Professional Documents
Culture Documents
مطبوعة علم الإجرام 2021
مطبوعة علم الإجرام 2021
محاضرات في اإلجرام
موجهة إلى طلبة السنة األولى ماستر تخصص قانون العقوبات و العلوم الجنائية
ال وقت تفتح أعينن ا على أهم نقط ة و هي إمكاني ة أو ع دم إمكاني ة تط بيق ه ذه النت ائج
الرائدة في الفقه الوضعي الغربي على المجتمعات العربية و اإلسالمية و على رأسها
الجزائ ر ذات المقوم ات وال دين والع ادات واألخالق المختلف ة ،وهن ا تظه ر أهمي ة
إستيعاب من خالل هذا المقياس كل المعطيات المحيطة بالجريمة و المجرم ،من أجل
فهم الس لوك اإلج رامي على طبيعت ه و في بيئت ه وإ مكاني ة وض ع الحل ول والمعالج ة
الس ليمة .وفي س بيل محاول ة اإللم ام ب أهم األساس يات المكون ة لمقي اس علم اإلج رام و
تسهيل فهم ه على الطلب ة ك ان التس اؤل األساسي ال ذي ننطل ق من ه هو :ما هي األسس
الــتي يقــوم عليهــا علم اإلجــرام و مــا مــدى نجــاح علمــاءه في اإللمــام بأســباب الظــاهرة
اإلجرامية ككل والحلول المتعلقة باستئصالها أو على األقل التقليل منها ؟
و لإلجاب ة عن ه ذا التس اؤل ،س نتناول بالش رح و التحلي ل اإلط ار الع ام لعلم
اإلجرام من خالل الفصل األول ،ثم نتطرق إلى العوامل المؤدية إلى إرتكاب الجريم ة
من خالل الفصل الثاني .
الفصل األول
اإلطار العام لعلم اإلجرام
الفصل الثاني
العوامل المؤدية إلى إرتكاب الجريمة
2
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
الفصل األول
اإلطار العام لعلم اإلجرام
إلدراك ماهية علم اإلجرام البد من اإللمام بجملة المفاهيم التي طبعته ،و كذلك
الب د من توض يح مرك زه بين العل وم اإلنس انية االجتماعي ة منه ا و القانوني ة ،و في ه ذا
الفص ل س ندرس اإلط ار الع ام لعلم اإلج رام من خالل مبح ثين إث نين .س نتناول بالش رح
و التحلي ل األس اليب المتاح ة للتقص ي عن أهم عناص ره و هم ا الجريم ة و الس لوك
اإلجرامي من خالل المبحث األول ،ثم نتناول السبل و النظريات التي قامت حوله من
أجل اإلطالع على كل جوانبه من خالل المبحث الثاني .
المبحث األول
ماهية علم اإلجرام و أساليب البحث فيه
إن علم اإلج رام كعلم يهتم بدراس ة الظ واهر اإلجرامي ة بك ل عناص رها ،ح اول
العلماء ضبط مفهومه و طبيعته التي تجعله علما قائما بذاته يختلف عن غيره من العلوم
،كما حاولوا تطبيق بعض األساليب للتقصي عن أسباب تنامي الجرائم مراعين أحيانا
فوارق الجنس و العمر ،و أحيانا فوراق الزمان و المكان و أحيانا الوظيفة و العمل .
()1
وفي ه ذا المبحث ،س نتناول بالش رح ماهي ة علم اإلج رام من خالل المطلب األول
ثم نتناول أساليب البحث في علم اإلجرام من خالل المطلب الثاني .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ذلك أن علم اإلجرام ،هو العلم الذي يختص بالبحث في أسباب الظاهرة اإلجرامية و دوافعها
و العوامل الداخلية و الخارجية المؤدية إلرتكابها ،و كذا النتائج المترتبة عنها ،و محاولة تفسيرها
من خالل أس اليب منهجي ة علمي ة ،و م رد ذل ك يكمن في ك ون الظ اهرة اإلجرامي ة ظ اهرة معق دة
و متشعبة تشترك في وقوعها عدة عوامل .
3
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
المطلب األول
ماهية علم اإلجرام
لإلحاط ة بماهي ة علم اإلج رام الب د من الوق وف على جمل ة التع اريف ال تي ح اول
علماء اإلجرام تبنيها لتعريف هذا العلم من جهة ،وكذلك معرفة طبيعة هذا األخير من
جهة أخرى.
و في ه ذا المطلب ،س نتناول مفه وم علم اإلج رام من خالل الف رع األول ،ثم
نتناول طبيعة علم اإلجرام من خالل الفرع الثاني ،و أخيرا عالقة علم اإلجرام بغيره
من العلوم من خالل الفرع الثالث.
الفرع األول
مفهوم علم اإلجرام
إن علم اإلج رام ه و علم ح ديث النش أة مقارن ة بغ يره من ف روع الق انون األخ رى
رغم أن ه ي درس الجريم ة لتحدي د أس بابها بغي ة مكافحته ا ،و الجريم ة قديم ة من ذ ق دم
اإلنسان و أهتم بها كل من الفالسفة و رجال الدين ولكن دراستها دراسة علمية قائمة
على منهج العل وم الطبيعية ال تي يؤسس على المالحظ ة و التجرب ة و اإلستنتاج ،يعتبر
حديث نسبيا ذلك أن الدراسة العلمية للجريمة ( )1وبالفعل لم تنشأ الدراسات اإلجرامية
إال بع د التط ور الملح وظ ال ذي ح دث في عل وم الطب و النفس و االجتم اع ،وق د ك ان
ألقط اب المدرس ة الوض عية وال ذي س وف ي رد ح ولهم التفص يل في المح اور الموالي ة ،
الفضل في تطبيق المنهج العلمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تفترض ظهور علوم تقدم للباحثين في الجريمة و أسبابها مادتها األولية ،أي تقدم لهم معلومات
أساسية عن شخصية المجرم جسدا و نفسا و عن بيئته التي يحيا فيها .
4
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،علم اإلجرام العام ،الطبعة ، 1مصر ،دون مكان نشر ،دون
سنة نشر ،ص . 24
5
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
أم ا التعريف ات المض يقة لعلم اإلج رام فإنه ا تتف ق على إس تبعاد ق انون العقوب ات من
مج ال علم اإلج رام فكالهم ا علم متم يز عن اآلخ ر في موض وعه و منهج ه و وظيفتـه
ك ذلك تت واتر تل ك التعريف ات على مفه وم أك ثر تحدي دا لعلم اإلج رام ،حيث تخ رج من
نطاق ه علم اإلجتم اع الجن ائي و علم التحقي ق الجن ائي الف ني و علم العق اب وعلم الوقاي ة
العامة من الجريمة .
فهناك من عرفه بأنه " :علم الجريمة " أو هو " :علم اإلنسان المجرم " أو أنه :
" العلم ال ذي ي درس الجريم ة بإعتب ار ه ذه األخ يرة فعال معاقب ا علي ه " ،أو أن ه أيض ا :
" الدراسة العلمية للظاهرة اإلجرامية " (. )1
و به ذا نالح ظ أن علم اإلج رام يختل ف من حيث الس عة و الض يق ،و ك ذلك من
حيث التوجه الذي ينتمي إليه العلماء و الزوايا التي يدرس منها .و هناك من يق ول ب أن
لمعرف ة اإلج رام و اإلحاط ة بالظ اهرة اإلجرامي ة بص فة عام ة ،أو من ط رف المش رع
بص فة خاص ة .الب د من اإللم ام بعناص ر عدي دة هي :الفع ل أو اإلمتن اع و المج رم
والمجتم ع ونظ ام الحكم و ذل ك من أج ل تقليص الف روق و توحي د الرؤي ة بين العلم اء (
. )2
الفرع الثاني
طبيعة علم اإلجرام
إن علم اإلج رام في نظ ر البعض من العلم اء ال يحت وي على المقوم ات الحقيقي ة
للكي ان العلمي المس تقل ،فه و يحت وي على م زج لنت ائج عل وم أخ رى متخصص ة كعلم
البيولوجي ا و علم اإلجتم اع ،و علم النفس ...و إنبثقت من ه ذه العل وم دراس ات
خاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد المنعم سليمان ،أصول علم اإلجرام و الجزاء ،الطبعة ، 1المؤسسة الجامعية
للدراسات و النشر و التوزيع ،بيروت ، 1996 ،ص . 14
( )2أنظر _ :دردوس مكي ،الموجز في علم اإلجرام ،دون طبعة ،ديوان المطبوعات الجامعية
قسنطينة ،دون سنة نشر ،ص . 1
6
كونت علم البيولوجيا الجنائية و علم اإلجتماع الجنائي و علم النفس الجنائي ...و منها
مجتمعة نشأ علم اإلجرام .
و لكن حالي ا تأك د أن علم اإلج رام أص بح موض وعا مح ددا ،تنص ب دراس ته على
وجه التحديد على سببية السلوك اإلجرامي و تحديد األسباب الحقيقية لظاهرة اإلجرام و
هذا الموضوع ال ينازعه فيه علم آخر ،و علم اإلجرام في السنوات األخيرة قد تطور
في اتج اه أك ثر علمي ة و بل غ درج ة من التعقي د و اإلغ راق في الن واحي الفني ة لدرج ة
أصبح يصعب على غير المتخصصين في الدراسات اإلجرامية الوقوف عليه (. )1
و هذه الخصوصية في منهج علم اإلجرام ،تنبع كذلك من أنه على خالف غالبية
العل وم اإلنس انية األخ رى .ه و علم نظ ري و تط بيقي و ه و عموم ا ينقس م إلى علم
اإلج رام الع ام ال ذي ي درس الس لوك اإلج رامي ( )2بص فة عام ة أي ا ك ان ن وع الس لوك
الم رتكب قت ل أو س رقة أو إختط اف ، ...و علم اإلج رام الخ اص و يختص بدراس ة
بعض صور السلوك اإلجرامي كل صورة على حدا لبيان العوامل التي تؤدي إليها.
الفرع الثالث
عالقة علم اإلجرام بغيره من العلوم
إن خصوص ية علم اإلج رام تجعلن ا نح اول معرف ة موقع ه ض من العل وم األخ رى
و عالقته بها ،ألن هذا األخير أثبت الفقهاء و العلماء أنه لديه إرتباط مع علوم عديدة
سواء كانت طبية أو إنسانية و سواء كانت قانونية أو غير قانونية ،و ذلك على أساس
أن هذه العلوم تهتم بدراسة اإلنسان من جوانب مختلفة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،المرجع السابق ،ص . 18 _17
( )2وهو الذي بعرف في القانون الجنائي بأنه النشاط الذي يقوم به الفاعل لتحقيق النتيجة المعاقـــب
عليه ا ، ...و أنظ ر أيض ا _ بوس قيعة أحس ن ،الوج يز في الق انون الج زائي الخ اص ،الج زء 1
الطبعة ، 12دار اهومة ،الجزائر ، 2012 ،ص . 12
7
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :دردوس مكي ،المرجع السابق ،ص . 20_19
( )2أنظر _ :دردوس مكي ،المرجع نفسه ،ص . 20
8
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
كما أنه هناك من يقول بوجود عالقة بين علم اإلجرام و علم النفس ،و ذلك بكون
العلم اء في ه ذا التخص ص لم يهتم وا بالش خص غ ير الع ادي ألن إهتم امهم ك ان منص با
على الش خص الس وي .و لكن تط ور األم ر ليهتم وا باألش خاص غ ير الع اديين و ذل ك
عن د وضعهـم لمع ايير ت دل على ه ؤالء و تم يزهم عن األش خاص غ ير الع اديين و ق د
تفاعلوا بذلك مع علماء مختصين في األمراض العقلية ،و هم الذين يبحثون عن أسباب
األم راض العقلي ة و كيفي ات الوقاي ة منه ا ،و أيض ا محاول ة معرف ة م ا هي عالق ة
األمراض العقلية مع اإلجرام ،كما تفاعل علماء النفس مع المختصين في علم التحليل
النفس ي ال ذي يبحث في تك وين الشخص ية الروحي ة لألف راد و تطوره ا و م دى ت أثير
ح االت القل ق و الكبت و ال ذنب المعاش ة عليه ا ،و يبحث في التص رفات الالش عورية
لألف راد و تط ور العقلي ة الجنائي ة و ت درجها نح و الجريم ة نتيج ة التراكم ات الداخلي ة
النفسية ،وعليه نجد أن كال من هذه العلوم متفاعل مع بعضه و له عالقة وطيدة بعلم
اإلجرام (. )1
_2عالقة علم اإلجرام بالعلوم االجتماعية :
إن من العلم اء من ق ال أن الجريم ة هي ظ اهرة إجتماعي ة ال يمكن تص ورها إال
داخل مجتمع ،فهي عمل يصدر من شخص ضد نظام المجتمع الذي يعيش فيه وتعبير
عن فش ل المج رم في التكي ف م ع مجتمع ه و ق د أهتم العلم اء باألس باب االجتماعي ة أول
المطاف كرد فعل على نظرية لومبروزو ،ثم ما لبث أن تبناها بجدي ة الكثير من العلم اء
وق د ب رز به ذا م ا يس مى بعلم االجتم اع الجن ائي ال ذي يهتم بدراس ة الجريم ة كظ اهرة
كما سبق القول ومدى الصلة بينها وبين غيرها من الظواهر ،كالظواهــر إجتماعية
الطبيعي ة والحال ة اإلقتص ادية و ه و به ذا ي درس الجريم ة باعتباره ا ظ اهرة في حي اة
المجتمع تتأثر بالظـ ـ ــروف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :الس يد ياس ين ،نح و دراس ة اآلراء و اإلتجاه ات و تأثيره ا على الظ اهرة اإلجرامي ة
المجل ة الجنائي ة القومي ة ،المجل د ، 13الع دد ، 1المرك ز الق ومي للبح وث اإلجتماعي ة و الجنائي ة
مصر 1970 ،ص . 85و أنظر أيضا _ دردوس مكي ،المرجع السابق ،ص . 22
9
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
التي يعيش فيها أو يمر بها ( ، )1و بهذا كان للعلوم االجتماعية دور مهم في إفادة علم
اإلجرام و اإلستفادة منه .
_3عالقة علم اإلجرام بالعلوم القانونية :
يتشابه علم اإلجرام و قانون العقوب ات في أن كال منهما يبحث في ظاهرة الجريمة
مم ا أدى ب البعض إلى الق ول بوحدة الموض وع بينهما ،و ل و أن هذا الموضوع مردود
إال أن هناك صلة كبيرة بينهما ،فقانون العقوبات هو الذي يحدد الواقعة التي تعد في
نظره جريمة و هو بذلك يرسم لعلم اإلجرام اإلطار الذي يعمل داخله (. )2
كم ا أن المش رع الجن ائي يس تعين بأبح اث علم اإلج رام ،من أج ل فهم أس باب
ارتك اب الجريم ة و يعين ه ذل ك على وض ع أفض ل النص وص ال تي تكف ل مكافحته ا ،و
يس تعين ك ذلك القاض ي الجن ائي بدراس ة أس باب الجريم ة في تفهم ه للواقع ة المعروض ة
علي ه فيحس ن اختي ار أحس ن العقوب ات في ح دود س لطته التقديري ة ح تى تحق ق العقوب ة
الهدف منها ،كذلك نجد سلطة تنفيذ العقاب تفيد من أبحاث علم اإلجرام في تحديد دوافع
الجريمة ،لدى المجرمين حتى تستطيع أن تعدهم لاللتئام مع المجتمع بعد تنفيذ العقوبة
(. )3
و لعلم اإلجرام عالقة بقانون اإلجراءات الجزائية ،حيث أن موضوع هذا األخير
ه و تنظيم ال دعوى العمومي ة حيث ال يفلت مجرم و ال ي دان ب ريء ،و ل ذلك فــإن ه ذا
الق انون ي ؤثر على علم اإلج رام من خالل دراس ة م دى ت أثير أجه زة العدال ة الجنائي ة
من ضبطية قضائية إلى نيابة عامة إلى قضاة و محاكم و سلطات تنفيذ على شخصية
المجرم و خاصة المحترف أو العائد للجريمة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :عب د الس تار فوزي ة ،مب ادئ علم اإلج رام و علم العق اب ،دون طبع ة ،دار
المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،ص . 17
( )2أنظر _ :عبد اهلل سليمان ،شرح قانون العقوبات الجزائري ،القسم العام ،الجزء ، 1الطبعة
6ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ، 2005 ،ص 12و ما يليها .
( )3أنظر _ :عبد الستار فوزية ،المرجع نفسه ،ص . 19_18
10
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
كم ا ي ؤثر علم اإلج رام على ه ذا األخ ير في ك ون النت ائج المتوص ل إليه ا في علم
اإلجرام ،تساعد قاضي الموضوع على تكوين قناعته الوجدانية في دراسة ظروف و
حالة المجرم الختيار الجزاء المناسب وفق شخصيته ،عالوة على إعانة سلطات التنفيذ
في مراك ز التأهي ل و اإلص الح الس جون في إتب اع أنج ع األس اليب لتنفي ذ الج زاء وف ق
هدف التأهيل و التهذيب و اإلصالح من أجل تفريد الجزاء الجنائي (. )1
كم ا لعلم اإلج رام عالق ة بعلم العق اب ،و ذل ك على اعتب ار االرتب اط الوثي ق بينهم ا
كعلمين يهدفان لمكافحة الجريمة و عالج السلوك اإلجرامي ،ألن العالج هنا ينطلق من
مي دان عالج المج رم و مي دان الوقاي ة من الجريم ة ،و هن ا يلتقي علم اإلج رام بعلم
العق اب لمعرف ة أس باب الجريم ة و الظ روف المختلف ة المحيط ة ب المجرم للتوص ل إلى
وسائل عالجها ،و هذا ما يؤدي إلى ترشيد السياسة الجنائية .
كم ا أن علم العق اب يس تفيد من نت ائج دراس ات و أبح اث علم اإلج رام المتعلق ة
بشخص ية المج رم للوص ول إلى تحدي د األه داف القريب ة و البعي دة للعقوب ات الجزائي ة
ثم يخت ار األس اليب الكفيل ة بتحقي ق ه ذه األه داف ،إض افة إلى أن علم اإلج رام يس تعين
بدراس ات علم العق اب ح ول ت أثير تنفي ذ العقوب ات الجزائي ة على تك وين الشخص ية
اإلجرامية (. )2
وتعت بر السياس ة الجنائي ة من العل وم القانوني ة ال تي له ا عالق ة بعلم اإلج رام ،حيث
نج د أنه ا األس اليب أو الط رق ال تي ينتهجه ا المش رع الجن ائي لمكافح ة الجريم ة ،وعلم
اإلجرام يبحث فيما هو كائن فيبحث الجريمة بإعتبارها ظاهرة حدثت في حياة الفرد و
الجماع ة ليح دد دواف ع المج رم إلى إرتكابه ا و السياس ة الجنائي ـ ـــة تبحث فيم ا يجب أن
يكون عليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :محمد صبحي نجم ،أصول علم اإلجرام و العقاب ،الطبعة ، 1الدار العلمية الدولية
عمان ، 2002 ،ص . 12
( )2أنظر _ :محمد صبحي نجم ،المرجع نفسه ،ص ص . 14_13
11
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
الق انون الجن ائي لمكافح ة الجريم ة ،و لكن رغم ه ذا فالص لة بين العلمين وثيق ة
فالسياسـ ـ ـ ـ ـ ـــة الجنائي ة تهت دي في تحدي د خطته ا لمكافح ة الجريم ة في المجتم ع بنت ائج
أبح اث ودراس ات علم اإلج رام ،رغم أن اس تجابتها لدراس ات علم اإلج رام مقي دة
بالظروف السياسية واإلجتماعية و اإلقتصادية القائمة في كل دولة (. )1
_4عالقة علم اإلجرام بعلوم الشريعة اإلسالمية :
قبل التطرق لعالقة علم اإلجرام بعلوم الشريعة اإلسالمية ،البد من اإلشارة أوال
إلى أنه هناك إختالف جدري بين منطلقات علم اإلجرام كونه من العلوم الوضعية التي
م رت عليه ا ع دة نظري ات غ ير مس تقرة و آراء ،و عل وم الش ريعة اإلس المية المس تندة
إلى أحك ام الق رآن الك ريم و الس نة النبوي ة الش ريفة ولكي نتح رى عن العالق ة بين كال
الش قين الب د من الوق وف على جمل ة من المف اهيم واألس س و المم يزات ال تي يتم يز به ا
التش ريع اإلس المي عموم ا في الش ق ال ذي يهتم بالجريم ة و ك ل م ا يتعل ق به ا ألن ه في
و األخ ير الب د من إج راء المقارن ة من ه ذا المنطل ق .ألن علم اإلج رام و األول
العلوم الشرعية أول ما يمكنهما أن يلتقيا عنده هو ذلك الجرم المقترف و كيفية النظر
إليه لمعالجته .
و الجرائم في الشريعة اإلسالمية عبارة عن محظورات شرعية زجر اهلل عنها بحد
أو تعزير و المحظورات ،بدورها عبارة عن إثبات فعل منهي عنه أو ترك فعل مأمور
ب ه و ق د وص فت ه ذه األخ يرة بأنه ا ش رعية إش ارة إلى أن ه يجب في الجريم ة أن
تحظرها الشريعة اإلسالمية (. )2
فالجريم ة إذن هي فع ل أو ت رك نص ت الش ريعة على تحريم ه و العق اب علي ه ،و
ب ذلك فالفع ل أو ال ترك ال يعت بر جريم ة إال إذا تق ررت علي ه عقوب ة ،و يع بر عن
العقوبات عند الفقهاء باألجزية و مفردها جزاء ،و فـ ـــي الشريعة اإلسالمية تعتبر كل
جريمـ ـ ــة بمثابـ ـ ـ ـ ـ ــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الستار فوزية ،المرجع السابق ،ص . 20
( )2أنظر _ :عبد القوي السيد الشافعي يونس ،الجريمة و العقاب في الفقه اإلسالمي ،الطبعة 1
الدار الكتاب العلمية ،بيروت ، 2002 ،ص . 3
12
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد القوي السيد الشافعي يونس ،المرجع السابق ،ص . 3
( )2أنظر _ :عدو عبد القادر ،مبادئ قانون العقوبات الجزائري ،القسم العام ،نظرية الجريمة
نظرية الجزاء الجنائي ،الطبعة ، 1دار هومة ،الجزائر ، 2010 ،ص . 23
( )3أنظ ر _ :عب د اهلل س ليمان ،ش رح ق انون العقوب ات الجزائ ري ،القس م الع ام ،الج زء ، 1
الجريمة =
13
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الطبعة ، 6ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ، 2005 ،ص . 61
( )1أنظر _ :عبد القوي السيد الشافعي يونس ،المرجع السابق ،ص . 4
14
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ت ؤدي إلى اختص ار اإلج راءات و تقلي ل المحاكم ات ،و ال تح ول في ال وقت نفس ه من
توقيع العقوبة أو العقوبات التي تتالءم مع شخصية المتهم و الجريمة المنسوبة إليه .
و قد عرف فقهاء الشريعة اإلسالمية موضوع الجريمة المدنية ،لكنهم لم يطلقوا
عليه ا ه ذه التس مية ال تي نس تعملها نحن اآلن ،و األص ل في الش ريعة اإلس المية
أن األم وال و األنفس معص ومة أي غ ير مباح ة ،و ك ل فع ل ض ار باإلنس ان أو بمال ه
مضمون على فاعله إذا لم يكن الفعل له حق فيه ،و الضمان يكون إما عقوبة جنائية
إذا كان الفعل الضار معاقبا عليـه أو تعويض مالي إذا لم يكن الفعل الضار معاقبا عليه
و إذا كان الفعل معاقبا عليه فهو جريمة أما إذا لم يكن معاقبا عليه ،فال يعتبر جريمة
و ال يس مى به ذا االس م و إنم ا ه و فع ل ض ار و إذا فال مناس بة تجم ع بين الجريم ة
و الفعل الضار إال أن كليهما مضمون على فاعله (. )1
و قد يكون الفعل جريمة يستحق الجاني عليها العقاب ،ثم يكون الفعل في الوقت
نفس ه فعال ض ارا فيض منه الج اني للمج ني علي ه ،كاس تهالك ص يد ممل وك في الح رم
و ش رب خم ر ال ذمي ،ف إن الفاع ل في ه اتين الح التين يع اقب على الص يد و الش رب
و على قيم ة الص يد و الخم ر لص احبيهما ،و تتف ق الش ريعة م ع الق وانين الوض عية في
ه ذه الناحي ة فهي تجع ل اإلنس ان مس ؤوال م دنيا عن ك ل فع ل ض ار بغ يره س واء ك ان
القانـون يعتبره جريمة أم ال يعتبره كذلك ،فإن كان الفعل جريمة و كان ض ارا في نفس
ال وقت ب الغير ك ان الفاع ل مس تحقا للعقوب ة و ض امنا للض رر كم ا ه و حكم الش ريعة
اإلسالمية ()2
و يتميز النظام اإلسالمي بمميزات أساسية تتفق مع طبيعة البشر و تضمن لألحك ام
الص الحية للتط بيق في ك ل زم ان و مك ان ،فق د ك ان ال ثراء في اآلراء و اإلجته ادات
الفقهية في المذاهب المعروفة مصدرا غنيا للجوء إليه في كل مرة و عند ك ل ط ارئ و
مس تجد و ق د ك ان أيض ا في روح القواع د الش رعية ذات األبع اد المطل ة على ك ل
جوانب حياة األفراد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد القوي السيد الشافعي يونس ،المرجع السابق ،ص . 5
( )2أنظر _ :عدو عبد القادر ،المرجع السابق ،ص . 22
15
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( _ )1رواه البخ اري و مس لم عن عائش ة رض ي اهلل عنه ا ...و أنظ ر أيض ا _ الجزي ري عب د
الرحم ان الفق ه على الم ذاهب األربع ة ،الطبع ة ، 1الج زء ، 5دون دار نش ر ،دون س نة نش ر ،
ص.4
16
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
هي المص الح المعت برة في مختل ف الش رائع الس ماوية ،وهي ال تي تحميه ا مختل ف
التشريعات الوضعية مهما اختلفت درجة الحماية (. )1
_3التحريض على التوبة و شفاء غيظ المجني عليه :
لقد كان النبي صلى اهلل عليه و سلم يحث على عدم تعيير المجرم بجريمته حتى
ال تستمــر نفسه في اإلنسياق للجريمة ،ألن اآلثم إذا أحس بنفور الناس من ه و إحتق ارهم
له إبتعد هو أيضا عنهم و قد يقع مجددا في الخطأ .كما أن اإلسالم اعتبر جناية القتل
اعت داء على المجتم ع كل ه ،فمفق وء العين مثال ال يش فى قلب ه مهم ا يكن التع ويض و لكن
يشفى قلبه حين يجد الجاني وقع عليه نفس الفعل .
_4عدم قيد الجريمة ضد مجهول و األخذ بأسباب الوقاية من الجرائم :
من األمور المقررة شرعا أنه " :ال يهدر دم في اإلسالم" ،حيث ال توجد جريمة
قت ل تقي د ض د مجه ول .كم ا يح دث في بعض األنظم ة الوض عية و إنم ا يؤخ ذ بنظ ام
ويقص د به ا الفقه اء األيم ان المك ررة في دع وى القت ل ،يقس م به ا أولي اء القس امة
القتي ل إلثبـات القت ل على المتهم أويقس م به ا المتهم على نفي القت ل عن ه .وق د ك انت
القس امة من ط رق اإلثب ات في الجاهلي ة فأقره ا اإلس الم ،و هي ال توج د إال في القت ل
سواء كان عمدا أم خطأ (. )2
ونج د أن الش ريعة اإلس المية لم تهتم في مواجه ة الجريم ة بالعقوب ات والت دابير
المالئم ة بع د وقوعه ا فق ط ،ب ل أولت المجتم ع العناي ة الالزم ة من أج ل من ع وق وع
الجريمة أصال وفي سبيل ذلك كان اإلهتمام بتكوين رأي عام مهذب من خالل الدعوة
إلى األم ر ب المعروف و النهي عن المنك ر ،للتع اون على تحقي ق الخ ير للمجتم ع و
الدعوة إلى فضيلة الحياء و تربيتها في نفوس ،و عدم اإلعالن عن الجرائم دون التثبت
من إرتكابها من طرف أشخاص معينين و من طرف الجهات المختصة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :بن المدني بوساق محمد ،إتجاهات السياسية الجنائية المعاصرة و الشريعة اإلسالمية
الطبعة ، 1مركز الدراسات و البحوث ،الرياض ، 2002 ،ص . 164
( )2أنظر _ :بن المدني بوساق محمد ،المرجع نفسه ،ص . 143
17
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ه ذا المب دأ ال ذي لم يتعمم األخ ذ ب ه في التش ريعات الوض عية إال في أعق اب الق رن ، 18فلق د
عرفته الشريعة اإلسالمية قبل 14قرنا .و أنظر أيضا _ عبد اهلل سليمان ،المرجع السابق ،ص
. 75
( )2أنظر _ :بن المدني بوساق محمد ،المرجع السابق ،ص . 166
( )3أنظر _ :بن المدني بوساق محمد ،المرجع نفسه ،ص . 178
( _ )4سورة النجم ،اآليتان . 39_38
18
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
الفقه اء المس لمين و م ا ورد من اجته ادات و آراء ألعالم األم ة اإلس المية ع بر ت اريخ
اإلسالم .
و بالنس بة لألس س الموض وعية فهن اك ع دة نص وص يتم يز به ا التش ريع الجن ائي
اإلسالمي ،و قد كان السباق إليها بالمقارنة مع التشريعات الجنائية الوضعية التي سعى
فقهاء القانون الوضعي إلى إبراز و إرساء معالمها ،نوردها فيما يلي :
_1مبدأ شرعية و ما إنبثق عنه من قواعد :
و هي القاعدة التي يعبر عنها في العصر الحديث بمبدأ الشرعية ،و مقتضاها أنه
ال تعت بر أفع ال األف راد و ص ور س لوكهم ج رائم .إال إذا ك ان ثم ة نص ق انون ص ادر
عن السلطـة التش ريعية في الدول ة ،يق رر جع ل ه ذا الس لوك المعين جريم ة و يق رر
عقوبة له بشرط أن يكون هذا النص التشريعي قد صدر قبل إرتكاب الفعل ،أو وقوع
السلوك المراد العقاب عليه.
