You are on page 1of 139

‫\‬

‫الجمهوريـة الجزائريـة الديمقراطيـة الشعبيـة‬


‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫جامعـة اإلخـوة منتـوري قسنطينـــــة _ ‪_1‬‬


‫كليـــــــــــــــــــــــــــــــــة الحقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوق‬
‫قسـم القانون الخاص _ قسم الماستر _‬

‫محاضرات في اإلجرام‬

‫موجهة إلى طلبة السنة األولى ماستر تخصص قانون العقوبات و العلوم الجنائية‬

‫إعداد الدكتور بولمكاحل أحمد‬


‫أستاذ محاضر قســـــــــــم " أ "‬

‫السنة الجامعية ‪2019_2018‬‬


‫مقدمة ‪................................................................................................‬علم اإلجرام‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫تعتبر الجريمة أحد أقدم الظواهر الخطيرة التي واجهها المجتمع ‪ ،‬و قد برزت‬
‫أول م رة حينم ا قت ل قابي ل ابن س يدنا آدم علي ه الس الم أخ اه هابي ل ‪ ،‬فخ رق ب ذلك أولى‬
‫قواعد السلوك اإلجتماعي السوي الذي يهدف إلى التعايش في مجتمع واحد ‪.‬‬
‫وق د ش غلت الجريم ة إهتم ام العدي د من العلم اء ب إختالف تخصص اتهم وآراءهم‬
‫و إنتم اءاتهم الفكري ة و العقائدي ة ‪ ،‬فح اولوا جاه دين تحدي د أس بابها و العوام ل المؤدي ة‬
‫إليها و اإلجتهاد في وضع وسائل لقمعها و مكافحتها ‪ ،‬و الحقيقة أنهم لم يصلوا إلى حد‬
‫الساعة إلى وضع ثوابت يلتفوا حولها و ذلك إلختالف الزوايا التي ينظرون إليها لهذه‬
‫الظاهرة المعقدة فتعددت نتائجهم و إختلفت آراءهم و تشعبت المدارس التي ينتمون إليها‬
‫و المذاهب التي يؤيدونها ‪.‬‬
‫و ال ريب في أن الس لوك اإلج رامي ه و من اط علم اإلج رام ال ذي يعت بر من العل وم‬
‫اإلنسانية التي إهتمت بدراسته و تفحصه ‪ ،‬وهو يمثل أحد أهم الركائز التي يبني عليها‬
‫الط الب تكوين ه وي دعم تخصص ه ‪ ،‬وه و ي زداد أهمي ة خصوص ا في ال وقت ال راهن أين‬
‫تش عبت س بل الجريم ة و تع ددت و تعق دت تركيبته ا فأص بح له ا وج وه مختلف ة متط ورة‬
‫تعتمد على التقنيات التكنولوجية و العلمية و لها إمتداد واسع له صفة العالمية و العابر‬
‫للحدود‪.‬‬
‫و لهذا أصبح على عاتق علماء اإلجرام مسؤولية كبيرة لم تعد تقتصر على الكشف‬
‫عن أس باب الجريم ة الكالس يكية و كيفي ات محاربته ا و التقليص منه ا ‪ ،‬و إنم ا التص دي‬
‫لهذه الظاهرة المستجدة و المتمثلة في هذا النوع الخطير من الجرائم ‪.‬‬
‫و من هن ا تظه ر أهمي ة الدراس ة و التوغ ل في ه ذا المقي اس ألن ه مب ني علــى آراء‬
‫و نظريات و نتائج سعي علماء اإلجرام و خصوصا منهم الغربيون إلى وضع قواعد‬
‫تح دد أس باب الجريم ة و من ه و المج رم أو المج رم المحتم ل ‪ ،‬و ه ذه الدراس ات في‬
‫نفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس‬
‫‪1‬‬
‫مقدمة ‪................................................................................................‬علم اإلجرام‬

‫ال وقت تفتح أعينن ا على أهم نقط ة و هي إمكاني ة أو ع دم إمكاني ة تط بيق ه ذه النت ائج‬
‫الرائدة في الفقه الوضعي الغربي على المجتمعات العربية و اإلسالمية و على رأسها‬
‫الجزائ ر ذات المقوم ات وال دين والع ادات واألخالق المختلف ة ‪ ،‬وهن ا تظه ر أهمي ة‬
‫إستيعاب من خالل هذا المقياس كل المعطيات المحيطة بالجريمة و المجرم ‪ ،‬من أجل‬
‫فهم الس لوك اإلج رامي على طبيعت ه و في بيئت ه وإ مكاني ة وض ع الحل ول والمعالج ة‬
‫الس ليمة ‪ .‬وفي س بيل محاول ة اإللم ام ب أهم األساس يات المكون ة لمقي اس علم اإلج رام و‬
‫تسهيل فهم ه على الطلب ة ك ان التس اؤل األساسي ال ذي ننطل ق من ه هو ‪ :‬ما هي األسس‬
‫الــتي يقــوم عليهــا علم اإلجــرام و مــا مــدى نجــاح علمــاءه في اإللمــام بأســباب الظــاهرة‬
‫اإلجرامية ككل والحلول المتعلقة باستئصالها أو على األقل التقليل منها ؟‬
‫و لإلجاب ة عن ه ذا التس اؤل ‪ ،‬س نتناول بالش رح و التحلي ل اإلط ار الع ام لعلم‬
‫اإلجرام من خالل الفصل األول ‪ ،‬ثم نتطرق إلى العوامل المؤدية إلى إرتكاب الجريم ة‬
‫من خالل الفصل الثاني ‪.‬‬

‫الفصل األول‬
‫اإلطار العام لعلم اإلجرام‬

‫الفصل الثاني‬
‫العوامل المؤدية إلى إرتكاب الجريمة‬
‫‪2‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫الفصل األول‬
‫اإلطار العام لعلم اإلجرام‬

‫إلدراك ماهية علم اإلجرام البد من اإللمام بجملة المفاهيم التي طبعته ‪ ،‬و كذلك‬
‫الب د من توض يح مرك زه بين العل وم اإلنس انية االجتماعي ة منه ا و القانوني ة ‪ ،‬و في ه ذا‬
‫الفص ل س ندرس اإلط ار الع ام لعلم اإلج رام من خالل مبح ثين إث نين ‪ .‬س نتناول بالش رح‬
‫و التحلي ل األس اليب المتاح ة للتقص ي عن أهم عناص ره و هم ا الجريم ة و الس لوك‬
‫اإلجرامي من خالل المبحث األول ‪ ،‬ثم نتناول السبل و النظريات التي قامت حوله من‬
‫أجل اإلطالع على كل جوانبه من خالل المبحث الثاني ‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫ماهية علم اإلجرام و أساليب البحث فيه‬

‫إن علم اإلج رام كعلم يهتم بدراس ة الظ واهر اإلجرامي ة بك ل عناص رها ‪ ،‬ح اول‬
‫العلماء ضبط مفهومه و طبيعته التي تجعله علما قائما بذاته يختلف عن غيره من العلوم‬
‫‪ ،‬كما حاولوا تطبيق بعض األساليب للتقصي عن أسباب تنامي الجرائم مراعين أحيانا‬
‫فوارق الجنس و العمر‪ ،‬و أحيانا فوراق الزمان و المكان و أحيانا الوظيفة و العمل ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وفي ه ذا المبحث ‪ ،‬س نتناول بالش رح ماهي ة علم اإلج رام من خالل المطلب األول‬
‫ثم نتناول أساليب البحث في علم اإلجرام من خالل المطلب الثاني ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذلك أن علم اإلجرام ‪ ،‬هو العلم الذي يختص بالبحث في أسباب الظاهرة اإلجرامية و دوافعها‬
‫و العوامل الداخلية و الخارجية المؤدية إلرتكابها ‪ ،‬و كذا النتائج المترتبة عنها ‪ ،‬و محاولة تفسيرها‬
‫من خالل أس اليب منهجي ة علمي ة ‪ ،‬و م رد ذل ك يكمن في ك ون الظ اهرة اإلجرامي ة ظ اهرة معق دة‬
‫و متشعبة تشترك في وقوعها عدة عوامل ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫المطلب األول‬
‫ماهية علم اإلجرام‬

‫لإلحاط ة بماهي ة علم اإلج رام الب د من الوق وف على جمل ة التع اريف ال تي ح اول‬
‫علماء اإلجرام تبنيها لتعريف هذا العلم من جهة ‪ ،‬وكذلك معرفة طبيعة هذا األخير من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬
‫و في ه ذا المطلب ‪ ،‬س نتناول مفه وم علم اإلج رام من خالل الف رع األول ‪ ،‬ثم‬
‫نتناول طبيعة علم اإلجرام من خالل الفرع الثاني ‪ ،‬و أخيرا عالقة علم اإلجرام بغيره‬
‫من العلوم من خالل الفرع الثالث‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫مفهوم علم اإلجرام‬

‫إن علم اإلج رام ه و علم ح ديث النش أة مقارن ة بغ يره من ف روع الق انون األخ رى‬
‫رغم أن ه ي درس الجريم ة لتحدي د أس بابها بغي ة مكافحته ا ‪ ،‬و الجريم ة قديم ة من ذ ق دم‬
‫اإلنسان و أهتم بها كل من الفالسفة و رجال الدين ولكن دراستها دراسة علمية قائمة‬
‫على منهج العل وم الطبيعية ال تي يؤسس على المالحظ ة و التجرب ة و اإلستنتاج ‪ ،‬يعتبر‬
‫حديث نسبيا ذلك أن الدراسة العلمية للجريمة (‪ )1‬وبالفعل لم تنشأ الدراسات اإلجرامية‬
‫إال بع د التط ور الملح وظ ال ذي ح دث في عل وم الطب و النفس و االجتم اع ‪ ،‬وق د ك ان‬
‫ألقط اب المدرس ة الوض عية وال ذي س وف ي رد ح ولهم التفص يل في المح اور الموالي ة ‪،‬‬
‫الفضل في تطبيق المنهج العلمي‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفترض ظهور علوم تقدم للباحثين في الجريمة و أسبابها مادتها األولية ‪ ،‬أي تقدم لهم معلومات‬
‫أساسية عن شخصية المجرم جسدا و نفسا و عن بيئته التي يحيا فيها ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫التجري بي ال ذي تق وم عليـه العل وم الطبيعي ة على البح وث اإلجرامي ة ‪ ،‬فك ان ذل ك بمثاب ة‬


‫اللبن ة و الرك يزة األولى ل دعامات علم اإلج رام ‪ ،‬ال ذي نم ا و تط ور و إس تقل كعلم ق ائم‬
‫بذاته ‪ ،‬بعد أن توافرت له موضوعات بحثه و تحددت بقوة و بدقة معالمه و مقوماته‬
‫األساسية ‪.‬‬
‫و رغم ك ل م ا ذك ر س ابقا إال أن تعري ف ه ذا العلم لم يلقى إجماع ا من الب احثين‬
‫و الدارسين و المهتمين به ‪ .‬و هناك من وسع في تعريفه و هناك من ضيق منه ‪ ،‬فإذا‬
‫نظرنا مثال إلى تعريف هذا العلم عند " أنريكو فيري" ‪ ،‬أحد أهم مؤسسي هذا العلم فهو‬
‫ينص رف حس به إلى كون ه " مجم وع العل وم الجنائي ة كاف ة " و ه و يض م بص فة خاص ة‬
‫ق انون العقوب ات ال ذي ال يع دو أن يك ون الش ق الق انوني من علم اإلج رام ‪ ،‬و ال ي زال‬
‫بعض العلماء من تالميذ فيري يتبنون هذا التعريف ‪.‬‬
‫كما يأخذ به بعض علماء اإلجتماع و من التعريفات الموسعة ‪ ،‬نجد كذلك تعريف‬
‫المدرس ة النمس اوية المس ماة بالمدرس ة األنس كلوبيدية و يمثله ا "ه انس ج روس"‬
‫و "جيراسبرجير" و "سييلـج " ‪.‬‬
‫و رغم أن ه ذه المدرس ة تخ رج ق انون العقوب ات من نط اق علم اإلج رام ‪ ،‬إال أنه ا‬
‫ت دخل في ه علم التحقي ق الجن ائي الف ني و علم العق اب باإلض افة إلى دراس ات الس لوك‬
‫و من التعريفات الموسعة نذكر كذلك تعريف عالم اإلجتماع األمريكي "‬ ‫اإلجرامي‬
‫س ذرالند " ال ذي يب دأ من منطل ق أن علم اإلج رام ه و العلم ال ذي ي درس الجريم ة‬
‫بإعتباره ا ظ اهرة اجتماعي ة ثم ينتهي إلى تحدي د واس ع له ذا العلم بحيث يش مل ثالث‬
‫ف روع رئيس ية ‪ ،‬هي علم االجتم اع الق انوني الجن ائي و علم الس لوك اإلج رامي وعلم‬
‫العقاب‪.‬‬
‫و هناك من عرفه بأنه ‪ " :‬مجموع العلوم الجنائية كافة ‪ ،‬و هو بصفة خاصة يضم‬
‫قانون العقوبات الذي ال يعدوا أن يكون الشق القانوني من علم اإلجرام " (‪. )1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬علم اإلجرام العام‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬مصر‪ ،‬دون مكان نشر‪ ،‬دون‬
‫سنة نشر ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫أم ا التعريف ات المض يقة لعلم اإلج رام فإنه ا تتف ق على إس تبعاد ق انون العقوب ات من‬
‫مج ال علم اإلج رام فكالهم ا علم متم يز عن اآلخ ر في موض وعه و منهج ه و وظيفتـه‬
‫ك ذلك تت واتر تل ك التعريف ات على مفه وم أك ثر تحدي دا لعلم اإلج رام ‪ ،‬حيث تخ رج من‬
‫نطاق ه علم اإلجتم اع الجن ائي و علم التحقي ق الجن ائي الف ني و علم العق اب وعلم الوقاي ة‬
‫العامة من الجريمة ‪.‬‬
‫فهناك من عرفه بأنه ‪ " :‬علم الجريمة " أو هو ‪ " :‬علم اإلنسان المجرم " أو أنه ‪:‬‬
‫" العلم ال ذي ي درس الجريم ة بإعتب ار ه ذه األخ يرة فعال معاقب ا علي ه " ‪ ،‬أو أن ه أيض ا ‪:‬‬
‫" الدراسة العلمية للظاهرة اإلجرامية " (‪. )1‬‬
‫و به ذا نالح ظ أن علم اإلج رام يختل ف من حيث الس عة و الض يق ‪ ،‬و ك ذلك من‬
‫حيث التوجه الذي ينتمي إليه العلماء و الزوايا التي يدرس منها ‪ .‬و هناك من يق ول ب أن‬
‫لمعرف ة اإلج رام و اإلحاط ة بالظ اهرة اإلجرامي ة بص فة عام ة ‪ ،‬أو من ط رف المش رع‬
‫بص فة خاص ة ‪ .‬الب د من اإللم ام بعناص ر عدي دة هي‪ :‬الفع ل أو اإلمتن اع و المج رم‬
‫والمجتم ع ونظ ام الحكم و ذل ك من أج ل تقليص الف روق و توحي د الرؤي ة بين العلم اء (‬
‫‪. )2‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫طبيعة علم اإلجرام‬

‫إن علم اإلج رام في نظ ر البعض من العلم اء ال يحت وي على المقوم ات الحقيقي ة‬
‫للكي ان العلمي المس تقل ‪ ،‬فه و يحت وي على م زج لنت ائج عل وم أخ رى متخصص ة كعلم‬
‫البيولوجي ا و علم اإلجتم اع ‪ ،‬و علم النفس‪ ...‬و إنبثقت من ه ذه العل وم دراس ات‬
‫خاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد المنعم سليمان ‪ ،‬أصول علم اإلجرام و الجزاء ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬المؤسسة الجامعية‬
‫للدراسات و النشر و التوزيع ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1996 ،‬ص ‪. 14‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬الموجز في علم اإلجرام ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‬
‫قسنطينة ‪ ،‬دون سنة نشر ‪ ،‬ص ‪. 1‬‬

‫‪6‬‬

‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬


‫اإلجرام‬

‫كونت علم البيولوجيا الجنائية و علم اإلجتماع الجنائي و علم النفس الجنائي‪ ...‬و منها‬
‫مجتمعة نشأ علم اإلجرام ‪.‬‬
‫و لكن حالي ا تأك د أن علم اإلج رام أص بح موض وعا مح ددا ‪ ،‬تنص ب دراس ته على‬
‫وجه التحديد على سببية السلوك اإلجرامي و تحديد األسباب الحقيقية لظاهرة اإلجرام و‬
‫هذا الموضوع ال ينازعه فيه علم آخر‪ ،‬و علم اإلجرام في السنوات األخيرة قد تطور‬
‫في اتج اه أك ثر علمي ة و بل غ درج ة من التعقي د و اإلغ راق في الن واحي الفني ة لدرج ة‬
‫أصبح يصعب على غير المتخصصين في الدراسات اإلجرامية الوقوف عليه (‪. )1‬‬
‫و هذه الخصوصية في منهج علم اإلجرام ‪ ،‬تنبع كذلك من أنه على خالف غالبية‬
‫العل وم اإلنس انية األخ رى ‪ .‬ه و علم نظ ري و تط بيقي و ه و عموم ا ينقس م إلى علم‬
‫اإلج رام الع ام ال ذي ي درس الس لوك اإلج رامي (‪ )2‬بص فة عام ة أي ا ك ان ن وع الس لوك‬
‫الم رتكب قت ل أو س رقة أو إختط اف‪ ، ...‬و علم اإلج رام الخ اص و يختص بدراس ة‬
‫بعض صور السلوك اإلجرامي كل صورة على حدا لبيان العوامل التي تؤدي إليها‪.‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫عالقة علم اإلجرام بغيره من العلوم‬

‫إن خصوص ية علم اإلج رام تجعلن ا نح اول معرف ة موقع ه ض من العل وم األخ رى‬
‫و عالقته بها ‪ ،‬ألن هذا األخير أثبت الفقهاء و العلماء أنه لديه إرتباط مع علوم عديدة‬
‫سواء كانت طبية أو إنسانية و سواء كانت قانونية أو غير قانونية ‪ ،‬و ذلك على أساس‬
‫أن هذه العلوم تهتم بدراسة اإلنسان من جوانب مختلفة ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 18 _17‬‬
‫(‪ )2‬وهو الذي بعرف في القانون الجنائي بأنه النشاط الذي يقوم به الفاعل لتحقيق النتيجة المعاقـــب‬
‫عليه ا ‪ ، ...‬و أنظ ر أيض ا _ بوس قيعة أحس ن ‪ ،‬الوج يز في الق انون الج زائي الخ اص ‪ ،‬الج زء ‪1‬‬
‫الطبعة ‪ ، 12‬دار اهومة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2012 ،‬ص ‪. 12‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫‪ _1‬عالقة علم اإلجرام بالعلوم الطبية ‪:‬‬


‫عن دما لوح ظ من الناحي ة الطبي ة وج ود بعض األم راض الم ؤثرة في س لوك الفـرد‬
‫ولجـوء أك ثر من غ يره إلى بعض التص رفات المنافي ة و غ ير المقبول ة إجتماعي ا‪ ،‬ب دأ‬
‫اإلهتمام بها لهذا السبب ‪ ،‬خصوصا ما يحدث للفرد من تغير في العواطف واإلحساس‬
‫و ضعف اإلرادة ونقص الوعي ‪ ،...‬و الحقيقة أنه لعلم اإلجرام عالقة‬ ‫والرغبات‬
‫مع علم األعضاء و علم األنثروبولوجيا ‪ .‬حيث أن أول من رب ط بين المالمح الخارجية‬
‫لألفراد و سلوكاتهم في عالقة سببية و أبرز الصلة الموجودة بين الطب وعلم اإلجرام‬
‫ه و " س يزار لوم بروزو " حين نش ر س نة ‪ 1874‬مؤلف ه " اإلنس ان المج رم " ‪ ،‬و إلي ه‬
‫يرجع الفضل أيضا في تأسيس علم األنثروبولوجيا الجنائي ‪ ،‬و لو أنه هناك من انتقد م ا‬
‫ج اء ب ه ه ذا األخ ير كالع الم الفرنس ي " ال كاس انيو" و" قورن ق " ‪ ،‬إال أن ه هن اك من أي ده‬
‫و هناك من تبنى نظرياته و أدخل عليها التعديل ‪ ،‬مثل "‬ ‫مثل "قاروفالو" و" فيري "‬
‫دي تيليو " و " باند " اإليطاليين (‪. )1‬‬
‫كم ا أن لعلم اإلج رام عالق ة بعلم الفيزيولوجي ا و البيولوجي ا ‪ ،‬حيث أن علم اء‬
‫البيولوجيا بعد إجراءهم لبحوث و فحوص معمقة على مجرمين مشوهين خلقيا أك دوا أن‬
‫المالمح الخارجية التي تميز هؤالء عن غيرهم ‪ ،‬ليست هي السبب الحقيقي في سلوكهم‬
‫اإلج رامي ب ل هي ب دورها نتيج ة لظ اهرة أخ رى تك ون هي الس بب الحقيقي ‪ ،‬كم ا أن ه‬
‫أصبح هناك قول أن طباع األفراد مرتبطة بجهازهم الف يزيولوجي و إفرازاته الباطنية ‪،‬‬
‫أن يقترن طبع الشخص بتواجد عالمة خارجية في جسمه ‪ ،‬فيجوز‬ ‫و قد يصادف‬
‫الق ول أن تل ك العالم ة هي مع برة عن س لوكه ‪ ،‬إال أن انع دامها ال يجعلن ا نتنب أ بس لوكه‬
‫االجتم اعي ب النظر إلى معطي ات فيزيولوجي ة طالما أن طب ع األشخاص هو مرتبط أوال‬
‫و قب ل ك ل ش يء ب إفرازات األعض اء و الغ دد ‪ ،‬أم ا المالمح الخارجي ة فم ا هي س وى‬
‫مضاعفات لتلك اإلفرازات (‪. )2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 20_19‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 20‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫كما أنه هناك من يقول بوجود عالقة بين علم اإلجرام و علم النفس ‪ ،‬و ذلك بكون‬
‫العلم اء في ه ذا التخص ص لم يهتم وا بالش خص غ ير الع ادي ألن إهتم امهم ك ان منص با‬
‫على الش خص الس وي ‪ .‬و لكن تط ور األم ر ليهتم وا باألش خاص غ ير الع اديين و ذل ك‬
‫عن د وضعهـم لمع ايير ت دل على ه ؤالء و تم يزهم عن األش خاص غ ير الع اديين و ق د‬
‫تفاعلوا بذلك مع علماء مختصين في األمراض العقلية ‪ ،‬و هم الذين يبحثون عن أسباب‬
‫األم راض العقلي ة و كيفي ات الوقاي ة منه ا ‪ ،‬و أيض ا محاول ة معرف ة م ا هي عالق ة‬
‫األمراض العقلية مع اإلجرام ‪ ،‬كما تفاعل علماء النفس مع المختصين في علم التحليل‬
‫النفس ي ال ذي يبحث في تك وين الشخص ية الروحي ة لألف راد و تطوره ا و م دى ت أثير‬
‫ح االت القل ق و الكبت و ال ذنب المعاش ة عليه ا ‪ ،‬و يبحث في التص رفات الالش عورية‬
‫لألف راد و تط ور العقلي ة الجنائي ة و ت درجها نح و الجريم ة نتيج ة التراكم ات الداخلي ة‬
‫النفسية ‪ ،‬وعليه نجد أن كال من هذه العلوم متفاعل مع بعضه و له عالقة وطيدة بعلم‬
‫اإلجرام (‪. )1‬‬
‫‪ _2‬عالقة علم اإلجرام بالعلوم االجتماعية ‪:‬‬
‫إن من العلم اء من ق ال أن الجريم ة هي ظ اهرة إجتماعي ة ال يمكن تص ورها إال‬
‫داخل مجتمع ‪ ،‬فهي عمل يصدر من شخص ضد نظام المجتمع الذي يعيش فيه وتعبير‬
‫عن فش ل المج رم في التكي ف م ع مجتمع ه و ق د أهتم العلم اء باألس باب االجتماعي ة أول‬
‫المطاف كرد فعل على نظرية لومبروزو‪ ،‬ثم ما لبث أن تبناها بجدي ة الكثير من العلم اء‬
‫وق د ب رز به ذا م ا يس مى بعلم االجتم اع الجن ائي ال ذي يهتم بدراس ة الجريم ة كظ اهرة‬
‫كما سبق القول ومدى الصلة بينها وبين غيرها من الظواهر‪ ،‬كالظواهــر‬ ‫إجتماعية‬
‫الطبيعي ة والحال ة اإلقتص ادية و ه و به ذا ي درس الجريم ة باعتباره ا ظ اهرة في حي اة‬
‫المجتمع تتأثر بالظـ ـ ــروف‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر ‪ _ :‬الس يد ياس ين ‪ ،‬نح و دراس ة اآلراء و اإلتجاه ات و تأثيره ا على الظ اهرة اإلجرامي ة‬
‫المجل ة الجنائي ة القومي ة ‪ ،‬المجل د ‪ ، 13‬الع دد ‪ ، 1‬المرك ز الق ومي للبح وث اإلجتماعي ة و الجنائي ة‬
‫مصر ‪ 1970 ،‬ص ‪ . 85‬و أنظر أيضا _ دردوس مكي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬

‫‪9‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫التي يعيش فيها أو يمر بها (‪ ، )1‬و بهذا كان للعلوم االجتماعية دور مهم في إفادة علم‬
‫اإلجرام و اإلستفادة منه ‪.‬‬
‫‪ _3‬عالقة علم اإلجرام بالعلوم القانونية ‪:‬‬
‫يتشابه علم اإلجرام و قانون العقوب ات في أن كال منهما يبحث في ظاهرة الجريمة‬
‫مم ا أدى ب البعض إلى الق ول بوحدة الموض وع بينهما ‪ ،‬و ل و أن هذا الموضوع مردود‬
‫إال أن هناك صلة كبيرة بينهما ‪ ،‬فقانون العقوبات هو الذي يحدد الواقعة التي تعد في‬
‫نظره جريمة و هو بذلك يرسم لعلم اإلجرام اإلطار الذي يعمل داخله (‪. )2‬‬
‫كم ا أن المش رع الجن ائي يس تعين بأبح اث علم اإلج رام ‪ ،‬من أج ل فهم أس باب‬
‫ارتك اب الجريم ة و يعين ه ذل ك على وض ع أفض ل النص وص ال تي تكف ل مكافحته ا ‪ ،‬و‬
‫يس تعين ك ذلك القاض ي الجن ائي بدراس ة أس باب الجريم ة في تفهم ه للواقع ة المعروض ة‬
‫علي ه فيحس ن اختي ار أحس ن العقوب ات في ح دود س لطته التقديري ة ح تى تحق ق العقوب ة‬
‫الهدف منها‪ ،‬كذلك نجد سلطة تنفيذ العقاب تفيد من أبحاث علم اإلجرام في تحديد دوافع‬
‫الجريمة ‪ ،‬لدى المجرمين حتى تستطيع أن تعدهم لاللتئام مع المجتمع بعد تنفيذ العقوبة‬
‫(‪. )3‬‬
‫و لعلم اإلجرام عالقة بقانون اإلجراءات الجزائية ‪ ،‬حيث أن موضوع هذا األخير‬
‫ه و تنظيم ال دعوى العمومي ة حيث ال يفلت مجرم و ال ي دان ب ريء ‪ ،‬و ل ذلك فــإن ه ذا‬
‫الق انون ي ؤثر على علم اإلج رام من خالل دراس ة م دى ت أثير أجه زة العدال ة الجنائي ة‬
‫من ضبطية قضائية إلى نيابة عامة إلى قضاة و محاكم و سلطات تنفيذ على شخصية‬
‫المجرم و خاصة المحترف أو العائد للجريمة ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر ‪ _ :‬عب د الس تار فوزي ة ‪ ،‬مب ادئ علم اإلج رام و علم العق اب ‪ ،‬دون طبع ة ‪ ،‬دار‬
‫المطبوعات الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬ص ‪. 17‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬عبد اهلل سليمان ‪ ،‬شرح قانون العقوبات الجزائري ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬الجزء ‪ ، 1‬الطبعة‬
‫‪ 6‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2005 ،‬ص ‪ 12‬و ما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أنظر ‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 19_18‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬
‫كم ا ي ؤثر علم اإلج رام على ه ذا األخ ير في ك ون النت ائج المتوص ل إليه ا في علم‬
‫اإلجرام ‪ ،‬تساعد قاضي الموضوع على تكوين قناعته الوجدانية في دراسة ظروف و‬
‫حالة المجرم الختيار الجزاء المناسب وفق شخصيته ‪ ،‬عالوة على إعانة سلطات التنفيذ‬
‫في مراك ز التأهي ل و اإلص الح الس جون في إتب اع أنج ع األس اليب لتنفي ذ الج زاء وف ق‬
‫هدف التأهيل و التهذيب و اإلصالح من أجل تفريد الجزاء الجنائي (‪. )1‬‬
‫كم ا لعلم اإلج رام عالق ة بعلم العق اب ‪ ،‬و ذل ك على اعتب ار االرتب اط الوثي ق بينهم ا‬
‫كعلمين يهدفان لمكافحة الجريمة و عالج السلوك اإلجرامي ‪ ،‬ألن العالج هنا ينطلق من‬
‫مي دان عالج المج رم و مي دان الوقاي ة من الجريم ة ‪ ،‬و هن ا يلتقي علم اإلج رام بعلم‬
‫العق اب لمعرف ة أس باب الجريم ة و الظ روف المختلف ة المحيط ة ب المجرم للتوص ل إلى‬
‫وسائل عالجها‪ ،‬و هذا ما يؤدي إلى ترشيد السياسة الجنائية ‪.‬‬
‫كم ا أن علم العق اب يس تفيد من نت ائج دراس ات و أبح اث علم اإلج رام المتعلق ة‬
‫بشخص ية المج رم للوص ول إلى تحدي د األه داف القريب ة و البعي دة للعقوب ات الجزائي ة‬
‫ثم يخت ار األس اليب الكفيل ة بتحقي ق ه ذه األه داف ‪ ،‬إض افة إلى أن علم اإلج رام يس تعين‬
‫بدراس ات علم العق اب ح ول ت أثير تنفي ذ العقوب ات الجزائي ة على تك وين الشخص ية‬
‫اإلجرامية (‪. )2‬‬
‫وتعت بر السياس ة الجنائي ة من العل وم القانوني ة ال تي له ا عالق ة بعلم اإلج رام ‪ ،‬حيث‬
‫نج د أنه ا األس اليب أو الط رق ال تي ينتهجه ا المش رع الجن ائي لمكافح ة الجريم ة ‪ ،‬وعلم‬
‫اإلجرام يبحث فيما هو كائن فيبحث الجريمة بإعتبارها ظاهرة حدثت في حياة الفرد و‬
‫الجماع ة ليح دد دواف ع المج رم إلى إرتكابه ا و السياس ة الجنائي ـ ـــة تبحث فيم ا يجب أن‬
‫يكون عليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬محمد صبحي نجم ‪ ،‬أصول علم اإلجرام و العقاب ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬الدار العلمية الدولية‬
‫عمان ‪ ، 2002 ،‬ص ‪. 12‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬محمد صبحي نجم ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 14_13‬‬

‫‪11‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫الق انون الجن ائي لمكافح ة الجريم ة ‪ ،‬و لكن رغم ه ذا فالص لة بين العلمين وثيق ة‬
‫فالسياسـ ـ ـ ـ ـ ـــة الجنائي ة تهت دي في تحدي د خطته ا لمكافح ة الجريم ة في المجتم ع بنت ائج‬
‫أبح اث ودراس ات علم اإلج رام ‪ ،‬رغم أن اس تجابتها لدراس ات علم اإلج رام مقي دة‬
‫بالظروف السياسية واإلجتماعية و اإلقتصادية القائمة في كل دولة (‪. )1‬‬
‫‪ _4‬عالقة علم اإلجرام بعلوم الشريعة اإلسالمية ‪:‬‬
‫قبل التطرق لعالقة علم اإلجرام بعلوم الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬البد من اإلشارة أوال‬
‫إلى أنه هناك إختالف جدري بين منطلقات علم اإلجرام كونه من العلوم الوضعية التي‬
‫م رت عليه ا ع دة نظري ات غ ير مس تقرة و آراء ‪ ،‬و عل وم الش ريعة اإلس المية المس تندة‬
‫إلى أحك ام الق رآن الك ريم و الس نة النبوي ة الش ريفة ولكي نتح رى عن العالق ة بين كال‬
‫الش قين الب د من الوق وف على جمل ة من المف اهيم واألس س و المم يزات ال تي يتم يز به ا‬
‫التش ريع اإلس المي عموم ا في الش ق ال ذي يهتم بالجريم ة و ك ل م ا يتعل ق به ا ألن ه في‬
‫و األخ ير الب د من إج راء المقارن ة من ه ذا المنطل ق ‪ .‬ألن علم اإلج رام و‬ ‫األول‬
‫العلوم الشرعية أول ما يمكنهما أن يلتقيا عنده هو ذلك الجرم المقترف و كيفية النظر‬
‫إليه لمعالجته ‪.‬‬
‫و الجرائم في الشريعة اإلسالمية عبارة عن محظورات شرعية زجر اهلل عنها بحد‬
‫أو تعزير و المحظورات ‪ ،‬بدورها عبارة عن إثبات فعل منهي عنه أو ترك فعل مأمور‬
‫ب ه و ق د وص فت ه ذه األخ يرة بأنه ا ش رعية إش ارة إلى أن ه يجب في الجريم ة أن‬
‫تحظرها الشريعة اإلسالمية (‪. )2‬‬
‫فالجريم ة إذن هي فع ل أو ت رك نص ت الش ريعة على تحريم ه و العق اب علي ه ‪ ،‬و‬
‫ب ذلك فالفع ل أو ال ترك ال يعت بر جريم ة إال إذا تق ررت علي ه عقوب ة ‪ ،‬و يع بر عن‬
‫العقوبات عند الفقهاء باألجزية و مفردها جزاء ‪ ،‬و فـ ـــي الشريعة اإلسالمية تعتبر كل‬
‫جريمـ ـ ــة بمثابـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 20‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬عبد القوي السيد الشافعي يونس ‪ ،‬الجريمة و العقاب في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬الطبعة ‪1‬‬
‫الدار الكتاب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2002 ،‬ص ‪. 3‬‬

‫‪12‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫جناي ة س واء ع وقب عليه ا ب الحبس أو بالغرام ة أو بم ا ه و أش د ‪ .‬و به ذا تض م المع نى‬


‫( المخالف ة والجنح ة و الجناي ة في الق انون الوض عي) (‪ ، )1‬و لم يف رق فقه اء الش ريعة‬
‫بين الجريم ة الجنائي ة و الجريم ة التأديبي ة ( أو األخط اء اإلداري ة ) ‪ ،‬كم ا يف رق بينهم ا‬
‫شراح القانون اليوم ‪ ،‬و العلة في ذلك ترجع إلى طبيعة العقوبات في الشريعة اإلس المية‬
‫من ناحية وإ لى تحقيق العدالة م ــن جهة أخرى ‪ ،‬فالجرائم في الشريعة اإلسالمية إما أن‬
‫تك ون ج رائم ح دود أو ج رائم قص اص أو ج رائم تع ازير‪ ،‬و الخط أ اإلداري إذا لم يكن‬
‫جريم ة من ج رائم الح دود أو القص اص فه و جريم ة من ج رائم التع ازير‪ ،‬و إذا ك ون‬
‫الخط أ اإلداري جريم ة يع اقب عليه ا بح د أو قص اص ع وقب علي ه به ذه العقوب ة ‪ ،‬و‬
‫محاكم ة الج اني جنائي ا و معاقبت ه بالعقوب ات المق ررة لج رائم الح دود و القص اص تمن ع‬
‫محاكمته تأديبيا و توقيع عقوبات تأديبية عليه ‪ ،‬ألن هذه العقوبات التأديبية لن تكون إال‬
‫عقوبات تعزيرية و هي عقوبات جنائية‪ ،‬فكأن الجاني يعاقب مرتين بعقوبات جنائية عن‬
‫فعل واحد‪ ،‬فضال على أن عقوبات الحدود و القصاص هي أشد العقوبات في الشريعة‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬و فيها الكفاية لتأديب الجاني و زجره (‪. )2‬‬
‫و إذا ك ان الج اني موظف ا ‪ ،‬فإن ه يمكن عزل ه أو وقف ه عن الوظيف ة إذا ثبتت علي ه‬
‫الجريمة و يصح إعتبار العزل و الوقف عقوبة تعزيرية سببها ارتكاب الجريمة ‪ ،‬كما‬
‫يصح أن يقال أن العزل و الوقف لم يقصد بهما العقاب ‪ ،‬و أن سببهما زوال صالحية‬
‫الجاني لشغل الوظيفة أو مباشرة أعمالها ألن الوظائف في األصل ال يتوالها المجرمو‬
‫ن‪ ،‬فإذا توالها من ليس مجرما ثم أجرم أصبح بإجرامه غير صالح لتولي الوظيفة حيث‬
‫زالت صالحيته بارتكابه الجريمة (‪. )3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬عبد القوي السيد الشافعي يونس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 3‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬عدو عبد القادر ‪ ،‬مبادئ قانون العقوبات الجزائري ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬نظرية الجريمة‬
‫نظرية الجزاء الجنائي ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬دار هومة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2010 ،‬ص ‪. 23‬‬
‫(‪ )3‬أنظ ر ‪ _ :‬عب د اهلل س ليمان ‪ ،‬ش رح ق انون العقوب ات الجزائ ري ‪ ،‬القس م الع ام ‪ ،‬الج زء ‪، 1‬‬
‫الجريمة =‬

‫‪13‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و إذا لم تكن الجريم ة ال تي ارتكبه ا الموظ ف ح دا أو قصاص ا فهي من التع ازير‬


‫ألن ك ل م ا ع دا الح دود و القص اص ي دخل في التع ازير ‪ ،‬س واء ج اءت ب ه النص وص‬
‫الشرعية أو حرمته الهيئة التشريعية طبقا للسلطات التي منحتها لها نصوص الشريعة‪.‬‬
‫و إذا كانت الجريمة من التعازير ‪ ،‬فال تجوز فيها المحاكمة التأديبية ألن العقوبات‬
‫التأديبية ك التوبيخ و اإلن ذار والع زل و م ا أش به ذل ك ك ل ه ذه العقوب ات تعزي ري ‪ ،‬فل و‬
‫حوكـم‬
‫الموظف مثال تأديبيا ثم حوكم جنائيا لعوقب كل مرة بعقوبة تعزيري ة ‪ .‬و لك انت النتيجة‬
‫أن ه ح وكم م رتين عن نفس الفع ل بعقوب ة تعزيري ة أي عقوب ة جنائي ة ‪ ،‬وه ذا م ا تأب اه‬
‫نص وص الش ريعة اإلس المية ألن القاع دة العام ة فيه ا أن ‪ " :‬أن ال يع اقب اإلنس ان على‬
‫فعل مرتين"‪.‬‬
‫فالم انع من إعتب ار الجريم ة تأديبي ة أن الفع ل يعت بر جريم ة جنائي ة ‪ ،‬و أن العقوب ة‬
‫ال تي يمكن أن توق ع في المحاكم ة التأديبي ة هي نفس العقوب ة ال تي يمكن أن توق ع في‬
‫المحاكمة الجنائية ‪ ،‬أي أن المانع هو إتحاد الفعل و إتحاد العقوبة ‪.‬‬
‫و األسباب التي منعت من وجود الجريمة التأديبية في الشريعة اإلسالمية تتوفر‬
‫بص ورة عكس ية في دائ رة الق وانين الوض عية ‪ ،‬إذ أن األص ل في ه ذه الق وانين أن‬
‫العقوبات الجنائية تخالف العقوبات التأديبية و أن معظم الجرائم التأديبية ال تدخل تحت‬
‫حكم القوانين الجنائية ‪ .‬و من ثمة فقد اقتضى تغير العقوبتين و الفعلين أن يحاكم الجاني‬
‫على الفعل م رتين إذا ك ان فعله يعتبر جريم ة تأديبية و ال يمنع توقيع إحدى العقوبتين‬
‫مــن توقيع األخرى ‪ ،‬كما ال تحول براءته في إحدى المحاكمتين من الس ير في المحاكم ة‬
‫الثاني ة ‪ ،‬و يعلل ون ذل ك ب أن ال دعوى التأديبي ة يقص د منه ا حماي ة المهن ة أو الوظيف ة‬
‫و أن الدعوى الجنائية يقصد منها حماية المجتمع (‪. )1‬‬
‫و ال ش ك أن نظري ة الش ريعة اإلس المية أك ثر تماش يا م ع المنط ق ‪ ،‬و انطباق ا على‬
‫القواع د التش ريعية الحديث ة ال تي تمن ع محاكم ة الش خص م رتين على فع ل واح د ‪ ،‬كم ا‬
‫أنهـ ـ ـ ـ ـ ــا‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الطبعة ‪ ، 6‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2005 ،‬ص ‪. 61‬‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬عبد القوي السيد الشافعي يونس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫ت ؤدي إلى اختص ار اإلج راءات و تقلي ل المحاكم ات ‪ ،‬و ال تح ول في ال وقت نفس ه من‬
‫توقيع العقوبة أو العقوبات التي تتالءم مع شخصية المتهم و الجريمة المنسوبة إليه ‪.‬‬
‫و قد عرف فقهاء الشريعة اإلسالمية موضوع الجريمة المدنية ‪ ،‬لكنهم لم يطلقوا‬
‫عليه ا ه ذه التس مية ال تي نس تعملها نحن اآلن ‪ ،‬و األص ل في الش ريعة اإلس المية‬
‫أن األم وال و األنفس معص ومة أي غ ير مباح ة ‪ ،‬و ك ل فع ل ض ار باإلنس ان أو بمال ه‬
‫مضمون على فاعله إذا لم يكن الفعل له حق فيه ‪ ،‬و الضمان يكون إما عقوبة جنائية‬
‫إذا كان الفعل الضار معاقبا عليـه أو تعويض مالي إذا لم يكن الفعل الضار معاقبا عليه‬
‫و إذا كان الفعل معاقبا عليه فهو جريمة أما إذا لم يكن معاقبا عليه ‪ ،‬فال يعتبر جريمة‬
‫و ال يس مى به ذا االس م و إنم ا ه و فع ل ض ار و إذا فال مناس بة تجم ع بين الجريم ة‬
‫و الفعل الضار إال أن كليهما مضمون على فاعله (‪. )1‬‬
‫و قد يكون الفعل جريمة يستحق الجاني عليها العقاب ‪ ،‬ثم يكون الفعل في الوقت‬
‫نفس ه فعال ض ارا فيض منه الج اني للمج ني علي ه ‪ ،‬كاس تهالك ص يد ممل وك في الح رم‬
‫و ش رب خم ر ال ذمي‪ ،‬ف إن الفاع ل في ه اتين الح التين يع اقب على الص يد و الش رب‬
‫و على قيم ة الص يد و الخم ر لص احبيهما ‪ ،‬و تتف ق الش ريعة م ع الق وانين الوض عية في‬
‫ه ذه الناحي ة فهي تجع ل اإلنس ان مس ؤوال م دنيا عن ك ل فع ل ض ار بغ يره س واء ك ان‬
‫القانـون يعتبره جريمة أم ال يعتبره كذلك ‪ ،‬فإن كان الفعل جريمة و كان ض ارا في نفس‬
‫ال وقت ب الغير ك ان الفاع ل مس تحقا للعقوب ة و ض امنا للض رر كم ا ه و حكم الش ريعة‬
‫اإلسالمية (‪)2‬‬
‫و يتميز النظام اإلسالمي بمميزات أساسية تتفق مع طبيعة البشر و تضمن لألحك ام‬
‫الص الحية للتط بيق في ك ل زم ان و مك ان ‪ ،‬فق د ك ان ال ثراء في اآلراء و اإلجته ادات‬
‫الفقهية في المذاهب المعروفة مصدرا غنيا للجوء إليه في كل مرة و عند ك ل ط ارئ و‬
‫مس تجد و ق د ك ان أيض ا في روح القواع د الش رعية ذات األبع اد المطل ة على ك ل‬
‫جوانب حياة األفراد‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬عبد القوي السيد الشافعي يونس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 5‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬عدو عبد القادر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬

‫‪15‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫ملجأ للمفكرين حينما يتغير الزمان و المكان ‪ ،‬نوردها فيما يلي‪:‬‬


