You are on page 1of 15

‫مقدمة‬

‫تعد منازعات الصفقات العمومية من أهم المواضيع التي تطرح العديد من اإلشكاالت القانونية في‬
‫مجال الصفقات العمومية‪ ،‬وهذا نظ ار لكثرتها وتنوعها وكذا خصوصيتها المستمدة من عقد الصفقة العمومية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى كونها من أهم آليات استغالل وترشيد إنفاق المال العام‪ ،‬األمر الذي يتطلب وضع عدة آليات‬
‫وطرق لتسوية منازعاتها سواء الودية منها أو القضائية‪ ،‬وذلك بهدف تحقيق الغرض من اعتمادها وكذلك الحفاظ‬
‫على المال العام من مختلف صور الفساد‪.‬‬

‫تكمن أهمية الصفقات العمومية في إشباع الحاجات العامة وتوفير الخدمات للمواطنين والتنمية‬
‫إجماال‪ ،‬وهو ما يتطلب السرعة في تنفيذها مع مراعاة معايير الجودة وتحقيق األهداف المسطرة في وقتها‬
‫المحدد‪ ،‬غير أن هذه االعتبارات قد تواجهها عدة صعوبات ميدانية تنجم عنها في الغالب منازعات بين‬
‫اإلدارة المتعاقدة والطرف المتعاقد معها في كل مراحل الصفقة العمومية ابراما وتنفيذا‪ ،‬قد تحول دون تحقيق‬
‫األهداف المرجوة منها‪ ،‬األمر الذي يستدعي البحث عن آليات بسيطة وناجعة لحل هذه المنازعات في‬
‫أقرب اآلجال وبأيسر الوسائل واإلجراءات‪ ،‬ولذلك فمن بين االلتزامات التي فرضها المشرع في مجال‬
‫الصفقات العمومية على المصلحة المتعاقدة‪ ،‬تبني فكرة الحل الودي‪.‬‬

‫لقد أحسن المنظم فعال حينما تبنى هذا المبدأ في مرحلة التنفيذ حتى ال تتعطل الخدمة العامة محل‬
‫الصفقة العمومية‪ ،‬وحتى يمكن األطراف من إيجاد حل ودي يناسبهم ويضعون به حدا للمنازعة التي طرأت‬
‫أثناء التنفيذ‪ ،‬وبالتالي مواصلة التنفيذ واستالم المشروع في آجاله المحددة‪ ،‬بما يتماشى وأهداف الصفقات‬
‫العمومية في مختلف القطاعات‪.‬‬

‫المحور األول‪-‬التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية‪:‬‬


‫من بين اآلليات المقررة لحل منازعات الصفقات العمومية وتسويتها‪ ،‬الطرق الودية المعتمدة قانونا‬
‫لحل مثل هذه المنازعات‪ ،‬إذ حرصت جل التنظيمات المتعلقة بالصفقات العمومية على إدراج آليات اتفاقية‬
‫ورضائية لهذا الغرض‪ ،‬وذلك لما تمتاز به من سرعة الفصل واقتصاد الوقت والجهد والمال في عملية‬
‫التسوية‪ ،‬باإلضافة لبساطة وسالسة إجراءاتها‪ ،‬في حل رضائي يضع حدا للنزاع بصفة نهائية‪ ،‬ومن هنا‬
‫تظهر بجالء أهمية اللجوء إلى التسوية الودية كوسيلة فعالة تجنب طرفي الصفقة المتنازعين تعقيدات طرح‬
‫النزاع على القضاء الذي يتميز بإجراءاته الطويلة والمكلفة‪ ،‬باإلضافة إلى إشكاالت تنفيذ األحكام الصادرة‬

‫‪1‬‬
‫عنه‪ ،‬وقلة االجتهادات القضائية التي عالجت المسألة‪ ،‬مع تناقض وتعارض الق اررات الصادرة في هذا‬
‫الشأن‪.‬‬

‫أوال‪-‬مفهوم التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية‪:‬‬


‫تعرف التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية أهمية متزايدة حيث تهدف إلى إيجاد حل سريع‬
‫للمنازعات القائمة بين طرفي الصفقة من أجل ضمان تنفيذها في أحسن الظروف الممكنة وتحقيق الغرض من‬
‫إبرامها المتمثل في حماية المال العام‪ ،‬ذلك أن وضع القانون آلليات فعالة لحل المنازعات التي تنشئ في‬
‫مجال إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية بتدابير واجراءات مضبوطة‪ ،‬يؤدي إلى استقرار مختلف المعامالت‬
‫القانونية واالقتصادية‪ ،‬إذ تعد التسوية الودية بإجراءاتها التي تتميز بالسهولة والبساطة من أهم الضمانات التي‬
‫تتقرر ألطراف الصفقة المتنازعة‪.‬‬

‫تمتاز التسوووية الودية لمنازعات الصووفقات العمومية بإجراءاتها السووهلة والبسوويطة‪ ،‬والتي تهدف لوضووع‬
‫حل نهائي لهذا النوع من المنازعات بطريقة ودية وس و و وولس و و ووة‪ ،‬وهو ما يس و و ووم برب الوقت وتجاوز تعقيدات‬
‫النزاع‪ ،‬كما أن التسووية الودية غير مكلفة مقارنة بالطريق القضوائي الذي يسوتلزم غالبا مصواريف واجراءات‬
‫طويلة ومعقدة‪ ،‬وهذا ما جعل المنظم يحرص على توجيه الطرفين المتعاقدين إلى هذه التس و و و وووية من خالل‬
‫مختلف التنظيمات القانونية للصو و و ووفقات العمومية‪ ،‬فهي بذلك تعد من أهم الضو و و وومانات التي تتقرر ألطراف‬
‫الصفقة المتنازعة‪.‬‬

‫تعرف التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية بأنها مجموع الوسائل واإلمكانيات والتدابير التي‬
‫يسم القانون والتنظيم باتخاذها‪ ،‬ويتيحها لألطراف المتنازعة في مجال ابرام الصفقة العمومية وتنفيذها‬
‫لتسوية النزاعات التي تنشأ بينهم‪ ،‬دون الحاجة للجوء للقضاء‪ ،‬مثل التظلم والطعن اإلداري بأنواعه‪ ،‬وطلب‬
‫رأي لجنة صفقات مختصة ومحددة سلفا‪ ،‬وكذلك عقد التسوية أو أي وسيلة رضائية يحددها القانون ويضبط‬
‫إجراءاتها للمتنازعين بوضع حد نهائي للنزاع القائم بينهم‪.‬‬

