Professional Documents
Culture Documents
القائد سليمان عليه السلام
القائد سليمان عليه السلام
نرى سليمان عليه السالم يتفقد الجيش بعيون القائد العارف بكل صغيرة وكب يرة في جيش ه .وفج أة،
يغضب سليمان عليه السالمَ .غ ِض َب َغ َض بًا ش ديدا ،لق د أحس باختف اء "الهده د" ،أحس باختف اء ه ذا
الطير الصغير من بين هذه اآلالف من األصناف المختلفة من المخلوقات
أحس باختفائه ،ألنه القائد الحكيم الذي يعرف كيف ينظم جيشه ،ويعرف كيف يوجههم ويراقبهم .أما
غضبه ،فكان لخروج هذا الجندي من غير إذن ،وال تهزم الجيوش إال عند مخ الفتهم أوام ر قائ دهم،
أو عن دما يتص رفون انطالق ا من أه وائهم .وع زم س ليمان علي ه الس الم على معاقب ة ه ذا الجن دي
العاصي عقابا شديدا قد يصل إلى اإلعدام ليكون عبرة لغيره ،فيلتزم الجن ود ب أوامر قائ دهم ،ويظ ل
الجيش متماسكا .أو أن يأتي هذا الجندي بعذر قوي ينجيه من هذه العقوبة
ولم يطل انتظار سليمان عليه السالم .فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعي دة عن ه وق ال :علمت
بأمر ال تعلمه أنت ،وجئت بأخبار أكيدة من مملكة سبأ -انظر كي ف يخ اطب ه ذا الهده د أعظم مل ك
في األرض ،بال إحساس بال ذل أو المهان ة ،وه ذه هي ال روح ال تي يجب أن يتحلى به ا القائ د في
تعامله من أتباعه ،يجب أن يزرع فيهم احترامه وحبه ،لكن من غير خ وف وذل ومهان ة -واستمر
الهدهد في حديث قائال :إني وجدت امرأة تحكمهم وأعطاها هللا قوة وملكا عظيمين وسّخ ر له ا أش ياء
كثيرة ولها كرسي ضخم جدا تجلس عليه للحكم مرّصع ب الجواهر وهم يعب دون الش مس فق د أضلهم
الشيطان وزين لهم السجود للشمس وترك هللا سبحانه وتعالى
لنتوقف هنا قليال ..ما الذي دفع الهدهد للسفر من بالد الشام لليمن؟! ما األمر المميز في مملكة سبأ
والذي جعل الهدهد يخرج من غير إذن سليمان مع أن عقوبة فعلته هذه هي الموت؟! ما الذي جعل
الهدهد يتكلم بكل ثقة مع سليمان عن مملكة سبأ؟!
أما ما دفع الهدهد لقطع هذه المسافة الطويلة جدا من فلسطين لليمن فهو :روح المبادرة وإيجاد الدور
المناسب له .لم يكتف الهدهد بأن يكون جنديا عاديا في جيش سليمان ،خصوصا وأن الجيش يضم
الجن والشياطين واإلنس والوحوش ،فما هو الهدهد بجانب هذه المخلوقات!! إن قوته ال تساوي جزء
من مئة جزء من قوة أحدهم .لذا ،دفعته روح "المبادرة" للبحث عن "دور" مهم يناسبه ويكون
قادرا على تنفيذه على أتم وجه
نأتي لألمر المميز في مملكة سبأ ..إن جنود سليمان عليه السالم على علم تام بهدف سليمان في
األرض ،إن هدفه نشر دين هللا ،وإعالء كلمته ،وتحطيم كل ما ُيْع َب د سواه .هذا "الوضوح في
الهدف" َس َّهـل على الجنود تحديد األدوار التي تناسبهم .فالجن على سبيل المثال يصنعون األسلحة
والمعدات الالزمة لقتال أعداء هللا ،واإلنس يتولون مهمة إخضاع األعداء بالقوة ،أما الهدهد فرأى
أن الدور الذي يناسبه هو :البحث عن أعداء هللا وإعالم سليمان بهم
وهذا الوضوح في الهدف هو أيضا ما جعل الهدهد يتكلم بثقة مع سليمان غير مكترث لعقاب أو قتل،
فهو يعلم أن ما قام به سيساعد سليمان على تحقيق هدفه وبالتالي فلن يعاقبه
لنعد لنبينا الكريم سليمان عليه السالم ،ولننظر ماذا فعل .لق د تص رف س ليمان علي ه الس الم بحكمت ه
المعروف ه ،وهي حكم ة القائ د ال ذي اس تحق أن يهب ه هللا ملك ا ليس ألح د من قبل ه أو بع ده.
لم يتسرع سليمان بتجهيز الجيش ،وهو القادر على س حق مملك ة س بأ برمش ة عين .وإنم ا أراد أوال
التأكد صدق األنباء التي نقلها إليه ه ذا الجن دي .ف أمره بنق ل كتاب ه لملكتهم ،وأن يرج ع ليخ بره بم ا
دث. ح
وتس تمر أح داث القص ة ،ال تي انتهت بإس الم ملك ة س بأ من غير قت ال ،وتبعه ا قومه ا في ذل ك.
أحب اإلشارة هنا إلى عدة أمور ،منها ما يتعلق بسليمان عليه السالم ،ومنها ما يتعلق بالهدهد
علم سليمان عليه السالم بكل صغيرة وكبيرة في جيشه ،ودقة ترتيبه وتقسيمه له .ويتضح
ذلك من اكتشافه غياب الهدهد مع أنه طير صغير
تفقد الجيش بشكل دقيق للتأكد من جاهزيته .ويتضح ذلك من مروره على الجيش بعد
جمعهم لمعرفة الحاضر من الغائب.
حرص سليمان عليه السالم بتقيد جيشه بأوامره ،وأهمية استئذان القائد قبل القيام بأي أمر.
ويتضح ذلك من غضب سليمان عليه السالم لغياب الهدهد دون استئذان أو أمر.
سماع المذنب قبل تنفيذ الحكم به .ويتضح ذلك من سماع سليمان عليه السالم حجة غياب
الهدهد
التأكد من صحة األخبار قبل اتخاذ أي قرار مصيري .ويتضح ذلك من إرسال رسالة مع
الهدهد لملكة سبأ وأمره بأن يعود ويخبره بما حدث
وضوح هدف سليمان عليه السالم لدى أتباعه .ويتضح ذلك مما قام به الهدهد من بحث عن
أناس ال يعبدون هللا ليخبر سليمان عنهم
روح المبادرة .ويتضح ذلك من قيام الهدهد من نفسه بالبحث عن أناس ال يؤمنون باهلل ،دون
أن يطلب منه أحد ذلك.
البحث عن دور .ويتضح ذلك من اختيار الهدهد لنفسه دور الدليل والمستكشف ألنه أنسب
له من أن يكون مقاتال في جيش سليمان عليه السالم.