Professional Documents
Culture Documents
1
المبحث األول :المؤسسة اإلقتصادية العمومية
كثيرا ما يجري الربط بين القطاع العام و االشتراكية ،إال أن العودة الى تاريخ نشأته في الدول
النامية وفي الدول العربية خاصة والظروف الدولية المحلية المحيطة بتلك النشأة تبين أنها
جاءت نتيجة خيارات وطنية تحررية وتنموية سابقة على تجربة الدول االشتراكية ،متأثرة
بالفكر االقتصادي السائد في المراكزالرأسمالية المتقدمة
المطلب األول :مفهوم المؤسسة اإلقتصادية العمومية .
أوال :المؤسسة اإلقتصادية
1.1تعريف المؤسسة اإلقتصادية :
المؤسسة االقتصاديّة هي منظمة اقتصاديّة ذات استقالليّة ،تتميز بأنّها تتخذ القرارات الماليّة،
واإلعالميّة ،والماديّة ،والمتعلقة بالموارد البشريّة؛ بهدف بناء قيمة مضافة ترتبط مع أهداف
عرف المؤسسة االقتصاديّة بأنّها عبارة ي ،وت ُ َّ
ي وزمان ّ
المؤسسة االقتصاديّة ضمن نطاق مكان ّ
عن تجمع من األشخاص يستخدم مجموعة من الوسائل الماليّة والفكريّة؛ بهدف نقل وتحويل
وتوزيع الخدمات والسلع بناء على أهداف تُحدّدها اإلدارة؛ حتى تحقّق األرباح أو المنافع
االجتماعيّة هناك تعريفات أخرى للمؤسسة االقتصاديّة منها أنها وحدة اقتصاديّة تحتوي على
موارد ماديّة ،وبشريّة تساعد في دعم العملية اإلنتاجيّة؛ من خالل توزيع المسؤوليّات والمهام
عرف المؤسسة االقتصاديّة بأنّها مؤسسة تنتج خدمات وسلعا بين األفراد في بيئة العمل .كما ت ُ َّ
لألفراد الذين يتعاملون معها؛ م ّما يساهم في تحقيق أرباح ماليّة.
2.1خصائص المؤسسة االقتصاديّة :
تتميز المؤسسة االقتصاديّة بالعديد من الخصائص ومنها:
االقتصادي :هو الشكل الخاص بوسائل اإلنتاج أو الخدمات أو السلع التي يستخدمها
ّ الشكل
المستهلكون ،ويساهم باستمرار عملية اإلنتاج وتحديد األهداف ،واألساليب الخاصة بالعمل
وتوفير الموارد الماليّة؛ عن طريق الحصول على القروض الماليّة؛ لذلك تسعى ك ّل مؤسسة
اقتصاديّة إلى صناعة األهداف الخاصة بها ،وتحرص على المساهمة في تحقيقها.
ي :هو المفهوم الذي يشمل التقنيات الحديثة والتكنولوجيّة التي تتطور بشكل الشكل التقن ّ
مستمر؛ حيث تحصل كل دورة من دورات اإلنتاج على ُمدخالت جديدة ،وتعطي معلومات
ي :هو امتالك المؤسسة شخصيّة مستقلة وقانونيّة ،واسما تكنولوجيّة جديدة .الشكل القانون ّ
خاصا بها ،وميزانيّة ماليّة ،وصالحيات ،وحقوقا تكون مسؤولة عنها أمام القانون .الشكل
ي للمؤسسة االقتصاديّة بالنسبة للموظفين والعُمال ،كما يشيري :هو الطابع االجتماع ّاالجتماع ّ
إلى مساهمة المؤسسة بتقديم العديد من الفوائد لألفراد في المجتمع.
2
ي للمؤسسة االقتصاديّة بالنسبة للموظفين والعُمال،
ي :هو الطابع االجتماع ّالشكل االجتماع ّ
كما يشير إلى مساهمة المؤسسة بتقديم العديد من الفوائد لألفراد في المجتمع.
3.1أهداف المؤسسة االقتصاديّة :
تسعى المؤسسة االقتصاديّة إلى تحقيق العديد من األهداف من أهمها:
ي من بين أهداف المؤسسة االقتصاديّة؛ إذ تسعى إلى ✓ تحقيق األرباح :هو الهدف األساس ّ
ضمان تحقيق األرباح باالعتماد على استمرار نشاطها ،وزيادة نمو وتطور أعمالها؛ من
خالل مجموعة من المعايير األساسيّة التي تضمن القوة للمؤسسة االقتصاديّة.
