Professional Documents
Culture Documents
ملخص :
يهدف هذا البحث إلى معرفة دور المجتمع المدني في إرساء دعائم الحكم الراشد
بإعتباره أحد أهم فواعله إلى جانب كل من الدولة والقطاع الخاص ،حيث تم التطرق إلى
مقاربة نظرية لكل من المجتمع المدني والحكم الراشد وصوال إلى معرفة دور المجتمع
المدني ومدى مساهمته في تفعيل وتجسيد المؤشرات األساسية التي يقوم عليها الحكم
الراشد في واقع التجربة الجزائرية من خالل تفعيل مجموعة من اآلليات السياسية
والقانونية ،والتي يمكن القول عليها أنها ورغم الجهود المبذولة إال أنها لم تصل بعد إلى
المستوى المطلوب وذلك ألن اآلليات و األسس التي يرتكز عليها الحكم الراشد ليست
محققة إلى حد بعيد ،كما أن المستقرئ للواقع الجزائري يجد أن كل المؤشرات تؤكد
نحو تغير طفيف نحو إرساء ثقافة مدنية لكن ما تنطوي عليه البيئة اإلجتماعية والثقافية
ال يسمح بالحديث عن دور فعال للمجتمع المدني فمشاركته في مجال الحكم الراشد
مازالت ضعيفة وغالبا محدودة األثر.
الكلمات المفتاحية :المجتمع المدني؛ الحكم؛ الحكم الراشد؛ مؤشرات الحكم
الراشد؛ الجزائر.
*المؤلف المرسل :بقدي كريمة
1952 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
2591 ص2591 ص دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
Abstract:
This research aims to know the role of civil soviety in establishing the
foundations of good governance as one of the most imain actors alongside
with both of the state and the private sector, where a theoretical approach to
both civil society and good governance was discussed in order to know the
role of civil society and the extent of its contribution in activating and
embodying the basic indicators on which the good governance is based on
inside the reality of the Algerian experience by activating a group of
political and legal mechanisms, which can be described to be despite the
efforts made,they have not reached the required level, because the
mechanisms and foundations on which the government is focused wisely
are not an achieved By far, and whoever tackes an insight look at the
Algerian reality finds all indication of a slight change towards establishing
a civic culture Although; the social and cultural environment does not
allow talking about the an active role of civil society and its participation
for a better and wiser governance is still weak and often has a limited
impact.
Keywords: civil society ; governance ; good governance ; the principles of good
governance ; Algeria.
:مقدمة
إن التطورات التي شهدتها الساحة الدولية واإلقليمية في المجاالت السياسية
واإلقتصادية واإلجتماعية وإنششار ااهرة العولمة أدى إلى تزايد اإلهتمام بالمجتمع المدني
كما تزايدت عدد المنظمات العاملة في هذا المجال وتنوعت إختصاصاتها وأنشطتها في
.الكثير من القضايا المحورية في المجتمع
إذن وعلى ضوء هذه التغيرات التي عرفتها المجتمعات الغربية الحديثة فقد إكشسب
مفهوم المجتمع المدني المزيد من األهمية كما أن الدور الذي يؤديه عزز مكانته مما
فهو حلقة وصل وربط، جعله مالزما للدولة العصرية وضرورة حتمية لضمان إستمرارها
بل أكثر من ذلك أصبح كشريك ثالث، بين الجهاز الحاكم وبين المجتمع كطبقة محكومة
في النظام الديموقراطي المشاركاتي وأصبح فاعال مهما من بين الفواعل األخرى إلى جانب
القطاع الحكومي والقطاع الخاص في تعزيز مفاهيم الديموقراطية والحقوق المدنية
وتكريس الحكم الراشد والذي أصبح بدوره من بين أحد المفاهيم األكثر إستخداما في
األدبيات المعاصرة حيث أنه لم يعد مفهوما مرتبطا بالفلسفة المجتمعية الغربية بل
.أصبح قيمة مفروضة لتطوير فلسفة الرشادة السياسية
1953 1612 – ديسمبر61 العدد- 60 المجلد- مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
وتعد الجزائر من بين الدول التي تبنت المجتمع المدني والذي شكل محورا مهما في
التغيير السياس ي واالجتماعي وبناء نظم سياسية واقتصادية واجتماعية راشدة داخل
الدولة ،كما تبنت الحكم الراشد من خالل الخطاب السياس ي الرسمي الذي تداول هذا
المصطلح وإعتمده بشكل واسع.
ومما سبق ونظرا ألهمية المجتمع المدني والذي أصبح يمثل شريكا فاعال للقطاع
الحكومي والقطاع الخاص في تقديم العديد من الخدمات ،تسعى هذه الدراسة إلى معرفة
دوره في إرساء دعائم الحكم الراشد من خالل طرح اإلشكالية التالية:
إلى أي مدى ساهم المجتمع المدني في ترسيخ آليات الحكم الراشد بالجزائر؟
ويندرج تحت هذه اإلشكالية مجموعة من الشساؤالت:
ماهو مفهوم المجتمع المدني والحكم الراشد؟
ماهي طبيعة العالقة التي تربط بين منظمات المجتمع المدني والحكم الراشد؟
فيما تتمثل أهم مؤشرات الحكم الراشد؟
كيف يمكن للمجتمع المدني أن يجسد مبادئ ومؤشرات الحكم الراشد في الواقع
الجزائري؟
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل العالقة بين المجتمع المدني والحكم الراشد وإبراز
الدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع المدني في تجسيد مبادئ ومؤشرات الحكم
الراشد على أرض الواقع بالجزائر.
تسليط الضوء على جملة من اآلليات التي تعمل على تفعيل دور المجتمع المدني
لترسيخ الحكم الراشد في الجزائر.
فرضيات الدراسة:
لإلجابة على اإلشكالية السابقة تم اإلعتماد على الفرضيات التالية:
توجد عالقة إيجابية بين الحكم الراشد والمجتمع المدني الذي يعتبر مظهرا من
مظاهر الحكم الجيد.
كلما كان هناك مجتمع مدني قوي وفاعل كلما كانت هناك إمكانية لترسيخ آليات
الحكم الراشد بالجزائر.
يساهم المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر من خالل التكريس
الفعلي للمؤشرات التي يتأسس عليها واقعيا.
1954 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
أما "فريدريك هيجل" فقد عرف المجتمع المدني بأنه " المجتمع الذي يقوم على
المؤسسات السياسية و اإلقتصادية و اإلجتماعية و الثقافية التي يعمل في ميادينها
المختلفة و في إستقالل نسبي عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعددة " 2.
ومن جهته عرف "حسنين توفيق" المجتمع المدني على أنه« :عبارة عن مجموعة
من األبنية السياسية واالقتصادية والسياسية واالجتماعية والثقافية والقانونية التي
تنتظم في إطارها شبكة معقدة من العالقات والممارسات بين القوى والتكوينات
االجتماعية في المجتمع ويحدث ذلك بصورة ديناميكية ومستمرة من خالل مجموعة من
المؤسسات التطوعية التي تنشأ وتعمل باستقاللية عن الدولة "3.
ووسع "سعد الدين إبراهيم" الحقا من مفهوم المجتمع المدني والذي عبر عنه بأنه
"مجموعة من التنظيمات و الهيئات التطوعية الحرة التي تمأل المجال العام بين األسرة
والدولة والتي تنشأ بمقتض ى اإلرادة الحرة ألعضائها أي وفق خياراتهم الشخصية ال تفرضة
إنتماءاتهم الدينية وال القبلية بقصد تحقيق مصالحهم وحمايتها والدفاع عنها والنهوض
بمستوى المهنة ملتزمة في ذلك بمنظومة من قيم ومعايير االحترام والتراض ي والشسامح
واإلدارة السليمة للتنوع والخالف وقبول اآلخر والتنافس السلمي" 4.إذن فالمجتمع المدني
يتجلى ويتجسد في ذلك الحيز الذي يششكل من جملة منظمات يغلب عليها الطابع الحداثي
فهي منظمات طوعية ال ربحية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة تشكل في
مجموعها القاعدة األساسية التي ترتكز عليها مشروعية الدولة من جهة ووسيلة محاسبتها
1955 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
إذا إستدعى األمر ذلك من جهة أخرى ،وهي عبارة عن تنظيمات تتمتع بنوع من االستقاللية
النسبية عن الدولة5.
