Professional Documents
Culture Documents
السلطة موضوع علم السياسة
السلطة موضوع علم السياسة
تكتسي دراسة النظم السياسية أهمية كبرى في حقل العلوم السياسية ،ذلك أنها هي المرآة التي
تنكشف من خاللها ممارسات اإلنسان السلطوية على بقية أفراد جنسه ،بإعتبار السلطة هي
إحدى المواضيع الرئيسية للعلوم السياسية ،من خالل انقسام البشر إلى فئة حاكمة وأخرى
محكومة ،وتزداد أهمية دراستها في العالم المعاصر ،ذلك أنها تسمح بفهم األنظمة السياسية
ألكثر من مائتي دولة الموزعة عبر العالم ،بعد ما كانت في السابق تقتصر على دراسة القانون
الدستوري ،الذي يعجز عن تصوير حقيقة األنظمة السياسية كما هي في الواقع ،بل يقتصر
على النصوص التي تحويها الوثائق الجامدة ،والتي تنظم طريقة الحكم في دولة ما ،بينما
تذهب النظم السياسية إلى دراسة كيفية سير المؤسسات الدستورية في الظروف االقتصادية
واالجتماعية والثقافية المحيطة بها ،وبهذا فإن مادة النظم السياسية تبحث عن اإلجابة
الموضوعية التي تحكم بها الشعوب فعليا ال شكليا من خالل النصوص القانونية .
حيس سنسلط في بحثنا حول السلطة كموضوع لعلم السياسة و ذلك بتقسيمه الى مبحثين
المبحث األول :النظام السياسي و السلطة
يفترض وجود نظام سياسي ،وفق رؤية مفهوم السياسي على انه السلطة ،وجود عالقة
بين طبقتين متمايزتين من حيث حيازاتهما على السلطة ،وهما طبقة الحكام وطبقة المحكومين ،
وظاهرة السلطة هي التي تضفي على النظEEام السياسEEي صEEفته ،وطبيعتEEه الممEEيزة لEEه عن النظم
االجتماعية األخرى ،ولقد انبرى لتعريف النظام السياسي وفق هذه الرؤية العديEEد من المفكEEرين
ومن بينهم :1
تعريف هارولد السويل :لقد نظر هذا المفكر إلى النظام السياسي من زاوية النخبة السياسية التي
تحوز على السEEلطة ،وهEEو بهEEذه النظEEرة سEEلوكي النزعEة ،الEEتي تسEEتلزم معرفEEة طبيعEEة النخبEEة
السياسEEية داخEEل النظEEام السياسEEي الEEتي تماله وتحركEEه ،وهي المعرفEEة الEEتي تقتضEEي تنEEاول
الخصائص الشخصية ،كالسمات ،والمهارات ،وتأثير المشارب االجتماعية الEEتي تنحEEدر منهEEا
النخبة السياسية ،وهي المعرفة التي تسمح لنا باكتمال صورة النظEEام السياسEEي من خالل تحديEEد
وطرح السؤال ،من ؟ يحصل على ماذا ؟ متى ؟ كيف ؟
أما السؤال ،يحصل على ماذا :يجيب على الموارد السلطوية للنظام السياسي .
و السؤال متى ؟ :يجيب عن الظروف التاريخية التي أدت إلى القيام هذا النظام السياسي
أما السؤال كيف ؟ يشير إلى كيفية بناء هذا النظام السياسي .
أمEEا مEEاكس فيEEبر :فقEEد جعEEل من السEEلطة هي اإلمكانيEEة المتاحEEة ألحEEد العناصEEر داخEEل عالقEEة
اجتماعية معينة ليكون قادرا على توجيهها حسEEب مشEEيئته ،وهEEو المفهEEوم الEEذي اسEEتخدمه في
بحثه عن شرعية القEوة كEدليل لفهم النظEام السياسEي ،فهEو يEرى أن النظEام السياسEي هEو الEذي
يحتكر أو يمتلك حق االستخدام الشرعي للقوة ،
1
األستاذ :جعفري عبد الرزاق ،محاضرات في مقياس النظم السياسية المقارنة ،جامعة المسيلة 2022،
المطلب الثاني :عناصر طرح نموذج للنظام السياسي
نجد تعريف أخر للنظام السياسي بأنه مجموعة من القواعد واألجهزة المتناسEEقة والمرتبطEEة فيمEEا
بينهEEا ،تEEبين نظEEام الحكم ووسEEائل إسEEناد السEEلطة ،وأهEEدافها وطبيعتهEEا ،ومركEEز الفEرد فيهEEا ،
وضماناته ،كما تحدد عناصر القEEوى المختلفEEة الEEتي تسEEيطر على الجماعEEة وكيفيEEة تفاعلهEEا مEEع
بعضها ،والدور الذي تقوم به كل منها ،وهناك من يطرح نموذجا لنظام السياسي باالسEEتناد إلى
أربعة عناصر هي:
-1نمط المصالح التي تشير إلى كل ما يتعلق بصEEنع السياسEEة وتحديEEد األهEEداف داخEEل المجتمEEع
السياسي.
