Professional Documents
Culture Documents
جودة الحياة ومعاييرها الإسلامية
جودة الحياة ومعاييرها الإسلامية
:ملخص
سواء، وله استخداماته يف الكثري من جماالت احلياة، بل هو متقدم قدمي،إن مصطلح اجلودة ليس وليد العصر املعاصر
وقد عاجل اإلسالم، اإلحكام، التجويد، اإلحسان، واملفردات املماثلة هلا يف الشريعة اإلسالمية هي اإلتقان،كانت دينية أو دنيوية
. وإتقان األعمال جاءت به النصوص الشرعية من القرآن الكرمي والسنة النبوية،إصالح العمل بإتقان
.وإن ارتباط جودة احلياة بالقيم اإلسالمية حيمي مفهومها من االحنراف حنو االجتاهات النفعية اجملردة من القيم واملبادئ
واملعايري الدنيوية هي، ومعايري اجلودة يف اإلسالم تتمثل يف معايري دنيوية وآخروية،ولتقييم اجلودة يف احلياة تتطلب معايري
فتتمثل يف شعور اإلنسان باملسؤولية والرقابة اإلهلية؛ ألن، أما املعايري اآلخروية،الدقة والوضوح واالتقان والرغبة واالستمرارية
. األعمال مرتبطة باجلزاء
. املعايري اإلسالمية- جودة احلياة – معايري اجلودة – أمهية اجلودة:الكلمات المفتاحية
Abstract:
The term quality is not the product of modern times, but it is an old advanced, and
has its uses in many areas of life, whether religious or worldly, and similar vocabulary
in Islamic law is mastery of work, optimizing, rules, and Islam has dealt with the
reform of work well, and the perfection of the works came from the texts of the
legitimacy of the Holy Quran and Sunnah.
The association of quality of life with Islamic values protects its concept from
deviation towards utilitarian trends devoid of values and principles.
Quality in life require standards, quality standards in Islam are worldly and
afterlife, and worldly standards are precision, clarity, perfection, desire and continuity.
The afterlife criteria are the human sense of responsibility and Divine control.
Keywords: Quality of life - Quality standards - Importance of Quality - Islamic
standards.
مقدمة:
جاءت الشريعة اإلسالمية ساعية إىل حتقيق مصاحل العباد آجالً أو عاجالً ،ومن مقاصدها حتقيق أرقى وأتقن اإلنتاجات
اإلنسانية ،سواء على مستوى العبادات أو املعامالت ويف مجيع جماالت احلياة؛ ألن الشريعة اإلسالمية صاحلة لكل زمان ومكان،
وتسعى دائماً حتقيق لإلنسان حياة حضارية راقية لعيش كرمي ،ومن مطالبها جتويد األقوال واألعمال طبقاً لنصوص من القرآن الكرمي
والسنة النبوية وأقوال الصحابة واجتهادات العلماء الذين عملوا على إرساء القواعد األساسية ألصول التشريع.
ومل يتناول اجلودة من وجهة النظر الشرعي إال القليل من األحباث ،وأغلب ما نشر عنها من موضوعات متثلت يف بعض
التطبيقات الدينية ،فندرت الكتابات واألحباث يف جمال قواعد جتويد العمل وإتقانه ومشوله جلوانب احلياة يف احلضارة اإلسالمية
مقارنة ما كتبه الغرب عن اجلودة.
وسبق اإلسالم غريه من املدارس واالجتاهات الغربية ،فلما كان اإلسالم يدعو إىل تنمية كل القطاعات يف القرن السادس
امليالدي ،كان التجاريون يف القرن السادس عشر يركزون على التجارة ،أما الطبيعيون يف القرن الثامن عشر ،فكان اهتمامهم
بالزراعة باعتبارها العامل الوحيد لتحصيل الثروة ،وأمهل الرأمساليون جمال اخلدمات لرتكيزهم على املادية ،وهناك كثري من اآليات
واألحاديث وأقوال الصحابة رضي اهلل عنهم اليت تدل على اهتمام اإلسالم باإلتقان واجلودة؛ ألنه دين يغذي اجلانب الروحي
واملادي لإلنسان.
ويرى العامل اليوم حاجة حياة اإلنسان إىل اجلودة من أجل بلوغ أهدافه وحتقيق مراميه ،ومل يقتصر األمر على ضبط اجلودة
يف املؤسسات الصناعية والتجارية واملالية واالقتصادية ،حىت أنه امتد االهتمام باجلودة يف بعض مؤسسات اجملتمع املدين وغريها.