✓ تحقيق المتطلبات المجتمعيّة :هو الهدف المرتبط بدور المؤسسة في إنتاج وبيع منتجاتها،
سواء أكانت خدمات أم سلعا؛ م ّما يساهم في تغطية الطلبات المجتمعيّة المحليّة.
✓ عقلنة اإلنتاج :هو ترشيد المؤسسة لعوامل اإلنتاج؛ م ّما يؤدي إلى زيادة اإلنتاجيّة باالعتماد
على التخطيط الدقيق والجيد ،مع الحرص على تفعيل دور الرقابة على عملية التنفيذ.
األهداف االجتماعيّة :هي مجموعة من األهداف تُقسم إلى اآلتي:
✓ المساهمة في تطوير مستوى معيشة الموظفين.
✓ تأسيس أنماط استهالك محددة؛ من خالل التأثير في أذواق الجمهور باالعتماد على توفير
منتجات جديدة لهم.
ي.
✓ الحرص على تحقيق التماسك بين عمالء المؤسسة ،والمساهمة في تحقيق الرضا الوظيف ّ
ي؛ بهدف تطوير المنتجات، األهداف التكنولوجيّة :هي األهداف ال ُمرتبطة بتطبيق البحث العلم ّ
ي للمساهمة في المحافظة على القدرة التنافسيّة في السوق ومواكبة التطور التكنولوج ّ
ثانيا :المؤسسة العمومية
1.1تعريف المؤسسة العمومية:
تتنوع تعاريف المؤسسة العمومية وتتعدد لكن يبقى مصب هذه التعاريف واحدا ويمكن اجالء
ذلك في ما يلي :
هي عبارة عن وحدات قطاع األعمال التي تدار من قبل الحكومة ،والتي يمكن أن تدار من
قبل القطاع الخاص وتقوم المؤسسة العامة بإنتاج السلع والخدمات وتقديمها إلى الجمهور
بأسعار إدارية .
ويؤدي النشاط الحكومي إلدارة هذه المشروعات أو المؤسسات الى تعطيل آليات السوق
وتشويه المنظومة السعرية وعادة ما يرتبط القطاع العام بالتخطيط المركزي لالقتصاد ولكنه
غير ضروري لوجـوده .
ويستهدف وجود القطاع العام تغيير للهيكل االقتصادي وتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية
عند محاولة تخليصه من أية شوائب محلية أو أجنبية تقف في طريق استقالله االقتصادي
3
والسياسي ويعرفها ( LOCDEالنظام الموحد للمحاسبة الوطنية ) على أنها :تلك المؤسسات
التي تنتج سلعا وتقدم خدمات مثل المؤسسات التجارية من أجل بيعها بسعر يغطي تقريبا سعر
التكلفة لكنها ممتلكة من طرف الدولة أو تخضع لمراقبتها
2.1خصائص المؤسسة العمومية:
أ .المؤسسـة العموميـة منظمـة عامـة:
لما كانت المؤسسة العمومية منظمة عامة فإنه يجب التمييز بين المنظمات العامة والمنظمات
الخاصة ،فإن وجدت نصوص تشريعية تحدد الطبيعة القانونية للمنظمة التي يراد معرفة
تكييفها القانوني فإنه يتعين التزام حكم هذه النصوص فإذا لم يوجد نص تشريعي وجب البحث
عن معيار يمكن بمقتضاه التمييز بين المنظمات العامة والخاصة ،لذلك اضطلع الفقه بمحاولة
إجراء هذا التمييز
ب .خضـوع المؤســسة العموميـة لمبدأ التخـصص
ويقصد به أن كل مؤسسة عمومية يناط بها القيام بأعمال محددة في نص إنشائها ،وهي ملزمة
بأن ال تحيد عنها وتمارس نشاط غير النشاط المذكور في نص إنشائها فالمؤسسة العمومية
إذن تنشأ لتحقيق أغراض محددة ليس لها الخروج عليها ،ولذلك يترتب على هذه القاعدة نتيجة
رئيسية مقتضاها أن المؤسسة العمومية ال تستطيع قبول هبة أو وصية لتحقيق غايات ليس
منوطا بالمؤسسة تحقيقها وفي حالة ممارستها لنشاط خارج عن تخصصها يعتبر هذا العمل
