You are on page 1of 3

‫اإلفراد والجمع‪:‬‬

‫بعض ألفاظ القرآن يكون إفراده لمعنى خاص‪ ،‬وجمعه إلشارة معينة‪ ،‬أو يؤثر جمعه على إفراده أو العكس‪.‬‬

‫فمن ذلك أننا نرى بعض األلف*اظ لم ي*أت في الق*رآن إال مجموًع ا‪ ،‬وعن*د االحتي*اج إلى ص*يغة المف*رد‪ ،‬يس*تعمل‬
‫مرادفه كلفظة "الُّلب" فإنها لم ترد إال مجموعة كقوله‪ِ{ :‬إَّن ِفي َذ ِلَك َلِذ ْك َر ى ُأِلوِلي اَأْلْلَب اِب}‪ ،.‬ولم يجئ في الق**رآن‬
‫مفرده‪ ،‬بل جاء مكانه "القلب" كقوله‪ِ{ :‬إَّن ِفي َذ ِلَك َلِذ ْك َر ى ِلَم ْن َك اَن َلُه َق ْلٌب }‪ ،‬ولفظة "الكوب" لم تأت مف**ردة وق**د‬
‫أتى الجمع‪َ{ :‬و َأْك َو اٌب َم ْو ُضوَع ٌة }‪.‬‬

‫وعكس هذا النوع ألفاظ لم تأت إال مفردة في كل موضع من مواضع القرآن‪ .‬ولما أريد جمعها ُجمعت في صورة‬
‫من الروعة ليس لها مثال‪ ،‬كقوله تعالى‪ُ{ :‬هَّللا اَّلِذي َخ َل َق َس ْب َع َس َم اَو اٍت َو ِمَن اَأْلْر ِض ِم ْث َلُهَّن }‪ ،‬ولم يق**ل س**بحانه‪:‬‬
‫"وسبع أرضين" لما في ذلك من الخشونة واختالل النظم‪.‬‬

‫ومن ذلك لفظة "السماء" ذكرت تارة بصيغة الجمع وتارة بصيغة اإلفراد‪ ،‬لنكت مناسبة‪ ،‬فحيث أري**د الع**دد‪ُ ،‬أِتي‬
‫بصيغة الجمع الدالة على سعة العظمة والكثرة‪ ،‬كقول**ه‪َ{ :‬س َّبَح ِهَّلِل َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَألْر ِض } ‪ ،٥‬وحيث‬
‫أريد الجهة ُأِتي بصيغة اإلفراد كقوله‪َ{ :‬أَأِم ْنُتْم َم ْن ِفي الَّسَم اِء َأْن َي ْخ ِس َف ِبُك ُم اَأْلْر َض }‪.‬‬

‫ومن ذلك "الريح" ُذ كرت مجموعة ومفردة‪ ،‬فُت ذكر مجموعة في سياق الرحمة وُت فرد في سياق العذاب‪ ،‬وذكر في‬
‫حكمة ذلك أن ري*اح الرحم*ة مختلف*ة الص*فات والمن*افع‪ ،‬ويقاب*ل بعضها اآلخ*ر أحياًن ا‪ .‬لينش*أ ريح لطيف*ة تنف*ع‬
‫الحيوان‬
‫والنبات‪ .‬فكانت في الرحمة رياًح ا‪ .‬وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واح**د‪ ،‬وال مع**ارض له**ا وال داف**ع‪ ،‬وق**د‬
‫أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن ُأَب ِّي بن كعب قال‪ :‬كل شيء في الق*رآن من الري*اح فه*و رحم*ة‪ ،‬وك*ل ش*يء من‬
‫الريح فهو عذاب‪ .‬ولهذا ورد في الحديث‪" :‬اللهم اجعلها رياًح ا وال تجعلها ريًح ا" وما ع**رج عن ذل**ك فه**و لنكت**ة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫ومن ذلك إفراد "النور" وجمع "الظلمات"‪ ،‬وإفراد "سبيل الحق" وجمع "سبل الباطل" ألن طري**ق الح**ق واح**دة‪،‬‬
‫وطرق الباطل متشعبة متعددة‪ .‬ولهذا وَّح د "ولي المؤمنين" وجمع "أولياء الكافرين" لتعددهم كما في قوله تع**الى‪:‬‬
‫{ُهَّللا َو ِلُّي اَّلِذيَن آَم ُنوا ُي ْخ ِر ُجُهْم ِمَن الُّظُلَماِت ِإَلى الُّن وِر َو اَّلِذيَن َكَفُروا َأْو ِلَي اُؤ ُه ُم الَّط اُغ وُت ُيْخ ِر ُج وَن ُهْم ِمَن الُّن وِر ِإَلى‬
‫الُّظُلَم اِت}‪ ،‬وقوله‪َ{ :‬و َأَّن َه َذ ا ِص َر اِط ي ُمْس َت ِقيًما َفاَّت ِبُعوُه َو ال َت َّت ِبُعوا الُّسُبَل َفَتَفَّر َق ِبُك ْم َع ْن َس ِبيِلِه}‪.‬‬