ونسعى من خالل هذا البحث تأصيل اجلودة من الكتاب والسنة النبوية ،وبيان معايريها من املنظور اإلسالمي.
واالشكال املمكن طرحه ملعاجلة هذا املوضوع ،هل الشريعة اإلسالمية مستوعبة ملصطلح جودة احلياة؟ وما هي معايري جودة
احلياة من املنظور اإلسالمي؟
أهداف البحث:
-يهدف هذا البحث لبيان أن جودة احلياة ليس جديدا على الفهم الديين ،وهو مصطلح ليس حديث العصر ،وأنه أصيل
يف الدين اإلسالمي.
-بيان أمهية اجلودة يف حياة اإلنسان.
-الكشف عن معايري جودة احلياة من املنظور اإلسالمي.
منهجية البحث:
يتطلب هذا املوضوع املنهج الوصفي لتعريف اجلودة وحتديد أمهيتها ،واملنهج االستنباطي الستنباط املعايري اإلسالمية جلودة
احلياة من القرآن الكرمي والسنة النبوية.
وحيتوي هذا البحث على مبحثني ،البحث األول يتناول تعريف اجلودة وأمهيتها يف اإلسالم.
أما البحث الثاين ،فنريد من خالله بيان معايري جودة احلياة من املنظور اإلسالمي.
198
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52 :عدد 25 :السنة5252 :
) (1ابن منظور حممد بن مكرم ،لسان العرب ،مادة (جود) ،دار صادر ،بريوت3002 ،م ،ج 2ص.322
) (2أمحد عمر وآخرون ،معجم اللغة العربية املعاصرة ،عامل الكتب ،الرياض ،ط1231(1ه3002/م) ،ج 1ص.214
) (3سورة هود اآلية .1
) (4السعدي ،عبد الرمحن بن ناصر ،تفسري السعدي ،حتقيق عبد الرمحن بن معال اللوحيق ،مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ط1230(1ه3000/م) ،ص.243
) (5الفريوز آبادي حممد بن يعقوب ،بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز ،املكتبة العلمية ،بريوت( ،د ت) ،ص.232
) (6التهانوي حممد علي ،موسوعة كشاف اصطالحات الفنون والعلوم ،حتقيق علي دحروج وآخرون ،مكتبة لبنان ،بريوت ،1113 ،ص.333
) (7سورة العنكبوت اآلية .31
) (8سورة اجملادلة اآلية .11
) (9سورة التوبة اآلية .102
199
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52 :عدد 25 :السنة5252 :
وإن مصطلح اجلودة ليس وليد العصر املعاصر ،بل هو متقدم قدمي ،وله استخداماته يف الكثري من جماالت احلياة ،سواء
كانت دينية أو دنيوية ،وقد ورد عدد من التعريفات للجودة ،فهناك من عرفها بالوصف وهناك من خصصها ،ومنهم من عرفها
تعريفاً عاماً ،ومن هذه التعريفات ما يلي:
عرفها اجلرجاين ،فقال« :اجلود صفة ،وهي مبدأ إفادة ما ينبغي ال بعوض ،فلو وهب واحد كتابه من غري أهله ،أو من أهله،
لغرض دنيوي أو آخروي ال يكون جواداً»).(3
وأهنا« :إتقان الصناعة»).(4
وعرفها إبراهيم طه العجلوين ،فقال« :هي الداللة على حسن املوصوف باجلودة ،إذا استوىف شرائط معينة يف كل جماالت
احلياة»).(5
وأهنا« :املواصفات واخلصائص املتوقعة يف املنتج ويف العمليات واألنشطة اليت من خالهلا يتحقق رضا رب العاملني أوالً ،مث
تتحقق تلك املواصفات وقابلية االستعمال»).(6
وأهنا « :املسامهة الفاعلة يف إجناز األعمال على حنو سليم يف ظل خمافة اهلل يف السر والعلن وبصورة تنموية إبداعية
متطورة على الدوام ،وقائمة على أساس منظومة القيم واملثل واملبادئ اإلسالمية إنسانيتها ومساحتها»).(7
وأهنا« :عملية تستهدف حتقيق منتج تعليمي عايل اجلودة ،يتحلى باملبادئ والقيم النبيلة ،يتناسب مع متطلبات واحتياجات
العصر احلديث ،يليب حاجات سوق العمل ،ويكون اهلدف إرضاء اهلل ،والقيام بواجب االستخالف يف األرض»).(8
وعليه ،فإن كل من التعاريف اللغوية واالصطالحية تدل على أن اجلودة هي حسن األداء يف األعمال واألقوال وإتقاهنا؛
وفق ما يتطلبه العمل وما يضبطه الشرع.