غير مشروع تترتب عليه مسؤوليتها في حالة الضرر فهي تسعى فقط لتحقيق األغراض
المحددة ،والخدمات المعينة بالذات وذلك وفقا لنص إنشائها ،وبذلك تتعدد األنظمة التي تحكم
المؤسسات العمومية وهذا باختالف نوع المؤسسة
ثالثا :المؤسسة العمومية أسلوب إداري ال مركزي:
يرتكز كل تنظيم إداري على أساس المركزية أو الالمركزية ،ويعتبر النظام اإلداري مركزيا،
عندما يتجه لتوحيد كل السلطات بين يدي السلطة المركزية 3وتتشكل هذه المركزية على
أساس نظام السلم اإلداري لموظفي الدولة فهي تمثل صورة التدرج الهرمي ،الذي يندرج فيه
هؤالء الموظفون حيث يكون رئيس السلطة التنفيذية في قمة الهرم ،وتملك السلطة المركزية
توجيه جميع الشؤون اإلدارية وبالمثل سلطات التقريروالتنسيق والتوحيد
4
المطلب الثاني :تطور المؤسسة اإلقتصادية العمومية
)1اإلنتاج األسري البسيط :
لقد إعتبر اإلنسان زراعة األرض و تربية المواشي من أهم النشاطات و أهم موارد حياته و
ذلك لتلبية حاجاته األساسية و المتمثلة في المأكل و الملبس و المشرب و قد إستعمل بعض
األدوات البسيطة و التي يقوم بنحتها و تحضيرها كبار األسر ،وكان هذا النشاط يتم داخل
األسر و في الحقول أو المدن ،كما أن التجارة لم تعرف أنذاك ،حيث كانت المنتجات اليدوية
تصنع وفق طلبات معينة من أفراد المجتمعات و عادة تتم المبادلة بالمقايضة بين األسر التي
تصنع وفق طلبات المجتمع وأهم الحرف اليدوية التي كانت سائدة في تلك األزمنة
النجارة،الحدادة،الدباغة،و صناعة المنتجات الجلدية كانعال و السروج ،وكذلك الغزل و النسيج
و صناعة السالسل .
)2ظهور الوحدات الحرفية :
بعد أن تهيأت الظروف المتمثلة في تكوين تجمعات حضرية و إرتفاع الطلب نوعا ما على
المنتوجات الحرفية من مالبس و أدوات إنتاج و لوازم مختلفة باإلضافة إلى ظهولر و لألول
مرة عمال بدون عمل أو بأعمال مستقلة في منازلهم كل هذا أدى إلى تكوين محالت أو
ورشات يتجمع فيها أصحاب الحرف المتشابهة من أجل إنتاج أشياء معينة تحت إشراف
كبيرهم أو أقدمهم في الحرفة علي شكل أسري يغيب فيه اإلستغالل أو القسوة و هكذا فقد
وجدت عدة ورشات حرفية للتاجرين،النحاسين،الحدادين...إلخ
)3التكتالت و الشركات متعددة الجنسيات :
مع التطور الذي شهده اإلقتصاد الرأسمالي كانت هناك ضرورة للمؤسسات إلتباع عدة
إستراتياجيات تتكتل فيما بينها (التكتل اإلقتصادي) وكذا الخول إلى األسواق الخارجية ليس
في صورة موزعة للسلع و الخدمات فقط بل أيضا كمنتج في أكثر من بلد خارجي و هي ما
يدعى الشركات متعددة الجنسيات .
)4المؤسسة الصناعية اآللية :
بعد أن توفرت األسباب من إكتشاف عملية موجهة نحو اإلنتاج الصناعي و إتساع السوق
أكثر فأكثر ،و لعب الجهاز المصرفي دورا هاما في التطور اإلقتصادي ،ظهرت المؤسسات
اآللية األولى التي كانت فيها وسائل العمل اآللية بعد أن كانت في المانيفاكتورة يدوية،و حسب
تعريفات بعض اإلقتصاديين فإن اآللة أنذاك لم تكن سوى جهاز مكون من مجموعة من
األجزاء كانت ذات شكل يدوي و عند آخرين فإن األدوات في الحرف كانت تستعمل طاقة
محركةيدوية في حين أن اآللة هي أداة تستعمل طاقة محركة حيوانيا أو مائيا أو من الريح
.......إلخ.