‫‪ _1‬العموم و عدم جواز العفو أو الشفاعة في الحدود ‪:‬‬
‫فأحكام النظام الجنائي اإلسالمي عامة تعم الحاكم و المحكوم ‪ ،‬و يترتب على ذلك‬
‫أن الح اكم يقي د في تط بيق النظ ام الجن ائي اإلس المي بع دم ج واز العف و أو الش فاعة فيح د‬
‫من ح دود اهلل ‪ ،‬و هن ا ن ذكر واقع ة الم رأة المخزومي ة ال تي س رقت و أراد الق وم آن ذاك‬
‫أن يشفعوا لها عند رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم و أختاروا لذلك أسامة بن زيد لما‬
‫له من مكانة في قلـب الرسول ‪ ،‬فما إن ذكر ذلك أمامه حتى غضب رسول اهلل صلى‬
‫اهلل علي ه و س لم غض با ش ديدا و ق ال ل ه ‪ " :‬أتش فع في ح د من ح دود اهلل ؟ " ثم ق ال ‪" :‬‬
‫إنم ا أهل ك ال ذين من قبل ك أنهم ك انوا إذا س رق الش ريف ترك وه ‪ ،‬و إذا س رق الض عيف‬
‫أقاموا عليه الحد و أيم اهلل لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " (‪. )1‬‬
‫‪ _2‬إتصال النظام الجنائي باألخالق و صيانة المصالح الخمس ‪:‬‬
‫فالمس لم المت دين يحس دائم ا بأن ه في رقاب ة اهلل ‪ ،‬وأن ه محاس ب على أفعال ه ونواي اه‬
‫و ل ذلك ف إن في إيق اظ الض مير و الحف اظ على األخالق بين أف راد المجتم ع من األمـور‬
‫المهم ة ج دا ‪ ،‬و ال تي ي ترتب عليه ا الوقاي ة من الجريم ة و تيس ير إثباته ا بتوف ير أتقي اء‬
‫ال يسكتون عن المنكر و يشهدون بالحق‪.‬‬
‫و نج د أن الج رائم تمث ل إعت داء على المص الح األساس ية للن اس و ال تي يحميه ا‬
‫اإلس الم من خالل تقري ر عقوب ات مناس بة على المس اس ب أي منه ا ‪ ،‬مهم ا ك انت درج ة‬
‫و يطلق على هذه المصالح أيضا الضروريات أو الكليات الخمس‪ ،‬وهي‬ ‫اإلعتداء‬
‫الدين والنفس والعقل و النسل و المال ‪.‬‬
‫فالزنا إعتداء على النسل و السرقة إعتداء على المال و شرب الخمر إعتداء على‬
‫العق ل ‪ ،‬وال ردة اعت داء على ال دين و القت ل إعت داء على النفس ‪ ،‬وه ذه المص الح تك اد‬
‫تكــون‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ _ )1‬رواه البخ اري و مس لم عن عائش ة رض ي اهلل عنه ا ‪ ...‬و أنظ ر أيض ا _ الجزي ري عب د‬
‫الرحم ان الفق ه على الم ذاهب األربع ة ‪ ،‬الطبع ة ‪ ، 1‬الج زء ‪ ، 5‬دون دار نش ر ‪ ،‬دون س نة نش ر ‪،‬‬
‫ص‪.4‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫هي المص الح المعت برة في مختل ف الش رائع الس ماوية ‪ ،‬وهي ال تي تحميه ا مختل ف‬
‫التشريعات الوضعية مهما اختلفت درجة الحماية (‪. )1‬‬
‫‪ _3‬التحريض على التوبة و شفاء غيظ المجني عليه ‪:‬‬
‫لقد كان النبي صلى اهلل عليه و سلم يحث على عدم تعيير المجرم بجريمته حتى‬
‫ال تستمــر نفسه في اإلنسياق للجريمة ‪ ،‬ألن اآلثم إذا أحس بنفور الناس من ه و إحتق ارهم‬
‫له إبتعد هو أيضا عنهم و قد يقع مجددا في الخطأ ‪ .‬كما أن اإلسالم اعتبر جناية القتل‬
‫اعت داء على المجتم ع كل ه‪ ،‬فمفق وء العين مثال ال يش فى قلب ه مهم ا يكن التع ويض و لكن‬
‫يشفى قلبه حين يجد الجاني وقع عليه نفس الفعل ‪.‬‬
‫‪ _4‬عدم قيد الجريمة ضد مجهول و األخذ بأسباب الوقاية من الجرائم ‪:‬‬
‫من األمور المقررة شرعا أنه ‪ " :‬ال يهدر دم في اإلسالم" ‪ ،‬حيث ال توجد جريمة‬
‫قت ل تقي د ض د مجه ول ‪ .‬كم ا يح دث في بعض األنظم ة الوض عية و إنم ا يؤخ ذ بنظ ام‬
‫ويقص د به ا الفقه اء األيم ان المك ررة في دع وى القت ل ‪ ،‬يقس م به ا أولي اء‬ ‫القس امة‬
‫القتي ل إلثبـات القت ل على المتهم أويقس م به ا المتهم على نفي القت ل عن ه ‪ .‬وق د ك انت‬
‫القس امة من ط رق اإلثب ات في الجاهلي ة فأقره ا اإلس الم‪ ،‬و هي ال توج د إال في القت ل‬
‫سواء كان عمدا أم خطأ (‪. )2‬‬
‫ونج د أن الش ريعة اإلس المية لم تهتم في مواجه ة الجريم ة بالعقوب ات والت دابير‬
‫المالئم ة بع د وقوعه ا فق ط ‪ ،‬ب ل أولت المجتم ع العناي ة الالزم ة من أج ل من ع وق وع‬
‫الجريمة أصال وفي سبيل ذلك كان اإلهتمام بتكوين رأي عام مهذب من خالل الدعوة‬
‫إلى األم ر ب المعروف و النهي عن المنك ر ‪ ،‬للتع اون على تحقي ق الخ ير للمجتم ع و‬
‫الدعوة إلى فضيلة الحياء و تربيتها في نفوس ‪ ،‬و عدم اإلعالن عن الجرائم دون التثبت‬
‫من إرتكابها من طرف أشخاص معينين و من طرف الجهات المختصة ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬بن المدني بوساق محمد ‪ ،‬إتجاهات السياسية الجنائية المعاصرة و الشريعة اإلسالمية‬
‫الطبعة ‪ ، 1‬مركز الدراسات و البحوث ‪ ،‬الرياض ‪ ، 2002 ،‬ص ‪. 164‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬بن المدني بوساق محمد ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 143‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫‪ _5‬إشتمال النظام الجنائي اإلسالمي على أحدث المبادئ الجنائية‪:‬‬


‫إن النظام الجنائي اإلسالمي هو األسبق في شموله على أرقى المبادئ و النظري ات‬
‫الجنائية التي يفتخر بها في المحافل الدولية في المجاالت الجنائية و الفقهية و القضائية‬
‫و التشريعة ‪ ،‬و من هذه المبادئ ما يتعلق بمبدأ الشرعية (‪ )1‬و تحديد النطاق الزماني‬
‫و المكاني لسريان النصوص الجنائية و أحكام سريانها على األشخاص ‪ ،‬و الش روع في‬
‫الجريم ة و المس اهمة الجنائي ة و نظري ة القص د و نظري ة الخط أ و نظري ة المس ؤولية‬
‫الجنائية ‪. )2( ...‬‬
‫فقاع دة درأ الح دود بالش بهات تمث ل أساس ا لقاع دة تفس ير الش ك لمص لحة المتهم‬
‫و حديثه صلى اهلل عليه و سلم الذي يقول ‪ " :‬أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إال الحدود "‬
‫يمثل أساسا لإلتجاهات الحديثة التي تنادي بوجوب العناية بشخصية الجاني و ظروفـه‬
‫و تحدي د الج زاء المالئم ‪ ،‬و قول ه تع الى ‪ " :‬و م ا كن ا مع ذبين ح تى نبعث رس وال "‬
‫يعدأساس مبدأ الشرعية الجنائية و قاعدة عدم رجعية النصوص الجنائية بحسب األصل‬
‫و قوله تعالى ‪ " :‬ال تزر وازرة وزر أخرى و أن ليس لإلنسان إال م ا س عى"‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪ )4‬أساس مبدأ شخصية العقوبة أو المسؤولية الجنائية الشخصية المؤسسة على حرية‬
‫اإلختيار‪...‬‬
‫و الجدير بالذكر أنه هناك عدة أسس يقوم عليها التشريع الجنائي اإلسالمي ‪ ،‬سواء‬
‫من الناحي ة الموض وعية أو من الناحي ة اإلجرائي ة ‪ ،‬حيث يتم يز عن النظم الوض عية في‬
‫الشق الجنائي بالثبات و اإلستقرار و المتانة ‪ ،‬و ال يبنى على فرضيات بل ينطلق من‬
‫الث وابت المس تمدة من الق رآن الك ريم و س نة رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه و س لم و‬
‫إجمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ه ذا المب دأ ال ذي لم يتعمم األخ ذ ب ه في التش ريعات الوض عية إال في أعق اب الق رن ‪ ، 18‬فلق د‬
‫عرفته الشريعة اإلسالمية قبل ‪ 14‬قرنا ‪ .‬و أنظر أيضا _ عبد اهلل سليمان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‬
‫‪. 75‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬بن المدني بوساق محمد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 166‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬بن المدني بوساق محمد ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 178‬‬
‫(‪ _ )4‬سورة النجم ‪ ،‬اآليتان ‪. 39_38‬‬

‫‪18‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬
‫الفقه اء المس لمين و م ا ورد من اجته ادات و آراء ألعالم األم ة اإلس المية ع بر ت اريخ‬
‫اإلسالم ‪.‬‬
‫و بالنس بة لألس س الموض وعية فهن اك ع دة نص وص يتم يز به ا التش ريع الجن ائي‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬و قد كان السباق إليها بالمقارنة مع التشريعات الجنائية الوضعية التي سعى‬
‫فقهاء القانون الوضعي إلى إبراز و إرساء معالمها ‪ ،‬نوردها فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ _1‬مبدأ شرعية و ما إنبثق عنه من قواعد ‪:‬‬
‫و هي القاعدة التي يعبر عنها في العصر الحديث بمبدأ الشرعية ‪ ،‬و مقتضاها أنه‬
‫ال تعت بر أفع ال األف راد و ص ور س لوكهم ج رائم ‪ .‬إال إذا ك ان ثم ة نص ق انون ص ادر‬
‫عن السلطـة التش ريعية في الدول ة ‪ ،‬يق رر جع ل ه ذا الس لوك المعين جريم ة و يق رر‬
‫عقوبة له بشرط أن يكون هذا النص التشريعي قد صدر قبل إرتكاب الفعل ‪ ،‬أو وقوع‬
‫السلوك المراد العقاب عليه‪.‬‬
‫و ليس من نص وص الق رآن الك ريم أو الس نة نص واض ح الدالل ة على العم ل بهـذه‬
‫القاع دة في مج ال التش ريع الجن ائي اإلس المي ‪ ،‬و لكن اس تنتاج ه ذه القاع دة من بعض‬
‫نصوص القرآن و السنة و القواعد األصولية ليس صعبا فنجد قوله تعالى ‪ " :‬و ما كنا‬
‫معذبين حتى نبعث رسوال" (‪ ، )1‬و قوله تعالـى ‪ " :‬و ما كان ربك مهلك القرى حتى‬
‫يبعث في أمه ا رس وال يتل وا عليهم آياتن ا" (‪ ، )2‬و من ه ذه اآلي ات و غيره ا إس تخرج‬
‫الفقهاء القاعدتين األصوليتين اللتين تفيدان مضمون قاعدة " ال جريمة و ال عقوبة بغير‬
‫نص " قاع دة أن ه ‪ " :‬ال تكلي ف قب ل ورود الش رع " قاع دة أن‪ " :‬األص ل في األش ياء‬
‫اإلباحة " (‪)3‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ _ )1‬سورة اإلسراء ‪ ،‬اآلية ‪. 5‬‬
‫(‪ _ )2‬سورة القصص ‪ ،‬اآلية ‪. 59‬‬
‫(‪ )3‬أنظ ر ‪ _ :‬علي المعت وق أحم د ‪ ،‬حقيق ة النظ ام العق ابي اإلس المي و مميزات ه الش رعية ‪ ،‬مجل ة‬
‫الجامعة األسمرية العدد ‪ ، 20‬السنة ‪ ، 11‬ص ‪. 139‬‬

‫‪19‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و من أهم نت ائج قاع دة ش رعية الج رائم و العقوب ات في _ نظ ر الفق ه الجن ائي‬
‫الح ديث _ أن النص وص الجنائي ة ال ترج ع إلى الماض ي‪ ،‬و إنم ا يك ون تطبيقه ا ب أثر‬
‫مباشر على الوقائع التي تحدث بعد صدور هذه النصوص دون الوقائع التي حدثت قبلها‬
‫و ذلك ما يعرف بمبدأ عدم رجعية التشريع الجنائي اإلسالمي إلى الماضي ‪ ،‬هذا الذي‬
‫يعت بر من ل وازم مب دأ ش رعية الج رائم و العقوب ات ‪ ،‬و ال يتص ور في نظ ام ق انوني أن‬
‫يأخ ذ بمب دأ الش رعية ثم يه در األخ ذ بمب دأ ع دم الرجعي ة و ذل ك ه و الش أن في األحك ام‬
‫الجنائية اإلسالمية كما هو الشأن في غيرها من النظم الجنائية (‪. )1‬‬
‫كم ا نج د أن فقه اء الق انون الجن ائي الح ديث يش ترطون ش رطين لنج اح الق انون في‬
‫أداء رس الته ‪ .‬أح دهما أن يس ري الق انون في ح ق كاف ة من يخالفون ه دون تمي يز و‬
‫يع برون عن ذلـك ب أن يك ون الق انون واح دا بالنس بة لكاف ة الن اس ‪ ،‬و ه ذا الش رط ال ذي‬
‫يمــكن أن يع بر عن ه بمب دأ المس اواة أم ام النص وص الجنائي ة يعت بر فرع ا لمب دأ المس اواة‬
‫أمام القانون الذي عرفته النظم القانونية الحديثة ‪ ،‬عقب إعالنه و النص عليه في إعالن‬
‫حقوق اإلنسان الفرنسي الذي صدر عن الثورة الفرنسية عام ‪ 1789‬م (‪. )2‬‬
‫‪ _2‬مبدأ المساواة أمام النصوص الشرعية الجنائية ‪:‬‬
‫ق د ق رر الرس ول قاع دة المس اواة في تط بيق النص وص الجنائي ة بنص واض ح جلي‬
‫ال يحتمل تأويال و ال خالفا ‪ ،‬و هو ما نراه في حادثة المرأة المخزومية‪ ،‬و حادثة اإلفك‬
‫و به ذا فالش ريعة اإلس المية ق د ق ررت مب دأ المس اواة أم ام النص وص الجنائي ة و طبقت ه‬
‫تطبيقا كامال ‪ ،‬و أن هذا المبدأ يستفاد من نصوص الشريعة العامة المقررة للمساواة بين‬
‫الناس و يستفاد من نصوص خاصة بأحكام جنائية مثل نصوص القصاص والدية و‬
‫السرقة ‪.‬‬
‫و إذا ك انت ت رد على ه ذا المب دأ في الق وانين الجنائي ة الوض عية اس تثناءات تتمث ل‬
‫فـ ـ ـ ــي‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬أوهايبية عبد اهلل ‪ ،‬شرح قانون العقوبات الجزائري ‪ ،‬القسم العام ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار‬
‫موفم للنشر ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2006 ،‬ص ‪. 89‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬أوهايبية عبد اهلل ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 89‬‬

‫‪20‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫إعف اء بعض األش خاص من العق اب على م ا يرتكب ون من ج رائم مث ل اس تثناء رؤس اء‬
‫ال دول و أعض اء البعث ات الدبلوماس ية و أف راد الق وات المس لحة األجنبي ة من تط بيق‬
‫العقوبات المقررة لما يرتكبونه من جرائم ‪ ،‬فإن أحكام الشريعة اإلسالمية ال تقرر من‬
‫هذه اإلستثناءات شيئا و األصل فيها إطراد تطبيق أحكام اإلسالم الجنائية على كل من‬
‫يقع منه فعل معاقب عليه في إقليم الدولة اإلسالمية (‪. )1‬‬
‫‪ _3‬األساس من حيث أهداف العقوبة ‪:‬‬
‫ب التركيز على األس اس من حيث أه داف العقوب ة ‪ ،‬ف إن اس تقراء العقوب ات المق ررة‬
‫في النظ ام الجن ائي اإلس المي و البي ان الفقهي لوظ ائف ه ذه العقوب ات أو إلى األه داف‬
‫التي ترمي إلى تحقيقها يؤدي إلى القول إن نظرات ثالث تتنازع هذه العقوبات ‪:‬‬
‫_ األولى ‪ :‬هي أن العقوبة هي الجزاء العادل أو المقابل للجريمة‪.‬‬
‫_ الثانية ‪ :‬أن العقوبة ترمي بتقريرها و تؤدي بتوقيعها إلى منع الجريمة في المستقبل‪.‬‬
‫_ الثالث ة ‪ :‬هي أن العقوب ة هي إج راء تق ويمي ي ؤدي إلى إص الح المج رم فال يع ود إلى‬
‫إرتكاب الجريمة مرة أخرى ‪.‬‬
‫و ه ذه النظ رات الثالث ة هي ال تي تس وغ على أساس ها العقوب ة في الفك ر الق انوني‬
‫و الفلسفي المعاصر‪ ،‬و إن كانت النظرة إلى العقوبة بإعتبارها جزاء أو مقابال للجريمة‬
‫تعتبر اليوم أقل شيوعا و أكثر تعرضا لالنتقاد من النظرتين األخيرتين (‪. )2‬‬
‫و في التشريع الجنائي اإلسالمي تبدو فكرة إعتبار عقوبات الحدود بمثابة الجزاء‬
‫المقاب ل للجريم ة المرتكب ة في إح دى الخص ائص المم يزة له ذه العقوب ات ‪ .‬و هي أن ه‬
‫ال يج وز تع ديلها و ال العف و عنه ا ‪ .‬و من ثم ة فإن ه يجب توقيعه ا كلم ا ثبت إرتك اب‬
‫الجريمة و الفقهاء المسلمون يثبتون هذه الخصيصة لعقوبات الحدود إستنادا إلى حديث‬
‫" المرأة المخزومية " الذي سبق ذكره ‪ ،‬و قد عبر القرآن عن العقوبة في جرائم الحدود‬
‫بلفظ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬عبد القوي السيد الشافعي يونس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر ‪ _ :‬أحم د فتحي س رور ‪ ،‬أص ول السياس ة الجنائي ة ‪ ،‬دون طبع ة ‪ ،‬دار النهض ة العربي ة‬
‫مصر ‪ ، 1972 ،‬ص ‪ 7‬وما يليها ‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫الج زاء ب ل ص رح بأنه ا الج زاء المقاب ل للجريم ة لقول ه تع الى‪" :‬و الس ارق و الس ارقة‬
‫فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكاال من اهلل ‪. )1( "...‬‬
‫و إذا ك انت نظري ة الج زاء تلقى الي وم كث يرا من اإلعتراض ات ‪ ،‬ف إن نظري ة المن ع‬
‫أي اعتبار الهدف من العقوبة هو منع الجريمة تجد في الفكر الفلسفي و القانوني كثيرا‬
‫من التأييد ‪ ،‬و إذا كانت نظرية الجزاء المقابل تنظر إلى الماضي بإعتبار العقوبة مقابال‬
‫يتحمل ه المج رم من ج راء عم ل أو امتن اع مخ الف للق انون ‪ ،‬ق د ص در بالفع ل عن ه ف إن‬
‫نظري ة المن ع تض ع المس تقبل في إعتباره ا أك ثر مم ا تض ع الماض ي إذ ت رمي إلى من ع‬
‫إرتكاب المزيد من الجرائم عن طريق توقيع العقوبة بسبب جريمة وقعت فعال و يعتبر‬
‫من ع وق وع ج رائم جدي دة في نظ ر أنص ار فك رة المن ع ه و اله دف األك ثر أهميـة لتوقي ع‬
‫و ينقسم المنع الذي يحققه توقيع العقوبة إلى عام و خاص ‪ ،‬و إذا كان المنع‬ ‫العقاب‬
‫الخ اص يف ترض أن يتحق ق أث ره بمج رد توقي ع العقوب ة ف إن المن ع الع ام ال يت أتى إال‬
‫ب اإلعالن عن العقوب ة و جعله ا معلوم ة للكاف ة ال عن د تقريره ا فحس ب ب ل عن د تنفي ذها‬
‫كذلك ‪ ،‬و إذا كان الفقه اإلسالمي قد سبق إلى تسويغ العقوبة على أساس أثرها في منع‬
‫الج رائم ‪ ،‬ب ل إن نظري ة المن ع تحت ل ل دى الفقه اء المس لمين المك ان األهم بين النظري ات‬
‫الثالث ال تي فيه ا تت وزع النظ رة إلى العقوب ة ‪ ،‬و تتح دد غايته ا و تك اد الحجج ال تي‬
‫يسوغها الفقهاء المسلمون لتأييد النظرة إلى العقوبة باعتبارها وسيلة لمنع الجريمة أن‬
‫تكون هي بذاتها الحجج التي تساق في الفكر القانوني و الفلسفي المعاصر لتأييد نظرية‬
‫المنع (‪. )2‬‬
‫فهناك من يعرف العقوبات بأنها ‪ " :‬زواجر وضعها اهلل تعالى للردع عن إرتكاب‬
‫م ا حظ ر و ت رك م ا أم ر" ‪ ،‬و اإلعالن عن تنفي ذ العقوب ة عن د أنص ار نظري ة المن ع في‬
‫الفقه الجنائي الحديث هو الذي يؤدي إلى تحقيق المنع العام و كذلك الفقهاء المسلمون‬
‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ــرون‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ _ )1‬سورة المائدة ‪ ،‬اآلية ‪. 38‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬بن المدني بوساق محمد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫عل ة التنفي ذ العل ني للعقوب ات من ع للعام ة أو من يحتم ل أن يتج ه منهم إلى الجريم ة من‬
‫إرتكابها (‪. )1‬‬
‫و كان من نتائج التقدم الذي أحرزته البحوث العلمية في مجالي اإلجرام و العقاب‬
‫أن ظهرت نظرية ثالثة في وظيفة العقوبة مؤداها أن الهدف الذي يجب أن ترمي إليه‬
‫العقوب ة ليس ه و المن ع بش قيه _ الع ام و الخ اص _ و ليس ه و توقي ع ج زاء ع ادل على‬
‫المجرم يقابل ما اقترفت يداه من اعتداء على حق اجتماعي أو فردي ‪ ،‬و إنما الهـدف‬
‫الذي يجب أن توجه إليه العقوبة هو إصالح الجاني نفسه و تقويم سلوكه ‪ ،‬بحيث يعود‬
‫بع د ذل ك إلى الحي اة اإلجتماعي ة عض وا ص الحا في الجماع ة ( أي التح ول بالعقوب ة من‬
‫وسيلة لإليالم إلى أداة للعالج ) (‪. )2‬‬
‫و يج د اله دف اإلص الحي للعقوب ة ‪ ،‬تعب يرا عن ه مح دود النط اق في كتاب ات بعض‬
‫فقه اء المس لمين في مج ال عقوب ات الح دود و القص اص ‪ ،‬و من ذل ك أن الفقه اء حينم ا‬
‫يناقش ون عقوب ة النفي من األرض المق ررة لجريم ة الحراب ة أو الحبس في م ذهب‬
‫األحناف يقررون أن هدف هذه العقوبة ‪ ،‬هو إصالح الجاني و لذلك ي رون أن النفي أو‬
‫الحبس يجب أن يس تمر ح تى تثبت توب ة الج اني و إص الح أم ره ‪ ،‬و ذل ك ه و ذات ه م ا‬
‫تق رره نظري ة اإلص الح من أن ه ال يج وز إطالق س راح الج اني أو إعف اءه من التع رض‬
‫ألساليب اإلصالح إال بعد التيقن من أنه لن يجرم مرة أخرى (‪. )3‬‬
‫و ثم ة تعب ير آخ ر عن النظ رة للعقوب ة بإعتباره ا وس يلة إص الح ‪ ،‬ي راد به ا تق ويم‬
‫مسلك الج اني و منع ه من اإلجرام م رة أخ رى‪ ،‬يتمث ل في م ذهب المالكي ة و الظاهرية‬
‫أن العقوبات المقررة لجريمة و هي أربعة ‪ :‬القتل و الصلب و قطع األيدي و‬ ‫في‬
‫األرجل مـ ـ ــن‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬أحمد فتحي سرور ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬أحمد فتحي سرور ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫(‪ )3‬أنظ ر‪ _ :‬عب د الفت اح خض ر ‪ ،‬النظ ام الجن ائي ‪ ،‬أسس ه العام ة في اإلتجاه ات المعاص رة و الفق ه‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دون دار نشر ‪ ،‬ص ‪. 59‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫خالف و النفي ليس ت على ت رتيب األفع ال ال تي يمكن أن ت رتكب به ا ه ذه الجريم ة ‪ ،‬و‬
‫إنم ا هي عقوب ات يخ ير بينه ا القاض ي ح تى يقض ي فيه ا بم ا يك ون أص لح للج اني و‬
‫للمجتمع في الحالة المعروضة عليه ‪ ،‬و هذا المذهب يقوم على اإلرتباط بين العقوبة و‬
‫الظروف الشخصية للمجرم ‪ ،‬بحيث تكون ثمة مالئمة بين العقوبة التي يوقعها القاضي‬
‫و بين هذه الظروف حتى تحقق العقوبة أهدافها ‪ ،‬و ذلك هو األساس الذي يرى أنصار‬
‫نظري ة اإلص الح على أساس ه العقوب ات _ أو وس ائل التق ويم _ ال تي ينط ق به ا القاض ي‬
‫في كل حالة على حدة ‪ .‬و بهذا فالعقوبة في نظر الفقهاء المسلمين ترمي إلى واحد من‬
‫ثالث ة أه داف ‪ :‬توقي ع الجزاء للج اني مقابل فعل ه ‪ ،‬أو من ع إرتك اب مزي د من الج رائم ‪،‬‬
‫سواء من الجاني نفسه أو من غيره من األشخاص أو إصالح الجاني و تقويم سلوكه ‪،‬‬
‫ال يعيد ارتكاب الجريمة مرة أخرى (‪. )1‬‬ ‫بحيث‬
‫وبالنسبة لألسس اإلجرائية للنظام الجنائي اإلسالمي ‪ ،‬فنجد أن الشريعة اإلسالمية‬
‫كم ا إهتمت باألس س الموض وعية ‪ .‬إهتمت باألس س اإلجرائي ة ال تي تك ون فيه ا المتابع ة‬
‫والعادل ة لم رتكب الج رائم والح ق المض مون للمج ني علي ه ‪ ،‬وه ذه األس س عدي دة فمنه ا‬
‫ما يتعلق بحقوق اهلل وحقوق العباد ومنها جملة من القواعد التي تعد ثوابت ال يحيد عنها‬
‫القضاة‪.‬‬
‫‪ _1‬حقوق اهلل و حقوق العباد ‪:‬‬
‫حيث يقس م الفقه اء المس لمون األفع ال ال تي ورد التكلي ف الش رعي بإتيانه ا أو المن ع‬
‫منه ا ‪ ،‬إلى ثالث ة أقس ام ‪ :‬قس م ه و ح ق خ الص هلل تع الى ‪ ،‬و قس م يش تمل على ح ق اهلل‬
‫و ح ق الف رد و لكن ح ق الف رد في ه أغلب ‪ ،‬و قس م يش تمل على ح ق هلل و ح ق للف رد و‬
‫حق الفرد فيه أغلب و قسم يعتبر من حقوق األفراد‪.‬‬
‫و المقص ود بم ا وجب إتيان ه أو اإلمتن اع عن ه ‪ ،‬بإعتب اره ح ق هلل تع الى ك ل فع ل‬
‫أو إمتنـ ـ ـــاع ‪ ،‬ترج ع عل ة إيجاب ه أو النهي عن ه إلى الجمـ ـ ـ ـــاعة أو إلى المص لحة‬
‫العام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الفتاح خضر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 47‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و يتضمن هذا النوع من األفعال كل ما كان حقا خالصا أو ما كان مشتركا فيه ح ق اهلل‬
‫و حق الفرد و غلب حق اهلل على حق الفرد ‪ ،‬و المقصود بما وجب إتيانه أو اإلمتناع‬
‫عن ه لح ق الف رد ه و ك ل فع ل أو إمتن اع ترج ع عل ة إيجاب ه أو النهي عن ه إلى تحقي ق‬
‫مصلحة شخصية لمستفيد منه من األفراد (‪. )1‬‬
‫‪ _2‬درء الحدود بالشبهات ‪:‬‬
‫هي قاع دة فقهي ة مؤداه ا أن ه حيث ق امت ل دى القاض ي ش بهة في ثب وت إرتك اب‬
‫الجريمة الموجبة لعقوبة من عقوبات الحدود ‪ ،‬وجب عليه أال يحكم على المتهم بعقوبة‬
‫الحد‪ ،‬و قد يجوز مع ذلك الحكم على المتهم بعقوبة تعزيرية في حاالت معينة ‪ ،‬فالشبهة‬
‫كم ا ت ؤدي إلى الحكم ب براءة المتهم مم ا أس ند إلي ه ‪ ،‬ق د ت ؤدي إلى تغي ير وص ف التهم ة‬
‫بحيث يدان المتهم في جريمة أخرى غير التي رفعت عليه الدعوى عنها ‪ ،‬فإذا تخلـف‬
‫شرط الحرز في السرقة أو شرط النصاب فإنه ال يجوز للقاضي أن يحكم على الجاني‬
‫بقطع اليد _ و هو في عقوبة الحد _ (‪. )2‬‬
‫و إذا تخل ف ش رط اإلحص ان في الق ذف ‪ ،‬فال يج وز أن يحكم على الج اني بالجل د‬
‫ثمانين جلدة و هي حد القذف ‪ ،‬و إنما يعزر بعقوبة أخرى أما إذا تعارضت في الفعل‬
‫المنس وب إلى المتهم أدل ة التح ريم والتحلي ل ‪ ،‬أو لم تكن البين ات المقدم ة في ال دعوى‬
‫الجنائي ة كافي ة إلقتن اع القاض ي بثب وت الجريم ة ‪ ،‬فإن ه يتعين القض اء ب براءة المتهم‬
‫و ال يجوز عندئذ أن يعاقب و لو تعزيرا (‪. )3‬‬
‫و القاعدة الموجبة لدرء عقوبة الحد بالشبهة ‪ ،‬تتصل أوثق إتصال بقاعدة إفتراض‬
‫البراءة ال تي قررته ا الشريعة اإلس المية في الن احيتين المدنية و الجنائية ‪ ،‬و ال تي تأخذ‬
‫بهـ ـ ــا‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬علي معتوق أحمد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 150‬و ما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر‪ _ :‬عم ارة عب د الحمي د ‪ ،‬ض مانات المتهم أثن اء مرحل ة التحقي ق اإلبت دائي في الش ريعة‬
‫اإلسالمية و التشريع الجنائي الوضعي ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬دار المحمدية العامة ‪ ،‬الجزائر‬
‫‪ ، 1998‬ص ‪ 147‬وما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬عمارة عبد الحميد ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 147‬و ما يليها ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫النظم الجنائية الحديثة بوجه عام ‪ ،‬و تتصل أيضا بقاعدة وجوب تفسير الشك لمصلحة‬
‫المتهم و هي القاعدة التي تأخذ بها النظم الجنائية الحديثة كذلك ‪.‬‬
‫‪ _3‬التوبة و العفو ‪:‬‬
‫تنشأ الجريمة حقا للدولة في معاقبة مرتكبها و تقتضي الدولة هذا الحق بأن تخض ع‬
‫الجاني للعقوبة التي يقررها حكم قضائي‪ ،‬يثبت وقوع الجريمة و يثبت نسبتها إلى ذلك‬
‫الش خص المعين (الج اني ) ‪ ،‬و م ع أن األص ل ه و أن تقتض ي الدول ة حقه ا في العق اب‬
‫وف ق ه ذا الطري ق ‪ ،‬فإن ه ق د تع رض أس باب تح ول دون ه ذا اإلقتض اء و تنحص ر ه ذه‬
‫األسباب في النظم الجنائية المعاصرة في التقادم و وفاة المتهم والعفو العام أو العفو‬
‫الشامـل و الص فح و التص الح بالنس بة لبعض الج رائم (‪ ، )1‬على أن النظم الجنائي ة‬
‫المعاص رة و مـن وراءه ا الفق ه الجن ائي الح ديث يش هدان تباين ا كب يرا في آث ار ه ذه‬
‫األس باب وه ل تنص رف إلى الجريم ة فتقض يها أو تس قطها ‪ ،‬أو إلى العقوب ة أو إلى‬
‫ال دعوى الجنائي ة فتنهيه ا ‪ ،‬أو تس قطها أو إلى العقوب ة فتس قطها ( بحس ب اختالف‬
‫التعب يرات ) على أن األق رب إلى المنط ق الق انوني ه و الق ول بإنص راف آث ار ه ذه‬
‫األسباب إلى حق الدولة في العقاب و إسقاطها إياه و إمتناع رفع الدعوى الجنائية على‬
‫المتهم‪ ،‬ليس إال نتيجة لذلك أي نتيجة إلنقضاء حق الدولة في العقاب‪.‬‬
‫و تعرف النظم الجنائية المعاصرة ما يعرف باألعذار المعفية من العقوبة و بينما‬
‫ي رى ج انب من الفق ه المعاص ر أن ه ذه األس باب أو األع ذار المعفي ة من العقوب ة ال‬
‫تضمها نظرية عامة تنظم األعذار المعفية جميعها في نطاق فكرة واحدة ‪ ،‬يرى جانب‬
‫آخر أن هذه األعذار تنظمها فكرة الشرط الفاسخ الذي إذا تخلف تأكد وجود حق الدولة‬
‫في العقاب و إذا تحقق نال الحق بأثر رجعي ‪ ،‬فاعتبر كأن لم يكن و األعذار المعفية‬
‫من العق اب هي أع ذار قانوني ة يقرره ا المش رع ال القاض ي ‪ ،‬و ي ترتب علـ ـ ـــى تحققه ا‬
‫استبعاد العقوبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬أوهايبية عبد اهلل ‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري ‪ ،‬التحري و التحقيق‬
‫الطبعة ‪ ، 6‬دار هومة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2006 ،‬ص ‪ 124‬وما يليها ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫ب رغم ت وافر ش روط تطبيقه ا و لك ـ ـ ـ ـــن الع ذر المعفي ال ي ؤثر علــى ك ون الفع ل المعفـي‬
‫جريمة وال يمنع من ثمة أوجه المساءلة األخرى ‪ ،‬من مدنية أو إدارية بحسب األحوال‬
‫(‪)1‬‬
‫و يمكننا أن نالحظ على األسباب التي تحول دون اقتضاء الدولة حقها في العقاب‬
‫بأنه ا في مجموعه ا ال ترج ع إلى فع ل الج اني و ال دخ ل إلرادت ه في تحققه ا ‪ .‬كالتق ادم‬
‫و الص فح و وف اة المتهم و العف و الش امل ‪ ،‬و في مج ال األع ذار المعفي ة من العق اب‬
‫نالح ظ أنه ا في مجموعه ا _ ك ذلك _ تتص ل اتص اال مباش را ب إرادة الج اني ‪ ،‬و يتوق ف‬
‫على هـذه اإلرادة قيام العذر المعفي أو عدم قيامه ‪ .‬و بالتالي إنتاج أثره في اإلعفاء من‬
‫أو عدم تحقق هذا األثر‪.‬‬ ‫العقوبة‬
‫فالعذر المعفي موقف يتخذه الجاني ‪ ،‬أو عمل يقوم به قاصدا درء العقاب عن نفسه‬
‫و مستجيبا إلى إغراء المشرع المتمثل في اإلعفاء من العقوبة ‪ ،‬و يكون موقف الجاني‬
‫أو عمله دائما الحقا عن إرتكاب الجريمة و متصال بالكشف عنها أو عمن شارك فيها‬
‫أو بالكش ف عن جريم ة أخ رى ش ارك فيه ا أو بالكش ف عن جريم ة أخ رى مماثل ة‬
‫أو المش تركين فيه ا ‪ ،‬أو مج رد إس تجابة ألم ر ص ادر عن س لطة مختص ة بع دم التم ادي‬
‫أو اإلستمرار في إتيان السلوك المجرم ‪ ،‬و قد يرجع العذر المعفي إلى إصالح الجاني‬
‫لخطأه و جبره ما ترتب عن جريمته من ضرر ‪ ،‬بحيث يصبح العقاب على فعله أسوء‬
‫من منطق العدالة من عدم العقاب (‪. )2‬‬
‫و للتوبة أثرها في اإلعف اء من العقوبة ‪ ،‬و يقصد بها رجوع المرء عن المعصية‬
‫و ندمه عليها مع عزمه على عدم مقارفتها مرة أخرى ‪ ،‬و هي من الجهة الديني ة مكف رة‬
‫لل ذنب ماحي ة للخطيئ ة و األخ ذ بنظ ام التوب ة ‪ ،‬ي تيح الفرص ة لإلقالل من توقي ع العق اب‬
‫في ج رائم الح دود و تلتقي فك رة التوب ة في ه ذا الخص وص م ع فك رة درء العقوب ات‬
‫بالشبه ــات‬
‫في أث ر ك ل منهم ا على ح االت توقي ع العقوب ة القض ائية و الرغب ة الواض حة في الفق ه‬
‫اإلسالمـ ــي _ بعامة _ في التقليل ما أمكن من هذه الحاالت ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬سليمان عبد اهلل ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 390‬وما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬عدو عبد القادر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 386‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و التوب ة من حيث هي س بب لإلعف اء من العق اب ينص رف أثره ا إلى العقوب ة فق ط‬


‫دون أن تمتن ع أوج ه المس اءلة األخ رى عن فع ل الج اني و بخاص ة المس اءلة المدني ة ‪،‬‬
‫المتمثل ة في تع ويض من أص ابه الض رر من الجريم ة أو في رد ملك ه إلي ه ‪ ،‬كم ا أنه ا‬
‫ت وجب اإلعف اء من العقوب ة إذا ك ان الج اني يع اقب ألول م رة ‪ ،‬أم ا من تك رر وق وع‬
‫الجريمة منه فإن التوبة ال تعتبر عذرا معفيا في حقه إال إذا قدر القاضي غير ذلـك أي‬
‫أن اإلعفاء من العقوبة بسبب التوبة هو إعفاء وجوبي في المرة األولى و جوازي بعد‬
‫ذلك (‪. )1‬‬
‫إن اإلعف اء من العقوب ة المق ررة في جريم ة الحراب ة بنص الق رآن يقابل ه م ا تق رره‬
‫النظم الجنائية الحديثة من اإلعفاء من العقوبة المقررة بالنسبة للمتهمين ‪ ،‬في جرائم أمن‬
‫الدول ة وإ ن الص فح أو الص لح أو م ا يع رف في الفق ه الجن ائي اإلس المي باس م العف و‪ ،‬و‬
‫ه و س بب من األس باب الحائل ة بين الدول ة و بين اقتض اء حقه ا في العق اب و لكن ه س بب‬
‫خاص ببعض الجرائم دون بعض ‪ ،‬و ذلك على أساس كون اإلعتداء في بعض الجرائم‬
‫يق ع على ح ق اهلل _ أو ح ق الجماع ة _ فال يمل ك أح د فيه ا العف و أو يق ع على ح ق‬
‫شخص ي لف رد أو أك ثر ‪ .‬و من ثم ة يمل ك ه ؤالء العف و عن حقهم و على ذل ك فج رائم‬
‫الح دود ال ي ؤثر العف و عن الح ق في اقتض اء العقوب ة المق ررة له ا ‪ ،‬فكلم ا ثبت ارتك اب‬
‫شخص لجريمة من جرائم الحدود وجب المضي في إجراءات إقتضاء الحق في العقاب‬
‫و هو توقيع العقاب على الجاني (‪. )2‬‬ ‫حتى تنتهي إلى غايتها‬
‫و جرائم التعزير تنقسم إلى ما يجوز فيه العفو ‪ ،‬و هو ما وقع فيه اإلعتداء على‬
‫حق وق الجماع ة والعف و ج ائز في ج رائم القص اص ‪ ،‬أو الدي ة مق رر لص احب الح ق‬
‫المعت دى علي ه س واء ك ان ه و المج ني علي ه في ج رائم الج رح والض رب أو ورثت ه أو‬
‫أولياءه في جرائ ـ ــم القتل ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عدو عبد القادر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 407‬‬


‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬أوهايبية عبد اهلل ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 432‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬
‫و ب اإلطالع على م دلول البحث عن الجريم ة من خالل تقص ي مفهومه ا كيفي ات‬
‫معالجتها في التشريع اإلسالمي الذي له خصائص مستقلة عن علم اإلجرام فيما يخص‬
‫هذا الشق ‪ ،‬نجد أن علم اإلجرام والذي كان من أسسه تلك النظريات التي تدعمه سواء‬
‫من حيث الم دلول و األس س أو من حيث األس اليب المتنوع ة و المختلف ة ‪ ،‬المتبع ة حين‬
‫التقص ي عن الجريم ة ومحاول ة إيج اد الحل ول الفعال ة للقض اء عليه ا ‪ ،‬ال يتف ق على‬
‫اإلطالق م ع أحك ام الش ريعة اإلس المية فيم ا يخص معالج ة الجريم ة و القض اء عليه ا‬
‫ألن هذه األخيرة تستند إلى أسس ثابتة ربانية بعيدة عن التغيير و اإلضافة و النقص ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫أساليب البحث في علم اإلجرام‬

‫ح اول علم اء اإلج رام أن يتبع وا ع دة أس اليب و من اهج في دراس ة الظ اهرة‬
‫اإلجرامية فركزوا تارة على المجرم و ركزوا تارة أخرى على الجريمة ‪ ،‬و قد إختلفوا‬
‫في ذلك ما جعل أساليبهم في كل مرة تصد بالنقد ‪.‬‬
‫و من الحقائق التاريخية التي ال تجحد أن علم اإلجرام وليد التوفيق بين فئتين من‬
‫المعرف ة األولى هي المستخلص ة من الدراس ات األنثروبولوجي ة الجنائي ة ‪ ،‬و الثاني ة هي‬
‫المستخلصة من علم اإلجتماع الجنائي ‪ ،‬و قد إنصرفت الفئة األولى من الدراسات إلى‬
‫شخص المجرم ‪ ،‬بينما إنصرفت الفئة الثانية إلى المشاكل اإلجتماعية للجريمة و يرجع‬
‫الفضل إلى الفقيه األلماني " فون لست "‪ ،‬الذي كان أول من ن ادى بتوحي د المنهج العلمي‬
‫في مج ال دراس ات علم اإلج رام لكي يض م كال من األنثروبولوجي ا الجنائي ة و االجتم اع‬
‫الجنائي ‪ .‬و قد دعم وجهة نظره هذه ب إبراز الحقيقة المركبة للجريم ة فهي من ناحية‬
‫حدث في حياة الفرد ‪ ،‬و من ناحية أخرى حدث في حياة الجماعة لهذا يجب الجمع بين‬
‫الحدثين في دراسة واحدة ‪ ،‬حتى و لو اختلف منهج دراسة كل منهما (‪. )1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬الصيفي عبد الفتاح ‪ _ ،‬زكي أبو عامر محمد ‪ ،‬علم اإلجرام و العقاب ‪ ،‬دون طبعة‬
‫دار المطبوعات الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 1998 _1997 ،‬ص ص ‪. 75_74‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل األول ‪........................................................................‬اإلطار العام لعلم اإلجرام‬
‫و لكن هناك من يرى أن لكل من األنثروبولوجيا الجنائية و علم االجتماع الجنائي‬
‫إستقالله التام عن اآلخر و ذلك إلختالف موضوع كل منهما ‪ ،‬و هناك من خلص إلى‬
‫القول أن الجمع بين الفئتين من المعرفة يالءم التكوين المزدوج للجريمة كسلوك فردي‬
‫و كظ اهرة إجتماعية ‪ ،‬و هو ما يرتب ازدواج موضوع ه ذا العلم دون أن يتعارض و‬
‫يجعل من الدراسة متكاملة (‪. )1‬‬
‫و علم اإلج رام يتن اول البحث في ن واح متع ددة تتعل ق بالفع ل اإلج رامي و المج رم‬
‫في درس ه ذا العلم الجريم ة كظ اهرة اجتماعي ة قانوني ة و ي درس المج رم و الظ روف‬
‫المختلفة التي أحاطت بالموقف اإلجرامي سواء كانت ظروف داخلية متعلقة بشخصية‬
‫أو ظروف خارجية بيئية تحيط به و تهدف تلك الدراسة إلى بيان العالقة بين‬ ‫المجرم‬
‫تلك الظروف بالجريمة و إلى تصنيف المجرمين وفقا لذلك‪.‬‬
‫و بع د تحدي د دور علم اإلج رام ي أتي دور البحث في ه ذا العلم و الوس ائل المختلف ة‬
‫التي تتبع من أجل تحقيق الحقائق العلمية حول الجريمة و المجرم ‪.‬‬
‫و الواق ع أن من اهج البحث تختل ف و الموض وعات ال تي تعالجه ا طبق ا إلختالف‬
‫العل وم والموض وعات ال تي تعالجه ا و لق د ب دأ المنهج التجري بي ال ذي يعتم د على‬
‫و المش اهدة يش ق طريق ه في مج ال العل وم الطبيعي ة و في مج ال‬ ‫المالحظ ة‬
‫الظ واهر االجتماعي ة المختلف ة و منه ا الجريم ة كظ اهرة إجتماعي ة فنش أ علم اإلج رام و‬
‫طرأ حديثا تقدم علمي في مناهج البحث يساعد على إيجاد وسائل عدة للتغلب على هذه‬
‫الصعوبات التي أفرزتها النتائج التجريبية في تفسير الوقائع المختلفة‪.‬‬
‫و في هذا المطلب ‪ ،‬سنتناول أسلوب اإلحصاء من خالل الفرع األول ‪ ،‬ثم نتناول‬
‫أس لوب البحث من خالل الف رع الث اني ‪ ،‬و من خالل الف رع الث الث أس لوب المس ح‬
‫اإلجتماعي ‪ ،‬وأخيرا أسلوب المالحظة من خالل الفرع الرابع ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬الصيفي عبد الفتاح ‪ _ ،‬زكي أبو عامر محمد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 26‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬
‫الفرع األول‬
‫أسلوب اإلحصاء‬