‫ثانيا‪-‬أهمية التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية‪ :‬تتمثل أهمية التسوية الودية في كونها تسم‬
‫بتحقيق العديد من األهداف والتي تنعكس إيجابا على عدة جوانب أهمها‪:‬‬

‫‪-1‬األهمية المالية واالقتصادية للتسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية‪ :‬تسم التسوية الودية بتوفير‬
‫مصاريف الدعوى وتكاليف المحامي وكذا مصاريف التنقل والخبرات والمعاينات‪ ،‬ومصاريف محاضر التنفيذ‬

‫‪2‬‬
‫واشكاالته الحقا‪ ،‬إضافة لما قد يحكم به القضاء من تعويض على الطرفين المتنازعين‪ ،‬وبذلك فإن التسوية‬
‫الودية تعد السبيل األفضل لحل منازعاتهم‪ ،‬ويخول لهم امكانية االتفاق بشأن قيمة التعويض التي ستتقرر‬
‫بإرادتهما ال بإلزام من القضاء‪ ،‬وهو ما يخفف العبء على الخزينة العمومية‪.‬‬

‫كما أن التسوية الودية تسم بتجنيب توقف المشاريع أو الخدمات من خالل تسريعها لوتير اإلنجاز‬
‫التي من شأنها تحقيق أهداف التنمية‪ ،‬فسلوكها يغني الطرفين عن عرض نزاعهما على القضاء وما يرافق‬
‫ذلك من طول اإلجراءات وتعقيدها وتأخيرها في حل النزاع بما في ذلك ما يترتب عنها من سلبيات‪ ،‬سواء‬
‫من حيث التأخر في اإلنجاز أو تعطيل العمال‪ ،‬وربما كذلك يعجز المتعاقد عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية‬
‫مما يعرض المشروع كله للتوقف أو إلى فسخ العقد‪ ،‬ألنه كلما تمكنا من رب الوقت أثناء اإلنجاز كلما‬
‫استطعنا الحد من المخاطر التي يمكن أن تهدد نجاح المشروع‪.‬‬

‫كما أن سرعة اإلنجاز تقلل من المشاكل الخارجة عن إطار إرادة الطرفين المتعاقدين كانخفاض‬
‫العملة أو ارتفاع ثمن المواد األولية باألسواق الدولية‪ ،‬مما يتسبب في تضرر المشروع محل الصفقة‪ ،‬حيث‬
‫أن مثل هذه النزاعات قد تربك اإلدارة وتضطرها إلعادة إعالن الصفقة من جديد‪ ،‬وما يترتب عن ذلك من‬
‫نفقات إضافية‪ ،‬فباعتبار أن الصفقات العمومية تشكل محركا لالقتصاد الوطني‪ ،‬فإن أي تعثر يصيبها يؤثر‬
‫بالضرورة في التوجهات االقتصادية المحددة ويحول دون تحقيق االستثمار العمومي ألهدافه‪.‬‬

‫‪-2‬األهمية االجتماعية للتسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية‪ :‬تظهر األهمية االجتماعية في‬
‫اإلضرار بالمصال االجتماعية‪ ،‬نتيجة إهدار للمال العام وهو ما يتسبب في بتعطيل إنجاز المشاريع التي‬
‫تكتسي أهمية حيوية في غالب األحيان يحتاجها المواطن‪ ،‬األمر الذي يؤثر مباشرة على معيشته ومصالحه‬
‫وحقوقه العادية من أمن وتعليم وصحة وثقافة وغيرها من الحقوق ذات الطبيعة االجتماعية‪.‬‬

‫يمكن القول من هنا بأن الخالفات التي تنجم بصدد أي صفقة عمومية سوف يكون لها آثا ار وخيمة‬
‫وتتسبب في تراجع التنمية‪ ،‬كما تقلص حظوظ فئة واسعة من العمال في التوفر على عمل يضمن لهم دخال‬
‫يحسن من وضعهم المعيشي‪.‬‬

‫حرص المنظم على حل وتس و وووية منازعات الص و ووفقات العمومية وديا وبالت ارض و ووي بين الطرفين منذ‬
‫أول تنظيم قانوني لها‪ ،‬واسو و ووتمر النص على هذه اآللية حتى التنظيم القانوني الحالي للصو و ووفقات العمومية‬
‫والمتمثل في المرسوم الرئاسي رقم ‪.247-15‬‬

‫‪3‬‬
‫ثانيا‪-‬آليات التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية‪:‬‬
‫خصص المرسوم الرئاسي رقم ‪ 247-15‬القسم الحادي عشر من الفصل الرابع منه للتسوية الودية‬
‫للنزاعات‪ ،‬والذي يشتمل على ثالث مواد‪ ،‬حيث يتبين من استقرائها‪ ،‬بأنها تتعلق بالمنازعات المتعلقة بمرحلة‬
‫تنفيذ الصفقة العمومية‪ ،‬غير أنه وفي الفصل الثالث المتعلق بإبرام الصفقات العمومية‪ ،‬وتحديدا في القسم‬
‫السادس المعنون بالطعون‪ ،‬فقد نظم المشرع إجراء الطعن في عملية انتقاء المتعامل المتعاقد باعتبارها أهم‬
‫منازعة في مرحلة إبرام الصفقة العمومية‪.‬‬

‫‪-1‬آليات التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية في مرحلة اإلبرام‪:‬‬


‫نصت المادة ‪ 82‬من نفس المرسوم الرئاسي بأنه زيادة على حقوق الطعن المنصوص عليها في‬
‫التشريع المعمول به‪ ،‬يمكن للمتعهد الذي يحتج على المن المؤقت للصفقة أو إلغائه أو إعالن عدم جدوى‬
‫أو إلغاء اإلجراء‪ ،‬في إطار طلب العروض أو إجراء التراضي بعد االستشارة أن يرفع طعنا لدى لجنة‬
‫الصفقات المختصة‪ ،‬وهنا وجب على المصلحة المتعاقدة أن تبلغ في إعالن المن المؤقت للصفقة عن‬
‫نتائج تقييم العروض التقنية والمالية لحائز الصفقة مؤقتا ورقم تعريفه الجبائي‪ ،‬وتشير إلى لجنة الصفقات‬
‫المختصة بدراسة الطعن ورقم التعريف الجبائي للمصلحة المتعاقدة‪.‬‬