‫ومن ذلك "المشرق والمغرب" باإلفراد والتثنية والجمع‪ .‬فاإلفراد باعتبار الجهة واإلشارة إلى ناحيتي الشرق‬
‫والغرب كقوله‪َ{ :‬ر ُّب اْلَم ْش ِر ِق َو اْلَم ْغ ِر ِب}‪ ،‬والتثنية باعتبار مطلعي ومغربي الشتاء والصيف كقوله‪َ{ :‬ر ُّب‬
‫اْلَم ْش ِر َقْي ِن َو َر ُّب اْلَم ْغ ِر َب ْي ِن }‪ .‬والجمع باعتبار مطلع كل يوم ومغربه‪ ،‬أو مطلع كل فصل ومغربه كقوله‪َ{ :‬فال ُأْق ِس ُم‬
‫‪ِ.‬بَر ِّب اْلَم َش اِر ِق َو اْلَم َغ اِر ِب}‬

‫مقابلة الجمع بالجمع أو بالمفرد‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫مقابلة الجمع بالجمع تارة تقتضي مقابلة كل فرد من هذا‪ ،‬بكل فرد من هذا‪ ،‬كقوله‪َ{ :‬و ِإِّن ي ُكَّلَم ا َد َع ْو ُتُهْم ِلَتْغ ِفَر َلُهْم‬
‫َج َع ُل وا َأَص اِبَع ُهْم ِفي آَذ اِنِه ْم َو اْس َتْغ َش ْو ا ِثَي اَب ُهْم } ‪ ,١‬أي استغش**ى ك**ل منهم ثوب**ه‪ .‬وقول**ه‪َ{ :‬و اْلَو اِل َد اُت ُيْر ِض ْع َن‬
‫َأْو الَد ُهَّن }‪ ،‬أي كل واحدة ترضع ولدها‪ .‬وتارة يقتضي ثبوت الجمي**ع لك**ل ف**رد من أف**راد المحك**وم علي**ه كقول**ه‪:‬‬
‫{َو اَّلِذيَن َي ْر ُموَن اْلُمْح َص َن اِت ُثَّم َلْم َي ْأُتوا ِبَأْر َبَع ِة ُش َه َد اَء َفاْج ِل ُد وُه ْم َث َم اِنيَن َج ْل َد ًة }‪ ،‬أي اجل*دوا ك*ل واح*د منهم ذل*ك‬
‫العدد‪ .‬وتارة يحتمل األمرين فيحتاج إلى دليل ُيعِّين أحدهما‪.‬‬

