Professional Documents
Culture Documents
تعد منازعات الصفقات العمومية من أهم المواضيع التي تطرح العديد من اإلشكاالت القانونية في
مجال الصفقات العمومية ،وهذا نظ ار لكثرتها وتنوعها وكذا خصوصيتها المستمدة من عقد الصفقة العمومية،
باإلضافة إلى كونها من أهم آليات استغالل وترشيد إنفاق المال العام ،األمر الذي يتطلب وضع عدة آليات
وطرق لتسوية منازعاتها سواء الودية منها أو القضائية ،وذلك بهدف تحقيق الغرض من اعتمادها وكذلك الحفاظ
على المال العام من مختلف صور الفساد.
تكمن أهمية الصفقات العمومية في إشباع الحاجات العامة وتوفير الخدمات للمواطنين والتنمية
إجماال ،وهو ما يتطلب السرعة في تنفيذها مع مراعاة معايير الجودة وتحقيق األهداف المسطرة في وقتها
المحدد ،غير أن هذه االعتبارات قد تواجهها عدة صعوبات ميدانية تنجم عنها في الغالب منازعات بين
اإلدارة المتعاقدة والطرف المتعاقد معها في كل مراحل الصفقة العمومية ابراما وتنفيذا ،قد تحول دون تحقيق
األهداف المرجوة منها ،األمر الذي يستدعي البحث عن آليات بسيطة وناجعة لحل هذه المنازعات في
أقرب اآلجال وبأيسر الوسائل واإلجراءات ،ولذلك فمن بين االلتزامات التي فرضها المشرع في مجال
الصفقات العمومية على المصلحة المتعاقدة ،تبني فكرة الحل الودي.
لقد أحسن المنظم فعال حينما تبنى هذا المبدأ في مرحلة التنفيذ حتى ال تتعطل الخدمة العامة محل
الصفقة العمومية ،وحتى يمكن األطراف من إيجاد حل ودي يناسبهم ويضعون به حدا للمنازعة التي طرأت
أثناء التنفيذ ،وبالتالي مواصلة التنفيذ واستالم المشروع في آجاله المحددة ،بما يتماشى وأهداف الصفقات
العمومية في مختلف القطاعات.
1
عنه ،وقلة االجتهادات القضائية التي عالجت المسألة ،مع تناقض وتعارض الق اررات الصادرة في هذا
الشأن.
تمتاز التسوووية الودية لمنازعات الصووفقات العمومية بإجراءاتها السووهلة والبسوويطة ،والتي تهدف لوضووع
حل نهائي لهذا النوع من المنازعات بطريقة ودية وس و و وولس و و ووة ،وهو ما يس و و ووم برب الوقت وتجاوز تعقيدات
النزاع ،كما أن التسووية الودية غير مكلفة مقارنة بالطريق القضوائي الذي يسوتلزم غالبا مصواريف واجراءات
طويلة ومعقدة ،وهذا ما جعل المنظم يحرص على توجيه الطرفين المتعاقدين إلى هذه التس و و و وووية من خالل
مختلف التنظيمات القانونية للصو و و ووفقات العمومية ،فهي بذلك تعد من أهم الضو و و وومانات التي تتقرر ألطراف
الصفقة المتنازعة.
تعرف التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية بأنها مجموع الوسائل واإلمكانيات والتدابير التي
يسم القانون والتنظيم باتخاذها ،ويتيحها لألطراف المتنازعة في مجال ابرام الصفقة العمومية وتنفيذها
لتسوية النزاعات التي تنشأ بينهم ،دون الحاجة للجوء للقضاء ،مثل التظلم والطعن اإلداري بأنواعه ،وطلب
رأي لجنة صفقات مختصة ومحددة سلفا ،وكذلك عقد التسوية أو أي وسيلة رضائية يحددها القانون ويضبط
إجراءاتها للمتنازعين بوضع حد نهائي للنزاع القائم بينهم.
ثانيا-أهمية التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية :تتمثل أهمية التسوية الودية في كونها تسم
بتحقيق العديد من األهداف والتي تنعكس إيجابا على عدة جوانب أهمها:
-1األهمية المالية واالقتصادية للتسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية :تسم التسوية الودية بتوفير
مصاريف الدعوى وتكاليف المحامي وكذا مصاريف التنقل والخبرات والمعاينات ،ومصاريف محاضر التنفيذ
2
واشكاالته الحقا ،إضافة لما قد يحكم به القضاء من تعويض على الطرفين المتنازعين ،وبذلك فإن التسوية
الودية تعد السبيل األفضل لحل منازعاتهم ،ويخول لهم امكانية االتفاق بشأن قيمة التعويض التي ستتقرر
بإرادتهما ال بإلزام من القضاء ،وهو ما يخفف العبء على الخزينة العمومية.
