You are on page 1of 395

‫جمهورية السودان‬

‫جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا‬

‫كلية الدراسات العليا‬

‫كلية اللغات‪-‬قسم اللغة العربية‬

‫ُّ‬
‫تغير الفعل بني البناء للمعلوم والبناء للمجهول‬
‫َّ ٌ‬ ‫َّ ٌ‬ ‫ٌ‬
‫يف القراءات العشر وأثره يف املعىن‪ ،‬دراسة حنوية داللية‬

‫‪Conversion of Verb between Active and Passive Voice Structure in‬‬


‫‪Tenth Quranic Readings and Its Impact in Meaning: Syntactic and‬‬
‫‪Semantic Study‬‬

‫بحث َّ‬
‫مقدم لنيل درجة دكتوراة الفلسفة في اللغة العربية (النحو والصرف)‬

‫إشراف األستاذ الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالب‪:‬‬


‫مبارك حسين نجم الدين‬ ‫محمد سعيد هادي الهجــري‬

‫‪2019‬م‬

‫أ‬

‫ب‬
‫إهداء‬

‫اح األشواك عن دربي لي َمهد لي طريق العلم‪ ،‬إلى والدي ذي القلب‬ ‫إلى من َأز َ‬
‫بقاءك‪ ،‬أهدي َك ثمرة‬
‫َ‬ ‫بالصبر والعزيمة‪ ،‬أطال الل‬
‫َّ‬ ‫اإلنجاز مقرون‬
‫َ‬ ‫الكبير‪َ ،‬من علَّ َمني َّ‬
‫أن‬

‫من ثمار غرس َك‪.‬‬

‫إلَيك يا أ َّماه خيمة الحنان وغيمة المكان‪َ ،‬من تحملني دائما بين يديها بدعاء‬

‫متَّصل للسماء‪ ،‬هاك قطرة في بحرك العظيم‪ ،‬حبًّا وطاعة ًّا‬


‫وبر‪.‬‬

‫إلى رفيقة دربي َمن سارت معي نحو الحلم‪ ،‬خطوة بخطوة‪ ،‬ب َذرناه معا‪،‬‬

‫وحصدناه معا‪ ،‬وسنبقى بإذن الل معا‪ ،‬زوجتي أنت سقَائي بعد الل وأنت المطر‪ ،‬فجزاك‬

‫خير على صبرك‪.‬‬


‫الل ا‬

‫إلى القلوب الطاهرة الرقيقة والنفوس البريئة رياحين حياتي‪ ،‬أوالدي‪.‬‬

‫اسم العطاء‪ ،‬وَنتعلَّم الوفاء‪،‬‬ ‫إلى ذكريات اختلطَت بحنين َّ‬


‫الشوق إلى لقياكم‪ ،‬نتَقَ َ‬
‫أخي‪ ،‬أخواتي‪ ،‬أنتم لي زهر الحياة ونورها‪.‬‬

‫إلى حماة العربية وطالب العلم الباحثين في لغة القرآن الكريم وبيانه‪ ،‬تنحني‬

‫لكم القامات اعترافا بفضلكم وجميل عطائكم‪ ،‬فلتَقَبلوا بحثي هذا في مسيرة َركبكم‪.‬‬

‫إلى البلد الطيب (السودان) الَّذي ال ينفصل عن اللغة واألدب والشعر كما‬
‫يصعب على َّ‬
‫الشفَة أن تنفَص َل عن القبلَة‪.‬‬

‫هاره‪ ،‬والى الفلك‬


‫أنا في إهدائي إلى مقامكم جميعا‪ ،‬كمن يهدي إلى بستان أز َ‬
‫أقم َاره‪ ،‬والى البحر جدوال‪ ،‬والى السَّيل و َشال‪ ،‬فاقبلوها هدايا طي َبات مطَيَّبات‪.‬‬
‫وسه و َ‬
‫شم َ‬

‫ج‬
‫شكر‬

‫الشكر الَّذي‬
‫علي من ُّ‬
‫تعبُّدا لل تعالى بحمده‪ ،‬ورغبة فيما عنده‪ ،‬أعترف بحقه َّ‬

‫الشكر أوفاه وأجزله‪ ،‬ومن الثَّناء أحسنه وأجمله‪.‬‬


‫هو أهله‪ ،‬فله من ُّ‬

‫رَه ا‬ ‫َو َك فَ ي تَ ن ي ك َّل األم ور ب أَس‬ ‫ك رَه ا‬ ‫ن َع م ا أَب وح بش‬ ‫أَولَ ي تَ ن ي‬


‫ك َرَّن َك أَع ظ م ي ف ي قَ ب رَه ا‬ ‫َف لَ تَش‬ ‫َك َم ا َح َيي ت وان أَم ت‬ ‫فَ َلَش ك َرَّن‬

‫ص َنا به نحن‪-‬‬
‫ثم للسودان العظيم وأهله شكر جزيل على كرم الضيافة الذي اختَ َّ‬
‫َّ‬

‫اليمنيين‪َّ ،-‬‬
‫فكأن لسان حالنا‪:‬‬

‫اد َيقتل َن ا َلوَال تَ َالق َين ا‬ ‫ي َك‬ ‫أ‬ ‫ظ َم‬


‫جئ َن ا إلَي ك وفي أَك َب اد َن ا َ‬
‫َوم ن َم َن ازل أَه ل ي َن ا ألَه ل ي َن ا‬ ‫طن‬
‫ج ئ َن ا إلَ ي ك فَ م ن َدار إل ى َو َ‬

‫أسجل شكري وعرفاني لمحراب العلم وقبلة العلماء جامعة السودان للعلوم‬
‫وَ‬

‫والتكنولوجيا والقائمين عليها من نيابة الدراسات العليا‪ ،‬وعمادة كلية اللغات‪ ،‬وأعضاء‬

‫هيئة التدريس فيها‪ ،‬وللسادة العلماء األجالء الذين تفضلوا بقبول مناقشة هذا البحث‬

‫شكر موصول بامتنان‪ ،‬فتوجيهاتكم منارة أهتدي بها‪ ،‬ف َش َك َر الل تعالى لكم‪.‬‬

‫علي‪ ،‬وكلَّف نفسه عناء متابعتي‬ ‫أستاذي الدكتور مبارك َمن َّ‬
‫تفضل باإلشراف َّ‬

‫توجيها ونقدا علميًّا َّبناء‪ ،‬الوفاء لك َدين ال يقضيه ثناء يقَ َّدم‪ ،‬وال كتاب يهدى‪ ،‬وحسبك‬

‫ما عند الل تعالى من ذكر‪ ،‬فذكر الل أوفى وأبقى‪.‬‬

‫الباحث‬

‫د‬
‫مستخلص البحث‬

‫هدف البحث لتقديم دراسة داللية لتغيُّر الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني‬

‫وردت بها صورة التغيُّر في‬


‫للمجهول والعكس من خالل تحليل نماذج من األفعال َ‬

‫القراءات القرآنية العشر في ضوء السياق العام الذي وردت به كل قراءة‪ ،‬وقد أفاد الباحث‬

‫من جهود من سبقه من الباحثين من خالل جملة من الدراسات السابقة اللصيقة بموضوع‬

‫النماذج عند حدود التعليل َّ‬


‫النحوي فقط‪ ،‬بل‬ ‫البحث‪ ،‬ولم يقف الباحث أثناء تحليل هذه َّ‬

‫تجاوزه إلى التعليل البالغي والبياني‪ ،‬للوقوف على أسرار هذا التغيُّر ودالالته من خالل‬

‫السي اق القرآني‪.‬‬

‫جاءت الدراسة في تمهيد وبابين‪ ،‬عني الباب األول‪ :‬بدراسة تغيُّر الفعل من‬

‫المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول‪ ،‬ودالالته‪ ،‬في الفعل الماضي ثم المضارع‪ ،‬كما‬

‫عني الباب الثاني بدراسة تغيُّر الفعل من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫في الفعل الماضي ثم المضارع كذلك‪ ،‬وتوصل الباحث إلى َّ‬


‫أن التغيُّر بين بنيتي المعلوم‬

‫مظهر من مظاهر إعجاز القراءات القرآنية‪ ،‬و َّ‬


‫أن السياق هو اإلطار‬ ‫ا‬ ‫والمجهول ُّ‬
‫يعد‬

‫ثمة أغراض بالغية‬


‫أن هناك َّ‬ ‫الناظم لدالالت هاتين البنيتين‪ ،‬كما َّ‬
‫أكدت الدراسة على َّ‬

‫تناط بالمعلوم والمجهول يمكن استنباطها من السياق القرآني غير التي ذكرها الُّنحاة‬

‫والبالغيُّون‪.‬‬

‫ويوصي الباحث بإيالء القراءات القرآنية مزيد اهتمام في التنقيب عن الظواهر‬

‫اللغوية التي تثري البيان القرآني‪ ،‬وتمتع القارئ بصنوف اإلعجاز التي ال تنتهي مع‬

‫كالم الل‪.‬‬
‫ه‬
Abstract

The research aimed to propose semantic study to conversion of the verb


form of active to passive voice and vice versa through analyzing verbs that
express changing in style of tenth Quranic Readings according to the
context through which each is adopted.

The research made use of previous studies in this respect. Not only
syntactic reasoning was tackled but also rhetoric to make aware of verb
conversion and its connotations in terms of Quranic context.

The study consisted of introduction and two chapters: Chapter One dealt
with the conversion of verb from active to passive voice form, its
connotations in past verb-form and present one. The Second Chapter
outlined the conversion of verb from passive to active voice form and its
connotations in past and present verb. It is concluded that the conversion
between active voice and passive structure considers one of outstanding
phenomena in Quranic Readings; where the context considers as a referred
frame work to the connotations of the two structures. In addition, there are
rhetoric aims expressed by the form of active and passive voice which can
be inducted from the Quranic context that not stated by grammarians.

A number of recommendations were made by the research; the most


important one is that it is significant to place more emphasis on exploring
linguistic phenomena which enrich Quranic rhetoric which attract the
reader to enjoy everlasting types of inimitability in Quranic texts.

‫و‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫رقم الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪22‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪24‬‬ ‫المبني للمعلوم والمبني للمجهول‪ ،‬واصطالحهما عند النحاة‬
‫‪35‬‬ ‫صور بناء الفعل للمجهول‬
‫‪35‬‬ ‫‪ .1‬الفعل الماضي‬
‫‪36‬‬ ‫‪ .2‬الفعل المضارع‬
‫‪38‬‬ ‫أغراض حذف الفاعل‬
‫‪39‬‬ ‫‪ .1‬األغراض اللفظية‬
‫‪39‬‬ ‫‪ .2‬األغراض المعنوية‬
‫‪44‬‬ ‫أغراض ذكر الفاعل‬
‫‪46‬‬ ‫فوائد اختالف القراءات‪ ،‬وأثره على الداللة والمعنى‬
‫‪194-61‬‬ ‫الباب األول‪ :‬تغيُّر الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول‬
‫‪124-62‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬
‫‪95-63‬‬ ‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬التغير في الفعل الثالثي‬
‫‪68‬‬ ‫‪ -‬أَخذ‪-‬أخ َذ‬
‫‪76‬‬ ‫ف‪-‬خسف‬
‫‪َ -‬خ َس َ‬
‫‪82‬‬ ‫ضى‪-‬قضي‬
‫‪ -‬قَ َ‬
‫‪89‬‬ ‫‪َ -‬ن َزل‪-‬نزل‬
‫‪124-96‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬التغير في مزيد الثالثي‬
‫‪97‬‬ ‫َسس‪-‬أسس‬
‫‪ -‬أَ‬
‫‪103‬‬ ‫‪ -‬أَملَى‪-‬أمل َي‬
‫‪110‬‬ ‫‪َ -‬تبيَّن‪-‬تبين‬
‫‪116‬‬ ‫‪ -‬قاتَل‪-‬قتل‬
‫‪194-125‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬
‫‪162-126‬‬ ‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬التغير في الفعل الثالثي‬
‫‪128‬‬ ‫‪َ -‬يخافا‪-‬يخافا‬
‫‪138‬‬ ‫دخل‬
‫‪َ -‬يدخل‪-‬ي َ‬
‫‪147‬‬ ‫‪َ -‬يسأل‪-‬يسأل‬
‫‪154‬‬ ‫‪َ -‬يغل‪-‬ي َغل‬

‫ز‬
‫رقم الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫‪194-163‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬التغير في مزيد الثالثي‬
‫‪163‬‬ ‫‪َ -‬نتقبل‪-‬يتَقبل‬
‫‪173‬‬ ‫‪ -‬نجازي‪-‬ي َج َازى‬
‫‪183‬‬ ‫‪ -‬يعذب‪-‬ي َع َّذب‬
‫‪297-194‬‬ ‫الباب الثاني‪ :‬تغيُّر الفعل من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم‬
‫‪250-195‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬
‫‪222-196‬‬ ‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬التغير في الفعل الثالثي‬
‫‪197‬‬ ‫‪ -‬أذن‪-‬أَذن‬
‫‪206‬‬ ‫صد‪-‬صد‬
‫‪َ -‬‬
‫‪216‬‬ ‫‪ -‬فتن‪-‬فَتَن‬
‫‪250-223‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬صور التغير في مزيد ثالثي‬
‫‪224‬‬ ‫خفي‪-‬أخفي‬
‫‪ -‬أ َ‬
‫‪231‬‬ ‫‪ -‬عمي‪َ -‬عمي‬
‫‪240‬‬ ‫‪ -‬فزع‪-‬فَزع‬
‫‪297-251‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬
‫‪277-252‬‬ ‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬التغير في الفعل الثالثي‬
‫‪254‬‬ ‫‪ -‬ترجع‪-‬ترجع‬
‫‪266‬‬ ‫‪ -‬تسأل‪-‬تَسأَل‬
‫‪297-278‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬صور التغير في مزيد ثالثي‬
‫‪279‬‬ ‫‪ -‬يوقد‪-‬تَوقَّد‬
‫‪286‬‬ ‫‪ -‬يضاعف‪-‬نضعف‬
‫‪298‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪308‬‬ ‫النتائج والتوصيات‬
‫‪317‬‬ ‫المالحق‬
‫‪384-338‬‬ ‫الفهارس‬
‫‪339‬‬ ‫فهرس اآليات القرآنية‬
‫‪353‬‬ ‫فهرس األحاديث النبوية‬
‫‪355‬‬ ‫فهرس األبيات الشعرية‬
‫‪359‬‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫ح‬
‫ح‬
‫ِّ‬
‫املقدمــــــــــــة‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫الحمد هلل على سوابغ نعمائه‪ ،‬وضوافي آالئه‪ ،‬والصالة والسالم على أكرم رسله‪،‬‬

‫َّاضا يغترف منه الباحثون‪ ،‬وينهل‬


‫منهال في ا‬
‫ا‬ ‫وخيرة أنبيائه وبعد‪ ،‬فال يزال القرآن الكريم‬

‫يقينا وأث ارا‪ ،‬كلَّما زادوه ُّ‬


‫تأم اال وتف ُّك ارا‪،‬‬ ‫منه المريدون‪ ،‬فال هو ينضب وال هم يرتوون‪ ،‬يزيدهم ا‬

‫ال تنقضي عجائبه‪ ،‬وزيَّن الشوق لدار الكرامة رغائبه‪ ،‬متن ٍاه في البالغة إلى الحد الذي‬

‫عجز عنه الخلق‪ ،‬لم ينظم على بحور الشعر وال على طريق السجع‪ ،‬خرج عن المعهود‬

‫من نظام جميع ما عرف العرب في القديم والـحديث‪ ،‬وأمتع الدارسين بألفاظه ومعانيه‪،‬‬

‫ويمموا وجوههم شطره‪.‬‬


‫فصوبوا بحوثهم نحوه‪َّ ،‬‬
‫َّ‬

‫نزل القرآن الكريم بلسان ٍ‬


‫قوم استووا على الفصاحة‪ ،‬ولووا عنان البالغة‪ ،‬فصاروا‬

‫فرسان البيان‪ ،‬وأئمة التبيان‪ ،‬فأصخت آذانهم إلى أقواله‪َّ ،‬‬


‫تحداهم بنظمه وقراءاته‪ ،‬وببيانه‬

‫وترتيب آياته؛ فما استطاعوا له وصوال‪ ،‬إنَّه معجزة اهلل‪ ‬الخالدة الذي امتلك بأسلوبه‬

‫البديع ناصية البيان‪ ،‬وذروة مقامات البالغة‪ ،‬ولقد توالت دراسات القدماء والمحدثين‬

‫تحاول البحث في سر إعجاز القراءات القرآنية التي تتميز أوجه التغاير بينها بانفتاحها‬

‫سر من أسرار‬
‫علما‪ ،‬وهذا ٌّ‬
‫على جملة واسعة من الدالالت ال يمكن أن يحاط بها ا‬

‫اإلعجاز والبيان‪ ،‬فالعقائد واألحكام والمعامالت واآلداب لكل منها نصيب في هذه‬

‫القراءات لمن أمعن النظر ودقَّق البحث‪ ،‬كما أن القراءات القرآنية كانت وال تزال مادة‬

‫البالغي‬
‫ُّ‬ ‫اء بين اللُّغويين ف َّ‬
‫النحوي والصرف ُّي و‬ ‫ُّ‬
‫الدرس اللغوي‪ ،‬أحدثت تفاعال ّبن ا‬
‫من مواد ّ‬

‫كل يجد فيها مبتغاه‪ ،‬وينشد منها ضالَّته‪.‬‬


‫ٌّ‬

‫شاف و ٍ‬
‫اف‪ ،‬وال سبيل لتخطئة‬ ‫ٍ‬ ‫نزل القرآن الكريم على سبعة أحرف كل منها‬

‫الصحيحة‪ ،‬ولم تخرج عن مقاييس اللّغة نثرها‬


‫قراءاته إذا ما توافرت لها شروط القراءة ّ‬

‫‪1‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫تعددها رحمة وتيسير للعباد‪ ،‬وقد َّ‬


‫أكد هذا المعنى‬ ‫وشعرها‪ ،‬فهي توقيفية من اهلل‪ ،‬وفي ُّ‬

‫سنة متَّبعة ال تق أر‬


‫بأن القراءة َّ‬
‫أن أخذه بالقياس ال يمنعه من القول َّ‬
‫سيبويه حين بيَّن َّ‬

‫سائغا في اللغة العربية‪ ،‬أو‬


‫بالقياس‪ ،‬وال مجال فيها لالجتهاد والرأي وان كان مثل ذلك ا‬

‫"فأما قوله‪{:‬ﰌﰍﰎﰏ ﰐ } [سورة القمر‪،]49:‬‬ ‫في ٍ‬


‫وجه من وجوهها‪ ،‬حيث يقول‪َّ :‬‬

‫وقوله‪ {:‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ} [سورة فصلت‪ ]17-16:‬إّنما هو‬

‫يدا ضربته –وهو عربي كثير‪ ،-‬وق أر بعضهم بفتح الدال من (ثمود)‪ ،‬إال‬
‫على قوله‪ :‬ز ا‬
‫(‪)1‬‬
‫ألنها السَُّّنة" ‪.‬‬
‫أن القراءة ال تخالف؛ َّ‬
‫َّ‬

‫سببا في ردها أو القدح فيها‪ ،‬فالَّلغة لم‬ ‫ٍ‬ ‫وعليه فال ُّ‬
‫يعد إنكار النحاة لقراءة ما ا‬

‫تنحصر في قواعد البصريين وال الكوفيين؛ بل هي عربيَّة محضة‪ ،‬تستنبط منها قواعد‬

‫المعول عليها في االستدالل واالستشهاد‪" ،‬فأئمة القراءة ال تعتمد في‬


‫َّ‬ ‫َّ‬
‫النحو واللغة‪ ،‬وهي‬

‫ٍ‬
‫شيء من حروف القرآن على األفشى في اللغة‪ ،‬واألقيس في العربية‪ ،‬بل على األثبت‬

‫األصح في َّ‬
‫النقل والرواية؛ ألن القراءة سنة متبعة‪ ،‬يلزم قبولها والمصير‬ ‫ّ‬ ‫في األثر‪ ،‬و‬
‫(‪)2‬‬
‫إليها " ‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن الباحث في هذا المنهل العذب‪-‬أعني به القراءات القرآنية‪ -‬ليمتع نفسه‬

‫بكثير من صور التغيُّر بين القراء التي لها أثر على الداللة كاالختالف بين اإلفراد‬

‫(‪ )1‬سيبويه‪ ،‬أبو بشر عمرو بن عثمان(‪1982‬م)‪ :‬الكتاب‪ ،83/1 ،‬تحقيق‪ :‬هارون‪ ،‬عبد السالم‪ ،‬ط‪ .2‬القاهرة‪:‬‬
‫مكتبة الخانجي‪.‬‬
‫(‪ )2‬الداني‪ ،‬أبو عمرو عثمان بن سعيد(‪2007‬م)‪ :‬جامع البيان في القراءات السبع‪ ،51/1 ،‬ط‪ ،1‬اإلمارات‪ :‬جامعة‬
‫الشارقة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫زمنا‬
‫والتثنية والجمع‪ ،‬أو بين المذكر والمؤنث‪ ،‬أو االسم والفعل‪ ،‬أو اختالف بنية الفعل ا‬

‫إعجابا في‬
‫ا‬ ‫ووزانا‪ ،‬وكلَّما صادف القارئ اا‬
‫كسر لنظام اللّغة الثابت في ذهنه؛ أحدث ذلك‬

‫نفسه‪ ،‬وتجلَّى له عنصر المفاجأة‪ ،‬كما انفتح َّ‬


‫النص أمامه على كم هائل من الدالالت‬

‫التي ما كان ليحصل عليها لوال ذلك التغيُّر‪ ،‬لذلك َّ‬


‫فإن تخطي النظام اللغوي المألوف‬

‫يشكل أس اسا راسخة في اإلعجاز القرآني‪ ،‬ويتجلَّى هذا اإلعجاز في االختيار اإللهي‬

‫للَّفظ القرآني كل في موضعه‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن التأمل في الجانب البياني للقراءات القرآنية لون جديد من ألوان إعجاز هذا‬

‫الكتاب الخالد‪ ،‬ولقد عني الباحث بالتأمل في بنية الفعل المبني للمعلوم والمبني للمجهول‬

‫ٍ‬
‫كوجه من وجوه إعجاز القراءات القرآنية يجدر االلتفات إليه‪ ،‬ودراسته دراسة متأنية‬

‫تحاول أن تقترب من القيم الداللية للفعل المبني للمعلوم والمجهول‪ ،‬وتبحث في دالالت‬

‫خاصةا و َّ‬
‫أن الناظر في تقسيم علماء اللغة للفعل من‬ ‫َّ‬ ‫تغير البنيتين بين قر ٍ‬
‫اءة وقراءة‪،‬‬ ‫ُّ‬

‫حيث بنائه للمعلوم والمجهول يجد َّ‬


‫أن هذا التقسيم ال يعدو أن يقف على وصف البنية‬

‫الصرفية للفعل‪ ،‬أو التمثيل بأغراض ذكر الفاعل أو حذفه مع هاتين البنيتين كالعلم‬

‫بالفاعل‪ ،‬أو الخوف عليه‪ ،‬أو منه إلى غير ذلك من األغراض التي ذكرها ُّ‬
‫النحاة‬

‫والبالغيُّون‪ ،‬أو النظر إلى كال البنيتين من ازوية تقليدية حصرت البحث في مسائلهما‬

‫على مباحث صرفية ونحوية بحتة‪ ،‬رَّبما أشعرت الباحث في أوجه التغاير بين القراءات‬

‫ٍ‬
‫بشيء من الجمود إن لم يخرج عن إطار ما رسم لهاتين البنيتين من دالالت‬ ‫القرآنية‬

‫مسبقة تمثَّلت في األغراض اآلنفة الذكر‪.‬‬


‫َّ‬

‫‪3‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫وهنا ال يغفل الباحث القول َّ‬


‫بأن صور التغيُّر بين القراءات القرآنية تحدث في‬

‫تام ٍة مع ما يسمع‬
‫بحيوي ٍة َّ‬
‫َّ‬ ‫طا ينقل القارئ والسَّامع إلى دائرة التركيز‪ ،‬والتفاعل‬ ‫َّ‬
‫النفس نشا ا‬

‫ويق أر من أوجه االنتقال بين قراءة وأخرى‪ ،‬إضافة إلى ما يتفتَّق عن ذلك التغيُّر من قيم‬

‫وتنوع‬ ‫بالغية‪ ،‬وما يجود به هذا األسلوب من لمسات بيانية تسهم في ثراء َّ‬
‫النص القرآني ُّ‬

‫كثير ال يجري السياق القرآني– بما في ذلك سياق القراءات القرآنية–على ٍ‬


‫نمط‬ ‫دالالته‪ ،‬و اا‬

‫دول و ٍ‬
‫التفات إلى‬ ‫َّن نفجأ بع ٍ‬ ‫و ٍ‬
‫احد من المطابقة بين األفعال‪ ،‬فحين يسترسل في نس ٍ‬
‫ق معي ٍ‬

‫مما يثير َّ‬


‫الدهشة ويحرك الذهن الستنباط أسرار هذا العدول وبالغته‪.‬‬ ‫سيا ٍ‬
‫ق آخر‪َّ ،‬‬

‫ولما استق أر الباحث مواضع ُّ‬


‫تغير الفعل من المبني للمعلوم إلى المجهول والعكس‬ ‫َّ‬

‫تمهيدا للخوض في هذه الدراسة؛ برز أمام تساؤ ٌل مثَّل مشكلة البحث‪،‬‬
‫ا‬ ‫بين القراء العشرة‬

‫هو‪ :‬هل يع ُّد التغيُّر بين بنيتي الفعلين المبني للمعلوم والمبني للمجهول م اا‬
‫ظهر من‬

‫مظاهر اإلعجاز في القراءات القرآنية؟ ونتج عن السؤال جملة من التساؤالت الفرعية‬

‫يجملها فيما يلي‪ :‬هل داللة الفعل المبني للمعلوم كداللة الفعل المبني للمجهول؟ فإن‬

‫اهتمت دراسات المتقدمين والمتأخرين بالمبني للمجهول دون المعلوم؟‬


‫كانتا مختلفتين فلم َّ‬

‫ثم ما األثر الداللي الذي يحدثه التغيُّر بين البنيتين؟ وهل تتعارض تلك الدالالت المتولدة‬
‫َّ‬

‫أخير ما دور السياق في فهم دالالت التغيُّر من البناء للمعلوم‬


‫عن صور ذلك التغيُّر؟ و اا‬

‫إلى المجهول والعكس؟‬

‫َّ‬
‫شكلت تلك التساؤالت منطلقا يستند إليه الباحث في التنقيب عن أغوار الداللة‬

‫ودقائقها‪ ،‬وذلك شرف مقصود‪ ،‬وكرم منشود لتعلقه بكالم المولى‪‬؛ فجاءت هذه الدراسة‬

‫‪4‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫بعنوان‪ :‬تغيُّر الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‪ ،‬وأثره في‬

‫المعنى‪ ،‬دراس ٌة نحويَّ ٌة دالليَّ ٌة‪.‬‬

‫الدراسة م َّما تحظى به القراءات القرآنية من اهتمام‬


‫ويرى الباحث أهمية هذه ِّ‬

‫الدرس اللغوي‪ ،‬حيث تأثَّر بها تأثُّاار و ا‬


‫اضحا فال يكاد يخلو كتاب في أصوات العربية‬ ‫في َّ‬

‫وصرفها ونحوها من جملة كبيرة من القراءات القرآنية‪ ،‬وما يتَّصل بها من مسائل أصَّلت‬

‫ٍ‬
‫ومعان أفادت‬ ‫ٍ‬
‫بدالالت‬ ‫القواعد والضوابط اللُّغويَّة‪ ،‬كما ساهمت في رفد العلوم اإلسالمية‬

‫منها في المناقشة والترجيح كما في علم التفسير والعقيدة والفقه وغيرها‪ ،‬كما تبرز أهميَّة‬

‫في للمبني للمعلوم والمبني للمجهول‬


‫هذه الدراسة كذلك من كونها تتجاوز التقعيد الصر َّ‬

‫الذي هو من صميمهما‪ ،‬إلى دراسة األثر الداللي ُّ‬


‫لتغير بنيتي الفعلين بين القراءات‬

‫توهم‬ ‫ٍ‬
‫لمقصد أسمى هو دفع ُّ‬ ‫تقليال من شأن الدراسات الصرفية‪ ،‬بل‬
‫القرآنية‪ ،‬وليس ذلك ا‬

‫الرُّد‬
‫التناقض الذي قد يقع في ذهن من ال يدرك وجوه االختالف بين القراءات القرآنية‪ ،‬و َّ‬

‫على من يقول بتدافعها وتعارضها‪ ،‬وعلى توافر الفوائد تتفاوت مراتب البالغة‪ ،‬وتزيد‬

‫وتعلو حتى تكون إعجا ااز ومبالغة في اإلعجاز‪ ،‬ومن أجل ذلك تهوي أفئدة من الناس‬

‫طوعا وكراها إلى وجوه القراءات والتَّغاير بينها‪.‬‬


‫ا‬

‫ومن أبرز األسباب التي دفعت الباحث لتناول هذا الموضوع‪ :‬ما ارتبط به‬

‫التوجيه النحوي والصرفي للقراءات القرآنية بجهود المؤلفين في معاني القرآن الكريم‬

‫وتفسيره وتوجيه قراءاته‪ ،‬فظهرت مؤلفات عديدة تعتمد على اإلعراب وسيلةا لمعرفة‬

‫المعنى المقصود باآلية القرآنية‪ ،‬ككتاب معاني القرآن للفراء‪ ،‬وجامع البيان للطبري‪،‬‬

‫المحرر الوجيز البن‬


‫والحجة للقراء السبعة ألبي علي الفارسي‪ ،‬والكشاف للزمخشـري‪ ،‬و َّ‬

‫‪5‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫عطية‪ ،‬وأنوار التنزيل للبيضاوي‪ ،‬والبحر المحيط ألبي حيان األندلسي‪ ،‬والدر المصون‬

‫للسمين الحلبي‪ ،‬وغيرهم كثير‪ ،‬واتَّسمت مناهجهم‪ ٪‬باإلشارة إلى وجوه الق ارءات‪،‬‬
‫َّ‬

‫والعناية بالتأصيل النحوي والصرفي من خالل سرد آراء جملة من ُّ‬


‫النحاة في المسألة‪،‬‬

‫ومناقشة حججهم‪ ،‬ثم إيضاح المعنى المقصود بالقراءة وتوجيه االختالف فيها حسب ما‬

‫وردت به اآلراء المتعددة‪ ،‬وانتخاب رأي راجح يختتم به الحديث عن القراءة‪ ،‬وعند تماثل‬

‫مثال– إلى القول بإثبات وجوهها على‬


‫القراءات في ق َّوة الحجة يلجأ بعضهم–كالطبري ا‬

‫السواء‪ ،‬في مقابل أولئك لجأ آخرون إلى إفراد الجهد النحوي في القرآن الكريم وقراءاته‬
‫َّ‬

‫إيمانا منهم َّ‬


‫بأن قيمة اإلعراب والصرف كافية إلدراك ما خفي من‬ ‫بمؤلفات خاصة؛ ا‬

‫معاني القرآن ومقاصد القراءات‪ ،‬فمن تلك الكتب إعراب القرآن ألبي جعفر النحـاس‪،‬‬

‫واعراب القراءات السبع وعللها البن خالويه‪ ،‬والتبيان في إعراب القرآن للعكبري‪ ،‬والكتب‬

‫ثمة دراسات اعتمدت البحث‬


‫إن َّ‬ ‫المؤلفة في هذا كثيرة جدا‪ ،‬مختلفة ترتيب ا ًّ‬
‫وحدا‪ ،‬بل َّ‬

‫الموضوعي أللفاظ الكتاب العزيز‪ ،‬لكنها لم تبرح أن ارتادت طريقة المفسرين في ذكر‬

‫معنى اللفظ وتفسيره في موضعه من اآلية‪ ،‬أو توجيه اللفظة من كتب القراءات مع َّ‬
‫أن‬

‫جميعا وظَّفت السياق ومقام‬


‫ا‬ ‫مثل هذه الدراسات في أصلها لغوية صرفة‪ ،‬ولو َّأنها‬

‫تأمل والدراسة؛ ألفادت القارئ باإليحاءات البالغية‬


‫المعني بال ُّ‬
‫ُّ‬ ‫اآليات التي يرد فيها اللفظ‬

‫والمعاني الدقيقة لتلك القراءات ووجوه االختالف بينها‪.‬‬

‫ومن األسباب التي دفعت بالباحث لتناول هذا الموضوع ابتعاد الصيغ واألبنية‬

‫عن الدراسات الداللية التي لها ارتباط عميق بالسياق؛ َّأدى إلى جمودها‪ ،‬وجعل في‬

‫ويبسا‪ ،‬في حين َّ‬


‫أن لألبنية األثر البالغ في سياق التأثير‪ ،‬ال سيما السياق‬ ‫دراستها ثقالا ا‬

‫‪6‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫القرآني‪ ،‬فالعربية لم تكن لتغاير بين البنى من صورة إلى صورة لوال أن ثمة مزية تلتمس‬

‫مقصودا لذاته من كل صورة‪.‬‬


‫ا‬ ‫في السياق‪ ،‬ومعنى‬

‫تعدد المواضع التي ت َّ‬


‫ردد فيها الفعل بين البناء للمعلوم والبناء‬ ‫ومن األسباب ُّ‬

‫للمجهول في القراءات القرآنية‪ ،‬بل وكثرتها بحيث أصبحت تشكل ظاهرة تفرض على‬

‫الباحثين في َّ‬
‫الدرس اللغوي أن يتناولوها بالدراسة والتحليل‪ ،‬فقد بلغت صور تغيُّر الفعل‬

‫موضعا)‪ ،‬ومن‬
‫ا‬ ‫من المبني للمعلوم إلى المبني المجهول ما يقرب من (خمسة وسبعين‬

‫موضعا) قام الباحث بحصرها واستقرائها‬


‫ا‬ ‫المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم (سبعين‬
‫(‪)1‬‬
‫كم مستفيض جدير بالدراسة والتحليل‪.‬‬
‫بين القراءات العشر المتواترة ‪ ،‬وهو ٌّ‬

‫ومع أهميَّة البحث في دالالت بنيتي الفعلين‪ :‬المعلوم والمجهول‪ ،‬إال َّ‬
‫أن هناك‬

‫معنى ٍ‬
‫ناظم لها يتّفق مع السياق‪ ،‬هذه الدالالت‬ ‫نظر‪ ،‬واعمال فك ٍر في ا‬
‫دالالت تحتاج بعد ٍ‬

‫تتمثَّل فيما ينشأ عن صور ُّ‬


‫التغير من المعلوم إلى المجهول تارة‪ ،‬ومن المجهول إلى‬

‫ٍ‬
‫وعناية من‬ ‫محل در ٍ‬
‫اسة‬ ‫َّ‬ ‫المعلوم تارة أخرى في مفردة واحدة بين عدة قراء‪ ،‬كان ذلك‬

‫الباحث‪.‬‬

‫النحاة والبالغيين القدامى قد َّ‬


‫تحدثوا‬ ‫أن ُّ‬
‫وم َّما يجدر ذكره من جملة األسباب َّ‬

‫عن الفعل المبني للمجهول ونظروا في داللته‪ ،‬ودرسوا أغراضه‪ ،‬وهي وان كانت نظر ٍ‬
‫ات‬

‫إشارية ُّ‬
‫تدل على معرفتهم بأسرار الكالم ومقاصده إال َّأنها تبقى في حيز الدراسات‬

‫المبني‬
‫ُّ‬ ‫بني للمعلوم لم يحظ بما حظي به‬ ‫الخاطفة ال التحليلية العميقة‪ ،‬كما َّ‬
‫أن الم َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر مالحق البحث فيها حصر بمواضع التغير‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫للمجهول من دراسة األغراض التي يخرج إليها‪َّ ،‬‬


‫ولعل ذلك ناشئ في تقدير الباحث عن‬

‫أن األول أصل والثاني فرع عنه لذا أولي بالدراسة‪ ،‬مع َّ‬
‫أن في المسألة خالفاا‬ ‫قولهم ب َّ‬

‫معتبر أراد الباحث أن يتجاوزه إلى االهتمام ببنيتي الفعلين دالليًّا‪.‬‬


‫اا‬

‫فإن نظرة ُّ‬


‫النحاة والبالغيين اشتركت في تعيين أغراض عدم تسمية‬ ‫كذلك َّ‬

‫الفاعل‪ ،‬من العلم به‪ ،‬أو تعظيمه‪ ،‬أو صيانته عن االبتذال إلى غير ذلك من األغراض‬

‫اللفظية والمعنوية‪ ،‬والتي يرى الباحث َّأنها ربَّما كانت أشبه بالقيود التي ت ُّ‬
‫حد من حيويَّة‬

‫النص وجماله‪ ،‬فالنظر إلى الروح السارية اآلخذة بلب السياق هو ما يتطلَّبه المعنى‬
‫َّ‬

‫ويقتضيه المقام‪.‬‬

‫ِ‬
‫ويهدف الباحث إلى‪ :‬تقديم دراسة داللية عميقة لصور التغيُّر بين بنيتي الفعلين‪:‬‬

‫المبني للمعلوم والمجهول في ضوء القراءات القرآنية‪ ،‬كذلك يهدف إلى دراسة األثر‬

‫المترتب على المعنى من تغيُّر الفعل من المعلوم إلى المجهول والعكس‪ ،‬ودفع التعارض‬

‫والتناقض الذي قد يت َّ‬


‫وهم بين القراءات القرآنية من خالل دراسة السياق القرآني لتلك‬

‫القراءات‪ ،‬كما يهدف الباحث كذلك إلى التوازن في دراسة بنيتي الفعلين‪ :‬المعلوم‬

‫بأن أحدهما أصل واآلخر فرع عنه ‪-‬لو سلَّم الباحث بذلك‪-‬‬
‫والمجهول‪ ،‬إذ ال يعني القول َّ‬

‫أن يهمل بيان دالالته!! بل الحكم في ذلك للسياق‪.‬‬

‫ومن جملة األهداف التي قصدها الباحث بهذه الدراسة أن يعرض األغراض‬

‫الَّلفظية والمعنوية التي ألجلها بني الفعل للمجهول على السياق القرآني‪ ،‬فيدرسها دراسةا‬

‫مستوفاةا بقصد بيان أثرها على الداللة والمعنى‪ ،‬ال أن تكون قوالب جاهزة يحكم بها‬

‫على عدٍد من المواضع‪ ،‬فذلك يح ُّد من جمال َّ‬


‫النص ويقيده‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫ألجل ذلك سلك الباحث المنهج الوصفي التحليلي‪ :‬الذي يعد مناسبا لمثل هذه‬

‫الموضوعات‪ ،‬حيث يساعد هذا المنهج في وصف الظاهرة وتشخيصها‪ ،‬ومن ث َّم تحليلها‪،‬‬

‫ولبيان األثر الداللي الذي ارتبط بالتغيُّر بين قراءة وقراءة من المعلوم إلى المجهول‪،‬‬

‫ومن المجهول إلى المعلوم‪ ،‬احتاج الباحث لحصر مواضع االختالف‪ ،‬من خالل استقراء‬

‫مواضع تغير الفعل من المبني للمعلوم إلى المجهول ومن المجهول إلى المعلوم بين‬

‫موضع مع شبيهه ونظيره‪ ،‬وكان االعتماد في ذلك على‬


‫ٍ‬ ‫القراءات العشر‪ ،‬وجمع كل‬

‫الفن‪ ،‬وسيأتي إيراد لها في المراجع‪ ،‬مع‬


‫كتب القراءات المعتبرة التي هي عمدة هذا ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلفادة كذلك من المعاجم المتخصصة في القراءات ‪.‬‬

‫وقد توزعت النماذج التي درسها الباحث على نوعين من األفعال‪ :‬الماضي‪،‬‬

‫ٍ‬
‫متماثلة صر ًّ‬
‫فيا تسهل اإلحالة إليها عند الدراسة‬ ‫ٍ‬
‫مجموعات‬ ‫والمضارع‪َّ ،‬‬
‫وزعها على‬

‫والتحليل‪ ،‬حيث اختار الباحث توزيع هذه المواضع إلى األفعال الثالثية‪ ،‬واألفعال مزيد‬

‫هجائيا‬
‫ا‬ ‫ٍ‬
‫فصل ترتيابا‬ ‫الثالثي‪ ،‬وقد رتَّب َّ‬
‫النماذج التي ارتأى تحليلها ودراستها في كل‬

‫بحسب أصل الفعل في الماضي‪ ،‬وقد أتيح للباحث أن يجعلها في أكثر من ترتيب‪َّ ،‬إال‬

‫تيبا متوازانا‪ ،‬بحيث ال تكثر في فصل‬ ‫َّ‬


‫أن االختيار وقع على ما يساعد في ترتيبها تر ا‬

‫شكلي فقط‪ ،‬واألساس َّإنما هو تلك المعالجات الفكرية‬


‫ٌّ‬ ‫دون فصل‪َّ ،‬‬
‫فإن هذا التقسيم‬

‫وتصنف‪ ،‬بل ألن َّ‬


‫كل‬ ‫َّ‬ ‫والدراسة التحليلية للنماذج ال على أساس َّأنها معلومات تجمع‬

‫مسألة تنبني على فكرة جديدة‪ ،‬وعل ٍل خاصة مستنبطة من السياق نفسه‪ ،‬وليست مفروضة‬

‫مثال‪ :‬مكرم‪ ،‬عبد العال سالم‪ ،‬عمر‪ ،‬أحمد مختار(‪1997‬م)‪ :‬معجم القراءات القرآنية‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬عالم‬
‫(‪ )1‬ينظر ا‬
‫الكتب‪ ،‬الخطيب‪ ،‬عبد اللطيف(‪2002‬م)‪ :‬معجم القراءات‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار سعد الدين‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫معتمدا على كتب التوجيه‪ ،‬فيوثق‬


‫ا‬ ‫عليه من خارجه‪ ،‬ثم ينظر الباحث في توجيه القراءتين‬

‫ثم‬
‫كل قراءة من مظانها‪ ،‬ويحيلها إلى مصادرها من تلك الكتب مرتابا األقدم فاألقدم‪َّ ،‬‬

‫القراء‪ ،‬متزوادا من كتب العلماء‪ ،‬ملتقطاا‬


‫يشرع في تحليل مواضع اختالف البنيتين بين َّ‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬


‫ما سطروه من إشراقات نورانيَّة‪ ،‬ودالالت ظاهرة وخفيَّة‪ ،‬و ا‬
‫اضعا جهده في الجمع واإلبانة‪،‬‬

‫والكشف عن جماالت كل بنية‪ ،‬مستم ًّدا من خالقه‪ ‬العون والسداد والتوفيق‪.‬‬

‫ويؤكد الباحث عند تحليله لمواضع االختالف على عدم المفاضلة بين القراءات‬

‫ُّ‬
‫القرآنيَّة‪ ،‬وأن تن َّزل كل قراءة منزلة آية‪ ،‬كما يجتهد في إعمال الدالالت ا‬
‫معا لفهم القراءات‬

‫المتعددة حتى ال يوهم ذلك بالتدافع والتعارض‪ ،‬فمن المعلوم أن سياقات الكالم تختلف‬

‫باختالف المقام‪ ،‬فتختلف األلفاظ والجمل تبعا لذلك‪ ،‬وما يصلح من لفظ في سياق ال‬

‫يصلح في غيره‪ ،‬وال يؤدي نفس المعنى والداللة‪.‬‬

‫وقد اجتهد الباحث‪-‬يعلم اهلل‪-‬أال يمثل التحليل لمواضع االختالف بين القراءات‬

‫تقواال على القرآن الكريم بغير دليل‪،‬‬ ‫القرآنية ليًّا لعنق اآليات‪ ،‬أو ُّ‬
‫تعسفاا في التأويل‪ ،‬أو ُّ‬

‫فإننا نعوذ باهلل‪ ‬أن نقول في القرآن ما ليس فيه‪ ،‬بل يجتهد الباحث في إبراز سر من‬

‫المستمرة إلى أن يرث اهلل‪ ‬األرض ومن عليها‪ ،‬وهذا المسلك من‬
‫ّ‬ ‫أس ارره الدائمة و‬

‫الوعورة والمشقّة بمكان‪ ،‬غير َّأنه إن أطيل َّ‬


‫النظر‪ ،‬وترك َّ‬
‫الضجر‪ ،‬فلن يعدم الباحث‬

‫تأمل الباحث في هذه المواضع ًّ‬


‫مليا‪ ،‬وأخذ بتدوين‬ ‫ٍ‬
‫بعض‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ٍ‬
‫بعض من‬ ‫فت احا‪ ،‬أو قرب‬

‫َّاما ينغلق‬
‫ما يخطر له من الدالالت المرتبطة بالبنية والسياق‪ ،‬وربَّما أخذ ذلك التأمل أي ا‬

‫فيهم‬
‫معها الفهم‪ ،‬ويتوقف استرسال األفكار الكاشفة للمعنى‪ ،‬أو حتى المقربة إليه‪ُّ ،‬‬

‫‪10‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫ٍ‬
‫ساعات‪ ،‬وما ذاك سآمةا وال مل اال‪ ،‬بل خوف ا من أن يقول‬ ‫ٍ‬
‫ساعات ويقبل‬ ‫الباحث بالترك‬

‫ويسر األمر‪.‬‬
‫الهمة‪َّ ،‬‬ ‫النية‪َّ ،‬‬
‫وشد َّ‬ ‫قوى َّ‬
‫في القرآن الكريم ما ليس فيه‪ ،‬إال أن اهلل‪َّ ‬‬

‫تقيدت الدراسة في حدود البحث عن المعنى الداللي لصور التغير بين المبني‬
‫(‪)1‬‬
‫العامة لكل‬
‫َّ‬ ‫للمعلوم والمبني للمجهول بالقراءات العشر ‪ ،‬واستثنى الباحث األصول‬

‫كاإلمالة‪ ،‬والمد‪ ،‬والفتح‪ ،‬والترقيق‪ ،‬والتفخيم؛ َّ‬


‫ألنه يكثر دورانها‪ ،‬ويطول بيانها‪ ،‬كما جعل‬

‫أصال بنى عليها أوجه االختالف لبنية‬


‫رواية حفص عن عاصم التي يق أر بها ويعلمها ا‬

‫المعلوم والمجهول مع باقي القراء‪.‬‬

‫الدراسات السابقة التي عنيت بتحليل األثر‬


‫وقد أفاد الباحث من عدد من ِّ‬

‫الداللي لصور تغيُّر بنية األفعال الصرفيَّة بين القراءات القرآنيَّة‪ ،‬وكان من ألصقها‬

‫اعتناء باإلشارات الداللية ما يلي‪:‬‬


‫ا‬ ‫بموضوع الدراسة‪ ،‬وأقربها‬

‫‪ .1‬المبني للمجهول وتراكيبه وداللته في القرآن العظيم‪ :‬شرف الدين علي‬


‫(‪)2‬‬
‫ضمنه المؤلف ستة فصول‪ ،‬حيث ناقش المبني للمفعول عند‬
‫الراجحي‪1999 ،‬م ‪َّ ،‬‬

‫مصدر‬
‫اا‬ ‫ظاهر‪ ،‬أو‬
‫اا‬ ‫اسما‬
‫إما ا‬
‫القدماء والمحدثين‪ ،‬ثم الصور التي يأتي عليها نائب الفاعل‪َّ :‬‬

‫تعرض‬
‫مستتر‪ ،‬كما َّ‬
‫اا‬ ‫ضمير‬
‫اا‬ ‫ضمير متصال‪ ،‬أو شبه جملة‪ ،‬أو‬
‫اا‬ ‫ظاهر أو َّ‬
‫مقد اار‪ ،‬أو‬ ‫اا‬

‫(‪ )1‬هي‪ :‬قراءة ابن عامر(‪118‬هـ)‪ ،‬راوياه هشام وابن ذكوان‪ ،‬وابن كثير(‪120‬هـ) راوياه‪ :‬البزي وقنبل‪،‬‬
‫وعاصم(‪128‬هـ) راوياه‪ :‬شعبة وحفص‪ ،‬وأبو جعفر(‪128‬هـ) راوياه‪ :‬ابن وردان وابن جماز‪ ،‬وأبو عمرو(‪154‬هـ)‬
‫اروياه‪ :‬الدوري والسوسي‪ ،‬وحمزة الزيات(‪156‬هـ) راوياه‪ :‬خلف وخالد‪ ،‬ونافع(‪196‬هـ) راوياه‪ :‬قالون وورش‪،‬‬
‫الكسائي(‪189‬هـ) اروياه‪ :‬أبو الحارث والدوري‪ ،‬ويعقوب الحضرمي(‪205‬هـ) راوياه‪ :‬رويس وروح‪ ،‬وخلف بن‬
‫هشام(‪229‬هـ) راوياه‪ :‬إسحاق الوراق وادريس الحداد‪.‬‬
‫(‪ )2‬الراجحي‪ ،‬شرف الدين(‪1999‬م)‪ :‬المبني للمجهول وتراكيبه وداللته في القرآن العظيم‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار‬
‫المعرفة الجامعية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫المؤلف لصور تغير الفعل عند بنائه للمجهول‪ ،‬وأغراض حذف الفاعل‪ ،‬وما ينوب عنه‪،‬‬

‫أن الراجحي أثناء دراسته لبنية المبني للمجهول َّإنما تناولها في‬
‫ويشير الباحث إلى َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫مستواها النحوي فقط مع اإلسهاب في بعض المواضع ‪ ،‬وان تناول المستوى الداللي‬

‫تتغير في البناءين‪ ،‬كما في قوله‪ { :‬ﯬﯭ‬


‫أن الداللة لم َّ‬
‫إما أن يشير إلى َّ‬ ‫َّ‬
‫فإنه‪َّ :‬‬

‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ } [سورة‬

‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬أو يورد َّ‬
‫الدالالت دون ترجيح ‪ ،‬أو يشير إلى الداللة إشارة سريعة‬ ‫البقرة‪]210:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫يستوجب مقامها أكثر من ذلك ‪.‬‬

‫ويسجل الباحث هنا مالحظة مفادها َّ‬


‫أن المؤلف درس الداللة النحوية للمبني‬

‫المجهول في القرآن الكريم من خالل رواية حفص عن عاصم فقط‪ ،‬ولم تنحصر دراسته‬
‫(‪)5‬‬
‫على الفعل بل أشرك معه اسم المفعول ‪ ،‬وكان التركيز على الفاعل ونائب الفاعل ال‬

‫على بنية الفعل ذاتها‪ ،‬وتقاسيم الفصول خير شاهد على ذلك‪.‬‬

‫يسم فاعله في القرآن الكريم‪ :‬رسالة دكتوراة مقدمة من كريمة‬


‫‪ .2‬ما لم َّ‬

‫مصطفى السيد لكلية اآلداب بجامعة اإلسكندرية ‪2001‬م‪ ،‬اختارت الباحثة مصطلح‬

‫يسم فاعله في المستويين‬


‫يسم فاعله‪ ،‬وناقشته في ثالثة فصول‪ :‬األول‪ :‬ما لم َّ‬
‫البناء لما لم َّ‬

‫الصوتي والصرفي‪ ،‬وشمل‪ :‬ظاهرة اإلدغام‪ ،‬والتذكير والتأنيث‪ ،‬والتخفيف والتشديد‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر حديثه عن الفعل(سعدوا) سورة الحج آية‪ ،108‬الراجحي‪ :‬المبني للمجهول‪ ،‬ص‪125‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الراجحي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪45‬‬
‫تسوى) من سورة النساء اآلية‪ ،42‬الراجحي‪ :‬المبني للمجهول‪ ،‬ص‪70‬‬
‫(‪ )3‬ينظر مثال‪َّ ( :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬تناوله للفعل (طبع) سورة المنافقون‪ :‬آية‪ ،3‬الراجحي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪171‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الراجحي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪174 ،154 ،153‬‬

‫‪12‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫يسم فاعله‬
‫يسم فاعله إلى البناء للفاعل‪ ،‬الثاني‪ :‬ما لم َّ‬
‫وتحويل الفعل من البناء لما لم َّ‬

‫في الدرس النحوي (التركيبي) وشمل‪ :‬الالزم والمتعدي‪ ،‬وما يصلح ألن يكون نائب‬

‫يسم فاعله في الدرس الداللي‪ ،‬وكان‬


‫فاعل‪ ،‬ثم التحويل في الخطاب‪ ،‬الثالث‪ :‬ما لم َّ‬

‫الحديث فيه على أغراض حذف الفاعل‪ ،‬ثم ختمت الرسالة بالفصل الرابع‪ :‬الدرس‬

‫التطبيقي َّ‬
‫ركزت فيه الباحثة على ما اتصل بالفعل ال على الفعل ذاته‪ ،‬وال على ما جرى‬

‫تأمل الباحث فيما له تعلُّق بدراسته‬


‫يسم فاعله‪ ،‬وقد َّ‬ ‫من صور ُّ‬
‫التغير له حال بنائه لما لم َّ‬

‫يسم فاعله‬
‫من خالل المبحث األخير في الفصل األول‪ :‬تحويل الفعل من البناء لما لم َّ‬

‫موضعا أحصتها الباحثة ولم تدرس منها إال‬


‫ا‬ ‫إلى البناء للفاعل؛ فألفى (ستة وثمانين)‬

‫بضع نماذج جمعت فيها الماضي بالمضارع‪ ،‬والمتواتر بالشا ّذ بما يوحي بعدم وجود‬
‫(‪)1‬‬
‫منهجية في هذا التناول‪ ،‬ثم لم يجاوز التحليل ما كتبه علماء توجيه القراءات ‪ ،‬وقد أفاد‬

‫الباحث من حصر الباحثة واستقرائها لجملة المواضع وقارن ذلك بما قد كان حصره‪،‬‬

‫وبالجملة َّ‬
‫فإن الدراسة الداللية جاءت في هذه الرسالة على استحياء‪ ،‬كما غلب عليها‬

‫جانب اإلحصاء مع اإلشارات التي لم تخرج عن اإلطار العام الذي رسمه علماء توجيه‬

‫القراءات‪.‬‬

‫‪ .3‬اختالف البنية الصرفية في القراءات السبع من طريق الشاطبية‪ ،‬توجيهه‬

‫وأثره على المعنى‪ :‬رسالة ماجستير للباحث منصور سعيد أبو راس تقدَّم بها لجامعة‬

‫أم القرى بمكة المكرمة‪2006 ،‬م‪ ،‬قصر الدراسة فيها على أوجه االختالف بين القراءات‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مصطفى‪ ،‬كريمة‪2001(:‬م)‪ :‬المبني لما لم يسم فاعله في القرآن‪ ،‬ص‪ ،107‬اإلسكندرية‪ :‬جامعة‬
‫اإلسكندرية(دكتوراة)‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫السَّبع من طريق الشاطبيَّة‪ ،‬وجعلها في ثالثة أبواب‪ :‬االختالف في األسماء‪ ،‬واالختالف‬

‫في األفعال‪ ،‬ثم االختالف في األسماء واألفعال‪ ،‬وفي الفصل الثامن من الباب الثاني‬

‫سرد الباحث مواضع التبادل بين الفعل المبني للمعلوم والمجهول فأورد في الماضي‬
‫(‪)1‬‬
‫موضعا ‪ ،‬ويبدو َّ‬
‫أن الباحث‬ ‫ا‬ ‫موضعا‪ ،‬وفي المضارع ما يقرب من(خمسين)‬
‫ا‬ ‫(عشرين)‬

‫لم يحص جميع المواضع‪ ،‬كما َّأنه اكتفى بإيراد الحجج والعلل في توجيه االختالف كما‬

‫هو معلوم من كتب القراءات على ندرة ما أورده من هذا التوجيه‪ ،‬ويلحظ َّ‬
‫أن في الدراسة‬
‫(‪)2‬‬
‫شباعا لبعض القضايا الصَّوتيَّة ‪.‬‬
‫ميوال وا ا‬

‫‪ .4‬العدول في التراكيب دراسة نحوية داللية على القراءات العشر‪ :‬رسالة‬

‫دكتوراة لمحمود عوض سالم‪ ،‬مقدمة لجامعة بني سويف كلية اآلداب‪2013 ،‬م‪،‬‬

‫جعلها الباحث في تمهيد وسبعة فصول وخاتمة‪ ،‬ناقش الباحث في الفصل الثاني‪:‬‬

‫العدول في الجملة الفعلية ودالالته في القراءات العشر‪ :‬وجعله على ثالثة مباحث‪:‬‬

‫األول‪ :‬العدول في الفعل ودالالته في القراءات العشر‪ :‬وفيه بناء الفعل للمفعول‪ ،‬وتذكير‬

‫ثم حذف الفعل‪ .‬الثاني‪ :‬العدول في الفاعل ودالالته‬


‫الفعل وتأنيثه‪ ،‬وتعدي الفعل ولزومه‪َّ ،‬‬

‫في القراءات العشر ناقش فيه‪ :‬الفصل بين الفاعل والفعل‪ ،‬وحذف الفاعل‪ ،‬ث َّم حذف‬

‫نائب الفاعل‪ .‬الثالث‪ :‬العدول في المفعول ودالالته في القراءات العشر‪ ،‬وقد أشار‬

‫الباحث إلى َّ‬


‫أن الرسالة توجَّهت للمناقشة اللغوية لالطراد والعدول في االختالف في‬

‫القراءات العشر ًّ‬


‫ردا على المشككين في القرآن الكريم الذين انتقدوا القراءات القرآنية‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو راس‪ ،‬منصور(‪2006‬م)‪ :‬اختالف البنية الصرفية في القراءات السبع‪ ،183-176،‬مكة المكرمة‪:‬‬
‫جامعة أم القرى(ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو راس‪ :‬نفسه‪،‬ص‪128‬‬

‫‪14‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫وبالتَّالي حرص على عرض االختالف بين القراءات كحرف المضارعة بين الغيبة‬

‫والتذكير أو تاء مخاطبة أو التأنيث‪ .‬كما درس العدول التركيبي الذي ط أر على الجملة‬

‫العربية خاصة في تحليل اللغويين وهدف إلى إيضاح القواعد النحوية التي أيدتها‬
‫(‪)1‬‬
‫القراءات القرآنية لتحسم الخالف بين ُّ‬
‫النحاة ‪ ،‬وهي كما سبقها من الدراسات أولت‬

‫التوجيه اللغوي عناية واهتماما دون البحث الداللي المتعمق‪.‬‬

‫‪ .5‬التغير الزمني لألفعال في القراءات القرآنية وأثره على المعنى‪ ،‬رسالة‬

‫ماجستير للباحث محمد سعيد الهجري‪ ،‬مقدمة لكلية اآلداب بجامعة ذمار‪ ،‬اليمن‪،‬‬

‫ًّ‬
‫علميا لهذه الرسالة واستكماال لمسيرة‬ ‫امتدادا‬
‫ا‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬وتمثل أطروحة الدكتوراة هذه‬

‫البحث الداللي في القراءات القرآنية التي ابتدأها الباحث في مرحلة الماجستير‪ .‬جاءت‬

‫الرسالة في مقدمة‪ ،‬وتمهيد‪ ،‬وثالثة فصول‪ :‬التغيُّر من الماضي إلى المضارع والعكس‪،‬‬

‫والتغيُّر من المـاضي إلى األمر والعكس‪ ،‬ثم التغيُّر من المضارع إلى األمر والعكس‪،‬‬

‫تلمس الباحث دالالت ذلك التغيُّر على المعنى في كل صورة من صور الفعل‬
‫وقد َّ‬

‫السابقة من خالل مجموعة من النماذج قام بتحليلها‪ ،‬مستصحابا داللة السياق‪ ،‬إال َّأنه‬

‫يصعب على الباحث أن يقيم دراسته على جميع صور التغيُّر للفعل ومنها المبني‬

‫سعيا أن تفي الموضوع‬


‫للمعلوم والمجهول؛ فجاءت هذه األطروحة في دراسة مستقلة ا‬

‫حقَّه لتوافر النماذج والصور التي يمكن دراستها وتحليلها‪.‬‬

‫(‪ )1‬سالم‪ :‬محمود عوض(‪2013‬م)‪ :‬العدول في التراكيب دراسة نحوية داللية على القراءات العشر‪ ،‬ص‪،25‬‬
‫مصر‪ :‬جامعة بني سويف(دكتوراة)‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫‪ .5‬توجــيه االخــتالف النحــوي والصـرفي وأثره في المعنى بين روايتي حفص‬

‫عن عاصم‪ ،‬وورش عن نافع‪ :‬رسالة ماجستير للباحث عبد الرحمن حسين‪ ،‬مقدَّمة‬

‫جامعة اإلمام محمد بن سعود(‪1429‬هـ)‪ .‬تناولت الرسالة التوجيه وأثره في المعنى‪،‬‬

‫وأبرز الجهود السابقة فيه‪ ،‬ومواقف النحاة من القراءات‪ ،‬ومكانة روايتي حفص وورش‬

‫بين الروايات‪ ،‬ومكانة صاحبيهما بين أعالم القراء‪ ،‬وتؤكد على قيمة النصوص القرآنية‬

‫في استنباط القواعد النحوية وضبطها‪ ،‬واالحتجاج لآلراء‪ ،‬والرد على المخالفين‪ ،‬وقد‬

‫عرف في التمهيد بحقيقة القراءات‪ ،‬وأنواعها‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫تمهيد وبابين‪ ،‬حيث َّ‬ ‫جعلها الباحث في‬

‫وعددها‪ ،‬ومكانة قراءتي عاصم ونافع بين القراءات‪ ،‬وعرض جوانب تأثير القراءات في‬

‫َّ‬
‫الدرس النحوي‪ ،‬ومواقف ُّ‬
‫النحاة من القراءات‪ ،‬وأسباب اختالف القراءات‪ ،‬ثم تحدث عن‬

‫صرفي‪ ،‬وأثره في الكشف عن فوارق المعنى لدى اختالف‬


‫وظيفة التوجيه النحوي وال َّ‬

‫القراءات‪ ،‬وعقد الباب األول لالختالف النحوي بين الروايتين‪ :‬وتحته ثمانية فصول‪:‬‬

‫فصل لألفعال الماضي‪ ،‬واألمر‪ ،‬والمضارع‪ ،‬وفصل للنواسخ‪ ،‬ثم المرفوعات‪،‬‬

‫فالمنصوبات‪ ،‬فالمجرورات‪ ،‬فالتوابع‪ ،‬فاألسماء العاملة‪ ،‬وختم الباب باألسماء الممنوعة‬

‫من الصرف‪ ،‬أما الثاني فعقده لالختالف الصرفي بين الروايتين‪ ،‬وتحته فصول ستة‪:‬‬

‫المجرد منها والمزيد‪ ،‬وفصل لتصريف األسماء المجردة‪،‬‬


‫َّ‬ ‫فصل لتصريف األفعال‪،‬‬

‫والمزيدة‪ ،‬والمشتقة‪ ،‬والمصادر‪ ،‬ثم تحدث عن اإلعالل واإلبدال‪ ،‬والفتح واإلمالة‪،‬‬

‫والوقف‪ ،‬وختم باإلدغام‪.‬‬

‫جاءت دراسة األثر الداللي للفعل المبني للمجهول متوزعة بين الفصول أعاله‪،‬‬

‫وكان إجمالي ما درسه الباحث من األفعال في بنية المبني للمجهول يربو على العشرين‬

‫ٍ‬ ‫أن مناقشة تلك النماذج جاء في بعضها على عج ٍل و‬


‫استحياء‪ ،‬وفي أكثرها‬ ‫مسألة‪ ،‬إال َّ‬

‫‪16‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫لم يخرج عن منهج القدامى في توجيه االختالف بين القراءات نحويا أو صرفيًّا‪ ،‬وان‬

‫أبان األثر الداللي فلم تعد أن تكون إشار ٍ‬


‫ات خاطفة ال تشفي غليل من يبحث في حقل‬

‫الداللة القرآنية‪.‬‬

‫ومن الدراسات التي أفاد منها الباحث في مناقشة فلسفة المبني للمجهول‪،‬‬

‫وصور بنائه‪ ،‬واألغراض البالغية لحذف الفاعل مع تحليل بعض المواضع دالليا‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المبني للمجهول في القرآن الكريم بحث في النحو والداللة لزاهر حنني ‪ ،‬وفلسفة‬
‫(‪)2‬‬
‫المبني للمجهول في العربية لحسين العظامات ‪ ،‬واإلعجاز البالغي في استخدام‬
‫(‪)3‬‬
‫الفعل المبني للمجهول د‪ .‬محمد أبو موسى ‪.‬الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية‬
‫(‪)4‬‬
‫أيمن عبد الرزاق الشوا ‪.‬‬

‫وبعد استعراض الدراسات السابقة َّ‬


‫فإن الباحث يزعم أن هذه الدراسة قد تكون‬

‫جديدةا في موضوعها‪ ،‬أصيلةا في نتائجها‪ ،‬ال َّ‬


‫يدعي ذلك كونه صاحبها وكاتب فصولها‬

‫المتواضعة‪ ،‬وانما َّ‬


‫لعل ذلك ينجلي ويبين إذا تكلّم في التفاصيل‪ ،‬وأفرد كل مبحث‬

‫بالتمثيل‪ ،‬فإنَّه قد سعى إلى إماطة اللثام عن الدالالت المتفتقة عن صور التغيُّر بين‬

‫بنيتي الفعلين‪ :‬المبني للمعلوم‪ ،‬والمبني للمجهول في القراءات العشر‪ ،‬وصوال إلى أثر‬

‫(‪ )1‬حنني‪ ،‬زاهر(‪2007‬م)‪ :‬المبني للمجهول في القرآن الكريم بحث في النحو والداللة‪ ،‬ص(‪ ،)62-43‬فلسطين‪:‬‬
‫مجلة جامعة الخليل للبحوث‪ ،‬المجلد(‪ ،)3‬العدد(‪.)1‬‬
‫(‪ )2‬العظامات‪ ،‬حسين(‪2011‬م)‪ :‬فلسفة المبني للمجهول في العربية‪ ،‬ص(‪ ،)131-119‬األردن‪ :‬مجلة المنارة‪،‬‬
‫المجلد(‪ ،)17‬العدد(‪.)7‬‬
‫(‪ )3‬أبو موسى‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪ :‬اإلعجاز البالغي في استخدام الفعل المبني للمجهول‪ ،‬ص‪ ،5‬بحث منشور على‬
‫موقع صيد الفوائد‪.‬‬
‫(‪ )4‬ا َّ‬
‫لشوا‪ ،‬أيمن عبد َّ‬
‫الرزاق(د‪.‬ت)‪ :‬الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية‪ ،‬ص‪ ،242‬بحث منشور على النت‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫التغيُّر على المعنى بما تتكاثر معه األغراض البالغية التي تشعر بتفاعل َّ‬
‫النص‪ ،‬ال‬

‫اضا أخرى‪.‬‬ ‫جموده على أغر ٍ‬


‫اض بذاتها يحتمل معها السياق أغر ا‬

‫لذا َّ‬
‫فإن الباحث لم يسع إلى االهتمام بأسباب بناء الفعل للمعلوم أو للمجهول‬

‫بقدر ما سعى إلى بيان األثر الداللي المترتب لهذا التغيُّر على المعنى‪ ،‬من خالل‬

‫تكامل السياق واعماله كجزٍء ال يتج أز من فهم ذلك األثر‪ ،‬مع توظيف الجملة التي َّ‬
‫تركب‬

‫منها الفعالن‪ :‬المعلوم والمجهول في تكامل الدراسة وتكشيف المعنى‪ ،‬وقد حاول الباحث‬

‫تفرق من تلك الدالالت‪ ،‬واألمر يحتاج بص ار جليًّا‬


‫عقدا ناظما يجمع ما َّ‬
‫جاهدا أن يوجد ا‬
‫ا‬

‫وذهنا نقيًّا‪ ،‬والقرآن مع علو كعبه إال َّأنه قريب المنال‪ ،‬سهل المورد‪ ،‬فمن يق أره بينه‬

‫ٍ‬
‫بسور له باب‪ ،‬فإنه لن‬ ‫ٍ‬
‫مضروب بينها وبين قلبه‬ ‫وبينه حجاب‪ ،‬أو يستمع إليه ٍ‬
‫بأذن‬

‫ينتفع من القرآن الكريم بشيء‪ ،‬ولن يبلغ من خيره إال كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه‬

‫وما هو ببالغه‪.‬‬

‫لقد اعتمد الباحث على السياق في المقارنة بين صور تغير بنيتي المعلوم‬

‫ألن السياق هو الرحم الذي تتخلَّق فيه داللة الكلمة‪،‬‬


‫والمجهول بين القراءات القرآنية؛ َّ‬

‫فالكلمة المفردة أو البنية تكتسب قيمتها الداللية والبالغية حينما تستخدم في سياقها‬

‫المناسب‪ ،‬كما حرص الباحث على إقامة عالقة بين السياق وبين البنية المعجمية‬

‫لألفعال المبنية للمعلوم أو للمجهول التي هي محل الدراسة والتحليل‪ ،‬بغية الوصول‬

‫للبنية العميقة للخطاب القرآني‪ ،‬والمقصد الربَّاني من صورة االختالف ما بين قراءة‬

‫از لإلعجاز بينها‪ًّ ،‬‬


‫وردا على من دفعها للتعارض والتناقض أو قال فيها بذلك‪.‬‬ ‫وقراءة إبراا‬

‫‪18‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫الدراسة على مقدِّمة وتمهيد وبابين على النحو التَّالي‪:‬‬ ‫هذا وقد َّ‬
‫وتوزعت ِّ‬

‫ثم أهداف‬
‫المقدِّمة‪ :‬بيَّن فيها الباحث أهمية الدراسة‪ ،‬وأسباب اختياره للموضوع‪َّ ،‬‬

‫الدراسة‪ ،‬والمنهج الَّذي اتَّبعه في معالجة مسائل البحث ومواضعه‪َّ ،‬‬


‫ثم حدود الدراسة‪،‬‬

‫ثم خطَّته التي سار عليها‪ ،‬والصعوبات التي واجهته‪.‬‬


‫والدراسات السابقة التي أفاد منها‪َّ ،‬‬

‫التمهيد‪ :‬وتناول الباحث فيه التعريف بالفعل المبني للمعلوم والمجهول‪،‬‬

‫وصياغتهما‪ ،‬وهل المبني للمجهول أصل أم بنية محولة؟ كما ناقش أغراض حذف‬

‫الفاعل مناقشة داللية للوصول إلى خصائص جملتي المبني للمعلوم والمجهول‪.‬‬

‫الباب األول‪ :‬تغيُّر الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول‪ ،‬ودالالته‪،‬‬
‫واحتوى على فصلين‪:‬‬

‫األول‪ :‬تغيُّر الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬

‫‪ ‬األول‪ :‬التغيُّر في الثالثي‪.‬‬


‫‪ ‬الثاني‪ :‬التغيُّر في مزيد الثالثي‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬تغيُّر المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬

‫‪ ‬األول‪ :‬التغيُّر في الثالثي‪.‬‬


‫‪ ‬الثاني‪ :‬التغيُّر في مزيد الثالثي‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬تغيُّر الفعل من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم‪ ،‬ودالال ته‪.‬‬
‫ويحوي على فصلين‪:‬‬

‫األول‪ :‬تغيُّر الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬

‫األول‪ :‬التغيُّر في الثالثي‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬التغيُّر في مزيد الثالثي‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫الثاني‪ :‬تغيُّر المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬

‫األول‪ :‬التغيُّر في الثالثي‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬التغيُّر في مزيد الثالثي‪.‬‬

‫أهم النتائج والتوصيات‪ ،‬ثم المالحق التي تحصر مواضع‬


‫ثم الخاتمة‪ ،‬و ّ‬

‫القراء العشرة‪ ،‬والتزم الباحث بمنهجية البحث التي تم االتفاق‬


‫التغيُّر لبنية الفعل بين َّ‬

‫عليها مع مشرفه‪ ،‬فمن ذلك كتابة اآليات القرآنية برواية حفص عن عاصم بخط مصحف‬

‫مجمع الملك فهد‪ ،‬وعزى اآليات إلى سورها‪ ،‬ورقمها في المتن ال الحاشية‪ ،‬كما أحال‬

‫في حاشية البحث عزو األحاديث النبوية إلى مظانها من كتب َّ‬
‫السنة‪ ،‬واألبيات الشعرية‬

‫وعرف بالمفردات التي تحتاج إلى بيان وايضاح‪ ،‬ولم يترجم لألعالم‬
‫إلى قائلها‪ ،‬ووزنها‪َّ ،‬‬

‫وال لألماكن وال البلدان كما أشار بذلك عليه مشرف البحث‪ ،‬والتزم بنظام هافارد المعمول‬

‫به في جامعة السودان لتوثيق المراجع التي ترد أول مرة‪ ،‬وان تكرر ورود المرجع أحال‬

‫مكتفيا بهما وبرقم الصفحة فقط‪ ،‬كما سرد‬


‫ا‬ ‫الباحث إلى اسم الشهرة للمؤلف واسم الكتاب‬

‫الباحث قائمة المصادر والمراجع مرتَّبةا ترتيبا ألفبائيا بحسب اسم المؤلف‪ ،‬وأثبت جداول‬

‫تم استقراؤها لصور تغيُّر الفعل المبني للمعلوم‬


‫في مالحق البحث تحصر المواضع التي َّ‬

‫والمبني للمجهول والقارئ بها‪.‬‬

‫وقد رجع الباحث إلى عدد من الكتب التي أثرت موضوع الدراسة‪ ،‬فمن ذلك‬

‫كتب تفسير القرآن الكريم ومعانيه‪ ،‬كمعاني القرآن لألخفش‪ ،‬والكشاف للزمخشري‪،‬‬

‫والتفسير الكبير ل ّلرازي‪ ،‬والبحر المحيط ألبي حيان‪ ،‬والدر المصون للسَّمين الحلبي‪،‬‬

‫ونظم الدرر للبقاعي‪ ،‬والتحرير والتنوير البن عاشور‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وكتب القراءات واعرابها‬

‫‪20‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫وعللها كالسبعة البن مجاهد‪ ،‬إعراب القراءات السبع البن خالويه‪ ،‬ومعاني القراءات‬

‫لألزهري‪ ،‬وحجة القراءات ألبي زرعة‪ ،‬كما أفاد الباحث من كتب النحو واللغة والبالغة‪،‬‬

‫ومن أبرزها‪ :‬الكتاب لسيبويه‪ ،‬والمقتضب للمبرد‪ ،‬ودالئل اإلعجاز للجرجاني‪ ،‬وبديع‬

‫القرآن البن أبي األصبع‪ ،‬وشرح التصريح لألزهري‪ ،‬كما ال يفوت الباحث أن ينوه إلى‬

‫إفادته من عدد من الدراسات البالغية والقرآنية‪ :‬كالوجوه البالغية في توجيه القراءات‬

‫القرآنية لمحمد الجمل‪ ،‬وأثر القراءات القرآنية في الفهم اللغوي لمحمد مسعود‪ ،‬والتوجيه‬

‫البالغي للقراءات القرآنية ألحمد سعد‪ ،‬والقراءات وأثرها في التفسير واألحكام لمحمد‬

‫بازمول‪ ،‬واإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية المتواترة ألحمد الخراط‪ ،‬إضافة‬

‫إلى كتب الصرف والمعاجم اللغوية‪ ،‬والرسائل الجامعية‪ ،‬والدوريَّات والمجالت والندوات‬

‫ومواقع النت التي تناولت الموضوع‪.‬‬

‫وككل الباحثين فقد اعترض الباحث في الطريق صعوبات يذكر منها‪ :‬أن الذي‬

‫يتعامل مع القرآن الكريم أو القراءات القرآنية بالتحليل والدراسة ال بد أن يكون دقيقاا في‬

‫مبتعدا عن التأويل‪ ،‬وهذا أوقع الباحث في الحرج والمشقَّة خشية أن يكون َّ‬
‫ممن‬ ‫ا‬ ‫قوله‪،‬‬

‫يتقول على اهلل‪ ‬بغير علم‪ ،‬أو يفتئت قواال ليس في محله فيجانبه الصواب‪ ،‬ومن‬
‫َّ‬

‫المعروف أن دراسة المعنى‪ ،‬واستنباط الداللة من نص‪ ،‬أي نص ي ُّ‬


‫عد من أصعب‬

‫آنيا والمعنى المراد‬


‫البحوث العلمية‪ ،‬وأكثرها دقة‪ ،‬فكيف إذا كان النص المدروس نصا قر ا‬

‫فهمه رسالة إلهية وحكمة ربانية‪ ،‬فاللهم َّإنا نسألك العفو والغفران عن سقط القول وزلله‪.‬‬

‫ميدانا‬
‫ا‬ ‫على الرغم من كل الدراسات والبحوث التي جعلت من القرآن الكريم‬

‫ومنجما زاخر اإلبهار واإلبداع‪ ،‬ال يملك‬


‫ا‬ ‫لها‪ ،‬إال أن كتاب اهلل‪ ‬يبقى غضًّا طرايا‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫المقدِّ مة‬

‫الباحث فيه إال أن يفتش عن الجواهر الثمينة واألسرار َّ‬


‫الدفينة في كل آية من آياته‪،‬‬

‫وفي كل كلمة من كلماته‪ ،‬بل في كل حرف من حروفه‪ ،‬وان الباحث في هذا الجهد‬

‫التزود من هذا َّ‬


‫النبع الذي ال ينضب خراجه‪ ،‬وال يذهب بهاؤه‪،‬‬ ‫الذي هو جهد المقل‪ ،‬يريد ُّ‬

‫على كثرة المشتغلين به‪ ،‬ويدخل في سلك من رضي اهلل‪ ‬عنهم ورضوا عنه‪ ،‬وينفع‬

‫ببحثه نفسه واخوانه من طلبة العلم‪ ،‬لذلك شد ُّ‬


‫دت رحالي إليه عساني أن أوفق لالشتغال‬

‫بخدمته‪ ،‬فأشراف األمة حملة القرآن‪.‬‬

‫هذا مقصدي من هذه الدراسة‪ ،‬وسبيلي إليها‪ ،‬وما مثلي ومثل من سبق من‬

‫الباحثين وطلبة العلم إال كما قال القائل‪:‬‬

‫بكـ ـ ـ ـاهـ ـ ـ ـا‪ ،‬فقل ـ ـ ــت‪ :‬الفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل للمتق ـ ـ ــدم‬ ‫ول ـك ـن ب ـكـ ـ ـ ـت ق ـب ـل ـي ف ـه ـَّي ـج ـن ـي ال ـب ـكـ ـ ـ ـا‬

‫ورحم اهلل المزني حين قال‪" :‬قرأت كتاب الرسالة على اإلمام الشافعي ثمانين‬

‫مرة‪ ،‬فما من مرة إال وكان يقف على ٍ‬


‫خطأ‪ ،‬فقال‪ :‬هيه!!‪ ،‬أي‪ :‬حسبك‪ ،‬واكفف‪ ،‬أبى اهلل‬
‫(‪)1‬‬
‫كثير‪ ،‬واهلل المستعان وعليه‬
‫صحيحا غير كتابه" ‪ .‬فالمحل قابل للتعديل اا‬
‫ا‬ ‫كتابا‬
‫أن يكون ا‬

‫التكالن‪.‬‬

‫من الحلم‪ ،‬وليص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلح ـ ـه من ج ـ ـاد مقوال‬ ‫ادركـ ـ ـ ـه بفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ٍـة‬


‫وان كـ ـ ـ ـان خرق فـ ـ ـ ـ َّ‬

‫الباحث‬

‫(‪ )1‬ابن عابدين‪ ،‬محمد أمين)‪1992‬م)‪ُّ :‬‬


‫رد المحتار على الدر المختار‪ ،25/1 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ٌ‬
‫متهيد‪ ،‬وفيه مسائل‪/‬‬

‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫‪ ‬املبني للمعلوم واجملهول‪ ،‬واصطالحهما عند النحاة‬

‫‪ ‬صور بناء الفعل للمجهول‬

‫‪ ‬أغراض حذف الفاعل‬

‫‪ ‬أغراض ذكر الفاعل‬

‫‪ ‬فوائد اختالف القراءات‪ ،‬وأثره على الداللة واملعىن‬


‫تمهيد‬

‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬


‫املبني للمعلوم واملبني للمجهول‪ ،‬واصطالحهما عند النحاة‬

‫جذبت األفعال أنظار الباحثين واللغويِّين لكثرة تصرفاتها‪ ،‬والتغييرات التي تط أر‬

‫عليها؛ لذا كانت من األبنية التي عني بها العلماء‪ ،‬قال ابن القوطية‪" :‬اعلم أن األفعال‬
‫(‪)1‬‬
‫أصول مباني أكثر الكالم" ‪ ،‬واألفعال هي الركن الركين التي بنيت عليها نظرية العامل‪،‬‬

‫واألصل الذي تفرعت منه أحكامها‪ ،‬فالفعل أقوى عوامل الرفع والنصب بال منازع‪ ،‬واليه‬

‫ينسب رفع الفاعل ونائبه‪ ،‬ونصب المفاعيل‪ ،‬والحال‪ ،‬واالستثناء‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬والفعل‬

‫تاما أو‬
‫الزما‪ًّ ،‬‬ ‫جامدا‪ ،‬مقد ًما أو مؤخ ًرا‪ِّ ،‬‬
‫متعدًيا أو ً‬ ‫ً‬ ‫متصرفًا أو‬
‫ِّ‬ ‫مذكور أو محذوفًا‪،‬‬
‫ًا‬ ‫يعمل‬
‫(‪)2‬‬
‫ناقصا‪ ،‬قال الجرجاني‪" :‬الفعل أص ٌل في العمل" ‪.‬‬
‫ً‬

‫ومن يدرس الفعل في الكالم العربي يجد أحو ًاال شتى يرد عليها‪ ،‬من ذلك‪:‬‬

‫المبني للمعلوم‪ ،‬والمبني للمجهول‪ ،‬اللذان يعدان ظاهرتين أساسيتين من ظواهر اللغة‬

‫العربية؛ ذلك أن الصيغ الصرفية ال تخلو من أن تكون أحدهما‪ ،‬وال مجال للتردد بينهما‪،‬‬

‫وهما ظاهرتان لغويتان يتقاطع فيهما الصرف مع اإلعراب والتركيب‪ ،‬وتختلف الطريقة‬

‫التي تعالجان بهما باختالف من يقوم بدراستهما‪ :‬فتارةً يتم معالجتهما معالجةً صرفية‬

‫تهتم بالصيغ الصرفية وأوزانها‪ ،‬وتارةً تعالجان نحويًّا باعتبار حذف الفاعل‪ ،‬واقامة‬

‫المفعول مقامه‪ ،‬ومن ينوب عن الفاعل بعد حذفه؟ إلى غير ذلك من المسائل النحوية‬

‫ًّ‬
‫صوتيا من خالل عمليات اإلبدال واالنتقال‬ ‫المتعلقة بهاتين الظاهرتين‪ ،‬ومرةً تتم المعالجة‬

‫(‪ )1‬ابن القوطية‪ ،‬أبو بكر (‪1952‬م)‪ :‬كتاب األفعال‪ ،‬ص‪ ،1‬تحقيق‪ :‬فودة‪ ،‬علي‪ .‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مطبعة مصر‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر (‪2009‬م)‪ :‬العوامل المائة‪ ،‬ص‪ ،124‬تحقيق‪ :‬الداغستاني‪ ،‬أنور‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬
‫المنهاج‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫بين الصيغتين‪ .‬أيًّا كانت صورة هذه المعالجة التي يتخذها الباحثون‪ ،‬تبقيان ظاهرتين‬

‫مرتبطتين بعالقة وطيدة داخل حدود الجملة وخارجها‪ ،‬وينبني عليها كثير من التساؤالت‬

‫أثر في هذا‬
‫حول الدالالت المرتبطة بكل ظاهرة‪ ،‬ولم تشهدان هذا التحول؟ وهل للمعنى ٌ‬

‫كبير في تحديد أوضاع الكلمة‪ ،‬وتحويل مساراتها‬


‫دور ًا‬
‫التحول؟ ال سيما وأن للحركات ًا‬

‫الداللية المرتبطة بالسياق‪ ،‬مما يشهد النص القرآني تفاع ًال وحيوية تلقي بظاللها على‬

‫القارئ والسامع على ٍّ‬


‫حد سواء‪.‬‬

‫وقبل أن يناقش الباحث هذه التساؤالت‪ ،‬يجدر به أن يضع الحدود العامة‬

‫لتوصيف هاتين الظاهرتين كما وضعها علماء اللغة وبينوها؛ لتكون الصورة في األذهان‬

‫أقرب‪ ،‬وللعيان أوضح‪.‬‬

‫مبني للمجهول موازنةً بالفعل‬


‫إن المستقرئ لتعبير علماء اللغة عن الفعل ال ِّ‬

‫يسميه‪:‬‬
‫ار في المصطلح‪ ،‬فالخليل‪-‬على سبيل المثال‪ِّ -‬‬
‫مبني للمعلوم ال يشهد استقرًا‬
‫ال ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫(ما لم يذكر) ‪ ،‬وسيبويه استعمل له مصطلحات عدة‪ :‬فتارةً عبر عنه بالميزان الصرف ِّي‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫(فعل‪-‬يفعل) ‪ ،‬وتارة بـ‪(:‬فعل المفعول)‪ ،‬كما في قوله‪" :‬وقد يتعدى فعل المفعول‬
‫(‪)3‬‬
‫فينصب‪ ،‬وذلك كقولك‪ :‬كسي عبد اهلل الثوب" ‪ ،‬واستعمل كذلك مصطلح‪( :‬الفعل الذي‬

‫شغل بالمفعول)‪ ،‬حيث يقول‪" :‬هذا باب ما يكون من المصادر مفعوًال فيرتفع كما‬
‫(‪)4‬‬
‫ينتصب؛ إذا شغلت الفعل به‪ ،‬وينتصب إذا شغلت الفعل بغيره" ‪ ،‬وهذا الفراء يخبر عن‬

‫(‪ )1‬ابن أحمد‪ ،‬الخليل(‪1985‬م)‪ :‬الجمل في النحو‪ ،‬ص‪ ،118‬تحقيق‪ :‬قباوة‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬ط‪ .1‬بيروت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬سيبويه‪ :‬الكتاب‪282/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬سيبويه‪ :‬نفسه‪41/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬الكتاب‪228/1 ،‬‬
‫‪25‬‬
‫تمهيد‬

‫(‪)1‬‬
‫مبني للمجهول ب ـ‪( :‬فع ٌل لم يسم فاعله) ‪ ،‬وفي أحايين كثيرة يريد بلفظ (الفاعل)‪:‬‬
‫ال ِّ‬

‫المبني للمعلوم‪ ،‬و(المفعول)‪ :‬المبني للمجهول‪ ،‬يقول عند قوله‪{ :‬ﯢ ﯣﯤ‬

‫ﯥ ﯦ ﯧ} [سورة التوبة‪" ،]111:‬قراءة أصحاب عبد اهلل ِّ‬


‫يقدمون المفعول‬

‫(‪)2‬‬
‫به قبل الفاعل" ‪.‬‬

‫وهذا األخفش األوسط (سعيد بن مسعدة) يدلِّل على الفعل بوزنه المجرد (فعل)‪،‬‬

‫ولما وقف عند قوله‪{ :‬ﭘ ﭙﭚﭛﭜ ﭝﭞ} [سورة فصلت‪.]3:‬‬

‫استخدم مصطلح (شغل الفعل) فقال‪" :‬شغل الفعل باآليات حتى صارت بمنزلة الفاعل‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫بني‬
‫فنصب القرآن" ‪ ،‬وهو بهذا يحذو حذو سيبويه‪ ،‬وال يلحظ استقرٌار في مصطلح الم ِّ‬
‫(‪)4‬‬
‫المبرد‪( :‬المفعول الذي لم يسم فاعله) ‪ ،‬وابن السراج‪:‬‬
‫للمجهول عند القدماء‪ ،‬فقد سماه ِّ‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫(ما لم يسم فاعله) ‪ ،‬وشاركه النحاس المصطلح ذاته ‪ ،‬والمتتبِّع لنقوالت ابن ِّ‬
‫جني يراه‬

‫يستعمل‪( :‬بناء الفعل للمفعول)‪ ،‬أو (بني للمفعول)‪ ،‬يقول‪" :‬إن الفعل إذا بني‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفراء‪ ،‬يحيى (د‪.‬ت)‪ :‬معاني القرآن‪ ،102/1 ،‬تحقيق‪ :‬النجار‪ ،‬محمد؛ شلبي‪ ،‬عبد الفتاح‪ ،‬ط‪ .1‬مصر‪:‬‬
‫دار المصرية للتأليف والترجمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفراء‪ :‬معاني القرآن‪453/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬األخفش‪ ،‬سعيد(‪2003‬م)‪ :‬معاني القرآن‪ ،‬ص‪ ،577‬تحقيق‪ :‬الورد‪ ،‬عبد األمير‪ ،‬ط‪ .1‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬
‫(‪ )4‬المبرد‪ ،‬محمد(‪2010‬م)‪ :‬المقتضب‪ ،50/4 ،‬تحقيق‪ :‬عضيمة‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬المجلس األعلى للشؤون‬
‫اإلسالمية ولجنة إحياء التراث‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬ابن السراج‪ ،‬أبو بكر (‪1996‬م)‪ :‬األصول في النحو‪ ،76/1 ،‬تحقيق‪ :‬الفتلي‪ ،‬عبد الحسين‪ ،‬ط‪.3‬‬
‫بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬النحاس‪ ،‬أبو جعفر(‪2008‬م)‪ :‬إعراب القرآن‪ ،‬ص‪ ،174‬تحقيق‪ :‬العلي‪ ،‬خالد‪ .‬ط‪ .2‬بيروت‪ :‬دار‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫(‪)1‬‬
‫للمفعول‪ ، "...‬وقد يجمع بين المصطلحين‪ :‬ما بني للمفعول‪ ،‬وما لم يسم فاعله‪ ،‬كما‬

‫في قوله‪" :‬واذا صرت على بناء الفعل للمفعول‪ ،‬وهو الذي يسمى‪( :‬ما لم يسم فاعله)؛‬
‫(‪)2‬‬
‫انفتح الطرف في جميع المضارع" ‪ ،‬ويرى د‪ .‬عبد الفتاح محمد أن (ما لم يسم فاعله)‬

‫أمكن عند ابن ِّ‬


‫جني‪ ،‬وأنه ينصرف إلى التسمية أو المصطلح‪ ،‬أما (المبني للمفعول)‬
‫(‪)3‬‬
‫فينصرف إلى اإلسناد ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫بابا لما جاء من األفعال على صيغة (ما لم يسم فاعله) ‪،‬‬
‫وأفرد ابن سيده ً‬

‫والكرماني أطلق عليه مصطلح‪( :‬المبني للمجهول) عند قوله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚﭛ} [سورة التوبة‪ . ]87 :‬وأبو البقاء العكبري‬


‫(‪)5‬‬

‫(‪)6‬‬
‫يختار‪( :‬ما لم يسم فاعله) ‪ ،‬وابن يعيش ينحو منحى الزمخشري من استخدام مصطلح‪:‬‬

‫(فعل ما لم يسم فاعله)‪ ،‬حيث يقول‪" :‬ويقال له‪ :‬فعل ما لم يسم فاعله‪ ،‬فـ (ما) هنا‬
‫(‪) 7‬‬
‫موصولة‪ ،‬بمعنى (الذي)‪ ،‬والتقدير‪ :‬فعل المفعول الذي لم يسم فاعله" ‪ ،‬كذا ابن‬

‫(‪ )1‬ابن ِّ‬


‫جني‪ ،‬أبو الفتح(‪2009‬م)‪ :‬المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات واإليضاح عنها‪ ،135/1 ،‬تحقيق‪:‬‬
‫النجدي‪ ،‬علي وآخرون‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬القاهرة‪ :‬المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن ِّ‬
‫جني‪ ،‬أبو الفتح(‪1954‬م)‪ :‬المنصف شرح كتاب التصريف للمازني‪ ،‬ص‪ ،95‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار إحياء‬
‫التراث القديم‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬محمد‪ ،‬عبد الفتاح(‪2006‬م)‪ :‬الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية‪ ،‬مجلة جامعة دمشق‪ ،‬ع‪ ،1‬ج‪،22‬‬
‫ص‪.31‬‬
‫(‪ )4‬ابن سيده‪ ،‬علي(‪ 1996‬م)‪ :‬المخصص‪ ،401/4 ،‬تحقيق‪ :‬خليل‪ ،‬جفال‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث‪.‬‬
‫(‪ )5‬الكرماني‪ ،‬محمود(د‪.‬ت)‪ :‬أسرار التكرار في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪ ،137‬تحقيق‪ :‬عطا‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار الفضيلة‪.‬‬
‫(‪ )6‬العكبري‪ ،‬أبو البقاء(د‪.‬ت)‪ :‬التبيان في إعراب القرآن‪ ،141/1 ،‬تحقيق‪ :‬البجاوي‪ ،‬علي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬سوريا‪ :‬عيسى‬
‫البابي الحلبي وشركاه‪.‬‬
‫(‪ )7‬ابن يعيش‪ ،‬موفق الدين(‪2001‬م)‪ :‬شرح المفصل‪ ،306/4 ،‬تحقيق‪ :‬بديع‪ ،‬إيميل‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫تمهيد‬

‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الحاجب ‪ ،‬ونسج الرضي االستراباذي على منواله ‪ ،‬فأطلقا عليه‪ :‬فعل ما لم يسم‬

‫فاعله‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أما ابن مالك فأطلق عليه‪( :‬النائب عن الفاعل) ‪ ،‬قال أبو حيان‪" :‬واصطلح‬
‫(‪)4‬‬
‫ابن مالك على أن سمى هذا الباب النائب عن الفاعل" ‪ ،‬إشارة منه إلى أنه لم ير مثل‬

‫هذه الترجمة‪-‬يعني النائب عن الفاعل‪-‬لغير ابن مالك‪ ،‬والمعروف عند أبي حيان‪:‬‬

‫المفعول الذي لم يسم فاعله‪.‬‬

‫ويوازن ابن هشام بين مصطلحي‪( :‬نائب الفاعل)‪ ،‬و(مفعو ٌل لم يسم فاعله)‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫فيختار األول‪ ،‬ويدعو إلى ترك الثاني لما فيه من التطويل والخفاء ‪ .‬وجعل ابن عالن‬

‫الص ِّ‬
‫(‪)6‬‬
‫مبني لغير الفاعل) ‪.‬‬
‫موسوما بـ‪( :‬إتحاف الفاضل بالفعل ال ِّ‬
‫ً‬ ‫ِّديقي بحثه‬

‫كامال بقدر ما هو تتبعٌ آلراء أساطين‬


‫اء ً‬ ‫إن الباحث ال يعد هذه النقوالت استقر ً‬

‫اللغة وأكابرها من عصور مختلفة تنوعت مذاهبهم النحوية‪ ،‬وتعددت آراؤهم في التعبير‬

‫عن الفعل المبني للمجهول؛ إما بالميزان الصرفي (فعل‪ -‬يفعل)‪ ،‬أو بما لم يسم فاعله‪،‬‬

‫(‪ )1‬ابن جماعة‪ ،‬بدر الدين(‪2000‬م)‪ :‬شرح كافية ابن الحاجب‪ ،‬ص‪ ،298‬تحقيق‪ :‬داود‪ ،‬محمد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫المنار‪.‬‬
‫الرضى(‪1975‬م)‪ :‬شرح شافية ابن الحاجب ‪ ،220/2‬تحقيق‪ :‬نور الحسن‪ ،‬محمد وآخرون‪ .‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫(‪ )2‬االستراباذي‪ِّ ،‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن مالك‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪ :‬شرح الكافية الشافية‪ ،602/2 ،‬تحقيق‪ :‬هريدي‪ ،‬عبد المنعم‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬مكة المكرمة‪:‬‬
‫جامعة ِّأم القرى ومركز البحث العلمي واحياء التراث‪.‬‬
‫(‪ )4‬األندلسي‪ ،‬أبو حيان(‪1998‬م)‪ :‬ارتشاف الضرب من لسان العرب‪ ،184/2 ،‬تحقيق‪ :‬عثمان‪ ،‬رجب؛ عبد‬
‫التواب‪ ،‬رمضان‪ .‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬ابن هشام‪ ،‬عبد اهلل جمال الدين(‪ 2004‬م)‪ :‬شرح شذور الذهب في معرفة كالم العرب‪ ،‬ص‪،191‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد الحميد‪ ،‬محمد محي الدين‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الطالئع‪.‬‬
‫(‪ )6‬الصديقي‪ ،‬ابن عالن(‪2001‬م)‪ :‬إتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل‪ ،‬تحقيق‪ :‬شمس الدين‪ ،‬إبراهيم‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫يسميه‪ :‬المبني للمجهول‪ ،‬أو المبني للمفعول‪ ،‬وبعضهم أطلق عليه الفعل‬
‫ومنهم من ِّ‬

‫مبني لغير الفاعل‪،‬‬


‫الذي شغل بالمفعول‪ ،‬أو الفعل الغائب‪ ،‬كما عبر البعض بالفعل ال ِّ‬

‫فالمصطلحات كثيرة وهذا يدلل على حيوية اللغة وتطورها في انتقاء مفرداتها والتعريف‬

‫بمصطلحاتها‪ ،‬زد على ذلك حيوية علماء اللغة بما أعطوه ألنفسهم من حرية التصرف‬

‫بابتكار مصطلحات تلبِّي الحاجة‪-‬وان لم يتداولوها إال في بعض األحيان‪ -‬كما عند‬
‫(‪)1‬‬
‫سيبويه في مصطلح (الفعل الذي شغل بالمفعول) ‪.‬‬

‫المبني المجهول) وهو‬


‫مبني للمعلوم و ِّ‬
‫ولقد اختار الباحث لدراسته اصطالح‪( :‬ال ِّ‬

‫المصطلح المتداول عند اللغويين المحدثين‪ ،‬وسيسلك الباحث هذا المسلك إرادةً‬

‫مبني لما لم يسم فاعله؛ وألن نائب الفاعل قد يكون‬


‫الختصار اللفظ‪ ،‬فهو أخصر من ال ِّ‬

‫مفعوًال وقد يكون غير ذلك‪ :‬كالجار والمجرور‪ ،‬والمصدر‪ ،‬والظرف‪ .‬وعليه فالفعل المبني‬

‫مبني للمفعول‪ ،‬وليس الباحث بد ًعا من‬


‫للمجهول أشمل في الداللة‪ ،‬وأوسع من الفعل ال ِّ‬

‫ِّ‬
‫المتقدمين كالجرجاني‪ ،‬إذ‬ ‫القول في اختياره هذا؛ فقد جرى بذلك تعبير بعض العلماء‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫يقول‪" :‬إن اسم المفعول على موازنة الفعل المضارع المجهول" ‪ ،‬كذلك الكرماني ‪،‬‬

‫والقرطبي عند قوله‪{ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯫ ﯬ ﯭ} [سورة‬

‫(‪)4‬‬
‫األنعام‪ ]16 :‬يقول‪" :‬فقد رحمه‪ ،‬ولم يقل رحم على المجهول" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬سيبويه‪ :‬الكتاب‪228/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬األزهري‪ ،‬خالد(‪1984‬م)‪ :‬شرح العوامل المائة للجرجاني‪ ،‬ص‪ ،298‬تحقيق‪ :‬البدراوي‪ ،‬زهران‪ .‬ط‪ ،2‬القاهرة‪:‬‬
‫دار المعارف‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أسرار التكرار في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫(‪ )4‬القرطبي‪ ،‬محمد شمس الدين(‪1964‬م)‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،397/6 ،‬تحقيق‪ :‬البردوني‪ ،‬أحمد؛ أطفيش‪،‬‬
‫إبراهيم‪ .‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬دار الكتب المصرية‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫تمهيد‬

‫ستعنى ِّ‬
‫الدراسة بالفعل في بنيتيه‪ :‬المعلوم‪ ،‬والمجهول‪ ،‬ولن تتجه إلى ما ينوب‬

‫عن الفاعل بعد حذفه‪-‬أعني‪( :‬نائب الفاعل) ‪-‬وال إلى المفعوالت التي تقوم مقام الفاعل؛‬

‫فإن ذلك مما يطيلها ويشعِّبها‪ ،‬وليس هو محل اهتمام الباحث في إظهار األثر الداللي‬

‫المترتِّب على صورة التغير بين البنيتين وفق السِّياق القرآني‪ ،‬إضافة إلى أن (نائب‬
‫(‪)1‬‬
‫اسات مستقلة تغني عن التكرار هاهنا‪.‬‬
‫الفاعل) قد أفردت فيه در ٌ‬

‫عب ُر علماء اللغة عن الفعل المبني للمعلوم بأنَّ ُه‪ :‬ما ذكر فاعله في الكالم‬
‫ُي ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أن رسول اهلل‪‬‬ ‫مستتر ‪ ،‬كحديث أبي هريرة‪¢‬‬
‫ًا‬ ‫ضمير‬
‫ًا‬ ‫ظاهرا‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫اسما‬
‫اء أكان ً‬
‫سو ٌ‬

‫قال‪(( :‬إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين‪ ،‬واذا نزع فليبدأ ِّ‬
‫بالشمال‪ ،‬لتكن اليمنى أولهما‬
‫(‪)3‬‬
‫تنعل‪ ،‬وآخرهما تنزع)) ‪ ،‬فالفعل (انتعل) و(نزع) مبنيان للمعلوم‪ ،‬فاعل األول‪ :‬أحدكم‪،‬‬

‫وفاعل الثاني‪( :‬هو) ضمير مستتر‪.‬‬

‫في َع ِّبرون عنه بـ‪ :‬ما استغني عن فاعله‪ ،‬وأقيم‬


‫أما الفعل المبني للمجهول ُ‬
‫َّ‬

‫بني‬
‫مبني للمعلوم إلى صيغة الم ِّ‬
‫المفعول مقامه‪ ،‬وأسند إليه معدوًال عن صيغة ال ِّ‬

‫مثال‪ :‬مايو‪ ،‬عبد القادر(د‪.‬ت) ‪:‬علم النحو العربي‪-‬الفاعل ونائب الفاعل‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار القلم العربي؛‬
‫(‪ )1‬ينظر ً‬
‫محمد‪ ،‬شفاء(‪2009‬م)‪ :‬الفعل ومتعلقاته في الحزب األخير من القرآن‪-‬دراسة تحليلية‪ ،‬مقال على شبكة األلوكة‬
‫باإلنترنت؛ رحمة‪ ،‬ستي(‪2016‬م)‪ :‬نائب الفاعل في القرآن الكريم‪-‬دراسة في سورة الكهف ويس والواقعة والملك‪،‬‬
‫الجزائر‪ :‬جامعة أنستاري اإلسالمية (ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬قباوة‪ ،‬فخر الدين(‪1998‬م)‪ :‬تصريف األسماء واألفعال‪ ،‬ص‪ .249‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬مكتبة المعارف؛‬
‫الضامن‪ ،‬حاتم(‪2001‬م)‪ :‬الصرف‪ ،‬ص‪ .122‬د‪.‬ط‪ ،‬دبي‪ :‬مركز جمعة الماجد؛ األنطاكي؛ الغالييني‪،‬‬
‫مصطفى(‪2004‬م)‪ :‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ص‪ .37‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية؛ األنطاكي‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪:‬‬
‫المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها‪ .1690/1 ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الشرق العربي‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري(‪1987‬م)‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬البغا‪ ،‬مصطفى بيروت‪ :‬دار ابن كثير‪ ،‬كتاب اللباس‪-‬باب ينزع‬
‫نعله اليسرى ح(‪.)5517‬‬
‫‪30‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫صحيحا‬
‫ً‬ ‫يدا‪،‬‬
‫ماضيا أم مضارًعا‪ ،‬مجرًدا أم مز ً‬
‫ً‬ ‫اء أكان‬
‫للمجهول‪ ،‬يحكمها نوع الفعل سو ٌ‬
‫(‪)1‬‬
‫أم ًّ‬
‫معتال ‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن تغييرات صوتية وصرفية تط أر على الفعلين‪ :‬المعلوم‪ ،‬والمجهول‬

‫تغيير في السِّياق النحوي‪ ،‬فينتقل‪ :‬المفعول به‪ ،‬أو الظرف‪ ،‬أو الجار والمجرور‪،‬‬
‫تقتضي ًا‬

‫أو المصدر‪-‬وهي ما ينوب عن الفاعل بعد حذفه‪-‬إلى موقع الفاعل‪ ،‬ويكون الفعل حديثًا‬

‫ظا‬
‫عنه كما كان حديثًا عن الفاعل‪ ،‬ويجري مجراه في كل ما يجري للفاعل من الرفع لف ً‬

‫أو مع ًنى‪ ،‬ومن عدم االستغناء عنه‪.‬‬

‫ومن المسائل التي شهدت خالفا بين علماء اللغة والنحو هل المبني للمجهول‬

‫محول ٌة؟‬
‫أص ٌل أم بني ٌة َّ‬

‫مذهب جمهور البصريِّين‪ :‬أن المبني للمعلوم أص ٌل‪ ،‬والمبني للمجهول فرعٌ‬

‫مبني للمعلوم القياسية‪،‬‬


‫عليه‪ ،‬ومغيٌر عنه‪ ،‬وقد افترضوا أصوًال لهذه األفعال من صيغ ال ِّ‬

‫فـ(جن) و(سل)‪ ،‬و(حم) عندهم أصو ٌل قياسية على (جنن)‪ ،‬و(سلل)‪ ،‬و(حمم)‪ ،‬فإذا‬

‫قالوا‪( :‬جن) و(سل) و(حم)؛ فإنما يريدون جعل فيه الجنون‪ ،‬والسل‪ ،‬والحمى‪.‬‬

‫أصال‬
‫الزما للفعل‪ ،‬والمفعول غير الزم؛ كان ً‬
‫وقد استدلوا بأن الفاعل لما كان ً‬

‫أصال؛ ألنه كالجزء منه‪ .‬قال ابن عالن‪:‬‬


‫فعال ً‬
‫للمفعول وأوًال له‪ ،‬ويلزم من هذا أن يكون ً‬

‫مبني للفاعل‪ ،‬فهذه أص ٌل لتلك‪،‬‬


‫مبني للمفعول مغيرةٌ عن صيغة ال ِّ‬
‫"الصحيح أن صيغة ال ِّ‬

‫المبرد وابن الطراوة‪ ،‬ونسبه لسيبويه زعموا أن ًّ‬


‫كال‬ ‫خالفًا لظاهر األلفية تب ًعا للكوفيِّين و ِّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن يعيش‪ :‬شرح المفصل‪306/4 ،‬؛ ابن جماعة‪ :‬شرح كافية ابن الحاجب‪ ،‬ص‪95‬؛ ابن هشام‪ :‬شرح‬
‫شذور الذهب في معرفة كالم العرب‪ ،‬ص‪190‬؛ باشا‪ ،‬ابن كمال(‪ 2002‬م)‪ :‬أسرار النحو‪ ،‬ص‪ ،100‬تحقيق‪ :‬حامد‪،‬‬
‫أحمد‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫تمهيد‬

‫منهما أص ٌل برأسه‪ ،‬قالوا‪ :‬ألنه جاءت أفعا ٌل مالزمة للبناء للمفعول كزهي‪ ،‬وزكم‪ ،‬وحم‪،‬‬

‫مبني للفاعل للزم أال يوجد إال حيث يوجد األصل‪ ،‬وأجيب‬
‫وجن‪ ،‬فلو كان فرًعا عن ال ِّ‬

‫بأن العرب قد تستغني بأنواع عن األصل" ‪ .‬والعربية على ِّ‬


‫(‪)1‬‬
‫حد تعبير المناصرين لهذا‬

‫القول عرفت ظاهرة إهمال األصول واستعمال الفروع‪ ،‬مثل‪( :‬يدع)‪( ،‬يذر) على تقدير‬

‫ماضيها‪( :‬ودع)‪ ،‬و(وذر)؛ لذا استغني عنها كما استغني عن (قطع) بـ (قطع) كما يقول‬
‫(‪)2‬‬
‫ياء‪ ،‬وتدغم في الياء في‬
‫سيبويه ‪ ،‬وقد كان يلزم على القول باألصلية أن تقلب الواو ً‬

‫(سوير) كلزوم إبدال الواو األولى من (ووري) همزة؛ الجتماع واوين في أول الكلمة‪،‬‬

‫ني للمعلوم وهو‬


‫فلما لم يحصل األول وال الثاني؛ دل على أن المبني للمجهول تابعٌ للمب ِّ‬
‫(‪)3‬‬
‫(ساير)‪ ،‬و(وارى) ‪.‬‬

‫ويذهب الكوفيون إلى القول بإلغاء األصلية والفرعية‪ ،‬وأن المبني للمجهول أص ٌل‬
‫(‪)4‬‬
‫المبرد‪،‬‬
‫قائم بذاته غير مغير عن المعلوم‪ ،‬وال فرع عنه ‪ ،‬ونسب األزهري هذا القول إلى ِّ‬
‫ٌ‬
‫(‪)5‬‬
‫وابن الطراوة ‪ ،‬إذ لم يثبت لديهم أن المبني للمجهول معدو ٌل عن صيغة أخرى‪ ،‬كما‬

‫أنه لو كان معدوًال عن غيره؛ لكان مستلزًما وجوده وجود ذلك األصل‪ ،‬وال يوجد فرعٌ‬

‫بغير أصل‪ ،‬ومما استدلوا به ورود أفعال يستخدمها العرب مبنيةً للمجهول مخصوصةً‬

‫(‪ )1‬إتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل‪ ،‬ص‪3-2‬‬


‫(‪ )2‬الكتاب‪67/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن يعيش‪ :‬شرح المفصل‪309/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬سيبويه‪ :‬الكتاب‪279/4 ،‬؛ المبرد‪ :‬المقتضب‪50/4 ،‬؛ ابن يعيش‪ :‬شرح المفصل‪309/4 ،‬؛ أبو حيان‪:‬‬
‫ارتشاف الضرب‪.1340/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬األزهري‪ ،‬خالد(‪2000‬م)‪ :‬شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو‪،357/2 ،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عيون السود‪ ،‬محمد‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫به ال حظ للمعلوم فيها‪ ،‬كقولهم‪ :‬بهت الرجل‪ ،‬ونفست المرأة ول ًدا‪ ،‬فدل على أنه أص ٌل‬

‫قائم بذاته‪.‬‬
‫عندهم ٌ‬

‫الدراسات اللِّسانية الحديثة يرجِّح مذهب‬


‫ومن يسلك من الباحثين مسلك ِّ‬

‫مبني للمجهول محولةٌ عن أصل هو‪ :‬المبني للمعلوم‪ ،‬وأنه‬


‫البصريِّين من أن صيغ ال ِّ‬

‫يعد قاعدة تحويلية عن األصل أقرب ما يكون لقانون اإلحالل الذي إما‪ :‬أن يكون‬

‫التحويل فيه من جملة إلى أخرى‪ ،‬أو من تركيب إلى آخر‪ ،‬فالجملة المحول عنها أو‬

‫التركيب هو ما يعرف باألصل‪ ،‬أو البنية العميقة ويعنون به هنا‪ :‬المبني للمعلوم‪،‬‬

‫والمحول إليها يعرف بالفرع‪ ،‬أو البنية السطحية ويمثِّل‪ :‬المبني للمجهول ‪ ،‬وال يسلِّم‬
‫(‪)1‬‬

‫الباحث بهذا التفريق بين الفعلين بكون أحدهما يمثِّل البنية العميقة واآلخر السطحية؛‬

‫الداللي المترتِّب على صور التغير بين‬


‫ِّ‬ ‫لما ينبني على هذا القول من تفريق في األثر‬

‫الدراسات اللِّسانية‬
‫الفعلين‪ :‬المعلوم والمجهول‪ ،‬وبالنظر في السِّمات التي ميز بها علماء ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الحديثة بين البنيتين السطحية والعميقة ؛ يتبين أن نسبة الفعلين‪ :‬المعلوم والمجهول‪،‬‬

‫للبنيتين‪ :‬العميقة والسطحية‪-‬على الترتيب‪-‬ال يستقيم لغةً ومعنى‪ ،‬ال سيما مع كالم‬

‫عال‪ ،‬ال‬
‫اهلل‪ ،‬فالبنية السطحية عند المحدثين بنيةٌ منطوقةٌ ومسموعةٌ أو مكتوبةٌ ف ً‬

‫تصوًار أو تخي ًال‪ ،‬ثم إنها بنيةٌ مختصرةٌ‪ ،‬واللفظ فيها محل اهتمام واعتناء‪ ،‬على خالف‬

‫البنية العميقـة التي يصعب تحديدها؛ ألنها تعتمد على إعمال الفكر والحدس والتخمين‪،‬‬

‫(‪ ) 1‬ينظر‪ :‬موضي(‪1986‬م)‪ :‬صيغ األفعال بين القياس والسماع‪ ،‬ص‪ ،37‬مكة المكرمة‪ :‬جامعة أم‬
‫القرى(ماجستير)؛ ناصر‪ ،‬حمود(‪2006‬م)‪ :‬القراءات في ضوء الدرس الصرفي‪ ،‬ص‪ ،172‬جامعة دمشق(دكتو ارة)‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الخولي‪ ،‬محمد(‪1982‬م)‪ :‬دراسات لغوية‪ ،‬ص‪ ،52‬د‪.‬ط‪ ،‬الرياض‪ :‬دار العلوم؛ الكريم‪ ،‬عبد اهلل(د‪.‬ت)‪:‬‬
‫الدرس النحوي في القرن العشرين‪ ،‬ص‪ ،241‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة اآلداب؛ الطويل‪ ،‬سيد رزق(‪ 1983‬م)‪ :‬ظاهرة‬
‫التوهم في الدراسات النحوية والتصريفية‪ ،‬مجلة كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى‪ ،‬ع‪( ،1‬ص‪.)95-89‬‬
‫‪33‬‬
‫تمهيد‬

‫وهي في الغالب حالة نفسية يتصور اإلنسان معها تصورات قد تكون صحيحة وقد تكون‬

‫فاسدة‪ ،‬كما أن هذه البنية تعتمد على المعنى أكثر من اعتمادها على اللفظ؛ فهو محورها‬

‫ومناط اهتمامها‪ ،‬وال يحتمل النص القرآني هذا التفريق‪ ،‬بل وال تستقيم نسبة أحد الفعلين‬

‫إلى األلفاظ دون المعاني‪ ،‬وال المعاني دون األلفاظ‪ ،‬أو اعتبار أحدهما م ِّ‬
‫عب ًار عن‬

‫المنطوق والمسموع دون األفكار والمشاعر‪ ،‬إنما األلفاظ بوابة المعاني والجسر الموصل‬

‫إليها‪ ،‬وال يستغني أحدهما عن اآلخر‪.‬‬

‫مثل هذا الخالف في التفريق بين أصلية الفعلين‪ :‬المعلوم والمجهول وفرعيتهما‪،‬‬

‫ال ينبني عليه كبير أثر في دراسة الباحث لصور التغير بينهما‪ ،‬فجملة األغراض‬

‫البالغية والداللية المناطة بالفعلين مستفيضةٌ يفتحها اهلل‪ ‬على من شاء‪ ،‬كيفما شاء‪،‬‬

‫ال هذا يؤدي وظيفة ذاك وال العكس‪ ،‬وانطالق الباحث من الرؤية الداللية للفعلين يجعله‬

‫يعمل دالالت ٍّ‬


‫كل منهما وفق السِّياق الذي ورد فيه دون االلتفات إلى هذا الخالف الذي‬

‫ال يخدم المعنى‪ ،‬كما قال السيوطي ناق ًال عن أبي حيان‪" :‬إن هذا الخالف ال يجدي‬

‫كبير فائدة"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين(‪1998‬م)‪ :‬همع الهوامع في شرح جمع الجوامع‪ ،164/2 ،‬تحقيق‪ :‬شمس الدين‪،‬‬
‫أحمد‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫صور بناء الفعل للمجهول‬

‫يعد الفعل بين البناء للمعلوم والمجهول من الحاالت التي تتجلى فيها ظاهرة‬

‫الداخلي للحركات داخل مادة الكلمة‪ ،‬وقد تكفلت كتب النحو والصرف ببيان‬
‫ِّ‬ ‫التحول‬

