You are on page 1of 135

‫‪o‬‬

‫‪b‬‬

‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬


‫‪e‬‬
‫‪ik‬‬

‫وتطبيقاتها يف �أنظمة اململكة العربية ال�سعودية‬


‫‪a‬‬
‫‪n‬‬

‫�إعداد‬
‫‪d‬‬

‫د‪.‬ع�صام بن عبداملح�سن احلميدان‬


‫‪l.‬‬

‫الأ�ستاذ امل�شارك بق�سم الدرا�سات الإ�سالمية والعربية‬


‫جامعة امللك فهد للبرتول واملعادن‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬

‫جامعة امللك فهد للبترول واملعادن‬


‫عمادة البحث العلمي‬
‫‪o‬‬
‫‪b‬‬
‫‪e‬‬
‫‪ik‬‬

‫الباب الأول‬
‫ُ‬
‫‪a‬‬
‫‪n‬‬

‫مفاهيم عا َّمة‬
‫‪d‬‬
‫‪l.‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬
m
o
c
l.
d
n
a
ik
e
b
o
‫‪21‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫الف�صل الأول‬
‫مفهوم الأخالق ومكانتها يف الإ�سالم‬
‫‪o‬‬
‫‪b‬‬

‫املبحث الأول‪ :‬مفهوم الأخالق و�أخالقيات املهنة‬


‫خل ُلق لغة‪ :‬يف القامو�س املحيط‪« :‬اخللق بال�ضم وب�ضمتني َّ‬
‫ال�سج َّية‪ ،‬والطبع‪ ،‬واملروءة‪،‬‬ ‫ا ُ‬
‫‪e‬‬

‫والدين»(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫وا�صطالح ًا‪� :‬صفة م�ستقرة يف النف�س ذات �آثار يف ال�سلوك حممودة �أو مذمومة(‪.)2‬‬
‫‪ik‬‬

‫والأخالق هي‪ :‬جمموعة القواعد واملبادئ املجردة‪ ،‬التي يخ�ضع لها الإن�سان يف ت�صرفاته‪،‬‬
‫ويحتكم �إليها يف تقييم �سلوكه‪ ،‬وتو�صف باحل�سن �أو بالقبح(‪.)3‬‬
‫‪a‬‬

‫فاخللق �صفة م�ستقرة ال عار�ضة؛ لأن الإن�سان قد يتلب�س ببع�ض ال�صفات غري الثابتة‬
‫‪n‬‬

‫معي‪ ،‬كالكرم‪� ،‬أو اخلوف‪� ،‬أو الغ�ضب‪� ،‬أو غري ذلك‪ ،‬يف حني �أنه �إذا ر�ؤي يف الأحوال‬
‫ملوقف نَّ‬
‫العادية تظهر منه ال�صفات احلقيقية التي قد تخالف هذه ال�صفات‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫وهـذه الـ�صفة الـم�ستقرة لها �آثـار �سلوكية‪ ،‬فال�سلوك لي�س هو اخللق‪ ،‬بل هو �أثره‬
‫‪l.‬‬

‫و�شكله الظاهر‪.‬‬
‫ف�سلوك الإن�سان وت�صرفاته يدالن على خلقه غالب ًا‪ ،‬و�إمنا قلت غالب ًا لأن الإن�سان قد‬
‫‪c‬‬

‫ي�صدر منه ت�صرفات يف حاالت طارئة ال تدل على خلقه و�س�أذكر هذه احلاالت بعد مبحثني‬
‫ولذا ف�إن ال�شرع املطهر يربط احلكم على ال�شخ�ص من خالل �سلوكه‪ ،‬كما قال ‪�( :‬إذا‬
‫‪o‬‬

‫(‪ )2‬امليداين‪ :‬عبدالرحمن ح�سن حبنكة‪/‬الأخالق الإ�سالمية و�أ�س�سها (‪ )10/1‬وانظر تعريفات �أخرى البن‬
‫م�سكويه (تهذيب الأخالق‪ )25 :‬وجالينو�س (ت�سهيل النظر وتعجيل الظفر يف �أخالق امللك و�سيا�سة امللك‬
‫‪m‬‬

‫للماوردي‪ - 101 :‬بتحقيق ر�ضوان ال�سيد) وامل�س�ؤولية اخللقية واجلزاء عليها للدكتور �أحمد احلليبي‬
‫(‪.)20 - 17‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪( :‬بدران‪� ،‬أمية‪1981 ،‬م‪ ،‬مدى انطباق احلكم الأخالقي على طلبة املرحلتني الإعدادية والثانوية يف‬
‫الأردن‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة‪ ،‬اجلامعة الأردنية‪� ،‬ص ‪.)303‬‬
‫وح�سنه عن �أبي �سعيد اخلدري ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪َّ )277/5‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪22‬‬

‫ر�أيتم الرجل يعتاد امل�ساجد فا�شهدوا له بالإميان)(‪ )1‬فمن خالل �سلوكه الظاهر ُح ِكم عليه‬
‫بالإميان الباطن‪.‬‬
‫وبعد ذكر تعريف الأخالق‪ ،‬ن�ستطيع �أن نع ِّرف �أخالق العمل ب�أنها‪:‬‬
‫‪o‬‬

‫املبادئ التي تع ّد �أ�سا�س ًا لل�سلوك املطلوب لأفراد املهنة‪ ،‬واملعايري التي تعتمد عليها املنظمة‬
‫يف تقييم �أدائهم �إيجاب ًا و�سلب ًا(‪.)2‬‬
‫‪b‬‬

‫«فلكل مهنة من املهن قيم‪ ،‬ومبادئ‪ ،‬ومعايري �أخالقية‪ ،‬ومعرفة علمية‪ ،‬و�أ�ساليب‪ ،‬ومهارات‬
‫‪e‬‬

‫فنية‪ ،‬حتكم عمليات املهنة وحتدد �ضوابطها‪ ،‬وللمهنة جماالت متعددة ووظائف معينة‪ ،‬وقد‬
‫تتداخل جماالت املهنة ووظيفتها ومادتها العلمية ومهاراتها و�أ�ساليبها الفنية مع مهن �أخرى‪،‬‬
‫‪ik‬‬

‫وتعد درا�سة فلك�سرن (‪ )Flexner‬عام ‪1915‬م �أقدم درا�سة يف جمال املهن‪ ،‬وقد تو�صلت �إىل‬
‫معايري عدة‪ ،‬منها �أن يكون للمهنة قواعد �أخالقية حتكم عملياتها»(‪.)3‬‬
‫‪a‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مكانة الأخالق يف الإ�سالم‬


‫‪n‬‬

‫تت�ضح مكانة الأخالق يف الإ�سالم من خالل عدة �أمور‪:‬‬


‫‪d‬‬

‫الأول‪ :‬كرثة الن�صو�ص الواردة فيها يف الكتاب وال�سنة‪ :‬ففي القر�آن الكرمي �أكرث من‬
‫(‪� )300‬آية تتحدث عن الف�ضائل اخللقية �صراح ًة(‪ ،)4‬هذا �سوى الآيات الكرمية التي تعر�ضت‬
‫‪l.‬‬

‫للأخالق يف ثنايا الق�ص�ص القر�آنية‪ ،‬والأحكام ال�شرعية‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر بع�ض التعريفات يف‪ :‬العثيمني‪�/‬أخالقيات الإدارة يف الوظيفة العامة‪� ،‬ص ‪ .42‬وال�سعدان‪/‬ورقة‬
‫‪c‬‬

‫مقدمة لندوة «�أخالقيات العمل يف القطاعني احلكومي والأهلي» املنعقدة يف معهد الإدارة العامة يف‬
‫اململكة العربية ال�سعودية ‪ -‬الريا�ض يوم الثالثاء ‪ 1426/1/20‬هـ املوافق ‪2005/3/1‬م‪ ،‬بعنوان «�أخالقيات‬
‫‪o‬‬

‫العمل وجتربة ديوان املظامل يف الرقابة عليها» من �إعداد ال�شيخ عبداهلل بن حمد ال�سعدان‪.‬‬
‫(‪ )3‬الغامدي والدهي�ش‪/‬ورقة مقدمة لندوة «�أخالقيات العمل يف القطاعني احلكومي والأهلي» املنعقدة يف‬
‫معهد الإدارة العامة يف اململكة العربية ال�سعودية ‪ -‬الريا�ض يوم الثالثاء ‪ 1426/1/20‬هـ املوافق ‪2005/3/1‬م‬
‫‪m‬‬

‫بعنوان �أخالقيات مهنة التعليم و�سبل تعزيزها يف نظام التعليم ال�سعودي من �إعداد �أ‪ .‬د حمدان �أحمد‬
‫الغامدي‪ ،‬ود‪ .‬خالد بن عبد اهلل بن دهي�ش‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تف�صيل �آيات القر�آن احلكيم جلول البوم برتجمة حممد ف�ؤاد عبدالباقي �صفحة (‪ )385‬ود�ستور‬
‫الأخالق يف القر�آن ملحمد عبداهلل دراز (‪.)778 - 691‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬كنز العمال للمتقي الهندي (‪.)440 - 3/3‬‬
‫‪23‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫مثل قوله تعاىل يف ق�صة مو�سى ÷‪ :‬ﱫﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬


‫ﮈﮉ ﮊﱪ [ الق�ص�ص‪ ،]24 :‬وهو خلق الإح�سان �إىل النا�س بال مقابل مادي‪.‬‬
‫وقوله �سبحانه يف ق�صة يو�سف ÷‪ :‬ﱫﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ‬
‫‪o‬‬

‫ﯛﱪ [يو�سف‪ ]92 :‬وهو خلق العفو‪ ،‬وغري ذلك كثري‪.‬‬


‫ويف ال�سنة ال�شريفة �أكرث من ‪ 2200‬حديث يف الف�ضائل اخللقية(‪.)1‬‬
‫‪b‬‬

‫يف‬ ‫الثاين‪ :‬املنزلة العظيمة التي جعلت لها يف ميزان الإ�سالم‪ :‬حيث ِ‬
‫مدح بها النبي‬
‫‪e‬‬

‫قوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮛﮜ ﮝﮞﱪ [القلم‪.]4 :‬‬


‫و�أمر بها امل�ؤمنون يف القر�آن الكرمي �أمر ًا ملزم ًا ال خميرَّ ًا �أو م�ستحب ًا‪ ،‬فالأخالق احل�سنة‬
‫‪ik‬‬

‫منهي عنها‪ ،‬و�أمثلة ذلك كثرية‪ ،‬منها قوله تعاىل‪ :‬ﱫﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫م�أمو ٌر بها‪ ،‬والأخالق ال�سيئة ٌّ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﱪ [الن�ساء‪ ،]58 :‬وقوله �سبحانه‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﱪ‬
‫‪n‬‬

‫[الأنعام‪.]152 :‬‬
‫‪d‬‬

‫وبي �أن ر�سالته جاءت‬ ‫ح�سن خلقه(‪ ،)2‬نَّ‬


‫وجعل النبي �أعلى درجة يف اجلنة ملن ُ‬
‫لتك ِّمل مكارم الأخالق‪ ،‬فقال‪�( :‬إمنا بعثت لأمتم مكارم الأخالق)(‪ ،)3‬وهذا احل�صر (�إمنا)‬
‫‪l.‬‬

‫ت�أكيد على مكانة الأخالق يف ر�سالة الإ�سالم‪.‬‬


‫�أن �أثقل �شيء يف ميزان‬ ‫وبي �أن �أكمل امل�ؤمنني �إميان ًا �أح�سنهم خ ُلق ًا(‪ )4‬نَّ‬
‫وبي‬ ‫نَّ‬
‫‪c‬‬

‫(‪)5‬‬
‫الأعمال يوم القيامة اخللق احل�سن ‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫الثالث‪ :‬جعل ال�شارع الكرمي الأخالق هدف ًا من �أهداف �أركان الإ�سالم العبادية‪..‬‬
‫(‪ )2‬رواه �أبو داود (‪ )253/4‬عن �أبي �أمامة ‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )3‬رواه البزار عن �أبي هريرة ب�سند �صحيح (جممع الزوائد‪ ،)15/9( :‬ورواه �أحمد (‪ )381/2‬واحلاكم‬
‫(‪ )670/2‬و�صححه بلفظ «�صالح الأخالق»‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه �أبو داود (‪ )220/4‬والرتمذي (‪ )466/3‬و�صححه عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه �أبو داود (‪ )253/4‬والرتمذي (‪ )362/4‬و�صححه عن �أبي الدرداء ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (ال�صوم‪/‬من مل يدع قول الزور والعمل به يف ال�صوم ‪ )1804 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪24‬‬

‫ﱫﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ‬ ‫فال�صالة تنهى عن الفح�شاء واملنكر‪:‬‬


‫ﯤﯥﯦﯧ ﯨﱪ [العنكبوت‪.]45 :‬‬
‫ال�شح والكرب‪ :‬ﱫﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ‬
‫والزكاة تط ِّهر النف�س من ّ‬
‫‪o‬‬

‫ﮤ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﱪ [لتوبة‪.]103 :‬‬


‫وال�صيام يع�صم امل�سلم من لغو احلديث‪( :‬من مل يدع قول الزور والعمل به‪ ،‬فلي�س هلل‬
‫‪b‬‬

‫حاجة يف �أن يدع طعامه و�شرابه)(‪)1‬‬


‫‪e‬‬

‫واحلج يربي امل�سلم على ترك اجلدال والأخالق الرذيلة‪ :‬ﱫﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ‬


‫ّ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫‪ik‬‬

‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﱪ [البقرة‪.]197 :‬‬


‫الرابع‪ :‬الوعيد ال�شديد ملن ترك �شيئ ًا منها‪ :‬وعلى �سبيل املثال جعل القر�آن الكرمي‬
‫‪a‬‬

‫املتكرب مبغو�ض ًا هلل يف قوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﱪ [الن�ساء‪،]36 :‬‬


‫مبغو�ض من اهلل تعاىل‪ :‬ﱫ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﱪ [الن�ساء‪]107 :‬‬
‫‪n‬‬

‫ٌ‬ ‫وخائن الأمانة‬


‫ومن ي�سعى يف ن�شر الفاح�شة ليف�سد �أخالق امل�ؤمنني له عذاب �أليم‪ :‬ﱫﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫‪d‬‬

‫ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﱪ [النور‪ ،]19 :‬وغري ذلك‪...‬‬


‫ويف ال�سنة النبوية �س َّمى النبي �صاحب اخللق ال�سيء منافق ًا يف قوله‪�( :‬آية املنافق‬
‫‪l.‬‬

‫ثالث‪� :‬إذا ح َّدث كذب‪ ،‬و�إذا وعد �أخلف‪ ،‬و�إذا ا�ؤمتن خان)(‪.)2‬‬
‫و�شهد للمر�أة التي ت�ؤذي جريانها ب�أنها يف النار(‪.)3‬‬
‫‪c‬‬

‫اخلام�س‪ :‬اهتمام علماء ال�شريعة بها‪ :‬فقد اهتم علماء ال�شريعة بالأخالق منذ الع�صر‬
‫‪o‬‬

‫الأول الهجري‪ ،‬حني كانوا يحر�صون على االلتزام بالأخالق الإ�سالمية‪ ،‬ويحثون النا�س على‬
‫‪m‬‬

‫االلتزام بها‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه (البخاري‪ :‬الإميان‪/‬عالمة املنافق ‪ ،33 -‬م�سلم‪ :‬الإميان‪/‬خ�صال املنافق ‪ )59 -‬عن �أبي‬
‫هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن حبان (‪ )76/13‬واحلاكم (‪ )183/4‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪/‬عبدالرحمن‪� :‬صفة ال�صفوة (‪.)258/1‬‬
‫‪25‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫ال�صديق �أنه كان يحلب للحي �أغنامهم‪ ،‬فلما ويل اخلالفة‬‫ِّ‬ ‫كما جاء عن �أبي بكر‬
‫قالت جارية منهم‪ :‬الآن ال يحلب لنا منايح الغنم‪ .‬ف�سمعها �أبو بكر‪ ،‬فقال‪« :‬بلى لعمري‬
‫لأحلبنها لكم»(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫وورد عن عمر �أنه كان يقوم بنف�سه برعاية امر�أة عجوز يف املدينة ال كافل لها‪،‬‬
‫وا�ستمر على ذلك حتى بعد خالفته(‪.)2‬‬
‫‪b‬‬

‫وقال عمر‪« :‬ال تغرين �صالة امرئ وال �صومه‪ ،‬من �شاء �صام ومن �شاء �صلى‪ ،‬ال دين ملن‬
‫‪e‬‬

‫ال �أمانة له»(‪.)3‬‬


‫‪ik‬‬

‫وورد عن عبداهلل بن عمر ر�ضي اهلل عنهما حني �سئل عن الذي يختلف كالمه �أمام النا�س‬
‫عن كالمه يف خلوته‪ ،‬فقال‪« :‬كنا نع ّد هذا نفاق ًا على عهد ر�سول اهلل » (‪�- )4‬أي‪� :‬أنه يجب‬
‫االلتزام بال�صدق يف كل حال‪.-‬‬
‫‪a‬‬

‫ويربز اهتمام علماء الإ�سالم بالأخالق من خالل الكتب التي �ألفوها يف الأخالق‬
‫‪n‬‬

‫الإ�سالمية‪ ،‬ككتب الأخالق عموم ًا‪ ،‬والكتب التي �ألفت يف خلق نَّ‬
‫معي‪ ،‬فمن الكتب التي �ألفت‬
‫يف الأخالق‪:‬‬
‫‪d‬‬

‫< الأدب املفرد للإمام البخاري‬


‫‪l.‬‬

‫و�آدابه لأبي ال�شيخ الأ�صبهاين‬ ‫< �أخالق النبي‬


‫< تهذيب الأخالق البن م�سكويه‬
‫‪c‬‬

‫< الأخالق البن حزم‬


‫‪o‬‬

‫< �أخالق الطبيب للرازي‬


‫‪m‬‬

‫(‪ )2‬ابن اجلوزي‪/‬عبدالرحمن‪� :‬صفة ال�صفوة (‪.)281/1‬‬


‫(‪ )3‬رواه البيهقي والبغوي واخلرائطي عن ه�شام بن عروة عن عمر‪( .‬مكارم الأخالق للخرائطي‪168/1 :‬‬
‫رقم‪.)1460 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه البـخاري (الأحـكام‪/‬ما يكره من ثناء ال�سلطان و�إذا خرج قال غري ذلك ‪.)6756 -‬‬
‫(‪ )1‬الراغب الأ�صفهاين‪ :‬املفردات بتحقيق حممد �سيد كيالين‪� :‬صفحة ‪ ،418‬ن�شر دار املعرفة‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪26‬‬

‫< �أخالق العلماء للآجري‬


‫< الآداب للبيهقي‬
‫< مكارم الأخالق البن �أبي الدنيا‬
‫‪o‬‬

‫< مكارم الأخالق ومعاليها للخرائطي‬


‫‪b‬‬

‫< م�ساوئ الأخالق للخرائطي‬


‫‪e‬‬

‫< �أدب الدنيا والدين للماوردي‬


‫‪ik‬‬

‫< ر�سالة امل�سرت�شدين للحارث املحا�سبي‬


‫< �أخالق الأبرار للغزايل‬
‫‪a‬‬

‫< الأخالق للراغب الأ�صفهاين‬


‫‪n‬‬

‫< الآداب ال�شرعية واملنح املرعية للمقد�سي‬


‫ومن الكتب التي �أُ ِّلفت يف �أخالق خم�صو�صة‪:‬‬
‫‪d‬‬

‫< التوا�ضع البن �أبي الدنيا‬


‫‪l.‬‬

‫< ال�صمت وحفظ الل�سان البن �أبي الدنيا‬


‫< مداراة النا�س البن �أبي الدنيا‬
‫‪c‬‬

‫< احللم البن �أبي الدنيا‬


‫‪o‬‬

‫< الرب وال�صلة البن اجلوزي‬


‫‪m‬‬

‫< القناعة البن ال�سني‬


‫< عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين البن القيم‬
‫‪27‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫ومن الكتب التي �أ ِّلفت يف �أخالق ال�سا�سة وامللوك ا�ستقال ًال �أو �ضمناً‪:‬‬
‫< الأحكام ال�سلطانية للماوردي‬
‫< الأحكام ال�سلطانية للقا�ضي �أبي يعلى احلنبلي‬
‫‪o‬‬

‫< الترب امل�سبوك يف �أخالق امللوك للغزايل‬


‫‪b‬‬

‫< ت�سهيل النظر وتعجيل الظفر يف �أخالق ا َمللك و�سيا�سة املُلك للماوردي‬
‫‪e‬‬

‫< ال�سيا�سة ال�شرعية يف �إ�صالح الراعي والرعية البن تيمية‬


‫هذه مناذج من الكتب الرتاثية‪� ،‬أما الكتب احلديثة فهي كثرية جد ًا يف املو�ضوع‪ .‬وكل ذلك‬
‫‪ik‬‬

‫يدل على �أهمية مو�ضوع الأخالق ومكانته عند امل�سلمني‪.‬‬


‫املبحث الثالث‪ :‬الفرق بني القيم والأخالق‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫ال ِق َيم لغة‪ :‬القيمة بالك�سر واحدة القيم‪ ،‬ويف مفردات الراغب‪« :‬تقومي ال�سلعة بيان‬
‫‪n‬‬

‫قيمتها»(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫«ويخطئون من يقول‪ :‬ق َّيموا الدار‪� ،‬أي‪ :‬جعلوا لها قيمة معلومة‪.‬‬ ‫ويف معجم الأخطاء ال�شائعة‪:‬‬
‫‪d‬‬

‫وال�صواب‪ :‬قوموها تقومي ًا؛ لأن الفعل واوي‪ .‬وقد جاء يف املعجم الو�سيط‪ :‬ق َّيم ال�شيء‬
‫‪l.‬‬

‫تقييم ًا‪ :‬قدر قيمته‪.‬‬


‫ويقولون‪ :‬عقد الل�ؤل ؤ� هذا ق ِّيم‪ .‬وال�صواب‪ :‬نفي�س‪� ،‬أو ذو قيمة عالية‪ .‬لأن القيم يف اللغة‬
‫‪c‬‬

‫هو امل�ستقيم‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ :‬ﱫﮈ ﮉ ﮊﱪ [البينة‪� ،]3 :‬أي م�ستقيمة تبني احلق من‬
‫الباطل»(‪.)2‬‬
‫‪o‬‬

‫الق َيم ا�صطالح ًا‪�« :‬أما املعنى اال�صطالحي للقيمة فقد تعددت بتعدد جماالت‬ ‫ِ‬
‫‪m‬‬

‫ا�ستخدامها يف الن�شاطات الإن�سانية‪ ،‬و�إن كل معنى من هذه املعاين يتخذ خا�صية املعيار‬
‫للمجال الذي ا�ستخدم فيه‪ ،‬وهكذا ظهرت نظرية القيم �أو علم القيم (‪ .)Axiology‬و ُيعزى‬
‫(‪ )2‬العدناين‪/‬حممد‪ :‬معجم الأخطاء ال�شائعة‪� :‬صفحة ‪ ،212‬ن�شر مكتبة لبنان ‪ 1983‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬نق ًال عن‪ :‬الغامدي والدهي�ش (مرجع �سابق) وهـو تعريف يتميز بال�شمول والو�ضوح‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪28‬‬

‫ظهور هذا املفهوم �إىل الفيل�سوف الأملاين «نيت�شه» وتنح�صر وظيفة هذه النظرية يف القيام‬
‫بتحليل طبيعة القيم و�أنواعها ومعايريها وتُعترب وثيقة ال�صلة بكثري من العلوم ومنها‬
‫الأخالق»(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫القيم يف املدر�سة الفل�سفية املثالية‪:‬‬


‫‪b‬‬

‫تعود فكرة هذه املدر�سة �إىل �أفالطون (‪ 427‬ق‪ .‬م ‪347 -‬ق‪ .‬م)‪ ،‬ويجمع عامل القيم املثايل‬
‫مثلث �أفالطون املعروف‪ :‬احلق‪ ،‬اخلري‪ ،‬اجلمال‪ ،‬وظلت القيم امل�أخوذة من هذه املدر�سة‬
‫‪e‬‬

‫وما زالت قدمي ًا وحديث ًا م�صدر ًا لأهداف الرتبية و�صياغة ما ُيطلق عليه الرتبية الأخالقية‬
‫«‪ »Moral Education‬وانعك�س ذلك على العملية التعليمية والرتبوية بهدف متكني القيم من‬
‫‪ik‬‬

‫املتعلم بحيث تكون مبنزلة ال�ضابط واملوجه ل�سلوكه‪�( .‬أر�سطو‪.)1924 ،‬‬

‫القيم يف املدر�سة الفل�سفية الواقعية‪:‬‬


‫‪a‬‬

‫فكرة هذه املدر�سة عك�س املدر�سة املثالية من حيث و�ضع القيم‪ ،‬فهي تعترب القيم اخلالدة‬
‫‪n‬‬

‫م�ستمرة وثابتة وعامة‪ ،‬مبعنى �أن القيم من وجهة نظر هذه املدر�سة يف بدايتها معايري خلقية‬
‫حتكم حركة الإن�سان يف عمومه‪ ،‬وترجع بداية هذا التطور احلديث للمدر�سة الواقعية منذ‬
‫‪d‬‬

‫�أن بد�أ «كانت» (‪1724 - 1804‬م) النظر �إىل القانون الأخالقي على �أنه من مدلوالت العقل‪،‬‬
‫والقيم ُمث ٌل ُعليا وغايات �إن�سانية توجه م�سرية احلياة وتعترب �أحد مقومات الوجــود الإن�ساين‬
‫‪l.‬‬

‫(‪.)Kant, 1965‬‬
‫‪c‬‬

‫القيم يف املدر�سة الفل�سفية الربجماتية‪:‬‬


‫‪o‬‬

‫تعترب هذه املدر�سة يف جوهرها نظرية «القيم»‪ ،‬حيث تعترب ال�سلوك الإن�ساين جتاه‬
‫الأ�شياء هو الذي يحدد قيمتها مبعنى �أنه ال توجد للقيم طبيعة مطلقة‪ ،‬لذلك احتلت قيمة‬
‫‪m‬‬

‫«العمل» مكانة مهمة يف نظرية القيم عند دعاة هذه املدر�سة‪ ،‬ومن ثم ف�إن القيم و�سائل‬
‫لتو�ضيح الأفكار‪� ،‬أو �أدوات للو�صول �إىل احلقيقة‪ ،‬ويتزعم هذه املدر�سة جون ديوي (‪1952‬‬
‫‪1859 -‬م) الذي يعترب فيل�سوف ومطور هذه املدر�سة‪( .‬فينك�س‪.)1965 ،‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الغامدي والدهي�ش‪/‬مرجع �سابق‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫القيم من منظور �إ�سالمي‪:‬‬


‫القيم يف الفكر الإ�سالمي تختلف عن غريها يف الفل�سفات ال�سابقة‪ ،‬فهي لي�ست من نتاج‬
‫الفكر الب�شري‪ ،‬و�إمنا تعتمد يف �أ�سا�سها على القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة‪ ،‬كما �أن‬
‫‪o‬‬

‫القيم يف الإ�سالم تنزع �إىل ال�شمول‪ ،‬فالدين الإ�سالمي مل ي�أت خا�ص ًا ب�أمة دون �أخرى بل هو‬
‫للنا�س كافة‪� ،‬أما ميدان تطبيقه فهو �شامل يف قواعده وت�شريعاته جميع نواحي احلياة الدنيا‬
‫‪b‬‬

‫والآخرة‪ ،‬وقد كونت مبادئ الإ�سالم وقيمه نظام ًا اجتماعي ًا له قيمه ومعايريه والتي متثلت يف‬
‫العلم‪ ،‬والعمل‪ ،‬والتقوى‪ ،‬والعدل‪ .‬فقيمة العمل ت�أتي يف مقدمة القيم ومل تكن مكانتها �أقل من‬
‫‪e‬‬

‫قيمة العلم‪ ،‬و�إمنا هي مرتبطة بها‪� ،‬أما قيمة التقوى فهي متثل ركيزة �أ�سا�سية لقيمة العمل‪،‬‬
‫‪ik‬‬

‫والتقوى مبنزلة املعيار الذي ُيقا�س العمل به وهي ترمز يف ال�شريعة الإ�سالمية �إىل �صون‬
‫الإن�سان نف�سه من القيام ب�أفعال يجب املعاقبة عليها‪� ،‬أو ترك �أفعال ُيعاقب على تركها‪� .‬أما‬
‫قيمة العدل يف الإ�سالم فذات م�ضمون اجتماعي‪ ،‬وي�ضع املفكرون من امل�سلمني قيمة العدل‬
‫‪a‬‬

‫على ر�أ�س قائمة املبادئ‪ ،‬وقيمة العدل تطبق على م�ستوى الفرد والأ�سرة واملجتمع (عبد‬
‫الرا�ضي‪1992 ،‬م)‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫والقيم يف الإ�سالم هي ف�ضائل خلقية‪ ،‬وهي املعيار ل�سلوك �أفراد املجتمع عامة‪ ،‬و�أرباب‬
‫‪d‬‬

‫املهن خا�صة‪ ،‬فالدين الإ�سالمي مبنزلة املعيار الذي على �أ�سا�سه تحُ دد قيمة �أخالقية العمل‪،‬‬
‫فجميع امل�سلمني تق ّوم �أعمالهم يف �إطار غايات و�أهداف الدين الإ�سالمي احلنيف‪ ،‬وامل�سلم‬
‫‪l.‬‬

‫امللتزم ذو �أخالق �إ�سالمية‪ ،‬يخ�شى اهلل ويلتزم بالقيم التي حث عليها القر�آن الكرمي وال�سنة‬
‫النبوية ال�شريفة(‪.)1‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬العوامل امل�ؤثرة يف ال�سلوك الأخالقي‪:‬‬


‫�سلوك الإن�سان الأخالقي يت�أثر بعدة م�ؤثرات �إيجابية و�سلبية‪ ،‬داخلية وخارجية‪ ،‬وي�صل‬
‫‪m‬‬

‫ت�أثري هذه امل�ؤثرات �إىل �أن تطغى على خلقه الأ�سا�سي‪ ،‬حتى ي�صبح ال�سلوك اجلديد له خُ ُلق ًا‬
‫وطبع ًا‪ ،‬وقد قال ‪( :‬ومن يت�صبرَّ ي�صبرِّ ه اهلل)(‪ ،)2‬وقال �أبو الدرداء ‪�« :‬إمنا العلم‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (الزكاة‪/‬اال�ستعفاف عن امل�س�ألة ‪ )1400 -‬عن �أبي �سعيد اخلدري ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البيهقي‪� /‬شعب الإميان‪.)397/7( :‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪30‬‬

‫بالتعلُّم‪ ،‬و�إمنا احللم بالتحلُّم»(‪ ،)1‬وهذا احلديث والأثر دليالن على �أن الإن�سان ي�ستطيع �أن‬
‫يتخلق بالأخالق احل�سنة �إذا عزم على ذلك و�أعانه اهلل �سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ولي�س من ال�صحيح �أن يقول �أحد �إن الإن�سان املفطور على خلق معني ال ي�ستطيع االنفكاك‬
‫‪o‬‬

‫عنه‪ ،‬بل ي�ستطيع من خالل املجاهدة والعوامل الآتية �أن يغيرِّ من خلقه �إىل الأف�ضل‪ ،‬ولعل‬
‫هذا �أحد التف�سريات اجليدة لقوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﱪ‬
‫‪b‬‬

‫[الرعد‪ ،]11 :‬فمدلول النف�س يف قوله‪ :‬ﱫﯖﱪ يوحي بال�صفات الداخلية ال اخلارجية‪،‬‬
‫�أي �أن الأخالق التي هي يف احلقيقة �صفات نف�سية ميكن بل يطلب تغيريها �إىل الأف�ضل حتى‬
‫‪e‬‬

‫يغيرِّ اهلل واقع الإن�سان واملجتمع والأمة‪.‬‬


‫‪ik‬‬

‫و�أتناول فيما يلي �أهم هذه العوامل املغيرِّ ة‪:‬‬


‫العامل الأول‪ :‬الإميان والتوحيد‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫ال ّ‬
‫�شك �أن املحرك الأول للأخالق احل�سنة هو الإميان والتوحيد؛ لأنه يربط الإن�سان‬
‫‪n‬‬

‫بخالقه عزوجل‪ ،‬فيورثه خلق التوا�ضع عندما يتذكر عظمة اهلل تعاىل و�ضعف الإن�سان‪ ،‬ولذا‬
‫قيل‪ :‬من عرف نف�سه فقد عرف ر َّبه(‪ ،)2‬وقيل‪� :‬إذا دعتك قدرتك على ظلم النا�س فتذكر‬
‫‪d‬‬

‫قدرة اهلل عليك‪.‬‬


‫‪l.‬‬

‫ويــورثه خــلق الرحــمة؛ لأنــها �صــفة اهلل تعــاىل‪ ،‬ويحب �أن يتخلق بها لريحمه اهلل ف�إن‬
‫اهلل يرحم من عباده الرحماء(‪ ،)3‬وابتداء القــر�آن كل �سور ٍة من �سوره بهاتني ال�صفتني‪:‬‬
‫ير�سخ خلق الرحمة عند امل�سلم‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫ﱫب�سم اهلل الرحمن الرحيمﱪ ِّ‬


‫ويورثه خلـق العـدل؛ لأن الـله تـعاىل عـاد ٌل ال يـحـب الظـاملـني؛ ولأن الظلم مرتعه وخيم‬
‫‪o‬‬

‫يوم الـقيامة‪ ،‬وال يـعي ذلـك �إال مـن يـ�ؤمـن بــاليـوم الآخر‪،‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )2‬من عرف �ضعف نف�سه وحاجتها و�أنه م�ستحق لو�صف العبودية‪ ،‬عرف غنى اهلل تعاىل وقوته و�أنه م�ستحق‬
‫لو�صف الألوهية‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه عن �أ�سامة بن زيد ‪( .‬البخاري‪ :‬اجلنائز‪/‬قول النبي يعذب امليت ببع�ض بكاء �أهله‬
‫عليه ‪ ،1224 -‬م�سلم‪ :‬اجلنائز‪/‬البكاء على امليت ‪.)923 -‬‬
‫(‪ )1‬اجلليل‪/‬عبدالعزيز وعقيل‪/‬بهاء الدين‪� :‬أين نحن من �أخالق ال�سلف (�صفحة ‪.)113‬‬
‫‪31‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫ويورثه خلق التجرد فال يعمل العمل ال�صالح رجاء ال�سمعة وامل�صلحة‪ ،‬بل يبتغي بذلك‬
‫ر�ضى مواله �سبحانه؛ ولأن املرائني واملنافقني يوم القيامة يجعل ما عملوا هباء منثور ًا‪ ،‬ثم‬
‫يعذَّ بون‪ ،‬فيخاف امل�سلم من املراءاة والنفاق‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫ويورثه خلق الإح�سان �إىل الآخرين‪ ،‬ليجد جزاء ذلك يوم القيامة‪ ،‬ومينعه من الأخالق‬
‫ال�سيئة لأنه يخ�شى من عقوبتها‪،‬‬
‫‪b‬‬

‫والإميان باملالئكة ي�شعره بالرقابة الدائمة عليه في�ضبط �سلوكه‪.‬‬


‫‪e‬‬

‫والإميان بالر�سل الكرام عليهم ال�سالم يدعوه �إىل التخلق ب�أخالقهم؛ لأنهم خري‬
‫اخللق خ ُلق ًا‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫وهكذا تتجاوب العقيدة مع اخللق فيكمل �أحدهما الآخر‪ ،‬وي�ؤدي كل منهما �إىل �صاحبه‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫ومبا �أن الإميان يزيد وينق�ص لدى الإن�سان بني مدة و�أخرى‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ :‬ﱫﭬ ﭭ‬
‫ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﱪ [الفتح‪ ]4 :‬ف�إن هذه الأخالق تزيد عند زيادة‬
‫‪n‬‬

‫تتح�سن �أخالقه فعليه بزيادة �إميانه باهلل‬


‫الإميان وتنق�ص عند نق�صانه‪ ،‬ف�إذا �أراد امل�سلم �أن َّ‬
‫�سبحانه �أو ًال‪ ،‬ولزيادة الإميان و�سائل عدة‪ :‬منها التف ُّكر يف �آيات اهلل الكونية‪ ،‬والتف ُّكر يف‬
‫‪d‬‬

‫الذكر والعلم‪،‬‬‫�آيات اهلل ال�شرعية‪ ،‬والإقبال على الطاعات‪ ،‬وترك الكبائر‪ ،‬وح�ضور جمال�س ِّ‬
‫‪l.‬‬

‫ومدار�سة �سرية النبي امل�صطفى ‪ ،‬وقراءة �سري ال�صاحلني‪.‬‬


‫و�إمنا قويت �أخالق ال�سلف ال�صالح رحمهم اهلل لقوة �إميانهم باهلل واليوم الآخر‪ ،‬كما‬
‫‪c‬‬

‫جاء عن فاطمة بنت عبدامللك بن مروان‪ ،‬امر�أة عمر بن عبدالعزيز رحمهما اهلل �أنها دخلت‬
‫عليه‪ ،‬ف�إذا هو يف م�صاله يده على خده‪� ،‬سائلة دموعه‪ ،‬فقلت‪« :‬يا �أمري امل�ؤمنني‪� ،‬أل�شيء‬
‫‪o‬‬

‫حدث؟ قال‪ :‬يا فاطمة! �إين تقلدت �أمر �أمة حممد ‪ ،‬فتفكرت يف الفقري اجلائع‪ ،‬واملري�ض‬
‫‪m‬‬

‫ال�ضائع‪ ،‬والعاري املجهود‪ ،‬واملظلوم املقهور‪ ،‬والغريب امل�أ�سور‪ ،‬والكبري وذي العيال يف �أقطار‬
‫الأر�ض‪ ،‬فعلمت �أن ربي �سي�س�ألني عنهم‪ ،‬و�أن خ�صمي دونهم حممد ‪ ،‬فخ�شيت �أال تثبت‬
‫يل حجة عند خ�صومته‪ ،‬فرحمت نف�سي فبكيت»(‪)1‬‬

‫(‪ )1‬رواه ال�ضياء املقد�سي ب�سند �صحيح (اجلامع الكبري لل�سيوطي‪ )546/1 :‬وللبزار نحوه ب�سند �صحيح (جممع‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪32‬‬

‫العامل الثاين‪ :‬العبادات‪:‬‬


‫وللعبادات ت�أثري �إيجابي على ال�سلوك‪ ،‬يظهر لكل من داوم على �أداء العبادات ب�صورتها‬
‫ال�شرعية ال�صحيحة‪ ،‬فال�صالة حتكم الت�صرفات‪ ،‬وتهدئ الأع�صاب‪ ،‬وتزيد الرقابة‬
‫‪o‬‬

‫الذاتية‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ :‬ﱫﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﱪ [العنكبوت‪،]45 :‬‬


‫وال�صالة اخلا�شعة ترقق القلب‪ ،‬وتزيد الإميان‪ ،‬وتورث الإخال�ص‪ ،‬وتربط بالآخرة‪ ،‬مما له‬
‫‪b‬‬

‫�أثر يف توا�ضع الإن�سان ورحمته الآخرين‪ ،‬والزكاة تنمي خلق الرحمة والإح�سان والتوا�ضع‪،‬‬
‫‪e‬‬

‫وتزيد الروابط االجتماعية‪ ،‬وتربط بالآخرة‪ ،‬مما له �أثر يف �ضبط �سلوك الإن�سان ونظرته‬
‫للآخرين‪ ،‬وال�صيام ي�ضبط الأع�صاب وال�سلوك‪ ،‬ويزيد الرقابة‪ ،‬وي�شعر بالفقراء واملحتاجني‬
‫‪ik‬‬

‫واحلج يربي على ال�صرب والتجرد والتوا�ضع‪ ،‬وي�شعر بامل�ساواة‬


‫ّ‬ ‫الذين ال يجدون ما ي�أكلون‪،‬‬
‫بني امل�سلمني‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫و�إذا كانت العبادات مل ت�أخذ دورها الإيجابي يف حياة بع�ض امل�سلمني‪ ،‬فتجدهم بالرغم‬
‫من �أدائهم لعباداتهم �أ�صحاب �أخالق �سيئة‪ ،‬فذلك لأنهم مل ي�ؤدوها على الوجه املطلوب‪،‬‬
‫‪n‬‬

‫ال مل ي� ِأت الأمر بها يف القر�آن الكرمي �إال مقرون ًا ب�إقامتها ﱫﮛ ﮜﱪ‬ ‫فال�صالة مث ً‬
‫‪d‬‬

‫ﱫﯠﯡﱪ‪ ،‬ذلك �أن �إقامتها تعني �أن ت�ؤ َّدى كما ُ�شرِ عت لر�سول اهلل ‪ ،‬كاملة خا�شعة‪،‬‬
‫ال كما يريد الإن�سان �أن ي�صليها ح�سب هواه‪ ،‬ف�إذا أُ� ِّديت كما �شرعت �أورثت الأثر املطلوب‪،‬‬
‫‪l.‬‬

‫وامل�سلمون الذين كانوا ي�ؤدونها على وجهها ال�صحيح قدمي ًا‪ ،‬والذين ي�ؤدونها يف كل وقت‬
‫كذلك‪� ،‬آثار العبادات عليهم وا�ضحة يف ح�سن �أخالقهم‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫وقد قمت بعمل ا�ستبانة ملجموعة من النا�س‪� ،‬س�ألتهم فيها عن �أثر العبادات عليهم فكان‬
‫‪o‬‬

‫من �إجابات بع�ضهم‪:‬‬


‫< كنت �أغ�ضب عند �أي موقف �أثناء ال�صيام‪ ،‬فحاولت �أن �أتلذذ بال�صوم حتى �أكون‬
‫‪m‬‬

‫قدوة‪ ،‬ف�صرت �أحا�سب نف�سي و�أحاول التزام �سعة ال�صدر‪ ،‬وجنحت يف ذلك‪.‬‬
‫< بعد �أن حافظت على ال�صالة جماعة وعلى ذكر اهلل‪� ،‬أح�س�ست بتح�سن كبري يف‬
‫�أخالقي‪ ،‬و�صرت �أ�شعر بوازع من نف�سي مينعني من الغيبة وغريها‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫< كنت يف خارج اململكة للدرا�سة ومل �أكن متم�سك ًا بالدين كثري ًا‪ ،‬ويف ليلة ا�ستعددت‬
‫ل�صالة الع�شاء‪ ،‬ثم ذكرت حاجة يل عند �أحد زمالئي فوجدت عنده ن�ساء جميالت‪،‬‬
‫فتذكرت الو�ضوء واال�ستعداد لل�صالة فحماين اهلل بذلك من الفاح�شة‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫ال�سن‪ ،‬فغ�ضبت‪ ،‬وعندما‬


‫< كنت �إمام �أحد امل�ساجد‪ ،‬فح�صل موقف يل مع �أحد كبار ّ‬
‫بد�أت �صالة الع�شاء قر�أت قوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮏ ﮐ ﮑ ﮒﱪ فكظمت غيظي‬
‫‪b‬‬

‫و�ساحمته و�أح�سنت �إليه‪.‬‬


‫‪e‬‬

‫وهذه مناذج واقعية ت�ؤكد ما �سبق‪ ،‬ومن النماذج التاريخية ما رواه جابر قال قال رجل‬
‫للنبي ‪� :‬إن رج ًال يقر أ� القر�آن الليل كله‪ ،‬ف�إذا �أ�صبح �سرق قال‪�( :‬ستنهاه قراءته)(‪.)1‬‬
‫‪ik‬‬

‫وعن �أبي هريرة ‪ :‬قالوا يار�سول اهلل �إن فالن ًا ي�صلي من الليل ف�إذا �أ�صبح �سرق قال‪:‬‬
‫(�ستنهاه �صالته)(‪.)2‬‬
‫‪a‬‬

‫وقد جزم النبي يف الق�صتني على �أثر القراءة وال�صالة ب�سبب �أن عباداتهم كانت‬
‫‪n‬‬

‫م�ؤثرة يف �سلوكهم‪ ،‬ولو اقرتف �أحدهم �شيئ ًا من املعا�صي �أو ال�سلوكيات اخلاطئة ف�سرعان‬
‫ما يرتكها‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫ومن هنا كان ال�سلف ال�صالح ي�ستعينون بالعبادات على �أمورهم‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﯳ‬
‫(‪)3‬‬
‫‪l.‬‬

‫ﯴﯵﱪ [البقرة‪� ]45 :‬أي‪ :‬ا�ستعينوا بال�صالة وال�صرب الذي قال جماهد �إنه ال�صوم‬
‫على تقومي �أخالقكم‪ ،‬وا�ستعينوا بهما على همومكم‪ ،‬وا�ستعينوا بهما على �ش�ؤون حياتكم‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫العامل الثالث‪ :‬ال�صحبة وال�صداقة واملخالطة‪:‬‬


‫‪o‬‬

‫لعل من نافلة القول �أن الإن�سان يت�أثر مبن يخالط‪ ،‬ف�إن هذا املفهوم م�ستق ٌّر يف العقول‬
‫والأذهان على م ّر الع�صور‪ ،‬وقد قيل(‪:)4‬‬
‫‪m‬‬

‫الزوائد‪.)258/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي (�شعب الإميان‪ )174/3 :‬و�أحمد (‪ )447/2‬ب�سند �صحيح (جممع الزوائد‪.)258/2 :‬‬
‫(‪ )3‬تف�سري القرطبي (‪.)372/1‬‬
‫(‪ )4‬القائل عدي بن زيد (بهجة املجال�س البن عبدالرب‪.)705/2 :‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه عن �أبي هريرة (البخاري‪ :‬بدء اخللق‪/‬خري مال امل�سلم غنم يتبع بها �شعف اجلبال ‪،-325‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪34‬‬

‫عن املــرء ال تــ�س ـ ـ�أل و�أب ـ ِـ�صـر ق ــري ـنـ ــه‬


‫ف ـ ـك ــل ق ـ ــرينٍ بـ ــاملـ ـق ــارن ي ـق ـتــدي‬
‫ال�شاب وال�شابة‬
‫ّ‬ ‫ي�صدق هذه احلقيقة فتجد‬ ‫و�إ�ضاف ًة ال�ستقراره يف الأفهام ف�إن الواقع ِّ‬
‫‪o‬‬

‫والرجل واملر�أة يت�أثرون مبن يخالطون وي�صاحبون‪ ،‬كما قيل‪ :‬ال�صاحب �ساحب‪ ،‬واكت�ساب‬
‫فطري‪ ،‬بل �إن من فطرة الإن�سان �أن يتط ّبع بطباع من‬
‫ّ‬ ‫ال�سلوكيات من الأقران والأ�صحاب �أم ٌر‬
‫‪b‬‬

‫يخالط ولو حيوان ًا‪ ،‬لذا قال ‪( :‬الفخر واخليالء يف الف َّدادين �أهل الوبر‪ ،‬وال�سكينة يف �أهل‬
‫الغنم)(‪ )1‬ذلك ملا يغلب على الإبل من الفخر‪ ،‬وما يغلب على الغنم من الب�ساطة‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫ومل يغفل الإ�سالم ذلك‪ ،‬ف�أو�صى مبجال�سة ال�صاحلني وترك جمال�سة الطاحلني‪ ،‬قال‬
‫‪ik‬‬

‫�سبحانه‪ :‬ﱫﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﱪ [الأنعام‪ ]68 :‬وقال ‪( :‬مثل اجللي�س‬


‫ال�صالح وال�سوء كحامل امل�سك ونافخ الكري فحامل امل�سك �إما �أن يحذيك و�إما �أن تبتاع منه‬
‫و�إما �أن جتد منه ريح ًا طيبة‪ ،‬ونافخ الكري �إما �أن يحرق ثيابك و�إما �أن جتد ريح ًا خبيثة)(‪.)2‬‬
‫‪a‬‬

‫لكل �صحابي من املهاجرين �أخ ًا له من الأن�صار يعينه وينا�صحه‪.‬‬ ‫ولهذا املعنى جعل النبي‬
‫‪n‬‬

‫ومن �أمثلة ذلك �أن كان �سلمان الفار�سي من ن�صيب �أبي الدرداء ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬فزار‬
‫‪d‬‬

‫متبذلة �أي الب�سة ثياب البذلة وهي‬‫�سلمان �أبا الدرداء‪ ،‬فر�أى �أم الدرداء ر�ضي اهلل عنها ِّ‬
‫املهنة واملراد �أنها تاركة للب�س ثياب الزينة فقال‪« :‬ما �ش�أنك؟ قالت‪� :‬أخوك �أبو الدرداء لي�ست‬
‫‪l.‬‬

‫له حاجة يف الدنيا‪ ،‬فجاء �أبو الدرداء ف�صنع له طعام ًا‪ ،‬فقال �سلمان‪ :‬كل‪ .‬قال‪� :‬إين �صائم‪.‬‬
‫قال �سلمان‪ :‬ما �آنا ب�آكل حتى ت�أكل‪ ،‬ف�أكل‪ ،‬فلما كان الليل ذهب �أبو الدرداء يقوم‪ ،‬قال �سلمان‪:‬‬
‫‪c‬‬

‫من‪ .‬فنام‪ ،‬ثم ذهب يقوم‪ ،‬فقال‪ :‬من‪ .‬فلما كان من �آخر الليل قال �سلمان‪ :‬قم الآن‪ .‬ف�ص َّليا‪.‬‬
‫فقال �سلمان‪� :‬إن لربك عليك حق ًا‪ ،‬ولنف�سك عليك حق ًا‪ ،‬ولأهلك عليك حق ًا‪ ،‬ف�أعط كل ذي‬
‫‪o‬‬

‫حقٍّ حقّه»‪ .‬ف�أتى النبي فذكر ذلك له‪ ،‬فقال ‪�( :‬صدق �سلمان)(‪.)3‬‬
‫‪m‬‬

‫م�سلم‪ :‬الإميان‪/‬تفا�ضل �أهل الإميان ‪.)52 -‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه عن �أبي مو�سى الأ�شعري (البخاري‪ :‬الذبائح‪/‬باب امل�سك ‪ ،5214 -‬م�سلم‪ :‬الرب وال�صلة‬
‫والآداب‪/‬ا�ستحباب جمال�سة ال�صاحلني ‪.)2628 -‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (الأدب‪�/‬صنع الطعام والتكلف لل�ضيف ‪ )5788 -‬عن �أبي جحيفة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه الدارمي (‪.)169/1‬‬
‫‪35‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫وهكذا ي�ستفيد امل�سلم من م�صاحبة �أخيه امل�سلم النا�صح له‪.‬‬


‫يف�ضل �أن ي�صاحب من ال ينا�صحه وال ينتقده‪ ،‬بل ميدحه دائم ًا ولو‬ ‫ولعل بع�ض النا�س ِّ‬
‫وي�صدقه دائم ًا ولو بغري احلق وال ِّ‬
‫يكذبه؛ لأنه مل يعتد على النقد‬ ‫ِّ‬ ‫مبا لي�س فيه وال يذ ّمه‪،‬‬
‫‪o‬‬

‫والن�صيحة‪� ،‬أو لأن فيه مر�ض ًا نف�سي ًا كالغرور وهو ال ي�شعر‪ ،‬ويعترب هو هذا ال�صديق �صديق ًا‬
‫مثالي ًا لأنه يحبه بدليل مدحه الكثري له وموافقته امل�ستمرة‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫ويف احلقيقة �أن هذا ال�صديق املادح املوافق يف جميع الأحوال ي�ضر وال ينفع؛ لأنه ال يريد‬
‫‪e‬‬

‫اخلري ملن ي�صحبه‪ ،‬بل يريد م�صلحة نف�سه‪ ،‬ولو كان يريد اخلري ل�صاحبه لنا�صحه؛ لأنه ال‬
‫يخلو �إن�سان من �أخطاء‪ ،‬وكفى املرء نب ًال �أن تع ّد معايبه‪ ،‬فكيف خال �صاحبه من املعايب؟!‬
‫‪ik‬‬

‫فامل�سلم احلق يبحث عمن ين�صح له‪ ،‬وكان عمر يقول‪« :‬رحم اهلل امرء ًا �أهدى �إ َّ‬
‫يل‬
‫عيوبي»(‪ )1‬فانظر كيف جعل عمر الن�صيحة هدية يهديها له �أخوه!‬
‫‪a‬‬

‫واخلال�صة �إن لل�صداقة �أثر �إيجابي �أو �سـلبي علـى الإن�سـان‪ ،‬ولـهـا ت�أثري على ال�سلوك‬
‫خري ًا �أو �شـر ًا‪ ،‬فهنيـئ ًا ملـن وفـقـه الـله لـل�صـحـبة ال�صاحلة‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫العامل الرابع‪ :‬الرتبية‪:‬‬


‫‪d‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫لتوجه الن�شء التوجيه ال�صالح‪ ،‬فت ؤ� ِّثر يف �أخالقه ت�أثري ًا بالغ ًا‪ ،‬كما قيل‬ ‫ت�أتي الرتبية ِّ‬
‫‪l.‬‬

‫وي ـن ــ�ش ـ ـ�أ ن ــا�شـ ــيء الـ ـف ـت ـي ــان م ـنـ ــا‬


‫عـ ـل ـ ـ ــى م ـ ــا كـ ـ ــان عـ ـ ـ َّوده أ�ب ـ ـ ــوه‬
‫‪c‬‬

‫ـجى ول ـ ـ ــكن‬
‫ومــا نـ ـب ــغ الفـ ــتى بحـ ـ ـ ـ ً‬
‫يـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ِّوده الـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــد ُّي َن �أق ــربـ ـ ــوه‬
‫‪o‬‬

‫و�أرى �أن هذه الرتبية هي الفاعل الأول يف الت�أثري على �أخالق ال�صغري‪ ،‬ولكن مل �أجعلها‬
‫‪m‬‬

‫�أول العوامل؛ لأنها يف مرحل ٍة مع َّينة من العمر بخالف العوامل ال�سابقة فهي ت�ؤثر يف جميع‬
‫مراحل عمر الإن�سان‪.‬‬
‫(‪ )2‬القائل �أبو العالء املعري (اللزوميات‪.)601/2 :‬‬
‫(‪ )1‬القائل �أبو متام حبيب بن �أو�س الطائي (ديوانه ب�شرح اخلطيب التربيزي‪ )200/3 :‬وهـذا ن�ص البيت فيه‪،‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪36‬‬

‫والرتبية ال�صاحلة لها و�سائل‪ :‬منها‪ :‬الرتغيب والرتهيب‪ ،‬والن�صيحة والتوجيه‪ ،‬والقدوة‪،‬‬
‫والرتبية باملواقف احلياتية‪ ،‬والرتبية بال�ش َّدة �أحيان ًا‪ ،‬كما قيل(‪:)1‬‬
‫يك حازم ًا‬
‫ف ـق ــ�س ــا ل ـت ــزدجــروا ومن ُ‬
‫‪o‬‬

‫وحيـ ـنـ ـ ًا ي ــرحـ ـ ُـم‬


‫فل ـي ـق ـ ُـ�س أ�حـ ـيــان ـ ًا ِ‬
‫ولأجل �أهمية الرتبية �ش َّدد الإ�سالم على اختيار الزوجة ال�صاحلة التي تقوم برعاية‬
‫‪b‬‬

‫الأطفال وتربيتهم الرتبية الإ�سالمية‪ ،‬قال ‪( :‬تنكح املر�أة ملالها وحل�سبها وجلمالها‬
‫‪e‬‬

‫ولدينها‪ ،‬فاظفر بذات الدين تربت يداك)(‪.)2‬‬


‫وغني عن القول �أن الرتبية �إمنا ت�ؤتي ثمارها �إذا كانت غري معار�ضة مبا هو �أقوى منها‬
‫‪ik‬‬

‫من امل�ؤثرات الأخرى‪ ،‬كما قيل‪:‬‬


‫مـ ــتى ي ـبــلغ البـنــيان يـ ــوم ًا ت ــمام ــه‬
‫‪a‬‬

‫ـدم‬
‫�إذا كـ ـن ــت ت ـ ـب ـن ـي ــه وغ ــريك يـ ـه ـ ُ‬
‫ول ــو �أل ـ ُـف ب ــانٍ خلـ ـف ــهم واحـ ـ ٌد ك ــفى‬
‫‪n‬‬

‫فكيــف ب ـ ـب ــانٍ خ ـ ـل ـف ــه �أل ــف هـ ـ ِ‬


‫ـادم‬
‫‪d‬‬

‫والرتبية الأ�سرية يف �أغلب املجتمعات املعا�صرة تتعر�ض ملع ِّوقات ت�ؤخر ت�أثريها على الطفل‬
‫والفتى؛ فاالنفتاح غري املن�ضبط على املجتمعات الأخرى‪ ،‬والإعالم احل ّر بغ ِّثه و�سمينه‪،‬‬
‫‪l.‬‬

‫والتجارب ال�سيئة التي ي�سمعها االبن من �أقرانه‪ ،‬و�ضعف الرقابة الأ�سرية نتيجة الإغراق يف‬
‫الأعمال التجارية من قبل الآباء‪� ،‬إ�ضافة لعمل املر�أة وت�سليم االبن للخدم مبا فيهم من عادات‬
‫‪c‬‬

‫و�أخالق غري �إ�سالمية يف كثري من الأحيان‪ ،‬كل هذه وغريها مع ِّوقات للرتبية ال�صاحلة‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫فال ب ّد �أن تكون الرتبية متنوع ًة حمبب ًة ل�صيق ًة بالطفل‪ ،‬حتى حتميه من امل�ؤثرات املعرقلة‬
‫ال�سوي‪ ،‬وال ب ّد �أن تكون الرتبية ال�صاحلة خيار ًا �أولي ًا للأبوين؛ لأنه واجب �شرعي �أو ًال‪،‬‬
‫‪m‬‬

‫ّ‬ ‫لبنائه‬
‫يرحم‪.‬‬
‫ويف احلا�شية‪ :‬يف بع�ض الن�سخ‪ :‬على من ُ‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن �أبي هريرة ‪( .‬البخاري‪ :‬النكاح‪/‬الأكفاء يف الدين ‪ ،4802 -‬م�سلم‪ :‬النكاح‪/‬ا�ستحباب‬
‫نكاح ذات الدين ‪.)1466 -‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه عن ابن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪( .‬البخاري‪ :‬اجلمعة‪/‬اجلمعة يف القرى واملدن ‪ ،853 -‬م�سلم‪:‬‬
‫‪37‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫قال �سبحانه‪ :‬ﱫﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬


‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﱪ [التحرمي‪.]6 :‬‬
‫راع يف �أهل بيته وم�س�ؤول عن‬
‫راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬فالرجل ٍ‬ ‫وقال ‪( :‬كلكم ٍ‬
‫‪o‬‬