5
وبهذا إستعرضنا في هذا المطلب نشأة و تطور المؤسسة بدءا بالنشاط الذي كان يقوم به
اإلنسان البدائي وصوال الى الشركات الحالية و التي يكون فيها طابع التكتل في صادرهذه
الشركات و ذلك للوصول الي األسواق الخارجية و بالتالي الدخول في األسواق العالمية .
ومن خالل هذه المراحل يتضح لنا أن المؤسسة اإلقتصادية لم تظهر بشكل واحد بل ظهرت
بأنواع مختلفة كل منها ذا أهمية واسعة
المبحث الثاني :المؤسسة االقتصادية الجزائرية
لقد مرت المؤسسة باالقتصادية الجزائرية بمراحل عديدة منذ االستقالل إلى يومنا هذا ،متأثرة
بالسياسات المنتهجة من قبل الدولة و النظام االقتصادي المعتمد
المطلب األول :مراحل تطور المؤسسة االقتصادية الجزائرية
سنتطرق في هذا المطلب ال مختلف المراحل :
المرحلة األولى :من االستقالل إلى نهاية السبعينات
و لقد مرت المؤسسة االقتصادية في هذه المرحلة بثالثة أطوار هي :
ا -الطور األول :التسيير الذاتي للمؤسسات االقتصادية :لقد تم اإلقرار بنظام التسيير الذاتي
و بدأ العمل به ابتداء من مارس 1963باسترجاع المؤسسات االقتصادية التي تركنها
االستعمار الفرنسي ،و التي كانت تقدر بـ 400مؤسسة إنتاجية صغيرة تنشط نسبة ()%34.2
منها في مجال إنتاج مواد البناء ،نسبة ( )%19.8في مجال صناعات الحديد و الصلب و
الميكانيك و المعادن ،نسبـة ( )%14.5منهـا في مـجال الخشب و مشتقاته نسبة ()%14
في الصناعات الغذائية ،هذا إضافة إلى مجموعة من المزارع الفالحية.
و لم تدم مرحة التسيير الذاتي فترة طويلة ،حيث بدأت عمليات التأميم و تحولت المؤسسات
و تحت المسيرة ذاتيا إلى شركات وطنية محددة الوظائف ( إنتاج ،تسويق)...،
الرقابة المباشرة ألجهزة الدولة.
ب -الطور الثاني :إنشاء الشركات الوطنية :مع بداية سنة 1965بدأ متخذوا القرار في إنشاء
الشركات الوطنية ،حيث تم في هذه السنة إنشاء الشركة الوطنية للنفط و الغاز
"سوناطراك" ،الشركة الوطنية للحديد و الصلب ،الشركة الوطنية للصناعات النسيجية
و الشركة الوطنية للتأمين ،و لقد أنشأ ت هذه الشركات من خالل عملية التأميم الكلي أو
الجزئي للشركات األجنبية التي بقيت تعمل في الجزائر بعد االستقالل ،و أيضا من خالل
تحويل بعض المؤسسات المسيرة ذاتيا إلى شركات وطنية.
و في نهاية هذا الطور أ ي في سنة 1970وصل عدد الشركات الوطنية إلى 30شركة،
و التي كانت تستحوذ على نسبة ( )%90من المؤسسات ( 345من أصل 393مؤسسة)
و حوالي نسبة ( %(95من العاملين األجراء ( 61600من أصل 65000عامل).
6
و لقد كانت الشركات الوطنية بمثابة أداة أساسية للتحكم في االقتصاد الوطني و االنطالق في
المرحلة التنموية ،حيث كان تحديد وظائف و أهداف هذه الشركات يتم من طرف الجهاز
المركزي للدولة ،و ذلك في إطار اإلستراتيجية العامة للتنمية و الشيء الذي ميز الشركات
الوطنية في هذه المرحلة هو النقص الكبير في اإلطارات الكفأة و اليد العاملة المؤهلة ،و لهذا
لجت الدولة إلى إجراء إصالحات جذرية في قطاع التعليم العالي حيث يأخذ على عاتقه مهمة
تكوين اإلطارات التي تحتاجها عملية التنمية التي شرعت فيها الدولة ،هذا إضافة إلى إنشاء
العديد من المعاهد التكنولوجية التي أوكلت نلها مهمة تكوين اإلطارات المتوسطة لصالح
الشركات الوطنية ،و األهم من هذا هو فتح ورشات داخل الشركات لتكوين العمال الذين كانوا
في غالبيتهم أميين ،و ليس لهم أي تكوين.
