ّ 62
وانتقالت مستمرة بين عناصرمتباينة ،كثيفة ،جزئيئية ،وكلية.
من هنا يلزم الكالم عن الطبيعة الاتصالية للرغبة التي ل تسمح لنا برؤية آلالة كسيرورة مغلقة على
نفسها ،ولكن ضمن تبادل تأثير مع آلالت ألاخرى حتى ولو كانت تكنولوجية ،بيولوجية أو إجتماعية ":
ّ
ان آلالت الراغبة الجزيئية هي نفسها استثمارات لآللت الكبيرة الكتلوية أو ترتيبات تتشكل وفق
جهة أخرى آلت متعضية، قوانين الاعداد الكبرى ،بمعنى أو بآخر لإللحاق .آلت راغبة من جهة ،ومن ٍ
ا ّ
شروط محددة [ ]...ولكن آلالت الراغبة ل تمثل شيئا ،ل تعني ٍ تقنية او إجتماعية :انها آلالت نفسها في
62
Ibid,p 343
63
Ibid, P 343
64
Ibid, P 345
65
Ibid, P 389
66
Anti-Œdipe, P 346
67
Deleuze and psychoanalysis, P 22
26
ا ا
شيئا ،ل تريد ان تقول شيئا ،وهي بالضبط [ ]...ما تشتغله بذاتها [ ]...وفق أنظمة تآليف ل تجد لها
ّ مثيال في املجموعات الكبيرة" . 6كما ان الرغبة آلة وموضوعها ا ا
ايضا ،حتى يمكن القول إن الكائن
املوضوعي للرغبة هو الواقع نفسه ،ففي ّ
كل مكان نجد " آلت منتجة أو راغبة ،كل الحياة النوعية :أنا و
ا
ل-أنا ،الخارج والداخل لم تعد تعني شيئا".62
إن هذه آلالت الراغبة التي تشتغل فينا ،هي نمط لوصف دينامية الذاتية التي ّ ل ّ
تحرك ويمكن القو
الجسد الخالي من الاعضاء قبل كل تمييزات وتحديدات .21وهي ليست اشتغالية فحسب ،ولكن ا
ايضا
تطوري وليس ا
ابدا حر ،محايث لنفسهّ ، حاملة للجديد ،وان آواليتها تسمح بفهم العالم كابتكار وخلق ّ
ا ا ا
وخاضعا إلرادة خارجة عنه أو نماذج جاهزة مسبقا .ل تخضع آلالت الراغبة ألشكال مسبقة محددا
التحديد ،بل تظهر كنموذج للواقع الدولوزي ،وكأنها الطبيعة الجوانية للطبيعة ،ذلك ان آلالة الراغبة
ا
اونطولوجيا ،وبالضرورة من جهة غير اونطولوجية. معطى بل انتاج يكون بالصدفة ا بجوهرها ليست
ّ ا
ويستعير دولوز (وغاتاري) مثال من البيولوجيا الجزيئية كي يلخصا لنا ظاهرة آلالة الراغبة حيث ان
ا َ
ومنتج ،كما ان التبدلت mutationsالجينية مثال يمكن عزوها الى البروتيين هو في آلان عينه منتج ِ
ّ
اخطاء في نسخ املادة الجينية خالل الانقسام الخلوي ،ولكن هذه التبدلت او التشوهات تشكل املصدر
ّا
ومحركا للتطور .ان آلالة الراغبة بجوهرها ل تظهر ككائ ٍن ولكنها نتاج الرئيس ي للتعددية الجينية،
ّ
لشغل ،ولهذا السبب اعتبر دولوز (وغاتاري) ان تشكل الالت الراغبة ل ينفصل عن اشتغالها: ٍ لعمل،
َ
انها في آلان عينه منتجة ومن ِتجة ،مثل البروتيين.
68
Anti-Œdipe, PP 345, 346
69
Ibid., p 10.
70
Deleuze and psychoanalysis, p 22.
ّ ً
معارضا للتقليد الذي يرى ان الفن يعكس 9انطونان آرتو :) 6 1- 169( Antonin Artaudشاعر ومسرحي وممثل وفنان فرنس ّي مثير للنقاش .كان
ً
طريقة في تجاوز املحرمات والقيود التي تفرضها َ الحقيقي ّ
ّ
القيم الاخالقية والشرو يقدم الحياة وان املسرح مرآة الحياة اليومية .بالنسبة له ،فإن املسرح
ّ ً
ّ
معبرا عن القلق وألالم والخوف كعناصر تأسيسية في الشر الانساني ،وقد أراد من خالل مسرحه أن يختبر الثقافية .انشأ ما ُيعرف بمسرح القسوة
الجمهور مخاوفه العميقة.
27
جزيئي وغير كتلو ّي؛ فهو "بال فم ول لسان
ّ بل حزمة من الاشاعير الراهنة ،actuelتعددية غير متعضية،
نقيضا لألعضاء بقدر ما هو كذلك لتنضيد هذه الاعضاء ا ول اسنان..وبال معدة أو بطن ،27"...وهو ليس
نسميه املتعض ّي .ويستعمل دولوز (وغاتاري) تسمية الجسد بال اعضاء لالشارة الى مسطح اي ملا ّ
ُ ا
املحايثة الخاص بالرغبة ،انه حقلها املحايث كنقيض ملساحات الارتصافات .وإن كانت الرغبة حدثا
ا ا
جسد بال اعضاء ،فهذا الاخير ل يمكن تحديده ٍ شخصا أو شيئا بل تعني تأسيس événementوليست
ّ ٌ إل بمناطق ّ ّ
بيولوجي مثلما هو اجتماعي جسد شدة وعتبات وتناقضات فيزيولوجية ودفوق .وهو
يتغير(جسد الاقطاعية الخالي من الاعضاء وسياس ّي "ذلك ان الارتصافات تنشأ عليه وتتفكك [ ]...وهو ّ
ليس هو نفسه جسد الرأسمالية الخالي من الاعضاء) [ ]...ويتعارض مع كل انضودات strates
ايضا] مع تعضيات السلطة .وان مجموع تعضيات الجسد التعضية ،تعضية املتعض ّي ،لكن [يتعا ض ا
ر
آخرا من املسطح ينضدّ ا
تحديدا ما سيكسر سطح املحايثة او حقلها ،وسيفرض على الرغبة طرازا ا ا هو
مر ٍة الجسد الخالي من الاعضاء".23كل ّ
وتشير الانضودة (والتنضيد ) stratificationالى ظواهر تثخين épaississementكتلوية وجزيئية ،على
تثخراتّ ،
وترسبات ّ ّ
وطيات .والانضودات هي احزمة من الترابطات فيزيائية-كيميائية، شكل تراكمات،
عضوية وتجسيمية .anthropomorphiqueوتشيركل انضودة الى اشكال ومواد متنوعة ا
جدا ،كما الى
شيفرات واماكن متعددة ،وتمتلك انماطها الخاصة من النمو الشكلي ،حيث يصير التنضيد ا
نوعا من
خلق مستمر ودائم التجدد ،ولهذا السبب يدخل الجزيئي خلق لعالم جديد عبر الخواء ،chaosوهو ٌ
ٍ ٍ
24
والكتلوي في اقترانات مختلفة في ما بينهما .
وفي مقدمة آنتي-أوديب اشارة الى الصراع الظاهر بين آلالت الراغبة وارتباطاتها وانتاجاتها و"ضجتها"
ا
وبين الجسد الخالي من الاعضاء بسطحه "الاملس الالشفاف واملنزلق" ،فهذه آلالت تمارس "عمال
فعل نفورية ألنه "يحس بهذه آلالت وكأنها جهاز اضطهاد"،25 ا
إكراهيا" عليه ،مما يتسدعي منه ردة ٍ
ّ
ستعمل كسطح لتسجيل كل عملية َ وهو ،الالمن ِتج غير القابل لالستهالك والذي ل يقبل التنضيدُ " ،ي
املصدر:
http://dlibrary.acu.edu.au/staffhome/siryan/academy/theatres/artaud,%20antonin.htm
و
http://modernism.research.yale.edu/wiki/index.php/Antonin_Artaud
72
ورد في هامش:
Deleuze, Gilles, Francis Bacon : logique de la sensation, Seuil, 2013, P 21.
73
Deux régimes de fous, p 119
74
Milles Plateaux, PP 627-628
75
Anti-Œdipe, p 17
28
حد ان آلالت الراغبة تبدو منبثقة عنه" .26وإن كان الجسد بال اعضاء أو حقل انتاج اغب ،الى ّ
ٍ ر
ّ
املحايثة يتضمن"صحارى وفراغات" 22الا ان هذه الاخيرة تنتمي كليا الى الرغبة ،ذلك ان هذا الفراغ
جزءا من ّيشكل ا ّ ا
تكون حقل الرغبة ،وقلة الجزيئات نقصا بل الخاص بالجسد بال اعضاء ليس
2 وتباطوء الدفوق تنتمي ا
ايضا الى الرغبة.
ّ
وفي آلان عينه ،تتمفصل آلالت الراغبة مع الجسد بال أعضاء بحسب عالقات معقدة .ويمكن لنا ان
ّ
الانتاجي. نذكر هنا آلالت البارانوية أو الذهانية التي تنتج عن نبذ هذا الجسد لنشاط آلالت الراغبة
سيتكون هذا الجسد بال أعضاء كذات، ّ وبين املقابلة بين هاتين العالقتين (الجذب والنبذ) أو ّ
القوتين،
ّ
املشتدة ،الايجابية، ذلك ان "التعارض بين قوى الجذب وقوى النبذ ينتج سلسلة مفتوحة من العناصر
ّ
املتبدلة الثبات والاستقرار لمحدودا من الحالتا تفسر التوازين النهائي للسيستام ،ولكن ا
عددا التي ل ّ
ا ا ا 22 والتي عبرها ّ
جوهرا ثابتا تمر الذات" .وستكون الذات بهذه املقاربة نتاجا لتجربة ٍ
حالة ما ،وليست
ا ا ّ
نعرف من خالله الفرد أو ألانا ،بل بالحرى حالة معيشة.
ٌ ٌ ٌ
مجال ل مركز فيه ول ويمكن ان نضيف ان للجسد الخالي من الاعضاء دللة فلسفية من حيث هو
شدة تلتقي عنده كل العناصر العابرة وتتلقف بعضها من دون اية إحالة مرجعية أو ترتيب ،اي فعل ّ
دللة قبلية ،ألنه جماع لتعددات ومسارات جزيئية وظرفية ،ولتركيبات قبل عضوية تتآلف وتمنح
ا ٌ
العضو إمكانية التركيب وإمكانية الحياة وبعث للحركة في ما نراه ساكنا. 1
ا
ثانيا :التاريخ الكوني للقمع
يقدمه دولوز (وغاتاري) للرغبة بإعتبارها سيرورة انتاج ُيمكن وضعه ضمن التصور املبتكر ّالذي ّ
ّ ان
مباشرة بنظرية ماركس لالنتاج؛ حيث يظهر أن ما ّ ا تحليلي أوسعّ ،
ّ ّ إطار تار ّ
نسميه يتصل ومادي يخي ٍ
0
النظرية الاجتماعية للـ آنتي -أوديب تبدو جينيالوجية و سيميائية (تداولية) .ويتعلق الامر بنظرية
ّ
تلقي الضوء على الكيفية التي يشكل بها املجتمع سيرورة الانتاج الراغب أو الاجتماعي .انها نظرية في
ّ
الاجتماعي، احل تفيد الكيفية التي بها ينتظم الانتاج الراغب في الانتاج ّ
التاريخ الكوني تصف ثالث مر ٍ
بشكل خاص من الانتاج كل مرحلة ٍ ّ
وتتميز ّ اي بمعنى آخر انه تاريخ القمع الاجتماعي لآللة الراغبة.
ٍ
املسجل فوق السوسيوس من حيث كونه السوسيوس الشكل الاجتماعي لالنتاج الراغب، ّ الاجتماعي
76
Ibid. P 17.
99حوارات ،ص 9
91املصدر نفسه ،ص 9
79
Anti-Œdipe, p 27
- 10حدجامي ،عادل ،فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف ،دار توبقال للنشر ،املغرب ،الطبعة الاولى ، 0ص ص
81
Due, Reidar, Deleuze, Polity Press, 2007, P 103.
29
ّ
تسجيل لإلنتاج حيث يتم تدوين موضوعات ،أدوات وقوى العمل ،وفوقه تتوزع عوامل ٍ ومساحة
الانتاج واملنتجات .ذلك ،ان السوسيوس،على ما يرى دلولوز (وغاتاري) ،هو على عكس الجسد الخالي
مضاد لالنتاج ،ومحطة عقيمة ،ور ّبما كان "جسد الارض ،أو ٌ ٌ
وعنصر جسد ممتلىء،ٌ من الاعضاء،
ليس ا ّ
الاستبدادي أو رأس املال .وهو الذي قال عنه ماركسَ : ّ
نتاجا للعمل ،بل يظهر وكأنه الجسد
7
كإفتراضه الالهي أو الطبيعي املسبق" .
خاصا يلعب دور الجسد ا نموذجا اجتماعيا ا ا
مجتمعا "بل يسميه دولوز سوسيوس ل يعني ان ما ّ
مجتمع كسوسيوس أو جسد ممتلىء تجري فوقه وتتقطع دفوق من طبائع مختلفة، ٍ املمتلىء .يظهر كل
كما الاستثمارات الاجتماعية للرغبة .انه تلك العملية التي تؤسس إلقتطاع الدفوق والتي يمكن ان
ّ ّ
بشكل مالئم فصامي ]...[ schizeوالافهوم الاول الذي نربطه بالدفق هو القطب؛ حين يجري ٍ نسميها
قطب ويخرج من آخر؛ وإن كان الدفق يحيل الى شيفرات، ٍ الدفق فوق السوسيوس ،فهو يدخل في
صد ،فهو يتحدد بالدخول والخروج، تمروأخرى ُت َّ إقتصادي من حيث وجود اشياء ّ ّ يمكن ان نصفه بأنه
فإن القطب يحيل الى حركة الدفق أو يتحدد بها ". 3
ّ ا ّ ّ
املجردة في احل ل يفيد وصفا لآللة الاجتماعية وينبغي التذكير ان هذا التاريخ الكوني املقسم وفق مر ٍ
ّ
زمانيتها ،بل في نمط إشتغالها ،ول يجري الكالم عن التشكيالت الاجتماعية إل من جهة كونها سيرورات
ا
آلوية وليست أنماطا لإلنتاج على طريقة فلسفة التاريخ املاركسية؛ ويتأكد ذلك لنا حين نعلم ان كل
ّ ّ ا
بشكل متزامن ،ما يعني أنٍ توجد مجردة إجتماعية آلت من نة تشكيلة إجتماعية عينية ليست إل مكو
ا العيني ،وفي داخل هذا نجد ا ّ مجرد يسبق – ا كل ما هو ّ
اشتغال موجودة
ٍ دائما وظائفا وأنماط نظريا –
ّ 4
معا آللت إجتماعية مجردة. ا
ا
إن مبادىء 5هذا التاريخ الكوني تقوم أول على ان هذا التاريخ هو تاريخ قمع الرغبة ودفوقها ،وهو
وليدا إلحتمالية إجتماعية؛ ا إل ا ّ
ثانيا ،وإن كان ٍ ٍ لحتمية ما أو ضرور ٍة داخلية ،بل لن يكون ٍ تاريخ ل يخضع
القمع الاجتماعي للرغبة هو الثابت في مختلف انماط السوسيوس بإعتباره الجسد املمتلىء ومساحة
ا ّ
املتغيرات؛ وثالثا ،ان تسجيل او تدوين دفوق الرغبة أو باألحرى التسجيل ،فإن أشكال هذا القمع هي
وكبت لإلنتاج الراغب، ٌ دائما ٌ
قمع تمثيلها هو "السالح" الرئيس ي في هذا القمع ،ذلك ان " التمثيل هو ا
ا
كثيرة ،وفقا للتشكيل الاجتماعي[ .ولهذا] التمثيل ،في العمق ،ثالثة عناصر هي املم ِثل املقموع، ائق ٍ
بطر ٍ
82
Anti-Œdipe, P 33.
83
Deleuze, Gilles, Anti Oedipe et Mille Plateaux, Cours Vincennes : nature des flux - 14/12/1971
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=118&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1
84
Thoburn, Nicholas, Deleuze, Marx and Politics, Routledge, April 2014, 240 pages, P 91.
85
Mingue, Philipe, Gilles Deleuze ou le système du multiple, éditions KIMÉ, Paris, 1994, pp 185 - 186
30
َ َ ّ
التمثيل القامع واملمثل الذي يتم إزاحته [ ]...ان العامل الرئيس ي في كل ذلك هو نمط أو نوع التدوين
ّ ّ دوما ٌ الاجتماعي [ ]...هناك ا
إجتماعي ،ولكن جهاز هذا الكبت يختلف ،بالتحديد وفق الدور الذي كبت
يلعبه املم ِثل 6".املبدأ الرابع يشير الى متبدلت التمثيل هذا وهي على التوالي :اقليمية ،استبدادية
ورأسمالية.
2
واذ يشبه السوسيوس ما يدعوه نيتشه شكل السيادة أو القدرة ،فإنه وبالتوازي مع املتبدلت هذه،
يتجسد على التوالي وفق ثالثة انماط للجسد املمتلىء :جسد ألارض ،جسد املستبد وجسد رأس املال،
والى جانبها يمكن الحديث عن ثالثة انماط من التنظيم الاجتماعي :القبيلة البدائية ،الدولة،
ا آلاكسيوماتيةّ .
ويميز دولوز (وغاتاري) بين هذه الانماط وفقا للطرائق املختلفة التي من خاللها يتم
تدوين وكبت دفوق الرغبة فوق السوسيوس ،وتقيدها بالنشاطات واملؤسسات الجماعية التي تؤمن
استمرارية التنظيم القائم؛ وأنماط التدوين-الكبت هذه هي على التوالي :تشفير الرغبة ،Codage
أكسمة" ( axiomatisationاشتقاق من أكسيوماتية التشفير املضاعف لها ،surcodageو " َ
)axiomatiqueالدفوق مفكوكة أو محلولة الشيفرات .décodésان هذه الانماط تنطلق من كون
يتم تشفير الرغبة دوما في الرغبة ،تقتض ّي أن ّ آلالت الاجتماعية الكتلوية ومن حيث هي متضمنة ا
ّ ا ا
وتشفيرا مضاعفا لها ،كي يصبح بالمكان للذوات ان يحتلوا مواقعهم الاجتماعية وأدوارهم ،ويشكل
يؤمن استمرارية وظيفة تسجيل دفوق حقال لهذا التشفير والتشفير املضاعف الذي ّ ا
السوسيوس
ّ
نشاط دائم من التحكم والقمع والتشفير ٍ الرغبة ،عبر ضبطها ،وتقييدها ،وتوزيعها ،ما يشير الى
ا إلرتصافات الرغبة في آلالت الكتلوية واملؤسساتية ّ .أما ا
أخيرا ،ينص املبدأ الخامس على ان شكال
معينا من أوديب يظهر عبر هذه الانماط ،بإعتبار ان ألوديب سببه الشكلي الناتج عن ّ ا
التبدل في تسجيل
وتدوين دفوق الرغبة.
لدفق، بإعتبار ان كل جسد إجتماعي تخترقه الدفوق من كل حدب وصوب ،وان كل شخص هو ٌ
قطع
ٍ ٍ ٍ
اي نوع كان أو بالحرى تشابكٌ ونقطة انطالق انتاج لدفق ،كما نقطة وصول لدفق قادم ،لدفق من ّ
ٍ ٍ ٍ ٍ ٍ
ّ ّ
والتقاءات لدفوق كثيرة ،فإن نقطة الالتقاء هذه هي نقطة توقف سيرورة الدفوق ،كما في املثل الذي
وشعره ،حيث ّ َ
مراحل
ٍ يمر هذا الشعر خالل نموه في ِ يعطيه دولوز في إحدى محاضراته عن الشخص
ا
أشكال ّ
متنوعة ،وهو عن الفتاة الشابة ليس نفسه عند تلك املتزوجة أو عند العانس، عديدة ويأخذ
ّ هناك ا
اض لدفوق ف واعتر ٍدوما شيفرة لتصفيف الشعر ،وسيكون الشخص صاحب الشعر نقطة توق ٍ
ّ
الشعر التي تتخطاه وتتخطى حالته والتي ستكون بمثابة الشيفرات املختلفة :شيفرة العانس ،شيفرة
86
Anti-Œdipe. P 221.
87
Gilles Deleuze ou le système du multiple, pp 179 - 180
88
Bouaniche, Arnoud, Gilles Deleuze- une introduction, Poket, 2007, P 172.
31
الفتاة الشابة ،شيفرة املتزوجة...الخ .وهذه هي املسألة التي يطرحها التشفير وألاقلمة ّالتي هي ا
دوما
عالمة على الاشخاص ،على هؤلء املوجودين عند نقاط اقتطاع ٍ تشفيرا للدفوق عبر تأشير أو رسما
2
الدفوق.
ّ
وعلى ما يرى مانويل ديالندا ،De Landaأحد أبرز شارحي دولوز ،يفيد التشفير الدور الذي تلعبه
ا اللغة في تثبيت هوية ّ
إجتماعي .21في التنظيمات املؤسساتية مثال ،تتعلق شرعية البنية السلطانية
ٍ كل
ٍ
َّ
بالشعائر والطقوس والضوابط والقواعد املشفرة (في البنى التقليدية ستتوافر الشرعية هذه من
ّ ّ ا خالل النصوص ّ
قانوني من السلطة ستجيز عقالني- املقدسة مثال ،وفي التنظيمات التي يحكمها شكل
القوانين الوضعية املكتوبة وعقود الحقوق والواجبات الشرعية .وفي حين يتم تشفير كل التنظيمات
تشفيرا ّ
يمتد على ا الفردية على هذا النحو ،فإن جهاز Appareil /Apparatusالاستيالء الدولني ينجز
ا ّ
استبداديا أو كل الارض وألاقاليم ،وكل الجماعات والتنظيمات التي تسكنها .وكلما كان هذا الجهاز
توسع فضاء التشفير حتى يصل الى الثياب ،الطعام ،امللكيات ،الفنون ،الاداب ،التجارة، شمولياّ ،كلما ّ
ا
العادات والاعراف والتقاليد...الخ ولكن وبإعتبار ان العديد من الدول تسمح للجماعات التي تحكمها
مهيمنة فوق هذه الشيفرات ،وهذا ما
ٍ شيفرة
ٍ بأن تحتفظ بشيفراتها الاجتماعية ،فإنها تقوم بتركيب
يطلق دولوز عليه تسمية "التشفيراملضاعف".
بدءا بالجساد حتىتباطات وأقاليم أو أراض ي ،ويبدو ان كل ش يء ا
ٍ وبما ان الحياة تخلق نفسها بتشكيل ار
شكل من ألاقلمة أو التوطين ،territorialisationالتي ل يحيل الى نوع من ثبات الحدوداملجتمعات هو ٌ
املكانية لجموع ما – كجماعة في إقليم ،أو مدينة أو ّامة – ولكن ا
ايضا الى الدرجة التي يصل اليها ٍ
ّ
تجانس بين مكوناته ،وتقليص الاختالفات وتوسيع قدر التماثل والتشابه بين الارتصاف في تحقيق
ٍ
القيم املحلية ،كما في جماعة دينية أو عرقية .وفي ّ
كل ألاشخاص عبر القسر والاكراه والتشديد على َ
القيم التي تخص الـ"نحن" بمواجهة صراع بين هذه الجماعات ،ستتم مراقبة كل انحراف عن هذه َ
ُ َ ٍ
الـ"هؤلء" وسيعاقب ،ما يساهم في توسيع وتقوية التجانس وبالتالي درجة ألاقلمة وليس فقط الحفاظ
89
Deleuze, Gilles, Anti Oedipe Et Mille Plateaux, Cours Vincennes - 16/11/1971 :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=115&groupe=Anti+Oedipe+et+Mille+Plateaux&langue=1
90
DeLanda, Manuel, Deleuze: History and Science -Think Media Egs Media Philosophy Serie, Atropos Press, 2010, 168 pages, P 13
32
التكلم عن أفهوم آخر ّ ّ
متصل باألقلمة ويفيد التشفير املضاعف ،هو أفهوم إعادة عليه .20كما يمكن
ُ
القبيلة بإعادة القوة ّ
املقتلعة
املهجرة أو ِ ِ ألاقلمة (أو إعادة التوطين) ،reterritorialisationحيث تقوم
(املستبد او الزعيم) الى الجماعة ،و يصبح كل الافراد زعماء ،أو يحكمون أنفسهم بأنفسهم.
ا والى جانب ألاقلمة يوجد ا
دوما شكال من أشكال التهجير إلاقليمي (أو الاقتالع أو الانتشال)
تشفيرا للرغبة ،فإن إلاقتالع إلاقليمي يصف حركة ا .Déterritorialisationوإن كانت ألاقلمة تفيد
اقتالع التشفير أو البدهنة للموضوعات والحيوانات والعالمات والاشخاص؛ انها بهذا املعنى حركة
وخالقة وليست ا ّ
ابدا تدميرية ،ذلك ان ما يحصل هو ان إلاقليم يفقد أقلمته ويتحرر من ابتكارية
ّ ا ا ّ ا
اقليميا فيها مشكال تحديداته املسبقة .فلنأخذ مثال الضوء والنبتة :يتصل الضوء بالنبتة ويتوطن
ضوءا ا ا ا
ائدا قد يقتل ا ز آخرا غير ما هي ،ولكن شيئا ا سامحا للنبتة بالنمو وبأن تصبح التركيب الضوئي
كتحول ألاوراق النباتية املجففة الى تبغ)؛ وهكذا فإن القوى يحولها الى ش يء مختلف تما اما ( ّ النبتة أو ّ
ٍ ٍ
ألشكال متنوعة من الحياة بأن تصبح ما هي عليه ٍ املترابطة واملتصلة مع بعضها البعض والتي تسمح
تتحول الى ش ٍيء آخر ،الى ما هي ليس عليه ( ٌ
تهجير إقليمي)؛ ّ ايضا لهذه الاشكال بأن (أقلمة) ،تسمح ا
ٍ
جماعة ما (أقلمة) بإمكانها ا ا ا تتجمع وتحتشد كي ّ وهكذا ،فإن الاجساد البشرية التي ّ
ايضا تكون قبيلة أو
ّ ُ َ ا ّ
ّ
إقليمي حيث قبيلة (اقتالع
ٍ مستبد أو زعيم مجموعا كل ايا يتيح لهذه الاجساد بأن تحكم من قبل ان تنتج
عما ّ
يسميانه انتجت قوة الارتصاف عملية انتزاع لسلطة جماعية ) .ويتحدث دولوز (وغاتاري) ّ
ٍ ا ّ
تنظيم ،وهو سيرورة ل تتحقق بقدر ما أو ابط ر كل من تحرير الى يؤشر ذي وال ا
اقليميا مطلقا إقتالعا
ٍ ٍ ٍ
27
تخيلها ،اذ انها الامكانية القصوى . يمكن التفكيربها أو ّ
ّ
يقول دولوز (وغاتاري) في ما الفلسفة؟ ":ل تكف ألارض عن تحقيق حركة إقتالع فوق املكان الذي من
ّ ّ َّ
جماعات عن
ٍ ومهجرة .وهي تختلط مع حركة هؤلء الذين يرحلون خالله تتخطى كل إقليم :انها مهجرة ِ
معا ،ولكن تكون عنصرا بين عناصر أخرى ،فهي تحتضن كل العناصر ا ا اقليمهم [ ]...ليست ألارض
أمكنة يهجر إلاقليم .ان حركات إلاقتالع ل تنفصل عن ألاقاليم التي تنفتح على لواحد أو آلخر بمثابة ما ّ
ٍ ٍ
أخرى ،وسيرورات إلاقتالع ليست منفصلة عن الارض التي تعيد ألاقاليم .إلاقليم والارض هما املكونان،
إلاقليمي (من إلاقليم الى الارض) ،واعادة ألاقلمة (من الارض الى ّ مع منطقتين لمتمايزتين ،إلاقتالع
23
واحدة تسبق ألاخرى". التحدث عن ّ إلاقليم) .ول نستطيع
ٍ
91
Deleuze: History and Science , P 13
92
Understanding Deleuze, P xxii
93
Deleuze, Gille & Guattari, Félix, Qu’est-ce que la philosophie?, Les Éditions De Minuit, Paris, 2005, P 82.
33
ّ
إلاقليمية وتشفيرالرغبة آلالة البدائية
إلاقليمية ،آلة التسجيل البدائية ،هي الشكل الاول للسوسيوس؛ ّ ان جسد ألارض أو آلالة الارضية أو
ّ ّ ّ
الاجتماعي .يشكل البشر مع آلتهم عناصر انها "آلالة العمالقة" 24 Megamachineالتي تغطي الحقل
مؤسساتي في كل مراحل العملُ .ويدخل دولوز ّ وأجزاء هذه آلالة ،وفيها ُيدخلون آلتهم وفق نموذج
ّ
(وغاتاري) مفهوم إلاقليم لوصف مساحة السوسيوس .و إلاقليم يسبق السوسيوس ويشكل ارضية
الرغبة والانتاج وعالقات القوى الاجتماعية ودفوق الانتاج واملنتجين ،فهو الشرط املسبق للرغبة
وموضوعها في آلان عينه .وان الشكل ألاول للسوسيوس يحيل الى أقلمة أو إعادة أقلمة تقوم به آلالة
الاجتماعي وحين تحصل ألاقلمة ،يصبح بإمكان آلالت ّ تقسم الارض الى شرائح تخص املعنى العمالقةّ ،
الاجتماعية الكتلوية أن تشتغل .وتقوم آلالت الاجتماعية ،التي ل تتحدد بالتبادل بل بطريقتها في
ممتلىء محدد هو هنا ألارض أو
ٍ تدوين الدفوق ،بتنظيم دفوق الرغبة عبر تشفيرها ،ما يحيل الى جسد
25
إلاقليم ،عليه يجري انتزاع سلسلة التسجيالت.
ّ ّ
محركها الالمتحرك ،اي ألارض ،هي آلة يرى مؤلفا الـ آنتي-أوديب ان ":آلالة إلاقليمية البدائية ،مع ِ
ّ
إجتماعية أو آلة كبرى ،تشفر دفوق الانتاج ،ووسائل الانتاج ،ودفوق املنتجين واملستهلكين :الجسد
املمتلىء لإللهة ألارض التي تجمع حول نفسها ألانواع الزراعية ،أدوات الحراثة والاعضاء البشرية []...
ان انتاج هذه آلالة الارضية البدائية هو الاستثمار الجماعي لألعضاء؛ ذلك ان تشفير الدفوق ل يحصل
ّ
بشكل متتالي ،هذه الدفوق وتقطعها ،أن تكون محززةُ ،م َعدة ٍ إل حيث يمكن لألعضاء ،التي تنتجها،
ّ ّ ّ
إلاقليمية البدائية الدفوق ،تستثمر كأشياء جزئية ،موزعة ومعلقة على السوسيوس [ ]...تشفر آلالة
متعض تأسيس يكف الانسان من خالله عن أن يكون وتسم ألاجساد بعالمات [ ]...وهو ُ
فعل ألاعضاءِ ،
ٍ ٍ
َ ُ ا ا ا
بيولوجي كي يصبح جسدا ممتلئا ،أرضا ،تتعلق عليها أعضاؤه ،تجذبُ ،يدفع بها أو ّ
تتحول الى معجزة،
ا
وفقا ملتطلبات سوسيوس ما" .26
طبيعة تبادلية،
ٍ ان هذه آلالة الاجتماعية املتوحشة ،sauvageوككل آلة إجتماعية أخرى ،ليس من
ألنها ليست بنيوية كما يرى ليفي شتراوس ،كما ان الرغبة ليست تبادلية وتجهل التبادل ،فهي ل تعرف ّ
سوى العطاء والسرقة بفعل تجانسية جنسانية بدائية ،22بل هي – اي هذه آلالة -تقوم فوق
عالمة على أجساد ،أكانت جسد ألارض أو اجساد البشر .ولهذا السبب ٍ ا
تأشيرا أو وضع سوسيوس يفيد
ّ ّ فإن نظام ْ
املتوحش فوق الدين أو الاستدانة هو الذي سوف يظهر نتيجة متطلبات التسجيل
94
Anti-Œdipe. P169.
95
Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary, Edinburg university press, 2005, PP 255 - 256
96
Ibid., P 170 -173
97
Ibid, P 223.
34
ّ السوسيوس ":ان ْ
الدين هو وحدة املصاهرة أو التحالف ،وهذه هي التمثيل بحد ذاته .التمثيل الذي
ّ ا والذي ،عبر ْ ّ ّ
الدين ،يجعل من الانسان ذاكرة للكالم .انه هو الذي يقمع الذاكرة يشفر دفوق الرغبة،
ّ ى ََ
الجنيني كمم ِث ٍل للدفوق غير املشفرة التي تغمر البنوية filiativeالكثيفة والخرساء ،والدفق الكبر ،
ا كل ش يء [ ]...ان ْ
الدين هو النتيجة املباشرة للتدوين البدائي ،بدل من أن نجعل منه وسيلة غيرمباشرة
العالمي" .2وهذا ما سيجعل من التشكيالت املتوحشة تشكيالت شفهية ،صوتية ،ليس ألنها ّ للتبادل
نظام تصوير ّي ،بل ألن النظام التصويري الكتابي هذا ل يعتمد ول ينشأ نتيجة للصوت تفتقر الى ٍ
تنظيم متعدد الابعاد. يتصل به ضمن والكالم بقدرما ّ
ٍ
ّ ا
إلاقليمية الدالة في آلالة البدائية .وليست هذه السلسلة ان سيرورة التشفير تقتض ي تفكيكا للسلسلة
ّ
خارجة عن املسار الانتاجي ،ولكنها بداخله تشكل جها ازا يسمح بإنتقالت هذا الانتاج وبإعادة انتاجه،
قنوات من أجل تصفيتها أو تكريرها .وبسبب الالتجانس في ٍ كما يفسح املجال لتمرير وصالت الدفوق في
بشكل يتم فيه تأهيل
ٍ السلسلة املتتالية لقسام وأجزاء الشيفرة ،تشتغل هذه ألاخيرة فوق الدفوق
ّ
بشكل مستقل عن عالقاتها ،بمعنى أن العالقة بين الدفوق املشفرة ٍ qualificationهذه الدفوق
ا
ستنتج عن تأهيل الشيفرة لهذه الدفوق .يعطي دولوز في هذا الخصوص مثال من املجتمعات البدائية
لكل منها مسارها الخاص ،فهناك دفوق لالشياء مكونة من ثالثة أو اربعة دفوق ّ حيث يمكن تمييز آلة ّ
ٍ
املستهلكة ودفوق للوجاهة ودفوق الحقوق على الافراد ..الخ؛ وما يحصل هو ان الشيفرة تعمل على
تأهيل هذه الدفوق والعالقة بينها ،حيث يصبح باإلمكان حصول تبادلت بين الوجاهة والاستهالك.22
ُ ّ ّ
نظام من التشفير ل تكون الشيفرات إل متجانسة ومتقاربة تمثل ما يشبه تطويقا quadrillage في كل ٍ
ّ
وتحركها ،وتصنع لساني "تستعير الشيفرة العالمات من كافة الطبائع ّ نسق ّ ّ
للحقل الاجتماعي .ففي كل ٍ
مزيجا من هذه العالمات ،وفي هذه التعددية الخاصة بكل شيفرة يتم تطويق الحقل الاجتماعي عبر ا
سرية" تتصل بما تحمله كل شيفرة من اقترانات لعناصر كثيرة" .ولكن في كل الشيفرات هناك "مناطق ّ
استثمارات جماعية لألعضاء ،حيث تستثمر الجماعة أو املجموعات الاعضاء ،وحيث توسم الدفوق
بمقتض ى الحالة الضعيفة لتطور ونمو القوة الانتاجية ،ولذلك يتوقف الوسم هذا على الاعضاء وهو
املحرمات واملمنوعات ": .إن الاخصاء فيّ ويحرك كل سيستام ّ وسم يفيد الاستثمار الجماعي لألعضاء، ٌ
ا
جماعيا ،وان الاستثمارات َ
مستثمر فم ألاقارب ،اي عبر عضو املجتمعات البدائية يقوم من خالل ّ
تبين ميثولوجيات ليفي-شتراوس الاستثمارات الجماعية لألعضاء هي جزء اساس ّي من الشيفرات [ّ ]...
98
Ibid, P 222.
99
Deleuze, Gilles, Anti Oedipe et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972, sur le site électronique :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1
35
ا َ ّ
أعضاء ما، وشروط ما ،بأن تستخدمٍ ظروف
ٍ واملحرمات :أنت ليس لك الحق ،في الجماعية لألعضاء
ا ا تحريما ا
ا ا مما ل يعني ا
ايجابيا من وجهة نظر شيفرة ،من وجهة نظر عاما ،ولكن شيئا دفاعا أو ابدا
جماعي :كل الاعضاء يجري تشفيرها أو مضاعفة تشفيرها ،ولن يمكنك ان تستفيد من عينيك ّ استثمار
ٍ
ٌ َ
شروط كهذه ،لن يمكنك ان ترى ،لن يمكنك أن تستفيد من أنفك [ ]...انها العالمة مرسومة على ٍ في
قناع كهذا هو التنقل بين اعضاء حاملها قدر من الاهمية في ٍ الجسد [ ]...انه القناع؛ وما يبدو لنا على ٍ
ّ
وتلك الاعضاء املمثلة فوق القناع [ ]...كل هذه الاقنعة حيث الحامل ل يرى عبر فتحات العينين ولكن
فوهة أخرى [ ]...انه التباعد décalageبين الاعضاء الخاصة وتلك املحمولة نحو قدر ٍة اخرى بفعل عبر ّ
ّ
الجماعي".011 الاستثمار
ّ
يالحظ دولوز انه في التشكيالت ما قبل رأسمالية ،وفي الوقت عينه الذي يتم فيه تأهيل الدفوق التي ل
تأهيل مسبق يتيح لها تشكيل أسر ٍار ،فإنه يمكن ٍ تدخل في عالقات غير مباشرة وتفاضلية ،بل تنتج عن
القول ان تشفيرها يعمل على مستوى عملية ثالثية السيرورة تقوم على إلاستخراج أو الطرح،
ُ
التسجيل ،والتوزيع ،اي استخراج أجزاء أو شدف fragmentsالدفوق وانتزاعها من السلسلة ،ومن ثم
متحرك مفتوح ولكن توليف يوحد فيتوزيعها على الذوات املستهلكة .وعلى هذا املستوى فإن كل جزء ّ
ٍ ٍ ِ
ا
محدود بطبيعته كل السمات الالمتجانسة ،وينتج عن ذلك شكال من انعدام التوازن على مستوى كل
مؤهل ،وهو انعدام توازن اساس ّي ودائم يتضمن كل سمات التشفير ولكن يجري ا
دوما التعويض دفق ّ
ٍ ٍ ٍ
شكل دين متناهي ومحدود ،مثل انعدام التوازن ْ
دفق آخر ،على ِ بعناصر متجانسة مستعارة من ٍ ٍ عنه
ّ ّ
بين فعل العطاء وفعل التلقي ،أو بين من يوزع اغراض الاستهالك وذلك الذي يتلقاها ،سيتم التعويض
ا ّ
لدفق آخرهو دفق الوجاهة مثال. املوزع ٍ
عنه بإستعارة واستدانة ِ
100
Ibid.
36
تتأمن وحدة آلالة الاجتماعية تنضم الى هذه التشفيرات ولكن من خارجها .وبدل أن ّ ّ املتعالية التي
ا
مباشرة فوق جسد ألارض ،فإنها س تشتغل في الوحدة العليا املتعالية التي هي جسد املستبد أو الدولة.
ّ
والوحيدة،والتي ّ
تتعين وظائفها في وان هذا الجسد املمتلىء للمستبد سيكون آلالة العمالقة الجديدة
ّا ا ا
أسمال ا
بدائيا ،ثابتا أو متحركا " :في انتاج تحطيم عالقات القرابة واملصاهرة وتحويلها الى ما يشبه ر
أولد ،يتم تسجيل الطفل بالعالقة مع النسب املقتطع من ناحية والده أو والدته ،وبالعكس ل يتم
ّ ّ ّ ّ
البنوة من النسب ،بل ان الاثنتين تباط يتمثل بالزواج [ ]...ول تتأتى
تسجيل هذين إل بتوسط ار ٍ
ّ ّ ا ا ّ
يشكالن دورة مفتوحة حيث يؤثرالسوسيوس في الانتاج ،الذي بدوره يؤثربالسوسيوس".010
يسميهويبدو التشفير املضاعف على هيئة نظام العالمات ّالذي ينتمي الى دولة املستبد هذا ،وهو ّالذي ّ
ّ ّ
دولوز :الدال .ويفترض افهوم الدال ان هناك دال محدد يتم رفعه فوق الكل ،وان كل ٍ
دال آخر يتم
عاني ينبثق عن تمثيالت ثابتة لسيرورات اقصاؤه .لذلك ،فإن التشفير املضاعف هو فرض نظام من امل ّ
ُ
متعددة تشتغل عبرها الرغبة والحياة الاجتماعية .ذلك أن آلة الدولة هذه تبنى على الجماعات
وسيد القيمةالبدائية الزراعية وتضعها تحت سلطة امبراطور مستبد هو املالك الوحيد واملتعالي ّ
ّ
الفائضة والخزينة ،ومنظم ألاعمال الكبرى ،ومصدر الوظائف العامة والبيروقراطية .انه نسق
ّ ّ
الاستعباد الذي ل يتم إل بإلحاق جماعات املحاربين خارج الدولة وبإخضاعهم وبإدخالهم ضمن
مؤسسات وتنظيمات الدولة الاستبدادية.017
يرى دولوز انه من الضروري في نظام التشفير مالحظة ان الجسد املمتلىء يقوم بالستحواذ على القوة
بشكل يمكن وصفه بانه من طبيعة فوق-اقتصادية : extra-économiqueلقد كانت الارض ٍ الانتاجية
كيانا ا ا
فرديا ،وأتى املستبد عبر في املجتمعات البدائية تلعب دور الجسد الخالي من الاعضاء بإعتبارها
ّ
ألاوديبي ،وكي يضم اليه كل القوة الانتاجية في "سفاح القربى الاستبدادي الكبير" على الشكل العقم كي ّ
ّ
إلاقليمية القديمة، بتشفير مضاعف للشيفرات الارضية أو يقوم فوق الجسد الامبراطوري املمتلىء
ٍ
ا ا كقوة مضادة لالنتاج؛ وفي ْخاليا من الاعضاء ّ جسدا ا ا َّ ا
كلتي الحالتين ،نجد " هيئة فوق-اقتصادية مشكال
[ ]...العملية املضادة لالنتاج في شكلها املزدوج :كبح وتقييد القوة املنتجة ،هذا من جهة ،ومن جهة
ثانية ،الارتداد نحوها من أجل الاستحواذ عليها ،وهذان الشكالن يكونان منفصلين من حيث نوعية
عمل القوى الانتاجية وزمانيتها ذاتها .بقدر ما يقوم جسد الارض بتقييد القوى الانتاجية وبقدر ما
بشكل يقترن فيه فوق نفسه :فوق الجسد املمتلىء لألرض حيث تقرن آلالة ٍ يستحوذ عليها ،فإنه يجري
طبيعة إلاقليمية البدائية لعبة البنوة واملصاهرة ،وهذه الاخيرة تستحوذ على القوى الانتاجية [ ]...وفق ّ
ٍ
جيولوجية وسياسية من حيث ان السياسة لها جيولوجيا ،وبإعتبار ان ما يجعل الجسد الخالي من
101
Anti-Œdipe. PP 175- 176
102
Milles Plateaux, P 533.
37
ّ
الاعضاء يشتغل هو الارض .وعلى مستوى الانظمة الامبراطورية ،يظهر الجسد املمتلىء للمستبد الذي
يقوم بنفس الوظائف على شكل هيئة متعالية ،مضادة لالنتاج [ولكن] من طبيعة سياسية ،ادارية أو
ّ
حتى دينية".013
ا ّ ّ ّ
إلاقليمي الذي يقوم به الدال الاستبدادي يشكل حركة من إلاقتالع، ان التشفير املضاعف للتمثيل
ا
املجردة ،يلحق بها تدوينا ا
ّ
ثانيا يتم فيه الغاء طاملا ان الدولة تستبدل عالمات إلاقليم بالعالمات
ّ
إلاقليمية أو الاحتفاظ بها على شكل "لبنات" briquesفوق املساحة الجديدة .الا ان هذه الشيفرات
الحركة ليست بش يء أمام تلك الخاصة بالرأسمالية.014
103
Deleuze, Gilles, Anti Oedipe et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972, sur le site électronique :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1
104
Gilles Deleuze ou le système du multiple, P 187.
105
Pourparlers, PP 229-239
106
Deleuze, Marx and Politics, P 2
107
Deleuze, Gilles, Anti Oedipe Et Mille Plateaux
Cours Vincennes - 16/11/1971 :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=115&groupe=Anti+Oedipe+et+Mille+Plateaux&langue=1
38
تميز آلالة الرأسمالية عن آلالت التي سبقتها، وفي افتتاح الفصل الثالث من الـ آنتي-أوديب ،نلحظ ّ
تكونت كما هي عليه بفعل الدفوق فالرأسمالية "هي آلالة الاجتماعية الوحيدة ،كما سنرى ،التي ّ
كميات ّ مستبدلة الشيفرات الداخلية بآكسيوماتية ّ ا
مجردة على شكل نقد .تحرر املفكوكة الشيفرة،
ّ ُّ ا
تعين حدود هذه الدفوق وإمكانيات تحللها شروط اجتماعية ٍ الرأسمالية ،اذا ،دفوق الرغبة ،ولكن في
ّ ّ
الذاتي ،في الوقت عينه الذي ل تكف فيه ،بكل قواها الغاضبة عن ازعاج الحركة التي تدفعها الى تلك
املهجر مكان الجسد بال اعضاء ،تندفع الدفوق ّ يحل السوسيوس الحدود .وعند حدود الرأسماليةّ ،
ا ّ ا
استرداديا ،كل التاريخ على ضوء ويصح اذا أن نفهم، املفكوكة الشيفرات نحو الانتاج الراغب.
ا
الرأسمالية ،بشرط ان نتابع بشكل دقيق القواعد التي وضعها ماركس :بداية ،التاريخ الكوني هو تاريخ
إلاحتمالت ،وليس الضرورة؛ [تاريخ] القطوع والحدود ،وليس الاستمرارية " .01
لصور ،أعضاء ،أو عالقات محددة على طول السوسيوس ٍ خلق ان سيرورة ألاكسيوماتية تعني كل ٍ
جسدا بال أعضاء ولكن بال صورة .وعلى هذا املنوال ،ستكون ا الرأسمالي ،والذي هو بحد ذاته
وتشكيل لتلك العالقات في ٍ انات لمتناهية من العالقات، الاكسيوماتية الوسيلة من أجل سلسلة اقتر ٍ
012 ا
كل لحظة ،كما استخراج الفائض .وبهذا الشكل تكون هذه السيرورة اقتصادية بشكل مباشر.
ّ
ان الفعل الاساس ي لكل مجتمع هو تشفير الدفوق ومعاملة الدفوق غير املشفرة بإعتبارها العدو الذي
يضع موضع التساؤل الارض بأكملها ،جسد هذا املجتمع برمته .ولكن مجتمع الرأسمالية – بين كل
املجتمعات -هو الوحيد الذي يخرج عن هذه القاعدة؛ ذلك اننا نجد في التشكيلة الاجتماعية
ُ
رعب" كل التشكيالت للرأسمالية " مفارقة اساسية" ،فإن كان من الصحيح ان نقول أن ما "ي ِ
ّ ّ
الاجتماعية الاخرى هو الدفوق غير املشفرة أو التي تم تفكيك شيفراتها ،فإن الرأسمالية تشكل نفسها
َّ
رعب كل املجتمعات :وجود الدفوق غير املشفرة ّ ُ ّ تار ا
مذهل" أل وهو ذاك الذي ي ِ ٍ اساس "
ٍ يخيا على
ّ ّ
والذي يشكل جوهر الرأسمالية .يقول دولوز في هذا الخصوص ان " آلالة الرأسمالية [هي] آلالة
َّ َ َ
املهجرة [ ]...ل يعني ذلك ان الاجتماعية التي تشتغل على اساس الدفوق املفككة الشيفرات،
ّ
الهلع الذي كان ينبغي كبحه []... ٍ بمظهر
ِ املجتمعات لم تمتلك فكرة عن ذلك ،لقد امتلكت هذه الفكرة
مجتمعا كهذا ّ ا ا ٌ
يفك مجتمع تأسس على نفي كل املجتمعات املوجودة مسبقا؟ ان وهكذا ،كيف يشتغل
ُ ّ
شيفرة كل الدفوق ويقوم بإقتالعها :دفوق الانتاج ،دفوق الاستهالك ]...[...الذي كنت ابحث عنه حتى
عالقة
ٍ وتأسيس
ِ تأسيس ،عند مستوى محدد ،لسؤال العالقة الرأسمالية-الفصام، ٍ الحين هو إعادة
ا ٌ
مشترك ،وربما هو جماعة ٍ كأمر
ٍ مشترك بين الرأسمالية والفصام :ما يملكانها موجودة في ما هو
ا ّ ا ا ا communautéل تتحقق ّ
باملرة ،ل تأخذ ابدا صورة عينية ،انها جماعة املبدأ املجرد ايضا الذي ل
108
Anti-Œdipe. P 167.
109
Deleuze, Marx and Politics, P 93.
39
يتوقفان [اي الرأسمالية والفصام) عن محاولة تمريره ،بعثه،اعتراضه وعن تكثيف دفو ٍق مفككة
001 َّ
ومهجرة". الشيفرة
ُ ان ّ
تكون الرأسمالية فوق اقترانات الدفوق املنزوعة الشفيرات يستوجب لقاءات كبرى خالل سيرورة
ّ
انتزاع الشيفرات الكثيرة التي تشكلت قبيل سقوط النظام الاقطاعي؛ هذه الانتزاعات من كل طبيعة،
تحققت في انتزاع شفيرات الدفوق العقارية على شكل تأسيس امللكيات الخاصة الكبرى ،انتزاع
شيفرات الدفوق النقدية تحت شكل نمو ثروة السوق ،وانتزاع شيفرات دفوق العمال على شكل
والخدم .وهكذا نرى ان الرأسمالية قد ّ َ ّ ُْ
تكونت إلاقليمي لصغار املزارعين مصادرة امللكية ،وإلاقتالع
ا وتشكلت على رفات كل الشيفرات وإلا ّ ّ
قليميات الاجتماعية املوجودة مسبقا ،ولذلك يمكن القول عنها
أنها "آلالة الراغبة املذهلة" والتي يكفي بحسب دولوز أن نأخذ في الاعتبار "مجموع العرضيات
ا
تقاطعا من الرغبات ،وان بنيتها contingenceالتي كانت في اصل الرأسمالية ،كي نرى الى اي حد كانت
التحتية ،اقتصادها بحد ذاته ،لم يكونا منفصلين عن ظواهر الرغبات [ ]...ان الرأسمالية قد ارتبطت
ا
بقمع وحش ّي ،وكان لها منذ البدء سلطة وجهازها في الدولة".000 منذ نشوئها ٍ
تشتغل الرأسمالية على اقتران الدفوق التي تفككت شيفراتها ،بإعتبارها آلة أكسيوماتية تقوم ا
دوما
بتفكيك شيفرات النقود والعمل وتستدخلها ّ
آلة جديدة جديد او باألحرى على ِ
شكل ٍ ٍ بشكل
ٍ وتكونها
ا بالرغم من انها بذاتها ليست آلة تشفيرّ .