كما أن التسوية الودية تسم بتجنيب توقف المشاريع أو الخدمات من خالل تسريعها لوتير اإلنجاز
التي من شأنها تحقيق أهداف التنمية ،فسلوكها يغني الطرفين عن عرض نزاعهما على القضاء وما يرافق
ذلك من طول اإلجراءات وتعقيدها وتأخيرها في حل النزاع بما في ذلك ما يترتب عنها من سلبيات ،سواء
من حيث التأخر في اإلنجاز أو تعطيل العمال ،وربما كذلك يعجز المتعاقد عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية
مما يعرض المشروع كله للتوقف أو إلى فسخ العقد ،ألنه كلما تمكنا من رب الوقت أثناء اإلنجاز كلما
استطعنا الحد من المخاطر التي يمكن أن تهدد نجاح المشروع.
كما أن سرعة اإلنجاز تقلل من المشاكل الخارجة عن إطار إرادة الطرفين المتعاقدين كانخفاض
العملة أو ارتفاع ثمن المواد األولية باألسواق الدولية ،مما يتسبب في تضرر المشروع محل الصفقة ،حيث
أن مثل هذه النزاعات قد تربك اإلدارة وتضطرها إلعادة إعالن الصفقة من جديد ،وما يترتب عن ذلك من
نفقات إضافية ،فباعتبار أن الصفقات العمومية تشكل محركا لالقتصاد الوطني ،فإن أي تعثر يصيبها يؤثر
بالضرورة في التوجهات االقتصادية المحددة ويحول دون تحقيق االستثمار العمومي ألهدافه.
-2األهمية االجتماعية للتسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية :تظهر األهمية االجتماعية في
اإلضرار بالمصال االجتماعية ،نتيجة إهدار للمال العام وهو ما يتسبب في بتعطيل إنجاز المشاريع التي
تكتسي أهمية حيوية في غالب األحيان يحتاجها المواطن ،األمر الذي يؤثر مباشرة على معيشته ومصالحه
وحقوقه العادية من أمن وتعليم وصحة وثقافة وغيرها من الحقوق ذات الطبيعة االجتماعية.
يمكن القول من هنا بأن الخالفات التي تنجم بصدد أي صفقة عمومية سوف يكون لها آثا ار وخيمة
وتتسبب في تراجع التنمية ،كما تقلص حظوظ فئة واسعة من العمال في التوفر على عمل يضمن لهم دخال
يحسن من وضعهم المعيشي.
حرص المنظم على حل وتس و وووية منازعات الص و ووفقات العمومية وديا وبالت ارض و ووي بين الطرفين منذ
أول تنظيم قانوني لها ،واسو و ووتمر النص على هذه اآللية حتى التنظيم القانوني الحالي للصو و ووفقات العمومية
والمتمثل في المرسوم الرئاسي رقم .247-15
3
ثانيا-آليات التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية:
خصص المرسوم الرئاسي رقم 247-15القسم الحادي عشر من الفصل الرابع منه للتسوية الودية
للنزاعات ،والذي يشتمل على ثالث مواد ،حيث يتبين من استقرائها ،بأنها تتعلق بالمنازعات المتعلقة بمرحلة
تنفيذ الصفقة العمومية ،غير أنه وفي الفصل الثالث المتعلق بإبرام الصفقات العمومية ،وتحديدا في القسم
السادس المعنون بالطعون ،فقد نظم المشرع إجراء الطعن في عملية انتقاء المتعامل المتعاقد باعتبارها أهم
منازعة في مرحلة إبرام الصفقة العمومية.
يرفع الطعن في أجل 10أيام ابتداء من تاريخ أول نشر إلعالن المن المؤقت للصفقة في النشرة
الرسمية لصفقات المتعامل العمومي أوفي الصحافة أو في بوابة الصفقات العمومية ،في حدود المبالغ
القصوى المحددة قانونا في المادتين 173و ،184واذا تزامن اليوم العاشر مع يوم عطلة أو يوم راحة
قانونية ،يمدد التاريخ المحدد لرفع الطعن إلى يوم العمل الموالي.