ج -الطور الثالث :التسيير االشتراكي للمؤسسات :مع بداية سنة ،1971كانت الشركات
الوطنية تنتج حوالي ( )%85من إجمالي المنتجات الصناعية ،و توظف حوالي ( )%80من
إجمالي القوى العاملة ،و نظرا لألهمية التي أصبحت تحتلها هذه الشركات في االقتصاد
الوطني فإن الدولة فكرت بجدية في إيجاد نمط فعال لتسييرها ،و بما أن النظام االقتصادي
الذي كانت تتبعه الجزائر هو النظام االشتراكي ،فقد كان نمط التسيير االشتراكي هو األنسب،
و هذا من خالل إشراك العمال في تسيير و مراقبة المؤسسات التي يعملون فيها عن طريق
مجلس العمال المنتخب ،الذي يعمل باالشتراك مع إدارة المؤسسة في رسم السياسة العامة
لها ،و مراقبة نشاطها ،غير أن إشراك العمال في التسيير كان شكليا ألن القرارات األساسية
كانت تتخذ على مستوى الجهاز المركزي للدولة ،بدعوى تحقيق التنسيق بين القرارات المتخذة
على المستوى المركزي و إنجاز األهداف المسطرة لتحقيق التنمية الشاملة.
و و لقد تميزت المؤسسات في هذه المرحلة بكبر حجمها و ارتفاع عدد وحداتها
عمالها،و لعل هذا ما صعب من عملية التحكم في التسيير الجيد لها ،فظهرت فيها عدة مشاكل
كضعف اإلنتاجية و انعدام المردودية ،إضافة إلى عدم التحكم في التكنولوجيا المستخدمة فيها،
و أمام هذا الوضع الصعب لهذه المؤسسات قامت الدولة بإجراء إصالحات عميقة عليها تمثلت
في إعادة هيكلتها مع بدابة الثمانينات.
المرحلة الثانية :إحداث المؤسسات العمومية ()1990-1980
لقد توصلت عملية التشخيص التي قامت بها وزارة التخطيط للفترة ما بين سنتي ( 1967و
)1980مجموعة من النتائج ،مفادها أن كبر حجم المؤسسات االشتراكية يعتبر من أهم
األسباب التي صعبت عملية تسييرها ،و بالتالي تم اتخاذ قرار يقضي بإعادة هيكلة هذه
المؤسسات الكبرى إلى مؤسسات عمومية صغيرة الحجم ،حتى يسهل تسييرها و التحكم فيها،
و تتحسن وضعيتها المالية اتي كانت سلبية ،و لقد انطلقت عملية إعادة الهيكلة في الميدان بعد
صدور مرسوم 04أكتوبر 1980ضمن المخطط الخماسي األول للتنمية ( )1984-1980
حيث أنشأت على إثرها النخبة الوطنية إلعادة الهيكلة التي أوكلت لها مهمة القيام بهذه العملية،
و لقد بدأت هذه العمليـة بإعـادة الهيكلة العضويـة و التي مفادها تقسيم كل مؤسسة كبيرة إلى
7
مجموعة من المؤسسات الصغيرة ،حتى يسهل تسييرها و التحكم فيها ،و كنتيجة لهذه العملية
ارتفع عدد المؤسسات من 100مؤسسة اشتراكية إلى 460مؤسسة عمومية.
وقد أعقبت عملية إعادة الهيكلة العضوية عملية أخرى سميت بإعادة الهيكلة المالية و التي
شملت كل المؤسسات المنبثقة عن إعادة الهيكلة العضوية ،و هذا لمساعدتها على االنطالق
في النشاط االقتصادي من جديد.