ويميزدولوز الاكسيوماتية عن التشفيروفقا لخمسة تعارضات
مفصل في إحدى محاضراته في العام ،0070227بعد أن يستذكر السمات ّ بشكل أو إختالفات عرضها
ٍ
سيستاما من املحايثة؛ وتستند هذه السمات على عالقة تفاضلية ا الثالث لآللة الرأسمالية بإعتبارها
واملهجرة ،حيث ان هذه العالقات التفاضلية ل تعني بأية حال َّ بين الدفوق املفككة الشيفرات
استبدال شيفرة بأخرى ،أو أقلمة بأخرى ،بل ان "السمة ألاولى للمحايثة الرأسمالية هي هذا الفضاء
من الاكسيوماتية القائمة على فعل تجديد وتأسيس للعالقات التفاضلية بين الدفوق مفككة
َ
املهجرة هو جي للدفوق واملهجرة بإعتبارها كذلك"؛ من ناحية ثانية ،وإن كان الحد الخار ّ َّ الشيفرات
الفصام ،فإن العالقات التفاضلية تقرن وتحث وتدفع هذا الحد وتستبدل مجموعة من الحدود
110
Deleuze, Gilles, Anti Oedipe et Mille Plateaux, Cours Vincennes - 16/11/1971 :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=115&groupe=Anti+Oedipe+et+Mille+Plateaux&langue=1
111
L’ile déserte, P 373.
112
Deleuze, Gilles, Anti Oedipe et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972, sur le site électronique :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1
40
َ
الداخلية املنتجة على مستوى أكبر ،ذلك أن "السمة الثانية للمحايثة الرأسمالية هي إعادة الانتاج
املحايثة لرأس املال"ّ .أما السمة الثالثة فهي املتعلقة بالنتاج ِ دوما من الحدود على مستوى أكبر ا
جهاز لالنتاج املضاد، انتاجي ما من دون أن يعلن انتماءه الىّ نشاط
ٍ املضاد حيث ل يمكن الكالم عن
ٍ
وإنطالقا من هذه السمة ّ ا
يميز دولوز بين "البيروقراطيات القديمة إمبريالية النمط ،وبين
البيروقراطيات الحديثة التي تعمل على إطالق جهاز الانتاج املضاد على مستوى كل النشاطات
الانتاجية".
ّأما إلاختالفات بين الاكسيوماتية والتشفيرفهي التالية:
إلاختالف ألاول يفيد طبيعة عمل الشيفرات وما ينتج عنها من صناعة أسر ٍار ،وما ينتج عن
َ
سريا رّبما أو اي ش ٍيء آخر ل يمكن له أن ُيعلن أو ا
مجتمعا ا إخفاء وتورية؛ ويفيد ّ
السر ٍ الاكسيوماتية من
إخفاء أو تورية أو
ٍ تناقض أو من دون تلغيم السيستام وتفجيره ،حيث ل يمكن الكالم عن ٍ يظهر من دون
مر هذا عبر الشيفرات السرية ،ذلك ان ميدان التورية وفئاتها هو ش يء آخر مختلف حجاب حتى لو ّ
يميز الاكسيوماتية عن التشفير ،اذ تنتمي فئات السر ،وهذا ما ّ تماما مع ميدان الاسراروفئات ّ متعارض ا
السر الى التشفير والتشفير املضاعف وألاقلمة وإعادة ألاقلمة فيما ستنتمي فئات التورية والحجاب الى ّ
الاكسيوماتية وفك الشيفرات وإلاقتالع.
لكل منوإن كانت تتم معاملة أسوأ "الجرائم" في الشيفرة عبر شكلين هما التشفير املضاعف لألعضاء ّ
السر؛ فإن معاملة هذه ّ حاول الهروب من التشفير أو حركة من الاقصاء والطرد والنفي ّ
لكل من افش ى
مرة نحاول فيها الجرائم في التشكيلة الرأسمالية تختلف بإختالف الاكسيوماتية عن التشفير " :في كل ّ
اي ش يء حول كيفية سير وعمل هذه آلالة فإننا نصطدم بجدران [ ]...جدار الشرطة والصمت معرفة ّ
ا ّ ّ
مرعبا [ ]...وحين نريد ان مصنع ما سيكون
ٍ في ل يحص ذي ال ما ومعرفة []... محاولة كل ض ر يعا ذي ال
السر من ناحية الشيفرة ،بل أمام ش ٍيء آخر []... ّ سجن لن نجد انفسنا في فئة عما يحصل داخل نعلم ّ
ٍ
ّ شيئا على املستوى ا شيئا حتى على مستوى أبسط املعلومات ،ول ّ ا نظام ل ّ انه ٌ
املحلي ،انها يتحمل يتحمل
القوة باملقابل.بقوة قمع عاملية تصنع هذه ّ يعوض عن هذه الهشاشة ّ هشاشته بهذا املعنى ،ولكنه ّ
ٍ
ميدان آخر هو ميدان التورية – التي ليست ذاتية أو نفسانية الرأسماليين ٍ ليس هو ناظم اسرار [ ]...بل
– بل التورية املوضوعية التي تنتمي الى الحركة املوضوعية الظاهرة في رأس املال 003".ولهذا السبب
ّ ا
شكل واحد للنقد يبدو خاطئا قولنا إن هناك في الرأسمالية شكلين من النقود بل يجب التحدث عن ٍ
ّ ّ
تفاضلي ،وهذا الذي يتخذ شكلين هما دفوق العائدات ودفوق التمويل التي تتمفصل وفق ر ٍ
ابط
ّ
خيالي شكلي الدفوق وعالقاتها التفاضلية لن يعمل سوى بشرط أن يظهر كمبدأ ْ الشكل ّ
املكون من
113
Ibid.
41
ّ
الرأسمالي حيث يخفي الالتجانس في شكلي الدفوق ،وهذا ما يقوم به الذهب في النظام ْ للتجانس بين
الدفوق وطبيعة العالقة التفاضلية بينهما.
ّ
إلاختالف الثاني بين التشفير والاكسيوماتية يتعلق بطبيعة العالقة التي تربط التشفير والاكسيوماتية
بالدفوقّ .،أما في الاكسيوماتية ،وعلى العكس من ذلك ،لن نجد عالقات غير مباشرة بين الدفوق التي
ّأهلتها الشيفرة ،بل ان تأهيل الدفوق هو نتيجة للعالقات التفاضلية في ما بينها هي التي ل تمتلك ّاية
كيفية مستقلة عن العالقة التفاضلية التي هي السمة املميزة لألكسيوماتية ،وعلى هذا املنوال يعتبر
ّ
آخر لرأس املال وتأهيلهما ورصدهما وتكييفهما ٍ ودفق
ٍ للعمل دفق
ٍ عن م التكل دولوز اننا لن نستطيع
ا ّ
أسماليا على الدوام بشكل مستقل عن العالقة التفاضلية التي يدخالنها ،وإل يبقى الرأسمالي ر
ّ افتراضيا لن يبيع ّ
ا ا
قوة عمله ألن اللقاء الوحيد الذي يمكن ان يقوم في حالة غياب عالقة والعامل عامال
لقاء افتراض ّي وليس ّ
فعلي. وعمال افتراضيين ،اي ٌ أسمالية افتراضية ّ
ٍ تفاضلية هو اللقاء بين ر
ٍ
ّ
بنظام
ٍ ّأما بخصوص نقطة الاختالف الثالثة ،على املستوى الاكسيوماتي للرأسمالية ،فيتعلق ألامر
ّ
النهائي جديدا هنا هو استبدال سيستام التوليف ا لمتناهي ،نظام للتدمير وللخلق في آن ،وما يبدو
بنظام من الدين املتناهي ،وأن الالمتناهي ينتمي بالتحديد الى نظام الاكسيوماتية ،وهذا ّ
واملتحرك
ٍ
ّ
الالمتناهي نجده على مستوى الاقتصاد الرأسمالي الذي وصفه ماركس حيث شدد على الازدهار
مال " :بقدر ما هي الشيفرة نظام ْا ا ّ
الدين الالمتناهي الذي يتخذ شكال له الطريقة التي ينتج فيها املال
الدين الالمتناهي .على املستوى املتناهي والاقتصاد املتناهي ،بقدر ما الاكسيوماتية هي سيستام ْ
ّ الابسط ،لن نتوقف ا
ابدا عن دفع الديون؛ هذا العقاب الذي ل ينتهي ،التعويض الامتناهي ،هذا ما
ا ا ّ
نراه على املستوى الاقتصادي ،اي املرور الكبير للشيفرات القديمة التي تشكل مادة متناهية في
ا
جوهرها ،مع الاكسيوماتيات ذات الطابع الرأسمالي التي تصنع ،على العكس من ذلك ،مادة اساسها
004
الالتناهي".
َ ّ
الاختالف الرابع يتعلق بموقع الجسد الخالي من الاعضاء بإعتباره الالمنتج أو املضاد لإلنتاج في نظام
ّ
التشفير والاكسيوماتية ،ذلك ان الاكسيوماتية الرأسمالية هي التشكيلة الاجتماعية الوحيدة التي
ُ ا
اقتصادية فاضحة ومباشرة على شكل رأس املال ٍ فرض
ٍ تصبح قوة حين تجري فوق الجسد املمتلىء
ّ
النقدي الذي تستند اليه كل القوى الانتاجية ،وفوقه تسيل كل الدفوق .وعلى العكس من التشكيالت
السابقة ليس هناك من فر ٍق في الطبيعة أو في الزمن بين العمل والعمل املضاعف ،ويستحيل التمييز،
إل على املستوى ّ ّ
املجرد ،بين طبيعة العالقات التفاضلية.
114
Ibid.
42
الاختالف الاخير بين التشفير والاكسيوماتية يحيل الى وسم الدفوق؛ ففي النظامين السابقين ل يجري
وسم الاشخاص بل الدفوق ،ولكن على العكس من ذلك في الرأسمالية يجري وسم الدفوق بمقتض ى
حالة من تفكيك الاستثمار الجماعي ،وسيكون الشرج anusاول تفكيك الشيفراتّ ،
وتمر الاعضاء في ٍ
الاعضاء التي ستخرج من سياق الاستثمار الجماعي ،وستتبعه الاعضاء الاخرى .وهذا معناه ان
ا الاستثمارات الجماعية في الرأسمالية ل ّ
تمر عبر الاستثمارات الجماعية لألعضاء التي ستكون شانا
ّ ا
خاصا .ولكن ملاذا الامر على هذا النحو؟ يجيب دولوز بالقول إن " الاستثمارات الجماعية لألعضاء
معا.تفيد من مختلف املناحي ما هو اساس ّي في شيفرة ما بإعتبارها آلة لتحطيم املصاهرات والبنوات ا
ٍ
ّ ّ
وان كنا نستخدم مصطلح آلة فلكي نشير ان املوضوع ل يتعلق بأكسيوماتية ما ،أو بسيستام
ابدا البنوات [ ]...هناك آلة تقرن هذه بتلك ،وهي آلة تعمل على استنتاجي .ل تتضمن املصاهرات ا
يمر عبر شكل الانتاج البشر ّي [ ]...وان مستوى الشيفرات [حيث] ان شكل اعادة الانتاج الاجتماعي ّ
ابدا عائلةأمر سياس ّي واستراتيجيا وتكتيك ،بمعنى آخر ليست ا دوما في مجتمع الشيفرات ٌ العائلة هي ا
[بل] الشكل املباشر إلستثمار الحقل الاجتماعي فوق-العائلي ،وهنا تجد العائلة وظيفتها الاستراتيجية
من حيث تقرن البنوات مع املصاهرات [ ]...ومن هنا ضرورة التشفير الجماعي لألعضاء"ّ .005أما في
الرأسمالية ،وإن احتفظت املصاهرات والبنوات بمعانيها ولكن يجري هذا الاحتفاظ بمقتض ى طبيعة
ّ
جديدة للجسد املمتلىء من حيث هو الرأسمال النقدي الذي سيحيل الى نفسه فئات املصاهرة
نظام جديد من املصاهرة ،حيث ستكون العملية التي من خاللها ينتج رأس املال والبنوة ،ما يدخلنا الى ٍ
صناعي" :ان الرأسمال الصناعي هو رأس مال البنوة ،ورأس مال املصاهرة هو رأس ّ كرأسمال النقد
ٍ
ّ
املصرفي ووفق شكله التجار ّي .ويصح القول إن الرأسمالية ،في جوهرها ،وفي ّ مال السوق على الشكل
تحديدها الخاص كتشكيلة إجتماعية ،هي صناعية [ ]...حيث يكون رأس املال املشتري لوسائل الانتاج
املهجرين من إقليمهم؛ [ ]...ولكن في املقابل ،ان اشتغال الرأسمالية يتحدد بالرأس العمال ّ ولقوة عمل ّ
ّ ّ ّ
صناعي .ما يسمح أسمال
ٍ ر ى بمقتض ه املوج
ِ هرودو استقالليته كل ينال ذي ال مال البنكي والتجاري
ا ا ّ ا ّ
أسمال بنوي ،مال يولد مال الى ما ٍ بالقول إن البنوة قد اصبحت شيئا من الرأسمال على شكل ر
مصاهرة ذات الشكل
ٍ أسمال
ِ هيئة رلنهاية ،ومن ناحية أخرى تصبح املصاهرة موضوع الرأسمال على ِ
البنكي والتجار ّي .اعتبا ارا من هذه اللحظة ،ليست فقط هي تدوينات الرأسمال التي ل تجري فوق
املكونات الخاصة ّ ايضا فوق الاعضاء :أصبحت البنوة واملصاهرة الاشخاص ،بل انها ل تجري ا
006
للرأسمال"
115
Ibid.
116
Ibid.
43
جديدة من التفكير في ّ
يوسع دولوز (وغاتاري) الفهم املاركس ي الى ما بعد تطبيقاته التقليدية عبر طريقة
ٍ
تميز دور صراع الطبقات ،فإن ذلك يؤدي الى التفكير الواقع الاجتماعي .وإن كانت النظرية املاركسية ّ
مسبقا ،ما ينتج عنه فشل النظرية املاركسية في ادراك دور ا
بالرأسمالية من خالل هويات مفترضة
الرغبة ودرجات التعقيد في الالوعي ،ما يدفع الى إعادة أفهمة بمصطلحات آلالية ،الدفوق والاراض ي
ا والاقاليم .ا
تبعا لذلك ،يشدد دولوز (وغاتاري) على دور الالوعي ليس بإعتباره مشتقا من الوعي ،أو من
ّ
غبات يجري تنظيمها وترتيبها
حيث هو نشاط يتطلب التنشئة الاجتماعية ،بل بالحرى على شكل ر ٍ
كإقتطاع له
ٍ واستثمارها عبر دفوق الرأسمالية .وستبدو هذه الاخيرة كنوع من خصخصة لالوعي ،أو
ا ّ
إلاقليمي للدفوق ومن ثم اعادة أقلمتها لحقا. بفعل حركة إلاقتالع
44
ّ
الفصامي بمواجهة أوديب الفصل الثاني:
45
ا
أول :نقد التحليل النفس ّي
وبعيدا من النقد التقليدي ا يقيم جيل دولوز مع التحليل النفس ّي ما يمكن ان ّ
نسميه عالقات مجابهة.
يعبر مؤلف آنتي-أوديب عن رفضه لكل الطروحات التي تؤسس للتحليل النفس ي للتحليل النفس ّيّ ،
التقليدي ،مثل مقولة النقص أو آلالة التأويلية التحليلية .ول يتعلق الامر بمشابهة بالتسمية بين
ا شكل ا ّ ا ا
نقدا عنيفا مضادا ،بل ان هذا الاخير ،كما يدل عنوانه ،ي مضادا كتاب نيتشه ،وأوديب – املسيح-
وقاسيا للتحليل النفس ي – الفرويدي -وألفاهيمه ألاوديبية في الالوعي والرغبة .أن أوديب فرويد يبدو ا
وكأنه صيغة معلمنة عن العائلة املسيحية املقدسة بمثلثها العائلي (ألاب – ألام – الولد) .ول يتعلق
الامر فقط بعجز البنية ألاوديبية هذه عن الوصول الى حقيقة الرغبة ،بل يتعدى الامر ذلك الى قمع
هذه الرغبة بسجنها في بنية مثالية الطابع ومفا ِرقة تجد أصلها في صورة الخلية العائلية.
ويظهر آنتي-أوديب كمحاولة لنزع الصفة الاسطورية والسحرية عن الافهوم ألاوديبي لالوعي ،ويظهر
ٌ ُ
الكتاب كمعركة تخاض ضد التحليل النفس ّي ،وهي معركة مستلهمة من الفلسفة الحيوية الراديكالية
ا ّ
للمؤلفين ":002علينا ان نقول ان للتحليل النفس ّي امليتافيزيقيا الخاصة به :أوديب .وأن ثورة ،مادية ِ
هذه املرة ،ل يمكنها أن تعبر إل من خالل نقد أوديب ،برفض الاستخدام غير الشرعي لتركيبات الالوعي
كما تظهر في التحليل النفس ي ألاوديبي ،بشكل يمكن العثور من خالله عن لوعي مفارق يتحدد بمحايثة
ّ
فصامي" . 00 مناظرة كتحليل
معاييره ،وممارسة ِ
ليس التمثيل ألاوديبي مجرد خطأ في التحليل النفس ي يتصل بالالوعي وبالرغبة ،كما ان هذه الاسطورة
ا ا التحليلية النفسية ليست ا
وهما ينبغي تصحيحه ،لنه على ارض الوقع يتخذ وظيفة محددة يحتاجها
التحليل النفس ي الكالسيكي :تقييد الرغبة ،والقضاء على الانتاج الراغب ضمن املثلث العائلي الذي
ّ ّ ينتزع الرغبة من استثماراتها الاجتماعية .هذا ما ّ
الفصامي شكل على الدوام حدا يفسر ان الذهان
نقدم ضدللتحليل النفس ّي بإعتبا ه ّالذي ل يمكن النفوذ اليه ،املستحيل عالجه 002.يقول دولوز ":لم ّ
ر
ُ ّ ّ
التحليل النفس ّي سوى انتقادين :انه يكسر كل انتاجات الرغبة ،ويسحق كل تشكالت النطق .من هنا
ّ
فإنه يحطم الارتصاف بوجهيه ،الارتصاف آلالوي للرغبة ،والارتصاف الجمعي للملفوظ".071
تتحول الواحدة منهما الى الاخرى وبالعكس ّ وفي حين اعتبر فرويد ان السادية واملازوشية انحرافات
التصدع أو التشقق البنيوي ّ ّ
بفعل تحولت الانا والانا الاعلى ،يرى دولوز إن هذا الانحراف مرده الى
ا
بينهما ،وهو انحراف يجب اكتشافه والبحث فيه أكثر مما يجب معالجته ،بإعتبارها شكال من أشكال
117
Deleuze and psychoanalysis, p 27
118
Anti-Œdipe, P 92.
119
Deux régimes de fous, P 72-73
0
حوارات ،ص 0
46
"التفكير بطريقة أخرى" تقدم امكانات جديدة للحياة.070وفي كتابه الشهير الاختالف والتكرار ّ
يطور
دولوز رؤيته للمازوشية في سياقه مجابهته لطروحة فرويد حول غريزة املوت ،وهو وإن وافقه على
ّ
القول بأن هذه الغريزة لواعية وتكشف عن نفسها فقط عبر اقترانها باإليروس (غريزة الحياة) ،ولكنه
ل يوافق على الفكرة التي تعتبر ان غريزة املوت ليست سوى ميل املادة عضوية الى استعادة حالتها
077
الالعضوية السابقة.
ا
نموذجا للفهم الخاطىء بدءا بفرويد وحتى تالميذه -باستثناء يونغ ّبماّ -
يقدم ان التحليل النفس ّي ا
ر
تصور دولوزّ ،
متنوعة تمس املنهج واملفاهيم والغايات.073 للرغبة ،وعناصرهذا الفهم ،في ّ
121
Jones Graham & Roffe Jon, Deleuze’s Philosophical Lineage, Edinburgh University Press, 2009, pp 219-220-222-223.
122
Ibid., p 226
1
، 0ص .11 حدجامي ،عادل ،فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف ،دار توبقال للنشر ،الطبعة الاولى
حوارات ،ص 0
ديفيد ريكاردو ) 1 1- 99 ( David Ricardoهو واحد من أملع الاقتصاديين الكالسيكيين الى جانب آدم سميث ،توماس مالتوس وجيمس ميل .اعتقد
مجردة ملفهوم فائض القيمة ّالذي استند اليه ماركس ً
الحقا في ريكاردو أن قيمة الربح الاجمالي ملجتمع ما تعتمد على كمية العملّ .
قدم ريكاردو صيغة أولية ّ
دراسة الاقتصادي السياس ي للرأسمالية.
47
ّ
غاياته ومصادرره وموضوعاته ،ولكن نعرف انه بالنسبة لفرويد فإنه يتخطى غاياته الخاصة ،كما
ا 075
مصادره وموضوعاته [ ]...على هذا املستوى ،فرويد وريكاردو متشابهين تماما"
ا
موحدا. ا
جوهرا يعارض دولوز التحليل النفس ي الفرويد في نقطة محورية هي رفض اعتبار الذات
وينبغي التذكير ان من بين الاهداف الرئيسية لفلسفة دولوز وغاتاري (كما لفوكو) تهشيم املقولة
متفكرين بوجودها إر ا
تداديا ،ومن ّ ّ
ذات تحليلية ثم تطوير ٍ التقليدية للذات بإعتبارها جوهر الفردانية،
لتذويت في خرائطية cartographieمتعددة التراكيب مناقضة ٍ فصامية بتركيب انضودة مضاعفة
ّ لثنائية الوعي والالوعي الفرويدية .ول يعني ذلك ٌ
نفي لسيرورة الفردنة ولكن الاقرار بأن الذاتية توزع
ّ ذاتها بقدر ما هي ابعد من الفردية بقدر ما هذه تكون قبلها من جانب ّ
شدات قبل -نطقية .يتعلق الامر
شروط محددة ،وذلك مقابل الوحدانية الديكارتية او ٍ بإقرار تعددية انضودات ذاتية تظهر من خالل
076 ّ
متوحدة فردية . ذات ِ الفينومينولوجية ،حيث الاحالة املطلقة الى ٍ
ويعرض دولوز معارضته للطريقة التي يعتبر فيها التحليل النفس ي الفرد كذات ،ويرفض الفرضية
َ
املسبقة وغير املبررة لذات ُينظر اليها على انها ِوحدة يفرض التحليل النفس ّي عليها آلة كشفية
heuristiqueولكن زائفة بالقدر نفسه .وفي نصه "الفرضيات الاربعة للتحليل النفس ّي" يستبعد دولوز
تمر دفوق الرغبة تحت التحدث بمفردات الذات وألانا .يقول دولوز ّ ": ّ ا
متجنبا "آلة التذويت" هذه،
نطق وهمية ،أنا مطلقة [ ]...في تراتبية وتنضيد ّ ّ
دال إمبريالي []...لقد تم خلق ذات ٍ هيمنة سيستام ٍ
نظريا يختلط ألامر مع التاريخ الطويل للكوجيتو [ ]...اصبحت نقطة الدللة نقطة لواقع مهيمن [ ]...ا
ا ٍ
عالمات تحيلُ
ٍ ّ
التذويت :املحلل النفس ي بعينه .وانطالقا من هذه النقطة ،وبدل تسليط الضوء على
ا ٌ
واحدة منها الى ألاخرى ،فإن عالمة أو كتلة من العالمات تتعاقب على خطها الخاص ،مكونة ذاتا
ا
للنطق ،ومن ثم ذاتا للملفوظ تنغلق عليها الذات الاولى".072
ّ مثال حيث ّ ا
التصور الالكاني للكالم هو انتزاع الرغبة في الكالم من بعدها يتحدث عن ما يقوم به دولوز
ّ ّ
الذاتي ،حيث يصبح هذا النسق من املجهول هو املتكلم ،وبالتحديد املتكلم من دون ذات ،بتعبير
وهما تصنعه اللغة والحلم او تأمل أو ا تصور أو حالة ّ ّ فوكو ّي .ولم تعد الرغبة والحالة هذه ّ
مجرد
يفرخ اختالفات لشخصية وانتاجات ،ولذلك الاسطورة بل اصبحت الحياة بأكملها تدفق رغبويّ ،
وتدمر ايفالرغبة ثورية ،تخرج عن كل الاحداثيات املتعلقة بعلم الشخصية واملوضوعات الخارجيةّ ،
125
Deleuze, Cours de Vincennes, anti œdipe et mille plateaux, 15/02/1972. Sur le site
http://www.webdeleuze.com/php/liste_texte.php?groupe
126
Bains, Paul, subjectless subjectivities, in a shock to though, Expression after Deleuze and Guattari, (edited by Brian Massumi), Taylor
& Francis e-Library, 2005, P 203.
127
Deux régimes de fous, PP 76- 99
48
ّ ُ
نسق مغلق او بنية اختزالية ،وقبل وجود اي ذات راغبة هناك الرغبة التي تن ِتج ،07من حيث هي خط
الهروب ّالذي ل ُيختزل في شخصية سيكولوجية كما يفعل التحليل النفس ّي أو السلو ّ
كي ،بل كل ما
ّ تتبع حركته املفتوحة على العالم ،في ّ
يمكننا فعله ،هو ّ
حياة
مسار ٍ
ِ تحولتها ومخاتلتها وتمنعها في
072
مجتمعة.
128
Deleuze and psychoanalysis, p 44.
6
حدجامي ،عادل ،فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف ،ص.19
130
Deux régimes de fous, P 72
131
Anti-Œdipe, P 33
1
دولوز ،جيل ،الاختالف والتكرار ،ترجمة وفاء شعبان ،املنظمة العربية للترجمة ،بيروت ،الطبعة ألاولى ، 006ص . 11
133
Anti-Œdipe, P 63
49
كاثوليكيا ا
عامليا" .034ما حصل هو أن ا تدفعه الى تعميم افهوم أوديب ،مما يجعل من هذا الاخير " ر ا
مزا
ا
ثم منحها وجهها النظري املعمم لحقا في العام 0273 فرويد ّالذي اكتشف عقدة أوديب في 0 22ومن ّ
في كتابه "ألانا والهو" أغلق الطريق امام التداعي الحر ،ولم يفتحها نحو تعددية روابط واقترانات ،بل
ّ ّ
سجنها في" مأز ِق التسمية ألاحادية ،حتى امست كل سالسل الالوعي أحادية التسمية مزدوجة ،خطية
ّ 035 ّ
بدال استبدادي"
معلقة ٍ
حدثا يحيل اا ا
دوما على وبناء على آلة تأويلية إختزالية ،سوف يعالج التحليل النفس ي الرغبة بإعتبارها
ا ّ ا الطفولي لحاملها الشخص ّي ،ا
ّ
خزانا أو ذاكرة لواعية ينبغي الحفر فيها من ناظرا اليها على انها املاض ي
شيئا سوى بالعودة اا أجل فهمها وفك رموزها الحاضرة؛ وهكذا لن َ
دوما الى يعني الحاضر واملستقبل
املاض ّي؛ وسوف "يتوفرالتحليل النفس ّي على شبكة محكمة من أجل تجديد التمييزالقديم بين الرغبة
الحقيقية والرغبة املفتعلة :ان املحتويات الحقيقية للرغبة هي الغرائز الجزيئية واملوضوعات
الجزيئية ،و[لكن] سيكون التعبير الحقيقي عن الرغبة هو أدويب ،أو الخص ي ،أو املوت ،أي هيئة من
للكل" 036وهذا ما يطلق عليه دولوز (وغاتاري) تسمية "أسطورة إلاحالة" ،بما هي أجل إعطاء بنية ّ
إحالة الى املاض ي الطفولي وبالتحديد الى أوديب كعقدة كونية.
وفي التحليل النفس ّي تتأسس "إلامبريالية ألاوديبية على الغياب"032؛ وهذا ما يكتشفه دولوز (وغاتاري)
ّ
الصبي الذي ُض ِرب ففي اللحظات الثالث للفانتازم املفترضة عند ّ في قراءة نص لفرويد بعنوان
ّ
لثة،أما في الثانية فإنها تفتقد الى الوجود الحقيقي الطفلة ،ل يظهر والدها في الاولى كما ل يظهر في الثا
ا
عوضا عن حيزالالوعي ول تتم استعادتها عبرالتذكرأو عبرالبناء التحليلي النفس ي ،فيجري ألنها تبقى في ّ
لطفل يتم ضربه ،وما يفعله
ٍ ذلك بناؤها أو اعادة بنائها .ان الفانتازم هو مشاهدة الفتاة الصغيرة
ّ
مزدوج :من ناحية يقلص صفة الجماعة للفانتازم الى بعد شخص ي بحت. ٍ فرويد هو انه يقوم بإختز ٍال
ومن ناحية اخرى ،تبدو وكأن على تغيرات الفانتازم ان تنتظم في فصالت disjonctionsحيث يصبح
الاخصاء بعالقته مع أوديب هو املشترك بين الفتاة والولد ،اي الاخصاء من حيث كونه القضيب-
ّ
الفالوس phallusاملتعالي واملفارق والتوزيع الحصري الذي سيبدو لدى الفتاة كرغبة بالقضيب وعند
134
Ibid, P 64
135
Ibid, P 66
19حوارات ،ص 0
137
Anti-Œdipe , P 72
لإلطالع على النص انظر:
Freud, Sigmund, On bat un enfant, sur le site électronique :
http://psychanalyse-paris.com/On-bat-un-enfant.html
50
بأتم الوضوح إقحام إلاخصاء في الرغبة وفي الالوعي ،ذلك ان الصبي كخوف من فقدانه .وهنا نالحظ ّ
ٍ
ّ
لهوت
ٍ العضو الذكري (الفالوس) أو الانثوي لن يمكن فهمه إل عبر الفقدان والنقص في ما يشبه "
تماما ،حيث ل يوجد ما هو مشترك بين سلبي" .03هذا في حين أن ما يجب الاقرار به هو العكس ا ّ
مستعرض حيث ّ َ ّ ّ
كل منهما يملك الاثنين عالم
ٍ " في بينهما التداخل عن ان يكف ل ذين الل الجنسين
متواصلين مع بعضهما البعض؛ ّأما بخصوص شربر ،لم يرى فرويد املحتوى السياس ي والتاريخي
تم ادخاله ورؤيته فقط ابدا بهذه الحقول ،بل ان ما ّ والاجتماعي الهائل لهذيانه ،وكأن الليبيدو ل يتصل ا
هي الحجج الشخصية وامليثولوجية التي تعود الى الجنسانية والعقدة العائلة والتي تخفي ّ
القوة
الانتاجية لالوعي .واذ يستنتج فرويد ان سلوك شريبر وقلقه يعود الى مشاعره الشهوانية املثلية تجاه
والده ،فإن دولوز (وغاتاري) ينظران الى هذيان شريبر بإعتباره يحيل الى الطبيعة الاجتماعية للرغبة،
الى الرابط بين الالوعي والعالم الطبيعي.032
َ ّ
ويحطم فرويد الانتاج الراغب ويجعله تحت رحمة متطلبات التمثيل وتحت قواعد املم ِثل واملمثل
َ
والتمثيل " ،041ذلك إن ما يسميه التحليل النفس ي إنتاج الالوعي أو تشكله هو ُم ْحبطات أو صراعات أو
َ ٌ
يعبرعن ستبدل عند فرويد بالواعي ل يعرف إل ان ّ
ٍ اضيات أو تالعبات باأللفاظ" ،040فالالوعي املنتج ُي تر
ّ
نفسه إل في امليثا والتراجيديا والاحالم .وكما املح الى ذلك برغسون ،ووافقه دولوز ،فإن الفنتازيا
ا ا ا
جديدا الى الحقيقة بدل أن تحيل ايجابيا بالكامل من حيث انها تضيف شيئا والهلوسات تمتلك معنى
تصور الى نقص ما وطاملا يجري تقييد الفنتازيا الى صور الايغو ،الشخص ،الام والاب ،فإنه سيتم ّ
ٍ
تخيلياا معناها السلبي فقط 047.وقد تمت شخصنة هذا الالوعي وشخصنة الانتاج الراغب بجعله ّ
إل ا ّ وبني ا
يجرالتعامل معه على انه مصنع أو ورشة عمل ،على ِ ولم وللتعبير، ياز للفانتا اانتاج ويا ،ولم يعد
ا
كالسيكيا، ا
مسرحا مسرحا أو منصة عرض ،ل بل ا حد قول دولوز ،بل تمت مالحظته من حيث كونه
لوحدات من الانتاج تتصارع مع عوامل انتاج ومضادة لالنتاج جماعية.043 ا
مصنعا خاصا وليس ا
ٍ
138
Ibid. p 73
ّ
دانيال بول شريبر ) 6 - 1 ( Daniel Paul Schreberقاض املاني اصيب بالذهان واشتهر بهذياناته التي ادرجها في مذكراته تحت عنوان "مذكرات
شهيرا ً
ومهما في الطب العقلي والتحليل النفس ي بفضل تأويالت فرويد لها. ً
مرجعا ً ّ
العصابي" .اصبحت هذه املذكرات مرض ي
ل
ملزيد من املعلومات حو املوضوع ،انظر مقدمة كتاب شريبر:
Schreber, Daniel Paul, memoirs of my nervous illness, new york review books, January 2000, PP xi – xxiv.
139
Deleuze’s Philosophical Lineage, p 232
140
Anti-Œdipe, P 66
حوارات ،ص 0
142
Deleuze and psychoanalysis, p 16
143
Anti-Œdipe, P 67
51
وقد أدخل فرويد اطروحة الصراع النفس ّي في نصوصه ألاولى حول نفاس الدفاع les
psychonévroses de défenseكي يؤكد ان النشاطية املستمرة للصدمة النفسية هي دفاع نفس ّي،
وكأنها تدفع ضريبة انموذج ونشاط قهر ّي 044؛ بالنسبة لدولوز ،تبدو ألانا عند فرويد في سياق ذلكّ ،
ّ ّ
سلبي للمعارضة ،وسيبدو الالوعي الفرويدي الى جانب لوعي التعارض والسلب وكأنه هيغيلي 045ما بعد
ّ وتسلسلي وإشكالي ُّ ّ
ومسائل [إل كانطي .046وفي حين ان دولوز يرى "الالوعي بطبيعته تفاضلي وتكراري
تفاضليا ،لوعي القوى الكبيرة ا عما إذا كان الالوعي في نهاية ألامر تعار ا
ضيا أو أنه] عندما يسأل املرء ّ
ّ
املتنازعة أو العناصر الصغيرة املتسلسلة ،التمثالت الكبيرة املتعارضة أو إلادراكات الصغيرة املتخالفة،
ْ يبدو إننا نبعث التردد القديم والسجالت القديمة ا
ايضا ،بين التقليد الاليبنتزي والتقليد الكنتي" 042؛
ناقصا لالوعي ،فهو عند كانط (كما عند هيغل) انموذج لصراع القوى كما ا ا
مفهوما وفي التقليدين ّ
نقدم
ّ
أونطولوجي .04 محمل بأي ثقل في الفيزياء النيوتونية ،وهو عند ليبنتزل-كائن غير ّ
ّ وإن كان فرويد يرى ان الالوعي ّ
يعبر عن نفسه في الاساطير والاديان ،فإن السؤال الرئيس ي الذي ُيطرح
يتعلق بمبررات العودة الى الاساطير وأخذها كنموذج ،والاجابة عن هذا السؤال تبقى عند فرويد
مجهولة ومقصية" .ل يريد املحللون النفسيون ،ومنذ البداية ،الاهتمام باألوضوعات objectites
ّ
التاريخية؛ يحاولون أن يحيلوا الاساطير والتراجيديات الى الليبيدو كنشاط ذاتي [ ]...نظير ٍ
حلم على
تحولت الالوعي صعيد الانسانية .يربطون الاسطورة بالنشاط الذاتي لليبيدو ،آخذين في الاعتبار ّ
ذاتي ّ
مجرد ،ولكنهم والعمل حوله ]...[ .وإن كانوا أول من ربط الاساطير والترجيديات بالليبيدو كجوهر ّ
ٍ
ّ
تعبير عن الالوعي .على الرغم من املوقف املشوش نظروا الى هذه امليثات والتراجيديات كوحدات
ٍ
ّ
لحظة أخرى يرفضها". 042 ٍ للتحليل النفس ّي نحو الاساطير والذي يجعله في لحظة ما يبحث عنها ،وفي
دخل الدين الى الالوعي ،ويجعل من هذا الاخير ُ
ويبدو ان فرويد امللحد يعود الى الاسطورة بدل هللا ،وي ِ
يشير "معجم مصطلحات التحليل النفس ي" في تعريفه للرغبة ( )begierde - Wunschعند فرويد الى ّانها "أحد قطبي الصراع الدفاعي في املفهوم
الدينامي الفرويدي :حيث تنزع الرغبة الالواعية الى ان تتحقق من خالل استرجاع الاشارات املرتبطة بتجارب الاشباع ألاوليً ،
تبعا لقوانين العملية ألاولية"
راجع :البالنش ،جان و بونتاليس ،جان برتراند ،معجم مصطلحات التحليل النفس ي ،ترجمة د.مصطفى صفوان ،املنظمة العربية للترجمة ،الطبعة
ألاولى ،بيروت ، 0ص. 9
راجع :
و
146
Rambeau Frédéric, Deleuze et l’inconscient impersonnel, cahiers philosophiques dossier l’inconscient n ° 1 0 7, o c t o b r e 2 0 0 6,
54-71, p 57
9إلاختالف والتكرار ،ص ص . 1- 9
148
Rambeau Frédéric, Deleuze et l’inconscient impersonnel, P 58.
149
Deleuze, Cours de Vincennes, anti œdipe et mille plateaux, 15/02/1972. Sur le site
http://www.webdeleuze.com/php/liste_texte.php?groupe=Anti Oedipe et Mille Plateaux
52
فسح املجال للمصالحة بين دينيا ،وهذا ما نلمسه في التحليل الفرويدي للشعور بالذنب ،حيث ُي َ ا
التحليل النفس ي والكنيسة التي تؤسس تحليالتها النفسية الخاصة.051
ا
كما يقيم التحليل النفس ي شكال من الثنائية .فهناك الظاهر من جهة ،والباطن من جهة أخرى.
فالظاهر هو الرغبة في مص ألاعضاء الجنسية ،والباطن هو الرغبة في ثدي ألام .وهذه الثنائية ليست
متوازية ،وإنما هي ثنائية ُمترا ِتبة ،أي ل يكتس ي الظاهر القيمة التي للباطن .وكما هو ألامر في التقليد
التأويلي الذي ساد ومازال يسود عند رجال الدين ،ليس هناك مكان املعنى هو الظاهر ،وإنما مكانه
ومحله هو الباطن؛ ليس هو الشاهد ،وإنما هو الغائب .فعوض أن يقف التحليل النفس ي عند الحدث،
عند الظاهر ،أي عند الرغبة كما هي ،فإنه يحيلها على ش يء آخر ،ش يء يكون هو باطنها ،أي هو معناها
دائما أن ُي َذ ِّكر ش يء ما بش يء آخر ،أي أن تكون هناك ا
دائما استعارة أو الحقيقي .يقول دولوز « :ينبغي ا
ا
رومانيا" :050يتوقف شيشرونيا أكثر فأكثر ،ولقد كان فرويد ا
دائما ا كناية .لقد أصبح التحليل النفس ي
ّ
الطفل حيث تبدأ ألام ،وتتوقف هذه حيث يبدأ ألاب ،وعلى الجميع ان يتخذ موضعه ويثبت عنده،
شخص ومن هو بالتحديد، يوما اين بالتحديد يبدأ كلويالحظ دولوز ان التحليل النفس ّي لم يحدد ا
ٍ
وتتوجه رغبته نحو الام ،ولهذا السبب،فإن التحليل النفس ي ّ ّ
التعرف اليه من خالل الاب فالطفل يتم
"يشبه الثورة الروسية ،ل نعرف متى بدأت تتحول إلى ألاسوأ".057
ّ ّ
وإن كان دولوز ل ينفي ان التحليل النفس ي لم يستبعد كل ايا الانتاج الراغب ،إل ان هذا التحليل قد
لوعي تعبيري وليس
ٍ بأشكال من
ٍ ألحق كل املقولت التأسيسية إلقتصاد الرغبة (اي العمل والاستثمار)
ّ ّ
انتاجي .وألن لم يكن من املمكن للتحليل النفس ّي أن يتجاهل آلالة الراغبة إل انه اهملها وتركها عند
حتى ّ ّ
مشجب ألوديب ،العامل
ٍ تحول التحليل النفس ي الى " العتبة ،واوقفها واقصاها من الشخص،
ألاكبرلالنتاج املضاد في الرغبة .التاريخ عينه لرأس املال".053
ان ما يرفضه مؤلفا آنتي-أوديب هو هذه الاحالة الحصرية والدائمة (! )Œdipe forever 054الى
الاسطورة ألاوديبية حين يربط فرويد دفق الرغبة بموضوعات وأشخاص كاألب وألام ،وفي الوقت عينه
يصور الرغبة بإعتبارها رغبة مكبوتة؛ ذلك ان هذا املثلث ألاوديبي يحيل الى معنى ودللة مؤسسة رغبة ّ
ّ ا ّ
يمث ُل ا ّ
محددا :الاب – الام – الطفل كأركان دائمة للتحليل .إل انهما ل نظاما تأخذ مكانها في املثلث الذي
مكونات كثيرة أخرى ول يجوز رفضه على اية حال، مكون بين ّ يرفضان املبدأ ككل ،ذلك ان العائلة هي ّ
150
Anti-Œdipe, P 70
ً
نسبة الى ماركوس توليوس شيشرون ( 09ق.م 1-ق.م) الخطيب والسياس ي والفيلسوف الروماني الشهير.
حوارات ،ص 0
152
Anti-Œdipe, P 69
153
Ibid., P 69
154
باالنكليزية في النص Ibid., P 101-
53
ا
ّ
مالينوفسكي** ولكان في طرحما ألوديبية جديدة آخرا كما يفعل ا
أوديبيا ا كما ّانهما ل يسلكان مسلكا
ا
بالوعي رمز ّي كما عند لكان .ونالحظ مثال ما ورد في لغة
ٍ بربطها بالشكل الاجتماعي عند مالينوفسكي أو
التحليل الفصامي للـ آنتي-أوديب والرأسمالية والفصام،حيث يوافق دولوز مع رؤية لكان للرغبة
ظل يربطها بالنقص بإعتبارها جوهر الصيرورة ،ولكن وان كان التصور الالكاني التقليدي للرغبة ّ
والذات والنفي ،من حيث اننا ل نرغب الا في ما نحن بحاجة اليه وينقصنا ،كما يعتبرها شقا بين الطلب
ّ
والحاجة ،حيث يبدو الطلب كنوع من "الاستالب للذات" الا انها باملنظور الدولوزي ،ليست عالقة بين
مصطلحات (الذات – املوضوع) ،واذ يدعم دولوز (وغاتاري) إلازاحة الالكانية للذات الديكارتية،
ويريان ان هناك عناصر نيتشوية املنظور تعيد تفعيل هذه الصيغة .وبتعريفه الرغبة بمصطلحات
عدميّ ،ّ ّ ّ ّ
ويقيدها في صيغة تشاؤمية الطابع، مثالي وحتى فهم
املوضوع املفقود ،يجر لكان الرغبة الى ٍ
ا
وبالنسبة لدولوز وغاتاري لم تكن فكرة لكان عن "املوضوع أ" سوى وسيلة لقلب هذه الصيغة محاول
غم.055جعل الرغبة اداة تحريرل ّ
ّ ّ
السلبي وامليثولوجيا ألاوديبية إلاخصائية تلك النظرة الاخالقية املفعمة وما يتعلق بهذا الالهوت
ّ بالذنب وعقدة الدونية ،ذلك ان نظرة املحلل النفس ّي تبدو ا
دوما مشبعة بالحزن ،فهو الذي يسعى
ّ املعالج وتحسيسه بالذنب والعار والدونية ،فاملحلل وريث الراهب ول ّ َ
يتحدث إل من إلحراج الشخص
موقع السلطة الاخالقية التي تحاكم الناس بإسم الضمير وألانا ألاعلى؛ ول ينفك دولوز يركز ا
كثيرا على
يفوت مناسبة من دون أن يذكرها ،وهي طبيعة التحليلي ،فهو ل ّ
ّ الطبيعة الاخالقية الثاوية في الخطاب
056
مرتبطة بوضوح بالنزعة العائلية ألاوديبية في سرديتها (الرغبة في مضاجعة الام وقتل ألاب) " .واذا لم
ُ ّ ّ ّ
علم املحللون يتعلق ألامر بأوديب ،فسيتعلق بالخص ي وغرائز املوت املزعومة – يقول دولوز – ي ِ
النفسيون الاستسالم الالمتناهي ،إنهم آخر الكهنة [ ]...ل يمكن القول انهم منشرحون .لحظوا النظرة
ُ ّ
غبة ما في الضحك ،لكنه يعترف امليتة التي يتحلون بها ،وقفاهم الجامدة (لقد حافظ لكان وحده على ر ٍ
ا ا
عشوائيا ملحلل نفس ّي سنجد] تبعية الانسان املمتدة لوحده) [وحين نفتح مقال ِ بأنه مجبرعلى الضحك
ّ
الانساني ،الجرح النرجس ي املالزم عبر الزمن ،وعجزه عن مساعدة نفسه ،النقص الوراثي للكائن
تقيد الالكمال والصراع...بؤسه املرتبط لوجوده ،الواقع ألاليم للوضعية الانسانية ،التي ّ
موضع آخر ":يجري كل ش يء كما لو أن فرويد يطلب الصفح عن ٍ بكينونته" .052ويتابع دولوز كالمه في
** برونيسالف مالينوفسكي ،) 6 - 11 ( Bronisław Malinowskiإنثروبولوجي بريطاني ،من أصل بولندي .اشتهر بدراسة الشعوب البدائية في جزر
التروبرياند القريبة من غينيا الجديدة .اشتغل بالتدريس في جامعة لندن منذ . 6يعتبر أحد مؤسس ي املدرسة الوظيفية في إلانثروبولوجية الاجتماعية.
155
Luke Caldwell, “Schizophrenizing Lacan: Deleuze, [Guattari], and Anti-Oedipus,” intersections 10, no. 3 (2009): 18-27.P 23
9
حدجامي ،عادل ،فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف ،ص . 0
9
حوارات ،ص 09
54
اكتشافه العميق للجنسانية بالقول لنا :على الاقل لن يخرج ذلك من العائلة! [أي ذلك] ّ
السر الصغير
النجس ،بدل النظرة الخاطفة الاوسع .التشذيب العائلي بدل الاحالة الى الرغبة [ ]...الداخالنية ّ
محل
َ
خطاب الضمير الس يء و امللومية العالقة الجديدة مع الخارج .ومع التحليل النفس ي ،نجد ا
دائما ان
عالجا) .و من هاتين النقطتين على الاقلّ ،
يبرىء يسمى ا culpabilitéهو ّالذي يرتفع ويتغذى (عبر ما ّ
بشكل أفضل ،في أصغرٍ فرويد العائلة ،الحقيقة الخارجية من كل خطأ ،كي يدخلهما (الخطأ والعائلة)
ّ
الافراد ،في الطفل [ ]...ويجعل من الاهل الحقيقيين أبرياء بقدر ما هم ضحايا [ ]...الاهل الذين ليسوا
ّ
مرض ى إل بسبب طفولتهم [ ]...فرويد هو لوثروآدم سميث الطب النفس ي" .05
ّ
التحليل النفس ي وتشكل امللفوظات
ّ
ناحية أخرى ،ومثلما يفعل حين يكبح الارتصاف آلالوي للرغبة ،يمنع التحليل النفس ّي تشكل ٍ من
ا ان "التحليل النفس ّي هو آلة تامةّ ، ّ
مكونة مسبقا كي امللفوظات énonciationفي الانتاج الالواعي ،ذلك
ّ ّ
تمنع الناس من الكالم ،وبالتالي من انتاج ملفوظات تخصهم وتخص الجماعات التي ينتسبون
ّ
اليها" .052فهو وإن بدا في الظاهر انه يدعو الى الكالم ،إل انه مؤسس بالفعل على منع الناس من الكالم
ُ
وسحب كل شروط النطق منهم ،فهو آلة أوامرية ل يمكن ملن يخضع للتحليل أن يفلت منها ،ومن
ا
الشيفرة ألاوديبية املوجودة مسبقا فيها.
ّ ّ ّ
تأملية أوتوماتيكية يلخص دولوز ٍ بآلة
تتصل هذه آلالة التحليلية النفسية الكابحة لتشكل امللفوظات ٍ
آخرا [ ]...حين يشرحون لي ان ما قلته ّ ا
شيئا ا
يدل مضمونها بما يلي " :مهما نقول ،فإن ما نقوله يعني
تصدع لألنا كذات .وهذا التصدع معروف ا
جيدا :ما أقوله على ش يء آخر غير ما قلته ،ينتج عن ذلك ّ
ٍ
كأساس صممه التحليل النفس ّي بذاته ّ ّ
كذات للنطق .هذا التصدع يحيل الى أنا (في عالقتها مع املحلل)
ٍ ٍ
ّ ّ ّ ّ
كل منا ،ليس إنتاج للمملفوظات [[ ]...هذا في حين أن] ما يولد ملفوظات في داخل للخصاء ويكبح كل ٍ
تماما ،انها التعدديات ،الجموع والكتل ،والشعوب والقبائل نحن بقدر ما نحن ذات ،بل ش ٌيء آخر ا
جزء من لوعينا والارتصافات الجماعية التي تخترقنا ،والتي تكون داخلنا والتي ل نعرفها ألنها ٌ
نفسه".061
ّ ُ وعوض الدال املدلولّ ، عوضت الدللة التأويلّ ، يقول دولوزّ " :
محل شروحاته، وحل صمت املحلل
وعوضت الوظائف البنيوية الصورة الابويةّ ، ثباتا من أوديبّ ، ا ّ
وعوض اسم شكل أكثر
وظهر الخص ي في ٍ
ُ
املحلل عن الكالم، ٌ
تحليل ما غير هذه ألامور التي يستغني فيها يتكون منهألاب أبي أنا ]...[ .وما عس ى ان ّ
158
Anti-Œdipe PP 325 -326
159
L’ile Déserte, P 382.
160
Ibid. P 383.