يتعين على المصلحة المتعاقدة أن تدعو في إعالن المن المؤقت للصفقة العمومية المرشحين
والمتعهدين الراغبين في االطالع على النتائج المفصلة لتقييم ترشيحاتهم وعروضهم التقنية والمالية،
واالتصال بمصالحها في أجل أقصاه 3أيام ،ابتداء من اليوم األول لنشر إعالن المن المؤقت للصفقة
لتبليغهم بالنتائج كتابيا.
أما في حاالت إعالن عدم جدوى والغاء إجراء إبرام الصفقة أو إلغاء منحها المؤقت ،يجب على
المصلحة المتعاقدة أن تعلم برسالة موصى عليها مع وصل استالم ،المرشحين أو المتعهدين بقراراتها،
ودعوة أولئك الراغبين منهم في االطالع على مبررات ق ارراتها ،االتصال بمصالحها في أجل أقصاه 3أيام
ابتداء من تاريخ استالم الرسالة ،لتبليغهم هذه النتائج كتابيا ،وعندما تطلق المصلحة المتعاقدة اإلجراء من
4
جديد توض في إعالن المنافسة أو في رسالة االستشارة حسب الحالة ،إن كان يتعلق بإطالق لإلجراء بعد
إلغائه أو بعد إعالن عدم جدواه ،ويرفع الطعن في أجل 10أيام ابتداء من تاريخ استالم رسالة إعالم
المرشحين أو المتعهدين.
بناء على ما تقدم فإن لجنة الصفقات المختصة تتخذ ق ار ار في أجل 15يوما ابتداء من تاريخ
انقضاء أجل 10أيام ،ويبلغ هذا القرار للمصلحة المتعاقدة ولصاحب الطعن.
أما في حالة الطعن في المن المؤقت للصفقة العمومية ،فال يمكن أن يعرض مشروع هذه الصفقة
على لجنة الصفقات المختصة لدراسته إال بعد انقضاء أجل 30يوما ،ابتداء من تاريخ نشر إعالن المن
المؤقت للصفقة الموافق لآلجال المحددة ،لتقديم الطعن ،ولدراسته من طرف اللجنة المختصة وكذلك لتبليغ
قرارها ،وتجتمع في هذه الحالة وفق تشكيلتها المحددة قانونا بحضور ممثل المصلحة المتعاقدة بصوت
استشاري.
بالرغم من أهمية وبساطة تدابير واجراءات التسوية الودية لحل منازعات الصفقات العمومية ،إال
أن المتعامل المتعاقد تحديدا وباعتباره أحد الطرفين المتنازعين في الصفقة العمومية ،قد ال يجد ضالته في
هذه التسوية نظ ار للتشكيلية اإلدارية البحتة التي تطغى عليها ،وهو ما يجعلها بعيدة عن الموضوعية والحياد
الالزمين لحل أي نزاع ،باإلضافة إلى عدم تمتع الق اررات الناتجة عنا بالقوة اإللزامية التي تتطلبها عملية
تسوية أي نزاع.
5
-احترام اإلدارة المعنية لألحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها :إن كل اتفاق لحل النزاع وديا يخالف
أحكام التشريع والتنظيم يعد باطال وال يرتب أي أثر قانوني سواء بالنسبة لطرفي العقد أو غيرهم.
-إيجاد التوازن للتكاليف المترتبة على كل طرف من الطرفين :قد تظهر ظروف أثناء التنفيذ تحمل
المتعامل المتعاقد نفقات أكثر لم تكن متوقعة عند إبرام العقد ،ففي هذه الحالة يتعين على اإلدارة أخذ هذه
الظروف بعين االعتبار ،وانصاف المتعامل المتعاقد ،وكذلك محاولة حسم الحل وديا واعطاءه حقه في
التوازن المالي.
-التوصل ألسرع انجاز لموضوع الصفقة :يعد عامل الزمن من أهم األمور التي يجب مراعاتها في تنفيذ
الصفقات العمومية ،مما يفرض الحسم الودي ألي نزاع أثناء التنفيذ.
-الحصول على تسوية نهائية أسرع وبأقل تكلفة :حتى ال يتسبب النزاع الناتج عن التنفيذ في زعزعة أو
تعطيل المشروع محل الصفقة ،فرض المشرع على المصلحة المتعاقدة البحث عن حل ودي في أسرع وقت،
بما يكفل ضمان مواصلة العمل وتنفيذ موضوع الصفقة في أجالها المحددة في العقد.