‫يعت بر األس لوب اإلحص ائي من أهم ط رق البحث في دراس ة الجريم ة وأول وسيلـة‬
‫إس تخدمت في دراس تها ‪ .‬إن اإلحص اء يع ني البحث عن ظ اهرة معين ة باألرق ام ‪ ،‬و ل ه‬
‫أهمي ة كب يرة فيم ا يتعل ق بدراس ة الظ اهرة اإلجرامي ة حيث ي بين لن ا ع دد الج رائم ال تي‬
‫إرتكبت في س نة معين ة و توزي ع ه ذا الع دد على أن واع الج رائم المختلف ة ‪ ،‬و م دى‬
‫اإلرتباط بين عدد الجرائم والظروف البيئية المختلفة ‪ ،‬كتغير الفصول ودرجة التعليم و‬
‫الحالة االقتصادية كما يفيد اإلحصاء الجنائي في المقارنة بين المجرمين و غيرهم ممن‬
‫يعيش ون في نفس الظ روف ‪ ،‬و ذل ك لتحدي د العوام ل الفردي ة ال تي أدت به ؤالء دون‬
‫اآلخرين إلى طريق الجريمة (‪. )1‬‬
‫و الحقيقة أن العلماء ال يتفقون حول أهمية اإلحصاءات فمنهم من يعطيها أهمية‬
‫كبرى و يقول مثل " سيلين" أن اإلحصاءات هي مرآة الجريمة ‪ ،‬و منهم من يرى مثل‬
‫رؤوف عبيد أنها ال تصلح إال لتكوين فكرة تمهيدية أو عامة عن النشاط اإلجرامي في‬
‫منطقة ما و في وقت ما (‪. )2‬‬
‫و قد ك ان اإلحص اء أول طريق ة اس تخدمت في مج ال دراس ات الظ اهرة اإلجرامي ة‬
‫على ي د الع الم الفرنس ي"ج يري" ‪ ،‬ال ذي أص در ع ام ‪ 1833‬أول كت اب متخص ص في‬
‫الظاهرة اإلجرامية ‪ ،‬لجأ فيه إلى دراسة إحصائيات الجريمة في فرنسا ‪ ،‬و تولى على‬
‫ضوئها تحليل أثر كل من الجنس و السن و الحرفة و المستوى الثقافي و تقلب ات الطقس‬
‫على الجريم ة كم ا تص دى لألس باب االجتماعي ة و البيولوجي ة لإلج رام ‪ ،‬كم ا إس تخدم‬
‫العالم البلجيكي " كيتيلية" اإلحصائيات الفرنسية في دراساته الجنائية التي بدأها منذ عام‬
‫‪1835‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬الصيفي عبد الفتاح ‪ _ ،‬زكي أبو عامر محمد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 29‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬

‫‪31‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و ع الج فيه ا على أس اس إحص ائي أث ر بعض العوام ل الطبيعي ة في الجريم ة ك الطقس‬
‫و الظروف اإلقتصادية و الذكورة و األنوثة و السن ‪ ،‬كما قسم المجتمعات تبعا للجنس‬
‫والس ن والنض وج العقلي إلى ع دة فئ ات من حيث الس لوك اإلج رامي ‪ ،‬و أخـص منه ا‬
‫ما يميز نتائج دراسات هذا العالم البلجيكي أنه اعتمد على قانون األعداد الضخمة في‬
‫تفسيره لجميع ظواهر الحياة اإلجتماعية و قد خلص منها إلى إعتبار الجريمة " واقعة‬
‫شعبية " ال مجرد واقعة فردية و بهذا " كيتيلية " و قد أحل معيار " الحساب اإلحصائي‬
‫"‪ ،‬و قوام ه اإلنس ان المتوس ط مح ل معي ار" الخص ائص البيولوجي ة الواقعي ة" كم ا إهتم‬
‫باإلحصاء علماء اإلجرام األمريكيين فاستخدموه في العديد من دراساتهم المتصلة بعلم‬
‫اإلجرام و أيضا العالم الهولندي " بونجر " (‪. )1‬‬
‫ورغم أن الكثير من الباحثين اتخذوا اإلحصاء مصدرا ينطلقون منه ‪ ،‬فهو يجد فيه‬
‫المادة الخام الضرورية لنشاطه و التي دونها ال يستطيع تكوين فكرة مسبقة ‪ ،‬تكون له‬
‫بمثاب ة فرض ية البحث ح ول تط ور ظ اهرة اإلج رام في زمن م ا كم ا أو نوع ا ‪ ،‬إال أن‬
‫هن اك من ينبهن ا إلى أن نت ائج اإلحص اء في فرنس ا مثال ال تس قط على دول ة أخ رى‬
‫فالعوامل الدافعة إلرتكاب جريمة ما ‪ ،‬كاإلجهاض في الجزائر ليست هي في فرنسا و‬
‫رغم أهمي ة ه ذا الن وع من اإلحص اء ‪ ،‬إال أن الكث ير من الب احثين يفض لون االس تعانة‬
‫بالمعلوم ات ال تي تق دمها لهم محاض ر الش رطة و ال درك ألنه ا األق رب إلى الواق ع و‬
‫بالنسبة للجزائر فاإلحصاءات الموجودة أهمها إحصاء وزارة العدل و إدارة السجون و‬
‫وزارة الداخلية (‪. )2‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫أسلوب البحث‬

‫تكتس ي البح وث على الص عيد العملي أش كاال متنوع ة‪ ،‬فق د يتن اول البحث دراس ة‬
‫وثائق‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬الصيفي عبد الفتاح ‪ _ ،‬زكي أبو عامر محمد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪.84_83‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫في محكمة أو مصلحة إدارية ‪ ،‬و قد يتمثل في مقابلة و إستجواب أشخــاص و الحقيقة‬
‫أن دراسة من هذه الدراسات لن تأتي بفعاليتها ما لم تكن مرفقة بأدلة ملموسة و دراسة‬
‫معمق ة للقض ايا الجزائي ة لف ترة زمني ة طويل ة ‪ ،‬ه ذا بالنس بة للبحث س واء على مس توى‬
‫المح اكم أو على مس توى اإلدارات ك إدارة الجم ارك أو مفتشية األس عار ‪ ،‬كم ا قد يك ون‬
‫البحث منص با على أح د األش خاص أوجماع ة معين ة لف ترة زمني ة طويل ة ق د تمت د طيل ة‬
‫ف ترة حي اتهم فتس جل الخاص يات الفردي ة وق د يوك ل لك ل ب احث تتب ع أح د األف راد ‪ ،‬من‬
‫أج ل معرف ة عالق ة خصائص ه م ع الس لوك اإلج رامي ‪ ،‬و ق د اش تهر به ذا الن وع من‬
‫البحوث السيد و السيدة " قلوك " في أمريكا و الدكتور "هوير" في فرنسا (‪. )1‬‬
‫كما أن أسلوب االستجواب و المقابلة هما أسلوبين للبحث خصوصا بالنسبة للجرائم‬
‫التي لم يصل علمها للسلطات العمومية كاإلجهاض و الدعارة‪ ...‬فهذا النوع من الج رائم‬
‫ال يصل إليه إال عن طريق إجراء مقابالت و القيام باالستجواب ش رط أن يتم في سرية‬
‫تامة و شرط التحلي بالصبر (‪. )2‬‬
‫و به ذا فاإلس تجواب يعت بر وس يلة من وس ائل المالحظ ة ال تي يق وم عليه ا المنهج‬
‫التجري بي به دف جم ع بيان ات و حق ائق تتعل ق بالظ اهرة اإلجرامي ة ‪ ،‬و هي وس يلة‬
‫تستعمل في جمع البيانات و قياس االتجاهات حول مشكلة معينة عن طريق توجيه عدة‬
‫أس ئلة إلى األف راد مح ل البحث م ع منحهم الفرص ة لإلجاب ة عليه ا في غ ير حض ور‬
‫الب احث و دون تدخل ه ‪ ،‬و تص اغ ه ذه األس ئلة في إس تمارة تس لم بالي د أو ترس ل عن‬
‫طري ق البري د و يتوق ف نج اح ه ذه الطريق ة على نوعي ة األس ئلة المقدم ة و على كف اءة‬
‫الباحث ‪ ،‬إال أنه يعيبها إمتناع بعض األفراد عن اإلجابة عن كل األسئلة أو بعضها أو‬
‫الرد بإجابات غير صادقة كما يعيبها أيضا استبعاد األميين الذين ال يق رؤون وال يكتب ون‬
‫من مجالها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 35_34‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 37‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫أم ا المقابل ة فهي تختل ف عن أس لوب اإلس تجواب ‪ ،‬إذ يتص ل الب احث ب األفراد مح ل‬
‫الدراسة مباشرة و تتحقق هذه الوسيلة عن طريق توجيه عدة أسئلة من الب احث مباش رة‬
‫إلى الف رد أو األف راد مح ل الدراس ة ‪ ،‬و ق د يكتفي الب احث بمقابل ة واح دة و ربم ا يحت اج‬
‫األمر إلى تكرار هذه المقابلة ‪ ،‬و تبدو أهمية هذه الوسيلة إذا نجح الباحث في كس ب ثق ة‬
‫هؤالء األفراد بحيث يدلون تلقائيا بمعلومات قد يصعب الحصول عليها بطريق آخر (‬
‫‪. )1‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫أسلوب المسح االجتماعي‬

‫يقص د بالمس ح االجتم اعي تجمي ع الحق ائق عن الظ روف اإلجتماعي ة في بيئ ة‬
‫ما أو عن ظاهرة معينة في مجتمع معين ‪ ،‬و في نطاق علم اإلجرام تعتني هذه الوسيلة‬
‫بتجمي ع المعلوم ات عن طائف ة خاص ة ب المجرمين ‪ ،‬كالمتش ردين أو الم دمنين على‬
‫المخ درات أو ال دعارة ‪ ،‬و ذل ك خالل ف ترة معين ة أو في وس ط إجتم اعي معين كحي‬
‫شعبي أو في فصل تشتد فيه الحرارة ‪. )2( ...‬‬

‫و قد تكون الظروف خاصة بمدينة أو منطقة محددة ‪ ،‬سواء كانت ساحلية أو جبلية‬
‫أو صحراوية ‪ ،‬و بهذا فالمسح قد يشمل كل الجوانب موضوع الدراسة بما فيها الجانب‬
‫اإلجرامي ما يعطي للبحث فائدة هي تفسير العوامل الدافعة للجريمة بمصداقية أكثر ألن‬
‫ه ذا األخ ير ي أتي بع د وض ع الجريم ة في إطاره ا الط بيعي ال ذي نش أت و تحققت في ه (‬
‫‪. )3‬‬
‫و يس تعين الب احثون في إج راء المس ح اإلجتم اعي‪ ،‬بوس ائل متع ددة كاإلس تجواب‬
‫و دراسة الحالة و المقابلة ‪ ،‬و المسح اإلجتماعي قد يمكن إجراؤه من خالل زاويتين ‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬محمد صبحي نجم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬محمد صبحي نجم ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 38 _ 37‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫_ الزاوية األولى ‪:‬‬


‫متعلقة بمسح الجريمة و تتعلق بدراسة المجتمعات المختلفة لتحديد أنواع الجرائم‬
‫التي تقع فيها و مدى كثافتها بصفة عامة ‪.‬‬
‫_ الزاوية الثانية ‪:‬‬
‫تتعلق بالمسح اإليكولوجي أو دراسة البيئة ‪ ،‬و تعني دراسة أماكن إقامة المجرمين‬
‫و تقسيمها إلى مناطق حسب نوع الجريمة ‪ ،‬و محاولة ربط هذه المناطق بأنواع معينة‬
‫مـن الجرائم بهدف الكشف عن المناطق التي يتكاثر فيها المجرمون و الظروف المختلفة‬
‫التي تحيط بهم و بسلوكهم اإلجرامي (‪. )1‬‬

‫الفرع الرابع‬
‫أسلوب المالحظة‬

‫إن المالحظة في علم اإلجرام لها أهمية خاصة إذ أنها من أكثر الوسائل إستعماال‬
‫في الدراسات اإلجرامية بالنظر إلى طبيعتها الخاصة ‪ ،‬و هي على ثالثة أنواع مالحظة‬
‫الحاالت الفردية و مالحظة مجموعة من الحاالت و مالحظة اإلحصاءات الجنائية‪.‬‬
‫و يتناول في مالحظة الحاالت الفردية الباحث بالدراسة فردا معينا لتفسير ظاهرة‬
‫اإلجرام بالنسبة له ‪ ،‬و تقوم هذه الطريقة على الدراسة التفصيلية لمجرم معين و كل ما‬
‫يحيط بشخصيته و الظروف التي وجهت مسار حياته ‪ ،‬و يلجأ الباحث في هذه الحالة‬
‫للحصول على المعلومات إلى الفرد نفسه عن طريق المقابالت التي يجريها معه أو مع‬
‫أقرب اءه و زمالءه في العم ل ‪ ،‬أو من تربط ه بهم ص لة ص داقة و قراب ة في الحاضـر‬
‫و الماضي و قد يستدعي البحث إجراء بعض الفحوص العضوية و النفسية مستعينا في‬
‫ذل ك بأه ل التخص ص (‪ . )2‬و ل و أن ه ذا األس لوب يعت بر مهم ا في الدراس ات‬
‫اإلجرامي ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬محمد صبحي نجم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 38_37‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫إال أن الباحث هنا ال يجب أن يتسرع في تعميم نتائجها قبل أن يتحقق من مدى عمومها‬
‫و إطالقها بدراسة غيرها من الحاالت المماثلة أو المغايرة لها ‪.‬‬
‫و ق د يلج أ الب احث إلى دراس ة مجموع ات من الح االت المماثل ة ‪ ،‬أي مجموع ة من‬
‫الح االت الفردي ة ال تي تتماث ل في بعض العناص ر والخص ائص أو تش ترك في أح د‬
‫المواقف ذات األهمية من الناحية اإلجرامية و هذه الحالة تختلف عن دراسة الحاالت‬
‫الفردية ‪.‬‬
‫و اله دف من مالحظ ة المجموع ات المتماثل ة من الح االت ‪ ،‬ه و محاول ة معرف ة‬
‫الصلة بين العناصر أو الخصائص المشتركة ‪ ،‬واإلجرام الذي تمثله هذه المجموع ات ثم‬
‫التوصل بعد ذلك إلى قواعد عامة تصدق على إجرام المجموعة محل الدراسة و على‬
‫غيرها من الحاالت المماثلة ‪.‬‬
‫و هن اك أيض ا حال ة مالحظ ة اإلحص ائيات الجنائي ة ال تي تعت بر وس يلة من وس ائل‬
‫المالحظ ة الش املة للظ اهرة اإلجرامي ة ‪ ،‬و يع بر عنه ا تعب يرا رقمي ا و يربطه ا إحص ائيا‬
‫بغيرها من الظواهر و الظروف االجتماعية و الفردية (‪. )1‬‬
‫و هن اك من يش ير إلى أن المالحظ ة في علم اإلج رام تتلقى ع دة ص عوبات على‬
‫غ رار المالحظ ة في العل وم التجريبي ة ‪ ،‬فه ذه األخ يرة في الجزائ ر تالقي جمل ة من‬
‫الض غوط اإلجرائي ة كص عوبة مالحظ ة المحبوس ين و األح داث المحك وم عليهم ‪ ،‬و‬
‫صعوبة اإلطالع على كل الملفات القضائية ‪ ،‬ما يجعل هذا كله مؤثرا من الناحية الكمية‬
‫و النوعي ة على النت ائج المرج وة ‪ .‬ه ذا باإلض افة إلى ص عوبة مالحظ ة المج رم قب ل‬
‫ارتكاب جريمته مباشرة على إعتبار أنها الفترة األهم التي تبين صراع الفرد مع ذاته و‬
‫تغلب أمام دوافع الجريمة ألنها غالبا ما ترتكب في الخفاء و بعيدا عن األعين (‪. )2‬‬
‫و أخ يرا يمكن اإلش ارة إلى أن ه لك ل من أس اليب البحث في علم اإلج رام أهمي ة‬
‫قصوى في إفادة هذا العلم رغم ما لها من عيوب إال أن تضافرها و الجدية في تطبيقها‬
‫يجعل من الممكن الوصول إلى نتائج يمكن االستدالل بها عن الدوافع التي تجعل األفراد‬
‫يرتكبون الجرائم ‪ ،‬و ال يجب تغليب أحدها على اآلخر ألنها كلها على ق در مت وازن من‬
‫األهمية ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 42_41‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 41‬‬
‫‪36‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫المبحث الثاني‬
‫المدارس التي حاولت تفسير الظاهرة اإلجرامية‬

‫إن الظاهرة اإلجرامية لم تبدأ دراستها إال من وقت قريب و على وجه التحديد في‬
‫النص ف الث اني من الق رن التاس ع عش ر‪ ،‬و من ذ ب دأ البحث في أس باب الجريم ة يكتس ب‬
‫الطابع العلمي المنهج توالت نظريات عديدة تفسر السلوك اإلجرامي و لم يتفق العلماء‬
‫على رأي موحد نتيجة توجهاتهم المختلفة ‪)1( .‬‬
‫وفي هذا المبحث ‪ ،‬سنتناول بالشرح المدارس البيولوجية من خالل المطلب األول‬
‫ثم نتن اول الم دارس االجتماعي ة من خالل المطلب الث اني ‪ ،‬و أخيرا الم دارس التكاملية‬
‫من خالل المطلب الثالث‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫المدارس البيولوجية‬

‫إن المدرس ة البيولوجي ة ك ان من أهم رواده ا لم بروزو‪ ،‬ال ذي أس س أهم دع ائم‬


‫اإلتجاه ئالبيولوجي في تفسير السلوك اإلجرامي‪ ،‬و قد جاء في هذه المدرسة علماء كثر‬
‫أضافوا لها العديد من الدعائم "كأرنست هوتون" و دي تيليو" و " فرويد " و استأثروا‬
‫بأفكار جديدة ميزتهم عن بعضهم ‪.‬‬
‫و في ه ذا المطلب ‪ ،‬س نتناول نظري ة لم بروزو من خالل الف رع األول ‪ ،‬ثم نتن اول‬
‫نظري ة هوت ون من خالل الف رع الث اني ‪ ،‬و أخ يرا نظري ة دي تيلي و المدرس ة البيولوجي ة‬
‫الحديثة من خالل الفرع الثالث ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ج دير بال ذكر في ه ذا الص دد ‪ ،‬إلى أن الدراس ات ذات الص لة ب البحث في أس باب الظ اهرة‬
‫اإلجرامية لم تكتس الطابع العلمي إال بعد قيام الثورة العلمية في مجال العلوم اإلجتماعية ‪ ،‬و التي‬
‫تزامنت مع الثورة العلمية التي ش بت في مجال العلوم الطبيعية ‪ ،‬و قد أفرزت هذه الثورات تعدد‬
‫العل وم ال تي تهتم بالس لوك اإلج رامي ‪ ،‬و إختالف ا واض حا في وجه ات النظ ر و تباينه ا ح ول تحدي د‬
‫عوامل الظاهرة اإلجرامية و أسبابها و دوافعها ‪ .‬لمزيد من التفصيل ‪ ،‬أنظر ‪James William _ :‬‬
‫‪Coleman Coleman and Donald R, third edition , new york harper , Cressey , Social‬‬
‫‪.problems and Ro , pblishers , p 406‬‬
‫‪37‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫الفرع األول‬
‫نظرية لمبروزو‬

‫إن زعيم المدرسة األنثروبولوجية اللومبروزية أو المدرسة اإليطالية هو" شيزاري‬


‫لوم بروزو" ال ذي وض ع لبن ات حقيقي ة لالتج اه ال بيولوجي في تفس ير الس لوك اإلج رامي‬
‫هذا األخير بدأ حياته طبيبا في الجيش اإليطالي ‪ ،‬و كان اختصاص يا في الطب الشرعي‬
‫ما أتاح له إجراء العديد من البحوث و دراسات في المؤسسات العقابية و على جماجم‬
‫المجرمين الذين نفدت عليهم عقوبة اإلعدام ‪)1( .‬‬
‫و يق ال أن ه تمكن في حيات ه من فحص ‪ 383‬جمجم ة للمج رمين باإلض افة‬
‫إلى ‪ 5907‬من المجرمين األحياء ‪ ،‬و قد أكمل لمبروزو هذه األبحاث بإجراء مقارنات‬
‫م ع الجن ود و تالمي ذ الم دارس للتحق ق من ص حة المالحظ ات ال تي توص ل إليه ا ‪ ،‬و ق د‬
‫أعد نظرية عن النموذج اإلجرامي و التي سميت فيما بعد بنظرية " المجرم بالميالد " و‬
‫رب ط فيه ا بين المج رم و الحي وان (‪ ، )2‬و أعلن أن المج رم يتم يز بطائف ة من أوج ه‬
‫الش ذوذ الجس ماني ‪ ،‬ال تي تفس ر بانتمائ ه إلى عص ور م ا قب ل الت اريخ اإلنس اني ‪ ،‬فه و‬
‫إنسان بدائي ال ينتمي بتكوينه العضوي أو النفسي إلى المجتمع الذي يعيش فيه (‪ ، )3‬و‬
‫من ثم ة فه و يتص ف تص رفات تنتمي إلى الماض ي الس حيق و ال تتف ق م ع م ا يفرض ه‬
‫المجتم ع الح ديث من قيم و تقالي د ‪ ،‬و رأى لم بروزو في ه ذا الش ذوذ تفس يرا لكث ير من‬
‫تصرفات المجرمين التي تبدو لنا شاذة و غريبة ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر‪ _ :‬مهن د ولي د إس ماعيل الح داد ‪ ،‬دور الم دارس البيولوجي ة ( العض وية ) في تفس ير‬
‫الظ اهرة اإلجرامي ة ‪ ،‬دراس ات العل وم اإلنس انية و اإلجتماعي ة ‪ ،‬المجل د ‪ ، 46‬الع دد ‪ ، 2‬ملح ق ‪، 1‬‬
‫كلية الحقوق جامعة الزرقاء ‪ ،‬األردن ‪ ، 2019 ،‬ص ص ‪. 17 _ 16‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر ‪ _ :‬الس يد رمض ان ‪ ،‬الجريم ة و اإلنح راف من المنظ ور اإلجتم اعي ‪ ،‬المكتب الج امعي‬
‫الحديث ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 1985 ،‬ص ص ‪. 75 _ 74‬‬
‫(‪ )3‬أنظ ر‪ _ :‬حس نين إب راهيم ص الح عبي د ‪ ،‬الوج يز في علم اإلج رام و علم العق اب ‪ ،‬دار النهض ة‬
‫العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1978 ،‬ص ‪ ، 37‬و أنظر في ذلك أيضا ‪ _ :‬علي عبد القادر القهوجي ‪ ،‬علم‬
‫اإلج رام وعلم العق اب ‪ ،‬ال دار الجامعي ة للطباع ة و النش ر ‪ ،‬دون نش ر ‪ ،‬ب يروت ‪ ،‬ص ص ‪، 40‬‬
‫‪. 42‬‬
‫‪38‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و قد أجرى لمبروزو بحوثا الحقة قرر على إثرها أن هناك صلة بين اإلجرام‬
‫و بين الخلل العضوي أو العيب النفساني في المجرم ‪ .‬من فحصه لمجرم اشتهر بج رائم‬
‫العن ف و ال دم ه و الجن دي " مس يدا "‪ ،‬اكتش ف لدي ه خص ائص تش به خص ائص الص رع‬
‫أو التش نجات العص بية (‪ ، )1‬و ق د ق اده ه ذا االكتش اف إلى تع ديل نظريت ه مق ررا أن‬
‫اإلجرام يعد صورة أو نوعية من الصرع تدفع المجرم إلى إرتكاب أفعال عنيفة و مع‬
‫ذل ك ظلت الفك رة األساس ية ل دى لم بروزو هي وج ود نم وذج إج رامي بش ري يتم يز‬
‫بخص ائص جس دية و نفس ية تجع ل من غ ير الممكن مس اءلته ب أي ن وع من المس ؤولية‬
‫ولكن إنتف اء المس ؤولية ال يع ني انع دام خطورت ه بالنس بة للمجتم ع ‪،‬‬ ‫األخالقي ة‬
‫ومن ثم ة يتعين اس تبعاده بطريق ة أو ب أخرى ومن ه ذه األفك ار ول دت المدرس ة‬
‫األنثروبولوجية أو المدرسة اإليطالية ‪.‬‬
‫و رغم رواج هذه النظرية إال أنها القت نقدا كبيرا (‪ )2‬دفع لمبروزو إلى الرجوع‬
‫عن ح دة أفك اره ‪ ،‬و من بين اإلنتق ادات الموجه ة لنظريت ه أن الق ول ب اإلختالف بين‬
‫الشخص العادي والمجرم ينقصه الدليل العلمي والتعميم الذي وصل إليه بوجود شذوذ‬
‫في التكوين العضوي و النفسي للمجرمين تعميم في غير محله ‪ )3( .‬كما أن لمبروزو‬
‫ق د ب الغ في إظه ار العي وب الجس دية ‪ ،‬و ليس من الث ابت أن ك ل من بهم عي وب جس دية‬
‫يرتكب ون الج رائم ‪ ،‬كم ا أن قول ه بتش ابه المج رم واإلنس ان الب دائي في ه مغالط ة فه و ال‬
‫يعرف سمات اإلنسان البدائي ‪ ،‬وهذا القول يعني أن المجتمع البدائي كان ال يضم إال‬
‫مجرمين (‪ )4‬ثم إن أول خلق على األرض كان سيدنا آدم عليه السالم و قد خلق في‬
‫أحسن تقويم ؟‬
‫كم ا أن الق ول ب أن للوراث ة دور في نق ل عوام ل اإلج رام ‪ ،‬ال يع ني أن الش خص‬
‫المعني سوف يكون مجرما و إنما فيه ميل موروث للجريمة ال يفضي إلى ارتكابها إال‬
‫إذا اقترنت به عوامل معينة و هذا الميل قد يكتسب بعد الميالد ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر ‪ _ :‬رؤوف عبي د ‪،‬أص ول علمي اإلج رام والعق اب ‪ ،‬الق اهرة ‪ ،1977،‬ص ص‬
‫‪.79،80،82‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر ‪Frank hagan , research methods in criminal justice and criminology , New _ :‬‬
‫‪. York , milan , 1982 , p 21‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ :‬عبد القادر القهوجي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 46 ، 42‬‬
‫(‪ )4‬أنظ ر‪ :‬محم ود نجيب حس ني ‪ ،‬دروس في علم اإلج رام و علم العق اب ‪ ،‬دار النهض ة العربي ة‬
‫القاهرة ‪ ، 1988 ،‬ص ‪. 44‬‬
‫‪39‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬
‫و ق د أخ ذ علي ه إنك اره الت ام ل دور البيئ ة و الظ روف اإلجتماعي ة في نش أة الجريم ة‬
‫و ل و أن ه تراج ع عن ه ذا في كتاب ه الص ادر في ‪ 1899‬بعن وان " الجريمـة األسبــاب‬
‫و العالج " ‪ ،‬حيث إع ترف ب دور العوام ل البيئي ة و الظ روف اإلجتماعي ة في تك وين‬
‫شخصية الفرد و من ثمة في الدفع إلى اإلجرام ‪.‬‬
‫كم ا إنتق دت نظري ة لم بروزو ‪ ،‬ال تي تق ول بفك رة المج رم ب الفطرة أو الميالد ‪ ،‬فق د‬
‫قي ل أن اإلدع اء بوج ود مثل ه ذا المج رم ال يس تقيم م ع مفه وم الجريم ة بإعتباره ا فك رة‬
‫نسبية تتغير من مجتمع إلى آخر و في المجتمع الواحد من عصر إلى عصر ‪ ،‬فالقول‬
‫بوج ود مج رم ب الفطرة يقتض ي التس ليم بوج ود فع ل يعت بر جريم ة ب الفطرة و ه و م ا ال‬
‫يمكن عقال اإلدع اء ب ه ‪ ،‬إذ أن الجريم ة خل ق ق انوني يتغ ير بتغ ير الظ روف ال تي دفعت‬
‫بالمش رع إلى تج ريم فع ل م ا ‪ .‬و من ثم ة ففك رة الجريم ة ال تثبت على ح ال بحيث ال‬
‫يسوغ عقال التسليم بأن من تتوافر به أوصافا معينة يكون نزاعا على س بيل الحتم إلى‬
‫ارتكاب أفعال قد تكون مجرمة وقت ارتكابها و قد ال تكون كذلك ‪.‬‬
‫و م ع ذل ك نالح ظ أن ه ذا النق د ال مح ل ل ه إال بالنس بة لطائف ة الج رائم ال تي تتغ ير‬
‫تبعا لظروف الزمان و المكان ‪ ،‬أو ما نطلق عليه الجرائم اإلصطناعية التي تستند إلى‬
‫إرادة المشرع ‪ .‬و من ثمة ال مجال له بالنسبة لطائفة الجرائم الطبيعية و قد تكون هي‬
‫التي عناها لمبروزو عندما سلم بفكرة المجرم بالميالد (‪. )1‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫نظرية هوتون‬

‫حاول " أرنست هوتون " تأكيد نظرة " لومبروزو" فأجرى دراسة على أربعة عشر‬
‫ألفا من المجرمين الذين أدانهم القضاء و أودعوا السجن و دور اإلصالح ‪ ،‬و أكمل ه ذه‬
‫الدراس ة ب إجراء دراس ة أخ رى على مجموع ة من غ ير المج رمين‪ ،‬وخلص إلــى أن‬
‫المجرميـ ــن‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 55‬و ما يليها ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫يتم يزون بخل ل في تك وينهم الجس دي س ماه " باالنحط اط الجس ماني الم وروث " و ه ذا‬
‫االنحطاط له أنواع مختلفة باختالف المجرمين ‪.‬‬
‫و الحقيقة أن ما خلص إليه هذا األخير من نتائج تشير إلى تأثره الشديد بما جاء به‬
‫لوم بروزو‪ ،‬و ق د أخ ذ علي ه اعت داده بطائف ة المج رمين الموج ودين في الس جون و دور‬
‫اإلص الح و ه ؤالء ال يمثل ون ك ل المج رمين ‪ .‬كم ا أن ه أك د أن الص فات الخاص ة‬
‫ب المجرمين ترج ع إلى عام ل الوراث ة دون غ يره‪ ،‬و لم يق دم دليال على ذل ك ‪ ،‬و أغف ل‬
‫تأثير العوامل البيئية و الظروف االجتماعية التي صاحبت نشأت هؤالء المجرمين ‪.‬‬
‫كم ا أن ه إكتفى بالجريم ة ال تي ك انت س ببا في دخ ول المج رم المؤسس ة العقابي ة‬
‫الستخالص الصفات المميزة للطوائف المجرمة ‪ ،‬و أهمل إمكانية أن يكون هذا المجرم‬
‫محك وم علي ه في ج رائم أخ رى وهي ن وع من الج رائم م درج في طوائ ف أخ رى غ ير‬
‫التي إعتد بها هوتون (‪. )1‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫نظرية دي تيليو المدرسة البيولوجية الحديثة‬

‫نظرية دي تيليو في تفسير السلوك اإلجرامي تعد من أشهر النظريات البيولوجية‬


‫الحديث ة في علم اإلج رام و تس مى ب " نظري ة التك وين اإلج رامي " ‪ ،‬و جوهره ا أن ه‬
‫هناك بعض األفراد لديهم إستعداد أو ميل إلى الجريمة ال يتوافر لدى غيرهم و أن هذا‬
‫اإلس تعداد أو المي ل إلى اإلج رام ال يفض ي إلى الجريم ة بذات ه ‪ ،‬ب ل يل زم لكي تنش أ‬
‫الجريمة أن توجد مثيرات خارجية منبهة أو كاشفة عن نزعتهم اإلجرامية و االستعداد‬
‫أو الميل إلى الجريمة أو ما أطلق عليه دي تيليو " التكوين اإلجرامي " ‪.‬‬
‫ه ذا األخ ير ال ذي يختل ف ب اختالف المج رمين ‪ ،‬و من ثم ة يك ون اإلج رام س لوكا‬
‫يكش ف عن شخص ية ص احبه وال يمكن تفس ير الجريم ة إال بفحص شخص ية المج رم و‬
‫كل ما يتعلق بهاو اإلحاطة بكافة جوانبها ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 63‬‬
‫‪41‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و إذا ك انت الجريم ة عب ارة عن تفاع ل يح دث بين نفس ية اإلنس ان و بين الظ روف‬
‫ال تي تواجه ه في الع الم الخ ارجي‪ ،‬ف إن ه ذا التفاع ل م ا ك ان ليح دث نتيجت ه ال تي ح دثت‬
‫أي الجريم ة ل و لم يكن ل دى المج رم إس تعداد س ابق لإلج رام ال يت وافر ل دى غ يره من‬
‫األفراد بدليل أن الظروف الخارجية التي تثير نزعة اإلجرام فيمن لديه إستعداد سابق له‬
‫و تفض ي بالت الي إلى الجريم ة ال تح دث األث ر نفس ه بالنس بة لألش خاص الع اديين ال ذين‬
‫يتعرضون مثل المجرم للظروف ذاتها ‪.‬‬
‫و خالصة هذه النظرية في تفسير السلوك اإلجرامي ‪ ،‬أن اإلجرام مرجعه إستعداد‬
‫سابق لدى الشخص توقظه عوامل خارجية تطغى على العوامل المانعة فتتولد الجريمة‬
‫في الواقع ‪.‬‬
‫و قد لقيت نظرية " ديتيليو" قبوال في إيطاليا ‪ ،‬حيث أيدها كثير من علماء اإلجرام‬
‫و ك ل م ا قي ل من آراء الحق ة في تفس ير الس لوك اإلج رامي ال يخ رج في مض مونه عن‬
‫نظري ة التك وين اإلج رامي ‪ ،‬و ل و أن ه ق د أخ ذ عليه ا تمس كها المطل ق بفك رة التك وين‬
‫أو اإلستعداد المطلق لدى كافة المجرمين ‪ ،‬ألنه هناك بعض الجرائم‬ ‫اإلجرامي‬
‫ترتكب وال يمكن أن نقول أنه هناك إستعداد أو تكوين إجرامي لفاعلها كجريمة إغفال‬
‫التبليغ عن مولد طفل ‪.‬‬
‫كما يؤخذ عليها إنكار الدور السببي المستقل للعوامل البيئية المحيطة بالمجرم‪ ،‬و‬
‫قد رد أنصار هذه النظرية على هذا النقد أن الجريمة هي دائما ثمرة استعداد إجرامي‬
‫أو ع ارض ق د تتفاع ل مع ه عوام ل خارجي ة يختل ف تأثيره ا من ش خص‬ ‫أص لي‬
‫آلخر(‪. )1‬‬

‫الفرع الرابع‬
‫نظرية فرويد‬
‫يعت بر س يغموند فروي د زعيم أنص ار م ذهب التحلي ل النفس ي في تفس ير الظ اهرة‬
‫اإلج رامي و مض مون نظريت ه ‪ ،‬أن ه يقس م ج وانب النفس البش رية بحس ب وظائفه ا إلى‬
‫ثالث ـ ــة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 91_90‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫أقس ام و رمــز لك ل واح د منه ا بمص طلح من مص طلحات ثالث ة هي ‪ :‬ال ذات و األن ا و‬
‫األنا العليا (‪. )1‬‬
‫أما قسم الذات ‪ ،‬فهو ذلك الجانب من النفس الذي يعتبر مستودع الميول الفطرية‬
‫و اإلس تعدادات الموروث ة و النزع ات الغريزي ة و تس تقر ه ذه المي ول و الرغب ات فيم ا‬
‫يطل ق علي ه بالالش عور‪ ،‬وال ذات نزاع ة إلى إخ راج ه ذه المي ول و الرغب ات إلى ح يز‬
‫التنفيذ دون مباالة بالقيم األخالقية أو إعتداد بالتقاليد االجتماعية ‪.‬‬
‫أم ا قس م األن ا ‪ ،‬فه و ذل ك الج انب العاق ل من النفس البش رية و الج انب الش عوري‬
‫القريب من واقع الحياة ‪ ،‬وهو يسعى دائما إلى ترويض الذات و كبح جماحها و يحاول‬
‫أن يدفعها إلى التعبير عن ميولها الفطرية و غرائزها بطريقة تنسجم مع القيم األخالقية‬
‫و الع ادات اإلجتماعي ة ‪ ،‬ف إن فش لت عملت على تص عيد النش اط الغري زي عن طري ق‬
‫الرمز و إما إلى رده و كبته ليستقر في منطقة الالشعور‪.‬‬
‫و هناك أيضا قسم األنا العليا ‪ ،‬و هو ذلك الجانب المثالي من النفس البشرية الذي‬
‫يحت وي على المب ادئ الس امية ‪ ،‬و تك ون في ه عوام ل ال ردع ال تي تول دها القيم األخالقي‬
‫و الدينية و التقاليد اإلجتماعية ‪ .‬و األنا العليا هو ما يعرف بالضمير و مهمتها مراقبة‬
‫األن ا في أدائه ا لوظيفته ا و مس اءلتها عن أي تقص ير في توجيهه ا للمي ول الفطريـة‬
‫و النزع ات الغريزي ة لل ذات ‪ ،‬فاألن ا العلي ا يمكن إعتباره ا بمثاب ة الج انب الخ ير للنفس‬
‫البشرية أو هي النفس اللوامة (‪. )2‬‬
‫و به ذا يفس ر فروي د الجريم ة بعج ز األن ا عن تك ييف مي ول و نزع ات ال ذات م ع‬
‫متطلب ات القيم و التقالي د االجتماعي ة ‪ ،‬أو عن تص عيد النش اط الغري زي ‪ ،‬أو عن رده‬
‫و كبت ه في الالش عور ‪ ،‬وإ م ا إلى إنع دام األن ا العلي ا أو عجزه ا عن أداء وظيفته ا في‬
‫الرقابة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر ‪ _ :‬الج اش داني ال ‪ ،‬المنش أ النفس ي للجريم ة ‪ ،‬المجل ة الجنائي ة القومي ة ‪ ،‬المجل د ‪، 13‬‬
‫العدد ‪ 1‬المركز القومي للبحوث اإلجتماعية و الجنائية ‪ ،‬مصر ‪ ، 1970 ،‬ص ‪ 110‬و ما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬الجاش دانيال ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 110‬‬

‫‪43‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و المساءلة ‪ ،‬و في الحالتين تجد الذات نفسهادون رقيب فتنطلق شهواتها و غرائزها في‬
‫صورة سلوك إجرامي ‪.‬‬
‫و ق د انتق دت ه ذه النظري ة لص عوبة إثباته ا بال دليل العلمي ‪ ،‬كم ا أن ص لة الخل ل‬
‫النفسي بالجريمة ليس قطعيا ‪ ،‬ألن هناك من يعانيه و لم يرتكب بالضرورة أية جريمة‬
‫كم ا أن ه ذه النظري ة لم تأخ ذ بعين اإلعتب ار العوام ل اإلجتماعي ة في الحس بان و م دى‬
‫تأثيرها على سلوك الفرد لدفعه إلرتكاب الجريمة (‪. )1‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫المدارس االجتماعية‬

‫تعتبر المدارس االجتماعية في علم اإلجرام بمثابة رد فعل على آراء لومبروزو‬
‫في األول و قد إزدهرت الدراسات االجتماعية في الواليات المتحدة األمريكية ‪ ،‬و ذلك‬
‫بع د أن نش ر " ج ورنج " كتاب ه ال ذي خصص ه لنق د نظري ة لوم بروزو‪ ،‬و يتف ق أنص ار‬
‫المدرسة اإلجتماعية في تمييز العوامل البيئية عند تفسيرهم للجريمة ‪ ،‬عدا ذلك تختلف‬
‫آراءهم األخرى‪.‬‬
‫و في ه ذا المطلب ‪ ،‬س نتناول مدرس ة الخرائ ط (المدرس ة الجغرافي ة) من خالل‬
‫الفرع األول ‪ ،‬ثم نتناول المدرسة االشتراكية من خالل الفرع الثاني ‪ ،‬و أخيرا المدرسة‬
‫اإلجتماعية األوروبية من خالل الفرع الثالث ‪.‬‬

‫الفرع األول‬
‫مدرسة الخرائط ( المدرسة الجغرافية )‬

‫أص حاب ه ذه المدرس ة هم ا العالم ان "كيتيلي ه" البلجيكي و " ج يري " الفرنس ي و‬
‫يرج ـ ــع‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬الجاش دانيال ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫إليهم ا الفض ل في إظه ار اإلحص ائيات الجنائي ة ‪ ،‬و ق د ق ام ه ذان العالم ان بدراس ة‬
‫اإلحص اءات الجنائية الفرنسية عن اإلجرام و التي نشرت عن الفترة من ‪ 1826‬إل ـ ـ ـــى‬
‫‪ ، 1830‬و ق د أدهش تهما م ا الحظ اه من الثب ات المط رد لإلج رام ‪ ،‬و من تخص ص‬
‫اإلجرام حسب األقاليم و وجود ارتباط بين الظاهرة اإلجرامية من ناحية و بين الموقع‬
‫الجغ رافي و فص ول الس نة من ناحية أخرى ‪ ،‬و ح اول العلم اء التوسع في هذا النوع‬
‫من الدراسات فتناولوا بالدراسة تأثير األمطار و الرياح و درجة الضغط و الرطوبة و‬
‫ن وع الترب ة على الس لوك اإلج رامي ول و أن ه هن اك من يق ول أن ه ذه الظ واهر الطبيعي ة‬
‫ليست الوحيدة كسبب لإلجرام بل هي أحد العوامل (‪. )1‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫المدرسة اإلشتراكية‬
‫ق امت المدرس ة اإلش تراكية في تفس ير الظ اهرة اإلجرامي ة على كتاب ات "م اركس"‬
‫و " إنجلز " في القرن التاسع عشر ‪ ،‬و كان هدفها تحديد الروابط بين الجريمة و الوسط‬
‫أو البيئ ة اإلقتص ادية ‪ .‬و من وجه ة أنص ار ه ذه النظري ة يع د اإلج رام أح د منتجــات‬
‫الرأس مالية ‪ .‬فالجريم ة ترتب ط بالنظ ام الرأس مالي أوث ق ارتب اط ألنه ا في نظ رهم تب دو‬
‫بمثاب ة رد فع ل ط بيعي ض د الظلم اإلجتم اعي ال ذي يول ده ه ذا النظ ام بحكم تركيب ه ‪ ،‬و‬
‫هذا ما يفسر في نظر المدرسة اإلشتراكية ظهور الجريمة بصفة خاصة لدى الطبقات‬
‫الكادحة " البروليتارية " و في تقديرهم أن الجريمة لن تكون في ظل مجتمع إشتراكي ‪،‬‬
‫و إذا وقعت بعض األفع ال ض د رفاهي ة ه ذا المجتم ع فهي من أث ر األم راض العقلي ة أو‬
‫البدنية التي يعاني منها بعض األفراد أي العوامل الداخلية الخاصة بالفرد إذ المفترض‬
‫أن المجتمع بتركيبه المحقق للعدالة لن يكون له دور في الدفع للسلوك اإلجرامي ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و لكن رغم أن ه ال أح د ينك ر دور الظ روف اإلقتص ادية في الت أثير على الجريم ة‬
‫و نوع ا ‪ ،‬إال أن ه ال يمكن تب ني النظري ة اإلش تراكية كلي ة في تفس ير الظ اهرة‬ ‫كم ا‬
‫و م ا الظ روف اإلقتص ادية إال أح د العوام ل فق ط ‪ ،‬ف إن ك انت تص لح‬ ‫اإلجرامي ة‬
‫لتفس ير ج رائم الم ال ال تي ته دف إلى الكس ب إال أنه ا ال تص لح لتفس ير ج رائم أخ رى‬
‫كجرائم العرض و اإلعتداء على األشخاص ‪ ،‬كما أن قول النظرية اإلشتراكية بإنحصار‬
‫اإلجرام في طبقة العمال فقط بعيد عن الصحة ‪ ،‬ألنه من الثابت أن الموظفين و رجال‬
‫األعمال و التجار وغيرهم من أكثر األشخاص المرتكبين للعديد من الجرائم و بالتدقيق‬
‫لم تقض على الجريم ة كلي ة و ح تى و إن ك انت‬ ‫في ال دول اإلش تراكية ‪ ،‬نج د أنه ا‬
‫نسبة اإلجرام فيها منخفضة فهذا يرجع بالدرجة األولى إلى النظام السياسي ‪.‬‬
‫كم ا أن منط ق النظري ة اإلش تراكية في أن الجريم ة ولي دة الحاج ة غ ير مس لم ب ه‬
‫ف الكثير من الفق راء ليس وا مج رمين و يس عون لتحس ين أوض اعهم عن طري ق الكس ب‬
‫المشروع ‪ ،‬كما أن الكثير من األغنياء يرتكبون الجرائم و يفلتون منها بواسطة نفوذهم‬
‫و مالهم و جاههم و هو ما تعجز عن تفسيره النظرية اإلشتراكية (‪. )1‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫المدرسة االجتماعية األوروبية‬

‫تض م ه ذه المدرس ة اتجاه ات ثالث ة يجم ع بينه ا غلب ة التفس ير اإلجتم اعي للجريم ة‬
‫عليها ‪ ،‬و أهم أقطاب هذه المدرسة هم " الكاساني " ‪ ،‬و " تارد " و " دوركايم " ‪ ،‬و قد‬
‫عاص روا لوم بروزو و ق د ك انت نظري اتهم بمثاب ة رد فع ل عن اإلتج اه ال بيولوجي في‬
‫تفسير الظاهرة اإلجرامية ‪.‬‬
‫أم ا بالنس بة لنظري ة الوس ط اإلجتم اعي‪ ،‬فق د ك ان ص احبها الع الم االجتم اع "‬
‫الكاساني"‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 85‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫ال ذي أعلن أن المجتمع ات هي ال تي تص نع المج رمين ‪ ،‬وأن الوس ط االجتم اعي ه و‬