55
ّ ّ ّ
ما دام أن املتلقي للتحليل يعرف مثل املحلل هاته ألامور؟ لفد أصبح املتلقي للتحليل مما ِر اسا
للتحليل 060".وان هؤلء الكهنة ،ل يفعلون سوى رفض الطابع الانتاجي لالوعي ،واذ يسحبون منه
تشكل امللفوظات ،فإنهم ينكرون ان ا تصافات الرغبة الالوعية تسكنها الصيرورات و ّ ّ
الشدات، ر شروط
ّ ّ
معينة (التكتالت ،الجموع ،الانواع ،الاعراق، والسيولت الكثيفة ،والتعدديات من طبائع
والشعوب)".067
لقد اصبح للتحليل النفس ّي مرجعياته الخاصة به ولم يقبل الانفتاح على مرجعيات خارجية
كالجماعات والدول والشعوب ،واقتصر كل الواقع على ما يحصل على أريكة املحلل النفس ّي
الالمتناهية ،وتوقف التحليل النفس ي عن البحث ،ذلك انه يمتلك الحقيقة النهائية ،و"أصبح املحلل
يؤول ،فإنه يؤول ،أو من حيث كونه ّ النفس ّي مثل الصحافي :يقوم بصناعة الحدث [ ]...وطاملا كان ّ
منحرفة بالنسبة للنظام القائم وبالنسبة للمدلولت السائدة".063 رجع الرغبات وامللفوظات الى حالة ُ
ٍ ي ِ
ان التحليل النفس ّي هو "مؤسسة رائعة تقوم على كبح كل انتاجات امللفوظات التي هي رغبات
يتم "خنق" و "سحق" امللفوظات ،حيث ايضا كيف ّ حقيقية" ،064ففي التحليل النفس ّي لألطفال ،نرى ا
ّ ملفوظا énonceما من دون الاستناد الى شبكة ّ ا
تأم ٍل مشفرة يصبح من املستحيل للطفل أن ينتج
بالكامل ،لن يستطيع الطفل الخروج منها .يقارن دولوز ،بهذا الخصوص ،بين ما يقوله الاطفال
(هانس ،ريتشارد ،وآغنيس) من جهة ،وبين ما "سيسمعه" املحلل النفس ّي (فرويد وميالني كالين) أو
ا يترجمه أو بكل بساطة ما سيفبركهّ :
يتبين لدولوز مثال ان فرويد يرفض تصديق رواية الطفل هانس
ّ شيئا اا ا ّ
آخرا ،فهو "ل يعلم إل الذي اشتهى طفلة صغيرة ،وبدل من ذلك رأى فرويد ان هذه الرغبة تخفي
ّ ّ أمرا اا
تصاف آخرليس سوى ممثل لهذه العائلة".065 ٍ منطقي وكل ار كشخص
ٍ واحدا هو العائلة
166
Anti-Œdipe, PP 356-357
167
Anti-Œdipe, PP 362-363
57
ّ
مجر ادا [ ]...ان آلالت الراغبة ليست آلت إجتماعية إل من جهة ان اقترانات الدفوق املفككة
جوهرا ّ
ا
ّ
وكوني" .06 الشيفرات في آلالة الرأسمالية تميل الى تحريرالصورة ّ
الحرة لليبيدو ذاتي
ّ
الفصامي ا
ثانيا :التحليل
ُ
الفصام
وجها من أوجه النقد القاس ي ل يمثل نقد الاحالة "الاسطورية" الى العائلة ضمن املثلث ألاوديبي ،سوى ا
بصيغه الفرويدية أو الالكانية .فإن كانت العائالنية يوجهه دولوز (وغاتاري) الى التحليل النفس ّي َ ّالذي ّ
ّ
،familialismeتصنف التقنية التحليلية لألعراض بإعتبارها تمفصالت دالة لصراعات نفسانية،
وتعمل على تشويه الصورة الحقيقية للرغبة الالواعية كآلة من ِتجة في الحقول الاقتصادية والتاريخية
ّ
والسياسية التي تستثمرها حين تخترقها فتشكل بهذا الاستثمار الحقيقة الواقعية لالنتاج الاجتماعي،
الضيق لألهل ّ الا من جهة اختزال استثماراتها الى ّ
الحيز ّ ّ
تخي اليا هذا في حين ل ينظر التحليل النفس ي اليها
ا
مزيا .وهذا ّكله ل يجعل من نظرية التحليل النفس ّي خطأ ا ور ا
نظريا فقط ،بل يحيل الى الخطاب التحليلي
ّ ا
هذا وظيفة يمكن القول عنها انها أيديولوجية ،062ألن الامر يتعلق بالطريقة التي يقوم التحليل النفس ي
ّ
عبرها بإخفاء وتصفية العنصر املحايث للقوى املن ِتجة ولعالقات الانتاج التي تشكل الاستثمار
السياس ّي املباشرللرغبة.
فصامي ّ
ّ ا
يثور تحليل
ٍ انطالقا من سيرورة التحولت في تآليف الانتاج الراغب ،يحيل دولوز (وغاتاري) الى
التحليل النفس ّي :ففي حين يهدف التحليل النفس ي الفرويدي الى معالجة العصابيين عبرمساعدتهم في
ّ
الفصامي يهدف الى تحرير سيرورات الانتاج لوعيهم تحت راية توازن الذات ،فإن التحليل َ التعرف علىّ
كقوة تكسر كل التشفيرات ٍ الراغب من القيود الاجتماعية .ويحتفي دولوز (وغاتاري) بهذا التحليل
ّ
الاجتماعي ،وتقاوم فخ الهوية الذاتية .وهما يريان ان التحليل النفس ّي لم الصلبة التي يقيمها الحقل
021
يساعد العصابيين بقدرما اختزل الالوعي الى تجريدات.
دوما ألاخذ في الاعتبار الفصام في ايجابيته ،كإيجابية من دون اختزاله الى طبائع التدمير أو يجب ا
النكوص التي تولد في الشخص ،أو الى الفجوات أو الانفصالت التي تظهر في بنية مفترضة .ولن يمكننا
ّ ا ا
مشوشة مع القول الا ان التحليل النفس ي لم يخرج من وجهة النظر السلبية ،ذلك انه يقيم عالقة
صعوبة في النفاذ الى
ٍ الذهان ،كما ان الطريقة التحليلية النفسية تقتصر على العصاب وتبرهن على
168
Ibid., P 364
169
Sibertin-Blanc, Guillaume, et Legrand, Stéphane, Capitalisme et psychanalyse : l’agencement de subjectivation familialiste, sur le site
électronique : http://www.europhilosophie.eu/recherche/IMG/pdf/Sibertin_blanc_et_legrand.pdf
170
Luke Caldwell, “Schizophrenizing Lacan: Deleuze, [Guattari], and Anti-Oedipus,” intersections 10, no. 3 (2009): 18-27. P 25
58
الذهان .ولذلك ،فمن الخطأ تعريف الفصام بمقولت النقص والفقدان ،أو ر ّده الى بنية عائلية
حتى ا
نتاجا ّ ّ ابدا ا أوديبية .وبالفعل فإن الهذيان ليس ا
ّ
العائلي املتمحور حول تخي اليا للتاريخ نتاجا ول
تماما ،فإن ما يحمله الهذيان هو الاعراق والشعوب النقص ،كما قال فرويد ،بل على العكس ا
يعبر عن الطريقة عينها التي والحضارات والحروب والطبقات والثقافات والبلدان ،ذلك ان "الهذيان ّ
عبرها يستثمر الليبيدو كل الحقل الاجتماعي التاريخي ،حيث الرغبة الالواعية تدفع الى الحد الاقص ى
موضوعاتها .وحتى حين يعالج الهذيان القضايا العائلية ،فإن الثقوب ،الانقطاعات ،الدفوق التي
ّ
وتكو ُنها كمتكثرة هي من طبيعة فوق عائلية وتدخل مجموع الحقل الاجتماعي في ّ تخترق العائالت
تحديداتها الالواعية".020
ولكن الفصام ل ُيحال الى العائلة ول الى الاشخاص والعائلة ،بل انه يحدد فوق الجسد بال اعضاء
ّ ُ ا
بمقولت ايجابية واثباتية،
ٍ علم .ل يجري الكالم عن الفصام إل مناطقا وميادين يطلق عليها اسماء ٍ
وليس بمقولت كتلك الخاصة بفقدان الواقع والحقيقة والانحالل والتي ل تفعل سوى اسكات
الفصامي .وعلى عكس النظرة الشائعة في التحليل النفس ي وفي علم الامراض النفسية ،يرى دولوز انه
"بدل ان نفهم الفصام بفعل التدمير ّالذي يدخله في الشخص ،أو الثقوب والثغرات التي ُي ُ
ظهرها في ِ
بتلع الطبيعة والتاريخ ،املتعض يّ ُ َ
هروب حيث ت
ٍ خطوط
ِ البنية ،يجب معاينته كصيرورة [ ]...وفق
ّ ُ ّ
والروح .انه ذاك الذي ينفذ بين آلالت-الاعضاء الفصامية ،الجساد بال اعضاء ،ودفوق الشدة حول
ا ّا
مكونا عالقات لآللت وانحرافا في التاريخ".027 هذا الجسدِ ،
ّ ّ
سكان
ٍ شعوب،
ٍ الفصامي هو الذي يصنع الالوعي ولكن ليس مع العائلة ،ول مع ألاهل ،ولكن مع ان
كلموضوعا لجينولوجيا عائلية ،بل لتجمعات سكانية عاملية ،وان ّ ا وقبائل [ ...ذلك] ان الالوعي ليس ٍ
ّ ّ ّ 023
ذلك يجري نفيه عبر آلالة التحليلية" .ولذلك ،فإن مهمة تحليل فصامي ،وهو تحليل مضاد للتحليل
النفس ّي ،تكمن في إكتشاف الارتصافات الجماعية للملفوظات ،والتسلسالت الجماعية ،اي اكتشاف
ّ
الشعوب ومن هم في داخلنا ،والذين يجعلوننا نتكلم ،ومن خاللهم ننتج النطوق .وبهذا املعنى ،تتم
بحقل كامل من التجريب ،من التجريب الشخص ي أو الجماعي".024 ٍ معارضة التحليل النفس ّي
القول ان الالوعي ينتج معناه ان نتوقف عن معالجته كما اعتاد التحليل النفس ّي ان يفعل به بإعتباره
نوعا من آلالوية التي تنتج آلويات أخرى، قدم مسرحية درامية ،دراما أوديب؛ كما يعني ا مسرحا حيث ُت َّا
املسرحي ،ولكن مع آلالت الراغبة .وحين نتكلم عن آلالت الراغبة ّ اي ان الالوعي ل عالقة له بالتمثيل
171
Deux régimes de fous, P 25
172
Deux régimes de fous, P 27
173
L’ile Déserte, P 382.
174
Ibid. PP 383-384.
59
ّ ّ
وتسيل دفو ٍق ما .025وان مسألة معرفة كيفية اشتغال الالوعي هي مسألة غبة تقطع وتترك نتكلم عن ر ٍ
تتعلق بكيفية استخدام آلالت الراغبة واشتغالها ،ذلك ان بنية الالوعي ،كما يقول دولوز " ،ليست
ا ا
ومؤشكلة".026
ِ بنية نزاعية ،تعارضية أو بنية تناقض ،بل هي مسائلة
ّ ا ا ا ّ ا ّ
الحقيقي بحد صورا ،بل بإعتباره الالوعي آلة لشخصية ،ول رمزية ول ترسم يصر دولوز على اعتبار
ُ َ ّ
فهم إل ذاته مع انتاجاته التي تنتج الواقع بأكمله" :انطلقنا غاتاري وأنا من فكرة ان الرغبة ل يمكن ان ت
تحت فئة الانتاج؛ اي يلزم ادخال الانتاج في الرغبة ذاتها [ ]...وان فكرة مثل أوديب ،التمثيل املسرحي
ّ ّ ّ
غبة .أوديب هو نتيجة القمع الاجتماعي لالنتاج الراغب .حتى ألوديب ،تشوه الالوعي ،ول تعبر عن اي ر ٍ
ا
على مستوى الطفل ،ليست الرغبة أوديبية ،بل تشتغل كآلية ،تنتج آلت صغيرة ،مقيمة روابط بين
تكون آلت، كل ما سبق يعني بمعنى أو بآخر ان الرغبة ثورية [ ]...انها ثورية بطبيعتها ألنها ّ الاشياءّ .
ّ
بإندراجها في الحقل الاجتماعي ،تصبح قادرة على تخطي بعض الاشياء ،على نقل النسيج الاجتماعي.
ا ّ
شكل من املسارح [ ]...الالوعيعلى الضد من ذلك ،قلب التحليل النفس ي كل ش يء رأسا على عقب فوق ٍ
022
كمن ِت ٌج آللت الرغبة الصغيرة ،الراغبة ،ها هي ،بالعكس ،نقطة الانطالق في عملنا.
اشخاصا ،وليس له عائلة ،فهو يتيم ،02وان ا يواصل دولوز (وغاتاري) التأكيد على ان الالوعي ل يعرف
اكتشاف الانتاج الذاتي للرغبة يتزامن مع اكتشاف الكوجيتو الديكا تية الذي هو ا
ايضا يتيم بال اهل. ر
انتشال لالوعي من مستنقع الخصاء والصدع الامومي ،وسيكون ٍ وسيكون التحليل الفصامي بمثابة
لسيرورة من حيث هي سيرورة فصامية ٍ انتاجي مع ذلك ،فهو " ٌ
توقير ّ لالوعي يتيم ولكنه الاثبات الفعلي
ٍ
ا ّ ّ
لإلقتالع إلاقليمي التي عليها ان تنتج أرضا جديدة ،وبمحاذاة اشتغال آلالت الراغبة ،وبوجه
ّ ّ ّ
التشوش الذي ل يمكن تجنبه للقناع التراجيديا ،وعلى الضد من الدراما القاتلة للشخصية ،ضد
ّ
واملمثل".022
ّ
ويمكن التكلم – على مستوى الالوعي -عن نوعين من الانتاج الراغب:
صامي ّالذي تطلقه الاكسيوماتية الرأسمالية ،وهو انتاج ّ ّ ُ
حر ينبعث بكامل الاول هو الانتاج املسمى ف
ي ،paranoiaاي الشكل الثابت للرغبة وهو الخاضع لسلطة إيمان ّ ّ ّ
قوته ،والثاني هو املسمى بارانو ِ
إجتماعية (باهلل ،بالوالد ،بالزعيم .0 1)...وان كلي الانتاجين يجريان فوق الجسد الخالي من الاعضاء
يتجه صوب الاعداد الكبيرة ّالذي يملك وجهين يحيالن الى اتجاهين أو طريقين " :الاتجاه الكتلوي ّالذي ّ
175
L’ile Déserte, P 323.
99الاختالف والتكرار ،ص . 1
177
L’ile Déserte, 2002, P 324.
178
Anti-Œdipe p 59
179
Ibid., p 359 - 360
180
Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary, P 66.
60
ّ
وظواهر الجنون ،والاتجاه الجزيئي الذي ينفذ ،بالعكس ،في الفرديات وتبادلتها ووصالتها عبر املسافة
أو املنتمية الى انظمة مختلفة[ ،و قد] اختار الزور ّي الاتجاه ألاول :انه يحيل الى الفيزياء-الكبرى[ .بينما]
الفصامي في الاتجاه آلاخر ،إتجاه الفيزياء-الصغرى [امليكروفيزياء] ،والجزيئيات من حيث ل ّ يذهب
تخضع الى القوانين الاحصائية [ ]...خطوط هروب لمتناهية بدل منظورات املجموعات الكبرى". 0 0
جهة استثمارات لظواهر الجموع والاستثمارات وان وجهي الجسد الخالي من الاعضاء يفيدان من ٍ
ّ ّ
جهة أخرى ترتصف الاستثمارات الفصامية للظواهر الجماعية البارانوية فوق سل ٍم مجهري ،بينما من ٍ
ّ
الجزيئية فوق سل ٍم تحت-مهجر ّي .sub-microscopique
وبالطريقة عينها التي يجعل فيها من آلالت الراغبة جوهرالانسان ،فإن الفصام ،schizophrénieيبدو
أساسية لإلنسان والطبيعة.0 7
ٍ كحقيقة
ٍ ّ
ألاولي ّ
الكوني لدولوز عالم آلالت الراغبة الانتاجية ،إلانتاج
ا
سيرورة فصام ٍية .ولهذا السبب ايضا،
ٍ اغبة ،فإننا ندخل فيآلت ر ٍولذلك يمكن القول انه طاملا نملك ٍ
يرفض دولوز التمييزالتقليدي بين العصاب والذهان ،ل من حيث الطبيعة أو النوع ،فالقمع عليهما هو
ّ
العصابي يدور حول نفسه في عقدته ألاوديبية، ّ
الفصامي ،فإن ّ
العقلي هذيان نفسه ،وحين يكبح الطب
ّ ّ
ألاوديبي ،بنفس الطريقة كنتيجة لكبح القوى الراغبة في حدود املثلث ٍ حيث تتشكل الذات العصابية
ّ ّ
العقلي.0 3 ككيان من خالل الطبٍ التي يتشكل فيها الفصام
181
Anti-Œdipe p 336.
182
Anti-Œdipe, p 11
183
Ibid. P 155
61
ثابت ،ذلك أن "الانتاج مجموع ٍ
ٍ تعددية ،multiplicité 0 4تعددية تفلت من كل امكانية لالختزال الى
0 5
وحدة".
ٍ الراغب هو تعددية محضة ،اي اثبات ل يمكن اختزالها الى
يتحدث دولوز (وغاتاري) في آنتي-أوديب عن ثالث "لحظات" للقطع الذي تقوم به آلالة الراغبة ،أو عن
تعبر عن النشاطات الفعلية لالوعي من حيث كونها تآليف ثالث سيرورات 0 6متداخلة لألنتاج الراغب ّ
ْ
الطرح املكونة بدورها من ثالث مراحل تعود الى لحظات القطع :فاللحظة ألاولى هي عملية ّ سلبية
ّ
أوإلاقتطاع prélevementاملتصلة بمرحلة التأليف الوصلي ،connectifواللحظة الثانية عملية
الانتزاع او التفكيك détacherاملتصلة بالتأليف الفصلي ،disjonctifوالثالثة هي عملية الابقاء والترك
resterاملرتبطة بالتأليف الربطي .conjonctifوتتحرك هذه التآليف كي ترسم دائرة الانتاج الراغب
ا ّ
دفق"ٍ " إقتطاع هنا ي يجر : أوديب - آنتي في دت رو تيال اللحمة قطع آلة ذلك على مثال لكل آلة .فلنأخذ
يسميه دولوز الدفق الترابطي بحيث ان آلالة تكون على ارتباط بالدفق ّالذي فيه تقطع ،وهذا الدفق ّ
الوصلي .ومن ّ
ّ ا
ثم ،تنتزع آلالة .associatifاذا ،تتصل آلة قطع اللحمة بدفق قطعة اللحمة في التأليف
ا
الفصلي ،وفي النهاية تنتج آلالة ما ّتبقى او الباقي من شرحات ّ الدفق الترابطي في التأليف ِ من قطعة
ُ ّ
اللحمة الذي بدوره سيستهلك في التأليف الربطي.
ّ ا
الوصلي أول :التأليف
ّ
على مستوى الانتاج الراغب ،يكون التأليف الوصلي هو القطع ألاول الذي تقوم به آلالة الراغبة ،وهو
ّ ّ
القطع الذي يشترط الاستمرارية ويؤكدها كإستمرارية مثالية ،من حيث ان الدفق الذي تقطعه آلالة
ا ا الراغبة يمتلك ما ّ
يسميه دولوز (وغاتاري) استمرارية مثالية ،ذلك ان الـ hyléهو استمرارية محضة
مادة ما كفكرة ،وهي الفكرة التي ّ ٌ
نكونها من استمرارية الدفوق املادية التي تتصل بها اعضاؤنا ٍ تمتلكها
ّ َّ في ما ّ
ومجزأة يسمى التأليف الوصلي .وهذا الدفق الترابطي associatifيقابل الاشياء الجزئية املقطعة
تجزأ الش يء" .0 2ان هذه دوما ،بحيث ان " كل ش يء يفترض استمرا ية الدفق ،وكل دفق يفترض ّ ا
ر
الاشياء الجزئية هي بحسب دولوز العناصر الاولى لالوعي ،وبإعتبار اننا لم نصل بعد الى الـ hyléالا عبر
الفاعلية البدئية للتأليف الوصلي بإعتبارها القطع ،فإن لوعينا مسكون بأشياء وموضوعات مفردة،
املركباتّ مجزأة وجزئية .انها موضوعات ميكروفيزيائية وميكروبيولوجية او ميكرونفسانية ،وهي تلك ّ
ً
مجموعا 1ليست هذه التعددية (أو الكثرة) سوى دينامية حيوية ،تتعلق بحياة العضوية لجسم يعود تركيبه الى بعض الوظائف ،وليس الى اعضائه .انها
ّ ً
اصليا ،وكيفية واشتدادية ال متجانسة ومستمرة؛ كما ال يمكن تعريفها بعناصرها وبمركز توحيدها ولكن بعدد أبعادها ،حيث تكون التغيرات ِ
أبعادها
املحايثة لها ،وهي ال تنفك ّ
تتحول الى تعدديات أخرى متالحقة.
راجع :الثبت التعريفي في الترجمة العربية لكتاب دولوز الاختالف والتكرار ،ص . 96
185
Anti-Œdipe, p 50
186
Gilles Deleuze ou le système du multiple, pp 178-179
187
Anti-Œdipe, P 13
62
يسميه دولوز (وغاتاري) "قانون انتاج الوصلي عما ّّ والاقسام املشتغلة في آلالت الراغبةّ .
ويعبرالتأليف
0
ثم".الانتاج" أو التأليف الانتاجي ،حيث لالنتاج شكله الربطي " :و"ّ " ،
ّ0 2
ثانيا :التأليف الفصليا
َ
املقتطعة من التأليف الوصلي ُت َّ
دون فوق الجسد بال اعضاء بحسب شيفرة (أو ان الاشياء الجزئية
لعضو واحد ان يترابط بدفوق كثيرة وفق ٍ كود) تنسجم والعضو الذي قام بالقتطاع وحيث يمكن
بفك شيفرةترابطات مختلفة .ان كل آلة اغبة تملك بداخلها شيفرتها codeالخاصة والتي تسمح لها ّ
ر
ّ
الدفوق املادية التي تتصل بها :تشفر العين اقتطاعتها بصيغة "النظر" ،الالوان ،الاشكال وال َ
صور،
ّ ُ
فيما تشفر الاذن الدفوق بصيغة "السمع" والفونيم واملورفيم وألالحان...الخ .021وان هذه الاشياء
ّ ا ّ
مشكلة فئات blocsفصلية للطفولة ِ الجزئية تتوزع فوق الجسد بال اعضاء بحسب مجموعات
الفصلي "املقولت املفككة ،يثبتها عبر املسافة بينها ،من ّ والذكورة والانوثة..الخ .ويثبت هذا التأليف
دون ان ترسم الحدود بينها أو ان تقصيها عن بعضها ،وهذه ربما املفارقة الكبرىّ “ .إماّ ...إما“ بدل
إقصائيا ويرسم ثنائيات متعارضة (رجل -إمرأة ،ولد – ا “أو“" .020وهذا يدل على ان هذا التأليف ليس
ثم فإن ا
نوعا من إثباتي ومحدد ،وفي لحظة ما قد يشعر املرء بأنه والد ومن ّ ّ أهل ،)..ل بل ان استخدامه
ٍ
الفصلي يجعل من املرء عينه يشعر بأنه طفل؛ فكل ّ الانزلق glissementيعمل فوق شبكة التأليف
ش يء ينقسم بذاته.027
ا
ثالثا :التأليف الربطي
ّ
القطع الثالث الذي تقوم به آلالة الراغبة في دورة الانتاج الراغب هو التأليف الربطي .وان نتيجة هذه
ا ا
الدورة املختتمة في هذا التأليف هي ظهور الذات بإعتبارها قطعة متاخمة لآللة الراغبة ستستهلك ما
ّ
تبقى من اشياء جزئية ترسبت من التأليفين السابقين .ان التأليف الربطي هو "القطع الذاتي" بعد
القطعين الوصلي والفصلي في سيرورة الانتاج الراغب على ما يقوله مؤلفا آنتي-أوديب .ذلك ان " القطع
ّ ّ
ينتج الذات الى جانب آلالة ،القطعة املتبقي أو الراسب résiduالذي ِ الثالث لآللة الراغبة هو القطع-
املتاخمة لها .وإن لم يكن لهذه الذات هويتها املحددة أو الشخصية ،وإن كانت تجتاز الجسد بال اعضاء
ّ
جزءا موز اعا بحد ذاته ،تعود اليه من دون خرق لمبالته ،فألنها ليست فقط الى جانب آلالة ،بل ا
الاجزاء الخاصة بالنفصال عن السلسة وبإقتطاعات الدفوق املشتغلة عبر آلالة" .023ان النشاط
188
Ibid, p 46
189
The Deleuze Dictionary, PP 77 - 78
190
Anti-Œdipe, P 48
191
Ibid., P 93
192
Ibid. PP 94 - 95
193
Ibid. PP 50 - 51
63
ّ ّ والفصلي ينتج ما ّ
ّ
املتبقي" الذي تستهلكه القطعة املتاخمة في نسميه " الراغب للتأليفين الوصلي
سيرورة التذويت؛ هذه القطعة املتاخمة هي ما يطلق عليه دولوز اسم "الذات اليرقية" larvaireوهي
التي تولد عن حالت الاستهالك كقطعة مالزمة لآللة ،وهي ذات تنتفي عنها الهوية الثابتة ،ل تنفصل
ّ ّ ّ
عن القلق والشهوانية وعن السيرورة املتحركة املكثفة للطاقة التي تشغل آلالة .024فليس "ألانا أفكر"
كثافة
ٍ في عمق هذه الذات واساسها ،بل الـ"أنا أشعر" الاصيلة بإعتبارها اشعور السيرورة في
حاضرة.025
ٍ
ُ
مه ّمات التحليل الفصامي
ِ
ّ
الفصامي" ،يرى دولوز ان تأرجحات في الفصل الرابع من الـ آنتي-أوديب ،واملعنون "مدخل الى التحليل
ا َ
إقليميا وذات الشيفرات املفككة ،وبين تلك الدفوق oscillationالالوعي بين دفوق الرغبة املنتشلة
ّ التي جرت أقلمتها وتشفيرها[ ،أن هذا التأرجح] أو بمعنى آخر "املرور ّ
نمط إلى آخر" 026يشكل السري من ٍ
َ ّ ا
الفصامي وهو التحليل املبتكر واملضاد للتحليل النفس ي واحدا من املوضوعات الرئيسية للتحليل
ّ
والذي وضعه دولوز وغاتاري كأداة تحليلية وثورية من أجل إكتشاف دفوق الرغبة في تشفيراتها
وأقاليمها ،وفي خطوط هروبها وإقتالعاتها إلاقليمية.
ا ا
مصنعا لالنتاج الرغبوي الالمحدود، انطالقا من التحليل الفصامي ،يجب التعامل مع الالوعي على انه
ا ا
ومكان للعمل .وتناسب صورة ٍ مصنعا ،معمال طاملا ل يمكن ان نضع الرغبة على منصة املسرح ألنها
املصنع الدفوق الالشخصية للرغبة أكثر مما تناسبها صورة املسرح .وان التعدد الكبير في الصورة
َ
الفنتازية والهلوسات املنتجة ليست بأي شكل من الاشكال تشكيالت ارتدادية او آلية دفاع ميكانيكية
ابدا الذكريات املكبوتة ،ول حتى تنتج عن الصراع الالوعي ":الالوعي ينبغي ان تنتجوه .انه ل يخص ا
َ
الاستيهامات [ ]...اعملوا على انتاج الالوعي [ ]...ول يتم ذلك في اي مكان ،انه ل ُينتج بواسطة فلتة
ّ
اجتماعي لسان أو بنكتة أو حتى بحلم .ان الالوعي مادة يجب صنعها ،والعمل على تسريبها ،انه مجال
وسياس ّي يجب الاستحواذ عليه".022
الفصامي عن التحليل النفس ّي ،هو رفضه للدال .ذلك ان التحليل عبر الدال هو بحد ّ ما ّ
يميز التحليل
ا ذاته ٌ
قمع كما يقول دولوز؛ وفي مختلف الاحوال ،يبدو من املستحيل ان نرسم تخطيطا لالوعي باإلحالة
ا ا ّ ا
دوما الى الدال ":ان آلالت الراغبة ل تمثل شيئا ،ل تعني شيئا ،ل تريد قول اي ش يء ،وهي بالتحديد ما
194
Deleuze’s Philosophical Lineage, p 230
195
Anti-Œdipe. PP 24-25
196
Anti-Œdipe, P 334
69حوارات ،ص 0
64
ّ ا 02
دال ما ول تعني شيئا ،فالسؤال الذي تقوم به" .ولكن ،وإن كانت هذه آلالت املن ِتجة ل تحيل الى ٍ
ّ ُي َ
طرح هو كيف يمكنها التفلت من الدال؟
املهمة الاولى تكمن في اكتشاف الفصاميّ :
ّ يتحدث دولوز عن َم َه ّم ْتين إيجابيتين يقوم بهما التحليل ّ
فهم ،ذلك ان املحلل تأمل أو ٍذات ،كما تشكيل وعمل آلتها الراغبة ،بالستقالل عن كل ٍ طبيعة كل ٍ
022 ّ
الفصامي هو "ميكانيكي ،والتحليل الفصامي هو الذي يشتغل فقط" .ول يقف هذا التحليل
َ ُ
الفصامي للذات عند آلالت التي في ألاحالم والاستيهامات ،أو عند آلالت الاجتماعية حيث تستخدم
ّ ّ
الذات ،بل ان هذه آلالت تبقى تمثيلية وتمثل وحدات كبيرة؛ ولكن ل بد أن تؤخذ كلها ،حتى ولو كانت
حلمية أو رمزية أو َّ ُ
متخيلة ،في الاعتبار بشكل كما لو انها مؤشرات على وجود واشتغال آلالت الراغبة.
عناصرا متفاوتة، ا املميزة لكل هذه آلالت الراغبة والفصامية تكمن في انها تضع في الاعتبار وان السمة ّ
ِ
َّ
غريبة عن بعضها البعض .انها آلت مجمعة ومع ذلك تشتغل ،وان اشتغالها يكمن في تهريب ش ٍيء ما أو
ا ا ّ
قديمة ،ل يربطها رابط بسياقاتها ،والتي ستدخل في ٍ بعناصر
ٍ الفصامي يصنع آلة عاملة شخص ما" .ان ٍ
عالقات بينها بقدر افتقارها الى العالقات :كما لو ان التمييز الحقيقي ،وتفاوت مختلف ألاجزاء يصبح
ّ ا سببا كي توضع ْ ا
الفصامي أن يصل الى الاجزاء املتناثرة وكي يتم تشغيلها سوية" .711وعلى التحليل
ّ ّ
واملوزعة لهذه آلالت ،وإل لن يصل الى العناصر الحاسمة لالوعي الانتاجي ،وهي عناصر متناثرة ،ولكن
ّ
بنقص ما[ ،بل] يشكل طريقتها في الحضور في التعددية التي تخلقها من دون ٍ "تناثرها ل عالقة له
تمر به ،فهو الفصامي (أو الذات الفصامية) يحيا وآلالت ّ ّ توحيد أو تشميل 710"totalisation؛ ان ٍ
حاضر في آلالت وآلالت بداخله ،أو يكون مجاو ارا لها .ليست أعضاؤه هي آلالت املوصوفة ،ولكن ٌ
ٌ ّ
أجزاء مترابطة مع أخرى خارجية (شجرة ،نجمة، أعضاؤه ل تعمل إل لكونها عناصر ما في هذه آلالت،
ّ ّ ّ ّ
املتصلة بمصادرها ،معلقة فوق دفو ٍق تدخل هي نفسها في آلت معقدة مع محرك) .ان الاعضاء ِ
يبينه بوضوح الهذيان مصنعا 717؛ "وهذا ما ّ ا فعليا ،اي مما يجعل الوعي يظهر كما هو ا الفصاميّ ،
ّ
ّ ا
بالشدة ،اي عمقا ،أشعور الفصامي :خلف هلوسات املعنى ،خلف هذيان الفكر ،هناك ش ٌيء ما أكثر ّ
ا ا عبورا [ ]...اشعر اني اصبح إمرأة ،اشعر انني اصبح ا صيرورة أو اا
إلها ،اصير عرافا ،voyantاصير مادة
لحظة إل على مستوى ألانا اشعر ّالذي ّ
يسجل في كل
ّ ّ
الفصامي ل يمكن معاينته خالصة ...ان الهذيان
ا
ٍ
الشدة لالجساد بال اعضاء ولآللت الاعضاء".713 عالقة ّ
198
Ibid., p 342
199
Ibid. P 388
200
Deux régimes de fous, P 18
201
Anti-Œdipe. P 393
202
Deux régimes de fous, PP 17 - 18
203
Deux régimes de fous, P 21
65
َ ّ ّ
جسد بال أعضاء ٍ موقع تتضمن بالضرورة وبالنسبة للتحليل الفصامي ،فإن تآليف الالوعي الراغب
ّ
والذي ل يظهر كنقيض لألعضاء أو العناصر الجزئية التي يحتويها الالوعي هذا ،بل ان هذا الجسد
ّ
ولكنه ٌّ يتولد ّ ّ ّ
كل إلى جانب الاعضاء والعناصرالجزئية ،وهو ككل ،un tout يتولد في التأليف ألاول ،وهو
متمي ٌزعنها.
ل يقوم بجمعها وتوحيدها ،بل ينضم اليها كقسم جديد ّ
ٍ ٍ
الفصامي ،في مهمته الايجابية الاولى ،يكشف لنا ان الجسد بال اعضاء كما املوضوعات ّ ان التحليل
الجزئية هي العناصر املادية لآللت الراغبة الفصامية ،وان املجموعتين تدخالن في عالقة استمرارية
جهاز إلعادة نقل أو ٍ لرغبة .وتكون هذه السلسلة الجزيئية بمثابة جهاز ٍ ٍ لكي تشكالن سلسلة جزيئية
فصامي هو أن "نعرف إن كان من املمكن ّ آلة راغبة .ويبقى السؤال الرئيس ي لكل تحليل انتاج في كل ٍ
ٍّ
التكلم عن شيفرة على مستو السلسلة الجزيئية للرغبة هذه [[ ]...بسبب أن] مقولتي الشيفرة ى
إل على مستوى املجموعات الكتلوية ،حيث تصنع السلسلة ّ ّ
الدالة وألاكسيوماتية ل تبدوان مالئمتين
منتزع" .714ويجيب دولوز َ هذا الترتيب املحدد أو ذاك فوق
دال
حامل محدد بذاته ،وبالعالقة مع ٍ ٍ
حامل غير َّ
محد ٍد ٌ (وغاتاري) انه وعلى مستوى السلسلة الجزيئية ،ومن حيث ان الجسد بال اعضاء هو
وغير ّ
محد ٍد يشير الى الحدود الجزيئية للمجموعات الكتلوية ،فإن وظيفة التشفيروألاقلمة تكاد تنعدم، ٌ ِ
تفك شيفرات الجسد بال اعضاء. بل ل يبقى أمام السلسلة سوى وظيفة التهجير الاقليمي للدفوق ،وأن ّ
سلسلة ُّ ُ
فك هروب ،وليس شيفرة .اصبحت السلسلة الدالة ٍ انها ،ولهذا السبب بالتحديد " ،سلسلة
ّ َّ ّ ا
غبة؛ ولكن هذه العالمات كفت عالمات ر ٍ
ِ تظل دالة ألنها مشكلة من وتهجير اقليمي [ ]...وهي
ٍ شيفرات
حرية على مجردة تلعب بكل صور آلوية ّ عن أن تكون عالمات دال [ ]...بل هي من طبيعة محددةَ ،
ٍ ٍ ٍ
ّ ّ ّ
الجسد بال اعضاء ول تشكل ّ
اي ترتيب بنيوي [ ]...وان السلسلة الجزيئية هي الشكل الذي ،على
اساسه ،يعيد الالوعي الجيني géniqueانتاج نفسه مع بقائه كذات".715
تفر من الفصامي يصبح قاد ارا على اكتشاف آلالت الراغبة مع سالسلها الجزيئية التي ّ ّ وحده التحليل
ثوري ا
ولكنه ّ ّ ّ ٌ ّ ا التشفير والقمع ،فهذا التحليل ّ
ايضا ألنه انتاجي، تأمال بقدر ما هو نشاط ثوري ألنه ليست
ّ مدمر ،فهو في إنتاجيته ّ ّ
يدمر املجموعات الكتلوية والبنى والتمثيالت التي تعطل سيرورة آلالت الراغبة ِ
ّ ّ
وتجمدها وتسكتها؛ وعلى عكس الصيغة الفرويدية التي تعتبر ان الالوعي هو الذي يضغط على الوعي،
ّ ّ
الفصامي ان الوعي هو الذي يضغط على الالوعي ويمنعه من الفرار ومن الانتاج ،ل يكشف لنا التحليل
بل يقوم هذا الوعي بإستخدام الالوعي بطريقة غير شرعية ومتعالية ،ما يمنع هذا الاخير من أن يعمل
يمثل ،وهذا هو ا ّ ّ ّ
تماما ما يفعله التحليل املكونة ،بل فقط يمثل ما أرادت آلة القمع أن ِ ِ بآلته
204
Anti-Œdipe. P 395
205
Ibid., P 396
66
ا الفصامي في ّ
تتبعه إلنتاج الالوعي وصول إلى آلالت ّ النفس ّي ،716وهذا هو بالتحديد ما يجابهه التحليل
الفصامية الراغبة.
ّ ّ ّأما َّ
الفصامي فهي التي تسمح في كشف النقاب عن وجوه التمييز في الاستثمارات املهمة الثانية للتحليل
الاجتماعية للرغبة ،بين الاستثمار الليبيدي الالواعي للمجموعات أو للرغبة من جهة ،وبين الاستثمار
قبل الواعي Préconscient للطبقة أو للمصلحة .ويمر هذا الاستثمار ألاخير من خالل الاهداف
ويتصل باملتعضيات organismeوألاعضاء الجماعية .وتحيل املصلحة ما قبل ّ واملطامح الاجتماعية،
إقتطاع للدفوق ،وانتز ٍاع للشيفرات ،والى رواسب متبقية أو الى
ٍ إجتماعية ما إلى
ٍ لطبقة
ٍ الواعية
ات مضادة contre-investismentsتصنع عائدات ذاتية؛ هذا فيما تفيد الطبقة ألاخرى استثمار ٍ
إنطالقا من غايات اجتماعية ووسائل ،وطرائف تآليف إجتماعية جديدة .712ا ا
وتبعا مصلحتها الخاصة
ّ ّ
لذلك يمكن التمييز بين ما هو رجعي réactionnaireأو إصالحي ،وبين ما هو ثوري .إل ان إلاشكالية التي
دوما – هي ملاذا يحتفظ من لهم مصلحة ثورية بإستثمارات قبل واعية يطرحها دولوز – ويعيد طرحها ا
من طبيعة رجعية؟
ّ ّ
فصامي يتخطى الترسيمة املاركسية التقليدية بين بنية فوقية أيديولوجية وأخرى ويمكن لتحليل
ّ ا تحتية مادية اقتصادية[ ،يمكن له] أن ّ
ليبيدي ليس اقتصاد
ٍ يقدم اجابة على السؤال أعاله من خالل
وقت يشترك الاقتصادان في تحليل طبيعة استثمارات أقل موضوعية من الاقتصاد السياس ّي ،في ٍ ّ
الرغبة ولو من منطلقات أو أبعاد مختلفة ،اذ "ل يقف الاقتصاد الليبيدي عند انظمة التآليف
تطور القوى والطاقات التي تعتمد عليها هذه التآليف؛ ول يتوقف عند الاجتماعية ،ولكن عند درجة ّ
الاقتطاعات والانتزاعات والرواسب التي تصنعها هذه التآليف ،بل عند طبيعة الدفوق والشيفرات
ّ
التي تشترطها .ل يتعقب [الاقتصاد الليبيدي] الغايات والوسائل الاجتماعية ،بل الجسد املليء
كسوسيوس ،وتشكيالت السيادة أو شكل ّ
القوة لذاتها والتي تفتقر الى املعنى والهدف طاملا ان هذين
ّ
يجريان فيها وليس العكس ]...[ .انه الاقتصاد الليبيدي الالواعي الذي يجعلنا نبحث عن مصلحتنا في
ا
هذه الجهة وليس تلك ،أن نخطط ألهدافنا وفقا لهذا الطريق ،مقتنعين انه هنا نكون محظوظين،
طاملا ان الحب يدفعنا" . 71
206
Ibid., P 409
يستعمل فرويد مصطلح ما قبل الوعي للداللة على نظام نفس ي ّ
يتميز عن نظام الالوعي املكبوت .تبقى محتويات ما قبل الوعي قابلة للعبور الى مستوى
الوعي .انه كل ما يفلت من الوعي الراهن ّ
ولكنه يظل ُم َ
لحق باألنا وباألنا ألاعلى .انظر املصدر السابق ذكره معجم مصطلحات التحليل النفس ي ،ص .9 0
207
Anti-Œdipe. PP 415-416
208
Ibid., P417
67
مهمة التحليل الفصامي هي الوصول الى استثمارات الرغبة الالواعية ونستخلص من ذلك كله ان ّ
يتم تمييزها عن الاستثمار املاقبل الواعي للمصلحة .ولكن هذا التمييز ل يعني إجتماعي ما ،طاملا ّ
ّ لحقل
ٍ
انعدام التقاطع والاختالط بين الاستثمارات الليبيدية وتلك الخاصة باملصلحة ،حيث ان هناك ا
دوما
ّ
ألشكال رجعية وأخرى ثورية؛ وتكمن أهمية التحليل
ٍ تركيبات معقدة من الربغة واملصلحة ،وامتزاج
الفصامي في اكتشاف املؤشرات آلالوية التي تسمح ،على مستوى الافراد والجماعات ،بإظهار وإبراز
الاستثمارات الليبيدية للحقل الاجتماعي.712
ويكشف التحليل الفصامي ان التآليف إلاجتماعية الظاهرة ليست سوى صورة ّ
مكبرة ما قبل واعية
ّ
لدرجة من التطور ،وان املصالح والغايات البادية هي فقط عروض ما قبل واعية لجسد اجتماعي
يشوش الاستثمار الليبيدي فقط في حقل اجتماعي ما استثمارات الرغبة ،وبالتالي يناقض مليء ،ول ّ
ّ َ
آلة قمعية ،ولكنويعاكس مصالح املستغلين حين يجعلهم يتجهون للبحث عن أهدافهم مستخدمين ٍ
"ما هو رجعي أو ثوري في الاستثمار املاقبل الواعي للمصلحة ل يتطابق بالضرورة مع ذلك املوجود في
ا
الاستثمار الليبيدي الالواعي .يحمل الاستثمار الثوري ما قبل الواعي اهدافا جديدة ،وتآليف اجتماعية
لقسم على الاقل من الليبيدي الالواعي ان يستمر في استثمار ٍ جديدة ،وسلطة جديدة .ولكن يمكن
شكل قديم من السلطة مع تشفيراتها ودفوقها".701 جسد قديمٍ ،ٍ
209
Ibid., P23
210
Ibid., P419
68
الباب الثاني :السياسة الدولوزية
69
ّ ُ
سياق عالمي سمته التمردات الطالبية والعمالية والعرقية والقومية، ٍ بالرغم من انبثاقها من رحم
ّ
والانتفاضات والاحتجاجات واسعة املدى (من الوليات املتحدة حتى اليابان مرو ارا باملكسيك وبولندا
وتشيكوسلوفاكيا) ،والحروب التحررية (الجزائر ،فييتنام..ألخ) الا أن أحداث أيار\مايو 026
الباريسية الشهيرة طبعت بطابعها الخاص التاريخ الفرنس ي املعاصر على املستويين الاجتماعي
والفكري؛ كما سيمتد تأثيرها الى كل أنحاء العالم .وقد تزامت حوادث أيار\مايو 6مع وضعين عامليين
رئيسيين :املشروع املكارثي ،حيث كانت الرأسمالية تحاول تجديد نفسها في مواجهة ما ُع ِرف بالخطر
ّ
الشيوعي ،هذا من جهة ،ومن جهة ثانية ،تراجع الطبقة العاملة عن موقعها الطليعي -الذي رسمه لها
ّ ّ
واملهمشين املاركسيون -في مواجهة آلة الاستغالل الرأسمالي ،حيث حلت مكانها قوى جديدة من الطلبة
والاقليات العرقية والنساء واملهاجرين والشباب.
ّ
الطالبي على النظام الاجتماعي والاخالقي ّ
برمته، الا أن هذه ألاحداث لم تقف عند حدود الاحتجاج
وعلى النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم ،وعند حدود النضال من أجل الاستقاللية الفردية والتسيير
ّ
الذاتي الجماعي بوجه السلطات والبيروقراطيات ،بل ّانها سرعان ما ولدت دينامية فكرية وفلسفية
ّ
والتصورات الفلسفية التقليدية التي كانت مهيمنة وقتها .700وهكذا تمخض قلب للمفاهيم
أبانت عن ٍ
ّ ّ ُ ّ
وتحولت فلسفية والتأمالت - 707مواقف عن هذا الحدث املتسارع – والذي كث َرت حوله التفسيرات
ّ
الكوني جديدة ،أبرز سماتها سؤال نهاية الفلسفة ،وانحالل مقولة الحقيقة ورفض كل عودة الى
،universelكما انغمس فالسفة الستينات الجدد بالبحث عن املفارقة 703بدل الوضوح ،وعن
المشروع المكارثي أو المكارثية نسبةً الى السيناتور األميركي الجمهوري جوزيف مكارثي ( )8091-8091رئيس إحدى اللجان الفرعية بمجلس
الشيوخ األمريكي ،والّذي تبنّى خطةً أمنية للنيل من المعارضين الشيوعيين واليساريين في الواليات المتحدة األميركية .امتدت المكارثية بين عامي
8091و 8091تمت فيها مالحقة آالف المت ّهمين من بينهم موظفّين حكوميين وكتّاب وفنانين وصحافيين يساريين ومعارضين للمكارثية والحرب
الباردة أكانوا اميركيين أو أجانب.
88لقد وجدت هذه الثورة او االنتفاضة مرجعيتها الفكرية عند بعض الكتّاب والمف ّكرين ،كان ابرزهم سارتر في كتابه "العقل الجدلي" ،وهربرت
ماركيوز في "االنسان ذو البعد الواحد ،والمحلل النفسي الماركسي فيلهام رايش في "الثورة الجنسية" ،وريجيس دوبريه في "الثوة في
الثورة"...وغيرهم .
8
فري وآالن رينو في كتابهما "فكر "81مراجعة للتأمالت العديدة حول حدث ايار ،81وهي التأ ّمالت التي حاولت ان تعود بهذه يقدّم لوك ّ
ّ
االحداث الى أزمة التعليم الجامعي ،وفورة الشباب أو أزمة الثقافة والسياسة الفرنسيتين ،أو الصراع الطبقي بحل ٍة جديدة (ريجيس دوبريه) ،أو الى
ي ضد التكنوقراط أكثر منه اقتصادي ضد البرجوازية...الخصراع إجتماعي ٍ ثقافي وسياس ّ
راجع:
Ferry, Luc, Renaut, Alain, La pensée 68, éditions Gallimard, Paris, 1988, pp79-87
8من بين شعارات و بيانات أيار 81نستذكر" :الخيال يأخذ السلطة"" ،أعلن حالة السعادة الدائمة"" ،الحب يأخذ السلطة" " ،انسوا كل ما تعلمتموه
وابدؤوا بالحلم"" ،لتسقط الواقعية االشتراكية ولتحيا السريالية"...الخ
70
الهامشية ،وحاولوا تثوير الفلسفة الاملانية (هيغل-ماركس-نيتشه )..ضمن مشروع نقدي جذري
للذاتوية (فوكو وموت الانسان).704
ا ا
مشتغال في عالم الافاهيم ،ا وقبل ثورة 6الباريسيةَ ،
مهتما بتاريخ الفلسفة ،منشغال في نقد بقي دولوز
ا ا ا
جديدا في مبتكرا نمطا جذري ملسلمات صورة الفكر الكالسيكية ،وللحس السليم والحس املشترك،
ا ا
جديدا من الكتابة الفلسفية ،تعكس تحرر الفكر من كل صورة (الفكر البدوي أو التفكير يالئمه نمطا
ّ ّ
الترحالي) ،الى ان جاء زلزال أيار\مايو 6الذي شكل ما يشبه الازمة لدولوز وغاتاري ،ما أوجب على
ا
الاثنين مراجعة مسارهما ،اذ لم يعد الفيلسوف منغلقا على نفسه في عالم الافاهيم املحضة ،ولم يقف
ا
فيلسوفا بقدر ما أصبح دولوز ن ا املحلل النفس ي عند ّ
اقدا حد العلوم النفسية ومقولتها ،أصبح غاتاري
ا
قاسيا للتحليل النفس ي.
لقد أطلقت أحداث أيار\مايو 6كل تلك القوى التي بقيت مطمورة ومسحوقة تحت وطأة آلالة
إلاجتماعية ،ولم تعد التفسيرات والتنظيرات الفلسفية والسياسية الكالسيكية قادرة على التقاط ما
حدثا "ج ا ا
زيئيا ،يتعذر على السياسات الكبرى [أو حصل عشية هذه ألاحداث .لقد كان أيار\مايو 6
ثم ُ
صغيرا في البدء ،ومن ّ ا ا
كب َر ا جزيئيا قد ّ
فر، املكروسياسة ] Macro politiqueأن تدركه [ ]...ان دفقا
ا
من دون أن يكون قابال لإلدراك".705
َ
الج ّدة في الفلسفة السياسية الدولوزية ،من حيث تأسيسها ِ ستظهر ر،املبتك وضمن هذا املنظور
ّ
لنظرية مبتكرة في الثورة والدولة واملجتمع .وهي مبتكرة ألنها ل تنطلق من مسلمات الهوية والتمثيل
مفارق ،بل انها اونطولوجيا محايثة ّ ّ
ملثال يوتوبي ِ
موقع أيديولوجي ما ،ول تؤسس ٍ ٍ والذاتوية ،أو من
ُ ا
دوما ،ل تعنى بالبحث في الحكومة واملؤسسات وما يتصل بذلك من رؤية تنظر الى الدولة من حيث
ُ ّ ّ
وظيفتها املثالية ،فما يهم دولوز هو ان يوسع في احتمالت وامكانيات الاهتمامات السياسية ،وان ي ِ
ظهر
ّ
السياسة كسيرورة مستمرة تعكس تعقد الحياة وديناميات املكان ،وتنتج افاهيم جديدة تقود الى
اشكال جديدة من صيرورات والتزامات سياسية.
216
Anti-Œdipe, P 36.
72
ّ
الفصل ألاول :في الدولة والفاشية والتحكم
73
ا
أول :الدولة
في الفصل الثالث من آنتي-أوديب ،ومن الفصل الثاني عشر الى الثالث عشر في ألف سطح ،يطالعنا
ٌ
تحليل لآللة الاجتماعية "املستبدة" وللدولة التي تنتمي اليها .ويبدو ان نظرية دولوز في "شكل الدولة"
شكل يجمع بين آلة ّ
الاجتماعي والانتاج الراغب ،وهو ٌ تهدف الى توضيح وتبيان أنماط الفاعلية في الانتاج
ّ
الجماعي؛ آخر من التذويت ّ وموقع رغبوي
ونسق ٍ ٍ مؤسستي معقد ونسق
ٍ عابر للشخصنة
ٍ ٍ للسلطة
ِ
ّ
ويجري التحليل الذي ّ
يقدمه آنتي-أوديب فوق ارضية الجدال مع املدرسة الرايشية التي جمعت بين
خضم نظريةوايضا في ّ
ا املاركسية والفرويدية ،ورية فرويد في كتابه علم نفس الجماهير وتحليل ألانا،
سبينوزا السياسية في كتابه الرسالة الالهوتية-السياسية .الا ان هذه الاحالة الى فرويد ورايش Reich
ل تعني بأية حال اقامة تحليل نفس ّي للظاهرة الدولتية وتلك السياسية بل تعني ّ
فك الشيفرة التاريخية ٍ
حوار مع الانظمة الاثنولوجية 702 ّ
واملادية ألجهزة الدولة ،وترسيم تحولتها وتفكيكها ؛ وذلك في
ٍ
وآلاركيولوجية ،مع مسآلة الشروط الاجتماعية-الاقتصادية.