‫يرفع الطعن في أجل ‪ 10‬أيام ابتداء من تاريخ أول نشر إلعالن المن المؤقت للصفقة في النشرة‬
‫الرسمية لصفقات المتعامل العمومي أوفي الصحافة أو في بوابة الصفقات العمومية‪ ،‬في حدود المبالغ‬
‫القصوى المحددة قانونا في المادتين ‪ 173‬و‪ ،184‬واذا تزامن اليوم العاشر مع يوم عطلة أو يوم راحة‬
‫قانونية‪ ،‬يمدد التاريخ المحدد لرفع الطعن إلى يوم العمل الموالي‪.‬‬

‫يتعين على المصلحة المتعاقدة أن تدعو في إعالن المن المؤقت للصفقة العمومية المرشحين‬
‫والمتعهدين الراغبين في االطالع على النتائج المفصلة لتقييم ترشيحاتهم وعروضهم التقنية والمالية‪،‬‬
‫واالتصال بمصالحها في أجل أقصاه ‪ 3‬أيام‪ ،‬ابتداء من اليوم األول لنشر إعالن المن المؤقت للصفقة‬
‫لتبليغهم بالنتائج كتابيا‪.‬‬

‫أما في حاالت إعالن عدم جدوى والغاء إجراء إبرام الصفقة أو إلغاء منحها المؤقت‪ ،‬يجب على‬
‫المصلحة المتعاقدة أن تعلم برسالة موصى عليها مع وصل استالم‪ ،‬المرشحين أو المتعهدين بقراراتها‪،‬‬
‫ودعوة أولئك الراغبين منهم في االطالع على مبررات ق ارراتها‪ ،‬االتصال بمصالحها في أجل أقصاه ‪ 3‬أيام‬
‫ابتداء من تاريخ استالم الرسالة‪ ،‬لتبليغهم هذه النتائج كتابيا‪ ،‬وعندما تطلق المصلحة المتعاقدة اإلجراء من‬

‫‪4‬‬
‫جديد توض في إعالن المنافسة أو في رسالة االستشارة حسب الحالة‪ ،‬إن كان يتعلق بإطالق لإلجراء بعد‬
‫إلغائه أو بعد إعالن عدم جدواه‪ ،‬ويرفع الطعن في أجل ‪ 10‬أيام ابتداء من تاريخ استالم رسالة إعالم‬
‫المرشحين أو المتعهدين‪.‬‬
‫بناء على ما تقدم فإن لجنة الصفقات المختصة تتخذ ق ار ار في أجل ‪ 15‬يوما ابتداء من تاريخ‬
‫انقضاء أجل ‪ 10‬أيام‪ ،‬ويبلغ هذا القرار للمصلحة المتعاقدة ولصاحب الطعن‪.‬‬

‫أما في حالة الطعن في المن المؤقت للصفقة العمومية‪ ،‬فال يمكن أن يعرض مشروع هذه الصفقة‬
‫على لجنة الصفقات المختصة لدراسته إال بعد انقضاء أجل ‪ 30‬يوما‪ ،‬ابتداء من تاريخ نشر إعالن المن‬
‫المؤقت للصفقة الموافق لآلجال المحددة‪ ،‬لتقديم الطعن‪ ،‬ولدراسته من طرف اللجنة المختصة وكذلك لتبليغ‬
‫قرارها‪ ،‬وتجتمع في هذه الحالة وفق تشكيلتها المحددة قانونا بحضور ممثل المصلحة المتعاقدة بصوت‬
‫استشاري‪.‬‬

‫بالرغم من أهمية وبساطة تدابير واجراءات التسوية الودية لحل منازعات الصفقات العمومية‪ ،‬إال‬
‫أن المتعامل المتعاقد تحديدا وباعتباره أحد الطرفين المتنازعين في الصفقة العمومية‪ ،‬قد ال يجد ضالته في‬
‫هذه التسوية نظ ار للتشكيلية اإلدارية البحتة التي تطغى عليها‪ ،‬وهو ما يجعلها بعيدة عن الموضوعية والحياد‬
‫الالزمين لحل أي نزاع‪ ،‬باإلضافة إلى عدم تمتع الق اررات الناتجة عنا بالقوة اإللزامية التي تتطلبها عملية‬
‫تسوية أي نزاع‪.‬‬

‫‪-2‬آليات التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية في مرحلة التنفيذ‪:‬‬


‫تضمن المرسوم الرئاسي رقم ‪ 247-15‬فيما يتعلق بالتسوية الودية على ثالث مواد‪ ،‬حيث حافظ‬
‫بموجبها على آليات للتسوية الودية للمنازعات المتعلقة بتنفيذ الصفقة‪ ،‬والتي جل عرفتها التنظيمات السابقة‬
‫للصفقات العمومية‪ ،‬وقام باستحداث إجراءات وتدابير جديدة من أجل تفعيل التسوية الودية نظ ار لمزاياها‬
‫العديدة في حل هذه النزاعات بصفة ودية ونهائية‪.‬‬

‫‪-1-2‬ضوابط التسوية الودية أثناء مرحلة التنفيذ‪:‬‬


‫يتبين لنا الحرص في التسوية الودية من خالل المادة ‪ 153‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪247-15‬‬
‫السالف الذكر‪ ،‬حيث فرض المنظم على المصلحة المتعاقدة بعض األحكام والضوابط التي تلتزم بها من‬
‫أجل الوصول إلى حل ودي يرضي أطراف النزاع في الصفقات العمومية‪ ،‬حيث جاءت فيها بأنه يجب أن‬
‫يتضمن الحل الودي ما يلي‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫‪-‬احترام اإلدارة المعنية لألحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها‪ :‬إن كل اتفاق لحل النزاع وديا يخالف‬
‫أحكام التشريع والتنظيم يعد باطال وال يرتب أي أثر قانوني سواء بالنسبة لطرفي العقد أو غيرهم‪.‬‬
‫‪-‬إيجاد التوازن للتكاليف المترتبة على كل طرف من الطرفين‪ :‬قد تظهر ظروف أثناء التنفيذ تحمل‬
‫المتعامل المتعاقد نفقات أكثر لم تكن متوقعة عند إبرام العقد‪ ،‬ففي هذه الحالة يتعين على اإلدارة أخذ هذه‬
‫الظروف بعين االعتبار‪ ،‬وانصاف المتعامل المتعاقد‪ ،‬وكذلك محاولة حسم الحل وديا واعطاءه حقه في‬
‫التوازن المالي‪.‬‬