و ليس من نص وص الق رآن الك ريم أو الس نة نص واض ح الدالل ة على العم ل بهـذه
القاع دة في مج ال التش ريع الجن ائي اإلس المي ،و لكن اس تنتاج ه ذه القاع دة من بعض
نصوص القرآن و السنة و القواعد األصولية ليس صعبا فنجد قوله تعالى " :و ما كنا
معذبين حتى نبعث رسوال" ( ، )1و قوله تعالـى " :و ما كان ربك مهلك القرى حتى
يبعث في أمه ا رس وال يتل وا عليهم آياتن ا" ( ، )2و من ه ذه اآلي ات و غيره ا إس تخرج
الفقهاء القاعدتين األصوليتين اللتين تفيدان مضمون قاعدة " ال جريمة و ال عقوبة بغير
نص " قاع دة أن ه " :ال تكلي ف قب ل ورود الش رع " قاع دة أن " :األص ل في األش ياء
اإلباحة " ()3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( _ )1سورة اإلسراء ،اآلية . 5
( _ )2سورة القصص ،اآلية . 59
( )3أنظ ر _ :علي المعت وق أحم د ،حقيق ة النظ ام العق ابي اإلس المي و مميزات ه الش رعية ،مجل ة
الجامعة األسمرية العدد ، 20السنة ، 11ص . 139
19
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و من أهم نت ائج قاع دة ش رعية الج رائم و العقوب ات في _ نظ ر الفق ه الجن ائي
الح ديث _ أن النص وص الجنائي ة ال ترج ع إلى الماض ي ،و إنم ا يك ون تطبيقه ا ب أثر
مباشر على الوقائع التي تحدث بعد صدور هذه النصوص دون الوقائع التي حدثت قبلها
و ذلك ما يعرف بمبدأ عدم رجعية التشريع الجنائي اإلسالمي إلى الماضي ،هذا الذي
يعت بر من ل وازم مب دأ ش رعية الج رائم و العقوب ات ،و ال يتص ور في نظ ام ق انوني أن
يأخ ذ بمب دأ الش رعية ثم يه در األخ ذ بمب دأ ع دم الرجعي ة و ذل ك ه و الش أن في األحك ام
الجنائية اإلسالمية كما هو الشأن في غيرها من النظم الجنائية (. )1
كم ا نج د أن فقه اء الق انون الجن ائي الح ديث يش ترطون ش رطين لنج اح الق انون في
أداء رس الته .أح دهما أن يس ري الق انون في ح ق كاف ة من يخالفون ه دون تمي يز و
يع برون عن ذلـك ب أن يك ون الق انون واح دا بالنس بة لكاف ة الن اس ،و ه ذا الش رط ال ذي
يمــكن أن يع بر عن ه بمب دأ المس اواة أم ام النص وص الجنائي ة يعت بر فرع ا لمب دأ المس اواة
أمام القانون الذي عرفته النظم القانونية الحديثة ،عقب إعالنه و النص عليه في إعالن
حقوق اإلنسان الفرنسي الذي صدر عن الثورة الفرنسية عام 1789م (. )2
_2مبدأ المساواة أمام النصوص الشرعية الجنائية :
ق د ق رر الرس ول قاع دة المس اواة في تط بيق النص وص الجنائي ة بنص واض ح جلي
ال يحتمل تأويال و ال خالفا ،و هو ما نراه في حادثة المرأة المخزومية ،و حادثة اإلفك
و به ذا فالش ريعة اإلس المية ق د ق ررت مب دأ المس اواة أم ام النص وص الجنائي ة و طبقت ه
تطبيقا كامال ،و أن هذا المبدأ يستفاد من نصوص الشريعة العامة المقررة للمساواة بين
الناس و يستفاد من نصوص خاصة بأحكام جنائية مثل نصوص القصاص والدية و
السرقة .
و إذا ك انت ت رد على ه ذا المب دأ في الق وانين الجنائي ة الوض عية اس تثناءات تتمث ل
فـ ـ ـ ــي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :أوهايبية عبد اهلل ،شرح قانون العقوبات الجزائري ،القسم العام ،دون طبعة ،دار
موفم للنشر ،الجزائر ، 2006 ،ص . 89
( )2أنظر _ :أوهايبية عبد اهلل ،المرجع نفسه ،ص . 89
20
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
إعف اء بعض األش خاص من العق اب على م ا يرتكب ون من ج رائم مث ل اس تثناء رؤس اء
ال دول و أعض اء البعث ات الدبلوماس ية و أف راد الق وات المس لحة األجنبي ة من تط بيق
العقوبات المقررة لما يرتكبونه من جرائم ،فإن أحكام الشريعة اإلسالمية ال تقرر من
هذه اإلستثناءات شيئا و األصل فيها إطراد تطبيق أحكام اإلسالم الجنائية على كل من
يقع منه فعل معاقب عليه في إقليم الدولة اإلسالمية (. )1
_3األساس من حيث أهداف العقوبة :
ب التركيز على األس اس من حيث أه داف العقوب ة ،ف إن اس تقراء العقوب ات المق ررة
في النظ ام الجن ائي اإلس المي و البي ان الفقهي لوظ ائف ه ذه العقوب ات أو إلى األه داف
التي ترمي إلى تحقيقها يؤدي إلى القول إن نظرات ثالث تتنازع هذه العقوبات :
_ األولى :هي أن العقوبة هي الجزاء العادل أو المقابل للجريمة.
_ الثانية :أن العقوبة ترمي بتقريرها و تؤدي بتوقيعها إلى منع الجريمة في المستقبل.
_ الثالث ة :هي أن العقوب ة هي إج راء تق ويمي ي ؤدي إلى إص الح المج رم فال يع ود إلى
إرتكاب الجريمة مرة أخرى .
و ه ذه النظ رات الثالث ة هي ال تي تس وغ على أساس ها العقوب ة في الفك ر الق انوني
و الفلسفي المعاصر ،و إن كانت النظرة إلى العقوبة بإعتبارها جزاء أو مقابال للجريمة
تعتبر اليوم أقل شيوعا و أكثر تعرضا لالنتقاد من النظرتين األخيرتين (. )2
و في التشريع الجنائي اإلسالمي تبدو فكرة إعتبار عقوبات الحدود بمثابة الجزاء
المقاب ل للجريم ة المرتكب ة في إح دى الخص ائص المم يزة له ذه العقوب ات .و هي أن ه
ال يج وز تع ديلها و ال العف و عنه ا .و من ثم ة فإن ه يجب توقيعه ا كلم ا ثبت إرتك اب
الجريمة و الفقهاء المسلمون يثبتون هذه الخصيصة لعقوبات الحدود إستنادا إلى حديث
" المرأة المخزومية " الذي سبق ذكره ،و قد عبر القرآن عن العقوبة في جرائم الحدود
بلفظ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد القوي السيد الشافعي يونس ،المرجع السابق ،ص . 55
( )2أنظ ر _ :أحم د فتحي س رور ،أص ول السياس ة الجنائي ة ،دون طبع ة ،دار النهض ة العربي ة
مصر ، 1972 ،ص 7وما يليها .
21
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
الج زاء ب ل ص رح بأنه ا الج زاء المقاب ل للجريم ة لقول ه تع الى" :و الس ارق و الس ارقة
فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكاال من اهلل . )1( "...
و إذا ك انت نظري ة الج زاء تلقى الي وم كث يرا من اإلعتراض ات ،ف إن نظري ة المن ع
أي اعتبار الهدف من العقوبة هو منع الجريمة تجد في الفكر الفلسفي و القانوني كثيرا
من التأييد ،و إذا كانت نظرية الجزاء المقابل تنظر إلى الماضي بإعتبار العقوبة مقابال
يتحمل ه المج رم من ج راء عم ل أو امتن اع مخ الف للق انون ،ق د ص در بالفع ل عن ه ف إن
نظري ة المن ع تض ع المس تقبل في إعتباره ا أك ثر مم ا تض ع الماض ي إذ ت رمي إلى من ع
إرتكاب المزيد من الجرائم عن طريق توقيع العقوبة بسبب جريمة وقعت فعال و يعتبر
من ع وق وع ج رائم جدي دة في نظ ر أنص ار فك رة المن ع ه و اله دف األك ثر أهميـة لتوقي ع
و ينقسم المنع الذي يحققه توقيع العقوبة إلى عام و خاص ،و إذا كان المنع العقاب
الخ اص يف ترض أن يتحق ق أث ره بمج رد توقي ع العقوب ة ف إن المن ع الع ام ال يت أتى إال
ب اإلعالن عن العقوب ة و جعله ا معلوم ة للكاف ة ال عن د تقريره ا فحس ب ب ل عن د تنفي ذها
كذلك ،و إذا كان الفقه اإلسالمي قد سبق إلى تسويغ العقوبة على أساس أثرها في منع
الج رائم ،ب ل إن نظري ة المن ع تحت ل ل دى الفقه اء المس لمين المك ان األهم بين النظري ات
الثالث ال تي فيه ا تت وزع النظ رة إلى العقوب ة ،و تتح دد غايته ا و تك اد الحجج ال تي
يسوغها الفقهاء المسلمون لتأييد النظرة إلى العقوبة باعتبارها وسيلة لمنع الجريمة أن
تكون هي بذاتها الحجج التي تساق في الفكر القانوني و الفلسفي المعاصر لتأييد نظرية
المنع (. )2
فهناك من يعرف العقوبات بأنها " :زواجر وضعها اهلل تعالى للردع عن إرتكاب
م ا حظ ر و ت رك م ا أم ر" ،و اإلعالن عن تنفي ذ العقوب ة عن د أنص ار نظري ة المن ع في
الفقه الجنائي الحديث هو الذي يؤدي إلى تحقيق المنع العام و كذلك الفقهاء المسلمون
ي ـ ـ ـ ـ ـ ــرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( _ )1سورة المائدة ،اآلية . 38
( )2أنظر _ :بن المدني بوساق محمد ،المرجع السابق ،ص . 32
22
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
عل ة التنفي ذ العل ني للعقوب ات من ع للعام ة أو من يحتم ل أن يتج ه منهم إلى الجريم ة من
إرتكابها (. )1
و كان من نتائج التقدم الذي أحرزته البحوث العلمية في مجالي اإلجرام و العقاب
أن ظهرت نظرية ثالثة في وظيفة العقوبة مؤداها أن الهدف الذي يجب أن ترمي إليه
العقوب ة ليس ه و المن ع بش قيه _ الع ام و الخ اص _ و ليس ه و توقي ع ج زاء ع ادل على
المجرم يقابل ما اقترفت يداه من اعتداء على حق اجتماعي أو فردي ،و إنما الهـدف
الذي يجب أن توجه إليه العقوبة هو إصالح الجاني نفسه و تقويم سلوكه ،بحيث يعود
بع د ذل ك إلى الحي اة اإلجتماعي ة عض وا ص الحا في الجماع ة ( أي التح ول بالعقوب ة من
وسيلة لإليالم إلى أداة للعالج ) (. )2
و يج د اله دف اإلص الحي للعقوب ة ،تعب يرا عن ه مح دود النط اق في كتاب ات بعض
فقه اء المس لمين في مج ال عقوب ات الح دود و القص اص ،و من ذل ك أن الفقه اء حينم ا
يناقش ون عقوب ة النفي من األرض المق ررة لجريم ة الحراب ة أو الحبس في م ذهب
األحناف يقررون أن هدف هذه العقوبة ،هو إصالح الجاني و لذلك ي رون أن النفي أو
الحبس يجب أن يس تمر ح تى تثبت توب ة الج اني و إص الح أم ره ،و ذل ك ه و ذات ه م ا
تق رره نظري ة اإلص الح من أن ه ال يج وز إطالق س راح الج اني أو إعف اءه من التع رض
ألساليب اإلصالح إال بعد التيقن من أنه لن يجرم مرة أخرى (. )3
و ثم ة تعب ير آخ ر عن النظ رة للعقوب ة بإعتباره ا وس يلة إص الح ،ي راد به ا تق ويم
مسلك الج اني و منع ه من اإلجرام م رة أخ رى ،يتمث ل في م ذهب المالكي ة و الظاهرية
أن العقوبات المقررة لجريمة و هي أربعة :القتل و الصلب و قطع األيدي و في
األرجل مـ ـ ــن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :أحمد فتحي سرور ،المرجع السابق ،ص . 8
( )2أنظر _ :أحمد فتحي سرور ،المرجع نفسه ،ص . 8
( )3أنظ ر _ :عب د الفت اح خض ر ،النظ ام الجن ائي ،أسس ه العام ة في اإلتجاه ات المعاص رة و الفق ه
اإلسالمي ،دون طبعة ،دون دار نشر ،ص . 59
23
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
خالف و النفي ليس ت على ت رتيب األفع ال ال تي يمكن أن ت رتكب به ا ه ذه الجريم ة ،و
إنم ا هي عقوب ات يخ ير بينه ا القاض ي ح تى يقض ي فيه ا بم ا يك ون أص لح للج اني و
للمجتمع في الحالة المعروضة عليه ،و هذا المذهب يقوم على اإلرتباط بين العقوبة و
الظروف الشخصية للمجرم ،بحيث تكون ثمة مالئمة بين العقوبة التي يوقعها القاضي
و بين هذه الظروف حتى تحقق العقوبة أهدافها ،و ذلك هو األساس الذي يرى أنصار
نظري ة اإلص الح على أساس ه العقوب ات _ أو وس ائل التق ويم _ ال تي ينط ق به ا القاض ي
في كل حالة على حدة .و بهذا فالعقوبة في نظر الفقهاء المسلمين ترمي إلى واحد من
ثالث ة أه داف :توقي ع الجزاء للج اني مقابل فعل ه ،أو من ع إرتك اب مزي د من الج رائم ،
سواء من الجاني نفسه أو من غيره من األشخاص أو إصالح الجاني و تقويم سلوكه ،
ال يعيد ارتكاب الجريمة مرة أخرى (. )1 بحيث
وبالنسبة لألسس اإلجرائية للنظام الجنائي اإلسالمي ،فنجد أن الشريعة اإلسالمية
كم ا إهتمت باألس س الموض وعية .إهتمت باألس س اإلجرائي ة ال تي تك ون فيه ا المتابع ة
والعادل ة لم رتكب الج رائم والح ق المض مون للمج ني علي ه ،وه ذه األس س عدي دة فمنه ا
ما يتعلق بحقوق اهلل وحقوق العباد ومنها جملة من القواعد التي تعد ثوابت ال يحيد عنها
القضاة.
_1حقوق اهلل و حقوق العباد :
حيث يقس م الفقه اء المس لمون األفع ال ال تي ورد التكلي ف الش رعي بإتيانه ا أو المن ع
منه ا ،إلى ثالث ة أقس ام :قس م ه و ح ق خ الص هلل تع الى ،و قس م يش تمل على ح ق اهلل
و ح ق الف رد و لكن ح ق الف رد في ه أغلب ،و قس م يش تمل على ح ق هلل و ح ق للف رد و
حق الفرد فيه أغلب و قسم يعتبر من حقوق األفراد.
و المقص ود بم ا وجب إتيان ه أو اإلمتن اع عن ه ،بإعتب اره ح ق هلل تع الى ك ل فع ل
أو إمتنـ ـ ـــاع ،ترج ع عل ة إيجاب ه أو النهي عن ه إلى الجمـ ـ ـ ـــاعة أو إلى المص لحة
العام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الفتاح خضر ،المرجع السابق ،ص . 47
24
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و يتضمن هذا النوع من األفعال كل ما كان حقا خالصا أو ما كان مشتركا فيه ح ق اهلل
و حق الفرد و غلب حق اهلل على حق الفرد ،و المقصود بما وجب إتيانه أو اإلمتناع
عن ه لح ق الف رد ه و ك ل فع ل أو إمتن اع ترج ع عل ة إيجاب ه أو النهي عن ه إلى تحقي ق
مصلحة شخصية لمستفيد منه من األفراد (. )1
_2درء الحدود بالشبهات :
هي قاع دة فقهي ة مؤداه ا أن ه حيث ق امت ل دى القاض ي ش بهة في ثب وت إرتك اب
الجريمة الموجبة لعقوبة من عقوبات الحدود ،وجب عليه أال يحكم على المتهم بعقوبة
الحد ،و قد يجوز مع ذلك الحكم على المتهم بعقوبة تعزيرية في حاالت معينة ،فالشبهة
كم ا ت ؤدي إلى الحكم ب براءة المتهم مم ا أس ند إلي ه ،ق د ت ؤدي إلى تغي ير وص ف التهم ة
بحيث يدان المتهم في جريمة أخرى غير التي رفعت عليه الدعوى عنها ،فإذا تخلـف
شرط الحرز في السرقة أو شرط النصاب فإنه ال يجوز للقاضي أن يحكم على الجاني
بقطع اليد _ و هو في عقوبة الحد _ (. )2
و إذا تخل ف ش رط اإلحص ان في الق ذف ،فال يج وز أن يحكم على الج اني بالجل د
ثمانين جلدة و هي حد القذف ،و إنما يعزر بعقوبة أخرى أما إذا تعارضت في الفعل
المنس وب إلى المتهم أدل ة التح ريم والتحلي ل ،أو لم تكن البين ات المقدم ة في ال دعوى
الجنائي ة كافي ة إلقتن اع القاض ي بثب وت الجريم ة ،فإن ه يتعين القض اء ب براءة المتهم
و ال يجوز عندئذ أن يعاقب و لو تعزيرا (. )3
و القاعدة الموجبة لدرء عقوبة الحد بالشبهة ،تتصل أوثق إتصال بقاعدة إفتراض
البراءة ال تي قررته ا الشريعة اإلس المية في الن احيتين المدنية و الجنائية ،و ال تي تأخذ
بهـ ـ ــا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :علي معتوق أحمد ،المرجع السابق ،ص 150و ما يليها .
( )2أنظ ر _ :عم ارة عب د الحمي د ،ض مانات المتهم أثن اء مرحل ة التحقي ق اإلبت دائي في الش ريعة
اإلسالمية و التشريع الجنائي الوضعي ،دراسة مقارنة ،الطبعة ، 1دار المحمدية العامة ،الجزائر
، 1998ص 147وما يليها .
( )3أنظر _ :عمارة عبد الحميد ،المرجع نفسه ،ص 147و ما يليها .
25
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
النظم الجنائية الحديثة بوجه عام ،و تتصل أيضا بقاعدة وجوب تفسير الشك لمصلحة
المتهم و هي القاعدة التي تأخذ بها النظم الجنائية الحديثة كذلك .
_3التوبة و العفو :
تنشأ الجريمة حقا للدولة في معاقبة مرتكبها و تقتضي الدولة هذا الحق بأن تخض ع
الجاني للعقوبة التي يقررها حكم قضائي ،يثبت وقوع الجريمة و يثبت نسبتها إلى ذلك
الش خص المعين (الج اني ) ،و م ع أن األص ل ه و أن تقتض ي الدول ة حقه ا في العق اب
وف ق ه ذا الطري ق ،فإن ه ق د تع رض أس باب تح ول دون ه ذا اإلقتض اء و تنحص ر ه ذه
األسباب في النظم الجنائية المعاصرة في التقادم و وفاة المتهم والعفو العام أو العفو
الشامـل و الص فح و التص الح بالنس بة لبعض الج رائم ( ، )1على أن النظم الجنائي ة
المعاص رة و مـن وراءه ا الفق ه الجن ائي الح ديث يش هدان تباين ا كب يرا في آث ار ه ذه
األس باب وه ل تنص رف إلى الجريم ة فتقض يها أو تس قطها ،أو إلى العقوب ة أو إلى
ال دعوى الجنائي ة فتنهيه ا ،أو تس قطها أو إلى العقوب ة فتس قطها ( بحس ب اختالف
التعب يرات ) على أن األق رب إلى المنط ق الق انوني ه و الق ول بإنص راف آث ار ه ذه
األسباب إلى حق الدولة في العقاب و إسقاطها إياه و إمتناع رفع الدعوى الجنائية على
المتهم ،ليس إال نتيجة لذلك أي نتيجة إلنقضاء حق الدولة في العقاب.
و تعرف النظم الجنائية المعاصرة ما يعرف باألعذار المعفية من العقوبة و بينما
ي رى ج انب من الفق ه المعاص ر أن ه ذه األس باب أو األع ذار المعفي ة من العقوب ة ال
تضمها نظرية عامة تنظم األعذار المعفية جميعها في نطاق فكرة واحدة ،يرى جانب
آخر أن هذه األعذار تنظمها فكرة الشرط الفاسخ الذي إذا تخلف تأكد وجود حق الدولة
في العقاب و إذا تحقق نال الحق بأثر رجعي ،فاعتبر كأن لم يكن و األعذار المعفية
من العق اب هي أع ذار قانوني ة يقرره ا المش رع ال القاض ي ،و ي ترتب علـ ـ ـــى تحققه ا
استبعاد العقوبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :أوهايبية عبد اهلل ،شرح قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري ،التحري و التحقيق
الطبعة ، 6دار هومة ،الجزائر ، 2006 ،ص 124وما يليها .
26
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ب رغم ت وافر ش روط تطبيقه ا و لك ـ ـ ـ ـــن الع ذر المعفي ال ي ؤثر علــى ك ون الفع ل المعفـي
جريمة وال يمنع من ثمة أوجه المساءلة األخرى ،من مدنية أو إدارية بحسب األحوال
()1
و يمكننا أن نالحظ على األسباب التي تحول دون اقتضاء الدولة حقها في العقاب
بأنه ا في مجموعه ا ال ترج ع إلى فع ل الج اني و ال دخ ل إلرادت ه في تحققه ا .كالتق ادم
و الص فح و وف اة المتهم و العف و الش امل ،و في مج ال األع ذار المعفي ة من العق اب
نالح ظ أنه ا في مجموعه ا _ ك ذلك _ تتص ل اتص اال مباش را ب إرادة الج اني ،و يتوق ف
على هـذه اإلرادة قيام العذر المعفي أو عدم قيامه .و بالتالي إنتاج أثره في اإلعفاء من
أو عدم تحقق هذا األثر. العقوبة
فالعذر المعفي موقف يتخذه الجاني ،أو عمل يقوم به قاصدا درء العقاب عن نفسه
و مستجيبا إلى إغراء المشرع المتمثل في اإلعفاء من العقوبة ،و يكون موقف الجاني
أو عمله دائما الحقا عن إرتكاب الجريمة و متصال بالكشف عنها أو عمن شارك فيها
أو بالكش ف عن جريم ة أخ رى ش ارك فيه ا أو بالكش ف عن جريم ة أخ رى مماثل ة
أو المش تركين فيه ا ،أو مج رد إس تجابة ألم ر ص ادر عن س لطة مختص ة بع دم التم ادي
أو اإلستمرار في إتيان السلوك المجرم ،و قد يرجع العذر المعفي إلى إصالح الجاني
لخطأه و جبره ما ترتب عن جريمته من ضرر ،بحيث يصبح العقاب على فعله أسوء
من منطق العدالة من عدم العقاب (. )2
و للتوبة أثرها في اإلعف اء من العقوبة ،و يقصد بها رجوع المرء عن المعصية
و ندمه عليها مع عزمه على عدم مقارفتها مرة أخرى ،و هي من الجهة الديني ة مكف رة
لل ذنب ماحي ة للخطيئ ة و األخ ذ بنظ ام التوب ة ،ي تيح الفرص ة لإلقالل من توقي ع العق اب
في ج رائم الح دود و تلتقي فك رة التوب ة في ه ذا الخص وص م ع فك رة درء العقوب ات
بالشبه ــات
في أث ر ك ل منهم ا على ح االت توقي ع العقوب ة القض ائية و الرغب ة الواض حة في الفق ه
اإلسالمـ ــي _ بعامة _ في التقليل ما أمكن من هذه الحاالت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :سليمان عبد اهلل ،مرجع سابق ،ص 390وما يليها .
( )2أنظر _ :عدو عبد القادر ،مرجع سابق ،ص . 386
27
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
28
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و ب اإلطالع على م دلول البحث عن الجريم ة من خالل تقص ي مفهومه ا كيفي ات
معالجتها في التشريع اإلسالمي الذي له خصائص مستقلة عن علم اإلجرام فيما يخص
هذا الشق ،نجد أن علم اإلجرام والذي كان من أسسه تلك النظريات التي تدعمه سواء
من حيث الم دلول و األس س أو من حيث األس اليب المتنوع ة و المختلف ة ،المتبع ة حين
التقص ي عن الجريم ة ومحاول ة إيج اد الحل ول الفعال ة للقض اء عليه ا ،ال يتف ق على
اإلطالق م ع أحك ام الش ريعة اإلس المية فيم ا يخص معالج ة الجريم ة و القض اء عليه ا
ألن هذه األخيرة تستند إلى أسس ثابتة ربانية بعيدة عن التغيير و اإلضافة و النقص .
المطلب الثاني
أساليب البحث في علم اإلجرام
ح اول علم اء اإلج رام أن يتبع وا ع دة أس اليب و من اهج في دراس ة الظ اهرة
اإلجرامية فركزوا تارة على المجرم و ركزوا تارة أخرى على الجريمة ،و قد إختلفوا
في ذلك ما جعل أساليبهم في كل مرة تصد بالنقد .
و من الحقائق التاريخية التي ال تجحد أن علم اإلجرام وليد التوفيق بين فئتين من
المعرف ة األولى هي المستخلص ة من الدراس ات األنثروبولوجي ة الجنائي ة ،و الثاني ة هي
المستخلصة من علم اإلجتماع الجنائي ،و قد إنصرفت الفئة األولى من الدراسات إلى
شخص المجرم ،بينما إنصرفت الفئة الثانية إلى المشاكل اإلجتماعية للجريمة و يرجع
الفضل إلى الفقيه األلماني " فون لست " ،الذي كان أول من ن ادى بتوحي د المنهج العلمي
في مج ال دراس ات علم اإلج رام لكي يض م كال من األنثروبولوجي ا الجنائي ة و االجتم اع
الجنائي .و قد دعم وجهة نظره هذه ب إبراز الحقيقة المركبة للجريم ة فهي من ناحية
حدث في حياة الفرد ،و من ناحية أخرى حدث في حياة الجماعة لهذا يجب الجمع بين
الحدثين في دراسة واحدة ،حتى و لو اختلف منهج دراسة كل منهما (. )1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :الصيفي عبد الفتاح _ ،زكي أبو عامر محمد ،علم اإلجرام و العقاب ،دون طبعة
دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ، 1998 _1997 ،ص ص . 75_74
29
الفصل األول ........................................................................اإلطار العام لعلم اإلجرام
و لكن هناك من يرى أن لكل من األنثروبولوجيا الجنائية و علم االجتماع الجنائي
إستقالله التام عن اآلخر و ذلك إلختالف موضوع كل منهما ،و هناك من خلص إلى
القول أن الجمع بين الفئتين من المعرفة يالءم التكوين المزدوج للجريمة كسلوك فردي
و كظ اهرة إجتماعية ،و هو ما يرتب ازدواج موضوع ه ذا العلم دون أن يتعارض و
يجعل من الدراسة متكاملة (. )1
و علم اإلج رام يتن اول البحث في ن واح متع ددة تتعل ق بالفع ل اإلج رامي و المج رم
في درس ه ذا العلم الجريم ة كظ اهرة اجتماعي ة قانوني ة و ي درس المج رم و الظ روف
المختلفة التي أحاطت بالموقف اإلجرامي سواء كانت ظروف داخلية متعلقة بشخصية
أو ظروف خارجية بيئية تحيط به و تهدف تلك الدراسة إلى بيان العالقة بين المجرم
تلك الظروف بالجريمة و إلى تصنيف المجرمين وفقا لذلك.
و بع د تحدي د دور علم اإلج رام ي أتي دور البحث في ه ذا العلم و الوس ائل المختلف ة
التي تتبع من أجل تحقيق الحقائق العلمية حول الجريمة و المجرم .
و الواق ع أن من اهج البحث تختل ف و الموض وعات ال تي تعالجه ا طبق ا إلختالف
العل وم والموض وعات ال تي تعالجه ا و لق د ب دأ المنهج التجري بي ال ذي يعتم د على
و المش اهدة يش ق طريق ه في مج ال العل وم الطبيعي ة و في مج ال المالحظ ة
الظ واهر االجتماعي ة المختلف ة و منه ا الجريم ة كظ اهرة إجتماعي ة فنش أ علم اإلج رام و
طرأ حديثا تقدم علمي في مناهج البحث يساعد على إيجاد وسائل عدة للتغلب على هذه
الصعوبات التي أفرزتها النتائج التجريبية في تفسير الوقائع المختلفة.