‫الوعاء المنشط و المالئم لإلجرام و المجرم عبارة عن مكروب أو عنصر ال أهمية له‬
‫إال إذا تهيأ له الوسط الذي يجعله ينمو و ينتشر فهذا هو الوسط الذي أنشأ الجريمة و‬
‫ليس المجرم ‪.‬‬
‫و يرج ع له ذه النظري ة الفض ل في إب راز دور الوس ط اإلجتم اعي كعام ل ي ؤدي‬
‫للجريم ة و لكن م ا يع اب عليه ا ‪ ،‬إهماله ا للعوام ل الفردي ة المس اعدة على اإلج رام ‪ ،‬و‬
‫كذلك عدم قدرتها على تفسير كيفية تأثير الوسط االجتماعي على ظهور الجريمة ‪.‬‬
‫أما النظرية الثانية فهي نظرية التأثير النفسي اإلجتماعي ‪ ،‬وصاحبها هو "جبرائيل‬
‫تارد " و ترى هذه النظرية أن العالقات اإلجتماعية ليست سوى عالقات متشابكة بين‬
‫األفراد ‪ ،‬و أنه لهذا السبب فاألفراد يتحكم فيهم هذا الواقع االجتماعي الذي هو " التقليد‬
‫" و عن طريق ه يمكن تفس ير بعض المظ اهر النفس ية مث ل التع ود و الت ذكر‪ ،‬فالش خص‬
‫بحكم العادة يقلد نفسه في مواقف سابقة كما يقلد غيره و يساعده على هذا التقليد ال ذاكرة‬
‫التي تعينه على استرجاع المواقف السابقة و بتطبيق هذا على العالقات اإلجتماعية ‪،‬‬
‫نجد أن الحياة االجتماعية تنتظم و تتطور عن طريق التقليد ‪ ،‬وهو الذي يفسر الظاهرة‬
‫اإلجرامية فكل فرد يتصرف في المجتمع وفقا للعادات و األعراف التي يقبلها الوسط‬
‫الذي يعيش فيه و بهذا فالفرد حينما يرتكب الجريمة فإنما يرتكبها من جراء وط أة م ؤثر‬
‫نفسـي إجتم اعي ه و التقلي د إن فك رة التقلي د فيه ا مبالغ ة كب يرة ‪ ،‬كم ا أن ه ليس العام ل‬
‫الوحيد الذي يفسر اإلجرام و إال كان كل أفراد المجتمع مجرمين (‪. )1‬‬
‫أم ا النظري ة الثالث ة فهي نظري ة البني ان اإلجتم اعي الثق افي ‪ ،‬و ص احبها ه و ع الم‬
‫االجتم اع المع روف " إمي ل دورك ايم "‪ ،‬و يم يز نظريت ه أنه ا ترب ط الس لوك اإلج رامي‬
‫بالهيكل اإلجتماعي و الثقافي للمجتمع ‪ ،‬و هو يقول أن الجريمة ظاهرة إجتماعية عادية‬
‫تظهر في كل مجتمع إنساني ‪ ،‬بل أنها تعد بالنسبة لكل مجتمع عامال من عوامل ص حته‬
‫العام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 95‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫وهي ليست ظاهرة شاذة و غريبة ‪ ،‬و أن الجريمة يجب النظر إليها من خالل عالقتها‬
‫بثقافة معينة في الزمان و المكان (‪. )1‬‬

‫الفرع الرابع‬
‫المدرسة اإلجتماعية األمريكية‬

‫يذهب أغلب علماء اإلجرام األمريكيين إلى تفسير الظاهرة اإلجرامية باالس تناد إلى‬
‫العوام ل اإلجتماعي ة ‪ ،‬وق د ت أثرت ب الفكر االجتم اعي الق ديم ل دى علم اء اإلج رام‬
‫األوروبيين‪.‬‬
‫فهناك النظرية البيئية " لكليفوردشو" ‪ ،‬و تندرج ضمن اتجاه يفسر الجريمة بالنظر‬
‫إلى العوامل اإلجتماعية ‪ ،‬و يرى أن الظروف اإلجتماعية واإلقتصادية لمنطقة جغرافية‬
‫محددة هي التي تمارس تأثيرها الواضح على معدالت اإلجرام و ليست طبيعة األفراد‬
‫ال ذين يعيش ون في ه ذه المنطق ة هي الحاس مة في تحدي د مع دالت اإلج رام ‪ ،‬و من ه ذه‬
‫الظ روف ترك يز الس كن والمس توى اإلقتص ادي والشخص ية اإلجرامي ة تش كلها المنطق ة‬
‫التي يقيم فيها الشخص دون أن يتدخل تكوينه العض وي و النفسي ‪ ،‬و قد تكلمت هـذه‬
‫النظري ة عن "البقع ة اإلجرامي ة" و هي بقع ة إجرامي ة داخ ل المدين ة تميزه ا ظ روف‬
‫و إقتصادية غير مالئمة إلى درجة كبيرة‪.‬‬ ‫إجتماعية‬
‫و هن اك نظري ة الجماع ات المتباين ة " لس ذرالند "‪ ،‬و هي ال تتوق ف عن د مج رد‬
‫التحق ق من العالق ة بين الوس ط و تك وين الشخص ية و إنم ا ح اولت جاه دة تحدي د كيفي ة‬
‫تحول األشخاص إلى مجرمين ‪ .‬و لماذا تختلف معدالت اإلجرام حسب إختالف األمم و‬
‫السلوك اإلجرامي الفردي ليس موروثا ‪ ،‬و لكنه مكتسب من احتكاك الفرد مع غيره من‬
‫األف راد عن طري ق وس يلة االتص ال و هي التعلم ‪ ،‬فيق ع الف رد في اإلج رام إذا ك ان في‬
‫مجموع ة يس ودها اتج اه مخالف ة الق انون و العكس ص حيح ‪ ،‬و ترج ع اإلختالف في‬
‫معدالت اإلجرام بين األمم إلى التباين في التنظيم اإلجتماعي ‪ ،‬و بهذا يقول س ذرالند أن‬
‫و إنما يكتسب بالتعلم و يؤخ ـ ـ ـــذ على هذه النظرية أنها تتج ـ ـ ـ ـــاهل‬ ‫اإلجرام ال يــورث‬
‫دور الفرد عندما تتب ـ ـ ــاين‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬
‫‪48‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬
‫المواق ف داخـل الجماع ة ال تي ي دخل فيه ا ‪ ،‬كم ا عيب عليه ا تأكي دها المطل ق على أن‬
‫السلوك اإلجرامي هو دائما ثمرة التعلم وحده و أنه ال دخل للعامل الشخصي فيه (‪. )1‬‬
‫و هناك نظرية تنازع الثقافات لـ ـ ـ ـ "سيلين"‪ ،‬الذي أرجع نشأت الجريم ة إلى التص ادم‬
‫ال ذي يح دث في المجتم ع الواح د بين قواع د الس لوك المختلف ة ‪ ،‬ه ذا التص ادم يظه ر‬
‫بوضوح شديد في المجتمع األمريكي بسبب وجود األفواج المتتابعة من المه اجرين ‪ ،‬و‬
‫لو أن هذا األخير يرى أن مفهوم تنازع الثقافة ال يكفي بمفرده لتفسير إختالف معدالت‬
‫و أنه لذلك ينبغي النظر له داخل مجموعة متكاملة من العوامل اإلجتماعية‬ ‫اإلجرام‬
‫و اإلقتصادية للمجتمع ككل (‪. )2‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫المدارس التكاملية‬

‫يس لم علم اء اإلج رام المعاص رين أن اإلج رام اليمكن نس بته إلى عام ل واح د فق ط ‪،‬‬
‫ب ل إن ل ه عوام ل متع ددة ل ذلك أخفقت الم دارس الس ابقة في تفس ير متكام ل للظ اهرة‬
‫اإلجرامي ة ولكن هن اك علم اء أدرك وا أن اإلج رام يمكن تفس يره تفس يرا مقنع ا بالعوام ل‬
‫البيولوجي ة واالجتماعي ة مع ا ومن هن ا ج اءت النظري ات التكاملي ة في تفس ير الظ اهرة‬
‫اإلجرامية ‪.‬‬
‫و في ه ذا المطلب ‪ ،‬س نتناول المدرس ة النمس اوية األلماني ة من خالل الف رع األول‬
‫ثم نتناول مدرسة أنريكو فيري من خالل الفرع الثاني ‪.‬‬

‫الفرع األول‬
‫المدرسة النمساوية األلمانية‬

‫لقد جاءت المدرسة النمساوية األلمانية و مؤسسها العالم " فون ليست " الذي أسس‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 95‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫مع البلجيكي " بران " و الهولندي " فان هامل " اإلتحاد الدولي لقانون العقوب ات ‪ ،‬و ق د‬
‫تح ول فيم ا بع د إلى الجمعي ة الدولي ة لق انون العقوب ات ‪ ،‬و وفق ا لف ون ليس ت ‪ ،‬ال تع د‬
‫الجريمة نتاجا لعوامل بيولوجية تعمل منعزلة و مستقلة عن غيرها من العوامل ‪ ،‬كما‬
‫أنه ا ليس ت ثم رة للعوام ل االجتماعي ة ال تي تنف رد مس تقلة عن غيره ا ب دفع الف رد إلى‬
‫ارتكاب الجريمة ‪ .‬و من أجل ذلك تكون الجريمة ثمرة لعوامل فردية و اجتماعية في‬
‫لحظة إرتكابها ‪ ،‬أي من تضافر عوامل داخلية خاصة بالفرد نفسه ‪ ،‬وعوامل خارجية‬
‫يتمث ل دوره ا في تحري ك العوام ل الداخلي ة ‪ ،‬في اتج اه اإلج رام ‪ ،‬وق د جع ل ه ذا الع الم‬
‫الج رمين طوائ ف هم ‪ :‬المجرم ون ذووا الخل ل العقلي والمجرم ون بالمص ادفة و‬
‫المجرمون المعتادون على اإلجرام (‪. )1‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫مدرسة أنريكو فيري‬

‫و من أنصار المذهب التكاملي نجد أيضا مدرسة أنريكو فيري و هو عالم إيطالي‬
‫تلخص ت نظريت ه في حتمي ة الس لوك اإلج رامي ‪ ،‬و هي ال ترج ع إلى عام ل واح د ب ل‬
‫تتعدد عواملها ‪ ،‬و يرى فيري أن المجرم هو كائن يتحدد نشاطه اإلجرامي بمجموعة‬
‫من العوام ل اإلجرامي ة يختل ف تأثيره ا ب إختالف المج رمين ‪ ،‬و من هن ا ج اء تص نيفه‬
‫و الجريمة عنده هي ثمرة حتمية لعوامل معينة و إن إختلف تأثير‬ ‫للمجرمين‬
‫هذه العوامل في التفاعل المفضي إلى الجريمة من مجرم إلى آخر ‪.‬‬
‫من أج ل ذل ك ق دم قائم ة بالعوام ل المختلف ة ال تي تفض ي إلى إرتك اب الجريم ة من‬
‫ناحي ة ‪ ،‬ثم قس م المج رمين إلى طوائ ف بحس ب درج ة ت أثير العوام ل فيهم من ناحي ة‬
‫أخرى ثم قسم المجرمين إلى طوائف بحسب درجة تأثير هذه العوامل فيهم من ناحية‬
‫أخرى (‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 100‬‬
‫‪50‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫و ق د ك ان لنظري ة ف يري في تفس ير الس لوك اإلج رامي ت أثير واض ح على مفه وم‬
‫الجزاء الجن ائي‪ .‬إذ أنه ا وجهت األنظ ار إلى ض رورة إعتب ار الجزاء وسيلة لل دفاع عن‬
‫المجتم ع ض د الجريم ة و ليس ثمن ا يدفع ه المج رم عن جريم ة إقترفه ا ‪ ،‬و هي بداي ة‬
‫الحديث عن ضرورات تفريد الجزاء الجنائي ‪ ،‬تبعا لحالة كل مجرم و ظروفه الخاصة‬
‫و كان تحليله بمثابة تنبيه إلى ضرورة العناية بالوقاية من اإلجرام عن طريق الحد من‬
‫أثر هذه العوامل و هو ما يعني ضرورة إنتهاج سياسة إجتماعية وإ قتصادية و ص حية و‬
‫تربوي ة و ثقافي ة تش ل من فاعلي ة العوام ل المفض ية إلى اإلج رام ‪ ،‬و رغم أهمي ة ه ذه‬
‫النظرية إال أنه سجلت عليها عدة مالحظات منها ‪:‬‬
‫أن ه أخ ذ على تص نيفها للعوام ل اإلجرامي ة أن ه تنقص ه الدق ة ‪ ،‬كم ا إع ترض على‬
‫فكرةالمجرم بالميالد ‪ ،‬و هو من أكثر أفكار لمبروزو تعرضا للنقد ‪ ،‬و مع ذلك اعتقد‬
‫فيري أنه بضبطها قد يتمكن من تفادي النقد و لكنه لم ينجح ‪.‬‬
‫كم ا أن هن اك من تس اءل عن مالئم ة التمي يز بين المج رم بالمص ادفة و المج رم‬
‫الع اطفي ‪ .‬و من ثم ة عن ض رورة إف راد طائف ة خاص ة لك ل منهم ا ل ذلك اق ترح العلم اء‬
‫تقس يم المج رمين إلى ‪ 3‬طوائ ف ‪ ،‬طائف ة المج انين وذوي العاه ات العقلي ة ‪ ،‬و طائف ة‬
‫المجرمين العرضيين ‪ ،‬وطائفة المجرمين المعت ادين على اإلجرام ‪ ،‬كما أخذ على هذه‬
‫النظرية ابتعادها عن الواقع الذي هو أكثر تعقيدا مما تفرضه هذه اآلراء (‪. )1‬‬
‫ولكن في األخ ير يمكن الق ول أن ه ‪ ،‬ال يمكن إنك ار دور ه ذه النظري ة في اإلش ارة‬
‫إلى أن عوام ل متع ددة و متش عبة و ف يري يع د ص احب أول نظري ة تكاملي ة في تفس ير‬
‫الظاهـ ـ ــرة‬
‫اإلجرامية ‪ ،‬و قد تنبه من جاء بعده إلى هذه التعددية في العوامل مسببة للجريمة فكانت‬
‫تفس يراتهم أك ثر قرب ا من الوق ع ‪ ،‬كم ا أن تفري د الج زاء الجن ائي و ه و عص ب السياس ة‬
‫الجنائي ة الحديث ة لم يكن س وى إح دى الثم ار اليانع ة ال تي أنبته ا ذل ك التص وير التع ددي‬
‫للعوامل اإلجرامية و دورها في إفراز السلوك اإلجرامي ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 106_105‬‬

‫‪51‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫الفصل الثاني‬
‫العوامل المؤدية إلى إرتكاب الجريمة‬

‫لق د نتج عن البحث في علم اإلج رام إجم اع العلم اء على أن الس لوك اإلج رامي‬
‫تؤدي إليه عوامل داخلية تنبع من داخل المجرم أو خارجية تؤثر فيه ‪ ،‬و قد تتعدد في‬
‫الف رد الواح د بين كونه ا داخلي ة فق ط أو داخلي ة و خارجي ة مع ا أو خارجي ة فق ط ‪ ،‬و في‬
‫ه ذا الفص ل س ندرس العوام ل المؤدي ة إلى إرتك اب الجريم ة من خالل مبح ثين إث نين ‪،‬‬
‫س نتناول بالش رح و التحلي ل العوام ل الداخلي ة المؤدي ة إلرتك اب الجريم ة من خالل‬
‫المبحث األول ثم نتن اول العوام ل الخارجي ة المؤدي ة إلى إرتك اب الجريم ة من خالل‬
‫المبحث الثاني ‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫العوامل الداخلية المؤدية إلرتكاب الجريمة‬

‫إن العوام ل الداخلي ة لإلج رام هي ال تي تتص ل بش خص المج رم أي بتكوين ه‬


‫ال بيولوجي والعقلي و النفس ي ‪ ،‬و تنقس م العوام ل الداخلي ة إلى عوام ل فطري ة و عوام ل‬
‫مكتسبة ‪.‬‬
‫و يختلف تعبير العامل اإلجرامي عن السبب ‪،‬من حيث مدلوله ‪ ،‬فالسبب قد يكون‬
‫عامال واحدا أو مجموعة من العوامل تمثل عدة حلقات أو عدة شروط في سلسلة السبب‬
‫وترتب ط بالظ اهرة اإلجرامي ة برابط ة الس ببية ‪ .‬ل ذلك ف البحث عن س بب الجريم ة يع ني‬
‫البحث في عامل واحد أومجموعة من العوامل المحددة التي تتضافر فيما بينها لتحدث‬
‫الجريمة (‪. )1‬‬
‫وفي ه ذا المبحث ‪ ،‬س نتناول بالش رح العوام ل الفطري ة من خالل المطلب األول ‪،‬‬
‫ثم نتناول العوامل المكتسبة من خالل المطلب الثاني ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 74‬‬

‫‪52‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫المطلب األول‬
‫العوامل الفطرية‬

‫و هي عديدة و تتمثل في الوراثة و الجنس و السن و الساللة ‪ ،‬و جملة من العلل‬


‫ال تي له ا عالقة ب التكوين اإلنس اني ‪ ،‬و يقص د به ا تل ك العوام ل التي ول د به ا الف رد قب ل‬
‫أن يكبر و قبل أن يصح مجرما سواء كان حدثا أو شابا أو كهال أو شيخا‪.‬‬
‫و في ه ذا المطلب ‪ ،‬س نتناول الوراث ة من خالل الف رع األول ‪ ،‬الجنس من خالل‬
‫الف رع الث اني ‪ ،‬الس ن من خــالل الف رع الث الث ‪ ،‬الس اللة من خالل الف رع الراب ع ‪ ،‬و‬
‫أخيرا التكوين اإلنساني و العلل من خالل الفرع الخامس ‪.‬‬

‫الفرع األول‬
‫الوراثــة‬

‫من ذ الق دم اعتم د اإلنس ان على جمل ة من الص فات ال تي الح ظ تش ابهها م ع من‬
‫تربطهم عالقة النسب في إثبات هذه العالقة بينهم في حال ما إذا ثار حولها النزاع ‪ ،‬و‬
‫ق د ب رز في ه ذا المج ال الع رب و ك انوا يس مونها بالفراس ة و العراف ة و القياف ة و‬
‫يستعينون بها من أجل إلحاق المولود بأبيه حين يثور النزاع حول نسبه أو يطاله الشك‬
‫(‪. )1‬‬
‫و عند علماء اإلجرام الوراثة تشمل الخصائص و الوظائف التي تنتقل من السلف‬
‫إلى الخل ف ‪ .‬و بالت الي يمكن تفس ير م ا إذا ك انت ه ذه الخص ائص و الوظ ائف الوراثي ة‬
‫التــي تنتق ل من االبن إلى وال ده يمكن أن توج ه ه ذا االبن إلى تك رار س لوك األب و‬
‫بالتالي إرتكاب الجريمة (‪. )2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 52‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬عبد المنعم سليمان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 366‬‬

‫‪53‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و يقص د بلف ظ الوراث ة ‪ ،‬إنتق ال خص ائص معين ة من األص ول إلى الف روع في‬
‫اللحظة التي يتكون فيها الجنين ‪ ،‬فقد أثبتت المالحظة و التجربة أن بعض الخصائص‬
‫يتناقله ا األبن اء و اآلب اء و األج داد بص ورة تك ون غامض ة في ح االت ‪ ،‬و واض حة في‬
‫حاالت أخرى و لعل مرجع ذلك كما يقرر علماء الوراثة ‪ ،‬أن اإلنسان شأنه في ذلك‬
‫أي ك ائن حي آخ ر تتنازع ه قوت ان متنافرت ان تري د ك ل منهم ا أن تجتذب ه إلى‬ ‫ش أن‬
‫و تصبغه بصبغتها قوة الوراثة و مشابهة األصل و قوة التغير و التطور‬ ‫مجالها‬
‫واإلبتع اد عن األص ل ‪ ،‬و ي ترتب على ه ذا الص راع وج ود التش ابه بين األص ول و‬
‫الفروع في بعض الخصائص دون البعض اآلخر‪.‬‬
‫و تتم الوراث ة بإنتق ال الخص ائص من األص ل إلى الف روع عن طري ق عملي ة دقيق ة‬
‫معق دة ‪ ،‬فك ل خلي ة من خالي ا الجس م تش تمل على ‪ 46‬ج زء دقيق ا يك ون ن واة الخلي ة و‬
‫تس مى الكروموزوم ات ‪ ،‬و هي تحم ل الخص ائص الفردي ة ال تي تنتق ل بالوراثة و يطل ق‬
‫العلم على ه ذه الخص ائص الوراثي ة إس م الجين ات ‪ ،‬و يتم اإلخص اب عن طري ق ت زاوج‬
‫و إتح اد بين الخلي ة الذكري ة و الخلي ة األنثوي ة ليص بحا خلي ة واح دة ‪ .‬و لم ا ك ان من‬
‫الض روري أال يزي د م ا تحمل ه ه ذه الخلي ة المزدوج ة على س تة و أربعين كروموزوم ا‬
‫ش أنها في ذل ك ش أن ب اقي الخالي ا‪ ،‬ح تى تتس نى له ا الحي اة ف إن خلي ة ك ل من الرج ل و‬
‫المرأة يجب أن تفقد قبل اإلخصاب و حتى تكون صالحة لها نصف األجزاء لينشأ من‬
‫تزاوجه ا مجموع ة كروموزوم ات خلي ة واح دة يتك ون منه ا الج نين نفس ه ‪ ،‬و من ذل ك‬
‫يتبين ب ان كل خلي ة من خاليا الجنين ‪ 23‬زوج ا من الكروموزومات يك ون نصفها آتيا‬
‫من األب و نصفها اآلخر آتيا من األم ‪)1( .‬‬
‫و كم ا س بق الق ول ‪ ،‬أن ه ذه الجزيئ ات الص غيرة تحم ل الجين ات أي الخص ائص‬
‫الوراثية من الشخص الذي انتقلت منه وعلى ذلك فإن خاليا جسم اإلبن تحمل خصائـص‬
‫األب و خص ائص األم في آن واح د ‪ ،‬و ال يع ني ذل ك أن يجم ع االبن ك ل ص فات‬
‫األب وين و إنم ا ق د يظه ر علي ه بعض ها دون البعض اآلخ ر ‪ ،‬و مرج ع ذل ك إلى أن‬
‫جين ـ ـ ــات‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 76‬‬
‫‪54‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫ك ل من األب وين ال تنتج أثره ا ب ذاتها و إنم ا نتيج ة لتفاعله ا‪ ،‬فالخصيص ة الوراثي ة ال تي‬
‫يحمله ا جين األم من المؤك د أن تظه ر في اإلبن إذا ك انت الخصيص ة الوراثي ة ال تي‬
‫يحمله ا "جين" األب متش ابهة ‪ .‬أم ا إذا اختلفت الص فتان ف إن الص راع بينهم ا ي ؤدي إلى‬
‫انتص ار إح داهما فتظه ر األولى ل دي اإلبن دون الثاني ة ‪ ،‬و ليس مع نى ه ذا أن الص فة‬
‫قد إختفت و إنما كل ما في األمر أنها تختبئ لدى االبن ثم تعود إلى الظهور‬ ‫األخرى‬
‫في فروع الحقة ‪ ،‬و لذلك فإنه ليس من الغريب أن تجد لدى أحد األبناء صفة لم تكن‬
‫ظاهرة لدى أبيه أو جده ‪ ،‬إذ ربما كانت ترجع إلى جده األعلى و قد يكون ظهور هذه‬
‫الصفة غير راجع للوراثة و إنما إلى عامل التغير و التطور الذي سبق اإلشارة إليه ‪،‬‬
‫فهذا العامل الذي يقابل عامل الوراثة قد يؤثر في جينات الجنين فيكتسب صفات جديدة‬
‫ال وجود لها عند األسالف (‪. )1‬‬
‫والوراث ة فيه ا أن واع عدي دة فق د تك ون من حيث إتجاهه ا مباش رة أو غ ير مباش رة‪،‬‬
‫فتنتقل في الحالة األولى الصفات الوراثية من األصل إلى الفرع ‪ ،‬و في الثانية ال تنتقل‬
‫من األص ل إلى الف رع مباش رة ‪ ،‬و إنم ا إلى ف رع أبع د ع بر الف رع األول ال ذي تك ون‬
‫الص فة الوراثي ة كامن ة لدي ه ‪ .‬و من حيث موض وعها ق د تك ون مرض ية أو تش ويهية ‪،‬‬
‫فاألولى هي إنتقال بعض األمراض التي كان يعاني منها األصل إلى الفرع ‪ ،‬و الثانية‬
‫تعني إنتقال شذوذ في التكوين من السلف إلى الخلف ‪.‬‬
‫ومن حيث قوته ا تنقس م إلى وراث ة تماثلي ة أو تش ابهية ‪ ،‬و هي ال تي تنتق ل فيه ا‬
‫الص فة أو الخصيص ة ال تي ل دى األص ل إلى الف رع بنفس الص ورة ال تي ك انت عليه ا‬
‫لدي ه ‪ ،‬كـأن يك ون األص ل مجرم ا فيص بح الف رد مجرم ا ك ذلك ‪ ،‬و ق د يمت د التم اثال إلى‬
‫صفة معينـة كصفة اإلجرام فحسب ‪ ،‬بل إلى النشاط المرتبط بهـ ـــذه الصفة كأن يكـ ـــون‬
‫األصـ ــل قاتال أو لصا فيصبح الفرد كذلك تماما ‪ ،‬أما الوراثة التشابهية فتعني أن الصفة‬
‫ال تنتق ل من الس لف إلى الخل ف بنفس الص ورة ‪ ،‬و لكن بص ورة متش ابهة ك أن يك ون‬
‫األص ل م دمنا على المخ درات فال يك ون الف رع ك ذلك ‪ ،‬و لكن يظه ر لدي ه عيب يش ابه‬
‫هذه الصفة كأن يكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 77‬‬

‫‪55‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫لصا أو مزورا أو قاتال و قد يكون األصل مجرما و لكن الفرع ال يصبح كذلك وإ نما‬
‫يصاب بنوع من األمراض العقلية أو الصرع ‪.‬‬
‫ومن حيث طبيعته ا تنقس م إلى وراث ة حقيقي ة و وراث ة حكمي ة ‪ ،‬فالوراث ة ب المعنى‬
‫الواسع تعني الخصائص و الصفات التي تنتقل إلى الجنين‪ ،‬فتدخل في تكوينه أثناء فترة‬
‫الحمل و الوراثة الحقيقية كما سبق تعني انتقال خص ائص الوالدين إلى الجنين لحظة‬
‫تكوينه ‪ ،‬أما الوراثة الحكمية فتعني تأثر الجنين بعوامل عاصرت تكوينه أو عرضت‬
‫أثن اء الحم ل ب ه و هي ت ؤثر علي ه دون أن تنق ل إلي ه خص ائص األص ل ‪ ،‬ك أن تص اب‬
‫األم بمرض أثناء الحمل بالجنين مما قد يصيبه ببعض األمراض العقلية أو النفسية أو‬
‫يؤدي إلى ظهور بعض التشوهات به (‪. )1‬‬
‫و يمكن الق ول أن ه و إن ك ان التس ليم ب دور الوراث ة في تفس ير الس لوك اإلج رامي‬
‫إال أن ه ال يمكن الج زم بكونه ا الوحي دة في الت أثير على الجريم ة ‪،‬ب ل يرج ع الس بب إلى‬
‫أوجه أخرى من التأثيرات قد تتحد فيظهر السلوك اإلجرامي ‪ ،‬و قد تنفرد دون األس باب‬
‫األخرى و هذا ما يبرز الخالف بين ظاهرة إجرامية عن أخرى و لو كان التشابه في‬
‫نوع الجرائم ‪.‬‬
‫وإ ختلف العلماء في تحديد الصفة القائمة بين الوراثة و الجريمة ‪ ،‬فهناك من يقول‬
‫أن اإلنسان يرث السلوك اإلجرامي وعلى رأسهم العالم اإليطالي لمبروزو الذي قرر أن‬
‫المج رم رج ل ورث الص فات الهمجي ة البدائي ة من الق رون القديم ة وال تي تدفع ه إلى‬
‫الس لوك اإلج رامي إال أن ه ذا الق ول القى نق دا كب يرا ‪ ،‬فهن اك من يق ول أن الص لة بين‬
‫الوراثة والجريمة ال وجود لها إطالقا ‪ .‬وأن الجريمة ترجع إلى العوامل البيئية المحيطة‬
‫بالمجرم وحدها ‪)2(.‬‬
‫و أن القائلين بارجاع السلوك اإلجرامي إلى عامل الوراثة قد اشتبه عليهم األمر فهم قد‬
‫الحظ وا إنتق ال الخص ائص اإلجرامي ة من الس لف إلى الخل ف و اس تندوا إلى ذل ك في‬
‫القول بتأثير الوراثة على اإلجرام ‪ ،‬و الحقيقة أن الذي يجعل الشبه كبيرا بين خصائص‬
‫السلـ ـ ـ ــف‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 78_77‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر ‪ _ :‬رمس يس بنه ام ‪ ،‬المج رم تكوين ا و تقويم ا ‪ ،‬منش أة المع ارف ‪ ،‬اإلس كندرية ‪1978 ،‬‬
‫ص‪. 39‬‬

‫‪56‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و الخل ف إنم ا يرج ع إلى ت أثر ك ل منهم ا بظ روف بيئي ة واح دة هي ال تي دفعت بهم إلى‬
‫المسلك اإلجرامي و هي التي ستدفع فروعهم في المستقبل إليه إذا ظلوا يعيشون تحت‬
‫تأثير هذه الظروف ‪ ،‬و على رأس القائلين بهذا الرأي العالم األمريكي سذرالنذ ‪)1( .‬‬
‫على أن ال رأي الس ليم ه و ال رأي المعت دل و الوس ط بين ه ذين االتج اهين الس ابقين‬
‫فال يعطي الوراثة قوة مطلقة في تفجير السلوك اإلجرامي ‪ ،‬كما ال يجردها من أي أثر‬
‫مس بب له ذا الس لوك ‪ ،‬و إنم ا ي رى أنه ا تنق ل من األص ل إلى الف رع إمكان ات و ق درات‬
‫معين ة تهيئ الش خص إذا ص ادف ظروف ا معين ة إلى س لوك س بيل الجريم ة ه ذه الق درات‬
‫هي ما إصطلح على تسميتها باإلستعداد اإلجرامي ‪ )2( .‬فاإلستعداد اإلجرامي يورث‬
‫ولكن الجريمة أو السلوك اإلجرامي في ذاته ال يورث ومن سلك أبوه سلوك الجريمة‬
‫ليس من المحتم أن يسلك سبيلها و ذلك لسببين ‪:‬‬
‫_ السب األول ‪:‬‬
‫أن اإلستعداد اإلجرامي الموروث ال يؤدي إلى إرتكاب الجريمة ‪ ،‬إال إذا توافرت‬
‫ظروف بيئية شاذة و مرهقة تتفاعل مع هذا اإلستعداد فيتولد السلوك اإلجرامي نتيجة‬
‫لهذا التفاعل ‪.‬‬
‫_ السبب الثاني ‪:‬‬
‫أن فك رة الجريم ة كم ا س بق أن ذكرن ا ‪ ،‬فك رة قانوني ة تختل ف من تش ريع آلخ ر‬
‫و في نط اق التش ريع الواح د من زمن آلخ ر‪ ،‬فمثال تع دد الزوج ات يعت بر جريم ة في‬
‫بعـــض التش ريعات ‪ .‬و ال يعت بر ك ذلك في تش ريعات أخ رى و اإلمتن اع عن بي ع بعض‬
‫ق د ال يعت بر جريم ة في الظ روف العادي ة و لكن يعت بر ك ذلك في ف ترات‬ ‫الس لع‬
‫وفي بعض الظ روف اإلقتص ادية ففك رة الجريم ة فك رة نس بية ل ذلك‬ ‫الح روب‬
‫كان من المقبول القول أن‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪.Sutherland et Gressey : Principes de criminologie , précité Paris , 1966 , p 907 _ :‬‬
‫و أنظر أيضا ‪ _ :‬فوزية عبد الستار ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 79‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر‪ :‬ع وض محم د ع وض ‪ ،‬مب ادئ علم اإلج رام ‪ ،‬مؤسس ة الثقاف ة الجامعي ة ‪ ،‬اإلس كندرية‬
‫‪ ، 1980‬ص ‪ ، 133‬و أنظر أيضا ‪ _ :‬محمود نجيب حسني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬

‫‪57‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫اإلستعداد اإلجرامي يورث ولكن من غير المعقول القول أن السلوك اإلجرامي يورث‬
‫ألن السلوك قد يعد جريمة أوال ‪ ،‬يعد كذلك بإختالف التشريعات في المكان والزمان (‬
‫‪.)1‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫الجـــنس‬

‫إن الدراسات التي قام بها الباحثون في علم اإلجرام قد أثبتت وجود اختالف كبير‬
‫بين إجرام كل من المرأة و الرجل ‪ ،‬من حيث النوع و الكمية والجسامة ‪ ،‬و قد أرجعوه‬
‫إلى الفروق الكبيرة و الجوهرية بين تكوينهما العضوي و النفسي‪ ،‬و هو ما دلت عليه‬
‫اإلحصاءات الجنائية في مختلف دول العالم ‪ ،‬و حين التدقيق في عامل العمر من خالل‬
‫اإلحص ائيات وج دوا أن ه رغم م ا س جل من إختالف في بل دان عدي دة ‪ ،‬إال أنهم أرجع وا‬
‫ه ذه التناقض ات و التب اين لك ون أن ه ذه اإلحص اءات لم تج رى في البل دان المعني ة على‬
‫نفس الوتيرة ‪ ،‬كما أن مشاركة المرأة مرتبطة إلى حد كبير بنوع الجريمة كاإلجه اض‬
‫مثال أو قت ل الولي د ح ديث ال والدة ‪ ، ...‬كم ا أن ن وع اإلج رام مرتب ط أيض ا بفك رة‬
‫األسرة في المجتمعات المختلفة و التقاليد‪. )2( ...‬‬

‫كم ا أن ه هن اك من أرج ع إختالف نس بة اإلج رام عن د الم رأة عن ه عن د الرج ل إلى‬


‫عامل الزمن في فترات التوتر و الحروب و الظ\روف القاسية ‪ ،‬أين يتخلف الرجل عـن‬
‫اإلل تزام بمس ؤولياته و تح ل الم رأة مض طرة مكان ه م ا ‪ ،‬يجعله ا معرض ة لكث ير من‬
‫الضغوط التي تؤدي إلى زيادة نسبة اإلجرام عندها إضافة إلى عامل النوع وهو الذي‬
‫يجع ل الج رائم تختص به ا الم رأة دون الرج ل ‪ ،‬و بعض الج رائم ال تق وم به ا و ت زداد‬
‫نسبتها عند الرجال دون النساء ألنها تعتمد مثال على القوة (‪. )3‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 81‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 61_60‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 63_62‬‬

‫‪58‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫الفرع الثالث‬
‫الســــن‬
‫يلعب السن دورا مميزا و له تأثيرا على الفرد في مختلف مراحله العمرية ‪ ،‬هذه‬
‫األخ يرة ال تي تنقس م إلى مراح ل منه ا مرحل ة الطفول ة ال تي تب دأ من الميالد إلى م ا قب ل‬
‫البل وغ و هي مرحل ة يق ل فيه ا إدراك الطف ل و ال دور للج انب العض لي في اإلج رام ‪،‬‬
‫فهو يعتمد كلية على أمه و ال يبدأ في فهم ما حوله إال بعد السابعة من عمره ‪.‬‬
‫و هن اك أيض ا مرحل ة الحداث ة ‪ ،‬و هي مرحل ة تتم يز بع دة أط وار يتوس طها البل وغ‬
‫ففيها طور ما قبل البلوغ الذي يمتد عند اإلناث من ‪ 11‬إلى ‪ 12‬سنة ‪ ،‬و عند الذكور‬
‫من ‪ 12‬إلى ‪ 14‬س نة ‪ ،‬و ط ور البل وغ يب دأ من ‪ 13‬عن د اإلن اث و ‪ 15‬عن د ال ذكور‪ ،‬و‬
‫طور ما بعد البلوغ الذي يبدأ فيه الحدث من اإلقتراب من النضج الجسدي تدريجيا ‪ ،‬و‬
‫لكل مرحلة من هذه المراحل سماتها و خصائصها ‪ ،‬و تليها مرحلة الشباب التي تمتد‬
‫من ‪ 18‬إلى ‪ 50‬سنة التي تعتبر أنشط مراحل الحياة و فيها يكون اإلكتمال الجسدي و‬
‫و النفس ي ‪ ،‬و هن ا تظه ر ح االت من اإلختالل لظ روف عدي دة تنتج عنه ا‬ ‫العقلي‬
‫الكث ير من الج رائم عـن الجنس ين ‪ ،‬و أخ يرا هن اك مرحل ة الش يخوخة ال تي تتم يز ببداي ة‬
‫و الضعف و فيها الكثير من التغيرات الحاسمة كترك العمل (‪. )1‬‬ ‫الوهن‬
‫و هن اك من ي رى أن اإلج رام يرتب ط إرتباط ا وثيق ا كم ا و نوع ا ب العمر‪ ،‬فيبل غ‬
‫أوجه في مرحلة الشباب و يبدأ في الفتور عند التقدم بالسن ‪ ،‬أين يبدأ اإلنسان بالتريث‬
‫و التدقيق و إعادة التفكير و الندم على األخطاء السابقة ‪ ،‬ناهي ك عن عوام ل و تغييرات‬
‫أخرى بدنية ‪ ،‬نفسية ‪ ،‬و حتى بيئية ‪)2( .‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر‪ _ :‬محم د ص بحي نجم ‪ ،‬مرج ع س ابق ‪ ،‬ص ‪ . 44‬و أنظ ر أيض ا ‪ _ :‬م انع علي ‪،‬‬
‫عوام ل جن وح األح داث في الجزائ ر ‪ ،‬نت ائج دراس ة ميداني ة ‪ ،‬دون طبع ة ‪ ،‬دي وان المطبوع ات‬
‫الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2002‬ص ‪ 16‬وما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر ‪ _ :‬عب د ال رحمن محم د أب و توت ة ‪ ،‬علم اإلج رام ‪ ،‬المكتب الج امعي الح ديث األزارط ة‬
‫اإلسكندرية ‪ ،‬دون طبعة ‪ ، 1998 ،‬ص ‪. 212‬‬

‫‪59‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫الفرع الرابع‬
‫الساللـــة‬

‫إن الساللة نوع من الوراثة التي ت ــميز جماعة من الناس عن غيرها من الجماعات‬
‫و بالت الي فهي وراث ة جماعي ة أو عام ة تح دد خص ائص يتف ق فيه ا جم ع من األف راد‬
‫و قد تكون هذه الخصائص داخلية أو خارجية ‪ ،‬و هذه الخصائص تنتقل من جيل إلى‬
‫آخر (‪. )1‬‬
‫و دراس ة العالق ة بين اإلنتم اء الع رقي و اإلج رام تع د إح دى المس ائل التقليدي ة في‬
‫علم اإلجرام و من أكثر المواضيع إثارة لغموضها ‪ ،‬فمجرد االنتماء إلى ساللة معينة ال‬
‫يع ني أن ه س بب لإلج رام ‪ ،‬أو أن ه س بب لن وع معين من اإلج رام ففي ك ل س اللة هن اك‬
‫و الشر ‪.‬‬ ‫الخير‬
‫و م ع ذل ك فهن اك من العلم اء من ي ذهب إلى الق ول أن اإلج رام يت أثر كم ا و نوع ا‬
‫بعنص ر الس اللة ‪ ،‬و ه و م ا أس قطوه على س بيل المث ال على الس ود في أمريك ا إلى أنهم‬
‫أكثر إجراما من البيض ‪ ،‬خصوصا في جرائم اإلعتداء على األشخاص و األموال(‪)2‬‬
‫و لكن ال يمكن الج زم به ذا الق ول ألن ه ال ينمي عن أي ة ص لة ب العلم ‪ ،‬و ال يمكن‬
‫الق ول بأن ه هن اك إس تعداد إج رامي ي ورث عن طري ق الس اللة ‪ ،‬ثم إن التفحص في‬
‫و الحالة االجتماعية و اإلقتصادية و السياسية العامة ‪ ،‬التي كانت تحيط‬ ‫التاريخ‬
‫به ؤالء العلم اء حين ق الوا به ذه التفس يرات يوض ح أن غالبه ا ك ان ينط وي على آراء‬
‫متحيزة و منطويـة على‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 128‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪Th , Selling , La criminalité et délinquance aux USA , les éd de l*éspagne , _ :‬‬
‫‪. Paris , 1964 , p 30‬‬

‫‪60‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬
‫ظلم لنوع من هذه السالالت (‪ )1‬و بمقارنة إجرام السالالت في دول مختلفة من طرف‬
‫علم اء في أوروب ا ‪ ،‬مثال نج دهم ق د رك زوا على ظ اهرة العن ف فت بين ازدي اد ظ اهرة‬
‫إج رام العن ف في الجن وب و الش رق عن ه في بقي ة أج زاء الق ارة ‪ ،‬أكملت ه ذه الدراس ة‬
‫بدراس ة عن م دى إختالف الس الالت األوروبي ة في إس تهالك المس كرات وأج ريت‬
‫المقارنة بين إجرام العنف ‪ ،‬و بين حجم استهالك كل جماعة من المسكرات ‪.‬‬
‫و الواقع أن هذه الدراسة محدودة القيمة بالنسبة لتحديد تأثير الساللة على اإلجرام‬
‫و فائ دتها أك بر بالنس بة لت أثير تع اطي الم واد المس كرة على ظ اهرة اإلج رام ‪ ،‬و على‬
‫إج رام العن ف بال ذات ‪ ،‬و أي ا ك انت القيم ة ال تي يمكن إس نادها إلى ه ذا الن وع من‬
‫ف إن اإللتج اء إليه ا ليس ب األمر اليس ير كم ا أن المخ اطر تح ف ب ه‬ ‫المقارن ات‬
‫إلختالف التش ريعات الجنائي ة ب إختالف ال دول و تب اين أجه زة العدال ة الجنائي ة في‬
‫و كذلك نجد أن طرق اإلحصاء قد تختلف من دولة إلى‬ ‫ممارستها لنشاطها‬
‫أخرى و هو ما يحد من قيمة النتائج التي تسفر عنها اإلحصائيات الجنائية باعتب اره أح د‬
‫أساليب البحث في علم اإلجرام‬
‫و باإلض افة إلى هذه العوامل ‪ ،‬فإن مقارنة إجرام الس الالت في دول مختلفة غير‬
‫ذي فائدة في بيان مسألة تأثير الساللة على ظاهرة اإلجرام إلختالف الظروف الطبيعية‬
‫و اإلقتصادية بين الدول ‪ ،‬و في ظل وجود هذا اإلختالف ال يمكن تحديد الجانب الذي‬
‫تقوم به الساللة في إجرام أفرادها ‪ .‬إذا يعزى هذا اإلجرام إلى عوامل متعددة غير ثابتة‬
‫بحيث يستحيل القول بأن اإلنتماء إلى ساللة معينة هو العامل الحاسم في إجرام األفراد‬
‫الذين يكونوها دون سواه من العوامل األخرى ‪.‬‬
‫كما قد قام العلماء بمقارنة إجرام السالالت في الدولة الواحدة ‪ ،‬و هذا النوع من‬
‫الدراس ات كث ير ومتع دد و أك ثر من الن وع األول ‪ ،‬كم ا أنه ا أك ثر ج دوى في إعط اء‬
‫مؤشرات عن دور الساللة في تشكيل كم و نوع إجرام األفراد الذين ينتمون إليها و هي‬
‫لذلك أكثر دقة و تحديدا ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 82_81‬‬