تجدر اإلشارة أن هذا الدور الذي تلعبه المصلحة المتعاقدة يعتبر نوع من أنواع الصل اإلداري،
حيث يعد صل إداري خارج عن مجال القصاء ،وهو غير منصوص عليه في قانون اإلجراءات المدنية
واإلدارية.
أما في حال عدم اتفاق الطرفين يعرض النزاع أمام لجنة التسوية الودية للنزاعات المختصة ،المنشأة
بموجب أحكام المادة 154من المرسوم الرئاسي السالف الذكر.
كما يجب على المصلحة المتعاقدة أن تدرج في دفتر الشروط المتعلق بالصفقة العمومية المبرمة،
ضرورة اللجوء إلجراء التسوية الودية للنزاعات ،قبل كل مقاضاة أمام العدالة ،وهنا وجب على اللجنة أن
تبحث على العناصر المتعلقة بالقانون أو الوقائع إليجاد حل ودي ومنصف للنزاعات الناجمة عن تنفيذ
6
الصفقات العمومية المطروحة أمامها ،والتي ألزم القانون أال يكون أعضاءها أي اللجنة قد شاركوا في
إجراءات إبرام ومراقبة وتنفيذ الصفقة المعنية.
كما يخضع لجوء المصال المتعاقدة في إطار تسوية النزاعات التي تط أر عند تنفيذ الصفقات
العمومية المبرمة مع متعاملين متعاقدين أجانب ،إلى هيئة تحكيم دولية بناء على اقتراح من الوزير المعني
للموافقة المسبقة أثناء اجتماع الحكومة.
بناء على ما تقدم فقد أكدت المادة 154من نفس المرسوم الرئاسي ،على أنه تنشأ لدى كل وزير
ومسؤول هيئة عمومية ولدى كل وال لجنة للتسوية المبرمة مع المتعاملين االقتصاديين الجزائريين.
-3-2لجان التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية :تتمثل في كل من لجنتي التسوية الودية
للنزاعات في الو ازرة والهيئة العمومية ،ولجنة التسوية الودية للنزاعات في الوالية.
-1-3-2لجنة التسوية الودية للنزاعات في الوزارة والهيئة العمومية :تختص بدراسة نزاعات اإلدارة
المركزية ومصالحها الخارجية أو الهيئة العمومية والمؤسسات العمومية الوطنية التابعة لها ،بحيث تتشكل
هذه اللجنة كما يأتي:
-2-3-2لجنة التسوية الودية للنزاعات في الوالية :تختص بدراسة نزاعات الوالية والبلديات والمؤسسات
العمومية المحلية التابعة لها والمصال غير الممركزة للدولة والتي تتشكل كاآلتي:
-ممثل عن الوالي ،رئيسا،
-ممثل عن المصلحة المتعاقدة،
-ممثل عن المديرية التقنية للوالية المعنية بموضوع النزاع،
-ممثل عن المحاسب العمومي المكلف.
يعين أعضاء اللجان المختارون نظ ار لكفاءتهم في الميدان ،بموجب مقرر من مسؤول الهيئة
العمومية أو الوزير أو الوالي المعني ،مع إمكانية استعانة رئيس اللجنة بكل كفاءة من شأنها توضي أشغال
7
اللجنة على سبيل االستشارة ،ويعين مقر ار من ضمن أعضاء اللجنة من قبل رئيس اللجنة ،والذي توضع
أمانة اللجنة لديه.
لقد أوض المرسوم الرئاسي رقم 247-15السالف الذكر ،بأنه يمكن للمتعامل المتعاقد والمصلحة
المتعاقدة عرض النزاع على اللجنة ،بحيث يوجه الشاكي إلى أمانة اللجنة تقري ار مفصال مرفقا بكل وثيقة
ثبوتية برسالة موصى عليها مع وصل استالم ،وتدعى الجهة الشاكية من طرف رئيس اللجنة برسالة موصى
عليها مع وصل استالم إلعطاء رأيها في النزاع ،ويجب عليها أن تبلغ رأيها لرئيس اللجنة برسالة موصى
عليها مع وصل استالم في أجل أقصاه 10أيام من تاريخ مراسلتها.
تتم دراسة النزاع في أجل أقصاه 30يوما ابتداء من تاريخ جواب الطرف الخصم برأي مبرر ،مع
امكانية استماع اللجنة لطرفي النزاع و/أو تطلب منهما إبالغها بكل معلومة أو وثيقة من شأنها توضي
أعمالها ،وتأخذ آراء اللجنة بأغلبية أصوات أعضائها وفي حالة تعادل األصوات يكون صوت الرئيس
مرجحا.
