You are on page 1of 81

‫فسخ العقد‬

‫تحت اشراف ألاستاذ‪:‬‬ ‫أعدّها‪:‬‬


‫توفيق بن مريم‬ ‫أحمد المستيري‬
‫أمام اللّجنة المتركبة من ال ّ‬
‫سادة‪:‬‬
‫األستاذ‪...................................................................:‬رئيسا‬

‫عضوا‬ ‫األستاذ‪ :‬توفيق بن مريم‬

‫األستاذ‪....................................................................:‬عضوا‬

‫السنة الجامعية‪2102-2102:‬‬
‫الشكر‬

‫الشكر الى ك ّل أساتذتي الذين ساهموا في تكويني و بلوغ هذا المستوى التعليمي‬

‫كما أتق ّدم بشكر خاص الى أستاذي الكريم الذي أشرف على هذا العمل‪:‬‬

‫األستاذ‪ :‬توفيق بن مريم‬

‫لقاء نصائحه و آرائه القيّمة‬

‫و أشكر أيضا كافة أعوان مكتبة كليّة الحقوق بسوسة اقرارا بفضلهم و رحابة‬

‫صدرهم‪.‬‬
‫االهداء‬

‫أهدي هذا العمل المتواضع الى أعظم و أحبّ انسانة في هذا الكون‬

‫الى أ ّمي‬

‫رمز النضال و الصّبر‬

‫كما أهدي هذا العمل أيضا‬

‫الى روح والدي العزيز‬

‫الذي لم أعرفه و لم أعايشه طويال‬

‫و الى روح العزيز "محمد بن رمضان"‬

‫الذي كان و الزال رمز للصّداقة و األخ ّوة‪.‬‬


‫قائمة المختصرات‬
‫باللّغة العربيّة‪:‬‬
‫م اع‪ :‬مجلّة االلتزامات و العقود‬
‫م أ ش‪ :‬مجلّة األحوال الشخصيّة‬
‫م ح ع‪ :‬مجلّة الحقوق العينيّة‬
‫م م م ت‪ :‬مجلّة المرافعات المدنيّة و التجاريّة‬
‫م م ف‪ :‬المجلّة المدنيّة الفرنسيّة‬
‫م ق ت‪ :‬مجلّة القضاء و التشريع‬
‫ن م ت‪ :‬نشريّة محكمة التعقيب‬
‫ج‪ :‬جزء‬
‫ص‪ :‬صفحة‬

‫باللّغة الفرنسيّة‪:‬‬
‫‪Art : article‬‬
‫‪Ed : édition‬‬
‫‪LGDJ : Librairie Générale de Droit et de Jurisprudence‬‬
‫‪Op.cit : (opere citato), dans l’ouvrage précité‬‬
‫‪PUF : Presse Universitaire de France‬‬
‫ّ‬
‫إن اآلراء الواردة بهذه المذكرة خاصة بصاحبها‬
‫و ال تلزم الكلية في شيء‬
‫المخطّط‬

‫المقدّمة ‪7 .....................................................................................................‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬أساس قيام حق الفسخ ‪11 ...............................................................‬‬
‫الفصل األ ّول‪ :‬نطاق الفسخ‪11 ............................................................................‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬المبدأ ‪ :‬الطبيعة الملزمة للجانبين للعقد ‪31 ........................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حدود الطبيعة الملزمة للجانين للعقد موضوع الفسخ‪02 ........................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬شروط فسخ العقد ‪12 ....................................................................‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬عدم التّنفيذ ‪02 ..........................................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬استحالة التنفيذ ‪02 .....................................................................‬‬
‫ق الفسخ ‪12 ..................................................................‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬ممارسة ح ّ‬
‫الفصل األ ّول‪ :‬أنواع الفسخ ‪12 ...........................................................................‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬القاضي ينشأ الفسخ ‪02 ...............................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القاضي يقرّر الفسخ ‪12 ..............................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اآلثار القانونية المترتّبة عن الفسخ ‪24 ..............................................‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬األثر الرجعي للفسخ ‪22 ..............................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التّعويض ‪02 ...........................................................................‬‬
‫الخاتمة ‪24 ....................................................................................................‬‬
‫المق ّدمة‬
‫فسخ العقد‬

‫جاء بالفصل األ ّول من مجلّة االلتزامات والعقود ّ‬


‫أن تعمير الذ ّمة يترتّب على االتفاقات‬
‫وغيرها من التصريحات االختيارية وعن شبه العقود والجنح وشبهها وبالتالي واستنادا إلى‬
‫مقتضيات هذا الفصل تكون مصادر االلتزام أربعة‪.‬‬

‫أن االلتزامات مصادر متع ّددة ّ‬


‫فإن العقد يعتبر أه ّم‬ ‫ويتفق العديد من الفقهاء‪1‬على الرّغم من ّ‬
‫مصدر منشئ لها بما أنّه يعتبر الشكل القانوني األكثر شيوعا بين األفراد وأجع وسيلة يستطيع‬
‫الفرد بواسطتها تحقيق مصالحه وتوفير حاجياته المختلفة‪.‬‬

‫ولكن على الرّغم من أهميّته‪ّ ،‬‬


‫فإن المشرّع التونسي لم يعرّف العقد بل ترك األمر موكوال‬
‫لشرّاح القانون‪.‬‬

‫وفي هذا السّياق عرّفه األستاذ مح ّمد ال ّزين بأنّه " عبارة عن اتفاق بين إرادتين فأكثر على‬
‫إحداث رابطة قانونية مع تعيين شروطها وأثارها‪.2‬‬

‫كما عرّفه األستاذ مح ّمد المالقي بأنّه " اتفاق بين إرادتين فأكثر‪ ،‬إ ّما إلنشاء رابطة قانونية مع‬
‫تعيين شروطها ونتائجها أو لتغيير اتفاق آخر سابق ‪.3‬‬

‫وعلى خالف المشرّع التونسي الذي لم يعرّف العقد‪ ،‬فقد عرّفه المشرّع الفرنسي صلب‬
‫الفصل ‪ 3323‬من المجلّة المدنيّة الفرنسية‪.‬‬

‫‪« Une convention par laquelle plusieurs personnes s’engagent envers un ou‬‬
‫» ‪plusieurs autres à donner à faire ou à ne pas faire‬‬

‫والعقد كم ّؤسسة قانونية‪ ،‬يشهد فترتين متميّزتين لك ّل منهما نظاما القانوني المستقل‪ ،‬فترة‬
‫أولى وهي فترة التكوين وفترة ثانية وهي فترة التنفيذ‪.‬‬

‫بالنّسبة لفترة التكوين‪ ،‬فهي مرحلة أساسية في الوجود القانوني للعقد ولقد اعتنى المش ّرع‬
‫ببيان أركان العقد وشروطه بدقّة في الفصول من ‪ 0‬إلى ‪ 02‬م إ ع‪ ،‬كما تعرّض إلى جزاء‬
‫اختالل إحداها كما جاء بالفصول ‪ 100‬إلى ‪ 112‬م إ ع‪.‬‬

‫‪ 1‬مح ّمد ال ّزين ‪ " :‬النظرية العامة لاللتزامات ‪ :‬العقد "‪ ،‬مطبعة الوفاء تونس‪ ،3991 ،‬ص ‪02‬‬
‫‪ 2‬مح ّمد ال ّزين ‪ :‬المرجع السّابق ص ‪10‬‬
‫‪ 3‬مح ّمد المالقي ‪ " :‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬المطبعة الرسمية تونسي ‪ 3922‬ص ‪31‬‬

‫‪2‬‬
‫فسخ العقد‬

‫كما تذكر اإلشارة إلى ّ‬


‫أن فترة التنفيذ تعتبر المرحلة األكثر أهميّة‪ ،‬فالهدف األساسي من إبرام‬
‫العقد يكمن في الوفاء به والوفاء باإللتزام حسب الفصل ‪ 119‬م إ ع سبب من أسباب انقضائه‬
‫وشكل من أشكال تنفيذه‪.‬‬

‫والوفاء باإللتزام ينبع من وجوب احترام ك ّل طرف إللتزاماته المتأتية من العقد الذي يقوم‬
‫شريعة الطرفين المتعاقدين وهو ما نصّ عليه الفصل ‪ 020‬م إ ع بقوله " ما انعقد على الوجه‬
‫الصّحيح يقوم مقام القانون فيما بين المتعاقدين وال ينقضي إالّ برضائهما وفي الصّور‬
‫المقرّرة في القانون "‬

‫فتنفيذ ما يترتّب من إلتزامات واجب قانوني محمول على طرفي العقد وهو ما أ ّكده المشرّع‬
‫في الفصل ‪ 021‬م إ ع‪.‬‬

‫أ ّما مرحلة التّنفيذ فهي األكثر تعقيدا ذلك ّ‬


‫أن تنفيذ األطراف لاللتزامات المترتبة عن العقد‬
‫تكفل شرعيته وجدواه االجتماعية ‪ .4‬لذلك فقد رتّب المشرّع جزاءا عند امتناع أحد األطراف‬
‫عن تنفيذ التزاماته تجاه معاقده كأن يتأ ّخر عن الوفاء دون سبب صحيح رغم حلول األجل‬
‫المح ّدد للتّنفيذ أو أن يمتنع تماما عن الوفاء وهو ما يدفعنا إلى التطرّف إلى مسألة عدم التنفيذ‬
‫التي تمثّل أه ّم إشكال يطرأ على العقد‪.‬‬

‫فتنفيذ العقد يكتسي أهميّة بالغة على المستويين االجتماعي واالقتصادي وتأسيسا على ذلك‬
‫وإدراكا من المشرّع لألهميّة القانونية واالقتصادية للتّنفيذ‪ ،‬م ّكن المشرّع لألهميّة القانونية‬
‫واالقتصادية للتّنفيذ‪ ،‬م ّكن المشرّع في صورة إخالل أحد الطّرفين بتنفيذ إلتزاماته الطّرف‬
‫المقابل من ع ّدة وسائل كحماية حقوقه من بيتها امكانية التحرّر من العقد عن طريق المطالبة‬
‫بفسخه‪.‬‬

‫فما هو مفهوم الفسخ ؟ وكيف نشأت وتط ّورت نظريّة الفسخ ؟ وما هو موقعها في القانون‬
‫الوضعي التونسي ؟‬

‫‪ 4‬أنظر‪:‬‬
‫‪ème‬‬
‫‪Ghestin ( J ) : Traité du droit civil : Les obligations, le contrat : formation 2‬‬ ‫‪edition L G D J, Paris‬‬
‫‪1998‬‬

‫‪3‬‬
‫فسخ العقد‬

‫مفهوم الفسخ‬ ‫‪.I‬‬


‫لم يعرّف المشرّع التونسي صراحة الفسخ وع ّرفه الفقهاء بأنّه " ح ّ‬
‫ق المتعاقد في العقد الملزم‬
‫للجانين إذا لم يوف المتعاقد اآلخر بالتزامه أن يطلب ح ّل الرّابطة العقدية كي يتحرّر هو‬
‫اآلخر من التزاماته "‪.5‬‬

‫كما يعرّف الفسخ بكونه " انحالل الرّابطة العقديّة بأثر رجعي وهو جزاء لعدم قيام المدين‬
‫بتنفيذ إلتزامه العقدي "‪.6‬‬

‫ويعرّف األستاذ مح ّمد الزين الفسخ بكونه جزاء لعدم تنفيذ أحد الطّرفين إللتزامه النّاشئ عن‬
‫عقد ملزم للجانبين ينح ّل بموجبه ذلك العقد ويزول بصفة رجعيّة بحكم من المحكمة أو عمال‬
‫بشرط فسخي في العقد‪.7‬‬

‫ومن خالل هذه التعاريف تظهر الطّبيعة المزدوجة للفسخ‪ ،‬فهو بالنسبة للمدين جزاء قانوني‬
‫ناتج عن عدم وفائه بالتزاماته المض ّمنة بالعقد‪.‬‬

‫أ ّما بالنسبة لل ّدائن فهو وسيلة ها ّمة من جملة وسائل الضّمان التي م ّكنه منها القانون الستيفاء‬
‫حقوقه‪.‬‬

‫أن الفسخ يتميّز بع ّدة خاصيّات ومميّزات فهو جزاء عدم التنفيذ بالنسبة للعقود الملزمة‬
‫كما ّ‬
‫للجانبين فقط وله أثر رجعي ويستوجب إصدار حكم قضائي أو إتّفاق الطّرفين عليه ونفس‬
‫هذه الخاصيّة هي التي تم ّكن من تمييزه عن غيره من المؤسّسات القانونية المشابهة‪.‬‬

‫‪ ‬الفسخ والبطالن‬

‫يشترك الفسخ والبطالن في كونها من اإلجراءات التي يترتّب عن تطبيقها انحالل الرّابطة‬
‫العقدية بصفة رجعيّة غير أنّهما يختلفان من ع ّدة نواحي‪.‬‬

‫‪ 5‬عبد المنعم فرج الصّدة " نظرية العقد في الشريعة اإلسالمية " دار النّهضة العربيّة ‪ 3929‬ص ‪.200‬‬
‫‪ 6‬عبد الحميد الشوربي " فسخ العقد في ضوء القضاء والفقه ‪ :‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،3992‬ص ‪12‬‬
‫‪ 7‬حسن علي الذنون‪ " ،‬النظرية العامة للفسخ في الفقه اإلسالمي والقانون المدني‪ ،‬دراسة مقارنة أطروحة دكتوراه‪ ،‬مطبعة نهضة‬
‫مصر ‪ ،3922‬ص ‪02‬‬

‫‪4‬‬
‫فسخ العقد‬

‫فالفسخ هو جزاء لعدم تنفيذ أحد الطّرفين اللتزاماته العقديّة النّاشئة عن عقد صحيح أ ّما‬
‫البطالن فهو جزاء تخلّف األركان وال ّشروط الواجب توفّرها عند إبرام العقد‪،‬‬

‫فالبطالن هو جزاء يه ّم مرحلة تكوين العقد‪ ،‬أ ّما الفسخ فهو جزاء متعلّق بمرحلة التّنفيذ‪.8‬‬

‫‪ ‬الدّفع بعدم التنفيذ والفسخ ‪:‬‬

‫إن اللّجوء إلى الفسخ أو ال ّدفع بعدم التّنفيذ ال يكون إالّ في العقود الملزمة للجانبين غير أنّه‬
‫ّ‬
‫وكما هو ال ّشأن لباقي المؤسّسات القانونية المشابهة للفسخ‪ّ ،‬‬
‫فإن ال ّدفع بعدم التّنفيذ يتميّز حسب‬
‫الفصل ‪ 020‬م إ ع بكونه وسيلة ضغط تخ ّول لل ّدائن االمتناع عن تنفيذ التزامه إلى حين أن‬
‫يوفي في الطّرف المقابل بما تعهّد به م ّما يؤ ّدي إلى تعليق العقد بخالل الذي يؤ ّدي إلى إنهاء‬
‫العقد بصفة نهائية ورجعيّة ‪.9‬‬

‫‪ ‬الفسخ والمسؤولية العقدية ‪:‬‬

‫يعتبر الفسخ والمسؤولية العقدية جزاء يرتّبه القانون ويصرّح به القاضي بالنسبة للمدين‬
‫المخل بتنفيذ إلتزاماته التعاقدية‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يشترط للقيام بدعوى المسؤولية العقدية إثبات وجود ضرر لحق بال ّدائن‬
‫جرّاء خطأ مدينه وهو عدم التنفيذ في حين أنّه في إطار دعوى الفسخ يكفي إثبات الخطأ دون‬
‫إثبات الضّرر‪.10‬‬

‫أن دعوى المسؤولية والفسخ يختلفان من حيث اآلثار القانونية المترتّبة‬


‫كما تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫عن ك ّل منهما‪ ،‬فالمسؤولية العقدية تؤ ّدي إلى التّعويض عن عدم تنفيذ العقد‪ ،‬بينما الفسخ ينتج‬
‫عنه ح ّل العقد وزوال آثاره بصفة رجعيّة‪.11‬‬

‫‪ 8‬مهدي الفرقاني‪ ،‬التعليق على الفصل ‪ 001‬م إ ع مذكرة لنيل شهادة ال ّدراسات المع ّمقة في القانون الخاص‪ ،‬كليّة الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس ‪.3990 – 3992‬‬
‫‪ 9‬مح ّمد ال ّزين‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪022‬‬
‫‪ 10‬كريمة بلدي ‪ " :‬الفسخ القضائي للعقد " مذكرة لنيل شهادة ال ّدراسات المع ّمقة في القانون الخاص‪ ،‬كليّة الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪ ،3992 - 3990 ،‬ص ‪0‬‬
‫‪ 11‬مح ّمد محمود المصري ‪ " :‬الفسخ واالنفساخ والتفاسخ في ضوء القضاء والفقه " منشأة المعارف ‪ ،3922‬ص ‪11‬‬

‫‪5‬‬
‫فسخ العقد‬

‫‪ ‬الفسخ واإلقالة‬

‫اإلقالة تفيد اتجاه إرادة األطراف المتعاقدة نحو إزالة العقد بعد تكوينه بصفة أصلية ‪ 12‬و ال‬
‫يشترط لحصوله وقوع إخالل من أحد أطراف االلتزام على خالف الفسخ‪.‬‬

‫وال يكون لإلقالة أثر إالّ فيما بين األطراف المتعاقدة والخلف العام وال يمكن االحتجاج به‬
‫تجاه الغير حماية لمصالحهم االقتصادية ‪.13‬‬

‫التّط ّور التّاريخي لنظريّة الفسخ‬ ‫‪.II‬‬

‫لم يكن يعتبر الفسخ كجزاء لعدم الوفاء باإللتزام العقدي أمرا مسلّما به حيث يعتبر تكريسه‬
‫صلب مختلف األنظمة القانونية الحديثة ‪ 14‬وليد تط ّوال كبير‪.‬‬

‫‪ ‬الفسخ في القانون ال ّروماني‬

‫لم يكن الفسخ مبدأ عا ّما في ظ ّل القانون الرّوماني نظرا لغياب مفهوم االرتباط‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن العقد‬
‫الملزم للجانبين لم يكن كفيال في نظر الفقهاء بترتيب إلتزامات متقابلة‪ .‬وعلى العكس من ذلك‬
‫ّ‬
‫فإن العقد الملزم لجانبين ينشئ إلتزامات مستقلة وغير مترابطة‪.15‬‬

‫ولع ّل ما ساهم في غياب نظرية عامة للفسخ في القانون الرّوماني إمكانية لجوء األطراف‬
‫المتعاقدة إلى جملة من ال ّدعاوى أه ّمها دعوى االسترداد‪.16‬‬

‫‪ ‬الفسخ في القانون الكنسي والفرنسي‬

‫برزت نظرية الفسخ كقاعدة عامة تشمل جميع العقود وتحمي ك ّل دائن مع القانون الكنسي‪،‬‬
‫حيث أق ّر هذا القانون لل ّدائن حق االمتناع عن تنفيذ التزامه‪ .‬كما أق ّر كذلك حق التّق ّدم إلى‬
‫المحكمة الكنسية لطلب فسخ العقد إذا ما أخ ّل المدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية‪.17‬‬

‫‪ 12‬انظر الفصل ‪ 232‬م إ ع‬


‫‪ 13‬عبد الحميد الشورابي‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪ 14‬الفصل ‪ 3322‬مدني فرنسي‪ ،‬الفصل ‪ 102 – 100‬مدني ألماني‪ ،‬الفصل ‪ 300‬مدني مصري‬
‫‪ 15‬مهدي الفرقافي‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪ 16‬عبد الحميد الشورابي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪03‬‬
‫‪ 17‬رمضان أبو السّعود " النظرية العامة لإللتزام "‪ ،‬دار المطبعة الجامعية ‪ 0220‬ص ‪02‬‬

‫‪6‬‬
‫فسخ العقد‬

‫وقد تط ّورت هذه القاعدة مع القانون الفرنسي القديم والحديث الذي تأثّر في ذات الوقت‬
‫بالقانون الرّوماني والكنسي‪ ،‬حيث أسّست المجلّة المدنية الفرنسية الفسخ على شرط فسخي‬
‫ضمني يفترض وجوده دائما في العقود الملزمة للجانبين‪.‬‬

‫ويح ّ‬
‫ق بمقتضاه لك ّل متعاقد طلب فسخ العقد للتحرّر م ّما على عاتقه من االلتزامات إذا لم يقم‬
‫الطّرف اآلخر بالوفاء بالتزاماته الناشئة عن نفس العقد ولو لم يشترط ذلك صراحة ‪.18‬‬

‫‪ ‬الفسخ في الفقه اإلسالمي‬

‫أق ّر الفقه اإلسالمي للمتعاقدين إمكانية فسخ العقد وذلك بمنحة لهم حق اللّجوء إلى الخيارات‬
‫(خيار الشرط‪ ،‬خيار التعيين‪ ،‬خيار العيب ‪ ).....‬التي تعطي لصاحبها فرصة التثبت من‬
‫جدوى تنفيذ العقد أو فسخه‪ ،‬لكن هذا الرّأي ال يجب األخذ به على إطالقه ذلك ّ‬
‫أن الفسخ لم‬
‫يرتق لدى فقه الشريعة اإلسالمية إلى مرتبة النظرية العامة‪ ،‬فالعقود تبرم لتنفيذ وليس لل ّدائن‬
‫في صورة إخالل مدينه إالّ طلب غصبه على التنفيذ‪.19‬‬

‫وبعد التطرق إلى التط ّور التاريخي لنظرية الفسخ يتعلّق األمر كذلك بالتساؤل حول نظرية‬
‫الفسخ في القانون الوضعي التونسي‪.‬‬

‫نظريّة الفسخ في القانون الوضعي التونسي‬ ‫‪.III‬‬

‫بالرّجوع إلى مجلّة االلتزامات والعقود وتحديدا الباب الثاني بعنوان " فسخ االلتزامات"‬
‫ندرك ّ‬
‫أن المشرّع التونسي استعمل مصطلح الفسخ كجزاء على اختالل شروط أركان العقد‬
‫من أهلية ورضا ّ‬
‫وأن الفصل ‪ 112‬م إ ع يحيل إلى الفصول ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪ 02‬و ‪ 22‬و ‪ 23‬م إ ع‬
‫المتعلّقة بعوارض األهلية من غلط وإكراه وغبن‪.‬‬

‫‪ 18‬جاء في الصّياغة الفرنسية للفصل ‪ 3322‬م م ف ما يلي ‪:‬‬


‫‪« La condition résolutoire est toujours sous entendue dans les contrats synallagmatiques, pour le cas‬‬
‫‪ou l’une de deux parties ne satisferait point à son engagement. Dans ce cas, le contrat n’est point‬‬
‫‪résolu de plein droit : la partie envers laquelle l’engagement n’a point été exécuté a le choix, ou de‬‬
‫‪forcer l’autre à l’exécution de la convention lorsqu’elle est possible ou d’en demander la résolution‬‬
‫‪avec dommages intérêts. Ou d’en demander la résolution avec dommages intérêts.‬‬
‫‪La résolution doit être demander en justice et il peut être accordé au défendeur un délai selon les‬‬
‫» ‪circonstances.‬‬
‫‪ 19‬عبد الرّزاق أحمد السنهوري ‪ " :‬نظرية العقد‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام "‪ ،‬مجمع العربي اإلسالمي ج ‪ II‬ص ‪290‬‬

‫‪7‬‬
‫فسخ العقد‬

‫وفي هذا اإلطار يالحظ ّ‬


‫أن المشرّع قد استعمل مصطلح الفسخ في الفصل ‪ 001‬م إ ع كجزاء‬
‫على عدم وفاء المدين بالتزاماته الناشئة عن عقد صحيح تام الشروط واألركان‪ ،‬كما استعمله‬
‫أيضا كجزاء على عدم صحّة العقد في الفصول ‪ 112‬إلى ‪ 112‬م إ ع وبالتّالي ّ‬
‫فإن المشرّع قد‬
‫خلط بين المصطلحات دون المفاهيم‪.‬‬

‫وبالتأ ّمل في الفصلين ‪ 001‬م إع و ‪ 002‬من نفس المجلة نالحظ ّ‬


‫أن المشرّع التونسي قد‬
‫كرّس مبدأ الفسخ القضائي من خالل الفصل ‪ 001‬في حين كرّس صلب الفصل ‪ 002‬الفسخ‬
‫اإلتّفاقي وذلك دون أن يتبنّى نظريّة عا ّمة واضحة المعالم ‪ :‬األمر الذي أ ّدى إلى نقص‬
‫تشريعي بخصوص العديد من المسائل التي يطرحها الفسخ ولم يتعرّض لها المشرّع على‬
‫غرار أساس الفسخ‪ ،‬شروطه ‪......‬‬