‫‪-‬التوصل ألسرع انجاز لموضوع الصفقة‪ :‬يعد عامل الزمن من أهم األمور التي يجب مراعاتها في تنفيذ‬
‫الصفقات العمومية‪ ،‬مما يفرض الحسم الودي ألي نزاع أثناء التنفيذ‪.‬‬

‫‪-‬الحصول على تسوية نهائية أسرع وبأقل تكلفة‪ :‬حتى ال يتسبب النزاع الناتج عن التنفيذ في زعزعة أو‬
‫تعطيل المشروع محل الصفقة‪ ،‬فرض المشرع على المصلحة المتعاقدة البحث عن حل ودي في أسرع وقت‪،‬‬
‫بما يكفل ضمان مواصلة العمل وتنفيذ موضوع الصفقة في أجالها المحددة في العقد‪.‬‬

‫‪-2-2‬إجراءات التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية في مرحلة التنفيذ‪:‬‬


‫جاء في المادة ‪ 153‬من نفس المرسوم الرئاسي بأنه يتم تسوية النزاعات التي تط أر عند تنفيذ الصفقة‬
‫العمومية في إطار األحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها‪ ،‬كما يجب على المصلحة المتعاقدة ودون‬
‫المساس بتطبيق هذه األحكام‪ ،‬أن تبحث عن حل ودي للنزاعات التي تط أر عند تنفيذ صفقاتها كلما سم‬
‫هذا الحل بإيجاد التوازن للتكاليف المترتبة على طرف من الطرفين‪ ،‬والتوصل إلى أسرع إنجاز لموضوع‬
‫الصفقة‪ ،‬وكذلك الحصول على تسوية نهائية أسرع وبأقل تكلفة‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة أن هذا الدور الذي تلعبه المصلحة المتعاقدة يعتبر نوع من أنواع الصل اإلداري‪،‬‬
‫حيث يعد صل إداري خارج عن مجال القصاء‪ ،‬وهو غير منصوص عليه في قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪.‬‬
‫أما في حال عدم اتفاق الطرفين يعرض النزاع أمام لجنة التسوية الودية للنزاعات المختصة‪ ،‬المنشأة‬
‫بموجب أحكام المادة ‪ 154‬من المرسوم الرئاسي السالف الذكر‪.‬‬

‫كما يجب على المصلحة المتعاقدة أن تدرج في دفتر الشروط المتعلق بالصفقة العمومية المبرمة‪،‬‬
‫ضرورة اللجوء إلجراء التسوية الودية للنزاعات‪ ،‬قبل كل مقاضاة أمام العدالة‪ ،‬وهنا وجب على اللجنة أن‬
‫تبحث على العناصر المتعلقة بالقانون أو الوقائع إليجاد حل ودي ومنصف للنزاعات الناجمة عن تنفيذ‬

‫‪6‬‬
‫الصفقات العمومية المطروحة أمامها‪ ،‬والتي ألزم القانون أال يكون أعضاءها أي اللجنة قد شاركوا في‬
‫إجراءات إبرام ومراقبة وتنفيذ الصفقة المعنية‪.‬‬

‫كما يخضع لجوء المصال المتعاقدة في إطار تسوية النزاعات التي تط أر عند تنفيذ الصفقات‬
‫العمومية المبرمة مع متعاملين متعاقدين أجانب‪ ،‬إلى هيئة تحكيم دولية بناء على اقتراح من الوزير المعني‬
‫للموافقة المسبقة أثناء اجتماع الحكومة‪.‬‬

‫بناء على ما تقدم فقد أكدت المادة ‪ 154‬من نفس المرسوم الرئاسي‪ ،‬على أنه تنشأ لدى كل وزير‬
‫ومسؤول هيئة عمومية ولدى كل وال لجنة للتسوية المبرمة مع المتعاملين االقتصاديين الجزائريين‪.‬‬

‫‪-3-2‬لجان التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية‪ :‬تتمثل في كل من لجنتي التسوية الودية‬
‫للنزاعات في الو ازرة والهيئة العمومية‪ ،‬ولجنة التسوية الودية للنزاعات في الوالية‪.‬‬

‫‪-1-3-2‬لجنة التسوية الودية للنزاعات في الوزارة والهيئة العمومية‪ :‬تختص بدراسة نزاعات اإلدارة‬
‫المركزية ومصالحها الخارجية أو الهيئة العمومية والمؤسسات العمومية الوطنية التابعة لها‪ ،‬بحيث تتشكل‬
‫هذه اللجنة كما يأتي‪:‬‬

‫‪ -‬ممثل عن الوزير أو مسؤول الهيئة العمومية‪ ،‬رئيسا‪،‬‬


‫‪ -‬ممثل عن المصلحة المتعاقدة‪،‬‬
‫‪ -‬ممثل عن الو ازرة المعنية بموضوع النزاع‪،‬‬
‫‪ -‬ممثل عن المديرية العامة للمحاسبة‪.‬‬

‫‪-2-3-2‬لجنة التسوية الودية للنزاعات في الوالية‪ :‬تختص بدراسة نزاعات الوالية والبلديات والمؤسسات‬
‫العمومية المحلية التابعة لها والمصال غير الممركزة للدولة والتي تتشكل كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬ممثل عن الوالي‪ ،‬رئيسا‪،‬‬
‫‪ -‬ممثل عن المصلحة المتعاقدة‪،‬‬
‫‪ -‬ممثل عن المديرية التقنية للوالية المعنية بموضوع النزاع‪،‬‬
‫‪ -‬ممثل عن المحاسب العمومي المكلف‪.‬‬

‫يعين أعضاء اللجان المختارون نظ ار لكفاءتهم في الميدان‪ ،‬بموجب مقرر من مسؤول الهيئة‬
‫العمومية أو الوزير أو الوالي المعني‪ ،‬مع إمكانية استعانة رئيس اللجنة بكل كفاءة من شأنها توضي أشغال‬