بعد ذلك يبلغ رأي اللجنة لطرفي النزاع بإرسال موصى عليه مع وصل استالم ،وترسل نسخة من
هذا الرأي إلى سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام ،على أن تبلغ المصلحة المتعاقدة
قرارها في رأي اللجنة للمتعامل المتعاقد في أجل أقصاه 8أيام ،ابتداء من تاريخ تبليغها برسالة موصى
عليها مع وصل استالم وتعلم اللجنة بذلك.
بناء على ما تقدم حول آليات التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية ،يتبين لنا أن هذه التدابير
ذات أهمية كبيرة لحل النزاعات القائمة بين طرفي الصفقة المبرمة ،وهذا لبساطتها من جهة وألنها غير
مكلفة من جهة أخرى.
8
تبين لنا كذلك أن نظام التسوية الودية في مجال الصفقات العمومية يجب أن يخص بإجراءات
مميزة تتماشى والطبيعة القانونية ألطراف هذه المنازعة ،باعتبار أن أحد أطرافها إدارة عامة تتمتع بامتيازات
السلطة العامة ،كما يتعين مراجعة طبيعة النتائج المتوصل إليها من قبل لجان التسوية ،وذلك بجعلها إلزامية
لكال الطرفين ،وهو ما يسم بتشجيع الحل الودي ،ومن شأن ذلك أن يجعل منه حال نهائيا منهيا للنزاع
القائم بينهما ،ذلك أن اإلبقاء عليها بالصورة السابق عرضها من دون أي تفصيل إلجراءاتها من شأنه أن
يؤدي إلى عدم فاعلية ونجاعة هذه اآللية ،وهو ما يمكن أن يعيق التوصل لحل فعال مرضي لجميع
األطراف ،ومن ثم تعطيل المشروع أو الخدمة محل التعاقد.
بناء على ما تقدم يتض بأن التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية لها أهمية كبيرة في إيجاد
حل مرضي لألطراف المتنازعة وتسوية خالفاتهم بشكل نهائي ،إال أن هذا الدور يحتاج للتفعيل بتدعيمه
بمختلف النصوص القانونية الشارحة والمفصلة آلليات هذه التسوية واجراءاتها ،من أجل ضمان فعاليتها
لحماية طرفي الصفقة العمومية وحماية المصلحة العامة التي تمثل الهدف الرئيس واألساس من إبرام
الصفقة العمومية.
أوال-الصلح القضائي:
الصل القضائي عبارة عن تسوية ودية لنزاع قائم يتطلب تنازال من أحد الطرفين أو كالهما إما
بشكل إرادي أو بإلزام قانوني ،ولقد أوجده المشرع بموجب القانون رقم 23-90المعدل والمتمم لألمر رقم
154-66المتضمن قانون اإلجراءات المدنية(الملغى) ،حيث كان يخص جميع الدعاوى اإلدارية بدون
استثناء ،األمر الذي أثار انتقاد العديد من فقهاء وأساتذة القانون ،فإذا كان إجراء الصل القضائي ال يثير
أي إشكال في دعاوى القضاء الكامل ،فإنه ال يمكن تصور حدوثه بالنسبة لدعاوى اإللغاء ،فكيف يمكن
أن يبرم القاضي اإلداري صلحا بين طرفي النزاع ،إذا ثبتت له عدم مشروعية القرار اإلداري محل النزاع،
خاصة وأن مهمته األساسية تتمثل في رقابة المشروعية.
9
بموجب كل من المواد ( )974-970من القانون رقم 09-08المتضمن قانون اإلجراءات المدنية
واإلدارية ،أدخل المشرع عدة تعديالت على الصل القضائي وهذا على النحو التالي:
-أصب الصل القضائي إجراء جوازاي يمكن تقديمه في أية مرحلة كانت عليها الدعوى.
-يمكن إجراء الصل القضائي أمام كل من المحاكم اإلدارية ومجلس الدولة.
-ال يجوز للهيئات القضائية اإلدارية إجراء الصل إال في دعاوى القضاء الكامل ،وفي النزاعات التي تدخل
في اختصاصها.