‫لذلك كان ال ب ّد من الرّجوع إلى اآلراء والنقاشات الفقهية في القانون التونسي والمقارن‬
‫إليجاد الحلول القانونية التي تمكن من إرساء نظرية عا ّمة ومتكاملة للفسخ تراعي التوفيق‬
‫بين المبدأين وذلك عبر حلول قانونية دقيقة وموحّدة نظرا لخطورة اآلثار المنجرّة عن الفسخ‪.‬‬

‫فباالعتماد على مبدأ العدالة التبادلية الذي يقتضي حصول كل طرف على مقابل مواز لما‬
‫ق ّدمه‪ ،‬فإنّه لل ّدائن في صورة إخالل مدينه أن يطلب التحرّر من التزاماته ولكن بشرط أن ال‬
‫يتضرّر المدين وأن ال يؤثّر ح ّل الرّابطة العقدية على االستقرار التعاقدي‪.20‬‬

‫وهذا الحل تمليه كذلك الجدوى االقتصادية المترتبة عن الفسخ‪ ،‬فتط ّور المعامالت المالية‬
‫واالقتصادية بصفة عامة ال يقوم على وجود عقود " ميتة " ولذلك من الضّروري تحرير‬
‫ال ّدائن من التزاماته حتّى يكون قادرا على إعادة استعمال إمكانياته ضمن عقد جديد يحقق‬
‫النّفع للمتعاقدين ولالقتصاد عموما ‪.21‬‬

‫‪ 20‬عبد الحميد الشواربي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪00‬‬


‫‪ 21‬أنظر‪:‬‬
‫‪Carbournier ( J ) : Droit civil, les obligations, PUF 1994, p 331‬‬

‫‪8‬‬
‫فسخ العقد‬

‫ي حال من األحوال ّ‬
‫أن " باب الفسخ " مفتوح على مصراعيه‬ ‫ومؤ ّكد ّ‬
‫أن هذا الرّأي ال يعني بأ ّ‬
‫في القانون التونسي وذلك بالنّظر إلى خطورة نتائجه ‪ 22‬التي حملت المشرّع التونسي على أن‬
‫يقبله إالّ في الحاالت القصوى‪.23‬‬

‫أن أغلب الفقهاء يفضّلون تنفيذ العقد على فسخه ويؤ ّكدون على عدم‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يبدوا ّ‬
‫قبول الفسخ إالّ في الحاالت القصوى وذلك لمنح المتعاقدين نوعا من الثّقة واألمن‪ ،‬فاألمن يع ّد‬
‫حاجة قانونية أساسية خاصّة على مستوى العالقات التعاقدية‪ ،‬كما يتيح مبدأ االستقرار للعقد‬
‫أن ينتج آثاره وذلك تحقيقا يؤ ّمن النّجاعة وعدم الفوضى‪.‬‬

‫ك ّ‬
‫أن إخالل معاقده بما التزم به نحوه قد يتسبّب له في خسارة‬ ‫فبالنّسبة لل ّدائن ما من ش ّ‬
‫مضاعفة من حيث المال والزمن‪ ،‬أيضا ّ‬
‫فإن عدم الوفاء بااللتزام من شأنه أن يمسّ مباشرة‬
‫النّظام العام االقتصادي واالجتماعي وبالتالي فظاهرة اإلخالل بااللتزام يمكن أن تق ّوض‬
‫عنصر االئتمان والثقة في المعامالت‪ .‬كما أنّه ال معنى لالستقرار التعاقدي من دون ح ّد أدنى‬
‫من الثقة والنّزاهة في التعامل وهو مت يمثل غاية سائر التشاريع‪.24‬‬

‫ولع ّل تحقيق االستقرار التعاقدي يبقى أكبر تح ّد‪ ،‬فحماية المعامالت االقتصادية ال يمكن أن‬
‫تتحقّق من دون ضمان احترام االلتزامات وتنفيذها من طرف المتعاقدين‪.‬‬

‫فكيف نظّم المشرّع الفسخ كآلية لحماية أطراف العقد ؟‬

‫نظرا لخطورة اآلثار المترتّبة عن فسخ العقد سواء على حقوق أطراف العقد أو على حقوق‬
‫أن معظم التّشاريع تد ّخلت إلقرار مختلف القواعد واألحكام القانونية‬
‫الغير‪ ،‬فإنّه يمكن القول ّ‬
‫التي تنظّم آثار الفسخ وذلك في محاولة لتحقيق موازنة عادلة بين حقوق أطراف العقد من‬

‫‪ 22‬مح ّمد ال ّزين‪ ،‬المرجع السّابق ص ‪090‬‬


‫‪ 23‬وهذا ما يؤ ّكده العديد من الفقهاء الفرنسيين ومن بينهم الفقيه ‪ Jean Carbounnier‬بقوله ‪:‬‬
‫‪« En fait la résolution ne constituerait qu’un revide cultive : un revide extraordinaire auquel‬‬
‫» ‪l’exécution doit toujours être préféré‬‬
‫‪ 24‬وهو ما أ ّكده الفقيه ‪ Ghestin‬بقوله ‪:‬‬
‫‪« D’un point de vue subjectif, ce serait ruiner la confiance des parties dans l’opération juridique‬‬
‫‪qu’elle réalise diminuant le crédit sur lequel repose l’essentiel de l’économie libérale contemporaine et‬‬
‫‪rendant improbable la conclusion d’opération doit l’utilité (économique) sociale est incontestable.‬‬
‫‪D’un point de vue objectif, ce serait a moins dit la sécurité nécessaire au contrat afin qu’il réalise sa‬‬
‫‪fonction d’échange, légitimant sur utilité sociale ».‬‬
‫‪Ghetin (J ) : Droit civil, les obligations, L G D J 1999, p 429‬‬

‫‪9‬‬
‫فسخ العقد‬

‫جهة وحقوق الغير من جهة أخرى لذلك ال ب ّد من إقرار جملة من الشروط الواجب توفّرها‬
‫للتّصريح بفسخ العقد وتبعا لذلك سنتعرّض في مرحلة أولى إلى أساس قيام حق الفسخ (‬
‫الجزء األ ّول ) ث ّم تنتهي في مرحلة ثانية إلى الخوض في اآلثار القانونية المترتّبة عن الفسخ‬
‫( الجزء الثاني )‬

‫‪10‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬أساس قيام حق‬
‫الفسخ‬
‫فسخ العقد‬

‫الفسخ جزاء يتقرّر لفائدة ال ّدائن عند عدم تنفيذ االلتزام‪ .‬هذا الح ّل يمليه مبدأ العدالة التبادلية‬
‫القاضي بفسخ العقد كلّما كانت االلتزامات غير متوازية بين طرفيه‪.25‬‬

‫أن العقد يضع التزامات متبادلة على كاهل طرفيه فإنّه إذا أخ ّل أحدهما بتنفيذ ما يقتضيه‬
‫فبما ّ‬
‫العقد يصبح من حق الطّرف اآلخر المتضرّر من عدم التنفيذ أن يطلب الفسخ‪ ،‬وبالتالي‬
‫يتحرّر من التزاماته حتّى يكون قادرا على إعادة استعمال إمكانياته ضمن عقد جديد يحقّق‬
‫النّفع للمتعاقدين ولالقتصاد عموما‪.‬‬

‫بيد أنّه ال يمكن لل ّدائن أن يتّخذ هذا الحق ذريعة إلجرائه من تلقاء نفسه‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن ح ّل الرّابطة‬
‫العقدية ال يت ّم بصفة آلية بمج ّرد حصول أ ّ‬
‫ي إخالل باإللتزام نظرا لخطورة النتائج المترتبة‬
‫عنه‪.‬‬

‫لذلك ورغبة منها في إنقاذ العقود‪ ،‬عملت معظم التشاريع على ربط جزاء الفسخ بتوفر العديد‬
‫من الشروط التي بدونها ال يمكن االستجابة لطلب الفسخ بتوفر العديد من الشروط التي بدونها‬
‫ال يمكن االستجابة لطلب الفسخ ( الفصل األ ّول ) كما عمل المشرّع على تحديد نطاق طلب‬
‫الفسخ ( الفصل الثاني )‬

‫الفصل األ ّول‪ :‬نطاق الفسخ‬


‫يتّفق معظم فقهاء القانون على أنّه ال يقبل الفسخ إالّ في العقود الملزمة للجانين ( المبحث‬
‫األ ّول) إالّ أنّه قد أدخلت على هذا المبدأ العديد من االستثناءات ( المبحث الثاني )‬

‫‪ 25‬أنظر‪:‬‬
‫‪Carbonnier (J ), op. cit, p 312‬‬

‫‪12‬‬
‫فسخ العقد‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬المبدأ ‪ :‬الطبيعة الملزمة للجانبين للعقد‬


‫في هذا اإلطار ال ب ّد من تحديد مفهوم العقد الملزم للجانين ( الفقرة األولى ) ث ّم بيان محتوى‬
‫هذا المبدأ ( الفقرة الثانية )‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مفهوم العقد الملزم للجانبين‬

‫ال يثبت لل ّدائن الحق في طلب الفسخ إالّ إذا كان طرفا في عقد ويكون المطلوب هو فسخ ذلك‬
‫العقد‪ ،‬فنطاق الفسخ هو العقد‪ ،‬فما هو مفهوم العقد ؟‬

‫لم يعرّف المشرّع التونسي العقد‪ ،‬وعرّفه الفقهاء‪ 26‬بأنّه توافق إرادتين أو أكثر على احداث‬
‫أثر قانوني معيّن سواء كان هذا األثر هو انشاء التزام أو نقله أو تعديله أو انهائه‪.‬‬

‫ومن خالل هذا التعريف يمكن القول أنّه لقيام العقد يجب توفّر عنصرين ‪ :‬أ ّوال توافق إرادتين‬
‫أو أكثر حيث أنّه إذا التزم شخص بإرادته المنفردة دون اقترانها بإرادة أخرى تكون أمام‬
‫تصرّف قانوني من جانب واحد‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬النعقاد العقد ال ب ّد أن تتّجه إرادتين إلى احداث أثر قانوني ملزم أي إلى االلزام وااللتزام‬
‫بحيث تقوم مسؤولية الطّرف الذي ال ينفّذ التزامه‪.‬‬

‫تبعا لذلك ّ‬
‫فإن إرادة األطراف هي جوهر وأساس العقد وبدونها ال يقوم هذا األخير‪ ،‬فهي التي‬
‫تنشئ العقد وهي التي تحدث آثاره وهذه هي الحرية التعاقدية أو ما يس ّمى بمبدأ سلطان‬
‫اإلرادة ‪.27‬‬

‫وجزاء الفسخ ال يرد إالّ على عقد صحيح أي الذي تتوفّر فيه جميع أركانه‪ .‬وقد ح ّدد الفصل‬
‫‪ 0‬م إ ع األركان الضّرورية لتكوين العقد وهي األهلية والرّضا والمح ّل والسّبب‪.‬‬

‫‪ 26‬انظر مح ّمد الزين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪02‬‬


‫انظر أيضا ‪ :‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪09‬‬
‫‪ 27‬رمضان أبو السّعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪30‬‬

‫‪13‬‬
‫فسخ العقد‬

‫أن العقود ليست كلّها من نوع واحد بل تتع ّدد وتتن ّوع التقسيمات باختالف‬
‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫المعايير التي يمكن اعتمادها في تقسيمات العقود‪.28‬‬

‫أن العناية بهذه التقسيمات إنّما‬


‫ولم يتعرّض المشرّع التونسي إلى إجراء تقسيم العقود حيث ّ‬
‫هو شأن الفقه ال المشرّع‪ ،‬وهو ما أ ّكده األستاذ مح ّمد الزين بقوله " ّ‬
‫إن تقسيم العقود من مهام‬
‫الفقهاء وليس من وظائف المشرّع أو القاضي ولكنّه مفيد ج ّدا في التّطبيق‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن ترتيب‬
‫مختلف أنواع العقود إلى ع ّدة أصناف بحسب الخاصيات المميّزة لك ّل صنف يساهم إلى جانب‬
‫تكييف العقد في تحديد نظامه القانوني‪.29‬‬

‫ومن أه ّم أقسام العقود نجد العقود الملزمة لجانب واحد والعقود الملزمة للجانبين‪.‬‬

‫وفي غياب نصوص تشريعية واضحة تتعلّق بتعريف العقد الملزم للجانبين سواء كان في‬
‫القانون التونسي أو في غيره من القوانين المقارنة‪ ،‬فقد سعى بعض الفقهاء إلى تقديم تعريف‬
‫موسّع للعقد الملزم للجانين بوصفه عقدا ينشئ إلتزامات متبادلة بين طرفيه‪ ،‬بحيث يكون ك ّل‬
‫منهما دائنا ومدينا في نفس العقد‪.‬‬

‫وقد اشترط الفقه الفرنسي كذلك العتبار العقد ملزما للجانبين تقابل االلتزامات‪.30‬‬

‫وتكمن أهمية هذا التمييز في ّ‬


‫أن العقد الملزم للجانين ينشأ إلتزامات متقابلة‪ ،‬ويعتبر تنفيذ‬
‫أن تنفيذ إلتزام الطّرف الثاني هو سبب‬
‫إلتزام الطّرف األ ّول سببا إللتزام الطّرف الثّاني‪ ،‬كما ّ‬
‫اللتزام الطّرف األ ّول وهذه هي نظرية السّبب وعلى هذا األساس فإنّه في العقد الملزم‬
‫للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ ما بذ ّمته من إلتزام كان للمتعاقد اآلخر أن يطلب فسخ‬
‫العقد وهذا ما يس ّمى بالشرط الفاسخ الضّمني وهو مفهوم في ك ّل عقد ملزم للجانين‪.31‬‬

‫‪ 28‬مح ّمد محفوظ‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪09‬‬


‫‪ 29‬مح ّمد الزين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪02‬‬
‫مح ّمد المالقي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪03‬‬
‫رمضان أبو السّعود‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪02‬‬
‫‪ 30‬أنظر‪:‬‬
‫‪Pour qu’un contrat puisse être qualifie synallagmatique, il est nécessaire qu’il donne naissance à des‬‬
‫‪obligations réciproques et connexes à la charge de chacune des parties contractantes ». Josserand (L ),‬‬
‫‪cours de droit civil français, 2ème édition, Sirey 1993‬‬
‫‪ 31‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪313‬‬

‫‪14‬‬
‫فسخ العقد‬

‫أ ّما في العقد الملزم لجانب واحد‪ّ ،‬‬


‫فإن هذا العقد ينشئ إلتزامات على كاهل أحد المتعاقدين‬
‫أن ال ّدائن بوصفه غير ملتزم ليس من المفيد بالنسبة له في‬
‫فقط‪ ،‬وبالتالي ال يجوز فسخه بما ّ‬
‫هذه الصورة أن يطلب الفسخ ألنّه لن يسترجع شيئا بل بالعكس من مصلحته التمسّك بالعقد‬
‫ويطلب تنفيذه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬محتوى المبدأ‬

‫لم يتعرّض المشرّع التونسي صراحة لوجوب أن يكون العقد المراد فسخه ملزما للجانين ال‬
‫ي نصّ قانوني آخر على خالف بعض القوانين المقارنة‬
‫صلب الفصل ‪ 001‬م إ ع وال صلب أ ّ‬

‫األخرى كالقانون الفرنسي والمصري واللبناني‪.‬‬

‫حيث نصّ الفصل ‪ 3322‬من المجلة المدنية الفرنسية على ّ‬


‫أن " الشرط الفاسخ مفهوم دائما‬

‫في العقود الملزمة للجانين إذا امتنع أحد المتعاقدين عن الوفاء بما في ذ ّمته من إلتزام "‪.32‬‬

‫كما جاء بالما ّدة ‪ 300‬من القانون المدني المصري أنّه " في العقود الملزمة للجانين إذا لم‬
‫يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد اآلخر بعد إنذاره للمدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو‬
‫فسخه مع التعويض في الحالتين‪".‬‬

‫أ ّما المادة ‪ 023‬من قانون الموجبات والعقود اللّبناني فقد أشارت إلى أنّه " يق ّدر وجود شرط‬
‫اإللغاء في جميع العقود المتبادلة ‪ 33‬إذا لم يقم أحد المتعاقدين بإيفاء ما يجب عليه "‪.‬‬

‫أن المشرّع التونسي لم ينص صراحة على هذا المبدأ‪ ،‬إالّ ّ‬


‫أن هذا ال يمنع من القول‬ ‫ورغم ّ‬
‫بضرورة توفّره حتّى ولو لم يقع التنصيص عليه‪ ،‬بما أنّه يمكن أن يستنتج ضمنيّا من خالل‬

‫‪ 32‬فصل ‪ 3322‬مجلة مدنية فرنسية ‪:‬‬


‫‪« La condition résolutive est toujours sous entendue dans les contrats synallagmatique : pour les cas‬‬
‫‪ou l’une des deux parties ne satisferait point à son également. Dans ce cas, le contrat n’est point résolu‬‬
‫‪de plein droit, la partie à un contrat synallagmatique envers laquelle l’engagement n’a point exécuté à‬‬
‫‪la choix ou de forcer l’autre à l’exécution de la convention lorsque la qu’elle est possible ou d’en‬‬
‫‪demander la résolution avec dommage intérêt‬‬
‫‪ 33‬المقصود بالعقود المتبادلة‪ ،‬هي العقود الملزمة للجانبين‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فسخ العقد‬

‫األساس الذي تقوم عليه نظرية الفسخ والمتمثّل في ارتباط االلتزامات الناشئة عن العقود‬
‫الملزمة للجانين ومن خالل التعريف المق ّدم للفسخ‪.‬‬

‫فإن امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه يجعل الطّرف اآلخر محقّا في المطالبة‬
‫وبالتّالي ّ‬
‫بالتحلّل من التزامه نظرا النعدام الجدوى من تكوين العقد الذي ما كان ليبرم لو علم مسبقا أنّه‬
‫لن ينفّذ‪.34‬‬

‫أن بعض العقود األخرى تثير إشكال يتعلّق بمدى إمكانية تصنيفها ضمن العقود الملزمة‬
‫إالّ ّ‬
‫وأن اإلجماع الحاصل حولها يتّجه نحو اعتبارها من العقود الملزمة لجانب‬
‫للجانين‪ ،‬خاصة ّ‬
‫واحد‪.‬‬

‫ومن بين هذه العقود نذكر على سبيل المثال ‪ :‬عقد الهبة‪ ،‬عقد الوديعة وعقد الوكالة‪.‬‬

‫‪ .1‬عقد الهبة‬

‫نصّ الفصل ‪ 022‬م أ ش فقرة أولى على ّ‬


‫أن " الهبة عقد بمقتضاه يملك شخص شخصا آخر‬
‫ماال بدون عوض"‬
‫يتّضح من خالل هذا التعريف ّ‬
‫بأن الهبة عقد ملزم بجانب واحد‪ ،‬غير ّ‬
‫أن الفقرة الثانية من‬
‫نفس الفصل تعرّضت للهبة بعوض حيث جاء بها " وجوز للواهب دون أن يتجرّد عن نيّة‬
‫التبرّع أن يف ّوض على الموهوب له القيام بالتزام معيّن وتس ّمى هبة عوض " ‪.35‬‬
‫فإلى أ ّ‬
‫ي مدى يمكن اعتبار عقد الهبة بعوض في هذه الصّورة عقدا ملزما للجانبين ؟‬
‫نستشف من خالل تحليل واجبات طرفي عقد الهبة بعوض ّ‬
‫أن الواهب والموهوب له‬
‫إلتزامات متقابلة‪.‬‬
‫فالموهوب له لم يكن ليقبل بتح ّمل الغرض الذي وضعه الواهب لو لم يكن يعلم بأنّه سيحصل‬
‫على الهبة‪ .‬وبالمقابل ّ‬
‫فإن الواهب التزم بالهبة بغرض االنتفاع من الغرض الذي التزم بتنفيذه‬
‫الموهوب له‪.‬‬

‫‪ 34‬رمضان أبو السعود المرجع السابق‪ ،‬ص ‪000‬‬


‫‪ 35‬الفقرة الثانية من الفصل ‪ 022‬م أ ش‬

‫‪16‬‬
‫فسخ العقد‬

‫وبالتالي يطرح التساؤل حول مصير العقد في صورة امتناع أحد طرفيه عن تنفيذ التزاماته ؟‬
‫وهل يمكن صدور حكم يقضي بفسخ الهبة بعوض ؟‬
‫بالرّجوع إلى القانون التونسي‪ ،‬يتّضح ّ‬
‫أن المشرّع لم ينص على الفسخ كجزاء عن عدم وفاء‬
‫أحد طرفي عقد الهبة بإلتزامه‪ ،‬بل أق ّر جزاء آخر يمكن أن يترتّب في هذه الصّورة هو جزاء‬
‫الرّجوع في الهبة ‪.36‬‬
‫وفي هذا اإلطار جاء في الفقرة األولى من الفصل ‪ 032‬م أ ش أنّه " يجوز للواهب مع‬
‫مراعاة حقوق الغير المكتسبة قانونا طلب الرّجوع في هبته ‪ :‬إذا أخ ّل الموهوب له بما يجب‬
‫عليه نحو الواهب بحيث يكون هذا اإلخالل جحودا كبيرا منه "‬
‫في هذا اإلطار هناك من اعتبر أنّه ال يجوز األخذ بهذا الح ّل نظرا ّ‬
‫ألن طلب الرّجوع في هذه‬
‫الفقرة يتعلّق في حقيقة األمر بعقد الهبة بدون عوض وبإخالل الموهوب له بالتزام سلبي‬
‫يتمثّل في العرفان بجميل الواهب‪.‬‬
‫وهذا اإلخالل يش ّكل جحودا كبيرا يمكن للواهب على أساسه طلب الرّجوع في الهبة ‪.37‬‬
‫وتبعا لذلك فإنّه من البديهي أن ال يجوز سحب هذا الح ّل على عقود الهبة بعوض التي تخضع‬
‫إلى أحكام المتعلّقة بالعقود الملزمة للجانبين ومن بينهما الفصل ‪ 001‬م إ ع المتض ّمن لمبدأ‬
‫الفسخ لعدم التنفيذ‪.‬‬
‫أن ح ّل الفسخ أقرّه العديد من الفقهاء من بينهم الفقيه عبد الر ّزاق‬
‫ويضيف صاحب هذا الرّأي ّ‬
‫أحمد السّنهوري‪ ،‬حيث ورد عنه " ويجوز أيضا للواهب أو لورثته المطالبة بفسخ الهبة لعدم‬
‫أداء العوض ّ‬
‫وأن الهبة بعوض عقد ملزم للجانين يرد عليه الفسخ طبقا للقواعد العا ّمة المقرّرة‬
‫في هذا الشأن" ‪.38‬‬
‫هذا الرّأي على وجاهته يبقى قابال للجدل والنقاش نظرا لغياب حجج دامغة تؤ ّكده لكون‬
‫المشرّع لم يفرّق صلب بين نوعي الهبة‪ .‬ونظرا لهذا الغموض‪ ،‬يبقى األمر بيد القضاء في‬
‫إمكانية االستجابة لطاب فسخ عقد الهبة من عدمها‪.‬‬
‫العقد الثاني الذي يثير نفس اإلشكال المتعلق بتحديد طبيعته هو عقد الوديعة‪.‬‬

‫‪ 36‬انظر الفص ‪ 032‬م أ ش‬


‫‪ 37‬كريمة البلدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪329‬‬
‫‪ 38‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪303‬‬

‫‪17‬‬
‫فسخ العقد‬

‫‪ .1‬عقد الوديعة‬

‫يظهر من خالل األحكام المتعلقّة بعقد الوديعة ضمن م إ ع بأنّه عقد ملزم لجانب واحد يتسلّم‬
‫فيه المستودع شيئا منقوال من شخص آخر بمقتضى عقد ليعتني بحفظه وير ّده بعينه ‪.39‬‬
‫فإن النّقاش ثار حول طبيعته في صورتين اثنتين ‪:‬‬
‫ّ‬

‫األولى‪ ،‬عندما ينفق المستودع المصاريف الضّرورية كحفظ الوديعة والثانية‪ ،‬عندما تكون‬
‫الوديعة بأجر‪.‬‬

‫فهل يع ّد العقد في هاتين الصورتين ملزما للجانين ؟‬

‫فيما يتعلّق بالضورة األولى اعتبر الفقه ّ‬


‫أن الوديعة ال يمكن اعتبارها عقدا ملزما للجانين بما‬
‫ّ‬
‫أن االلتزام المحمول على كاهل المستودع والمتمثل في دفع المصاريف التي انفقها المودع‬
‫كحفظ الوديعة‪ ،‬لم ينشأ عند ابرام العقد بل أثناء تنفيذه وهو ما يتنافى مع تعريف العقد الملزم‬
‫للجانين الذي يفترض نشأة إلتزامات متبادلة لكال الطّرفين عند ابرام العقد ال عند تنفيذه‪.‬‬