و في هذا المطلب ،سنتناول أسلوب اإلحصاء من خالل الفرع األول ،ثم نتناول
أس لوب البحث من خالل الف رع الث اني ،و من خالل الف رع الث الث أس لوب المس ح
اإلجتماعي ،وأخيرا أسلوب المالحظة من خالل الفرع الرابع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :الصيفي عبد الفتاح _ ،زكي أبو عامر محمد ،المرجع السابق ،ص . 26
30
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
الفرع األول
أسلوب اإلحصاء
يعت بر األس لوب اإلحص ائي من أهم ط رق البحث في دراس ة الجريم ة وأول وسيلـة
إس تخدمت في دراس تها .إن اإلحص اء يع ني البحث عن ظ اهرة معين ة باألرق ام ،و ل ه
أهمي ة كب يرة فيم ا يتعل ق بدراس ة الظ اهرة اإلجرامي ة حيث ي بين لن ا ع دد الج رائم ال تي
إرتكبت في س نة معين ة و توزي ع ه ذا الع دد على أن واع الج رائم المختلف ة ،و م دى
اإلرتباط بين عدد الجرائم والظروف البيئية المختلفة ،كتغير الفصول ودرجة التعليم و
الحالة االقتصادية كما يفيد اإلحصاء الجنائي في المقارنة بين المجرمين و غيرهم ممن
يعيش ون في نفس الظ روف ،و ذل ك لتحدي د العوام ل الفردي ة ال تي أدت به ؤالء دون
اآلخرين إلى طريق الجريمة (. )1
و الحقيقة أن العلماء ال يتفقون حول أهمية اإلحصاءات فمنهم من يعطيها أهمية
كبرى و يقول مثل " سيلين" أن اإلحصاءات هي مرآة الجريمة ،و منهم من يرى مثل
رؤوف عبيد أنها ال تصلح إال لتكوين فكرة تمهيدية أو عامة عن النشاط اإلجرامي في
منطقة ما و في وقت ما (. )2
و قد ك ان اإلحص اء أول طريق ة اس تخدمت في مج ال دراس ات الظ اهرة اإلجرامي ة
على ي د الع الم الفرنس ي"ج يري" ،ال ذي أص در ع ام 1833أول كت اب متخص ص في
الظاهرة اإلجرامية ،لجأ فيه إلى دراسة إحصائيات الجريمة في فرنسا ،و تولى على
ضوئها تحليل أثر كل من الجنس و السن و الحرفة و المستوى الثقافي و تقلب ات الطقس
على الجريم ة كم ا تص دى لألس باب االجتماعي ة و البيولوجي ة لإلج رام ،كم ا إس تخدم
العالم البلجيكي " كيتيلية" اإلحصائيات الفرنسية في دراساته الجنائية التي بدأها منذ عام
1835
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :الصيفي عبد الفتاح _ ،زكي أبو عامر محمد ،المرجع السابق ،ص . 29
( )2أنظر _ :دردوس مكي ،مرجع سابق ،ص . 31
31
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و ع الج فيه ا على أس اس إحص ائي أث ر بعض العوام ل الطبيعي ة في الجريم ة ك الطقس
و الظروف اإلقتصادية و الذكورة و األنوثة و السن ،كما قسم المجتمعات تبعا للجنس
والس ن والنض وج العقلي إلى ع دة فئ ات من حيث الس لوك اإلج رامي ،و أخـص منه ا
ما يميز نتائج دراسات هذا العالم البلجيكي أنه اعتمد على قانون األعداد الضخمة في
تفسيره لجميع ظواهر الحياة اإلجتماعية و قد خلص منها إلى إعتبار الجريمة " واقعة
شعبية " ال مجرد واقعة فردية و بهذا " كيتيلية " و قد أحل معيار " الحساب اإلحصائي
" ،و قوام ه اإلنس ان المتوس ط مح ل معي ار" الخص ائص البيولوجي ة الواقعي ة" كم ا إهتم
باإلحصاء علماء اإلجرام األمريكيين فاستخدموه في العديد من دراساتهم المتصلة بعلم
اإلجرام و أيضا العالم الهولندي " بونجر " (. )1
ورغم أن الكثير من الباحثين اتخذوا اإلحصاء مصدرا ينطلقون منه ،فهو يجد فيه
المادة الخام الضرورية لنشاطه و التي دونها ال يستطيع تكوين فكرة مسبقة ،تكون له
بمثاب ة فرض ية البحث ح ول تط ور ظ اهرة اإلج رام في زمن م ا كم ا أو نوع ا ،إال أن
هن اك من ينبهن ا إلى أن نت ائج اإلحص اء في فرنس ا مثال ال تس قط على دول ة أخ رى
فالعوامل الدافعة إلرتكاب جريمة ما ،كاإلجهاض في الجزائر ليست هي في فرنسا و
رغم أهمي ة ه ذا الن وع من اإلحص اء ،إال أن الكث ير من الب احثين يفض لون االس تعانة
بالمعلوم ات ال تي تق دمها لهم محاض ر الش رطة و ال درك ألنه ا األق رب إلى الواق ع و
بالنسبة للجزائر فاإلحصاءات الموجودة أهمها إحصاء وزارة العدل و إدارة السجون و
وزارة الداخلية (. )2
الفرع الثاني
أسلوب البحث
تكتس ي البح وث على الص عيد العملي أش كاال متنوع ة ،فق د يتن اول البحث دراس ة
وثائق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :الصيفي عبد الفتاح _ ،زكي أبو عامر محمد ،المرجع السابق ،ص ص .84_83
( )2أنظر _ :دردوس مكي ،مرجع سابق ،ص . 33
32
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
في محكمة أو مصلحة إدارية ،و قد يتمثل في مقابلة و إستجواب أشخــاص و الحقيقة
أن دراسة من هذه الدراسات لن تأتي بفعاليتها ما لم تكن مرفقة بأدلة ملموسة و دراسة
معمق ة للقض ايا الجزائي ة لف ترة زمني ة طويل ة ،ه ذا بالنس بة للبحث س واء على مس توى
المح اكم أو على مس توى اإلدارات ك إدارة الجم ارك أو مفتشية األس عار ،كم ا قد يك ون
البحث منص با على أح د األش خاص أوجماع ة معين ة لف ترة زمني ة طويل ة ق د تمت د طيل ة
ف ترة حي اتهم فتس جل الخاص يات الفردي ة وق د يوك ل لك ل ب احث تتب ع أح د األف راد ،من
أج ل معرف ة عالق ة خصائص ه م ع الس لوك اإلج رامي ،و ق د اش تهر به ذا الن وع من
البحوث السيد و السيدة " قلوك " في أمريكا و الدكتور "هوير" في فرنسا (. )1
كما أن أسلوب االستجواب و المقابلة هما أسلوبين للبحث خصوصا بالنسبة للجرائم
التي لم يصل علمها للسلطات العمومية كاإلجهاض و الدعارة ...فهذا النوع من الج رائم
ال يصل إليه إال عن طريق إجراء مقابالت و القيام باالستجواب ش رط أن يتم في سرية
تامة و شرط التحلي بالصبر (. )2
و به ذا فاإلس تجواب يعت بر وس يلة من وس ائل المالحظ ة ال تي يق وم عليه ا المنهج
التجري بي به دف جم ع بيان ات و حق ائق تتعل ق بالظ اهرة اإلجرامي ة ،و هي وس يلة
تستعمل في جمع البيانات و قياس االتجاهات حول مشكلة معينة عن طريق توجيه عدة
أس ئلة إلى األف راد مح ل البحث م ع منحهم الفرص ة لإلجاب ة عليه ا في غ ير حض ور
الب احث و دون تدخل ه ،و تص اغ ه ذه األس ئلة في إس تمارة تس لم بالي د أو ترس ل عن
طري ق البري د و يتوق ف نج اح ه ذه الطريق ة على نوعي ة األس ئلة المقدم ة و على كف اءة
الباحث ،إال أنه يعيبها إمتناع بعض األفراد عن اإلجابة عن كل األسئلة أو بعضها أو
الرد بإجابات غير صادقة كما يعيبها أيضا استبعاد األميين الذين ال يق رؤون وال يكتب ون
من مجالها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :دردوس مكي ،مرجع سابق ،ص ص . 35_34
( )2أنظر _ :دردوس مكي ،المرجع نفسه ،ص . 37
33
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
أم ا المقابل ة فهي تختل ف عن أس لوب اإلس تجواب ،إذ يتص ل الب احث ب األفراد مح ل
الدراسة مباشرة و تتحقق هذه الوسيلة عن طريق توجيه عدة أسئلة من الب احث مباش رة
إلى الف رد أو األف راد مح ل الدراس ة ،و ق د يكتفي الب احث بمقابل ة واح دة و ربم ا يحت اج
األمر إلى تكرار هذه المقابلة ،و تبدو أهمية هذه الوسيلة إذا نجح الباحث في كس ب ثق ة
هؤالء األفراد بحيث يدلون تلقائيا بمعلومات قد يصعب الحصول عليها بطريق آخر (
. )1
الفرع الثالث
أسلوب المسح االجتماعي
يقص د بالمس ح االجتم اعي تجمي ع الحق ائق عن الظ روف اإلجتماعي ة في بيئ ة
ما أو عن ظاهرة معينة في مجتمع معين ،و في نطاق علم اإلجرام تعتني هذه الوسيلة
بتجمي ع المعلوم ات عن طائف ة خاص ة ب المجرمين ،كالمتش ردين أو الم دمنين على
المخ درات أو ال دعارة ،و ذل ك خالل ف ترة معين ة أو في وس ط إجتم اعي معين كحي
شعبي أو في فصل تشتد فيه الحرارة . )2( ...
و قد تكون الظروف خاصة بمدينة أو منطقة محددة ،سواء كانت ساحلية أو جبلية
أو صحراوية ،و بهذا فالمسح قد يشمل كل الجوانب موضوع الدراسة بما فيها الجانب
اإلجرامي ما يعطي للبحث فائدة هي تفسير العوامل الدافعة للجريمة بمصداقية أكثر ألن
ه ذا األخ ير ي أتي بع د وض ع الجريم ة في إطاره ا الط بيعي ال ذي نش أت و تحققت في ه (
. )3
و يس تعين الب احثون في إج راء المس ح اإلجتم اعي ،بوس ائل متع ددة كاإلس تجواب
و دراسة الحالة و المقابلة ،و المسح اإلجتماعي قد يمكن إجراؤه من خالل زاويتين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :محمد صبحي نجم ،مرجع سابق ،ص . 21
( )2أنظر _ :محمد صبحي نجم ،المرجع نفسه ،ص . 22
( )3أنظر _ :دردوس مكي ،مرجع سابق ،ص ص . 38 _ 37
34
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
الفرع الرابع
أسلوب المالحظة
إن المالحظة في علم اإلجرام لها أهمية خاصة إذ أنها من أكثر الوسائل إستعماال
في الدراسات اإلجرامية بالنظر إلى طبيعتها الخاصة ،و هي على ثالثة أنواع مالحظة
الحاالت الفردية و مالحظة مجموعة من الحاالت و مالحظة اإلحصاءات الجنائية.
و يتناول في مالحظة الحاالت الفردية الباحث بالدراسة فردا معينا لتفسير ظاهرة
اإلجرام بالنسبة له ،و تقوم هذه الطريقة على الدراسة التفصيلية لمجرم معين و كل ما
يحيط بشخصيته و الظروف التي وجهت مسار حياته ،و يلجأ الباحث في هذه الحالة
للحصول على المعلومات إلى الفرد نفسه عن طريق المقابالت التي يجريها معه أو مع
أقرب اءه و زمالءه في العم ل ،أو من تربط ه بهم ص لة ص داقة و قراب ة في الحاضـر
و الماضي و قد يستدعي البحث إجراء بعض الفحوص العضوية و النفسية مستعينا في
ذل ك بأه ل التخص ص ( . )2و ل و أن ه ذا األس لوب يعت بر مهم ا في الدراس ات
اإلجرامي ـ ـ ـ ـ ـ ــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :محمد صبحي نجم ،مرجع سابق ،ص . 22
( )2أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص ص . 38_37
35
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
إال أن الباحث هنا ال يجب أن يتسرع في تعميم نتائجها قبل أن يتحقق من مدى عمومها
و إطالقها بدراسة غيرها من الحاالت المماثلة أو المغايرة لها .
و ق د يلج أ الب احث إلى دراس ة مجموع ات من الح االت المماثل ة ،أي مجموع ة من
الح االت الفردي ة ال تي تتماث ل في بعض العناص ر والخص ائص أو تش ترك في أح د
المواقف ذات األهمية من الناحية اإلجرامية و هذه الحالة تختلف عن دراسة الحاالت
الفردية .
و اله دف من مالحظ ة المجموع ات المتماثل ة من الح االت ،ه و محاول ة معرف ة
الصلة بين العناصر أو الخصائص المشتركة ،واإلجرام الذي تمثله هذه المجموع ات ثم
التوصل بعد ذلك إلى قواعد عامة تصدق على إجرام المجموعة محل الدراسة و على
غيرها من الحاالت المماثلة .
و هن اك أيض ا حال ة مالحظ ة اإلحص ائيات الجنائي ة ال تي تعت بر وس يلة من وس ائل
المالحظ ة الش املة للظ اهرة اإلجرامي ة ،و يع بر عنه ا تعب يرا رقمي ا و يربطه ا إحص ائيا
بغيرها من الظواهر و الظروف االجتماعية و الفردية (. )1
و هن اك من يش ير إلى أن المالحظ ة في علم اإلج رام تتلقى ع دة ص عوبات على
غ رار المالحظ ة في العل وم التجريبي ة ،فه ذه األخ يرة في الجزائ ر تالقي جمل ة من
الض غوط اإلجرائي ة كص عوبة مالحظ ة المحبوس ين و األح داث المحك وم عليهم ،و
صعوبة اإلطالع على كل الملفات القضائية ،ما يجعل هذا كله مؤثرا من الناحية الكمية
و النوعي ة على النت ائج المرج وة .ه ذا باإلض افة إلى ص عوبة مالحظ ة المج رم قب ل
ارتكاب جريمته مباشرة على إعتبار أنها الفترة األهم التي تبين صراع الفرد مع ذاته و
تغلب أمام دوافع الجريمة ألنها غالبا ما ترتكب في الخفاء و بعيدا عن األعين (. )2
و أخ يرا يمكن اإلش ارة إلى أن ه لك ل من أس اليب البحث في علم اإلج رام أهمي ة
قصوى في إفادة هذا العلم رغم ما لها من عيوب إال أن تضافرها و الجدية في تطبيقها
يجعل من الممكن الوصول إلى نتائج يمكن االستدالل بها عن الدوافع التي تجعل األفراد
يرتكبون الجرائم ،و ال يجب تغليب أحدها على اآلخر ألنها كلها على ق در مت وازن من
األهمية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص ص . 42_41
( )2أنظر _ :دردوس مكي ،مرجع سابق ،ص . 41
36
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
المبحث الثاني
المدارس التي حاولت تفسير الظاهرة اإلجرامية
إن الظاهرة اإلجرامية لم تبدأ دراستها إال من وقت قريب و على وجه التحديد في
النص ف الث اني من الق رن التاس ع عش ر ،و من ذ ب دأ البحث في أس باب الجريم ة يكتس ب
الطابع العلمي المنهج توالت نظريات عديدة تفسر السلوك اإلجرامي و لم يتفق العلماء
على رأي موحد نتيجة توجهاتهم المختلفة )1( .
وفي هذا المبحث ،سنتناول بالشرح المدارس البيولوجية من خالل المطلب األول
ثم نتن اول الم دارس االجتماعي ة من خالل المطلب الث اني ،و أخيرا الم دارس التكاملية
من خالل المطلب الثالث.
المطلب األول
المدارس البيولوجية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ج دير بال ذكر في ه ذا الص دد ،إلى أن الدراس ات ذات الص لة ب البحث في أس باب الظ اهرة
اإلجرامية لم تكتس الطابع العلمي إال بعد قيام الثورة العلمية في مجال العلوم اإلجتماعية ،و التي
تزامنت مع الثورة العلمية التي ش بت في مجال العلوم الطبيعية ،و قد أفرزت هذه الثورات تعدد
العل وم ال تي تهتم بالس لوك اإلج رامي ،و إختالف ا واض حا في وجه ات النظ ر و تباينه ا ح ول تحدي د
عوامل الظاهرة اإلجرامية و أسبابها و دوافعها .لمزيد من التفصيل ،أنظر James William _ :
Coleman Coleman and Donald R, third edition , new york harper , Cressey , Social
.problems and Ro , pblishers , p 406
37
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
الفرع األول
نظرية لمبروزو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :مهن د ولي د إس ماعيل الح داد ،دور الم دارس البيولوجي ة ( العض وية ) في تفس ير
الظ اهرة اإلجرامي ة ،دراس ات العل وم اإلنس انية و اإلجتماعي ة ،المجل د ، 46الع دد ، 2ملح ق ، 1
كلية الحقوق جامعة الزرقاء ،األردن ، 2019 ،ص ص . 17 _ 16
( )2أنظ ر _ :الس يد رمض ان ،الجريم ة و اإلنح راف من المنظ ور اإلجتم اعي ،المكتب الج امعي
الحديث ،اإلسكندرية ، 1985 ،ص ص . 75 _ 74
( )3أنظ ر _ :حس نين إب راهيم ص الح عبي د ،الوج يز في علم اإلج رام و علم العق اب ،دار النهض ة
العربية ،القاهرة ، 1978 ،ص ، 37و أنظر في ذلك أيضا _ :علي عبد القادر القهوجي ،علم
اإلج رام وعلم العق اب ،ال دار الجامعي ة للطباع ة و النش ر ،دون نش ر ،ب يروت ،ص ص ، 40
. 42
38
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و قد أجرى لمبروزو بحوثا الحقة قرر على إثرها أن هناك صلة بين اإلجرام
و بين الخلل العضوي أو العيب النفساني في المجرم .من فحصه لمجرم اشتهر بج رائم
العن ف و ال دم ه و الجن دي " مس يدا " ،اكتش ف لدي ه خص ائص تش به خص ائص الص رع
أو التش نجات العص بية ( ، )1و ق د ق اده ه ذا االكتش اف إلى تع ديل نظريت ه مق ررا أن
اإلجرام يعد صورة أو نوعية من الصرع تدفع المجرم إلى إرتكاب أفعال عنيفة و مع
ذل ك ظلت الفك رة األساس ية ل دى لم بروزو هي وج ود نم وذج إج رامي بش ري يتم يز
بخص ائص جس دية و نفس ية تجع ل من غ ير الممكن مس اءلته ب أي ن وع من المس ؤولية
ولكن إنتف اء المس ؤولية ال يع ني انع دام خطورت ه بالنس بة للمجتم ع ، األخالقي ة
ومن ثم ة يتعين اس تبعاده بطريق ة أو ب أخرى ومن ه ذه األفك ار ول دت المدرس ة
األنثروبولوجية أو المدرسة اإليطالية .
و رغم رواج هذه النظرية إال أنها القت نقدا كبيرا ( )2دفع لمبروزو إلى الرجوع
عن ح دة أفك اره ،و من بين اإلنتق ادات الموجه ة لنظريت ه أن الق ول ب اإلختالف بين
الشخص العادي والمجرم ينقصه الدليل العلمي والتعميم الذي وصل إليه بوجود شذوذ
في التكوين العضوي و النفسي للمجرمين تعميم في غير محله )3( .كما أن لمبروزو
ق د ب الغ في إظه ار العي وب الجس دية ،و ليس من الث ابت أن ك ل من بهم عي وب جس دية
يرتكب ون الج رائم ،كم ا أن قول ه بتش ابه المج رم واإلنس ان الب دائي في ه مغالط ة فه و ال
يعرف سمات اإلنسان البدائي ،وهذا القول يعني أن المجتمع البدائي كان ال يضم إال
مجرمين ( )4ثم إن أول خلق على األرض كان سيدنا آدم عليه السالم و قد خلق في
أحسن تقويم ؟
كم ا أن الق ول ب أن للوراث ة دور في نق ل عوام ل اإلج رام ،ال يع ني أن الش خص
المعني سوف يكون مجرما و إنما فيه ميل موروث للجريمة ال يفضي إلى ارتكابها إال
إذا اقترنت به عوامل معينة و هذا الميل قد يكتسب بعد الميالد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :رؤوف عبي د ،أص ول علمي اإلج رام والعق اب ،الق اهرة ،1977،ص ص
.79،80،82
( )2أنظ ر Frank hagan , research methods in criminal justice and criminology , New _ :
. York , milan , 1982 , p 21
( )3أنظر :عبد القادر القهوجي ،المرجع السابق ،ص ص . 46 ، 42
( )4أنظ ر :محم ود نجيب حس ني ،دروس في علم اإلج رام و علم العق اب ،دار النهض ة العربي ة
القاهرة ، 1988 ،ص . 44
39
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و ق د أخ ذ علي ه إنك اره الت ام ل دور البيئ ة و الظ روف اإلجتماعي ة في نش أة الجريم ة
و ل و أن ه تراج ع عن ه ذا في كتاب ه الص ادر في 1899بعن وان " الجريمـة األسبــاب
و العالج " ،حيث إع ترف ب دور العوام ل البيئي ة و الظ روف اإلجتماعي ة في تك وين
شخصية الفرد و من ثمة في الدفع إلى اإلجرام .
كم ا إنتق دت نظري ة لم بروزو ،ال تي تق ول بفك رة المج رم ب الفطرة أو الميالد ،فق د
قي ل أن اإلدع اء بوج ود مثل ه ذا المج رم ال يس تقيم م ع مفه وم الجريم ة بإعتباره ا فك رة
نسبية تتغير من مجتمع إلى آخر و في المجتمع الواحد من عصر إلى عصر ،فالقول
بوج ود مج رم ب الفطرة يقتض ي التس ليم بوج ود فع ل يعت بر جريم ة ب الفطرة و ه و م ا ال
يمكن عقال اإلدع اء ب ه ،إذ أن الجريم ة خل ق ق انوني يتغ ير بتغ ير الظ روف ال تي دفعت
بالمش رع إلى تج ريم فع ل م ا .و من ثم ة ففك رة الجريم ة ال تثبت على ح ال بحيث ال
يسوغ عقال التسليم بأن من تتوافر به أوصافا معينة يكون نزاعا على س بيل الحتم إلى
ارتكاب أفعال قد تكون مجرمة وقت ارتكابها و قد ال تكون كذلك .
و م ع ذل ك نالح ظ أن ه ذا النق د ال مح ل ل ه إال بالنس بة لطائف ة الج رائم ال تي تتغ ير
تبعا لظروف الزمان و المكان ،أو ما نطلق عليه الجرائم اإلصطناعية التي تستند إلى
إرادة المشرع .و من ثمة ال مجال له بالنسبة لطائفة الجرائم الطبيعية و قد تكون هي
التي عناها لمبروزو عندما سلم بفكرة المجرم بالميالد (. )1
الفرع الثاني
نظرية هوتون
حاول " أرنست هوتون " تأكيد نظرة " لومبروزو" فأجرى دراسة على أربعة عشر
ألفا من المجرمين الذين أدانهم القضاء و أودعوا السجن و دور اإلصالح ،و أكمل ه ذه
الدراس ة ب إجراء دراس ة أخ رى على مجموع ة من غ ير المج رمين ،وخلص إلــى أن
المجرميـ ــن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص 55و ما يليها .
40
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
يتم يزون بخل ل في تك وينهم الجس دي س ماه " باالنحط اط الجس ماني الم وروث " و ه ذا
االنحطاط له أنواع مختلفة باختالف المجرمين .
و الحقيقة أن ما خلص إليه هذا األخير من نتائج تشير إلى تأثره الشديد بما جاء به
لوم بروزو ،و ق د أخ ذ علي ه اعت داده بطائف ة المج رمين الموج ودين في الس جون و دور
اإلص الح و ه ؤالء ال يمثل ون ك ل المج رمين .كم ا أن ه أك د أن الص فات الخاص ة
ب المجرمين ترج ع إلى عام ل الوراث ة دون غ يره ،و لم يق دم دليال على ذل ك ،و أغف ل
تأثير العوامل البيئية و الظروف االجتماعية التي صاحبت نشأت هؤالء المجرمين .
كم ا أن ه إكتفى بالجريم ة ال تي ك انت س ببا في دخ ول المج رم المؤسس ة العقابي ة
الستخالص الصفات المميزة للطوائف المجرمة ،و أهمل إمكانية أن يكون هذا المجرم
محك وم علي ه في ج رائم أخ رى وهي ن وع من الج رائم م درج في طوائ ف أخ رى غ ير
التي إعتد بها هوتون (. )1
الفرع الثالث
نظرية دي تيليو المدرسة البيولوجية الحديثة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص . 63
41
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و إذا ك انت الجريم ة عب ارة عن تفاع ل يح دث بين نفس ية اإلنس ان و بين الظ روف
ال تي تواجه ه في الع الم الخ ارجي ،ف إن ه ذا التفاع ل م ا ك ان ليح دث نتيجت ه ال تي ح دثت
أي الجريم ة ل و لم يكن ل دى المج رم إس تعداد س ابق لإلج رام ال يت وافر ل دى غ يره من
األفراد بدليل أن الظروف الخارجية التي تثير نزعة اإلجرام فيمن لديه إستعداد سابق له
و تفض ي بالت الي إلى الجريم ة ال تح دث األث ر نفس ه بالنس بة لألش خاص الع اديين ال ذين
يتعرضون مثل المجرم للظروف ذاتها .
و خالصة هذه النظرية في تفسير السلوك اإلجرامي ،أن اإلجرام مرجعه إستعداد
سابق لدى الشخص توقظه عوامل خارجية تطغى على العوامل المانعة فتتولد الجريمة
في الواقع .
و قد لقيت نظرية " ديتيليو" قبوال في إيطاليا ،حيث أيدها كثير من علماء اإلجرام
و ك ل م ا قي ل من آراء الحق ة في تفس ير الس لوك اإلج رامي ال يخ رج في مض مونه عن
نظري ة التك وين اإلج رامي ،و ل و أن ه ق د أخ ذ عليه ا تمس كها المطل ق بفك رة التك وين
أو اإلستعداد المطلق لدى كافة المجرمين ،ألنه هناك بعض الجرائم اإلجرامي
ترتكب وال يمكن أن نقول أنه هناك إستعداد أو تكوين إجرامي لفاعلها كجريمة إغفال
التبليغ عن مولد طفل .
كما يؤخذ عليها إنكار الدور السببي المستقل للعوامل البيئية المحيطة بالمجرم ،و
قد رد أنصار هذه النظرية على هذا النقد أن الجريمة هي دائما ثمرة استعداد إجرامي
أو ع ارض ق د تتفاع ل مع ه عوام ل خارجي ة يختل ف تأثيره ا من ش خص أص لي
آلخر(. )1
الفرع الرابع
نظرية فرويد
يعت بر س يغموند فروي د زعيم أنص ار م ذهب التحلي ل النفس ي في تفس ير الظ اهرة
اإلج رامي و مض مون نظريت ه ،أن ه يقس م ج وانب النفس البش رية بحس ب وظائفه ا إلى
ثالث ـ ــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص ص . 91_90
42
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
أقس ام و رمــز لك ل واح د منه ا بمص طلح من مص طلحات ثالث ة هي :ال ذات و األن ا و
األنا العليا (. )1
أما قسم الذات ،فهو ذلك الجانب من النفس الذي يعتبر مستودع الميول الفطرية
و اإلس تعدادات الموروث ة و النزع ات الغريزي ة و تس تقر ه ذه المي ول و الرغب ات فيم ا
يطل ق علي ه بالالش عور ،وال ذات نزاع ة إلى إخ راج ه ذه المي ول و الرغب ات إلى ح يز
التنفيذ دون مباالة بالقيم األخالقية أو إعتداد بالتقاليد االجتماعية .
أم ا قس م األن ا ،فه و ذل ك الج انب العاق ل من النفس البش رية و الج انب الش عوري
القريب من واقع الحياة ،وهو يسعى دائما إلى ترويض الذات و كبح جماحها و يحاول
أن يدفعها إلى التعبير عن ميولها الفطرية و غرائزها بطريقة تنسجم مع القيم األخالقية
و الع ادات اإلجتماعي ة ،ف إن فش لت عملت على تص عيد النش اط الغري زي عن طري ق
الرمز و إما إلى رده و كبته ليستقر في منطقة الالشعور.
و هناك أيضا قسم األنا العليا ،و هو ذلك الجانب المثالي من النفس البشرية الذي
يحت وي على المب ادئ الس امية ،و تك ون في ه عوام ل ال ردع ال تي تول دها القيم األخالقي
و الدينية و التقاليد اإلجتماعية .و األنا العليا هو ما يعرف بالضمير و مهمتها مراقبة
األن ا في أدائه ا لوظيفته ا و مس اءلتها عن أي تقص ير في توجيهه ا للمي ول الفطريـة
و النزع ات الغريزي ة لل ذات ،فاألن ا العلي ا يمكن إعتباره ا بمثاب ة الج انب الخ ير للنفس
البشرية أو هي النفس اللوامة (. )2
و به ذا يفس ر فروي د الجريم ة بعج ز األن ا عن تك ييف مي ول و نزع ات ال ذات م ع
متطلب ات القيم و التقالي د االجتماعي ة ،أو عن تص عيد النش اط الغري زي ،أو عن رده
و كبت ه في الالش عور ،وإ م ا إلى إنع دام األن ا العلي ا أو عجزه ا عن أداء وظيفته ا في
الرقابة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :الج اش داني ال ،المنش أ النفس ي للجريم ة ،المجل ة الجنائي ة القومي ة ،المجل د ، 13
العدد 1المركز القومي للبحوث اإلجتماعية و الجنائية ،مصر ، 1970 ،ص 110و ما يليها .
( )2أنظر _ :الجاش دانيال ،المرجع نفسه ،ص . 110
43
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و المساءلة ،و في الحالتين تجد الذات نفسهادون رقيب فتنطلق شهواتها و غرائزها في
صورة سلوك إجرامي .
و ق د انتق دت ه ذه النظري ة لص عوبة إثباته ا بال دليل العلمي ،كم ا أن ص لة الخل ل
النفسي بالجريمة ليس قطعيا ،ألن هناك من يعانيه و لم يرتكب بالضرورة أية جريمة
كم ا أن ه ذه النظري ة لم تأخ ذ بعين اإلعتب ار العوام ل اإلجتماعي ة في الحس بان و م دى
تأثيرها على سلوك الفرد لدفعه إلرتكاب الجريمة (. )1
المطلب الثاني
المدارس االجتماعية
تعتبر المدارس االجتماعية في علم اإلجرام بمثابة رد فعل على آراء لومبروزو
في األول و قد إزدهرت الدراسات االجتماعية في الواليات المتحدة األمريكية ،و ذلك
بع د أن نش ر " ج ورنج " كتاب ه ال ذي خصص ه لنق د نظري ة لوم بروزو ،و يتف ق أنص ار
المدرسة اإلجتماعية في تمييز العوامل البيئية عند تفسيرهم للجريمة ،عدا ذلك تختلف
آراءهم األخرى.
و في ه ذا المطلب ،س نتناول مدرس ة الخرائ ط (المدرس ة الجغرافي ة) من خالل
الفرع األول ،ثم نتناول المدرسة االشتراكية من خالل الفرع الثاني ،و أخيرا المدرسة
اإلجتماعية األوروبية من خالل الفرع الثالث .