‫رعيته‪ ،‬واملر�أة راعية يف بيت زوجها وم�س�ؤولة عن رعيتها)(‪.)1‬‬


‫‪b‬‬

‫ولأنه يف م�صلحة الأبوين ثاني ًا‪ ،‬فاالبن البا ّر والبنت البا َّرة �سيعينان الأبوين على الدين‬
‫والدنيا‪ ،‬ويحفظان حقهما يف الكرب وبعد املمات‪ ،‬ويرتكان الذكر احل�سن للأبوين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪e‬‬

‫(�إذا مات ابن �آدم انقطع عمله �إال من ثالث‪� :‬صدق ٍة جارية‪� ،‬أو ٍ‬
‫علم ينتفع به‪� ،‬أو ٍ‬
‫ولد �صالح‬
‫يدعو له)(‪.)2‬‬
‫‪ik‬‬

‫ا�ستثناءات‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫هناك العديد من العوامل التي تخرج الإن�سان عن اختياره‪ ،‬فت�ضطره للقيام ب�أعمال‪� ،‬أو‬
‫النطق ب�أقوال ال يرت�ضيها‪ ،‬ومن قواعد الدين الإ�سالمي �أنه ال ي�ؤاخذ الإن�سان �إال مبا ي�صدر‬
‫‪n‬‬

‫عن اختيار منه‪ ،‬لقوله �سبحانه‪ :‬ﱫﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ‬


‫‪d‬‬

‫ﯦﯧﯨ ﯩﯪﯫﱪ [البقرة‪.]286 :‬‬


‫والأخـالق كـذلك قـد ت�صدر من الإن�سان من غري تع ُّم ٍد لها‪ ،‬وي�ؤثر فيها بع�ض العوامل‪:‬‬
‫‪l.‬‬

‫العامل الأول‪ :‬الإكراه‪ :‬فاملكره الذي يرغم على فعل ما ال يريد‪� ،‬أو قول ما ال يريد ال‬
‫‪c‬‬

‫ي�ؤاخذ �شرع ًا على فعله؛ لقوله تعاىل‪ :‬ﱫﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬


‫ﮇﮈﱪ [النحل‪ ]106 :‬وهذه الآية نزلت يف ق�صة عمار بن يا�سر (حني �أكره على‬
‫‪o‬‬

‫را�ض بها‪ ،‬فعذره اهلل تعاىل وقال له ر�سول اهلل ‪�( :‬إن‬‫النطق بكلمة الكفر‪ ،‬فقالها غري ٍ‬
‫عادوا ف ُعد)(‪)3‬؛ لأنه يعلم �أن قلبه مطمئن بالإميان‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫الإمارة‪/‬ف�ضيلة الإمام العادل ‪.)1829 -‬‬


‫(‪ )2‬رواه م�سلم (الو�صية‪/‬ما يلحق الإن�سان من الثواب بعد وفاته ‪ )1631 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه احلاكم (‪ )2/389‬و�صححه عن حممد بن عمار بن يا�سر‪.‬‬
‫(جممع الزوائد‪ ،)250/6 :‬ورواه ابن ماجة (‪)659/1‬‬ ‫(‪ )1‬رواه الطرباين (املعجم الكبري‪ )97/2 :‬عن ثوبان‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪38‬‬

‫‪« :‬عفي‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬ﱫﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﱪ [البقرة‪ ]173 :‬وقوله‬


‫لأمتي عن اخلط�أ والن�سيان وما ا�ستكرهوا عليه»(‪.)1‬‬
‫ولكن ال بد �أن يكون الإكراه ملجِ ئ ًا حتى ترتفع امل�ؤاخذة‪ ،‬ومعنى الإجلاء اال�ضطرار بحيث‬
‫‪o‬‬

‫نف�سي �أو اجتماعي‪.‬‬


‫ين �أو ّ‬ ‫يرتتب على عدم تنفيذ الإكراه �ضرر بد ّ‬
‫‪b‬‬

‫املوجه للإن�سان غري ملجئ‪ ،‬و�إمنا يرتتب عليه بع�ض الإحراج‪ ،‬فال يع ّد‬ ‫�أما �إذا كان الأمر َّ‬
‫�إكـراه ًا �شــرع ًا‪ ،‬ومن ثم ف�إنه ي�ؤاخذ على تنفيذ ما �أمر به؛ لأنه نفَّذ الأمر باختياره و�إرادته‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫و�إذا كان املرء غري م�ؤاخذ على الإكراه‪ ،‬فال تع ّد ت�صرفاته التي ت�صدر منه حال الإكراه‬
‫‪ik‬‬

‫�سو َّية؛ لأن الأخالق حمل للثواب والعقاب �شرع ًا‪ ،‬يرتفع بها الإن�سان وينخف�ض عند اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬ف�إذا كان غري م�ؤاخذ يف حال الإكراه فلي�ست هي بالأخالق املعتربة‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫وال�سبب الآخر‪� :‬أن اخللق �صفة م�ستقرة يف النف�س ‪ -‬كما تقدم يف تعريفها ‪ -‬والت�صرفات‬
‫‪n‬‬

‫التي ت�صدر حال الإكراه لي�ست من ال�صفات امل�ستقرة يف النف�س‪.‬‬


‫العامل الثاين‪ :‬الغ�ضب‪ :‬فالغ�ضب يخرج الإن�سان عن ت�صرفاته ال�سو َّية‪ ،‬ويحرجه مبا‬
‫‪d‬‬

‫يخرج منه من كلمات وت�صرفات غري مدرو�سة‪ ،‬ومل مت ّر على العقل مدة كافية للت�أمل فيها‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫وت�صدر من الإن�سان �سلوكيات م�ستغربة حال الغ�ضب ال�شديد‪� ،‬إذا مل ي�ضبطها فقد ت�ؤدي‬
‫به �إىل التف ُّوه بكلمات خطرية كالكفر والعياذ باهلل‪� ،‬أو الإقدام على االعتداء �أو اجلرمية‪� ،‬أو‬
‫‪c‬‬

‫فقدان عالقات اجتماعية وثيقة‪� ،‬أو وظيفة‪ ،‬وغري ذلك من الأ�ضرار الكثرية‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫لذا ف�إن امل�سلم ُم ْلزَ م �أن ي�ضبط �أع�صابه ويتحكم فيها بحيث ال يقوده الغ�ضب‪ ،‬بل هو يقود‬
‫نف�سه‪ ،‬قال (لي�س ال�شديد بال�صرعة‪� ،‬إمنا ال�شديد الذي ميلك نف�سه عند الغ�ضب)(‪.)2‬‬
‫‪m‬‬

‫وابن حبان (‪ )202/16‬واحلاكم (‪ )216/2‬و�صححه عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما‪.‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه عن �أبي هريرة ‪( .‬البخاري‪ :‬الأدب‪/‬احل��ذر من الغ�ضب ‪ ،5763 -‬م�سلم‪ :‬الرب وال�صلة‬
‫والآداب‪/‬ف�ضل من ميلك نف�سه عند الغ�ضب ‪.)2609 -‬‬
‫(‪ )1‬ابن القيم‪/‬حممد‪ :‬الفرو�سية (‪.)129‬‬
‫‪39‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫وامتالك زمام النف�س �أمام رغائبها ونزواتها من �أ�شق الأمور‪ ،‬ويف حال الغ�ضب �أكرث‬
‫القوي حق ًا‪� ،‬أما من �س َّلم للغ�ضب زمامه وته َّور‬
‫م�شقة‪ ،‬فمن قدر على �ضبط �أع�صابه‪ ،‬فهو ّ‬
‫فلي�س ب�شجاع و�إن كان �أقوى النا�س ج�سدي ًا‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫ومن هنا ف َّرق العلماء بني القوة وال�شجاعة‪ ،‬فالقوة ال تعني ال�شجاعة‪ ،‬والعك�س‪ ،‬ولكن‬
‫ال�شجاعة هي التي ميدح بها الإن�سان ال القوة فقط(‪.)1‬‬
‫‪b‬‬

‫ﱫﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫واهلل تعاىل مدح الكاظمني الغيظ بقوله‪:‬‬


‫‪e‬‬

‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﱪ [�آل عمران‪]134 :‬‬

‫وكظم الغيظ ال ينافيه التعبري عن الغ�ضب بطريقة �إيجابية‪� ،‬أي مبناق�شة امل�شكلة‪� ،‬أو �إبداء‬
‫‪ik‬‬

‫ت�ضايقك مما ح�صل‪ ،‬لأنه نوع من التنفي�س املريح‪� ،‬أما كتم ما تكرهه يف نف�سك دائم ًا وحت ّمله‪،‬‬
‫ف�إنه قد ي�سبب ارتفاع �ضغط الدم والك�آبة(‪.)2‬‬
‫‪a‬‬

‫وهناك و�سائل ي�ستطيع الإن�سان بوا�سطتها تخفيف الغ�ضب‪ ،‬وقبل الو�سائل �أحب �أن �أقرر‬
‫حقيقتني مهمتني‪:‬‬
‫‪n‬‬

‫الأوىل‪� :‬أن م� ِّؤجج الغ�ضب يف نف�س الإن�سان هو ال�شيطان؛ لأنه يحب �أن يثري نفو�س امل�ؤمنني‬
‫‪d‬‬

‫بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬وهذا ما قاله نبي اهلل مو�سى ÷ حني غ�ضب وثار وقتل الرجل‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬ﱫﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﱪ [الق�ص�ص‪ ،]15 :‬فن�سب الغ�ضب وما تبعه �إىل‬
‫‪l.‬‬

‫عد ِّو اهلل ال�شيطان‪ ،‬فدفع الغ�ضب يكون بدفع �سببه ومن�شئه يف النف�س‪ ،‬لذا ف�إن من ا�ستوىل‬
‫ال�شيطان عليه وعلى ت�صرفاته يف حياته‪ ،‬كان �أبعد النا�س عن احللم‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫الثانية‪� :‬أن االنت�صار للنف�س غريزة �إن�سانية‪ ،‬قد يربطها بع�ض النا�س بالعزة والقوة‬
‫‪o‬‬

‫ارتباط بينهما‪ ،‬بل ميكن �أن يكون االنت�صار للنف�س جزء ًا من‬
‫ٌ‬ ‫والكرامة‪ ،‬وقد ال يكون هناك‬
‫ظان �أن كل �إم�ضاء للغ�ضب عزة‪ ،‬وال كل كظم للغيظ مهانة‪ ،‬و�سن�أتي‬
‫الكرب والغرور‪ ،‬فال يظن ّ‬
‫‪m‬‬

‫على تف�صيل ذلك يف �صفة احللم‪.‬‬


‫(‪ )2‬ميكن الرجوع �إىل هـذا املوقع االلكرتوين ملزيد من الدرا�سة حول الغ�ضب من الناحية النف�سية‪:‬‬
‫‪www.apa.org/puinfo/anger.html‬‬
‫(‪ )1‬رواه �أبو داود (‪ )249/4‬عن عطية ال�سعدي ‪ ،‬و�سكت عنه �أبوداود فهو ح�سن عنده‪( .‬عون املعبود‪،114/4 :‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪40‬‬

‫�أما الو�سائل فهي‪:‬‬


‫الو�سيلة الأوىل‪ :‬الو�ضوء؛ ذلك �أن الو�ضوء عبادة والغ�ضبان عندما ي�ست�شعر �أنه �شرع‬
‫يف عبادة يذهب غ�ضبه‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أن الو�ضوء ي�سبقه الت�سمية‪ ،‬والت�سمية ذك ٌر هلل يبعد‬
‫‪o‬‬

‫ال�شيطان‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل الوقت الذي ي�أخذه الإن�سان يف الو�ضوء مما يخفف الغ�ضب‪� ،‬إ�ضاف ًة‬
‫‪b‬‬

‫�إىل املاء الذي ي ِّربد حرارة الغ�ضب امل�شتعلة يف القلب واجل�سد‪ ،‬ولأجل هذا كله قال ‪�( :‬إن‬
‫الغ�ضب من ال�شيطان‪ ،‬و�إن ال�شيطان خلق من النار‪ ،‬و�إمنا تطف�أ النار باملاء‪ ،‬ف�إذا غ�ضب‬
‫‪e‬‬

‫�أحدكم فليتو�ض�أ)(‪.)1‬‬
‫‪ik‬‬

‫الو�سيلة الثانية‪ :‬ذكر اهلل؛ ذلك �أن ِّ‬


‫الذكر يبعد ال�شيطان‪ ،‬ويق ِّرب املالئكة‪ ،‬ويطمئن‬
‫القلب‪ ،‬مما يه ِّيئ اجل ّو النف�سي لذهاب الغ�ضب‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱫﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ‬
‫ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﱪ [الرعد‪]28 :‬‬
‫‪a‬‬

‫ور�أى ر�سول اهلل رج ًال غ�ضب ًا قـد احـم ّر وجـهه‪ ،‬فـقال ‪�( :‬إنـي لأعـلم كلمة‬
‫‪n‬‬

‫لو قالها ذهب عنه الذي يجد‪ ،‬لو قال‪� :‬أعوذ باهلل من ال�شيطان الرجيم ذهب عنه ما‬
‫‪d‬‬

‫يجد)(‪.)2‬‬

‫الو�سيلة الثالثة‪ :‬تغيري هيئة الإن�سان من الوقوف �إىل اجللو�س؛ �أو اال�ضطجاع‪� ،‬أو اخلروج‬
‫‪l.‬‬

‫ي�شجع على االنتقام ب�سرعة‪ ،‬بخالف‬‫من املكان‪� ،‬أو �صرف وجهه عمن �أغ�ضبه؛ لأن الوقوف ِّ‬
‫‪c‬‬

‫اجللو�س‪ ،‬واملكث يف املكان يذ ِّكر الإن�سان بكل كلمة قيلت‪ ،‬بخالف اخلروج من املكان حيث‬
‫يرى م�شاهدات �أخرى ين�شغل بها‪ ،‬لذا قال ‪�( :‬إذا غ�ضب �أحدكم وهو قائم فليجل�س‪ ،‬ف�إن‬
‫‪o‬‬

‫ذهب عنه الغ�ضب‪ ،‬و�إال فلي�ضطجع)(‪.)3‬‬


‫‪m‬‬

‫في�ض القدير‪.)563/1 :‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه عن �سليمان بن �صرد ‪( .‬البخاري‪ :‬بدء اخللق‪�/‬صفة �إبلي�س وجنوده ‪ ،3108 -‬م�سلم‪ :‬الرب‬
‫وال�صلة والآداب‪/‬ف�ضل من ميلك نف�سه عند الغ�ضب ‪.)2610 -‬‬
‫(‪ )3‬رواه �أحمد (‪ )152/5‬و�أبوداود (‪ )249/4‬عن �أبي ذر ‪ ،‬ورجاله رجال ال�صحيح (جممع الزوائد‪.)71/8 :‬‬
‫(‪ )1‬املتنبي (ديوانه‪.)232 :‬‬
‫‪41‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫الو�سيلة الرابعة‪� :‬إ�شغال النف�س مبلهيات خمتلفة؛ كالريا�ضة‪ ،‬وركوب ال�سيارة‪ ،‬واللعب‬
‫بالكمبيوتر‪� ،‬أو غريه‪ ،‬والذهاب لل�سوق‪� ،‬أو التم�شية على البحر‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬حيث تن�سيه تلك‬
‫امللهيات كثري ًا مما جرى‪ ،‬وتعطيه فر�صة للمراجعة‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫تخف �ضربات القلب‪،‬‬


‫الو�سيلة اخلام�سة‪ :‬اال�سرتخاء والهدوء والتنف�س العميق‪ ،‬حيث ّ‬
‫وتهد�أ الأع�صاب‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫الو�سيلة ال�ساد�سة‪ :‬عدم مقابلة الهجوم بهجوم‪ ،‬والتفكري يف االنت�صار‪ ،‬والرد ال�سريع‬
‫‪e‬‬

‫وبقوة على ما قيل‪ ،‬بل الرتكيز على التفكري يف ما قيل وتو�ضيح اللب�س فيه؛ لأن املقابل قد‬
‫يكون فهم خط أً� �أو نقل �إليه نقل غري �صحيح‪ ،‬كما قيل(‪:)1‬‬
‫‪ik‬‬

‫وك ــم م ــن ع ـ ــائـ ـ ٍـب قـ ــو ًال �ص ـح ـي ـحـ ًا‬


‫و آ�ف ـت ــه م ـ ــن الـ ـ ـف ـ ـه ــم الــ�سـ ـ ـقـ ـ ـيــم‬
‫‪a‬‬

‫الو�سيلة ال�سابعة‪ :‬ت�أجيل البحث يف املو�ضوع‪ ،‬و�إعطاء الطرفني فر�صة يف التفكري‪،‬‬


‫‪n‬‬

‫للو�صول �إىل حل غري ارجتايل‪.‬‬


‫الو�سيلة الثامنة‪ :‬خف�ض ال�صوت؛ لأنه ثبت �أن ال�صوت له �أثر كبري يف رفع حدة الغ�ضب‪،‬‬
‫‪d‬‬

‫و�أن الإن�سان يتجاوب مع املقابل يف م�ستوى ال�صوت‪ ،‬ف�إذا خف�ضت �صوتك ف�إن املقابل‬
‫�سيتجاوب بخف�ض �صوته وتخفيف غ�ضبه(‪.)2‬‬
‫‪l.‬‬

‫وال يحتج �أحد ب�أن ت�صرفاته �صدرت من غري ق�صد‪ ،‬وبالتايل ال ي�ؤاخذ مبا ينتج عنها‪،‬‬
‫‪c‬‬

‫ذلك �أنه مطالب ب�ضبط نف�سه �شرع ًا‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫و�إذا كانت الأخالق يجب �صدورها عن اختيار‪ ،‬ففي حال الغ�ضب ال�شديد ال يتحقق فيها‬
‫ذلك يف كث ٍري من الأحيان‪ ،‬فالغ�ضب ي�ؤثر على ال�سلوك الأخالقي بحيث ال ميكن االعتماد على‬
‫‪m‬‬

‫ت�صرفات الغ�ضبان �أخالقي ًا دائم ًا‪.‬‬

‫(‪ )2‬جبلني‪/‬لي�س‪ :‬كيف تتمتع بالثقة والقوة يف التعامل مع النا�س ‪ -‬ترجمة مكتبة جرير ‪ -‬ط الأوىل ‪1999‬م‬
‫‪ -‬ف�صل‪ :‬كيفية ال�سيطرة على غ�ضب الآخرين (‪.)60‬‬
‫(‪ )1‬رواه احلاكم (‪ )303/3‬و�صححه عن معاذ ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪42‬‬

‫العامل الثالث‪ :‬الرياء وامل�صلحة‪ :‬فاملرائي يت�صنّع ال�سلوك الذي يخدمه يف م�صلحته ولو‬
‫كان غري خلق له‪ ،‬فيت�صنّع الكرم �أو التد ُّين �أو خدمة الآخرين لينال بذلك م�صلحة‪ ،‬فال تع ّد‬
‫هذه الت�صرفات �أخالق ًا لل�شخ�ص؛ لأنها لي�ست �صادرة عن �صفة نف�سية م�ستقرة‪ ،‬فهي نو ٌع‬
‫والغ�ش وخداع الآخرين‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱫﭶ ﭷ * ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫من الكذب ّ‬
‫‪o‬‬

‫*ﭿﮀﮁ*ﮃﮄﱪ [املاعون‪ ]4 - 7 :‬وقال ‪�( :‬أدنى ال ِّرياء �شرك)(‪.)1‬‬


‫‪b‬‬

‫ي�صح اعتبار الت�صرفات امل�صلحية �أخالق ًا‪ ،‬و�إال اختلط ال�صادق بالكاذب‪.‬‬
‫فال ّ‬
‫‪e‬‬

‫وقد ي�س�أل �سائل‪ :‬كيف ن�ستطيع متييز ال�صادق من الكاذب‪ ،‬ونحن م�أمورون �أن نحكم‬
‫على ال�شخ�ص بظاهر ت�صرفاته‪ ،‬واهلل يتوىل ال�سرائر؟‬
‫‪ik‬‬

‫واجلواب‪� :‬إن التمييز يف مثل هذه احلالة من ال�صعوبة مبكان‪ ،‬وميكن لبع�ض النا�س �إتقان‬
‫الت�صنُّع بحيث ال ي�ستطيع ال�شخ�ص العادي متييز �صدقه من كذبه‪ ،‬كما �أن رجال اجلمارك‬
‫‪a‬‬

‫والأمن يتفاوتون يف �إدراكهم للمز ِّورين وامله ِّربني‪ ،‬ولكن هناك ثالث طرق ت�ساعد على‬
‫التعرف على �صدق الت�صرف من عدمه‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪n‬‬

‫< الرجوع �إىل �أهل الدراية واخلربة الذين ي�ستطيعون من خالل طول التجربة متييز‬
‫‪d‬‬

‫الت�صرفات غري ال�صادقة‪.‬‬


‫‪l.‬‬

‫< مالحظة ال�سلوك العام لل�شخ�ص يف مدة مع َّينة؛ لأن املت�ص ِّنع ال ي�ستطيع الت�صنُّع‬
‫�أبد الدهر‪ ،‬وال ملدة طويلة �أي�ض ًا‪ ،‬فال ب ّد �أن تظهر منه بع�ض ال�سلوكيات التي تدلّ‬
‫على ريائه وت�صنُّعه‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫< اختبار املت�صنّع واملرائي يف بع�ض املواقف التي ال ي�صرب عليها �إال ال�صادقون‪،‬‬
‫‪o‬‬

‫فاملرائي يف العبادات ال يتحمل تعب العبادات كثري ًا‪ ،‬واملرائي يف الكرم ال يتحمل‬
‫الإنفاق من ماله ال�شخ�صي دائم ًا‪ ،‬واملرائي يف ال�شجاعة ال ي�صرب عند ال�شدائد‪،‬‬
‫‪m‬‬

‫ف�إذا و�ضع ه�ؤالء يف ّ‬


‫املحك تبني ال�صادق من الكاذب‪.‬‬
‫العامل الرابع‪ :‬اخلوف‪ :‬فاخلوف عامل قهري ي�سيطر على نف�سية الإن�سان فيلجئه �إىل‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم (اجلهاد‪/‬غزوة الأحزاب ‪ )1788 -‬عن حذيفة ‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫�سلوكيات ال تدل على خلقه‪ ،‬ف�إن الأمن حاجة فطرية ال ي�ستغني عنها ابن �آدم‪ ،‬وللح�صول‬
‫عليها يلج�أ الإن�سان �إىل ت�صرفات قد ال تكون من �أخالقه وعاداته‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل يف �ش�أن‬
‫غزوة الأحزاب‪ :‬ﱫﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒﮓﮔﱪ [الأحزاب‪ ]10 :‬فال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم وهم خري النا�س خافوا وظنوا‬
‫‪o‬‬

‫باهلل الظنون‪ ،‬ومل ي�ؤاخذهم اهلل على ذلك‪ ،‬بل قال لهم النبي ‪�( :‬أال رجل ي�أتيني بخرب‬
‫‪b‬‬

‫القوم �أ�شرتط له اجلنة)(‪ )1‬مرتني وثالث ًا‪ ،‬فلم يتقدم �أحد من �شدة اخلوف!‬
‫فهذا يدل على �أن اخلوف ي�صرف الإن�سان عن طبيعته وخُ ُلقه‪.‬‬
‫‪e‬‬
‫‪ik‬‬
‫‪a‬‬
‫‪n‬‬
‫‪d‬‬
‫‪l.‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬املعجم الو�سيط ‪(520/1).‬‬


m
o
c
l.
d
n
a
ik
e
b
o
‫‪45‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫الف�صل الثاين‬
‫مفهوم امل�صلحة العامة‬
‫‪o‬‬

‫املبحث الأول‪ :‬مفهوم امل�صلحة العامة‬


‫‪b‬‬

‫امل�صلحة لغة‪ :‬املنفعة(‪.)1‬‬


‫‪e‬‬

‫معي‪ ،‬و�إمنا حتقق نفع ًا عام ًا للنا�س‪.‬‬


‫�شخ�ص نَّ‬
‫ٍ‬ ‫و�أعني بها هنا املنفعة التي ال تقت�صر على‬
‫‪ik‬‬

‫وامل�صلحة العامة هنا تتناول املجموع ال الأفراد‪ ،‬ف�إذا كانت حتقق امل�صلحة لعموم النا�س‪،‬‬
‫وت�ضر جمموعة حمدودة منهم‪ ،‬فال ي�ؤثر ذلك على حتقق امل�صلحة العامة‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫وعلى �سبيل املثال‪ :‬لو ر�أى احلاكم �أن ت�سعري ال�سلع يحقق امل�صلحة العامة للنا�س‪ ،‬ف�إنه‬
‫ي�شرعه ولو كان ي�ضر ببع�ض التجار‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫وهكذا النظم الإدارية والقوانني الو�ضعية‪ ،‬رمبا كانت ال تنا�سب حالة بع�ض املوظفني‪،‬‬
‫‪d‬‬

‫ولكنها تفيد �أغلبهم‪ ،‬واحلكم دائم ًا على الغالب ال على النادر ال�شاذّ‪.‬‬
‫والوظيفة �إحدى �صور امل�صلحة العامة؛ لأنها ال تفيد �شخ�ص ًا معين ًا‪ ،‬و�إمنا ت�ؤدي خدمات‬
‫‪l.‬‬

‫لعموم النا�س‪ ،‬لذا ف�إن عالقة الوظيفة بامل�صلحة العامة عالقة اجلزء بالكل‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬كيف حتقق الأخالق الإ�سالمية امل�صلحة العامة‬


‫‪o‬‬

‫ال �شك �أن الأخالق الإ�سالمية �إذا ع َّمت يف املجتمع‪ ،‬والتزم بها الأفراد‪ ،‬اطم� ّأن بالهم‬
‫و�أمنوا على �أنف�سهم و�أموالهم‪ ،‬وتعاونوا فيما بينهم‪ ،‬ف�شاعت بينهم املحبة والتنا�صر‬
‫‪m‬‬

‫والوحدة‪.‬‬
‫وهذا ينعك�س‪-‬من ثم‪ -‬على �أدائهم لعباداتهم و�أعمالهم الفردية واالجتماعية‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪/‬عبدالرحمن‪� :‬صفة ال�صفوة (‪.)304 ،302/1‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪46‬‬

‫فخلق الإح�سان �إىل اجلار مث ًال �إذا انت�شر يف املجتمع �أورث املودة والتعاون بني امل�سلمني‪،‬‬
‫كما �أن ال�سلف ال�صالح كانوا ي�ؤثرون اجلريان على �أنف�سهم مبا يحبون‪ ،‬وذلك حتقيق ًا لو�صية‬
‫اهلل ور�سوله‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫فقد جاء �أن �أحد الأن�صار �أهدي له ر�أ�س �شاة ف�أهداه جلاره‪ ،‬وهكذا اجلار فعل‪ ...‬حتى‬
‫عاد للأول‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫فامل�صلحة العامة تتحقق بالنفع العام‪ ،‬والأخالق �أهم العوامل التي حتقق النفع العام‪،‬‬
‫‪e‬‬

‫ويف اجلانب الوظيفي حتقق الأخالق النفع العام بزيادة الإخال�ص والرقابة الذاتية وهو‬
‫العامل الأول يف ح�سن �أداء املوظفني‪ ،‬وحتقق النفع العام بالعالقات احل�سنة بني املوظفني‬
‫‪ik‬‬

‫ومر�ؤو�سيهم‪ ،‬وبني املوظفني �أنف�سهم‪ ،‬وبينهم وبني املراجعني‪ ،‬وحتقق النفع العام بالوقاية‬
‫من امل�شكالت الإدارية امل�ستع�صية كالر�شوة واالبتزاز‪ ،‬والغ�ش‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫فخلق التوا�ضع مث ًال �إذا وجد يف امل�س�ؤول واملوظفني احرتم كل منهم �أخاه‪ ،‬فقد جاء عن‬
‫عثمان �أنه كان ‪-‬وهو خليفة‪ -‬يذيب الثلج ليغت�سل به يف الليل‪ ،‬وال يوقظ غلمانه‪ ،‬وكان‬
‫‪n‬‬

‫يتو�سد بردته يف امل�سجد وينام(‪.)1‬‬


‫‪d‬‬

‫وهذا �أك�سبه االحرتام بني النا�س‪ ،‬قال عبداهلل بن عمر‪ :‬كنا نقول على عهد ر�سول اهلل‬
‫�أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان �أي يف الأف�ضلية(‪.)2‬‬
‫‪l.‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )2‬رواه البخاري (ف�ضائل ال�صحابة‪/‬مناقب عثمان بن عفان ‪ ،)3494 -‬ويف رواية �أبي داود (‪ : )206/4‬كنا‬
‫حي �أف�ضل �أمة النبي بعده �أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نقول ور�سول اهلل‬
‫(‪ )1‬املعجم الو�سيط (‪.)890/2‬‬
‫‪47‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫الف�صل الثالث‬
‫مفهوم املهنة ومرادفاتها‬
‫‪o‬‬

‫مفهوم املهنة‪:‬‬
‫‪b‬‬

‫لغة‪ :‬العمل‪ ،‬والعمل يحتاج �إىل خربة ومهارة(‪.)1‬‬


‫‪e‬‬

‫وا�صطالح ًا‪ :‬جمموعة من الأعمال تتطلب مهارات معينة ي�ؤديها الفرد من خالل‬
‫ممار�سات تدريبية(‪.)2‬‬
‫‪ik‬‬

‫مفهوم احلرفة‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫لغ ًة‪ :‬من االحرتاف‪ ،‬وهو الك�سب(‪.)3‬‬


‫وا�صطالح ًا‪ :‬عمل ميار�سه الإن�سان يحتاج �إىل تدريب ق�صري(‪.)4‬‬
‫‪n‬‬
‫‪d‬‬

‫مفهوم الوظيفة‪:‬‬
‫لغ ًة‪ :‬ما يق َّدر من عمل �أو طعام �أو رزق وغري ذلك يف زمن نَّ‬
‫معي‪ ،‬وت�أتي مبعنى اخلدمة‬
‫‪l.‬‬

‫املع َّينة(‪.)5‬‬
‫وا�صطالح ًا‪ :‬وحدة من وحدات العمل تتكون من عدة �أن�شطة جمتمعة مع بع�ضها يف‬
‫‪c‬‬

‫امل�ضمون وال�شكل‪ ،‬وميكن �أن يقوم بها موظف واحد �أو �أكرث(‪.)6‬‬
‫‪o‬‬

‫(‪ )2‬امل�صري‪ :‬حممد عبدالغني‪/‬مرجع �سابق (‪.)49‬‬


‫(‪ )3‬املعجم الو�سيط )‪.(167/1‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )4‬امل�صري‪ :‬حممد عبدالغني‪/‬مرجع �سابق (‪.)50‬‬


‫(‪ )5‬املعجم الو�سيط (‪.)1042/2‬‬
‫(‪ )6‬الربعي‪ :‬د‪ .‬حممد‪ ،‬والتويجري‪ :‬د‪ .‬حممد‪/‬معجم امل�صطلحات الإداري��ة (�صفحة ‪ - 185‬فقرة‪)442 :‬‬
‫مكتبة العبيكان ‪ -‬الطبعة الأوىل ‪ 1414‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )1‬العثيمني‪�/‬أخالقيات الإدارة يف الوظيفة العامة وتطبيقاتها يف اململكة العربية ال�سعودية (‪ )65‬وحبي�ش‪/‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪48‬‬

‫�أو‪ :‬كيان نظامي يت�ضمن جمموعة من الواجبات وامل�س�ؤوليات‪ ،‬توجب على �شاغلها‬
‫التزامات معينة‪ ،‬مقابل متتعه باحلقوق واملزايا الوظيفية(‪.)1‬‬
‫وعليه ف�إن املوظف العام هو‪« :‬ال�شخ�ص الطبيعي الذي ي�شغل �إحدى الوظائف العامة‬
‫‪o‬‬

‫اخلا�ضعة لنظام اخلدمة املدنية �أو �أحد الأنظمة الوظيفية اخلا�صة كنظام الوزراء ونظام‬
‫الق�ضاء‪ ...‬وغريها‪ ،‬بال�شروط وامل�ؤهالت املطلوبة ل�شغل �أي من تلك الوظائف»(‪.)2‬‬
‫‪b‬‬
‫‪e‬‬

‫مفهوم العمل‪:‬‬
‫لغ ًة‪ :‬املهنة‪ ،‬والفعل عن ق�صد(‪.)3‬‬
‫‪ik‬‬

‫وا�صطالح ًا‪ :‬هو ما يقوم به الإن�سان من ن�شاط �إنتاجي يف وظيفة �أو مهنة �أو حرفة(‪.)4‬‬
‫لب العمل‪� ،‬سوا ًء‬
‫وهذا يبني لنا ركني العمل الأ�سا�سيني‪ :‬الن�شاط‪ ،‬والإنتاج؛ فالن�شاط هو ُّ‬
‫‪a‬‬

‫كان ن�شاط ًا ج�سدي ًا �أو ذهني ًا‪..‬‬


‫‪n‬‬

‫ولذا ف�إن الإ�سالم ال يح ِّبذ احل�صول على املكا�سب دون ن�شاط‪ ،‬ولهذا ح َّرم الإ�سالم‬
‫القمار؛ لأنه و�سيل ٌة للقعود والك�سل‪� ،‬إذ عن طريقه يح�صل الرجل على املال دون جهد �أو‬
‫‪d‬‬

‫ن�شاط‪ ،‬ف�إنه يبذل املال ل ُيبذَ ل له �أكرث منه‪.‬‬


‫‪l.‬‬

‫والركن الثاين للعمل هو هدفه‪ ،‬وهو الإنتاج‪� ،‬سواء كان �إنتاج ًا مادي ًا ك�صناعة ٍ‬
‫�شيء ما‪� ،‬أو‬
‫ا�ستخراجه من كنوز الأر�ض‪� ،‬أو معنوي ًا كالوظائف الكتابية‪� ،‬أو احلرا�سة التي يكون مردودها‬
‫‪c‬‬

‫على �إنتاج الدولة �أو امل�ؤ�س�سة �أو ال�شركة‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫الوظيفة العامة و�إدارة �ش�ؤون املوظفني ‪ -‬ن�شر املنظمة العربية للعلوم الإدارية (‪.)7‬‬
‫(‪ )2‬اخلمي�س‪/‬ورقة مقدمة لندوة «�أخالقيات العمل يف القطاعني احلكومي والأهلي» املنعقدة يف معهد الإدارة‬
‫‪m‬‬

‫العامة يف اململكة العربية ال�سعودية ‪ -‬الريا�ض يوم الثالثاء ‪ 1426/1/20‬هـ املوافق ‪2005/3/1‬م‪ ،‬بعنوان‬
‫«�أخالقيات املوظف العام» من �إعداد الأ�ستاذ‪/‬حممد بن نا�صر اخلمي�س‪.‬‬
‫(‪ )3‬املعجم الو�سيط (‪.)628/2‬‬
‫(‪ )4‬امل�صري‪ :‬حممد عبدالغني‪/‬مرجع �سابق (‪.)50‬‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬بكر القباين‪ ،‬اخلدمة املدنية فـي اململكة العربية ال�سعودية‪� ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪49‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫ويعرف بع�ضهم العمل ب�أنه‪« :‬جمموعة حمددة من الواجبات وامل�س�ؤوليات‪ ،‬يلزم للقيام‬
‫بها توافر ا�شرتاطات معينة فـي �شاغلها تتفق مع نوعها و�أهميتها وت�سمح بتحقيق الهدف من‬
‫�إيجادها»(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬
‫‪b‬‬
‫‪e‬‬
‫‪ik‬‬
‫‪a‬‬
‫‪n‬‬
‫‪d‬‬
‫‪l.‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬

‫ويوحد بع�ض الباحثني تعريف العمل مع تعريف الوظيفة العامة املتقدم‪ ،‬انظر‪ :‬ال�سعدان‪/‬مرجع �سابق‪.‬‬
‫ِّ‬
‫(‪ )1‬املطريي‪/‬حزام بن ماطر‪ :‬الإدارة الإ�سالمية‪ :‬املنهج واملمار�سة‪ .‬الريا�ض‪ :‬مطابع الفرزدق‪ ،‬توزيع دار‬
m
o
c
l.
d
n
a
ik
e
b
o
‫‪51‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫الف�صل الرابع‬
‫مفهوم الإدارة يف الإ�سالم وعنا�صرها‬
‫‪o‬‬

‫املبحث الأول‪ :‬مفهوم الإدارة يف الإ�سالم‪:‬‬


‫‪b‬‬

‫هناك عدة تعريفات للإدارة الإ�سالمية‪ ،‬منها �أنها‪ :‬الإدارة التي يتحلى �أفرادها قيادة‬
‫‪e‬‬

‫وجماعات‪ ،‬رجا ًال ون�سا ًء‪ ،‬بالعلم والإميان عند �أدائهم لأعمالهم املوكلة �إليهم‬
‫ٍ‬ ‫و�أتباع ًا‪� ،‬أفراد ًا‬
‫على اختالف م�ستوياتهم وم�س�ؤولياتهم يف الدولة الإ�سالمية(‪.)1‬‬
‫‪ik‬‬

‫ومنها �أي�ض ًا‪� :‬أنها الإدارة التي يقوم �أفرادها بتنفيذ اجلوانب املختلفة للعملية الإدارية‬
‫(التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة)‪ ،‬على جميع امل�ستويات وفق ًا لل�سيا�سة ال�شرعية(‪.)2‬‬
‫‪a‬‬

‫والفرق بني التعريفني �أن الأول يركز على الأخالق الإ�سالمية للموظف بذاته‪ ،‬والثاين‬
‫يركز على مطابقة العمل لل�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬وال�صحيح اجلمع بني االثنني‪ ،‬بحيث ي�صبح‬
‫‪n‬‬

‫التعريف كالآتي‪:‬‬
‫‪d‬‬

‫الإدارة التي يتحلى �أفرادها بال�سلوك الإ�سالمي عند �أدائهم لأعمالهم‪ ،‬ويقومون‬
‫بواجباتهم الوظيفية بجميع م�ستوياتها وفقاً لل�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫هذا تعريف الإدارة الإ�سالمية‪� ،‬أما تعريف الإدارة البحتة‪ ،‬فهي‪ :‬الو�صول �إىل الأهداف‬
‫العامة‪ ،‬عن طريق ا�ستخدام القوى الب�شرية واملوارد املادية املتاحة ب�أ�ساليب علمية‪ ،‬لرفع‬
‫‪c‬‬

‫الكفاية الإنتاجية املنظمة‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫ويت�ضح الفرق بني تعريف الإدارة الإ�سالمية وتعريف الإدارة البحتة‪ ،‬ب�أن الإدارة‬
‫الإ�سالمية تربط الإدارة بالغاية التي يعي�ش لها امل�سلم وهي عبادة اهلل تعاىل وعمارة الكون‬
‫‪m‬‬

‫يف �ضوء هذه العبادة‪.‬‬


‫الندوة العاملية لل�شباب الإ�سالمي‪ ،‬ط‪ 1417 ،1‬هـ‪1997/‬م‪� .‬ص (‪.)22‬‬
‫(‪ )2‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (النفقات‪/‬حب�س نفقة الرجل قوت �سنة على �أهله ‪ )5042 -‬وم�سلم (اجلهاد‪/‬حكم الفيء‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪52‬‬

‫فاملهم يف التعريفات الإدارية املجردة الو�صول �إىل الإنتاج املادي‪ ،‬بغ�ض النظر عن‬
‫الو�سائل‪ ،‬وهنا تتميز الإدارة الإ�سالمية حني تنظر �إىل الإنتاج على �أنه و�سيلة لعبادة اهلل‪،‬‬
‫يجب �أن ال يتعار�ض مع الهدف والغاية‪ ،‬ويكون من�ضبط ًا ب�شروطها‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬عنا�صر الإدارة يف الإ�سالم‪:‬‬


‫‪b‬‬

‫ال تختلف عنا�صر الإدارة يف الإ�سالم عن عنا�صر الإدارة يف الأنظمة الإدارية‪� ،‬إال �أنها‬
‫تتميز بارتباطها بالهدف‪ ،‬وهو حتقيق عبادة اهلل �سبحانه‪ ،‬وب�أنها م�ؤ�صلة ت�أ�صي ًال �شرعي ًا‬
‫‪e‬‬

‫يك�سبها قوة وثبات ًا‪ ،‬مينعانها من ال�ضعف �أو التغري على مدى الأزمان‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫العن�صر الأول‪ :‬التخطيط‪ :‬وهو �أول و�أهم �أ�سا�سيات العمل الإداري‪ ،‬ويت�ضمن بناء‬
‫وت�صميم الربامج الالزمة لإجناز �أهداف امل�ؤ�س�سة من خالل اال�ستثمار الكفء ملواردها‬
‫‪a‬‬

‫املادية والب�شرية‪.‬‬
‫ويت�ضح التخطيط يف الكتاب وال�سنة من خالل ق�صة يو�سف ÷‪ ،‬حني و�ضع خطة‬
‫‪n‬‬

‫اقت�صادية مل�صر كفلت للبالد النجاة من �ضائقة اقت�صادية وطنية‪ ،‬وحققت له الأمن‬
‫‪d‬‬

‫االقت�صادي يف امل�ستقبل‪ ،‬وذلك يف ت�أويله لر�ؤيا امللك حني قال‪ :‬ﱫﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬


‫ﮄﮅﮆﮇﮈ ﮉﮊﮋ*ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮔ ﮕﮖﮗﮘ ﮙﮚ‬
‫‪l.‬‬

‫ﮛ * ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﱪ [يو�سف‪]49-47 :‬‬

‫كان ي َّدخر لأهله قوت �سنة(‪.)1‬‬ ‫ويف ال�سنة �أنه‬


‫‪c‬‬

‫وكان يخطط للغزوات التي يغزوها‪ ،‬ويع ّد لها العدة‪ ،‬وكان يخطط للدعوة �إىل‬
‫‪o‬‬

‫اهلل تعاىل مبرا�سـلة امللوك‪ ،‬وبعـث �أ�صحابه للبلدان املجاورة ملحاولة ك�سب الأن�صار‬
‫‪m‬‬

‫ون�شر الدعوة‪.‬‬
‫ي�ستثمر طاقات �أ�صحابه يف هذه اخلطط‪ ،‬كل ح�سب مهارته‪.‬‬ ‫وكان‬
‫‪ )1757 -‬عن عمر ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه �أبو داود (‪ )215/4‬عن عبداهلل بن زمعة ‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫مفاهيم عامة‬

‫العن�صر الثاين‪ :‬التنظيم‪ :‬ويت�ضمن حتديد اخلطوات واملهام والوظائف التي ينبغي‬
‫�إجنازها‪ ،‬واملواد الواجب توفريها لتحقيق الأهداف املبتغاة‪.‬‬
‫والتنظيم يف املهام يف القر�آن الكرمي يت�ضح من خالل ق�صة �سليمان ÷ الذي كان قد‬
‫‪o‬‬

‫وظف كل �شخ�ص حتت يده يف مهمة مع َّينة‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﱫﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫َّ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫‪b‬‬

‫*ﯢﯣﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ‬


‫ﯶﱪ [�سب أ� ‪]13 - 12‬‬
‫‪e‬‬

‫ﱫﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫وكلف الهدهد مبهمة �إر�سال الر�سالة‪:‬‬


‫‪ik‬‬

‫ﮛﱪ [النمل‪]28 :‬‬

‫والتنظيم كان موجود ًا يف الإدارة النبوية؛ حيث كانت املهام موزَّعة على ال�صحابة‪،‬‬
‫وك ٌّل منهم يعرف ما املطلوب منه يف الربامج املنفذة‪ ،‬فاخلطيب وال�شاعر والقائد واملفاو�ض‬
‫‪a‬‬

‫واملراقب والطبيب املعالج والكاتب واملقرئ واملع ِّلم وامل�ؤذن وامل�ست�شار‪ ،‬كل ذلك كان يف‬
‫‪n‬‬

‫�أ�صحاب النبي ب�شكل موزَّع بانتظام‪ ،‬بحيث ال يتع َّدى �أح ٌد على مهام �آخر‪.‬‬
‫ال�صديق ي�صلي بالنا�س‪ ،‬وت�أخر‬ ‫ِّ‬ ‫وعلى �سبيل املثال‪ :‬ملا مر�ض النبي كان �أبو بكر‬
‫‪d‬‬

‫�أبو بكر مرة‪ ،‬ف�صلى عمر‪ ،‬فقال وهو يف بيته (ي�أبى اهلل ذلك وامل�سلمون) ثالث ًا(‪.)1‬‬
‫‪l.‬‬

‫العـنـ�صر الثـالث‪ :‬الـتوجـيـه‪ :‬وي�شمل مراقبة وتدريب وتقومي و�إدارة الأفراد‪.‬‬


‫واملراقبة يف القر�آن الكرمي يف ق�صة �سليمان ÷ حني فقد الهدهد فقال‪ :‬ﱫﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫‪c‬‬

‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ * ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﱪ [النمل‪:‬‬
‫‪]21 - 20‬‬
‫‪o‬‬

‫ويف ال�سنة النبوية كان يق ِّوم �أعمال ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم يف وظائفهم‪ ،‬كما م َّر‬
‫‪m‬‬

‫النبي على بائع يظهر اجليد من الطعام يف الأعلى‪ ،‬ويخفي الرديء يف الأ�سفل‪ ،‬فقال‬
‫غ�ش فلي�س مني»(‪ .)2‬فهذه املراقبة‪.‬‬
‫«�أفال جعلته فوق الطعام لرياه النا�س‪ ،‬من ّ‬

‫(‪ )2‬رواه م�سلم (الإميان‪/‬قول النبي من غ�شنا فلي�س منا ‪ )102 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه �أبو داود (‪ )301/3‬وابن حبان يف �صحيحه (‪ )451/11‬ب�سند ح�سن‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪54‬‬

‫وكان يد ِّربهم على العمل‪ ،‬كما قال النبي لعلي عندما بعثه �إىل اليمن قا�ضي ًا (�إذا‬
‫تق�ض بينهم حتى ت�سمع من الآخر كما �سمعت من الأول‪ ،‬ف�إنه‬
‫جل�س بني يديك اخل�صمان فال ِ‬
‫�أحرى �أن يتبني لك الق�ضاء)(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫يرت�سل يف الأذان ويحدر يف الإقامة(‪ ،)2‬ويلتفت يف احليعلتني(‪.)3‬‬


‫�أن َّ‬ ‫وكما ع َّلم بال ًال‬
‫‪b‬‬

‫العن�صر الرابع‪ :‬ال�ضبط‪ :‬ويخت�ص بو�ضع الإجراءات الكفيلة بت�صحيح الأخطاء التي‬
‫ت�صيب الأداء‪ ،‬مع العمل على تفادي هذه الأخطاء م�ستقب ًال‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫العن�صر اخلام�س‪ :‬التن�سيق‪ :‬وهو التعاون بني �أع�ضاء وقطاعات امل�ؤ�س�سة حلماية‬
‫‪ik‬‬

‫مواردها من الإهدار نتيجة تداخل الأعمال وامل�س�ؤوليات‪ .‬و�سبق ذكر �شيء من ذلك يف‬
‫�إدارة النبي ‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬عالقة الإدارة ب�أخالقيات املهنة‪:‬‬


‫‪n‬‬

‫لتو�ضيح العالقة بني الإنتاجية اجليدة وو�ضع العمال �أجرى عامل االقت�صاد الإجنليزي‬
‫�آدم �سميث يف منت�صف القرن الثامن ع�شر امليالدي درا�سة عن �أ�سباب ازدهار وتدهور‬
‫‪d‬‬

‫ثروات الأمم‪ ،‬فالحظ يف كتابه (ثروة الأمم) االرتباط الوثيق بني جودة الإنتاج وغزارته‪،‬‬
‫واالرتباط بني عدم جودته و�ض�آلته‪ ،‬وتو�صل �إىل �أن �سبب التفاوت يعود �إىل و�ضع العاملني بني‬
‫‪l.‬‬

‫حالتي الإلزام وااللتزام‪ ،‬فالذي يعمل ب�أخالقيات املهنة بدافع االلتزام يكون دقيق الإنتاج‬
‫وغزيره‪� ،‬أما الذي يعمل بدافع الإلزام فهو ركيك الإنتاج و�ضئيله(‪.)4‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬

‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )373/1‬و�ض َّعفه‪ ،‬وله �شواهد (الأذان لأ�سامة القو�صي‪.)80 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (الأذان‪/‬هـل يتتبع امل�ؤذن فاهههـنا وههنا وهـل يلتفت يف الأذان ‪ )608 -‬وم�سلم (ال�صالة‪/‬‬
‫�سرتة امل�صلي ‪ )503 -‬عن �أبي جحيفة ‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )4‬احلميد‪/‬ورقة مقدمة لندوة «�أخالقيات العمل يف القطاعني احلكومي والأهلي» املنعقدة يف معهد الإدارة‬
‫العامة يف اململكة العربية ال�سعودية ‪ -‬الريا�ض يوم الثالثاء ‪ 1426/1/20‬هـ املوافق ‪2005/3/1‬م‪ .‬بعنوان «دور‬
‫وزارة العمل يف تنظيم و�ضبط �أخالقيات العمل يف القطاع اخلا�ص» من �إعداد د‪ .‬عبدالواحد بن خالد‬
‫احلميد‪.‬‬
‫‪o‬‬
‫‪b‬‬
‫‪e‬‬
‫‪ik‬‬

‫الباب الثاين‬
‫‪a‬‬
‫‪n‬‬

‫الأخالق الوظيفية‬
‫‪d‬‬
‫‪l.‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬
m
o
c
l.
d
n
a
ik
e
b
o
‫‪57‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫مدخل‬
‫‪o‬‬

‫الأخالق الوظيفية جزء من الأخالق الإ�سالمية العامة‪ ،‬لذا ف�إن من ين�سجم مع الأخالق‬
‫الإ�سالمية �أو يتعار�ض معها‪ ،‬فهو كذلك مع الأخالق الوظيفية‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف �أنظمة اململكة‬
‫‪b‬‬

‫العربية ال�سعودية الوظيفية املبنية على ال�شريعة الإ�سالمية كما ي�أتي‪.‬‬


‫‪e‬‬

‫والأنظمة الوظيفية يف العامل ب�شكل عام تطبق الأخالق الوظيفية املتوافقة مع الأخالق‬
‫الإ�سالمية؛ وذلك �أن العقل الب�شري ال�سليم يهدي �إىل احلق �إذا جت َّرد‪ ،‬والأنظمة الوظيفية يف‬
‫‪ik‬‬

‫العامل ال ي�ضعها �شخ�ص واحد‪ ،‬و�إمنا ي�ضعها جمموعة من املتخ�ص�صني بعد درا�سة وبحث‪،‬‬
‫فيندر �أن يتفقوا على خمالفة الأخالق الإن�سانية التي هي يف الأ�صل �أخالق �إ�سالمية‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫لذا ف�إن الت�شابه الذي قد يجده القارئ يف تناول الأخالق الوظيفية مع الأخالق الإ�سالمية‬
‫العامة غري م�ستغرب؛ ملا ذكرت �سابق ًا من االتفاق بينهما يف امل�صدر‪ ،‬ويف امل�ضمون‪� ،‬إال‬
‫‪n‬‬

‫�أنني لن �أ�ستطرد يف ذكر جميع الأخالق الإ�سالمية لأربطها بالوظيفة؛ لأن ذلك لي�س هدف‬
‫‪d‬‬

‫البحث‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أن فيه نوع ًا من التكلف‪ ،‬ولكني �س�أقت�صر على الأخالق التي لها عالقة‬
‫مبا�شرة بالوظيفة‪� ،‬أو قد ن�صَّ ت عليها الأنظمة الوظيفية‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫وقد يقول قائل‪� :‬إن كل الأخالق الإ�سالمية يحتاجها املوظف يف وظيفته؛ لأن املوظف ع�ض ٌو‬
‫‪c‬‬

‫يف املجتمع امل�سلم‪ ،‬مطلوب منه �أن يلتزم بهذا اخللق‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أن الأخالق الإ�سالمية كلها‬
‫لها ت�أثري على �أداء املوظف يف وظيفته‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫وقد �أتَّفق مع هذا القائل‪ ،‬لكن هذا الت�أثري بع�ضه مبا�شر‪ ،‬وبع�ضه غري مبا�شر‪ ،‬فال‬
‫‪m‬‬

‫داعي حل�شر كل الأخالق يف مثل هذا البحث املخت�ص بالأخالق الوظيفية املبا�شرة‪ ،‬وتكثري‬
‫احلديث فيما حمله مكان �آخر؛ فمن الأخالق الإ�سالمية املحمودة الإح�سان �إىل اجلار‪ ،‬وبر‬
‫الوالدين‪ ،‬والرحمة باحليوان‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وهذه الأخالق االجتماعية ال �صلة لها بالوظيفة‬
‫بطريق مبا�شر‪ ،‬لذا ف�إن اجتاه البحث للتخ�ص�ص هو املطلوب‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪58‬‬

‫وااللتزام بالأخالق عموم ًا �شيء‪ ،‬وااللتزام بها للوظيفة �شي ٌء �آخر‪ ،‬مبعنى �أن بع�ض‬
‫املوظفني ملتزم بالأخالق الوظيفية املحمودة‪ ،‬ولكنه قد يكون غري ملتزم بالأخالق الإ�سالمية‬
‫يف حياته العامة �أو االجتماعية‪ ،‬وهذا ُي�شكر على ح�سن �أدائه الوظيفي‪ ،‬وين�صح با�ستكمال‬
‫بقية الأخالق يف حياته العامة‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫عي النبي خالد بن الوليد قائد ًا لبع�ض ال�سرايا‪،‬‬ ‫ْولأ�ضرب مثا ًال على ذلك‪ :‬عندما نَّ‬
‫‪b‬‬

‫مق�صر يف بع�ض �أخالقه العامة‪ ،‬وقد حدثت منه هنات عاتبه عليها ر�سول اهلل‬ ‫كان يعلم �أنه ِّ‬
‫‪ ،‬كا�ستعجاله يف قتل بع�ض امل�سلمني يف �إحدى ال�سرايا‪ ،‬وقول ر�سول اهلل ‪( :‬اللهم �إين‬
‫‪e‬‬

‫�أبر أ� �إليك مما �صنع خالد)(‪ ،)1‬واجتهاده يف قتل بع�ض امل�شركني بغري �إذن يوم فتح مكة(‪،)2‬‬
‫‪ik‬‬

‫و�س ِّبه بع�ض ال�صحابة‪ ،‬وقول ر�سول اهلل له‪( :‬الت�س ُّبوا �أ�صحابي)(‪.)3‬‬
‫مت�سك النبي‬ ‫ولكن هذا ال مينع �أن يكون خالد �أف�ضل من غريه يف هذا املن�صب‪ ،‬لذا َّ‬
‫‪a‬‬

‫به‪ ،‬ودافع عنه عندما تكلم بع�ض النا�س فيه‪ ،‬فقال ÷‪�( :‬إنكم تظلمون خالد ًا‪ ،‬ف�إنه قد‬
‫احتب�س �أدراعه و�أعتاده يف �سبيل اهلل)(‪.)4‬‬
‫‪n‬‬

‫و�أحد �أهداف هذا البحث �أن يكون التزام املوظف بالأخالق الوظيفية �صادر ًا عن‬
‫‪d‬‬

‫اجتاه �إ�سالمي؛ ذلك �أن هذه الأخالق الوظيفية املحمودة �أ�صولها �إ�سالمية‪ ،‬فعند ذاك‬
‫ي�شعر املوظف بانتمائه الإ�سالمي‪ ،‬وتزداد ثقته بالأنظمة التي تقرر هذه الأخالق‪ ،‬ويقوى‬
‫‪l.‬‬

‫التزامه بها‪.‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬

‫خالد بن الوليد �إىل بني جذمية‬ ‫(‪ )1‬رواه البخاري عن ابن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪( .‬املغازي‪/‬بعث النبي‬
‫‪.)4084 -‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪� )2‬سرية ابن هـ�شام (‪ )38/4‬وفتح الباري (‪.)11/8‬‬

‫(‪ )3‬رواه البخاري (ف�ضائل ال�صحابة‪/‬قول النبي لو كنت متخذ ًا خلي ًال ‪ )3470 -‬وم�سلم (ف�ضائل‬
‫ال�صحابة‪/‬حترمي �سب ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم ‪ )2541 -‬عن �أبي �سعيد اخلدري ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (الزكاة‪/‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﱫﮩ ﮪﱪ ‪ )1399 -‬وم�سلم (الزكاة‪/‬تقدمي الزكاة ومنعها‬
‫‪ )983 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الف�صل الأول‬
‫الأخالق الوظيفية املحمودة‬
‫‪o‬‬

‫اخل ُلق الأول‪ :‬الأمانة‪:‬‬


‫‪b‬‬

‫تعريف الأمانة‪ :‬يف اللغة‪ :‬هي طم�أنينة النف�س وزوال اخلوف(‪.)1‬‬


‫‪e‬‬

‫ـعف بـه الإنـ�سان عـما لـيـ�س لـه بـه حـق‪ ،‬ويـ�ؤدي مـا عليه من‬
‫ويف اال�صـطالح‪ :‬هـي خـلق ي ّ‬
‫احلقوق(‪.)2‬‬
‫‪ik‬‬

‫فمن �أمانة الإن�سان �أن يتعفف عن الأموال والأعرا�ض التي ال حتل له‪ ،‬ومن �أمانته �أن ي�ؤدي‬
‫ما عليه من حقوق جتاه اهلل واخللق �أجمعني‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫عظم الأمانة‪ :‬والأمانة حم ٌل عظيم ناءت به ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱫﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﱪ‬
‫‪n‬‬

‫[الأحزاب‪. ]72 :‬‬


‫‪d‬‬

‫والأمانة املرادة يف الآية الكرمية هي التكليف‪ ،‬حيث حتملها الإن�سان لظلمه لنف�سه وجهله‬
‫ري من بني �آدم مل يتحملوا الأمانة؛ ولكن منهم من حت َّملها و�أ َّداها كما يجب‪،‬‬
‫بعظمها‪ ،‬وكث ٌ‬
‫‪l.‬‬

‫كالأنبياء والدعاة والعلماء الربانيني من كل جيل‪.‬‬


‫اهتمام الإ�سالم بها‪ :‬اهتم الإ�سالم بالأمانة حتى نفى النبي الإميان عمن ال �أمانة‬
‫‪c‬‬

‫له‪ ،‬يف قوله‪( :‬ال �إميان ملن ال �أمانة له)(‪ ،)3‬وهذا يدل على ارتباط الإميان بالتوحيد‪ ،‬و�أنها‬
‫‪o‬‬