وبناء على ما سبق ،ميكن تعريف اجلودة :أهنا بذل اجلهد واألخذ بأفضل الوسائل إلجناز األعمال املكلف هبا ،مع مراعاة
رضا اهلل سبحانه وتعاىل.
)(1
أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الرب والصلة واآلداب ،باب :حترمي ظلم املسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله ،حديث ،3232 :النووي حيىي بن
شرف ،شرح النووي على صحيح مسلم ،دار اخلري ،دمشق ،بريوت ،ط(1213ه1113/م) ،ج 2ص.130
)(2
ينظ ر عبيد بن عبد اهلل السبيعي ،التأصيل اإلسالمي إلدارة اجلودة الشاملة ،جملة عامل الرتبية ،املؤسسة العربية لالستثمارات العلمية وتنمية املوارد البشرية،
مصر ،أكتوبر3011 ،م ،ص.2
)(3
اجلرجاين علي بن حممد ،معجم التعريفات ،حتقيق صديق املنشاوي ،دار الفضيلة ،الرياض( ،د ت) ،ص.41
)(4
حممد رواس قلعجي وحامد صادق قنييب ،معجم لغة الفقهاء ،دار النفائس ،بريوت ،ط1122(3م) ،ص.131
)(5
إبراهيم طه العجلوين ،إدارة اجلودة الشاملة يف اإلسالم ، :ورقة حبثية مقدمة إىل املؤمتر العريب األول حول جودة اجلامعات ومتطلبات الرتخيص واالعتماد،
( ،)pdfالشارقة ،اإلمارات العربية املتحدة ،ص.4
)(6
إدارة اجلودة الشاملة يف املؤسسات الرتبوية ،التطبيق ومقرتحات التطوير :عليمات صاحل ،دار الشروق ،عمان ،األردن3002 ،م ،ص.13
)(7
عدنان بن حممد وزان وآخرون ،اإلتقان واجلودة النوعية الشاملة يف حضارة اإلسالم ،النظرية واملآل ،)pdf( ،موقع اجمللس السعودي للجودة :ص12
www.sqc.org.sa
)(8
مرزوق بن مطر الفهمي ،درجة إسهام مديري املدارس يف تنمية الوعي بثقافة اجلودة يف مدارس التعليم العام من وجهة نظر مديري املدارس مبحافظة الليث،
رسالة ماجستري ،كلية الرتبية ،جامعة أم القرى ،اململكة العربية السعودية3013/3011 ،م ،ص.32
200
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52 :عدد 25 :السنة5252 :
المطلب الثاني :أهمية الجودة في اإلسالم:
إن من أهم تقدم األمم وتطورها هو إتقان العمل ،املتمثل يف الوصول إىل اجلودة يف مجيع جماالت احلياة ،وإتقان املسلم
لعمله فوائد عظيمة باإلضافة إىل األجر والثواب من اهلل عز وجل يف اآلخرة ،فينال التوفيق والنجاح يف الدنيا ،ويرفع معدل اإلنتاج
ونوعيته ،فيعم النفع على اجملتمع ،فمن كان يستحضر مراقبة اهلل عز وجل له يف عمله ،أتقن عمله وأخلص ،ونال حمبة اهلل وحمبة
)(1
العباد ،وكتب مع امل ْخلصني املخلصني.
ُ ُ
وإن أداء األعمال بإتقان وجودة عالية أصيل يف اإلسالم ،وحث عليه القرآن الكرمي والسنة النبوية ،وهو مقصد سعت إىل
حتقيقه الشريعة اإلسالمية ملا يف ذلك من حتقيق املصلحة.