‫‪7‬‬
‫اللجنة على سبيل االستشارة‪ ،‬ويعين مقر ار من ضمن أعضاء اللجنة من قبل رئيس اللجنة‪ ،‬والذي توضع‬
‫أمانة اللجنة لديه‪.‬‬
‫لقد أوض المرسوم الرئاسي رقم ‪ 247-15‬السالف الذكر‪ ،‬بأنه يمكن للمتعامل المتعاقد والمصلحة‬
‫المتعاقدة عرض النزاع على اللجنة‪ ،‬بحيث يوجه الشاكي إلى أمانة اللجنة تقري ار مفصال مرفقا بكل وثيقة‬
‫ثبوتية برسالة موصى عليها مع وصل استالم‪ ،‬وتدعى الجهة الشاكية من طرف رئيس اللجنة برسالة موصى‬
‫عليها مع وصل استالم إلعطاء رأيها في النزاع‪ ،‬ويجب عليها أن تبلغ رأيها لرئيس اللجنة برسالة موصى‬
‫عليها مع وصل استالم في أجل أقصاه ‪ 10‬أيام من تاريخ مراسلتها‪.‬‬

‫تتم دراسة النزاع في أجل أقصاه ‪ 30‬يوما ابتداء من تاريخ جواب الطرف الخصم برأي مبرر‪ ،‬مع‬
‫امكانية استماع اللجنة لطرفي النزاع و‪/‬أو تطلب منهما إبالغها بكل معلومة أو وثيقة من شأنها توضي‬
‫أعمالها‪ ،‬وتأخذ آراء اللجنة بأغلبية أصوات أعضائها وفي حالة تعادل األصوات يكون صوت الرئيس‬
‫مرجحا‪.‬‬

‫بعد ذلك يبلغ رأي اللجنة لطرفي النزاع بإرسال موصى عليه مع وصل استالم‪ ،‬وترسل نسخة من‬
‫هذا الرأي إلى سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام‪ ،‬على أن تبلغ المصلحة المتعاقدة‬
‫قرارها في رأي اللجنة للمتعامل المتعاقد في أجل أقصاه ‪ 8‬أيام‪ ،‬ابتداء من تاريخ تبليغها برسالة موصى‬
‫عليها مع وصل استالم وتعلم اللجنة بذلك‪.‬‬

‫بناء على ما تقدم حول آليات التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية‪ ،‬يتبين لنا أن هذه التدابير‬
‫ذات أهمية كبيرة لحل النزاعات القائمة بين طرفي الصفقة المبرمة‪ ،‬وهذا لبساطتها من جهة وألنها غير‬
‫مكلفة من جهة أخرى‪.‬‬

‫ثالثا‪-‬تقييم التسوية الودية‪:‬‬


‫أصبحت التسوية الودية من أكثر وسائل حل المنازعات في التشريعات والتنظيمات الحديثة‪ ،‬حيث‬
‫فرضتها نتائج التطور االقتصادي واالجتماعي الحاصل في المجتمع‪ ،‬وهو ما دفع بالمشرع إلى الجنوح‬
‫لثقافة التسوية الودية والتوافقية لحل المنازعات بمختلف أنواعها بين مختلف األشخاص المعنوية العامة أو‬
‫الخاصة بصفة رضائية وودية تسم بحسم النزاع بشكل نهائي‪ ،‬معتمدا في ذلك على مزاياها العديدة من‬
‫رب للوقت واقتصاد في التكاليف‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫تبين لنا كذلك أن نظام التسوية الودية في مجال الصفقات العمومية يجب أن يخص بإجراءات‬
‫مميزة تتماشى والطبيعة القانونية ألطراف هذه المنازعة‪ ،‬باعتبار أن أحد أطرافها إدارة عامة تتمتع بامتيازات‬
‫السلطة العامة‪ ،‬كما يتعين مراجعة طبيعة النتائج المتوصل إليها من قبل لجان التسوية‪ ،‬وذلك بجعلها إلزامية‬
‫لكال الطرفين‪ ،‬وهو ما يسم بتشجيع الحل الودي‪ ،‬ومن شأن ذلك أن يجعل منه حال نهائيا منهيا للنزاع‬
‫القائم بينهما‪ ،‬ذلك أن اإلبقاء عليها بالصورة السابق عرضها من دون أي تفصيل إلجراءاتها من شأنه أن‬
‫يؤدي إلى عدم فاعلية ونجاعة هذه اآللية‪ ،‬وهو ما يمكن أن يعيق التوصل لحل فعال مرضي لجميع‬
‫األطراف‪ ،‬ومن ثم تعطيل المشروع أو الخدمة محل التعاقد‪.‬‬

‫بناء على ما تقدم يتض بأن التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية لها أهمية كبيرة في إيجاد‬
‫حل مرضي لألطراف المتنازعة وتسوية خالفاتهم بشكل نهائي‪ ،‬إال أن هذا الدور يحتاج للتفعيل بتدعيمه‬
‫بمختلف النصوص القانونية الشارحة والمفصلة آلليات هذه التسوية واجراءاتها‪ ،‬من أجل ضمان فعاليتها‬
‫لحماية طرفي الصفقة العمومية وحماية المصلحة العامة التي تمثل الهدف الرئيس واألساس من إبرام‬
‫الصفقة العمومية‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬الطرق البديلة لتسوية منازعات الصفقات العمومية‬


‫نص المشرع على الطرق البديلة لحل النزاعات بشكل عام وهي الصل القضائي والوساطة والتحكيم‬
‫في الباب األول والثاني من الكتاب الخامس من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬وهذا بعد أن كان قد‬
‫حصر اآلليات البديلة لحل النزاعات اإلدارية في كل من الصل القضائي والتحكيم وذلك في الباب الخامس‬
‫من الكتاب الرابع‪ ،‬وعليه يتبين لنا أن إجراء الوساطة مستبعد من المنازعات اإلدارية‪.‬‬