الفرع األول
مدرسة الخرائط ( المدرسة الجغرافية )
أص حاب ه ذه المدرس ة هم ا العالم ان "كيتيلي ه" البلجيكي و " ج يري " الفرنس ي و
يرج ـ ــع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :الجاش دانيال ،المرجع السابق ،ص . 112
44
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
إليهم ا الفض ل في إظه ار اإلحص ائيات الجنائي ة ،و ق د ق ام ه ذان العالم ان بدراس ة
اإلحص اءات الجنائية الفرنسية عن اإلجرام و التي نشرت عن الفترة من 1826إل ـ ـ ـــى
، 1830و ق د أدهش تهما م ا الحظ اه من الثب ات المط رد لإلج رام ،و من تخص ص
اإلجرام حسب األقاليم و وجود ارتباط بين الظاهرة اإلجرامية من ناحية و بين الموقع
الجغ رافي و فص ول الس نة من ناحية أخرى ،و ح اول العلم اء التوسع في هذا النوع
من الدراسات فتناولوا بالدراسة تأثير األمطار و الرياح و درجة الضغط و الرطوبة و
ن وع الترب ة على الس لوك اإلج رامي ول و أن ه هن اك من يق ول أن ه ذه الظ واهر الطبيعي ة
ليست الوحيدة كسبب لإلجرام بل هي أحد العوامل (. )1
الفرع الثاني
المدرسة اإلشتراكية
ق امت المدرس ة اإلش تراكية في تفس ير الظ اهرة اإلجرامي ة على كتاب ات "م اركس"
و " إنجلز " في القرن التاسع عشر ،و كان هدفها تحديد الروابط بين الجريمة و الوسط
أو البيئ ة اإلقتص ادية .و من وجه ة أنص ار ه ذه النظري ة يع د اإلج رام أح د منتجــات
الرأس مالية .فالجريم ة ترتب ط بالنظ ام الرأس مالي أوث ق ارتب اط ألنه ا في نظ رهم تب دو
بمثاب ة رد فع ل ط بيعي ض د الظلم اإلجتم اعي ال ذي يول ده ه ذا النظ ام بحكم تركيب ه ،و
هذا ما يفسر في نظر المدرسة اإلشتراكية ظهور الجريمة بصفة خاصة لدى الطبقات
الكادحة " البروليتارية " و في تقديرهم أن الجريمة لن تكون في ظل مجتمع إشتراكي ،
و إذا وقعت بعض األفع ال ض د رفاهي ة ه ذا المجتم ع فهي من أث ر األم راض العقلي ة أو
البدنية التي يعاني منها بعض األفراد أي العوامل الداخلية الخاصة بالفرد إذ المفترض
أن المجتمع بتركيبه المحقق للعدالة لن يكون له دور في الدفع للسلوك اإلجرامي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص . 70
45
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و لكن رغم أن ه ال أح د ينك ر دور الظ روف اإلقتص ادية في الت أثير على الجريم ة
و نوع ا ،إال أن ه ال يمكن تب ني النظري ة اإلش تراكية كلي ة في تفس ير الظ اهرة كم ا
و م ا الظ روف اإلقتص ادية إال أح د العوام ل فق ط ،ف إن ك انت تص لح اإلجرامي ة
لتفس ير ج رائم الم ال ال تي ته دف إلى الكس ب إال أنه ا ال تص لح لتفس ير ج رائم أخ رى
كجرائم العرض و اإلعتداء على األشخاص ،كما أن قول النظرية اإلشتراكية بإنحصار
اإلجرام في طبقة العمال فقط بعيد عن الصحة ،ألنه من الثابت أن الموظفين و رجال
األعمال و التجار وغيرهم من أكثر األشخاص المرتكبين للعديد من الجرائم و بالتدقيق
لم تقض على الجريم ة كلي ة و ح تى و إن ك انت في ال دول اإلش تراكية ،نج د أنه ا
نسبة اإلجرام فيها منخفضة فهذا يرجع بالدرجة األولى إلى النظام السياسي .
كم ا أن منط ق النظري ة اإلش تراكية في أن الجريم ة ولي دة الحاج ة غ ير مس لم ب ه
ف الكثير من الفق راء ليس وا مج رمين و يس عون لتحس ين أوض اعهم عن طري ق الكس ب
المشروع ،كما أن الكثير من األغنياء يرتكبون الجرائم و يفلتون منها بواسطة نفوذهم
و مالهم و جاههم و هو ما تعجز عن تفسيره النظرية اإلشتراكية (. )1
الفرع الثالث
المدرسة االجتماعية األوروبية
تض م ه ذه المدرس ة اتجاه ات ثالث ة يجم ع بينه ا غلب ة التفس ير اإلجتم اعي للجريم ة
عليها ،و أهم أقطاب هذه المدرسة هم " الكاساني " ،و " تارد " و " دوركايم " ،و قد
عاص روا لوم بروزو و ق د ك انت نظري اتهم بمثاب ة رد فع ل عن اإلتج اه ال بيولوجي في
تفسير الظاهرة اإلجرامية .
أم ا بالنس بة لنظري ة الوس ط اإلجتم اعي ،فق د ك ان ص احبها الع الم االجتم اع "
الكاساني"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص . 85
46
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص . 95
47
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
وهي ليست ظاهرة شاذة و غريبة ،و أن الجريمة يجب النظر إليها من خالل عالقتها
بثقافة معينة في الزمان و المكان (. )1
الفرع الرابع
المدرسة اإلجتماعية األمريكية
يذهب أغلب علماء اإلجرام األمريكيين إلى تفسير الظاهرة اإلجرامية باالس تناد إلى
العوام ل اإلجتماعي ة ،وق د ت أثرت ب الفكر االجتم اعي الق ديم ل دى علم اء اإلج رام
األوروبيين.
فهناك النظرية البيئية " لكليفوردشو" ،و تندرج ضمن اتجاه يفسر الجريمة بالنظر
إلى العوامل اإلجتماعية ،و يرى أن الظروف اإلجتماعية واإلقتصادية لمنطقة جغرافية
محددة هي التي تمارس تأثيرها الواضح على معدالت اإلجرام و ليست طبيعة األفراد
ال ذين يعيش ون في ه ذه المنطق ة هي الحاس مة في تحدي د مع دالت اإلج رام ،و من ه ذه
الظ روف ترك يز الس كن والمس توى اإلقتص ادي والشخص ية اإلجرامي ة تش كلها المنطق ة
التي يقيم فيها الشخص دون أن يتدخل تكوينه العض وي و النفسي ،و قد تكلمت هـذه
النظري ة عن "البقع ة اإلجرامي ة" و هي بقع ة إجرامي ة داخ ل المدين ة تميزه ا ظ روف
و إقتصادية غير مالئمة إلى درجة كبيرة. إجتماعية
و هن اك نظري ة الجماع ات المتباين ة " لس ذرالند " ،و هي ال تتوق ف عن د مج رد
التحق ق من العالق ة بين الوس ط و تك وين الشخص ية و إنم ا ح اولت جاه دة تحدي د كيفي ة
تحول األشخاص إلى مجرمين .و لماذا تختلف معدالت اإلجرام حسب إختالف األمم و
السلوك اإلجرامي الفردي ليس موروثا ،و لكنه مكتسب من احتكاك الفرد مع غيره من
األف راد عن طري ق وس يلة االتص ال و هي التعلم ،فيق ع الف رد في اإلج رام إذا ك ان في
مجموع ة يس ودها اتج اه مخالف ة الق انون و العكس ص حيح ،و ترج ع اإلختالف في
معدالت اإلجرام بين األمم إلى التباين في التنظيم اإلجتماعي ،و بهذا يقول س ذرالند أن
و إنما يكتسب بالتعلم و يؤخ ـ ـ ـــذ على هذه النظرية أنها تتج ـ ـ ـ ـــاهل اإلجرام ال يــورث
دور الفرد عندما تتب ـ ـ ــاين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص . 96
48
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
المواق ف داخـل الجماع ة ال تي ي دخل فيه ا ،كم ا عيب عليه ا تأكي دها المطل ق على أن
السلوك اإلجرامي هو دائما ثمرة التعلم وحده و أنه ال دخل للعامل الشخصي فيه (. )1
و هناك نظرية تنازع الثقافات لـ ـ ـ ـ "سيلين" ،الذي أرجع نشأت الجريم ة إلى التص ادم
ال ذي يح دث في المجتم ع الواح د بين قواع د الس لوك المختلف ة ،ه ذا التص ادم يظه ر
بوضوح شديد في المجتمع األمريكي بسبب وجود األفواج المتتابعة من المه اجرين ،و
لو أن هذا األخير يرى أن مفهوم تنازع الثقافة ال يكفي بمفرده لتفسير إختالف معدالت
و أنه لذلك ينبغي النظر له داخل مجموعة متكاملة من العوامل اإلجتماعية اإلجرام
و اإلقتصادية للمجتمع ككل (. )2
المطلب الثالث
المدارس التكاملية
يس لم علم اء اإلج رام المعاص رين أن اإلج رام اليمكن نس بته إلى عام ل واح د فق ط ،
ب ل إن ل ه عوام ل متع ددة ل ذلك أخفقت الم دارس الس ابقة في تفس ير متكام ل للظ اهرة
اإلجرامي ة ولكن هن اك علم اء أدرك وا أن اإلج رام يمكن تفس يره تفس يرا مقنع ا بالعوام ل
البيولوجي ة واالجتماعي ة مع ا ومن هن ا ج اءت النظري ات التكاملي ة في تفس ير الظ اهرة
اإلجرامية .
و في ه ذا المطلب ،س نتناول المدرس ة النمس اوية األلماني ة من خالل الف رع األول
ثم نتناول مدرسة أنريكو فيري من خالل الفرع الثاني .
الفرع األول
المدرسة النمساوية األلمانية
لقد جاءت المدرسة النمساوية األلمانية و مؤسسها العالم " فون ليست " الذي أسس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص . 95
( )2أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،المرجع نفسه ،ص . 96
49
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
مع البلجيكي " بران " و الهولندي " فان هامل " اإلتحاد الدولي لقانون العقوب ات ،و ق د
تح ول فيم ا بع د إلى الجمعي ة الدولي ة لق انون العقوب ات ،و وفق ا لف ون ليس ت ،ال تع د
الجريمة نتاجا لعوامل بيولوجية تعمل منعزلة و مستقلة عن غيرها من العوامل ،كما
أنه ا ليس ت ثم رة للعوام ل االجتماعي ة ال تي تنف رد مس تقلة عن غيره ا ب دفع الف رد إلى
ارتكاب الجريمة .و من أجل ذلك تكون الجريمة ثمرة لعوامل فردية و اجتماعية في
لحظة إرتكابها ،أي من تضافر عوامل داخلية خاصة بالفرد نفسه ،وعوامل خارجية
يتمث ل دوره ا في تحري ك العوام ل الداخلي ة ،في اتج اه اإلج رام ،وق د جع ل ه ذا الع الم
الج رمين طوائ ف هم :المجرم ون ذووا الخل ل العقلي والمجرم ون بالمص ادفة و
المجرمون المعتادون على اإلجرام (. )1
الفرع الثاني
مدرسة أنريكو فيري
و من أنصار المذهب التكاملي نجد أيضا مدرسة أنريكو فيري و هو عالم إيطالي
تلخص ت نظريت ه في حتمي ة الس لوك اإلج رامي ،و هي ال ترج ع إلى عام ل واح د ب ل
تتعدد عواملها ،و يرى فيري أن المجرم هو كائن يتحدد نشاطه اإلجرامي بمجموعة
من العوام ل اإلجرامي ة يختل ف تأثيره ا ب إختالف المج رمين ،و من هن ا ج اء تص نيفه
و الجريمة عنده هي ثمرة حتمية لعوامل معينة و إن إختلف تأثير للمجرمين
هذه العوامل في التفاعل المفضي إلى الجريمة من مجرم إلى آخر .
من أج ل ذل ك ق دم قائم ة بالعوام ل المختلف ة ال تي تفض ي إلى إرتك اب الجريم ة من
ناحي ة ،ثم قس م المج رمين إلى طوائ ف بحس ب درج ة ت أثير العوام ل فيهم من ناحي ة
أخرى ثم قسم المجرمين إلى طوائف بحسب درجة تأثير هذه العوامل فيهم من ناحية
أخرى (.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص . 98
( )2أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص . 100
50
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
و ق د ك ان لنظري ة ف يري في تفس ير الس لوك اإلج رامي ت أثير واض ح على مفه وم
الجزاء الجن ائي .إذ أنه ا وجهت األنظ ار إلى ض رورة إعتب ار الجزاء وسيلة لل دفاع عن
المجتم ع ض د الجريم ة و ليس ثمن ا يدفع ه المج رم عن جريم ة إقترفه ا ،و هي بداي ة
الحديث عن ضرورات تفريد الجزاء الجنائي ،تبعا لحالة كل مجرم و ظروفه الخاصة
و كان تحليله بمثابة تنبيه إلى ضرورة العناية بالوقاية من اإلجرام عن طريق الحد من
أثر هذه العوامل و هو ما يعني ضرورة إنتهاج سياسة إجتماعية وإ قتصادية و ص حية و
تربوي ة و ثقافي ة تش ل من فاعلي ة العوام ل المفض ية إلى اإلج رام ،و رغم أهمي ة ه ذه
النظرية إال أنه سجلت عليها عدة مالحظات منها :
أن ه أخ ذ على تص نيفها للعوام ل اإلجرامي ة أن ه تنقص ه الدق ة ،كم ا إع ترض على
فكرةالمجرم بالميالد ،و هو من أكثر أفكار لمبروزو تعرضا للنقد ،و مع ذلك اعتقد
فيري أنه بضبطها قد يتمكن من تفادي النقد و لكنه لم ينجح .
كم ا أن هن اك من تس اءل عن مالئم ة التمي يز بين المج رم بالمص ادفة و المج رم
الع اطفي .و من ثم ة عن ض رورة إف راد طائف ة خاص ة لك ل منهم ا ل ذلك اق ترح العلم اء
تقس يم المج رمين إلى 3طوائ ف ،طائف ة المج انين وذوي العاه ات العقلي ة ،و طائف ة
المجرمين العرضيين ،وطائفة المجرمين المعت ادين على اإلجرام ،كما أخذ على هذه
النظرية ابتعادها عن الواقع الذي هو أكثر تعقيدا مما تفرضه هذه اآلراء (. )1
ولكن في األخ ير يمكن الق ول أن ه ،ال يمكن إنك ار دور ه ذه النظري ة في اإلش ارة
إلى أن عوام ل متع ددة و متش عبة و ف يري يع د ص احب أول نظري ة تكاملي ة في تفس ير
الظاهـ ـ ــرة
اإلجرامية ،و قد تنبه من جاء بعده إلى هذه التعددية في العوامل مسببة للجريمة فكانت
تفس يراتهم أك ثر قرب ا من الوق ع ،كم ا أن تفري د الج زاء الجن ائي و ه و عص ب السياس ة
الجنائي ة الحديث ة لم يكن س وى إح دى الثم ار اليانع ة ال تي أنبته ا ذل ك التص وير التع ددي
للعوامل اإلجرامية و دورها في إفراز السلوك اإلجرامي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص ص . 106_105
51
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
الفصل الثاني
العوامل المؤدية إلى إرتكاب الجريمة
لق د نتج عن البحث في علم اإلج رام إجم اع العلم اء على أن الس لوك اإلج رامي
تؤدي إليه عوامل داخلية تنبع من داخل المجرم أو خارجية تؤثر فيه ،و قد تتعدد في
الف رد الواح د بين كونه ا داخلي ة فق ط أو داخلي ة و خارجي ة مع ا أو خارجي ة فق ط ،و في
ه ذا الفص ل س ندرس العوام ل المؤدي ة إلى إرتك اب الجريم ة من خالل مبح ثين إث نين ،
س نتناول بالش رح و التحلي ل العوام ل الداخلي ة المؤدي ة إلرتك اب الجريم ة من خالل
المبحث األول ثم نتن اول العوام ل الخارجي ة المؤدي ة إلى إرتك اب الجريم ة من خالل
المبحث الثاني .
المبحث األول
العوامل الداخلية المؤدية إلرتكاب الجريمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص . 74
52
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
المطلب األول
العوامل الفطرية
الفرع األول
الوراثــة
من ذ الق دم اعتم د اإلنس ان على جمل ة من الص فات ال تي الح ظ تش ابهها م ع من
تربطهم عالقة النسب في إثبات هذه العالقة بينهم في حال ما إذا ثار حولها النزاع ،و
ق د ب رز في ه ذا المج ال الع رب و ك انوا يس مونها بالفراس ة و العراف ة و القياف ة و
يستعينون بها من أجل إلحاق المولود بأبيه حين يثور النزاع حول نسبه أو يطاله الشك
(. )1
و عند علماء اإلجرام الوراثة تشمل الخصائص و الوظائف التي تنتقل من السلف
إلى الخل ف .و بالت الي يمكن تفس ير م ا إذا ك انت ه ذه الخص ائص و الوظ ائف الوراثي ة
التــي تنتق ل من االبن إلى وال ده يمكن أن توج ه ه ذا االبن إلى تك رار س لوك األب و
بالتالي إرتكاب الجريمة (. )2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :دردوس مكي ،مرجع سابق ،ص . 52
( )2أنظر _ :عبد المنعم سليمان ،مرجع سابق ،ص . 366
53
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و يقص د بلف ظ الوراث ة ،إنتق ال خص ائص معين ة من األص ول إلى الف روع في
اللحظة التي يتكون فيها الجنين ،فقد أثبتت المالحظة و التجربة أن بعض الخصائص
يتناقله ا األبن اء و اآلب اء و األج داد بص ورة تك ون غامض ة في ح االت ،و واض حة في
حاالت أخرى و لعل مرجع ذلك كما يقرر علماء الوراثة ،أن اإلنسان شأنه في ذلك
أي ك ائن حي آخ ر تتنازع ه قوت ان متنافرت ان تري د ك ل منهم ا أن تجتذب ه إلى ش أن
و تصبغه بصبغتها قوة الوراثة و مشابهة األصل و قوة التغير و التطور مجالها
واإلبتع اد عن األص ل ،و ي ترتب على ه ذا الص راع وج ود التش ابه بين األص ول و
الفروع في بعض الخصائص دون البعض اآلخر.
و تتم الوراث ة بإنتق ال الخص ائص من األص ل إلى الف روع عن طري ق عملي ة دقيق ة
معق دة ،فك ل خلي ة من خالي ا الجس م تش تمل على 46ج زء دقيق ا يك ون ن واة الخلي ة و
تس مى الكروموزوم ات ،و هي تحم ل الخص ائص الفردي ة ال تي تنتق ل بالوراثة و يطل ق
العلم على ه ذه الخص ائص الوراثي ة إس م الجين ات ،و يتم اإلخص اب عن طري ق ت زاوج
و إتح اد بين الخلي ة الذكري ة و الخلي ة األنثوي ة ليص بحا خلي ة واح دة .و لم ا ك ان من
الض روري أال يزي د م ا تحمل ه ه ذه الخلي ة المزدوج ة على س تة و أربعين كروموزوم ا
ش أنها في ذل ك ش أن ب اقي الخالي ا ،ح تى تتس نى له ا الحي اة ف إن خلي ة ك ل من الرج ل و
المرأة يجب أن تفقد قبل اإلخصاب و حتى تكون صالحة لها نصف األجزاء لينشأ من
تزاوجه ا مجموع ة كروموزوم ات خلي ة واح دة يتك ون منه ا الج نين نفس ه ،و من ذل ك
يتبين ب ان كل خلي ة من خاليا الجنين 23زوج ا من الكروموزومات يك ون نصفها آتيا
من األب و نصفها اآلخر آتيا من األم )1( .
و كم ا س بق الق ول ،أن ه ذه الجزيئ ات الص غيرة تحم ل الجين ات أي الخص ائص
الوراثية من الشخص الذي انتقلت منه وعلى ذلك فإن خاليا جسم اإلبن تحمل خصائـص
األب و خص ائص األم في آن واح د ،و ال يع ني ذل ك أن يجم ع االبن ك ل ص فات
األب وين و إنم ا ق د يظه ر علي ه بعض ها دون البعض اآلخ ر ،و مرج ع ذل ك إلى أن
جين ـ ـ ــات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص . 76
54
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ك ل من األب وين ال تنتج أثره ا ب ذاتها و إنم ا نتيج ة لتفاعله ا ،فالخصيص ة الوراثي ة ال تي
يحمله ا جين األم من المؤك د أن تظه ر في اإلبن إذا ك انت الخصيص ة الوراثي ة ال تي
يحمله ا "جين" األب متش ابهة .أم ا إذا اختلفت الص فتان ف إن الص راع بينهم ا ي ؤدي إلى
انتص ار إح داهما فتظه ر األولى ل دي اإلبن دون الثاني ة ،و ليس مع نى ه ذا أن الص فة
قد إختفت و إنما كل ما في األمر أنها تختبئ لدى االبن ثم تعود إلى الظهور األخرى
في فروع الحقة ،و لذلك فإنه ليس من الغريب أن تجد لدى أحد األبناء صفة لم تكن
ظاهرة لدى أبيه أو جده ،إذ ربما كانت ترجع إلى جده األعلى و قد يكون ظهور هذه
الصفة غير راجع للوراثة و إنما إلى عامل التغير و التطور الذي سبق اإلشارة إليه ،
فهذا العامل الذي يقابل عامل الوراثة قد يؤثر في جينات الجنين فيكتسب صفات جديدة
ال وجود لها عند األسالف (. )1
والوراث ة فيه ا أن واع عدي دة فق د تك ون من حيث إتجاهه ا مباش رة أو غ ير مباش رة،
فتنتقل في الحالة األولى الصفات الوراثية من األصل إلى الفرع ،و في الثانية ال تنتقل
من األص ل إلى الف رع مباش رة ،و إنم ا إلى ف رع أبع د ع بر الف رع األول ال ذي تك ون
الص فة الوراثي ة كامن ة لدي ه .و من حيث موض وعها ق د تك ون مرض ية أو تش ويهية ،
فاألولى هي إنتقال بعض األمراض التي كان يعاني منها األصل إلى الفرع ،و الثانية
تعني إنتقال شذوذ في التكوين من السلف إلى الخلف .
ومن حيث قوته ا تنقس م إلى وراث ة تماثلي ة أو تش ابهية ،و هي ال تي تنتق ل فيه ا
الص فة أو الخصيص ة ال تي ل دى األص ل إلى الف رع بنفس الص ورة ال تي ك انت عليه ا
لدي ه ،كـأن يك ون األص ل مجرم ا فيص بح الف رد مجرم ا ك ذلك ،و ق د يمت د التم اثال إلى
صفة معينـة كصفة اإلجرام فحسب ،بل إلى النشاط المرتبط بهـ ـــذه الصفة كأن يكـ ـــون
األصـ ــل قاتال أو لصا فيصبح الفرد كذلك تماما ،أما الوراثة التشابهية فتعني أن الصفة
ال تنتق ل من الس لف إلى الخل ف بنفس الص ورة ،و لكن بص ورة متش ابهة ك أن يك ون
األص ل م دمنا على المخ درات فال يك ون الف رع ك ذلك ،و لكن يظه ر لدي ه عيب يش ابه
هذه الصفة كأن يكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص . 77
55
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
لصا أو مزورا أو قاتال و قد يكون األصل مجرما و لكن الفرع ال يصبح كذلك وإ نما
يصاب بنوع من األمراض العقلية أو الصرع .
ومن حيث طبيعته ا تنقس م إلى وراث ة حقيقي ة و وراث ة حكمي ة ،فالوراث ة ب المعنى
الواسع تعني الخصائص و الصفات التي تنتقل إلى الجنين ،فتدخل في تكوينه أثناء فترة
الحمل و الوراثة الحقيقية كما سبق تعني انتقال خص ائص الوالدين إلى الجنين لحظة
تكوينه ،أما الوراثة الحكمية فتعني تأثر الجنين بعوامل عاصرت تكوينه أو عرضت
أثن اء الحم ل ب ه و هي ت ؤثر علي ه دون أن تنق ل إلي ه خص ائص األص ل ،ك أن تص اب
األم بمرض أثناء الحمل بالجنين مما قد يصيبه ببعض األمراض العقلية أو النفسية أو
يؤدي إلى ظهور بعض التشوهات به (. )1
و يمكن الق ول أن ه و إن ك ان التس ليم ب دور الوراث ة في تفس ير الس لوك اإلج رامي
إال أن ه ال يمكن الج زم بكونه ا الوحي دة في الت أثير على الجريم ة ،ب ل يرج ع الس بب إلى
أوجه أخرى من التأثيرات قد تتحد فيظهر السلوك اإلجرامي ،و قد تنفرد دون األس باب
األخرى و هذا ما يبرز الخالف بين ظاهرة إجرامية عن أخرى و لو كان التشابه في
نوع الجرائم .
وإ ختلف العلماء في تحديد الصفة القائمة بين الوراثة و الجريمة ،فهناك من يقول
أن اإلنسان يرث السلوك اإلجرامي وعلى رأسهم العالم اإليطالي لمبروزو الذي قرر أن
المج رم رج ل ورث الص فات الهمجي ة البدائي ة من الق رون القديم ة وال تي تدفع ه إلى
الس لوك اإلج رامي إال أن ه ذا الق ول القى نق دا كب يرا ،فهن اك من يق ول أن الص لة بين
الوراثة والجريمة ال وجود لها إطالقا .وأن الجريمة ترجع إلى العوامل البيئية المحيطة
بالمجرم وحدها )2(.
و أن القائلين بارجاع السلوك اإلجرامي إلى عامل الوراثة قد اشتبه عليهم األمر فهم قد
الحظ وا إنتق ال الخص ائص اإلجرامي ة من الس لف إلى الخل ف و اس تندوا إلى ذل ك في
القول بتأثير الوراثة على اإلجرام ،و الحقيقة أن الذي يجعل الشبه كبيرا بين خصائص
السلـ ـ ـ ــف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص . 78_77
( )2أنظ ر _ :رمس يس بنه ام ،المج رم تكوين ا و تقويم ا ،منش أة المع ارف ،اإلس كندرية 1978 ،
ص. 39
56
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و الخل ف إنم ا يرج ع إلى ت أثر ك ل منهم ا بظ روف بيئي ة واح دة هي ال تي دفعت بهم إلى
المسلك اإلجرامي و هي التي ستدفع فروعهم في المستقبل إليه إذا ظلوا يعيشون تحت
تأثير هذه الظروف ،و على رأس القائلين بهذا الرأي العالم األمريكي سذرالنذ )1( .
على أن ال رأي الس ليم ه و ال رأي المعت دل و الوس ط بين ه ذين االتج اهين الس ابقين
فال يعطي الوراثة قوة مطلقة في تفجير السلوك اإلجرامي ،كما ال يجردها من أي أثر
مس بب له ذا الس لوك ،و إنم ا ي رى أنه ا تنق ل من األص ل إلى الف رع إمكان ات و ق درات
معين ة تهيئ الش خص إذا ص ادف ظروف ا معين ة إلى س لوك س بيل الجريم ة ه ذه الق درات
هي ما إصطلح على تسميتها باإلستعداد اإلجرامي )2( .فاإلستعداد اإلجرامي يورث
ولكن الجريمة أو السلوك اإلجرامي في ذاته ال يورث ومن سلك أبوه سلوك الجريمة
ليس من المحتم أن يسلك سبيلها و ذلك لسببين :
_ السب األول :
أن اإلستعداد اإلجرامي الموروث ال يؤدي إلى إرتكاب الجريمة ،إال إذا توافرت
ظروف بيئية شاذة و مرهقة تتفاعل مع هذا اإلستعداد فيتولد السلوك اإلجرامي نتيجة
لهذا التفاعل .
_ السبب الثاني :
أن فك رة الجريم ة كم ا س بق أن ذكرن ا ،فك رة قانوني ة تختل ف من تش ريع آلخ ر
و في نط اق التش ريع الواح د من زمن آلخ ر ،فمثال تع دد الزوج ات يعت بر جريم ة في
بعـــض التش ريعات .و ال يعت بر ك ذلك في تش ريعات أخ رى و اإلمتن اع عن بي ع بعض
ق د ال يعت بر جريم ة في الظ روف العادي ة و لكن يعت بر ك ذلك في ف ترات الس لع
وفي بعض الظ روف اإلقتص ادية ففك رة الجريم ة فك رة نس بية ل ذلك الح روب
كان من المقبول القول أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر.Sutherland et Gressey : Principes de criminologie , précité Paris , 1966 , p 907 _ :
و أنظر أيضا _ :فوزية عبد الستار ،مرجع سابق ،ص . 79
( )2أنظ ر :ع وض محم د ع وض ،مب ادئ علم اإلج رام ،مؤسس ة الثقاف ة الجامعي ة ،اإلس كندرية
، 1980ص ، 133و أنظر أيضا _ :محمود نجيب حسني ،مرجع سابق ،ص . 22
57
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
اإلستعداد اإلجرامي يورث ولكن من غير المعقول القول أن السلوك اإلجرامي يورث
ألن السلوك قد يعد جريمة أوال ،يعد كذلك بإختالف التشريعات في المكان والزمان (
.)1
الفرع الثاني
الجـــنس
إن الدراسات التي قام بها الباحثون في علم اإلجرام قد أثبتت وجود اختالف كبير
بين إجرام كل من المرأة و الرجل ،من حيث النوع و الكمية والجسامة ،و قد أرجعوه
إلى الفروق الكبيرة و الجوهرية بين تكوينهما العضوي و النفسي ،و هو ما دلت عليه
اإلحصاءات الجنائية في مختلف دول العالم ،و حين التدقيق في عامل العمر من خالل
اإلحص ائيات وج دوا أن ه رغم م ا س جل من إختالف في بل دان عدي دة ،إال أنهم أرجع وا
ه ذه التناقض ات و التب اين لك ون أن ه ذه اإلحص اءات لم تج رى في البل دان المعني ة على
نفس الوتيرة ،كما أن مشاركة المرأة مرتبطة إلى حد كبير بنوع الجريمة كاإلجه اض
مثال أو قت ل الولي د ح ديث ال والدة ، ...كم ا أن ن وع اإلج رام مرتب ط أيض ا بفك رة
األسرة في المجتمعات المختلفة و التقاليد. )2( ...
58
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
الفرع الثالث
الســــن
يلعب السن دورا مميزا و له تأثيرا على الفرد في مختلف مراحله العمرية ،هذه
األخ يرة ال تي تنقس م إلى مراح ل منه ا مرحل ة الطفول ة ال تي تب دأ من الميالد إلى م ا قب ل
البل وغ و هي مرحل ة يق ل فيه ا إدراك الطف ل و ال دور للج انب العض لي في اإلج رام ،
فهو يعتمد كلية على أمه و ال يبدأ في فهم ما حوله إال بعد السابعة من عمره .
و هن اك أيض ا مرحل ة الحداث ة ،و هي مرحل ة تتم يز بع دة أط وار يتوس طها البل وغ
ففيها طور ما قبل البلوغ الذي يمتد عند اإلناث من 11إلى 12سنة ،و عند الذكور
من 12إلى 14س نة ،و ط ور البل وغ يب دأ من 13عن د اإلن اث و 15عن د ال ذكور ،و
طور ما بعد البلوغ الذي يبدأ فيه الحدث من اإلقتراب من النضج الجسدي تدريجيا ،و
لكل مرحلة من هذه المراحل سماتها و خصائصها ،و تليها مرحلة الشباب التي تمتد
من 18إلى 50سنة التي تعتبر أنشط مراحل الحياة و فيها يكون اإلكتمال الجسدي و
و النفس ي ،و هن ا تظه ر ح االت من اإلختالل لظ روف عدي دة تنتج عنه ا العقلي
الكث ير من الج رائم عـن الجنس ين ،و أخ يرا هن اك مرحل ة الش يخوخة ال تي تتم يز ببداي ة
و الضعف و فيها الكثير من التغيرات الحاسمة كترك العمل (. )1 الوهن
و هن اك من ي رى أن اإلج رام يرتب ط إرتباط ا وثيق ا كم ا و نوع ا ب العمر ،فيبل غ
أوجه في مرحلة الشباب و يبدأ في الفتور عند التقدم بالسن ،أين يبدأ اإلنسان بالتريث
و التدقيق و إعادة التفكير و الندم على األخطاء السابقة ،ناهي ك عن عوام ل و تغييرات
أخرى بدنية ،نفسية ،و حتى بيئية )2( .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :محم د ص بحي نجم ،مرج ع س ابق ،ص . 44و أنظ ر أيض ا _ :م انع علي ،
عوام ل جن وح األح داث في الجزائ ر ،نت ائج دراس ة ميداني ة ،دون طبع ة ،دي وان المطبوع ات
الجامعية ،الجزائر ، 2002ص 16وما يليها .