-يتم إجراء الصل إما بسعي من الخصوم أو بمبادرة من رئيس تشكيلة الحكم بعد موافقة الخصوم ،واذا تم
الصل يأمر هذا األخير بتسوية النزاع وغلق الملف ،على أن يكون هذا األمر غير قابل ألي طعن.
إن ما يمكن مالحظته بالنسبة إلجراء الصل في منازعات الصفقات العمومية أنه أمر صعب التحقق،
ذلك أن النظام القانوني لمنازعات الصفقات العمومية ،هو نظام يحفز ويشجع على التسوية الودية بين
األطراف المتنازعة ،مهما كان نوع المنازعة ،سواء تعلقت بإجراءات إبرام الصفقة أو بعملية تنفيذها ،وفي
أي مرحلة كان عليها النزاع.
لذلك فإنه ال يتصور حدوث اتفاق بين األطراف على نقاط الخالف في المنازعة الثائرة بينهما وعرض
تصالحهما على القاضي ،ألن تنظيم الصفقات العمومية سبق وأن مكنهم منه قبل عرض النزاع على القضاء
من عدة آليات للتسوية الودية ولم يستغال هذه اآللية ،خاصة وأن المنظم حرص على تجسيدها فعليا ،حيث
تسم باختصار الجهد والوقت في تجاوز النزاع ،كما أنها غير مكلفة لكال الطرفين مقارنة بالطريق القضائي
الذي يستلزم غالبا مصاريف واجراءات طويلة جدا.
ثانيا-التحكيم:
يمكن اللجوء إلى التحكيم بمختلف أنواعه في جميع منازعات الصفقات العمومية إال في الحاالت
المستثناة بموجب كل من تنظيم الصفقات العمومية وقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،فقد أجاز المشرع
ألشخاص القانون العام إجراء التحكيم في عالقاتها االقتصادية وفي مادة الصفقات العمومية فقط وفقا لنص
المادة 1006من (ق.إ.م.إ) ،على أن تطبق أحكامه المنصوص عليها في قانون اإلجراءات المدنية
واإلدارية أمام الجهات القضائية اإلدارية ،وعليه يعد التحكيم ضمانة هامة لحماية مصال المتعامل المتعاقد،
ويمكن له االستعانة به لحماية مصالحه.
10
-1الطبيعة القانونية للتحكيم:
اختلف فقه القانون العام في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم ،مما أدى لظهور عدة اتجاهات يمكن
أن إيجازها كما يلي:
-التحكيم ذو طبيعة تعاقدية :وفقا ألصحاب هذا االتجاه يعد التحكيم عقدا رضائيا ملزم للجانبين ،حيث
بعد أن يتفق األطراف على التحكيم ،يصبغ الحكم بذات الصبغة االتفاقية ،ولكن هذا االتجاه تعرض للنقد
على أساس أن االتفاق هو عنصر في التحكيم وال يمكن اعتباره كل التحكيم ،كما أن إرادة األطراف ال تتجه
دائما للتحكيم لحل النزاع كما هو الحال في التحكيم االجباري.
-التحكيم ذو طابع قضائي :يرى أصحاب هذا االتجاه أن التحكيم هو نوع من أنواع القضاء ،أي أن التحكيم
يقوم بنفس وظيفة القضاء وهو حسم النزاع وتحقيق العدالة ،ولكن هذا الرأي انتقد للفرق الشاسع فيما بين
التحكيم والقضاء فال يمكن الخلط بينهما.
-التحكيم ذو طبيعة مختلطة :اعتبر فريق من الفقهاء بأن التحكيم ذو طبيعة عقدية إذا نظرنا إليه من حيث
أصله ،حيث يتمثل في اتفاق التحكيم ،وهو كذلك ذو طبيعة قضائية من حيث الحكم الصادر عن المحكم
والذي يعتبر ملزما لألطراف ،وهذا الرأي أيضا تعرض للنقد حيث أنه يؤدي إلى تناقضات كثيرة.
-التحكيم ذو طبيعة مختلفة :يرى أصحاب هذا االتجاه أن للتحكيم نظام قانوني خاص به ،ويمكن اعتباره
صورة من صور القضاء الخاص ،ألن الفصل فيه يعود لشخص أو أشخاص عاديين.
-2مزايا التحكيم:
يعتبر التحكيم من بين أهم الطرق البديلة لحل المنازعات بصفة عامة ومنازعات الصفقات العمومية
بصفة خاصة ،وهذا لالعتبارات التالية:
-يمن التحكيم إمكانية تسوية النزاع في مدة وجيزة ،وبالتالي يمن ألطراف النزاع إمكانية حل خالفاتهم
بسرعة بعيدا عن اإلجراءات القضائية الطويلة والمعقدة ،حيث يتم الفصل في النزاع في أجل أربعة أشهر
كأقصى حد.