)(2 ْ ُ ْ َ َّ َّ َ ْ َ َ ُ َّ َ
وإن اهلل أتقن وجود كل ما خلق ،لقوله تعاىل ﴿صنع اَّللِ اَّلِي أتقن ُك َش ٍء﴾ ،وأن كل شيء قدره بتوازن لقوله
ً َ ََ َ َْ َ َ َ َّ ُك َ ْ َ َ ْ َ ُ َ ََّ ُ َّ
ات ط َِباقا َّما
)(3
َش ٍء خلقناه بِقد ٍر﴾ ،ومن يتأمل خلق اهلل ال يرى خالله خلالً ،وقال ﴿ اَّلِي خلق سبع سماو ٍ ﴿ إِنا
َ َ َ َْ َ ْ َْ ْ ْ
َض أم ًرا
ات واْلر ِض ِإَوذا ق ٰاو ِ ِيع َّ
الس َم َ َص َه ْل تَ َر ٰ
ى مِن ُف ُطور﴾) ،(4قوله أيضا ﴿بَد ُ َ ْ
ارجعِ اْلَ َ َ ََ ُ َّ ْ َ َ
ى ِِف خل ِق الرحم ٰ ِن مِن تفاو ٍت ف ِ تَ َر ٰ
ٍ
َ َّ َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ ُ ُ
ون﴾).(5 فإِنما يقول ُل كن فيك
وإبداع اهلل وعظم صنعه واضح يف كتابه الكرمي ،فاهلل أتقن كل شيء ،وأمر عباده بإتقان أعماهلم ،إذ يقول اإلمام
النووي يف شرحه حلديث فأحسنوا القتلة « :عام يف كل قتيل من الذبائح والقتل قصاصا ويف حد ،وحنو ذلك وهذا احلديث من
األحاديث اجلامعة لقواعد اإلسالم ،واهلل أعلم»).(6
وإن ارتباط مفهوم اجلودة بالقيم اإلسالمية تنظرياً وتطبيقاً يوجه وحيمي جودة احلياة من االحنراف حنو االجتاهات احلديثة
املادية والنفعية اجملردة من القيم واملبادئ واألخالق.
وتطورت الدراسات حماولة التوسع حول موضوع جودة احلياة يف هذا العصر ،وقبل هذا كان سبب انتشار مصطلح اجلودة،
حاجة املعامالت االقتصادية لإلنتاج األفضل حلاجات الفرد مث انتقلت إىل الدراسات النفسية واالجتماعية والسياسية ،وغريها مث
حل حمله مصطلح اجلودة الشاملة لتشمل مجيع جماالت احلياة ،حىت مسيت جبودة احلياة ،حلاجة اإلنسان للتكوين النفسي يف اإلتقان
واإلحسان واإلبداع من أجل بلوغه الرفاهية والسعادة يف مجيع جماالت حياته ،فيتحقق عنده تربية ذاتية ملفهوم جودة احلياة ،وهذا
مطلب ال بد منه على كافة املستويات ،وإنه مطلب أساسي يف القيم اإلسالمية ،املتمثل يف اإلحسان واإلبداع واإلتقان ،لقيام
مصاحل العباد وحفظ ضروريات احلياة.
) (1ينظر محود بن عبد اهلل بن محود بن عبد الرمحن التوَيري ،غربة اإلسالم ،دار الصميعي للنشر والتوزيع ،الرياض ،ط1221( 1ه3010/م) ،ج 3ص.221
) (2سورة النمل اآلية .22
) (3سورة القمر اآلية .21
) (4سورة امللك اآلية .2
) (5سورة البقرة اآلية .114
) (6النووي ،شرح النووي على صحيح مسلم :مرجع سابق ،ج 2ص.12
201
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52 :عدد 25 :السنة5252 :
واملسلمني فرض عليهم العمل باجلودة يف أعمال احلياة املختلفة ،وقد أمرنا الدين احلنيف باإلجادة واإلحسان يف األقوال
واألفعال يف مجيع أمورنا ،بوضع قواعد عامة كربى للجودة مشلت كل أعمال املكلفني باإلضافة إىل احلياة اليومية ،وهي مطلب
ضروري يف اإلسالم ،جاء احلث عليها عند احلديث عن اإلحسان ،ملا ورد يف القرآن والسنة النبوية.
وهناك فرق بني مطلب اجلودة يف اإلسالم ومطلبها يف القوانني الوضعية ،الختالف األهداف واملقاصد ،ففي الفكر الغريب؛
احلرص على اجلودة من أجل إرضاء العميل أو املستهلك .أما يف اإلسالم ،فمن أجل إرضاء اهلل مث اكتساب الطمأنينة والراحة
النفسية ،أي احلصول على الرضى.
وإن اإلسالم دين اإلبداع واإلحسان واإلتقان يرحب بكل ما يوافق العقل لنهضة األمة؛ ألنه أطلق للعقل البشري التفكر
والتفكري الراقي ،وإن املسلم ينطلق يف إتقانه لعمله واإلحسان فيه من أساس ديين؛ ألنه مطالب به من اهلل ،ولتتحقق اجلودة يف
)(1
حياة اإلنسان ،وتصبح منهاجاً يف حياته ،فال بد من توفر الرقابة الذاتية.