( )2أنظ ر _ :عب د ال رحمن محم د أب و توت ة ،علم اإلج رام ،المكتب الج امعي الح ديث األزارط ة
اإلسكندرية ،دون طبعة ، 1998 ،ص . 212
59
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
الفرع الرابع
الساللـــة
إن الساللة نوع من الوراثة التي ت ــميز جماعة من الناس عن غيرها من الجماعات
و بالت الي فهي وراث ة جماعي ة أو عام ة تح دد خص ائص يتف ق فيه ا جم ع من األف راد
و قد تكون هذه الخصائص داخلية أو خارجية ،و هذه الخصائص تنتقل من جيل إلى
آخر (. )1
و دراس ة العالق ة بين اإلنتم اء الع رقي و اإلج رام تع د إح دى المس ائل التقليدي ة في
علم اإلجرام و من أكثر المواضيع إثارة لغموضها ،فمجرد االنتماء إلى ساللة معينة ال
يع ني أن ه س بب لإلج رام ،أو أن ه س بب لن وع معين من اإلج رام ففي ك ل س اللة هن اك
و الشر . الخير
و م ع ذل ك فهن اك من العلم اء من ي ذهب إلى الق ول أن اإلج رام يت أثر كم ا و نوع ا
بعنص ر الس اللة ،و ه و م ا أس قطوه على س بيل المث ال على الس ود في أمريك ا إلى أنهم
أكثر إجراما من البيض ،خصوصا في جرائم اإلعتداء على األشخاص و األموال()2
و لكن ال يمكن الج زم به ذا الق ول ألن ه ال ينمي عن أي ة ص لة ب العلم ،و ال يمكن
الق ول بأن ه هن اك إس تعداد إج رامي ي ورث عن طري ق الس اللة ،ثم إن التفحص في
و الحالة االجتماعية و اإلقتصادية و السياسية العامة ،التي كانت تحيط التاريخ
به ؤالء العلم اء حين ق الوا به ذه التفس يرات يوض ح أن غالبه ا ك ان ينط وي على آراء
متحيزة و منطويـة على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص . 128
( )2أنظر Th , Selling , La criminalité et délinquance aux USA , les éd de l*éspagne , _ :
. Paris , 1964 , p 30
60
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ظلم لنوع من هذه السالالت ( )1و بمقارنة إجرام السالالت في دول مختلفة من طرف
علم اء في أوروب ا ،مثال نج دهم ق د رك زوا على ظ اهرة العن ف فت بين ازدي اد ظ اهرة
إج رام العن ف في الجن وب و الش رق عن ه في بقي ة أج زاء الق ارة ،أكملت ه ذه الدراس ة
بدراس ة عن م دى إختالف الس الالت األوروبي ة في إس تهالك المس كرات وأج ريت
المقارنة بين إجرام العنف ،و بين حجم استهالك كل جماعة من المسكرات .
و الواقع أن هذه الدراسة محدودة القيمة بالنسبة لتحديد تأثير الساللة على اإلجرام
و فائ دتها أك بر بالنس بة لت أثير تع اطي الم واد المس كرة على ظ اهرة اإلج رام ،و على
إج رام العن ف بال ذات ،و أي ا ك انت القيم ة ال تي يمكن إس نادها إلى ه ذا الن وع من
ف إن اإللتج اء إليه ا ليس ب األمر اليس ير كم ا أن المخ اطر تح ف ب ه المقارن ات
إلختالف التش ريعات الجنائي ة ب إختالف ال دول و تب اين أجه زة العدال ة الجنائي ة في
و كذلك نجد أن طرق اإلحصاء قد تختلف من دولة إلى ممارستها لنشاطها
أخرى و هو ما يحد من قيمة النتائج التي تسفر عنها اإلحصائيات الجنائية باعتب اره أح د
أساليب البحث في علم اإلجرام
و باإلض افة إلى هذه العوامل ،فإن مقارنة إجرام الس الالت في دول مختلفة غير
ذي فائدة في بيان مسألة تأثير الساللة على ظاهرة اإلجرام إلختالف الظروف الطبيعية
و اإلقتصادية بين الدول ،و في ظل وجود هذا اإلختالف ال يمكن تحديد الجانب الذي
تقوم به الساللة في إجرام أفرادها .إذا يعزى هذا اإلجرام إلى عوامل متعددة غير ثابتة
بحيث يستحيل القول بأن اإلنتماء إلى ساللة معينة هو العامل الحاسم في إجرام األفراد
الذين يكونوها دون سواه من العوامل األخرى .
كما قد قام العلماء بمقارنة إجرام السالالت في الدولة الواحدة ،و هذا النوع من
الدراس ات كث ير ومتع دد و أك ثر من الن وع األول ،كم ا أنه ا أك ثر ج دوى في إعط اء
مؤشرات عن دور الساللة في تشكيل كم و نوع إجرام األفراد الذين ينتمون إليها و هي
لذلك أكثر دقة و تحديدا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :دردوس مكي ،مرجع سابق ،ص ص . 82_81
61
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و ق د أج ريت في فرنس ا دراس ات كث يرة ت بين منه ا أن إج رام األج انب فيه ا يف وق
إجرام المواطنين ،ولكن بعض الباحثين شكك في هذا النوع من الدراسات و يرده ا إلى
س وء ح ال األج انب في فرنس ا و إلى ت دني مس تواهم اإلقتص ادي و ظ روفهم المعيش ية
وإ لى تشدد أجهزة الشرطة مع األجانب و مالحقتها لهم ،مما يسهل لها إكتشاف ج رائم
قد ال تعلم بها بالنسبة للمواطنين ،كما أن المحاكم تظهر تشددا كبيرا بالنسبة لألجانب
مما يظهر نسبة مساهمتهم في الظاهرة اإلجرامية أعلى من الحقيقة.
و يعني ذلك أن زيادة حجم اإلجرام لألجانب في هذه الدولة ال يفسره أنهم نزاعون
إلى اإلج رام أك ثر من غ يرهم من مواطنيه ا بحكم انتم ائهم إلى س الالت مختلف ة ،بق در
ما يفسره ظروف معيشتهم المضطربة اإلقتصادية منها و الصحية ،و كذا درجة القبول
االجتم اعي لهم ( . )1و تش ير الدراس ات إلى أن إج رام مواط ني ش مال إفريقي ا يتمث ل
أساسا في القتل و الضرب و الجرح العمد و حيازة األسلحة و التمرد و العصيان ،و
اإلعتداء على ممثلي السلطة و الدعارة ...
و بتفص يل أك ثر نج د أن بعض العلم اء ي ذهبون إلى الق ول ،ب أن اإلج رام يت أثر
كم ا و نوع ا بعنص ر الس اللة أو الجنس ،بحيث يمكن الق ول من وجه ة نظ رهم أن
الس اللة عام ل من عوام ل اإلج رام ففي الوالي ات المتح دة األمريكي ة ،يؤك د بعض
أن السود أكثر إجراما من البيض ،و أنهم بحكم فطرتهم أكثر ميل إلى الباحثين
من ال بيض و أن أقص ى مع دل من ج رائم اإلعت داء على األش خاص الجريم ة
كما أن نسبة جرائم اإلعتداء على األموال مرتفعة بالنسبة إليهم . يرتكبه السود
رغم أن المجتمع األمريكي هو خليط من السالالت و األجن اس ،فمنهم األوروب يين
و الص ينيين و الياب انيين و الزن وج و الهن ود و الع رب ...إال أن طائف ة الزن وج ق د
إستحوذت على إهتمام العلماء بالدراسة في مجال علم اإلجرام أكثر من غيرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر :حم دي رجب عطي ة ،علم اإلج رام ،دار الكتب الوطني ة ،بنغ ازي ،ليبي ا ،دون طبع ة
، 2003ص . 122
62
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و بالنس بة له ؤالء فق د أثبتت اإلحص اءات الرس مية أن نس بة إج رامهم تف وق بكث ير
نس بة إج رام ال بيض ،و أن نس بة إج رامهم مقارن ة بع ددهم تش ير إلى أن نس بة اإلج رام
بينهم أعلى بكثير من نسبة عددهم إلى مجموع سكان الواليات المتحدة األمريكية .
فبعض الدراس ات اإلحص ائية يس تدل منه ا على أن حجم إج رام الزن وج يق رب من
ثالثة أمثال نسبتهم إلى مجموع السكان .
و أظه رت دراس ات أخ رى أجراه ا بعض الب احثين أن الس ود أك ثر إجرام ا من
البيض و أن طابع إجرامهم يغلب عليه العنف و السطو و السرقة و اإلغتصاب .
وق د تب اينت آراء الب احثين تباين ا ش ديدا إزاء ه ذه اإلحص ائيات ،فمنهم من وص فها
بعدم الصحة و التضليل .
فخلص إلى أن الس اللة ال أث ر له ا على ظ اهرة اإلج رام ،و منهم من إعتم د
على ص حتها ف أقر بكثرة إجرام السود ،غ ير أن الذين سلموا بزي ادة إجرام السود عن
غيرهم لم يتفقوا جميعا على اإلعتراف للساللة بالوحدانية في تفسير هذا اإلجرام .
أما الذين رفضوا داللة هذه اإلحصاءات فقد شككوا في قيمتها و في داللتها على
أن اإلج رام ل دى الس ود يف وق إج رام ال بيض في حجم ه ونوع ه .ومن ه ؤالء الب احث
األم ريكي " س يلين " ال ذي درس ه ذه اإلحص اءات دراس ة نقدي ة على ض وء ظ روف
المجتمع األمريكي و خلص في دراسته إلى أن ما إنتهت إليه مضلل و ال يمثل الحقيقة
في شيء.
و منهم كذلك " كليفورد شو " الذي أنكر تأثير األصل الذي ينتمي إليه السكان على
تك وين الشخص ية اإلجرامي ة ،و رد عوام ل تك وين ه ذه الشخص ية إلى س وء األح وال
و الظ روف اإلجتماعي ة ،و اإلقتص ادية ال تي يحياه ا أف راد جماع ة معين ة .إذ أن ه ذه
الظروف هي التي تمارس تأثيرها على تحديد معدالت اإلجرام (. )1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :حمدي رجب عطية ،المرجع السابق ،ص 125و ما يليها .
63
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و الواق ع أن ه ؤالء الب احثين على ص واب حين تش كيكهم في القيم ة العلمي ة ألس لوب
مالحظة اإلحصاءات الجنائية في الواليات المتحــدة األمريكية ،فمن المحتمل أال تكون
ه ذه اإلحص اءات تعب يرا ص ادقا على الحقيق ة و واق ع الحي اة في المجتم ع األم ريكي من
حيث توزيع نسبة اإلجرام الفعلي بين األغلبية واألقلية فيه .
و يرى بعض الباحثين ،بحق أن المجتمع األمريكي المعاصر متحيز ضد السود
بش كل واض ح و تح يزه ليس نوع ا من العنص رية ال تي تش اهد بين أف راد كث ير من
المجتمع ات ب ل أن ه س مة عام ة تم يز أجه زة الدول ة بم ا فيه ا أجه زة الش رطة و العدال ة
و تب دو مظ اهر ه ذا التح يز متع ددة ،و منه ا اإلس راف في إته ام الجنائي ة ذاته ا
الزنــوج و مي ل أجه زة الش رطة ن احيتهم كلم ا ارتكبت جريم ة ،مم ا يعرض هم للقبض
عليهم بم برر و دون م برر و منه ا ق درة ال بيض على إخف اء ج رائمهم و التخلص مم ا
مما يجعل الرقم األسود بالنسبة لجرائمهم أكبر بكثير منه يوجه إليهم من اتهامات
بالنسبة لجرائم السود ،الذين قلما يفلتون من قبضة الشرطة بل إن التحيز ق د وص ل إلى
داخل القضاء نفسه و يبدو أثر ذلك في زيادة نسبة األحكام الصادرة ضد السود باإلدانة
و في متوسط العقوبة التي يقضي بها على هؤالء .فقد لوحظ أن الحد األقصى للعقوبة
يكون غالبا من نصيب السود بينما الحد األدنى للمتهم األبيض اللون (. )1
و في ألمانيا يقرر بعض العلماء ،أن السلوك اإلجرامي في جماعة ما ليس سوى
نتاج لخصائص هذه الجماعة في زمان و مكان معينين ،و هي خصائص تحددها البيئ ة
التي تعيش فيها هذه الجماعة و قد استخلصوا من ذلك أن تباين الش عوب في خصائص ها
النفسية و العقلية يعد سببا يؤثر في إجرامها كما و نوعا .و قد فسر ذلك بأن كل س اللة
لها طبائع معينة تميزها و تعد بمثابة عامل يساعد على إجرام طائفة من أفرادها توافر
فيهم تكوين أو إستعداد إجرامي موروث عن اآلباء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص 130وما يليها .
64
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
وبه ذا فق د خلص العلم اء ،إلى أن الس اللة ال ت أثير له ا على اإلج رام الس ود أو
غيرهم
و أن إجرامهم ال يختلف عن إجرام غيرهم ،و يعني هذا أن الساللة ال أثر لها في حــد
ذاتها على اإلجرام ،لكن نفرا منهم داخل الواليات المتحدة األمريكية و خارجها يرون
أن لعام ل الجنس دورا في تحدي د إج رام طائف ة الس ود في الوالي ات المتح دة ،و أن
التحيز ضدهم ال يقوى بمفرده على تفسير زيادة نسبة إجرامهم عن غيرهم من السكان
و يقرر هؤالء أن التحيز يمثل حاالت فردية ال مغزى لها بالنظر إلى ضخامة حاالت
و أن هنالك مبالغة في أثر التحيز على إجرام السود . اإلجرام
وإ ذا ك ان ه ؤالء يس لمون أن الس ود أك ثر إجرام ا من ال بيض ،ف إنهم يختلف ون في
تفسير الظاهر و تحديد أسبابها فمنهم .من يعزو ذلك إلى أن السود أضعف من البيض
في مقاوم ة الن وازع اإلجرامي ة بحكم ط بيعتهم و يق ود منط ق ه ذا ال رأي إلى اإلع تراف
بأثر الساللة على معدل اإلجرام .و منهم من يرى أن إجرام السود يفسره كونهم أقلية
و أن األقليات بطبيعتها أكثر إجراما لشعورها بالضعف في مواجهة الغالبية من السكان
و يع زو البعض اآلخ ر ذل ك إلى أن م ا يعاني ه الس ود بس بب التفرق ة العنص رية ض دهم
من إحب اط نفس ي يول د حق دا على الغالبي ة يتجس د في ص ورة إرتك اب ج رائم ك رد فع ل
على هذا الظلم )1( .
و يرى البعض كذلك أن زيادة إجرام السود يفسرها كونهم أقل حظا من البيض في
المستوى اإلقتصادي و أسوأ منهم في أحوالهم الصحية و المعيشية و االجتماعية بوجه
ع ام ،و قي ل أيض ا ب أن زي ادة مع دل إج رام الس ود عن إج رام ال بيض ال ترج ع إال إلى
تش دد الس لطات العام ة م ع الس ود .مم ا ي ؤدي إلى ض بط ج رائمهم و إتخ اذ اإلج راءات
و ه و م ا يقل ل _ كم ا رأين ا _ حجم ال رقم األس ود بالنس بة لج رائمهم عن ض دهم
حجمه بالنسبة لجرائم البيض ،و هذا ما يكفي لتفسير الف ارق بين معدل إجرام هؤالء
و أولئك و منه ـ ـ ـ ـ ـ ــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1جدير بالذكر في هذا الصدد ،أن من أهم علماء اإلجرام القائلين بهذا الرأي هو العالم الشهير
" ليوطي " .لمزيد من التفصيل ،أنظر _ :حمدي رجب عطية ،المرجع السابق ،ص . 122
65
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
أخ يرا من ع زا إج رام الس ود الوالي ات المتح دة إلى عج زهم عن التكي ف م ع ظ روف
و مع ظروف الحياة اإلجتماعية في البالد ،و هي ظروف تختلف عليه عما المنـاخ
تعودوا عليه في األماكن التي قدموا منها .
و الواق ع من األم ر ،أن ارتف اع مع دل إج رام الس ود ال يمكن نس بته إلى ك ونهم
س اللة متم يزة بتك وين بيول وجي خ اص يجعلهم نزاع ون إلى اإلج رام أك ثر من غ يرهم،
فما هذا الزعم إال مظهر من مظاهر التفرقة العنصرية ضد السود في الواليات المتحدة
و في غيره ا من ال دول بص فة عام ة .إنم ا ال ذي ن راه أن ك ثرة إج رام خاص ة
السود مقارنة بإجرام غيرهم مردها إلى سوء الظروف اإلقتص ادية و اإلجتماعية التي
تحي ط بهم داخ ل الوالي ات المتح دة ،ذل ك أنهم محروم ون من ف رص الحي اة المالئم ة و
من اإلس هام الكام ل في كف ة مظ اهر الحي اة األمريكي ة مح اطون بك ل مظ اهر التمي يز
العنصري .
و إذا إختلفت ظ روف المعيش ة لفئ ة من المجتم ع عن ظ روف غيره ا من الفئ ات
إنهارت دعوى نسبة إجرامهم إلى عيب أو خلل في تكوينهم البيولوجي يقودهم حتم ا إلى
اإلجرام ،بل إن هذا الخلل في التكوين قد يعزى هو ذاته إلى الظروف المعيشية التي
أحاطت بنشأتهم و تطورهم .
و السود في الواليات المتحدة كما قيل سابقا ال يتساوون في ظروفهم المعيشية مع
ال بيض ،ب ل إن الب ؤس و التخل ف من نص يبهم و ح دهم و إن ك انت الظ روف المعيش ية
غير متماثلة .فإنه يكون من الظلم نسبة إجرام السود إلى إختالف ساللتهم عن غيرهم
من الس كان ،فض ال عم ا في ذل ك من خط أ علمي و حي اد عن الموض وعية في البحث
و الث ابت علمي ا أن تب اين الق درات ب إختالف األجن اس ه و زعم ال يس نده دلي ل علمي
وال يمكن التس ليم ب ه ( ، )1إال إذا تس اوت األجن اس كاف ة في ظ روف المعيش ة و ه و
أمـ ـ ـ ــر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( _ )1و في هذا الصدد يمكن القول ،أنه حتى و لو سلمنا بتزايد معدالت إجرام الزنوج أو السود
إال أنه ال يمكن التسليم بحجة إختالف الساللة بين السود و البيض ،حيث أنه ال يمكن إنكار النزعة
العنص رية و اإلض طهاد و ال رفض اإلجتم اعي ال ذي تع اني من ه س اللة الس ود ،ض ف إلى ذل ك ف إن
التحليل العلمي الموضوعي المجرد يستبعد تماما وجود صلة بين عامل الساللة و اإلجرام .
66
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
يس تحيل الوص ول إلي ه ،و إذا ك ان األم ر ك ذلك فإن ه يك ون من الخط أ علمي ا ع زل
السـ ـ ــود في الواليات المتحدة األمريكية عن ظروفهم المعيشية للبحث بعد ذلك عن م برر
لزيادة معدل إجرامهم عن معدالت غيرهم من السكان ،إذ لن يكون هناك سوى دعوى
اختالف ساللتهم لتحميلها بمسؤولية إفراطهم في اإلجرام.
خالصة ما تقدم ،أنه ال تعد الساللة من عوامل اإلجرام ألنها غريبة عن ظاهرة
اإلج رام كم ا و نوع ا ،و إذا ظه ر من التجرب ة العلمي ة أن قوم ا يزي د إج رامهم عن
غيرهم فال ينبغي البحث عن تفسير لتلك الزيادة في إعتبارات تتعلق باإلنتماء العرقي
إلى ساللة معينة و متميزة بخصائص توجه حتما سلوكها وجهة اإلجرام ،و إنما يتعين
النظ ر إلى ظ روف معيش ة ه ؤالء الق وم إذ هي ال تي تك ون شخص ياتهم و تتحكم في
نوازعهم و توجه سلوكهم ،فأصل الخلق جميعا ال يختلف مهما تفرقوا شعوبا و قبائل و
إنم ا ال ذي يختل ف و يتب اين ه و البيئ ة ال تي يحي ا فيه ا ك ل ش عب و الظ روف ال تي تحي ط
بأبناء كل قبيلة (. )1
و على كل حال فليس من العلم في شيء القطع بأن هناك سالالت أو أجناس تتميز
عن غيره ا في أن اإلج رام .ال وج ود ل ه بين أفراده ا فلك ل س اللة من ظ اهرة اإلج رام
نصيبا و إن اختلفت _ فرضا _ صورة اإلجرام بإختالف السالالت ،لكن ليست هناك
س الالت بأكمله ا مجرم ة كم ا أن ه ليس ت هن اك س الالت بأكمله ا غ ير مجرم ة على
اإلطالق.
و إذا صح فرضا أن اإلستعداد اإلجرامي يمكن أن يورث عن طريق اآلباء ،فإنه
ال يص ح ح تى مج رد إف تراض أن هن اك إس تعدادا إجرامي ا يمكن أن ي ورث عن طري ق
الساللة فظاهرة اإلجرام ليست صلة سببية ،بمعنى أن الساللة ال يمكن أن تكون هي
العامل الوحيد في اإلجرام األفراد الذين ينتمون إلى تلك الساللة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص 135وما يليها .
67
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
الفرع الخامس
التكوين اإلنساني و العلل
من ذ أق دم العص ور والن اس ترب ط بين هيئ ة اإلنس ان الخارجي ة و الجريم ة ،و
إعت بروا مالمح الوج ه و ش كل األعض اء الخارجي ة بمثاب ة أم ارات كاش فة عن مكن ون
و حقيقة الذات ،ففالسفة اإلغريق أمثال إيبوقـراط و سقـراط و أرسطو و النفس
أفالط ون إكتف وا نس بة الجريم ة إلى نفس ية ش اذة و مض طربة ،يرج ع ش ذوذها و
إضطرابها أساسا إلى عيوب أو تشوهات عضوية خلقية .
و منذ القرن الخامس قبل الميالد قام إيبوقراط بتصنيف الناس إلى نماذج و أنماط
مزاجية على أساس تكوينهم البدني و لم يتحلل علم اإلجرام من تلك النظرة ( ، )1بل
إن الب احثين في ه تلقفوه ا بطريق ة س طحية في بداي ة األم ر ثم بطريق ة علمي ة بع د ذل ك ،
السيما منذ أن خرج العالم اإليطالي لمبروزو إلى المأل بنموذجه البشري اإلجرامي و
قال بفكرة المجرم بالميالد أو بالتكوين مرجعا سلوكه اإلجرامي إلى تكوينه البدني الذي
ينفرد بخصائص جسدية تميزه عن غير المجرمين .
و المقصود بالتكوين اإلنساني ،تلك المميزات و الصفات الخلقية التي تتوافر في
الش خص من ذ والدت ه س واء تعلقت بأعض ائه أو بنفس ه ،و ق د ك انت هن اك من ذ الق دم
محاوالت عديدة لربط الصفات الجسدية بما تخفيه النفس البشرية من أسرار ،وهو ما
أخ ذه علم اء اإلج رام و ح اولوا إس قاطه على الظ اهرة اإلجرامي ة ،ثم ح اولوا ص قله في
ق الب علمي و ه و م ا ح دث م ع لم بروزو ،ول و أن ه من العس ير الرب ط بثق ة كب يرة بين
التكوين العضوي واإلجــرام ،ألن الدراسات العلمي ـ ــة حتى اآلن لم تج ـ ـ ــزم بقطعي ـ ــة تلـــك
ولو أنهــا ال يمكن أن تنفي الصلة تماما ،فهناك علماء في الطب مثال حاولوا الصلة
إثبات فكرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظرHerschl Prins , Criminal behavior An introduction to its , Stady and treatment , _ :
. New York , pitman publishing , 1973 , p 49
68
الفصـــــــل األول ..............................................................................اإلطـــــــار العـــــــام لعلم
اإلجرام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص ص . 164 _145
( )2أنظر _ :سيجموند فرويد ،مدخل إلى التحليل النفسي ،ترجمة جورج طرابلس ،دار الطليعة
ب يروت ، 1980 ،ط ، 1ص . 625و أنظ ر أيض ا _ :جالل ث روت ،الظ اهرة اإلجرامي ة
اإلسكندرية ، 1972 ،ص ص . 65_ 62
( )3أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص ص . 115_114
69
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :الس راج عب ود ،الوج يز في علم اإلج رام و العق اب ،الطبع ة ، 1جامع ة الك ويت
الكويت ، 1979 ،ص . 80
( )2أنظ ر _ :ن ور ال دين هن داوي ،مب ادئ علم العق اب ،دار النهض ة العربي ة ،الق اهرة 1989 ،
ص . 38
70
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و من ثمة تختلف األفعال المجرمة بإختالف الزمان و تغير المكان ،لذلـ ـ ـــك يك ـ ـــون من
العبث الكالم عن مج رم ب الميالد ،ألن ه ذا المج رم و وج وده يتن افى م ع نس بية فك رة
الجريم ة ،إذا ال يس وغ الق ول ب أن ص فات معين ة في ش خص م ا يمكن أن تدفع ه إلى
إرتكاب فعل قد يعد جريمة و قد ال يعد كذلك وفقا لظروف المجتمع ،اللهم إال إذا كان
لمبروزو يقص نظرته على الجرائم الطبيعية دون غيرها .
_ الوجه الثالث :
أن الخصائص التي حددها لمبروزو للمجرم بالميالد ليست بالضرورة وقفا عبيه
دون غيره و هي ليست من الشذوذ ،بحيث يستحيل توافرها عند غيره من الجرمين فقد
تتوافر لدى خيار الناس و رغم ما وجه من نقد لنظرية لمبروزو ،إال أنها كانت فاتحة
لسلسلة من األبحاث عن عالقة التكوين البدني بظاهرة اإلجرام .و هي أبحاث قام بها
علماء اإلجرام بعد لمبروزو بهدف تأييد نظريته أو ضحدها ،و كان من تأثير مدرسة
لمبروزو األنتروبولوجية أن إتجه فريق من علماء اإلجرام إلى محاولة تفسير الظاهرة
اإلجرامية باإلعتماد على الخصائص البدنية دون غيرها .
و ك ان من ه ؤالء ع الم اإلج رام اإلنجل يزي ،ج ورنج ،ال ذي ق ام بدراس ات لم دة
ثمانية أعوام بقصد إختبار نظرية لمبروزو ،شملت ثالثة آالف من المجرمين الخطرين
باإلض افة إلى ع دد كب ير من غ ير المج رمين ،منهم بعض طلب ة الجامع ات و الضبـاط
و الجن ود و ن زالء المستش فيات ،و العم ال ،و إهتم ج ورنج بقي اس مختل ف أعض اء
الجس م الس يما حجم الجمجم ة ،أو في ش كل األعض اء األخ رى و أن الص فات الخاص ة
التي م يز بها لم بروزو المجرم ب الميالد عن غيره تت وافر عند غ يره في ع دد كب ير من
و غ ير المج رمين على ح د س واء ( . )1وإ س تخلص من المقارن ة ال تي المج رمين
أجراها بين المجرمين و غيرهم ،أن تلك الصفات ال تبرر اإلجرام بالنسبة لطائفة من
األفراد إذ ال توجـ ـ ــد صلـ ـ ــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :حسين إبراهيم ص الح عبي د ،و رف اعي سيد سعد أبو حلب ة ،مقدم ة القانون الجنائي
مب ادئ علم اإلج رام و العق اب ،دار النهض ة العربي ة ،د.ب.ن ،د.ط ، 1998 ،ص ص _ 21
.23
71
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
م ا بينه ا وبين الظ اهرة اإلجرامي ة ،و من ثم ة انتهى إلى رفض نظري ة لم بروزو عن
المجرم بالميالد.
بي د أن ج ورنج إنتهى إلى وج ود ف روق أخ رى بين المج رمين و غ ير المج رمين
تتعلق بالحجم و الوزن ،و قرر لذلك أن الفرق بين المجرم و غير المجرم فيما يتعلق
ب التكوين الب دني ينحص ر في ال وزن و الحجم بص فة عام ة ،فق د ت بين ل ه من المقارن ات
التي أجراها أن المجرم يتميز عن الشخص العادي بضآلة جسمه و قلة وزنه ،إذ أنه
و أخ ف وزن ا و أق رب المج رمين إلى األف راد الع اديين في ال وزن و أق ل حجم ا
الحجم و ال وزن هم النص ابون ،فهؤالء ال يختلف ون كث يرا عن عامة الن اس ال من حيث
حجمهم و ال من حيث وزنهم ،و أبع د المج رمين عن عام ة الن اس في أوزانهم و
أحجامهم هم اللصوص فهؤالء هم أكثر المجرمين اختالفا عن األفراد الع اديين إذ أنهم
و زن ا ،و فيم ا بين ه اتين الط ائفتين يت درج المجرم ون في أك ثرهم ض آلة و أخفهم
الحجم و الوزن ،و فضال عن ذلك قرر جورنج أن متوسط الذكاء لدى المجرمين أقل
من ه ل دى غ ير المج رمين ،و يع ني ذل ك أن ج ورنج يع ني أن المج رمين يتم يزون عن
أو اإلنحطاط البدني و العقلي )1( . األشخاص العاديين بالدونية
و لم يقنع جورنج بتقرير هذه المالحظات كما فعل لمبروزو ،كما أنه لم يحاول
إثبات الصلة المباشرة بين النقص التكويني للشخص و بين اإلجرام ،بل أنه ق دم تفس يرا
لتأثير ذلك النقص في التصرف الشخصي لألفراد .