الدولة-الشكل
قدمها بيار كالستر-0234( مستلهما نتائج الابحاث الانتروبولوجية التي ّ
ا يعارض دولوز (وغاتاري)،
تدرج تار ّ ّ
يخي خطي يرى الدولة وليدة ّ ،)0222النظريات السياسية التقليدية التي تلجأ الى تفسير تار ّ
يخي
له قوانينه ،والتي تفترض ان الدول تنشأ حين يصل املجتمع الى درجة من التعقيد والنمو تستوجب
ّ ّ
ظهور شكل دولني محدد ،وتتبنى الرؤية التي تنظر الى املجتمعات البدائية بإعتبارها متخلفة وبسيطة
ّ ا ولم ّ
دولة ل تشترطها
شكل ٍ
ِ يتحدثان عن تؤمن الشروط الالزمة لتأسيس دولة؛ وبدل عن ذلك،
واحد ، Urstaatتكونٍ وبشكل واحدة،
ٍ ُ
تظهر ملرة دولة
التبدلت الاجتماعية والاقتصاية ،بل عن ٍ
ٍ
بمثابة الدولة الاصل ،originelو هي الدولة املستبدة ،ذلك الانموذج "الازلي" ملا تتجه اليه كل دولة
ّ وترغب به ،وهي الدولة التي ّ
تعبر عن نمط الانتاج الاسيوي وتشكل حركته املتموضعة والتي ل تختلف
نسبةً الى فيلهلم رايش )8091 – 8101( Wilhelm Reichالمحلل النفسي النمساوي ،وأحد أكثر وجوه التحليل النفسي راديكاليةً وإثارة ً
للنقاش .حاول رايش الجمع بين الفرويدية والماركسية ،ووضع نظريته في االقتصاد الجنسي ،كما نادى بالثورة الجنسية بإعتبارها الثورة السياسية
الفعلية التي بإمكانها انهاء الكبت الجنسي.
217
Sibertin-Blanc, Guillaume, “La théorie de l'Etat de Deleuze et Guattari: Matérialisme historico-machinique et
schizoanalyse de la forme-Etat”, Revista de Antropologia Social dos Alunos do PPGAS-UFSCar, v.3, n.1, jan.-
jun., 2011 p.33
بيار كالستر )8011-80 9( Pierre Clastresأنثروبولوجي وإثنولوجي فرنسي .قضى فترات طويلة مع هنود أميركا الجنوبية (في
معتبرا أن المجتمعات
ً الباراغوي) ما أتاح له وضع نظريته االنتروبولوجية السياسية -التي نشر أبرز خطوطها في كتابه "مجتمع ضد الدولة"-
البدائية التي تخلو من الدولة هي مجتمعات ضد الدولة بمعنى انها ،بفعل شبكة من الق َيم المعقّدة ،تكبح تش ّكل الدولة كسلطة استبدادية.
74
ا ّ
عنه ،فهي "الشكل الاساس ،الذي يحدد افق التاريخ [ ]...الدولة املستبدة الاصلية التي ليست قطيعة
مثل الدول ألاخرى" .70
ّ ّ
في الوقت عينه الذي سيعترفان فيه – مع كالستر -بوجود مجتمعات بدائية تفتقر الى الدولة ،الا انهما
دومااعتقادا منهما ان هناك ا ا سيرفضان فكرته التي تعتبر ان هذه املجتمعات خلت ا
تماما من دولة،
ميول داخل هذه املجتمعات الى تشكيل دولة وميول أخرى الى منع ذلك ،كما باستحالة وجود
ّ مجتمعات بدائية لم تكن على اتصال مع "دول أمبريالية ،عند التخوم ،أو في املناطق ّ
سيئة التحكم.
خارج ،ول يمكن والامر الاهم هو الفرضية العكسية :ان الدولة بحد ذاتها كانت ا
عالقة مع ٍ
ٍ دوما على
الكل أو ل ش يء [ ]...بلالتفكير فيها بالستقالل عن هذه العالقة " ،فقانون الدولة "ليس هو قانون ّ
قانون الداخل والخارج .ان الدولة هي السيادة .ولكن هذه الاخيرة ل تسود إل إن أمكن لها أن
ّ
املحلي".702 َ
تستولي على املستوى تستدخل ،أن
وبدل الانطالق من معارضة ثابتة بين مجتمعات الدولة ومجتمعات البال دولة ،يحملنا التصنيف
كبعد فاعل في كافة الحقل ٍ الفئوي التاريخي – آلالوي الى الاخذ في الاعتبار سيرورة الاقتدار الدولنية
املتبدلة بحسب عالقات الهيمنة إفتراضيا ،وفاعل في الحالتين ،اي انه منتج لآلثار ّ ا الاجتماعي ،ر ا
اهنيا أم ّ
ِ ٍ
أو الاخضاع مع سيرورات اقتدارأخرى لمتجانسة وتتواجد في آلان عينه فوق الحقل الاجتماعي ذاته .ان
ا ّ ّ
هذا التمفصل املعقد لكافة سيرورات الاقتدار يشكل املوضوع العيني ملادية آلوية تاريخية تقود تحليال
ّ
والتصورات يخي ،والتي تعمل داخله كما تفعل التمثيالت املوجهة التي تلتقطها في حقل تار ّ لكافة القوى ّ
ٍ
كما املمارسات وامللفوظات الجماعية ،واملؤسسات كما الاقتصاديات ،العقالنيات السياسية وانماط
ضد دولة ،ولكن مجتمعا يفتقر الى دولة ،أو مجتمع ّ
ا مجتمعا بال دولة ل يعنيا التذويت .بهذا املعني فإن
ٍ
مترهنة، مجتمع تقطعه سيرورات دولنة étatisationسيميائية ،هي سيروات الاستيالء ،التي ّإما تكون ّ
قائمة ،أو منشودة كإفتراضية.771
تكون الدولة بتوافر ظروف اجتماعية اقتصادية محددة يجد تبريره في ان رفض املنطلق ّالذي يشترط ّ
عرف بوجود مجموعة من الزعماء والقادة ،مثل حال وجهة النظر الدولوزية التي تعتبر ان الدولة ل ُت ّ
هم الدولة، يصبح الاحتفاظ ّ عرف باإلحتفاظ بأعضاء السلطة ،حيث ّ زعماء املجتمعات البدائية ،بل ُت َّ
عيم أن يصبح رجل ويصبح من املفروغ منه القول بلزوم "وجود مؤسسات خاصة كي يصبح بإمكان ز ٍ
ّ
دولة ،ولكن يجب بالقدرعينه توفرآلية جماعية نافذة تمنعه من ان يصبح كذلك".770
218
Anti-Œdipe, P 261.
219
Deleuze, Gilles, Guattari, Félix, Capitalisme et Schizophrénie2 - Milles Plateaux, les éditions de Minuits,
Paris, 1980, P 445
220
Sibertin-Blanc, Guillaume, La théorie de l'Etat de Deleuze et Guattari: Matérialisme historico-machinique et
schizoanalyse de la forme-Etat, p.66
221
Milles Plateaux, P 442.
75
تكلمت عن خمس مراحل ّ ّ
مر بها املجتمع البشري (الشيوعية البدائية ،املدينة وإن كانت املاركسية قد
سماه "نمط الانتاج وأخيرا الاشتراكية) واضاف ماركس اليها ما ّ ا القديمة ،الاقطاعية ،الرأسمالية،
مكونات هذه السلسلة ،فإن الدولة التي يتحدث عنها دولوز ليست ضمن يتميز عن ّ آلاسيوي" كنمط ّ
ُ ا
تشكيالت هذه السلسة فحسب ،بل انها ليست مرحلة انتقالية بينها ،لكنها تكون كالشاهد على ب ٍ
عد
ّ ا التطور املادي للمجتمعات ،فكرة ّ ّ ُ
بشكل
ٍ موجهة أو مبدأ للتفكير ينظم ِ آخر" ،مثالية عقلية تضاف الى ٍ
777 ّ
كلي الاقسام والدفوق" .
أساسا أوحد لشكل الدولة (دولة استبدادية) بالرغم من كل ا ان دولوز وغاتاري يريان ان هناك
الاختالفات بين الدول املعروفة ،أكانت ديكتاتورية أم ديمقراطية أو غير ذلك .هذا الشكل ألاوحد،
ا ّ
بعد آخر يبزغ من جديد ويعود في الاشكال الاصلي ،يشكل أصال من حيث هو تجريد ينتمي الى ٍ
ّ ّ وجودا ا ا
متحولة الشكل ،ولكن لن يوجد عينيا؛ نستطيع التكلم عن "دولة والتشكيالت التي تمنحه
التغيرات تندرج تحت الفئة نفسها [ ]...ليس الاقطاع فقط يفترض سوى دولة واحدة [ ]...حيث كل ّ
ّ ّ ا
دولة استبدادية ّ
السوقي ،ولكن هذان مجردة يقطعها بحسب نظام ملكيته الخاصة واندفاع انتاجه
ّ
لدولة اقطاعية خالصة ،حيث يعود املستبد كملكية مطلقة ٍ الاخيران يحثان باملقابل الوجود العيني
ا
" ،773والامر عينه ينطبق على الدولة املعاصرة رأسمالية كانت أم اشتراكية التي تتقاسم السمات عينها
مع الدولة الاستبدادية الاصلية التي تفقد وجودها املحايث والعيني في الاشكال الالحقة (اقطاعية
وشروط مختلفة.
ٍ صور أخرى
ورأسمالية واشتراكية) التي بدورها تعيد انتاجها تحت ٍ
مما سبق ،يمكن القول أن الدولة ليس ّ ا
إنطالقا ّ
مقد ارا لها أن تختفي كما تحاجج الاطروحات املاركسية
ّ ا
مجتمع حتى تلك البدائية التي
ٍ لكل يخي ر التا الافق هي الدولة ان ذلك ، مثال أو الانارشية( الالسلطوية)
ا
كامنة ا ّ
دوما ،ودائمة إلامكان ،وغير قابلة تميل في سيرورتها الى منع تشكلها .بهذا املعنى تبدو الدولة
تحدث دولوز عنها (املتوحشة، للتدمير .هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى ،إن كافة أشكال الدول التي ّ
متنوعة للحكمالبربرية املستبدة ،املتمدنة ،والليبرالية الديموقراطية )..تبدو اقرب الى كونها أشكال ّ
(سلطة السيادة الاقطاعية ،الانضباطية ،الحيوية و مجتمع التحكم) ل تهدف الى الغاء الدولة.774
222
Anti-Œdipe, P 262.
223
Anti-Œdipe, P 264.
االنارشية (أو االناركية أو الالسلطوية) Ananrchismeفلسفة سياسية تدعو الى تحقيق مجتمع مساواتي وتحرري عن طريق الغاء كل
المؤسسات ذات الطابع الهرمي أو السلطوي .غالبًا ما يتم ترجمة االنارشية الى العربية بالمصطلح "الفوضوية" وهذا ما يرفضه االنارشيون الّذين
تكون الدولة ومؤسسات القسر السياسية والدينية واالقتصادية.
ينادون بثورة إجتماعية وفيدراليات وكانتونات منظ ّمة تزيل شروط ّ
224
Mingue, Philipe, Faire l’idiot- la politique de Deleuze, éditions germina, février 2013, PP 40 - 41
76
سيادة الدولة وأجهزة الاستيالء
ا
استلهاما من تحليالت يتحدث دولوز (وغاتاري) عن أجهزة الدولة كأجهزة إستيالء؛ تملك ،برأيهما،
ّ ّ ّ
واملشرع ،الذي يحصد والذي جورج دومزيل ( ،G.Dumézil )02 6-0 2قطبين هما :املستبد
ّ
ينظم ،وقد يتعارض هذان القطبان كما يتعارض العنيف مع الهادىء ،أو السريع مع النافذ ،أو
كزوج ،بالتناوب ،كما لو انهما يعمالن " فهما ، ولكن تعارضهما ّ
نسبي كاملرعب مع ّالذي يضبط اعصابهّ ،
ٍ ا ا
معا وحدة سيادية [ ]...انهما العناصر الاساسية في آلة الدولة يعبران عن انقسام الواحد أو يشكالن ا ّ
ا ّ ّ
والتي تعمل بمنطق الواحد املزدوج ،توزع التمييزات الثنائية وتشكل وسطا لإلستدخال .هي تمفصل
يجعل من آلة الدولة انضودة .775"strateوفي السطح الثالث عشرمن ألف سطح ،يعودان الى دومزيل
ويعتبران ان لسيادة الدولة السياسية رأسان هما الامبراطور املرعب الساحر من جهة ،والذي يعمل
العقد والشبكات؛ ومن جهة أخرى ،امللك الكاهن ورجل القانون الذي عبر الاستيالء ،والربط ،وعبر ُ
ّ
ثانية للدولة ل تتجانس مع السيادة ول يمكن وظيفة ٍ ٍ ّيدعي عبر العقود والاتفاقات .وينبغي التكلم عن
إختزالها اليها ،وهي الوظيفة الحربية .776
ّ ّ ويمكن تعريف الاستيالء بإعتباره العملية التي تقوم بها الدولة حين ّ
تكبل وتسنن (تشفر) آلة الحرب
موضوع يمكن أن يعمل لصالح الدولة من اجل تدعيم وتوسيع سيادتها .وتحيل هذه ٍ عبر تحويلها الى
خطاب يالئم الحركة التي عبرها تبدو الدولة دائمة الحضور ،كما انها تعني العنف الخاص ٍ املقولة الى
بالمبراطور .وجهاز الاستيالء سيرورة خاصة بكافة املجتمعات التي تحكمها الدولة .وإن اطلقنا هذه
التسمية "على ذلك الجوهر الداخلي أو تلك الوحدة للدولة ،علينا ان نقول ان مصطلحات "الاستيالء
وكأنها حاضرة مسبقة وتفترض نفسها جيدا هذه الحالة ،ذلك ان [هذه الاخيرة] تظهر ّ السحري" تصف ا
بنفسها".772
ا ّ
سياسيا هو الاستيالء على الثقافة ويمكن والحال هذه التكلم عن الاستيالء على مستويات متعددة:
ا
وجوديا هو الاستيالء على البدوية وأقليمها حيث تستوطن وهو الاقليم املقتلع عبر ثقافة الدولة؛
منيا هو استيالء على الحدث عبرالتاريخ .77 الدفوق عبرالنسق والنظام؛ وز ا
*
ي فرنسي قدّم العديد من االبحاث المهمة الخاصة بنصوص الديانات القديمة مؤرخ ،وأكاديم ّ
يّ ، جورج دومزيل ( )8018-8101ألسني ،فيلولوج ّ
تصو ٍر واحد
ّ والميثات في المجتمعات الهندو-اوروبية ،وبيّن فيها أن هذه النصوص الدينية تمتلك بنية دينية متماثلةّ ،
وان الميثات الواردة تعبّر عن
لمجتمعٍ ينتظم وفق ثالث وظائف -8 :وظيفة القداسة والسيادة - ،الوظيفة الحربية ،و -وظيفة االنتاج وإعادة االنتاج.
225
Milles Plateaux, P 435
226
Ibid., P 528
227
Ibid, P 532
228
Lampert, Jay, Deleuze and Guattari's Philosophy of History, Continuum publishing group, 1st edition, 2006, P
155.
77
بدئيا مسألة عالمات؛ حين تقوم صورة الامبراطور ذي العين ويمكن ألجهزة الاستيالء هذه أن تكون ا
ّ ّ ّ
القانوني الذي يشفر هذه العالمات في الواحدة بتثبيت وتقييد العالمات ،بالتكامل مع الكاهن
لتحكم بالعالمات بالترافق مع فهم كتأسيس الاتفاقات ،والعقود والقوانين .كما يمكن لإلستيالء أن ُي َ
ٍ
ّ ّ
البعد الانموذجي آلاخر للدولة والذي هو التحكم بالدوات .772ولكن هذا ل يعني "أن الواحد منهما
يمتلك حصرية العالمات ،وآلاخرية حصرية الادوات .ان الامبراطور املرعب هو بالفعل ّ
سيد الاعمال
ّ ّ
ويحول كل نظام العالمات .وان التركيب عالمات-أدوات يشكل من العظيمة؛ وامللك الحكيم يجلب
كافة النواحي العالمة الفارقة للسيادة السياسية ،ولتكاملية الدولة".731
ومن خالل نظرية الاستيالء ،لم تعد أجهزة الدولة محددة عبر وظائفها الايديولوجية كما عند ألتوسير،
أو عبر نمط الانتاج كما عند ماركس ،بل عبر نمطها الاشتغالي ،حيث تصبح "املالمح ألاساسية لجهاز
الدين ،العمل الفائض والضرائبي، الدولة :ألاقلمة ،العمل أو ألاعمال العامة ،واملالية"ُ 730مثبتة عبر ْ
ّ ّ
من حيث ان هذه ألاخيرة تعمل كأجهزة لالستيالء تشكل ميادين املوضوع الذي تالئمه (ألارض ،النشاط
والعمل ،والتبادل) .ينتج عن هذه الرؤية ألجهزة الدولة أن يصبح لكل إرتصاف دولني إمكانية سيرورة
ّ
تحليل لهذا التراكم ألاولي الخاص
ٍ تراكم بدائي مثيلة لتلك التي تكلم عنها ماركس ،وفتح الباب أمام
ّ ّ
الحربي ،اي بمعنى آخر تحليل دور الاستيالء الذي تقوم به الدولة على ألاقاليم والاعمال بالعنف
737
والتبادلت في تأسيس ونمو القدرة العسكرية للدول .
229
Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary, P 39.
230
Milles Plateaux, P 529
231
Ibid., P 522
232
Sibertin-Blanc Guillaume, « État et généalogie de la guerre : l’hypothèse de la « machine de guerre » de
Gilles Deleuze et Félix Guattari », Astérion [Online], 3 | 2005, Online since 09 Septembre 2005, connection on
09 January 2015. URL : http://asterion.revues.org/425
233
Anti-Œdipe, P 265.
78
ّ ّ
الصورة رأسين يحيالن بالتحديد الى قطبي السيادة ،وهذان الرأسان ،اللذان ل ينفكان يتصادمان،
هما إمبراطورية imperiumالتفكيرالصحيح ،penser-vraiو جمهورية العقول ّ
الحرة .
ا ّ ّ
ألساس (،)muthos
ٍ تعمل امبراطورية التفكير الصحيح عبر الاستيالء السحر ّي الذي يشكل فعالية
إل صحيح واحد كأساس يتم تعميمه ،بينما تعمل جمهورية العقول ّ ّ
الحرة عبر العقد ٍ وحيث لن يوجد ّ ا ٍ
ألساس ( )logosسيتم فيه مشاركة الفكر بين ا
وشرعيا ،يجيز ا
قانونيا ا
تنظيما أو التحالف ،مشكلة
ٍ
مرد ذلك فقط الحرة املتعاقدة أو املتحالفة .وإن تصادمت الامبراطورية مع الجمهورية ،فليس ّ الذوات ّ
وكأنها بمثابة تحضير لألخرى، وجود حالت وسطى ومراحل انتقالية بين الاثنتين ،أو ألن الواحدة تظهر ّ
ّ أو ألنها تحفظان وتخدمان بعضهما البعض ،ولكن ا
ايضا ألنهما ضروريتان لبعضهما البعض .وتتشكل
ّ
صورة الفكر على اساس هذه الامبراطورية وتلك الجمهورية" ،ويبو ان الامر ليس مجرد استعارة ،كلما
ّ ّ
شكل من تكلمنا عن امبراطورية الصحيح وعن جمهورية لعقول .انه شرط تكون الفكر كمبدأ أو ٍ
الاستدخال ،كأنضودة".734
وليست الانضودات stratesسوى تشكيالت تاريخية ،وتجاريب empiricitésووضعيات ،positivités
مكونة من الكلمات ومن الاشياء ،من النظر ومن الكالم ،من املرئي ومن امللفوظ، مترسبة ّ او طبقات ّ
مضامين وتعابير .ولكل تشكيلة ٌ كأمواج من املنظورية perspectivismeوحقول ومن املقروئية ،فهي
ا
تاريخية توزيعها الخاص للمرئي وللملفوظ ،ومن تشكيلة الى أخرى نلحظ اختالفا في التوزيع ،هذا من
حيث رؤية العالم ونظام امللفوظات فيه.735
ان ما سيكسبه الفكرمن الدولة هو الجاذبية gravitéومركز ثقلها ،centre de gravitéوسيستحصل
ا ّ ّ على سلطة ،وعلى ّ
كونية وكلية ،فالدولة تمنحه شكال من الاستبطانية أو السريرة intériorité قوة تبرير ٍ
ّ ا ّ
نوع من املساومة؛ ذلك ان الفكر وحدة في الوقت الذي سيمنحها شكال من الكلية ،universalitéفي ٍ
ّ
الحق ،وإن كان من املثير افعا ّاياها الى كونية يظل قاد ارا على اختالق اسطورة دولة الحق الكونية ،ر ا ّ
ّ
لالنتباه ان تعتمد الدولة على الفكر ،فإنها ستتمدد داخل هذا الفكر ذاته الذي سيمنحها الحق بأن
يتم تعريف الدولة بكونها تنظ ا
يما والكوني .وعلى الصعيد الحقوقي ،سوف ّ ّ عي ان شكلها هو الوحيد ّتد َ
لجماعة لها ،غايته تأمين حاجات الافراد العاقلين .وسيسمح هذا التبادل بين العقل والدولة، ا
عقالنيا
ٍ
فلسفة سياسية ،هيغيلية 736بالتحديد ،سترى ان العقل املتحقق هو دولة الحق ،وان دولة ٍ ببزوغ
ٍ
234
Milles Plateaux, P 465
235
Deleuze, Gilles, Foucault, éditions de minuit, 2eme édition, 2004, PP 55- 56
8هي هيغيلية يمينة بحسب دولوز ،وهي فلسفة سياسية ما زالت حيّة في الفلسفات السياسية المعاصرة ،كما عند كوجيف وحتى عند ماركس وفيبر،
حتى اصبحت "أفيون" الح ّكام!
-أنظر المصدر السابق ،الهامش رقم . 8
79
الحق هي صيرورة العقل واملنطق؛ ما سيجيز القول ان الخضوع للدولة معناه الخضوع للعقل في
يخي.732تحققه التار ّ
ّ
املشرع والذات. نقدا الى الفلسفة السياسية املدعوة حديثة ،حيث " كل ش يء يدور حول يوجه دولوز ا ّ
املشرع والذات في الشروط الشكلية بالنسبة الى الفكر ،من ّ [و] يجب على الدولة ان تحقق التمييز بين
ا ّ ّ جهته ،كي يصبح بإمكانه التفكير بهويتهما .أخضعوا ا
أسيادا، دوما ،ألنهم كلما خضعتم ،كلما اصبحتم
َ ّ
ألنكم ل تخضعون إل للعقل املحض ،اي ألنفسكم .ومنذ ان ُرِبطت الفلسفة بدور التأسيس ،لم تكف
امللكات الى أعضاء الدولة " .73ولقد أصبح عن مباركة السلطات القائمة ،وعن اعارة عقيدتها في ِ
ا ّ
الحس املشترك ،وكل امللكات التي تشكل مركز الكوجيتو إجماع الدولة محمول الى املطلق .ولم تعمل
غريبا أنالكانطية سوى على نقد هذه امللكات من أجل تأسيس أقوى لهذا الخضوع واملباركة ،ولم يعد ا
ٍ ِ
ّ ا
استاذا ا
عاما أو مجرد موظف في الدولة .وامتدت صورة الفكر هذه الى الشعر والادب يصبح الفيلسوف
ّ ّ ّ ا
القانوني ،وحتى الى التحليل العلماني) والى الفكر والى العلوم الانسانية (دوركايم* مثال وانموذجه للفكر
ّ ّ
الفلسفي من الوحدةّ الكوني" كصورة للفكر" .732وقد نما الخطاب ّ النفس ّي الذي تبنى "الكوجيتو
الامبريالية ،عبر آلهة متجسدة ،avatarsوهي آلالهة نفسها التي قادتنا من التشكيالت الامبريالية الى
الفلسفي في عالقة اساسية مع املستبد أو ّ املدينة اليونانية .وحتى خالل املدينة اليونانية ،بقي الخطاب
ا ظله ،مع الامبريالية ،مع ادارة الاشياء والاشخاص [ ]...ولقد كان الخطاب الفلسفي ا ّ
دوما متصال مع
ّ برابط اساس ّي مع القانون ،املؤسسة ،والعقد وكل ما يؤسس معضلة الحاكم ّ
السيد ،والذي يخترق ِ ٍ
التاريخ املتباطىء منذ التشكيالت الاستبدادية حتى الديموقراطيات .الدال هو بالفعل إلاله املستبد
املتجسد ألاخيرللمستبد".741
َ
الدولة بإعتبارها التنظيم العقالني ألاعلى باملقارنة مع باقي التنظيمات املغايرة لشكلها، ِ و ُينظر الى
ووجهة النظر هذه تتخذ من فكر الثنائيات dualismesمثل الخير/الشر ،الحق/الباطل،
املقولب في شكل-الدولة حين ُي َ ومبدأ لها ،وهذا ما نجده في الفكر َ ا ا ّ
سجن ِ الصح/الخطأ ..الخ منطلقا
متقم ا
ّ ا
صا" ضمن ثنائيات مثل أبيض/اسود ،انثى/ذكر ،شرق/غرب..رافضا التعددية والاختالفِ " ،
ّ صورة الدولة التي تلغي ّ
اي خطاب مختلف او مضاد .إن التمثيل représentationالذي يقوم على
ّ
اعتبار ان املفاهيم conceptionهي تمثيالت ملوضوعات موجودة في الواقع ،والذي يفترض انه يبدأ
237
Milles Plateaux, P 465
238
Ibid., P 466.
*
رواد علم النفس االجتماعي .اهتم دوركايم بالكيفية التيإميل دوركايم )8181-8181( Émile Durkheimعالم اجتماع فرنسي شهير ،ومن ّ
تحافظ فيها المجتمعات على االندماج واالنصحار في خض ّم الحداثة وتحواالتها في وقت تراجعت هيمنة القيَم التقليدية باالخص الدينية منها .كان من
مؤسسي نظ رية الوظائفية البنيوية في علم االجتماع ،ومن المجددين في الفلسفة الوضعية.
239
Ibid., P 466.
240
L’ile Déserte, P 361
80
َ
بالفكر بال أي مصادرات ،هذا التمثيل ُينظر إليه في تاريخ الفلسفة بإعتباره النموذج الصحيح للتفكير،
آثار ٌ َ ُ
ويستبعد على هذا الاساس كل نموذج آخرقائم على الاختالف والتعددية ،وفي هذا الاستبعاد أثرمن ِ
تمثيل يقوم على الاختالف ،رغم ان ٍ تعامل الدولة مع املختلف عنها هي التي تسعى الى تهميش كل
ّ ّ
تحديد ألية هوية وهو الذي يؤسس الهوية ل الذي يتأسس عليها. ٍ الاختالف بحسب دولوز يسبق كل
يقول دولوز في حواراته " ل وجود لدولة ل تكون في حاجة الى صورة للفكر ستسعملها كأكسيوماتية أو
يقدم ايمجردة ،وتعطيها مقابل ذلك قوة السير :من هنا يأتي نقص مفهوم الايديولوجيا ّالذي ل ّ كآلة ّ
ش يء عن هذه العالقة .لقد كان هذا الدور املزعج للفلسفة الكالسيكية ،كما رأينا ذلك ،اي تزويد
توافقهن .هل يمكن القول أن علوم الانسان قد ّ أجهزة السلطة والكنيسة أو الدولة باملعرفة التي
مجردة ألجهزة السلطة الحديثة ،بواسطة وسائلها الخاصة ،مع أخذت الدور ذاته ،أي تزويد آلة ّ
إحتمال الحصول على املرغوب به من هذه ألاجهزة؟".740
ّ
ولكن ،وفي حين ان آلة الدولة تبدو مضادة آللة الرغبة ،إل انها هي بحد ذاتها رغبة " ،انها الرغبة التي
ّ ّ
تمر من عقل املستبد الى قلب الذوات ،ومن القانون العقلي الى كل النسق الفيزيائي الذي يتخلص أو
ذات ترغب وموضوع لرغبة .الرغبة ،ها ايضا غبةٌ ، يتحرر منها .غبة الدولة ،آلالة العجيبة للقمع هي ا
ر ر
دوما على اعادة غرس الـ Urstaatالاصلية في الحالة الجديدة لالشياء ،على هي العملية التي ّ
تنص ا
َ ا
محايثة للنسق الجديد ،في داخله".747 جعلها أكثر
ُوينظر الى الدولة هذه بإعتبارها قوة مضادة إلنتاجات الرغبة :فهي تقف بمواجهة القوة الانتاجية
ّ
والابداعية لالنتاج الراغب ،كما لالنتاج الاجتماعي بما هو سيرورة تشكل الارتصافات الاجتماعية
والشبكات الاجتماعية املقاومة آللة الدولة .وفي حين يقوم الانتاج الراغب بتوليد وتكثير الاختالفات،
وتكسير الحدود عبر سيرورة الرغبة في دفوقها وقطوعها ،تعمل آلة الدولة على تقييد وكبح دفوق
وتوسع الاختالفات املمكنة والابداعية لالنتاج الراغب من أجل الحفاظ على اشكال اجتماعية الطاقة ّ
ثابتة.
بتوسطات مثل ّ ّ
ول تعمل الدولة الحديثة كقوة مضادة لالنتاج الراغب إل ّ
توسط التحليل النفس ّي ،ألن
ا
لهذا الاخير سلطته حتى وإن كانت محدودة ومضبوطة فوق ارتصافات الرغبة ،وتتيح هذه السلطة
ُ
خضعللتحليل النفس ّي أن يضاعف تشفير الارتصافات كي يخضع الرغبة لسلسلة من الدللت ،وكي ي ِ
ّ ٌ
حاجة ،كما يقولٍ صحيح أن كل تشكل للسلطة في نظام قائم .و"امللفوظات بما يجعلها تنسجم مع ٍ
ٌ
وصحيح] ان نجاح فوكو ،الى معرفة ل تتوقف عليه ،ولكنها تكون هي ذاتها بدونه عديمة الفعالية [ ...
ّ
التوجه نحو الفيزياء أو البيولوجيا حاجة أكثرالى ٌ
مشكوك فيه :فأجهزة السلطة في التحليل النفس ّي ٌ
أمر
ٍ
98
88 حوارات ،ص
242
Anti-Œdipe, P 266
81
أو الاعالميات ،ولكنه سيكون قد قام بما كان في استطاعته أن يقوم به :لم يعد يخدم النظام القائم
ّ ا ا ا
خاصا و ر ا ا بشكل شبه ر ّ
مجردة ولغة رسمية يحاول توحيدها مزيا ،وآلة نظاما سمي ،انه يقترح
الالمتغير .يهتم التحليل النفس ّي أكثر فأكثر بالفكر الخالص، ّ باللسانيات بشكل عام ،حتى يأخذ وضع
وهذا ما يجعله حيا".743
قوة العمل كقوة فائقة تجمع ا
معا ّ وفي ما يخص الدولة الرأسمالية ،يرى دولوز (وغاتاري) الدولة ّ
ا تشكل هذه ّ ّ
القوة ،فاسحة املجال لخلق القيمة الفائضة .وكنتيجة لذلك ،نشهد والشروط ألاولية التي
تمون رأس املال مع نموذج تحققه، عالقة تأسيسية متناقضة بين الدولة والعمال ،بالخص ان الدولة ّ
وبالتالي يمكن الحديث عن تناقض اضافي بين رأس املال وقوة العمل .يتحقق رأس املال ّ
ويؤبد نفسه ٍ
ّ ّ عبر تنظيم ّ
ذاتي من أجل ان يدير دفة هذا التناقض البروليتاري .وتتالزم أجهزة الدول الاستيالئية مع ٍ
هذا التنظيم في انتاج القيمة الفائضة وتسهيل تراكم رأس املال .وكنتيجة ،تبقى الدولة ورأس املال
ّ
تحت ضغط محاولة تحييد وضبط هذا التناقض الذي وللمفارقة سمح لها بالوجود .ويخلق هذا
ّ
املادي للقوى املن ِتجة التي تنتج تكون املظهر الارتصاف ّالذي تسنده الدول ورأس املال ذاتوية جماعية ّ
ّ
القيمة الفائضة وتجعل من الانتاج والتراكم ممكنين .وبموازاة تشكل الذاتوية الجماعية نجد العنف
ّ
الذي تمتلكه الدولة والتي عبره تكون قادرة على الاخضاع.744
ا
وإنطالقا من تحليالت فوكو حول اجهزة السلطة والدولة ،يشير دولوز الى ان جهاز الدولة هو بدوره
ّ ا ُ ٌ
ملجتمع ما ،إل أن هذه آلالة ليست الدولة بذاتها بل هي ٍ التشفير ضاعف ت آلة ينجز ملموس تصافار
ّ ّ
ملجتمع ما ،وتنظم ألالسنة واملعارفٍ "آلالة املجردة التي تنظم امللفوظات املهيمنة ،والنظام القائم
املهيمنة ،وألافعال والاشاعير السائدة [ ]...و ل تتوقف هذه آلالة على الدولة لكن فاعليتها تتوقف على
ّ ّ
إجتماعي".745 حقل
الدولة مثلما تتوقف على الارتصاف الذي ينجزها داخل ٍ
آلة الحرب
ّ
يعتقد كالستر ان الحروب الداخلية في الجماعات البدائية قد كبحت تشكل دولة ،وكانت الشعائر
والس َنن كفيلة بإحتواء آلاثار ّ
املدمرة لهذه الحروب من دون أن يؤدي ذلك الى والطقوس كما الاعراف ُ
تشكيل دولة ،ل بل انها كانت ّ
تؤدي دو ارا في الحفاظ على التجانس الداخلي للجماعة وعلى تذرر ٍ
الجماعات املتحاربة ،وعلى تجديد املسافة بين املجموعات الاجتماعية عبر تشفيرات كانت تضعها
آوالية جماعية نافذة؛ مما جعل الحرب في الوقت عينه ا
سببا ونتيجة وبدت وكأنها قصدية إجتماعية
9
حوارات،ص ص 889-88
244
The Deleuze Dictionary, P 265.
99
حوارات ،ص .889
82
فرض على دولة ل يمكنها – اي هذه الدولة -ان ُت َ للمجموعات البدائية منعت في كل ألاحوال نشوء ٍ
ا
جماعات كثيرة مستقلة ،ومنفصلة عن بعضها البعض .وانطالقا من عدم إمكانية إختزال إلاوالية
تشكيل سلطة تحتكر ٍ سلطة من النوع الدولني ،ومن منطلق التعارض بين ٍ mécanismeالحربية الى
العنف الجسدي الشرعي وإلاواليات البدائية في تقدير دور الحرب ،كما من منطلق التشفير والتحويل
الشعائري للحروب ،سيأخذ دولوز (وغاتاري) الخالصة من جهة نظرية للدولة ،حيث لن تكون الصلة
بين الدولة والحرب تحليلية ،بل ان الحرب كنمط فعل للدولة ستكون نتيجة تستوجب التفسير.746
ّ ّ
وان كان كالستر يعتقد ان الحرب هي تلك آلالية التي تقف بوجه تشكل الدولة ولكنها ل تشكلها في
التطورية التي بدتّ سيوسعان هذه الصيغة بتخليصها من نزعتها ّ الوقت عينه ،فإن دولوز وغاتاري
ا عند كالستر في كالمه عن ّ
تطور الحرب ضد الدولة من خارجها ،وسيطرحان بدل من ذلك فهمهما
الخاص آللة الحرب التي ستواجه الدولة من الداخل ا
ايضا.742
ّ
فعلى ضوء مفهوم "آلة الحرب" الذي ظهر في املسطح الثاني عشر من كتاب ألف سطح ،يقترح دولوز
(وغاتاري) عالقات بين الحرب والدولة ضمن ما يشبه قطبية آلة الدولة -خارجيتها .وبرؤية مختصرة،
تحيل آلة الحرب الى التشكيالت الاجتماعية املتعددة من حيث بنيتها واهدافها (قد تكون عصابات،
جماعات سرية ،روابط دينية ،تنظيمات تجارية ،نقابات..الخ) وتكويناتها التي ترتصف من خاللها
(أكانت تقنية ،علمية ،فنية ،لغوية ،ايكولوجية ،اقتصادية ،دينية أو غيرذلك )...عالقة تخارج بالنسبة
ُ
الى التنظيم الدولني للمجتمع .ان مجموعة ما تنشأ آلة حرب ،ليس حين تأخذ الحرب كهدف لها،
ولكن حين تصبح في حالة من الالتجانس مع آلة الدولة ومع طرائقها في ادارة الحقل الاجتماعي
ّ
والتحكم به .74
ّ ّ
ويقدم دولوز (وغاتاري) مفتاحين بمثابة مسلمتين من اجل الاحاطة أكثر بما تعنيه آلة الحربّ :أولهما،
الرحل ".ليست الحرب بالتأكيد ان آلة الحرب تخرج عن أجهزة الدولة ،وثانيهما ّانها من خلق البدو أو ّ
ْ
مغايرين ا ا ا
تماما لجهاز الدولة .يكمن أصل آلة استعارة .نفترض ان آلة الحرب تملك طبيعة وأصال
مجال ا
حسابيا داخل ا
تنظيما ّ
املستقرين الامبراطوريين؛ انها تفيد الرحل ،لتتوجه ضد الحرب في الرعاة ّ
ٍ
ا ا ّ ّ
مفتوح حيث يتوزع الناس والبهائم ،في مقابل التنظيم الهندس ّي للدولة التي توزع مجال مغلقا" ،وحتى ٍ
ا
عندما تستند آلة الحرب الى هندسة ،فان الامر يتعلق بهندسة مختلفة جدا عن تلك التي تستند اليها
246
Guillaume Sibertin-Blanc, « État et généalogie de la guerre : l’hypothèse de la « machine de guerre » de
Gilles Deleuze et Félix Guattari », Astérion [Online], 3 | 2005, Online since 09 September 2005, connection on
09 January 2015. URL : http://asterion.revues.org/425
247
Milles Plateaux, PP 444- 445
248
Guillaume SIBERTIN-BLANC, État et généalogie de la guerre : l’hypothèse de la « machine de guerre » de
Gilles Deleuze et Félix Guattari , Astérion [Online], 3 | 2005, Online since 09 September 2005, connection on 09
January 2015. URL : http://asterion.revues.org/425
83
الدولة .انها نوع من الهندسة الارشميدية ،هندسة "الاشكالت" وليست هندسة "النظريات" كما هو
حال هندسة اقليدس".742
ان الاطروحة التي تفترض وجود إوالية حربية ل يمكن إختزالها الى السيادة ،ووجود إواليات يمكن لها
أن تكون مستقلة بذاها في آلة الحرب هذه ،ستقود دولوز (وغاتاري) الى أشكلة موضوع الحرب فوق
ّ ّ
مسطحين .من جهة ،سيطرحان مسألة انتماء الحرب من أجل البحث في كيفية تشكل آلة الحرب
ا
بهدف وحيد هو إلحاقها بالدولة ،ومن جهة ثانية سيجعالن من الحرب عامال خار اجا عن التشكيل
ا إل ان آلة الحرب بحد ذاتها ل ّ ّ
دائما ّإما تكون بوجه الدولة ،أو تنتمي اليها.751
شيئا فهي ا تفسر الدولني.
ا
حامال لها تدخلها في تنظيماتها املؤسساتية أو ل تكون وفي الحالتين ،فإنها تحيل الى الدولة التي هي ّإما
ا
حامال لها ،وفي جميع الاحوال ،ان فكرة آلة حرب مستقلة تفرض الحاق دور العامل الخارجي للحرب
بعوامل داخلية تستند الى القبض على آلة الحرب والى تأسيس قدرة حربية للدولة .ولكن ل يمكن ٍ
ّ ّ ّ
وحدة داخلية للدولة ،وهذه الوحدة ٍ داخلي أو جوهر
ٍ داخلي إل بالرجوع الى عامل ما على انه
ٍ تحديد
الداخلية هي "الاستيالء" أو "الاستيالء السحري".750
ان الحرب الفعلية هنا هي استكمال للسياسة من حيث هي إحدى اشكال تحقيق العالقات السياسية،
ّ
بالضبط ألن فاعليتها ل تتطابق مع افهومها وماهيتها .واقتر اابا من كانط أكثر من هيغل ،تجد السياسة
ّ ّ
مكانها الخاص في هذا املمر الضيق الذي ل يمكن اختزالها بين املفهوم وبين التاريخ ،والذي هو عند
ٌ
كالوزفيتس فارق بين الشكل املطلق للحرب واساليبها املتغيرة التي تحدد الدولة تحقيقاتها التجريبية.
وبالنسبة لدولوز (وغاتاري) يقدم هذا الاجهوز الكالوزفيتس ي نقطة بداية صالحة بشرط تنقيحها
ّ ا
التصور ألاداتي للحرب وفقا لفرضية العالئقية بين قدرة آلة الحرب وسلطة الدولة .757وعلى الضد من
كم ظهر عند كالوزفيتس والذي يستند الى حتمية دولنية للسياسة كما للحرب والعنف ،ل يظهر
مما تستعين باملحاربين ،وهي ّ
والسجانين أكثر ّ عنف الدولة عبر الحرب ،فهي تستعين برجال الشرطة
ا
لذلك ل تملك اسلحة وليست بحاجة اليها ،بل هي ّإما تعمل عبر الاستيالء السحر ّي ،حيث تكبح
90
حوارات ،ص 810
250
Milles Plateaux, PP 531- 532
251
Ibid. P 532
252
Igor Krtolica et Guillaume Sibertin-Blanc, “Deleuze, une critique de la violence”, dans Deleuze et la
violence, coll. Champs&contrechamps, Juin 2012, pp 23
84
ا مسبقا اا ّ ّ
املسلحّ ، وتقبض على ّ
تشريعيا دمجا وإما تستخدم السالح ما يفترض كل شكل من القتال
وقانونيا للحرب ولكل التنظيمات ذات الوظيفة العسكرية.753 ا
ثابتا تار ا ا
يخيا يفترض ان كل الدول لم تكن تملك عبر تاريخها ويساجل دولوز (وغاتاري) ان هناك
ُ جهازها العسكر ّي ،وان القدرة على ّ
شن الحرب كانت تتحقق في أجاهيز (جمع اجهوز) dispositifs
مادية ومؤسساتية غير دولنية (كما عند القبائل البدوية) .وبالتالي يجري الكالم ثانية عن عالقة تخارج
بين الدولة وآلة الحرب كسيرورة إقتدار ( )phylumتنوجد عبر التاريخ وفي بيئات اجتماعية متعددة،
حربا بالضرورة ،أو تعمل على إلاخضاع أو تدميرالعدو. من دون أن ّ
تشن ا
ا ا
لدولة ما في الجسد
ٍ لتمركزا للسلطة القمعية اذ ،تفترض "جينيالوجيا الحرب" عند دولوز (وغاتاري)
ّ ّ
املؤسساتي (الشرطة ،والجيش) ،حيث ان هذا الجسد ل يظهر إل في سياق عالقات الصراع املتبادلة
تحليل
ٍ بين الدولة والقوى التي تعاديها أو تفلت من سيادتها .كما تفترض هذه الجينيالوجيا برنامج
متغيرة ،تعيد تشكيل لدينامية الصراعات ،التي وتحت اشكال تنظيمية وفي مراحل انتقالية تاريخية ّ
تتوجه ضد الدولة ،ضد أجهزتها وضد شكلها. آلت حرب ّ
ٍ ِ
ألاولي ،الى صعوبة تعيين عنف الدولة "بإعتبار ّ ا
ويخلص دولوز ،موسعا اطروحة ماركس حول التراكم ّ
ا ٌ
حاصل مسبقا .فال يكفي القول ان العنف يحيل الى نمط الانتاج. انه دائم الحضور الدائم كما لو انه
يمر بالضرورة من خالل الدولة ،يسبق وقد لحظ ماركس ذلك بالنسبة الى الرأسمالية :هنلك عنف ّ
َ ّ ا ّ ّ
العامل ألاولي" ،ويجعل هذا النمط ممكنا [ ]...وما شكل نمط الانتاج الرأسمالي ،ويشكل "التراكم
أيضا] في أنماط انتاج أخرى .انه عنف ُي َ والرأسمالية يفلت من بين يدينا ،ألنه يعمل [ اَ
طرح بشكل مسبق
وسع؛ ذلك انه ينعدم وجود رمم كل يوم [ ]...ان تحليالت ماركس هذه يجب أن ُت َّ ومكتمل ،رغم انه ُي َّ
عامة ،يوجد تراكم وكقاعدة ٍٍ الزراعي من دون أن يجر َي به؛ ّ اطوري يسبق نمط الانتاج ّ تراكم ّ
أولي إمبر
جدا الذي يخلق أو يساهم في خلق ما أولي ّكلما تركب جهاز إستيالء ،مع كل ذلك العنف الخاص ا ّ
ا
سيجري عليه ،وبالتالي ما يفترضه [يفترض الجهاز] مسبقا".754
وتسمح تحليالت برودل Braudelلدولوز (وغاتاري) بربط التراكم ألاولي للقدرة العسكرية بالتراكم
البدائي لرأس املال ،حيث ُسيدرجان حركة الاستيالء الدولنية على آلة الحرب في سيرورة تاريخية تصل
253
Milles Plateaux, P 435
254
Milles Plateaux, PP 528-529.
مؤرخين في القرن العشرين ّالذين أشاروا
المؤرخين الفرنسيين وواحدٌ من كبار ال ّ
ّ فرنان برودل :)8019-809 ( Fernand Braudelأشهر
التحوالت االجتماعية واالقتصادية ،كما األديان والثقافات والجغرافيا والديموغرافيا والحروب واالطر السياسية ،في
ّ ي التي تلعبه
الى الدور الرئيس ّ
صناعة وكتابة التاريخ .كان أحد مؤسسي المدرسة الفرنسية الجديدة في كتابة التاريخ وأبرز وجوهها ،وهي التي ع ُِرفت بـ"" l'école des annales
أو مدرسة الحوليات.
أبرز أعماله المترجمة الى العربية:
ي في عصر فيليب الثاني"La Méditerranée et le monde méditerranéen à l'époque de Philippe II, "المتوسط والعالم المتوسط ّ
و "قواعد لغة الحضارة" .Grammaire des civilisations
85
ا
كل يبدو مستقال عن السمات املحدودة بين نمو وتطور الرأسمالية الصناعية بنمو اقتصاد الحرب ،بش ٍ
للغايات السياسية التي تطرحها الدول ومؤسساتها العسكرية .ويمكن لنا ضمن هذا املنظور اعتبار ان
ا ا ا ا ّ
الحربي وسياسة تصدير املنتوجات العسكرية تستحث مباشرة ثورة صناعية ،ولحقا زراعية الجهد
وتجارية ومالية .كما ان هذا الجهد وسياسات التصدير تضع موضع التنفيذ ادارة سكانية تهدف الى
ايضا على مستوى الحيز العسكري (في الثكنات واملرافىء )..بل ا خلق يد عاملة ،ليس فقط على مستوى ّ
يتفرع منها ،كما يدفع الى تقليص وترشيد كل الهجرات أدوات الانتاج في الصناعات الحربية وما ّ
الداخلية غيراملرغوب بها الناتجة عن تفقيرالارياف والنمو الدموغرافي.755
ْ ّ
ول بد أن نذكر في ما يتعلق بهذا املوضوع ،أن مقولة العنف (وبالتالي الحرب كأحد تمظهراته) ،وإن
إل متناثرة بين كتاباته السياسيةّ ، ّ ا ا
فانها هامشيا في فلسفة جيل دولوز ،حيث ل تظهر موقعا يبدو نالت
موس اعا في ألف سطح في سياق الكالم عن "أنظمة العنف" .وغني عن القول ان هذه حيزا ّ أخذت ّ
املقولة تجد أصولها في التراث السبينوزي-النيتشوي لدولوز ،وهي لذلك تستحضرإثباتينّ :أولهما انه ل
ّ
متعال بإمكانه الحكم على عالقات القوى التي تشكل الواقع ،وثانيهما أنه بالمكان ٍ يوجد مبدأ أخالقي
جيد (لعنفي) وما هو س ّيء (عنيف) يجب ادانته ،ومن التمييز بين هذه العالقات الفيزيائية بين ما هو ّ
هنا يمكن تحديد ظواهر العنف .ولذلك ل يمكن القول عن فلسفة دولوز في معالجته للعنف انها
تدخل في دائرة ألاخالقية للشر والخير ،ول يمكن تناول مقولة العنف والحال هذه من حيث "سلبيته"
ّ
والسلبية ،وتعالج ظواهر ّ
الشر املحضة ،ذلك ّانها اي هذه الفلسفة تذهب الى القلب النقدي ملشكلة
إختالفي بحسب ما تظهر عليه في الواقع .ويستند هذا التقييم على على الفكرة التي ّ العنف ضمن تقييم
إل إنعكاس لدرجة من إنتاجية الواقع وبالتالي ل يمكن إختزالها الى ّ ّ
مجرد تقول ان ظواهر العنف ما هي
للشر وللسلبية .756وبالنسبة لدولوز ،فإن املفهوم النيتشوي عن الصراع combatيسمح ّ تمظهرات
ّ
الحربي الوحيد القادر على الحربي وملثال الالعنف؛ من جهة نجد العراك والعنف ّ ّ
تناسبي للعنف بنقد
ٍ
انتاج تقاطعات بين القوى املتواجدة على ارض املعركة ،في حين يتم بطريقة غير مباشرة تدمير قوى
نفيا لإلرادة (كما عند بوذا أخرى؛ ومن جهة ثانية نجد الصراع والالصراع ،حيث يكون هذا ألاخير ا
يشكالن ا ّ إل ان الشكلين ّ ّ
نفيا للحياة.752 يشوهان جوهرالصراع ،والاثنين واملسيح) ،أو إرادة للعدم.
255
Guillaume Sibertin-Blanc, État et généalogie de la guerre : l’hypothèse de la « machine de guerre » de Gilles
Deleuze et Félix Guattari , Astérion [Online], 3 | 2005, Online since 09 September 2005, connection on 09
January 2015. URL : http://asterion.revues.org/425
256
Igor Krtolica et Guillaume Sibertin-Blanc, “Deleuze, une critique de la violence”, dans Deleuze et la
violence, coll. Champs&contrechamps, Juin 2012, pp 11- 13
257
Ibid. pp 23
86
ّ
ولكن السؤال الذي ُيطرح هو حول هذا التخارج بحد ذاته بين الدولة وآلة الحرب .في الواقع ،يرى
فضاء أملس"،
ٍ دولوز (وغاتاري) ان الحرب ليس الهدف الخاص أو املباشر آللة الحرب ،بل تشكيل "
ّ
جماعي للحياة .وان املحتوى املاهوي لهذا الالتجانس الشكلي بين آلة الحرب والدولة تصاف
ٍ كنمط إر
ّ
تشكيلي القوة ليس املجابهة العسكرية ،ولكن الالتجانس في انماط استثمارات الفضاء والزمن بين
هذين .ولهذا السبب ،فإن الاختالف املفاهيمي بين أجهزة الدولة وآلة الحرب يجد تعبيره الفوري في
إلاقليمي التشكيالت التي ّ
يسميها ّ أنماط ألاقلمة التي تهيمن في التشكيالت الدولنية وأنماط الاقتالع
دولوز (وغاتاري) بدوية.
ّ ا
ثانيأ :مجتمع التحكم
ّ ّ
للتغيرات التي طرأت على تندرج معالجة دولوز ملقولة مجتمع التحكم في سياق معالجته الفلسفية
املكان والفضاء والزمن وعالقاتها في املجتمع الاوروبي املعاصر .ويرى البعض أن دولوز ،في قراءته
ّ ّ ّ لفوكوّ ،
يصح النظر إليه بإعتباره ّ
مكمال لهذا ألاخير الذي يمكن وصفه بأنه منظرمجتمعات الانضباط،
ّ
باألخص في كتابه راقب وعاقب؛ وهكذا ل تنفصل الرؤية الدولوزية ملجتمعات التحكم عن الرؤية
الفوكوية ملجتمعات الانضباط وقبلها مجتمعات السيادة .وفي تكملة لعمل فوكوّ ،
يميز دولوز بين ثالثة
ّ
اصناف متعاقبة من املجتمعات :مجتمعات السيادة ،املجتمعات الانضباطية ومجتمع التحكم .ولكل
بطريقة
ٍ مجتمع منها تقنياته السلطوية الخاصة وأجاهيزه التي تتيح الاشتغال عبر تنظيم الفضاءٍ
محددة.