وإن عدم األخذ مببادئ اجلودة فيه خطر على األمم والبشرية ،خاصة األمة اإلسالمية وما تعيشه من تدهور وتراجع يف
تضوء خرج ْالعديد من اجملاالت ،وجماالت اإلتقان كثرية ،منها ما هو يف العبادات مثل قول النيب م ْن ت وضأ فأ ْحسن الْ ُو ُ
خطاياهُ م ْن جسده.(2)
اهتم اإلسالم
وإن اجلودة عند املسلمني ليست خاصة بالشعائر التعبدية ،وإمنا كذلك يف األعمال الدنيوية ،ففي جمال التعليم ّ
بإتقان التعليم ،وحسن اإلفادة من مناهج العلماء ،ويف جمال الرتبية اهتم اإلسالم
َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ ََ َّ َ ََْ
اها﴾).(3اهتماماً عظيماً برتبية النفس وتزكيتها ،قال تعاىل ﴿ق ْد أفلح من زَّكها وقد خاب من دس
أما يف العالقات الزوجية ،قد اهتم اإلسالم هبذه العالقة من شىت نواحيها ،وكذلك يف جمال احلكم والسياسة ،حرص
ومسؤول عن رعيته ،(4) و يف جمال األخالق صرح أ ّن أهم مضامن الشريعة ٌ اإلسالم على اجلودة لقوله كلُّكم ر ٍاع
عثت ألمتِّم مكارم األخالق ،(1) ويف املعامالت املالية بوضع األحكام اخلاصة هبا،
اإلسالمية اجلوانب األخالقيّة ،لقوله إمنا بُ ُ
ومنع الغش ،والغنب والتغرير ،ويف إعداد القوة لألعداء ،نلمس اجلودة العالية يف اإلسالم ،لقوله تعاىل ﴿ َوأَع ُِدوا ل َ ُهم َما ْ
اس َت َط ْع ُتم ِمن
َ ُ َ َ َ َ ُ َ ُ َ َْ ُ ُ
كم﴾).(2 اْليْ ِل ت ْره ُِبون بِهِ عدو اَّللِ وعدو ق َو ٍة َومِن رِ َب ِ
اط
إن اجلودة أو اإلحسان أو اإلتقان يف املفهوم اإلسالمي ليس سلوكاً فحسب ،بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إىل التنمية
والتطور ،وعليه تقوم احلضارات ،فلما كان اإلتقان واحلرص يف األعمال؛ حفظت األموال ،وتطورت البالد ،وازدهرت األمة
) (1اجلودة يف ضوء السنة النبوية (دراسة موضوعية) :عمر عودة خليل اهلندي ،رسالة ماجستري ،كلية أصول الدين ،اجلامعة اإلسالمية بغزة ،أكتوبر3014 ،م،
ص.22-23
) (2أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الطهارة ،باب :خروج اخلطايا مع ماء الوضوء ،حديث ،322 :ينظر شرح النووي لصحيح مسلم :مصدر سابق ،ج.1
) (3سورة الشمس اآلية .10 ،1
) (4أخرجه مسلم يف صحيحه :كتاب :اإلمارة ،باب فضيلة اإلمام العادل وعقوبة اجلائر واحلث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال املشقة عليهم ،حديث:
،1231مسلم بن احلجاج النيسابوري ،صحيح مسلم ،حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت( ،د ت) ،ج 2ص.1221
) (1أخرجه البخاري يف صحيح األدب املفرد ،حديث ،342 :حتقيق حممد ناصر الدين األلباين ،دار الصديق للنشر والتوزيع ،بريوت ،ط1212(2ه1114/م)،
ص.112
) (2سورة األنفال اآلية .30
202
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52 :عدد 25 :السنة5252 :
اإلسالم ية ،وانتشر العلم ،وعم الرخاء والرفاهية ،كما حدث يف زمن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ،فقد كان اإلتقان يف عمله
وإدارة شؤن الناس صفة مالزمة له طوال حياته.
المبحث الثاني :معايير جودة الحياة من المنظور اإلسالمي:
المطلب األول :التأصيل الشرعي للجودة من القرآن الكريم والسنة النبوية:
إن معاين اجلودة موجودة يف تعاليم اإلسالم ،وهو مطلب إلرضاء اهلل ،وقد وردت العديد من النصوص القرآنية
واألحاديث النبوية الشريفة املعربة عن هذا املفهوم يف الكثري املواضع ،وبألفاظ متعددة.