و مقتض ى ه ذا التفس ير أن العالق ة بين التك وين الب دني و بين الس لوك اإلج رامي
هي عالقة غير مباشرة ،فاألقوياء بدنا و عقال يشقون طريقهم في معركة الحياة بيسر
و نج اح ،و من ثم ة يوفق ون إلى العم ل المالئم ال ذي يكفي دخل ه للوف اء بحاج اتهم ،
فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر :يسر أنور علي ،و أمال عبد الرحيم عثمان ،الوجيز في علم اإلجرام و علم العقاب ،
دار النهضة العربية ،القاهرة ، 1980 ،ص .7
72
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
يفكرون في إرتكاب جرائم السرقة للحصول على المال ،كما أنهم أسوياء الخلقة يلقون
قب وال من الجنس اآلخ ر ييس ر لهم إختي ار ش ركائهم في الحي اة ،و يس هل لهم ال زواج
و تك وين أس رة فال يرتكب ون الج رائم األخالقي ة و ج رائم اإلعت داء على الع رض و
إس تقرارهم الم الي ال ذي يه يئ لهم س بل الحي اة الس وية ،يجنبهم ك ذلك ك ثرة اإلنفع ال و
يمكنهم من الس يطرة على إنفع الهم و غض بهم ،و في ه ذا م ا يكف ل لهم تجنب ج رائم
العن ف و يع ني ذل ك من وجه ة نظ ر ج ورنج أن األقوي اء ب دنا و عقال يكس بون معرك ة
الحي اة من أج ل العيش ب الطرق المش روعة فال يقع ون في ب راثن الجريم ة ،ال تي ي نزلق
إليها الضعفاء من الناس .
و من الدراس ات ال تي أج ريت الختب ار نظري ة لم بروزو م ا ق ام ب ه هوت ون ع الم
األنثروبولوجي ا األم ريكي ،ال ذي فحص أك ثر من س بعة عش ر ألف ا من المج رمين
المودعين في السجون و اإلصالحيات و غير المجرمين ،وحدد لكل واحد منهم 107
مقاس ا ان ثروبولوجي أو عض وي ،و من ه ذه الدراس ة أك د هوت ون وج ود إختالف بين
و غ يرهم من حيث مالمح الوج ه و من حيث ال وزن و الط ول .و بص فة المج رمين
عامة خلص إلى أن المجرمين أقل من غيرهم وزنا و حجما و تناس قا في الجسم ،و أن
ه ذه الص فات ال دنيا ق د ت وافرت فيهم بفع ل الوراث ة ( ، )1و أنه ا تم يز المج رمين فيم ا
بينهم بحيث ينقسمون إلى فئات و يتميز أفراد كل فئة بصفات معينة .
و قد فسر هوتون الصلة بين هذه الصفات الدنيا و اإلجرام ،مقررا أن من تتوافر
بهم هذه الصفات يعيشون في ظروف بيئية قاسية يعجزون لض عفهم عن مقاوم ة تأثيرها
و الصمود في مواجهتها فينزلقون إلى طريق الجريمة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :يسر أنور علي و أمال عبد الرحيم عثمان ،المرجع السابق ،ص ص . 77 _ 76
و أنظر _ :عمر السعيد رمض ان ،دروس في علم اإلج رام ،محاض رات ألقيت على طلب ة دبلوم
القانون الجنائي بكلية الحقوق ،جامعة القاهرة ، 1975_1974 ،ص . 22
73
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
المطلب الثاني
العوامل المكتسبة
و هناك من يطلق عليها تسمية العوامل الخارجية أو البيئية ،و هي بهذا الشكــل
تقابل العوامل الداخلية التي تؤدي باألفراد إلى إرتكاب الجريمة ،و متنوعة أيضا في
نظر العلماء المهتمين بأسباب الظواهر اإلجرامية .
و في هذا المطلب ،سنتناول الخمر و عالقتها باإلجرام من خالل الفرع األول ،
ثم المخ درات وعالقته ا ب اإلجرام من خالل الف رع الث اني ،و أخ يرا التعليم و عالقت ه
باإلجرام من خالل الفرع الثالث .
الفرع األول
الخمر و عالقتها باإلجرام
أقر علماء اإلجرام بوجود صلة بين الخمر و بين السلوك اإلجرامي ،خصوصا
إذا كان متناوله ذي سلوك إجرامي كامن ،ألن الخمر يجعل الفرد أكثر جرأة و إقداما
على ارتكاب الفعل اإلجرامي و لو كانت الكمية المتناولة قليلة )1( .
وق د يك ون ه ذا الت أثير على الس لوك اإلج رامي مباش را يمس الش خص مباش رة
و قد يكون غير مباشر فيمسه عبر الظروف االجتماعية القاسية التي تتولد عنه ،و هذا
من خالل ما يعتري الفرد من نقص في اإلدراك و التمييز و يوقظ فيه مطالبه الغريزية
و يقل ل الس يطرة على اإلرادة و ل و أن ه ليس ل ه نفس الت أثير على من يتناول ه ،و لكن
يزداد هذا التأثير و يظهر على من لديهم ميل و إستعداد إجرامي ،إذ يفقدون مع شرب
الخمر كل سيطرة على الدوافع التي تحرك لديهم هذا الميل فيندفعون بسهولة و بتأثير
كمية قليلة من الخمر إلى ارتكاب الجريمة (. )2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :محم د خل ف ،مب ادئ علم اإلج رام ،ال دار الجماهيري ة للنش ر و التوزي ع ،ليبي ا ،
الطيبعة ، 1965 4ص ص . 222 _ 221
( )2أنظ ر _ :حس نين ع زت ،المس كرات و المخ درات بين الش ريعة و الق انون ،دراس ة مقارن ة ،
الطبعة ، 1دون دار نشر ،مصر ، 1986 ،ص . 81
74
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الجواد محمد محمد ،الخمر و المخدرات في الشريعة اإلسالمية ،مجلة القانون
و اإلقتصاد ،العدد 4الشركة المتحدة للنشر و التوزيع ،القاهرة ، 1974 ،ص . 410
( )2أنظر _ :يسر أنور علي و أمال عبد الرحيم عثمان ،علم اإلجرام و علم العقاب ،دون نشر
دون طبعة ، 1970 ،ص . 223و أنظر أيضا _ :رمسيس بهنام ،الجريمة و المجرم في الواقع
الكوني ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،دون طبعة ، 1996 ،ص ص . 134 ، 123
75
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و إجرام السكارى له طبع خاص ،فأغلب جرائم السكر هي جرائم العنف و جرائم
اإلعت داء على الع رض و اإلهان ة و التش رد و ج رائم الحري ق ،و ال يخفى ألح د ت أثير
السكر على جرائم اإلهمال و على رأسها الجرائم المرورية .
و يالح ظ أن ت أثير الخم ر على األف راد يختل ف تبع ا إلختالف األف راد في تك وينهم
و تتض ح الخط ورة بالنس بة لمن ل ديهم مي ل إج رامي ،إذ ين دفعون إلى الج رائم بس هولة
رغم تناولهم كمية قليلة من الخمر (. )1
و تختلف الشعوب كذلك في درجة تأثرها بالخمر و في نوع هذا التأثر فنمها من
يغ الي في إس تهالك الخم ور دون أن ي ترجم ذل ك بزي ادة في حجم و ن وع الظ اهرة
اإلجرامية لديه .
و من الش عوب من يس تهلك الخم ور بكمي ات قليل ة و م ع ذل ك يك ون حظ ه من
اإلج رام كب يرا ،و من ال دول من حظ ر إس تهالك الخم ور تمام ا و لم يثبت أن إج رام
العنف قل فيها مقارنة بغيرها من الدول التي لم تقم بنفس الحظر .
و لكن ينبغي إدراك ،أن الخم ر ليس ت العام ل الوحي د لإلج رام عموم ا و إلج رام
العن ف على وج ه الخص وص ،و ه ذا م ا يفس ر إختالف العالق ة بين الخم ر و اإلج رام
ليس فقط بين األفراد و إنما بين الشعوب أيضا .
و تؤثر الخمر بطريق مباشر على إجرام شاربها ،السيما إذا وصل شاربها إلى
ح د اإلدم ان على الخم ور .ذل ك أن اإلدم ان على المس كرات ي ترتب علي ه في الغ الب
إص ابة الم دمن ببعض األم راض النفس ية والبدني ة و العقلي ة و ال تي ال تخفى ص لتها
بالس لوك اإلج رامي ،و ينف ق الم دمن ج زء كب يرا من دخل ه على الخم ر و ال يج د فيم ا
تبقى له من هذا الدخل ما يكفي لتلبية حاجاته األخرى و حاجات عائلته ،هذا إن كان
لديه دخال أصال خصوصا و أن الحاجات األسرية متنوعة و كثيرة خصوصا م ع وجود
األبن اء من مأك ل و مش رب و ملبس ،و مس تلزمات الدراس ة و الص حة و الحض انة و
حتى الترفي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :حسنين عزت ،مرجع سابق ،ص . 6
76
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :حمدي رجب عطية ،مرجع سابق ،ص . 170
( )2أنظر _ :دردوس مكي ،اإلدمان على الخمر و اإلدمان على المخدرات من العوامل المكتسبة
المؤدية إلى اإلجرام ،المجلة الجزائرية للعلوم القانونية و السياسية ،المجلد ، 32العدد ، 2كلية
الحقوق ،جامعة الجزائر 1بن يوسف بن خدة ، 06/15/1995 ،ص ص . 374 _ 346
77
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :حمدي رجب عطية ،مرجع سابق ،ص . 170
( )2أنظر _ :عوض محمد عوض ،مبادئ علم اإلجرام و علم العقاب ،المكتبة الوطنية ،بنغازي
ليبيا ،دون طبعة ، 1973 ،ص . 124
78
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و بهذا فعالقة الخمر باإلجرام عالقة سبب بمسبب ،فاإلجماع يكاد يكون منعقدا
على أن الخمر عامل من عوامل اإلجرام ،و تتميز جرائم المخمورين بط ابع مميز كما
أن له ا أثره ا في حجم و ن وع اإلج رام الع ام للمجتم ع ،و م ع ذل ك ال تحظ ر كث ير من
الدول إستهالك الخمور ألسباب اقتصادية بحتة (. )1
الفرع الثاني
المخدرات و عالقتها باإلجرام
لق د ذهب العلم اء ،إلى الق ول ب أن المخ درات هي ك ل م ادة ي ترتب على تناوله ا
إنه اك للجس م و ت أثير على العق ل ح تى تك اد ت ذهب ب ه ،و تك ون ع ادة اإلدم ان ال تي
تحرمهــا القوانين الوضعية و أشهر أنواعها الحشيش واألفيون والمورفين والهرويين و
و الق ات ،و يقس م العلم اء أنواعه ا من حيث مص درها إلى مخ درات الكوك ايين
تخليقي ة و تص نيعية و طبيعي ة و من حيث تأثيره ا إلى منبه ة و مس كنة و يس توي
أو الحقن أو الشم أو غير ذلك (. )2 تعاطيها عن طريق الفم
و مث ل الخم ر تعت بر المخ درات ذات ت أثير كب ير على الف رد في إرتكاب ه للج رائم ،
فق د ذهب العلم اء إلى أن اإلدم ان عليه ا يكس ب الف رد خصيص ة بيولوجي ة تنتق ل من
األص ول إلى الف روع عن طري ق الوراث ة فيميل ون ب دورهم إلى تع اطي المخ درات ال تي
تعت بر ع امال من عوام ل اإلج رام ،و من جه ة أخ رى أثبت العمالء عالق ة اإلدم ان
بإص ابة الج نين بتش وهات عقلي ة و عض لية و نفس ية ،ت أثر في ه مس تقبال و ق د ت ؤدي إلى
إرتكاب ه للج رائم ،ناهي ك عن الت أثر ب الظروف المعيش ية الس يئة ال تي يعيش فيه ا و ال تي
تزيد األمور سوء (. )3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص 192و ما يليها .
( )2أنظر _ :حسنين عزت ،مرجع سابق ،ص . 188
( )3أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص ص . 150_149
79
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فالمخ درات له ا خصوص ية كب يرة في ع الم الجريم ة ،و أهمي ة كب يرة و تلعب دورا هام ا في
اإلجرام إذ أنها تعد عامال من العوامل الدافعة إليه فعلى خالف الخمر ،الذي ال يعد إستهالكه أو
بيع ه جريم ة في غالبي ة ال دول ،غ ير أن تع اطي المخ درات و اإلتج ار به ا يع د من األفع ال ال تي
تجرمها التشريعات الجنائية .
80
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :رب اح غس ان ،الوج يز في قض ايا المخ درات و الم ؤثرات العقلي ة ،الطبع ة ، 1
منشورات الحلبي الحقوقية لبنان ، 2008 ،ص . 23
81
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
أما بالنسبة للتعريف العلمي ،فقد عرفت منظمة الصحة العالمية المخدرات بأنها :
" مادة إذا أدخلت الجسم الحي عدلت وظيفة أو أكثر من وظائفه " ،و في الفارمابيولوجيا
تعد العقاقير المخدرة و المواد النفسية ،من العقاقير ذات التأثير على الجهاز العصبي
المرك زي .و تع رف العق اقير المخ درة بأنه ا العق اقير ال تي تخف ف األلم و تح دث الن وم
و الس بات و تح دث إعتي ادا جس ميا و نفس يا .و ه و م ادة ت ؤثر على الجه از العص بي
المرك زي و يس بب تعاطيه ا ح دوث تغ يرات في وظ ائف المخ ،و تش مل ه ذه التغ يرات
تنش يط و إض طراب في مراك ز المخ و ت ؤثر على مراك ز ال ذاكرة و التفك ير و الترك يز
و اللمس و الشم و البصر و التذوق و السمع و اإلدراك و النطق (. )1
كما تعرف بأنها مواد طبيعية أو مص نعة ،تحت وي على عناص ر مخدرة ومسكنة
ومنبه ة أو مهلوس ة تس تخدم ع ادة لتحقي ق أغ راض طبي ة ،أم ا في حال ة اإلس تخدام
ألغراض أخرى فإنها تؤدي إلى التعود على تعاطيها أو اإلدمان عليها ،ما يؤثر سلبا
على صحة الفرد و المجتمع ماديا و معنويا و إجتماعيا و أمنيا .
ثالثا :تعريف المخدرات قانونا :
فالمخ درات هي ك ل الم واد والمركب ات ال تي تس بب اإلدم ان و تض ر باإلنس ان
و تختل ف قائم ة ه ذه الم واد بين دول ة و أخ رى ،ل ذا ال يوج د تعري ف دولي للمخ درات
كما أنه هناك من عرفها بأنها كل مادة يترتب عليها إنهاك جسم اإلنسان ،و تؤثر على
عقله حتى تكاد تذهب به و تكون عادة اإلدمان التي تحرمها القوانين الوضعية .
و ق د ج اء تعري ف المخ درات في الق انون )2( 18-04في الم ادة 2من ه أن ه :
يقصد في مفهوم هذا القانون بما يأتي " :المخدر كل مادة ،طبيعية كانت أم إصطناعية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1لمزيد من التفصيل أنظر _ :نشرة القضاة ،وزارة العدل ،العدد ، 1999 ، 55ص . 80
( )2لمزي د من التفص يل أنظ ر _ :ق انون رقم ، 04/18الم ؤرخ في ، 25/12/2004المتعل ق
بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع اإلستعمال و اإلتجار غير المشروعين بها .
82
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
من الم واد ال واردة في الج دولين األول و الث اني من االتفاقي ة الوحي دة للمخ درات لس نة
1961بصيغتها المعدلة بموجب بروتوكول . " ...1972
و يالح ظ أن المش رع الجزائ ري من خالل نص ه ذه الم ادة ،لم يع رف المخ درات
تعريف ا ش امال و إنم ا ح اول تبينه ا على س بيل الحص ر ،و أج از في نفس ه ذا الق انون
إجراء التعديالت بقرار وزاري استنادا إلى التفويض التشريعي للوزير المختص .
كما أن غالب التشريعات على إختالف توجهاتها لم تعتمد على تعريف موضوعي
مح دد للمخ درات ،و إنم ا اعتم دت على اإلش ارة إلى ك ل م ا ه و مح دد في اإلتفاقي ة
الوحيدة للمخدرات لسنة 1961بصيغتها المعدلة بموجب بروتوكول . 1972
كم ا إهتمت التش ريعات الدولي ة بج رائم المخ درات ،و ح اولت تعريفه ا في ع دة
مناسبات و قد عرفتها االتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة ، 1961و تلك اإلتفاقية المعدل ة
ببروتوكول 1972في المادة /1ي التي نصت على أن " :المخدر هو كل مادة طبيعية
أو تركيبية من المواد المدرجة في الجدولين األول و الثاني ،و في المادة /1ش نصت
االتفاقي ة على أن ه " :يقص د بتع ابير( الج دول األول ) و( الج دول الث اني ) و( الج دول
و ( الج دول الراب ع ) ،ق وائم المخ درات و المستحض رات ال تي تحم ل الث الث)
ه ذه األرق ام و المرفق ة به ذه اإلتفاقي ة بص يغتها المعدل ة من حين إلى آخ ر وفق ا ألحك ام
المادة . )1( " 3
كم ا عرفته ا إتفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات
و المؤثرات العقلية لسنة ، 1988في المادة /1ن بنصها " يقصد بتعبير المخدر أية
م ادة طبيعي ة ك انت أو إص طناعية من الم واد المخ درة المدرج ة في الج دول األول و
الث اني من اإلتفاقي ة الوحي دة للمخ درات لس نة ، 1961و من تل ك اإلتفاقي ة بص يغتها
المعدلة ببروتوكول سنة ، 1972المعدل لالتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة )2( 1961
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1لمزيد من التفصيل أنظر _ :اإلتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة ، 1961مطبوعات األمم المتحدة
نيويورك .1979
( )2لمزي د من التفص يل أنظ ر _ :إتفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات
و المؤثرات العقلية مطبوعات األمم المتحدة ،نيويورك . 1991 ،
83
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
أما اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية
لس نة ، 1994فق د ع رفت المخ در في الم ادة 1/17بأن ه " :أي ة م ادة طبيعي ة ك انت
أو مص نعة ،من الم واد المدرج ة في القس م األول من الج دول الموح د " ،و في الم ادة
1/8ع رفت الج دول الموح د بأن ه " :الج دول الع ربي الموح د للمخ درات و الم ؤثرات
و الم أخوذ من اتفاقي ات األمم المتح دة و تع ديالتها " ( . )1و ق د أق رت العقلي ة
اإلتفاقية الوحيدة للمخدرات المعدلة مجموعة من المبادئ القانونية الدولية أهمها :
_ تحريم إنتاج المخدرات و قصر إنتاجها على األغراض الطبية و العلمية .
_ حظر زراعة المخدرات إال بموجب ترخيص من الجهات المختصة .
_ صناعة المخدرات لألغراض الطبية و العلمية .
_ االتجار بالمخدرات و توزيعها لألغراض العلمية و الطبية .
_ حيازة المخدرات لألغراض الطبية و العلمية .
_ إل زام ال دول األط راف بتق دير الكمي ات الالزم ة من المخ درات لألغ راض الطبي ة
والعلمية.
_ وضعت أسس التعاون الدولي و المحلي في مجال مكافحة اإلتجار غير المشروع .
_ أوص ت اإلتفاقي ة ال دول األط راف بإص دار التش ريعات الص ارمة و تش ديد العقوب ات
على جرائم المخدرات (. )2
كم ا ب رزت فك رة الم ؤثرات العقلي ة إلى الوج ود بع د التط ور الهائ ل و الس عي إلى
الحصول على مخدرات ذات تأثير عال من خالل تصنيعها ،و قد س اهم المجال العلمي
و الط بي في تطوره ا وظهوره ا إلى الوج ود و الم ؤثرات العقلي ة هي " :كناي ة عن
م واد ي ؤدي تناوله ا من قب ل الك ائن الحي إنس ان أو حي وان بجرع ات غ ير مدروس ة
( كبيـــرة ) إلى الت أثير على نش اط خالي اه العص بية وخاص ة الخالي ا النخاعي ة ،بحيث
يتسبب في خلل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1لمزي د من التفص يل أنظ ر _ :اإلتفاقي ة العربي ة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات
و المؤثرات العقلية لسنة ، 1988مطبوعات األمم المتحدة ،نيويورك . 1991 ،
( )2أنظر _ :رباح غسان ،المرجع السابق ،ص 31وما يليها .
84
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
يص يب عمل تل ك الخالي ا ،وغالبا ما ت ؤدي إلى مض اعفات على المس توى النفسي كما
له ا ت أثيرات مختلفة منها ما ي ؤدي تناوله ا إلى تنشيط عم ل بعض الخالي ا الجسدية ،و
منها ما له تأثيرات تخميدية أو تثبيط و قد يتسبب بعضها بالهلوسة و تصور األمور
على غير حقيقتها ،أي تصور الواقع على خالف ما هو عليه في حقيقة األمر (. )1
و قد أورد المشرع الجزائري تعريف المؤثرات العقلية إلى جانب التعريف السابق
للمخ درات في الم ادة 2من الق انون 18_04الس ابق ذك ره وال ذي ج اء فيه ا "...
المؤثرات العقلية ،كل مادة طبيعية كانت أو إصطناعية ،أو كل منتوج طبيعي مدرج
في الج دول األول أو الث اني ،أو الث الث أو الراب ع من إتفاقي ة الم ؤثرات العقلي ة لس نة
. " 1971
كم ا ع رفت إتفاقي ة الم ؤثرات العقلي ة لس نة ، 1971في الم ادة /1هـ بنص ها على
أنه " :يقصد بتعبير المؤثرات العقلية كل المواد سواء كانت طبيعيو أو تركيبية ،و كل
المنتج ات الطبيعي ة المدرج ة في الج داول األول أو الث اني أو الث الث أو الراب ع " ،و في
الم ادة /1ز نص ت اإلتفاقي ة على أن ه " :يقص د بعب ارات (الج دول األول) و (الج دول
الثاني) و (الجدول الثالث) و (الجدول الرابع) ،قوائم المؤثرات العقلية التي تحمل هذه
األرقام و المرفقة باإلتفاقية الحالية بصيغتها المعدلة وفقا للمادة . )2( " 2
كم ا عرفته ا إتفاقي ة األمم المتح دة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات و
الم ؤثرات العقلي ة لس نة ، 1988في الم ادة /1ص ،بنص ها " يقص د بتعب ير (الم ؤثرات
العقلية) أية مادة طبيعية كانت أو اصطناعية ،أو أية منتجات طبيعية مدرجة الجدول
األول و الثاني و الثالث و الرابع من اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971م " (. )3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :مشموشي عادل ،المخدرات ،ماهيتها ،مخاطرها ،مكافحتها ،الطبعة ، 1دون دار
نشر ،لبنان 2014،ص . 26
( )2لمزي د من التفص يل أنظ ر _ :إتفاقي ة الم ؤثرات العقلي ة لس نة ، 1971مطبوع ات األمم المتح دة
نيويورك . 1979 ،
( )3أنظر _ :إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة اإلتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية
لسنة ، 1988مطبوعات األمم المتحدة ،نيويورك . 1991 ،
85
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
أما اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات لسنة
، 1994فق د ع رفت الم ؤثرات العقلي ة في الم ادة 1/20بنص ها على أن " :الم ؤثرات
العقلية ،أية مادة طبيعية كانت أو مصنعة أو أية منتجات طبيعية مدرجة بالقسم الثاني
من الجدول الموحد " (. )1
و يجب اإلشارة ،إلى أن عوامل إنتشار جرائم المخدرات كثيرة و مختلفة انطالقا
من الزاوية التي ينظر منها ،إلى هذه العوامل و لها نتائج وخيمة على الصعيد الفردي
و اإلجتماعي و المادي و المعنوي و اإلقتصادي و األمني .
أم ا بالنس بة للمخدر ،فنج د أن ه العام ل األول في حال ة اإلدم ان و إس تعماله يخض ع
لعوامل عديدة فتوفر المادة المخدرة و سهولة الحصول عليها ،بجعل سعره في متناول
الكث يرين و ل و ك انوا فق راء أو من ذوي ال دخل المح دود ،يجع ل روجه ا كب يرا و تش يع
حاالت و فرص إستعماله و من ثمة اإلدمان عليه ،و أما بالنسبة لطريقة تعاطيه فيتسم
بالس هولة و اليس ر حيث يتم تعاطي ه عن ط رق الفم أو الش م و ه و الغ الب ،وك ذلك عن
طري ق الحقن فهي أيض ا تعت بر وس يلة س هلة إلمكاني ة أن يطبقه ا الم دمن على نفس ه و
يحقن المخدر داخل جسمه .
و بالنسبة للمجتمع فنجد أنه ال ينظر للمادة المخدرة على أنها محرمة مثل الخمر
فه و مثال ينظ ر إليه ا بكث ير من التس امح و العف و .و أم ا بالنس بة لخ واص المخ در
الكميائية فنجد أنه قد ثبت علميا أن لكل مخدر خواصه و تأثيراته المختلفة على اإلنس ان
ك ذلك ثبت أن أي ش خص ،بع د أن يس تخدم أنواع ا مختلف ة من المخ درات فإن ه ال يلبث
أن يفضل صنفا منها و يدمن عليها .
و أم ا بالنس بة لإلنس ان فه و من يتفاع ل بجس مه و نفس ه بإس تمرار م ع م ا ي دور
و يحيط به ،و هذا التفاعل قد يؤثر فيه داخليا و قد يطغى الجانب النفسي على الجسدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1لمزي د من التفص يل أنظ ر _ :اإلتفاقي ة العربي ة لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات
و المؤثرات العقلية ،لسنة ، 1994مطبوعات جامعة الدول العربية .
86
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
أو العكس أو ي ؤثران كليهم ا في بعض هما ،و العوام ل الجس مية تنحص ر في العوام ل
المكتسبة و األخطاء الطبية و العالجية و كذلك ما يسمى بالناقالت العصبية .
و تلعب العوام ل النفس ية دورا في التع اطي و اإلدم ان و تخفيض الت وتر و القل ق
و تحقي ق اإلس تقاللية و اإلحس اس بال ذات ،و حب اإلس تطالع و مأل الف راغ و الخ روج
عن القوالب التقليدية للحياة أي حب المغامرة ،و هناك من يضيفون دوافع أخرى مثل
الرغبة في التجربة و الهروب من المشاكل و اإلحساس باإلغتراب...
أم ا بالنس بة للمجتم ع فمش كلة تع اطي المخ درات و اإلدم ان عليه ا مث ل غيره ا من
المش كالت اإلجتماعي ة وراءه ا عوام ل إجتماعي ة عدي دة ،تتب اين من مجتم ع إلى آخ ر
ب ل و من ف رد إلى آخ ر .و منه ا العالق ات األس رية كتع اطي األب وين أو أح دهما
و ت أثير جماع ات األص دقاء والس لوك المنح رف للش خص ،والت دخين و للمخ درات
شرب الخمر .....
إلى جانب كل هذا هناك أسباب أخرى منها :اإلقتصادية و أخرى سياسية ،التي تؤثر
بصفة غير مباشرة على التعاطي،كالفقر و تدني المستوى المعيشي و البطالة...
كم ا أن تع اطي المخ درات ،ب أي ش كل من األش كال و إس تعمالها ب أي طري ق من
الط رق غ ير المش روعة من التص نيع و التج ارة و الزراع ة و غ يرهم ،ل ه آث ار وخيم ة
على شتى األصعدة .فالمخدرات بأنواعها المختلفة ،تؤثر على جسم اإلنسان وأجهزته
العصبي و الهضمية و التناسلية و جهازه البولي و التنفسي و جهاز الدورة الدموية...
و يؤدي تكرار إستخدام الهروين و المورفين مثال إلى ضمور الدماغ و حدوث حاالت
و نوبات الهيجان مع تكرار حدوث حاالت نقص األكسجين ،مما يؤثر في الجنون
تغدي ة ال دماغ فيفق د ذاك رت و تبل د عواطف ه و مقدرت ه العقلي ة ت دريجيا ح تى يص ل إلى
الخلل العقلي التام و الجنون إلى جانب الشلل و نوبات اإلغماء التي قد تكون طويلة و
عميق ة بحيث يت وفى الش خص أثناءه ا ،كم ا نج د أن متع اطي الحش يش يش عر بإنع دام
وجوده و أن الشخص المخدر يتهيأ لديه أنه شخصا غير الذي هو عليه. )1( ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :مجلة بونة ،أثر الحشيش على اإلنسان ،العدد ، 11جويلية ، 2004 ،ص . 4
87
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
أم ا آثاره ا على الجه از الهض مي ،ف إن تع اطي األفي ون و مش تقاته مثال بواس طة
الفم يؤدي إلى التهاب المنطقة الفمية ،و التقيؤ خاصة عند اإلستعمال عند المرة األولى
و تقل الشهية للطعام بسبب تقلصات المعدة و األمعاء أو اإلمساك الشديد .
أم ا الت دخين فه و يزي د في الش هية في الطع ام ألول م رة ،ثم بع د ذل ك ي ؤدي إلى
نقص ان ح امض المع دة و من ثم ة ي ؤدي إلى الته اب المع دة و األمع اء فيهم ل الم دمن
طعامه ما يؤدي إلى نقصان وزنه ،و قلة مقاومته لمختلف األمراض .
أما آثارها على الجهاز البولي و التناسلي ،فيؤدي إستخدام المورفين مثال و كذلك
اله رويين إلى إحتق ان المثان ة و ع دم الق درة على التب ول و اإلحس اس ب اإلمتالء الس ريع
مع الرغبة في التبول و مع هذا ال يستطيع الشخص التبول بسهولة ...و كذلك العجز
الجنس ي ،و ق د أثبت الطب أن الكث ير من التش وهات الخلقي ة ال تي تح دث للج نين س ببها
المباشر إستهالك المخدرات .
أم ا آثاره ا على جه ازي ال دورة الدموي ة و التنفس ،فتن اول كمي ة مح ددة من
المخدرات كاألفيون و مشتقاته يؤثر على جهاز الدورة الدموية فالقلب يصاب بالسكتة
القلبية .كما يحدث إضطرابا في الجهاز التنفسي و توقف التنفس فجأة ،السيما بسبب
تن اول الم ورفين و اله رويين ،الل تين ت ؤثران على مراك ز التنفس كلي ا مم ا ي ؤدي إلى
الموت المحقق (. )1
و ك ذلك من الت أثيرات النفس ية و العقلي ة ،أن الم دمن يك ون في حال ة ألم ش ديد
و تهيج عنيف ،قد يصرخ في خوف و فزع ،و قد يضحك أو يبكي بطريقة هستيرية
كما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :محمد عبد الرحمان ،دراسات في علم النفس اإلجتماعي ،دون طبعة ،دار المعرفة
العربية 1990 ،ص . 441
88
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
تص بح ذاكرت ه ض عيفة ج دا لدرج ة أن ه ينس ى األح داث القريب ة ،و يعج ز عن إتخ اذ
القرارات في األمور البسيطة ...و قد يموت في إحدى النوبات (. )1
كما قد نجد أن بعض النساء يبعن شرفهن ،إذ يمتهن الدعارة في سبيل الحصول
على األموال لشراء المواد المخدرة كل ذلك بسبب الفراغ و انعدام الوازع الديني .