‫وفي ما يخصّ هذه الصّورة ّ‬


‫فإن الفسخ ال يمكن تطبيقه سواء اعتبر عقد الوديعة ملزما‬
‫للجانبين أم ال‪ ،‬حيث منح المشرّع وسيلة أخرى للحصول على حقوقه والمتمثّلة في حبس‬
‫الوديعة إلى حين استيفاء ما أنفقه عليها من مصاريف وبالتالي ّ‬
‫فإن التجائه إلى طلب الفسخ‬
‫أن حق الحبس كوسيلة الستيفاء ال ّديون أنجع بكثير من الفسخ‪.‬‬
‫ليس في مصلحته بما ّ‬

‫أ ّما في الحالة الثانية‪ ،‬وعندما تكون الوديعة بأجر فلقد اتّجه أغلب الفقهاء إلى اعتبارها عقدا‬
‫ملزما للجانين بما أنّه يحتوي على التزامات متبادلة ومتوازنة محمولة على كاهل طرفيه‬
‫وبالتالي ّ‬
‫فإن ك ّل طرف في العقد إلتزم بقصد الحصول على مقابل مواز اللتزامه وبالتالي‬
‫إمكانية فسخه إذا ما انعدم توازنه وتبعا لغياب نصوص قانونية تنظّم إخالل المستودع تحفظ‬
‫الوديعة وإخالل المودع بدفع األجرة للمستودع يتّجه الرّجوع إلى القواعد الع ّمة وبالتّحديد إلى‬
‫الفصل ‪ 001‬م إ ع‪.‬‬

‫‪ 39‬انظر الفصول ‪ 990‬و ‪ 3220‬وما يليها من م إ ع‬

‫‪18‬‬
‫فسخ العقد‬

‫‪ .3‬عقد الوكالة‬

‫عرّف المشرّع عقد الوكالة صلب الفصل ‪ 3322‬م إ ع بأنّها " عقد يكلّف به شخص شخص‬
‫آخر بإجراء عمل جائز في حق المن ّوب وقد يتعلّق بالتوكيل أيضا ح ّ‬
‫ق الموكل والوكيل أو حق‬
‫المو ّكل والغير فقط‪.‬‬

‫ومبدئيا يعتبر عقد الوكالة عقدا ملزما لجانب واحد يلتزم به الوكيل بإجراء عمل جائز في حق‬
‫الموكل دون أن يتعهّد في المقابل هذا األخير بالقيام بأ ّ‬
‫ي التزام لفائدة الوكيل‪.‬‬

‫غير ّ‬
‫أن المشرّع استثنى من هذه القاعدة بعض الصّور وذلك بتنصيصه ضمن الفصل ‪3332‬‬
‫أن الوكالة تصبح مأجورة إذا اشترط الطّرفان ذلك في العقد أو " إذا كان الوكيل‬
‫م إ ع على ّ‬
‫منتصبا لمثل ما و ّكل عليه ‪".....‬‬

‫وفي هذا اإلطار يعتبر األستاذ مح ّمد ال ّزين ّ‬


‫أن الوكالة بأجر عقد ملزم للجانين نتيجة لوجود‬
‫التزامات متبادلة بين طرفي العقد‪.40‬‬

‫أن لكال الطّرفين في العقد الوكالة التزامات متبادلة‪ ،‬فإنّه طبقا لمبدأ العدالة التبادلية‪ ،‬ال‬
‫وبما ّ‬
‫ب ّد من أن تكون هذه االلتزامات متوازنة‪ 41‬بحيث يتحصّل ك ّل طرف على مقابل مواز لما‬
‫ق ّدمه تنفيذا اللتزاماته وإالّ فإنّه يصبح من حقّه أن يتحرّر من العقد عن طريق المطالبة‬
‫بفسخه‪ ،‬كما ّ‬
‫أن المشرّع نصّ على إمكانية أن يتح ّرر الوكيل أو الموكول من إلتزامه بصفة‬
‫ق حبس ما سلّمه له الموكل الستيفاء ما يستحقه من‬
‫فردية‪ ،‬كما أجاز المشرّع للوكيل ح ّ‬
‫مصاريف‪.‬‬

‫هذا هو محتوى مبدأ العقد الملزم للجانين غير أنّه هنالك العديد من االستثناءات لهذا المبدأ‪.‬‬

‫‪ 40‬مح ّمد ال ّزين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪090‬‬


‫‪ 41‬صباح كشيش " الوكالة ذات المصلحة المشتركة "‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المع ّمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،91 – 90 ،‬ص ‪12‬‬

‫‪19‬‬
‫فسخ العقد‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حدود الطبيعة الملزمة للجانين للعقد موضوع الفسخ‬


‫تتع ّدد العقود الملزمة للجانين غير الخاضعة للفسخ سواء في التّشريع التونسي أو التشاريع‬
‫المقارنة‪.‬‬

‫وقد اتّفق معظم فقهاء القانون سواء كان بتونس أو بفرنسا على ضرورة استثناء عقدي القسمة‬
‫( الفقرة األولى ) والتأمين ( الفقرة الثانية ) من مجال الفسخ إضافة إلى عقد العارية ( الفقرة‬
‫الثالثة )‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬عقد القسمة‬

‫أجمع الفقه والقضاء في فرنسا منذ سنوات على عدم قابلية عقد القسمة للفسخ رغم عدم وجود‬
‫ي نصّ قانوني يحجّر ذلك صراحة‪ ،‬وأبقوا للمتعاقدين الذين يثبتون ّ‬
‫أن أحد أطراف عقد‬ ‫أ ّ‬
‫القسمة قد أخ ّل بإلتزامه الحق في اللّجوء إلى القضاء للمطالبة بإلتزام الطّرف المتقاعس بتنفيذ‬
‫إلتزامه تنفيذا عينيّا‪.42‬‬

‫إالّ أنّهم استثنوا من ذلك حالة وحيدة تتمثّل في إدراج شرط صريح بالعقد يقضي بضرورة‬
‫فسخه فسخا تلقائيّا في صورة امتناع أحد المتقاعسين عن دفع مع ّدل القسمة مثال‪.‬‬

‫يبرّر الفقهاء في فرنسا موقفهم هذا باالستناد إلى الحجج التالية ‪:‬‬

‫‪ ) 1‬ال يمكن واقعيّا ومنطقيّا اعتبار الشرط النسخي الضمني‪ 43‬كأساس لفسخ عقد القسمة إذ‬
‫بأن إرادة المتعاقدين الضّمنيّة قد اتّجهت إلى فسخ عقد القسمة عند عدم‬
‫من المنطقي أن نق ّر ّ‬
‫تنفيذ أحدهم اللتزاماته‪.‬‬

‫‪ ) 1‬نظريّا ال يمكن ترجيح مصلحة أحد المتعاقدين بين الذي يطالب بفسخ العقد على مصلحة‬
‫بقية المتعاقدين الذين سيضرهم فسخ عقد القسمة‪.‬‬

‫‪ 42‬رمضان أبو السّعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪000‬‬


‫‪ 43‬نصّ الفصل ‪ 3322‬م مف صراحة على ّ‬
‫أن أساس فسخ ك ّل عقد ملزم ااجانين هو إرادة المتعاقدين المفترضة‬

‫‪20‬‬
‫فسخ العقد‬

‫‪ ) 3‬عقد القسمة هو تصرّف ينظّم الحقوق الماليّة ألفراد العائلة وبالتالي ّ‬


‫فإن فسخ هذا العقد‬
‫من شأنه أن يسبّب اضطرابات خطيرة بالنسبة للمتقاسمين والغير‪.‬‬

‫فيما يخصّ الفقه في تونس‪ ،‬اتّفق الفقهاء على ضرورة استثناء عقد القسمة من مجال الفسخ‪.‬‬

‫ك أنّه يفرض إلتزامات يمكن أن نشير‬


‫وعقد القسمة باعتباره من العقود الملزمة للجانين‪ ،‬ال ش ّ‬
‫مثال إلى إلتزام المتقاسمين بضمان ما قد يقع من شغب واستحقاق لسبب سابق عن القسمة‬
‫وكذلك التزامهم بتح ّمل مصاريف القسمة ك ّل بحسب منابه في المشترك‪.44‬‬

‫وعمال بما ورد بمجلة الحقوق العينية‪ ،‬نالحظ ّ‬


‫أن المشرّع لم يتعرّض للفسخ كجزاء عن عدم‬
‫الوفاء بعقد القسمة‪.‬‬

‫أن " القسمة الرّضائية أو الحكمية بأنّه ال رجوع فيها وال‬


‫كما جاء بالفصل ‪ 300‬م ح ع ّ‬
‫تنقضي إالّ بسبب اإلكراه أو الغلط أو التغيري " وبناء عليه‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫بأن المشرّع خرج‬
‫فعال في إطار عقد القسمة عن القاعدة العا ّمة الواردة بالفصل ‪ 001‬م إ ع والقاضية بجواز‬
‫المطالبة بفسخ العقود المتبادلة فسخا قضائيّا‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬عقد التّأمين‬

‫ورد تعريف عقد التأمين في الفصل األ ّول من مجلّة التأمين وهو " عقد يلتزم بمقتضاه‬
‫المؤمن بتقديم خدمة ماليّة للمؤ ّمن له"‬

‫حيث ميّز عقود التأمين بنظام خاص‪ ،‬في هذا اإلطار نميّز بين صورتين ‪:‬‬

‫‪ -‬الصورة األولى ‪ :‬عند إخالل المؤ ّمن له بتنفيذ إلتزاماته المنصوص عليها صلب مجلّة‬
‫ق للمؤ ّمن أن يفسح العقد بصفة منفردة وذلك عن طريق عدل منفّذ أو‬
‫التّأمين‪ ،‬فإنّه يح ّ‬
‫‪45‬‬
‫رسالة مضمونة الوصول مع اإلعالم بالبلوغ‬

‫وهنا الفسخ في هاته الصّورة يختلف عن الفسخ القضائي بما أنّه يت ّم دون استصدار حكم‪.‬‬

‫‪ 44‬انظر الفصل ‪ 312‬م ح ع‬


‫‪ 45‬انظر الفصول ‪ 33 – 9 – 2 – 0‬من مجلّة التّأمين‬

‫‪21‬‬
‫فسخ العقد‬

‫‪ -‬الصورة الثانية ‪ :‬المشرّع التونسي صلب مجلّة التأمين وتحت عنوان " إلتزامات‬
‫المؤمن وله والمؤ ّمن " لم يتعرّض إلى إلتزامات هذا األخير ولم يبيّن جزاء اإلخالل‬
‫بتنفيذها ‪.46‬‬

‫وهو ما يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية تطبيق القواعد العا ّمة المتعلّقة بالفسخ ؟‬

‫يبدو ّ‬
‫أن مصلحة المؤ ّمن له تقتضي منه أن يقوم على أساس المسؤولية العقدية ال على أساس‬
‫أن الهدف المنشود تحقيقه من خالل الفسخ والمتمثّل في تحرير ال ّدائن من إلتزامه‬
‫الفسخ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫وتمكينه من التعاقد مج ّددا إن أراد ذلك‪ ،‬ال يمكن أن تتحقّق في صورة فسخ عقد التّأمين‪،‬‬
‫ألن الخطر قد تحقّق وال‬
‫فالمؤ ّمن له ال يستطيع أن يبرم عقد تأمين جديد مع مؤسّسة أخرى‪ّ ،‬‬
‫ألن الخطر قد تحقّق وال يمكن منطقيّا أن تقبل أ ّ‬
‫ي‬ ‫ي مؤسّسة أخرى ‪ّ ،‬‬
‫يمكن منطقيّا أن تقبل أ ّ‬
‫مؤسّسة أخرى بأن تؤ ّمنه‪.47‬‬

‫ألن أقساط التّامين التي دفعها هذا األخير‬


‫أن الفسخ يتعارض مع مصلحة المؤ ّمن له‪ّ ،‬‬
‫كما ّ‬
‫والتي سيستر ّدها بموجب األثر الرّجعي للفسخ لن تكون بأ ّ‬
‫ي حال من األحوال معادلة‬
‫للخسائر التي تح ّملها‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬عقد العارية‬

‫تنقسم العارية في القانون التونسي إلى نوعين‪ ،‬عارية االستعمال وعارية االستهالك‪.48‬‬

‫عارية االستعمال هو عقد يسلّم به أحد الطّرفين شيئا لآلخر لينتفع به م ّدة معيّنة أو لغرض‬
‫معيّن على أن يرجع المستعير عن المعار ويبقى للمعير ملكيّة الشيء وحوزه الشرعي بحيث‬
‫ال يكون للمستعير إالّ المنفعة " ‪.49‬‬

‫‪ 46‬الفصول ‪ 0‬وما يليها من مجلّة التّأمين‪.‬‬


‫‪ 47‬كريمة بلدي‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪330‬‬
‫‪ 48‬انظر الفصل ‪ 3202‬م إ ع‬
‫‪ 49‬انظر الفصل ‪ 3200‬م إ ع‬

‫‪22‬‬
‫فسخ العقد‬

‫أ ّما في ما يتعلّق بعارية االستهالك وهي القرض‪ .‬فقد نصّ الفصل ‪ 3223‬م إ ع على ّ‬
‫أن "‬
‫القرض عقد على دفع شيء م ّما يستهلك أو منقول على أن يرجع له المقترض نظير ذلك‬
‫نوعا وقدرا ووصفا عند انقضاء األجل المتّفق عليه "‬

‫وإذا كانت الطّبيعة الملزمة للجانين لعقد عارية االستهالك ثابتة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن المشرّع لم ينصّ على‬
‫الفسخ كجزاء عن عدم وفاء أحد الظّرفين بإلتزاماته المحمولة عليه بمقتضى هذا العقد‪،‬‬
‫واكتفى بالتنصيص صلب الفصل ‪ 3200‬م إ ع أنّه " على المستعمر ضمان تلف العارية‬
‫وتعيبها بأمر طارئ أو ق ّوة قاهرة إذا أفرط في استعمالها وخصوصا إذا ‪ ....‬ما ط ّل في ر ّدها‬
‫‪"...‬‬

‫أن الجزاء المترتّب عن مماطلة المستعير في ر ّد العارية قبل تعيّبها أو‬


‫وهو ما استنتج معه ّ‬
‫هالكها هو الضّمان ال الفسخ‪ ،‬إذ من مصلحة المعير القيام على أساس المسؤولية التعاقدية‬
‫للمطالبة بالتزام المستعير بر ّد العارية إليه وفي نفس الوقت يجبره على تعريض األضرار‬
‫التي لحقت به من جرّاء المماطلة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فسخ العقد‬

‫الفصل الثاني‪ :‬شروط فسخ العقد‬


‫نظرا لخطورة اآلثار القانونية المترتّبة عن الفسخ‪ّ ،‬‬
‫فإن المشرّع التونسي وضع شروط‬
‫قانونية دقيقة لألخذ بهاته النظرية‪ ،‬حيث جعل من عدم التنفيذ ( المبحث األ ّول ) واستحالة‬
‫التنفيذ ( المبحث الثاني ) شرطين أساسين وغير متالزمين لتطبيق نظرية الفسخ‪.‬‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬عدم التّنفيذ‬


‫يعتبر عدم تنفيذ االلتزام أحد أسباب فسخ العقد وفي هذا اإلطار يمكن الحديث عن صورتين‬
‫لعدم التنفيذ تتمثّل األولى في عدم الوفاء بكامل االلتزام ( فقرة أولى ) أ ّما الثانية فهي حالة‬
‫عدم الوفاء الجزئي بااللتزام ( فقرة ثانية )‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عدم الوفاء بكامل االلتزام‬

‫إذا كان عدم التنفيذ كليا فال شك ّ‬


‫أن هذا مبرّر للمطالبة بالفسخ ‪ ،50‬وذلك نظرا لكون عدم تنفيذ‬
‫العقد من شأنه أن يعدم التوازن االقتصادي الموجود داخله ويحول دون حقيق الهدف الذي‬
‫شرعت من أجله العقود أال وهو تبادل الخدمات والمنافع‪.51‬‬

‫ويع ّد عدم الوفاء الكلي بااللتزام حسب العميد " ‪ " Carbonnier‬من أبسط مظاهر‬
‫اإلخالل‪.52‬‬

‫ويظهر عدم التنفيذ الكلّي بحسب موضوع االلتزام وبحسب طبيعته وبحسب مرتبته‪.‬‬

‫‪ .1‬عدم التنفيذ الكلّي حسب موضوع االلتزام‬

‫ينقسم االلتزام إلى نوعين ‪ :‬التزام بعمل والتزام باالمتناع عن عمل‪.‬‬

‫‪ 50‬عبد الرّزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪002‬‬


‫‪ 51‬حسن علي الذنون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪323‬‬
‫‪ 52‬أنظر‪:‬‬
‫‪Carbonnier (J ), op. cit, p 322‬‬

‫‪24‬‬
‫فسخ العقد‬

‫ويتفرّع االلتزام بعمل إلى التزام أ ّول موضوعه توصّل ال ّدائن بغاية أو نتيجة ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫االلتزام بآداء مبلغ مالي‪ ،‬التزام البائع بتسليم المبيع‪ ،53‬التزام األجير بمقتضى عقد اإلجارة‬
‫على الصّنع ‪.54‬‬

‫وفي إطار هذا الصّنف من اإللزام‪ ،‬ال يعتبر المدين قد وفى بالتزامه وال تبرّأ ذ ّمته إالّ متى‬
‫تم ّكن فعال من الوصول إلى تلك النتيجة‪ ،‬وعلى العكس من ذلك يعتبر عدم الوفاء كامال إذا لم‬
‫تتحقق النّتيجة المرج ّوة من التعاقد‪.‬‬

‫أ ّما االلتزام الثاني‪ ،‬فهو التزام ببذل عناية و يتمثل جوهرة في بذل المدين قدرا معيّنا من‬
‫الحرص والعناية في سبيل تمكين ال ّدائن من الوصول إلى غايته‪ ،‬ويستوي في نظر القانون أن‬
‫تتحقّق هذه الغاية أو أن ال تتحقّق‪ ،‬فالذي يه ّم هو بذل العناية ذاتها‪ .‬مثال التزام الطّبيب معالجة‬
‫مرضه‪ ،‬إلتزام المحامي بال ّدفاع عن من ّوبه ‪ ....‬شفاء المريض وقد ال يت ّم ذلك ‪.‬‬

‫حينئذ فعدم الوفاء بكامل االلتزام‪ ،‬يتمثّل في عدم بذل ح ّد معيّن من الجهد والحرص الذي كان‬
‫سيظهره الرّجل المعتاد في مثل ظروف المدين وهو معيار موضوعي يتكيّف حسب‬
‫مقتضيات‪.‬‬

‫‪ .1‬عدم التنفيذ الكلّي حسب طبيعة اإللتزام‬

‫يتفرّع االلتزام حسب طبيعته إلى إلتزام قابل للقسمة وإلى التزام غير قابل للقسمة وإلى إلتزام‬
‫‪.55‬‬
‫غير قابل للقسمة‬

‫ويحصل عدم التنفيذ الكلّي خاصّة إذا تعلّق األمر بإلتزام غير قابل للقسمة حسب الفصل ‪393‬‬
‫م إ ع‪ ،‬تنشأ في صورة أولى من طبيعة الملتزم به الذي كان شيئا أو فعال ال يقبل القسمة‪ ،‬وهو‬
‫ما أ ّكدته محكمة التعقيب بقولها في احدى القرارات " ّ‬
‫إن طبيعة عقد المغارسة تقتضي بداهة‬

‫‪ 53 53‬انظر الفصل ‪ 093‬م إ ع‬


‫‪ 54‬انظر الفصل ‪ 222‬م إ ع‬
‫‪ 55 55‬انظر الفصل ‪ 393‬و ‪ 392‬م إ ع‬

‫‪25‬‬
‫فسخ العقد‬

‫أن إلتزام العامل يجري في الك ّل ال في البعض وإالّ فات المقصود من التعاقد وهذا التص ّور‬
‫ّ‬
‫‪.56‬‬
‫يؤ ّدي بنا إلى وجود اعتبار ذلك االلتزام مندرجا في فئة االلتزامات غير القابلة للقسمة "‬

‫كما تنشأ عدم قابلية القسمة في صورة ثانية من العقد أو القانون‪ ،‬بأن يقتضي أحدهما ّ‬
‫أن‬
‫االلتزام ال يجري في البعض دون الكل‪ ،‬فمن إلتزام بمقتضى عقد بيع بخالص الثّمن دفعة‬
‫واحدة ال يتسنّى له عندئذ دفعه على أقساط‪.‬‬

‫‪ .3‬عدم التنفيذ الكلّي بحسب مرتبة اإللتزام‬

‫ينقسم اإللتزام حسب مرتبته إلى إلتزام أصلي وإلزام فرعي‪ .‬واإللتزام األصلي هو الذي يكون‬
‫وجوده الزما بوجود العقد وهو وسيلة رئيسية وأساسية لتحقيق النتيجة النموذجية لعقد‬
‫‪.57‬‬
‫معيّن‬

‫وتبعا لذلك‪ ،‬يتحقّق عدم الوفاء الكلّي إذا تسلّط اإلخالل على إلتزام رئيسي‪ ،‬فمثال في عقد‬
‫البيع يتمثّل االلتزام الرّئيسي ( أي االلتزام األصلي ) للبائع في تسليم المبيع للمشتري وبالتالي‬
‫يعتبر البائع مخال بالتزامه إذا تخلّف عن تسليم المبيع للمشتري وبالتالي يعتبر البائع مخالّ‬
‫بإلتزاماته إذا تخلّف عن تسليم المبيع‪.‬‬

‫يمكن أن نستنتج تبعا لذلك‪ّ ،‬‬


‫أن عدم التنفيذ الكلي لإللتزام ال يطرح إشكاال‪ ،‬لكن يطرح‬
‫اإلشكال عندما يكون عدم تنفيذ االلتزام جزئيّا‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬عدم التنفيذ الجزئي لإللتزام‬

‫أن المدين نفّذ جزءا من االلتزام وتخلّف عن ذلك في الباقي وقد ثار‬
‫يعني عدم الوفاء الجزئي ّ‬
‫نقاش بين مختلف الفقهاء حول الحل المتّجه اعتماده في حالة عدم تنفيذ المدين اللتزامه‬
‫جزئيّا‪.‬‬

‫فهل يقع التصريح بفسخ كامل العقد‪ ،‬أم اإلبقاء عليه‪ ،‬أم فسخه جزئيّا ؟‬

‫‪ 56‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 1200‬صادر بتاريخ ‪ 02‬ماي ‪ ،3923‬نشرية محكمة التعقيب ‪ ،3923‬ج ‪ ،0‬ص ‪30‬‬
‫‪ 57‬عبد الحميد الشورابي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪12‬‬

‫‪26‬‬
‫فسخ العقد‬

‫لم يتعرّض القانون الفرنسي لهذه المسألة بالفصل ‪ 3322‬مجلة مدنية فرنسية‪ ،‬حيث انقسم‬
‫الفقهاء الفرنسيون إلى إتّجاهين ‪:‬‬

‫األ ّول اعترض أصحابه على فكرة الفسخ الجزئي ألنّها تمسّ من وحدة العقد وتمنح القاضي‬
‫سلطة تقديريّة ها ّمة في تعديله وفي ذلك إخالل بقاعدة العقد شريعة الطّرفين‪.‬‬

‫أن الفسخ الجزئي هو الح ّل المالئم لهذه الوضعيّة بما أنّه يوفّق‬
‫أ ّما اإلتّجاه الثاني‪ ،‬فقد اعتبر ّ‬
‫بين ال ّدائن والمدين في نفس الوقت‪.‬‬

‫وعلى خالف ذلك‪ ،‬فقد أجاز القانون التونسي صراحة لل ّدائن في صورة عدم تنفيذ المدين‬
‫لجزء من إلتزامه‪ ،‬أن يطلب الوفاء الجزئي أو فسخ العقد‪.‬‬

‫ويعكس ذلك من دون شك حرص المشرع على الوفاء بااللتزامات كاملة وتكريس حق ال ّدائن‬
‫في الوفاء كامال وعدم إجباره على قبول جزء من االلتزام مقابل االكتفاء بالتعويض فيما‬
‫تبقى‪.‬‬

‫وبما ّ‬
‫أن عبارة " الوفاء الجزئي " الواردة في الفصل ‪ 001‬م إ ع تعني ضمنيا الفسخ الجزئي‬
‫للعقد‪ ،‬فإنّه يمكن التّأكيد ّ‬
‫أن المشرّع التونسي قصد أن يعطي لعبارة فسخ العقد معنى آخر‬
‫مخالف أال وهو الفسخ الكلي‪.‬‬