‫(‪)1‬‬
‫صور بناء الفعل للمجهول‪ ،‬يوجزها الباحث على النحو التالي‪:‬‬

‫الفعل الماضي‪:‬‬
‫إن كان ثالثيًّا صحيح العين غير مضعف؛ ضم أوله‪ ،‬وكسر ما قبل آخره‪،‬‬

‫مبدوء بتاء زائدة؛ ضم أوله وثانيه‪ ،‬وكسر ما قبل‬


‫ً‬ ‫مثل‪ :‬فتح فتح‪ ،‬شرب شرب‪ ،‬وان كان‬

‫آخره‪ ،‬مثل‪ :‬تكسر تكسِّر‪ ،‬تعلم تعلِّم‪ ،‬وان بدئ بهمزة وصل؛ ضم أوله وثالثه‪ ،‬وكسر ما‬

‫قبل آخره‪ ،‬مثل‪ :‬اعتمد اعتمد‪ ،‬انتصر انتصر‪ ،‬فإن كان ثانيه أو ثالثه ألفًا زائدةً على‬

‫ضم أوله‪ ،‬وكسر ما قبل آخره مثل‪ :‬قاتل قوتل‪ ،‬تشارك‬


‫وزن (فاعل)؛ قلبت و ًاوا‪ ،‬مع ِّ‬

‫اء سواء كان‬


‫تشورك‪ ،‬أما إن كانت عينه ألفًا؛ فإنه يكسر ما قبلها‪ ،‬وتنقلب األلف ي ً‬

‫ياء أم و ًاوا‪ ،‬مثل‪ :‬صام صيم‪ ،‬وباع بيع‪.‬‬


‫أصلها ً‬

‫والماضي المعتل العين على وزن (انفعل)‪ ،‬و(افتعل) يجوز أن يضم أوله‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫انقاد انقود‪ ،‬اختار اختور‪ ،‬أو يكسر‪ ،‬مثل‪ :‬انقاد انقيد‪ ،‬اختار اختير‪ ،‬والمضعف الثالثي‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الصيمري‪ ،‬عبد اهلل(‪1982‬م)‪ :‬التبصرة والتذكرة‪ ،124/2 ،‬تحقيق‪ :‬أحمد‪ ،‬فتحي‪ .‬ط‪ ،1‬مكة المكرمة‪:‬‬
‫جامعة أم القرى؛ الجزولي‪ ،‬عيسى(د‪.‬ت)‪ :‬المقدمة الجزولية في النحو‪ ،‬ص‪ ،144‬تحقيق‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬شعبان‪.‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬مكة المكرمة‪ :‬مطبعة أم القرى؛ ابن يعيش‪ :‬شرح المفصل‪307/4 ،‬؛ ابن عصفور‪ ،‬علي(‪1972‬م)‪ :‬المقرب‪،‬‬
‫‪ ،79/1‬تحقيق‪ :‬الجوادي‪ ،‬أحمد؛ الجبوري‪ .‬ط‪ .1‬بدون دار ناشرة؛ ابن جماعة‪ :‬شرح كافية ابن الحاجب‪ ،‬ص‪298‬؛‬
‫أبو حيان‪ :‬ارتشاف الضرب‪1345-1340/1 ،‬؛ األنصاري‪ ،‬ابن هشام(د‪.‬ت)‪ :‬أوضح المسالك‪،157-155/2 ،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد الحميد‪ ،‬محمد محي الدين‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية؛ األزهري‪ :‬شرح التصريح‪296-293/1 ،‬؛‬
‫باشا‪ ،‬ابن كمال‪ :‬أسرار النحو‪ ،‬ص‪102‬؛ مكرم‪ ،‬عبد العال سالم(‪1992‬م)‪ :‬تطبيقات نحوية بالغية‪ .33/2 ،‬ط‪،2‬‬
‫بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫تمهيد‬

‫المدغم‪ ،‬تبقى عينه كما هي مضعفة‪ ،‬ويجوز في أوله ثالثة وجوه‪ :‬الضم‪ ،‬مثل‪ :‬شد شد‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مد مد‪ ،‬والكسر‪ ،‬مثل‪ :‬عد عد‪ ،‬رد رد‪ ،‬واإلشمام‪.‬‬

‫الفعل المضارع‪:‬‬
‫قر يقرأ‪ ،‬يكتب يكتب‪ ،‬فإن كانت عينه‬
‫يضم أوله‪ ،‬ويفتح ما قبل آخره‪ ،‬مثل‪ :‬ي أ‬

‫ياء؛ فإنه يضم أوله‪ ،‬وتقلب عينه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها بعد نقل حركتها‬
‫و ًاوا‪ ،‬أو ً‬

‫إلى ما قبلها‪ ،‬مثل‪ :‬يقول يقال‪ ،‬يصوم يصام‪ ،‬وان كانت ألفًا بقيت كما هي‪ ،‬مثل‪ :‬ينام‬

‫ينام‪ ،‬واذا كان الفعل مضعفًا؛ يضم أوله ويفتح ما قبل حرف التضعيف مثل‪ :‬يمتد يمتد‪.‬‬

‫وهناك ثمة أفعال يعتبرها اللغويون مبنية للمجهول لفظًا ال حقيقة‪ ،‬ويعربون‬

‫مبني للمجهول‪،‬‬
‫فاعال ال نائب فاعل‪ ،‬وهي األفعال التي تالزم صيغة ال ِّ‬
‫ً‬ ‫المرفوع بها‬

‫أفعاال‬
‫مثل‪ :‬زهي‪ ،‬عني‪ ،‬بلج‪ ،‬حم‪ ،‬سل‪ ،‬جن‪ ،‬أغمي‪ ،‬شده‪ ،‬امتقع‪ ،‬ثلج‪ ،‬كما أن هناك ً‬

‫كثر بناؤها للمجهول‪ ،‬وقل بناؤها للمعلوم‪ ،‬مثل‪ :‬هزل‪ ،‬بهت‪ ،‬زكم‪ ،‬نتج‪ ،‬وعك‪ ،‬رهص‪،‬‬

‫أولع‪ ،‬وطل دمه‪.‬‬

‫وال يجوز بناء فعل األمر للمجهول؛ ألن األمر يوجه في الغالب إلى مخاطب‬

‫مخصوص‪ ،‬وال يجوز أن يكون هذا المخاطب مجهوًال‪ ،‬وال يجوز كذلك أن يبنى الفعل‬

‫الجامد للمجهول كنعم‪ ،‬وبئس‪ ،‬وليس‪ ،‬وعسى‪ ،‬أما الناقص مثل كان وأخواتها فإن أمن‬

‫اللبس جاز؛ واال لم يجز‪ ،‬وعلى الرغم من صحة بنائها للمجهول إال أنه من المستحسن‬
‫(‪)2‬‬
‫بحا في الجرس" ‪.‬‬
‫عدم بنائها للمجهول؛ فأحكام البالغة ترى فيها "ثق ًال في النطق‪ ،‬وق ً‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬اإلتيان بحركة بين الضمة والكسرة‪ ،‬ويظهر في النطق دون الكتابة‪.‬‬
‫(‪ )2‬حنني‪ :‬المبني للمجهول في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪46‬‬
‫‪36‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫مبني‬
‫مبني للمجهول على ال ِّ‬
‫ويتجه بعض الباحثين إلى تفضيل بناء الفعل ال ِّ‬

‫للمعلوم من حيث خصوصية األداء‪ ،‬وتأثير الداللة‪ ،‬وبعد المعنى البالغي‪ ،‬ووجه‬

‫احدا‬
‫فاعال و ً‬
‫التفضيل إنما نظروا فيه إلى الفاعل بحجة أن الفعل المبني للمعلوم يتخذ ً‬

‫مبني للمجهول الذي يكون الفاعل فيه غير محدد بدقة ال يتعداها‪ ،‬مما‬
‫محد ًدا‪ ،‬خالفًا لل ِّ‬

‫يجعله في أرقى صور البيان‪ ،‬واإلعجاز ‪ ،‬والباحث يأبى هذا االتِّجاه في دراسة داللتي‬
‫(‪)1‬‬

‫الفعلين‪ ،‬فإن الناظم لكليهما إنما هو السِّياق‪ ،‬وال يحكم بخصوصية بنية على أخرى‪ ،‬أو‬

‫السياق التي قام عليها عمد الكالم وفضله‪ ،‬وصار‬


‫إغفاال لنظرية ِّ‬
‫ً‬ ‫بالغتها؛ واال كان ذلك‬

‫الحديث عن داللتي الفعلين ترفًا من القول‪ ،‬ما دام أن األفضلية قد ح ِّددت سلفًا‪ ،‬وحكم‬

‫ببالغة بنية على األخرى‪.‬‬

‫لذا فإن الباحث عندما يناقش الدالالت المتعلقة ببنيتي الفعلين‪ ،‬من المهم أن‬

‫يناقشها دون تكلف أو شطط‪ ،‬بل سيكون قصده‪-‬فيما أعان المولى وسدد‪-‬المعنى‬

‫إفهاما في موضعها‬
‫ً‬ ‫األلصق واألقرب لتوضيح الداللة‪ ،‬فيختار لها ما هو أليق وأكثر‬

‫معجز ألنه جاء بأفصح األلفاظ في أحسن نظوم التأليف‪،‬‬


‫ًا‬ ‫القرآني؛ فإن القرآن "إنما صار‬
‫(‪)2‬‬
‫مضمًنا أصح المعاني" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬حنني‪ ،‬زاهر‪ :‬المبني للمجهول في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪48‬‬


‫(‪ )2‬الخطابي‪ ،‬سليمان(د‪.‬ت)‪ :‬بيان إعجاز القرآن‪ ،‬ص‪ ،24‬تحقيق‪ :‬خلف اهلل‪ ،‬محمد؛ زغلول‪ ،‬محمد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار المعارف‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫تمهيد‬

‫أغراض حذف الفاعل‬

‫مهم في بناء الجملة العربية‪ ،‬فهو عند األقدمين أقوى العوامل؛ حيث‬
‫ركن ٌّ‬
‫الفعل ٌ‬

‫إنه يرفع الفاعل‪ ،‬وينصب المفعول والفضالت كالمفاعيل والحال والتمييز والتوابع ونحو‬

‫مذكور أو محذوفًا‪ ،‬وال بد أن يسند إلى فاعل قد‬


‫ًا‬ ‫ومتأخرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ذلك‪ ،‬كما أنه يعمل ِّ‬
‫متقدما‬

‫ِّ‬
‫المتحدث‪،‬‬ ‫يذكر أو يحذف ويقام المفعول مقامه‪ ،‬بقصد جملة من األغراض التي يريدها‬

‫وهو ما أطلق عليه العلماء أغراض الذكر والحذف‪ ،‬وتتأثر هذه األغراض بعدة عناصر‬

‫فنية كالجو العام للسورة‪ ،‬أو الجو الخاص لآلية‪ ،‬أو النسق اللغوي للسياق‪ ،‬أو المقام‬
‫(‪)1‬‬
‫ومقتضى الحال ‪.‬‬

‫نجد ذلك محل اعتناء واهتمام عند علمائنا األوائل بحديثهم عن مراعاة المقال‬

‫لمقتضى الحال‪ ،‬الذي مثل بدايات نظرية السياق عند المحدثين‪ ،‬يقول السكاكي‪:‬‬

‫صدق في نهج البالغة‪-‬نازلةٌ منزلة األساس‬


‫ٌ‬ ‫"والمقدمة للكالم‪-‬كما ال يخفى على من له‬

‫للبناء‪ ،‬فكما أن البناء الحاذق ال يرمي األساس إال بقدر ما يقدر من البناء عليه؛ فكذلك‬
‫(‪)2‬‬
‫البليغ يصنع بمبدأ كالمه‪ ،‬فمتى رأيته اختصر المبدأ؛ فقد آذنك باختصار ما يورده" ‪.‬‬

‫وقد ذهب أهل اللغة إلى أن الجملة الفعلية قد تعدل عن ذكر الفاعل‪ ،‬فينوب‬

‫المفعول به أو غيره عن الفاعل المحذوف‪ ،‬وحاولوا حصرها بأغراض محددة‪ ،‬وحتى‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الزوبعي‪ ،‬طالب(‪1996‬م)‪ :‬من أساليب التعبير القرآني ‪ -‬دراسة لغوية وأسلوبية في ضوء النص القرآني‪،‬‬
‫ص‪ .316‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫(‪ )2‬السكاكي‪ ،‬يوسف(‪1987‬م)‪ :‬مفتاح العلوم‪ ،‬ص‪ ،103‬تحقيق‪ :‬زرزور‪ ،‬نعيم‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫(‪)1‬‬
‫يتيسر لهم ذلك؛ قسموا هذه األغراض إلى مجموعتين‪:‬‬

‫أوًل‪ :‬األغراض اللَّفظيَّة‪:‬‬


‫ا‬

‫‪ .1‬المحافظة على السجع‪ ،‬تقول‪ :‬من حسن عمله؛ عرف فضله‪.‬‬


‫(‪)2‬‬
‫‪ .2‬المحافظة على الوزن الشعري‪ ،‬كقول عنترة في معلقته‪:‬‬

‫مـ ـ ـ ـال ـ ـي وع ـ ـرض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي واف ـ ـٌر ل ـ ـم ي ـ ـك ـ ـل ـ ـم‬ ‫ك‬


‫واذا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـربـ ـ ـ ـت فـ ـ ـ ـإن ـن ـي مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـه ـلـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫‪ .3‬اإليجاز‪ ،‬والرغبة في االختصار‪" ،‬فقد يترك الفاعل؛ ألن المتكلم غرضه‬
‫ِ‬
‫(‪)3‬‬
‫استغناء عنه" ‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬
‫ً‬ ‫إيجاز‪ ،‬ال‬
‫ًا‬ ‫اإلخبار عن المفعول ال غير‪ ،‬فيترك الفاعل‬

‫{ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ} [سورة النحل‪ .]126 :‬فحذف الفاعل في‬

‫إيجازا؛ ألن الغرض بيان حال المفعول‪ ،‬واإلخبار عنه‪،‬‬


‫ً‬ ‫استغناء عنه‪ ،‬وانما‬
‫ً‬ ‫(عوقبتم) ال‬

‫ال عمن وقع منه العقاب‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬األغراض المعنويَّة‪:‬‬


‫‪ .1‬العل ُم‪ :‬أي‪ :‬علم المخاطب بالفاعل‪ ،‬كما في صدر اآليات من سورة‬

‫التكوير‪ ،‬يقول‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ} [سورة التكوير‪ .]1 :‬إذ المراد تصوير حالة الفزع‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الجزولي‪ :‬المقدمة الجزولية في النحو‪ ،‬ص‪141‬؛ ابن يعيش‪ :‬شرح المفصل‪307/4 ،‬؛ ابن عصفور‪:‬‬
‫المقرب‪80/1 ،‬؛ ابن هشام‪ :‬أوضح المسالك‪136-135/2 ،‬؛ األزهري‪ :‬شرح التصريح‪422-421/1 ،‬؛ السيوطي‪:‬‬
‫همع الهوامع‪262/2 ،‬؛ باشا‪ ،‬ابن كمال‪ :‬أسرار النحو‪ ،‬ص‪101‬؛ اليماني‪ ،‬عبد الباقي(‪2010‬م)‪ :‬المقدمة السعدية‬
‫في ضوابط العربية‪ ،‬ص‪ ،170‬تحقيق‪ :‬الشهري‪ ،‬فاطمة‪ ،‬السعودية‪ :‬جمعة الملك خالد(ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )2‬يقول‪ :‬فإذا شربت الخمر فإنني أهلك مالي بجودي وال أشين عرضي‪ ،‬فأكون تام العرض مهلك المال ال يكلم‬
‫عرضي عيب عائب‪ ،‬يفتخر بأن سكره يحمله على محامد األخالق ويكفه عن المثالب‪ ،‬ينظر‪ :‬الزوزني‪ ،‬حسين بن‬
‫أحمد(‪2002‬م)‪ :‬شرح المعلقات السبع‪ ،‬ص‪ ،256‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي؛ التبريزي‪ ،‬يحيى بن‬
‫علي(‪1352‬هـ)‪ :‬شرح القصائد العشر‪ ،‬ص‪ ،198‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬إدارة الطباعة المنيرية‪.‬‬
‫(‪ )3‬السيوطي‪ :‬همع الهوامع‪263/2 ،‬‬
‫‪39‬‬
‫تمهيد‬

‫بالمتصرف‬
‫ِّ‬ ‫في ذلك اليوم‪ ،‬وبيان ما عليه الناس من خوف وهلع مع علمهم المسبق‬

‫بأحداث ذلك اليوم ووقائعه‪ ،‬وفي هذا الحشد من األحداث التي بنيت للمجهول تقريعٌ‬

‫عالم بأال ملك يومئذ إال ملكه‪ ،‬يقول ابن عاشور معلِّقًا على قوله‪{ :‬ﯵ‬
‫للقلوب‪ ،‬وا ٌ‬

‫ﯶ ﯷ ﯸ} [سورة األنعام‪" :]73 :‬بني (ينفخ) للمجهول لعدم تعلق الغرض بمعرفة‬

‫النافخ‪ ،‬وانما الغرض معرفة هذا الحدث العظيم‪ ،‬وهو دعاء الناس للحضور إلى‬
‫(‪)1‬‬
‫الفصل" ‪.‬‬

‫‪ .2‬الجه ُل بالفاعل‪ :‬ففي قوله‪{ :‬ﭫ ﭬ ﭭ} [سورة القمر‪ :]9:‬ال‬

‫إخبار من اهلل‪ ،‬أو حكاية قولهم لقول فيه‬


‫ٌ‬ ‫يعلم من الزاجر‪ ،‬يقول الرازي‪(" :‬وازُدج َر)‬

‫إخبار من اهلل‪ ،‬وهو عطف على (كذبوا) في اآلية نفسها‪،‬‬


‫خالف‪ ،‬فمنهم‪ :‬من قال هو ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫وقالوا‪ :‬أي هم كذبوا‪ ،‬وهو ازدجر‪ ،‬أي‪ :‬أوذي وزجر" ‪.‬‬

‫التعظيم‪ :‬بإجالل الفاعل واكباره‪ ،‬وذلك بعدم ذكره مع المفعول؛ النتقاص‬


‫ُ‬ ‫‪.3‬‬

‫اء‪ ،‬كقولك‪ :‬صرع أبو جهل‪ ،‬فالفاعل معظ ٌم هو‪،‬‬


‫األخير‪ ،‬أو أنهما ليسا في الرتبة سو ٌ‬

‫معظ ٌم فعله‪ ،‬فلم يقرن بالمفعول أبي جهل لخسته‪ ،‬ومن أمثلة التعظيم قوله‪{ :‬ﭡ‬

‫ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ} [سورة األعراف‪ .]3 :‬فبعد ِّادعاء المشـركين فريةً ًا‬


‫وزور على القرآن‬

‫الكريم أنه قول شاعر‪ ،‬أو ساحر‪ ،‬أو كاهن‪ ،‬جاءت هذه اآليات بهذه األفعال متعقبةً‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ ،‬الطاهر(‪1984‬م)‪ :‬التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب‬
‫المجيد)‪ ،‬ص‪ ،137‬المقدمات وتفسير الفاتحة وجزء عم‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬تونس‪ :‬الدار التونسية‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرازي‪ ،‬فخر الدين(‪1999‬م)‪ :‬مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير‪ ،294/29 ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫مقولتهم داحضةً كل شبهة أوردوها؛ فبنى الفعل‪( :‬أنزل) على المجهول لي ِّ‬
‫عزز صور‬

‫التعظيم ومقاماته لهذا الكتاب الكريم فال تقف أمامه شبهة‪ ،‬وال يثبت لغيره ٍّ‬
‫تحد وال‬

‫تعظيما لشأن‬
‫ً‬ ‫إعجاز‪ ،‬وكأن المعنى‪ :‬يكفيكم من ذلك فقط أن يبنى الفعل للمجهول‬

‫المفعول وهو القرآن الكريم‪ ،‬وقد كان‪.‬‬

‫التحقير‪ :‬بأن يقلِّل من شأن الفاعل فال يذكره؛ ألن المفعول أرفع منه‬
‫ُ‬ ‫‪.4‬‬

‫شأنا‪ ،‬كمـ ـ ـ ـ ــا في قوله‪{ :‬ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗﭘ} [سورة المائدة‪.]109 :‬‬


‫ً‬

‫قال األلوسي في تفسيره‪" :‬وفي العدول عن ماذا أجاب أممكم؟ ما ال يخفى من اإلنباء‬

‫أيضا‪ ،‬واال‬
‫عن كمال تحقير شأنهم‪ ،‬وشدة السخط والغيظ عليهم‪ ،‬والسؤال لتوبيخ أولئك ً‬

‫فهو سبحانه عالم الغيوب" ‪ ،‬ومثله قوله‪{ :‬ﮑ ﮒ ﮓ} [سورة البقرة‪.]258 :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ذكر وقد ارتكب أعظم‬


‫حيث لم يذكر الفاعل لحقارته ودناءته‪ ،‬فهو أقل من أن يكون له ٌ‬

‫جرم هو‪ :‬الكفر باهلل‪.‬‬

‫اإلبهام‪ :‬وهذا اإلبهام لغرض يريده المتكلِّم إما بداعي الخوف من الفاعل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪.5‬‬

‫ضرر بذكره رأفةً به‪ ،‬ورحمةً عليه‪ ،‬يقول‪{ :‬ﯜ‬


‫ٌ‬ ‫أو الخوف عليه؛ لئال يلحقه أ ًذى أو‬

‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ} [سورة األعراف‪ ،]129 :‬حذف الفاعل‪( :‬فرعون) الواقع منه‬

‫يعرضهم لما ال يحمد‬


‫األذى على موسى• وقومه بداعي الخوف منه؛ ألن ذكره ِّ‬

‫عقباه من التعذيب والمالحقة والتنكيل‪ ،‬وأما في الخوف عليه فيقول‪{ :‬ﯝ ﯞﯟ‬

‫(‪ )1‬األلوسي‪ ،‬شهاب الدين(‪1415‬هـ)‪ :‬روح المعاني في تفسير القرن العظيم والسبع المثاني‪ ،56/4 ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عطية‪ ،‬علي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫تمهيد‬

‫ﯠ ﯡ ﯢ} [سورة يوسف‪ ]28 :‬حيث لم يذكر الشاهد الفاعل صراحة‪ ،‬والمعني به‪:‬‬

‫(امرأة العزيز) ذلك خوفًا على مكانتها االجتماعية‪ ،‬ومنزلتها بين نسوة قومها‪ ،‬ويشهد‬

‫لهذا المعنى ما جاء في تتمة اآلية على لسان زوجها‪ ،‬حين نسب الفعلة إلى كيد النساء‬

‫عموما ولم يعيِّنها فقال‪{ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯨ ﯩ ﯪ} [سورة يوسف‪ ،]28 :‬وزاد‬


‫ً‬

‫على ذلك أن طلب من يوسف‪ ‬أن يسترها‪ ،‬وال يذكر ذلك ألحد‪ ،‬فقال‪{ :‬ﯬ‬

‫ﯭ ﯮ ﯯ} [سورة يوسف‪.]29 :‬‬

‫التركيز على الحدث‪ ،‬وذلك بأن يكون السامع ال غرض له من ذكر الفاعل‬
‫ُ‬ ‫‪.6‬‬

‫حيث أنه ال يعنيه‪ ،‬وال حاجة له بذكره‪ ،‬من ذلك قوله‪{ :‬ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ}‬

‫[سورة البقرة‪ ]196 :‬إذ المقصود حصر الحاجِّ‪ ،‬وما يترتب عليه من هدي‪ ،‬وليس‬

‫المقصود الحاصر ذاته؛ لذا حذف‪ ،‬وقوله‪{ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬

‫ﰆ} [سورة النساء‪ .]86 :‬مقصود اآلية بيان مشروعية ِّ‬


‫رد السالم على من بدأنا به‬

‫أيًّا كان‪ ،‬ولم يرد تخصيصه بجماعة معينة‪ ،‬أو قوم معينين‪ ،‬وقال‪{ :‬ﭭ ﭮﭯ‬

‫ﭰ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} [سورة يوسف‪ ]65 :‬فإنما كانت حاجتهم رد بضاعتهم‪،‬‬

‫وال يهتمون بمن ردها؟! وال كيف ردها؟!‪ ،‬ولو كان السياق يريد ذلك لصرح بالفاعل‪.‬‬

‫متجليا بوضوح في اآليات التي صورت مشاهد يوم‬


‫ً‬ ‫والباحث يلحظ هذا الغرض‬

‫القيامة وأحداث الدار اآلخرة‪ ،‬بما يزيد من تركيز القارئ والمستمع لهذه األحداث بأن‬

‫يصرف النظر إلى االستعداد لها‪ ،‬واالهتمام بسبل النجاة فيها‪" ،‬فاطِّراد إسناد الحدث‬

‫إلى غير محدثه بالبناء للمجهول‪ ،‬أو اإلسناد المجازي‪ ،‬أو المطاوعة‪ ،‬يدل على العمد‬

‫‪42‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫المقصود به ما نسميه التلقائية‪ ،‬واإلقناع النفسي بأن ك ًّال مهيأٌ يومئذ للحدث الخطير‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وأن الكائنات مسخرة بقوة لذلك الحدث" ‪ ،‬تلك األغراض اآلنفة الذكر وردت منثورةً في‬
‫(‪)2‬‬
‫كالم العلماء مبثوثةً في كتبهم‪ ،‬نظمها أبو حيان بقوله‪:‬‬

‫والـ ـ ـ ــوزن وال ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــر واإلع ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـام‬ ‫وحـ ـ ـ ـ ـ ـذفـ ـ ـ ـ ـ ـه لـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـذف واإليـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـام‬
‫والسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـع وال ـ ـ ـ ــوفـ ـ ـ ـ ـاق واإليـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـار‬ ‫والـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـم والـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـل واالخـ ـ ـ ـتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـار‬
‫الرفعة‪ ،‬والخوف‪ ،‬والوزن‪،‬‬
‫والسيوطي عدد منها‪ :‬العلم‪ ،‬والجهل‪ ،‬والضعة‪ ،‬و ِّ‬
‫(‪)3‬‬
‫والسجع‪ ،‬واإليجاز ‪ ،‬وقاربه الصبان فذكر‪ :‬اإليجاز‪ ،‬وتصحيح النظم‪ ،‬والعلم‪ ،‬والجهل‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫واإلبهام‪ ،‬والتعظيم‪ ،‬والتحقير‪ ،‬والخوف منه‪-‬أي الفاعل‪-‬أو عليه ‪ ،‬وال يمكننا حقيقة‬

‫حصر هذا ِّ‬


‫الفن البالغي الواسع في تلك األغراض اآلنفة الذكر‪" ،‬فاألغراض ليست‬

‫تقعيدا منطقيًّا مقنًنا‪ ،‬وانما هي مواقف فنية ندركها من الموقف كله‪ ،‬فقد تكون هناك‬
‫ً‬

‫أغراض أعمق وأدق من تلك التي حصرها البالغيون‪ ،‬وعلينا أن نستشف العطاء الفني‬
‫(‪)5‬‬
‫لنسق التركيب من داخل العمل نفسه ومن هيئته الفنية الخاصة به" ‪ ،‬ومهما كان السر‬

‫في هذا الغرض أو غيره‪ ،‬فالمهم هنا أنه يمكننا أن نقول‪-‬بعد هذا العرض المختصر‬

‫لبعض أوجه البالغة القرآنية المتعلقة بحذف الفاعل‪-‬إننا أصبحنا نملك مفتاحاً من‬

‫(‪ )1‬ابنت الشاطئ‪ ،‬عائشة(د‪.‬ت)‪ :‬التفسير البياني للقرآن الكريم‪ ،75/1 ،‬ط‪ ،7‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.‬‬
‫(‪ )2‬ارتشاف الضرب‪1325/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬همع الهوامع‪263/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬الصبان‪ ،‬محمد بن علي(‪1997‬م)‪ :‬حاشية الصبان على شرح األشموني أللفية ابن مالك‪ .63/2 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )5‬عيد‪ ،‬رجاء(‪1998‬م)‪ :‬فلسفة البالغة بين التقنية والتطور‪ ،‬ص‪ ،81‬ط‪ ،2‬اإلسكندرية‪ :‬منشأة المعارف‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫تمهيد‬

‫مفاتيح التدبر والتفكر‪ ،‬هذا المفتاح يعيننا بإذن اهلل عز وجل على فهم القرآن الكريم‬

‫واكتشاف أسرار الدقة في بيانه واعجازه‪.‬‬

‫أغراض ذكر الفاعل‬

‫ِّ‬
‫المتقدمين عدم التفاتهم لبيان أغراض ذكر الفاعل موازاة بأغراض‬ ‫غلب على‬

‫حذفه‪ ،‬ويجمل الباحث أغراض ذكر الفاعل فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬أال يكون هناك ُمقتضى للعدول عنه‪ ،‬وال حذفه‪ ،‬قال‪{ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬

‫ﮢ ﮣ ﮤ} [سورة النور‪ .]48:‬إن مسألةً مثل مسألة التشريع‪ ،‬وتحليل الحالل‬

‫وتحريم الحرام‪ ،‬من قضايا األحكام التي ال توكل ألحد أن يتخوض فيها كيف يشاء؛ لذا‬

‫ظاهر مقرٌر في الشرائع‬


‫ٌ‬ ‫كانت داللة ( َليح ُك َم) واضحةً؛ فال مقتضى لحذف ما هو‬

‫السماوية‪ ،‬لذا سوى بين الحكمين‪ :‬حكم اهلل‪ ،‬وحكم رسوله‪ ،‬إذ كالهما تشريعٌ‪.‬‬

‫‪ .2‬الحيطة في األمر‪ :‬حتى تسد كل ثغرة على المتأ ِّول‪ ،‬كقولك جو ًابا على‪:‬‬

‫خالد؟ خالد اعترف بحقي‪.‬‬


‫هل اعترف ٌ‬

‫‪ .3‬التنبيه على غباوة السامع‪ :‬وذلك عند التقرير لقضية معينة ربما فهمها‬

‫السامع غلطًا‪ ،‬أو هكذا خيِّل إليه‪ ،‬يقول‪{ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ} [سورة‬

‫النساء‪ ]157 :‬فهمهم المغلوط‪ ،‬واعتقادهم الخاطئ أن المسيح‪ ‬قد قتل وصلب‪ ،‬لكن‬

‫يقرر أنهم‪( :‬لم يقتلوه‪ ،‬ولم يصلبوه) فذكر الفعلين في بنية المعلوم‪ ،‬ومما زاد‬
‫اهلل‪ِّ ‬‬

‫السياق تنبيهًا على غباوتهم أن قرن بين المعلوم والمجهول في آية واحدة (قتلوه–صلبوه‪-‬‬

‫شبِّه) من الذي شبه لهم؟ وكيف؟ ومتى؟ أسئلة لم تجب عنها اآليات؛ فالقضية مردودةٌ‬

‫عليهم من مطلعها‪ ،‬وانما سيقت تنبيهًا لهم على غباوتهم‪ ،‬وخطئهم في قياس األمور‬
‫‪44‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫والحكم عليها‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ .4‬زيادة اإليضاح والتقرير‪ :‬كما في قوله‪{ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬

‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ} [سورة النساء‪ ]140 :‬الفعل (تقعدوا) باقترانه بـ (ال) واضح‬

‫ومقرٌر أنه ال يجوز لكم القعود مع من كفر بآيات اهلل‪ ‬واسته أز بها‪.‬‬
‫الداللة ِّ‬

‫‪ .5‬في مقام البسط‪ :‬حيث يحسن إطالة الجملة‪ ،‬ويحلو المقام بطيب الكالم‪،‬‬

‫كما في حوار اهلل‪ ‬لموسى‪ ‬حين قال له‪{ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ} [سورة طه‪:‬‬

‫‪ ،]17‬لما استحلى موسى‪ ‬خطاب ربِّه‪ ‬له؛ جاء اللفظ القرآني بالفعل المعلوم‪،‬‬

‫فالمقام مقام تبسط في الحديث‪ ،‬وأنس بالقرب منه‪ ،‬وتلذذ بحواره‪ ،‬فقال‪{ :‬ﭿ ﮀ‬

‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ} [سورة طه‪.]18 :‬‬

‫هذه األغراض إنما مردها سياق الكالم وأحواله المختلفة‪ ،‬فقد تتداخل وتتشابه‪،‬‬

‫جميعا‪ ،‬لكن الحكم للسِّياق كما أسلفنا‪.‬‬


‫ً‬ ‫كما أنه ال يمكن حصرها وال اإللمام بها‬

‫‪45‬‬
‫تمهيد‬

‫فوائد اختالف القراءات‪ ،‬وأثره على الداللة واملعىن‬

‫يدرك المتأ ِّمل في أوجه االختالف بين الق ارءات القرآنية جملة من األسرار‬

‫والحكم المترتبة على هذا االختالف‪ ،‬ولعل من أبرز تلك الحكم ما يلي‪:‬‬

‫‪.1‬التيسير والتخفيف على هذه األمة‪ :‬بأن يق أر القارئ بأكثر من وجه‪ ،‬ال سيما‬

‫من انعقد لسانه واستغلق عليه أن ينطق بغير لهجة بلده‪ ،‬أو مصره‪ ،‬ويظهر هذا التيسير‬

‫جليًّا في تعدد الظواهر الصوتية التي وردت بها هذه القراءات ما بين همز وتخفيف‪،‬‬

‫و(السراط)‬
‫ِّ‬ ‫(الصراط)‬
‫ِّ‬ ‫وامالة وفتح‪ ،‬وتفخيم وترقيق‪ ،‬وابدال حرف بحرف آخر كما في‬

‫ِّ‬
‫و(الزراط)‪ ،‬قال الزركشي‪" :‬وكان اإلنزال على سبعة أحرف توسعة من اهلل ورحمة على‬

‫األمة‪ ،‬إذ لو كلِّف كل فريق منهم ترك لغته‪ ،‬والعدول عن عادة نشؤوا عليها من اإلمالة‬

‫والهمز والتليين و ِّ‬


‫(‪)1‬‬
‫المد وغيره؛ لشق عليهم" ‪.‬‬

‫‪.2‬الثروة الفقهية‪ :‬لقد أنتجت وجوه القراءات المختلفة ثروةً فقهيةً أفاد منها‬

‫الفقهاء واألصوليون على وجه الخصوص في بيان األحكام الشرعية من تقييد مطلق‪،‬‬

‫أو إطالق مقيد‪ ،‬أو بيان لمبهم أو مجمل‪ ،‬وقد تجلت هذه الثروة الفقهية في صور شتى‪،‬‬

‫يذكر منها الباحث على سبيل المثال‪:‬‬

‫تبعا الختالف األحوال‪ :‬كما في‬


‫أ‪ .‬الداللة على حكمين شرعيين مختلفين ً‬

‫قوله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬

‫‪.]6‬‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ} [سورة المائدة‪:‬‬

‫(‪ )1‬الزركشي‪ ،‬بدر الدين محمد(‪2003‬م)‪ :‬البرهان في علوم القرآن‪ ،227/1 ،‬تحقيق‪ :‬أبو الفضل‪ ،‬محمد‪ .‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫السعودية‪ :‬دار عالم الكتب‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫قرئت‪(:‬وأرجلكم) بالكسر على أنها معطوفةٌ على قوله‪( :‬برؤوسكم)‪ ،‬وقرئت‬


‫(‪)1‬‬
‫بالفتح‪(:‬وأرجلكم) ‪ ،‬وقراءة الفتح ال إشكال فيها إذ تفيد الغسل للرجلين بداللة العطف‬

‫على‪( :‬وجوهكم وأيديكم)‪ ،‬أما قراءة الكسر فللعلماء توجيهٌ يطول ذكره‪ ،‬منه‪ :‬أن العطف‬

‫أيضا؛ ألن المسح قد يطلق على الغسل في لغة‬


‫على قوله‪( :‬برؤوسكم) المراد به الغسل ً‬

‫مسحا‪،‬‬
‫غسال ويكون ً‬
‫العرب‪ ،‬فعن أبي زيد األنصاري قال‪" :‬المسح في كالم العرب يكون ً‬

‫ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح‪ ،‬ويقال‪ :‬مسح اهلل ما بك إذا‪ :‬غسلك‬
‫(‪)2‬‬
‫وطهرك من الذنوب" ‪ ،‬أو أن يكون المراد به‪ :‬المسح‪ ،‬ال الغسل‪ ،‬ويكون محموًال على‬

‫البس الخ ِّ‬


‫(‪)3‬‬
‫ف‪ ،‬وقد بينت ذلك السنة النبوية ‪ ،‬وبذلك تكون كل قراءة قد دلت على حكم‬

‫تبعا‬
‫بعض الحاالت دون البعض اآلخر‪ ،‬فأفادت القراءتان حكمين شرعيين مختلفين ً‬

‫الختالف الحال الذي وردتا فيه‪.‬‬

‫ب‪ .‬دفع توهم غير مراد في قراءة أخرى‪ :‬كما في قوله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ} [سورة الجمعة‪ .]9 :‬يقتضي ظاهر اآلية‬

‫المشي السريع إلدراك الذكر والصالة‪ ،‬فجاءت القراءة األخرى‪( :‬فامضوا إلى ذكر اهلل)‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن الجزري‪ ،‬محمد (د‪.‬ت)‪ :‬النشر في القراءات العشر‪ ،254/2 ،‬تحقيق‪ :‬الضباع‪ ،‬علي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫المطبعة التجارية الكبرى‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬النحاس‪ ،‬أبو جعفر(‪1409‬هـ)‪ :‬معاني القرآن‪ ،272/2 ،‬تحقيق‪ :‬الصابوني‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مكة المكرمة‪ :‬جامعة‬
‫أم القرى‪.‬‬
‫(‪ )3‬عن المغيرة بن شعبة‪ ،‬أن رسول اهلل‪ ‬ذهب لحاجته في غزوة تبوك‪ ،‬قال المغيرة‪ :‬فذهبت معه بماء‪ ،‬فجاء‬
‫رسول اهلل‪ ،‬فسكبت عليه الماء‪ ،‬فغسل وجهه‪ .‬ثم ذهب يخرج يديه من كمي جبته‪ ،‬فلم يستطع من ضيق كمي‬
‫الجبة‪ .‬فأخرجهما من تحت الجبة فغسل يديه‪ ،‬ومسح ب أرسه‪ ،‬ومسح على الخفين"‪ ،‬موطأ اإلمام مالك(‪2004‬م)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬األعظمي‪ ،‬ط‪ ،1‬محمد‪ ،‬اإلمارات‪ :‬مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان لألعمال الخيرية واإلنسانية‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫تمهيد‬

‫(‪)1‬‬
‫‪-‬وهي وان كانت شاذةً إال أنه يستأنس بها‪ -‬تدفع التوهم السابق‪ ،‬وتوضِّح أن المقصود‬
‫)‪(2‬‬
‫اكبا أم مهروًال ‪.‬‬
‫ماشيا أم ر ً‬
‫هو الذهاب إلى المسجد بأي صورة من الصور سواء أكان ً‬

‫ج‪ .‬الجمع بين األحكام الشرعية المختلفة وترتيبها بمجموع ما يفهم من كل‬

‫قراءة‪ :‬في قوله‪{ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ} [سورة‬

‫البقرة‪ .]222:‬ق أر حفص وابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر‪( :‬يطهرن) خفيفة‪ ،‬وق أر‬
‫) ‪(3‬‬
‫شعبة وحمزة والكسائي‪) :‬يطهرن( مشددة ‪ ،‬وقد أفادت قراءة التخفيف‪ :‬امتناع إتيان‬

‫الرجل زوجته حتى ينقطع دم المحيض عنها‪ ،‬بينما أفادت قراءة التشديد ذلك بتطهرها‬

‫باالغتسال‪ ،‬وحاصل الجمع بين القراءتين أن الحائض ال يقربها زوجها حتى تطهر‬

‫بانقطاع دم حيضها‪ ،‬وتطهر باالغتسال‪ ،‬فهم ذلك من مجموع ما يفهم من ترتيب‬

‫القراءتين‪.‬‬

‫أحكاما عقديةً مبناها على‬


‫ً‬ ‫العقَدي‪ :‬قرر العلماء قواعد أرسوا عليها‬
‫‪.3‬األثر َ‬

‫وجوه االختالف بين القراءات‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬

‫أ‪ .‬أن الجن ال يعلمون الغيب‪ :‬قال‪{ :‬ﰆﰇ ﰈﰉﰊ ﰋ ﰌﰍﰎ‬

‫ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ} [سورة سبأ‪ .]14 :‬ق أر يعقوب (تبِّينت) بالبناء للمجهول‪ ،‬أ‬


‫وقر‬

‫(‪)4‬‬
‫الجمهور (تبينت) على البناء للمعلوم ‪ ،‬فعلى قراءة الجمهور عرفت الجن أنها ال تعلم‬

‫(‪ )1‬ابن جني‪ :‬المحتسب‪321/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المطرودي‪ ،‬عبد الرحمن(‪1991‬م)‪ :‬األحرف القرآنية السبعة‪ ،‬ص‪ ،99‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬دار عالم الكتب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ ،‬أحمد(‪1980‬م)‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪ ،72‬تحقيق‪ :‬ضيف‪ ،‬شوقي‪ .‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫المعارف‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬األزهري‪ ،‬محمد(‪1993‬م)‪ :‬معاني القراءات‪ ،291/2 ،‬تحقيق‪ :‬القوزي‪ ،‬عوض‪ .‬ط‪ ،1‬السعودية‪ :‬مركز‬
‫البحوث بجامعة الملك سعود‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫الغيب‪ ،‬أما قراءة يعقوب فتبين لإلنس أن الجن ال يعلمون الغيب‪ ،‬وهكذا ساهمت هاتان‬

‫القراءتان في كشف اللِّثام عن قضية مهمة من قضايا المعتقد لطالما أفسدت عقيدة‬

‫بعض المسلمين من أن الجن يعلمون الغيب‪ ،‬فجاءت القراءتان بما ينفي ذلك ويدحضه‪.‬‬

‫ب‪ .‬إثبات صفة العجب هلل‪ :‬في قوله‪{ :‬ﮙ ﮚ ﮛ} [سورة‬

‫الصافات‪ .]12 :‬ق أر حمزة والكسائي‪( :‬عجبت) بضم التاء‪ ،‬وق أر ابن كثير ونافع وأبو‬
‫(‪)1‬‬
‫عمرو وعاصم وابن عامر‪( :‬عجبت) بفتح التاء ‪ ،‬والقراءة بفتح التاء‪ :‬المخاطب بها‬
‫(‪)2‬‬
‫النبي‪ ،‬أما بضم التاء فإخبار من اهلل‪ ‬عن نفسه ‪ .‬قال الشنقيطي‪" :‬ق أر هذا الحرف‬

‫عامة القراء السبعة غير حمزة والكسائي (عجبت) بالتاء المفتوحة‪ ،‬وهي تاء الخطاب‬

‫المخاطب بها النبي‪ ،‬وق أر حمزة والكسائي (عجبت) بضم التاء‪ ،‬وهي تاء المتكلم وهو‬

‫اهلل‪... ،‬ثم قال‪ :‬وقد قدمنا أن القراءتين المختلفتين يحكم لهما بحكم اآليتين‪ ،‬وبذلك‬

‫تعلم أن اآلية على قراءة حمزة والكسائي فيها إثبات العجب هلل‪ ،‬فهي إ ًذا من آيات‬
‫)‪(3‬‬
‫الصفات على هذه القراءة"‬

‫بير من الظواهر‬ ‫‪ .4‬األثر اللغوي على فروع اللغة‪ :‬حفظت لنا القراءات ًّ‬
‫سجال ك ًا‬

‫اللغوية والمسائل النحوية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬والصوتية‪ ،‬والداللية‪ ،‬كيف ال والقرآن الكريم هو‬

‫سجل األمة العظيم‪ ،‬ومصدر االحتجاج األول للغتنا العربية‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪547‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن خالويه‪ ،‬الحسين(‪1981‬م)‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪ ،301‬تحقيق‪ :‬مكرم‪ ،‬عبد العال‪ .‬ط‪.4‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الشروق‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشنقيطي‪ ،‬محمد األمين(‪1426‬هـ)‪ :‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،680/6 ،‬تحقيق‪ :‬أبو زيد‪ ،‬بكر‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬مكة المكرمة‪ :‬دار عالم الفوائد‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫تمهيد‬

‫أ‪ .‬اللهجات العربية التي حوت مظاهر صوتية من صميم اللغة‪ :‬حافظت‬

‫القراءات القرآنية على المأثور من طبائع اللسان العربي في الفصحى وفي لهجاتها‪،‬‬

‫لتشعر القبائل العربية بقربها من القرآن الكريم‪ ،‬وانضوائها تحت لوائه‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﯠ‬

‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ} [سورة األنبياء‪ ،]10 :‬فمن اللهجات التي وردت بها‬

‫القراءات قوله‪{ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ} [سورة طه‪ .]63 :‬ق أر العشرة عدا حفص‬

‫(‪)1‬‬
‫وابن كثير وأبي عمرو بتشديد النون (إن)‪ ،‬و(هذان) باأللف على لغة بني الحارث بن‬
‫(‪)2‬‬
‫كعب الذين يلزمون المثنى األلف في كل حال ‪.‬‬

‫ب‪ .‬أن تكون القراءة حجةً لقول بعض أهل العربية‪ :‬نحو قوله‪{ :‬ﭣ ﭤ‬

‫ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ} [سورة النساء‪ .]1 :‬فإن قراءة حمزة بالخفض لـ‬

‫(واألرحام) حجةٌ ألهل العربية على جواز أن يكون العطف على موضع الجار‬
‫(‪)3‬‬
‫والمجرور‪ ،‬والمعنى‪( :‬تساءلون به وباألرحام) ‪.‬‬

‫ج‪ .‬أن تفيد القراءة أكثر من داللة‪ :‬تبلغ باآلية مبلغ اإلعجاز‪ ،‬ونهاية البالغة‪،‬‬

‫عقد من جمال النظم‪ ،‬وحسن الرصف‬


‫وبإمعان النظر في داللة كل قراءة ينتظم للقارئ ٌ‬

‫تضاد‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬قوله‪{ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬


‫ٌ‬ ‫تعارض أو‬
‫ٌ‬ ‫يبعد أن يكون فيه‬

‫ﮏ} [سورة البقرة‪ .]10 :‬ق أر نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر‪( :‬بما كانوا‬

‫ي ِّ‬
‫كذبون) بضم الياء وتشديد الذال‪ ،‬وق أر عاصم وحمزة والكسائي‪( :‬يكذبون) خفيفةً بفتح‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪419 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪242‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن خالويه‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪118‬‬
‫‪50‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫(‪)1‬‬
‫الياء وتخفيف الذال ‪ .‬قراءة التخفيف أفادت كذبهم وعدم صدقهم في أقوالهم وأفعالهم‪،‬‬

‫سبيال‪ ،‬بل طريقهم الذي يسيرون عليه هو الكذب كما قال‪:‬‬


‫فال يجد الصدق إليهم ً‬

‫{ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ} [سورة آل عمران‪ ،]75 :‬وقال‪{ :‬ﭡﭢ‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ} [سورة التوبة‪ ،]107 :‬وأما قراءة التشديد فأفادت‬

‫كل ما يبلِّغه عن ربه‪.‬‬


‫تكذيبهم للرسول‪ ‬في ِّ‬

‫) ‪(2‬‬
‫يضاف إلى ما سبق من فوائد االختالف بين القراءات ما يلي ‪:‬‬

‫‪ .1‬إعظام أجور هذه األمة‪ :‬فإنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم في تتبع‬

‫معاني آيات الكتاب‪ ،‬واستنباط الحكم واألحكام ببيان داللة ِّ‬


‫كل لفظ‪ ،‬واستخراج مكامن‬

‫وخفي إشاراته‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫أس ارره‪،‬‬

‫‪ .2‬بيان صدق القرآن الكريم‪ ،‬وصدق من جاء به‪ :‬إذ هو مع كثرة االختالف‬

‫بعضا‪.‬‬ ‫تخالف‪ ،‬بل كله ي ِّ‬


‫صدق بعضه ً‬ ‫ٌ‬ ‫تناقض‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬
‫تضاد‪ ،‬وال‬ ‫وتنوعه لم يتطرق إليه‬

‫‪ .3‬بيان فضل هذه األمة وشرفها على سائر األمم‪ :‬من حيث التلقِّي واإلسناد‬

‫لكتاب ربها‪.‬‬

‫ضرب من ضروب البالغة‪ ،‬يبتدئ من جمال‬


‫ٌ‬ ‫إن اختالف القراءات وتنوعها‬

‫اإليجاز‪ ،‬وينتهي إلى كمال اإلعجاز‪ ،‬وهذه االختالفات على كثرتها ال تؤدي إلى تناقض‬

‫وال تضاد‪ ،‬وال إلى تهافت أو تخاذل‪ ،‬بل القرآن كله على تنوع قراءاته يشهد بعضه‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪143‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين (د‪.‬ت)‪ :‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،227/1 ،‬تحقيق‪ :‬أبو الفضل‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫بيروت‪ :‬المطبعة العصرية‪ ،‬قطر‪ :‬و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫تمهيد‬

‫سمو الهداية والتعليم‪،‬‬


‫علو األسلوب والتعبير‪ ،‬وهدف واحد من ِّ‬
‫لبعض على نمط واحد في ِّ‬

‫وذلك‪-‬من غير ٍّ‬


‫شك‪-‬يفيد تعدد اإلعجاز بتعدد القراءات‪ ،‬ومعنى هذا أن القرآن الكريم‬

‫أيضا إذا‬
‫أيضا إذا قرئ بالقراءة األخرى‪ ،‬ويعجز ً‬
‫يعجز إذا قرئ بهذه القراءة‪ ،‬ويعجز ً‬

‫قرئ بقراءة ثالثة وهلم جرا‪ ،‬ومن هنا يتعدد اإلعجاز بتعدد تلك الوجوه والحروف‪.‬‬

‫إن تعدد القراءات يقوم مقام تعدد اآليات على ما سبق إيضاحه‪ ،‬وال شك أن‬

‫أثر على داللة كل قراءة ومعناها‪ ،‬ويمكن أن نوزع هذا األثر‬


‫لهذا التعدد واالختالف ًا‬

‫على ثالثة أوجه‪-‬في الغالب‪-‬ال يخرج اختالف القراءات عنها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫احد‪ ،‬ويندرج تحته‪ :‬االختالف في ِّ‬


‫مد الحروف من‬ ‫‪ -‬اختالف اللفظ‪ ،‬والمعنى و ٌ‬

‫الزما أو غير الزم‪ ،‬أو من حيث اإلدغام واإلظهار‪،‬‬ ‫حيث القصر والطول‪ ،‬وكون ِّ‬
‫المد ً‬

‫واإلمالة وعدمها‪ ،‬أو تحقيق الهمز وتسهيله‪ ،‬ومثله االختالف بين التفخيم والترقيق‪ ،‬وقد‬

‫يأخذ االختالف شكل آخر الكلمات أو بنيتها مما ال يختلف معه المعنى‪ ،‬كالقراءة بنصب‬

‫الراء ورفعها في قوله‪ { :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ} [سورة هود‪ ،]78 :‬وقوله‪:‬‬

‫{ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ} [سورة الشعراء‪ ،]13 :‬بالرفع والنصب للفعل (يضيق)‪،‬‬

‫و(السراط) بالسِّين‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫(الص ارط) بالصاد‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫كذلك اإلبدال بين بعض الحروف مثل‪:‬‬

‫ِّ‬
‫و(الزراط) بالزاي‪ ،‬و(بسطة) بالسين‪ ،‬و(بصطة) بالصاد‪.‬‬

‫والغالب أن يعاد بأثر هذه االختالفات إلى الحفاظ على أبنية العربية من تحديد‬

‫كيفيات نطق العرب بالحروف مخارجها وصفاتها‪ ،‬وبيان اختالفهم في لهجات النطق‬

‫بتلقِّي ذلك عن قراء القرآن الكريم‪ ،‬كما نص على ذلك ابن عاشور ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪15/1 ،‬‬


‫‪52‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫وال يمكن الجزم في هذا النوع من االختالف بعدم وجود أثر على الداللة‪ ،‬وان‬

‫أرجع الباحث األثر إلى اختالف اللهجات واللغات؛ فلقصر فهمه عن أن يدرك ش ًيئا من‬

‫مثل هذه المعاني والدالالت‪ ،‬واال فال يتصور في كتاب اهلل‪ -‬المعجز بتناسق آياته‬

‫والمفحم بنظام كلماته‪ -‬أن يكون فيه فضل زيادة‪ ،‬بل هو زيادة فضل‪ ،‬وحاشاه أن يوسم‬

‫بنقص وابتذال‪ ،‬فإن فيه من الجمال والجالل ما ال يحيط به إال الكريم المتعال‪ ،‬ولعله‬

‫بمزيد بحث وتنقيب يمكن التوصل إلى شيء من تلك الدالالت‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﯔ‬

‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ} [سورة هود‪ .]105 :‬ق أر ِّ‬


‫البزي (ال تكلم) بتشديد التاء مع‬

‫بيعيا‬ ‫وصال‪ ،‬والباقون بفتح التاء من غير تشديد مع مد (ال) ًّ‬


‫مدا ط ًّ‬ ‫ً‬ ‫المد المشبع في (ال)‬
‫(‪)1‬‬
‫اء بداللة‬
‫بمقدار حركتين (ال تكلم) ‪ ،‬وانما هي (ال تتكلم) فحذفت إحدى التاءين اجتز ً‬

‫الباقية منهما عليها‪ ،‬وقد ناسب حذف التاء نفي الكالم في ذلك الموقف‪ ،‬أما التشديد فقد‬

‫ناسب ثقل الموقف على النفس‪ ،‬وأكد ذلك المد الطويل الذي يفيد المبالغة‪.‬‬

‫ومن األمثلة كذلك قوله‪{ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬

‫ﯽ} [سورة النحل‪ ،]127 :‬فقد ق أر ابن كثير‪( :‬ضيق) بكسر الضاد‪ ،‬والباقون‬

‫(‪)2‬‬
‫بفتحها ‪ ،‬قيل لغتان بمعنى واحد‪ ،‬وقيل‪ :‬بالفتح ما كان في الصدر‪ ،‬وبالكسر في‬
‫(‪)3‬‬
‫الموضع‪ ،‬وقيل‪ :‬بالفتح ما قل‪ ،‬وبالكسر ما كثر ‪ ،‬ومفاد القراءتين‪ :‬نفي الضيق بشتى‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬النيسابوري‪ ،‬أحمد بن الحسين بن مهران (‪1981‬م)‪ :‬المبسوط في القراءات العشر‪ ،‬ص‪ ،242‬تحقيق‪:‬‬
‫حكيمي‪ ،‬سبيع‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دمشق‪ :‬مجمع اللغة العربية‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن مهران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪266‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪213‬‬
‫‪53‬‬
‫تمهيد‬

‫صوره وجميع أشكاله عن النبي‪ ‬سواء قل أم كثر‪ ،‬ضاق به صدره أم موضعه‪ ،‬كما‬

‫أن اهلل‪ ‬نهى نبيه‪ ‬أن يضيق صدره‪ ،‬أو يضيق عيشه من هؤالء الكفار‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫شيء و ٍ‬
‫احد‪ :‬وذلك لعدم‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬اختالف اللفظ والمعنى‪ ،‬مع جواز اجتماعها في‬

‫وقوع التضاد باجتماعها‪ ،‬ومن أمثلته‪ :‬قوله‪{ :‬ﭞ ﭟ ﭠ} [سورة الفاتحة‪.]4 :‬‬

‫يق أر (مالك وملك) ‪ .‬فالمراد في القراءتين اهلل‪ ،‬ومنه قوله‪{ :‬ﯲ ﯳ ﯴ‬


‫(‪)1‬‬

‫ﯵﯶ} [سورة البقرة‪ .]259 :‬و(ننشرها)‪ ،‬بالزاي والراء‪ :‬المراد بهما العظام‪،‬‬

‫ذلك أن اهلل أنشرها أي‪ :‬أحياها‪ ،‬وأنشزها‪ :‬أي‪ :‬رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت‪،‬‬

‫فأخبر‪ ‬أنه جمع لها هذين األمرين من إحيائها بعد الممات‪ ،‬ورفع بعضها إلى بعض‬
‫(‪) 2‬‬
‫لتلتئم‪ ،‬فضمن‪ ‬المعنيين في القراءتين تنبيهًا على عظيم قدرته ‪ .‬وأخبر‪ ‬عن‬

‫المنافقين‪ ،‬وأعلمنا أنه معذبهم لكذبهم وتكذيبهم وذلك في آية واحدة قرئت بقراءتين‬

‫مختلفتين في قوله‪{ :‬ﮊﮋ ﮌ ﮍﮎﮏ} [سورة البقرة‪ ]10 :‬بتخفيف ذال‬

‫(يكذبون) وتشديدها‪ ،‬والمراد‪ :‬المنافقون؛ ألنهم كانوا يكذبون في أخبارهم‪ ،‬وي ِّ‬
‫كذبون‬
‫(‪)3‬‬
‫النبي‪ ‬فيما جاء به من عند اهلل‪. ‬‬

‫ومن األمثلة على هذا الوجه قوله‪{ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ} [سورة‬

‫قر ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب‪( :‬المخلصين) بكسر الالم‬
‫يوسف‪ ،]24 :‬ي أ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مهران‪ :‬المبسوط في القراءات العشر‪ ،‬ص‪68‬‬


‫(‪ )2‬الداني‪ :‬جامع البيان‪121/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬البراق‪ ،‬عبد اهلل(‪1432‬هـ)‪ :‬دالئل اإلعجاز في القراءات‪ ،‬ص‪ ،194-193‬السعودية‪ :‬مجلة الحكمة‪ ،‬العدد‬
‫‪.43‬‬
‫‪54‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫في جميع القرآن‪ ،‬ويق أر أبو جعفر ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف‪( :‬المخلصين)‬

‫بفتح الالم في جميع القرآن‪ ،‬إال أن يكون بعده ( ِّ‬


‫الدين) أو (ديني) فال خالف فيه أنه‬
‫(‪)1‬‬
‫بكسر الالم ‪ ،‬والكسر على تأويل‪ :‬أن يوسف‪ ‬من عبادنا الذين أخلصوا توحيدنا‬

‫شيئا غيرنا‪ ،‬والفتح بتأويل‪ :‬أن يوسف‪ ‬من عبادنا‬


‫وعبادتنا فلم يشركوا بنا‪ ،‬ولم يعبدوا ً‬

‫الذين أخلصناهم ألنفسنا واخترناهم لنبوتنا‪ ،‬والمعنيان وان اختلفا؛ فإنهما يجتمعان في‬

‫صا لرسالته‪.‬‬
‫صا في طاعة اهلل‪ ،‬مستخل ً‬
‫يوسف‪ ،‬فقد كان ٌمخل ً‬

‫بخيال أو كاذًبا في قوله‪{ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬


‫ونفى اهلل‪ ‬عن نبيه‪ ‬أن يكون ً‬

‫ﯗ} [سورة التكوير‪ .]24 :‬ق أر ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب‪( :‬بظنين)‬

‫بالظاء‪ ،‬وق أر الباقون‪( :‬بضنين) بالضاد‪ ،‬يراد باألول‪ :‬ما هو بمتهم‪ ،‬والثاني‪ :‬ما هو‬
‫(‪)2‬‬
‫ببخيل ‪ ،‬وكال المعنيين مراد ومقصود‪-‬واهلل أعلم‪-‬إذ المخاطب شخص النبي‪ ‬فهو‬

‫غير (ضنين) بالوحي‪ ،‬أي‪ :‬غير بخيل بتعليمه غيره‪ ،‬وال (ظنين) متهم في صدق ما‬

‫أوحي إليه‪ ،‬فنفى عنه األمرين بقراءتين مختلفتين‪.‬‬

‫ونختم القول في هذا النوع من االختالفات بقول اهلل‪{ :‬ﮉ ﮊ ﮋ} [سورة‬

‫الصف‪ ]8 :‬ق أر ابن كثير‪ ،‬وحمزة‪ ،‬والكسائي‪ ،‬وحفص باإلضافة‪( :‬متم نوره)‪ ،‬وق أر الباقون‬

‫(‪)3‬‬
‫متم نوره) ‪ ،‬وفي هاتين القراءتين جمعٌ بين وعد ومنة‪ ،‬يفهم‬
‫بالتنوين ونصب نوره‪ٌّ ( :‬‬

‫(متم نوره)‪ ،‬أما المنة‬


‫الوعد بالتمكين والنصرة لدين اهلل‪ ‬من قراءة التنوين مع النصب ٌّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مهران‪ :‬المبسوط في القراءات العشر‪ ،‬ص‪246‬‬


‫(‪ )3‬ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪364‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن مهران‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪435‬‬
‫‪55‬‬
‫تمهيد‬

‫من اهلل‪ ‬لعباده بإتمام هذا الدين ونصره وتأييده‪ ،‬فتفهم من قراءة اإلضافة (متم نوره)‪،‬‬

‫مقصود‪" ،‬فقراءة اإلضافة ترشد إلى أن اهلل‪ ‬قد أتم نوره‪ ،‬وقد‬
‫ٌ‬ ‫وكال المعنيين حاص ٌل و‬

‫يكون هذا اإلتمام بإكمال الدين‪ ،‬وقد يكون بنصر أهله والتمكين لهم‪ ،‬ودحر أعدائهم‪.‬‬

‫فقراءة اإلضافة فيها المنة اإللهية على ِّ‬


‫نبيه‪ ‬والمؤمنين معه بما أكرمهم اهلل‪ ‬به من‬

‫جميعا إلى أن‬


‫ً‬ ‫إتمام هذا النور‪ ،‬ولكن القرآن ليس لهذه الفئة وحدها‪ ،‬بل هو للمسلمين‬

‫يرث اهلل‪ ‬األرض ومن عليها‪ ،‬فإذا كانت قراءة اإلضافة فيها منة إلهية؛ فإن قراءة‬

‫التنوين فيها عدة ربانية‪ ،‬ووعد اهلل‪ ‬ال يتخلف‪ ،‬ففيها طمأنينةٌ للمؤمنين بأن مثل هذا‬

‫أبدا‪ ،‬وال بد أن يتم اهلل‪ ‬نوره كما أتمه من قبل‪ ،‬قال‪{ :‬ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫الحال لن يدوم ً‬

‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬

‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮇ ﮈﮉ ﮊﮋ‬

‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ} [سورة النور‪. "]55 :‬‬


‫(‪)1‬‬

‫شيء و ٍ‬
‫احد‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬اختالف اللفظ والمعنى‪ ،‬مع امتناع جواز اجتماعهما في‬

‫ينتفيان من وجه واحد ال يقتضي التضاد‪ ،‬ومن أمثلته‪ :‬قوله‪{ :‬ﯖ ﯗﯘﯙ‬

‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ} [سورة‬

‫يوسف‪ .]110 :‬بالتشديد والتخفيف‪ ،‬فأما التشديد‪( :‬ك ِّذبوا) فالمعنى‪ :‬وتيقن الرسل أن‬

‫قومهم قد كذبوهم فيما أخبروهم به‪ ،‬ووجه التخفيف‪( :‬كذبوا)‪ ،‬أي‪ :‬توهم المرسل إليهم‬

‫(‪ )1‬عباس‪ ،‬فضل(‪2010‬م)‪ :‬القراءات القرآنية من الوجهة البالغية‪ ،‬مقال على اإلنترنت‪ ،‬ملتقى أهل التفسير‬
‫‪http://tafsir.net‬‬
‫‪56‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به‪ ،‬فالظن في اآلية على القراءة األولى‪( :‬ك ِّذبوا)‬

‫يقين‪ ،‬والضمائر الثالثة للرسل‪ ،‬والظن على القراءة الثانية (كذبوا) ٌّ‬
‫شك‪ ،‬والضمائر الثالثة‬ ‫ٌ‬

‫للمرسل إليهم ‪ ،‬ومنه قوله‪{ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬


‫(‪) 1‬‬

‫ﯨ} [سورة اإلسراء‪ .]102 :‬يق أر بفتح التاء‬


‫(‪)2‬‬
‫وضمها في (علمت) ‪ ،‬فالحجة لمن فتح‬
‫ِّ‬

‫أنه جعل التاء لفرعون داللة على المخاطب‪ ،‬والحجة لمن ضم أنه جعل التاء لموسى‬
‫(‪)3‬‬
‫داللة على إخبار المتكلم عن نفسه ‪ ،‬وال سبيل لهاتين القراءتين إال أن تنزل كل قراءة‬

‫منزلة آية مستقلة حتى ال يحصل التعارض والتضاد بينهما‪ ،‬وال يستقيم أن تورد القراءتان‬

‫ضم التاء‪( :‬علمت)‬


‫الزم متحت ٌم‪ ،‬فب ِّ‬ ‫ِّ‬
‫على معنى واحد‪ ،‬إذ االستقالل في داللة كل قراءة ٌ‬

‫أسند هذا العلم إلى موسى‪ ‬حين قال له فرعون‪{ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ}‬

‫[سورة الشعراء‪ ،]27 :‬فأخبره‪ ‬عن نفسه بالعلم فقال‪( :‬لقد علمت)‪ ،‬ومن ق أر (علمت)‬

‫بفتح التاء فقد أسند العلم إلى فرعون حينما خاطبه موسى‪ ‬على وجه التقريع‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫والتوبيخ له على شدة معاندته للحق‪ ،‬وجحوده له بعد علمه ‪.‬‬

‫ومن أمثلة هذا الوجه قوله‪{ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬

‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ} [سورة النحل‪]110 :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن الجزري‪ :‬النشر‪50-49/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن جبارة‪ ،‬يوسف بن علي(‪2007‬م)‪ :‬الكامل في القراءات واألربعين الزائدة عليها‪ ،‬ص‪ .589‬تحقيق‪:‬‬
‫الشايب‪ ،‬جمال‪ ،‬ط‪ .1‬مؤسسة سما للتوزيع‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪221‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير(‪2000‬م)‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن‪ ،123-120/1 ،‬تحقيق‪ :‬شاكر‪،‬‬
‫أحمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫تمهيد‬

‫(‪)1‬‬
‫وضم الفاء‪ ،‬وكسر التاء‪( :‬فتنوا) ‪( ،‬فتنوا) تتحدث عن صنف‬
‫ِّ‬ ‫بفتح الفاء والتاء‪( :‬فتنوا)‪،‬‬

‫من المؤمنين فتنوا غيرهم‪ ،‬بأن عذبوهم ليرتدوا عن اإلسالم‪ ،‬ثم أسلموا هم أنفسهم‬

‫فئاما من المؤمنين كانوا مستضعفين‬


‫وهاجروا‪ ،‬فاهلل‪ ‬غفور لهم‪ ،‬أما (فتنوا) فتصف ً‬

‫فع ِّذبوا في اهلل‪ ،‬وحملوا على االرتداد عن دينهم‪ ،‬وقلوبهم مطمئنةٌ باإليمان‪ ،‬فاهلل‪‬‬

‫غفور لهم لما حملوا عليه من الكفر‪ ،‬وأكرهوا من االرتداد عن دينهم‪.‬‬


‫ٌ‬

‫هكذا ينبغي أن يحمل ويوجه ما كان مثل هذا النوع من القراءات‪ ،‬يقول ابن‬

‫تكثير للمعاني‪...‬‬
‫ًا‬ ‫عاشور‪" :‬والظن في مثل هذا النوع أن الوحي نزل بالوجهين وأكثر‬

‫على أنه ال مانع من أن يكون مجيء ألفاظ القرآن على ما يحتمل تلك الوجوه مر ًادا‬

‫هلل‪‬؛ ليق أر القراء بوجوه فتكثر من جراء ذلك المعاني‪ ،‬فيكون وجود الوجهين فأكثر في‬

‫مختلف القراءات مجزًئا عن آيتين فأكثر‪ ،‬وهذا نظير التضمين في استعمال كالم العرب‪،‬‬

‫ونظير التورية‪ ،‬والتوجيه في البديع‪ ،‬ونظير مستتبعات التراكيب في علم المعاني‪ ،‬وهو‬

‫من زيادة مالءمة بالغة القرآن؛ ولذا كان اختالف القراء في اللفظ الواحد من القرآن قد‬

‫يكون معه اختالف المعنى‪ ،‬ولم يكن حمل أحد القراءتين على األخرى متعيًنا‪ ،‬وال‬
‫(‪)2‬‬
‫مرج ًحا" ‪.‬‬

‫ينبغي للباحث في مثل هذه االختالفات أن ينظر في دالالت المعاني التي‬

‫تحملها هذه القراءات على أنها آيات مستقلة؛ لينتفي بذلك التعارض الذي قد يقع في‬

‫أذهان البشر‪ ،‬وأن تنزل كل قراءة منزلة آية مستقلة بذاتها‪ ،‬وفي ذلك يقول الداني‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مهران‪ :‬المبسوط في القراءات العشر‪ ،‬ص‪226‬‬


‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪55/1 ،‬‬
‫‪58‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫"وكذلك ما ورد من هذا النوع من اختالف القراءتين التي ال يصح أن يجتمعا في شيء‬

‫واحد هذا سبيله؛ ألن كل قراءة منهما بمنزلة آية قائمة بنفسها‪ ،‬ال يصح أن تجتمع مع‬

‫ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لتضادهما وتنافيهما" ‪.‬‬ ‫آية أخرى لتخالفها في شيء واحد‪،‬‬

‫ومن هذا االختالف تتجلى صور البيان القرآني واإلعجاز الداللي في إمكانية‬

‫بناء على ما أضفته عليها القراءات‬


‫إيراد اآلية الواحدة على وجوه متعددة من المعاني‪ً ،‬‬

‫من دالالت‪ ،‬وعلى عكس ذلك نجد القراء‪ ٪‬يتفقون على قراءة واحدة إذا كانت القراءة‬

‫بوجه منها يؤدي إلى فساد في المعنى‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ}‬

‫[سورة القمر‪ ،]52 :‬يقول السمين‪" :‬فإنه لم يختلف في رفعه‪-‬يقصد الالم من (كل)‪،-‬‬

‫قالوا‪ :‬ألن نصبه يؤدي إلى فساد في المعنى؛ ألن الواقع خالفه‪ ،‬وذلك ألنك لو نصبته‬

‫أشياء كثيرةٌ‬
‫ٌ‬ ‫لكان التقدير‪ :‬فعلوا كل شيء في الزبر‪ ،‬وهو خالف الواقع‪ ،‬إذ في الزبر‬

‫ثابت في الزبر‪ ،‬وهو‬ ‫ًّ‬


‫جدا لم يفعلوها‪ ،‬وأما قراءة الرفع فتؤدي أن كل شيء فعلوه هم ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫المقصود بذلك‪ ،‬ولذلك اتفق على رفعه" ‪.‬‬

‫نخلص من هذا إلى أن لكل قراءة حسًنا ولطفًا في موضعها كما وردت‪ ،‬بالوجه‬

‫الذي وردت‪ ،‬وهذا من تمام بالغة القرآن الكريم واعجازه‪ ،‬وحسن بيانه وايجازه‪ ،‬إذ لو‬

‫كثير؛ لعدم استطاعته‬


‫كان من عنده‪ ‬ال من عند الذي أرسله به‪ ،‬لوجدوا فيه اختالفًا ًا‬

‫ِّ‬
‫الحق بصورته كما هي‬ ‫واستطاعة أي مخلوق أن يأتي بمثل هذا القرآن في تصوير‬

‫فعجب أن تمر السنون واألحقاب‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫عليه‪ ،‬ال يختلف وال يتفاوت في شيء منها‪ ،‬وان تعجب‬

‫(‪ )1‬الداني‪ :‬جامع البيان‪123/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬الحلبي‪ ،‬السمين(د‪.‬ت)‪ :‬الدر المصون في علوم الكتاب المكنون‪ ،149/10 ،‬تحقيق‪ :‬الخراط‪ ،‬أحمد‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫دمشق‪ :‬دار القلم‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫تمهيد‬

‫وتكر القرون واألجيال‪ ،‬وتتسع دوائر العلوم والمعارف‪ ،‬وتتغير أحوال العمران‪ ،‬وال تنقص‬

‫كلمةٌ من كلمات القرآن‪ ،‬ال في أحكام الشرع وال في أحوال الناس وشؤون الكون‪ ،‬وال في‬
‫(‪)1‬‬
‫غير ذلك من فنون القول ‪.‬‬

‫(‪ )1‬بتصرف‪ :‬رضا‪ ،‬محمد رشيد(‪1990‬م)‪ :‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)‪ ،288/5 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫الباب األول‪:‬‬

‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬


‫تغير الفعل من املبني للمعلوم إىل املبني للمجهول‬

‫ُّ‬
‫‪ ‬الفصل األول‪ :‬تغير املاضي من املعلوم إىل اجملهول‪ ،‬ودالالته‬
‫ُّ‬
‫‪ ‬الفصل الثاني‪ :‬تغير املضارع من املعلوم إىل اجملهول‪ ،‬ودالالته‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫ُّ‬
‫تغير الفعل املاضي من املعلوم إىل اجملهول‪ ،‬ودالالته‪،‬‬

‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬التغري يف الفعل الثالثي‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‪ :‬التغري يف مزيد الثالثي‬


‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫املبحث األول‪ :‬التغري يف الفعل الثالثي‬

‫إن ذكر الفاعل أو حذفه يدفع باتساع المعنى‪ُّ ،‬‬


‫ومرد ذلك إلى مقصد المتكلم‪،‬‬ ‫َّ‬

‫ومع أي جملة فعلية ينبغي مراعاة ثالثة أبعاد‪ :‬الحدث‪ ،‬والفاعل أو القائم بالحدث‪،‬‬

‫والمفعول أو متلقي الحدث‪ ،‬وهنا يتضح ما عناهُ الباحث بأ َّن م َّ‬


‫رد اتساع المعاني إلى‬

‫تأخير‪،‬‬
‫ًا‬ ‫يما أو‬
‫ذكر أو حذفًا‪ ،‬تقد ً‬
‫مقصد المتكلم‪ ،‬فالمتكلم له أن يتص َّرف باألبعاد الثالثة ًا‬

‫وفي كل صورة ُيحدثُها المتكلم بتغييره لتلك األبعاد يتَّسع المعنى وينفتح على دالالت‬

‫يد‪ ،‬وال زي ٌد ضرب‬


‫مر ز ٌ‬
‫مرا‪ ،‬ليست كضرب ع ًا‬
‫يد ع ً‬ ‫متنوعة ُّ‬
‫مردها ُمراده منها‪ ،‬فضرب ز ٌ‬

‫ضرب‪ ،‬قال سيبويه‪" :‬تقول على‬


‫عمرو ُ‬
‫ٌ‬ ‫عمرو‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫كضرب‬
‫مرا‪ ،‬وهي كذلك ليست ُ‬
‫ع ً‬

‫ضرب به ضربتان‪...‬؛ ألنه أراد أن ُيبين‬


‫ضرب به؟‪ ...‬فنقول‪ُ :‬‬
‫قول السائل‪ :‬كم ضربة ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫له العدة‪ ،‬فجرى على سعة الكالم واالختصار" ‪ ،‬وعلى هذا ُيمكننا القو ُل َّ‬
‫أن االتساع‬

‫في داللتي بنيتي (المعلوم والمجهول) يت ُّم على مستويين‪ :‬المستوى الصرفي‪ ،‬والمستوى‬

‫التركيبي‪ ،‬وسيتناول الباحث المستوى الثاني؛ لكونه األقرب في تفسير داللتي البنيتين‪.‬‬

‫وبما َّ‬
‫أن الباحث قد أقام دراسته على صور التغير للفعل المبني للمعلوم والمبني‬

‫للمجهول من حيث التجرد والزيادة‪- ،‬وهو تقسيم صرفي اصطالحي اختاره ليسهُل تناو ُل‬

‫النماذج بالتحليل والدراسة لكثرتها‪-‬فإنه يجدر به أن يورد خالصة في أقسام الفعل من‬

‫(‪ )1‬الكتاب‪230-229/1 ،‬‬


‫‪63‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫حيث التجرد والزيادة‪ ،‬فقد استفاضت كتب اللغة والنحو ببيان ذلك وايضاحه‪ ،‬وال يسع‬

‫الباحث إغفاله قبل أن يدلف إلى دراسة مواضع التغيُّر‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ينقسم الفعل من حيث التجرد والزيادة إلى قسمين‪ :‬المجرد‪ ،‬والمزيد ‪ ،‬فالمجرد‪:‬‬

‫ما كانت جميع حروفه أصلية‪ ،‬ال يسقط حرف منها في تصاريف الكلمة بغير علَّة‪،‬‬

‫وينقسم إلى‪ :‬مجرد الثالثي‪ ،‬ومجرد الرباعي‪ ،‬وال يزيد المجرد عن أربعة أحرف؛ ألنه‬

‫أثقل من االسم‪ ،‬وقد يتصل به من الضمائر ما يصير به معه كالكلمة الواحدة‪ ،‬والمزيد‪:‬‬

‫ما زيد فيه حرف أو أكثر على حروفه األصلية‪ ،‬وهو كذلك قسمان‪ :‬مزيد الثالثي‪ ،‬ومزيد‬

‫الرباعي‪.‬‬

‫دائما مفتوح‬
‫أما الثالثي المجرد فله باعتبار ماضيه فقط ثالثة أبواب؛ ألنه ً‬

‫الفاء‪ ،‬وعينه إما أن تكون مفتوحة‪ ،‬أو مكسورة‪ ،‬أو مضمومة‪ ،‬نحو‪ :‬نصر وضرب وفتح‪،‬‬

‫ونحو‪ :‬فرح وحسب‪ ،‬ونحو‪ :‬ك ُرم‪ ،‬وباعتبار الماضي مع المضارع له ستة أبواب؛ ألن‬

‫عين المضارع إما مضمومة‪ ،‬أو مفتوحة‪ ،‬أو مكسورة‪:‬‬

‫‪ -‬الباب األول‪ :‬فعل يف ُعل‪ :‬بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع‪،‬‬

‫صر‪ ،‬وقعد يق ُع ُد وأخذ يأ ُخ ُذ‪ ،‬وب أر يب ُرؤ‪ ،‬وقال يقُول‪ ،‬وغ از يغ ُزو‪ ،‬وم َّر ي ُم ُّر‪.‬‬
‫كنصر ين ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن عصفور‪ ،‬علي(‪1966‬م)‪ :‬الممتع الكبير في التصريف‪ ،‬ص‪ ،115‬ط‪ ،1‬لبنان‪ :‬مكتبة لبنان‪،‬‬
‫الغالييني‪ :‬جامع الدروس العربية ‪54/1‬‬
‫‪64‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫‪ -‬الباب الثاني‪ :‬فعل يفعل‪ :‬بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع‪،‬‬

‫كضرب يضرب‪ ،‬وجلس يجل ُس‪ ،‬وباع يبيع‪ ،‬ورمى يرمي‪ ،‬ووقى يقي‪ ،‬وطوى يطوي‪.‬‬

‫‪ -‬الباب الثالث‪ :‬فعل يفعل‪ :‬بالفتح فيهما‪ ،‬كفتح يفتح‪ ،‬وذهب يذهب‪ ،‬وسعى‬

‫يسعى‪ ،‬وق أر يق أر‪.‬‬

‫‪ -‬الباب الرابع‪ :‬فعل يفعل‪ :‬بكسر العين في الماضي‪ ،‬وفتحها في المضارع‪،‬‬

‫كفرح يفرح‪ ،‬وعلم يعلم‪ ،‬ورضي يرضى‪ ،‬وقوي يقوى‪ ،‬ويأتي من هذا الباب األفعال الدالة‬

‫الخلو‪ ،‬كشبع وروي‪ ،‬واأللوان‬


‫على الفرح وتوابعه كفرح وطرب‪ ،‬وبطر وأشر‪ ،‬واالمتالء و ُ‬

‫كحمر وسود‪ ،‬والعيوب كعور وعمش‪.‬‬

‫ف‪ ،‬وح ُسن يح ُس ُن‪،‬‬


‫‪ -‬الباب الخامس‪ :‬ف ُعل يف ُع ُل‪ :‬بضم العين فيهما‪ ،‬كش ُرف يش ُر ُ‬

‫وج ُرؤ يج ُرُؤ‪ ،‬وهذا الباب لألوصاف الخلقية‪ ،‬وهي التي لها ُمكث‪.‬‬

‫‪ -‬الباب السادس‪ :‬فعل يفعل‪ :‬بالكسر فيهما‪ ،‬كحسب يحسب‪ ،‬ونعم ينعم‪ ،‬ويبس‬

‫ييبس والفتح فيها أقيس وأجود‪ ،‬ومما يجب فيه كسر العين‪ :‬ورث يرث‪ ،‬وثق يثق‪ ،‬وهو‬

‫قليل في الصحيح‪ ،‬كثير في المعتل‪.‬‬

‫والمعول عليه في أبواب مضارع الثالثي هو السماع‪ ،‬لذلك نجد أفعاالً جاءت‬

‫ق‪ ،‬وشد الحبل‪ :‬ي ُش ُّده‪ ،‬ويش ُّده‪ ،‬وجلس‪:‬‬


‫ق‪ ،‬ويفس ُ‬
‫يفس ُ‬
‫على أكثر من باب‪ ،‬نحو‪ :‬فسق‪ُ :‬‬

‫يكمل‪ ،‬وكمل‬
‫كمل ُ‬
‫يجلس‪ ،‬ويجلُس‪ ،‬وقد يجيء الفعل الواحد على ثالثة أبواب‪ ،‬نحو‪ُ :‬‬

‫يكمل‪ ،‬وكمل يكم ُل‪.‬‬


‫ُ‬
‫‪65‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫المجرد وزن واحد‪ ،‬وهو فعلل‪ ،‬كدحرج يدحرج‪ ،‬زخرف‪ُ ،‬يزخرف‪ ،‬ومنه‬
‫َّ‬ ‫وللرباعي‬

‫أفعال نحتتها العرب من َّ‬


‫مركبات‪ ،‬فتُحفظ وال ُيقاس عليها‪ ،‬كبسمل‪ ،‬إذا قال‪ :‬بسم اهلل‪،‬‬

‫وحوقل‪ ،‬إذا قال‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬وطلبق‪ ،‬إذا قال‪ :‬أطال اهلل بقاءك‪.‬‬

‫ويلحق الفعل الثالثي بالرباعي المجرد بتكرير الالم‪ ،‬وبزيادة الواو ثانية أو ثالثة‪،‬‬

‫وزيادة النون وسطاً‪ ،‬واأللف آخ اًر‪ ،‬وهذه هي صور الملحق بالرباعي‪ ،‬إما على فعلل‪،‬‬

‫كجلببه؛ أي ألبسه الجلباب‪ ،‬أو فوعل‪ ،‬كجوربه؛ أي ألبسه الجورب‪ ،‬ومنه‪ :‬فعول‪ ،‬كرهوك‬

‫في مشيته؛ أي أسرع‪ ،‬وجهور‪ ،‬أي رفع صوته‪ ،‬وفيعل‪ ،‬كبيطر؛ أي أصلح الدواب‪،‬‬

‫وفعيل‪ ،‬كشريف الزرع‪ :‬قطع شريافه‪ ،‬وفعلى‪ ،‬كسلقاه‪ :‬إذا رماه على ظهره‪ ،‬وفعنل‪،‬‬

‫كقلنسه‪ :‬ألبسه القلنسوة‪.‬‬

‫أما الثالثي المزيد ففيه ثالثة أقسام؛ ما زيد فيه حرف واحد‪ ،‬وما زيد فيه حرفان‪،‬‬

‫وما زيد فيه ثالثة أحرف‪ ،‬وغاية ما يبلغ الفعل بالزيادة ستة‪ ،‬بخالف االسم‪ ،‬فإنه يبلغ‬

‫بالزيادة سبعة؛ لثقل الفعل‪ ،‬وخفة االسم‪.‬‬

‫فالذي زيد فيه حرف واحد‪ ،‬يأتي على ثالثة أوزان‪ :‬أفعل‪ :‬كأكرم‪ ،‬وأعطى‪،‬‬

‫وزكى‪ ،‬والذي زيد فيه حرفان يأتي‬


‫َّ‬ ‫كفرح‪،‬‬
‫وفاعل‪ :‬كقاتل‪ ،‬وحاسب‪ ،‬وفعَّل بالتضعيف‪َّ :‬‬

‫كاحمر‪،‬‬
‫َّ‬ ‫على خمسة أوزان‪ :‬انفعل‪ :‬كانكسر‪ ،‬وانشق‪ ،‬وافتعل‪ :‬كاجتمع‪ ،‬واختار‪ ،‬وافع َّل‪:‬‬

‫غالبا في األلوان والعيوب‪ ،‬وتفعَّل‪ :‬كتعلَّم وتزكى‪،‬‬


‫اعور‪ .‬وهذا الوزن يكون ً‬
‫اصفر‪ ،‬و َّ‬
‫و َّ‬

‫وتفاعل‪ :‬كتباعد وتشاور‪ ،‬والذي زيد فيه ثالثة أحرف يأتي على أربعة أوزان‪ :‬استفعل‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫كاستخرج‪ ،‬واستقام‪ ،‬وافعوعل‪ :‬كاغدودن الشعر‪ :‬إذا طال‪ ،‬واعشوشب المكان‪ :‬إذا كثر‬

‫ابياض‪ ،‬واسو َّاد‪ ،‬وافع َّول‪ :‬كاجل َّوذ‪ :‬إذا أسرع‪.‬‬


‫ُعشبه‪ ،‬وافعال‪ :‬كاحمار‪ ،‬قويت ُحمرته‪ ،‬و َّ‬

‫وينقسم الرباعي المزيد فيه إلى قسمين‪ :‬ما زيد فيه حرف واحد‪ ،‬وما زيد فيه‬

‫حرفان‪ :‬أما الذي زيد فيه حرف واحد‪ :‬فله وزن واحد‪ ،‬هو تفعلل‪ ،‬كتدحرج‪ ،‬والذي زيد‬

‫فيه حرفان وزنان‪ :‬افعنلل‪ :‬كاحرنجم‪ ،‬يقال‪ :‬احرنجم عن األمر‪ ،‬أي‪ :‬ب ُعد عنه‪ ،‬واحرنجم‬

‫القوم‪ ،‬أي‪ :‬اجتمعوا‪ ،‬وافعل َّل‪ :‬كاقشعر‪ ،‬و َّ‬


‫اطمأن‪.‬‬ ‫ُ‬

‫وبعد هذا التعريف بأقسام الفعل من حيث التجرد والزيادة يتناول هذا المبحث‬

‫نماذج من تغيُّر الفعل الماضي الثالثي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ويناقش دالالت ذلك‬

‫التغير‪ ،‬والمعاني المترتبة عليه‪ ،‬وقد اختار الباحث أربعة أفعال وردت صورة التغيُّر في‬

‫القراء‪ ،‬هذه‬
‫بنيتها بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول بين حفص عن عاصم وباقي َّ‬

‫األفعال هي‪( :‬أخذ‪ ،‬خسف‪ ،‬قضى‪ ،‬نزل)‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫أَ َخ َذ‪-‬أُ ِخ َذ‪:‬‬

‫قال‪{ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫مهموز من باب‪( :‬نصر)‪ ،‬المضارع منه‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫ثالثي‬
‫ٌّ‬ ‫ﮱ} [سورة الحديد‪ .]8:‬أخذ‪ :‬فع ٌل‬

‫القراء على فتح الهمز والخاء (أخذ) بالبناء للمعلوم‪ ،‬وانفرد أبو عمرو‬
‫(يأخ ُذ)‪ ،‬وجمهور َّ‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫بضم الهمز وكسر الخاء ببنائه للمجهول‪( :‬أُخذ) ‪ ،‬واآليات في بيان الميثاق الذي ارتبط‬

‫ميثاق غليظٌ‪ ،‬كيف ال وآخذ الميثاق هو اهلل‪‬‬


‫ٌ‬ ‫به المؤمنون مع ربهم‪ ،‬واصفة له َّ‬
‫بأنه‬

‫أو رسوله‪ ،‬كما بينَّته أوجهُ التغيُّر بين القراءتين‪.‬‬

‫من ق أر (أخذ) على أصل بنائه للمعلوم‪-‬ومنهم حفص‪-‬؛ َّ‬


‫فإنه جعله هلل‪ ‬ذلك‬

‫ذكره‪ ‬في قوله‪{ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ} [سورة الحديد‪ ،]8:‬فالضمير يعود‬ ‫َّأنهُ َّ‬
‫تقدم ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫"عرف آخ ُذ الميثاق‪ ،‬و َّ‬
‫أن آخذه هو اهلل‪ ، "‬والى ذلك‬ ‫إليه‪ ،‬قال أبو علي الفارسي‪ُ :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مهران‪ :‬المبسوط في القراءات العشر‪ ،‬ص‪429‬؛ ابن الباذش‪ ،‬أبو جعفر أحمد بن علي(‪1403‬هـ)‪:‬‬
‫اإلقناع في القراءات السبع‪ ،‬ص‪ ،382‬تحقيق‪ :‬قطامش‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار الفكر؛ األزهري‪ :‬معاني‬
‫القراءات‪.54/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬الفارسي‪ ،‬أبو علي(‪1993‬م)‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪ ،266/6 ،‬تحقيق‪ :‬قهوجي‪ ،‬بدر الدين‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار‬
‫المأمون للتراث‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫أشار غير و ٍ‬
‫احد من أهل العلم ‪ .‬قال الطبري‪" :‬بفتح األلف من أخذ‪ ،‬ونصب الميثاق‪،‬‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫بمعنى‪ :‬وقد أخذ ربُّكم ميثاقكم" ‪.‬‬

‫شيء من أسرار التعبير القرآني‬


‫ٌ‬ ‫ومن يتأمل سياق اآليات يتكشف أمام ناظريه‬

‫الذي غاير بين بنيتي الفعلين‪ :‬تارة بالمعلوم (أخذ)‪ ،‬وتارة بالمجهول (أُخذ) وما ذاك إال‬

‫ٍ‬
‫لقصد معلوم‪ ،‬ومن المناسب في هذا الموضع أن يؤكد الباحث َّ‬
‫أن منهج التفضيل بين‬

‫الدارسون في حقل القراءات القرآنية إذ ٌّ‬


‫كل من عند ربنا‪،‬‬ ‫القراءات الثابتة ال يرتضيه َّ‬

‫واإلعجاز إنما ورد بكلتا القراءتين‪ ،‬هذه تكشف المعنى من جهة‪ ،‬وتلك تكشفه من جهة‬

‫الفراء في هذه اآلية‪-‬على جاللة قدره¬‪-‬‬


‫أخرى‪ ،‬وعلى هذا فال يرتضي الباحث مذهب َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫أحق أن يتَّبع حيث يقول‪" :‬ولو قُرئت‪( :‬وقد أُخذ ميثاقُكم) لكان صو ًابا" ‪،‬‬
‫الحق ُّ‬
‫َّ‬ ‫إال َّ‬
‫أن‬
‫(‪)4‬‬
‫قال َّ‬
‫النحاس معلقًا عليه‪" :‬وهو غلطٌ" ‪ ،‬ولم يظهر للباحث وجه الصواب الذي قصده‬

‫عذر‪-¬-‬حمله على هذا‬ ‫َّ‬


‫ولعل له ًا‬ ‫الفراء‪َّ ،‬‬
‫فإن اآلية قُرئت بذلك وهي قراءة متواترة‪،‬‬

‫أما الطبري فإنَّهُ يجعل الحكم‬


‫أن القراءة رَّبما لم تبلغه‪َّ ،‬‬
‫الحكم‪ ،‬فظاهر مقولته تُنبئُ َّ‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪341‬؛ ابن زنجلة‪ ،‬أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪،698‬‬
‫تحقيق‪ :‬األفغاني‪ ،‬سعيد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الرسالة؛ األلوسي‪ :‬روح المعاني‪171/14 ،‬؛ القَّنوجي‪ ،‬محمد صديق‬
‫خان(‪1992‬م)‪ :‬فتح البيان في مقاصد القرآن‪ ،400/13 ،‬تحقيق‪ :‬األنصاري‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬بيروت‪ :‬المكتبة‬
‫العصريَّة‪.‬‬
‫(‪ )2‬جامع البيان‪172/23 ،‬‬
‫(‪ )3‬معاني القرآن‪132/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬إعراب القرآن‪234/4 ،‬‬

‫‪69‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫انتشار في عصره من‬


‫ًا‬ ‫سبيال لعجبه بقراءة المعلوم إذ هي عنده أوسع‬
‫النتشار القراءة ً‬

‫قراءة المجهول‪ ،‬يقول‪" :‬والصواب القو ُل‪ :‬بأنهما قراءتان متقاربتا المعنى‪ ،‬فبأيهما ق أر‬

‫إلي‬
‫ب الميثاق أعجب القراءتين َّ‬
‫فتح األلف من أخذ‪ ،‬ونص ُ‬
‫فمصيب‪ ،‬وان كان ُ‬
‫ٌ‬ ‫القارئ‬
‫(‪)1‬‬
‫في ذلك؛ لكثرة القرأة بذلك‪ ،‬وقلة القرأة باألخرى" ‪ .‬وليس الحكم النتشار القراءة وكثرة‬

‫مرد صحتها وقبولها للتَّواتر والنقل‪َّ ،‬‬


‫ولعل للطبري‪-¬-‬ما‬ ‫من يق أر بها أو ُيقرُئها‪ ،‬وانما ُّ‬

‫يعذره من عدم العلم بالقراءة في ٍ‬


‫بالد غير بالده‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫خطاب من اهلل‪ ‬للكافرين‬


‫ٌ‬ ‫بالعودة إلى سياق اآليات َّ‬
‫فإنها قد تُفهم على أنها‬

‫بدليل ما ُخ تمت به‪( :‬إن كنتم مؤمنين)‪ ،‬فـ "هذا االستفهام للتوبيخ والتقريع‪ ،‬والخطاب‬
‫(‪)2‬‬
‫خطاب للمؤمنين‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ي مان ٍع من اإليمان" ‪ ،‬أو أنها‬ ‫أي ٍ‬
‫عذر لكم عند ربكم؟! وأ ُّ‬ ‫للكفار أي‪ُّ :‬‬

‫حالها حال األحكام التي تجري على التعليل‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﮥ ﮦ ﮧ‬

‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ} [سورة البقرة‪ .]278:‬قال الطبري‪" :‬والمراد إن‬

‫(‪)3‬‬
‫كنتم مؤمنين في ٍ‬
‫حال من األحوال؛ فآمُنوا اآلن" ‪ ،‬واختاره ذا القول األلوسي وقال عنه‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫"الكالم مع المؤمنين على سبيل التوبيخ والتقريع" ‪ ،‬والميثاق المذكور في هذه اآلية هو‬

‫(‪ )1‬جامع البيان‪172/23 ،‬‬


‫(‪ )2‬القَّنوجي‪ :‬فتح البيان‪400/13 ،‬‬
‫(‪ )3‬جامع البيان‪172/23 ،‬‬
‫(‪ )4‬روح المعاني‪171/14 ،‬‬

‫‪70‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫الميثاق األول‪ ،‬قال مجاهد‪" :‬هو الميثاق األول الذي كان لهم في ظهر آدم‪َّ ،‬‬
‫بأن اهلل‬
‫(‪)1‬‬
‫ربَّكم ال إله لكم سواه" ‪.‬‬

‫يلحظ الباحث جملة من الدالالت في صورة التغيُّر بين المعلوم‪ ،‬والمجهول‪،‬‬

‫حشوا في الكالم‬
‫احدا‪ ،‬واال كان ذلك ً‬
‫معنى و ً‬
‫فالسياق ال يرد ببنيتين مختلفتين ويريد بهما ً‬

‫طا‪ ،‬وحاشا كالم اهلل‪ ‬أن يوسم بذلك‪.‬‬


‫ولغ ً‬

‫توبيخا على ترك اإليمان إن كان الخطاب‬


‫ً‬ ‫ت تصدير اآليات باالستفهام‬
‫ومما يلف ُ‬

‫للكفار‪ ،‬أو التوبيخ لعدم االعتناء باإليمان والترقي فيه إن اتَّجه الخطاب للمؤمنين‪ ،‬كما‬

‫في قوله‪‬ـ‪{ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ} [سورة النساء‪ ]136:‬أي‪ :‬ازدادوا ً‬


‫إيمانا‪ ،‬وعلى‬

‫كليهما فالمقام مقام توبي ٍخ وتقريع‪ ،‬يناسب طبيعة ما قام في قلوب الطائفتين من جحود‬

‫اإليمان‪ ،‬أو اإلقرار به‪.‬‬

‫(أخذ) المبني للمعلوم ُيفهم منه– والعلم عند اهلل‪َّ –‬‬


‫أن الميثاق المأخوذ عليهم‬

‫ميثاق من اهلل‪ ‬أخذه على كل و ٍ‬


‫احد من الناس منذ األزل‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﭦ ﭧ‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬

‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭵ ﭶﭷﭸﭹ ﭺ ﭻ‬

‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ} [سورة األعراف‪ ،]172:‬وقد رجَّح ابن عاشور َّأنه‬

‫(‪)2‬‬
‫ميثاق وناموس فطري ‪.‬‬
‫ٌ‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪238/17 ،‬‬


‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪462/14 ،‬‬
‫‪71‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫َخ َذ) مع تسمية الفاعل (اهلل™) ُّ‬


‫أشد غلظة على‬ ‫َّ‬
‫إن الخطاب بالمبني للمعلوم (أ َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مقصود‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫تأثير" ‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫وقعا عليه ‪" ،‬ووقعه في ُّ‬
‫النفوس أكبر ًا‬ ‫المخاطب‪ ،‬وأكثر ً‬

‫ماثال أمامهم‬
‫هاهنا بهدف دعوتهم لإليمان والتأكيد عليه؛ فاستدعى أن يكون األمر ً‬

‫بجالء ووضوح‪ ،‬وليس بينةٌ أوضح في نقل هذه الرسالة بتفاصيلها ودقائقها من بنية‬

‫المبني للمعلوم‪( :‬وقد أخذ ميثاقكم) أي‪ :‬في اإليمان‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والعقيدة‪ ،‬وغيرها من‬

‫قضايا المعتقد مـ َّـما سلك القرآن الكريم في بيانها مسلك الوضوح؛ َّ‬
‫ألنها قضايا مفاصلة‬

‫بين المسلم والكافر فال سبيل فيها للخفاء‪.‬‬

‫صدرت اآليات باستفهام التقريع‬


‫وتلك صورة بديعة نقلتها قراءة المعلوم فبعد أن ُ‬

‫توبيخا بأن ارتقى‬


‫ً‬ ‫يعا‪ ،‬والتَّوبيخ‬
‫والتوبيخ‪( :‬وما لكم ال تؤمنون؟!)‪ ،‬زاد ذلك التقريع تقر ً‬
‫بالخطاب إلى درجة التغليظ عليهم في قضية إيمانهم‪ ،‬وكان (أخذ) خير ٍ‬
‫سبيل لنقل هذه‬

‫الصورة بكل التفاصيل الكامنة وراء بنية المعلوم‪ ،‬فبقدر ما يقوم في قلب المرء من‬

‫حضور اهلل™ ومحبته؛ بقدر ما يكون التزامه بالميثاق أصدق‪ ،‬وتمسُّكه به أوثق‪.‬‬

‫تلم ُس داللة حذف الفاعل وبناء الفعل للمجهول‪ ،‬ونيابة‬


‫وقد أعيا الباحث ُّ‬

‫(ميثاق ُكم) عن الفاعل بعد الحذف في قراءة‪( :‬اُخذ ميثاقُ ُكم)‪ ،‬وأقصى ما وجده الباحث‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن عطية‪ ،‬األندلسي(‪1422‬هـ)‪ :‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،234/5 ،‬تحقيق‪ :‬عبد‬
‫الشافي‪ ،‬عبد السالم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشيخ‪ ،‬حمدي(‪2014‬م)‪ :‬القراءات القرآنية وأثرها في استنباط األحكام الفقهية‪ ،‬ص‪ ،95‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬المكتب‬
‫الجامعي الحديث‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫ٍ‬
‫توجيه لطيف‬
‫(‪)1‬‬
‫أن الفاعل َّإنما حذف للعلم به ‪ ،‬ووقف الباحث على‬
‫إشارة عند السَّمين ب َّ‬

‫"وبني الفعل للمفعول في قراءة أبي عمرو؛‬


‫أورده البقاعي في هذه القراءة‪ ،‬حيث قال‪ُ :‬‬

‫شديد من غير نظر إلى معيَّن‪-‬‬ ‫أي أخذٍ كان؛ َّ‬


‫ألن الغدر عند الكرماء ٌ‬ ‫ليكون المعنى‪َّ :‬‬

‫ك األعظم القادر على كل شيء‪ ،‬العال ُم بكل‬


‫ال سيما العرب‪ ،-‬فكيف إذا كان اآلخذ المل ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫شيء‪ ،‬ورسولُه الذي تعظيمه من تعظيمه" ‪ ،‬كما أشار بعض المحدثين إلى أ َّن المقصد‬
‫(‪)3‬‬
‫التهويل من شأن الميثاق ‪.‬‬

‫تلك المعاني‪-‬ال َّ‬


‫شك‪-‬مقصودة إال َّ‬
‫أن الباحث في حقل القراءات القرآنية ال‬

‫فإنه َّإنما يبحث عن الدالالت المستخفية وراء كل قراءة؛‬


‫ُيشبع نهمه مث ُل هذا التوجيه‪َّ ،‬‬

‫قائم في كلتا‬ ‫ٍ‬


‫ليصل إلى تكامل بينها في دالالتها على المعنى المراد‪ ،‬فالعلم بالفاعل ٌ‬

‫صرح به في الثاني‪ ،‬وليس‬ ‫القراءتين‪ :‬المعلوم‪ ،‬والمجهول‪َّ ،‬إنما ُ‬


‫صرح به في األول‪ ،‬ولم ُي َّ‬

‫وقوف عند ظاهر َّ‬


‫النص دون‬ ‫ٌ‬ ‫فإن مثل هذا التَّوجيه َّإنما هو‬
‫ذلك إلرادة العلم به فقط؛ َّ‬

‫الغوص في سبر أعماقه وأغواره‪ ،‬وهنا يحاول الباحث استجالء شيء من تلك الدالالت‬

‫من خالل توظيف السياق؛ لفهم الترابط بين القراءتين وصنوف التغيُّر بينهما‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدر المصون‪236/10 ،‬‬


‫(‪ )2‬البقاعي‪ ،‬إبراهيم(د‪.‬ت)‪ :‬نظم الدرر في تناسب اآليات والسور‪ ،264/19،‬د‪.‬ط‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬الشيخ‪ :‬القراءات القرآنية وأثرها في استنباط األحكام الفقهية‪ ،‬ص‪95‬‬
‫‪73‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫اء أكان‬ ‫أن في (أ ِ‬


‫يرى الباحث َّ‬
‫تركيز على الميثاق الذي أُخذ عليهم سو ٌ‬
‫ًا‬ ‫ُخ َذ)‬

‫قائم‬ ‫اآلخذ ربُّنا‪ ،‬أم رسوله‪ ،‬وال َّ‬


‫شك َّ‬
‫أن بنود الميثاق واضحةٌ لديهم معلومةٌ‪ ،‬فالرسول‪ٌ ‬‬
‫فيهم يدعوهم بالحجج والبراهين‪ ،‬ونصب اهلل™ لهم األدلة َّ‬
‫ومكنهم من النظر فيها؛‬

‫ليستوثقوا لدينهم‪ ،‬ويأخذوا عهدهم وأيمانهم على هذا الميثاق إن كانوا حقًّا مؤمنين‪ ،‬هذا‬

‫المعنى ُيفهم من تصدير اآلية بقوله‪( :‬وما ل ُكم َّأال تؤمُنوا)‪ ،‬ومن ختامها بقوله‪( :‬إن ُكنتُم‬

‫ُمؤمنين)‪.‬‬

‫لقد كان من روعة البيان القرآني وجماله أن أ َّكدت القراءتان على الميثاق الذي‬

‫اء قُصد بهم المؤمنون أم الكفَّار‪-‬حيث‬


‫أخذه اهلل™ على أولئك المعنيين في اآلية‪-‬سو ٌ‬

‫عتابا للفريقين‪ :‬كافرهم ومؤمنهم‪ ،‬الكافرين على تركه ُم اإليمان بالكلية‪،‬‬


‫جاءت اآليات ً‬
‫والمؤمنين على ضعف ترقيهم في درجاته‪ ،‬وال عذر ٍ‬
‫ألحد في عدم اإليمان‪ ،‬وال في ترك‬

‫مكن لهذا المعنى بنيتا الفعلين اللَّتان َّ‬


‫عرفت صورة التغيُّر بينهما‬ ‫االزدياد منه‪ ،‬ولقد َّ‬

‫طبيعة الميثاق المأخوذ من الطائفتين‪ ،‬والعقد المبرم بينهما وبين اهلل™‪.‬‬

‫قراءة المعلوم َّ‬


‫أكدت على الميثاق من جهة اآلمر‪ ،‬وهو اهلل™ أو رسوله‪ ‬على‬

‫ظاهرا‪ ،‬وما كان من ب ٍ‬


‫يان‬ ‫ً‬ ‫حاضر في الخطاب‪،‬‬
‫ًا‬ ‫الخالف الذي سبق إيراده‪ ،‬فكان اآلم ُر‬

‫شأنا من حضور اآلمر‪ ،‬فإذا حضر اهلل ورسوله فليغب ُّ‬


‫كل شيء‪،‬‬ ‫قدر‪ ،‬وال أعظم ً‬
‫أعلى ًا‬

‫وانما ترتفع مقامات العبودية وتغلظ المواثيق حينما يكون اآلمر والناهي هو اهلل™‪ ،‬أو‬

‫رسوله‪ ‬كما قال تعالى‪{ :‬ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ‬

‫ﭟ ﭠ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ} [سورة األحزاب‪َّ ،]36:‬‬


‫ثم إ َّن المواثيق‬

‫‪74‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫سببا لدخوله الجنة فعن أبي هريرة‪ ¢‬أن رسول اهلل‪ ‬قال‪:‬‬
‫التي يلتزم بها العبد تكون ً‬

‫((كل أمتي يدخلون الجنة إال من أبى‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ومن يأبى! قال‪ :‬من أطاعني؛‬
‫(‪)1‬‬
‫دخل الجنة‪ ،‬ومن عصاني؛ فقد أبى)) ‪.‬‬

‫أما قراءة المجهول فقد َّ‬


‫أكدت على الميثاق من جهة المأمور به‪ :‬لكأنه يقول‬ ‫َّ‬

‫لهم‪ :‬وما عليكم أن تعلموا آخذ الميثاق أو أ َّال تعلموه‪ ،‬دعوا ذلك‪ ،‬والتفتُوا إلى العمل‬

‫تعظيم لشأن‬
‫تخويف لهم‪ ،‬و ٌ‬
‫ٌ‬ ‫بالميثاق دون صرف األوقات في التنطُّع والصَّلف‪ ،‬وفي ذلك‬

‫الميثاق لئال تُساورهم فكرة التخلي عن العمل بحجة عدم العلم بآخذ الميثاق‪.‬‬

‫لقد ساعدت صورة التغيُّر بين القراءتين في رسم صورة متكاملة عن هذا الميثاق‬

‫ويصلح به آخرته‪،‬‬
‫العبد دنياه‪ُ ،‬‬
‫ميثاق بين العبد وربه‪ُ ،‬يسلم به ُ‬
‫ٌ‬ ‫العظيم‪ ،‬كيف ال!! وهو‬

‫كما قطعت القراءتان ُحجج كل متشك ٍك وأوهامهُ في ترك اإليمان‪ ،‬وتخليته عن العمل‪،‬‬

‫جاحدا بغتته ق ارءة المعلوم‪( :‬أخذ ميثاقكم) بتأكيدها على اآلمر‪ ،‬و َّ‬
‫أن مثله ال‬ ‫ً‬ ‫فمن كان‬

‫طا دفعته قراءة المجهول‪( :‬أُخذ ميثاقُكم) إلى العمل‬


‫متكاسال مفر ً‬
‫ً‬ ‫أمره‪ ،‬ومن كان‬
‫ُيخالف ُ‬

‫وااللتزام ببنود الميثاق‪ .‬حقًا تلك هي روعة البيان القرآني وذاك هو جماله واعجازه‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب االقتداء بسنن رسول اهلل‪ ،‬ح(‪.)6851‬‬
‫‪75‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫‪َ -‬خ َ‬
‫سفَ ‪ُ -‬خ ِ‬
‫سفَ ‪:‬‬

‫قال´‪{ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬

‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ} [سورة‬

‫مبني للمعلوم‪ ،‬وهو‬


‫القصص‪ ،]82:‬ق أر حفص (خسف) بفتح الخاء والسين على أنه فع ٌل ٌّ‬

‫إخبار عن الفاعل‪ :‬اهلل´‪ ،‬والجار والمجرور‪( :‬بنا) في موضع نصب الفاعل‪ ،‬وق أر‬
‫ٌ‬
‫(‪)1‬‬
‫قائم مقام‬
‫(خسف) بضم الخاء‪ ،‬وكسر السين على البناء للمجهول ‪ ،‬و(بنا)‪ٌ :‬‬
‫الباقون ُ‬

‫الفاعل في موضع رفع‪.‬‬

‫أكثر من وجَّه هاتين القراءتين وقف عند المعنى الظاهر لبناء الفعل للمعلوم‬
‫(‪)2‬‬
‫(خسف)‬
‫أما ُ‬
‫صرح معه بالفاعل‪َّ ،‬‬
‫والمجهول‪ ،‬فـ(خسف) عندهم بمعنى‪ :‬خسف اهللُ بنا ‪ُ ،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ف ُحذف‪ ،‬قال أبو علي الفارسي‪" :‬وهو ُيؤول إلى الخسف في المعنى" ‪.‬‬

‫تحكي اآليات قصة ٍ‬


‫قوم من بني إسرائيل من أصحاب موسى‪ ‬اغتروا‬

‫بمظاهر الحياة الدنيا وأُعجبوا بها‪ ،‬وصفهم اهلل´ بقوله‪ { :‬ﭸ ﭹ ﭺ} [سورة‬

‫القصص‪ ،]79:‬هالهم ما رأوه من ُملك قارون وخزائنه‪ ،‬فكان أن تمنَّوا ما أوتي من حظ‬

‫حل به ما َّ‬
‫حل من الخسف والعذاب استفاقت قلوبهم ل َّـما عاينوا انقالب‬ ‫فلما أن َّ‬
‫الدنيا‪َّ ،‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪495‬؛ ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪279‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪495‬؛ ابن خالويه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪279‬‬
‫(‪ )3‬الحجة للقراء السبعة‪425/5 ،‬‬
‫‪76‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫مشهدا يحمل في َّ‬


‫طياته معاني األسف‬ ‫ً‬ ‫الموازين‪ ،‬وقد جاءت اآلية بالقراءتين واصفة‬

‫والتندم الذي َّ‬


‫حل بهم‪ ،‬هذه نظرةٌ إجمالية لآلية‪ ،‬ولنعش تفاصيلها ودقائقها‪.‬‬

‫ثالثي‪ ،‬مجرٌد على وزن‪( :‬فعل) من باب‪( :‬ضرب)‪،‬‬


‫ٌّ‬ ‫(خسف)‪ :‬مبني للمعلوم‪،‬‬

‫ف‪ُ :‬س ُؤوخ األرض بما عليها من األشياء‪،‬‬


‫مادته الخاء والسين والفاء‪ ،‬قال الخليل‪" :‬الخس ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫انخسفت به األرض‪ ،‬وخسفهُ اهلل بها" ‪ ،‬وقال ابن فارس‪" :‬الخاء والسين والفاء أص ٌل‬
‫(‪)2‬‬
‫وض ظاهر األرض" ‪،‬‬ ‫وغ ُؤ ٍ‬
‫ور‪ ........‬فالخسف‪ُ :‬غ ُم ُ‬ ‫احد‪ ،‬يدل على‪ُ :‬غ ُم ٍ‬
‫وض ُ‬ ‫و ٌ‬

‫دائر في هذا الموضع بين‪ :‬ذهب اهلل به في‬


‫وحاصل معنى (خسف) عند علماء اللغة ٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫األرض‪ :‬أي غيَّبهُ فيها‪ ،‬أو غاب به فيها ‪ ،‬ونسب الراغب في (خسف) قولين ألهل‬
‫(‪)4‬‬
‫وخسف‬
‫اللغة‪" :‬يقال‪ :‬خسفه اهلل‪ ،‬وخسف هو" ‪ ،‬قال القرطبي‪" :‬وخسف هو في األرض‪ُ ،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫به" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن أحمد‪ ،‬الخليل(د‪.‬ت)‪ :‬كتاب العين‪ ،201/4 ،‬تحقيق‪ :‬المخزومي‪ ،‬مهدي والسامرائي‪ ،‬ابراهيم د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار الهالل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن فارس‪ ،‬أحمد(‪1979‬م)‪ :‬معجم مقاييس اللغة‪ ،180/2 ،‬تحقيق‪ :‬هارون‪ ،‬عبد السالم‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬األزهري‪ ،‬محمد أبو منصور(‪2001‬م)‪ :‬تهذيب اللغة‪ ،85/7 ،‬تحقيق مرعب‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪:‬‬
‫دار إحياء التراث‪ ،‬الجوهري‪ ،‬إسماعيل(‪1987‬م)‪ :‬تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،1349/4 ،‬تحقيق‪ :‬عطاء‪ ،‬أحمد‪،‬‬
‫ط‪ ،4‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪ ،‬ابن القطاع‪ ،‬علي(‪1983‬م)‪ :‬كتاب األفعال‪ ،287/1 ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬
‫(‪ )4‬األصفهاني‪ ،‬الراغب(‪1412‬هـ)‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪ ،282‬تحقيق‪ :‬الداودي‪ ،‬صفوان‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪:‬‬
‫دار القلم‪ ،‬بيروت‪ :‬الدار الشامية‪.‬‬
‫(‪ )5‬الجامع ألحكام القرآن‪318/13 ،‬‬

‫‪77‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫مسبق‪ ،‬ويبقى مناقشة لم‬


‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫إن الفاعل في قراءة المعلوم (خسف) صريح وله ذكر‬

‫احد ؟! وهذا له موضعه من‬ ‫ُذكر مع الفعل (م َّن) دون الفعل (خسف) مع َّ‬
‫أن فاعلهُما و ٌ‬

‫البحث‪.‬‬

‫(خسف)‪ ،‬وفي هذا‬ ‫المالحظ َّأنهُ لم َّ‬


‫يصرح بالفاعل في قراءة المبني للمجهول ُ‬

‫نجد من المفسرين من ارتضى التفريق بين الفعلين‪ ،‬بأن نسب المعلوم هلل´‪ ،‬والمعنى‪:‬‬

‫خسف اهلل به األرض أي‪ :‬غيَّبه فيها‪ ،‬ونسب المجهول لقارون بأن ذهب هو في‬
‫(‪)1‬‬
‫األرض ‪ ،‬وفيه معنى لطيف سيشير إليه الباحث الحقًا‪ ،‬على أ َّن من المتقدمين من‬

‫قال بتفضيل قراءة المعلوم على المجهول ‪ ،‬وقد َّ‬


‫(‪)2‬‬
‫أكد الباحث عند مناقشته للفعل (أخذ)‬

‫عدم انتهاجه هذا المنهج القائم على المفاضلة بين القراءات القرآنية‪ ،‬إذ أجمع علماء‬

‫األمة عليها بالقبول‪ ،‬وأُسندت متواترة إلى رسول اهلل‪.‬‬

‫تندٍم وتفج ٍ‬
‫ُّع ألولئك‬ ‫ُيلمح من تغيُّر بنيتي الفعلين من المعلوم إلى المجهول مزيد ُّ‬

‫وتندٍم‪ ،‬يستعملها النادم إلظهار ندامته‪ ،‬اختار أهل‬ ‫القوم‪ ،‬فـ(وي) كلمةُ تنب ٍ‬
‫ُّه على الخطأ ُّ‬

‫البصرة الوقف عليها في هذه اآلية؛ ألنها عندهم كلمة ُحزن‪ ،‬ثم يبتدئون (كأَّنهُ)‪ ،‬أما‬