-يسم التحكيم كذلك باختصار أجال الطعن القضائي ،حيث يمكن تقديم االستئناف خالل 15يوما فقط.
11
-يعطي التحكيم إمكانية حل النزاع بشكل ودي ،وهو ما يعطي إمكانية تنفيذ الصفقة بعد تعطل ذلك نتيجة
الخالفات التي أدت إلى التحكيم.
-3صور التحكيم:
يعد التحكيم عملية قانونية مركبة تقوم على اتفاق أطراف نزاع معين بعرض خالفهم على محكم
للفصل فيه وفقا للقانون أو قواعد العدالة حسب ما ينص عليه االتفاق ،مع تعهد أطراف النزاع بقبول الحكم
الذي يصدر عن المحكمين ،وبذلك فإن القانون الذي يجيز التحكيم هو وحده الذي يمثل أساسه القانوني،
وما إرادة الخصوم أو اتفاقهم على اللجوء إلى التحكيم إال شرط استلزمه القانون لعرض النزاع المتفق على
التحكيم فيه على المحكمين ،ويمكن أن نميز في صور التحكيم بين ما يلي:
-1-3شرط التحكيم :هو عبارة عن اتفاق يرد ضمن نصوص عقد معين يقرر بموجبه أطرافه اللجوء إلى
التحكيم لتسوية المنازعات التي قد تثور مستقبال حول العقد وتنفيذه ،وبذلك فإن شرط التحكيم عبارة عن
اتفاق موقوف على شرط وقوع النزاع ،وهو ما أكدته المادة 1007من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية،
كما أفاد ذات القانون في نص المادة 1008أن شرط التحكيم يثبت بالكتابة في االتفاقية األصلية أو في
الوثيقة التي تستند إليها وهذا تحت طائلة البطالن ،هذا باإلضافة إلى وجوب أن يتضمن هذا الشرط تعيين
المحكم أو المحكمين أو تحديد كيفية تعيينهم.
-2-3مشارطة التحكيم :هو اتفاق يبرمه أطراف العقد ويكون منفصال عن العقد األصلي ،يتم بموجبه
اللجوء إلى التحكيم للفصل في نزاع قائم فعال بصدد هذا العقد ،أي أن مشارطة التحكيم تأتي الحقة على
قيام النزاع بقصد إيجاد حل له ،خالفا لشرط التحكيم الذي يكون سابقا على نشوئه.
كما يجوز ألطراف المنازعة االتفاق على التحكيم حتى أثناء سريان الخصومة أمام الجهة القضائية
كتابيا ،ويجب أن يتضمن موضوع النزاع وأسماء المحكمين أو كيفية تعيينهم ،وهذا تحت طائلة البطالن
وفي حالة رفض المحكم المعين القيام بالمهمة المسندة إليه يستبدل بغيره من طرف رئيس المحكمة المختصة،
وهذا وفقا لما نصت عليه كل من المادة 1003 1002من (ق.إ.م.إ).
12
-تسند مهمة التحكيم لشخص طبيعي بشرط أن يكون متمتعا بكامل حقوقه المدنية ،وأما إذا اسندت لشخص
معنوي فعليه أن يتولى تعيين عضو أو أكثر من أعضائه بصفة محكم ،كما ال يعد تشكيل محكمة التحكيم
صحيحا إال إذا قبل المحكم أو المحكمون بالمهمة المسندة إليهم وفقا للمادة 1014و 1/1015من نفس
القانون.
-5حاالت رد المحكم :يتعين على المحكم في حالة علمه بقابليته للرد إخبار األطراف بذلك ،وال يجوز له
القيام بمهامه إال بعد موافقتهم ،حسب ما نصت عليه المادة 2/1015من نفس القانون ،كما يجوز رد
المحكم في الحاالت التالية وفقا لما جاء في المادة 1016من نفس القانون:
أما في حالة ما إذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفية تسوية النزاع أو لم يسع األطراف لتسوية إجراءات
الرد ،يفصل القاضي في ذلك األمر بناء على طلب ممن يهمه التأجيل ،والذي يكون غير قابل ألي طعن
كان.