‫ت�صدر من اعتقاد امل�سلم باملرجعية يف �أمانته‪ ،‬و�أن اهلل تعاىل هو الذي يحدد له جماالت‬
‫�أمانته وكيفيتها‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬املفردات للراغب (‪ )25‬ومعجم مقايي�س اللغة (‪ )133/1‬ومو�سوعة ن�ضرة النعيم (‪.)507/3‬‬
‫(‪ )2‬نحوه يف‪ :‬الأخالق الإ�سالمية و�أ�س�سها لل�شيخ عبدالرحمن حبنكة امليداين (‪ )645/1‬ومو�سوعة ن�ضرة النعيم‬
‫(‪.)509/3‬‬
‫ٍ‬
‫ب�سند �صحيح (في�ض القدير‪،)381/6 :‬‬ ‫(‪ )3‬رواه �أحمد (‪ )210 ،154،135/3‬وابن حبان (‪ )422/1‬عن �أن�س‬
‫واملق�صود باحلديث نفي الإميان الكامل‪ ،‬ال نف ُيه بالك ِّلية‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪60‬‬

‫ومن اهتمام الإ�سالم بالأمانة ورود عدة �آيات قر�آنية تتحدث عنها‪ ،‬وكثري من الأحاديث‬
‫التي ت�ش ِّرعها وتبني تطبيقها(‪ ،)1‬ومن �أهمية الأمانة �أنها كانت من �أبرز �صفات الر�سل‬
‫والأنبياء عليهم ال�صالة وال�سالم‪ ،‬فنوح‪ ،‬وهود‪ ،‬و�صالح‪ ،‬ولوط‪ ،‬و�شعيب عليهم ال�سالم ك ٌّل‬
‫‪o‬‬

‫منهم كان يقول لقومه‪ :‬ﱫﯽ ﯾ ﯿ ﰀﱪ [�سورة ال�شعراء‪ ]107 :‬ذلك �أن تبليغ الر�سالة‬
‫يحتاج �إىل درجة عالية من الأمانة؛ لأن اخللل �أو اخليانة فيها �أعظم من غريها بكثري‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫ونبينا حممد كان يعرف بالأمني قبل النب َّوة‪ ،‬وبعد حمله الر�سالة م َّثل الأمانة حق‬
‫متثيل‪ ،‬حتى وكَّل علي ًا ب�أداء الأمانات لأهل مكة بعد �أن طردوه منها(‪ ،)2‬ووقف النبي‬
‫‪e‬‬

‫يف �آخر حياته على املنرب‪ ،‬وطلب من امل�سلمني �أن ي�أخذوا حقهم منه ÷ حد ًا �أو ما ًال‪،‬‬
‫‪ik‬‬

‫ليغادر الدنيا وال تبعة عليه لأحد(‪.)3‬‬


‫ومن �أهمية الأمانة ومكانتها يف الإ�سالم‪� ،‬أن اخليانة ‪-‬التي هي عك�س الأمانة‪ -‬ال‬
‫‪a‬‬

‫تكون من امل�ؤمن و�إمنا هي من خ�صال املنافقني‪ ،‬قال (يطبع امل�ؤمن على كل خلة‪ ،‬غري‬
‫اخليانة والكذب)(‪ ،)4‬وقال (�آية املنافق ثالث‪� :‬إذا ح َّدث كذب‪ ،‬و�إذا وعد �أخلف‪ ،‬و�إذا ا�ؤمتن‬
‫‪n‬‬

‫خان)(‪.)5‬‬
‫‪d‬‬

‫جماالت الأمانة‪ :‬الأمانة جما ٌل وا�سع‪ ،‬فالعبادات �أمانة‪ ،‬والأبناء �أمانة‪ ،‬والأموال �أمانة‪،‬‬
‫والكلمة �أمانة‪ ،‬والوظيفة �أمانة‪ ،‬واحلكم �أمانة‪ ،‬وقوله �سبحانه‪ :‬ﱫﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫‪l.‬‬

‫ﭫﭬﭭﭮﭯﱪ [الأنفال‪ ]27 :‬يدل على �أنها �أمانات ال �أمانة واحدة‪.‬‬


‫كما �أن قوله تعاىل‪ :‬ﱫﯙ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﱪ [الن�ساء‪ ]58 :‬يدل على وجوب‬
‫‪c‬‬

‫�أداء جميع �أنواع الأمانة‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫(‪ )1‬انظر ح�صر ًا جيد ًا لها يف‪ :‬مو�سوعة ن�ضرة النعيم يف مكارم �أخالق الر�سول الكرمي (‪.)521 - 3/512‬‬
‫(‪ )2‬ال�سنن الكربى للبيهقي (‪.)289/6‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )3‬رواه الطرباين املعجم الكبري‪ (280/18) :‬و�أبو يعلى عن الف�ضل بن عبا�س‪ ،‬ورجال �أبي يعلى ثقات‬
‫(جممع الزوائد ‪.)27/9‬‬
‫(‪ )4‬رواه البزار (‪ )340/3‬و أ�ب��و يعلى املعجم‪ )152/1( :‬عن �سعد ‪ ،‬ورجاله رجال ال�صحيح‪( .‬جممع‬
‫الزوائد‪.)92/1 :‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه عن �أبي هريرة وتقدم‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الأمانة الوظيفية‪ :‬الأمانة الوظيفية ت�شمل‪ :‬الأمانة املالية‪ ،‬والأمانة العلمية‪ ،‬والأمانة يف �أداء‬
‫العمل‪ ،‬والأمانة يف الوثائق‪ ،‬والنبي كان حري�ص ًا على تولية الأمناء؛ فقد قال لأهل جنران‬
‫(لأبعثن عليكم �أمين ًا حق �أمني)‪ .‬فا�ست�شرف له النا�س‪ ،‬فبعث �أبا عبيدة بن اجلراح (‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫و�س�أقت�صر هنا على النوعني الأولني؛ لأن النوعني الآخرين �سريد ذكرهما يف �صفات �أخرى‪.‬‬
‫حمبوب للإن�سان‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﮰ‬
‫ٌ‬ ‫الأمانة يف املال‪ :‬من �أعظم الأمانة؛ لأن املال‬
‫‪b‬‬

‫ﮱ ﯓﯔﱪ [العاديات‪ ،]8 :‬وقال عز وجل‪ :‬ﱫﯝﯞﯟﯠﱪ [الفجر‪ ]20 :‬وقال‬


‫‪�( :‬إن لكل �أمة فتنة‪ ،‬و�إن فتنة �أمتي املال)(‪.)2‬‬
‫‪e‬‬

‫والأموال تغري الإن�سان موظف ًا وغريه على �أخذها �إذا َّ‬


‫تي�سرت بني يديه‪ ،‬ولذا ملا كان �أيوب‬
‫‪ik‬‬

‫÷ يغت�سل خ ّر عليه جراد من ذهب‪ ،‬فجعل �أيوب يحتثي يف ثوبه فناداه ربه‪« :‬يا �أيوب �أمل‬
‫�أكن �أغنيتك عما ترى؟ قال‪ :‬بلى وعزتك ولكن ال غنى بي عن بركتك»(‪.)3‬‬
‫‪a‬‬

‫تخ�ص �شخ�ص ًا �آخر فال يجوز التعدي عليها دون �إذنٍ منه‪ ،‬قال‬
‫ولكن �إذا كانت الأموال ّ‬
‫�سبحانه‪ :‬ﱫﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﱪ [البقرة‪ ]188 :‬وقال ‪( :‬ال يح ّل مال امرئٍ م�سلم‬
‫‪n‬‬

‫نف�س منه)(‪.)4‬‬
‫�إال بطيب ٍ‬
‫‪d‬‬

‫وكما �أن الإن�سان ال يحب �أن يتعدى �أحد على �أمواله اخلا�صة‪ ،‬ف�إنه كذلك يجب �أن ال‬
‫يتعدى على مال غريه‪ ،‬ولي�س�أل الآخذ مال غريه نف�سه‪ :‬هل �صاحب ال�شركة �أو امل�ؤ�س�سة �أتاه‬
‫‪l.‬‬

‫ماله بالراحة‪� ،‬أم �أنه يف الغالب تعب حتى ح�صل على هذا املال‪ ،‬فكذلك هو يجب �أن ي�ؤدي‬
‫عمله بج ّد حتى يح�صل على املال(‪.)5‬‬
‫‪c‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه عن حذيفة ‪( .‬البخاري‪ :‬املناقب‪/‬مناقب �أبي عبيدة بن اجلراح ‪ ،3535 -‬وم�سلم‪ :‬ف�ضائل‬
‫‪o‬‬

‫ال�صحابة‪/‬ف�ضائل �أبي عبيدة بن اجلراح ‪.)2420 -‬‬


‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )569/4‬واحلاكم (‪ )7896/4‬و�صححاه ووافقهما الذهبي وابن عبدالرب (في�ض القدير‬
‫‪ ،)507/2‬عن كعب بن عيا�ض الأ�شعري ‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )3‬رواه البخاري (الغ�سل‪/‬من اغت�سل عريان ًا وحده يف اخللوة ‪ )275 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الدارقطني (‪ )26/3‬عن �أن�س ‪ ،‬ورواه �أحمد (‪ )113/5‬عن عمرو بن يرثبي‪ ،‬ورجال �أحمد ثقات‪.‬‬
‫(جممع الزوائد‪.)171/4 :‬‬
‫(‪� )5‬أقول (يف الغالب) لأن هـناك بع�ض �أ�صحاب الأموال ومديري ال�شركات مل يتعبوا يف احل�صول على املال‪،‬‬
‫بل جاءهم بطريق �سهل‪ ،‬كالإرث‪� ،‬أو املح�سوبية‪� ،‬أو غريهما‪ ،‬ولكن الغالب هو الأول‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪62‬‬

‫وهل الدولة ح�صلت على هذه الأموال �إال ٍ‬


‫بجهد من املواطنني �أجمعهم‪ ،‬فكيف ي�ست�أثر هو‬
‫بجهد غريه؟!‬
‫فالأموال التي ي�ؤمتن عليها املوظف يف العمل‪� ،‬سواء كان مدير ًا له حق الت�صرف يف‬
‫‪o‬‬

‫امليزانية‪� ،‬أو �أمني �صندوق‪� ،‬أو موظف ح�سابات‪� ،‬أو غريهم‪ ،‬ف�إنها وديعة بيده يجب �أن يحافظ‬
‫عليها‪ ،‬وال يت�صرف فيها �إال فيما فيه م�صلحة العمل‪� ،‬سواء كان العمل عام ًا �أي حكومي ًا ــ‪� ،‬أو‬
‫‪b‬‬

‫خا�ص ًا �أي �أهلي ًا(‪)1‬‬


‫ّ‬
‫‪e‬‬

‫وغني عن القول �أن الأموال لي�ست بال�ضرورة �أن تكون �سائلة‪ ،‬بل كل الأموال ولو �أعيان ًا‬ ‫ٌّ‬
‫كال�سيارات والأجهزة والأدوات والعدد وغريها‪ ،‬تع ّد �أموا ًال مملوكة للدولة �أو امل�ؤ�س�سة‪ ،‬ال‬
‫‪ik‬‬

‫وغني عن القول �أي�ض ًا �أن الأموال قليلها وكثريها حرام بغري‬ ‫يحق الت�صرف فيها �إال ب�إذن‪ٌّ .‬‬
‫حق‪ ،‬من القلم الر�صا�ص والورق حتى ال�سيارات!‬
‫‪a‬‬

‫وهذا وا�ضح من العموم يف قوله ‪( :‬ال يحل مال امرئ م�سلم �إال بطيب نف�س منه) ومل‬
‫يف ِّرق بني القليل والكثري‪ ،‬وقوله ‪( :‬ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى ي�س�أل عن عمره فيما‬
‫‪n‬‬

‫�أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من �أين اكت�سبه وفيم �أنفقه وعن ج�سمه فيم �أباله)(‪.)2‬‬
‫‪d‬‬

‫وكم من اقت�صاد دول ٍة انهار ب�سبب االختال�سات وال�سرقات واخليانات املالية‪ ،‬و�س� ِّ‬
‫أف�صل‬
‫القول يف االختال�س يف ال�صفات املذمومة‪ ،‬ولكن �أكتفي هنا مبثال واحد‪:‬‬
‫‪l.‬‬

‫قال الكاتب‪� /‬إدري�س الكنبوري(‪:)3‬‬


‫«�إن الر�أ�سمالية الأمريكية بد�أت تت�آكل من داخلها‪ ،‬و�أخذ االنهيار يدب يف �أو�صالها بعد‬
‫‪c‬‬

‫تالحق �سقوط كربيات ال�شركات التي ينه�ض عليها االقت�صاد الأمريكي احلديث‪ ،‬فبعد انهيار‬
‫‪o‬‬

‫�شركة «انرون» العمالقة للطاقة يف (دجنرب) من العام املا�ضي‪ ،‬وقبلها �شركة الكهرباء‬
‫(‪ )1‬الفرق بني امل�صلحة احلكومية وامل�صلحة اخلا�صة �أن مالك امل�صلحة اخلا�صة كمالك امل�صنع �أو املتجر �أو‬
‫‪m‬‬

‫نحوهما له �أن يت�صرف مبا ي�شاء من ماله بال�ضوابط ال�شرعية املعروفة‪ ،‬وال يحتاج �إىل �إذنٍ من �أحد‪� ،‬أما‬
‫أحد �أن يت�صرف يف �أموالها كما ي�شاء ولو كان احلاكم نف�سه؛ لأن املال فيها‬ ‫امل�صلحة احلكومية فلي�س ل ٍ‬
‫وقف للم�سلمني ولي�س ملك ًا �شخ�صي ًا‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )612/4‬عن �أبي برزة الأ�سلمي و�صححه‪.‬‬
‫(‪ )3‬مرا�سل موقع الإ�سالم اليوم يف الرباط‪ ،‬مقال يف ‪ 1423/8/18‬هـ املوافق ‪ 2002/10/24‬م‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الكاليفورنية ال�ضخمة يف �أبريل ‪ ،2000‬ها هي �شركة «وورلدكوم» لالت�صاالت الإلكرتونية‬


‫تلتحق هي الأخرى مب�سل�سل االنهيارات‪ ،‬ليدخل االقت�صاد الأمريكي �أزمة ال �سابق لها يف‬
‫تاريخ الر�أ�سمالية‪ ،‬تعد �أكرب حجم ًا و�أعمق ت�أثري ًا من �أزمة الثالثينيات من القرن املا�ضي‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫لقد جاء �إفال�س �شركة «انرون» نتيجة عملية اختال�س كبرية قدرت ب�أكرث من ‪ 20‬مليار‬
‫دوالر! بينما انهارت �شركة «وورلدكوم» ب�سبب عملية تزوير يف احل�سابات لفائدة بع�ض‬
‫‪b‬‬

‫املديرين قدر مبلغها بنحو ‪ 38‬مليار دوالر! �أي �أن وراء االنهيار ق�ضية ا�سمها (الف�ساد املايل)‪،‬‬
‫وهي ظاهرة �أ�صبحت جزء ًا من املنظومة الر�أ�سمالية التي تقوم على تقدي�س الربح واقتنا�ص‬
‫‪e‬‬

‫فر�ص احلظ ب�أي ثمن‪ ،‬وعلى اجل�شع وال�سم�سرة»‪.‬‬


‫‪ik‬‬

‫(‪)google‬‬ ‫ويكفي �أن تكتب جملة «بتهمة الف�ساد» يف �أحد حمركات البحث يف الإنرتنت مثل‬
‫لينهال عليك �سي ٌل من احلاالت املعا�صرة التي ال يح�صرها ع ّد‪ ،‬ومن الأمثلة التي ظهرت يل يف‬
‫‪a‬‬

‫ال�صفحة الأوىل من البحث بتاريخ ‪ 1427/4/5‬هـ املوافق ‪2006/5/3‬م يف حمرك البحث (‪:)google‬‬
‫< اعتقال رئي�س �شركة هونداي بتهمة الف�ساد‬
‫‪n‬‬

‫< التحقيق مع قائد ع�سكري تركي بتهمة الف�ساد‬


‫‪d‬‬

‫< اعتقال رئي�س الدائرة املركزية حلماية امل�ستهلك يف �إيطالية بتهمة الف�ساد‬
‫‪l.‬‬

‫< �إعدام م�س�ؤول يف ال�صني بتهمة الف�ساد‬


‫< اعتقال �صهر الرئي�س اجلورجي ال�سابق بتهمة الف�ساد‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫< ا�ستدعاء وزير العمل الإ�سرائيلي �إىل التحقيق بتهمة الف�ساد‬


‫‪o‬‬

‫< القائد العام الأ�سبق لل�شرطة الإ�سرائيلية يخ�ضع للتحقيق بتهمة الف�ساد‬
‫‪m‬‬

‫ومن الأمانة يف املال‪� :‬أداء احلقوق للآخرين‪ ،‬قال �سبحانه وتعاىل‪ :‬ﱫﮊ ﮋ ﮌ‬
‫‪( :‬من �أخذ �أموال النا�س يريد �أداءها �أدى اهلل عنه‪،‬‬ ‫ﮍﱪ [الأعراف‪ ،]85 :‬وقال‬
‫ومن �أخذ يريد �إتالفها �أتلفه اهلل)(‪)1‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (اال�ستقرا�ض‪/‬من �أخذ �أموال النا�س يريد �أداءها �أو �إتالفها ‪ )2275 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪64‬‬

‫ف�أرباب العمل وامل�س�ؤولون‪ ،‬عليهم �أن ي�ؤدوا للموظفني حقوقهم املالية كاملة‪ ،‬دون ت�أخري �أو‬
‫�أذى؛ لأن امل�س�ؤول قد يعطي احلق كام ًال‪ ،‬ولكنه ي�ؤخره ومياطل فيه‪ ،‬في�ؤذي �أخاه امل�سلم‪ ،‬و�إذا‬
‫كان اهلل تعاىل قد منع الأذى يف ال�صدقة بقوله‪ :‬ﱫﯤﯥﯦﯧﯨﱪ [البقرة‪ :‬الآية‬
‫‪ ]264‬مع �أنها مبنية على امل�ساحمة لأنها تط ُّوع فمن باب �أوىل منع الأذى يف حقوق الآخرين‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫فمن ويل �أمان ًة ما يف وظيفته ف�إنه يحتاج �إىل مراقبة اهلل فيها �أو ًال‪ ،‬ثم �أدائها على �أمت‬
‫‪b‬‬

‫وال�صديقني‪ ،‬قال ‪( :‬التاجر ال�صدوق الأمني مع‬ ‫ِّ‬ ‫وجه‪ ،‬فمن فعل ذلك ف�إنه مع النبيني‬
‫وال�صديقني وال�شهداء)(‪ ،)1‬وهو م�أجو ٌر على �أداء حقوق الآخرين و�إن مل يكن من‬ ‫ِّ‬ ‫النبيني‬
‫‪e‬‬

‫(اخلازن الأمني الذي ي�ؤدي ما �أمر به طيب ًة نف�سه �أحد املت�صدقني)(‪)2‬‬


‫ِّ‬ ‫ماله‪ ،‬قال‬
‫‪ik‬‬

‫الأمانة العلمية من �شُ َعب الأمانة‪ :‬وهي تت�ضمن‪:‬‬


‫ن�شر العلم‪ :‬حيث ائتمن اهلل تعاىل �أهل العلم ليبلغوا العلم للنا�س وال يكتمونه ﱫﭑ ﭒ‬
‫‪a‬‬

‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦﱪ [�آل عمران‪ ]187 :‬فمن يتوىل وظيفة تعليمية يف التعليم العام �أو التعليم العايل‪،‬‬
‫‪n‬‬

‫عليه واجب ن�شر العلم الذي يعلمه بحكم احلق ال�شرعي‪ ،‬وبحكم الوظيفة �أي�ض ًا‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫علم فكتمه �أجلِ م‬


‫وقد جاء الرتهيب من النبي عن كتم العلم بقوله‪( :‬من ُ�سئل عن ٍ‬
‫علم فكتم‬‫بلجام من نار يوم القيامة)(‪ ،)3‬وال ريب �أن هذا الوعيد ال يتناول كل من �سئل عن ٍ‬‫ٍ‬
‫‪l.‬‬

‫اجلواب وهو يعلمه؛ لأن �أ�صحاب النبي كانوا ُي�س�ألون فيتدافعون الفتوى خوف ًا من اخلط�أ‪،‬‬
‫وتوا�ضع ًا من �أنف�سهم‪ ،‬ولكن كتمان العلم يكون حرام ًا عند توفر ال�شروط الآتية‪:‬‬
‫‪c‬‬

‫�أو ًال‪� :‬أن ُي�س�أل املفتي �أو العامل‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫ثاني ًا‪� :‬أن يكون امل�س�ؤول عامل ًا باجلواب‪.‬‬


‫ثالث ًا‪� :‬أن يكون ال�سائل بحاجة للجواب‪ ،‬ولي�س �سائ ًال ملجرد املعرفة‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )515/3‬عن �أبي �سعيد اخلدري ‪َّ ،‬‬


‫وح�سنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن �أبي مو�سى الأ�شعري ‪( .‬البخاري‪ :‬الزكاة‪�/‬أجر اخلادم �إذا ت�صدق ب�أمر �صاحبه غري‬
‫مف�سد ‪ ،1371 -‬وم�سلم‪ :‬الزكاة‪�/‬أجر اخلازن الأمني ‪.)1032 -‬‬
‫(‪ )3‬رواه �أبوداود (‪ )321/3‬والرتمذي (‪َّ )29/5‬‬
‫وح�سنه عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫رابع ًا‪� :‬أن ال يتوافر غري امل�س�ؤول من يعلم اجلواب‪.‬‬


‫خام�س ًا‪� :‬أن يكون ال�س�ؤال عن �أمرٍ يرتتب على اجلهل به �ضرر‪.‬‬
‫دقة املعلومة‪ :‬فـال بـد ملـن يـعلم �أن يب ِّلغ العلم ب�شكل �صحيح غري حم َّرف‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫فاملع ِّلم عند �شرحه لطالبه‪ ،‬وال�صحفي عند نقله اخلرب‪ ،‬والإداري عند تف�سريه النظام‪،‬‬
‫‪b‬‬

‫والطبيب عند و�صفه الدواء‪ ،‬واملهند�س عند و�ضعه اخلطط والدرا�سات‪ ،‬كل �أولئك وغريهم‬
‫ال بد �أن يكونوا دقيقني واثقني من �صحة املعلومة‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫وهنا يع ِّلمنا القر�آن الكرمي �أن نكون دقيقني يف الألفاظ‪ ،‬قال اهلل �سبحانه‪ :‬ﱫﮍ ﮎ‬
‫‪ik‬‬

‫ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﱪ [احلجرات‪ ]14 :‬فالإ�سالم غري الإميان‪،‬‬


‫لذا يجب الر ّد يف الأمور امل�شتبهة واملختلف فيها �شرع ًا �أو نظام ًا �إىل �أويل العلم واخلربة‬
‫والدراية الذين يعرفون التمييز بني املعلومة ال�صحيحة واخلاطئة‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﮔ ﮕ‬
‫‪a‬‬

‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﱪ [الن�ساء‪]83 :‬‬
‫‪n‬‬

‫معنوي ملن ا�ستنبطه‪ ،‬فمن‬


‫ّ‬ ‫ن�سبة املعلومة‪ :‬حيث �إن العلم امل�ستنبط واالجتهاد العقلي حق‬
‫‪d‬‬

‫ن�سب له اجتهاده‪ ،‬وال ين�سبه الناقل لنف�سه‪ ،‬فمن نقل معلومة �أو فائدة من كتاب �أو‬
‫حقِّه �أن ُي َ‬
‫حما�ضرة فلين�سبِ الف�ضل لأهله‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫واجب يف كل فائدة علمية‪� ،‬أن ي�س ِّمي الناقل من �أخذها عنه‪ ،‬ولو‬ ‫ٌ‬ ‫وال �أ َّدعي �أن هذا‬
‫ا�شرتطت ذلك المتلأت الكتب باحلوا�شي‪ ،‬واملحا�ضرات بت�سمية الأ�شخا�ص‪ ،‬ولكن �أ�شرتط‬ ‫ُ‬
‫‪c‬‬

‫�أال ين�سب املرء لنف�سه نظري ًة علمية‪� ،‬أو فائد ًة جديدة‪� ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬ويوحي للقارئ �أو ال�سامع‬
‫‪o‬‬

‫�أنه هو �صاحبها‪ ،‬وقد التقطها من غريه‪ ،‬وهو ما يعرف بال�سرقات الأدبية �أو العلمية‪ ،‬ومن‬
‫هنا قرر العلماء ب�أن حقوق الن�شر والت�أليف حمفوظة؛ فال يجوز ال�سطو على الكتب والبحوث‬
‫‪m‬‬

‫والأ�شرطة املحفوظة احلقوق(‪)1‬؛ و�سبب التحرمي هو �أن هذا الت�صرف نو ٌع من اخلداع ّ‬


‫والغ�ش؛‬
‫لأنه يوهم امل�ستفيد �أن هذه املعلومة من الكاتب يف حني �أنها من ت�أليف غريه‪.‬‬
‫(‪ )1‬كنعان‪/‬د‪ .‬نواف ‪ -‬حق امل�ؤلف (�صفحة ‪ )28 - 23‬ا�ستناد ًا �إىل قرارات جممع الفقه الإ�سالمي مبكة املكرمة‬
‫يف دورته التا�سعة بتاريخ ‪ 1406/7/12‬هـ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪66‬‬

‫واجب تبليغه على‬


‫ٌ‬ ‫وقد يقول قائل‪� :‬إن العلم ال�شرعي ال حق حمفوظ فيه؛ لأن علمه‬
‫العلماء‪ ،‬فك ّل الكتب ال�شرعية واملحا�ضرات ال حقوق حمفوظة فيها‪ .‬وقد كتب علماء ال�شريعة‬
‫ال�سابقون كتبهم ومل يقرروا �أن حقوقهم فيها حمفوظة!‬
‫‪o‬‬

‫وهذا القائل مل يفهم املغزى من حفظ احلقوق؛ ف�إن مبد أ� �أو فل�سفة حفظ احلقوق �أن الكاتب‬
‫�أو املنتج للربنامج ونحوه يريد �أن يخرج الكتاب بال�صورة التي خرج بها دون زيادة �أو نق�صان‪،‬‬
‫‪b‬‬

‫فالتغيري فيه يخرجه عن هدف امل�ؤلف و�أ�سلوبه اخلا�ص‪ .‬و�أي�ض ًا‪ :‬ف�إن كتب ال�سلف حمفوظة‬
‫احلقوق مبعنى عدم جواز الزيادة عليها �أو النق�صان منها مع ن�سبتها للم�ؤلف الأ�صلي‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫وغني عن القول �أن هذه احلقوق ت�شمل جميع �أنواع العلوم‪ ،‬وبجميع اللغات‪ ،‬بغ�ض النظر عن‬ ‫ٌّ‬
‫‪ik‬‬

‫اعتقاد الكاتب �أو امل�ؤلف‪ .‬فال يخطر ببال �أحد �أن علماء غري امل�سلمني من الأطباء والكيميائيني‬
‫والفيزيائيني والتقنيني وغريهم يجوز ال�سرقة من كتبهم العلمية! كال �إن هذا غري جائز؛ لأن‬
‫�أموال الكفار حمرتمة كنفو�سهم‪ ،‬ما مل يكونوا حماربني‪ ،‬لذا حافظ النبي على نفو�س اليهود‬
‫‪a‬‬

‫الذين ي�سكنون املدينة املنورة و�أموالهم حني كتب العهد معهم‪ .‬فكذلك احلقوق املعنوية م�صونة‬
‫لهم ك�أموالهم‪ .‬ثم �إن هذا خمالفٌ للأمانة‪ ،‬وامل�ؤمن ال يخون �أحد ًا م�ؤمن ًا كان �أو كافر ًا‪.‬‬
‫‪n‬‬
‫‪d‬‬

‫اخل ُلق الثاين‪ :‬ال َعدل‪:‬‬


‫تعريف ال َعدل‪ :‬يف اللغة‪ :‬مادة َع َدل ت�أتي على معنيني مت�ضا ِّدين �أحدهما اال�ستواء‪ ،‬والآخر‬
‫‪l.‬‬

‫االعوجاج‪ ،‬والعدل يرجع �إىل املعنى الأول(‪ ،)1‬وهو خالف اجلور وهو ما قام يف النف�س �أنه‬
‫م�ستقيم(‪ .)2‬وقيل‪ :‬لفظ يقت�ضي معنى امل�ساواة(‪ .)3‬ومرادفاته‪ :‬العدالة والعدولة وا َمل َ‬
‫عدلة‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫ويف ال�شرع هو‪� :‬إعطاء كل ذي حق حقه من غري �إفراط �أو تفريط(‪ .)4‬وقيل‪ :‬بذل احلقوق‬
‫‪o‬‬

‫الواجبة وت�سوية امل�ستحقني يف حقوقهم‪ ،‬وقيل‪ :‬ف�صل احلكومة على ما يف الكتاب وال�سنة ال‬
‫بالر�أي املج َّرد(‪ .)5‬والأول �أوىل ل�شموله‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬معجم مقايي�س اللغة (‪.)246/4‬‬


‫(‪ )2‬مو�سوعة ن�ضرة النعيم (‪.)2790/7‬‬
‫(‪ )3‬املفردات (‪.)325‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬التعريفات للجرجاين (‪.)191‬‬
‫(‪ )5‬مو�سوعة ن�ضرة النعيم (‪.)2792/7‬‬
‫‪67‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫مكانته و�أهميته‪ :‬العدل من �أوجب الواجبات يف الت�شريع الإ�سالمي‪ ،‬وهو ف�ضيل ٌة متفق‬
‫عليها بني جميع ال�شرائع‪� ،‬إال �أنها �أظهر يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨﱪ [الأعراف‪ :‬الآية ‪ ،]29‬وقال تعاىل‪ :‬ﱫﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﱪ [الأنعام‪:‬‬
‫‪ ]152‬وقال عز وجل‪ :‬ﱫﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﱪ [النحل‪ ]90 :‬وقال �سبحانه‪ :‬ﱫﭫ ﭬ ﭭ‬
‫‪o‬‬

‫ﭮﱪ [املائدة‪.]42 :‬‬


‫‪b‬‬

‫الظلم على نف�سي وجعلته‬


‫وقال اهلل تعاىل يف احلديث القد�سي‪« :‬يا عبادي؛ �إين حرمت َ‬
‫بينكم حمرم ًا‪ ،‬فال تَظاملوا» �أي‪ :‬ال يظلم بع�ضكم بع�ض ًا(‪.)1‬‬
‫‪e‬‬

‫ومن �أ�سمائه �سبحانه (العدل‪ ،‬واملق�سط) واهلل تعاىل كما �أنه عادل فهو قد �أوجب العدل‬
‫‪ik‬‬

‫على عباده‪ ،‬و�أعلى منزلة العادلني‪ ،‬فقال �سبحانه‪ :‬ﱫﭫ ﭬ ﭭ ﭮﱪ [املائدة‪]42 :‬‬

‫وقال ‪�( :‬إن املق�سطني يوم القيامة عند اهلل على منابر من نور عن ميني الرحمن وكلتا‬
‫يديه ميني الذين يعدلون يف حكمهم و�أهليهم وما ولوا)(‪.)2‬‬
‫‪a‬‬

‫وكما نَّبي منزلة العادلني‪ ،‬فهو قد التزم العدل يف نف�سه و�أهله والنا�س �أجمعني‪� ،‬أما‬
‫‪n‬‬

‫مع نف�سه؛ فقد كان يعطي لنف�سه حقها من العبادة‪ ،‬ومن الراحة‪ ،‬ومن الطعام وال�شراب‬
‫واحلاجة‪ ،‬فعن �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها قالت‪ :‬كان ر�سول اهلل ي�صوم حتى‬
‫‪d‬‬

‫نقول ال يفطر‪ ،‬ويفطر حتى نقول ال ي�صوم(‪.)3‬‬


‫‪l.‬‬

‫و�أما مع �أهله؛ فعن �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها قالت‪« :‬كان ر�سول اهلل‬
‫يق�سم فيعدل‪ ،‬ويقول‪ :‬اللهم هذا ق�سمي فيما �أملك فال تلمني فيما متلك وال �أملك ‪-‬يعني‬
‫القلب‪.)4(»-‬‬
‫‪c‬‬

‫و�أما يف حكمه؛ فقد روى البخاري‪� :‬أن امر�أة �سرقت يف عهد ر�سول اهلل يف غزوة‬
‫‪o‬‬

‫الفتح‪ ،‬ففزع قومها �إىل �أ�سامة بن زيد ر�ضي اهلل عنهما ي�ست�شفعونه لقربه من النبي ‪،‬‬
‫‪m‬‬

‫حد من حدود اهلل؟)‬


‫فلما كلمه �أ�سامة فيها تل ّون وجه ر�سول اهلل ‪ ،‬وقال‪�( :‬أتكلمني يف ٍّ‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم (امل�ساقاة‪/‬حترمي الظلم ‪ )2577 -‬عن �أبي ذر الغفاري ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه م�سلم (الإمارة‪/‬ف�ضيلة الإمام العادل ‪ )1827 -‬عن عبداهلل بن عمرو ر�ضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (ال�صوم‪�/‬صوم �شعبان ‪.)1868 -‬‬
‫(‪ )4‬رواه �أبوداود (‪ )242/2‬واحلاكم (‪ )204/2‬و�صححه‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪68‬‬

‫فقال �أ�سامة‪ :‬ا�ستغفر يل يا ر�سول اهلل‪ .‬فلما كان الع�شاء‪ ،‬قام ر�سول اهلل خطيب ًا ف�أثنى‬
‫على اهلل‪ ،‬ثم قال (�أما بعد‪ ،‬ف�إمنا هلك النا�س �أنهم كانوا �إذا �سرق فيهم ال�شريف تركوه‪،‬‬
‫و�إذا �سرق فيهم ال�ضعيف �أقاموا عليه احلد‪ ،‬والذي نف�س حممد بيده لو �أن فاطمة بنت‬
‫‪o‬‬

‫حممد �سرقت لقطعت يدها)‪.‬‬


‫الظلم‪ :‬ويكفي يف بيان �أهمية العدل �أن نت�أ ّمل كيف �أن الإ�سالم بالغ يف حترمي عك�س‬
‫‪b‬‬

‫و�شن عليه حملة كبرية‪ ،‬و�ساوى بني الظلم والكفر‪ ،‬يف قوله �سبحانه‪:‬‬ ‫العدل وهو الظلم‪ّ ،‬‬
‫‪e‬‬

‫ﱫﮟﮠﮡﱪ [البقرة‪ ]254 :‬و�أنزل اهلل يف القر�آن الكرمي نحو ًا من ‪� 290‬آية تتحدث‬
‫عن الظلم(‪ ،)1‬وجعل العذاب ال�شديد ملن ظلم �شيئ ًا ي�سري ًا‪ ،‬قال (من ظلم قيد �شرب من‬
‫‪ik‬‬

‫الأر�ض ط ِّوقه من �سبع �أر�ضني يوم القيامة)(‪ ،)2‬فما بالك بالكثري؟!‬


‫‪( :‬الظلم ظلمات يوم‬ ‫والظلم درجات �أو دركات‪ ،‬بع�ضها �أظلم من بع�ض‪ ،‬قال‬
‫‪a‬‬

‫القيامة)(‪ ،)3‬و�أظلم الظلم ال�شرك‪ ،‬ثم من افرتى على اهلل الكذب‪ :‬ﱫﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﱪ [الأنعام‪ ،]21 :‬وهو م�ؤذ ٌن بخراب البالد متى وجِ د فيها‪،‬‬
‫‪n‬‬

‫قال �سبحانه‪ :‬ﱫﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﱪ [الكهف‪ ]59 :‬وقال‪:‬‬


‫‪d‬‬

‫ﱫﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﱪ [الق�ص�ص‪ ،]59 :‬وهو اجلرمية الأوىل التي‬


‫تعجل عقوبتها يف الدنيا مع قطيعة الرحم ‪ -‬مع ما ينتظر �صاحبها يف الآخرة ‪ ،-‬لأنها من‬ ‫َّ‬
‫‪l.‬‬

‫يعجل اهلل ل�صاحبه العقوبة‬ ‫قبحها ال ي�سوغ ت�أخري جزائها‪ ،‬قال ‪( :‬ما من ٍ‬
‫ذنب �أجدر �أن ِّ‬
‫يف الدنيا‪ ،‬مع ما ي َّدخره له يف الآخرة‪ ،‬من البغي وقطيعة الرحم)(‪.)4‬‬
‫‪c‬‬

‫و�إذا كان الظلم من �شيم النفو�س كما قيل‪.)5(:‬‬


‫‪o‬‬

‫(‪ )1‬املعجم املفهر�س لألفاظ القر�آن الكرمي‪ :‬مادة (ظلم)‪.‬‬


‫ً‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن �سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ‪( .‬البخاري‪ :‬املظامل‪�/‬إثم من ظلم �شيئا من الأر�ض‬
‫‪m‬‬

‫‪ ،2321 -‬وم�سلم‪ :‬امل�ساقاة‪/‬حترمي الظلم وغ�صب الأر�ض ونحوها ‪.)1610 -‬‬


‫(‪ )3‬متفق عليه عن ابن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪( .‬البخاري‪ :‬املظامل‪/‬الظلم ظلمات يوم القيامة ‪،2315 -‬‬
‫وم�سلم‪ :‬امل�ساقاة‪/‬حترمي الظلم ‪.)2579 -‬‬
‫(‪ )4‬رواه �أبوداود (‪ )276/4‬وابن ماجة (‪ )1408/2‬والرتمذي (‪ )644/4‬و�صححه عن �أبي بكرة ‪.‬‬
‫(‪ )5‬املتنبي (ديوانه‪.)571 :‬‬
‫‪69‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫ـظلم من �ش ـ َيم الن ـفـو�س ف ـ�إن ت ــجد‬


‫وال ُ‬
‫ذا عـ ـ َّف ٍة ف ـ ـلـ ـ ـع ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ٍة ال ي ـ ـ ـظ ـ ـ ـل ـ ـ ُـم‬
‫حتى �أ�صحاب النبي قالوا لر�سول اهلل «و�أ ُّينا مل يظلم نف�سه» حني تال عليهم قوله‬
‫‪o‬‬

‫�سبحانه‪ :‬ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﱪ [الأنعام‪ ]82 :‬فقال‪:‬‬


‫(الظلم هو ال�شرك)(‪� ،)1‬إال �أن امل�ؤمن عندما يقع يف ظلم النف�س؛ لأن املعا�صي كلها ظلم‬
‫‪b‬‬

‫للنف�س ي�س�أل اهلل تعاىل �أن يتجاوز عنه‪ ،‬كما كان النبي يدعو‪( :‬اللهم �أنت امللك ال �إله‬
‫‪e‬‬

‫�إال �أنت‪� ،‬أنت ربي و�أنا عبدك‪ ،‬ظلمت نف�سي واعرتفت بذنبي‪ ،‬فاغفر يل ذنوبي جميع ًا‪� ،‬إنه ال‬
‫يغفر الذنوب �إال �أنت)(‪.)2‬‬
‫‪ik‬‬

‫وامل�ؤمن ال�صادق ال يتعمد ظلم الآخرين؛ لأنه يعلم �أنه �إن جنا من العقاب يف الدنيا‪ ،‬ف�إنه‬
‫يالحقه بعد موته‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ‬
‫‪a‬‬

‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﱪ [�إبراهيم‪]42 :‬‬
‫‪n‬‬

‫ومن وقع يف ظلم غريه فليتحلله يف الدنيا قبل �أن ال ي�ستطيع‪ ،‬قال ‪( :‬من كانت له‬
‫مظلمة لأحد من عر�ضه �أو �شيء؛ فليتحلله منه اليوم قبل �أن ال يكون دينار وال درهم‪� ،‬إن كان‬
‫‪d‬‬

‫له عمل �صالح أُ� ِخذ منه بقدر مظلمته‪ ،‬و�إن مل تكن له ح�سنات أُ� ِخذَ من �سيئات �صاحبه ُ‬
‫فح ِمل‬
‫عليه)(‪.)3‬‬
‫‪l.‬‬

‫�أمثلة على العدل‪ :‬وقد �ضرب لنا ال�سلف ال�صالح �أمثل ًة نا�صع ًة يف هذا اخل ُلق نذكر منها‬
‫‪c‬‬

‫على �سبيل املثال‪ :‬ورد يف ترجمة القا�ضي �أبي يو�سف يعقوب بن �إبراهيم قال‪ :‬وليت هذا‬
‫أحد �إال يوم ًا واحد ًا؛ جاءين رجل فذكر‬‫احلكم و�أرجو اهلل �أن ال ي�س�ألني عن جو ٍر وال ميل �إىل � ٍ‬
‫‪o‬‬

‫�أن له ب�ستان ًا و�أنه يف يد �أمري امل�ؤمنني‪ ،‬فدخلت �إىل �أمري امل�ؤمنني ف�أعلمته‪ ،‬فقال‪ :‬الب�ستان يل‬
‫ا�شرتاه يل املهدي‪ .‬فقلت‪� :‬إن ر�أى �أمري امل�ؤمنني �أن يح�ضر لأ�سمع دعواه‪ ،‬ف�أح�ضره‪ ،‬فادعى‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه عن ابن م�سعود ‪( .‬البخاري‪ :‬الإميان‪/‬ظلم دون ظلم ‪ ،32 -‬وم�سلم‪ :‬الإميان‪�/‬صدق الإميان‬
‫و�إخال�صه ‪.)124 -‬‬
‫(‪ )2‬رواه م�سلم (�صالة امل�سافرين‪/‬الدعاء يف �صالة الليل وقيامه ‪ )771 -‬عن علي بن �أبي طالب ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (املظامل‪/‬من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له ‪ )2317 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪70‬‬

‫�سمعت ما‬
‫َ‬ ‫بالب�ستان‪ ،‬فقلت‪ :‬ما تقول يا �أمري امل�ؤمنني؟ فقال‪ :‬هو ب�ستاين‪ .‬فقلت للرجل‪ :‬قد‬
‫فحكمت بالب�ستان‬
‫ُ‬ ‫�أجاب‪ .‬فقال الرجل‪ :‬يحلف‪ .‬فقلت‪� :‬أحتلف يا �أمري امل�ؤمنني؟ فقال‪ :‬ال‪.‬‬
‫للمدعي‪ .‬قال‪ :‬فكنت يف �أثناء اخل�صومة �أو ّد �أن ينف�صل‪ ،‬ومل ميكني �أن �أجل�س الرجل مع‬
‫‪o‬‬

‫اخلليفة‪.‬‬
‫ومن عدل عمر بن عبدالعزيز رحمه اهلل �أنه عندما توىل اخلالفة �أمر من ينادي‪� :‬أال‬
‫‪b‬‬

‫ذمي من �أهل حم�ص‪ ،‬فقال‪ :‬يا �أمري امل�ؤمنني‬ ‫من كانت له مظلمة فلريفعها‪ ،‬فقام �إليه رجل ِّ‬
‫‪e‬‬

‫�أ�س�ألك كتاب اهلل عز وجل‪ .‬قال‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬العبا�س بن عبدامللك اغت�صبني �أر�ضي‬
‫والعبا�س جال�س‪ ،‬فقال له‪ :‬يا عبا�س ما تقول؟ قال‪� :‬أقطعنيها �أمري امل�ؤمنني الوليد بن‬
‫‪ik‬‬

‫عبدامللك‪ ،‬وكتب يل بها �سج ًال‪ .‬فقال عمر‪ :‬ما تقول يا ِّ‬
‫ذم ّي؟ قال‪ :‬يا �أمري امل�ؤمنني �أ�س�ألك‬
‫كتاب اهلل عز وجل‪ .‬فقال عمر‪ :‬كتاب اهلل �أحق �أن يتبع من كتاب الوليد بن عبدامللك‪ ،‬فاردد‬
‫عليه يا عبا�س �ضيعته‪ ،‬فر ّد عليه(‪.)1‬‬
‫‪a‬‬

‫جماالت العدل‪ :‬ولي�س العدل خمت�ص ًا بالق�ضاء‪ ،‬بل العدل يف كل �صاحب والية‪ ،‬كما ورد‬
‫‪n‬‬

‫يف احلديث (ما من والٍ يلي �أمر ع�شرة من امل�سلمني‪� ،‬إال جاء يوم القيامة ويداه مغلولتان �إىل‬
‫‪d‬‬

‫عنقه حتى يف َّكه عدله �أو يوبقه جوره)(‪.)2‬‬


‫راع‪ ،‬وكلكم م�س�ؤول عن رعيته)(‪.)3‬‬
‫وقال ‪( :‬كلكم ٍ‬
‫‪l.‬‬

‫ففي تربية الأوالد عدل‪ ،‬وبني الزوجات عدل‪ ،‬ويف ال�شهادة عدل‪ ،‬ويف امليزان عدل‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫العدل يف الوظيفة‪ :‬وللعدل يف الوظيفة جماالت تطبيقية؛ منها‪� :‬إ�سناد الأعمال الإدارية‬
‫‪o‬‬

‫للأكفاء الأمناء‪ ،‬ليطبقوا العدل يف �إداراتهم‪ ،‬و�إال كان من و ّالهم �شريك ًا لهم يف الظلم‪.‬‬
‫يو�ضح للموظف هذه‬
‫ومنها‪ :‬تو�ضيح حقوق وواجبات كل موظف؛ لأن بع�ض امل�س�ؤولني ال ِّ‬
‫‪m‬‬

‫الواجبات ثم ي�ؤاخذه على عدم تطبيقها‪ ،‬وهذا لي�س من العدل‪.‬‬


‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪�/‬سرية ومناقب عمر بن عبدالعزيز بتحقيق نعيم زرزور (‪.)126‬‬
‫(‪ )2‬رواه �أحمد (‪ )284/5‬عن �سعد بن عبادة ورجاله رجال ال�صحيح‪( .‬جممع الزوائد‪.)205/5 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه اجلماعة عن ابن عمر ‪( .‬جامع الأ�صول البن الأثري‪.)50/4 :‬‬
‫‪71‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫ومنها‪ :‬امل�ساواة بني املوظفني املت�ساوين يف الدرجة واخلربة يف املعاملة‪ ،‬واحلقوق‪ ،‬دون‬
‫متييز بينهم غ َري مربر‪ ،‬ف�إن العدل يقت�ضي امل�ساواة بني املتماثلني(‪.)1‬‬
‫ومنها‪ :‬تقدمي من �سبق يف م�سابقة وظيفية‪� ،‬أو يف عر�ض م�شروع‪� ،‬أو يف تقدمي طلب مقابلة‬
‫‪o‬‬

‫م�س�ؤول‪� ،‬أو طلب �إجناز معامل ٍة ما‪ ،‬فالعدل يف ذلك كله �أن يق َّدم الأ�سبق؛ لأنه منهج القر�آن وال�سنة‪،‬‬
‫فالقر�آن الكرمي ق َّدم ال�سابقني على �أ�صحاب اليمني‪ ،‬والنبي كان يحثّ ال�صحابة على امل�سابقة‬
‫‪b‬‬

‫على اخلري‪ ،‬فمن �سبق ُو ِعد بالثواب‪ ،‬كاحلديث امل�شهور (�سبقك عكا�شة)‪ .‬وقد جرى مث ًال‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫م�صلحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نظامي‪ ،‬ال على �أ�سا�س‬
‫ّ‬ ‫ومنها‪ :‬تقومي املـوظـفـني ب�شـكل مـو�ضـوع ّـي‬
‫وعك�س ذلك ظلم‪ ،‬كمحاباة بع�ض املوظفني‪� ،‬أو املراجعني لعالقة �شخ�صية �أو م�صلحة‬
‫‪ik‬‬

‫خا�صة‪ ،‬و�سي�أتي تف�صيله يف ال�صفات املذمومة‪.‬‬


‫وقد يقول �أحد املوظفني �أو امل�س�ؤولني‪ :‬ال �أ�ستطيع تطبيق مبد�أ العدل بحذافريه؛ لأنه ي�سبب‬
‫‪a‬‬

‫يل نوع ًا من الإحراج‪� ،‬أو لوم ًا من امل�س�ؤول‪.‬‬


‫‪n‬‬

‫واجلواب‪� :‬إن املوظف �أو امل�س�ؤول الذي ال ي�ستطيع تطبيق العدل لي�س بكفء �أن يتوىل هذا‬
‫املن�صب‪ ،‬فاملن�صب يحتاج �إىل �شجاعة وقوة �شخ�صية والقوة �إحدى �أهم �صفتني يف الوظيفة‬
‫‪d‬‬

‫يحتج ب�أنه ال ي�ستطيع تطبيق العدل؟ و�أم ٌر‬


‫فكيف توىل هذا املوظف املن�صب وهو �ضعيف‪ ،‬ثم ّ‬
‫‪l.‬‬

‫ري من الإحراج يوم القيامة �أمام‬‫�آخر‪ :‬وهو �أن الوقوع يف الإحراج يف الدنيا‪ ،‬وتلقِّي اللوم‪ ،‬خ ٌ‬
‫اهلل رب العاملني‪ ،‬حني يطالب املظلوم بحقِّه‪ ،‬فال ميكن �أدا�ؤه له‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫و�أم ٌر �آخر‪ :‬وهو �أن هذا املظلوم قد يدعو على املوظف الظامل له بعدم التوفيق‪� ،‬أو باالنتقام‬
‫منه‪ ،‬ودعوة املظلوم م�ستجابة‪ ،‬وبط�ش ربك �شديد‪ ،‬وقد قال ‪( :‬ثالثة ال ترد دعوتهم؛‬
‫‪o‬‬

‫ال�صائم حتى يفطر‪ ،‬والإمام العادل‪ ،‬ودعوة املظلوم يرفعها اهلل فوق الغمام ويفتح لها �أبواب‬
‫ال�سماء ويقول الرب‪ :‬وعزتي لأن�صرنك ولو بعد حني)(‪)2‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬لي�س العدل هو امل�ساواة مطلق ًا بني جميع النا�س‪� ،‬أو بني جميع املوظفني يف الإدارة‪ ،‬فلي�س هذا من العدل‬
‫�أبد ًا‪ ،‬فكيف ن�ساوي بني ال�سليم واملعاق؟ وكيف ن�ساوي بني املج ّد وغريه؟ وكيف ن�ساوي بني مدير الإدارة‬
‫واملوظف اجلديد؟ وكيف ن�ساوي بني الرجل واملر�أة؟ فالعدل �إذ ًا هـو امل�ساواة بني املتماثلني‪.‬‬
‫وح�سنه عن �أبي هريرة ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪َّ )578/5‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪72‬‬

‫وقال ال�شاعر(‪:)1‬‬
‫ف ــالـ ـظ ــلم آ�خ ــره يـ ـ�أت ـيـ ــكب ــالـ ـنــدم‬ ‫ـمن �إذا م ــا كـ ـن ــت مـ ـقــتدر ًا‬
‫ال ت ـظـ ـلـ َّ‬
‫يــدع ــو ع ـل ــيك وعــني اهلل لـ ــم تـ ـنـ ِـم‬ ‫نــامـ ــت ع ـ ـي ــونك واملـ ـظ ــلوم مـنـتـب ٌه‬
‫‪o‬‬

‫وللظلم يف الوظيفة �صور عديدة؛ منها‪:‬‬


‫‪b‬‬

‫• عدم �إعطاء املكاف�أة امل�ستحقة للموظف‪.‬‬


‫‪e‬‬

‫• �إعطاء من ال ي�ستحق درجات وميزات �أعلى من غريه‪.‬‬


‫• منع امليزات الوظيفية والـفر�ص املـادية واملـعنوية للموظف‪� ،‬أو �إخفائها‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫• ت�شغيل املوظف يف غري ما اتفق عليه‪.‬‬


‫‪a‬‬

‫فيو�ضح كيفية التقومي‪ ،‬وتكون‬


‫ويجب على من ي�ضع �أنظمة العمل �أن يراعي هذا املبد�أ‪ِّ ،‬‬
‫�أنظمة العمل وا�ضحة‪ ،‬لئال يقع االجتهاد غري املدرو�س من قبل امل�س�ؤولني‪ ،‬فيقع الظلم‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫يخت�ص مبا يتعلق بالوظائف‬ ‫وقد �أن�ش�أت اململكة العربية ال�سعودية ديوان ًا للمظامل(‪)2‬‬
‫ّ‬
‫‪d‬‬

‫العامة من �شكاوى‪ ،‬وق�ضايا‪ ،‬وو�ضعت يف كل مكتب للعمل حمكمة عمالية(‪ )3‬حتكم يف املظامل‬
‫بني �أ�صحاب الأعمال وع َّمالهم‪ ،‬وو�ضعت نظام ًا تف�صيلي ًا للعمل‪ ،‬لئال يقع الظلم‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫اخل ُلق الثالث‪ :‬الرقابة الذاتية‪:‬‬


‫‪c‬‬

‫تعريفها‪ :‬الرقابة الذاتية هي �إح�سا�س املوظف والعامل ب�أنه مك َّلف ب�أداء العمل وم� ٌ‬
‫ؤمتن‬
‫‪o‬‬

‫عليه‪ ،‬من غري حاجة �إىل م�س�ؤول يذ ِّكره مب�س�ؤوليته‪.‬‬


‫�أهميتها‪ :‬ولعل الرقابة الذاتية �أهم عامل لنجاح العمل؛ لأنها تغني عن كثري من النظم‬
‫‪m‬‬

‫والتوجيهات واملحا�سبة والتدقيق وغري ذلك‪.‬‬


‫(‪� )1‬صفي الدين احللي املعروف بابن �سرايا (ت ‪ 740‬هـ) (بهجة املجال�س البن عبدالرب) )‪.(367/1‬‬
‫(‪ )2‬يطلق عليه الآن املحاكم الإدارية‪.‬‬
‫(‪ )3‬يطلق عليها هيئة ت�سوية اخلالفات العمالية‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫ولو �أن كل موظف يف مكتبه‪ ،‬وتاجر يف جتارته‪ ،‬وعامل يف مهنته‪ ،‬و�صانع يف م�صنعه‪،‬‬
‫راقب اهلل تعاىل فيما هو م�ؤمتن عليه‪ ،‬لزاد الإنتاج‪ ،‬وتال�شت امل�شكالت الوظيفية‪ ،‬وتوفر‬
‫للدولة وامل�صلحة �أموا ٌل طائلة كانت تذهب هدر ًا‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫والرقابة الذاتية منطلق ٌة من احلديث ال�شريف (كلكم ٍ‬


‫راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته)‬
‫والعموم يف لفـظ الكل ي�شـمـل من يرعى عم ًال �أو غريه‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫بائع يبيع الطعام وقد جعل الرطب منه يف الأ�سفل والياب�س يف‬ ‫وعندما م َّر النبي على ٍ‬
‫‪e‬‬

‫الأعلى فقال له‪�( :‬أفال جعلته فوق الطعام‪ ،‬من غ�ش فلي�س منا)(‪ )1‬كان يع ِّلم هذا البائع �أن‬
‫يعتمد على نف�سه يف الرقابة الذاتية‪ ،‬وال ينتظر �أحد ًا يحت�سب عليه‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫و�سائلها‪ :‬وقد حتدث الكثريون من الك ّتاب يف علم الإدارة عن �أهمية الرقابة الذاتية عند‬
‫املوظف‪ ،‬ولكن املهم هو و�سيلة احل�صول على هذه الرقابة‪ ،‬و�أرى �أن الو�سائل الآتية ت�ساعد يف‬
‫‪a‬‬

‫تنمية الرقابة الذاتية عند املوظفني‪:‬‬


‫‪n‬‬

‫حما�سب على عمله‪ ،‬ال من قبل النا�س‪ ،‬و�إمنا‬


‫ٌ‬ ‫• خ�شية اهلل تعاىل‪ :‬حيث ي�شعر املوظف �أنه‬
‫من قبل رب النا�س‪ ،‬ولي�س يف الدنيا‪ ،‬بل يف الآخرة‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﯲ ﯳ ﯴ * ﯶ‬
‫‪d‬‬

‫ﯷ ﯸ ﯹﱪ [الغا�شية‪ ]26 - 25 :‬وقال عز وجل‪ :‬ﱫﭖ ﭗ ﭘ * ﭚ‬


‫‪l.‬‬

‫ﭛ ﭜﱪ [احلجر‪ ]93 - 92 :‬وقال ‪( :‬ال تزول قدما ٍ‬


‫عبد يوم القيامة حتى ي�س�أل‬
‫عن عمره فيم �أفناه‪ ،‬وعن �شبابه فيم �أباله‪ ،‬وعن ماله من �أين اكت�سبه وفيم �أنفقه‪،‬‬
‫‪c‬‬

‫وعن علمه ماذا عمل به)(‪ ،)2‬والوظيفة تدخل يف هذا احلديث يف املال املكت�سب‪ ،‬ويف‬
‫العلم امل�ؤمتن عليه‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫لذا ف�إن املوظف امل�ؤمن هو �أقدر النا�س على القيام بالعمل؛ لأنه �أكرثهم مراقبة هلل‪ ،‬فال‬
‫‪m‬‬

‫يق�صر يف عمله‪ ،‬ويجتهد يف �أن ال ي�شوب الوظيفة �أي �شائبة‪ ،‬بل �إنه يتعدى ذلك فال يقت�صر‬ ‫ِّ‬
‫أح�س‬
‫على نظافة �أدائه و�إتقانه‪ ،‬بل يجتهد يف نظافة �أداء امل�ؤ�س�سة كلها التي يعمل فيها‪ .‬ف�إذا � ّ‬
‫(‪ )1‬تقدم تخريجه‪.‬‬
‫وتقدم قريب ًا‪.‬‬ ‫(‪ )2‬رواه الرتمذي و�صححه عن �أبي برزة الأ�سلمي‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪74‬‬

‫ب�شيء من احلرام يف عمل امل�ؤ�س�سة بادر �إىل التنبيه عليه‪ ،‬حر�ص ًا على تطهري مال امل�ؤ�س�سة‬
‫ٍ‬
‫من ال�شبهة واحلرام‪ ،‬من باب قوله ‪( :‬الدين الن�صيحة)(‪.)1‬‬
‫�إنها لي�ست رقابة ذاتية فح�سب‪ ،‬بل هي رقابة مركَّبة ي�ست�شعرها املوظف امل�ؤمن الذي‬
‫‪o‬‬

‫يخ�شى اهلل �سبحانه‪.‬‬


‫< ال�شعور بامل�س�ؤولية‪ :‬حيث ي�شعر املوظف �أنه مك َّلفٌ بالعمل املناط به‪ ،‬ويجب عليه‬
‫‪b‬‬

‫االلتزام بالعقد املتفق عليه‪ ،‬هذا من جهة امل�س�ؤولية الوظيفية‪ ،‬ومن جهة �أخرى‬
‫‪e‬‬

‫ف���إن املوظف عليه م�س�ؤولية اجتماعية جتاه املجتمع‪ ،‬فالطبيب والقا�ضي واملع ِّلم‬
‫والع�سكري يقومون بخدم ٍة اجتماعية ال ميكن �أن يقوم بها غريهم‪ ،‬فتنامي الإح�سا�س‬
‫‪ik‬‬