-4نمط الثقافة السياسية ،أي توجهات والتصورات الخاصة بالشرعية السياسية .
من التعاريف السابقة بمجملها يمكن أن ننظر إلى النظام السياسي من زاويتين هما :
زاوية المفهوم العضوي :ويقصد يه مجموعة المؤسسات واألجهزة السياسية التي تجسEEد البنEEاء
والهيكل التنظيمي للنظام السياسي ،ويتحدد شكل النظام ومالمحه من خالل الدستور الذي يحEEدد
إطار النظام وطبيعة عمله ،وقد ركز على هذه الزاوية كل من هالولد السويل ،ومEEاكس فيEEبر ،
وهي الزاوية التي يرى منها النظام السياسي على أنEEه جهEEاز سياسEEي وإداري ومؤسسEEاتي الEEذي
ينهض بإدارة موارد المجتمع ،وبموجب الصالحيات المخولة لها في إستخدام القهر المشEEروع ،
بغرض أمن ومصالح اإلفراد والمجتمع .
زاوية المفهوم الوظيفي :والذي ركز عليه كل من إستن ،وألموند ،وهEEو المفهEEوم الEEذي يEEرى
النظEEام السياسEEي مجموعEEة مترابطEEة من األنشEEطة السEEلوكية المقننEEة ،والEEتي تنظم عمEEل القEEوى
والمؤسسات والوحدات الجزئية التي يتكون منها النظام السياسي
-1إذ يقصد بالحكومة أوال نظام الحكم ،أو شكل الحكومEEة ،أي كيفيEEة ممارسEEة السEEلطة العامEEة
في المجتمع ،وهذا هو أوسع المعاني التي تطلق على الحكومة .
-2ويستخدم تعبير الحكومEEة كEEذالك للداللEEة على مجمEEوع الهيئEEات الحاكمEEة او المسEEير للدولEEة ،
وهي السلطات الثالث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
-3وتطلق الحكومة على السلطة التنفيذية فقط دون السEEلطتين التشEEريعيتين و القضEEائيتين ،وهEEذا
هو المعنى الضيق للحكومة.
-4كما عرفت الحكومة بعملية الحكم الEتي تتم بهEا ممارسEة قEEدر من السEلطة على اآلخEرين من
قبل السلطة السياسية والتي يخضع لقوانينها أفراد المجتمع.
وإذا كان النظام االجتماعي هو النظام الكلي الذي ينبثق منه النظام السياسEEي ،فEEان نظEEام
الحكم هو اللبنة األولى للنظام السياسي ،فهو األساس الذي يحدد النظام السياسي للدولEEة ،فنظEEام
الحكم يتلخص في مجموعة القواعEEد الدسEEتورية الEEتي تسEEتهدف تنظيم السEEلطات العامEEة للدولEEة ،
وتحديد اختصاصاتها ،وكذالك للعالقة بينها ،كما تبين حقوق وواجبات األفراد في الدولة .
وعرف " دفيد ابتر" الحكومEة بأنهEا مجموعEة من األفEراد ،يتمتعEون بصEEالحيات محEدد
لممارسة السEEلطة نيابEEة عن المجتمEEع لحمايتEEه وتطEEويره ،عن طريEEق اتخEEاذ وتطEEبيق القEرارات
األزمة.
يمكن تصنيف العناصEEر المكونEة لألنظمEة السياسEية إلى عناصEEر ماديEة وأخEرى غEير ماديEة ،
وتتمثل العناصر المادية في :
-1األجهزة الرسمية :وهي تشمل السلطات الثالث في الدولة والمتمثلة في :
-السلطة التشريعية :التي تضطلع أساسا بالوظيفة التشريعية وإضفاء الشرعية والقوة القانونيEEة
على القوانين والتشريعات والقواعد العامة التي تنظم مختلف أوجه الحياة السياسEEية واالقتصEEادية
واالجتماعية والصحية وغيرها في الدولة .