كم ا ت ؤثر المخ درات على المجتم ع بك ل تركيبات ه و مكونات ه ،فتتجس د اآلث ار
اإلقتص ادية مثال في ك ل م ا تنفق ه الدول ة رس ميا في س بيل مكافح ة ك ل م ا من ش أنه
أن يعم ل على ت وافر ه ذه الم واد غ ير المش روعة في الس وق ،و ين درج في ه ذا ج زء
كب ير من ميزاني ة وزارة الداخلي ة و ه و م ا يش مل ميزاني ة اإلدارة العام ة لمكافح ة
و ج زء من ميزاني ة األمن العم ومي ،و الج زء المماث ل من ميزاني ة المخ درات
و ك ذلك وزارة ال دفاع ،و من خالله ا يق وم ح راس الح دود و مص لحة الس جون
و في المقاب ل نج د وزارة الع دل ال تي تس اهم بق در من الس واحل بمكافح ة الته ريب
ميزانيتها في تغطية أشغال آليات إهتمام السلطة القضائية بقضايا المخدرات ،و كذلك
و اإلجتماعية التي تقدم العالج فيما يخص التع اطي مجموع الخدمات الطبية و التقنية
و اإلدمان .
أما اآلثار البشرية ،فتناول المواد المهلوسة و التغيير الذي تحدثه لها تأثير على
ح وادث الم رور ،كم ا أن الخل ط بين المخ درات يض اعف من ش دة التس مم و ي ؤدي إلى
الزيادة في هذه الحوادث .
و في إشارة إلى المشرع الجزائري ،نجد أنه قد حاول تصنيف أنواع المخدرات
المحظ ور إس تعمالها ب أي ش كل من األش كال على ت راب الدول ة الجزائري ة في الق انون
رق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم
، )2( 04-18و ذل ك تماش يا م ع التط ورات الحاص لة على الص عيد ال دولي و جمل ة
اإلتفاقيات التي صادقت عليها هته األخيرة .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ
( )1أنظر _ :محمد عبد الرحمان ،المرجع السابق ،ص . 441
( )2أنظر _ :قانون رقم ، 18_04المؤرخ في ، 25/12/2004المرجع السابق .
89
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و تتسم المخدرات بأنواعها المتعددة و تجددها ،و كذلك تتعدد أصنافها في
الن ـ ـ ـ ـ ـ ــوع الواحد من حيث نقائها و شكلها و طبيعتها المادية و كذلك تركيبتها الكميائية ،
و كل هذا يساهم في تأثيرها على من يتعاطاها بأي شكل من األشكال و يساهم كل هذا
أيضا في مدى رواجها و ثمنها و كذلك كل أشكال التعامل بها .
وفي غي اب تص نيف موح د نج د أن ه تم اللج وء إلى تص نيفات متع ددة ،فهن اك من
ص نفها وفق ا لحالته ا الفيزيائي ة ،بين مخ درات ص لبة و س ائلة و غازي ة ،و منهم من
صنفها وفقا لطريقة إنتاجها بين مخدرات طبيعية و مخدرات مصنعة و مخدرات مركب ة
،و منهم من ص نفها وفق ا لطبيع ة منش أها الم ادي إلى مخ درات نباتي ة و مخ درات
كيميائي ة و مخ درات مختلط ة ،و منهم من ص نفها وفق ا لتأثيره ا الف يزيولوجي على
و منش طة و محبط ة و مهلوس ة و منبه ة ،و منهم من المتع اطي إلى مخ درة
إلى مخ درات موجه ة لالس تعمال الط بي و مخ درات ص نفها وفق ا لوجه ة إس تعمالها
أما النصوص الدولية فقد إعتمدت على مرتكزات غير صالحة لإلستعمال الطبي
اإلس تعمال المش روع و خط ورة الم ادة في ح ال إس اءة إس تعمالها ( ، )1و لكن التقس يم
المتفق عليه في كل دول العالم هو تصنيف المخدرات إلى مخدرات طبيعية و تصنيعية
و تخليقي ة ( . )2و بالنس بة لتص نيف المخ درات بحس ب طريق ة ص نعها و أص لها .فهي
تتفرع إلى ثالث مجموعات أساسية منها المخدرات الطبيعية و الصناعية و التخليقية .
أم ا المخ درات الطبيعي ة هي مجموع ة الم واد ال تي يتم الحص ول عليه ا من الطبيع ة
دون أي تع ديل ص ناعي عليه ا ( ، )3وتحت وي المخ درات الطبيعي ة أوراقه ا على الم ادة
المخـ ـ ـ ـ ــدرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :مشموشي عادل ،المرجع السابق ،ص . 32
( )2أنظر _ :بوسقيعة أحسن ،الوجيز في القانون الجزائي الخاص ،الجزء ، 1الطبعة ، 12دار
هومة ،الجزائر ، 2010ص . 458
( )3أنظر _ :الدريبي عبد العالي ،اإلتجار غير المشروع بالمخدرات ،الطبعة ، 1المركز القومي
لإلصدارات القانونية ،القاهرة ، 2016 ،ص. 28
90
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
الفعال ة وتض م ك ل من القنب الهن دي ونب ات الخش خاش (األفي ون) ونب ات الق ات ونب ات
الكوكا ،وهناك من يقول أن المخدرات الطبيعية هي المخدرات المستخرجة من نباتات
طبيعي ة مباش رة منه ا الماريخوان ا والحش يش وزيت الحش يش والق ات واألفي ون (، )1
وهي على أن واع :نبات ات وج دت بالطبيع ة مث ل م ادة األفي ون ال تي تس تخرج من
ثمرالخش خاش والحش يش ال ذي يتم الحص ول علي ه من نب ات القنب الهن دي.الق ات ،وه و
تمض غ أوراق ه وتمص بطريق ة التخ زين خالل س اعات داخ ل الفم الكوك ا ،وه و نب ات
شبيه بالقات والتبغ والشاي والبن كمواد منبهة مثل الكافيين ومواد منبهة أخرى (. )2
أم ا المخ درات الص ناعية ،و تش تمل على جمل ة النبات ات ال تي يتم إس تخراجها
ص ناعيا من النبات ات الطبيعي ة من خالل إج راء عملي ات كميائي ة ،تجعله ا في ص ورة
أخ رى تختل ف كث يرا أو قليال عن ص ورتها الحقيقي ة .و من أهم ه ذه الم واد مش تقات
األفيون كالمورفين و الهروين و الكودابيين ،كما يستخرج الكوكايين من نبات الكوكا
و تنتش ر م واد مهلوس ة كث يرة مس تخرجة من نبات ات طبيعي ة مث ل الميس كالين و
البسيلوسيين التي يتم تحضيرها من النباتات (. )3
و أما بالنسبة لمجموعة المواد المخدرة التخليقية ،فيقصد بها مجموعة المواد التي
ت ؤثر في الجس م الحي ت أثير المخ درات نفس ه و لكنه ا ص نعت من مركب ات كميائي ة ال
تع ود في أص لها إلى مخ درات طبيعي ة وأهم ه ذه الم واد هي المه دئات والمنش طات و
المهلوسات ()4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :مشموشي عادل ،المرجع السابق ،ص . 34
( )2أنظر _ :الدريبي عبد العالي ،المرجع السابق ،ص . 28
( )3أنظر _ :الدريبي عبد العالي ،المرجع نفسه ،ص . 28
( )4وقد تم من جهة أخرى تصنيف المخدرات حسب حجمها ودرجة خطورتها إلى كبرىو صغرى
األولى هي المخ درات التقليدي ة الخط يرة ج دا مث ل الخش خاش ومش تقاته والحش يش ومش تقاته و
الكوكايين و مشتقاته ،والثانية هي األقل ضررا وتتمثل في بعض من العقاقير الصغيرة الحجم ذات
اإلستعمال الطبي منها الكحول والتبغ والكافيين والقات والمهدئات والمقويات والمواد المهلوسة.
91
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
أم ا تص نيف المخ درات بحس ب فعاليته ا ،ففي ه ذه الحال ة يتم تص نيف المخ درات
إلى أربع ة أن واع أساس ية هي :المس كنات ،و تس تخدم في األص ل لألغ راض الطبيــة
لتهدئ ة التهيج ات العص بية و اآلالم ال تي يع اني منه ا المرض ى بش كل ع ام .غ ير أن
تعاطيها من قبل األصحاء يجعلهم يعتادون عليها و يصبح استقرارهم الطبيعي و هدوء
أعص ابهم مش روط بالتع اطي مم ا يخ رج النفس عن طبيعته ا و يجعله ا أس يرة ه ذه
أما المهدئات فهي تستخدم في األصل أيضا لألغراض الطبية و لكنه ا المسكنات
مخصصة لألشخاص المصابين بالصرع و لألشخاص المصابين باألرق ،أما في حال
إستخدامها بين األصحاء فتؤدي إلى جعل هدوئهم و إستقرارهم مرتبطا بتعاطيها و في
ح ال ع دم التع اطي تض طرب الشخص ية وتب دوا على المتع اطين عالم ات اإلص ابة
بالص رع أو األرق وغيره ا .وبالنس بة للمنش طات فهي من ت ؤدي وظ ائف مختلف ة عن
المجموع تين الس ابقتين ذل ك أنه ا تعم ل على تنش يط ال دورة الدموي ة و تقل ل اإلحس اس
ب التعب و الجه د اإلض افيين و غالب ا م ا ي ؤدي تعاطيه ا دون إش راف الط بيب إلى جع ل
الفرد يشعر بالتعب و األرق عند الحدود الدنيا من بدل الجهد إذا لم يتعاطاها مجددا ،
كما أن كثرة التعاطي تفقد الجسم الكثير من طاقاته لممارسة الجهد دون مسوغ في كث ير
من األحي ان ،و بالنس بة للمهلوس ات فهي أيض ا من المخ درات الخط يرة على الص حة
العام ة بالنس بة لمتعاطيه ا فتس بب ل ه الهلوس ة والهس تيريا ،و تدفع ه إلى الخي ال و تبع ده
عن الواق ع فيتخي ل المتع اطي أن ه ط ائر يط ير في الس ماء أو ي رى نفس ه عظيم ا من
العظماء أو إحدى فلتات زمانه (. )1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :ال دريبي عب د الع الي ،المرج ع الس ابق ،ص . 28و أنظ ر أيض ا _ بوس قيعة أحس ن
المرجع السابق ،ص . 458وبخصوص أحدث تصنيف للمواد المخدرة بحسب خضوعها للرقابة
الدولية فهي :مشتقات األفيون الطبيعية و الصناعية مثل األفيون والمورفين والكودايين و الهرويين
=
92
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= و مش تقات األفي ون اإلص طناعية البيثي دين و القنب ( الحش يش ) ،مث ل عص ارة القنب و راتنج
القنب و أوراق الكوك ا و الكوك ايين ،والمنبه ات واألمفيتامين ات والمس كنات والباكالب اربيتورك و
الميثكالون .
93
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :بودالي إبراهيم ،جرائم المخدرات في القانون الجزائري ،مجلة المحامين ،عدد 1
مجلس قضاء سيدي بلعباس ، 2003 ،ص . 21
( )2والذي عدل عدة مرات أهمها القانون رقم 90/17المؤرخ في ، 31/07/1990القانون رقم
98/09المؤرخ في .19/08/1989
94
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
85-05الم ؤرخ في 16/02/1985المتعل ق بالص حة و حماي ة األس رة ،ال ذي
خصص ت ل ه 20م ادة من ه 190إلى 259لمعالج ة ظ اهرة المخ درات و الم ؤثرات
العقلية ،و كذلك التصدي للمعالجة الطبية لم يحقق النتائج المنتظرة ،و على إثرها قام
المشرع الجزائري بإصدار قانون جديد تحت رقم 18-04بتاريخ ، 25/12/2004و
و الم ؤثرات العقلي ة و االتج ار غ ير المش روع به ا ،المتض من المتعل ق بالمخ درات
لنصوص تتماشى مع االتفاقيات الدولية في مجال مكافحة المخدرات (. )1
أم ا مرحل ة م ا بع د ق انون ، 18-04فبم وجب الق انون ، 18-04ح اول المش رع
الجزائري إستدراك النقائص الموجودة في القانون السابق ،و ذلك بإفراد قانون خاص
للمخ درات بعي دا عن ق انون الص حة .حيث تع رض في ه بص ورة واض حة للتج ريم و
العق اب و المتابع ة و ق ام بتحدي د النص وص تحدي دا واض حا قص د التعم ق في جريم ة
و محاص رتها من الج انب الق انوني و القض ائي ،كم ا إستص در عقوب ات المخ درات
رادع ة تتماش ى م ع تزاي د الخط ر ال ذي يه دد المجتم ع و تع رض إلى أن واع المخ درات
والتمي يز بينه ا و تط رق إلى تل ك الص ور المس تجدة ،ك الجرائم المتعلق ة بالمخ درات و
أو الضالعين فيها شخصا معنويا ،و قد حاول الجمع فيه التي يكون أحد مرتكبيها
هذا القانون بين الجانبين العقابي و اإلصالحي و وفقا لما التزم به من اتفاقيات دولية و
ما يتماشى مع خصوصية المجتمع الجزائري (. )2
و تعت بر اإلتفاقي ات أح د أهم وس ائل مكافح ة الج رائم ،و من بين أهم اإلتفاقي ات
ال تي تعت بر الجزائ ر طرف ا فيه ا ،نج د على س بيل المث ال اإلتفاقي ة الجزائري ة اإليطالي ة
لسنـ ـ ـ ــة 1999و كذلك اإلتفاقية الجزائرية الفرنسية لسنة ، 2003فاألولى التي إنعقدت
بت اريخ ، 22/11/1999بموجبه ا أب رمت حكوم تي الجزائ ر و إيطالي ا إتفاقي ة تع ـ ـــاون
فـ ــي مج ـ ـ ـ ــال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :بودالي إبراهيم ،المرجع السابق ،ص . 21
( )2أنظر _ :بودالي إبراهيم ،المرجع نفسه ،ص . 25
95
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
مكافح ة اإلره اب واإلج رام المنظم واإلتج ار غ ير المش روع بالمخ درات و الم ؤثرات
العقلي ة و ق د تض منت اإلتفاقي ة ع دة ت دابير ،تتمث ل في تب ادل المعلوم ات في مج ال
مكافحة االتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية ،و من أهدافها تبادل المعلومـات عن ك ل
م ا يتعل ق باإلنت اج و اإلتج ار غ ير المش روع في المخ درات و الم ؤثرات العقلي ة طبق ا
لالتفاقيات التي انظم إليها كال الطرفين .
كم ا نج د أيض ا اإلتفاقي ة الجزائري ة الفرنس ية لس نة ، 2003حيث أب رمت ه ذه
اإلتفاقية بين وزيري الداخلية للبلدين في 10/2003 /19و من محتواها ضرورة إقامة
تعاون تقني و عملياتي بين الطرفين في مجال األمن الداخلي و تبادل المساعدة في عدة
و من بينها مكافحة االتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية ، مجاالت
كم ا أن ه وج دت إتفاقي ات عربي ة عدي دة لمكافح ة ه ذه اآلف ة ،و ق د واف ق عليه ا مجلس
وزراء داخلي ة الع رب بدورت ه الحادي ة عش ر المعق ودة بالعاص مة التونس ية ،بق رار رقم
، 215لسنة . 1994
حيث وح دت ه ذه االتفاقي ات الج رائم و الج زاءات و األنش طة اإلجرامي ة الدولي ة
المنظم ة المتص لة به ا ،و ذل ك بجع ل كاف ة ص ور االتص ال غ ير المش روع بالمخ درات
و المؤتمرات العقلية جرائم يتعين توقيع الجزاء الجنائي على مرتكبيها (. )1
و تهتم الجزائ ر بمتابع ة و التفاع ل م ع دور األجه زة الدولي ة المختلف ة فيم ا يخص
مكافحة جرائم المخدرات في إطار التعاون الدولي ،في هذا المجال و يمكن إظه ار ه ذا
التعاون من خالل مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات و هو مكتب تابع لهيئة األمم
المتحدة تأسس عام ، 1997كمكتب يعمل على السيطرة على إنتشار المخدرات و الحد
من الجريمة من خالل الجمع بين برامج األمم المتحدة الدولي للسيطرة على المخدرات
و قسم مكافحة المخدرات ،و الجريمة التابع لمكتب األمم المتحدة في فيينا و هو أحد
أعضاء مجموعة التنمية التابعة لألمم المتحدة والتي غير إسمها إلى مكتب األمم المتحدة
المع ني بالمخـــدرات والجريم ة ع ام ، 2002و يظه ـ ـــر تع اون و تفاع ل الجزائ ر مـ ـ ـــع
هـ ـ ـ ـ ـ ــذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :الدريبي عبد العالي ،المرجع السابق ،ص . 50
96
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
الجه از من خالل أقس ام المكتب األربع ة ،قس م تنفي ذ المعاه دات و قس م الخ دمات الفني ة
و قس م التع اون و قس م العملي ات و ال ذي يت ولى تق ديم المس اعدات الفني ة و التقني ة
و اإلدارية من خالل مكتب االتصال اإلقليمي للشرق األوسط و شمال إفريقيا .
كم ا تع د المنظم ة الدولي ة للش رطة الجنائي ة شخص ا من أش خاص الق انون ال دولي
الع ام ترج ع نش أته إلى ع ام 1923ويض م قس ما لمكافح ة اإلتج ار غ ير المش روع
بالمخدرات ( )1و يوفر اإلنتربول أشكاال متعددة من الدعم ألجهزة الشرطة الوطنية و
الدولية المعنية بمكافحة اإلنتاج غير المشروع للمخدرات و االتجار بالمواد المحظورة
و السالئف الكيمائية
و ك ذلك مجلس التع اون الجم ركي ال ذي يعت بر منظم ة دولي ة حكومي ة مقره ا
بالعاص مة البلجيكي ة بروكس ل و يق وم ب دور يق ترب من دور منظم ة الش رطة الجنائي ة
الدولي ة ،حيث يت ولى التنس يق بين أجه زة الجم ارك و تس يير تب ادل المعلوم ات بينه ا ،
بغية إتخاذ اإلجراءات المناسبة للقضاء على مختلف أشكال التهريب و من ذلك تهريب
و الم ؤثرات العقلي ة و الس الئف الكيميائي ة ،و ق د ب دأ مجلس التع اون المخ درات
الجمركي التنسيق بفعالية منذ عام . 1954و يعقد المجلس مؤتمرا إقليميا كل عامين و
يص در نش رات دولي ة تتض من ك ل م ا ه و جدي د في ع الم اإلتج ار غ ير المش روع
بالمخدرات والمؤثرات العقلية حتى يمكن التصدي لمحاوالت التهريب بفعالية .
و قد كان ه ذا الشرح ال وافي ألهمية ه ذا الن وع من اإلدم ان على تن امي الجريمة
و ب الرجوع إلى علم اإلج رام ،نج د أن المخ درات في ع الم الجريم ة له ا أهمي ة خاص ة
و تلعب دورا هام ا في اإلج رام .إذ أنه ا تع د ع امال من العوام ل الدفع ة إلي ه و على
خالف الخمر الذي ال يعد إستهالكه جريمة في غالبية الدول ،يعد تعاطي المخدرات و
اإلتجار فيها كما قيل سابقا من األفعال التي تجرمها التشريعات الجنائية ،و من ناحية
أخرى تزيد المخدرات م ـ ــن الجرائم المرتبطة بها ،فاإلدمان مع نقص الموارد الالزمة
لضمان حاج ـ ـ ـ ــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إنضمت الجزائر إلى المنظمة الدولية للشرطة الجنائية ،الذي يضم قسما لمكافحة اإلتجار غير
المشروع بالمخدرات سنة . 1963
97
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
الم دمن ق د يدفع ه إلى ارتك اب بعض الج رائم لت دبير احتياجات ه من المخ در ،و أهم تل ك
الجرائم ما يقع على المال لشراء المخدر الذي يكلف كثيرا ،و تزوير الوصفات الطبية
للحص ول علي ه و الس طو على الص يدليات لس رقة م ا به ا ،من م واد مخ درة ي رخص
بهـا الق انون لحيازته ا ألغ راض طبي ة و ت دفع الحاج ة للمخ در ض حايا الس موم البيض اء
في بعض األح وال إلى البغ اء و الج رائم األخالقي ة المختلف ة ،كم ا أن حال ة اإلث ارة و
الهي اج الناش ئة عن تن اول بعض المخ درات تطل ق العن ان لبعض الغرائ ز و تض عف من
مقدرة المدمن على الحد من سيطرتها فيندفع إلى إرتكاب بعض الجرائم السيما القت ل و
الضرب و الجرح ،و اإلعتداء على األعراض .
و أخ يرا يمكن الق ول ،أن المخ درات تم ارس ذات الت أثير غ ير المباش ر على
مدمنيها من حيث أنها تعد عامال مباشرا من عوامل اإلجرام ،و أنها تؤثر إجتماعيا و
إقتصاديا على ذرية المدمن .كما أنها تخلق بيئة غير مالئمة ألوالده تساهم في تكوين
شخصياتهم و تدفعهم إلى اإلجرام فيما بعد ،هذا فضال عن التأثير البيولوجي للمخدرات
على ذرية المدمن و هو تأثير ال يختلف كثيرا عن تأثير الخمر في هذا المجال (. )1
الفرع الثالث
التعليم و عالقته باإلجرام
ال ينكر أحدنا ما للتعليم من آثار إيجابية على الفرد و المجتم ع ،و ذل ك من خالل
تطوير القدرات العقلية السليمة و توجيه الفرد نحو التفكير السليم المنطقي الذي يوازن
بين
األمور السوية و الخاطئة و يضع في الحسبان االعتبار للقيم و األخالق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد اهلل الشادلي فتوح ،مرجع سابق ،ص . 197
98
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و قد إختلف العلماء بشأن تأثيره على ظاهرة اإلجرام ،فمنهم من ذهب إلى الق ول
أن انتشاره يساعد على التقليل من الظاهرة ،و أن قلته أو انعدامه بين األفراد يزيد من
هذه الظاهرة .
إال أن من العلم اء من ذهب إلى الق ول ،أن ه هن اك من الج رائم من يرتكبه ا
و هـو على مستوى جيد أو عال من التعليم و ال يستطيع األمي القيام بها الحتوائها على
ج انب كب ير من التقني ة العلمي ة أو التكنولوجي ة ال تي الب د له ذا األخ ير فيه ا ،كج رائم
و الجرائم اإللكترونية ، ...و لو أنهم لم ينكروا أيضا ما للتعليم من دور النصب
في صقل ميول الفرد و تنمية فيه مواهب أخرى تبعده عن اإلجرام حينما يستغلها في
و ضروريات الحياة بالطرق السوية المقبولة (. )1 توفير الرفاهية
المبحث الثاني
العوامل الخارجية المؤدية إلرتكاب الجريمة
يقص د به ا تل ك العوام ل الخارجي ة المس تمدة من الع الم الخ ارجي المحي ط ب الفرد
على تنوعه ا ،س واء ك انت طبيعي ة أو إقتص ادية أو إجتماعي ة و هي ت ؤثر في الف رد و
و إمكاني ة وقوع ه في اإلج رام حس ب ش دتها و حس ب قابلي ة ه ذا األخ ير في س لوكه
التفاعل معها و التأثر بسلبياتها )2( .
وفي ه ذا المبحث ،س نتناول بالش رح العوام ل الطبيعي ة من خالل المطلب األول
ثم العوام ل اإلقتص ادية من خالل المطلب الث اني ،والعوام ل اإلجتماعي ة من خالل
المطلب الثالث ،و أخيرا العوامل الثقافية من خالل المطلب الرابع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :دردوس مكي ،اإلدم ان على الخم ر و اإلدم ان على المخ درات ، ....مرج ع س ابق
ص ص . 122_108
( )2أنظر _ :عمر السعيد رمضان ،مرجع سابق ،ص . 51
99
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
المطلب األول
العوامل الطبيعية
تشتمل العوامل الطبيعية على مختلف الظواهر الجغرافية التي تسود منطقة معينة
مثل درجة الحرارة و المناخ و طبيعة األرض و تعاقب الفصول و اإلنتاج الزراعي .
و ق د ح اول العلم اء المهتمين ب الظواهر اإلجرامي ة معرف ة إمكاني ة تأثيره ا على
الف رد لدفع ه إلى إرتك اب جمل ة من الج رائم ،وبمع نى آخ ر إمكاني ة ت أثير الح رارة و
المناخ وطبيعة األرض وتعاقب الفصول و تبادل الليل والنهار واإلنتاج الزراعي على
الس لوك اإلنس اني حيث ت دل ـأغلب الدراس ات على وج ود ص لة بين العام ل المن اخي
والظاهرة اإلجرامية)1( .
فإذا ركزنا على المناخ الذي يقصد به حالة الطقس من حرارة و برودة و أمطار
و ري اح ،فق د أثبتت الدراس ات إختالف الظ واهر اإلجرامي ة في المن اطق الب اردة عنه ا
في المن اطق الح ارة فبإرتفاع الحرارة تزي د حيوية اإلنس ان و ت زداد حدة طبع ه و تت أثر
قواه الجنسية ،ما يؤدي إلى إزدياد إرتكاب جرائم العنف و الجرائم األخالقية ( ، )2و
ترتف ع نس بة ج رائم األم وال في الش تاء أين تط ول ف ترة اللي ل و تقص ر ف ترة النه ار ،م ا
يؤدي إلى وقوع أغلب السرقات في الليل ،و أيضا ألن حاجات اإلنسان في البرد تزداد
من نفقات األكل و الملبس و المسكن. )3( ...
كم ا ذهب العلم اء إلى الق ول ب أن الجريم ة تختل ف كم ا و نوع ا من منطق ة إلى
أخرى داخل الدولة الواحدة فتختلف في المدن عنها في األرياف ،بل و يكون اإلختالف
في المدن الكبرى عنه في المدن الصغيرة وداخل المجتمعات الريفية نفسها كما ونوعا
أيض ا ،و ق د أرجع وا ه ذا اإلختالف إلى التفك ك اإلجتم اعي في المن اطق الحض رية و
عـ ـ ــدم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :أكرم نشأت إبراهيم ،علم اإلجتماع الجنائي ،دار الثقافة للنشر و التوزيع ،عمان
الطبعة ، 2009 ، 1ص . 146
( )2أنظر _ :أكرم نشأت إبراهيم ،المرجع نفسه ،ص 55و ما يليها .
( )3أنظر _ :محمد صبحي نجم ،مرجع سابق ،ص ص . 50_49و أنظر أيضا _ :علي عبد
القادر القهوجي ، ،مرجع سابق ،ص 136و ما يليها .
100
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
المطلب الثاني
العوامل االقتصادية
ي ؤثر ه ذا العام ل على كم اإلج رام غالب ا ،كم ا ق د ي ؤثر على نوعي ة الج رائم
المرتكب ة و للعام ل اإلقتص ادي مظ اهره المتنوع ة ذات الص لة بحرك ة اإلج رام في
المجتم ع ك التوزيع الطبقي للمجتم ع الص ناعي و دور التقلب ات واألزم ات اإلقتص ادية ،
و األجور و الفقر و الكساد و البطالة (. )2 كتقلبات األسعار
فق د ش هد الق رن التاس ع عش ر تح وال في إقتص اد كث ير من ال دول من اإلقتص اد
ال زراعي ال ذي ك ان س ائدا ح تى ذلك ال وقت إلى اإلقتص اد الص ناعي ،وقد ص حب ه ذا
التحول إرتفاع في مستوى المعيشة من جهة و بزيادة ملموسة بصفة خاصة في جرائم
األم وال فتع دد العالق ات و تش ابك المص الح خل ق ظ روف جدي دة ت دفع لإلج رام ،يجب
و اإلشارة إليها على أنها من العوامل المؤدية لإلجرام ( ، )3و يترتب اإلنتباه لها
على اإلنتقال من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي عدة نتائج منها هجرة األفراد
من المناطق الريفية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر_ :عبد المنعم سليمان ،مرجع سابق ،ص ص ، 391_390وأنظر أيضا _ :فتوح عبد
اهلل الش اذلي ،أساس يات علم اإلج رام وعلم العق اب ،منش أة المع ارف باإلس كندرية ،د.ط ، 2000 ،
ص330
( : )2أنظ ر _ :إس حاق إب راهيم منص ور ،م وجز في علم اإلج رام و علم العق اب ،دي وان
المطبوعات الجامعية ،الجزائر ، 1992 ،ص . 88
( )3أنظر _ :عبد المنعم سليمان ،المرجع نفسه ،ص . 387
101
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
إلى الم دن ،و تكدس هم في المن اطق الص ناعية و إزدي اد أهمي ة التب ادل ،و منهـــا عــدم
التكي ف اإلجتم اعي بين المقيمين في المناطـق الص ناعية ،مم ا ق د ي دفعهم إلى إنت اج
السلوك اإلجرامي فتكثر جرائم اإلعتداء على األشخاص و جرائم الشرف .
كم ا ي ؤدي التب ادل التج اري إلى ظه ور فئ ة تس عى إلى الكس ب ب أي ثمن فتك ثر
إساءة اإلئتمان و التزوير واإلحتيال والغش التجاري والرشوة والمنافسة غير المشروعة
.كم ا أن إرتف اع مس توى المعيش ة يس هل إرتي اد أم اكن الله و و التس لية مم ا يزي د من
إس تهالك المخ درات و الخم ور ،و م ا ينجم عن ذل ك من زي ادة اإلث ارة الجنس ية بص فة
خاصة .
كم ا أن ت دخل الس لطة التش ريعية لوض ع ض وابط للنش اط اإلقتص ادي دف ع بعض
الفئ ات إلى محاول ة الخ روج على ه ذه الض وابط ،مم ا أدى إلى ظه ور ن وع جدي د
من الجرائم هي الجرائم اإلقتصادية ،كما وجد أن األزمات اإلقتصادية تحرم فجأة فئة
معينة من األشخاص من ثرواتهم و غناهم و تحولهم إلى فقراء ،و أنه يوجد بين أفراد
ه ذه الفئ ة مجموع ة ض عيفة ال تس تطيع التكي ف م ع الظ روف الجدي دة ،مم ا ي دفعهم إلى
إرتك اب الج رائم بص فة منه ا الس رقة والتش رد والتس ول واإلحتي ال و إس اءة اإلئتم ان
و قد يدفعهم الجوع إلى إرتكاب جرائم التمرد و الجرح و الضرب و اإليذاء على رجال
األمن (.)1
المطلب الثالث
العوامل االجتماعية
يقص د بالعوام ل الظ روف ال تي تحي ط بالش خص من ذ والدت ه ،و تتعل ق بعالقات ه
بغيره من الناس و إرتباطه بهم بنوع وثيق من الروابط تؤثر في سلوكه إلى حد بعيد .