ومن جملة التعاريف المقدمة يمكن تعريف المجتمع المدني إجرائيا بأنه جملة من
المؤسسات السياسية و اإلقتصادية و اإلجتماعية و الثقافية غير الرسمية التطوعية التي
تعمل في ميادينها المختلفة في إستقالل عن سلطة الدولة تنشأ بمقتض ى اإلرادة الحرة
ألعضائها لتحقيق أغراض متعددة وتعمل على نشر وتعزيز مجموعة من القيم والمبادئ
التي تهدف إلى تطوير وتنمية المجتمع ،وكذا من بين أهم أعمالها الرقابة والتقييم
ومحاسبة ومسائلة السلطة وتوجيهها لخدمة األهداف العامة وكذا المتابعة والتطوير
واألهم هو المساهمة الفعالة في تطوير وتنمية المجتمع من خالل نشر مفاهيم الحياة
المدنية .
وتتخذ منظمات المجتمع المدني أشكاال مختلفة وتنشط في مجاالت متنوعة فهي
تمثل كل ما هو غير حكومي وكل ما هو غير عائلي أو إرثي كالمنظمات غير الحكومية
واألحزاب السياسية وجماعات المصالح والنقابات والتنظيمات المهنية والعمالية
واالتحادات العمالية والجمعيات األهلية وجمعيات أرباب العمل وجمعيات المهن الحرة
وجمعيات الصناعيين والتجار والجمعيات الخيرية ،واألندية والتعاونيات ،الحركات
الشبانية والطالبية والمؤسسات العاملة في مجال حقوق اإلنسان والمؤسسات الدينية غير
الخاضعة لسلطة الدولة وغيرها.
-1خصائص المجتمع المدني:
تتميز منظمات المجتمع المدني بمجموعة من الخصائص التي تمكنها من ممارسة
نشاطها والتمتع بالفعالية واالستمرارية ،ويعتبر «صامويل هنشنجتون " من األوائل الذين
حددوا مجموعة من الخصائص للتنظيمات و ذلك كما يلي:
أ -القدرة على التكيف في مقابل الجمود :أي قدرة المجتمع المدني على التكيف مع
التطورات البيئية التي تعمل فيها ،فكلما كانت منظمة ما قادرة على التكيف كانت أكثر
فاعلية وينقسم هذا التكيف إلى:
التكيف الزمني :أي قدرة منظمات المجتمع المدني على اإلستمرار لفترة طويلة من
الزمن حيث أنه كلما طال عمر المنظمة زادت درجة مؤسسيتها وبالتالي
إستمرارها.
1956 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
التكيف الجيلي :أي قدرة منظمات المجتمع المدني على اإلستمرار مع تعاقب
األجيال.
التكيف الوايفي :أي قدرة منظمات المجتمع المدني على إجراء تعديالت على
أنشطتها للتكيف مع الظروف المستجدة6.
ب -اإلستقاللية عن الدولة في مقابل الخضوع والتبعية :بمعنى أن تسير منظمات المجتمع
المدني ذاتيا وال تكون خاضعة لغيرها من المؤسسات أو الجماعات ،أي أن تكون مستقلة
ماليا وتنظيميا وإداريا ،فالدور الفعال لها مرتبط بشكل واضح بمدى إستقالليتها عن
سلطة الدولة وهيمنتها7.
ج -التعقد في مقابل الضعف التنظيمي :بمعنى تعدد هيئاتها التنظيمية ،إضافة إلى اإلنششار
الجغرافي على أوسع نطاق ممكن داخل المجتمع الذي تنشط فيه.
د -التجانس فس مقابل اإلنقسام :ويقصد به عدم وجود صراعات داخل منظمات
المجتمع المدني أو خارجها أي مع غيرها من المنظمات ولن يكون ذلك إال باإلعتماد على
التوافق وحل الصراعات إن وجدت بالطرق السلمية 8.
ولقد تعددت دالالت مفهوم المجتمع المدني عند المفكرين والفالسفة الليبراليين
حيث لم يكن له معنى ثابت تاريخيا بل حتى إن داللته منذ القرن 21إختفلت تماما عما
كانت عليه في السابق .ومن هنا البد من إلقاء نظرة سريعة على هذا المفهوم عند هؤالء
الفالسفة وعلى إمتداد آرائهم وصوال إلى اإلتجاه الليبرالي الجديد.
أ -نظريات العقد اإلجتماعي :المجتمع المدني مقابل المجتمع الطبيعي
1957 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
بدأت مقوالت المجتمع المدني تشبلور مع فالسفة الحق الطبيعي وفالسفة العقد
اإلجتماعي والذي كان يستخدم للداللة على المجتمعات التي إنتقلت من حالة الطبيعة إلى
حالة اإلجتماع القائم على التعاقد اإلجتماعي الذي أفرز ااهرة الدولة وتم فيها إحالل
العالقات المدنية محل العالقات الطبيعية 10.
وقد جاء مفهوم المجتمع المدني وفق هذه النظرية مرادفا لمفهوم المجتمع
السياس ي أو المجتمع المؤسس بناء على العقد اإلجتماعي ومن أبرز مفكريه نجد " توماس
هوبز " " جون لوك" و"جون جاك روسو"11.
ج " -فريدريك هيجل" :المجتمع المدني كمجال للتنافس بين المصالح المتعارضة
أعطى "هيجل" صورة مغايرة للمجتمع المدني إذ أنه مجتمع الحاجة واألنانية،
مجتمع تسوده الفرقة والصراع يتكون من أفراد يتعاملون فيما بينهم لتحقيق مصالحهم
المادية والخاصة ،ولهذا فهو في حاجة إلى المراقبة المستمرة من طرف الدولة13.
د" -كارل ماركس" :المجتمع المدني بإعتباره القاعدة المادية المؤسسة للدولة
المجتمع المدني عند "ماركس" هو مجال للصراع المادي الطبقي وهو يشكل كل
الحياة اإلجتماعية قبل نشوء الدولة ،فقد كانت نظرته إلى المجتمع المدني بإعتباره
األساس الواقعي للدولة وفضاء للتنافس والصراع ليس اإلقتصادي فقط بل السياس ي
والطبقي أيضا ، 14أي أن "ماركس" لم يرى في هذا المجتمع إال شبكة من العالقات
اإلقتصادية تؤثر في تشكيل الدولة تأثيرا مباشرا.
ه " -أنطونيو غرامش ي" :المجتمع المدني كمجال للتنافس اإليديولوجي من أجل الهيمنة
يرى أن المجتمع المدني ليس مجاال للمنافسة اإلقتصادية وإنما هو مجال للتنافس
اإليديولوجي حيث يقول أن المجتمع المدني هو الهيمنة الثقافية والسياسية فالطبقة
اإلجتماعية تمارس هيمنتها على كامل المجتمع كإحتواء أخالقي للدولة ،فإذا كان المجتمع
1958 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
السياس ي حيزا للسيطرة بواسطة السلطة فالمجتمع المدني هو فضاء للهيمنة الثقافية
واإليديولوجية15.
إذن يشبين لنا مما سبق أن هناك إختالفا في معاني المجتمع المدني عند الفالسفة
الليبيراليين ،فكما رأينا يذهب فقهاء نظرية العقد اإلجتماعي في النظر إليه من خالل
الروابط العقدية القانونية والسياسية أما "فرجسون" فيركز على الوجهة األخالقية في حين
يعتبره "ماركس " فضاء للصراع الطبقي و"أنطونيو غرامش ي" فضاء للتنافس اإليديولوجي.
-4المداخل الحديثة لدراسة المجتمع المدني
-2نظريةةة السةةلم اإلمتةةدادي :وقةةد نةةادى هةةذه النظريةةة " سةةيدني ويةةب" والتةةي مفادهةةا أن
الحكوم ةةة تب ةةدأ بالخ ةةدمات عل ةةى المس ةةتوى الق ةةومي ف ةةي مختل ةةف مج ةةاالت الرعاي ةةة اإلجتماعي ةةة
وح ةةين ينته ةةي دور الدول ةةة يب ةةدأ دور المجتم ةةع الم ةةدني ،فه ةةذا األخي ةةر يرف ةةع مس ةةتوى الخ ةةدمات
الحكومية القائمة16.
-1نظرية األعمدة المتوازنة :وقد نادى هذه النظرية " جراي" والذي يؤكد على أن
العالقة بين الحكومة والمجتمع المدني هي عالقة تعاون حيث يشارك المجتمع المدني في
مختلف مجاالت الرعاية اإلجتماعية ولهذا فإنه ال يمكن قيام مجتمع يسعى لتحقيق
الرفاهية اإلجتماعية بغير وجود شراكة وتضامن بين األجهزة الحكومية ومنظمات المجتمع
المدني فكالهما متمم لآلخر شرط أال تتكرر الخدمات التي تقدم من الحكومة أو المجتمع
المدني وأال تتعارض مع بعضها البعض17.