‫‪61‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و ق د أج ريت في فرنس ا دراس ات كث يرة ت بين منه ا أن إج رام األج انب فيه ا يف وق‬
‫إجرام المواطنين ‪ ،‬ولكن بعض الباحثين شكك في هذا النوع من الدراسات و يرده ا إلى‬
‫س وء ح ال األج انب في فرنس ا و إلى ت دني مس تواهم اإلقتص ادي و ظ روفهم المعيش ية‬
‫وإ لى تشدد أجهزة الشرطة مع األجانب و مالحقتها لهم ‪ ،‬مما يسهل لها إكتشاف ج رائم‬
‫قد ال تعلم بها بالنسبة للمواطنين ‪ ،‬كما أن المحاكم تظهر تشددا كبيرا بالنسبة لألجانب‬
‫مما يظهر نسبة مساهمتهم في الظاهرة اإلجرامية أعلى من الحقيقة‪.‬‬
‫و يعني ذلك أن زيادة حجم اإلجرام لألجانب في هذه الدولة ال يفسره أنهم نزاعون‬
‫إلى اإلج رام أك ثر من غ يرهم من مواطنيه ا بحكم انتم ائهم إلى س الالت مختلف ة ‪ ،‬بق در‬
‫ما يفسره ظروف معيشتهم المضطربة اإلقتصادية منها و الصحية ‪ ،‬و كذا درجة القبول‬
‫االجتم اعي لهم (‪ . )1‬و تش ير الدراس ات إلى أن إج رام مواط ني ش مال إفريقي ا يتمث ل‬
‫أساسا في القتل و الضرب و الجرح العمد و حيازة األسلحة و التمرد و العصيان ‪ ،‬و‬
‫اإلعتداء على ممثلي السلطة و الدعارة ‪...‬‬
‫و بتفص يل أك ثر نج د أن بعض العلم اء ي ذهبون إلى الق ول ‪ ،‬ب أن اإلج رام يت أثر‬
‫كم ا و نوع ا بعنص ر الس اللة أو الجنس ‪ ،‬بحيث يمكن الق ول من وجه ة نظ رهم أن‬
‫الس اللة عام ل من عوام ل اإلج رام ففي الوالي ات المتح دة األمريكي ة ‪ ،‬يؤك د بعض‬
‫أن السود أكثر إجراما من البيض ‪ ،‬و أنهم بحكم فطرتهم أكثر ميل إلى‬ ‫الباحثين‬
‫من ال بيض و أن أقص ى مع دل من ج رائم اإلعت داء على األش خاص‬ ‫الجريم ة‬
‫كما أن نسبة جرائم اإلعتداء على األموال مرتفعة بالنسبة إليهم ‪.‬‬ ‫يرتكبه السود‬
‫رغم أن المجتمع األمريكي هو خليط من السالالت و األجن اس ‪ ،‬فمنهم األوروب يين‬
‫و الص ينيين و الياب انيين و الزن وج و الهن ود و الع رب ‪ ...‬إال أن طائف ة الزن وج ق د‬
‫إستحوذت على إهتمام العلماء بالدراسة في مجال علم اإلجرام أكثر من غيرها‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر‪ :‬حم دي رجب عطي ة ‪ ،‬علم اإلج رام ‪ ،‬دار الكتب الوطني ة ‪ ،‬بنغ ازي ‪ ،‬ليبي ا ‪ ،‬دون طبع ة‬
‫‪ ، 2003‬ص ‪. 122‬‬
‫‪62‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و بالنس بة له ؤالء فق د أثبتت اإلحص اءات الرس مية أن نس بة إج رامهم تف وق بكث ير‬
‫نس بة إج رام ال بيض ‪ ،‬و أن نس بة إج رامهم مقارن ة بع ددهم تش ير إلى أن نس بة اإلج رام‬
‫بينهم أعلى بكثير من نسبة عددهم إلى مجموع سكان الواليات المتحدة األمريكية ‪.‬‬
‫فبعض الدراس ات اإلحص ائية يس تدل منه ا على أن حجم إج رام الزن وج يق رب من‬
‫ثالثة أمثال نسبتهم إلى مجموع السكان ‪.‬‬
‫و أظه رت دراس ات أخ رى أجراه ا بعض الب احثين أن الس ود أك ثر إجرام ا من‬
‫البيض و أن طابع إجرامهم يغلب عليه العنف و السطو و السرقة و اإلغتصاب ‪.‬‬
‫وق د تب اينت آراء الب احثين تباين ا ش ديدا إزاء ه ذه اإلحص ائيات ‪ ،‬فمنهم من وص فها‬
‫بعدم الصحة و التضليل ‪.‬‬
‫فخلص إلى أن الس اللة ال أث ر له ا على ظ اهرة اإلج رام ‪ ،‬و منهم من إعتم د‬
‫على ص حتها ف أقر بكثرة إجرام السود ‪ ،‬غ ير أن الذين سلموا بزي ادة إجرام السود عن‬
‫غيرهم لم يتفقوا جميعا على اإلعتراف للساللة بالوحدانية في تفسير هذا اإلجرام ‪.‬‬
‫أما الذين رفضوا داللة هذه اإلحصاءات فقد شككوا في قيمتها و في داللتها على‬
‫أن اإلج رام ل دى الس ود يف وق إج رام ال بيض في حجم ه ونوع ه ‪ .‬ومن ه ؤالء الب احث‬
‫األم ريكي " س يلين " ال ذي درس ه ذه اإلحص اءات دراس ة نقدي ة على ض وء ظ روف‬
‫المجتمع األمريكي و خلص في دراسته إلى أن ما إنتهت إليه مضلل و ال يمثل الحقيقة‬
‫في شيء‪.‬‬
‫و منهم كذلك " كليفورد شو " الذي أنكر تأثير األصل الذي ينتمي إليه السكان على‬
‫تك وين الشخص ية اإلجرامي ة ‪ ،‬و رد عوام ل تك وين ه ذه الشخص ية إلى س وء األح وال‬
‫و الظ روف اإلجتماعي ة ‪ ،‬و اإلقتص ادية ال تي يحياه ا أف راد جماع ة معين ة ‪ .‬إذ أن ه ذه‬
‫الظروف هي التي تمارس تأثيرها على تحديد معدالت اإلجرام (‪. )1‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬حمدي رجب عطية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 125‬و ما يليها ‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و الواق ع أن ه ؤالء الب احثين على ص واب حين تش كيكهم في القيم ة العلمي ة ألس لوب‬
‫مالحظة اإلحصاءات الجنائية في الواليات المتحــدة األمريكية ‪ ،‬فمن المحتمل أال تكون‬
‫ه ذه اإلحص اءات تعب يرا ص ادقا على الحقيق ة و واق ع الحي اة في المجتم ع األم ريكي من‬
‫حيث توزيع نسبة اإلجرام الفعلي بين األغلبية واألقلية فيه ‪.‬‬
‫و يرى بعض الباحثين ‪ ،‬بحق أن المجتمع األمريكي المعاصر متحيز ضد السود‬
‫بش كل واض ح و تح يزه ليس نوع ا من العنص رية ال تي تش اهد بين أف راد كث ير من‬
‫المجتمع ات ب ل أن ه س مة عام ة تم يز أجه زة الدول ة بم ا فيه ا أجه زة الش رطة و العدال ة‬
‫و تب دو مظ اهر ه ذا التح يز متع ددة ‪ ،‬و منه ا اإلس راف في إته ام‬ ‫الجنائي ة ذاته ا‬
‫الزنــوج و مي ل أجه زة الش رطة ن احيتهم كلم ا ارتكبت جريم ة ‪ ،‬مم ا يعرض هم للقبض‬
‫عليهم بم برر و دون م برر و منه ا ق درة ال بيض على إخف اء ج رائمهم و التخلص مم ا‬
‫مما يجعل الرقم األسود بالنسبة لجرائمهم أكبر بكثير منه‬ ‫يوجه إليهم من اتهامات‬
‫بالنسبة لجرائم السود ‪ ،‬الذين قلما يفلتون من قبضة الشرطة بل إن التحيز ق د وص ل إلى‬
‫داخل القضاء نفسه و يبدو أثر ذلك في زيادة نسبة األحكام الصادرة ضد السود باإلدانة‬
‫و في متوسط العقوبة التي يقضي بها على هؤالء ‪ .‬فقد لوحظ أن الحد األقصى للعقوبة‬
‫يكون غالبا من نصيب السود بينما الحد األدنى للمتهم األبيض اللون (‪. )1‬‬
‫و في ألمانيا يقرر بعض العلماء ‪ ،‬أن السلوك اإلجرامي في جماعة ما ليس سوى‬
‫نتاج لخصائص هذه الجماعة في زمان و مكان معينين ‪ ،‬و هي خصائص تحددها البيئ ة‬
‫التي تعيش فيها هذه الجماعة و قد استخلصوا من ذلك أن تباين الش عوب في خصائص ها‬
‫النفسية و العقلية يعد سببا يؤثر في إجرامها كما و نوعا ‪ .‬و قد فسر ذلك بأن كل س اللة‬
‫لها طبائع معينة تميزها و تعد بمثابة عامل يساعد على إجرام طائفة من أفرادها توافر‬
‫فيهم تكوين أو إستعداد إجرامي موروث عن اآلباء ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 130‬وما يليها ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫وبه ذا فق د خلص العلم اء ‪ ،‬إلى أن الس اللة ال ت أثير له ا على اإلج رام الس ود أو‬
‫غيرهم‬
‫و أن إجرامهم ال يختلف عن إجرام غيرهم ‪ ،‬و يعني هذا أن الساللة ال أثر لها في حــد‬
‫ذاتها على اإلجرام ‪ ،‬لكن نفرا منهم داخل الواليات المتحدة األمريكية و خارجها يرون‬
‫أن لعام ل الجنس دورا في تحدي د إج رام طائف ة الس ود في الوالي ات المتح دة ‪ ،‬و أن‬
‫التحيز ضدهم ال يقوى بمفرده على تفسير زيادة نسبة إجرامهم عن غيرهم من السكان‬
‫و يقرر هؤالء أن التحيز يمثل حاالت فردية ال مغزى لها بالنظر إلى ضخامة حاالت‬
‫و أن هنالك مبالغة في أثر التحيز على إجرام السود ‪.‬‬ ‫اإلجرام‬
‫وإ ذا ك ان ه ؤالء يس لمون أن الس ود أك ثر إجرام ا من ال بيض ‪ ،‬ف إنهم يختلف ون في‬
‫تفسير الظاهر و تحديد أسبابها فمنهم ‪ .‬من يعزو ذلك إلى أن السود أضعف من البيض‬
‫في مقاوم ة الن وازع اإلجرامي ة بحكم ط بيعتهم و يق ود منط ق ه ذا ال رأي إلى اإلع تراف‬
‫بأثر الساللة على معدل اإلجرام ‪ .‬و منهم من يرى أن إجرام السود يفسره كونهم أقلية‬
‫و أن األقليات بطبيعتها أكثر إجراما لشعورها بالضعف في مواجهة الغالبية من السكان‬
‫و يع زو البعض اآلخ ر ذل ك إلى أن م ا يعاني ه الس ود بس بب التفرق ة العنص رية ض دهم‬
‫من إحب اط نفس ي يول د حق دا على الغالبي ة يتجس د في ص ورة إرتك اب ج رائم ك رد فع ل‬
‫على هذا الظلم ‪)1( .‬‬
‫و يرى البعض كذلك أن زيادة إجرام السود يفسرها كونهم أقل حظا من البيض في‬
‫المستوى اإلقتصادي و أسوأ منهم في أحوالهم الصحية و المعيشية و االجتماعية بوجه‬
‫ع ام ‪ ،‬و قي ل أيض ا ب أن زي ادة مع دل إج رام الس ود عن إج رام ال بيض ال ترج ع إال إلى‬
‫تش دد الس لطات العام ة م ع الس ود ‪ .‬مم ا ي ؤدي إلى ض بط ج رائمهم و إتخ اذ اإلج راءات‬
‫و ه و م ا يقل ل _ كم ا رأين ا _ حجم ال رقم األس ود بالنس بة لج رائمهم عن‬ ‫ض دهم‬
‫حجمه بالنسبة لجرائم البيض ‪ ،‬و هذا ما يكفي لتفسير الف ارق بين معدل إجرام هؤالء‬
‫و أولئك و منه ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جدير بالذكر في هذا الصدد ‪ ،‬أن من أهم علماء اإلجرام القائلين بهذا الرأي هو العالم الشهير‬
‫" ليوطي " ‪ .‬لمزيد من التفصيل ‪ ،‬أنظر ‪ _ :‬حمدي رجب عطية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 122‬‬

‫‪65‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أخ يرا من ع زا إج رام الس ود الوالي ات المتح دة إلى عج زهم عن التكي ف م ع ظ روف‬
‫و مع ظروف الحياة اإلجتماعية في البالد ‪ ،‬و هي ظروف تختلف عليه عما‬ ‫المنـاخ‬
‫تعودوا عليه في األماكن التي قدموا منها ‪.‬‬
‫و الواق ع من األم ر ‪ ،‬أن ارتف اع مع دل إج رام الس ود ال يمكن نس بته إلى ك ونهم‬
‫س اللة متم يزة بتك وين بيول وجي خ اص يجعلهم نزاع ون إلى اإلج رام أك ثر من غ يرهم‪،‬‬
‫فما هذا الزعم إال مظهر من مظاهر التفرقة العنصرية ضد السود في الواليات المتحدة‬
‫و في غيره ا من ال دول بص فة عام ة ‪ .‬إنم ا ال ذي ن راه أن ك ثرة إج رام‬ ‫خاص ة‬
‫السود مقارنة بإجرام غيرهم مردها إلى سوء الظروف اإلقتص ادية و اإلجتماعية التي‬
‫تحي ط بهم داخ ل الوالي ات المتح دة ‪ ،‬ذل ك أنهم محروم ون من ف رص الحي اة المالئم ة و‬
‫من اإلس هام الكام ل في كف ة مظ اهر الحي اة األمريكي ة مح اطون بك ل مظ اهر التمي يز‬
‫العنصري ‪.‬‬
‫و إذا إختلفت ظ روف المعيش ة لفئ ة من المجتم ع عن ظ روف غيره ا من الفئ ات‬
‫إنهارت دعوى نسبة إجرامهم إلى عيب أو خلل في تكوينهم البيولوجي يقودهم حتم ا إلى‬
‫اإلجرام ‪ ،‬بل إن هذا الخلل في التكوين قد يعزى هو ذاته إلى الظروف المعيشية التي‬
‫أحاطت بنشأتهم و تطورهم ‪.‬‬
‫و السود في الواليات المتحدة كما قيل سابقا ال يتساوون في ظروفهم المعيشية مع‬
‫ال بيض ‪ ،‬ب ل إن الب ؤس و التخل ف من نص يبهم و ح دهم و إن ك انت الظ روف المعيش ية‬
‫غير متماثلة ‪ .‬فإنه يكون من الظلم نسبة إجرام السود إلى إختالف ساللتهم عن غيرهم‬
‫من الس كان ‪ ،‬فض ال عم ا في ذل ك من خط أ علمي و حي اد عن الموض وعية في البحث‬
‫و الث ابت علمي ا أن تب اين الق درات ب إختالف األجن اس ه و زعم ال يس نده دلي ل علمي‬
‫وال يمكن التس ليم ب ه (‪ ، )1‬إال إذا تس اوت األجن اس كاف ة في ظ روف المعيش ة و ه و‬
‫أمـ ـ ـ ــر‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ _ )1‬و في هذا الصدد يمكن القول ‪ ،‬أنه حتى و لو سلمنا بتزايد معدالت إجرام الزنوج أو السود‬
‫إال أنه ال يمكن التسليم بحجة إختالف الساللة بين السود و البيض ‪ ،‬حيث أنه ال يمكن إنكار النزعة‬
‫العنص رية و اإلض طهاد و ال رفض اإلجتم اعي ال ذي تع اني من ه س اللة الس ود ‪ ،‬ض ف إلى ذل ك ف إن‬
‫التحليل العلمي الموضوعي المجرد يستبعد تماما وجود صلة بين عامل الساللة و اإلجرام ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫يس تحيل الوص ول إلي ه ‪ ،‬و إذا ك ان األم ر ك ذلك فإن ه يك ون من الخط أ علمي ا ع زل‬
‫السـ ـ ــود في الواليات المتحدة األمريكية عن ظروفهم المعيشية للبحث بعد ذلك عن م برر‬
‫لزيادة معدل إجرامهم عن معدالت غيرهم من السكان ‪ ،‬إذ لن يكون هناك سوى دعوى‬
‫اختالف ساللتهم لتحميلها بمسؤولية إفراطهم في اإلجرام‪.‬‬
‫خالصة ما تقدم ‪ ،‬أنه ال تعد الساللة من عوامل اإلجرام ألنها غريبة عن ظاهرة‬
‫اإلج رام كم ا و نوع ا ‪ ،‬و إذا ظه ر من التجرب ة العلمي ة أن قوم ا يزي د إج رامهم عن‬
‫غيرهم فال ينبغي البحث عن تفسير لتلك الزيادة في إعتبارات تتعلق باإلنتماء العرقي‬
‫إلى ساللة معينة و متميزة بخصائص توجه حتما سلوكها وجهة اإلجرام ‪ ،‬و إنما يتعين‬
‫النظ ر إلى ظ روف معيش ة ه ؤالء الق وم إذ هي ال تي تك ون شخص ياتهم و تتحكم في‬
‫نوازعهم و توجه سلوكهم ‪ ،‬فأصل الخلق جميعا ال يختلف مهما تفرقوا شعوبا و قبائل و‬
‫إنم ا ال ذي يختل ف و يتب اين ه و البيئ ة ال تي يحي ا فيه ا ك ل ش عب و الظ روف ال تي تحي ط‬
‫بأبناء كل قبيلة (‪. )1‬‬
‫و على كل حال فليس من العلم في شيء القطع بأن هناك سالالت أو أجناس تتميز‬
‫عن غيره ا في أن اإلج رام ‪ .‬ال وج ود ل ه بين أفراده ا فلك ل س اللة من ظ اهرة اإلج رام‬
‫نصيبا و إن اختلفت _ فرضا _ صورة اإلجرام بإختالف السالالت ‪ ،‬لكن ليست هناك‬
‫س الالت بأكمله ا مجرم ة كم ا أن ه ليس ت هن اك س الالت بأكمله ا غ ير مجرم ة على‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫و إذا صح فرضا أن اإلستعداد اإلجرامي يمكن أن يورث عن طريق اآلباء ‪ ،‬فإنه‬
‫ال يص ح ح تى مج رد إف تراض أن هن اك إس تعدادا إجرامي ا يمكن أن ي ورث عن طري ق‬
‫الساللة فظاهرة اإلجرام ليست صلة سببية ‪ ،‬بمعنى أن الساللة ال يمكن أن تكون هي‬
‫العامل الوحيد في اإلجرام األفراد الذين ينتمون إلى تلك الساللة ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 135‬وما يليها ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫الفرع الخامس‬
‫التكوين اإلنساني و العلل‬

‫من ذ أق دم العص ور والن اس ترب ط بين هيئ ة اإلنس ان الخارجي ة و الجريم ة ‪ ،‬و‬
‫إعت بروا مالمح الوج ه و ش كل األعض اء الخارجي ة بمثاب ة أم ارات كاش فة عن مكن ون‬
‫و حقيقة الذات ‪ ،‬ففالسفة اإلغريق أمثال إيبوقـراط و سقـراط و أرسطو و‬ ‫النفس‬
‫أفالط ون إكتف وا نس بة الجريم ة إلى نفس ية ش اذة و مض طربة ‪ ،‬يرج ع ش ذوذها و‬
‫إضطرابها أساسا إلى عيوب أو تشوهات عضوية خلقية ‪.‬‬
‫و منذ القرن الخامس قبل الميالد قام إيبوقراط بتصنيف الناس إلى نماذج و أنماط‬
‫مزاجية على أساس تكوينهم البدني و لم يتحلل علم اإلجرام من تلك النظرة (‪ ، )1‬بل‬
‫إن الب احثين في ه تلقفوه ا بطريق ة س طحية في بداي ة األم ر ثم بطريق ة علمي ة بع د ذل ك ‪،‬‬
‫السيما منذ أن خرج العالم اإليطالي لمبروزو إلى المأل بنموذجه البشري اإلجرامي و‬
‫قال بفكرة المجرم بالميالد أو بالتكوين مرجعا سلوكه اإلجرامي إلى تكوينه البدني الذي‬
‫ينفرد بخصائص جسدية تميزه عن غير المجرمين ‪.‬‬
‫و المقصود بالتكوين اإلنساني ‪ ،‬تلك المميزات و الصفات الخلقية التي تتوافر في‬
‫الش خص من ذ والدت ه س واء تعلقت بأعض ائه أو بنفس ه ‪ ،‬و ق د ك انت هن اك من ذ الق دم‬
‫محاوالت عديدة لربط الصفات الجسدية بما تخفيه النفس البشرية من أسرار ‪ ،‬وهو ما‬
‫أخ ذه علم اء اإلج رام و ح اولوا إس قاطه على الظ اهرة اإلجرامي ة ‪ ،‬ثم ح اولوا ص قله في‬
‫ق الب علمي و ه و م ا ح دث م ع لم بروزو ‪ ،‬ول و أن ه من العس ير الرب ط بثق ة كب يرة بين‬
‫التكوين العضوي واإلجــرام ‪ ،‬ألن الدراسات العلمي ـ ــة حتى اآلن لم تج ـ ـ ــزم بقطعي ـ ــة تلـــك‬
‫ولو أنهــا ال يمكن أن تنفي الصلة تماما ‪ ،‬فهناك علماء في الطب مثال حاولوا‬ ‫الصلة‬
‫إثبات فكرة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪Herschl Prins , Criminal behavior An introduction to its , Stady and treatment , _ :‬‬
‫‪. New York , pitman publishing , 1973 , p 49‬‬

‫‪68‬‬
‫الفصـــــــل األول ‪..............................................................................‬اإلطـــــــار العـــــــام لعلم‬
‫اإلجرام‬

‫التواص ل بين عم ل أو ع دم عم ل بعض األج زاء من جس م اإلنس ان و ظ اهرة اإلج رام‬


‫كبعض الغدد التي لها دور في عمل الجسم و مزاج اإلنسان و سلوكياته (‪. )1‬‬
‫و قد كان للتكوين النفسي أيضا دور كبير من اإلهتمام من قبل العلماء المختصين‬
‫بعلم اإلجرام ‪ ،‬و هو المقصود به عندهم مجموعة العوامل الداخلية التي تؤثر في تكيف‬
‫الفرد مع المجتمع الخارجي و البيئة التي يعيش فيها ‪ ،‬هذا التكوين الذي يرجع لتداخل‬
‫عدة عوامل مجتمعة أشار الباحثون إلى أنه في حال احتواءه على خلل قد يكون السبب‬
‫في إرتك اب األف راد لج رائم مختلف ة (‪ ، )2‬و ل و أن ه أيض ا ال يمكن الج زم بأن ه الوحي د‬
‫الذي يؤدي قطعا إلى اإلجرام ‪.‬‬
‫و للتك وين العقلي أيض ا نص يبه من اإلهتم ام ل دى علم اء اإلج رام ‪ ،‬لم ا رأوا من‬
‫أهمية بارزة في تأثيره على الفرد الذي قد يرتكب الجرائم المختلف ة و الخطيرة إن ش اب‬
‫تكوينه العقلي نقص أو عاهة أو إختالل ‪ ،‬و الذكاء العقلي الذي يقصد به تلك المقدرة‬
‫على التفك ير و الفهم ه و أهم م ا يم يز اإلنس ان عن الحي وان ‪ ،‬فهو تل ك اإلمكاني ات ال تي‬
‫تحـدد ق درة الش خص على تك ييف س لوكه م ع الظ روف البيئي ة المتغ يرة ‪ ،‬و أهم ه ذه‬
‫اإلمكانيات اإلدراك و التفكير و التذكر و التخيل (‪. )3‬‬
‫ويتن وع الن اس في نظ ر العلم اء إلى عب اقرة و هم و ن ابغون و هم قل ة في المجتم ع‬
‫و متوسطي الذكاء و يمثلون الغالبية منه ‪ ،‬و قليلي الذكاء أو ضعاف العقول و هم أيضا‬
‫يمثلون نسبة قليلة منه ‪.‬‬
‫و قد إختلف العلماء حول تحديد الصلة بين الذكاء و السلوك اإلجرامي‪ ،‬و لو أنهم‬
‫في األخ ير وص لوا إلى ع دم وج ود ص لة حتمي ة بين مس توى ال ذكاء و اإلج رام و ليس‬
‫معناه‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 164 _145‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬سيجموند فرويد ‪ ،‬مدخل إلى التحليل النفسي ‪ ،‬ترجمة جورج طرابلس ‪ ،‬دار الطليعة‬
‫ب يروت ‪ ، 1980 ،‬ط ‪ ، 1‬ص ‪ . 625‬و أنظ ر أيض ا ‪ _ :‬جالل ث روت ‪ ،‬الظ اهرة اإلجرامي ة‬
‫اإلسكندرية ‪ ، 1972 ،‬ص ص ‪. 65_ 62‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 115_114‬‬

‫‪69‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أن ه هن اك فق ط عالق ة _ و ل و ك انت غ ير قطعي ة _ بين ض عاف العق ول و المستـوى‬


‫اإلج رامي ‪ .‬فق د ثبت ض لوع ح تى من هم على مس توى جي د و مس توى ع ادي بالس لوك‬
‫اإلج رامي فق ط ‪ ،‬اإلختالف يتعل ق بن وع الج رائم المرتكب ة حس ب إمكاني ات المج رم‬
‫العقلية مع إتحاد و تداخل ظروف أخرى بالطبع (‪. )1‬‬
‫و ب الرجوع إلى م ا ذهب إلي ه لم بروزو ‪ ،‬نج ده أن ه ق د خلص إلى وج ود نم وذج‬
‫بشري إجرامي يتميز فيه المجرم بخص ائص بدنية ال تت وافر ل دى غيره و تقوده حتما‬
‫إلى اإلج رام في ي وم م ا ‪ ،‬و ق د وص ف لم بروزو الش كل الخ ارجي للمج رم و أعض ائه‬
‫بحيث يمكن التع رف علي ه من هيئت ه الخارجي ة و ش كل أعض ائه و حجمه ا ‪ ،‬لكن نظ را‬
‫من الخصائص التي ذكرها لمبروزو تتوافر في غير المجرمين مثلما‬ ‫ألن كثيرا‬
‫تتوافر في المجرمين كما أنها قد ال تتوافر في بعض المجرمين ‪ ،‬فقد قيد لمبروزو من‬
‫نط اق نظريت ه و حص ر الخص ائص الجس دية في طائف ة معين ة و ص نف المج رمين إلى‬
‫عدة فئات ‪ ،‬وعلى رأسها طائفة المجرم بالفطرة أو بالميالد (‪ ، )2‬و من ثم عدل عن‬
‫تعميم النتائج التي وصل إليها مقررا أن ما يقارب الخمسة والعشرين في المائة يعتبرون‬
‫مج رمين ب الميالد لت وافر الخص ائص ال تي ذكره ا فيهم ‪ ،‬و ق د إنتق دت نظري ة لم بروزو‬
‫عن وجهات ثالث ‪:‬‬
‫_ الوجه األول ‪:‬‬
‫أن لم بروزو لم يق دم تفس يرا علمي ا على وج ود إرتب اط بين الخص ائص البدني ة و‬
‫الميل الحتمي إلى اإلجرام ‪ ،‬و إنما إكتفى بالقول بوجود هذا اإلرتباط و بتأكيد أثره في‬
‫إلى السلوك اإلجرامي ‪.‬‬ ‫الدفع‬
‫_ الوجه الثاني ‪:‬‬
‫أن ه من غ ير الممكن وجود مج رم ب الميالد ‪ ،‬ألن الجريم ة خل ق ق انوني و وص ف‬
‫تش ريعي يض فى علــى س لوك معين ‪ .‬يخ رق قيمــا إجتماعي ة في زم ان و مك ان‬
‫محددي ـ ـ ـ ـ ـ ــن‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر‪ _ :‬الس راج عب ود ‪ ،‬الوج يز في علم اإلج رام و العق اب ‪ ،‬الطبع ة ‪ ، 1‬جامع ة الك ويت‬
‫الكويت ‪ ، 1979 ،‬ص ‪. 80‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر ‪ _ :‬ن ور ال دين هن داوي ‪ ،‬مب ادئ علم العق اب ‪ ،‬دار النهض ة العربي ة ‪ ،‬الق اهرة ‪1989 ،‬‬
‫ص ‪. 38‬‬
‫‪70‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و من ثمة تختلف األفعال المجرمة بإختالف الزمان و تغير المكان ‪ ،‬لذلـ ـ ـــك يك ـ ـــون من‬
‫العبث الكالم عن مج رم ب الميالد ‪ ،‬ألن ه ذا المج رم و وج وده يتن افى م ع نس بية فك رة‬
‫الجريم ة ‪ ،‬إذا ال يس وغ الق ول ب أن ص فات معين ة في ش خص م ا يمكن أن تدفع ه إلى‬
‫إرتكاب فعل قد يعد جريمة و قد ال يعد كذلك وفقا لظروف المجتمع ‪ ،‬اللهم إال إذا كان‬
‫لمبروزو يقص نظرته على الجرائم الطبيعية دون غيرها ‪.‬‬
‫_ الوجه الثالث ‪:‬‬
‫أن الخصائص التي حددها لمبروزو للمجرم بالميالد ليست بالضرورة وقفا عبيه‬
‫دون غيره و هي ليست من الشذوذ ‪ ،‬بحيث يستحيل توافرها عند غيره من الجرمين فقد‬
‫تتوافر لدى خيار الناس و رغم ما وجه من نقد لنظرية لمبروزو ‪ ،‬إال أنها كانت فاتحة‬
‫لسلسلة من األبحاث عن عالقة التكوين البدني بظاهرة اإلجرام ‪ .‬و هي أبحاث قام بها‬
‫علماء اإلجرام بعد لمبروزو بهدف تأييد نظريته أو ضحدها ‪ ،‬و كان من تأثير مدرسة‬
‫لمبروزو األنتروبولوجية أن إتجه فريق من علماء اإلجرام إلى محاولة تفسير الظاهرة‬
‫اإلجرامية باإلعتماد على الخصائص البدنية دون غيرها ‪.‬‬
‫و ك ان من ه ؤالء ع الم اإلج رام اإلنجل يزي ‪ ،‬ج ورنج ‪ ،‬ال ذي ق ام بدراس ات لم دة‬
‫ثمانية أعوام بقصد إختبار نظرية لمبروزو ‪ ،‬شملت ثالثة آالف من المجرمين الخطرين‬
‫باإلض افة إلى ع دد كب ير من غ ير المج رمين ‪ ،‬منهم بعض طلب ة الجامع ات و الضبـاط‬
‫و الجن ود و ن زالء المستش فيات ‪ ،‬و العم ال ‪ ،‬و إهتم ج ورنج بقي اس مختل ف أعض اء‬
‫الجس م الس يما حجم الجمجم ة ‪ ،‬أو في ش كل األعض اء األخ رى و أن الص فات الخاص ة‬
‫التي م يز بها لم بروزو المجرم ب الميالد عن غيره تت وافر عند غ يره في ع دد كب ير من‬
‫و غ ير المج رمين على ح د س واء (‪ . )1‬وإ س تخلص من المقارن ة ال تي‬ ‫المج رمين‬
‫أجراها بين المجرمين و غيرهم ‪ ،‬أن تلك الصفات ال تبرر اإلجرام بالنسبة لطائفة من‬
‫األفراد إذ ال توجـ ـ ــد صلـ ـ ــة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬حسين إبراهيم ص الح عبي د ‪ ،‬و رف اعي سيد سعد أبو حلب ة ‪ ،‬مقدم ة القانون الجنائي‬
‫مب ادئ علم اإلج رام و العق اب ‪ ،‬دار النهض ة العربي ة ‪ ،‬د‪.‬ب‪.‬ن ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ، 1998 ،‬ص ص ‪_ 21‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪71‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬
‫م ا بينه ا وبين الظ اهرة اإلجرامي ة ‪ ،‬و من ثم ة انتهى إلى رفض نظري ة لم بروزو عن‬
‫المجرم بالميالد‪.‬‬
‫بي د أن ج ورنج إنتهى إلى وج ود ف روق أخ رى بين المج رمين و غ ير المج رمين‬
‫تتعلق بالحجم و الوزن ‪ ،‬و قرر لذلك أن الفرق بين المجرم و غير المجرم فيما يتعلق‬
‫ب التكوين الب دني ينحص ر في ال وزن و الحجم بص فة عام ة ‪ ،‬فق د ت بين ل ه من المقارن ات‬
‫التي أجراها أن المجرم يتميز عن الشخص العادي بضآلة جسمه و قلة وزنه ‪ ،‬إذ أنه‬
‫و أخ ف وزن ا و أق رب المج رمين إلى األف راد الع اديين في ال وزن و‬ ‫أق ل حجم ا‬
‫الحجم و ال وزن هم النص ابون ‪ ،‬فهؤالء ال يختلف ون كث يرا عن عامة الن اس ال من حيث‬
‫حجمهم و ال من حيث وزنهم ‪ ،‬و أبع د المج رمين عن عام ة الن اس في أوزانهم و‬
‫أحجامهم هم اللصوص فهؤالء هم أكثر المجرمين اختالفا عن األفراد الع اديين إذ أنهم‬
‫و زن ا ‪ ،‬و فيم ا بين ه اتين الط ائفتين يت درج المجرم ون في‬ ‫أك ثرهم ض آلة و أخفهم‬
‫الحجم و الوزن ‪ ،‬و فضال عن ذلك قرر جورنج أن متوسط الذكاء لدى المجرمين أقل‬
‫من ه ل دى غ ير المج رمين ‪ ،‬و يع ني ذل ك أن ج ورنج يع ني أن المج رمين يتم يزون عن‬
‫أو اإلنحطاط البدني و العقلي ‪)1( .‬‬ ‫األشخاص العاديين بالدونية‬
‫و لم يقنع جورنج بتقرير هذه المالحظات كما فعل لمبروزو‪ ،‬كما أنه لم يحاول‬
‫إثبات الصلة المباشرة بين النقص التكويني للشخص و بين اإلجرام ‪ ،‬بل أنه ق دم تفس يرا‬
‫لتأثير ذلك النقص في التصرف الشخصي لألفراد ‪.‬‬
‫و مقتض ى ه ذا التفس ير أن العالق ة بين التك وين الب دني و بين الس لوك اإلج رامي‬
‫هي عالقة غير مباشرة ‪ ،‬فاألقوياء بدنا و عقال يشقون طريقهم في معركة الحياة بيسر‬
‫و نج اح ‪ ،‬و من ثم ة يوفق ون إلى العم ل المالئم ال ذي يكفي دخل ه للوف اء بحاج اتهم ‪،‬‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬يسر أنور علي ‪ ،‬و أمال عبد الرحيم عثمان ‪ ،‬الوجيز في علم اإلجرام و علم العقاب ‪،‬‬
‫دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1980 ،‬ص ‪.7‬‬

‫‪72‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫يفكرون في إرتكاب جرائم السرقة للحصول على المال ‪ ،‬كما أنهم أسوياء الخلقة يلقون‬
‫قب وال من الجنس اآلخ ر ييس ر لهم إختي ار ش ركائهم في الحي اة ‪ ،‬و يس هل لهم ال زواج‬
‫و تك وين أس رة فال يرتكب ون الج رائم األخالقي ة و ج رائم اإلعت داء على الع رض و‬
‫إس تقرارهم الم الي ال ذي يه يئ لهم س بل الحي اة الس وية ‪ ،‬يجنبهم ك ذلك ك ثرة اإلنفع ال و‬
‫يمكنهم من الس يطرة على إنفع الهم و غض بهم ‪ ،‬و في ه ذا م ا يكف ل لهم تجنب ج رائم‬
‫العن ف و يع ني ذل ك من وجه ة نظ ر ج ورنج أن األقوي اء ب دنا و عقال يكس بون معرك ة‬
‫الحي اة من أج ل العيش ب الطرق المش روعة فال يقع ون في ب راثن الجريم ة ‪ ،‬ال تي ي نزلق‬
‫إليها الضعفاء من الناس ‪.‬‬
‫و من الدراس ات ال تي أج ريت الختب ار نظري ة لم بروزو م ا ق ام ب ه هوت ون ع الم‬
‫األنثروبولوجي ا األم ريكي ‪ ،‬ال ذي فحص أك ثر من س بعة عش ر ألف ا من المج رمين‬
‫المودعين في السجون و اإلصالحيات و غير المجرمين ‪ ،‬وحدد لكل واحد منهم ‪107‬‬
‫مقاس ا ان ثروبولوجي أو عض وي ‪ ،‬و من ه ذه الدراس ة أك د هوت ون وج ود إختالف بين‬
‫و غ يرهم من حيث مالمح الوج ه و من حيث ال وزن و الط ول ‪ .‬و بص فة‬ ‫المج رمين‬
‫عامة خلص إلى أن المجرمين أقل من غيرهم وزنا و حجما و تناس قا في الجسم ‪ ،‬و أن‬
‫ه ذه الص فات ال دنيا ق د ت وافرت فيهم بفع ل الوراث ة (‪ ، )1‬و أنه ا تم يز المج رمين فيم ا‬
‫بينهم بحيث ينقسمون إلى فئات و يتميز أفراد كل فئة بصفات معينة ‪.‬‬
‫و قد فسر هوتون الصلة بين هذه الصفات الدنيا و اإلجرام ‪ ،‬مقررا أن من تتوافر‬
‫بهم هذه الصفات يعيشون في ظروف بيئية قاسية يعجزون لض عفهم عن مقاوم ة تأثيرها‬
‫و الصمود في مواجهتها فينزلقون إلى طريق الجريمة ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬يسر أنور علي و أمال عبد الرحيم عثمان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 77 _ 76‬‬
‫و أنظر‪ _ :‬عمر السعيد رمض ان ‪ ،‬دروس في علم اإلج رام ‪ ،‬محاض رات ألقيت على طلب ة دبلوم‬
‫القانون الجنائي بكلية الحقوق ‪ ،‬جامعة القاهرة ‪ ، 1975_1974 ،‬ص ‪. 22‬‬
‫‪73‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫المطلب الثاني‬
‫العوامل المكتسبة‬

‫و هناك من يطلق عليها تسمية العوامل الخارجية أو البيئية ‪ ،‬و هي بهذا الشكــل‬
‫تقابل العوامل الداخلية التي تؤدي باألفراد إلى إرتكاب الجريمة ‪ ،‬و متنوعة أيضا في‬
‫نظر العلماء المهتمين بأسباب الظواهر اإلجرامية ‪.‬‬
‫و في هذا المطلب ‪ ،‬سنتناول الخمر و عالقتها باإلجرام من خالل الفرع األول ‪،‬‬
‫ثم المخ درات وعالقته ا ب اإلجرام من خالل الف رع الث اني ‪ ،‬و أخ يرا التعليم و عالقت ه‬
‫باإلجرام من خالل الفرع الثالث ‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫الخمر و عالقتها باإلجرام‬

‫أقر علماء اإلجرام بوجود صلة بين الخمر و بين السلوك اإلجرامي ‪ ،‬خصوصا‬
‫إذا كان متناوله ذي سلوك إجرامي كامن ‪ ،‬ألن الخمر يجعل الفرد أكثر جرأة و إقداما‬
‫على ارتكاب الفعل اإلجرامي و لو كانت الكمية المتناولة قليلة ‪)1( .‬‬
‫وق د يك ون ه ذا الت أثير على الس لوك اإلج رامي مباش را يمس الش خص مباش رة‬
‫و قد يكون غير مباشر فيمسه عبر الظروف االجتماعية القاسية التي تتولد عنه ‪ ،‬و هذا‬
‫من خالل ما يعتري الفرد من نقص في اإلدراك و التمييز و يوقظ فيه مطالبه الغريزية‬
‫و يقل ل الس يطرة على اإلرادة و ل و أن ه ليس ل ه نفس الت أثير على من يتناول ه ‪ ،‬و لكن‬
‫يزداد هذا التأثير و يظهر على من لديهم ميل و إستعداد إجرامي ‪ ،‬إذ يفقدون مع شرب‬
‫الخمر كل سيطرة على الدوافع التي تحرك لديهم هذا الميل فيندفعون بسهولة و بتأثير‬
‫كمية قليلة من الخمر إلى ارتكاب الجريمة (‪. )2‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر ‪ _ :‬محم د خل ف ‪ ،‬مب ادئ علم اإلج رام ‪ ،‬ال دار الجماهيري ة للنش ر و التوزي ع ‪ ،‬ليبي ا ‪،‬‬
‫الطيبعة‪ ، 1965 4‬ص ص ‪. 222 _ 221‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر‪ _ :‬حس نين ع زت ‪ ،‬المس كرات و المخ درات بين الش ريعة و الق انون ‪ ،‬دراس ة مقارن ة ‪،‬‬
‫الطبعة ‪ ، 1‬دون دار نشر ‪ ،‬مصر ‪ ، 1986 ،‬ص ‪. 81‬‬
‫‪74‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫كم ا ق د يك ون الت أثير غ ير مباش ر و يتجس د في ص ورة أن الف رد عن د تناول ه للخم ر‬


‫كثيرا يؤدي به األمر إلى اإلصابة ببعض األمراض النفسية و العقلية و التي قد تكون‬
‫ع امال من العوامل المؤدي ة لإلجرام ‪ ،‬كم ا أنه ب اإلفراط على ه ذه اآلفة قد يؤثر علـى‬
‫و حالته اإلجتماعية و اإلقتصادية حيث تلح عليه مطالب إدمانه ‪ ،‬ما يؤدي‬ ‫دخله‬
‫بها األمر إلى إنفاق أمواله أو دخله على هذه اآلفة ما يؤدي إلى سوء حالته و يؤدي به‬
‫إلى ارتكاب جملة من الجرائم (‪. )1‬‬
‫و به ذا فق د حظيت الخم ر في الدراس ات اإلجرامي ة بإهتم ام كب ير من ذ زمن طوي ل‬
‫و دلت األبحاث التي أجريت على أهمية دور الخمر في الظاهرة اإلجرامية ‪ ،‬و أصبح‬
‫من المسلم به اليوم أن الخمر عامل من عوامل اإلجرام ‪.‬‬
‫و عالق ة الخم ر ب اإلجرام عالق ة وطي دة و متع ددة الج وانب ‪ ،‬إذ الخم ر تتص ل‬
‫بالجريم ة من ثالث ة وج وه ‪ ،‬فهي ت ؤثر على ش اربها و تدفع ه إلى اإلج رام مباش رة أو‬
‫بطريق غير مباشر ‪ ،‬و تؤثر الخمر كذلك على ذريته يجعلها أكثر ميال إلى اإلجرام و‬
‫هذه األخيرة تؤثر على شاربها خالل فترة سكره ‪ ،‬و ليس الزم أن يدمن الشخص على‬
‫تناول الخمور لكي يحدث هذا التأثير ‪ .‬فقد أثبت العلماء أن تناول كمية قليلة من الخمر‬
‫تكفي إلحداث تغييرات واضحة في قدراته الذهنية و إثارة دوافعه الغريزية م ع إض عاف‬
‫قدرته على التحكم فيها ‪ ،‬و إذا وصل متناول الخمر إلى حالة السكر الكامل إشتد تأثير‬
‫الخمر عليه من هذه النواحي و كان ذلك دافعا الرتكاب الكثير من األفعال التي يجرمها‬
‫القانون‪.‬‬
‫و من الث ابت علمي ا ‪ ،‬أن الخم ر تقل ل ل دى ش اربها الق درة على اإلدراك و التمي يز‬
‫إذ ينح رف وعي ه و يخت ل تمي يزه و إدراك ه ‪ ،‬و ي ؤثر الس كر على إرادة الش خص‬
‫و يجعله ا ع اجزة عن مقاوم ة ال دوافع الغريزي ة و اإلنقي اد لألفع ال‬ ‫فيض عفها‬
‫اإلجرامية ‪)2(.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الجواد محمد محمد ‪ ،‬الخمر و المخدرات في الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬مجلة القانون‬
‫و اإلقتصاد ‪ ،‬العدد ‪ 4‬الشركة المتحدة للنشر و التوزيع ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1974 ،‬ص ‪. 410‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬يسر أنور علي و أمال عبد الرحيم عثمان ‪ ،‬علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬دون نشر‬
‫دون طبعة‪ ، 1970 ،‬ص ‪ . 223‬و أنظر أيضا ‪ _ :‬رمسيس بهنام ‪ ،‬الجريمة و المجرم في الواقع‬
‫الكوني ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬دون طبعة ‪ ، 1996 ،‬ص ص ‪. 134 ، 123‬‬
‫‪75‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و إجرام السكارى له طبع خاص ‪ ،‬فأغلب جرائم السكر هي جرائم العنف و جرائم‬
‫اإلعت داء على الع رض و اإلهان ة و التش رد و ج رائم الحري ق ‪ ،‬و ال يخفى ألح د ت أثير‬
‫السكر على جرائم اإلهمال و على رأسها الجرائم المرورية ‪.‬‬
‫و يالح ظ أن ت أثير الخم ر على األف راد يختل ف تبع ا إلختالف األف راد في تك وينهم‬
‫و تتض ح الخط ورة بالنس بة لمن ل ديهم مي ل إج رامي ‪ ،‬إذ ين دفعون إلى الج رائم بس هولة‬
‫رغم تناولهم كمية قليلة من الخمر (‪. )1‬‬
‫و تختلف الشعوب كذلك في درجة تأثرها بالخمر و في نوع هذا التأثر فنمها من‬
‫يغ الي في إس تهالك الخم ور دون أن ي ترجم ذل ك بزي ادة في حجم و ن وع الظ اهرة‬
‫اإلجرامية لديه ‪.‬‬
‫و من الش عوب من يس تهلك الخم ور بكمي ات قليل ة و م ع ذل ك يك ون حظ ه من‬
‫اإلج رام كب يرا ‪ ،‬و من ال دول من حظ ر إس تهالك الخم ور تمام ا و لم يثبت أن إج رام‬
‫العنف قل فيها مقارنة بغيرها من الدول التي لم تقم بنفس الحظر ‪.‬‬
‫و لكن ينبغي إدراك ‪ ،‬أن الخم ر ليس ت العام ل الوحي د لإلج رام عموم ا و إلج رام‬
‫العن ف على وج ه الخص وص ‪ ،‬و ه ذا م ا يفس ر إختالف العالق ة بين الخم ر و اإلج رام‬
‫ليس فقط بين األفراد و إنما بين الشعوب أيضا ‪.‬‬
‫و تؤثر الخمر بطريق مباشر على إجرام شاربها ‪ ،‬السيما إذا وصل شاربها إلى‬
‫ح د اإلدم ان على الخم ور‪ .‬ذل ك أن اإلدم ان على المس كرات ي ترتب علي ه في الغ الب‬
‫إص ابة الم دمن ببعض األم راض النفس ية والبدني ة و العقلي ة و ال تي ال تخفى ص لتها‬
‫بالس لوك اإلج رامي ‪ ،‬و ينف ق الم دمن ج زء كب يرا من دخل ه على الخم ر و ال يج د فيم ا‬
‫تبقى له من هذا الدخل ما يكفي لتلبية حاجاته األخرى و حاجات عائلته ‪ ،‬هذا إن كان‬
‫لديه دخال أصال خصوصا و أن الحاجات األسرية متنوعة و كثيرة خصوصا م ع وجود‬
‫األبن اء من مأك ل و مش رب و ملبس ‪ ،‬و مس تلزمات الدراس ة و الص حة و الحض انة و‬
‫حتى الترفي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬حسنين عزت ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 6‬‬

‫‪76‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و ك ل م ا ه و أص بح متع ارف علي ه في ظ ل تط ور المتطلب ات و اإلحتياج ات للحي اة‬


‫العصرية التي تصبوا إليها كل أسرة ‪ ،‬و لهذا يجد المدمن نفسه في ظروف إقتصادية‬
‫صعبة للغاية يندفع على إثرها إلى طريق الجريمة كي يواجه هذه الظروف ‪ ،‬فيرتكب‬
‫جرائم اإلعتداء على األموال مثل السرقة و النصب و خيانة األمانة (‪. )1‬‬
‫و ق د ي ترتب على إدم ان الخم ر أن يفق د الم دمن عمل ه ال ذي ه و مص در دخل ه‬
‫و مص در رزق ه ‪ ،‬و تفس ير ذل ك أن اإلدم ان على الخم ور يقل ل من مق درة الم دمن على‬
‫العمل و اإلنتاج فال ينتظم في عمله و تتناقص كفاءته و يسوء إنتاجه كما و كيفا مما‬
‫ي ؤدي إلى فص له من العم ل و تعرض ه للبطال ة ‪ ،‬فيلج أ إلى الجريم ة كي يع وض عمل ه‬
‫أو يكمل ما نقص من دخله ‪ ،‬و أغلب جرائم المدمنين على الخمور هي جرائم اإلعتداء‬
‫على األموال باإلضافة إلى جرائم التسول و التشرد ‪)2( .‬‬
‫كما يؤثر اإلدمان تأثيرا غير مباشرا على ذرية المدمن من ثالثة وجوه ‪:‬‬

‫_ الوجه األول ‪:‬‬


‫من الناحي ة اإلجتماعي ة و اإلقتص ادية ي ترتب على إدم ان الخم ر قل ة دخ ل الم دمن‬
‫من عمله ‪ ،‬و هو ما يؤثر على أفراد أسرته و إذا ارتكب الجرائم لتعويض الدخل الذي‬
‫بفقده بفقدان عمله ‪ ،‬فقد يحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية فيترك أسرته بال عائل و دون‬
‫مورد رزق يسد به إحتياجاتهم ‪.‬‬
‫و ي ترتب على ذل ك في الغ الب إنهي ار كام ل يح ل بأس رة الم دمن فتنح رف الزوج ة‬
‫و يتش رد الص غار‪ ،‬و ق د ينتهي بهم األم ر إلى طري ق الجريم ة و من هن ا ف الخمر ت ؤثر‬
‫على إجرام أفراد أسرة هذا المدمن تأثيرا غير مباشر‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬حمدي رجب عطية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 170‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬اإلدمان على الخمر و اإلدمان على المخدرات من العوامل المكتسبة‬
‫المؤدية إلى اإلجرام ‪ ،‬المجلة الجزائرية للعلوم القانونية و السياسية ‪ ،‬المجلد ‪ ، 32‬العدد ‪ ، 2‬كلية‬
‫الحقوق ‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ 1‬بن يوسف بن خدة ‪ ، 06/15/1995 ،‬ص ص ‪. 374 _ 346‬‬