أولا :التأصيل الشرعي للجودة من القرآن الكريم:
حث القرآن الكرمي على اجلودة يف كل األعمال واألقوال ،ويتضح ذلك من خالل بعض النصوص الشرعية الواردة يف القرآن
الكرمي ،ومنها:
ُ َّ َ آم ُنوا َو َعملُوا َّ
ِيما َطع ُموا إذَا َما َّات َقوا َّو َ
اح ف َ اِلات ُج َن ٌ َّ َ ُ لَع َّاَّل َ َ ُ َْ َ ََ
ات ث َّم اتقوا الص ِ َ
اِل ِ ِ ِ ِ ِين آمنوا َوع ِملوا الص ِ َ ِ قوله تعاىل ﴿ليس
سن َ ْ ْ اَّلل ُُي ُّ آم ُنوا ُث َّم َّات َقوا َّوأَ ْ
ح َس ُنوا َو َّ ُ َّو َ
ي﴾).(3 ِب ال ُمح ِ ِ
ََ ُْ ُ َ ْ َ َ ُ
ك ْم﴾) ،(4أي ال ترتكوا العمل الصاحل بعد الشروع فيه. وقوله أيضاً ﴿وَل تب ِطلوا أعمال
َ
ْ وقال تعاىل ﴿ َوأت ُِّموا ْ َ
اِل َّج َوال ُع ْم َرةَ ِ ََّّللِ﴾).(4
سن َ يع أَ ْ
ج َر ال ْ ُم ْ َّ ُ َ َ َّ َ َ ْ ْ َ َّ َّ َ َ
ي﴾).(5 ِ ِ ح ض ُاَّلل َل يُ ِ وقال أيضا ﴿إِنه من يت ِق ويص ِِب فإِن
وقد صنع اهلل كل شيء يف هذا الكون بإتقان وإبداع ،واستخلف اإلنسان يف األرض إلعمارها ،فأوجب عليه اإلحسان،
ُ ْ َ َّ َّ َ ْ َ َ ُ َّ َ ْ َّ ُ َ ٌ َ َ ْ َ ُ َ
وهناه عن اإلفساد يف األرض بعد إصالحها ،لقوله تعاىل ﴿صنع اَّلل ِ اَّلِي أتقن ُك َش ٍء إِنه خبِي بِما تفعلون﴾.
)(1 َ ْ َّ َّ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ ْ
ان﴾ . اْلحس ِ وقال أيضاً ﴿إِن اَّلل يأمر بِالعد ِل و ِ
سن َ ْ ْ اَّلل ُُي ُّ
حس ُِنوا إ َّن َّ َوقال أيضا ﴿ َوأَ ْ
ي﴾).(2 ِب ال ُمح ِ ِ ِ ً
َ )(3 َّ َّ َ َ ُ ُّ ْ ُ ْ ْ َْ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ ََ
وقال أيضاً ﴿وأحسِن كما أحسن اَّلل إِ َك وَل تبِْ الفساد ِِف اْلر ِض إِن اَّلل َل ُيِب المف ِسدِين﴾ .
سن َ ْ ْ اَّللِ قَر ٌ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ً َ َ َ ً َّ َ ْ َ َ َّ َ ُْ
ي﴾).(4 يب م َِن ال ُمح ِ ِ ِ وقال أيضاً ﴿ َوَل تفس ُِدوا ِِف اْلر ِض بعد إِصَلحِها وادعوه خوفا وطمعا إِن رْحت
ََ ْ ك قَ ْو ُ ُُل ِِف ْ َ
َع ِِف
َ َّ
ِإَوذا تَ َو َّٰل َس َ ٰ ام
َْ اَّلل َ َ ٰ
لَع َما ِِف قلبِهِ َو ُه َو أ َُّّل اْل َِص ِ اَّلنْ َيا َوي ُ ْشه ُد َّ َ
ِ
اِل َياة ِ ُّ َ ُ ْ ُ َ
جب اس من يع ِ وقال أيضاً ﴿ َوم َِن اَلَّ ِ
ْ َ ْ َ َ َّ ْ َ َ َّ ُ َ ُ ُّ ْ َ َ َ )(5 ُْ َ َ َُْ َ ْ َْ
اْلر ِض ِ َفسِد فِيها ويهل ِك اِلرث والنسل واَّلل َل ُيِب الفساد﴾ .