-3نظرية إخفاق الحكومة وإخفاق السوق :ترجع هذه النظرية سبب نشأة وتطور
المجتمع المدني إلى عجز السوق عن تحقيق المتطلبات االجتماعية واالقتصادية لألفراد
من سلع وخدمات وكذا عجز الحكومة عن إسشيعاب متطلبات أفراد المجتمع وهو ما
يجعل بروز منظمات المجتمع المدني كقطاع ثالث غير ربحي أمرا واقعا حيث يتوجه نحو
إشباع الحاجيات التي أخفق أمامها السوق والحكومة18.
-4نظرية جانب التوفير أو اإلمتداد :تفسر هذه النظرية نمو وتطور المجتمع المدني على
فكرة الطلب غير المشبع من قبل الحكومة والسوق فتعتمد على منظمات مبدعة تتكفل
بتحقيق الطلبات غير المشبعة19.
-9نظرية الثقة :ترجع هذه النظرية اهور وتطور المجتمع المدني إلى إخفاق القطاع
الخاص وعدم توفر الثقة لدى العمالء حول نوعية السلع والخدمات المقدمة من طرف
هذا القطاع.
1959 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
-0نظرية دولة الرفاه :طلق هذه النظرية من فكرة زيادة في حجم ونوعية إنفاق الدولة
على مختلف الميادين وبالتالي تصبح دولة الرفاه هي المسيطر الوحيد على تقديم
المعونات والحاجيات األساسية للمجتمع مما يؤدي إلى تقليل أو تقليص عدد منظمات
المجتمع المدني20.
-9نظرية إقتراب األصول اإلجتماعية :وتركز هذه النظرية على عالقات السلطة والتفاعل
على مستوى منظمات المجتمع المدني والدولة ،فدور الدولة وحجم منظمات المجتمع
المدني يشسع ويضيق حسب طبيعة كل نظام ففي ال النظام الليبرالي يكون اإلنفاق
الحكومي محدود ويقابله تفعيل وتدعيم لمنظمات المجتمع المدني ،أما النظام اإلشتراكي
فيتميز بإ تساع إنفاق الحكومة على السياسات اإلجتماعية واإلقتصادية ،ومن هنا يكون
حجم منظمات المجتمع المدني محددا نظرا لتبني الحكومة لمختلف المطالب اإلجتماعية
و اإلقتصادية ،أما نمط الدولة الشمولية فتتميز الدولة بالقوة من خاللها تستطيع دمج
المجتمع المدني ومؤسساته المختلفة21.
المجتمع المدني مساندا للدولة :وبالتالي فهو يعتبر في هذا المقام مصدر ا لشرعية
سلطة الدولة عبر مشاركته بمختلف منظماته وفئاته في صنع القرار بمختلف
مستوياته ،أي إفساح المجال أمام نشوء منظمات المجتمع المدني وإعطائها
الحريات لممارسة أنشطتها ولعب دورها المجتمعي والوصول إلى نمط حكم صالح
ورشيد .
المجتمع المدني معارضا للدولة :فهي التي يغلب عليها طابع هيمنة وسيطرة الدولة
وتدخلها في كل مجاالت الحياة المجتمعية مما يجعل من هذه السلطة أداة مراقبة
1960 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
مستمرة وعائقا أمام إمكانية تحرر األفراد و إستقالل منظمات المجتمع المدني والتي تبقى
تابعة لها مما ينعكس سلبا على أدائها ومردوديتها 24.
وما يمكن قوله على عالقة الدولة بالمجتمع في الجزائر هو حداثة المجتمع المدني
الجزائري والذي لم يعرف تطورا ملحواا إال في بداية الشسعينيات مقارنة بالسلطة القائمة
هذه األخيرة تملك إمكانيات مادية ومالية وحتى معنوية كبيرة تمكنها من السيطرة على أي
تنظيم يعمل خارجها على المستوى الوطني وهذا ما يجعل كفة القوة لصالحها مقابل
ضعف المجتمع المدني التي ال تكاد تتوفر تنظيماته على الحد األدنى من اإلمكانيات
الماديةوالمالية وغياب الثقافة واإلطار السياس ي واإلجتماعي المناسب لتكون مستقلة عن
الدولة 25،هذه القوة جعلت الدولة هي الممول والداعم المالي الرئيس ألغلب تنظيمات
المجتمع المدني كون أن أغلب تنظيمات المجتمع المدني تفتقد للقدرة على التمويل
الذاتي نشيجة ضعف قاعدتها الشعبية والقيود المفروضة على التبرعات والهبات
والمساعدات المقدمة لها وهو ما جعل الدولة تسيطر على المجتمع المدني وعلى إتخاذ
قراراته المصيرية والتضييق عليه باستخدام أدوات قانونية وسياسية وإقتصادية والتدخل
في نشاطاته بحيث يواجه المجتمع المدني خطر اإلنحراف عن أهدافه ومبادئه لفائدة
الجهات الممولة له26.
إذن فعالقة المجتمع المدني بالدولة عالقة يكتنفها التعقيد والغموض حيث يمكن
القول أن الدولة القوية مقابل المجتمع المدني الضعيف هو أكثر األشكال إنطباقا على
واقع العالقة بين الدولة والمجتمع المدني في الجزائر ،ألن المجتمع المدني لم يصل بعد
إلى مرحلة اإلستقالل الوجودي عن الدولة ،بل إن الدولة نجحت في تحويل منظمات
المجتمع المدني إلى تنظيمات تعمل كامتداد ألجهزة الدولة.
ورغم كل ذلك يمكن القول أن العالقة بين الدولة والمجتمع هي عالقة بين عنصرين
متداخلين ومتجاذبين حيث أنه ال يمكن أن تقام دولة من دون مجتمع أو أن يستمر
المجتمع من دون هذه الدولة ،فإذا كان المجتمع هو من ينش ئ الدولة نتاج عقد اجتماعي
تفويض ي من قبله وهو الذي يمنحها الشرعية و يحميها من الجمود فإن هذه األخيرة هي
المسؤولة عن تنميته وتطويره ،فهي من ترعى المجتمع المدني وتوفر له سبل النمو.
ثالثا :الحكم الراشد ( :)Good governanceمقاربة نظرية للمفهوم
- 2مفهوم الحكم الراشد
1961 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
يعتبر مفهوم الحكم الراشد أحد أبرز المفاهيم الحديثة والشائعة االستعمال في
السنوات األخيرة ،حيث استحوذ على اهتمام العديد من المفكرين في مجال الدراسات
السياسية واالقتصادية لما لهذا المفهوم من أهمية علمية وعملية بالغة ،خاصة فيما
يخص ترشيد الحكومات ،وهو يعتبر من بين المفاهيم التي تناولتها مختلف األدبيات
واألطروحات بالتحليل والدراسة ،ولقد تعددت مفاهيمه لدى المهتمين والخبراء واإلداريين
والمفكرين والمنظمات العالمية واإلقليمية والمحلية وغيرها ،إال أن جل هذه الدراسات لم
تتفق على مفهوم جامع ومانع للحكم الراشد ،حيث يؤكد الكثير من الباحثين أنه ال يوجد
تعريف نموذجي للحكم الراشد وهذا نظرا الختالف وجهات النظر.
ولقد اهر هذا المفهوم بشكله المعاصر ألول مرة بإيعاز من قبل البنك الدولي
( )World Bankعندما استعمل مصطلح (أسلوب الحكم) كآلية الستدامة التنمية في
دراسة له حول األزمة االقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء ( )Africa Sud-Saharaعام
2515بعنوان "إفريقيا من األزمة إلى النمو المستدام" ،وتم فيه وصف األزمة في المنطقة
كأزمة حكم ،حيث ربط تحقيق التنمية االقتصادية ومحاربة الفساد في هذه الدول بكفاءة
اإلدارة الحكومية ،27وقد تم فيها طرح المفهوم كمقاربة تحمل البعد السياس ي والمؤسس ي
الستراتيجيات التنمية وسياسات التعديل الهيكلي ،حيث عرف المصطلح تعريفا عاما على
أنه ممارسة السلطة السياسية في إدارة شؤون الدولة.