‫بهذه امل�س�ؤولية عندهم يح ُّثهم على جودة الأداء الوظيفي بغ�ض النظر عن الرقابة‬
‫الإدارية‪ ،‬وامل�س�ؤولية الوظيفية‪.‬‬
‫�إن النفو�س العالية ال تعي�ش لنف�سها‪ ،‬بل تعي�ش للآخرين‪ ،‬لذا ف�إنها تتعب لإ�سعاد النا�س‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫و�إذا ك ــانـ ــت ال ـ ـنـ ـ ـ ـفـ ــو�س كـ ـ ـ ـ ـبـ ــار ًا‬


‫‪n‬‬

‫ـ�سام‬
‫ت ـ ـعـ ـب ــت فـ ــي مـ ـ ـ ــرادهـ ـ ــا الأج ـ ُ‬
‫‪d‬‬

‫وحب الذات‪ ،‬فهل نت�ص َّور موظف ًا‬‫وما تتخلف ال ُّد َول وتنهار الأمم �إال حني تنت�شر الأنانية‪ُّ ،‬‬
‫ي�ست�شعر امل�س�ؤولية ويحب العمل للآخرين‪ ،‬وهو ال يقوم ب�أداء عمله املك َّلف به؟)‬
‫‪l.‬‬

‫�إذا وقع ذلك فهناك احتماالن‪:‬‬


‫الأول‪� :‬إن مفردات عمله غري وا�ضحة عنده‪ ،‬مما ي�سبب له اخللط بني الأولويات‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫الثاين‪� :‬أنه يتظاهر بعمله للآخرين من �أجل حتقيق امل�صلحة ال�شخ�صية‪ ،‬وهذا خلله لي�س‬
‫‪o‬‬

‫يف عدم ا�ست�شعاره للم�س�ؤولية‪ ،‬بل يف غر�ضه �أ�ص ًال‪.‬‬


‫‪m‬‬

‫< االهتمام بامل�صلحة العامة‪ :‬حيث للوظيفة ٌ‬


‫هدف حتققه للدولة �أو للقطاع اخلا�ص‪،‬‬
‫وكالهما يحقق التنمية للبلد وال�سكان‪ ،‬فاملوظف الذي يعمل يف �شركة لإنتاج احلليب‬
‫وم�شتقاته مث ًال‪ ،‬ي�سهم يف توفري احلليب للأطفال والكبار يف البلد وحت�سني �صحتهم‬
‫الداري ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬رواه م�سلم (‪/‬بيان �أن الدين الن�صيحة ‪ )55 -‬عن متيم‬
‫‪75‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫ورفاهية معي�شتهم‪ ،‬وي�ساهم يف حتقيق كفاية البلد واال�ستغناء عن ا�سترياد احلليب‬


‫واالعتماد على االقت�صاد الأجنبي‪ ،‬وي�سهم يف تنمية اقت�صاد البلد وت�سريع تطورها‪...‬‬
‫وغري ذلك من امل�صالح‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫ف�إذا راعى املوظف �أنه يخدم �شريح ًة كبرية من النا�س من خالل وظيفته‪ ،‬ال ينفع‬
‫نف�سه فقط وال �صاحب امل�ؤ�س�سة التي يعمل فيها فح�سب‪ ،‬فعند ذاك يجتهد يف حت�سني‬
‫‪b‬‬

‫�أدائه والإخال�ص يف عمله‪ ،‬بعك�س من ي�ستغل الوظيفة مل�صلحته ال�شخ�صية �ضارب ًا مب�صالح‬
‫الآخرين عر�ض احلائط(‪.)1‬‬
‫‪e‬‬

‫< ح ّ��ب نفع الآخ��ري��ن‪ :‬حيث �إن الوظيفة من املجاالت الوا�سعة يف تقدمي اخلدمات‬
‫‪ik‬‬

‫للنا�س‪ ،‬حني ي�سعى املوظف للتعجيل ب�إنهاء معاملة أ�ح��د املراجعني‪ ،‬ورمب��ا كانت‬
‫معطلة ملدة طويل ٍة قبل ذلك‪ ،‬فيكون الفرج على يد هذا املوظف‪� ،‬أو ي�شفع‬ ‫املعاملة َّ‬
‫يعف امر�أ ًة عن الرتدد بني مكاتب ال ِّرجال لق�ضاء‬
‫له عند امل�س�ؤول للتخفيف عنه‪� ،‬أو ّ‬
‫‪a‬‬

‫�ساع يق�ضي حاجتها فيقوم بخدمتها‪ ...‬وغري ذلك‬ ‫حاجتها حني ال يكون لها و ّ‬
‫يل �أو ٍ‬
‫من ال�ص َور الكثرية‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫�أال ما �أجمل اللحظة التي يخدم فيها املوظف �أحد النا�س‪ ،‬فين�صرف وهو يرفع يديه �إىل‬
‫‪d‬‬

‫اهلل تعاىل يدعو لهذا املوظف الذي خدمه‪ ،‬ب�أن يوفقه اهلل‪ ،‬ويحفظ له �أبناءه‪.‬‬
‫فمتى ا�ست�شعر املوظف هذا املعنى تلذَّ ذ �إن �صح التعبري ب�أداء العمل؛ لأنه يحب اخلري‬
‫‪l.‬‬

‫للآخرين راجي ًا بذلك الأجر من اهلل تعاىل‪ ،‬قال ‪( :‬خري النا�س �أنفعهم للنا�س)(‪.)2‬‬
‫‪c‬‬

‫وقال ‪�( :‬إن هلل تعاىل عباد ًا اخت�صهم بحوائج النا�س‪ ،‬يفزع النا�س �إليهم يف حوائجهم‪،‬‬
‫�أولئك الآمنون من عذاب اهلل)(‪ ،)3‬وقال ‪( :‬ال�ساعي على الأرملة وامل�سكني كاملجاهد يف‬
‫‪o‬‬

‫(‪� )1‬سي�أتي ذكر ا�ستغالل الوظيفة للم�صلحة ال�شخ�صية يف ال�صفات املذمومة‪ ،‬لكن ذكرت االهتمام بامل�صلحة‬
‫‪m‬‬

‫العامة كو�سيلة من و�سائل الرقابة الذاتية‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه الطرباين عن جابر (الأو�سط‪ ،)58/6 :‬وهـو عند الطرباين (الأو�سط‪ )139/6 :‬عن ابن عمر‬
‫بلفظ «�أحب النا�س �إىل اهلل �أنفعهم للنا�س» (جممع الزوائد‪ )191/8 :‬وهـو عند �أبي يعلى (‪ )65/6‬عن �أن�س‬
‫مبعناه‪ ،‬وبهذه الطرق يتح�سن‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطرباين (‪ )358/12‬عن ابن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪( .‬جممع الزوائد‪ )192/8 :‬وفيه �ضعف (في�ض‬
‫القدير‪ )477/2 :‬يتح�سن مبا قبله‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪76‬‬

‫�سبيل اهلل)(‪ ،)1‬وقال ‪( :‬من نفَّ�س عن م�ؤمن كرب ًة من كرب الدنيا نفَّ�س اهلل عنه كرب ًة من‬
‫كرب يوم القيامة)(‪.)2‬‬
‫يحب خدمة النا�س وال يفتح لهم �أبوابه مع قدرته على ذلك فهو‬ ‫�أما املوظف الذي ال ّ‬
‫‪o‬‬

‫مقيت عند اهلل وعند النا�س‪ ،‬قال ‪( :‬من ويل من �أمر امل�سلمني �شيئ ًا فاحتجب دون خ َّلتهم‬
‫ٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫وحاجتهم وفقرهم وفاقتهم‪ ،‬احتجب اهلل عز وجل دون خ َّلته وفاقته وحاجته وفقره) ‪.‬‬
‫‪b‬‬
‫‪e‬‬

‫اخل ُلق الرابع‪ :‬الق َّوة‪:‬‬


‫�أهميتها‪ :‬الق ّوة هي امل�ؤهل الأول لتويل املنا�صب والوظائف‪ ،‬قال اهلل �سبحانه‪ :‬ﱫﮮ‬
‫‪ik‬‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﱪ [الق�ص�ص‪ ،]26 :‬وقد �أ�شاد النبي بامل�ؤمن القوي‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫أحب �إىل اهلل من امل�ؤمن ال�ضعيف)(‪ ،)4‬والعموم يف احلديث يدلّ على‬
‫ري و� ّ‬
‫القوي خ ٌ‬
‫(امل�ؤمن ّ‬
‫‪a‬‬

‫القوي �إميان ًا خ ٌ‬
‫ري من‬ ‫القوي ج�سد ًا‪ ،‬وامل�ؤمن ّ‬
‫القوي عق ًال‪ ،‬وامل�ؤمن ّ‬ ‫جميع �أنواع القوة‪ ،‬فامل�ؤمن ّ‬
‫غريهم من امل�ؤمنني ال�ضعفاء يف هذه الأنواع‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫والقوة للم�ؤمن مطلوبة يف الوظيفة وغريها‪� ،‬أمر اهلل بها الأنبياء عليهم ال�سالم‪:‬‬
‫‪d‬‬

‫ﱫﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﱪ [الأعراف‪]145 :‬‬

‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔﱪ [مرمي‪ ]12 :‬و�أمر اهلل بها امل�ؤمنني‪ :‬ﱫﭰ ﭱ ﭲ ﭳﱪ‬


‫‪l.‬‬

‫[البقرة‪ ]63 :‬ﱫﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﱪ [الأنفال‪ ]60 :‬وال�ضعف �صفة نق�ص يتحا�شاها‬


‫امل�سلم‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫جماالتها‪ :‬والقوة يف الوظيفة تختلف من جمال لآخر‪ ،‬وهي يف كل جمال بح�سبها‪ ،‬كما‬
‫‪o‬‬

‫ذكر �شيخ الإ�سالم ابن تيمية رحمه اهلل‪ ،‬فقال‪« :‬القوة يف كل والي ٍة بح�سبها‪ ،‬فالقوة يف �إمارة‬
‫(‪ )1‬متفق عليه عن �أبي هريرة ‪( .‬البخاري‪ :‬النفقات‪/‬ف�ضل النفقة على الأهل ‪ ،5038 -‬وم�سلم‪ :‬الزهد‬
‫‪m‬‬

‫والرقائق‪/‬الإح�سان �إىل الأرملة وامل�سكني واليتيم ‪.)2982 -‬‬


‫(‪ )2‬رواه م�سلم (الذكر والدعاء‪/‬ف�ضل االجتماع على تالوة القر�آن ‪ )2699 -‬عن �أبي هريرة ‪ ،‬وورد بلفظ‬
‫«من ف َّرج»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه �أبو داود (‪ )135/3‬عن �أبي مرمي الأزدي ٍ‬
‫ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه م�سلم (القدر‪/‬الأمر بالقوة وترك العجز ‪ )2664 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫احلرب ترجع �إىل �شجاعة القلب واخلربة باحلروب واملخادعة فيها‪ ،‬والقوة يف احلكم بني‬
‫النا�س ترجع �إىل العلم بالعدل والقدرة على تنفيذ الأحكام»(‪.)1‬‬
‫والقوة بالن�سبة للموظف نوعان‪ :‬ج�سدية‪ ،‬ومعنوية؛ فاجل�سدية‪ :‬هي قدرته على القيام‬
‫‪o‬‬

‫بالعمل ب�أن ال يكون فيه عاهة �أو مر�ض مينعه من القيام بالعمل‪،‬‬
‫واملعنوية‪ :‬تعني القوة العلمية‪ ،‬التي ت�شمل التمكن يف التخ�ص�ص‪ ،‬وا�ستغالل القدرات والإمكانات‪،‬‬
‫‪b‬‬

‫ومتابعة التطوير والتجديد‪ ،‬وهذا النوع من القوة مقدم على القوة املادية كما قيل(‪:)2‬‬
‫‪e‬‬

‫الـ ــر�أي ق ـ ـ ـب ـ ـ ــل �ش ـ ــجاعة ال�شجــعان‬


‫هـ ـ ــو �أو ٌل وه ـ ــي ال ـ ـم ـح ـ ّل ال ـ ـ ـ ـثـ ــاين‬
‫‪ik‬‬

‫وقال الإمام �أحمد رحمه اهلل‪« :‬ال ينبغي للرجل �أن ين�صب نف�سه للفتيا حتى يكون فيه‬
‫خم�س خ�صال؛ �أولها‪� :‬أن تكون له نية‪ ،‬ف�إن مل يكن له نية مل يكن عليه نور وال على كالمه نور‪،‬‬
‫‪a‬‬

‫والثانية‪� :‬أن يكون له علم وحلم ووقار و�سكنية‪ .‬الثالثة‪� :‬أن يكون قوي ًا على ما هو فيه وعلى‬
‫معرفته‪ .‬الرابعة‪ :‬الكفاية و�إال م�ضغه النا�س‪ .‬اخلام�سة‪ :‬معرفة النا�س»(‪.)3‬‬
‫‪n‬‬

‫فالقائم مبن�صب املفتي �أو القا�ضي �أو غريهما ال ب ّد له من �إتقان التخ�ص�ص قبل‬
‫‪d‬‬

‫تويل املن�صب‪.‬‬
‫واملتويل لوظيف ٍة جتارية �أو غريها الب ّد له من الإملام بالأحكام ال�شرعية لها قبل تو ِّليها‪،‬‬
‫‪l.‬‬

‫لذا كان عمر يقول‪« :‬ال ي ِب ْع يف �سوقنا �إال من يفقه‪ ،‬و�إال �أكل الربا �شاء �أم �أبى»(‪.)4‬‬
‫ومن القوة بذل اجلهد يف �أداء العمل على �أح�سن وجه‪ ،‬ولي�س االكتفاء باحلد الأدنى‪ ،‬كما‬
‫‪c‬‬

‫قال ‪�( :‬إن اهلل يحب �إذا عمل �أحدكم عم ًال �أن يتقنه)(‪ ،)5‬ويف رواية (�إن اهلل تعاىل ّ‬
‫يحب‬
‫من العامل �إذا عمل �أن يح�سن)(‪.)6‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬ابن تيمية‪/‬ال�سيا�سة ال�شرعية (‪.)19‬‬


‫(‪ )2‬املتنبي (ديوانه‪.)414 :‬‬
‫(‪ )3‬ابن القيم‪�/‬إعالم املوقعني عن رب العاملني (‪.)199/4‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (ال�صالة‪/‬ف�ضل ال�صالة على النبي [)‪( ،‬ح‪ )449 :‬وح�سنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البيهقي (�شعب الإميان‪ )334/4 :‬عن �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البيهقي (�شعب الإميان‪ )335/4 :‬عن كليب ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪78‬‬

‫�أمثلة على القوة‪ :‬وقد جمع اهلل تعاىل بني الق َّوتني للقائد طالوت الذي قال فيه‪ :‬ﱫﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﱪ [البقرة‪ ]247 :‬وجمعهما لر�سوله‬
‫فهو يف العبادة �أكرث النا�س �صرب ًا‪ ،‬ويف القتال �أ�ش ّدهم ب�أ�س ًا‪ ،‬ويف حمل الدين �أعظمهم‬
‫‪o‬‬

‫حتم ًال‪ ،‬ويف الوقت نف�سه هو �أكرث النا�س حر�ص ًا على التجديد يف �أ�ساليب الدعوة‪ ،‬وحت�سني‬
‫معي�شة امل�سلمني‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫نف�سي‪� ،‬أو قل ٍة يف اخلربة فعليه‬


‫�صحي‪� ،‬أو ّ‬ ‫ب�سبب ّ‬‫والذي ي�شعر من املوظفني �أن فيه �ضعف ًا ٍ‬
‫‪e‬‬

‫�أن ين�صح لإدارته وال يطلب �أكرث من حقه؛ لأنه يف الغالب ال يقوم بالعمل ب�شكل كامل‪ ،‬بل على‬
‫الإدارة �أن ال توليه هذا العمل الذي ال ي�ستطيعه‪ ،‬فقد قال لأبي ذ ّر (يا �أبا ذ ّر! �إين �أراك‬
‫‪ik‬‬

‫ني مال يتيم)(‪.)1‬‬ ‫رن على اثنني‪ ،‬وال ت َول ّ‬ ‫�ضعيف ًا‪ ،‬و�إين � ّ‬
‫أحب لك ما �أحب لنف�سي‪ ،‬ال ت�أ َّم ّ‬
‫اجتماع القوة مع الأمانة‪ :‬جمع القر�آن الكرمي بني �أهم خُ لقني يحتاجهما املوظف يف‬
‫‪a‬‬

‫وجدت يف القر�آن‬
‫ُ‬ ‫قوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﱪ [الق�ص�ص‪ ،]26 :‬وقد‬
‫‪n‬‬

‫الكرمي اقرتان القوة والأمانة يف � ٍ‬


‫آيات عدة‪:‬‬
‫‪ 1-‬كقوله تعاىل‪ :‬ﱫﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ * ﮥ ﮦ ﮧﱪ [التكوير‪.]21 - 20 :‬‬
‫‪d‬‬

‫ﱫﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﱪ‬ ‫‪ 2-‬وقوله �سبحانه عن يو�سف ÷ حكاي ًة لقوم امللك‪:‬‬


‫‪l.‬‬

‫[يو�سف‪]54 :‬‬

‫‪ 3-‬وقوله �سبحانه يف حق �سليمان ÷‪ :‬ﱫﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬


‫‪c‬‬

‫ﯦ ﯧﱪ [النمل‪ ]20 :‬وهذه هي القوة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ﱫﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫‪o‬‬

‫ﭛ ﭜﱪ [النمل‪ ]36 :‬وهذه هي الأمانة‪.‬‬


‫‪m‬‬

‫‪ 4-‬وقوله عز وجل يف حق ذي القرنني وهو امللك ال�صالح‪ :‬ﱫﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬


‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﱪ [الكهف‪ ]87 :‬وهذه هي القوة ثم قال ملا ُعرِ �ض عليه الأجر‪ :‬ﱫﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﱪ [الكهف‪ ]95 :‬وهذه هي الأمانة‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم (الإمارة‪/‬كراهة الإمارة بغري �ضرورة ‪.)1826 -‬‬
‫‪79‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫وهذا االقرتان يدل على وجوب اجلمع بينهما قدر الإمكان‪ ،‬ولكن يف بع�ض احلاالت التي‬
‫والقوي اخلائن‪ ،‬فهنا نحتاج �إىل املفا�ضلة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫القوي الأمني‪ ،‬ويوجد ال�ضعيف الأمني‬
‫يفتقد فيها ّ‬
‫�أيهما �أ�صلح يف الوظيفة‪ ،‬ف�إن كانت الوظيفة مالية �أو فيها �أ�سرار فال�ضعيف الأمني �أ�صلح‪،‬‬
‫فالقوي اخلائن �أ�صلح‪.‬‬
‫ّ‬ ‫و�إن كانت ج�سدية‬
‫‪o‬‬

‫وهذه احلالة التي كان �أمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب يتع َّوذ منها فيقول‪« :‬اللهم �إين‬
‫‪b‬‬

‫�أعوذ بك من ج َلد الفاجر وعجز الثقة»(‪ .)1‬ذلك �أن الفاجر اجللد �إذا مت َّكن يف امل�صلحة وتبوَّ�أ‬
‫فيها املنا�صب العليا �سخَّ ر الإدارة لنف�سه‪ ،‬ورمبا يخون البالد‪ ،‬وي�ستطيع الأعداء و�أ�صحاب‬
‫‪e‬‬

‫امل�صالح �أن يغروه‪ ،‬وكذلك ال�ضعيف الثقة ي�ستطيع �أ�صحاب امل�صالح �أن ي�ستغلُّوه من حيث ال‬
‫‪ik‬‬

‫كل منهما خطورة‪ ،‬ولكن �إن كان ال بد من �أحدهما فكما ق َّدمت‪.‬‬ ‫ي�شعر‪ ،‬ويف ٍّ‬
‫وهو ما �سئل عنه الإمام �أحمد رحمه اهلل حني قيل له‪« :‬الرجالن يكونان �أمريين يف الغزو‬
‫قوي فاجر والآخر �صالح �ضعيف‪ ،‬مع �أيهما يغزى؟ فقال‪� :‬أما الفاجر القوي فق ّوته‬
‫�أحدهما ٌّ‬
‫‪a‬‬

‫للم�سلمني وفجوره على نف�سه‪ ،‬و�أما ال�صالح ال�ضعيف ف�صالحه لنف�سه و�ضعفه على امل�سلمني‪،‬‬
‫القوي الفاجر»(‪.)2‬‬
‫‪n‬‬

‫فيغزى مع ّ‬
‫خالد بن الوليد على اجلي�ش‪ ،‬وكان عمر‬ ‫ال�صديق ي�ستعمل َ‬ ‫ِّ‬ ‫وكان �أبو بكر‬
‫‪d‬‬

‫يف�ضل �أبا عبيدة بن اجلراح ‪ ،‬وال�س ّر يف ذلك كما قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية «�أن خالد ًا‬ ‫ِّ‬
‫لكل منهما �أن‬‫كان �شديد ًا كعمر بن اخلطاب‪ ،‬و�أبا عبيدة كان ل ِّين ًا ك�أبي بكر‪ ،‬وكان الأ�صلح ٍّ‬
‫‪l.‬‬

‫يويل من واله‪ ،‬ليكون �أمره معتد ًال»(‪.)3‬‬


‫‪c‬‬

‫التطوير‪ :‬والتطوير �شك ٌل من �أ�شكال القوة‪ ،‬و�صفة من �صفات املوظف الناجح الذي ي�سعى‬
‫لتح�سني �أدائه و�أداء م�ؤ�س�سته‪ ،‬والتجديد يف الأ�ساليب الوظيفية والأنظمة �سمة احليوية يف‬
‫‪o‬‬

‫امل�ؤ�س�سة‪� ،‬أما اجلمود والرتابة (الروتني) فهو م� ِّؤ�شر الف�شل؛ ذلك �أن ما ي�صلح ٍ‬
‫لوقت قد ال‬
‫ي�صلح لوقت �آخر‪ ،‬وما ينا�سب �أنا�س ًا ال ينا�سب �آخرين‪ ,‬وما كان مفيد ًا يف ال�سابق قد ال يكون‬
‫‪m‬‬

‫مفيد ًا الآن‪ ،‬ثم �إن احلياة بطبيعتها تتجدد يومي ًا‪ ،‬فك ّل ٍ‬
‫�صباح تطلع �شم�سه تكتب احلياة لب�شر‬
‫(‪ )1‬ابن تيمية‪/‬امل�صدر ال�سابق (‪.)21‬‬
‫(‪ )2‬ابن تيمية‪/‬امل�صدر ال�سابق (‪.)21‬‬
‫(‪ )3‬ابن تيمية‪/‬امل�صدر ال�سابق (‪.)23‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪80‬‬

‫وحيوانات وكائنات‪ ،‬فيحلُّون يف الدنيا وي�ضيفون عليها �شيئ ًا جديد ًا‪ ،‬ويغادر �آخرون خم ِّلفني‬
‫ومنتجات‬
‫ٌ‬ ‫تغيري ًا ب�شكلٍ ما‪ .‬واحلياة الوظيفية تتجدد �أي�ض ًا ف�شركات تن�ش�أ و�شركات تنهار‪،‬‬
‫تظهر و�أخرى تندثر‪ ،‬و�أنظمة تق َّرر ومثلها تلغى‪ .‬لذا ف�إن من ال يواكب التط ُّور �سيظ ّل يف �آخر‬
‫ال َّركْب‪ ،‬ولي�س امل�ص ِّلي كال�سابق(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬
‫‪b‬‬

‫اخل ُلق اخلام�س‪ :‬ح�سن املعاملة‪:‬‬


‫�شرعي(‪ ،)2‬يدل عليه قول اهلل �سبحانه‪:‬‬‫ّ‬ ‫واجب‬
‫ٌ‬ ‫�أهميتها و�أمثلة لها‪ :‬ح�سن املعاملة‬
‫‪e‬‬

‫ﱫﯦ ﯧ ﯨ ﱪ [البقرة‪ ،]83 :‬وقوله عز وجل‪ :‬ﱫﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬


‫‪ik‬‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﱪ [�آل عمران‪ ،]159 :‬وقوله ‪�( :‬إنكم ال ت�سعون النا�س ب�أموالكم‪،‬‬


‫ولي�سعهم منكم ب�سط الوجه‪ ،‬وح�سن اخل ُلق)(‪ ،)3‬وقوله ‪( :‬ما كان الرفق يف ٍ‬
‫�شيء �إال زانه‪،‬‬
‫وما نزع من �شيء �إال �شانه)(‪.)4‬‬
‫‪a‬‬

‫و�سريته العطرة فائ�ض ٌة بح�سن معاملته‪� ،‬شهد له بها العد ّو قبل ال�صديق‪ ،‬ومن ذلك‬
‫‪n‬‬

‫�أنه عندما كان يف الطريق �إىل فتح مكة‪ ،‬لقيه �أبو �سفيان بن احلارث وعبداهلل بن �أبي �أمية‬
‫وهما ابن عمه وابن ع ّمته وكانا من �أ�شد النا�س �إيذا ًء له مبكة‪ ،‬ف�أعر�ض عنهما‪ ،‬ف�أ�شار‬
‫‪d‬‬

‫علي بن �أبي طالب على �أبي �سفيان �أن ي�أتي النبي ويقول له ما قال �إخوة يو�سف‪ :‬ﱫﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﱪ [يو�سف‪ ]91 :‬ف�إنه ال ير�ضى �أن يكون �أحد �أح�سن‬
‫‪l.‬‬

‫جواب ًا منه‪ ،‬فلما قال ذلك �أبو �سفيان‪� ،‬أجابه‪ :‬ﱫﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ‬


‫ﯛﱪ [يو�سف‪.)5(]92 :‬‬
‫‪c‬‬

‫(‪ )1‬امل�ص ِّلي من اخليل‪ :‬الذي ي�أتي ثاني ًا بعد ال�سابق‪ ،‬و�سمي بذلك؛ لأنه يجيء ور�أ�سه على �صال ال�سابق‪،‬‬
‫‪o‬‬

‫وال�صال مكتنفا الذنَب‪( .‬ل�سان العرب‪.)466/14 :‬‬


‫(‪ )2‬يردد بع�ض امل�سلمني عبارة‪ :‬الدين املعاملة‪ ،‬ويظنها بع�ضهم حديث ًا نبوي ًا‪ ،‬ولي�ست هي كذلك‪ ،‬ولكن معناها‬
‫‪m‬‬

‫�صحيح باعتبار املعاملة احل�سنة مع اهلل واخللق مطلوبتان‪ ،‬وهـذا الأ�سلوب يراد به الت�أكيد على الأهمية‬
‫كقوله ÷‪« :‬الدين الن�صيحة»‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البزار واحلاكم (‪ )212/1‬ب�سند �صحيح عن �أبي هريرة ‪( .‬جممع الزوائد‪.)22/8 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه �أبو داود (‪ )3/3‬عن �شريح ‪ ،‬و�أ�صله يف �صحيح م�سلم (ال�سالم‪/‬النهي عن ابتداء �أهل الكتاب‬
‫بال�سالم وكيف يرد عليهم ‪ )2165 -‬عن �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬
‫(‪ )5‬زاد املعاد (‪.)400/3‬‬
‫‪81‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫وموقفه امل�شهور يف العفو عن �أعدائه من امل�شركني بعد فتحه مكة‪ ،‬حني وقف �أمام الكعبة‬
‫�شرفها اهلل‪ ،‬وقال‪« :‬ما تظنون �أين فاعل بكم؟ قالوا‪� :‬أ ٌخ كرمي‪ ،‬وابن � ٍأخ كرمي‪ .‬فقال‪ :‬اذهبوا‬
‫ف�أنتم الطلقاء»(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫يح�سن‬ ‫وكان جار النبي يهودي ًا واليهود كانوا من �سكان املدينة ومع ذلك كان‬
‫معاملته حتى �أ�سلم على يديه(‪.)2‬‬
‫‪b‬‬

‫يب�ش يف وجوه النا�س‬ ‫وخدمه �أن�س بن مالك ع�شر �سنني فما قال له � ٍّأف قط‪ ،‬وكان ّ‬
‫‪e‬‬

‫يتب�سم لهم جمامل ًة اتقاء فح�شهم‪ ،‬وقد �شهدت له الكتب ال�سماوية‬ ‫جميع ًا حتى من يبغ�ضهم َّ‬
‫ال�سابقة بح�سن خلقه‪ ،‬فجاء يف التوراة «يا �أيها النبي �إنا �أر�سلناك �شاهد ًا ومب�شر ًا ونذير ًا‬
‫‪ik‬‬

‫اب يف‬ ‫بفظ وال ٍ‬


‫غليظ وال �سخَّ ٍ‬ ‫وحرز ًا للأميني‪� ،‬أنت عبدي ور�سويل‪� ،‬س َّميتك املتوكل‪ ،‬لي�س ٍّ‬
‫الأ�سواق‪ ،‬وال يدفع بال�سيئة ال�سيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويغفر»(‪.)3‬‬
‫‪a‬‬

‫هذه العظمة يف املعاملة جعلت غري امل�سلمني يخ�ضعون لها‪ ،‬ويع ُّدونه الرجل الأول من‬
‫عظماء الب�شرية(‪.)4‬‬
‫‪n‬‬

‫�أنواع ح�سن املعاملة‪ :‬تتعدد �أ�شكال ح�سن املعاملة‪:‬‬


‫‪d‬‬

‫< يف ب�شا�شة اللقاء والرتحيب احلا ّر؛ لقوله �سبحانه‪ :‬ﱫﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ‬


‫‪l.‬‬

‫(تب�سمك يف وجه‬
‫‪ُّ :‬‬ ‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﱪ [النحل‪ ،]32:‬وقوله‬
‫�أخيك �صدقة)(‪.)5‬‬
‫‪c‬‬

‫< ويف االهتمام ب�أمور الآخرين وتقدمي اخلدمة املمكنة لهم؛ لقوله �سبحانه يف ق�صة‬
‫طلب منهما‪ :‬ﱫﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫�سقي مو�سى ÷ للمر�أتني دون ٍ‬
‫‪o‬‬

‫(‪ )1‬ابن هـ�شام‪/‬ال�سرية النبوية (‪.)41/2‬‬


‫‪m‬‬

‫(‪ )2‬رواه البخاري (اجلنائز‪�/‬إذا �أ�سلم ال�صبي فمات هل ي�صلى عليه ‪ )1290 -‬عن �أن�س ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (البيوع‪/‬كراهية ال�سخب يف ال�سوق ‪ )2018 -‬عن عبداهلل بن عمرو بن العا�ص ‪ ،‬وحلف‬
‫�أن هذه �صفته فيها‪.‬‬
‫(‪ )4‬كتاب املئة الأوائل ملايكل هارت (�صفحة ‪.)21‬‬
‫(‪ )5‬رواه الرتمذي (‪َّ )339/4‬‬
‫وح�سنه عن �أبي ذر ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪82‬‬

‫‪( :‬ال ي�ؤمن �أحدكم حتى يحب‬ ‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﱪ [الق�ص�ص‪ ]24 :‬وقوله‬


‫لأخيه ما يحب لنف�سه)(‪.)1‬‬
‫< ويف عدم �إحراجهم �أو �إهانتهم؛ لقوله تعاىل‪ :‬ﱫﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫‪o‬‬

‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﱪ [الأحزاب‪.]58:‬‬
‫‪b‬‬

‫ولي�س هذا مق�صور ًا على امل�سلمني فقط‪ ،‬بل حتى غري امل�سلمني يجب معاملتهم باحل�سنى؛‬
‫للعموم يف قوله �سبحانه‪ :‬ﱫﯦ ﯧ ﯨ ﱪ [البقرة‪.]83 :‬‬
‫‪e‬‬

‫إن�سان الآخرين مبا يحب �أن يعاملوه به‪،‬‬


‫والذي يجمع �أنواع ح�سن املعاملة هو �أن يعامل ال ُ‬
‫‪ik‬‬

‫قال ‪( :‬من �أحب �أن يزحزح عن النار ويدخل اجلنة فلت�أته منيته وهو ي�ؤمن باهلل واليوم‬
‫الآخر ولي�أت �إىل النا�س الذي يحب �أن ي�ؤتى �إليه)(‪ ،)2‬فانظر كيف حتب �أن يعاملك الآخرون‬
‫فعامل النا�س به‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫ح�سن املعاملة يف الوظيفة‪� :‬إ�ضاف ًة للن�صو�ص ال�سابقة يف ح�سن املعاملة مع النا�س عموم ًا‪،‬‬
‫‪n‬‬

‫ف�إن الزميل يف العمل له تو�صي ٌة خا�صة يف القر�آن الكرمي‪ ،‬يف قوله عز وجل‪ :‬ﱫﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﱪ [الن�ساء‪ ]36 :‬فاجلار ذي‬
‫‪d‬‬

‫القربى‪ :‬اجلار القريب يف الن�سب‪ ،‬واجلار اجلنُب‪ :‬اجلار القريب يف املنزل‪ ،‬وال�صاحب‬
‫باجلنب‪ :‬الرفيق يف البيت‪ ،‬والعمل‪ ،‬وال�سفر(‪.)3‬‬
‫‪l.‬‬

‫َ‬
‫وح�سن املعاملة يحتاجه املوظف مع ر�ؤ�سائه‪ ،‬وزمالئه‪ ،‬ومر�ؤو�سيه‪ ،‬واملراجعني‪..‬‬
‫‪c‬‬

‫فالر�ؤ�ساء واملديرون يف العمل لهم حق املعاملة احل�سنة؛ لأنهم �أقدر و�أكرث خرب ًة يف‬
‫العمل غالب ًا‪ ،‬وح�سن التعامل معهم يظهر يف تنفيذ رغباتهم و�أوامرهم؛ لأنهم من �أولياء‬
‫‪o‬‬

‫الأمور �شرع ًا‪ ،‬ونحن م�أمورون بطاعتهم يف الكتاب وال�سنة‪ ،‬وح�سن التعامل معهم يظهر �أي�ض ًا‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬رواه ال�شيخان عن �أن�س ‪( .‬البخاري‪ :‬الإميان‪/‬من الإميان �أن يحب لأخيه ما يحب لنف�سه ‪ ،13 -‬وم�سلم‪:‬‬
‫الإميان‪/‬الدليل على �أن من خ�صال الإميان �أن يحب لأخيه امل�سلم ما يحب لنف�سه من اخلري ‪.)45 -‬‬
‫(‪ )2‬رواه م�سلم (الإمارة‪/‬وجوب الوفاء ببيعة اخللفاء الأول فالأول ‪ )1844 -‬عن عبداهلل بن عمرو بن العا�ص‬
‫ر�ضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬تف�سري ابن كثري (‪.)495/1‬‬
‫‪83‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫يف العالقة احل�سنة معهم؛ لأن لها مردود ًا على جودة الأداء؛ ويف �إح�سان ّ‬
‫الظن بهم‪ ،‬وعدم‬
‫ن�شر الإ�شاعات الكاذبة عنهم‪� ،‬أو الت�شهري بهم‪� ،‬أو ِغيبتهم‪� ،‬أو �إ�ساءة �سمعتهم‪.‬‬
‫والروح الإيجابية االجتماعية �إذا �سادت العالقة بني الرئي�س واملوظفني انعك�س ذلك‬
‫‪o‬‬

‫تلقائي ًا على ك�سر الروتني الوظيفي‪ ،‬والتجديد يف العمل‪ ،‬والت�شجيع على النقد البنّاء مل�صلحة‬
‫العمل‪ ،‬ومنع الت�شنجات يف العالقات‪ ،‬وتعطيل م�صالح املوظفني‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫وقد يلج�أ بع�ض املوظفني �إىل تخ�شني املعاملة مع امل�س�ؤول‪ ،‬وغيبته والت�شهري به؛ لأنه مل‬
‫‪e‬‬

‫ويحتج بقوله‬
‫ّ‬ ‫ي�ستطع �أخذ حقِّه منه‪ ،‬وهو متيقِّن �أنه مظلوم‪ ،‬فيع ِّبـر عن غيظه بهذا ال�سلوك‪،‬‬
‫تعاىل‪ :‬ﱫﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﱪ [الن�ساء‪]148 :‬‬
‫‪ik‬‬

‫وحل هذا الإ�شكال ب�أمور‪:‬‬


‫الأول‪� :‬أن يعلم املوظف �أن غيبته للم�س�ؤول ال تخدمه‪ ،‬بل قد ت�ض ُّره ببلوغ هذه الغيبة للم�س�ؤول‪،‬‬
‫‪a‬‬

‫�أو �إ�ضرار �أحد من النا�س به برفع ق�ضية ت�شهري �ض َّده‪ ،‬مع العلم �أنه لن ي�ستفيد �شيئ ًا من هذه‬
‫الغيبة �إن كانت غيبة فع ًال لأن من ي�سمعها لن يقف معه يف حقِّه غالب ًا خوف ًا على م�صلحته‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫الثاين‪� :‬أن �أخذ احلق له طرق �شرعية ونظامية معروفة‪ ،‬ولي�س منها الت�شهري والغيبة‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫حب من �أح�سن �إليهم وعاملهم باحل�سنى‪ ،‬فخري‬ ‫الثالث‪� :‬أن النا�س مفطورون على ّ‬
‫‪l.‬‬

‫مواجهة لهذا الظلم �إن ُوجِ د هو ح�سن التعامل الذي يغيرِّ نظرة املقابل وموقفه‪ ،‬كما قال‬
‫�سبحانه‪ :‬ﱫﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﱪ [ف�صلت‪.]34 :‬‬
‫‪c‬‬

‫الرابع‪� :‬أن املكا�شفة وامل�صارحة والن�صيحة اخلال�صة خري �سبيل ل�صفاء القلوب‬
‫فقدم ن�صيحتك بال�شكل املنا�سب اخلايل من الف�ضيحة‪ ،‬و�صارح امل�س�ؤول‬ ‫وتقومي ال�سلوك‪ِّ ،‬‬
‫‪o‬‬

‫مبالحظتك‪ ،‬فكثري ًا ما يكون امل�س�ؤول غري قا�صد �أو غري منتبه لعواقب ما يفعل على بع�ض‬
‫‪m‬‬

‫الأفراد‪ ،‬نظر ًا الن�شغال ذهنه ب�أمو ٍر �أكرب‪ ،‬ف�إذا ُذ ِّكر انتبه واعتذر َّ‬
‫و�صحح‪.‬‬
‫والزمالء يف العمل لهم حق املعاملة احل�سنة؛ لأنهم �شركاء يف امل�صلحة‪ ،‬ون�صحاء يف العمل‪،‬‬
‫فري�شد الواحد منهم �أخاه‪ ،‬وي�س ِّهل له مهمته‪ ،‬ويكون مر آ� ًة له‪ ،‬لذا ف�إن التعامل احل�سن ٌ‬
‫واجب من‬
‫ك ٍّل منهم لزمالئه‪ ،‬ملا يعود على املوظـف بالـراحة النف�سـية‪ ،‬وعلى العمل بالأداء اجليد‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪84‬‬

‫وح�سن التعامل معهم يظهر يف التحية واالبت�سامة واملالطفة‪ ،‬والتعاون وخدمة بع�ضهم‬
‫البع�ض‪ ،‬والن�صح والت�سديد‪ ،‬والتغا�ضي عن العيوب والأخطاء غري املق�صودة‪.‬‬
‫وهذا ال مينع من التناف�س ال�شريف‪ ،‬ودخول امل�سابقات الوظيفية ال ي�ؤثر على املعاملة‬
‫‪o‬‬

‫احل�سنة مع الزمالء؛ لأن هذا من فعل الأ�سباب امل�شروعة يف الوظيفة‪ ،‬وهو حق لكل موظف‬
‫كحقه يف الراتب والرتقية‪ ،‬فال ت�أثري لها يف املعاملة‪ ،‬و�أي�ض ًا ف�إن ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم‬
‫‪b‬‬

‫كانوا يتناف�سون يف �أمور اخلري والطاعات ويح�سنون التعامل مع بع�ضهم بع�ض ًا‪ ،‬بل يحب‬
‫بع�ضهم بع�ض ًا‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫فالواجب �أن ي�سعى كل موظف ملا يفيد �أخاه املوظف‪ ،‬ويدعو له بالتوفيق دائم ًا‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫واملر�ؤو�سون لهم حق املعاملة احل�سنة؛ لأنهم م�ساعدون للرئي�س واملدير يف عمله‪ ،‬فلوالهم‬
‫ما ا�ستطاع الرئي�س �أن ينجز مهامه‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أن املنطقي �أن يكون الرئي�س واملدير قدو ًة‬
‫‪a‬‬

‫لهم يف التعامل احل�سن‪ ،‬ف�إذا كان يتعامل معهم باملالطفة والتب�سم وترك التكلُّف‪ ،‬وت�سهيل‬
‫املهمات‪ ،‬والتغا�ضي عن الهفوات‪ ،‬وال�صدق والعدل‪ ،‬ف�إنهم �سيكونون كذلك مع بع�ضهم‪ ،‬ومع‬
‫‪n‬‬

‫غريهم‪ ،‬بل و�سيظهر مردود ذلك يف عملهم و�إنتاجهم‪.‬‬


‫‪d‬‬

‫و�إذا كان بعك�س ذلك متعالي ًا عليهم‪� ،‬شديد ًا يف حما�سبتهم‪ ،‬جامد ًا يف ا�ستخدام الأنظمة‪،‬‬
‫ف�إن عطاءهم �سي�ضعف‪ ،‬و�ستتوتَّر نف�سياتهم معه ومع الآخرين!‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫وال يعني ذلك �أن يكون املدير مت�ساه ًال يف تطبيق النظام‪ ،‬كثري اخلرق له‪ ،‬ال يح�سن �ضبط‬
‫العمل واملوظفني‪ ،‬ف�إن هذا عالمة على �ضعف الإدارة‪ ،‬ولكن الأمر يحتاج �إىل حكمة و�سيا�سة‪،‬‬
‫‪c‬‬

‫فالأ�صل االن�ضباط الوظيفي‪ ،‬و�إتقان الأداء من اجلميع‪� ،‬إال �أن هناك حاالت خا�صَّ ة ت�ستدعي‬
‫املراعاة والتجاوز‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أن تطبيق النظام ال يعني العبو�س واجلفاف يف املعاملة‪ ،‬بل‬
‫‪o‬‬

‫ميكن تطبيق النظام بحذافريه مع اللطف والب�شا�شة وح�سن التعامل‪.‬‬


‫‪m‬‬

‫واملراجعون لهم حق املعاملة احل�سنة؛ لأنهم املقيا�س الذي يقا�س به جناح امل�ؤ�س�سة‪،‬‬
‫فانطباعهم عن امل�ؤ�س�سة �أو امل�صلحة يعك�س ر�أيهم يف تعامل موظفيها‪ ،‬ولأنهم �أ�صحاب‬
‫حاجة‪ ،‬ف�إن مل ت�ستطع �أن تق�ضي لهم حاجتهم فال �أق ّل من �أن ين�صرفوا م�سرورين مبا وجدوه‬
‫من ح�سن التعامل‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫�إن ح�سن التعامل هو الإك�سري الذي تك�سب به القلوب‪ ،‬مع �أنه ال يك ِّلف �شيئ ًا كثري ًا‪ ،‬ولكن‬
‫�آثاره عظيمة جد ًا على م�ستوى النف�س وامل�ؤ�س�سة واملجتمع‪.‬‬
‫وقد تطورت علوم االت�صال الإن�ساين‪ ،‬و�أ�صبحت تق َّدم للموظفني على �شكل دورات �إدارية‬
‫‪o‬‬

‫مفيدة يف كيفية التعامل مع املراجعني‪ ،‬وعلى �سبيل املثال ذكر الدكتور �ألربت مهرابيان �أننا‬
‫�أثناء ات�صالنا بالآخرين نر�سل ما ن�سبته ‪ %7‬عن طريق ال�صوت‪ ،‬بينما نر�سل ما ن�سبته ‪%55‬‬
‫‪b‬‬

‫من ر�سائلنا للمقابل عرب االت�صال غري اللفظي‪ ،‬كالإمياءات واحلركات والإ�شارات(‪.)1‬‬
‫‪e‬‬

‫فاملوظف بحاجة �إىل �أن يتعرف على هذه املهارات التي حتقق هدف ح�سن املعاملة‬
‫مع النا�س‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫اخل ُلق ال�ساد�س‪ :‬التوا�ضع‪:‬‬


‫‪a‬‬

‫تعريفه وف�ضله و�أهميته‪:‬‬


‫‪n‬‬

‫تعريفه لغة‪ :‬م�صدر و�ضع وهو اخلف�ض لل�شيء‪ ،‬وتوا�ضع‪� :‬أظهر ال�ضعة‪� ،‬أو‪ :‬تذلل‬
‫وتخا�شع(‪.)2‬‬
‫‪d‬‬

‫وا�صطالحاً‪� :‬إظهار التنزل عن املرتبة ملن يراد تعظيمه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو تعظيم من فوقه‬
‫‪l.‬‬

‫لف�ضله(‪.)3‬‬
‫ﱫﯱ ﯲ ﯳﱪ‬ ‫والتوا�ضع ف�ضيل ٌة عظيمة‪ ،‬يكفي فيها قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪c‬‬

‫[احلجر‪ )4(]88:‬وقول النبي ‪( :‬من توا�ضع هلل رفعه اهلل)(‪.)5‬‬


‫‪o‬‬

‫(‪ )1‬ن�شرة خدمة امل�شرتك ال�صادرة عن ال�شركة ال�سعودية للكهرباء‪/‬فرع املنطقة ال�شرقية ‪ -‬العدد الرابع‬
‫‪ 1422‬هـ‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )2‬القامو�س املحيط (و�ضع ‪ )997 -‬ومو�سوعة ن�ضرة النعيم (‪.)1255/4‬‬


‫(‪ )3‬مو�سوعة ن�ضرة النعيم (‪.)1255/4‬‬
‫(‪ )4‬خف�ض اجلناح تعبري بالغي يراد به لني اجلانب والتوا�ضع‪ ،‬كما �أن الطائر �إذا �ضم فرخه �إىل نف�سه ب�سط‬
‫جناحه‪ ،‬ثم قب�ضه على الفرخ‪( .‬تف�سري القرطبي‪.)57/10 :‬‬
‫(‪ )5‬رواه م�سلم (الرب وال�صلة والآداب‪/‬ا�ستحباب العفو والتوا�ضع ‪ )2588 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪86‬‬

‫وهي �صفة من �صفات امل�ؤمنني‪ ،‬كما حكى اهلل تعاىل عن �سليمان ÷ عندما ر�أى نعمة‬
‫اهلل عليه يف تعليمه كالم احليوان‪ ،‬فقال‪ :‬ﱫﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﱪ [النمل‪]40 :‬‬
‫فلم يفخر على النا�س بعلمه‪ .‬وبعك�سه قارون الذي افتخر بغناه على خلق اهلل وقال‪ :‬ﱫﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﱪ [الق�ص�ص‪ ]78 :‬فكان مبغو�ض ًا عند اهلل‪ :‬ﱫﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫‪o‬‬

‫ﯥ ﯦﱪ [الق�ص�ص‪� ]76 :‬أي‪ :‬فرح ِ‬


‫الكرب‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫�صور التوا�ضع‪ :‬ومن �صور التوا�ضع‪:‬‬


‫‪e‬‬

‫< عدم الت�ضايق من الأكل وامل�شي والركوب مع الفقراء‪.‬‬


‫< قبول احلق من الآخرين ولو �صغري ًا‪� ،‬أو مناف�س ًا‪� ،‬أو خ�صم ًا‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫< اجللو�س حيث ينتهي به املجل�س‪ ،‬وال يطمح �إىل �صدر املجل�س‪.‬‬
‫< �أن يكره �أن يتم ّثل له الرجال قيام ًا‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫< عدم الت�ضايق من تقدمي غريه ممن هو �أ�صغر منه‪� ،‬أو �أفقر �إن كان يفوقه يف العلم‬
‫‪n‬‬

‫�أو الدين‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫�أمثلة على التوا�ضع‪ :‬وكان نبينا �أكرث النا�س توا�ضع ًا؛ (كان مي ّر على ال�صبيان‬
‫في�س ِّلم عليهم‪ ،‬وكان يكون يف بيته يف خدمة �أهله‪ ،‬وكان يخ�صف نعله‪ ،‬ويرقع ثوبه‪ ،‬ويحلب‬
‫‪l.‬‬

‫�شاته‪ ،‬ويعلف البعري‪ ،‬وي�أكل مع اخلادم‪ ،‬ويجال�س امل�ساكني‪ ،‬ومي�شي مع الأرملة واليتيم يف‬
‫كراع لأجبت‪،‬‬
‫حاجتهما‪ ،‬ويبد أ� من لقيه بال�سالم‪ ،‬ويجيب الدعوة‪ ،‬وقال‪ :‬لو دعيت �إىل ذراع �أو ٍ‬
‫‪c‬‬

‫ولو �أهدي �إ ّ‬
‫يل ذرا ٌع �أو كراع لقبلت‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫وكان يعود املري�ض‪ ،‬وي�شهد اجلنازة‪ ،‬ويركب احلمار‪ ،‬ويجيب دعوة العبد‪ ،‬وينام على‬
‫احل�صري)(‪.)1‬‬
‫‪m‬‬

‫وتع َّلم منه �أ�صحابه ر�ضي اهلل عنهم هذا التوا�ضع‪ ،‬حتى �ضربوا لنا �أروع الأمثلة فيه؛‬
‫ف�أبو بكر خري النا�س بعد ر�سول اهلل كان يقول‪« :‬وددت �أين �شعرة يف جنب ٍ‬
‫عبد‬
‫(‪ )1‬تهذيب مدارج ال�سالكني لعبداملنعم العزي (‪.)680-679/2‬‬
‫‪87‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫م�ؤمن»(‪ .)1‬ورمبا �سقط اخلطام من يده‪ ،‬فال يطلب من �أحد �أن يعطيه �إياه‪ ،‬بل ينزل عن‬
‫الناقة وي�أخذه(‪.)2‬‬
‫وكان عمر يخطب وهو خليفة وعليه �إزار فيه ثنتا ع�شرة رقعة(‪ .)3‬وموقفه يف فتح بيت‬
‫‪o‬‬

‫املقد�س م�شهور حني دخله وهو مي�شي وغالمه راكب‪ ،‬وكان وقتها يلب�س �إزار ًا مرقع ًا‪ ،‬فاقرتح‬
‫عليه �أبو عبيدة بن اجلراح �أن يغيرِّ ثيابه‪ ،‬ف�ضرب يف �صدره‪ ،‬وقال‪« :‬لو غريك قالها! لقد كنا‬
‫‪b‬‬

‫�أذلة ف�أعزنا اهلل بالإ�سالم‪ ،‬ف�إذا ابتغينا العزة بغريه �أذلنا اهلل»(‪.)4‬‬
‫وكان عثمان يقيل يف امل�سجد وهو خليفة على احل�صري(‪ .)5‬وكان علي يبيع �سيفه‬
‫‪e‬‬

‫يف ال�سوق‪ ،‬ويقول‪ :‬من ي�شرتي مني هذا ال�سيف‪ ،‬فوالذي فلق احلبة لطاملا ك�شفت به الكرب‬
‫‪ik‬‬

‫عن وجه ر�سول اهلل ‪ ،‬ولو كان عندي ثمن �إزار ما بعته(‪.)6‬‬
‫ولعمر اهلل ما نق�ص ذلك من قدرهم‪ ،‬بل رفع ذكرهم يف الدنيا‪ ،‬ومنزلتهم يف الآخرة‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫ويظن بع�ض النا�س �أن هذه الأمثلة تنايف مكانة الإن�سان املحرتم وقدره! وخفي عليهم �أن‬
‫مقادير النا�س يف الإ�سالم ال على �أ�سا�س مظاهرهم‪ ،‬بل على ما حتمله قلوبهم من �إميان‬
‫‪n‬‬

‫وتقى‪ ..‬كان النبي جال�س ًا مع �أ�صحابه‪ ،‬فمر رجل فقال‪( :‬ما تقولون يف هذا؟) قالوا‪:‬‬
‫حري �إن خطب �أن ُين َكح و�إن �شفع �أن ُي�شَ فَّع و�إن قال �أن ُي�س َمع‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫ٌّ‬
‫حري �إن خطب �أن ال‬
‫ثم مر رجل من فقراء امل�سلمني‪ ،‬فقال‪( :‬ما تقولون يف هذا) قالوا‪ٌّ :‬‬
‫‪l.‬‬

‫ينكح‪ ،‬و�إن �شفع �أن ال ي�شفع‪ ،‬و�إن قال �أن ال ي�سمع‪.‬‬


‫ري من ملء الأر�ض مثل هذا)(‪.)7‬‬
‫فقال ر�سول اهلل ‪( :‬هذا الفقري خ ٌ‬
‫‪c‬‬

‫ولي�ست هذه دعو ٌة للفقر‪ ،‬ولكنها ت�صحيح للمفاهيم واملوازين‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫(‪� )1‬صفة ال�صفوة (‪.)251/1‬‬


‫(‪� )2‬صفة ال�صفوة (‪.)253/1‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪� )3‬صفة ال�صفوة (‪.)284/1‬‬


‫(‪ )4‬رواه احلاكم و�صححه (‪.)130/1‬‬
‫(‪� )5‬صفة ال�صفوة (‪.)303/1‬‬
‫(‪� )6‬صفة ال�صفوة (‪.)318/1‬‬
‫(‪ )7‬رواه البخاري (النكاح‪/‬الأكفاء يف الدين ‪ )4803 -‬عن �سهل بن �سعد ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪88‬‬

‫تطبيقات وظيفية يف التوا�ضع‪ :‬فامل�س�ؤول املتوا�ضع يتفقد حاجات زمالئه املوظفني‪،‬‬


‫ويجال�سهم‪ ،‬وي�شاركهم يف املنا�سبات‪ ،‬ويعاملهم كما يحب �أن يعاملوه لو كان مكانهم‪ ،‬واملوظف‬
‫يتوا�ضع لزمالئه‪ ،‬وللمراجعني‪ ،‬فيق ّدر حاجاتهم‪ ،‬ويجتهد يف خدمتهم‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫وهذا يك�سب احرتام الآخرين‪ ،‬وي�شيع روح الفريق الواحد بني امل�س�ؤول والعاملني معه‪،‬‬
‫ويف�سح املجال لالنفتاح بني املوظفني لتقدمي الن�صح فيما فيه م�صلحة العمل‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫ومن الأفكار اجلميلة عمل منا�سبات اجتماعية متكررة لزمالء املهنة‪ ،‬وموظفي امل�ؤ�س�سة‬
‫لك�سر احلاجز الوهمي بينهم‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫وب�ضدها تتميز الأ�شياء‪ ،‬ف�إذا كنا قد عرفنا ف�ضل التوا�ضع‪ ،‬ف�إن مما يبني �أهميته‬
‫التك ُّبـر‪ِّ :‬‬
‫‪ik‬‬

‫ومنزلته‪ ،‬معرفة عك�سه‪ ،‬وهو التكبرُّ ‪ ،‬تلك ال�صفة البغي�ضة عند اهلل وعند النا�س‪ ،‬التي يحرم‬
‫�صاحبها من دخول اجلنة (ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب)(‪.)1‬‬
‫تعريفه لغة‪ :‬ال�شرف والعظمة والتج ُّبـر(‪.)2‬‬
‫‪a‬‬

‫‪َ ( :‬ب َطر احلق ‪� -‬أي ر ُّده ‪ ،-‬وغَ ْمط النا�س ‪� -‬أي‬ ‫وهو ا�صطالحاً‪ :‬بتعريف امل�صطفى‬
‫‪n‬‬

‫احتقارهم ‪.)3()-‬‬
‫‪d‬‬

‫عن احلق واال�ستماع له‪ ،‬كما قال م�شركو قري�ش‪ :‬ﱫﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫فالكرب نوعان‪ :‬التكبرُّ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﱪ [ف�صلت‪ ،]26 :‬واحتقار النا�س‪ ،‬ومنه الفخر بالأح�ساب‬
‫‪l.‬‬

‫والأن�ساب والألوان واللغات والأعراق والأموال وغريها‪ ،‬قال اهلل �سبحانه‪ :‬ﱫﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫‪c‬‬

‫ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﱪ [احلجرات‪]11:‬‬

‫وهو من الكبائر‪ ،‬لقوله �سبحانه يف احلديث القد�سي (الكربياء ردائي والعظمة �إزاري‪،‬‬
‫‪o‬‬

‫واحد منهما عذَّ بته)(‪ ،)4‬وقوله ‪( :‬يح�شر املتكربون �أمثال الذ ّر يوم‬
‫فمن نازعني يف ٍ‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬رواه م�سلم (الإميان‪/‬حترمي الكرب وبيانه ‪ )91 -‬عن ابن م�سعود ‪.‬‬
‫(‪ )2‬القامو�س املحيط (‪ - 602‬كرب)‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه م�سلم‪ ،‬وهو �آخر احلديث ال�سابق‪ ،‬وقبله‪« :‬قال رجل‪� :‬إن الرجل يحب �أن يكون ثوبه ح�سن ًا‪ .‬قال [‪:‬‬
‫�إن اهلل جميل يحب اجلمال‪ ،‬الكرب بطر احلق‪� ...‬إلخ»‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه م�سلم (الرب وال�صلة والآداب‪/‬حترمي الكرب ‪ )2620‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫القيامة يف �صور الرجال‪ ،‬يغ�شاهم الذلّ من كل مكان‪ ،‬ي�ساقون �إىل �سجن يف جهنم ي�س َّمى‬
‫بول�س تعلوهم نار الأنيار‪ ،‬ي�سقون من ع�صارة �أهل النار)(‪.)1‬‬
‫بل �إنه ثاين ذنب وقع يف الوجود بعد احل�سد‪� ،‬إذ تكبرَّ �إبلي�س عن ال�سجود لآدم ÷ حني‬
‫‪o‬‬

‫�أمره اهلل بذلك‪ :‬ﱫﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﱪ‬


‫[البقرة‪ ،]34 :‬وكان �سبب تكبرُّ ه �أنه ح�سد �آدم ÷ حني �أمر اهلل املالئكة �أن ت�سجد له‪ ،‬فقال‬
‫‪b‬‬

‫�إبلي�س‪ :‬ﱫﮎ ﮏ ﮐ ﮑ*ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬

‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﱪ [الإ�سراء‪ ]62-61 :‬ونلم�س من قوله «كرمت ّ‬


‫علي» ال�شعور باحل�سد‪،‬‬
‫‪e‬‬

‫فكان جزا�ؤه �أن لعنه اهلل �إىل يوم الدين‪ ،‬فح�سب املتكرب �أن يكون �شبيه ًا لل�شيطان يف هذه‬
‫‪ik‬‬

‫اخل�صلة‪.‬‬
‫�أ�سبابه وعالجه‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫‪ 1-‬احل�سد‪ :‬وهو متني زوال النعمة عن الغري‪ ،‬كما ح�سد �إخوة يو�سف �أخاهم حني ر�أوا‬
‫توهموا ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬ﱫﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫يف�ضله عليهم‪� ،‬أو َّ‬
‫�أباهم يعقوب ÷ ِّ‬
‫‪n‬‬