و نج د أن األس رة ،تعت بر من أق وى العوام ل ال تي تس اهم في تك وين شخص ية
اإلنس ان و ت ؤثر في توجي ه س لوكه و تح دد إتجاه ات مس تقبله ،لكونه ا أول م ا يص ادفه
الف رد ويعيش و يت أثر في ه خصوص ا في ف ترة الطفول ة ،ل ذلك يعت بر له ا دور كب ير في
مي ــل
ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
( )1أنظر _ :محمد صبحي نجم ،مرجع سابق ،ص ص . 59 _56
102
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
الحدث أو عزوفه عن السلوك اإلجرامي .فإذا كانت األسرة سليمة متماسكة كان ذلك
مش جعا لس لوك األبن اء الس لوك الس وي ،أم ا إذا ك انت تع اني من التص دع و االنش قاق
فإنه ا تع ود بالس لب من حيث اآلث ار على األطف ال م ا ق د ي ؤدي بهم إلى اإلنح راف و
الس قوط في ب ؤرة الجريم ة ( ، )1و في ه ذا الص دد يق ول ع الم اإلج رام " ث افت " أن :
العائلة هي أول و أهم مدرسة للتدريب على حسن السلوك أو سوء السلوك تبعا لسلوك
العائلة ذاتها )2( .
و للمدرس ة في حي اة الف رد المنع رج المهم ال ذي يص قل فيه ا أه واء و ميول ه
و شخص يته ،ففيه ا يك ون عالق ات م ع معلمي ه و زمالءه و يتلقى العل وم و المع ارف
ال تي تنمي مداركه ،و تك ون له عون ا على شق طريق ش ريف في حياته س واء العلمي
أو العملي و نوع المركز اإلجتماعي في المستقبل .فإلى جانب اإلمكانيات التي يمتلكها
ك ل طف ل و ال تي تؤهل ه للنج اح ال يمكن إنك ار ال دور المهم لن وع المعامل ة ال تي يتلقاه ا
من المعلم و زمالءه و من يحي ط ب ه في المدرس ة على نفس يته و ح تى على مس تقبله
في ش تى جوانب ه ،فالقس وة و اإلزدراء والجف اء و اإلهم ال الش ديد ال ذي ق د يع اني من ه
التلميذ قد يصرفه عن التعليم و اإلستيعاب و التركيز ،وقد يولد فيه الخوف والضعف
والعقد النفسية التي تزداد خطورتها ليسقط مستقبال في بؤرة اإلنحراف (. )3
كما لنوع العمل الممارس في المجتمع دورا كبيرا و مهما في العالقة بين الفرد
و إمكانية إرتكابه للجرائم ،فإن كان العمل يشغل حياة اإلنسان و يلبي حاجاته و يعتبر
متنفسا لطاقاته و يتيح له فرصة اإلحتكاك بغيره .
و ه و حس ب رأي العلم اء ،ق د يك ون ل ه دور إيج ابي إن إستغل ـ ـ ـــه الف رد بطري ق
سليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :عم ر الس عيد رمض ان ،علم اإلج رام ،دون طبع ة ،دار النهض ة العربي ة ،الق اهرة
، 1987ص ص ، 216_215و أنظ ر أيض ا _ س حنون محم د ،ظ اهرة إنتش ار الفق ر في البل دان
النامية و سياسات الحد منها ،مجلة العلوم اإلنسانية ،العدد ، 20جامعة منتوري قسنطينة ،دار
الهدى للطباعة ، 2003 ،ص 207وما يليها .
( )2أنظ ر _ :رمس يس بهن ام ،تفس ير علم اإلج رام ،منش أة المع ارف ،اإلس كندرية ،دون طبع ة
، 1972ص 210و ما يليها .
( )3أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص ص . 273_271
103
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
وق د يك ون ل ه دور س لبي إن لم يس تغله بطري ق ص حيح ،و ك ذا إن ص ادف من يش جعه
في السقوط في بؤرة اإلجرام أو كانت لديه الدوافع الكافية المساعدة على ذلك ،كما ال
يمكن إنكار ما للصداقة و العالقات التي يكونها الفرد خارج أسرته أو بمناسبة عمله أو
المجتمع دون تحديد مصدرها دورا في التأثير على الفرد ،فإن كان له األصدقاء فـي
الخ يرون لعب وا دورا إيجابي ا في حيات ه و ك انوا ل ه عون ا و مانع ا من الس قوط في ب ؤرة
و إن كانوا غير ذلك فإن تأثيرهم القوي السلبي قد يوقعه في اإلجرام ( اإلجرام
. )1
المطلب الرابع
العوامل الثقافية
يقصد بالعوامل الثقافية مجموعة القيم التي يتشكل على أساسها الضمير الفردي
و الجم اعي للمجتم ع .و أهم عوام ل الثقاف ة في المجتم ع الح الي هي التعليم و ال دين
و وسائل اإلعالم المختلفة و العادات و التقاليد ...
و ب التركيز على التعليم نج د أن المتعلم بمفه وم علم اء اإلج رام ه و عكس األمي
الذي ال يقرأ و ال يكتب و له تأثير على الظاهرة اإلجرامية ،فهناك من يقول بأنه كلما
إنتش ر التعليم كلم ا إنخفض ت نس بة الج رائم ،و لكن هن اك من يق ول بأن ه رغم انتش ار
التعليم إال أن الجريمة ما زالت متواجدة في المجتمعات المختلفة (. )2
و بهذا فالمعيار المعتمد للتمييز بين المتعلم و غير المتعلم في مجال دراسات علم
اإلجرام هو اإللمام بالقراءة و الكتابة ،و على هذا يكون متعلما وفقا لهذا المعيار من
حصل على أعلى الدرجات العلمية و من توقف عند حد القراءة و الكتابة ،و هو يؤثر
في الجريمة نوعا و كيفا و مقدارا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عمر السعيد رمضان ،المرجع السابق ،ص ص . 220_219
( )2أنظر _ :محمد صبحي نجم ،مرجع سابق ،ص. 61
104
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر :محمد محي الدين عوض ،علم اإلجرام و علم العقاب ،مطبعة مصر ،القاهرة ،دون
طبعة ، 1971 ،ص 99و ما يليها .
( )2أنظر _ :رمسيس بهنام ،تفسير علم اإلجرام ،المرجع السابق ،ص . 150
105
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
بص ر األف راد الوس ائل ال تي تس هل من إرتك اب الجريم ة أو إخف اء آثاره ا كالمحالي ل
الكمياوية المختلفة و المسدسات كاتمة الصوت )1( .
و بالنس بة للس يارات فهي ت ؤثر في ظ اهرة اإلج رام بطري ق غ ير مباش ر عن
طري ق م ا تحدث ه في نفس المج رم من دواف ع إلقتنائه ا ،إم ا لحب اإلقتن اء في ح د ذات ه
و ه ذا م ا ق د يدفع ه إلى إرتك اب ج رائم متع ددة لت دبير نفقاته ا والم ال الالزم لش رائها
فيضطر إلى اللجوء إلى السرقة أو االختالس ،و إما لإلستفادة منها بإستخدامها كوسيلة
من وسائل إرتكاب الجرائم ،كالظهور بها أمام المجني عليه للتغرير به أو إلقتناعـه
بمرك زه الم الي أو األدبي ،أو إلس تخدامها كطريق ة من ط رق اإلحتي ال والنص ب ،و
بالتالي يضطر المجرم لتدبير هذا األمر عن طريق سرقة السيارات ذاتها .
و المالحظ بالنسبة للمجتمعات الحديثة زيادة في ظاهرة اإلجرام ناجمة عن زيادة
إس تخدام الس يارات وإ س تخدام الس يارة ،إم ا موض وعا للجريم ة ينص ب علي ه الفع ل
اإلجرامي ذاته و هو ما لم يكن له وجود فيما قبل ،و إما لتسهيل إرتكاب جرائم أخرى
و الهرب من أعين السلطات .
أم ا من حيث الت أثير المباش ر ال ذي يحدث ه تزاي د إس تخدام األف راد للس يارات
فينحصر في زيادة القوانين و اللوائح التي تنظم عملية إقتناء السيارات و إستخدامها ،و
هذا أدى إلى خلق جرائم المرور و التي لم تكن معروفة من قبل ،هذا باإلضافة إلى أن
ك ثرة الس يارات و م ا يتبع ه من تعقي د في نظ ام الم رور ي ؤدي إلى ك ثرة ج رائم القت ل
أو اإلصابات عن غير قصد (. )2 الخطأ
و لو أننا نجد أن األمي ال يعني بالضرورة أنه منعدم األخالق والضمير واألكثر
قابلي ة على إرتك اب الج رائم ،و أن المتعلم عكس ذلك يمث ل األخالق الفاضلة بل يوجد
من المتعلمين مجرمين و من األميين الصالحون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظ ر _ :علي عب د الق ادر القه وجي ،فت وح عب د اهلل الش اذلي ،علم اإلج رام و العق اب ،دار
الهدى للمطبوعات ،د.ب.ن ،د .ط ، 1999 ،ص . 304
( )1أنظ ر _ :محم د ص بحي نجم ،مرج ع س ابق ،ص 82وم ا يليه ا .و أنظ ر أيض ا _ :فوزي ة
عبد الستار ،مرجع سابق ،ص . 187
106
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1و لعل السبب في ذلك يكمن في أن الشخص في تلك اإلحتفاالت يفقد الشعور بفرديته ،و ينقاد
تبعا لذلك للجماعة ،و هذا الشعور يجعله يقوم بتصرفات ال يقوم بها إذا كان منفردا ،فتكثر بذلك
جرائم اإلهانة ،و اإلعتداء على األشخاص ،و كذلك األموال .
107
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
كما ال ننسى أنه في تلك المناسبات تزيد نسبة إستهالك األفراد للخمور و المواد
المخ درة فتض عف س يطرة الف رد على تص رفاته ،و يس هل علي ه ذل ك من الوق وع في
ج رائم مختلف ة ،مس تغال ش عوره ب التحرر و اإلنطالق و هو الش عور ال ذي يس يطر على
الجماعة في تلك اإلحتفاالت .
و ه ذا يب دوا واض حا في إحتف االت رأس الس نة وإ حتف االت الجماع ة المختلف ة
باألفراح حيث يقدم الكثيرين على شرب الخمر و تعاطي المخدرات ليس بقصد اإلدمان
و إنما بقصد زيادة المتعة و البهجة ،كما ينساق البعض إلى ذلك بقصد التقلي د أو بقص د
اإلنطالق بتصرفاته على طبيعتها و حتى ال يشعر بالقيود اإلجتماعية المختلفة التي قد
تعوقه من متابعة نزواته و شهواته .
و ل ذلك من الس هل على مث ل ه ؤالء األش خاص الوق وع تحت ت أثير الخم ر
أو المخدر و بالتالي يفقد سيطرته على نفسه ،مما قد يظهر العوامل اإلجرامي ة الداخلي ة
الكامنة ،و بذلك تتأثر ظاهرة اإلجرام بمثل تلك اإلحتفاالت فيرتكب الجرائم كالسرقــة
لت دبير الم ال الالزم ل ه ،و ه ذا أيض ا ي ؤدي إلى ال دعارة لت دبير الم ال الالزم لمواجه ة
نفقات الحياة .
و نخلص من كل ما سبق ،إلى أن البيئة الثقافية ألية جماعة مهما كانت تتحدد
على أساس ها درج ة م دنيتها و تق دمها ،ف إن له ا أثره ا على ظ اهرة اإلج رام و أن ه كلم ا
تقدم المجتمع أثر ذلك على ظاهرة اإلجرام ،سواء في األشكال التي تتشكل بها أم في
خلق صور جديدة من اإلجرام .كما الحظنا بالنسبة للتقدم اآللي للمجتمع )1( .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1و في ه ذا الص دد يمكنن ا الق ول ب أن تق دم المدني ة و التق دم الحض اري ليس من ش أنه أن ينقص
من ظ اهرة اإلج رام بص فة مطلق ة ،عن دما يص ل المجتم ع إلى درج ة عالي ة من ال رقي و التق دم ،
فالجريمة توجد أينما وجدت المجتمعات البشرية .
108
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و بالنتيجة ،فإن الحضارة و البيئة الثقافية تؤثر على الظواهر اإلجرامية في ذلك
عن غيره ا من الظ واهر اإلجتماعي ة ،ض ف إلى ذل ك ف إن التق دم الحض اري يص احبه
تغ ير في الص ورة ال تي يتخ ذها اإلج رام في المجتم ع دون أن يقض ي على الظ اهرة
ذاتها .
و من هنا يمكن القول ،أن للعادات و التقاليد دورها في إرتكاب بعض الجرائم
و لو أنه ال يمكن الجزم بطبيعة الحال أن لها الدور الوحيد (. )1
كم ا ال ننس ى م ا أص بح لوس ائل اإلعالم من دور مهم في إرتك اب الج رائم من
تلفاز و إذاعة و سينما و تلفزيون و أنترنت و غيرهم من وسائل اإلتصال ...فتأثيرها
رغم إيجابياتها التي ال يمكن أن ينكرها أحد ،لما لها من سلبيات عديدة يمكن أن تكون
ذات ع واقب وخيم ة على األف راد الس يما األطف ال و منهم و الم راهقين خصوص ا ،إذا
كانت هذه الوسائل غير مراقبة ما يؤثر على أخالقهم و نوازعهم و هو ما ق د ي ؤدي بهم
إلى إرتكاب الجرائم أو إرتكاب الجرائم في حقهم كالجرائم األخالقية ...
فبالنس بة للص حافة و أثره ا على اإلج رام فنج د أن غالبي ة الص حف تنتش ر فيهــا
األخبار بعناوين مثيرة و وصف تفصيلي ال ينجو من المبالغة ،و هدف الصحف من
هذا األسلوب في نشر األخبار تجاري حتى تضمن أعلى نسبة توزيع ممكنة كما لوحظ
أن أغلب ق راء ب اب الجريم ة ش باب و ع اطلين عن العم ل و الم راهقين و الص غار
و لم ا ك انت الص حف ليس ت على نم ط واح د من حيث ع رض أخب ار الجريم ة فق د
تضاربت اآلراء عن أثرها على الظاهرة اإلجرامية .و نقول أن طريقة عرض أخبار
الجريمة قد يكون لها دور مانع و قد يكون لها دور دافع عليها و يتمثل الدور الدافع و
المانع للصحافة في األمور التالية :
_1المانع :
إن مهم ة الص حافة ه و نش ر األخب ار والجريم ة خ بر ،و بالت الي من المهم
أن تنش رها الص حافة ب دال من ت رك األم ر بش أنها لإلش اعات ،ال تي يتناقله ا األف راد
العاديـ ــون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :عبد الستار فوزية ،مرجع سابق ،ص 181وما يليها .
109
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
كما أن نشر خبر الجريمة يكون بالنسبة لبعض األشخاص وسيلة للتنفيس عن الرغبات
اإلجرامية المكبوتة و إشباعا كافيا لها ،مما يترتب عليه إقدام هؤالء األشخاص على
تنفيذ هذه الرغبات و خاصة إذا كان عرض خبر الجريمة ،قد تم بطريقة منفردة .
يض اف إلى ذل ك أن نش ر أخب ار الجريم ة و أس ماء المش تبه فيهم أو المتهمين فيه ا
ق د يس اعد على تعقب الجن اة كم ا في حال ة نش ر ص ورهم أو أوص افهم في الص حف
و القبض عليهم و يساعد كذلك على متابعة الجمهور لسير العدالة الجنائية ،و قد ي ؤدي
ك ل ذل ك إلى ع دول بعض األف راد عن إرتك اب الس لوك اإلج رامي خوف ا من التع ريض
بهم في الصحف .
_2الدافع :
أم ا عن دور الص حافة ال دافع إلى الجريم ة ،فيمكن حص ره لع دم اك تراث ال رأي
العام أو جانب منه ،و ذلك كثرت نشر أخبار الجريمة الذي قد يوجد من يتعاطف مع
مقترفيها و قد يترتب على ذلك تشجيع من يوجد لديهم إستعداد إجرامي ،أو ميل إليه
و خاص ة ل دى من يش عر ب الفخر عن د نش ر ص وره أو ذك ر إس مه في الرتكابه ا
الصحف .
يض اف إلى ذل ك أن نش ر الخ بر ق د ي ؤثر على س ير العدال ة الجنائي ة فيح ول دون
القبض على المج رمين أو وق وع القض اة في ح رج ،و ذل ك في حال ة التنب ؤ باألحك ام
التي ستصدر ضدهم ،و الخبر اإلذاعي له ذات األثر على الظاهرة اإلجرامية كالخبر
الصحفي و إن كان بدرجة أقل من هذا األخير )1( .
و لإلش ارة إلى أث ر الرواي ات و القص ص على الجريم ة ،فيب دو ه ذا األث ر من
خالل األعم ال الروائي ة ال تي تنص ب على الجريم ة و المج رمين فتص ور أس اليبهم في
تنفي ذ أغراض هم اإلجرامي ة ،كم ا تظه ر المج رم بمظه ر البط ل الخ ارق ال ذي ينجح في
اإلفالت من قبضة العدالة ،و هذا ما تزخر به القصص البوليسية و قصص العنف و
الجن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر :أشرف رفعت محمد ،مبادئ علم اإلجرام ،دراسة إلستقصاء العوامل الدافعة لإلجرام
منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،دون طبعة ، 1978 ،ص 375و ما يليها .
110
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
و المغ امرات و غيره ا من القص ص ال تي تح رض على الص فات الدنيئ ة ،و ه ذه
الرواي ات ت ؤثر بص فة خاص ة على تفك ير الش باب و على وج ه الخص وص مح دودي
الثقاف ة منهم في دفع بهم إلى الوق وع في هاوي ة اإلنح راف ( )1تقلي دا لبط ل الرواي ة أو
القص ة ،و لكن هن اك بعض الرواي ات و الكتب ال تي ت دعو إلى الفض يلة و نب ذ الرذيل ة
محارب ة العن ف بكاف ة أنواع ه ،وه ذا الن وع ل ه دور وق ائي ق د يح ول بين قرائ ه وبين
الوقوع في إرتكاب الجرائم .
أم ا عن أث ر الس ينما و المس رح و التلف از على الظ اهرة اإلجرامي ة ،فق د إختلفت
نت ائج األبح اث و الدراس ات ح ول أث ر التلف از و الس ينما و المس رح على الظ اهرة
اإلجرامية و مع ذلك يمكن القـول أن لهذه الوسائل اإلعالمية المشهورة أثرا مانعا أو
على اإلجرام كالصحافة . دافعا
فق د يك ون للس ينما أو التلف از أو المس رح أث را من حيث ال برامج و األفالم و
المسرحيات التي يعرضها كل منهما تنفر من السلوك اإلجرامي و عواقبه الوخيمة ،و
ق د تس اعد مش اهدة التلف از على تجم ع أف راد األس رة الواح دة حول ه مم ا يقل ل من ن زول
و خ روجهم إلى الش وارع و تجنبهم اإلختالط بأص دقاء الس وء .و األبن اء
في إرتكاب الجرائم و األفعال الدنيئة (. )2 بالتالي عدم الوقوع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :محمد صبحي نجم ،المدخل إلى علم اإلجرام و علم العقاب ،ط ، 1دار الثقافة للنشر
و التوزيع ،عمان ، 1998 ،ص . 100
( )2أنظر _ :مكي دردوس ،الموجز في علم اإلجرام ،مرجع سابق ،ص . 173
111
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
أما بالنسبة للدين و الظاهرة اإلجرامية ،فالدين بمعناه الواسع مجموعة من القيم
و المب ادئ الس امية ال تي أوج دها اهلل س بحانه و تع الى ونزله ا بال ديانات الس ماوية الثالث ة
المس يحية و اليهودي ة و اإلس الم بواس طة الرس ل و األنبي اء ،و ه ذه ال ديانات ت دعو
إلى الخ ير و تنهى عن الش ر .و ل ذلك ف إن لل دين بص وره الثالث ة أث را ال ينك ر على
الظ اهرة اإلجرامي ة ،و ذل ك عن طري ق اإلبتع اد عن األفع ال اإلجرامي ة فم تى تغلغ ل
في النفوس و تشربت به الض مائر و نقشت قيمته في القلوب ،فإن ذلك ال دين
يح ول م ا بين الف رد و بين المعص ية و الخ روج عن تع اليم ال دين فال ي رتكب إثم ا أو
أو كبيرة و ال يقتل و ال يزني و ال يكذب و ال يسيء إلى كرامة معصية صغيرة
و إعتبار اآلخرين .
و بم ا أن العقي دة الديني ة في المق ام األول عالق ة م ا بين اإلنس ان و رب ه ،فإن ه
يك ون من الص عوبة بم ا ك ان _ إن لم يكن مس تحيال _ إج راء دراس ة أث ر ه ذه العالق ة
على الظاهرة اإلجرامية .
و لق د ح اول بعض العلم اء دراس ة عالق ة ال دين ب اإلجرام ،ولكن أبح اثهم وص لت
إلى نتائج متنافرة و نقطة اإلختالف الكبيرة ،كان مردها هو التوهم بأن البحث عن أثر
ال دين في اإلج رام يكتفي في ه ب إجراء المقارن ة بين من ينتم ون إلى دين أو يعلن ون ذل ك
أو ح تى ال ذين يمارس ون بعض الش عائر أو كله ا و بين غ يرهم من المج رمين ،فهن اك
فارق كبير بين عقيدة صادقة و راسخة في النفوس و بين مجرد اإلنتماء لتلك العقيدة ،
و بعبارة أصح فإن جوهر الدين ال يتجسد بين كل معتنقيه بنفس القوة أو الدرجة )1( .
و الحقيق ة ال تي يجب أن نس لم ،ب أن ال وازع ال ديني الص ادق الص افي و الحقيقي
يؤدي إلى طهارة النفس والروح و يبعد اإلنسان عن إرتكاب الرذائل ،و يجعله يصون
نفس ه و ش هوته و لس انه من اإلن زالق نحـ ـــو الجريم ة و اإلنح راف .فكلم ـ ـــا ق ـ ـــوي
اإليمــان بالنفس الصالحة تأصلت فيها العقيدة وصانت ص احبها من الشر و الرذيلة فتقل
و تختفـي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنظر _ :أكرم نشأت إبراهيم ،مرجع سابق ،ص . 119
112
الفص ـ ــل الث ـ ــاني .................................................................العوام ـ ــل المؤدي ـ ــة إلى إرتكـــــاب
الجريمة
113
الخاتمة:
إن علم اإلجرام أحد أهم العلوم الجنائية التي تهتم بالظواهر اإلجرامية و أسباب
الوق وع فيه ا إلى ج انب محاول ة التص دي له ا أو التقلي ل منه ا ،خصوص ا م ع م ا أص بح
حاليا موجود من تنامي لهذه الظواهر على إختالفها ،و بروز ما يسمى باإلجرام الوليد
و المنظم و الع ابر للح دود ،و ال ذي أص بح يعتم د على التقني ة الحديث ة و التكنولوجي ات
المتقدم ة ،فأص بح يط ال ك ل فئ ات المجتم ع و ب دأ يتس ع فلم يع د يض م فق ط اإلج رام
الكالس يكي كالس رقة و القت ل و غيرهم ا ،و له ذا الب د على علم اء اإلج رام أن يكون وا
وعين لتعقد و تركيب الظواهر اإلجرامية التي أصبح من المستحيل القضاء عليها وفق
منظور علم اإلجرام التقليدي الذي عهده الدارسون .
كم ا أن اللج وء إلى النظري ات و ل و كله ا إلس تيعاب الظ اهرة اإلجرامي ة ،أص بح
غير كاف فالبد من إستيعابها واقعيا ،بالنزول إلى المجتمع ودراسة كل حاالته واألبع اد
السياسية واإلقتصادية و اإلجتماعية و الدينية المعاشة و التي أصبحت تؤثر بتزايد على
الظواهر اإلجرامية .
و ال يجب أن ينسى الباحثون والدارسون لهذا المقياس ،أن لكل مجتمع مقوماته
التي يتأسس عليها فال يمكن التحصن بما وصلت إليه المجتمعات الغربية دائما من نتائج
في محاوالت منها للقضاء على الظواهر اإلجرامية عندها ،بل البد من إدراك مقومات
المجتمع اإلسالمي الذي أصبح يتأرجح بين المعطيات الغربية الفاسدة و الروابط الدينية
التي بدأ يشوبها الفتور.
114
115
116
قائمــــــــــة المراجــــــــــع .........................................................................................علم
اإلجرام
رؤوف عبيد :
_ أصول علمي اإلجرام والعقاب ،القاهرة . 1977 ،
سيجموند فرويد :
_ م دخل إلى التحلي ل النفس ي ،ترجم ة ج ورج ط رابلس ،دار الطليع ة ،ب يروت ،
الطبعة . 1980 1
عبد الرحمن محمد أبو توتة :
_ علم اإلج رام ،المكتب الج امعي الح ديث األزارط ة ،اإلس كندرية ،دون طبع ة ،
.1998
عبد الفتاح خضر :
_ النظام الجنائي ،أسسه العامة في اإلتجاهات المعاصرة و الفقه اإلسالمي ،دون طبعة
دون دار نشر ،دون سنة نشر ،مصر .
عبد القوي السيد الشافعي يونس :
_ الجريم ة و العق اب في الفق ه اإلس المي ،الطبع ة ، 1دار الكت اب العلمي ة ،ب يروت
. 2002
عبد اهلل سليمان :
_ ش رح ق انون العقوب ات الجزائ ري ،القس م الع ام ،الج زء ،1الطبع ة ، 6دي وان
المطبوعات الجامعية الجزائر . 2005 ،
عدو عبد القادر :
_ مب ادئ ق انون العقوب ات الجزائ ري ،القس م الع ام ،نظري ة الجريم ة ،نظري ة الج زاء
الجنائي الطبعة ، 1دار هومه ،الجزائر . 2010 ،
عمارة عبد الحميد :
_ ض مانات المتهم أثن اء مرحل ة التحقي ق االبت دائي في الش ريعة اإلس المية والتش ريع
الجنائي الوضعي دراسة مقارنة ،الطبعة ، 1دار المحمدية العامة ،الجزائر 1998 ،
علي عبد القادر القهوجي :
_ علم اإلجرام و علم العقاب ،الدار الجامعية للطباعة و النشر ،دون نشر ،بيروت .
117
قائمــــــــــة المراجــــــــــع .........................................................................................علم
اإلجرام
_ أص ول علم اإلج رام و العق اب ،الطبع ة ،1عم ان ،ال دار العلمي ة الدولي ة ،عم ان
. 2002
محمد عبد الرحمان :
_ دراسات في علم النفس االجتماعي ،دون طبعة ،دار المعرفة العربيــة .1990 ،
محمد محي الدين عوض :
_ علم اإلجرام و علم العقاب ،مطبعة مصر ،القاهرة ،دون طبعة . 1971 ،
محمود نجيب حسني :
_ دروس في علم اإلجرام و علم العقاب ،دار النهضة العربية ،القاهرة . 1988
:مشموشي عادل
المخدرات ،ماهيته ،مخاطرها ،مكافحتها ،الطبعة ،1دون دار نشر ،لبنــان_ ،
2014
مهند وليد إسماعيل الحداد :
_ دور المدارس البيولوجية ( العضوية ) في تفسير الظاهرة اإلجرامية دراسات العلوم
اإلنس انية و اإلجتماعي ة ،المجل د ، 46الع دد ، 2ملح ق ، 1كلي ة الحق وق جامع ة
الزرقاء األردن . 2019 ،
نور الدين هنداوي :
_ مبادئ علم العقاب ،دار النهضة العربية ،القاهرة . 1989 ،
يسر أنور علي ،و أمال عبد الرحيم عثمان :
_ علم اإلجرام و علم العقاب ،دون نشر ،د ون طبعة . 1970 ،
_ الوجيز في علم اإلجرام و علم العقاب ،دار النهضة العربية ،القاهرة . 1980 ،
السراج عبود :
_ الوجيز في علم اإلجرام و العقاب ،الطبعة ، 1جامعة الكويت ،الكويت . 1979 ،
السعيد عمر رمضان :
_ علم اإلجرام ،دون طبعة ،دار النهضة العربية ،القاهرة . 1987،
119
قائمــــــــــة المراجــــــــــع .........................................................................................علم
اإلجرام
_3المقاالت العلمية:
السيد ياسين :
_ نح و دراس ة اآلراء واالتجاه ات و تأثيره ا على الظ اهرة اإلجرامي ة المجل ة الجنائي ة
القومية المجلد ، 13العدد ، 1المركز القومي للبحوث االجتماعية والجنائية ،مصر ،
. 1970
بن المدني بوساق محمد :
_ إتجاه ات السياس ة الجنائي ة المعاص رة و الش ريعة اإلس المية ،الطبع ة ، 1الري اض
مركز الدراسات و البحوث ،الرياض . 2002 ،
120
قائمــــــــــة المراجــــــــــع .........................................................................................علم
اإلجرام
:القوانين _5
_ الق انون ، 18/04الم ؤرخ في ، 25/12/2004المتعل ق بالوقاي ة من المخــدرات
و المؤثرات العقلية و قمع االستعمال و اإلتجار غير المشروعين بها.
_6اإلتفاقيات :
_ اإلتفاقي ة الوحي دة للمخ درات لس نة ، 1961مطبوع ات األمم المتح دة ،نيوي ورك
1979
_ اإلتفاقية العربية لمكافحة اإلتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة
1988مطبوعات األمم المتحدة ،نيويورك . 1991 ،
_ إتفاقية المؤثرات العقلية لسنة ، 1971مطبوعات األمم المتحدة ،نيويورك .1979 ،
121
قائمــــــــــة المراجــــــــــع .........................................................................................علم
اإلجرام
إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية_ ،
.لسنة ،1988مطبوعات األمم المتحدة ،نيويورك1991 ،
_ اإلتفاقي ة العربي ة لمكافح ة االتج ار غ ير المش روع بالمخ درات و الم ؤثرات العقلي ة
لسنة 1994مطبوعات جامعة الدول العربية .
122
فهـــــــــــرس المحتويـــــــــــات......................................................................................علم
اإلجرام
فهرس المحتويات
مقدمة1.............................................................................:
الفصل األول
123
فهـــــــــــرس المحتويـــــــــــات......................................................................................علم
اإلجرام
الفصل الثاني
124
فهـــــــــــرس المحتويـــــــــــات......................................................................................علم
اإلجرام
الخاتمة 114.......................................................................:
الفهـــــــــــــــرس _120................................................................:
122
125