-6إجراءات الخصومة التحكيمية :نص المشرع على إجراءات الخصومة التحكيمية في المواد من 1019
إلى 1023من نفس القانون ،حيث أكد على أن المحكمون يفصلون في النزاع وفقا لقواعد القانون ،حيث
تطبق على الخصومة التحكيمية اآلجال واألوضاع المقررة أمام الجهات القضائية ،ما لم يتفق األط ارف
على خالف ذلك ،وأكد بأن أعمال التحقيق والمحاضر تنجز من قبل جميع المحكمين ،إال إذا أجاز اتفاق
التحكيم سلطة ندب أحدهم للقيام بذلك.
كما أكد المشرع على أنه في حالة الطعن مدنيا في ورقة أو في حالة حصول عارض جنائي ،يتعين
على المحكمين إحالة األطراف إلى الجهة القضائية المختصة ،ويتم استئناف سريان أجل التحكيم من تاريخ
الحكم في المسألة العارضة.
13
أما فيما يتعلق بطرق الطعن في أحكام التحكيم فقد نص المشرع في كل من المواد من 1032إلى
1034من نفس القانون ،على أن أحكام التحكيم تكون غير قابلة للطعن فيها بالمعارضة ،ويمكن الطعن
فيها عن طريق اعتراض الغير الخرج عن الخصومة أمام المحكمة المختصة قبل عرض النزاع على التحكيم.
أجاز المشرع كذلك الطعن في هذه األحكام باالستئناف في أجل شهر واحد من تاريخ النطق بها
أمام المجلس القضائي الذي صدر في دائرة اختصاصه حكم التحكيم ،ما لم يتنازل األطراف عن حق
االستئناف في اتفاقية التحكيم ،وأضاف بأن الق اررات الفاصلة في االستئناف تكون وحدها قابلة للطعن
بالنقض فيها وفقا لقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية.
يالحظ بأن المشرع نص على استئناف أحكام التحكيم أمام المجلس القضائي المختص متجاهال
مجلس الدولة ،الذي يعتبر الجهة القضائية المختصة في استئناف األحكام الصادرة عن المحاكم اإلدارية
فيما يتعلق بالمنازعات اإلدارية والتي تعد منازعات الصفقات العمومية جزء منها ،وهو ما يبدوا أنه مجرد
سهو وقع فيه المشرع ،باعتبار أنه تناول التحكيم في الكتاب الخامس الذي يتضمن أحكاما مشتركة بين
اإلجراءات المدنية واإلجراءات اإلدارية.
-7انقضاء التحكيم :حددت المادة 1024من (ق.إ.م.إ) الحاالت التي ينقضي بها التحكيم وهي على
النحو التالي:
-إذا رفض أحد المحكمين القيام بمهامه بمبرر أو تنحيه أو حصول ما نع له ما لم يوجد شرط مخالف،
أو عند اتفاق األطراف على استبداله أو استبدال من قبل المحكم أو المحكمين الباقين.
-انتهاء المدة المقررة للتحكيم أو بانقضاء مدة أربعة أشهر إذا لم تشترط مدة معينة.
14
يمكن رفع الدعوى من قبل كل من له مصلحة في إبرام العقد والذي قد يتضرر من هذا اإلخالل،
وكذلك لممثل الدولة على مستوى الوالية إذا أبرم العقد أو سيبرم من طرف جماعة إقليمية أو مؤسسة
عمومية محلية ،كما أنه يجوز إخطار المحكمة اإلدارية حتى قبل إبرام العقد.
أجاز المشرع للمحكمة اإلدارية أن تأمر المتسبب في اإلخالل باالمتثال اللتزاماته ،وتحدد األجل
الذي يجب أن يمتثل فيه ،تاركا تحديد األجل للسلطة التقديرية للقاضي ،وفي حالة انقضاء األجل دون
االمتثال لاللتزامات الواجبة ،يمكن للمحكمة أن تحكم بغرامة تهديدية تسري من تاريخ انقضاء األجل المحدد
من طرف المحكمة اإلدارية.
كما يمكن للمحكمة اإلدارية كذلك وبمجرد إخطارها ،أن تأمر بتأجيل إمضاء العقد إلى نهاية
اإلجراءات ،ولمدة ال تتجاوز عشرين ( )20يوما.
أخي ار يتعين على المحكمة اإلدارية وفقا للمادة 947من نفس القانون ،أن تفصل في أجل عشرين
( )20يوما تسري من تاريخ إخطارها بالطلبات المقدمة لها طبقا للمادة 946أعاله.
15