‫ﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏﮐ ﮑﮒﮓﮔ*ﮖ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬


‫‪d‬‬

‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﱪ [يو�سف‪ ]9 - 8 :‬ثم حدث ما حدث‪ ،‬وكما ح�سد‬


‫اليهود وم�شركو قري�ش ر�سول اهلل حني نال الر�سالة‪ ،‬فنا�صبوه العداء وه ُّموا‬
‫‪l.‬‬

‫بقتله‪ ،‬وهكذا احل�سد يعمي القلب حتى يقع يف اجلرمية لي�شفي غيظه على املح�سود‪،‬‬
‫ويدفع الكرب عن احلق‪ ،‬ويغري بالتعايل على الآخرين‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫والإ�سالم يعلمنا �أن نتمنى اخلري للآخرين كما نحبه لأنف�سنا (ال ي�ؤمن �أحدكم حتى يحب‬
‫‪o‬‬

‫لأخيه ما يحب لنف�سه)(‪ ،)2‬وي�شجعنا على اجلماعية ال الفردية والأنانية‪ ،‬كما كان النبي‬
‫يف امل�سجد فدخل رجل ي�صلي منفرد ًا‪ ،‬فقال ‪�( :‬أال رج ٌل يت�صدق على هذا في�صلي‬
‫‪m‬‬

‫معه؟)(‪ )3‬ليتعودوا حب اخلري للآخرين‪.‬‬


‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )4/655‬و�صححه عن عبداهلل بن عمرو بن العا�ص ر�ضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن �أن�س وتقدم قريب ًا‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه �أبوداود (‪ )157/1‬والرتمذي (‪ )427/1‬وح�سَّ نه عن �أبي �سعيد اخلدري ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪90‬‬

‫والتناف�س بني املوظفني ال يجب �أن يكون دافع ًا للح�سد؛ لأن التناف�س م�شروع يف الوظيفة‪،‬‬
‫�سوء للزمالء‪ ،‬بل هو من �أنواع احل�سد املحمود الذي قال فيه النبي‬ ‫وال يت�ضمن � ّأي كراهية �أو ٍ‬
‫(ال ح�سد �إال يف اثنتني‪ :‬رجل �آتاه اهلل ما ًال ف�س َّلطه على ه َلكته يف احلق‪ ،‬ورج ٌل �آتاه اهلل‬
‫احلكمة فهو يق�ضي بها ويع ِّلمها)(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫فال مربر حل�سد املوظف زمالءه املوظفني؛ لأن هذا دليل على مر�ض القلب‪ ،‬والأنانية‬
‫‪b‬‬

‫وحب الذات‪ ،‬و�أف�ضل عالج للح�سد هو �صرف اجلهد يف الإبداع يف الوظيفة والأداء املتميز‪،‬‬
‫والهم يف ح�سد الآخرين‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل تذكر‬
‫مما مينحه املراتب العليا‪ ،‬وي�شغله عن التفكري ّ‬
‫‪e‬‬

‫ف�ضل اهلل على الفرد‪ ،‬والإكثار من �شكره والثناء عليه‪.‬‬


‫‪ik‬‬

‫‪ 2-‬الغرور واعتقاد الكمال‪ :‬ومتى اغ ّرت املرء بعلمه �أو ماله �أو ح�سبه �أو غري ذلك بد أ� الكرب‬
‫يت�سلل �إىل نف�سه تلقائي ًا؛ لأن الغرور والكرب قرينان‪ ،‬وال�شيطان هو الذي يثري الغرور‬
‫‪a‬‬

‫ري منها‪ ،‬فترتقى يف مهاوي الغرور‬ ‫يف النف�س الب�شرية‪ ،‬حتى تتطاول على من هو خ ٌ‬
‫رت مبلكه عربة‪ :‬ﱫﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫حتى تتطاول على اهلل‪ ،‬ويف ق�صة النمرود �إذ اغ ّ‬
‫‪n‬‬

‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫‪d‬‬

‫ﮘ ﮙﱪ [البقرة‪]258 :‬‬
‫‪l.‬‬

‫رت مباله عربة‪ :‬ﱫﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬


‫ويف ق�صة فرعون �إذ اغ ّ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ * ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ * ﮓ ﮔ‬
‫‪c‬‬

‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ * ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ * ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ * ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﱪ‬
‫‪o‬‬

‫[الزخرف‪]56 - 51 :‬‬
‫‪m‬‬

‫ﱫﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ويف من اغرت بعلمه من الكفار عربة‪:‬‬


‫ﯖﯗﯘﯙﯚ ﯛﯜ*ﯞ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨ‬

‫(‪ )1‬متفق عليه عن اب��ن م�سعود ‪( .‬البخاري‪ :‬الزكاة‪�/‬إنفاق امل��ال يف حقه ‪ ،1343 -‬وم�سلم‪� :‬صالة‬
‫امل�سافرين‪/‬ف�ضل من يقوم بالقر�آن ‪.)816 -‬‬
‫‪91‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫ﯩ * ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﱪ‬
‫[غافر‪]85 - 83 :‬‬

‫واهلل تعاىل يع ِّلمنا بذلك �أن نفطن لنق�صنا‪ ،‬فالكمال هلل وحده‪ ،‬وال�شعور بالنق�ص يدفع‬
‫‪o‬‬

‫الإن�سان لتطوير وا�ستكمال معارفه وقدراته‪ ،‬ولكن ال يجب �أن يتعدى ال�شعور بالنق�ص احل ّد‬
‫الذي يجلب الي�أ�س والت�شا�ؤم‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫واملدح �أحد عوامل �إثارة الغرور‪ ،‬فهو ينفخ النف�س‪ ،‬ويزهو بالقلب‪ ،‬لذا نهى ال�شرع عن‬
‫‪e‬‬

‫الإطراء‪ ،‬فقال ‪( :‬ال تطروين كما �أطرت الن�صارى ابن مرمي‪ ،‬ف�إمنا �أنا عبد‪ ،‬فقولوا‪:‬‬
‫عبداهلل ور�سوله)(‪.)1‬‬
‫‪ik‬‬

‫و�أمر بحثي الرتاب يف وجوه امل َّداحني(‪)2‬؛ لأنهم ُيذكون �صفة الكرب يف نفو�س الكرباء‬
‫واملديرين وامل�س�ؤولني‪ ،‬ويعمونهم عن العيب واخللل‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫ري للم�س�ؤول �أن ي�ستمع للنا�صح‪ ،‬بدل �أن ي�ستمع للمادح‪ ،‬وكان �أمري امل�ؤمنني عمر بن‬
‫وخ ٌ‬
‫‪n‬‬

‫اخلطاب يقول‪« :‬رحم اهلل امرء ًا �أهدى �إ ّ‬


‫يل عيوبي»‪.‬‬
‫‪ -3‬م�صاحبة الكرباء‪ :‬فالإن�سان عموم ًا واملوظف وامل�س�ؤول خ�صو�ص ًا يت�أثر مبن ي�صاحب‪،‬‬
‫‪d‬‬

‫ف�إذا �صاحب املتكربين اكت�سب من �صفاتهم و�أخالقهم‪ ،‬لذا كان نبينا يقول‪:‬‬
‫(اللهم �أحيني م�سكين ًا‪ ،‬و�أمتني م�سكين ًا‪ ،‬واح�شرين يف زمرة امل�ساكني)(‪ ،)3‬قال ابن‬
‫‪l.‬‬

‫الأثري‪� :‬أراد به التوا�ضع والإخبات‪ ،‬و�أال يكون من اجلبارين املتكربين(‪.)4‬‬


‫‪c‬‬

‫و�سبب الت�أثر �أنه ي�ضطر ملجاملتهم والت�شبه بهم يوم ًا بعد يوم‪ ،‬لئال يحتقر من قبلهم‪� ،‬أو‬
‫يكون �شاذ ًا بينهم‪ ،‬فيتح َّول بعد ذلك �إىل �أن يكون واحد ًا منهم‪ ،‬ويتطبع بطباعهم‪.‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (الأنبياء‪/‬باب (واذكر يف الكتاب مرمي �إذ انتبذت) ‪ )3261 -‬عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل‬
‫عنهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه م�سلم (الزهد والرقائق‪/‬النهي عن املدح ‪ )3002 -‬عن املقداد بن عمرو ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه احلاكم (‪ )358/4‬عن �أبي �سعيد اخلدري ‪ ،‬والبيهقي (‪ )12/7‬عن عبادة بن ال�صامت و�صححه‬
‫احلاكم وال�ضياء يف (املختارة)‪.‬‬
‫(‪ )4‬النهاية يف غريب احلديث (‪.)385/2‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪92‬‬

‫عالج الكرب‪:‬‬
‫احل�سب فلن تكون من ذهب �أو‬
‫‪ 1-‬معرفة حقيقة النف�س وق�صورها‪ ،‬و�أنها مهما بلغت من َ‬
‫ف�ضة‪ ،‬ومهما ح َوت من العلم فلن حت�صي علم املالئكة‪ ،‬ومهما جمعت من املال فلن‬
‫‪o‬‬

‫حتوز خزائن الأر�ض‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬


‫ﰌ ﰍ ﰎﱪ [الإ�سراء‪]37 :‬‬
‫‪b‬‬

‫وقال ال�شاعر‪:‬‬
‫‪e‬‬

‫وال ت ـمـ ــ�ش فوق الأر�ض �إال تــوا�ض ــع ًا‬


‫ف ــكم تـ ـحــتها قــو ٌم ه ـ ُـم م ـنـك �أرفـ ـ ُع‬
‫‪ik‬‬

‫و�إن ك ـ ـنـ َـت ف ــي عــزٍّ وجــا ٍه وم ـن ـع ـ ٍة‬


‫ـوم ه ـ ُـم مـنك �أنف ُع‬
‫ف ـك ــم مـات مـ ــن ق ـ ٍ‬
‫‪a‬‬

‫‪ 2-‬تذ ّكر ف�ضل الآخرين‪ :‬ليعرف �أنه �إن كان مت َّيز عن غريه يف �شيء‪ ،‬ف�إن مت ُّيزه بف�ضل‬
‫غريه‪ ،‬ف�أبواه‪ ،‬ومع ِّلموه‪ ،‬والدولة واملجتمع‪ ،‬ق َّدموا له ما به ح�صل له التم ُّيز‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫وقبل ذلك يتذكَّر ف�ضل النبي حممد عليه حيث به �صار م�سلم ًا موحد ًا‪ ،‬وف�ضل‬
‫�أ�صحابه الذين نقلوا لنا القر�آن وال�سنة‪ ،‬فليتخلق ب�أخالقهم‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫‪ 3-‬معرفة م�صري املتكربين يف الدنيا والآخرة‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱫﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬


‫‪l.‬‬

‫ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱﱪ [الزمر‪ ،]72 :‬وقال النبي ‪( :‬من ويل من‬


‫�أمر امل�سلمني �شيئ ًا‪ ،‬فاحتجب دون خ َّلتهم وحاجتهم وفقرهم وفاقتهم‪ ،‬احتجب اهلل‬
‫عز وجل يوم القيامة دون خ َّلته وحاجته وفاقته وفقره)(‪.)1‬‬
‫‪c‬‬

‫‪ 4-‬معرفة ف�ضل التوا�ضع‪ ،‬ومكانة املتوا�ضعني قال ‪�( :‬أال �أخربكم ب�أهل اجلنة؟ قالوا‪:‬‬
‫‪o‬‬

‫بلى‪ .‬قال‪ :‬كل �ضعيف مت�ض َّعف لو �أق�سم على اهلل لأبره‪ .‬ثم قال‪� :‬أال �أخربكم ب�أهل‬
‫اظ م�ستكرب)(‪.)2‬‬
‫‪m‬‬

‫النار؟ قالوا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬كل ُعت ٍُّل َج َّو ٍ‬


‫(‪ )1‬تقدم تخريجه‪� ،‬ص ‪.76‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن حارثة بن وهـب اخلزاعي ‪( .‬البخاري‪ :‬التف�سري‪/‬باب (عتل بعد ذلك زنيم ‪،)4634 -‬‬
‫وم�سلم‪ :‬اجلنة و�صفة نعيمها‪/‬النار يدخلها اجلبارون واجلنة يدخلها ال�ضعفاء ‪ )2853 -‬العت ّل‪ :‬اجلايف‬
‫ّ‬
‫الفظ‪ ،‬اجلواظ‪ :‬ال�ضخم املختال‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫اخل ُلق ال�سابع‪ :‬ال ِّرفق‪:‬‬


‫تعريفه وف�ضله‪ :‬لغة‪ :‬اللطف‪� ،‬ضد العنف(‪.)1‬‬
‫وهو ا�صطالحاً‪ :‬لني اجلانب‪ ،‬والأخذ بالأ�سهل(‪.)2‬‬
‫‪o‬‬

‫حتب الرفق وتكره العنف‪� ،‬إال من انتك�ست فطرته‪،‬‬ ‫وال ينكر �أح ٌد ف�ضله؛ لأن طبيعة الب�شر ّ‬
‫‪b‬‬

‫ف�أ�صبح يتلذذ بالق�سوة والعنف‪ ،‬ويعرف بال�سا ِد ّية‪ ،‬والرفق مهم مع كل �أحد مهما بلغ من الق�سوة‪،‬‬
‫ف�إن اهلل تعاىل �أمر مو�سى ÷ بالرفق مع فرعون مع �أنه بلغ الغاية يف التجبرُّ والبط�ش‪ ،‬فقال‬
‫‪e‬‬

‫�سبحانه ملو�سى‪ :‬ﱫﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ * ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﱪ [طه‪]44 - 43 :‬‬


‫‪ik‬‬

‫والرفق �صف ٌة من �صفات اهلل تعاىل‪ ،‬قال ‪�( :‬إن اهلل رفي ٌق يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على‬
‫الرفق ما ال يعطي على العنف‪ ،‬وما ال يعطي على ما �سواه)(‪ ،)3‬و�إذا كان اهلل �سبحانه يحب‬
‫الرفق ف�إنه يثيب عليه يف الآخرة‪ ،‬كما جاء يف احلديث (�أال �أخربكم مبن يحرم على النار‪،‬‬
‫‪a‬‬

‫قريب هينِّ ٍ �سهل)(‪.)4‬‬


‫ومبن حترم عليه النار‪ ،‬على كل ٍ‬
‫‪n‬‬

‫ورحم اهلل تعاىل رج ًال ممن كان قبلنا ب�سبب ت�ساهله مع املع�سرين ورفقه بهم‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫(تلقت املالئكة روح رجلٍ ممن كان قبلكم‪ ،‬فقالوا‪� :‬أعملت من اخلري �شيئ ًا؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قالوا‪ :‬تذ َّكر‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫قال‪ :‬كنت �أداين النا�س ف�آمر فتياين �أن ينظروا املع�سر ويتج َّوزوا عن املو�سر‪ .‬قال اهلل عزوج ّل‪:‬‬
‫جت َّوزوا عنه)(‪ ،)5‬وما �أجمل قول النبي ‪( :‬ما كان الرفق يف �شي ٍء �إال زانه‪ ،‬وما ُنزِ ع من �شي ٍء‬
‫‪l.‬‬

‫�إال �شانه)(‪.)6‬‬
‫وفع ًال ف�إن الرفق جميل يف كل �شيء؛ لأنه يدلّ على وعي املتعامل به‪ ،‬واحرتامه الكامل‬
‫‪c‬‬

‫باملقابل‪ ،‬ف�إن الق�سوة ال ت�ستعمل �إال مع البهائم العجماوات‪ ،‬و�إذا كان النبي �أمر بال ِّرفق‬
‫‪o‬‬

‫(‪ )1‬ل�سان العرب (رفق ‪.)118/10 -‬‬


‫(‪ )2‬مو�سوعة ن�ضرة النعيم (‪.)2157/6‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )3‬رواه م�سلم (الرب وال�صلة والآداب‪/‬ف�ضل الرفق ‪ )2593 -‬عن �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪َّ )654/4‬‬
‫وح�سنه عن عبداهلل بن م�سعود ‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )5‬متفق عليه عن حذيفة ‪( .‬البخاري‪ :‬البيوع‪/‬من �أنظر مو�سرا ‪ ،1971 -‬وم�سلم‪ :‬امل�ساقاة‪/‬ف�ضل �إنظار‬
‫املع�سر ‪.)1560 -‬‬
‫(‪ )6‬تقدم تخريجه �ص ‪.80‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪94‬‬

‫بالعبيد اململوكني يف قوله‪�( :‬إخوانكم خولكم جعلهم اهلل حتت �أيديكم‪ ،‬فمن كان �أخوه حتت‬
‫يده فليطعمه مما يطعم‪ ،‬وليلب�سه مما يلب�س‪ ،‬وال تكلفوهم ما ال يطيقون‪ ،‬ف�إن كلفتموهم‬
‫ف�أعينوهم)(‪ ،)1‬فالأحرار �أوىل منهم بالرفق‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫�أمثلة على الرفق‪:‬‬


‫‪b‬‬

‫< ال �أحد من النا�س �أكرث رفق ًا بالأمة من ر�سول اهلل ؛ فقد قالت �أم امل�ؤمنني عائ�شة‬
‫ر�ضي اهلل عنها للنبي ‪« :‬هل �أتى عليك يوم كان �أ�ش ّد من يوم �أحد؟» قال‪( :‬لقد لقيت‬
‫‪e‬‬

‫من قومك ما لقيت‪ ،‬وكان �أ�شد ما لقيت منهم يوم العقبة �إذ عر�ضت نف�سي على ابن‬
‫عبد يا ليل بن عبد كالل فلم يجبني �إىل ما �أردت‪ ،‬فانطلقت و�أنا مهمو ٌم على وجهي فلم‬
‫‪ik‬‬

‫�أ�ستفق �إال و�أنا بقرن الثعالب(‪ ،)2‬فرفعت ر�أ�سي ف�إذا �أنا ب�سحاب ٍة قد �أظلتني‪ ،‬فنظرت‬
‫ف�إذا فيها جربيل فناداين‪ ،‬فقال‪� :‬إن اهلل قد �سمع قول قومك لك وما ر ُّدوا عليك‪ ،‬وقد‬
‫‪a‬‬

‫بعث اهلل �إليك ملك اجلبال لت�أمره مبا �شئت فيهم‪ .‬فناداين ملك اجلبال ف�س َّلم ّ‬
‫علي ثم‬
‫قال‪ :‬يا حممد‪� ،‬إن اهلل قد �سمع قول قومك لك و�أنا ملك اجلبال‪ ،‬وقد بعثني ربك �إليك‬
‫‪n‬‬

‫لت�أمرين ب�أمرك‪ ،‬فما �شئت؟ �إن �شئت �أن �أطبق عليهم الأخ�شبني(‪ .)3‬فقال النبي ‪:‬‬
‫(بل �أرجو �أن يخرج اهلل من �أ�صالبهم من يعبد اهلل وحده ال ي�شرك به �شيئ ًا)(‪.)4‬‬
‫‪d‬‬

‫< ومن رفقه ب�أمته �أنه مل يكن يحب �أن يدعو على �أحد‪ ،‬فقد جاءه الطفيل بن عمرو‬
‫‪l.‬‬

‫الدو�سي و�أ�صحابه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬إن دو�س ًا ع�صت و�أبت فادع اهلل عليها‪ .‬فلما‬
‫اهد دو�س ًا و� ِأت بهم)(‪.)5‬‬
‫توجه للدعاء‪ ،‬قيل‪ :‬هلكت دو�س‪ .‬فقال ‪( :‬اللهم ِ‬ ‫َّ‬
‫‪c‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه عن املعرور بن �سويد ‪( .‬البخاري‪ :‬الإميان‪/‬املعا�صي من �أمر اجلاهلية ‪ ،30 -‬وم�سلم‪:‬‬
‫‪o‬‬

‫الإميان‪�/‬إطعام اململوك مما ي�أكل ‪.)1661 -‬‬


‫(‪ )2‬جبل �صغري مبنى‪� ،‬أزيل منذ زمن بعيد‪( .‬حا�شية تاريخ مكة للفاكهي بتحقيق عبدامللك بن دهي�ش‪.)281/4 :‬‬
‫(‪ )3‬جبالن مبكة‪ ،‬وهـما �أبو قبي�س وقعيقعان‪( .‬تاريخ مكة للفاكهي بتحقيق عبدامللك بن دهي�ش‪ ،45/4 :‬ومعامل‬
‫‪m‬‬

‫مكة لعاتق البالدي‪.)20 :‬‬


‫(‪ )4‬متفق عليه‪( .‬البخاري‪ :‬بدء اخللق‪�/‬إذا قال �أحدكم �آمني واملالئكة يف ال�سماء ‪ ،3059 -‬وم�سلم‪ :‬اجلهاد‪/‬ما‬
‫لقي النبي من �أذى امل�شركني واملنافقني ‪.)1795 -‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه عن �أبي هريرة ‪( .‬البخاري‪ :‬اجلهاد‪/‬الدعاء للم�شركني بالهدى ليت�ألفهم ‪ ،2779 -‬وم�سلم‪:‬‬
‫املناقب‪/‬من ف�ضائل غفار و�أ�سلم وجهينة و�أ�شجع ومزينة ومتيم ودو�س وطيء ‪.)2524 -‬‬
‫‪95‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫< ومن رفقه ب�أمته �أنه مل يكن يحب �أن ي�شقّ عليهم باملداومة على بع�ض امل�ستحبات‪،‬‬
‫خ�شية �أن تفر�ض عليهم‪ ،‬فقال (لوال �أن �أ�شق على �أمتي لأمرتهم بال�سواك عند‬
‫كل �صالة)(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫و�ص َّلى عدة ليالٍ يف �شهر رم�ضان نافل ًة بعد الع�شاء ثم ترك ذلك(‪ ،)2‬وعن �أم امل�ؤمنني‬
‫عائ�شة ر�ضي اهلل عنها قالت‪« :‬كان ر�سول اهلل يرتك العمل وهو يحب �أن يفعله‪ ،‬خ�شية �أن‬
‫‪b‬‬

‫خف على النا�س من الفرائ�ض»(‪.)3‬‬


‫نت به فيفر�ض عليهم‪ ،‬وكان يحب ما ّ‬ ‫ي�س ّ‬
‫‪e‬‬

‫تطبيقات وظيفية يف الرفق‪ :‬وللرفق يف الوظيفة �أهمية كبرية‪ ،‬فامل�س�ؤول يطلب منه‬
‫الرفق مع املوظفني والعمال‪ ،‬فال ي�شقّ عليهم يف العمل‪ ،‬بل يرفق بهم؛ لأنه كما يحب �أن‬
‫‪ik‬‬

‫يراعي الآخرون ظروفه وراحته‪ ،‬ف�إنهم كذلك ينتظرون منه �أن يكون بهم رفيق ًا ولهم رحيم ًا‪،‬‬
‫حل َط َمة)(‪� :)4‬أي �أن �شر الوالة وامل�س�ؤولني القا�سي الغليظ‬
‫وقد قال (�إن �ش ّر ال ِّرعاء ا ُ‬
‫ال�شاق على خلق اهلل‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫وقال (اللهم من ويل من �أمر �أمتي �شيئ ًا فرفق بهم فارفق به‪ ،‬ومن ويل من �أمر �أمتي‬
‫‪n‬‬

‫�شيئ ًا ف�شقّ عليهم فا�شقق عليه)(‪.)5‬‬


‫‪d‬‬

‫و�شكى جماع ٌة من الرعية بع�ض الوالة �إىل �أمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب‪ ،‬ف�أمرهم �أن‬
‫يوافوه‪ ،‬فلما �أتوه‪ ،‬قام فحمد اهلل و�أثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪�« :‬أيها الرعاة‪� :‬إن للرعية عليكم حق ًا‪،‬‬
‫‪l.‬‬

‫إمام ورف ِقه‪ ،‬ولي�س جه ٌل �أبغ�ض �إىل اهلل‬


‫فاعلموا �أنه ال �شيء �أحب �إىل اهلل وال �أع ّز من حلم � ٍ‬
‫أغم من جهل �إمام وخ َرقه‪ ،‬واعلموا �أنه من ي�أخذ بالعافية فيمن بني ظهريه يرزق العافية‬ ‫وال � ّ‬
‫‪c‬‬

‫ممن هو دونه»(‪.)6‬‬
‫‪o‬‬

‫‪( .‬البخاري‪ :‬اجلمعة‪/‬ال�سواك يوم اجلمعة ‪ ،847 -‬وم�سلم‪ :‬الو�ضوء‪/‬‬ ‫(‪ )1‬متفق عليه عن �أبي هريرة‬
‫ال�سواك ‪.)252 -‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه (البخاري‪� :‬صالة الرتاويح‪/‬ف�ضل من قام رم�ضان ‪ ،1908 -‬وم�سلم‪� :‬صالة امل�سافرين‬
‫‪m‬‬

‫وق�صرها‪/‬الرتغيب يف قيام رم�ضان وهـو الرتاويح ‪ )761 -‬عن �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن خزمية (‪ )293/3‬وابن حبان (‪.)11/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه م�سلم (الإمارة‪/‬ف�ضيلة الإمام العادل وعقوبة اجلائر ‪ )1830 -‬عن عائذ بن عمرو ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه م�سلم (الإمارة‪/‬ف�ضيلة الإمام العادل وعقوبة اجلائر ‪ )1828 -‬عن �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬
‫(‪ )6‬ابن اجلوزي‪/‬مناقب �أمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب (‪.)117‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪96‬‬

‫واملوظف يطلب منه ال ِّرفق مع املراجعني و�أ�صحاب احلاجات حيث ال ي�شقّ عليهم مبطالب‬
‫غري �ضرورية‪ ،‬في�ضطرهم لتعطيل م�صاحلهم‪ ،‬ويحرجهم يف �أوقاتهم‪� ،‬أو ي�شقّ عليهم يف‬
‫تطويل مدة انتظارهم‪� ،‬أو يف �إتعابهم ب� ّأي �شكل‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫وهناك بع�ض الأعمال التي ال تت�ضمن تف�صي ًال يف بنود العقد‪ ،‬ولكنها تعود �إىل العرف‪،‬‬
‫ويتو�سع بع�ض النا�س يف ا�ستخدام اخلادم كالعبد‪،‬‬ ‫كاخلادم يف املنزل رج ًال �أو امر�أة‪،‬‬
‫‪b‬‬

‫َّ‬
‫ومطالبته بالأعمال ال�شاقّة ولو كانت امر�أة وهذا ال يجوز؛ لأنه �إ�ضرا ٌر به‪ ،‬وال�ضرر‬
‫‪e‬‬

‫ممنو ٌع �شرع ًا‪ ،‬وقد قال النبي ‪( :‬ال تك ِّلفوهم ما يغلبهم‪ ،‬ف�إن كلفتموهم ف�أعينوهم‬
‫عليه)(‪.)1‬‬
‫‪ik‬‬

‫وت�شغيل العمال واملوظفني يف ظروف العمل ال�صعبة كالت�شغيل يف امل�صانع وحمطات‬


‫التكرير‪ ،‬والعمل يف املناطق ال�صحراوية‪� ،‬أو العمل يف �أثناء نهار �شهر رم�ضان‪� ،‬أو يف وقت‬
‫‪a‬‬

‫احل ّر �أو الربد ال�شديدين ونحو ذلك‪ ،‬يحتاج �إىل الرفق بالعمال‪ ،‬رحم ًة بهم وتن�شيط ًا لهم‬
‫‪n‬‬

‫على العمل‪.‬‬
‫ومن �أهم الفئات الذين يجب الرفق بها يف العمل‪ ،‬الأطفال والن�ساء‪ ،‬حيث ي�ضطر‬
‫‪d‬‬

‫الأطفال والن�ساء يف كث ٍري من بالد الدنيا �أن يعملوا لك�سب الرزق‪ ،‬فيجب �أن ال يع َّر�ضوا‬
‫‪l.‬‬

‫للم�شقة واالمتهان‪.‬‬
‫وال يعني الرفق باملوظفني الت�ساهل يف تطبيق النظام‪ ،‬وت�شجيع الت�س ُّيب الإداري‪ ،‬بل هو‬
‫‪c‬‬

‫ح�سن املعاملة‪ ،‬ورحمة النا�س‪ ،‬فال ب ّد من احلزم مع الرفق‪ ،‬كما قال عمر ‪�« :‬إن هذا‬
‫‪o‬‬

‫الأمر ‪ -‬اخلالفة ‪ -‬ال ُي�ص ِلحه �إال ال�شديد يف غري عنف‪ ،‬اللني يف غري �ضعف‪ ،‬اجلواد يف‬
‫غري �سرف‪ ،‬املم�سك يف غري بخل‪ ،‬فكان ابن عبا�س يقول‪ :‬ما اجتمعت هذه اخل�صال �إال يف‬
‫‪m‬‬

‫عمر»(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬تقدم قريب ًا‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه �أبو عبيد يف غريب احلديث‪ ،‬واخلطيب يف رواة مالك عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما‪ .‬كنز العمال‬
‫(‪.)14262‬‬
‫‪97‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫اخل ُلق الثامن‪ِ :‬‬


‫احللم‪:‬‬
‫تعريفه و�أنواعه‪ :‬تعريفه لغ ًة‪ :‬م�صدر حلم؛ �أي‪� :‬صار حليم ًا‪ ،‬ومادة حلم تدل على‬
‫ترك العجلة‪ .‬قال ابن فار�س‪ :‬احللم خالف الطي�ش‪ ،‬وقال اجلوهري‪ :‬احللم الأناة‪ ،‬وقال‬
‫‪o‬‬

‫الفريوز�آبادي‪ :‬الأناة والعقل(‪.)1‬‬


‫وهو ا�صطالحاً‪� :‬ضبط النف�س عند الغ�ضب‪ ،‬وكفها عن الث�أر(‪.)2‬‬
‫‪b‬‬

‫ويتبني معنى التعريف و�شرحه من خالل معرفة �أنواع النا�س بالن�سبة للحلم‪:‬‬
‫‪e‬‬

‫< فمن النا�س من ال يظهر الغ�ضب‪ ،‬بل قد يظهر املجاملة يف املوقف الذي �أثري فيه‪ ،‬لكنه‬
‫‪ik‬‬

‫ي�ضمر االنتقام من املقابل‪ ،‬ولو بعد حني‪ ،‬وهذا لي�س بحليم؛ لأنه و�إن �أ�ضمر الغ�ضب‬
‫يكف نف�سه عن الث�أر‪.‬‬
‫لكنه مل ّ‬
‫‪a‬‬

‫ع�صبي �سريع الغ�ضب‪ ،‬يهيج ويثور عندما يتعر�ض للإهانة‪ ،‬ويتف َّوه بكلمات‬
‫ّ‬ ‫< و�آخر‬
‫قا�سية‪ ،‬لكنه �سرعان ما يهد�أ‪ ،‬وين�سى املوقف‪ ،‬ويحمله على املحمل احل�سن‪ ،‬بل ويلوم‬
‫‪n‬‬

‫كف نف�سه عن‬ ‫ري من الأول‪ ،‬لكنه لي�س بحليم؛ لأنه و�إن ّ‬
‫نف�سه على غ�ضبه‪ ،‬وهذا خ ٌ‬
‫الث�أر‪ ،‬لكنه مل ي�ضبط نف�سه عند الغ�ضب‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫يحدث نف�سه باالنتقام‪،‬‬


‫< و�آخر ي�ضبط النف�س عند الغ�ضب‪ ،‬وي�سرع الرجوع بعده‪ ،‬وال ِّ‬
‫‪l.‬‬

‫وهو خريهم؛ قال ‪�( :‬أال �إن بني �آدم خلقوا على طبقات �شتى‪ ...‬و�إن منهم البطيء‬
‫الغ�ضب �سريع الفيء ومنهم �سريع الغ�ضب �سريع الفيء‪ ،‬فتلك بتلك‪� ،‬أال و�إن منهم‬
‫‪c‬‬

‫�سريع الغ�ضب بطيء الفيء‪� ،‬أال وخريهم بطيء الغ�ضب �سريع الفيء‪� ،‬أال و�شرهم‬
‫�سريع الغ�ضب بطيء الفيء)(‪.)3‬‬
‫‪o‬‬

‫واالنت�صار للنف�س غريزة �إن�سانية‪ ،‬قد يربطها بع�ض النا�س بالعزة والقوة والكرامة‪ ،‬وال ارتباط‬
‫‪m‬‬

‫بينهما‪ ،‬بل ميكن �أن يكون االنت�صار للنف�س جزء ًا من الكرب والغرور‪ ،‬ف�إذا َّ‬
‫وجه �إن�سا ٌن لآخر ن�صيحة‬
‫(‪ )1‬القامو�س املحيط (حلم ‪ )1416 -‬ومو�سوعة ن�ضرة النعيم (‪.)1735/5‬‬
‫(‪ )2‬مو�سوعة ن�ضرة النعيم (‪.)1736/5‬‬
‫(‪ )3‬جزء من حديث طويل رواه الرتمذي (‪ )484/4‬و�صححه عن �أبي �سعيد اخلدري ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪98‬‬

‫على خط أٍ� ر�آه منه‪ ،‬فقد يت�ص َّور املن�صوح �أنه �أكرب من �أن ين�صح‪ ،‬فت�أخذه العزة بالإثم‪ ،‬ويعتربها‬
‫قدح ًا يف كرامته‪ ،‬فيتكرب على الن�صيحة‪ ،‬وهذا لي�س من العزة وال الكرامة يف �شيء‪.‬‬
‫�سيء فيتجاوز مل�صلح ٍة ما‪ ،‬ك�أن يكون‬
‫وباملقابل قد ُيعتدى على �إن�سان بكلمة �أو ت�صرف ِّ‬
‫‪o‬‬

‫املعتدي عليه قريب رحم �أو جار �أو غريهما‪ ،‬فيحافظ على العالقة التي هي �أ�سمى من‬
‫ٌ‬
‫وت�صرف‬ ‫معي‪ ،‬فال يع ّد هذا مهان ًة منه‪ ،‬بل هو رفعة �ش�أن‪ ،‬و ُبعد نظر‪،‬‬‫االنت�صار ملوقف نَّ‬
‫‪b‬‬

‫ظان �أن كل �إم�ضاء للغ�ضب عزة‪ ،‬وال كل كظم للغيظ مهانة‪ .‬ويتوافق احللم‬ ‫حكيم‪ .‬فال يظن ّ‬
‫‪e‬‬

‫مع العفو وكظم الغيظ‪� ،‬إذ ك ٌّل منها ي�ؤدي للآخر‪.‬‬


‫ف�ضل احللم‪ :‬يكفي احللم �شرف ًا وف�ض ًال �أن اهلل تعاىل ت�س َّمى به‪ ،‬فمن �أ�سمائه احلليم(‪،)1‬‬
‫‪ik‬‬

‫واحللم من �صفات الأنبياء عليهم ال�سالم‪ ،‬ك�إبراهيم ÷‪ :‬ﱫﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﱪ‬


‫[هود‪ ]75:‬و�شعيب ÷‪ :‬ﱫﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫‪a‬‬

‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﱪ [هود‪]87 :‬‬

‫وقال النابغة(‪:)2‬‬
‫‪n‬‬

‫ـلم �إذا لـ ــم يـ ـك ــن ل ــه‬


‫وال خري فــي حـ ـ ٍ‬
‫‪d‬‬

‫بـ ــوادر تـ ـ ـحـ ـم ــي �ص ــفوه �أن ي ـكـ ـ َّدرا‬


‫وال خري يف جــهلٍ �إذا لـ ــم ي ـ ـكـ ــن لـ ــه‬
‫‪l.‬‬

‫حل ــي ٌم �إذا مـ ــا �أورد الأم ـ ــر �أ�صـ ــدرا‬


‫وقال حممود الوراق(‪:)3‬‬
‫‪c‬‬

‫�سـ�ألزم نف�سي ال�صفح عن كل مـذن ـ ٍـب‬


‫‪o‬‬

‫ـرائم‬
‫ـلي ال ـجـ ـ ـ ُ‬
‫و�إن كـ ـثـ ــرت مـ ــنه ع ـ َّ‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬وقد ورد مقرون ًا باملغفرة يف (البقرة‪ ،225 :‬و‪ ،235‬و�آل عمران‪ ،155 :‬واملائدة‪ ،101 :‬والإ�سراء‪ ،44 :‬وفاطر‪:‬‬
‫‪ )41‬وبالغنى يف (البقرة‪ )263 :‬وبالعلم يف (الن�ساء‪ ،12 :‬واحل��ج‪ ،59 :‬والأح���زاب‪ )51 :‬وبال�شكر يف‬
‫(التغابن‪.)17 :‬‬
‫(‪ )2‬بهجة املجال�س البن عبدالرب (‪.)608/2‬‬
‫(‪ )3‬بهجة املجال�س البن عبدالرب (‪ )608/2‬و�أمته اخلليل بن �أحمد (�أدب الدنيا والدين للماوردي‪.)247 :‬‬
‫‪99‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫وما النــا�س �إال واح ـ ـ ـ ـ ٌد م ـ ــن ث ــالث ـ ـ ٍة‬


‫ٌ‬
‫ـ�شروف ومـ ــثلي م ـ ـقـ ــاوم‬ ‫�شــريف وم ـ‬
‫ف ـ�أما ال ــذي ف ــوق ــي ف�أعـ ــرف قـ ـ ــدره‬
‫‪o‬‬

‫و�أت ـ ـبـ ــع ف ـي ــه ال ـ ـ ـحــق والـ ـ ـحـق الزم‬


‫و�أما الـذي دوين ف�إن قـال �صـ ـن ُـت عـ ــن‬
‫‪b‬‬

‫إ�ج ـ ــابـ ـت ــه ع ــر�ضـ ــي و�إن الم الئ ـ ُـم‬


‫‪e‬‬

‫و�أما الذي مثلي ف�إن زلَّ �أو هفـا‬


‫ت ـفــ�ض ـل ـ ُـت �إن ال ـفـ�ض ــل باحلـلم حـاكـم‬
‫‪ik‬‬

‫�أمثلة على احللم‪ :‬وحلم نبينا �أ�شهر من �أن يذكر‪ ،‬ومن ذلك موقفه العظيم يف حلمه‬
‫وعفوه عن كفار قري�ش الذين �آذوه وطردوه من بلده‪ ،‬فلما متكن منهم مل ينتقم‪ ،‬بل قال‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫(اذهبوا ف�أنتم الطلقاء) ولو كان حام ًال للحقد يف قلبه‪ ،‬وكامت ًا غيظه عليهم �إىل �أن تتاح له‬
‫الفر�صة‪ ،‬لأمر بقتلهم �شر قتلة‪ ،‬ولكن �أخالق الأنبياء ت�أبى هذا‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫أعرابي فجبذه بردائه جبذ ًة �شديدة‪ ،‬حتى �أثرت حا�شية الربد يف عنقه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫وجاءه � ٌّ‬
‫‪d‬‬

‫يا حممد‪ ،‬مر يل من مال اهلل الذي عندك‪ .‬فالتفت �إليه ر�سول اهلل ثم �ضحك‪ ،‬ثم �أمر‬
‫له بعطاء(‪.)1‬‬
‫‪l.‬‬

‫و�إليك هــذا القـ�صة اجلـميلة التي تبني حلــمه وبعـ�ض �أخــالقه‪ :‬قــال عبد اهلل ابن‬
‫�سالم (‪�« :)2‬إن اهلل تبارك وتعاىل ملا �أراد هدى زيد بن �سعنة(‪ ،)3‬قال زيد بن �سعنة‪� :‬إنه‬
‫‪c‬‬

‫مل يبق من عالمات النبوة �شيء �إال وقد عرفتها يف وجه حممد حني نظرت �إليه �إال اثنتني‬
‫‪o‬‬

‫مل �أخربهما منه‪ ،‬ي�سبق حلمه جهله‪ ،‬وال يزيده �شدة اجلهل عليه �إال حلم ًا‪ ،‬فكنت �أتلطف له‬
‫(‪ )1‬متفق عليه عن �أن�س ‪( .‬البخاري‪ :‬اللبا�س‪/‬الربود واحلربة وال�شملة ‪ ،5472 -‬وم�سلم‪ :‬الزكاة‪�/‬إعطاء‬
‫‪m‬‬

‫من �س�أل بفح�ش وغلظة ‪.)1057 -‬‬


‫(‪� )2‬صحابي من �أجلة ال�صحابة‪ ،‬كان حرب ًا من �أحبار اليهود ومق َّدم ًا فيهم ومن �سادتهم‪ ،‬ف�أ�سلم وح�سن‬
‫�إ�سالمه‪ ،‬و�شهد له النبي باجلنة‪�( .‬صفة ال�صفوة‪.)718/1 :‬‬
‫فمن اهلل عليه بالإ�سالم وح�سن �إ�سالمه (الإ�صابة البن حجر‪:‬‬ ‫(‪� )3‬صحابي‪ ،‬كان حرب ًا من �أحبار اليهود ّ‬
‫‪.)566/1‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪100‬‬

‫لأن �أخالطه ف�أعرف حلمه وجهله‪ ،‬قال‪ :‬فخرج ر�سول اهلل من احلجرات ومعه علي بن �أبي‬
‫طالب‪ ،‬ف�أتاه رجل على راحلته كالبدوي فقال‪ :‬يا ر�سول اهلل قرية بني فالن قد �أ�سلموا ودخلوا‬
‫يف الإ�سالم‪ ،‬وكنت �أخربتهم �أنهم �إن �أ�سلموا �أتاهم الرزق رغد ًا‪ ،‬وقد �أ�صابهم �شدة وقحط من‬
‫‪o‬‬

‫الغيث و�أنا �أخ�شى يا ر�سول اهلل �أن يخرجوا من الإ�سالم طمع ًا كما دخلوا فيه طمع ًا‪ ،‬ف�إن ر�أيت‬
‫�أن تر�سل �إليهم من يغيثهم به فعلت‪ .‬قال‪ :‬فنظر ر�سول اهلل �إىل رجل �إىل جانبه �أراه عمر‬
‫‪b‬‬

‫فقال‪ :‬ما بقي منه �شيء يا ر�سول اهلل قال زيد بن �سعنة‪ :‬فدنوت �إليه‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا حممد‬
‫هل لك �أن تبيعني متر ًا معلوم ًا من حائط بني فالن �إىل �أجل كذا وكذا فقال‪ :‬ال يا يهودي!‬
‫‪e‬‬

‫ولكن �أبيعك متر ًا معلوم ًا �إىل �أجل كذا وكذا‪ ،‬وال �أ�سمي حائط بني فالن‪ .‬قلت‪ :‬نعم‪ .‬فبايعني‬
‫‪ik‬‬

‫‪ ،‬ف�أطلقت همياين‪ ،‬ف�أعطيته ثمانني مثقا ًال من ذهب يف متر معلوم �إىل �أجل كذا وكذا‪.‬‬
‫ف�أعطاها الرجل‪ ،‬وقال‪( :‬اعجل عليهم و�أغثهم بها) قال زيد بن �سعنة‪ :‬فلما كان قبل حم ّل‬
‫الأجل بيومني �أو ثالثة‪ ،‬خرج ر�سول اهلل يف جنازة رجلٍ من الأن�صار ومعه �أبو بكر وعمر‬
‫‪a‬‬

‫وعثمان ونفر من �أ�صحابه‪ ،‬فلما �صلى على اجلنازة دنا من جدار فجل�س �إليه‪ ،‬ف�أخذت مبجامع‬
‫‪n‬‬

‫قمي�صه‪ ،‬ونظرت �إليه بوج ٍه غليظ‪ ،‬ثم قلت‪� :‬أال تق�ضيني يا حممد حقي‪ ،‬فواهلل ما علمتكم‬
‫بني عبد املطلب ُمبطل‪ ،‬ولقد كان يل مبخالطتكم علم‪ .‬ونظرت �إىل عمر بن اخلطاب وعيناه‬
‫‪d‬‬

‫تدوران يف وجهه كالفلك امل�ستدير‪ ،‬ثم رماين بب�صره‪ ،‬وقال‪� :‬أي عدو اهلل �أتقول لر�سول اهلل‬
‫ما �أ�سمع‪ ،‬وتفعل به ما �أرى‪ ،‬فوالذي بعثه باحلق لوال ما �أحاذر فوته ل�ضربت ب�سيفي هذا‬
‫‪l.‬‬

‫عنقك‪ .‬ور�سول اهلل ينظر �إىل عمر يف �سكون وت�ؤدة‪ ،‬ثم قال «�إنا كنا �أحوج �إىل غري هذا‬
‫منك يا عمر؛ �أن ت�أمرين بح�سن الأداء وت�أمره بح�سن اتباعة‪ ،‬اذهب به يا عمر فاق�ضه حقه‬
‫‪c‬‬

‫وزده ع�شرين �صاع ًا من غريه مكان ما ُرعتَه‪ .‬قال زيد‪ :‬فذهب بي عمر فق�ضاين حقي وزادين‬
‫‪o‬‬

‫ع�شرين �صاع ًا من متر‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذه الزيادة؟ قال‪� :‬أمرين ر�سول اهلل �أن �أزيدك مكان‬
‫ما ُرعتُك‪ .‬فقلت‪� :‬أتعرفني يا عمر؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬فمن �أنت؟ قلت‪� :‬أنا زيد بن �سعنة‪ .‬قال‪ :‬احلرب؟!‬
‫‪m‬‬

‫قلت‪ :‬نعم احلرب‪ .‬قال‪ :‬فما دعاك �أن تقول لر�سول اهلل ما قلت وتفعل به ما فعلت؟ فقلت‪:‬‬
‫يا عمر كل عالمات النبوة قد عرفتها يف وجه ر�سول اهلل حني نظرت �إليه‪� ،‬إال اثنتني مل‬
‫�أختربهما منه‪ ،‬ي�سبق حلمه جهله‪ ،‬وال يزيده �شدة اجلهل عليه �إال حلم ًا‪ ،‬فقد اختربتهما‪،‬‬
‫ف�أ�شهدك يا عمر �أين قد ر�ضيت باهلل رب ًا وبالإ�سالم دين ًا ومبحمد نبي ًا‪ ،‬و�أ�شهدك �أن �شطر‬
‫‪101‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫مايل ف�إين �أكرثها ما ًال �صدق ٌة على �أمة حممد ‪ .‬فقال عمر‪� :‬أو على بع�ضهم ف�إنك ال ت�سعهم‬
‫كلهم‪ .‬قلت‪� :‬أو على بع�ضهم‪ .‬فرجع عمر وزيد �إىل ر�سول اهلل فقال زيد‪� :‬أ�شهد �أن ال �إله �إال‬
‫اهلل و�أن حممد ًا عبده ور�سوله »(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫وممن ا�شتهر باحللم حتى �صار ي�ضرب بحلمه املثل الأحنف بن قي�س التميمي �س ِّيدهم‬
‫‪b‬‬

‫الذي قيل فيه‪:‬‬


‫ـدام عـ ـم ــرو فـي �س ـمــاحــة حــات ـ ٍـم‬
‫�إقـ ُ‬
‫‪e‬‬

‫فــي ح ـلــم �أح ـنــف فــي ذكــاء �إي ـ ِ‬


‫ـا�س‬
‫‪ik‬‬

‫قال له رجل خا�صمه‪ :‬لئن قلت واحدة لت�سمعن ع�شر ًا‪ .‬فقال الأحنف‪ :‬لكنك �إن قلت ع�شر ًا‬
‫مل ت�سمع واحدة‪ .‬وقال‪ :‬ثالث ّيف ما �أذكرهن �إال ملعترب‪ :‬ما �أتيت باب ال�سلطان �إال �أن �أدعى‪ ،‬وال‬
‫دخلت بني اثنني حتى يدخالين بينهما‪ ،‬وما �أذكر �أحد ًا بعد �أن يقوم من عندي �إال بخري(‪.)2‬‬
‫‪a‬‬

‫تطبيقات وظيفية يف احللم‪:‬‬


‫‪n‬‬

‫يتعر�ض امل�س�ؤول لبع�ض املواقف من بع�ض املوظفني �أو املراجعني الذين قد يثريونه‬
‫‪d‬‬

‫جماعي‪� ،‬أي من جمموعة‪ ،‬و�سوا ًء كان‬


‫ّ‬ ‫باالنتقاد �أو االعرتا�ض‪� ،‬سوا ًء كان ذلك ب�شكل فردي �أو‬
‫ر�سمي‪ ،‬ويف هذه احلالة �إما �أن يفقد امل�س�ؤول �أع�صابه‬
‫ّ‬ ‫اجتماع‬
‫ٍ‬ ‫ذلك يف مقابلة فردية �أو يف‬
‫‪l.‬‬

‫فيثور ويبد�أ بالدفاع �أو الهجوم‪ ،‬وهذا املوقف فيه الكثري من ال�سلبيات‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫< حت ُّول النقا�ش �إىل ترا�شق لفظي ال نقا�ش علمي‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫�شخ�صي ال عالقة له بالعمل‪.‬‬


‫ّ‬ ‫< حت ُّول النقا�ش �إىل خالف‬
‫‪o‬‬

‫< خ�سارة امل�س�ؤول يف هذا املوقف االختباري �أمام الآخرين كقدوة‪.‬‬


‫‪m‬‬

‫< ف�شل االجتماع �أو املقابلة‪.‬‬


‫(‪ )1‬رواه ابن حبان يف �صحيحه (‪ )521/1‬واحلاكم (‪ )700/3‬و�صححه ووثق الهيثمي رجاله‪( .‬جممع الزوائد‪:‬‬
‫‪.)240/8‬‬
‫(‪ )2‬الذهبي‪�/‬سري �أعالم النبالء (‪.)4/29-39‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪102‬‬

‫< حمل ال�ضغينة يف النفو�س على الآخرين‪ ،‬ولو رجعت املياه �إىل جماريها بعد ذلك‪� ،‬إال‬
‫�أن ما حدث يبقى غالب ًا يف الذاكرة‪.‬‬
‫لذا ف�إن املنتظر من امل�س�ؤول �أن يكون حليم ًا ال ي�ستجيب ال�ستدراج الآخرين لإغ�ضابه‪،‬‬
‫‪o‬‬

‫والأ�سلوب الأن�سب لتاليف ذلك الف�شل هو الآتي‪:‬‬


‫‪b‬‬

‫< تذ ُّكر ف�ضل احللم‪.‬‬


‫< تذ ُّكر �أنه قدوة للموظفني يتمثل �أمامهم الإداري الناجح‪ ،‬فكما يحب �أن يكون موظفوه‬
‫‪e‬‬

‫ناجحون‪ ،‬فهو من باب �أوىل‪.‬‬


‫‪ik‬‬

‫< ا�ست�شعار �أنه يف موقف اختبار ميكن �أن ينجح فيه �أو ير�سب‪.‬‬
‫< مناق�شة املو�ضوع املثار مبو�ضوعية وجت ُّرد‪ ،‬وتق ُّبل كل ٍ‬
‫نقد �صحيح‪ ،‬ولو كان فيه �إبراز‬
‫‪a‬‬

‫خط أ� وقع امل�س�ؤول فيه‪ ،‬ف�إن الرجوع �إىل احلق خري من التمادي يف الباطل‪.‬‬
‫< تذ ُّكر �أنه ب�شر ي�صيب ويخطئ ولي�س مع�صوم ًا‪ ،‬وقد كان يخطئ من هو خ ٌ‬
‫ري منه‪ ،‬ولي�س‬
‫‪n‬‬

‫ذلك عيب ًا يف الب�شر‪ ،‬كما قيل‪:‬‬


‫‪d‬‬

‫وم ــن ذا الــذي ت ــر�ض ــى �ســجايـاه كلها‬


‫كـ ـف ــى الـ ـمـرء نـ ـب ـ ـ ًال �أن تـ َع ـ َّد م ـعـايـ ُبـه‬
‫‪l.‬‬

‫< تذكر �أن امل�ؤمن مر�آة �أخيه امل�ؤمن‪ ،‬فرمبا كان هذا الناقد قا�صد ًا للخري بتقومي‬
‫تتوجه �إىل املو�ضوع ال �إىل‬
‫هذا امل�س�ؤول ولكنه �أ�ساء الأ�سلوب‪ ،‬فالر�ؤية يجب �أن َّ‬
‫‪c‬‬

‫الأ�سلوب‪ ،‬فـالـموقـف الـ�صحـيح هـو تـق ُّبل الـن�صـيـحة والـنـقـد‪ ،‬وتوجيه النا�صح‬
‫‪o‬‬

‫والناقد لتح�سني �أ�سلوبه‪.‬‬


‫‪m‬‬

‫< ويف حال تيقُّن امل�س�ؤول �أنه على حق‪ ،‬و�أنه ملتز ٌم بنظام امل�ؤ�س�سة �أو الدائرة‪ ،‬فعليه‬
‫تدعيم موقفه بالرباهني النظامية التي يحتكم �إليها اجلميع؛ لأن االقتناع يف هذه‬
‫احلالة �سيكون بالنظام ال بقول امل�س�ؤول واجتهاده‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫�أما الو�سائل العملية لإنهاء ذلك التوتُّر‪ ،‬فمنها‪:‬‬


‫< ت�أجيل النقا�ش يف املو�ضوع �إىل وقت �آخر‪ ،‬والتح ُّول �إىل مو�ضوع جديد‪.‬‬
‫< ميكن �إنهاء املقابلة �أو االجتماع �إن مل ميكن ال�سيطرة على النقا�ش‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫< تلطيف اجل ّو بق�صة �أو رواية‪ ،‬لتهدئة اجل ّو‪ ،‬وتلقائي ًا �سيتغيرَّ �أ�سلوب النقا�ش‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫< تذكري اجلميع بالعالقة اجلميلة ال�سابقة‪ ،‬وامل�صالح امل�شرتكة‪.‬‬


‫‪e‬‬

‫< ك�سب و ّد املقابل ب�إبداء كل الر�ضى وال�سعادة بخدمته �أو خدمتهم‪ ،‬و�أن هدفه هو‬
‫م�صلحة اجلميع‪ ،‬فهذا له �أث ٌر كبري يف ترطيب القلوب‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫وما يقال يف امل�س�ؤول يقال يف املوظف الذي يواجه املراجعني و�أ�صحاب احلاجات‪،‬‬
‫وكثري ًا ما نرى النزاعات ون�سمع الأ�صوات املرتفعة يف بع�ض امل�ؤ�س�سات احلكومية والأهلية‬
‫‪a‬‬

‫بني املوظفني واملراجعني نتيجة عدم االلتزام بخلق احللم‪.‬‬


‫‪n‬‬

‫لذا ف�إن من ال�ضروري �إدراج هذه ال�صفة وبقية ال�صفات يف الدورات الإدارية التي تعطى‬
‫للموظفني والإداريني‪ ،‬ويف مناهج معاهد التدريب يف ال�شركات‪ ،‬ملا لها من �أثر ناجح وف َّعال‬
‫‪d‬‬

‫على �أداء الإدارة ومن�سوبيها‪.‬‬


‫‪l.‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬
m
o
c
l.
d
n
a
ik
e
b
o
‫‪105‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الف�صل الثاين‬
‫الأخالق الوظيفية املذمومة‬
‫‪o‬‬

‫اخل ُلق الأول‪ :‬ال ِغ ّ�ش(‪:)1‬‬


‫‪b‬‬

‫غ�ش �صدره‪ :‬انطوى على احلقد وال�ضغينة‪،‬‬‫الغ�ش لغ ًة‪ :‬جاء يف املعجم الو�سيط‪ّ :‬‬
‫تعريفه‪ّ :‬‬
‫وغ�ش �صاحبه‪ :‬ز َّين له غري امل�صلحة‪ ،‬و�أظهر له غري ما ي�ضمر(‪.)2‬‬
‫‪e‬‬

‫ّ‬
‫ومن مرادفاته‪ :‬التزوير‪ ،‬والكذب‪ ،‬واخلداع‪ .‬و�سي�أتي ذكر التزوير يف الف�صل املقبل‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫والغ�ش ا�صطالحاً‪ :‬ما يخلط من الرديء باجليد(‪.)3‬‬


‫حكمه‪ :‬يح ِّرم الإ�سالم ّ‬
‫الغ�ش والتزوير؛ ويجعلهما من الكبائر؛ لأنهما من �أبواب الكذب‬
‫‪a‬‬

‫واخليانة واخلداع‪ ،‬ولورود الوعيد عليهما؛‬


‫‪n‬‬

‫الغ�ش ف�إنه يظهر خالف احلقيقة‪ ،‬فالباحث ّ‬


‫الغا�ش يظهر �أنه‬ ‫< �أما الكذب فوا�ضح يف ّ‬
‫�شخ�ص‬
‫ٌ‬ ‫جمتهد يف تخ�ص�صه بنيل �شهادات عليا‪ ،‬واحلقيقة �أن ال��ذي كتب بحوثه‬
‫‪d‬‬

‫�آخر‪ ،‬و�أن ال�شهادات نالها بالتزوير‪ ،‬والبائع ّ‬


‫الغا�ش يظهر �أن ال�سلعة جديدة �أو �أ�صلية‪،‬‬
‫واحلقيقة �أنها مطل َّية من اخلارج فقط مع بع�ض التح�سينات وهي من الداخل م�ستهلكة‪،‬‬
‫‪l.‬‬

‫واحلقيقة �أنها لي�ست ماركة �أ�صلية‪ ،‬و�إمنا مق َّلدة ا�ستخدم فيها ا�سم املاركة تزوير ًا‪.‬‬
‫الغا�ش مل يخل�ص وين�صح ل�صاحبه �أو لعمله‪ ،‬بل �أظهر ماال يبطن‪،‬‬ ‫< و�أما اخليانة فلأن ّ‬
‫‪c‬‬

‫فغ َّرر بال�شريك مث ًال ب�أن ا�ستورد ب�ضاعة غري ما اتفق عليه‪ ،‬و�أوهمه �أنها هي املتفق‬
‫‪o‬‬

‫عليه‪ ،‬وهذا ّ‬
‫غ�ش وخداع‪� ،‬أو غرر باملري�ض و�أعطاه دوا ًء �أوهمه �أنه هو الأن�سب مل�صلحة‬
‫�شخ�صي ٍة له ك�أن يكون له ن�سبة مادية ي�أخذها من �شركة الدواء امل�صروف‪ ،‬وهو يعلم‬
‫‪m‬‬

‫�أن غريه �أف�ضل‪.‬‬


‫(‪� )1‬أطلقت على هذه ال�سلوكيات �أخالق؛ لأنها من فروع بع�ض الأخالق كالأمانة‪ ،‬فهو من �إطالق البع�ض على‬
‫الكل‪ ،‬ولأن ال�سلوك يطلق عليه خلق باعتباره �أثر ًا له‪.‬‬
‫(‪.)653/2( )2‬‬
‫(‪ )3‬مو�سوعة ن�ضرة النعيم (‪.)5069/11‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪106‬‬