‫أهل الكوفة فيختارون الوصل؛ ألنها عندهم كلمة واحدة أصلها‪( :‬ويك)‪ ،‬قال َّ‬
‫النحاس‪:‬‬

‫(‪ )1‬الفيروز آبادي‪ ،‬مجد الدين(‪1996‬م)‪ :‬بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز‪ ،540/2 ،‬تحقيق‪:‬‬
‫النجار‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬القاهرة‪ :‬المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬لجنة إحياء التراث‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الهذلي‪ ،‬يوسف بن علي(‪2007‬م)‪ :‬الكامل في القراءات العشر‪ ،‬ص‪ ،615‬تحقيق‪ :‬الشايب‪ ،‬جمال‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬مؤسسة سما للتوزيع والنشر‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫"أحسن ما قيل في هذا‪ :‬قول الخليل وسيبويه ويونس والكسائي َّ‬


‫أن القوم تنبَّهوا أو ُنبهُوا‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فقالوا‪ :‬وي‪ ،‬والمتندم من العرب يقول في خالل ُّ‬
‫تندمه‪ :‬وي" ‪ُ ،‬يذكر َّ‬
‫أن الخالف في‬

‫معنى‪ ،‬منها‪ :‬التعجُّب‪،‬‬


‫معنى‪( :‬وي) يطول‪ ،‬فقد أوصل بعضهم معناها إلى اثني عشر ً‬

‫التندم ‪ ،‬والتَّنبيه على الخطأ‪ ،‬واإلنكار‪ ،‬والحزن‪ ،‬والتفجُّع‪ ،‬واالستدراك إلى غيرها من‬
‫و ُّ‬

‫يستشف إرادتهم المعاني كلَّها في سبيل أال‬


‫(‪)2‬‬
‫ُّ‬ ‫المعمل نظره في السياق القرآني‬
‫المعاني ‪ ،‬و ُ‬
‫َّ‬
‫يحل بهم العذاب‪ ،‬أو يصيبهم ما أصاب قارون‪.‬‬

‫ٍ‬
‫لطف ُيفيض به المولى‬ ‫وبحث عن‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫عطف‪،‬‬ ‫(خسف) بالمعلوم فيه استدرُار‬

‫مر َّ‬
‫أن (خسف) التقدير فيه‪:‬‬ ‫عليهم‪ ،‬يلحظه الباحث من قولهم‪( :‬م َّن اهللُ علينا)‪ ،‬وقد َّ‬

‫انتهاء‪ ،‬ف َّإنهم لـ َّـما قرنوا فعل‬


‫ً‬ ‫ابتداء أغنى عن إعادته‬
‫ً‬ ‫خسف اهللُ‪َّ ،‬‬
‫لكن ذكر لفظ الجاللة‬

‫المن بلفظ الجاللة؛ كان ذلك أدعى إلجابتهم‪ ،‬وفُهم من عدم التصريح بلفظ الجاللة مع‬

‫احد إرادتهم طلب العفو‪ ،‬واظهار التلطُّف وربَّما كان‬ ‫(خسف) مع َّ‬
‫أن فاعل الفعلين و ٌ‬

‫محل ٍ‬
‫حياء منهم‪-‬واهلل أعلم‪.-‬‬ ‫اإلغضاء عن الذكر َّ‬

‫إيحاء باستعالء الحق‪ ،‬و َّ‬


‫أن هذه‬ ‫ٌ‬ ‫وفي اقتران الفعل (خسف) بنون العظمة‬
‫(‪)3‬‬
‫المظاهر البراقة إلى زوال‪ ،‬قال البقاعي معلقًا على ذلك‪" :‬بما لنا من العظمة" ‪" ،‬وعندما‬

‫(‪ )1‬النحاس‪ ،‬أبو جعفر(‪1421‬هـ)‪ :‬إعراب القرآن‪ ،167/3 ،‬تحقيق‪ :‬خليل‪ ،‬عبد المنعم‪ ،‬ط‪ .1‬بيروت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪361/14،‬؛ النحاس‪ :‬إعراب القرآن‪167/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬البقاعي‪ :‬نفسه‪358/14 ،‬‬

‫‪79‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫تتدخل يد القدرة لتضع ًّ‬


‫حدا‬ ‫تبلغ فتنة الزينة ذروتها‪ ،‬وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى‪َّ ،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫للفتنة‪ ،‬وترحم الناس الضعاف من إغرائها‪ ،‬وتحطم الغرور والكبرياء" ‪ ،‬ثم َّ‬
‫إن في تقديم‬

‫مام َّ‬
‫بأن المقام مقام تعظيمه‬ ‫ٍ‬
‫اعتناء منهم واهت ٍ‬ ‫الفاعل على الجار والمجرور (علينا) مزيد‬

‫ينجوا من الخسف أن ُيؤ َّخر‬


‫كما؛ لذا ال ضير عليهم إن كان ُمر ُادهم أن ُ‬
‫وح ً‬
‫ونهيا ُ‬
‫مر ً‬ ‫أ ًا‬

‫ويق َّدم ذكر صاحب االمتنان والفضل في موضع (م َّن اهللُ)‪،‬‬


‫ذكرهم في موضع (علينا)‪ُ ،‬‬
‫ُ‬

‫ار للعطف؛ لئال يقع بهم ما وقع بقارون من الخسف والعذاب‪ ،‬ال‬ ‫ُّ‬
‫كل تلك المعاني استدرًا‬

‫حاضر أمام أعينهم لم يغب‪ ،‬قال أبو السعود‪" :‬لخسف‬


‫ًا‬ ‫سيَّما و َّ‬
‫أن مشهد خسفه ال يزال‬
‫(‪)2‬‬
‫سر من أسرار تعبيرهم بالمعلوم (خسف) –واهلل أعلم‪.‬‬ ‫بنا‪ ،‬كما ُخسف به" ‪ ،‬و َّ‬
‫لعل هذا ٌّ‬

‫ماثال َّ‬
‫للناظرين‪ ،‬يشهد لذلك قوله تعالى‪:‬‬ ‫إ َّن هذه المقارنة تجعل المشهد حيًّا ً‬
‫(‪)3‬‬
‫(وأصبح)‪" ،‬والعرب تعبر عن الصيرورة بأضحى‪ ،‬وأمسى‪ ،‬وأصبح" ‪ ،‬والصيرورة انتقا ٌل‬

‫من حال إلى حال‪ ،‬شاهدوا خسف قارون؛ فصاروا يتمنون َّأال َّ‬
‫يحل بهم حالُه‪.‬‬

‫ٍ‬
‫معان يحتملها السياق‬ ‫ص على‬ ‫(خسف) فقد فتح َّ‬
‫الن َّ‬ ‫بناء الفعل للمجهول ُ‬
‫أما ُ‬‫َّ‬

‫القرآني أرادوها في طلبهم‪ ،‬وان كان طلبهم السالمة والنجاة من الخسف مشترًكا بين‬

‫أن تعدد القراءتين وتغيُّر بنيتي الفعلين أوحت بأنهم طلبوا َّ‬
‫النجاة‬ ‫و(خسف)؛ إال َّ‬
‫(خسف) ُ‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬سيد(‪1412‬هـ)‪ :‬في ظالل القرآن‪ ،2713/5 ،‬ط‪ ،17‬بيروت‪ :‬دار الشروق‪.‬‬
‫(‪ )2‬العمادي‪ ،‬أبو السعود (د‪.‬ت)‪ :‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،27/7 ،‬بدون تحقيق‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫(‪ )3‬البغوي‪ ،‬الحسين (‪1997‬م)‪ :‬معالم التنزيل في تفسير القرآن‪ ،225/6 ،‬تحقيق‪ :‬النمر‪ ،‬محمد وضميرية‪،‬‬
‫عثمان‪ ،‬ط‪ ،4‬المدينة المنورة‪ :‬دار طيبة للنشر‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫أن قضيتهم أن سلَّمهم اهلل´‬


‫(خسف) يلفتون االنتباه إلى َّ‬
‫بصورتين مختلفتين‪ ،‬ها ُهم في ُ‬

‫اء أخسف اهلل´ بهم! أم‬


‫وباال سو ٌ‬ ‫َّ‬
‫ونجاهم‪ ،‬فكل معاني الخسف كانت ستكون عليهم ً‬

‫ذهبوا هم في األرض! أم أخذتهم األرض فدخلوا فيها! على المعاني المرادة من (خسف)‬

‫(خسف)‪.‬‬ ‫جو ُّ‬


‫التندم الذي عاشوه مع هذه القراءة‪ُ :‬‬ ‫في اللغة‪ ،‬وال ُيغفل ُّ‬

‫وهنا يتساءل الباحث‪ :‬هل يحمل هذا ُّ‬


‫التندم داللة الحياء؟؛ لعلمهم بالفاعل كما‬
‫(‪)1‬‬
‫وهو´ من سألُوهُ أن يكونوا على ما كان عليه قارون من الدنيا‬
‫يرى ابن عاشور ‪ُ ،‬‬

‫فلما عاينوا ما َّ‬


‫حل به من العذاب؛ استحوا منه´ من الطلب الذي سألُوهُ؟! قد‬ ‫والمتاع‪َّ ،‬‬

‫ُيفهم ذلك من هذه البنية إال َّ‬


‫أن الباحث ال يجزم به‪-‬واهلل أعلم‪.-‬‬

‫(خسف) يفهمه‬
‫هذا التغيُّر بين المبني للمعلوم (خسف)‪ ،‬والمبني للمجهول ُ‬

‫الباحث في السياق النفسي ألولئك القوم‪ ،‬وال شك أن النفوس تتأثر باألحداث‪ ،‬فحجم‬

‫جهار‪ ،‬وبين أن نجَّاهم‬


‫ًا‬ ‫ُّ‬
‫التندم والحزن والتأنيب بين أن وقع الخسف على قارون وعاينوه‬

‫جلي يشكل مالمح تلك النفسية التي عاينت الحادثة‪،‬‬


‫ظاهر ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫اهلل´ـ وعصمهم رحمةً ورأفة‬

‫حاكما بقولهم‪{ :‬ﯢ ﯣﯤﯥ} [سورة القصص‪.]82:‬‬


‫ً‬ ‫فاصال‬
‫ً‬ ‫وجاء ختام اآليات‬

‫فال يمكن أن نعود لفعلتنا وال جهلنا‪ ،‬وقد عاينَّا ما َّ‬


‫عاينا‪ ،‬كما َّ‬
‫أن هذا التغيُّر بين بنيتي‬

‫صور تغيير الفكر‪ ،‬واالعتبار بالمآالت‪ ،‬وعدم االغترار بالمظاهر‪،‬‬ ‫الفعلين َّ‬
‫قدم صورةً من ُ‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير‪188/20 ،‬‬

‫‪81‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫حيث "صار هالك قارون عقوبة له‪ ،‬وعبرة وموعظة لغيره‪ ،‬حتى َّ‬
‫إن الذين غبطوه‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫األول" ‪.‬‬
‫فكرُهم َّ‬
‫سمعت كيف ندموا‪ ،‬وتغيَّر ُ‬

‫ض ى‪ -‬ق ُ ِ‬
‫ض َي‪:‬‬ ‫‪ -‬قَ َ‬

‫قال´‪{ :‬ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭲ ﭳﭴ‬

‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ} [سورة‬

‫القراء عدا حمزة والكسائي وخلف‪( :‬قضى) بفتح القاف والضاد‬


‫الزمر‪ .]42:‬ق أر جمهور َّ‬

‫ٍ‬
‫وبألف مقصورٍة آخر الفعل على أنه مبني للمعلوم‪ ،‬و(الموت) مفعول به‪ ،‬وق أر حمزة‬

‫و(الموت)‬
‫ُ‬ ‫والكسائي وخلف‪( :‬قُضي) بضم القاف وكسر الضاد وفتح الياء آخر الفعل‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بالرفع على أنه نائب فاعل ‪.‬‬

‫إخبار عن اهلل´‪-‬‬
‫ًا‬ ‫غير و ٍ‬
‫احد من أهل العلم يجعل من الفعل المعلوم (قضى)‬
‫(‪)3‬‬
‫لتقدم اسمه‪-‬في قوله‪( :‬اهلل يتوفى األنفس) ‪ ،‬ومنهم من جعل َّ‬
‫مرد التغيُّر في هذا‬ ‫ُّ‬

‫(‪)4‬‬
‫النظم‪ ،‬أو إلى ائتالفه على سيا ٍ‬
‫ق واحد ‪،‬‬ ‫معنى واحد إ َّما إلى قضيَّة َّ‬
‫الموضع ُيؤول إلى ً‬

‫(‪ )1‬السعدي‪ ،‬عبد الرحمن(‪2000‬م)‪ :‬تيسير الكريم المنان في تفسير كالم َّ‬
‫المنان‪ ،‬ص‪ ،624‬تحقيق‪ :‬اللويحق‪،‬‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪ ،563‬ابن الجزري‪ :‬النشر ‪363/2‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪310‬؛ الزمخشري‪ ،‬محمود بن عمرو (‪1407‬هـ)‪ :‬الكشاف‬
‫عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،134/4 ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي؛ ابن عطية‪ :‬المحرر الوجيز‪602/4 ،‬‬
‫(‪ُ )4‬ينظر‪ :‬النحاس‪ :‬معاني القرآن‪179/6 ،‬؛ أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪ ،624‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام‬
‫القرآن‪263/15 ،‬‬

‫‪82‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫مبني للفاعل–يتوفَّى– كذلك كان حكم الذي‬ ‫قال أبو علي الفارسي‪" :‬فكما َّ‬
‫أن هذا الفعل ٌّ‬

‫ُعطف عليه–قضى–‪ ،‬ومن بنى للمفعول به؛ فهو في هذا المعنى مثل بقاء الفعل‬
‫(‪)1‬‬
‫للفاعل" ‪.‬‬

‫وهنا يسجل الباحث مالحظة مفادها التناقض عند من جعل َّ‬


‫مرد القراءتين إلى‬

‫أن قراءة المعلوم (قضى) أوضح وأبين‪ ،‬يقول َّ‬


‫النحاس‪" :‬والمعنى‬ ‫معنى و ٍ‬
‫احد‪ ،‬ثَُّم حكم ب َّ‬ ‫ً‬

‫أبين وأشبهُ بنسق الكالم؛ ألنَّهم قد أجمعوا على‪ُ :‬‬


‫(ويرس ُل)‪،‬‬ ‫احد‪ ،‬غير َّ‬
‫أن القراءة األولى ُ‬ ‫و ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫الفراء تفضيله قراءة المعلوم على المجهول وان‬
‫(ويرس ُل)" ‪ ،‬وظاهر كالم َّ‬
‫ولم يقرؤوا‪ُ :‬‬

‫لم يصرح بذلك‪ ،‬حيث يقول‪" :‬والمعنى فيه‪ :‬يتوفَّى األنفس حين موتها‪ ،‬ويتوفَّى التي لم‬

‫إلي‬ ‫نومها‪ ،‬وهو ُّ‬


‫أحب الوجهين َّ‬ ‫تمت في منامها عند انقضاء أجلها‪ ،‬ويقال‪َّ :‬‬
‫إن توفيها‪ُ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ك التي قضى عليها الموت)" ‪.‬‬
‫(فيمس ُ‬
‫لقوله‪ُ :‬‬

‫(‪)4‬‬
‫ظاهر من قراءة المعلوم (قضى) َّ‬
‫أن المعنى‪" :‬قضى اهللُ عليها الموت" ‪ ،‬فالعلم‬ ‫ٌ‬

‫الداللة هنا مهَّد له مطلع اآلية‪( :‬اهللُ يتوفَّى األنفس)‪ ،‬إذ فيه التنبيه على‬
‫بالفاعل ظاهر َّ‬

‫إحياء واماتةً‪ ،‬وأنَّه يفعل ما يشاء‪ ،‬ويحكم ما يريد‪ ،‬ال‬


‫ً‬ ‫وتفرده بشؤون الخلق‬
‫عظيم قُدرته‪ُّ ،‬‬

‫(‪ )1‬الحجة للقراء السبعة‪97/6 ،‬‬


‫(‪ )2‬معاني القرآن‪179/6 ،‬‬
‫(‪ )3‬الفراء‪ ،‬يحيى (د‪.‬ت)‪ :‬معاني القرآن‪ ،420/2 ،‬تحقيق‪ :‬النجاتي‪ ،‬أحمد وآخرون‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬الدار المصرية‬
‫للتأليف والترجمة‪.‬‬
‫(‪ )4‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪260/15 ،‬‬
‫‪83‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫ُيسأل عما يفعل وهم ُيسألون‪ ،‬يحيي ويميت‪ ،‬يقدر الحياة لمن شاء أن ُيحييه‪ ،‬ويكتب‬

‫أحد إال اهلل´‪ ،‬قال ابن عاشور‪:‬‬ ‫الموت لمن شاء وبأي ٍ‬
‫حال شاء‪ ،‬ال يقدر على ذلك ٌ‬

‫"وتقديم اسم الجاللة على الخبر الفعلي؛ إلفادة تخصيصه بمضمون الخبر‪ ،‬أي‪ :‬اهلل‬

‫تصرفًا في‬
‫حقيقي؛ إلظهار فساد أن أشركوا به آلهةً ال تملك ُّ‬
‫ٌّ‬ ‫قصر‬
‫غيره‪ ،‬فهو ٌ‬
‫يتوفى ال ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫أحوال الناس" ‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫(قضى) لغةً‪ :‬يقضي قضاء وقضيَّةً‪ ،‬أي‪ :‬حكم ‪ ،‬والقضاء‪ :‬فصل األمر قوًال‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫فعال ‪ ،‬والقضاء عند ابن سيده بمعنى‪ :‬الحتم ‪ ،‬ويفرق صاحب معجم‬
‫كان ذلك‪ ،‬أو ً‬

‫الحكم‪َّ ،‬‬
‫بأن القضاء‪ :‬يقتضي فصل األمر على التمام‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫الفروق اللغوية بين القضاء و ُ‬

‫فقوله´‪ { :‬ﯹ ﯺ ﯻ} [سورة سبأ‪ .]14:‬أي‪ :‬فصلنا أمر موته‪ ،‬أما ُ‬


‫الحكم‬

‫(‪)5‬‬
‫فيقتضي المنع من الخصومة ‪ ،‬في ضوء تلك المعاني اللغوية يمكن فهم قراءة المبني‬
‫(‪)6‬‬
‫ومفروغا منه" ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ت بتًّا َّ‬
‫مقد ًار‬ ‫للمعلوم‪ ،‬فقضى عليها الموت‪" :‬ختم‪ ،‬وحكم‪ ،‬وب َّ‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪249/12 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬الخليل‪ :‬العين‪185/5 ،‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪674‬‬
‫(‪ )4‬ابن سيده‪ ،‬علي بن إسماعيل (‪2000‬م)‪ :‬المحكم والمحيط األعظم‪ ،482/6 ،‬تحقيق‪ :‬المحقق‪ :‬هنداوي‪ ،‬عبد‬
‫الحميد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬العسكري‪ ،‬أبو هالل (‪1412‬هـ)‪ :‬معجم الفروق الفردية‪ ،‬ص‪ ،431‬تحقيق‪ :‬بيات‪ ،‬بيت اهلل‪ ،‬ط‪ ،1‬قم‪:‬‬
‫مؤسسة النشر اإلسالمي‪.‬‬
‫(‪ )6‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪157/16 ،‬‬
‫‪84‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫اقتضى السياق القرآني التَّصريح بالفاعل مع هذه القراءة؛ فتصاريف القدر‬

‫بيده´‪ ،‬وفي ذلك تسليةٌ لكل ٍ‬


‫عبد مؤمن َّأنه في كنف اهلل´ ورعايته وعنايته‪ ،‬يستريح‬

‫العبد فيجد اللذة في النوم؛ َّ‬


‫ألنه في يد اهلل´‪ ،‬يضطرب ويجد األلم في الموت فال يجزع‬

‫وال يقلق؛ َّ‬


‫ألنه في يد اهلل´ أرحم الراحمين‪.‬‬

‫أن أمر‬ ‫ٍ‬


‫تسلية للنبي‘؛ ذلك َّ‬ ‫وللبقاعي التفاتة جميلة إلى َّ‬
‫أن في اآلية زيادة‬

‫قادر‬
‫ألنه ال تصح الوكالة إال إن كان الوكيل ًا‬ ‫الموت لم تصح وكالةُ ٍ‬
‫أحد من الخلق فيه؛ َّ‬

‫عليه بطريق من الطرق‪ ،‬وال قدرة متحققة مع شأن الموت والحياة‪ ،‬فكما قيل له‘ لو‬

‫إنما هو‬
‫أمرهم؛ لضاعوا عند نومك وقومتك‪ ،‬وكذلك شأن هدايتهم وضاللهم َّ‬
‫ُوكل إليك ُ‬

‫شبيهٌ بيقظتهم واماتتهم‪ ،‬فكما َّأنه ال يقدر على اإلماتة واإلنامة إال اهلل´‪ ،‬فكذلك ال يقدر‬

‫على الهداية واإلضالل إال اهلل´‪ ،‬فمن عرف هذه الدقيقة عرف سر اهلل´ في القدرة‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومن عرف الس َّر فيه؛ هانت عليه المصائب‪ ،‬وهذا هو وجه التسلية عنه‘ ‪.‬‬

‫إما مراعاةً لنزع الخافض على‬


‫أما (قُضي) ببناء الفعل للمجهول‪ ،‬ورفع (الموت) َّ‬
‫َّ‬

‫مجرور‬
‫ًا‬ ‫تقدير‪( :‬قُضي عليها بالموت)‪َّ ،‬‬
‫فإنهُ ل َّـمـا ُحذف الخافض؛ صار االسم الذي كان‬

‫نائبا للفاعل‪ ،‬أو هو على تضمين الفعل (قُضي) معنى‪ُ :‬كتب‬


‫فجعل ً‬
‫بمنزلة المفعول به ُ‬

‫ناظم لهما لعلَّه َّ‬


‫يتكشف له أ َّن‬ ‫وقُدر‪ ،‬ومن يناقش هذين التوجيهين ويسعى إليجاد عقد ٍ‬

‫الحكم‪ ،‬والتَّقدير المفروغ منه‬


‫تأكيدا على معنى القضاء‪ ،‬و ُ‬
‫ً‬ ‫في بنية المجهول (قُضي)‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬نفسه‪157/16 ،‬‬


‫‪85‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫زيادة على ما كان عليه مع الفعل المبني للمعلوم (قضى)‪ ،‬قال البقاعي‪" :‬قضى أي‪:‬‬

‫مفروغا منه‪ ،‬وقراءة المبني للمفعول موضحة لهذا المعنى‬


‫ً‬ ‫وبت بتًّا َّ‬
‫مقد ًار‬ ‫ختم وحكم َّ‬

‫(‪)1‬‬
‫اليسر والسهولة الذي عناه البقاعي استوجبه بناء‬ ‫بزيادة اليسر والسهولة" ‪َّ ،‬‬
‫ولعل هذا ُ‬

‫سابق‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الفعل للمجهول‪ ،‬وحذف الخافض على تقدير‪( :‬قُضي عليها بالموت) فالحكم‬

‫ألن مسألةً كالموت‬ ‫قائم في َّ‬


‫النفس وان كان محذوفًا من السياق؛ َّ‬ ‫والقضاء ناف ٌذ‪ ،‬والفاعل ٌ‬

‫ال يغيب عن القلب ُمشاهدة المتصرف فيها‪ ،‬المالك لزمام آجال الخلق مسلمهم والكافر‪،‬‬

‫أهم هي‬
‫فاستدعت القراءة ُيس ًار في إيصال هذا المعنى واالنتقال منه إلى قضيَّة أولى و ُّ‬

‫االستعداد للموت والتجهُّز له‪ ،‬كما قال´ في آخر اآلية‪ { :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬

‫ﮂ} [سورة الزمر‪.]42:‬‬

‫َّ‬
‫تتكشف أنو ٌار من مالمح دالالت التَّغيُّر بين البنيتين‬ ‫وبالعودة لسياق اآليات‬

‫َّور معهما وقوع‬


‫بليغا‪ ،‬ال ُيتص َّ‬
‫النص معج ًاز ً‬ ‫ُّ‬
‫فكل قراءة َّ‬
‫تتنزل منزلة آية بما يجعل ُمراد َّ‬

‫التعارض أو التَّدافع‪ ،‬ويسجل الباحث هنا بعض اإلشارات التي يمكن أن تُفهم في سياق‬

‫البحث َّ‬
‫الداللي لصور التغير بين القراءات القرآنية في بنيتي الفعل المبني للمعلوم‬

‫والمجهول‪.‬‬

‫المضي من تحقُّق الوقوع وحتميَّته‪،‬‬


‫ومعلوم ما في ُ‬
‫ٌ‬ ‫الفعل (قضى) ورد بالماضي‪،‬‬

‫ك أنسب من التعبير عن الموت بالماضي‪.‬‬


‫وفي اآلية إرادةُ أن يدين العباد لموالهم فلم ي ُ‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪157/16 ،‬‬


‫‪86‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫يفرون‪،‬‬ ‫قضاء م ٍ‬
‫خيف لنفوس البشر‪ ،‬منه ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫حديث عن‬
‫ٌ‬ ‫ثم َّ‬
‫إن الحديث عن الموت‬ ‫َّ‬
‫ُ‬

‫وعنه يحيدون‪ ،‬كما قال´‪{ :‬ﭳ ﭴﭵﭶﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ} [سورة ق‪.]19:‬‬

‫وقال´‪{ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ} [سورة الجمعة‪ .]8:‬وعن‬

‫عائشة أم المؤمنين~ قالت‪ :‬قال رسول‘‪(( :‬من َّ‬


‫أحب لقاء اهلل أحب اهللُ لقاءه‪ ،‬ومن‬

‫نبي اهلل‪ ،‬أكراهية الموت‪ ،‬فكلنا نكره الموت!! فقال‪:‬‬


‫كره لقاء اهلل كره اهللُ لقاءه‪ ،‬فقلت‪ :‬يا َّ‬

‫أحب لقاء اهلل فأَّحب اهلل‬


‫ليس كذلك‪ ،‬ولكن المؤمن إذا ُبشر برحمة اهلل ورضوانه وجنته؛ َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لقاءه‪ ،‬وا َّن الكافر إذا بشر بعذاب اهلل وسخطه؛ كره لقاء اهلل فكره اهلل لقاءه)) ‪ ،‬وحتى‬

‫الدالة على بسط‬ ‫النفوس االستعداد للموت‪ ،‬و ُّ‬


‫التفكر فيه كآية من آيات اهلل َّ‬ ‫يرسخ في َّ‬
‫ُ‬

‫عظمته وقهره على عباده؛ جاءت القراءتان تكشفان عن هذا المشهد من زاويتين مختلفتين‬

‫بعضا ال مجال للتعارض بينهما وال التناقض‪ ،‬فقوام المشهد على جملة‬
‫تكمالن بعضهما ً‬

‫من َّ‬
‫الدالالت التي تؤكد الصورة الختامية التي أراد الشارع استحضارها مع حقيقة الموت‪.‬‬

‫مجاال لمرتاب‪ ،‬وال فرصةً لغافل‬


‫ً‬ ‫الدالالت َّ‬
‫وتعددت بما ال يدع‬ ‫تنوعت هذه َّ‬
‫لقد َّ‬

‫أال يعاين الموت بقلبه‪ ،‬فاالبتداء باسم اهلل األعظم‪ ،‬واسناد التوفي إليه´ "الذي له مجامع‬
‫(‪)2‬‬
‫ٍ‬
‫نقص إليه سبيل" ‪ ،‬والعدول عن جمع الكثرة (نفوس) إلى جمع‬ ‫الكمال‪ ،‬وليس لشائبة‬

‫(يمسك)‪،‬‬ ‫َّ‬
‫القلة (أنفُس)؛ يجعل الجميع كنفس واحدة إحياء واماتة‪ ،‬وايراد الفعلين‪ُ :‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬باب فرح المؤمن بلقاء ربه‪ ،‬ح(‪.)2684‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪517/16 ،‬‬

‫‪87‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫و(يرسل) على بنية المضارع؛ ُليعلم َّأنه ُيبقي وال ُّ‬


‫يرد َّ‬
‫النفس التي قضى عليها بالموت‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بل يمنعها أن ترجع للحياة كما أشار إلى ذلك ابن عاشور ‪.‬‬

‫ُّ‬
‫كل تلك َّ‬
‫الدالئل تقيم في القلب منارات الخوف من الموت‪ ،‬وتجعله في أهبة‬

‫يب منكم ٍّ‬


‫وشك إلى أن وقع‬ ‫قضاء تحتَّم في ر ٍ‬
‫ً‬ ‫اء أكان القضاء بالموت‬
‫االستعداد له‪ ،‬سو ٌ‬

‫صورته قراءة المعلوم‪( :‬قضى)‪،‬‬


‫بتأمل ُكم في اإلماتة واإلنامة وهو ما َّ‬
‫نظركم على دالالته ُّ‬

‫بأن اهلل´ يقطع تعلُّق األبدان باألرواح عند الموت فيزول‬


‫سابق َّ‬
‫ٌ‬ ‫أو كان علمكم به‬

‫صورته‬
‫همودا وهو ما َّ‬
‫ً‬ ‫شحوبا‪ ،‬والحركة‬
‫ً‬ ‫وتتحول َّ‬
‫النضارة‬ ‫َّ‬ ‫الحسن والحركة عن البدن‪،‬‬
‫ُ‬

‫قراءة المجهول‪( :‬قُضي)‪ ،‬أيًّا كان هذا أو ذاك فالمقام مقامه´‪ ،‬والسلطان سلطانه‪،‬‬

‫يصرف األمر ويدبره‪ ،‬يحيي ويميت‪.‬‬

‫لقد بان مع تغيُّر البنيتين‪ :‬المعلوم والمجهول كل معاني القهر والغلبة والقوة‬

‫ٍ‬
‫ونظم بديع‪ ،‬كما أرسلتا رسالة‬ ‫التي حملتها بنية الفعل الثالثي (قضى) بأسلوب رفيع‪،‬‬

‫مفادها أن يتهيأ العاقل للموت بحضور قلب‪ ،‬وصفاء بال‪ ،‬وهمة تستحثُّهُ نحو العمل‪.‬‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪430/12 ،‬‬


‫‪88‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫‪ -‬نَزَ َل‪-‬نُ ِّز َل‪:‬‬

‫قال´‪{ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ‬

‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ} [سورة الحديد‪ .]16 :‬ق أر‬

‫(نزل) بضم النون وتشديد الزاي‬


‫نافع وحفص (نزل) بالبناء للمعلوم‪ ،‬وق أر أبو عمرو ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫مكسورة على البناء للمجهول‪ ،‬وق أر الباقون (ن َّزل) ‪َّ .‬‬
‫أما من ق أر ب ـ (نزل)؛ فعلى معنى‪:‬‬

‫وما جاء من الحق أي‪ :‬القرآن الذي نزل من عند اهلل´‪ ،‬ومن ق أر بـ (ُنزل) ف ُحجَّتُهُ أنَّهُ‬

‫كر قبله حيث قال‪( :‬أن تخشع قلوبهم لذكر اهلل وما نزل من الحق)‪،‬‬
‫جرى السم اهلل´ ذ ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫أي‪ :‬وما أنزل اهلل´ من الحق ‪.‬‬

‫وعندما نبحث الفرق بين مصدري الفعلين‪( :‬نزل)‪ ،‬و(ن َّزل) في كتب اللغة‬

‫مرة واحدة‪،‬‬ ‫والمعاجم نجد من جعل اإلنزال و ُّ‬


‫النزول‪-‬مصدري أنزل ونزل‪ُ -‬دفع ٌّي أي‪َّ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫للتدرج ‪ ،‬و َّ‬
‫استدل على ذلك بقوله´‪{ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬ ‫والتنزيل‪-‬مصدر َّنزل‪ُّ :-‬‬

‫فخص القرآن الكريم بالتنزيل؛‬


‫َّ‬ ‫ﭟﭠ ﭡﭢ ﭣﭤﭥ} [سورة آل عمران‪]3:‬‬

‫(‪ )1‬ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪342‬؛ الفارسي‪ :‬الحجة للقراء السبعة ‪273/6‬؛ الداني‪ ،‬عثمان‬
‫بن سعيد (‪1984‬م)‪ :‬التيسير في القراءات السبع‪ ،‬ص‪ ،208‬تحقيق‪ :‬تريزل‪ ،‬أوتو‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪700‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬العسكري‪ ،‬أبو هالل (د‪.‬ت)‪ :‬معجم الفروق اللغوية‪ ،‬ص‪ ،79‬تحقيق‪ :‬سليم‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫العلم والثقافة‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫أما بقية الكتب السماوية ف ـ (أنزل)‬


‫َّما‪ ،‬متدرًجا حسب الوقائع واألحداث‪َّ ،‬‬
‫كونه نزل منج ً‬

‫لنزولها دفعة واحدة‪ ،‬وال تعارض بين هذا المعنى وبين قوله´‪{ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬

‫ﯠﯡﯢﯣ ﯤﯥ} [سورة الكهف‪ .]1:‬فالمراد‪" :‬مطلقًا من غير اعتبار التنجيم‪،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الراغب بين داللتي‬ ‫ومثله قوله´‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ} [سورة القدر‪ ، "]1:‬وقد َّ‬
‫فرق َّ‬

‫ٍّ‬
‫كل من (ن َّزل) و(أنزل) ويقاس عليه (نزل)‪ ،‬فقال‪" :‬والفرق بين اإلنزال والتنزيل في‬

‫ومرة‬
‫مفرقًا‪َّ ،‬‬
‫يختص بالموضع الذي يشير إليه إن ازلُه َّ‬
‫ُّ‬ ‫وصف القرآن والمالئكة‪َّ :‬‬
‫أن التنزيل‬
‫(‪)2‬‬
‫َّ‬
‫محل اتفاق بين‬ ‫عام" ‪ ،‬وذكر د‪ .‬أبو موسى َّ‬
‫أن هذا التفريق ليس‬ ‫مرة‪ ،‬واإلنزال ٌّ‬
‫بعد َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫األئمة ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بمعان أخرى‪،‬‬ ‫أما (فعَّل) ومنه (ن َّزل) فقد اختُ َّ‬
‫ص عند البالغيين والصرفيين‬ ‫َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫غالبا ‪ ،‬ومن مقتضيات تكثير الفعل أن يستغرق وقتًـا أطـول يفيد‬
‫حيث ُيفيد‪ :‬التكثير ً‬

‫تلبثًا ُّ‬
‫(‪)5‬‬
‫َّ‬
‫الكمية ‪ ،‬ومن دالالت‬ ‫َّ‬
‫الكيفية ال‬ ‫وتمكثًا‪ ،‬ورأى بعض الباحثين التكثير من جهة‬ ‫ُّ‬

‫(‪ )1‬العسكري‪ :‬معجم الفروق اللغوية‪ ،‬ص‪79‬‬


‫)‪ )2‬الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪800-799‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬أبو موسى‪ ،‬محمد(‪1996‬م)‪ :‬من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة األحزاب‪ ،‬ص‪ ،210‬ط‪،2‬‬
‫القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪.‬‬
‫(‪ُ )4‬ينظر‪ :‬االستراباذي‪ :‬شرح شافية ابن الحاجب‪92/1 ،‬‬
‫(‪ُ )5‬ينظر‪ :‬حسُّون‪ ،‬رضا هادي(‪2008‬م)‪ :‬الصيغة العامة المزيدة في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪ ،12‬مجلة كلية التربية‬
‫بالجامعة المستنصرية‪ ،‬العدد (‪.)4‬‬

‫‪90‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫استعمـال (فعَّل)‪ :‬االهتمام والمبالغة ‪ ،‬كذلك التَّرتيب‪ ،‬قال ابن فـارس‪" :‬والتنزيل‪ :‬ترتيـب‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الشيء‪ ،‬ووضعه منزله" ‪ ،‬وفي لسـان العرب‪" :‬التنزيل‪ :‬التَّرتيب" ‪ ،‬يتحصَّل م َّما سبق‬

‫مرةً بعد َّ ٍ‬
‫مرة؛‬ ‫التدرج والتَّكرار‪ ،‬و َّأنه يقع َّ‬ ‫أن (ن َّزل) ينفتح على جملة من َّ‬
‫الدالالت‪ ،‬منها‪ُّ :‬‬ ‫َّ‬

‫ألجل التضعيف في بناء الفعل‪ ،‬أو التَّكثير وذلك بأن يستغرق ً‬


‫عددا ووقتًا أطول م َّما‬

‫يستغرقه (أنزل) و(نزل)‪ ،‬أو االهتمام والمبالغة‪ ،‬كذلك التَّرتيب والتَّنظيم‪ ،‬و ُّ‬
‫مرد ذلك إلى‬

‫السياق الذي يرد به الفعل‪.‬‬

‫التدرج والتَّكرار كما في‬


‫أما (أنزل) و(نزل) فاألصل فيهما العموم‪ ،‬إذ قد يفيدان َّ‬
‫َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫(نزل)‪ ،‬وقد ال يفيدان‪ ،‬وقيل‪َّ :‬‬
‫إن ذلك هو األكثر‪ ،‬وليس نصًّا في أحد المعنيين ‪ .‬قال‬

‫يال؛ َّ‬
‫ألنه لم ينزل جملـة واحدة‪ ،‬بل سـورة سورة‪ ،‬وآية‬ ‫االستراباذي‪" :‬لذلك ُسمي الكتـاب تنز ً‬

‫آية‪ ،‬وليس نصًّا فيه‪ ،‬أال ترى إلى قولـه´‪{ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ‬

‫ﯗ} [سورة الزخرف‪ .]31:‬وقوله´‪{ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬

‫(‪)5‬‬
‫ﭩ} [سورة الشعراء‪. ]4:‬‬

‫(‪ُ (1‬ينظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد اهلل(د‪.‬ت)‪ :‬أدب الكاتب‪ ،‬ص‪ ،460‬تحقيق‪َّ :‬‬
‫الدالي‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة‬
‫عمار‬
‫عمان‪ :‬دار َّ‬
‫الرسالة‪ ،‬السامرائي؛ فاضل(‪2009‬م)‪ :‬بالغة الكلمة في التعبير القرآني‪ ،‬ص‪ ،66‬ط‪َّ ،5‬‬
‫(‪ )2‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مادة (نزل) ‪417/5‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة (نزل) ص‪ ،4399‬تحقيق‪ :‬الكبير عبد اهلل وآخرون‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.‬‬
‫)‪ )4‬السامرائي‪ :‬بالغة الكلمة‪ ،‬ص‪67‬‬
‫(‪ )5‬شرح شافية ابن الحاجب‪93/1 ،‬‬
‫‪91‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫وحتى نفهم صورة التغيُّر الحاصلة في بنية الفعل من (نزل) المبني للمعلوم إلى‬

‫(نزل) المبني للمجهول‪ ،‬ينبه الباحث إلى أهمية إعمال السياق‪ ،‬ودراسة سبب نزول‬
‫ُ‬

‫ويب ُينها‪ ،‬إضافة إلى ما سبق إيراده من المعاني‬ ‫اآلية َّ‬


‫فإنه ُيكشف شيئا من ثنايا المسألة ُ‬

‫اللُّغوية‪.‬‬

‫روى اإلمام مسلم في صحيحه َّ‬


‫أن بن مسعود‪ ¢‬قال‪(( :‬ما كان بين إسالمنا‬

‫وبين أن عاتبنا اهلل´ بهذه اآلية‪ { :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ } [سورة‬

‫(‪)1‬‬
‫الحديد‪ ]16:‬إال أربع سنين)) ‪ ،‬وعن ابن عباس‪ ¢‬قال‪ :‬استبطأ اهلل´ قلوب‬

‫المهاجرين‪ ،‬فعاتبهم على رأس ثالث عشرة سنة من نزول القرآن‪ ،‬فقال´‪{ :‬ﮯ ﮰﮱ‬

‫(‪)2‬‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ} [سورة الحديد‪ ، "]16:‬وعن األعمش قال‪َّ :‬‬
‫إن الصحابة‬

‫لينا في العيش ورفاهية ففتروا عن بعض ما كانوا عليه؛‬


‫ل ـ َّمــا قدموا المدينة أصابوا ً‬
‫(‪)3‬‬
‫فعوتبوا بهذه اآلية ‪.‬‬

‫يبرُز وجهٌ من العتاب لصحابة الرسول‘ فقد عاتبهم‬


‫بالتأمل في تلك الروايات ُ‬
‫و ُّ‬

‫اهلل´ لقسوة وجدها في قلوبهم‪ ،‬والعتاب لهم ولمن بعدهم من باب أولى‪ ،‬وفي هذا اإلطار‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب في قوله تعالى‪" :‬ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اهلل"‪،‬‬
‫ح(‪.)3027‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن عمر(‪2000‬م)‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ ،19/8 ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار ابن حزم‪.‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬البنتني‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪ :‬مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد‪ ،493/2 ،‬تحقيق‪ :‬الصناوي‪ ،‬محمد‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫كل منهما تلقيان الضوء على زاوي ٍة من خبايا هذا‬


‫و(نزل) إذ ٌّ‬
‫نفهم سياق البنيتين (نزل)‪ُ ،‬‬

‫العتاب‪.‬‬

‫(نزل) بالتخفيف والبناء للمعلوم التقدير فيه‪ :‬أن تخشع قلوبهم لذكر اهلل´‪ ،‬ولما‬

‫نزل من الحق‪ ،‬وعليه يكون (الحق) بمعنى‪( :‬القرآن) كما أشار إلى ذلك غير و ٍ‬
‫احد من‬
‫(‪)1‬‬
‫ألنه ٌّ‬
‫حق نازل من السماء‪،‬‬ ‫ألن القرآن جامعٌ للوصفين‪ :‬الذكر والموعظة‪ ،‬و َّ‬
‫المفسرين ؛ َّ‬

‫فيكون الذكر وما نزل من الحق كالهما بمعنى‪ :‬القرآن‪.‬‬

‫للمنزل وهو القرآن الكريم‪ ،‬وذلك بعطفه على‪:‬‬


‫لقد حملت قراءة المعلوم تشريفًا ُ‬

‫إما من باب عطف التفسير‪َّ ،‬‬


‫كأنه قال‪ :‬أن تخشع قلوبهم‬ ‫(تخشع قلوبهم لذكر اهلل)‪َّ ،‬‬

‫لذكر اهلل الَّذي هو‪ :‬القرآن‪ ،‬أو باعتبار تغاير المفهومين كما يراه صاحب أضواء‬

‫ذكر وموعظةٌ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫َّ‬


‫فإن‬ ‫‪،‬‬‫آن‬
‫ر‬ ‫للق‬ ‫آخر‬ ‫ٍ‬
‫وصف‬ ‫عطف‬
‫ُ‬ ‫الحق)‬ ‫من‬ ‫ل‬‫ز‬‫ن‬ ‫(وما‬ ‫فيكون‬ ‫‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫البيان‬
‫ٌ‬

‫كما َّأنه ٌّ‬


‫حق نازٌل من عند اهلل´‪ ،‬وكما حملت قراءة المعلوم (نزل) تشريفًا للمنزل‪َّ ،‬‬
‫فإنها‬

‫حملت رسالةً مبطَّنة لمن أُنزل إليهم هذا القرآن أن يبادروه التدبُّر و ُّ‬
‫التأمل‪ ،‬وأن يكون‬

‫الخشوع سمة مالزمة لقلوبهم‪ ،‬هذا‪-‬واهلل أعلم‪-‬ما أوحت به بنية المعلوم من َّ‬
‫أن القرآن‬

‫ُّر دفعة واحدة‪ ،‬وتعاملوا معه‬


‫خشوعا وتدب ًا‬
‫ً‬ ‫الكريم نزل دفعة واحدة فاصرفوا إليه قلوبكم‬

‫الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪200/29 ،‬‬


‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪475/4 ،‬؛ َّ‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬الشنقيطي‪ :‬أضواء البيان‪546/7 ،‬‬
‫‪93‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫على َّأنه ٌّ‬


‫كل ال يتج أز كما قال´‪{ :‬ﭸ ﭹﭺﭻﭼ} [سورة‬

‫البقرة‪.]85:‬‬

‫عددا من الدالالت الءمت وصف هذا‬


‫(نزل) بالمبني للمجهول فقد حمل ً‬
‫أما ُ‬
‫َّ‬

‫درج والتَّكرار‪ ،‬وذلك‬


‫الموضع من اآلية‪ ،‬حيث اتَّسمت أحداث القرآن الكريم ووقائعه بالتَّ ُّ‬

‫(نزل) فيه تضعيف‪ ،‬والتَّضعيف من‬ ‫أدعى لفهم مراد كالم اهلل´‪ ،‬كما َّ‬
‫أن بناء الفعل ُ‬

‫تلبثًا وت ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫مكثًا ‪،‬‬ ‫أن الفعل يستغرق وقتًا أطول يفيد ُّ‬
‫معانيه التكثير الذي من مقتضياته َّ‬

‫َّ‬
‫ولعل في هذا إشارة للمؤمنين أن يأخذ الخشوع مساحة واسعة من أوقاتهم وأزمانهم شأنهم‬

‫ممتدة بامتداد ُّ‬


‫تنزل آيات الكتاب‬ ‫َّ‬ ‫(نزل) من مساحة زمنية‬
‫شأن ما أخذته بنية الفعل ُ‬

‫الحكيم‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫محصَّل التغيُّر بين القراءتين َّأنه ليس للمؤمنين ٌ‬
‫"عذر في عدم خشوع قلوبهم" ‪،‬‬

‫وقد َّأدت القراءتان هذا المعنى وزيادة‪ ،‬ففي تثاقلهم في أمور الدين‪ ،‬ورخاوة عقدهم فيها‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أمور ُنعيت عليهم‪ ،‬وعوتبوا عليها ‪.‬‬
‫واستبطاء ما ُندبوا إليه بالترغيب والترهيب تلك ٌ‬

‫هكذا شهدت صورة التغيُّر بين القراءتين من المعلوم إلى المجهول تربية‬

‫للمؤمنين على تعاهد اإليمان وأسبابه الدافعة إليه‪ ،‬والمحفزة عليه من ذكر اهلل´‪ ،‬وقراءة‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬االستراباذي‪ :‬شرح شافية ابن الحاجب‪92/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬الكوراني‪ ،‬أحمد (‪2007‬م)‪ :‬غاية األماني في تفسير الكالم الرباني‪ ،‬ص‪ ،94‬تحقيق‪ :‬كوكصو‪ ،‬محمد‪ ،‬تركيا‪:‬‬
‫جامعة صاقريا ‪-‬كلية العلوم االجتماعية‪.‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬العمادي‪ ،‬أبو السعود (د‪.‬ت)‪ :‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،308/18 ،‬تحقيق‪ :‬عبد‬
‫عطا‪ ،‬د‪.‬ط القادر‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة الرياض الحديثة‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫تعاهد دون‬
‫ٌ‬ ‫القرآن الكريم ُّ‬
‫وتدبره في كل أحوال المسلم‪ ،‬ومع كل آياته‪ ،‬وفي كل أوقاته‪،‬‬

‫تلك ٍؤ وال تباطؤ؛ بل استجابة سريعة هلل´ ورسوله‘ مفادها‪ :‬سمعتم آيات اهلل تتلى‬

‫وحدانا أقبلوا بقلوبكم‪ ،‬واجعلوها ًّ‬


‫محال‬ ‫ً‬ ‫مفرقةً أو مجتمعة‪ ،‬تتلونها زر ٍ‬
‫افات أو‬ ‫عليكم َّ‬

‫(نزل)؛ َّ‬
‫فإن مقصد التنزيل بهما‪" :‬إخالء القلوب من النفاق‪،‬‬ ‫اء (نزل) أم ُ‬
‫للخشوع‪ ،‬سو ٌ‬

‫أسلوب من التَّربية‬
‫ٌ‬ ‫باطنا‪َّ ،‬إنه‬
‫ظاهر أن يلبسوه ً‬
‫ًا‬ ‫واخالص النيَّات لهذا الدين َّ‬
‫الذي لبسوه‬

‫ُّ‬
‫الطب لدائهم‪ ،‬وتقديم‬ ‫الحكيمة العالية التَّي ليس من همها قتل المرضى؛ بل ُّ‬
‫همها األول‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الدواء الناجع لعللهم" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الخطيب‪ ،‬عبد الكريم (د‪.‬ت)‪ :‬التفسير القرآني للقرآن‪ ،766/14 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫املبحث الثاني‪ :‬التغير يف مزيد الثالثي‬

‫كثير بين المبني للمعلوم والمبني للمجهول في القراءات‬


‫وردت صورة التغيُّر ًا‬

‫آنية‪ ،‬وكلَّما استجلى الباحث صورة ذلك التغيُّر مناق ًشا ومحلِّ ًًل األوجه الداللية‬
‫القر ّ‬

‫ِّ‬
‫المتقدمين‬ ‫والبيانية المرتبطة بسياق كل صورة من تلك الصُّور؛ ف َّإنه يجد في نقوالت‬

‫احدا‪ ،‬أو ربَّما ال يتجاوز حدود التعليل الظاهر لبِنيتي‬


‫َم ْن يجعل المعنى في القراءتين و ً‬

‫المعلوم والمجهول‪ ،‬كأن يعلِّل َّ‬


‫بأن (المعلوم) ُس ِّم َي فاعله وكان له ذكر‪ ،‬و(المجهول) لم‬

‫ك له ذكر‪ ،‬وهذا ال يتأتَّى مع طبيعة البحث في القراءات القر ّ‬


‫آنية التي‬ ‫سم فاعله ولم ي ُ‬
‫ُي َّ‬

‫آني‬ ‫شك َّ‬ ‫ٍ‬


‫وحركة منه‪ ،‬وال َّ‬
‫النص القر ّ‬
‫َّ‬ ‫أن‬ ‫شأنها شأن القرآن الكريم في إعجازه بكل حرف‬
‫ُ‬

‫آني‬ ‫ُّ ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬


‫كم هائل من الدالالت ال يحصيها العاد‪ ،‬وكل تغيُّر في النسق القر ّ‬
‫ينفتح على ٍّ‬

‫ٍ‬
‫ك‪ ،‬و َّأنى لعبد أن يحيط ً‬
‫علما بكل ما استودعه اهلل‪ ‬في كتابه‪ ،‬واستأمن‬ ‫مقصود وال ش ّ‬

‫عليه الحفظة من عباده‪ ،‬لكن الباحثين في هذا الميدان يع ِملون ما يتيسَّر لهم من ٍ‬
‫آالت‬ ‫ُْ‬ ‫ّ‬

‫الدرر التي تُب ِهر العقول‬ ‫وتأم ٍ‬


‫ًلت بغية القرب من معاني ذلك البيان‪ ،‬وبحثًا عن تلك ُّ‬ ‫ُّ‬

‫وتأخذ باأللباب‪ ،‬فاللَّهم افتح لنا من القول أحسنه وأزينه‪.‬‬

‫يتناول هذا المبحث دالالت تغيُّر الماضي مزيد الثًلثي من المعلوم إلى‬

‫أن المزيد‪ :‬ما ِزيد فيه حرف أو أكثر على حروفه األصلية‪،‬‬
‫المجهول‪ ،‬وقد سبق بيان َّ‬

‫وقد اختار الباحث أربعة أفعال زيد عليها إ َّما بالهمز أو بالتضعيف يدرسها ويناقشها‬

‫بغية الوصول إلى األثر الذي تحدثه هذه الصورة من التغيُّر في المعنى‪ ،‬هذه األفعال‬

‫هي‪( :‬أسَّس‪ ،‬أملى‪ ،‬تبيَّن‪ ،‬قاتَل)‪ ،‬وفيما يلي مناقشة لهذه األفعال‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫سسَ‪-‬أُ ِّ‬
‫سسَ‪َ َ:‬‬ ‫‪ -‬أَ َّ‬

‫قال‪{ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬

‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ} [سورة التوبة‪:‬‬

‫ِّ‬
‫الصد عن دين‬ ‫‪ ،]109‬تصف اآلية إحدى دسائس المنافقين وجرائمهم المعهودة في‬

‫ار أرادوا أن يصرفوا به صحابة‬ ‫مسجدا ِ‬


‫ضرًا‬ ‫ً‬ ‫اهلل‪ ،‬والكيد ألوليائه‪ ،‬ذلك َّأنهم اتَّخذوا‬

‫تصوران مشهد‬
‫ِّ‬ ‫ص ًَّلهم معه‪ ،‬فجاءت القراءتان بالمعلوم والمجهول‬
‫رسول اهلل‪ ‬عن ُم َ‬
‫الني ِ‬
‫َّات‪.‬‬ ‫ص ُدوه وبيَّتُوا له ِّ‬
‫الدسائس والكيد الذي قَ َ‬

‫بضم الهمز‪ ،‬وكسر السِّين المضعَّفة على البناء للمجهول‪:‬‬


‫ق أر نافع وابن عامر ِّ‬

‫ِّس)‪ ،‬وق أر الجمهور ومعهم حفص بفتح الهمز‪ ،‬وفتح السين مضعَّفة على البناء‬
‫(أُس َ‬

‫نص غير و ٍ‬
‫احد من أهل العلم َّ‬
‫أن (أسَّس) بالمعلوم ناسب‬
‫(‪)1‬‬
‫للمعلوم‪( :‬أسَّس) ‪ ،‬وقد َّ‬

‫تصدير اآلية بتسمية الفاعل في قوله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ} [سورة التوبة‪:‬‬

‫‪ .]107‬فنسب لهم االتِّخاذ والتأسيس ليكون الكًلم على نس ٍ‬


‫ق واحد‪ ،‬وناسبه ما بعده‬

‫أيضا‪ ،‬فقال‪{ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ} [سورة التوبة‪:‬‬ ‫ِ‬


‫من نسبة البناء لهم بالمعلوم ً‬

‫ك للفاعل ذكر في اآليات‪ ،‬واَّنما يحسن تسمية الفاعل لو كان له ذكر؛‬


‫‪ ]110‬ول َّـمـا ي ُ‬

‫فأما إ ْذ لم يكن للفاعل ذكر وقد َّ‬


‫تقدمه قوله‪ { :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ} [سورة‬ ‫َّ‬

‫وترك التسمية هنا‬


‫َ‬ ‫عدم التصريح بالفاعل‬ ‫التوبة‪ ]108 :‬على البناء للمجهول؛ َّ‬
‫فإن َ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪318‬؛ ابن الجزري‪ :‬النشر‪281/2 ،‬‬
‫‪97‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫أقرب وأولى لينتظم الوصف في َّ‬


‫أن المسجد الذي أُسِّس على التقوى هو المسجد الذي‬ ‫ُ‬

‫ي القراءتين متَِّفقتين‬
‫(‪)1‬‬
‫بنيانه على تقوى من اهلل‪ ،‬وهو مسجد رسول اهلل‪ ، ‬وجعل الطبر ّ‬

‫أعجب‬
‫ُ‬ ‫صفَها بأنها‬
‫في المعنى‪ ،‬بأيِّهما ق أر القارئ فمصيب‪ ،‬ومال إلى قراءة المعلوم َوَو َ‬

‫تخطئتِ ِه فالقراءتان‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬ ‫إليه ‪ ،‬وليس المقام هنا–فيما يرى الباحث‪ -‬مقام تصويب القارئ أو‬

‫متواترتان؛ َّ‬
‫لكن المقام يستدعي إيضاح المعنى المقصود من هذا التغيُّر الذي جاء‬

‫ِّس)‪.‬‬
‫َّس)‪ ،‬ومرة بالمجهول (أُس َ‬
‫على نسقين مختلفين‪ :‬مرة بالمعلوم (أس َ‬

‫(أسَّس) على وزن (فعَّل) مضعَّف العين‪ِ ،‬‬


‫و(م ْن) في قوله‪( :‬على تقوى من‬ ‫َ‬

‫جوز‬
‫فع باالبتداء‪ ،‬وخبره (خير)‪ ،‬و َّ‬
‫اهلل ورضوان خير) بمعنى‪ :‬الذي في موضع ر ٍ‬

‫َّس)‪ ،‬والمعنى‪:‬‬
‫العكبري أن يكون‪( :‬على تقوى) في موضع الحال من الضمير في (أس َ‬
‫(‪)3‬‬
‫قاصدا بِبنيانه التقوى ‪.‬‬
‫ً‬ ‫على قصد التقوى‪ ،‬ويكون التقدير فيه‪:‬‬

‫اهتماما بـ ـ (المؤسِّس) أو‬


‫تركيز و ً‬
‫ًا‬ ‫يرى الباحث‪-‬واهلل أعلم‪َّ -‬‬
‫أن في قراءة المعلوم‬

‫(الباني)‪ ،‬فاآليات في معرض المقارنة بين مسجدين‪ :‬مسجد رسول اهلل‪ ،‬ومسجد‬

‫ِّ‬
‫الضرار‪ .‬وقد كان باعث المنافقين في بناء المسجد أربعة أمور‪-‬كما بيَّنته اآليات‪:-‬‬

‫ِّ‬
‫الضرار لغيرهم‪ ،‬والكفر باهلل‪ ،‬والتفريق بين المؤمنين‪ ،‬ثم اإلرصاد واإلعداد لمن‬

‫حارب اهلل ورسوله‪ ،‬وهذه األغراض قد تتَّجه للمؤسِّس‪ ،‬وهم‪ :‬المنافقون‪ ،‬وقد تتَّجه‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪324‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬جامع البيان‪490/14 ،‬‬
‫ي‪ ،‬أبو البقاء (‪2008‬م)‪ :‬التبيان في إعراب القرآن‪ ،661/2 ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬شركة القدس‬
‫الع ْكَبر ّ‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ُ :‬‬
‫للتصدير‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫أن محور التركيز في بِنية المعلوم على المؤسِّس أو‬


‫للمؤسَّس‪ ،‬وهو‪ :‬المسجد؛ إال َّ‬

‫(ب ْن َي َانهُ)‪ ،‬و َّ‬


‫لعل في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الباني بارز حيث أُسند الفعل إليه‪ ،‬كما أُضيف البنيان إليه في قوله‪ُ :‬‬

‫ي أن يكون (على تقوى) في موضع الحال من الضمير في (أَسَّس)‬


‫تجويز العكبر ّ‬

‫أن محور التركيز في قراءة‬ ‫قاصدا ببنيانه التقوى ما ُي ِّ‬


‫عزز رأي الباحث ب َّ‬ ‫ً‬ ‫على تقدير‪:‬‬

‫ثم َّ‬
‫إن مطلع القصَّة يشهد‬ ‫فنية التقوى إنما تنعقد به وتُو َكل إليه‪َّ ،‬‬
‫المعلوم (المؤسِّس)‪ّ ،‬‬

‫هذا التركيز فقد ابتدأ وصفهم بقوله‪( :‬والذين اتخذوا مسجدا ضرًارا)‪ ،‬كما َّ‬
‫أن االبتداء‬

‫بهمزة اإلنكار‪( :‬أفمن أسَّس بنيانه) على َّأنها جملة مستأنفة خبرية مبيَّنة لخيريَّة الرجال‬

‫الضرار ِّ‬
‫تعزز ذلك المعنى أيضا‪ ،‬وان كان ذلك‬ ‫المذكورين مقارنة بمن بنى مسجد ِّ‬

‫تداخًل مع قراءة المبني للمجهول‪ ،‬إال َّأنه في‬


‫ً‬ ‫التَّركيز الذي أشار إليه الباحث يشهد‬

‫وللرهبة من‬
‫المبني للمعلوم آكد وأقرب‪ ،‬ف ـ "الباني لـ َّـما بنى ذلك البناء لوجه اهلل‪َّ ‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫حق‬

‫الرغبة في ثوابه؛ كان ذلك البناء أفضل وأكمل من البناء الذي بناه الباني‬
‫عقابه‪ ،‬و َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لداعية الكفر باهلل‪ ،‬واإلضرار بعباد اهلل" ‪.‬‬

‫بعد في توجيهه أن انصرف به إلى داللة المعلوم‬


‫ِّس) فلم َي ُ‬
‫أما من ق أر بـ(أُس َ‬
‫َّ‬

‫كبن َيانِ ِه هو له ‪ .‬ويميل‬


‫بنيانه فتولَّى ذلك غيره بأمره؛ كان ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬ ‫بحجَّة أنَّه إذا أَسَّس‬
‫(‪)3‬‬
‫الم َؤسَّس أو البنيان ؛‬ ‫َّ‬ ‫الباحث‪-‬واهلل أعلم‪-‬إلى َّ‬
‫أن محور التركيز في هذه القراءة على ُ‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪149/16 ،‬‬


‫الب ِس ْيط‪ ،53/11 ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‬ ‫ِ‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬الواحدي‪ ،‬علي(‪1430‬هـ)‪ :‬التَّ ْفس ُير َ‬
‫اإلسًلمية‪.‬‬
‫(‪ )3‬وجد الباحث قريبا من هذا المعنى عند‪ :‬المحمدي‪ ،‬محمد(‪2015‬م)‪ :‬التوجيه اللغوي والصرفي والنحوي في‬
‫حجة القراءات البن زنجلة‪ ،‬ص‪ ،497‬السودان‪ :‬جامعة القرآن الكريم (دكتوراة)‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫َّ‬
‫"ألن المقصود هو اإلعًلم بأن تأسيس البنيان إنما هو على التقوى‪ ،‬ولم يقصد إلى‬

‫مؤس ًسا على التقوى‪ ،‬فسواء فعله‬


‫المؤسس؛ ألنه إذا كان البنيان المنسوب إليه َّ‬
‫ِّ‬ ‫تعريف‬
‫(‪)1‬‬
‫هو أم فعله غيره" ‪.‬‬

‫أحدهما في مقابلة اآلخر‪ ،‬هذه المقابلة أو‬


‫وقد عرضت القراءة المسجدين َ‬

‫المقارنة كشفت ما بينهما من تفاوت‪ ،‬وأظهرت المزايا والعيوب‪ ،‬وأبانت الكمال‬

‫بضده زاد ٌّ‬


‫كل منهما في الصِّفة الغالبة عليه زيادة ال تُرى إال‬ ‫النقص‪" ،‬والض ُّ‬
‫ِّد إذا قُ ِرن ِّ‬ ‫و َّ‬

‫(‪)2‬‬
‫وقبحا" ‪.‬‬
‫حسنا وروعة‪ ،‬ويزداد القبح شناعة ً‬ ‫حيث يتقابل مع ِّ‬
‫ضده‪ ،‬فيزداد الحسن ً‬

‫زت على البناء‪ ،‬على تقدير‪ :‬أبِناء َم ْن‬ ‫بأن قراءة (أُسِّس) َّ‬
‫رك ْ‬ ‫وعليه يمكن القول َّ‬
‫َ‬

‫أَسَّس؟! ِّ‬
‫تعززه القراءات الواردة في اآلية وِان لم ُيق أر بها؛ لشذوذها‪ ،‬لكنها جائزة عربية‬

‫ُس بنيانه) على إضافة‬


‫كقراءة نصر بن علي ورويت عن نصر بن عاصم‪( :‬أفمن أ ُّ‬

‫ُس ُس‬
‫ُس) إلى (بنيانه)‪ ،‬وقراءة نصر بن عاصم وأبي حيوة‪( :‬أساس بنيانه)‪ ،‬و(أ ُ‬
‫(أ ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫بنيانه) على وزن (فُ ُعل) جمع أساس ‪ ،‬جميعها محور تركيزها (البنيان)‪ ،‬قال سيد‬

‫قطب معلَّقًا على ذلك البنيان‪" :‬فلنقف نتطلَّع لحظة إلى بناء التقوى الراسخ المطمئن‪،‬‬

‫(‪ )1‬ابن أبي مريم‪ ،‬نصر بن علي (‪2009‬م)‪ :‬الموضح في وجوه القراءات وعللها‪ ،‬ص‪ ،379‬تحقيق‪:‬‬
‫الطرهوني‪ ،‬عبد الرحيم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬الخطيب‪ :‬التفسير القرآني للقرآن‪798/6 ،‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬ابن عطية‪ :‬المحرر الوجيز‪84/3 ،‬‬
‫‪100‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫ثم لنتطلَّع ُ‬
‫بعد إلى الجانب اآلخر لنشهد الحركة السريعة العنيفة في بناء الضرار‪ ،‬إنَّه‬
‫(‪)1‬‬
‫قائم على شفا جرف هار" ‪.‬‬

‫َّس)‪،‬‬
‫ِّس) كبروزه في قراءة المعلوم (أَس َ‬
‫كثير على قراءة (أُس َ‬
‫لم يبرز الفاعل ًا‬

‫وبنِي؟! أعلى تقوى من اهلل‪ ‬ورضوان‬


‫تم و ُشيِّد لكن المقصد عًلم ُشيِّد ُ‬
‫فالبناء قد َّ‬

‫محادة هلل ورسوله واضرار بالمسلمين فحقُّه أن يهدم‪ ،‬واذا أراد اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫فيستمر‪ ،‬أم على‬

‫كما معيًَّنا َّ‬


‫فإنه ال ينشغل بالفروع على‬ ‫أن يلفت االنتباه إلى قضيَّة ما‪ ،‬أو يستصدر ُح ً‬

‫األصول‪ ،‬وال بالجزئيات على الكليَّات هذا شأن العاقل‪ ،‬فكيف يكون ذلك في ِّ‬
‫حق‬

‫أتم بًلغة‪َ ،‬فْلُي َشي ِّْد تلك المساجد من‬


‫أن ذلك يكون بأرقى لغة و ِّ‬ ‫النص القرآني‪ ،‬ال َّ‬
‫شك َّ‬ ‫ِّ‬
‫ّ‬
‫كن!! ما مقصوده من ذلك البناء والتَّشييد؟ وما هدفه منه؟ َّ‬
‫لعل جزًءا من هذه‬ ‫يشيِّد‪ ،‬لَ ْ‬

‫اإللماحة أبانتها قراءة المبني للمجهول (أُسِّس) التي أوقفتنا أمام بناءين‪ٍ :‬‬
‫بناء كان‬ ‫َ‬

‫درس‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وعلوم تُ َّ‬ ‫حاضر‪ ،‬ومعالمه بارزة ظاهرة من عبادات َّ‬
‫تؤدى‪،‬‬ ‫ًا‬ ‫مقصد التقوى فيه‬

‫َّ‬
‫محادة اهلل‪ ‬ورسوله‪ ‬لذا "كان األول شريفًا واجب البقاء‪ ،‬وكان الثاني‬ ‫ٍ‬
‫وبناء قام على‬
‫(‪)2‬‬
‫خسيسا واجب الهدم" ‪.‬‬
‫ً‬

‫بإعمال الدالالت السابقة في مناقشة صورة تغيُّر الفعل من المعلوم إلى‬

‫تضمنت معادلةً بين شيئين كما يراها ابن عطيَّة‪ ،‬بين‬


‫َّ‬ ‫المجهول يتَّضح َّ‬
‫أن اآلية‬

‫(‪ )1‬في ظًلل القرآن‪1711/3 ،‬‬


‫(‪ )2‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪149/16 ،‬‬
‫‪101‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫صورت كل قراءة ِشقًّا من تلك المعادلة‪ ،‬فقراءة المبني‬ ‫البانِين‬


‫(‪)1‬‬
‫َّ‬ ‫البَِن َ‬
‫اءين‪ ،‬أو بين َ‬

‫للمعلوم رّكزت اهتمامها على (المؤسِّس)‪ ،‬أو (الباني) بما شهدته من الحديث عن‬

‫تضمنت إضافة الفاعل إليه‪ ،‬واسناد‬


‫َّ‬ ‫مقصده ونيَّته‪ ،‬وما تبع ذلك من تراكيب لغويَّة‬

‫المصدر إلى ضمير فاعله بما يجعل (الباني) في دائرة التركيز واالهتمام‪ ،‬كما سلَّطت‬

‫مسجدا‬
‫ً‬ ‫قراءة المجهول الضوء على البناء وجعلته محور التركيز واالهتمام‪ ،‬فإن كان‬

‫وبنِ َي ليرفع ذكر اهلل‪ ‬فذلك مسجد خير وبركة‪ ،‬وان لَم؛‬
‫حقَّق معاني التقوى والعبودية‪ُ ،‬‬

‫مقومات الديمومة ما يبقيه على أساس متين‪.‬‬ ‫َّ‬


‫فإنه ال يثبت على حال‪ ،‬وليس له من ِّ‬

‫تنسجم القراءتان كأشبه ما يكونان بسبيكة ذهبية أو عملة نقديَّة طُبِع عليها‬

‫معا في سبيكة واحدة غالية الثمن‪ ،‬هذه أبرزت غًلها من‬


‫بوجهين مختلفين ينتظمان ً‬

‫جهة‪ ،‬وتلك من جهة أخرى‪ ،‬وهكذا كانت القراءتان في هذا الموضع‪.‬‬

‫في صورة التغيُّر بين المعلوم والمجهول رسالة ألهل اإلسًلم مفادها‪ :‬إن‬

‫أردتُّم خيريَّةً وديمومةً فاعتنوا بأمرين‪ :‬النيَّات والمقاصد‪ ،‬والمعالم والمظاهر‪ ،‬فما كان‬

‫َّ‬
‫تتكشف النيَّات‬ ‫يد به وجه اهلل‪ ‬يبقى‪ ،‬وما أسرع ما‬
‫لغير اهلل‪ ‬يضمح ّل‪ ،‬وما أُر َ‬

‫َّ‬
‫يتكشف فساد التأسيس في البناء‪ ،‬فإن بنيتم مساجدكم أو مجتمعاتكم أو‬ ‫الفاسدة كما‬

‫(المؤسَّس) حينها فقط‬


‫َ‬ ‫اهتماما بالغايات‬
‫ُس َرُكم فأولوا عناية بالنيَّات (المؤسِّس)‪ ،‬و ً‬
‫شيدتم أ َ‬
‫ّ‬

‫يكتب ألعمالكم الديمومة والبقاء‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن عطية‪ :‬المحرر الوجيز‪84/3 ،‬‬


‫‪102‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫‪ -‬أَمَلَى‪-‬أُملِيَ‪َ :‬‬

‫قال‪{ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮥ ﮦ‬

‫ﮧ ﮨ ﮩ} [سورة محمد‪ .]25 :‬قـ أر العشرة عدا أبي عمرو ويعقوب بفتح الهمزة‬

‫ألف بعدهـا (أ َْملَى)‪ ،‬وق أر أبو عمرو بضم الهمزة وكسر الًلم وفتح الياء‪( :‬أُملِ َي)‪،‬‬
‫والًلم و ٍ‬

‫وق أر يعقوب بضم الهمزة‪ ،‬وكسر الًلم‪ ،‬واسكان الياء‪( :‬أُملِ ْي) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫إما‪ :‬أن يعود‬


‫أما قراءة الجمهور (أ َْملَى) على المبني للمعلوم‪ ،‬فالضمير فيه َّ‬
‫َّ‬

‫بأن َّ‬
‫أمد‬ ‫فإن عاد الضمير إليه‪‬؛ فالمعنى‪ :‬أملى لهم اهلل‪ْ ‬‬
‫هلل‪ ،‬أو للشيطان‪ْ ،‬‬

‫زمنا‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﭪ ﭫ ﭭ ﭮ ﭯ} [سورة القلم‪.]45 :‬‬


‫أعمارهم وآجالهم وأمهلهم ً‬

‫اجا‪ ،‬كما قال في اآلية بعدها‪:‬‬ ‫حيث لم ُي َع ِ‬


‫اجْلهم العقوبةَ على معاصيهم وكفرهم؛ استدر ً‬

‫{ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯙ ﯚ‬

‫سول‬
‫ويحسن على هذا المعنى الوقف على قـوله‪َّ ( :‬‬
‫ُ‬ ‫ﯛ} [سورة محمد‪،]26 :‬‬

‫لهم)؛ َّ‬
‫ألن اإلمًلء على هذه القراءة مسند هلل‪ ،‬بينما التسويـل للشيطـان‪ ،‬قـال الداني‪:‬‬

‫اف‪ ،‬سـواء قُ ِرئ‪( :‬وأ ُْملِ ْي لهم) على تسمية الفـاعل‪ ،‬أو‪( :‬أُ ْملِ َي لهم) على‬
‫سول لهم) كـ ٍ‬
‫"( َّ‬

‫ألن اإلمًلء في ِّ‬


‫كل القرآن مسند إلى‬ ‫يسم فـاعله‪ ،‬أو (وأَ ْملَى لهم) على اإلخبار؛ َّ‬
‫ما لم َّ‬

‫(‪ُ )1‬ينظَر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪600‬؛ الداني‪ ،‬أبو عمرو (‪2008‬م)‪ :‬التيسير في القراءات‬
‫السبع‪ ،‬ص‪ ،463-462‬تحقيق‪ :‬الضامن‪ ،‬حاتم‪ ،‬ط‪ ،1‬الشارقة‪ :‬مكتبة الصحابة؛ ابن الباذش‪ :‬اإلقناع في‬
‫القراءات السبع‪768 ،‬؛ ابن الجزري‪ :‬النشر‪ ،‬ص‪.364‬‬
‫‪103‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫فيحسـن قطعه من التَّسويل‬


‫ُ‬ ‫اهلل‪ ،‬كقوله‪ { :‬ﮫ ﮬ } [سورة الحج‪،]44 :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫كثير في كتاب اهلل‪ ،‬كما في‬
‫الذي هو مسند إلى الشيطان" ‪ ،‬وقد ورد هذا المعنى ًا‬

‫قوله‪{ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬

‫ﮂ} [سورة األنفال‪ .]48 :‬وقوله‪{ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬

‫ﯷ ﯸ} [سورة النحل‪ .]63 :‬وقوله‪{ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬

‫ﯘ} [سورة البقرة‪.]268 :‬‬

‫بأن‬
‫سول وأملى لهم الشيطان ْ‬
‫وا ْن عاد الضمير إلى الشيطان؛ كان المعنى‪َّ :‬‬

‫َّ‬
‫مد لهم في األمل و ِّ‬
‫التمني‪ ،‬ووعدهم بالغرور وأوقعهم في شبـاك األماني‪ ،‬ومنعهم العمل‬

‫وب َغتَهُم األجل‪ ،‬ولهذا شـاهد في القرآن الكريـم كقوله‪{ :‬ﯨ‬


‫الموت‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫حتى فَ َجأَ ُه ُم‬

‫ﯩ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ} [سورة النساء‪ ،]120 :‬وقوله‪{ :‬ﮰ‬

‫ﮱ} [سورة النساء‪ ،]119 :‬واسناد فعل اإلمًلء إلى الشيطان َّإنما هو من جهة‬

‫يوسع‬ ‫مدة ٍ‬
‫أحد‪ ،‬وال ِّ‬ ‫يؤخر أحد َّ‬
‫يقينا َّأنه ال ِّ‬ ‫أن اهلل‪َّ ‬‬
‫قدره على ذلك‪ ،‬واال فإنَّه‪"ُ :‬ي ْعلَم ً‬ ‫َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫فيها إال اهلل‪. "‬‬

‫(‪ )1‬الداني‪ ،‬عثمان بن سعيد(‪1987‬م)‪ :‬المكتفى في الوقف واالبتدا في كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬ص‪ ،525‬تحقيق‪:‬‬
‫وينظَر‪ :‬األشموني‪ ،‬أحمد محمد(‪1973‬م)‪ :‬منار الهدى في‬
‫المرعشلي‪ ،‬يوسف‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة؛ ُ‬
‫بيان الوقف واالبتدا‪ ،‬ص‪ ،362‬ط‪ ،2‬مصر‪ :‬شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪.‬‬
‫الكرماني‪ ،‬محمد بن أبي المحاسن(‪2001‬م)‪ :‬مفاتيح األغاني في القراءات والمعاني‪ ،‬ص‪ ،376‬تحقيق‪:‬‬
‫ّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫مدلج‪ ،‬عبد الكريم‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار ابن حزم‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫عمرو‪( :‬أ ُْملِي) بالبناء للمجهول على وجهيـن‪ :‬إما َّ‬


‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫و ُح ِملَ ْ‬
‫ت قراءة أبي‬
‫َ‬
‫اإلمًلء من الشيطـان‪ ،‬بمعنى‪َّ :‬‬
‫"مد لهم في األماني واآلمال‪ ،‬ومعنى ِّ‬
‫المد فيها‪:‬‬

‫بأن يوسوس لهم َّ‬


‫بأنكم تنالون في الدنيا‬ ‫توسيعها‪ ،‬وجعلها ممدودة بنفسها أو بزمـانها‪ْ ،‬‬

‫كذا وكذا ِم َّما ال أصل له‪ ،‬حتى يعوقهم عن العمل" ‪ ،‬أو يكون اإلمًلء من اهلل‪‬؛‬
‫(‪)1‬‬

‫ُّ‬
‫التوهم الحاصل من َّ‬
‫أن اإلمًلء للشيطان كونه جرى ذكره قبل هذا فقال‪:‬‬ ‫لُي ِز َ‬
‫يل‬

‫ُّ‬
‫التوهم‪،‬‬ ‫سول لهم)‪ ،‬ولم ِ‬
‫يجر هلل‪ ‬ذكر ُهنا؛ فجاءت هذه القراءة لتزيل هذا‬ ‫(الشيطان َّ‬

‫يؤيد هذا المعنى قوله‪ { :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬ ‫َّ‬


‫وبأن اإلمًلء من اهلل‪ِّ ،‬‬

‫ﮰ ﮱ ﯓ} [سورة الحج‪ ،]44 :‬قال في الحجة‪" :‬وبناء الفعل للمفعول حسن‬

‫(‪)2‬‬
‫يؤخر أحد َّ‬
‫مدة أحد‪ ،‬وال يوسِّع له فيها إال اهلل‪. "‬‬ ‫بأنه ال ِّ‬
‫في هذا الموضع؛ للعلم َّ‬

‫اغتر القوم–سواء أ ُِر َ‬


‫يد بهم اليهود‪ ،‬أم المنافقون على اختًلف تأويل‬ ‫َّ‬ ‫لقد‬

‫المفسرين لآلية ‪-‬بَِن َعِم اهلل‪ ‬عليهم من سهولة الرزق‪ ،‬وطول العمر‪ ،‬وتغادق النعم‪،‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ُّ‬
‫الحق‪ ،‬وآثروا الغواية على‬ ‫تدوا على أدبارهم كفَّ ًا‬
‫ار بعد ما َّ‬
‫تبين لهم‬ ‫فقابلوها بالعناد‪ ،‬وار ُّ‬

‫الرشاد‪ ،‬صورة هذا االغتـرار ناسبها التعبير بالمعلوم‪( :‬أ َْملَى) ِّ‬
‫ليبين–واهلل أعلم–تسهيل‬

‫النعم عليهم‪ ،‬و ِ‬


‫الحْلم عن المعاجلة ِّ‬
‫بالنقم‬ ‫أعمارِهم‪ ،‬واسباغ ِّ‬
‫ِ‬ ‫اإلمًلء منه‪ ‬لهم بإطالة‬

‫األلوسي‪ :‬روح المعاني‪ ،231/9 ،‬الجزء ‪13‬‬


‫ّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫الفارسي‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪196/6 ،‬‬
‫ّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫ي‪ ،‬جمال الدين عبد الرحمن (‪1984‬م)‪ :‬زاد المسير في‬
‫ي‪ :‬جامع البيان‪217/21 ،‬؛ ابن الجوز ّ‬
‫(‪ُ )3‬ينظَر‪ :‬الطبر ّ‬
‫علم التفسير‪ ،408/7 ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬المكتب اإلسًلمي‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫حتى اغتروا ‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ} [سورة القلم‪ ،]44 :‬كما َّ‬
‫أن‬

‫نسبة اإلمًلء إلى الشيطان كذلك ناسبت الحالة التي اختاروها ألنفسهم من ُّ‬
‫تنك ِب‬

‫طريق اإليمان‪ ،‬ولَهَثِ ِهم وراء الكفر‪ ،‬وقد كان الدافع للسير في هذا الطريق إغواء‬

‫صورته داللة القراءة (أ َْملَى)‪.‬‬


‫الشيطان لهم وتزيينه وخداعه‪ ،‬وهو الذي َّ‬

‫إمًلء ظاهر‬
‫ُ‬ ‫لقد كان في بناء الفعل للمعلوم وضوح لصورة ذلك اإلمًلء‪ ،‬فهو‬

‫ٍ‬
‫معاص‪ ،‬ظاهر كذلك في تسهيل اهلل‪ ‬لهم‬ ‫في تسويل الشيطان لهم فيما يقارفونه من‬

‫ُسُبل المعصيَّة وعدم معاجلتهم بالعقوبة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫اشتدادا في نبرة الخطاب‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫ولعل في (أ ُْملِ َي) بالمجهول َّ‬
‫َّ‬
‫أن الفعل ُبدئَ‬ ‫قوة و ً‬

‫ملخص بين الحرفين‪( :‬الهمزة‪ ،‬والياء)‪،‬‬ ‫وختِم بالياء‪َّ ،‬‬


‫وكأن مشهد اإلمًلء َّ‬ ‫بهمزة قطع‪ُ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ي ؛ َّ‬
‫لتدل بهذه‬ ‫ي انفجار ٌّ‬
‫فالهمزة حرف شديد مستثقل من أقصى الحلق‪ ،‬صامت حنجر ٌّ‬
‫(‪)3‬‬
‫قوته وقدرته‪ ،‬و َّأنه ال ُي ْع ِجزه شيء‪ ،‬وأما الياء فمجهورة رخوة منفتحة ‪،‬‬
‫الصفات على َّ‬

‫فيها من إثبات االختصاص والنسبة له‪ ‬ما ال يشاركه أحد في فعله‪ ،‬ما دام َّ‬
‫أن‬

‫أفعالهم مشاقَّة هلل‪ ‬وأوليائه‪" ،‬هذا المشهد ال يكاد يتحقَّق على الوجه األكمل إال في‬

‫البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪246/18 ،‬‬


‫ّ‬ ‫(‪ُ )1‬ينظَر‪:‬‬
‫اجحي‪ ،‬عبده (‪1996‬م)‪ :‬اللهجات العربية في القراءات‬
‫المفصل‪107/9 ،‬؛ الر ّ‬
‫َّ‬ ‫ظر‪ :‬ابن يعيش‪ :‬شرح‬ ‫(‪ُ )2‬ين َ‬
‫القرآنية‪ ،‬ص‪ ،95‬د‪ .‬ط‪ ،‬مصر‪ :‬دار المعرفة الجامعية؛ أنيس‪ ،‬إبراهيم (د‪.‬ت)‪ :‬األصوات اللغوية‪ ،‬ص‪ ،77‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫مصر‪ :‬مكتبة نهضة مصر‪.‬‬
‫ي‪ :‬محمد بن محمد بن علي (‪1985‬م)‪ :‬التمهيد في علم التجويد‪ ،‬ص‪ ،150‬تحقيق‪:‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظَر‪ :‬ابن الجزر ّ‬
‫البواب‪ ،‬علي‪ ،‬ط‪ ،1 .‬الرياض‪ :‬مكتبة المعارف‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫القرآن الكريم‪ ،‬الذي َّ‬


‫يتميز بتمام التًلؤم بين طبيعة المواقف واألغراض وبين التعبير‬

‫عنها‪ ،‬فحيث الوعيد والتهديد نجد البناء التعبيري قويًّا بجملته وتفاصيله‪ ،‬فنجد‬

‫األصوات زاجرة َز ْجر ما تحمله من معاني‪َّ ،‬‬


‫فالشكل والمضمون وحدة متَّفقة ِّ‬
‫السمات‬
‫(‪)1‬‬
‫والخصائص" ‪ ،‬أسهمت هذه الصورة من التغيُّر في إطالة مشهد الحدث والتَّسريع من‬

‫وتيرته‪ ،‬تبيَّن ذلك في صورة االنتقال من بِنية إلى بِنية‪ ،‬كما َّ‬
‫ركزت في معانيها على‬

‫مآالت الحدث ونتائجه‪.‬‬

‫ولقد أحدثت صورة ُّ‬


‫التغير في بنية الفعل من المعلوم‪( :‬أ َْملَى) إلى المجهول‪:‬‬

‫مشهدا من التهديد والوعيد المتمثِّل في إطالة أمد استرخائهم واسترسالهم مع‬


‫ً‬ ‫(أ ُْملِ َي)‬

‫(سول) قبل فعل اإلمًلء‪،‬‬


‫البياني هنا مجيء َّ‬
‫ّ‬ ‫أمانيِّهم وشهواتهم‪ ،‬ومن جميل التناسب‬

‫"سول لهم‪ ،‬أي‪ :‬سهَّل لهم اقتراف الكبائر‪ ،‬من السؤال وهو‪ :‬االسترخاء‪،‬‬
‫قال المظهري‪َّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫جو‬ ‫وقيل حملهم على الشهوات‪ ،‬ومن السَّول وهو‪ِّ :‬‬
‫التمني" ‪ ،‬وفي كليهما تأكيد على ّ‬

‫الغفلة الذي يعيشونه‪ ،‬والتسويل واإلمًلء وجهان إلطالة َّ‬


‫المدة‪ ،‬وفي هذه اإلطالة إيذان‬

‫بشدة األخذ بعد االستدراج‪ ،‬كما قال‪ { :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮥ ﮦ ﮧ}‬

‫[سورة آل عمران‪.]178 :‬‬

‫الدقِّي‪ :‬شركة الرسالة‪.‬‬


‫(‪ )1‬شادي‪ ،‬محمد إبراهيم (‪1988‬م)‪ :‬البًلغة الصوتية في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪ ،65‬ط‪ُّ ،1‬‬

‫ي‪ ،‬محمد ثناء اهلل (‪1412‬هـ)‪ :‬التفسير المظهري‪ ،435/8 ،‬تحقيق‪ :‬التونسي‪ ،‬غًلم نبي‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫(‪ )2‬المظهر ّ‬
‫الباكستان‪ :‬مكتبة الرشدية‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫صورت القراءتان تلك الفترة من الغفلة واالسترخاء واألماني التي حملها‬


‫هكذا َّ‬

‫ِ‬
‫(أ َْملَى)‪ ،‬فطُبِع على قلوبهم‪ ،‬و(أ ُْمل َي) لهم استدر ً‬
‫اجا‪ ،‬حتى فجأهم مكره‪ ،‬وحاق بهم‬

‫العذاب جزاء وفاقًا‪ ،‬إَِّنهم يتخبَّطون في درجات التِّ ِ‬


‫يه ودركات الضًللة ال يلتمسون‬ ‫ً‬

‫باطلِ ِهم غافلون‪ ،‬لقد َّ‬


‫صورت القراءتان‬ ‫سادرون‪ ،‬ومع ِ‬
‫غي ِهم ِ‬
‫نورا‪ ،‬فهم في ِّ‬
‫هدى وال ً‬

‫مشهدان يمثًلن كيف يعاقب اهلل‪ ‬أقواما بالطبع على قلوبهم واستدراجهم لِ َي ِح َّ‬
‫ق بهم‬

‫العذاب ويحل عليهم غضب اهلل وسخطه جزاء وفاقا‪.‬‬

‫ال يخفى ما في (أُ ْملِ ْي) من المهابة حيث َّ‬


‫صرح بإسناد اإلمًلء لذاته َّ‬
‫العلية‪،‬‬

‫تجدد لفظ المضارع من ُّ‬


‫تجدد ذلك في كل زمان ومكان‪ ،‬حتى ال يأمن‬ ‫وما ُّ‬
‫يدل عليه ُّ‬

‫أحد مكره‪ ،‬وكذلك ما في (أُملِي) من اإلبهام الذي يجعل النفس َّ‬


‫تتفكر فيه‪ ،‬وتذهب‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫كل مذهب حيث أُْب ِه َم فـاعلُه‪ ،‬ومثلهما (أَ ْملَى) التي أفادت تسهيل اإلمًلء لهم ِّ‬
‫بالمد في‬

‫اجا‪.‬‬
‫األعمار واألرزاق استدر ً‬

‫بقي أن يشير الباحث َّأال َّ‬


‫ثمة تعارض بين القراءات الواردة في هذه اآلية‪،‬‬

‫جميعا‪-‬هلل‪ ‬فقد‬
‫ً‬ ‫فإن قلنا‪ :‬إ َّن اإلمًلء‪-‬فيها‬
‫ظهَر بصورة متناسقة‪ْ ،‬‬
‫فالمعاني جميعها تَ ْ‬

‫اتَّفقت المعاني واختلفت األلفاظ‪ ،‬وا ْن قلنـا‪ّ :‬‬


‫إن اإلمًلء للشيطان؛ فتكون (أَ ْملَى) قد‬

‫وطول لهم في األمل‪ ،‬وتكون (أُ ْملِي) قد أفادت‪ :‬أن اهلل‪َّ ‬‬
‫مد لهم في‬ ‫أفادت َّأنه وعدهم َّ‬

‫‪108‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫بعضا‪ ،‬تَُن َّزل‬


‫ً‬ ‫العمر ولم يعاجلهم العقوبة‪ ،‬وعليه فالمعاني كلُّها صحيحة ِّ‬
‫يكمل بعضها‬
‫(‪)1‬‬
‫فيها كل قراءة منزلة آية ليظهر أثرها وجمالها ‪.‬‬

‫قد تبدو هذه الصورة من التغيُّر منذ الوهلة األولى َّأنها ال تعدو أن تكون‬

‫احدا‪ ،‬لكن ما‬ ‫مجرد ٍ‬


‫شكل من أشكال التغيُّر اللفظي بين القراءات‪ ،‬التي تحمل مدلوًال و ً‬ ‫َّ‬

‫المتأمل فيها الفكر ويتذوقها‪ ،‬حتى تتفجَّر أمام عينيه العديد من الدالالت التي‬
‫ِّ‬ ‫أن ُي ْن ِعم‬
‫ْ‬

‫احدا‪،‬‬
‫جرما و ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫معاني متفرقة ال تتسم بالتناقض وال بالتعارض‪ ،‬بل "تبدو في العين ً‬
‫َ‬ ‫تحمل‬

‫َّ‬
‫لكنها عندما تجري على اللسان‪ ،‬وتقع على السمع‪ ،‬تتفجَّر منها أشتات من المعاني‬

‫مما يجعل السامع يلتقط منها ما يناسب المقام‪،‬‬


‫السامية‪ ،‬وأنواع من اإلشارات اللطيفة‪َّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ويتًلءم مع األفهام" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬لًلستزادة‪ :‬الجيلي‪ ،‬علي أحمد(‪2008‬م)‪ :‬اختًلف القراءات من صيغة الماضي إلى غيرها حكمته وداللته‪،‬‬
‫ص‪ ،142‬مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية‪ ،‬العدد(‪ )1‬المجلد(‪.)5‬‬
‫(‪ )2‬الشين‪ ،‬عبد الفتاح(‪1983‬م)‪ :‬من أسرار التعبير في القرآن صفاء الكلمة‪ ،‬ص‪ ،120‬د‪ .‬ط‪ ،‬الرياض‪ :‬دار‬
‫المريخ‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫‪ -‬تبيَّن‪-‬تُبُيِّن‪َ :‬‬

‫قال‪{ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬

‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ} [سورة سبأ‪ .]14 :‬ق أر‬

‫الجمهور (تََبي ََّنت) على البناء للمعلوم بفتح التاء والباء والياء‪ ،‬وق أر يعقوب (تُُبي َِّنت)‬
‫(‪)1‬‬
‫بضم التاء والباء وكسر الياء مع البناء للمجهول ‪.‬‬

‫لما قضى عليه الموت لم‬


‫تحكي اآليات مشهد موت سليمان‪ ،‬فإن اهلل‪َّ ‬‬

‫شيئا‪ ،‬وال كيف مات‪ ،‬لحكمة أرادها‪‬‬


‫الجن وال من اإلنس عن موته ً‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫يدر أحد من‬

‫وأجراها على طلب من سليمان‪ ،‬فإنه "قد سأل اهلل أال يعلموا بموته حتى مضى‬

‫عليه سنة" ‪ ،‬وقد تولَّت صور التغير بين المعلوم والمجهول َ‬


‫(‪)2‬‬
‫نقل الحكمة من هذا‬

‫الطلب‪َّ ،‬‬
‫وبي َنتا مراد سيدنا سليمان‪ ،‬هذا ما سيناقشه الباحث في ضوء التغير الذي‬

‫حدث للفعل (تبيَّن) مع هاتين القراءتين تارة بالبناء للمعلوم وتارة بالبناء للمجهول‪.‬‬

‫الهذلي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬األزهري‪ :‬معاني القراءات‪291/2 ،‬؛ ابن مهران‪ :‬المبسوط في القراءات العشر‪ ،‬ص‪361‬؛‬
‫الكامل في القراءات العشر‪ ،‬ص‪622‬‬
‫(‪ )2‬الماوردي‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد(د‪.‬ت)‪ :‬النكت والعيون‪ ،441/4 ،‬تحقيق‪ :‬عبد المقصود‪ ،‬السيد‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫إما أن يكون من (تبيَّن)‬
‫َح َمل العلماء قراءة المعلوم (تََبيَّنت) على وجهين ‪َّ :‬‬

‫(الجن) فاعل‪ ،‬و(أَ ْن) وما بعدها بدل اشتمال من الجن‪،‬‬


‫الًلزم‪ ،‬أي‪( :‬بان) و(ظهر)‪ ،‬و ّ‬

‫الجن) بمعنى‪ :‬تبيَّنت ُّ‬


‫الجن‬ ‫كقولك‪ :‬تبيَّن زيد جهلُه‪ ،‬أي ظهر جهل زيد‪ ،‬ويكون (تََبيَّنت ُّ‬

‫أمر ِّ‬
‫الجن‬ ‫الجن وكذبهم‪ ،‬وقد يقدر محذوف على معنى‪ :‬ظهر ُ‬
‫جهلُهم‪ ،‬أي ظهر جهل ّ‬

‫الجن علم الغيب و َّ‬


‫أن ما ّادعوه من ذلك ليس‬ ‫ِّ‬ ‫للناس‪ ،‬والمعنى‪ :‬ظهر للناس جهل‬

‫بصحيح‪ ،‬أو أن يكون من (تبيَّن) المتعدي‪ ،‬بمعنى علم وأدرك‪ ،‬ويتجه إلى َخ َد َم ِة ِّ‬
‫الجن‬

‫وض َعفَتُهم أَ ْن لو كانوا‪ :‬أي رؤساؤهم‬ ‫ِّ‬


‫الجن َ‬ ‫وض َعفَتِ ِه ْم‪ ،‬والمعنى‪ :‬علم وأدرك َخ َد ُم‬
‫َ‬

‫وكبراؤهم يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين‪( ،‬وأن لو كانوا)‪ :‬مفعول به‪.‬‬

‫إما أن يكون من‬


‫كذلك الحال مع قراءة المبني للمجهول (تُُبي َِّنت)‪ ،‬فالفعل فيها َّ‬

‫ِّن عدم‬
‫ِّن أمرهم أنهم ال يعلمون الغيب‪ ،‬أو تُُبي َ‬ ‫ُّ‬
‫الجن للناس‪ ،‬أي تُُبي َ‬ ‫الًلزم أي‪ :‬تُُبِّينت‬

‫علمهم بالغيب‪ ،‬و(أَ ْن لَ ْو) بدل اشتمال من الجن على كلتا القراءتين‪ ،‬أو أن يكون من‬

‫اإلنس َّ‬
‫الجن‪ ،‬والفاعل لم ُيصرح به على هذه القراءة‪ ،‬وهو يتجه‬ ‫ُ‬ ‫المتعدي‪ ،‬أي‪ :‬أُ ْعِل َم ِت‬
‫ّ‬

‫إلى الناس‪ ،‬يدل على ذلك قراءة البن عباس وغيره‪" :‬فلما ّخر تََبيَّ َنت اإلنس أن َّ‬
‫الجن‬
‫(‪)2‬‬
‫لو كانوا يعلمون الغيب"‪ ،‬وهي موافقة لمعنى قراءة يعقوب ‪ ،‬والمعنى على هذه القراءة‬

‫أن الجن تبيَّن أمرهم للناس‪ ،‬وأنهم كانوا ِ‬


‫يكذبونهم‪ ،‬وأنهم ال يعلمون الغيب‪ ،‬ولو كانوا‬

‫يعلمون الغيب لعلموا بموت سليمان‪."‬‬

‫(‪ )1‬البغوي‪ :‬معالم التنزيل‪392/6،‬؛ الزمخشري‪ :‬الكشاف‪573/3 ،‬؛ أبو حيان‪ ،‬محمد بن يوسف(‪1420‬هـ)‪:‬‬
‫البحر المحيط في التفسير‪ ،532/8 ،‬تحقيق‪ :‬جميل‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬صدقي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬أبو حيان‪ :‬البحر المحيط‪532/8 ،‬‬
‫‪111‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫صور من‬
‫ًا‬ ‫إن إعمال السِّياق في بحث أسرار هذا التغُّير يكشف للباحث‬

‫َّ‬
‫الدالالت التي ال يمكن أن تنفرد بها قراءة دون أختها‪ ،‬بل إنهما مثل عملة ذهبية ذات‬

‫تكمل إحداهما األخرى‪ ،‬وهلل المثل األعلى وله الوصف األسمى‪ ،‬وا َّن َج ْعل‬
‫وجهين ِّ‬

‫الداللة والمعنى‪ ،‬أو القول باستواء المعنيين فيهما‪،‬‬ ‫قو ٍ‬


‫احد من حيث َّ‬ ‫القراءتين في خند ٍ‬

‫منهج ال ير ِ‬
‫تضيه الباحث‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أن قراءة المجهول أ ُّ‬
‫دل على المعنى من قراءة المعلوم‬ ‫أو َّ‬

‫وال تدعمه دالئل السياق القرآني لهاتين القراءتين‪.‬‬

‫عمى اهلل´ ذلك عن‬


‫مقصد اآليات هو بيان هيئة موت سليمان‪ ،‬وكيف ّ‬

‫ِّ‬
‫الجن المسخرين له في األعمال الشاقة‪ ،‬وفي ضوء هذا المقصد ينبغي للباحث فهم‬

‫صور التغير الحاصلة بين القراءتين‪.‬‬

‫مجيء الفعل (تََبيَّن) على هاتين الصورتين من ُّ‬


‫التغير تنسف كل معتقد‬ ‫َ‬ ‫إن‬

‫إنسا أم ِجًّنا‪" ،‬وقد كان الناس يرون أن‬ ‫باطل ينسب علم الغيب ِّ ٍ‬
‫ألي أحد كان ً‬

‫الشياطين تعلم السر يكون بين اثنين‪ ،‬فلما ّخر سليمان‪ ‬تبيَّن أمر الجن لإلنس أنهم‬
‫(‪)2‬‬
‫يعزز لدى الباحث‬
‫ال يعلمون الغيب‪ ،‬ولو علموه ما عملوا بين يديه وهو ميت" ‪ ،‬ومما ّ‬

‫ق ِعْل َمه بالغيب الذي اختص اهلل‪ ‬بعلمه‪ِ ،‬ع َّدة‬


‫أنه أراد أن ينفي عن كل مخلو ٍ‬

‫ٍ‬
‫دالالت منها‪:‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬سيكو‪ ،‬كوليبالي(‪1423‬هـ)‪ :‬طبيعة االختًلف بين القراء العشرة وبيان ما انفرد بقراءته كل منهم من‬
‫خًلل إعراب القرآن وتفسيره‪ ،‬ص‪ ،367‬ساحل العاج‪( ،‬ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفراء‪ :‬معاني القرآن‪357 /2 ،‬‬
‫‪112‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫الجن بالغيب وهم مح ُّل االعتقاد الباطل لدى كثير من‬


‫ّ‬ ‫َّ‬
‫أن اهلل´ ّبين جهل‬

‫الناس‪ ،‬هذا ما أفصحت عنه قراءة المعلوم (تََبيَّن) بجعل الفعل معها ِ‬
‫الزًما‪ ،‬قال‬

‫الجن تُخبِر اإلنس أنهم يعلمون الغيب‪ ،‬فلما مات سليمان‬


‫ّ‬ ‫َّ‬
‫النحَّاس‪" :‬قال قتادة كانت‬
‫(‪)1‬‬
‫الجن لإلنس أنهم ال يعلمون الغيب" ‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫الجن‪ ،‬بيَّنت‬ ‫ولم تعلم به‬

‫مرد االعتقاد الباطل ال إلى جهل الجن بعلم الغيب‪ ،‬وانما لدعاويهم‬
‫جهلهم‪ ،‬وان كان ّ‬

‫وكذبهم فقد قطعت قراءة المعلوم (تََبيَّن) بجعل الفعل معها متعديًّا هذا المعنى ً‬
‫أيضا‪،‬‬

‫الجن تتََبَّي ُن‬


‫الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫قال َّ‬
‫الزجَّاج‪" :‬ويجوز أن يكون تََب ّينت‬

‫أنها ال تعلم الغيب‪ ،‬فكانت توهم أنها تعلم الغيب فتَبيَّنت أنه قد بان للناس أنها ال‬
‫(‪)2‬‬
‫تعلم" ‪.‬‬

‫ض َعفَ ِة‬
‫لقد قطعت القراءة بالمعلوم شكل هذا االدعاء بوجه آخر هو كون َ‬

‫وخ َد ِم ِهم ال يعلمون ِعْلم كبرائهم ورؤسائهم للغيب‪ ،‬وفي هذا هدم لمبدأ الثقة‬
‫الجن َ‬
‫ّ‬

‫والشراكة الذي قام بين الفريقين‪ ،‬فلو علِم ضعفاء الجن أن كبراءهم ورؤساءهم ال‬

‫يعلمون الغيب ما لبثوا في األعمال الشاقة والعذاب المهين‪ ،‬وان خفي هذا األمر على‬

‫قطعا ليس يخفى على كبرائهم‪ ،‬فهم يعلمون أنهم ال يعلمون‬


‫ً‬ ‫ضعفاء الجن؛ فإنه‬

‫"علِم‬ ‫ُّ‬
‫التهكم بهم‪ ،‬قال الزمخشري‪َ :‬‬ ‫آني جاء على صيغة‬
‫الغيب‪ ،‬إال أن التعبير القر ّ‬
‫عجزهم وأنهم ال يعلمون الغيب‪ ،‬وا ْن كانوا عالِمين قبل ذلك‬
‫علم الغيب منهم َ‬
‫المدعون َ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬النحاس‪ :‬إعراب القرآن‪231/3 ،‬‬


‫(‪َّ )2‬‬
‫الزَّجاج‪ ،‬أبو إسحاق(‪1988‬م)‪ :‬معاني القرآن واعرابه‪ ،247/4 ،‬تحقيق‪ :‬شلبي‪ ،‬عبد الجليل‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪:‬‬
‫عالم الكتب‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫بمدعي الباطل إذا دحضت ُح ّجته وظهر‬


‫يد التهكم بهم‪ ،‬كما تتهكم ّ‬
‫بحالهم‪ ،‬وانما أُر َ‬
‫(‪)1‬‬
‫تبينت أنك ُمبطل؟ وأنت تعلم أنه لم يزل كذلك متََبِّيًنا" ‪.‬‬
‫إبطاله بقولك‪ :‬هل ّ‬

‫جيب عنه‪ ،‬إذ يقول‪" :‬فإن‬ ‫ِ‬


‫ويرد على هذا المعنى إشكال يورده السمعاني ثم ُي ُ‬
‫قيل‪ :‬كيف يشتبه على أحد أنه يعلم الغيب‪ ،‬أو ال يعلم؟! وان ِ‬
‫خف َي عليه أمر غيره‪،‬‬

‫الجن َّأنهم‬
‫صوروا لضعفاء ِّ‬ ‫فًل يخفى عليه أمر نفسه؟! والجواب‪َّ :‬‬
‫أن مردة الجن كانوا َّ‬

‫يعلمون الغيب‪ ،‬وكان يقع بعض االتِّفاقات فكانوا يظنُّون أنهم يعلمون الغيب؛ لغلبة‬
‫(‪)2‬‬
‫يصورون للناس إال ما رأوه ُهم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الجهل" ‪ ،‬قلت‪ :‬وهذا دأب أهل الباطل والظلمة ال‬

‫ُّ‬
‫ودوا لو طمسوا عين الحقيقة بحجاب‪ ،‬أو سلبوا عن عقول أتباعهم الصواب‪.‬‬

‫تركيز في قراءة المعلوم على َمح ّل المعتقد‪-‬وهم‬ ‫ِّ‬


‫يقدر الباحث‪-‬واهلل أعلم‪ً -‬ا‬

‫الجن‪-‬فقد نفت القراءة العلم عنهم تارة ببيان جهلهم‪ ،‬وتارة ببيان كذبهم‪ ،‬وتارة بالتفريق‬
‫ّ‬

‫بين أصنافهم في العلم والجهل بعلم الغيب الذي اختص اهلل´ بعلمه‪.‬‬

‫تركيز على المعتقد ذاته‪ ،‬وهي تتوجه‬


‫ًا‬ ‫أما قراءة المجهول فيرى الباحث فيها‬

‫بدرجة أساس إلى الناس وهم وا ْن غابوا لفظًا ببناء الفعل للمجهول؛ إال أ َّن الحضور‬

‫وتعدًيا‪:‬‬
‫لزوما ّ‬
‫ِّن) ً‬
‫وقوي‪ ،‬فالتقدير على كًل التوجيهين للفعل‪( :‬تُُبي َ‬
‫ٌّ‬ ‫المعنوي لهم واضح‬
‫ّ‬

‫ظ ِهر هذا الحضور الذي عناهُ الباحث‪ ،‬وبه‬ ‫ِ‬


‫للناس‪ُ ،‬ي ْ‬ ‫الجن‪ ،‬أو تُُبِّينت ُّ‬
‫الجن‬ ‫الناس َّ‬
‫تُُبِّين ُ‬

‫(‪ )1‬الكشاف‪574/3 ،‬‬


‫السمعاني‪ ،‬أبو الظفَّر منصور(‪1997‬م)‪ :‬تفسير القرآن‪ ،322/4 ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم‪ ،‬ياسر‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪:‬‬
‫(‪ّ )2‬‬
‫دار الوطن‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫لجن) أي‪ :‬تََبَّي َنتْهَا‬


‫قال ابن عطية‪" :‬وقراءة يعقوب على بناء الفعل للمفعول‪( :‬تُُبِّينت ا ُّ‬

‫(‪)1‬‬
‫الناس" ‪.‬‬

‫عزز هذا التواجد ما أشار إليه الباحث في قراءة ابن عباس‪ ،‬وهي وان كانت‬
‫ُي ّ‬

‫أن َّ‬
‫الجن‬ ‫اإلنس َّ‬
‫ُ‬ ‫خر تُُبِّينت‬
‫لما َّ‬
‫وتقويه حيث ق أر‪َ ( :‬ف َّ‬
‫عزز من هذا المعنى ّ‬
‫شاذة إال أنها تُ ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثُوا حوًال في العذاب المهين) ‪ ،‬وهي قراءة تفسيرية شا ّذة‬

‫ال تنطبق عليها مواصفات القراءات المتواترة الثابتة عن رسول اهلل‪ ،‬لكنها ِم َّما‬

‫ُيستأنس بها في بيان المعنى‪.‬‬

‫لقد تكاملت القراءتان في إبطال ما يعتقده المشركون أن الجن يعلمون الغيب‪،‬‬

‫فلو كانوا يعلمون الغيب؛ لعلموا وفاة نبي اهلل سليمان’‪ ،‬كما وجهت القراءتان‬

‫جهًل‪ ،‬وأحسن‬
‫كذبا أو ً‬
‫يدعونه من علم الغيب‪ ،‬فدعواهم إما أن تكون ً‬
‫بـإبطال ما كانوا ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫بيانا ال يقدرون على إنكاره ‪.‬‬
‫تبين اآلن جهلهم ً‬
‫جهًل منهم‪ ،‬مع ذلك ّ‬
‫األحوال أن تكون ً‬

‫كما حملت القراءتان رسائل تربوية للمجتمع المسلم مفادها عدم االنجرار وراء‬

‫الخرافات والدعاوى الباطلة من غير دليل واضح عندهم فيه من اهلل¸ برهان‪.‬‬

‫(‪ )1‬المحرر الوجيز‪412/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن جني‪ :‬المحتسب‪188/2 ،‬‬
‫الدرر‪ُ ،471/15 ،‬ينظر كذلك‪ :‬خليل‪ ،‬سامي(‪2009‬م)‪ :‬تفسير القرآن بالقراءات‬
‫(‪ُ )3‬ينظر بتصرف‪ :‬نظم ُ‬
‫العشر من خًلل سور سبأ وفاطر ويس والصافات وص‪ ،‬ص‪ ،57‬غزة‪ :‬الجامعة اإلسًلمية (ماجستير)؛ بازمول‪،‬‬
‫محمد(‪1412‬هـ)‪ :‬القراءات وأثرها في التفسير واألحكام‪ ،367/1 ،‬مكة المكرمة‪ :‬جامعة أم القرى (دكتوراة)‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫‪ -‬قَاتَلَ‪-‬قُتِلَ‪َ :‬‬

‫اختلف القراء في الفعل (قَاتَل) في قوله¸‪{ :‬ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ‬

‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯡ ﯢ ﯣ} [سورة آل عمران‪:‬‬

‫(فاع َل) مبنيًّا‬


‫‪ ،]146‬فق أر عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (قاتَل) باأللف على وزن َ‬

‫عمرو (قُتِل) بدون ألف على البناء للمجهول ‪.‬‬


‫(‪)1‬‬
‫للمعلوم‪ ،‬وق أر ابن كثير ونافع وأبو ٍ‬

‫اآليات في سياق عتاب اهلل¸ لصحابة نبيه‘ حين انهزموا عنه يوم أحد‬

‫محمدا قد قُتِل"‪ ،‬وقد جاءت القراءتان ِّ‬


‫تصوران مشهدين من‬ ‫ً‬ ‫وصاح الشيطان حينها‪َّ :‬‬
‫"إن‬

‫باني لما بعد الهزيمة‪ ،‬حيث حملت‬


‫مشاهد هذا العتاب‪ ،‬وترسمان مًلمح التوجيه الر ّ‬
‫تممتها قراءة المبني للمجهول بوجه آخر من‬
‫قراءة المبني للمعلوم وجهًا من العتاب‪ ،‬و َّ‬

‫العتاب‪ُ ،‬يبِ ُ‬
‫ين الباحث طرفا منها بما يفتح اهلل¸ به عليه وهو الفتَّاح العليم‪.‬‬

‫ٍ‬
‫تساؤل‬ ‫إن جواب االستشكال عن أوجه الخًلف بين القراءتين إنما ُّ‬
‫رده إلى‬ ‫َّ‬

‫مفاده‪ :‬بم ارتفع (ربِّيُّون) في اآلية؟ يجيب عنه أئمة النحو واللغة بأن الرفع ظاهر مع‬

‫للرِّبِّيين ورفعهم به‪ِ ،‬إذ الحديث عنهم‪ ،‬واختار‬


‫بناء الفعل للمعلوم‪ ،‬ذلك أنه جعل الفعل ِّ‬

‫أعم عنده من (قُتِل)؛ ألن اهلل¸ إذا َح ِمد‬ ‫أبو عبيد العموم مع (قاتَل) بالمعلوم‪َّ ،‬‬
‫فإنهُ ُّ‬

‫(‪ )1‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪ ،217‬محسين‪ ،‬محمد(‪1415‬هـ)‪ :‬الفتح الرباني في عًلقة القراءات‬
‫بالرسم العثماني‪ ،‬ص‪ ،158‬د‪.‬ط‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الملك فهد الوطنية‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫من قاتَل كان من قُتِل داخًل فيه‪ ،‬واذا َح ِمد من قُتِل خاصة لم يدخل فيه غيرهم ‪ ،‬وال‬
‫(‪)1‬‬

‫تدعم صور التغاير بين القراءتين القول بعموم المعلوم على المجهول‪ ،‬فقد سيقت كل‬

‫ٍ‬
‫معين كما سيأتي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫معين في سياق‬ ‫ٍ‬
‫لمقصود‬ ‫قراءة‬

‫مع (قُتِل) أن يكون‬


‫(‪)2‬‬
‫مسندا إلى ضمير‬
‫ً‬ ‫الفارسي وغيره‬
‫ّ‬ ‫وجوز أبو علي‬
‫َّ‬

‫(نبي)؛ ألن الضمير في هذه اآلية كالضمير في قوله¸‪" :‬أفئِن َمات أو قُتِ َل"‪ ،‬وُيفهم‬
‫ٍّ‬

‫من كًلمه جواز وقوع القتل على األنبياء‪ ،‬و(ربِّيُّون) على هذا مبتدأ‪ ،‬و(معه) خبر‪،‬‬

‫(م َعه‬ ‫ِ‬ ‫كأنه قال‪ :‬قُتِل ومعه ربِّيُّون‪ ،‬واذا أُسنِد (قُتِل) إلى ضمير‬
‫(نبي) احتُمل قوله‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫ِ ُّ‬
‫رِّبيون) أحد أمرين‪ :‬إما أن يكون صفة لـ ( ّ‬
‫نبي)‪ ،‬ويرتفع (ربِّيُّون) بالظرف‪ ،‬أو أن يكون‬

‫حاال من الضمير الذي في (قُتِل) على معنى‪ :‬قُتِل ذلك النبي ومعه ربِّيُّون‪ ،‬ويجوز أن‬
‫ً‬

‫سند (قُتِل) إلى (ربِّيُّون) ويكون قوله (معه) ُمعلّقًا بـ (قُتِل)‪ ،‬وعلى القولين اآلخرين‬
‫ُي َ‬

‫اللذين هما‪ :‬الصفة والحال‪ ،‬متعلّقًا في األصل بمحذوف‪.‬‬

‫وخًلصة القول هي َّأنه مع (قُتِ َل) يكون المعنى متَّ ِجهًا لثًلثة ٍ‬
‫(‪)3‬‬
‫معان‪ :‬األول‪:‬‬

‫بي وحده‪ ،‬ويكون تمام القراءة عند (قُتِ َل)‪ ،‬ويكون في اآلية‬
‫اقعا على النَّ ِّ‬
‫أن يكون القتل و ً‬

‫(‪ )1‬نقله عنه الثعلبي‪ ،‬أبو إسحاق أحمد(‪2002‬م)‪ :‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن‪ ،181/3 ،‬تحقيق‪ :‬ابن‬
‫عاشور‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫األصبهاني‪ ،‬أبو القاسم الملقب بقوام السنة(‪1995‬م)‪ :‬إعراب‬
‫ّ‬ ‫وينظر‪:‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪83/3 ،‬؛ ُ‬
‫ي‪ :‬التبيان‬
‫القرآن لألصبهاني‪ ،‬ص‪ ،83‬تحقيق‪ :‬المؤيد‪ ،‬فائزة‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬مكتبة الملك فهد الوطنية؛ العكبر ّ‬
‫في إعراب القرآن‪ ،299/1 ،‬المجاشعي‪ ،‬علي(‪2007‬م)‪ :‬النكت في القرآن‪ ،‬ص‪ ،206‬تحقيق‪ :‬الطويل‪ ،‬عبد اهلل‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬مصر‪ :‬دار البدر‪.‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬الثعلبي‪ :‬الكشف والبيان‪181/3 ،‬‬
‫‪117‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫بي ومعه من‬ ‫إضمار معناه‪ :‬ومعه ربِّيُّون كثير‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يكون القتل نال َّ‬
‫الن َّ‬

‫الربِّيِّين‪ ،‬ويكون وجه الكًلم‪ :‬قُتِ َل بعض من كان معه‪ ،‬والثالث‪ :‬أن يكون القتل ِّ‬
‫للربِّيِّن‬ ‫ِّ‬

‫قندي الخًلف في القراءتين إلى معنى واحد‪ ،‬فمن ق أر (قاتَل) فمعناه‪:‬‬


‫فقط‪ ،‬وأرجع السمر ّ‬

‫نبي قُتِل معه‬


‫نبي قاتل معه جموع كثيرة‪ ،‬ومن ق أر (قُتِ َل) فمعناه‪ :‬كم من ٍّ‬
‫كم من ّ‬
‫ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫جماعة كثيرة ‪ ،‬ويظهر‪-‬واهلل أعلم‪-‬أن هناك خًلفًا بين القراءتين فًل ُيؤوالن إلى معنى‬

‫ٍ‬
‫لبعض‪" ،‬ومتى كان اللفظ‬ ‫متم َمتَين‬
‫الختاميتان للقراءتين ِّ‬
‫ّ‬ ‫الصورتان‬
‫واحد‪ ،‬وان كانت ّ‬

‫يتضمن من المعنى‬
‫َّ‬ ‫على وزن من األوزان ثم نقل إلى وزن آخر أعلى منه فًل َّ‬
‫بد أن‬