ّ َ ّ
وتتميز املجتمعات الانضباطية بذلك التطويق املشدود واملحكم الغلق للفضاء ،والذي يسمح بتوزيع
أفهوما لزمانية ّ
حيزية .ان امليزة الاولى لالنضباط تكمن في انها ل تجري على ا عقالني لألفراد ويفترض
وتحركاته ":نجد في خضم العصر الكالسيكي ّ أفعال بقدر ما ّ
تتوجه الى تطويق الفرد وتوجيه قدراته
إكتشافا للجسد كموضوع وهدف للسلطة .ونجد ،بكل سهولة ،اشارات الى هذا الانتباه العظيم ّ ا
املوجه ٍ
ا ُ ّ ّ ٍ ّ
صوب الجسد ،صوب ذاك الذي نتالعب به ،نشكله ،نلبسه ،والذي يخضع ،يستجيب ،ويصبح مؤهال
قوته [ ]...ان اللحظة التاريخية لالنضباط هي تلك حين ظهر فن الجسد الانساني أو حيث تتضاعف ّ
ّ ّ
الذي ل يهدف فقط الى تنمية مؤهالته ،ول الى تثقيل تبعيته ،ولكن الى تشكيل عالقة ،في إلالوالية
ّ ا ا ا
اهات هي نفسها نفسها ،تجعله أكثر خضوعا بقدر ما هو أكثر نفعا ،وبالعكس .تتشكل اذا سياسة إكر ٍ
يتصل تصرفاته" .75وما ّ
الاشتغال على الجسد ،التالعب املحسوب على عناصره ،على حركاته وعلى ّ
258
Foucault, Michel, surveiller et punir, Gallimard, 1975, pp 138 - 139
87
يسميه فوكو فن توزيع répartitionالافراد بهذه امليزة الاولى التي تخص السيطرة على الفضاء هو ما ّ
لتقنيات خاصة ،هي على التوالي: ٍ فضاء مغلق ،وهذا ما يستوجب استخدام السلطة ٍ والاجساد في
ا ا مكان مغلق على الامكنة الاخرى ويكون ُ
متنافرا لمتجانسا أو إلاقفال ،clôtureحين يجري تحديد ٍ
معها (كالثكنات واملصانع الكبرى)؛ وإن كان الاقفال ل يكفي في استمرارية أجهزة الانضباط ،تجري
بآلية أخرى هي التطويق ،quadrillageاو املوضعة العناصرية localisation ٍ الاستعانة
تجنب اي نوع من ّ ّ ّ كل موضع ٌ فرد مكانه ،وفي ّ ،élémentaireحيث ّ
تجمع الافراد فرد ،بحيث يتم ٍ لكل ٍ
ّ
وتقسيم التجمهرات والجماعات الخطرة على السلطة أو غير املجدية لها ،اي بكلمة أخرى يتعلق الامر
ا ا ّ
تحليليا [ ]...ويكون فضاء فضاء إجراء من أجل املعرفة ،والادارة والاستخدام .ينظم الانضباط ٍ بـ"
دائما وفي عمقه ،خلوي ّ .752"ascétismeأما التقنية الثالثة فهي الاستحكامات الوظيفية الانضباط ،ا
،emplacements fonctionnelsحيث يجري استثمار أماكن ل تستجيب فقط الى املراقبة والعقاب
متنوعة ،كما في ّ وفصل الروابط والتواصالت الخطرة ،بل تخلق فضاءات نافعة لستخدامات
املستشفيات حيث تتمفصل الفضاءات الادارية والسياسية في الفضاء العالجي ليجري فردنة الاجساد
ّ
والامراض والاعراض كما الحياة واملوت ،وحيث تتشكل لوحة من الفرادات املتجاورة واملتمايزةّ .761أما
ّ
التقنية الرابعة فهي التي تقوم على تعريف وتحديد العناصر املوزعة ،والتي تكون في حالة من
ّ ّ
الاستبدال في ما بينها ،بالفضاء أو املكان الذي تشغله والذي يفصلها عن غيرها ،كما بالفاصل أو
ّ
الانزياح écartالذي يفصلها عن العناصر الاخرى ،ووحدة القياس هنا ليست الارض أو املكان بل
املرتبة rangاي مكانها في نظام التصنيف ،classementذلك ان الانضباط هو "فن املرتبة وتقنية من
ّ
أجل تحويل الترتيبات .انه يفردن الاجساد عبر املوضعة التي ل تعيد غرسها ،ولكن توزعها وتقوم
بتسييرها في شبكة من العالقات [ ]...وبتنظيمه الخاليا ،الاماكن واملراتب ،يصنع الانضباط الفضاءات
املعقدة ،الهندسية والوظيفية والتراتبية في آلان عينه .وهي فضاءات ّ ّ
تؤمن الثبات وتسمع بالتداول؛
القيم ،ول تكفل فقط تقطع الق َطع الفردية وتؤسس الصالت التشغيلية ،وتوسم الاماكن ّ
وتعين َ ّ
فهي
ِ
760 ا
اقتصادا أفضل للوقت والحركات" . خضوع الافراد بل
ا ُ ّ يقول دولوز ":ل ّ
غالبا ما ن ِظر شك اننا دخلنا في مجتمعات التحكم ،التي ليست بالتحديد انضباطية.
ّ
الى فوكو بإعتباره مفكر مجتمعات الانضباط وتقنيتها الرئيسية اي الانغالق (ليس فقط في املستشفى
والسجن ،بل في املدرسة ،املصنع والثكنة) .بالفعل ،كان من أوائل من قالوا ان املجتمعات الانضباطية
ّ
هي تلك التي في طريقنا الى تركها ،التي ليست بعد كائنة .اننا ندخل في مجتمعات التحكم التي تعمل،
259
Foucault, Michel, surveiller et punir, Gallimard, 1975, P 145.
260
Foucault, Michel, surveiller et punir, Gallimard, 1975, P 146.
261
Foucault, Michel, surveiller et punir, Gallimard, 1975, PP 147 - 149
88
ّ
ليس عبر الانغالق ،بل عبرالتحكم املستمر والتراسل الفوري .بالطبع لم نكف عن التحدث عن السجن
ّ
واملدرسة واملستشفى[ ،الا] ان هذه املؤسسات في ازمة ،وهي وإن كانت كذلك فبالتحديد بسبب
صراعات متأخرة".767
ان هذه الازمة معممة وتطال كافة الاماكن املغلقة "الداخلية" التي كانت تجري فيها تقنيات الانضباط،
ايضا موجزية هذا النموذج :فهو جيد ،ولكن فوكو قد عرف ا املثالي بشكل ّ
ّ حلل فوكو مشروعها والتي ّ
ٍ
لحق ملجتمعات السيادة حيث كانت الغاية كما الوظائف مختلفة (الانتزاع بدل تنظيم الانتاج ،تقرير ٌ
تم الانتقال بشكل تدر ّ
يجي [ ]...وعرف الانضباط بدوره الازمة، املوت وليس بالحرى ادارة الحياة)؛ لقد ّ
ٍ
لصالح قوى جديدة" .763وبالرغم من محاولت الاصالح التي ّتمت في بديات القرن العشرين (اصالح
ّ
التعليم والصناعة والسجون..الخ) ،إل ان الجميع – على حد تعبير دولوز – يعلم ان هذه املؤسسات
ا ا
"قد انتهت ،آجال أم عاجال [ .وتكمن املسألة] فقط في معالجة آلالم التي تسببت بها [ ]...الى ان يتم
ّ
تثبيت قوى جديدة [ ]...انها مجتمعات التحكم التي في طريقها للحلول محل املجتمعات الانضباطية"
.764
ٌ ّ
وحش ل ويصف دولوز التحكم بـ"الوحش الجديد" ،وبـ"املستقبل القريب" على حد قول فوكو ،وهو
ّ
بسرعة فائقة على كل الهواء الطلق ،ولن يجري استخدام كل انواع التالعب الجيني ٍ يكف عن السيطرة
ّ ّ ّ
والصناعات النووية والانتاجات الصيدلنية إل لخدمة سيرورة التحكم حيث ل مجال للتكلم عن
ّ
الخوف أو عن ألامل ،ألن التحرير والعبودية تجري في دماء هذه السيرورة ،بل سيتعلق ألامر فقط
بالبحث "عن أسلحة جديدة".
ّ
ان منطق مجتمعات التحكم يقتض ي مقارنة بينها وبين الانضباط ،وهذا ما يقوم به دولوز ،إذ يالحظ
متغيرات مستقلةّ ،
ولكل منها لغتها الخاصة ولكنها لغة تماثلية يمر بها الناس هي ّ ان الاماكن املغلقة التي ّ
التحكمات ليست سوى ّ ّ
متغيرات غير منفصلة عن بعضها البعض، ،analogiqueفي حين ان مختلف
متغيرة ،وحيث اللغة رقمية ":ان املغلقات enfermementsهي قوالب سيستاما من هندسة ّ ا وتكونّ
ٍ
ّ
قالب ذاتيٍ ،moulesقولبة moulageمتمايزة ،ولكن التحكمات هي تعديالت ،modulationمثل
يتغير بإستمرار ،من لحظة الى أخرى ،أو مثل منخل ّ ّ
التشكل ّ
تتغير اسالكه من نقطة الى أخرى".765 ٍ
ا مثال ا ا
جسدا يحمل قواه الداخلية عند مالئما في هذه الحالة ،اذ في حين كان املصنع وتبدو مسألة الاجور
نقطة تواز ٍن يصل بها الانتاج الى حده الاقص ى بينما كانت الاجور عند حدها الادنى ،فإن ما حصل حين
262
Deleuze, Gilles, Pourparlers, P 236.
263
Ibid., P 240
264
Ibid. 242.
265
Ibid.
89
ّ ّ
تم الانتقال الى مجتمع التحكم هو ان املؤسسة قد استبدلت املصنع وأصبحت بمثابة الروح أو "الغاز"
منافسة
ٍ على حد تعبير دولوز ،من حيث انها اجرت تغييرات على مستوى الاجور ولم تكف عن ادخال
ّ ّ بين ّ
املتغيرة التي توزعت بحسب الكفاءة ونظام الحوافز ،بدل العمال عن طريق التمايزات في الاجور
ٌ ا
حصرا بمصلحة صاحب العمل ،وهي منافسة اعاقت فيها كل محاولة للمقاومة ان تبقى ثابتة وترتبط
ا
كانت تقوم بها النقابات سابقا بمواجهة الرقابة الدائمة ّ
لرب العمل ،ذلك ان نظام املنافسة والحوافز
ّ ّ انقساما بين ّ ا
التحول هذا لم العمال ل بل حتى عند العامل نفسه .ويرى دولوز ان الكثيرة هذا قد اثار
َ ُ
يقف عند حدود املصنع بل امتد الى نظام التعليم حيث ستستبدل املدرسة املغلقة بالتأهيل املستمر
التحكم ّ ّ ّ
محل الاختبارات ،بإعتبارذلك الطريق الاضمن لوضع املدرسة بيد املؤسسة. وسيحل للطالب،
ّ
وابط بين مختلف نقاط تواصل ور ٍ
ٍ وكلما نمت الوسائل الجديدة في الاتصال القادرة على تأسيس
الفضاء ،فإن الني ة الاقتصادية تبدو وكأنها تقلب العالقة بين الفضاء والزمن ،حيث لم تعد املسألة
املهمة هي املوضعة localisationبل بالعكس السرعة ،حتى يظهران الفضاء ينحني فوق الزمن.766
ّ ا ّ
فضاء
ٍ م،كرونولوجيا ،مجتمعات السيادة ومن ثم الانضباط .ويجري التحكم فوق تلي مجتمعات التحك
سكان ّ ّ
دينامية ما .هذا في حين ان املجتمعات الانضباطية ٍ يتحركون ويتنقلون ،اي على مفتوح ،وعلى
ا ا ا
(بصورها النموذجية في املدرسة والثكنات واملصانع) تفرض من الخارج شكال أو نموذجا متماثال
ا ا
جديدا من العقوبات وانماط التربية يخضع له الافراد ويصبحون تحت سطوته .ويرى دولوز ان شكال
تميز مجتمعات الانضباط واملراقبة من قبل ،فلم تعد حيز العقوبات التي كانت ّ والعناية قد احتل ّ
ّ ا ا ا
توسعت املساحة في اماكن وبديهيا ،كما املستشفيات مغلقة وأصبحت النظافة العامة شرطا ل بد منه
وتميزت عن أماكن العمل ،ولكن وبالرغم من هذا الانفتاح على العالم الخارجي التعليم املدرس ي ّ
ّ ّ ا وفضائه ،الا ان الرعب ّ
ظل تشكيلة دائمة ،وهو رعب التحكم الذي يعبركل الفضاءات املفتوحة.762
بشكل من أشكال العود على بدء ،حيث نبدأ من تتميز مجتمعات الانضباط من ناحية أخرى ،وإذ ّ
ٍ
التحكم املعاصرة "ل ننتهي ا ّ
ابدا املدرسة ومن ثم في الثكنة ومن الثكنة الى املصنع ،فإنه وفي مجتمعات
ّ
مع ش ٍيء ما [ ]...حيث ان املؤسسة ،التأهيل والخدمة [املدنية] هي حالت ذات استقر ٍار دائم التبدل
ا ُ ّ ّ
ومتعايشة وفق التقلب عينه ،املسخ الكلي" .76نالحظ مثال ان الاشكال القانونية في مجتمعات
فضاء مغلق وآخر ،بينما يبدو تأجيل الحكم ٍ الانضباط تحكمها التبرئة العلنية أو العفو الواضح بين
ّ بمظهره الالمحدود هو ما ّ
يميزتلك الاشكال في مجتمع التحكم .ففي املجتمعات الانضباطية نجد قطبين
266
Ottaviani, Didier, Foucault - Deleuze : de la discipline au contrôle, sur le site électronique :
http://books.openedition.org/enseditions/1217
267
Pourparlers, P 237.
268
Ibid.P 242.
90
ّ ّ
هما التوقيع signatureالذي يشير الى الفرد ،ورقم القيد numéro matriculeالذي يشير الى موقعه
ابدا اليهما من حيث انهما غيرمتساوقين أو متنافرين ،بل في جمهور ما ،وهما قطبان لم ينظر الانضباط ا
ٍ
دائما على الجمهرة وعلى صياغة فردانية كل عضو في الجسد الاجتماعي ان سلطة الانضباط قد عملت ا
ّ ّ
الذي اقامتهّ .أما في مجتمع التحكم ،وعلى العكس من ذلك" ،ليس الامر الاساس ّي هو التوقيع كما انه
الشفرة :chiffreالشيفرة هي كلمة مرور ،في حين ان كلمات النظام تضبط املجتمعات ليس العدد بل ِ
الانضباطية [ ]...تتكون اللغة الرقمية من ِشفرات تحدد الولوج الى املعلومات أو رفضها .لم نعد أمام
عينات ،échantillons الزوج جمهور-فرد[ ،بل] اصبح الافراد تقسيمات ،dividuelsوالجماهير ّ
يعبر بأفضل الاشكال عن التمايز بين املجتمعين"،762 معطيات ،أسواق أو بنوك .ربما هو املال ّالذي ّ
كعدد معيار ّي،
ٍ نقود مصاغة ومنغلقة على الذهب ذلك ان املال في املجتمع الانضباطي يظهر على شكل ٍ
ا
وتقلبات تتدخل على شكل شفرة مئوية ملختلف ّ ّ ّ
عينات ِ بينما نجد في مجتمع التحكم تبادلت عائمة،
ُ
النقود" ،وقد كانت الخلد النقدي القديم هو حيوان أماكن الانغالق ،ولكن الافعى هي حيوان
ُ ّ
حيوان الى آخر ،من الخلد الى الافعى ،في النظام حيث نعيش ،ولكن ٍ مجتمعات التحكم .لقد عبرنا من
املنتج املتواصل للطاقة ،ولكن انسان ا
ايضا في أنماط حياتنا وعالقاتنا مع آلاخر .انسان الانضباط هو ِ
ُ ّ ّ ّ
زمة مستمرة" .721 التحكم هو بالحرى تموجي ،ondulatoireمعلق في مدار ،على ح ٍ
شكل من املجتمع نمطه الخاص من آلالت من دون ان تكون هذه آلالت هي ويعتقد دولوز ان لكل ٍ
ّ
اشكال إجتماعية تولدها ومن ّ ا
ثم تخدمها .في مجتمعات املحددة لتلك الاشكال ،بل انها بالحرى تعكس
السيادة القديمة نجد آلالت البسيطة على شكل رافعات ،بكرات وساعات ضخمة ،بينما نجد آلالت
خطر منفعل للقصور الحراري ،أو الخطر الفاعل ٍ الطاقوية ملجتمعات الانضباط ،مع ما تنتجه من
تميز مجتمعات للتخريب .وآلالت السيبرنية cybernétiquesوالحاسوبات ordinateursهي التي ّ
ّ
التحكم ،مع خطرها التشويش ي أو الانحرافي املنفعل ،والفاعل في القرصنة وادخال الفيروسات
التبدل العميق في الرأسمالية ذاتها ،ذلك ان آلالت تغير اشكال آلالت الى ّ الالكترونية .ويعود السبب في ّ
شيئا" ،يلزم اللجوء الى تحليل الارتصافات الجماعية التي تكون آلالت ا ا
جزءا منها .وهذا وألنها "ل تشرح
يتبين في عوالم الاتصالت املفتوحة في عصر الرأسمالية التي ارتكزت في القرن التاسع عشر على ما ّ
مالكا لوسائل الانتاج ،ولكن ا ا
ايضا وعند الضرورة كانت الانتاج وامللكية ،حين كان الرأسمالي آنذاك
الاماكن الاخرى كبيوت العمال واملدارس بحوزته ،هذا في وقت احتل الاختصاص وتقسيم العمل
حينا ا ا ا
آخرا ،أو خضعت لتخفيض في كلفة الانتاج. السوق حينا ،والاستعمار
269
Ibid.P 243.
270
Ibid.P 244.
91
ّ
ويرتبط افهوم مجتمع التحكم بالكسيوماتية الرأسمالية وبقدرتها على تأسيس عالقات وروابط بين
ّ
حالة متعذرة القياس ولمتعلقة ،وعلى الحاق هذه ٍ الدفوق التي تفككت شيفراتها والتي تكون في
ُ
بنوع من التماثلية isomorphieاملعممة ،كأن تن ِتج كل الذوات من أجل السوق .ولقد قاد الدفوق ٍ
إستعباد تتجاوز ألاقاليم والسيادةٍ رؤية جديدة آللة افهوم دولوز (وغاتاري) لالكسيوماتية الى طرح ٍ
ُ
قساوة أكبر عبر مجهوليتها
ٍ فصح عن إلمبراطور ما ،بل انها ت ِ ٍ والشرعية ،والتي ل تفيد صورة متعالية
ّ
impersonnalitéبالتحديد.وبفضل نمط اشتغالها الذي يمكنه ان يتجاوز كل القناعات الفردية أو
املشفرة ،فإن تلك الاكسيوماتية ّ ّ
مجتمع يقوم على الانضباط الى ٍ من نا تجر كل السلوكيات البشرية
ا ّ
مجتمع التحكم ،حيث تفعل السلطة فعلها مباشرة على الدفوق الفردية املفككة الشيفرات؛ ول
ّ
تستفر الدفوق في اجتياح الاكسيوماتية فقط ،ولكن الذاتية غير املؤهلة لرأس املال العالمي ل تصل
اشكال من التبعية الاجتماعية على هيئة الدول-الامم، قليمي مطلق ،بل يصحبها ا
دوما ّ ابدا الى إقتالع إ ا
ٍ
كساء من ألاقلمة على مستوى انماط تحققها. 720 ٌ كما يصحبها
ّ
ولكن ،وفي ما يخص الوضع الراهن ،لم تعد الرأسمالية الى جانب الانتاج الذي تمت إحالته الى بلدان
املصنعة واملنسوجات والنفط ،وقد ّ ّ
تحولت اشكال معقدة من املعادن ٍ الاطراف في العالم الثالث تحت
منتجات الرأسمالية الى رأسمالية انتاج فائض surproductionلم تعد تشتري ا
موادا أولية ول تبيع
ٍ ٍ
قطعا منتزعة .ما تبيعه هذه الرأسمالية هو الخدمات ،وما تريد ا ُ تامة ،بل تشتري
منتجات تامة ،أو تنجز ِ ٍ
شرائه هو ألاعمال .وباملثل ،لم تعد املدارس ،املصانع ،الثكنات واملستشفيات تلك ألاماكن املتمايزة
ّ ّ تناظريا والتي تتمركز بين ْا
أسمالي متملك ،ل بل ان الفن قد انفلت من الاماكن املنغلقة كي يدخل يدي ر
ا
الى الدائرة املفتوحة للبنوك والاسواق؛ وفي السياق عينه ،اكتسب الفساد سلطة جديدة ،واصبحت
ا ّ ا ا ّ
خدمة البيع قلب كل مؤسسة ،واصبح التسويق "آلة التحكم الاجتماعي ،مشكال عرقا صفيقا ألسيادنا.
التحكم على املدى القصيروفق دوران سريع ،ولكن ا ّ
ايضا مستمرولمحدود ،بينما كان الانضباط ٍ يجري
ا ا ّ
بشكل لمتناهي ومتقطع .لم يعد الانسان محجوزا بل أصبح مديونا .وان كان ٍ يجري على املدى الطويل،
من الصحيح ان الرأسمالية قد حافظت على ثبات البؤس الاقص ى لثالثة ارباع الانسانية ،املفقرون
ّ جدا ألجل الديون ،الكثيرون ا ا
جدا من أجل الاغالق ،فإن التحكم ليس عليه فقط أن يجابه تبدد
ايضا] انفجارات الضواحي والغيتوات".727 الحدود ،بل [ ا
فضاء مفتوح لم تعد للحواجز والحدود اية قيمة ،وعلى عكس مجتمعات ٍ ّ
يتحرك في مجتمع وفي
ٍ
وتوجب على كل ّ الانضباط ،فإن الحدود بين الداخل والخارج قد اصبحت ضبابية ومخفية،
املؤسسات التي كانت مغلقة ان تفتح أبوابها أمام التعليم املستمر ،واملرض ى الخارجيين ،كما أمام
271
The Deleuze Dictionary -Revised Edition, P 23
272
Pourparlers, P 246.
92
ُ َ ّ
دخلت العائلة لتشتغل في هذا الترتيب الجديد للخارج تصورات جديدة لألمن وأشكال جديدة لإلنتاج؛ ا ِ
ا ُ
جبرت املصانع على إدخال الطلب واملستهلكين في الانتاج مباشرة ،بشرط أن يكون الطلب وللداخلِ ،
وا
ّ
تحول التعليم الى تعلم من أجل التعلم بشرط مالحظة الفرق بين التعليم ّ ّ مضبوطا ،كما ّ ا
الجيد ٍ
وتحولت السجون الى سيستام من العواقب ،واملستشفيات الى مستشفيات مفتوحة تؤمن ّ والس يء،
ٌ
الرعاية للمرض ى الخارجيين .وبكلمة واحدة ،يجري نوع من زوال للتمايز بين الخارج والداخل ،وبين
ّ
املؤسسة وما هو خارجها ،ذلك ان الفضاء قد خسر اقفاله في الوقت عينه الذي نمت فيه تقنيات
التنظيم في الامكنة التي يقض ي فيها الناس معظم حياتهم؛ بل اصبحت الحواسيب الالكترونية
تشكل ّ ّ ووسائط التواصل هي التي ّ
التبدل الشامل وترسم مالمحه. تعين موقع املباح واملمنوع ،والتي
ّ وحتى وإن ّ ّ
تم الاحتفاظ ببعض مالمح مجتمعات الانضباط وحتى مجتمعات السيادة ،فإن ذلك ل
ّ
يجري من دون تكييفها وتوظيفها في التحكم ،كما ل تعني الاصالحات في املؤسسات التربوية
لنظام جديد من الهيمنة يواجه به أزمات املؤسسات التي ٍ تأسيس
ٍ واملستشفيات واملصانع سوى
ّ
يخلقها مجتمع التحكم كما كل حركة ملقاومة هذا الشكل من املجتمعات .والقدرة التي يملكها مجتمع
ّ ا ّ
فضاء مفتوح تطرح اشكالية –من بين اشكاليات أخرى – تتعلق بآلية ٍ التحكم في الهيمنة على الناس في
ا
فضاء مغلق ّميز املجتمعات الانضباطية، ٍ املقاومة التي في الحالة النقابية مثال قد درجت على الكفاح في
فضاء مفتوح وتبتدع
ٍ ولذلك يتساءل دولوز حول مدى إستطاعة النقابات وما يشبهها أن ّ
تتكيف في
ا ا
اشكال جديدة للمقاومة ،كما حول إمكانية الشباب والجماعات في مجابهة التسويق و"أفراحه" ،وفي
مجمل ألاحوال يبقى فعل اكتشاف وابتكار سيرورات مقاومة من عمل من يمتلك املصلحة في ذلك،
ُ ا ا
تعقيدا من حجرالخلد".723 أخذا في الاعتباران " حلقات الافعى ما زالت أكثر
وكما يرى أنطونيو نيغري Negri ومايكل هاردت Hardt في كتابهما الامبراطورية فإن الانتقال الى
التحكم ل يعني نهاية الانضباط بقدر ما يضمر ّ ّ
ملنطق انضباطي
ٍ ثةاملحاي
ِ سات ر املما ع توس مجتمع
ّ ّ
خل في الذوات .ولكن الذي تغير الى جانب سقوط املؤسسات هو ان الاجاهيز الانضباطية قد مستد ٍ
وسعت حدودها وفضاءها في الحقل الاجتماعي؛ وإذ تهاوت العناصر املتعالية للمجتمع الانضباطي، ّ
ّ
وتوضحت.724 املحايثة قد تعممت فإن مظاهرها
ِ
273
Ibid. P 247.
ّ
المنظرين الرئيسيين لحركة التسيير الذاتي ي وفيلسوف إيطالي نيو-ماركسي وأحدّ أنطونيو نيغري )...-80 ( Antonio Negriناشط سياس ّ
" "Operaismoااليطالية الع ّمالية .في منفاه الفرنسي ،كان نيغري على صلة بدولوز وغاتاري فوكو ومجمل التيار السياسي ما بعد-الحداثي .وضع
صف بأنه البيان الشيوعي للقرن الحادي والعشرين. مع صديقه االميركي مايكل هاردت كتاب "االمبراطورية" الّذي ُو ِ
ي أميركي ،من المتأثّرين بفلسفة جيل دولوز ،وقد ذاع صيت هاردت بعد ّ سياس ر ّ
ومنظ مايكل هاردت )..._8089( Michael Hardtناقد أدبي
اشتراكه مع أنطونيو نيغري في تأليف كتاب "االمبراطورية" والحقًا كتاب "الحشد :الحرب والديموقراطية في عصر االمبراطورية".
274
Negri, Antonio & Hardt, Michael, Empire, Harverd University Press, London, 2001, fourth printing, P 331.
93
ا
هجين للذات .واذ ساهم انتاج الذاتية في ٍ انتاج
كما ان الانتقال الى مجتمع التحكم يتضمن انتقال الى ٍ
بتوسع رأس املال ،فإن الهويات الاجتماعية التي خلقتها املؤسسات كانت أكثر ّ مجتمع الانضباط
دينامية ومرونة من الصور الذاتية ملجتمعات السيادة ،بالرغم من ان املؤسسات كانت اشبه بآلة
وتوسع رأس املالّ .أما فيّ قياس ونمذجة انتجت هذه الهويات وأدوارها ومواقعها في عملية انتاج
التحكم فلم يتم انتاج ذوات تمتلك هويات ثابتة بل بالحرى ّ ّ
مهجنة ومتبدلة ،وهي ذوات مجتمعات
دوما الى خسارة تعريفها وتحديدها ضمن هويات منمذجة ،ومع ذلك فإن هذه الهوية املهجنة تميل ا
ّ ّ
تشكلت بفعل املنطق عينه الذي شكل الذوات في املجتمع الانضباطي.725
ا
ثالثا :الفاشية الجزيئية
مر معنا في الفصل الثاني – عن الرغبة الهذيانية أو في آنتي-أوديب ،يتحدث دولوز (وغاتاري) – كما ّ
انوية بمقابل الرغبة الفصامية الثورية .وفي املقدمة التي وضعها ميشيل فوكو للطبعة الانكليزية البار ّ
ا ا ا
وثوريا يقاوم ويجابه سياسيا للكتاب والتي عنونها "مقدمة الى حياة لفاشية" ،اعتبر آنتي -أوديب بيانا
ّ
كل النزعات الفاشية ،ذلك ان هذه هي العدو الرئيس ّي ،النقيض الاستراتيجي لدفوق الرغبة؛ ول يتعلق
ّ
الامر بالفاشية التاريخية التي نعرفها ،فاشية هتلر وموسوليني وغيرهما ،بل بالفاشية " في داخلنا كلنا،
اليومي ،الفاشية التي تجعلنا نحب السلطة ،ونرغب بما يهيمن علينا ّ في عقولنا وفي سلوكنا
ّ
ويستغلنا".726
يردها الى مجرد خداع السلطة أو الحزب الفاش ي أو الدولة وإن كان التفسير التقليدي للفاشية ّ
قوة تأتي من للجماهير أو "غسل دماغ" كما ُيقال في اللغة الشعبية املتداولة ،وينظر اليها على ّانها ّ
يوميا على الناس بفعل آليات اعالمية وسياسية وأيديولوجية ،فإن دولوز (وغاتاري)، فرض ا الخارج ُوت َ
وبالرغم من ابتعادهما عن املعالجة التفصيلية للظواهر الفاشية التاريخية ،فإنهما ينظران الى
شروط
ٍ الفاشية من حيث هي رغبة تمتلك قوتها الخاصة واملتسقة ،وهي رغبة تنتشر وتتعمم بسبب
ا
اجتماعية ،اقتصادية وسياسية تجعل من الرغبة رغبة بالشيفرات التي تجابه أكسيوماتية الرأسمالية
غبة فاشية تتجه الى تثبيت الذوات في تحريرها لدفوق الرغبة؛ ان هذه الشيفرات التي ترغب بها كل ر ٍ
تثبت الاجساد الى انماط ونماذج من الدفوق وتقييدها بحدود قاسية في الفكر وفي املما سة ،كما انها ّ
ر ٍ
ّ ا ا
وتشوه ايروتيكي الطابع.722 اف
معطوف على انحر ٍ
ٍ هوس فاش ّي
مؤسسة مسبقا ،ما يحيل غالبا الى ٍ
وفي ألف سطح يناقش دولوز (وغاتاري) مظهر ْي الفاشية ،اي الفاشية-الجزيئية أو امليكرو-فاشية
جزيئيا ل يتطابق مع تقطيعات ا وتلك الفاشية الكتلوية الكبرى أو املاكرو-فاشية .تعني الفاشية ا
نظاما
275
Ibid. P 332.
276
Deleuze, Gilles, Guattari, Felix, Anti-Oedipus, Preface by Michel Foucault, University of Minnesota Press,
Tenth printing 2000,P xiii
277
The Deleuze Dictionary -Revised Edition, P 103
94
مبررا كتلوية ول مع مركزيتها ،وبال شك " انتجت الفاشية افهوم الدولة الشمولية ،ولكن ل نجد ا
لتعريف الفاشية بأفهوم وضعته هي :هناك دول شمولية من غير ان تكون فاشية ،من النمط
ّ
الستاليني ،أو الديكتاتوري العسكري .ل يسري افهوم الدولة الشمولية إل على مستوى السياسة-
تقطيعية صلبة ونمط خاص من الشمول واملركزية .ولكن الفاشية ل تنفصل عن ٍ الكبرى ،من أجل
البؤر الجزيئية التي ّ
تأثير ،قبل ان تجد صداها بمجموعها في نقطة الى أخرى ،في تبادل ٍ ٍ تفرخ وتقفز من
ُ ٌ
الدولة القومية-الاشتراكية .فاشية ريفية وفاشية املدينة أو الاحياء ،الشباب الفاش ي وفاشية املقاتلين
القدامى ،فاشية اليسار واليمين ،فاشية الازواج ،العائلة ،فاشية املدرسة أو املكتب" .72ان الفاشية
التي يالحظها دولوز هي تلك التي ل يمكن تعريفها الا بالثقوب السوداء الصغيرة التي تتصل مع بعضها
ثقب اسود تسقط آلة كل في ان دولوز ى وير وشامل؛ ي تتجمع ّكلها في ثقب أسود مركز ّ البعض قبل ان ّ
ٍ ٍ
وحتى ان الدولة القومية الاشتراكية ّ ّ ّ
دائمة
ٍ املعرفة كفاشية تظل في حاج ٍة فخ، ٍ حرب كأنها تسقط في ٍ
ّ ا ّ
لهذه الفاشيات الصغيرة أو الكتلوية التي تشكل ما يشبه أداة أو بالحرى الوسيط الذي يسمح لها بنقل
ّ ّ وفرض ّ
تنظيمٍ بمجرد مسرطن وليس فقط ٍ بجسد
ٍ قوتها وهيمنتها على الجموع ،ذلك ان املوضوع يتعلق
ّ
شمولي.
ترد على السؤال الاسبينوزي جوانية" داخلية بإمكانها أن ّ ان النظرة املبتكرة لفاشية صغيرة،كتلوية و" ّ
ُ ّ ّ ّ
يقاتل الناس الذي لطاملا طرحه املنظرون السياسيون ،والذي اعاد فيلهام رايش طرحه ،أل وهو ":ملاذا
يتحملون منذ قرون الاستغالل، ّ من أجل عبوديتهم كما لو كان الامر من أجل خالصهم [ ]...ملاذا
أيضا لهم؟" أو بمعنى آخر ،ملاذ ترغب 722 الاهانة ،العبودية الى حد انهم يريدونها ليس فقط لآلخرين ،بل ا
ا
بسلطة فاشية وناز ٍية؟ أوٍ بقوة تقمعها؟ ملاذا رغبت الجماهير الاملانية مثال والايطالية وغيرها الجماهير ٍ
باألحرى ملاذا ترغب الرغبة بقمعها الخاص وكيف ترغب بذلك؟ يجيب مؤلفا الـآنتي-أوديب ":بال شك،
ا
شكل من الهستيريا بسلبية للسلطة؛ ل "تريد" الجماهير بأن تكون مقموعة في ٍ ٍ ل تخضع الجماهير
ّ أيديولوجي .بل ان الرغبة ل تنفصل ا ّ ُ َ
ابدا عن الارتصافات املعقدة بإغراء
ٍ املازوشية؛ الجماهير لم تخدع
بالتتشكيالت الصغرى التي تصيغ املواقف ،الاتجاهات، ٍ باملستويات الجزيئية،
ِ التي تمر بالضرورة
الادراكات ،التوقعات ،السيمياءات".7 1
ُ ّ
نزوع داخل الرغبة نحو املوت ،فليست املسألة ٍ الى كذلك، ألنها تحيل، الفاشية ان يعني ل الامر ان إل
ُ
تصاف ،ألن الرغبة دوماا ٍ جماعي بقدر ما هي مسألة ار ّ فردي أوّ نزوع pulsionطبيعي "غريز ّي" ٍ مسألة
تصاف جماعيّ ُ ّ
ٍ حرب بالساس،ولكنها بفعل ار مرتصفة والارتصاف هو الذي يحدد الكائن ،والفاشية آلة ٍ
278
Milles Plateaux, P 261.
279
Anti-Œdipe, PP 38-39
280
Milles Plateaux, P 262
95
تنتقل هذه آلالة ،ذات الاصل البدوي ،من حالة الانشقاق عن الدولة واجاهيزها الى حالة التدمير
الذاتي ،فتفقد قدرتها على الانشقاق والابتكار ويصبح بإمكان الدولة ان تمسك بها وتستولي عليها
وتستثمرها في التدمير والقتل .وهنا نجد مفارقة paradoxeالفاشية وتمايزها عن التوتاليتارية أو
ُ
تصاف ممركز
ٍ الدولة كإر
ِ الشمولية ،ذلك ان هذه الاخيرة "هي مسألة دولة ،تخص بالتحديد العالقة بين
مجردة تقوم الدولة بتشغيلها [ ]...الشمولية محا ِفظة بإمتياز .بينما في ٍ حرب لتشفير مضاعف مع آلة ٍ
ّ
دولة شمولية ،فليس معنى ذلك ان حرب .وحين تتكون الفاشية في ٍ آلة ٍ الفاشية ،املسألة هي مسألة ِ
جيش الدولة يستولي على السلطة ،بل بالعكس بمعنى ان آلة الحرب تنتزع الدولة لنفسها 7 0 ".ويرى
تدميرا وإنتحا ارا ،ففي الفاشية تتحقق دولوز ان الدولة في الحالة الفاشية تبدو أقل شمولية ولكن أكثر ا
تتفوق نفقات التسليح على ّ العدمية ،وترتفع نبرة املوت حتى على املستوى الاقتصادي حيث
استثمار ألدوات الانتاج الى استثمارات في التدمير البحت .الدولة ٍ الاستهالك ،وتنتقل الاستثمارات من
ُ
الفاشية ااذا ،هي الدولة "الانتحارية [حيث] ل تبدو الحرب التي ت ّ
سمى بالشاملة كمؤسسة دولة أكثر
ٌ َ ُ ّ
مخرج سوى انتحار الدولة حرب مطلق لن يكون له حرب تستخدم الدولة وتمرر عبرها دفق ٍ مما هي آلة ٍ
بحد ذاتها".7 7
وفي الـآنتي-أوديب ،يقيم دولوز عالقة بين الفاشية و الانتاج الفصامي مع ما ينتج عنه ،اذا يرى دولوز ان
ّ
لالنتاج الفصامي ما يشبه القطبين :من ناحية ،شلل أو تصلب catatonieالجسد الخالي من
ابدا منفصلين، الاعضاء ،ومن ناحية ثانية النشاط الالمتعض ّي آللت الاعضاء؛ وهذان القطبان ليسا ا
شكال ُع اا ا ا ا يولدان ا ّ
ظاميا أو زورايا، آخرا: حينا ا معا أشكال يجلبها الجذب حينا والطرد répulsion ولكن
ا
للفصامي .وان عالقات التناسب بين الجذب والطرد على الجسد بال ّ وهميا فنتازايا
عجائبيا أو ا ا شكال
الفصامي ان تكون ساكنة غير ّ الفصامي عبرها .ويمكن لنزهة ّ شدة ّ
يمر الفصامي تنتج حالت ّ ّ اعضاء
ّ ّ ّ
شكل شدات .وسيكون الجسد بال متحركة ،او حتى متحركة ،ولكنها تتولد على الجسد بال اعضاء على ِ
ّ ّ
املحرك الساكن حيث ستشكل آلالت الاعضاء الاجزاء العاملة اعضاء املادة الخالصة املكثفة ،أو
كجسد خالي من الاعضاء ولكنه جسد مشلول أومسرطن. ٍ والقدرات الخاصة .7 3وتبدو امليكرو-فاشية
ّ ّ
ان هذا الجسد املسرطن هو أخطر الاجسام ،ذلك انه ينتمي الى املتعض ي الذي يتبقى فوق انضودة
ا ّ
السلطة ،كي يشكل نسخة مكررة عنها .ويرى دولوز (وغاتاري) ان هذا السرطان قد يظهر في اية
تشكيلة اجتماعية وليس فقط في الانضودات املتعضية أو في سيرورات التذويت ،ذلك انه انضودة
ّ ٌ
سيرورة امتثالية
ٍ بإصطفاء لفرديات متجانسة في ٍ تقطيع متفلت يقوم هاربة أو شاردة ،أو بالتحديد
281
Ibid., P 281
282
Milles Plateaux, P 282.
283
Deux régimes de fous, P 20 - 21
96
تصاف لخطوط الشخصيةّ .اما ما يجعل من هذه الرغبة أو ٍ ّ
اجتماعي وار وتطابقية تقوم على استنساخ
ّ ا
تتصرف بالطاقة الجزيئية وبدفوق الرغبة ،والتي تلك فاشية فهي تلك التقطيعات الرخوة soupleالتي
بكتل شخصية وجماعية .وما ينتج عن الجسد املسرطن هو سرطنة ٍ تنخر فينا ونقوم بتغذيتها
ّ
لالنضودة ،تكثر نقاط الاستيالء ،وانتشارالثقوب السوداء حيث ُيفرع آلالف من الفرديات الى انفسهم،
ّ ّ ّ ّ
املشرعون والذوات مع القضاة والحكام ومنفذو الاعدامات ،ورجال الشرطة والاستخبارات.7 4 ويتوحد
284
The Deleuze Dictionary -Revised Edition, PP 104 - 105
97
املحايثة وثورة الهروب
ِ الفصل الثاني :اليوتوبيا
98
َ ا
والحدث أول :الصيرورة اليوتوبية
فيليب َمنغ Philippe Mengueمف ّكر فرنسي معاصر متخصص بفلسفة دولوز وكتابات الماركيز دو ساد .له كتاب مترجم الى العربية تحت
عنوان "نسق المتعدد أو جيل دولوز" صادر عن دار الحوار للنشر والتوزيع عام . 988
شارل فورييه )81 1-811 ( Charles Fourierفيلسوف وعالم اقتصاد فرنسي .وجّه فورييه نقدًا قاسيًا للمجتمع الصناعي كما للرأسمالية
وأخالقياتها ،مناديًا بيوتوبيا اجتماعية اشتراكية تقوم على االنسجام والتناغم بين أعضاء مستوطنات ( )Phalanstèreدعا الى بنائها بعدد محدد من
الس ّكان .كانت لكتابات فورييه تأثيرها الالحق على التيارات االشتراكية ومن بينها الماركسية بالرغم من أن ماركس وإنجلز اتّهما اشتراكيته بأنها
مثالية وغير علمية.
285
Mengue, Philippe, Deleuze et la question de l’utopie, sur le site : http://www.upavignon.org/IMG/pdf/Deleuze-
Utopie.pdf , P 6
286
Ibid. P 8.
99
وفي كتابهما املشترك ألاخير ما الفلسفة؟ وفي الفصل املعنون "جيوفلسفة" ،يجري الحديث عن
اليوتوبيا وعالقتها بالفلسفة والتاريخ والثورة ":ان اليوتوبيا بالفعل هي التي تربط الفلسفة بعصرها
سياسية ،وتذهب في نقد عصرها الى اقص ى ّ ا
حد .ل مرة ،فإنه مع اليوتوبيا تصبح الفلسفة [ ]...وفي كل ٍ
ّ ّ ا
إلاقليمي املطلق [الذي] يرتبط اصطالحيا الاقتالع تنفصل اليوتوبيا عن الحركة الالمتناهية :انها تفيد
النسبي الحاضر ،وخاصة مع القوى املقموعة في هذا الوسط" .ولن َ
تعني اليوتوبيا 7 2 ّ مع الوسط
شائع في الفهم التقليدي لهذا املصطلح ،بل ستحيل – عند دولوز -الى الالمكان No-whereكما هو ٌ
Now-hereأي هنا – آلان ،ولهذا السبب ،وعلى عكس النقد املاركس ي لالشتراكية اليوتوبية التي اسبغ
عليها ماركس وإنجلز )0 25-0 71(Englesصفات البرجوازية الصغيرة والخيالية واملثالية ،7فإنه لم
يعد من املبرر التمييز بين إشتراكية يوتوبية وأخرى علمية (ماركسية) ،بل سيتعلق ألامر بيوتوبيات من
أنماط مختلفة ،وتكون الثورة إحداها.
ّ ا
مناسبة ّ
ألنها حتى وهي تجابه وبالرغم من ذلك ،تبدو كلمة يوتوبيا ،بالنسبة لدولوز (وغاتاري) ،غير
ا ا
كحافز أكثر مما هي فلسفة سياسية في اقترانها مع ٍ كمثال أو
ٍ التاريخ تعود اليه مرة أخرى وتظهر
شكل من أشكال ألافكار الافالطونية ،ش ٌيء ما فوق هذا العالم، ٌ الفلسفة؛ فهي كمثال ،تشتغل وكانها
ا ا ُ ا ٌ
يقصد غاية وهدفا .ما يفيد هندسة حافزا فإنها ستبدو خارجة عن الفعل ،ش ٌيء ثابت وتام .وإن كانت
منظم ا
ذاتيا .وفي ْ َّ ّ
كلي كمكونات سيستام ومتضم ٍنة تعمل السيرورات داخل قيودها
ِ امة
ليوتوبيات ت ٍ
ا
املنظورين آلانفين ،ستكون اليوتوبيات نقيضة للحركة والسيرورة نحو املستقبل وآلاتي والجديد.7 2
نوع من العدمية املقترنة بخنق الحياة كما يجد الرفض الدولوزي للتسمية يوتوبيا مبرره حين تحيل الى ٍ
ومحاصرتها ،وهذا ما نالحظه في يوتوبيات الحداثة – الامراض الكبرى على حد تعبير َمانغ– وما قبلها،
حيث ان كل العقائد الكبرى منذ الافالطونية حتى الاشتراكية والفلسفات الشبيهة لم تقم سوى
تم ذلك تحت الادعاء بحب بالنتقام من الحياة باسم مثال أعلى يرافقه شعور بالذنب والدونية ولو ّ
ٍ
شكل من أشكال التقسيم الثنائي للحياة الى اثنتين ،واحدة معاشة ولكن ٌ الحياة؛ وما يجري هو
ّ ّ َ ُ
مخفي للحياة ومواجهتها مكروهة ،واخرى ل تعاش ولكن يؤمل بتحقيقها .كما لو ان الامر يتعلق ٍ
بكره
ّ ّ
يجر ُمها ويدينها ويعدمها .هذا في حين أن املطلوب أل نختزل الكينونة واملعنى إل الى ّ
باملثال الاعلى الذي ِ
721
حالة الاشياء الحالية ،الى الافعال ،الى الراهن في املكان والزمان اي في الحاضر.
287
Qu’est-ce que la philosophie?, PP 95- 96
11راجع مثال :
انجلس ،فريدريك ،ماركس ،كارل ،مختارات ،االشتراكية الطوبوية واالشتراكية العلمية ،المجلد الثالث ،دار التقدم ،موسكو ،دون تاريخ نشر ،ص
ص 8 9-9
289
Bogue, Ronald,” Deleuze and Guattari and the Future of Politics: Science Fiction, Protocols and the People to
Come”, Deleuze Studies Volume 5: 2011 supplement: 77–97, Edinburgh University Press
www.eupjournals.com/dls, PP 81 - 82
290
Deleuze et la question de l’utopie, P 13.
100
الصيرورة والحدث
آنفاُ ،،ي ّ ا ا
أفهوم آخر هو
ٍ فضل دولوز اللجوء الى استلهاما من كتابات نيتشه املبكرة ،ولألسباب املذكورة
الصيرورة .devenir – Becomingو يستخدم دولوز املصطلح "صيرورة" 720لوصف الانتاج املستمر
جسديا أم غير ذلك .ان الصيرورة هي الحركة املحضة ا لإلختالف املحايث داخل تأسيس الحدث ،أكان
ا ا
البديهية في التغييرات بين الاحداث املحددة؛ ولكن ذلك ل يعني ان الصيرورة تفيد مراحال انتقالية بين
ا
حالة جديدة ،بل هي انتاج حالت يمرالش يء من خاللها في انتقاله الى ٍ ٍ حالتين أو مسافة بين ظهورين ،أو
غاية ما أو حالة نهائية دائم تقع في ما بين الحالت الالمتجانسة من دون ان تتجه نحو ٍ ودينامية تغيير ٍ
ثابتا ،ليس الا ٌ ا ّ
أثر ويصر دولوز على ان الحياة هي مسطح صيرورة ،وان فهمنا ملا هو كائن بإعتباره .727
للصيرورة .وبهدف مواجهة الحياة ليس علينا ان ننظر اليها من حيث سكونها وثباتها ،بل ان على الفكر
ّ ا ا
التصور التقليدي والسكوني ايضا ان يصبح متحركا كي يحرر نفسه من الاسس الثابتة التي تحكم
للكينونة في ما هو قائم وحاضر.723
يقول دولوز في تحديده للصيرورة انها " تولد في التاريخ وتعاود السقوط فيه ،ولكن ل تكونه .ليس لها في
ا
افية أكثر ّ وسطا فحسب .انها ا ا ا
مما هي تاريخية .تلك هي الثورات ايضا جغر ذاتها بداية ول نهاية وإنما
ا ا ّ
مقاومة ،ألن الابداع هو املقاومة :صيرورات محضة ،أحداثا خالصة ٍ ومجتمعات الاصدقاء ،مجتمعات
ّ ّ
محددة أو في املعيش ،إل ٍ محايثة .إن ما يلتقطه التاريخ من الحدث هو تحققه في وضعيات ٍ فوق مسطح
ان الحدث في صيرورته وفي قوامه الخاص ،وفي ذاتية وضعه كأفهوم ،يفلت من التاريخ [ ]...ما هو في
شعبا وأ ا ُ طور الفعل ليس هو ما ينتهي ،ول ما يبدأ [ُ ]...ت ُ
والاسطوانة
ِ السهم
ِ ضا مثل طلق الصيرورة ا ر ِ
ا
طور انجاز نفسه [ ]...وآلاتي ليس مستقبل التاريخ حتى ولو كان يوتوبيا، جديد ل ينتهي ولكنه في ِ ٍ لعالم
ٍ
ّ ّ ّ
انه الالمتناهي آلان ،الـ ( Nûnالنوين) الذي ميزه أفالطون بالكامل عن ّ
حاضر ،وهو املكثف أو ما هو ٍ كل ِ
ا 724 ا
في غيرأوانه ،intempestifليس لحظة بل صيرورة".
مكونة من سيرورات محددة ومشروطة يصير وفي ألف سطح يصف دولوز (وغاتاري) سلسلة كاملة َّ
عالقة مع القدرات الواقعية أو الخيالية لش ٍيء آخر ،فيجري الكالم ٍ آخرا في ٌ
شخص ما ا عبرها ش ٌيء ما أو
عن صيرورة – حيوان ،صيرورة-طفل ،صيرورة-إمرأة ...الخ .ويمكن لهذه الصيرورات املختلفة أن تنتظم
ا
وتترتب وفق طرائق متعددة .يعتقد دولوز مثال أن كل الصيرورات املتعلقة باملعيار الذكوري في الثقافة
سالسل أخرى يتكلمان عن صيرورة – وتمر من خالل الصيرورة-إمرأة .وفي التقليدية الاوروبية تبدأ ّ
ٍ
شكل لمشروط أو نهاية محايثة لكل الصيرورات ،وفي َ
الالمدرك imperceptibleاملحددة بالعالقة مع ٍ
291
Qu’est-ce que la philosophie?, P 106
292
Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary, Edinburg university press, 2005, P 21.