‫< و�أما الوعيد فنوعان‪ :‬نوع باللفظ‪ ،‬كقوله ‪( :‬من غ�شّ نا فلي�س منا)(‪ ،)1‬وقوله‪:‬‬
‫(ما من ٍ‬
‫عبد ي�سرتعيه اهلل رعية‪ ،‬ميوت يوم ميوت وهو ٌّ‬
‫غا�ش لرع َّيته‪� ،‬إال ح َّرم اهلل‬
‫عليه اجلنة)(‪.)2‬‬
‫‪o‬‬

‫ونوع باملعنى‪ :‬كقوله ‪( :‬املكر واخلديعة يف النار)(‪ ،)3‬وقوله �أهل النار خم�سة‪:‬‬
‫(ال�ضعيف الذي ال َز ْبر له(‪ ،)4‬الذين هم فيكم تبع ًا ال يتبعون �أه ًال وال ما ًال(‪ ،)5‬واخلائن الذي ال‬
‫‪b‬‬

‫يخفى له طمع و�إن دقَّ �إال خانه‪ ،‬ورجل ال ي�صبح وال مي�سي �إال وهو يخادعك عن �أهلك ومالك‪،‬‬
‫‪e‬‬

‫الفحا�ش)(‪ ،)6‬وقوله‪�( :‬آية املنافق ثالث‪� :‬إذا ح َّدث كذب‪،‬‬ ‫وذكر البخل �أو الكذب وال�شنظري َّ‬
‫و�إذا وعد �أخلف‪ ،‬و�إذا ا�ؤمتن خان)(‪ ،)7‬وقوله‪( :‬قال اهلل‪ :‬ثالث ٌة �أنا خ�صمهم يوم القيامة؛‬
‫‪ik‬‬

‫رج ٌل �أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورجل باع حر ًا ف�أكل ثمنه‪ ،‬ورج ٌل ا�ست�أجر �أجري ًا فا�ستوفى منه ومل‬
‫يعطه �أجره)(‪.)8‬‬
‫ِ‬
‫‪a‬‬

‫يحب لنف�سه‪،‬‬ ‫ّ‬


‫والغ�ش ينايف الن�صيحة للم�سلمني‪ ،‬ف�إن امل�سلم احلقّ يحب لأخيه ما ّ‬ ‫<‬
‫ويرجو له اخلري‪ ،‬فال ّ‬
‫يغ�ش من �أجل التق ُّدم على غريه‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫< والغ�ش فيه �إ�ضرا ٌر بالآخرين‪ ،‬ولو نظرنا يف �صور ّ‬


‫الغ�ش لوجدنا �آثارها �ضا َّرة بالآخرين‪،‬‬
‫‪d‬‬

‫وال�ضرر حم َّرم‪ ،‬قال ‪( :‬ال �ضرر وال �ضرار)‪.‬‬


‫‪l.‬‬

‫(‪ )1‬رواه م�سلم عن �أبي هريرة ‪ .‬وتقدم‪ ،‬ويف لفظ �آخر عند م�سلم يف �صحيحه «من ّ‬
‫غ�ش فلي�س منا» وهـذا‬
‫أعم من الأول؛ لأنه ي�شمل غ�ش امل�سلمني وغريهم‪.‬‬
‫� ّ‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن معقل بن ي�سار ‪( .‬البخاري‪ :‬الأحكام‪/‬من ا�سرتعي رعية فلم ين�صح ‪ ،6731 -‬وم�سلم‪:‬‬
‫‪c‬‬

‫الإميان‪/‬ا�ستحقاق الوايل الغا�ش لرعيته النار ‪.)142 -‬‬


‫(‪ )3‬رواه البيهقي (�شعب الإميان‪ )324/4 :‬عن قي�س بن �سعد بن عبادة‪ ،‬وقال احلافظ ابن حجر‪� :‬إ�سناده ال‬
‫‪o‬‬

‫ب�أ�س به‪( .‬فتح الباري‪.)356/4 :‬‬


‫(‪ )4‬ال عقل له يزبره عما ال ينبغي‪�( .‬شرح النووي على �صحيح م�سلم‪.)17/199 :‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪( )5‬ال يتبعون)‪ ،‬بالعني املهملة خمفف وم�شدد من االتباع‪ ،‬ويف بع�ض الن�سخ (يبتغون) باملوحدة والغني‬
‫املعجمة‪� ،‬أي‪ :‬ال يطلبون‪� .‬شرح النووي على �صحيح م�سلم‪.)299/17( :‬‬
‫(‪ )6‬رواه م�سلم (اجلنة ونعيمها‪/‬ال�صفات التي يعرف بها يف الدنيا �أهل اجلنة و�أهل النار ‪ )-2865‬عن عيا�ض‬
‫بن حمار ‪.‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه عن �أبي هريرة ‪ .‬وتقدم �صفحة ‪.24‬‬
‫(‪ )8‬رواه البخاري (الإجارة‪�/‬إثم من منع �أجر الأجري ‪ )2150 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫‪107‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الغ�ش يف �أمور كثرية‪:‬‬


‫�صوره‪ :‬يقع ّ‬
‫< كالبيوع‪ ،‬ب�إخفاء عيب ال�سلعة‪ ،‬وهو ما ورد فيه احلديث املتقدم‪ ،‬ف�إن ق�صَّ ته �أن النبي‬
‫اجلاف من الطعام يف الأعلى‪ ،‬وجعل ال َّرطب يف الأ�سفل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫م َّر على بائع عر�ض‬
‫‪o‬‬

‫لئال يعزف النا�س عنه‪ ،‬فو َّبخه النبي قائ ًال‪�( :‬أفال جعلته فوق الطعام كي يراه‬
‫النا�س؟! من غ�شَّ فلي�س مني)‪ ،‬وي�شبه هذا البيع بيع امل�ص َّراة‪ ،‬وهي ال�شاة ي�ص ُّر ثديها‬
‫‪b‬‬

‫ليجتمع اللنب فيه‪ ،‬قال ابن قدامة رحمه اهلل‪« :‬الت�صرية حرام �إذا �أراد بذلك التدلي�س‬
‫على امل�شرتي؛ لقول النبي ‪( :‬ال ت�ص ُّروا)(‪ )1‬وقوله‪( :‬من غ�شنا فلي�س منا)‪ ،‬وروى‬
‫‪e‬‬

‫ابن ماجة يف �سننه(‪ )2‬عن النبي �أنه قال‪( :‬بيع املحفَّالت خالبة(‪ ،)3‬وال حتل‬
‫اخلالبة مل�سلم)»(‪.)4‬‬
‫‪ik‬‬

‫وعن حكيم بن حزام عن النبي قال‪( :‬الب ِّيعان باخليار ما مل يتفرقا‪ ،‬ف�إن �صدقا‬
‫وب َّينا بورك لهما يف بيعهما‪ ،‬و�إن كتما وكذبا محُ ِ قت بركة بيعهما)(‪� ،)5‬أي �أن لل�صدق �أثر ًا‬
‫‪a‬‬

‫�إيجابي ًا يف بركة البيع‪ ،‬والعك�س �صحيح‪ّ ،‬‬


‫فللغ�ش �أث ٌر �سلبي على بركة البيع‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫< ويقع ّ‬
‫الغ�ش يف البحوث العلمية‪ ،‬و�سبقت الإ�شارة �إليه يف مبحث الأمانة‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫< ويقع ّ‬
‫الغ�ش يف االختبارات ب�أنواعها‪ ،‬حني يلج�أ املختبرَ �إىل �سرقة املعلومات من خمتبرَ‬
‫�آخر‪� ،‬أو �أخذها منه‪ ،‬فيح�صل على ما ال ي�ستحقّه من الدرجة‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (البيوع‪/‬النهي للبائع �أن ال يحفل الإبل والبقر والغنم ‪ )2041 -‬وم�سلم (البيوع‪/‬حترمي‬
‫بيع الرجل على بيع �أخيه و�سومه على �سومه وحترمي النج�ش وحترمي الت�صرية ‪ )1515 -‬عن �أبي‬
‫‪c‬‬

‫هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )753/2( )2‬ورواه الطيال�سي (‪ )38/1‬والبزار (‪ )337/5‬و�أحمد (‪ )433/1‬كلهم عن ابن م�سعود ‪ ،‬قال‬
‫‪o‬‬

‫ابن حجر‪ :‬ويف �إ�سنــاده �ضــعف‪ ،‬وقــد رواه ابن �أبي �شيبة وعــبدالرزاق موقوف ًا ب�إ�سناد �صحيح (فتح‬
‫الباري‪.)4/367 :‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )3‬املحفَّالت‪ :‬ال�شياه امل�صرَّاة �أي جمموعة اللنب يف ال�ضرع لإيهام كرثة اللنب‪ ،‬واخلالبة‪ّ :‬‬
‫الغ�ش واخلداع‪.‬‬
‫(في�ض القدير‪.)209/3 :‬‬
‫(‪ )4‬كتاب املُغْني البن قدامة بتحقيق الدكتورين عبداهلل الرتكي وعبدالفتاح احللو ‪-‬ن�شر دارهجر‪ -‬ط الأوىل‬
‫‪ 1408‬هـ (‪.)6/215-216‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه‪( .‬البخاري‪ :‬البيوع‪�/‬إذا بني البيعان ومل يكتما ون�صحا ‪ ،1973 -‬وم�سلم‪ :‬البيوع‪/‬ال�صدق يف‬
‫البيع ‪.)1532 -‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪108‬‬

‫امل�سجلة‪ ،‬وتركيب املوا ّد املق َّلدة �أو امل�ستعملة‬ ‫< ويقع ّ‬


‫الغ�ش يف التجارة كتزوير العالمات َّ‬
‫دون �إخبار امل�شرتي بذلك‪.‬‬
‫وكل هذه ال�صور حمرمة؛ لأنه ي�شملها اللفظ العا ّم يف احلديث (من ّ‬
‫غ�ش فلي�س مني)‪،‬‬
‫‪o‬‬

‫ولأنها ت�شرتك يف �أنها �أنوا ٌع من اخلداع والتزوير‪.‬‬


‫‪b‬‬

‫الغ�ش يف الوظيفة‪ :‬وجمال ّ‬


‫الغ�ش والتزوير يف الوظيفة وا�سع‪ ،‬ومن �أمثلته‪:‬‬ ‫ّ‬
‫< كتابة التقارير الطبية‪ ،‬حني يكتب الطبيب تقرير ًا طبي ًا غري متفق مع الواقع‪� ،‬أو يق ّدم‬
‫‪e‬‬

‫املوظف تقرير ًا طبي ًا لإدارته غري متفق مع الواقع‪� ،‬أو التقارير عن امل�شاريع حني يكتب‬
‫ٍ‬
‫‪ik‬‬

‫م�ستوف لل�شروط وهو لي�س‬ ‫املهند�س �أن امل�شروع انتهى وهو مل ينته بعد‪� ،‬أو يكتب �أنه‬
‫كذلك‪� ،‬أو العك�س حني يكتب �أن امل�شروع مل ي�ستوف املطلوب فني ًا‪ ،‬وهو يف احلقيقة‬
‫م�ستوف لل�شروط‪� ،‬أو التقارير عن املوظفني حني يكتب املدير تقرير ًا عن موظف‬ ‫ٍ‬
‫‪a‬‬

‫بخالف احلقيقة‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫< ويف املخططات الإن�شائية �أو ال�صناعية‪ ،‬حني ي�صادق املهند�س على خمطط غري‬
‫ٍ‬
‫م�ستوف لل�شروط‪� ،‬أو مز َّور‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫يقدم املوظف �شهاد ًة طبية مز َّورة تثبت‬


‫< ويف الإجازات العادية �أو املر�ضية‪ ،‬حني ِّ‬
‫‪l.‬‬

‫�أنه مري�ض‪.‬‬
‫< وكذلك ا�ستخراج �شهادات مز َّورة ل ّأي جهة من اجلهات‪� ،‬أو تزوير �أوراق �أو م�ستندات‬
‫‪c‬‬

‫�أو وثائق ر�سم َّية‪� ،‬أو احل�صول على �شهادات علمية غري حقيقية‪.‬‬
‫الغ�ش‪ :‬والدافع ال�ستعمال الغ�ش والتزوير عند املوظفني مبختلف طبقاتهم هو‬
‫‪o‬‬

‫دوافع ّ‬
‫احل�صول على منفعة �أو م�صلحة �شخ�صية‪ ،‬وقد يكون الدافع املناف�سة غري ال�شريفة ملوظفني‬
‫‪m‬‬

‫�آخرين فيز ِّور بغر�ض ت�أخري غريه‪ ،‬وقد يكون الدافع الته ُّرب من العقوبة‪.‬‬
‫وقد ي�ستعمل �أحد املوظفني ّ‬
‫الغ�ش مل�صلحة امل�ؤ�س�سة بزعمه‪ ،‬ولكن ذلك يع ّد و�سيلة غري‬
‫م�شروعة؛ لأن الغاية ال تربر الو�سيلة‪ ،‬مبعنى �أن العمل امل�شروع يجب �أن تكون و�سيلته م�شروعة‬
‫كذلك‪ ،‬وما ُيبنى على الباطل فهو باطل‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫ا ُ‬
‫خللق الثاين‪ :‬الت�س ُّيب يف الدوام‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬لغة‪� :‬س َّيب ال�شيء‪ :‬تركه‪ ،‬و�س َّيب الناقة‪ :‬تركها ت�سيب حيث �شاءت‪ ،‬ومنه قوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﱫﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ‬
‫‪o‬‬

‫ﰉ ﰊﱪ [املائدة‪.)1(]103:‬‬
‫‪b‬‬

‫وا�صطالحاً‪ :‬عدم االنتظام يف الدوام‪.‬‬


‫�صوره‪ :‬عدم االنتظام يف الوقت له �صورتان‪ :‬الأوىل‪ :‬عدم االلتزام باحل�ضور واالن�صراف‬
‫‪e‬‬

‫يف وقت الدوام املتفق عليه بني العامل و�صاحب العمل‪ .‬والثانية‪� :‬أن ين�شغل املوظف �أثناء‬
‫‪ik‬‬

‫العمل ب�أ�شياء ال عالقة لها بالعمل ت�ؤثر على عمله الأ�سا�سي‪.‬‬


‫ومن امل�شهور �أن اليابانيني �أحر�ص من غريهم على �أداء العمل‪ ،‬ذلك �أنهم يتمتعون مبا‬
‫‪a‬‬

‫يعرف باليوروكي (‪ ،)yoruki‬وهي نزعة نف�سية للإح�سا�س بالذات من خالل العمل‪� ،‬إذ بالعمل‬
‫تكمن حقيقة وجودهم‪ ،‬فال يتغيب اليابانيون عن العمل �إال بن�سبة ‪ ،%2‬وال ي�أخذ الإجازة‬
‫‪n‬‬

‫ال�سنوية منهم �إال ‪.%40‬‬


‫‪d‬‬

‫وهذا االرتباط القد�سي بالعمل �س َّبب لهم كثري ًا من امل�شكالت‪ ،‬حيث يق�ضي الياباين(‪)2000‬‬

‫�ساعة عمل كمع َّدل يف ال�سنة‪ ،‬مما زاد من ن�سبة القلق والرتدد على امل�صحات النف�سية‬
‫‪l.‬‬

‫واالنتحار‪ ،‬لذا ف�إن وزارة ال�صحة �أو�صت بالتقليل من �ساعات العمل يف اليابان‪� ،‬إال �أن‬
‫املوظفني مل ي�ستجيبوا لهذه املطالب‪ ،‬وا�ستمروا يف العمل الد�ؤوب!‬
‫‪c‬‬

‫و�إذا قارنت هذا مبا يلي عرفت �سبب نه�ضة اليابان‪:‬‬


‫‪o‬‬

‫< ن�شرت �صحيفة الوطن ال�سعودية(‪ )2‬وموقع �إمارة مكة املكرمة يف ‪ 1425 /10 /27‬هـ ت�صريح ًا‬
‫‪m‬‬

‫للدكتور يا�سر بن �سعيد الغامدي مدير عام ال�ش�ؤون ال�صحية مبنطقة مكة املكرمة �أن‬
‫ن�سبة الت�سيب يف الدوام يف املراكز ال�صحية يف حمافظة جدة تزيد عن ‪.!%60‬‬
‫(‪ )1‬ل�سان العرب (‪� - 478/1‬سيب)‪.‬‬
‫(‪ )2‬العدد ‪ 1532‬يف ‪� 27‬شوال ‪ 1425‬هـ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪110‬‬

‫< و�أك��دت درا�سة ملعهد الإدارة العامة ون�شرته �صحيفة املدينة �أن ن�صف موظفي‬
‫الأجهزة احلكومية يت�أخَّ رون عن �أعمالهم‪ ،‬و�أن ‪ %54‬منهم يخرجون �أثناء الدوام‬
‫لإح�ضار �أبنائهم �أو �إنهاء بع�ض الأعمال اخلا�صة‪ ،‬و‪ %69‬منهم يتغيبون بدون عذر‪،‬‬
‫‪o‬‬

‫و‪ %95‬يغادرون قبل نهاية الدوام ب�ساعة‪ ،‬و‪ %22‬يغادرون قبل نهاية الدوام ب�ساعتني‪،‬‬
‫و‪ %12‬يغادرون قبل نهاية ال��دوام بثالث �ساعات‪ ،‬مما يعني �أن ‪ 400000‬موظف‬
‫‪b‬‬

‫يت�أخرون عن �أعمالهم‪ ،‬و�أكرث من ‪ 500000‬يتغيبون بدون عذر ويغادرون قبل نهاية‬


‫الدوام(‪.)1‬‬
‫‪e‬‬

‫حكمه‪ :‬الت�س ُّيب الوظيفي حرام لأ�سباب‪:‬‬


‫‪ik‬‬

‫الأول‪� :‬إن امل�ؤمنني عند �شروطهم‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪ :‬ﱫﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﱪ‬
‫[املائدة‪ ]1:‬وهذا �أمر من اهلل تعاىل يجب االلتزام به؛ لأن الأ�صل يف الأوامر الوجوب‪،‬‬
‫‪a‬‬

‫واملخالف للواجب مرتكب للمح َّرم‪ ،‬ومن ال�سنة قوله ‪( :‬امل�ؤمنون عند �شروطهم)(‪،)2‬‬
‫واملوظف احلكومي �أو الأهلي قد �أق ّر العقد املتفق عليه بينه وبني جهة العمل‪ ،‬ووقَّع عليه‪،‬‬
‫‪n‬‬

‫فهو ملزم مبا �أق ّر به ووقع عليه؛ لأنه عند �شرطه‪ ،‬و�إال لكان العقد ال معنى له حني يق ّر به‬
‫‪d‬‬

‫ويوافق عليه ثم ال يلتزم به‪ ،‬وعدم االلتزام بالعقود املنعقدة مع�صية هلل تعاىل‪ ،‬قال اهلل‬
‫�سبحانه يف �صفات امل�ؤمنني‪ :‬ﱫﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ * ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫‪l.‬‬

‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﱪ [الرعد‪ ]21 ،20 :‬ومما �أمر اهلل به �أن يو�صل العقود‬


‫املباحة‪ ،‬وقال عز وجل‪ :‬ﱫﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﱪ [الإ�سراء‪ ،]34 :‬وهذا �أم ٌر‬
‫‪c‬‬

‫يقت�ضي الوجوب‪ ،‬و�س ُي�س�أل عنه يوم القيامة‪ ،‬وقال �سبحانه يف �صفات الكافرين‪ :‬ﱫﮧ‬
‫‪o‬‬

‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟﱪ [الرعد‪ ]25 :‬فجعل من �ضمن ما ا�ستحقوا به العقوبة نق�ض العهد وقطع ما �أمر‬
‫‪m‬‬

‫اهلل به �أن يو�صل‪.‬‬


‫(‪ )1‬جملة اليمامة يف ‪2005/3/12‬م‪/‬العدد ‪.1884‬‬
‫‪ ،‬ورواه �أبوداود (‪ )304/3‬واحلاكم (‪)57/2‬‬ ‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )634/3‬و�صححه عن عمرو بن عوف املزين‬
‫وح�سنه الرتمذي عن �أبي هريرة‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪111‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫وقال النبي ‪�( :‬آية املنافق ثالث‪� :‬إذا ح َّدث كذب‪ ،‬و�إذا وعد �أخلف‪ ،‬و�إذا ا�ؤمتن‬
‫خان)(‪ ،)1‬وقال‪( :‬ا�ضمنوا يل �ست ًا من �أنف�سكم �أ�ضمن لكم اجلنة‪ :‬ا�صدقوا �إذا ح َّدثتم‪ ،‬و�أوفوا‬
‫وغ�ضوا �أب�صاركم‪ ،‬وكفُّوا �أيديكم)(‪.)2‬‬
‫�إذا وعدمت‪ ،‬و أ� ُّدوا �إذا ائت ُِمنتم‪ ،‬واحفظوا فروجكم‪ُّ ،‬‬
‫‪o‬‬

‫ف�إذا �أراد املوظف �أن ينق�ض االتفاق‪ ،‬فعليه �أن يلغي العقد بينه وبني اجلهة‪ ،‬وبذا يرب�أ من‬
‫تبعة االلتزام به‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫التعدي عليها‪ ،‬قال ‪�( :‬إن دماءكم و�أموالكم‬ ‫الثاين‪� :‬إن �أموال الآخرين مع�صومة ال يجوز ِّ‬
‫‪e‬‬

‫معي من ال�ساعات يق�ضيها‬ ‫و�أعرا�ضكم عليكم حرام)(‪ ،)3‬فاملوظف ي�ستحق راتبه على مقدار نَّ‬
‫يف العمل‪ ،‬من�صو�ص عليها يف العقد‪ ،‬ف�إن �أخ ّل بهذا املقدار من الزمن الذي يفرت�ض �أن‬
‫‪ik‬‬

‫يق�ضيه يف العمل‪ ،‬ف�إنه ال ي�ستحق �شرع ًا وال نظام ًا املكاف�أة املو�ضوعة‪ ،‬وال يح ّل له �أخذها‪.‬‬
‫وي�ستوي يف هذه الأموال �أموال الدولة‪ ،‬و�أموال الأ�شخا�ص وال�شركات وامل�ؤ�س�سات الأهلية؛‬
‫‪a‬‬

‫ملك م�شاع ي�صرفه احلاكم يف م�صالح امل�سلمني‪ ،‬وال حقّ لآحادهم يف‬ ‫�أما �أموال الدولة فهي ٌ‬
‫�شيء من �أموال الغنائم قبل توزيعها؛ لأنها ٌ‬
‫التعدي عليه‪ ،‬ولذا ح َّرم النبي �أخذ ٍ‬
‫‪n‬‬

‫ملك عام‪،‬‬ ‫ِّ‬


‫والق�صة الآتية تبني ذلك‪:‬‬
‫‪d‬‬

‫قال �سعد بن �أبي وقا�ص ‪�« :‬أ�صاب ر�سول اهلل غنيمة عظيمة يف بدر ف�إذا فيها‬
‫�سيف‪ ،‬ف�أخذته‪ ،‬ف�أتيت به الر�سول فقلت‪ :‬نفِّلني هذا ال�سيف ف�أنا من قد َ‬
‫علمت حاله‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫فقال‪( :‬ر َّده من حيث �أخذته)‪ ،‬فانطلقت حتى �إذا �أردت �أن �ألقيه يف القب�ض‪ ،‬المتني نف�سي‬
‫فرجعت �إليه‪ ،‬فقلت‪� :‬أعطنيه‪ .‬قال‪ :‬ف�ش َّد يل �صوته‪( :‬ر َّده من حيث �أخذتَه) قال‪ :‬ف�أنزل اهلل‬
‫‪c‬‬

‫عز وجل‪ :‬ﱫﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ‬


‫‪o‬‬

‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﱪ [الأنفال‪.)4(]1 :‬‬
‫(‪ )1‬تقدم قريب ًا‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )2‬رواه �أحمد (‪ )323/5‬والبيهقي (‪ )2889/6‬عن عبادة بن ال�صامت ‪ ،‬ورجاله ثقات‪ ،‬وفيه �إر�سال‪( .‬جممع‬
‫الزوائد‪ )145/4( :‬ورواه احلاكم و�صححه )‪.)399/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (احلج‪/‬اخلطبة �أيام منى ‪ )1652 -‬عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬وم�سلم (الق�سامة‪/‬‬
‫تغليظ حترمي الدماء والأعرا�ض والأموال ‪ )1679 -‬عن �أبي بكرة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه م�سلم (ف�ضائل ال�صحابة‪/‬ف�ضل �سعد بن �أبي وقا�ص ‪.)1748 -‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪112‬‬

‫و�أما �أموال ال�شركات وامل�ؤ�س�سات الأهلية ف�إنها �أموال �أ�شخا�ص مع�صومة؛ لقوله ‪( :‬ال‬
‫نف�س منه)(‪.)1‬‬
‫يحل مال امرئٍ م�سلم �إال بطيب ٍ‬
‫وعلى هذا ف�إنه ال يجوز الت�أخُّ ر عن الدوام‪ ،‬وال االن�شغال �أثناءه مبا ال عالقة له به مبا ُي�ؤَ ِّثر‬
‫‪o‬‬

‫بوقت �إ�ضايف‪� ،‬أو عملٍ �إ�ضايف‬‫عليه‪ ،‬و�إذا حدث من املوظف ت�أخُّ ر يف الدوام فعليه �أن يع ِّو�ض ذلك ٍ‬
‫‪b‬‬

‫يق ّدمه للعمل‪.‬‬


‫عدا بع�ض الأعمال التي ال تتطلب ح�ضور ًا مكتبي ًا �أثناء الدوام‪ ،‬كاملعقّب الذي يقوم ب�أداء‬
‫‪e‬‬

‫بغ�ض النظر عن الوقت الذي يق�ضي فيه عمله‪ ،‬و�سائق احلافلة الذي‬ ‫ما يطلب منه يومي ًا ّ‬
‫‪ik‬‬

‫يقوم بتو�صيل الطالب والطالبات �إىل مكان درا�ستهم‪� ،‬أو العمال �إىل �أماكن عملهم‪ ،‬فال‬
‫حرج عليه فيما زاد من الوقت‪.‬‬
‫ي�صح له �أن يت�صرف‬
‫ويت�ساءل بع�ض املوظفني عن حكم الوقت الفارغ �أثناء الدوام‪ ،‬هل ّ‬
‫‪a‬‬

‫فيه مبا ي�شاء؟ واجلواب يف نقاط‪:‬‬


‫‪n‬‬

‫الأوىل‪ :‬الفراغ احلا�صل �أثناء الدوام �إما �أن يكون نتيجة عدم وجود عمل‪� ،‬أو نتيجة‬
‫التق�صري يف عمل؟ ف�إن كان نتيجة عدم وجود عمل‪ ،‬ك�أن يكون املوظف قد �أ َّدى عمله ومل‬
‫‪d‬‬

‫يبق بني يديه ما ينتظر‪ ،‬فيمكن للموظف اال�ستفادة من وقته مبا يرى‪ ،‬على �أن ال يغادر مكان‬
‫‪l.‬‬

‫العمل �إال با�ستئذان امل�س�ؤول؛ لأنه قد يطر�أ عمل مفاجئ يحتاج فيه �إليه‪.‬‬
‫و�إن كان نتيجة التق�صري يف عمل فلي�س له �أن ين�شغل بغري العمل املتفق عليه‪ .‬وهذا التق�صري‬
‫‪c‬‬

‫ما يطلق عليه البطالة املقنَّعة‪ ،‬وهو وجود موظفني ال يقومون بواجب الوظيفة‪ ،‬فال هم تركوا‬
‫الوظيفة لغريهم‪ ،‬وال هم �أ َّدوا ما عليهم من الواجب الوظيفي‪ ،‬فهم يك ِّلفون الدولة م�صروفات‬
‫‪o‬‬

‫يقدمون للمجتمع �أي فائدة‪ ،‬فيبقون عالة على الدولة واملجتمع‪.‬‬ ‫البطالة‪ ،‬ويف الوقت نف�سه ال ِّ‬
‫‪m‬‬

‫الثانية‪� :‬إن االن�شغال �أثناء الدوام بغري م�صلحة العمل �أمر ن�سبي يعتمد على حجم العمل‪،‬‬
‫وعدد العاملني �أو املوظفني‪ ،‬لذا ف�إن تقدير الت�س ُّيب من عدمه يحكمه امل�س�ؤول يف الدائرة‪،‬‬
‫فيجب الرجوع �إليه ملعرفة �إن كان هناك تق�صري من املوظف �أم ال‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه �أحمد ب�سند �صحيح وتقدم تخريجه‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الثالثة‪� :‬إن نظام العمل يف كث ٍري من ال ُّد َول خ�صو�ص ًا النامية يحتوي على الكثري من‬
‫الثغرات‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل ارتباطه بنظام الدولة عموم ًا وطريقة �إدارتها‪ ،‬فتت�أثر بيئة العمل‬
‫بالنظام املو�ضوع من الدولة‪ ،‬ف�إذا كانت الوظيفة فيها الكثري من الفراغ والبطالة‪ ،‬فلي�س‬
‫ذلك بال�ضرورة نتيجة �ضعف �أداء املوظف‪ ،‬بقدر ما هو �ضعف النظام! وبالرغم من هذا‬
‫‪o‬‬

‫ف�إن الأكمل للموظف �أن يحاول الإبداع واالبتكار يف و�سائل العمل‪ ،‬يف �سبيل تطويره وحت�سني‬
‫‪b‬‬

‫�إنتاجه‪ ،‬وحينذاك فلن يجد فراغ ًا يف وقته‪ ،‬كما تقدم بيانه يف خ ُلق الق َّوة‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫اخل ُلق الثالث‪ :‬ا�ستغالل الوظيفة لغري م�صلحتها‪:‬‬


‫الوظيفة تعطي املوظف وامل�س�ؤول مكان ًة مرموقة‪ ،‬من العالقات االجتماعية‪ ،‬وامليزات‬
‫‪ik‬‬

‫الوظيفية‪ ،‬مما يغريه با�ستغاللها مل�صلحته ال�شخ�صية‪ ،‬ف�إذا مل يتق اهلل تعاىل ويراقبه‪ ،‬ف�إنه‬
‫�سيقع يف كث ٍري من املخالفات ال�شرعية والنظامية‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫لذا يجب الف�صل بني الوظيفة والعالقات ال�شخ�صية بقدر امل�ستطاع بحيث ال ت�ؤثر‬
‫�إحداهما على الأخرى‪ ،‬فكما �أن بع�ض امل�س�ؤولني ي�سخِّ ر الوظيفة لعالقاته ال�شخ�صية‪ ،‬ف�إن‬
‫‪n‬‬

‫بع�ضهم يفقد عالقاته ال�شخ�صية ب�سبب الوظيفة‪.‬‬


‫‪d‬‬

‫«وهذا النمط من ال�سلوك املدان‪ ،‬ينطلق من دوافع قبلية �أو عن�صرية �أو �إقليمية �أو طائفية‬
‫تقوم على التمييز بني املواطنني �أو بني املناطق �أو بني �شرائح املجتمع وفئاته العتبارات‬
‫‪l.‬‬

‫عرقية �أو عقائدية �أو طبقية‪ ،‬ت�ؤدي يف النهاية �إىل تفريق ال�صفوف و�شق الوحدة الوطنية‬
‫وغر�س العداء واحلقد يف النفو�س‪ ،‬وت�أليب املواطنني بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬و�إ�ضعاف ثقتهم‬
‫‪c‬‬

‫بنزاهة الإدارة وعدالتها‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫وهذا النمط من ال�سلوك الإداري يعد انحراف ًا باجلهاز الإداري عن �أهدافه املتمثلة يف‬
‫خدمة املواطنني‪ ،‬وهو خروج على املبادئ القانونية التي تعمل على امل�ساواة والعدالة بني‬
‫‪m‬‬

‫املواطنني‪ ،‬وهو �إ�ضعاف للقيم امل�ؤ�س�سية والوظيفية امل�ؤكدة على احلياد واملو�ضوعية والدقة‬
‫يف اتخاذ القرارات واملواقف‪.‬‬
‫�إن منا�صرة جهة وا�ستعداء �أخرى يولد ردود فعل غا�ضبة ومنفعلة بني موظفي الإدارة‬
‫واملتعاملني معها‪ ،‬وهذه بدورها تولد �أمناط ًا فا�سدة مماثلة ومعاك�سة ت�ضعف االنتماء‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪114‬‬

‫للمنظمات وللوطن‪ .‬وت�شعر الفئات املحرومة �أو الآليات امل�ضطهدة بالغربة والإحباط وكثري ًا‬
‫ما تدفع �شريحة من العلماء واخلرباء �إىل الهجرة اخلارجية‪� ،‬أو االن�سحاب من الوظيفة‬
‫العامة يف وقت مبكر‪ ،‬واللجوء ملثل هذه املمار�سات املدانة غالب ًا ما يرجع �إىل �شعور �صاحبه‬
‫بال�ضعف وعدم الثقة بالنف�س‪ ،‬فيلج�أ �إىل حماية ذاته باالنتماء �إىل الع�شرية �أو املدينة �أو‬
‫‪o‬‬

‫الطائفة �أو الطبقة �أو الفئة التي ت�سنده وفق ًا ملقولة‪�( :‬أنا و�أخي على ابن عمي‪ ،‬و�أنا وابن عمي‬
‫‪b‬‬

‫على الغريب)‪.‬‬
‫وينبغي �أال يفهم من طرحنا هذا �أننا ندعو �إىل التمرد على الع�شرية �أو الطائفة �أو نحر�ض‬
‫‪e‬‬

‫نزج بهذه‬
‫على تفكيك التنظيمات الأ�سرية والقبلية وغريها‪ ،‬ولكن الذي ندعو لـه هو �أال ّ‬
‫‪ik‬‬

‫العالقات واالنتماءات عند تعاملنا مع امل�ؤ�س�سات والهيئات احلكومية‪ ،‬و�أن ن�ساوي بني جميع‬
‫املواطنني دون متييز �أو حماباة ب�سبب الدين �أو القومية �أو القبلية �أو املذهب(‪.)1‬‬
‫وهذه النزاهة هي م�صدر احرتام املوظفني للم�س�ؤول‪ ،‬فحيثما وجدت وجد االحرتام‪،‬‬
‫‪a‬‬

‫وحيثما فقدت فقد االحرتام‪ ،‬ومن هنا قال رجل لعمر بن اخلطاب ‪( :‬عففت فعفَّت‬
‫رع َّيتك‪ ،‬ولو رتعت لرتعوا)(‪.)2‬‬
‫‪n‬‬

‫واملحاباة واالنحياز لقرابة ونحوها يرتتب عليه الظلم وانت�شار الأحقاد وال�ضغائن بني‬
‫‪d‬‬

‫�أفراد املجتمع‪ ،‬وقد روى احلاكم(‪ )3‬عن ابن عبا�س عن النبي قوله‪( :‬من ا�ستعمل‬
‫رج ًال على ع�صابة وفيهم من هو �أر�ضى هلل منه‪ ،‬فقد خان اهلل ور�سوله وامل�ؤمنني)‪ ،‬وروي‬
‫‪l.‬‬

‫كذلك عن �أبي بكر عن النبي قوله‪( :‬من ويل من �أمر امل�سلمني �شيئ ًا ف أ� َّمر عليهم‬
‫�أحد ًا حماباة‪ ،‬فعليه لعنة اهلل‪ ،‬ال يقبل اهلل منه �صرف ًا وال عد ًال‪ ،‬حتى يدخله جهنم)(‪.)4‬‬
‫‪c‬‬

‫وا�ستغالل الوظيفة للم�صالح اخلا�صة يع ّد من اخليانة‪ ،‬وقد تقدم يف خلق الأمانة تف�صيل‬
‫‪o‬‬

‫ما يتعلق بجوانب الأمانة‪.‬‬


‫�صور ا�ستغالل الوظيفة‪( :‬ومن الأمور التي تعد ا�ستغال ًال للوظيفة يف غري ما و�ضعت لها‪:‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬نق ًال عن‪ :‬الغامدي والوزان‪/‬مرجع �سابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬مناقب عمر بن اخلطاب البن اجلوزي (‪.)91‬‬
‫(‪ )104/4( )3‬و�صححه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه �أحمد (‪ )6/1‬واحلاكم (‪ )104/4‬و�صححه‪.‬‬
‫‪115‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫‪� 1-‬أخذ الر�شوة‪ :‬فالر�شوة من �أخطر جرائم املوظف العام التي يعاين منها اجلهاز‬
‫الإداري نتيجة ف�ساد ذمة املوظف املرت�شي‪ ،‬والذي يكون فـي الأ�صل م�ؤمتن ًا على‬
‫م�صالح الأفراد واملجتمع‪ ،‬فاملوظف املرت�شي يتجر بالوظيفة العامة وي�ستغل وجوده‬
‫‪o‬‬

‫فيها‪ ،‬وما مينح له ب�سببها من �سلطات فـي حتقيق مطامع �شخ�صية له �أو م�صالح‬
‫غري م�شروعة لغريه‪ ،‬من ذويه‪� ،‬أو ممن تربطه به م�صالح م�شرتكة‪ ،‬وكلها �أمور‬
‫‪b‬‬

‫فا�سدة من �ش�أنها �أن ت�ؤثر على النزاهة واحليادية وغريها من ال�سمات احل�سنة‬
‫التي ينبغي �أن يتحلى بها املوظف العام‪ ،‬ممثل الدولة والأم�ين على م�صاحلها‬
‫‪e‬‬

‫وم�صالح �أفرادها‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫‪ 2-‬االختال�س‪ :‬يتمثل االختال�س فـي �أمور خمتلفة‪ ،‬من �أهمها على �سبيل املثال‪ :‬ا�ستيالء‬
‫املوظف على الأموال امل�سلمة �إليه ب�سبب وظيفته‪ ،‬وقيامه بتح�صيل �أموال غري م�ستحقة‬
‫عند جباية الر�سوم �أو ال�ضرائب �أو الغرامات �أو العوائد وما �أ�شبه‪ ،‬ويعترب االختال�س‬
‫‪a‬‬

‫جرمية‪� ،‬إذ هي �صورة من �صور خيانة الأمانة‪...‬‬


‫‪n‬‬

‫‪ 3-‬قيام املوظف بحجز كل �أو بع�ض ما ي�ستحقه املوظفون من رواتب �أو �أجور‪� ،‬أو ت�أخري‬
‫دفعها �إليهم بق�صد االنتفاع ال�شخ�صي‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫‪ 4-‬قبول الهدايا والإكراميات بالذات �أو الوا�سطة‪.‬‬


‫‪l.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫‪� 5-‬إ�ضرار املوظف بامل�صلحة العامة فـي ميدان ال�صفقات واملقاوالت والتوريدات)‬
‫�إن الأموال التي يجنيها الإن�سان بغري حق هي غلول‪ ،‬وقد حذر الر�سول من ذلك‬
‫‪c‬‬

‫قائ ًال‪( :‬من ا�ستعملناه منكم على عمل فكتمنا خميط ًا فما فوقه كان ذلك غلو ًال ي�أتي به يوم‬
‫‪o‬‬

‫القيامة)(‪ ،)2‬وي�ستوى الوعيد يف اختال�س القليل والكثري ولو �شملة �أي عباءة ــ‪ ،‬وقد توعد‬
‫النبي �أحد املختل�سني بقوله‪�( :‬إن ال�شملة لتلتهب عليه نار ًا‪� ،‬أخذها من الغنائم يوم خيرب‪،‬‬
‫‪m‬‬

‫مل ت�صبها املقا�سم)(‪ ،)3‬وذلك ب�سبب �أنه مل ي�ست�أذن و ّ‬


‫يل الأمر يف �أخذها‪.‬‬
‫(‪ )1‬ما بني القو�سني نق ًال عن‪ :‬ال�سعدان‪/‬مرجع �سابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه م�سلم (الأحكام‪/‬حترمي هدايا العمال ‪ )1833 -‬عن عدي بن عمرية الكندي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه م�سلم (الإميان‪/‬غلظ حترمي الغلول ‪ )115 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪116‬‬

‫�أمثلة على النزاهة‪ :‬ومن املنا�سب هنا �أن نذكر ق�صة عمر بن عبدالعزيز حني‬
‫جاءه بري ٌد من �إحدى اجلهات لي ًال‪ ،‬ف�أوقد �شمع ًة وجل�س معه ي�س�أله عن �أحوال امل�سلمني‬
‫ويتفقدهم‪ ،‬فلما فرغ �س�أله الرجل عن حاله وحال �أهله‪ ،‬فا�ست�أذن عمر و�أطف�أ ال�شمعة‬
‫‪o‬‬

‫و�أوقد �أخرى �صغرية‪ ،‬فلما �س�أله الرجل عن ذلك قال‪ :‬كنت ت�س�أل عن حال امل�سلمني‬
‫�صرت ت�س�ألني عن حايل‬
‫َ‬ ‫ف�أوقدت الــ�ش ـمـعة التي هي من بيت مال املــ�ســلمني‪ ،‬فلما‬
‫‪b‬‬

‫�أوقدت �شمعتي!‬
‫‪e‬‬

‫ومثا ٌل �آخر عنه رحمه اهلل‪ :‬فقد كان وهب بن منبه على بيت مال اليمن‪ ،‬فكتب �إىل عمر‬
‫بن العزيز ‪� :‬إين فقدت من بيت مال امل�سلمني دينار ًا‪ .‬فكتب �إليه‪� :‬إين ال �أتهم دينك وال‬
‫‪ik‬‬

‫�أمانتك‪ ،‬ولكن �أتهم ت�ضييعك وتفريطك‪ .‬و�أنا حجيج امل�سلمني يف �أموالهم‪ِ ،‬ولأدناهم عليك‬
‫�أن حتلف‪ ،‬وال�سالم(‪.)1‬‬
‫‪a‬‬

‫وحت�صيل امل�صلحة ال�شخ�صية هو الأ�صل يف الأعمال اخلا�صة‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات الأهلية‬


‫‪n‬‬

‫ونحوها‪ ،‬بالن�سبة ل�صاحب امل�ؤ�س�سة �أو املن�ش�أة ف�إن �أ�صحاب الأعمال اخلا�صة ما �أن�ش�ؤوا‬
‫�أعمالهم �إال من �أجل امل�صلحة ال�شخ�صية ولكن قد ي�ستعمل �صاحب امل�ؤ�س�سة نفوذه‬
‫‪d‬‬

‫لل�ضغط على املوظفني يف القطاع العام‪ ،‬لتمرير مطالبه‪ ،‬وت�سهيل م�صاحله‪ ،‬وهنا يكون‬
‫اخلط�أ‪ ،‬ال من جانب من ا�ستجاب له من موظفي القطاع العام‪ ،‬بل من جانب �صاحب‬
‫‪l.‬‬

‫امل�ؤ�ســ�ســة �أي�ض ًا حيــث �أعانه على املعــ�صية والإثم‪ ،‬مبخالفة النـظام‪ ،‬ون�شر املح�سوبية‬
‫يف الوظيفة‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫�أما املــ�س ـ�ؤولون واملوظفون يف القطاع العام‪ ،‬ف�إنهم �أكرث تعر�ض ًا للخط أ� يف هذا‬
‫‪o‬‬

‫اجلانب‪ ،‬ويقع بع�ضهم يف خمالفات �شرعية مثل‪ :‬طلب الر�شوة‪ ،‬والتنازل عن املوا�صفات‬
‫‪m‬‬

‫مل�شروع مقابل �أخذ ٍ‬


‫مبلغ من املال‪ ،‬وقــبول الهدايا ال�ش ـخــ�صية‪ ،‬وت�أخري‬ ‫ٍ‬ ‫املطلوبة‬
‫امل�ســتحقات لــريغم املتقدمني على دفع املال‪ ،‬وتوظيف الأقارب والأرحام والأ�صدقاء‬
‫وهم غري م�ؤهلني‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪�/‬سرية ومناقب عمر بن عبدالعزيز (‪.)105‬‬
‫‪117‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫اخل ُلق الرابع‪� :‬إف�شاء الأ�سرار‪:‬‬


‫ف�ضل حفظ الأ�سرار‪ :‬حفظ ال�س ّر ف�ضيلة؛ فقد قال ‪( :‬ا�ستعينوا على ق�ضاء حوائجكم‬
‫بالكتمان‪ ،‬ف�إن كل ذي نعم ٍة حم�سود)(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫يخ�ص بع�ض �أ�صحابه ب�أ�سرار ال يف�شونها لأحد‪ ،‬قال �أن�س بن مالك ‪�« :‬أ�س َّر‬ ‫ّ‬ ‫وكان النبي‬
‫يل النبي �سر ًا‪ ،‬فما �أخربت به �أحد ًا‪ ،‬ولقد �س�ألتني �أ ّم �سليم ‪�-‬أ ُّم �أن�س‪ -‬فما �أخربتها به»(‪.)2‬‬
‫‪b‬‬

‫�إ ّ‬
‫و�إذا كان حفظ ال�سر ف�ضيلة‪ ،‬فلمن حافظ على �أ�سرار النا�س �أج ٌر عظيم‪ ،‬ف�إن اهلل تعاىل‬
‫‪e‬‬

‫ي�سرته يف الدنيا والآخرة؛ ي�سرته عن الكائدين‪ ،‬وي�سرت عيوبه وعوراته‪ ،‬قال ‪( :‬من �سرت‬
‫م�سلم ًا �سرته اهلل يف الدنيا والآخرة)(‪.)3‬‬
‫‪ik‬‬

‫واتفق العقالء على ف�ضيلة كتمان ال�س ّر‪ ،‬وقالوا(‪ :)4‬العفة عن الأموال �أي�سر من العفة عن‬
‫وي�شح بالي�سري من ماله �ضن ًا به وحفظ ًا له‪،‬‬ ‫�إذاعة الأ�سرار؛ لأن الإن�سان قد يذيع �سر نف�سه‪ّ ،‬‬
‫‪a‬‬

‫ولذلك كان �أمناء الأ�سرار �أ�شد تعذُّر ًا و�أقل وجود ًا من �أمناء الأموال‪ .‬قال ال�شاعر‪:‬‬
‫‪n‬‬

‫ولـ ــ�سـ ــت مـ ـح ـ ِّـدثـ ـ ًا �س ـ ـ ِّري خـ ـلـ ـيـ ـلــي‬


‫وال عـ ــر�سـ ــي �إذا خ ـ َـط ــرت هـ ـ ـم ـ ـ ُ‬
‫ـوم‬
‫‪d‬‬

‫و�أطـ ــوي الـ ــ�سـ ـ َّر دون الـ ـ ـن ـ ــا�س �إنـ ــي‬
‫‪l.‬‬

‫ل ـم ــا ا�س ـ ُت ــو ِدع ـ ُـت م ــن �س ـ ـ ٍّر َكـ ـ ـ ـتـ ُ‬


‫ـوم‬
‫و�إذا كان املرء ال يحب �أن يف�شي �أح ٌد �س َّره‪ ،‬فكذلك هو ال يف�شي �أ�سرار غريه‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫ومن �أهم الأ�سرار ما يكون بني الزوجني‪ ،‬قال ‪�( :‬إن من �أعظم الأمانة عند اهلل يوم‬
‫‪o‬‬

‫القيامة‪ :‬الرجل يف�ضي �إىل امر�أته‪ ،‬وتف�ضي �إليه ثم ين�شر �س َّرها)(‪.)5‬‬


‫ٍ‬
‫ب�سند �ضعيف‬ ‫(‪ )1‬رواه الطرباين (املعجم الكبري‪ )94/20 :‬والبيهقي (�شعب الإميان‪ )277/5 :‬عن معاذ‬
‫‪m‬‬

‫(جممع الزوائد‪ ،)195/8 :‬ومعناه �صحيح ت�ؤيده الأدلة املماثلة‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (اال�ستئذان‪/‬حفظ ال�سر ‪.)5931 -‬‬
‫(‪ )3‬رواه م�سلم (العلم‪/‬ف�ضل االجتماع على تالوة القر�آن ‪ )2699 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬املاوردي‪�/‬أدب الدنيا والدين (‪.)296‬‬
‫(‪ )5‬رواه م�سلم (النكاح‪/‬حترمي �إف�شاء �سر املر�أة ‪ )1437 -‬عن �أبي �سعيد اخلدري ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪118‬‬

‫ومن هنا يتبني لنا �أن حفظ ال�سر فر ٌع من فروع الأمانة‪ ،‬و�إف�شاء الأ�سرار فر ٌع من‬
‫فروع اخليانة‪.‬‬
‫قال ‪�( :‬إذا ح َّدث الرجل باحلديث ثم التفت‪ ،‬فهي �أمانة)(‪� ،)1‬أي التفت لئال ي�سمع �أحد‬
‫‪o‬‬

‫كالمه‪ .‬وقال ‪( :‬املجال�س بالأمانة �إال ثالثة؛ جمال�س �سفك دم حرام‪� ،‬أو فرج حرام‪� ،‬أو‬
‫اقتطاع مال بغري حق)(‪� )2‬أي �أن الأ�صل �أن ما يدور يف املجال�س وال يح ُّبون �أن َّ‬
‫يطلع عليه �أحد ال‬
‫‪b‬‬

‫يجوز �إف�شا�ؤه؛ لأنه من الأمانة‪ ،‬وال يدخل يف هذا املجال�س املفتوحة التي يغ�شاها كل �أحد‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫الأ�سرار الوظيفية‪ :‬وهذا يت�أكد يف الوظائف ذات ال�صفة اخلا�صة‪ ،‬كالطب‪ ،‬والع�سكرية‪،‬‬
‫والق�ضاء‪ ،‬واملنا�صب العليا‪ ،‬ففيها من الأ�سرار ما يحتاج فيه العامل �إىل درج ٍة عالية من‬
‫‪ik‬‬

‫ق�سم ي�ؤديه املتقدم‬‫الأمانة؛ لئال يف�شي �أ�سرار العمل‪� ،‬أو �أ�سرار النا�س‪ ،‬ولذا ُو ِ�ضع يف بع�ضها َ‬
‫كق�سم الطبيب(‪ ،)3‬والع�سكري‪ .‬فالطبيب يطلع على عيوب‬ ‫زياد ًة يف التعهد بحفظ الأ�سرار‪َ ،‬‬
‫النا�س‪ ،‬ف�إن املر�ض عيب‪ ،‬وال �أحد من النا�س يحب �أن يطلع على عيبه �أحد‪ ،‬و�أي�ض ًا ف�إن املر�ض‬
‫‪a‬‬

‫يرتتب عليه �أحكام �شرعية يف النكاح والطالق والعبادات‪ ،‬و�أي�ض ًا ف�إن املر�ض ميكن �أن ي�ستعمل‬
‫‪n‬‬

‫يف الت�شهري من مبغ�ضي الإن�سان‪ ،‬لذا ال يحق للطبيب �أن يف�صح عن �أمرا�ض الأ�شخا�ص‪.‬‬
‫والع�سكري الذي يطلع على �أ�سرار الدولة‪ ،‬من ت�سليحها‪ ،‬وقواتها الع�سكرية‪ ،‬وحجم نفقاتها‬
‫‪d‬‬

‫الع�سكرية‪ ،‬وغري ذلك مما ال تر�ضى دولة �أن تف�صح عنه �إال بحدود �ض ِّيقة‪ ،‬يتحمل من الأمانة‬
‫‪l.‬‬

‫ال�شيء الكثري‪ .‬والقا�ضي يطلع على م�شكالت النا�س وخالفاتهم و�أ�سرارهم‪ ،‬فمن واجبه �أن‬
‫�شيء من ذلك‪ .‬وامل�س�ؤول عن قطاع كبري من املوظفني‬ ‫يكون �أمين ًا يف عدم الإف�صاح عن ٍ‬
‫‪c‬‬

‫كالوزير والوكيل والنائب واملدير العام يطلع بحكم وظيفته على �أ�سرارهم‪ ،‬وم�شكالتهم‪،‬‬
‫وح�سنه عن جابر ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬رواه �أبوداود (‪ )267/4‬والرتمذي (‪َّ )341/4‬‬
‫‪o‬‬

‫(‪ )2‬رواه �أبوداود (‪ )268/4‬عن جابر ‪.‬‬


‫ارها * يف كل الظروف‬ ‫أراقب اللهّ يف ِمه َن ِتي * و�أن � ُأ�صونَ حياة الإن�سان يف كا ّف ِة �أد َو َ‬ ‫هلل ال َع ِظ ْيم �أن � َ‬
‫ق�س ُم با ِ‬ ‫(‪ )3‬وهـو‪ :‬أُ� ِ‬
‫‪m‬‬

‫ا�س َك َرا َمت ُهم‪ ،‬و� ْأ�سرت‬‫الك وامل َر ِ�ض والألمَ والقَلق * و�أن أَ�حفَظ ِلل ّن ِ‬ ‫وال َأحوال َب ِاذ ًال ُو ْ�س ِعي يف ا�ستنقاذها ِمن ال َه ِ‬
‫أكتم ِ�س َّر ُه ْم * و�أن �أكونَ َعلى الد َوام من و�سا ِئل رحمة اهلل‪ ،‬باذ ًال ر َِعا َيتي الطبية للقريب والبعيد‪،‬‬ ‫َع ْو َرت ُهم‪ ،‬و� َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لل�صالح واخلاطئ‪ ،‬وال�صديق والعدو * و�أن �أثابر على طلب العلم‪ ،‬أ� َ�س ِخره لنف ِع ال َإن�سان ال ل َأذاه * و�أن �أ َو ّق َر َمن‬
‫الط ّب ّية ُمت َعاو ِن َني َعلى ال ِّرب والتقوى * و�أن تكون حياتي‬ ‫َع َّل َمني‪ ،‬و�أُ َع ّل َم َمن َي ْ�صغ َرين‪ ،‬و�أكون �أخ ًا ِل ُك ِّل َزميلٍ يف املِه َن ِة ُ‬
‫جتا َه اهلل َو َر ُ�سو ِل ِه َوامل� ِؤمنني * واهلل على ما �أقول �شهيد‪.‬‬ ‫ِم ْ�ص َداق إ� َمياين يف ِ�س ّري َو َعالن َيتي‪َ ،‬نق ّي ًة ممِ ّ ا ُي�شين َها َ‬
‫‪119‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫وق�ضاياهم‪ ،‬ورمبا �أحوالهم ال�شخ�صية‪ ،‬مما ي�أتيه من خمتلف اجلهات يف دائرته وغريها‪،‬‬
‫فعليه حت ُّمل الأمانة يف عدم �إف�شاء �أ�سرار املوظفني لغريهم‪.‬‬
‫�أنواع الأ�سرار‪ :‬والأ�سرار الوظيفية منها ما يتعلق بالأ�شخا�ص‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالأعمال؛ فما‬
‫‪o‬‬

‫يتعلق بالأ�شخا�ص كالظروف ال�شخ�صية للموظفني التي يعلم عنها املدير‪� ،‬أو بع�ض الزمالء‪.‬‬
‫وما يتعلق بالعمل‪ ،‬كعدم ك�شف ا�سم امل�ؤ�س�سة ومقدار عر�ضها يف جلنة املظاريف املوكلة‬
‫‪b‬‬

‫باختيار �أف�ضل العرو�ض املق َّدمة‪ ،‬وعدم ك�شف ما يدور يف االجتماعات اخلا�صة‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫حاالت جواز ك�شف �سر العمل‪ :‬الأ�صـل �أن ال�سـ ّر ال يـجـوز ك�شفه؛ لأ�سباب‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن ك�شفه �إخال ٌل بالأمانة‪ ،‬و� ٌ‬
‫إخالف للوعد‪ ،‬ونق�ض للعهد‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫والثاين‪� :‬أن يف ك�شفه �ضرر على من يخت�ص به ال�س ّر‪.‬‬


‫والثالث‪� :‬أن يف ك�شفه �إ�شاع ٌة للخيانة بني النا�س‪ ،‬وعدم احرتام الكلمة‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫والتج�س�س‪ ،‬واالط�لاع على ما ال ينبغي‪،‬‬


‫ُّ‬ ‫التل�ص�ص‬
‫والرابع‪� :‬أن يف ك�شفه فت ٌح لباب ُّ‬
‫‪n‬‬

‫والتدخُّ ل فيما ال يعني‪.‬‬


‫واخلام�س‪� :‬أن يف ك�شفه جترئ ٌة على املمنوعات ال�شرعية؛ لأن من يتجر�أ على التعدي‬
‫‪d‬‬

‫على هذا املمنوع‪ ،‬ف�سيتجر أ� على بقية املمنوعات‪.‬‬


‫‪l.‬‬

‫(وقد يرتفع هذا الواجب �إذا فقد املو�ضوع �سريته ب�أن �صار معروف ًا عند النا�س �أو �ألغي‬
‫الأمر الذي �أوجب ال�سرية‪� ،‬أو كان من �ش�أن �إف�شائها منع ارتكاب جرمية جنائية يتنا�سب‬
‫‪c‬‬

‫منعها مع �إف�شاء ال�سر‪� ،‬أو ظهر من اجلهة التي متلك ذلك نظام ًا‪� ،‬أو اقت�ضت ذلك م�صلحة‬
‫العمل كتدريب موظف جديد على مبا�شرة مهام الوظيفة‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫و�أي ًا كان الأمر ف�إنه ينبغي �أن يالحظ �أن هناك حاالت يفرت�ض فيها النظام على املوظف‬
‫‪m‬‬

‫الإف�صاح عن هذه الأ�سرار‪ ،‬ك�أن ي�صدر قرار من جهة متلك ذلك احلق نظام ًا ب�إلزام املوظف‬
‫ب�أن يف�صح عن �سر من �أ�سرار الوظيفة ومثل تلك احلاالت ال تعترب من قبل الإف�شاء املحظور‬
‫كمبد�أ عام)(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬ال�سعدان‪/‬مرجع �سابق‪.‬‬
m
o
c
l.
d
n
a
ik
e
b
o
‫‪121‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الف�صل الثالث‬
‫املخالفات املهنية وو�سائل التغلب عليها‬
‫‪o‬‬

‫خللف؛ لأن املخالف غالب ًا يكون يف اخللف ال يف‬


‫تعريف‪ :‬املخالفة واخلالف م�شتقان من ا َ‬
‫‪b‬‬

‫الأمام لئال تظهر معار�ضته فيفت�ضح(‪.)1‬‬


‫‪e‬‬

‫الفروق بني املخالفات املهنية والأخالق املذمومة‪:‬‬


‫< �إن املخالفات املهنية تتناول بع�ض اجلزئيات يف بع�ض اجلوانب الوظيفية‪ ،‬يف حني �أن‬
‫‪ik‬‬

‫الأخالق املذمومة ت�شمل هذه وغريها‪ ،‬فبينهما خ�صو�ص وعموم‪ .‬لكن نظر ًا لأن هذه‬
‫املخالفات منت�شرة واحلاجة �إىل التنبيه عليها قائمة‪ ،‬خ�ص�صتها بالذكر‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫< �إن بع�ض فروع الأخ�لاق املذمومة ال يع ّد من املخالفات املهنية‪ ،‬و�إمنا هو من ترك‬
‫الأَوىل‪ ،‬كاالن�شغال بغري م�صلحة العمل �أثناء الدوام �إذا مل يكن هناك عمل‪ ،‬بخالف‬
‫‪n‬‬