ومع بداية الشسعينات حاول خبراء البنك الدولي أن يطوروا للمفهوم تعريفات أخرى
أكثر دقة ،فعرف في الدراسة التي أجراها البنك الدولي عام 2551عن أسلوب الحكم
والتنمية" :بأنه أسلوب ممارسة القوة في إدارة الموارد االقتصادية واالجتماعية للدولة من
أجل التنمية"28.
وقد أخذ صندوق النقد الدولي نفس الفكرة التي اعتمد عليها البنك الدولي حيث
عرف بدوره الحكم الراشد على "أنه الطريقة التي بواسطتها تسير السلطة الموارد
االقتصادية واالجتماعية لمنظمة ما لخدمة التنمية وذلك باستخدام طرق فعالة في
الشسيير بأقل التكاليف وتحقيق أكبر المنافع"29.
ويقترب هذا التعريف هذا المضمون من التعريفات التي وضعتها منظمة التنمية
والتعاون االقتصادي عام 2559بحيث إعتبرت أن أسلوب الحكم هو استخدام السلطة
السياسية وممارسة السيطرة على المجتمع في إدارة الموارد لتحقيق التنمية االقتصادية
واالجتماعية30.
1962 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
1963 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
تعتبر األزمة االقتصادية التي عرفتها إفريقيا منذ ثمانينات القرن الماض ي من بين أحد
األسباب والعوامل التي دفعت إلى اهور الحكم الراشد،حيث أنه في تشخيص البنك الدولي
لألزمة االقتصادية في إفريقيا كان قد أصدر سنة 2515تقرير حمل عنوان "إفريقيا جنوب
الصحراء :من األزمة إلى النمو المستدام" وتم وصف األزمة بأنها أزمة حكم ،أي أنه تم
إرجاع الصعوبات التي تواجه مسألة التنمية في إفريقيا عامة إلى أزمة الحكم ،وحدد بذلك
ببعض المؤشرات العامة كشخصية السلطة وسيادة النظام العسكري الديكتاتوري
وغياب الشفافية وتفش ي الفساد وانعدام اآلليات الكفيلة بضمان التداول على السلطة31.
ومن هنا اهر مفهوم الحكم الراشد كدواء لحل األزمة وذلك من خالل تقديم
مجموعة من المبادئ تؤسس للمفهوم مثل الشفافية ،المساءلة ،مكافحة الفساد ،احترام
حقوق اإلنسان.
ب -شيوع واستفحال ااهرة الفساد عالميا:
نشيجة لآلثار السلبية التي تخلفها ااهرة الفساد على كافة المجاالت السياسية
واالقتصادية واالجتماعية ونظرا لخطورة الظاهرة استوجب األمر تعاونا دوليا لمواجهتها
ووضع إستراتيجيات ليتم تحديثها باستمرار لضمان الحد من اآلثار الناجمة عن كل صور
الفساد المعاصرة ،32ومن هذا المنطلق كان البد من ضرورة التفكير في انتهاج آليات تجعل
من األنظمة أكثر شفافية قصد القضاء على هذه الظاهرة وكذا رسم السياسات الكفيلة
بمحاربتها وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة ولعل من أبرز التوجهات الراهنة هو تبني
معايير الحكم الراشد.
إذن فالفساد بمختلف أشكاله أدى بدوره إلى ضرورة طرح وتبني فكرة الحكم الراشد
كحل لهذه المعضلة التي عانت منها الدول بحيث أصبحت كمحدد وكمدخل جديد
وأساس ي لتحقيق التنمية المستدامة القائم على الشفافية والمساءلة كآليتين تستهدفان
إيجاد بيئة مستقرة لألعمال وإدارة فعالة وكفؤة ومنصفة وشفافة على صعيد مؤسسات
الدولة وتشكيل صورة أكثر دقة لمحاربة ااهرة الفساد.
ج -االسشبداد السياس ي:
إن اهور الحكم الراشد في الدول النامية يعود إلى تآكل شرعية بعض األنظمة إلى
درجة الوصول إلى حالة االنسداد السياس ي وذلك نشيجة فشل سياساتها وكذا فشلها في
تحقيق األهداف التي وعدت ها شعو ها وعدم قدرتها وعجزها على تلبية احتياجات
مواطنيها أي عدم قدرتها على القيام بأدوارها لنقص المهارات والبعد المالي والقدرات
1964 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
اإلدارية ما حد من سلطتها األمر الذي عمق من تبعية هذه الدول للقوى الخارجية التي
حاولت التدخل لحماية األنظمة الموالية لها ، 33إذن فاالسشبداد السياس ي بدوره أدى إلى
ضرورة إجراء تغييرات جذرية في الهيكل المؤسس ي للدولة لتكون أكثر فعالية وتجسيد
الشفافية والمساءلة والمشاركة في اتخاذ القرارات لتجنب الوقوع في أزمات قد تؤدي إلى
إضعاف الدولة.
د -تغير دور الدولة
نظرا إلى عدم قدرة الدولة في اإلقتصاد الحديث على إدارة النشاط االقتصادي
بمفردها وفشلها فهي لم تعد وحدها المسؤولة على الوفاء بمتطلبات التنمية ،34فقد
تحولت من فاعل رئيس ي في وضع السياسات العامة ووضع الخطط ورسم اإلستراتيجيات
وحل النزاعات بين الفئات والطبقات المختلفة إلى مجرد شريك من بين شركاء متعددين
في إدارة شؤون الدولة والمجتمع ممثلين في القطاع الخاص ومختلف منظمات المجتمع
المدني والعديد من الشركات متعددة الجنسيات ،35هؤالء الشركاء الذين أصبحوا يدعون
إلى المزيد من فرض الرقابة والشفافية والمساءلة ويساهمون في وضع السياسات اإلنمائية
للدولة .هذا كله أدى إلى اهور مفهوم الحكم الراشد والذي جاء ليعبر عن تغير دور الدولة
والذي انتقل باإلدارة الحكومية من أدوارها التقليدية أي الحالة التقليدية إلى الحالة
األكثر تفاعال وتكامال في إطار نوع من الحكم القائم على المشاركة الرابطة بين الحكومة
وبإشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني.
ه -إستمرار تراجع األداء االقتصادي لغالبية الدول النامية:
قامت المؤسسات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي بطرح مقاربة جديدة لمعالجة
المشاكل المطروحة في الدول النامية تعالج كل الجوانب ،حيث تم استعمال مصطلح
الحكم الراشد وهذا ألجل إعادة النظر في المعايير الخاصة بالتدخالت في هذه الدول بعد
أن فسرت أسباب فشل هذه اإلصالحات على أنها أخطاء في تسيير الشؤون العامة 36.وإلى
القدرات اإلدارية لحكومات البلدان الفقيرة والتي اتسمت بالضعف في إدارة هذه
المساعدات ومشاريع التنمية وانششار الفساد ،37وهو األمر الذي جعل الجهات المانحة
تعتبر أن الحكم الراشد أساس ي لنجاح هذه المساعدات في العالم النامي ولهذا ارتبطت
التنمية وتقديم المساعدات باعتماد الحكم الراشد في الدول النامية.
من خالل ما سبق يمكننا القول أن كل هذه العوامل وغيرها (التحول الديموقراطي،
اإلنششار السريع لظاهرة للعولمة ،الثورة المعلوماتية والتكنلوجية ) ...ساعدت على بروز
1965 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
مفهوم الحكم الراشد كمنهج وكفلسفة والذي أثار جدال واسعا بين من يرون أنه دواء
ألوجه القصور الخطيرة في أوضاع الحكم في الدول النامية والتي تظهر فشلها في صناعة
ووضع نظام سياس ي يتضمن المفاهيم الحديثة للممارسة السياسية كتفعيل دور المجتمع
المدني وكذا تعزيز مبدأ سيادة القانون والمساءلة واعتماد النزاهة في العمليات السياسية
وتوفير المشروعية وبين من يرفضه باعتباره مجرد صدى لجدول اهتمامات مضلل تفرضه
المؤسسات االقتصادية والمالية ومن ورائها الدول الكبرى تحقيقا لمصالحها وإلهاء
الشعوب النامية عن قضاياها الحقيقية ونواياها الخفية.
- 3مؤشرات الحكم الراشد
تختلف معايير الحكم الراشد حسب إختالف الجهة الصادرة عنها فمثال نجد البنك
الدولي قد إقتصرت دراساته على الجانب اإلداري الفني والتي حددها في :المحاسبة،
المساءلة ،االستقرار السياس ي ،فعالية الحكومة ،نوعية التنظيم االقتصادي ،حكم
القانون والتحكيم في الفساد.