293
Understanding Deleuze, P xx
294
Qu’est-ce que la philosophie?, PP 106 - 107
101
ّ ا ُ َ
خطوط أخرى ِ
مشكال ٍ مجرد ليس بإمكانه الاتصال والارتباط مع ٍ هذه الصيرورة يختزل الفرد الى ٍ
خط
ّ ا
سم شفاف .انها صيرورة مطلقة حيث الحركة لمتناهية وبالتالي يتعذر عاملا يكسو العالم ألاول مثل ر ٍ
إدراكها ،وهذا من سيجعل منها – كما يقول بول باتون Patton صيرورة مفا ِرقة paradoxicalحيث
يتغيروهو يبدو على ما هو عليه.725 كل ش يء ّ
وخصوصا ان الصيرورة ل تعني الخيال، ا سلسلة. التقدم ول التقهقر وفقّ كما ان " الصيرورة ل تعني
ٍ
الدينامي ألاعلى ،كما عند يونغ وباشالر .ان الصيرورات ّ ّ
الكوني أو حتى حيث يصل الخيال الى املستوى
ّ ُ ا
أحالما ول استيهامات .هي بالتمام والكمال واقعية [ ]...الصيرورة ل تن ِتج إل نفسها الحيوانية ليست
ََ َُ ّ
واقعي هو الصيرورة بحد ذاتها ،وكتل الصيرورة ،وليس املصطلحات املفترضة ثابتة والتي [ ]...ما هو
ا
هبوطيا أو ا
تطورا قادم [ ]...وفي خاتمة املطاف ،ليست الصيرورة ّ
تطو ارا ،على ألاقل يمر ما هو ٌ عبرها ّ
الابداعي [ ]...كما ان الصيرورة هي ّ ّ
والالتطور هو تناسليا .انه مصاهرة [ ]...الصيرورة لتطورية، ا
ا
جينولوجية [ ]...انها ٌ ا ا
فعل verbeيمتلك كل قوامه consistance؛ جذمور وليست شجرة تصنيفية ول
ول يحيلنا الى "الظهور" ،ول "الكينونة" ،ول الى "التساوي" أو "الانتاج" ".726
كتاب بعنوان دولوز ومعنى الحياة ان هذا ألاخير هو بإمتياز وتصف كلير كوليبروك Colebrookفي ٍ
فيلسوف الصيرورة ،فيلسوف الحياة واملحايثة ،ذلك ان هذا الافهوم وما يتعلق به (الصيرورة – إمرأة،
حيوانا ،وبالخص الصيرورة – ل ُمد َرك ) imperceptibleتربط الصيرورة بش ٍيء َ ا
آخر غير الصيرورة –
املو ِلدة .وربما أمكن للمرء هنا أن يعارض مقولة دريدا )7114-0231( Derridaفي تلك ّ
القوة َّ
والذي ّ ا ّ
يحول "الديمقراطية آلاتية" واملتصلة بصيغة الفعل أتى ،بأفهوم دولوز "الصيرورة – حيوانا
ّ
لحيوان ما .ذلك ان الصيرورة الدولوزية ل تقف ٍ الفعل الى اسم حتى ولو لم يكن هذا الاسم هو اسم
حيا نحو ما هو مختلفّ ،
ومميز.722 دوما سيستا اما ا والترهن (من راهن) ،بل تفتتح ا ّ عند حدود التحقق
ِ
وحرر عشرات الكتب واالبحاث المتخصصة بالفلسفة القارية ّ بول باتون )...-8099(Paul R. Patonمؤلِّف وباحث استرالي ذائع الصيت ،نشر
continental philosophyوبالفلسفة الفرنسية المعاصرة.
295
Paton, Paul & Protevi, John, Between Deleuze and Derrida, Continuum, First edition, 2003, P 22.
296
Milles Plateaux, PP 291 - 292
كلير كوليبروك ّ )...-8089( Claire Colebrook
منظرة ثقافية استرالية .باالضافة الى مؤلفاتها المهتمة بالفنون البصرية ،الشعر والدراسات
االبية ،نشرت العديد من االعمال حول جيل دولوز .باالخص في ما ّ
يتعلق بالفلسفة النسوية من منظور دولوزي.
الديموقراطية اآلتية La démocratie à venirمقولة أطلقها الفيلسوف الفرنسي الشهير جاك دريدا ،) 999-80 9( Jacques Derrida
ذلك انه يعتقد ان الديموقراطية هي حالة غير مستقرة ،دائ ًما في طور من التبرير والنقد الذاتيين .ويرى دريدا ان الديموقراطية ليست نظا ًما دستوريًا
طا من الحكم السياسي ،بل هي اقرب الى أن تكون مسألة مأزقية aporétiqueتتضمن مفارقات وصراعات عديدة بين الفرادة التي ال يمكن أو نم ً
ّ
الموزعة ،بين مسيحانية متفائلة وأخرى يائسة...الخ. احصاؤها والعدالة التي تُعدَ ،بين االستقاللية والتبعية ،بين السيادة الشخصية الموحّدة أو
للمزيد من االطالع على الموضوع ،انظر:
Bernardo, Fernan, L’héritage d’une promesse - la démocratie à venir de Jacques Derrida, sur le site :
http://revistas.ucm.es/index.php/ESIM/article/view/37696
297
Colebrook ,Claire, Deleuze and the Meaning of Life, Continuum International Publishing Group, New York,
2010, P 134
102
ا ا
وليست الصيرورة عامة ،بل انها صيرورة في عالقة .وان افهوم الصيرورة-حيوانا مثال ل تفيد الحيوانات
ا
أو هذا الحيوان أو ذاك ،بل تخلق تفاضلية différentialتتضمن الصيرورة-ل ُمد َرك أو فكر
حدا أدنى من الانعطاف أو الاختالف .ولن تكون الصيرورة الالكينونة ،اي انها تحصل في عالقة تتضمن ا
ٍ
ّ ّ
لكمية من القوة في عالقتها مع كمية أخرى ،مثل املتعض ي البشري بإعتباره حصيلة املفردة سوى نتاج ّ
ٍ
كبير من العالقات التفاضلية ،والعالقات بين البروتينات والتآليف الكمونية ٍ أو نتيجة لعدد
اشكال اخرى من التآليف في ألاعضاء. ٍ potentielsللشيفرات الجينية ،التي بدورها تتأثر بالعالقات مع
قوة تلك ،مما يعني ان الاجتماعي بمجمله ليس إجتماعي أو متعض ي يظهر كأثر لعالقات ال ّ ّ نسق
ٍ وكل ٍ
نظاما أعلى ُي ِنتج العالقات بل يكون حصيلتها .72 ا
ّ
كقطعة من الخواء ،chaosخوائية chaoïdeكما حين نتكلم عن املخروطية بالنسبة ٍ تبدو الصيرورة
مسطح يجري وهو يحمل خطوطه ،مع الخطوط آلاتية من مسطحات متحركة ٌ ألقسام املخروط .فهي
ٌ
وخطوط ا ٌ ُ َ
وجهة
ِ ايضا .انها مرور فائق السرعة من الخطوط نقاط
ِ والتي تتساقط عليه ،بحيث تنتزع من
واحدة ،وحيث ان البطيء والسريع ٍ لظاهرة
ٍ نظر إلى أخرى ،ذلك ان السرعة والصيرورة هما هيئتان ٍ
722
كميتين . ليسا بدرجتين ّ
تماس مع ش ٍيء آخر ،ش يء ما نصيره. خارج ما :un dehorsندخل في َ
استدخال وتقتض ي الصيرورة
ٍ ٍ
ا ّ
لقاء ،بحيث اننا ل نصير بأنفسنا آخرا إل بالعالقة مع ش ٍيء آخر .وفكرة تحيل الصيرورة بالتالي الى ٍ
ّ ا
اللقاء تبدو ملتبسة بعض الش يء وتستند الى الحالة التي منحناها الى هذا الخارج الذي من دونه ل
ٌ
جوابا فيه مفارقة (ل ا نخرج من أنفسنا .ور ادا على السؤال "ماذا أو من نلتقي؟" ،يقدم دولوز (وغاتاري)
يتجه الى أحد) ،بهيئة ساذجة أو اعتباطية (حيوانات أو مشاهد ريفية أو قطع من الطبيعة.)..ان الحب ّ
ٍ
مما ّ ا
جوا ما أو ريفا أو حيوانات ،أكثر ّ ّ
حياة لشخصية يجعل منها سحره الخاص الذي يتضمن ا
يتجه ٍ
خارج عنا ،وليست املسألة صوب شخص ما .يفهم الخارج هنا باملعنى املطلق :ل يتعلق الامر بما هو ٌ ُ
ٍ
مسألة ان نحب الحيوانات أكثر من البشر ،وليست مسألة رحلة ،زيارة ،أو نزهة الى حديقة حيوانات
ّ ا ّ
تماس
ٍ فهذه كلها لن تكون كافية حتى لو تخللتها لقاءات؛ ان اللقاء املطلوب هو ذاك الذي يجعلنا على
بشكل مختلف ،الى الدخول في عالم ٍ واتصال ،من خالل الاشخاص ،مع "عالمات" تدفعنا الى الشعور
مزيج من من التقييمات املجهولة ،الى رمينا خارج أنفسنا .والحب ،باملعنى الدولوزي ،هو من هذا النوعٌ :
ِ
الفرح والرعب .311وهذا ما يعنيه دولوز حيث يقول في "حواراته" ان هناك صيرورات حيوانية داخل
298
Ibid., PP 153- 154
299
Villani, Arnaud, la guêpe et l'orchidée, essai sur Gilles Deleuze, éditions belin 1999, p 99
300
Zourabichvili, François, Qu’est-ce qu’un devenir pour Gilles Deleuze ?, Conférence prononcée à Horlieu
(Lyon) le 27 mars 1997, PP 2 – 3.
Document accessible à l’adresse électronique suivante :
www.horlieu-editions.com/brochures/zourabichvili-qu-est-ce-qu-un-devenir-pour-gilles-deleuze.pdf
103
الكتابة ل تكمن في حديث الكاتب عن كلبه او قطه ،انها بالحرى التقاء بين مجالين ،انها تقاطع
إلاقليمي .فالكتابة معناها ان نمنح ا
دائما الكتابة ّ واحد إلاقتالع
ٍ واقتناص للشيفرات حيث ينجز كل
ألولئك الذين ل يملكونها ،ولكن هؤلء يمنحون للكتابة صيرورة قد ل توجد الكتابة من دونها ،ومن
حشوا في خدمة القوى السائدة .ولهذا السبب ،على الكاتب ان يخون الكتابة .والخيانة ا دونها قد تكون
َا ا
مدركا.310 ابداع ،فقد للهوية والوجه ،انها الانتفاء وان يصيراملرء مجهول ،غير
الحدث والراهن
ا
مة ،ذلك ان ما سيأتي ومن حيث قطيعته ربطا بالصيرورة ،يضع افهوم الحدث مقولة التاريخ موضع از ٍ
يخيا .وبإتباع الرواقيين ،يحاجج دولوز (وغاتاري) مع املاض ي ل ينتمي الى التاريخ ول يمكن تفسيره تار ا
ا
جامعيا ان كل حدث عبارة عن تحولت ل جسدية وليس فقط مؤسساتية (مثل الصيرورة ا
طالبا
أحمرا ،وان هذه الحالت هي تقطيع ما أو تظهر الصيرورة -ا ٌ متخر اجا) ولكنها فيزيائية ا
ايضا ،كأن يجري ّ
ا
نعوت لألجساد وليست بالحرى مالزمة لها .يبدو الحدث عبارة عن تحولت من طبيعة غير جسدية
نعوت جسدية ،ويتيح ألافهوم الرواقي للحدث لكل من دولوز وغاتاري ّ
ولكن تعبر عن نفسها في حالت أو ٍ
ان يعيدا وصف العالقة بين اللغة والعالم من خالل مصطلحات الفاعلية ل التمثيل ،317وبقدر ما ّ
تعبر
ّ اللغة عن تحولت لجسدية كهذهّ ،
بساطة العالم بل تفعل فعلها به ،وذلك بفضل ٍ فإنها ل تمثل بكل ٍ ٍ
فاعليتها ّ
املهجرة.
ِ
أفهوم جديد
ٍ كاف لوصف الحالة املعيشة للصيرورة ،بل ينبغي اللجوء الى ولم يعد مصطلح "حاضر" ٍ
ا
يوتوبيا
ا
كل جديد ومثير لإلهتمام ،انه آلان في الصيرورة وليس تشكيال هو الراهن ّ ،Actuelالذي يفيد ّ
آت ،وكل صيرورة ثورية ل يجب الخلط بينها وبين ماض ي الثورات ول حاضرها ول مسبق ملستقبل ٍ
مستقبلها .وليس الراهن ما نحن عليه بل " ما نصيره ،ما نحن في طور أن نصيره ،اي انه آلاخر،
ّ صيرورتنا ا
آخرا[ .بينما] الحاضر هو ما نحن عليه ،وفي آلان عينه ما نكف عن كونه .ليس علينا فقط أن
نميزبين قسط املاض ي وقسط الحاضر ،بل وبشكل أعمق ،بين قسط الحاضروالراهن".313 ّ
ا
ان الحاضر اذا هو الراهن ،واملاض ي هو الافتراض ي ألنه واقع لإلختالفات الافتراضية التي توجد في
قوتها،املترهن .كما ان الترهين ل يسلب افتراضية الاختالف أو تعددية الديمومة ّ الحاضر على الشكل ّ
ا
وأنماطا محددة ّ ا ول ّ
تعبر عن هذه الكينونة من دون أن يجمد الكينونة ،بل بالعكس ،يمنحها أشكال،
ظن انه يختزنه ،فهو يحمل في مما ُي ّتثقل كاهلها .والقول ان الحاضر هو الراهن يجعله يختزن أكثر ّ
98
حوارات ،ص .89
302
Patton, Paul (editor), Deleuze: A Critical Reader , Blackwell Publishers , Oxford , 1996 , P 13
303
Qu’est-ce que la philosophie?, P 107
104
ّ أحشائه ماضيه ّالذي هو ا
ايضا مستقبله .وان ديمومة الحاضر هي املستقبل الذي يكون فيه ،وهي
نمط من الاختالف ألنه سيكون قاد ارا على ّ ّ
ديمومة ل تسلبه التعددية التي تكونه بقدر ما تحوله الى ٍ
ّ
نتصورها. الترهن بطرائق متعددة ل نستطيع ان ّ
مماان هذه الانطولوجيا الزمانية إن أمكن تسميتها كذلك تدفعنا الى التفكير بالعالم على أنه أكثر ّ
ّ
الانطولوجي .ويشبه افهوم آلالة عند دولوز غني باإلختالف ّالذي هو ّ
مكونه ونتصور ،فهو ٌ
عالم ّ ّ نعتقد
(وغاتاري) أفهوم الاختالف عند دولوز قبل تعاونه مع غاتاري .وإن كان الفرد محور الصورة
ضمنا -فإن آلالة هي الافهوم السياس ي ّالذي ّ
يميز
ا
الدوغمائية للفكر السياس ي التقليدي – الليبرالي
يقدم لألنطولوجيا السياسية الدولوزية يطوره دولوز .ذلك أن افهوم آلالة ّ الشكل الجديد للفكر ّالذي ّ
اثباتي activeوليس إرتكاس يّ وبإلهام نيتشو ّي تكمن في التشديد على ان الاختالف
ٍ ثالث خاصياتّ :أولها
قادر على خلق اتصالت ووظائف كثيرة؛ ثانيها ،يمكن ان passiveتنقصه هوية ،وهو كاآللة الراغبة ٌ
تميز إلاختالف من حيث هو حركية افتراضية تسمح له نصفها بأنها نظرية برغسونية آلوية وهي التي ّ
بالقتران بطرائق متعددة .وثالثها ،خاصية سبينوزية آللة إلاختالف من حيث هو محايثة.314
ا
ونلمس هنا ابتكارية دولوز في اقامته قطيعة مع ثنائيات الزمن والابدية ،الواقع املحسوس والعقلي،
الافكار والواقع ،بل قطيعة داخل الزمن نفسه ،قطيعة مع كل اشكال التاريخانية والحداثة والتقدمية
مستلهما في ذلك الرواقيين (كما بدا ذلك في كتابه منطق املعنى) :لم يعد الزمن هو ا واملاركسية...
من ما هو ُ ّ
الكرونوس chronosالذي نعرفه ،بل أصبح آلايون Aionاي الزمن الذي نبحث عنه ،ز ُ
غير
اهن ،زمن الحدث ،الصيرورات ،وما هو خارج التوقيت والكرونولوجيا .ولهذا السبب ،فإن فلسفة ر ٍ
شعب ما وشكل هذا املستقبل لم يرتبط ٍ دولوز هي فلسفة الحدث والصيرورات ،وان مستقبل
بعد وجودي آخرهو افتراض ّي .ولذلك يصبح التاريخ بالحاضر : présentانه افتتاحية الكرونوس فوق ٍ
ّ
الالمتناهي .التاريخ هو مكان تقريبا كمكان لتفقير الحدث كصيرورة وافهوم الفكر ا ّ
سلبي مجموع
السقوط و الفشل وهنا تصبح الثورات سيئة.
يقلب دولوز العالقة الاعتيادية بين املمكن والحدث؛ ُيقال ان املمكن هو ما يمكن له أن يأتي ،ا
فعليا
ّ ومنطقيا ،وكل الوضعيات تمتلىء باإلمكانات والتي لم ّ ا
نجربها أو نعاينها كلها .وعلى الطريقة البرغسونية،
ّ
يقول دولوز ما هو عكس ذلك :ان املمكن ليس هو ما سيأتي ،ليس هو القادم الذي سوف نمتلكه
حتى يمكن القول ّ
ونعاينه ،بل لن يكون بإمكاننا أن نحوز على املمكن إن لم نخلقه ،نبدعه ونبتكره،
304
May, Todd, Gilles Deleuze - An Introduction, Cambridge university Press, New York, 2005, PP 125-126
105
"أن املمكن هو ابداع املمكن"315؛ وهذا ما سيبعدنا عن عن الفهم املبتذل لليوتوبيا بإعتبارها صورة
ا
استنادا الى خيال محض. بمشروع آخر لوضع جديد ننتظرأن يستبدل الراهن
ٍ ٍ
تنوعا وكأنه موضوع هندس يّ ا وحين يستخدم دولوز مقولة "التعددية" Multiplicitéفإنه ل يفيد ّ
َ ا ُ ّ ا
تنو اعا وكثرة تستخدم في أفهمة مكثفة .بمعنى آخر ،تفيد التعددية ّ ابعادا تمتلك خاصيات مجرد ،بل ّ
حدد ا ُ َ
أللوان كثيرة ٍ كفضاء
ٍ لفضاء من الامكانات،
ٍ لغويا بل كبنية فضاءات ممكنة .وان الافاهيم ل ت
ممكنة هي "الافكار" .ان التعددية هي الافتراض ّي ولكنه الواقعي وليس الراهن ،والقادر على انشاء
ّ ّ
وقت حقيقية في كل ٍ ترهينات متشعبة .يشبه الامر قابلية املاء في التحول الى ٍ
ثلج أو بخار ،وهي قابلية
تشكيلة
ٍ تقالية؛ وان املراحل الانتقالية عينها يمكن ترهينها ضمن ٍ مرحلة ان
ٍ حتى ولو ان املاء ل يعبر في
متنوعة من املواد حيث تختلف مجريات التكثيف والتبلور .وعلى عكس النموذج املنطقي ،ل يلتزم ّ
املستقل لالمكانات بحد ذاتها :ان الامكانات حقيقية ولكن فقط حيث َ دولوز بقبول الوجود العقلي
نتعامل معها بالخذ في الاعتبارالسيناريوهات البديلة .316
ا الا ان سياسة الصيرورة تظهر ا ّ
دوما ملتبسة ،ذلك ان كل املجتمعات وحتى البدائية منها ل تكف عن
مزية؛ وهذا ما تطابق طوطمية أو ر ٍ ٍ الاستحواذ على هذه الصيرورة من أجل كسرها وإختزالها الى عالقات
ّ النساك في سلسلة ّ ايضا التي حرقت السحرة أو أدخلت ّ ُ
الكنيسة ا
القديسين .كذلك ل تكف تقوم به
ا
جيوش وطنية تحد جدا من صيرورات املحاربين ،وفيّ الدول عن الاستحواذ على آلة الحرب على شكل
ٍ
كقوة الحرب،املكونة من صيرورات حيوانية ،من خارج الدولة ،فإن هذه ألاخيرة تعاملها ّ ّ حين تأتي آلة
شاذة وتحاول دو اما منعها .
312
الالمتزمن ّ يفسر لنا جواب دولوز على سؤال الفيلسوف الايطالي أنطونيو نيغري حول كونية وربما ّ
ُ
،intempestifوماذا يعنيه دولوز بالصيرورة وموقعها في فلسفته السياسية .يقول دولوز ":لقد كنت
كل ش ٍيء له أهميته ل يحدث من مقتنعا بتمييز ممكن بين الصيرورة والتاريخ؛ انه نيتشه ّالذي قال ان ّ ا
ٍ
ّ
ض بين الازلي والتاريخي ،أو بين الفعل والتفكر: غمامة ل-تاريخية .ليست املسألة مسألة تعار ٍ ٍ دون
عما يحصل ،عن الحدث بحد ذاته أو عن صيرورة .ما يناله التاريخ من الحدث هو يتحدث نيتشه ّ ّ
يفر من التاريخ .ليس هذا ألاخير التجربة ،بل هو تحققه في حالت الاشياء ،ولكن الحدث في صيرورته ّ
تفر من التاريخ. حد ما ،والتي تضع موضع الامكان تجربة ش ٍيء ما ّ فقط مجموع الشروط السلبية الى ّ
ٍ
تبقى التجربة من دون التاريخ غير محددة ،لمشروطة ،ولكن التجربة ليست التاريخ [ ]...ليس الحدث
305
Zourabichvili, François, Deleuze et le possible (de l'involontarisme en politique) dans Gilles Deleuze. Une vie
philosophique, 337
306
DeLanda, Manuel, Deleuze : History and Science -Think Media Egs Media Philosophy Serie, Atropos Press,
2010, 168 pages, P 127 - 128
307
Milles Plateaux, PP 302 - 303
106
ّ
في التاريخ الذي يفيد فقط مجموع الشروط الجديدة كما هي ،ما يحيلنا الى الصيرورة ،اي الى ابتكار
ا
وتعبيرا ا
محضا للصيرورة ا
اقتحاما ش ٍيء جديد .هذا ما ّ
يسميه نيتشه الالمتزمن .ولقد كان أيار\مايو 6
عنها .العادة الدارجة اليوم هي شجب واستنكار فظائع الثورة ،وليس هذا الامر بمستجد ،فلقد كانت
بأفكار حول كرومويل شبيهة بتلك التي دارت حول ستالين اليوم. ٍ كل الرومانطيفية الانكليزية ممتلئة
ّ ا ا
نقول ان للثورات مستقبال سيئا ،ولكن ل نكف عن الخلط بين أمرين هما مصير الثورات في التاريخ
ّ والصيرورة ا
ثوريا للناس ،الذين ليسوا هم انفسهم في الحالتين .ان الفرصة الوحيدة للناس تكمن في
ترد على ما ل ُي َ ّ
تجنبنا الخجل ،أو التي ّ الصيرورة ا
حتمل" .31 ثوريا ،التي وحدها
ّ
إلاقليمي وخط الهروب ا
ثانيا :الاقتالع
ألاقلمة والاقتالع الاقليمي
ّ
ان انطولوجيا ألف سطح مشكلة بالكامل من أفاهيم هندسية وجيولوجية كالخطوط ،املسطحات
ّا
مكونا والانضودات .وتهيمن هذه الافاهيم املكانية على الواقع الاجتماعي وتحيط بالواقع ،بإعتبارها
موجود من دون ٍ املجردة الاشارة الى الشروط املادية لتكوين كل ّ للسيرورة .وتتيح هذه اللغة ألافهومية
وانسجاما مع هذه الانطولوجية، ا نموذج ملا يجب أن يكونه أو إلنسجام الواقع مع تمثالتنا عنه. اقتراح
ٍ
نظاما في املمارسات تخلق اُ متقابلين يحيطان بالسيستامات التيْ يتحدث دولوز (وغاتاري) عن مبدأين
ّ
منظوري الفكرية والاجتماعية ،وهذان املبدأن الشكليان هما :املبدأ املتمركز للنقطة واملبدأ الال-
ّ ّ
التركيبي الذي ل بداية له ،ول وسط أو نهاية ،كما انه ل يمتلك للخط .ويظهر الخط من حيث هو املبدأ
ّ ّ اية وجهة نظر امثولية يمكن من خاللها ّ
تصورهّ .أما النقطة ،فهي مبدأ النظام الوظيفي والهرمي الذي
ا يمكن ّ
نظر.312
وجهة ٍ
ِ تصوره انطالقا من
ّ ّ
إلاقليمي النسبي ويتحدث دولوز عن أنماط من إلاقتالع تخص كل تغيير سياس ّي :ألاول يتعلق باإلقتالع
ّ
والسلبي الذي يشير الى التغيير على مستوى السلطة السياسية املهيمنة فحسب ،وذلك من أجل تقوية
ّ
سلطة الهيمنة السياسية واعادة انتاجها من جديد .الثاني هو إلاقتالع النسبي الايجابي الذي ل يعيد
ّ
انتاج السلطة السياسية املهيمنة ولكن الذي ل يساند اي حدث ثوري .الثالث هو إلاقتالع السلبي
ّ ّ
املطلق الذي ل يحمل اي وضعية سياسية ولكنه يلغم كل وضعية سياسية ممكنة .والرابع هو ذلك
ّ ّ
إلاقليمي املطلق والايجابي الذي ل يعيد انتاج اي وضعية لسلطة سياسية مهيمنة ،بل في إلاقتالع
ّ ا
املقابل يخلق حدثا ا
ثوريا ،وهذا النمط ألاخير هو الذي تدافع عنه السياسة الدولوزية الثورية .ويبدو
308
Pourparlers, P 231.
309
Due, Reidar , Deleuze, Polity Press, 2007 , P 128
107
سيما ان كل ان هذا التمييز بين الانماط الاربعة يبدو ضرورايا من اجل التمييز بين كل تغيير سياس ّي ،ول ّ
موجودا الى هذا الحد أو ذاك في كل فعل تغييري ،وكل فهم ّ
لقوة ا شكل من أشكال هذا التغيير سيكون
301
ولخطورة اي وضع ثوري يستوجب تحليل وتوضيح هذه الانماط آلانفة.
مفصل الكائن ُ ّ ّ ويبدو ان نظرية دولوز في إلاقتالع تنطوي على تحليل
تشريحي) للمجتمع ي ِ مورفولوجي (
ّ ا
إلاقليمي املحيطة الاجتماعي كتعدديات محددة وفقا لتمفصلها املزدوج ،ولعالقاتها بعناصر إلاقتالع
بها .كما ان الاخذ في الاعتبار الاحداث أو السيرورات عبر استحضار بنى كالطبقة ،الشخصية ،الثقافة أو
منضدة بكونها في آلان عينه كتلوية وجزيئية، العائلة بصرف النظر عن التمفصل املزدوج لكل كينونة ّ
معناه فقدان الطريق املؤدي الى فهم الحدث او السيرورة من حيث كونه يشتمل على مستويات عديدة
ّ
للواقع في آلان عينه .وهذا يفيد ان للحياة الاجتماعية نظامها الذي يحتوي تركيبات متشابطة من
التنظيم .وما تسمح به الاصطالحية الجيولوجية والرياضياتية للتعددية هو القاء الضوء على املالمح
التنظيمية غيراملختزلة واملتنوعة للحياة الاجتماعية .300
قوة متمركزةّ ، مجابهة بين نوعين من القوى أو الى قطبينّ ،أولهما يفيد ّ ٌ وفي ّ
هرمية كل نشا ٍط للفكر تنشأ
ا
تسعى الى تأسيس عالقات ثابتة والى تمثيل العالم وفقا لهذه العالقات؛ ّأما القطب الثاني فهو من
لتنظيم يمكن ان نجده في الطبيعة ،الفن واملمارسات الاجتماعية. ٍ شكل غيرمتمركز طبيعة لخطية وذو ٍ
وفي آنتي-أوديب نالحظ هذا التقابل بين القطبين على شكل التقابل بين السلطة املتحكمة لآللت
الاجتماعية والانتاجية الالمتمركزة لآللت الراغبة ،وفي ألف سطح تكشف قوى النظام وقوى الزعزعة
عن انفسها على املستوى عينه ،في داخل كل ممارسات وخيوط الفكر.307
ّ ّ ّ ّ
التحولت والصيرورات ،إل أن هذه ألاخيرة سرعان إلاقليمي غبر خطوط الهروب أو واذ يشتغل إلاقتالع
هجر من سياقه وليس كل إقتالع ما يجري إعادة أقلمتها ،ذلك ان كل دفق للرغبة والفكر واملادة ُي َّ
ٍ
إقليمي هو خط هروب ،ذلك ان إلاقتالع هو بكل بساطة انفالت الشيفرة من تجسيداتها ،ولكن وإن كان ّ
ّ
إلاقتالع يؤثر في عمل واشتغال التنضيد ،فإن هذا الاخير ينحرف عن نمطه الاشتغالي الطبيعي وينمو
ا َ
املحايثة راديكالية في السيستام الاجتماعي بشكل مختلف .ان الخط الهروب أو الفرار هو أكثر تعبيرات ٍ
ا ّ ّ
بما يجسده من قوى تؤثر في هذا السيستام من دخله .ليست خطوط الهروب محددة بالنظر ملا يسببها
ا ا
ومن ناحية السيرورة التي تصدر عنها .وهي خطوط ألنها ل تمتلك بداية ،وسطا أو نهاية ثابتة ،وكما
310
Nail, Thomas , Deleuze, Occupy, and the Actuality of Revolution, Volume 16, Issue 1, 2013,
http://mysite.du.edu/~tnail2/Thomas_Nail/Research._files/Deleuze,%20Occupy,%20and%20the%20Actuality%2
0of%20Revolution.pdf
311
Due, Reidar , Deleuze, Polity Press, 2007 , P 132
312
Ibid. , P 129
108
ّ
الخطوط التي نعرفها فهي متواصلة؛ كما انها خطوط للهروب ألن التغيير الذي ينتج عنها في داخل
ذات تمتلك الخيار.303 التنضيد هو التغييرالوحيد املمكن ألن يستحيل ّ
ألي تغييرأن يبدأ في ٍ
خط الهروب
ويميزدولوز بين ثالثة انواع أو اصناف من الخطوط التقطيعية :الخط الصلب ،الخط الطر ّي ،souple ّ
وخط الهروب .ليست الخطوط الصلبة سوى اجاهيز dispositifsالسلطة ،التي هي "تلك الاجهوزات
ا ا التي حللها فوكو بشكل ّ
افضا اختزالها الى مجرد تجليات لجهاز دولة موجود مسبقا .فيكون كل جيد ،ر ٍ
ّ
إقليمية" ؛ وطاملا نحن تحت السيطرة والتحكم فإننا نحاول ا 304 ّ ٌ ُ
دوما مركب من تشفيرات أجهوز للسلطة
تقطيع segmentصلب الى آخر :من املدرسة الى الجامعة ،ومن ثم الى العمل املدفوع ألاجر ٍ املرور من
مستقبل" ،avenirأو بما يأتي ،أكان على شكل مهنة أو وأخيرا الى التقاعد ،توعدنا الخطوط الصلبة بـ" ا
ٍ
تقطيع الى آخر": مرة عند املرور من
كل ٍعائلة أو قدر يجب اتمامه ،او عمل يجب تحقيقه؛ ُويقال لنا ّ
ٍ ٍ ٍ
انت لم تعد رضيعا؛ وفي املدرسة :لم يعد حالك هنا كما كان عليه في وسط العائلة [ ]...بإختصاربتعلق ا
ألامر بكل أنواع التقطيعات املحكمة التحديد والسائرة في كل أنواع الاتجاهات ،تقطيعات تجزئنا الى
اطراف متعددة ،زفاف من خطوط تقطيعية". 305
تشكلنا وهي تقطيعات بقدر ما هي رخوة ّّ
ولينة الا ان كل التقطيعات الجزيئية تنتمي الى الانضودات التي
كقوة ضاربة ،وهي ل تحيل الى الخيالي فقط أو الى الفردية أو الى ما بين الفردي ،بل تنغمس انها تبدو ّ
ا
عميقا في الحقل الاجتماعي الواقعي؛ كما وبإعتبار ان الشكلين الجزيئي والكتلوي ل يتمايزان بأبعادهما
دوما ا
وابدا مع وبموازاة كل فقط ،بل ان الجزيئي يشتغل عبر مجموعات صغيرة ولكن يجري ويعيش ا
الحقل الاجتماعي بما فيه التنظيم الكتلوي؛ كما يجب ان نضيف ان الشكلين آلانفين يبدوان ا
دوما في
ا ّ ا ا
عكسيا ،وهذا ما يفيد انه كلما اصبحت آلالة أكبر وكونية أكثر وكوكبية ،كما طرديا أو عالقة تناسبية
ٍ
306 ّ
يقول دولوز ،فإنها تميل الى ان تصغروتتجزء وتشكل صيرورة ارتصافات جزيئية .
ٌ
ان الخطوط الصلبة ل تعامل من وجهة نظرأخالقية ،moraleبل باألحرى ايتيقية واستراتيجية:
ّ
بلحظة ما ان تستعبدنا وتشكلنا كماٍ ايتيقية من حيث ان اجاهيز السلطة ليست محايدة ويمكنها
ّ ّ
الظرفي -فوق الخطوط الصلبة يسمح لنا بأن نحث ترغب .واستراتيجية ،من حيث ان املرور –
ّ محاولت الانشقاق ّ
ونكون مسطحات لالنعتاق :يمكن للمال ،الرواتب ،العمل السياس ي ،التمردات
ّ الصغيرة ،امللكية الخاصة أن تخدمنا في ّ
شامل أو على الاقل تجنب القمع .ولكن الصعوبة ٍ هجوم
ٍ شنِ
ّ ّ ّ
خط صلب الى آخرمن دون أن نستطيع تكمن في أل نبقى فوق الخط الصلب ،وإل سوف نبقى نمر فوق ٍ
313
Ibid , P 134
89
حوارات ،ص .889
89
المصدر نفسه ،ص .890
316
Milles Plateaux, P 262.
109
ّ
عناية ودقة ،وذلك عبر تجريبهٍ الفرار والهروب ،وهذا ما يلزمنا ان نرسم مسطح الانعتاق والتحرر بل
ا ا يوميا ،ذللك ان أجاهيز السلطة تحاول ا ا
دوما وبكل الوسائل أن تنصب فخوخا وتمسك مرة أخرى
ا
و"تحتضن" كل الهاربين واملنشقين (عبر الاعانات الاجتماعية مثال ،ومراكز املساعدة الاجتماعية التي
مستقبل أفضل ومزدهر ،كما من خالل النقابات
ٍ توحي بانها تخلق شبكة من الامان الاجتماعي من أجل
التي تميل الى التسوية واملهادنة ومسامحة ارباب العمل بعد الاضرابات ،أو من خالل عيادات عالج
الاضطرابات العقلية ،القضاة ،الشرطة...الخ)
صلب من الخارج ،من خارج الافراد ،ولهذا السبب فإن املشاكل ٍ ل تتأتى خطورة البقاء فوق ٍ
خط
ليست سياسية فقط تتعلق بأجاهيز السلطة والعمل السياس ي ،بل انها اتيقية ،تتعلق بداخلية كل
فرد ،بأحكامه املسب قة وحاجاته الخاصة ،بتبعيته وعاداته ،بنمط حياته مع الانضباط الذاتي والالزام
ّ ّ
فرد منا.القسري القمعي الداخلي ،اي بمعنى آخرمع الشرطي الذي يعيش داخل كل ٍ
ناحية أخرى ،تبدو الخطوط التقطيعية الطرية مختلفة ولكنها رغم ذلك تدور في فلك الخطوط ٍ من
الصلبة وحولها من دون ان تسائلها أو تجابهها :يتعلق الامر بتلك النقاشات الهامسة حول السياسة،
بالعائالت وتاريخها ،بالرغبات املخفية ،بأحالم اليقظة خالل الجري ،بالسرار الصغيرة الحقيرة .وهي
تحولت"خطوط جزيئية بشكل من الاشكال [ ]...تخترق املجموعات بقدر ما تخترق الافراد .وهي ترسم ّ
صغيرة ،وتقوم بإلتواءات ،وترسم سقوطات أو ثبات [ ]...وهي دفوق جزيئية ذات عتبات أو كميات
جزئية [ ]...تحدث اشياء كثيرة فوق هذا النوع الثاني من الخطوط ،مثل الصيرورات والصيرورات
ّ ّ
الصغيرة التي ل تتوفر على الوتيرة ذاتها التي يتوفر عليها تاريخنا" ،302ان الخطوط الطرية هي تلك التي
تدخل الى قلب عوالم العالقات ،حيث الرفض البسيط إلحترام القواعد أو شيفرات السير ،وحيث
خط طر ّي سرعان ما تتم العودة الى الاضرابات الظرفية ،والساحات املفرغة .وحين يتم املرور فوق ٍ
الخط الصلب ،وبالتالي العودة الى نسق .ordre
املسماة خطوط الهروب .ل تحدد خطوط الهروب ّ ّأما الخطوط التي ل نعود منها الى املوقع عينه فهي
ا ا
هذه مستقبال ما ،بل بالحرى صيرورة .هي خطوط من دون برامج أو مسطحات ِمل َهن مستقبلية ممكنة،
مدركة ومجهولة؛ يتعلق الامر بصيرورة ل يمكن التحكم بها، دوما غير َومن دون نقطة وصول التي تكون ا
ّ
تحرر وانعتاق .تقف خطوط الهروب على الضد من القدر أو املوضع أو املهنة .وفوق هذه ٍ بخط
و ِ
حي ّ ا
فعال انه ّ
وحر .يقول دولوز " :ان معنى الرحيل والهروب هو رسم الخطوط يمكن للمرء أن يشعر
ا ا
خط [ ]...وليس بتاتا العزوف عن النشاط ،اذ ل وجود لش يء أكثر نشاطا من الهروب .انه نقيض
انبوبا []..ول تكتشف العوالم الا بواسطة هروب طويل نفجر ا املخيال[]...انه تهريب لنسق ما مثلما ّ
ٍ
81
حوارات ،ص ص .889 – 890
110
ا ّ
مكسر" 30؛ ولذلك لم تعد البداية ول النهاية هما ألامران املهمان ،اذ ليست سوى نقاطا ثابتة ،فاملهم
معين حيث الاختناقات وحيث تكون الوضعية أقل ار ا خط هروب ّ ّ
تياحا .وهذه ٍ هو الوسط ،وسط
حزما تنساب من الاشاعير ّ ّ
تفرد من دون ذات ،تؤلف ا الخطوط هي خطوط ّ
الحية ومن التآليف ،فوق ما
ّ ّ
يسميها دولوز "خطوط الحظ" ،أو" خطوط سوء الحظ" ،حيث تتم الالتقاءات التي قد تكون
حد القتل.302 سيئة تقود الى املوت أو الى ّ التقاءات ّ
ا
كما ان خطوط الهروب ل تنوجد مسبقا فوق مسارها الخاص ،حيث يمكن القول ان هناك "رحالت"
مسار ما موجود .وفي الفضاء ألاملس ،على الضد من الفضاء املحزز، ٍ تقطعها هذه الخطوط فوق
ّ
يصبح كل خط أو يميل الى ان يصبح خط هروب ،ألن ،بالتحديد ،ل توجد املسارات فوق نتوءات؛ مثل
ا سكة حديدية . 371وألن خطوط الهروب على هذا املنوال ،فإننا لن نملك ا ّ
أبدا معرفة قطارمن دون
ٍ رحلة
ا
ماض ،فال وجود الا لسيولت تتجمد أو تنفد ،تتوحد أو تتباعد؛ ولم مسبقة ألننا ل نملك مستقبال ول ٍ
مرتبط بها ،و ل
ٍ وتجريب
ٍ يعد هناك اي مجال للقول "أنا" ،ول ألي استيهام ،وإنما فقط "برامج حياة"
ّ يمكن ان يوجد اي ش يء فوق خطوط الهروب من غير التجريب املرتبط بالحياة ّ ":
جربوا ول تؤولوا.
ابدا".370 امجا ول تستهيموا ا صوغوا بر ا
ّ ا ا
غامض ،الا ان دولوز يرى ان هذه ٍ لقدر
ان خطوط الهروب هذه قد تبدو فرارا من الحياة أو استسالما ٍ
ّ
وتوف ٌ ٌ إل وهو ٌ ّ
سالح .كما ان الهروب ليس ٍ على ر للحياة وإبداع للواقع، انتاج الخطوط ل تفيد الهروب
حب للحياة (على طريقة نيتشه أو ادبيا ،بل على العكس من ذلك هو ٌ أيديولوجيا كان أم ا ا نقدا للحياة ا
عامة ،)..واقتر ٌ ا
تكثيفية تتنقل بين التحطيم والابداع، ٍ ات
بسيولت وصيرور ٍٍ ان سبينوزا أو الادب ألاميركي
مبدعا لهذه الصيرورات التي تنفلت عبرها الحياة من "حقد" الاشخاص والتاريخ ا ويكون خط الهروب
ٌ ا ّ
شكل من أشكال والهيمنات السياسية .ويخلص دولوز الى القول إن الكتابة أو الصيرورة -كتابة هي
ّ ّ
حب الحياة هذا ألنه " ينبغي أن تكون الكتابة من حيث هي وسيلة من أجل تفوق الحياة الشخصية،
هدف لها سوى نفسها [ ]...انه بؤس عوض ان تصبح الحياة سرا ا
كتابة قد ل يكون من ٍ ٍ بائسا من أجل
دوما الى الغد".377 يؤجل ا املخيالي والرمزي ما دام الواقع َّ
ّ
تمل ا ا
صا من العائلة أو املدرسة ،اي ليس سجن ،أو
ٍ معركة أو من
ٍ ضوهكذا ،ليس الهروب فرارا من أر ِ
زوجي .واذ ّ ّ ّا ا
نكون في انفسنا وخارجها أجاهيز للسلطة ولالستالب ،قد طالق
شكل ٍ قطيعة أو تمزقا على ِ
81
المصدر نفسه ،ص .98
80
المصدر نفسه ،ص .98 -99
320
Deleuze, Gilles, Anti-Œdipe et autres réflexions, cours en 27/05/1980 sur le site :
http://www2.univ-paris8.fr/deleuze/article.php3?id_article=68
8
حوارات ،ص .89
المصدر نفسه ،ص .81
111
ُ ا
يكون الهروب ساكنا ،في املكان عينه ،ولكن من حيث هو قلب للعالقات ،وهدم لجهوز ،واستبعاد
هروبا من آخر ،بل انتاج عالقة جديدة معه. فضا للخضوع .ليس الهروب ا لألدوار الالزامية املطلوبة ور ا
ا
يبقى ان هناك أجاهيز سلطوية علينا الفرار منها فعال حين تحاول تصفيتنا ،ولكن هناك أجاهيز بنيناها
ّ
بأيدينا (العائلة التي اصبحت ابوية ،الجماعة التي اصبحت مرعبة ،العشيقين الذين تزوجا )..وهي
عالقات جديدة مع الذات ومع آلاخرين ،من ٍ عالقات يتوجب علينا قلبها وتحطيمها من أجل تأسيس
ّ ّ
أجل تكوين انماط وجود مختلفة .ول تتقدم خطوط الهروب إل من خالل هذه التجارب كلها.
ومع ذلك ،فإن الاكثر خطورة بين الخطوط هي خطوط الهروب ،وذلك بالضبط ألنها واقعية وليست
البتة خيالية أو استيهامية مثل الخطوط الطرية مع يوتوبياتها الثورية املتعالية واستيهاماتها العدمية
ّ وأحالم اليقظة التي تخترقها .ان هذه الخطورة تستوجب ان نرسم خط الهروب قبل ان ّ
نمر عبره ،وإل
ّأدى ذلك الى كار ٍثة ما على شاكلة الهذيان والانتحار والجرعات الزائدة ومستشفيات الطب العقلي
املعزولة ،أو الادمان على الكحول والاحباط أو الكآبة .قد تؤدي خطوط الهروب الى الهدم بالتحديد
وحيدا ،حين يهرب من آلاخرين ومن أجاهيز أو يعمل على تهريبهم .وقد تؤدي بنا خطوط ا حيث يهرب املرء
يسمى الثقب الاسود ،الى نوع من الفاشية الصغيرة ،micro-fascismeاو الى سلوك الهروب الى ما ّ
طريق املغامرات العسكرية ملجموعات صغيرة منعزلة ،أو ربما تقود الى تشكيل عبادات جديدة ،secte
ّ
لخطوط صلبةٍ ومن ثم السجن وحتى املوت .وفي هذه الحالت ،فإن ما يحصل هو في الحقيقة تهريب
ا
وسوءا. خطوط أكثرخطورة ٍ والانغالق في
ّ ّ
لفشل يصيب خط الهروب .يتأتى ٍ كنتيجة غير مرغوب فيها
ٍ وفي سياق ألف سطح ،يبدو الثقب الاسود
بعيدا من مقولت وحالة الهويات الكتلوية وتتجه إلاقليمي التي تنحرف ا
ّ هذا الفشل من حركة إلاقتالع
ا
بهدم الذات التي تخفيها الى دفع الجماعات املنشقة واملتمردة نحو تشظيات أكبر مما قد يتسبب لحقا ِ
ا ٌ
سيرورة من الصيرورة -متعددا .وحين تنخرط الذات في هذه السيرورة فإنها تتفكك ،وتتحول الى ٍ
شكل
ّ جديد من الارتصاف ّالذي يحتل ما ّ
يسميه دولوز (وغاتاري) مسطح إلاتساق ،consistanceمن حيث
ا
هو فضاء لإلبداع والرغبة .ومع ذلك ،فإن هذا املسطح عينه هو فضاء للموت والتدمير ،ألن فخوخا
يتنبهواوفجوات تنتشر على طوال السيرورة هذه .ولهذا السبب ،يرى دولوز (وغاتاري) ان على البدو ان ّ ٍ
نوع من انواع ويحذروا حين ينفلتون من التنظيمات الكتلوية كالدولة والاحزاب ،ذلك ان رفض كل ٍ
فقدان للذاتية بحد ذاتها .373ٌ التنظيم قد يصدرعنه
أخالقية ما قائمة على ثنائية خير و ّ ّ
شر ،فال يجري ٍ ٍ الى يحيل ل ثالث خطوط
ٍ ن بي التمييز هذا ان إل
ا
شيطنة وتجريم الخطوط الصلبة ومدح خطوط الهروب على اساس قاعدة أخالق الواجب مثال .ان
323
Parr, Adrian, The Deleuze Dictionary -Revised Edition, Edinburgh University Press, 2010, P 34.
112
الجيد أو ّ نجرب" وليس أن نختار الطريق ّ خط هروب معناه أن " ّ َ
الخير .تبدو الخطوط الصلبة ٍ نأخذ
ا
احيانا حيوية (من أجل تأمين الحاجات الالزمة للحياة كالنوم واملسكن ..الخ) بالرغم من انها تشتغل
فعل يحاول ّ
على اجسادنا ،وتقطعنا وتضاعف تشفير طرقنا في الادراك والفعل والشعور .ويبدو ان كل ٍ
ّ ا ان يلغي هذه الخطوط الصلبة أو ّ
معقدا ذلك ان الامر ل يتعلق بتقويض الدولة أو السلطة أو يقوضها
ايضا تقويض الذات. النظام ،بل ا
حال من الاختالط والتقاطع. ا
ان هذا التقسيم الثالثي للخطوط ل يفيد انفصالها بل انها دوما في ٍ
ُ ٌ ا
خطوط صلبة تلتف حولها خطوط طرية ،و كل اجهوز ٍ حشدا من بمقابل حشد أجاهيز السلطة نجد
ا ّ ا
هروبا من كل يجعل ممكنا ظهور تعددية انشقاق وفرار .وبالرغم من ذلك ،ل يعني الانعتاق الكلي
ا
أجاهيز السلطة ،ومن الخطأ بالنسبة لدولوز ان يكون الانعتاق غاية في حد ذاته ،أو ان نستدخل
صعوبات
ٍ ٌ
تحرير بقدر ما يتضمن خطوط الهروب ونسجنها في برنامج سياس ّي .ان كل انعتاق هو
ا ا
خطوط صلبة كي يصبح بالمكان تحسين ٍ ظرفيا فوق ومخاطر ،ولذلك قد يقتض ي الامر أحيانا مرو ارا
ُ
والتمرد على الاجهوز القائم للسلطة ،قد يكون التمويل املالي عبر دورة رأس املال ضرورايا ّ الانشاقاقات
ّ جماعيا و ا
ا من أجل خلق منطقة ُت َّ
وذاتيا...الخ؛ ولكن في كافة الاحوال "يجب على الحركة أن تتخطى سير
بعدا ذا طبيعة مختلفة [ ]...هو ظروف الاشياء وأن ترسم خطوط الهروب بشكل كاف كي تفتح في املكان ا
ٍ ٍ
انصراف الوجوه الى الانفتاح والحيوية".374
َّ ّ
املكونة انها اونطولوجيا خطوط هروب من حيث هي الاختالف املحض الذي ينبت بين وفي الهويات
للخطوط التقطيعية وفي الهويات التي لم يكتمل تكوينها بعد فوق الخطوط الجزيئية؛ وخطوط الهرب
ّ
ستترهن في هذه الهويات .ويظهر ان هويات محددة بل انها تمنح ألادوات واملواد التي ليست مسجونة في
ٍ
إلاقليمي هو الخواء أو الفوض ى الكامنة تحت أو في الاراض ي والاقاليم ،ومن دون خطوط ّ إلاقتالع
ُ ا
الهروب يستحيل الكالم اصال عن اراض ي أو عن تغيير فيها ،ذلك ان خطوط الهروب هي حركة إقتالع
ثة ٌّ
تحرك الاقليم واملسكن .ويمكن القول ان ما يمنح الفكر الدولوزي السياس ي صفة آلالوية هي محاي
ِ
ّ
املبدعة التي تشكل وتعيد تشكيل نفسها في حياتنا ،والتي تتدفق عبر الارض والافراد هذه الخطوط ِ
375
والجماعات.
9دولوز ،جيل ،سينما ،الصورة – حركة (الجزء األول) ،ترجمة جمال شحيّد ،المنظمة العربية للترجمة ،الطبعة االولى ،بيروت ،نيسان ، 989
988صفحة ،ص .801
325
May, Todd, Gilles Deleuze - an Introduction, Cambridge University Press, New York, 2005,PP 138 - 139
113
ا
ثالثا :النومادولوجيا الثورية
السياسات الصغرى
ّ ّ ا
حصرا العلمية واملادية التاريخية على ما يريد املاركسيون ،وحتى وإن كنا وهكذا ،لم تعد الثورة تفيد
ا نجد في اليوتوبيا ا
دوما إحتمال إلعادة تأسيس التعالي ،بحيث "يجب التمييز بين اليوتوبيات التسلطية
أو يوتوبيات التعالي ،وتلك التحررية ،الثورية واملحايثة؛ [فإن] القول بان الثورة هي بدورها يوتوبيا
ّ حلمٌ ، محايثة ليس معناه انها ٌ
أمر ل يمكن أن يتحقق أو ل يتحقق إل بخيانة ذاته .بالعكس ،نطرح ٍ
ّ
كتحليق مطلق ،ولكن بقدر ما تتصل هذه املالمح مع ما هو ٍ حركة لمتناهية،
ٍ محايثة،
ٍ الثورة كمسطح
ّ
واقع هنا وآلان في الكفاح ضد الرأسمالية ،وتطلق النضالت الجديدة كلما تمت خيانة السابقة .هكذا،
تفيد كلمة يوتوبيا ذلك الاقتران بين الفلسفة أو ألافهوم بالوسط الحاضر :فلسفة سياسية".376
ُ
يقول دولوز بالستناد الى كانط ":ليس افهوم الثورة في الطريقة التي تدار بها هذه ألاخيرة في ٍ
حقل
ّ ّ
فك َرت به [الثورة] على مسطح محاي ٍثة مطلق ،بما هي نسبي بالضرورة ،بل في الحماس الذي ِ ّ ّ
مجتمعي
عقالني أو حتى عاقل .ان الافهوم يحرر ّ اي ش يء تقديم لالمتناهي في آلان -هنا ،الذي ل ينطوي على ّ
ّ
املحايثة من كل الحدود التي فرضها رأس املال عليه .في هذا الحماس ،ل يتعلق ألامر بالتمييز بين
ُ
شاهد واملم ِثل ،بقدر ما هو تمييز في الفعل نفسه بين العوامل التاريخية وبين الغمامة-الالتاريخية، امل ِ
ُ
حدث ،تحيل الثورة الى ذاتها ،أو انها ٍ بين حالة الاشياء والحدث .وتحت عنوان الافهوم ،وعلى شكل
محايث من دون أن يتمكن اي ش ٍيء في حالة الاشياء ٍ حماس
ٍ بموضع ذاتي يجعلها تقبض عليه في ٍ تتمتع
ّ
إلاقليمي املطلق الى النقطة أو في املعيش أن يضعفها ،حتى لو كانت اضاليل الفكر .الثورة هي إلاقتالع
ا ا ا التي يستدعي فيها ا ا
جديدا ".372 وشعبا ضا جديدة، ر
ّ ويستثمر دولوز في ّ
تصوره للثورة حساب الالمتناهي الذي وضعه ليبنتز ،)0206-0646( Leibnizلكي
ّ ّ ّ
الجزيئي الذي يحدد يبين كيف ان ان الثورات الحقيقية ل تنتمي الى املستوى الكتلوي ،بل الى مستوى
التكثيفي intensifبمفهومها السبينوزي :تركيبات ّ هذه الثورات من حيث لمتناهي معطوف على
37
عالقات انفعالية . مكونات الاجسام التي تدخل في لسرعات تتناسب مع ّ
ٍ
يهز،وتقوض بناء الفعل واملؤسسات القائمة ،انها الهواء ّالذي ّ الثورة ليست سوى حركة تعصف وتهتز َ
تتميز وتختلف انها الصيرورة؛ ولكن هذه الصيرورة الثورية من حيث هي افتراضية وعلى سطح آلايونّ ،
326
Qu’est-ce que la philosophie?, P 96
327
Ibid. PP 96-97
328
David-Ménard, Monique, Agencements deleuziens, dispositifs foucauldiens, Rue Descartes, 2008/1 n° 59, p.