و لقد كان الهدف من إعادة الهيكلة هو التخلص من المركزية البيروقراطية التي كانت تعرقل
المؤسسات االشتراكية الوطنية عن النشاط االقتصادي الفعال ،و عن حرية تحديد إستراتيجيتها
و تنفيذها و تحمل مسييري هذه المؤسسات لنتائج أعمالهم و بالتالي التخلص من العبء
المالي الكبير الذي كانت تشكله هذه المؤسسات على خزينة الدولة ،إال أن هذه العبء بقي
مستمرا ،ألن إعادة الهيكلة لم تحقق النتائج المنتظرة منها و فشلت في تحسين وضعية
المؤسسات العمومية و ذلك لعدة أسباب ،فمثال على مستوى الموارد البشرية لم يكن هناك
إدماج فعلي للعمال و اإلطارات في عملية إعادة الهيكلة و تم إجراءها بطرق غير شفافة،
إضافة إلى استمرار تدخل الجهات المركزية في سياسة التشغيل و األجور في هذه المؤسسات
أثر سلبا على تسيير الموارد البشرية فيها ،حيث لم تكن لها الحرية في وضع سلم أجور خاص
بها يمكنها من تحفيز عمالها و مكافأتهم حسب مردوديتهم ،إضافة إلى سياسة التشغيل التي
و موضوعية ،حيث كان التوظيف يتم بعدد أكثر مما لم تكن تخضع لمعايير واضحة
تحتاجه المؤسسة ،و االختيار كان يتم على أساس المحسوبية و المحاباة و ليس حسب الشهادات
و الكفاءات ،زيادة على غياب طرق التسيير الحديثة في هذه المؤسسات ،الشيء الذي ساهم
في بقائها على الحالة التي كانت عليها قبل إعادة الهيكلة.
المرحلة الثالثة :اقتصاد السوق من 1990إلى يومنا هذا
لم تحقق عملية إعادة هيكلة المؤسسات االقتصادية العمومية التي تمت في المرحلة السابقة
األهداف المنتظرة منها ،و أمام الوضعية الصعبة التي مر بها االقتصاد الوطني خالل
الثمانينيات ،أين شهدت أسعار البترول انخفاضا كبيرا ،الشيء الذي جعل الدولة في وضع
مالي حرج ،و للخروج من هذه الوضعية الصعبة جاءت اإلصالحات االقتصادية التي ترافقت
مع اإلصالحات الجذرية في المجال السياسي ،و التي انبثقت عن الدستور الجديد لسنة 1989
الذي كرس التعددية السياسية و حرية التعبير ،و قد تمثلت اإلصالحات االقتصادية الجديدة
في إعطاء االستقاللية للمؤسسات العمومية ،حيث تغير شكلها القانوني و أصبحت شركات
أو حصصها للدولة، مساهمة أو شركات محدودية المسؤولية تعود ملكية كل أسهمها
و تتمتع باالستقاللية و بهذا أصبحت هذه المؤسسات ذات شخصية معنوية لها رأسمال
المالية ،و تسير طبقا لمبدأ الربحية ،و بالتالي تم الفصل بشكل واضح بين حق الملكية من
جهة ،و اإلدارة و التسيير من جهة أخرى ،فالدولة مالكة رأس المال هذه المؤسسات لكن ال
تسيرها.
8
لكن رغم هذه االستقاللية التي منحت للمؤسسات العمومية إال أنها لم تستطيع الخروج من
وضعية العجز و سوء التسيير التي ميزتها تراكمـات ضعف ضبـط تنظيم و تسيير المراحل
السابقة ،مما زاد في تأزم االقتصاد الوطني وزاد من ثقل العبء المالي للدولة ،خاصة أمام
الضائقة المالية التي عرفتها البالد خالل هذه المرحلة جراء انخفاض أسعار البترول ،و ارتفاع
حجم المديونية و خدمتها ،مما تسبب في ارتفاع التضخم إلى أكثر من ( )%30و ارتفاع نسبة
البطالة التي تجاوزت ( )%25و كذا اختالل في ميزانية الدولة الناتج عن عجز مؤسسات
القطاع العام التي أصبحت تمتص 5/4من إرادات الصادرات ،و هذا كله ادخل االقتصاد
في حالة ركود شامل ،و أمام هذه الوضعية الصعبة قامت الدولة بإعادة الهيكلة االقتصادية و
الصناعية للمؤسسات العمومية ،و ذلك وفق ركيزتين أساسيتين:
* إعادة الهيكلة للمؤسسات االقتصادية :و هي تخص المؤسسات اإلستراتيجية و التي ترغب
الدولة في االستغناء عنها ،و ذلك من خالل إتباع برنامج تعديل هيكلي وفق خطة متوسطة
األجل ،عن طريق عقد نجاعة بين الجهات المعنية ( البنوك ،الوزارة الوصية )..،و الهدف
من هذه العملية هو الوصول بهذه المؤسسات لتحقيق فعالية و كفاءة تمكنانها من دخول اقتصاد
السوق بكل ثقة.