‫أكثر ِم َّما‬
‫(‪)2‬‬
‫تضمنه َّأوًال" ‪.‬‬
‫َّ‬

‫مستوجًبا في نظر الناس؛ جاءت قراءة‬


‫َ‬ ‫الزما‬
‫المدح في حق المقتول ً‬
‫ُ‬ ‫لما كان‬

‫الظن‪ ،‬أو يتوهم بأنه خارج عن‬


‫ّ‬ ‫لئًل يغلب‬
‫(قاتَل) بمدح ال ُمقاتل كما مدحت المقتول ّ‬

‫هذا االصطفاء والمدح‪ ،‬فمن أصيب في سبيل اهلل¸ ونال الشهادة‪ ،‬فقد فاز‪ ،‬ومن بقي‬

‫َّ‬
‫ولكن اهلل استبقاه‪ ،‬وقد ألمح‬ ‫يصا على نصرة دينه¸‪،‬‬
‫على قيد الحياة فقد كان حر ً‬

‫الفارسي إلى شيء من ذلك واستدل عليه بمنهج القرآن في قوله¸‪ { :‬ﭫ ﭬ‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ } [سورة آل عمران‪. ]195 :‬‬

‫معوض‪ ،‬علي وآخرون‪ ،‬ط‪،1‬‬


‫قندي‪ ،‬نصر بن أحمد(‪1993‬م)‪ :‬بحر العلوم‪ ،255/1 ،‬تحقيق‪ّ :‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬السمر ّ‬
‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬الزركشي‪ ،‬بدر الدين(‪2003‬م)‪ :‬البرهان في علوم القرآن‪ ،34/3 ،‬تحقيق‪ :‬أبو الفضل‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫السعودية‪ :‬دار عالم الكتب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪84/3 ،‬‬
‫‪118‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫وجرى تفضيل المعلوم (قاتَ َل) على المجهول (قُتِ َل) عند البعض بحجة أن‬

‫(قاتَل) أبلغ في مدح الجميع من (قُتِل)؛ ألن اهلل¸ إذا مدح من قُتِل خاصة دون من‬

‫أعم للجميع من َم ْدح من قُتِل دون‬


‫فم ْد ُح من قاتل ُّ‬
‫قاتَل لم يدخل في المديح غيرهم‪َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫من قاتَل؛ ألن الجميع داخلون في الفضل وان كانوا متفاضلين ‪ ،‬و َّ‬
‫رده ابن عطية‬

‫بقوله‪" :‬ويتصور في ق ارءة من ق أر (قاتَل) جميع ما ذكره من التقديرات في قراءة‬

‫(قُتِل)" ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ي قراءة من ق أر بضم القاف (قُتِ َل) أولى القراءتين بالصواب ‪ ،‬وال‬


‫(‪)3‬‬
‫ورأى الطبر ّ‬

‫أن القراءتين أوردتا مدح ال ُمقاتل والمقتول‬


‫يرى الباحث لهذا التفضيل وجها‪ ،‬إذ ّ‬

‫فاضل بين‬
‫تضى عند أئمة القراءة واللغة والبيان أال ت ُ‬
‫بصورتين متغايرتين‪ ،‬والمنهج المر َ‬
‫القراءات وال تعارض بينها؛ ِألَّنها ٌّ‬
‫كل من عند اهلل¸‪ ،‬وربما قام في ذهن من ق أر أو‬ ‫ُ‬
‫الروَّية والبحث‪ ،‬والم ِ‬
‫عمل ألساليب‬ ‫سمع أن قراءةً أبلغ من أخرى إال أن المدقق بعين ِ‬
‫ُ‬

‫إعماال يجمع فيه ما تشتَّت‪ ،‬ويفحص فيه ما د َّ‬


‫ق ولطف‪ ،‬يظهر له‬ ‫ً‬ ‫اللغة والبيان‬

‫جميعا‬ ‫ٍ‬
‫اختًلف في المعنى سببه اختًلف القراءات‪ ،‬لكنها تنتظم‬ ‫مًلمح دقيقة من‬
‫ً‬

‫باني الذي ُسبِك ْ‬


‫ت به آيات القرآن الكريم‪ ،‬وال‬ ‫لتشكل لوحة فنية فريدة من الجمال الر ّ‬
‫آني يستهويه‬ ‫َّ‬
‫يكون ذلك إال من لدن حكيم خبير‪ ،‬وال شك أن الباحث في البيان القر ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪176‬‬


‫(‪ )2‬المحرر الوجيز‪520/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬جامع البيان‪264/7 ،‬‬
‫‪119‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫الوقوف على دقائق هذه الدالئل ونفائس هذه الخمائل؛ ليستزيد منها رشفًا من فيض‬

‫الوحي وفتوحاته‪.‬‬

‫بالنظر إلى محور االهتمام والتركيز في (قُتِل) المبني للمجهول نراه ُي ِ‬


‫برُز‬ ‫َّ‬

‫الربيين‪ ،‬أم لهم وحدهم‪ ،‬على‬


‫للنبي‪ ،‬أم له ولمن معه من ّ‬
‫ّ‬ ‫البذل والفداء‪ ،‬سواء أكان‬

‫المعاني اآلنفة الذكر في توجيه (قُتِل)‪ ،‬ومن أهل العلم من جعل (قُتِل) األظهر في‬

‫نص في وقوع القتل ويستلزم المقاتلة على‬


‫المدح واألبلغ في مقصود الخطاب؛ ألنه ٌّ‬

‫عكس (قاتَل)‪ :‬الذي يستلزم المقاتلة وال يدل على القتل‪ ،‬فقد تكون مقاتلة وال يقع‬
‫(‪)1‬‬
‫قتل ‪ ،‬وكما لم ير ِ‬
‫تض الباحث تعميم قراءة المبني للمعلوم‪َّ ،‬‬
‫فإنهُ ال يرتضي كذلك‬

‫تفضيل قراءة المبني للمجهول‪ ،‬فإن أنساق التغاير في موضع واحد من اآلية له‬

‫مبرر وال‬ ‫آني لُِيفَ ِّ‬


‫ضل جماعة على جماعة دون ِّ‬ ‫دالالته ومقصوده‪ ،‬ولم يكن اللفظ القر ّ‬
‫سبب يذكر‪.‬‬

‫لقد أجملت القراءتان صورة التسلية التي طمأنت قلب كل مؤمن أصيب أو‬

‫ظُلم أو انتهكت له حرمة‪ ،‬أو انتقصت له مظلمة بإيراد القراءتين على صورتين‬

‫متغايرتين‪" ،‬وكانت التسلية أعظم بذكر ما هو ِط ُ‬


‫بق ما وقع في هذه الغزوة من قتل‬

‫أصحابه‪ ،‬واحتمال العبارة لقتل نفسه بقوله (قُتِل) أي ذلك النبي" ‪ ،‬كما حملت‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو حيان‪ :‬البحر المحيط‪370/3 ،‬‬


‫(‪ )2‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪86/5 ،‬‬
‫‪120‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫القراءتان معنى تشجيع المؤمنين واألمر باالقتداء بمن تقدم من خيار أتباع األنبياء ‪،‬‬

‫بل وباألنبياء ذواتهم‪ ،‬ارتسم هذا التشجيع تارة بقراءة المعلوم وتارة بقراءة المجهول؛‬

‫فكثير من األنبياء وأتباعهم قاتلوا أو قُتِلوا لم َي ِه ْن من بقي منهم في نز ِ‬


‫ال أعدائهم أو‬

‫ينخذل من ذهب منهم أو يتوا َن في قتالهم‪ ،‬فيجب أن يكون قتالكم‬


‫ْ‬ ‫ِ‬
‫جهادهم‪ ،‬ولم‬

‫كقتالهم‪ ،‬وقتلكم كقتلهم؛ اقتداء وأسوة وهم محل القدوة واألسوة‪" ،‬وسواء قتل النبي‘ أم‬

‫لم يقتل‪ ،‬وقُتِ َل معه من قُتِ َل أو قاتَل‪ ،‬فما كان لكم أن تتخاذلوا عنه‪ ،‬أو عن َّ‬
‫الذود عن‬
‫(‪)2‬‬
‫دعوته" ‪.‬‬

‫عتابا خفيًّا لطيفًا للمؤمنين من صحابته‘ لِ ِهن ٍة‬


‫ً‬ ‫َّ‬
‫لعل في القراءتين كذلك‬

‫اجع وتخاذ ٍل بعد ما استُ ِشهَد الشهداء فاعتراهم خوف وحزن لقتل‬
‫وجدها منهم‪ ،‬أو تر ٍ‬

‫إخوانهم‪ ،‬خاصة ما صار منهم يوم أحد‪ ،‬ظهر هذا العتاب في إيراد خبر من قبلهم‬

‫أن األمم السابقة قُتِلَت منهم أنبياء‬


‫ونبأ من سبقهم بقوله‪( :‬فما وهنوا)‪ ،‬حيث أخبرهم َّ‬

‫بانيون صادقون هم أتباع األنبياء‪ ،‬فلم يلحقهم ما لَ ِحقَكم من الوهن‬


‫كثيرون‪ ،‬ور ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫والضعف‪ ،‬وال ثناهم عن القتال فَ ْج ُعهُم بقتل أنبيائهم أو قتل ربِّيِّيهم ‪ ،‬وفي هذا قمة‬

‫التربية لهم أو ما نسميه التربية بالحدث‪ " ،‬تربية على ضرورة الصبر على الشدائد‬

‫والنوازل مهما عظمت‪ ،‬فإن كانت اإلشارة إلى قتل النبي المرسل في القتال فذلك أمر‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪229/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬سعد‪ ،‬محمد أحمد(‪2000‬م)‪ :‬التوجيه البًلغي للقراءات القرآنية‪ ،‬ص‪ ،75‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬مكتبة اآلداب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أبو حيان‪ :‬البحر المحيط‪ ،368/3 ،‬عطية‪ ،‬هديل‪ ،‬والمنيراوي‪ ،‬يوسف(‪2009‬م)‪ :‬أثر‬
‫اختًلف اإلعراب في تفسير القرآن الكريم دراسة تطبيقية في سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء‪،‬‬
‫َّ‬
‫غزة‪ :‬الجامعة اإلسًلمية‪( ،‬ماجستير)‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫عظيم‪ ،‬وان كانت إلى سقوط األتباع الكثر قتلى في ميدان المعركة فاألمر عظيم‬

‫كذلك‪ ،‬والمسند إليه الفعل (قَاتَ َل) أو (قُتِ َل) هو مثال الصبر والثبات‪ ،‬سواء أكان نبيًّا‬

‫يقاتل بعد مقتل كثير من أتباعه‪ ،‬أم أتباعاً أثخن فيهم عدوهم‪ ،‬وقُتِل نبيهم‪ ،‬فما وهنوا‬

‫لما أصابهم في سبيل اهلل‪ ،‬وما ضعفوا‪ ،‬وما استكانوا‪ ،‬فإن من أساس التربية اإليمانية‬

‫توطين النفس على تحمل أقسى المصائب وأشدها هوالً‪ ،‬لتكون أعظم صب اًر على ما‬
‫(‪)1‬‬
‫يصيبها في سبيل اهلل" ‪ ،‬وكأ َّن في هاتين القراءتين صورة أخرى من صور التسرية‬

‫والعزاء عن المسلمين بما تحملهم على الثبات في مواقف اإليمان والشدة‪ ،‬داعيةً لهم‬

‫للصبر والتحمل‪ ،‬شأنهم في ذلك شأن أنبيائهم ودعاتهم من المصلحين ممن آمن‬

‫صدق المرسلين‪.‬‬
‫باهلل¸‪ ،‬و ّ‬

‫أعم في موضعها‪ ،‬وأبلغ بما حملته من دالئل العموم‬


‫لقد كانت كل قراءة َّ‬

‫المعنيين بهذه اآلية‪ ،‬فالرسل وأتباعهم كلُّهم مستو ِجب‬


‫والتفصيل ألصناف المخاطبين و ّ‬

‫للمدح بما قدم سواء قاتَل فلم ُيقتَل‪ ،‬أو قاتَل فقُتِل‪" ،‬وهكذا يجتمع لدينا من خًلل‬

‫القراءتين ما يكون عادة في ساحة الجهاد في سبيل اهلل¸‪ِ :‬من بذل النفوس رخيصة‬

‫بي يقاتل ومعه ربِّيُّون كثير‪ ،‬والقائد نفسه قد يصيبه القتل‪ ،‬والجميع‬ ‫للفوز بالشهادة‪َّ ،‬‬
‫فالن ُّ‬

‫ِّي في التعرض للمخاطر‪ ،‬والثناء من اهلل يلحق‬


‫الرب ِّ‬
‫بي و ِّ‬ ‫من جند اهلل¸‪ ،‬وال فرق بين َّ‬
‫الن ِّ‬

‫الجميع‪ ،‬كما أن هذا الثناء يشمل من بقي على قيد الحياة‪ ،‬إذ ال يصيبه وهن وضعف‬

‫(‪ )1‬قاسم‪ ،‬عبد الرحمن بن حسين(‪1430‬هـ)‪ :‬توجيه االختًلف النحوي والصرفي وأثره في المعنى بين‬
‫روايتي حفص عن عاصم وورش عن نافع‪ ،‬ص‪ ،53‬السعودية‪ :‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‬
‫(ماجستير)‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫بعد مقتل قائده واخوانه‪ ،‬فيمضي للعمل في سبيل استمرار الدعوة من غير خور‬
‫(‪)1‬‬
‫وضعف" ‪.‬‬

‫هكذا هو طريق األنبياء ومنارات الصالحين واألولياء جيل يتلوه جيل‪ ،‬وعزم‬

‫يردفه عزم‪ ،‬يروح واحد ويأتي آخر حتى تكتمل المسيرة وتنهض األمة ويبزغ النور‪،‬‬

‫جميعا أن يهنوا‬
‫ً‬ ‫هما‪ ،‬واَّنما َّ‬
‫ورثوا العلم‪ ،‬ما كان لهم‬ ‫دينار وال در ً‬
‫فإن األنبياء لم يورثوا ًا‬

‫في جهادهم وال في دعوتهم‪ ،‬وكل ذلك في سبيل اهلل¸‪ ،‬ما كان لهم أن يضعفوا أمام‬

‫مغريات الحياة ومكائد األعداء؛ فهم من يحمل منارات الهدى‪ ،‬ما كان لهم أن يستكينوا‬

‫أحياء وأمواتًا (قاتَلوا) أو (قُتِلوا) { ﯡ ﯢ ﯣ}‬


‫ً‬ ‫وال أن يخنعوا فهم أهل المدح‬

‫[سورة آل عمران‪.]146 :‬‬

‫ص َوُر تغي ُِّر الفعل الماضي من‬


‫في نهاية هذا الفصل الذي ناقش فيه الباحث ُ‬

‫َّن أنَّه من غير المقبول أن ُن ِع َّد صورة‬


‫المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالت ذلك التغير‪ ،‬تبي َ‬

‫َّ‬
‫عاديةً مفرغة من اإليحاءات والمعاني‪ ،‬أو أن نتكئ من خًللها على‬ ‫التغيُّر صورة‬

‫أن‬ ‫تناقضا ُّ‬


‫مرده إلى َّ‬ ‫ً‬ ‫القول بالتنويع في األساليب‪ ،‬التي تحدث في نفس الناقد والباحث‬

‫ي بديع في أسلوبه‪ ،‬معجز في بًلغته‪ ،‬والقول بالتنويع في‬


‫نص إعجاز ٌّ‬
‫القرآن الكريم ٌّ‬

‫األساليب ُيشعر َّ‬


‫بأن عوامل اإلضجار والرتابة قد حفت به‪ ،‬وما جاء التنويع إال ليكسر‬

‫تلك الرتابة ويذهب السآمة‪ ،‬وهذا َّادعاء خطير في حق كًلم اهلل¸‪ ،‬فإذا كان التغيُّر‬

‫(‪ )1‬الخراط‪ ،‬أحمد(‪1426‬هـ)‪ :‬اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية المتواترة‪ ،‬ص‪ ،301‬د‪.‬ط‪ .‬المدينة‬
‫المنورة‪ :‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫من بِنية إلى بِنية أخرى في الكًلم العادي ال يكون إال لنوع خصوصية اقتضت ذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫نص من‬
‫أسلَم ٍّ‬
‫كما يقول ابن األثير ‪ ،‬فكيف الحال مع أرقى لغة في الخطاب‪ ،‬و ْ‬

‫النقص‪.‬‬

‫)‪ُ )1‬ينظَر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬ضياء الدين(د‪.‬ت)‪ :‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر‪ ،183/2،‬تحقيق‪ :‬الحوفي‪،‬‬
‫أحمد‪ ،‬وطبانة‪ ،‬بدوي‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬دار نهضة مصر‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ُّ‬
‫تغير الفعل املضارع من املعلوم إىل اجملهول‪ ،‬ودالالته‪،‬‬

‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬التغري يف الفعل الثالثي‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‪ :‬التغري يف مزيد الثالثي‬


‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫املبحث األول‪ :‬التغري يف الفعل الثالثي‬

‫تمتلك لغة القرآن الكريم قدرات هائلة في استحضار المعاني وتشخيصها‪ ،‬إذ‬

‫مليئا بالتفاصيل واألحداث‪ ،‬وتختزله في بنية أو كلمة‬


‫مشهدا ً‬
‫ً‬ ‫تختصر‬
‫أن ْ‬
‫يمكن لها ْ‬

‫واحدة‪ ،‬وبِنية الفعل المضارع إحدى هذه البِنى التي تختزل مشاهد الحركة واالنتقال في‬

‫بنية تتالءم بشكل متناسق مع السِّياق الذي ِ‬


‫ترد فيه‪.‬‬

‫ُي َع َّرف الفعل المضارع بأنَّه‪ :‬الحدث المقترن بأحد َّ‬


‫الزمانين‪ :‬الحال‪ ،‬أو‬

‫وي ْح ِمل المضارع في سياقه االعتيادي العديد من الدالالت ‪ :‬كداللته على‬


‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫االستقبال ‪َ ،‬‬

‫الحال واالستقبال‪ ،‬وداللته على الحقيقة من حيث هي غير مقيَّدة َّ‬


‫بالزمن‪ ،‬واالستمرار‬

‫التجدِدي‪ ،‬ومقاربة حصول الفعل وغيرها من دالالت ليس هذا َّ‬


‫محل بسطها‪ ،‬والحديث‬ ‫ُّ‬

‫هنا عن الداللة التي تنشأ من تغيُّر الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول في ضوء‬

‫كثير حول ما يمكن أن ُيستلهَم‬


‫القراءات القرآنية‪ ،‬وهو ما يستدعي الوقوف والتأمل ًا‬

‫ستنبط من دالالت ومعان لصنوف التغاير بين بِنى الفعل ُ‬


‫وضروبه المختلفة‪.‬‬ ‫وُي َ‬

‫إن الباحث في الحقل القرآني ليشعر بجسارة أن ُي ْقِدم على تحليل بنية‪ ،‬أو مفردة‬
‫َّ‬

‫أن البحث الداللي بحث شائك ومعقَّد‬


‫هكذا مجردة عن سياقها وسوابقها ولواحقها‪ ،‬إذ َّ‬

‫(‪ُ )1‬ينظَر‪ :‬األزهري‪ :‬شرح التصريح على التوضيح‪38/1 ،‬‬


‫ظر‪ :‬السامرائي‪ ،‬فاضل(‪2003‬م)‪ :‬معاني النحو‪ ،289-280/3 ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬شركة العاتك‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ين َ‬
‫‪126‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫يستلزم جملة من األدوات التي ينبغي أن يمتلكها الباحث لتوظيفها في فهم دالالت القرآن‬

‫الكريم ومقاصده‪.‬‬

‫عودا على مقصود عقد هذا المبحث‪ ،‬فإنه يناقش صورة التغير في بنية الثالثي‬
‫ً‬

‫للمضارع من المعلوم إلى المجهول والدالالت المتولدة عن ذلك التغير‪ ،‬حيث َّ‬
‫هيأت‬

‫مالئما أحسن ما يكون‪ ،‬انسجمت فيه الصورة الفنية‬


‫ً‬ ‫صورة التغير بين الفعلين نسقًا وجوا‬

‫روحا وحياة جعال في صورة االلتقاء بين‬


‫مع إيقاعات الحروف واأللفاظ‪ ،‬بل إنها أضفت ً‬

‫وبيانا أكثر ِم َّما لو نوقشت كل بنية على حدة‪ ،‬ذلك البيان هو ما‬
‫بِنيتي الفعلين روعة ً‬
‫(‪)1‬‬
‫منسق األوزان واألصوات ‪،‬‬
‫أديبا ولغويا بحجم العقاد يعتبره في جملته فنا منظو ًما‪َّ ،‬‬
‫جعل ً‬

‫وما عناه إنما كان في حروف الكلمة الواحدة وكلماتها‪ ،‬فما الشأن إن تعددت القراءة‬

‫القرآنية لتلك الكلمة‪ ،‬لك أن تتصور حينها مدى الروعة والدقة في هذا التصوير الفني‬

‫البديع‪.‬‬

‫يرصد هذا المبحث مجموعة من النماذج التي شهدها تغير الفعل المضارع من‬

‫المعلوم إلى المجهول‪ ،‬مناق ًشا األثر الداللي الذي أحدثه ذلك التغيُّر في المعنى‪ ،‬وهذه‬

‫النماذج إنما هي مجرد ِّ‬


‫عينة بحثية ال ترصد كل أنواع التغير التي تط أر على بنية الفعل‪،‬‬

‫بل تسجل مالحظات تعكس نظائر أخرى مماثلة أو مقاربة لم يناقشها الباحث‪-‬ال سآمة‬

‫دفعا لإلطالة واإلسهاب‪ ،‬واهلل الموفق والهادي إلى الصواب‪ ،‬ومن تلك‬
‫وملال‪-‬وانما ً‬
‫ً‬

‫النماذج‪:‬‬

‫(‪ )1‬العقاد‪ ،‬عباس(‪2012‬م)‪ :‬اللغة الشاعرة‪ ،‬ص‪ ،12‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫‪ -‬يَخَافَا‪-‬يُخافا‪َ :‬‬

‫يناقش هذا النموذج صورة التغير التي حصلت للفعل الثالثي األجوف (خاف)‬

‫بين البناء للمعلوم والمجهول‪ ،‬وجملة الخالف ومحصله عند القدماء ينحصر في الخالف‬

‫الفقهي‪ ،‬وال يرغب الباحث في الخوض فيه؛ إذ َّإنه ليس من اختصاصه‪ ،‬إال ما اقتضته‬

‫الضرورة واستدعاه المقام لبيان الوجوه التي بها ُيفهم ورود كل قراءة على بنية المعلوم‬

‫المعني به َّإنما هو ُ‬
‫بيان الدالالت المترتبة على ذلك التغير‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫تارة وعلى المجهول أخرى‪ ،‬و‬

‫بيانا‪ ،‬لكَّنه َس ْعي للقرب من تلك الدالالت وتكشيفها‬


‫وما كان للباحث أن يزيد البيان ً‬

‫للباحثين‪ ،‬فأقالم البيان ولغات البالغة تقف مبهورة عاجزة صامتة أمام بديع ما أودعه‬

‫اهلل¸ كتابه‪ ،‬وضَّمنه أس ارره واعجازه‪.‬‬

‫(خاف) فعل ثالثي أجوف معتل العين‪ ،‬وردت صورة التغير فيه من البناء‬

‫للمعلوم إلى البناء للمجهول في موضع سورة البقرة من قوله‪{ :‬ﲖ ﲗ ﲙ‬

‫ﲚﲛﲜﲝﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨ‬

‫ﲩﲪﲫﲬﲭﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹ‬

‫ﲺ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ} [سورة‬

‫(ي َخافَا) على البناء للمعلوم‪ ،‬واستُثْنِ َي‬


‫البقرة‪ .]229:‬يق أر الجمهور ومنهم حفص بفتح الياء َ‬
‫(‪)1‬‬
‫(ي َخافَا) على البناء للمجهول ‪.‬‬
‫بضم الياء ُ‬
‫منهم حمزة وأبو جعفر ويعقوب فقد قرؤوا ِّ‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن الباذش‪ :‬اإلقناع في القراءات السبع‪ ،‬ص‪304‬‬


‫‪128‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫وحتى نفهم صورة التغير الحاصلة بين القراءتين نحتاج لتوضيح المعنى المراد‬

‫من اآليات‪َّ ،‬‬


‫فإنها تتحدث عن الطالق الذي تحصل به الرجعة‪ ،‬وقد حددته على أنه‬

‫مرتان‪ ،‬واحدة بعد األولى‪ ،‬يلزم بعد كل طلقة إمساك المرأة بمعروف أو تسريحها بإحسان‬

‫شيئا مما‬
‫بأداء حقوقها وأال يذكرها بسوء‪ ،‬ثم بينت اآليات أنه ال يحل لألزواج أن يأخذوا ً‬

‫أعطوه زوجاتهم من المهر ونحوه‪ ،‬إال أن يخاف الزوجان أال يقوما بالحقوق الزوجية‬

‫حينها يعرضان أمرهما على األولياء‪ ،‬فإن خاف األولياء عدم إقامة الزوجين حدود اهلل‪‬‬

‫فال حرج حينها فيما تدفعه المرأة للزوج مقابل طالقها‪ ،‬هذه هي أحكام اهلل‪ ‬الفاصلة‬
‫(‪)1‬‬
‫بين الحالل والحرام ‪ ،‬في ضوء هذا المعنى ننطلق في نقاش صورة التغير الحاصلة‬

‫و(يخافا) بالمجهول‪.‬‬
‫(يخافا) بالمعلوم‪ُ ،‬‬
‫بين القراءتين‪َ :‬‬

‫الغالب على علماء التوجيه جعلهم قراءة المعلوم ظاهرة ال إشكال فيها‪ ،‬حيث‬

‫ُج ِع َل الخوف المقصود في اآلية‪{ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ} [سورة البقرة‪]229:‬‬

‫للزوجين‪ :‬الرجل والمرأة‪ ،‬وخوفهما أال يقيما حدود اهلل‪ ‬فيما يجب لكل واحد منهما على‬
‫(‪)2‬‬
‫الظن المقارب لليقين‪ ،‬وقد‬ ‫ِّ‬
‫الحق والعشرة ‪ ،‬والخوف هنا مفسَّر باليقين‪ ،‬أو ِّ‬ ‫صاحبه من‬
‫(‪)3‬‬
‫علل الكرماني َّ‬
‫بأن في الخوف طرفًا من العلم ‪ ،‬قال أبو عبيدة‪" :‬إال أن يخافا معناها‪:‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬نخبة من العلماء(‪2012‬م)‪ :‬التفسير الميسَّر‪ ،‬ص ‪ ،36‬ط‪ ،4‬السعودية‪ :‬مجمع الملك فهد‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪135‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬مفاتيح األغاني‪ ،‬ص‪115‬‬
‫‪129‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫يوقنا‪ ،‬فإن خفتم هاهنا‪ :‬فإن أيقنتم" ‪ ،‬ولهذا شواهد في لغة العرب‪ ،‬قال الفراء‪" :‬والخوف‬

‫و ُّ‬
‫الظن متقاربان‪ ،‬من ذلك أن الرجل يقول‪ :‬قد خرج عبدك بغير إذنك‪ ،‬فتقول أنت‪ :‬قد‬
‫(‪)2‬‬
‫ظننت ذاك‪ ،‬وخفت ذاك‪ ،‬والمعنى واحد" واعترض على هذا المعنى النحاس وسيأتي‬
‫(‪)3‬‬
‫بيان اعتراضه في محله ‪.‬‬

‫بالعودة إلى (خاف) نجد أنه فعل يتعدى في األصل إلى مفعول واحد‪ ،‬وهذا‬

‫(أن) كقوله‪:‬‬ ‫ِ‬


‫أن َوصلَتهَا‪ ،‬واما أن يكون غيرها‪ ،‬فتعديته إلى ْ‬
‫أن يكون ْ‬
‫المفعول إما ْ‬

‫{ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ} [سورة األنفال‪ ،]26:‬وتعديته إلى غير ( ْ‬


‫أن) كقوله‪:‬‬

‫{ﮖ ﮗ ﮘ } [سورة الروم‪ ،]28:‬وقد يتعدى إلى مفعول ثان‪ ،‬حينها‪:‬‬

‫إما أن تض َّعف العين‪ ،‬أو ُيجتلب حرف جر‪ ،‬فمع تضعيف العين تقول‪َ :‬خ َّوفت الناس‪،‬‬

‫وفي اجتالب حرف الجر يقول‪{ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ} [سورة آل‬

‫عمران‪ ]175:‬على حذف المفعول والجار بما يقتضيه التقدير‪ ،‬أي‪ :‬يخوف المؤمنين‬

‫بأوليائه‪ ،‬فهو ال يخوف أولياءه‪ ،‬وهذا ال ُيفهم من السياق وانما يخوف المؤمنين‬
‫(‪)4‬‬
‫بأوليائه ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أبو عبيدة‪ ،‬معمر بن المثنى (‪1381‬هـ)‪ :‬مجاز القرآن‪ ،74/1 ،‬تحقيق‪ :‬سزكين‪ ،‬فؤاد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫الخانجي‪.‬‬
‫(‪ )2‬معاني القرآن‪146/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬إعراب القرآن‪314/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪َّ :‬‬
‫النحاس‪ :‬نفسه‪329/2 ،‬‬
‫‪130‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫يتعدى الفعل لمفعول واحد مع قراءة المعلوم (يخافا) هو (أن و ِ‬


‫صلَتُهَا)‪ ،‬فيكون‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬

‫المعنى‪ :‬إذا خاف كل واحد منهما‪-‬أي الزوج والمرأة‪ ،-‬أال يقيما حدود اهلل‪ ،‬وال ُيحتاج‬

‫مسند لضمير الزوجين‪ ،‬أما‬


‫هنا إلى تقدير حرف الجر؛ ألن الفعل على هذه القراءة َ‬

‫اف) بالبناء للمجهول فالفاعل محذوف يعود على الوالة والحكام‪ ،‬اختاره أبو عبيد‬
‫(ي َخ َ‬
‫ُ‬

‫لقوله‪( :‬فإن ِخ ْفتُم) حيث جعل الخوف لغير الزوجين‪ ،‬ولو أراد الزوجين لقال‪ :‬فإن‬
‫(‪)1‬‬
‫الخْلع للسلطان ‪ ،‬وابدال (أال يقيما) من ألف الضمير‬
‫خافا‪ ،‬وفي هذا حجة لمن جعل ُ‬

‫هو من باب بدل االشتمال‪ ،‬كقولك‪ :‬خيف زيد تركه إقامة حدود اهلل‪.‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وع ِجب منها غيره ‪،‬‬
‫(ي َخافَا) بِبِناء الفعل للمجهول ‪َ ،‬‬ ‫واستشكل َّ‬
‫النحاس قراءة ُ‬

‫بالضم لكان‬
‫ِّ‬ ‫ووجه اإلشكال من ثالثة أوجه‪ :‬األول من جهة اللفظ؛ ألنه لو كانت القراءة‬

‫الموافق للقراءة األخرى (إن خيف)‪ ،‬وان روعي لفظ (فإن خفتم) بعدها لكان األوفق أن‬

‫يقال‪( :‬أال تخافوا)‪ ،‬والثاني ومن جهة المعنى‪ ،‬فإنه من البعيد بمكان أن يقال‪ :‬ال يحل‬

‫شيئا إال أن يخافا غيركم‪ ،‬وآخرها من جهة اإلعراب؛ ألن‬


‫لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن ً‬

‫متعد إلى اثنين‪.‬‬


‫(خاف) غير َ‬

‫ورد العلماء بأن االعتراض على القراءة من جهة اللفظ غير الزم؛ ألنه من باب‬

‫كثير في القرآن الكريم‪ ،‬قال مكي بن أبي‬


‫يح ُسن في اللغة العربية‪ ،‬ويقع ًا‬
‫االلتفات الذي ْ‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬النحاس‪ :‬إعراب القرآن‪ ،314/1 ،‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪74/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬النحاس‪ :‬إعراب القرآن‪314/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬الفراء‪ :‬معاني القرآن‪45/1 ،‬‬
‫‪131‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫قر بفتح‬ ‫طالب‪" :‬وقد أُلزم من ق أر بضم الياء أن يقرأ‪ :‬فإن خيفا‪ ،‬وهذا ال يلزم؛ َّ‬
‫ألن من أ‬

‫جميعا حسن من باب الخروج‬


‫ً‬ ‫أيضا أن يقرأ‪ :‬فإن خافا‪ ،‬ولكنه في القراءتين‬
‫الياء يلزمه ً‬

‫من الغيبة إلى الخطاب‪ ،‬ومن الخطاب إلى الغيبة كقوله‪{ :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ}‪،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ثم قال‪ { :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ } [سورة يونس‪ ]22:‬وهذا كثير" ‪.‬‬

‫أيضا؛ ألن "الوالة هم‬


‫عترض على القراءة من جهة المعنى ال يلزم ً‬
‫كذلك اال ا‬
‫(‪)2‬‬
‫األصل في رفع التظالم بين الناس‪ ،‬وهم اآلمرون باألخذ واإلبقاء" ‪ ،‬فكما قال‪{ :‬ﮯ‬

‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ} [سورة البقرة‪]229:‬؛ وجب على الحكام منع من‬

‫شيئا‪ ،‬والضمير في قوله‪ { :‬ﯘ ﯙ ﯚ } [سورة البقرة‪.]229:‬‬


‫أراد أن يأخذ من ذلك ً‬

‫للزوجين‪ ،‬والخائف محذوف مفهوم تقديره من السياق‪ ،‬وهم الوالة والحكام‪ ،‬والتقدير‪ :‬إال‬
‫(‪)3‬‬
‫أن يخاف األوليا ُء الزوجين أال يقيما حدود اهلل‪ ‬فيجوز االفتداء ‪.‬‬

‫خرجه الفارسي بأن‬


‫وأما االعتراض من جهة اإلعراب فعلى تخريجين‪ ،‬األول‪َّ :‬‬

‫و(أن) وما دخلت عليه‬


‫ْ‬ ‫(خاف) متعد إلى مفعولين‪ :‬األلف في (يخافا) مفعول أول‪،‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫فيستقيم حينها هذا‬ ‫ِّ‬
‫الظن‬ ‫مفعول ثان ‪ ،‬وجوز الزمخشري أن يكون الخوف بمعنى‬

‫وح َج ِجهَا‪ ،295/1 ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫(‪ )1‬القيسي‪ ،‬مكي بن أبي طالب(‪1974‬م)‪ :‬الكشف عن وجوه القراءات السبع ِ ِ‬
‫وعلَلهَا ُ‬
‫رمضان‪ ،‬محيي الدين‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دمشق‪ :‬مطبوعات مجمع اللغة العربية‪.‬‬
‫(‪ )2‬السمين‪ :‬الدر المصون‪450/2 ،‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬أبو حيان‪ :‬البحر المحيط‪207/2 ،‬‬
‫(‪ُ )4‬ينظر‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪340-330/2 ،‬‬
‫(‪ُ )5‬ينظر‪ :‬الكشاف‪272/10 ،‬‬
‫‪132‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫التخريج وال يقع اعتراض‪ ،‬فـ َّ‬


‫(ظن) يتعدى إلى مفعولين‪ ،‬ورد ذلك أبو حيان محتجا بأن‬
‫(‪)1‬‬
‫(يخاف) ال يتعدى إلى مفعولين‪ ،‬ولم َي ُعده النحويون كذلك ‪ ،‬وحينها ننظر في التخريج‬

‫الثاني للقراءة بأن المنصوب الثاني إنما هو بدل اشتمال‪ ،‬فيكون معنى اآلية‪" :‬ال يخاف‬

‫الوالة الزوجين أال يقيما حدود اهلل‪ ،‬قام ضمير الزوجين مقام الفاعل بعد حذفه وهو‬
‫(‪)2‬‬
‫(أن) وما دخلت عليه في محل رفع البدلَّية‪.‬‬
‫الوالة للداللة عليه‪ ،‬وبقيت ْ‬

‫َّ‬
‫إن من لوازم البحث الداللي في الحقل القرآني أن ينفتح الباحث على جملة‬

‫الدالالت المتولدة عن بنية الكلمة؛ ألن إعمال الدالالت أولى من إهمالها‪ ،‬والنظر‬

‫كثير‪،‬‬
‫للصورة مكتملة من غير اجتزاء بعض مشاهدها هو ما أكد ويؤكد عليه الباحث ًا‬

‫السيما مع القراءات القرآنية التي ربما أوهمت التعارض‪ ،‬أو َش َّغبت على المعنى العام‬
‫َّ‬

‫أو المحصلة النهائية لثمرة الخالف بين قراءة وقراءة‪ ،‬والمنهج الذي ارتضيناه في دراستنا‬

‫هذه أال تفاضل بين القراءات‪ ،‬وال تمايز بينها‪ ،‬وانما يجتهد الباحث في كشف دالالت‬

‫كل قراءة‪ ،‬وتوظيف السوابق واللواحق في فهم صور التغير الحاصلة بين قراءة وأخرى‪،‬‬

‫وصوًال للمقصد األسمى من هذا التغير أال وهو بيان األثر والثمرة المترتبة على هذا‬

‫الخالف‪ ،‬وهذا هو المعنى المتعبد به‪ ،‬فالمقصود ليس الخالف ذاته‪ ،‬وال الخالف ألجل‬

‫الخالف‪ ،‬وانما تُسلِّط كل قراءة الضوء على مشهد من الحدث‪ ،‬وفصل من الرواية لم‬

‫تُبِْنهُ القراءة األخرى‪ ،‬حينها عندما نتناول هذه التغيرات بهذه العقلية وذلك التصور‪ ،‬لن‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬البحر المحيط‪207/2 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬السمين‪ :‬الدر المصون‪450/2 ،‬‬
‫‪133‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫تحدث تلك االعتراضات على تلك الصور من اختالف القراءات‪َّ ،‬‬


‫السيما مع اتفاقنا أنها‬

‫كل من عند‪ ،‬وهذا الذي استدعى الباحث في مواضع من البحث أن ينقد على‬

‫السابقين‪-‬مع حفظه قدرهم‪ -‬إهمالهم قراءةً متواترةً‪ ،‬أو الحكم عليها بأنها ال تستقيم مع‬
‫(‪)1‬‬
‫ب منها ‪.‬‬ ‫(ي َخافَا)‪ ،‬أو ِ‬
‫عج َ‬ ‫مثال قراءة ُ‬
‫تض ً‬‫المعنى المراد من اآلية كمثل من لم ير ِ‬

‫ينظر الباحث لصورة هذا التغير في هذا الموضع من برج عال‪ ،‬تتركز صورته‬

‫ومحصلته حول تعظيم الشارع لهذا البناء األسري أال يت َّ‬


‫هدم‪ ،‬وقد نقلت كل قراءة صورةً‬

‫(يخافا) كان محور االهتمام ودائرة‬


‫من صور هذا التعظيم واالعتناء‪ ،‬فقراءة المعلوم َ‬

‫التركيز فيها‪ :‬المتخالِعان المفهومان من قوله‪{ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ} [سورة‬

‫البقرة‪ ،]229:‬وكذلك ضمير (يخافا أال يقيما)‪ ،‬وضمير (فال جناح عليهما)‪ ،‬وهما‬

‫الزوجان‪ :‬الرجل والمرأة‪" ،‬وأسند الفصل إليهما دون بقية األمة ألنهما اللذان يعلمان‬
‫(‪)2‬‬
‫ولما جعلت هذه القراءة الخوف خوفهما‪ ،‬أي‪ :‬الزوجين‪ ،‬انقطع بذلك سبيل‬
‫شأنهما" ‪َّ ،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫التطليق على الزوجين بدون إرادتهما ‪ ،‬ويبقى مع هذه القراءة معنى الخوف على بابه‬

‫أو بمعنى الخشية‪ ،‬وال تحتاج إلى تقدير حرف جر‪ ،‬فـ (خاف) هنا يتعدى لمفعول واحد‬

‫(أال يقيما)‪.‬‬

‫(‪ )1‬مثل النحاس‪ :‬إعراب القرآن‪ ،314/1 ،‬والفراء‪ :‬معاني القرآن‪45/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪409/2 ،‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬حبش‪ ،‬محمد(‪1999‬م)‪ :‬القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني واألحكام الشرعية‪ ،‬ص‪ ،283‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫دمشق‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫(ي َخافا) فقد سلطت الضوء على القسيم الثاني في المحافظة‬


‫أما قراءة المجهول ُ‬

‫الخلع‬
‫على هذا البناء األسري من التهدم والتصدع‪ ،‬وهم والة األمر والحكام‪ ،‬فال يقع ُ‬

‫على هذه القراءة إال إن تحقَّ َ‬


‫ق خوف الحكام من عدم قيام الزوجين بالحقوق الزوجية‪،‬‬

‫"وقد جعل اهلل‪ ‬أمر المخالفة مقي ًدا بمعرفة السلطان؛ ألن الزوجين يمكن أن يتجاو از‬

‫حدود اهلل‪ ‬بنشوز‪ ،‬أو شذوذ تحمل عليه الكراهية‪ ،‬من دون أن يتوصال إلى اتفاق‬
‫(‪)1‬‬
‫(يخافا)" ‪ ،‬ويرد مع‬
‫استنادا إلى هذه القراءة ُ‬
‫ً‬ ‫حول المخالعة‪ ،‬فيطلق عليهما السلطان‬

‫هذه القراءة أن يكون الخوف بمعنى ِّ‬


‫الظن‪ ،‬وقليل الظن عند الحكام معتبر في عدم إيقاع‬

‫التطليق بين الزوجين‪ ،‬كما أن في حذف الفاعل‪-‬وهم الحكام والقضاة‪ -‬إشارة إلى "مدى‬

‫الخوف الشديد الذي يكون فيه الزوجان من الحكام والقضاة في حالة عدم التزامهما‬
‫(‪)2‬‬
‫بتنفيذ أوامر اهلل‪ ،‬وما أوجبه عليهما من الحقوق الزوجية" ‪ ،‬وهذا ِّ‬
‫يعزز ما أشار إليه‬

‫الباحث سلفًا ب َّ‬


‫أن محور التركيز هنا على األئمة والحكام في تطبيق شرع اهلل‪ ‬في‬

‫الحفاظ على بنيان األسرة‪.‬‬

‫(يخافا) لم يغير المعنى‬


‫(يخافا) إلى المجهول ُ‬
‫إن التحول من المبني للمعلوم َ‬
‫(‪)3‬‬
‫(يخافا)‬
‫عدم اإلعجاب بقراءة المجهول ُ‬
‫المراد على تأويل بعض الباحثين ‪ ،‬وال يستدعي َ‬

‫(‪ )1‬حبش‪ :‬القراءات المتواترة‪ ،‬ص‪.283‬‬


‫(‪ )2‬عيسى‪ ،‬محمد مسعود(‪2009‬م)‪ :‬أثر القراءات القرآنية في الفهم اللغوي‪-‬دراسة تطبيقية في سورة البقرة‪،‬‬
‫ص‪ ،161‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪.‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬آغا‪ ،‬طه صالح(‪2007‬م)‪ :‬التوجيه اللغوي للقراءات القرآنية عند الفراء في معاني القرآن‪ ،‬ص‪،156‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫كما عند الفراء ‪ ،‬بل إنه أحدث ح ار ًكا دالليا تلخص في أن إيقاع حكم شرعي كالطالق‬

‫والخلع يجوز فيه أخذ الحيطة وتوخي الحذر قبل إيقاعه‪ ،‬تارة بتحقق علم الزوجين أنهما‬

‫ولي األمر أنهما‬ ‫لن يقيما حكم اهلل‪ ‬في هذه المسألة‪ ،‬وتارة بمجرد ِّ‬
‫ظن القاضي أو ِّ‬

‫كليهما أو أحدهما يتعذر عليه القيام بحق الزوجية‪ ،‬وبذلك يقطع السبيل على األهواء‬

‫ويحرم طلب الخلع لمجرد الهوى من غير‬


‫ِّ‬ ‫يجرم‬
‫واألمزجة المصاحبة لهذه القضية‪ ،‬و ِّ‬

‫سبب شرعي مقنع‪ ،‬ولِ َي ْجمع هذا المعنى فقد جمع بين دالالت الفعل (خاف) في نص‬

‫واحد من خالل صور التغير بين القراءتين‪ ،‬فقد جمع الفعل (خاف) بين داللتي الفزع‬

‫"لما تعلَّق األمر بحدود اهلل‪ ‬وشرائعه؛ ما كان من العبد المسلم إال أن‬
‫والعلم‪ ،‬فِإَّنه َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫يقف منها موقف الخائف الوجل" ‪.‬‬

‫ما أبهر هذا النص القرآني في إيصال الحكم الشرعي والتأكيد عليه‪ ،‬فمن لم‬

‫وم ْن لم تقم عليه الحجة من وجه‪ ،‬أقامها عليه‬


‫يفهم من طريق يؤتى له بطريق آخر‪َ ،‬‬

‫من وجه آخر‪ ،‬وهكذا استحقَّت قضية التحليل والتحريم لحدود اهلل‪ ‬وشرعه أن يتنوع‬

‫معها صنوف الخطاب‪ ،‬تارة بِبِْنية تخالف بنية أخرى حتى يفهم المراد عن اهلل‪ ،‬وحتى‬

‫يعظَّم اآلمر الناهي‪ ‬فال يقع حكم بغير شرعه وتحليله هو‪ ،‬وهذا ما عنته جليا‬

‫صورة هذا التغير‪ :‬أال تقع المخالعة بين الزوجين إال بعد أن َي ْعلَما ُه َما‪َ (-‬ي َخافا بالمعلوم)‪-‬‬

‫(يخافا بالمجهول)‪-‬‬
‫يقينا يخالطه الخوف من اهلل‪ ،‬أو يظن القضاة ووالة األمر‪ُ -‬‬
‫علما ً‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬معاني القرآن‪146/1 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬البحلوز‪ ،‬عالء الدين مصطفى(‪2006‬م)‪ :‬النظير ودوره في توجيه القراءات القرآنية في ضوء علم‬
‫اللغة الحديث‪ ،‬ص‪ ،346‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار البصائر‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫معا سيؤول بهما إلى االفتراق‪ ،‬فال َّ‬


‫بد حينها من تطبيق الحكم الشرعي‬ ‫أن استمرارهما ً‬

‫وانزاله‪ ،‬هذا يقطع كل شبهة أو شهوة أو هوى أو تعصب قد يعلق في ذهن أحد الطرفين‪،‬‬

‫خاصةً وأنه ختم الخطاب بقفلة ال يملك معها أرباب البالغة والبيان إال أن يخروا‬

‫ساجدين مذعنين‪ ،‬فقال‪ { :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ}‬

‫المخول بتطبيق الحكم أنتم كأزواج‪ ،‬أم هم كقضاة وحكام‪،‬‬


‫َّ‬ ‫[سورة البقرة‪ ،]229:‬أيا كان‬

‫ظاهر ال يحتمل المراوغة والمداهنة (فال)‬


‫ًا‬ ‫ظهرت أمامكم حدود اهلل‪ ،‬وجاء النص‬

‫تعتدوا الحدود‪ ،‬فمن اعتدى فأولئك هم الظالمون‪ ،‬اللهم فقِّهنا وعلِّمنا وزدنا عل ًما وفقهًا‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫‪ -‬يدَ َُ‬
‫خ َُل‪-‬يُدخ ُل‪َ :‬‬

‫(ي ْد ُخ ُل) من المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول في‬


‫وردت صورة تغير الفعل َ‬

‫أربعة مواضع من القرآن الكريم‪ :‬ثالث منها مع ِذكر الجنة‪ ،‬و َّ‬
‫الرابع في الحديث عن‬

‫أما الثالث األولى ففي قوله‪{ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ‬


‫النار‪َّ ،‬‬

‫ﮇ ﮈ ﮉﮊﮋ ﮌ ﮍﮎ} [سورة النساء‪ ،]124:‬وقوله‪{ :‬ﯕ‬

‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ} [سورة مريم‪ ،]60:‬وقوله‪:‬‬

‫{ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬

‫ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ} [سورة غافر‪ ،]40:‬والموضع َّ‬


‫الرابع في‬

‫الحديث عن النار‪ ،‬يقول‪{ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧﭨﭩ ﭪ} [سورة غافر‪ ،]60:‬وسيكتفي الباحث بمناقشة موضع‬

‫سورة (غافر) من باب ذكر البعض وارادة الكل‪.‬‬

‫(ي ْد ُخلُون) على البناء للمعلوم‪ ،‬وق أر ابن كثير‪ ،‬وأبو عمرو‪،‬‬
‫ق أر جمهور القراء َ‬
‫(‪)1‬‬
‫(ي ْد ُخلُون)‬
‫فأما القراءة بـ َ‬
‫(ي ْد َخلُون) بالبناء للمجهول ‪َّ ،‬‬
‫وشعبة بضم الياء وفتح الخاء ُ‬

‫مفسر على معنى الشرط بمعنى‪:‬‬


‫أنفسهم‪ ،‬وهذا َّ‬
‫فعلى إسناد الفعل للمؤمنين الداخلين َ‬

‫(‪ُ )1‬ينظَر‪ :‬ابن مجاهد‪ ،‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪571‬؛ ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪215‬؛‬
‫الفارسي‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪113/6 ،‬؛ َّ‬
‫الداني‪ :‬التيسير‪ ،‬ص‪192‬؛ السرقسطي‪ ،‬أبو طاهر إسماعيل بن خلف‬
‫(‪1405‬هـ)‪ :‬العنوان في القراءات السبع‪ ،‬ص‪ ،1677‬تحقيق‪ :‬زاهد‪ ،‬زهير‪ ،‬العطية‪ ،‬خليل‪ ،‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫أنهم إذا أُ ْد ِخلُوا؛ َد َخلُوا‪َ ،‬فن َسب ُّ‬


‫(‪)1‬‬
‫الدخول إليهم ‪ ،‬وهذا المعنى ورد به القرآن الكريم مع‬

‫(د َخ َل) ومع غيره‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﯛ ﯜ ﯝ} [سورة الحجر‪،]46:‬‬


‫َ‬

‫وقوله‪{ :‬ﭾ ﭿ ﮀ} [سورة النحل‪ ،]29:‬وقوله‪ { :‬ﯧ ﯨ ﯩ } [سورة‬

‫البقرة‪ ]161:‬وانما اهلل‪ ‬هو الذي أماتهم كما قال‪{ :‬ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ} [سورة‬

‫النجم‪ ،]44:‬فوقع في القرآن الكريم نسبة الفعل إلى الفاعل على معنى الشرط‪ ،‬فال يقع‬

‫(ي ْد َخلُون)‬
‫أما من ق أر بـ ُ‬
‫دخولهم إال بعد إذنه‪ ،‬كما أنه ال يقع موتهم إال بعد إماتته‪ ‬لهم‪ ،‬و َّ‬

‫الم ْد َخلين من المؤمنين‪ ،‬فهم مفعولون في المعنى على‬


‫فقد أسند الفعل فيه لغير هؤالء ُ‬

‫هذه القراءة‪ ،‬ويكون معنى القراءة على هذا النحو‪َّ :‬‬


‫أن المؤمنين ال يدخلون الجنة حتى‬

‫ُي ْد ِخلَهم اهلل َّإياها‬


‫(‪)2‬‬
‫ون)؛‬‫ُ‬‫ق‬
‫ز‬
‫ُْ َ‬ ‫َ‬‫ر‬‫ي‬ ‫(‬ ‫اآلية‪:‬‬ ‫نفس‬ ‫في‬ ‫تاله‬ ‫الذي‬ ‫الفعل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫به‬
‫يقر‬ ‫هذا‬ ‫ولعل‬ ‫‪،‬‬

‫ليتفقا بلفظ واحد في بنائهما للمجهول‪ ،‬ويشهد لهذا المعنى ما ورد في قوله‪ { :‬ﰃﰄ‬

‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ} [سورة األعراف‪.]43:‬‬

‫بعض توجيهات هاتين القراءتين التي ذكرها بعض أهل العلم–على جاللة‬

‫قدرهم– ال تشفي غليل الباحث في البيان القرآني لصور ذلك التغير‪ ،‬فقد جاء على‬

‫لسان بعض ِم َّمن وجه هاتين القراءتين بأن المعنيين متداخالن؛ بحجة أنهم إذا أُ ْد ِخلُوا‬

‫دخلون واحد‪،‬‬
‫وي َ‬
‫دخلون ُ‬ ‫دخلوا‪ ،‬واذا أَ ْد َخلَهم اهلل‪َّ ‬‬
‫الجنة دخلوا‪ ،‬قال أبو زرعة‪" :‬فمعنى َي ُ‬

‫قال‪{ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ} [سورة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪316‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن خالويه‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪316‬؛ الفارسي‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪114/6 ،‬‬
‫‪139‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫إبراهيم‪ ،]23:‬وقال‪{ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﮩ} [سورة النساء‪ ،]58-57:‬فهم مفعولون وفاعلون" ‪ ،‬قال ابن عاشور‪" :‬وق أر‬

‫الجمهور يدخلون الجنة بفتح الياء‪ ،‬وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم‬
‫(‪)2‬‬
‫بضمها وفتح الخاء‪ ،‬والمعنى واحد" ‪ ،‬ويرى الباحث اختالفًا في داللتي البِنيتين وهو ما‬

‫يبيِّنه الباحث في هذا الموضع‪.‬‬

‫(دخل) في معاجم اللغة وغريب القرآن‪ :‬نقيض الخروج‪ ،‬ويستعمل في المكان‪،‬‬


‫(‪)3‬‬
‫والزمان‪ ،‬واألعمال ‪ ،‬وهذا جلي في استعماالت (دخل) في لغتنا الدارجة تقول‪ :‬دخلت‬

‫المسجد‪ ،‬ودخل رمضان‪ ،‬ودخلت في ُّ‬


‫الن ُسك‪ ،‬وهذه الداللة ال شك وأنها مقصودة‬

‫سي َبِّينه الباحث في حينه‪.‬‬


‫ومستصحبة مع بنيتي الفعلين‪ :‬المعلوم والمجهول‪ ،‬وهو ما ُ‬

‫قوله‪ ‬في اآليات من سورة غافر‪{ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ} [سورة‬

‫غافر‪ ]40:‬من جملة المقاالت المعطوفة بالواو التي جاءت على لسان مؤمن آل فرعون‪،‬‬

‫وقد كانت في جملتها مقاالت متفرقة هذه إحداها‪ ،‬والالفت فيها بروز عنصر المقارنة‬

‫بين حياتين‪ :‬حياة المعاصي والسيئات‪ ،‬وحياة الطاعات والعمل الصالح‪ ،‬قال الطبري‪:‬‬

‫"من عمل بمعصية اهلل‪ ‬في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬فال يجزيه اهلل‪ ‬في اآلخرة إال سيئة‬

‫(‪ )1‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪633‬‬


‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪151/24 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪309‬؛ الحلبي‪ ،‬السَّمين(‪1996‬م)‪ :‬عمدة الحفاظ في تفسير أشرف‬
‫األلفاظ‪ ،6/2 ،‬تحقيق‪ :‬عيون السود‪ ،‬محمد باسل‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫مثلها‪ ،‬وذلك أن يعاقبه بها‪ ،‬ومن عمل بطاعة اهلل‪ ‬في الدنيا‪َ ،‬وأْتمر ألمره‪ ،‬وانتهى‬

‫فيها عما نهاه عنه من رجل أو امرأة وهو مؤمن باهلل‪ .... ‬فالذين يعملون ذلك من‬
‫(‪)1‬‬
‫عباد اهلل‪ ‬يدخلون في اآلخرة الجنة" ‪.‬‬

‫وجماال في رسم مالمح تفضيل‬


‫ً‬ ‫إبداعا‬
‫ً‬ ‫لقد شهدت تلك المقارنة بين الحياتين‬

‫الطاعة على المعصية وعاقبة الصالحات على السيئات‪ ،‬فمن ذلك أنه جعل للسيئة‬

‫وتقدير‪ ،‬فقال‪( :‬من عمل سيئة فال ُيجزى إال مثلها)‪ ،‬أما جزاء الطاعة فخارج عن‬
‫ًا‬ ‫حسابا‬
‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫الس َعة" ‪ ،‬قال قتادة‪" :‬ال واهلل‬
‫الحساب‪" :‬بل ما شئت من الزيادة على الحق‪ ،‬والكثرة‪ ،‬و َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ما ُه َنا ُكم مكيال وال ميزان" ‪ ،‬ثم َّ‬
‫إن في اآلية التفاتًا من نوع بديع قلما ُي ْفطَن إليه‪،‬‬

‫محصله االلتفات في جملة جواب الشرط من الفعلية‪{ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬

‫ﯬ} [سورة غافر‪ ]40:‬إلى االسمية‪ { :‬ﯷ ﯸ ﯹ} [سورة غافر‪،]40:‬‬

‫وداللة االسمية في هذا المقام مستحسن بديع‪ ،‬فاالسمية تدل على الثبوت واالستقرار‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫والفعلية على التجدد واالستمرار ‪ ،‬يقول الجرجاني‪" :‬االسم يثبت به المعنى للشيء من‬

‫أما الفعل فموضوعه على َّأنه يقتضي ت ُّ‬


‫جدد‬ ‫شيئا بعد شيء‪ ،‬و َّ‬ ‫غير أن يقتضي ُّ‬
‫تجد َده ً‬

‫(‪ )1‬جامع البيان‪390/21 ،‬‬


‫(‪ )2‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪168/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬الطبري‪ :‬مرجع سابق‪390/21 ،‬‬
‫(‪ُ )4‬ينظَر‪ :‬الزركشي‪ :‬البرهان ‪66/2‬؛ السيوطي‪ :‬اإلتقان‪316/2 ،‬؛ السامرائي‪ ،‬فاضل صالح(‪2007‬م)‪ :‬معاني‬
‫عمار‪.‬‬
‫عمان‪ :‬دار َّ‬
‫األبنية في العربية‪ ،‬ص‪ ،9‬ط‪َّ ،2‬‬
‫‪141‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫شيئا بعد شيء" ‪ ،‬وعليه فنعيم كنعيم الجنة إنما هناؤه في‬ ‫المعنى المثبت به ُّ‬
‫تجدده ً‬

‫عاوَد تفضيل النعيم بوجه آخر‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫ديمومته؛ ولئال يكون هذا الهناء واالستقرار م ْملُوًال َ‬

‫(يدخلون) بالمضارع الذي يفيد التجدد والحركة‪ ،‬فهم أي‪ :‬أهل الجنة جمعوا بين ديمومة‬

‫ِّ‬
‫ومالذه‪.‬‬ ‫ِعيشتهم‪ ،‬وهنائهم في الجنة مع تجدد هذا النعيم وتنوع صروفه‬

‫ومن مالمح التفضيل التي حفلت به اآلية ما ورد فيها مع ذكر الصالحات‬

‫الع َّمال إلى ذكور واناث‪ ،‬بما يشي باهتمام واحتياط لجميع العاملين‪ ،‬كما َّ‬
‫أن‬ ‫من تقسيم ُ‬

‫جبر للنفوس َّ‬


‫السيما اإلناث منهم‪ ،‬وذلك "الحتمال النقص‪ ،‬إذ لوحظ نقص ع َّ‬
‫ملهن‬ ‫ِ‬
‫فيه ًا‬
‫(‪)2‬‬
‫في مدة الحيض ونحوه" ‪ ،‬وصدر جملة الجزاء االسمية باسم اإلشارة‪ ،‬وجعل العمل‬

‫الَّذي هو اإليمان ُعمدةً في هذا الباب بأن سبَّقه قبل الجواب بما يجعله ً‬
‫ركنا من أركان‬

‫الزما من لوازمه‪ ،‬والمعنى المفهوم منه‪" :‬إنكم إن ِمتُّ ْم على الشرك والعمل السيء‬
‫الشرط و ً‬
‫(‪)3‬‬
‫ال تدخلونها" ‪ ،‬وعليه فمحصل هذه المقارنة التي أسهب فيها الباحث بين عاقبتي‬

‫السيئات والطاعات بيان عدل اهلل‪ ‬في عقابه‪ ،‬وفضله في ثوابه‪ ،‬وهذا ظاهر في تغليب‬

‫رحمته‪ ‬على غضبه‪ ،‬حيث ضوعفت لمن استحقها من عباده‪ ،‬ولم يضاعف موجب‬

‫(‪ )1‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر(د‪.‬ت)‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪ ،174‬تحقيق‪ :‬شاكر‪ ،‬محمود محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫الخانجي‪.‬‬
‫سير البيض ِاوي‪ ،‬ا ْلمس َّماة‪ِ :‬عَنايةُ القاضي ِ‬ ‫الشه ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وكفَايةُ‬ ‫َُ‬ ‫اب َعلَى ت ْف ِ َ َ‬‫(‪ )2‬الخفاجي‪ ،‬شهاب الدين أحمد(د‪.‬ت)‪َ :‬حاشيةُ َ‬
‫يضاوي‪ ،371/7 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪.‬‬‫الب َ‬ ‫الراضي َعلَى ت ْف ِ‬
‫سير َ‬
‫(‪ )3‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪151/24 ،‬‬
‫‪142‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫غضبه‪ ،‬حيث لم يزد في جزاء السيئات‪ ،‬بل قال‪{ :‬ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ}‬

‫(‪)1‬‬
‫[سورة غافر‪. ]40:‬‬

‫لم يشأ الباحث أن يتجاوز تلك المقارنة بين عاقبة السيئات والحسنات؛ ألنها‬

‫كثير من داللة ما نحن بصدد تحليله وبيان داللته‪( :‬يدخلون) بِبِْنيتَ ِ‬


‫يه المعلوم‬ ‫تقرب ًا‬
‫ِّ‬
‫َ‬

‫والمجهول‪.‬‬

‫(ي ْد ُخلون) بالمعلوم أضيف الفعل إلى الداخلين‪ ،‬ورد بهذا المعنى آيات في‬
‫مع َ‬

‫القرآن الكريم‪ ،‬من مثل قوله‪{ :‬ﯛ ﯜ ﯝ} [سورة الحجر‪ ،]46:‬وقوله‪:‬‬

‫{ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ} [سورة النحل‪ ]32:‬وهو أمر لهم بالدخول‪ ،‬واآلمر هو‬

‫اهلل‪ ،‬وفي بناء الفعل ( َد َخ َل) للمعلوم في هذا الموضع إشارة‪-‬واهلل أعلم‪-‬إلى أن أعمالهم‬

‫الصالحة أهلتهم لدخول الجنة‪ ،‬وكأنهم يدخلون الجنة هم بأعمالهم التي اجتهدوا عليها‬

‫في الدنيا‪" ،‬فالقراءة بالمعلوم ال تلغي كسب اإلنسان في تحديد مصيره يوم القيامة‪ ،‬وأن‬
‫(‪)2‬‬
‫خيرا‪ ،‬فُ ِه َم ذلك من إسناد الدخول إليهم" ‪ ،‬وال يتم هذا المعنى‬
‫خير يحصد ً‬
‫الذي يسلف ًا‬

‫على إطالقه إال باستيفاء شقِّه اآلخر‪ُ :‬‬


‫(ي ْد َخلُون) بالمجهول‪ ،‬ففي إضافة الفعل إلى‬

‫يتغمدهم المولى برحمته‬


‫شيئا ما لم َّ‬ ‫غيرهم اعتراف ضمني َّ‬
‫بأن أعمالهم ال تُغني عنهم ً‬

‫نت ال تكون ملزمة هلل‪ ‬أن يدخلهم الجنة‪ ،‬إال‬


‫وحس ْ‬
‫وفضله‪ ،‬وأن أعمالهم مهما عظُمت ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الخفاجي‪ :‬حاشية الشهاب‪371/7 ،‬‬


‫(‪ )2‬الجمل‪ ،‬محمد(‪2005‬م)‪ :‬الوجوه البالغية في توجيه القراءات القرآنية المتواترة‪ ،‬ص‪ ،433‬األردن‪ :‬جامعة‬
‫اليرموك(دكتوراة)‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫بتفضُّل منه ورحمة ‪ ،‬كما في حديث أبي هريرة‪ ¢‬قال سمعت رسول اهلل‘ يقول‪:‬‬

‫أحدا عمله الجنة! قالوا‪ :‬وال أنت يا رسول اهلل!؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬وال أنا؛ إال أن‬
‫دخل ً‬
‫((لن ُي َ‬
‫(‪)2‬‬
‫يتغمدني اهلل بفضل ورحمة‪ِّ ،‬‬
‫فسددوا وقاربوا‪. ))...‬‬ ‫َّ‬

‫وحتى ال ُيفهم أن ثََّم تعارض بين هذين المعنيين‪ ،‬يمكن القول بأن قراءة المعلوم‬

‫َّنبهت على أن دخول الجنة لن يكون إال بعمل صالح؛ فال مجال للبطَّالين والمفِّرطين‪،‬‬

‫كما نبهت قراءة المجهول على َّ‬


‫أن هذا العمل ليس وحده المعيار في دخولهم الجنة بل‬

‫رضا اهلل‪ ‬عن العمل‪ ،‬وقبوله لصاحبه‪ ،‬وهذا من تكامل بيان القرآن الكريم واعجازه‪،‬‬

‫(يدخلون) سرعة استجابة منهم للنداء‬


‫وقد رأى بعض الباحثين أن في بنية المعلوم‪َ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫الرباني بدخول الجنة حيث أمرهم اهلل‪ ‬بالدخول؛ فدخلوا ‪ ،‬وال يرى الباحث وجه تفضيل‬

‫الحكم‬
‫نظر للسياق ونمط الخطاب الذي وردتا به‪ ،‬ولو كان ُ‬
‫لقراءة المعلوم على المجهول ًا‬

‫على إطالقه بأنهم كانوا أسرع في االستجابة وتلبية النداء على قراءة المعلوم‪ ،‬لكان في‬

‫حصلوه بإبطائِ ِهم تلبية النداء وسرعة‬


‫قراءة المجهول انتقاص لِقَ ْد ِرِهم وقدر النعيم الذي َّ‬

‫االستجابة له‪ ،‬وليس األمر كذلك‪-‬واهلل أعلم‪.-‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬بو حوش‪ ،‬غنية (‪2014‬م)‪ :‬القراءات القرآنية وأثرها في الدراسات اللغوية والشريعة‪ ،‬قراءة أبي عمرو‬
‫أنموذجا‪ ،‬ص‪ ،276‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬عالم الكتب الحديث‪ُ ،‬ينظر‪ :‬الجمل‪ :‬الوجوه البالغية في توجيه القراءات‪،‬‬
‫ً‬ ‫البصري‬
‫ص‪.433‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المرضى‪ ،‬باب نهي تمني المريض الموت‪ ،‬ح(‪)5349‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الغفاري‪ ،‬محمد توفيق(‪2013‬م)‪ :‬الوجهة البالغية للقراءات القرآنية في كتاب الحجة ألبي علي‬
‫الفارسي‪ ،‬ص‪ ،90‬غزة‪ :‬الجامعة اإلسالمية (ماجستير)‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫وهلل َد ُّر تلك العقلية التي ناقش بها أبو علي الفارسي صورة تغير هذا الفعل‪،‬‬

‫(يدخلون)‬
‫وما أبدع المشهد الذي رسمه حين تناول هذه الصورة‪ ،‬فهو يرى أنهم مع الفعل َ‬
‫(‪)1‬‬
‫(يدخلون) يكون حالهم عند سوق المالئكة لهم ‪ ،‬وهو‬
‫يكونون بمحض إرادتهم‪ ،‬ومع ُ‬

‫يشير بذلك إلى دخولهم الجنة بواسطة على قراءة المجهول‪ ،‬وهم المالئكة الذين يسوقونهم‬

‫إليها كما قال‪{ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ\} [سورة الزمر‪.]73:‬‬

‫وقال‪{ :‬ﮗ ﮘﮙﮚ ﮛﮜ} [سورة مريم‪ ،]85:‬هذا الدخول موسوم باليسر‬

‫والسهولة بما يفيد مزيد اعتناء وتشريف لهم على عادة الداللة المصاحبة لبناء الفعل‬

‫للمجهول‪.‬‬

‫لقد أخذت كل قراءة بمجامع البيان‪ ،‬وتالبيب البالغة حين صورت مشهد دخول‬

‫المؤمنين للجنة من زوايا مختلفة‪ ،‬فتارة يدخلون ُهم بأنفسهم ِّ‬


‫ملبين نداء اآلمر الكريم‪،‬‬

‫مستجيبين له‪ ،‬وكأ َّن داعي الشوق يدفعهم دفعا لسرعة االستجابة؛ لمعاينة ذلك النعيم‬

‫الذي لطالما بذلوا له أعمالهم‪ ،‬وأفنوا ألجله أعمارهم‪ ،‬وهذا لون من التكريم والجزاء والنعيم‬

‫محلِّه‪ ،‬قد تربَّع دار الكرامة بمحض اختياره‪ ،‬له حرية‬


‫ناهيا في َ‬
‫آمر ً‬‫بأن يكون الرجل ًا‬

‫التصرف بما شاء فيها إك ار ًما من اهلل‪ ‬لهُ‪ ،‬وتارة ُنعاينهم في موكب الملوك والضيوف‬

‫َّ‬
‫المعزِز‪ ،‬تستقبلهم المالئكة وتريهم أماكنهم في الجنة‪ ،‬وتبتهج‬ ‫الكرام ِيفدون وفادة الكريم‬

‫لدخولهم‪ ،‬قد استقر في أنفسهم أن رحمة اهلل‪ ‬سبقت غضبه‪ ،‬و َّ‬
‫أن أعمالهم مرهونة‬

‫برضاه عنهم‪ ،‬وقبوله لهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪114/6 ،‬‬


‫‪145‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫يشوق النفوس للدار اآلخرة‪ ،‬وال‬ ‫لقد َّ‬


‫تعددت صور اإلكرام للداخلين الجنةَ بما ِّ‬

‫يمنع‪-‬واهلل أعلم‪-‬أن يكون دخولهم إلى الجنة تارة كذا‪ ،‬وتارة كذا فيتعدد الدخول‪ ،‬هذا‬

‫(د َخ َل) التي سبق أن أشار إليها الراغب في أنها تستعمل في‬ ‫ُّ‬
‫التعدد ُيستأنس لهُ بداللة َ‬
‫(‪)1‬‬
‫المكان‪ ،‬والزمان‪ ،‬واألعمال ‪ ،‬وهي جميعها تنسجم مع صورة تغير بنية الفعل من‬

‫وزمانا‪ ،‬وبأعمال)‪ ،‬لم ُي َع َّرف الدخول أو‬


‫ً‬ ‫(مكانا‪،‬‬
‫ً‬ ‫المعلوم إلى المجهول‪ ،‬فيدخلون الجنة‬

‫يفصل؛ لتذهب النفس كل مذهب ولتتَّسع الداللة على كل المعاني المرادة والمتاحة‪،‬‬
‫َّ‬

‫تسل عنهُ‪ ،‬كما‬


‫أما منتهاهُ فال ْ‬
‫محصلها رضاهم عن هذا الدخول الذي هو مبتدأ اإلكرام‪َّ ،‬‬

‫قال‪{ :‬ﭼ ﭽ ﭾ } [سورة الحج‪.]59:‬‬

‫التصرف‬
‫ُّ‬ ‫وفرع مسالكه‪ ،‬فتارة جعل لهم التملُّك ومطلق‬
‫نوع‪ ‬لهم صنوف النعيم َّ‬
‫َّ‬

‫(يدخلون)‪ ،‬وعلى كال القراءتين‬


‫(يدخلون)‪ ،‬وتارة جعلهم ضيوفًا ُمكرمين بقراءة ُ‬
‫بقراءة َ‬

‫(زمانا) على وجوه‬


‫ً‬ ‫(مكانا)‪ ،‬ومثلها‬
‫ً‬ ‫وي ْد َخلُون‬
‫دخلُون ُ‬
‫وي ْد َخلُون (بأعمالهم)‪ ،‬وقد َي ُ‬
‫دخلُون ُ‬
‫َي ُ‬

‫اإلكرام والنعيم التي سبق بيانها في حقِّهم‪ ،‬كل تلك المعاني رسالة لقضية واحدة سطرتها‬

‫اآليات‪ ،‬وعززتها في نفوس المؤمنين‪ :‬مفادها‪" :‬اإلقبال على محاسن األعمال‪ ،‬وترك‬
‫(‪)2‬‬
‫السيء من الخالل" ‪ ،‬حقا يبقى القرآن الكريم جامع البيان وذروة سنام البالغة‬

‫واإلعجاز‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪309‬‬


‫(‪ )2‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪73/17 ،‬‬
‫‪146‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫‪ -‬يسأل‪-‬يُسأل‪َ :‬‬

‫يمثِّل الحديث عن اليوم اآلخر في القرآن الكريم نم ً‬


‫طا من اإلعجاز البياني‬

‫التأمل في دالالته‪ ،‬ولقد شهدت صورة التغير التي سيناقشها الباحث‬


‫يجدر الوقوف عليه و ُّ‬

‫(ي ْسأَل) بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في قوله‪{ :‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ}‬
‫للفعل َ‬

‫[سورة المعارج‪ ]10:‬لوحة فنية بديعة من تلك الصور التي ينقلها القرآن الكريم بغرض‬

‫استعدادا للقاء اهلل‪.‬‬


‫ً‬ ‫تعظيم شأن ذلك اليوم في قلوب المؤمنين؛‬

‫في هذا الموضع من سورة المعارج وصف اهلل‪ ‬يوم القيامة بصفات عدة‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فالسماء فيه كالمهل‪ ،‬قال الحسن‪" :‬مثل الفضة إذا أُذيبت" ‪ ،‬والجبال كالعهن أي‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الصوف المصبوغ ألو ًانا ‪ ،‬ثم ساق المولى‪ ‬ما نحن بصدد الحديث عنه‪{ :‬ﰄ ﰅ‬

‫(يسأل) بِبناء الفعل للمعلوم‪ ،‬وق أر أبو‬


‫ﰆ ﰇ} [سورة المعارج‪ ،]10:‬ق أر الجمهور َ‬
‫(‪)3‬‬
‫(يسأل) بِالبناء للمجهول ‪.‬‬
‫جعفر وابن كثير من طريق البزي ُ‬

‫(يسأل) على ثالثة أوجه‪ :‬إما على تقدير حرف‬


‫العلماء قراءة المعلوم َ‬
‫ُ‬ ‫خرج‬
‫َّ‬

‫يم ِه‪َّ " ،‬‬


‫يتعرف شأنه من جهته‪ ،‬كما‬ ‫حم ِ‬
‫الجر (عن)‪ ،‬والمعنى فيه‪ :‬ال يسأل حميم عن ِ‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪641/30 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرازي‪ :‬نفسه‪641/30 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن جبارة‪ :‬الكامل في القراءات العشر‪ ،‬ص‪651‬؛ المقرئ تاج الدين‪ ،‬عبد اهلل بن الوجيه‬
‫الواسطي(‪2004‬م)‪ :‬الكنز في القراءات العشر‪ ،692/2 ،‬تحقيق‪ :‬المشهداني‪ ،‬ط‪ ،1‬خالد‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الثقافة‬
‫الدينية؛ ابن الجزري‪ :‬النشر‪.390/2 ،‬‬
‫‪147‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫خبر لصديقه من جهة صديقه" ‪ ،‬فحذف حرف الجر وأوصل الفعل‪ ،‬وانتصب‬
‫يتعرف ًا‬

‫المفعول (حميما) به‪ ،‬أو على عدم تقدير حرف الجر‪ ،‬المعنى‪ :‬ال يسأل حميم ِ‬
‫حمي َمه‪:‬‬ ‫ً‬

‫كيف حالك؟ وال يكلمه‪ ،‬والمانع من السؤال على هذين الوجهين‪ :‬االنشغال بأحداث ذلك‬

‫ونهُم‪ :‬استئناف‪ ،‬أو حال تدل‬


‫َّر َ‬
‫اء ُهم عن األنظار‪ ،‬قال البيضاوي‪"ُ :‬ي َبص ُ‬
‫اليوم‪ ،‬ال َخفَ َ‬

‫على أن المانع من هذا السؤال هو التشاغل دون الخفاء‪ ،‬أو ما يغني عنه من مشاهدة‬
‫(‪)2‬‬
‫الحال كبياض الوجه‪ ،‬وسواده" ‪ ،‬قال قتادة‪" :‬كما قال‪{ :‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ}‬

‫(‪)3‬‬
‫[سورة عبس‪ ،" ]37:‬ثالث الوجوه على تقدير مفعول ثان محذوف تقديره‪ :‬ال يسأله‬
‫(‪)4‬‬
‫نصره‪ ،‬وال شفاعته‪ ،‬وال اإلحسان إليه‪ .‬قال السمين‪" :‬لعلمه َّ‬
‫أن ذلك مفقود" ‪ ،‬ومن يدقق‬

‫خرج القراءة على وجه من الوجوه‬


‫انسجاما بين تلك المعاني التي قصدها من َّ‬
‫ً‬ ‫النظر يرى‬

‫السابقة‪ ،‬كما يلحظ أن عامل الدهشة واالنشغال بأحداث ذلك اليوم هي التي تسيِّر إيقاع‬

‫اآليات وتوجه صنوف االختالف بين هذه القراءات بما يجعلها محطَّ تأمل واعتناء كما‬

‫سيأتي‪.‬‬

‫(يسأل) ف ُخِّرجت على معنى‪ :‬أين حميمك؟! أي‪" :‬ال يقال‪ :‬للحميم‬
‫أما القراءة بـ ُ‬
‫َّ‬
‫(‪)5‬‬
‫ونهُم فال يحتاجون إلى‬
‫َّر َ‬
‫أين حميمك؟ وال يطلب منه إحضاره" ‪ ،‬وعلة ذلك أنهم‪"ُ :‬ي َبص ُ‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪641/30 ،‬‬


‫(‪ )2‬البيضاوي‪ ،‬ناصر الدين أبو سعيد عبد اهلل بن عمر(‪1418‬هـ)‪ :‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪،245/5 ،‬‬
‫تحقيق‪ :‬المرعشلي‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫(‪ )3‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪285/18 ،‬‬
‫(‪ )4‬الدر المصون‪453/10 ،‬‬
‫(‪ )5‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪610/4 ،‬‬
‫‪148‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫يما‬ ‫السؤال والطلب"(‪ ،)1‬قال ابن عطية‪" :‬ال يسأل أحد إحضاره؛ ألن كل مجرم له ِ‬
‫س‬
‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ويع َجب الباحث من قول الفراء بعدم‬
‫ُيعرف بها‪ ،‬وكذلك كل مؤمن له سيما خير" ‪ْ ،‬‬

‫اشتهائه لهذه القراءة؛ كونها مخالفة للتفسير عنده‪ ،‬يقول‪" :‬ولست أشتهي ذلك‪-‬يعني‬
‫(‪)3‬‬
‫(ي ْسأَ ُل)" ‪ ،‬وهذا القول يؤدي‬ ‫ُي ْسأل‪-‬؛ ألنه مخالف للتفسير؛ و َّ‬
‫ألن القراء مجتمعون على َ‬

‫إلى ِّ‬
‫رد القراءة أو االعتراض عليها‪ ،‬وهذا منهج غير مألوف عند الفراء¬‪ ،‬كما أنه‬

‫نهج لم يرتضه العلماء المحققون من أهل التفسير واللغة‪ ،‬فاإلمام الزركشي على سبيل‬

‫المثال يحكي عن الكواشي قوله في ترجيح إحدى القراءتين على األخرى‪" :‬ينبغي التنبيه‬

‫جيحا يكاد ُيسقط القراءة‬


‫على شيء وهو أنه قد نرجح إحدى القراءتين على األخرى تر ً‬
‫(‪)4‬‬
‫األخرى وهذا غير مرضي؛ َّ‬
‫ألن كلتيهما متواترة" ‪ ،‬ويقول النحاس‪" :‬والديانة تحظر‬

‫الطعن على القراءة التي ق أر بها الجماعة‪ ،‬وال يجوز أن تكون مأخوذة إال عن النبي‪‬‬

‫وقد قال‪( :‬أُنزل القرآن على سبعة أحرف)‪ ،‬فهما قراءتان حسنتان‪ ،‬ال يجوز أن تُقَ َّدم‬
‫(‪)5‬‬
‫إحداهما على األخرى" ‪ ،‬فــ "السالمة عند أهل الدين أنه إذا صحت القراءتان عن‬

‫جميعا عن النبي‪ ‬فيأثم من قال ذلك‪ ،‬وكان‬


‫ً‬ ‫الجماعة أال يقال‪ :‬إحداهما أجود؛ ألنهما‬
‫(‪)6‬‬
‫رؤساء الصحابة‪ €‬ينكرون مثل هذا" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪610/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬المحرر الوجيز‪366/5 ،‬‬
‫(‪ )3‬معاني القرآن‪183/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬الزركشي‪ :‬البرهان‪338/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬إعراب القرآن‪708/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬النحاس‪ :‬نفسه‪538/3 ،‬‬
‫‪149‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫أن عالِ ًما جليل القدر كالفراء ما كان لينزع للقول بعدم اشتهاء القراءة‬
‫وال شك َّ‬

‫ُّ‬
‫فالظن به‪-¬-‬غير ذلك‪ ،‬ولعل القراءة لم يبلغه‬ ‫اختيار من عند نفسه‪،‬‬
‫ًا‬ ‫تشهيا أو‬
‫ً‬ ‫هكذا‬

‫تواترها‪ ،‬أو رأى فيها وجهًا ي ِّ‬


‫فضل األخرى عليها‪ ،‬فإن نظرة العلماء القدامى كانت صائبة‬

‫تمام الصواب‪ ،‬ذلك ألنهم نظروا إلى تلك القراءات بأنها من كالم الرب‪ ،‬فال يجوز‬

‫بذمها والعياذ باهلل‪ ،‬بخالف ما‬


‫ألحد أن يتج أر عليها‪ ،‬سواء أكان بترجيح غيرها عليها أم ِّ‬

‫لو كانت تلك القراءات باختيار القراء‪ ،‬أي إنها تابعة لما يجري عليه بحثهم ونهاية‬

‫تعظيما سوى أنها أراء‬


‫ً‬ ‫استنتاجهم فإنها َسُيفَضَّل عليها غيرها؛ ألنها ال تحمل قدسيةً وال‬

‫لعلماء يجوز لك أن تترك ما عندهم كما يجوز لك أن تأخذ منهم‪.‬‬


‫َ‬

‫إن االختالف الذي نجم عن تلك القراءات كان يحتمل أكثر من تفسير‪ ،‬هذا‬

‫التفسير كان من نصيب العلماء العارفين المتقنين لكتاب اهلل تعالى‪ ،‬فوجَّهوا تلك القراءات‬

‫من ناحية اإلعراب والمعنى‪ ،‬فأظهروا المعنى الذي من أجله قُرئ بهذا الوجه‪ ،‬وغرض‬

‫ومعنى‪ ،‬فال يسقط منها شيء‪ ،‬وعلى هذا ال يجوز‬


‫ظا ً‬ ‫التوجيه إعمال جميع القراءات لف ً‬

‫اختيار قراءة من القراءات وترك ما سواها‪ ،‬وال أن ُيرجَّح بين القراءات بتفضيل بعضها‬

‫على بعض‪ ،‬وال أن توصف قراءة من القراءات بأنهـا غيـر صحيحة أو أنها مخالفة‬

‫ذمها‪.‬‬
‫لقراءة غيرها‪ ،‬ناهيك عن ِّ‬

‫معا‪ ،‬وهو منهج اختطه الباحث في تناوله‬


‫فاألولى بالصواب إ ًذا إعمال القراءتين ً‬

‫لمواضع الخالف بين القراء‪ ،‬حيث تعامل مع الخالفات بين أوجه القراءات على أنها‬

‫كل من عند اهلل‪ ،‬ال ينبغي رد قراءة متواترة ثابتة عن النبي‪ ‬بحجة أن من أهل العلم‬

‫‪150‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫َمن ردها أو فضل غيرها عليها‪ ،‬وال ضير على الباحث هنا أن يدع قول الفراء بعدم‬

‫جانبا لِ َما خالف عليه إجماع السابقين من القول بحجية القراءة‬


‫اشتهائه قراءة المجهول ً‬

‫المتواترة عنه‪ ،‬ولننظر في الدالالت المتوافرة عن صورة التغير من المعلوم إلى‬

‫المجهول في هذا الموضع من اآلية‪.‬‬

‫قليال إلى أوصاف اليوم اآلخر‬


‫وحتى نفهم هذه الداللة يعود الباحث بالتأمل ً‬

‫التي أكثر منها القرآن الكريم بصور شتَّى‪ ،‬فمنها على سبيل المثال قوله‪{ :‬ﭜ‬

‫ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬

‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ} [سورة الحج‪ ،]2:‬وقوله‪{ :‬ﭼ‬

‫ﭽ ﭾ} [سورة الشعراء‪ ،]91:‬وقوله‪{ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫ﭮ ﭯ ﭰ} [سورة الفرقان‪ .]22:‬مشهد اليوم اآلخر برمته قائم على المعاينة‬

‫ألحداث ذلك اليوم‪ ،‬وهي أحداث طويلة بمرائيها وبما يقع فيها‪ ،‬كما أنها طويلة في ِحس‬

‫من يقع عليهم الحساب فيؤمرون إما إلى الجنة أو إلى النار‪ ،‬تلك األوصاف العظيمة‬

‫قرع اهلل‪ ‬بها قلوب عباده تناسب وتهيئ لحالة السؤال التي وردت بها القراءتان‪،‬‬
‫التي َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ولما كان "السؤال استدعاء معر ِ‬
‫فة ما يؤدي إليها" ؛ فقد قطعت القراءتان كل سبيل‬

‫(يسأل)‪.‬‬
‫(يسأل)‪ ،‬وتارة بالمجهول ُ‬
‫للوصول لتلك المعرفة أو ما يؤدي إليها‪ ،‬تارة بالمعلوم َ‬

‫(‪ )1‬السمين‪ :‬عمدة الحفاظ‪160/2 ،‬‬


‫‪151‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫لقد بلغ من هول ذلك اليوم العظيم وتالحق أحداثه‪ ،‬أن ُش ِغل الكل بنفسه فال‬

‫هم له غيرها‪ ،‬قال الشوكاني‪" :‬وليس في القيامة مخلوق إال وهو نصب عين صاحبه‪،‬‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫كل أحد منهم بنفسه" ‪ ،‬ومح ُّل االشتغال‬
‫بعضا؛ الشتغال ِّ‬
‫وال يتساءلون وال يكلم بعضهم ً‬

‫هو العمل الذي يرفع الدرجات ذلك اليوم‪ ،‬أو يخفضها‪ ،‬قال القرطبي‪" :‬ال يسأل حميم‬

‫ِ‬
‫حميمه‪ ،‬وال ذو قرابة عن قرابته‪ ،‬بل كل إنسان ُيسأَل عن عمله‪ ،‬نظيره قوله‪:‬‬ ‫عن‬
‫(‪)2‬‬
‫{ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ} [سورة المدثر‪. "]38:‬‬

‫لقد أبرزت قراءة المعلوم الحالة النفسية التي عليها السائل والمسؤول المتمثلة‬

‫في انشغال كل بنفسه‪ ،‬فال سؤال يقع من السائل عن المسؤول أموجود هو بين الناس!‪،‬‬

‫ولما فُِقد األمل في كل‬


‫موجودا فال يسأله عن حاله ووجهته ووصفه؟ َّ‬
‫ً‬ ‫أم ال؟ وان كان‬

‫نصر وال شفاعة‪ ،‬وهكذا قطعت قراءة‬


‫نفع يقع من العباد في ذلك اليوم؛ فإنه ال يسأله ًا‬

‫المعلوم كل سبيل للمعرفة يمكن أن يصل إليها السائل‪ ،‬بما يدل على تقطع األسباب‬

‫فضال عن األباعد؛ الشتغال ِّ‬


‫كل بنفسه‪" ،‬ال يلتفت‬ ‫ً‬ ‫واألنساب في ذلك اليوم بين األقارب‬
‫(‪)3‬‬
‫منهم أحد إلى خارج نفسه‪ ،‬وال يجد فسحة في شعوره لغيره" ‪.‬‬

‫(يسأَل) قطعت سبيل المعرفة من وجه آخر‪ ،‬صحيح أَّنها‬


‫ثم إن قراءة المجهول ُ‬

‫أكدت انقطاع المعرفة عن المسؤول الذي هو ذات السائل في قراءة المعلوم‪ ،‬لكنها زادت‬

‫(‪ )1‬الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي(‪1992‬م)‪ :‬فتح القدير الجامع بين َّفني الرواية والدراية من علم التفسير‪،347/5 ،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عميرة‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الوفاء‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجامع ألحكام القرآن‪285/18 ،‬‬
‫(‪ )3‬قطب‪ ،‬سيد(‪2002‬م)‪ :‬مشاهد القيامة في القرآن‪ ،‬ص‪ ،218‬ط‪ ،14‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫(حميما)‪ ،‬هو أنه ال ُيطلب إحضاره من ِقبل المسؤول‬


‫ً‬ ‫معنى آخر يتعلق بالمسؤول عنه‪:‬‬
‫ً‬
‫المشار إليه آنفًا‪ ،‬ولما لم يتحصَّل السؤال عن الحال والعاقبة وطلب النفع على قراءة‬

‫المعلوم؛ ْلم يتحصَّل طلب اإلحضار والمثول والمعاينة على قراءة المجهول‪ ،‬كون تلك‬

‫جميعا على هاتين القراءتين ال اعتبار لها في هذا المقام‪ ،‬كما أنها ليست‬
‫ً‬ ‫المتعلقات‬

‫محل اهتمام‪ ،‬فالشغل الشاغل للجميع السائل والمسؤول‪ ،‬األقارب منهم و ِ‬


‫األح َّماء‪ ،‬هو‬

‫أن يسلموا من هول ذلك اليوم و ُك َربِ ِه وعنائه‪ ،‬فال يتفرغ أحد لسؤال أحد؛ ألن الجميع في‬

‫همها‬
‫المرِّوع جميع الوشائج‪ ،‬وحبس النفوس على ِّ‬
‫ذهول‪ ،‬والكل مشغول‪ ،‬قد "قطع الهول َ‬
‫ِّ‬
‫ولكل‬ ‫همه‪،‬‬
‫ويبصر بعضهم ببعض فيراه‪ ،‬ولكن لكل منهم ُّ‬
‫َّ‬ ‫فال تتعداه‪ ،‬وانهم ليتراءون‬
‫(‪)1‬‬
‫ضمير منهم شغله" ‪.‬‬

‫شيئا‪ ،‬فاألسباب‬
‫كشفت القراءتان عن ملمح تربوي مفاده‪ :‬ال تغني نفس عن نفس ً‬

‫تتقطع يوم القيامة‪ ،‬واألنساب تتالشى‪ ،‬وال ِع َّز يومها إال بالتقوى والعمل الصالح‪،‬‬

‫فْل َيشتغل اإلنسان بهما في الدنيا قبل أن ينشغل عن أقاربه وأحمائه يوم القيامة‪ ،‬هكذا‬

‫عبا‪،‬‬
‫يتناهى اإلخبار بعظمة ذلك اليوم إلى حد ال تحتمله القلوب‪ ،‬يمأل الحس روعة ور ً‬

‫ويزحم الخاطر بأحداثه وتفاصيله‪ ،‬ويصيب اإلنسان الذهول من هول ما يعاينه‪ ،‬كل‬

‫ذلك إيقاظًا للقلوب الغافلة أن تؤوب وتعود‪ .‬رزقنا اهلل حسن األوبة إليه‪.‬‬

‫(‪ )1‬سيد‪ :‬مشاهد القيامة في القرآن‪ ،‬ص‪218‬‬


‫‪153‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫‪ -‬ي ُغلَ‪-‬يُغلَ‪:‬‬

‫تحدثت اآليات في قوله‪{ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫ﮝﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ} [سورة آل عمران‪ ]161:‬عن نفي‬

‫ق بالنبي‪ ‬وهي الغلول‪ ،‬وتوعَّدت من يتصف بها‪ ،‬فعن مقسم‬


‫لص َ‬
‫َن تُ َ‬
‫صفة ذميمة أ ْ‬

‫مولى ابن عباس قال‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬نزلت هذه اآلية في قطيفة حمراء فُِقدت يوم بدر‪،‬‬

‫الناس‪َّ :‬‬
‫لعل رسول اهلل أخذها‪ ،‬فأنزل اهلل‪{ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮗﮘ‬ ‫فقال بعض َّ‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ} [سورة آل‬

‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(ي ُغ َّل) بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول ‪ ،‬ولدراسة‬
‫عمران‪ ، ]161:‬واختلف القراء في َ‬

‫ولم جاء‬
‫داللة صورة التغير بين الفعلين فإنه من المهم معرفة معنى الغلول في اللغة‪َ ،‬‬

‫(ي ُغل)؟ ثم لم شهد فكا للتضعيف في الموضع بعده في نفس‬


‫على بنية الفعل المضعف‪َ :‬‬

‫اآلية؟‬

‫غالال‬ ‫"غ َّل الرجل يغل غلوًال إذا خان في المغنم خاصة‪ ،‬وأ َّ‬
‫َغل إ ً‬ ‫يقول أهل اللغة‪َ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫"أغ َّل خان‪،‬‬ ‫(غ َّل) و(أ َّ‬
‫َغل)‪ ،‬فيقول‪َ :‬‬ ‫خان في المغانم وغيرها" ‪ ،‬ومنهم من لم يفرق بين َ‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪348/7 ،‬‬


‫(ي َغ َّل) ُينظر‪:‬‬
‫(ي ُغ َّل) على البناء للمعلوم‪ ،‬وق أر الجمهور على البناء للمجهول ُ‬
‫(‪ )2‬ق أر ابن كثير وأبو عمر وعاصم َ‬
‫ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص ‪218‬؛ ابن الجزري‪ :‬النشر‪343/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪500/11 ،‬‬
‫‪154‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫كأغ َّل" ‪ ،‬والغلل أصله‪َّ :‬‬
‫"تدرع‬ ‫وغ َّل غلوًال خان َ‬
‫فالنا نسبه إلى الغلول والخيانة‪َ ،‬‬
‫وأغل ً‬
‫(‪)2‬‬
‫(ي ُغ َّل) أي‪:‬‬
‫تدرع الخيانة" ‪ ،‬والمعنى على من ق أر بالمعلوم َ‬
‫وتوسطه‪ ،‬والغلول‪ُّ :‬‬
‫َّ‬ ‫الشيء‬

‫يخون أصحابه فيما أفاء اهلل‪ ‬عليهم من غنائم الغزو والقتال‪ ،‬فالنُُّّبوة‬
‫وما كان لنبي أن ُ‬

‫تنافي الخيانة‪ ،‬والفاعل على هذه القراءة هو النبي‪ ،‬وال يمكن أن يقع منه الغلول؛ ألن‬

‫الغلول معصية هلل‪ ،‬وهو قد ُعصم من المعاصي‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى أنه ال ينبغي‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أن ُيتََو َّهم فيه ذلك‪ ،‬وال أن ُينسب إليه شيء من ذلك‪ ،‬قال بهذا الفراء ‪ ،‬واألخفش ‪،‬‬
‫(‪)7‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫وأبو عبيدة ‪ ،‬والطبري ‪ ،‬و َّ‬
‫الزَّجاج ‪.‬‬

‫وزاد بعض المفسرين أوجهًا أخرى لهذه القراءة‪ ،‬فابن عاشور مثال صرف معنى‬

‫اآلية إلى أنه ال يقع الغلول في جيش النبي‪ ،‬واسناد الغلول إلى النبي مجاز عقلي‬
‫(‪)8‬‬
‫لجيش نبي أن ُي َغ َّل ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫النبي َّ‬
‫نبيهم‪ ،‬أو هو على تقدير مضاف‪ :‬ما كان‬ ‫لمالبسة جيش ِّ‬

‫وفي هذا نهي لجيش النبي‪ ‬ومن معه أن يغلُّوا‪ ،‬فغلولهم في الغنائم غلول للنبي‪،‬‬

‫(‪ )1‬الفيروز آبادي‪ ،‬مجد الدين(‪2005‬م)‪ :‬القاموس المحيط ‪ ،1039/1‬تحقيق‪ :‬العرقوسي‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،8‬بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر‪.‬‬
‫(‪ )2‬الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪610‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬معاني القرآن‪246/1 ،‬‬
‫(‪ُ )4‬ينظر‪ :‬معاني القرآن‪427/1 ،‬‬
‫(‪ُ )5‬ينظر‪ :‬مجاز القرآن‪107/1 ،‬‬
‫(‪ُ )6‬ينظر‪ :‬جامع البيان‪348/7 ،‬‬
‫(‪ُ )7‬ينظر‪ :‬معاني القرآن واعرابه‪484/1 ،‬‬
‫(‪ُ )8‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير‪155/4 ،‬‬
‫‪155‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫وأورد ابن الجوزي خمس روايات في أسباب نزول اآلية ‪ ،‬بعضها يحتج به للقراءة من‬

‫هذا الوجه‪ ،‬وبعضها يحتج به للقراءة من الوجه اآلخر‪.‬‬

‫محتجا بأنه كما جاز وقوع‬


‫ً‬ ‫(ي َغ َّل)؛ فنفاها ابن عباس‪‬‬
‫أما القراءة بالمجهول ُ‬

‫القتل في األنبياء؛ جاز وقوع الغلول فيهم‪ ،‬يقول‪" :‬كيف يكون له أن ُي َغل!‪ ،‬وقد كان‬

‫جائز أن ُيقتل‪ ،‬قال اهلل‪ :‬ويقتلون األنبياء‪ ،‬قال‪ :‬ولكن المنافقين اتهموا النبي‪ ‬في‬
‫ًا‬

‫شيء فُِق َد؛ فأنزل اهلل‪{ :‬ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ} [سورة آل عمران‪ ،]161:‬أي‪ :‬يخون أمته‬

‫(‪)2‬‬
‫في المغانم‪ ،‬فنفى عنه الغلول" ‪ ،‬وانكار ابن عباس‪ ¢‬ومن وافقه كابن مسعود‪¢‬‬

‫ومجاهد محمول على عدم ثبوت تواتر القراءة لديهم‪ ،‬والظن بهم أن لو ثبت تواترها‬

‫لديهم؛ لما قالوا بغير إثباتها‪" ،‬فإنكار ابن عباس‪ ¢‬مستند إلى قياس والقياس‪ ،‬ال ُيناهض‬
‫(‪)3‬‬
‫حجة في رد التواتر" ‪.‬‬

‫والطبري¬‪ ،‬على جاللة قدره‪َّ -‬‬


‫فضل قراءة المعلوم على المجهول وجعلها‬

‫أولى القراءتين بالصواب‪ ،‬قال‪" :‬والمعنى‪ :‬ما الغلول من صفات األنبياء‪ ،‬وال يكون نبيا‬

‫من َغ َّل‪ ،‬وانما اخترنا ذلك؛ ألن اهلل‪ ‬أوعد عقيب قوله‪( :‬وما كان لنبي أن يغل) أهل‬
‫(‪)4‬‬
‫الغلول فقال‪{ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ} [سورة آل عمران‪ ، "]161:‬وأورد‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن الجوزي‪ :‬زاد الميسر‪341/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬مكي‪ :‬الكشف‪363/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬حبش‪ :‬القراءات المتواترة‪ ،‬ص‪178‬‬
‫(‪ )4‬جامع البيان‪354/7 ،‬‬
‫‪156‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫مستشهدا بها على تفضيل قراءة المعلوم على أختها‪ ،‬وهذا المسلك‬
‫ً‬ ‫جملة من البراهين‬

‫الذي ارتضاه الطبري¬ و ِمن قبله ابن عباس‪ ¢‬في هذه القراءة يخالف ما عليه القَ َأَرةُ‬

‫من تواتر هذه القراءة وثبوتها عن الرسول‪ ،‬وجمهور العلماء يمنعون إنكارها أو تفضيلها‬

‫السيما وأن ذلك مما يثير ُّ‬


‫الشُبهات في القرآن الكريم‪ ،‬ويدفع بالقول بالتناقض‬ ‫على أختها َّ‬

‫والتعارض بين آياته المحكمات‪ ،‬والقراءة باقية على ثبوتها بطريقة التواتر مهما ُح ِشد لها‬
‫(‪)1‬‬
‫من حجج في بيان مرجوحيتها ‪.‬‬

‫جر "جولد تسهر" أن ينكر القراءة األخرى‪ ،‬حيث‬ ‫َّ‬


‫ولعل هذا الترجيح هو الذي َّأ‬

‫يقول‪" :‬وقراءة الفعل مبنيا للفاعل‪-‬يقصد المعلوم‪ -‬تُوِقع اتهاما َّ‬


‫موجهًا للنبي‪ ،‬وقد بدا‬

‫هذا االتهام غير الئق في نظر المؤمنين؛ حيث يفسح المجال َلن ْسب عمل غير صالح‬

‫للنبي‪ ،‬فأزال كثير من القراء هذا اإلشكال بقراءة الفعل مبنيا للمفعول‪-‬أي المجهول‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬وبهذا حذفت الريبة غير الالئقة التي ألحقت بالنبي‪ ، "‬فهذا النص االستشراقي‬

‫يؤخذ منه أن القراءة المتواترة هي ببناء الفعل للمعلوم فحسب‪ ،‬أما القراءة األخرى فمن‬

‫صنع القراء إلزالة االتهام الموجه للنبي‪ ‬وهذا غير مقبول‪ ،‬فالقراءتان متواترتان ثابتتان‬

‫عن النبي‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الهرري‪ ،‬محمد(‪1986‬م)‪ :‬القراءات المتواترة التي أنكرها الطبري في تفسيره والرد عليه من أول القرآن‬
‫إلى آخر سورة التوبة‪ ،‬ص‪ ،256‬السعودية‪ :‬الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة (دكتوراة)‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬تسهر‪ ،‬جولد(‪1955‬م)‪ :‬مذاهب التفسير اإلسالمي‪ ،‬ص‪ ،40‬تحقيق‪ :‬النجار‪ ،‬عبد الحليم‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مصر‪:‬‬
‫مكتبة الخانجي‪ ،‬وبغداد‪ :‬مكتبة المثنى‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫(ي َغل) بالمجهول؛ فعلى معنيين ‪ :‬األول‪َّ :‬أنه‬
‫وأما توجيه المعنى على قراءة ُ‬

‫من (الغلول)‪ِ ،‬ف ْعله َ‬


‫(غ َّل) ثالثي‪ ،‬بمعنى‪ :‬ما كان لنبي أن ُيخان‪ ،‬أي‪ :‬ما جاز له أن‬

‫تخونه أمته‪ ،‬وال أن يخونه غيره أو يغله‪ ،‬قال السمين‪" :‬هو نفي في معنى النهي‪ ،‬أي‪:‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ال يغله أحد" ‪ ،‬وللمهدوي توجيه زائد مفاده أن يؤخذ شيء من الغنائم بغير إذنه ‪ ،‬وفي‬

‫عموما‪ ،‬قال‬
‫ً‬ ‫خصوصا وغيرهم‬
‫ً‬ ‫هذا المعنى تنفير للناس ونهيهم عن غلول أنبيائهم‬

‫الشوكاني‪" :‬ما صح لنبي أن يغله أحد من أصحابه‪ ،‬أي‪ :‬يخونه في الغنيمة‪ ،‬وهو على‬

‫هذه القراءة األخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم‪ ،‬وانما خص خيانة األنبياء مع‬

‫ذنبا‬
‫اما؛ ألن خيانة األنبياء أشد ً‬
‫كون خيانة غيرهم من األئمة والسالطين واألمراء حر ً‬

‫(اإل ْغالل)‪ِ ،‬ف ْعله‬


‫(‪)4‬‬
‫(خائنا)‪ ،‬وهو هنا من ِ‬ ‫ف غا ًال‪ ،‬أي‪:‬‬
‫وزرا" ‪ ،‬والثاني‪ :‬بمعنى ُيْل َ‬
‫ً‬ ‫وأعظم ً‬
‫(‪)5‬‬
‫َغ َّل) رباعي على وزن (أَ ْف َع َل) الذي من معانيه وجود الشيء على صفة ما ‪ ،‬والمعنى‪:‬‬
‫(أ َ‬

‫يخون‪ ،‬وما صح له أن يوجد غاال‪ ،‬تقول في اللغة‪ :‬أحمدت الرجل‪،‬‬


‫ما كان لنبي أن ُ‬

‫محمودا‪ ،‬وأكفر الرجل‪ :‬نسبته إلى الكفر‪ ،‬وهذه القراءة على هذا المعنى‬
‫ً‬ ‫أي‪ :‬وجدته‬

‫عددا من المعاني‪:‬‬ ‫(ي ُغل) المعلوم‪ ،‬فتبيَّن من هذا أن القراءة بـ ُ‬


‫(يغل) أفادت ً‬ ‫ترجع لمعنى َ‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬مكي‪ :‬الكشف‪363/1 ،‬؛ السيوطي‪ ،‬جالل الدين(‪1994‬م)‪ :‬قطف األزهار في كشف األسرار‪،‬‬
‫‪ ،660/1‬ط‪ ،1‬تحقيق‪ :‬الحمادي‪ ،‬أحمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدوحة‪ :‬و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية؛ الهرري‪ ،‬محمد‬
‫األمين(‪2001‬م)‪ :‬حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن‪ ،235/5 ،‬تحقيق‪ :‬محمد‪ ،‬هاشم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪:‬‬
‫دار طوق النجاة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المصون‪465/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬المهدوي‪ ،‬أحمد بن عمار(‪2006‬م)‪ :‬شرح الهداية‪ ،237/1 ،‬تحقيق‪ :‬سعيد‪ ،‬حازم‪ ،‬ط‪ ،1‬األردن‪ :‬دار عمار‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشوكاني‪ ،‬فتح القدير‪386/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬االستراباذي‪ ،‬شرح شافية ابن الحاجب‪66/1 ،‬‬
‫‪158‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫منها أنه ما كان لنبي أن يوجد غاال‪ ،‬أو ُينسب للغلول‪ ،‬أو يغله أصحابه‪ ،‬أو تؤخذ‬

‫الغنائم بغير إذنه‪ ،‬وكلها معان ال تعارض بينها يمكن حملها على التنوع‪.‬‬

‫(ي ُغ َّل) إلى المجهول‪:‬‬


‫لقد ساهمت صورة التغير في بنية الفعل من المعلوم‪َ :‬‬

‫(ي َغ َّل) على انفتاح النص القرآني على جملة الدالالت المتعددة المتنوعة التي ال تعارض‬
‫ُ‬

‫بينها وال تدافع‪ ،‬ومفتاح البحث الداللي لها وكلمة السر فيها‪-‬كما يراها الباحث‪-‬هي في‬

‫(غل)‪ ،‬و(فاعل الغلول)‪ ،‬فعندما ُن ْع ِملها مجتمعة تنكشف دالالت النص‬


‫إسناد الفعل َ‬

‫(ي ُغل)‬
‫تغيير بسيطًا في الحركة بين َ‬
‫ًا‬ ‫القرآني ومعانيه‪ ،‬مع أن بنية الفعل لم تشهد إال‬

‫تفردت كل قراءة ببيان وجوه الدالالت‬


‫بيانيا َّ‬
‫اء ً‬ ‫و(ي َغل)‪ ،‬إال أن هذا التغير شهد ثر ً‬
‫ُ‬

‫تختص بها دون األخرى‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫والمعاني التي‬

‫هكذا "اختار السياق القرآني تشخيص المعنى المجرد‪ ،‬وبث الحياة والحركة فيه‪،‬‬

‫فلم يعرض تحريم الغلول على سبيل التقرير فحسب‪ ،‬وانما أضاف إليه مشهد من يغلل‪،‬‬

‫وقد أتى يوم الحساب على رؤوس األشهاد يحمل ما غله‪ ،‬وأتبع ذلك بتوفية حسابه‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والغرض من ذلك أن يستحضر من تلبس بذلك عقوبته فينزجر" ‪.‬‬

‫تعظيما لمقام رسول اهلل‪ ‬في قلوب‬


‫ً‬ ‫ويرى الباحث‪-‬واهلل أعلم‪َّ -‬‬
‫أن في القراءتين‬

‫المؤمنين‪ ،‬وأنه ال ينبغي أن ُيظَ َّن فيه ظن يقدح من قدره‪ ،‬أو ُيسقط من هيبته فيمنعُ‬

‫سرعة االستجابة ألمره ونهيه‪ ،‬ومع أن الغلول شيء بسيط ُيستخف به في الغزوات لقلته‪،‬‬

‫(‪ )1‬الخراط‪ :‬اإلعجاز البياني‪ ،‬ص‪3‬‬


‫‪159‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫يوسم به نبيُّنا محمد‪ ،‬فمقام النبوة من أرقى المقامات‬ ‫إال َّ‬


‫أن قليله وكثيره ال يليق أن َ‬

‫وأشرفها‪ ،‬وال يظن ظان به‪ ‬إال أورده ذلك ُّ‬


‫الظن للهالك والتهلكة‪ ،‬فقطع اهلل كل سبيل‬

‫(ي ُغ َّل)‪،‬‬
‫أن ُيظن برسول اهلل‪ ‬ظن سوء‪ ،‬تارة بالتصريح كما حملته قراءة المبني للمعلوم َ‬

‫أي‪ :‬يخون‪ ،‬وهذا المعنى صرح به‪ ‬في رواية ابن عباس عندما قال بعض من كان‬

‫هما‪ ،‬أتروني‬
‫ذهبا ما منعتكم در ً‬ ‫معه‪ :‬لعل الرسول أخذها! فقال‪(( :‬لو َّ‬
‫أن لكم مثل أُحد ً‬

‫ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫(ي َغل) فحتى‬
‫أغلكم مغنمكم)) ‪ ،‬وتارة باإليماء‪ ،‬وهذا ما أضافته قراءة المبني للمجهول ُ‬

‫مجرد التهمة أو مظنتها منصرفة عنه‪ ،‬فما كان لنبي أن ُيتَّهم بالغلول‪ ،‬أو ُي َس َّرق‪ ،‬أو‬

‫خائنا‪ ،‬وقد تجاوزت القراءة أبعد من هذا المعنى بأن حفظت مكانته‬
‫ُي َخ َّون‪ ،‬أو أن يوجد ً‬

‫وهيبته‪ ‬بأن لم توقع الغلول في جيش النبي‪ ‬ال بغير إذنه‪ ،‬وال من غير علمه على‬
‫(‪)2‬‬
‫كال الوجهين‪ ،‬كما قال بذلك من َّ‬
‫وجه قراءة المجهول على هذا المعنى ‪.‬‬

‫ليس بين القراءتين تضاد‪ ،‬ويمكن الجمع بينهما من غير تكلف واعتساف‪،‬‬

‫فالنظرة الشمولية لمقصد القراءتين‪ ،‬والدالالت المترتبة عليهما توفِّر على الباحث القول‬

‫بالتدافع والتعارض‪ ،‬وجملة األمر في مسلك هاتين القراءتين أن يقال‪ :‬إنهما نفتا الغلول‬

‫عن األنبياء إذ يجب في حقهم الصدق واألمانة‪ ،‬وعن أصحاب األنبياء‪ ،‬والنفي في‬

‫حقهم متضمن معنى التكليف‪ ،‬بمعنى‪ :‬ال يجوز لهم أن يغلُّوا أنبياءهم بأي حال من‬

‫األحوال‪ ،‬وتفسيرات أهل العلم التي سبقت اإلشارة إليها تؤكد هذا المعنى‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الواحدي‪ ،‬علي(‪1994‬م)‪ :‬الوسيط في تفسير القرآن المجيد‪ ،514/1 ،‬تحقيق‪ :‬معوض‪ ،‬علي‪ ،‬عبد‬
‫الموجود‪ ،‬عادل‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪155/4 ،‬‬
‫‪160‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫إن وجود مثل هذه السلوكيات في المجتمع اإلسالمي كفيل بانتشار الخيانة‬

‫والسرقات‪ ،‬والشارع الحنيف أراد أن يقي المجتمع من هذه الشرور‪ ،‬فحصَّن جناب‬

‫سببا‬
‫يوسموا أو ُيظن بهم بما يكون ً‬ ‫األنبياء‪َّ ،‬‬
‫ونزه أحوالهم عن الدنس والخيانات‪ ،‬وأن َ‬

‫في إنقاص مكانتهم أو إسقاط هيبتهم‪ ،‬كل ذلك حفاظًا على مكانة التشريع في قلوب‬

‫هي عموم الناس وأصحاب‬ ‫ِّ‬


‫الخلق أال ُيمس باستهزاء أو نقيصة أو ظن سوء‪ ،‬كما ُن َ‬
‫األنبياء على وجه أخص أال يقع منهم غلول‪ ،‬أو ظن أو تهمة في أنبيائهم "فالمعاصي‬
‫(‪)1‬‬
‫تعظم في حضرتهم؛ لتعي ِ‬
‫ُّن قدرهم" ‪ ،‬وفي هذا المعنى لفتة بيانية يسجلها السمين حيث‬

‫(ي ُغل) بالمعلوم؛ ألن الغرض نفي هذه الصفة عن النبي‪‬‬ ‫لم ِّ‬
‫يقدر مفعوًال محذوفًا لفعل َ‬
‫(‪)2‬‬
‫من غير النظر إلى تعلق بمفعول‪ ،‬فمقام النبوة ينافي الغلول ‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن السياق العام الذي جاءت به القراءتان يدعو إلى الحفاظ على منظومة القيم‬

‫التربوية في المجتمع‪-‬التي هي سبب النصر والتمكين‪ -‬وليس بغريب أن تأتي القراءتان‬

‫لما اختل جزء من هذه المنظومة‪ ،‬إَّنهُ بمجرد‬


‫تعقيبا على سبب هزيمة المسلمين في أُ ُحد َّ‬
‫ً‬

‫المظنة بالنبي‪ ‬وقع ما وقع‪ ،‬وكانت الرسالة العملية للمسلمين من صورة هذا التغير‪:‬‬

‫"أن يتوكلوا على اهلل‪ ‬في كبت العدو وتحصيل ما معه من الغنائم‪ ،‬فال ُيقبلوا على‬
‫ْ‬

‫إقباال يتطرق منه احتمال الظن السوء بنبيهم‪ ‬في أن يغل‪ ،‬وهو الذي أخبرهم‬
‫ذلك ً‬

‫(‪ )1‬ابن عطية‪ :‬المحرر الوجيز‪536/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬الدر المصون‪466/3 ،‬‬
‫‪161‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫بتحريم الغلول‪ ،‬وأنه سبب للخذالن‪ ،‬وما نهى قط عن شيء إال كان أول تارك له‪ ،‬وبعيد‬
‫(‪)1‬‬
‫عنه‪ ،‬وما كان لهم أن يفتحوا طريقًا إلى هذا االحتمال" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪110/5 ،‬‬


‫‪162‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫املبحث الثاني‪ :‬التغري يف مزيد الثالثي‬

‫البحث الداللي بحث متشعب المسالك متنوع الموارد‪ ،‬يحتاج إلى إعمال النظر‬

‫في جملة السياقات التي يرد عليه السيَّما في النصوص القرآنية‪ ،‬وان وقوف الباحث في‬

‫هذا الميدان على ظاهر النص‪ ،‬أو االكتفاء بالتعليل والتحليل الظاهري َّْين يحرمه من‬

‫جرد‬
‫متعة الوقوف على جماليات هذا الكتاب الكريم‪ ،‬فليس التغاير بين القراءات لم َّ‬

‫التغاير‪ ،‬بل َّ‬


‫إن القرآن الكريم ينفتح على كم هائل من الدالالت والمعاني التي تستوقف‬

‫الباحثين في ميدانه والناهلين من معينه‪.‬‬

‫يجتهد الباحث في هذه الدراسة أن يوفق بين نظرات السابقين وتأمالت‬

‫شيئا من نهمه في كشف دالالت هذا الكتاب‬


‫المحدثين؛ وصواال لداللة يرتضيها أو تشبع ا‬

‫وعودا على مناقشة صور تغيُّر الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول‬
‫ا‬ ‫الحكيم‪،‬‬