) (3أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب :صالة املسافرين وقصرها ،باب :فضل املاهر يف القرآن والذي يتتعتع فيه ،حديث .412
) (4أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب :املساجد ومواضع الصالة ،باب :من أحق باإلمامة ،حديث ،342 :ج 3ص.203
) (5أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب :اجلنائز ،باب :يف حتسني كفن امليت ،حديث ،122 :ج 1ص.12
) (6عدنان بن حممد وزان وآخرون ،اإلتقان واجلودة النوعية الشاملة يف حضارة اإلسالم ،النظرية واملآل ،)pdf( ،موقع اجمللس السعودي للجودة:
www.sqc.org.saص.34-33
) (1سورة البقرة اآلية .31
) (2عدنان بن حممد وزان وآخرون ،اإلتقان واجلودة النوعية الشاملة يف حضارة اإلسالم :املرجع السابق ،ص.34
205
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52 :عدد 25 :السنة5252 :
َ َ ْ ْ ْ َ ُ )(3
اج َعل َِن ِي﴾ ،وعندما رشح سيدنا يوسف عليه السالم نفسه لوالية أمر املال واخلزانة ،فذكر مؤهالته لذلك قائال﴿ :قال اْلم
َ ٌ َ ْ َ َٰ َ
يظ َعل ٌ
ِيم ﴾).(4 لَع خ َزائ ِ ِن اْل ْر ِض إ ِ ِّن حفِ
- 2الوضوح:
يقصد بالوضوح إظهار كل املطالب واحلاجات واملشكالت ،اليت تستهدف إجادة العمل وإتقانه،
فاجلودة ال ميكن االستفادة منها إذا كانت مبهمة وغري واضحة ،والوضوح يساهم يف التنمية والتطور ،وقد أكد
ْ َ ون﴾) ،(5وقوله أيضا ﴿ َس ُ ْ َ َ َ َ ٰ َ ُ َ ُ َّ ُ َ ُ ْ َ َ َ َّ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ
اق َو ِِف
ُني ِهم آيات ِنا ِِف اْلف ِ
ِ اهلل عليه يف كتابه عند قوله ﴿كذل ِك يب ِي اَّلل لكم آياتِهِ لعلكم تشكر
لَع ُُك َ ٍْ
َشء َشه ٌ ٰ َ َ َ َّ ُ َ َ َ ُ ْ َ َّ ٰ َ َ َ َّ َ َ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ُّ َ َ َ ْ َ ْ
يد ﴾) ،(7) (6فإن رسالة اإلسالم واضحة يف تناوهلا ِ ِ ه ن أ كس ِهم حَّت يتبي لهم أنه اِلق ۗ أولم ي ِ ِ ِ
بر ب فك أنف ِ
َش ٍء﴾).(8 للحياة الروحية االجتماعية واالقتصادية والثقافية والرتبوية والعلمية ،لقوله تعاىل ﴿ َّما فَ َّر ْط َنا ِِف الْك َِتاب مِن َ ْ
ِ
- 2اخلربة:
تعترب اخلربة من أهم املعايري اليت َيب االلتزام هبا يف احلكم على معاين اجلودة ،فال ميكن أن ترى احلياة التنمية والتطور إال إذا
تناولت اجلودة أيدي ماهرة خبرية مبدعة؛ ألن التجربة العملية اليت يعيشها اإلنسان يف حياته معقدة ينعكس أثرها على سلوكه
وأدائه ،وإن صور جودة التنمية اإلنسانية ليست عملية قائمة بذاته ،بل هي نتاج واقع حياة اجملتمع وثقافته ،ومعيار اخلربة أكده
َ ْ َْ )(1 َ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ َّ َ َ َ َ َّ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُْ َْ َْ َ
اب﴾ ،وقوله أيضا ﴿فاسأل بِهِاإلسالم يف قوله تعاىل ﴿قل هل يستوِي اَّلِين يعلمون واَّلِين َل يعلمون إِنما يتذكر أولو اْلْل ِ
َ ً )(3) (2
خبِيا﴾ .