‫‪77‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫_ الوجه الثاني ‪:‬‬


‫من الناحية الوراثية (‪ ، )1‬تؤثر الخمر تأثيرا قويا على ذرية المدمن فم ـ ـــن جهـ ـ ـــة‬
‫أثب ـ ـ ـ ـ ـــت العلم اء أن اإلف راط في تن اول الخمور ي ؤدي إلى ارتف اع نسبة الكحول في ال دم‬
‫و تلك خصيصة بيولوجية تنتقل من األصول إلى الفروع ‪ ،‬عن طريق الوراثة و ينتج‬
‫عن ذلك أن إدمان أوالد المدمن يرثون الميل إلى شرب الخمر ‪ ،‬فإن نشأوا فضال عن‬
‫ذل ك في بيئ ة يتن اول أفراده ا الخم ر تح ول المي ل إلى س لوك فعلي فيش ربون الخم ر وق د‬
‫ي دمنون عليه ا و يع ني ذل ك أنهم يخض عون ل ذات العوام ل ال تي ت ؤثر في إج رام ش ارب‬
‫الخمر و مدمنها ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى ‪ ،‬ثبت علميا أن وجود األبوين أحدهما أو كالهما في حالة سكر‬
‫وقت اإلتصال الجنسي الذي نشأ عنه الحمل ‪ ،‬يؤدي إلى إصابة الجنين بتشوهات خلقية‬
‫من حيث اإلمكانات البدنية والعقلية والنفسية ‪ ،‬لذلك نجد كثيرا من األبناء للمدمنين على‬
‫الخمور مصابين بضعف بدني أوعقلي أو بخلل نفسي يدفعهم إلى اإلجرام ‪)2( .‬‬
‫_ الوجه الثالث ‪:‬‬
‫من حيث الظ روف البيئي ة ال تي ينش أ عليه ا أبن اء الم دمن على الخم ور‪ ،‬فالبيئ ة‬
‫العائلي ة ألبن اء الم دمن بالغ ة الت أثير فيهم فهم ينش أون في ج و ع ائلي س يئ ‪ ،‬و يفتق رون‬
‫من ذ نعوم ة أظ افرهم إلى التربي ة و الته ذيب ال ذي يرش دهم إلى س واء الس بيل ‪ ،‬ذل ك أن‬
‫األب المدمن منصرف عنهم ال يلقون منه إشرافا أو توجيها أو رعاية ‪.‬‬
‫و إذا أدمنت األم ك ذلك إزداد الح ال س وء ‪ ،‬فينش أ األطف ال تس يطر عليهم نزع ة‬
‫اإلستهتار و الالمباالة و الرغبة في تقليد األبوين في سلوكهما السيئ ‪ ،‬بإعتبارهما المث ل‬
‫والق دوة وال يلقى أوالد الم دمن من الغ داء أو من الرعاي ة الص حية م ا يل زمهم فتطب ق‬
‫عليهم األمراض ويتعثرون في تعليمهم و قد يطبق عليهم الفقر والحاجة فال يجدون ما‬
‫ينفقون و ال شك في أن هذه الظروف إذا تضافرت مع تكوينهم البيولوجي الموروث‬
‫أو ص ادفت ميال إجرامي ا ك ان له ا ب الغ األث ر في إنح راف األوالد و دف ع أغلبهم إلى‬
‫طريق الجريمة ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬حمدي رجب عطية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 170‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬عوض محمد عوض ‪ ،‬مبادئ علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬المكتبة الوطنية ‪ ،‬بنغازي‬
‫ليبيا ‪ ،‬دون طبعة ‪ ، 1973 ،‬ص ‪. 124‬‬
‫‪78‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و بهذا فعالقة الخمر باإلجرام عالقة سبب بمسبب ‪ ،‬فاإلجماع يكاد يكون منعقدا‬
‫على أن الخمر عامل من عوامل اإلجرام ‪ ،‬و تتميز جرائم المخمورين بط ابع مميز كما‬
‫أن له ا أثره ا في حجم و ن وع اإلج رام الع ام للمجتم ع ‪ ،‬و م ع ذل ك ال تحظ ر كث ير من‬
‫الدول إستهالك الخمور ألسباب اقتصادية بحتة (‪. )1‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫المخدرات و عالقتها باإلجرام‬

‫لق د ذهب العلم اء ‪ ،‬إلى الق ول ب أن المخ درات هي ك ل م ادة ي ترتب على تناوله ا‬
‫إنه اك للجس م و ت أثير على العق ل ح تى تك اد ت ذهب ب ه ‪ ،‬و تك ون ع ادة اإلدم ان ال تي‬
‫تحرمهــا القوانين الوضعية و أشهر أنواعها الحشيش واألفيون والمورفين والهرويين و‬
‫و الق ات ‪ ،‬و يقس م العلم اء أنواعه ا من حيث مص درها إلى مخ درات‬ ‫الكوك ايين‬
‫تخليقي ة و تص نيعية و طبيعي ة و من حيث تأثيره ا إلى منبه ة و مس كنة و يس توي‬
‫أو الحقن أو الشم أو غير ذلك (‪. )2‬‬ ‫تعاطيها عن طريق الفم‬
‫و مث ل الخم ر تعت بر المخ درات ذات ت أثير كب ير على الف رد في إرتكاب ه للج رائم ‪،‬‬
‫فق د ذهب العلم اء إلى أن اإلدم ان عليه ا يكس ب الف رد خصيص ة بيولوجي ة تنتق ل من‬
‫األص ول إلى الف روع عن طري ق الوراث ة فيميل ون ب دورهم إلى تع اطي المخ درات ال تي‬
‫تعت بر ع امال من عوام ل اإلج رام ‪ ،‬و من جه ة أخ رى أثبت العمالء عالق ة اإلدم ان‬
‫بإص ابة الج نين بتش وهات عقلي ة و عض لية و نفس ية ‪،‬ت أثر في ه مس تقبال و ق د ت ؤدي إلى‬
‫إرتكاب ه للج رائم ‪ ،‬ناهي ك عن الت أثر ب الظروف المعيش ية الس يئة ال تي يعيش فيه ا و ال تي‬
‫تزيد األمور سوء (‪. )3‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 192‬و ما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬حسنين عزت ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 188‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 150_149‬‬

‫‪79‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و نج د أن المخ درات له ا ع دة تع اريف منه ا اللغ وي و اإلص طالحي و الق انوني‬


‫و الطبي ‪ ،‬كما أنها تحتوي على مفاهيم وليدة مثل المؤثرات العقلية التي أصبحت تمشي‬
‫بالتوازي مع مفهوم و مضمون هذه الجرائم ‪.‬‬
‫كم ا نج د أن ه ق د س اهمت ع دة عوام ل في إس تفحالها وإ نتش ارها ‪ ،‬منه ا العوام ل‬
‫اإلجتماعي ة و اإلقتص ادية و التربوي ة و غيره ا ‪ ،‬م ا يجعله ا حقيق ة ظ اهرة هدام ة الب د‬
‫مـن التص دي له ا و له ا آث ار وخيم ة نتجت عن ك ل ه ذا التوس ع و اإلنتش ار ‪ ،‬و ق د نتج‬
‫عن اإلهتم ام الكبير به ا من الناحية الدولية و الوطنية محاولة عدة جهات تص نيفها من‬
‫أجل معرفة األنواع التي تندرج في إطارها ‪ ،‬و كذلك الخطير منها و األقل خطرا و‬
‫كذلك كل ما إستجد بصددها ‪)1( .‬‬
‫كم ا س بق الق ول ‪ ،‬إن المخ درات له ا ع دة مف اهيم الب د من التط رق إليه ا و ه ذه‬
‫المع اني و ال دالالت له ا أهمي ة قص وى ‪ ،‬ألنه ا ت بين لن ا م ا يعت بر من قبي ل المخ درات‬
‫و بالتالي يكون مجرما في نظر القانون و ما ال يعتبر من قبيل المخدرات ‪ ،‬و بالتالي‬
‫يخرج من نطاق التجريم إلى دائرة اإلباحة ‪.‬‬
‫س نتناول من خالل المق ام األول تعري ف المخ در لغ ة ‪ ،‬ثم تعريف ه إص طالحا من‬
‫خالل المقام الثاني وأخيرا تعريف المخدرات قانونا من خالل المقام الثالث ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فالمخ درات له ا خصوص ية كب يرة في ع الم الجريم ة ‪ ،‬و أهمي ة كب يرة و تلعب دورا هام ا في‬
‫اإلجرام إذ أنها تعد عامال من العوامل الدافعة إليه فعلى خالف الخمر ‪ ،‬الذي ال يعد إستهالكه أو‬
‫بيع ه جريم ة في غالبي ة ال دول ‪ ،‬غ ير أن تع اطي المخ درات و اإلتج ار به ا يع د من األفع ال ال تي‬
‫تجرمها التشريعات الجنائية ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أوال ‪ :‬تعريف المخدر لغة ‪:‬‬


‫فالمخدر لغة من الفعل الثالثي خدر‪ ،‬و نقول خدر العضو و خدر العين أي ثقلت‬
‫و الخ ادر ه و الف اتر و الكس الن ‪ ،‬و المخ در بفتح الخ اء و ال دال المش ددة ه و تخ دير‬
‫العض و و جعل ه خ درا ‪ ،‬و نق ول خ دره أي حقن ه بمخ در إلزال ة إحس اس جس مه ب الوجع‬
‫و خ در بفتح الخ اء تش نج يص يب العض و فال يس تطيع الحرك ة و ي ؤدي إلى الكس ل‬
‫و الفتور ‪ ،‬كالذي يصيب الشارب في ابتداء السكر ‪.‬‬
‫و تأسيسا على المعنى اللغوي أطلقت كلمة المخدر أو المخدرات ‪ ،‬ألنها تستخلص‬
‫من المواد الزراعية أو الصناعية ‪ ،‬التي تسبب االسترخاء و فقدان الوعي و عدم التحكم‬
‫فيه لدى اإلنسان ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تعريف المخدرات إصطالحا ‪:‬‬
‫فهي مجموعة من العقاقير المؤثرة على النشاط الذهني والحالة النفسية لمتعاطيها‬
‫إما بتنشيط الجهاز المركزي أوإ بطال نشاطه وهي تسبب الهلوسة والتخيالت ‪ ،‬و تسبب‬
‫ه ذه العق اقير اإلدم ان و ينجم عن تعاطيه ا الكث ير من المش اكل الص حية و اإلجتماعيـة‬
‫أو هي كل مادة تصيب اإلنسان و الحيوان بفقدان الوعي ‪ ،‬و قد تحدث غيبوبة أو وفاة‬
‫أو كل ما ينهك الجسم أو العقل و يؤثر فيهما (‪. )1‬‬
‫و يجب اإلشارة ‪ ،‬إلى أنه ليس هن اك تعريف إصطالحي معتمد للمخدرات متفق‬
‫علي ه و يح دد الم واد المخ درة بوض وح ال لبس في ه ‪ ،‬و يرج ع ذل ك إلى تن وع و تع دد‬
‫مص ادرها و تطويره ا من حيث الج ودة و إنت اج م واد جدي دة منه ا على ال دوام ‪ ،‬ك ذلك‬
‫نظرا لتنوع تأثيراتها الفيزيولوجية و النفسية على من يتناولها بصورة غير مشروعة و‬
‫دون رقابة طبية صحيحة ‪ ،‬و قد ساهم في ذلك تباين اآلراء و اإلجتهادات حول المواد‬
‫و أسباب و مفعول ذلك ‪.‬‬ ‫المخدرة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر‪ _ :‬رب اح غس ان ‪ ،‬الوج يز في قض ايا المخ درات و الم ؤثرات العقلي ة ‪ ،‬الطبع ة ‪، 1‬‬
‫منشورات الحلبي الحقوقية لبنان ‪ ، 2008 ،‬ص ‪. 23‬‬

‫‪81‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أما بالنسبة للتعريف العلمي ‪ ،‬فقد عرفت منظمة الصحة العالمية المخدرات بأنها ‪:‬‬
‫" مادة إذا أدخلت الجسم الحي عدلت وظيفة أو أكثر من وظائفه "‪ ،‬و في الفارمابيولوجيا‬
‫تعد العقاقير المخدرة و المواد النفسية ‪ ،‬من العقاقير ذات التأثير على الجهاز العصبي‬
‫المرك زي ‪ .‬و تع رف العق اقير المخ درة بأنه ا العق اقير ال تي تخف ف األلم و تح دث الن وم‬
‫و الس بات و تح دث إعتي ادا جس ميا و نفس يا ‪ .‬و ه و م ادة ت ؤثر على الجه از العص بي‬
‫المرك زي و يس بب تعاطيه ا ح دوث تغ يرات في وظ ائف المخ ‪ ،‬و تش مل ه ذه التغ يرات‬
‫تنش يط و إض طراب في مراك ز المخ و ت ؤثر على مراك ز ال ذاكرة و التفك ير و الترك يز‬
‫و اللمس و الشم و البصر و التذوق و السمع و اإلدراك و النطق (‪. )1‬‬
‫كما تعرف بأنها مواد طبيعية أو مص نعة ‪ ،‬تحت وي على عناص ر مخدرة ومسكنة‬
‫ومنبه ة أو مهلوس ة تس تخدم ع ادة لتحقي ق أغ راض طبي ة ‪ ،‬أم ا في حال ة اإلس تخدام‬
‫ألغراض أخرى فإنها تؤدي إلى التعود على تعاطيها أو اإلدمان عليها ‪ ،‬ما يؤثر سلبا‬
‫على صحة الفرد و المجتمع ماديا و معنويا و إجتماعيا و أمنيا ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تعريف المخدرات قانونا ‪:‬‬
‫فالمخ درات هي ك ل الم واد والمركب ات ال تي تس بب اإلدم ان و تض ر باإلنس ان‬
‫و تختل ف قائم ة ه ذه الم واد بين دول ة و أخ رى ‪ ،‬ل ذا ال يوج د تعري ف دولي للمخ درات‬
‫كما أنه هناك من عرفها بأنها كل مادة يترتب عليها إنهاك جسم اإلنسان ‪ ،‬و تؤثر على‬
‫عقله حتى تكاد تذهب به و تكون عادة اإلدمان التي تحرمها القوانين الوضعية ‪.‬‬
‫و ق د ج اء تعري ف المخ درات في الق انون ‪ )2( 18-04‬في الم ادة ‪ 2‬من ه أن ه ‪:‬‬
‫يقصد في مفهوم هذا القانون بما يأتي ‪ " :‬المخدر كل مادة ‪ ،‬طبيعية كانت أم إصطناعية‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لمزيد من التفصيل أنظر ‪ _ :‬نشرة القضاة ‪ ،‬وزارة العدل ‪ ،‬العدد ‪ ، 1999 ، 55‬ص ‪. 80‬‬
‫(‪ )2‬لمزي د من التفص يل أنظ ر‪ _ :‬ق انون رقم ‪ ، 04/18‬الم ؤرخ في ‪ ، 25/12/2004‬المتعل ق‬
‫بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع اإلستعمال و اإلتجار غير المشروعين بها ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫من الم واد ال واردة في الج دولين األول و الث اني من االتفاقي ة الوحي دة للمخ درات لس نة‬
‫‪ 1961‬بصيغتها المعدلة بموجب بروتوكول ‪. " ...1972‬‬
‫و يالح ظ أن المش رع الجزائ ري من خالل نص ه ذه الم ادة ‪ ،‬لم يع رف المخ درات‬
‫تعريف ا ش امال و إنم ا ح اول تبينه ا على س بيل الحص ر‪ ،‬و أج از في نفس ه ذا الق انون‬
‫إجراء التعديالت بقرار وزاري استنادا إلى التفويض التشريعي للوزير المختص ‪.‬‬
‫كما أن غالب التشريعات على إختالف توجهاتها لم تعتمد على تعريف موضوعي‬
‫مح دد للمخ درات ‪ ،‬و إنم ا اعتم دت على اإلش ارة إلى ك ل م ا ه و مح دد في اإلتفاقي ة‬
‫الوحيدة للمخدرات لسنة ‪ 1961‬بصيغتها المعدلة بموجب بروتوكول ‪. 1972‬‬
‫كم ا إهتمت التش ريعات الدولي ة بج رائم المخ درات ‪ ،‬و ح اولت تعريفه ا في ع دة‬
‫مناسبات و قد عرفتها االتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة ‪ ، 1961‬و تلك اإلتفاقية المعدل ة‬
‫ببروتوكول ‪ 1972‬في المادة ‪/1‬ي التي نصت على أن ‪ " :‬المخدر هو كل مادة طبيعية‬
‫أو تركيبية من المواد المدرجة في الجدولين األول و الثاني ‪ ،‬و في المادة ‪/1‬ش نصت‬
‫االتفاقي ة على أن ه ‪ " :‬يقص د بتع ابير( الج دول األول ) و( الج دول الث اني ) و( الج دول‬
‫و ( الج دول الراب ع ) ‪ ،‬ق وائم المخ درات و المستحض رات ال تي تحم ل‬ ‫الث الث)‬
‫ه ذه األرق ام و المرفق ة به ذه اإلتفاقي ة بص يغتها المعدل ة من حين إلى آخ ر وفق ا ألحك ام‬
‫المادة ‪. )1( " 3‬‬
‫كم ا عرفته ا إتفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات‬
‫و المؤثرات العقلية لسنة ‪ ، 1988‬في المادة ‪/1‬ن بنصها " يقصد بتعبير المخدر أية‬
‫م ادة طبيعي ة ك انت أو إص طناعية من الم واد المخ درة المدرج ة في الج دول األول و‬
‫الث اني من اإلتفاقي ة الوحي دة للمخ درات لس نة ‪ ، 1961‬و من تل ك اإلتفاقي ة بص يغتها‬
‫المعدلة ببروتوكول سنة ‪ ، 1972‬المعدل لالتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة ‪)2( 1961‬‬
‫‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لمزيد من التفصيل أنظر‪ _ :‬اإلتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة ‪ ، 1961‬مطبوعات األمم المتحدة‬
‫نيويورك ‪.1979‬‬
‫(‪ )2‬لمزي د من التفص يل أنظ ر‪ _ :‬إتفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات‬
‫و المؤثرات العقلية مطبوعات األمم المتحدة ‪ ،‬نيويورك ‪. 1991 ،‬‬

‫‪83‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أما اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية‬
‫لس نة ‪ ، 1994‬فق د ع رفت المخ در في الم ادة ‪ 1/17‬بأن ه ‪ " :‬أي ة م ادة طبيعي ة ك انت‬
‫أو مص نعة ‪ ،‬من الم واد المدرج ة في القس م األول من الج دول الموح د " ‪ ،‬و في الم ادة‬
‫‪ 1/8‬ع رفت الج دول الموح د بأن ه ‪ " :‬الج دول الع ربي الموح د للمخ درات و الم ؤثرات‬
‫و الم أخوذ من اتفاقي ات األمم المتح دة و تع ديالتها " (‪ . )1‬و ق د أق رت‬ ‫العقلي ة‬
‫اإلتفاقية الوحيدة للمخدرات المعدلة مجموعة من المبادئ القانونية الدولية أهمها ‪:‬‬
‫_ تحريم إنتاج المخدرات و قصر إنتاجها على األغراض الطبية و العلمية ‪.‬‬
‫_ حظر زراعة المخدرات إال بموجب ترخيص من الجهات المختصة ‪.‬‬
‫_ صناعة المخدرات لألغراض الطبية و العلمية ‪.‬‬
‫_ االتجار بالمخدرات و توزيعها لألغراض العلمية و الطبية ‪.‬‬
‫_ حيازة المخدرات لألغراض الطبية و العلمية ‪.‬‬
‫_ إل زام ال دول األط راف بتق دير الكمي ات الالزم ة من المخ درات لألغ راض الطبي ة‬
‫والعلمية‪.‬‬
‫_ وضعت أسس التعاون الدولي و المحلي في مجال مكافحة اإلتجار غير المشروع ‪.‬‬
‫_ أوص ت اإلتفاقي ة ال دول األط راف بإص دار التش ريعات الص ارمة و تش ديد العقوب ات‬
‫على جرائم المخدرات (‪. )2‬‬
‫كم ا ب رزت فك رة الم ؤثرات العقلي ة إلى الوج ود بع د التط ور الهائ ل و الس عي إلى‬
‫الحصول على مخدرات ذات تأثير عال من خالل تصنيعها ‪ ،‬و قد س اهم المجال العلمي‬
‫و الط بي في تطوره ا وظهوره ا إلى الوج ود و الم ؤثرات العقلي ة هي ‪ " :‬كناي ة عن‬
‫م واد ي ؤدي تناوله ا من قب ل الك ائن الحي إنس ان أو حي وان بجرع ات غ ير مدروس ة‬
‫( كبيـــرة ) إلى الت أثير على نش اط خالي اه العص بية وخاص ة الخالي ا النخاعي ة ‪ ،‬بحيث‬
‫يتسبب في خلل‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لمزي د من التفص يل أنظ ر‪ _ :‬اإلتفاقي ة العربي ة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات‬
‫و المؤثرات العقلية لسنة ‪ ، 1988‬مطبوعات األمم المتحدة ‪ ،‬نيويورك ‪. 1991 ،‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬رباح غسان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 31‬وما يليها ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬
‫يص يب عمل تل ك الخالي ا ‪ ،‬وغالبا ما ت ؤدي إلى مض اعفات على المس توى النفسي كما‬
‫له ا ت أثيرات مختلفة منها ما ي ؤدي تناوله ا إلى تنشيط عم ل بعض الخالي ا الجسدية ‪ ،‬و‬
‫منها ما له تأثيرات تخميدية أو تثبيط و قد يتسبب بعضها بالهلوسة و تصور األمور‬
‫على غير حقيقتها ‪ ،‬أي تصور الواقع على خالف ما هو عليه في حقيقة األمر (‪. )1‬‬
‫و قد أورد المشرع الجزائري تعريف المؤثرات العقلية إلى جانب التعريف السابق‬
‫للمخ درات في الم ادة ‪ 2‬من الق انون ‪ 18_04‬الس ابق ذك ره وال ذي ج اء فيه ا "‪...‬‬
‫المؤثرات العقلية ‪ ،‬كل مادة طبيعية كانت أو إصطناعية ‪ ،‬أو كل منتوج طبيعي مدرج‬
‫في الج دول األول أو الث اني ‪ ،‬أو الث الث أو الراب ع من إتفاقي ة الم ؤثرات العقلي ة لس نة‬
‫‪. " 1971‬‬
‫كم ا ع رفت إتفاقي ة الم ؤثرات العقلي ة لس نة ‪ ، 1971‬في الم ادة ‪/1‬هـ بنص ها على‬
‫أنه ‪ " :‬يقصد بتعبير المؤثرات العقلية كل المواد سواء كانت طبيعيو أو تركيبية ‪ ،‬و كل‬
‫المنتج ات الطبيعي ة المدرج ة في الج داول األول أو الث اني أو الث الث أو الراب ع " ‪ ،‬و في‬
‫الم ادة ‪/1‬ز نص ت اإلتفاقي ة على أن ه ‪ " :‬يقص د بعب ارات (الج دول األول) و (الج دول‬
‫الثاني) و (الجدول الثالث) و (الجدول الرابع) ‪ ،‬قوائم المؤثرات العقلية التي تحمل هذه‬
‫األرقام و المرفقة باإلتفاقية الحالية بصيغتها المعدلة وفقا للمادة ‪. )2( " 2‬‬
‫كم ا عرفته ا إتفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات و‬
‫الم ؤثرات العقلي ة لس نة ‪ ، 1988‬في الم ادة ‪/1‬ص ‪ ،‬بنص ها " يقص د بتعب ير (الم ؤثرات‬
‫العقلية) أية مادة طبيعية كانت أو اصطناعية ‪ ،‬أو أية منتجات طبيعية مدرجة الجدول‬
‫األول و الثاني و الثالث و الرابع من اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة ‪1971‬م " (‪. )3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬مشموشي عادل ‪ ،‬المخدرات ‪ ،‬ماهيتها ‪ ،‬مخاطرها ‪ ،‬مكافحتها ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬دون دار‬
‫نشر‪ ،‬لبنان ‪ 2014،‬ص ‪. 26‬‬
‫(‪ )2‬لمزي د من التفص يل أنظ ر‪ _ :‬إتفاقي ة الم ؤثرات العقلي ة لس نة ‪ ، 1971‬مطبوع ات األمم المتح دة‬
‫نيويورك ‪. 1979 ،‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة اإلتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية‬
‫لسنة ‪ ، 1988‬مطبوعات األمم المتحدة ‪ ،‬نيويورك ‪. 1991 ،‬‬

‫‪85‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أما اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات لسنة‬
‫‪ ، 1994‬فق د ع رفت الم ؤثرات العقلي ة في الم ادة ‪ 1/20‬بنص ها على أن ‪ " :‬الم ؤثرات‬
‫العقلية ‪ ،‬أية مادة طبيعية كانت أو مصنعة أو أية منتجات طبيعية مدرجة بالقسم الثاني‬
‫من الجدول الموحد " (‪. )1‬‬
‫و يجب اإلشارة ‪ ،‬إلى أن عوامل إنتشار جرائم المخدرات كثيرة و مختلفة انطالقا‬
‫من الزاوية التي ينظر منها ‪ ،‬إلى هذه العوامل و لها نتائج وخيمة على الصعيد الفردي‬
‫و اإلجتماعي و المادي و المعنوي و اإلقتصادي و األمني ‪.‬‬
‫أم ا بالنس بة للمخدر ‪ ،‬فنج د أن ه العام ل األول في حال ة اإلدم ان و إس تعماله يخض ع‬
‫لعوامل عديدة فتوفر المادة المخدرة و سهولة الحصول عليها ‪ ،‬بجعل سعره في متناول‬
‫الكث يرين و ل و ك انوا فق راء أو من ذوي ال دخل المح دود ‪ ،‬يجع ل روجه ا كب يرا و تش يع‬
‫حاالت و فرص إستعماله و من ثمة اإلدمان عليه ‪ ،‬و أما بالنسبة لطريقة تعاطيه فيتسم‬
‫بالس هولة و اليس ر حيث يتم تعاطي ه عن ط رق الفم أو الش م و ه و الغ الب ‪ ،‬وك ذلك عن‬
‫طري ق الحقن فهي أيض ا تعت بر وس يلة س هلة إلمكاني ة أن يطبقه ا الم دمن على نفس ه و‬
‫يحقن المخدر داخل جسمه ‪.‬‬
‫و بالنسبة للمجتمع فنجد أنه ال ينظر للمادة المخدرة على أنها محرمة مثل الخمر‬
‫فه و مثال ينظ ر إليه ا بكث ير من التس امح و العف و ‪ .‬و أم ا بالنس بة لخ واص المخ در‬
‫الكميائية فنجد أنه قد ثبت علميا أن لكل مخدر خواصه و تأثيراته المختلفة على اإلنس ان‬
‫ك ذلك ثبت أن أي ش خص ‪ ،‬بع د أن يس تخدم أنواع ا مختلف ة من المخ درات فإن ه ال يلبث‬
‫أن يفضل صنفا منها و يدمن عليها ‪.‬‬
‫و أم ا بالنس بة لإلنس ان فه و من يتفاع ل بجس مه و نفس ه بإس تمرار م ع م ا ي دور‬
‫و يحيط به ‪ ،‬و هذا التفاعل قد يؤثر فيه داخليا و قد يطغى الجانب النفسي على الجسدي‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لمزي د من التفص يل أنظ ر ‪ _ :‬اإلتفاقي ة العربي ة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات‬
‫و المؤثرات العقلية ‪ ،‬لسنة ‪ ، 1994‬مطبوعات جامعة الدول العربية ‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أو العكس أو ي ؤثران كليهم ا في بعض هما ‪ ،‬و العوام ل الجس مية تنحص ر في العوام ل‬
‫المكتسبة و األخطاء الطبية و العالجية و كذلك ما يسمى بالناقالت العصبية ‪.‬‬
‫و تلعب العوام ل النفس ية دورا في التع اطي و اإلدم ان و تخفيض الت وتر و القل ق‬
‫و تحقي ق اإلس تقاللية و اإلحس اس بال ذات ‪ ،‬و حب اإلس تطالع و مأل الف راغ و الخ روج‬
‫عن القوالب التقليدية للحياة أي حب المغامرة ‪ ،‬و هناك من يضيفون دوافع أخرى مثل‬
‫الرغبة في التجربة و الهروب من المشاكل و اإلحساس باإلغتراب‪...‬‬
‫أم ا بالنس بة للمجتم ع فمش كلة تع اطي المخ درات و اإلدم ان عليه ا مث ل غيره ا من‬
‫المش كالت اإلجتماعي ة وراءه ا عوام ل إجتماعي ة عدي دة ‪ ،‬تتب اين من مجتم ع إلى آخ ر‬
‫ب ل و من ف رد إلى آخ ر ‪ .‬و منه ا العالق ات األس رية كتع اطي األب وين أو أح دهما‬
‫و ت أثير جماع ات األص دقاء والس لوك المنح رف للش خص ‪ ،‬والت دخين و‬ ‫للمخ درات‬
‫شرب الخمر ‪.....‬‬
‫إلى جانب كل هذا هناك أسباب أخرى منها ‪ :‬اإلقتصادية و أخرى سياسية ‪ ،‬التي تؤثر‬
‫بصفة غير مباشرة على التعاطي‪،‬كالفقر و تدني المستوى المعيشي و البطالة‪...‬‬
‫كم ا أن تع اطي المخ درات ‪ ،‬ب أي ش كل من األش كال و إس تعمالها ب أي طري ق من‬
‫الط رق غ ير المش روعة من التص نيع و التج ارة و الزراع ة و غ يرهم ‪ ،‬ل ه آث ار وخيم ة‬
‫على شتى األصعدة ‪ .‬فالمخدرات بأنواعها المختلفة ‪ ،‬تؤثر على جسم اإلنسان وأجهزته‬
‫العصبي و الهضمية و التناسلية و جهازه البولي و التنفسي و جهاز الدورة الدموية‪...‬‬
‫و يؤدي تكرار إستخدام الهروين و المورفين مثال إلى ضمور الدماغ و حدوث حاالت‬
‫و نوبات الهيجان مع تكرار حدوث حاالت نقص األكسجين ‪ ،‬مما يؤثر في‬ ‫الجنون‬
‫تغدي ة ال دماغ فيفق د ذاك رت و تبل د عواطف ه و مقدرت ه العقلي ة ت دريجيا ح تى يص ل إلى‬
‫الخلل العقلي التام و الجنون إلى جانب الشلل و نوبات اإلغماء التي قد تكون طويلة و‬
‫عميق ة بحيث يت وفى الش خص أثناءه ا ‪ ،‬كم ا نج د أن متع اطي الحش يش يش عر بإنع دام‬
‫وجوده و أن الشخص المخدر يتهيأ لديه أنه شخصا غير الذي هو عليه‪. )1( ....‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬مجلة بونة ‪ ،‬أثر الحشيش على اإلنسان ‪ ،‬العدد ‪ ، 11‬جويلية ‪ ، 2004 ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪87‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أم ا آثاره ا على الجه از الهض مي‪ ،‬ف إن تع اطي األفي ون و مش تقاته مثال بواس طة‬
‫الفم يؤدي إلى التهاب المنطقة الفمية ‪ ،‬و التقيؤ خاصة عند اإلستعمال عند المرة األولى‬
‫و تقل الشهية للطعام بسبب تقلصات المعدة و األمعاء أو اإلمساك الشديد ‪.‬‬
‫أم ا الت دخين فه و يزي د في الش هية في الطع ام ألول م رة ‪ ،‬ثم بع د ذل ك ي ؤدي إلى‬
‫نقص ان ح امض المع دة و من ثم ة ي ؤدي إلى الته اب المع دة و األمع اء فيهم ل الم دمن‬
‫طعامه ما يؤدي إلى نقصان وزنه ‪ ،‬و قلة مقاومته لمختلف األمراض ‪.‬‬
‫أما آثارها على الجهاز البولي و التناسلي ‪ ،‬فيؤدي إستخدام المورفين مثال و كذلك‬
‫اله رويين إلى إحتق ان المثان ة و ع دم الق درة على التب ول و اإلحس اس ب اإلمتالء الس ريع‬
‫مع الرغبة في التبول و مع هذا ال يستطيع الشخص التبول بسهولة ‪ ...‬و كذلك العجز‬
‫الجنس ي ‪ ،‬و ق د أثبت الطب أن الكث ير من التش وهات الخلقي ة ال تي تح دث للج نين س ببها‬
‫المباشر إستهالك المخدرات ‪.‬‬
‫أم ا آثاره ا على جه ازي ال دورة الدموي ة و التنفس‪ ،‬فتن اول كمي ة مح ددة من‬
‫المخدرات كاألفيون و مشتقاته يؤثر على جهاز الدورة الدموية فالقلب يصاب بالسكتة‬
‫القلبية ‪ .‬كما يحدث إضطرابا في الجهاز التنفسي و توقف التنفس فجأة ‪ ،‬السيما بسبب‬
‫تن اول الم ورفين و اله رويين ‪ ،‬الل تين ت ؤثران على مراك ز التنفس كلي ا مم ا ي ؤدي إلى‬
‫الموت المحقق (‪. )1‬‬
‫و ك ذلك من الت أثيرات النفس ية و العقلي ة‪ ،‬أن الم دمن يك ون في حال ة ألم ش ديد‬
‫و تهيج عنيف ‪ ،‬قد يصرخ في خوف و فزع ‪ ،‬و قد يضحك أو يبكي بطريقة هستيرية‬
‫كما‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬محمد عبد الرحمان ‪ ،‬دراسات في علم النفس اإلجتماعي ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار المعرفة‬
‫العربية ‪ 1990 ،‬ص ‪. 441‬‬

‫‪88‬‬

‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫تص بح ذاكرت ه ض عيفة ج دا لدرج ة أن ه ينس ى األح داث القريب ة ‪ ،‬و يعج ز عن إتخ اذ‬
‫القرارات في األمور البسيطة ‪ ...‬و قد يموت في إحدى النوبات (‪. )1‬‬
‫كما قد نجد أن بعض النساء يبعن شرفهن ‪ ،‬إذ يمتهن الدعارة في سبيل الحصول‬
‫على األموال لشراء المواد المخدرة كل ذلك بسبب الفراغ و انعدام الوازع الديني ‪.‬‬
‫كم ا ت ؤثر المخ درات على المجتم ع بك ل تركيبات ه و مكونات ه ‪ ،‬فتتجس د اآلث ار‬
‫اإلقتص ادية مثال في ك ل م ا تنفق ه الدول ة رس ميا في س بيل مكافح ة ك ل م ا من ش أنه‬
‫أن يعم ل على ت وافر ه ذه الم واد غ ير المش روعة في الس وق ‪ ،‬و ين درج في ه ذا ج زء‬
‫كب ير من ميزاني ة وزارة الداخلي ة و ه و م ا يش مل ميزاني ة اإلدارة العام ة لمكافح ة‬
‫و ج زء من ميزاني ة األمن العم ومي ‪ ،‬و الج زء المماث ل من ميزاني ة‬ ‫المخ درات‬
‫و ك ذلك وزارة ال دفاع ‪ ،‬و من خالله ا يق وم ح راس الح دود و‬ ‫مص لحة الس جون‬
‫و في المقاب ل نج د وزارة الع دل ال تي تس اهم بق در من‬ ‫الس واحل بمكافح ة الته ريب‬
‫ميزانيتها في تغطية أشغال آليات إهتمام السلطة القضائية بقضايا المخدرات ‪ ،‬و كذلك‬
‫و اإلجتماعية التي تقدم العالج فيما يخص التع اطي‬ ‫مجموع الخدمات الطبية و التقنية‬
‫و اإلدمان ‪.‬‬
‫أما اآلثار البشرية ‪ ،‬فتناول المواد المهلوسة و التغيير الذي تحدثه لها تأثير على‬
‫ح وادث الم رور ‪ ،‬كم ا أن الخل ط بين المخ درات يض اعف من ش دة التس مم و ي ؤدي إلى‬
‫الزيادة في هذه الحوادث ‪.‬‬
‫و في إشارة إلى المشرع الجزائري ‪ ،‬نجد أنه قد حاول تصنيف أنواع المخدرات‬
‫المحظ ور إس تعمالها ب أي ش كل من األش كال على ت راب الدول ة الجزائري ة في الق انون‬
‫رق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫‪ ، )2( 04-18‬و ذل ك تماش يا م ع التط ورات الحاص لة على الص عيد ال دولي و جمل ة‬
‫اإلتفاقيات التي صادقت عليها هته األخيرة ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬محمد عبد الرحمان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 441‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬قانون رقم ‪ ، 18_04‬المؤرخ في ‪ ، 25/12/2004‬المرجع السابق ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و تتسم المخدرات بأنواعها المتعددة و تجددها ‪ ،‬و كذلك تتعدد أصنافها في‬
‫الن ـ ـ ـ ـ ـ ــوع الواحد من حيث نقائها و شكلها و طبيعتها المادية و كذلك تركيبتها الكميائية ‪،‬‬
‫و كل هذا يساهم في تأثيرها على من يتعاطاها بأي شكل من األشكال و يساهم كل هذا‬
‫أيضا في مدى رواجها و ثمنها و كذلك كل أشكال التعامل بها ‪.‬‬
‫وفي غي اب تص نيف موح د نج د أن ه تم اللج وء إلى تص نيفات متع ددة ‪ ،‬فهن اك من‬
‫ص نفها وفق ا لحالته ا الفيزيائي ة ‪ ،‬بين مخ درات ص لبة و س ائلة و غازي ة ‪ ،‬و منهم من‬
‫صنفها وفقا لطريقة إنتاجها بين مخدرات طبيعية و مخدرات مصنعة و مخدرات مركب ة‬
‫‪ ،‬و منهم من ص نفها وفق ا لطبيع ة منش أها الم ادي إلى مخ درات نباتي ة و مخ درات‬
‫كيميائي ة و مخ درات مختلط ة ‪ ،‬و منهم من ص نفها وفق ا لتأثيره ا الف يزيولوجي على‬
‫و منش طة و محبط ة و مهلوس ة و منبه ة ‪ ،‬و منهم من‬ ‫المتع اطي إلى مخ درة‬
‫إلى مخ درات موجه ة لالس تعمال الط بي و مخ درات‬ ‫ص نفها وفق ا لوجه ة إس تعمالها‬
‫أما النصوص الدولية فقد إعتمدت على مرتكزات‬ ‫غير صالحة لإلستعمال الطبي‬
‫اإلس تعمال المش روع و خط ورة الم ادة في ح ال إس اءة إس تعمالها (‪ ، )1‬و لكن التقس يم‬
‫المتفق عليه في كل دول العالم هو تصنيف المخدرات إلى مخدرات طبيعية و تصنيعية‬
‫و تخليقي ة (‪ . )2‬و بالنس بة لتص نيف المخ درات بحس ب طريق ة ص نعها و أص لها‪ .‬فهي‬
‫تتفرع إلى ثالث مجموعات أساسية منها المخدرات الطبيعية و الصناعية و التخليقية ‪.‬‬
‫أم ا المخ درات الطبيعي ة هي مجموع ة الم واد ال تي يتم الحص ول عليه ا من الطبيع ة‬
‫دون أي تع ديل ص ناعي عليه ا (‪ ، )3‬وتحت وي المخ درات الطبيعي ة أوراقه ا على الم ادة‬
‫المخـ ـ ـ ـ ــدرة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬مشموشي عادل ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬بوسقيعة أحسن ‪ ،‬الوجيز في القانون الجزائي الخاص ‪ ،‬الجزء ‪ ، 1‬الطبعة ‪ ، 12‬دار‬
‫هومة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2010‬ص ‪. 458‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬الدريبي عبد العالي ‪ ،‬اإلتجار غير المشروع بالمخدرات ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬المركز القومي‬
‫لإلصدارات القانونية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2016 ،‬ص‪. 28‬‬

‫‪90‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫الفعال ة وتض م ك ل من القنب الهن دي ونب ات الخش خاش (األفي ون) ونب ات الق ات ونب ات‬
‫الكوكا ‪ ،‬وهناك من يقول أن المخدرات الطبيعية هي المخدرات المستخرجة من نباتات‬
‫طبيعي ة مباش رة منه ا الماريخوان ا والحش يش وزيت الحش يش والق ات واألفي ون (‪، )1‬‬
‫وهي على أن واع ‪ :‬نبات ات وج دت بالطبيع ة مث ل م ادة األفي ون ال تي تس تخرج من‬
‫ثمرالخش خاش والحش يش ال ذي يتم الحص ول علي ه من نب ات القنب الهن دي‪.‬الق ات ‪ ،‬وه و‬
‫تمض غ أوراق ه وتمص بطريق ة التخ زين خالل س اعات داخ ل الفم الكوك ا ‪ ،‬وه و نب ات‬
‫شبيه بالقات والتبغ والشاي والبن كمواد منبهة مثل الكافيين ومواد منبهة أخرى (‪. )2‬‬
‫أم ا المخ درات الص ناعية ‪ ،‬و تش تمل على جمل ة النبات ات ال تي يتم إس تخراجها‬
‫ص ناعيا من النبات ات الطبيعي ة من خالل إج راء عملي ات كميائي ة ‪ ،‬تجعله ا في ص ورة‬
‫أخ رى تختل ف كث يرا أو قليال عن ص ورتها الحقيقي ة ‪ .‬و من أهم ه ذه الم واد مش تقات‬
‫األفيون كالمورفين و الهروين و الكودابيين ‪ ،‬كما يستخرج الكوكايين من نبات الكوكا‬
‫و تنتش ر م واد مهلوس ة كث يرة مس تخرجة من نبات ات طبيعي ة مث ل الميس كالين و‬
‫البسيلوسيين التي يتم تحضيرها من النباتات (‪. )3‬‬
‫و أما بالنسبة لمجموعة المواد المخدرة التخليقية ‪ ،‬فيقصد بها مجموعة المواد التي‬
‫ت ؤثر في الجس م الحي ت أثير المخ درات نفس ه و لكنه ا ص نعت من مركب ات كميائي ة ال‬
‫تع ود في أص لها إلى مخ درات طبيعي ة وأهم ه ذه الم واد هي المه دئات والمنش طات و‬
‫المهلوسات (‪)4‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬مشموشي عادل ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 34‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬الدريبي عبد العالي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬الدريبي عبد العالي ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫(‪ )4‬وقد تم من جهة أخرى تصنيف المخدرات حسب حجمها ودرجة خطورتها إلى كبرىو صغرى‬
‫األولى هي المخ درات التقليدي ة الخط يرة ج دا مث ل الخش خاش ومش تقاته والحش يش ومش تقاته و‬
‫الكوكايين و مشتقاته ‪ ،‬والثانية هي األقل ضررا وتتمثل في بعض من العقاقير الصغيرة الحجم ذات‬
‫اإلستعمال الطبي منها الكحول والتبغ والكافيين والقات والمهدئات والمقويات والمواد المهلوسة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أم ا تص نيف المخ درات بحس ب فعاليته ا ‪ ،‬ففي ه ذه الحال ة يتم تص نيف المخ درات‬
‫إلى أربع ة أن واع أساس ية هي ‪ :‬المس كنات ‪ ،‬و تس تخدم في األص ل لألغ راض الطبيــة‬
‫لتهدئ ة التهيج ات العص بية و اآلالم ال تي يع اني منه ا المرض ى بش كل ع ام ‪ .‬غ ير أن‬
‫تعاطيها من قبل األصحاء يجعلهم يعتادون عليها و يصبح استقرارهم الطبيعي و هدوء‬
‫أعص ابهم مش روط بالتع اطي مم ا يخ رج النفس عن طبيعته ا و يجعله ا أس يرة ه ذه‬
‫أما المهدئات فهي تستخدم في األصل أيضا لألغراض الطبية و لكنه ا‬ ‫المسكنات‬
‫مخصصة لألشخاص المصابين بالصرع و لألشخاص المصابين باألرق ‪ ،‬أما في حال‬
‫إستخدامها بين األصحاء فتؤدي إلى جعل هدوئهم و إستقرارهم مرتبطا بتعاطيها و في‬
‫ح ال ع دم التع اطي تض طرب الشخص ية وتب دوا على المتع اطين عالم ات اإلص ابة‬
‫بالص رع أو األرق وغيره ا ‪ .‬وبالنس بة للمنش طات فهي من ت ؤدي وظ ائف مختلف ة عن‬
‫المجموع تين الس ابقتين ذل ك أنه ا تعم ل على تنش يط ال دورة الدموي ة و تقل ل اإلحس اس‬
‫ب التعب و الجه د اإلض افيين و غالب ا م ا ي ؤدي تعاطيه ا دون إش راف الط بيب إلى جع ل‬
‫الفرد يشعر بالتعب و األرق عند الحدود الدنيا من بدل الجهد إذا لم يتعاطاها مجددا ‪،‬‬
‫كما أن كثرة التعاطي تفقد الجسم الكثير من طاقاته لممارسة الجهد دون مسوغ في كث ير‬
‫من األحي ان ‪ ،‬و بالنس بة للمهلوس ات فهي أيض ا من المخ درات الخط يرة على الص حة‬
‫العام ة بالنس بة لمتعاطيه ا فتس بب ل ه الهلوس ة والهس تيريا ‪ ،‬و تدفع ه إلى الخي ال و تبع ده‬
‫عن الواق ع فيتخي ل المتع اطي أن ه ط ائر يط ير في الس ماء أو ي رى نفس ه عظيم ا من‬
‫العظماء أو إحدى فلتات زمانه (‪. )1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر‪ _ :‬ال دريبي عب د الع الي ‪ ،‬المرج ع الس ابق ‪ ،‬ص ‪ . 28‬و أنظ ر أيض ا _ بوس قيعة أحس ن‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 458‬وبخصوص أحدث تصنيف للمواد المخدرة بحسب خضوعها للرقابة‬
‫الدولية فهي ‪ :‬مشتقات األفيون الطبيعية و الصناعية مثل األفيون والمورفين والكودايين و الهرويين‬
‫=‬