‫وهو ما أ ّكده الفقيه حسن على الذنون بقوله ‪ " :‬لقد أعطت هذه المادة لل ّدائن عند عدم التنفيذ‬
‫الجزئي إللتزامات المدين‪ ،‬الخيار بين طلب الفسخ مع التحريض أو اإلبقاء على الرّابطة‬
‫التعاقدية واالقتصار على طلب التعويض عن الجزء الذي لم يقم المدين بالوفاء به‪ .‬فإذا ما‬
‫فإن الرّابطة التعاقدية تبقى قائمة فيما نفّذ من التزامات المدين‬
‫اختار ال ّدائن هذا الخيار األخير ّ‬
‫وتفسخ في الجزء الذي لم ينفذ منها مع طلب التعويض عن هذا الجزء فقط‪ ،‬أي أنّها أعطت‬
‫لل ّدائن الحق في أن يطلب من القضاء الحكم بفسخ العقد فسخا جزئيا ‪.58‬‬

‫والقاضي عند استعماله لحق التقدير‪ ،‬ينظر فيما إذا كان الجزء الباقي دون تنفيذ من االلتزام‬
‫يبرّر الحكم بالفسخ أو يكفي اعطاء المدين مهلة لتكملة التنفيذ‪ .‬فإذا رأى القاضي ّ‬
‫أن عدم‬

‫‪ 58‬حسن علي الذنون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪320‬‬

‫‪27‬‬
‫فسخ العقد‬

‫التنفيذ الجزئي خطير بحيث يبرر الفسخ‪ ،‬بقي عليه أن يرى هل ينطبق بفسخ العقد كلّه أو‬
‫يقتصر على فسخ جزء منه‪.‬‬

‫ويقضي بفسخ العقد كله إذا كان التزام المدين ال يحتمل التجزئة أو كان يحتملها‪ .‬و لكن الجزء‬
‫الباقي دون تنفيذ هو الجزء األساسي من االلتزام‪.59‬‬

‫ويظهر عدم الوفاء جزئيّا خاصّة إذا تعلّق األمر بإلتزام يقبل القسمة‪ ،‬بحيث ينفذ المدين جزءا‬
‫منه ويخ ّل بالباقي كمن يتعهّد بدفع الثّمن أقساطا فيوفي بالقسط األ ّول دون الباقي‪.‬‬

‫ويع ّد أيضا من باب الوفاء الجزئي تسليم مبيع غير مطابق للشروط أو النموذج المتّفق عليه‬
‫كمن يتّفق مع شخص على شراء آلة مصنوعة من الصّلب‪ ،‬فيكتشف المشتري ّ‬
‫أن المبيع من‬
‫‪.60‬‬
‫األلمنيوم‬

‫نستخلص م ّما سبق عرضه‪ ،‬أنّه ليس للمحكمة أن تصرّح بفسخ العقد إالّ إذا كان عدم التنفيذ‬
‫كليّا أو على األقل إذا كان عدم التنفيذ الجزئي جسيما وهو ما يش ّكل سببا من أسباب تحقيق‬
‫االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار وإلى جانب شرط عدم تنفيذ االلتزام كسبب أو شرط لطلب فسخ العقد ال ب ّد‬
‫من التعرّض إلى مسألة استحالة التنفيذ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬استحالة التنفيذ‬


‫االستحالة هي عدم االستطاعة وعدم القدرة‪ ،‬وهي من حاالت عدم اإلمكان وصورة من‬
‫ّ‬
‫التعذر وعادة ما يكون مصدر االستحالة عائقا من العوائق أو حاجزا من الحواجز‪،‬‬ ‫صور‬
‫فيمنع من تحقّق بعض األعمال ويحول دون كسب ح ّ‬
‫ق من الحقوق ولئن أشار المشرّع‬
‫التونسي إلى االستحالة في ع ّدة مواضع من نصوص القانون المدني إالّ أنّه لم يعطيها تعريفا‬
‫دقيقا‪ ،‬كما بقيت االستحالة في مختلف المصنفات القانونية منحصرة في ميدان االلتزامات‬
‫والعقود ومقتصرة على حاالت القوى القاهرة واألمور الطارئة‪ .‬فما هي العناصر المكونة‬

‫‪ 59‬عبد الرّزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪022‬‬


‫‪ 60‬مهدي الفرقاني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪02‬‬

‫‪28‬‬
‫فسخ العقد‬

‫للق ّوة القاهرة واألمر الطارئ ؟ ( الفقرة األولى ) وبالتالي ما هي الشروط األساسية الواجب‬
‫توفّرها في االستحالة ( الفقرة الثانية )‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬العناصر المكونة للقوة القاهرة واألمر الطارئ‬

‫القوة القاهرة أو األمر الطارئ هي حادث غير ممكن التوقع ( ‪ ) 3‬مستحيل ال ّدفع ( ‪) 0‬‬
‫يصبح معه الوفاء بااللتزام مستحيال‪.‬‬

‫‪ .1‬عدم إمكان التوقّع‬

‫إن نظريّة الظّروف الطّارئة والق ّوة القاهرة ال تكون إالّ بالنسبة ألحداث التي لم تكن في‬
‫ّ‬
‫الحسبان ولم يكن في الوسع توقّعها عند إبرام العقد وبعد شرط عدم التوقّع من أه ّم شروط قيام‬
‫نظريّة الظّروف الطّارئة وقد اهت ّم به الفقه والقضاء الفرنسيين اهتماما خاصّا لح ّد أنّهم أسموا‬
‫النظرّية نفسها بالرّجوع إليه إذ يطلقون عليها اسم » ‪« La théorie de l’imprévision‬‬

‫أن هذا ال ّشرط يمثّل الفاصل ال ّدقيق بين األخذ بالنظرية وعدم‬
‫أي " نظرية عدم التوقّع "‪ ،‬ذلك ّ‬
‫األخذ بها‪ ،‬فهو األساس في هذه النّظريّة وهو المعيار لها‪.‬‬

‫وتوقّع الظّرف هو العلم الراجع أو المحتمل ّ‬


‫بأن واقعة معيّنة ستحدث أو أنّها لن تحدث وقت‬
‫أن حدوث هذه الواقعة أو عدم حدوثها سيترتّب عليه خلق‬
‫تنفيذ العقد بحيث يكون معلوما ّ‬
‫ي وسيلة لتوقّي‬
‫صعوبة في تنفيذ العقد إلى ح ّد اإلرهاق وإذا كان المتعاقد يعلم بذلك ولم يتّخذ أ ّ‬
‫آثار الظّرف أو لم يضمن العقد شروطا أخرى فإنّه يفترض أنّه قد رضي بنتائج هذا الحادث‬
‫مسبقا‪.‬‬

‫وعم قابلية أي حادث للتوقّع ال تعني أنّه لم يسبق له الوقوع ألنّنا في هذه الحالة سنتح ّدث عن‬
‫استحالة التوقّع‪ .‬فالحدث الذي يتوقّه المتعاقد بدرجة يمكن أن تثنيه عن التعاقد أو تجعله يبرم‬
‫العقد لكن بشروط مغايرة وهذا ما يم ّكننا من التميّز في أ ّ‬
‫ي عقد بين االحتمال العادي الذي‬
‫يتوقّعه ك ّل متعاقد وبين االحتمال غير العادي الذي لم يكن داخال في دائرة التوقّع‪ ،‬فعدم التوقّع‬
‫قانونا هو عدم احتمال حصول الحادث وإن كان من الممكن تص ّور حصوله‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫فسخ العقد‬

‫فيكون تقدير التوقّع بالنّظر إلى الظّروف واألحوال الموضوعية التي أحاطت بالعملية العقدية‬
‫ولكن دون تجاهل لسلوك المتعاقد‪ ،‬ويتطلّب هذا المعيار رجال عاديّا متوسّط ّ‬
‫الذكاء والتبصّر‬
‫م ّمن تتك ّون منهم غالبيّة أفراد المجتمع‪.‬‬

‫ويتّفق الشرّاح ّ‬
‫أن تقدير توفير هذا العنصر من عدمه يعتبر من المسائل الواقعية التي تخضع‬
‫الجتهاد القاضي فإنّهم يختلفون في خصوص نطاق استحالة التوقّع‪.‬‬

‫ففي حين يشترط بعضهم أن يكون عدم إمكان التوقّع مطلقا ّ‬


‫وأن تقديره ال من جانب المدين‬
‫فحسب " بل من جانب أش ّد الناس يقظة و بصر األمور ‪." 61‬‬

‫أن عدم إمكان التوقّع ال يكون إالّ نسبيّا وأنّه‬


‫أن أه ّم الفقهاء المعاصرين يؤ ّكدون على ّ‬
‫نالحظ ّ‬
‫يتّجه تقديره إ ّما بالرّجوع إلى معيار " األب الصّالح " أو باعتبار حالة ك ّل مدين على حدة‪.‬‬
‫وهو اتجاه يبدو مطابقا لفقه قضاء محكمة التعقيب‪.‬‬

‫أن الحادث ال يمكن توقّعه أن يكون أيضا م ّما ال يستطاع دفعه أو‬
‫بقي أن نشير أنّه يتفرّع على ّ‬
‫تحاشيه‪.‬‬

‫‪ .1‬استحالة الدّفع‬
‫يجب أن تكون الحادثة الغير متوقّعة مستحيلة ال ّدفع لكي تتك ّون منها حالة ق ّوة قاهرة‪.‬‬

‫فإذا كان في وسع المدين أن يدرأه أو أن يتغلّب عليه فيستوي عندئذ أن يكون متوقّعا أو غير‬
‫متوقّع‪ ،‬ويكون عدم دفع المدين لذلك الحادث أو تحاشيه له مع قدرته على خطأ يتح ّمل وزره‪،‬‬
‫أ ّما إذا كان متوقّعا ولكنّه بلغ من الخطورة ح ّدا يعجز المدين عن دفعه أو تحاشي نتائجه فهو‬
‫ظرف طارئ‪.‬‬

‫فإمكانية ال ّدفع تعني إمكانية التغلّب على الوضع الرّاهن أو إمكانية اجتنابه‪.‬‬

‫وتنصّ الفقرة الثانية من الفصل ‪ 021‬م إ ع على أنّه " ال يعتبر السّبب الممكن اجتنابه ق ّوة‬
‫قاهرة إالّ إذا أثبت المدين ك ّل الحزم في درئه "‪.‬‬

‫‪ 61‬عبد الرّزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط ‪ 3‬عدد ‪022‬‬

‫‪30‬‬
‫فسخ العقد‬

‫كما ال يعتبر ق ّوة قاهرة حسب الفقرة الثالثة من الفصل المذكور " السبب الناتج عن خطأ‬
‫أن استحالة ال ّدفع تنتفي بوجود الخطأ‬
‫متق ّدم من المدين " وال غالبة في مثل هذا الحل طالما ّ‬
‫المتق ّدم عالوة على كون الخطأ المتق ّدم يستغرق أحيانا كامل أسباب الضّرر فيزيل بذلك عن‬
‫الق ّوة القاهرة أثرها اإلعفائي‪.‬‬

‫وتق ّدر استحالة ال ّدفع على خالف استحالة التوقّع وقت تنفيذ العقد الزم إبرامه‪.‬‬

‫وال ب ّد أن يترتّب عنها استحالة تنفيذ العقد التي تعتبر في نظر الكافة العنصر األساسي المبرّر‬
‫للقدرة االعفائية التي تحظى بها الق ّوة القاهرة‪.‬‬

‫ويجب أن تكون استحالة التنفيذ مطلقة ال نسبية‪ ،‬فإذا كان التنفيذ أصعب أو بكلفة أكبر نتيجة‬
‫فإن شروط الق ّوة القاهرة ال تع ّد متوفّرة فيه وال‬ ‫حدوث أمر غير شرعي متوقّع قد ّ‬
‫تعذر دفعه ّ‬
‫ينج ّر عنه إعفاء المدين من المسؤولية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط االستحالة‬

‫أن االستحالة أثناء التنفيذ يجب أن تكون مطلقة ( ‪ ) 3‬فال يع ّد من باب االستحالة‬
‫يمكن القول ّ‬
‫الحدث الذي يجعل المدين يتح ّمل مشاقا كبرى عند التنفيذ أو بجعله يوفي بإلتزاماته متكبّدا‬
‫أن هذا االستحالة يجب أن تكون موضوعية ( ‪ ) 0‬أي ّ‬
‫أن الحدث المانع من‬ ‫تكاليف ها ّمة‪ ،‬كما ّ‬
‫الوفاء يجب أن يجعل ذلك الوفاء مستحيال على الكافة‪.‬‬

‫‪ .1‬االستحالة يجب أن تكون مطلقة‬

‫إن المقصود بأن تكون االستحالة مطلقة هو عدم استطاعة المدين مقاومتها والتغلّب عليها‬
‫ّ‬
‫مهما بذل من جهد‪ ،‬فال تكفي إذن االستحالة النسبية إلعفاء المدين من الوفاء بالتزاماته ّ‬
‫ألن‬
‫الصّعود في تنفيذ شروط العقد ليس لها مفعول إعفائي والمشرّع حريص أش ّد الحرص على‬
‫الوفاء بااللتزامات واحترام التعهّدات‪.‬‬

‫صعوبة في التّنفيذ أو التنفيذ بتكلفة أكبر يختلفان عن االستحالة في التنفيذ ذلك ّ‬


‫أن هذه‬ ‫فال ّ‬
‫األخيرة وحدها هي التي تؤ ّدي إلى انقضاء االلتزام‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫فسخ العقد‬

‫أن تنفيذه صار مرهقا ومكلّفا إيّاه مصاريف‬


‫فالمدين ال يمكنه التفصّي من التزاماته على أسا ّ‬
‫باهضة غير متوقّعة عند إبرام العقد‪.‬‬

‫إذن يجب أن يكون الوفاء مستحيال استحالة مطلقة‪ ،‬فال بعد من باب االستحالة مثال الحدث‬
‫الذي يجعل البائع يتحصّل أكثر مشاقا لتسليم المبيع أو يجعله يوفي به لكن بتكاليف أكثر‪.‬‬

‫واالستحالة في التنفيذ يجب أن تكون دائمة بمعنى نهائية وال تتغيّر ألنّها متى كانت مؤقّتة ّ‬
‫فإن‬
‫التّنفيذ يبقى ممكنا وتكون أمام حالة من حاالت التأخير في الوفاء‪.‬‬

‫أ ّما إذا طالت فترة التأخير بصورة ال يمكن معها تحديد موعد التنفيذ أو ّ‬
‫أن التنفيذ أضحى غير‬
‫فإن هذه الحالة تصبح شبيهة باالستحالة المطلقة التي تم ّكن ال ّدائن من‬
‫ذي فائدة بالنسبة للدائن ّ‬
‫طلب الفسخ والعتبار استحالة التنفيذ مطلقة‪ ،‬يجب أن يصبح المح ّل مستحيال والمقصود هنا‬
‫باالستحالة على التي تطرأ بعد تكوين العقد‪ ،‬كما لو وقع منع التعامل في مح ّل االلتزام‬
‫بموجب القانون كصدور أمر انتزاع من أجل المصلحة أو أمر يمنع بيع عقارات موجودة في‬
‫منطقة معيّنة والحال ّ‬
‫أن طرفي العقد قد أبرما وعدا ببيع عقار في تلك المنطقة‪.‬‬

‫وقد تعرّض المشرّع صلب م إ ع إلى حاالت تطبيقية لالستحالة المطلقة‪ ،‬فجاء بالفصل ‪222‬‬
‫م إ ع أنّه " ال ضمان على البائع إذا كان انتزاع المبيع بغصب أو ق ّوة قاهرة أو بأمر األمير "‬
‫ونصّ الفصل ‪ 000‬م إ ع أنّه " إذا انتزع الشيء المأجور من المكتري بأمر األمير أو‬
‫لمصلحة عامة‪ ،‬فللمكتري أن يطلب فسخ العقد وليس عليه في الكراء إالّ بقدر انتفاعه ‪"......‬‬

‫فإن االستحالة ال تتعلّق إالّ باألشياء المعينة بذاتها دون األشياء المعينة بالنوع‬
‫وفي هذا اإلطار ّ‬
‫وبالتالي فال يمكن الحديث عن استحالة في التنفيذ إذا كان مح ّل االلتزام أشياء معيّنة بنوعها‪،‬‬
‫ذلك ّ‬
‫ألن هذه األشياء موجودة دائما ويمكن أن يح ّل بعضها مح ّل اآلخر في تنفيذ االلتزام‪.‬‬
‫فالمح ّل يبقى ممكنا ما عدى حالة منع التوريد أو االنقطاع عن صنع هذا الشيء‪.‬‬

‫وعلى ك ّل فإنّه إذا كانت االستحالة مطلقة فيجب أن تتّسم بالموضوعيّة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫فسخ العقد‬

‫‪ .1‬االستحالة يجب أن تكون موضوعية‬

‫تكون االستحالة موضوعية ما لم تكن مرتبطة بظروف المدين الشخصية أو بإمكانياته المادية‬
‫والجسدية والفكرية‪.‬‬

‫واالستحالة الموضوعية بخالف االستحالة النسبية تجعل تنفيذ االلتزام مستحيال على الكافة‬
‫وتعفي مسؤولية أو مؤاخذة‪.‬‬

‫أ ّما االستحالة النسبية فهي االستحالة الرّاجعة لظروف المدين الشخصية وهي استحالة بالنسبة‬
‫للمدين فقط أ ّما بالنسبة لغيره فإنّها ال تع ّد كذلك‪ ،‬إذ أنّها تدخل في باب اإلمكان واالستطاعة‪،‬‬
‫وهذه الحالة تجعل تنفيذ االلتزام مستحيال بالنسبة للمدين ويبقى هذا األخير مسؤوال عن عدم‬
‫الوفاء‪.‬‬

‫أن االستحالة يجب أن تكون موضوعية‪ ،‬ذلك ّ‬


‫أن االلتزام‬ ‫لذلك يرمي األستاذ ‪ّ Carbounier‬‬
‫كلّما كان ممكنا في ح ّد ذاته فإنّه منتج آلثاره حتّى وإن فاق إمكانيات المدين ّ‬
‫ألن ال ّشخص‬
‫وألن العجز الشخصي ال يش ّكل استحالة بمعناها الموضوعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يتح ّمل تبعات ضعفه‬

‫وعلى ذلك ال يمكن تعليق الوفاء على تد ّخل المدين وقدرته على تنفيذ التزاماته بل ّ‬
‫إن هذا‬
‫األخير يمكنه أن يفي بما التزم به بواسطة غيره تطبيقا ألحكام الفصلين ‪ 022‬و ‪ 029‬م إ ع‪.‬‬

‫ولكن قد ال يتسنّى للغير تعويض المدين في الوفاء بتعهّداته إذا كانت لشخصية المدين اعتبار‬
‫في تنفيذ االلتزام وكانت صفاته الشخصية تساهم في خاصيّة األداء وإعطائه طابعا متميّزا‪.‬‬

‫ومهما يكن من األمر ّ‬


‫فإن اعتبار موضوعية االستحالة من عدمها تبقى من األمور الواقعية‬
‫التي ترجع في تقديرها إلى سلطة قضاه األصل وهو ما أ ّكدته محكمة التعقيب في قرارها‬
‫صادر في ‪ 01‬جوان ‪ 3920‬جاء فيه ّ‬
‫أن "وجود الق ّوة القاهرة من األمور الماديّة التي ترجع‬
‫الجتهاد حكام األصل "‪.62‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ 62‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪ 3920‬ص ‪312‬‬

‫‪33‬‬
‫ق‬
‫الجزء الثاني‪ :‬ممارسة ح ّ‬
‫الفسخ‬
‫فسخ العقد‬

‫الفسخ هو جزاء عدم تنفيذ أحد المتعاقدين اللتزاماته األمر الذي يجيز للطّرف المتضرّر‬
‫المطالبة بفسخ‪ .‬فالفسخ هو أمر اختياري لل ّدائن‪ ،‬حيث يمكن أن ال يطالب به وإنّما يطلب تنفيذ‬
‫العقد تنفيذا عينيّا أو تنفيذ بمقابل أي عن طريق التعويض‪.‬‬

‫أن المشرّع التونسي لم يعتن بتنظيم الفسخ في باب مستق ّل‪ ،‬إالّ أنّه بالرّجوع إلى مجلّة‬
‫ورغم ّ‬
‫االلتزامات والعقود‪ ،‬يتّضح ّ‬
‫أن للفسخ صورا متع ّددة ( الفصل األ ّول ) الهدف منها التحرّر‬
‫من الرابطة التعاقدية‪ ،‬األمر الذي يجعلنا نتساءل عن اآلثار القانونية المترتّبة عن هذا الفسخ (‬
‫الفصل الثاني )‬

‫الفصل األ ّول‪ :‬أنواع الفسخ‬


‫الفسخ هو جزاء يتقرّر لفائدة ال ّدائن عند عدم تنفيذ االلتزام وفي هذا اإلطار نميّز بين ثالث‬
‫أنواع من الفسخ‪ ،‬حيث يمثّل الفسخ القضائي المبدأ ( المبحث األ ّول ) حسب القاعدة‬
‫أن المشرّع م ّكن األطراف المتعاقدة من‬
‫المنصوص عليها صلب الفصل ‪ 001‬م إ ع غير ّ‬
‫استبعاد تطبيق هاته القاعدة من خالل الفسخ اإلتّفاقي والقانوني واللّذين يمثّالن االستثناء للمبدأ‬
‫( المبحث الثاني )‬

‫‪25‬‬
‫فسخ العقد‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬القاضي ينشأ الفسخ‬


‫على غرار القوانين المقارنة ‪ ،63‬نصّ المشرّع التونسي ضمن الفصل ‪ 001‬م إ ع على‬
‫ضرورة استصدار حكم قضائي للتصريح بفسخ العقد‪ ،‬ويع ّد هذا الحكم القضائي شرطا من‬
‫الشروط الجوهرية‪ ،‬فهو الخاصية التي تميّزه عن الفسخ اإلتّفاقي والفسخ القانوني‪.‬‬

‫وطبقا لهذا ال ّشرط ال يت ّم الفسخ بصفة آلية وال يترك لمطلق حريّة األطراف بل ال ب ّد من‬
‫احترام إجراءات معيّنة نصّ عليها المشرّع ( الفقرة األولى ) مع منح سلطة تقديرية القاضي‬
‫في الحكم بالفسخ من عدمه ( الفقرة الثانية )‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬إجراءات دعوى الفسخ‬

‫أن الفسخ القضائي للعقد ال يت ّم بصفة آلية بل ال ب ّد‬‫يتّفق العديد من فقهاء القانون ‪ 64‬على ّ‬
‫للتّصريح به من أن يحترم ال ّدائن إجراءات معيّنة تتمثّل في توجيه إنذار إلى المدين ( أ ) ث ّم‬
‫رفع ال ّدعوى ( ب )‬

‫‪ .1‬توجيه إنذار للمدين‬

‫يميّز المشرّع التونسي ضمن مجلّة االلتزامات والعقود بين صورتين ‪ :‬األولى‪ ،‬عندما يعيّن‬
‫طرفا العقد أجال للتنفيذ‪ ،‬والصّورة الثانية عندما ال يعيّن الطّرفان أجال للتنفيذ‬

‫وقد جاءت عبارات الفصل ‪ 029‬م إ ع صريحة في ذلك " يع ّد المدين مماطال بمض ّي األجل‬
‫المعيّن في العقد‪ ،‬فإذا لم يعيّن أجل فال يع ّد المدين مماطال إالّ بعد أن ينذره ال ّدائن أو نائبه‬
‫القانوني بوجه صحيح بالوفاء بما عليه ويذكر في اإلنذار ‪"...‬‬

‫ففي الصّورة األولى‪ ،‬يع ّد المدين مماطال بمض ّي األجل المح ّدد ودون حاجة إلى إنذاره وذلك‬
‫سواء كان األجل إتّفاقيّا أو قانونيّا أو قضائيّا وسواء كان مح ّددا بصفة مباشرة أو بصفة غير‬
‫مباشرة‪.‬‬

‫‪ 63‬انظر الفصل ‪ 3322‬مجلّة مدنيّة فرنسية والمادة ‪ 300‬قانون مدني مصري‪.‬‬


‫‪ 64‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪022 - 020‬‬

‫‪26‬‬
‫فسخ العقد‬

‫فإن المدين ال يع ّد مماطال إالّ بداية‬


‫أ ّما في الصورة الثانية أي صورة عدم تحديد أجل التنفيذ‪ّ ،‬‬
‫من تاريخ انذاره من قبل ال ّدائن الذي يسأله بوجه صريح خالص ما عليه في الم ّدة المعقولة‪،‬‬
‫فإذا مضى ذلك األجل دون أن ينفّذ المدين التزاماته‪ّ ،‬‬
‫فإن ال ّدائن يع ّد بنيا م ّما تعهّد به تجاهه "‬
‫ويجب أن يكون السّؤال كتاب وقد يكون برسالة تلغرافية أو بمكتوب مضمون الوصول أو‬
‫‪65‬‬
‫بطلب المدين الحضور لدى المحكمة ولو كانت غير مختصّة‪".‬‬
‫‪66‬‬
‫وقد أ ّكدت محكمة التّعقيب في أكثر من مناسبة على ضرورة اإلنذار‬