- 2الرغبة يف املشاركة:
إن تنفيذ اجلودة إلتقان وجتويد العمل وأدائه حيتاج توفر قدر كبري من الرغبة ،ليكون املشارك فيها على قدر من االستعداد
للرتكيز ،وأكثر اهتماماً للمشاركة يف صور التنمية والتطوير واإلبداع ،والرغبة قد وجهها اهلل سبحانه وتعاىل ،ويتبني ذلك يف عدة
َ َ ْ َ
ِين﴾) ،(4فالدين ال يأيت باإلكراه مع ما فيه من قيم وجناة يف الدنيا واآلخرة،
مواضع ،منها اختيار الدين لقوله تعاىل ﴿َل إِكراه ِِف اَّل ِ
قائمة المراجع:
-القرآن الكرمي. 1
-ابن منظور ،حممد مجال الدين بن مكرم :لسان العرب ،دار صادر ،بريوت3002 ،م. 3
-إبراهيم طه العجلوين :إدارة اجلودة الشاملة يف اإلسالم ،ورقة حبثية مقدمة إىل املؤمتر العريب األول حول جودة اجلامعات ومتطلبات الرتخيص 2
واالعتماد ،(pdf) ،الشارقة ،اإلمارات العربية املتحدة.
-أمحد عمر وآخرون :معجم اللغة العربية املعاصرة ،عامل الكتب ،الرياض ،ط1231(1ه3002/م). 2
-عليمات صاحل :إدارة اجلودة الشاملة يف املؤسسات الرتبوية ،التطبيق ومقرتحات التطوير ،دار الشروق ،عمان ،األردن3002 ،م. 2
-البخاري ،حممد بن إمساعيل :صحيح األدب املفرد ،حتقيق حممد ناصر الدين األلباين ،دار الصديق للنشر والتوزيع ،بريوت، 3
ط1212(2ه1114/م).
-البخاري ،حممد بن إمساعيل صحيح ،حتقيق حممد زهري بن ناصر الناصر ،دار طوق النجاة ،ط1233(1ه). 4
-البيهقي ،أمحد بن احلسني أبو بكر :شعب اإلميان ،حتقيق عبد العلي عبد احلميد حامد ،مكتبة الرشد للنشر والتوزيع ،الرياض بالتعاون مع 2
الدار السلفية ببومباي باهلند ،ط1232( 1ه3002/م).
208
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلد 52 :عدد 25 :السنة5252 :
التوَيري ،محود بن عبد اهلل بن محود بن عبد الرمحن :غربة اإلسالم ،دار الصميعي للنشر والتوزيع ،الرياض ،ط1 - 10
(1221ه3010/م).
اجلرجاين علي بن حممد :معجم التعريفات ،حتقيق صديق املنشاوي ،دار الفضيلة ،الرياض( ،د ت). - 11
عبيد بن عبد اهلل السبيعي :التأصيل اإلسالمي إلدارة اجلودة الشاملة ،جملة عامل الرتبية ،املؤسسة العربية لالستثمارات العلمية وتنمية - 13
املوارد البشرية ،مصر ،أكتوبر3011 ،م.
عدنان بن حممد وزان وآخرون :اإلتقان واجلودة النوعية الشاملة يف حضارة اإلسالم ،النظرية واملآل ،(pdf) ،موقع اجمللس السعودي - 12
للجودة: www.sqc.org.sa
عمر عودة خليل اهلندي :اجلودة يف ضوء السنة النبوية (دراسة موضوعية) ،رسالة ماجستري ،كلية أصول الدين ،اجلامعة اإلسالمية - 12
بغزة ،أكتوبر3014 ،م.
حممد رواس قلعجي وحامد صادق قنييب :معجم لغة الفقهاء ،دار النفائس ،بريوت ،ط1122(3م). - 12
مرزوق بن مطر الفهمي :درجة إسهام مديري املدارس يف تنمية الوعي بثقافة اجلودة يف مدارس التعليم العام من وجهة نظر مديري - 13
املدارس مبحافظة الليث ،رسالة ماجستري ،كلية الرتبية ،جامعة أم القرى ،اململكة العربية السعودية3013/3011 ،م.
مسلم بن احلجاج النيسابوري :صحيح مسلم (املسند الصحيح بنقل العدل عن العدل إىل رسول اهلل ،حتقيق حممد فؤاد عبد - 14
الباقي ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت( ،د ت).
النسائي ،أمحد بن شعيب :سنن النسائي الصغرى ، :حتقيق عبد الفتاح أبو غدة ،مكتب املطبوعات اإلسالمية ،حلب ،ط3 - 12
(11203ه1123/م).
النووي :حييي بن شرف أبو زكريا :شرح النووي على صحيح مسلم ، :دار اخلري ،دمشق ،بريوت1213 ،ه 1113/م. - 11
209