‫‪92‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و ق د م ر إهتم ام المش رع الجزائ ري بج رائم المخ درات بمراح ل عدي دة في نظرت ه‬


‫لج رائم المخ درات و كيفي ات التص دي له ا ‪ ،‬و ق د ك ان مت أثرا في ذل ك ب التطورات التـي‬
‫مرت بها هذه المواد في حد ذاته ا من حيث كمياتها و نطاق إنتش ارها ‪ ،‬و أيضا مدى‬
‫و اآلثار السلبية التي خلفتها هذه األخيرة من جهة أخرى ‪ .‬و كذلك جملة‬ ‫خطورتها‬
‫التط ورات الحاص لة على الص عيد ال دولي و ال تي ك ان له ا األث ر الب ارز في تغي ير و‬
‫تطوير نظرة المشرع الجزائري ‪.‬‬
‫كم ا أن ظ اهرة المخ درات أص بحت ته دد المجتم ع الجزائ ري و تس تهدف فئ ات‬
‫الش باب في ه و ال تي تمث ل ح والي ‪ 70‬في المائ ة من مجم وع س كانها ‪ ،‬و ه ذا كل ه ق د‬
‫تض اعف حالي ا بش كل كب ير و ين ذر ب الخطر المحل ق بك ل أبن اء الش عب الجزائ ري ‪ ،‬و‬
‫يصعب التحصل على أرقام دقيقة إلحصائه في ظل التنامي الخطير لهذه الظاهرة ‪.‬‬
‫وقد عالج المشرع الجزائري جرائم المخدرات و تدرج في نظرته لها‪ ،‬و ذل ك من‬
‫خالل نص وص قانوني ة متع ددة ‪ ،‬منه ا األم ر ‪ 90-75‬الم ؤرخ في ‪17/02/1975‬‬
‫المتعل ق بقم ع اإلتج ار واإلس تهالك المحظ ورين للم واد الس امة و المخ درات ‪ ،‬ال ذي تم‬
‫إلغاءه بموجب قانون ‪ 05-85‬المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها ‪ ،‬الذي أكد على تجريم‬
‫و الذي بدوره تم تعديله بموجب القانون‪ 18 _04‬و الذي بين التوجه‬ ‫المخدرات‬
‫العام الذي رسا عليه المشرع الجزائري في التصدي لكل أنواع جرائم المخدرات ‪.‬‬
‫و بعد اإلستقالل تم إصدار قانون ‪ 31/12/1962‬و الذي قضى بإلستمرار العم ل‬
‫بالتش ريعات الفرنس ية الناف دة بتاريخ ه و ح تى إش عار آخ ر‪ ،‬و ذل ك بإس تثناء م ا ين اقض‬
‫منهـ ـ ــا‬
‫السيادة الوطنية أو تتضمن أفكارا إستعمارية أو عنصرية تتنافى ‪ ،‬و الممارسة العادية‬
‫للحريات الديمقراطية ‪ ،‬وفقا لذلك إستمر العمل بقانون الصحة الفرنسي الصادر بتاريخ‬
‫‪ 05/10/1953‬ث ـ ـــم المرحل ة الثاني ة ال تي ك انت بص دور األم ـــر رقم ‪ 75/09‬الم ؤرخ‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ــي‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= و مش تقات األفي ون اإلص طناعية البيثي دين و القنب ( الحش يش ) ‪ ،‬مث ل عص ارة القنب و راتنج‬
‫القنب و أوراق الكوك ا و الكوك ايين ‪ ،‬والمنبه ات واألمفيتامين ات والمس كنات والباكالب اربيتورك و‬
‫الميثكالون ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫‪ 15/02/1975‬المتضمن قمع اإلتجار و اإلستهالك غير المشروع المحظورين للمواد‬


‫الس امة و المخ درات (‪ . )1‬أم ا المرحل ة الثالث ة فج اءت بص دور ق انون الص حة و ه ذا‬
‫فيم ا يخص التط ور التش ريعي ال ذي حص ل قب ل ص دور الق انون رقم ‪ 05-85‬الس ابق‬
‫ذكره (‪.)2‬‬
‫و ق د إتس مت ه ذه المرحل ة بمحاول ة تب ني المش رع الجزائ ري منهج ا يقض ي على‬
‫ظ اهرة المخ درات ‪ ،‬ال تي ب دأت مالمحه ا ت برز بع د اإلس تقالل و ذل ك ت دريجيا مت أثرا‬
‫بالنهج العام الذي كانت تتبعه الدولة الجزائرية آنذاك ‪ ،‬و كذلك التطورات السياسية التي‬
‫أثرت على الجانب التشريعي ‪.‬‬
‫و أما من ناحية الهيئات الداخلية المكلفة بمكافحة هذا النوع من الجرائم ‪ ،‬فقد تم‬
‫تنص يب لجن تين من ط رف الس لطات العمومي ة ‪ ، 1992 – 1971‬للعم ل على دراس ة‬
‫ظاهرة المخدرات و اإلدمان عليها ‪ ،‬لكن نشاطها لم يحقق األهداف المسطرة ( إرساء‬
‫سياسة وطنية ) مما أدى إلى إنشاء الديوان الوطني لمكافحة المخدرات و اإلدمان عليها‬
‫و هذا راجع إلى مدى إنشغال السلطات بإيجاد سبل مكافحة هذه الظاهرة ‪.‬‬
‫كم ا تم عق د ملتقي ات عدي دة و ال تي جمعت لج ان القطاع ات للتش اور و البحث‬
‫حيث أعدت تقارير خالل سنة ‪ 2001_1999‬تشير إلى وجوب القيام بنشاطات مختلفة‬
‫فـي ج ل القطاع ات المعني ة م ع تحدي د الوس ائل و اإلمكاني ات الض رورية إلنجازه ا ‪ .‬و‬
‫أخ يرا تم اإلجم اع على تط بيق المرس وم رقم ‪ 212-97‬الم ؤرخ في ‪09/06/1997‬‬
‫المتضمن إنشاء الديوان حيث تم تنصيبه في أكتوبر ‪ ،2002‬و تتمحور وظيفته الرئيسية‬
‫في إيج اد السياس ة الوطني ة المثلى للوقاي ة و مكافح ة المخ درات و اإلدم ان عليه ا ‪،‬‬
‫باإلض افة إلى أن ه أص بح يمث ل الجزائ ر ل دى الهيئ ات العالمي ة أو المش اركة معه ا في‬
‫النشاطات‪،‬غير أن قانون‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬بودالي إبراهيم ‪ ،‬جرائم المخدرات في القانون الجزائري ‪ ،‬مجلة المحامين ‪ ،‬عدد ‪1‬‬
‫مجلس قضاء سيدي بلعباس ‪ ، 2003 ،‬ص ‪. 21‬‬
‫(‪ )2‬والذي عدل عدة مرات أهمها القانون رقم ‪ 90/17‬المؤرخ في ‪ ، 31/07/1990‬القانون رقم‬
‫‪ 98/09‬المؤرخ في ‪.19/08/1989‬‬

‫‪94‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬
‫‪ 85-05‬الم ؤرخ في ‪ 16/02/1985‬المتعل ق بالص حة و حماي ة األس رة ‪ ،‬ال ذي‬
‫خصص ت ل ه ‪ 20‬م ادة من ه ‪ 190‬إلى ‪ 259‬لمعالج ة ظ اهرة المخ درات و الم ؤثرات‬
‫العقلية ‪ ،‬و كذلك التصدي للمعالجة الطبية لم يحقق النتائج المنتظرة ‪ ،‬و على إثرها قام‬
‫المشرع الجزائري بإصدار قانون جديد تحت رقم ‪ 18-04‬بتاريخ ‪ ، 25/12/2004‬و‬
‫و الم ؤثرات العقلي ة و االتج ار غ ير المش روع به ا ‪ ،‬المتض من‬ ‫المتعل ق بالمخ درات‬
‫لنصوص تتماشى مع االتفاقيات الدولية في مجال مكافحة المخدرات (‪. )1‬‬
‫أم ا مرحل ة م ا بع د ق انون ‪ ، 18-04‬فبم وجب الق انون ‪ ، 18-04‬ح اول المش رع‬
‫الجزائري إستدراك النقائص الموجودة في القانون السابق ‪ ،‬و ذلك بإفراد قانون خاص‬
‫للمخ درات بعي دا عن ق انون الص حة ‪ .‬حيث تع رض في ه بص ورة واض حة للتج ريم و‬
‫العق اب و المتابع ة و ق ام بتحدي د النص وص تحدي دا واض حا قص د التعم ق في جريم ة‬
‫و محاص رتها من الج انب الق انوني و القض ائي ‪ ،‬كم ا إستص در عقوب ات‬ ‫المخ درات‬
‫رادع ة تتماش ى م ع تزاي د الخط ر ال ذي يه دد المجتم ع و تع رض إلى أن واع المخ درات‬
‫والتمي يز بينه ا و تط رق إلى تل ك الص ور المس تجدة ‪ ،‬ك الجرائم المتعلق ة بالمخ درات و‬
‫أو الضالعين فيها شخصا معنويا ‪ ،‬و قد حاول الجمع فيه‬ ‫التي يكون أحد مرتكبيها‬
‫هذا القانون بين الجانبين العقابي و اإلصالحي و وفقا لما التزم به من اتفاقيات دولية و‬
‫ما يتماشى مع خصوصية المجتمع الجزائري (‪. )2‬‬
‫و تعت بر اإلتفاقي ات أح د أهم وس ائل مكافح ة الج رائم ‪ ،‬و من بين أهم اإلتفاقي ات‬
‫ال تي تعت بر الجزائ ر طرف ا فيه ا ‪ ،‬نج د على س بيل المث ال اإلتفاقي ة الجزائري ة اإليطالي ة‬
‫لسنـ ـ ـ ــة ‪ 1999‬و كذلك اإلتفاقية الجزائرية الفرنسية لسنة ‪ ، 2003‬فاألولى التي إنعقدت‬
‫بت اريخ ‪ ، 22/11/1999‬بموجبه ا أب رمت حكوم تي الجزائ ر و إيطالي ا إتفاقي ة تع ـ ـــاون‬
‫فـ ــي مج ـ ـ ـ ــال‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬بودالي إبراهيم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬بودالي إبراهيم ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬

‫‪95‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫مكافح ة اإلره اب واإلج رام المنظم واإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات و الم ؤثرات‬
‫العقلي ة و ق د تض منت اإلتفاقي ة ع دة ت دابير ‪ ،‬تتمث ل في تب ادل المعلوم ات في مج ال‬
‫مكافحة االتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية ‪ ،‬و من أهدافها تبادل المعلومـات عن ك ل‬
‫م ا يتعل ق باإلنت اج و اإلتج ار غ ير المش روع في المخ درات و الم ؤثرات العقلي ة طبق ا‬
‫لالتفاقيات التي انظم إليها كال الطرفين ‪.‬‬
‫كم ا نج د أيض ا اإلتفاقي ة الجزائري ة الفرنس ية لس نة ‪ ، 2003‬حيث أب رمت ه ذه‬
‫اإلتفاقية بين وزيري الداخلية للبلدين في ‪ 10/2003 /19‬و من محتواها ضرورة إقامة‬
‫تعاون تقني و عملياتي بين الطرفين في مجال األمن الداخلي و تبادل المساعدة في عدة‬
‫و من بينها مكافحة االتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية ‪،‬‬ ‫مجاالت‬
‫كم ا أن ه وج دت إتفاقي ات عربي ة عدي دة لمكافح ة ه ذه اآلف ة ‪ ،‬و ق د واف ق عليه ا مجلس‬
‫وزراء داخلي ة الع رب بدورت ه الحادي ة عش ر المعق ودة بالعاص مة التونس ية‪ ،‬بق رار رقم‬
‫‪ ، 215‬لسنة ‪. 1994‬‬
‫حيث وح دت ه ذه االتفاقي ات الج رائم و الج زاءات و األنش طة اإلجرامي ة الدولي ة‬
‫المنظم ة المتص لة به ا ‪ ،‬و ذل ك بجع ل كاف ة ص ور االتص ال غ ير المش روع بالمخ درات‬
‫و المؤتمرات العقلية جرائم يتعين توقيع الجزاء الجنائي على مرتكبيها (‪. )1‬‬
‫و تهتم الجزائ ر بمتابع ة و التفاع ل م ع دور األجه زة الدولي ة المختلف ة فيم ا يخص‬
‫مكافحة جرائم المخدرات في إطار التعاون الدولي ‪ ،‬في هذا المجال و يمكن إظه ار ه ذا‬
‫التعاون من خالل مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات و هو مكتب تابع لهيئة األمم‬
‫المتحدة تأسس عام ‪ ، 1997‬كمكتب يعمل على السيطرة على إنتشار المخدرات و الحد‬
‫من الجريمة من خالل الجمع بين برامج األمم المتحدة الدولي للسيطرة على المخدرات‬
‫و قسم مكافحة المخدرات ‪ ،‬و الجريمة التابع لمكتب األمم المتحدة في فيينا و هو أحد‬
‫أعضاء مجموعة التنمية التابعة لألمم المتحدة والتي غير إسمها إلى مكتب األمم المتحدة‬
‫المع ني بالمخـــدرات والجريم ة ع ام ‪ ، 2002‬و يظه ـ ـــر تع اون و تفاع ل الجزائ ر مـ ـ ـــع‬
‫هـ ـ ـ ـ ـ ــذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬الدريبي عبد العالي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 50‬‬

‫‪96‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫الجه از من خالل أقس ام المكتب األربع ة ‪ ،‬قس م تنفي ذ المعاه دات و قس م الخ دمات الفني ة‬
‫و قس م التع اون و قس م العملي ات و ال ذي يت ولى تق ديم المس اعدات الفني ة و التقني ة‬
‫و اإلدارية من خالل مكتب االتصال اإلقليمي للشرق األوسط و شمال إفريقيا ‪.‬‬
‫كم ا تع د المنظم ة الدولي ة للش رطة الجنائي ة شخص ا من أش خاص الق انون ال دولي‬
‫الع ام ترج ع نش أته إلى ع ام ‪ 1923‬ويض م قس ما لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع‬
‫بالمخدرات (‪ )1‬و يوفر اإلنتربول أشكاال متعددة من الدعم ألجهزة الشرطة الوطنية و‬
‫الدولية المعنية بمكافحة اإلنتاج غير المشروع للمخدرات و االتجار بالمواد المحظورة‬
‫و السالئف الكيمائية‬
‫و ك ذلك مجلس التع اون الجم ركي ال ذي يعت بر منظم ة دولي ة حكومي ة مقره ا‬
‫بالعاص مة البلجيكي ة بروكس ل و يق وم ب دور يق ترب من دور منظم ة الش رطة الجنائي ة‬
‫الدولي ة ‪ ،‬حيث يت ولى التنس يق بين أجه زة الجم ارك و تس يير تب ادل المعلوم ات بينه ا ‪،‬‬
‫بغية إتخاذ اإلجراءات المناسبة للقضاء على مختلف أشكال التهريب و من ذلك تهريب‬
‫و الم ؤثرات العقلي ة و الس الئف الكيميائي ة ‪ ،‬و ق د ب دأ مجلس التع اون‬ ‫المخ درات‬
‫الجمركي التنسيق بفعالية منذ عام ‪ . 1954‬و يعقد المجلس مؤتمرا إقليميا كل عامين و‬
‫يص در نش رات دولي ة تتض من ك ل م ا ه و جدي د في ع الم اإلتج ار غ ير المش روع‬
‫بالمخدرات والمؤثرات العقلية حتى يمكن التصدي لمحاوالت التهريب بفعالية ‪.‬‬
‫و قد كان ه ذا الشرح ال وافي ألهمية ه ذا الن وع من اإلدم ان على تن امي الجريمة‬
‫و ب الرجوع إلى علم اإلج رام ‪ ،‬نج د أن المخ درات في ع الم الجريم ة له ا أهمي ة خاص ة‬
‫و تلعب دورا هام ا في اإلج رام ‪ .‬إذ أنه ا تع د ع امال من العوام ل الدفع ة إلي ه و على‬
‫خالف الخمر الذي ال يعد إستهالكه جريمة في غالبية الدول ‪ ،‬يعد تعاطي المخدرات و‬
‫اإلتجار فيها كما قيل سابقا من األفعال التي تجرمها التشريعات الجنائية ‪ ،‬و من ناحية‬
‫أخرى تزيد المخدرات م ـ ــن الجرائم المرتبطة بها ‪ ،‬فاإلدمان مع نقص الموارد الالزمة‬
‫لضمان حاج ـ ـ ـ ــة‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إنضمت الجزائر إلى المنظمة الدولية للشرطة الجنائية ‪ ،‬الذي يضم قسما لمكافحة اإلتجار غير‬
‫المشروع بالمخدرات سنة ‪. 1963‬‬

‫‪97‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫الم دمن ق د يدفع ه إلى ارتك اب بعض الج رائم لت دبير احتياجات ه من المخ در‪ ،‬و أهم تل ك‬
‫الجرائم ما يقع على المال لشراء المخدر الذي يكلف كثيرا ‪ ،‬و تزوير الوصفات الطبية‬
‫للحص ول علي ه و الس طو على الص يدليات لس رقة م ا به ا ‪ ،‬من م واد مخ درة ي رخص‬
‫بهـا الق انون لحيازته ا ألغ راض طبي ة و ت دفع الحاج ة للمخ در ض حايا الس موم البيض اء‬
‫في بعض األح وال إلى البغ اء و الج رائم األخالقي ة المختلف ة ‪ ،‬كم ا أن حال ة اإلث ارة و‬
‫الهي اج الناش ئة عن تن اول بعض المخ درات تطل ق العن ان لبعض الغرائ ز و تض عف من‬
‫مقدرة المدمن على الحد من سيطرتها فيندفع إلى إرتكاب بعض الجرائم السيما القت ل و‬
‫الضرب و الجرح ‪ ،‬و اإلعتداء على األعراض ‪.‬‬

‫و أخ يرا يمكن الق ول ‪ ،‬أن المخ درات تم ارس ذات الت أثير غ ير المباش ر على‬
‫مدمنيها من حيث أنها تعد عامال مباشرا من عوامل اإلجرام ‪ ،‬و أنها تؤثر إجتماعيا و‬
‫إقتصاديا على ذرية المدمن ‪ .‬كما أنها تخلق بيئة غير مالئمة ألوالده تساهم في تكوين‬
‫شخصياتهم و تدفعهم إلى اإلجرام فيما بعد ‪ ،‬هذا فضال عن التأثير البيولوجي للمخدرات‬
‫على ذرية المدمن و هو تأثير ال يختلف كثيرا عن تأثير الخمر في هذا المجال (‪. )1‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫التعليم و عالقته باإلجرام‬
‫ال ينكر أحدنا ما للتعليم من آثار إيجابية على الفرد و المجتم ع‪ ،‬و ذل ك من خالل‬
‫تطوير القدرات العقلية السليمة و توجيه الفرد نحو التفكير السليم المنطقي الذي يوازن‬
‫بين‬
‫األمور السوية و الخاطئة و يضع في الحسبان االعتبار للقيم و األخالق ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد اهلل الشادلي فتوح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 197‬‬

‫‪98‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و قد إختلف العلماء بشأن تأثيره على ظاهرة اإلجرام ‪ ،‬فمنهم من ذهب إلى الق ول‬
‫أن انتشاره يساعد على التقليل من الظاهرة ‪ ،‬و أن قلته أو انعدامه بين األفراد يزيد من‬
‫هذه الظاهرة ‪.‬‬
‫إال أن من العلم اء من ذهب إلى الق ول ‪ ،‬أن ه هن اك من الج رائم من يرتكبه ا‬
‫و هـو على مستوى جيد أو عال من التعليم و ال يستطيع األمي القيام بها الحتوائها على‬
‫ج انب كب ير من التقني ة العلمي ة أو التكنولوجي ة ال تي الب د له ذا األخ ير فيه ا ‪ ،‬كج رائم‬
‫و الجرائم اإللكترونية ‪ ، ...‬و لو أنهم لم ينكروا أيضا ما للتعليم من دور‬ ‫النصب‬
‫في صقل ميول الفرد و تنمية فيه مواهب أخرى تبعده عن اإلجرام حينما يستغلها في‬
‫و ضروريات الحياة بالطرق السوية المقبولة (‪. )1‬‬ ‫توفير الرفاهية‬

‫المبحث الثاني‬
‫العوامل الخارجية المؤدية إلرتكاب الجريمة‬

‫يقص د به ا تل ك العوام ل الخارجي ة المس تمدة من الع الم الخ ارجي المحي ط ب الفرد‬
‫على تنوعه ا ‪ ،‬س واء ك انت طبيعي ة أو إقتص ادية أو إجتماعي ة و هي ت ؤثر في الف رد و‬
‫و إمكاني ة وقوع ه في اإلج رام حس ب ش دتها و حس ب قابلي ة ه ذا األخ ير في‬ ‫س لوكه‬
‫التفاعل معها و التأثر بسلبياتها ‪)2( .‬‬
‫وفي ه ذا المبحث ‪ ،‬س نتناول بالش رح العوام ل الطبيعي ة من خالل المطلب األول‬
‫ثم العوام ل اإلقتص ادية من خالل المطلب الث اني ‪ ،‬والعوام ل اإلجتماعي ة من خالل‬
‫المطلب الثالث ‪ ،‬و أخيرا العوامل الثقافية من خالل المطلب الرابع ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر‪ _ :‬دردوس مكي ‪ ،‬اإلدم ان على الخم ر و اإلدم ان على المخ درات ‪ ، ....‬مرج ع س ابق‬
‫ص ص ‪. 122_108‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬عمر السعيد رمضان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬

‫‪99‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫المطلب األول‬
‫العوامل الطبيعية‬

‫تشتمل العوامل الطبيعية على مختلف الظواهر الجغرافية التي تسود منطقة معينة‬
‫مثل درجة الحرارة و المناخ و طبيعة األرض و تعاقب الفصول و اإلنتاج الزراعي ‪.‬‬
‫و ق د ح اول العلم اء المهتمين ب الظواهر اإلجرامي ة معرف ة إمكاني ة تأثيره ا على‬
‫الف رد لدفع ه إلى إرتك اب جمل ة من الج رائم ‪ ،‬وبمع نى آخ ر إمكاني ة ت أثير الح رارة و‬
‫المناخ وطبيعة األرض وتعاقب الفصول و تبادل الليل والنهار واإلنتاج الزراعي على‬
‫الس لوك اإلنس اني حيث ت دل ـأغلب الدراس ات على وج ود ص لة بين العام ل المن اخي‬
‫والظاهرة اإلجرامية‪)1( .‬‬
‫فإذا ركزنا على المناخ الذي يقصد به حالة الطقس من حرارة و برودة و أمطار‬
‫و ري اح ‪ ،‬فق د أثبتت الدراس ات إختالف الظ واهر اإلجرامي ة في المن اطق الب اردة عنه ا‬
‫في المن اطق الح ارة فبإرتفاع الحرارة تزي د حيوية اإلنس ان و ت زداد حدة طبع ه و تت أثر‬
‫قواه الجنسية ‪ ،‬ما يؤدي إلى إزدياد إرتكاب جرائم العنف و الجرائم األخالقية (‪ ، )2‬و‬
‫ترتف ع نس بة ج رائم األم وال في الش تاء أين تط ول ف ترة اللي ل و تقص ر ف ترة النه ار‪ ،‬م ا‬
‫يؤدي إلى وقوع أغلب السرقات في الليل ‪ ،‬و أيضا ألن حاجات اإلنسان في البرد تزداد‬
‫من نفقات األكل و الملبس و المسكن‪. )3( ...‬‬
‫كم ا ذهب العلم اء إلى الق ول ب أن الجريم ة تختل ف كم ا و نوع ا من منطق ة إلى‬
‫أخرى داخل الدولة الواحدة فتختلف في المدن عنها في األرياف ‪ ،‬بل و يكون اإلختالف‬
‫في المدن الكبرى عنه في المدن الصغيرة وداخل المجتمعات الريفية نفسها كما ونوعا‬
‫أيض ا ‪ ،‬و ق د أرجع وا ه ذا اإلختالف إلى التفك ك اإلجتم اعي في المن اطق الحض رية و‬
‫عـ ـ ــدم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر ‪ _ :‬أكرم نشأت إبراهيم ‪ ،‬علم اإلجتماع الجنائي ‪ ،‬دار الثقافة للنشر و التوزيع ‪ ،‬عمان‬
‫الطبعة ‪ ، 2009 ، 1‬ص ‪. 146‬‬
‫(‪ )2‬أنظر ‪ _ :‬أكرم نشأت إبراهيم ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 55‬و ما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬محمد صبحي نجم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪ . 50_49‬و أنظر أيضا ‪ _ :‬علي عبد‬
‫القادر القهوجي ‪ ، ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 136‬و ما يليها ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫اإلس تقرار و ض عف الرواب ط األس رية والشخص ية ‪ ،‬و اإلختالف في الثقاف ات و‬


‫المعتق ــدات والقيم والمبادئ و العكس في الريف ‪ ،‬نجد اإلحترام وتقدير اآلخرين وتمس ك‬
‫وسهولة الحياة وقلة عدد السكان فحتى نوع الجرائم بذلك يختلف تبعا لهذه‬ ‫األسر‬
‫المناطق(‪. )1‬‬
‫و الحقيق ة ال يمكن إنك ار العالق ة بين العوام ل الطبيعي ة و الظ واهر اإلجرامي ة‬
‫و لكن ال يمكن له ا أن تك ون وح دها المنف ردة بالت أثير على األف راد و إرتك ابهم للج رائم‬
‫ب ل تت داخل ع دة عوام ل داخلي ة و خارجي ة ‪ ،‬أو بعض منه ا لكي ي رتكب الف رد الجريم ة‬
‫و حتى في نوع الجريمة الواحدة تختلف هذه العوامل من فرد آلخر ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫العوامل االقتصادية‬
‫ي ؤثر ه ذا العام ل على كم اإلج رام غالب ا ‪ ،‬كم ا ق د ي ؤثر على نوعي ة الج رائم‬
‫المرتكب ة و للعام ل اإلقتص ادي مظ اهره المتنوع ة ذات الص لة بحرك ة اإلج رام في‬
‫المجتم ع ك التوزيع الطبقي للمجتم ع الص ناعي و دور التقلب ات واألزم ات اإلقتص ادية ‪،‬‬
‫و األجور و الفقر و الكساد و البطالة (‪. )2‬‬ ‫كتقلبات األسعار‬
‫فق د ش هد الق رن التاس ع عش ر تح وال في إقتص اد كث ير من ال دول من اإلقتص اد‬
‫ال زراعي ال ذي ك ان س ائدا ح تى ذلك ال وقت إلى اإلقتص اد الص ناعي ‪ ،‬وقد ص حب ه ذا‬
‫التحول إرتفاع في مستوى المعيشة من جهة و بزيادة ملموسة بصفة خاصة في جرائم‬
‫األم وال فتع دد العالق ات و تش ابك المص الح خل ق ظ روف جدي دة ت دفع لإلج رام‪ ،‬يجب‬
‫و اإلشارة إليها على أنها من العوامل المؤدية لإلجرام (‪ ، )3‬و يترتب‬ ‫اإلنتباه لها‬
‫على اإلنتقال من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي عدة نتائج منها هجرة األفراد‬
‫من المناطق الريفية‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪_ :‬عبد المنعم سليمان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪ ، 391_390‬وأنظر أيضا ‪_ :‬فتوح عبد‬
‫اهلل الش اذلي ‪،‬أساس يات علم اإلج رام وعلم العق اب ‪ ،‬منش أة المع ارف باإلس كندرية ‪،‬د‪.‬ط ‪، 2000 ،‬‬
‫ص‪330‬‬
‫(‪ : )2‬أنظ ر ‪ _ :‬إس حاق إب راهيم منص ور ‪ ،‬م وجز في علم اإلج رام و علم العق اب ‪ ،‬دي وان‬
‫المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1992 ،‬ص ‪. 88‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬عبد المنعم سليمان ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 387‬‬
‫‪101‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫إلى الم دن ‪ ،‬و تكدس هم في المن اطق الص ناعية و إزدي اد أهمي ة التب ادل ‪ ،‬و منهـــا عــدم‬
‫التكي ف اإلجتم اعي بين المقيمين في المناطـق الص ناعية ‪ ،‬مم ا ق د ي دفعهم إلى إنت اج‬
‫السلوك اإلجرامي فتكثر جرائم اإلعتداء على األشخاص و جرائم الشرف ‪.‬‬
‫كم ا ي ؤدي التب ادل التج اري إلى ظه ور فئ ة تس عى إلى الكس ب ب أي ثمن فتك ثر‬
‫إساءة اإلئتمان و التزوير واإلحتيال والغش التجاري والرشوة والمنافسة غير المشروعة‬
‫‪ .‬كم ا أن إرتف اع مس توى المعيش ة يس هل إرتي اد أم اكن الله و و التس لية مم ا يزي د من‬
‫إس تهالك المخ درات و الخم ور ‪ ،‬و م ا ينجم عن ذل ك من زي ادة اإلث ارة الجنس ية بص فة‬
‫خاصة ‪.‬‬
‫كم ا أن ت دخل الس لطة التش ريعية لوض ع ض وابط للنش اط اإلقتص ادي دف ع بعض‬
‫الفئ ات إلى محاول ة الخ روج على ه ذه الض وابط ‪ ،‬مم ا أدى إلى ظه ور ن وع جدي د‬
‫من الجرائم هي الجرائم اإلقتصادية ‪ ،‬كما وجد أن األزمات اإلقتصادية تحرم فجأة فئة‬
‫معينة من األشخاص من ثرواتهم و غناهم و تحولهم إلى فقراء ‪ ،‬و أنه يوجد بين أفراد‬
‫ه ذه الفئ ة مجموع ة ض عيفة ال تس تطيع التكي ف م ع الظ روف الجدي دة ‪ ،‬مم ا ي دفعهم إلى‬
‫إرتك اب الج رائم بص فة منه ا الس رقة والتش رد والتس ول واإلحتي ال و إس اءة اإلئتم ان‬
‫و قد يدفعهم الجوع إلى إرتكاب جرائم التمرد و الجرح و الضرب و اإليذاء على رجال‬
‫األمن (‪.)1‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫العوامل االجتماعية‬

‫يقص د بالعوام ل الظ روف ال تي تحي ط بالش خص من ذ والدت ه ‪ ،‬و تتعل ق بعالقات ه‬
‫بغيره من الناس و إرتباطه بهم بنوع وثيق من الروابط تؤثر في سلوكه إلى حد بعيد ‪.‬‬
‫و نج د أن األس رة ‪ ،‬تعت بر من أق وى العوام ل ال تي تس اهم في تك وين شخص ية‬
‫اإلنس ان و ت ؤثر في توجي ه س لوكه و تح دد إتجاه ات مس تقبله ‪ ،‬لكونه ا أول م ا يص ادفه‬
‫الف رد ويعيش و يت أثر في ه خصوص ا في ف ترة الطفول ة ‪ ،‬ل ذلك يعت بر له ا دور كب ير في‬
‫مي ــل‬

‫ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬محمد صبحي نجم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 59 _56‬‬

‫‪102‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫الحدث أو عزوفه عن السلوك اإلجرامي ‪ .‬فإذا كانت األسرة سليمة متماسكة كان ذلك‬
‫مش جعا لس لوك األبن اء الس لوك الس وي ‪ ،‬أم ا إذا ك انت تع اني من التص دع و االنش قاق‬
‫فإنه ا تع ود بالس لب من حيث اآلث ار على األطف ال م ا ق د ي ؤدي بهم إلى اإلنح راف و‬
‫الس قوط في ب ؤرة الجريم ة (‪ ، )1‬و في ه ذا الص دد يق ول ع الم اإلج رام " ث افت " أن ‪:‬‬
‫العائلة هي أول و أهم مدرسة للتدريب على حسن السلوك أو سوء السلوك تبعا لسلوك‬
‫العائلة ذاتها ‪)2( .‬‬
‫و للمدرس ة في حي اة الف رد المنع رج المهم ال ذي يص قل فيه ا أه واء و ميول ه‬
‫و شخص يته ‪ ،‬ففيه ا يك ون عالق ات م ع معلمي ه و زمالءه و يتلقى العل وم و المع ارف‬
‫ال تي تنمي مداركه ‪ ،‬و تك ون له عون ا على شق طريق ش ريف في حياته س واء العلمي‬
‫أو العملي و نوع المركز اإلجتماعي في المستقبل ‪ .‬فإلى جانب اإلمكانيات التي يمتلكها‬
‫ك ل طف ل و ال تي تؤهل ه للنج اح ال يمكن إنك ار ال دور المهم لن وع المعامل ة ال تي يتلقاه ا‬
‫من المعلم و زمالءه و من يحي ط ب ه في المدرس ة على نفس يته و ح تى على مس تقبله‬
‫في ش تى جوانب ه ‪ ،‬فالقس وة و اإلزدراء والجف اء و اإلهم ال الش ديد ال ذي ق د يع اني من ه‬
‫التلميذ قد يصرفه عن التعليم و اإلستيعاب و التركيز ‪ ،‬وقد يولد فيه الخوف والضعف‬
‫والعقد النفسية التي تزداد خطورتها ليسقط مستقبال في بؤرة اإلنحراف (‪. )3‬‬
‫كما لنوع العمل الممارس في المجتمع دورا كبيرا و مهما في العالقة بين الفرد‬
‫و إمكانية إرتكابه للجرائم ‪ ،‬فإن كان العمل يشغل حياة اإلنسان و يلبي حاجاته و يعتبر‬
‫متنفسا لطاقاته و يتيح له فرصة اإلحتكاك بغيره ‪.‬‬
‫و ه و حس ب رأي العلم اء ‪ ،‬ق د يك ون ل ه دور إيج ابي إن إستغل ـ ـ ـــه الف رد بطري ق‬
‫سليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر‪ _ :‬عم ر الس عيد رمض ان ‪ ،‬علم اإلج رام ‪ ،‬دون طبع ة ‪ ،‬دار النهض ة العربي ة ‪ ،‬الق اهرة‬
‫‪ ، 1987‬ص ص ‪ ، 216_215‬و أنظ ر أيض ا _ س حنون محم د ‪ ،‬ظ اهرة إنتش ار الفق ر في البل دان‬
‫النامية و سياسات الحد منها ‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية ‪ ،‬العدد ‪ ، 20‬جامعة منتوري قسنطينة ‪ ،‬دار‬
‫الهدى للطباعة ‪ ، 2003 ،‬ص ‪ 207‬وما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنظ ر ‪ _ :‬رمس يس بهن ام ‪ ،‬تفس ير علم اإلج رام ‪ ،‬منش أة المع ارف ‪ ،‬اإلس كندرية ‪ ،‬دون طبع ة‬
‫‪ ، 1972‬ص ‪ 210‬و ما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 273_271‬‬

‫‪103‬‬

‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬
‫وق د يك ون ل ه دور س لبي إن لم يس تغله بطري ق ص حيح ‪ ،‬و ك ذا إن ص ادف من يش جعه‬
‫في السقوط في بؤرة اإلجرام أو كانت لديه الدوافع الكافية المساعدة على ذلك ‪ ،‬كما ال‬
‫يمكن إنكار ما للصداقة و العالقات التي يكونها الفرد خارج أسرته أو بمناسبة عمله أو‬
‫المجتمع دون تحديد مصدرها دورا في التأثير على الفرد ‪ ،‬فإن كان له األصدقاء‬ ‫فـي‬
‫الخ يرون لعب وا دورا إيجابي ا في حيات ه و ك انوا ل ه عون ا و مانع ا من الس قوط في ب ؤرة‬
‫و إن كانوا غير ذلك فإن تأثيرهم القوي السلبي قد يوقعه في اإلجرام (‬ ‫اإلجرام‬
‫‪. )1‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫العوامل الثقافية‬

‫يقصد بالعوامل الثقافية مجموعة القيم التي يتشكل على أساسها الضمير الفردي‬
‫و الجم اعي للمجتم ع ‪ .‬و أهم عوام ل الثقاف ة في المجتم ع الح الي هي التعليم و ال دين‬
‫و وسائل اإلعالم المختلفة و العادات و التقاليد ‪...‬‬
‫و ب التركيز على التعليم نج د أن المتعلم بمفه وم علم اء اإلج رام ه و عكس األمي‬
‫الذي ال يقرأ و ال يكتب و له تأثير على الظاهرة اإلجرامية ‪ ،‬فهناك من يقول بأنه كلما‬
‫إنتش ر التعليم كلم ا إنخفض ت نس بة الج رائم ‪ ،‬و لكن هن اك من يق ول بأن ه رغم انتش ار‬
‫التعليم إال أن الجريمة ما زالت متواجدة في المجتمعات المختلفة (‪. )2‬‬
‫و بهذا فالمعيار المعتمد للتمييز بين المتعلم و غير المتعلم في مجال دراسات علم‬
‫اإلجرام هو اإللمام بالقراءة و الكتابة ‪ ،‬و على هذا يكون متعلما وفقا لهذا المعيار من‬
‫حصل على أعلى الدرجات العلمية و من توقف عند حد القراءة و الكتابة ‪ ،‬و هو يؤثر‬
‫في الجريمة نوعا و كيفا و مقدارا ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عمر السعيد رمضان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 220_219‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬محمد صبحي نجم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 61‬‬

‫‪104‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫وق د تع ددت األبح اث و الدراس ات ال تي أج ريت لبي ان العالق ة بين التعليم و‬


‫الظاهرة اإلجرامية ‪ ،‬فكلما إنتشر التعليم إنخفضت الظاهرة اإلجرامية و نجد أن الفقيه "‬
‫فيري يقول أن فتح مدرسة يعادل غلق سجن و كرر هذا القول األديب " فيكتور هيجو "‬
‫‪)1( .‬‬
‫كم ا أن ه هن اك دراس ات أخ رى ‪ ،‬خلص ت إلى ع دم وج ود أي ة عالق ة بين التعليم‬
‫و الظاهرة اإلجرامية فانتشار التعليم لم يؤد إلى إنخفاض نسبة اإلجرام التي ظلت ثابتة‬
‫لم تتغير (‪ ، )2‬و عموما نجد أن الجهل ليس معناه الشر المطلق و إنعدام األخالق كما‬
‫أن العلم ليس معناه الفضيلة و حسن الخلق فيوجد بين المتعلمين مجرمون ‪.‬‬
‫كما يوجد بين الجاهلين من يعتبر فاضال و حقيقة يعتبر التعليم موسعا للمدارك‬
‫و مهذبا للمشاعر و الدوافع ‪ ،‬و لذلك قد يحد من اإلجرام في بعض األحيان و قد يساعد‬
‫عليه أحيانا أخرى ‪ .‬فالتعليم قد يهيأ للفرد مركزا مناسبا في المجتمع يكون عاصما له‬
‫من س لوك طري ق اإلنح راف و إن راودت ه نفس ه إلى مث ل ه ذا اإلنح راف ‪ ،‬فإن ه يمعن‬
‫التفكير قبل السير قدما فيقدر عواقبه و نتائجه مسبقا ‪.‬‬
‫كما أن للتعليم دورا بارزا في القضاء على كثير من الخرافات و العادات السيئة‬
‫فكم من جرائم اإلحتيال إرتكبت ضد أشخاص آمنوا بخرافات دفعت بهم إلى اإلستسالم‬
‫إلى خ داع المحت الين و حيلهم ‪ ،‬و له ذا يعت بر التعليم ذو دور وق ائي يح ول بين اإلنس ان‬
‫و بين اإلنح راف ‪ ،‬و يض اف إلى ذل ك أن الوس ائل العلمي ة الحديث ة في الكش ف‬
‫عن المجرمين و جرائمهم قد يترتب عليها إحجام بعض األشخاص عن إرتكاب الجرائم‬
‫‪.‬‬
‫و في المقابل فإن التعليم قد يساعد على اإلجرام و خاصة إذا صادف لدى الفرد‬
‫مي وال أو إس تعدادا إجرامي ا ‪ ،‬فق د يك ون للمرك ز المرم وق ال ذي يش غله الف رد و طبيع ة‬
‫الوظيف ة ال تي يمارس ها دور في ه ذا الس بيل ‪ ،‬يض اف إلى ذل ك أن التق دم العلمـ ـــي ق د‬
‫وضـ ــع تحـ ـ ـ ـ ـ ــت‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬محمد محي الدين عوض ‪ ،‬علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬مطبعة مصر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دون‬
‫طبعة ‪ ، 1971 ،‬ص ‪ 99‬و ما يليها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬رمسيس بهنام ‪ ،‬تفسير علم اإلجرام ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 150‬‬

‫‪105‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫بص ر األف راد الوس ائل ال تي تس هل من إرتك اب الجريم ة أو إخف اء آثاره ا كالمحالي ل‬
‫الكمياوية المختلفة و المسدسات كاتمة الصوت ‪)1( .‬‬
‫و بالنس بة للس يارات فهي ت ؤثر في ظ اهرة اإلج رام بطري ق غ ير مباش ر عن‬
‫طري ق م ا تحدث ه في نفس المج رم من دواف ع إلقتنائه ا ‪ ،‬إم ا لحب اإلقتن اء في ح د ذات ه‬
‫و ه ذا م ا ق د يدفع ه إلى إرتك اب ج رائم متع ددة لت دبير نفقاته ا والم ال الالزم لش رائها‬
‫فيضطر إلى اللجوء إلى السرقة أو االختالس ‪ ،‬و إما لإلستفادة منها بإستخدامها كوسيلة‬
‫من وسائل إرتكاب الجرائم ‪ ،‬كالظهور بها أمام المجني عليه للتغرير به أو إلقتناعـه‬
‫بمرك زه الم الي أو األدبي ‪ ،‬أو إلس تخدامها كطريق ة من ط رق اإلحتي ال والنص ب‪ ،‬و‬
‫بالتالي يضطر المجرم لتدبير هذا األمر عن طريق سرقة السيارات ذاتها ‪.‬‬
‫و المالحظ بالنسبة للمجتمعات الحديثة زيادة في ظاهرة اإلجرام ناجمة عن زيادة‬
‫إس تخدام الس يارات وإ س تخدام الس يارة ‪ ،‬إم ا موض وعا للجريم ة ينص ب علي ه الفع ل‬
‫اإلجرامي ذاته و هو ما لم يكن له وجود فيما قبل ‪ ،‬و إما لتسهيل إرتكاب جرائم أخرى‬
‫و الهرب من أعين السلطات ‪.‬‬
‫أم ا من حيث الت أثير المباش ر ال ذي يحدث ه تزاي د إس تخدام األف راد للس يارات‬
‫فينحصر في زيادة القوانين و اللوائح التي تنظم عملية إقتناء السيارات و إستخدامها ‪ ،‬و‬
‫هذا أدى إلى خلق جرائم المرور و التي لم تكن معروفة من قبل ‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أن‬
‫ك ثرة الس يارات و م ا يتبع ه من تعقي د في نظ ام الم رور ي ؤدي إلى ك ثرة ج رائم القت ل‬
‫أو اإلصابات عن غير قصد (‪. )2‬‬ ‫الخطأ‬
‫و لو أننا نجد أن األمي ال يعني بالضرورة أنه منعدم األخالق والضمير واألكثر‬
‫قابلي ة على إرتك اب الج رائم ‪ ،‬و أن المتعلم عكس ذلك يمث ل األخالق الفاضلة بل يوجد‬
‫من المتعلمين مجرمين و من األميين الصالحون ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظ ر ‪ _ :‬علي عب د الق ادر القه وجي ‪ ،‬فت وح عب د اهلل الش اذلي ‪ ،‬علم اإلج رام و العق اب ‪ ،‬دار‬
‫الهدى للمطبوعات ‪ ،‬د‪.‬ب‪.‬ن ‪ ،‬د‪ .‬ط ‪ ، 1999 ،‬ص ‪. 304‬‬
‫(‪ )1‬أنظ ر‪ _ :‬محم د ص بحي نجم ‪ ،‬مرج ع س ابق ‪ ،‬ص ‪ 82‬وم ا يليه ا ‪ .‬و أنظ ر أيض ا ‪ _ :‬فوزي ة‬
‫عبد الستار ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 187‬‬
‫‪106‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و لو أن التعليم قد يجعل الفرد مدركا لخطورة اإلنحراف و مميزا لنوع األفعال‬


‫و ال يخدع بسهولة ما يؤدي إلى اإلبتعاد عن كثير من الجرائم ‪ ،‬كم ا أن التعليم بدوره‬
‫قد يكون له عالقة باإلجرام ‪ ،‬و ذلك عندما تتوسع بموجبه مدارك األفراد المتلهفين على‬
‫و الكسب السريع أو السلطة و المجد بالطرق غير المشروعة ‪ ،‬فقد يكون‬ ‫المال‬
‫بهذا لهم عامال من عوامل اإلجرام ‪.‬‬
‫كما أن للعادات و التقاليد التي تسود الجماعة آثار تنعكس على ظاهرة اإلجرام‬
‫فتظه ر تل ك العالق ة بدق ة في المظ اهر المختلف ة ال تي تتخ ذها الجماع ة حين اإلحتفــاالت‬
‫بأعياده ا و مهرجاناته ا ‪ ،‬أين يك ثر ش رب الخم ور و تك ثر اإلعت داءات على الع رض‬
‫واألخالق وأين يكون الفرد منقادا للجماعة التي يكون برفقتها ‪ ،‬و كذلك قد تك ثر ح االت‬
‫السطو و لنشل والنصب و ألعاب القمار ‪)1( .‬‬
‫كما تكثر بصفة خاصة جرائم األفعال الفاضحة و هتك العرض في هذه المناسبات‬
‫و تكثر أيضا عمليات النصب و إستغالل سذاجة اآلخرين و خاصة أبناء الريف الذين‬
‫ينزحون إلى المدن ‪.‬‬
‫كم ا تك ثر أفع ال س حر والش عوذة و يج د النش الين الفرص ة س انحة الرتك اب أفع الهم‬
‫و بالتالي يالحظ تنامي جرائم النصب واالحتيال والسرقة و ألعاب القمار المختلفة ‪.‬‬
‫كما أن إستعداد األفراد لمواجهة نفقات تلك اإلحتفاالت يدفع الكثيرين و خاصة‬
‫األح داث إلى إرتك اب ج رائم الس رقة ‪ ،‬بقص د توف ير الم ال الالزم لمواجه ة نفق ات تل ك‬
‫األعياد و اإلحتفاالت ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬و لعل السبب في ذلك يكمن في أن الشخص في تلك اإلحتفاالت يفقد الشعور بفرديته ‪ ،‬و ينقاد‬
‫تبعا لذلك للجماعة ‪ ،‬و هذا الشعور يجعله يقوم بتصرفات ال يقوم بها إذا كان منفردا ‪ ،‬فتكثر بذلك‬
‫جرائم اإلهانة ‪ ،‬و اإلعتداء على األشخاص ‪ ،‬و كذلك األموال ‪.‬‬