‫أ‪ -‬مضمون اإلنذار‬

‫أن المدين ال يع ّد مماطال في‬


‫انطالقا من مقتضيات الفصل ‪ 029‬م إ ع يمكن التأكيد على ّ‬
‫صورة االلتزام غير مح ّدد األجل إالّ بعد أن ينذره ال ّدائن أو نائبه القانوني بوجه صريح‬
‫بالوفاء بما علبه في م ّدة معقولة‪.‬‬

‫ومن خالل قراءة الفصل ‪ 029‬م إ ع‪ ،‬فقد ترك المشرّع التونسي أمر تقدير " الم ّدة المعقولة "‬
‫لل ّدائن ليح ّددها وينصّ عليها ضمن اإلنذار الذي يوجّهه للمدين‪.‬‬

‫إالّ أنّه من غير المنطقي ترك هذا األمر لمطلق حريّة ال ّدائن‪ ،‬إذ من الممكن أن يتعسّف في‬
‫استعمال هذا الحق‪ ،‬ويمنح المدين أجال قصيرا للوفاء فيعجز هذا األخير عن تنفيذ ما التزم به‬
‫ق ال ّدائن طلب فسخ العقد‪ ،‬لذلك ال ب ّد من اإلقرار لفائدة القاضي بسلطة‬
‫ويصبح بالتالي من ح ّ‬
‫تقديرية تم ّكنه من مراقبة " الم ّدة المعقولة " والتّأكيد من مدى مالءمتها لموضوع العقد‬
‫ولظروف ومالبسات القضيّة المعروضة عليه‪.‬‬

‫هنالك ثالث إمكانيات لتحديد التاريخ الذي يبدأ منه سريان هذه الم ّدة‪ ،‬فإ ّما أن يبتدئ األجل من‬
‫يوم توجيه اإلنذار من قبل ال ّدائن للمدين‪ ،‬وإ ّما أن يبدأ من يوم تلقّي المدين اإلنذار‪ ،‬وإ ّما أن‬
‫يبتدئ من يوم معرفة المدين الفعلية بمحتوى اإلنذار وباألجل الذي منحه له ال ّدائن لتنفيذ‬
‫التزاماته‪.‬‬

‫‪ 65‬الفصل ‪ 029‬م إ ع‪ ،‬فقرة ‪0‬‬


‫‪ 66‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 03923‬مؤ ّرخ في ‪ 3‬أفريل ‪ 0221‬ن م ت ‪ 0221‬ص ‪093‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪00302‬مؤ ّرخ في ‪ 02‬ماي ‪ 0221‬ن م ت ‪0221‬‬

‫‪27‬‬
‫فسخ العقد‬

‫فيما يتعلّق بالصورة األولى فال يمكن العمل بها‪ ،‬فاإلنذار شرع أساسا لتمكين المدين من‬
‫معرفة األجل الذي يبذأ منه سريان الم ّدة المعقولة هو تاريخ توجيه اإلنذار‪ ،‬ذلك أنّه في هذا‬
‫التاريخ ليس للمدين علم باألجل الذي منحه له ال ّدائن وبالتالي ال يمكن مؤاخذته على عدم تنفيذ‬
‫إلتزامه في األجل المح ّدد‪.‬‬

‫أ ّما الح الة الثانية فال يمكن األخذ بها وذلك لصعوبة إثبات علم المدين الفعلي بمحتوى اإلنذار‬
‫ألن اإلثبات في هذه الحالة يتعلّق بواقعة نفسيّة وباطنية‪ّ ،‬‬
‫إن األخذ بهذه اإلمكانية يتوقّف‬ ‫نظرا ّ‬
‫على إرادة المدين وهو ما من شأنه أن يفقد اإلنذار نجاعته حيث يمكن أن يتغيّب هذا األخير‬
‫فجأة أو أن يرفض اإلطالع على محتوى اإلنذار‪.‬‬

‫فإن اإلنذار ال يكون ناجعا إالّ ابتداءا من التاريخ الذي يحصل فيه المدين على‬
‫وبناء عليه‪ّ ،‬‬
‫العلم الفعلي بمحتواه ويستنتج حصول العلم الفعلي بمجرّد تلقّي اإلنذار‪ ،‬ذلك أنّه " ال شيء‬
‫مبدئيّا يمنع من اإلطّالع على محتواه خاصّة إذا ما ثبت تلقيه له "‬

‫ب‪ -‬شكل اإلنذار‬

‫يتّضح من خالل العبارات المنصوص عليها صلب الفقرة الثانية من الفصل ‪ 029‬م إ ع " ّ‬
‫أن‬
‫لإلنذار أشكال متع ّددة‪ ،‬حيث يمكن أن يكون برسالة تلغرافية أو بمكتوب مضمون الوصول أو‬
‫بطلب المدين للحضور لدى المحكمة ولو كانت غير مختصّة‪.‬‬
‫إن المشرّع التونسي قد قيّد صحّة اإلنذار من الناحية الشكليّة بشرط واحد يتمثّل في ضرورة‬
‫ّ‬
‫أن يكون هذا األخير كتابة بقطع النّظر عن الشكل‪ ،‬غير ّ‬
‫أن عدم تش ّدد المشرّع التونسي في‬
‫تحديد شكل اإلنذار بدقّة قد ينعكس سلبا على مصلحة ال ّدائن لو لم يحسن هذا األخير اختيار‬
‫الوسيلة المناسبة إلنذار المدين‪.‬‬
‫و بالتالي فإنّه من مصلحة ال ّدائن توجيه اإلنذار عن طريق الوسائل التي يستطيع بواسطتها‬
‫إثبات تلقيه وحصول العلم بمحتواه من قبل المدين وذلك على غرار توجيه مكتوب مضمون‬
‫الوصول يثبت بواسطته تحديد بداية سريان الم ّدة المعقولة وبالتالي يضمن حقّه في المطالبة‬
‫بفسخ العقد إذا ما ّ‬
‫تعذر غصب المدين على التنفيذ عند نهايته هذه الم ّدة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫فسخ العقد‬

‫كما ّ‬
‫أن شكليّة اإلنذار لم ينصّ عليها الفصل ‪ 029‬م إ ع بل كذلك العديد من النصوص‬
‫األخرى متعلّقة ببعض العقود الخاصّة مثل ما جاء بالفصل ‪ 202‬م إ ع كذلك الفصل ‪ 01‬من‬
‫قانون ‪ 00‬ماي ‪ 3900‬عدد ‪ 10 – 00‬المتعلّق بتنظيم العالقات بين المتس ّوغين والمس ّوغين‪.‬‬
‫كما اشترط الفصل ‪ 33‬من قانون التّأمين ‪ 67‬إنذار المؤ ّمن له بال ّدفع قبل المطالبة بفسخ العقد‬
‫من طرف المؤ ّمن‪ .‬وتبعا لذلك يمكن القول ّ‬
‫أن اإلنذار شكليّة أساسية في بعض العقود الخاصّة‬
‫وأهميّة اإلنذار تكمن في جعل القاضي أسرع استجابة لطلب الفسخ كما يجعله أقرب إلى‬
‫الحكم على المدين للتعريض إلى جانب الفسخ‪.68‬‬
‫لإلنذار دور هام في تأكيد مماطلة المدين خاصّة في إطار االلتزامات غير مح ّددة األجل‪.‬‬
‫ودور القاضي مه ّم في ضبط هذه المماطلة‪ ،‬إذ بقبوله ال ّدعوى المرفوعة من قبل ال ّدائن يكون‬
‫قد أنذر المدين بضرورة دفع ما تخلّد بذ ّمته من أموال‪.‬‬
‫وما يؤ ّكد حرص المشرّع على هذا االتجاه هو عدم اشتراطه أن يكون القاضي مختصّا‬
‫بالنّظر‪ .‬إذ نصّ الفصل ‪ 029‬م إ ع على ما يلي ‪ ..... " :‬لدى المحكمة ولو كانت غير‬
‫مختصّة "‪.69‬‬
‫أن اإلنذار شكليّة أساسية إالّ أنّه ال يحرّر الدائن من التزامه ما لم يقم برفع دعوى إلى‬
‫رغم ّ‬
‫المحكمة للحصول على حكم قضائي يصرّح بح ّل الرّابطة العقديّة‪.‬‬
‫‪ .1‬ضرورة رفع دعوى‬
‫تخضع دعوى الفسخ بدعوى الفسخ يجب أن يكون بطلب من ال ّدائن باعتباره الطّرف‬
‫المتضرّر من عدم تنفيذ العقد وال بطلب من المدين المماطل في الوفاء بما تخلّ{ بذ ّمته من‬
‫التزام‪.‬‬

‫ويشترط في المدين باعتباره الطّرف الذي توجّهه ض ّده دعوى فسخ العقد أن يكون هو‬
‫المتسبّب في عدم التنفيذ سواء بمماطلة أو بامتناعه الصّريح عن الوفاء بالتزامه‪.‬‬

‫‪ 67‬القانون عدد ‪ 02 – 90‬المتعلّق بالتأمين المؤ ّرخ في ‪ 9‬مارس ‪.3990‬‬


‫‪ 68‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪200‬‬
‫‪ 69‬عبد الوهاب الجويني ‪ " :‬القاضي وتنفيذ العقد " مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫االقتصادية بسوسة ‪ 3991 – 3990‬ص ‪02‬‬

‫‪29‬‬
‫فسخ العقد‬

‫فإن ال ّدائن مخيّر في المطالبة من التّنفيذ وبين الفسخ‪ّ ،‬‬


‫فإن قيامه‬ ‫وكما جاء بالفصل ‪ 001‬م إ ع ّ‬
‫قضائيّا بإحدى ال ّدعوتين ال يحول دون حفظ حقّه بواسطة ال ّدعوى األخرى وبالتالي ال يجب‬
‫اعتبار مطالبة ال ّدائن بالتنفيذ تنازال صريحا منه على حقّه في ممارسة الفسخ‪.‬‬

‫وهذا ما أ ّكده األستاذ عماد العريبي‪ ،70‬عندما اعتبر ّ‬


‫أن حق الخيار راجع لل ّدائن بالتالي بإمكان‬
‫هذا األخير بالنظر إلى مصالحه وتط ّور النّزاع أن يغيّر اختياره طالما لم يصدر حكم نهائي‬
‫في شأن ال ّدعوى‪.‬‬

‫تبعا لذلك يمكن لل ّدائن الذي طلب التنفيذ الجبري أن يتراجع عن ذلك ويطلب الفسخ أثناء نشر‬
‫ال ّدعوى أو العكس‪ ،‬ولكي يتمتّع ال ّدائن بهذا الحق يجب أن يكون غير مقصّر في تنفيذ التزامه‬
‫وهو ما اقتضته صراحة أحكام الفصل ‪ 022‬م إ ع‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يمكن لطرفي العقد عند إبرامه أن يتّفقا على تعجيل أحدهما الوفاء بما في‬
‫ذ ّمته من التزامات قبل اآلخر‪.71‬‬

‫إن ح ّ‬
‫ق القيام لدى المحاكم الممنوح لك ّل شخص مقيّد بثالث شروط وهي على التوالي‬ ‫ّ‬
‫المصلحة‪ ،‬الصّفة واألهليّة ‪.72‬‬

‫ويقصد بالمصلحة أن يكون لل ّدائن طالب الفسخ منفعة من التجائه إلى القضاء‪.‬‬

‫أ ّما فيما يخصّ الصّفة فيقصد بها أن يكون ال ّدائن هو صاحب الحق في طلب الفسخ وليس‬
‫غيره من األشخاص‪.‬‬

‫يطرح التّساؤل حول مدى انتقال حق المطالبة بالفسخ إلى الخلف العام والخلف الخاص‬
‫والغير ؟‬

‫‪ 70‬أنظر‪:‬‬
‫‪Aribi ( I ) : L’article 273 du code des obligations et des contrats et opinion entre l’action en résolution‬‬
‫‪et l’action en éxécution, actualité juridique tunisienne 1998 n° 12 p 156‬‬
‫‪ 71‬انظر الفصل ‪ 020‬م إ ع‬
‫‪ 72‬انظر الفصل ‪ 31‬م م م ت‬

‫‪30‬‬
‫فسخ العقد‬

‫بالنسبة للخلف العام‪ ،‬فإنّه ال يعتبر من الغير بالنسبة لعقود سلفه وتطبّق هذه القاعدة بالنسبة‬
‫للحقوق التي يرتّبها العقد في ذ ّمته السّلف فتنقل إلى الخلف‪ .73‬فما دام الفسخ حقّا للمورّث‬
‫بمقتضى القانون فإنّه بحصول الوفاة ينتقل إلى الورثة‪.‬‬

‫أ ّما الخلف الخاص فهو" من تلقّي من سلفه شيئا معيّنا بالذات أو حقّا عينيّا على هذا ال ّشيء‬
‫"‪.74‬‬

‫وحسب الفصل ‪ 023‬م إ ع ال تسري أحكام االلتزامات الناشئة عن العقد على المتعاقدين فقط‪،‬‬
‫بل أيضا على من ترتّب له ح ّ‬
‫ق منهم أي الخلف الخاص لك ّل من المتعاقدين‪.‬‬

‫أ ّما فيما يتعلّق بالغير فإنّه مبدئّيا من لم يكن طرفا في العقد وال خلفا ألحد المتعاقدين يعتبر‬
‫غيرا بالنسبة للعقد وبالتالي ّ‬
‫فإن اآلثار القانونية للعقد ال تنصرف إليه بتاتا ال في حالة التنفيذ‬
‫وال في حالة عدم التّنفيذ ‪ .75‬إالّ أنّه في بعض الحاالت يمكن للغير أن يباشر ح ّ‬
‫ق المطالبة‬
‫بالفسخ بدال عن ال ّدائن حينما يتقاعس هذا األخير عن ذلك إضرار بهذا الغير‪.‬‬

‫فدائن ال ّدائن يمكنه وفقا للفصل ‪ 122‬م إ ع مباشرة الحقوق التي ينصرف عنها ال ّدائن لغاية‬
‫اإلضرار به ومن بين هذه الحقوق نجد الحق في طلب الفسخ ‪.76‬‬

‫وأخيرا يشترط في ال ّدائن طالب الفسخ أن يكون مكتسبا لكامل أهليته القانونية وأن يكون قادرا‬
‫على التعبير عن إرادته بنفسه وإنشاء حقوقه وتعمير ذ ّمته‪.‬‬

‫‪ .3‬آجال رفع دعوى الفسخ‬


‫تعتبر دعوى الفسخ من أه ّم وسائل التي خ ّولها القانون لفائدة ال ّدائنين لحماية مصالحهم‬
‫أن امتناع ال ّدائن أو تغافله عن رفع هذه ال ّدعوى يفقده حقّه في القيام بها بعد‬
‫وحقوقهم‪ ،‬غير ّ‬
‫م ّدة زمنيّة معيّنة‪.‬‬

‫فما هو األجل الذي بمروره يسقط حق ال ّدائن في القيام بدعوى الفسخ ؟‬

‫‪ 73‬انظر الفصل ‪ 023‬م إ ع‬


‫‪ 74‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪022‬‬
‫‪ 75‬انظر الفصل ‪ 022‬م إ ع‬
‫‪ 76‬انظر الفصول ‪ 122‬و ‪ 122‬م إ ع‬

‫‪31‬‬
‫فسخ العقد‬

‫أن المشرّع التونسي لم يتعرّض ضمن الفصل ‪ 001‬م إ ع إلى الم ّدة التي بمرورها‬
‫طالما ّ‬
‫ق ال ّدائن في القيام بدعوى الفسخ‪ ،‬فإنّه يتوجّب الرّجوع للقواعد العا ّمة بم ّدة التّقادم‪.‬‬
‫يسقط ح ّ‬

‫استنادا إلى المقالة السادسة بعنوان " في انقضاء االلتزامات " وتحديدا الباب السابع وعنوانه‬
‫في " سقوط ال ّدعوى بمرور ال ّزمن "‪.‬‬

‫نظّم المشرّع في الفصل ‪ 220‬م إ ع بقوله " ك ّل دعوى ناشئة عن تعمير الذ ّمة ال تسمع بعد‬
‫خمس عشر سنة عدا ما أستثني بعد وما قرّره القانون في صورة مخصوصة "‬

‫فالمشرّع وضع قاعدة عا ّمة تتمثّل في سقوط ال ّدعوى بمرور خمس عشرة سنة وتب لها جملة‬
‫من االستثناءات القاضية بسقوط ال ّدعوى إ ّما بمرور سنة واحدة أو خمس سنوات ‪. 77‬‬

‫ومن البديهي أنّه في غياب نصوص خاصّة تنصّ على هذه االستثناءات يقع تطبيق القاعدة‬
‫العامة التي تنصّ على سقوط ال ّدعوى بمرور خمس عشرة سنة أي أنّه على ال ّدائن الرّاغب‬
‫في حماية حقوقه ومصالحه المتضرّرة من عدم تنفيذ مدينه أن يقوم برفع دعوى الفسخ قبل‬
‫انقضاء هذه الم ّدة‪.‬‬

‫فكيف يقع احتساب هذا األجل ؟ هل ّ‬


‫أن تاريخ العقد أو تاريخ ثبوت اإلخالل باإللتزام يكون‬
‫معتمدا ؟‬

‫بالنسبة لتاريخ العقد‪ ،‬فهو فرضيّة ممكنة خاصّة ّ‬


‫أن المشرّع في الفصل ‪ 112‬م إ ع اعتبر‬
‫تاريخ العقد كبداية الحتساب األجل وهذا يعني أنّه على ال ّدائن أن يقوم بطلب الفسخ خالل‬
‫خمس عشرة سنة من تاريخ تكوين العقد‪ .‬ولكن هذه الفرضيّة يمكن استبعادها لسببين اثنين ‪:‬‬

‫أ ّولها مستم ّد من تعريف الفسخ‪ ،‬فهو جزاء على عدم الوفاء بالعقد وال عن عدم صحّة تكوينه‪.‬‬

‫أن " سقوط ال ّدعوى بمرور ال ّزمن ال‬


‫ثانيها ‪ :‬مصّ المشرّع في الفصل ‪ 119‬م إ ع على ّ‬
‫يتسلّط على الحقوق إالّ من وقت حصولها ‪"...‬‬

‫‪ 77‬انظر الفصول ‪ 231 – 233 – 232 – 229 – 222 – 222 – 221‬م إ ع‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫فسخ العقد‬

‫ق ال ّدائن في طلب الفسخ ال يثبت من تاريخ العقد بل من تاريخ ثبوت تقصير المدين‪ .‬وهو‬
‫فح ّ‬
‫ما أ ّكديه محكمة التّعقيب بقولها " إذا أخ ّل أحد الطّرفين المتعاقدين بإلتزامه فالطّرف اآلخر‬
‫المطالبة بما يخ ّوله له القانون من تاريخ عدم الوفاء ‪.78"....‬‬

‫أن الفسخ ال يت ّم بصفة آلية بل ال ب ّد للتّصريح به أن يحترم ال ّدائن‬


‫نستخلص م ّما سبق ذكره‪ّ ،‬‬
‫جملة من االجراءات التي جاءت لتنظيم استعمال هذا الحق وتبعا لذلك لن يقع التّصريح‬
‫بالفسخ إالّ بعد أن يتحقّق القاضي ال فحسب من احترام ال ّدائن لحقوق المدين بل وكذلك يتقبّت‬
‫من تأكيد الفسخ‪.‬‬

‫أن دور القاضي يقتصر على التّأكيد من ضرورة التّصريح بفسخ العقد أم أنّه يتمتّع‬
‫فهل ّ‬
‫بسلطة تقديريّة واسعة تتجاوز هذا المجال ؟‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬السلطة التقديرية للقاضي‬

‫يتمتّع القاضي في إطار الفسخ القضائي للعقد بسلطة تقديرية مطلقة‪ ،‬فالقاضي هو عين‬
‫المشرّع السّاهرة على الوفاء بااللتزامات وهو أيضا وسيلة ردع ك ّل من تخ ّول له نفسه عدم‬
‫تنفيذ ما إلتزم به تجاه الغير‪.‬‬

‫وفي إطار إنقاذ العقد يتمتّع القاضي بسلطة تقديرية ها ّمة في تحديد مآل ال ّدعوى‪ ،‬فيمكن أن‬
‫يحكم برفضها ( أ ) أو بقبولها ( ب )‬

‫‪ .1‬القاضي يرفض دعوى الفسخ‬


‫يح ّ‬
‫ق للقاضي أن يرفض دعوى الفسخ ألسباب مختلفة ( ‪ ) 3‬ويمكنه في إطار إنقاذ العقد أن‬
‫يقبل عروض من المدين المماطل لتنفيذ التزامه ( ‪) 0‬‬

‫‪ 78‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 0222‬صادر بتاريخ ‪ 03‬أكتوبر ‪ ،3903‬نشرية محكمة التعقيب ‪ ،3900‬ص ‪91‬‬

‫‪33‬‬
‫فسخ العقد‬

‫أ‪ -‬اختالف أسباب رفض دعوى الفسخ‬

‫لقد نصّ المشرّع التونسي وأغلب التّشاريع المقارنة صراحة على ّ‬


‫أن القاضي ليس ملزما‬
‫باالستجابة لطلب الفسخ‪ ،‬إذ يتمتّع بسلطة تقديرية في هذا المجال تتّسع وتضيق بحسب‬
‫ظروف ك ّل نازلة‪.‬‬

‫رغم عدم تنصيص المشرّع التونسي على ذلك‪ ،‬فقد م ّكن القاضي من حريّة رفض طلب‬
‫الفسخ أو قبوله حسب اجتهاده المطلق‪.‬‬

‫فالقاضي يكون مطالبا برفض دعوى الفسخ في صورة عدم توفّر شروطها سواء أكانت هذه‬
‫الشروط موضوعية أو إجرائية كأن تقع المطالبة بالفسخ من طرف المتعاقد المخ ّل بإلتزامه‪،‬‬
‫في حين ّ‬
‫أن الفسخ شرّع لحماية المتعاقد المتضرّر من عدم التنفيذ وال المتعاقد المتسبّب في‬
‫تنفيذ العقد‪.‬‬

‫كما يمكن للقاضي رفض الحكم بالفسخ إذا كان اإلخالل الطي يدعيه ال ّدائن غير موجود أو ال‬
‫يمكن إثباته أو لم يكن هذا اإلخالل بالخطورة التي تبرّر العقد‪.‬‬

‫كما أنّه إذا اتّضح ّ‬


‫أن المدين قد شرع في تنفيذ التزامه و ّ‬
‫أن الجزء الباقي بدون تنفيذ قليل‬
‫األهميّة بالنّسبة إلى اإللتزام في جملته‪ ،‬فإنّه يكون من المتّجه رفض طلب الفسخ‪.‬‬

‫وهذا للحيلولة دون المطالبة التعسّفية للفسخ أو المطالبة المنطوية على نيّة ال ّدائن في التخلّص‬
‫من عقد أصبح لظروف فجئيّة عديم المردوديّة االقتصاديّة‪.‬‬

‫أن مماطلة المدين أو مجرّد تأ ّخره عن تنفيذ التزامه يع ّد سببا كافيا‬


‫وفي هذا اإلطار هل ّ‬
‫ليقضي بفسخ العقد ؟‬

‫المماطلة هي تأ ّخر المدين في تنفيذ التزامه‪ ،‬وتتأ ّكد هذه المماطلة ابتداءا من يوم تلقّيه اإلنذار‬
‫بالتنفيذ من ال ّدائن‪ ،‬أو من يوم حلول األجل بالنسبة لاللتزامات المح ّددة بأجل‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫فسخ العقد‬

‫فإن مجرّد التّأخير في ال ّدفع ال‬


‫وقد اعتبرت المحاكم التونسية أنّه " طبقا للفصل ‪ 001‬م إ ع ّ‬
‫يعطي لل ّدائن إالّ الحق في طلب التنفيذ الجبري و التّعويض عن الضّرر الحاصل من التأخير‬
‫"‪.79‬‬

‫كما اعتبرت محكمة التّعقيب ّ‬


‫أن " مماطلة ال ّدائن ال تكفي لبراءة ذ ّمة المدين‪ ،‬بل يجب على‬
‫هذا األخير إن كان الدين شيئا من األشياء التي تستهلك باالنتفاع أن يدعو ال ّدائن لقبضه في‬
‫المح ّل المعيّن بالعقد ‪.80".....‬‬

‫وفي هذا اإلطار تعتبر الرّقابة القضائيّة على الفسخ هي من أه ّم الوسائل التي تساهم في‬
‫تحقيق االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫فالقاضي هو الذي يق ّدر درجة عدم التنفيذ ويقرّر هل أنّه جزئي أو فرعي أو متأ ّخر وله أن‬
‫يضرب للمدين أجال وباختصار شديد يحاول أن ينفّذ العقد‪.‬‬