-السلطة القضائية :والمقصود بها جميع المحاكم والمجEEالس القضEEائية ،سEEواء على المسEEتوى
المركEEزي ،أو األقEEاليم المحليEEة ،وهي تضEEطلع بمهمEEة صEEياغة وتفسEEير النصEEوص القانونيEEة ،
وقياس مدى مطابقة األنظمة واللوائح والقوانين مع دستور الدولة من جهEEة ،كمEEا تEEبرز إذا كEEان
التشريع ناقصا من حيث الشكل والصياغة ،أو يقتضي إضافات جديدة.
-األجهزة اإلعالمية :وتتمثل في مختلف القنوات والجرائد والمواقع والخاليا اإلعالمية الممولة
من ميزانية الدولة ،وهي تعتبر األداة الشرعية للترويج للسياسات العامة لألنظمة السياسية بحثا
عن المشروعية عن طريق النجاعة في االنجاز وتطEEوير المجتمEEع ،كمEEا تعتEEبر إحEEدى الوسEEائل
التي تعمل على جلب التأييد لألنظمة السياسية عن طريق التعبئة والدعم .
-2األجهزة غير الرسمية :إن اسEEتحالة التعبئEEة الشEEاملة للمجتمEEع على األداء السياسEEي لألنظمEEة
السياسية ،جعلت األنظمة السياسية تEEتيح إمكانيEEة التعبEEير عن الEEرأي المخEEالف لهEEا ،في قنEEوات
خاصة منظمة وفق قانون أساسي لها ،وهذه القنوات هي :
-األحزاب السياسية :وهي منظمة غير رسEمية ،تنشEأ في الوسEط االجتمEاعي لتحقيEق أهEداف
محددة ،وغالبا ما توجد مجموعتان من األحزاب في ظل األنظمة السياسEEية ،المجموعEEة األولى
تقEEود السEEلطة في البالد وهي الEEتي تتصEEدر السEEلطتين التشEEريعية والتنفيذيEEة ،تعمEEل على شEEرح
السياسات العامة للحكومة ،ومواقفها ،والعمل على إقناع الرأي العEEام بصEEحتها ،وقEEدرتها على
تحقيق المصلحة العامة ،كما تعمل على تشEEكيل السEEلطة السياسEEية وتحديEEد مسEEاراتها ،وتوجيEEه
عملية رسم السياسات العامة طبقا للفلسفة والتوجيهات الفكرية التي تؤمن بها .
أما المجموعة الثانية فتعمل على كسب التأييEEد الجمEEاهيري تمهيEEدا لخEEوض االنتخابEEات من أجEEل
الوصول إلى السلطة ،وعادة ما تلجأ إلى نقد السياسة العامة لألحEEزاب الحاكمEEة ،بهEEدف تEEأليب
الرأي العEام عليهEا ،فهي تظهEر دائمEا بEدور المEدافع عن مصEEالح الجمEاهير الواسEعة ومحاولEة
إيصالها إلى صناع القرار من خالل الضغط الجماهيري.
-منظم00ات المجتم00ع الم00دني :وهي جمعيEEات منظمEEة تEEأطر المجتمEEع المEEدني في مختلEEف
القطاعات ،وهي رافد مهم لألنظمة السياسية ،تعمل على بلورة المطالب االجتماعية وتجميعهEEا
وإيصالها إلى الجهات الرسمية ،كما تطرح البدائل للسياسEات المتعلقEة بكEل قطEاع ،كمEا تعمEل
على ترشيد صنع وتنفيذ مشاريع السياسة العامة ،من خالل تزويد أصEEحاب القEEرار بالمعلومEEات
الواقعية في مختلف القطاعات.
الجماعات الضاغطة :وهي مجموعة من األفراد يلتقون في أهداف وصEEفات وخصEEائص معينEEة
يسعون إلحداث التأثيرات المطلوبة في السلوك الذي يتخذه صEEناع القEEرار في األنظمEEة السياسEEية
اتجEEاه قضEEاياهم ومطEEالبهم وتوجيهEEه لمصEEالحهم المشEEتركة.لمEEا يتمتعEEون بEEه من القEEوة والنفEEوذ
المستمدين من العالقات المتنوعة والمتداخلة مع أفراد وأجهزة األنظمة السياسية .ويتوقEEف تEEأثير
الجماعات الضاغطة على حسن تنظيمها وشسEEاعة حجمهEEا وكEEثرة مواردهEEا والمكانEEة الجماعيEEة
لهEEذه الجماعEEة أو تلEEك تماسEEك أعضEEائها درجEEة المنافسEEة بين هEEذه الجماعEEات موقEEف األجهEEزة
الحكومية من مطالبها نمط اتخاذ القرار في النظام السياسي .