44. Article disponible en ligne à l’adresse :
http://www.cairn.info/revue-rue-descartes-2008-1-page-43.htm
114
يسجلهاّ عن الحركات الثورية التي تعتمل في التاريخ الكرونولوجي لالفعال وللممارسات (وهي التي
ُ َ
املؤرخ او السوسيولوجي) .ومن حيث ان الصيرورة افتراضية ول تكتب وتنحفر الا عبر ما قام به الناس
في التاريخ الكرونولوجي ،لن تكون الصيرورة الثورية سوى تلك السيرورة التي تفتح املجال أمام
الفاعلين السياسيين واملوضوعات بأن يتحرروا من كل التمثيالت السياسية وأنماط الوجود الحاضرة
ّ
عبر خلق بدائل عينية وراهنة .ول تحمل الصيرورة الا معنى التغيير ،ان ل نركن الى الاشياء أو نشعر و
ّ
نفكر بها كما هي وبالطريقة عينها ،وأل نقوم بالتقييمات السائدة عينها .يتعلق التغيير بما هو معاش،
ا
بمعنى ان كل معطيات الحياة الاكثر ألفة سندخلها عبر الصيرورة بطريقة مختلفة من حيث العالقات
بشكل
ٍ مع العناصر املعتادة لنمط وجودنا ،أو كما يقول زورابشفيلي :ان نحتفل مرة أخرى بالكل
آخر.372
جماهيرا أو حشود multitudeمن ِتجة تتكون منا وباملعنى السياس ّي ،ل يستدعي دولوز (وغاتاري)
ّ القوة العاملة املستلبة aliénéبإعتبارها ّ
قوة تشكل عالم الانسان .ان الجماهير غير موجودة ،كما ل
يمكن خلقها عبر ارادة سياسية جماعية أو عبر عملية إنعاش للسوسيوس .على العكس من ذلك ،ان
ّ
عام
بشكل ٍ ٍ الشعب الذي يتحدث عنه دولوز هو شعب مفقود وغير حاضر ،حيث ل يوجد صيرورة
ولكن صيرورة في عالقة؛ وعلى هذا النحو ،ل يستدعي افهوم الصيرورة – حيوان الحيوانات أو الحيوان
ا
الحياة بل يخلق تفاضلية تتضمن الصيرورة – لمد َرك ،أو فكر الالكينونة ،اي ِ كشكل من أشكال ٍ
ا
تجريبا ا
تجريبا ل يؤدي الى النفي واحالة الى الوعي املضاد للذات anti-self-consciousnessبل تحتوي
حد أدنى minimaيقترب من الصفر.331 مع ٍ
ويسمح لنا افهوم آلالة الراغبة بالنتقال من السياسات الكتلوية الكبرى (املاكرو) الى تلك السياسات
الجزيئية الصغرى (امليكرو) .وفي ألف سطح ،يتبنى دولوز (وغاتاري) املنظور السياس ّي لصيرورة –
ُ ْ
مشددين على ان قوة الاقليات ل تقاس بقدرتها على تشكيل نفسها والدخول في سيستام أقلوية،
دوما من حدود ّاية أغلبية معطاة ،ذلك ان هذه تفر األاغلبية .ان سيرورة الصيرورات الاقلوية ّ
329
Zourabichvili, François, Qu’est-ce qu’un devenir pour Gilles Deleuze ?, Conférence prononcée à Horlieu
(Lyon) le 27 mars 1997, P 2.
Document accessible à l’adresse électronique suivante :
www.horlieu-editions.com/brochures/zourabichvili-qu-est-ce-qu-un-devenir-pour-gilles-deleuze.pdf
ب أو طبقة
جمهورا ال يفيدُ وحدة َ شع ٍ
ً المفكرين النيو-ماركسييْن أنطونيو نيغري ومايكل هاردت ،حشدًا أو
ّ تعني الـ multitudeمن وجهة نظر
هدف أو نضا ٌل مشترك،
ٌ عاملة ،أو هويةً واحدة جامعة ،بل بالعكس يفيدُ تعددية إلختالفات داخلي ٍة في الهويات والتوجّهات ،وهي تعددية يجمعها ه ٌّم أو
ً
من دون أن تلغي أو تتجاوز اإلختالفات وكثرة الهويات واالنتماءات التي تدخل في تكوينها.
انظر:
Negri, Antonio, Hardt, Michael, Multitude, War and Democracy in the Age of Empire, the Penguin Press, New
York, first edition 2004, PP xiv, xv
330
Colebrook ,Claire, Deleuze and the Meaning of Life, Continuum International Publishing Group, New York,
2010, PP 151 - 152
115
ّ
الصيرورات تعني القدرة على تحويل الانفعالت ،الايمانات والحساسية السياسية للناس -الذين
ّ ّ
التحولت شعب جديد .330.وان هذا القدوم وتلك ٍ بشكل يدفع الى قدوم ٍ يتشكلون كجماعة سياسية -
لألغلبية،كالعدالة وشكل الحقوق والواجبات.
ِ منسوبة
ٍ ستلقي بظاللها على مفاهيم
محددا بتناقضاته ،ولم تعد الحركة ا ُ
املجتمع ومن وجهة نظر السياسات الصغرى ،أو الجزيئية ،لم يعد
ّ العميقة التي ّ
مجتمع هي تلك التي تتمثل في التقطيعات الكتلوية الكبيرة التي تتصارع ،ل بل ٍ تحرك كل
ان السياسة الجزيئية تستوجب تعريف املجتمع من حيث خطوط هروبه ،وهي خطوط جزيئية ،تسيل
للضم وملضاعفة الشيفرات ،ولقد كان أيار\مايو 6 ّ وتفر ،وتهرب من التنظيمات الثنائية ومن كل آلة ّ
كة من وجهة نظر السياسة الكتلوية والتنظيمات الكبرى ،وكل من غير ُم َ
در ٍ جزيئيا ،وكانت شروطه ُ ا
ابدا الحدث الثوري ّالذي قام وحيث " ّ
فر أحكاما بمقولت السياسة الكتلوية هذه لن يفهم ا ا يصدر
منسوبا الى ش ٍيءا كب َر من دون ان يتوقف عن كونه غير ثم ُ صغيرا ومن ّ ا الدفق الج ّ
زيئي ،في البداية
شيئا إن لم ّ ن ا ما...ومع ذلك ،فالعكس صحيح ا
تمر مرة ايضا :ان الهروب والحركات الجزيئية لن تكو
أخرى في التنظيمات الكتلوية ،ولن تحتفظ بتقطيعاتها ،بتوزيعاتها املزدوجة للجنس ،الطبقات
والاحزاب" ،337اذ يعتقد دولوز (وغاتاري) بأهمية الجهود من أجل توسيع وتحويل طابع الاغلبية حين
شيئا إن لم تعود الى التنظيمات الكتلوية كي ّ ن ا
تعدل من يثبتان ان حركات الهروب الجزيئية لن تكو
َ
جديد قط ِعها ،وتوزيعاتها املزدوجة.
بنقد شامل للتمثيل .ومن وجهة نظر هذه السياسات لم ويبدو أن أفهوم السياسات الصغرى يرتبط ٍ
ا
مطلوبا يعد املجتمع يتحدد وفق تناقضاته ،كما يرى املاركسيون ،بل وفق خطوط هروبه؛ ولم يعد
تسيره صراعات الطبقات واملصالح ،بل يجب باملقابل رسم فقط تقويض الرؤية املاركسية ملجتمع ّ
ُ َ ّ
فهم إل من خالل مجتمع في مواجهة السلطة القائمة .وان خطوط الهروب هذه ل ت ٍ خطوط هروب كل
تعددية العالقات السياسية والاجتماعية.
البديهي ان آلالة الثورية لن تستطيع الاكتفاء بالنضالت املحلية والعينية املحددة، ّ ويرى دولوز انه من
بل ل بد أن تكون في آلان عينه مفرطة في رغبويتها وفي لتمركزها؛ واملسألة املطروحة هي طبيعة
عامودي يخنق ّ بشكل تعددية ،وليس
ٍ أفقي من خالل ّ بشكل التوحيد والدمج املفترض أن يشتغل
ٍ ٍ
ّ
الرغبة وتلك التعددية .التوحيد ألاول يتعلق بآلة حرب وليس بجهاز دولة .ويعني التوحيد ا
ثانيا بأن ٍ ٍ ٍ
علميا عبر العقلنة، ا ا
توليفيا تحليليا لرغبات الجماهير والجماعات ،وليس دو ارا ا عليه ان يمتلك دو ارا
331
Patton, Paul, Becoming-Democratic, in Deleuze and Politics (Edited by Ian Buchanan and Nicholas Thoburn),
Edinburgh University Press, 2008, P 191
332
Milles Plateaux, P 264
116
ا ّ
الشمول والاقصاء . 333ويشير دولوز الى الخطر الذي يمكن أن يسقط فيه الحزب الثوري مثال في
مجابهته للرأسمالية أو للتشفير حيث يقول ":اعتقد ان في السيستام الرأسمالي ،ستأخذ كل
ّ شبيها بأشكال تفكيك التشفير التي ستخترق شكال ا ا
وتمر أسفل اكسيوماتيات التشكيالت الثورية
تفك التشفيرات ،لحركات إلاقتالع دائما هي كيف يمكن لحركات ّ النظام .ولكن املسألة التي نواجهها ا
ّ ا ا ا ّ
مشوهة أو إلاقليمي أن تكون في آلان عينه ايجابية ثورية ،وفي الوقت عينه ل تعيد خلق أشكال
مصطعنة من العائلة ،اي بمعنى آخر أل تخلق من جديد بطريقتها أنواع من الشيفرات وألاقلمة
اساسيا في أقلمة الحزب.ا []...وعلى مستوى الالوعي في عالقاته مع الحقل الاجتماعي ،يبدو الخطر
ا
ثورية ّ ا
تحرك الليبيدو ،والايروس والرغبة من دون أن تنغلق من فكيف يمكننا أن نجد بين الناس صلة
ّ
جديد في البنى املشفرة أوألاكسيوماتية ألاوديبية .انها مشكلة على مستوى املمارسة 334".بالخص أن "
وحدة للنضالت الظرفية من دون الوقوع في التنظيم ٍ املسألة الثورية املطروحة اليوم تكمن في ايجاد
ا ا ُ ّ
حرب ل تعود الى جهاز دولة ،وحدة بدوية مع الاستبدادي أو البيروقراطي للحزب أو لجهاز الدولة :آلة ٍ
ّ
الخارج الذي ل يحيل الى وحدة استبدادية داخلية". 335
وبهذا املعنى يجدد دولوز (وغاتاري) فهمنا للثورة بالنطالق من فكرة ان الثورة الفعلية التي تكمن في
336
يتجه نحو تغيير الحياة ومعانيها ومنظوراتنا لها ،يرتكز على "الاقلية" .ان تصغير كل تغيير راديكالي ّ
جنبا الى جنب تمظهراتها في كل الحقول الاجتماعية بإهمال كل التز ٍام miniaturisationالسياسة يسير ا
وتموقع ودخو ٍل في املؤسسات السياسية القائمة ،بالخص الدولة والاحزاب السياسية والنقابات ٍ
ا
البيروقراطية؛ هذا معناه ،ان السياسة لم تعد حكرا على فئة ما أو نخبة سلطوية ،بل بالحرى
ا
ونشاطا ا ا
يوميا وممارسات تمتد من الافراد الى الجماعات الجزيئية التي يريد لها دولوز ان اصبحت فعال
تحتل كل املسرح السياس ّي. ّ
وتحولتها ّ ليست الاقلية مجموعة صغيرة العدد بل يجب النظر اليها في حركية املجموعات ،في تبدلتها
الهويات الايديولوجية والعقائد السياسية الشمولية الطاغية والتي ّ تجردها من وإختالفاتها وفي ّ
ّ ّ
الحزبي أو الايماني والعضوية .انها بالحرى محور إلاقتالع تتطلب التجانس والانتماء عبر الالتزام
إلاقليمي للحياة ،ودعوة الى استجالب افتراضية العالم بمواجهة النموذج الكتلوي وألاكثر ّي 332.ويرى ّ
333
Deleuze, Gilles, Trois problèmes de groupe, Préface du livre de Félix Guattari, Psychanalyse et transversalité,
Essais d’analyse institutionnelle. Sur le lien d'origine : http://www.revue-chimeres.org/pdf/23chi01.pdf
334
Deleuze, Gilles, anti Oedipe et mille plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972, sur le site électronique :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et%20Mille%20Plateaux&lan
gue=1
335
Deleuze, Gilles, l’ile déserte et autres textes, éditions Minuit, 2002, P 362
336
Deleuze and Politics, P 63.
337
Thoburn, Nicholas, Deleuze, Marx and Politics, Routledge, April 2014, 240 pages, P 7.
117
دولوز – (وغاتاري) – ان عصرنا هو عصر الاقليات التي ل تتحدد بعددها بل بالصيرورة أو بالفارق
ّ
عدد صغير؛ ولكن ألقلية أن تتضمن سوى ٍ ٍ الذي يفصلها عن البداهة التي تشكل ألاكثرية ":ل يمكن
ا ّ ا يمكن لها ا
ايضا ان تتضمن العدد الاكبر ،مشكلة أكثرية مطلقة ،غير محددة [ ]...ما يحدد أقلية ما هي
ألقلية ما أن تكون عديدة أو حتى لمتناهية ،وألامر عينه بخصوص ٍ العالقات الداخلية للعدد .يمكن
ا ا يميزهما هي العالقة الداخلية للعدد التي ّ الاكثرية .ما ّ
تكون في حالة الاكثرية مجموعة ،متناهية أو
لمتناهية ،ولكن قابلة للعد ،dénombrableبينما يمكن تعريف الاقلية على انها مجموعة غير قابلة
33
للعد ،مهما كان عدد عناصرها".
ا
ان هذه امليزة التي تحوزها الاقلية ألنها غير قابلة للعد يجعل منها رباطا connexionعلى شكل حرف
ّ ّ
العطف "واو" وهو رباط يتولد بين العناصر واملجموعات والذي ل ينتمي في آلان عينه الى هذه
ّ ّا ّ
هروب .وفي حين ل تتعامل الاكسيوماتية إل مع ٍ مكونا خط املجموعات وتلك العناصر ،بل انه يفر منها ِ
مجموعات "مبهمة" ،flouأو
ٍ القابل للعد ومع املجموعات حتى لو كانت لمتناهية ،فإن الاقليات تشكل
باألحرى "تعدديات هروب أو تعدديات دفوق".332
عدد من ألقلية ما أن تكون أكبر ٍ
ٍ واذ ل يكمن الفرق بين الاقليات والاكثريات بالعدد ،بحيث يمكن
ْ ا ّ
سكن الراشد الاوروبي الذكر في التكيف معه :مثال أكثرية؛ فإن ما يحدد هذه ألاخيرة هو نموذج يجب ٍ
نموذجا ،انها صيرورة ،وسيرورة .ان الاقليات هي مغامرات بدوية .وأن ا املدن ...بينما ل تكون الاقلية
أقلويا معناه أن يسعى الى ما يربطه مع الحركات املهجورة في الجسد الاجتماعي .ويمكن ا يصبح املرء
للروابط التي ستقام ان تكون ل سياسية فقط ،بل فنية أو لسانية أو علمية أو ادبية..الخ وان نصبح
هوية ما .ان الصيرورة-إمرأة هي صيرورة صغرى وكل صيرورة صغرى ا
أقلية ل يفترض مسبقا احتضان ٍ
هي اصطدام مع هوية الاغلبية من أجل البحث عن إمكانيات وإحتمالت جديدة وعن صيرورات جديدة
ّ ل ّ
تقيدها الخطوط الكتلوية وآلتها املجردة؛ انه البحث والتقص ي عن الافتراض ي الذي تحجب رؤيته
ّ
الخطوط الكتلوية لألغلبية والذي يدفع الى القطيعة مع فكر الهوية لصالح الاختالف .و"يمكن لنا
ا ّ
بشكل أو بآخر ،يمكن ان يندرجوا في صيرورة ٍ شخصا ما ،وان كل الناس، القول إن الاغلبية ليست
نماذجا ،فألنها تريد أن تصير أغلبية ،وهذا ا دروب مجهولة [ ]...حين تخلق الاقلية أقلوية يسوقونها في
ٍ
ا
تجنبه من أجل خالصها أو بقائها ( مثال الحصول على دولة ،فرض قواعد)...؛ ولكن ّ ما ل يمكن ّ
قوتها ٍ
سيمر الى هذا الحد أو ذاك في النموذج ،من دون الاعتماد ّ مما كانت قادرة على خلقه[ ،اي] ما تتأتى ّ
338
Milles Plateaux, PP 586-587
339
Milles Plateaux, P 587.
118
ا عليه .ان الشعب هو ا
دوما اقلية ابتكارية تتبقى له حتى حين يصبح اغلبية :يمكن للشكلين ان يتعايشا
ّ
ألنهما ل يجريان فوق املسطح عينه".341
وأتعلق ألامر بأقليات من طبيعة قومية أو عرقية ،فإن الدولة تحاول ا ّ
دوما السيطرة عليها وخنقها قدر
املستطاع من خالل الاكسيوماتية وإلحاق كل الاقليات بالبداهات الاكثرية عبر جعلها قابلة للعد
وإلاحصاء .وتكمن وصفة التعدديات ،formule des multiplicitésبحسب دولوز ،في صيرورة الاقلية
محد ادا في خاتمة املطاف ،ولكن تلك النضالت العديدة عاملاا وسيكون النضال ضد الاكسيوماتية ّ
ِ
للنساء والاقاليم أو للعاطلين عن العمل أو للمقموعين في دول العالم الثالث ،هي اشارات لصر ٍاع آخر
تحمله رغم بساطته .انه الصراع اع يصل الى درجة لن تستطيع الاكسيوماتية ّ ينوجد معها ،وهو صر ٌ
ّ
الذي يظهر حين "يطالب الناس بأن يطرحوا بأنفسهم مشاكلهم الخاصة ،وبأن يحددوا ،على اقل
ا
تقدير ،الشروط املحددة التي وفقها يصبح بإمكان هؤلء ان ينالوا حال أكثر عمومية ،يتابع دولوز،
ّ َ ُ وليست املسألة ّ
مركزية أو لمركزية ،بل قضية ٍ مة ما ،أو حتى قضية باملرة مسألة أنارشية أو مسألة منظ ٍ
للعد.للعد في مواجهة أكسيوماتية املجموعات القابلة ّ يخص املجموعات غير القابلة ّ ّ حساب أو َ
تصو ٍر
ّ
كما ان هذا الحساب يمكن له أن يحظى بتقسيماته ،وتنظيماته ،وحتى بمركزيته ،و[لكنه] ل يمر في
مجرى الدول أو في سيرورة الاكسيوماتية ،ولكن عبر صيرورة أقليات".340
يؤشر الى سياسة للحياة اليومية ،العينية والواقعية والتي ّ ّ
تبدل ويبدو ان افهوم السياسات الصغرى
الهرمي على السلطة ّ تتصل بميادين الصراع من طبيعة املسألة السياسية التي ،بصورتها التقليديةّ ،
والانقسام الافقي السياس ّي بين التيارات الثورية والاصالحية ،والبرجوازية والبروليتارية باملعنى
املاركس ّي.
ولم يعد من الغريب ان تعود الى املشهد كل املسائل الشائكة لألقليات العرقية ،واللغوية واملناطقية أو
تلك الجنسانية ،ولكن هذه املرة ليس كقضية منبوذين ،بل كأشكال ثورية راهنة تضع موضع السؤال
ا
تشاؤميا تماما .وبدل الانغالق في فكر يبدو كل ارتصافات الدول-الامم ،والسوق العالمي ،بشكل محايث ا
ٍ
بنمطيعتقد ان الصورة اصبحت مستحيلة وان الفاشية تعاود الظهور ،فإن املطلوب هو التفكير ٍ
ّ لكل آلت الحرب البدوية ّ جديد من الثورة وبالصيرورة -ممك انا ،وبتمفصل ّ
الحية التي ترسم مسطح ٍ
ّ ّ ّ
اتساق ينسف مسطح التنظيم الذي تشكله الدولة؛ بالخص ان هذه الاخيرة لم تعد ّ ّ
سيدة مسطحها. ٍ
ّ ّ
347وبالنسبة لدولوز سوف تحطم حركة املحايثة على مسطح الفكر البدوي ،بإعتبارها حركة ثورية،
منهجي ،ال قالع املعتادة لوظائف الحكم والتعالي في الالهوت ،وعلم النفس وفي الفلسفة ّ وبشكل
ٍ
340
Pourparlers, P 235.
341
Milles Plateaux, P 588.
342
Deleuze, Gilles, et Claire Parnet, Dialogues, Flammarion, 1996, P 176.
119
بشكل مسبق من خالل شيفرات استيالءٍ الاخالقية .وبإعتبار ان انماط ادراكتنا وافعالنا يجري بناؤها
ننتزعها من آلاخرين ،فإن الحرية لن َ
تعني سوى اختيار وتنظيم الادراكات والافعال في ضوء طريقة غير
ا
محددة مسبقا ولتمثيلية.343
الفلسفة وآلة الحرب البدوية
مشكلة سياسية مباشرة تتعلق بنمط ٍ التوسع في ّ ُويدخل دولوز أفهوم آلة الحرب البدوية لغرض
عمل ثوري ل يستعيد الشكل التقليدي والرسمي للحزب الثوري ،ول بهدف ٍٍ تقسيم املجموعات
يستنسخ آلة الدولة (رغم ان آلة الدولة قد تنشأ عن آلة حرب كما حصل مع النازيين) .وفي هذا
ّ
السياق ،يجدد دولوز الفهم املاركس ّي للسلطة ولألجهزة القمعية للدولة .يتعلق الامر ،بإنتاج نظرية
ا ّ ََ
ثوري ُمبتكر ل يفترض مسبقا تمركز سلطة الدولة القمعية في جسد ببيان
حرب أمام سلطة الدولةٍ ،
سلطة كهذه من خالل العالقات املتبادلة ٍ ّ
مؤسساتي كالشرطة أو الجيش ،ولكن يأخذ في الاعتبار تكوين
ضدها.344تتوجه ّ بين الدولة والقوى الاجتماعية التي تحاول الافالت منها أو التي ّ
فضاء أملس – في مقابل الفضاء املحزز striéآللة الدولة -هو املوضوع الداخلي لآللة ٍ ان تكوين
البدوية ،من حيث ان احتالل واعادة انتاج هذا الفضاء يشكالن السيرورة الخاصة حيث ّ
تترهن
ّ إل حين تالقي ما ّ ّ
تفر منه ،إل اذا صدمت actualiseهذه آلالة .ول يمكن القول عنها انها آلة بدوية
نفسها في ما هو خارجها بما سيستبعدها نحو داخلها ":إن جرت الحرب داخلها بالضرورة ،فألن آلة
وعندئذ ،ستصبح الدولة
ٍ الحرب تصطدم بالدول وباملدن ،كما بالقوة التي تعارض املوضوع الايجابي،
كما املدينة ،تلك الظاهرة الدولنية املدنية عدوة آلة الحرب ،وسيكون هدف [هذه ألاخيرة] تدمير
تحرك آلة الحرب التي ل تمتلك في داخلها سوى الارتصافات [تلك]" .345وهكذا لن تكون الحرب هي التي ّ
ستشكل ا ّ
حربا ستجري بالضرورة عبر آلالة الاجتماعية املتعددة للفضاء الاملس ،هذه الارتصافات التي
ّ ّ
تأليفي .وستصبح املسألة من سيتحكم بهذا التأليف ويقوده ويفرض ضرورته ابط
البدوية ،بحسب ر ٍ
عليه.
يسميه دولوز (وغاتاري) "خطوط ان الفضاء ألاملس وليد الفكر البدوي وآلته الحربية في ترسيمه ملا ّ
َ
فضاء بدوي ُمحتل ولكنٌ الهروب" التي تجابه التخطيطات العقالنية املتعالية .ان الفضاء الاملس هو
بداية أو نقطة وصول .وهو وجهة ،من دون ا
ٍ هدف أو ٍ ليس معدودا ،وفيه تكون الحركة مستمرة من دون ٍ
تغير من طبيعتها حين تنقسم؛ اي بمعنى لمتجانس تحكمه التبدلت الدائمة ،ويمتلىء بتعددية ّ ٌ ٌ
فضاء
ٍ
343
Due, Reidar , Deleuze, Polity Press, 2007 , P 140
344
Deuchars, Robert, Creating Lines of Flight and Activating Resistance: Deleuze and Guattari’s War Machine,
in AntePodium, Victoria University Wellington, 2011
http://www.victoria.ac.nz/atp/articles/pdf/Deuchars-2011.pdf
345
Milles Plateaux, P 519.
120
آخر ،ان الفضاء الاملس هو فضاء ترتيبات جديدة للقوى ،وإمكانات جديدة للحياة .وفي املقابل ،نجد
تنظمها تراتبية ومبادىء متعالية .346 املحزز يحيل الى حياة ّ ان الفضاء ّ
ٍ
وان جوهر الدولة هو الجذب ،gravitasو ما تقوم به هو تحزيز الفضاء الذي تسيطر عليه ،أو انها
فجوات بين ٍ تستخدم لصالحها الفضاء الاملس من أجل خدمة الفضاء املحزز ،عبر اختراقه ووضع
ّ
حدود لها ٍ مكوناته ،والاستيالء على دفوق الرغبة بكافة أنواعها والتحكم بحركتها عبر تبطيئها ووضع
ّ
وتقسيمها وتنظيمها؛ فإن الحركات املطلقة للفضاء الاملس يحكمها قانون النوموس ، nomosالذي
يسرعها بإعتباره قانون آلة الحرب البدوية التي تبتكر السرعة القصوى .342لذلك فإن الفضاء ألاملس ّ
التعرف عليه من خالل دفوق القوى. ّ ّ
محيطي ل حدود له ،ويمكن
ّ ّ
إلاقليمي النسبي الذي يقوم به رأس فلسفة تصل باإلقتالع ٍ في ما الفلسفة؟ يدعو دولوز (وغاتاري) الى
ّ
لمتناهية ،ومن ثم تمحيه ٍ كحركة
ٍ محايثة
ٍ املال الى حالته املطلقة ،وتقوم بتمرير رأس املال فوق مسطح
ضا جديدة .34ان جديدا وتؤسس أ ا ا حد داخلي ،وتقلبه ضد نفسه كي تستدعي ا
شعبا من حيث هو ٌّ
ر
مطلوبا من الفيلسوف ان يكون ا الثورة هي خطيئة الفالسفة وإن كانوا ل يقودونها في الواقع .وليس
سياسيا ،بل املطلوب منه ان يصنع الثورة على مستوى الفكر املحض ،ألن كل ا ا
حاكما ا
قائدا للثورة أو
مهما لن ّ
شيئا ا ا ش يء يعود في النهاية الى الفكر .ما لم ّ
يتغير على مستوى الواقع، تتغير طريقة التفكير فإن
حتى لو قامت الثورة ،ألنها ما تلبث ان تنقلب ضد ذاتها .لذا ،على الفيلسوف ان يقوم بالثورة الدائمة
ايضا ان يصير ا إل ببطء .وعليه ا ّ
شعبا حتى وأن ل يستعجل حدوثها في الواقع ،ألن املجتمعات ل تتقدم
غريبا عن أمته. يمكن للشعب أن يتفلسف .فالشعب أو ألامة في داخل الفيلسوف أو الفنان وإن كان ا
من هنا نقول انه من الخطأ القول ان الفالسفة ل سيما الكبار منهم ،يعيشون في أبر ٍاج عاجية ،فهم في
قلب عصرهم ومشاكله وهمومه وقضاياه.342.
ْ
يقول فرنسوا زورابيشفيلي ، Zourabichvili املتخصص في فلسفة جيل دولوز ،ان وظيفة الفلسفة،
عالمات في
ٍ عند هذا ألاخير ،تكمن في معاينة العالم أو الطبيعة في حدثيتها ،événementialitéفي ابتكار
فلسفة أسئلة عامة بل باألحرى خاصة ّ َ
ومميزة اللغة تحافظ على فردانيتها أو تمايزاتها .ليست الفلسفة
ٌ َ
خطابا حول الحياة ولكن نشاط حيو ّي، ا ومتفردة ،أسئلة تعاين الحدث على انه حدث .كما انها ليست ّ
تشتد وتقوى وهي تحافظ على انتقالتها ،من أجل أن تثبت ذاتها ّ ّ ٌ
وتقيم نمط تمتلكه الحياة من أجل أن
وتشوش السيستام الفصلي للزمن .ولن يقوم الافهوم بتمثيل الواقع ول بشرحه ،بل ّ تشعباتها في اثبات
346
Bell, David, Fail again. Fail better: Nomadic utopianism in Deleuze & Guattari and Yevgeny Zamyatin,
Political Perspectives 2010 Vol. 4 (1), P 9.
347
Milles Plateaux, PP 479 - 481.
348
Deleuze, Gille & Guattari, Félix, Qu’est-ce que la philosophie?, Les Éditions De Minuit, Paris, 2005, P 95.
90جيل دولوز وتجديد الفلسفة ،ص 89
فرنسوا زورابي ْشفيلي ) 998-8089( François Zourabichviliفيلسوف فرنسي معاصر متخصص في فلسفتي اسبينوزا وجيل دولوز.
121
انه ينسج دراما محضة في ما سوف يأتي ،بغض النظر وبالستقالل عن ألاشخاص أو املوضوعات؛
وهكذا ،يصبح بالمكان ألفاهيم آلاخر ،الفضاء ،الزمان ،املادة ،الفكر ،الحقيقة ،املمكن ألخ أن تصبح
ا ألنها ُت َ
عامل على ّانها أحداثا .351 أفاهيما ّ
ا
ّ
وعلى هذا النحو ،يمكن القول ان الفكرالفلسفي الذي يريده دولوز هو سرعة مطلقة لتواصل وترابط
واتصال التحديدات او الصفات املجردة ،والعامة .فالفكر َيخلق ويبتكر اي انه يجمع بشكل ّ
حر
ا مسطح املحايثة ،مما يعني انه ليس ّ ّ
مهج ارا ،ومثبتا ملرة واحدة في بناء افاهيمي؛ انه في التحديدات فوق
ا ا ذاته ٌ
محضا يصل الى سرعات لمتناهية. حر ،منفلت ،منعتق ،مقتلع من جذوره ،بإعتباره تدفقا
ا ا
ض جديدة ،ملكان كتابة والفكر ايضا ل مكان له فهو لهذا السبب يوتوبي؛ وهو في ذاته يحوي نداء ألر ٍ
متعال يجب تقليده ،ل بل انه مثال ّ
ٍ وتسجيل جديد ،لشعب جديد؛ وألنه إقتالعي فهو ل يعبرعن ذاته في ٍ
ا
آلان وهنا يتصل بما هو موجود من دون ان يكون مثال ل يبغي ان يتم استحضاره وتخطيطه ،وان
ّ ا
إلاقليمي املطلق للفكر، برنامج له هوية ومبني مسبقا .والثورة تتزامن مع إلاقتالع ٍ يشتغل كنموذج او
ّ دوما والذي سبق ّّ من حيث انها صيرورة محضة ،وواقع افتراض ي يصير ويأتي ا
وتم تخطيه في زمن
آلايون.350
يريد دولوز من الكتابة ،كي تفلت من التشفير ومن سجون فكر الدولة ،أن تكون جذمورية وليس
قوةشجرية كما هي جينولوجيا الفكر املهيمن أو السائد ،بإعتبار ان الجذمور هو طريقة تفكير ذات ّ
ّ
خالقة ترفض البناءات الثنائية والتماثلية والتراتبية ،وتعمل على اظهار الطرائق املتعددة لكيفية
ّ ّ
فكر أو ممارسة أو أفهوم .وعلى الضد من الفكر السياس ي الشجري بنسخاته العديدة والذي مقاربة اي ٍ
فكر ّفإن الفكر الجذموري ٌ ّ
ثوري يسمح ينطلق من الفرد الى العائلة فالدولة والقانون كما عند هيغل،
ّ
بتعددية في الاقترانات والروابط واملنظورات وبالتالي في الابداعات ،وهو القادر على ان ينتج خط هروب
ّ َ ُ
ممتد. فضاء
ٍ فضاء لحدود له ويجابه في جريانه كل النقاط التي تستخدم كمواقع ثابتة في ٍ يجري في
ّ
إلاقليمي وبإعادة ألاقلمة. يتواصل الجذمور فوق الفجوات والشقوق ،وفي آلان عينه يقوم باإلقتالع
الجذمور هو آلة الحرب البدوية التي دعا دولوز (وغاتاري) اليها ،ألن الكتابة البدوية او الجذمورية هي
ا ّ ا ّ
أسطحا plateaux وتكون مصاهرات تبني بسرعة قصوى كي تشكل خطوطا ٍ تلك التي تتحرك
357
مؤقتة.
350
Zourabichvili, François, Deleuze : une philosophie de l'événement, presses universitaires de France, 2e édition,
Paris 1996, P 121
351
Mengue, Philippe, Deleuze et la question de l’utopie, sur le site :
http://www.upavignon.org/IMG/pdf/Deleuze-Utopie.pdf , P 20.
352
The Deleuze Dictionary -Revised Edition, P237
122
املرضية ،وتبدو الكتابة وفي كتابه النقد والعيادة يرى دولوز ان العالم يشبه مجموع ألاعراض َ
مة تأتت ّ ّ ا
عما مقاو ٍ
ِ بصحة
ٍ ع يتمت ألنه ولكن عظيمة عافية كمؤسسة صحية ،ليس ألن الكاتب يمتلك
تحملها ،ما ينهكه ولكن في آلان عينه عاشه وشعر به من اشياء كبيرة وخطيرة ،من تجارب ل يمكن ّ
ٍ
ّ ُ
العامة للرأي العام املهيمنة والسائدة ان تجعلها مستحيلة؛ انها ات تحاول العافية يمنحه صيرور ٍ
ُ 353 ُ
رؤية جديدة تفتح لها طريق العبور والانتقال "عافية سبينوزا الخاصة" ،بقدر ما تدوم ،تشهد على ٍ
ّ ا كي تحرر الحياة ّ
وصحة وصيرورة مما يسجنها داخل الانسان وخارجه .تصبح الكتابة البدوية عافية
تماما كما تفعل الكتابة الاميركية حين ينقل الكاتب ،مثل ملفيل Melville أو ا شعب، خلق
ٍ
ّ ميلر ،Millerذكرياته الخاصة فإنه في آلان عينه يكتب ّ
ذكريات كل املهاجرين الذين أتوا ٍ ويحدثنا عن
ّ
الكتابة ليس هو الشعب املدعو ِ الى أميركا من كل قارات العالم .ولكن الشعب الذي يتم استحضاره في
صيرورةّ - ٌ صغير ا
ٌ الى الهيمنة على العالم ،بل انه " ٌ
مكتملٍ ثوري [ ]...غير ٍ دوما ،مأخوذ في شعب صغير،
ّ ا
دائما [ ]...انه صيرورة الكاتب .يمثل كافكا بالنسبة الى اوروبا الوسطى ،وملفيل بالنسبة الى أميركا
تعبيرا سوى من خالل جماعي لشعب صغير ،أو لشعوب صغيرة ل تجد لها ا ّ الكتابة من حيث هي ٌ
نطق
ٍ ٍ
354
الكاتب وفيه".
ٌ ُ ّ ُ
هذيان ل حرب بدوية وهذيانية ،فهي حرب ،ولكنها آلة ٍ ان الكتابة الجذمورية ،الكتابة كصيرورة هي آلة ٍ
ّ
الثوري الذي ّ ّ يحيل الى ألام وألاب كما في التحليل النفس ّيّ ،
يمر في الشعوب والبالد ولكنها الهذيان
املرض ي الصحي للهذيان في مقابل وجهه َ ّ والاعراق والقبائل؛ أو بالتحديد الكتابة كصيرورة هي الوجه
َ ا ّ
الذي يجعل من الكتابة هيمنة لعر ٍق على أعر ٍاق أخرى ،بينما الهذيان الثوري للكتابة هو صيرورة عر ٍق
مقموع ومستعبد ويبحث عن التحرر ،ولو ان هناك خطورة دائمة في أن يغلب املرض على العافية وعلى
ائدا .ولهذا السبب على اللغة الادبية ان قامعا وس ا ا الصيرورة ،فيصبح هذا العرق أو الشعب املقموع
لغة أخرى ولكن صيرورة – ا ا ّ َ ترسم ا
آخرا لغة أجنبية أو غريبة ،التي ليست دوما خط هروبها بتحولها الى ٍ
َّ ٌ
إنقاص minorationللغة الغالبة واملهيمنة ،اي انها لغة تظهر وكأنها" خط devenir-autreللغة اي
ٌ
إبتكار نحو ّي ،syntaxiqueنمط ،ها هي صيرورة اللغة :ليست ٌ يفر من السيستام املهيمن []... مشعو ٍذ ّ
ِ
ّ ٌ ُ ا
اف وخبير [هذا] هو هدف ألادب: لكلمات [ ]...تخرج عن اللغة بل هي خارجة في اللغة .الكاتب كعر ٍ ٍ خلقا
تكون ألافكار".355 انه مرورالحياة في اللغة التي ّ
353
Deleuze, Critique et clinique, P 14.
هرمان ملفيل )8108-8180( Herman Melvilleروائي ،قصصي ،وشاعر أميركي .اشهر رواياته "موبي ديك" .Moby-Dick
والتصوف
ّ المقصود هنا هو الروائي األميركي هنري ميلر ( )8019-8108روائي ورسّام أميركي شهير .مزج في اعماله بين القصة والفلسفة
والنقد االجتماعي ،في اسلوب يخرج عن االنماط التقليدية السائدة .من أبرز رواياته "مدار السرطان".
354
Ibid, P 15.
355
Ibid., PP 15 - 16
123
ا ولهذا السبب يصبح بالمكان القول ان ّ
الفلسفة هو الصيرورة – فلسفة ،صيرورة تتعامل مع ِ هم
كحقل من التجريب والتجارب الراديكالية ،اي بمعنى آخر هي صناعة للصيرورة في ٍ مسطح املحايثة
ّ ّ
شكل من البداوة ،في ِ الافهوم ذاته ،الافهوم الذي ل نمتلكه ،الذي علينا ان نصوغه بأنفسنا في
أشياء أخرى .356وكما ل ّ ا
يتحرك البدو ولكنهم يستوطنون ٍ جانبِ الى فالسفة وغير فالسفة الصيرورات
ّ ّ
تتحرك في الفضاء الفضاء ألاملس الذي تقطعه خطوط الهروب والتعدديات ،فعلى الفلسفة ان
ا ّ
محايثة وليس محزو ازا مغلقا على نفسه يمكن تقسيمه وتوزيعه ٍ ُ
فضاء فضاء مفتوح، ٌ ألاملس الذي هو
وتقليصه ،بل بالعكس ا نه الفضاء الاملس حيث يمكننا الانطالق من جديد ألنه غير منقسم ،تام
ّ ا ّ
ويشكل كال محايثا .وبإعتبار ان الفكر يتأثر بالفضاء ،سيكون الفكر الفلسفي البدو ّي ذلك الفكر
ّ ّ ّ
املتحرر ،الذي يقوم على الصدفة والحدس ،والذي سيجول فوق خطوط الهروب ،ل الذي سينغلق
إلاقليميّ ،
ّ ا ا ّ
قوة تجابه الفكر وهرميا؛ انه فكر الاقتالع عاموديا على معطيات متراتبة فوق مسطح التعالي
فضاء أملس.
ٍ دوما اعادة أقلمة وتجزيء كل الدولني ّالذي سيحاول ا
ّ إمكانيات جديدة للحياة عبر ألافاهيم التي ّ
تقدمها فوق مسطح ٍ ٍ وهكذا ،وإن كان على الفلسفة ان تبتكر
ا ّ ٌ
محايثتها ،فإن الفن من ناحيته ،هو إبداع لألشاعير (جمع اشعور) الذي ل يعني عبورا من ٍ
حالة الى
َ
إنسان لإلنسان ،devenir non humain de l’hommeوهي صيرورة ل ٍ أخرى بل يعني صيرورة ل-
بتأمله ،352وعلى الفنان أن يكون تجعلنا نكون في العالم بل نصير مع العالم ،أو بالحرى نصير العالم ّ
ّ
دوما تنويعات variétésجديدة للعالم ،فهو ل يبتكر الاشاعير في فنه أو في عر اافا voyantألنه يضيف ا ّ
ا
عمله ألادبي فقط ،بل انه يعطينا اياها ويجعلنا نصيرها ،اي يخلق روابطا جديدة مع هذا العالم ،كما
التغيرات في تجارب ويعبر الاشعور عن ّ بين الناس ،وفي هذه الروابط يكمن انتصار الثورة املحايث ّ .35
قوة تجريب تجعله قاد ارا على انتاج وتنظيم نتائج الحركة الحياة والوجود ،وبهذا املعنى الاشعور هو ّ
ّا
والزمن لألجساد؛ وحين يصطدم هذا الاشعور بالجساد ويمزجها مع بعضها البعض يصبح مغلفا
ُ
خضح سيستامات املعرفة والتاريخ والذاكرة باإلحساس ،ويصبح صيرورة فكرة ،ويكون بإمكانه أن ي ِ
يغير املعاني والعالقات ويبتكر والسلطة ،وهو يشتغل كدينامية رغبة في داخل كل ارتصاف من أجل ان ّ
ٍ ٍ
الكثافة.352
ِ
ويصرحون ان ما ينقص هو الشعب ":ل يمكن ّ شعبا ما، وبحسب دولوز ،يستدعي الفنانون الكبار ا
إل ان يستدعي ا ّ
شعبا ،وهو في حاجة اليه في العمق الدفين لعمله ،ليس له أن يخلقه ول للفنان
356
Alliez, Eric, the Signature of the World, Or, What is Deleuze and Guattari's Philosophy? Continuum, London,
2004, P 30
357
Qu’est-ce que la philosophie?, P 160
358
Ibid. PP166-167
359
The Deleuze Dictionary -Revised Edition, P 13.
124
يستطيع .الفن هو ما يقاوم :يقاوم املوت ،العبودية ،املجاعة ،والكره؛ ولكن ل يمكن للشعب أن
ُ َ
ظل ِم َح ٍن فظيعة؟ حين يخلق الشعب ،فإنه يقوم خلق في ّ لشعب ما أن ي
ٍ ينشغل بالفن .كيف يمكن
ا
بطريقة يلتقي فيها الفن ما كان
ٍ بطريقة يلتقي فيها شيئا من الفن [ ]...أو
ٍ بذلك بوسائله الخاصة ،ولكن
361
ينقصه"
اليسارواملقاومة
ّ ّ
مصورة ، 360يقول دولوز ان اليسار "ليس سوى مسألة إدراك" أو بصيرة ،ول يتعلق ألامر في مقابلة
بمجرد صر ٍاع على السلطة والحكومة ،باألخص أنه ل يمكن لحكومة أن تكون ّ ببرنامج حزبي ما ،أو
حال من الاحوال ان ل إختالف بين الحكومات ،ولكن أقص ى ما يمكن يسارية ،رغم ان هذا ل يعني بأية ٍ
ّ
أن نأمل به من الحكومة هو أن تتبنى بعض املطالب والبرامج اليسارية ،ولكن ان تكون الحكومة
ّ
يسارية فهذا مستحيل" ،طاملا أن الحكم ليس من اليسار".
ّ
ومن الواضح ان دولوز يرفض الصورة الدوغمائية للفكر اليساري الذي يرى السلطة بإعتبارها سلطة
طبقة اقتصاية أو إجتماعية ( البرجوازية في النمط الرأسمالي والبروليتاريا في الاشتراكية) ،وأن السلطة
ا ُ
جوهرا قد ينتقل عبر الثورة من تنحصرفي آلة الدولة ،وهي التي تحددها السلطة الاقتصادية بإعتبارها
َ
املستغلين الى املستغلين ،وأن الطبقة املهيمنة أو الحاكمة البرجوازية تعيد
ِ هيمنة طبقية الى أخرى ،من
ّ
والقوة أو عبرالايديولوجيا وأجهزتها. انتاج نظامها عبرالعنف
وقد يبدو دولوز أقرب الى التيارات التحررية الانارشية (الالسلطوية) اليسارية منها الى التيارات
املاركسية اللينينة التي يرفضها برفضها ،ليس فقط لواحدية العقيدة السياسية التي تتبناها ،بل
لدعوتها ملركزية حزبية وسياسية تعتقد انها القادرة على قيادة الطبقة العاملة بإعتبارها الطبقة
ّ ا
غامضا في ما يتعلق باليسارالكالسيكي هو من ناحية أولى التشكيك ،على الثورية الوحيدة .وان ما يبدو
ّ
التصورات يتوجه ضد املاركسية بقدر ما ّ
يتوجه ضد الصعيد النظري ،بمسألة السلطة ،وهو تشكيك ّ
البرجوازية ،وعلى صعيد املمارسة العملية من ناحية ثانية ،حيث ل يرى دولوز ان النضالت املحلية
شمولية ،بل ضمن ما ّ
يسميها غاتاري املستعرضية ٍ تمركز أو واملحددة يمكن لها ان تندرج ضمن سيرورة
ٍ
.transversalitéوإن كانت النظرية واملمارسة ل ينفصالن البتة ،فإن اليسارية لم تكف عن املحافظة
جدا وعن اعادة ادخالها ،ومن ثم محاولة إخفائها وحجبها من على مقتطفات من املاركسية مختصرة ا
أجل اعادة انتاج مركزية وشمولية جديدة بالخص في تلك املجموعات التي انشقت عن التنظيم
املستعرضة Les luttes transversales
ِ الستاليني شديد املركزية 367.يدخل دولوز أفهوم النضالت
360
Pourparlers, P 235.
361
Gilles Deleuze : L for Left/G comme gauche, sur le site électronique :
http://www.youtube.com/watch?v=JV32K1XJiqs
362
Deleuze, Gilles, Foucault, éditions de minuit, 2eme édition, 2004, P 32
125
ّ ا ا
نموذجا لها في أحداث أيار\مايو 6الباريسية بوصفها شبكة مستعرضة لنضال ٍت كفت عن التي تجد
ّ ّ ٌ ٌ
نضال حيث ل يوجد ممثلون .ل أحد يمثله، ان تكون ممركزة ،انه " نمط جديد من النضال [ ]...انه
ّ
ابدا انها يمثله [ ]...وان كنتم تؤمنون بالفلسفة لن تفكروا ا أحد ما أن ّيدعي انه ولم يكن بإستطاعة ٍ
نقدا لتمثيل إن لم ننغمس في املمارسة التي ّ نوجه ا شأن املثقفين .لن يمكننا ان ّ ُ
يجرها هذا النقد.
أتحدث بإسم آلاخرين، واملما سة التي يأتي بها هذا النقد تبدو بغاية البساطة ،فهي تريد أن تقول انني ل ّ
ر
ّ ّ
ول اعتقد انني أمث ُل أحدهم".363
طرح هو التحكم أو الاتصالت في الفصل السابق ،فإن السؤال ّالذي ُي َ ّ
عاينا مالمح مجتمع كنا قد ّّ
وإن
ّ
هروب والانفالت من رعب هذا التحكم .ففي مواجهة آلالت ٍ حول الكيفية التي يمكن فيها رسم خط
أشكال من ٌ أشكال من الانتهاكات والانشقاقات أو من ناحية أخرى ٌ شكل إجتماعي تقف الخاصة بكل ٍ
ا ا ّ ّ
املقاومة التي تالئم كل آلة ،فإن كنا نتكلم عن حركة تخريب وتحطيم آلالت بإعتبارها خرقا وإنتهاكا
العمالية كشكل مقاومة لهذه املجتمعات ،فإن القرصنة يخص مجتمعات الانضباط ،والاضرابات ّ
ّ ّ
الالكترونية والفيروسات الالكترونية هي إلانتهاك الذي يواجه آلالة السيببرنية ،بينما ستشكل الاقليات
ا ُ َ
املستعرضة وذات الطبيعة الفصامية شكال من أشكال املقاومة لهذه آلالة ألاخيرة. الثورية
ّ
ويرى دولوز ان املقاومة في مجتمعات التحكم لم تكن ا
يوما غائبة ،مثلها مثل اشكال املقاومة في
ُ نظر الى هذه املقاومة وكأنها " ّ ُ َ
لشيوعية ُينظر اليها ٍ
تقدم من جديد ا
فرصا املجتمعات السابقة ،وقد ي
ّ ٌ َ ٌ
مستعرض ألفر ٍاد أحرار" ،بينما الامر هو بالحرى مختلف عن ذلك بحسب دولوز الذي تنظيم وكأنها
ا ا
اختالس للخطاب أو للغة كي يكون الابتكار شيئا مختلفا ٍ نوع من سرقة أو ّيرى ان من اللزوم حصول ٍ
وكالم والتي اخترقها املال بسبب طبيعة الرأسمالية؛ فاملهم كل ايا عن الاتصالت التي افقرت ّ
خطاب ٍ ٍ كل
ّ محولت كهربائية ،interrupteurكي ّ تجاويفا من الال-اتصالتّ ، ا
نفرمن التحكم".364 هو "ان نخلق
فرصا جديدة للحياة ،اذا يتعلق الامر بتعاقب مبيان وفي كل ألاحوال فإن ما تمنحه املقاومة هو ا
ئط ،وفي كل اكب لخرا ٍ نقطة وأخرى ،كما هي عبارة عن تر ٍ ٍ diagrammeهي صيرورة قوى ،وعالقة بين
مبيان نجد بالضافة الى نقاطه الثابتة ،تلك النقاط املنفلتة واملتحررة ،اي نقاط الابداع واملقاومة
ا ّ
والتغيير والانحراف ،وهي النقاط التي نستطيع من خاللها أن نفهم املجموعة كلها؛ وإنطالقا من
عصر ،ومن انماط واشكال النضال بإمكاننا فهم تعاقب الخرائط واملبيانات أو انفصالتها ٍ نضالت كل
ّ ّ َّ وانقطاعها عن بعضها البعضّ ،
يخصه ،وهو شكل خط الخارج ligne de dehorsالذي نمط أو ٍ فلكل ٍ ِ
363
Deleuze, Gilles, Foucault - Le Pouvoir cours 9 du 07/01/1985 – 2, sur le site :
http://www2.univ-paris8.fr/deleuze/article.php3?id_article=438
364
Pourparlers, P 238.