‫فتد ّخل القاضي وقائي‪ ،‬يسعى إلى المراقبة والتضييق في آلية الفسخ‪ .‬ويظهر هذا الطّابع‬
‫الوقائي للعقد عندما يقبل القاضي عروض التنفيذ المق ّدمة من المدين أثناء نشر ال ّدعوى وقبل‬
‫صدور حكم نهائي‪.‬‬

‫ب‪ -‬قبول القاضي لعروض التنفيذ المقدّمة من المدين‬

‫ق للمدين الم ّدعي عليه في دعوى لفسخ العقد أن يتد ّخل ويعرض الوفاء بالتزاماته التعاقدية‬
‫يح ّ‬
‫أثناء نشر ال ّدعوى وقبل صدور حكم نهائي‪ .‬فإذا أثبت هذا األخير أنّه قد قام بالوفاء بالتزاماته‬
‫ولو متأ ّخرا‪ ،81‬فإنّه من غير المنطق أن يقع تسليط جزاء الفسخ عليه بما ّ‬
‫أن التزاماته تكون قد‬
‫انقضت بالوفاء بها ‪.82‬‬

‫هذا الحل كرّسه الفصل ‪ 091‬م إ ع في فقرته األخيرة الذي نصّ على ّ‬
‫أن " ‪ ....‬العرض‬
‫الحقيقي يمكن أن يكون في جلسة المحكمة‪".‬‬

‫‪ 79‬قرار ابتدائي مدني عدد ‪ 29000‬مؤ ّرخ في ‪ 2‬جانفي ‪ ،3909‬م ق ت ‪ 3909‬ص ‪020‬‬
‫‪ 80‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 3002‬مؤرّخ في ‪ 32‬أكتوبر ‪ 0222‬ن م ت‪ ،‬ج ‪ II‬ص ‪310‬‬
‫‪ 81‬مح ّمد ال ّزين‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪101‬‬
‫‪ 82‬أنظر‪:‬‬
‫‪Aribi ( I ), art, précité, p 155‬‬

‫‪35‬‬
‫فسخ العقد‬

‫وهو ما يعكس اتّجاه إرادة المشرّع إلعطاء أكثر ما يمكن من الفرص إلنقاذ العقد‪.‬‬

‫هذا االعتراف الصّريح لفائدة المدين المماطل ليس مطلقا‪ ،‬وإنّما مح ّدد بع ّدة شروط‪ ،‬فإذا كان‬
‫تنفيذ المدين اللتزاماته ممكنا لكن دون أن ينتفع به ال ّدائن فإنّه يفقد ك ّل قيمته م ّما يؤ ّدي إلى‬
‫رفض القاضي لهذا العرض‪.‬‬

‫كذلك ال ّشأن إذا أ ّدى عرض المدين بالتّنفيذ إلى فرض شروط جديدة أو نفقات على ال ّدائن لم‬
‫ينصّ عليها العقد‪.‬‬

‫أن إتّجاء إرادة المدين إلى تنفيذ التزامه ال تكفي‬


‫كما يجب أن يكون هذا العرض حقيقي بمعنى ّ‬
‫ليكون العرض حقيقي‪ ،‬إنّما يجب أن يكون المدين قادرا على تنفيذ ما التزام به‪ ،‬كما يجب أن‬
‫ألن هذا التّأخير يمكن أن يكون سببا كافيا لتبرير فسخ‬
‫يكون عرض المدين متأ ّخرا ج ّدا ّ‬
‫‪.83‬‬
‫العقد‬

‫‪ .1‬القاضي ينشئ الفسخ‬


‫يتمتّع القاضي بسلطة مطلقة في تقدير وجاهة الطّلب وسلطته في ذلك مسألة موضوعية‬
‫تخرج عن رقابة محكمة التّعقيب بشرط التّحليل‪.‬‬

‫وهو ما أ ّكدته محكمة التّعقيب بقولها " ‪ ....‬ولئن كان للمحكمة ح ّ‬


‫ق االجتهاد في تقرير التّسويغ‬
‫أو عدم فسخه إذا كان غير مشروط بالعقد فإنّها ومع ذلك وعند ثبوت أسبابه عليها أن تعلّل‬
‫رفضها "‪.84‬‬

‫فإذا ثبت للقاضي بصفة قطعيّة عدم إمكانية غصب المدين على التنفيذ أو إذا ثبت لديه عدم‬
‫جدوى غصبه على ذلك‪ ،‬فإنّه من المفروض عليه أن يصرّح بفسخ العقد‪ .‬إذ ليس له أن يمنح‬
‫المدين أجال إضافيّا للوفاء بالتزامه بما ّ‬
‫أن الوفاء أصبح مستحيال وعليه أن يصرّح بالفسخ‬

‫‪ 83‬أنظر‪:‬‬
‫‪Aribi ( I ), art, précité, p 152‬‬
‫‪ 84‬قرار تعقيبي مدني مؤ ّرخ في ‪ 0‬فيفري ‪ ،3902‬م ق ت ‪ 3902‬ص ‪20‬‬

‫‪36‬‬
‫فسخ العقد‬

‫‪ .‬و في هذه الحالة يمكن أن يكون فسخ العقد‬ ‫‪85‬‬


‫طالما أنّه ال فائدة من اإلبقاء على عقد ميّتا‬
‫جزئيّا كما يمكن أن يكون كليّا‪.‬‬

‫بالنّسبة للفسخ الجزئي للعقد‪ ،‬فإنّه في صورة عدم تنفيذ المدين جزئيّا اللتزامه م ّكن المشرّع‬
‫التونسي ال ّدائن من حق الخيار بين طلب الفسخ الجزئي أو الفسخ الكلّي‪ .86‬ويق ّر التّشريع‬
‫التونسي صراحة مؤسّسة الفسخ الجزئي للعقود بالفصول الواردة بباب البيع وخاصة الفصل‬
‫‪ 200‬م إ ع‪.‬‬

‫وطبيعي أن يقترن منح الخيار لفائدة ال ّدائن بمنح سلطة تقديرية للقاضي حتّى ال يتعسّف في‬
‫استعمال هذا الحق ويطالب بالفسخ الكلّي للعقد لمجرّد أ ّ‬
‫ي إخالل بسيط‪.‬‬

‫فالقاضي يحاول باالعتماد على المعيارين الذاتي والموضوعي تقدير مدى جسامة عدم التنفيذ‬
‫الجزئي وتحليل الوقائع‪ ،‬وتحديد مصالح الخصوم وبيان مدى إخالل التوازن داخل العقد‪.‬‬

‫فإذا ما تأ ّكد طبقا لهذه المعطيات ّ‬


‫بأن التّوازن أصبح منعدما‪ ،‬فإنّه من واجبه أن يصرّح بفسخ‬
‫كامل العقد‪.‬‬

‫أ ّما إذا كان التّوازن مختالّ فقط‪ ،‬وباإلمكان تالفي ذلك بفسخ العقد جزئيّا حتّى يحافظ على‬
‫ال ّرابطة العقديّة في الجزء المتوازن منها‪ ،‬ولكن بشرط أن يتأ ّكد من ّ‬
‫أن العقد قابل للتّجزئة‪.87‬‬

‫في حكمه بالفسخ‪ ،‬على القاضي األخذ بعين االعتبار أمرين أ ّولها اإللتزام الذي لم يقع تنفيذه‬
‫وإن نفذ في جزء منه تعتبر المحكمة بالجزء المتبق ّي‪ ،‬فإن كان ها ّما قضت بالفسخ‪ ،‬وإن كان‬
‫قليل األهميّة اتخذت حلول مرنة تجاه المدني‪.‬‬

‫وهذا يفضي إلى العنصر الثاني الذي تعتمده المحكمة وهو مدى الخسارة التي تكبّتها ال ّدائن‬
‫من جرّاء عدم التّنفيذ‪.‬‬

‫‪ 85‬أنظر‪:‬‬
‫‪CARONNIER ( J ), op. cit p 312‬‬
‫‪ 86‬انظر الفصل ‪ 001‬م إ ع‬
‫‪ 87‬عبد الكريم بلعيور " نظريّة فسخ العقد في القانون المدني الجزائي "‪ ،‬المؤسّسة الوطنيّة للكتاب‪ ،‬الجزائر ‪ ،3922‬ص ‪390‬‬

‫‪37‬‬
‫فسخ العقد‬

‫ويق ّدر القاضي قيمة الخسارة مع األخذ بعين االعتبار الجدوى االقتصادية للعقد والمرابيح‬
‫التي كان ال ّدائن ينتظر تحقيقها من وراء إبرام العقد‪.‬‬

‫وبالتّالي ال وجود إلشكال عندما يستجيب القاضي لطلب الفسخ المرفوع من ال ّدائن طالما ثبت‬
‫أن اإلخالل المنسوب إلى المدين خطير وجسيم وعلّل ذلك تعليال مستساغا‪.‬‬
‫لديه ّ‬

‫ويكون اإلخالل جسيما في صورتين‪ ،‬األولى تتمثّل في حالة ما إذا تعلّق األمر بعدم تنفيذ‬
‫نهائي لكامل اإللتزام األصلي‪ ،‬فقد يرفض المدين الوفاء بما إلتزم به رغم مطالبته بذلك أو‬
‫ّ‬
‫تعذر عليه الوفاء العيني‪ ،‬في هذه الحالة يكون القاضي ملزما بالحكم بالفسخ‪.‬‬

‫أ ّما الصورة الثانية فتتعلّق بعدم التنفيذ المؤقّت أو التّأخير في الوفاء لكن في حكم عدم التنفيذ‬
‫النهائي‪ ،‬فليس ك ّل االلتزامات يمكن أن يحصل فيها تأخير في الوفاء‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القاضي يق ّرر الفسخ‬


‫ك ّ‬
‫أن القيام بالفسخ طبقا للفصل ‪ 001‬م إ ع يعكس رغبة المشرّع في استبقاء العقد‬ ‫ما من ش ّ‬
‫وتمكينه من حظوظ أوفر للتنفيذ وبالتالي الحيلولة دون قيام تعسّفي‪.‬‬

‫حينئذ‪ ،‬فلئن كان من إيجابيات القاعدة العامة الواردة بالفصل ‪ 001‬م إ ع جعل القاضي ضامنا‬
‫لالستقرار التّعاقدي‪ّ ،‬‬
‫فإن ذلك ال ينفي في شيء السلبيات التي يتض ّمنها الفسخ القضائي من‬
‫حيث إجراءاته ومن حيث مآله‪.‬‬

‫لذلك م ّكن المشرّع األطراف المتعاقدة صراحة من استبعاد القاعدة العا ّمة الواردة بالفصل‬
‫أن الفسخ ال يكون إالّ بحكم‪ ،‬وذلك بتضمين العقد شرطا فاسخا‬
‫‪ 001‬م إ ع والتي مفادها ّ‬
‫فيعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه بمجرّد حصول اإلخالل‪.‬‬

‫أ ّما االستثناء الثاني‪ ،‬فإنّه يتعلّق بالفسخ بحكم القانون‪ ،‬أي ّ‬


‫أن إرادة المشرّع قد اتّجهت إلى‬
‫وضع شروط معيّنة بتوفّرها تنح ّل الرّابطة العقديّة بحكم القانون‪.‬‬

‫وتخضع ممارسة ك ّل من الفسخ اإلتّفاقي والفسخ القانوني إلى إجراءات يجب احترامها من‬
‫ال ّدائن لممارسة حقّه ( الفقرة األولى ) وذلك قبل صدور حكم يقرّر هذا الفسخ ( الفقرة الثانية)‬
‫‪38‬‬
‫فسخ العقد‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬اإلجراءات في الفسخ اإلتّفاقي والقانوني‬

‫تختلف هذه االجراءات في ك ّل من الفسخ اإلتّفاقي ( أ ) والفسخ القانوني ( ب )‬


‫‪ .1‬الفسخ اإلتّفاقي‬
‫م ّكن القانون المتعاقدين من حريّة اختيار الجزاء الذي يمكن تسليطه على أحدهما في صورة‬
‫عدم وفائه بالتزاماته تجاه اآلخر وذلك بتمكينهما من حريّة االتّفاق مسبقا على تضمين العقد‬
‫الرابط بينهما لشرط فسخي يقضي بفسخ هذا العقد في صورة عدم وفاء المدين بإلتزامه تجاه‬
‫ال ّدائن‪.‬‬

‫ويعرّف الفقهاء الشرط الفسخي بكونه الشرط الذي يفسخ بمقتضاه العقد من تلقاء نفسه في‬
‫صورة عدم وفاء أحد المتعاقدين بالتزاماته التعاقدية‪.‬‬

‫ولقد تعرّض المشرّع التونسي إلى الفسخ صلب الفصل ‪ 002‬م إ ع الذي ينصّ على أنّه " أذا‬
‫أن عدم وفاء أحدهما بما التزم به يوجب فسخ العقد‪ّ ،‬‬
‫فإن العقد ينفسخ بمجرّد‬ ‫اشترط العاقدان ّ‬
‫وقوع ذلك "‬

‫فإن ال ّشرط الفاسخ يصبح شريعة الطّرفين بين طرفيه ويقوم مقام القانون‪.‬‬
‫حينئذ‪ّ ،‬‬

‫فإن ما إتّفق عليه الطّرفان يقوم مقام‬


‫تبعا لما جاء بالفصل ‪ 020‬م إ ع والفصل ‪ 002‬م إ ع ّ‬
‫القانون بينهما‪.‬‬

‫أن الفسخ اإلتّفاقي هو أمر حتمي‬


‫إن القراءة السّريعة للفصل ‪ 002‬م إ ع ترمي إلى االعتماد ّ‬
‫ّ‬
‫إن عدم تنفيذ المدين اللتزامه هو ال ّشرط الوحيد لوقوع‬
‫ومباشر لعدم الوفاء‪ .‬بمعنى آخر ّ‬
‫الفسخ‪ ،‬إالّ أنّه ليس ال ّشرط الوحيد‪ ،‬إذا يجب أن يعلن ال ّدائن عن رغبته في ح ّل الرّابطة‬
‫التعاقديّة ( ‪ ) 3‬وأن يوجّه إنذار للمدين ( ‪) 0‬‬

‫أ‪ -‬إتّجاه إرادة الدّائن إلى فسخ العقد‬

‫في إطار الفسخ اإلتّفاقي‪ ،‬ينشأ حق ال ّدائن في فسخ العقد ابتداءا من تاريخ عدم تنفيذ المدين‬
‫اللتزامه‪ ،‬أي من وقت تحقّق ال ّشرط الفاسخ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫فسخ العقد‬

‫ولممارسة هذا الحق‪ ،‬على ال ّدائن أن يعلن عن رغبته في الفسخ أي أن تتّجه إرادته إلى ذلك‪،‬‬
‫فانعقاد ال ّشرط الفسخي ال يع ّد سببا كافيا العماله من قبل القاضي حتّى ولو توفّر في اإلتّفاق‬
‫جميع شروطه القانونية ما لم يقع التمسّك به من قبل ال ّدائن‪.‬‬

‫أن مجرّد اإلتّفاق المسبق على الفسخ من قبل المتعاقدين يع ّد غير كاف العمال هذا‬
‫حيث ّ‬
‫اإلتّفاق ولو في صورة تحقّق واقعة عدم التّنفيذ‪ ،‬بل يجب األخذ بعين االعتبار أساسا إرادة‬
‫ال ّدائن الذي يبقى له الخيار بين فسخ العقد أو التم ّسك بتنفيذه وفي هذا اإلطار اعتبر بعض‬
‫ق أصلي وحيد وهو حق المطالبة بالتنفيذ‪ ،‬وما حقّه في الفسخ‬
‫أن ال ّدائن يتمتّع بح ّ‬
‫الفقهاء ‪ّ 88‬‬
‫بناءا على وجود ال ّشرط الفسخي إالّ حق احتياطي ناشئ عن عدم التنفيذ‪.‬‬

‫ومهما كانت طبيعة ال ّشرط الفسخي‪ ،‬أي سواء كان يرتّب لفائدة ال ّدائن حقّا أصليّا أو حقّا‬
‫أن إعمال هذا ال ّشرط سيؤ ّدي إلى فسخ العقد بإرادة منفردة‬
‫ك ّ‬‫احتياطيّا أو االثنين معا‪ .‬فال ش ّ‬
‫وهي إرادة ال ّدائن وحده‪.‬‬

‫فإن ال ّدائن الذي يقوم بقضيّة ض ّد المدين لجبره على الوفاء بما إلتزم به‬
‫وفي هذا اإلطار ّ‬
‫ويصدر حكم لفائدته ال يمكنه القيام بعد ذلك بقضيّة أخرى يتمسّك فيها بالفسخ بناءا على‬
‫وجود ال ّشرط الفسخي‪ ،‬إذ ال يعقل أن يقع تسليط جزائين مختلفين على نفس المدين ومن أجل‬
‫نفس الفعل‪.‬‬

‫ب‪ -‬اإلنذار‬

‫يعتبر اإلنذار إجراء أساسي لتنفيذ ال ّشرط الفسخي وال يعفى ال ّدائن من هذا اإلجراء القانوني‬
‫األساسي الذي يستطيع من خالله ال ّدائن بعد التأكيد من عدم تنفيذ المدين اللتزامه‪ ،‬أن يكتسب‬
‫به حقّه في فسخ العقد‪.‬‬

‫‪ 88‬عبد الكريم بلعيور‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪012 - 011‬‬

‫‪40‬‬
‫فسخ العقد‬

‫وخالفا للفسخ القضائي‪ ،‬تخضع وجوبيّة اإلنذار في الفسخ اإلتّفاقي إلى إرادة األطراف‬
‫المتعاقدة‪ ،‬حيث يمكنهم التنصيص على ّ‬
‫أن العقد يكون مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى‬
‫اإلنذار ‪ 89‬أو كذلك العكس‪.‬‬

‫ي أجل للتّنفيذ‪ .‬وفي‬ ‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬


‫أن اإلنذار يكون وجوبيّا عندما ال يحتوي العقد على أ ّ‬
‫هذه الحالة ال يع ّد المدين مماطال إالّ بداية من تاريخ إنذاره من قبل ال ّدائن الذي يسأله بوجه‬
‫صريح خالص ما عليه في م ّدة معقولة‪ ،‬فإذا مضى ذلك األجل دون أن يفي المدين بما عليه‬
‫فإن ال ّدائن يكتسب حقّه‬
‫في م ّدة معقولة‪ ،‬فإذا مضى ذلك األجل دون أن يفي المدين بما عليه ّ‬
‫في الفسخ‪ .‬أ ّما إذا ح ّدد األطراف أجال للتنفيذ صلب ال ّشرط الفسخي‪ّ ،‬‬
‫فإن المدين يع ّد مماطال‬
‫بمض ّي األجل المح ّدد دون إلى إنذاره‪.‬‬

‫أ ّما شكل اإلنذار فقد تعرّض لذلك الفصل ‪ 029‬م إ ع الذي أورد ع ّدة أمثلة لشكل اإلنذار‪.‬‬

‫‪ .1‬الفسخ بحكم القانون‬


‫الفسخ القانوني هو الفسخ الذي ينشأ لفائدة المتعاقدين بمفعول القانون وينفسخ العقد قانونا إذا‬
‫لم يكن باإلمكان تنفيذه حاال أو مستقبال كما نصّ عليه الفصل ‪ 120‬م إ ع‪.‬‬

‫كما يمكن أن يكون السّبب األجنبي عامال مباشرا ووحيدا في استحالة التنفيذ فيكون من باب‬
‫العدالة واإلنصاف أن تنح ّل الرّابطة العقدية فتنقضي على إثرها إلتزامات األطراف‪.‬‬

‫والفسخ في هذه الحالة واقع بق ّوة القانون طالما ثبت السّبب األجنبي الذي عرّفه الفصل ‪ 021‬م‬
‫إ ع بأنّه " ك ّل شيء ال يستطيع اإلنسان دفعه كالحوادث الطّبيعية في فيضان وقلّة أمطار‬
‫وزابع وحريق ‪"....‬‬

‫وتتع ّدد الصّور الصّريحة للفسخ إلستحالة التنفيذ في القانون التونسي‪ .‬كما جاء في الفصل‬
‫‪ 021‬م إ ع الذي نصّ على أنّه " إذا هلكت العين المأجورة أو تعيّبت أو تغيّرت في الك ّل أو‬
‫في البعض بحيث صارت غير صالحة لما أع ّدت له بال فعل أحد المتعاقدين فالعقد مفسوح‬
‫‪"...‬‬

‫‪ 89‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪23‬‬

‫‪41‬‬
‫فسخ العقد‬

‫إن مجرّد هالك ال ّشيئ المأجور أو تعديله لسبب خارج عن إرادة ك ّل من المكري والمكتري‬
‫ّ‬
‫ينفسخ معه العقد بمفعول القانون‪.‬‬

‫كما تعرّض أيضا الفصل ‪ 32‬م ال ّشغل صراحة إلى الفسخ القانوني فنصّ على أنّه ينتهي عقد‬
‫ال ّشغل سواء كان مبرما لم ّدة معيّنة أو غير معيّنة " ج ‪ :‬عند ّ‬
‫تعذر االنجاز الناتج إ ّما عن أمر‬
‫طارئ أو ق ّوة قاهرة حدثت قبل أو أثناء تنفيذ العقد أو عن وفاة العامل"‬

‫كذلك ال ّشأن بالنسبة للفصل ‪ 203‬م إ ع الذي نصّ على أنّه " ينقضي إيجار الخدمة أو الصّنع‬
‫بأحد األوجه اآلتي ذكرها ‪:‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إذا ّ‬
‫تعذر إتمام الخدمة أو الصّنع بأمر طارئ أو ق ّوة قاهرة حدثت قبل الشروع فيه أو‬
‫بعده أو إذا مات األجير عدا ما استثناه القانون وال ينفسخ عقد اإليجار بموت المؤجّر "‬

‫وفي بعض الحاالت‪ ،‬ال يشترط المشرّع النفساخ العقد قانونيّا ّ‬


‫أن يحدث أمر طارئ أو ق ّوة‬
‫قاهرة و إنّما يربط الفسخ بمرور م ّدة معيّنة عدم تنفيذ االلتزام وهو ما اقتضاه الفصل ‪ 01‬من‬
‫قانون ‪ 00‬ماي ‪ 3900‬الذي ينصّ على ّ‬
‫أن " عقد الكراء يفسخ عند عدم الخالص لمعيّن‬
‫الكراء في اآلجال المتّفق عليها وذلك بعد مض ّي ‪ 1‬أشهر على صدور تنبيه بال ّدفع بواسطة‬
‫عدل منفّذ ولم يأت بنتيجة‪.‬‬

‫ويجب أن ينصّ التّنبيه على األجل المشار إليه وإالّ يكون ملغى‪ ،‬وال يمكن التّمديد في األجل‬
‫المذكور ويكون الفسخ حتميّا‪" .‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬استصدار حكم يق ّرر الفسخ‬

‫في بعض الحاالت يكون القاضي ملزما ال بإنشاء الفسخ بل يكشفه‪ ،‬وهذا يعني أنّه يكتفي‬
‫بتقرير وقوعه‪ .‬وتتح ّدد سلطته عندئذ بمعاينة تحقّق الشروط التي أ ّدت إلى الفسخ ويكون في‬
‫إطار الفسخ اإلتّفاقي ( أ ) والفسخ بحكم القانون ( ب )‬

‫‪42‬‬
‫فسخ العقد‬

‫‪ .1‬الفسخ اإلتّفاقي‬
‫في قراءة سريعة للفصل ‪ 002‬م إ ع تجعل البعض يعتقد ّ‬
‫أن الفسخ هو أثر حتمي ومباشر‬
‫وأن المشرّع استعمل عبارة " وبمجرّد وقوع ذلك " التي تؤ ّدي إلى‬
‫لعدم الوفاء خصوصا ّ‬
‫االعتقاد ّ‬
‫أن عدم تنفيذ المدين اللتزاماته التعاقدية هو الشرط الوحيد لفسخ العقد‪ ،‬إذ بمجرّد‬
‫توفّره بفسخ العقد من تلقاء نفسه دون أن تتد ّخل في ذلك إرادة ال ّدائن أو القاضي وهذا األمر‬
‫أن الفسخ اإلتّفاقي ال ينتج آثاره القانونية وال يمكن االحتجاج به إالّ بعد‬
‫غير صحيح ذلك ّ‬
‫صدور حكم يقضي بفسخ العقد‪.‬‬

‫وبالتالي ّ‬
‫فإن إدراج شرط فسخي ال يعني عدم ضرورة التقاضي عند وجود نزاع حول تنفيذ‬
‫العقد ومه ّمة القاضي تقتصر في هذه الحالة على التثبّت في واقعة التنفيذ من عدمه‪.‬‬