‫أوال‪-‬الصلح القضائي‪:‬‬
‫الصل القضائي عبارة عن تسوية ودية لنزاع قائم يتطلب تنازال من أحد الطرفين أو كالهما إما‬
‫بشكل إرادي أو بإلزام قانوني‪ ،‬ولقد أوجده المشرع بموجب القانون رقم ‪ 23-90‬المعدل والمتمم لألمر رقم‬
‫‪ 154-66‬المتضمن قانون اإلجراءات المدنية(الملغى)‪ ،‬حيث كان يخص جميع الدعاوى اإلدارية بدون‬
‫استثناء‪ ،‬األمر الذي أثار انتقاد العديد من فقهاء وأساتذة القانون‪ ،‬فإذا كان إجراء الصل القضائي ال يثير‬
‫أي إشكال في دعاوى القضاء الكامل‪ ،‬فإنه ال يمكن تصور حدوثه بالنسبة لدعاوى اإللغاء‪ ،‬فكيف يمكن‬
‫أن يبرم القاضي اإلداري صلحا بين طرفي النزاع‪ ،‬إذا ثبتت له عدم مشروعية القرار اإلداري محل النزاع‪،‬‬
‫خاصة وأن مهمته األساسية تتمثل في رقابة المشروعية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫بموجب كل من المواد (‪ )974-970‬من القانون رقم ‪ 09-08‬المتضمن قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪ ،‬أدخل المشرع عدة تعديالت على الصل القضائي وهذا على النحو التالي‪:‬‬

‫‪-‬أصب الصل القضائي إجراء جوازاي يمكن تقديمه في أية مرحلة كانت عليها الدعوى‪.‬‬
‫‪-‬يمكن إجراء الصل القضائي أمام كل من المحاكم اإلدارية ومجلس الدولة‪.‬‬
‫‪-‬ال يجوز للهيئات القضائية اإلدارية إجراء الصل إال في دعاوى القضاء الكامل‪ ،‬وفي النزاعات التي تدخل‬
‫في اختصاصها‪.‬‬
‫‪-‬يتم إجراء الصل إما بسعي من الخصوم أو بمبادرة من رئيس تشكيلة الحكم بعد موافقة الخصوم‪ ،‬واذا تم‬
‫الصل يأمر هذا األخير بتسوية النزاع وغلق الملف‪ ،‬على أن يكون هذا األمر غير قابل ألي طعن‪.‬‬

‫إن ما يمكن مالحظته بالنسبة إلجراء الصل في منازعات الصفقات العمومية أنه أمر صعب التحقق‪،‬‬
‫ذلك أن النظام القانوني لمنازعات الصفقات العمومية‪ ،‬هو نظام يحفز ويشجع على التسوية الودية بين‬
‫األطراف المتنازعة‪ ،‬مهما كان نوع المنازعة‪ ،‬سواء تعلقت بإجراءات إبرام الصفقة أو بعملية تنفيذها‪ ،‬وفي‬
‫أي مرحلة كان عليها النزاع‪.‬‬

‫لذلك فإنه ال يتصور حدوث اتفاق بين األطراف على نقاط الخالف في المنازعة الثائرة بينهما وعرض‬
‫تصالحهما على القاضي‪ ،‬ألن تنظيم الصفقات العمومية سبق وأن مكنهم منه قبل عرض النزاع على القضاء‬
‫من عدة آليات للتسوية الودية ولم يستغال هذه اآللية‪ ،‬خاصة وأن المنظم حرص على تجسيدها فعليا‪ ،‬حيث‬
‫تسم باختصار الجهد والوقت في تجاوز النزاع‪ ،‬كما أنها غير مكلفة لكال الطرفين مقارنة بالطريق القضائي‬
‫الذي يستلزم غالبا مصاريف واجراءات طويلة جدا‪.‬‬

‫ثانيا‪-‬التحكيم‪:‬‬
‫يمكن اللجوء إلى التحكيم بمختلف أنواعه في جميع منازعات الصفقات العمومية إال في الحاالت‬
‫المستثناة بموجب كل من تنظيم الصفقات العمومية وقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬فقد أجاز المشرع‬
‫ألشخاص القانون العام إجراء التحكيم في عالقاتها االقتصادية وفي مادة الصفقات العمومية فقط وفقا لنص‬
‫المادة ‪ 1006‬من (ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪ ،‬على أن تطبق أحكامه المنصوص عليها في قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية أمام الجهات القضائية اإلدارية‪ ،‬وعليه يعد التحكيم ضمانة هامة لحماية مصال المتعامل المتعاقد‪،‬‬
‫ويمكن له االستعانة به لحماية مصالحه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪-1‬الطبيعة القانونية للتحكيم‪:‬‬
‫اختلف فقه القانون العام في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم‪ ،‬مما أدى لظهور عدة اتجاهات يمكن‬
‫أن إيجازها كما يلي‪:‬‬

‫‪-‬التحكيم ذو طبيعة تعاقدية‪ :‬وفقا ألصحاب هذا االتجاه يعد التحكيم عقدا رضائيا ملزم للجانبين‪ ،‬حيث‬
‫بعد أن يتفق األطراف على التحكيم‪ ،‬يصبغ الحكم بذات الصبغة االتفاقية‪ ،‬ولكن هذا االتجاه تعرض للنقد‬
‫على أساس أن االتفاق هو عنصر في التحكيم وال يمكن اعتباره كل التحكيم‪ ،‬كما أن إرادة األطراف ال تتجه‬
‫دائما للتحكيم لحل النزاع كما هو الحال في التحكيم االجباري‪.‬‬

‫‪-‬التحكيم ذو طابع قضائي‪ :‬يرى أصحاب هذا االتجاه أن التحكيم هو نوع من أنواع القضاء‪ ،‬أي أن التحكيم‬
‫يقوم بنفس وظيفة القضاء وهو حسم النزاع وتحقيق العدالة‪ ،‬ولكن هذا الرأي انتقد للفرق الشاسع فيما بين‬
‫التحكيم والقضاء فال يمكن الخلط بينهما‪.‬‬

‫‪-‬التحكيم ذو طبيعة مختلطة‪ :‬اعتبر فريق من الفقهاء بأن التحكيم ذو طبيعة عقدية إذا نظرنا إليه من حيث‬
‫أصله‪ ،‬حيث يتمثل في اتفاق التحكيم‪ ،‬وهو كذلك ذو طبيعة قضائية من حيث الحكم الصادر عن المحكم‬
‫والذي يعتبر ملزما لألطراف‪ ،‬وهذا الرأي أيضا تعرض للنقد حيث أنه يؤدي إلى تناقضات كثيرة‪.‬‬