‫في القراءات القرآنية يناقش الباحث في هذا المبحث نماذج من األفعال المزيدة شهدت‬

‫ُّر بين البِ َنيتين‪ ،‬يحلّلها ويدرس األثر َّ‬


‫الداللي الذي أحدثه التغيُّر بين القراءتين‪.‬‬ ‫تغي اا‬

‫نَتَقبَل‪-‬يُتقبل‪َ :‬‬

‫{ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮑ ﮒ‬

‫ﮓ ﮔ ﮕ} [سورة األحقاف‪ ،]16:‬يناقش الباحث صورة تغير الفعل َ‬


‫(نتَقََّبل) من‬

‫البناء للمعلوم إلى البناء للمجهول‪ ،‬واألثر الداللي المترتب على صورة ذلك التغير‪.‬‬

‫ق أر حمزة والكسائي وحفص وخلف ( َنتَقََّبل) بالنون مبنيا للمعلوم‪ ،‬وبالنصب‬

‫لـ(أحسن)‪ ،‬وق أر الباقون‪( :‬يتَقََّبل) بالياء مبنيا للمجهول‪ ،‬والرفع لـ (أحسن) على أنه نائب‬
‫‪163‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫فاعل ‪ ،‬فمن ق أر بـ( َنتَقََّبل) فالوجه عنده أنَّه على ما قبله‪ ،‬فقد جاء الفعل عقب قوله‪:‬‬

‫(ووصينا اإلنسان بوالديه)‪ ،‬ولِيأتلف الكالم على سياق واحد؛ أجرى الفعل على البناء‬
‫(‪)2‬‬
‫للمعلوم‪ ،‬والمقصود‪" :‬نحن َنتَ َّقبل عنهم" ‪ ،‬أما (يتَقََّبل) بالبناء للمجهول‪ ،‬فقد جرى على‬

‫نظائره في القرآن الكريم كقوله‪{ :‬ﯚ ﯛ ﯜ} [سورة آل عمران‪ ،]90:‬وقوله‪:‬‬

‫{ﮎ ﮏﮐ} [سورة المائدة‪ ،]27:‬وقوله‪{ :‬ﯰﯱ ﯲ} [سورة المائدة‪،]36:‬‬

‫وغيرها في القرآن كثير‪ ،‬فأجرى هذا الموضع مجرى نظائره ليأتلف الكالم على نظام‬
‫(‪)3‬‬
‫واحد ‪ .‬وجعل صاحب الحجة داللتي البِنيتين بمعنى واحد‪ ،‬يقول‪" :‬ونحو هذا الفعل‬
‫(‪)4‬‬
‫الذي هو هلل‪ ،‬ولم يكن لغيره‪ ،‬كان بناؤه للمفعول في العلم بالفاعل كبنائه للفاعل" ‪،‬‬

‫ومعاني بيانية تترتب على‬


‫َ‬ ‫ومن يدقق النظر وينعم الفكر يجد‪-‬وال شك‪-‬فروقاا داللية‬

‫التأمل في صورة التغير‬


‫صورة هذا التغير‪ ،‬واج ارؤهما على مجرى واحد يحرمنا متعة ُّ‬

‫بين القراءتين‪ ،‬ويمنعنا من الوقوف على الدالالت البيانية التي تنفتح عليها البِ َنيتين‪.‬‬

‫ولع ّل ذلك يتضح بمناقشة صاحب الحجة في َح ْملِه (يغفر) على داللة واحدة‬

‫في موضعين مختلفين حيث يقول‪" :‬قوله‪{ :‬ﮨﮩ ﮪﮫﮬ} [سورة األنفال‪]38:‬‬

‫الن َّشار‪ ،‬عمر بن زين الدين قاسم (‪2008‬م)‪ :‬البدور‬


‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪597‬؛ َّ‬
‫الزاهرة في القراءات العشر المتواترة‪ ،‬ص‪ ،295‬تحقيق‪ :‬المعصراوي‪ ،‬أحمد‪ ،‬ط‪ ،2‬قطر‪ :‬و ازرة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية؛ السفاقسي‪ ،‬علي النوري بن محمد(‪2008‬م)‪ :‬غيث النفع في القراءات السبع‪ ،‬ص‪ ،540‬تحقيق‪:‬‬
‫الحفيان‪ ،‬أحمد‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪664‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أبو زرعة‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص‪664‬؛ الفارسي‪ :‬الحجة‪.185/6 ،‬‬
‫(‪ )4‬الفارسي‪ ،‬الحجة‪185/6 ،‬‬
‫‪164‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫الفعل معلوم أنه هلل‪ ‬وان بني للمفعول‪ ،‬أال ترى أنه قد جاء في األخرى‪{ :‬ﭸﭹ‬

‫ﭺ ﭻ ﭼ} [سورة آل عمران‪َ ،]135:‬فيغفر ويغفَر في هذا يفهم من كل واحد‬

‫(‪)1‬‬
‫توجه الفعل في البِنيتين إلى الفاعل‬
‫منهما ما يفهم من اآلخر" ‪ ،‬وال يجادل الباحث في ُّ‬

‫جاهدا في توظيف السياق‬


‫ا‬ ‫اضح ومعلوم‪ ،‬إال أن الباحث يسعى‬
‫وهو اهلل‪ ،‬فذلك و ٌ‬

‫والبحث عن دالالت أخرى يتَّسع لها المعنى‪ ،‬ويقوم بها اإلعجاز‪ ،‬وال يقع بها التعارض‪.‬‬

‫المقام في قوله‪{ :‬ﮣﮤﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ} [سورة‬

‫األنفال‪ ]38:‬يفهم منه‪-‬واهلل أعلم‪-‬أنه مقام إغضاء وغض الطرف عن سوابق أفعالهم‬

‫تشجيعا لهم على التوبة‪ ،‬وأال يقع في نفوسهم الحرج أو الحياء من أن اهلل‪‬‬
‫ا‬ ‫وذنوبهم‬

‫منقدح في الذهن أنه ال يغفر الذنوب إال اهلل‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫مؤاخذهم بجرائر ذنوبهم‪ ،‬مع أنه معلوم‬

‫وهذا اإلغضاء ناسبه عدم التصريح بالفاعل‪ ،‬كما ناسبه التعبير القرآني القائم على‬

‫اإلجمال ال التفصيل في هذا الموضع فقال‪( :‬ما قد سلف)‪ ،‬وما الذي سلف؟! سكت‪‬‬

‫عنه‪ ،‬وأغفل التصريح بالفاعل‪ ،‬وبني الفعل للمجهول؛ لتقوم دواعي التوبة فيهم بما‬

‫يدفعهم لإلقبال وطلب المغفرة والقرب منه‪ ‬دون أن يشعروا في لحظة بالتريث أو‬

‫وكأن المعنى‪ :‬توبوا‪ ،‬وكفى‪ ،‬أما مع المبني للمعلوم‪{ :‬ﭸ ﭹ‬


‫َّ‬ ‫التوبيخ والتقريع‪،‬‬

‫ﭺ ﭻ ﭼ} [سورة آل عمران‪ ،]135:‬فإن المقام مقام تطمين السيَّما أنه خطاب‬

‫لمؤمنين زلَّت أقدامهم في حالة من المعصية هي بالنسبة لهم حالة طارئة ال متجذرة‪،‬‬

‫ال كحال أولئك الكفَّار‪ ،‬وحتى يستدعي إقبال أولئك من الكفر إلى اإليمان َّ‬
‫غض الطرف‬

‫(‪ )1‬الفارسي‪ ،‬الحجة‪185/6 ،‬‬


‫‪165‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫فإنه قد قام في قلوبهم أنَّه‬


‫ص ْوا َّ‬
‫عن كبير أفعالهم حتى ت ْقبل قلوبهم‪ ،‬أما المؤمنون وان َع َ‬

‫‪ ‬هو َمن يغفر الذنوب‪ ،‬إال أنهم احتاجوا لمزيد تطمين وتهدئة روع خاصة مع تفصيل ِه‬

‫نوع ما اقترفوه‪ ،‬فقال‪{ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬

‫ﭷﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ } [سورة آل عمران‪ ]135:‬فناسب الفعل كل حالة َّ‬


‫مما‬

‫سبق‪ ،‬وجرت البنية على سياقين مختلفين لتج ِمل حالةا بيانية أخذت بمجامع عقول أولي‬

‫األلباب وقلوبهم‪ ،‬وبعد هذا العرض يتََبيَّن مقصد الباحث من مناقشته القول بإيراد الفعل‬

‫(يغفر) في موضعين مختلفين على معنى واحد‪ ،‬وعلى هذا يجري مناقشته البنية التي‬

‫نحن بصدد البحث عنها ( َنتَقََّبل) و(يتَقََّبل)‪.‬‬

‫اآليات في سياق وصية اهلل‪ ‬ببر الوالدين واإلحسان إليهما‪ ،‬وقد بين‪ ‬أن‬

‫الذين يتصفون بهذه الصفة الكريمة من بر الوالدين هم الذين يتقبل منهم الحسنات التي‬

‫عملوها‪ ،‬ويتجاوز عن سيئاتهم وزالتهم ويغفرها لهم‪ ،‬في جملة ما وعد به أصحاب الجنة‬

‫وعدا صادقاا ال يخلفه‪ ،‬ومن يدقق النظر في ( َنتَقََّبل) و(يتَقََّبل)‬


‫من العفو والمغفرة ا‬

‫طا‬
‫أثر في التكشيف عنه وبيانه‪ ،‬وهذه الداللة مرتبطة ارتبا ا‬
‫دالليا للسياق ٌ‬
‫ملمحا ا‬
‫ا‬ ‫سيلحظ‬

‫بيانا لشكل هذا التقبل‪.‬‬


‫وثيقاا بالمعنى اللغوي للفعل‪ ،‬التي يرى فيها الباحث ا‬

‫(‪)1‬‬
‫قال الراغب‪" :‬التقبُّل قبول الشيء على وجه يقتضي ثو اابا كالهداية ونحوها" ‪،‬‬

‫فرق عنده بين ُّ‬


‫التقبل والقبول فلم يحبذ استخدام أحدهما موضع اآلخر‪ ،‬كما في‬ ‫وهناك ٌ‬

‫قوله‪{ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ} [سورة آل عمران‪ ،]37:‬ولم يقل بـ(تقبُّل)‪ ،‬قال‬

‫الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪653‬‬


‫(‪َّ )1‬‬
‫‪166‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫الراغب‪" :‬للجمع بين األمرين‪ُّ :‬‬


‫التقبل الذي هو الترقي في القبول‪ ،‬والقبول الذي يقتضي‬
‫(‪)1‬‬
‫الرضا واإلنابة" ‪.‬‬

‫إن إيثار اللفظ القرآني للفعل ( َنتَقََّبل) على ( َي ْقَبل) في هذا الموضع عند الحديث‬

‫مناسب للسياق القرآني‪ ،‬فإن السياق اختار مع الحديث عن بر الوالدين‬


‫ٌ‬ ‫عن بر الوالدين‬

‫والسعي في رضاهما‪ ،‬الفعل (تَقََّبل) ال (قَبِ َل)‪ّ ،‬‬


‫تقبل‪( :‬تفعَّل) مزيد الثالثي بحرفين من‬
‫(‪)2‬‬
‫التدرج ‪ ،‬وبر الوالدين والقيام على مصالحهما ومنافعهما مما‬
‫معانيه المقاربة للسياق‪ ،‬و ُّ‬

‫طويال وتَ ُّ‬


‫صب اار‪ ،‬فهو من العبادات التي ال تنقضي بمجرد أدائها موصولة‬ ‫ا‬ ‫زمنا‬
‫يحتاج ا‬

‫كالصالة والصدقة وقراءة القرآن‪ ،‬وانما عبادة فيها من الترقي و ُّ‬


‫التكلف ما يمتد مع‬

‫اإلنسان بامتداد عمره وعمر والديه‪ ،‬وهذا يستدعي منه الصبر والمصابرة‪ ،‬وأن يسعى‬

‫لتحقيق مرضاة اهلل‪ ‬مع هذه الرحلة المضنية‪ ،‬ال بطبيعتها‪-‬فهي مع أكرم مخلوق بعد‬

‫األنبياء والرسل‪-‬وانما بطبيعة المشاق المرتبطة بها‪ ،‬هذا الترقي وذلك التدرج في هذه‬

‫(نتقبل) المفيد لهذا المعنى على الفعل‬


‫الطاعة ناسبه ذلك الترقي في القبول بإيثار الفعل ّ‬

‫(يقبل) المفيد مطلق الرضا واإلثابة‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ‬

‫ﯖ } [سورة التوبة‪ ،]104:‬وقوله‪{ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ} [سورة الشورى‪.]25:‬‬

‫"أن ليس كل عبارة متقبلة بل إنما يتقبل اهلل‬


‫وفي إيثار هذه البنية على أختها إشارة إلى ْ‬

‫الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪653‬‬


‫(‪َّ )1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن عصفور‪ :‬الممتع في التصريف‪ ،‬ص‪20‬؛ أبو حيان‪ :‬ارتشاف الضرب‪155/1 ،‬؛ السيوطي‪:‬‬
‫المزهر في علوم اللغة‪44/2 ،‬‬
‫‪167‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫إذا كانت على وجه مخصوص" ‪ ،‬وفي هذا تنبيه على االهتمام بهذه العبادة‪-‬بر‬

‫الوالدين‪-‬بأن َّ‬
‫تؤدى بالشكل المرضي عنده‪ ‬ولذا أعقب هذه اآلية باآلية بعدها في‬

‫عمن أهان والديه وأسمعهما ما ال ير ِ‬


‫ضي ِهما من القول‪ ،‬فقال‪{ :‬ﮗ‬ ‫سياق الحديث َّ‬
‫ْ‬ ‫ََْ‬

‫َّ‬
‫وكأن ذلك تنبيه إلى أال تسلكوا مع آبائكم‬ ‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ} [سورة األحقاف‪]17:‬‬

‫هذا المسلك‪.‬‬

‫لقد أوفت كل قراءة بالمعاني البيانية والداللية المرتبطة بهما والمتَفَتقَة عنهما‪،‬‬

‫فقراءة المعلوم ( َنتَقََّبل) بنون العظمة واسناد الفعل من اهلل‪ ‬إلى نفسه‪ ،‬إخبار اهلل‪‬‬

‫عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم(‪ ،)2‬وانما يكمل اإلكرام والنعيم بمباشرة المكرم والم ِ‬
‫نعم إكر َام‬

‫ق َما يستَ ِح ُّ‬


‫ق بنفسه‪ ،‬وهل م ِ‬
‫كرم أكرم من اهلل‪‬؟ وهل َكرم أفضل من كرم‬ ‫َم ْن يستَ ِح ُّ‬

‫اهلل‪‬؟!‬

‫إخبار من اهلل‪ ‬عن نفسه بالتقبُّل‬


‫اا‬ ‫يفهم الباحث هذا اإلكرام ببناء الفعل للمعلوم‬

‫البارون بآبائهم‪ ،‬وهو وان كان على كالم السابقين لََي ْأتِلف على‬
‫أحسن ما عمله أولئك ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫نظام واحد جرايا على ما قبله من أفعال ‪ ،‬إال َّ‬
‫أن في البناء للمعلوم واسناد الفعل لذاته‬

‫العلية‪ ‬مزيد تفضل واكرام‪ ،‬كتفضله واكرامه ألهل الجنة‪ ،‬كما قال اهلل‪{ :‬ﮍ ﮎ‬

‫الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪653‬‬


‫(‪َّ )1‬‬
‫الراغب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪653‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪َّ ،143/21 ،‬‬
‫مثال‪ :‬مكي بن أبي طالب‪ :‬الكشف عن وجوه القراءات‪272/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر ا‬
‫‪168‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫ﮏﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ} [سورة األحقاف‪" ،]16:‬أي‪ :‬نفعل ذلك بهم ِف ْعلنا مثل‬

‫(‪)1‬‬
‫ذلك في أصحاب الجنة وأهلهما الذين هم أهلها" ‪.‬‬

‫تقبل) وجه إكرام آخر ومزيد تفضل ثان يتمثل‬


‫ثم إن في بناء الفعل للمجهول‪( :‬ي ّ‬

‫في تيسير قبول العمل منهم‪ ،‬وسهولته عليهم‪ ،‬قال البقاعي‪(" :‬أولئك) أي‪ :‬العالو الرتبة‬

‫الذي نتقبَّل بأسهل وجه عنهم" ‪ ،‬وقد ت ْش ِكل هنا داللة اليسر والسهولة في تقبل العمل‬
‫(‪)2‬‬

‫على ما جاء في اآلية بعدها في قوله‪{ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ} [سورة‬

‫حس َن) قد توحي بأنه ال يتقبل منهم إال ما كان أحسن أعمالهم!‬ ‫األحقاف‪َّ ،]16:‬‬
‫فإن (أَ َ‬

‫أما الحسن فال! وقد أجاب الشوكاني عن هذا التساؤل بقوله‪" :‬المراد باألحسن‪ :‬الحسن‪،‬‬

‫كقوله‪{ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ} [سورة الزمر‪ ،]55:‬وقيل إن اسم‬

‫التفضيل على معناه‪ ،‬ويراد به ما يثاب العبد عليه من األعمال‪ ،‬ال ما يثاب عليه‬
‫(‪)3‬‬
‫حس ٌن وليس بأحسن" ‪ ،‬وقد أكسب عموم (أحسن ما عملوا) الجملة فائدة‬
‫كالمباح فإنه َ‬

‫التذييل‪ ،‬أي‪ :‬اإلحسان بالوالدين والدعاء لهما وللذرية من أفضل األعمال‪ ،‬فهو أحسن‬
‫(‪)4‬‬
‫ما عملوا‪ ،‬وقد تقبَّل منهم كل ما هو أحسن ما عملوا ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪141/21 ،‬‬


‫(‪ )2‬نظم الدرر‪150/18 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الشوكاني‪ :‬فتح القدير‪23/5 ،‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪35/26 ،‬‬
‫‪169‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫لم ير ِ‬
‫تض الباحث أن يقف على التأويل الظاهر للنص القرآني مثل القول َّ‬
‫بأن‬
‫(‪)1‬‬
‫(نتَقبَّل) و(يتَقبَّل)‬
‫كمن أجرى الفعلين َ‬ ‫الفاعل لم يذكر لظهور َّ‬
‫أن المتقبل هو اهلل‪ ، ‬أو ْ‬

‫تغي اار من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ومن‬ ‫احدا من الكالم‪ ،‬مع َّ‬
‫أن الفعلين شهدا ّ‬ ‫مجرى و ا‬

‫وكثير ما َّ‬
‫رد ابن األثير القول على من سلك هذا المسلك فقال‪:‬‬ ‫اا‬ ‫الخطاب إلى الغيبة‪،‬‬

‫"اعلم َّ‬
‫أن عامة المنتمين إلى هذا الفن‪-‬يقصد االلتفات‪-‬إذا سئلوا عن االنتقال عن الغيبة‬

‫إلى الخطاب وعن الخطاب إلى الغيبة قالوا‪ :‬كذلك كانت عادة العرب في أساليب‬

‫كالمها‪ ،‬وهذا القول هو عكاز العميان كما يقال‪ ،‬نحن إنما نسأل عن السبب الذي‬
‫(‪)2‬‬
‫قصدت العرب ذلك من أجله" ‪ ،‬ها هو ُّ‬
‫يرد على الزمخشري قوله بأن الرجوع من الغيبة‬
‫(‪)3‬‬
‫إلى الخطاب إنما يستعمل للتفنُّ ِن في الكالم تطريةا للسامع وايقا ا‬
‫ظا لإلصغاء إليه ‪ ،‬ب َّ‬
‫أن‬

‫حسنا لما م َّل‪ ،‬ثم يعزز تأكيده‬


‫وصف له‪ ،‬إذ إنه لو كان الكالم ا‬
‫ٌ‬ ‫قدح في الكالم ال‬
‫ذلك ٌ‬

‫على أهمية السياق في فهم دالالت ذلك التغير فيقول‪" :‬فعلِ ْمنا حينئذ َّ‬
‫أن الغرض الموجب‬

‫الستعمال هذا النوع من الكالم ال يجري على وتيرة واحدة‪ ،‬وانما هو مقصور على‬

‫شعبا كثيرة ال تنحصر‪ ،‬وانما يؤتى بها‬


‫العناية بالمعنى المقصود‪ ،‬وذلك المعنى يتشعب ا‬
‫(‪)4‬‬
‫على حسب الموضع الذي يراد فيه" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪35/26 ،‬‬


‫(‪ )2‬المثل السائر‪ ،‬ص‪168‬‬
‫(‪ )3‬ينظر" الكشاف‪64/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير‪ :‬المثل السَّائر‪ ،‬ص‪170‬‬
‫‪170‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫وهنا إشارة ال ينبغي مغادرة هذا الموضع من البحث قبل اإلشارة إليها‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن‬

‫الفعل على كال القراءتين قد ع َّدي بـ(عن) في قوله‪{ :‬ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ} [سورة‬

‫األحقاف‪ ،]16:‬وحقه أن يعدى بـ(من) فتقول‪َّ :‬‬


‫نتقبل منهم‪ ،‬وهو إما تغليب لجانب المدعو‬

‫لهم وهم الوالدان والذرية‪ ،‬فدعاء الولد والوالد ألولئك بمنزلة النيابة عنهم في هذه العبادة‬

‫اختصار مؤداه‪ :‬أولئك نتقبل منهم‪ ،‬ويتقبل عن والديهم‬


‫اا‬ ‫عبادة الدعاء‪َّ ،‬‬
‫وكأن في الكالم‬

‫أن ِجبِ َّالتهم وصفاتهم مبنيةٌ على الترقي في‬


‫(‪)1‬‬
‫وذريتهم أحسن ما عملوا ‪ ،‬أو أن يراد َّ‬

‫معارج الكمال‪ ،‬فتكون هذه المحاسن ليست منهم‪ ،‬بمعنى أنهم مجبولون على أعلى منها‬
‫(‪)2‬‬
‫في نهاياتهم والعبرة بالنهايات ‪.‬‬

‫هكذا ائتلقت كل قراءة مع أختها في رسم مشهد متكامل ُّ‬


‫لتقبل اهلل‪ ‬لعمل أولئك‬

‫(نتَقَبَّل) و(يتَقَبَّل)‪ :‬الفاعل في كليهما واحد هو اهلل‪ ،‬فهو‬


‫القوم الذين آثروا مسلك البر َ‬

‫أما المعلوم فقد‬


‫من يتقبل عن عباده أحسن ما عملوا سواء قرأته بالمعلوم أم بالمجهول‪َّ ،‬‬

‫أبان عن تكريم اهلل‪ ‬لذلك الصنف من عباده وعنايته بهم‪ ،‬وفي إسناد الفعل له‪ ‬مزيد‬

‫تقب ِل اهلل‪ ‬أعمالهم وتجاوزه عن‬


‫تشريف وتفضُّل‪ ،‬كما أبان (يتقبل) عن يسر وسرعة ُّ‬

‫غيبا وحثا لهم على عمل الصالحات‪.‬‬


‫سيئاتهم؛ تر ا‬

‫لقد استوفت كل قراءة حقها من معاقد البيان وقمة الفصاحة والبالغة‪ ،‬وع َّززت‬

‫قيما تربوية في حياة المؤمنين‪ ،‬إنها لم تسلك مسالك األمر المباشر باالعتناء بالوالدين‬
‫ا‬

‫(‪ )1‬ينظر بتصرف‪ :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪34/26 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪151/18 ،‬‬
‫‪171‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫والذرية‪ ،‬وانما سلكت مسلك الحث والتوجيه بلفتة تربوية هي غايةٌ في الجمال واإلبداع‪،‬‬

‫لقد َّ‬
‫وجهت االهتمام ورفعت من وتيرته ببيان النعيم الذي يستحقه من يفعل ذلك‪ ،‬والتكرم‬

‫أن أعمالهم وان صغرت َّ‬


‫متقبلة عند اهلل‪‬‬ ‫(نتَقََّبل)‪ ،‬ثم لفتَتْهم إلى َّ‬
‫الذي يتوجه إليهم َ‬

‫خير بدؤوه‪.‬‬
‫تحفيز لهم على أال يقطعوا اا‬
‫اا‬ ‫مرضية؛‬

‫ُّ‬
‫محل اإلعجاز واإلمتاع واإلبداع حتى في اختيار‬ ‫ذلك‪-‬لعمر اهلل‪-‬هو القرآن‬

‫بيانا‪،‬‬
‫الوصية والتربية يبحث عن أجمل وصف وأدق عبارة فيوردها‪ ،‬وكفى بكالم اهلل‪ ‬ا‬

‫اخر باللؤلؤ والدر والمرجان‪ ،‬رحب المدى‪ ،‬عميق‬


‫وبحر ز اا‬
‫و"سيظل كتاب اهلل غضا طريا‪ ،‬اا‬

‫األغوار‪ ،‬لكنه مشرع األبواب مهما قرأه القارئ وأعاده فسيظفر في كل مرة منه بعجائب‬
‫(‪)1‬‬
‫تأمل‬
‫من عجائبه التي ال تنقضي" ‪ ،‬فاللهم فقهنا واغسل ما حال من أدران قلوبنا عن ُّ‬

‫هذا البيان المعجز‪.‬‬

‫(‪ )1‬العابد‪ ،‬صالح (‪2004‬م)‪ :‬نظرات لغوية في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪ ،12‬ط‪ ،3‬الرياض‪ :‬دار كنوز إشبيليا‪.‬‬
‫‪172‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫نُجازي‪-‬يُجازى‪َ :‬‬

‫يناقش الباحث الفعل (جازى) المزيد باأللف في بنية المضارع (نجازي) كصورة‬

‫من صور تغير الفعل المضارع بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في قوله‪{ :‬ﭺ‬

‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭿﮀ ﮁ ﮂ} [سورة سبأ‪ ،]17:‬حيث شهد الفعل (نجازي) اا‬


‫تغاير‬

‫من جهتين‪ :‬من جهة بناء الفعل من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ومن جهة العدول من‬

‫الحضور إلى الغيبة كما تبينه القراءات الواردة في هذا الموضع ‪ ،‬هذا التَّغاير ي ِ‬
‫حدث‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬

‫مزيد تشويق لهذه البِنية‪ ،‬ويمنحها دالالت أكثر وأوسع‪ ،‬يقول ابن أبي األصبع‪" :‬العرب‬

‫التامة في الشيء قلبت الكالم فيه عن وجهه‪ ،‬لينتبه السامع عندما‬


‫متى أرادت المبالغة َّ‬

‫كالم قد خولف فيه عادة أهل اللسان إلى َّ‬


‫أن هذا إنما ورد لفائدة‪ ،‬فينظر‬ ‫ِ‬
‫يرد على سمعه ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫فيرى حصول ز ِ‬
‫يادة الكالم مبالغةا‪ ،‬ولو لم يقلَب؛ لم تحصل" ‪.‬‬

‫جاهدا في كتب األقدمين عن تلك الدالالت المرتبطة بصورة‬


‫ا‬ ‫ولَ َكم نقَّب الباحث‬

‫نهما‪ ،‬أو‬ ‫َّ‬ ‫التغير بين الفعلين (ن َج ِازي) بالمعلوم‪ ،‬و(ي َ‬


‫جازى) بالمجهول علها تشبع له ا‬

‫غرضا‪ ،‬لكنه لم يجد عندهم‪-‬على جاللة قدرهم وكمال فضلهم‪ -‬إال إشارات‬
‫ا‬ ‫تقضي له‬

‫لم تَ ْعد في كثير منها أن وقفت عند حدود التعليل الظاهر َّ‬
‫للنص دون تعمق في البحث‬

‫(‪ )1‬ق أر حمزة والكسائي وحفص (هل ن ِ‬


‫جازي)‪ ،‬بالنون على البناء للمعلوم بإخبار اهلل‪ ‬عن نفسه‪ ،‬والفعل‬
‫جازى) بضم الياء وفتح الزاي على البناء للمجهول أو لِما‬
‫و(الكفور) بالنصب‪ ،‬وق أر الباقون (هل ي َ‬
‫َ‬ ‫للمخاطب‬
‫سم فاعله‪ ،‬ورفع (الكفور) على أنه نائب فاعل‪ ،‬والخطاب هنا للغائب‪ ،‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في‬
‫لم ي ّ‬
‫القراءات‪ ،‬ص‪529‬؛ ابن الجزري‪ :‬النشر‪.350/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬المصري‪ ،‬ابن أبي اإلصبع(‪1995‬م)‪ :‬بديع القرآن‪ ،‬ص‪ ،153‬تحقيق‪ :‬محمد‪ ،‬حفني‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫إخبار من اهلل‪ ‬عن‬


‫ٌ‬ ‫أن بناء الفعل (ن َج ِازي)‬
‫الداللي‪ ،‬على نحو ما وجده الباحث من َّ‬

‫نفسه‪ ،‬أتى عقب قوله‪{ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ} [سورة سبأ‪ ،]17:‬فكان األولى بما‬

‫في سياقه أن يكون بلفظه‪ ،‬وكان بعده (وجعلنا بينهم)؛ ليتألف الكالم على نظم واحد‪،‬‬

‫جازى) على المجهول فألن أكثر ما أتى في القرآن الكريم من المجازاة‬


‫أما بناء الفعل (ي َ‬

‫إنما أتى على هذه البنية على نحو قوله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ } [سورة غافر‪،]17:‬‬

‫وقوله‪{ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ} [سورة غافر‪ ،]40:‬وقوله‪{ :‬ﰎﰏ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﰐ ﰑ} [سورة النجم‪ُّ ،]41:‬‬
‫فرد ما اختلفوا فيها إلى ما أجمعوا عليه أولى ‪.‬‬

‫خرج مثل هذا التوجيه جعله مناسبا للسياق القرآني وذلك مقصد‬
‫أن من َّ‬ ‫و ُّ‬
‫الحق َّ‬

‫عليال‪ ،‬إذ ال يمكن لمستزيد في البحث‬


‫غليال‪ ،‬وال يداوي ا‬ ‫نفيس وال َّ‬
‫شك‪ ،‬لكنه ال يشفي ا‬

‫صادر عن قامات في هذا الميدان‪ ،‬إال‬


‫اا‬ ‫الداللي أن يقف عند هذا التوجيه‪ ،‬وهو وان كان‬

‫جماال فنيا ويجعله أمارة على ثراء‬


‫ا‬ ‫أن هذا االنزياح أو العدول يكسب النص القرآني‬

‫اللفظ ُّ‬
‫وتعدد المعاني‪ ،‬بما يتوافق مع طبيعة اإلعجاز والبالغة التي ارتبطت بنظم هذا‬

‫الكتاب المحكم‪ ،‬يقول الجرجاني‪َّ :‬‬


‫"إن صور المعاني ال تتغير بنقلها من لفظ إلى لفظ‬

‫ومجاز‪ ،‬وحتى ال يراد من األلفاظ ظواهر ما وضعت له في‬


‫ٌ‬ ‫حتى يكون هناك اتساعٌ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفارسي‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪17/6 ،‬؛ ابن غلبون‪ ،‬أبو الطيب عبد المنعم(‪1995‬م)‪ :‬اختالف‬
‫القراء السبعة في الياءات والتاءات والنونات والباءات والثاءات‪ ،‬ص‪ ،216‬تحقيق‪ :‬الحسن‪ ،‬سر الختم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫الرياض‪ :‬جامعة الملك سعود‪.‬‬
‫‪174‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫اللغة‪ ،‬ولكن يشار بمعانيها إلى معان أخر" ‪ ،‬ذلك ما يستنهض همة الباحث في‬

‫التكشيف عن دالالت التغير في هذا الموضع‪ ،‬أفاض علينا موالنا فيض فتوحاته‪.‬‬

‫هناك جملة من التساؤالت تشكل مفتاح البحث الداللي هنا‪ ،‬وترسم معالم مناقشة‬

‫ص ال َكفور‬ ‫ِ‬
‫األثر المترتب على صورة هذا التغير بين الفعلين‪ ،‬فمن هذه التساؤالت‪ :‬ل َم خ ّ‬

‫بالمجازاة وانما هي لكل واحد؟! المسلم والكافر؟! ثم إن الك ّل متفق على أن الم َج ِازي‬

‫هو اهلل‪ ،‬فلِ َم غيَّر صنوف الكالم بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول؟ يمكن أن تشكل‬

‫تلك األسئلة بدايات ينطلق منها الباحث في مناقشة صورة التغير الحاصلة بين القراءتين‪،‬‬

‫في اتساق عجيب بين المعاني دون تعارض أو تدافع‪.‬‬

‫ألمح النحاس إلى إرجاع البنيتين لمعنى واحد‪ ،‬يقول‪" :‬األمر في هذا واسع‪،‬‬

‫والمعنى فيه بي ٌن‪ ،‬لو قال قائل‪ :‬خلق اهلل‪ ‬آدم من طين‪ ،‬وقال آخر‪ :‬خلق آدم من‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫احدا كما‬
‫احدا" ‪ ،‬ووافقه بعض المحدثين ‪ ،‬ولو كان المعنى و ا‬
‫طين‪ ،‬لكان المعنى و ا‬

‫أشار‪-¬-‬لما أقام الباحث مثل هذه الدراسة‪ ،‬فإن النص القرآني أوسع داللة وأعمق‬

‫فهما‪.‬‬
‫ا‬

‫أما اختصاص المجازاة بالكافر في هذه اآلية دون المسلم مع أنها واقعة لكل‬

‫أحد‪-‬وهو التساؤل األول الذي أثاره الباحث‪-‬فيجيب عنه الطبري بقوله‪" :‬إن المجازاة في‬

‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪265‬‬


‫(‪ )2‬إعراب القرآن ‪233/3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬البيلي‪ ،‬أحمد(‪1998‬م)‪ :‬المكشاف عما بين القراءات العشر من اختالف‪ ،‬ص‪ ،176‬ط‪،1‬‬
‫الخرطوم‪ :‬الدار السودانية للكتب‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫هذا الموضع المكافأة‪ ،‬واهلل تعالى ِذ ْكره َو َع َد أهل اإليمان به ا ُّ‬


‫لتفضل عليهم‪ ،‬وأن يجعل‬

‫لهم بالواحدة من أعمالهم الصالحة عشر أمثالها إلى ما ال نهاية له من التضعيف‪،‬‬

‫ووعد المسيء من عباده أن يجعل بالواحدة من سيئاته مثلها مكافأة له على جرمه‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والمكافأة ألهل الكبائر‪ ،‬والجزاء ألهل اإليمان مع التفضُّل" ‪.‬‬

‫و َّ‬
‫لعل من مقاصد الق ارءة بالمعلوم (ن َج ِازي)‪-‬واهلل أعلم‪-‬إبراز عظمة اآلخذ‪،‬‬

‫والمجازي وهو اهلل‪ ‬في مقابلة الكفران والجحود الذي قام في قلوب أولئك القوم بعد أن‬

‫كانت نِعم اهلل عليهم تَتْ َرى‪ ،‬فالمالحظ في سياق اآليات قبل هذا الموضع وبعده مجيء‬

‫خمسة أفعال على هذا البناء‪-‬أعني البناء للفاعل‪-‬حيث ورد في اآليات قبل هذا‬

‫الموضع‪{ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬

‫ﭷ ﭸ} [سورة سبأ‪ ،]16:‬وقال في اآليات بعد هذا الموضع‪{ :‬ﮄ ﮅ ﮆ‬

‫ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ} [سورة‬

‫سبأ‪ ]18:‬فيأتلف بناء هذه األفعال جميعها على عود الضمير فيها إلى اهلل‪.‬‬

‫إن توالي هذه األفعال على هذه البِنية وانتظامها مع (ن َج ِازي) تثير في القلب‬
‫َّ‬

‫جرم أعظم وأفظع من الكفر باهلل رب‬


‫فزاعا وخوفاا لجرم ما ارتكبه أولئك القوم‪ ،‬وهل ٌ‬

‫العالمين!! ذلك الذي جعل النص ي ْؤثِر (ال َكفور) على غيره‪ ،‬فال َكفور المبالغ في كفران‬

‫النعمة‪ ،‬والكفر أكبر ذنب يعصى اهلل‪ ‬به‪ ،‬وال ثواب للكافر على خير فعله في الدنيا؛‬

‫ولما كان الكافر بهذه الدرجة من الصدود واإلعراض عن‬


‫فالكفر محبط لجميع األعمال‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬جامع البيان‪384/20 ،‬‬


‫‪176‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫اهلل‪ ‬وهذا المستوى من الجحود لنِعم اهلل‪ ‬عليه توارد حشد اآليات بهذه األفعال على‬

‫مبالغا في‬
‫ا‬ ‫هذه البنية لتقرر أن اهلل‪ ‬ال يفلت من قبضته شيء‪ ،‬وأنه كما كان الكافر‬

‫كفران النعمة فقد بالغ في مجازاته‪ ،‬وال أوضح لهذا المعنى من بروز نون العظمة في‬
‫(‪)1‬‬
‫األفعال اآلنفة الذكر‪ ،‬قال البقاعي‪" :‬جزيناهم بما لنا من العظمة" ‪ ،‬ثم مجيء الفعل‬

‫اع َل) التي هي أصل الفعل (جازى)‪ ،‬وهذه البنية تستخدم‬


‫المقتضي للمجازاة على بنية (فَ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫لما أريد‬
‫للمشاركة بين اثنين ‪ ،‬وال وجه للمشاركة هنا بين هذا الكفور وبين اهلل‪ ،‬لكنه َّ‬

‫(ج َازى)‪" ،‬والمجازاة مفاعلة‬


‫إقامة الحجة وحلول العقاب به آثر اللفظ القرآني استعمال َ‬
‫(‪)3‬‬
‫وهي في أكثر األمر تكون بين اثنين‪ ،‬يؤخذ من كل واحد جزاء في حق اآلخر" ‪ ،‬يؤخذ‬

‫منه كفره ويمنح عقابه جزاء ذلك الكفران‪ ،‬هذا إذا أجرينا معنى البنية على المشاركة‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫اع َل) على (فَعَّل) للتكثير ‪ ،‬فتقع عليهم المجازاة على كفرهم مغلّظة‪.‬‬
‫وقد تجري كذلك (فَ َ‬

‫بهذه الصورة أو تلك أوصلت قراءة المعلوم تبشيع الجرم الذي قام به أولئك‬

‫القوم من كفر النِعم واساءة األدب بعد اإلحسان إليهم‪ ،‬فكان من عقابهم أن يجازيهم‬

‫(‪ )1‬نظم الدرر‪483/15 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن عصفور(‪1996‬م)‪ :‬الممتع في التصريف‪ ،‬ص‪ ،126-115‬تحقيق‪ :‬قباوة‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫لبنان‪ :‬مكتبة لبنان ناشرون؛ أبو حيان‪ :‬ارتشاف الضرب‪155/1 ،‬؛ السيوطي‪ ،‬جالل الدين(‪2008‬م)‪ :‬المزهر‬
‫في علوم اللغة وأنواعها‪ ،44/2 ،‬تحقيق‪ :‬جاد‪ ،‬محمد أحمد وآخرون‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ :‬مكتبة دار التراث‪ ،‬الساقي‪،‬‬
‫فاضل مصطفى(‪1977‬م)‪ :‬أقسام الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة‪ ،‬ص‪ ،290‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫الخانجي‪.‬‬
‫(‪ )3‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪201/25 ،‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬ابن عصفور‪ :‬الممتع في التصريف‪ ،‬ص‪ ،126-115‬أبو حيان‪ :‬ارتشاف الضرب‪155/1 ،‬؛‬
‫السيوطي‪ :‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪44/2 ،‬‬
‫‪177‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫"ولما كان من العادة المستقرة عند ذوي‬


‫المولى‪ ‬جزاء مضعفا يتواله بذاته الشريفة‪ّ ،‬‬

‫الهمم العوال‪ ،‬العريقين في مقارعة األبطال‪ ،‬المبالغة في جزاء من أساء اإلحسان وقابل‬

‫اإلنعام بالكفران‪ ،‬لِما أثَّر في القلوب من الحريق مرة بعد مرة‪ ،‬وكرة في إثر كرة‪ ،‬أجرى‬

‫مشير إلى ذلك بصيغة المفاعلة عادا لغير جزائهم‬


‫اا‬ ‫األمر‪ ‬على هذا العرف‪ ،‬فقال‬

‫تهديدا يصدع القلوب ويردع النفوس ويدع األعناق خاضعة‬


‫ا‬ ‫عدما‪،‬‬
‫ا‬ ‫بالنسبة إليه‬
‫(‪)1‬‬
‫والرؤوس" ‪ ،‬ومثل هذا النمط من الخطاب حادث في حياتنا اليومية ومستعمل‪ ،‬ظاهر‬

‫َّ‬
‫ويتنكر‬ ‫فيمن ينقلب عليك عداوة بعد صداقة‪ ،‬ويكفر العشير الذي كان بينك وبينه‪،‬‬

‫لأليادي البيضاء والمنن التي أسديتها إليه‪ ،‬ال تجد أمام ذلك إال أن تتولى أنت بنفسك‬

‫أخذ حقك َّ‬


‫ورد اعتبارك‪ ،‬وهلل‪ ‬المثل األعلى‪.‬‬

‫تركيز على بشاعة فعلهم الذي هو الكفر‬


‫ٌ‬ ‫ويرى الباحث أن في البناء للمعلوم‬

‫وتجريمه من جهة أنهم أوقعوه في حق اهلل‪ ،‬فتوالت األفعال بنون العظمة (جزيناهم‪،‬‬

‫جعلنا‪ ،‬وقدرنا) مهددةا ذلك الجرم‪ ،‬ناقضةا تلك الجرأة‪ ،‬وكفى بمقت اهلل‪ ‬مقتاا طارادا‬

‫موجبا له جميع المهالك والمساخط‪.‬‬


‫ا‬ ‫للعبد من رحمته‪،‬‬

‫مثل هذا البروز له‪ ،‬والظهور على بنية المعلوم مستعمل في القرآن الكريم‬

‫في أكثر من موضع في مثل مقامات الغضب والسَّخط على حرماته‪ ،‬كما قال‪:‬‬

‫{ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ} [سورة الزخرف‪ .]55:‬وقال‪:‬‬

‫{ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ} [سورة المؤمنون‪ ،]64:‬وقال‪{ :‬ﭨ ﭩ‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪484/15 ،‬‬


‫‪178‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ} [سورة األنبياء‪ ،]104:‬ولعل هذا يعزز ما يراه الباحث‬

‫في هذه البنية من معنى البعد لإليذان ببعد رتبتهم في الفظاعة‪ ،‬والمعنى‪" :‬ذلك الجزاء‬
‫(‪)1‬‬
‫اء آخر" ‪.‬‬
‫الفظيع جزيناهم‪ ،‬ال جز ا‬

‫أما قراءة المجهول فوردت على االلتفات من جهتين‪ :‬من البناء للمعلوم إلى‬

‫مقصدا‬
‫ا‬ ‫جازى)‪ ،‬وال شك أن لهذا االلتفات‬ ‫المجهول‪ ،‬ومن الخطاب (ن ِ‬
‫جازي) إلى الغيبة (ي َ‬

‫شريفاا ال يمكن حصره وال التنبؤ به‪ ،‬وانما هي إشارات لفهم دالالت كالم اهلل‪ ‬في‬

‫ضوء ما سبق من السياق‪ ،‬قال ابن األثير‪ " :‬االنتقال من الخطاب إلى الغيبة أو من‬

‫الغيبة إلى الخطاب ال يكون إال لفائدة اقتضته‪ ،‬وتلك الفائدة أمر وارد االنتقال من‬

‫أسلوب إلى أسلوب‪ ،‬غير أنها ال ت ُّ‬


‫حد بحد وال تنضبط بضابط‪ ،‬لكن يشار إلى مواضع‬

‫منها ليقاس عليها غيرها‪َّ ،‬‬


‫فإنا قد رأينا االنتقال من الغيبة إلى الخطاب قد استعمل لتعظيم‬

‫شأن المخاطب‪ ،‬ثم رأيناه بعينه وهو ضد األول قد استعمل في االنتقال من الخطاب‬

‫إلى الغيبة‪ ،‬فعلمنا حينئذ أن الغرض الموجب الستعمال هذا النوع من الكالم ال يجري‬

‫شعب‬
‫على وتيرة واحدة وانما هو مقصور على العناية بالمعنى المقصود‪ ،‬وذلك المعنى يت ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫شعبا كثيرة ال تنحصر وانما يؤتى بها على حسب الموضع الذي ترد فيه" ‪.‬‬
‫ا‬

‫وعقال أن الكفر ذنب عظيم موجب للنار‪ ،‬يستوجب صاحبه‬


‫ا‬ ‫تقرر شراعا‬
‫لقد َّ‬

‫الطرد من رحمة اهلل‪ ،‬تواترت النصوص الشرعية بذلك‪ ،‬ولقد قام في أذهان العقالء‬

‫(‪ )1‬أبو السعود‪ :‬إرشاد العقل السليم‪128/7 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬ضياء الدين محمد بن محمد (د‪.‬ت)‪ :‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر‪،170/2 ،‬‬
‫تحقيق‪ :‬الحوفي‪ ،‬أحمد؛ طبانة‪ ،‬بدوي‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬دار نهضة مصر‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫ب للمجازاة والعقاب‪َّ ،‬‬


‫ولعل ذا هو المقصد‬ ‫أن كفران المنعم وجحود حقه على الخلق ِ‬
‫موج ٌ‬ ‫َّ‬

‫كيدا‬
‫المقرر تو ا‬
‫َّ‬ ‫العام من قراءة المبني للمجهول‪ ،‬حيث جاءت هذه القراءة على تقرير‬
‫(‪)1‬‬
‫ِ‬
‫السيء إال الكفور هلل في نعمه" ‪ ،‬هذه َّ‬
‫الداللة تعود‬ ‫وتبكيتاا‪ ،‬قال مقاتل‪" :‬هل يكافأ بعمله‬

‫تقرر‬
‫بالباحث إلى السؤال الثاني الذي أثاره في مطلع مناقشته لصورة هذا التغير‪ ،‬فقد ّ‬

‫صرح به في قراءة المعلوم (نجازي)‪ ،‬وآثر في قراءة المجهول‬ ‫َّ‬


‫أن المجازي هو اهلل‪ّ ‬‬

‫وعقال أنه اهلل‪ ،‬ولعل في ذلك إشارة إلى‬


‫المتقرر حسا ا‬
‫ّ‬ ‫(يجازى) عدم التصريح بالفاعل‬

‫تجريم فعلهم وكفرهم‪ ،‬ال من جهة الفاعل كما كان عليه الحال في قراءة المعلوم وانما‬

‫من جهة المفعول الذي ناب في هذا الموضع من القراءة موضع الفاعل وهو (ال َكفور)‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وكأ َّن المراد‪" :‬ليس ي َ‬
‫جازى بمثل هذا الجزاء الذي هو االنتقام والهالك إال َم ْن كفر" ‪.‬‬

‫هذا المقصد‪-‬واهلل أعلم‪-‬يجري على أغلب مواضع المجازاة التي جاءت في‬

‫القرآن على هذه البنية كقوله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ} [سورة غافر‪ ،]17:‬وقوله‪:‬‬

‫{ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ} [سورة غافر‪ ،]40:‬وقوله‪{ :‬ﰎ ﰏ ﰐ‬

‫ﰑ} [سورة النجم‪ ]41:‬فإنها تثبت للمؤمن والكافر أنه ال يملك أحد الجزاء والعقاب‬

‫إال اهلل‪ ‬بما له من الجالل والكبرياء ذلك اليوم‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﯸ ﯹ ﯺ} [سورة‬

‫غافر‪ ]16:‬فال يجيبه أحد؛ فيجيب نفسه بنفسه‪ ‬فيقول‪{ :‬ﯼ ﯽ ﯾ} [سورة‬

‫غافر‪.]16:‬‬

‫(‪ )1‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪528‬‬


‫(‪ )2‬النحاس‪ :‬إعراب القرآن‪233/3 ،‬‬
‫‪180‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫لما كان العلم بالفاعل ألمثال هؤالء في هذه المواقف إنما هو تحصيل حاصل‪،‬‬
‫و َّ‬

‫انتقلت القراءة الواردة بالبناء للمجهول لتكثيف صورة الفعل الذي ألجله كانت هذه‬

‫المجازاة وهو الكفر باهلل‪ ،‬وذلك زيادة في التبكيت‪ ،‬وسلسلة من العذاب النفسي‬

‫والجسدي ُّ‬
‫يحل بهم‪" ،‬فإن االستفهام هنا تقريري ال يجاب عنه إال ببلى‪ ،‬وحقاا إنه اهلل‪‬‬
‫(‪)1‬‬
‫جازى بمثل ما فعلنا‬
‫كفر" ‪ ،‬قال البغوي‪" :‬وهل ي َ‬ ‫ال ي ِ‬
‫جازي بأسوأ المجازات إال األكثر اا‬
‫(‪)2‬‬
‫جازى)‬ ‫بهم إال البليغ في الكفران أو الكفر" ‪ ،‬لقد حمل االلتفات من (ن ِ‬
‫جازي) إلى (ي َ‬

‫انتقاال من التركيز على الفاعل إلى التركيز على المفعول‪ ،‬فكان هذا التقاطع بين هاتين‬
‫ا‬

‫الصورتين‪-‬صورة البناء للمجهول وااللتفات من الحضور إلى الغيبة‪-‬في معنى بديع‬


‫(‪)3‬‬
‫ومؤداه‪" :‬ما ن ِ‬
‫ناقش إال هو‪ ،‬وما يناقَش إال إياه" ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫خالصته‬

‫هكذا تأتلف القراءتان في مشهد قرآني بديع‪ ،‬ونص فريد في الحبك والسبك‬

‫علما‪ ،‬فهو المجازي‪ ‬ال يغيب عن مجازاة كل ظالم‬


‫واإلتقان‪ ،‬أحاط المولى بكل شيء ا‬

‫َكفور‪ ،‬يجازيهم عن سوء أعمالهم‪ ،‬كما أنهم محل لذلك الجزاء مستحقون له نظير كفرهم‬

‫وجحودهم النعم‪.‬‬

‫لقد تناوبت القراءتان في بيان تلك المعاني وتكشيفها التي ما كانت لتَق َّرَر في‬

‫النفوس لوال تكاملها على نحو من الجالل والجمال‪ ،‬تلك بحق روعة القرآن الكريم وحسن‬

‫سبكه‪ ،‬أودعه المولى أسرار إعجازه‪ ،‬وأبهر به عقول أعدائِه‪.‬‬

‫(‪ )1‬العاني‪ ،‬عبد القادر بن َّ‬


‫مال(‪1965‬م)‪ :‬بيان المعاني‪ ،505 /3 ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬مطبعة الترقي‪.‬‬
‫(‪ )2‬معالم التنزيل‪677/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬المظهري‪ :‬التفسير المظهري‪21/8 ،‬‬
‫‪181‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫وكما تناوبت القراءتان في بيان بقية تلك المعاني فإنها أوصلت رسالة تربوية‬

‫ومعاقب عليها‬
‫ٌ‬ ‫أن لذة المعصية َّ‬
‫منغصةٌ بل‬ ‫ُّ‬
‫وتفضل‪ ،‬و َّ‬ ‫ُّ‬
‫محل إكرام‬ ‫مفادها َّ‬
‫أن الطاعة‬

‫بالمثل‪" ،‬فمن الناس من يكون في رغد من الحال‪ ،‬واتصال من التوفيق‪ ،‬وطيب من‬

‫أدبا‪ ،‬أو يتبع شهوة وال يعرف قدر‬ ‫َّ‬


‫القلب‪ ،‬ومساعدة من الوقت‪ ،‬فيرتكب زلة أو يسيء ا‬

‫ما هو فيه؛ في َغَّير عليه الحال‪ ،‬فال وقت وال حال‪ ،‬وال طرب وال وصال‪ ،‬يظلم عليه‬
‫(‪)1‬‬
‫النهار وكانت لياليه مضيئة ببدائع األنوار" ‪ ،‬وهذا نظير الجزاء المترتب على المعاصي‬

‫من وهن العبادة وضيق العيش وال يصادف لذة في الحالل إال جاء من ينغصه إياها‪،‬‬

‫فاللهم أعزنا بطاعتك وال تذلنا بمعصيتك‪.‬‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪485/15 ،‬‬


‫‪182‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫َيُ ِّ‬
‫عذب‪َ-‬يُعذب َ‬

‫يتناول الباحث في هذا النموذج صورة التغير للفعل المضارع (يعذب) بين البناء‬

‫للمعلوم والبناء للمجهول‪ ،‬حيث ورد الفعل في قراءتين متواترتين (ي َعذب) بالمعلوم‪،‬‬

‫و(ي َع َّذب) بالمجهول في قوله‪{ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ } [سورة الفجر‪، ]25:‬‬


‫(‪)1‬‬

‫والقراءتان في معرض الحديث عن اليوم اآلخر وحال الخالئق فيه‪ ،‬ولِ َمن أهمل ذلك‬

‫اليوم وتمَّنى العمل له جاءت اآلية بنمطين من الخطاب بالمعلوم تارة‪ ،‬وبالمجهول‬

‫أخرى‪.‬‬

‫أما المعلوم فمجموع توجيه علماء القراءات واللغة والتفسير تدور على أ َّن‬
‫(‪)2‬‬
‫وفي عود الضمير‬ ‫مضاف إلى الفاعل‬
‫ٌ‬ ‫المصدر‬
‫َ‬ ‫الضمير في (عذابه) عائد هلل‪ ،‬و‬

‫أحد‪ ،‬فاآلمر و َّ‬


‫الناهي والمالك‬ ‫على اهلل‪ ‬معنيان‪ :‬األول‪ :‬فيومئذ ال يعذب عذاب اهلل ٌ‬

‫تعذيبا مثل تعذيب الكافر‪،‬‬


‫ا‬ ‫أحد‬
‫إنما هو اهلل‪ ‬وحده‪ ،‬وله الملك يومئذ‪ ،‬والثاني‪ :‬ال يعذب ٌ‬

‫ويجوز أن يعود الضمير في (عذابه) على الكافر‪ ،‬فيكون المعنى‪ :‬ال ي َّ‬
‫عذب أحد من‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫النحاس هذه القراءة من حيث المعنى؛ ألن يوم‬ ‫َّ‬
‫الزبانية مثل ما يعذبونه ‪ ،‬واستشكل ّ‬

‫تصور لهذا النفي فائدةٌ‪ ،‬حتى قال بعض أهل‬


‫أحد سوى اهلل‪ ،‬فال ي َّ‬
‫القيامة ال يعذب ٌ‬

‫(‪ )1‬جمهور القراء على كسر الذال بالبناء للمعلوم (يعذب)‪ ،‬وق أر الكسائي بفتح الذال على البناء للمجهول‬
‫(ي َّ‬
‫عذب)‪ .‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪َّ ،685‬‬
‫الداني‪ :‬التيسير في القراءات السبع ص‪222‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬األزهري‪ :‬معاني القراءات ‪ ،145/3‬الزَّجاج‪ :‬معاني القرآن واعرابه ‪324/5‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أبو حيان‪ :‬البحر المحيط ‪476/10‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬إعراب القرآن ‪140/5‬‬
‫‪183‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫العلم‪ :‬كيف يجوز الكسر؟ وال معذب يومئذ سوى اهلل!! ‪ ،‬ومن أهل العلم من جعل‬

‫المصدر مضافا إلى المفعول‪ ،‬فيكون الضمير للكافر‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬فيومئذ ال يعذب‬

‫تعذيبا مثل تعذيب هذا الكافر المتقدم ذكره في اآليات‪.‬‬


‫ا‬ ‫أحد‬

‫أحد‬
‫وأجيب عن اعتراض النحاس بأن المراد ال يتولى يوم القيامة عذاب اهلل‪ٌ ‬‬

‫ب سوى اهلل‪،‬‬
‫غيره؛ ألن األمر يومئذ هلل‪ ‬وحده‪" ،‬فال يلزم أن يكون يوم القيامة معذ ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫عذاب اهلل الكاف َر‬
‫َ‬ ‫أحد في الدنيا‬
‫أحد مثل عذابه" ‪ ،‬قال ال ارزي‪" :‬ال يعذب ٌ‬
‫لكنه ال يعذب ٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫يومئذ‪ ،‬والمعنى‪ :‬مثل عذابه في َّ‬
‫الشدة والمبالغة" ‪َّ ،‬‬
‫ورجح الحربي أن يكون المعنى‪:‬‬

‫أحدا مثل تعذيب هذا الكافر المتقدم ذكره‪ ،‬بإضافة المصدر إلى‬
‫أحد ا‬
‫فيومئذ ال يعذب ٌ‬
‫(‪)4‬‬
‫المفعول به كما شابه قراءة المجهول ‪ ،‬ويكون المراد بـ (أحد) على هذا الوجه‪ :‬المالئكة‬

‫المأمورون بتعذيب أهل النار الذين يسحبونهم فيها على وجوههم‪ ،‬ولهم مقامع من‬
‫(‪)5‬‬
‫حديد ‪ ،‬وهم الذين وردت فيهم نصوص القرآن بما يعزز هذا الوجه كما قال‪{ :‬ﯯ‬

‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ} [سورة غافر‪،]49:‬‬

‫وقال‪{ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬

‫ﯜ ﯝ } [سورة األنفال‪ ]50:‬إلى غير ذلك من النصوص‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفارسي‪ :‬الحجة‪411/6 ،‬‬


‫(‪ )2‬الهرري‪ :‬حدائق الروح والريحان‪428/31 ،‬‬
‫(‪ )3‬مفاتيح الغيب‪160 /31 ،‬‬
‫وتفسير واعراابا‪ ،‬ص‪ ،471‬مكة‬
‫اا‬ ‫(‪ )4‬الحربي‪ ،‬عبد العزيز(‪1417‬هـ)‪ :‬توجيه مشكل القراءات العشرية لغة‬
‫المكرمة‪ :‬جامعة أم القرى(ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الفارسي‪ :‬الحجة‪ ،411/6 ،‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪57/20 ،‬‬
‫‪184‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫أما (ي َّ‬
‫عذب) بالبناء على المجهول فالفعل مسند إلى (أحد)‪ ،‬وحذف الفاعل للعلم‬
‫(‪)1‬‬
‫قالب تقليدي‬ ‫َّ‬
‫محل اكتفاء عند الباحث فإنه ٌ‬ ‫السمين ‪ ،‬وليس هذا القول‬
‫به على قول ّ‬

‫جرى عليه تعبير القدماء رحمهم اهلل‪ ،‬والفاعل إما اهلل‪ ،‬أو الزبانية المتولُّون العذاب‬

‫بأمر اهلل‪ ،‬فيكون المعنى‪ :‬ال َّ‬


‫(‪)2‬‬
‫أحد مثل تعذيب هذا الكافر يوم القيامة ‪ ،‬وقد‬
‫يعذب ٌ‬

‫وضع العذاب موضع التعذيب ولهذا شواهد في اللغة‪ ،‬فقد ِ‬


‫وضع العطاء موضع اإلعطاء‬

‫في قول الشاعر‪:‬‬

‫(‪) 3‬‬
‫ط ـ ـ ـ ـائِ ـ ـ ـ ـ َك ال ـ ـ ـ ـ َم ـ ـ ـ ـا َئ ـ ـ ـ ـةَ الـ ـ ـ ـ َّـرتَـ ـ ـ ـا َع ـ ـ ـ ـا‬
‫َوَب ـ ـ ـ ـ ْع ـ ـ ـ ـ َد َع ـ ـ ـ ـ َ‬

‫ويجوز في (عذابه) أن يكون مصد ار مضافا للفاعل‪ ،‬والضمير هلل‪ ،‬أو مصد ار‬

‫مضاف ا للمفعول أي الكافر المقصود من اآليات‪.‬‬

‫لم يشأ النص القرآني أن تقف دالالته عند هذا البيان فقط‪ ،‬بل تعداه لبيان‬

‫صور أخرى من فظاعة ذلك اليوم المهيب تك ّفلت قراءة المبني للمجهول بإفصاح بعض‬

‫تلك الدالالت‪ ،‬واستكمال ما رسمته قراءة المعلوم في تكامل بديع‪ ،‬وتناسق فذ‪ ،‬ال تعارض‬

‫بينهما وال تناقض‪ ،‬وال تكاد تجد مثل هذا إال في كتاب اهلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدر المصون‪792/10 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفراء‪ :‬معاني القرآن‪ ،262/3 ،‬ابن خالويه‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪371‬‬
‫(‪ )3‬البيت منسوب للقطامي‪ ،‬وهو عجز بيت وصدره قوله‪ :‬أكف ار بعد رد الموت عني؟ المعنى‪ :‬كيف أجحد‬
‫نعمتك وأنكر فضلك علي واحسانك إلي‪ ،‬بعد أن أطلقت سراحي من أسري‪ ،‬وخلصتني من يد أعدائي‪ ،‬فحلت‬
‫بيني وبين الموت المحقق‪ ،‬ولم تكتف بذلك بل أعطيتني مائة من اإلبل الراتعة السمينة؛ تفضال منك وكرما؟‬
‫ينظر‪ :‬التصريح‪ ،64 /2‬أوضح المسالك‪ ،176/3‬الفارسي‪ :‬الحجة‪182/1 ،‬‬
‫‪185‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫نظر المتَتَبع ألنماط الخطاب التي ورد بها القرآن الكريم ظاهرة االستغناء‬
‫يلفت َ‬

‫كثير عند الحديث عن تفاصيل اليوم اآلخر ووقائعه وأحداثه‪ ،‬بل إنها تكاد‬
‫عن الفاعل اا‬
‫(‪)1‬‬
‫مثال جملة مما ورد في ذلك‬
‫تصل لحد االضطراد على رأي بعض الباحثين ‪ ،‬ولنتأمل ا‬

‫ثم نعاود الحديث عما نحن بصدد تحليله في هذا الموضع‪ ،‬فمن اآليات التي وردت‬

‫بالبناء للمجهول عند الحديث عن يوم القيامة قوله‪{ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ} [سورة‬

‫الواقعة‪ ،]4:‬وقال‪{ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ}‬

‫[سورة الحاقة‪ ،]14-13:‬وقال‪{ :‬ﮨ ﮩ ﮪ} [سورة المرسالت‪ ،]8:‬وقال‪:‬‬

‫{ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ} [سورة النبأ‪ ،]18:‬وقال‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ} [سورة‬

‫التكوير‪ ،]1:‬وقال‪{ :‬ﭝ ﭞ ﭟ} [سورة االنفطار‪ ،]4:‬وقال‪{ :‬ﯢ ﯣ ﯤ‬

‫ﯥ ﯦ ﯧ} [سورة الفجر‪ ،]21:‬وقال‪{ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯳﯴﯵ‬

‫ﯶ ﯷ ﯸ} [سورة الفجر‪ ،]23:‬وقال‪{ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ} [سورة‬

‫(‪)2‬‬
‫كثير ‪.‬‬
‫العاديات‪ ،]9:‬وغيرها ٌ‬

‫والعجيب حقا أن تطرد هذه الظاهرة األسلوبية أو يكثر دورانها في القرآن الكريم‬

‫ثم ال يتلفت إليها البالغيون والمفسرون‪ ،‬أو يكون التفاتهم إليها جرايا على العادة َّ‬
‫بأن‬

‫الحذف إنما كان للعلم بالفاعل‪ ،‬أو الخوف منه‪...‬إلى غير ذلك من أغراض الحذف‬

‫(‪ )1‬ابنت الشاطئ‪ ،‬عائشة عبد الرحمن(‪1984‬م)‪ :‬اإلعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن األزرق دراسة قرآنية‬
‫لغوية وبيانية‪ ،‬ص‪ ،240‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬األنعام‪ ،73‬الكهف‪ ،99‬طه‪ ،102‬النمل‪ ،18‬المؤمنون‪ ،101‬يس‪ ،51‬الزمر‪ ،68‬ق‪،20‬‬
‫(‪ )2‬انظر ا‬
‫الحاقة‪.23‬‬
‫‪186‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫التي اشتهرت بها كتب أهل العلم‪ ،‬ويأبى البيان القرآني مثل هذا التعليل الذي ال يوِقف‬

‫الباحثين والناهلين من معين القرآن على أسرار هذه الظاهرة ودالالتها‪.‬‬

‫بطنا وتقري اعا عن نسيان ذلك اليوم بتفاصيل‬


‫لقد حملت قراءة المعلوم تهديدا م ا‬

‫ما فيه‪ ،‬فقال‪( :‬ال يعذب) بعود الضمير إلى اهلل‪ ،‬قال ابن عطية‪" :‬ولذلك معنيان‪:‬‬

‫أن عذبه من الشدة في‬ ‫أن اهلل‪ ‬ال ِ‬


‫يكل عذاب الكفار يومئذ إلى أحد‪ ،‬واآلخر َّ‬ ‫أحدهما َّ‬

‫عذب قطُّ ٌ‬
‫أحد بمثله" ‪ ،‬وكال األمرين شديد على النفس ثقي ٌل عليها‪َّ ،‬‬ ‫حيز لم ي َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫فأال يكل‬

‫اهلل‪ ‬العذاب ألحد وهو المتصرف في األمور يدفع بالخوف والوجل‪ ،‬وهو قمة التهديد‬

‫والتخويف‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ} [سورة‬

‫القلم‪ ،]44:‬وقال‪{ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ} [سورة المزمل‪،]11:‬‬

‫وقال‪{ :‬ﯲ ﯳﯴﯵ} [سورة المدثر‪ ،]11:‬ومن أخلي بينه وبين اهلل‪ ‬فكيف‬

‫جو نجاةا‪ ،‬أو يوفَّق إلى سالمة إال بعفو الكريم الرحيم‪.‬‬
‫له أن ير َ‬

‫متصوٌر متوقَّعٌ من جنس‬


‫َّ‬ ‫قر أو قارب الفهم على أن العذاب‬
‫لما است َّ‬
‫ولعل الذهن َّ‬

‫عذاب الدنيا؛ صرف الخطاب القرآني ذلك الفهم إلى فهم أعمق وأد َّ‬
‫ق بأن بنى الفعل‬

‫أمرهم ألحد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫للمعلوم‪ ،‬وجعل المعنى َّ‬


‫مترد ادا بين أن يعذب اهلل‪ ‬الخالئق بذاته فال يكل َ‬

‫أو أن يكون حظُّ العذاب من القسوة والشدة ما ال يدانيه وال يوازيه غيره من صنوف‬

‫العذاب‪ ،‬وفي كال األمرين قاسم مشترك من التغليظ والشدة على الَّذين كفروا أن يتعظوا‬

‫بما سيكون في ذلك اليوم‪.‬‬

‫(‪ )1‬المحرر الوجيز ‪481/5‬‬


‫‪187‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫والذي يدفع للقول بذلك هو َّ‬


‫أن المستقرئ آليات القرآن الكريم يجد أن الفاعل‬

‫مثال التي‬
‫موضع وأثْبت في أخرى حتى مع أحداث يوم القيامة‪ ،‬فالمواضع ا‬
‫َ‬ ‫حِذف في‬

‫قينا لم يحذف الفاعل على غرار قوله‪{ :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ‬


‫قام فيها العلم ي ا‬

‫ﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭪﭫﭬ‬

‫ﭭ ﭮ} [سورة النساء‪ ،]1:‬وقال‪{ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮫ ﮬ ﮮ‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ} [سورة التوبة‪ ،]116:‬وقال‪{ :‬ﭼ ﭽ ﭾ‬

‫ﭿ ﮀ} [سورة يونس‪ ،]56:‬وقال‪{ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫ﮝ ﮞ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮨ ﮩ ﮪ} [سورة‬

‫إبراهيم‪ ،]4:‬وقال‪{ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬

‫ﯲ ﯳ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ} [سورة النحل‪ ،]93:‬وقال‪{ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ} [سورة الدخان‪ ،]10:‬وقال‪{ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ} [سورة الطور‪،]9:‬‬

‫وقال‪{ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ} [سورة الرحمن‪ ،]37:‬وقال‪:‬‬

‫{ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ} [سورة الحاقة‪ ،]16:‬مما ّ‬


‫يعزز القول بأن البيان القرآني‬

‫ستأنس باألغراض العامة للحذف أو الذكر لكنها ال تفي‬


‫قصد لكل مقام دالالته‪ ،‬نعم ي َ‬

‫منفردةا بمقامات هذا الكتاب العظيم‪ ،‬فالبيان القرآني مثالا يهدينا في هذا الجانب عند‬

‫الحديث عن اليوم اآلخر بحذف الفاعل واغفال ذكره إلى التركيز على الحدث واالهتمام‬

‫‪188‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫تلقائيا‬
‫ا‬ ‫حدثِه‪ ،‬وقد يكون فيه ٌ‬
‫بيان للطواعية التي يتم بها الحدث‬ ‫به بصرف النظر عن م ِ‬

‫(‪)1‬‬
‫أو على وجه التسخير‪ ،‬وكأنَّه ليس في حاجة لفاعل ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫ومقصود القراءتين وان َّ‬


‫تعددت صور بنائهما للمعلوم أو للمجهول بيان انتفاء‬

‫"يعذب عذابا هو أشد عذاب َّ‬


‫يعذبه‬ ‫شدة العذاب كما قال ابن عاشور‪َّ :‬‬
‫المماثلة في َّ‬
‫ا‬
‫(‪)2‬‬
‫العصاة" ‪ ،‬وقد أبان السياق الذي ورد به القراءتان عن معالم شدة ذلك العذاب‪ ،‬فإنه‬

‫متصور فظاعته كونه يأتي يوم القيامة مع سلسلة من األحداث التي‬


‫اا‬ ‫عذاب وان كان‬
‫ٌ‬

‫اتسمت بالشدة والغلظة؛ إال أن السياق القرآني زاد الش َّدة َّ‬
‫شدةا‪ ،‬والغلظةَ غلظةا‪ ،‬وذلك‬

‫شأن مقصود في كثير من أنماط الخطاب القرآني السيما عند مخاطبة من ال يرعوي‬

‫وال ينزجر‪.‬‬

‫ومما يلفت النظر عند الحديث عن داللة الشدة التي أشار إليها الباحث أنه‬
‫(‪)3‬‬
‫يعم َّ‬
‫كل أحد ‪،‬‬ ‫استعمل (أحد) في النفي ليستغرق جنس اإلنسان‪ ،‬فأحد في سياق النَّفي ُّ‬

‫كما قال‪{ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮱ ﯓ ﯔ} [سورة االنفطار‪.]19:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫فـ"انحصر األحد المعذب (بكسر الذال) في فرد وهو اهلل‪ ، "‬وفي تقييد العذاب‬

‫باإلضافة في قوله (عذابه) زجرة أخرى من زواجر الش َّد ِة التي شهدها السياق مع أن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابنت الشاطئ‪ :‬اإلعجاز البياني‪ ،‬ص‪241‬‬


‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪339/30 ،‬‬
‫(‪ )3‬القوجوي‪ ،‬محمد بن مصلح الدين(‪1999‬م)‪ :‬حاشية محي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي ‪،326/8‬‬
‫تحقيق‪ :‬شاهين‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪340/30 ،‬‬
‫‪189‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫حاصر يقيد ما يطلقه العام إال أن التقييد في هذا الموضع من القراءة‬


‫ٌ‬ ‫التقييد في غالبه‬

‫شهد لفتة بيانية جميلة تكاملت مع مؤدى القراءتين ومقصودهما‪ ،‬فاإلضافة للتعظيم‬
‫(‪)1‬‬
‫والتهويل تستلزم أال عذاب ألحد غيره‪. ‬‬

‫ويستمر جمال اإليقاع في السياق القائم على تفاصيل دقيقة من الشدة والغلظة‬

‫حيال أولئك القوم الذين كفروا وصدوا ُّ‬


‫وندوا‪ ،‬ومع أحداث يوم شهدت تفاصيل أحداثه‬

‫الشدة والخوف والفزع‪ ،‬بل كان مطلع الحديث عنه في هذا السياق قوله‪{ :‬ﯢ ﯣ‬

‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ} [سورة الفجر‪ ،]21:‬ويستمر جمال السياق هنا بإيراد المصدر‬

‫(ع َذاب) ويريد به (التَّ ِ‬


‫عذيب) وفيه لفته بيانية أشار إليها البقاعي بقوله‪" :‬ال يعذب‪ :‬أي‬
‫(‪)2‬‬
‫المجرد‪ ،‬فكيف بتعذيبه!!" ‪ ،‬أضف‬
‫َّ‬ ‫يوقع (عذابه) أي‪ :‬عذاب اهلل أي مثل عذابه المطلق‬

‫عذاب تلو عذاب ال يتصور‬


‫ٌ‬ ‫المضعف العين التي تفيد التكرار‪،‬‬
‫َّ‬ ‫إلى ما في بنية (يع ّذب)‬

‫هيئته وال َّ‬


‫كيفيته‪ ،‬يكفي في وصفه فقط أن العذاب عذابه‪ ،‬هذا العذاب ال نظير له‬

‫َّ‬
‫المعذبين كما قال‪ { ‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫في أصناف عذاب‬

‫(‪)3‬‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ} [سورة المائدة‪. ]115:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الخفاجي‪ :‬حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي‪359/8 ،‬‬


‫(‪ )2‬نظم الدرر‪41/22 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬خالدي‪ ،‬خالد(‪2011‬م)‪ :‬االختالفات الصرفية والنحوية بين قراءتي الكسائي وأبي عمرو بن العالء‬
‫وأثرها في محادثة المعنى‪ ،‬ص‪ ،176‬الجزائر‪ :‬جامعة أبي بكر بالقايد(ماجستير)‪ ،‬محمد‪ ،‬صابر(‪2008‬م)‪:‬‬
‫تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر من سورة التغابن إلى سورة الناس‪ ،‬ص‪ ،242–241‬غزة‪ :‬الجامعة‬
‫اإلسالمية(ماجستير)‪.‬‬
‫‪190‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫تكفلت كل قراءة باإلبانة عن شيء من معالم تعظيم وشدة يوم القيامة‪ ،‬وذلك‬

‫بارز يقطع خيال كل أحد أنه ال يقدر على مثل ما‬


‫ظاهر اا‬
‫اا‬ ‫العذاب تارة بإبراز الفاعل‬

‫يقدر عليه‪ ‬من إيقاع العذاب بمن شاء متى شاء‪ ،‬أو َكله ألحد أو كان هو اآلمر‬

‫عذاب لم يعذب‬
‫ٌ‬ ‫بالعذاب‪ ،‬أيا كانت الصورة النهائية التي وقع بها العذاب فإنه وال َّ‬
‫شك‬

‫أعم‬
‫التشوف إلى الفاعل؛ أتى به على وجه ال َّ‬
‫ُّ‬ ‫"لما َّ‬
‫اشتد‬ ‫أحد من العالمين‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫به ٌ‬

‫منه أصالا‪ ،‬فقال‪ :‬أحد" ‪ ،‬وتارة ببناء الفعل للمجهول في ْغ ِف َل الفاعل ويصرف الذهن إلى‬
‫(‪)1‬‬

‫شدته‪ ،‬وفظاعته‪ ،‬وكأنه يقول‪ :‬ليس المهم ِم َّمن وقع العذاب‪ ،‬بل انصرفوا‬
‫العذاب ذاته ّ‬

‫لنجاة أنفسكم من هول عذاب يقع على أعلى هيئة من الغلظة والشدة‪ ،‬وليفَخم من‬

‫عذاب يقع كما في الدنيا؛‬


‫ٌ‬ ‫تصوِرهم لهذا العذاب بناه للمجهول‪ ،‬فإنه قد يتصور في الذهن‬
‫ُّ‬

‫فقطع عنهم هذا التصور وأبان لهم َّ‬


‫بأن "عذاب الدنيا بأسره لو اجتمع على إنسان وحده‬
‫(‪)2‬‬
‫ال يساوي رؤية جهنم بذلك المقام في ذلك المحفل المهول دون دخولها" ‪.‬‬

‫هي إشارة إذن من القراءتين إلى االلتفات َّ‬


‫للدار اآلخرة‪ ،‬وسلوك ما ينجي‪ ،‬ولزوم‬

‫اإليمان بقصد السالمة من عذاب يومئذ‪ ،‬السالمة في الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬السالمة من‬

‫جحود نعمة اهلل‪ ،‬السالمة من أكل مال اليتيم وهضمه حقه‪ ،‬السالمة من منع مال‬

‫المساكين وعدم الحض عليه‪ ،‬السالمة من أكل المال الحرام كحقوق اآلخرين أو الميراث‪،‬‬

‫السالمة من الدنيا واالنغماس في ملذاتها ونسيان اآلخرة‪ ،‬سالمة شاملة صافية َّنب ْ‬
‫هت‬

‫إليها اآليات في سورة الفجر قبل إيراد صورة هذا التغيُّر بين الفعلين (يعذب) و(ي َّ‬
‫عذب)‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم ُّ‬


‫الدرر‪41/22 ،‬‬
‫(‪ )2‬البقاعي‪ :‬نفسه‪41/22 ،‬‬
‫‪191‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫كما قال‪{ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬

‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕﯖ‬

‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ } [سورة الفجر‪-15:‬‬

‫سجدا‪ ،‬حيث ختمها ببيان ِ‬


‫حال‬ ‫يخر له أرباب البيان والبالغة َّ‬
‫‪ ،]20‬وختمها بختام بديع ُّ‬

‫فسلمه اهلل‪ ‬من العذاب في اآلخرة حيث أشارت اآليات‪:‬‬


‫من سلم من ذلك كله في الدنيا ّ‬

‫{ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ} [سورة‬

‫الفجر‪ ]30-27:‬إلى حسن أحوال أرباب العناية والكرامة يومئذ من المؤمنين الذين سلموا‬

‫شر ذلك اليوم وعذابه‪،‬‬


‫في الدنيا واستمسكوا بالتقوى‪ ،‬ولم ينقادوا للهوى‪ ،‬فوقاهم اهلل‪َّ ‬‬

‫أي لقاء أجمل من‪{ :‬ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ}‪،‬‬


‫وأكرم وفادتهم عليه‪ ،‬وأحسن لقاءهم به‪ ،‬و ُّ‬

‫النهاية‪{ :‬ﭯ ﭰ}‪.‬‬ ‫وأي ختام أكمل من‪{ :‬ﭫ ﭬ ﭭ}‪ ،‬و ُّ‬
‫أي نهاية سعيدة تلك َّ‬

‫ذلكم هو القرآن جمال مميز‪ ،‬ووقع فريد‪ ،‬تناسق كامل مع المعنى‪ ،‬وائتالف مع‬

‫الدالالت المصاحبة‪ ،‬لم نستطع أن ننتزع قراءة المجهول من المعلوم‪ ،‬أو أن ندير الظهر‬

‫لقراءة المعلوم لصالح المجهول‪ ،‬متالصقتان في رصفهما‪ ،‬متَّحدتان في سياقهما‪،‬‬

‫عما قد َر لها أن تَبِ َ‬


‫ين عنه‪،‬‬ ‫متماشيتان في المعنى والغرض‪ ،‬أبانت ُّ‬
‫كل واحدة منهما َّ‬

‫بفخامة أسلوب‪ ،‬وجمال لفظ‪ ،‬كل قراءة تقف مع أختها ولو حاولت كما يقول الجرجاني‬
‫(‪)1‬‬
‫أن تنتزع كلمة لتنصع مكانها أخرى في معناها ما ائتلف السياق وال انسجم األسلوب ‪.‬‬

‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪265‬‬


‫‪192‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬ودالالته‬

‫وبذلك ينتهي هذا الفصل الذي عقده الباحث لتحليل المعاني الداللية والبيانية‬

‫ُّر في بنية الفعل من المعلوم إلى المجهول في‬


‫لنماذج مختارة من أفعال شهدت تغي اا‬

‫القراءات القرآنية‪ ،‬حيث درس أثر االختالف على المعنى الوظيفي للبِنية‪ ،‬وما ترتَّب من‬

‫معان بالغية‪ ،‬ودالالت ناشئة عن ذلك النوع من التغيُّر الذي ليس بالضرورة أن يكون‬

‫محال للتعارض أو التناقض وانما تتكامل تلك َّ‬


‫الدالالت فيما بينها لترسم لوحة من‬

‫اإلبداع والجمال َّ‬


‫األخاذ ألساليب القرآن وقراءاته‪ ،‬ذلك الجمال هو الذي يستنهض همم‬

‫الباحثين للتنقيب عن أسرار اإلعجاز في القرآن الكريم‪ ،‬و ّأنى لهم أن يدركوا شأنه أو‬

‫يحيطوا به علما‪ ،‬كما قال سهل التستري‪" :‬لو أ ِ‬


‫عطي العبد بكل حرف من القرآن ألف‬ ‫ا‬

‫فهم لم يبلغ نهاية ما أودع اهلل آيةا من كتابه‪ ،‬وانما يفهم كل بمقدار ما يفتح اهلل عليه‬
‫(‪)1‬‬
‫فتحا من عندك‪ ،‬وأفض على قلوبنا غيثاا نفهم به مراد كتابك‪،‬‬
‫قلبه" ‪ ،‬فاللهم افتح لنا ا‬

‫إنك جو ٌاد كريم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الواحدي‪ :‬التفسير البسيط‪394/1 ،‬‬


‫‪193‬‬
‫الباب الثاني‪:‬‬

‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ ُ‬


‫تغير الفعل من املبني للمجهول إىل املبني للمعلوم‬

‫ُّ ُ‬
‫‪ ‬الفصل األول‪ :‬تغير املاضي من اجملهول إىل املعلوم‪ ،‬ودالالته‬
‫ُّ ُ‬
‫‪ ‬الفصل الثاني‪ :‬تغير املضارع من اجملهول إىل املعلوم ودالالته‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫ُّ‬
‫تغيرِ الفعل املاضي من اجملهول إىل املعلوم‪ ،‬ودالالته‪،‬‬

‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬التغري يف الفعل الثالثي‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‪ :‬التغري يف مزيد الثالثي‬


‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫املبحث األول‪ :‬التغري يف الفعل الثالثي‬

‫يحتوي التغيُّر في القراءات من بنية إلى بنية على منبهات أسلوبية ذات تأثير‬

‫واسع على السياق‪ ،‬ذلك أنه يمنع الكالم من الجري على وتيرة واحدة أو نمط واحد‪،‬‬

‫وهذا له األثر البالغ في اإلفهام وعمق الداللة‪ ،‬فالقراءة بالمعلوم على سبيل المثال غير‬

‫القراءة بالمجهول‪ ،‬وبالماضي غير المضارع وهكذا‪ ،‬إال أن السياق وجملة القرائن‬

‫والد الالت المرتبطة بالنص تمنع التدافع وتنقض التضاد بين أوجه االختالفات على‬

‫ُّ‬
‫تعددها‪.‬‬

‫لذا كان تعامل القراء والعلماء مع القراءات وأوجه التغير فيها بأنها من باب‬

‫القدسية و ُّ‬
‫التأدب مع اهلل‪ ،‬فقد ُحكي عن ثعلب قوله‪" :‬إذا اختلف اإلعراب في القرآن‬
‫(‪)1‬‬
‫عن السبعة لم أفضل إعرًابا على إعراب‪ ،‬فإذا خرجت إلى كالم الناس فضلت األقوى" ‪،‬‬

‫(ملك)‬
‫وقال أبو شامة‪" :‬قد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير في الترجيح بين قراءة َ‬

‫و(مالك) حتى إن بعضهم ُيبالغ إلى حد َيكاد يسقط وجه القراءة األخرى‪ ،‬وليس هذا‬

‫بمحمود بعد ثبوت القراءتين‪ ،‬واتصاف الرب‪ ‬بهما؛ ثم قال‪ :‬حتى أني أُصلي بهذه في‬
‫(‪)2‬‬
‫ركعة وبهذه في ركعة" ‪ ،‬وعلى هذا جرى عمل الباحث في هذه الرسالة بإعمال جميع‬

‫القراءات وعدم إغفال دالالتها‪ ،‬بغية الورود على معين بالغتها‪.‬‬

‫(‪ )1‬نقله عنه الزركشي‪ :‬البرهان في علوم القرآن‪339/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬الزركشي‪ :‬نفسه‪340/1 ،‬‬
‫‪196‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫في الباب الثاني من هذه الدراسة يتناول الباحث تغيُّر الفعلين الماضي‬

‫والمضارع من المجهول إلى المعلوم في فصلين مستقلين‪ ،‬ويناقش دالالت ذلك التغير‪،‬‬

‫والمعاني المترتبة على صورة كل تغيُّر‪ ،‬موظفًا السياق في فهم تلك الدالالت‪ ،‬وان كان‬

‫البحث في دالالت تغيُّر الفعل من المعلوم إلى المجهول والعكس يمثل مطبات عسرة‬

‫يجدها من يدرس تلك الصور؛ ألن إشارات القدماء من علماء اللغة والقراءات والتفسير‬

‫تبدو شحيحةً‪ ،‬فقد اكتفى غالبهم بالتحليل الظاهر لهاتين البنيتين دون البحث في‬

‫ارتباطهما بسياق ما قبلهما وما بعدهما؛ إال أنها تبقى من دائرة البحوث التي ينبغي أن‬

‫توجه إليها الجهود‪ ،‬وتنصب لها الهمم‪ ،‬لتعلقها بشكل طريف من أشكال اإلعجاز‬

‫البياني‪ ،‬ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل‪.‬‬

‫اختار الباحث لصورة التغيُّر التي سيناقشها في هذا المبحث والمتمثلة في تغير‬

‫الفعل الماضي الثالثي من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم ثالثة نماذج هي األفعال‪:‬‬

‫وصد‪ ،‬وفُت َن)‪ ،‬وفيما يلي مناقشة لتلك النماذج‪.‬‬


‫(أُذ َن‪ُ ،‬‬

‫أُ ِذنَ‪-‬أ ِذن‪َ :‬‬

‫في قوله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ} [سورة‬

‫الحج‪ ،]39:‬وردت صورة التغير من (أُذن) بالمجهول إلى (أَذن) بالمعلوم‪ ،‬وقد ق أر نافع‬

‫وحفص وأبو عمرو (أُذن) مضمومة األلف على البناء للمجهول‪ ،‬وق أر ابن كثير وحمزة‬
‫(‪)1‬‬
‫والكسائي (أَذن) مفتوحة األلف على البناء للمعلوم ‪.‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪437‬؛ الداني‪ :‬التيسير في القراءات السبع‪ ،‬ص‪157‬؛ ابن‬
‫خلف‪ :‬العنوان في القراءات السبع‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫‪197‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫اآليات رخصة لمن ظُلموا وأُخرجوا من ديارهم‪-‬وهم الصحابة‪-‬بعد ما لحقهم من‬

‫أذى وضرر من الكفار؛ اضطرهم للخروج من مكة إما مهاجرين ألرض الحبشة‪ ،‬أو‬

‫إلى المدينة المنورة أن يقاتلوا ويأخذوا بحقهم‪ ،‬وقد كان نزول هذه اآليات عند الهجرة‪،‬‬

‫‪،‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫هذا التفصيل‬ ‫وهي أول آية نزلت في اإلذن بالقتال ‪ ،‬ونسخت الموادعة مع الكفار‬

‫كثير مما نحن بصدد تناوله من دالالت هذا ُّ‬


‫التغير‪ ،‬وقد وجه جمع من أهل‬ ‫سيكشف ًا‬

‫التفسير والقراءات (أُذ َن) بأن فيه حذفًا‪ ،‬على معنى‪ :‬أُذن للذين ُيقاتَلون أن ُيقاتلوا‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فالمأذون فيه‪ :‬القتال‪ ،‬قال الفراء‪" :‬أَذن اهلل للذين يقاتَلون أن يقاتلوا" ‪.‬‬

‫نفهم من (أُذن) المبني للمجهول جملة من الدالالت التي تحيط النص بهالة‬

‫من الجمال واإلبداع‪ ،‬وتجعل القراءات بحق متفاعلة مع قضية يعيشها أولئك‬

‫المستضعفون والمضطهدون في كل زمان ومكان‪ ،‬وال يجدر أن تمر مثل هذه البنية‬

‫مرور الكرام‪ ،‬أو أن ُيكتفى عند مناقشتها بذكر العلّة العامة في بناء الفعل للمجهول‪،‬‬

‫بأنه بناء لما لم ُي َسم فاعله هكذا فقط دون تعليق‪ ،‬وذلك‪-‬لعمر اهلل‪-‬انصراف ّأيما انصراف‬

‫عن روعة ذلك التعبير المعجز واالختيار المحكم لتلك المفردة (أذن) بصورتين مختلفتين‪،‬‬

‫تارة بالمجهول وتارة بالمعلوم‪.‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الزّجاج‪ :‬معاني القرآن واعرابه‪430/3 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬ابن ُجزي‪ ،‬محمد بن أحمد(‪1995‬م)‪ :‬التسهيل لعلوم التنزيل‪ ،220/2 ،‬تحقيق‪ :‬سالم‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(‪ )3‬معاني القرآن‪ ،227/2 ،‬وانظر‪ :‬النحاس‪ :‬معاني القرآن‪416/4 ،‬‬
‫‪198‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫قليال لسبب نزول اآلية لنفهم الدالالت المحيطة بهذه البنية‪ ،‬ولنكون‬
‫واآلن لنعد ً‬

‫خلفية تاريخية يجدر أن نستصح َبها عند هذه المناقشة‪ ،‬فعن ابن عباس‪ ¢‬قال‪(( :‬لما‬

‫ليهلكن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أُخرج النبي‪ ‬من مكة‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬أخ َرُجوا نبيهُم‪ ،‬إنا هلل وانا إليه راجعون‪،‬‬

‫فت أنه سيكون‬


‫فنزلت (أُذن للذين ُيقاتَلون بأنهم ظُل ُموا وان اهلل على نصرهم لقدير)‪ ،‬فعر ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫قتال‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬فهي أول آية نزلت في القتال)) ‪.‬‬

‫لقد مثلت صورة اإلذن بـ(أُذ َن) عي ًشا لقضية المظلومين َمن ُبغي أو اعتدي‬

‫عليهم بغير وجه حق‪ ،‬كما تحمل (أُذن) في طياتها بشارة لهم بأن اهلل‪ ‬قد أذن في‬

‫القتال‪ ،‬وليست صورة هذا اإلذن على هذه القراءة عادية بل إنه إذن استثنائي لجملة‬

‫الدالالت التي حفت هذه البنية‪ ،‬والقترانه بصورة التغير التي جاءت بعد (أُذن) للفعل‬

‫(يقَاتَلون)‪،‬‬
‫(يقاتلون) في نفس اآلية‪ ،‬حيث قرئ هذا الفعل كذلك بالمجهول وبالمعلوم‪ُ :‬‬

‫و(ُيقَاتلون)‪ ،‬وبارتباط الفعلين‪( :‬أذن) و(يقاتلون) مع جملة القراءات الثابتة فيهما يتحصل‬
‫(‪)2‬‬
‫أربع صور منهما ‪:‬‬

‫‪( ‬أُذن) مجهول‪(-‬يقاتَلون) مجهول‪.‬‬


‫‪( ‬أُذن) مجهول‪(-‬يقاتلون) معلوم‪.‬‬
‫‪( ‬أَذن) معلوم‪(-‬يقاتَلون) مجهول‪.‬‬
‫‪( ‬أَذن) معلوم‪(-‬يقاتلون) معلوم‪.‬‬

‫(‪ )1‬سنن النسائي‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب وجوب الجهاد‪ ،‬ح(‪ ،)3085‬قال الشيخ األلباني‪ :‬صحيح اإلسناد‪.‬‬
‫(‪( )2‬أُذن) بضم الهمز على المجهول‪( ،‬يقاتلون) بكسر التاء على المعلوم‪ :‬أبو عمرو وشعبة ويعقوب‪( ،‬أُذن)‬
‫بضم الهمز على المجهول‪( ،‬يقاتَلون) بفتح التاء على المجهول‪ :‬نافع وحفص‪( ،‬أَذن) بفتح الهمز على المعلوم‪،‬‬
‫(يقاتلون) بكسر التاء على المعلوم‪ :‬ابن كثير وحمزة والكسائي‪( ،‬أَذن) بفتح الهمز على المعلوم (يقاتَلون) بفتح‬
‫التاء على المجهول‪ :‬ابن عامر‪ ،‬ينظر‪ :‬األزهري‪ ،‬معاني القراءات‪182/2 ،‬‬
‫‪199‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫أشارت صورة اإلذن في قراءة المبني للمجهول (أُذ َن) أن المؤمنين لم يبتدئوا‬

‫وهموا بقتل النبي‪ ‬أكثر من مرة‪ ،‬وأحاطوا بداره‬


‫بالقتال بل ابتدأ غيرهم بإيذائهم‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بيانا للمدافعة التي سبقها قبل هذه اآلية بقوله‪{ :‬ﯽ‬
‫ليقتلوه ‪ ،‬فجاء اإلذن لهم بالقتال ً‬

‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ} [سورة الحج‪ ،]38:‬ومن هذه المدافعة اإلذن لهم بالقتال‪ ،‬قال‬

‫(‪)2‬‬
‫القرطبي‪" :‬يدفع عنهم غوائل الكفار بأن ُيبيح لهم القتال وينصرهم" ‪ ،‬وما أيسر ذلك‬

‫على اهلل‪ ‬أن يدفع عن كل مظلوم ما أصابه‪ ،‬قال البقاعي‪(" :‬أُذن) أشار بقراءة من‬
‫(‪)3‬‬
‫بناه للمجهول إلى سهولة ذلك عليه‪. "‬‬

‫وتشوفًا من أولئك المؤمنين أن يؤذن لهم‬


‫وانك لتلمح من بنية المجهول استش ارفًا ُّ‬

‫صلَف وبطر وكبر وبغي‪،‬‬


‫دفعا ألنفسهم ما يالقونه من َ‬
‫بالقتال‪ ،‬وقد طال انتظارهم له؛ ً‬

‫ويؤكد هذه الداللة أصحاب رسول اهلل‪ ‬عندما كانوا يأتونه ما بين مضروب ومشجوج‬
‫(‪)4‬‬
‫يتظلمون إليه‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال‪ ،‬حتى هاجر فنزلت اآلية ‪،‬‬

‫ولك أن تتخيل ذلك الصبر الذي الزمهم‪ ٪‬منذ مبعثه‪ ‬إلى هجرته وهم ُيضطهدون‬

‫وال َي ُرُّدون؛ ألنه لم يؤذن لهم‪ ،‬حينها تتجلى لك نفسياتهم في طلب اإلذن لهم بالقتال‪،‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬أبو زهرة‪ ،‬محمد (د‪.‬ت)‪ :‬زهرة التفاسير‪ ،4991/9 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجامع ألحكام القرآن‪67/12 ،‬‬
‫الدرر‪56/13 ،‬‬
‫(‪ )3‬نظم ُ‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪73/4 ،‬‬
‫‪200‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫السيما وأنهم قادرون ال عاجزون‪ ،‬قال الشعراوي‪" :‬كانوا ينتظرون األمر بالقتال‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويستشرفون للنصر على األعداء‪ ،‬لكن لم يؤذن لهم في ذلك" ‪.‬‬

‫أما من بنى (أَذ َن) للمعلوم فعلى معنى‪ :‬أذن اهلل‪ ‬للذين يقاتلون‪ ،‬وذلك‬

‫بالتصريح بالفاعل لقربه من قوله‪ ‬قبل هذه اآلية‪ { :‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ}‬

‫ب‬ ‫[سورة الحج‪ ،]38:‬قال أبو زرعة‪" :‬فأسندوا الفعل إلى اهلل‪ُّ ‬‬
‫لتقدم اسمه‪ ،‬وأن الفعل قَُر َ‬

‫منه‪ ،‬وأخرى وهي أن الكالم عقيبه جرى بتسمية اهلل وهو قوله‪{ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬

‫ﭛ} [سورة الحج‪ ،]39:‬وكان األَولى أن يكون ما بينهما في سياق الكالم بلفظهما‬

‫(‪)2‬‬
‫ليأتلف الكالم على نظام واحد" ‪ ،‬وأرجع الطبري المعنى على هذه القراءة إلى معنى‬

‫القراءة بالمجهول (أُذن)‪ ،‬ويؤخذ عليه¬ تفضيله قراءة (أَذن) على (أُذن) حيث يقول‪:‬‬

‫"غير أن أحب ذلك إلي أن أق أر به‪( :‬أَذن) بفتح األلف‪ ،‬بمعنى‪ :‬أَذن اهلل‪ ،‬لقرب ذلك من‬
‫(‪)3‬‬
‫قوله‪ { :‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ} [سورة الحج‪ ، ،"]38:‬وهذا النهج لم يرتضه‬

‫المحققون من أهل العلم وال أهل االختصاص من علماء التفسير والقراءات واللغة‪ ،‬وقد‬

‫سبق إيراد نصوص في مقدمة تناول هذا الموضع عن ثعلب وأبي شامة تؤكد على هذا‬

‫المنهج منهج عدم المفاضلة بين القراءات‪ ،‬ولعل القراءةَ بـ(أَذن) وجهُ اختيار عند‬

‫ويقرؤها‬
‫الطبري¬ ال يقصد منها االشتهاء أو التخيُّر‪ ،‬وانما هي التي كان يق أر بها ُ‬

‫(‪ )1‬الشعراوي‪ ،‬محمد متولي (‪1997‬م)‪ :‬تفسير الشعراوي‪ -‬الخواطر‪ ،9835/16 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطابع أخبار‬
‫اليوم‪.‬‬
‫(‪ )2‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪478‬‬
‫(‪ )3‬جامع البيان‪642/18 ،‬‬
‫‪201‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫بدليل أنه لم يرد غيرها من القراءات‪ ،‬حيث قال في هذا الموضع من اآلية‪..." :‬فإذا‬
‫(‪)1‬‬
‫فبأية هذه القراءات ق أر القارئُ فمصيب الصواب" ‪.‬‬
‫كان ذلك كذلك‪ّ ،‬‬

‫بروز للفاعل‪ ،‬وهو اآلذن‪ ،‬وان لم َيرد له ذكر‬


‫إن في بناء (أَذن) للمعلوم ًا‬

‫صريح هنا إال أن ما قبله‪ { :‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ} [سورة الحج‪ ]38:‬أغنى عن‬

‫إعادته وذكره مرة أخرى‪ ،‬كما أن في هذه البنية من التطمين والسكينة التي تح ّل بقلوب‬

‫إذنه‪ ‬لهم‬
‫المؤمنين؛ ألن اهلل‪ ‬انتصر لهم ودافع عنهم‪ ،‬وأُولى دالئل هذه المدافعة ُ‬

‫تطمينا من جهة أخرى يفهمها الباحث‪-‬واهلل أعلم‪-‬‬


‫ً‬ ‫برد االعتبار وذلك بالقتال‪ ،‬ثم إن فيه‬

‫من سياق بناء الفعل للمعلوم‪ ،‬وهو أنه قد َيظن البعض أن هذا القتال قد يلتبس بداعي‬

‫السيما وأنهم البادئون في قتالهم للمؤمنين‪-‬إال أن هذه‬


‫االعتداء والتشفّي من الكفار‪ّ -‬‬

‫القتال قتال مشروع ال غبار عليه وال َلبس‪ ،‬إنه "قتال‬


‫َ‬ ‫البنية جاءت مطمئ َنة أن هذا‬
‫(‪)2‬‬
‫مشروع‪ ،‬بل إنه واجب‪ ،‬إذ كان فيه تقليم ألظفر الطغيان‪ ،‬وخضد لشوكة الطغاة" ‪،‬‬

‫بيانا‪ ،‬وتزيد هذه الطمأنينة‬


‫تعزز هذا المعنى ً‬
‫وجملة النصوص الواردة في القرآن الكريم ّ‬

‫طمأنينةً‪ ،‬فاهلل‪ ‬يقول‪{ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ } [سورة البقرة‪ ،]179:‬ويقول‪{ :‬ﮎ‬

‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ} [سورة البقرة‪ ،]194:‬إذن فلتَقر أعين‬

‫المؤمنين‪ ،‬وليأخذوا بحقهم‪ ،‬وليدفعوا ذلك الظلم الواقع عليهم بقتال من بغى واعتدى‬

‫عليهم‪ ،‬فإن اهلل‪ ‬قد أَذن بذلك ورخص‪.‬‬

‫(‪ )1‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪642/18 ،‬‬


‫(‪ )2‬الخطيب‪ :‬التفسير القرآني للقرآن‪1043/9 ،‬‬
‫‪202‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫(يقاتلون)‬
‫(يقاتَلون) و ُ‬
‫ويكتمل عقد البيان وتفصيل البالغة بارتباط القراءتين ُ‬

‫بالقراءتين (أُذن) و(أَذن)؛ لتظهر صورة ذلك اإلذن بأبهى ُحلّة وأجمل إبداع‪ ،‬حيث ارتبط‬

‫(يقاتَلون)‪ ،‬فأما (يقاتلون) على صيغة المبني‬


‫(يقاتلون)‪ُ ،‬‬
‫اإلذن للمؤمنين بالبنيتين‪ُ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫للمعلوم‪ ،‬أي‪" :‬يريدون أن يقاتلوا المشركين في المستقبل‪ ،‬ويحرصون عليه" ‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يحل‬

‫اإلشكال الذي قد يرد على معنى القراءة القائل بإنه لو كانت (يقاتلون) بكسر التاء‪ ،‬فَب َم‬

‫وح ُّل هذا اإلشكال أن قراءة المضارع في معنى المستقبل‬


‫أُذن لهم؟ وقد وقع منهم القتال! َ‬

‫سيؤ َمرون بالقتال بأنهم ظُلموا‪ ،‬فهم يقاتلون‬


‫سيقاتلون‪ ،‬أو ُ‬
‫وذلك بمنزلة قوله‪ :‬أُذن للذين ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫عدوهم الظالمين لهم بإخراجهم من ديارهم ‪ ،‬قال ابن عاشور‪" :‬يقاتلون بكسر التاء‬

‫التهيؤ واالستعداد‪ ،‬أي‪ :‬أُذن للذين تهي ُؤوا للقتال‬


‫مجاز في ّ‬
‫ًا‬ ‫صيغة الماضي مستعملة‬
‫(‪)3‬‬
‫للعذر والحرج عمن ال يستطيع القتال وال يقدر‬
‫وانتظروا إذن اهلل" ‪ ،‬وفي هذه البنية رفع ُ‬

‫أن "المراد َمن يصلح للقتال منهم دون َمن ال يصلح‬


‫عليه حيث دل قوله‪"ُ :‬يقاتلون" على ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫له‪ ،‬كاألعمى واألعرج والمريض والضعيف والعاجز عن السفر للجهاد؛ لفقره" ‪.‬‬

‫لقد ارتسمت هيئة واضحةُ المعالم لصورة اإلذن على تلك القراءات مجتمعةً‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫"فصورة اإلذن مختلفة بحسب القراءات‪ ،‬بعضها أقوى من بعض" ‪ ،‬أقول‪ :‬أقوى ال من‬

‫جهة تفصيل بعضها على بعض‪ ،‬وانما من جهة من يتوجه له اإلذن‪ ،‬فإن اإلذن لمن‬

‫(‪ )1‬األلوسي‪ :‬روح المعاني‪154/9 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬حبش‪ :‬القراءات المتواترة‪ ،‬ص‪324‬‬
‫(‪ )3‬التحرير والتنوير‪273/17 ،‬‬
‫(‪ )4‬الشنقيطي‪ :‬أضواء البيان‪262/5 ،‬‬
‫(‪ )5‬ابن عطية‪ :‬المحرر الوجيز‪124/4 ،‬‬
‫‪203‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫مستعدا له‪ ،‬ينتظره لرد مظلمته ودفع ظُلمه؛ أوحت به قراءة المعلوم‬
‫ً‬ ‫كان متهيًئا للقتال‬

‫مسه األذى فقط على نحو ما ُوجهت به‬


‫(يقاتلون) وهو أقوى‪-‬وال شك‪-‬من اإلذن لمن ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫قراءة المجهول (يقاتَلون) بأن المراد بالقتال هنا الفعل المجازي المنصرف لألذى ‪،‬‬

‫وصورة اإلذن في حق من يقوى على القتال ويصلح له أقوى‪-‬وال شك‪-‬من اإلذن لمن‬

‫ال يصلح له كاألعمى وغيره‪ ،‬أيًّا كانت صورة ذلك اإلذن إال أنه يبقى في دائرة المدافعة‬

‫التي سبق اهلل‪ ‬بها نصرته للمؤمنين حين قال‪{ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ} [سورة‬

‫المستضعفين‪،‬‬
‫َ‬ ‫الحج‪ ،]38:‬يبقى في دائرة رفع الظلم والمعاناة عن المضطهَدين و‬
‫(‪)2‬‬
‫فقوله‪{ :‬ﭔ ﭕ} [سورة الحج‪ ]39:‬معناه‪" :‬كان اإلذن بسبب أنهم ظُلموا" ‪،‬‬

‫والتعليل بأنهم ظلموا كاف أال يسألهم أحد‪ ،‬فالعلة واضحة‪ ،‬والسبب جلي‪" ،‬فإنك إذا قلت‬
‫(‪)3‬‬
‫ألحد‪ :‬إنك مظلوم؛ فكأنك استعديته على ظالمه‪ ،‬وذكرته بوجوب الدفاع" ‪.‬‬

‫هي تربية إذن من اهلل‪ ‬للمؤمنين بهاتين البنيتين‪( :‬المجهول والمعلوم) على‬

‫دفع الظلم والبغي والعدوان‪ ،‬فكلها "وجوه منكرة من وجوه المنكر‪ ،‬والمطلوب من كل‬
‫(‪)4‬‬
‫مؤمن أن يدفع المنكر بكل ما ملكت يده‪ ،‬ووسع جهده" ‪.‬‬

‫آني في إيصال رسالة مفادها‪:‬‬


‫تكامال للنص القر ّ‬
‫ً‬ ‫إن في وجوه القراءات المختلفة‬

‫استجيبوا ألنات المظلومين وآهات المكلومين يوم أن يسومهم الطغاة والمجرمون بالحديد‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪273/17 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن عطية‪ :‬مرجع سابق‪124/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن عاشور‪ :‬مرجع سابق‪273/17 ،‬‬
‫(‪ )4‬الخطيب‪ :‬التفسير القرآني للقرآن‪1043/9 ،‬‬
‫‪204‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫إذنا ال مشقة فيه‪ ،‬وال‬


‫والقيد سوء العذاب‪ ،‬استجيبوا لهم؛ استجابةً لربكم‪ ،‬فقد (أَذن) لهم ً‬

‫مستجيبا لهم‪ ‬بعد أن‬


‫ً‬ ‫العلية‬
‫حرج أن يقاتلوا من ظلمهم وبغى عليهم‪( ،‬أَذن) لهم بذاته ّ‬

‫وتحمل‬
‫ُّ‬ ‫طفح بهم الكيل‪ ،‬وضاق عليهم الحال‪ ،‬و(أُذن) لهم بعد أن رّباهم على الصبر‬

‫البالء‪( ،‬أُذن) لهم بعد أن علمهم االئتمار بالشرع فال ُيقدمون على شيء إال بإذنه‪.‬‬

‫(أُذن) و(أَذن) مع (ُيقاتَلون) و(ُيقاتلون)‪َ ،‬نسجت كل تلك القيم التربوية المختلطة‬

‫بالمعاني البيانية والداللية؛ لتُشهدنا على مسيرة هذا الدين العظيم وعلى تلك السلسلة‬

‫الرائعة من البطوالت والتضحيات‪ ،‬صبر وابتالء‪ ،‬قتال وجهاد‪ ،‬مسيرة مضنية لكنها في‬

‫قائما ال يتخلف‪ ،‬هو‬


‫ذات اهلل‪ ،‬ويبقى وعد اهلل‪ ‬ألولئك القائمين على دينه وشرعه ً‬

‫جميعا‪ ،‬فقال‪{ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ} [سورة‬


‫ً‬ ‫ما ختم اهلل‪ ‬به هذه القراءات‬

‫الحج‪ ،]39:‬وهل من تطمين وسكينة تح ُّل في قلب المؤمن مثل هذا‪ ،‬رزقنا اهلل‪ ‬نصرة‬

‫دينه وطمأنينة به‪ ‬تخالط بشاشة قلوبنا‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫صد‪َ :‬‬
‫صدَ‪ُ -‬‬

‫(صد)‪،‬‬
‫من المواضع التي استوقفت الباحث واسترعت نظره واهتمامه الفعل َ‬

‫وهو فعل ثالثي اجتمع فيه حرفان متماثالن األول عين الفعل والثاني المه‪ ،‬أصله‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ص َد َد بفتح العين في الماضي أو كسرها أو ضمها ‪ ،‬وقد ورد هذا الفعل في موضعين‬
‫َ‬

‫(صد) دون ما سواه من‬


‫من القرآن الكريم‪ ،‬والسؤال‪ :‬ل َم آثر اللفظُ القرآني استعمال َ‬

‫األفعال الدالة على المنع والحيلولة كـ (منع) و(حال)؟‬

‫(صد) هي صورة التغير التي وردت‬


‫إن مما يستدعي النظر والتأمل في بنية َ‬

‫بها القراءة المتواترة من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬والدالالت التي حفت هاتين البنيتين بوجوه‬

‫شأنا‪ ،‬وما محاوالت الباحث‬


‫اإلعجاز والبالغة التي ال يحصيها عاد مهما بلغ من العلم ً‬

‫هنا إال سعي منه في االقتراب من معين هذا البحر الذي "ال تزيد تالوته إال حالوة‪ ،‬وال‬

‫غضا طرًّيا‪ ،‬وغيره من الكالم‪-‬ولو بلغ في الحسن والبالغة‬


‫ترديده إال محبة‪ ،‬وال يزال ًّ‬
‫(‪)2‬‬
‫جاهدا أن يوظف السياق‬
‫ً‬ ‫ادى إذا أُعيد" ‪ ،‬كما يسعى الباحث‬ ‫مبلغه‪ُ-‬ي َم ُّل مع الترديد‪ُ ،‬‬
‫وي َع َ‬

‫في فهم دالالت التغير بين الفعلين‪ :‬المجهول والمعلوم‪ ،‬في صورة متكاملة ال تدفع‬

‫للتعارض وال للتناقض بين القراءات‪ ،‬فمن المولى التوفيق واإلصابة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أدب الكاتب‪ ،‬ص‪218‬‬


‫(‪ )2‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين(‪1988‬م)‪ :‬معترك األقران في إعجاز القرآن‪ ،‬ص‪ 184‬تحقيق‪ :‬شمس الدين‪،‬‬
‫أحمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫(صد) من المجهول إلى المعلوم في موضعين من‬


‫وردت صورة تغير الفعل ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬في األول يقول اهلل‪ { :‬ﰀ ﰁ ﰂ } [سورة الرعد‪ ، ]33:‬وفي‬

‫(‪)2‬‬
‫الثاني يقول‪ { :‬ﮥ ﮦ ﮧ} [سورة غافر‪ ، ،]37:‬والممتع في اختيار القرآن‬

‫(صد) أنه فتح المعنى على جملة واسعة من الدالالت‪ ،‬التي ال يمكن أن تتحقق‬
‫الكريم لـ َ‬

‫صد)؛‬
‫(صد)‪ ،‬وحتى نفهم تلك الدالالت التي تتولد عن‪َ ( :‬‬
‫مع فعل آخر لو حل مح ّل َ‬
‫(‪)3‬‬
‫نناقش البنية من زاوية لغوية معجمية‪ ،‬ف ُّ‬
‫الصد هو المنع ‪ ،‬والصُّدود والصد قد يكون‬
‫(‪)4‬‬
‫(صد) معنى يزيد عن‬
‫ومنعا ‪ ،‬وفي َ‬
‫ً‬ ‫تناعا‪ ،‬وقد يكون صرفًا‬
‫انص ارفًا عن الشيء وام ً‬
‫(‪)5‬‬
‫غيره من ألفاظ اإلعراض كـ (منع أو حال) إذ الصد‪ :‬اإلعراض والصُّدوف ‪ ،‬وجعله‬
‫(‪)6‬‬
‫الخليل بمعنى‪ :‬شدة الضحك والجلبة ‪ ،‬وهو نوع من أنواع اإلعراض والصد‪ُّ ،‬‬
‫ومرد هذه‬

‫متعد أو الزم؟ هذا الخالف انبنى عليه صورة التغير بين‬


‫المعاني يرجع إلى‪ :‬هل الفعل َ‬

‫(وص ُّدوا عن السبيل)؛ فله وجهان‪:‬‬


‫َ‬ ‫(صد)‪ ،‬يقول األزهري‪" :‬من ق أر‬
‫(صد) و َ‬
‫القراءتين‪ُ :‬‬

‫ص ُّدوا غيرهم عن‬


‫ص ُّدوا أنفسهم‪ ،‬أي‪ :‬أعرضوا‪ ،‬ومضارعه َيص ُّدون‪ ،‬والوجه الثاني‪ :‬أنهم َ‬
‫َ‬

‫(صد) على البناء للمجهول‪ ،‬ق أر به يعقوب والكوفيون‪ :‬عاصم‪ ،‬وحمزة‪ ،‬والكسائي‪ ،‬وق أر الباقون‬
‫(‪ )1‬بضم الصاد ُ‬
‫(صد) بالفتح على البناء للمعلوم‪ُ ،‬ينظر‪ :‬ابن مهران‪ :‬المبسوط في القراءات العشر‪ ،‬ص‪255‬؛ ابن الجزري‪:‬‬
‫َ‬
‫الرعيني‪ ،‬أحمد بن يوسف(‪2007‬م)‪ :‬تحفة األقران فيما قُرئ بالتثليث من حروف القرآن‪،‬‬
‫النشر‪298 /2 ،‬؛ ُّ‬
‫ص‪ ،114‬تحقيق‪ :‬البواب‪ ،‬علي‪ ،‬ط‪ ،2‬الرياض‪ :‬دار كنوز إشبيليا‪.‬‬
‫(ص ّد)‪ُ ،‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪:‬‬
‫(صد) بضم الصاد‪ ،‬وق أر الباقون بفتح الصاد َ‬
‫(‪ )2‬ق أر عاصم وحمزة والكسائي ُ‬
‫السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪571‬؛ النشار‪ :‬البدور الزاهرة‪ ،‬ص‪.280‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬السمين‪ :‬عمدة الحفاظ‪322/2 ،‬‬
‫(‪ُ )4‬ينظر‪ :‬الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪477 ،‬‬
‫(‪ُ )5‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،245/3 ،‬مادة (صد) كتاب الدال‪ ،‬فصل الصاد‪.‬‬
‫(‪ُ )6‬ينظر‪ :‬العين‪ ،80/7 ،‬باب الصاد والدال (صد)‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫ص ُّدون‪ ،‬وهذا متعد‪ ،‬واألول الزم‪ ،‬ومن قرأ‪ُ :‬‬


‫وصد؛ فمعناه‪:‬‬ ‫السبيل فأضلّوهم‪ ،‬ومستقبله َي ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫الزما قول‬ ‫ُّ‬
‫أُضلوا‪ ،‬ال يكون إال مفعوًال" ‪ ،‬ومما ورد من شواهد العرب بجعل (صد) ً‬

‫النمر بن تولب‪:‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد َعم ـا َال َيح ـ ُّل لَ ـهُ‬


‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدت َك َم ـا َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ص ـ ـ ـو ُام‬
‫يل الفَص ـ ـ ـح َ‬
‫ص ـ ـ ـ َارى قَُب َ‬
‫َس ـ ـ ـاقي َن َ‬ ‫َ‬

‫ومن المتعدي قول عمرو بن كلثوم‪:‬‬

‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َددت الـ ـ َكـ ـ ـ ـأ َس َعـ ـنـ ـ ـ ـا أُم َعـ ـمـ ـرو‬
‫( ‪)3‬‬
‫ان الـ ـ َكـ ـ ـ ـأ ُس َمـ ـجـ ـ َار َهـ ـ ـ ـا الـ ـ َيـ ـمـ ـيـ ـ َنـ ـ ـ ـا‬
‫َو َكـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َ‬

‫(ص ُّدوا) فعلى ترك تسمية الفاعل الذي ينصرف في‬


‫أما القراءة بالمجهول ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫الموضع األول هلل‪ ،‬قال ابن عباس‪" :‬وصدهم اهلل عن سبيل الهدى" ‪ ،‬قال الطبري‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫"وصدهم اهلل عن سبيله لكفرهم به" ‪ ،‬وفي الموضع الثاني إلى الشيطان لداللة ما قبله‬

‫عليه‪ ،‬قال أبو زرعة‪" :‬وجعلوا الفعل هلل‪ ،‬إن اهلل صده عن السبيل‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﭖ‬