‫فالقاضي بمقتضى الشرط الفاسخ يجرّد من ك ّل سلطة في الحكم‪ .‬فالشرط الفسخي يسلب‬
‫القاضي سلطته التقديرية‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن الفسخ االتفاقي ال يعدوا أن يكون سوى استثناءا للقاعدة العامة التي مفادها خضوع الفسخ‬
‫لسلطة قاضي الموضوع التقديرية‪ .‬لذلك كان لزاما أن يفسّر هذا ال ّشرط تفسيرا ضيّقا ال في‬
‫مضمونه فحسب بل وأيضا في مداه‪ ،‬فال ّشرط الفسخي ولئن يجرّد القاضي من سلطة الحكم‬
‫إالّ أنّه ال يمت ّد إلى سلطة المعاينة والمراقبة‪.‬‬

‫فمن المحتمل أن ينازع المدين في وجود الشرط وفي صحّته‪ ،‬وفي هذه الحالة يكون القاضي‬
‫مدع ّوا إلى التثبّت من ذلك‪.‬‬

‫فمن حيث وجوده‪ ،‬ال يمكن للشرط الفاسخ أن يكون ضمنيّا فإذا لم يكن إتّفاق المتعاهدين قاطع‬
‫أن الشرط الفاسخ ال يمكن أن يكون إالّ صريحا وال‬
‫ال ّداللة وواضحا ك ّل الوضوح‪ .‬إذا نستنتج ّ‬
‫أن سلطة القاضي قد تتّسع وقد تتقلّص بحسب قدرة الشرط على بيان‬
‫لبس فيه‪ ،‬وهنا نالحظ ّ‬
‫مراده وبحسب درجته‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫فسخ العقد‬

‫فالمحكمة ال تكتفي بوجود الشرط الفسخي صلب العقد‪ ،‬بل تذهب إلى أكثر من ذلك فتشترط‬
‫لقبوله وصحّته أن تكون فيه منفعة مشترطه أو لغيره بالنسبة لموضوع العقد طبقا ألحكام‬
‫الفصل ‪ 302‬م إ ع‪.‬‬

‫وهو ما أقرّته محكمة التّعقيب صراحة في قرارها عدد ‪ 2201‬الصّادر بتاريخ ‪ 12‬أفريل‬
‫‪ ،3923‬حين اعتبرت أنّه " إذا لم يبيّن طرفا العقد أمام المحكمة الفائدة المنجرّة لهم ولغيرهم‬
‫أو بالنسبة لموضوع العقد من الشرط المنصوص عليه بهذا األخير والمستند إليه في طلب‬
‫الفسخ ّ‬
‫فإن هذا الفسخ يصبح منعدما وال سبيل إلى تنفيذه "‪.90‬‬

‫فالشرط الفاسخ ال يرتّب آثاره القانونية مهما أبدى من الصّراحة والدقّة إال‬
‫متى حصل عدم الوفاء وثبت‪.‬‬

‫وهنا على القاضي تقدير حصول التقصير أم ال‪ ،‬فإن ثبت لديه ذلك ما عليه سوى تقرير‬
‫الفسخ الواقع بمقتضى الشرط الفسخي‪ ،‬وإن لم يثبت فله أن يرفض الكشف عن أمر لم يتحقّق‬
‫إالّ في نظر ال ّدائن‪.‬‬

‫فحسب الفصل ‪ 310‬م إ ع على القاضي أن يتأ ّكد من نية المستفيد من ال ّشرط الفاسخ‪ ،‬إذ ولئن‬
‫كان اإلتّفاق شريعة إالّ ّ‬
‫أن هذا اإلتّفاق وجب أن يتأسّس على حسن النيّة‪ ،‬فال يسوغ بالتالي‬
‫أن التنفيذ ّ‬
‫تعذر لسبب‬ ‫لل ّدائن أن يتمسّك بحصول الشرط نظرا لعدم الوفاء باإللتزام والحال ّ‬
‫أجنبي‪.‬‬

‫وقد تعرّض المشرّع إلى مبدأ حسن النيّة في الفصل ‪ 021‬م إ ع الذي جاء فيه أنّه " يجب‬
‫الوفاء باإللتزامات مع تمام األمانة وال يلزم ما صرّح بع فقط بل يلزم ك ّل ما ترتّب على‬
‫االلتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته "‬

‫يتميّز دور القاضي في مجال الفسخ اإلتّفاقي بشيء من الحياد‪ ،‬إالّ أنّه يبقى في بعض الصّور‬
‫إيجابيّا عند تقديره لنية األطراف من خالل تحقيق ذلك الشرط ومدى أهميّة بالنسبة لموضوع‬
‫العقد‪.‬‬

‫‪ 90‬قرار مدني عدد ‪ ،2201‬مؤ ّرخ في ‪ 12‬أفريل ‪ ،3923‬ن مت‪ ،‬الفسم المدني لسنة ‪ ،3920‬ص ‪030‬‬

‫‪44‬‬
‫فسخ العقد‬

‫فكيف يتجلّى موقف المحكمة في تطاق الفسخ القانوني‪.‬‬

‫‪ .1‬الفسخ بحكم القانون‬


‫أن إرادة المشرّع قد اتّجهت إلى وضع شروط معيّنة إذا ما توفّرت‬
‫يقصد بالفسخ القانوني ّ‬
‫انحلّت الرّابطة التعاقديّة بحكم القانون‪ .‬غير ّ‬
‫أن ذلك ال يعني انعدام أ ّ‬
‫ي دور للمحكمة بل‬
‫فإن القاضي هو الذي سيتأ ّكد من توفّر ال ّشروط الالّزمة للفسخ القانوني‪.‬‬
‫بالعكس‪ّ ،‬‬

‫وينفسخ العقد قانونا إذا لم يكن باإلمكان تنفيذة حاال ومستقبال وهو ما نصّ الفصل ‪ 120‬م إ ع‬
‫" إذا صار ال ّشيء الذي وقع عليه العقد غير ممكن طبيعة أو قانونا بدون فعل المدين أو‬
‫تقصيره وقبل أن يع ّد مماطال فقد انقضى العقد "‬

‫يبدوا من خالل هذا الفصل ّ‬


‫أن الفسخ القانوني يت ّم عندما ال يمكن تنفيذ العقد بسبب ق ّوة قاهرة‬
‫اعتبار العبارة " بدون فعل المدين " الواردة بالفصل المذكور‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يبرز دور الق اضي من خالل تقدير ما إذا كانت العوامل التي حالت دون‬
‫تنفيذ اإللتزام مر ّدها الق ّوة القاهرة أم ال‪.‬‬

‫حيث يبحث القاضي فيما إذا كانت استحالة التنفيذ مر ّدها السبب األجنبي أم خطأ المدين‪.‬‬

‫فإذا ارتكب المدين خطأ حكم القاضي بالفسخ وتصبح بالتالي في إطار الفسخ القضائي وليس‬
‫الفسخ القانوني‪.‬‬

‫إن تد ّخل القاضي في مجال الفسخ القانوني ال يحصل إالّ بوقوع نزاع بين المتعاقدين في‬
‫خصوص وقوع الفسخ‪ .‬ويكون مؤهّال لتحديد ما إذا كانت العوامل التي حالت دون تنفيذ العقد‬
‫سببا لتحديد ما إذا كانت العوامل التي حالت دون تنفيذ العقد سببا أجنيّا أم ال‪ .‬كما عليه أن‬
‫يح ّدد مفهوم ومعايير السّبب األجنبي‪.‬‬

‫ولتحديد استحالة التوقّع يعتمد القاضي على معيار موضوعي بقطع النّظر عن شخصيّة‬
‫المدين‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫فسخ العقد‬

‫أ ّما بالنّسبة لمعيار عدم إمكان ال ّدفع‪ّ ،‬‬


‫فإن القاضي يجتهد ليح ّدد ما إذا كانت الحادثة أو األمر‬
‫الطّارئ من شأنه أن يكون سببا أجنيّا يؤ ّدي إلى استحالة التنفيذ أو ال‪.‬‬

‫وبالتالي وفي إطار الفسخ القانوني‪ ،‬يمكن القول ّ‬


‫أن القاضي يفقد ح ّل ما لديه من سلطة‬
‫تقديرية إذا ما توفّرت لديه أسباب الفسخ كالق ّوة القاهرة‪ ،‬التي يبقى تقدير وجودها من عدمه‬
‫أمر موكول لقضاة األصل‪.‬‬

‫والسّؤال المطروح في هذا اإلطار ما هي اآلثار القانونية المترتّبة عن الفسخ ؟‬

‫الفصل الثاني‪ :‬اآلثار القانونية المترتّبة عن الفسخ‬


‫أن استجابة القاضي لطلب ال ّدائن في الفسخ أو تقريره له يقوم دليل على ثبوت خطأ‬
‫ال ريب ّ‬
‫فإن اإلخالل بااللتزام العقدي بدوره يع ّد‬
‫المدين العقدي وعلى فرض خطورة الفسخ كجزاء‪ّ ،‬‬
‫في منتهى الخطورة وعلى قدر الخطأ يكون الجزاء والتناسب في هذه الحالة بين الفسخ وبين‬
‫اإلخالل بااللتزام أمر حاصل األمر الذي يجعل الفسخ جزاءا خطيرا لما يرتّبه من آثار تتع ّدى‬
‫في الواقع شخصي المتعاقدين‪.‬‬

‫إذ ال يمكن أن ننكر البعد االقتصادي للعقد لذلك من اليسير القول بح ّل الرّوابط العقديّة‪.‬‬

‫و الفسخ من هذه الناحية له أثر مباشر ويتمثّل في إعدام العقد بصفة رجعيّة ( المبحث األ ّول )‬
‫وأثر غير مباشر حيث يكون الحكم بالفسخ سندا مه ّما بالنسبة لل ّدائن لطلب التّعويض (المبحث‬
‫الثاني )‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬األثر الرجعي للفسخ‬


‫غاية ال ّدائن من طلب الفسخ أو من تمسّكه بال ّشرط الفاسخ يمكن في الترخيص له للتحلّل من‬
‫التزامه حينما يماطل معاقده أو يمتنع عن الوفاء مطلقا‪ .‬بيد ّ‬
‫أن هذه الغاية ال يمكن أن تتجسّد‬
‫من دون القضاء بح ّل الرّابطة العقيدة أو من دون صدور حكم في تقرير وقوع الفسخ‬
‫بمقتضى ال ّشرط‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فسخ العقد‬

‫لكن في هذه الحالة قد يثار إشكال يتعلّق بمدى إمكانية الرّجوع فعليّا بال ّدائن والمدين إلى‬
‫الحالة التي كان عليها قبل التعاقد ولع ّل األمر يزداد تعقيدا لو جزمنا ّ‬
‫أن الفسخ يسري أيضا‬
‫بصفة رجعيّة حتّى تجاه الغير‪.‬‬

‫فما هو أثر الفسخ فيما بين المتعاقدين ( الفقرة األولى ) وتجاه الغير ( الفقرة الثانية )‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أثر الفسخ بين المتعاقدين‬

‫يقول األستاذ عبد الفتاح عبد الباقي " وإذا كان مؤ ّدي الفسخ انحالل العقد بأثر رجعي واعتبار‬
‫أنّه لم يقم أصال وجب إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد‪.91" ...‬‬

‫في هاته الحالة أي مسألة األثر الرّجعي للفسخ والذي ينج ّر عنه رجوع األطرف إلى حالة ما‬
‫قبل التعاقد‪ ،‬يمكن الحديث عن فرضيّتين ‪:‬‬

‫أن العقد لم يتع ّد مرحلة التكوين‪ ،‬بمعنى أنّه لم يقع تنفيذه ال من ال ّدائن وال من طرف‬
‫إ ّما ّ‬
‫المدين‪ ،‬وفي هاته الحالة ال يجوز الحديث عن وجوب إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا‬
‫عليها قبل التعاقد والحال أنّه ال تغيير طرآ على األطراف في الفترة الممت ّدة بين ما قبل العقد‬
‫وما بعده‪.‬‬

‫أ ّم الفرضيّة الثانية ‪ :‬فهي الفرضية التي يوفي ال ّدائن بما التزم به بمقتضى العقد في حين‬
‫تخلّف المدين عن الوفاء إ ّما كليّا أو بصفة جزئيّة‪ ،‬وفي هذه الحلة يقتضي الرّجوع باألطراف‬
‫أن هذا االسترداد قد يتع ّذر‬
‫إلى حالة ما قبل التعاقد استرداد ك ّل طرف لم نفذه ( ‪ ) 3‬بيد ّ‬
‫ويكون ذلك خاصّة في إطار العقود الزمنية ( ‪) 0‬‬

‫‪ .1‬استرداد ما وقع تنفيذه‬


‫عندما يرت ّد الفسخ من حيث أثره إلى الماضي وتحديدا إلى تاريخ إبرام العقد يكون من‬
‫المتوجّه أن ير ّد ك ّل طرف ما تسلّمه بمقتضى العقد المفسوخ ولقد نصّ المشرّع التونسي على‬
‫ذلك صلب الفصل ‪ 22‬م إ ع بقوله " من إكتسب مال غيره بال وجه عليه ر ّده بعينه إن كان‬

‫‪ 91‬عبد الفتاح عبد الباقي ‪ " :‬نظريّة العقد واإلرادة المنفردة " ص ‪219‬‬

‫‪47‬‬
‫فسخ العقد‬

‫موجودا أو ترجيع قيمته حين توصله به إذا تلف أو تغيّب بفعله أو تقصيره ‪ ".‬واالسترداد‬
‫يكون ممكنا خاصّة في العقد الفوري‪ ،‬أي العقد الذي ال يكون ال ّزمن فيه عنصرا جوهريّا‬
‫والزما كعقد البيع مثال‪.‬‬

‫ويستخلص من الفصل ‪ 22‬م إ ع ّ‬


‫أن لك ّل طرف الحق في استرداد ما نفذه عينا وكامال أو‬
‫ّ‬
‫التعذر وهو نفس األمر الذي نصّ عليه الفصل ‪ 222‬م إ ع بقوله "‬ ‫بطريق التعريض في حالة‬
‫إذا فسخ البيع لعيب وجب على المشتري أن يرجع للبائع ما يلي ‪:‬‬

‫أ ّوال ‪ :‬المبيع المعيب على الحالة التي كان عليها عند تسلّمه مع متعلّقاته التابعة له في البيع‬
‫وما صار منه بعد العقد‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬غلّة المبيع من وقت التراضي على الفسخ أو الحكم به وكذا قبل ذلك إالّ إذا كانت الغلّة‬
‫ثمرة لم تؤثّر عند الشراء وجذها المشتري ولو قبل بد ّو صالحها فإنّه حينئذ يفوز بها كما‬
‫يفوز بها إذا بد صالحها وإن لم يجذها‪.‬‬

‫كما ّ‬
‫أن البائع للمشتري ‪:‬‬

‫أ ّوال ‪ :‬ما أنفقه على الغلّة التي ر ّدها إليه‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الثّمن الذي قبضه من المشتري مع مصاريف إتمام العقد‬

‫ثالثا ‪ :‬الخسائر التي تسبّب فيها البائع إن كان مفلسا "‬

‫وبالتالي فالفسخ بعدم العقد بصفة رجعيّة ويعيد األطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل‬
‫أن مثل هذا األثر من الممكن أن ينسحب على العقد ال ّزمني‪.‬‬
‫التعاقد‪ ،‬فهل ّ‬

‫‪ .0‬عدم إمكانية األثر ال ّرجعي في العقود ال ّزمنيّة‬

‫العقد ال ّزمني‪ ،‬هو العقد الذي يكون ال ّزمن عنصرا فيه بحيث يكون المعيار الذي يق ّدم به‬
‫موضوع العقد‪ .‬فعقد التّأمين مثال عقد زمني نظرا لتراوح الخدمة المق ّدمة زمنا مح ّددا‪ ،‬وعقد‬
‫أن ال ّزمن يح ّدد مقدار المنفعة المتّفق عليها‪.‬‬
‫الكراء أيضا عقد زمني باعتبار ّ‬

‫‪48‬‬
‫فسخ العقد‬

‫وهو ما يحلينا إلى التّساؤل عن مدى إمكانية إعادة طرفي عقد زمني إلى الحالة التي كان‬
‫عليها قبل العقد ؟‬

‫أن المعقود عليه ال يعدو أن يكون سوى ال ّزمن وال ّزمن‬


‫مبدئيّا‪ ،‬فإنّه من مميّزات العقد ال ّزمني ّ‬
‫الذي انقضى ال يتسنّى إعادته‪ ،‬فإذا ما نفذ هذا العقد الفترة و أريد بسبب إخالل أحد األطراف‬
‫فسخه‪ّ .‬‬
‫فإن الفسخ في هذه الحالة يعدم العقد من تاريخ وقوعه ومستقبال دون أن يريد إلى‬
‫الماضي باعتبار ما نفذ أصبح نهائيّا وال يمكن الرّجوع فيه‪ ،‬وهو ما يؤ ّكده األستاذ عبد الفتاح‬
‫الباقي بقوله " ‪ .....‬ففي هذا النوع من العقود ( العقد الزمني ) ال يكون للفسخ أثر إالّ بالنّسبة‬
‫للمستقبل وال يمسّ ما ت ّم من آثاره في الماضي ‪.92"...‬‬

‫حينئذ‪ ،‬ال يستقيم الحديث عن أثر رجعي للفسخ في العقود ال ّزمنيّة نظرا ّ‬
‫ألن الفسخ ال يعمل‬
‫أثره إالّ بالنّسبة للمستقبل‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أثر الفسخ تجاه الغير‬

‫لئن كان للفسخ أثر رجعي تجاه الغير‪ّ ،‬‬


‫فإن هذا األثر ال يخلو من مخاطر‪ ،‬فإرجاع المتعاقدين‬
‫إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد قد يلحق ضررا بالغير‪.‬‬

‫بأن ألزم ال ّدائن في بعض الحاالت باستيفاء جملة من‬


‫لذلك عمل المشرّع على حماية الغير‪ّ ،‬‬
‫اإلجراءات الغاية منها إعالم الغير بالقيام وهو من شأنه أن ننزع عنه حسن النيّة طالما أنّها‬
‫مفترضة قانونا كما جاء بالفصل ‪ 002‬م إ ع " األصل في ك ّل إنسان االستقامة وسالمة النيّة‬
‫حتّى يثبت خالف ذلك‪".‬‬

‫فمثال يحيل الفصل ‪ 002‬مجلة تجارية إلى الفصل ‪ 001‬م إ ع فيما يتعلّق برفع دعوى في‬
‫الفسخ لعدم دفع الثّمن ويكون بمقتضاه البائع القائم بدعوى الفسخ ملزما بإعالم أرباب الديون‬
‫المقيّدة بواسطة أحد العدول بمقرّهم المختار في تقاييدهم‪ .‬ويمنع على القاضي أن يحكم بالفسخ‬
‫قبل شهر من تاريخ اإلعالم‪.‬‬

‫‪ 92‬عبد الفتاح عبد الباقي‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪223 - 222‬‬

‫‪49‬‬
‫فسخ العقد‬

‫وهو أيضا مت ذهب إليه المشرّع المصري في الما ّدة ‪ 30‬من قانون ال ّشهر العقاري عند ما‬
‫ألزم البائع بالتنصيص على دعواه في سج ّل المحرّرات ‪.93‬‬

‫هذا فيما يخصّ األثر المباشر المتمثّل في إرجاع الطّرفين إلى الحالة التي كان عليها قبل‬
‫التعاقد‪ ،‬هذا أيضا دون التّغافل عن األثر الغير مباشر المتمثّل في التعويض‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التّعويض‬


‫نصّ المشرّع‪ ،‬ضمن الفصل ‪ 001‬م إ ع في الفقرة األولى والثانية منه على أنّه من ح ّ‬
‫ق ال ّدائن‬
‫أن يطلب الفسخ وأن يقوم بالخسارة التي لحقته من جرّاء تل ّدد مدينه في الوفاء بااللتزامات‬
‫الناشئة عن العقد‪.‬‬

‫فإن المطالبة بفسخ العقد يع ّززها المشرّع بضمانة إضافيّة وحماية مد ّعمة تتمثّل في‬
‫وبالتّالي ّ‬
‫إقرار التّعويض ( الفقرة األولى ) الذي يتح ّدد على ضوء ما إذا كان اإلخالل بتنفيذ العقد ت ّم‬
‫بصفة كليّة أو جزئيّة وهو ما يفترض التعرّض إلى صور التّعويض ( الفقرة الثانية )‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إقرار التّعويض‬

‫يؤ ّكد المشرّع بالفصل ‪ 001‬فقرة أولى على ّ‬


‫أن " ‪ ....‬لل ّدائن الحق أن يغصب مدينه على‬
‫الوفاء إن كان ممكنا وإالّ فسخ العقد مع أداء ما تسبّب عن ذلك من الخسارة في كال الحالتين‬
‫‪ " ...‬ويضيف بالفقرة الثانية من نفس هذا الفصل أنّه يجوز لل ّدائن في صورة عدم التنفيذ‬
‫الجزئي " ‪ .....‬إ ّما طلب الوفاء الجزئي أو فسخ العقد مع تعويض الخسائر في كال الحالتين‬
‫أن المشرّع أجاز الحكم بالتعويض إلى جانب الفسخ باعتبار ّ‬
‫أن هذا‬ ‫‪ "....‬ويستنتج بالتالي ّ‬
‫األخير قد ال يكون تعويضا كافيا للمتعاقد ( وهو ال ّدائن ) عن األضرار التي لحقته من جرّاء‬
‫عدم التنفيذ ولذلك جازته أن يطلب فضال عن الفسخ التعويض‪.94‬‬

‫‪ 93‬المادة ‪ 30‬من قانون ال ّشهر العقاري " يجب التّأشير في هامش س ّجل المحرّرات واجبة ال ّشهر بما يقم ض ّدها من ال ّدعاوى التي يكون‬
‫الغرض منها الطّعن في التصرّف الذي تضمنّه المحرّر وجودا أو صحّة أو نفاذا‪ ،‬كدعاوى البطالن أو الفسخ أو اإللغاء أو الرّجوع فإذا‬
‫كان المحرّر األصلي لم يشهر سجل تلك ال ّدعوى "‬
‫‪ 94‬انظر عبد الحميد الشورابي‪ ،‬المرجع السّابق‪ ،‬ص ‪012‬‬

‫‪50‬‬
‫فسخ العقد‬

‫ولقد تبنّت عديد القوانين المقارنة نفس الح ّل‪.95‬‬

‫إن إقرار المشرّع للتّعويض إلى جانب الفسخ‪ ،‬فذلك يع ّزز الرّأي ّ‬
‫بأن الفصل ‪ 001‬م إ ع أق ّر‬ ‫ّ‬
‫وحدة الجزاء بخصوص العقد الذي لم يقع تنفيذه نتيجة تقاعس المدين أو إخالله أو إهماله‬
‫القيام بواجباته‪ .‬ولقد أ ّكدت المحكمة اإلبتدائية بالكاف ‪ 96‬على إقرار مبدأ التّعويض‪ ،‬حيث‬
‫اعتبرت ّ‬
‫أن " إخالل المدين بواجباته التعاقدية وتسبّبه بذلك في ضياع الفرصة على دائنة‬
‫يتك ّون منه ضرر محقّق يوجب التّعريض ألنّه كان نتيجة طبيعية للفعل الضارّ‪ ،‬لكن‬
‫التعويض ال ينظر إليه إالّ باعتبار الحرمان من انتهاز الفرصة ال باعتبار أنّه ستغنم منه‬
‫أرباح ذات بال "‬

‫ولقد أجاز المشرّع إمكانية المطالبة بالفسخ والتعويض كذلك في بعض النصوص الخاصّة‪،97‬‬
‫أن إقرار التّعويض المشار إليه يثير مسألة ها ّمة تتعلّق بأساس المطالبة بذلك التعويض‬
‫غير ّ‬
‫فهل هي المسؤولية التعاقدية أم التقصيرية ؟‬

‫ك ّ‬
‫أن المشرّع لم يتعرّض إلى هذه المسألة ضمن الفصل ‪ 001‬م إ ع وهو ما يفضي إلى‬ ‫ال ش ّ‬
‫أن ذلك االعتقاد يزول بمجرّد اإلطّالع على الفصل ‪030‬‬
‫االعتقاد بوجود فراغ تشريعي‪ ،‬إالّ ّ‬
‫م إ ع الذي جاء فيه " ّ‬
‫أن عدم الوفاء بالعقد أو المماطلة فيه يوجبان القيام بالخسارة ولو لم‬
‫يتع ّمد المدين ذلك " وبالتالي ّ‬
‫فإن جزاء عدم الوفاء باإللتزامات الناشئة عن العقود يكون‬
‫حسب قواعد المسؤولية العقدية ‪ 98‬مع األخذ بعين االعتبار القواعد اإلضافية التي أقرّها‬
‫بالنسبة للعقود الملزمة للجانين والمرتبطة ارتباطا وثيقا بأحكام الفصل ‪ 001‬م إ ع على أنّه‬
‫أن شقّا ها ّما من الفقه يعتبر ّ‬
‫أن التعويض ينبني على أساس المسؤولية‬ ‫تتّجه اإلشارة إلى ّ‬
‫أن العقد ال يمكن أن يكون أساسا تعويض ألنّه غير موجود وبالتالي ّ‬
‫فإن‬ ‫التقصيرية باعتبار و ّ‬
‫" العقد بعد أن فسخ ال يصلح أن يكون أساسا وإنّما أساس التعويض هو خطأ المدين‪.99‬‬
‫وعالوة على ذلك هناك من يرى ‪ 100‬أنّه من حق ال ّدائن الذي أجيب إلى فسخ العقد أن يرجع‬