أما منظمة التنمية والتعاون االقتصادي فحددتها في أربعة معايير وهي :دولة القانون،
إدارة القطاع العام ،السيطرة على الفساد ،خفض النفقات العسكرية.
أما برنامج األمم المتحدة اإلنمائي فكانت معاييره أكثر شموال وقد تضمنت تسعة
( )65معايير وهي :المشاركة ،الشفافية ،المساءلة ،حكم القانون ،الكفاءة والفعالية،
حسن االستجابة ،التوافق ،المساواة والرؤية اإلستراتيجية ،38وسيتم التركيز في هذه
الدراسة على هذه المعايير نظرا لشموليتها .وفيما يلي سنتطرق إلى أهم هذه المؤشرات
والتي بدونها ال يمكن الحديث عن وجود حكم راشد.
-2المشاركة ( :)Participationتعتبر المشاركة حجر الزاوية للحكم الراشد ومن أبرز
مؤشراته وهي شديدة اإلرتباط بالمجتمع الديمقراطي وهي تلك العملية التي تضمن وتشيح
الفرصة لجميع الفاعلين في المجتمع المشاركة الفعالة في اتخاذ القرار سواء بطريقة
مباشرة أو غير مباشرة ،حيث يكون لكل األفراد صوت مسموع ومؤثر في إدارة شؤون البالد
(من خالل مؤسسات شرعية تمثل مصالحهم).
-1الشفافية ( :)Transparencyأي التدفق والتبادل الحر للمعلومات السياسية
واالقتصادية واالجتماعية الشاملة لجميع المعنيين من أفراد المجتمع في الوقت المناسب
وبطريقة يمكن االعتماد عليها ،بحيث تصبح المؤسسات ومعامالتها وحساباتها ونشاطاتها
متاحة بصورة مباشرة لكل األطراف وأن يتم توفير معلومات كافية وشاملة للفهم
1966 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
وصحيحة وغير معقدة عن أداء المؤسسات العامة والخاصة حتى تسهل عملية متابعتها
ومراقبتها ومساءلتها 39.وبالتالي فإن تحسين الشفافية يعتبر خطوة أولى لتحسين الحكم
وذلك راجع لكون الحكومة تصبح تمارس أعمالها على مرأى ومسمع المواطنين بنشر كل ما
يتعلق بنشاطها سواء المالي أو السياس ي أو اإلداري وهو ما يعزز ثقتهم ها.
-3المساءلة ( :)Accountabilityفالمساءلة بمفهومها العام تفرض على كل من حصل على
تفويض من جهة معينة بصالحيات وأدوات عمل أن يجيب بوضوح عن كيفية التصرف
وإستخدام الموارد والصالحيات التي وضعت تحت تصرفه ،وعليه فالمساءلة تعني أن
يكون صناع القرار سواء في الحكومة أو القطاع الخاص أو في منظمات المجتمع المدني
على إختالف مستوياتهم مسؤولين أمام الجمهور العام ويخضعون دون أي تمييز بسبب
مناصبهم للمساءلة أمام الرأي العام ومؤسساته دون استثناء ،40وعليه فغياب المساءلة
سيؤدي حتما إلى إنتفاء أي تجسيد للحكم الراشد وال يكون هناك أهمية للمساءلة إذا لم
يكن هناك نظام محاسبة فاعل وسائد على الجميع لوقوف الجميع عند مسؤولياته
والقيام ها بالكفاءة والفاعلية الالزمة إلنجاز أعمالهم.
-4الكفاءة والفعالية ( :)Effectiveness and Efficiencyفالكفاءة والفعالية في إستخدام
الموارد ومقدرات الدولة توضح االتجاه الذي تسير فيه الخطط والبرامج واإلستراتيجيات
التي تضعها الدولة حيث تلبي أعمال المؤسسات إحتياجات المجتمع مع األخذ في عين
اإلعتبار اإلستخدام األمثل للموارد المتاحة ،وحين تكون الكفاءة والفعالية كما هو متوقع
فإن هذا يعبر عن الترشيد الجيد ويدل على الحكم الراشد الذي يقود هذه الموارد
-9حكم القانون ( :)Rule of Lowتشير سيادة القانون إلى مبدأ للحكم يكون فيه جميع
األشخاص حكاما ومسؤولين ومواطنين والمؤسسات والكيانات والقطاعات العامة
والخاصة بما في ذلك الدولة ذاتها يخضعون للقانون بالشساوي وال ش يء يسمو على القانون
أي المساواة أمام القانون والعدل للجميع في تطبيقه سواء في التمتع بفرض الحماية
القانونية لحقوقهم أو في التعرض للعقاب بمقتض ى القوانين السارية كما أنهم يكونون
مسؤولين أمام قوانين واضحة صادرة علنا ،ويجب أن تطبق األحكام والنصوص القانونية
بصورة واضحة وعادلة وبدون تمييز بين أفراد المجتمع وأن تتفق هذه القوانين مع
القواعد والمعايير الدولية لحقوق اإلنسان ويكون ضمانة لها ولحريات اإلنسان
الطبيعية41.
1967 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
ومعناه تشسم األطر القانونية بالعدالة وأن تطبق دون تحيز .إذن فسيادة القانون هي
بمثابة اإلطار الذي يضمن فيه السير الجيد للحكم الراشد لذا فإنه يعد المتطلب األساس ي
للحكم الراشد.
-0بناء التوافق ( :)Consensus orientedنظرا لوجود العديد من الجهات الفاعلة في
المجتمع ووجود كذلك اختالف وجهات النظر ،فإن الحكم الراشد يتطلب التوفيق بين
وجهات النظر ألصحاب المصالح في المجتمع وكذا التوفيق والتوسط والتحكيم بين
المصالح المختلفة والمتضاربة و المتعارضة من أجل التوصل إلى إجماع وتوافق واسع في
المجتمع على ما يشكل أفضل مصلحة مشتركة للجميع .
-9العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة ( :)Equity and Equality and inclusivenessأي أن
تكون الفرص متاحة للجميع من أجل تحسين رفاهيتهم.
-1حسن االستجابة ( :)Responsivenessالمقصود بحسن االستجابة أو الجاهزية هو أن
كل مؤسسات الدولة يجب أن تسعى إلى تقديم وتوجيه مختلف العمليات المجتمعية
لخدمة من لهم مصلحة فيها أي المنتفعين دون إستثناء أو تفرقة في فترة زمنية معقولة
ويتطلب ذلك ضرورة توفر إطار زمني مالئم تقدم من خالله المنظمات خدماتها وتقوم
بعملياتها المالئمة42.
إذن كل هذه المؤشرات التي حددها سواء البنك الدولي أو منظمة األمم المتحدة
اإلنمائي تعتبر مؤشرات جوهرية ومركزية لتمكين الحكم الراشد وتحقيق كفاءته وفعاليته،
فال يمكن تحقيق الحكم الراشد من دون وجود مؤشرات الشفافية والمساءلة والفعالية
والكفاءة وسيادة القانون وتوسيع المشاركة وتوسيع خيارات األفراد وحسن االستجابة
والرؤية اإلستراتيجية والمساواة فاألمر هنا يحتاج إلى درجة عالية من التكامل بين هذه
1968 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
المؤشرات ولعل غياب إحدى هذه المؤشرات أو غيا ها بصورة كاملة يؤدي على تغيير
صورة الحكم الراشد إلى الحكم السيئ (.)Poor Governance
كما أن اإليمان هذه المؤشرات وإعالنها ال يكفي بل البد من تجسيدها على أرض
الواقع من خالل األطراف الفاعلة في المجاالت السياسية (مؤسسات الحكم واإلدارة)
واإلقتصادية (المؤسسات اإلقتصادية الرسمية العامة والخاصة) واإلجتماعية (منظمات
المجتمع المدني)
وبالنظر إلى الدور الذي يؤديه كل فاعل من فواعل الحكم الراشد (الدولة ،المجتمع
المدني ،القطاع الخاص) نجد أن الحكم الراشد وتعزيزه يحتاج إلى تكامل وتضافر الجهود
فيما بينها فالدولة وحدها غير قادرة على إقامة الحكم الراشد وبناء مجتمع ديمقراطي ،فهي
لم تعد القوة الوحيدة الفاعلة في المجتمع ،كما أن المجتمع المدني والقطاع الخاص
أصبحا يلعبان أدوارا حاسمة في التنظيم االجتماعي وفي العمليات االقتصادية.