‫أما مقابلة الجمع بالمفرد‪ .‬فالغالب أال يقتضي تعميم المفرد وقد يقتضيه كما في قوله تعالى‪َ{ :‬و َع َلى اَّلِذيَن ُيِط يُقوَن ُه‬
‫‪ِ.‬فْد َي ٌة َط َع اُم ِمْس ِكيٍن }‪ ،‬أي على كل واحد لكل يوم طعام مسكين‬
‫من وسائل القرآن الكريم في اختياره ما يحقق التناس*ب الص*وتي‪ ،‬واالنس*جام الت**أليفي لآلي**ات القرآني**ة؛ اعتم**اده‬
‫توظي**ف بعض الكلم**ات في ص**ورتها المف**ردة في س**ياقات‪ ،‬ثم توظيفه**ا م**رة أخ**رى في ص**ورتها الجمعي**ة في‬
‫سياقات أخرى‪ ،‬وما ذاك إال مراعاة للتلوين الصوتي لهذه الكلم*ات‪ ،‬وقص*دًا لم*ا ي*راد من وراء ه*ذا التل*وين من‬
‫توابع داللية وجمالية موظفة في هذه السياقات‪.‬‬
‫فالنص القرآني لم يستعمل بعض األلفاظ إال مجموعة دومَا‪ ،‬فإذا احتاج إلى توظيف مفرد اللفظة المجموعة ع**دل‬
‫عن هذا المفرد إلى استعمال المرادف‪ .‬ومن ذلك ما نلمسه في التوظيف الق*رآني من ع**دم توظي**ف لف*ظ ( الُلّب )‬
‫على الصورة المفردة ‪ ،‬فهو لم يرد في القرآن الكريم إال مجموعًا دائم*ًا ‪ ،‬وق*د ورد في ( ‪ 16‬س*ت عش*رة آي*ة )‬
‫منها ‪ :‬قوله تعالى ‪ِ{ :‬إَّن ِفي َذ ِلَك َل ِذ ْك َر ى ُأِلْو ِلي اَأْلْلَب اِب} (‪ 21‬الزم*ر) ‪ ،‬وقول*ه تع*الى ‪ِ{:‬إَّن ِفي َخ ْل ِق الَّس َم اَو اِت‬
‫َو اَألْر ِض َو اْخ ِتَالِف الَّلْي ِل َو الَّن َه اِر آلَي اٍت ُأِّلْو ِلي األْلَب اِب}(‪ 190‬آل عم*ران) ‪ ،‬وقول*ه تع*الى ‪َ{:‬ف اَّتُقوْا َهّللا َي ا ُأْو ِلي‬
‫اَألْلَباِب َلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن }(‪ 100‬المائ*دة) ‪ ،‬وقول*ه تع*الى ‪َ{:‬و اَّتُق وِن َي ا ُأْو ِلي اَألْلَب اِب}(‪ 197‬البق*رة)‪ .‬وعن*دما يحتم‬
‫السياق القرآني استعمال المفرد من هذا اللفظ يعدل القرآن إلى اس*تعمال لف*ظ ( القلب ) ‪،‬والس*بب في ذل*ك راج*ع‬
‫إلى طبيعة التركيب الصوتي لكلمة (اللب) في هيئة المفرد ‪ .‬يقول الرافعي ‪ " :‬ذلك ألن لفظ الباء ش**ديد مجتم**ع ‪،‬‬
‫وال يفضي إلى هذه الشدة إال من الالم الش**ديدة المس**ترخية ‪ ،‬فلم**ا لم يكن ثم فص**ل بين الح**رفين يتهي**أ مع**ه ه**ذا‬
‫االنتقال على نسبة بين الرخاوة والشدة ‪ ،‬تحسن اللفظ مهما كانت حركة اإلعراب فيه**ا نص**بًا أو رفع *ًا أو ج**رًا ‪،‬‬
‫فأسقطها من نظمه بته ‪ ،‬على سعة ما بين أوله وآخرة ‪ ،‬ولو حسنت على وجه من تل**ك الوج**وه لج**اء به**ا حس**نة‬
‫رائعة ‪ ،‬وهذا على أن فيه فظة ( الجّب ) وهي في وزنها ونطقها ل**وال حس**ن االئتالف بين الجيم والب**اء من ه**ذه‬
‫الَّش دة في الجيم المضمومة "‪.‬‬
‫وهذا التوجيه الجمالي الرائع من جانب الرافعي الذي اعتمد فيه على المعطيات الذوقية الخالصة ألص**وات كلم**ة‬
‫(اللّب )‪ ،‬وما أدى إليه ذلك من اس*تحالة توظي*ف المف*رد منه*ا والع*دول إلى الجم*ع في الس*ياق الت*وظيفي للق*رآن‬
‫الكريم‪ ،‬وذلك الجتماع الالم المشددة مع الباء الشفوية الشديدة‪ ،‬مما أدى إلى نوع من الثقل النطقي والس**معي أدى‬
‫إلى هذا العدول‪ ،‬وتوظيف لفظة (القلب) بدًال منها‪.‬‬