* عملية الخوصصة :و تمس المؤسسات غير اإلستراتيجية التي ترغب الدولة في التنازل
عنها للخواص ،و يمكن التمييز بين طريقتين للخوصصة هما :
أ -الطريقة األولى :و هي الخوصصة التي ال تمس ملكية المؤسسة ،بل تقتصر على تنازل
الدولة في تسيير هذه المؤسسة للقطاع الخاص ،و ذلك عن طريق تأجيرها أو إبرام عقد تسيير
معه أو طلب مساعدته في التسيير.
ب -الطريقة الثانية :و هي الخوصصة التي تمس ملكية الدولة للمؤسسة ،و ذلك من خالل
التحويل الجزئي أو الكلي لهذه الملكية للقطاع الخاص بواسطة عدة تقنيات منها :دخول العمال
كشركاء في رأس مال المؤسسة العمومية أو بيع أصولها و تصفيتها.
و تطبيقا للمرسوم الرئاسي رقم 95 /22و المتعلق بخوصصة بعض المؤسسات االقتصادية
العمومية تم االنطالق في هذه العملية في أفريل ،1996حيث مست 200مؤسسة عمومية
محلية صغيرة ينشط معظمها في قطاع الخدمات ،و بعد إنشاء 03شركات جهوية قابضة في
1996تسارعت عملية حل و خوصصة أكثر من 800مؤسسة محلية إلى غاية أفريل .1998
و لعل أكبر قطاع مسته عملية الخوصصة هو قطاع الصناعة بنسبة %54من مجموع
المؤسسات ،يليه قطاع البناء و األشغال العمومية بنسبة %30من المؤسسات و قد بلغ عدد
العمال المسرحين من عملهم إلى غاية 1998حوالي 213ألف عامل.
9
و إلى غاية 2009مازالت هناك مجموعة كبيرة من المؤسسات العمومية لم يفصل في أمرها
و تنتظر مصيرها إما الغلق أو الخوصصة ،و هذا نتيجة عدم وجود عروض مقبولة لشراء
هذه المؤسسات من قبل الخواص أو بسبب معارضة العمال لعملية الخوصصة.
و خالل هذه المرحلة بدأ يبرز دور القطاع الخاص في االقتصاد الوطني شيئا فشيئا و ذلك
من خالل شراء المؤسسات العمومية المخوصصة ،و من خالل إنشاء مؤسسات جديدة خاصة
بعد إنشاء الوكالة الوطنية لالستثمار الخاص سنة 1994و القيام بإجراءات تحفيزية على
االستثمار كمنح األراضي بأسعار رمزية و التخفيف من الضرائب و تقديم القروض البنكية
و غيرها .
ولقد تدعمت مكانة القطاع الخاص في االقتصاد الوطني بصورة واضحة خاصة قطاع
المؤسسات الصغيرة و المتوسطة ،من خالل سياسة اإلصالح االقتصادي التي شرعت فيها
الجزائر منذ مطلع التسعينات ،حيث أولت الدولة أهمية بالغة لترقية و دعم القطاع ألخذ مكانته
في إنجاح عملية اإلنعاش االقتصادي ،و إعادة الديناميكية للقطاع الصناعي الذي كان شبه
معطل باعتباره من أهم القطاعات القادرة على خلق االستثمارات ،و توفير مناصب شغل
جديدة ،إضافة إلى مساهمته الفعالة في إعادة تنشيط المحيط االقتصادي و تحقيق التنمية.
أما فيما يخص التشغيل ،فإن المؤسسات الصغيرة و المتوسطة تساهم مساهمة فعالة في خلق
و هي مناصب عمل جديدة ،فقد بلغت نسبة مساهمتها في التشغيل %18سنة 1997
نسبة جد معتبرة لم تستطع قطاعات هامة تحقيقها.
و لقد واصل القطاع الخاص تطوره في مجال المؤسسات الصغيرة و المتوسطة مع بداية
األلفية الثالثة مقارنة مع القطاع العمومي ،و هذا سواء من حيث عدد المؤسسات التي أنشأها
أم من حيث عدد المناصب التي وفـرهـا في إطـار ما يسمى بالتدعيم للشبـاب و تشغيله.