‫‪ 95‬الما ّدة ‪ 3 / 320‬مدني مصري‪ ،‬الفصل ‪ 3322‬م م فرنسية ‪.‬‬


‫‪ 96‬حكم ابتدائي صادر عن المحكمة االبتدائية بالكاف مؤ ّرخ في ‪ 9‬جانفي ‪ 3920‬م ق ت‪3920 ،‬‬
‫‪ 97‬انظر الفصول ‪ 203 – 092 – 222‬و ‪ 3203‬م إ ع‬
‫‪ 98‬انظر مح ّمد ال ّزين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪022‬‬
‫‪ 99‬انظر عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق ص ‪220‬‬
‫‪ 100‬انظر عبد الحميد الشورابي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪000‬‬

‫‪51‬‬
‫فسخ العقد‬

‫بالتعويض على المدين إذا كان عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه راجعا إلى خطئه‪ ،‬والتعويض‬
‫في هاته الحالة ينبني على أساس المسؤولية التقصيرية ويعتبر العقد هنا واقعة مادية ال عمال‬
‫فإن حق ال ّدائن في القيام بطلب التعويض عند فسخ العقد مقيّد‬
‫قانونيا‪ ،‬وفي هذه الصورة ّ‬
‫بضرورة توفّر أركان المسؤولية التقصيرية‪.101‬‬

‫لكن هذا الرّأي على وجاهته يصعب األخذ به خصوصا بحضور الفصل ‪ 000‬م إ ع المشار‬
‫إليه والذي ورد بعد الفصل ‪ 001‬م إ ع الذي لئن تعلّق بالتأ ّخر عن الوفاء في ظاهره إالّ ّ‬
‫أن‬
‫مضمونه مرتبط كذلك بعدم الوفاء الذي ينتج عن عدم تم ّكن ال ّدائن من استيفاء حقه من مدينه‬
‫المماطل وهو ما يفضي إلى تمكينه من الحصول غلى تعويض سواء تأ ّخر المدين عن الوفاء‬
‫أو لم يقم بالوفاء كما يوجبه مضمون االلتزام العقدي‪.‬‬

‫وبالتالي تقوم المسؤولية العقدية في جانب المدين التي ترتكز بدوها على ثالث أركان وهي‬
‫الخطأ العقدي والضّرر والعالقة السببية بينهما‪.102‬‬

‫فإن عدم تنفيذ المدين إللتزاماته أو المماطلة في تنفيذه يش ّكل في جانبه‬


‫وتأسيسا على ما سبق ّ‬
‫خطأ عقديّا ‪ .‬ولقد اعتبر جانب من الفقه ‪ّ 103‬‬
‫أن ركن الخطأ مشترط ضمنيّا بالفصل ‪ 000‬م إ‬
‫ع الذي أ ّكد ّ‬
‫أن عدم الوفاء بالعقد أو المماطلة فيه يوجبان القيلم بالخسارة وهذا التص ّور‬
‫تحرّره بعض النصوص الخاصة من ذلك ما تض ّمنه الفصل ‪ 020‬م إ ع وبخصوص مسؤولية‬
‫المكتري ع ّما " يقع فيما أكثره من الفساد بفعله أو بتفريطه أو بسوء استعماله ‪ "....‬وكذلك ما‬
‫وقع تنصيصه بعقد اإليجارة حيث أق ّر المشرّع ّ‬
‫أن " أجير الخدمة أو العمل يضمن ما ينشأ‬
‫عن فعله أو تفريطه أو قصوره ‪ 104"....‬كما أنّه مسؤول بعواقب مخالفته إلذن المؤجّر ‪"...‬‬
‫‪ .105‬وعالوة على ذلك تض ّمنت م إ ع وصفا ألخطاء عقديّة أخرى م ّما أفضى إلى اعتبار ّ‬
‫أن‬

‫‪ 101‬راضية المنتصر " الفسخ لعدم الوفاء بالعقود"‪ ،‬رسالة تخ ّرج من المعهد األعلى للقضاء‪ ،91 – 90 ،‬ص ‪311‬‬
‫‪ 102‬انظر مح ّمد ال ّزين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 022‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 103‬انظر مح ّمد ال ّزين‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫‪ 104‬انظر الفصل ‪ 221‬م إ ع‬
‫‪ 105‬انظر الفصل ‪ 222‬م إ ع‬

‫‪52‬‬
‫فسخ العقد‬

‫‪106‬‬
‫الخطأ العقدي في نظر المشرّع التونسي هو ركن ضروري وهام بين األركان الثالثة‬
‫المجسّمة للمسؤولية التعاقدية‪.‬‬

‫أن خطأ المدين المتمثّل في عدم تنفيذ إلتزامه يعد ال ش ّ‬


‫ك ركنا جوهريّا لقيام‬ ‫ويتّضح م ّما تق ّدم ّ‬
‫المسؤولية العقديّة‪ ،‬لكن المشرّع بالفصل ‪ 000‬م إ ع يذكر أنّه " ‪ ....‬ولو لم يعتمد المدين ذلك‬
‫" فهل معنى أنّه تخلّى عن فكرة الخطأ ؟‬

‫إن الجواب يقتضي الرّجوع إلى تعريف الخطأ في ح ّد ذاته وهو عدم الوفاء أو التقصير في‬
‫ّ‬
‫فإن المشرّع تبنّى فكرة الخطأ العمدي وغير العمدي‪.108‬‬
‫الوفاء باإللتزام ‪ 107‬وزيادة على ذلك ّ‬

‫أن المشرّع لم يتخلّى عن تكريس الخطأ كركن من أركان المسؤولية‬


‫وعموما يمكن القول ّ‬
‫العقدية طالما ّ‬
‫أن الخطأ يمكن أن يكون متع ّمدا أو غير متع ّمدا‪.‬‬

‫وصفوة القول ّ‬
‫أن أساس المطالبة بالتعويض على معنى الفصل ‪ 001‬م إ ع هو المسؤولية‬
‫أن عدم الوفاء الذي يترتّب‬
‫العقدية وهو ما ذهب إليه صراحة المشرّع التونسي حينما اعتبر ّ‬
‫عنه الفسخ أو المماطلة في تنفيذ العقد يوجبان القيام بالخسارة التي تتح ّدد طبقا ألحكام الفصل‬
‫أن " الخسارة عبارة ع ّما نقص من مال ال ّدائن حقيقته وع ّما فإنّه من‬
‫‪ 002‬م إ ع الذي جاء فيه ّ‬
‫الرّبح من جرّاء عدم الوفاء بالعقد واعتبار األحوال الخاصّة بك ّل نازلة موكولة ككلمة‬
‫المجلس وعليه أن يق ّدر الخسارة ويجعل فيها تفاوتا بحسب خطأ المدين أو تدليسه ‪"...‬‬

‫يتّضح أنّه ال يكفي وجود الخطأ لقيام المسؤولية‪ ،‬بل يجب أن يكون الخطأ هو السّبب في‬
‫حصول الضّرر أي وجود عالقة سببيّة بين الخطأ والضّرر للمطالبة بالتعويض الذي يتّخذ‬
‫صورا معيّنة‪.‬‬

‫‪ 106‬انظر مح ّمد ال ّزين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪020‬‬


‫‪ 107‬انظر مح ّمد ال ّزين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪022‬‬
‫‪ 108‬انظر الفصل ‪ 21 – 20‬م إ ع‬

‫‪53‬‬
‫فسخ العقد‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬صور التعويض‬

‫أن التّعويض الذي أقرّه المشرّع لفائدة ال ّدائن لم يقع‬


‫بالرّجوع إلى أحكام الفصل ‪ 001‬يالحظ ّ‬
‫بيانه بصفة دقيقة‪ ،‬حيث اكتفى المشرّع ضمن الفقرة األولى من الفصل المذكور بتمكين ال ّدائن‬
‫من " ‪ .....‬أن يخصب المدين على الوفاء إن كان ممكنا وإالّ فسخ العقد مع آداء ما تسبّب عن‬
‫ذلك من الخسارة في كلتا الحالتين ‪ ".‬بينما في الفقرة الثانية المتعلّقة بالتنفيذ الجزئي يجيز "‬
‫‪ ...‬لل ّدائن إ ّما طلب الوفاء الجزئي أو فسخ العقد مع تعويض الخسائر في كال الحالتين‪".‬‬

‫أن التّعويض يتّخذ صورتين تتوسّطها صورة خاصّة أقرّها‬


‫ويتّضح من هاتين الفقرتين ّ‬
‫المشرّع التونسي بصفة ضمنيّة‪.‬‬

‫الصورة األولى تتعلّق بتعويض عن عدم التّنفيذ وهذه الصّورة من التعويض تح ّل مح ّل التّنفيذ‬
‫العيني‪.109‬‬

‫أ ّما الصورة الثانية فترتبط بتعويض عن التّأ ّخر في التّنفيذ ‪ :‬وهذه الصورة تتّخذ بدورها‬
‫أن التّعويض تارة يجتمع مع التنفيذ العيني وذلك إذا نفّذ المدين إلتزامه‬
‫مظهرين بإعتبار و ّ‬
‫متأ ّخرا‪.‬‬

‫وأحيانا يجتمع مع التعويض من عدم التنفيذ إذا لم يقم المدين بتنفيذ إلتزامه تنفيذا عينيّا فيجتمع‬
‫عليه تعويضان ‪ :‬تعويض عن عدم التنفيذ وتعويض عن التأ ّخر في التنفيذ‪.110‬‬

‫أ ّما الصّورة الخاصّة فهي تتعلّق بالتعويض في حالة التنفيذ الجزئي‪ .‬ففي هذه الصورة يجتمع‬
‫التنفيذ العيني الجزئي مع تعويض عن عدم تنفيذ بقية اإللتزام‪.‬‬

‫وقد طرح إشكال بخصوص مسألة اعذار المدين في صورة التعويض عن عدم التنفيذ باعتبار‬
‫أن االنذار واجب في التعويض عن التأ ّخر في التنفيذ ؟‬
‫أن اإلجتماع منعقد على ّ‬
‫ّ‬

‫وفي هذا اإلطار ينصّ المشرّع صلب الفصل ‪ 002‬م إ ع في فقرته الرّابعة على أنّه " ويكون‬
‫الغرم اعتبارا من اليوم الذي صدر فيه انذار للمدين من طرف ال ّدائن " و في هذا اإلطار‬
‫‪ 109‬انظر عبد الرّزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪210‬‬
‫‪ 110‬انظر عبد الرّزاق أحمد السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪210‬‬

‫‪54‬‬
‫فسخ العقد‬

‫ق التعويض إالّ بعد‬


‫اختلف الفقه‪ ،‬حيث يرى الفقيه عبد الر ّزاق أحمد السنهوري أنّه " ال يستح ّ‬
‫إعذار المدين " دون تمييز بين تعويض عن التأ ّخر في التنفيذ وتعويض عن عدم التنفيذ‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار ينصّ الفصل ‪ 002‬م إ ع على أنّه " ال يجب على ال ّدائن أن ينذر المدين في‬
‫حالتين ‪ :‬أ ّولهما ‪ :‬إذا امتنع المدين عن الوفاء امتناعا صريحا‪ ،‬ثانيهما ‪ :‬إذا صار الوفاء غير‬
‫ممكن‪".‬‬

‫‪55‬‬
‫الخاتمة‬
‫فسخ العقد‬

‫تطبيقا لنظريّة السبب‪ ،‬يعتبر الفسخ مظهرا من مظاهر مبدأ تعادل اآلداءات في العقد و آلية‬
‫تقنيّة تهدف في نفس الوقت الى ضمان توازن العقد و غاياته العمليّة و تنفيذه عن حسن النيّة‪.‬‬
‫بمجرّد اخالل أحد المتعاقدين بقانون العقد يبقى من ح ّ‬
‫ق الطرف اآلخر أن يتحرّر منه‪.‬‬

‫و يركز الفقهاء في هذا المجال على وظيفة الفسخ كجزاء عن عدم احترام العقود التعاقديّة‪،‬‬
‫فهو سالح بيد ال ّدائن يستعمله ض ّد مدينه الذي لم يحترم ما التزم به‪.‬‬

‫فتحقيق االستقرار التعاقدي هو الكفيل بتحقيق حماية المعامالت و هاته الحماية هي ضرورة‬
‫يجب البحث عنها دائما بما أنّها تضمن الثّقة التي يضعها الناس في القانون لحماية مصالحهم‪.‬‬

‫فالطريقة المثلى لتفادي اآلثار السلبيّة المترتّبة عن الفسخ تكمن في التدخل التشريعي السابق‬
‫للتصريح بالفسخ و ليس في التدخل التشريعي الالحق له‪.‬‬

‫بمعنى آخر ان اقرار المشرّع لجملة من الشروط سواء المتعلّقة بنشأة هذا الحق أو ممارسته‬
‫جعلت باب الفسخ ليس مفتوحا على مصراعيه انما ال يقع التصريح به االّ في الحاالت‬
‫ق الفسخ ّ‬
‫فان الفصل ‪ 001‬م ا ع يطرح اشكاال حول‬ ‫القصوى و في اطار ممارسة ال ّدائن لح ّ‬
‫امكانيّة الخيار بين الفسخ أو الجبر على التنفيذ و قد انقسم الفقه الى اتجاهين يرى األ ّول ان‬
‫الفصل ‪ 001‬م ا ع ال يمنح ح ّ‬
‫ق الخيار و انما عليه المرور بمرحلة غصب المدين على تنفيذ‬
‫ق طلب الفسخ ‪ .‬أ ّما االتجاه الثاني فانّه ال يفرض‬
‫التزاماته و في صورة استحالة التنفيذ يح ّ‬
‫على القائم بدعوى الفسخ أ ّ‬
‫ي قيد حيث يمكن لهذا األخير طلب الفسخ مباشرة ث ّم طلب غصب‬
‫المدين على الوفاء‪.‬‬

‫و في هذا االطار أثار قيام الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب الصّادر في ‪ 09‬فيفري ‪3992‬‬
‫نقاشا فقهيا عميقا‪ .‬حيث هناك من الفقهاء من انتقد قرار الدوائر المجتمعة معتبر اقرار‬
‫المحكمة بح ّ‬
‫ق الدائن في الخيار يؤدي الى التساهل في الفسخ و هناك من أيّد موقف الدوائر‬
‫المجتمعة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫فسخ العقد‬

‫و في هذا االطار يمكن القول أن سلطة التقديريّة التي منحها المشرّع للقاضي هي الضمان‬
‫األساسي الستمراريّة العقد‪ .‬فتدخل القاضي هو وقائي و يسعى الى التضييق في آليّة الفسخ و‬
‫بالتالي ّ‬
‫فان مسألة الخيار من المفروض أن ال تطرح اشكاال باعتبار ان هذا الخيار خاضع‬
‫للسلطة التقديريّة للقاضي و هذه السلطة التقديريّة تتسع في اطار الفسخ القضائي و تضيّق في‬
‫اطار الفسخ القانوني و االتفاقي‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫المراجع‬
‫قائمة المراجع‬
‫‪ ‬املراجع باللّغة العربية‬

‫‪ ‬المؤلّفات العا ّمة‬


‫‪ -‬رمضان أبو السعود " النظريّة العا ّمة لاللتزام" دار الطبعة الجامعيّة‪0220-‬‬
‫‪ -‬عبد الرّزاق أحمد السنهوري "نظريّةالعقد‪ ،‬النظريّة العا ّمة لاللتزام" ج ‪II‬‬
‫‪ -‬عبد المنعم فرج الص ّدة "نظريّة العقد في الشريعة االسالميّة" دار النهضة العربيّة‬
‫‪ 3929‬ص ‪.200‬‬
‫‪ -‬محمد الزين "النظريّة العا ّمة لاللتزامات" "العقد"‪-‬تونسمطبعة الوفاء‪-‬الطبعة ‪-0‬‬
‫‪3990‬‬
‫‪ -‬محمد المالقي‪" ،‬محاضرات في شرح القانون المدني" مركز النشر الجامعي ‪.0221‬‬
‫‪ -‬محمد محفوظ‪" ،‬دروس في العقد" مركز النشر الجامعي ‪0222‬‬
‫‪ ‬المؤلّفات الخا ّ‬
‫صة‬
‫‪ -‬حسن علي ال ّدنون "النظريّة العا ّمة للفسخ في الفقه االسالمي و القانون المدني" دراسة‬
‫مقارنة‪ -‬أطروحة دكتوراه مطبعة النهضة مصر ‪ 3922‬ص ‪.02‬‬
‫‪ -‬عبد الحميد الشورابي "فسخ العقد في ضوء القضاء و الفقه" منشأة المعارف‬
‫االسكندريّة‪3992-‬‬
‫‪ -‬عبد الكريم بلعيور "نظريّة فسخ العقد في القانون المدني الجزائري" المؤسّسة‬
‫الوطنيّة للكتاب‪-‬الجزائر ‪.3922‬‬
‫‪ -‬محمد محمود المصري "الفسخ و االنفساخ و التفاسخ في ضوء القضاء و الفقه‪ ،‬منشأة‬
‫المعارف ‪.3922‬‬
‫‪ ‬المقاالت‬
‫‪ -‬نذير بن ع ّمو‪ ،‬تعليق على قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب الصّادر في ‪09‬‬
‫فيفري ‪-3992‬المجلّة القانونيّة التونسيّة ‪ 3992‬ص ‪.000‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ ‬المذكرات و رسائل التخ ّرج‬
‫‪ -‬سامية وناس‪" ،‬فسخ العقد" مذكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون األعمال‪ ،‬كلية الحقوق و‬
‫العلوم السياسيّة بسوسة ‪.0232-0229‬‬
‫‪ -‬صباح كشيش‪ ،‬الوكالة ذات المصلحة المشتركة" مذكرة لنيل شهادة الدراسات المع ّمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كليّة الحقوق و العلوم السياسيّة بتونس ‪ 91-90‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -‬عبد الوهاب الجويني "القاضي و تنفيذ العقد" مذكرة لنيل شهادة ال ّدراسات المع ّمقة في‬
‫القانون الخاص‪-‬كليّة الحقوق و العلوم السياسيّة بتونس ‪.91-90‬‬
‫‪ -‬كريمة البلدي‪" ،‬الفسخ القضائي للعقد" مذكرة لنيل شهادة الدراسات المع ّمقة في القانون‬
‫الخاص‪ .‬كلّية الحقوق و العلوم السياسيّة ‪.90-92‬‬
‫‪ -‬مهدي الفرقاني‪" ،‬تعليق على الفصل ‪ 001‬م ا ع " مذكرة لنيل شهادة الدراسات المع ّمقة في‬
‫القانون الخاص‪ -‬كلّية الحقوق و العلوم السياسيّة بتونس ‪.90-92‬‬
‫‪ -‬راضية المنتصر‪" ،‬الفسخ لعدم الوفاء" رسالة تخرّج من المعهد األعلى للقضاء" ‪-990‬‬
‫‪.3991‬‬
‫‪ -‬ريم دفدوف‪' ،‬نظريّة الظروف الطارئة في القانون المدني التونسي" رسالة ختم دروس‬
‫بالمعهد األعلى للقضاء ‪.3999-992‬‬
‫‪ -‬سامي بن هويدي "االستحالة في القانون المدني التونسي" رسالة ختم دروس بالمعهد‬
‫األعلى للقضاء ‪.3992-3990‬‬

‫‪61‬‬
‫ املراجع باللّغة الفرنسيّة‬

 Les ouvrages
- CARBONNIER (J) ? Flexible de droit pour une sociologie du droit sans
rigueur, 7ème édition LGDJ, Paris 1992.
- CARBONNIER (J), Droit civil, les obligations, 18ème édition. PUF 1994.
- Ghestin (J), traité du droit civil : les obligations, le contrat : Formation,
2ème LGDJ, Paris 1998.
- Josserand (L) cours de droit civil Français 2ème édition, Siney 1993.

 Les articles
-Aribi (I), l’article 273 du contrat des obligations et des contrats et opinion entre
l’action en résolution et l’action en exécution, actualité juridique tunisienne
1998 n°12 p 137

62
‫الفهرس‬

‫المقدّمة ‪7 .....................................................................................................‬‬

‫الجزء األ ّول‪ :‬أساس قيام حق الفسخ ‪11 ...............................................................‬‬

‫الفصل األ ّول‪ :‬نطاق الفسخ‪11 ............................................................................‬‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬المبدأ ‪ :‬الطبيعة الملزمة للجانبين للعقد ‪31 ........................................‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مفهوم العقد الملزم للجانبين ‪31 ...................................................‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬محتوى المبدأ ‪30 .....................................................................‬‬

‫‪ .3‬عقد الهبة ‪32 .....................................................................................‬‬

‫‪ .0‬عقد الوديعة ‪32 ..................................................................................‬‬

‫‪ .1‬عقد الوكالة ‪39 ...................................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حدود الطبيعة الملزمة للجانين للعقد موضوع الفسخ‪02 ........................‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬عقد القسمة ‪02 .......................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬عقد التّأمين ‪03 .......................................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬عقد العارية ‪00 .......................................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬شروط فسخ العقد ‪12 ....................................................................‬‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬عدم التّنفيذ ‪02 ..........................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عدم الوفاء بكامل االلتزام ‪02 ......................................................‬‬

‫‪ .3‬عدم التنفيذ الكلّي حسب موضوع االلتزام ‪02 ..............................................‬‬

‫‪ .0‬عدم التنفيذ الكلّي حسب طبيعة اإللتزام ‪00 .................................................‬‬


‫‪ .1‬عدم التنفيذ الكلّي بحسب مرتبة اإللتزام ‪02 .................................................‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬عدم التنفيذ الجزئي لإللتزام ‪02 ....................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬استحالة التنفيذ ‪02 .....................................................................‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬العناصر المكونة للقوة القاهرة واألمر الطارئ‪09 ............................‬‬

‫‪ .3‬عدم إمكان التوقّع ‪09 ...........................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط االستحالة ‪13 .................................................................‬‬

‫‪ .3‬االستحالة يجب أن تكون مطلقة ‪13 .........................................................‬‬

‫‪ .0‬االستحالة يجب أن تكون موضوعية ‪11 ....................................................‬‬

‫ق الفسخ ‪12 ..................................................................‬‬


‫الجزء الثاني‪ :‬ممارسة ح ّ‬

‫الفصل األ ّول‪ :‬أنواع الفسخ ‪12 ...........................................................................‬‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬القاضي ينشأ الفسخ ‪02 ...............................................................‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬إجراءات دعوى الفسخ ‪02 ........................................................‬‬

‫‪ .3‬توجيه إنذار للمدين ‪02 .........................................................................‬‬

‫أ‪ -‬مضمون اإلنذار ‪00 ..............................................................................‬‬

‫ب‪ -‬شكل اإلنذار ‪02 ................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬السلطة التقديرية للقاضي ‪11 ........................................................‬‬

‫أ‪ -‬اختالف أسباب رفض دعوى الفسخ ‪12 ......................................................‬‬

‫ب‪ -‬قبول القاضي لعروض التنفيذ المق ّدمة من المدين ‪10 ...................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القاضي يقرّر الفسخ ‪12 ..............................................................‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬اإلجراءات في الفسخ اإلتّفاقي والقانوني ‪19 ...................................‬‬

‫أ‪ -‬إتّجاه إرادة ال ّدائن إلى فسخ العقد ‪19 ..........................................................‬‬


‫ب‪ -‬اإلنذار ‪22 ......................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬استصدار حكم يقرّر الفسخ‪20 ......................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬اآلثار القانونية المترتّبة عن الفسخ ‪24 ..............................................‬‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬األثر الرجعي للفسخ ‪22 ..............................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أثر الفسخ بين المتعاقدين ‪20 .......................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أثر الفسخ تجاه الغير ‪29 .............................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التّعويض ‪02 ...........................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إقرار التّعويض ‪02 ..................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬صور التعويض ‪02 ..................................................................‬‬

‫الخاتمة ‪24 ....................................................................................................‬‬

‫المراجع ‪25 ...................................................................................................‬‬

You might also like