126
محيطي ّ
ّ ٌ ٌ
يمر في كل نقاط املقاومة ،ويصطدم بكل املبيانات ،وينحرف خط بال بداية أو نهاية ،خط
ّ ٌ
وينعطف كما حصل في أيار\مايو ،6اذ ّ
تعريف مثلث":
ٍ تحولت الكتابة الى ما يجب ان تكون عليه في
ا
أن نكتب أي ان نناضل ،ان نقاوم ،الكتابة هي الصيرورة؛ أن نكتب اي أن نرسم خرائطا".365
365
Deleuze, Gilles, Foucault, éditions de minuit, 2eme édition, 2004, P 51.
127
الخاتمة
قدمه جيل دولوز في فلسفته الرغبوية/ نبين وجه الابتكار ّالذي ّ حاولنا في مجمل ما تناولناه أن ّ
ا ا ا
فلسفيا راهنا السياسية إن أمكن وصفها كذلك .ان هذا الابتكار أو التجديد يجعل من دولوز حدثا
قدمه هو للحدث ،أو ربما يلزم أن نرى الى الابداع الدولوزي من حيث كونه بداوة فكرية أو باملعنى ّالذي ّ
ّ ا
وتصورات أو خطا للهروب من كل السيستامات التي لم تسجن الفكر الفلسفي ضمن أفاهيم ومبادىء
قيدت املمارسة السياسية اليومية لألفراد وللشعوب في أيديولوجيات ومصالح فحسب ،بل ا
ايضا ّ
ّ ّ
الرأسمالي ،وهي عبودية ما انفكت تؤدي محاولتها الانفالت والتحرر من العبودية على النمط الفاش ي أو
محن ومآس ي وحروب وتمايزات اقتصادية واجتماعية وثقافية وحتى عرقية. ما تؤدي اليه من َ
قدمناه في فصول بحثنا نقول اننا بدأنا بتناول الفهم الدولوزي للرغبة من حيث هي آلة وفي تلخيص ملا ّ
ثوري وسيرورات دفوق عابرة لألفراد وللعائلة ولقواعد التمثيل ،كما ّبينا ان هذه الرغبة من ّ إنتاج
ٍ
ّ
حيث هي كذلك ل تتصل بالنقص والعيب والحرمان والاشباع كما كان يتصورها الفكر الفلسفي
مجرد ميل فردي بصيغته الافالطونية .ان هذا الفهم الجديد للرغبة ل من حيث هي نقص وعيب أو ّ
تصور التحليل النفس ي الفرويدي أو علم النفس بشكل عام ،يجعلها في ّ ينتهي عند الاشباع كما
املنظور الدولوزي آلة انتاج هائلة تخترق الافراد والجماعات والدول والتنظيمات وألاحداث والوقائع
ٌ
ثورية ا ّ ا
ايضا في ابتكارها الجديد من الحياة مكونة ارتصافات جماعية ولغوية ،ل بل انها آلة الطبيعية
مما تريده قوى الاستبداد والسوق في استثمارها لها .ان الرغبة بكافة أشكالها بالتحديد حين تتحرر ّ
طبيعيا أو ا ا ا ا
عفويا ،ما يعني ان مبدإ رئيس ّ ٍي من مبادئها :فهي لم تعد محددة بإعتبارها إرتصافا يشير الى ٍ
حر تحرير الرغبة ل يعني إنفالتها من ّ
تعبير ٍ
ٍ قيود أو أن يفعل املرء ما يرغب به ،فهي ليست دعوة الى كل ٍ ِ
بناء لهذه الرغبة؛ أن نرغب ،باملنظور الدولوزي، عن الغرائز ،بل ان تحرير الرغبة هو بالعكس نتاج ٍ
ّ نرسم درابا ،أن ّ َ
تصافات وروابط ،أن نستشعر الفرح حين نعدل بالجسد الخالي من ٍ نكون ار معناه أن
وتتعدل حتى نصل الى ّ ّ
وتتحول فرحين ،اي انه السماح للرغبة بأن تجر َي وتصير بشكل يجعلنا ِ ٍ الاعضاء
مأمولة لكل سيرورة الانتاج الراغب. ٍ نتيجة
ٍ كخالصة أو
ٍ الابداع
ا
لم تعد الرغبة مع دولوز ،كما في التقاليد الافالطونية أو الالهوتية ،مكمنا للمعاناة وألالم والخطيئة ،أو
ّ
كما في التحليل النفس ي السبب الذاتي للكبت والقمع .بل ان هذه ألاخير ،بما يتعلق بها من أخالقيات
ومشاعر بالدونية والذنب وبما تنتجه على مستوى حياة الافراد والجماعات ،ليست سوى نتيجة
ا ّ ُ
بدع .ربطا بذلك ،انتقلنا الى تصاف يمكنه ان يحرر الرغبة ويطلقها ويجعلها تتفتح وت ِ ٍ إلستحالة بناء إر
ٍ
خضم التاريخ واملجتمع في ما يشبه أركيولوجيا للرغبة تضعها في مواجهة ّ البحث في الرغبة وسيرورتها في
ويبين دولوز في هذا الفصل ان التاريخ قوى التشفير والاكسيوماتية بصيغتها الرأسمالية الراهنةّ .
128
الحقيقي هو تاريخ قمع الرغبة في ارتصافاتها الجماعية والنطوقية ،وأن عصرنا الحالي يمتاز بقدرته
الهائلة على تأبيد هذا القمع بتفكيكه لشيفرات الرغبة واستثمارها في ما يخدم السلطة والسوق .و
ّ ّ ُ ّ ّ
كل منا قمع ،وعلى
ٍ وليس فرح
ٍ مصدر الرغبة : يلي ما في ص تتلخ ان يمكن أوديب - آنتي ـل ا سالة ر فإن برأينا
ان يخوض غمار الطريق الصعب ولكن املمكن في خريطة الرغبة بما تحتويه من خطوط طول وعرض،
اض ،في محاولته ايجاد الشروط من تباطؤءات وسرعات ،من ّ
وحوادث وأعر ٍ
ٍ شدات ومصادفات
محايثة في مواجهة شيفرات التمثيل ٍ املناسبة كي تم ّر الرغبة فينا وتجعل من حياتنا اليومية صيرورات
والسلطة والاقتصاد.
ان النقد الدولوزي للرغبة كنقص نقلنا ،في الفصل الثاني ،الى تناول الصيغة الدولوزية املضادة
للتحليل النفس ي ومخياله ألاوديبي العائلي ،حيث ّبينا كيف جابه دولوز – وغاتاري -التحليل النفس ي
أداة تحليلية فقط ،بل من ناحية انغالقه على ّ ا بالنقد القاس ي ليس من ناحية كونه ّ
تصور طب نفس ّي أو
كهنوتي وسلطو ّي ّ تمثيلي يخدم القوى التي تسعى الى تشفير الرغبة وقمعها .وفي مقابل تحليل نفس ّي ّ
الفصامي كأداة تحليل وتحرير لقوى الرغبة ودفوقها من أجل الانفتاح على عالم ّ يحل دولوز التحليل ّ
يحل دولوز – وغاتاري – التحليل وعدته ومفاهيمهّ ، والتحرر .وبدل التحليل النفس ي ّ ّ املمكن والابداع
الفصامي كأداة تحليلية ننطلق منها في فهم اقتصاد الدفوق ،دفوق الرغبة وانتاجها الدائم من حيث ّ
استثمار للزمن واملصلحة ولرأس املال ل بد أن نجد برمته ،فخلف كل هي لوعي الانتاج الاجتماعي ّ
ٍ
ا
للرغبة والعكس صحيح .ل يعود التحليل الفصامي الى أريكة املحلل النفس ي ول يعيد انتاج ِ استثمارا
ذات أو أنا اسطورية ،بل بالعكس ،يصبح هذا مقدسة" جديدة كما يفعل فرويد ،ول ينغلق على ٍ ٍ عائلة
" ٍ
ا َ ا
إكشتاف مضادة لألوديبية بما ٍ التحليل املبتكر آلة تكشف الشروط الالواعية للفكر كما للحياة ،آلة
ّ مباشرة باإلجتماعي والتار ّ ا ا ّ ّ
وتقدم يخي والسياس ّي، مفارق ،آلة انتاجية تتصل ِ تمثيلي فكر
ٍ من له تمث
ا ا
صورة جديدة للفكر.
ُ مسرحا يحيل ا ا وفي حين لم يجد فرويد في الالوعي سوى
العائلة ،وفي حين لم ينظر الى الفصام ِ دوما الى
ا
مصنعا والهذيان الا من جهة الفرد والذات ،يقوم دولوز بإطالق الالوعي على املجتمع والتاريخ ،ويجعله
ّ ّ
بتصورات لإلنتاج الدائم الذي ل ينغلق على العائلة وعقدة أوديب بصيغتها الفرويدية ،ويربط الهذيان
الفصام ل من ناحية كونه ا ُ
مرضا أو الشعوب وباألحداث السياسية وبالخيالت الجماعية ،وينظر الى
تجسدا لآللة الراغبة في إنتاجهاُ .ويمكننا ان ننظرالى التحليل الفصامي من ا اض بل من ناحية كونه أعر ٍ
تعامل التصور التقليدي للرغبة ،فهو ،اي هذا التحليلَ ، ّ ناحية كونه املقابل الايجابي والاثباتي لنقد
وتصورات ميتافيزيقية، ّ واقعية آلوية ،وليس ضمن افاهيم مادية مع الالوعي على انه يندرج ضمن
ٍ ٍ
الجزيئي ،على عالم الانتاج وليس فقط على عالم ّ بنيوية أو حتى أيديولوجية ،مما يفتح الالوعي هذا،
ا
التعبيرواللغة ،كما عند لكان مثال.
129
يخيا كما الى وقدمنا فيها كيف نظر دولوز الى الدولة تار ا في الباب الثاني انتقلنا الى السياسة الدولوزية ّ
وظائفها وموقعها في حركة تشفير دفوق الرغبة وتكبيلها ،كما الى عالقة الدولة بالعنف وبالحرب
ّ ّ ّ ّ ا
حرب بدوية. بإعتبارها آلة استيالء عمالقة تحاول دوما إخضاع كل تمر ٍد يتأتى عما سماه دولوز آلة ٍ
متابعا فوكو ا عما أطلق عليه دولوز- وبالعالقة مع الدولة وأجاهيزها ومع نمط الانتاج الرأسمالي ّ
تحدثنا ّ
ّ
– تسمية مجتمع التحكم بإعتباره الصيغة املعاصرة ملجتمعات الرأسمالية ،كما انهينا هذا الفصل
جديدا للفاشية ليس ا ا
تفسيرا بالحديث عن الفاشية الجزيئية وهي مقولة ابتكرها دولوز كي ّ
يقدم
قوة ارتصاف تخترق قوة سلطوية دولنية تأتي من الخارج بالقمع والفرض ،بل من حيث هي ّ بإعتبارها ّ
وتتجه بهم نحو العنف والدمار. الافراد والاحزاب ّ
يقدمها ّ بفصل أسميناه "اليوتوبيا املحايثة وثورة الهروب" وعرضنا فيه "الحلول" التي انهينا البحث
ٍ
دولوز للخروج من دائرة القمع والاستعباد التي وضعتنا فيها الرأسمالية املعاصرة والسلطات القائمة،
فصامي ينظر الى املجتمعات من ناحية خطوط هروبها واقتالعاتها ّ تحليل وهي يوتوبيا معطوفة على
ٍ
ُ ّ
طلق دفوق الرغبة من قيودها وتفتح إمكانيات إلاقليمية ،أي من ناحية صيروراتها الثورية التي ت ِ
الحياة .أبرزنا في هذا الفصل ألاخيرافهوم امليكروسياسة أو السياسات الصغرى كبديل عن السياسات
تمرد الكبرى التي تهيمن على الفكر السياس ّي ،كما أوضحنا ما ّالذي يعنيه دولوز باألقلية كسيرورة ّ
فلسفي جديد ،بدو ّي ومحايث ،يعيد للفلسفة دورها ووظيفتها ّ فكر
وثورة مع ما يتطلبه ذلك من ٍ
إبداع افاهيمي وفكري.
ٍ آلة"كـ" ِ
وضعا جديدا للفلسفة يعيد اليها ا فصامي كي ترسما ا ّ تحليل الدولوزي ْتين في
َ وتتمفصل الرغبة والسياسة
ٍ
جهة أخرى. بريقها ومكانتها بين كافة العلوم وفي مواجهة الابتذال والتسويق من جهة ،والعلموية من ٍ
ا
إبداعا الفلسفة بجعلها مر معنا عبر مختلف الفصول ،بتوسيع آفاق ويسمح هذا التمفصل ،كما ّ
ِ
والسياسة،
ِ ومحايثة تنمو فوق مسطحات الفكر والفن والعلم ٍ كثرة
مستمرا لألفاهيم بما تتضمنه من ٍ ا
ّ
طة للفكر الذي يريد الامساك بالحدث في راهنيته أو فتكون الجغرافيا الفلسفية الدولوزية بمثابة خار ٍ
ّ ا ّ
خضم حرب عصابات مع كل انواع السلطات داخل الذي يريد ترهين الحرية وجعلها حدثا يندرج في
الفكرأو خارجه.
ومبتكرة
ٍ جديدة
ٍ لسياسة
ٍ عوالم الحياة تؤسسِ ان هذه الصورة الجديدة للفكر إذ تنفتح على كافة
ا ا
موقف
ٍ اك أووأفاهيما فلسفية الى جانب إدر ٍ ومقولت علمية،ٍ اءات تاريخية،يجري فيها استثمار قر ٍ
ّ ّ ّ
والرقابة وسياسات الاستعباد والقمع التي تلف عاملنا اليوم .وقد فتحت ِ نضالي في وجه مجتمع التحكم
الصيرورات الثورية في النصف الثاني من القرن العشرين الباب أمام دولوز كي يبتدع لنا ميكروسياسة
تقطع مع السياسات الكبرى والكتلوية للنظريات السياسة الثورية او الاصالحية السائدة ،وهذا ما
َ ا ا
عالم من الحرية هي يجعل من السياسة الدولوزية فلسفة محايثة تبدأ من قلب املعاش وتنفتح على ٍ
130
ا
معيار يحدد مسبقا أفعال املرء ،وعلى ٍ محايثة تشير الى تلك الحرية التي تنص على انعدام وجود ٍ حرية
متعال أو عبر مركزية حزبية ما ،أو من خالل فارق أو ُ
ٍ حكم م ِ رفض تقييد حركة الرغبة والثورة من خالل ٍ
قدري ا ّ َ فكر ّ
ماديا كان أم لهوتيا .ويبدو لنا ان فلسفة دولوز (وغاتاري) السياسية قد غائي أو حتمي
افاهيمي بالرهانات السياسية في عصر ّ إمساك نظر ّي قدمت أدوات نظرية جديدة كل ّ
الجدة من أجل ّ
ٍ
ّ ّ
فشل عام طال الرأسمالية ومجتمع التحكم واملعلوماتية التي تهيمن على عاملنا الحالي ،بالخص في ظل ٍ
كل املشاريع السياسية والبرامج الثورية والاصالحية من ليبرالية وماركسية وديمقراطية إجتماعية لم
حتى بمعاييرها – تحقيق مجتمعات ّ ّ
تترسخ فيها ثقافة إلاختالف وممارسة الحرية الفردية تستطع –
وحقوق تقريراملصيرلألفراد والشعوب.
عابرا به ومعه الى السياسة والتاريخ والعلوم ان الابداع الفلسفي ّالذي طرحه دولوز في كافة مؤلفاته ا
ا جاذبية" جعلت من فيلسوف املحايثة " ا
جديدا" أميرا ٍ الانسانية والفنون والادب ،وبالرغم من " ٍ
أناقة" و"
وجهت ا أصواتا فلسفية وسياسة ّ ا ّ
نقدا الى دولوز بالخص الى للفالسفة ،إل ان ذلك لم يحجب
انطولوجيته السياسية.
يعتبر سالفوي جيجك Zizek ان الـ آنتي – أوديب هو أسوأ كتب دولوز على الاطالق ،366ومن منظور
لكاني يرى في ألانطولوجية السياسية الدولوزية أيديولوجيا الرأسمالية املتأخرة التي تم ماركس يّ -
قوة" وهيمنة تكنولوجية .و يضيف جيجيك ان السياسة الدولوزية وبالتحديد إختزالها الى "إرادة ّ
ا
فعال أن ّ ا ا ا
يميز بين الوجوه لعقالنيا ،ل يستطيع حيويا تفسيرا التفسير الدولوزي للفاشية ل يعدو كونه
واملزيفة للفاشية .كما ان جيجك يرفض رؤية دولوز للسيرورة الثورية ويتهمها بأنها من دون الحقيقية ّ
استراتيجية ومن دون أفق وليست سوى محاولة إلضفاء شرعية للرأسمالية بإعتبارها آخر الانماط
ّ املمكنة .كما يعتبر جيجيك ان دولوز ،وإن كان معا ا
ضا لكل أنواع الثنائية ،إل انه أسس من جديد ر
ّ
إلاقليمي، انطولوجيا ثنائية بين الراهن والافتراض ي ،وبين الصيرورة والكينونة ،أو بين ألاقلمة وإلاقتالع
متب اعاأو بين البداوة والدولة ،وهي ثنائيات تعيد احياء ثنائية الخير والشر التي حاول دولوز نفسهّ ،
ا ّ
نيتشه ،أن يتخطاها 362 .وباملثل ،يرى دانييل بنسعيد ان صيرورة من دون تاريخ ل تخلو من الخطورة
36 ّ ّ
أو من انطولوجيا رجعية ،ويصبح من الصعوبة بمكان التفكر بها إل من حيث كونها نسخة لهوتية.
ّ
ومنظر سينمائي سلوفيني األصل ،اشتهر بتأ ّمالته المتجددة حول سالفوي جيجك )...-8090( Slavoj Zizekفيلسوف ماركسي وناقد ثقافي،
ي من أجل حقوق االنسان والحريات ،وفيلسوف جدالي غزير االنتاج ،وصفه البعض بأنه "أخطر التحليل النفسي الالكاني .وجيجك مناضل سياس ّ
نظرا ألسلوبه الفريد في الكتابة المليء بحس الفكاهة والسخرية الناقدة .يدعو جيجك للعودة الى
ً فيلسوف في الغرب" ،و"إلفيس بريسلي" الفلسفة
الكوجيتو الديكارتي بنفس القدر الى الفلسفة الهيغيلية وكانط وشيلينغ .يصف نفسه بأنه شيوعي مستله ًما فالديمير لينين ،وقد وضع كتابًا حول دولوز
بعنوان "أعضاء بال جسد :حول دولوز والتبِعات".
366
Zizek, Slavoj, Organs without Bodies: on Deleuze and Consequences, Routledge. New York and London,
2004
367
Ibid., PP 184 - 189
131
ّ
ويذهب البعض ،من منظور ليبرالي ديموقراطي ،الى القول إن فلسفة دولوز السياسية تفتقر الى
وكأنها تحمل اي شكل من املعيا ية ،بمعنى ان دعوة دولوز الى الكفاح بوجه الدولة والرأسمالية ل تظهر ّ
ر
يتوسع دولوز في الكالم حول حرية التعبير ،حكم القانون أو حول اشكال التنظير املعياري ،حيث لم ّ
ُ
آليات توزيع الثروة وأ ُسس حقوق الاختالف في ما يخص الاقليات الثقافية أو اللغوية أو حول
ا ا
الديموقراطية مثال .وبهذا املعنى تبقى الانطولوجيا الدولوزية الغاتارية شكلية ول تمت بصلة الى واقع
ّ املمارسات السياسية اليومية املستندة على َ
قيم وأفاهيم معيارية تشكل قواعد املجتمع الديموقراطي
الليبرالي.362
ا
سياسيا والالفاعلية وبالنسبة لفيليب َمانغ يبدو ان دولوز قد وقع في مفارقة ،وفي حالة من الشلل
ّ ّ
التحول كل ايا والاحالة الكلية ا
خطيرا من حيث وانعدام القابلية على املمارسة والتطبيق ،ل بل حتى يبدو
تقريبا بالواقع التجريبي للمؤسسات السياسية حيث يجد هذا نحو الصيرورات الافتراضية وعدم املس ا
ا ّ
مهجورا من الواقع اساسه .ان فضاء التأمالت والتمثالت ،والذي هو واقع السلطة السياسية ،يبدو
جدا تأثيره أوخطره ل بل ينعدم للوهلة الاولى .وهكذا ،بالنسبة قبل السياسات الصغرى ،من هنا يقل ا
الى َمانغ ،تبدو السياسة الدولوزية غير قابلة للهضم عند اليساريين وقابلة للتسويق عند اليمين! رغم
ا ّ
ان دولوز يصنف نفسه كيساري في وقت ل يستغيسه اليسار بشكل عام .ويطرح َمانغ سؤالا حول كيف
انسحابا من الحقل السياس ّي من حيث انها ترفض وضع اي ّ ا ّ
تصور لبديل ان سياسة دولوز ربما تشكل
ألي مشروع سياس ي او مخطط .وبذلك تقترب من تيار املحافظين الجدد وطروحاته الرافضة راهن او ّ
ٍ
321
لليوتوبيا ولكل وهم عن بديل للسوق العالمي والديموقراطية الليبرالية .
وبالرغم من ذلك ،نعتبر ان فلسفة جيل دولوز ،أتعلق الامر بالرغبة أو بالسياسة ،مع ما تحمله من
وتصورات وإشكاليات ،هي بمثابة "صدمة" للفكر كما للتعبير ،صدمة من حيث ابتكاريتها ّ افاهيم
وغناها الافاهيمي ووسع مدار مناقشاتها وتساؤلتها التي تعيد الينا من جديد صورة الفيلسوف
ّ ّ املوسوعي ،وشكل الفلسفة الشاملة ولكن التي تقوم هذه ّ
املرة بتفجير السيستام الذي لطاملا شكل
ومنظر الحركة الماركسية التروتسكية (نسبة الى ليون تروتسكي) في فرنسا .كان من ّ دانييل بنسعيد ) 989-8098( Daniel Bensaïdفيلسوف
بقي من ّ
أبرز وجوه أحداث ايار\ مايو .8081بالرغم من خروجه عن الماركسية التقليدية إال انه لم ينخرط في التيارات اليسارية ما-بعد الحداثية ،بل َ
أبرز نقّاد التنظيرات اليسارية التي استلهمت بالتحديد دولوز وفوكو.
368
Bensaïd, Daniel, Grandeurs et misères de Deleuze et Foucault, sur le site :
http://danielbensaid.org/Grandeurs-et-miseres-de-Deleuze-et?lang=fr
369
Patton , Paul , Political Normativity and Poststructuralism: The Case of Gilles Deleuze,
http://www2.hum.uu.nl/cfh/publications/downloads/files/political-normativity-deleuze.pdf
370
Mengue, Philippe, Deleuze et la question de l’utopie, sur le site :
http://www.upavignon.org/IMG/pdf/Deleuze-Utopie.pdf
132
ّ
والتأمل الى الانهماك في الحياة قاسيا" لكل إبداع فلسفي ُيخرج الفلسفة من ّ
هم التنظير إطا ارا " ا
ِ ِ
ألنها تدفعنا ،كمشتغلين في الفلسفة ،الى إعادة النظر مرة أخرى في موقع اليومية؛ وهي صدمة ّ
ّ
تتحول الى فرصة للحياة الفلسفة اليوم وفي غاياتها وباألخص في تمفصالتها وفي خطابها من أجل أن
وتأسيس للممكن.
ٍ
133
ملحق :بيوغرافيا دولوز وغاتاري
134
ا
أول :محطات رئيسية في حياة جيل دولوز
ُ 320 ُ ُ
كمل بقية حياته بإستثناء -و ِلد لعائلة محافظة من الطبقة الوسطى سنة 0275في باريس حيث سي ِ
فترة قصيرة من شبابه.
ّ
-تعلم في إحدى مدارس النورماندي حيث كانت عائلته تقض ي إجازة لحظة دخول الاحتالل النازي
ّ لفرنسا سنة .0241وخالل هذه السنة ّ
اهتم دولوز ،تحت تأثير استاذه بيار هالبواكس بكتاب مثل
جيد وبودلير.
ّ -أكمل دراساته الجامعية الفلسفية في السوربون ( ،)024 -0244وهناك ّ
تعرف على مفكرين
ّ
ومنظرين أمثال ميشيل بوتور ،ميشيل تورنييه ،فرنسوا شاتليه ،بيير كلوسوفسكي وغيرهم .ومن
بين اساتذته نذكرفرديناند آليكيه ،جان هيبوليت ،جورج كانغيهم ،وموريس كوندياك.
-نال شهادة الاستاذية في الفلسفة سنة ،024وانتقل للتدريس في عدة ثانويات حتى عام ،3270252
حين بدأ بتدريس تاريخ الفلسفة في السوربون .وفي العام ،0253نشر كتابه ألاول "الذاتية
والتجريبية".
ُ
كباحث في املركز الوطني للبحوث العلمية .وفي العام ،0267نشر ٍ لحق -من العام 0261الى ،0264ا ِ
ا ّ
كتابه نيتشه والفلسفة والتقى ميشيل فوكو الذي اصبح صديقا ومحاو ارا له.
ا
-التقى بشريكه وصديقه املستقبلي فليكس غاتاري عام ،0262السنة التي كان فيها دولوز استاذا
لللفلسفة في جامعة باريس الثامنة – فينسان .وفي نفس العام كان قد ناقش اطروحته الرئيسية
"الاختالف والتكرار" التي اشرف عليها موريس كوندياك ،واطروحته الثانوية "سبينوزا ومسألة
التعبير" حيث اشرف عليها فرديناند آلكييه .ومع غاتاري – تحت التأثير البالغ ألاثر لثورة أيار\مايو
ا ُ ّ
- 026سيضع دولوز أهم مؤلفاته " الرأسمالية والفصام – آنتي-أوديب"( )0227ولحقا "ألف
18يذكر فرنسوا دوس في مقابلة أجراها مع ميشال تورنيه وأورد أجزا ًءا منها في كتابه "جيل دولوز وفليكس غاتاري – سيرة متقاطعة" ان جيل
دولوز قد عانى دو ًما من عقدة تجاه أخاه األكبر جورج الّذي تلّقي معاملة خاصة جدًا من والديه وصلت الى حد إعتباره بطالً يستحق العبادة باالخص
ظر الى دولوز اال من حيث انه االبن الثاني ،الهامشي والعادي جدًا .وهذا ما سيظهر الحقًا في موقفه الرافض للعائلية وطموحه بعد وفاته ،فيما لم يُن َ
الدائم في فترات مراهقته للهروب من بيته العائلي.
انظر Dosse, François, gilles Deleuze et Félix Guattari, biographie croisée, Éditions La Découverte :
,Paris,2009,pp113-116
1
تزوج عام 8089من دنيز بول غراندجوان "فاني" والتي كانت تعمل كمترجمة متخصصة في د.ه لورنس.
135
ّ سطح" ( .)02 1وفي هذه الفترة ا ّ
ايضا ،بدأت تظهر على دولوز عوارض املرض الرئوي الذي
سيالحقه حتى مماته.
عدد من القضايا املتعلقة بحقوق مثلٌي الجنس،
-في السبعينات من القرن املاض ي ،انخرط دولوز في ٍ
وحركة التحريرالفلسطينية ،و مجموعة "املعلومات حول السجون" (على رأسها فوكو).
اهتم دولوز بالسينما والرسم والفن بشكل عام ،ووضع حولها -في الثمانينات وبدايات التسعيناتّ ،
ا
كتبا عديدة ،كان ختامها "ما الفلسفة؟" مع غاتاري.
-تفاقم مرضه الرئوي بشدة عام .0227
-وفي 4ت ،0225 7انتحرجيل دولوز بقفزه من شباك شقته في باريس.
ا
ثانيا :بيوغرافيا موجزة لفليكس غاتاري
:0231 -ولدة غاتاري في Villeneuve-les-Sablonsإحدى ضواحي باريس حيث سيقض ي طفولته
ومراهقته.
ّ
املعرفي وسرعة بديهيته الى ميادين توجه غاتاري نحو الطب النفس ّي .قاده فضوله -منذ ّ ،0251
معرفية متنوعة – الفلسفة ،الاتنولوجيا ،الهندسة ،اللسانيات – ...استفاد منها في مسعاه من
توجيه أفضل للطب النفس ّي وتوسيعه وتفعيله.
ٍ أجل
-تابع غاتاري ابحاثه التجديدة في العيادة النفسية في ،La Borde à Cour-Chevernyالتي اصبح على
عدد كبير من الطالب ،الفالسفة ،املحللين النفسانيين، كمكان لتدريب ٍٍ رأسها ،والتي اشتهرت
الناشطين الاجتماعيين وغيرهم.
ّ
املؤسساتي ،و مركز الدراسات والابحاث املؤسساتية -سنة ،0265أنشأ جمعية العالج النفس ي
،CERFIمع مجلة أبحاث Recherchesالصادرة عن املركز ،والتي انفتحت على الفلسفة،
والرياضيات والتحليل النفس ي والتربية وغيرها من امليادين.
ا
مشاركا ّ
بقوة في حركة الاحتجاجات الشهيرة التي بدأت في شهر أيار\مايو، -في ،026كان غاتاري
وساهم في تنظيم إحتالل مسرح .Théâtre de L’Odéonكما شارك في الاحتجاجات املناهضة
136
ا ا ا
مبتعدا شيئا فشيئا عن لحرب فييتنام وتلك املتضامنة مع الحركات الشعبية في أميركا الالتينية.
ّ ّ
معلمه لكان ،بدأ غاتاري يخط طريقه الخاص في الانهمام بمسألة الذاتية وكيفية انتاجها.
-خالل العقد السابع من القرن العشرينُ ،اتهم غاتاري باقامة صالت مع منظمات يسارية متطرفة في
كل من ايطاليا وفرنسا ،واهتم في هذه املرحلة باملشاريع الاعالمية املسموعة (الراديو الحر...الخ)
-في الثمانيات والتسعينات ،انحاز غاتاري الى الحركات البيئية والايكولوجية ،ا
داعيا الى بناء يسار،
مضاد لإلنتاج anti-productivisteيحمل أخالقية سياسية جديدة تستند على ِحكمة أيكولوجية
،Échoscopieيعارض املقولة السائدة في البرامج اليسارية التقليدية التي تدعو الى التصنيع وزيادة
الانتاج والثروة.
ُ ا
مرشحا على لئحة الخضرفي الانتخابات الفرنسية الوطنية. -توفي عام ،0227بعد أن كان
ّ
-لم تقتصر كتابات غاتاري على تلك التي اشترك فيها مع دولوز (الذي يصفه بأنه يملك سرعة تفكير
قصوى) ،بل نقل أفكاره الخاصة عبرمؤلفات متنوعة أهمها :
psychanalyse et transversalité -مقدمة جيل دولوز ،عام .0221
La révolution moléculaire – 1977 -
L’inconscient machinique -1979 -
Cartographies schizo-analytiques – 1989 -
Les trois écologies – 1989 -
Chaosmose - 1992 -
وعلى حد علمنا ،لم ُينقل الى العربية أيا من هذه املؤلفات.
ا
ثالثا :غاتاري ودولوز
في العام ،0262يلتقي جيل دولوز وفليكس غاتاري للمرة ألاولى (كانا قد تبادل رسائل قليلة قبل ذلك)،
نوع من الانجذاب السريعبتدبيرمن صديق مشترك (جان بيارمويار ،)Muyardومنذ اللقاء ألاول ،ساد ٌ
ٍ
ّ ّ
بين الفيلسوف الذائع الصيت واملعالج النفس ي املشاكس .يقول غاتاري انه ،وفي الحوار ألاول الذي دار
ّ
بينهما ،انتهز الفرصة وسارع الى مناقشة الالكانية في ما تعلق بمثلث أوديب والطابع الاختزالي ألطروحة
ّ
لكان املتعلقة بالدال .323ومن جهة دولوز الذي استقبل غاتاري في منزله في ليموزان Limousinحيث
ا ّ
كان يقض ي فترة من النقاهة ،شكل اللقاء فرصة للخروج من مأزق الادمان على الكحول والازمات
َ ّ
منش اطا ّ
لهم ِة الفيلسوف املريض .ومنذ اللقاء الرئوية التي كانت تصيبه ،وكان الصديق الجديد بمثابة ِ
ا
حقيقيا من أجل إختبار أفكارهما ،وذلك ا
مخبرا ألاول ،تتالت لقاءاتهما وحواراتهما حيث أنتج الرجالن
373
Dosse, François, Gilles Deleuze et Félix Guattari, biographie croisée, p 13.
137
ّ
املستعرضة لعملهما ،وأنتج الاختالف بين شخصيتهما "آلة متسارعة بزمنين " 324ولدت ِ بفضل الطبيعة
ّ ا
عملهما املشترك ألاول "آنتي – أوديب" ،0227ولحقا في العام " 02 1ألف سطح" ،وبينهما "كافكا ،من
اجل أدب أقلوي" ،وكان كتاب ما الفلسفة؟– 0220خاتمة عملهما املشترك.
أشياء كثيرة [ ]...كان يتمتع ا غير لقائي وفيليكس غاتاري يقول دولوز بخصوص لقائه مع غاتاريّ ":
أشخاصا قليلين وفروا لي إنطباعاا بصيرورة – فيلسوف ،وبصيرورات أخرى كثيرة .ما كان ليتوقف .إن
هائال بالتحرك في كل لحظة ،ل التب ّد ل ،وانما التحرك بكامله بفعل إيماءة يقوم بها ،كلمة يقولها ،نبرة
صوت ،كمثل ” مشكال ” يستمد في كل مرة توليفا جديدة [ ]...لم نكن سوى اثنين ،لكن ما كان يهمنا لم
َّ
يكن العمل معا بقدر ما هذه الواقعة الغريبة املتمثلة في الكتابة بين الاثنين .كف الواحد عن أن يكون
أناس أخرين ،مختلفين من ناحية وأخرى .صارت الصحراء مؤلفا .وكان ما -بين– الاثنين هذا يحيل إلى ٍ
ٍ
ا
سة ما ،أو لعملية "تذهين" (من بصلة ملدر ٍتتنامى ،لكن مأهولة أكثر فأكثر .لم يكن هذا ليمت ِ
ّ
"الذهن") ،بقدرما تعلق بلقاءات". 325
ُ
الذ ّ
هاني في الفكر ،والتاريخ ،واقترح غاتاري اخراج الفلسفة الى لقد استمع دولوز وغاتاري الى صوت
الشارع ،من أجل التفكير بالثورة من جديد .وهذا ما فرض نفسه على استعمال اللغة ،حيث ّ
تعين على
بشكل يتجنب وظيفتها التقليدية في تمثيل الدللت املهيمنة ،وذلك عبر ٍ الصديقين ان يشتغال باللغة
326
البحث عن نقاط التضاد والتنافر بين املحتوى والتعبير .وقد جاءت الكتابة املشتركة لالثنين ،كتابة
ايد كما قال غاتاري ،وقد "حاولت تشكيل فضاءات سيميائية ل دللت لها ،منفتحة على بأربعة ٍ
َ
التأمل صوب الانتاج والتصنيع ،وكانت تبحث في املحتويات التي ُبنيت عبر الابداع وعلى الخروج من ّ
تعددية في مستويات السياسات الصغرى حيث ألعاب الرغبة و تشكيالت السلطة التي تميل الى تثبيت
التمثيل".322
374
Ibid. p 23
19حوارات ،ص ص 1- 8
376 o
Querrien, Anne, Deleuze / Guattari : histoire d’une rencontre, magazine littéraire, N 406, Février 2002, p 46
377
Ibid. p 47
138
معجم املصطلحات
139
A
Actuel راهن
Actualité راهنية
Affect اشعور
Agencement ارتصاف
Aion آيون
Analogique ّ
تماثلي
Appareil /Apparatus جهاز
Articulation تمفصل
Associatif ترابطي
Avenir مستقبل
C
ّ
Catatonie تصلب-شلل
Cartographie خرائطي
Chaos خواء
Chaoïde خوائي
Chronos كرونوس
Classement تصنيف
Clôture اقفال
Codage تشفير
Communauté جماعة
Conjonctif رْبطي
Connectif ْ
وصلي
Consistance ات ّساق
Contingence عرض َ
Couplage تزاوج
Croire/ Croyance اعتقاد
D
Décodage فك الشيفرة
140
Déterritorialisation ّ
إقليمي تهجير\ اقتالع
Devenir صيرورة
Diagramme مبيان
Différentiel ّ
تفارقي/ تفاضلي
Disjonctif ْ
فصلي
Dispersion توزيع
Dispositif أجهوز
E
empiricité تجاربية
Enregistrement تدوين
Étatisation دولنة
Événement حدث
َ
Événementialité َحدثية
Extra-Économique فوق اقتصادي
F
familialisme عائالنية
Filiatif بنوي
Flux دفق
ّ
Formative تشكلي
ُ
Fragment تقطيع-شدفة-جزء
H
ْ
Heuristique كشفي
I
َ
Idéalisation أمثلة
Imperceptible لمد َركُ
Imperium امبراطورية
Impersonnalité مجهولية
Individuation ّ
التفرد
Intempestif ّ
لمتزمن -في غيرأوانه
141
Intensif تكثيف
Intériorité سريرة- استبطانية
L
Larvaire َيرقي
Ligne De Dehors خط الخارج
Ligne de fuite خط الفرار/ خط الهروب
M
Machinisme آلوية
Mécanisme إوالية
Megamachine آلة عمالقة
Micropolitique سياسة صغرى/ ميكروسياسة
Modulation تعديل
Molaire كتلو ّي
Moléculaire جزيئي
Multiplicité تعددية
Multitude حشد/جماهير
Mutation ُّ
تبدل
N
Nomade بدوي
Nomadisme بداوة
Nomadologie نومادولوجيا- علم البداوة
O
Objectité أوضوعة
Ordre نسق
Organisme ّ
متعض
Organisation تعضية – تنظيم
Originel ْ َأ
صل
P
Potentiel كموني
142
Q
Quadrillage تطويق
Qualification تأهيل
R
Régime نظام
Représentation التمثيل
Reterritorialisation اعادة ألاقلمة
Rhizome جذمور
S
Savoir علمان
ُ
Schize - Schizo فصامي
ُ
Schizophrénie فصام
ُ
Schizoanalyse التحليل الفصامي
Sens معنى
Sensation إحساس
Signe عالمة
Souple طر ّي- رخو
Strate انضودة
Strié محزز
Subjectivité ذاتوية
Surcodage تشفيرمضاعف
Synthèse تركيب-تأليف
T
Territorialisation أقلمة
Transversal مستعرضة
ِ
U
Universalité ّ
كلية
Urstaat دولة أصل
V
143
Virtualité افتراضية
Virtuel افتراض ي
Voyant ّ
عراف
144
145
لئحة املصادرواملراجع
146
املصادرواملراجع باللغة العربية
-0انجلس ،فريدريك ،ماركس ،كارل ،مختارات ،الاشتراكية الطوبوية والاشتراكية العلمية ،املجلد
الثالث ،دارالتقدم ،موسكو ،دون تاريخ نشر.
-7حدجامي ،عادل ،فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختالف ،دار توبقال للنشر ،الطبعة الاولى
727 ،7107صفحة.
-3دولوز ،جيل ،الاختالف والتكرار ،ترجمة وفاء شعبان ،املنظمة العربية للترجمة ،بيروت ،الطبعة
ألاولى 670 ،7112صفحة.
_______ -4مع بارني ،كلير ،حوارات ،ترجمة عبد الحي زرقان و أحمد العلمي ،أفريقيا الشرق ،املغرب،
025 ،0222صفحة.
ّ
شحيد ،املنظمة العربية للترجمة، _______ -5سينما ،الصورة – حركة (الجزء ألاول) ،ترجمة جمال
الطبعة الاولى ،بيروت ،نيسان 406 ،7104صفحة.
-6ستروك ،جون ،البنيوية وما بعدها ،ترجمة د .دمحم عصفور ،سلسلة عالم املعرفة ،الكويت ،شباط
،0226العدد 712 ،716صفحة.
-2لبالنش ،جان و بونتاليس ،جان برتراند ،معجم مصطلحات التحليل النفس ي ،ترجمة د.مصطفى
صفوان ،املنظمة العربية للترجمة ،الطبعة ألاولى ،بيروت 0112 ،7100صفحة.
-نعيم ،جمال ،جيل دولوز وتجديد الفلسفة ،املركز الثقافي العربي ،بيروت ،الطبعة الاولى،7101 ،
575صفحة.
-2هيغل ،فنومينولوجيا الروح ،ترجمة وتعليق د.ناجي العونلي ،املنظمة العربية للترجمة ،الطبعة
الاولى ،بيروت 32 ،7116صفحة.
147
املصادرواملراجع باللغة الاجنبية
1. Alliez, Eric, The Signature of the World, Or, What is Deleuze and Guattari's
Philosophy?, Continuum, London, 2004, 152 pages.
2. Bains, Paul, Subjectless Subjectivities, in a shock to though, expression after
Deleuze and Guattari, (edited by Brian Massumi), Taylor & Francis e-Library, 2005,
256 pages.
3. Bell, David, Fail again. Fail better: Nomadic utopianism in Deleuze & Guattari and
Yevgeny Zamyatin, Political Perspectives 2010 Vol. 4 (1).
4. Bouaniche, Arnoud, Gilles Deleuze-une introduction, Poket, 2007, 350 pages.
5. Colebrook, Claire, Deleuze and the Meaning of Life, Continuum International
Publishing Group, New York, 2010, 208 pages.
6. _______________Understanding Deleuze, Allen & Unwin, first edition, Australia, 2002,
240 pages.
7- De Bolle, Lee (editor), Deleuze and psychoanalysis, Leuven university press,
first edition, 2010, 160 pages,
8- DeLanda, Manuel, Deleuze: History and Science -Think Media Egs ,Media
Philosophy Serie, Atropos Press, 2010, 168 pages.
9- Deleuze, Gilles, Pourparlers, éditions de Minuit, Paris, 1990, 253 pages.
10- ___________ Critique et clinique, éditions de Minuit, 1993, 187 pages.
11- ___________ Proust et les Signes, Quadrige/PUF, 7e édition, 1987, 221 pages.
12- ____________et Guattari, Félix, Capitalisme et schizophrénie1-L’Anti-Oedipe,
Éditions de Minuit, 1973, 496 pages.
13- ____________et Guattari, Félix, Capitalisme et schizophrénie 2- Milles Plateaux,
éditions de Minuit, 1980, 648 pages.
14- ____________Deux régimes de fous, éditions de Minuit, 2003, 384 pages.
15- ____________l’Ile déserte, éditions de minuit, 2002, 417 pages.
16- ____________Francis Bacon : logique de la sensation, Seuil, 2013, 176 pages.
148
17- ____________et Guattari, Félix, Qu’est-ce que la philosophie?, éditions de Minuit,
Paris, 2005, 208 pages,
18- ____________Foucault, éditions de minuit, 2eme édition, 2004, 144 pages.
19- ____________and Guattari, Felix Capitalism and schizophrenia 1-, Anti-Oedipus,
Preface by Michel Foucault, University of Minnesota Press, Tenth printing, 2000,
432 pages.
20- ____________et Claire Parnet, Dialogues, Flammarion, 1996, 189 pages.
21- Dosse, François, Gilles Deleuze Et Félix Guattari, Biographie Croisée, éditions La
Découverte, Paris, 2009, 644 pages.
22- Due, Reidar, Deleuze, Polity Press, first edition, 2007, 200 pages.
23- Dumas, Jean-Louis, Histoire de la pensée, temps modernes, tome 3, France
Loisirs, 1997, 598 pages.
24- Ferry, Luc, Renaut, Alain, La pensée 68, éditions Gallimard, Paris, 1988, 352
pages.
25- Foucault, Michel, Surveiller et Punir, Gallimard, 1975, 176 pages.
26- Jones, Graham & Roffe, Jon, Deleuze’s philosophical lineage, Edinburgh
University Press, first edition, 2009, 426 pages.
27- Kojève, Alexandre, Introduction à la lecture de Hegel, Gallimard, 3ème
éditions 1997, 601 pages.
28- Lacan, Jacques, Écrits II, éditions du Seuil, Paris, 1999, 416 pages.
29- Lampert, Jay, Deleuze and Guattari's Philosophy of History, Continuum
publishing group, 1st edition, 2006, 178 pages.
30- Luke Caldwell, “Schizophrenizing Lacan: Deleuze, [Guattari], and Anti-
Oedipus”, intersections 10, no. 3 (2009): 18-27.
31- May, Todd, Gilles Deleuze - an Introduction, Cambridge University Press,
New York, 2005, 184 pages.
32- Mingue, Philipe, Faire l’idiot- la politique de Deleuze, editions Germina,
fevrier 2013, 102 pages.
149
33- _______________Gilles Deleuze ou le système du multiple, éditions KIMÉ,
Paris, 1994, 320 Pages.
34- Negri, Antonio & Hardt, Michael, Empire, Harverd University Press, London,
fourth printing, 2001, 496 pages.
35- _______________________________ Multitude, War and Democracy in the Age
of Empire, the Penguin Press, New York,first edition 2004, 405 pages.
36- Parr, Adrian, the Deleuze Dictionary -Revised Edition, Edinburgh University
Press, 2010, 328 pages.
37- ______________The Deleuze Dictionary, Edinburg university press, 2005, 320
pages.
38- Patton, Paul & Protivi, John, Between Deleuze and Derrida, Continuum, First
edition, 2003, 220 pages.
39- __________Deleuze: A Critical Reader, Blackwell Publishers, Oxford, 1996,
332 pages.
40- __________Becoming-Democratic, in Deleuze and Politics (Edited by Ian
Buchanan and Nicholas Thoburn), Edinburgh University Press, 2008, 272
pages.
41- Poster, Mark & Savat, David, Deleuze and the new Technology, Edinburgh
University Press, 2009, 288 pages.
42- Querrien, Anne, Deleuze/Guattari : histoire d’une rencontre, magazine
littéraire, No 406, Février 2002, PP 46-47.
43- Rambeau Frédéric, Deleuze et l’inconscient impersonnel, cahiers
philosophiques dossier l’inconscient n ° 107, Octobre 2006, 54-71.
44- Schreber, Daniel Paul, memoirs of my nervous illness, new york review
books, January 2000, 488 pages.
45- Sibertin-Blanc, Guillaume, “La théorie de l'État de Deleuze et Guattari:
Matérialisme historico-machinique et schizoanalyse de la forme-État”,
Revista de Antropologia Social dos Alunos do PPGAS-UFSCar, v.3, n.1, jan.-
jun., 2011.
150
46- Thoburn, Nicholas, Deleuze, Marx and Politics, Routledge, April 2014, 240
pages.
47- Villani, Arnaud, la guêpe et l'orchidée, essai sur Gilles Deleuze, éditions
Belin, 1999, 137 pages.
48- Webster, David, The Philosophy of Desire in the buddhist Pali Canon,
edition published in the Taylor & Francis e-Library, 2005, 288 pages.
49- Zizek, Slavoj, Organs without Bodies: Deleuze and Consequences,
Routledge. New York and London, 2004, 217 pages.
50- Zourabichvili, François, Deleuze : une philosophie de l'événement, presses
universitaires de France, 2e édition, Paris 1996, 128 pages.
املصادرواملراجع الالكترونية
محاضرات جيل دولوز
1. Deleuze, Gilles, Foucault - Le Pouvoir cours 9 du 07/01/1985 – 2 :
http://www2.univ-paris8.fr/deleuze/article.php3?id_article=438
2. ___________Anti Oedipe Et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 16/11/1971 :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=115&groupe=Anti+Oedipe+et
+Mille+Plateaux&langue=1
3. ___________Anti Oedipe et Mille Plateaux , Cours Vincennes : nature des flux -
14/12/1971
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=118&groupe=Anti%20Oedipe%20et
%20Mille%20Plateaux&langue=1
4. ___________Anti Oedipe et Mille Plateaux - Cours Vincennes - 07/03/1972:
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=160&groupe=Anti%20Oedipe%20et
%20Mille%20Plateaux&langue=1
5. ___________Anti Œdipe et Mille Plateaux, Cours De Vincennes ,15/02/1972 :
http://www.webdeleuze.com/php/liste_texte.php?groupe
6. __________, Anti-Œdipe et autres réflexions, cours en 27/05/1980 sur le site :
151
http://www2.univ-paris8.fr/deleuze/article.php3?id_article=68
7. ___________Désir-plaisir-jouissance, Cours Vincennes : dualisme, monisme et
multiplicités - 26/03/1973, sur le site :
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=166&groupe=Anti%20Oedipe%20et
%20Mille%20Plateaux&langue=1
8. ___________Anti Œdipe et Mille Plateaux, Cours Vincennes- 14/05/1973, sur le site
:
http://www.webdeleuze.com/php/texte.php?cle=169&groupe=Anti%20Oedipe
%20et%20Mille%20Plateaux&langue=1
9. ___________ G comme gauche, entretient audiovisuel avec Claire Parnet:
http://www.youtube.com/watch?v=JV32K1XJiqs
10. __________Abécédaire - "D comme désir", sur le site électronique :
https://www.youtube.com/watch?v=03YWWrKoI5A
152
6. Deuchars, Robert, Creating Lines of Flight and Activating Resistance: Deleuze
and Guattari’s War Machine, in AntePodium, Victoria University Wellington,
2011: http://www.victoria.ac.nz/atp/articles/pdf/Deuchars-2011.pdf
7. Freud, Sigmund, On bat un enfant, sur le site électronique : http://psychanalyse-
paris.com/On-bat-un-enfant.html
8. Hewitson, Owen, What Does Lacan Say About Desire?
http://www.lacanonline.com/index/2010/05/what-does-lacan-say-about-
desire/
9. Mengue, Philippe, Deleuze et la question de l’utopie, sur le site :
http://www.upavignon.org/IMG/pdf/Deleuze-Utopie.pdf
10. Metcalf ,Beth the univocity of deleuze, Univocity and Structuralism (Part 2),
downloaded from:
http://users.rcn.com/bmetcalf.ma.ultranet/Univocity%20and%20Structuralism
%20(Part%202).htm
11. Molina, Lino, Genealogy: Nietzsche, Deleuze and Foucault, The California
Undergraduate Philosophy Review, vol. 1, pp. 55-67. Fresno, CA: California State
University, Fresno:
http://www.fresnostate.edu/artshum/philosophy/documents/Molina-CUPR1-
1.pdf.
12. Nail, Thomas , Deleuze, Occupy, and the Actuality of Revolution, Volume 16,
Issue 1, 2013:
http://mysite.du.edu/~tnail2/Thomas_Nail/Research._files/Deleuze,%20Occup
y,%20and%20the%20Actuality%20of%20Revolution.pdf
13. Ottaviani, Didier, Foucault - Deleuze : de la discipline au contrôle :
http://books.openedition.org/enseditions/1217
14. Patton , Paul , Political Normativity and Poststructuralism: The Case of Gilles
Deleuze: http://www2.hum.uu.nl/cfh/publications/downloads/files/political-
normativity-deleuze.pdf
153
15. Stanford Encyclopedia of Philosophy, Gilles Deleuze :
http://plato.stanford.edu/entries/deleuze/#LifWor
16. Félix Guattari 1930-1992, Bio/bibliographie :
http://1libertaire.free.fr/Guattari16.html
17. Félix Guattari – Biography : http://www.egs.edu/library/felix-
guattari/biography/
18. Zourabichvili, François, Qu’est-ce qu’un devenir pour Gilles Deleuze ?,
Conférence prononcée à Horlieu (Lyon) le 27 mars 1997, P 2. www.horlieu-
editions.com/brochures/zourabichvili-qu-est-ce-qu-un-devenir-pour-gilles-
deleuze.pdf
154