‫املخالفات املهنية التي هي من الت�صرفات التي ت�ستحق العقوبة‪.‬‬


‫‪d‬‬

‫�أ�سباب املخالفة‪ :‬والنزوع للمخالفة يدعو له عدة �أمور‪:‬‬


‫‪l.‬‬

‫�شخ�صي بني املدير واملوظف‪.‬‬


‫ّ‬ ‫< فقد تكون املخالفة ب�سبب خالف‬
‫< وقـد تـكـون ب�سـبب م�صلـحة �شخ�صية غري م�شروعة يريد املدير �أو املوظف‬
‫‪c‬‬

‫احل�صول عليها‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫وقد تكون ب�سبب عدم قناعة املوظف بالأمر املطلوب منه‪.‬‬ ‫<‬

‫حب لفت النظر‪ ،‬على قاعدة‪ :‬خا ِلف تُع َرف‪.‬‬


‫< وقد تكون ب�سبب ّ‬
‫‪m‬‬

‫< وقد حتدث املخالفة خط�أً دون ٍ‬


‫نزوع �إليها‪� ،‬إذا مل يفهم املوظف املق�صود بالنظام‪� ،‬أو‬
‫املوجه له على وجههما ال�صحيح‪ ،‬فيقع يف املخالفة‪ ،‬وهو ال يق�صد‪.‬‬
‫الأمر َّ‬
‫(‪ )1‬املعجم الو�سيط (‪ - 251/1‬خلف)‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪122‬‬

‫�شك �أن املخالفات تتفاوت قو ًة و�ضعف ًا ح�سب حجم املخالفة و�أهم َّية الأمر املطلوب‬
‫وال ّ‬
‫تنفيذه‪ ،‬فالت�أخر عن الدوام خمالفة وظيفية‪ ،‬لكنها لي�ست ك�إف�شاء الأ�سرار الوظيفية‪ ،‬ف�إن‬
‫�إف�شاء الأ�سرار يرتتب عليه �أ�ضرار ال ترتتب على الت�أخر‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫الت�صدي لها‪ ،‬واحل ّد من‬


‫ِّ‬ ‫وعلى كل حال ف�إن املخالفات الوظيفية ظاهرة �سلبية‪ ،‬يجب‬
‫تعد على امل�صالح‪،‬‬
‫والتعدي عليه ٍّ‬
‫انت�شارها؛ لأن النظام و�ضع لتحقيق امل�صلحة ودرء املف�سدة‪ِّ ،‬‬
‫‪b‬‬

‫وتغليب للم�صلحة ال�شخ�صية على امل�صلحة العامة‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫ومع�صية لوالة الأمر‪،‬‬
‫‪e‬‬

‫و�س�أورد يف هذا الف�صل �أ�شهر املخالفات املهنية التي يقع فيها املديرون واملوظفون‪،‬‬
‫و�أعقبها بعد ذلك بو�سائل عالج هذه املخالفات‪:‬‬
‫‪ik‬‬

‫املبحث الأول‪ :‬عدم طاعة �أوامر الر�ؤ�ساء وامل�س�ؤولني‪:‬‬


‫‪a‬‬

‫(اجلهاز الإداري يقوم على التد ُّرج الهرمي حيث تق�سم الوظائف �إىل مراتب يعلو بع�ضها‬
‫بع�ض ًا‪ ،‬وتت�ضمن كل منها جمموعة من الفئات التي ي�شغلها مر�ؤو�سون ور�ؤ�ساء‪ ،‬ولكي تكون‬
‫‪n‬‬

‫ال�سلطة الرئا�سية ذات فعالية ف�إن الأمر يتطلب تقرير واجب طاعة املر�ؤو�س لرئي�سه)(‪.)1‬‬
‫‪d‬‬

‫�أ�ضف �إىل ذلك ما يتمتع به املدير الإداري من خربة ومعرفة مبجريات الأمور والظروف‬
‫‪l.‬‬

‫املحيطة‪ ،‬وقدرة على جمع املعلومات وو�ضع الت�صورات والبدائل وتقدير النتائج‪ ،‬فاملدير‬
‫غالب ًا ال يتخذ قرار ًا �إال بعد درا�سة كل ما يتعلق به من �أمور من كل اجلوانب‪ ،‬فهو امل�س�ؤول عن‬
‫كل ما يحدث فـي حميط �إدارته؛ لهذا �سيحر�ص على اتخاذ القرار ال�سليم ليحقق �أهداف‬
‫‪c‬‬

‫امل�ؤ�س�سة‪ ،‬ويبدي تف ُّوقه يف جمال الإدارة‪ ،‬ويحمي نف�سه من امل�ساءلة‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫رب العمل هو �إمام‬‫رب العمل‪ ،‬ف�إن كان ّ‬ ‫وامل�س�ؤول هو كل �شخ�ص توكل �إليه م�س�ؤولية من ّ‬
‫‪m‬‬

‫يل �أمر امل�سلمني‪ ،‬ف�إن ن صَّ� ب �أحد ًا يف م�س�ؤولية‪ ،‬فاملن�صَّ ب من والة‬


‫امل�سلمني �أو الأمري‪ ،‬فهو و ّ‬
‫رب العمل هو �صاحب ال�شركة وامل�ؤ�س�سة‪،‬‬ ‫يل الأمر العا ّم‪ ،‬و�إن كان ّ‬ ‫نائب عن و ّ‬
‫الأمر؛ لأنه ٌ‬
‫فاملدير �أو الرئي�س مم ِّث ٌل ل�صاحب ال�شركة‪ ،‬ومن ِّف ٌذ لأوامره يف العمل‪.‬‬
‫(‪ )1‬ال�سنيدي‪/‬عبد اهلل‪ ،‬مبادئ اخلدمة املدنية �ص (‪.)225‬‬
‫‪123‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫حكم طاعة امل�س�ؤولني‪ :‬ال�شرع املط َّهر قرر وجوب الطاعة للم�س�ؤولني يف قوله �سبحانه‪:‬‬
‫ﱫﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﱪ [الن�ساء‪ ،]59 :‬وقوله عز ا�سمه‪ :‬ﱫﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫‪o‬‬

‫ﮟﱪ [الن�ساء‪ ،]83 :‬ويف قوله ‪( :‬اعبدوا اهلل وال ت�شركوا به �شيئ ًا و�أطيعوا من و ّاله اهلل‬
‫‪b‬‬

‫�أمركم)(‪ ،)1‬وقوله ‪( :‬من �أطاع �أمريي فقد �أطاعني‪ ،‬ومن �أطاعني فقد �أطاع اهلل‪ ،‬ومن‬
‫ع�صى �أمريي فقد ع�صاين ومن ع�صاين فقد ع�صى اهلل)(‪ )2‬و�أحاديث كثرية يف الباب(‪.)3‬‬
‫‪e‬‬

‫وكان النبي ي�أمر بطاعة والة الأمر عملي ًا‪ ،‬حني كان ير�سل ال�سرايا وي� ِّؤمر عليهم �أحد‬
‫‪ik‬‬

‫�أ�صحابه وي�أمرهم بطاعته‪ ،‬كما �أر�سل عبداهلل بن حذافة ال�سهمي و�أ َّمره على �سر َّية‪،‬‬
‫فغ�ضب عليهم وقال‪� :‬ألي�س قد �أمر النبي �أن تطيعوين؟ قالوا‪ :‬بلى‪� ....‬إلخ(‪.)4‬‬
‫‪a‬‬

‫وطاعة امل�س�ؤولني �ضرورة وظيفية؛ لأ�سباب‪:‬‬


‫< الأول‪� :‬أنها طاع ٌة هلل ور�سوله‪ ،‬ومع�صيتهم مع�صي ٌة هلل ور�سوله‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫< الثاين‪� :‬أنها مفتا ٌح لنجاح امل�ؤ�س�سة‪ ،‬فبدونها ال تتحقق الأهداف وال تنفَّذ اخلطط‪،‬‬
‫‪d‬‬

‫وي�صبح العمل فو�ضى بكل معنى الكلمة‪.‬‬


‫‪l.‬‬

‫< الثالث‪� :‬أنها �إغال ٌق لأبواب التنازع واالختالف امل�سبب للف�شل‪.‬‬


‫< الرابع‪� :‬أنها ٌ‬
‫حفظ لهيبة امل�س�ؤول و�أوامره‪ ،‬مما مينع التجر�ؤ عليه والتغافل عن تعليماته‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫< اخلام�س‪� :‬أنها �إح�سا ٌن وتقدي ٌر للجماعة لأن اجلماعة �إمنا ت�سري ب�أمر امل�س�ؤول‪ ،‬فمن‬
‫‪o‬‬

‫�أطاعه فقد ق َّدر اجلماعة واحرتمها‪ ،‬وبادلها الإح�سان حني خدمها بطاعة م�س�ؤولها‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه احلاكم (‪ )175/1‬و�صححه عن العربا�ض بن �سارية ‪ ،‬وله �شاهد عند ابن حبان (‪ )182/8‬من حديث‬
‫‪m‬‬

‫�أبي هريرة ‪.‬‬


‫‪( .‬البخاري‪ :‬الأحكام‪/‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﱫﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه عن �أبي هريرة‬
‫ﯾﱪ ‪ ،6718 -‬وم�سلم‪ :‬الإمارة‪/‬وجوب طاعة الأمراء يف غري مع�صية ‪.)1835 -‬‬
‫(‪ )3‬مو�سوعة ن�ضرة النعيم يف مكارم �أخالق الر�سول الكرمي )‪.(2693 - 2680/ 7‬‬
‫علي ‪.‬‬‫(‪ )4‬رواه البخاري (املغازي‪�/‬سرية عبداهلل بن حذافة ال�سهمي ‪ )4085 -‬عن ٍّ‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪124‬‬

‫ـامة‪ ،‬وق ــ�ضــا ٌء عـ ـل ــى املـح ــ�ســوبيات‬


‫< الــ�ســاد�س‪� :‬أن ـهـا ت ـح ـق ـيــق للمــ�صــلحة ال ـعـ َّ‬
‫وامل�صالح ال�شخ�صية‪.‬‬
‫وظيفي‪ ،‬ال �أم ٌر‬
‫ّ‬ ‫�شرعي‪ ،‬والتزا ٌم‬
‫ّ‬ ‫واجب‬
‫ٌ‬ ‫ومن هنا ف�إن طاعة املدير وامل�س�ؤول والرئي�س‬
‫‪o‬‬

‫�شخ�صي يظن املوظف �أنه و�سيل ٌة لتحقيق �أهداف �شخ�صية للمدير‪ ،‬ف�إن املدير كما يفيد لقبه‬‫ّ‬
‫م�س�ؤول‪� ،‬أي‪� :‬أنه حما�سب من قبل امل�ؤ�س�سة �أو ال�شركة �أو الدائرة على ما يحقق من �أهدافها‬
‫‪b‬‬

‫و�إنتاجها‪ ،‬فقيامه بوظيفة الإدارة ال تفيده هو �شخ�صي ًا بقدر ما تفيد امل�ؤ�س�سة(‪.)1‬‬


‫‪e‬‬

‫حكم مع�صية امل�س�ؤولني‪ :‬طاعة امل�س�ؤولني لي�ست مطلقة؛ بل هي مق َّيدة بطاعة اهلل تعاىل‪،‬‬
‫لذا جند يف الآية الكرمية الأوىل �أن اهلل تعاىل �أفرد طاعة اهلل لأنها م�ستقلة بذاتها‪ ،‬ثم كرر‬
‫‪ik‬‬

‫لفظ الطاعة للر�سول؛ لأن طاعته م�ستقلة بذاتها‪ ،‬ثم عطف �أويل الأمر عليهما بال تكرار لفظ‬
‫الطاعة؛ لأن طاعتهم لي�ست م�ستقلة بل مرتبطة بطاعة اهلل ور�سوله‪ .‬وقد قال ‪( :‬ال�سمع‬
‫‪a‬‬

‫والطاعة على املرء امل�سلم فيما �أحب وكره ما مل ي�ؤمر مبع�صية‪ ،‬ف�إن �أُ ِمر مبع�صية فال �سمع‬
‫عليه وال طاعة)(‪.)2‬‬
‫‪n‬‬

‫ال�صديق اخلالفة‪ ،‬كان من خطبته‪� :‬أطيعوين ما �أطعت اهلل ور�سوله‪،‬‬


‫وملا ويل �أبوبكر ِّ‬
‫‪d‬‬

‫ف�إذا ع�صيت اهلل ور�سوله فال طاعة يل عليكم(‪.)3‬‬


‫‪l.‬‬

‫وعليه يجوز ع�صيان الأوامر �إذا كانت تت�ضمن مع�صي ًة هلل �أو لر�سوله �أو لهما؛ لأن �أمر اهلل‬
‫تعاىل مقدم على �أمر الب�شر‪ ،‬ولكن �إذا كانت مع�صية امل�س�ؤول ت�ستلزم الف�صل من الوظيفة‪،‬‬
‫‪c‬‬

‫�أو تنزيل الرتبة‪� ،‬أو غري ذلك من الأ�ضرار املادية‪ ،‬فهل هذا ي�س ِّوغ للموظف �أن ينفِّذ املع�صية‬
‫حفاظ ًا على وظيفته‪ ،‬ودفع ًا لل�ضرر املتوقع ح�صوله عليه من هذا امل�س�ؤول؟ قبل الإجابة عن‬
‫‪o‬‬

‫هذا ال�س�ؤال علينا �أن ن�ضع بع�ض املقدمات يف نقاط‪:‬‬


‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬وذلك ال مينع �أن تتحقق له � ٌ‬


‫أهداف جانبية مع ذلك بحكم الوظيفة‪ ،‬بل �إن احل�صول على املنفعة ال�شخ�صية‬
‫مطلب م�شروع لكل مدير‪ ،‬ك� ِّأي موظف‪� ،‬إال �أن املحظورهو ا�ستغالل املن�صب للم�صالح ال�شخ�صية بطرق‬
‫غري م�شروعة‪ .‬وقد تقدم بيان ذلك تف�صي ًال‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )209/4‬و�صححه عن ابن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن �إ�سحاق يف ال�سرية (�سرية ابن هـ�شام‪ ،)228/4 :‬و�صححه ابن كثري‪( .‬كنز العمال‪.)601/5 :‬‬
‫‪125‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫< النقطة الأوىل‪� :‬أن ال�ضرورة جتيز للإن�سان ارتكاب املحظورات‪ ،‬و�أ�صل ذلك �شرع ًا‬
‫قوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﱪ [البقرة‪]173 :‬‬
‫‪o‬‬

‫ي�صح جتاوز احل ّد الذي يحتاجه‬


‫< النقطة الثانية‪� :‬أن ال�ضرورة تق َّدر بقدرها‪ ،‬فال ّ‬
‫منها‪ ،‬فمن ا�ضطر ال�ستخدام املحرم‪ ،‬فال يجوز له �أن يتجاوز ما يحقق له الغر�ض‪،‬‬
‫‪b‬‬

‫فمن كان يكفيه �أن يطيع امل�س�ؤول يف �صغرية يف �سبيل دفع ال�ضرر‪ ،‬فال يجوز له �أن‬
‫‪e‬‬

‫يتط ّوع بطاعته يف كبرية من الكبائر‪ ،‬ومن كان يكفيه �أن يطيع امل�س�ؤول يف مع�صية‬
‫واحدة يدفع بها ال�ضرر عن نف�سه‪ ،‬فال يجوز �أن يطيع امل�س�ؤول يف �أكرث من مع�صية‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫< النقطة الثالثة‪� :‬أن احلاجة تنزل منزلة ال�ضرورة‪ ،‬فاحلاجات ال�ضرورية للإن�سان‬
‫ت�ستوي مع ال�ضرورة يف احلكم‪ ،‬والفرق بني ال�ضرورة واحلاجة �أن ال�ضرورة هي التي‬
‫‪a‬‬

‫يرتتب عليها الهالك‪ ،‬واحلاجة �أق ّل منها بحيث يلحق الإن�سان م�شقة يف فقدها(‪.)1‬‬
‫‪n‬‬

‫والوظيفة تعترب من احلاجات ال�ضرورية للإن�سان؛ لأنها م�صدر الرزق‪ ،‬وبغريها يقع‬
‫امل�سلم يف حرج‪ ،‬واحلرج مرفو ٌع يف ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫< النقطة الرابعة‪� :‬أن طاعة امل�س�ؤول يف املع�صية لي�ست مطلقة‪ ،‬بل هناك حاالت ال يجوز‬
‫‪l.‬‬

‫فيها ب� ّأي حالٍ من الأحوال طاعة امل�س�ؤول يف املع�صية‪ ،‬وهي ما يرتتب عليها ارتكاب‬
‫املوظف بنف�سه كبري ًة من الكبائر ك�شرب اخلمر �أو الزنا‪� ،‬أو ما يت�ضمن اعتدا ًء على‬
‫‪c‬‬

‫الآخرين كالقتل �أو ال�ضرب �أو ال�سجن‪.‬‬


‫ونظام اخلدمة املدنية يف اململكة العربية ال�سعودية يجيز ع�صيان �أوامر امل�س�ؤولني �إذا‬
‫‪o‬‬

‫كانت تتعلق ب�ش�ؤون املر�ؤو�س اخلا�صة خارج الوظيفة‪� ،‬أو كانت من �أجل ارتكاب جرمية(‪.)2‬‬
‫‪m‬‬

‫وبذا يت�ضح اجلواب عن ال�س�ؤال وهو‪� :‬أن �أمر امل�س�ؤول‪� ،‬إن كان مع�صية �صغرية ال من‬
‫الكبائر‪ ،‬وخمالفته �ستوقع الإن�سان يف حرج وم�شقة‪� ،‬أو حترمه من الرزق‪ ،‬ف�إنه يجوز‬
‫(‪ )1‬البورنو‪/‬د‪ .‬حممد �صدقي‪ :‬الوجيز يف �إي�ضاح قواعد الفقه الكلية (‪.)149‬‬
‫(‪ )2‬ال�سعدان‪/‬مرجع �سابق‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪126‬‬

‫تنفيذ �أمره يف �أ�ضيق نطاق‪ ،‬ويف حال العجز عن التن�صل من تنفيذ الأمر‪ ،‬مع كره ذلك‬
‫ون�صح امل�س�ؤول‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬التزوير‪:‬‬


‫‪o‬‬

‫تعريفه لغ ًة‪ :‬ز َّور الكالم‪ :‬م َّوهه وزخرفه‪ ،‬وز ّور عليه كذا‪ :‬ن�سبه �إليه كذب ًا وزور ًا(‪.)1‬‬
‫‪b‬‬

‫وا�صطالحاً‪ :‬تغيري احلقيقة ب�إحدى الطرق املقررة بالقانون بق�صد الغ�ش يف حمرر‬
‫‪e‬‬

‫�صالح للإثبات ويرتب عليه القانون �أثر ًا(‪.)2‬‬


‫حكمه‪ :‬والتزوير حمرم يف الإ�سالم من عدة وجوه‪:‬‬
‫‪ik‬‬

‫< �أنه ي�شمله قوله �سبحانه‪ :‬ﱫﯭ ﯮ ﯯﱪ [احلج‪ ]30 :‬وهذا ٌ‬


‫نهي عن قول‬
‫الزور ب�أنواعه‪ ،‬والنهي ي�شمل الفعل �أي�ض ًا بالت�ضمني‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫غ�ش فلي�س منا)‪ ،‬وهذا العموم يدل على �أن التحرمي يتناول‬ ‫< �أنه نو ٌع من الغ�ش‪( ،‬ومن ّ‬
‫‪n‬‬

‫�شخ�ص‬
‫ٌ‬ ‫التزوير بكل �أنواعه‪ ،‬و�سواء �أحدث �ضرر ًا بالآخرين �أم مل يحدث‪ ،‬ف�إذا ز َّور‬
‫ما توقيع ًا �أو ختم ًا �أو ورقة ر�سمية وح�صل على ميز ٍة ال ي�ستحقها‪ ،‬ف�إنه مز ِّور �شرع ًا‪،‬‬
‫‪d‬‬

‫ولو مل يحدث ال�ضرر بغريه‪ ،‬خالف ًا ملا جرى عليه بع�ض القانونيني الذين ا�شرتطوا‬
‫ال�ضرر(‪.)3‬‬
‫‪l.‬‬

‫< �أن الدافع �إىل التزوير حتقيق م�صلحة �شخ�صية ب�أحد �أمرين‪ :‬االنتفاع باملز َّور‪� ،‬أو‬
‫‪c‬‬

‫الإ�ضرار بالغري‪ .‬وكال الأمرين حمر ٌم �شرع ًا؛ �أما الأول فلأن االنتفاع باملز َّور ا�ستخدا ٌم‬
‫لو�سيل ٍة باطلة‪ ،‬والقاعدة ال�شرعية تقول‪ :‬ما يبنى على الباطل فهو باطل‪ .‬و�أما الثاين‬
‫‪o‬‬

‫فلأن الإ�ضرار بالغري بغري حق حرا ٌم بالإجماع‪.‬‬


‫‪m‬‬

‫< �أنه من فروع الكذب‪ ،‬والكذب حرا ٌم بالإجماع‪.‬‬


‫(‪ )1‬املعجم الو�سيط (‪.)406/1‬‬
‫(‪ )2‬العثيمني‪/‬مرجع �سابق (‪.)168‬‬
‫(‪ )3‬نقل ذلك العثيمني عن بع�ض الكتّاب‪/‬مرجع �سابق (‪.)177 ،175‬‬
‫‪127‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫< �أن فيه تدلي�س ًا وخداع ًا‪ ،‬وهما حرام‪.‬‬


‫وقد يتوهم املوظف �أنه يز ِّور من �أجل امل�صلحة العامة‪ ،‬وعلى �سبيل املثال‪ :‬قد يلج�أ‬
‫املوظف �إىل تغيري بع�ض املخططات‪� ،‬أو تزوير بع�ض الأختام من �أجل ت�سهيل مهمة مرفق‬
‫‪o‬‬

‫عام كم�سجد �أو حديقة عامة‪ ،‬وهذا ال يجوز �شرع ًا؛ لأن الو�سيلة التي ارتكبها غري م�شروعة‪،‬‬
‫و�إن كان يحقق بها م�صلح ًة عامة‪.‬‬
‫‪b‬‬

‫�صوره‪ :‬ويقع التزوير يف املخططات‪ ،‬والتواقيع‪ ،‬والإجازات‪ ،‬والعمالت‪ ،‬والأوزان‪ ،‬والأوراق‬


‫‪e‬‬

‫�شيء من ذلك يف مبحث‬ ‫الر�سمية‪ ،‬والوثائق‪ ،‬وال�شهادات‪ ،‬وغري ذلك‪ .‬وقد تقدم احلديث عن ٍ‬
‫‪ik‬‬

‫ّ‬
‫الغ�ش‪ ،‬و�سي�أتي ذكر نظام عقوبة التزوير يف �أنظمة اململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬الر�شوة‪.)1(:‬‬


‫‪a‬‬

‫تعريفها‪� :‬أ�صلها لغ ًة من ال ِّر�شاء‪ ،‬وهو احلبل‪ ،‬ووجه ال�شبه بينهما �أنها يتو�صل بها �إىل‬
‫املق�صود ببذل املال(‪.)2‬‬
‫‪n‬‬

‫وا�صطالح ًا‪ :‬هي ما ي�ؤخذ من ُجعل وقد يكون اجلعل ما ًال �أو منفعة عما وجب على ال�شخ�ص‬
‫‪d‬‬

‫فعله‪ .‬وقيل‪ :‬ما يعطى لإبطال حق‪� ،‬أو �إحقاق باطل(‪.)3‬‬


‫‪l.‬‬

‫حكمها‪ :‬الر�شوة حمرم ٌة ومن كبائر الذنوب‪ ،‬من وجوه‪:‬‬


‫�سحت‪ ،‬ومن �صفات اليهود‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔﱪ‬
‫الأول‪� :‬أنها ٌ‬
‫‪c‬‬

‫[املائدة‪ ]42 :‬ومن ت�ش َّبه بهم حلقته اللعنة كاليهود‪ ،‬قال ‪( :‬لعن اهلل الرا�شي واملرت�شي)(‪.)4‬‬
‫‪o‬‬

‫وملا بعث النبي عبداهلل بن رواحة �إىل اليهود ليخر�ص عليهم عر�ضوا عليه ر�شوة‪،‬‬
‫فقال‪« :‬يا مع�شر يهود! واهلل �إنكم ملن �أبغ�ض خلق اهلل �إ ّ‬
‫يل‪ ،‬وما ذلك بحاملي على �أن �أحيف‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬تنطق بالتثليث‪� ،‬أي بك�سر الراء وفتحها ِّ‬


‫و�ضمها (الدرر املبثثة يف الغرر املثلثة للفريوز�آبادي‪.)117 :‬‬
‫(‪ )2‬املزيد‪/‬ك�سب املوظفني (‪.)121‬‬
‫(‪ )3‬مو�سوعة ن�ضرة النعيم يف مكارم �أخالق الر�سول الكرمي (‪.)4542/10‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي (‪ )622/3‬و�صححه عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪128‬‬

‫عليكم‪ ،‬ف�أما الذي عر�ضتم من الر�شوة ف�إنها �سحت و�إنا ال ن�أكلها‪ .‬قالوا‪ :‬بهذا قامت‬
‫ال�سماوات والأر�ض»(‪.)1‬‬
‫ﱫﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫والثاين‪� :‬أنها �أك ٌل لأموال النا�س بالباطل‪ ،‬قال �سبحانه‪:‬‬
‫‪o‬‬

‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﱪ [البقرة‪]188 :‬‬

‫والثالث‪� :‬أنها طري ٌق لتجاوز النظام‪ ،‬وطري ٌق لتعويد املوظفني على عدم تقدمي �أعمالهم‬
‫‪b‬‬

‫�إال بالر�شوة‪ ،‬ومن ثم �إف�ساد ذممهم‪ ،‬وحرمان الكثري من النا�س من نيل حقوقهم الطبيعية‬
‫بالطرق امل�شروعة‪ ،‬لعدم �إمكانهم دفع الر�شوة ِدين ًا �أو عجز ًا‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫والرابع‪� :‬أنها من �أ�سباب انت�شار ال�ضغائن والأحقاد يف املجتمع من قبل �أولئك الذين‬
‫‪ik‬‬

‫ي�شعرون بالظلم والغنب‪.‬‬


‫واخلام�س‪� :‬أنه ورد فيها وعيد من النبي ‪ ،‬قال ‪( :‬الرا�شي واملرت�شي يف النار)(‪.)2‬‬
‫‪a‬‬

‫الهدايا‪ :‬ومن الأمور املحظورة قبول الهدايا على الأعمال الواجبة‪ :‬وهي نوع من الر�شوة‬
‫بطريق غري مبا�شر وغري �صريح‪ ،‬والفرق بينهما من جهتني‪:‬‬
‫‪n‬‬

‫الأوىل‪� :‬إن الر�شوة غالب ًا ما يتم فيها اتفاق بني الرا�شي واملرت�شي‪ ،‬بعك�س الهدية التي‬
‫‪d‬‬

‫تبذل من امل�ستفيد من اخلدمة دون طلب‪.‬‬


‫الثانية‪ :‬غالب ًا ما تدفع �أو يتفق عليها قبل تقدمي اخلدمة‪ ،‬بينما يكون حمل الهدية بعد‬
‫‪l.‬‬

‫تقدمي اخلدمة‪.‬‬
‫وكما جاء الوعيد يف الر�شوة املبا�شرة جاء الوعيد يف الهدية ففي ال�صحيحني(‪ )3‬عن‬
‫‪c‬‬

‫�أبي حميد ال�ساعدي ‪� :‬أنه ا�ستعمل عام ًال‪ ،‬فجاء العامل حني فرغ من عمله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪o‬‬

‫يل‪ .‬فقال له‪� :‬أفال قعدت يف بيت �أبيك و�أمك فنظرت‬ ‫يا ر�سول اهلل هذا لكم وهذا �أهدي �إ ّ‬
‫�أيهدى لك �أم ال! فغ�ضب النبي غ�ضب ًا �شديد ًا‪ ،‬ثم قام يف النا�س خطيب ًا وحذَّ ر‪ ،‬حتى قال‪:‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي (‪.)122/4‬‬


‫(‪ )2‬رواه الطرباين (الأو�سط‪ )296/2 :‬عن عبداهلل بن عمرو ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬ورواته ثقات‪( .‬جممع الزوائد‪:‬‬
‫‪.)199/4‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري (‪ )189-13‬ح (‪ ،)7197‬و�صحيح م�سلم ‪ -‬الإمارة‪/‬باب حترمي هدايا العمال‪ :‬ح (‪.)1832‬‬
‫‪129‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫(فوالذي نف�سي بيده‪ :‬ال يغ ّل �أحدكم منها �شيئ ًا �إال جاء به يحمله على عنقه �إن كان بعري ًا‪..‬‬
‫�أو بقرة‪� ..‬أو �شاة‪)...‬‬
‫والقر�آن الكرمي ن َّبه �إىل احلذر من الهدايا التي يق�صد بها الر�شوة يف ق�صة �سليمان‬
‫‪o‬‬

‫÷ مع بلقي�س حني �أر�سلت �إليه هدي ًة‪ ،‬ولكن �سليمان ÷ مل يقبل هذه الهدية؛ لأنه‬
‫يعلم �أنها ر�شوة فقال �سبحانه‪ :‬ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫‪b‬‬

‫ﭟ ﭠﱪ [النمل‪]36 :‬‬
‫‪e‬‬

‫أ�سلوب ماكر لاللتفاف على النظام‪ ،‬كت�سمية الوا�سطة‬‫وتغيري الأ�سماء من هذا النوع � ٌ‬
‫خدمة‪ ،‬وت�سمية الر�شوة عمولة �أو هدية‪ ،‬وت�سمية تطبيق النظام ت�ش ُّدد‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫�صورها‪ :‬وللر�شوة �صور؛ منها‪:‬‬


‫< دفع املبالغ املالية للموظف �أو امل�س�ؤول مقابل ق�ضاء م�صلحة الرا�شي‪� ،‬إذا كانت هذه‬
‫‪a‬‬

‫امل�صلحة من �صميم عمل املوظف‪ ،‬وال ي�شرتط �أن تكون الر�شوة مبلغ ًا كبري ًا‪ ،‬بل � ّأي‬
‫مبلغ يدفع لهذا الغر�ض فهو ر�شوة ق ّل �أو كرث‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫< ومنها‪ :‬تقدمي اخلدمات للم�س�ؤول كتخفي�ض �سعر ال�سلعة لهذا امل�س�ؤول‪� ،‬أو ترقية �أحد‬
‫‪d‬‬

‫�أقاربه‪� ،‬أو خدمة بيته و�أبنائه‪.‬‬


‫‪l.‬‬

‫فعلى املوظف العام �أن يكون فطن ًا لهذه املداخل‪ ،‬فقد �أهدى رجل من عمال عمر بن اخلطاب‬
‫�إىل امر�أة عمر منرقتني‪ ،‬فدخل فر�آهما‪ ،‬فقال‪« :‬من �أين ِ‬
‫لك هاتان؟ �أ�شرتيتهما؟ قالت‪:‬‬
‫‪c‬‬

‫يل فالن‪ .‬فقال‪ :‬قاتل اهلل فالن ًا‪ ،‬ملا �أراد حاجة فلم ي�ستطعها من ِقبلي �أتاين من‬
‫بعث بهما إ� ّ‬
‫ِقبل �أهلي‪ .‬فاجتذبهما اجتذاب ًا �شديد ًا من حتت من كان عليهما جال�س ًا‪ ،‬ثم �أخرجهما من‬
‫‪o‬‬

‫بيته‪ ،‬وف َّرقهما بني امر�أتني من املهاجرين والأن�صار»(‪.)1‬‬


‫‪m‬‬

‫ومتنى عمر بن عبدالعزيز رحمه اهلل تفاح ًا‪ ،‬فقام رجل من �أهل بيته ف�أهدى �إليه تفاح ًا‪،‬‬
‫فلما جاء به الر�سول‪ ،‬قال عمر‪« :‬ما �أطيب ريحه‪ ،‬و�أح�سنه‪ ،‬ارفعه ياغالم! فاقرئ فالن ًا‬
‫ال�سالم وقل له‪� :‬إن هديتك قد وقعت منا مبوقع بحيث حتب‪ .‬فقلت عمر بن مهاجر‪ :-‬يا �أمري‬
‫(‪ )1‬رواه البيهقي (ال�سنن الكربى‪.)138/10 :‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪130‬‬

‫امل�ؤمنني‪ ،‬ابن عمك ورجل من �أهل بيتك‪ ،‬وقد بلغك �أن النبي كان ي�أكل الهدية وال ي�أكل‬
‫ال�صدقة‪ .‬قال‪ :‬ويحك! �إن الهدية كانت للنبي هدية‪ ،‬وهي لنا اليوم ر�شوة»(‪.)1‬‬
‫ولذا قال العلماء �إن الهدايا ال يقبلها احلاكم والقا�ضي �إال ممن كان يتهادى معه قبل‬
‫‪o‬‬

‫الإمارة والق�ضاء‪ ،‬وما ال فال يقبل(‪.)2‬‬


‫‪b‬‬

‫و�سريد ذكر نظام مكافحة الر�شوة يف اململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬


‫‪e‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬االبتــزاز‪:‬‬


‫‪ik‬‬

‫ال�سلب‪ ،‬وابتززت ال�شيء‪ :‬ا�ستلبته‪ ،‬ومنه املثل‪ :‬من ع َّز بزّ‪� ،‬أي من غلب‬
‫تعريفه لغة‪ :‬البز َّ‬
‫�سلب(‪.)3‬‬
‫‪a‬‬

‫(وهو منط �سلوكي �آخر للف�ساد الإداري ميار�سه بع�ض املوظفني من العاملني يف‬
‫الأجهزة امل�س�ؤولة عن حماية ون�شر الأمن والطم�أنينة �أو مراقبة الن�شاطات االقت�صادية �أو‬
‫‪n‬‬

‫غريها من الأجهزة التحقيقية والت�أديبية والعقابية‪ ،‬كال�سجون واملحاكم‪� ،‬أو من قبل اللجان‬
‫االن�ضباطية ونقاط التفتي�ش وال�سيطرة واملرور والتفتي�ش ال�صحي والرقابة على الأ�سعار‬
‫‪d‬‬

‫ودوائر البلدية وموظفي اجلمارك العاملني يف املطارات �أو نقاط احلدود‪ ،‬فغالب ًا ما يلج أ�‬
‫‪l.‬‬

‫بع�ض ه�ؤالء �إىل ابتزاز املراجعني واملتهمني ممن ت�شوب ق�ضاياهم �أو تنقالتهم �شائبة‪،‬‬
‫عن طريق تخويفهم �أو تهديدهم لإرغامهم على دفع املبالغ �أو تقدمي الأ�شياء العينية‪� ،‬أو‬
‫‪c‬‬

‫يعر�ضونهم للإيذاء اجل�سدي �أو التعذيب النف�سي �أو التوقيف �أو املراقبة‪� ،‬أو ف�ضحهم عرب‬
‫و�سائل الإعالم و�إل�صاق التهم بهم والإ�ساءة ل�سمعتهم‪ ،‬ومواقف كهذه يحر�ص عامة النا�س‬
‫‪o‬‬

‫على جتنبها ودفعها عن �أنف�سهم بكل ما ميلكون‪ ،‬حتى ولو كانوا على يقني من �أنها تهم‬
‫باطلة وملفقة‪ ،‬فالربيء حني ُي َّتهم يدفع ثمن ًا باهظ ًا من حريته و�إن�سانيته و�سمعته قبل �أن‬
‫‪m‬‬

‫يثبت براءته‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪/‬عبدالرحمن‪� :‬سرية ومناقب عمر بن عبدالعزيز (‪.)189‬‬
‫(‪ )2‬النابل�سي‪/‬عبدالغني‪ :‬حتقيق الق�ضية يف الفرق بني الر�شوة والهدية (‪.)211 ،195‬‬
‫(‪ )3‬ل�سان العرب بزز ‪.)312/5( -‬‬
‫‪131‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الفرق بني االبتزاز والر�شوة‪ :‬وقد يلتقي االبتزاز مع الر�شوة يف النهاية‪ ،‬لكن الذي‬
‫مييز االبتزاز عن الر�شوة هو �أن الأخرية تدفع طواعية من قبل مقدمها وبر�ضاه لكونها‬
‫حتقق له منفعة �أو م�صلحة �أو تدفع عنه �أذى �أو �ضرر ًا‪ ،‬فى حني ينطوي االبتزاز على‬
‫ا�ستخدام التهديد بالإيذاء اجل�سدي والنف�سي �أو الإ�ضرار بال�سمعة واملكانة االجتماعية‬
‫‪o‬‬

‫بتلفيق الف�ضائح و�إل�صاق التهم ون�شر الأ�سرار؛ مما يجرب ال�شخ�ص املبت ّز على الدفع‬
‫‪b‬‬

‫مكره ًا ملن يبت ُّزه‪.‬‬


‫وهذه املمار�سة تع ّد بحق �شك ًال خطري ًا من �أ�شكال الف�ساد الإداري الذي تبتلى به بع�ض‬
‫‪e‬‬

‫الأقطار وبع�ض امل�ؤ�س�سات دون �أن ينال مقرتفوها العقاب الذي ي�ستحقونه)(‪.)1‬‬
‫‪ik‬‬

‫حكمه‪ :‬ال ّ‬
‫�شك يف حترمي االبتزاز؛ لأ�سباب‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أنه �أك ٌل لأموال النا�س بالباطل‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫‪a‬‬

‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﱪ [البقرة‪ ]188 :‬وقال ‪( :‬ال‬


‫نف�س منه)(‪.)2‬‬
‫يحل مال امرئٍ م�سلم �إال بطيب ٍ‬
‫‪n‬‬

‫الثاين‪� :‬أنه �إ�ضـرا ٌر بالآخـريـن نف�ســي ًا واجـتـماعـي ًا ومالي ًا‪ ،‬وال�ضرر حرام‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫الثالث‪� :‬أنه ا�ستغال ٌل للمن�صب ب�شكل غري م�شروع‪.‬‬


‫‪l.‬‬

‫واملبت ّز قد �أعمى قلبه احل�صول على املال ب� ّأي و�سيلة‪ ،‬و�سعى لنيله بكل ال�س ُبل‪ ،‬ون�سي �أن‬
‫املال و�سيلة ولي�س غاية‪ ،‬و�أنه قد يكون وبا ًال على �صاحبه‪ ،‬كقارون الذي ي�ضرب املثل بغناه‪،‬‬
‫‪c‬‬

‫يغن عنه �شيئ ًا‪ :‬ﱫﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫فلم ِ‬


‫ﮧﱪ [الق�ص�ص‪ ]81 :‬والكافر الذي‪ :‬ﱫﭧ ﭨ ﭩ ﭪ * ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﱪ‬
‫‪o‬‬

‫[الهمزة‪ ]3-2 :‬فلم ي�ستفد منه �شيئ ًا يف الآخرة‪ ،‬ومن �أكل ما ًال حرام ًا مل يوفَّق يف دنياه و�أخراه‪،‬‬
‫قال ‪( :‬يا كعب بن عجرة! �إنه ال يدخل اجلنة حل ٌم نبت من ُ�سحت‪ ،‬النار أَ�وىل به)(‪.)3‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬نق ًال عن‪ :‬الغامدي والوزان‪/‬مرجع �سابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه الدارقطني (‪ )26/3‬عن �أن�س ‪ ،‬ورواه �أحمد (‪ )113/5‬عن عمرو بن يرثبي‪ ،‬ورجال �أحمد ثقات‪.‬‬
‫(جممع الزوائد‪.)171/4 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الـحـاكـم (‪ )141/4‬وابـن حـبـان (‪ )9/5‬و�صححاه‪ ،‬والـرتمـذي (‪َّ )513/2‬‬
‫وح�سنه‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪132‬‬

‫املبحث اخلام�س‪� :‬سوء ا�ستخدام الوا�سطة‪:‬‬


‫تعريف الوا�سطة ومكانتها‪:‬‬
‫تعريفها لغة‪ :‬الوا�سطة هي ال�شفاعة‪ ،‬والو�سيط املتو�سط بني املتخا�صمني(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫أحد ما(‪.)2‬‬
‫وا�صطالحاً‪ :‬ال�شــفاعة عـنـد أ�حـد امل�س ـ�ؤولني لتقدمي خـدمة ل ٍ‬
‫‪b‬‬

‫حث على خدمة امل�سلم لأخيه امل�سلم متى قدر على ذلك‪ ،‬ولهذه اخلدمة �صور‬ ‫والإ�سالم ّ‬
‫‪e‬‬

‫�شخ�ص ما لتقدمي‬
‫ٍ‬ ‫كثرية‪ ،‬منها ال�شفاعة‪ ،‬حيث يقوم امل�سلم با�ستعمال جاهه ومكانته عند‬
‫خدم ٍة مل�سلم حمتاج‪ ،‬ك�أن ي�شفع له عند �صاحب العقار لت�أجيل �أخذ الأجرة من امل�ست�أجر‬
‫‪ik‬‬

‫العاجز عن الدفع‪� ،‬أو ي�شفع له عند قبيلة للتنازل عن حقٍّ لهم على �أحد‪� ،‬أو ي�شفع له عند‬
‫م�س�ؤول لتخفيف العقوبة امل�ستحقة على �أحد النا�س‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫حكمها‪ :‬وهذه ال�شفاعة يحث عليها الإ�سالم ملا فيها من تكاتف امل�سلمني وتعا�ضدهم‬
‫املندوب �إليهما يف الكتاب وال�سنة‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﱪ [التوبة‪:‬‬
‫‪n‬‬

‫‪ ]71‬وقال عز وجل‪ :‬ﱫﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬


‫‪d‬‬

‫ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﱪ [الن�ساء‪ ]85 :‬وقال ‪( :‬مثل امل�ؤمنني يف توا ّدهم وتراحمهم‬


‫وتعاطفهم كمثل اجل�سد �إذا ا�شتكى منه ع�ضو تداعى له �سائر اجل�سد باحلمى وال�سهر)(‪.)3‬‬
‫‪l.‬‬

‫الوا�سطة الوظيفية‪ :‬ومن ال�صور امل�شهورة التي لها عالقة بالوظيفة التو�سط عند مدير‬
‫الإدارة احلكومية لتوظيف �أحد املتقدمني‪� ،‬أو ترقية موظف‪� ،‬أو �إعطائه ميزات دون غريه‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫وهذه الوا�سطة ميكن �أن تكون حال ًال‪� ،‬أو حرام ًا ح�سب احلالة واال�ستخدام‪ ،‬والأ�صل فيها‬
‫‪o‬‬

‫الإباحة‪ ،‬ولذا عنونت للمبحث ب�سوء ا�ستخدام الوا�سطة؛ لأن ا�ستخدامها اجلائز لي�س من‬
‫الأخالق املذمومة‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬املعجم الو�سيط (‪ - 1031/2‬و�سط)‪.‬‬


‫(‪ )2‬ال يوجد تعريف معتمد للوا�سطة بهذا املعنى‪ ،‬وهـذا ما �أراه مت�سق ًا مع ال�صواب‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (الأدب‪/‬رحمة النا�س والبهائم ‪ )5665 -‬وم�سلم (الرب وال�صلة والآداب‪/‬تراحم امل�ؤمنني‬
‫وتعاطفهم ‪ )2586 -‬عن النعمان بن ب�شري ‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫�شخ�ص لأحدهم‬
‫ٌ‬ ‫فمث ًال �إذا ت�ساوى املتقدمون للوظيفة يف ال�شهادات واخلربات‪ ،‬ثم ّ‬
‫تو�سط‬
‫لأنه ميتاز بالأمانة‪ ،‬ويعرفه عن قرب‪� ،‬أو لأنه يعول �أ�سرة كبرية‪ ،‬ويف توظيفه تفريج لكربته‪،‬‬
‫فالوا�سطة هنا جائزة؛ لأن الأول �أقرب �إىل حتقيق امل�صلحة العامة؛ ولأن الثاين ف َّرج عنه‬
‫‪o‬‬

‫أحد من النا�س‪ ،‬وكذا لو طلب �شخ�ص �إعطاء �أحد‬ ‫كربة‪ ،‬وهو م�أمور به �شرع ًا‪ ،‬مع عدم ظلم � ٍ‬
‫ل�سبب معقول‪ ،‬دون ت�أثري على الآخرين‪ ،‬وهذه امليزة الوظيفية من �صالحية‬‫املوظفني ميزات ٍ‬
‫‪b‬‬

‫املدير‪ ،‬فالوا�سطة هنا جائزة �أي�ض ًا‪ ،‬ملا فيها من نفع امل�سلمني‪ ،‬وقد قال ‪( :‬من ا�ستطاع‬
‫منكم �أن ينفع �أخاه فليفعل)(‪.)1‬‬
‫‪e‬‬

‫واجلامع يف الوا�سطة اجلائزة �أن تكون الوا�سطة غري خمالفة للنظام‪ ،‬وال يرتتب‬
‫‪ik‬‬

‫عليها �ضرر للآخرين‪.‬‬


‫وهناك حاالت حترم فيها الوا�سطة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫* �أن َّ‬
‫يتو�سط ال�شخ�ص لرجلٍ يعلم �أنه ال ي�ستطيع القيام بالعمل‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫يتو�سط ال�شخ�ص لرجلٍ مع دفع ر�شوة‪ ،‬قال ‪( :‬من ت�شفع لأخيه �شفاعة‪،‬‬ ‫* �أن َّ‬
‫ف�أهدى لـه هدية عليها فقبلها منه‪ ،‬فقد �أتى باب ًا عظيم ًا من �أبواب الربا)(‪.)2‬‬
‫‪d‬‬

‫* �أن يتو�سَّ ط ال�شخ�ص لرجلٍ مع علمه �أن توظيفه �أو ترقيته خمالف للنظام‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫* �أن يتو�سَّ ط ال�شخ�ص لرجلٍ ويرتتب على الوا�سطة حرمان موظف من ترقية‪ ،‬مع �أنه‬
‫�أكف أ� ممن تُو�سِّ ط له‪� ،‬أو منع موظف من حقه‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫«وال �شك ب�أن الوا�سطة ال�سيئة لها انعكا�سات �سيئة على العالقة بني املوظف والوظيفة‬
‫‪o‬‬

‫العامة مع اجلمهور‪ ،‬وت�ؤدي �إىل زعزعة الثقة والإخالل بامل�ساواة بني النا�س‪ ،‬والتعقيد يف‬
‫�أداء الأعمال‪ ،‬وعدم املباالة مب�صالح النا�س‪ ،‬وانخفا�ض م�ستوى الكفاءة الإدارية»(‪.)3‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬رواه م�سلم (ال�سالم‪/‬ا�ستحباب الرقية من العني والنملة واحلمة والنظرة ‪ )2199( -‬عن جابر ‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث ح�سن رواه �أبوداود (‪ )291/3‬عن �أبي �أمامة ‪ .‬و�سكت عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬الغامدي والوزان‪/‬مرجع �سابق‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪134‬‬

‫لذا ف�إن نظام مكافحة الر�شوة يف اململكة العربية ال�سعودية منع ا�ستخدام الوا�سطة من‬
‫�أجل خمالفة النظام(‪.)1‬‬
‫وقد يكون امل�س�����ؤول هو الذي يدفع النا�س ال�ستخدام الوا�سطة‪ ،‬فال يق ّدم عم ًال �إال ب�أن‬
‫‪o‬‬

‫ونف�س فا�س����دة‪،‬‬ ‫الال لهم‪ ،‬وامتنان ًا عليهم‪ ،‬وهذا �أ�س ٌ‬


‫����لوب مهني ٌ‬ ‫ي�أتي����ه النا�س بوا�س����طة‪� ،‬إذ ً‬
‫تتمت����ع بالعل ّو واالفتخار على ح�س����اب ال�ض����عفاء‪ ،‬فحقها االمته����ان واالزدراء‪ ،‬وكما تدين‬
‫‪b‬‬

‫ت����دان‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫بقي �أن �أقول‪� :‬إن على الإن�سان �أن ي�ستغني عن النا�س قدر ا�ستطاعته‪ ،‬قال ‪( :‬من يكفل‬
‫يل �أن ال ي�س�أل النا�س �شيئ ًا و�أتكفل له باجلنة)(‪ ،)2‬وقال ‪( :‬لأن ي�أخذ �أحدكم حبله في�أتي‬
‫‪ik‬‬

‫ري له من �أن ي�س�أل النا�س �أعطوه �أو‬


‫فيكف بها وجهه‪ ،‬خ ٌ‬
‫بحزمة من حطب على ظهره‪ ،‬فيبيعها ّ‬
‫منعوه)(‪ ،)3‬و�إذا كانت هذه الأحاديث يف �س�ؤال املال‪ ،‬ف�س�ؤال اخلدمة ي�شبهه بجامع احلاجة‬
‫�إىل النا�س فيهما‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫ومن اعتاد على �س�ؤال النا�س خدمتهم �أدمن على ذلك‪ ،‬وق ّل اعتماده على اهلل تعاىل‬
‫‪n‬‬

‫وتو ُّكله عليه‪ ،‬وق ّل اعتماده على نف�سه وثقته بها‪ ،‬و�أ�صبح يزاحم �أهل احلاجات الأكرث حاج ًة‬
‫منه‪ ،‬ورمبا طلب �شيئ ًا لنف�سه مع �أن غريه �أحوج منه‪ ،‬بل رمبا دعاه ذلك �إىل التكثرُّ والعياذ‬
‫‪d‬‬

‫باهلل وهو‪� :‬س�ؤال النا�س خدمات لي�ست �ضرورية‪ ،‬و�إمنا الهدف منها �أن يكون �أكرث من غريه‬
‫‪l.‬‬

‫مكان ًة‪� ،‬أو ما ًال‪ .‬وقد قال ‪( :‬من �س�أل النا�س �أموالهم تكرث ًا ف�إمنا ي�س�أل جمر ًا فلي�ستق ّل �أو‬
‫لي�ستكرث)(‪.)4‬‬
‫‪c‬‬

‫وهذه �آف ٌة نف�سية �أراها عند بع�ض النا�س‪ ،‬وهي الراحة النف�سية ب�إح�سا�س املرء بخدمة‬
‫يح�س �أنه خمدو ٌم من النا�س في�شعر باملكانة والتقدير‪ ،‬وهذا وهم؛ ف�إن‬
‫النا�س له‪ ،‬حيث ّ‬
‫‪o‬‬

‫املكانة تكون باالعتماد على النف�س ال باالعتماد على الآخرين‪ ،‬ف�إن الناجحني واملبدعني‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )1‬العثيمني‪/‬مرجع �سابق (‪.)159‬‬


‫(‪ )2‬روه �أبوداود (‪ )121/2‬و�أحمد (‪ )276/5‬عن ثوبان ب�سند �صحيح (الرتغيب والرتهيب للمنذري‪.)1/330 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (الزكاة‪/‬اال�ستعفاف عن امل�س�ألة ‪ )1402 -‬عن الزبري بن العوام ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه م�سلم (الزكاة‪/‬كراهة امل�س�ألة للنا�س ‪ )1041 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬ما بني القو�سني من مقال �إبراهيم غرايبة بعنوان‪ :‬اقت�صاد الف�ساد و�آلياته‪ .‬جريدة الغد الأردنية‪ :‬اجلمعة‬
‫‪135‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫ويقدمون اخلدمة للآخرين ال العك�س‪ ،‬و�أي�ض ًا‪ :‬ف�إن النا�س‬


‫هم الذين يعتمدون على �أنف�سهم ِّ‬
‫خدم يحتاج‬‫حتتقر من يكرث طلب الأ�شياء منها‪ ،‬ويتهمونه بالوهن والعجز‪ ،‬و�أي�ض ًا‪ :‬ف�إن من ُي َ‬
‫�إىل ر ّد اجلميل‪ ،‬ورمبا مل ي�ستطع في�سبب له ذلك �شعور ًا بالذنب‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫واخلال�صة �أن الوا�سطة يجب �أن ي�ض َّيق نطاقها لتبقى يف دائرة ال�ضرورة التي ال ميكن‬
‫جتاوزها �إال بها‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫‪b‬‬
‫‪e‬‬

‫املبحث ال�ساد�س‪ :‬و�سائل التغ ُّلب على هذه املخالفات‪:‬‬


‫ال ي�شك �أحد يف �أن هناك خل ًال ما يف تطبيق �أخالقيات املهنة يف القطاعني العام واخلا�ص‪،‬‬
‫‪ik‬‬

‫ويدل على ذلك الإح�صائيات العاملية واملحلية‪ ،‬ومن ذلك على �سبيل املثال‪:‬‬
‫* ن�شر موقع ‪ www.valuebasedmanagement.net‬يف �أبريل ‪2004‬م‪� ،‬أن ثالثة �أرباع‬
‫‪a‬‬

‫املنظمات ال تخ�ص�ص موظف ًا لأخالقيات العمل‪ ،‬وثالثة �أرباع املنظمات لي�س لديها‬
‫‪n‬‬

‫برنامج �أخالقيات‪ ،‬وال تخدم املوظفني يف تعليم الأخالقيات‪.‬‬


‫‪d‬‬

‫* ن�شر موقع ‪ www.recruitersworld.com‬عام ‪ 2004‬م‪� ،‬أن ‪ %61‬من املوظفني ال يثقون‬


‫بر�ؤ�سائهم يف العمل‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫* ن�شرت �شركة كالود بو (‪ )www.cloudbow.com‬عام ‪2002‬م‪� ،‬أن ‪ %45‬من املوظفني‬


‫ي�أخذون معدات مكتبية تتبع ال�شركة كالأقالم والكتب معهم‪ ،‬و�أن ‪ %65‬من املوظفني‬
‫‪c‬‬

‫ي�ستخدمون احلا�سب الآيل لأغرا�ضهم ال�شخ�صية‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫* (قال وزير التجارة الأمريكي الأ�سبق وليم ديلي �أنه مت اكت�شاف ر�شاوى قدمتها‬
‫‪m‬‬

‫�شركات �أمريكية خارج احلدود يف املدة املمتدة من مايو ‪� 1997‬إىل �إبريل ‪1998‬م‬
‫(�سنة واحدة) ت�صل قيمتها �إىل نحو ‪ 30‬بليون دوالر‪.‬‬
‫* ق��درت م�صادر �إعالمية و�سيا�سية يف �أوائ��ل الت�سعينيات حجم االختال�سات يف‬
‫اجلزائر ب�ستة وع�شرين بليون دوالر‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪136‬‬

‫* كانت املخالفات عام ‪1998‬م ح�سب التقرير ال�سنوي للنيابة الإدارية يف م�صر ‪� 43‬ألف‬
‫ق�ضية)(‪.)1‬‬
‫وبعد ا�ستعرا�ض املخالفات الوظيفية ال�سابقة �أرى �أن عالجها يتلخ�ص يف الآتي‪:‬‬
‫‪o‬‬

‫< �أو ًال‪ :‬تنمية الرقابة الذاتية‪ :‬فاملوظف الناجح هو الذي يراقب اهلل تعاىل قبل �أن‬
‫يراقبه امل�س�ؤول‪ ،‬وهو الذي يراعي امل�صلحة الوطنية قبل امل�صلحة ال�شخ�صية‪ ،‬ف�إذا‬
‫‪b‬‬

‫تكون هذا املفهوم الكبري يف نف�س املوظف ف�ستنجح امل�ؤ�س�سة بال ّ‬


‫�شك؛ لأن املوظفني‬
‫‪e‬‬

‫خمل�صون لها‪.‬‬
‫وقائي لكث ٍري من املخالفات‬
‫هذه الرقابة متنع من اخليانة‪ ،‬وتعني على الأمانة‪ ،‬فهي عالج ّ‬
‫‪ik‬‬

‫فرد منا يحب املال‪ ،‬وي�سعى جهده للح�صول على املزيد منه‪،‬‬ ‫الوظيفية قبل حدوثها‪ ،‬فكل ٍ‬
‫ف�إذا �سنحت للموظف فر�صة �أن ي�أخذ املال ب�سهولة عن طريق ر�شوة ال ي�شعر بها �أحد‪ ،‬فهنا‬
‫‪a‬‬

‫يتجاذبه نازعان‪ :‬الأول يدعوه لأخذ املال‪ ،‬والثاين مراقبته هلل وخوفه من عقابه‪ ،‬ف�صاحب‬
‫النف�س القوية هو الذي يتغلب عقله على هواه‪ ،‬وميتنع عن املخالفة‪.‬‬
‫‪n‬‬

‫لذا فهي من املقومات املتفق عليها يف العامل‪ ،‬ففي ا�ستبيان �أجرته جمموعة روبرت هاف‬
‫‪d‬‬

‫�إنرتنا�شيونال املحدودة (‪ ،)www.calcpa.org‬على �أكرث من ‪ 1400‬موظف‪� ،‬أجاب ‪ %58‬منهم‬


‫ب�أن اال�ستقامة والنزاهة هما �أكرث �صفتني تعجبهم يف املر�شَّ حني للوظائف‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫�إن � ّأي نظام ب�شري يف العامل ميكن االلتفاف عليه‪ ،‬وميكن ارتكاب املخالفات فيه دون‬
‫عقوبة‪ ،‬لكن الو�صفة الوحيدة يف تطبيق النظام هي الرقابة الذاتية التي متنع الإن�سان ذاتي ًا‬
‫‪c‬‬

‫من ارتكاب املخالفات‪ ،‬وحت ُّثه على املزيد من العطاء‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫ولتنمية الرقابة الذاتية و�سائل‪ :‬كتقوية الإميان باهلل والتقوى‪ ،‬وتعزيز احل�س الوطني‪،‬‬
‫وحت ُّمل امل�س�ؤولية‪ ،‬والإقناع ب�أهمية الوظيفة و�أدائها ب�شكل �صحيح(‪.)2‬‬
‫‪m‬‬

‫< ثاني ًا‪ :‬و�ضع الأنظمة الدقيقة التي متنع االجتهادات الفردية اخلاطئة‪ :‬لأن املمار�سات‬
‫‪� 7‬أيلول ‪2007‬م‪� 24/‬شعبان ‪ 1428‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬للمزيد يراجع مبحث‪ :‬الرقابة الذاتية يف الأخالق املحمودة‪.‬‬
‫(‪ )1‬مناقب �أمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب البن اجلوزي‪/‬بتحقيق د‪ .‬زينب القاروط (‪.)240‬‬
‫‪137‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الأخالقية غري ال�سوية تنتج �أحيان ًا من �ضعف النظام‪� ،‬أو عدم و�ضوحه‪� ،‬أو وجود‬
‫ثغرات فيه ترتك املجال للتالعب واال�ستغالل واالجتهادات ال�شخ�صية‪.‬‬
‫ين�ص على وجوب تعيني الأكفاء‪ ،‬فال ب ّد من و�ضع عوامل الكفاءة‪ ،‬ون�سبة‬ ‫ف�إذا كان النظام ّ‬
‫‪o‬‬