‫ﭗ ﭘ} [سورة التوبة‪ ،]87:‬أي‪ :‬طبع اهلل عليها‪ ،‬وحجتهم أن الكالم عقيب الخبر‬

‫(‪)6‬‬
‫من اهلل" ‪.‬‬

‫وينظر‪ :‬السمين‪ :‬الدر المصون‪57/7 ،‬‬


‫(‪ )1‬معاني القراءات‪58/2 ،‬؛ ُ‬
‫(‪ )2‬البيت في وصف الناقة ُعرض عليها الماء فعافته‪ ،‬فصدت عنه كما صد ساقي النصارى عما ال ُّ‬
‫يحل له‬
‫من الطعام والشراب مدة صيامهم‪ ،‬وقبل يوم فصحهم وهو من شواهد سيوبيه في كتابه‪ ،‬الكتاب ‪282/3‬‬
‫(‪ )3‬يقول‪ :‬صرفت الكأس عنا يا أم عمرو‪ ،‬وكان مجرى الكأس على اليمين فأجريتها على اليسار‪ ،‬ينظر‪:‬‬
‫التبريزي‪ :‬شرح القصائد العشر‪ ،‬ص‪323‬‬
‫(‪ )4‬ابن الجوزي‪ :‬زاد المسير‪497/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬جامع البيان‪467/16 ،‬‬
‫(‪ )6‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪632‬‬
‫‪208‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫ونسب الفارسي فاعل الصد في موضع الرعد إلى غواة الكفار والعتاة منهم ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وفي موضع غافر إلى طغاة أصحاب فرعون إذ السياق يحكي قصته‪ ،‬أو الشيطان ‪،‬‬

‫جميعا دون تعارض‪،‬‬


‫ً‬ ‫وال مانع‪-‬واهلل أعلم‪-‬من إرادة المعاني كلها لفاعل الصد؛ إذ يحتملها‬

‫وهذا من قبيل التنوع ال التضاد‪ ،‬قال األلوسي‪" :‬وفاعل الصد‪ :‬إما مكرهم ونحوه‪ ،‬أو‬
‫(‪)3‬‬
‫اهلل‪ ‬بختمه على قلوبهم‪ ،‬أو الشيطان بإغوائه لهم" ‪.‬‬

‫(زي َن) قبله للمجهول في قوله‪ { :‬ﯻﯼ‬


‫بناء الفعل ُ‬
‫(صد) ُ‬
‫وقد ناسب القراءة بـ ُ‬

‫ﯽ ﯾ ﯿ } [سورة الرعد‪ ،]33:‬وهو استدراك ُم َ‬


‫صدر بـ (بل)‪ ،‬أي‪ :‬ليس هلل‪‬‬

‫ُّ‬
‫وصدكم عن سبيل اهلل‪ ‬واتباع‬ ‫وكفركم‪،‬‬
‫مكرُكم ُ‬
‫قول ذلك وفعلَه ُ‬
‫شريك‪ ،‬لكن زّين لكم َ‬

‫مقصد معرفة مفعول التزيين‪ ،‬ال معرفة فاعله‪ ،‬أي‪:‬‬


‫ُ‬ ‫(زي َن) للمجهول‬
‫الحق‪ ،‬وفي بناء ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫اهتداء" ‪.‬‬
‫ً‬ ‫"حصل له تزيين سوء عمله في نفسه‪ ،‬فيحسب الباطل حقًّا والضالل‬

‫(صد) دالالت دقيقة تكاد تفترق عن قراءة المعلوم‬


‫أفادت القراءة بالمجهول ُ‬

‫أخير‬
‫(صد) في فارق فاصل يبين تلك البنية من وجه واألخرى من وجه آخر‪ ،‬لتكتمال ًا‬
‫َ‬

‫في رسم صورة ذلك الصد واإلعراض عن اهلل‪ ‬وشرعه وحكمه‪ ،‬فقد أبانت قراءة‬

‫المجهول الحال التي وصل إليها فرعون ومن شاكله وشابهه من أهل الكفر والضالل‪،‬‬

‫وأن أمثال أولئك يمضون في طريق الضالل إلى غايته‪" ،‬انهمكوا فيه انهماكا ال يرعوون‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الحجة‪19/5 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬الفارسي‪ :‬نفسه‪111/6 ،‬‬
‫(‪ )3‬روح المعاني‪153/7 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪147/24 ،‬‬
‫‪209‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫عنه بحال" ‪ ،‬وقد ُزين لهم من ضاللهم واستكبارهم فأَرَدتهُم سوء أعمالهم فمضوا فيها‬

‫غير آبهين برجعة وال عودة‪ ،‬وهو دليل على خبث نفس وسوء طوية‪ ،‬واال لو كان أمثال‬

‫"ص ُّدوا عن سبيل اهلل بما حملوا في كيانهم‬ ‫ًّ‬


‫هؤالء محال للخير؛ الرتدعوا وعادوا‪ ،‬ولكن‪ُ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(صد) للمجهول إشارة إلى أن قوة خارجة‬
‫من أباطيل وضالالت" ‪ ،‬كما أن في بناء ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫عنهم هي التي صدتهم عن سبيل اهلل‪ ‬وحالت بينهم وبين الهدى ‪ ،‬ولعل هذا يفسره‪-‬‬

‫واهلل أعلم‪ -‬المعاني التي أوردناها في فاعل الصد التي سبق الحديث عنها‪ ،‬سواء أكان‬

‫صرفوا‬
‫معنى واحد أنهم ُ‬
‫ً‬ ‫اهلل‪ ،‬أم الشيطان‪ ،‬أم غواة الكفار وعتاتهم‪ ،‬كلُّها تنسجم في‬

‫ومنعوا من الوصول للحق وللصراط المستقيم‪ ،‬وهو ما عناه الراغب بأن الصد قد يكون‬
‫ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ويصرفوا عن سبيل الحق‪ ،‬فإن دعواهم فيما يرى‬
‫وحق عليهم أن ُيمنعوا ُ‬
‫ومنعا ‪ُ ،‬‬
‫صرفًا ً‬

‫الباحث ومكرهم كان كب ًارا‪ ،‬إذ فيه تعلُّق بذات اهلل‪ّ ‬‬
‫العلية‪ ،‬وحقه الخالص في التوحيد‬

‫والعبادة‪ ،‬وفرعون بلغ من جرأته على اهلل‪ ‬أن قال‪ { :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬

‫ﮔ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ} [سورة غافر‪-36:‬‬

‫‪ ،]37‬وأولئك الكفار ُّ‬


‫حادوا اهلل‪ ‬في عبوديته بأن‪{ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ} [سورة‬

‫صدت في وجوهم كل أبواب الوصول للهدى واالستقامة‪ ،‬فإنهم‪:‬‬


‫الرعد‪]33:‬؛ ولذا ُ‬

‫{ﮡ ﮢﮣ} [سورة نوح‪ ،]22:‬مكر فيه الفجاجة والصلف والعناد‪{ :‬ﮍﮎ‬

‫(‪ )1‬أبو السعود‪ :‬إرشاد العقل السليم‪277/7 ،‬‬


‫(‪ )2‬الخطيب‪ :‬التفسير القرآني للقرآن‪1236/12 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الخطيب‪ :‬نفسه‪132/7 ،‬‬
‫(‪ُ )4‬ينظر‪ :‬الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪477 ،‬‬
‫‪210‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ} [سورة إبراهيم‪ ،]46:‬هذا المكر نقضه اهلل‪ ‬وتوعد‬

‫المفتَئتين على ربوبيته وألوهيته‪ ،‬فقال‪{ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬


‫ُ‬

‫ﯗ } [سورة مريم‪.]89-88:‬‬

‫ص ُّدوا‬
‫الزما بمعنى‪َ :‬‬
‫(صد) فالفعل فيها على تأويلين‪ :‬أن يكون ً‬
‫أما بنية المعلوم َ‬

‫أنفسهم‪ ،‬أي‪ :‬أعرضوا‪ ،‬وال ُيقَدر معه مفعول‪ ،‬أو يكون متعدًيا‪ ،‬فيكون المفعول محذوفًا‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ص ُّدوا غيرهم ‪ ،‬ومن األول قوله‪{ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫التقدير فيه‪َ :‬‬

‫ﭾ} [سورة النساء‪ ،]61:‬ويجوز أن يكون متعدًيا‪ ،‬وقوله‪ { :‬ﯛ ﯜ ﯝ‬

‫ﯞ} [سورة الزخرف‪ ،]57:‬ومن الثاني قوله‪{ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬

‫ﮥ ﮦ} [سورة النساء‪ ،]167:‬وقوله تعالى‪{ :‬ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ}‬

‫[سورة الحج‪ ،]25:‬وقوله‪ { :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ } [سورة البقرة‪،]217:‬‬

‫وقوله‪{ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ } [سورة الفتح‪ ،]25:‬وفاعل‬

‫الصد على قراءة المعلوم ظاهر جلي ينصرف إلى فرعون في موضع {ﮥﮦﮧ}‬

‫[سورة غافر‪ُّ ،]37:‬‬


‫لتقدم ذكره في اآليات‪ ،‬والى الكفار في موضع‪{ :‬ﮣ ﮤﮥ‬

‫ﮦ} [سورة النساء‪ ،]167:‬لسياق اآلية التي تحدثت عنهم‪.‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬األزهري‪ :‬معاني القراءات‪58/2 ،‬؛ الرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر(‪1999‬م)‪ :‬مختار الصحاح‪،‬‬
‫الرعيني‪ :‬تحفة األقران‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫ص‪ ،174‬تحقيق‪ :‬الشيخ‪ ،‬يوسف‪ ،‬ط‪ ،5‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية؛ ُّ‬
‫‪211‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫تأكيدا على النية الفاسدة التي أشار إليها الباحث‬


‫ً‬ ‫نلمح في بناء الفعل للمعلوم‬
‫ُ‬

‫في مطلع حديثه عن بنية المجهول بأنهم أوغلوا في طريق الفساد والضالل‪ ،‬وانهمكوا‬

‫فيه بما ال يرعوون معه وال ينتهون‪ ،‬لتأتي قراءة المعلوم مؤكدة أنهم‪ :‬سواء فرعون‪ ،‬أو‬
‫(‪)1‬‬
‫يصدهم عن اإليمان أحد ولم يمنعهم منه أحد ‪ ،‬وانما هم َمن‬
‫من سار على دربه؛ لم ّ‬

‫تولى كب َر صد الناس عن طريق اهلل المستقيم‪ ،‬ويؤكد هذا الصد وتلك النية الخبيثة‪-‬‬

‫لفرعون على وجه الخصوص‪ -‬وعيده َمن آمن بالعذاب على إيمانه بقوله‪{ :‬ﭰ‬

‫ﭱﭲ} [سورة األعراف‪ ،]124:‬ونحو ذلك مما توعدهم به ألجل إيمانهم‪ ،‬مما‬

‫يدل على أنه ماض في سبيل صد الناس عن دين اهلل‪ ‬وعن صراطه المستقيم‪،‬‬

‫(صد) بالبناء للمعلوم تلك النية الجادة منه في الشر‪ ،‬والسعي الحثيث ألَن‬
‫فصورت َ‬

‫يحول بين الناس وبين ربهم وصراطه المستقيم‪ ،‬هو بذاته ال غيره‪ ،‬وهكذا من اقتفى أثره‬

‫وسار على طريقه من أهل الغواية والضالل‪.‬‬

‫إن تلك النفسية ألرباب الضالل والكفر نفهمها في ضوء المعنيين من بنية‬

‫(صد)‪ :‬الالزم والمتعدي‪ ،‬فهُم في أنفسهم صادين معرضين عن الحق شأنهم شأن أق ارنهم‬
‫َ‬

‫الصدف عن الحق‪ ،‬كما قال‪ ‬عن قوم‬


‫ممن سبقهم في هذا الطريق طريق اإلعراض و َ‬

‫نوح‪{ :‬ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯫﯬ‬

‫ﯭ } [سورة نوح‪ ،]7:‬كل ذلك صلف عن الحق‪ ،‬واستكبار عن الهدى‪ ،‬وال يقف بهم‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الفارسي‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪ُ ،19/5 ،‬ينظر‪ :‬المنجد‪ ،‬محمد(‪ :)2010‬اتساع الداللة في الخطاب‬
‫القرآني‪ ،‬ص‪ ،313‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫يص ُّدوا غيرهم ويمنعوهم عن‬


‫(صد) إلى أن ُ‬
‫األمر عند هذا بل تعداه كما تعدى الفعل َ‬

‫اإليمان والهدى بما أوتوا من سبيل‪ ،‬بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى‪ ،‬وهو شأن واحد‬

‫وقاسم مشترك بين أولئك الظالمين‪ ،‬فقوم لوط• مثال‪{ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ‬

‫ﮍ} [سورة الشعراء‪ ،]167:‬وقوم شعيب• قالوا‪ { :‬ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ} [سورة األعراف‪ ،]88:‬وغيرهم كثير في الصد عن اهلل‪ ‬وسبيله‬

‫المستقيم‪.‬‬

‫المشار إليهما مطلع هذا التحليل‬


‫و(صد) في الموضعين ُ‬
‫َ‬ ‫(صد)‬
‫تنسجم القراءتان ُ‬

‫ص ُّدوا ُ‬
‫وصرفوا عن سبيل الحق الواضح مناراته‪ ،‬التي نصب‬ ‫في أن أهل الكفر والضالل ُ‬

‫صرفوا عن ذلك؛ ألنهم في ذاتهم متَهَيئين للضالل واإلضالل‪،‬‬


‫اهلل لها الدالئل والبراهين‪ُ ،‬‬

‫صرفوا عن الحق ألي مؤثر خارجي أو قوة خارجية‪ ،‬فقد أراد اهلل‪ ‬بهم ذلك‪ ،‬أو‬
‫وان ُ‬

‫فعله بهم الشيطان‪ ،‬أو أولياؤه‪ ،‬فإن "هذه القوة وان كانت خارجة عنهم؛ إال أنهم قد‬

‫استدعوها بضاللهم وعنادهم‪ ،‬واهلل‪ ‬يقول‪{ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ} [سورة‬

‫(‪)1‬‬
‫اء وفاقًا‪ { :‬ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ} [سورة فصلت‪ ،]46:‬ومتى تهيأ‬
‫الصف‪ ،" ]5:‬جز ً‬

‫العبد للضالل‪ ،‬وسلم نفسه للشيطان؛ سلك اهلل‪ ‬به ذلك السبيل‪ ،‬واألسوأُ من ذلك‬

‫األم ُّر أال يقف المرُء عند هذا المستوى من الضالل‪ ،‬بل ُيض ُّل غيره ويمنعه عن الحق‬
‫و َ‬

‫ويحول بينه وبينه‪.‬‬

‫(‪ )1‬الخطيب‪ :‬التفسير القرآني للقرآن‪132/7 ،‬‬


‫‪213‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫سمت القراءتان مالمح الصراع بين الحق والباطل‪ ،‬وأبانت اللثام عن النفسيات‬
‫ر َ‬

‫ضلُّوا في أنفسهم فأُضلُّوا‬


‫المضلين‪َ ،‬‬
‫الخبث ألولئك الضالين ُ‬
‫التي تنطوي على الشر و ُ‬

‫فص ُّدوا أن‬ ‫وأَ ُّ‬


‫وص ُّدوا عن طريق اهلل‪ ‬في أنفسهم‪ُ ،‬‬
‫عرضوا َ‬
‫ضلوا عن طريق اهلل‪ ،‬أَ ُ‬‫َ َ‬

‫ص ُّدوا غيرهم أن يصل إليهم هذا النور‪ ،‬إنها دائرة‬


‫تصل إليهم هداية اهلل‪ ‬ونوره‪ ،‬ثم َ‬

‫من المكر والكيد واإلفساد‪ ،‬كما قال‪ { :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫ﭰ ﭱ ﭲ} [سورة سبأ‪ ،]33:‬تلك النفسية ال يفهمها الباحث إال في ضوء االمتداد‬

‫التاريخي والفكري ألهل الضالل بعضهم من بعض‪ ،‬حيث ذم اهلل‪ ‬أهل الكتاب من‬

‫اليهود والنصارى‪ ،‬ونهاهم عما وقع فيه هؤالء من الضالل واإلضالل فقال ‪{ :‬ﭑ‬

‫ﭒﭓﭔﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬

‫ﭢﭣﭤﭥﭦﭧ} [سورة المائدة‪ ،]77:‬ال يتأتى لك أن ترى أهل‬

‫ص ُّدون سلسلة متتابعة‬ ‫ُّ‬ ‫الباطل إال هكذا‪ ،‬يضلُّون في ُّ‬


‫ص ُّدون َفي ُ‬ ‫فيضلون‪َ ،‬يص ُّدون‪ُ ،‬‬
‫في َ‬ ‫ضلون ُ‬‫ُ َ‬ ‫َ‬

‫من الضالل واإلفساد والغي ال يمكن أن تراها إال فيمن طمس اهلل‪ ‬بصره‪ ،‬وأعمى‬

‫بصيرته‪ ،‬لذا جاء ذلك الختام الرائع والقفلة الختامية لمشهد يختصر القصة كلها‪،‬‬

‫بقوله‪ { :‬ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ} [سورة غافر‪" ،]33:‬إشارة إلى أن اهلل‪ ‬قد أخلى‬

‫(‪)1‬‬
‫فضلُّوا" ‪" ،‬وهذا سبيل اهلل‪ ‬من أضله عن إصابة الحق‬
‫بينهم وبين أهوائهم َليضلوا؛ َ‬

‫(‪ )1‬الخطيب‪ :‬التفسير القرآني للقرآن ‪123 /12‬‬


‫‪214‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫والهدى؛ فما له من أحد يهديه إلصابتهما‪ ،‬وهؤالء المشركون قد أعرضوا عن سبيل‬


‫(‪)1‬‬
‫ضلُّوا غيرهم" ‪.‬‬ ‫الحق‪ ،‬وصدوا غيرهم عن الهدى واإليمان؛ ُّ‬
‫فضلوا في أنفسهم‪ ،‬وأَ َ‬
‫َ‬

‫ُّ‬
‫يود الباحث أن يسجل مالحظة أشار إليها في مطلع تحليل هذا الموضع بأن‬

‫ص ّد) دون ما سواه من األفعال الدالة على اإلعراض والمنع؛‬


‫اللفظ القرآني آثر استعمال ( َ‬

‫لما حملته هذه البنية من الدالالت التي فتحت اللفظ على كل معاني الصد والصلف‬

‫واإلعراض التي عاش بها أولئك القوم‪ ،‬ولو طفت تبحث في قواميس اللغة عن لفظة‬

‫تفي بكل معاني الصد واإلعراض التي أرادها اهلل‪ ‬في هذا الموضع لمثل تلك النفسيات‬

‫التي تحمل من نوايا الخبث ما تحمل؛ لما وجدت بنية أو لفظة أبلغ من التي آثرها‬

‫القرآن الكريم بجمال وقعها‪ ،‬واتساع دالالتها بما ال تتسع له دالالت بنية أخرى‪ ،‬ولما‬

‫لها من اتساق كامل مع المعنى بصور القراءات التي ورد بها الفعل (صد)‪ ،‬ورحم اهلل‬

‫ابن عطية حين قال‪" :‬وكتاب اهلل لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة‬

‫غيرها لم يوجد‪ ،‬ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره‪ ،‬ويخفى علينا وجهها في مواضع‬
‫(‪)2‬‬
‫لقصورنا عن مرتبة العرب‪-‬يومئذ‪-‬في سالمة الذوق وجودة القريحة" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسير سورة الرعد بالقراءات العشر المتواترة‪ ،‬ص‪( ،165‬بحث منشور على اإلنترنت من غير اسم الباحث‬
‫وال الدار الناشرة وال رقم الطبعة وال تاريخها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬المحرر الوجيز‪278/1 ،‬‬
‫‪215‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬
‫َ‬

‫فُتِنَ‪-‬فتنَ‪َ :‬‬

‫قال‪{ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬

‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ} [سورة النحل‪ ]110:‬ق أر الجمهور عدا ابن‬

‫عامر بالبناء للمجهول‪( :‬فُتنوا) بضم الفاء وكسر التاء‪ ،‬وق أر ابن عامر بفتح الفاء والتاء‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مبنيا للمعلوم ‪.‬‬
‫(فَتَنوا) ً‬

‫ساق الباحث هذا الموضع كصورة من صور االنتقال للفعل الماضي الثالثي‬

‫كثير على‬
‫من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ولعل قراءة المجهول في هذا الموضع ال تُشكل ًا‬

‫القارئ بقدر ما يشكل عليه المعنى في قراءة المعلوم (فَتَن)‪ ،‬ومع توجيه االختالف بين‬

‫القراءتين يظهر تكامل النص القرآني والتناسق البديع بين المعاني‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫(فُتن) القول فيه عند أهل العلم بعود الضمير على الذين هاجروا ‪ ،‬فقد نزلت‬

‫هذه اآلية في قوم من أصحاب رسول اهلل‪ ‬تخلفوا بمكة بعد هجرته فاشتد المشركون‬

‫عليهم بالعذاب واإليذاء حتى فتنوهم عن دينهم فأَيسوا من التوبة‪ ،‬فأنزل اهلل‪ ‬فيهم هذه‬

‫اآلية فهاجروا‪ ،‬قال الطبري‪" :‬ثم إن ربك يا محمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم‬

‫وعشائرهم من المشركين‪ ،‬وانتقلوا عنها إلى ديار أهل اإلسالم ومساكنهم وأهل واليتهم‬

‫من بعد ما فتنهم المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم ثم جاهدوا‬

‫المشركين بأيديهم بالسيف وبألسنتهم‪ ،‬وبالبراءة منهم ومما يعبدون من دون اهلل‪‬‬

‫(‪ )1‬ابن مهران‪ :‬المبسوط في القراءات العشر‪ ،‬ص‪226‬؛ ابن الجزري‪ :‬النشر‪305/2 ،‬‬
‫ظر‪ :‬ابن الجزري‪ :‬النشر‪51/1 ،‬‬
‫(‪ُ )2‬ين َ‬
‫‪216‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫وصبروا على جهادهم‪ { :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ} [سورة النحل‪، ]110:‬‬

‫وقد كانت فتنة الكفار لهم بإكراههم على التلفظ بكلمة الكفر وقلوبهم مطمئنة باإليمان‪،‬‬

‫"سمي ما لقُوه من المشركين فتنة؛ ألن الفتنة هي العذاب واألذى‬


‫قال ابن عاشور‪ُ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫صبر وال رًأيا" ‪ ،‬يتحصل من عدم التصريح‬
‫الشديد المتكرر الذي ال يترك لمن يقع له ًا‬
‫(‪)3‬‬
‫بالفاعل على هذه القراءة (فُتُنوا) أنهم ُحملوا عليها بعد تعذيبهم وايذائهم ‪ ،‬وقد ُوعدت‬

‫هذه الفئة بالمغفرة والرحمة إن هي هاجرت في سبيل اهلل‪ ‬وجاهدت وصبرت على ما‬

‫أصابها‪.‬‬

‫ملمحا من مالمح التخفيف عن أولئك القوم الذين‬


‫ً‬ ‫لقد حملت قراءة المجهول‬

‫يار‪ ،‬هذا‬
‫ار ال اخت ًا‬
‫نطقوا بكلمة الكفر وقلوبهم مطمئنة باإليمان‪ ،‬وانما فعلوا ذلك اضطرًا‬

‫التخفيف ناشئ من أن اهلل‪ ‬خفف عنهم‪ ،‬ثم رخص لهم الحقًا‪ .‬قال مكي بن أبي‬

‫وحملوا على االرتداد عن دينهم وقلوبهم مطمئنة على‬


‫طالب‪" :‬ألنهم ُعذبوا في اهلل‪ُ ‬‬
‫(‪)4‬‬
‫اإليمان؛ فأعلمهم اهلل‪ ‬بالمغفرة لما ُحملوا عليه وأ ُكرهوا من االرتداد" ‪.‬‬

‫وانما تشتد الحاجة للتخفيف ويكون له وقع في النفوس عندما يأتي بعد عناء‬

‫ومشقة‪ ،‬وبالعودة إلى مادة (فَتَ َن) في اللُّغة يظهر حجم البالء الذي حل بالمعنيين في‬

‫اآلية؛ لذا جاء حكم التخفيف ُمحبًبا مرغًبا فيه‪ ،‬قال الرازي‪" :‬ألن أولئك المفتونين هم‬

‫(‪ )1‬جامع البيان‪306/17 ،‬‬


‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪299/14 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الخراط‪ :‬اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية المتواترة‪ ،‬ص‪313‬‬
‫(‪ )4‬الكشف‪41/2 :‬‬
‫‪217‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫المستضعفون الذين حملهم أقوياء المشركين على الردة والرجوع عن اإليمان‪ ،‬فبين‪‬‬

‫أنهم إذا هاجروا وجاهدوا وصبروا؛ فإن اهلل‪ ‬يغفر لهم ت َكلُّمهم بكلمة الكفر" ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(فتن) في اللغة تَرد على معان عدة‪ :‬فأصل الفتن إدخال الذهب في النار‬

‫لتظهر جودته من رداءته‪ ،‬واستعمل في إدخال اإلنسان النار‪ ،‬وتارة يسمى العذاب فتنة‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد يجعل البالء فتنة كذلك ‪ ،‬و ًّأيا قصدت بهذه المعاني اللغوية في هذا الموضع من‬

‫اآلية سواء أوقعت الفتنة بتعذيبهم أو بما حل بهم من البالء فإنها كلها أمارات مشقة‬

‫وشدة وجدها أولئك المفتونون عن دينهم‪ ،‬فإن جاء التخفيف لهم من ربهم‪- ‬وقد جاء؛‬

‫طمئن قلوبهم‪.‬‬
‫بردا وسكينة تُ َ‬
‫وجدوا له ً‬

‫ال نريد أن نشخص بناء الفعل للمجهول بداللة ظاهرة توقف حركة النص‬

‫ونشاطه‪ ،‬وال تفتحه على تلك الدالالت التي تجعل منه حيوية وحركة مفعمة بالمعاني‬

‫البيانية‪ ،‬وان إرجاع داللة حذف الفاعل على هذه القراءة إلى العلم به هكذا دون التطرق‬

‫قصور عن الغوص في دقائق البيان‬


‫ًا‬ ‫لما يمكن أن يحدثه هذا الحذف من دالالت ُّ‬
‫يعد‬

‫المعجز بكل حركة وسكنة منه‪ ،‬أال ُيرى في بناء الفعل للمجهول (فُتنوا) دعوة للعمل‬

‫الدؤوب والحركة المستمرة التي ال تتوقف بوقوع العذاب أو حلول الفتن‪.‬‬

‫(فُتنوا) لم تسم من وقعت منهم الفتنة؟ بل ألمحت هكذا في إلماحة سريعة ببناء‬

‫الفعل للمجهول دون سرد لتفاصيل الفتنة! وال من الفاتن! وال كيف وقعت! لقد انتقلت‬

‫(‪ )1‬مفاتيح الغيب‪277/20 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص ‪624-623‬‬
‫‪218‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫في التفاتة رائعة ماتعة من المجهول (فُتُنوا) إلى المعلوم (جاهدوا)‪ ،‬انتقلت من العيش‬

‫على آالم الماضي إلى التخطيط آلمال الغد‪ ،‬بالعمل والحركة والجهاد والمصابرة‪:‬‬

‫(جاهدوا وصبروا) بما يحدث هزةً إيجابية في نفس المستمع تتمثل في دوره في تجاوز‬

‫المحن وعدم الوقوف على تفصيل الفتن‪ ،‬إنها بحق دعوة رائعة للبذل‪ ،‬للعطاء‪ ،‬للتفاني‬

‫ألجل القضية في طريق الحق‪ ،‬دون كلل أو فتور‪ ،‬والفتن إن ُوجدت فإنها ُب َنيات طريق‬

‫وعثرات سبيل سيتجاوزها الصادقون بعملهم وجهادهم وصبرهم‪.‬‬

‫أما (فَتَنوا) بالمعلوم فيرتفع اإلشكال فيه بمعرفة على ماذا يعود الضمير في‬

‫الفعل؟ والتوجيه في ذلك‪ :‬إما أن يعود إلى (الخاسرون) في اآلية المتقدمة‪{ :‬ﮱﯓ‬

‫ﯔﯕﯖ ﯗﯘ} [سورة النحل‪ ]109:‬وتكون اآلية بهذه القراءة نزلت‬

‫في الفاتنين الذين عذبوا المؤمنين على الكفر‪ ،‬وأوقعوا الفتن في الذين أسلموا وجاهدوا‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الكفار المؤمنين ‪ ،‬أو أن يعود الضمير على (الذين‬
‫ُ‬ ‫ويكون المعنى‪ :‬من بعد ما فَتَن‬

‫هاجروا)‪ ،‬وهم‪ :‬المؤمنون‪ ،‬والتقدير‪ :‬فتنوا أنفسهم حين أظهروا ما أظهروا من كلمة‬

‫الكفر‪ ،‬قال أبو حيان‪" :‬والظاهر أن الضمير عائد على الذين هاجروا‪ ،‬فالمعنى‪ :‬فتنوا‬

‫لما كانوا صابرين‬


‫أنفسهم بما أعطوا المشركين من القول كما فعل عمار بن ياسر‪ ،‬أو ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وعذبوا بسبب ذلك؛ صاروا كأنهم هم المعذبون أنفسهم" ‪ ،‬وعلى هذا‬
‫على اإلسالم ُ‬

‫المعنى يقع االشتراك في رجوع الضمير إلى الذين هاجروا في القراءتين (فَتَنوا) و(فُتنوا)‪،‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪277/20 ،‬؛ أبو حيان‪ :‬البحر المحيط‪541/5 ،‬؛ ابن الجزري‪ :‬النشر‪،‬‬
‫‪51/1‬‬
‫(‪ )2‬البحر المحيط‪541/5 ،‬‬
‫‪219‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫وأجاز ابن عطية وجهًا ثالثًا هو أن يعود الضمير على (المشركين)‪ ،‬ويكون المعنى‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫من بعد ما فتنهم الشيطان ‪ ،‬وقد اختار بعض المحدثين لداللة (فَتَُنوا) أن تكون عائدة‬

‫على الذين هاجروا بحجة أنهم المذكورون في اآلية‪ ،‬وأن القول بغيره يؤدي إلى تشتت‬

‫سببا في‬
‫الضمائر بال موجب واختار لذلك معنى‪ :‬من بعد ما فتنوا أنفسهم إذ كانوا ً‬
‫(‪)2‬‬
‫تعذيبهم ألنهم صبروا وجاهدوا ‪.‬‬

‫والباحث لن يفاضل بين القراءتين ولن يرجح إحداهما على األخرى‪ ،‬فالداللة‬

‫واسعة باتساع ما تنفتح عليه القراءتان من الدالالت‪ ،‬فالقراءتان بهاتين البنيتين‪ :‬المعلوم‬

‫والمجهول‪ ،‬شاهد من شواهد سعة غفران الرب الكريم على كثرة ما يرتكبه العبد من‬
‫(‪)3‬‬
‫الذنوب ‪ ،‬فاهلل‪ ‬يغفر للمفتون في دينه وهو ما أبانت عنه قراءة المبني للمجهول‪ ،‬كما‬

‫أنه‪ ‬يغفر للمفتون في نفسه‪ ،‬كما يغفر للمشركين الذين لهم ماض مليء بإيذاء‬

‫المسلمين على أن يلتزموا بما ذكر في اآلية وهذا ما أبانته وأفصحت عنه قراءة المبني‬

‫يعم الخطاب كل أولئك‬ ‫للمعلوم‪" ،‬و ُّ‬


‫الحق أن اإلعجاز وقيمة البيان وقمته تكمن هنا‪ ،‬إذ ُّ‬

‫في آية واحدة‪ ،‬والنتيجة ج ُّد سائغة ومقبولة‪ ،‬وهي أن اهلل يغفر للجميع إذا تابوا إليه توبة‬
‫(‪)4‬‬
‫نصوحا‪ ،‬وختموا أعمالهم باإليمان وطاعة الرحمن مهما سلف منهم" ‪.‬‬
‫ً‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬المحرر الوجيز‪425/3 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬الحربي‪ ،‬مشكل القراءات العشرية‪ ،‬ص‪.310‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬الخراط‪ :‬اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية المتواترة‪ ،‬ص‪314‬‬
‫(‪ )4‬الجمل‪ :‬الوجوه البالغية في توجيه القراءات‪ ،‬ص‪439‬‬
‫‪220‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫وجهت شطرك للقراءتين تجلت لك معاني عفو‬


‫أيا قصدت بالمعنيين‪ ،‬وأينما ّ‬

‫الرحيم وسعة الكريم‪ ،‬ذلك "أن من رجع إلى اهلل‪ ‬مع العمل الصالح بالهجرة والجهاد‬
‫(‪)1‬‬
‫والصبر حاز على مغفرة اهلل‪ ‬ورحمته ‪ ،‬وقد استفاضت نصوص الكتاب والسنة في‬

‫ب ما قبله وأن التوبة تَ ُج ُّ‬


‫ب ما قبلها‪.‬‬ ‫بيان أن اإلسالم َي ُج ُّ‬

‫في القراءتين كذلك تربية ولفتة بديعة في مالمسة الشعور النفسي ألولئك‬

‫المفتونين أو الفاتنين على المعاني التي سبق إيرادها في توجيه القراءتين‪ ،‬فإن الفتنة‬

‫التي ُحملوا عليها بعد تعذيبهم وايذائهم‪ ،‬أو وقعت منهم قبل التوبة ال شك تُحدث في‬

‫عاجا وذكريات مؤلمة‪ ،‬السيما باالقتراب أكثر ممن نزلت فيهم القراءتين تحكي‬
‫النفس انز ً‬

‫بديعا ُيعزز معاني الرحمة والمغفرة التي سبق اإلشارة‬


‫ختاما ً‬
‫حالهم‪ ،‬فجاء ختام القراءتين ً‬

‫إليها‪ ،‬ومعاني التخفيف التي سبق إيرادها‪ ،‬فقد ُخت َمت القراءتان بالتأكيد واإلسناد واإلشارة‬

‫والزيادة في معاني منسجمة في قوله‪ { :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ} [سورة‬

‫ص َد المذكورات من الفتنة والهجرة والجهاد‬


‫النحل‪ ،]110:‬ويا لجمال‪( :‬من بعدها) سواء قَ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫والصبر‪ ،‬أو قصد الفتنة ذاتها المفهومة من الفعل السابق (فتنوا) ‪ ،‬هذا أو ذاك فالنتيجة‬

‫َبع ُد واحدة على القراءتين‪( :‬إن ربك من بعدها لغفور رحيم)‪.‬‬

‫تشعبين‪ ،‬تارة ترتوي منه بقناة‪،‬‬


‫وهكذا ظهر كأن هاتين القراءتين واد معين ذو ُّ‬

‫وتارة بقناة أخرى‪ ،‬ال تفتأ أن تجد بغيتك بأن تروي ظمأك‪ ،‬ذلك هو إعجاز القرآن الكريم‬

‫(‪ )1‬حمدون‪ ،‬غسان (د‪.‬ت)‪ :‬أساس العالقة بين معاني القرآن بتعدد القراءات عند ابن الجزري‪ ،‬ص‪،22‬‬
‫صنعاء‪ :‬كلية التربية بجامعة صنعاء (بحث منشور على اإلنترنت)‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن عطية‪ :‬المحرر الوجيز‪425/3 ،‬‬
‫‪221‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫بقراءاته المتنوعة والمتغايرة‪ ،‬تارة تصور لك المشهد من زاوية‪ ،‬ثم تنتقل بك لتصوره من‬

‫زاوية أخرى ربما غاب تفاصيلها عن المشاهد أو المستمع وهو يستمتع بالصورة األولى‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫املبحث الثاني‪ :‬صور التغري يف مزيد الثالثي‬

‫تبقى األلفاظ القرآنية ألفاظا متميزة في بنائها ورصفها وداللتها على المعنى‪ ،‬وال‬

‫شك أن في اختيار البنية المالئمة للمعنى المراد إعجاز وأيما إعجاز‪ ،‬وقد الحظنا في‬

‫أكثر من موضع في ثنايا هذه الدراسة ذلك الترابط المحكم واالئتالف الدقيق بين معاني‬

‫أبنية األفعال التي وردت بها القراءات القرآنية‪ ،‬حيث لم نجد إال التكامل واالنسجام‪،‬‬

‫فالقراءة األولى تمهد للثانية‪ ،‬والبنية األولى تدلل على أختها‪ ،‬وهكذا سلسلة من اإلعجاز‬

‫والتناغم‪ ،‬فال هو تنافر في المعاني وال هو تنافر في األلفاظ‪ .‬إنها "دقة في التعبير‬
‫(‪)1‬‬
‫القرآني‪ ،‬ومتانة نظمه‪ ،‬وعجيب تصرفه‪ ،‬يؤدي المعنى الثري في اللفظ القاصد النقي" ‪.‬‬

‫ولم يك في مقصد الباحث مع بدايات دراسة صور تغير األفعال بين أوجه‬

‫القراءات المتعددة إال أن يدرس ذلك األثر المترتب على انتقال الفعل من بنية إلى بنية‪،‬‬

‫أثر أو فرقا في الداللة؟ السيما وأن كلتا البنيتين ثبتت بهما القراءة المتواترة‬
‫وهل أحدثت ا‬

‫عنه‪ ،‬فلما مضت مسيرة الدراسة والتحليل لتلك الصور وقف الباحث على كم هائل‬

‫من الدالالت التي تكاد تجمع على أن لكل بنية معنى مقصودا وداللة خاصة ال تتعارض‬

‫مع التي وردت بها القراءة األخرى‪ ،‬وانما تتكامل معها في ارتباط ونظم بديع قلما أن‬

‫تجد مثله في كالم البلغاء‪ ،‬أو عند أشعر الشعراء والفصحاء‪ ،‬ترابط ال يشعرك بالتعارض‬

‫وال بالتناقض‪ ،‬وال يوهمك بالتكرار أو الحشو‪ ،‬وانما هو صورة فنية بديعة تدهش العقول‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬محمد عبد العال(‪1990‬م)‪ :‬من جماليات التصوير في القرآن الكريم‪ ،‬مكة المكرمة‪ :‬رابطة العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬مجلة دعوة الحق‪ ،‬ص‪ ،19‬ع‪.99‬‬
‫‪223‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫وتأخذ باأللباب؛ لذا كانت القراءات القرآنية ً‬


‫محال خصبا للدراسة والتأمل‪ ،‬وجديرة أن‬

‫يدير إليها الباحثون عجلة التنقيب والتكشيف عن دالالت صور التغير الحاصلة بين‬

‫قراءة وأخرى‪.‬‬

‫في هذا المبحث يدرس الباحث نماذج من صور تغير الفعل مزيد الثالثي من‬

‫المجهول إلى المعلوم‪ ،‬والدالالت المتولدة عن صور ذلك التغير؟ ولو حلت إحدى‬

‫البنيتين محل األخرى هل كان سيتم المعنى؟ هذا ما يحاول المبحث اإلجابة عليه ومن‬

‫اهلل التوفيق واإلصابة‪ ،‬ومن تلك النماذج‪:‬‬

‫أُ ْخفِيَ‪-‬أُ ْخفِ َْ‬


‫ي‪:‬‬

‫هذا الموضع يناقش صورة تغير بنية الفعل الماضي من المجهول (أخفي) إلى‬

‫المعلوم (أخفي) في قوله‪{ ‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ}‬

‫[سورة السجدة‪ .]17 :‬ق أر العشرة عدا حمزة ويعقوب (أخفي) بفتح الياء‪ ،‬وبناء الماضي‬
‫(‪)1‬‬
‫للمجهول‪ ،‬وق أر حمزة ويعقوب (أخفي) فعل مضارع بإسكان الياء‪ ،‬على البناء للمعلوم ‪.‬‬

‫فأما من ق أر بالمجهول (أخفي)؛ فالوجه عنده أنه يناسب سياق اآليات الواردة‬

‫بعده‪ ،‬حيث اكتفى بالضمير الذي ألحق بالفعل عن الفاعل الظاهر‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن غلبون‪ ،‬أبو الطيب بن عبد المنعم(‪1991‬م)‪ :‬التذكرة في القراءات الثمان‪ ،‬ص‪ ،498‬تحقيق‪:‬‬
‫سويد‪ ،‬أيمن‪ ،‬ط‪ ،1‬جدة‪ :‬الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم؛ ابن أبي طالب‪ ،‬مكي(د‪.‬ت)‪ :‬كتاب التبصرة في‬
‫القراءات السبع‪ ،‬ص‪ ،307‬تحقيق‪ :‬محمد‪ ،‬جمال الدين‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬طنطا‪ :‬دار الصحابة للتراث؛ الداني‪ :‬التيسير‪،‬‬
‫ص‪415‬؛ العكبري‪ ،‬أبو البقاء عبد اهلل بن الحسين(‪1996‬م)‪ :‬إعراب القراءات الشواذ‪ ،296/2 ،‬تحقيق‪ :‬عزوز‪،‬‬
‫محمد السيد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬عالم الكتب؛ النشار‪ :‬البدور الزاهرة‪.206/4 ،‬‬
‫‪224‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫{ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ} [سورة السجدة‪ ،]17 :‬وقوله‪ { :‬ﯖ ﯗ} [سورة السجدة‪،]18 :‬‬

‫وقوله‪{ :‬ﯡ ﯢ ﯣﯤ} [سورة السجدة‪ ،]19 :‬ومن ق أر (أخفي) بالمعلوم فقد جعله‬

‫(‪)1‬‬
‫مأخوذا من الماضي‪( :‬أخفيت) ‪ ،‬وبناء الفعل للمعلوم ناسبه سياق األفعال الواردة قبله‬

‫كقوله‪{ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ} [سورة السجدة‪ ،]13 :‬وقولـه‪ { :‬ﭹ‬

‫ﭺ} [سورة السجدة‪ ،]14 :‬وقوله‪ { :‬ﮜ ﮝ } [سورة السجدة‪.]16 :‬‬

‫(‪)2‬‬
‫وكلها أفعال مبنية للمعلوم‪ ،‬ويؤيده كذلك قراءة ابن مسعود‪( :‬ما نخفي لهم) ‪ .‬فناسب‬

‫سياق اآليات الواردة قبل الفعل (أخفي) المبني للمعلوم قراءة حمزة ويعقوب‪ ،‬كما ناسب‬

‫سياق اآليات الواردة بعد الفعل (أخفي) المبني للمجهول قراءة الجمهور‪.‬‬

‫تصور اآلية مشهدا من مشاهد يوم القيامة يتمثل في النعيم الذي أعده اهلل‪‬‬

‫تعالى للمؤمنين‪ ،‬وقد سبقت اإلشارة إلى أن مالمح ذلك اليوم تتسم بالتحول‪ ،‬والمفاجأة‪،‬‬

‫والحركة الناتجة عن تغير الكون وتبدله‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬

‫ﮦ} [سورة إبراهيم‪ ،]48:‬وبالنظر في داللة كل قراءة وأثرها على المعنى تتجلى‬

‫الصورة البديعة في جري الكالم على نسق واحد من التوافق واالنسجام‪ ،‬قال‪{ :‬ﮠ‬

‫ﮡﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦﮧﮨ ﮩﮪ ﮫﮬ} [سورة السجدة‪ ،]17 :‬أي‪" :‬ال يعلم أحد‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفارسي‪ :‬الحجة في علل القراءات‪166/4 ،‬؛ أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪569‬؛ الباقولي‪ ،‬علي بن‬
‫الحسين الملقب بجامع العلوم(‪2001‬م)‪ :‬كشف المشكالت وايضاح المعضالت في إعراب القرآن وعلل القراءات‪،‬‬
‫‪ ،220/2‬تحقيق‪ :‬السعدي‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪ :‬دار عمار؛ ابن أبي مريم‪ :‬الموضح في وجوه القراءات‪.625 ،‬‬
‫(‪ )3‬أورد هذه القراءة الفراء‪ :‬معاني القرآن‪332/2 ،‬‬
‫‪225‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫ما أخفي لهؤالء الذين ذكرهم اهلل مما تقر به أعينهم" ‪ ،‬والحديث عن المتهجدين بالليل‪،‬‬

‫يتضح ذلك من النظر في سيـاق اآليـات‪ ،‬قال‪{ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬

‫ﮙ ﮚﮛ ﮜﮝﮞ} [سورة السجدة‪ ،]16 :‬روى معاذ بن جبل‪ ‬عن‬

‫رسول اهلل‪ ‬في قوله‪{ :‬ﮔ ﮕ } [سورة السجدة‪(( ،]16 :‬قال‪ :‬قيام العبد من‬

‫(‪)2‬‬
‫الليل)) ‪ ،‬وأورد ابن الجوزي أربعة أقوال فيمن نزلت فيهم هذه اآلية‪ ،‬وفي الصالة التي‬

‫تتجافى لها جنوبهم‪ ،‬مؤدى تلك األقوال إلى معنى استخفائهم في صالتهم‪ ،‬سواء أكانت‬
‫(‪)3‬‬
‫نافلة كقيام الليل‪ ،‬أم فرضا كالعشاء ‪ ،‬واستدل الزجاج باآلية على أنها الصالة في جوف‬
‫(‪)4‬‬
‫الليل‪ ،‬يقول‪" :‬ألنه عمل يستسر اإلنسان به‪ ،‬فجعل لفظ ما يجازى به (أخفي)" ‪ ،‬فناسب‬

‫إيراد الفعل (أخفي) بقراءتيه السياق العام لآليات‪ ،‬إذ أن قيام الليل في أصله عبادة خفية‪،‬‬

‫تتسم بالسر والخفاء‪.‬‬

‫أفادت القراءة بـ(أخفي) التعظيم‪ ،‬فالفكر يذهب كل مذهب في المخفي‪ ،‬هذا‬

‫الخفاء وقع فعال وحصل‪ ،‬لكن ما هو؟! وما كنهه؟! وأي جزاء مترتب على أعمالهم؟! لم‬

‫تبينه اآلية ولم تسمه‪ ،‬وانما اكتفت باإلشارة إليه بالفعل المبني للمجهول‪ ،‬وذلك "للعلم‬

‫(‪ )1‬الكرماني‪ :‬مفاتيح األغاني‪ ،‬ص‪329‬‬


‫)‪ )2‬أخرجه أحمد في المسند‪ :‬مسند العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬حديث رقم (‪)21456‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن الجوزي‪ :‬زاد المسير‪339-337/6 ،‬‬
‫(‪ )4‬الزجاج‪ :‬معاني القرآن واعرابه‪207/4 ،‬‬
‫‪226‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫بأنه‪ ‬الذي أخفوا نوافل أعمالهم ألجله" ‪ ،‬ولنتأمل في بعض اإلشارات التي توحي‬

‫بخفاء جزاء هؤالء العباد جزاء وفاقا‪ ،‬كما يظهر من اآليات‪:‬‬

‫فمن ذلك‪ :‬نفي العلم بالجزاء المتمثل بدخول ال النافية على الفعل المضارع‬

‫في قوله‪{ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ} [سورة السجدة‪ ،]17 :‬كذلك النكرة (نفس) في‬

‫(‪)2‬‬
‫سياق النفي (فال تعلم) أفـادت العموم‪ ،‬أي‪ :‬ال يعلم أي أحد ‪ ،‬نفت العلم عن أي نفس‬

‫كانت‪" ،‬فهي إذا نفوس غير عالمة‪ ،‬بالذي أخفي لهم‪ ،‬وذلك بطي ذكر العالم الرحب‬

‫الذي تم إخفاؤه‪ ،‬وطي ذكر من أعد هذا العالم الرحب من التكريم والتنعيم‪ ،‬فالسياق سياق‬
‫(‪)3‬‬
‫إبهام‪ ،‬واإلبهام عنصر مراعى ومقصود؛ لتذهب النفس في تقديره كل مذهب" ‪.‬‬

‫هذا المعنى أشار إليه الجرجاني في نظرية المعنى ومعنى المعنى‪ ،‬حين يقول‪:‬‬

‫"نعني بالمعنى‪ :‬المفهوم من ظاهر اللفظ‪ ،‬والذي تصل إليه بغير واسطة‪ ،‬وبمعنى المعنى‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أن تعقل من اللفظ معنى‪ ،‬ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر" ‪ ،‬فالمعنى حاصل‬

‫من اإلخفاء لمظاهر النعيم الذي ينالونه‪ ،‬ثم يذهب الفكر بعيدا في تقدير هذا الجزاء‬

‫وهذا ما قصده الجرجاني بمعنى المعنى‪.‬‬

‫(‪ )1‬الجيلي‪ :‬اختالف القراءات من صيغة الماضي إلى غيرها‪ ،‬ص‪134‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬عباس‪ ،‬فضل‪ :‬البالغة فنونها وأفنانها (المعاني)‪ ،‬ص‪ ،534‬ط‪ ،4‬األردن‪ :‬دار الفرقان‪.‬‬
‫(‪ )3‬الخراط ‪ :‬اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية‪ ،‬ص‪321-320‬‬
‫)‪ )4‬الجرجاني‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪263‬‬
‫‪227‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫وبمراجعة إعراب النحاة لـ(ما) في اآلية؛ فإنهم أعربوها كاآلتي ‪ :‬إن كانت‬

‫بمعنى (الذي)؛ فهي في موضع نصب بـ (تعلم) على القراءتين‪ ،‬وتكون الهاء محذوفة‬

‫من الصلة على قراءة (أخفي) أي‪ :‬أخفيه لهم‪ ،‬وال حذف في قراءة‪( :‬أخفي)؛ ألن الضمير‬

‫لنـائب الفعل يعود على‪( :‬الذي)‪ ،‬وان كانت استفهاما بمعنى (أي)؛ فهي في موضع رفع‬

‫باالبتداء على قـراءة (أخفي)‪ ،‬وفي موضع نصب على قراءة (أخفي)‪ ،‬والجملة‪( :‬ما أخفي)‬

‫في موضع نصب سدت مسد مفعولي (تعلم)‪ ،‬ونقل أبو علي الفارسي أن الراجح عند‬
‫(‪)2‬‬
‫النحاة جعل (ما) استفهاما مرتفعا باالبتداء ‪ ،‬هذا االستفهام يثير تساؤالت عدة عما‬

‫أخفي لهؤالء المنعمين‪ ،‬والمتأمل لهذا االستفهام بعين البصيرة ليتذوق حالوة القرآن ودقته‬

‫في اختيار مفرداته‪ ،‬فقد الءم االستفهام الذي رجح في معنى (ما) داللة الفعل (أخفي)‬

‫لما يحمله االستفهام من طلب العلم بالشيء‪ ،‬وطلب العلم بالشيء ناشئ عن وجه خفاء‪،‬‬

‫وبذلك يرد عنصر جديد من عناصر اإلبهام المقصود في هذا الفعل‪.‬‬

‫واذا انتقل الباحث إلى داللة (أخفي) ببنائه للمعلوم؛ يجد ثمة توافق وتواؤم بينه‬

‫وبين المضارع قبله‪( :‬ينفقون)‪ ،‬وألن الفعل المضارع يحمل التجدد‪ ،‬ويشعر بالحركة‬

‫والحياة؛ فقد "نجم عن هذا جزاء مستمر متجدد في نسيج الفعل المضارع ذي الفعل‬
‫(‪)3‬‬
‫الرباني‪( :‬أخفي) في مقابل المضارع ذي الفعل البشري (ينفقون)" ‪ ،‬ولعل التعبير بهذه‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬النحاس‪ :‬إعراب القرآن‪ ،‬ص‪759‬؛ ابن أبي طالب‪ ،‬مكي(‪2010‬م)‪ :‬مشكل إعراب القرآن‪ ،‬ص‪،359‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد العظيم‪ ،‬أسامة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫)‪ )1‬ينظر ‪ :‬الفارسي‪ :‬الحجة في علل القراءات‪166/4 ،‬‬
‫)‪ )2‬الخراط‪ :‬اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية‪ ،‬ص‪320‬‬
‫‪228‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫البنية مناسب لحالهم–واهلل أعلم‪-‬فما داموا مستمرين في إخفاء أعمالهم حرصا على‬

‫مرضاة ربهم‪ ،‬مداومين عليها كما جاءت بذلك األفعال‪( :‬تتجافى)‪( ،‬يدعون)‪،‬‬

‫(ينفقون)؛ ناسبهم أن تبقى نفوسهم مطمئًنة بفضل اهلل‪ ‬وعطائه‪ ،‬متشوفة دوما إلى‬

‫المزيد من رضوانه‪ ،‬غير ملتفتة إلى النوال من غيره "تروي غليلها بما يخفيه لها ربها‪‬‬

‫من أطايب النعيم ونفـائس التكريم‪ ،‬فتقـر عينها بذلك المخفي المتجدد المستمر في عطـائه‬
‫(‪)1‬‬
‫الرحب الجزيل" ‪.‬‬

‫هكذا كملت كل قراءة األخرى بما أكسب المعنى ثراء واضحا‪ ،‬وسواء أكانت‬

‫القراءة بالمجهول أم بالمعلوم فإن الداللة في اآلية تحمل على االستمرار‪ ،‬فيه حث من‬

‫الرحمن‪ ‬أن يستمر العباد في طلب مرضاته‪" ،‬فالخفاء مستمر‪ ،‬وواقع‪-‬وان كان الفعل‬
‫(‪)2‬‬
‫ماضيا‪-‬إلى يوم القيامة‪ ،‬على أن تقر أعينهم بما أخفي لهم" ‪ ،‬هذا الخفاء على كال‬

‫القراءتين برز بتعبير عجيب يشي بحفاوة اهلل‪ ‬بالقوم كما يرى سيد قطب‪ ،‬وتوليه‪‬‬

‫بذاته العلية إعداد المذخور لهم عنده من الحفاوة والكرامة مما تقر به العيون‪ ،‬هذا‬

‫المذخور ال يطلع عليه أحد سواه‪ ،‬والذي يظل عنده خاصة مستو ار حتى يكشف ألصحابه‬

‫عنه يوم لقائه! عند لقياه! وانها لصورة وضيئة لهذا اللقاء الحبيب الكريم في حضرة‬
‫(‪)3‬‬
‫اهلل‪ ، ‬خفاء ال يمكن أن يفهم إال في سياق التكريم ومزيد الفضل والتنعيم‪ ،‬فإن الجنة‬

‫التي حصلوها دار نعيم كامل ال يشوبها نقص‪ ،‬وال يعكر صفوها كدر‪ ،‬والنعيم كما‬

‫)‪ )1‬الخراط‪ :‬اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية‪ ،‬ص‪320‬‬


‫)‪ )2‬أبو راس‪ ،‬منصور سعيد(‪1425‬هـ)‪ :‬اختالف البنية الصرفية في القراءات السبع من طريق الشاطبية‪-‬توجيهه‬
‫وأثره على المعنى‪ ،‬ص‪ ،176‬مكة المكرمة‪ :‬جامعة أم القرى (ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬في ظالل القرآن ‪2813/5‬‬
‫‪229‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫يحصل بتعريف المتنعم بما سيالقيه من المكارم والنعم؛ فإنه يحصل كذلك بإخفائه عنه‬

‫وتحفيز فيذهب الفكر متأمال في صور ما يمكن أن يالقيه من الفضل والتكريم‬


‫ا‬ ‫تشويقا‬

‫وهذا الذي أفادتنا إياه قراءة المجهول (أخفي)‪ ،‬ولما كان في هذا اإلخفاء ألوصاف النعيم‬

‫الذي فهم من هذه القراءة نوع إبهام وتساؤل قد يقع من أهل قيام الليل المعني بهم في‬

‫اآلية؛ قطعت قراءة المعلوم ذلك التخوف وأبانت المبهم‪ ،‬وطمأنت النفوس بأن المخفي‬

‫للنعيم والفضل هو اهلل‪ ،‬وكما أنك ال تسل عن وجه اإلهانة واإلذالل يوم أن يكون‬

‫اآلخذ هو اهلل‪ ‬كما في قوله‪{ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ } [سورة المدثر‪ ،]11:‬فال تسل‬

‫كذلك عن التكريم الذي يحصلونه يوم أن يكون المنعم هو اهلل‪ ،‬كما في حديث أبي‬

‫هريرة‪ ¢‬عن النبي‪ ،‬يقول اهلل‪(( :‬أعددت لعبادي الصالحين ما ال عين رأت وال‬

‫أذن سمعت وال خطر على قلب بشر‪...‬ثم ق أر {فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين‬
‫(‪)1‬‬
‫جزاء بما كانوا يعملون})) ‪.‬‬

‫تنسجم القراءتان في مشهد من العناية والرعاية والود واالحتفال‪ ،‬وفضل اهلل‪‬‬

‫للمؤمنين كائنا ما كان عملهم وعبادتهم وطاعتهم وتطلعهم‪ ،‬يتولى اهلل‪ ‬إعداد ما يدخره‬

‫لهم من جزاء‪ ،‬ويطمئن روعهم أن الذي أخفوا ألجله أعمالهم؛ كافأهم بالمثل مالطفة‬

‫واكراما‪ ،‬فالقراءتان مؤداهما رسالة تحث على الطاعة‪ ،‬فالكريم من أكرمه اهلل‪ ،‬وال‬

‫شرف إال بالقرب منه‪ ،‬فمن ذاق عرف‪ ،‬ومن عرف اغترف‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري كتاب التفسير‪ ،‬باب قوله {فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}‪ ،‬ح(‪)4502‬‬
‫‪230‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬
‫َ‬

‫ُع ِّميَ‪-‬ع ِمي‪َ َ:‬‬

‫ق أر حفص وحمزة والكسائي (عميت) بضم العين وتشديد الميم وكسرها على‬

‫البناء للمجهول‪ ،‬والباقون بفتح العين وتخفيف الميم وكسرها على البناء للمعلوم في‬

‫قوله‪{ :‬ﯳ ﯴﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻﯼﯽﯾ ﯿﰀﰁﰂ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ} [سورة هود‪ ، ]28 :‬واآليات في سياق حديث نبي اهلل نوح• مع‬

‫قومه حين قال لهم‪" :‬يا قوم أرأيتم إن كنت على علم ومعرفة وبيان من اهلل‪ ‬لي ما‬

‫يلزمني له‪ ،‬ويجب علي من إخالص العبادة له‪ ،‬وترك إشراك األوثان معه فيها‪ ،‬ورزقني‬
‫(‪)2‬‬
‫من التوفيق والنبوة والحكمة فآمنت به" ‪ ،‬وقد جاء اللفظ القرآني ببنيتين مختلفين‪:‬‬

‫(عميت) و(عميت)‪ ،‬وبينهما مالمح داللية وفروق بيانية متقاربة‪.‬‬

‫(عميت) بالبناء للمجهول حملها مكي بن أبي طالب على المعنى‪ ،‬أي‪ :‬لم يعموا‬
‫(‪)3‬‬
‫عن رحمة اهلل حتى عميت عليهم ‪ ،‬وأصل الفعل عند الطبري مسند إلى اهلل‪ ،‬وانما‬

‫حذف للعلم به‪ ،‬وحجته في ذلك أنه‪ ‬أضاف الرحمة إليه في نفس الموضع من اآلية‪،‬‬

‫فقال‪ { :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ } [سورة هود‪ ، ]28 :‬فكذلك‬

‫(‪)4‬‬
‫تعميته لآلخرين تضاف إليه من باب أولى ‪ ،‬وقد ورد هذا المعنى في بعض القراءات‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الداني‪ :‬التيسير‪ ،‬ص‪124‬؛ السفاقسي‪ :‬غيث النفع‪ ،‬ص‪306‬‬


‫(‪ )2‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪28/12 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الكشف‪ ،527/1 ،‬وينظر‪ :‬الخراط‪ :‬اإلعجاز البياني في ضوء القراءات‪ ،‬ص‪306‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬جامع البيان‪298/15 ،‬‬
‫‪231‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫الشاذة كقراءة األعمش (فعماها عليكم) ‪ ،‬وأصلها‪ :‬عماها اهلل عليكم‪ ،‬أي‪ :‬أبهمها؛ عقوبة‬
‫(‪)2‬‬
‫لكم‪ ،‬ثم بني الفعل لما لم يسم فاعله فحذف فاعله للعلم به‪ ،‬وهو اهلل‪ ، ‬وفي هذا تأكيد‬

‫شر‪ ،‬وقد استحقوا‬


‫خير كان أو ًا‬
‫على قدرة اهلل‪ ‬وأمره النافذ‪ ،‬وأنه ال يكون شيء إال بأمره ا‬

‫هذا العقاب لموقف العناد والضالل الذي وقفوه ذلك أنهم جحدوا نعم اهلل‪ ‬وكفروا به‪،‬‬

‫فأضلهم اهلل‪ ‬وأعمى أبصارهم‪.‬‬

‫وقد يرجع أصل الفعل على هذه القراءة أعني قراءة المجهول إلى غير اهلل‪،‬‬

‫ذلك أن اآلية لم تصرح بنسبة التعمية إليه‪ ‬وانما أقيم المفعول‪-‬وهو ضمير الرحمة أو‬

‫البينة على الخالف الحاصل في عود الضمير إلى أي منهما‪ -‬مقامه‪ ،‬قال الماوردي‪:‬‬

‫"وفي الذي عماها على هاتين القراءتين وجهان‪ :‬أحدهما أن اهلل‪ ‬عماها عليهم‪ ،‬الثاني‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫بوسوسة الشيطان وما زينه لهم من الباطل حتى انصرفوا عن الحق" ‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬

‫{ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬

‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ } [سورة آل عمران‪ ،]14 :‬وقوله‪{ :‬ﭧ ﭨ ﭩ‬

‫ﭪ ﭫ} [سورة البقرة‪ ،]212 :‬فالمزين لهم قد يكون اهلل‪ ،‬وقد يكون الشيطان‪،‬‬

‫كما سبق الحديث عند قوله‪{ :‬ﮥﮦﮧ} [سورة غافر‪ ،]37 :‬فإن الصاد له هو‬

‫اهلل‪ ،‬أو الشيطان‪ ،‬خالف معتبر عند أهل العلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪338‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬السمين‪ :‬الدر المصون‪313/6 ،‬‬
‫(‪ )3‬النكت والعيون‪466/2 ،‬‬
‫‪232‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫تحمل (عميت) نفس اإلعراض عند أولئك القوم‪ ،‬بل اإليغال في اإلعراض‪،‬‬

‫حتى كانت العقوبة أن (عميت) عليهم البينة أو الرحمة على الخالف الحاصل في إرادة‬
‫(‪)1‬‬
‫أحدهما أو كليهما في هذا الموضع من اآلية ‪ ،‬قال الزمخشري‪" :‬صمموا على اإلعراض‬
‫(‪)2‬‬
‫عنها فخالهم اهلل وتصميمهم؛ فجعلت تلك التخلية تعمية منه" ‪ ،‬وفي ختام اآلية‪:‬‬

‫{ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ} [سورة هود‪ ]28 :‬بيان لتلك النفسية وذلك اإلعراض الذي‬

‫أسلفنا الحديث عنه وكيف أنهم قابلوا آيات اهلل‪ ‬وبيناته بالكره واإلعراض‪.‬‬

‫أما (عميت) بالبناء للمعلوم ففيه من لطائف البيان القرآني ما يثير الدهشة‬

‫ويأخذ بتالبيب البالغة‪ ،‬قال الفراء‪" :‬وسمعت العرب تقول‪ :‬قد عمي علي الخبر‪ ،‬وعمي‬

‫علي بمعنى واحد‪ ،‬وهذا مما حولت العرب الفعل إليه وليس له‪ ،‬وهو في األصل لغيره‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أال ترى أن الرجل يعمى عن الخبر‪ ،‬أو يعمى عنه" ‪ ،‬كما حملت هذه البنية على‬

‫أسلوب القلب عند الطبري والفارسي‪ ،‬قال الطبري‪" :‬وهذه الكلمة مما حولت العرب الفعل‬

‫عن موضعه‪ ،‬وذلك أن اإلنسان هو الذي يعمى عن إبصار الحق‪ ،‬إذ يعمى عن إبصاره‪،‬‬

‫والحق ال يوصف بالعمى إال على االستعمال الذي جرى به الكالم وهو في جوازه‬

‫الستعمال العرب إياه‪ ،‬نظير قولهم‪ :‬دخل الخاتم في يدي‪ ،‬والخف في رجلي‪ ،‬ومعلوم أن‬

‫الرجل هي التي تدخل في الخف‪ ،‬واألصبع في الخاتم‪ ،‬ولكنهم استعملوا ذلك كذلك لما‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الشوكاني‪ :‬فتح القدير‪560/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬الكشاف‪389/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬معاني القرآن‪12/2 ،‬‬
‫‪233‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫كان معلوما المراد فيه" ‪ ،‬وقال الفارسي‪" :‬عموا هم عنها‪ ،‬أال ترى أن الرحمة ال تعمى‬

‫وانما يعمى عنها‪ ،‬فيكون هذا كقولهم‪ :‬أدخلت القلنسوة في رأسي ونحو ذلك مما يقلب إذا‬

‫لم يكن فيه إشكال‪ ،‬وفي التنزيل‪{:‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ} [سورة‬

‫إبراهيم‪ ،]47:‬وقال الشاعر‪:‬‬

‫( ‪)2‬‬
‫وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائره بـ ـ ـ ـاد إ لى الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مس أ ج مع‬ ‫ترى الثور فيهـ ـ ـا مـ ـ ـدخـ ـ ـل الظـ ـ ـل أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه‬

‫(‪)3‬‬
‫وبذا يكون األصل‪ :‬فعميتم أنتم عنها" ‪ ،‬وقد تحمل (عميت) على االستعارة‬

‫حيث شبهت الحجة التي لم يدركها المخاطبون بالعمياء في أنها لم تصل إلى عقولهم‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كما أن األعمى ال يهتدي للوصول إلى مقصده ‪ ،‬قال الزمخشري‪" :‬الحجة كما جعلت‬

‫بصيرة ومبصرة جعلت عمياء؛ ألن األعمى ال يهتدي‪ ،‬وال يهدي غيره‪ ،‬فالمعنى‪ :‬عميت‬
‫(‪)5‬‬
‫عليكم البينة فلم تهدكم‪ ،‬كما لو عمي على القوم دليلهم في المفازة؛ بقوا بغير هاد" ‪،‬‬

‫قال ابن عطية‪" :‬عميت‪ :‬تخفيف‪ ،‬يقال للسحاب‪ :‬العماء؛ ألنه يخفي ما فيه‪ ،‬كما يقال‬
‫(‪)6‬‬
‫له الغمام؛ ألنه يغمه" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪28/12 ،‬‬


‫(‪ )2‬ال يعرف قائله‪ ،‬وهو في الكتاب لسيبويه‪181/1 ،‬؛ ينظر كذلك‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد اهلل(‪2007‬م)‪ :‬تأويل مشكل‬
‫القرآن‪ ،‬ص‪ ،148‬تحقيق‪ :‬شمس الدين‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية؛ الفارسي‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪،‬‬
‫‪ ،322/4‬والمعنى‪ :‬هو الثور يدخل رأسه في الظل من شدة الحر‪ ،‬وسائره بارز للشمس‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفارسي‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪322/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪52/12 ،‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف‪389/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬المحرر الوجيز‪164/3 ،‬‬
‫‪234‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫ضير في أن توصف البينة بالعمى‪ ،‬فإن "الحجة‬


‫وال يرى الباحث‪-‬واهلل أعلم‪ -‬ا‬

‫كما توصف باإلبصار إذا كانت معلومة ألنها هادية كالبصر‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﰅ‬

‫ﰆ ﰇ ﰈ} [سورة النمل‪]13 :‬؛ كذلك توصف بالعمى إذا كانت مجهولة خفية‬

‫لكونها غير هادية كما في قوله‪{ :‬ﮩﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮﮯ} [سورة‬

‫(‪)1‬‬
‫القصص‪ ، "]66 :‬وليس في ذلك قدح أو عيب للبينة‪ ،‬وانما العيب على الناظر فيها‬

‫إعرض عنده‪.‬‬
‫والمتأمل لها أن خفيت عليه ولم يهتد إليها لجهل‪ ،‬أو لم تهده لكبر أو ا‬

‫وبالعودة إلى معاجم اللغة يتبين أن لـ (عمي) عدة معان جلها مقصود مع البينة‬

‫(‪)2‬‬
‫المذكورة في اآلية ‪ ،‬فعمي الشخص‪ :‬فقد بصره كله ولم ير‪ ،‬وذهب بصر قلبه وجهل‪،‬‬

‫ولم يهتد إلى خير‪ ،‬قال‪ { :‬ﯲ ﯳ ﯴﯵﯶﯷ ﯸﯹﯺﯻ} [سورة‬

‫الحج‪ ،]46 :‬تقول‪ :‬عمي قلبه‪ :‬ضل‪ ،‬وتعطلت قوى اإلدراك والفطنة فيه‪ ،‬وعمي عليه‬

‫األمر‪ :‬التبس‪ ،‬واشتبه‪ ،‬وخفي‪ ،‬قال‪{ :‬ﮩ ﮪ ﮫ} [سورة القصص‪،]66 :‬‬

‫وعمي عن الشيء‪ :‬خفي عنه‪ ،‬ولم يهتد إليه‪.‬‬

‫وباستثناء المعنى األول لعمي المخصوص بفقد البصر فإن المعاني الثالثة‬

‫المتبقية مقصودة وواقعة على هذه البينة‪ ،‬فقد ذهب بصر قلوبهم‪ ،‬وجهلوا جهال ال‬

‫يهتدون معه إلى خير‪ ،‬والتبست عليهم البينات‪ ،‬وخفيت فعميت عليهم‪ ،‬وعموا هم عن‬

‫االهتداء والوصول إليها‪ ،‬ذلك واهلل قمة البيان وأس البالغة أن يورد اللفظ الواحد‬

‫(‪ )1‬شيخ زاده‪ :‬حاشية على البيضاوي‪42/3 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرازي‪ :‬مختار الصحاح‪ ،‬ص‪ ،219‬مادة (عمى)‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫المقتضب ويريد ك ًما هائال من المعاني والدالالت التي تشخص كل حالة لهم وقفوها‬

‫معاندين آيات اهلل‪ ‬وأوامره‪.‬‬

‫سيذهب الباحث بعيدا‪-‬فيما يقدره اهلل‪-‬عن مذهب الطبري¬ بجعل قراءة‬


‫(‪)1‬‬
‫(عميت) أولى بالصواب عنده من (عميت) ‪ ،‬وال يرتض الباحث جعل البنيتين بمعنى‬
‫(‪)2‬‬
‫واحد كما عند أبي زرعة ‪ ،‬فإن البنيتين تفتحان الداللة على كم ال يحصر من المعاني‬

‫التي رسمت حال المعاندين لبينات اهلل‪ ‬وموقفهم منها‪ ،‬ثم إن القول بأن بناء الفعل‬

‫للمجهول إنما هو لعدم العلم بالفاعل‪ ،‬فيه إنقاص لتلك الصورة البيانية البديعة المتولدة‬

‫من التغير بين بنيتي المعلوم والمجهول‪.‬‬

‫ينظر الباحث لهاتين البنيتين‪ :‬المعلوم والمجهول‪ ،‬على أنهما صورتان متكاملتان‬

‫تكمل كل منهما األخرى‪ ،‬المقصد منهما بيان هيئة التعمية وصورتها التي حلت بأولئك‬

‫القوم‪ ،‬حيث استأثرت كل بنية ببيان هيئة من تلك التعمية التي حلت بهم هذا من جهة‪،‬‬

‫ومن جهة أخرى نلحظ فيها هيئة الشرط وجوابه‪ ،‬ذلك أنه لما كانت قلوبهم ً‬
‫محال للتعمية‬

‫عموا‪ ،‬على نحو قوله‪{ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ } [سورة الصف‪.]5 :‬‬

‫تظهر القراءتان كذلك أن نفسياتهم كانت وال زالت مهيأة للضالل‪ ،‬فالحق واضح‬

‫بين ال يخفى وال يعمى على قاصده االهتداء إليه‪ ،‬إال إن كان ال يملك آلة الوصول‬

‫إليه‪ ،‬أو كان يملكها لكن يقع في قلبه من الكبر والعناد ما يحول بينه وبين الحق‪ ،‬ومع‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع البيان‪298/15 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪338‬‬
‫‪236‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫كليهما تهيؤ واستعداد لعدم االنصياع للحق ال بالبحث عنه مع الجهل‪ ،‬وال باإليمان به‬

‫عند العلم‪ ،‬لذا (عميت) عليهم البينات واآليات؛ "ألنها خفيت عليهم بترك النظر فأعماهم‬
‫(‪)1‬‬
‫اهلل عنها" ‪ ،‬أعماهم عنها لما عموا هم عنها‪ ،‬وفي ذلك خذالن منه‪ ‬لمن كفر به‪.‬‬

‫لقد عموا عن الحق بكل صور التعمية فلم يهتدوا إليه سبيال‪ ،‬هم في عماهم‬

‫يتخبطون‪ ،‬وفي ضياعهم يعمهون‪ ،‬عميت عليهم البينات مع أنها واضحة‪ ،‬إنهم خالوها‬
‫(‪)2‬‬
‫غير هادية "والشيء إذا بقي مجهوال محضا؛ أشبه العمى" ‪ ،‬وعموا هم عنها لكرههم‬

‫وعنادهم وكفرهم‪ ،‬ومن كان بهذه النية والنفسية؛ ال يمكن أن يهتدي بحال من األحوال‬

‫إلى الحق إال لو ترك العناد واللجاج‪ ،‬وكلف نفسه عناء النظر في الدليل والبرهان‪" ،‬لكأن‬

‫الرحمة أو الهداية كانت قريبة منهم‪ ،‬ولكن اهلل‪ ‬أخفاها وعماها عنهم؛ ألنهم ال‬

‫يريدونها‪ ،‬والدليل قوله‪ ‬في اآلية نفسها‪( :‬أنلزمكموها وأنتم لها كارهون)‪ ،‬ولو أنهم‬
‫(‪)3‬‬
‫أرادوها وقبلوها لم يقل اهلل‪ ‬ذلك" ‪.‬‬

‫وقد تكون هذه التعمية عقوبة من اهلل‪ ‬لهم‪ ،‬وسلبا لآللة التي يتوصلون بها‬

‫للهدى والحق‪" ،‬وبذلك يحصل الذم لهم من أنه أتى بالمعجزة الجلية الواضحة‪ ،‬وأنها على‬
‫(‪)4‬‬
‫وضوحها واستنارتها خفيت عليهم‪ ،‬وذلك أنه‪ ‬سلبهم علمها‪ ،‬ومنعهم معرفتها" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الماوردي‪ :‬النكت والعيون‪466/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪338/17 ،‬‬
‫(‪ )3‬الفضول‪ ،‬سليمان(‪2007‬م)‪ :‬االختالف في قراءة عاصم بين روايتي شعبة وحفص‪-‬دراسة صوتية صرفية في‬
‫ضوء علم اللغة المعاصر‪ ،‬ص‪ ،119‬األردن‪ :‬جامعة مؤتة(ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬أبو حيان‪ :‬البحر المحيط‪142/6 ،‬‬
‫‪237‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫ويرى الباحث في بناء (عميت) إيحاء‪-‬واهلل أعلم‪-‬بنسبة كبيرة من العمى في‬

‫مقابل (عميت)‪ ،‬حيث إن (فعل) يستخدم للداللة على التضعيف‪ ،‬والتكثير‪ ،‬والمبالغة‪،‬‬

‫يقول سيبويه‪" :‬تقول‪ :‬كسرتها وقطعتها‪ ،‬فإذا أردت كثرة العمل؛ قلت‪ :‬كسرته‪ ،‬قطعته‪،...‬‬

‫وقالوا‪ :‬يجول‪ ،‬أي‪ :‬يكثر الجوالن‪ ،‬ويطوف يكثر التطويف‪ ،‬واعلم أن التخفيف في هذا‬
‫(‪)1‬‬
‫جائز‪ ،‬كله عربي‪ ،‬إال أن فعلت إدخالها هنا لتبيين الكثير" ‪.‬‬

‫هنا يدرك القارئ أن مع هذه البنية مؤثار خارجيا يحول بينهم وبين الهدى‪ ،‬وما‬

‫ذاك إال لجرم ما اقترفوه‪ ،‬وحجم ما ارتكبوه من عناد وضالل وصد عن الحق‪ ،‬فعموا‬

‫وأعموا‪ ،‬و(عمي) عليهم عمى مضاعفا ال يهتدون معه إلى شيء‪ ،‬عمى مبالغا لن يصلوا‬

‫فيه إلى طريق مستقيم‪( ،‬عمي) عليهم عمى بعد عمى‪ ،‬وضالال في إثر ضالل؛ لذا جاء‬

‫التعبير القرآني بالعمى وهو أشد أنواع الخفاء‪ ،‬وهذا مناسب لتلك النفسية التي تعاملوا‬

‫بها مع أوامر اهلل‪ ‬التي يلخصها قوله‪ { :‬ﰃ ﰄ ﰅ} [سورة هود‪ ،]28 :‬وفي‬

‫التعبير بالجملة االسمية واسم الفاعل هنا إشارة إلى أن أفعالهم أفعال من كراهته للحق‬

‫بائنة بادية مستحكمة‪.‬‬

‫هكذا تبعث القراءتان برسالة تربوية لكل قارئ ومستمع مفادها تهيئة النفس‬

‫واستعدادها لقبول الحق واالنقياد إليه‪ ،‬واال عوقب العبد بالحرمان عن االهتداء للهدى‪،‬‬

‫(‪ )1‬الكتاب‪64/4 ،‬‬


‫‪238‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫وتعمية الطريق إليه‪ ،‬وتسخير من يعميه عن الوصول إلى الحق‪" ،‬والدليل إذا كان أعمى‬
‫(‪)1‬‬
‫عاد ضرره على التابع بالحيرة والضالل" ‪.‬‬

‫وقبل مغادرة هذا الموضع تجدر اإلشارة إلى أن (عميت) وردت في موضع‬

‫آخر في القرآن الكريم في قوله‪{ :‬ﮩ ﮪﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ} [سورة‬

‫القصص‪ ]66 :‬في معرض الحديث عن يوم القيامة‪ ،‬ولم تشهد اآلية الخالف الحاصل‬

‫في موضع هود‪{ :‬ﰀ ﰁ ﰂ } [سورة هود‪ ،]28 :‬وفي ذلك يقول فضل‬

‫عباس معلقا‪" :‬آية القصص اتفقوا على قراءاتها بالتخفيف‪ ،‬فإن التشديد فيها غير ممكن‬

‫من جهة المعنى‪ ،‬فإنها تتحدث عن يوم القيامة‪ ،‬وهو اليوم الذي تجزى فيه كل نفس بما‬

‫كسبت‪ ،‬اليوم الذي تتحقق فيه العدالة‪( :‬ال ظلم اليوم)‪ ،‬وعلى هذا فال يعقل وال يصح أن‬

‫يعمى على هؤالء شيء‪ ،‬فإن التعمية ال تتفق وال تنسجم مع العدل المطلق الذي تحقق‬
‫(‪)2‬‬
‫في ذلك اليوم‪ ،‬كيف وهم ال يظلمون فتيال!" ‪ ،‬وهذا مظهر من مظاهر إعجاز القراءات‬

‫القرآنية المتواترة بالنقل الثابت بالوحي‪ ،‬وأنها اتساق لغرض مقصود مع كل قراءة‪ ،‬فلكل‬

‫منها مذاق وسياق‪ ،‬وهو رد على من ينتقصها‪ ،‬أو يجحدها ويطعن فيها‪.‬‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪272/9 ،‬‬


‫(‪ )2‬عباس‪ ،‬فضل (‪2008‬م)‪ :‬القراءات القرآنية وما يتعلق بها‪ ،‬ص‪ ،286‬ط‪ ،1‬األردن‪ :‬دار النفائس‪.‬‬
‫‪239‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫َ‬

‫فُ ِّزعَ‪-‬ف َّزعَ‬

‫الصيغ الصرفية حاملة للمعاني‪ ،‬والقرآن الكريم حينما يختار بنية لكلمة ما؛ فإنه‬

‫يقصد إلى ما تعبر عنه تلك البنية من معنى ينبغي أن يالحظ في سياق اآليات‬

‫وتفسيرها‪ ،‬وفي هذا النموذج يعرض الباحث للمالمح الداللية المتولدة عن صورة التغير‬

‫في بنية الفعل (فزع) من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ومدى إسهامها في إثراء المعنى‪.‬‬

‫قال‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ‬

‫ﭢ ﭤ ﭥ ﭧ ﭨ ﭩ} [سورة سبأ‪ ،]23 :‬ق أر جمهور القراء عدا ابن عامر‬

‫ويعقوب (فزع) بالبناء للمجهول بضم الفاء وكسر الزاي مشددا‪ ،‬وق أر ابن عامر ويعقوب‬
‫(‪)1‬‬
‫(فزع) على البناء للمعلوم بفتح الفاء والزاي مشددا ‪ ،‬ولفهم صور التغير بين البنيتين‪:‬‬

‫(فزع) بالمجهول‪ ،‬و(فزع) بالمعلوم‪ ،‬وقبل مناقشة هاتين الصورتين ال بد من اإلشارة إلى‬

‫خالف أهل العلم والتفسير في الموصوفين بهذه الصفة للفعل (فزع) من هم؟ وما السبب‬

‫الذي من أجله فزع عن قلوبهم؟ يجمل الباحث ذلك باختصار واال فإن التفصيل في ذلك‬
‫(‪)2‬‬
‫يطول ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪530‬؛ أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪589‬؛ األزهري‪ :‬معاني‬
‫القراءات‪295/2 ،‬؛ ابن الجزري‪ :‬النشر‪351/2 ،‬؛ النشار‪ :‬البدور الزاهرة‪ ،‬ص‪.260‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪395/20 ،‬؛ الماوردي‪ :‬النكت والعيون‪448/4 ،‬؛ أبو حيان‪ :‬البحر المحيط‪،‬‬
‫‪546/8‬؛ الشوكاني‪ :‬فتح القدير‪.373/4 ،‬‬
‫‪240‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫قال بعض أهل العلم‪ :‬الذي فزع عن قلوبهم هم المالئكة‪ ،‬وانما يفزع عن قلوبهم‬

‫من غشية تصيبهم عند سماع اهلل‪ ‬بالوحي‪ ،‬قال ابن مسعود‪ :‬إذا حدث أمر عند ذي‬

‫العرش سمع من دونه من المالئكة صوتا كجر السلسلة على الصفا فيغشى عليهم‪ ،‬فإذا‬

‫ذهب الفزع عن قلوبهم بادروا‪ :‬ماذا قال ربكم؟‪ ،‬قال‪ :‬فيقول من شاء‪ :‬قال الحق‪ ،‬وهو‬

‫العلي الكبير‪.‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬الموصوفون بذلك المالئكة‪ ،‬وانما يفزع عن قلوبهم من قضاء‬

‫حذر أن يكون ذلك قيام الساعة‪ ،‬قال قتادة‪ :‬يوحي اهلل‪ ‬إلى جبريل‬
‫اهلل‪ ‬الذي يقضيه ا‬

‫فتقوم المالئكة أو تفزع مخافة أن يكون شيء من أمر الساعة‪ ،‬فإذا جلي عن قلوبهم‪،‬‬

‫وعلموا أنه ليس ذلك من أمر الساعة قالوا‪ :‬ماذا قال ربكم؟‪ ،‬قالوا‪ :‬الحق‪ ،‬وهو العلي‬

‫الكبير‪.‬‬

‫وقال آخرون‪ :‬بل الموصوف بذلك المالئكة إذا مرت بهم المعقبات فزعا أن‬

‫يكون حدث أمر الساعة وهذا قريب من سابقه‪ ،‬قال الضحاك‪ :‬زعم ابن مسعود أن‬

‫المالئكة المعقبات الذي يختلفون إلى األرض يكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الرب‪‬‬

‫فانحدروا؛ سمع لهم صوت شديد فيحسب الذين هم أسفل منهم من المالئكة أنه من أمر‬

‫الساعة فيخرون سجدا‪.‬‬

‫وقال آخرون‪ :‬الموصوفون بذلك هم المشركون‪ ،‬وانما يفزع الشيطان عن قلوبهم‪،‬‬

‫ويقولون‪ :‬ماذا قال ربكم عند نزول الموت والمنية بهم؟‬

‫‪241‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫وتنازع العلماء في ترجيح قول من تلك األقوال‪ ،‬ومرد ذلك إلى فهم الضمير‬

‫الذي عاد عليه (قلوبهم) في قوله‪{ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ} [سورة سبأ‪ ،]23 :‬فهذا‬

‫الطبري يرجح قول ابن مسعود بأن المراد بهم المالئكة‪ ،‬والفزع الذي يصيبهم إنما هو‬
‫(‪)1‬‬
‫من سماع الوحي ‪ ،‬ونقض أبو حيان تلك األقوال بل وحكم عليها بأنها ال تكاد تالئم‬

‫ألفاظ القرآن‪ ،‬وأعاد الضمير في (قلوبهم) على من عاد عليه (اتبعوه)‪( ،‬وعليهم) في‬
‫(‪)2‬‬
‫قوله‪{ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ} [سورة سبأ‪ ،]20 :‬وهم المشركون ‪،‬‬

‫ولكل تأويله فيما ذهب إليه‪ ،‬ومرد الخالف كما أسلفت إلى عود ضمير (قلوبهم)‪ ،‬وليس‬

‫كثير عند هذا الخالف وانما مقصده أن يبين عن أوجه الخالف‬


‫مقصد الباحث أن يقف ا‬

‫بين القراءتين واألثر الداللي المترتب عليهما‪ ،‬وعن صور التغاير بين البنيتين‪ :‬المعلوم‬

‫والمجهول‪ ،‬وكانت هذه األقوال مهيأة لدراسة تلك الدالالت‪.‬‬

‫بالعود إلى مادة (فزع) في اللغة نجد أن الفاء والزاي والعين أصل لمعنيين‪:‬‬

‫الذعر واإلغاثة‪ ،‬قال ابن فارس‪" :‬فأما الفزع‪ ،‬يقال‪ :‬فزع يفزع فزعا‪ ،‬إذا ذعر‪ ،‬وأفزعته أنا‪،‬‬

‫وهذا مفزع القوم‪ ،‬إذا فزعوا إليه فيما يدهمهم‪ ،‬فأما فزعت (عنه) فمعناه‪ :‬كشفت عن‬
‫(‪)3‬‬
‫الفزع" ‪ ،‬وقال الجوهري‪" :‬التفزيع من األضداد‪ ،‬يقال‪ :‬فزعه‪ ،‬أي‪ :‬أخافه‪ ،‬وفزع عنه‪ ،‬أي‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كشف عنه الخوف" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع البيان‪395/20 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬البحر المحيط‪546/8 ،‬‬
‫(‪ )3‬مقاييس اللغة‪ ،501/4 ،‬مادة (فزع)‬
‫(‪ )4‬تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،1258/3 ،‬مادة (فزع)‬
‫‪242‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫المالحظ في (فزع) أنه جاء مخالفا لسائر األفعال‪ ،‬ألن فعل أصلها‪ :‬اإلدخال‬
‫(‪)1‬‬
‫في الشيء كعلمت ونحوها ‪ ،‬تقول‪ :‬مرضت فالنا أي‪ :‬أزلت عنه المرض‪ ،‬وجزعته‪:‬‬

‫كثير عند‬
‫ا‬ ‫أزلت عنه الجزع‪ ،‬وكذلك هنا فزعه‪ :‬أزال عنه الفزع‪ ،‬وهذا االستعمال شائع‬

‫العرب حيث يستعملون فزع في معنيين‪ :‬يقولون‪ :‬هو مفزع للشجاع الذي يفزع منه‪،‬‬

‫ويقولون‪ :‬إنه لمفزع‪ ،‬للجبان الذي يفزع من كل شيء‪ ،‬قال الفراء‪" :‬والعرب تقول للرجل‪:‬‬

‫إنه لمغلب‪ ،‬وهو غالب‪ ،‬ومغلب وهو مغلوب‪ ،‬فمن قال‪ :‬مغلب للمغلوب‪ ،‬يقول‪ :‬هو أبدا‬

‫مغلوب‪ ،‬ومن قال‪ :‬مغلب وهو غالب أراد قول الناس‪ :‬هو مغلب‪ ،‬والمفزع يكون جبانا‬

‫ويكون شجاعا‪ ،‬فمن جعله شجاعا قال‪ :‬بمثله تنزل األفزاع‪ ،‬ومن جعله جبانا فهو بين‬
‫(‪)2‬‬
‫أراد‪ :‬يفزع من كل شيء" ‪ ،‬وعليه يكون معنى اآلية مع داللة الفعل فزع هنا على إزالة‬

‫الفزع‪" :‬أنه ال تنفع الشفاعة عنده‪ ‬إال لمن أذن له أن يشفع عنده‪ ،‬فإذا أذن اهلل‪ ‬لمن‬

‫أذن له أن يشفع فزع لسماع إذنه‪ ،‬حتى إذا فزع عن قلوبهم فجلي عنها وكشف الفزع‬
‫(‪)3‬‬
‫قالوا‪ :‬ماذا قال ربكم؟ قالت المالئكة‪ :‬الحق‪ ،‬وهو العلي الكبير الذي ال شيء دونه ‪.‬‬

‫تغير من المجهول (فزع) إلى (فزع) المعلوم‪ ،‬فأما (فزع)‬


‫لقد شهدت بنية الفعل ا‬

‫فقد بني للمجهول‪ ،‬وقام المجرور (عن قلوبهم) مقام الفاعل على توجيه‪ :‬نفس الفزع عن‬
‫(‪)4‬‬
‫قلوبهم وطير عنها‪ ،‬وقيل‪ :‬المسند إليه فعل مضمر دل عليه الكالم؛ أي‪ :‬نحي الخوف ‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن عطية‪ :‬المحرر الوجيز‪418/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬معاني القرآن‪361/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪398/20 ،‬‬
‫(‪ )4‬العكبري‪ :‬التبيان في إعراب القرآن‪1068/2 ،‬‬
‫‪243‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫وقد أعيا الباحث تلمس إشارة من القدماء على داللة بناء الفعل (فزع) للمجهول‪ ،‬مع‬

‫إجماعهم أن الذي فزع هو اهلل‪ ‬بداللة القراءة األخرى‪ ،‬وانما لم جاء هذا التغاير البديع‬

‫في صورة يذعن لها أرباب البالغة وتخر لها قامات أهل البيان ساجدة في محراب‬

‫القرآن الكريم وتراكيبه البديعة؟‬

‫دارت المعاني التي أوردها علماء التوجيه والقراءات لهذه البنية حول‪ :‬خفف‬

‫عنها الفزع‪ ،‬أو أزيل عنها وغيرها من المعاني‪ ،‬لكن يبقى السؤال قائما لم جاءت البنية‬

‫هنا على البناء للمجهول وهو المجهول االصطالحي الذي أشار إليه الباحث في تمهيد‬

‫هذه الدراسة‪ ،‬ومعلوم مستقر في األذهان أن الفاعل هو اهلل‪ ،‬فلم إذن ورد التعبير‬

‫القرآني بهذه البنية (فزع)؟ ثم غايرها بالقراءة المتواترة (فزع) بالمعلوم؟‬

‫تأتينا إشارة على بعد‪ ،‬وفيها عدم تصريح بمقصد بناء (فزع) أنه‪ :‬فزع عنها لما‬
‫(‪)1‬‬
‫ورد عليه من اإلذن تهيبا لكالم اهلل‪ ، ‬ولعلنا نفهم صورة هذه الهيبة الحاصلة لكالم‬

‫اهلل‪ ‬واذنه عندما نفهم السبب الذي ألجله جاءت (حتى) في هذا الموضع من اآلية‬

‫للغاية؟‬

‫في قوله‪{ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ} [سورة سبأ‪ ]23 :‬ال تستقيم (حتى) على‬

‫االبتداء‪ ،‬كما أنها ليست صلة يوصل بها‪ ،‬فألي شيء إذن وقعت حتى غائية؟ وبم اتصل‬

‫قوله‪{ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ} [سورة سبأ‪]23 :‬؟ يجيب عن هذا التساؤل الزمخشري‬

‫فيقول‪" :‬بما فهم من هذا الكالم‪ ،‬من أن ثم انتظار لإلذن وتوقع وتمهل وفزع من الراجين‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪295/14 ،‬‬


‫‪244‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫للشفاعة والشفعاء‪ ،‬هل يؤذن لهم أو ال يؤذن؟ وأنه ال يطلق اإلذن إال بعد ملي من‬

‫الزمان‪ ،‬وطول من التربص‪ ،‬ومثل هذه الحال دل عليه قوله‪{:‬ﭫ ﭬﭭ ﭮ‬

‫ﭯﭰﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬

‫ﮄ ﮅ} [سورة النبأ‪ ،]39-37:‬وكأنه قيل‪ :‬يتربصون ويتوقعون كليًا فزعين وجلين‪،‬‬

‫حتى إذا فزع عن قلوبهم‪ ،‬أي‪ :‬كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم‬

‫بها رب العزة في إطالق اإلذن‪ ،‬تباشروا بذلك‪ ،‬وسأل بعضهم بعضا‪ :‬ماذا قال ربكم؟‬
‫(‪)1‬‬
‫قالوا‪ :‬الحق‪ ،‬أي‪ :‬القول الحق‪ ،‬وهو اإلذن بالشفاعة لمن ارتضى" ‪ ،‬وعليه فلما كان‬

‫المقام مقام فزع وتربص إلذن المولى‪‬؛ كان هذا المقام محاطا بهاالت الهيبة واإلجالل‬

‫لكالمه‪ ،‬فكيف لو زيد عليه أن جعلت البنية للمجهول (فزع)‪ ،‬إنها لحظات مشوبة‬

‫باالنتظار والتربص الذين يثيران في النفس الفزع والقلق‪ ،‬لحظات ال مجال فيها لظهور‬

‫الفاعل حتى ال يشغل حي از أو مساحة يحتاجها المشهد‪ ،‬إذ إنه بجزئياته وكلياته يجعل‬

‫الحاضرين في ترقب دائم لصدور اإلذن في أي لحظة‪.‬‬

‫وهناك ملمح وداللة ال ينبغي أن تغفل مع بنية (فزع) أشار إليها البقاعي بأن‬
‫(‪)2‬‬
‫إزالة ذلك الفزع كان بأيسر أمر‪ ،‬وأهون سعي من أمره‪ ، ‬فإنه في خضم تلك الجلبة‬

‫وذلك التربص واالنتظار فترة من الزمن إلذنه‪ ‬لعباده بوقوع الشفاعة‪ ،‬يأتي إذنه‬

‫للشافعين بكل يسر وسهولة‪ ،‬وال تفهم هذه الداللة إال مقترنة بهيبته‪ ‬فإن ذلك ال يصدر‬

‫إال عمن كان مهابا عظيما بيده األمر والنهي والحل والعقد‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكشاف‪580/3 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬نظم الدرر‪495/15 ،‬‬
‫‪245‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫ومن دقائق البيان القرآني ولغته الراقية أن توافق (فزع) المبني للمجهول في هذا‬

‫الموضع من اآلية مع (أذن) بالبناء للمجهول أيضا في قوله‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ} [سورة سبأ‪ ،]23 :‬حيث قرئ (أذن) بالمجهول وبالمعلوم‪ ،‬وفي (أذن)‬

‫إشارة إلى أنه وقع منه إذن على لسان من شاء من جنوده بواسطة واحدة‪ ،‬أو أكثر في‬
‫(‪)1‬‬
‫أن يشفع في غيره‪ ،‬أو في أن يشفع فيه غيره ‪ ،‬وفي هذا ائتالف بين الفعلين (فزع)‬

‫و(أذن) في أن من مقام هيبته وجالله‪ ‬أن أذن للشافعين‪ ،‬وكشف الفزع عن المشفوعين‬

‫بأيسر أمر منه‪ ،‬ال يسأل عما يفعل وهم يسألون‪.‬‬

‫تتوارد الدالالت المحيطة بـ (فزع) وتتأكد بل وتكاد تجمع على مقام العظمة‬

‫والهيبة التي تحدثها في أذن السامع والقارئ لهذا المشهد‪ ،‬فكيف بالمعايشين له والماثلين‬

‫أمامه‪ ‬في ذلك اليوم العصيب‪ ،‬هذا التعظيم يفهمه ابن عاشور في سياق آخر هو‬

‫سياق اإلذن نفسه ومن صدر منه اإلذن‪ ،‬ثم الحالة النفسية التي يشهدها من حضر هذا‬

‫المشهد بعد وقوع اإلذن‪ ،‬يقول‪" :‬وبني للمجهول لتعظيم ذلك الفزع بأنه صادر من جانب‬
‫(‪)2‬‬
‫أمر يصل‬
‫عظيم‪ ،‬ففيه جانب اآلذن فيه‪ ،‬وجانب المبلغ له وهو الملك" ‪ ،‬وال شك أن ا‬

‫سمعك هو صادر من ملك غير ذلك األمر الذي يصلك وهو صادر من مسؤول عادي‪،‬‬

‫وان لم يسمع من كليهما مباشرة إال أن فخامة اآلمر وهيبته تنعكس على أمره واذنه‪،‬‬

‫وهذا ما عناه ابن عاشور‪.‬‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪495/15 ،‬‬


‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪ ،189 /22 ،‬ينظر أيضا‪ :‬لطيف‪ ،‬محمد(‪2012‬م)‪ :‬القراءات المتواترة وأثرها في فهم المعاني‬
‫دراسة نحوية بالغية‪ ،‬ص‪ ،434‬باكستان‪ :‬جامعة كراتشي (دكتوراة)‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫أما عن انعكاس تلك الحالة النفسية للحاضرين بعد اإلذن وكيف أبانت عن جو‬

‫الهيبة لذلك اإلذن فيقول‪" :‬والتفزيع يحصل لهم بانكشاف إجمالي يلهمونه فيعلمون بأن‬

‫اهلل‪ ‬أذن بالشفاعة‪ ،‬ثم يتطلبون التفصيل بقولهم‪ :‬ماذا قال ربكم؟ ليعلموا من أذن له‬

‫ممن لم يؤذن له‪ ،‬وهذا كما يكرر النظر ويعاود المطالعة من ينتظر القبول‪ ،‬أو هم‬

‫يتساءلون عن ذلك من شدة الخشية فإنهم إذا فزع عن قلوبهم تساءلوا لمزيد التحقيق بما‬
‫(‪)1‬‬
‫استبشروا به‪ ،‬فيجابون أنه قال الحق" ‪.‬‬

‫وال تنفك قراءة المعلوم (فزع) عن تلك الدالالت الماتعة في (فزع) بالمجهول‪،‬‬

‫بل إنها تتكامل معها في رسم مالمح ذلك المشهد العصيب يوم القيامة‪ ،‬والباحث هنا‬

‫وفي أكثر من موضع من البحث يؤكد على جملة الدالالت المتولدة عن صور التغير‬

‫بين القراءات القرآنية بأنها تتقاسم وال تتعارض‪ ،‬تتكامل وال تتنافر‪ ،‬ولذا يؤخذ على بعض‬

‫الباحثين في هذا الموضع جعلهم قراءة المعلوم (فزع) األصل‪ ،‬و(فزع) الفرع‪ ،‬بحجة أن‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلبقاء على األصل أولى إذا لم تكن هناك ضرورة للعدول عنه إلى الفرع ‪ ،‬وهذا منهج‬

‫ال يرتضيه الباحث وقرره في أكثر من موضع في هذه الدراسة‪.‬‬

‫(فزع) المعلوم فيه تصريح ظاهر جلي بالفاعل أنه اهلل‪ ،‬وان لم يكن له ذكر‬

‫في اآلية؛ إال أنه قد استقر في األذهان حقيقة ذلك‪ ،‬قال الفراء‪(" :‬حتى إذا فزع) بجعل‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪189/22 ،‬‬


‫(‪ )2‬كحيل‪ ،‬منير(‪2009‬م)‪ :‬ما انفرد به يعقوب من القراءات دراسة وصفية تحليلية‪ ،‬ص‪ ،150‬الجزائر‪ :‬جامعة‬
‫الحاج خضر(ماجستير)‪.‬‬
‫‪247‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫الفعل هلل‪ ، "‬وقال األزهري‪" :‬والمعنى في (فزع) و(فزع) واحد‪ ،‬اهلل‪ ‬المفزع عن‬
‫(‪)2‬‬
‫قلوبهم" ‪ ،‬وقال أبو زرعة‪" :‬فزع عن قلوبهم بفتح الفاء والزاي أي فزع اهلل عن قلوبهم‬
‫(‪)3‬‬
‫الروعة‪ ،‬وخفف عنهم أي أخرج اهلل الفزع عن قلوبهم" ‪ ،‬ويفهم الباحث سياق قراءة‬

‫المعلوم متكامال مع جملة الدالالت المتولدة عن المجهول (فزع)‪ ،‬حيث شهدت هذه‬

‫البنية تتمة لمشهد الهيبة والتعظيم الذي رسمته قراءة (فزع) لكنه من زاوية أخرى‪ ،‬إنه‬

‫تعظيم اآلمر اآلذن‪ ،‬ففخامة االسم كافية بإحداث تلك الهزة في القلوب‪ ،‬فإن قيل أن‬

‫اهلل‪ ‬هو من يكشف الفزع والخوف عن قلوب عباده؛ كان المقام واجب الهيبة والخشوع‪،‬‬

‫فكيف لو كان‪ ‬هو الذي قال ولم يقل عنه!!‪ ،‬ال شك أن مقام الهيبة يعظم حينها‪،‬‬

‫ويزداد في قلوب األولياء والصالحين‪ ،‬لقد أحكمت بنية (فزع) القبضة وأوثقت القول بأن‬

‫القول النافذ إنما هو قوله‪ ،‬وأن اإلذن إذنه ال راد له وال مانع‪ ،‬قال البقاعي‪" :‬وأزال‬

‫هو‪ ‬الفزع في قراءة ابن عامر ويعقوب‪-‬يقصد فزع‪-‬إشارة إلى أنه ال يخرج عن أمره‬
‫(‪)4‬‬
‫شيء" ‪.‬‬

‫ومن اجتماع (أذن) مع (فزع) شهد البيان القرآني جماال من وجه آخر‪ ،‬كما أن‬

‫تقابل (فزع) مع (أذن) دليل عظمة من وجه آخر‪ ،‬مفاد ذلك‪" :‬أنه ال افتيات عليه‪‬‬

‫(‪ )1‬معاني القرآن‪361/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬معاني القراءات‪295/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪589‬؛ ينظر‪ :‬الكرماني‪ :‬مفاتيح األغاني‪ ،‬ص‪338‬‬
‫(‪ )4‬نظم الدرر‪495/15 ،‬‬
‫‪248‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫بوجه من أحد ما‪ ،‬بل ال بد أن ينص هو‪ ‬على اإلذن‪ ،‬واال فال استطاعة عليه‬
‫(‪)1‬‬
‫أصال" ‪.‬‬

‫(فزع) و(فزع) صورتان فنيتان بديعتان من جماليات النظم القرآني أدهشتا‬

‫وأمتعتا‪ ،‬إيقاع بديع في بيان حال ذلك المشهد الخاشع بكل تفاصيله‪ ،‬خاشع بحضوره‪،‬‬

‫بأشخاصه‪ ،‬بأحداثه‪ ،‬تشوف وتلهف وتربص لسماع كلمة واحدة من الرب الجليل‪( :‬قد‬

‫أذنت لكم)‪ ،‬تربص يطول معه االنتظار‪ ،‬ويكثر فيه الترقب‪ ،‬وتقف معه القلوب بألف‬

‫انتظار للجواب في موقف يستدعون إذنه‪ ‬لهم على أي هيئة كانت أن يؤذن‬
‫ا‬ ‫منزل‬

‫لهم‪ ،‬أو ينقل عنه‪ ‬أن قد أذن لهم؛ فيفزع حينها عن قلوبهم‪ ،‬أو يأذن هو‪ ‬بذاته‬

‫فيسمعون ذلك منه‪ ،‬فترتاح قلوبهم وتظهر لهم تباشير اإلجابة بعد أن يكون‪ ‬قد فزع‬

‫هو عن قلوبهم‪.‬‬

‫إنها لحظة إنصات‪ ،‬ووقفة خشوع وخضوع‪ ،‬فتفاصيل ذلك اليوم كفيلة بأن ينسى‬

‫الوالد ولده‪ ،‬والزوج زوجته‪ ،‬أحداث تشيب معها الرؤوس‪ ،‬وتذهل المرضعات عن أوالدهن‪،‬‬

‫أضف على ذلك هيبة الحضور الرباني‪ ،‬والمقام اإللهي‪ ،‬فالكل مذعن لهيبته‪ ،‬ساكن في‬

‫أمر إال أن يأذن‪ ‬ولو‬


‫حضرته‪ ،‬خاشع عند مقام عبوديته‪ ،‬ال يرمق شيئا وال ينتظر ا‬

‫بكلمة واحدة‪" ،‬ولما كان من المعلوم أن الموقوفين في محل خطر للعرض على ملك‬

‫مرهوب متى نودي باسم أحد منهم فقيل‪ :‬أين فالن؟ ينخلع قلبه وربما أغمي عليه؛ فلذلك‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نفسه‪494/15 ،‬‬


‫‪249‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫كان من المعلوم مما قضى أنه متى برز النداء من قبله‪ ‬في ذلك المقام الذي ترى‬
‫(‪)1‬‬
‫فيه كل أمة جاثية يغشى على الشافعين والمشفوع لهم" ‪.‬‬

‫هكذا رسمت القراءتان (فزع) و(فزع) مالمح يوم عصيب وقع أحداثه وتفاصيل‬

‫وقائعه على الخالئق‪ ،‬أبرزتا المهابة والعظمة لإلذن واآلذن‪ ،‬وأماطت اللثام عن حقيقة‬

‫أن يسعى اإلنسان لتعميق اإليمان وتحقيق التوكل عليه‪ ‬ال غيره‪ ،‬فإن شيئا في الكون‬

‫في الدنيا كان أو في اآلخرة ال يخرج عن مشيئته النافذة وال أمره القاهر‪.‬‬

‫وأجد مناسبا في نهاية تحليل هذه القراءة أن أختم بكالم سيد¬ في هيبة هذا‬

‫المشهد حيث يقول‪" :‬تصدر الكلمة الجليلة الرهيبة‪ ،‬فتنتاب الرهبة الشافعين والمشفوعين‬

‫لهم ويتوقف إدراكهم عن اإلدراك‪ ،‬حتى إذا فزع عن قلوبهم‪ ،‬وكشف الفزع الذي أصابهم‪،‬‬

‫وأفاقوا من الروعة التي غمرتهم فأذهلتهم‪ ،‬قالوا‪ :‬ماذا قال ربكم؟‪ ،‬يقولها بعضهم لبعض‪:‬‬

‫لعل منهم من يكون تمسك حتى وعى‪ ....‬ذلك هو اإليقاع األول في ذلك المشهد الخاشع‬
‫(‪)2‬‬
‫وسرور‪.‬‬
‫ا‬ ‫الواجف المرهوب العسير" ‪ .‬فاللهم قنا شر ذلك اليوم‪ ،‬ولقنا نضرة‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪495/15 ،‬‬


‫(‪ )2‬في ظالل القرآن‪ ،‬ص‪2904‬‬
‫‪250‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ُّ ُ‬
‫تغير الفعل املضارع من اجملهول إىل املعلوم‪ ،‬ودالالته‪،‬‬

‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬التغري يف الفعل الثالثي‬

‫‪ ‬املبحث الثاني‪ :‬التغري يف مزيد الثالثي‬


‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫املبحث األول‪ :‬التغري يف الفعل الثالثي‬

‫مركز محوريًّا في البحث الداللي‪ ،‬وهي أولى‬


‫ًا‬ ‫تحتل الكلمة أيًّا كان نوعها‬

‫التقاطعات في شبكة العالقة بين اللفظ والمعنى‪ ،‬وهي وان كانت كذلك إال َّ‬
‫أن الداللة‬

‫فيها ال تقتصر على مدلول الكلمة في ذاتها‪" ،‬إنما تحتوي على المعاني كلها التي يمكن‬

‫أن تتخذها هذه الكلمة ضمن السياق اللغوي‪ ،‬إذ إن المفردات في الحقيقة ال تحمل في‬
‫(‪)1‬‬
‫وكثير‬
‫ًا‬ ‫ذاتها داللة مطلقة‪ ،‬وانما تتحقق دالالتها من السياق الذي تظهر فيه المفردة" ‪،‬‬

‫ما أكد الجرجاني على هذا المعنى الذي يسعى الباحث لتوظيفه عند تحليله لنماذج تغير‬

‫األفعال بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات القرآنية‪ ،‬حيث يقول‪" :‬إن األلفاظ‬

‫المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها‪ ،‬لكن يضم بعضها‬
‫(‪)2‬‬
‫إلى بعض فيعرف ما بينها من فوائد وهذا علم شريف وأصل عظيم" ‪.‬‬

‫جاهدا في أن يوظف اللفظة القرآنية في سياقها الذي وردت‬


‫ً‬ ‫إن الباحث ليسعى‬

‫به مع ما قبلها وما بعدها من اآليات بغية الوصول إلعجاز اللفظ القرآني؛ إذ أن كل‬

‫متناغما ال يمكن لغيره أن يحل‬


‫ً‬ ‫لفظ قرآني ُيضيف إلى موضعه الذي هو فيه معنى‬

‫محلّه‪ ،‬وهذا هو سر اإلعجاز البديع آليات الكتاب الحكيم‪ ،‬قال أبو هالل العسكري‪:‬‬

‫"وحسن الرصف أن توضع األلفاظ في مواضعها‪ ،‬وتُم َّكن في أماكنها‪ ،‬وال يستعمل فيها‬

‫(‪ )1‬ميشال‪ ،‬زكريا(‪1938‬م)‪ :‬األلسنية‪-‬علم اللغة الحديث‪ ،‬ص‪ ،211‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬المؤسسة الجامعة للدراسات‬
‫والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫(‪ )2‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪353‬‬
‫‪252‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫التقديم والتأخير والحذف والزيادة إال حذفًا ال ُيفسد الكالم وال ُي ْعمي المعنى‪ ،‬وتُضم كل‬

‫لفظة منها إلى شكلها وتضاف إلى لِ ْف ِقها" ‪.‬‬


‫(‪)1‬‬

‫مناسبا أكسبه صفة اإلعجاز‪ ،‬ووقع به‬


‫ً‬ ‫آني اللفظ توظيفًا‬
‫النص القر ُ‬
‫ُّ‬ ‫ولقد وظَّف‬

‫ناغما‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫التحدي واإلبهار‪ ،‬فتجد لكل لفظ قرآني في موضعه داللةً تضيف إلى السياق ت ً‬

‫وال يمكن لغيره أن يحل محلَّه أو يقوم مقامه‪ ،‬أضف إلى ذلك ما توحيه األلفاظ من‬

‫ٍ‬
‫معان متعددة عبر مستويات الداللة المتنوعة؛ الصوتية منها والصرفية والنحوية‪.‬‬

‫وما التغير الحاصل للمبني للمعلوم والمبني للمجهول في القراءات القرآنية‬

‫ِّ‬
‫المتعددة إال من ذلك اإلعجاز الذي وقع به التحدي‪ ،‬وهي‪-‬أعني القراءات‪-‬على اختالف‬

‫صور التغير فيها تمنح القارئ والباحث متعة ومندوحةً في ُّ‬


‫التنقل بين وارف الدالالت‬

‫والمعاني التي تُ ِ‬
‫حدثها كل صورة من صور التغير دون تعارض أو تدافع‪ ،‬وذلك‪-‬لعمر‬

‫اهلل‪-‬هو اإلعجاز الذي يأخذ بناصية البيان ويقف على أعلى مقامات البالغة ويتربع‬

‫جالال‪.‬‬
‫على القلوب مهابة وا ً‬

‫ولما كان التغيُّر في البِنى الصرفية له صلته وارتباطه الوثيق بالداللة‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫َّ‬

‫توزع على مبحثين أن يدرس األثر المترتِّب على‬


‫مقصد الباحث في هذا الفصل الذي َّ‬

‫صورة تغيُّر الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم بين القراءات القرآنية وذلك من‬

‫(‪ )1‬العسكري‪ ،‬أبو هالل(‪1952‬م)‪ :‬كتاب الصناعتين(الكتابة والشعر)‪ ،‬ص‪ ،58‬تحقيق‪ :‬البجاوي‪ ،‬علي؛ أبو‬
‫الفضل‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬دار إحياء التراث‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫خالل نماذج من األفعال شهدت هذه الصورة من التغيُّر‪ ،‬ومن تلك النماذج التي يتناولها‬

‫الباحث‪:‬‬

‫ت ُْر َجع‪-‬ت َْر ِجع‪:‬‬

‫يناقش الباحث الدالالت التي تتولد عن صورة ُّ‬


‫التغير بين القراءتين المتواترتين‪:‬‬

‫(يرجعون) بالمجهول‪( ،‬ي ِ‬


‫رجعون) بالمعلوم‪ ،‬وبحصر واستقراء لمواطن تكرار الفعل (رجع)‬ ‫ُ‬

‫وتصريفاته في الماضي والمضارع مع بِْنيتي المعلوم والمجهول لقراءة حفص كانت‬


‫(‪)1‬‬
‫اإلحصائية على النحو التالي" ‪:‬‬

‫عدد المواضع‬ ‫صورة الفعل‬ ‫الفعل‬ ‫م‬

‫‪1‬‬ ‫ٍ‬
‫ماض‪-‬معلوم‬ ‫رجع‬ ‫‪1‬‬

‫‪4‬‬ ‫مضارع – معلوم‬ ‫ي ِ‬


‫رجع‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬ ‫مضارع – مجهول‬ ‫ُيرجع‬ ‫‪3‬‬

‫ال يوجد‬ ‫مضارع – معلوم‬ ‫ت ِ‬


‫رجع‬ ‫‪4‬‬

‫‪7‬‬ ‫مضارع – مجهول‬ ‫تُرجع‬ ‫‪5‬‬

‫‪16‬‬ ‫مضارع – معلوم‬ ‫ي ِ‬


‫رجعون‬ ‫‪6‬‬

‫‪6‬‬ ‫مضارع – مجهول‬ ‫ُيرجعون‬ ‫‪7‬‬

‫ال يوجد‬ ‫مضارع – معلوم‬ ‫ت ِ‬


‫رجعون‬ ‫‪8‬‬

‫‪19‬‬ ‫مضارع – مجهول‬ ‫تُرجعون‬ ‫‪9‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر مواضع هذا الحصر في مالحق الدراسة‪.‬‬


‫‪254‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫بعد هذا االستقراء يسجل الباحث بعض المالحظات قبل أن يدلف إلى تحليل‬

‫صورة التغير التي حصلت للفعل (رجع) بين البناء للمجهول والبناء للمعلوم‪.‬‬

‫(ي ْر ِجعون)‪ :‬وردت في سياق معنى‪ :‬العودة إلى األصل‪ ،‬أو االنتهاء‬
‫(ر َج َع)‪َ ،‬‬
‫‪َ ‬‬
‫عن ٍ‬
‫فعل والعودة إلى نقيضه‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬

‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮧﮨﮩﮪ‬

‫ﮫ} [سورة األعراف‪ ،]168:‬وقوله‪{ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬

‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ} [سورة يوسف‪،]62:‬‬

‫وقوله‪{ :‬ﯾﯿﰀﰁﰂ ﰃﰄ ﰅﰆﰇﰈ ﰉﰊ‬

‫ﰋ ﰌ} [سورة الروم‪ .]41:‬وهكذا مع بقية المواضع‪.‬‬


‫رجع)‪ :‬في كل المواضع لحفص بالغيبة‬
‫رجع – تُ َ‬
‫(ي َ‬
‫رجعون)‪ُ ،‬‬
‫رجعون – تُ َ‬
‫(ي َ‬
‫‪ُ ‬‬

‫والخطاب وردت في سياق الحديث عن الرجوع إلى اهلل‪ ‬في اآلخرة‪ ،‬كما في‬

‫قوله‪{ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ} [سورة هود‪،]123:‬‬

‫وقوله‪{ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ} [سورة مريم‪ ]40:‬وقوله‪:‬‬

‫{ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ} [سورة يس‪ ،]83:‬ويكاد يكون‬

‫أن َّ‬
‫كل ما في القرآن من تُرجع‪ ،‬تُرجعون‪ُ ،‬يرجع‪ ،‬راجعون‪،‬‬ ‫هذا ظاهرة مضطردة َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫رج ِع ِهم فهي إلى اهلل‪. ‬‬
‫رج ِع ُكم‪ْ ،‬‬
‫ْ‬

‫رجعُ‪-‬تَْر ِجعون)‪ :‬لم ترد قراءة حفص بهما‪.‬‬


‫‪( ‬تَ ِ‬

‫لمؤصل أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬ص‪ ،647‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬


‫ِّ‬ ‫(‪ )1‬جبل‪ ،‬محمد(‪2010‬م)‪ :‬المعجم االشتقاقي ا‬
‫اآلداب‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫(ي ِ‬
‫رجع)‪ :‬ورد لحفص فيها أربعة مواضع كلها بمعنى العودة‪ ،‬وهذه العودة إما‬ ‫‪َ ‬‬

‫إلى مكان كما في قوله‪{ :‬ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ} [سورة‬

‫طه‪ ،]91:‬أو إلى ٍ‬


‫قول سابق كما في قوله‪{ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ} [سورة طه‪.]89:‬‬

‫وبعد استقراء مواضع تكرار هذا الفعل التي ستساعدنا في تحليل دالالت ت ُّ‬
‫غيره‬

‫نموذجا يقوم بتحليله‬


‫ً‬ ‫من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬سيأخذ الباحث موضع سورة البقرة‬

‫ودراسته‪ ،‬إذ يصعب إقامة الدراسة على جميع المواضع لكثرتها وللتقارب الحاصل بين‬

‫(يرجع) في المجهول‪.‬‬
‫أغلب السياقات التي ورد بها الفعل ُ‬

‫قال‪{ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯤ ﯥ ﯦ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﯧ ﯨ ﯩﯪ} [سورة البقرة‪. ]28:‬‬

‫متعديا‪ ،‬فـ(رجع) يتعدى بنفسه‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﮔ‬


‫ً‬ ‫الزما ويأتي‬
‫(رجع) يأتي ً‬
‫(‪)2‬‬
‫ﮕ ﮖﮗﮘﮙ} [سورة التوبة‪ ،]83:‬ويجوز أن يكون ً‬
‫الزما بمعنى‪ :‬عاد ‪ ،‬ولما‬

‫كان (رجع) ُيحمل على الوجهين‪ِّ :‬‬


‫التعدي واللزوم‪ ،‬فإن مجيء الفعل في بنية المضارع‬

‫أن الفعل ٍّ‬


‫متعد وهو األرجح عند السمين‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫(تُرجعون) بالبناء للمجهول ُيحمل على َّ‬

‫منفردا (ترِجعون) بفتح حرف المضارعة حيثما وقع في القرآن بالبناء للمعلوم‪ ،‬ووافقه غير واحد‬
‫ً‬ ‫(‪ )1‬ق أر يعقوب‬
‫من القراء‪ ،‬وحفص يق أر بالبناء للمجهول (تُرجعون)‪ُ ،‬ينظر‪ :‬ابن الجزري‪ :‬النشر‪209/2 ،‬؛ َّ‬
‫النشار‪ :‬البدور الزاهرة‪،‬‬
‫ص‪.27‬‬
‫من به الرحمن‪118/1 ،‬؛ السَّمين‪ :‬عمدة الحفاظ‪73/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬العكبري‪ :‬إمالء ما ّ‬
‫‪256‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫ألن أصلها‪ :‬ثم إليه ُي ْرِج ُع ُك ْم؛ ألن اإلسناد في األفعال السابقة هلل‪ ‬فيناسب‬
‫السَّمين؛ َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أن يكون هكذا‪ ،‬ولكنه ُبني للمفعول ألجل الفواصل والقواطع ‪.‬‬

‫وال يرى الباحث مناسبةً لجعل (تُرجعون) بالمجهول هو األفصح بحجة أن‬

‫اإلسناد في األفعال السابقة (يحييكم‪ ،‬يميتكم‪ ،‬أحياكم) هو هلل‪ ،‬لذا كان سياق هذا‬

‫"يفوت‬
‫مسندا إليه‪ ،‬لكنه كما يقول أبو حيان‪ِّ :‬‬
‫ً‬ ‫اإلسناد أن يكون الفعل في الرجوع‬

‫تناسب الفواصل والمقاطع‪ ،‬إذ كان يكون الترتيب (ثم إليه مرجعكم) فحذف الفاعل للعلم‬

‫يفوت التناسب اللفظي‪ ،‬وقد حصل التناسب المعنوي‬


‫به‪ ،‬وبني الفعل للمفعول حتى ال ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫بحذف الفاعل إذ هو قبل البناء للمفعول مبني للفاعل" ‪.‬‬

‫إن القول بأفصحية قراءة على قراءة ُيلبِس ُ‬


‫ويشكل على البعض‪ ،‬وقد يوهم بأن‬

‫القراءة األخرى فيها ضعف أو أق ّل فصاحة‪ ،‬وكالم اهلل‪ ‬على مستوى واحد من اإلعجاز‬

‫والبالغة‪ ،‬وال وجه لتفضيل بعضه على بعض إذ كل من عند اهلل‪ ،‬والمولى الحكيم‬

‫تكلَّم بهذا وجعل فيه الفصاحة والبالغة ‪ ،‬كما تكلم بذلك وجعل فيه الفصاحة والبالغة‪،‬‬

‫ويخشى الباحث أن يفتح مثل هذا القول بتمييز القراءات وتفصيل بعضها على بعض‬

‫الشر كان مغلقًا‪ ،‬وهو وان كان ورد على ألسنة بعض المستشرقين إال َّأنا نكبُِر‬
‫بابا من ِّ‬
‫ً‬

‫حيان وغيره مثل هذا القول‪.‬‬


‫أن يكون في تعابير كبار علماء األمة كابن ّ‬

‫الدر المصون‪240/1 ،‬‬


‫(‪ )1‬ينظر‪ّ :‬‬
‫وينظر من قال بذلك من المحدثين‪ :‬مسعود‪ :‬أثر القراءات القرآنية في الفهم‬
‫(‪ )2‬البحر المحيط ‪ُ ،214-213/1‬‬
‫اللغوي‪ ،‬ص‪148‬؛ ومنهم من جعل مؤدى القراءات واحد‪ُ ،‬ينظر‪ :‬نهر‪ ،‬هادي(‪2008‬م)‪ :‬التفسير اللغوي االجتماعي‬
‫للقراءات القرآنية‪ ،‬ص‪ ،249‬ط‪ ،1‬ع َّمان‪ :‬عالم الكتب الحديث‪.‬‬
‫‪257‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫حيان من تفويت التناسب بين المقاطع والفواصل ليس متَّ ً‬


‫كئا‬ ‫وما أشار إليه أبو ّ‬

‫كثير في أكثر‬
‫ألن تُجعل قراءة أفصح من أخرى؛ فإن القرآن الكريم قد ورد بااللتفات ًا‬

‫من موضع ينتقل بسياق الكالم وأسلوب الخطاب من الغياب تارة إلى الحضور تارة‬

‫مرةً إلى اإلفراد أخرى‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬


‫أخرى‪ ،‬ومن التثنية َّ‬

‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ} [سورة طه‪ ،]50-49:‬وهكذا فمرد ذلك إلى‬

‫لفظ بهذا األسلوب أو إيثار ٍ‬


‫لفظ آخر‬ ‫يرد ٍ‬
‫السياق‪ ،‬وهو اإلطار الناظم والفيصل الحاكم إل ا‬

‫ٍ‬
‫بأسلوب آخر‪ ،‬فالقراءات إنما تُ َّنزل منزلة اآليات‪ ،‬وال يحكم بتدافعها وال‬ ‫موضع آخر‬
‫ٍ‬ ‫في‬

‫تعارضها وال ترجيح بعضها على بعض‪.‬‬

‫وعودا على بنية المجهول (تُرجعون) فقد ارتبطت بجملة من الدالالت‪ ،‬يمكن‬
‫ً‬

‫أن نفهمها في ضوء السياق العام للمواضع التي وردت بها بنية الفعل عند حفص‪ ،‬فقد‬

‫وردت في سياق الحديث عن العودة للدار اآلخرة على اختالف تصريفات الفعل وأنماط‬

‫(يرجع) في موضع واحد‪ ،‬و(تُرجع) في سبعة‬


‫مثال ُ‬
‫الخطاب والغيبة فيه‪ ،‬فشهدنا هنا ً‬

‫موضعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫و(يرجعون) في ستة مواضع‪ ،‬و(تُرجعون) في تسعة عشر‬
‫مواضع‪ ،‬و(تُرجعون) ُ‬

‫كلها في أوصاف الرجوع هلل‪ ‬يوم القيامة‪ ،‬وذلك يشي َّ‬


‫بأن اإلنسان مقهور في عملية‬

‫اإلماتة واإلحياء واإلرجاع‪ ،‬ليرغب المحسن في ازدياد الخير‪ ،‬وليخشى المسيء عاقبته‬
‫(‪)1‬‬
‫فينتهي عما يفعل ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الحمزاوي‪ ،‬عالء(‪1998‬م)‪ :‬الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب‪ ،‬ص‪،117‬‬
‫مصر‪ :‬جامعة المنيا(دكتوراة)‪ ،‬محمود‪ ،‬رياض‪ ،‬الشريف‪ ،‬عماد(‪2007‬م)‪ :‬القراءات القرآنية وأثرها في التفسير‪،‬‬
‫ص‪ ،21‬بحث منشور على النت من أبحاث الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫إن حركة واحدة بين (تُرجعون) و(ت ِ‬


‫رجعون) سلبتهم‪-‬أعني الكفار‪-‬حقهم في‬ ‫َّ‬

‫االختيار‪ ،‬وأبانت عجزهم وضعفهم في اتخاذ قرار الرجوع أو حتى في الفرار منه‪ ،‬ولسان‬

‫الحال يقول‪ :‬ها أنتم تكفرون باهلل‪ ‬وتتكبرون عليه‪ ،‬فامنعوا عن أنفسكم إِذ ْن الرجوع‬

‫إلى من سيعاقبكم على صنيعكم‪ ،‬حقًا ال يستطيعون‪ ،‬ولو استطاعوا لما ُم ِّكنوا‪ ،‬فقد سلبت‬

‫التصرف والسلطان‪ ،‬وضربت عليهم بأغالل القهر‬


‫ُّ‬ ‫حق في‬ ‫(يرجعون) َّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫منهم ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫والحرمان‪ ،‬فهم "في طواعيتهم ال محالة لِما ق ّدره الباقي األزل‪ ، "‬إنهم يساقون ًا‬
‫قهر‬

‫مفر منه وال مندوحة‬ ‫وعنوة وال يسعهم الرجوع إلى اهلل‪ ‬فكأنهم ارتطموا في ٍ‬
‫أمر ال َّ‬

‫عنه‪.‬‬

‫والمدقق في هذه البنية‪( :‬يرجعون) يرى من ٍ‬


‫بعيد مشهد الصلف والعناد الذي‬ ‫ُ‬

‫اتسم به أولئك الكفرة‪ ،‬وتلك النفسية التي قامت على الجحود والنكران والتملُّص من‬

‫طمعا من‬
‫أوامر اهلل‪ ‬ونواهيه‪ ،‬إنها نفسية ال زالت تراهن على أنها ستجد استجابة أو ً‬

‫شركائهم الذين ال زالوا يعبدونهم من دون اهلل‪ ،‬ويكفرون به غيره‪ ،‬فبناء الفعل (يكفُرون)‬

‫للمضارع تُ ْف ِ‬
‫ص ُح عن ٍ‬
‫كثير من مالمح تلك النفسية‪ ،‬قال أبو حيان‪" :‬أتى بصيغة‬

‫ألن الذي أُ ِ‬
‫نكر‬ ‫اضيا‪ ،‬وان كان الكفر قد وقع منهم؛ َّ‬
‫(تكفرون) مضارعا ولم يأت به م ً‬

‫توبيخا لمن‬
‫ً‬ ‫الم ْش ِعر به؛ ولئال يكون ذلك‬
‫أو تُ ُعجِّب منه الدوام على ذلك‪ ،‬والمضارع هو ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫وقع منه الكفر ثم آمن" ‪ ،‬لذا أعلمت بنية المضارع المبني للمجهول (تُرجعون) على‬

‫(‪ )1‬سيكو‪ ،‬كوليبالي(‪1423‬هـ)‪ :‬طبيعة االختالف بين القراء العشرة وبيان ما انفرد بقراءته كل منهم من خالل‬
‫إعراب القرآن وتفسيره‪ ،‬ص‪ ،244‬ساحل العاج‪ :‬جامعة كوت ديفوار (ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )2‬البحر المحيط‪209/1 ،‬‬
‫‪259‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫ـ(ي ْرجعون)‬
‫أنهم إن لم يرجعوا إلى اهلل‪ ‬بداعي العلم به في الدنيا بعد إمهالهم‪ ،‬فإنهم س ُ‬

‫قهر في اآلخرة‪ ،‬قال البقاعي‪" :‬يشاهدون انقطاع أسبابهم ِم َّمن تعلقوا به‪ ،‬ويتب أر منهم‬
‫إليه ًا‬

‫ما عبدوه من دون اهلل‪ ،‬وانما جاء هذا المهل بعد البعث لما يبقى لهم من الطمع في‬

‫شركائهم‪ ،‬حيث يدعونهم فلم يستجيبوا لهم؛ فحينئذ يضطرهم انقطاع أسبابهم إلى الرجوع‬
‫(‪)1‬‬
‫قسر وسوقًا فحينئذ يجزيهم بما كسبوا في دنياهم" ‪.‬‬
‫إلى اهلل‪ ،‬فيرجعون ًا‬

‫التعنت و ُّ‬
‫التشنج في طلب عدم عودتهم لآلخرة‬ ‫متسائال لِم ُّ‬
‫كل هذا ُّ‬ ‫ً‬ ‫يقف الباحث‬

‫شك أنها نفسية ِ‬


‫المنكر ٍ‬
‫ألمر يطلب عدم‬ ‫(يرجعون) وساقتهم سوقًا لها؟ ال َّ‬
‫حتى أرغمتهم ُ‬

‫فلما لم يتحقق ال هذا وال ذاك قام هذا‬


‫يؤمل فيه على من يرجو به نجاته؛ ّ‬
‫حصوله‪ ،‬أو ِّ‬

‫التهرب والحيدة‪ ،‬يقول الشعراوي‪" :‬لقد حاول الكفار والملحدون‬


‫ُّ‬ ‫العناد فسلكوا مسلك‬

‫وأصحاب الفلسفة المادية أن ينكروا قضية البعث‪-،‬وهم في ذلك لم يأتوا بجديد‪ ،-‬بل‬

‫جاءوا بالكالم نفسه الذي قاله أصحاب الجاهلية األولى‪ { :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ‬

‫ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ } [سورة الجاثية‪ ،]24:‬وأمنية الكافر‬

‫(‪)2‬‬
‫والمسرف على نفسه أال يكون هناك بعث أو حساب" ‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫أما بنية المعلوم (ت ِ‬
‫رجعون) فعلى معنى‪" :‬ترجعون أنتم وغيركم من الخلق" ‪،‬‬

‫حق تقرير مصير العباد وأحوالهم؛ لذا جاءت هذه‬


‫فهي تقرير كامل لهذا الحق الرباني‪ّ ،‬‬

‫القراءة على بنية الفعل الالزم بمعنى عاد‪ ،‬فالقضية َّأنكم إليه ت ِ‬
‫رجعون وتعودون‪ ،‬هكذا‬

‫الدرر‪218/1 ،‬‬
‫(‪ )1‬نظم ُ‬
‫(‪ )2‬تفسير الشعراوي‪226/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن غلبون‪ :‬اختالف القراء السبعة‪ ،‬ص‪202‬‬
‫‪260‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫انتهت بكل بساطة من غير تعقيدات في القول وال فلسفة في المنطق‪ ،‬فالذي خلق هو‬

‫الذي يعيد‪ ،‬والذي أمات هو الذي ُيبدئ‪" ،‬يستطيع أن يعيدكم وقد كنتم موجودين‪{ ،‬ﭭ‬

‫موجودا‬
‫ً‬ ‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} [سورة الروم‪ ،]27:‬فإيجاد ما كان‬

‫(‪)1‬‬
‫مثال ساب ٍ‬
‫ق" ‪.‬‬ ‫أسهل من اإليجاد من ٍ‬
‫عدم على غير ٍ‬

‫لقد قررت (ت ِ‬
‫رجعون) حقَّه الكامل‪ ‬في الخلق واإلحياء واإلماتة واإلعادة‪ ،‬وأنه‬

‫فبدء الخلق ليس بأهون عليه من‬ ‫لما قدر على إحياء خلقه؛ قدر أن ُيحيِيهم ً‬
‫ثانيا‪ُ ،‬‬

‫قرر في مواجهة فاضحة مخزية ألولئك الذين‬


‫إعادته‪ ،‬وهذا المعنى المفاد من هذه البنية ُي ِّ‬

‫َّ‬
‫لج بهم العناد والضالل؛ فاستجابوا له‪ ،‬واستحبوا العمى على الهدى‪ ،‬واتخذوا من دون‬

‫أندادا يعبدونهم من دونه‪َّ ،‬‬


‫أن فعلهم هذا ال يقيم عليه إال سفيه‪ ،‬وال يرضى به إال‬ ‫اهلل‪ً ‬‬

‫السوية‬
‫ّ‬ ‫سقيم القلب‪ ،‬أعمى البصر والبصيرة‪ ،‬ثم إنه مخالف لما فُطرت عليه العقول‬

‫بشر سويًّا ثم يرده إلى الموت‪ ،‬هو‬


‫فسواه ًا‬ ‫واألنفس المستقيمة من َّ‬
‫أن الذي خلق اإلنسان ّ‬

‫القادر على أن يعيده مرة أخرى إلى الحياة ويرجعه إليه‪ ‬تارة أخرى‪ ،‬مفاد الرسالة‬

‫ومؤداها‪" :‬كيف يكون لإلنسان أن َّ‬


‫يتنكر لخالقه ويعدل وجهه عنه إلى عباده المخلوقين‬
‫(‪)2‬‬
‫من جماد وغير جماد؟! ذلك ضالل بعيد وخسران مبين" ‪.‬‬

‫وقد ألمح الراغب في تفسيره إلى معنى لطيف مع (ت ِ‬


‫رجعون) هو أن اآلية‬

‫خطاب للمؤمنين‪ ،‬ال على اإلنكار بل على تعظيم المنة عليهم وتبعيد الكفر منهم بعد‬

‫(‪ )1‬الشعراوي‪ ،‬مرجع سابق ‪227/1‬‬


‫(‪ )2‬الخطيب‪ :‬التفسير القرآني للقرآن‪47/1 ،‬‬
‫‪261‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تحقُِّقهم باإليمان ‪ ،‬وارتأى بعض الباحثين أن الرجوع مع هذه البنية‪-‬يقصد المعلوم‪-‬‬

‫يكون استسالم طواعية من تلقاء نفوسهم‪ ،‬ودون أن يكون عليه إكراه من أحد‪ ،‬كأنما هو‬

‫رجوع باختيار الراجع طاعة لمن يسترجعه‪ ،‬ذلك أن (رجع)‪ :‬الالزم يفيد معنى عاد‪ ،‬وال‬

‫يراها الباحث كذلك إذ أن شخصية المعاند ال تُسلِّم بالطواعية واالنقياد‪ ،‬فقد أبانت قراءة‬

‫المجهول كما أسلفنا عن طبيعة تلك النفسية وذلك الجحود‪ ،‬وكيف لهم أن يرجعوا هناك‬

‫مكرهين وهنا مستسلمين منقادين!!‪ ،‬لكن الباحث يراها‪-‬واهلل أعلم‪(-‬ي ِ‬


‫رجعون) نعم بأنفسهم‬

‫لكنه رجوع من قُِّرر ذلك في حقِّه‪ ،‬وليس له شأن وال تصرف‪ ،‬فقضاء اهلل‪ ‬النافذ‬

‫سبقهم‪ ،‬أو هو رجوع اقتضاه تركيب خلقهم‪" ،‬يعودون إلى المعاد بأنفسهم كما تعود‬
‫(‪)3‬‬
‫الماشية إلى مراحها بنفسها حين رواحها" ‪" ،‬فالرجوع إلى اهلل في ذلك اليوم أمر حتم‬

‫الزم‪ ،‬ال يفر منه أحد‪ ،‬وال يستثنى منه فرد‪ ،‬فلما كان وقوعه أم ار ال مفر منه لجميع‬

‫الناس؛ أصبحوا كأنهم هم الذين يقومون بهذا األمر بمطلق إرادتهم‪ ،‬فأسند الفعل إليهم‬

‫مفر فيه‬ ‫ير لحتمية هذا األمر‪ ،‬وهذا يحمل في طي ِ‬


‫َّاته دعوة إلى الخوف من يوم ال َّ‬ ‫تقر ًا‬
‫(‪)4‬‬
‫من حساب اهلل‪. "‬‬

‫(‪ )1‬الراغب( ‪1999‬م)‪ :‬تفسير الراغب األصفهاني‪ ،135/1 ،‬تحقيق‪ :‬بسيوني‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬طنطا‪ :‬جامعة طنطا‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬عطية‪ ،‬هديل؛ المنيراوي‪ ،‬يوسف(‪2009‬م)‪ :‬أثر اختالف اإلعراب في تفسير القرآن‪ -‬دراسة تطبيقية‬
‫في سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء‪ ،‬ص‪ ،58‬غزة‪ :‬الجامعة اإلسالمية(ماجستير)؛ محمود‪ ،‬عبد الغفور‬
‫(‪2008‬م)‪ :‬القرآن والقراءات واألحرف السبعة‪ ،775/2 ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪.‬‬
‫(‪ )3‬حسن‪ ،‬غمبو(‪2011‬م)‪ :‬ظواهر تصريف األفعال في القراءات السبع الشهيرة‪ ،‬ص‪ ،209‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫المختار‪.‬‬
‫(‪ )4‬الورفلي‪ ،‬رانية(‪2008‬م)‪ :‬الفروق الداللية بين القراءات القرآنية العشر‪ ،‬ص‪ ،314‬ط‪ ،1‬بنغازي‪ :‬جامعة‬
‫قاريونس‪.‬‬
‫‪262‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫وبنظرة إجمالية للبنيتين (تُرجعون) و(ت ِ‬


‫رجعون) نجدهما في تناغم وتكامل فريد‬

‫قرر وقوعها‪ ،‬فيها‬


‫يرسمان هيئة تلك العودة المنتظرة للخالئق يوم القيامة‪ ،‬إنها عودة ُم ّ‬
‫شذ من َّ‬
‫شذ‬ ‫إحكام منه‪ ‬الرجوع إليه‪ ،‬لكل أحد حاضرهم والغائب‪ ،‬مسلمهم والكافر‪َّ ،‬‬

‫وند من َّ‬
‫ند وأذعن من أذعن‪ ،‬يرجعون إلى اهلل‪ ‬له األمر‪ ،‬وصاحب القهر‪ ،‬كما قال‪:‬‬ ‫َّ‬

‫{ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ } [سورة العلق‪ ،]8:‬وقال‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚﭛ‬

‫ﭜ} [سورة آل عمران‪ ،]109:‬وقال‪{ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ}‬

‫[سورة مريم‪ ،]40:‬وفي هذا المعنى تناسب بديع مع أواخر ما نزل من القرآن الكريم وهو‬

‫قوله‪{ :‬ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ} [سورة البقرة‪ ،]281:‬قال البقاعي‪" :‬كانت آخر‬

‫يعم أهل الجزاء‪ ،‬والرجع عود الشيء‬


‫آية نزلت من القرآن؛ ألنها نهاية ليس وراءها قول ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫عند انتهاء غايته إلى مبدئها" ‪.‬‬

‫لقد أظهرت القراءتان القدرة التامة والتصرف الكامل هلل‪ ‬في خلقه إحياء واماتة‬

‫ورجوعا من ذوات أنفسهم من غير أن يكون أرجعهم أحد‪ ،‬قضاء نافذ وحكم سابق ال‬

‫يحيدون عنه وهو ما أبانته قراءة المعلوم‪ ،‬أو أن يكونوا في رجوعهم مكرهين في مشهد‬

‫يبين عن عجزهم المطلق في التصرف باألمور بحسب رغباتهم كمن تناول شيئا للتصرف‬

‫أي قهر أعظم‬


‫فيه‪ ،‬ثم عجز عن هذا التصرف فأرجعه إلى من هو حري بالتصرف به‪ ،‬و ُّ‬

‫ٍ‬
‫سلطان أبلغ من سلطانه‪ ،‬هم طوعا أو كرها راجعون إلى اهلل‪ ،‬هكذا‬ ‫من ذلك وأي‬

‫تجلت حكمة اهلل النافذة وعلمه الكامل وأمره الشامل الذي ال إله غيره‪ ،‬أال رجوع ٍ‬
‫ألحد‬

‫(‪ )1‬نظم الدرر‪218/1 ،‬‬


‫‪263‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫ظاهر‬
‫ًا‬ ‫إال إليه‪ ،‬ليفصل بين الخالئق يوم القيامة " يوم يتجلى لفصل القضاء فيكون أمره‬

‫ال خفاء فيه‪ ،‬وال يصدر شيء من األشياء إال على وجه العدل الظاهر لكل أحد أنه‬

‫يشرع ما يشاء‪،‬‬
‫منه‪ ،‬وال يكون ألحد التفات إلى غيره‪ ،‬والذي هو بهذه الصفة له أن ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وينسخ من الشروع ما يشاء ويحكم بما يريد"‪.‬‬

‫ُي ْد ِهش هذا الوصف الرباني القلوب والعقول‪ ،‬ويأخذ بمجامع األلباب‪ ،‬بين البناء‬

‫عتياديا‬
‫ً‬ ‫قسر وقه ًار على قراءة‪ ،‬ويجعله ا‬
‫للمجهول تارة وللمعلوم تارة أخرى‪ ،‬يجعل الرجوع ًا‬

‫طبيعيا على قراءة أخرى‪ ،‬وفي ٍّ‬


‫كل تظهر قدرته المطلقة النافدة‪ ،‬وأن "األشياء كلها تنتهي‬ ‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫إلى أن تزول عنها أيدي المالكين المدبرين‪ ،‬ويخلص ملكها وتدبيرها لرب العالمين" ‪.‬‬

‫يختم الباحث القول بأن قضية مهمة من قضايا اآلخرة هي‪ :‬تحقيق مبدأ العودة‬

‫والحساب هلل‪ ‬من المهم تجذيرها في نفوس الناس وتربية الخلق عليها‪ ،‬فالكل إليه‬

‫سائر وبين يديه صائر‪ ،‬ولذا تدفع القراءتان بالمحسن أن يرغب في الخير ويزداد من‬

‫اإلحسان‪ ،‬وبالمسيء أن يخشى السوء‪ ،‬ويردعه ُّ‬


‫تذكر الرجوع له‪ ‬بعض ما ارتكبه‪،‬‬

‫و(يرجعون) وهم بين يديه واقفون ماثلون‪ ،‬واستشعار مثل هذه‬ ‫فكلهم إليه (ي ِ‬
‫رجعون) ُ‬

‫المعاني التي تحدثها صنوف التغير بين هاتين القراءتين يرفع منسوب االطمئنان في‬

‫يما بين يدي‬


‫رجوعا كر ً‬
‫ً‬ ‫قلب المؤمن‪ ،‬فيجعله دائم الفكر فيما يقربه من مواله‪ ،‬ويحقق له‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪178/5 ،‬‬


‫(‪ )2‬الرضي‪ ،‬الشريف(د‪.‬ت)‪ :‬تلخيص البيان في مجازات القرآن‪ ،‬ص‪ ،47‬تحقيق‪ :‬مقلد‪ ،‬علي‪ ،‬لبنان‪ :‬مكتبة‬
‫الحياة‪.‬‬
‫‪264‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫خالقه‪َّ ،‬إنه "اطمئنان ُيقذف في قلب من آمن‪ ،‬فالحياة بدايتها من اهلل ونهايتها إلى اهلل" ‪،‬‬

‫وأي تكريم أبلغ من ذلك التكريم يوم أن يحب العبد لقاء اهلل‪ ‬فيحب اهلل‪ ‬لقاءه‪،‬‬

‫ند عن اهلل‪ ‬مع علمه‬


‫وتعسا لمن ّ‬
‫ً‬ ‫وبؤسا‬
‫ً‬ ‫فيطمئن قلبه للقاء ربه ويطمئن إلى جزائه‪،‬‬

‫طوعا أو كرها‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ‬


‫به أنه إليه راجع ً‬

‫ﯱﯲ ﯳﯴ ﯵﯶ} [سورة آل عمران‪ .]83:‬فاللهم أكرم‬

‫وفادتنا عليك‪.‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الشعراوي‪ :‬تفسير القرآن‪227/1 ،‬؛ الشيخ‪ ،‬حمدي(د‪.‬ت)‪ :‬المعنى وأثره في اختالف وجوه اإلعراب في‬
‫القراءات القرآنية‪-‬دراسة تطبيقية‪ ،‬ص‪ ،54‬ط‪ ،1‬اإلسكندرية‪ :‬المكتب الجامعي الحديث‪.‬‬
‫‪265‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫سأ َ ْل‬
‫سأ َ ُل‪-‬تَ ْ‬
‫تُ ْ‬

‫يبقى االنتقاء القرآني للمفردات خصوصية امتاز بها عن كالم البشر‪ ،‬فالقرآن‬

‫الكريم بحر البالغة الذي ال ساحل له‪ ،‬ال تنقضي عجائبه وال يقف عطاؤه‪ ،‬يورد المعنى‬

‫بلفظة ثم ينقلها لمعنى آخر بنفس اللفظة مع تغيير حركاتها وبنائها الصرفي في تغير‬

‫بديع وتنوع ماتع‪.‬‬

‫ومن جملة تلك االنتقاءات الماتعة للقراءات القرآنية إيراد الفعل (سأل) في‬

‫تصريف المضارع على بِ ْنيتين‪ :‬المجهول (تُ ْسأ ُل) على اإلخبار‪ ،‬والمعلوم (ت ْسأ ْل) على‬

‫النهي‪ ،‬في قوله تعالى‪{ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ}‬

‫(‪)1‬‬
‫[سورة البقرة‪ ، ]119:‬وفي صنوف التغاير بينهما دالالت متوافرة وبالغات متناثرة تقف‬

‫مدحا ووصفًا‪ ،‬فالقرآن الكريم يسبق البالغة برتوة‪،‬‬


‫بالبيان موقف العاجز أن يفي بالقرآن ً‬

‫وجمل بالبالغة آياته‪،‬‬


‫ويضيف إليها قوة إلى قوة‪ ،‬فسبحان من أودع هذا البيان كتابه‪ّ ،‬‬

‫الرائحة‪.‬‬ ‫شهي ِة الجنى‪ِّ ،‬‬


‫طيبة َّ‬ ‫ٍ‬
‫كوردة متناسقة األكمام‪َّ ،‬‬ ‫وجعل كل قراءة‬

‫وبعثِه‬
‫اآليات في معرض الحديث عن تأييد اهلل‪ ‬لنبيه‪ ‬بالحجج والبراهين‪ْ ،‬‬

‫ونذير‪ ،‬وقد قص اهلل‪ ‬في هذا الموضع من سورة البقرة قصص أقوام من‬
‫ًا‬ ‫بشير‬
‫بالحق ًا‬

‫معرًجا على ذكر ضالالتهم وكفرهم باهلل‪ ‬وجرأتهم على شرع اهلل‬
‫اليهود والنصارى ّ‬
‫وأوليائه ورسله‪ ،‬ثم قال لنبيه‪َّ ‬إنا أرسلناك يا محمد ِّ‬
‫لتبشر من آمن بك واتَّبعك ممن‬

‫أن (ال) نافية‪ ،‬و(تُ ْسأ ُل) مبني للمجهول‪ ،‬وق أر نافع ويعقوب (ت ْسأ ْل) على َّ‬
‫أن (ال) ناهية‪ ،‬والفعل‬ ‫(‪ )1‬الجمهور على َّ‬
‫معها مجزوم مبني للمعلوم‪ ،‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة‪ ،‬ص‪ ،169‬ابن الباذش‪ :‬اإلقناع‪ ،‬ص‪300‬‬
‫‪266‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫قصصت عليك أنباءه‪ ،‬ومن لم أقصص عليك أنباءه‪ ،‬وتُ ِنذر من كفر بك وخالفك‪ ،‬فبلِّغ‬
‫ُ‬

‫رسالتي فليس عليك من أعمال من كفر بك بعد إبالغك إياه رسالتي تبعة وال أنت‬

‫مسؤول عما فعل بعد ذلك‪ ،‬فقال‪{ :‬ﯿ ﰀﰁﰂ ﰃﰅﰆﰇﰈ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﰉ} [سورة البقرة‪. ]119:‬‬

‫ين يبِ ُ‬
‫ين‬ ‫ابي ِ‬ ‫وقد َّ‬
‫قدر العلماء لقراءة الرفع (تُسأ ُل) ببناء الفعل للمجهول وجهين إعر َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ونذيرا)‪ ،‬وهو في موضع‬
‫ً‬ ‫(بشير‬
‫ًا‬ ‫بهما المعنى‪ ،‬ويظهر المراد ‪ :‬إما العطف على قوله‪:‬‬

‫ونذير غير مسؤول عن أصحاب الجحيم‪،‬‬


‫ًا‬ ‫بشير‬
‫نصب على الحال‪ ،‬والمعنى‪ :‬أرسلناك ًا‬

‫منقطعا من األول‬
‫ً‬ ‫أو بالرفع على االستئناف بأن يكون (وال تُسأ ُل عن أصحاب الجحيم)‬

‫ُبي‬
‫ويقوي هذا الوجه ما روي شا ًذا عن أ ّ‬
‫ِّ‬
‫بالحق بشي ار ونذيرا) مستأنفًا به‪ِّ ،‬‬ ‫(إَِّنا أرسلناك‬

‫وعبد اهلل ابن مسعود‪( :‬وما تُسأ ُل)‪ ،‬و(لن تُسأل) إذ كل واحدة من هاتين القراءتين تُعزز‬
‫(‪)3‬‬
‫حمل قراءة المجهول على الرفع على االستئناف ‪ ،‬والمعنى على هذا الوجه‪( :‬ولست‬

‫تُسأ ُل) أي‪ :‬لست تؤاخ ُذ بهم‪ ،‬قال أبو زرعة‪" :‬وحاصل توجيه قراءة الجمهور أنها على‬

‫االستئناف كأنه قال‪ :‬ولست تُسأ ُل عن أصحاب الجحيم‪ ،‬أي‪ :‬بعد بالغهم ما أوحي‬
‫(‪)4‬‬
‫إليك‪ ،‬أو على الحال كأنه قال‪ :‬وأرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم" ‪ ،‬وجعل‬

‫بعضهم النفي هنا نفي السؤال عن أعمال أصحاب الجحيم‪ ،‬بينما النهي عن السؤال في‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪516/1 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬األخفش‪ :‬معاني القرآن‪146/1 ،‬؛ َّ‬
‫النحاس‪ :‬إعراب القرآن‪209/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬العكبري‪ :‬إعراب القراءات الشواذ‪201/1 ،‬؛ ُينظر‪ :‬الشتيوي‪ ،‬علي(‪2006‬م)‪ :‬التوجيه النحوي لقراءة عبد اهلل‬
‫للفراء‪ ،‬ليبيا‪ :‬مجلة كلية الدعوة اإلسالمية‪ :‬العدد‪ ،23‬ص‪.189‬‬
‫ابن مسعود من خالل معاني القرآن ّ‬
‫(‪ )4‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪111‬‬
‫‪267‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫القراءة األخرى متوجِّهًا للنهي عن السؤال عن حال أصحاب الجحيم أو عن سوء حال‬
‫(‪)1‬‬
‫أصحاب الجحيم ‪.‬‬

‫وخالصة توجيه قراءة الجزم (ت ْسأ ْل) على البناء للمعلوم أنها جاءت على النهي‪،‬‬

‫فأما النهي على الحقيقة فظاهر‬


‫وهذا النهي إما أن يؤخذ على حقيقته واما على المجاز‪ّ ،‬‬

‫أن اهلل‪ ‬نهى َّ‬


‫نبيه‪ ‬عن السؤال عن أصحاب الجحيم مطلقًا‪ ،‬قال أبو حيان‪:‬‬ ‫القراءة َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫"وظاهره أنه نهي حقيقةً‪ُ ،‬نهي الرسول‪ ‬أن يسأل عن أحوال الكفار" ‪ ،‬واحتج أبو‬

‫زرعة لهذا الوجه بما روي في كتب التفسير أن النبي‪ ‬قال‪ :‬ليت شعري ما فعل أبواي‬
‫(‪)3‬‬
‫فنزلت اآلية‪ ،‬فنهاه اهلل‪ ‬عن المسألة ‪ ،‬قال د‪ .‬الحبش‪" :‬وهذا الحديث الذي احتج به‬

‫أبو زرعة¬ ال تقوم به حجة‪ ،‬ولم أعثر على وجه يقويه‪ ،‬وقد قال الحافظ السيوطي‬

‫الدر‪ :‬قلت هذا مرسل ضعيف اإلسناد‪ ...‬ثم أورد السيوطي‬


‫عند إيراده لهذا الحديث في ِّ‬

‫رواية أخرى أخرجها ابن جرير عن داوود بن عاصم أن النبي‪ ‬قال ذات يوم‪ :‬أين‬

‫أبواي؟‪ ...‬فنزلت اآلية‪ .‬ثم قال السيوطي‪ :‬واآلخر أي‪-‬الحديث اآلخر‪-‬معضل اإلسناد‬
‫(‪)4‬‬
‫ضعيف ال تقوم به وال بالذي قبله حجة" ‪ ،‬ثم تابع د‪ .‬حبش معلّقًا على هذه القراءة‪:‬‬

‫"واسقاط هذه الحجة ال ينفي أن تكون قراءة نافع‪-‬يعني المعلوم‪-‬متواترة‪ ،‬ولكن ينبغي‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن عبد السالم‪ ،‬العز(‪1313‬هـ)‪ :‬اإلشارة إلى اإليجاز في بعض أنواع المجاز‪ ،‬ص‪ ،118‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬المطبعة العامرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬البحر المحيط‪367/1 ،‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪111‬‬
‫(‪ )4‬القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني‪ ،‬ص‪167‬‬
‫‪268‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫التماس سبب آخر لورودها إلقامتها مقام االحتجاج" ‪ ،‬وقد استبعد جمع من أهل العلم‬

‫هذا النهي الذي ورد به الحديث؛ ألن سياق الكالم يدل على عود ذلك على اليهود‬
‫(‪)2‬‬
‫والنصارى والمشركين من العرب الجاحدين ُّ‬
‫للنُّبوة ‪ ،‬أما من جعل النهي على سبيل‬

‫المجاز فقد حمله على معنى التعظيم‪ ،‬قال م ّكي‪" :‬وفي النهي معنى التعظيم لِما ُهم فيه‬

‫من العذاب‪ ،‬أي‪ :‬ال ت ْسأ ْل يا محمد عنهم‪ ،‬فقد بلغوا غاية العذاب التي ليس بعدها‬
‫(‪)3‬‬
‫مستزاد" ‪ ،‬قال الزجاج‪" :‬ويجوز أن يكون النهي لفظًا ويكون المعنى على تفخيم ما أُ ِع َّد‬

‫لهم من العقاب كما يقول لك القائل الذي تعلم أنت أنه يجب أن يكون من تسأل عنه‬

‫في حال جميلة أو حال قبيحة‪ ،‬فتقول‪ :‬ال تسأل عن فالن‪ ،‬أي قد صار إلى أكثر مما‬
‫(‪)4‬‬
‫تريد" ‪.‬‬

‫ورحم اهلل الطبري فقد سلك مسل ًكا غر ًيبا مع هذه القراءة حيث انتصر لقراءة‬

‫الرفع‪( :‬تُ ْسأ ُل)؛ على قراءة النهي‪( :‬ت ْسأ ْل)‪ ،‬واستدل بسياق الكالم المتقدم المحمول على‬

‫الخبر والجاري مجراه‪ ،‬وعدم ورود ٍ‬


‫ذكر لمسألة الرسول‪ ‬حتى ُينهى عن ذلك‪ ،‬وانما‬

‫الكالم موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهرهُ المفهوم حتى تأتي داللة بيِّنة تقوم بها الحجة‪،‬‬

‫وال خبر تقوم به الحجة على حد ما ذهب إليه الطبري من أن النبي‪ُ ‬نهي عن أن‬

‫(‪ )1‬حبش‪ :‬القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني‪ ،‬ص‪167‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬األخفش‪ :‬معاني القرآن‪334/1 ،‬؛ الباقولي‪ :‬كشف المشكالت‪229/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬الكشف عن وجوه القراءات السبع‪262/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬معاني القرآن واعرابه‪ ،200/1 ،‬وُينظر‪ :‬شهرة‪ ،‬إلياس(‪2014‬م)‪ :‬توجيه الفروق النحوية بين روايتي ورش‬
‫عن نافع وخلف عن حمزة‪ ،‬ص‪ ،38‬الجزائر‪ :‬جامعة الجزائر (ماجستير)‪.‬‬
‫‪269‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫يسأل عن أصحاب الجحيم ‪ ،‬ووافقه م ّك ُّي بن أبي طالب فاختار قراءة الرفع‪ ،‬وذكر ما‬

‫يقوي اختياره بقوله‪" :‬والرفع هو االختيار‪ ...‬ويقوي الرفع َّ‬


‫أن قبله خبر وبعده خبر‪ ،‬فيجب‬ ‫ِّ‬

‫خبر ليطابق ما قبله وما بعده‪ ،‬ويدل على قوة الرفع قوله‪{ :‬ﭻ ﭼ‬
‫أن يكون هذا ًا‬

‫ﭽ } [سورة البقرة‪ ]272:‬وقوله‪ { :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ } [سورة‬

‫نهيا؛ لكان بالفاء كما تقول‪ :‬أعطيتك‬


‫أيضا أنه لو كان ً‬
‫العنكبوت‪ ،]18:‬ويقوي الرفع ً‬
‫(‪)2‬‬
‫بابا للمتأخرين بأن جعلوا مزّية لقراءة‬
‫ماال؛ فال تسألني غيره" ‪ ،‬وقد فتح مثل هذا القول ً‬
‫ً‬

‫الخبر (المجهول) على قراءة النهي (المعلوم) بل حدا ببعضهم أن جعلها واجبة االتِّباع‬
‫(‪)3‬‬
‫دون أختها ‪.‬‬

‫وليت من نزع إلى هذا أال يقول بدفع القراءة األخرى المنقولة بالتواتر‪ ،‬ورحم اهلل‬

‫الطبري وعفا عنه فقد ص َّوب قراءة الجمهور دون قراءة نافع ويعقوب‪ ،‬وقصر الصواب‬

‫عليها مما يدلل على أن القراءة األخرى في نظره خطأ وباطل؛ َّ‬
‫ألن الصواب ضد الخطأ‬

‫والشيء ُيعرف بضده‪" ،‬وليس األمر كذلك فالقراءة متواترة ثابتة معروفة عند القراء العشرة‬

‫وال يمكن أن تكون خطأً ما دامت تواترت عند القراء المعروفين في األمصار‪ ،‬ولو لم‬

‫يكن لها وجه عند من لم يظهر له وجه هذه القراءة‪ ،‬ومع أ ّن القراءة إذا تواترت البد لها‬

‫خافيا عن بعض الناس؛ ألنها كالم العليم الخبير‪ ،‬فكيف‬ ‫من وجه تُ َّ‬
‫وجه إليه وان كان ً‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪516/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬الكشف عن وجوه القراءات السبع‪262/1 ،‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬حبيب‪ ،‬بو سغادي(‪2015‬م)‪ :‬قراءة في نحو القراءات القرآنية‪ -‬دراسة داللية لنماذج‪ ،‬ص‪ ،278‬ط‪،1‬‬
‫لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪270‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫ال يكون لها وجه‪ ،‬والقراءة إذا تواترت حق وصواب وال يجوز ألحد الحكم عليها بالخطأ‬
‫(‪)1‬‬
‫دون األخرى" ‪.‬‬

‫إن المعنى الذي استند إليه الطبري معلِّ ًال صواب قراءة البناء للمجهول على‬
‫َّ‬

‫البناء للمعلوم قد حشد القرآن الكريم بخالفه‪ ،‬فإن إيراد القراءة أو اآلية على ٍ‬
‫وجه ثم‬ ‫ُ‬

‫معنى زخرت به‬


‫معنى إلى ً‬ ‫ٍ‬
‫أسلوب‪ ،‬أو ً‬ ‫ٍ‬
‫أسلوب إلى‬ ‫االنتقال بها إلى ٍ‬
‫وجه آخر‪ ،‬ومن‬

‫اللغة العربية‪ ،‬وورد به القرآن الكريم تارة من الخبر إلى اإلنشاء‪ ،‬وتارة من اإلنشاء إلى‬

‫الخبر على نحو قوله‪{ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ} [سورة‬

‫الكوثر‪ ،]3-1:‬وقوله‪{ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ} [سورة‬

‫األنعام‪ ،]121:‬أو من المضارع إلى الماضي كما في قوله‪{ :‬ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ} [سورة الشعراء‪ ،]4:‬وغير ذلك كثير في كتاب اهلل‪ ،‬ومثل‬

‫هذه االنتقاالت ال ُّ‬


‫تخل بالمعنى وال بالعربية‪ ،‬فما المانع هنا أن يكون السياق جارًيا‬
‫(‪)2‬‬
‫مجرى الخبر‪ ،‬ثم ينتقل إلى اإلنشاء‪ ،‬ومعلوم أن النهي قسم من أقسام اإلنشاء ‪.‬‬

‫ومن آثر السالمة أعمل القراءتين وجمع بين داللتيهما َّ‬


‫السيما وأنهما قراءتان‬

‫رد إحداهما‪ ،‬أو َّ‬


‫فضلها على األخرى ال‬ ‫متواترتان ثابتتان عن الرسول‪َّ ،‬‬
‫ولعل من َّ‬

‫(‪ )1‬الهرري‪ ،‬محمد(‪1986‬م)‪ :‬القراءات المتواترة التي أنكرها ابن جرير الطبري في تفسيره والرد عليه من أول‬
‫القرآن إلى آخر سورة التوبة‪ ،‬ص‪ ،173‬المدينة المنورة‪ :‬الجامعة اإلسالمية (دكتوراة)‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الحربي‪ :‬توجيه مشكل القراءات العشرية‪ ،‬ص‪122‬‬
‫‪271‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫يقصد الرد وانما لم يبلغه تواترها‪ ،‬أو نظر إليها من زاوية لغوية لم يكن مقصدها الطعن‬

‫في القراءة أو نقضها‪ ،‬فرحم اهلل الجميع وعفا َّ‬


‫عنا وعنهم‪.‬‬

‫إن تنوع القراءات القرآنية في هذه اآلية يظهر إعجاز القرآن الكريم وبيانه الراقي‬

‫ورسالته السامية المقصودة مع كل قراءة‪ ،‬حيث أبانت قراءة المجهول (تُ ْسأ ُل) طبيعة‬

‫الدور المناط بالرسل ومن تبعهم من الدعاة والمصلحين بأن عليهم وظيفة البالغ‬

‫واإلصالح والدعوة بالحسنى والخير‪ ،‬وليس عليهم محاسبة الخالئق آمن م ْن آمن‪ ،‬وكفر‬

‫م ْن كفر‪ ،‬مثل هذا األمر يريح قلوب المصلحين الحاملين شعار الدعوة السَّالكين سبيل‬

‫األنبياء‪ ،‬شعار مفاده‪ :‬ال تُحاسبون عن الخالئق بعد أن بلَّغتُم رسالة اهلل‪ ،‬فال ِ‬
‫تزر‬

‫فشر‪ ،‬وما على‬


‫شر ّ‬‫خير فخير وان ًا‬
‫قدموا إن ًا‬
‫وازرة وزر أخرى‪ ،‬والناس مجزّيون بما ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أن لست مؤاخ ًذا ببقاء الكافرين على كفرهم‬
‫الرسول إال البالغ ‪ ،‬وفي هذا تسلية له‪ْ ‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بعد أن بلغت لهم الدعوة‪ ،‬فال يحزنك كفرهم ‪.‬‬

‫هي إذن رسالة تسلية للنبي‪ ‬وتطمين لقلبه‪ ،‬بأن األنبياء أصحاب رسالة‬

‫مفادها‪ :‬التعليم والنصح واإلرشاد‪ ،‬ال ُم ِ‬


‫كرهين وال جابرين للخالئق على اإليمان‪ ،‬فال‬

‫تُ ْسألُون عنهم يوم القيامة‪ ،‬وان كان النبي‪ ‬ومن معه من أصحاب الرسالة في ق اررة‬

‫أنفسهم حريصين كل الحرص على هذا البالغ‪ ،‬كما في قوله‪{ :‬ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬حبش‪ :‬القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني‪ ،‬ص‪168‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬غمبو‪ :‬ظواهر تصريف األفعال في القراءات‪ ،‬ص‪210‬‬
‫‪272‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ} [سورة الكهف‪ ،]6:‬وقوله‪{ :‬ﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ } [سورة الشعراء‪.]3:‬‬

‫هكذا لخصت قراءة المبني للمجهول حقيقة الدور الذي عليه النبي‪ ‬ومن سار‬

‫ِّ‬
‫وتوجهُ البوصلة نحو االهتمام‬ ‫في دربه‪َّ ،‬إنها تُوِقف الدعاة على المسار الصحيح‬

‫ِ‬
‫تحاسبوا أو تُ ِلزموا‪،‬‬ ‫باألولويات‪ ،‬من حقِّكم أن ْ‬
‫تد ُعوا وتبذلوا وتنصحوا‪ ،‬وليس عليكم أن‬

‫فِإ ْن كفر م ْن كفر فقد سلَّت (تُسأ ُل) عن ضن ِك القلوب وضيقها‪ ،‬فال "يضرك تكذيب‬

‫ار عليهم‪،‬‬
‫لزما لهم وال جب ًا‬
‫المكذبين الذين يساقون بجحودهم إلى الجحيم؛ ألنك لم تُبعث ُم ً‬
‫(‪)1‬‬
‫تقصير منك تُ ْسأ ُل عنه" ‪.‬‬
‫ًا‬ ‫عدم إيمانهم‬
‫فيع ّد ُ‬
‫ُ‬

‫هذه القراءة تسلية وتطيب للخواطر أن يكون لحقها األذى والضيم من عدم رؤية‬

‫(إن عليك إال البالغ)‪ ،‬وهكذا ُع ِهد إلى األنبياء أداء‬


‫ثمار الدعوة ناضجة أمام األنظار فـ ْ‬

‫الرسالة والبالغ‪ ،‬أما من اختار غير ذلك من طرق الضالل والجحود فلستم مسؤولين‬

‫عنهم‪.‬‬

‫ٍ‬
‫تحقير وازدراء ألولئك المكابرين المعاندين حيث‬ ‫ويشت ُّم الباحث مع (ت ْسأ ْل) نوع‬

‫لم ِ‬
‫يجر لهم ذكر‪ ،‬ولم يلفت لهم انتباه‪ ،‬ومجرد عدم السؤال عنهم نوع من التهميش‬

‫واإلبعاد كما قوله‪ ‬في حال المنافقين‪{ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬

‫ﮪﮫ ﮬ ﮭﮮﮯ ﮰ ﯓ ﯔ ﯕ} [سورة‬

‫(‪ )1‬رضا‪ :‬تفسير المنار‪364/1 ،‬‬


‫‪273‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫التوبة‪ ،]67:‬ثم إن المولى‪ ‬أورد الحديث عن قومه‪ ‬على وفق ما سيؤول إليه حالهم‬

‫يوم القيامة‪" ،‬وذلك ليقطع أي أمل بإمكان اللقاء بينه وبينهم‪ ،‬فلم يقل له‪ :‬وال تُ ْسأ ُل عن‬

‫قومك الذين كفروا بك‪ ،‬وهذه التخلية بينه وبينهم في هذه النقلة الواسعة جعلتهم مصاحبين‬
‫(‪)1‬‬
‫للجحيم الموعودين بها وذلك على طريقة الجزم والتقرير" ‪.‬‬

‫سأل) استدعاء علم أو طلب معرفة‪ ،‬فإن‬


‫لم يكن السؤال مع هذه القراءة‪( :‬ت ْ‬

‫السؤال تارة يكون لالستعالم‪ ،‬وتارة يكون للتبكيت‪ ،‬وتارة لتعريف المسؤول وتنبيهه ال‬
‫(‪)2‬‬
‫ويعلم ‪ ،‬وانما ُح ِمل النهي عن السؤال هنا على التعظيم لما صاروا إليه من‬
‫ُليخبر ُ‬

‫تسأل‬
‫العذاب‪ ،‬والتعظيم لما حل بهم من العقوبة‪ ،‬كما تقول‪ :‬ما حال فالن؟ فيقال لك‪ :‬ال ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫عنه‪ ،‬أي‪ :‬قد صار إلى أمر عظيم إما من الخير‪ ،‬وا َّما من ال َّشِّر ‪ُ ،‬يبِين الزمخشري‬

‫عن وجه التعظيم هذا بقوله‪" :‬إن المستخبر يجزع أن يجري على لسانه ما هو فيه‬

‫ض ِجره‪ ،‬أو أنت يا مستخبر ال تقدر على استماع‬


‫لفظاعته‪ ،‬فال ت ْسأْله‪ ،‬وال تُكلفه ما ُي ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫سأل" ‪ ،‬قال أبو السعود‪(" :‬ال ت ْسأ ْل) على صيغة‬
‫خبره إليحاشه السامع واضجاره‪ ،‬فال ت ْ‬

‫لمخبِر‬
‫وتهويال لها كأنها لغاية فظاعتها ال يقدر ا ُ‬
‫ً‬ ‫إيذانا بكمال شدة عقوبة الكفار‬
‫النهي ً‬
‫(‪)5‬‬
‫على إجرائها على لسانه‪ ،‬أو ال يستطيع السامع خبرها" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الخراط‪ :‬اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية‪ ،‬ص‪199‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬الراغب‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص‪437‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬الفارسي‪ :‬الحجة‪217/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪182/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬إرشاد العقل السليم‪152/1 ،‬‬
‫‪274‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫وجعل بعض الباحثين مقتضى النهي هنا ترك التأسف على الكفار بعد أن‬
‫(‪)1‬‬
‫حقت عليهم كلمة اهلل‪ ، ‬هذا النهي المقتضي ترك التأسف عليهم فيه إهانة لهم‬

‫ِ‬
‫"احتقرهم؛ فإنهم أقل من أن ُيْلتفت إليهم‪ ،‬فبلِّغهم جميع األمر‬ ‫وتحقير‪ ،‬قال البقاعي‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫هي تهديد مبطن للكافرين‬ ‫يحبونك إال إذا انسلخت ِم َّما أنت عليه" ‪ ،‬وفي َّ‬
‫الن ِ‬ ‫فإنهم ال ّ‬

‫والماح إلى شدة العذاب الذي يقضونه في ذلك اليوم‪.‬‬

‫وقد يكون مقتضى َّ‬


‫النهي هو النهي عن السؤال عنهم سؤال مكترث بما أصابهم‬
‫(‪)3‬‬
‫أفاد هذه الداللة الثعالبي عند تناوله هذه القراءة ‪ ،‬ولهذا نظير في كتاب اهلل‪ ‬من مثل‬

‫قوله‪ {:‬ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ} [سورة فاطر‪ ،]8:‬قال ابن عاشور‪" :‬والسؤال هنا‬

‫مستعمل في االهتمام والتطلع إلى معرفة الحال؛ ألن الم ْعنِ َّي بالشيء المتطلع لمعرفة‬
‫(‪)4‬‬
‫إشعار بعدم االهتمام بهم‪ ،‬والالمباالة‬
‫ًا‬ ‫أحواله يكثر السؤال عنه" ‪ ،‬وقد ُنهي عن ذلك كله‬

‫لحالهم وذلك قمة التبكيت والحسرة‪.‬‬

‫عمن عصى وكفر من‬


‫نهيا عن ذلك السؤال حقيقة‪ ،‬فال ُيسأل ّ‬
‫هي ً‬ ‫َّ‬
‫وقد يكون الن ُ‬
‫(‪)5‬‬
‫األحياء؛ ألنه قد يتغير حاله فينتقل عن الكفر إلى اإليمان وعن المعصية إلى الطاعة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬حبش‪ :‬القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني‪ ،‬ص‪168‬؛ الشيخ‪ :‬القراءات القرآنية وأثرها في استنباط‬
‫األحكام الفقهية‪ ،‬ص‪81‬‬
‫(‪ )2‬نظم الدرر‪139/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الثعالبي‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد(‪1418‬هـ)‪ :‬الجواهر الحسان في تفسير القرآن‪ ،310/1 ،‬تحقيق‪:‬‬
‫معوض‪ ،‬محمد‪ ،‬عبد الموجود‪ ،‬عادل‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪692/1 ،‬‬
‫(‪ُ )5‬ينظر‪ :‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪64/2 ،‬‬
‫‪275‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫لقد أنشأ السياق القرآني بهاتين القراءتين المعلوم والمجهول معنيين مقصودين‬

‫وداللتين متكاملتين في ارتباط بديع وانسجام كامل‪ ،‬حققت جوانب الخطاب الدعوي‪،‬‬

‫ورسمت معالم وطبيعة التعامل مع الطرف اآلخر المناوئ للدعوة والدعاة‪.‬‬

‫كبير في نقل الحركة بين (تُ ْسأ ُل) و(ت ْسأ ْل) ولكن الدالالت‬
‫لم يكن الفارق ًا‬

‫اسعا كأنه أقامنا أمام صورة بهية ذات‬


‫المتولدة من صورة هذا التغير جعلت النص و ً‬
‫عد يظهر فيه اإليناس والتسلية عن قلبه‪ ‬وقلوب الدعاة معه‪ ،‬وب ٍ‬
‫عد يظهر فيه‬ ‫بعدين‪ :‬ب ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصادين عن دين اهلل‪ ‬ودعوته‪ ،‬ب ٍ‬
‫عد يظهر فيه‬ ‫المبطن والظاهر للكافرين‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫التهديد ُ‬

‫التطمين لقلبه‪ ‬والمرابطين معه من المصلحين في هذا الطريق أنهم على الحق‬

‫يفت فيهم من تأخر أو حاد عن الطريق‪ ،‬و ٍ‬


‫بعد يحمل كل معاني‬ ‫ماضون‪ ،‬وال ينبغي أن َّ‬

‫الصادين النافرين عن دين اهلل‪ ‬المستنكفين‬


‫ّ‬ ‫الخوف والقلق للقادم المجهول ألولئك‬

‫طريق الدعوة‪.‬‬

‫مع تكامل تلك الدالالت ال يميل الباحث للقول بأن قراءة المعلوم‪( :‬ت ْسأ ْل) على‬

‫النهي مترتِّبة على معنى قراءة المجهول باإلخبار‪( :‬تُ ْسأ ُل) على ما ذهب إليه بعض‬
‫(‪)1‬‬
‫الباحثين وكأنه قال‪" :‬لن ت ْسأل عن أصحاب الجحيم فلن تُ ْسأل عنهم" ‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن جملة‬

‫الدالالت المتحصلة بين القراءات تقوم من غير إلزام بهذا الترتيب‪ ،‬والقول بالترتيب‬

‫يحتاج إلى دليل أيهما أسبق نزوًال‪ ،‬وال يدل دليل على ذلك‪ ،‬فإعمال كل الدالالت أولى‪،‬‬

‫وهو أكمل في اإلعجاز القرآني لهذه القراءات‪ ،‬فقد أبانت كل قراءة عن المعنى وأظهرت‬

‫(‪ )1‬استيتية‪ ،‬سمير(‪2005‬م)‪ :‬رياض القرآن تفسير في النظم القرآني ونهجه النفسي والتربوي‪ ،384/1 ،‬ط‪،1‬‬
‫المملكة األردنية الهاشمية‪ :‬عالم الكتب الحديث‪.‬‬
‫‪276‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التغ ُّير في الفعل الثالثي‬

‫أن كل قراءة تُ ُّ‬


‫عد‬ ‫المراد بوجهها الذي وردت به‪ ،‬والقول بعدم الترتيب يفي بقول السابقين َّ‬

‫بمنزلة آية واهلل أعلم‪.‬‬

‫هكذا َّ‬
‫لخصت القراءتان مسيرة هذا الطريق الطويل‪ ،‬طريق الدعوة واألمر‬

‫بالمعروف والنهي عن المنكر طريق جهاد الكفار والمنافقين‪ ،‬أبانتا عن الصراع بين‬

‫وطمأنتا‪ ،‬أماطتا اللثام عن مقصود الرسالة وحقيقة هذه‬ ‫الطائفتين‪َّ ،‬‬


‫خوفتا ْ‬
‫بشرتا وأنذرتا‪َّ ،‬‬

‫الدعوة "بأن يستظهر خبايا األفئدة والقلوب على األلسنة واألعمال‪ ،‬فيبشر المهتدي‬
‫(‪)1‬‬
‫األبي والمنكر لما سبق إق ارره به من قبل" ‪ ،‬فعم بذلك‬
‫ّ‬ ‫وينذر‬
‫والثابت على هدى سابق‪ُ ،‬‬

‫األولين واآلخرين من المبشرين والمنذرين‪ِّ ،‬‬


‫بشر وأنذر فإنما عليك البالغ‪ ،‬وليس عليك‬

‫خلق الهداية في قلوب أهل النعيم‪ ،‬إنها رسالة مفادها‪ :‬فلتمض مسيرة الدعوة مباركة‬

‫غير مكترثة بالمناوئين والشائنين وليحفظها اهلل رب العالمين‪.‬‬

‫(‪ )1‬البقاعي‪ :‬نظم َّ‬


‫الدرر‪234/1 ،‬‬
‫‪277‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫املبحث الثاني‪ :‬صور التغري يف مزيد الثالثي‬

‫تنوعت أساليب األفعال في اللغة العربية بين مبني للمعلوم ومبني للمجهول وفي‬

‫البيان القرآني لكل منهما نظم مألوف‪ ،‬وما ورد من صور التغيُّر بينهما إنما ورد لسبب‬

‫يقتضيه من لوازم التأليف البديع الذي انبنى عليه القرآن الكريم وقراءاته المت ِّ‬
‫عددة‪ ،‬والباحث‬

‫في هذا الميدان جدير به أن يتتبع الفروق الدقيقة بين تلك األفعال‪ ،‬ويلتمس أسرارها‬

‫موقنا بأن مراعاة النظم والسِّياق أمر يجعل من تلك الصور‬


‫وانسجامها وائتالف معانيها‪ً ،‬‬

‫بديعا في الدالالت‪.‬‬
‫انسجاما ً‬
‫ً‬ ‫محكما و‬
‫ً‬ ‫طا‬
‫ائتالفًا في المعاني‪ ،‬وارتبا ً‬

‫إننا لو قلبنا قواميس المعاني ومعاجم األلفاظ فإنه ال يمكن أن نلمح هذا الجمال‬

‫البارع‪ ،‬والرونق األخاذ خارج إطار القرآن الكريم‪ ،‬وفي هذا يتساءل الجرجاني فيقول‪" :‬‬

‫أفترى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤها باإلعجاز روعة‪ ،‬وتحضرك عند تصورها‬

‫هيبة‪ ،‬تحيط بالنفس من أقطارها تعلُّقًا باللفظ من حيث هو صوت مسموع‪ ،‬وحروف تتوالى‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫في النطق؟ أم ُّ‬
‫كل ذلك لما بين معاني األلفاظ من االتِّساق العجيب"‬

‫يهدف الباحث من هذا المبحث أن يدرس نماذج من تغير الفعل المضارع المزيد‬

‫عن الثالثي واألثر الداللي الذي ترتب على صورة ذلك التغيُّر‪ ،‬ومن هذه النماذج التي‬

‫سيقوم الباحث بتحليلها ودراستها ما يلي‪:‬‬

‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪45‬‬


‫‪278‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫يُوقَ ُُد‪-‬ت ََوقَّ َُد‪ُ :‬‬

‫قال‪ { :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯕ ﯖ ﯗ‬

‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞﯟ ﯠﯡ ﯢﯣﯤ ﯥ} [سورة النور‪ ،]35:‬ق أر‬

‫حمزة‪ ،‬والكسائي‪ ،‬وشعبة (تُوق ُد) مبني للمجهول بالتاء المضمومة واسكان الواو وفتح القاف‬

‫مخففةً وضم الدال مضارعُ (أوقد)‪ ،‬وق أر نافع وابن عامر وحفص (ُيوق ُد) كالقراءة السابقة‬

‫إال أنها بياء مضمومة أول الفعل‪ ،‬وق أر ابن كثير‪ ،‬وأبو عمرو‪ ،‬وأبو جعفر‪ ،‬ويعقوب (توقد)‬
‫(‪)1‬‬
‫بفتح التاء والواو‪ ،‬والقاف مشددة والدال‪ ،‬فعل ماض مبن للمعلوم ‪.‬‬

‫الخالف بين صور القراءات اآلنفة الذكر هو في إسناد الفعل للفاعل‪ ،‬وما يترتب‬

‫على ذلك من تأنيث الفعل أو تذكيره‪ ،‬فالقراءة بالفعل (تُوق ُد) بالتاء المضمومة‪ ،‬واسكان‬

‫مبني للمجهول‪ ،‬وماضيه (أ ُْوقد)‪ ،‬واإليقاد‬


‫وضم الدال‪ :‬مضارع ٌّ‬
‫ِّ‬ ‫الواو‪ ،‬وفتح القاف مخففة‪،‬‬

‫على هذه القراءة للزجاجة؛ ألنه جاء في سياق وصفها‪ ،‬ف ُجعل الخبر عنها لقربها منه‪،‬‬

‫وب ْعدها من المصباح‪ ،‬والمعنى محمول على مصباح ُّ‬


‫الزجاجة‪ ،‬ف ُحذف المضاف وأقيم‬ ‫ُ‬
‫المضاف إليه مقامه‪ ،‬وجاز أن يوصف اإليقاد بالزجاجة؛ الرتفاع اللبس عن وهم السامعين‬

‫كثير في كالم العرب إذ يسندون األفعال إلى ما ال‬


‫وعلمهم المراد من الكالم‪ ،‬وهذا سائغ ًا‬

‫فاعل له في الحقيقة؛ إذا كان الفعل يقع فيه‪ ،‬فيقولون‪( :‬ليل نائم)؛ ألن النوم فيه‪ ،‬وكما‬

‫قال‪{ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯲ ﯳ ﯴ‬

‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ} [سورة إبراهيم‪ .]18 :‬العصوف ِّ‬


‫للريح‪ ،‬إال أنه‬

‫)‪ُ )1‬ينظر‪ :‬الداني‪ :‬التيسير‪ ،‬ص‪383‬؛ ابن الجزري‪ :‬النشر‪ ،‬ص‪604‬‬


‫‪279‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫(يوق ُد)؛ فمسند إلى المصباح‪،‬‬
‫جعله من صفة اليوم لكونه فيه ‪ ،‬أما الفعل على قراءة ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫والمعنى‪ :‬أن هذا المصباح يوقد من زيت شجرة‪ ،‬فحذف المضاف ‪ ،‬وقد جعله بعضهم‬
‫(‪)3‬‬
‫ورد عليه بأن في‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫كثير بالتوقد المشابه لتوقد النيران ‪ُ ،‬‬
‫مسندا إلى الكوكب كونه يوصف ًا‬
‫ً‬
‫(‪)4‬‬
‫فسادا للمعنى ‪ ،‬أما الفعل على قراءة المعلوم (توقد) مضارعه (يتوق ُد)‪ ،‬فيعود‬
‫ً‬ ‫ذلك‬

‫ألنه هو الذي يتوقد‪ ،‬ويرى م ّكي بن أبي طالب أن المعنى للمصباح لكن لما‬
‫للمصباح؛ ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫ماضيا ‪ ،‬ويكون‬
‫ً‬ ‫وجعل الفعل‬ ‫التُبس المصباح بالزجاجة؛ ُحمل التأنيث على ُّ‬
‫الزجاجة‪ُ ،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫المصباح" ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫المعنى‪" :‬المصباح في زجاجة‪ ،‬توقد‬

‫هذه اآلية مثل ضربه اهلل‪ ‬لبيان نوره في قلوب عباده‪ ،‬وللعلماء في وجه هذا‬
‫(‪)7‬‬
‫نور محمد‪ ‬بالمصباح النيِّر‪ ،‬فالمشكاةُ‪ :‬جوف رسول‬
‫المثل أقوال ثالثة ‪ :‬األول‪ُ :‬شبِّه ُ‬
‫اهلل‪ ،‬والمصباح‪ :‬النور الذي في قلبه‪ ،‬والزجاجة‪ :‬قلبه‪ ،‬الثاني‪ُ :‬شبِّه نور اإليمان في‬

‫قلب المؤمن بالمصباح‪ ،‬فالمشكاة‪ :‬صدر المؤمن‪ ،‬والمصباح‪ :‬نور اإليمان فيه‪ ،‬والزجاجة‪:‬‬

‫قلبه‪ ،‬الثالث‪ُ :‬شبِّه القرآن بالمصباح‪ ،‬والزجاجة‪ :‬قلب المؤمن‪ ،‬والمشكاة‪ :‬لسانه وفمه‪.‬‬

‫توجيه المثل بأن المشكاة جوف رسول اهلل‪ ،‬والمصباح‪ :‬النور الذي في قلبه‪،‬‬

‫والزجاجة‪ :‬قلبه‪ ‬فيه ُبعد لعدم داللة السياق عليه‪ ،‬أما بقية المعاني فال تعارض بينها–‬

‫)‪ُ )1‬ينظر‪ :‬أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪500‬‬


‫(‪ )2‬ابن أبي مريم‪ :‬الموضح في وجوه القراءات‪562-561 ،‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬أبو زرعة‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪500‬‬
‫(‪ُ )4‬ينظر‪ :‬السمين‪ :‬الدر المصون‪407/8 ،‬‬
‫(‪ُ )5‬ينظر‪ :‬م ّكي‪ :‬الكشف عن وجوه القراءات السبع‪138/2 ،‬‬
‫وينظر‪ :‬المجاشعي‪ :‬النكت في القرآن‪ ،‬ص‪440‬‬
‫(‪ )6‬الزجاج‪ :‬معاني القرآن واعرابه‪ُ ،44/4 ،‬‬
‫(‪ُ )7‬ينظر‪ :‬ابن الجوزي‪ :‬زاد المسير‪44/6 ،‬‬
‫‪280‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫واهلل أعلم–‪ ،‬فهي ال تعدو أن تكون من بـاب اختالف التنوع على نحو ما فُسِّر به الصراط‬
‫(‪)1‬‬
‫في قوله‪{:‬ﭧ ﭨ ﭩ } [الفاتحة‪ ،]6 :‬ويميل الباحث إلى توجيه‬ ‫المستقيم‬

‫المثل باإليمان؛ فمن تأمل سياق اآليات قبل إيراد هذا المثل وجد استفاضة في ذكر اإليمان‬

‫ومفرداته كما في اآليات في قوله‪ { :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬

‫ﮄ ﮅ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ} [سورة النور‪ ،]3 :‬وقوله‪{ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬

‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ } [سورة النور‪ ،]12 :‬وقوله‪ { :‬ﯠ ﯡ ﯢ‬

‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ } [سورة النور‪ ،]17 :‬وقوله‪{ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ } [سورة النور‪ ،]19 :‬ويستمر سرد‬

‫قضية اإليمان في سياق اآليات من هذه السورة إلى أن نصل لقوله‪{ :‬ﮐ ﮑ‬

‫ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮟﮠ ﮡ‬

‫ﮢﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬

‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ‬

‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯲﯳ‬

‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ}‬

‫[سورة النور‪ ،]31 :‬فتوجيه المثل إلى اإليمان لعله يكون األنسب للسياق‪.‬‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن الجوزي‪ :‬زاد المسير‪15/1 ،‬‬


‫‪281‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫(يوق ُد) إفادةُ تج ُّدد إيقاد‬


‫ومن الدالالت التي يمكن أن تُفهم من القراءة بالمجهول ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫هذا اإليمان واتِّقاده في قلب المؤمن فال يذوى وال ُي ْ‬
‫طفأ ‪ .‬ولقد ُبنيت اآلية في ُم ْجملها‬

‫(الثبات) مأخوذ من تـوارد األسمـاء في هذه اآليـة الكريمة‬


‫ُ‬ ‫على معنيين‪ :‬الثبات و ُّ‬
‫التجدد‪ ،‬فـ‬

‫صباح)‪ُّ ( ،‬‬
‫الزجاجة)‪ ،‬هذا الثبات في مقام الحديث عن نور اهلل‪‬‬ ‫مثل‪( :‬اهللُ ُنور)‪( ،‬الم ْ‬
‫الذي نور السماوات واألرض بجالله وبهائه‪ ،‬ومنه نور اإليمان‪ ،‬الذي يحتاج في حقيقته‬

‫إلى ثبات ومداومة ومالزمة عليه‪ ،‬كحال ما ُبنيت عليه اآلية في شقِّها األول‪ ،‬وفي المقابل‬

‫قد)‪،‬‬ ‫أُخذ معنى ( ُّ‬


‫التجدد) من توارد مجموعـة من األفعـال ُعبِّر عنها بالمضـارع نحو‪ُ( :‬يو ُ‬

‫ضرب)‪ ،‬وكأن اإليمان مما يحتاج فيه اإلنسان‬


‫يء)‪( ،‬ت ْمس ْسه)‪( ،‬ي ْهدي)‪( ،‬ي ْ‬
‫اد)‪ُ( ،‬يض ُ‬
‫(يك ُ‬

‫إلى حركة دؤوب لتحصيله ثم الثبات عليه‪ ،‬فجاءت القراءة بالمضارع في هذه اآلية موافقة‬

‫لهذا الجو العام الذي ُرسمت فيه هذه اللوحة الفنية البديعة‪.‬‬

‫ِّ‬
‫توجه القراءة بالمضارع المجهول لفتةً تربوية لنا معاشر المسلمين من خالل توجيه‬

‫اهلل‪ ‬لنا بالحفاظ على هذا اإليمان‪ ،‬والترقِّي في درجاته‪ ،‬وبنية الفعل (ُي ْوق ُد) أوحت بهذه‬

‫الداللة‪ ،‬فكما ال يخفى ما في اإليقاد من بعث الهمة‪ ،‬فاإليقاد‪" :‬وضع الوقود‪ ،‬وهو‪ :‬ما ُيزاد‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫في النار المشتعلة ليقوى لهبها" ‪" ،‬وتوقد الشيء‪ :‬تألأل" فكذلك اإليمان يحتاج إلى هذا‬

‫ويته‪.‬‬
‫الوقود ليستمر ويتجدد‪ ،‬ومن ثم تتألأل النفس متقدةً بنشاطه‪ ،‬م ْفعمةً بحي ّ‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪239/18 ،‬‬


‫)‪ )1‬ابن عاشور‪ :‬نفسه‪239/18 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ص‪ ،4888‬مادة (وقد)‪.‬‬
‫‪282‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫أما القراءة بالماضي المعلوم (توقد) فقد أفادت أن‪" :‬وقود اإليمان قد ثبت‬
‫(‪)1‬‬
‫وتحقق" ‪ ،‬وال شك أن هذه المرحلة جاءت بعد عناء وجهد كبيرين من الحركة والحرص‬

‫على الترقِّي في منازل اإليمان ودرجاته‪ ،‬وهذا ما فُهم من الداللة السابقة لقراءة (ُي ُ‬
‫وقد)‪،‬‬

‫نسان الطاعة‪ ،‬وذاق حالوتها وصار اإليمان وصفًا‬


‫أن حصلت المجاهدة‪ ،‬واستلذ اإل ُ‬
‫ولما ْ‬

‫الزما له؛ جاء التعبير بالماضي المعلوم (توقد) المالزم لإلنسان في جميع أحواله‪ ،‬وبه‬
‫ً‬
‫برز‬
‫علما يهتدي به الناس إلى هذا الطريق طريق اإليمان‪ .‬وفي تشديد (توقد) إ ا‬
‫صار ً‬
‫علما‬
‫اشتعاال‪ ،‬وهذا كفيل بأن يجعله ً‬
‫ً‬ ‫للداللة على هذه الهداية‪ ،‬فبزيادة إيمانه ازداد تألقًا و‬

‫قوي‪،‬‬
‫المنار باإليمان من اهلل‪ ،‬فهو إيمان ٌّ‬
‫يقتدي به الناس‪" ،‬وهذا حال قلب المؤمن ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫تأثيره كبير على المؤمنين وأفعالهم" ‪ ،‬يقول القاسمي‪" :‬فإن النور ظاهر بذاته‪ ،‬مظهر‬
‫(‪)3‬‬
‫لغيره" ‪.‬‬

‫لقد صورت القراءتان حالتين مختلفتين في الشكل‪ ،‬متكاملتين في المضمون‪ ،‬يراد‬

‫يصا على تعاهد إيمانه‪ ،‬واالستقامة عليه‪،‬‬


‫للمؤمن أن يكون عليهما‪ ،‬يراد منه أن يكون حر ً‬

‫قي في درجاته‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ } [سورة النساء‪ ،]136 :‬وع ْن‬
‫والتر ِّ‬

‫ق في ج ْوف‬
‫ع ْبد الله ْبن ع ْمرو ْبن اْلعاص‪ ،‬قال‪ :‬قال ر ُسو ُل الله‪(( :‬إن اإليمان لي ْخل ُ‬

‫(‪ )1‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪239/18 ،‬‬


‫(‪ )2‬جاد اهلل‪ ،‬هدى(‪2006‬م)‪ :‬تفسير القرآن بالقراءات العشر(من النور إلى النمل)‪ ،‬ص‪ ،52‬غزة‪ :‬الجامعة‬
‫اإلسالمية(ماجستير)‪.‬‬

‫(‪ )3‬القاس ـ ـ ــمي‪ ،‬محمد جمال الدين(‪1957‬م)‪ :‬محاس ـ ـ ــن التأويل‪ .4524/12 ،‬تحقيق‪ :‬عبد الباقي‪ ،‬محمد فؤاد‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫بيروت‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪283‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫(‪)1‬‬
‫اسألُوا الله أ ْن ُيج ِّدد اإليمان في ُقلُوب ُك ْم)) ‪ ،‬هذه الحالة‬
‫ق‪ ،‬ف ْ‬
‫ب اْلخل ُ‬
‫ق الث ْو ُ‬
‫أحد ُك ْم كما ي ْخل ُ‬

‫صورتها قراءة المضارع المجهول (ُيوق ُد)‪ ،‬كما أن القراءة بالماضي المعلوم صورت حالةً‬

‫أخرى يراد من اإلنسان تحقيقها هي‪ :‬الثبات على اإليمان‪ ،‬وعدم انحطاطه عن الحد‬

‫المرخص له فيه‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬

‫ﯲ ﯳ ﯴ} األنفال‪" ،45 :‬فهداية اهلل قد بلغت في الظهور والجالء إلى‬

‫أقصى الغايات‪ ،‬وصار ذلك بمنزلة المشكاة التي يكون فيه زجاجة صافية‪ ،‬وفي الزجاجة‬
‫(‪)2‬‬
‫مصباح يتقد بزيت بلغ النهاية بالصفاء" ‪ .‬هذه الهداية تستلزم من المسلم أن يثبت عليها‪،‬‬

‫تماما كما حققتها داللة القراءة بالماضي المعلوم‬


‫ويتحقق من وجودها في حياته العملية ً‬
‫(توقد)‪.‬‬

‫وبذا يتضح بعد دراسة هذه الصورة أنه من غير المقبول أن ُنعدها صورة عاديةً‬

‫مفرغة من اإليحاءات والمعاني‪ ،‬أو أن نتكئ من خاللها على القول بالتنويع في األساليب‬

‫ي بديع‬
‫نص إعجاز ٌّ‬ ‫تناقضا ُّ‬
‫مرده إلى أن القرآن الكريم ٌّ‬ ‫ً‬ ‫التي تُحدث في نفس الناقد والباحث‬

‫في أسلوبه‪ ،‬معجز في بالغته‪ ،‬والقول بالتنويع في األساليب يشعر بأن عوامل اإلضجار‬

‫ويذهب السآمة‪ .‬وهذا ادعاء خطير‬


‫والرتابة قد حفت به وما جاء التنويع إال ليكسر الرتابة ُ‬

‫في حق كالم اهلل‪ ،‬فإذا كان التغيُّر عن بنية إلى بنية أخرى في الكالم العادي ال يكون‬

‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك في الصحيحين‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب "إن اإليمان ليخلق في جوف أحدكم"‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عطا‪ ،‬مصطفى‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫)‪ )2‬ابن عادل‪ ،‬أبو حفص عمر بن علي(‪1998‬م)‪ :‬اللباب في علوم الكتاب‪ ،386/14 ،‬تحقيق‪ :‬عبد الموجود‪،‬‬
‫عادل‪ ،‬معوض‪ ،‬علي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪284‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫إال لنوع خصوصية اقتضت ذلك كما يقول ضياء الدين بن األثير ‪ ،‬فكيف الحال مع‬

‫أسلم نص من النقص والعتاب‪.‬‬


‫أرقى لغة في الخطاب‪ ،‬و ْ‬

‫إن خير ما توصف به هذه الصورة من التغيُّر أنها بناء أحكمت آياته‪ ،‬ونسقت‬

‫نحس بكلمة تضيق بمكانها‪ ،‬أو تنبو عن موضعها‪ ،‬يقول كما يقول ابن‬
‫أدق تنسيق‪ ،‬ال ُّ‬

‫عطية‪" :‬وكتاب اهلل لو نزعت منه لفظة‪ ،‬ثم أُدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم‬

‫يتبين لنا البراعة في أكثره‪ ،‬ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن‬
‫يوجد‪ ،‬ونحن ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫مرتبة العرب‪-‬يومئذ‪-‬في سالمة الذوق وجودة القريحة" ‪ ،‬هذا النظم المحكم والبناء األخاذ‬

‫حدا بالرافعي إلى أن يقول‪" :‬وانك لتحار إذا تأملت تركيب القرآن ونظم كلماته في الوجوه‬

‫المختلفة التي يتصرف فيها‪ ،‬وتقعد بك العبارة إذا أنت حاولت أن تمضي في وصفه حتى‬

‫ال ترى في اللغة كلها أدل على غرضك‪ ،‬وأجمع لما في نفسك وأبين لهذه الكلمة غير‬

‫قار في موضعه؛ ألنه األليق به في النظم‪ ،‬ثم ألنه مع ذلك‬


‫كلمة اإلعجاز‪ ...‬فترى اللفظ ًّا‬

‫األوسع في المعنى‪ ،‬ومع ذلك األقوى في الداللة‪ ،‬ومع ذلك األحكم في اإلبانة‪ ،‬ومع ذلك‬

‫األبدع في وجوه البالغة‪ ،‬ومع ذلك األكثر مناسبة لمفردات اآلية التي يتقدمها أو يترادف‬
‫(‪)3‬‬
‫عليه" ‪.‬‬

‫)‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن األثير‪ :‬المثل السائر‪183/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬المحرر الوجيز‪44/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬الرافعي‪ ،‬مصطفى(‪2005‬م)‪ :‬إعجاز القرآن والبالغة النبوية‪ ،‬ص‪ ،170‬ط‪ ،8‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪285‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬
‫ُ‬

‫يضاعَف‪-‬نُ َ‬
‫ض ِّعفُ‪ُ ُ:‬‬ ‫َ‬

‫(يضاعف) في قوله‪{ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬


‫اختلف القراء في ُ‬

‫ﯱﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ} [سورة األحزاب‪ .]30:‬فقد ق أر‬

‫(يضاعف) باأللف والبناء الفعل للمجهول على وزن (يفاعل)‬


‫نافع وعاصم وحمزة والكسائي ُ‬

‫(نضعِّف) بالنون وكسر العين وتشديدها على‬


‫و(العذاب) مرفوع‪ ،‬وق أر ابن كثير وابن عامر ُ‬

‫(يضعف) بالياء وتشديد العين‬


‫البناء للمعلوم ونصب (العذاب)‪ ،‬وق أر أبو عمرو ويعقوب ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫بغير ألف بالبناء للمجهول (والعذاب) مرفوع ‪ ،‬والذي يعنينا في هذا الموضع من البحث‬

‫هو دراسة األثر الداللي لصورة التغير من المبني للمجهول (يضاعف) إلى المبني للمعلوم‬

‫ضعف)‪ ،‬وتوظيف السياق في فهم صورة هذا التغير‪ ،‬فباهلل التوفيق‪.‬‬


‫(ن ِّ‬
‫ُ‬

‫يكاد يستقر توجيه علمائنا السابقين على ما جرت عليه عادتهم في توجيه مثل‬

‫هذا النوع من االختالف بين القراءات القرآنية والتي ال تخرج في غالبها عن التعليل‬

‫الظاهري لالختالف على نحو ما نجده مثالً عند ابن خالويه‪ ،‬حيث يقول‪" :‬والحجة لمن‬

‫ضوعف يضاعف وهذا فعل‬


‫خفف وأثبت األلف مع الياء‪-‬يقصد ُيضاعف‪-‬أنه أخذه من ُ‬

‫لم يسم فاعله‪ ،‬والحجة لمن ق أر بالنون والتشديد وكسر العين‪ُ -‬نضعِّف‪-‬أنه جعله فعال أخبر‬
‫(‪)2‬‬
‫به عن اهلل‪ ‬كإخباره عن نفسه‪ ،‬ونصب العذاب بوقوع الفعل عليه" ‪ ،‬وما أن تستقرئ‬

‫كتب أهل القراءات والتوجيه حتى تستقر على توجيه يكاد يكون متفقاً عليه بينهم مع‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬ابن مجاهد‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬ص‪ ،521‬ابن الجزري‪ :‬النشر‪348/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬ص‪209‬‬
‫‪286‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫ضعف‬
‫اختالف بسيط‪ ،‬هذا األزهري مثالً يوجه القراءة بقوله‪ُ" :‬نضعِّف‪ :‬الفعل هلل‪ ،‬أي‪ُ :‬ن ِّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نحن لها" ‪ ،‬ومثله أبو زرعة ‪.‬‬

‫ضعف" فجعل (يضاعف) لمرات كثيرة‬


‫إال أن أبا عمرو فرق بين "يضاعف وُن ِّ‬

‫ضعف‬
‫ضعف) لمرتين‪ ،‬وق أر ُي ِّ‬
‫وذلك بأن يجعل إلى الشيء مثاله حتى يكون ثالثة أمثلة‪ ،‬و(ن ِّ‬
‫(‪)3‬‬
‫لهذا كما في اآلية السابقة ‪ ،‬ووافقه أبو عبيدة معمر بن المثنى حيث قال‪" :‬تعذب ثالثة‬

‫أعذبة‪ ،‬قال‪ :‬كان عليها أن تعذب مرة واحدة‪ ،‬فإذا ضوعفت المرة ضعفين؛ صار العذاب‬
‫(‪)4‬‬
‫ثالثة أعذبة" ‪ ،‬فيكون المعنى عندهما‪ :‬أن ُيجعل عذاب من يأتي من نساء النبي‪‬‬

‫مبينة في الدنيا واآلخرة مثلي عذاب سائر النساء‬


‫الالتي سياق اآليات فيهن بفاحشة ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫غيرهن‬

‫وأكثر أهل اللغة على نقض هذا التفريق بهذا الوجه الذي أورده أبو عمرو وأبو‬

‫أحدا من أهل‬
‫عبيدة‪ ،‬قال الطبري‪" :‬وأما التأويل الذي ذهب إليه أبو عمرو فتأويل ال نعلم ً‬

‫العلم ادعاه غيره وغير معمر بن المثنى‪ ،‬وال يجوز خالف ما جاءت به الحجة مجمعةً‬
‫(‪)6‬‬
‫عليه بتأويل ال برهان له من الوجه الذي يجب التسليم له" ‪ ،‬وقال الزجاج‪" :‬وهذا القول‬

‫(‪ )1‬معاني القراءات‪281/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬ص‪575‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الزجاج‪ :‬معاني القرآن واعرابه‪226/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬الزجاج‪ :‬نفسه‪226/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪255/20 ،‬‬
‫(‪ )6‬جامع البيان‪255/20 ،‬‬
‫‪287‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫ليس بشيء؛ ألن معنى يضاعف لها العذاب ضعفين ُيجعل عذاب جرمها كعذابي جرمين‪،‬‬

‫والدليل عليه‪( :‬نؤتها أجرها مرتين)‪ ،‬فال يمكن أن تعطى على الطاعة أجرين‪ ،‬وعلى‬
‫(‪)1‬‬
‫المعصية ثالثة أعذبة" ‪ ،‬وقال النحاس‪" :‬التعريف الذي جاء به أبو عمرو وأبو عبيدة ال‬

‫ضعف" واحد‪ ،‬أي‪ُ :‬يجعل‬


‫وي ّ‬
‫يعرفه أحد من أهل اللغة علمتُه‪ ،‬والمعنى في "يضاعف ُ‬

‫هما؛ دفعت إليك ضعفيه‪ ،‬أي‪ :‬مثليه‪ ،‬يعني‪ :‬درهمين‪،‬‬


‫إلي در ً‬
‫ضعفين‪ ،‬كما تقول‪ :‬إن دفعت ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ُّ‬
‫ويدل على هذا‪( :‬نؤتها أجرها مرتين)‪ ،‬وال يكون العذاب أكثر من األجر" ‪ ،‬وعلى هذا‬
‫(‪)3‬‬
‫بمعنى واحد ‪.‬‬
‫فأكثر أهل اللغة على أن ضاعف وضعف ً‬

‫سيجري الباحث مناقشة داللتي المعلوم والمجهول في هذا‬


‫على هذا الخالف ُ‬

‫احدا من حيث الداللة‬


‫مجرى و ً‬
‫الموضع من اآلية‪ ،‬مع تأكيده أنه لن يرتض إجراءهما ً‬

‫والمعنى‪ ،‬فإن التغيير بين القراءتين ُمناط به معنى مقصود مع كل بنية وصورة من صور‬

‫ذلك التغيُّر‪ ،‬واال لجاز إجراء أحدهما مجرى اآلخر‪ ،‬ولما اختصت كل قراءة ببنية خالفت‬

‫أختها‪ ،‬فإن االختالف في األداء والقراءة ضرب من ضروب البالغة بامتالك كل وجه من‬

‫وجوهها لصور من الدالالت واالعجاز بما يشعرك بأنها مفردات وبًنى مختارة ومنتقاة‪" ،‬وال‬

‫أدل على ذلك من أننا حين ننظر في المعاجم اللغوية نجدها زاخرة باأللفاظ الكثيرة‪ ،‬ولكل‬

‫مادة اشتقاقاتها الكثيرة المتعددة‪ ،‬وهي من حيث الفصاحة والخفة ليست سواء‪ ،‬وقد تدار‬

‫(‪ )1‬معاني القرآن واعرابه‪226/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬إعراب القرآن‪343/5 ،‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر مثالً‪ :‬سيبويه‪ :‬الكتاب ‪ ،68/4‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،535/3 ،‬مادة (ضعف)‪.‬‬
‫‪288‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫(‪)1‬‬
‫بمعنى ال يتعداه" ‪،‬‬ ‫ص ُّ‬
‫كل لفظ ً‬ ‫فيخ ُّ‬
‫ثانيا‪ ،‬أما كتاب اهلل ُ‬
‫الكلمات الكثيرة على معنى واحد ً‬

‫هذه الدقة في التعبير واختيار اللفظة المناسبة بحسب كل قراءة بما ال ُيشركها فيها مرادفها‬

‫من القراءة األخرى ال تكون إال في نافذة اإلعجاز البياني وأرقى صوره‪ ،‬كما قال ابن‬

‫األثير‪" :‬ومن عجيب أنك ترى لفظين يدالن على معنى واحد‪ ،‬وكالهما حسن في‬

‫االستعمال‪ ،‬وهما على وزن واحد‪ ،‬وعدة واحدة‪ ،‬إال أنه ال يحسن استعمال هذه في كل‬

‫موضع تستعمل في هذه‪ ،‬بل يفرق بينهما في مواضع السبك‪ ،‬وهذا ال يدركه إال من دق‬
‫(‪)2‬‬
‫فهمه‪ ،‬وجل نظره" ‪ ،‬وما هذه المغايرة التي شهدتها القراءات القرآنية إال انعكاس وارتداد‬

‫لهذا المعنى الذي قصده ابن األثير‪.‬‬

‫ال يعني اختيار الباحث التفريق بين الب ْنيتين أن يكون في جرأة على أن يخالف‬

‫وضعف بمعنى واحد‪ ،‬فهم أعالم هذا الميدان‬


‫ّ‬ ‫أرباب اللغة وكبراءها بإج ارئهم لضاعف‬

‫وأربابه‪ ،‬لكن الباحث على يقين وثقة بأن هذه المغايرة بين البنيتين يصحبها اختالف في‬

‫المقامات والسياقات وهذه هي دقة التعبير القرآني‪ ،‬فالبيان القرآني "له القول الفصل فيما‬

‫سر الكلمة التي ال تقوم مقامها كلمة سواها من األلفاظ المقول‬


‫اختلفوا فيه‪ ،‬حين يهدي إلى ِّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِّ‬
‫المصنفون‬ ‫بمرادفتها" ‪ ،‬ولع ّل هذا التفريق بين دالالت البنى المختلفة هو الذي انتهى إليه‬

‫في اإلعجاز من المحدثين‪ ،‬فهذا الرافعي يقول‪" :‬ال جرم أن المعنى الواحد ُيعبر عنه بألفاظ‬

‫(‪ )1‬عباس‪ ،‬فضل(‪1989‬م)‪ :‬الكلمة القرآنية وأثرها في الدراسات اللغوية‪ ،‬ص‪ ،37‬مجلة مركز بحوث السنة النبوية‪،‬‬
‫الجامعة األردنية‪ ،‬ع‪.4‬‬
‫(‪ )2‬المثل السائر‪150/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابنت الشاطئ‪ :‬االعجاز البياني‪ ،‬ص‪193‬‬
‫‪289‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫ال يجزئ واحد منها في موضعه عن اآلخر إن أُريد شرط الفصاحة؛ ألن لكل لفظ صوتًا‬

‫ربما أشبه موقعه من الكالم‪ ،‬ومن طبيعة المعنى الذي هو له والذي تُساق له الجملة‪،‬‬

‫وربما اختلف وكان غيره بذلك أشبه‪ ،‬فال ُبد في مثل نظم القرآن من إخطار معاني الجمل‪،‬‬

‫وانتزاع جملة ما يالئمها من ألفاظ اللغة بحيث ال ُّ‬


‫تند لفظة‪ ،‬وال تختلف كلمة‪ ،‬ثم استعمال‬

‫أمسها بالمعنى‪ ،‬وأفصحها في الداللة عليه‪ ،‬وأبلغها في التصوير وأحسنها في النسق‪،‬‬


‫(‪)1‬‬
‫وأبدعها سناء‪ ،‬وأكثرها غناء‪ ،‬وأصفاها رونقاً وماء" ‪ ،‬ومثل هذا الذي أشار إليه الرافعي‬

‫متحقِّق في القراءات القرآنية التي تجري مجرى اآليات ويتحقق االعجاز فيها بكل آية‬

‫وكلمة من صور ُّ‬


‫التغير بينها‪.‬‬

‫إن القول بهذا التفريق ال يعني أن علماء االعجاز القدماء من لغويين ومفسرين‬

‫قد أغفلوا اإلشارة إلى دقة ِّ‬


‫كل لفظة في محلّها‪ ،‬بل كانت إشاراتهم متفرقة لم يقصدوها‬

‫صال يتكلمون‬
‫بابا أو ف ً‬
‫قصدا بحيث يجعلون للمفردة القرآنية أو البنية في القراءة القرآنية ً‬
‫ً‬

‫الكلي للقرآن الكريم‬


‫ِّ‬ ‫على خصائصها وسمات وورودها‪ ،‬ولعل ذلك يعود إلى عنايتهم بالبناء‬
‫(‪)2‬‬
‫عن النظر في جزئياته وتفاصيله كما أشار إلى ذلك بعض الباحثين ‪.‬‬

‫هذا الذي يدفع بالباحث للقول بالتفرق بين داللتي القراءتين المجهول والمعلوم‪،‬‬

‫مقصودا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وضعا ًّ‬
‫فنيا‬ ‫ً‬ ‫فالتعبير القرآني تعبير فني مقصود لكل لفظة‪ ،‬بل كل حرف فيه وضع‬

‫(‪ )1‬إعجاز القرآن والبالغة النبوية‪ ،‬ص ‪256‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬خضر‪ ،‬محمد ياسين(‪2005‬م)‪ :‬دقائق الفروق اللغوية في البيان القرآني‪ ،‬ص‪ ،184‬بغداد‪ :‬جامعة‬
‫بغداد(دكتوراة)‪ ،‬العمري‪ ،‬جمال(‪1982‬م)‪ :‬مباحث في اعجاز القرآن الكريم‪ ،‬ص‪ ،144-143‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫الشباب‪.‬‬
‫‪290‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫ولم تراع في هذا الموضع اآلية وحدها‪ ،‬وال السورة وحدها‪ ،‬بل روعي في هذا الموضع‬
‫(‪)1‬‬
‫التعبير القرآني كله ‪ ،‬وبالعودة إلى القراءتين اآلنفتين نناقش األثر الداللي المترتب على‬

‫ضعف) في صورة متكاملة ال تدافع بينهما وال‬


‫(ن ِّ‬
‫قراءة المجهول (يضاعف) والمعلوم ُ‬

‫تعارض‪.‬‬

‫ِّ‬
‫الضعف في كالم العرب‪ :‬أصله المثل إلى ما زاد‪ ،‬وليس بمقصور على مثلين‪،‬‬

‫وأضعف الشيء وضعفه وضاعفه‪ :‬زاد على أصل الشيء وجعله مثليه أو أكثر‪ ،‬وهو‬
‫(‪)2‬‬
‫(ضعف) الذي جاءت القراءة‬
‫ّ‬ ‫التضعيف واإلضعاف ‪ ،‬وذكر أهل اللغة أن (فعل) ومنه‬

‫بالمعلوم على وزنه الغالب فيه أن يكون للتكثير‪ ،‬في حين أن (فاعل) ومنه (ضاعف)‬

‫بقراءة المجهول الغالب عليه أن يكون للداللة على المشاركة‪ ،‬وقد يأتي للتكثير‪ ،‬وفي هذه‬
‫(‪)3‬‬
‫ولع ّل‬ ‫وضعف‪ ،‬وعاقد وعقّد‬
‫ّ‬ ‫ـ(فعل) فيكون بنفس المعنى فيقال‪ :‬ضاعف‬
‫الحالة يقترن ب ّ‬

‫الخالف السابق الذي تم إيراده يحمل على هذا المعنى‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬أضف إلى ذلك ما نقله‬

‫صاحب اللسان من أن التضعيف واإلضعاف زيادة على أصل الشيء‪ ،‬وجعله مثليه أو‬
‫(‪)4‬‬
‫أكثر ‪ ،‬فهما بهذا المفهوم بمعنى واحد‪ ،‬ويرى الباحث أال يؤخذ هذا المفهوم على إطالقه‬

‫عند تنزيله على القراءتين بأن تجعل القراءتين بمعنى واحد‪ ،‬بل المقصود أنهما يفيدان‬

‫معنى التكثير غير محدود العدد‪ ،‬يستفاد هذا المعنى من الزيادة في بنية الكلمة باأللف‬

‫(‪ )1‬السامرائي‪ ،‬فاضل(‪1989‬م)‪ :‬التعبير القرآني‪ ،‬ص‪ ،12‬د‪.‬ط‪ ،‬الموصل‪ :‬دار الكتب‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب ‪ ،63/8‬مادة (ضعف)‪.‬‬
‫(‪ )3‬سيبويه‪ :‬الكتاب ‪68/4‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ :‬مرجع سابق‪ ،36/8 ،‬مادة (ضعف)‪.‬‬
‫‪291‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫ضعف)‪ ،‬وبذلك تنفرد كل بنية بداللتها‬


‫تارة‪( :‬يضاعف)‪ ،‬وبالتضعيف تارة أخرى (ي ّ‬

‫الخاصة‪ ،‬واألولى عدم االشتغال بتحديد المضاعفة المرادة في اآلية بأنها تضعيف مرة‬
‫(‪)1‬‬
‫واحدة أو مرتين على رأي ابن عاشور ‪ ،‬بل األولى إعمال الداللة عموما وفهم السياق‬

‫مكتمال‪ ،‬فال يقال بالتفريق هاهنا بين البنيتين من حيث الكثرة العددية بأن (ضاعف) تكون‬
‫ً‬

‫لمرات كثيرة و(ضعف) للمرتين‪ ،‬وانما التفريق من حيث الوجه الداللي المترتب على‬

‫اختالف هاتين البنيتين‪.‬‬

‫(يضاعف) تُبرز الزيادة باأللف داللة التكثير في كمية العذاب‬


‫في قراءة المجهول ُ‬

‫الذي ورد في سياق اآليات في معرض الحديث عن زوجات الرسول‪ ‬إن خال ْفن هديه‬

‫وأمره ووق ْعن فيما يوجب غضبه عليهن‪ ،‬ورأى بعض الباحثين أن التكثير مع ضاعف أكثر‬
‫(‪)2‬‬
‫ضعف بحجة أن الزيادة بالحرف أكبر من االتِّكاء عليه بالتشديد ‪ ،‬وال دليل على‬
‫منه مع ّ‬

‫ذلك ًّ‬
‫لغويا‪ ،‬والسياق العام لآليات ُيبرز هذه الداللة داللة التكثير‪ ،‬ذلك أن الذنب من‬

‫زوجات الرسول‪ ‬أقبح من غيرهن؛ لقربهن والتصاق جنابهن به‪ ،‬فلما كان في ذنبهن‬

‫زيادة على ذنوب من سواهن من النسوة ناسب ذلك أن يكون زيادة في تضعيف العذاب‬

‫عليهن في مقابل عذاب غيرهن‪ ،‬قال الزمخشري‪" :‬وانما ضوعف عذابهن؛ ألن ما قُبح من‬

‫سائر النساء كان أقبح منهن وأقبح؛ ألن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة‬

‫وزيادة النعمة على العاصي من المعصي‪ ،‬وليس ألحد من النساء مثل فضل نساء‬

‫الرسول‪ ،‬وال على أحد منهن مثل ما هلل عليهن من النعمة‪ ،‬والجزاء يتبع الفعل‪ ،‬وكون‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪319/21 ،‬‬


‫(‪ )2‬الورفلي‪ :‬الفروق الداللية بين القراءات القرآنية‪ ،‬ص‪197‬‬
‫‪292‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫ذم‬
‫قبحا؛ ازداد عقابه شدةً‪ ،‬ولذلك كان ُّ‬
‫قبيحا‪ ،‬فمتى ازداد ً‬
‫عقابا يتبع كون الفعل ً‬
‫الجزاء ً‬
‫(‪)1‬‬
‫العقالء للعاصي العالم أشد منه للعاصي الجاهل؛ ألن المعصية من العالم أقبح" ‪.‬‬

‫لكنه‬ ‫عليهن‪٪‬‬
‫ّ‬ ‫قد تبدو هذه الزيادة المأخوذة من داللة التكثير واقعة بالظلم‬

‫هن من النسوة ممن‬


‫الجزاء المناسب للذنب‪ ،‬المقدور بقدره‪ ،‬وانما هو مضاعف بالنسبة لغير ّ‬

‫بهن‪ ،‬وقد يكون مع غيرهن أكثر من عذر كالجهل والغفلة‬


‫ظوة الخاصة ّ‬
‫ال ينْلن هذه الح ْ‬

‫اعى فيه التخفيف فهو دون ما‬


‫وغير ذلك‪ ،‬أما هن فال يليق بهن ذلك‪ ،‬فعذاب غيرهن مر ً‬
‫(‪)2‬‬
‫يستحق ْقنه من العذاب إن خالفنه‪ ، ‬وهذه الزيادة كذلك مناسبة لمضاعفة العذاب من‬

‫تعدى الذات إلى اآلخرين‪،‬‬


‫وجه آخر يفهم من هذه القراءة هو أن الفساد إن حدث منهن فإنه ّ‬

‫وأحدث قدوة سوء في بيت النبي‪ ‬كما يقول الشعراوي؛ ألنهن آذين شعور رسول اهلل‪‬‬

‫ولم ي ِّ‬
‫قد ْرن منزلته‪ ،‬وهذا يستوجب أضعاف العذاب‪ ،‬فإن ضاعف اهلل´ لها العذاب ضعفين‬
‫(‪)3‬‬
‫فهو رْفق بها‪ ،‬ومراعاة لماضيها في زوجية رسول اهلل‪. ‬‬

‫والمالحظ أنه عند ايتاء األجر في اآلية بعد هذا الموضع ذكر المؤتي فقال‪:‬‬

‫(يضاعف) وكأن‬ ‫ِّ‬


‫بالمعذب بل بناه للمجهول فقال‪ُ :‬‬ ‫صرح في مقام العذاب‬
‫(نؤتها)‪ ،‬ولم ُي ِّ‬
‫ْ‬
‫في هذا اإلغضاء عن التصريح ب ِّ‬
‫المعذب مراعاة لمشاعره‪ ‬التي قد تكون أوذيت إن وقع‬

‫منهن الذنب والفاحشة المنصوص عليها في اآلية‪ ،‬فلم تشأ القراءة بالمجهول‪-‬واهلل أعلم‪-‬‬

‫(‪ )1‬الكشاف‪536/3 ،‬‬


‫(‪ُ )2‬ينظر‪ :‬الخطيب‪ :‬التفسير القرآني للقرآن‪702/11 ،‬‬
‫(‪ُ )3‬ينظر‪ :‬تفسير الشعراوي‪12011/19 ،‬‬
‫‪293‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫أن تجمع على الرسول‪ ‬إيذاءين ِّ‬


‫نفسيين‪ :‬إيذاء قلبه واإلزراء بمنصبه بوقوع الفاحشة من‬

‫زوجاته‪ ،‬وايذاء العتاب الواقع من التصريح بالم ّعذب´ رعاية لمقامه وصيانة لجنابه‬

‫ذنبا من القدوات‬
‫إغضاء وغض طرف لمن اقترف ً‬
‫ً‬ ‫وحفاظاً على نفسيته‪ ،‬ولعل فيها كذلك‬

‫الكبار أن يعود بالتوبة والرجوع عما اقترفه في حقه‪ ،‬وهكذا تكون هذه القراءة فاتحة‬

‫كل من سقط في الذنب ممن يحسب من القدوات‪ ،‬وهو ٌّ‬


‫محل لألسوة واالقتداء‪.‬‬ ‫الباب أمام ِّ‬

‫ضعف) فإنها تبرز‬


‫(ن ِّ‬
‫واذا انتقلنا إلى داللة التكثير التي تفهم من قراءة المعلوم ُ‬

‫الزيادة التي أشارت إليها قراءة المجهول من زاوية أدق ربما تتقاسم مع نظيرتها في المجهول‬

‫شيئا منها‪ ،‬وتنفرد بدالالت أخرى غيرها‪ ،‬فقد أبرزت القراءة الفاعل ببناء الفعل للمعلوم‬
‫ً‬

‫نحن لها‪ ،‬والمقصود اهلل´‪ ،‬وفي هذا اإلبراز خطاب تهديد ووعيد حملته‬
‫(نضعف) أي‪ُ :‬‬
‫ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫القراءة بما يدل على عظمته´ ‪ ،‬وعنايته بحفظ جناب األنبياء ومقامات المبلّغين عنه‬

‫الوحي للناس‪ ،‬قال ابن عطية‪" :‬لما كان أزواج النبي‪ ‬في مهبط الوحي وفي منزل أوامر‬

‫عليهن‪ ،‬ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن‪ ،‬فضوعف‬


‫ّ‬ ‫اهلل´ ونهيه قوي األمر‬
‫(‪)2‬‬
‫صرحت‬
‫المبني للمعلوم يوم أن ّ‬
‫ِّ‬ ‫لهن األجر والعذاب" ‪ ،‬داللة الوعيد هذه حملتها بنية‬

‫حق‬ ‫أشارت إليه بنون المتكلِّم (نضعِّف)‪ ،‬ذلك أن المعصية من العالم ُّ‬
‫أشد‪ ،‬وفي ِّ‬ ‫ْ‬ ‫بالم ِّ‬
‫عذب و‬ ‫ُ‬

‫من يخشى عليه في دائرة االهتمام والتأثير والقدوة أبلغ‪ ،‬ولم يكن معنى أبلغ من إفهام هذه‬

‫(‪ُ )1‬ينظر‪ :‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪ ،341/15 ،‬المالحي(‪2002‬م)‪ :‬تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر (الفاتحة–‬
‫آل عمران)‪ ،‬ص‪ ،154‬غزة‪ :‬الجامعة اإلسالمية(ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )2‬المحرر الوجيز‪382/4 ،‬‬
‫‪294‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫الداللة وأكثر مالئمة لمعنى الزيادة في تضعيف العذاب وتك ارره لهن إن وقع منهن هذه‬

‫ضعف)‪.‬‬
‫(ن ِّ‬
‫المخالفة من إيراد الفعل على بنية المعلوم ُ‬

‫لقد قطعت القراءة بالمعلوم كل ظن محتمل لدى زوجات الرسول‪ ‬أو لدى غيرهن‬

‫من أنهن لن ُيؤاخ ْذن على الذنب لقربهن منه‪ ،‬فإنه قد ُيفهم من سياق اآليات التي سبقت‬

‫ولحقت هذا الموضع من القراءة شرفُهُن وتفضيل اهلل´ لهن باختيارهن لرسوله‪،‬‬

‫كقوله´‪{ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ} [سورة‬

‫األحزاب‪ ،]52:‬وكقوله´ في بيان حكمهن على غيرهن حين قال‪ { :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬

‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ } [سورة األحزاب‪ ،]53:‬فإنه قد ُيفهم‬

‫ِّف)‬
‫مع هذه المزية أو الفضل التساه ُل معهُن في شأنه‪‬؛ فقطعت قراءة المعلوم (نضع ْ‬

‫كل ظن محتمل لهذا الفهم‪ ،‬وأوردت الخطاب على وتيرة من التهديد حملته بنية التضعيف‬

‫ضعف)‪ ،‬قال الماتريدي‪" :‬أو أن يكون إذا اخترن المقام عند رسول اهلل‪ ‬والدار اآلخرة‬
‫(ن ّ‬
‫ُ‬

‫ثم أتين بفاحشة ضوعف لهن ما ذكر من العذاب؛ لئال يحسبن أنهن إذا اخترن اهلل‬

‫تكبن ما ذكر لم يعاقبن؛ فذكر أنهن إذا اخترن اهلل ورسوله‪‬‬


‫ورسوله‪ ‬والدار اآلخرة ثم ْار ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫والدار اآلخرة ثم ارتكبن ما ذكر عوقبن ضعف ما عوقب به غيرهن" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الماتريدي‪ ،‬محمد بن محمد(‪2005‬م)‪ :‬تأويالت أهل السنة‪ ،378/8 ،‬تحقيق‪ :‬باسلوم‪ ،‬مجدي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪295‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم‪ ،‬ودالالته‬

‫لقد ُه ّول شأن الذنب إن وقع من زوجات الرسول‪ ‬تارة بالمجهول وتارة بالمعلوم‪،‬‬

‫وتصوير‬
‫ًا‬ ‫ديعا‬
‫ولكل داللته ورسالته‪ ،‬بل تعدى األمر ذلك إلى أن شهدت القراءتان التفاتًا ب ً‬

‫(نضعف) بالحضور‬
‫ِّ‬ ‫جميال بأن انتقلت القراءة من المجهول (ُيضاعف) بالغيبة إلى المعلوم‬
‫ً‬

‫في مشهد مهيب ُيحكم القبضة على صورة التضعيف الحاصل بها التهويل‪ ،‬صورتان بين‬
‫(‪)1‬‬
‫الغائب والحاضر "ترتِّبان عليهن واجبات ثقيلة وتعص ُمهن كذلك من مقارفة الفاحشة" ‪،‬‬

‫نعما عليه؛‬ ‫فهن أزواج الرسول‪ ،‬وهن أمهات المؤمنين‪ُّ ،‬‬


‫قدر وأكثر ً‬
‫"وكل م ْن كان أعظم ًا‬
‫(‪)2‬‬
‫فعقوبته إذا عصى ربه أكثر وأشد من الذي لم يبلغ ذلك وال تلك الرتبة" ‪.‬‬

‫هي رسائل تربوية تبعث بها هاتان القراءتان في تكامل بينهما بديع‪ ،‬رسائل مفادها‬

‫عناية المقام الذي بوأهُ اهلل´ للمرء‪ ،‬وحفظ ما يستوجبه عليه ذلك المقام‪" ،‬فالذنب يعظم‬
‫(‪)3‬‬
‫بعظم جانيه‪ ،‬وزيادة قبح تابعة لزيادة شرف المذنب والنعمة" ‪.‬‬

‫تبين من مناقشة الدالالت منفردة لكل بنية أن األولى إعمال الدالالت‬


‫وهكذا ّ‬

‫مجتمعة مع توظيف السياق الذي وردت به كل قراءة‪ ،‬فالمضاعفة التي شهدتها القراءتان‬

‫الكمي من التفريق الذي ورد عند أبي عمرو‬


‫لم يشأ الباحث أن يقف بها عند حدود العدد ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫معنى واحد في هذا الموضع باعتبار أن ضعف‬
‫وأبي عبيدة ‪ ،‬ولم يشأ كذلك أن يوردهما ب ً‬

‫بمعنى واحد‪ ،‬وهما وان كانا كذلك لغةً؛ فإن دالالت السياق ومقتضيات المقام‬
‫وضاعف ً‬

‫(‪ )1‬سيد قطب‪ :‬في ظالل القرآن‪2857/5 ،‬‬


‫(‪ )2‬الماتريدي‪ :‬تأويالت أهل السنة‪45/8 ،‬‬
‫(‪ )3‬اإلستانبولي‪ ،‬إسماعيل حقِّي(د‪.‬ت)‪ :‬روح البيان‪ ،166/7 ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫(‪ُ )4‬ينظر‪ :‬ص‪ 287‬من هذا المبحث‪.‬‬
‫‪296‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التغ ُّير في مزيد الثالثي‬

‫يقرُر التعارض أو التناقض أو هدم ما بناه‬


‫تستدعيان التفريق في الداللة بينهما تفريقاً ال ِّ‬

‫علماؤنا القدامى بل يقوم على إعمال الدالالت وتوظيفها لفهم صور اإلعجاز التي قد تُبنى‬

‫على قراءة دون أخرى‪ ،‬أو تكمل معها صورة بديعة من البيان واإلعجاز‪.‬‬

‫وال يرى الباحث‪-‬واهلل أعلم‪-‬اختالالً في المعنى أو اضطرًابا فيه إن قيل بالتفريق‬

‫الكم‪ ،‬وانما من جهة عموم الكثرة‪ ،‬ومن وقع عليه ومنه‬


‫بين البنيتين ال من جهة العدد أو ِّ‬

‫التضعيف وذلك بإبراز الفاعل (المع ِّذب) على قراءة المعلوم‪ ،‬أو إبراز العذاب والجزاء على‬

‫قراءة المجهول واهلل أعلم‪.‬‬

‫السر في هذه اآلية أو غيرها‪ ،‬فالمهم هنا أنه يمكننا أن نقول‪-‬بعد هذا‬
‫ومهما كان ُّ‬

‫العرض المختصر لبعض أوجه البالغة القرآنية المتعلقة بالفعل المبني للمعلوم وللمجهول‪-‬‬

‫مفتاحا من مفاتيح التدبر والتفكر‪ ،‬هذا المفتاح يعيننا بإذن اهلل´ على‬
‫ً‬ ‫إننا أصبحنا نملك‬

‫فهم القرآن الكريم واكتشاف أسرار دقة بيانه واعجازه‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫اخلـــامتـــــة‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫وبعد هذا العرض لتلك النماذج التي تناولها الباحث بالدراسة والتحليل بغية‬

‫الوصول لألثر الداللي الذي تحدثه صورة التغير من بنية الفعل المبني للمعلوم إلى بنية‬

‫الفعل المبني للجهول‪ ،‬رأينا كيف مثَّل بناء الفعل للمجهول أو للمعلوم ظاهرة بالغية‬

‫تشهد لجماليات اللغة العربية وأساليبها الراقية‪ ،‬ويشاد مع هذه الظاهرة بدور األوائل في‬