وبدون هذه الفواعل ال يمكن تجسيد الحكم الراشد حيث تساهم في ترجمة
المؤشرات والمعايير وتجسدها على أرض الواقع.
رابعا :دور المجتمع المدني في تجسيد مبادئ الحكم الراشد بالجزائر
إذا كان دور المجتمع المدني المؤصل بمفهومه المتعارف مجسدا في جانبه
الممارساتي من خالل القيام بأعمال تطوعية إال أنه مع التطور المشسارع لألبنية
والمنظمات تطور من قيامه بواائف خدماتية ليتعداه إلى مشاركة الجهاز الحاكم في
الدولة في صناعة القرار والمشاركة في رسم السياسة العامة للدولة كما يساهم في التنمية
السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية وتفعيل أسس المشاركة السياسية إضافة إلى
ممارسته الرقابة الشعبية على العمل الحكومي والقطاع الخاص ،كما يلعب دورا أساسيا
في تحقيق التكامل اإلجتماعي وتثمين الهوية والوالء الوطنيين وحماية حقوق المواطنين،
كما تساعد منظمات المجتمع المدني على تحقيق إدارة أكثر ترشيدا للحكومة عن طريق
تعبئتها للجهود الفردية والجماعية و تعزيز مفاهيم الديموقراطية 44.وهذا ما جعل منه
ركيزة من ركائز الدولة التي تبنى عليها مقوماتها وتوجهاتها وتدفع ها إلى التوجه الديموقراطي
وبالتالي فهي أصبحت تلعب دورا مكمال للعمل الحكومي بل وحتى قيامها باألدوار التي
التستطيع الحكومة القيام ها وتهيئة المناخ واألرضية المناسبة التي تنمو فيها قيم الحكم
الراشد والذي يعد من أهم فواعله.
1969 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
ومنه ونظرا إلعتبار المجتمع المدني كأحد أهم فواعل الحكم الراشد إلى جانب كل
من الدولة والقطاع الخاص فإنه يقع على عاتقه مهمة تجسيده وتعزيزه وترقيته إنطالقا
من مساهمته في تفعيل المؤشرات األساسية التي يقوم عليها وعليه سنحاول التركيز على
بعض المؤشرات كما يلي:
-2المجتمع المدني و مؤشر المشاركة:
أصبح للمجتمع المدني دور في المشاركة مع الحكومة في تحقيق األهداف المجتمعية
وإشباع االحتياجات ومواجهة المشكالت بل وحتى صنع القرارات ،بحيث تجعل المواطن
على مستوى عالي من الثقافة السياسية التي تمكنه من رفع مستوى المشاركة السياسية
وذلك من خالل النشاطات التكوينية والتدريبية التي تقوم ها ،حيث كلما كانت هذه
النشاطات فعالة كانت الثقافة السياسية فعالة و تمكن المواطنين من التجاوب مع
العملية السياسية لتحقيق الرشادة السياسية ، 45فقد تقدم دور المجتمع المدني في
الجزائر على دور الدولة في مجال التثقيف والوعي السياس ي ومن خالل دوره األساس ي
والفعال في نشر ثقافة التنشئة السياسية التي تساهم في رفع الوعي السياس ي ألبناء
المجتمع وجذ هم إلى ساحة العمل السياس ي ،وذلك لكي ال تكون السياسة حكرا على
الطبقة الحاكمة ،كما أن عضوية هذه التنظيمات وتأهيل األفراد لألدوار التي يقومون ها
داخل منظمات المجتمع المدني التي ينتمون إليها تعطي الفرد إحساسا بأنه قادر على
التأثير والشعور باألمن الجماعي وزيادة وعيهم السياس ي أي توعيتهم بضرورة المشاركة في
جميع النشاطات السياسية وتزويدهم بالمهارات التنظيمية والسياسية مما يجعلهم أكثر
كفاءة وجدية لتفعيل عملية المشاركة السياسية وفهم الواقع السياس ي و القضايا
السياسية والمحافظة على التواصل السياس ي مع السلطة الحاكمة والتي تعطي مصداقية
للعملية الديموقراطية واالنتخابية والتحكم في السلوك االنتخابي وطرق اختيار المسؤولين
على جميع المستويات ،وتجدر اإلشارة هنا على الدور الذي يجب أن تلعبه منظمات
المجتمع المدني في ترويج ثقافة المشاركة في االنتخابات و في الرقابة على شفافية
االنتخابات بجميع مستوياتها من خالل الرقابة الفعالة للعملية االنتخابية46.
ولقد تدعم دور المجتمع المدني بالجزائر في المشاركة السياسية بوجود عدة تحوالت
مساعدة منها التحول نحو الديموقراطية والذي يعتبر كخطوة متقدمة عن طريق توسيع
المشاركة السياسية المرتبطة فعال بإنشاء وتعدد المؤسسات التي تعزز المسار
الديموقراطي.
1970 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
وال شك أن إرتفاع معدالت المشاركة السياسية داخل المجتمع يعد مؤشرا من
مؤشرات الحكم الراشد والتي تحتاج إلى قنوات تنظمها وتحافظ على إستمراريتها وهذا
طبعا ما تقوم به منظمات المجتمع المدني لرفع مستواها وتفعيل دورها والمحافظة عليها.
-1المجتمع المدني ومؤشر الشفافية
إن تمكين المجتمع المدني من المعلومات السياسية واالقتصادية واالجتماعية
والمالية واإلدارية في كل القطاعات يجعلها قادرة على تحقيق الشفافية الالزمة للشسيير 48.
1971 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
مستقلة عن هيمنة السلطة الحاكمة حتى يشسنى له الضغط الكامل لتحقيق المطالب
الكبرى عن طريق اإلستجابة اإليجابية لتكون التغذية اإلسترجاعية مرضية.
-0المجتمع المدني ومؤشر المساواة في تكافؤ الفرص.
يصبح لزاما على المجتمع المدني في حالة لم تفي الدولة ومؤساساتها بإلتزاماتها
تجاه المجتمع أن يتحمل مسؤوليته لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع وتحقيق
المساواة بين جميع المواطنين.
-9المجتمع المدني ومؤشر التوافق
يحقق المجتمع المدني التوافق بين أفراده وفئاته وإشراك المواطنين في إدارة
الشؤون العامة وكذا تكريس مبدأ المواطنة على أساس القدرة الممنوحة لكل فرد لتأكيد
حقوقه من قبل السلطة الحكومية والتعبير عن المواطنة من خالل قنواته المختلفة ،كما
يتم تحقيق التوافق من خالل إشراك منظمات المجتمع المدني في رسم السياسات العامة
وتحديد الرؤى اإلستراتيجية51.
فالمستقرئ للواقع الجزائري يجد الهوة الشاسعة بين الخطاب السياس ي المروج
لفكرة الحكم الراشد ودور المجتمع المدني والممارسات الرقابية والعقابية على منظماته،
حيث تعتبر الدولة هي المصدر األول واألساس ي في تمويل منظمات المجتمع المدني ولو في
1972 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
بعض األحيان نسبيا مما يؤدي بالتدخل المباشر في شؤونها وأحيانا ترفض حتى برامجها
بإعتبار أن مساهمات االفراد التزيد عن األعمال الخيرية المناسباتية بينما يهدف رجال
األعمال وكبار المقاولين والتجار إلى الشهرة من وراء دعمهم المالي لها.
إلى جانب ذلك تشسم أغلب منظمات المجتمع المدني بخصائص غير ديموقراطية
كالصراع على المراكز القيادية وغياب التداول على السلطة وهو ما يعطي مبرر للسلطة
للتدخل فيها53.
خامسا :آليات تفعيل دور المجتمع المدني لترسيخ الحكم الراشد في الجزائر
إن تفعيل وتدعيم دور منظمات المجتمع المدني من أجل القيام بالدور المنتظر
منها وهو بناء وترسيخ الحكم الراشد وتطبيق مبادئه وإقامة أنظمة الحكم الديموقراطية
الجيدة الرشيدة يتطلب تكريس مجموعة من األليات يمكن تحديدها فيما يلي:
-2ضرورة إعادة النظر في طبيعة العالقة بين المجتمع المدني والدولة وإعادة تنظيمها بما
يضمن على األقل إستقاللية نسبية و إلتزام الدولة الحياد النسبي تجاه منظماته ،حيث
يجب الحد والتخفيف من سيطرة وهيمنة الدولة وتغلغلها داخل كيانات المجتمع المدني
ومحاولة إحتوائها لمجاله والعمل على إشراكها في إتخاذ القرارات بدل العمل اإلسششاري
الشكلي ، 54إذن فما تتطلبه منظمات المجتمع المدني الفعالة هو هامش من الحرية
واإلستقاللية إزاء الدولة و مؤسساتها والحديث عن هذه الفعالية واإلستقاللية ال يعني
إضعاف دور الدولة فالمجتمع المدني اليوجد إال في إطار دولة قوية ديموقراطية.