10
المطلب الثاني :تكوين الموارد البشرية في المؤسسات االقتصادية
يعرف القرن الحادي و العشرين توسعا كبيرا في ظاهرة العولمة ،و التي امتدت إلى كل
المجاالت و من بينها المجال االقتصادي ،حيث زالت الحواجز بين الدول و أصبح التنافس
شديدا في المؤسسات االقتصادية في األسواق العالمية ،و يقوم هذا التنافس أساسا على التقدم
العلمي و اإلبداع التكنولوجي ،هذا األخير يستند على العلم و المعرفة التي ينتجها المورد
البشري و الذي يفوق في قيمته كل الموارد المادية األخرى و ال يمكن للمورد البشري أن
يقوم بدوره على أكمل وجه ،و أن يعطي للمؤسسة ميزة تنافسية تتفوق بها على منافسيها ما
لم يكن له تكوينا جيدا و موافقا الحتياجات هذه المؤسسة ،حتى يكون أكثر كفاءة و فعالية.
و من خالل هذا العنصر سنتطرق لمفهوم التكوين ،أهميته ،أنواعه و مختلف أساليبه.
أهمية التكوين:
التكوين الذي يعتبر في الماضي تكلفة إضافية تتحملها المؤسسة أصبح اليوم يسمى استثمارا
في الرأس المال البشري يجب على أي مؤسسة القيام به ،ألنه يسمح لها بتطوير و تنويع
مؤهالت عمالها ،مما يزيد في كفاءاتهم الفردية و الجماعية في أداء العمل ،و لم يعد التكوين
يقتصر على الجانب المعرفي و التقني فحسب ،بل أصبح يشمل الجوانب النفسية ،و كذا
جوانب االتصال و التواصل مع اآلخرين ،ألن العامل في المؤسسة يعمل ضمن جماعة من
األفراد يشكلون مجتمعا صغيرا داخل هذه المؤسسة.
و تحتاج المؤسسات االقتصادية على اختالف أنواعها إلى موارد بشرية مؤهلة لتحقيق أهدافها
بفعالية ،و تزداد حاجة هذه المؤسسات إلى تكوين و تأهيل مواردها البشرية مع إدخالها
لتكنولوجيات جديدة في مختلف نشاطاتها ،و هذا لسد النقص الذي قد يظهر لدى هذه الموارد
البشرية ،فيكتسي بذلك التكوين أهمية بالغة للفرد و للمؤسسة و تتمثل هذه األهمية فيما يأتي:
اهمية التكوين بالنسبة للمؤسسة:
تتمثل فيما يأتي:
-يرفع التكوين و يحسن من أداء و إنتاجية المؤسسة من خالل زيادة إنتاجية عمالها المتكونين.
-يساهم في تنويع و تطوير منتجات المؤسسة مما يزيد في تنافسيتها.
-يم ّكن المؤسسة من مسايرة مختلف التطورات الحاصلـة في طـرق و أسـاليب العمل و
التحكم فيها.
11
الخاتمة
تمثل المؤسسة العمومية االقتصادية الركيزة األساسية في االقتصاد الوطني عموما ،وفي
عملية إحــــــــداث التنمية خصوصا ،لذلك اعتبرتـــــها الدول وسيلة فعالة لتحقيق التنمية
الوطنية ،وقد عرفت هذه المؤسسات ظروف سياسية واقتصاديـــــة واجتماعية ساهمت في
تشكلها ،ومرت بمراحــــل خـــــــالل هــــــذه الفتـــــــرة ،حيث خــــــــاضت عــــــــدة
تجــارب سياسية واقتصاديــــــة وتنظيمية تبحث في كـــــل تجربــــــــــة عن الهويــــــــة
المناسبة التي تمكنـــــــها من تحقيق التنمية في مختلف المياديـــــن ،وهـــــــذا مــــــا نهدف
إلى توضيحه في هــــــــذا البحث من خـــــــالل إبـــــــــــراز ظروف تطور المؤسسة
العموميـــــــة االقتصاديـــــــة والدور األساسي الذي كانت تلعبه في عملية التنمية ،وأسباب
فشلها في تحقيق ذلك.
12