‫وعلى هذا النهج نلمس في التوظيف القرآني كلمات وردت مجموعة دون توظيف مفردها‪ ،‬منه**ا كلم**ة (أك**واب)‬
‫في قوله تعالى‪َ{ :‬و ُي َط اُف َع َلْي ِه م ِبآِنَي ٍة ِّمن ِفَّضٍة َو َأْك َو اٍب َك اَنْت َق َو اِر يَر ا} (‪ 15‬االنس**ان)‪ ،‬فلفظ**ة المف**رد منه**ا لم‬
‫توظف هنا " ألنه ال يتهيأ فيها ما يجعلها في النطق من الظهور والرقة واالنكشاف وحس**ن التناس**ب م**ا في لف**ظ‬
‫(أكواب) الذي هو جمع "‪.‬‬
‫كذلك وَّظ ف القرآن الكريم كلمة (أرجاء) مجموعة دون توظيف مفردها في موضعها الوحي**د في الق*رآن‪ ،‬وذل*ك‬
‫في قوله تعالى‪َ{ :‬و اْلَم َلُك َع َلى َأْر َج اِئَه ا َو َي ْح ِمُل َع ْر َش َر ِّب َك َفْو َقُهْم َي ْو َم ِئٍذ َث َم اِنَي ٌة } ( ‪ 17‬الحاقة)‪ ،‬ذلك ألن مفرد كلمة‬
‫(أرجاء) الذي هو (َر َج ى) وهو مقصور‪ ،‬ليس فيه من العذوبة والرقة ما في جمعه‪.‬‬
‫وعلى عكس هذا التوظيف لكلمات في حال**ة الجم**ع دون مفرده**ا‪ ،‬نج**د الق**رآن الك**ريم يوظ**ف كلم**ات في هيئ**ة‬
‫المفرد دون العروج على جمعها‪ ،‬ولك مثلما نلحظ في توظيف كلمة (األرض) التي لم ترد في الق**رآن الك**ريم إال‬
‫مفردو دائمًا في كل المواضع التي ذكرت فيها والبالغ مجموعها (‪ )461‬أربعمائة وإحدى وس**تون موضعًا بك**ل‬
‫صورها؛ من التعريف والتنكير وشتى الحاالت اإلعرابية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وحتى إذا ذكرت كلمة (السماء) مجموعة جيء بكلمة (األرض) معها مفردة في كل موضع‪ ،‬ولما احت**اج الق**رآن‬
‫إلى توظيف الجمع لكلمة (األرض) عدل عنها إلى تعبير يفيد الجمع لكنه ليس بجمع لها‪ ،‬وذل**ك في قول**ه تع**الى‪:‬‬
‫{ُهَّللا اَّلِذي َخ َلَق َس ْب َع َس َم اَو اٍت َو ِمَن اَأْلْر ِض ِم ْث َلُهَّن } (‪ 12‬الطالق)‪ ،‬فلم يق**ل (س**بع أرضين)‪ ،‬واكتفي بجم**ع لف**ظ‬
‫(مثلهن)‪.‬‬
‫وكلمة (األرض) لو أريد جمعها على قياس جموع التكسير لقيل (آراض) كأجم**ال‪ ،‬أو (آروض) كفل**وس‪ .‬إال أن‬
‫هذا األمر مستثقل ألن جمع كلمة (األرض) على هذا النحو " ليس فيه من الفصاحة والحسن والعذوبة ما في لفظ‬
‫السماوات‪ ،‬وأنت تجد السمع ينبو عنه بمقدار ما يستحسن لف*ظ الس*ماوات‪ .‬ولف*ظ الس*ماوات يلج في الس*مع بغ**ير‬
‫استئذان لنصاعته وعذوبته‪ .‬ولفظ (األراضي) ال يأذن له السمع إلى على كره‪ .‬ولهذا نفادوا من جمع**ه إذا أرادوه‬
‫بثالثة ألفاظ تدل على التعدد كما ق**ال تع**الى‪َ{ :‬س ْب َع َس َم اَو اٍت َو ِمَن اَأْلْر ِض ِم ْث َلُهَّن }‪ ،‬ك**ل ه**ذا تفادي*ًا من أن يق**ال‬
‫أراض‪ ،‬وآرض "‪.‬‬
‫أما كلمة السماوات فقد وردت مجموعة ومفردة في الكثير من اآليات القرآنية‪ ،‬وما يحدد ذلك المقصد من التنويع‬
‫الصوتي في التعبير بالكلمة حسب (العدد) إنما هو السياق الذي ترد فيه‪ .‬فمثًال قوله تعالى‪َ{ :‬و َم ا َي ْع ُز ُب َع ن َّر ِّب َك‬
‫ِمن ِّم ْث َقاِل َذ َّر ٍة ِفي اَألْر ِض َو َال ِفي الَّسَم اء} (‪ 61‬يونس)‪ ،‬وقوله تعالى‪َ{ :‬ع اِلِم اْلَغ ْيِب اَل َي ْع ُز ُب َع ْن ُه ِم ْث َق اُل َذ َّر ٍة ِفي‬