-1ضرورة تدعيم المسار الديموقراطي وتأكيده ،حيث يعتبر ترسيخ الممارسة
الديموقراطية من العوامل األساسية لبناء المجتمع المدني وتقويته ،أي أن
الديموقراطية هي النظام الذي تنشأ في اله منظمات المجتمع المدني وتتمتع بالحرية و
اإلستقاللية وهو النظام الكفيل لضمان فاعليتها وفعاليتها وهذا يعني أن الحكم الراشد
كفلسفة حكم يحتاج إلى نظام ديموقراطي ،أي أن الممارسة الديموقراطية تتم عبر
منظمات المجتمع المدني حيث أن هناك عالقة طردية جدلية ،عالقة ترابط وتكامل
وتداخل بين الديموقراطية والمجتمع المدني مؤداها أنه كلما ترسخت أسس
الديموقراطية تدعمت منظمات المجتمع المدني وال وجود لممارسة ديموقراطية حقيقية
دون مجتمع مدني قوي فاعل ونشيط.55.
هذا ما يقودنا إلى القول أن النظام الديموقراطي هو أفضل أنظمة الحكم
المعاصرة التي توفر البيئة السياسية المناسبة لتمكين الحكم الراشد ،بل يمكن القول أن
1973 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
الحكم الراشد هو الحكم الديموقراطي الذي يسشند إلى مشاركة واسعة من المواطنين في
صنع القرار وفي المتابعة والمحاسبة والمسائلة التي تسمح بإمكانية التداول على السلطة،
كما أن الديموقراطية توفر كآلية حكم منظومة سياسية متكاملة من دستور وإنتخابات
حرة ونزيهة من شأنها التصدي لمواقع الخلل والفساد ، 56.إذن يمكن القول بأن
الديموقراطية وعملية بناء المجتمع المدني وتفعيل دوره هما عملية واحدة مترابطة وال
يمكن ألي منهما أن ينجح دون األخر.
-3ضرورة خلق بيئة مالئمة لعمل منظمات المجتمع المدني من خالل وضع القواعد
القانونية التي تحكمها وتضبطها و إعطاء الحماية والحرية الالزمة لحركتها ونشاطها وتضمن
الحريات األساسية وإحترامها مثل حرية التجمع والتعدد والمشاركة والتعبير عن آرائها
وتوصيل مطالبها بطريقة منظمة وسلمية وكذا تحقيق إستقالليتها عن الدولة وإلغاء
الحدود والقيود المفروضة على أنشطتها ،57إضافة إلى ضرورة تأسيس عقد إجتماعي
وإرساء شراكة متوازنة بين الدولة والمجتمع المدني من خالل وضع منظومة قانونية تنظم
العالقة بينهما.
-4تأصيل المفاهيم والمبادئ المدنية في حياة األفراد فالحكم الراشد قبل أن يكون
ممارسة فهو ثقافة وقيمة تحتاج إلى الرسوخ في توجهات المواطنين فمن غير الممكن
تصور وجود حكم راشد إال في ال بنية ثقافية تقوم على المساواة وحرية العمل السياس ي
للقوى والمنظمات السياسية المختلفة ،كما ال يمكن لمنظمات المجتمع المدني بوصفها
أبرز محاور الحكم الراشد أن تكون فاعلة في سياق العملية الديموقراطية من دون إطار
ثقافي يساعد على ترسيخ قيم و مبادئ الحكم الراشد.58
-9تحقيق درجة عالية من التطور اإلقتصادي و اإلجتماعي كأساس البد منه لخلق مجتمع
مدني حيث أن وجود مستوى متطور في المجال اإلقتصادي واإلجتماعي له دور فعال في
السماح بإيجاد مجتمع مدني متطور ومنتج يعمل بأكثر فاعلية بعيدا عن سيطرة وتدخل
الدولة.
-0المؤسس الدستوري في التعديل األخير لسنة 1616أكد على دور المجتمع المدني في
تسيير الشؤون العمومية على المستوى المحلي في إطار مقتضيات الديموقراطية الششاركية
التي تكون أساس لبناء مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني ،كما تم التأكيد على دور
الديموقراطية الششاركية وعالقتها التكاملية بدور المجتمع المدني ومؤسساته.
1974 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
-9إن التعديل الدستوري لسنة 1616أعطى اهتماما أكبر للمجتمع المدني من خالل
تأسيس ألول مرة هيئة اسششارية توضع لدى رئيس الجمهورية وهي "المرصد الوطني
للمجتمع المدني"،حيث يقدم المرصد أراء وتوصيات متعلقة بانشغاالت المجتمع
المدني،كما يساهم المرصد في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديموقراطية و المواطنة
ويشارك مع المؤسسات األخرى قي تحقيق أهداف التنمية الوطنية ،وهو ما يجعله مؤسسة
تعطي إضافة في مجال تفعيل دور المجتمع المدني.
إذن فمن خالل تبلور هذه الوسائل وتوفرها تمكن المجتمع المدني من تحقيق
وتفعيل دوره في ترقية وترسيخ الحكم الراشد.
الخاتمة:
تناولت هذه الدراسة دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد وحوصلة
لما ورد فيها تم الخروج بالنتائج التالية:
أهمية منظمات المجتمع المدني باتت واضحة بالنسبة لكثير من الحكومات فبعد
أن كانت تتصارع معه أحيانا أو تتخذ موقف المواجهة معه وتضع له العراقيل أحيانا
أخرى أصبحت تشجعه وتدعمه بل تكلفه أحيانا بشنفيذ بعض المشروعات والبرامج
الحكومية.
منظمات المجتمع المدني أصبحت كأطر تساعد في دعم وتحسين نوعية الحكم،
فهي عنصر فاعل وأساس ي في تنفيذ الحكم الجيد والتأسيس لبناء نموذج حكم يقوم على
األداء الفعال والفعالية وعلى أسس الحكم الراشد من مشاركة وشفافية ومساءلة وعلى
احترام حقوق اإلنسان والتداول على السلطة والديموقراطية المشاركاتية ويعزز الرأي
العام ويوضح المطالب المجتمعية ويؤسس لثقافة مدنية ووعي سياس ي.
المالحظ أن هناك عالقة تداخلية وتكاملية بين المجتمع المدني والحكم الراشد
والتي مفادها أنه ال يمكن وجود رشادة سياسية ومسؤولية حقيقية ونزيهة لشسيير الشؤون
العامة وفق أسس وقواعد ديموقراطية من دون توفر منظمات المجتمع المدني التي تعمل
على تنمية العالقة بين الحاكم والمحكوم وتكون الوسيلة التي تظبط الشسيير الفعال
للموارد االقتصادية واالجتماعية للدولة.
واسشنادا لذلك تم التوصل لجملة من التوصيات التي في تطبيقها خطوة نحو تفعيل دور
المجتمع المدني في ترسيخ الحكم الراشد:
1975 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
التفاعل بين منظمات المجتمع المدني من خالل العمل في شكل جماعي وتكوين
جبهة قوية لمواجهة الفساد وتفعيل الحكم الراشد.
إمكانية تحويل المجتمع المدني إلى مكاتب داخلية للجماعات المحلية إلثارة
النقاش في القضايا ذات األهمية المستقبلية للجزائر فيما يخص قضايا تعزيز الحكم
الراشد ومكافحة الفساد.
تقويم استراتيجية الرقابة السياسية لألدوار التي تؤديها منظمات المجتمع المدني
ضمن عملية الرقابة الدائمة على كل الفواعل واألنشطة وتعزيز أليات المسائلة.
المساهمة الفاعلة مع مختلف السلطات من أجل تعزيز سيادة القانون وممارسته
بحرية وشفافية وخضوع القائمين عليه للمساءلة.