‫‪107‬‬

‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫كما ال ننسى أنه في تلك المناسبات تزيد نسبة إستهالك األفراد للخمور و المواد‬
‫المخ درة فتض عف س يطرة الف رد على تص رفاته ‪ ،‬و يس هل علي ه ذل ك من الوق وع في‬
‫ج رائم مختلف ة ‪ ،‬مس تغال ش عوره ب التحرر و اإلنطالق و هو الش عور ال ذي يس يطر على‬
‫الجماعة في تلك اإلحتفاالت ‪.‬‬
‫و ه ذا يب دوا واض حا في إحتف االت رأس الس نة وإ حتف االت الجماع ة المختلف ة‬
‫باألفراح حيث يقدم الكثيرين على شرب الخمر و تعاطي المخدرات ليس بقصد اإلدمان‬
‫و إنما بقصد زيادة المتعة و البهجة ‪ ،‬كما ينساق البعض إلى ذلك بقصد التقلي د أو بقص د‬
‫اإلنطالق بتصرفاته على طبيعتها و حتى ال يشعر بالقيود اإلجتماعية المختلفة التي قد‬
‫تعوقه من متابعة نزواته و شهواته ‪.‬‬
‫و ل ذلك من الس هل على مث ل ه ؤالء األش خاص الوق وع تحت ت أثير الخم ر‬
‫أو المخدر و بالتالي يفقد سيطرته على نفسه ‪ ،‬مما قد يظهر العوامل اإلجرامي ة الداخلي ة‬
‫الكامنة ‪ ،‬و بذلك تتأثر ظاهرة اإلجرام بمثل تلك اإلحتفاالت فيرتكب الجرائم كالسرقــة‬
‫لت دبير الم ال الالزم ل ه ‪ ،‬و ه ذا أيض ا ي ؤدي إلى ال دعارة لت دبير الم ال الالزم لمواجه ة‬
‫نفقات الحياة ‪.‬‬
‫و نخلص من كل ما سبق ‪ ،‬إلى أن البيئة الثقافية ألية جماعة مهما كانت تتحدد‬
‫على أساس ها درج ة م دنيتها و تق دمها‪ ،‬ف إن له ا أثره ا على ظ اهرة اإلج رام و أن ه كلم ا‬
‫تقدم المجتمع أثر ذلك على ظاهرة اإلجرام ‪ ،‬سواء في األشكال التي تتشكل بها أم في‬
‫خلق صور جديدة من اإلجرام ‪ .‬كما الحظنا بالنسبة للتقدم اآللي للمجتمع ‪)1( .‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬و في ه ذا الص دد يمكنن ا الق ول ب أن تق دم المدني ة و التق دم الحض اري ليس من ش أنه أن ينقص‬
‫من ظ اهرة اإلج رام بص فة مطلق ة ‪ ،‬عن دما يص ل المجتم ع إلى درج ة عالي ة من ال رقي و التق دم ‪،‬‬
‫فالجريمة توجد أينما وجدت المجتمعات البشرية ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و بالنتيجة ‪ ،‬فإن الحضارة و البيئة الثقافية تؤثر على الظواهر اإلجرامية في ذلك‬
‫عن غيره ا من الظ واهر اإلجتماعي ة ‪ ،‬ض ف إلى ذل ك ف إن التق دم الحض اري يص احبه‬
‫تغ ير في الص ورة ال تي يتخ ذها اإلج رام في المجتم ع دون أن يقض ي على الظ اهرة‬
‫ذاتها ‪.‬‬
‫و من هنا يمكن القول ‪ ،‬أن للعادات و التقاليد دورها في إرتكاب بعض الجرائم‬
‫و لو أنه ال يمكن الجزم بطبيعة الحال أن لها الدور الوحيد (‪. )1‬‬
‫كم ا ال ننس ى م ا أص بح لوس ائل اإلعالم من دور مهم في إرتك اب الج رائم من‬
‫تلفاز و إذاعة و سينما و تلفزيون و أنترنت و غيرهم من وسائل اإلتصال‪ ...‬فتأثيرها‬
‫رغم إيجابياتها التي ال يمكن أن ينكرها أحد ‪ ،‬لما لها من سلبيات عديدة يمكن أن تكون‬
‫ذات ع واقب وخيم ة على األف راد الس يما األطف ال و منهم و الم راهقين خصوص ا ‪ ،‬إذا‬
‫كانت هذه الوسائل غير مراقبة ما يؤثر على أخالقهم و نوازعهم و هو ما ق د ي ؤدي بهم‬
‫إلى إرتكاب الجرائم أو إرتكاب الجرائم في حقهم كالجرائم األخالقية ‪...‬‬
‫فبالنس بة للص حافة و أثره ا على اإلج رام فنج د أن غالبي ة الص حف تنتش ر فيهــا‬
‫األخبار بعناوين مثيرة و وصف تفصيلي ال ينجو من المبالغة ‪ ،‬و هدف الصحف من‬
‫هذا األسلوب في نشر األخبار تجاري حتى تضمن أعلى نسبة توزيع ممكنة كما لوحظ‬
‫أن أغلب ق راء ب اب الجريم ة ش باب و ع اطلين عن العم ل و الم راهقين و الص غار‬
‫و لم ا ك انت الص حف ليس ت على نم ط واح د من حيث ع رض أخب ار الجريم ة فق د‬
‫تضاربت اآلراء عن أثرها على الظاهرة اإلجرامية ‪ .‬و نقول أن طريقة عرض أخبار‬
‫الجريمة قد يكون لها دور مانع و قد يكون لها دور دافع عليها و يتمثل الدور الدافع و‬
‫المانع للصحافة في األمور التالية ‪:‬‬
‫‪ _1‬المانع ‪:‬‬
‫إن مهم ة الص حافة ه و نش ر األخب ار والجريم ة خ بر ‪ ،‬و بالت الي من المهم‬
‫أن تنش رها الص حافة ب دال من ت رك األم ر بش أنها لإلش اعات ‪ ،‬ال تي يتناقله ا األف راد‬
‫العاديـ ــون‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬عبد الستار فوزية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 181‬وما يليها ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫كما أن نشر خبر الجريمة يكون بالنسبة لبعض األشخاص وسيلة للتنفيس عن الرغبات‬
‫اإلجرامية المكبوتة و إشباعا كافيا لها ‪ ،‬مما يترتب عليه إقدام هؤالء األشخاص على‬
‫تنفيذ هذه الرغبات و خاصة إذا كان عرض خبر الجريمة ‪ ،‬قد تم بطريقة منفردة ‪.‬‬
‫يض اف إلى ذل ك أن نش ر أخب ار الجريم ة و أس ماء المش تبه فيهم أو المتهمين فيه ا‬
‫ق د يس اعد على تعقب الجن اة كم ا في حال ة نش ر ص ورهم أو أوص افهم في الص حف‬
‫و القبض عليهم و يساعد كذلك على متابعة الجمهور لسير العدالة الجنائية ‪ ،‬و قد ي ؤدي‬
‫ك ل ذل ك إلى ع دول بعض األف راد عن إرتك اب الس لوك اإلج رامي خوف ا من التع ريض‬
‫بهم في الصحف ‪.‬‬
‫‪ _2‬الدافع ‪:‬‬
‫أم ا عن دور الص حافة ال دافع إلى الجريم ة ‪ ،‬فيمكن حص ره لع دم اك تراث ال رأي‬
‫العام أو جانب منه ‪ ،‬و ذلك كثرت نشر أخبار الجريمة الذي قد يوجد من يتعاطف مع‬
‫مقترفيها و قد يترتب على ذلك تشجيع من يوجد لديهم إستعداد إجرامي ‪ ،‬أو ميل إليه‬
‫و خاص ة ل دى من يش عر ب الفخر عن د نش ر ص وره أو ذك ر إس مه في‬ ‫الرتكابه ا‬
‫الصحف ‪.‬‬
‫يض اف إلى ذل ك أن نش ر الخ بر ق د ي ؤثر على س ير العدال ة الجنائي ة فيح ول دون‬
‫القبض على المج رمين أو وق وع القض اة في ح رج ‪ ،‬و ذل ك في حال ة التنب ؤ باألحك ام‬
‫التي ستصدر ضدهم ‪ ،‬و الخبر اإلذاعي له ذات األثر على الظاهرة اإلجرامية كالخبر‬
‫الصحفي و إن كان بدرجة أقل من هذا األخير ‪)1( .‬‬
‫و لإلش ارة إلى أث ر الرواي ات و القص ص على الجريم ة‪ ،‬فيب دو ه ذا األث ر من‬
‫خالل األعم ال الروائي ة ال تي تنص ب على الجريم ة و المج رمين فتص ور أس اليبهم في‬
‫تنفي ذ أغراض هم اإلجرامي ة ‪ ،‬كم ا تظه ر المج رم بمظه ر البط ل الخ ارق ال ذي ينجح في‬
‫اإلفالت من قبضة العدالة ‪ ،‬و هذا ما تزخر به القصص البوليسية و قصص العنف و‬
‫الجن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬أشرف رفعت محمد ‪ ،‬مبادئ علم اإلجرام ‪ ،‬دراسة إلستقصاء العوامل الدافعة لإلجرام‬
‫منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬دون طبعة ‪ ، 1978 ،‬ص ‪ 375‬و ما يليها ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫و المغ امرات و غيره ا من القص ص ال تي تح رض على الص فات الدنيئ ة ‪ ،‬و ه ذه‬
‫الرواي ات ت ؤثر بص فة خاص ة على تفك ير الش باب و على وج ه الخص وص مح دودي‬
‫الثقاف ة منهم في دفع بهم إلى الوق وع في هاوي ة اإلنح راف (‪ )1‬تقلي دا لبط ل الرواي ة أو‬
‫القص ة ‪ ،‬و لكن هن اك بعض الرواي ات و الكتب ال تي ت دعو إلى الفض يلة و نب ذ الرذيل ة‬
‫محارب ة العن ف بكاف ة أنواع ه ‪ ،‬وه ذا الن وع ل ه دور وق ائي ق د يح ول بين قرائ ه وبين‬
‫الوقوع في إرتكاب الجرائم ‪.‬‬
‫أم ا عن أث ر الس ينما و المس رح و التلف از على الظ اهرة اإلجرامي ة ‪ ،‬فق د إختلفت‬
‫نت ائج األبح اث و الدراس ات ح ول أث ر التلف از و الس ينما و المس رح على الظ اهرة‬
‫اإلجرامية و مع ذلك يمكن القـول أن لهذه الوسائل اإلعالمية المشهورة أثرا مانعا أو‬
‫على اإلجرام كالصحافة ‪.‬‬ ‫دافعا‬
‫فق د يك ون للس ينما أو التلف از أو المس رح أث را من حيث ال برامج و األفالم و‬
‫المسرحيات التي يعرضها كل منهما تنفر من السلوك اإلجرامي و عواقبه الوخيمة ‪ ،‬و‬
‫ق د تس اعد مش اهدة التلف از على تجم ع أف راد األس رة الواح دة حول ه مم ا يقل ل من ن زول‬
‫و خ روجهم إلى الش وارع و تجنبهم اإلختالط بأص دقاء الس وء ‪ .‬و‬ ‫األبن اء‬
‫في إرتكاب الجرائم و األفعال الدنيئة (‪. )2‬‬ ‫بالتالي عدم الوقوع‬

‫و لكن من الواض ح في ه ذه األي ام أن ه ق د ك ثر ع رض األفالم ال تي تتس م ب العنف‬


‫و الشر و الجنس و المغامرات في موضوعاتها سواء على التلفاز أو السينما أو التلفاز‬
‫و تكرارها و الفيلم في تنفيذ أغراضه و خطورة هذا األثر الضار للسينما أو التلفزيون‬
‫يتمث ل في أن إنتقــال ع دواه إلى الش باب من ال ذكور واإلن اث ‪ ،‬على إعتب ار مش اهدتهم‬
‫للس لوك اإلج رامي و كأن ه س لوك ع ادي محبب فيح اولون تقلي د م ا ش اهدوه من ج رائم‬
‫متنوعة و مختلفة و كثيرة هي الجرائم التي وقعت من آثار ذلك ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬محمد صبحي نجم ‪ ،‬المدخل إلى علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الثقافة للنشر‬
‫و التوزيع ‪ ،‬عمان ‪ ، 1998 ،‬ص ‪. 100‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ _ :‬مكي دردوس ‪ ،‬الموجز في علم اإلجرام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 173‬‬

‫‪111‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫أما بالنسبة للدين و الظاهرة اإلجرامية ‪ ،‬فالدين بمعناه الواسع مجموعة من القيم‬
‫و المب ادئ الس امية ال تي أوج دها اهلل س بحانه و تع الى ونزله ا بال ديانات الس ماوية الثالث ة‬
‫المس يحية و اليهودي ة و اإلس الم بواس طة الرس ل و األنبي اء ‪ ،‬و ه ذه ال ديانات ت دعو‬
‫إلى الخ ير و تنهى عن الش ر ‪ .‬و ل ذلك ف إن لل دين بص وره الثالث ة أث را ال ينك ر على‬
‫الظ اهرة اإلجرامي ة ‪ ،‬و ذل ك عن طري ق اإلبتع اد عن األفع ال اإلجرامي ة فم تى تغلغ ل‬
‫في النفوس و تشربت به الض مائر و نقشت قيمته في القلوب ‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫ال دين‬
‫يح ول م ا بين الف رد و بين المعص ية و الخ روج عن تع اليم ال دين فال ي رتكب إثم ا أو‬
‫أو كبيرة و ال يقتل و ال يزني و ال يكذب و ال يسيء إلى كرامة‬ ‫معصية صغيرة‬
‫و إعتبار اآلخرين ‪.‬‬
‫و بم ا أن العقي دة الديني ة في المق ام األول عالق ة م ا بين اإلنس ان و رب ه ‪ ،‬فإن ه‬
‫يك ون من الص عوبة بم ا ك ان _ إن لم يكن مس تحيال _ إج راء دراس ة أث ر ه ذه العالق ة‬
‫على الظاهرة اإلجرامية ‪.‬‬
‫و لق د ح اول بعض العلم اء دراس ة عالق ة ال دين ب اإلجرام ‪ ،‬ولكن أبح اثهم وص لت‬
‫إلى نتائج متنافرة و نقطة اإلختالف الكبيرة ‪ ،‬كان مردها هو التوهم بأن البحث عن أثر‬
‫ال دين في اإلج رام يكتفي في ه ب إجراء المقارن ة بين من ينتم ون إلى دين أو يعلن ون ذل ك‬
‫أو ح تى ال ذين يمارس ون بعض الش عائر أو كله ا و بين غ يرهم من المج رمين ‪ ،‬فهن اك‬
‫فارق كبير بين عقيدة صادقة و راسخة في النفوس و بين مجرد اإلنتماء لتلك العقيدة ‪،‬‬
‫و بعبارة أصح فإن جوهر الدين ال يتجسد بين كل معتنقيه بنفس القوة أو الدرجة ‪)1( .‬‬
‫و الحقيق ة ال تي يجب أن نس لم ‪ ،‬ب أن ال وازع ال ديني الص ادق الص افي و الحقيقي‬
‫يؤدي إلى طهارة النفس والروح و يبعد اإلنسان عن إرتكاب الرذائل ‪ ،‬و يجعله يصون‬
‫نفس ه و ش هوته و لس انه من اإلن زالق نحـ ـــو الجريم ة و اإلنح راف ‪ .‬فكلم ـ ـــا ق ـ ـــوي‬
‫اإليمــان بالنفس الصالحة تأصلت فيها العقيدة وصانت ص احبها من الشر و الرذيلة فتقل‬
‫و تختفـي‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنظر‪ _ :‬أكرم نشأت إبراهيم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬

‫‪112‬‬
‫الفص ـ ــل الث ـ ــاني ‪.................................................................‬العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب‬
‫الجريمة‬

‫الج رائم ‪ ،‬و كلم ا ض عف ال وازع ال ديني و ض عف اإليم ان باهلل و بكتب ه و رس له و‬


‫مالئكت ه و الي وم اآلخ ر إنح رف اإلنس ان و إن دفع نح و اإلج رام دون رادع ل ه س وى‬
‫إلى الش هوة و الحق د و اإلنتق ام و الجش ع و الطم ع ف تزداد الج رائم و‬ ‫الوص ول‬
‫مرتكبوها ‪.‬‬
‫و من الدراس ات الميداني ة ال تي ك انت داخ ل مراك ز التأهي ل و اإلص الح لعين ات‬
‫متنوع ة من المحك ومين ‪ ،‬إتض ح أن ال وازع ال ديني ض عيف إن لم يكن منع دما ل دى‬
‫الغالبية العظمى منهم ‪ ،‬و قد كان لهذا الضعف في الدين الدور الدافع للوقوع في هاوية‬
‫الجريم ة و اإلنح راف ‪ ،‬بحيث جع ل ذل ك ه ؤالء المحك ومين أك ثر إس تعدادا و مي وال‬
‫للجريم ة و ع دم اإلك تراث ‪ ،‬ب ل إن بعض ا منهم وص ل ب ه األم ر إلى الكف ر و اإللح اد‬
‫و تعاليمها فتجرد من إنسانيته و ض ميره ‪ ،‬و إنقلب إلى مج رم ال‬ ‫بالديانات السماوية‬
‫يعرف الرحمة و الشفقة فإعتدى على أعراض الناس و األبرياء و ممتلكاتهم و كرامتهم‬
‫‪ ،‬و إعتبارهم فحق عليه العقاب ‪.‬‬
‫و ل ذلك أص بح الوع ظ و اإلرش اد ال ديني منتش را في جمي ع مراك ز التأهي ل‬
‫و اإلصالح عن طريق رجال متخصصين في أمور الدين و الشريعة و العقيدة يقومون‬
‫بالوع ظ و إلق اء المحاض رات و ال دروس الديني ة ‪ ،‬فأنش ئ في ك ل س جن مس جد لل نزالء‬
‫ألداء مناس ك الص الة و التعب د و ذك ر اهلل و التمس ك بتعالم ه كن وع من الرعاي ة و‬
‫اإلصالح كسياسة جنائية حديثة ‪ ،‬سارت عليها مراكز اإلصالح و التأهيل لتتماشى مع‬
‫أهداف العقوبة المتمثلة في الردع العام و الخاص و التهذيب و التأهيل و اإلصالح ‪.‬‬

‫‪113‬‬

‫الخاتمة ‪..............................................................................................‬علم اإلجرام‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫إن علم اإلجرام أحد أهم العلوم الجنائية التي تهتم بالظواهر اإلجرامية و أسباب‬
‫الوق وع فيه ا إلى ج انب محاول ة التص دي له ا أو التقلي ل منه ا ‪ ،‬خصوص ا م ع م ا أص بح‬
‫حاليا موجود من تنامي لهذه الظواهر على إختالفها ‪ ،‬و بروز ما يسمى باإلجرام الوليد‬
‫و المنظم و الع ابر للح دود‪ ،‬و ال ذي أص بح يعتم د على التقني ة الحديث ة و التكنولوجي ات‬
‫المتقدم ة ‪ ،‬فأص بح يط ال ك ل فئ ات المجتم ع و ب دأ يتس ع فلم يع د يض م فق ط اإلج رام‬
‫الكالس يكي كالس رقة و القت ل و غيرهم ا ‪ ،‬و له ذا الب د على علم اء اإلج رام أن يكون وا‬
‫وعين لتعقد و تركيب الظواهر اإلجرامية التي أصبح من المستحيل القضاء عليها وفق‬
‫منظور علم اإلجرام التقليدي الذي عهده الدارسون ‪.‬‬
‫كم ا أن اللج وء إلى النظري ات و ل و كله ا إلس تيعاب الظ اهرة اإلجرامي ة ‪ ،‬أص بح‬
‫غير كاف فالبد من إستيعابها واقعيا ‪ ،‬بالنزول إلى المجتمع ودراسة كل حاالته واألبع اد‬
‫السياسية واإلقتصادية و اإلجتماعية و الدينية المعاشة و التي أصبحت تؤثر بتزايد على‬
‫الظواهر اإلجرامية ‪.‬‬
‫و ال يجب أن ينسى الباحثون والدارسون لهذا المقياس ‪ ،‬أن لكل مجتمع مقوماته‬
‫التي يتأسس عليها فال يمكن التحصن بما وصلت إليه المجتمعات الغربية دائما من نتائج‬
‫في محاوالت منها للقضاء على الظواهر اإلجرامية عندها ‪ ،‬بل البد من إدراك مقومات‬
‫المجتمع اإلسالمي الذي أصبح يتأرجح بين المعطيات الغربية الفاسدة و الروابط الدينية‬
‫التي بدأ يشوبها الفتور‪.‬‬

‫‪114‬‬

‫قائمــــــــــة المراجــــــــــع ‪.........................................................................................‬علم‬


‫اإلجرام‬

‫قائمة المراجع ‪:‬‬


‫أوال ‪ :‬الكتب باللغة العربية ‪:‬‬
‫أحمد فتحي سرور‪:‬‬
‫_ أصول السياسة الجنائية ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬مصر ‪. 1972 ،‬‬
‫أشرف رفعت محمد ‪:‬‬
‫_ مب ادئ علم اإلج رام ‪ ،‬دراس ة إلستقص اء العوام ل الدافع ة لإلج رام ‪ ،‬منش أة المع ارف‬
‫اإلسكندرية ‪ ،‬دون طبعة ‪. 1978 ،‬‬
‫أكرم نشأت إبراهيم ‪:‬‬
‫_ علم اإلجتماع الجنائي ‪ ،‬دار الثقافة للنشر و التوزيع ‪ ،‬عمان الطبعة ‪. 2009 ، 1‬‬
‫إسحاق إبراهيم منصور ‪:‬‬
‫_ م وجز في علم اإلج رام و علم العق اب ‪ ،‬دي وان المطبوع ات الجامعي ة ‪ ،‬الجزائ ر‪،‬‬
‫‪.1992‬‬
‫‪ :‬الجزيري عبد الرحمان‬
‫الفقه على المذاهب األربعة ‪ ،‬الجزء ‪ ، 5‬الطبعة ‪ ، 1‬دون دار نشر ‪ ،‬دون سنة نشر _‬
‫‪.‬القاهرة‬
‫الدريبي عبد العالي ‪:‬‬
‫_ اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات ‪ ،‬الطبع ة ‪ ، 1‬المرك ز الق ومي لإلص دارات‬
‫القانونية القاهرة ‪. 2016 ،‬‬
‫أوهايبية عبد اهلل ‪:‬‬
‫_ شرح قانون اإلجراءات الجزئية الجزائري ‪ ،‬التحري و التحقيق ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 6‬دار‬
‫هومه الجزائر‪. 2006 ،‬‬
‫_ ش رح ق انون العقوب ات الجزائ ري ‪ ،‬القس م الع ام ‪ ،‬دون طبع ة ‪ ،‬دار م وفم للنش ر ‪،‬‬
‫الجزائر ‪. 2006‬‬
‫بوسقيعة أحسن ‪:‬‬
‫_ الوج يز في الق انون الج زائي الخ اص‪ ،‬الج زء ‪ ،1‬الطبع ة ‪ ، 12‬دار هوم ه ‪ ،‬الجزائ ر‬
‫‪. 2010‬‬

‫‪115‬‬

‫قائمــــــــــة المراجــــــــــع ‪.........................................................................................‬علم‬


‫اإلجرام‬
‫جالل ثروت ‪:‬‬
‫_ الظاهرة اإلجرامية ‪ ،‬دون دار نشر ‪ ،‬اإلسكندرية ‪. 1972 ،‬‬
‫حسنين عزت ‪:‬‬
‫_ المس كرات و المخ درات بين الش ريعة و الق انون ‪ ،‬دراس ة مقارن ة ‪ ،‬الطبع ة ‪ ،1‬دون‬
‫دار نشر‪ ،‬مصر ‪. 1986 ،‬‬
‫حمدي رجب عطية ‪:‬‬
‫_علم اإلجرام ‪ ،‬دار الكتب الوطنية ‪ ،‬بنغازي ‪ ،‬ليبيا ‪ ،‬دون طبعة ‪. 2003 ،‬‬
‫حسنين إبراهيم صالح عبيد ‪:‬‬
‫_ الوجيز في علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪. 1978 ،‬‬
‫حسين إبراهيم صالح عبيد ‪ ،‬و رفاعي سيد سعد أبو حلبة ‪:‬‬
‫_ مقدمة القانون الجنائي مبادئ علم اإلجرام و العقاب ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬د‪.‬ب‪.‬ن‬
‫دون طبعة ‪. 1998 ،‬‬
‫دردوس مكي ‪:‬‬
‫_ اإلدم ان على الخم ر و اإلدم ان على المخ درات من العوام ل المكتس بة المؤدي ة‬
‫إلى اإلج رام ‪ ،‬المجل ة الجزائري ة للعل وم القانوني ة و السياس ية ‪ ،‬المجل د ‪ ، 32‬الع دد ‪، 2‬‬
‫كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ 1‬بن يوسف بن خدة ‪. 06/15/1995 ،‬‬
‫رباح غسان ‪:‬‬
‫_ الوج يز في قض ايا المخ درات و الم ؤثرات العقلي ة ‪ ،‬الطبع ة‪ ، 1‬منش ورات الحل بي‬
‫الحقوقية لبنان ‪. 2008 ،‬‬
‫رمسيس بنهام ‪:‬‬
‫_ تفسير علم اإلجرام ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬دون طبعة ‪. 1972 ،‬‬
‫_ المجرم تكوينا و تقويما ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪. 1978 ،‬‬
‫_ الجريم ة و المج رم في الواق ع الك وني ‪ ،‬منش أة المع ارف ‪ ،‬اإلس كندرية ‪ ،‬دون طبع ة‬
‫‪. 1996‬‬

‫‪116‬‬
‫قائمــــــــــة المراجــــــــــع ‪.........................................................................................‬علم‬
‫اإلجرام‬
‫رؤوف عبيد ‪:‬‬
‫_ أصول علمي اإلجرام والعقاب ‪ ،‬القاهرة ‪. 1977 ،‬‬
‫سيجموند فرويد ‪:‬‬
‫_ م دخل إلى التحلي ل النفس ي ‪ ،‬ترجم ة ج ورج ط رابلس ‪ ،‬دار الطليع ة ‪ ،‬ب يروت ‪،‬‬
‫الطبعة ‪. 1980 1‬‬
‫عبد الرحمن محمد أبو توتة ‪:‬‬
‫_ علم اإلج رام ‪ ،‬المكتب الج امعي الح ديث األزارط ة ‪ ،‬اإلس كندرية ‪ ،‬دون طبع ة ‪،‬‬
‫‪.1998‬‬
‫عبد الفتاح خضر ‪:‬‬
‫_ النظام الجنائي ‪ ،‬أسسه العامة في اإلتجاهات المعاصرة و الفقه اإلسالمي‪ ،‬دون طبعة‬
‫دون دار نشر ‪ ،‬دون سنة نشر ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫عبد القوي السيد الشافعي يونس ‪:‬‬
‫_ الجريم ة و العق اب في الفق ه اإلس المي ‪ ،‬الطبع ة ‪ ، 1‬دار الكت اب العلمي ة ‪ ،‬ب يروت‬
‫‪. 2002‬‬
‫عبد اهلل سليمان ‪:‬‬
‫_ ش رح ق انون العقوب ات الجزائ ري‪ ،‬القس م الع ام‪ ،‬الج زء ‪ ،1‬الطبع ة ‪ ، 6‬دي وان‬
‫المطبوعات الجامعية الجزائر ‪. 2005 ،‬‬
‫عدو عبد القادر ‪:‬‬
‫_ مب ادئ ق انون العقوب ات الجزائ ري ‪ ،‬القس م الع ام ‪ ،‬نظري ة الجريم ة‪ ،‬نظري ة الج زاء‬
‫الجنائي الطبعة ‪ ، 1‬دار هومه ‪ ،‬الجزائر ‪. 2010 ،‬‬
‫عمارة عبد الحميد ‪:‬‬
‫_ ض مانات المتهم أثن اء مرحل ة التحقي ق االبت دائي في الش ريعة اإلس المية والتش ريع‬
‫الجنائي الوضعي دراسة مقارنة ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬دار المحمدية العامة ‪ ،‬الجزائر ‪1998 ،‬‬
‫علي عبد القادر القهوجي ‪:‬‬
‫_ علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬الدار الجامعية للطباعة و النشر ‪ ،‬دون نشر‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫قائمــــــــــة المراجــــــــــع ‪.........................................................................................‬علم‬
‫اإلجرام‬

‫علي عبد القادر القهوجي ‪ ،‬فتوح عبد اهلل الشاذلي ‪:‬‬


‫_ علم اإلجرام و العقاب ‪ ،‬دار الهدى للمطبوعات ‪ ،‬د‪.‬ب‪.‬ن ‪ ،‬دون طبعة ‪. 1999 ،‬‬
‫علي المعتوق أحمد ‪:‬‬
‫_ حقيقة النظام العقابي اإلسالمي و مميزاته الشرعية ‪ ،‬مجلة الجامعة األسمرية ‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،20‬السنة ‪.11‬‬
‫عمر السعيد رمضان ‪:‬‬
‫_ دروس في علم اإلج رام ‪ ،‬محاض رات ألقيت على طلب ة دبل وم الق انون الجن ائي بكلي ة‬
‫الحقوق ‪ ،‬جامعة القاهرة ‪. 1975_1974 ،‬‬
‫_ علم اإلجرام ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪. 1987 ،‬‬
‫عودة عبد القادر ‪:‬‬
‫_ التش ريع الجن ائي اإلس المي مقارن ا بالق انون الوض عي ‪ ،‬الج زء ‪ ،1‬دون طبع ة ‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت ‪. 1985 ،‬‬
‫عوض محمد عوض ‪:‬‬
‫_ مب ادئ علم اإلج رام و علم العق اب ‪ ،‬المكتب ة الوطني ة ‪ ،‬بنغ ازي ليبي ا ‪ ،‬دون طبع ة‬
‫‪. 1973‬‬
‫_ مبادئ علم اإلجرام ‪ ،‬مؤسسة الثقافة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪. 1980 ،‬‬
‫فتوح عبد اهلل الشاذلي ‪:‬‬
‫_ أساس يات علم اإلج رام وعلم العق اب ‪ ،‬منش أة المع ارف باإلس كندرية ‪،‬دون طبع ة ‪،‬‬
‫‪2000‬‬
‫مانع علي ‪:‬‬
‫_ عوام ل جن وح األح داث في الجزائ ر‪ ،‬نت ائج دراس ة ميداني ة ‪ ،‬دون طبع ة ‪ ،‬دي وان‬
‫المطبوعات الجامعية الجزائر ‪. 2002 ،‬‬
‫محمد خلف ‪:‬‬
‫_ مبادئ علم اإلجرام ‪ ،‬الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع ‪ ،‬ليبيا ط ‪. 1965 ، 4‬‬
‫محمد صبحي نجم ‪:‬‬
‫_ الم دخل إلى علم اإلج رام و علم العق اب ‪ ،‬الطبع ة‪ ، 1‬دار الثقاف ة للنش ر و التوزي ع‬
‫عمان ‪. 1998 ،‬‬
‫‪118‬‬
‫قائمــــــــــة المراجــــــــــع ‪.........................................................................................‬علم‬
‫اإلجرام‬

‫_ أص ول علم اإلج رام و العق اب ‪ ،‬الطبع ة ‪ ،1‬عم ان ‪ ،‬ال دار العلمي ة الدولي ة ‪ ،‬عم ان‬
‫‪. 2002‬‬
‫محمد عبد الرحمان ‪:‬‬
‫_ دراسات في علم النفس االجتماعي‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار المعرفة العربيــة ‪.1990 ،‬‬
‫محمد محي الدين عوض ‪:‬‬
‫_ علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬مطبعة مصر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دون طبعة ‪. 1971 ،‬‬
‫محمود نجيب حسني ‪:‬‬
‫_ دروس في علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪. 1988‬‬
‫‪ :‬مشموشي عادل‬
‫المخدرات ‪ ،‬ماهيته ‪ ،‬مخاطرها ‪ ،‬مكافحتها ‪ ،‬الطبعة ‪ ،1‬دون دار نشر‪ ،‬لبنــان‪_ ،‬‬
‫‪2014‬‬
‫مهند وليد إسماعيل الحداد ‪:‬‬
‫_ دور المدارس البيولوجية ( العضوية ) في تفسير الظاهرة اإلجرامية دراسات العلوم‬
‫اإلنس انية و اإلجتماعي ة ‪ ،‬المجل د ‪ ، 46‬الع دد ‪ ، 2‬ملح ق ‪ ، 1‬كلي ة الحق وق جامع ة‬
‫الزرقاء األردن ‪. 2019 ،‬‬
‫نور الدين هنداوي ‪:‬‬
‫_ مبادئ علم العقاب ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪. 1989 ،‬‬
‫يسر أنور علي ‪ ،‬و أمال عبد الرحيم عثمان ‪:‬‬
‫_ علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬دون نشر ‪ ،‬د ون طبعة ‪. 1970 ،‬‬
‫_ الوجيز في علم اإلجرام و علم العقاب ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪. 1980 ،‬‬
‫السراج عبود ‪:‬‬
‫_ الوجيز في علم اإلجرام و العقاب ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬جامعة الكويت ‪ ،‬الكويت ‪. 1979 ،‬‬
‫السعيد عمر رمضان ‪:‬‬
‫_ علم اإلجرام ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪. 1987،‬‬

‫‪119‬‬
‫قائمــــــــــة المراجــــــــــع ‪.........................................................................................‬علم‬
‫اإلجرام‬

‫الصيفي عبد الفتاح و زكي أبو عامر محمد ‪:‬‬


‫_ علم اإلج رام و العق اب ‪ ،‬دون طبع ة ‪ ،‬دار المطبوع ات الجامعي ة ‪ ،‬اإلس كندرية‬
‫‪. 1998 _1997‬‬
‫دردوس مكي ‪:‬‬
‫_ الموجز في علم اإلجرام ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دون سنة نشر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‬
‫قسنطينة ‪.‬‬
‫_ اإلدم ان على الخم ر و اإلدم ان على المخ درات من العوام ل المكتس بة المؤدي ة‬
‫إلى اإلج رام ‪ ،‬المجل ة الجزائري ة للعل وم القانوني ة و السياس ية ‪ ،‬المجل د ‪ ، 32‬الع دد ‪، 2‬‬
‫كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ 1‬بن يوسف بن خدة ‪. 06/15/1995 ،‬‬
‫عبد الستار فوزية ‪:‬‬
‫_ مب ادئ علم اإلج رام وعلم العق اب ‪ ،‬دون طبع ة ‪ ،‬دار المطبوع ات الجامعي ة‬
‫اإلسكندرية ‪.2007‬‬
‫عبد اهلل الشادلي فتوح ‪:‬‬
‫_ علم اإلجرام العام ‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1‬دون مكان نشر ‪ ،‬دون سنة نشر ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫عبد المنعم سليمان ‪:‬‬
‫_ أص ول علم اإلج رام و الج زاء ‪ ،‬الطبع ة ‪ ،1‬المؤسس ة الجامعي ة للدراس ات والنش ر‬
‫والتوزيع بيروت ‪. 1996‬‬

‫‪ _3‬المقاالت العلمية‪:‬‬
‫السيد ياسين ‪:‬‬
‫_ نح و دراس ة اآلراء واالتجاه ات و تأثيره ا على الظ اهرة اإلجرامي ة المجل ة الجنائي ة‬
‫القومية المجلد ‪ ، 13‬العدد ‪ ، 1‬المركز القومي للبحوث االجتماعية والجنائية ‪ ،‬مصر ‪،‬‬
‫‪. 1970‬‬
‫بن المدني بوساق محمد ‪:‬‬
‫_ إتجاه ات السياس ة الجنائي ة المعاص رة و الش ريعة اإلس المية ‪ ،‬الطبع ة ‪ ، 1‬الري اض‬
‫مركز الدراسات و البحوث ‪ ،‬الرياض ‪. 2002 ،‬‬

‫‪120‬‬
‫قائمــــــــــة المراجــــــــــع ‪.........................................................................................‬علم‬
‫اإلجرام‬

‫بو دالي إبراهيم ‪:‬‬


‫_ ج رائم المخ درات في الق انون الجزائ ري ‪ ،‬مجل ة المح امين ‪ ،‬ع دد‪ ، 1‬مجلس قض اء‬
‫سيدي بلعباس ‪. 2003‬‬
‫سحنون محمد ‪:‬‬
‫_ ظاهرة إنتشار الفقر في البلدان النامية و سياسات الحد منها ‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‬
‫العدد ‪ 20‬جامعة منتوري ‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬دار الهدى للطباعة ‪. 2003 ،‬‬
‫عبد الجواد محمد محمد ‪:‬‬
‫_ الخم ر و المخ درات في الش ريعة اإلس المية ‪ ،‬مجل ة الق انون واالقتص اد ‪ ،‬الع دد ‪4‬‬
‫الشركة المتحدة للنشر و التوزيع ‪ ،‬القاهرة ‪. 1974 ،‬‬
‫الجاش دانييل ‪:‬‬
‫_ المنش أ النفس ي للجريم ة ‪ ،‬المجل ة الجنائي ة القومي ة ‪ ،‬المجل د ‪ ،13‬الع دد ‪ ، 1‬المرك ز‬
‫القومي للبحوث االجتماعية و الجنائية ‪ ،‬مصر ‪.1970 ،‬‬
‫_ مجلة بونة ‪ ،‬أثر الحشيش على اإلنسان ‪ ،‬العدد ‪ ، 11‬جويلية ‪. 2004 ،‬‬

‫‪ _4‬المجالت القضائية ‪:‬‬


‫_ نشرة القضاة ‪ ،‬وزارة العدل ‪ ،‬العدد ‪. 1999 ، 55‬‬

‫‪ :‬القوانين _‪5‬‬
‫_ الق انون ‪ ، 18/04‬الم ؤرخ في ‪ ، 25/12/2004‬المتعل ق بالوقاي ة من المخــدرات‬
‫و المؤثرات العقلية و قمع االستعمال و اإلتجار غير المشروعين بها‪.‬‬

‫‪ _6‬اإلتفاقيات ‪:‬‬
‫_ اإلتفاقي ة الوحي دة للمخ درات لس نة ‪ ، 1961‬مطبوع ات األمم المتح دة ‪ ،‬نيوي ورك‬
‫‪1979‬‬
‫_ اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة‬
‫‪ 1988‬مطبوعات األمم المتحدة ‪ ،‬نيويورك ‪. 1991 ،‬‬
‫_ إتفاقية المؤثرات العقلية لسنة ‪، 1971‬مطبوعات األمم المتحدة ‪ ،‬نيويورك ‪.1979 ،‬‬

‫‪121‬‬
‫قائمــــــــــة المراجــــــــــع ‪.........................................................................................‬علم‬
‫اإلجرام‬

‫إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية‪_ ،‬‬
‫‪.‬لسنة ‪ ،1988‬مطبوعات األمم المتحدة‪ ،‬نيويورك‪1991 ،‬‬
‫_ اإلتفاقي ة العربي ة لمكافح ة االتج ار غ ير المش روع بالمخ درات و الم ؤثرات العقلي ة‬
‫لسنة ‪ 1994‬مطبوعات جامعة الدول العربية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الكتب باللغة األجنبية ‪:‬‬


‫‪Frank hagan :‬‬
‫‪_ research methods in criminal justice and criminology , New York , milan ,‬‬
‫‪1982 . .‬‬
‫‪Herschl Prins :‬‬
‫‪_ Criminal behaviour An introduction to its , Stady and treatment , New‬‬
‫‪York , pitman publishing , 1973‬‬
‫‪: James William Coleman and Donald R‬‬
‫_ ‪third edition , new york harper , Cressey , Social problems and Ro ,‬‬
‫‪.pblishers‬‬
‫‪Sutherland et Gressey :‬‬
‫‪_ Principes de criminologie , précité Paris , 1966‬‬
‫‪: Th , Selling‬‬
‫_ ‪La criminalité et délinquance aux USA , les éd de l*éspagne , Paris , 1964‬‬

‫‪122‬‬
‫فهـــــــــــرس المحتويـــــــــــات‪......................................................................................‬علم‬
‫اإلجرام‬

‫فهرس المحتويات‬

‫مقدمة‪1.............................................................................:‬‬

‫الفصل األول‬

‫اإلطار العام لعلم اإلجرام…………………………‪3 ..‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬ماهية علم اإلجرام و أساليب البحث فيه‪3............................‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬ماهية علم اإلجرام ‪4..................................................‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬مفهــوم علم اإلجــرام‪....................................................‬‬


‫‪4‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬طبيعة علم اإلجــرام‪....................................................‬‬


‫‪6‬‬
‫الفــــــــــــــــــــــــرع الثــــــــــــــــــــــــالث ‪ :‬عالقــــــــــــــــــــــــة علم اإلجــــــــــــــــــــــــرام بغــــــــــــــــــــــــيره من‬
‫العلوم‪7....................................‬‬

‫المطلب الثـــاني ‪ :‬أســـاليب البحث في علم اإلجـــرام‪....................................‬‬


‫‪29‬‬

‫الفـ ــرع األول ‪ :‬أسـ ــلوب اإلحصـ ــاء‪....................................................‬‬


‫‪31‬‬

‫الفـ ــرع الثـ ــاني ‪ :‬أسـ ــلوب البحث‪......................................................‬‬


‫‪32‬‬

‫الفــرع الثــالث ‪ :‬أســلوب المســح االجتمــاعي ‪..........................................‬‬


‫‪34‬‬

‫الف ــرع الراب ــع‪ :‬أس ــلوب المالحظ ــة‪....................................................‬‬


‫‪35‬‬

‫المبحث الثــاني ‪ :‬المــدارس الــتي حــاولت تفســير الظــاهرة اإلجراميــة‪...................‬‬


‫‪37‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬المدارس البيولوجية ‪37..............................................‬‬

‫‪123‬‬
‫فهـــــــــــرس المحتويـــــــــــات‪......................................................................................‬علم‬
‫اإلجرام‬

‫الفـــرع األول ‪ :‬نظريـــة لمـــبروزو‪.....................................................‬‬


‫‪38‬‬

‫الف ــرع الث ــاني ‪ :‬نظري ــة هوت ــون‪......................................................‬‬


‫‪40‬‬
‫الفــرع الثــالث‪ :‬نظريــة دي تيليــو(المدرســة البيولوجيــة الحديثــة)‪.......................‬‬
‫‪41‬‬

‫الفــرع الرابــع ‪ :‬نظريــة فرويــد‪........................................................‬‬


‫‪42‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬المدارس االجتماعية‪44.............................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مدرسـة الخرائـط (المدرسـة الجغرافيـة)‪..................................‬‬


‫‪44‬‬

‫الفــرع الثــاني ‪ :‬المدرســة االشــتراكية‪.................................................‬‬


‫‪45‬‬

‫الفــرع الثــالث ‪ :‬المدرســة االجتماعيــة األوروبيــة‪......................................‬‬


‫‪46‬‬

‫الفــرع الرابــع ‪ :‬المدرســة االجتماعيــة األمريكيــة‪.......................................‬‬


‫‪48‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬المدارس التكاملية‪49...............................................‬‬

‫الف ــرع األول ‪ :‬المدرس ــة النمس ــاوية األلماني ــة‪........................................‬‬


‫‪49‬‬

‫الفــرع الثــاني ‪ :‬مدرســة أنريكــو فــيري‪................................................‬‬


‫‪50‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫العوامل المؤدية إلى ارتكاب الجريمة‪52........................‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬العوامــل الداخليــة المؤديــة الرتكــاب الجريمــة‪.........................‬‬


‫‪52‬‬

‫ا لمطلب األول ‪ :‬العوامل الفطرية‪53..................................................‬‬


‫الفرع األول ‪ :‬الوراثة‪53.............................................................‬‬

‫‪124‬‬
‫فهـــــــــــرس المحتويـــــــــــات‪......................................................................................‬علم‬
‫اإلجرام‬

‫الفـــــرع الثـــــاني ‪ :‬الجنس‪.............................................................‬‬


‫‪58‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬السن‪59..............................................................‬‬

‫الف ــرع الراب ــع ‪ :‬الس ــاللة‪.............................................................‬‬


‫‪60‬‬

‫الفرع الخامس ‪ :‬التكوين اإلنساني و العلل ‪68........................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العوامل المكتسبة‪74.................................................‬‬

‫الف ــرع األول ‪ :‬الخم ــر و عالقته ــا ب ــاإلجرام‪...........................................‬‬


‫‪74‬‬

‫الفــرع الثــاني ‪ :‬المخــدرات و عالقتهــا بــاإلجرام‪.......................................‬‬


‫‪79‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬التعليم و عالقته باإلجرام‪98..........................................‬‬

‫المبحث الثــاني ‪ :‬العوامــل الخارجيــة المؤديــة الرتكــاب الجريمــة‪.......................‬‬


‫‪99‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬العوامل الطبيعية‪100................................................‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬العوامل االقتصادية‪101.............................................‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬العوامل االجتماعية‪102.............................................‬‬


‫المطلب الراب ـ ــع ‪ :‬العوام ـ ــل الثقافي ـ ــة‪.................................................‬‬
‫‪104‬‬

‫الخاتمة ‪114.......................................................................:‬‬

‫قائمــــــــة المراجــــــــع ‪.................................................................:‬‬


‫‪115‬‬

‫الفهـــــــــــــــرس ‪_120................................................................:‬‬
‫‪122‬‬

‫‪125‬‬

You might also like