‫كل عامل منها يف الأهمية‪ .‬و�إذا كان النظام مينع ال�شركات من ا�سترياد املوا ّد غري الأخالقية‪،‬‬
‫فال ب ّد من بيانها بالتف�صيل‪ .‬و�إذا كان النظام مينح املوظف درجة وظيفية يف التقومي على‬
‫‪b‬‬

‫�أ�سا�س تقدميه خدمات �إ�ضافية للعمل‪ ،‬فال ب ّد من بيان هذه اخلدمات بالتحديد‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫وحتى يكون للنظام فعاليته ال يكفي و�ضعه ولو ب�شكل دقيق‪ ،‬حتى تتم التوعية فيه بو�سائل‬
‫الإعالم‪ ،‬والن�شرات الدورية التي ت�صدرها اجلهات احلكومية وال�شركات‪ ،‬ومن املبادرات‬
‫‪ik‬‬

‫املمتازة يف هذا املجال الربنامج الإذاعي لوزارة اخلدمة املدنية يف اململكة العربية ال�سعودية‬
‫الذي يهدف �إىل التوعية بالأنظمة‪ ،‬وذكر بع�ض الق�ضايا املعرو�ضة على الوزارة‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬
‫موقع الوزارة يف �شبكة الإنرتنت‪ ،‬ومن هذه املبادرات الن�شرات التي ت�صدرها ال�شركات‬
‫‪a‬‬

‫الكربى يف اململكة‪ ،‬وقد اطلعت على بع�ضها فوجدت فيها توعية وظيفية بالنظام يف كل عدد‬
‫واجب على و�سائل الإعالم �أي�ض ًا‪� ،‬إ�ضاف ًة للجهات التي ت�ضم جمموعة من‬
‫ي�صدر عنها‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫‪n‬‬

‫املوظفني والعمال‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫< ثالث ًا‪ :‬القدوة احل�سنة‪ :‬ف�إذا نظر العاملون �إىل املدير وهو ال يلتزم ب�أخالق املهنة‪ ،‬فهم‬
‫كذلك من باب �أوىل‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫و�أول القدوات ر�سول اهلل الذي هو مثال النزاهة‪ ،‬والإخال�ص‪ ،‬وحب اخلري للآخرين‪،‬‬
‫وااللتزام مبا يقوله‪ ،‬وال�صدق‪ ،‬والعدل‪ ،‬والر�أفة‪ ،‬وح�سن التعامل‪ ،‬وغري ذلك من ال�صفات‬
‫‪c‬‬

‫احل�سنة والأخالق اجلميلة التي �أوردناها‪ .‬قال اهلل �سبحانه‪ :‬ﱫﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬


‫‪o‬‬

‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﱪ [الأحزاب‪]21 :‬‬

‫وكان عمر �إذا نهى الرع َّية عن �شيء‪ ،‬جمع �أهله وقال لهم‪�« :‬إين قد نهيت النا�س عن‬
‫‪m‬‬

‫كذا وكذا‪ ،‬و�إن النا�س ينظرون �إليكم‪ ،‬كما ينظر الطري �إىل اللحم‪ ،‬ف�إن وقعتم وقعوا‪ ،‬و�إن‬
‫أ�ضعفت له العذاب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫نهيت النا�س عنه �إال �‬
‫هبتم هابوا‪ ،‬و�إين واهلل ال �أوتى برجل وقع فيما ُ‬
‫ملكانه م ِّني‪ ،‬فمن �شاء منكم فليتقدم‪ ،‬ومن �شاء فليت�أخر»(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬منهج الرتبية الإ�سالمية ملحمد قطب‪ ،‬و�أ�صول الرتبية الإ�سالمية و�أ�ساليبها لعبدالرحمن النحالوي وغريها‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪138‬‬

‫وت�ص َّور مدير ًا يو�صي املوظفني بااللتزام بالدوام وهو من �أواخرهم ح�ضور ًا! و�آخر يو�صي‬
‫بالنزاهة‪ ،‬و�أخبار ا�ستغالله ال�شخ�صي للوظيفة معروفة للقا�صي والداين! و�آخر يتظاهر‬
‫تعي يف الوظيفة لعالقته‬‫مبحاربة املحاباة والوا�سطة‪ ،‬واملوظفون يعرفون �أن زميلهم �إمنا نَّ‬
‫‪o‬‬

‫باملدير‪ ،‬مع �أنه غري م� َّؤهل! فهل ميكن لبيئة كهذه �أن ت�شيع فيها �أخالقيات املهنة؟!‬
‫القدوة �ضرورة لإجناح عملية التوجيه‪ ،‬والقدوة ّ‬
‫حمط �أنظار النا�س‪ ،‬ومقيا�س ت�صرفاتهم‪،‬‬
‫‪b‬‬

‫وحتى يكون ال�شخ�ص مهي ًَّ�أ لها فهناك �صفات ذاتية وعلمية وعملية ميكن الرجوع �إليها يف‬
‫كتب الرتبية(‪.)1‬‬
‫‪e‬‬

‫وباملنا�سبة‪ :‬لي�س القدوة هو املدير فح�سب‪ ،‬بل يجب �أن يكون املوظف قدو ًة لزمالئه يف‬
‫‪ik‬‬

‫�أخالقيات املهنة‪ ،‬ورمبا ت�أثر املوظفون به �أكرث من غريه‪ ،‬بدافع املناف�سة بينهم‪ ،‬ف�إنهم ال‬
‫يناف�سون املدير‪ ،‬و�إمنا يتبارون مع زميلهم ليحققوا ر�ضى امل�ؤ�س�سة عنهم‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫< رابع ًا‪ :‬ت�صحيح الفهم الديني والوطني للوظيفة‪ :‬ف�إذا اقتنع العامل ب�أن العمل عبادة‪،‬‬
‫و�أن العمل و�سيلة للتنمية الوطنية‪ ،‬وازدهار البلد‪ ،‬وحت�سني م�ستوى الدخل زاد لديه‬
‫‪n‬‬

‫االلتزام ب�أخالق املهنة‪.‬‬


‫‪d‬‬

‫واجب على اجلهات الوظيفية كوزارة اخلدمة املدنية‪ ،‬وال�شركات الكربى‪ ،‬ب�أن تكون‬‫وهذا ٌ‬
‫ال�صبغة الإ�سالمية وا�ضح ًة يف نظمها‪ ،‬فنظام اخلدمة املدنية يف اململكة العربية ال�سعودية‬
‫‪l.‬‬

‫الن�ص على بع�ض الأدلة‬


‫يعتمد يف كل موا ِّده على ال�شريعة الإ�سالمية‪� ،‬إال �أنه يحتاج �إىل ّ‬
‫ال�شرعية من الكتاب وال�سنّة‪ ،‬ويحتاج �إىل مقدمة يف �شمولية العبادة‪ ،‬حتى تت�ضح �صورة‬
‫‪c‬‬

‫العبادة يف ذهن املوظف وهو ي�ؤدي وظيفته‪ .‬وكذلك الأمر يف نظام ال�شركات الكربى‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫والأمر الآخر هو الربط بني الوظيفة وم�ستوى الدخل للمواطنني‪ ،‬ف�إن هناك تنا�سب ًا طرد ّي ًا‬
‫حت�سن دخل الفرد وانخف�ضت الأ�سعار‪.‬‬
‫حت�سن �أداء املوظفني َّ‬
‫بني االثنني؛ فكلما َّ‬
‫‪m‬‬

‫واملالحظ �أن املتحدثني عن الوطنية ي�سهبون كثري ًا يف جوانب �سيا�سية �أو اقت�صادية ويغفلون‬
‫جانب االنتماء الوطني الوظيفي؛ ف�إن الوالء للوظيفة هو والء للوطن‪ ،‬ومن �صميم الوطنية‪.‬‬
‫(‪ )1‬فتح الباري (‪ - 189/13‬ح‪.)7197 :‬‬
‫‪139‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫وهنا يربز دور امل�سجد واملدر�سة واجلامعة وو�سائل الإعالم يف توعية النا�س ب�أخالقيات‬
‫املهنة من منظور �إ�سالمي‪ ،‬وهي �أخالق الإ�سالم التي دعا �إليها و أ�كَّد عليها‪ ،‬وتوعيتهم بطبيعة‬
‫املهنة التي هي ركيزة من ركائز املجتمع الإ�سالمي‪� ،‬إذ هي من فرو�ض الكفايات‪ ،‬وال غنى‬
‫للدولة الإ�سالمية عنها‪ .‬وتغيري النظرة ال�سائدة عن الوظيفة من كونها م�صدر ًا للدخل فقط‪،‬‬
‫‪o‬‬

‫�إىل كونها و�سيلة من و�سائل طاعة اهلل تعاىل من �أبواب كثرية‪.‬‬


‫‪b‬‬

‫وعلى �سبيل املثال‪ :‬املع ِّلم الذي ي ؤ� ِّدي واجبه لينال راتبه ال�شهري فح�سب‪ ،‬لي�س كاملع ِّلم‬
‫الذي يذهب �إىل عمله ويف ذهنه �أنه يك�سب �أجر ًا بن�شر العلم‪ ،‬والدعوة �إىل اهلل‪ ،‬والأمر‬
‫‪e‬‬

‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬والن�صيحة‪ ،‬والرتبية ال�صاحلة‪ ،‬وتقوية �إميان الأبناء‪ ،‬وغري‬
‫‪ik‬‬

‫ذلك! و�إذا مل ي�ستطع حتقيق هذه الأمور كلها‪ ،‬ف�سيحقق بع�ضها‪ .‬ويف نهاية الأمر �سينال راتبه‬
‫�أي�ض ًا‪ ،‬ولكن معه �أج ٌر �أو �أجور‪ ،‬حني ُحرِ م الآخر منها‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫< خام�س ًا‪ :‬حما�سبة امل�س�ؤولني‪ ،‬واملوظفني‪ :‬فال ب ّد من وجود الأجهزة الرقابية التي‬
‫املق�صرين واملخالفني‪.‬‬
‫ت�شرف على تطبيق النظام‪ ،‬وحتا�سب ِّ‬
‫‪n‬‬

‫ومن �أجل ذلك �شرع الإ�سالم احلدود لتكون رادع ًا لكل متجاوزٍ للأنظمة الإ�سالمية‪،‬‬
‫‪d‬‬

‫ٍ‬
‫�ضارب بعر�ض احلائط‪ ،‬كل العوائق والو�سائل املنجية من املحرمات‪ .‬قال اهلل �سبحانه‪:‬‬
‫ﱫﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ‬
‫‪l.‬‬

‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﱪ [النور‪.]2 :‬‬
‫وكان النبي يحا�سب ع َّماله‪ ،‬كما قال البخاري يف �صحيحه‪« :‬باب حما�سبة الإمام ع َّماله‪،‬‬
‫‪c‬‬

‫ال�ساعدي �أن النبي ا�ستعمل ابن اللتب َّية على �صدقات بني �سليم‪ ،‬فلما‬
‫ّ‬ ‫ثم روى عن �أبي حميد‬
‫يل‪ ..‬احلديث»(‪.)1‬‬ ‫جاء �إىل ر�سول اهلل وحا�سبه‪ ،‬قال‪ :‬هذا الذي لكم‪ ،‬وهذه هدي ٌة �أُ ِ‬
‫‪o‬‬

‫هد َيت �إ ّ‬
‫وقال ابن القيم يف الطرق احلكمية(‪« :)2‬كان النبي ي�ستويف احل�ساب على عماله‪،‬‬
‫‪m‬‬

‫ال�ساعدي‪ ،‬وذكر‬
‫ّ‬ ‫يحا�سبهم على امل�ستخرج وامل�صروف‪ ،‬كما يف ال�صحيحني عن �أبي حميد‬
‫احلديث املتقدم»‪.‬‬
‫(‪� )2‬صفحة (‪.)244‬‬
‫(‪ )1‬رواه البيهقي (‪.)163/8‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪140‬‬

‫وكان عمر ي�س�أل الرعية‪�« :‬أر�أيتم �إذا ا�ستعملت عليكم خري من �أعلم ثم �أمرته بالعدل‬
‫أعمل مبا �أمرته �أم ال»(‪.)1‬‬
‫علي؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ال‪ ،‬حتى �أنظر يف عمله‪ِ � ،‬‬
‫أكنت ق�ضيت ما ّ‬
‫� ُ‬
‫وحما�سبة امل�س�ؤول حتميه من �ضعف النف�س‪ ،‬واال�ستغالل‪ ،‬وحتمي امل�ؤ�س�سة من اخل�سارة‪،‬‬
‫‪o‬‬

‫وتنظف املجتمع من الظواهر ال�سلبية والأمرا�ض االجتماعية‪.‬‬


‫‪b‬‬

‫�إن مبد أ� «من �أين لك هذا؟» الإ�سالمي يجب �أن ينت�شر يف جميع امل�ؤ�س�سات والإدارات‪،‬‬
‫ونحن امل�سلمني �أ�سبق من غرينا يف تطبيق هذا املبد�أ‪ ،‬فلماذا يتميز الغرب الآن بتطبيقه �أكرث‬
‫‪e‬‬

‫من امل�سلمني‪ ،‬عن طريق نظام ك�شف الرثوة ال�شخ�صية؟! وذلك حني يك�شف كل امل�س�ؤولني‬
‫الكبار يف الدولة عن ثروتهم ال�شخ�صية قبل وبعد تويل املنا�صب العليا‪ ،‬ليت�ضح مدى الفرق‬
‫‪ik‬‬

‫بني الرثوتني‪ ،‬ثم يحا�سبون عن الزوائد من الأموال واملمتلكات فيبينون م�صدر هذه الزيادة‪،‬‬
‫نظامي �أم ال؟‬
‫ٍّ‬ ‫وهل جاءت من طريق‬
‫‪a‬‬

‫فقد ا�ستعمل عمر �أبا هريرة ر�ضي اهلل عنهما على البحرين‪ ،‬فوفد بع�شرة �آالف‪ ،‬فقال‬
‫‪n‬‬

‫له عمر‪« :‬ا�ست�أثرت بهذه الأموال يا عد َّو اهلل وعدو كتابه؟» فقال �أبو هريرة‪ :‬ل�ست بعد ّو اهلل‬
‫وعد ّو كتابه‪ ،‬ولكني عد ّو من عاداهما‪ .‬قال‪ :‬فمن �أين هي لك؟ قلت‪ :‬خي ٌل نتجت‪ ،‬وغلة رقيق‬
‫‪d‬‬

‫عط َي ٌة تتابعت‪ .‬فنظروا‪ ،‬فوجدوه كما قال‪.‬‬ ‫يل‪ ،‬و�أُ ِ‬


‫‪l.‬‬

‫فلما كان بعد ذلك دعاه عمر ليو ِّليه‪ ،‬ف�أبى‪ .‬فقال‪ :‬تكره العمل وقد طلب العمل من كان‬
‫خري ًا منك‪ ،‬يو�سف ÷ فقال‪ :‬يو�سف نبي‪ ،‬ابن نبي‪ ،‬ابن نبي‪ ،‬و�أنا �أبو هريرة بن �أميمة‪.‬‬
‫و�أخ�شى اثنتني وثالث ًا‪� ،‬أخ�شى �أن �أقول بغري علم‪ ،‬و�أق�ضي بغري حلم‪ .‬و�أن ي�ضرب ظهري‪،‬‬
‫‪c‬‬

‫وينتزع مايل‪ ،‬وي�شتم عر�ضي»(‪.)2‬‬


‫‪o‬‬

‫والحظ قوله يف الرواية «فنظروا» �أي‪� :‬أن هناك جهة مك َّلفة بالنظر واملتابعة‪.‬‬
‫‪m‬‬

‫وال �أن�سى هنا �أن �أذ ِّكر �أن هذه املحا�سبة ال ب ّد �أن ي�سبقها توعية ب�أهمية الزهد يف الدنيا‪،‬‬
‫والورع‪ ،‬والنزاهة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الذهبي‪�/‬أحمد بن عثمان‪� :‬سري �أعالم النبالء (‪ )612/2‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن اجلوزي‪�/‬سرية ومناقب عمر بن عبدالعزيز (‪.)105‬‬
‫‪141‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫< �ساد�س ًا‪ :‬التقومي امل�ستمر للموظفني‪ :‬مما يحفزِّ هم على التطوير �إذا علموا �أن من‬
‫يط ِّور نف�سه يق َّوم تقومي ًا �صحيح ًا‪ ،‬وينال مكاف�أته على ذلك‪ ،‬والتقومي يعني امل�س�ؤول‬
‫على معرفة م�ستويات موظفيه وكفاءاتهم ومواطن �إبداعهم‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫الهالمي الذي‬
‫ّ‬ ‫ولكن التقومي ال يكون فعا ًال �إال �إذا كان نزيه ًا دقيق ًا‪ .‬فال ينفع التقومي العا ّم‬
‫ويق�سم �إىل درجات وا�ضحة‪ ،‬ويكون له �أث ٌر ملمو�س‪.‬‬ ‫يف�صل مواطن القوة وال�ضعف‪َّ ،‬‬ ‫ال ِّ‬
‫‪b‬‬

‫ونرى يف كث ٍري من اجلهات تقييم ًا �سنوي ًا للموظفني‪ ،‬ولكن ال يتبعه � ّأي �أثر على تطويرهم‪،‬‬
‫‪e‬‬

‫وال معاجلة �سلبياتهم‪ ،‬وذلك ب�سبب الأمن الوظيفي الذي يوفِّره النظام‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫ابن ل�صاحب امل�ؤ�س�سة‪ ،‬فهل‬


‫وعلى �سبيل املثال‪� :‬إذا كان املوظف يف م�ؤ�س�سة خا�صة وهو ٌ‬
‫ال�سنوي من و�ضعه الوظيفي؟ هذا �إن كان يتم تقوميه!‬
‫ّ‬ ‫يتوقَّع �أن يغيرَّ تقوميه‬
‫‪a‬‬

‫وغالب ًا ما يتوفر ذلك يف الوظائف احلكومية‪ ،‬فالدولة تتحا�شى معاقبة �أو ف�صل املوظف‬
‫حماي ًة له من التقومي الكيدي من قبل م�س�ؤوله‪ ،‬وهذا يعطيه اطمئنان ًا وظيفي ًا ي�ؤ ِّثر على‬
‫‪n‬‬

‫م�ستوى �أدائه �سلبي ًا يف كث ٍري من احلاالت‪.‬‬


‫‪d‬‬

‫يعي امل�س�ؤولون النزيهون‪ ،‬ومن ثم يكونون موطن ثقة الدولة يف تقوميهم‪،‬‬ ‫والعالج‪� :‬أن نَّ‬
‫وميـكن �أن يكون الـتقومي مــن أ�كــرث من �شــخ�ص زيـاد ًة يف النـزاهة‪ ،‬و�أن يـكون للـتـقومي‬
‫‪l.‬‬

‫فعالية ملمو�سة‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫< الق�ضاء على املح�سوبية يف التعيني‪ ،‬ب��الإع�لان عن الوظائف من خ�لال م�سابقة‬


‫يعي على‬
‫وظيفية‪ ،‬و�إ�شراك �أكرث من م�س�ؤول يف التوظيف‪ ،‬وحتديد الأ�س�س التي نَّ‬
‫‪o‬‬

‫املتقدم بدقة‪.‬‬
‫�ضوئها ِّ‬
‫‪m‬‬

‫ف�أمرا�ض الوا�سطة واملح�سوبية وتغليب جانب ال�صداقة والقرابة واملنفعة على امل�صلحة‬
‫العامة يجب �أن تختفي �إذا كنا نطمح �إىل تنمية حقيقية‪ ،‬وح�سبك �أن ر�سول اهلل كان من‬
‫�أعمامه من لعنه اهلل يف القر�آن الكرمي‪ ،‬فلم يرا ِع جانب القرابة يف تقريبه والإغ�ضاء‬
‫عنه وم�ساحمته‪ ،‬ما دام �أنه عد ٌّو هلل ور�سوله‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪142‬‬

‫وكتب عمر بن العزيز رحمه اهلل �إىل عامله على خرا�سان‪�« :‬إنه بلغني �أنك ا�ستعملت‬
‫عبداهلل بن الأهتم‪ ،‬و�أن اهلل مل يبارك لعبداهلل بن الأهتم يف العمل‪ ،‬فاعزله‪ ،‬و�إنه على ذلك‬
‫لذو قرابة لأمري امل�ؤمنني»(‪.)1‬‬
‫‪o‬‬

‫< ت�شجيع املوظفني واملواطنني على ك�شف الف�ساد الإداري واملظاهر ال�سلبية‪ :‬بو�ضع نظام‬
‫للمكاف�آت على التبليغ عن � ّأي خلل يف �أداء الوظيفة‪ ،‬وتخ�صي�ص هاتف لذلك‪� ،‬أو و�ضع‬
‫‪b‬‬

‫�صندوق للمالحظات مع بيان هوية املب ِّلغ ليتم االت�صال به للتحقق ثم املكاف�أة‪ ،‬مع‬
‫الت�شديد على عدم قبول البالغات الكيدية‪ ،‬ومعاقبة �صاحبها‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫وقد كان عمر بن عبدالعزيز رحمه اهلل يعطي الأعطية ملن ير�شد لأمر يظهر حق ًا �أو‬
‫‪ik‬‬

‫يبطل باط ًال‪ ،‬والقا�ضي عبدالرحمن بن معاوية بن حديج رحمه اهلل (‪ 86‬هـ) جعل اجلوائز‬
‫ملن يك�شف عن �أموال اليتامى‪ ،‬فحفظت بذلك �أموال اليتامى(‪.)2‬‬
‫‪a‬‬
‫‪n‬‬
‫‪d‬‬
‫‪l.‬‬
‫‪c‬‬
‫‪o‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )2‬العمر‪/‬د‪ .‬ف�ؤاد‪� :‬أخالق العمل و�سلوك العاملني يف اخلدمة العامة (‪.)87‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه (البخاري‪ :‬الزكاة‪/‬ال�صدقة على اليتامى ‪ ،1396 -‬وم�سلم‪ :‬الزكاة‪/‬تخوف ما يخرج من زهرة‬
‫‪143‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الف�صل الرابع‬
‫�شروط املهنة يف الإ�سالم‬
‫‪o‬‬

‫ال�شرط الأول‪� :‬أن تكون مباحة‪:‬‬


‫‪b‬‬

‫< لأن الك�سب املباح هو الذي يبارك للإن�سان فيه‪ ،‬قال ‪( :‬من ي�أخذ ما ًال بحقِّه يبا َرك‬
‫له فيه‪ ،‬ومن ي�أخذ ما ًال بغري حقه فمثله كمثل الذي ي�أكل وال ي�شبع)(‪.)1‬‬
‫‪e‬‬

‫< ولأن املباح هو الطيب الذي �أباحه اهلل لنا بقوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ‬
‫‪ik‬‬

‫ﮚ ﮛ ﮜﱪ [املائدة‪ ]4 :‬وجاءت �شريعة النبي داعي ًة �إىل االكت�ساب منه‪:‬‬


‫ﱫﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﱪ [الأعراف‪ ]157 :‬فكل حالل ط ِّيب‪ ،‬قال‬
‫‪a‬‬

‫�سبحانه‪ :‬ﱫﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﱪ [البقرة‪ ]168 :‬والعمل يف احلرام‬


‫عم ٌل يف اخلبائث‪ ،‬وقد ح َّرم اهلل تعاىل اخلبائث بقوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮅ ﮆ ﮇ‬
‫‪n‬‬

‫ﮈ ﮉ ﮊﱪ [الأعراف‪ :‬الآية ‪.]157‬‬


‫‪d‬‬

‫< ولأن املباح ال يلحق العامل فيه الإثم‪ ،‬بل بالعك�س من ذلك يناله الأجر �إن نوى فيه النية‬
‫ال�صاحلة كما تقدم يف �أول الكتاب‪.‬‬
‫‪l.‬‬

‫وعك�س الطيب اخلبيث‪ ،‬وعك�س املباح احلرام‪ ،‬في�شرتط يف الوظيفة �أن تخلو من احلرام‬
‫‪c‬‬

‫واخلبيث‪ ،‬فال يجوز العمل بالربا مث ًال؛ لأنه حمرم بقوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮄ ﮅ ﮆﱪ [البقرة‪:‬‬
‫بالغ�ش كالتطفيف يف الكيل‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﯖ ﯗ * ﯙ‬ ‫‪ ]276‬وال يجوز اكت�ساب املال ّ‬
‫‪o‬‬

‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ * ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﱪ [املطففني‪]3-1 :‬‬
‫‪m‬‬

‫بي بن �سلول زعيم املنافقني ي�ستغل جاريتني يعمالن عنده يف‬ ‫وكان عبداهلل بن أُ� ّ‬
‫اكت�ساب املال بالزنا قبل الإ�سالم‪ ،‬فلما �أ�سلمتا ت�أ َّثمتا من ذلك‪ ،‬ف�أجربهما‪ ،‬ف�أنزل اهلل تعاىل‬
‫اخلدري ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدنيا‪ )1052 -‬عن �أبي �سعيد‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم (التف�سري‪ /‬قوله تعاىل‪ :‬ﱫﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﱪ ‪ )3029 -‬عن جابر ‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪144‬‬

‫فيه وفيهما‪ :‬ﱫﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬


‫لهن ال له(‪.)1‬‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﱪ [النور‪� ]33 :‬أي غفو ٌر رحيم ّ‬
‫ولقوله ‪�( :‬إنه ال يدخل اجلنة حلم نبت من �سحت‪ ،‬النار �أوىل به)(‪.)2‬‬
‫‪o‬‬

‫وعن �أن�س ‪�( :‬أن ر�سول اهلل لعن يف اخلمرة ع�شرة‪ :‬عا�صرها‪ ،‬واملع�صورة له‪،‬‬
‫‪b‬‬

‫و�شاربها‪ ،‬و�ساقيها‪ ،‬وامل�سقى له‪ ،‬وحاملها‪ ،‬واملحمولة له‪ ،‬وامل�شرتي‪ ،‬وامل�شرتى له‪ ،‬و�آكل‬
‫ثمنها)(‪.)3‬‬
‫‪e‬‬

‫وعن جابر بن عبد اهلل ‪( :‬لعن ر�سول اهلل �آكل الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬و�شاهديه‪،‬‬
‫‪ik‬‬

‫وكاتبه‪ ،‬وقال «هم �سواء«)(‪ ،)4‬وعن �أبي جحيفة ‪( :‬نهى ر�سول اهلل عن ثمن الدم‪،‬‬
‫البغي)(‪ ،)5‬وما تقدم مناذج من الك�سب اخلبيث‪ ،‬يقا�س عليها غريها‬
‫وثمن الكلب‪ ،‬وك�سب ّ‬
‫من املحرمات‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫< ولأن العمل و�سيلة للك�سب واملعي�شة‪ ،‬واملعي�شة و�سيلة لعبادة اهلل تعاىل‪ ،‬والغاية ال تربر‬
‫‪n‬‬

‫الو�سيلة‪ ،‬ف�إذا كانت الغاية من اخللق هي العبادة‪ ،‬فيجب �أن تكون و�سيلتها مباحة‪ ،‬ال �أن‬
‫‪d‬‬

‫يكت�سب الإن�سان من احلرام ثم يت�صدق به‪ ،‬ويبني به امل�ساجد! قال النبي ‪�( :‬إن اهلل‬
‫ط ِّي ٌب ال يقبل �إال طيب ًا‪ ،‬و�إن اهلل �أمر امل�ؤمنني مبا �أمر به املر�سلني فقال‪ :‬ﱫﮡ ﮢ‬
‫‪l.‬‬

‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﱪ [امل�ؤمنون‪ ]51 :‬وقال‪ :‬ﱫﭽ ﭾ ﭿ‬


‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﱪ [البقرة‪ ،]172 :‬ثم ذكر الرجل يطيل ال�سفر �أ�شعث �أغرب‪ ،‬مي ُّد‬
‫‪c‬‬

‫يديه �إىل ال�سماء‪ :‬يا رب يا رب‪ .‬ومطعمه حرام‪ ،‬وم�شربه حرام‪ ،‬وملب�سه حرام‪ُ ،‬‬
‫وغ ِّذي‬
‫باحلرام ف�أنى ي�ستجاب لذلك؟!)(‪)6‬‬
‫‪o‬‬

‫(‪ )2‬تقدم قريب ًا‪.‬‬


‫‪m‬‬

‫(‪ )3‬رواه ال�ضياء يف املختارة (‪ )182/6‬وقال‪� :‬إ�سناده ح�سن‪.‬‬


‫(‪ )4‬رواه م�سلم (امل�ساقاة‪ /‬لعن �آكل الربا وموكله ‪.)1598 -‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري (اللبا�س‪ /‬من لعن امل�صور ‪.)5617 -‬‬
‫(‪ )6‬رواه م�سلم (الزكاة‪ /‬قبول ال�صدقة من الك�سب الطيب ‪ )1015 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم (امل�ساقاة‪� /‬أخذ احلالل وترك ال�شبهات ‪ )1599 -‬عن النعمان بن ب�شري ‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫وميكن �أن تكون الوظيفة م�شتمل ًة على احلالل واحلرام‪ ،‬من خالل ر�أ�س مالها‪� ،‬أو بع�ض‬
‫�أن�شطتها‪ ،‬ويف هذه احلالة تكون م�شتبهة‪ ،‬والعمل فيها مكروه‪ ،‬لقوله ‪�( :‬إن احلالل بينِّ‬
‫ري من النا�س‪ ،‬فمن اتقى ال�شبهات ا�سترب أ�‬
‫و�إن احلرام بينِّ ‪ ،‬وبينهما م�شتبهات ال يعلمهن كث ٌ‬
‫‪o‬‬

‫احلمى يو�شك �أن‬ ‫لدينه وعر�ضه‪ ،‬ومن وقع يف ال�شبهات وقع يف احلرام‪ ،‬كالراعي يرعى حول ِ‬
‫يرتع فيه‪� ،‬أال و�إن لكل ملك حمى‪� ،‬أال و�إن حمى اهلل حمارمه)(‪)1‬‬
‫‪b‬‬

‫والتحرمي يتناول جهة الن�شاط‪� ،‬أو جهة م�صدر الدخل‪� ،‬أو جهة خمالفة الأنظمة‪...‬‬
‫‪e‬‬

‫ومثال ذلك يف الن�شاط التجاري‪� :‬أن يكون العمل قائم ًا على ن�شر املعامالت الربوية‪� ،‬أو‬
‫�صناعة اخلمر‪� ،‬أو الأ�صنام‪� ،‬أو ت�صوير مفاتن الن�ساء �أمام الرجال الأجانب ونحو ذلك‪ ،‬فهذه‬
‫‪ik‬‬

‫الأعمال حمرم ٌة �شرع ًا‪ ،‬وما ينبني عليها من �أجو ٍر حمر ٌم �أي�ض ًا؛ لأن اهلل تعاىل �إذا ح َّرم �شيئ ًا‬
‫ح َّرم ثمنه‪ ،‬ولأن ما يبنى على الباطل فهو باطل‪ .‬قال ‪( :‬لعن اهلل اليهود‪ ،‬حرم اهلل عليهم‬
‫‪a‬‬

‫ال�شحوم‪ ،‬فجملوها (�أذابوها) فباعوها)(‪)2‬‬


‫‪n‬‬

‫ومثال ذلك يف م�صدر الدخل‪� :‬أن يكون كل ر�أ�س مال العمل ربوي ًا‪� ،‬أو نتيجة تقدمي خدمات‬
‫حم َّرمة‪� ،‬أو ت�أجري مبانٍ للأن�شطة املحرمة �شرع ًا‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫ومثال ذلك يف خمالفة الأنظمة‪� :‬أن يكون العمل املطلوب من املوظف يت�ضمن دفع ر�شوة‪� ،‬أو‬
‫‪l.‬‬

‫�إنتاج �أو بيع مواد خمالفة للنظام‪ ،‬كاملنتجات املغ�شو�شة‪� ،‬أو املوا ّد املمنوعة �صحي ًا‪� ،‬أو خ ُلقي ًا‪.‬‬
‫‪c‬‬

‫ال�شرط الثاين‪� :‬أن تكون نافعة‪:‬‬


‫فالهدف من الوظيفة �أن ينفع الإن�سان نف�سه‪ ،‬وجمتمعه‪ ،‬وبلده‪ ،‬و�إخوانه امل�سلمني‪ ،‬قال‬
‫‪o‬‬

‫‪( :‬على كل م�سلم �صدقة) قالوا‪ :‬ف�إن مل يجد؟ قال‪( :‬يعمل بيده فيت�صدق)(‪.)3‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )2‬رواه البخاري (البيوع‪/‬ال يذاب �شحم امليتة وال يباع ‪ )2110 -‬وم�سلم (امل�ساقاة‪/‬حترمي بيع اخلمر وامليتة‬
‫واخلنزير والأ�صنام ‪ )1582 -‬عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه عن �أبي مو�سى الأ�شعري (البخاري‪ :‬الزكاة‪�/‬صدقة الك�سب والتجارة ‪ ،1376 -‬وم�سلم‪:‬‬
‫الزكاة‪/‬بيان �أن ا�سم ال�صدقة يقع على كل نوع من املعروف ‪.)1008 -‬‬
‫(‪ )1‬الوزير يحيى بن هبرية (قيمة الزمن عند العلماء لعبدالفتاح �أبوغدة‪.)61 :‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪146‬‬

‫أبواب كثرية؛ منها االجتماعي‪ ،‬واالقت�صادي‪ ،‬والأخالقي‪ ،‬وال خري يف وظيفة ال نفع‬
‫والنفع � ٌ‬
‫فيها‪ ،‬ف�ض ًال عن كونها �ضا ّرة؛ ف�إن وقت الإن�سان نفي�س‪ ،‬فلي�س من احلكمة ت�ضييعه يف عملٍ ال‬
‫فائدة فيه‪ ،‬قال اهلل �سبحانه‪ :‬ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬
‫‪o‬‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﱪ‬
‫[الكهف‪ ]28 :‬فالكافر �أمره فرط ال هدف له يف حياته‪� ،‬أما امل�ؤمن فال ي�ضيع دقيق ًة من وقته‬
‫‪b‬‬

‫ال ي�ستفيد منها‪ ،‬كما قيل(‪:)1‬‬


‫‪e‬‬

‫والوق ُـت �أنف ـ ُـ�س ما ُع ِنـ ـي ــت بح ـفـظ ــه‬


‫و�أراه �أ�س ـه ــل م ــا عـ ـلـ ـي ــك ي ــ�ض ـي ـ ـ ـ ُع‬
‫‪ik‬‬

‫و�إذا كان الأمر كذلك فكيف ير�ضى امل�سلم �أن يعمل يف وظيف ٍة ملدة ثماين �ساعات‬
‫خم�سة �أيام يف الأ�سبوع =‪� 6‬أيام يف ال�شهر = ‪ 72‬يوم ًا يف ال�سنة = �أي �أن ي�ستنفد من‬
‫‪a‬‬

‫عمره �شهرين ون�صف �سنوي ًا دون فائدة تعود للمجتمع!! ف�ض ًال عن �أن تكون �ضار ًة له‬
‫‪n‬‬

‫وللب�شرية‪.‬‬
‫واحل�سي؛ فال�ضرر املعنوي هو الإ�ضرار‬ ‫وال�ضرر هنا ي�شمل ال�ضرر املعنوي والأخالقي‬
‫‪d‬‬

‫ِّ‬
‫أفالم �أو �إ�صدارات �إلكرتونية ت�شكك يف العقيدة الإ�سالمية‪،‬‬
‫بعقيدة الإن�سان وفكره‪ ،‬ك�إنتاج � ٍ‬
‫‪l.‬‬

‫�أو تن�شر الإحلاد �أو الن�صرانية‪� ،‬أو طباعة الكتب التي تتناول ذلك‪.‬‬
‫وال�ضرر الأخالقي هو �إف�ساد �أخالق املجتمع ك�شركات الإعالم الفا�ضحة‪ ،‬و�إ�شاعة العري‪،‬‬
‫‪c‬‬

‫ومواقع الإنرتنت الإباحية‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫احل�سي هو الإ�ضرار باجل�سد وال�صحة‪ ،‬مثل ت�أ�سي�س �شركات التدخني �أو اخلمور‬ ‫وال�ضرر ِّ‬
‫والعمل فيها‪� ،‬أو زراعة املخدرات �أو ت�صنيعها‪� ،‬أو �صناعة املنتجات ال�ضارة بال�صحة كالأدوية‬
‫‪m‬‬

‫املق َّلدة واملغ�شو�شة‪� ،‬أو ت�سويق و�إنتاج املوا ّد الغذائية النباتية واحليوانية املط ّعمة بالكيماويات‬
‫ال�ضا َّرة �أو ِّ‬
‫املتغذية بها‪.‬‬
‫و�صححه احلاكم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬رواه الدارقطني (‪ )77/3‬واحلاكم (‪ )66/2‬عن �أبي �سعيد اخلدري‬
‫‪147‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫ف�إذا ت�ضمنت الوظيفة �ضرر ًا متيقَّن ًا على النف�س‪� ،‬أو املجتمع‪� ،‬أو البلد‪ ،‬ح ُرمت؛ لأن ال�ضرر‬
‫من�صو�ص على حترميه يف ال�شرع‪ ،‬يف قوله ‪( :‬ال �ضرر وال �ضرار)(‪ ،)1‬وقوله ‪( :‬من‬ ‫ٌ‬
‫�ضا ّر �ضا ّر اهلل به)(‪.)2‬‬
‫‪o‬‬

‫واحد منا ال يقبل‬‫وكيف ير�ضى امل�سلم �أن ي�ستفيد هو على ح�ساب غريه؟ و�إذا كان كل ٍ‬
‫ال�ضرر على نف�سه من الآخرين‪ ،‬فكذلك ينبغي �أن ينظر �إىل ما ينتج عن ال�شركة �أو امل�ؤ�س�سة‬
‫‪b‬‬

‫التي يعمل بها‪ ،‬هل فيها �إ�ضرا ٌر بالآخرين �أم ال‪ .‬ف�إن النبي قال‪( :‬من كان ي�ؤمن باهلل‬
‫‪e‬‬

‫واليوم الآخر فلت�أته من َّيته وهو ي�ؤمن باهلل واليوم الآخر‪ ،‬ولي� ِأت �إىل النا�س الذي يحب �أن‬
‫ي�أتوه)(‪.)3‬‬
‫‪ik‬‬

‫وقد يقال �إن هذه الأعمال فيها فائدة لبع�ض النا�س من ناحية جتارية �أو ترفيهية‪،‬‬
‫واجلواب‪� :‬إن العربة بالغالب‪ ،‬فقد ح َّرم اهلل تعاىل اخلمر مع �أن فيها منافع للنا�س؛ قال‬
‫‪a‬‬

‫�سبحانه‪ :‬ﱫﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ‬


‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﱪ [البقرة‪.]219 :‬‬
‫‪n‬‬

‫ونهى اهلل عن ت�شغيل الن�ساء والفتيات يف البغاء والدعارة مع �أن فيها م�صلحة جتارية؛‬
‫‪d‬‬

‫قال عز وجل‪ :‬ﱫﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﱪ [النور‪.]33 :‬‬


‫‪l.‬‬

‫وك ّل ال�شركات الربحية فيها منافع اقت�صادية لأفراد �أو فئات �أو دول‪ ،‬ولكن �إذا كانت‬
‫املنافع االقت�صادية والتجارية تتعار�ض مع املبادئ والقيم ف�إنها تبطل‪ ،‬وهو ما يعرف �شرع ًا‬
‫‪c‬‬

‫بامل�صالح امللغاة‪ ،‬فاحلفاظ على النفو�س م�صلحة مق�صودة ولكنها تلغى يف اجلهاد يف‬
‫�سبيل اهلل من �أجل ن�شر الدين الذي هو �أهم من النفو�س‪ ،‬وبناء الكعبة على قواعد �إبراهيم‬
‫‪o‬‬

‫أهم منها وهو عدم فتنة‬‫م�صلحة ولكنها أُ�لغ َيت يف �أول الإ�سالم لأنها تتعار�ض مع ما هو � ّ‬
‫‪m‬‬

‫الكفار وحديثي الإ�سالم عن الدين‪.‬‬


‫وح�سنه‬
‫َّ‬ ‫(‪ )2‬رواه �أحمد (‪ )453/3‬و�أبوداود (‪ )315/3‬والرتمذي (‪ )332/4‬وابن ماجة (‪ )785/2‬عن �أبي �صرمة‬
‫الرتمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدّم �ص ‪.82‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ )465/4‬عن عمر بن اخلطاب ‪ ،‬و�صححه‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪148‬‬

‫ال�شرط الثالث‪� :‬أال ت�ستلزم خلوة بني الرجل واملر�أة‬


‫حر�ص ًا من ال�شريعة الإ�سالمية على احلفاظ على الأعرا�ض والأن�ساب والعفاف ُ�شرِ ع‬
‫ربج املر�أة �أمام الرجال‪ ،‬وعدم‬
‫غ�ض الب�صر‪ ،‬وعدم �سفر املر�أة وحدها دون حمرم‪ ،‬وعدم ت ُّ‬ ‫ّ‬
‫‪o‬‬

‫‪( :‬ال يخلون رج ٌل بامر�أة �إال كان ثالثهما ال�شيطان)(‪)1‬‬


‫ّ‬ ‫اخللوة بني الرجل واملر�أة‪ ،‬لقوله‬
‫و�سبب هذا �أن اخللوة و�سيل ٌة لالت�صال املحرم بينهما‪ ،‬والو�سائل لها �أحكام املقا�صد‬
‫‪b‬‬

‫والغايات‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫املظان التي يكرث فيها االختالط بني اجلن�سني كامل�ست�شفيات‪ ،‬لذا ف�إن‬‫ّ‬ ‫و�أماكن العمل من‬
‫امل�سلم يحر�ص على التو ُّرع عن اخللوة املح َّرمة منع ًا للفتنة‪ ،‬و�س ّد ًا للذريعة‪ ،‬وحفاظ ًا على‬
‫‪ik‬‬

‫وال�سمعة‪ ،‬ودرء ًا لإ�ساءة الظن‪.‬‬


‫العفة ُّ‬
‫ومن الأ�ضرار التي ميكن ح�صولها باالختالط بني اجلن�سني يف العمل‪:‬‬
‫‪a‬‬

‫• الت�ساهل يف النظر بينهما و�صعوبة غ�ض الب�صر‬


‫‪n‬‬

‫والتب�سم وال�ضحك واملمازحة ورمبا اللم�س‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫والتب�سط‬
‫ُّ‬ ‫• الت�ساهل يف احلديث‬
‫‪d‬‬

‫• الت�ساهل يف اخللوة‬
‫• التز ُّين من ٍّ‬
‫‪l.‬‬

‫كل منهما للآخر‬


‫• االطالع على العورات غري املق�صود‬
‫‪c‬‬

‫• ان�شغال الذهن عن العمل‬


‫‪o‬‬

‫ف�إذا كان ذلك يف االختالط ففي اخللوة من باب �أوىل‪.‬‬


‫‪m‬‬

‫مطلب ال تنفرد به الدول الإ�سالمية‪ ،‬بل‬‫ٌ‬ ‫وف�صل الرجال عن الن�ساء يف العمل والدرا�سة‬
‫تطالب به الن�سوة يف الدول العلمانية �أي�ض ًا من باب اخل�صو�ص َّية‪ ،‬واجلد َّية يف العمل‪ ،‬ومنع‬
‫التح ُّر�شات وامل�ضايقات‪:‬‬
‫(‪ )1‬موقع مفكرة الإ�سالم يف الإنرتنت يف ‪� 2‬صفر ‪ 1427‬هـ املوافق ‪ 2‬مار�س ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫ففي جمال التنقل للعمل‪ :‬ن�شرت وكاالت الأنباء الآتي‪ :‬قال «جوبرت فلوري�س»‪ ،‬املتحدث‬
‫با�سم �شبكة قطارات ريو دي جانريو «مرتو ريو»‪� :‬إن ريو دي جانريو‪ ،‬وهى من �أكرب مدن‬
‫الربازيل خ�ص�صت عربات «للن�ساء فقط» ب�شبكة قطارات املدينة وفى �شبكة القطارات‬
‫‪o‬‬

‫الإقليمية حلماية الراكبات الإناث من التحر�ش اجلن�سي‪.‬‬


‫وت�شكو الن�ساء باملدينة ب�صورة متزايدة من تعر�ضهن لالحتكاك اجل�سدي بالرجال فى‬
‫‪b‬‬

‫العربات املكتظة‪.‬‬
‫‪e‬‬

‫واخلرب الثاين من نيودلهي وكاالت الأنباء الأملانية‪ :‬بد�أت �شركة اخلطوط ال�شمالية‬
‫لل�سكك احلديدية بالهند فى تخ�صي�ص عدد من عربات القطارات للن�ساء فقط‪.‬‬
‫‪ik‬‬

‫وقامت ال�شركة بطالء العربات املخ�ص�صة للن�ساء باللون الأحمر وكتبت عليها من اخلارج‬
‫كلمة «�سيدات» باللغة الهندية �إ�ضافة اىل و�ضع �صورة ل�سيدة على مدخل كل عربة‪.‬‬
‫‪a‬‬

‫و�أو�ضح بي كيه جويل املدير الإقليمي لل�شركة‪� :‬أن هذا الإجراء اتخذ لتجنيب ال�سيدات‬
‫‪n‬‬

‫الالتي ي�سافرن مبفردهن التعر�ض لأي م�ضايقات �أو مالحظات غري الئقة‪.‬‬
‫‪d‬‬

‫واخلرب الثالث‪ :‬قال متحدث با�سم �شركة كيو �إلكرتيك اليابانية‪� :‬إن �شركته تلقت يف العام‬
‫‪ 1999‬مئات ال�شكاوي من ال�سيدات ترتكز حول تعر�ضهن لتحر�شات‪ ،‬ف�ض ًال عن مئات �أخري‬
‫‪l.‬‬

‫يخ�شى �أ�صحابها من الإبالغ عنها‪ ،‬مما جعلها تعلن عن عزمها تخ�صي�ص عربات منف�صلة‬
‫لل�سيدات (فقط) يف الأوقات املت�أخرة من الليل‪ ،‬بخطوطها التي تخدم املناطق الغربية من‬
‫‪c‬‬

‫العا�صمة‪ ،‬خالل مدة �إجازات بداية العام اجلديد‪.‬‬


‫‪o‬‬

‫ويذكر �أن التحر�شات اجلن�سية مبرتو الأنفاق والقطارات تعد �أخطر م�شكلة تواجه‬
‫ال�سيدات يف اليابان‪ ،‬لدرجة �أنه تقرر تخ�صي�ص �شرطة ن�سائية يف املحطات الكربى لتلقي‬
‫‪m‬‬

‫ال�شكاوي فيها واعتقال مرتكبيها!‬


‫وقد يقال‪� :‬إن هذه الأخبار ال تدل على امل�ضايقات يف العمل‪ ،‬ولكن الواقع �أن هذه امل�شكالت‬
‫وقعت ب�سبب خروج املر�أة لعملها يومي ًا بالقطار‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪150‬‬

‫�أما يف التعليم‪ :‬فقد �أو�ضح م�س�ؤول كبري يف البيت الأبي�ض �أن الإدارة ت�شجع العودة �إىل‬
‫عدم االختالط بني البنني والبنات يف املدار�س العامة يف �إطار �إ�صالح الرتبية‪ ،‬كما �أو�ضح‬
‫�أن املدار�س التي تود الف�صل بني البنني والبنات �ستمنح متوي ًال يفوق املدار�س التي �ستختار‬
‫‪o‬‬

‫الإبقاء على النظام املختلط‪.‬‬


‫وقال �أحد رجال القانون املتخ�ص�صني يف النظام الرتبوي بالواليات املتحدة‪� :‬إن العديد‬
‫‪b‬‬

‫من الدرا�سات التي �أجريت مب�ساهمة طالب وطالبات‪� ،‬أظهرت �أنه يف بع�ض مراحل منوهم‪,‬‬
‫‪e‬‬

‫ينجز الفتيان والفتيات درا�ستهم بطريقة �أف�ضل حني ال يكونون خمتلطني‪.‬‬


‫‪ik‬‬

‫ويف جتربة قادتها م�س�ؤولة �أمريكية عن ف�صل البنات عن البنني يف املدار�س الثانوية‬
‫جاء على ل�سانها �أنه بعد عامني من التجربة �أثبت التطبيق الوا�سع لهذا النظام �أن الطالبة‬
‫يف الف�صول املتماثلة �أكرث قدرة على التفكري‪ ،‬و�أ�سرع ا�ستجابة لتقبل املعلومة‪ ،‬و�أكرث تركيز ًا‬
‫‪a‬‬

‫وا�ستيعاب ًا للمادة‪ ،‬بد ًال من االن�شغال الذهني بزميلها املجاور(‪.)1‬‬


‫‪n‬‬

‫أحب �أن �أ�شري هنا �إىل �أن منع االختالط واخللوة ال يعني �أن ال تعمل املر�أة عم ًال تكت�سب‬
‫و� ّ‬
‫كن يبعن وي�شرتين على عهد النبي دون �إنكار منه(‪.)2‬‬ ‫به‪ ،‬فالن�ساء ّ‬
‫‪d‬‬

‫ويعجب املرء من بع�ض الأنظمة الدولية التي تقول‪� :‬إن الف�صل املهني بني اجلن�سني لي�س‬
‫‪l.‬‬

‫�ضار ًا باملر�أة فح�سب‪ ،‬بل هو �أي�ض ًا م�صدر رئي�س لفقدان الكفاءة االقت�صادية‪.‬‬
‫ويت�ساءل املرء‪ :‬كيف حتققت الكفاءة االقت�صادية �إذ ًا يف املجتمعات الإ�سالمية الأوىل؟‬
‫‪c‬‬

‫بل كيف حتققت يف اململكة العربية ال�سعودية مع وجود الف�صل بني اجلن�سني؟ وكيف غابت‬
‫‪o‬‬

‫(‪ )2‬عن الرب ِّيع بنت مع ّوذ ر�ضي اهلل عنها‪ :‬كانت �أ�سماء بنت خمربة تبيع العطر باملدينة (رواه �إ�سحاق بن‬
‫ب�سند ح�سن‪ .)142/5 :‬وعن �أن�س قال‪ :‬كانت باملدينة امر�أة عطارة ت�سمى حوالء‬ ‫راهوية يف م�سنده ٍ‬
‫‪m‬‬

‫بنت ثويب (رواه الطرباين يف الأو�سط ب�سند فيه �ضعف‪ :‬جممع الزوائد‪ .)292/4 :‬وقال الكتاين‪ :‬كانت‬
‫مليكة والدة ال�سائب بن الأقرع تبيع العطر‪ ،‬وكانت �أم امل�ؤمنني زينب بنت جح�ش ر�ضي اهلل عنها امر�أة‬
‫�صناع اليد‪ ،‬فكانت تدبغ وتخرز وتت�صدق به‪ .‬وقالت قيلة الأمنارية‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬إين امر�أة �أ�شرتي‬
‫و�أبيع‪( .‬الكتاين‪/‬امل�صدر ال�سابق‪.)40/2، 52، 116 :‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي و�صححه‪ ،‬وتقدم‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫الأخالق الوظيفية‬

‫الكفاءة االقت�صادية مع عدم وجود الف�صل بني اجلن�سني يف كث ٍري من الدول؟! ومنها الدول‬
‫الأكرث فقر ًا يف العالمَ ‪.‬‬

‫ال�شرط الرابع‪ :‬الوفاء بالعقد‪:‬‬


‫‪o‬‬

‫لقوله �سبحانه‪ :‬ﱫﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﱪ [املائدة‪ ،]1:‬وقوله عز وجل‪ :‬ﱫﯚ‬


‫‪b‬‬

‫ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﱪ [الإ�سراء‪ ،]34 :‬وقوله ‪( :‬امل�ؤمنون عند �شروطهم)(‪ ،)1‬ما مل‬


‫يت�ضمن العقد حمرم ًا‪ ،‬ف�إنه ال يجوز حينئذ االلتزام به‪ ،‬لقوله ‪( :‬من ا�شرتط �شرط ًا لي�س‬
‫‪e‬‬

‫يف كتاب اهلل فهو باطل و�إن ا�شرتط مئة �شرط)(‪.)2‬‬


‫‪ik‬‬

‫ومن الوفاء بالعقد توفية الأجري �أجره تام ًا ح�سب االتفاق‪ ،‬لقوله (ثالثة �أنا خ�صمهم‬
‫يوم القيامة‪ :‬رج ٌل �أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورج ٌل باع حر ًا ف�أكل ثمنه‪ ،‬ورج ٌل ا�ست�أجر �أجري ًا‬
‫يعطه �أجره)(‪.)3‬‬
‫فا�ستوفى منه ومل ِ‬
‫‪a‬‬

‫فال يجوز ت�أخري �إعطاء العامل �أجره الذي كان ينتظره طوي ًال‪ ،‬بل الواجب �إعطا�ؤه الأجر‬
‫‪n‬‬

‫مبجرد انتهائه من عمله‪� ،‬أو يف الوقت املتفق عليه بينه وبني رب العمل‪ ،‬قال �سبحانه يحكي‬
‫قول ابنة الرجل ال�صالح‪ :‬ﱫﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﱪ [الق�ص�ص‪ ،]25 :‬وقال‬
‫‪d‬‬

‫تعاىل عن مو�سى واخل�ضر‪ :‬ﱫﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﱪ‬


‫يجف عرقه)(‪ ،)4‬وقال ‪( :‬مطل‬ ‫[الكهف‪ ،]77 :‬وقال ‪�( :‬أعطوا الأجري �أجره قبل �أن ّ‬
‫‪l.‬‬

‫يل الواجد يح ّل عر�ضه وعقوبته)(‪)6‬‬


‫الغني ظلم)(‪ ،)5‬وقال‪ُّ ( :‬‬
‫واللي هو املطل �أي الت�أخري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪c‬‬

‫(‪ )2‬رواه البخاري (البيوع‪/‬البيع وال�شراء مع الن�ساء ‪ )2047 -‬وم�سلم (العتق‪�/‬إمنا الوالء ملن �أعتق ‪)1504 -‬‬
‫عن �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري عن �أبي هريرة وتقدم‪.‬‬
‫‪o‬‬

‫ب�سند ح�سن لغريه (الرتغيب والرتهيب للمنذري‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )4‬رواه الطحاوي‪ ،‬والبيهقي (‪ )121/6‬عن �أبي هريرة‬
‫‪ ،15/3‬وفي�ض القدير‪.)563/1 :‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪ )5‬رواه البخاري (احلواالت‪/‬احلوالة ‪ )2166 -‬وم�سلم (امل�ساقاة‪/‬حترمي مطل الغني ‪ )1564 -‬عن �أبي‬
‫هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه �أبوداود (‪ )313/3‬والن�سائي (‪ )316/7‬وابن ماجة (‪ )811/2‬عن ال�شريد بن �سويد الثقفي ‪ .‬و�صححه‬
‫احلاكم (‪ )102/4‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (البيوع‪�/‬إذا ا�شرتى �شيئا لغريه بغري �إذنه فر�ضي ‪ )2102 -‬عن ابن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫�أخالقيات املهنة يف الإ�سالم‬ ‫‪152‬‬

‫ري من احلاالت التي �أخَّ ر فيها �أرباب الأعمال �أجور عمالهم‪ ،‬ف�أدى ذلك‬
‫وقد ا�شتهرت كث ٌ‬
‫�إىل كرثة اجلرمية من قبل العمالة الوافدة‪ ،‬والعمل غري النظامي يف غري �أوقات العمل‬
‫لتغطية النفقات ال�شخ�صية للعامل‪ ،‬واالعتداء على بع�ض �أ�صحاب الأعمال‪ ،‬وال�شكاوى يف‬
‫تغ�ص بذلك‪ ،‬وهو ظلم ال ير�ضاه اهلل تعاىل وال امل�ؤمنون‪ ،‬ويجب معاقبة كل من‬ ‫مكاتب العمل ّ‬
‫‪o‬‬

‫يظلم عباد اهلل‪ ،‬ويفتح باب اجلرمية والف�ساد يف املجتمع بطريق ٍة غري مبا�شرة‪ ،‬ويخالف‬
‫‪b‬‬

‫نظام العمل املو�ضوع من قبل الدولة‪.‬‬


‫وبعك�س ذلك يف اجلانب الإيجابي توجد فئ ٌة من �أ�صحاب الأعمال يح�سنون �إىل العامل‬
‫‪e‬‬

‫فيعطونه �أجره قبل انتهاء املدة‪� ،‬أو ين ُّمونه له‪� ،‬أو يعطونه �أجر ًا �إ�ضافي ًا �إذا ر�أوا ن�شاطه‪،‬‬
‫‪ik‬‬

‫وذلك من الإح�سان �إىل عباد اهلل‪ ،‬قال �سبحانه‪ :‬ﱫﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﱪ [البقرة‪:‬‬


‫‪ ]195‬ولنت�أمل �أمانة ذلك الرجل الذي ا�ست�أجر �أجري ًا ثم ذهب الأجري دون �أخذ �أجرته‪،‬‬
‫فماذا فعل رب املال؟ مناه له حتى جاء وطلبه! وذلك يف حادثة النفر الثالثة امل�شهورة‬
‫‪a‬‬

‫الذين �آواهم املبيت �إىل غار‪ ،‬ثم تدحرجت �صخرة ف�س َّدت عليهم الغار‪ ،‬فتو�سلوا �إىل اهلل‬
‫‪n‬‬

‫ب�أف�ضل �أعمالهم‪.‬‬
‫قال ‪( :‬قال الثالث‪ :‬اللهم �إين ا�ست�أجرت �أجراء ف�أعطيتهم �أجرهم‪ ،‬غري رجل واحد‬
‫‪d‬‬

‫ترك الذي له وذهب‪ ،‬فث َّمرت �أجره حتى كرثت منه الأموال‪ ،‬فجاءين بعد حني‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫‪l.‬‬

‫يل �أجري‪ ،‬فقلت له‪ :‬كل ما ترى من �أجلك من الإبل والبقر والغنم والرقيق‪.‬‬ ‫عبداهلل‪� ،‬أ ِّد إ� َّ‬
‫فقال‪ :‬يا عبداهلل‪ ،‬ال ت�ستهزئ بي‪ .‬فقلت‪� :‬إين ال �أ�ستهزئ بك‪ .‬ف�أخذه كله فا�ستاقه فلم يرتك‬
‫فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا ما نحن فيه‪ ،‬فانفرجت‬ ‫كنت ُ‬ ‫منه �شيئ ًا‪ .‬اللهم ف�إن ُ‬
‫‪c‬‬

‫ال�صخرة‪ ،‬فخرجوا مي�شون)(‪.)1‬‬


‫‪o‬‬
‫‪m‬‬

‫(‪� )1‬صحيح البخاري (العلم‪/‬ف�ضل العلم ‪ )59 -‬عن �أبي هريرة ‪.‬‬

You might also like