الهوامش
1أحمد شكر صبحي ،مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي،ط ،2مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،1666 ،ص.21
2بوحني ةةة ق ةةوي ،دور حرك ةةات المجتم ةةع الم ةةدني ف ةةي تعزيةةز الحك ةةم الراش ةةد،مداخلة ق ةةدمت ف ةةي الملتق ةةى ال ةةوطني ح ةةول التح ةةوالت
السياس ةةية :إش ةةكالية التنمي ةةة ف ةةي الجزائة ةةر واق ةةع و تحديات،المنعقة ةةد ية ةةومي 20و 29ديس ةةمبر 1661بجامع ةةة حس ةةيبة ب ةةن بة ةةوعلي ،
الشلف ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،1661 ،ص.23
3حسنين توفيق" ،بناء المجتمع المدني :المؤشرات الكمية والكيفية" ،في ندوة المجتمع المدني والتحةول الةديمقراطي فةي الةوطن
العربي ،ط،2مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،2551 ،ص ص .96-05
4سةةعد الةةدين إب ةراهيم" ،المجتمةةع المةةدني والتحةةول الةةديمقراطي فةةي الةةوطن العربةةي" ،سلسةةلة دراسةةات مشةةروع المجتمةةع المةةدني
والتحةةول الةةديمقراطي فةةي الةةوطن العربةةي ،إصةةدارات مركةةز ابةةن خلةةدون للدراسةةات اإلنمائيةةة ،دار األمةةين للنشةةر،القاهرة ،2559 ،ص
.20
5خليةةل حامةةد ،الةةوطن العربةةي والمجتمةةع المةةدني ،مجلةةة فصةةيلة ،مركةةز الدراسةةات والبحةةوث اإلسةةتراتيجية ،دمشةةق ،العةةدد ،2
،1666ص.21
6صامويل هنشنغتون ،النظام السياس ي لمجتمعات متغيرة،تر :سمية فلو عبود ،لبنان،ط،2،2553ص ص .11-19
7عمر مرزوقي ،المجتمع المدني والتحول الديموقراطي في الجزائر :إشكالية الدور ،مجلة المسةتقبل العربةي ،العةدد ، 431فيفةري
،1629ص ص.39-34
8أحمد شكر الصبيحي ،مرجع سبق ذكره ،ص ص .39-30
9هرنبةةرج جةةون ،المجتمةةع المةةدني :التةةاريخ النقةةدي للفكةةرة ،تةةر :حةةاكم صةةالح ،حسةةين نةةاام ،المنظمةةة العربيةةة للترجمةةة،بيروت،
،1661ص.29
10بلغيث عبد المجيد ،المجتمع المدني ودوره في التنمية اإلقتصةادية ،أطروحةة دكتةوراه ،كليةة العلةوم اإلنسةانية واإلجتماعيةة،
قسم العلوم اإلجتماعية ،تخصص علم اإلجتماع اإلقتصادي ،جامعة أبو بكر بلقايد،تلمسان ،1624 ،ص.02
11علي عبد الصادق ،مفهوم المجتمع المدني :قراءة أولية،مركز محروسة،القاهرة ،1664 ،ص ص.16-25
12ش ةةاوش إخةةوان جهي ةةدة،واقع المجتم ةةع المةةدني ف ةي الجزائةةر – دراس ةةة ميداني ةةة لجمعيةةات مدين ةةة بسةةكرة أنموذج ةةا – ،أطروح ةةة
دكتوراه ،كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية ،قسم العلوم اإلجتماعية ،تخصص علم إجتماع التنمية ،جامعة محمةد خيضةر،
بسكرة ،1629 ،ص.99
1976 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
1977 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612
ص 2591ص 2591 دور المجتمع المدني في ترسيخ أليات الحكم الراشد بالجزائر بقدي كريمة
38حسةةن كةةريم ،الحكةةم الصةةالح ومعةةاييره ،مجلةةة المسةةتقبل العربةةي ،مركةةز دراسةةات الوحةةدة العربيةةة،بيروت ،العةةدد ،1664 ،365
ص.34
39الغزالي صالح ،الحكم الصالح ،الطريق إلى التنمية ،جمعية الشفافية الكويشية ،الكويت ،يناير ،1660ص07.
40مص ةةطفى كام ةةل الس ةةيد،الحكم الرش ةةيد والتنمي ةةة ف ةةي مص ةةر،ط ،2مرك ةةز دراس ةةات وبح ةةوث ال ةةدول النامي ةةة،القاهرة ،1660 ،ص
ص.00-09
41عمراني كربوسة،الحكم الراشد ومستقبل التنمية المستدامة في الجزائر ،مداخلة قدمت في الملتقى الةوطني حةول واقةع وآفةاق
التنمية السياسية في الجزائر ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،ص.69
42حسن العلواني،الالمركزية في الدول النامية من منظور أسلوب الحكم المحلي الرشيد ،في كتاب مصطفى كامل السةيد :الحكةم
الراشد والتنمية في مصر ،مركز دراسات وبحوث الدول النامية،القاهرة ،1660 ،ص.11
- UNDP,Humain development report 2002 ,New York,UNDP,2002, p. 3943
44حسن كريم ،مرجع سبق ذكره ،ص.211
45ب ة ةةن ت ة ةةامي ،المجتم ة ةةع الم ة ةةدني وس ة ةةبل تحقي ة ةةق الحك ة ةةم الراش ة ةةد ،مجل ة ةةة النق ة ةةد الثق ة ةةافي ،جامع ة ةةة أب ة ةةو بك ة ةةر بلقاي ة ةةد ،
تلمسان،الجزائر،العدد ،61أكتوبر ،1624ص.235
46بن عبد العزيز خيرة ،دور المجتمع المدني في ترشيد الحكم وترقية القيم الديموقراطية ،مجلة المفكر،جامعة محمد خيضر،
بسكرة ،الجزائر :كلية الحقوق والعلوم السياسية ،العدد ،21ص.51
47بن عبد العزيز خيرة،دور المجتمع المدني في ترقية الحكم الراشد :أنمةوذج المنطقةة العربيةة ،مةذكرة ماجسةتير،كلية الحقةوق و
العلوم السياسية ،قسم العلوم السياسية ،مقدمة لجامعة يوسف بن خدة ،الجزائر ،1669،ص.239
48بن تامي ،مرجع سبق ذكره،ص.243
49إسةةماعيل الشةةطي،الديموقراطية كآليةةة لمكافحةةة الفسةةاد والتمكةةين للحكةةم الصةةالح ،مجلةةة المسةةتقبل العربةةي ،مركةةز دراسةةات
الوحدة العربية ،بيروت،العدد ،326،1664ص.95
50بن عبد العزيز خيرة ،دور المجتمع المدني في ترشيد الحكم وترقية القيم الديموقراطية ،مرجع سبق ذكره،ص.54
51أمحند برقوق ،دور المجتمع المدني في ترقية الحكم الراشد :مقاربة في الحياة الديموقراطية ،مجلة العةالم اإلسةتراتيجي ،مركةز
الشعب للدراسات اإلستراتيجية ،العدد ،61جانفي ،1665.ص ص.64-61
52محمةد حفةاف،دور منظمةات المجتمةع المةدني الجزائةري فةي توسةيع خيةارات التنميةة اإلنسةانية مطلةع األلفيةة ،رسةالة ماجسةتير ،
كلي ة ةةة الحق ة ةةوق والعل ة ةةوم السياس ة ةةية ،قس ة ةةم العل ة ةةوم السياس ة ةةية ،تخص ة ةةص الحوكم ة ةةة والتنمي ة ةةة ،جامع ة ةةة الح ة ةةاج لخض ة ةةر ،باتن ة ةةة،
،1629ص.236
53منيةةر مباركيةةة ،عالقةةة المجتمةةع المةدني بالدولةةة وتأثيرهةةا علةةى العمليةةة اإلنتخابيةةة فةةي الجزائةةر ،مجلةةة دفةةاتر السياسةةة والقةةانون،
عنابة ،أفريل ،1622ص .492
54مرس ة ي بشةةرى ،المجتمةةع المةةدني فةةي الجزائةةر :دراسةةة فةةي آليةةات تفعيلةةه ،مداخلةةة ألقيةةت فةةي الملتقةةى الةةوطني حةةول التحةةوالت
السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر،1661،ص.20
55أحمد شكر الصبيحي ،مرجع سبق ذكره،ص.11
56ناجي عبد النور ،مرجع سبق ذكره ،ص ص .221-222
57مرس ي بشرى ،مرجع سبق ذكره ،ص.20
58بن عبد العزيز خيرة، ،دور المجتمع المدني في ترقية الحكم الراشد :أنموذج المنطقة العربية ،مرجع سبق ذكره ،ص.241
1978 مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية -المجلد - 60العدد – 61ديسمبر 1612