‫‪-‬التحكيم ذو طبيعة مختلفة‪ :‬يرى أصحاب هذا االتجاه أن للتحكيم نظام قانوني خاص به‪ ،‬ويمكن اعتباره‬
‫صورة من صور القضاء الخاص‪ ،‬ألن الفصل فيه يعود لشخص أو أشخاص عاديين‪.‬‬

‫‪-2‬مزايا التحكيم‪:‬‬
‫يعتبر التحكيم من بين أهم الطرق البديلة لحل المنازعات بصفة عامة ومنازعات الصفقات العمومية‬
‫بصفة خاصة‪ ،‬وهذا لالعتبارات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬يمن التحكيم إمكانية تسوية النزاع في مدة وجيزة‪ ،‬وبالتالي يمن ألطراف النزاع إمكانية حل خالفاتهم‬
‫بسرعة بعيدا عن اإلجراءات القضائية الطويلة والمعقدة‪ ،‬حيث يتم الفصل في النزاع في أجل أربعة أشهر‬
‫كأقصى حد‪.‬‬

‫‪ -‬يسم التحكيم كذلك باختصار أجال الطعن القضائي‪ ،‬حيث يمكن تقديم االستئناف خالل ‪ 15‬يوما فقط‪.‬‬

‫‪ -‬يمكن التحكيم من تخفيف القضايا المطروحة على القضاء‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬يعطي التحكيم إمكانية حل النزاع بشكل ودي‪ ،‬وهو ما يعطي إمكانية تنفيذ الصفقة بعد تعطل ذلك نتيجة‬
‫الخالفات التي أدت إلى التحكيم‪.‬‬

‫‪-3‬صور التحكيم‪:‬‬
‫يعد التحكيم عملية قانونية مركبة تقوم على اتفاق أطراف نزاع معين بعرض خالفهم على محكم‬
‫للفصل فيه وفقا للقانون أو قواعد العدالة حسب ما ينص عليه االتفاق‪ ،‬مع تعهد أطراف النزاع بقبول الحكم‬
‫الذي يصدر عن المحكمين‪ ،‬وبذلك فإن القانون الذي يجيز التحكيم هو وحده الذي يمثل أساسه القانوني‪،‬‬
‫وما إرادة الخصوم أو اتفاقهم على اللجوء إلى التحكيم إال شرط استلزمه القانون لعرض النزاع المتفق على‬
‫التحكيم فيه على المحكمين‪ ،‬ويمكن أن نميز في صور التحكيم بين ما يلي‪:‬‬

‫‪-1-3‬شرط التحكيم‪ :‬هو عبارة عن اتفاق يرد ضمن نصوص عقد معين يقرر بموجبه أطرافه اللجوء إلى‬
‫التحكيم لتسوية المنازعات التي قد تثور مستقبال حول العقد وتنفيذه‪ ،‬وبذلك فإن شرط التحكيم عبارة عن‬
‫اتفاق موقوف على شرط وقوع النزاع‪ ،‬وهو ما أكدته المادة ‪ 1007‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪،‬‬
‫كما أفاد ذات القانون في نص المادة ‪ 1008‬أن شرط التحكيم يثبت بالكتابة في االتفاقية األصلية أو في‬
‫الوثيقة التي تستند إليها وهذا تحت طائلة البطالن‪ ،‬هذا باإلضافة إلى وجوب أن يتضمن هذا الشرط تعيين‬
‫المحكم أو المحكمين أو تحديد كيفية تعيينهم‪.‬‬

‫‪-2-3‬مشارطة التحكيم‪ :‬هو اتفاق يبرمه أطراف العقد ويكون منفصال عن العقد األصلي‪ ،‬يتم بموجبه‬
‫اللجوء إلى التحكيم للفصل في نزاع قائم فعال بصدد هذا العقد‪ ،‬أي أن مشارطة التحكيم تأتي الحقة على‬
‫قيام النزاع بقصد إيجاد حل له‪ ،‬خالفا لشرط التحكيم الذي يكون سابقا على نشوئه‪.‬‬

‫كما يجوز ألطراف المنازعة االتفاق على التحكيم حتى أثناء سريان الخصومة أمام الجهة القضائية‬
‫كتابيا‪ ،‬ويجب أن يتضمن موضوع النزاع وأسماء المحكمين أو كيفية تعيينهم‪ ،‬وهذا تحت طائلة البطالن‬
‫وفي حالة رفض المحكم المعين القيام بالمهمة المسندة إليه يستبدل بغيره من طرف رئيس المحكمة المختصة‪،‬‬
‫وهذا وفقا لما نصت عليه كل من المادة ‪ 1003 1002‬من (ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬

‫‪-4‬أحكام التحكيم‪ :‬تتمثل فيما يلي‪:‬‬


‫‪-‬تتشكل محكمة التحكيم من محكم أو عدة محكمين بعدد فردي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪-‬تسند مهمة التحكيم لشخص طبيعي بشرط أن يكون متمتعا بكامل حقوقه المدنية‪ ،‬وأما إذا اسندت لشخص‬
‫معنوي فعليه أن يتولى تعيين عضو أو أكثر من أعضائه بصفة محكم‪ ،‬كما ال يعد تشكيل محكمة التحكيم‬
‫صحيحا إال إذا قبل المحكم أو المحكمون بالمهمة المسندة إليهم وفقا للمادة ‪ 1014‬و‪ 1/1015‬من نفس‬
‫القانون‪.‬‬

‫‪-5‬حاالت رد المحكم‪ :‬يتعين على المحكم في حالة علمه بقابليته للرد إخبار األطراف بذلك‪ ،‬وال يجوز له‬
‫القيام بمهامه إال بعد موافقتهم‪ ،‬حسب ما نصت عليه المادة ‪ 2/1015‬من نفس القانون‪ ،‬كما يجوز رد‬
‫المحكم في الحاالت التالية وفقا لما جاء في المادة ‪ 1016‬من نفس القانون‪:‬‬

‫‪ -‬عندما ال تتوفر في المحكم المؤهالت المتفق عليها بين األطراف‪.‬‬


‫‪ -‬إذا توفر سبب للرد منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبل األطراف‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ما تبين من الظروف شبهة مشروعة تمس باستقاللية المحكم‪ ،‬سواء بسبب وجود مصلحة أو عالقة‬
‫اقتصادية أو عائلية مع أحد األطراف مباشرة أو عن طريق وسيط‪.‬‬
‫‪ -‬ال يجوز تقديم طلب رد المحكم م ن الطرف الذي عينه أو شارك في تعيينه إال إذا ظهر سبب الرد بعد‬
‫التعيين‪.‬‬