‫الَّسَم اَو اِت َو اَل ِفي اَأْلْر ِض } (‪ 3‬سبأ)‪ .‬فقد عبر بلفظ (السماء) مفردًا في سياق اآلية األولى‪ ،‬ومجموع**ة في س**ياق‬
‫اآلية الثانية‪ ،‬فما سر ذلك العدول العددي لتوظيف المفردة في اآليتين؟‬
‫إن السر الجمالي في هذا العدول يكمن في أن إرادة (اإلطالق) في سورة ي**ونس هي ال**تي س**وغت إف**راد الكلم**ة‬
‫داللة على الوصف الشامل‪ ،‬والفوق المطلق دون إرادة تحديد سماء بعينها مخصوصة‪ .‬يقول السهيلي‪ " :‬ق**د ي**رد‬
‫لفظ السماء عبارة عن كل ما عال من سماوات فما فوقها إلى العرش‪ ،‬وغير ذل*ك من المع**اني العلوي**ة المختص*ة‬
‫بالربوبية‪ ،‬فيكون اللفظ بصيغة اإلفراد كالوصف الُم َع َّير به عن الموصوف "‪.‬‬
‫أما آية سورة سبأ فإن التناسب بين ال**دالالت ه**و ال**ذي اقتضى جم**ع كلم**ة (الس**ماوات)‪ ،‬وذل**ك ألن قبله**ا ذك**ر‬
‫سبحانه وتعالى س*عة المل*ك‪ ،‬والمح*ل كل*ه ملك**ه‪ ،‬واألرض جميعه**ا قبضته‪ .‬فل*ذا ن**اب ه**ذا المع**نى جم**ع كلم**ة‬
‫(السماوات) إلرادة الشمول واإلحاطة بهذا الملك‪ ،‬ولو أفرد لُظ َّن أن الحكم منه سبحانه وتعالى على ه**ذه المف**ردة‬
‫فقط ‪-‬حاشاه تعالى ‪ .-‬فإرادة المناسبة هنا هي المسوغ الرئيس لهذا الجمع‪.‬‬
‫كما نلحظ أن القرآن الكريم كلما عبر بلفظة (السماء) مفردة فإن ذلك يكون في سياقات تتطلب هذا اإلفراد‪ ،‬مثلم**ا‬
‫نلمسه فيما يلي‪:‬‬
‫• إرادة إثبات صفة العلو له سبحانه في قوله تعالى‪َ{ :‬أَأِمنُت م َّمن ِفي الَّسَم اء َأن َي ْخ ِس َف ِبُك ُم اَألْر َض } (‪ 16‬الملك)‪.‬‬
‫• إرادة عموم الجنس في قوله تعالى‪َ{ :‬ف َو َر ِّب الَّسَم اء َو اَأْلْر ِض ِإَّن ُه َلَح ٌّق ِّم ْث َل َم ا َأَّنُك ْم َت نِط ُقوَن } (‪ 23‬الذاريات)‪.‬‬
‫• الداللة على عموم الرزق في قوله تعالى‪َ{ :‬و ِفي الَّسَم اء ِر ْز ُقُك ْم َو َم ا ُت وَع ُد وَن } (‪ 22‬الذاريات)‪.‬‬
‫• مناسبة المقام كقوله تعالى‪ُ{ :‬هَّللا اَّلِذي ُيْر ِس ُل الِّر َي اَح َفُتِثيُر َس َح ابًا َفَي ْبُس ُط ُه ِفي الَّسَم اء َك ْي َف َي َش اُء} (‪ 48‬ال**روم)‪.‬‬
‫وما هذا كله إال تأكيد لما نهجه القرآن الكريم من منهج دقيق في انتق*اء كلمات*ه مراعي*ًا س*ياقها الجم*الي‪ ،‬ونس*قها‬
‫الصوتي‪ ،‬وارتباط هذا النسق الصوتي بالدالالت النصية في القرآن الكريم‪.‬‬
‫وقد يهجر القرآن الكريم التعبير بالكلمة المفردة إذ لم تكن فيه العذوبة التي تسم جمعه‪ ،‬وذلك مراعاة لجرس‬
‫الكلمة‪ ،‬وخفة سريانها وجريانها على اللسان‪ .‬نلمح ذلك في توظيف القرآن لكلمة (َج َد ث) مجموعة دون المفرد‬
‫كما في قوله تعالى‪َ{ :‬ف ِإَذ ا ُهم ِّم َن اَأْلْج َد اِث ِإَلى َر ِّب ِه ْم َينِس ُلوَن } (‪ 51‬ياسين)‪ ،‬وقوله تعالى‪َ{ :‬ي ْخ ُرُجوَن ِمَن اَأْلْج َد اِث‬
‫ِس َر اعًا} (‪ 43‬المعارج)‪ .‬ولعل سبب هذا العدول عن توظيف مفرد الكلمة ما في هذا المفرد من الثقل بسبب‬
‫اجتماع حرفين متقاربين في المخرج الصوتي هما (الدال) و (الثاء)‪ ،‬فلما ُفِص ل بينهما بألف المّد في صيغة‬
‫‪.‬الجمع خّف اللفظ‪ ،‬وراق وعذب‪ ،‬ولذا تم العدول عن هذا المفرد إلى الجمع‬

‫‪3‬‬

You might also like