‫أما في حالة ما إذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفية تسوية النزاع أو لم يسع األطراف لتسوية إجراءات‬
‫الرد‪ ،‬يفصل القاضي في ذلك األمر بناء على طلب ممن يهمه التأجيل‪ ،‬والذي يكون غير قابل ألي طعن‬
‫كان‪.‬‬

‫‪-6‬إجراءات الخصومة التحكيمية‪ :‬نص المشرع على إجراءات الخصومة التحكيمية في المواد من ‪1019‬‬
‫إلى ‪ 1023‬من نفس القانون‪ ،‬حيث أكد على أن المحكمون يفصلون في النزاع وفقا لقواعد القانون‪ ،‬حيث‬
‫تطبق على الخصومة التحكيمية اآلجال واألوضاع المقررة أمام الجهات القضائية‪ ،‬ما لم يتفق األط ارف‬
‫على خالف ذلك‪ ،‬وأكد بأن أعمال التحقيق والمحاضر تنجز من قبل جميع المحكمين‪ ،‬إال إذا أجاز اتفاق‬
‫التحكيم سلطة ندب أحدهم للقيام بذلك‪.‬‬

‫كما أكد المشرع على أنه في حالة الطعن مدنيا في ورقة أو في حالة حصول عارض جنائي‪ ،‬يتعين‬
‫على المحكمين إحالة األطراف إلى الجهة القضائية المختصة‪ ،‬ويتم استئناف سريان أجل التحكيم من تاريخ‬
‫الحكم في المسألة العارضة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫أما فيما يتعلق بطرق الطعن في أحكام التحكيم فقد نص المشرع في كل من المواد من ‪ 1032‬إلى‬
‫‪ 1034‬من نفس القانون‪ ،‬على أن أحكام التحكيم تكون غير قابلة للطعن فيها بالمعارضة‪ ،‬ويمكن الطعن‬
‫فيها عن طريق اعتراض الغير الخرج عن الخصومة أمام المحكمة المختصة قبل عرض النزاع على التحكيم‪.‬‬

‫أجاز المشرع كذلك الطعن في هذه األحكام باالستئناف في أجل شهر واحد من تاريخ النطق بها‬
‫أمام المجلس القضائي الذي صدر في دائرة اختصاصه حكم التحكيم‪ ،‬ما لم يتنازل األطراف عن حق‬
‫االستئناف في اتفاقية التحكيم‪ ،‬وأضاف بأن الق اررات الفاصلة في االستئناف تكون وحدها قابلة للطعن‬
‫بالنقض فيها وفقا لقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪.‬‬

‫يالحظ بأن المشرع نص على استئناف أحكام التحكيم أمام المجلس القضائي المختص متجاهال‬
‫مجلس الدولة‪ ،‬الذي يعتبر الجهة القضائية المختصة في استئناف األحكام الصادرة عن المحاكم اإلدارية‬
‫فيما يتعلق بالمنازعات اإلدارية والتي تعد منازعات الصفقات العمومية جزء منها‪ ،‬وهو ما يبدوا أنه مجرد‬
‫سهو وقع فيه المشرع‪ ،‬باعتبار أنه تناول التحكيم في الكتاب الخامس الذي يتضمن أحكاما مشتركة بين‬
‫اإلجراءات المدنية واإلجراءات اإلدارية‪.‬‬

‫‪-7‬انقضاء التحكيم‪ :‬حددت المادة ‪ 1024‬من (ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ) الحاالت التي ينقضي بها التحكيم وهي على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -‬عند وفاة أحد المحكمين أو أحد أطراف العقد‪.‬‬

‫‪ -‬إذا رفض أحد المحكمين القيام بمهامه بمبرر أو تنحيه أو حصول ما نع له ما لم يوجد شرط مخالف‪،‬‬
‫أو عند اتفاق األطراف على استبداله أو استبدال من قبل المحكم أو المحكمين الباقين‪.‬‬

‫‪ -‬انتهاء المدة المقررة للتحكيم أو بانقضاء مدة أربعة أشهر إذا لم تشترط مدة معينة‪.‬‬

‫‪-‬االستعجال في الصفقات العمومية‪:‬‬


‫أجاز المشرع بموجب المادة ‪ 946‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬رفع دعوى أمام المحكمة‬
‫اإلدارية‪ ،‬وذلك في حالة اإلخالل بالتزامات اإلشهار أو المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام العقود‬
‫اإلدارية والصفقات العمومية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫يمكن رفع الدعوى من قبل كل من له مصلحة في إبرام العقد والذي قد يتضرر من هذا اإلخالل‪،‬‬
‫وكذلك لممثل الدولة على مستوى الوالية إذا أبرم العقد أو سيبرم من طرف جماعة إقليمية أو مؤسسة‬
‫عمومية محلية‪ ،‬كما أنه يجوز إخطار المحكمة اإلدارية حتى قبل إبرام العقد‪.‬‬

‫أجاز المشرع للمحكمة اإلدارية أن تأمر المتسبب في اإلخالل باالمتثال اللتزاماته‪ ،‬وتحدد األجل‬
‫الذي يجب أن يمتثل فيه‪ ،‬تاركا تحديد األجل للسلطة التقديرية للقاضي‪ ،‬وفي حالة انقضاء األجل دون‬
‫االمتثال لاللتزامات الواجبة‪ ،‬يمكن للمحكمة أن تحكم بغرامة تهديدية تسري من تاريخ انقضاء األجل المحدد‬
‫من طرف المحكمة اإلدارية‪.‬‬

‫كما يمكن للمحكمة اإلدارية كذلك وبمجرد إخطارها‪ ،‬أن تأمر بتأجيل إمضاء العقد إلى نهاية‬
‫اإلجراءات‪ ،‬ولمدة ال تتجاوز عشرين (‪ )20‬يوما‪.‬‬

‫أخي ار يتعين على المحكمة اإلدارية وفقا للمادة ‪ 947‬من نفس القانون‪ ،‬أن تفصل في أجل عشرين‬
‫(‪ )20‬يوما تسري من تاريخ إخطارها بالطلبات المقدمة لها طبقا للمادة ‪ 946‬أعاله‪.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like