‫التقعيد لها وتوجيه بوصلة الباحثين نحو األغراض العامة لذكر الفاعل أو حذفه مع‬

‫هاتين الظاهرتين‪ ،‬إال أن هذا التبويب والتقعيد لم يف في أحايين كثيرة من البحث‬

‫اللي بحق البالغة والبيان‪ ،‬وال يستكمل أركان الداللة القائمة على فهم مقاصد السياق‬ ‫َّ‬
‫الد ّ‬
‫والكالم‪.‬‬

‫ربما اعتاد بعض الباحثين متابعة القدماء‪- ٪‬ولهم َّ‬


‫منا كل االعتراف بالفضل‬

‫والثناء‪ -‬في الحديث عن أغراض الحذف والذكر مع الفعل المبني للمجهول أو للمعلوم‪،‬‬

‫وفي هذه المتابعة حصر لتلك األغراض بمعيارية علمية وحدود منطقية‪ ،‬يستوي فيها‬

‫العربي وغيره دون تمايز بأدوات بيانية مكتسبة‪ ،‬أو مؤهالت بالغية وهبيَّة كما يرى د‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الجعيد ‪" ،‬فهل من البالغة والفن البليغ أن تحصر هذه الظاهرة اللغوية في رسوم محددة‬
‫(‪)2‬‬
‫وتعقيدات نزعم فيها َّ‬
‫أن الحذف هنا لكذا والحذف هنا لذاك" ‪ ،‬يقول د‪ .‬رجاء عيد‪" :‬ال‬

‫منطقيا َّ‬
‫مقننا‪ ،‬وانما هي مواقف‬ ‫ًّ‬ ‫يمكن فنيًّا حصر مواضع هذا الحذف؛ ألنها ليست تقعيدا‬

‫فنية ندركها من الموقف كله‪ ،‬فقد تكون هناك أغراض أعمق وأدق من تلك التي حصرها‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الجعيد‪ ،‬إبراهيم(‪1999‬م)‪ :‬خصائص بناء الجملة القرآنية وداللتها البالغية في تفسير التحرير والتنوير‪،‬‬
‫ص‪ ،259‬مكة المكرمة‪ :‬جامعة أم القرى(دكتوراة)‪.‬‬
‫(‪ )2‬الزوبعي‪ ،‬طالب(‪1997‬م)‪ :‬علم المعاني بين بالغة القدامى وأسلوبية المحدثين‪ ،‬ص‪ ،245‬ط‪ ،1‬بنغازي‪:‬‬
‫جامعة قاريونس‪.‬‬
‫‪299‬‬
‫الخاتمة‬

‫الفني لنسق التركيب من داخل العمل نفسه‪ ،‬ومن‬ ‫البالغيون‪ ،‬وعلينا أن نستش َّ‬
‫ف العطاء َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫بنيته الفنية الخاصة به" ‪.‬‬

‫لم يشأ الباحث في مناقشته لما سبق من نماذج ومواضع أن يفاضل بين آراء‬

‫علماء اللغة في المبني للمعلوم أو للمجهول‪ ،‬أو كيف تعاملوا مع كل منهما‪ ،‬إنما أراد‬

‫أن يبين عن المعاني التي نستشفها كباحثين في حقل الدراسات الداللية القرآنية من‬

‫المبني للمعلوم في قراءة ومقارنتها بمعان ودالالت أخرى تظهر مع بناء الفعل للمجهول‬

‫في قراءة أخرى‪ ،‬ولو َّ‬


‫أن الباحث وقف عند األغراض العامة التي دارت عليها كتب‬

‫السابقين لرّبما ظلم المقام أو احتجبت عنه بقية األسرار‪.‬‬

‫ليس الباحث قاصدا بهذا المسلك أن يطَّرح كالم من لهم قصب السبق إلى بيان‬

‫هذه األغراض‪ ،‬وقدم صدق راسخة في توضيح مسائلها وخوافيها‪ ،‬أو أن يعمد إلى الهرم‬

‫الذي أشادوه فيقدح في أشخاصهم‪ ،‬أو ينزل من أقدارهم حاشا وكال‪ ،‬فليس ذاك من أدب‬

‫الباحثين المقدرين للسابقين سبقهم‪ ،‬وانما هي إشارات اقتضاها البيان‪ ،‬ودعى إليها المقام‪،‬‬

‫َّ‬
‫تتجدد بتجدد النصوص التي تتباين مراتبها البالغية وقدرة‬ ‫" َّ‬
‫فإن األغراض البالغية‬

‫منشئيها على م ارمي مقاصد الكالم البليغ في إدراكهم لها‪ ،‬وتسجيلهم إياها‪ ،‬إضافة إلى‬
‫(‪)2‬‬
‫أن المقامات التي ترد فيها تلك األغراض متعددة أيضا بتعدد األحوال الداعية إليها" ‪،‬‬

‫ومثل هذا التوسيع لدائرة الداللة والبحث في مقاصد االختالف بين وجوه القراءات وتغاير‬

‫(‪ )1‬فلسفة البالغة‪ ،‬ص‪81‬‬


‫(‪ )2‬الجعيد‪ :‬خصائص بناء الجملة القرآنية‪ ،‬ص‪257‬‬
‫‪300‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫البنى يثري قرائح األفهام ويفتح أوار اإلفهام‪ ،‬والقراءات المتعددة والدالالت المتنوعة‬

‫تعضد البيان القرآني إعجا از وروعة‪.‬‬

‫يود الباحث في ختام هذه الدراسة أن يعلق على األغراض البالغية لبناء الفعل‬

‫للمجهول التي ابتدأ بها حديثه في التمهيد وذلك بجملة من التوضيحات‪:‬‬

‫‪ -‬هذه األغراض من االهتمام بالفاعل أو العلم به أو الخوف عليه إلى غيرها إنما‬

‫استقر لدى النحاة َّ‬


‫أن البناء للمجهول مثال إنما هو‬ ‫َّ‬ ‫اقتضتها الصناعة النحوية‪ ،‬فقد‬

‫تحول في الصيغة واإلسناد معا من أصل سابق إلى أصل الحق على الخالف الذي‬

‫سبق إيراده في محله من هذه الدراسة‪ ،‬وهذه النظرة هدتهم ألن يتطرقوا لألحوال‬

‫والمقامات التي تستدعي حذف الفاعل من الجملة وبناء الفعل للمجهول‪ ،‬فبنوا عليها‬

‫جملة األغراض اآلنفة الذكر‪.‬‬

‫‪ -‬ينبغي االعتراف َّ‬


‫أن تلك األغراض كانت بمثابة قدح الزناد للباحثين‪ ،‬وفتحت لهم ما‬

‫النص صفات الخطاب المتماسك الثري بإيقاع العبارة‬


‫استغلق من الدالالت‪ ،‬كما منحت َّ‬

‫وايحاء اإلشارة وحالوة الجرس‪ ،‬يعيبها فقط أنها لم تستكمل اإلبانة واإلفصاح عن كامل‬

‫الدالالت‪.‬‬

‫‪ -‬بعض تلك األغراض ال يصلح أن يستقل بنفسه وانما األولى إلحاقه بأغراض أخر‪،‬‬

‫وبعضها يحتمل أكثر من غرض‪ ،‬بل َّ‬


‫إن بعضها تتداخل فيه البنيتين‪ :‬المعلوم والمجهول‬

‫وهذا يحدث في نفس السامع والقارئ ترددا‪ ،‬وبعضها أغفل الحديث عنها وتفصيل بيانها‬

‫جلي فيما لو أجرينا مقارنة بين أغراض حذف الفاعل وأغراض ذكره في كتب‬
‫وهذا ٌّ‬

‫‪301‬‬
‫الخاتمة‬

‫السابقين وتصنيفاتهم‪ ،‬تجد أن األول قد أخذ حظه من البحث والتقعيد والتمثيل‪ ،‬وأما‬
‫(‪)1‬‬
‫الثاني فإشارات عابرة ال تكاد تقارن بقسيمه ‪.‬‬

‫‪ -‬تناول اللغويون والمفسرون تلك األغراض وألمحوا في بحثها بلمحات جيدة في بابها من‬

‫حيث ربطها بالسياق القرآني؛ إال َّأنهم وقعوا في إشكال التعميم والقول باطراد تلك‬

‫األغراض البالغية مع بنية معينة‪ ،‬وقد أبانت الدراسة عن جزء من ذلك التعميم‪" ،‬ومن‬

‫المعلوم أن سياقات الكالم تختلف باختالف المقام‪ ،‬فتختلف األلفاظ والجمل تبعا لذلك‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وما يصلح من لفظ في سياق ال يصلح في غيره وال يؤدي نفس المعنى والداللة ‪.‬‬

‫موجز ومجمال‪ ،‬يستدعي‬


‫ا‬ ‫‪ -‬كان الحديث عن تلك األغراض السيما في كتب النحو حديثا‬

‫كثير ما يتم البحث عن الفاعل‬


‫ا‬ ‫أن يقف الباحثون معها بالمناقشة والتحليل‪ ،‬كما أنَّه‬

‫المحذوف الذي احتجب ويتم اإلغراق فيه‪ ،‬ومع التأويل والتقدير قد يضيع الغرض من‬

‫الفعل المبني للمجهول‪ ،‬وأحيانا تتباين تقديرات المقدرين إلى حد يجعل جملة المبني‬
‫(‪)3‬‬
‫مستقرة‪ ،‬وقد يوقع ذلك في إرباك في المعنى ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫للمجهول غير‬

‫َّ‬
‫لعل النظر لهذه األغراض كان من حيث تعلقها‪ ،‬أو ألفاظها المفردة‪ ،‬وال يكون البحث‬ ‫‪-‬‬

‫فيها كذلك‪ ،‬فإن َّ‬


‫النظر إنما يكون في التركيب وتعلق األلفاظ ببعضها‪ ،‬ومقامات الكالم‬

‫وسياقاته هي التي تحمل داللة تلك األغراض التي تختلف من موضع آلخر‪ ،‬هذا الذي‬

‫نفهمه من كالم الجرجاني حين قال‪" :‬وال إذا استحسنت لفظ ما لم يسم فاعله في قوله‬

‫(‪ )1‬ينظر لالستزادة‪ :‬عبد السالم‪ ،‬عواطف(‪2007‬م)‪ :‬صنيع الزيادة ومعانيها في الربع األول من القرآن الكريم‪،‬‬
‫السودان‪ :‬جامعة القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية(ماجستير)‪.‬‬
‫(‪ )2‬موسى‪ ،‬محمد السيد(د‪.‬ت)‪ :‬اإلعجاز البالغي في استخدام الفعل المبني للمجهول‪ ،‬ص‪ ،2‬د‪.‬ط‪ ،‬المنصورة‪:‬‬
‫كلية اآلداب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر مثال‪ :‬الزمخشري عندما ناقش فاعل اإللقاء في قوله تعالى (فألقي السحرة ساجدين)‪ ،‬الكشاف‪113/3 ،‬‬
‫‪302‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫(وأنكر صاحبه)‪( ،‬لم يقل‪ :‬أنكرت صاحبه)؛ فإنه ينبغي أال تراه في مكان إال أعطيته‬

‫من استحسانك هاهنا‪ ،‬بل ليس من فضل ومزية إال بحسب الموضع‪ ،‬أو بحسب المعنى‬
‫(‪)1‬‬
‫الذي تريد‪ ،‬والغرض الذي تؤم" ‪.‬‬

‫المجردة بين بني‬


‫َّ‬ ‫‪ -‬نظرة اللغويين لهذه األغراض‪-‬على وجاهتها‪-‬وقفت عند حدود العالقة‬

‫األلفاظ والكلمات‪ ،‬وتغير دالالتها الوظيفية‪ ،‬أو عند االستعمال الشائع لها عند العرب‬

‫نثر كما عزى ذلك د‪ .‬أحمد سعد ‪ ،‬وهذه وان مثَّلت البدايات األولى والطرق‬
‫(‪)2‬‬
‫شعر أو ا‬
‫ا‬

‫األولية لفهم معاني القرآن ودالالت االختالف بين قراءاته المتعددة؛ إال أن اإلشكال برز‬
‫َّ‬

‫من اقتصار بعض موجهي القراءات عليها‪ ،‬أو تعميمها على ما سواها من المواضع‬

‫والدالالت‪ ،‬فمثّل ذلك ميال عن المعنى المقصود لمثل هذه األغراض‪ ،‬ونظرة جزئية‬

‫وقفت عند حدود اآلية أو بعضها عند االستشهاد على الداللة وفنون البالغة فيها‪ ،‬أو‬

‫عند التمثيل لها‪.‬‬

‫‪ -‬ما ذكره النحاة من أغراض بالغية لحذف الفاعل مع بناء الفعل للمجهول كانت تأويالت‬

‫غير كافية لدى المحدثين‪ ،‬بل حدا ببعضهم عند تعليقه على غرض مثل ذكر الفاعل‬

‫للعلم به أن يحكم عليه بأنَّه ليس فيه احترام لعقل المتلقي‪ ،‬إذ ما الفائدة من ذكر الفاعل‬
‫(‪)3‬‬
‫وهو معروف لديه ‪ ،‬قد ال أوافق كباحث هذا الرأي كونه فيه إجحاف وتعميم إال أني‬

‫يتحرر الباحثون من القيود التقليدية لهذه األغراض‪ ،‬وأن يسعوا للوقوف‬


‫أتمسك بأهميَّة أن َّ‬
‫َّ‬

‫على أغراض بناء الفعل للمجهول أو للمعلوم من وجهة نظر غير تقليدية‪ ،‬بعيدا عن‬

‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪128‬‬


‫(‪ )2‬التوجيه البالغي للقراءات القرآنية‪ ،‬ص‪34‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬العظامات‪ :‬فلسفة المبني للمجهول في العربية‪ ،‬ص‪5‬‬
‫‪303‬‬
‫الخاتمة‬

‫هما أو‬
‫القوالب الجامدة‪ ،‬إذ ال يهمنا إن كان الفاعل معروفا أو مجهوال‪ ،‬وال إن كان م ًّ‬

‫غير مهم‪ ،‬وال يعنينا كذلك إرادة التستر عليه أم كشفه؟ إنما المعني انصراف الجهد‬

‫للتنقيب عن داللة الفعل‪ ،‬والقيمة التي أحدثتها صورة التغير الحاصلة له بين البناء‬

‫للمعلوم والبناء للمجهول في منظومة السياق وما الذكر للفاعل أو حذفه إال تبع لذلك‪،‬‬

‫"إنك تجد في كثير من تراكيب القرآن حذفا‪َّ ،‬‬


‫ولكنك ال تعثر على‬ ‫كما قال ابن عاشور‪َّ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫حذف يخلو الكالم من دليل ليه من لفظ أو سياق"‬

‫‪ -‬وآخر هذه المالحظات التي يوردها الباحث في التعليق على تلك األغراض أن نظرات‬

‫البالغيين القدامى لدالالت الفعل المبني للمجهول أو المعلوم وأغراضهما وان كانت‬

‫نظرات إشارية بمثابة اللمحة الخاطفة ال التحليلية العميقة؛ إال أنها تدل على ذوقهم‬
‫(‪)2‬‬
‫البالغي وحسهم المرهف بمواقع الكالم وأدوات التعبير ‪ ،‬ولنضرب على ذلك نموذجا‬

‫بابن جني¬ فإنه َّنبه على َّ‬


‫أن الغرض من بناء الفعل للمجهول هو اإلعالم بوقوع‬

‫الفعل بالمفعول‪ ،‬وال غرض في إبانة الفاعل من هو‪ ،‬وذكر َّ‬


‫أن هذا الغرض تحدده‬

‫عالقات لغوية عديدة منها‪ :‬البنية النصية للسياق‪ ،‬وداعية المقام‪ ،‬ومقتضى الحال‪،‬‬

‫للنص الكريم‪ ،‬يقول عند قوله´‪{ :‬ﭰ ﭱ‬


‫َّ‬ ‫والنسق العام للسورة‪ ،‬والنسق الخاص‬

‫ﭲ ﭳ} [سورة البقرة‪" : ]31:‬فإذا ثبت بهذا كله قوة عنايتهم بالفضلة حتى ألغوا‬

‫حسن قوله تعالى‪( :‬وعلم‬


‫حديث الفاعل معها‪ ،‬وبنوا الفعل لمفعول‪ ،‬فقالوا‪ :‬ضرب زيد؛ َّ‬

‫آدم األسماء كلَّها) َّ‬


‫لما كان الغرض فيه أنه قد عرفها وعلمها‪ ،‬وآنس أيضا علم المخاطبين‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪122/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو موسى‪ ،‬اإلعجاز البالغي‪ ،‬ص‪5‬‬
‫‪304‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫بأن اهلل´ هو الذي علَّمه إيَّاها بقراءة من ق أر‪( :‬وعلَّم آدم األسماء كلَّها) ونحوه‪ ،‬وقوله‬

‫تعالى‪( :‬إ َّن اإلنسان خلق هلوعا)‪ ،‬وقوله تعالى‪( :‬وخلق اإلنسان ضعيفا)‪ ،‬فقد علم َّ‬
‫أن‬

‫الغرض بذلك في جميعه أن اإلنسان مخلوق ومضعوف‪ ،‬وكذلك قوله‪ :‬ضرب زيد‪ ،‬وانما‬

‫الغرض منه أن يعلم أنه منضرب‪ ،‬وليس الغرض أن يعلم من الذي ضربه؟! فإن أريد‬

‫ذلك ولم َّ‬


‫يدل دليل عليه؛ فال َّ‬
‫بد أن يذكر الفاعل فيقول ضرب فالن زيدا‪ ،‬فإن لم يفعل‬

‫ذلك كلَّف علم الغيب" ‪ ،‬ويؤكد هذا الملمح البالغي في موضع آخر‪ ،‬فيقول‪" :‬إن الفعل‬
‫(‪)1‬‬

‫إذا بني للمفعول لم يلزم أن يكون ذلك للجهل بالفاعل‪ ،‬بل ليعلم أن الفعل قد وقع به‪،‬‬

‫فيكون المعنى هذا ال ذكر للفاعل‪ ،‬أال ترى إلى قوله تعالى‪( :‬وخلق اإلنسان ضعيفا)‪،‬‬

‫وقوله تعالى‪( :‬خلق اإلنسان من عجل)‪ ،‬وهذا مع قوله تعالى‪( :‬ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم‬

‫ما توسوس به نفسه)‪ ،‬وقوله‪( :‬خلق اإلنسان من علق)‪ ،‬فالغرض في نحو هذا المعروف‬

‫الفاعل إذا بني للمفعول إنما هو إخبار عن وقوع الفعل به وحسب‪ ،‬وليس الغرض فيه‬
‫(‪)2‬‬
‫ذكر من أوقعه به‪ ،‬فاعرف ذلك" ‪ ،‬واستقى من هذا المعنى الجرجاني في حديثه عن‬

‫حذف الفاعل والمفعول به‪ ،‬فيقول‪" :‬إذا أريد اإلخبار بوقوع الضرب ووجوده في الجملة‬

‫من غير أن ينسب إلى فاعل أو مفعول أو يتعرض لبيان ذلك‪ ،‬فالعبارة فيه أن يقال‪:‬‬

‫جرد‬
‫كان ضرب‪ ،‬أو وقع ضرب‪ ،‬أو وجد ضرب وما شاكل ذلك من ألفاظ تفيد الوجود الم َّ‬

‫في الشيء" ‪ ،‬فهذه اإلشارات وان مثَّلت لمحة خاطفة إال أنها فتحت المجال للدراسات‬
‫(‪)3‬‬

‫المعاصرة لتبيين قيمة ما أدركه البالغيون القدامى‪ ،‬ويبقى محل النقاش بين الباحثين‬

‫(‪ )1‬المحتسب‪66/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬المحتسب‪135/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪154‬‬
‫‪305‬‬
‫الخاتمة‬

‫قائما في دالالت األغراض التي أوردوها‪ ،‬ولكل نص كريم نسقه بالمعلوم كان أم‬

‫بالمجهول وبنيته الخاصة به‪.‬‬

‫وبعد تلك المناقشة لألغراض البالغية التي ذكرها علماؤنا السابقون من بالغيين‬

‫ولغويين لذكر الفاعل أو حذفه مع بناء الفعل للمجهول أو للمعلوم‪ ،‬وفي ضوء ما َّ‬
‫قدمه‬

‫الباحث من تحليل ودراسة لمواضع متفرقة من صور اختالف وتغير هاتين البنيتين في‬

‫أن األغراض البالغية التي َّ‬


‫يعبر عنها للفعل المبني‬ ‫القراءات القرآنية يؤكد الباحث على َّ‬

‫للمجهول أو للمعلوم أكثر مما عرضه النحاة‪ ،‬وما كان لتلك األغراض أن تختزل إلى‬

‫هذا الحد‪ ،‬ال سيَّما ما ورد به القرآن الكريم‪ ،‬تلك األفعال التي أبرزت ذلك البيان المعجز‪.‬‬

‫أن الفعل َّ‬


‫يعبر عنه بأربعة أمور‪ :‬وقوعه‪،‬‬ ‫قرروا َّ‬
‫واذا كان النحاة أنفسهم قد َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ومشارفته‪ ،‬وارادته‪ ،‬والقدرة عليه ‪ ،‬ففي ضوء هذه المعاني يجدر أن تدرس تلك األغراض‬

‫البالغية‪َّ ،‬‬
‫فإن اللغة العربية شهدت نماء وسعة في التعبير عن هذه الظاهرة‪ ،‬والسياق‬

‫إطار معتبر في دراسة تلك األغراض والنص عليها‪ ،‬كما َّ‬


‫أن "قصديَّة المرسل في نص‬

‫كالقرآن الكريم ال يجوز أن نتجاهلها‪ ،‬وال يجوز أن نتجاهل قرائنها عند الحديث عن‬

‫أن القرآن الكريم يتَّصف بخصوصية لها أكبر‬


‫األغراض في المبني للمجهول‪ ،‬ومعروف َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫األثر في نسيجه‪ ،‬وهي أنه صدر عن تصور كلي كامل باللغة" ‪" ،‬لقد نزل القرآن الكريم‬

‫بلسان عربي مبين‪ ،‬ال بنحو عربي مبين‪ ،‬وهكذا َّ‬


‫امتدت تراكيبه على رحابة اللغة‪ ،‬ولم‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن هشام‪ ،‬جمال الدين(‪1964‬م)‪ :‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب‪ ،309/2 ،‬تحقيق‪ :‬المبارك‪ ،‬مازن‪،‬‬
‫حمد اهلل‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار الفكر‬
‫(‪ )2‬محمد عبد الفتاح‪ :‬الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية‪ ،‬ص‪9‬‬
‫‪306‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫ينحبس في بوقعة القواعد النحوية‪ ،‬فالقرآن يهيمن على اللغة كلها‪ ،‬ما اطَّرد منها وما لم‬

‫يطَّرد" ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫يأمل الباحث أن يكون في هذه الدراسة قد اقترب من تكشيف الدالالت والمعاني‬

‫المترتبة على صورة تغير األفعال بين هاتين البنيتين‪ :‬المعلوم والمجهول‪ ،‬وأن تكون تلك‬

‫النماذج التي أوردها الباحث معززة مدللة على ما قصده وهدف إليه لبيان األثر الداللي‬

‫للتغير بين البنيتين‪ ،‬وأن قد وفق ألن يضيف ولو لبنة إلى البناء الذي شيَّده علماؤنا‬

‫أهل الفضل والمكارم من النحاة والمفسرين والبالغيين دون طعن أو قدح في مقامهم‪،‬‬

‫واهلل أسأل أال أكون قد اجترأت على رأي بتنقيص أو همز‪ ،‬أو ازدراء أو لمز‪ ،‬ولوال‬

‫تقدير‬
‫ا‬ ‫طبيعة مثل هذه الدراسات من النقاش وايراد الحجة بالحجة آلثرت التسليم واالتباع‬

‫لسابقتهم‪ ،‬وايمانا بأفضليَّتهم‪َّ ،‬‬


‫لكن مقام البحث يقتضي هذا البيان غير معجب ب أريي‪،‬‬

‫وال مضخم لقولي‪ ،‬أعترف بالتقصير اعتراف من قلَّت بضاعته‪ ،‬ولم تؤمن زلَّته‪ ،‬فالَّلهم‬

‫غفرانك عن شطط القول وسقط اللسان‪ ،‬وأال أكون قد قلت في كتابك بغير علم‪ ،‬أو‬

‫سطَّرت عنه بغير فهم‪ ،‬فإنَّما هو اجتهاد يعتريه الخطأ والنسيان‪ ،‬موسوم بالنقصان‪،‬‬

‫َّ‬
‫فتقبله ربي مني بإحسان‪.‬‬

‫(‪ )1‬حسَّان‪ ،‬تمام(‪1993‬م)‪ :‬البيان في روائع القرآن دراسة لغوية وأسلوبية للنص القرآني‪ ،‬ص‪ ،283‬ط‪ ،1‬القاهرة‪:‬‬
‫عالم الكتب‪.‬‬
‫‪307‬‬
‫النتائج والتوصيات‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫ُّر في بنيتها بين البناء للمعلوم‬ ‫وبعد تلك المناقشة لعي ٍ‬


‫ِّنة من األفعال شهدت تغي ا‬

‫والبناء للمجهول في القراءات القرآنية والتي َّإنما كانت على سبيل الداللة واإلشارة ال‬

‫فإن ذلك يقتضي عمال أكثر‪ ،‬وجهدا أوفر‪ ،‬وتضلُّعا أوسع‪،‬‬


‫االستقصاء واالستحصاء؛ َّ‬

‫والمقصد دراسة األثر الداللي المترتب على ذلك التغيُّر‪ ،‬وبعد ذلك كلِّه تبيَّن ما أحدثته‬

‫أن َّ‬
‫كل بنية ال ارتباط‬ ‫صورة االنتقال بين البِنيتين من أثر داللي قد يبدو للوهلة األولى َّ‬

‫أن يتَِّقد الذهن وينشط ُّ‬


‫لتلمس‬ ‫لها باألخرى‪ ،‬و َّ‬
‫أن كل صورة مستقلة عن األخرى‪ ،‬وما ْ‬

‫أوجه الربط بين البنيتين باستصحاب دالالت السياق لكل صورة؛ َّ‬
‫فإنها ترتسم أمامه تلك‬

‫اللوحة الفنية الرائعة من التناسق والتكامل بين البِنى‪ ،‬وهذا ما استدعى أن يدير الباحث‬

‫تلمس تلك الدالالت‪.‬‬


‫فكره في ُّ‬

‫لقد اجتهد الباحث‪-‬فيما مكنه اهلل‪ ‬عليه‪-‬وفق منهج وصفي قائم على االستقراء‬

‫َّأوال ثم التحليل والدراسة ثانيا أن ِّ‬


‫يقدم إجابة علمية ِّ‬
‫متأنية عن مشكلة البحث المتمثلة‬

‫مظهر من مظاهر اإلعجاز في‬


‫ا‬ ‫في السؤال التالي‪ :‬هل يعد التغيُّر بين بِنيتي الفعلين‬

‫القراءات القرآنية؟ وعن مضمون مجموعة من األسئلة الفرعية مثل‪ :‬هل داللة الفعل‬

‫اهتمت دراسات‬
‫المبني للمعلوم كداللة الفعل المبني للمجهول؟ فإن كانتا مختلفتين فلم َّ‬

‫ثم ما القيمة الداللية التي يحدثها‬ ‫المتقدمين و ِّ‬


‫المتأخرين بالمبني للمجهول دون المعلوم َّ‬ ‫ِّ‬

‫التغيُّر بين بنيتي الفعلين؟ وهل لذلك أثر على المعنى؟ وكيف يمكن توظيف السياق في‬

‫فهم األثر المترتب على ذلك التغيُّر؟ وقد انتهت بالباحث إجابة األسئلة أعاله إلى‬

‫أهمها ما يلي‪:‬‬
‫التأكيد على جملة من النتائج‪ ،‬من ِّ‬

‫‪309‬‬
‫النتائج والتوصيات‬

‫ٍ‬
‫بجالء َّ‬
‫أن تعدد القراءات القرآنية المتواترة وتنوعها‪ ،‬إنما هو‬ ‫‪ .1‬أظهرت ِّ‬
‫الدراسة‬

‫مظهر من مظاهر اإلعجاز البياني‪ ،‬حيث تتعدد وجوه الداللة‪ ،‬وتتنوع األساليب‬

‫البالغية‪ ،‬األمر الذي يفضي إلى ثراء المعنى‪ ،‬ويبرز روعة التنوع في األداء‬

‫الفني الجمالي للقراءات القرآنية‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وتغاير في المعنى‪،‬‬ ‫تنوٍع‬
‫‪ .2‬االختالف الحاصل بين القراءات القرآنية هو اختالف ُّ‬

‫ٍ‬
‫وتناقض‪ ،‬فبتعدد القراءات تتسع المعاني وتتعدد‪ ،‬والقراءات‬ ‫ٍ‬
‫تضاد‬ ‫وليس اختالف‬

‫ْأب َعد ما تكون عن الرأي‪ ،‬كما َّأنه ال تَ َع ُار َ‬


‫ض بين مدلوالتها‪.‬‬

‫‪ .3‬التعليل بأن تنوع القراءات القرآنية المتواترة وتعددها‪ ،‬إنما كان لمجرد التيسير‬

‫والتسهيل على ألسنة الناس مع بدايات ُّ‬


‫تنزل القرآن الكريم‪ ،‬ومراعاة للهجاتهم‬

‫تعليالت شكلي ٍ‬
‫َّة‪ ،‬ويضيِّق دائرة البحث عن األثر‬ ‫ٍ‬ ‫المختلفة ِ‬
‫يقصر الداللة على‬

‫الداللي للقراءات القرآنية الذي يترتَّ ُ‬


‫ب عليه تنوعٌ في األحكام‪ ،‬وتع ُّد ٌد في المعاني‪.‬‬

‫مقصد من مقاصد التَّغاير بين القراءات‬


‫ٌ‬ ‫‪ .4‬اإلكثار من المعاني في اآلية الواحدة‬

‫القرآنية‪ ،‬وهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلُّها ٌّ‬


‫حق من عند اهلل تعالى‪،‬‬

‫مسد آية‪ُّ ،‬‬


‫وكل قراءة مع األخرى بمنزلة اآلية مع اآلية‪.‬‬ ‫تسد َّ‬ ‫ُّ‬
‫فكل قراءة ُّ‬

‫‪ .5‬االختالفات بين أوجه القراءات ليست متناقضة؛ بل هي ذات معان متضامنة‬

‫يكمل بعضها بعضا‪ ،‬وقد يد ّل الوجه على ما ال يد ّل عليه أخوه‪ ،‬ولكنه ال ينافره‬
‫ِّ‬

‫يضاده‪ ،‬بل يمنحك معنى جديدا يضيء لك سبيل التفسير‪.‬‬


‫ّ‬ ‫وال‬

‫‪ .6‬معظم المنتقدين للقراءات القرآنية من أعالم التفسير واللغة وغيرهم إنما انتقدوها‬

‫حرصا على سالمة القرآن الكريم ال تشهيًّا‪ ،‬ولكنهم أخطأوا من حيث أرادوا‬

‫اإلحسان‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫كثير من الظواهر اللغوية في القراءات القرآنية هي في حقيقتها نتيجة متحصلة‬


‫‪ٌ .7‬‬

‫من تنوع األداءات القرائية على مستوى الكلمة‪ ،‬فانتقال القراءة من المبني للمعلوم‬

‫إلى المبني للمجهول وما يتمخض عنه من تغيير في البنية اإلسنادية للتركيب‬

‫هو حاصل من تغير البنية الصرفية للفعل‪.‬‬

‫مظهر من‬
‫ا‬ ‫يعد التغيُّر بين بِنيتي الفعلين المبني للمعلوم والمبني للمجهول‬
‫‪ُّ .8‬‬

‫مظاهر اإلعجاز في القراءات القرآنية‪.‬‬

‫‪ .9‬اختلفت المعاني الداللية بين القراءات القرآنية العشر في بنائها للمعلوم مرة‪،‬‬

‫ومرد َّ‬
‫الداللة إلى السياق‪ ،‬فلكل مقام مقال‪.‬‬ ‫وللمجهول أخرى‪ُّ ،‬‬

‫السياق هو اإلطار الناظم لدالالت بِنيتي الفعلين المبن ِّي للمعلوم والم ِّ‬
‫بني‬ ‫‪.10‬‬

‫ثمة أغراض بالغية تناط بالفعلين يمكن استنباطها من السياق‬


‫للمجهول‪ ،‬وهناك َّ‬

‫القرآني غير التي ذكرها ُّ‬


‫النحاة والبالغيُّون‪.‬‬

‫تغير الفعل‬ ‫أظهرت ِّ‬


‫الدراسة مدى تأثير السياق في فهم الدالالت المتعددة ل ُّ‬ ‫‪.11‬‬

‫بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات القرآنية‪ ،‬كما َّ‬


‫أن لكل صورة من‬

‫سرع من وتيرة الحدث‪،‬‬


‫ص َور التغير جملة من الفوائد تختص بها‪ ،‬فمنها‪ :‬ما ُي ِّ‬
‫ُ‬
‫ومنها ما ِّ‬
‫يركز على المآالت والنتائج‪ ،‬ومنها ما يلفت انتباه القارئ إلى ترتيب‬

‫االهتمامات واألولويَّات في نمط الخطاب‪ ،‬إلى غيرها من الفوائد التي تختلف‬

‫باختالف السياق والمقام‪.‬‬

‫غلب الطابع اللغوي على تناول القدماء لداللة حذف الفاعل في نسق‬ ‫‪.12‬‬

‫مسوغاته‬
‫البناء للمجهول‪ ،‬فكانوا يكتفون مثال بمجرد تقدير المحذوف واإلبانة عن ِّ‬

‫من داللة الكالم عليه أو العلم به‪ ،‬أو الخوف عليه‪ ،‬وربما يشيرون إلى علته‬

‫‪311‬‬
‫النتائج والتوصيات‬

‫العامة من التخفيف أو االختصار‪ ،‬هذا التناول يجعلنا نفتقد المزية البالغية‬

‫و َّ‬
‫الداللية المنوطة بالحذف‪ ،‬التي تستدعي البحث عن غرض الكالم والبحث في‬

‫سياقاته بقصد إثراء المعنى‪.‬‬

‫ُّ‬
‫يلح الباحث على فكرة أن األغراض البالغية لذكر الفاعل أو حذفه‪ ،‬أو‬ ‫‪.13‬‬

‫بناء الفعل للمعلوم أو للمجهول إنما مرجعها للسي ي ي ي ي ي ييياق وحده مع أخذ االعتبار‬

‫ياب إم ييا‬
‫ب ييالقرائن األخرى‪ ،‬أم ييا التقعي ييد النحوي مع حفظ مق ييام رج يياالت ييه فهو ب ي ٌ‬

‫يص ي ي ي ي ييلحه ويض ي ي ي ي يييف إليه داللة‪ ،‬أو يبقى قالبا جامدا ال يتيح مس ي ي ي ي يياحة للبحث‬

‫اللي‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الد ِّ‬

‫أوضحت الدراسة أن اختالف القراءة بتثقيل بِ َني ِة المبني للمعلوم أو‬ ‫‪.14‬‬

‫المجهول وتخفيفها يمثل ظاهرة صرفية لها حضورها البارز على مستوى َّ‬
‫الداللة‬

‫داللي باستحضار داللة التضعيف بِما تضيفه من‬


‫ٌّ‬ ‫والمعنى؛ حيث يتجلَّى ُب ٌ‬
‫عد‬

‫كثرة إنجاز الفعل وتكرير الحدث‪.‬‬

‫كشفت الدراسة أن القراءة بصيغة المفاعلة لبِ َنيتَي المعلوم أو المجهول تعد‬ ‫‪.15‬‬

‫شاهدا ِّبينا على أثر هذه الصيغة في إث ارء المعنى‪ ،‬وتوجيه الخطاب القرآني‬

‫وجهة تتماشى والمقاصد التي تضيفه هذه الصيغة‪.‬‬

‫تشير الدراسة إلى األبعاد الداللية التي تضيفها الزيادة بالهمزة جراء إلحاقها‬ ‫‪.16‬‬

‫بالفعل الثالثي المجرد سواء المبني للمعلوم أو المجهول‪ ،‬وما يتمخض عنه من‬

‫معاني صرفية وبيانية يمكن التنقيب عنها بتلمس السياقات الكريمة التي ت َّ‬
‫ؤدى‬

‫فيها القراءات القرآنية‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫لتأملِها‬
‫ال تزال صور تغير الفعل بين القراءات القرآنية تتحفنا بصور ماتعة ُّ‬ ‫‪.17‬‬

‫ودراستِها ال سيما تلك الصور التي تشهد تقاطعا بين ظاهرة االلتفات من الغيبة‬

‫إلى الحضور أو من الحضور إلى الغيبة مع ظاهرة البناء للمعلوم أو للمجهول‪.‬‬

‫تشير صور تغيُّر الفعل بين القراءات القرآنية إلى لفتات تربوية وفكرية‬ ‫‪.18‬‬

‫ظ ِه ُر مقاصد القرآن الكريم في جوانب التشريع‬


‫تس ِهم في بناء القيم اإلسالمية‪ ،‬وتُ ْ‬

‫والتربية والتوجيه والدعوة والفكر وغيرها‪ ،‬وحينما نجد قراءة ِّ‬


‫تؤكد على قيمة معيَّنة‬

‫نجد القراءة األخرى تشير إلى قيمة جديدة ال تقل أهميَّة عن األولى في سياق‬

‫متكامل غير متَّسم بالتناقض والتدافع‪.‬‬

‫الدراسة بجملة من التوصيات لعلَّها تُ ْس ِهم في‬


‫ويوصي الباحث في ختام هذه ِّ‬

‫أهم تلك التوصيات‪:‬‬ ‫إثراء المكتبة القرآنية بالبحوث البيانية و َّ‬


‫الدالليَّة‪ ،‬فمن ِّ‬

‫‪ .1‬إيالء القراءات القرآنية مزيد اهتمام في التنقيب عن الظواهر اللغوية والدالالت‬

‫المرتبطة بصور التغير بينها‪ ،‬التي تثري البيان القرآني‪ ،‬وتُ ْمتِع القارئ بصنوف‬

‫اإلعجاز التي ال تنتهي مع كالم اهلل´‪ ،‬ففي القراءات القرآنية متَّ َسعٌ لمن يريد‬

‫المعنية َّ‬
‫بالداللة والبالغة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أن يكون له نصيب فيها‪ ،‬ال سيَّما الدراسات‬

‫‪ .2‬لو انبرى بعض الباحثين أو ُو ِّجهت بعض َّ‬


‫الرسائل العلمية الستقراء وجوه‬

‫تغاي ٍر إعرابي‪ ،‬وما يترتَّب على هذا التغاير من‬


‫القراءات القرآنية العائدة إلى ُ‬

‫دالالت بيانية‪ ،‬ووجوه بالغية‪ ،‬فالشواهد في باب القراءات كثيرة ول َّ‬


‫عل اهلل´‬

‫الهمة لجمعها وبحثها‪.‬‬


‫ض َّ‬ ‫يهيء من يستن ِه ُ‬
‫ِّ‬

‫‪313‬‬
‫النتائج والتوصيات‬

‫إما مجموعة أو بين روايات وقراءات‬


‫‪ .3‬دراسة أوجه االختالف بين القراءات القرآنية َّ‬

‫منفردة‪ ،‬وبيان أثرها اللغوي والداللي كلون من ألوان اإلعجاز البياني القرآني‪،‬‬

‫باب ال يزال–واهلل أعلم‪-‬غضًّا طريًّا أمام الباحثين لتقصي مثل هذه الدالالت‬
‫وهذا ٌ‬

‫خاصَّة مع كثرة القراءات واختالفها‪.‬‬

‫داللي‬
‫ٌّ‬ ‫‪ .4‬تبسيط وتقريب أوجه الخالف بين القراءات العشر التي يترتَّب عليها أثر‬

‫ئ وقار ٍ‬
‫ئ‪ ،‬أو رٍاو ورٍاو فترصد أوجه االختالف‬ ‫مجزأة بين قار ٍ‬
‫بأن تدرس االختالف َّ‬

‫بين القراءتين‪َّ ،‬‬


‫وتوزع على مجموعات ناظمة‪ ،‬كالخالف في األسماء مثال وفي‬

‫الحروف‪ ،‬ثم يدرس األثر الداللي المترتِّب على كل قراءة بغية إيجاد ٍ‬
‫عقد ناظم‬

‫لهما يزيد البيان بيانا‪.‬‬

‫ٍ‬
‫معجم على غرار معاجم‬ ‫‪ .5‬رصد واستقراء المظاهر البالغية للقراءات القرآنية في‬

‫المصطلحات البالغية الحديثة؛ لتكون مرجعا لطالب العلم‪ ،‬ومعينا للدارسين‬

‫والباحثين‪ ،‬مرتَّبة بحسب ترتيب المصحف‪ ،‬مع ذكر من ق أر بها من الق َّراء‪ ،‬ثم‬

‫اإلشارة إلى المظهر البالغي الذي يمكن أن تفسَّر به القراءة‪ ،‬دون التوسع في‬

‫التوجيه‪ ،‬ويترك المجال للباحثين لإلدالء بدلوهم في توجيه هذه المظاهر بالغيا‪،‬‬

‫فقد يتناول أحدهم سورة معينة‪ ،‬أو يتتبع موضوعا معتمدا على هذه التهيئة من‬

‫المعجم‪.‬‬

‫‪ .6‬األغراض التي ذكرها العلماء للفعل المبني للمجهول هي ُج ُّل ما جاء به علماء‬

‫النحو‪ ،‬ويوصي ي ي ي ي ي ييي الب يياح ييث ب ييالتنقي ييب والبح ييث في آث ييار اللغويين والبالغيين‬

‫والمفسي يرين َّ‬


‫فإن ثمة أغراض أخرى متناثرة في تلك اآلثار تحتاج إلى من يجمع‬

‫شتاتها ويخضعها للدراسة والتمحيص‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫هكذا أتاحت اللغة العربية بطبيعة تراكيبها سعة في التعبير وتنوعا في مقامات‬

‫الكالم‪ ،‬فتارة باالسم وتارة بالفعل‪ ،‬تارة بالمعلوم منه وتارة بالمجهول‪ ،‬وهنا تقع المهمة‬

‫النص‬
‫َّ‬ ‫السر الذي جعل‬
‫على الباحثين في حقل الدراسات القرآنيَّة أن يتساءلوا دائما عن ِّ‬

‫بمجرد‬
‫لباحث َّ‬
‫ُ‬ ‫يؤثِر هذا اللفظ على غيره‪ ،‬وهذا السِّياق على ما سواه‪ ،‬وأال يكتفي ا‬
‫القرآني ْ‬

‫اقع لغوي سبقه إليه اآلخرون‪ ،‬مثل هذا يدفع بأال تقف األغراض‬
‫الركون إلى تقرير و ٍ‬

‫البالغية عند التقرير اللغوي لعلمائنا السابقين وحسب بل أن الدراسة ممتدةٌ‪ ،‬والبحث‬

‫كثير ا ِّلزحام‪.‬‬
‫العذب ُ‬
‫ُ‬ ‫اخر‪ ،‬ومنهال فياضا‪ ،‬والمورد‬
‫مستمر‪ ،‬وال يزال القرآن منجما ز ا‬
‫ُّ‬

‫وجم َع‪ ،‬فتلك‬ ‫الباحث َّأنهُ قد بلغ الغايةَ فيما َ‬


‫كتب َ‬ ‫ُ‬ ‫وبعد هذا التَّطواف ال ي َّد ِعي‬

‫أحد وبخاصة من هو مثلي قليل البضاعة‪ ،‬ولكنها خطوة على الطريق‪،‬‬


‫مهمة لن يبلغها ٌ‬

‫ٍ‬
‫فتوحات في لحظة صفاء‬ ‫وقت‪ ،‬وفُتِ َح من‬
‫وقد حاول الباحث جاهدا فيما تيسَّر له من ٍ‬

‫ٍ‬
‫ذهن أفاض بها المولى´ عليه أن يقف عند دالالت التغيُّر بين بنيتي الفعلين‪ :‬المبني‬

‫للمعلوم والمبني للمجهول في مواضعها من هذا البحث‪ ،‬اجتهد في ذلك ما وسعهُ الجهد‪،‬‬

‫واهلل من وراء القصد‪.‬‬

‫إن الباحث في حقل القراءات القرآنية ليدرك جليًّا قصوره عن أن ِيقف على‬
‫َّ‬

‫النص القرآني ودالالته‪ ،‬أو يستوفي َّ‬


‫كل معانيه ودقائقه‪ ،‬فدون ذلك خرق القتاد‪،‬‬ ‫أسرار َّ‬

‫وظمأ األكباد‪ ،‬وا َّن ذلك ِم َّما استأثر به مولى العباد´‪ ،‬وقد وقف َذ ُوو القامات من كبار‬

‫الرغم من دقائق استنباطاتهم‪،‬‬


‫الباحثين في هذا الميدان معترفين بالقصور عالنية‪ ،‬على َّ‬

‫تذوقاتهم لمثل هذه النُّصوص كما هو حال سيد قطب¬ حين قال‪ " :‬ا‬
‫كثير ميا‬ ‫وجميل ُّ‬

‫المتحرج‬
‫ِّ‬ ‫أقف أمام ُّ‬
‫النصوص القرآنية وقفة المتهيِّب أن أمسَّها بأسلوبي البشري القاصر‪،‬‬

‫‪315‬‬
‫النتائج والتوصيات‬

‫(‪)1‬‬
‫فإن كان هذا مقال تلك القامات مع تبح ِ‬
‫ُّرها‬ ‫ْ‬ ‫أن أشوبها بتعبيري البشري الفياني" ‪،‬‬

‫وتدفُِّقها‪ ،‬فكيف حال من قلَّت بضاعته‪ ،‬ولم تُ ْؤ َمن زلَّته‪ ،‬ولوال شغف الباحث بكتاب‬

‫اهلل´ آلثر السَّالمة‪ ،‬فالسَّالمة ال ِ‬


‫يعدلها شيء‪ ،‬إال ِّأنه سعى بهذا العمل لخدمته‪ ،‬وابراز‬

‫ولست ِمن أهله‪َّ ،‬‬


‫ولكن‬ ‫ُ‬ ‫ضت في التَّ ِ‬
‫حليل والتوجيه‬ ‫جانب من جوانب إعجازه وعظمته‪ُ ،‬خ ُ‬

‫الحب يعمي‪ ،‬فأدليت بدلوي مع ِّ‬


‫الدالء‪ ،‬راجيا من رِّبي´ أن‬ ‫حملني ما حمل‪ ،‬و ُّ‬ ‫ِّ‬
‫حبي له َ‬

‫علي بأجر االجتهاد وأجر الصواب فيما أصبت‪ ،‬و َّأال‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َّ‬
‫يمن بالقبول والعطاء‪ ،‬وأن يتفضل ّ‬
‫يحرمني أجر االجتهاد فيما أخطأت‪ ،‬كما أسأله´ أن يكون هذا العمل خالصا موافقا‬

‫لرضاه‪ ،‬آخذا بيدي يوم أوافيه´ وألقاه‪.‬‬

‫الباحث‬

‫(‪ )1‬في ظالل القرآن ‪2038/4‬‬


‫‪316‬‬
‫املالحق‬
‫المالحق‬

‫جدول (‪)1‬‬

‫مواضع تغير الفعل الماضي الثالثي من المعلوم إلى المجهول‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫سالم‬ ‫الجميع عدا حفص ويعقوب‬ ‫ُخ ِس َ‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫َخ َس َ‬ ‫‪82‬‬ ‫القصص‬ ‫‪.1‬‬
‫أبو عمرو وحمزة والكسائي‬
‫مهموز‬ ‫أُِذ َن‬ ‫أَِذ َن‬ ‫‪23‬‬ ‫سبأ‬ ‫‪.2‬‬
‫وخلف‬
‫معتل ناقص‬ ‫حمزة والكسائي وخلف‬ ‫ض َي‬ ‫قُ ِ‬ ‫ضى‬ ‫‪.3‬‬
‫قَ َ‬ ‫‪42‬‬ ‫الزمر‬
‫مهموز‬ ‫أبو عمرو‬ ‫أِ‬
‫ُخ َذ‬ ‫أَ َخ َذ‬ ‫‪8‬‬ ‫الحديد‬ ‫‪.4‬‬
‫أبو عمرو وأبو جعفر ابن كثير‬
‫وابن عامر وشعبة وحمزة‬
‫سالم‬ ‫ُنِّز َل‬ ‫َن َز َل‬ ‫‪16‬‬ ‫الحديد‬ ‫‪.5‬‬
‫والكسائي ويعقوب بخلف عن‬
‫رويس وخلف العاشر‬

‫‪318‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬
‫جدول (‪)2‬‬

‫صور تغير الفعل الماضي مزيد الثالثي من المعلوم إلى المجهول‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫نافع‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬أبو عمرو‪،‬‬
‫مزيد بألف المفاعلة‬ ‫قُتِ َل‬ ‫قَاتَ َل‬ ‫‪146‬‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.1‬‬
‫يعقوب‪،‬‬
‫مزيد بألف المفاعلة‬ ‫حمزة‪ ،‬الكسائي‪ ،‬خلف‬ ‫قُتِلوا‬ ‫قَاتَلُوا‬ ‫‪195‬‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.2‬‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫أِ‬
‫ُنز َل‬ ‫َنز َل‬
‫أَ‬ ‫‪136‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.3‬‬
‫ابن كثير‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬ابن عامر‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ُنِّز َل‬ ‫َن َّز َل‬ ‫‪136‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.4‬‬
‫نافع‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬أبو عمرو‪،‬‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ابن عامر‪ ،‬حمزة‪ ،‬الكسائي‪،‬‬ ‫ُنِّز َل‬ ‫َن َّز َل‬ ‫‪140‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.5‬‬
‫خلف‪ ،‬أبو جعفر‬
‫حمزة‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬نافع‪ ،‬ابن‬
‫مزيد بالهمز والسين‬
‫كثير‪ ،‬ابن عامر‪ ،‬الكسائي‪،‬‬ ‫اُستُ ِح َّ‬
‫ق‬ ‫ِاستَ َح َّ‬
‫ق‬ ‫‪107‬‬ ‫المائدة‬ ‫‪.6‬‬
‫والتاء‬
‫شعبة‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬يعقوب‪ ،‬خلف‬
‫ابن كثير‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬ابن‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫عامر‪ ،‬وشعبة عن عاصم‪،‬‬ ‫ُحِّرَم‬ ‫َح َّرَم‬ ‫‪119‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪.7‬‬
‫حمزة‪ ،‬الكسائي‪ ،‬وخلف‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫أبو عمرو وابن عامر وابن كثير‬ ‫ص َل‬
‫فُ ِّ‬ ‫َّل‬
‫فَص َ‬ ‫‪119‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪.8‬‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ابن عامر‬ ‫ِّن‬
‫ُزي َ‬ ‫َّن‬
‫َزي َ‬ ‫‪137‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪.9‬‬
‫ِّس‬
‫أُس َ‬ ‫َّس‬
‫أَس َ‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫نافع وابن عامر‬ ‫‪109‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪.10‬‬
‫(موضعين)‬ ‫(موضعين)‬
‫مزيد بتاء قبل فاء‬ ‫أبو عمرو‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬نافع‪،‬‬
‫تُقَطَّ َع‬ ‫تَقطَّ َع‬ ‫‪110‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪.11‬‬
‫الكلمة وتضعيف العين‬ ‫الكسائي‪ ،‬خلف‪ ،‬شعبة عن عاصم‬
‫مزيد بالهمز والسين‬
‫شعبة‬ ‫اُستُخِل َ‬
‫ف‬ ‫ِاستَخلَ َ‬
‫ف‬ ‫‪55‬‬ ‫النور‬ ‫‪.12‬‬
‫والتاء‬
‫معتل أجوف (بان أصل‬
‫األلف ياء) مزيد بتاء‬
‫يعقوب في رواية رويس‬ ‫تُُبي َِّنت‬ ‫تََبي ََّنت‬ ‫‪18‬‬ ‫سبأ‬ ‫‪.13‬‬
‫قبل فاء الكلمة‬
‫وتضعيف العين‬

‫‪319‬‬
‫المالحق‬

‫تابع جدول (‪)2‬‬

‫صور تغير الفعل الماضي مزيد الثالثي من المعلوم إلى المجهول‬

‫نوع التغير‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫مزيد بالهمز‬ ‫نافع وأبو جعفر‬ ‫أَأُش ِه ُدوا‬ ‫أَ َش ِه ُدوا‬ ‫‪19‬‬ ‫الزخرف‬ ‫‪.14‬‬
‫معتل لفيف مفروق (ولي)‬
‫مزيد بتاء قبل فاء الكلمة‬ ‫رويس عن يعقوب‬ ‫تُُولِّيتُم‬ ‫تَ َولِّيتُم‬ ‫‪22‬‬ ‫محمد‬ ‫‪.15‬‬
‫وتضعيف العين‬
‫ق أر أبو عمرو بضم الهمز وكسر‬
‫الالم وفتح الياء (أُملِ َي)‪ ،‬أ‬
‫وقر‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫يعقوب بضم الهمز وكسر الالم‬ ‫أُملِ َي‬ ‫أَملَى‬ ‫‪25‬‬ ‫محمد‬ ‫‪.16‬‬
‫وسكون الياء (أُمِلي)‪ ،‬وأبو جعفر‬
‫كحفص والباقون‬

‫‪320‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬
‫جدول (‪)3‬‬

‫صور تغير الفعل المضارع الثالثي من المعلوم إلى المجهول‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫ابن عامر‬ ‫تُ َغفَر‬
‫‪-‬‬ ‫َن ِ‬
‫غفر‬ ‫‪58‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.1‬‬
‫نافع وأبو جعفر‬ ‫ُيغفَر‬
‫‪-‬‬ ‫أبو جعفر‬ ‫ُيح ُك َم‬ ‫َيح ُك َم‬ ‫‪213‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.2‬‬

‫معتل ناقص‬ ‫ابن عامر‬ ‫ون‬


‫ُي َر َ‬ ‫ون‬
‫َي َر َ‬ ‫‪165‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.3‬‬

‫معتل أجوف‬ ‫حمزة‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬يعقوب‬ ‫ُي َخافَا‬ ‫َي َخافَا‬ ‫‪229‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.4‬‬

‫‪-‬‬ ‫أبو جعفر‬ ‫ُيح ُك َم‬ ‫َيح ُك َم‬ ‫‪23‬‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.5‬‬
‫نافع‪ ،‬ابن عامر‪ ،‬حمزة‪ ،‬الكسائي‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫ُي َغ َّل‬ ‫َي ُغ َّل‬ ‫‪161‬‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.6‬‬
‫وأبو جعفر‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬وخلف‬

‫‪-‬‬ ‫حمزة‬ ‫ب‬


‫َسُيكتَ ُ‬ ‫ب‬
‫َس َنكتُ ُ‬ ‫‪181‬‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.7‬‬
‫ابن كثير وأبو عمرو وشعبة‬
‫‪-‬‬ ‫ُيد َخلُون‬ ‫دخلُون‬
‫َي ُ‬ ‫‪124‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.8‬‬
‫وأبو جعفر وروح‬
‫‪-‬‬ ‫نافع وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب‬ ‫تُغفَر‬ ‫َنغ ِفر‬ ‫‪161‬‬ ‫األعراف‬ ‫‪.9‬‬
‫حمزة‪ ،‬الكسائي‪ ،‬ابن عامر‪،‬‬
‫معتل ناقص‬ ‫أبو عمرو‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬نافع‪،‬‬ ‫ف‬
‫ُيع َ‬ ‫ف‬
‫َنع ُ‬ ‫‪66‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪.10‬‬
‫أبو جعفر‪ ،‬خلف‪ ،‬يعقوب‬
‫‪-‬‬ ‫حمزة‪ ،‬الكسائي‪ ،‬خلف‬ ‫ون‬
‫ويقتُلُ َ‬
‫ون َ‬
‫ون وُيقتَلُو َن فُيقتَلُ َ‬
‫‪َ 111‬فيقتُلُ َ‬ ‫التوبة‬ ‫‪.11‬‬
‫ابن كثير‪ ،‬نافع‪ ،‬أبو عمرو‪،‬‬
‫معتل ناقص‬ ‫هدى‬
‫ُي َ‬ ‫ي ِ‬
‫هدي‬ ‫‪37‬‬ ‫النحل‬ ‫‪.12‬‬
‫َ‬
‫ابن عامر‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬يعقوب‬
‫‪-‬‬ ‫أبو جعفر‬ ‫ُيخ َرج‬ ‫ُنخ ِرج‬ ‫‪13‬‬ ‫اإلسراء‬ ‫‪.13‬‬
‫ابن كثير‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬شعبة‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫ُيد َخلُون‬ ‫َيد ُخلُون‬ ‫‪60‬‬ ‫مريم‬ ‫‪.14‬‬
‫أبو جعفر‪ ،‬يعقوب‬
‫معتل ناقص‬ ‫الكسائي‪ ،‬شعبة عن عاصم‬ ‫ضى‬
‫تُر َ‬ ‫رضى‬
‫تَ َ‬ ‫‪130‬‬ ‫طه‬ ‫‪.15‬‬

‫‪-‬‬ ‫يعقوب‬ ‫ُيق َد َر‬ ‫َنقِد َر‬ ‫‪87‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪.16‬‬

‫‪321‬‬
‫المالحق‬

‫تابع جدول (‪)3‬‬

‫صور تغير الفعل المضارع الثالثي من المعلوم إلى المجهول‬


‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬

‫معتل ناقص‬ ‫ابن عامر وشعبة عن عاصم‬ ‫ِّي‬


‫ُنج َ‬ ‫ُن َن ِّجي‬ ‫‪88‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪.17‬‬

‫معتل لفيف مقرون‬ ‫أبو جعفر‬ ‫تُط َوى‬ ‫َنط ِوي‬ ‫‪104‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪.18‬‬

‫‪-‬‬ ‫أبو جعفر‬ ‫ُيح َكم‬ ‫َيح ُكم‬ ‫‪48‬‬ ‫النور‬ ‫‪.19‬‬
‫ابن عامر وأبو عمرو وابن‬
‫‪-‬‬ ‫تُخ َرُجون‬ ‫تَخ ُرُجون‬ ‫‪25‬‬ ‫الروم‬ ‫‪.20‬‬
‫كثير ونافع‬
‫(‪)1‬‬

‫‪-‬‬ ‫أبو عمرو‬ ‫ونهَا‬


‫ُيد َخلُ َ‬ ‫ونها‬
‫َيد ُخلُ َ‬ ‫‪33‬‬ ‫فاطر‬ ‫‪.21‬‬

‫معتل ناقص‬ ‫أبو عمرو‬ ‫ُيج َزى‬ ‫َنج ِزي‬ ‫‪36‬‬ ‫فاطر‬ ‫‪.22‬‬
‫ابن كثير وابو عمرو وابو‬
‫‪-‬‬ ‫ُيد َخلُون‬ ‫َيد ُخلُون‬ ‫‪40‬‬ ‫غافر‬ ‫‪.23‬‬
‫جعفر وشعبة ويعقوب‬
‫ابن كثير وأبو جعفر ورويس عن‬
‫‪-‬‬ ‫سيدخلون‬
‫ُ‬ ‫سيدخلون‬ ‫‪60‬‬ ‫غافر‬ ‫‪.24‬‬
‫يعقوب وشعبة عن عاصم بخلف عنه‬

‫معتل ناقص‬ ‫أبو جعفر وعاصم في رواية‬ ‫ُيج َزى‬ ‫َيج ِزي‬ ‫‪14‬‬ ‫الجاثية‬ ‫‪.25‬‬
‫نافع وأبو عمرو وأبو جعفر‬
‫‪-‬‬ ‫خرُج‬
‫ُي َ‬ ‫َيخ ُرُج‬ ‫‪22‬‬ ‫الرحمن‬ ‫‪.26‬‬
‫ويعقوب‬
‫نافع وابن كثير وأبو عمرو‬
‫‪-‬‬ ‫ُي َنزفون‬ ‫ُين ِزفون‬ ‫‪19‬‬ ‫الواقعة‬ ‫‪.27‬‬
‫وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب‬
‫نافع وابن كثير وأبو عمرو‬
‫فص ُل‬
‫ُي َ‬
‫‪-‬‬ ‫وأبو جعفر وهشام بخلف‬ ‫يف ِ‬
‫ص ُل‬ ‫‪3‬‬ ‫الممتحنة‬ ‫‪.28‬‬
‫َ‬
‫ابن عامر‬ ‫فص ُل‬
‫ُي َّ‬

‫)‪ (1‬وردت‪( :‬تخرجون) في سورة الروم في موضعين‪( :‬وكذلك تخرجون)آية‪( ،19:‬إذا أنتم تخرجون)آية‪ ،25:‬والخالف بين القراء على‬
‫الموضع األول حيث ق أر بضم التاء وفتح الراء نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بخلف عن ابن ذكوان وعاصم وأبو جعفر‬
‫ويعقوب‪ ،‬والباقون بفتح التاء وضم الراء‪ .‬ينظر‪ :‬النشر (‪ ،)267 /2‬أما الموضع الثاني فقراءة شاذة ق أر بضم التاء هبيرة طريق‬
‫عبد الغفار‪ ،‬والسمان عن طلحة‪ ،‬وابن حسان‪ .‬ينظر‪ :‬الكامل (‪.)551/1‬‬
‫‪322‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬
‫تابع جدول (‪)3‬‬

‫صور تغير الفعل المضارع الثالثي من المعلوم إلى المجهول‬


‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬
‫أبو جعفر والبزي عن ابن‬
‫مهموز‬ ‫ُيسأَ ُل‬ ‫َيسأَ ُل‬ ‫‪10‬‬ ‫المعارج‬ ‫‪.29‬‬
‫كثير بخلف عنه‬
‫‪-‬‬ ‫رويس عن يعقوب‬ ‫ُيعلَ َم‬ ‫َيعلَ َم‬ ‫‪28‬‬ ‫الجن‬ ‫‪.30‬‬

‫‪-‬‬ ‫أبو جعفر ويعقوب‬ ‫ف‬


‫تُع َر ُ‬ ‫تَع ِر ُ‬
‫ف‬ ‫‪24‬‬ ‫المطففين‬ ‫‪.31‬‬
‫نافع وابن كثير وابن عامر‬
‫معتل ناقص‬ ‫صلَّى‬
‫ُي َ‬ ‫َيصلَى‬ ‫‪12‬‬ ‫االنشقاق‬ ‫‪.32‬‬
‫والكسائي‬

‫أبو عمرو وشعبة عن عاصم‬


‫معتل ناقص‬ ‫تُصلَى‬ ‫تَصلَى‬ ‫‪4‬‬ ‫الغاشية‬ ‫‪.33‬‬
‫ويعقوب‬

‫‪-‬‬ ‫نافع‬ ‫سمعُ‬


‫تُ َ‬ ‫تَس َمعُ‬ ‫‪11‬‬ ‫الغاشية‬ ‫‪.34‬‬

‫معتل ناقص‬ ‫ابن عامر والكسائي‬ ‫تَُرُو َّن‬ ‫َترُو َّن‬ ‫‪6‬‬ ‫التكاثر‬ ‫‪.35‬‬

‫‪323‬‬
‫المالحق‬

‫جدول (‪)4‬‬

‫صور تغير الفعل المضارع مزيد الثالثي من المعلوم إلى المجهول‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫مزيد بالهمز‬ ‫ابن عامر‪ ،‬وشعبة عن عاصم‬ ‫َس ُيصلَون‬ ‫َس َيصلَون‬ ‫‪10‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.1‬‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫ابن عامر‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬شعبة‬ ‫وصى‬ ‫ي ِ‬ ‫‪.2‬‬
‫ُي َ‬ ‫وصي‬ ‫ُ‬ ‫‪11‬‬ ‫النساء‬
‫حمزة والكسائي وابن عامر وأبو‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫عمرو وابن كثير ونافع ويعقوب‬ ‫تُ َع َّذب‬ ‫ُن َع ِّذب‬ ‫‪66‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪.3‬‬
‫وأبو جعفر وخلف‬
‫أبو عمرو وابن كثير ونافع وشعبة‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪.4‬‬
‫عن عاصم والكسائي وخلف‬ ‫تُقَطعَ‬ ‫تَقَطعَ‬ ‫‪110‬‬ ‫التوبة‬

‫حمزة‪ ،‬الكسائي‪ ،‬نافع‪ ،‬ابن كثير‪،‬‬


‫مزيد بالهمز‬ ‫وحى‬ ‫ُن ِ‬ ‫‪.5‬‬
‫ابن عامر‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬وشعبة عن‬ ‫ُي َ‬ ‫وحي‬ ‫‪109‬‬ ‫يوسف‬
‫عاصم يعقوب‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬وخلف‬

‫مزيد بالتضعيف‬ ‫شعبة عن عاصم‬ ‫تَُن َّزل‬ ‫ُن َنِّزل‬ ‫‪8‬‬ ‫الحجر‬ ‫‪.6‬‬

‫ابن كثير‪ ،‬نافع‪ ،‬ابن عامر‪ ،‬أبو‬


‫مزيد بالهمز‬ ‫وحى‬ ‫ُن ِ‬ ‫‪.7‬‬
‫عمرو‪ ،‬خلف‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬يعقوب‬ ‫ُي َ‬ ‫وحي‬ ‫‪43‬‬ ‫النحل‬
‫وحمزة والكسائي وشعبة عن عاصم‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ابن عامر وأبو جعفر‬ ‫ُيلقَاه‬ ‫َيلقَاه‬ ‫‪13‬‬ ‫اإلسراء‬ ‫‪.8‬‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو‬ ‫تُ َسيَّر‬ ‫ُن َسيِّر‬ ‫‪47‬‬ ‫الكهف‬ ‫‪.9‬‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫الجميع عدا حفص‬ ‫وحى‬ ‫ِ‬ ‫‪.10‬‬
‫ُي َ‬ ‫نوحي‬ ‫‪7‬‬ ‫األنبياء‬
‫نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫وحى‬ ‫ِ‬ ‫‪.11‬‬
‫عامر وشعبة عن عاصم وأبو جعفر‬ ‫ُي َ‬ ‫نوحي‬ ‫‪25‬‬ ‫األنبياء‬
‫ويعقوب‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ابن عامر وشعبة عن عاصم‬ ‫ُي َسبَّح‬ ‫ُي َسبِّح‬ ‫‪36‬‬ ‫النور‬ ‫‪.12‬‬
‫صحيح مهموز من (أخذ)‬
‫مزيد بالنون والتاء‪ ،‬أو‬
‫أبو جعفر‬ ‫ُنتَّ َخ َذ‬ ‫َنتَّ ِخ َذ‬ ‫‪18‬‬ ‫الفرقان‬ ‫‪.13‬‬
‫صحيح سالم من (تخذ)‬
‫مزيد بالنون‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫تابع جدول (‪)4‬‬

‫صور تغير الفعل المضارع مزيد الثالثي من المعلوم إلى المجهول‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫نافع وابن كثير وأبو عمرو‬
‫مزيد بألف المفاعلة‬ ‫ُي َج َازى‬ ‫ُن َج ِازي‬ ‫‪17‬‬ ‫سبأ‬ ‫‪.14‬‬
‫وابن عامر وشعبة وأبو جعفر‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫ابن كثير‬ ‫وحى‬ ‫ي ِ‬ ‫‪.15‬‬
‫ُي َ‬ ‫وحي‬ ‫ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫الشورى‬
‫نافع وابن كثير وأبو عمرو‬
‫مزيد بتاء قبل فاء الكلمة‬
‫وابن عامر وشعبة عن عاصم‬ ‫ُيتَ َّقب ُل‬ ‫َنتَقََّب ُل‬ ‫‪16‬‬ ‫األحقاف‬ ‫‪.16‬‬
‫وتضعيف العين‬
‫ويعقوب وأبو جعفر‬
‫مزيد بتاء قبل فاء‬ ‫نافع وابن كثير وابو عمرو وابن‬
‫ُيتَ َج َاوُز‬ ‫َنتَ َج َاوُز‬ ‫‪16‬‬ ‫األحقاف‬ ‫‪.17‬‬
‫الكلمة وألف بعدها‬ ‫عامر وابو جعفر ويعقوب وشعبة‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫ق‬
‫ُيوثَ ُ‬ ‫ُيوثِ ُ‬
‫ق‬ ‫‪26‬‬ ‫الفجر‬ ‫‪.18‬‬
‫الكسائي ويعقوب‬
‫َّ‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ب‬
‫ُي َعذ ُ‬ ‫ُي َع ِّذ ُ‬
‫ب‬ ‫‪25‬‬ ‫الفجر‬ ‫‪.19‬‬

‫‪325‬‬
‫المالحق‬

‫جدول (‪)5‬‬

‫صور تغير الفعل الماضي الثالثي من المجهول إلى المعلوم‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫معتل ناقص‬ ‫ابن عامر ويعقوب‬ ‫قضى‬ ‫ِ‬
‫قض َي‬ ‫‪11‬‬ ‫يونس‬ ‫‪.1‬‬
‫َ‬
‫ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو‬
‫عمرو وشعبة عن عاصم وأبو‬ ‫َس ِع ُدوا‬ ‫ُس ِع ُدوا‬ ‫‪108‬‬ ‫هود‬ ‫‪.2‬‬
‫جعفر ويعقوب‬
‫ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو‬
‫مضعف‬ ‫ص ُّدوا‬
‫َ‬ ‫ص ُّدوا‬
‫ُ‬ ‫‪33‬‬ ‫الرعد‬ ‫‪.3‬‬
‫عمر وأبو جعفر‬
‫ابن عامر‬ ‫فَتَُنوا‬ ‫فُتُِنوا‬ ‫‪110‬‬ ‫النحل‬ ‫‪.4‬‬
‫ابن كثير وابن عامر وحمزة‬
‫مهموز‬ ‫والكسائي وخلف بخلف عن‬ ‫أَِذ َن‬ ‫أُِذ َن‬ ‫‪39‬‬ ‫الحج‬ ‫‪.5‬‬
‫إدريس‬
‫حمزة والكسائي ونافع وابن كثير‬
‫وابن عامر وشعبة عن عاصم‬ ‫قَاتَلُوا‬ ‫قُتِلُوا‬ ‫‪4‬‬ ‫محمد‬ ‫‪.6‬‬
‫وأبو جعفر وخلف‬

‫‪326‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫جدول (‪)6‬‬

‫صور تغير الفعل الماضي مزيد الثالثي من المجهول إلى المعلوم‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫شعبة عن عاصم وابن كثير ونافع‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫َح َّل‬ ‫أِ‬
‫ُح َّل‬ ‫‪ .1‬النساء‬
‫أَ‬ ‫‪24‬‬
‫وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب‬
‫حمزة والكسائي وشعبة عن عاصم‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫ص َّن‬ ‫أُح ِ‬
‫ص َّن‬ ‫‪ .2‬النساء‬
‫وخلف‬ ‫أَح َ‬ ‫‪25‬‬

‫ابن كثير وأبو عمرو ونافع ويعقوب‬


‫مزيد بالتضعيف‬ ‫فع ِم َيت‬
‫َ‬ ‫فَ ُع ِّم َيت‬ ‫‪28‬‬ ‫هود‬ ‫‪.3‬‬
‫وابن عامر وأبو جعفر وشعبة‬
‫ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وخلف‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫فَُنن ِجي‬ ‫ِّي‬
‫فنج َ‬
‫ُ‬ ‫‪110‬‬ ‫‪ .4‬يوسف‬
‫وأبو عمرو وأبو جعفر‬
‫حمزة والكسائي وشعبة عن عاصم‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫َح َمل َنا‬ ‫ُح ِّمل َنا‬ ‫‪87‬‬ ‫طه‬ ‫‪.5‬‬
‫وأبو عمرو وخلف وروح‬

‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ابن كثير‬ ‫ُنن ِزُل‬ ‫ُنِّز َل‬ ‫‪25‬‬ ‫‪ .6‬الفرقان‬

‫أُخفي‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫حمزة ويعقوب‬ ‫بسكون الياء‬ ‫أُخ ِف َي‬ ‫‪17‬‬ ‫‪ .7‬السجدة‬
‫وصال ووقفا‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ابن عامر ويعقوب‬ ‫فََّز َ‬
‫ع‬ ‫فُِّز َ‬
‫ع‬ ‫‪23‬‬ ‫سبأ‬ ‫‪.8‬‬
‫نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن‬
‫مزيد بالتضعيف‬ ‫ص َّد‬
‫َ‬ ‫ص َّد‬
‫ُ‬ ‫‪37‬‬ ‫‪ .9‬غافر‬
‫عامر وأبو جعفر‬

‫‪327‬‬
‫المالحق‬

‫جدول (‪)7‬‬

‫صور تغير الفعل المضارع الثالثي من المجهول إلى المعلوم‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫مهموز‬ ‫نافع ويعقوب‬ ‫تَسأَل‬ ‫تُـسأَل‬ ‫‪119‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.1‬‬

‫ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف‬


‫ِ‬ ‫‪.2‬‬
‫ويعقوب‬ ‫ترجعُ‬ ‫تُر َجعُ‬ ‫‪210‬‬ ‫البقرة‬

‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬


‫تُ َ‬ ‫‪245‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.3‬‬
‫أبو عمرو ويعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪281‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.4‬‬
‫يعقوب وحفص وحمزة والكسائي‬ ‫َيرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫ُي َ‬ ‫‪83‬‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.5‬‬
‫ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب‬ ‫تَرِجع‬ ‫تُر َجع‬ ‫‪109‬‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.6‬‬
‫يعقوب وحمزة والكسائي وشعبة عن‬
‫َيص ِرف‬ ‫ُيص َرف‬ ‫‪16‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪.7‬‬
‫عاصم وخلف‬
‫يعقوب‬ ‫َيرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫ُي َ‬ ‫‪36‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪.8‬‬
‫حمزة والكسائي وابن عامر برواية ابن‬
‫خرجون‬
‫تَ ُ‬ ‫تُخ َرجون‬ ‫‪25‬‬ ‫األعراف‬ ‫‪.9‬‬
‫ذكوان ويعقوب وخلف‬
‫ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف‬ ‫تَرِجع‬ ‫رجع‬
‫تُ َ‬ ‫‪44‬‬ ‫األنفال‬ ‫‪.10‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪56‬‬ ‫يونس‬ ‫‪.11‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪34‬‬ ‫هود‬ ‫‪.12‬‬
‫حمزة والكسائي وأبو عمرو وابن عامر وابن‬
‫كثير ويعقوب وشعبة عن عاصم وأبو‬ ‫َيرِجع‬ ‫رجع‬
‫ُي َ‬ ‫‪123‬‬ ‫هود‬ ‫‪.13‬‬
‫جعفر وخلف‬
‫يعقوب‬ ‫َيرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫ُي َ‬ ‫‪40‬‬ ‫مريم‬ ‫‪.14‬‬
‫أبو عمرو‬ ‫َننفُخ‬ ‫ُينفَخ‬ ‫‪102‬‬ ‫طه‬ ‫‪.15‬‬
‫معتل ناقص‬ ‫يعقوب‬ ‫ضي‬‫َنق ِ‬ ‫قضى‬ ‫‪.16‬‬
‫ُي َ‬ ‫‪114‬‬ ‫طه‬
‫ابن عامر ويعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪35‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪.17‬‬

‫‪328‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬
‫ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف‬ ‫تَرِجع‬ ‫تُر َجع‬ ‫‪76‬‬ ‫الحج‬ ‫‪.18‬‬

‫تابع جدول (‪)7‬‬

‫صور تغير الفعل المضارع الثالثي من المجهول إلى المعلوم‬


‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬
‫حمزة والكسائي ويعقوب وخلف‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪115‬‬ ‫المؤمنون‬ ‫‪.19‬‬
‫يعقوب وأبو عمرو‬ ‫َيرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫ُي َ‬ ‫‪64‬‬ ‫النور‬ ‫‪.20‬‬
‫معتل ناقص‬ ‫شعبة وحمزة والكسائي وخلف‬ ‫َيلقَون‬ ‫ُيلَقَّون‬ ‫‪75‬‬ ‫الفرقان‬ ‫‪.21‬‬
‫نافع وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف‬ ‫َيرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫ُي َ‬ ‫‪39‬‬ ‫القصص‬ ‫‪.22‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪70‬‬ ‫القصص‬ ‫‪.23‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪88‬‬ ‫القصص‬ ‫‪.24‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪17‬‬ ‫العنكبوت‬ ‫‪.25‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪57‬‬ ‫العنكبوت‬ ‫‪.26‬‬
‫رويس عن يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪11‬‬ ‫الروم‬ ‫‪.27‬‬
‫حمزة والكسائي وخلف ووجه عن ابن ذكوان‬ ‫تَخ ُرُجون‬ ‫تُخ َرُجون‬ ‫‪19‬‬ ‫الروم‬ ‫‪.28‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪11‬‬ ‫السجدة‬ ‫‪.29‬‬
‫يعقوب وابن عامر والكسائي وخلف وحمزة‬ ‫تَرِجع‬ ‫تُر َجع‬ ‫‪4‬‬ ‫فاطر‬ ‫‪.30‬‬
‫يعقوب بخلف عن رويس‬ ‫َينقُص‬ ‫ُينقَص‬ ‫‪11‬‬ ‫فاطر‬ ‫‪.31‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪22‬‬ ‫يس‬ ‫‪.32‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪83‬‬ ‫يس‬ ‫‪.33‬‬
‫حمزة والكسائي وخلف‬ ‫ُين ِزفُون‬ ‫ُين َزفُون‬ ‫‪47‬‬ ‫الصافات‬ ‫‪.34‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪44‬‬ ‫الزمر‬ ‫‪.35‬‬
‫يعقوب‬ ‫َيرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫ُي َ‬ ‫‪77‬‬ ‫غافر‬ ‫‪.36‬‬
‫نافع ويعقوب‬ ‫َنح ُشر‬ ‫ُيح َشر‬ ‫‪19‬‬ ‫فصلت‬ ‫‪.37‬‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪21‬‬ ‫فصلت‬ ‫‪.38‬‬
‫ابن ذكوان عن ابن عامر وحمزة‬
‫تَخ َرُجون‬ ‫تُخ ُرُجون‬ ‫‪11‬‬ ‫الزخرف‬ ‫‪.39‬‬
‫والكسائي وخلف‬
‫يعقوب‬ ‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬
‫تُ َ‬ ‫‪85‬‬ ‫الزخرف‬ ‫‪.40‬‬

‫تَرِج ُعون‬ ‫رج ُعون‬


‫تُ َ‬ ‫‪15‬‬ ‫الجاثية‬ ‫‪.41‬‬
‫‪329‬‬
‫المالحق‬

‫حمزة والكسائي وخلف‬ ‫َيخ ُرُجون‬ ‫ُيخ َرُجون‬ ‫‪35‬‬ ‫الجاثية‬ ‫‪.42‬‬

‫تابع جدول (‪)7‬‬

‫صور تغير الفعل المضارع الثالثي من المجهول إلى المعلوم‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫ابن عامر وأبو عمرو والكسائي ونافع‬
‫معتل ناقص‬ ‫تََرى‬ ‫ُي َرى‬ ‫‪25‬‬ ‫األحقاف‬ ‫‪.43‬‬
‫وابن كثير وأبو جعفر‬
‫نافع وابن كثير وأبو عمرو وحمزة‬
‫َيص َعقون‬ ‫ُيص َعقُون‬ ‫‪45‬‬ ‫الطور‬ ‫‪.44‬‬
‫والكسائي ويعقوب وأبو جعفر وخلف‬
‫ابن عامر والكسائي وحمزة وخلف ويعقوب‬ ‫َيرِجع‬ ‫ُير َجع‬ ‫‪5‬‬ ‫الحديد‬ ‫‪.45‬‬

‫‪330‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫جدول (‪)8‬‬

‫صور تغير الفعل المضارع مزيد الثالثي من المجهول إلى المعلوم‬

‫مالحظات‬ ‫القارئ‬ ‫صورة التغير‬ ‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫فعل معتل‬
‫يعقوب حال الوصل‬ ‫ُيؤ ِت‬ ‫ت‬
‫ُيؤ َ‬ ‫‪269‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.1‬‬
‫ناقص من (أتي)‬
‫نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫ي ِ‬
‫وصي‬ ‫وصى‬ ‫‪.2‬‬
‫وأبو جعفر ويعقوب وخلف‬
‫ُ‬ ‫ُي َ‬ ‫‪12‬‬ ‫النساء‬

‫حمزة والكسائي وخلف‬ ‫تَ َس َّوى‬


‫مزيد بالتضعيف‬ ‫تُ َس َّوى‬ ‫‪42‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.3‬‬
‫نافع وابن عامر وأبو جعفر‬ ‫َّوى‬
‫تَس َّ‬
‫شعبة عن عاصم وابن كثير وابن‬
‫ي ِ‬
‫ض ُّل‬ ‫ض ُّل‬ ‫‪.4‬‬
‫مزيد بالتضعيف‬
‫عامر ونافع وأبو عمرو وأبو جعفر‬ ‫َ‬ ‫ُي َ‬ ‫‪37‬‬ ‫التوبة‬

‫مزيد بالهمز‬ ‫ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب‬ ‫تُخلِفَه‬ ‫تُخلَفَه‬ ‫‪97‬‬ ‫طه‬ ‫‪.5‬‬
‫مزيد بألف‬ ‫شعبة عن عاصم وأبو عمرو وابن كثير‬
‫ُيقَاتِلُون‬ ‫ُيقَاتَلُون‬ ‫‪39‬‬ ‫الحج‬ ‫‪.6‬‬
‫المفاعلة‬ ‫وحمزة ويعقوب والكسائي وخلف‬
‫ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر‬
‫مزيد بالهمز‬ ‫تَ َوقَّد‬ ‫ُيوقَد‬ ‫‪35‬‬ ‫النور‬ ‫‪.7‬‬
‫ويعقوب‬

‫مزيد بألف‬
‫ابن كثير وابن عامر‬ ‫ضعِّف‬
‫ُن َ‬ ‫اعف‬
‫ض َ‬‫ُي َ‬ ‫‪30‬‬ ‫األحزاب‬ ‫‪.8‬‬
‫المفاعلة‬

‫ابن كثير ونافع وابو جعفر وشعبة‬


‫مزيد بالتضعيف‬ ‫َين َشأُ‬ ‫ُي َن َّشأُ‬ ‫‪18‬‬ ‫الزخرف‬ ‫‪.9‬‬
‫وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب‬
‫مزيد باأللف‬ ‫أبو جعفر‬ ‫َيلقَوا‬ ‫ُيالقُوا‬ ‫‪45‬‬ ‫الطور‬ ‫‪.10‬‬

‫‪331‬‬
‫المالحق‬

‫جدول (‪)9‬‬

‫(ي ْر ِج ُعون) المبني للمعلوم عند حفص‬


‫حصر بمواضع الفعل َ‬
‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬
‫ﱡﭐﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱠ‬ ‫‪18‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.1‬‬
‫ﱡﭐ ﱛ ﱜﱠ‬ ‫‪72‬‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ 168‬ﱡﭐ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙﱠ‬ ‫األعراف‬ ‫‪.3‬‬
‫‪ 174‬ﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﱠ‬ ‫األعراف‬ ‫‪.4‬‬
‫ﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﱠ‬ ‫‪62‬‬ ‫يوسف‬ ‫‪.5‬‬
‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱠ‬ ‫‪58‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪.6‬‬
‫ﱡﭐ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱠ‬ ‫‪95‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪.7‬‬
‫ﭐﱡﭐﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﱠ‬ ‫‪28‬‬ ‫النمل‬ ‫‪.8‬‬
‫ﱡﭐ ﳚ ﳛﱠ‬ ‫‪41‬‬ ‫الروم‬ ‫‪.9‬‬
‫ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉﱠ‬ ‫‪21‬‬ ‫السجدة‬ ‫‪.10‬‬
‫ﱡﭐ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱠ‬ ‫‪31‬‬ ‫يس‬ ‫‪.11‬‬

‫ﭐﱡﭐﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﱠ‬ ‫‪50‬‬ ‫يس‬ ‫‪.12‬‬

‫ﱡﭐﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﱠ‬ ‫‪67‬‬ ‫يس‬ ‫‪.13‬‬


‫ﭐﱡﭐﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﱠ‬ ‫‪28‬‬ ‫الزخرف‬ ‫‪.14‬‬

‫‪332‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫جدول (‪)10‬‬

‫(ي ْر ِج ُعون) المبني للمجهول عند حفص‬


‫حصر بمواضع الفعل ُ‬

‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫ﱡﭐ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﱠ‬ ‫‪83‬‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.1‬‬

‫ﱡﭐ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱠ‬ ‫‪36‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪.2‬‬


‫ﭐﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱠ‬ ‫‪40‬‬ ‫مريم‬ ‫‪.3‬‬
‫ﱡﭐ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﱠ‬ ‫‪64‬‬ ‫النور‬ ‫‪.4‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﱠ‬ ‫‪39‬‬ ‫القصص‬ ‫‪.5‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﱠ‬ ‫‪77‬‬ ‫غافر‬ ‫‪.6‬‬

‫‪333‬‬
‫المالحق‬

‫جدول (‪)11‬‬

‫حصر بمواضع الفعل (تُْر ِج ُعون) المبني للمجهول عند حفص‬

‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫ﱡﭐﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﱠ‬ ‫‪28‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ 245‬ﭐﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﱠ‬ ‫البقرة‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ 281‬ﭐﱡﭐ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ ﱠ‬ ‫البقرة‬ ‫‪.3‬‬
‫ﱡﭐ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱠ‬ ‫‪56‬‬ ‫يونس‬ ‫‪.4‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﱠ‬ ‫‪34‬‬ ‫هود‬ ‫‪.5‬‬

‫ﱡﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑﳒ ﳓ ﳔﱠ‬ ‫‪35‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪.6‬‬


‫‪ 115‬ﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﱠ‬ ‫المؤمنون‬ ‫‪.7‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﱠ‬ ‫‪70‬‬ ‫القصص‬ ‫‪.8‬‬
‫ﭐﱡ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﱠ‬ ‫‪88‬‬ ‫القصص‬ ‫‪.9‬‬
‫ﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳﱠ‬ ‫‪17‬‬ ‫العنكبوت‬ ‫‪.10‬‬
‫ﱡﭐ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱠ‬ ‫‪57‬‬ ‫العنكبوت‬ ‫‪.11‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﱠ‬ ‫‪11‬‬ ‫الروم‬ ‫‪.12‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕﱠ‬ ‫‪11‬‬ ‫السجدة‬ ‫‪.13‬‬

‫ﭐﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﱠ‬ ‫‪22‬‬ ‫يس‬ ‫‪.14‬‬


‫ﭐﱡﭐ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﱠ‬ ‫‪83‬‬ ‫يس‬ ‫‪.15‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲎ ﲏ ﲐﱠ‬ ‫‪44‬‬ ‫الزمر‬ ‫‪.16‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔﱠ‬ ‫‪21‬‬ ‫فصلت‬ ‫‪.17‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ‬ ‫‪85‬‬ ‫الزخرف‬ ‫‪.18‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱕ ﱖ ﱗ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱠ‬ ‫‪15‬‬ ‫الجاثية‬ ‫‪.19‬‬

‫‪334‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫جدول (‪)12‬‬

‫(ي ْر ِجعُ) المبني للمعلوم عند حفص‬


‫حصر بمواضع الفعل َ‬

‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱠ‬ ‫‪89‬‬ ‫طه‬ ‫‪.1‬‬
‫ﱡﭐ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﱠ‬ ‫‪35‬‬ ‫النمل‬ ‫‪.2‬‬
‫ﭐﱡﭐﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﱠ‬ ‫‪31‬‬ ‫سبأ‬ ‫‪.3‬‬

‫‪335‬‬
‫المالحق‬

‫جدول (‪)13‬‬

‫(ي ْر َجعُ) المبني للمجهول عند حفص‬


‫حصر بمواضع الفعل ُ‬

‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫ﱡﭐ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﱠ‬ ‫‪123‬‬ ‫هود‬ ‫‪.1‬‬

‫‪336‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫جدول (‪)14‬‬

‫حصر بمواضع الفعل (تُْر َجعُ) المبني للمجهول عند حفص‬

‫الموضع‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬ ‫م‬


‫‪ 210‬ﱡﭐﳆ ﳇﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﱠ‬ ‫البقرة‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ 109‬ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱠ‬ ‫آل عمران‬ ‫‪.2‬‬
‫ﱡﭐﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﱠ‬ ‫‪44‬‬ ‫األنفال‬ ‫‪.3‬‬
‫ﱡﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﱠ‬ ‫‪76‬‬ ‫الحج‬ ‫‪.4‬‬

‫ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱠ‬ ‫‪4‬‬ ‫فاطر‬ ‫‪.5‬‬


‫ﭐﱡﭐ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱠ‬ ‫‪5‬‬ ‫الحديد‬ ‫‪.6‬‬

‫** تَ ِ‬
‫رجعون (بالمعلوم)‪-‬تَرجع (بالمعلوم)‪ :‬لم يرد لحفص في القرآن الكريم منهما أي موضع‬

‫‪337‬‬
‫الفهارس‬

‫‪ ‬فهرس اآليات القرآنية‬

‫‪ ‬فهرس األحاديث النبوية‬

‫فهرس األبيات الشعرية‬ ‫‪‬‬


‫فهرس اآليات القرآنية‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫رقم الصفحة‬ ‫رقم اآلية‬ ‫طرف اآلية‬ ‫م‬


‫‪-1‬سورة الفاتحة‬
‫‪54‬‬ ‫‪4‬‬ ‫{ﭞ ﭟ ﭠ}‬ ‫‪.1‬‬
‫‪-2‬سورة البقرة‬
‫‪54 ,50‬‬ ‫‪10‬‬ ‫{ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ}‬ ‫‪.2‬‬
‫‪256‬‬ ‫‪28‬‬ ‫{ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯤ ﯥ }‬ ‫‪.3‬‬
‫‪94‬‬ ‫‪85‬‬ ‫{ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ }‬ ‫‪.4‬‬
‫‪267,266‬‬ ‫‪119‬‬ ‫{ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ }‬ ‫‪.5‬‬
‫‪139‬‬ ‫‪161‬‬ ‫{ﯧ ﯨ ﯩ }‬ ‫‪.6‬‬
‫‪202‬‬ ‫‪179‬‬ ‫{ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ }‬ ‫‪.7‬‬
‫‪202‬‬ ‫‪194‬‬ ‫{ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ }‬ ‫‪.8‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪196‬‬ ‫{ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ}‬ ‫‪.9‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪210‬‬ ‫{ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ‪}...‬‬ ‫‪.10‬‬
‫‪232‬‬ ‫‪212‬‬ ‫{ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ}‬ ‫‪.11‬‬
‫‪211‬‬ ‫‪217‬‬ ‫{ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ }‬ ‫‪.12‬‬
‫‪48‬‬ ‫‪222‬‬ ‫{ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ}‬ ‫‪.13‬‬

‫‪137,134,132,129‬‬ ‫‪229‬‬ ‫{ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ}‬ ‫‪.14‬‬


‫‪41‬‬ ‫‪258‬‬ ‫{ﮑ ﮒ ﮓ }‬ ‫‪.15‬‬
‫‪54‬‬ ‫‪259‬‬ ‫{ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ }‬ ‫‪.16‬‬
‫‪104‬‬ ‫‪268‬‬ ‫{ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ}‬ ‫‪.17‬‬
‫‪270‬‬ ‫‪272‬‬ ‫{ﭻ ﭼ ﭽ }‬ ‫‪.18‬‬
‫‪70‬‬ ‫‪278‬‬ ‫{ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ}‬ ‫‪.19‬‬
‫‪263‬‬ ‫‪281‬‬ ‫{ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ}‬ ‫‪.20‬‬
‫‪-3‬سورة آل عمران‬
‫‪340‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪89‬‬ ‫‪3‬‬ ‫{ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ}‬ ‫‪.21‬‬


‫‪232‬‬ ‫‪14‬‬ ‫{ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ‪}...‬‬ ‫‪.22‬‬
‫‪166‬‬ ‫‪37‬‬ ‫{ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ }‬ ‫‪.23‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪75‬‬ ‫{ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ}‬ ‫‪.24‬‬
‫‪265‬‬ ‫‪83‬‬ ‫{ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ }‬ ‫‪.25‬‬
‫‪164‬‬ ‫‪90‬‬ ‫{ﯚ ﯛﯜ }‬ ‫‪.26‬‬
‫‪263‬‬ ‫‪109‬‬ ‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ}‬ ‫‪.27‬‬
‫‪166,165‬‬ ‫‪135‬‬ ‫{ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ }‬ ‫‪.28‬‬
‫‪123,116‬‬ ‫‪146‬‬ ‫{ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ }‬ ‫‪.29‬‬
‫‪107‬‬ ‫‪178‬‬ ‫{ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝﮞﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣﮤ}‬ ‫‪.30‬‬
‫‪118‬‬ ‫‪195‬‬ ‫{ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ }‬ ‫‪.31‬‬
‫‪156,154‬‬ ‫‪161‬‬ ‫{ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ}‬ ‫‪.32‬‬
‫‪130‬‬ ‫‪175‬‬ ‫{ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ }‬ ‫‪.33‬‬
‫‪-4‬سورة النساء‬
‫‪188,50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫{ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}‬ ‫‪.34‬‬
‫‪140‬‬ ‫‪58-57‬‬ ‫{ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ }‬ ‫‪.35‬‬
‫‪211‬‬ ‫‪61‬‬ ‫{ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ }‬ ‫‪.36‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪86‬‬ ‫{ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ }‬ ‫‪.37‬‬
‫‪104‬‬ ‫‪119‬‬ ‫{ﮰ ﮱ }‬ ‫‪.38‬‬
‫‪104‬‬ ‫‪120‬‬ ‫{ﯨ ﯩ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ}‬ ‫‪.39‬‬
‫‪138‬‬ ‫‪124‬‬ ‫{ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ}‬ ‫‪.40‬‬
‫‪283-71‬‬ ‫‪136‬‬ ‫{ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ }‬ ‫‪.41‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪140‬‬ ‫{ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ }‬ ‫‪.42‬‬
‫‪44‬‬ ‫‪157‬‬ ‫{ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ }‬ ‫‪.43‬‬
‫‪211‬‬ ‫‪167‬‬ ‫{ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ}‬ ‫‪.44‬‬

‫‪341‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫‪-5‬سورة المائدة‬
‫‪46‬‬ ‫‪6‬‬ ‫{ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ}‬ ‫‪.45‬‬
‫‪164‬‬ ‫‪27‬‬ ‫{ ﮎ ﮏﮐ}‬ ‫‪.46‬‬
‫‪164‬‬ ‫‪36‬‬ ‫{ ﯰ ﯱ ﯲ}‬ ‫‪.47‬‬
‫‪214‬‬ ‫‪77‬‬ ‫{ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ}‬ ‫‪.48‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪109‬‬ ‫{ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ }‬ ‫‪.49‬‬
‫‪190‬‬ ‫‪115‬‬ ‫{ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ}‬ ‫‪.50‬‬
‫‪-6‬سورة األنعام‬
‫‪29‬‬ ‫‪16‬‬ ‫{ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯫ ﯬ ﯭ}‬ ‫‪.51‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪73‬‬ ‫{ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ}‬ ‫‪.52‬‬
‫‪271‬‬ ‫‪121‬‬ ‫{ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ}‬ ‫‪.53‬‬
‫‪-7‬سورة األعراف‬
‫‪40‬‬ ‫‪3‬‬ ‫{ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ}‬ ‫‪.54‬‬
‫‪139‬‬ ‫‪43‬‬ ‫{ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ}‬ ‫‪.55‬‬
‫‪213‬‬ ‫‪88‬‬ ‫{ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ}‬ ‫‪.56‬‬
‫‪212‬‬ ‫‪124‬‬ ‫{ﭰ ﭱ ﭲ }‬ ‫‪.57‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪129‬‬ ‫{ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ }‬ ‫‪.58‬‬
‫‪255‬‬ ‫‪168‬‬ ‫{ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ }‬ ‫‪.59‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪172‬‬ ‫{ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ }‬ ‫‪.60‬‬
‫‪-8‬سورة األنفال‬
‫‪130‬‬ ‫‪26‬‬ ‫{ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ }‬ ‫‪.61‬‬
‫‪165,164‬‬ ‫‪38‬‬ ‫{ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ }‬ ‫‪.62‬‬
‫‪104‬‬ ‫‪48‬‬ ‫{ﭴ ﭵ ﭶﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ‪}.‬‬ ‫‪.63‬‬
‫‪184‬‬ ‫‪50‬‬ ‫{ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯗ ﯘ ﯙ }‬ ‫‪.64‬‬
‫‪-9‬سورة التوبة‬

‫‪342‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪273‬‬ ‫‪67‬‬ ‫{ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ}‬ ‫‪.65‬‬


‫‪256‬‬ ‫‪83‬‬ ‫{ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ}‬ ‫‪.66‬‬
‫‪208,27‬‬ ‫‪87‬‬ ‫{ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ}‬ ‫‪.67‬‬
‫‪167‬‬ ‫‪104‬‬ ‫{ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ }‬ ‫‪.68‬‬
‫‪97,51‬‬ ‫‪107‬‬ ‫{ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ}‬ ‫‪.69‬‬
‫‪97‬‬ ‫‪108‬‬ ‫{ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ }‬ ‫‪.70‬‬
‫‪97‬‬ ‫‪109‬‬ ‫{ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ‪}...‬‬ ‫‪.71‬‬
‫‪97‬‬ ‫‪110‬‬ ‫{ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ }‬ ‫‪.72‬‬
‫‪26‬‬ ‫‪111‬‬ ‫{ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ}‬ ‫‪.73‬‬
‫‪188‬‬ ‫‪116‬‬ ‫{ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨﮩ ﮫﮬ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ‪}...‬‬ ‫‪.74‬‬
‫‪-10‬سورة يونس‬
‫‪132‬‬ ‫‪22‬‬ ‫{ﭶ ﭷ ﭸﭹ }‬ ‫‪.75‬‬
‫‪188‬‬ ‫‪56‬‬ ‫{ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ}‬ ‫‪.76‬‬
‫‪-11‬سورة هود‬
‫‪231,233,238,239‬‬ ‫‪28‬‬ ‫{ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ‪}...‬‬ ‫‪.77‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪78‬‬ ‫{ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ}‬ ‫‪.78‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪105‬‬ ‫{ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ}‬ ‫‪.79‬‬
‫‪255‬‬ ‫‪123‬‬ ‫{ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ}‬ ‫‪.80‬‬
‫‪-12‬سورة يوسف‬
‫‪41,42‬‬ ‫‪28‬‬ ‫{ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ }‬ ‫‪.81‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪29‬‬ ‫{ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ}‬ ‫‪.82‬‬
‫‪54‬‬ ‫‪24‬‬ ‫{ﭾ ﭿ ﮀﮁ}‬ ‫‪.83‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪65‬‬ ‫{ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ}‬ ‫‪.84‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪110‬‬ ‫{ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ }‬ ‫‪.85‬‬
‫‪-13‬سورة الرعد‬

‫‪343‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫‪210,209,207‬‬ ‫‪33‬‬ ‫{ﰀ ﰁ ﰂ }‬ ‫‪.86‬‬


‫‪-14‬سورة إبراهيم‬
‫‪188‬‬ ‫‪4‬‬ ‫{ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ}‬ ‫‪.87‬‬
‫‪140,139‬‬ ‫‪23‬‬ ‫{ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ }‬ ‫‪.88‬‬
‫‪210‬‬ ‫‪46‬‬ ‫{ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ}‬ ‫‪.89‬‬
‫‪234‬‬ ‫‪47‬‬ ‫{ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ }‬ ‫‪.90‬‬
‫‪225‬‬ ‫‪48‬‬ ‫{ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ}‬ ‫‪.91‬‬
‫‪-15‬سورة الحجر‬
‫‪143 ,139‬‬ ‫‪46‬‬ ‫{ﯛ ﯜ ﯝ}‬ ‫‪.92‬‬
‫‪-16‬سورة النحل‬
‫‪139‬‬ ‫‪29‬‬ ‫{ﭾ ﭿ ﮀ }‬ ‫‪.93‬‬
‫‪143‬‬ ‫‪32‬‬ ‫{ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ}‬ ‫‪.94‬‬
‫‪104‬‬ ‫‪63‬‬ ‫{ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ }‬ ‫‪.95‬‬
‫‪188‬‬ ‫‪93‬‬ ‫{ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ}‬ ‫‪.96‬‬
‫‪219‬‬ ‫‪109‬‬ ‫{ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ}‬ ‫‪.97‬‬
‫‪217,221,219,216,,‬‬
‫‪110‬‬ ‫{ﯚ ﯛﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ‪}...‬‬ ‫‪.98‬‬
‫‪57‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪126‬‬ ‫{ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ}‬ ‫‪.99‬‬


‫‪53‬‬ ‫‪127‬‬ ‫{ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ}‬ ‫‪.100‬‬
‫‪-17‬سورة اإلسراء‬
‫‪57‬‬ ‫‪102‬‬ ‫{ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ }‬ ‫‪.101‬‬
‫‪ -18‬سورة الكهف‬
‫‪90‬‬ ‫‪1‬‬ ‫{ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ}‬ ‫‪.102‬‬
‫‪272‬‬ ‫‪6‬‬ ‫{ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ }‬ ‫‪.103‬‬
‫‪-19‬سورة مريم‬
‫‪263 ,255‬‬ ‫‪40‬‬ ‫{ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ}‬ ‫‪.104‬‬

‫‪344‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪138‬‬ ‫‪60‬‬ ‫{ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ}‬ ‫‪.105‬‬


‫‪145‬‬ ‫‪85‬‬ ‫{ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ}‬ ‫‪.106‬‬
‫‪211‬‬ ‫‪89-88‬‬ ‫{ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ }‬ ‫‪.107‬‬
‫‪ -20‬سورة طه‬
‫‪45‬‬ ‫‪17‬‬ ‫{ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ}‬ ‫‪.108‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪18‬‬ ‫{ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ‪}...‬‬ ‫‪.109‬‬
‫‪258‬‬ ‫‪50-49‬‬ ‫{ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ}‬ ‫‪.110‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪63‬‬ ‫{ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ }‬ ‫‪.111‬‬
‫‪256‬‬ ‫‪89‬‬ ‫{ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ}‬ ‫‪.112‬‬
‫‪256‬‬ ‫‪91‬‬ ‫{ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ}‬ ‫‪.113‬‬
‫‪-21‬سورة األنبياء‬
‫‪50‬‬ ‫‪10‬‬ ‫{ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥﯦ }‬ ‫‪.114‬‬
‫‪178‬‬ ‫‪104‬‬ ‫{ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬﭭ}‬ ‫‪.115‬‬
‫‪-22‬سورة الحج‬
‫‪151‬‬ ‫‪2‬‬ ‫{ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ‪}...‬‬ ‫‪.116‬‬
‫‪211‬‬ ‫‪25‬‬ ‫{ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ}‬ ‫‪.117‬‬

‫‪200,204,202,201‬‬ ‫‪38‬‬ ‫{ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂﰃ}‬ ‫‪.118‬‬

‫‪197,204,205,201‬‬ ‫‪39‬‬ ‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ}‬ ‫‪.119‬‬


‫‪105,104‬‬ ‫‪44‬‬ ‫{ﮫ ﮬ }‬ ‫‪.120‬‬
‫‪235‬‬ ‫‪46‬‬ ‫{ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ}‬ ‫‪.121‬‬
‫‪146‬‬ ‫‪59‬‬ ‫{ﭼ ﭽ ﭾ }‬ ‫‪.122‬‬
‫‪-23‬سورة المؤمنون‬
‫‪178‬‬ ‫‪64‬‬ ‫{ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ}‬ ‫‪.123‬‬
‫‪-24‬سورة النور‬
‫‪281‬‬ ‫‪12‬‬ ‫{ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ‪}...‬‬ ‫‪.124‬‬

‫‪345‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫‪281‬‬ ‫‪17‬‬ ‫{ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ }‬ ‫‪.125‬‬


‫‪281‬‬ ‫‪19‬‬ ‫{ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ }‬ ‫‪.126‬‬
‫‪281‬‬ ‫‪31‬‬ ‫{ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ }‬ ‫‪.127‬‬
‫‪279‬‬ ‫‪35‬‬ ‫{ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮮ ﮯﮰ }‬ ‫‪.128‬‬
‫‪44‬‬ ‫‪48‬‬ ‫{ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ }‬ ‫‪.129‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪55‬‬ ‫{ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ‪}...‬‬ ‫‪.130‬‬
‫‪-25‬سورة الفرقان‬
‫‪151‬‬ ‫‪22‬‬ ‫{ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ }‬ ‫‪.131‬‬
‫‪-26‬سورة الشعراء‬
‫‪273‬‬ ‫‪3‬‬ ‫{ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ }‬ ‫‪.132‬‬
‫‪271,91‬‬ ‫‪4‬‬ ‫{ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ}‬ ‫‪.133‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪13‬‬ ‫{ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ }‬ ‫‪.134‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪27‬‬ ‫{ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ}‬ ‫‪.135‬‬
‫‪151‬‬ ‫‪91‬‬ ‫{ﭼ ﭽ ﭾ }‬ ‫‪.136‬‬
‫‪213‬‬ ‫‪167‬‬ ‫{ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ}‬ ‫‪.137‬‬
‫‪ -27‬سورة النمل‬
‫‪235‬‬ ‫‪13‬‬ ‫{ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ}‬ ‫‪.138‬‬
‫‪-28‬سورة القصص‬
‫‪239 ,235‬‬ ‫‪66‬‬ ‫{ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ}‬ ‫‪.139‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪79‬‬ ‫{ﭸ ﭹ ﭺ }‬ ‫‪.140‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪82‬‬ ‫{ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ}‬ ‫‪.141‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫{ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ}‬ ‫‪.142‬‬
‫‪-29‬سورة العنكبوت‬
‫‪270‬‬ ‫‪18‬‬ ‫{ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ }‬ ‫‪.143‬‬
‫‪-30‬سورة الروم‬

‫‪346‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪261‬‬ ‫‪27‬‬ ‫{ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ}‬ ‫‪.144‬‬


‫‪130‬‬ ‫‪28‬‬ ‫{ﮖ ﮗ ﮘ }‬ ‫‪.145‬‬
‫‪255‬‬ ‫‪41‬‬ ‫{ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ}‬ ‫‪.146‬‬
‫‪-32‬سورة السجدة‬
‫‪225‬‬ ‫‪13‬‬ ‫{ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ }‬ ‫‪.147‬‬
‫‪225‬‬ ‫‪14‬‬ ‫{ﭹ ﭺﭻ }‬ ‫‪.148‬‬
‫‪226,225‬‬ ‫‪16‬‬ ‫{ﮜ ﮝ }‬ ‫‪.149‬‬

‫‪225 227,224.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫{ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ}‬ ‫‪.150‬‬


‫‪225‬‬ ‫‪18‬‬ ‫{ﯖ ﯗ}‬ ‫‪.151‬‬
‫‪225‬‬ ‫‪19‬‬ ‫{ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ}‬ ‫‪.152‬‬
‫‪ -33‬سورة األحزاب‬
‫‪286‬‬ ‫‪30‬‬ ‫{ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ }‬ ‫‪.153‬‬
‫‪74‬‬ ‫‪36‬‬ ‫{ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ}‬ ‫‪.154‬‬
‫‪295‬‬ ‫‪52‬‬ ‫{ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ}‬ ‫‪.155‬‬
‫‪295‬‬ ‫‪53‬‬ ‫{ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ}‬ ‫‪.156‬‬
‫‪-34‬سورة سبأ‬
‫‪110,84,48‬‬ ‫‪14‬‬ ‫{ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ}‬ ‫‪.157‬‬
‫‪176‬‬ ‫‪16‬‬ ‫{ﭪﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ‪}...‬‬ ‫‪.158‬‬
‫‪174,173‬‬ ‫‪17‬‬ ‫{ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭿ ﮀ ﮁ ﮂ}‬ ‫‪.159‬‬
‫‪176‬‬ ‫‪18‬‬ ‫{ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ‪}...‬‬ ‫‪.160‬‬
‫‪242‬‬ ‫‪20‬‬ ‫{ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ }‬ ‫‪.161‬‬

‫‪240,244,246,242‬‬ ‫‪23‬‬ ‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ‪}...‬‬ ‫‪.162‬‬


‫‪214‬‬ ‫‪33‬‬ ‫{ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ}‬ ‫‪.163‬‬
‫‪-35‬سورة فاطر‬
‫‪275‬‬ ‫‪8‬‬ ‫{ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ}‬ ‫‪.164‬‬

‫‪347‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫‪-36‬سورة يس‬
‫‪255‬‬ ‫‪83‬‬ ‫{ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ }‬ ‫‪.165‬‬
‫‪-37‬سورة الصافات‬
‫‪49‬‬ ‫‪12‬‬ ‫{ﮙ ﮚ ﮛ}‬ ‫‪.166‬‬

‫‪-39‬سورة الزمر‬
‫‪86,82‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪{ .167‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ}‬
‫‪169‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪{ .168‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ }‬
‫‪145‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪{ .169‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ}‬
‫‪-40‬سورة غافر‬
‫‪180‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪{ .170‬ﯼﯽ ﯾ}‬
‫‪180 ,174‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪{ .171‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ }‬
‫‪214‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪{ .172‬ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ}‬
‫‪210‬‬ ‫‪37-36‬‬ ‫‪{ .173‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ}‬
‫‪,207,232‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪{ .174‬ﮥ ﮦ ﮧ}‬
‫‪211‬‬
‫‪,141 ,140‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪{ .175‬ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ}‬
‫‪174.180.143,‬‬
‫‪184‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪{ .176‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‪}.‬‬
‫‪-41‬سورة فصلت‬
‫‪26‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪{ .177‬ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ}‬
‫‪2‬‬ ‫‪17-16‬‬ ‫‪{ .178‬ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ}‬
‫‪213‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪{ .179‬ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ}‬
‫‪-42‬سورة الشورى‬
‫‪167‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪{ .180‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ }‬
‫‪-43‬سورة الزخرف‬
‫‪91‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪{ .181‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ}‬
‫‪348‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪178‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪{ .182‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ}‬


‫‪211‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪{ .183‬ﯛﯜ ﯝ ﯞ}‬
‫‪-44‬سورة الدخان‬
‫‪188‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪{ .184‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ}‬
‫‪-45‬سورة الجاثية‬
‫‪260‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪{ .185‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ}‬
‫‪-46‬سورة األحقاف‬
‫‪171,169,168,1‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪{ .186‬ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‪}..‬‬
‫‪63‬‬
‫‪-47‬سورة محمد‬
‫‪103‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪{ .187‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ }‬
‫‪103‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪{ .188‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ}‬
‫‪-48‬سورة الفتح‬
‫‪211‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪{ .189‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ }‬
‫‪-50‬سورة ق‬
‫‪87‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪{ .190‬ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ}‬
‫‪-52‬سورة الطور‬
‫‪188‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪{ .191‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ}‬
‫‪-53‬سورة النجم‬
‫‪180 ,174‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪{ .192‬ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ}‬
‫‪139‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪{ .193‬ﰝ ﰞ ﰟﰠ}‬
‫‪-54‬سورة القمر‬
‫‪40‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪ { .194‬ﭫﭬ ﭭ}‬
‫‪2‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪{ .195‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ }‬
‫‪59‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪{ .196‬ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ}‬

‫‪349‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫‪-55‬سورة الرحمن‬
‫‪188‬‬ ‫‪37‬‬ ‫{ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ}‬ ‫‪.197‬‬
‫‪-56‬سورة الواقعة‬
‫‪186‬‬ ‫‪4‬‬ ‫{ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ}‬ ‫‪.198‬‬
‫‪-57‬سورة الحديد‬
‫‪68‬‬ ‫‪8‬‬ ‫{ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ‪}...‬‬ ‫‪.199‬‬

‫‪92,89‬‬ ‫‪16‬‬ ‫{ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ‪}...‬‬ ‫‪.200‬‬


‫‪-61‬سورة الصف‬
‫‪213,236‬‬ ‫‪5‬‬ ‫{ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ}‬ ‫‪.201‬‬

‫‪55‬‬ ‫‪8‬‬ ‫{ﮉ ﮊ ﮋ }‬ ‫‪.202‬‬


‫‪-62‬سورة الجمعة‬
‫‪87‬‬ ‫‪8‬‬ ‫{ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦﯧ ﯨ ﯩﯪ }‬ ‫‪.203‬‬

‫‪47‬‬ ‫‪9‬‬ ‫{ﭑ ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭝ}‬ ‫‪.204‬‬


‫‪-68‬سورة القلم‬
‫‪187,106‬‬ ‫‪44‬‬ ‫{ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ}‬ ‫‪.205‬‬

‫‪103‬‬ ‫‪45‬‬ ‫{ﭪ ﭫ ﭭ ﭮ ﭯ}‬ ‫‪.206‬‬


‫‪-69‬سورة الحاقة‬
‫‪186‬‬ ‫‪14-13‬‬ ‫{ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ}‬ ‫‪.207‬‬

‫‪188‬‬ ‫‪16‬‬ ‫{ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ}‬ ‫‪.208‬‬


‫‪-70‬سورة المعارج‬
‫‪147‬‬ ‫‪10‬‬ ‫{ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ}‬ ‫‪.209‬‬
‫‪-71‬سورة نوح‬
‫‪212‬‬ ‫‪7‬‬ ‫{ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ‪}...‬‬ ‫‪.210‬‬

‫‪210‬‬ ‫‪22‬‬ ‫{ﮡ ﮢ ﮣ }‬ ‫‪.211‬‬


‫‪-73‬سورة المزمل‬

‫‪350‬‬
‫تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪187‬‬ ‫‪11‬‬ ‫{ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ}‬ ‫‪.212‬‬


‫‪-74‬سورة المدثر‬
‫‪187,230‬‬ ‫‪11‬‬ ‫{ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ}‬ ‫‪.213‬‬

‫‪152‬‬ ‫‪38‬‬ ‫{ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ}‬ ‫‪.214‬‬

‫‪-77‬سورة المرسالت‬
‫‪186‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪{ .215‬ﮨ ﮩ ﮪ}‬
‫‪-78‬سورة النبأ‬
‫‪186‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪{ .216‬ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ}‬
‫‪245‬‬ ‫‪39-37‬‬ ‫‪{ .217‬ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ‪}...‬‬
‫‪-80‬سورة عبس‬
‫‪148‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪{ .218‬ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ}‬
‫‪-81‬سورة التكوير‬
‫‪186,39‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪{ .219‬ﭑ ﭒ ﭓ}‬
‫‪55‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪{ .220‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ}‬
‫‪-82‬سورة األنفطار‬
‫‪186‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪{ .221‬ﭝ ﭞ ﭟ}‬
‫‪189‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪{ .222‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮱ ﯓ ﯔ}‬
‫‪-96‬سورة العلق‬
‫‪263‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪{ .223‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ }‬
‫‪-97‬سورة القدر‬
‫‪90‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪{ .224‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ}‬
‫‪-89‬سورة الفجر‬
‫‪191‬‬ ‫‪20-15‬‬ ‫‪{ .225‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ }‬
‫‪190 ,186‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪{ .226‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ}‬
‫‪186‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪{ .227‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ}‬
‫‪183‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪{ .228‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ }‬

‫‪351‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫‪192‬‬ ‫‪30-27‬‬ ‫‪{ .229‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ }‬


‫‪-100‬سورة العاديات‬
‫‪186‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪{ .230‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}‬
‫‪-108‬سورة الكوثر‬
‫‪271‬‬ ‫‪3-1‬‬ ‫‪{ .231‬ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ}‬

‫‪352‬‬
‫فهرس األحاديث النبوية‬
‫فهرس األحاديث النبو َّية‬

‫الصفحة‬ ‫الراوي‬ ‫طرف الحديث‬ ‫م‬

‫‪30‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫ع فليبدأ ب ِّ‬


‫الشمال))‬ ‫أحدكم فليبدأ باليمين‪ ،‬واذا َن َز َ‬
‫((إذا ْانتَ َع َل ُ‬ ‫‪.1‬‬

‫‪30‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫ع فليبدأ بالشمال‪))..‬‬


‫أحدكم فليبدأ باليمين‪ ،‬واذا َن َز َ‬
‫((إذا ْانتَ َع َل ُ‬ ‫‪.2‬‬

‫‪75‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫((كل أمتي يدخلون الجنة إال من أبى))‬ ‫‪.3‬‬

‫‪92‬‬ ‫ابن مسعود‬ ‫((ما كان بين إسالمنا وبين أن عاتبنا))‬ ‫‪.4‬‬

‫‪87‬‬ ‫عائشة‬ ‫((من َّ‬


‫أحب لقاء اهلل أحب اهللُ لقاءه‪))،‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪144‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫أحدا عمله الجنة قالوا وال أنت يا رسول اهلل))‬
‫دخل ً‬
‫((لن ُي َ‬ ‫‪.6‬‬

‫‪160‬‬ ‫ابن عباس‬ ‫هما))‬


‫ذهبا ما منعتكم در ً‬ ‫((لو َّ‬
‫أن لكم مثل أُحد ً‬ ‫‪.7‬‬

‫‪199‬‬ ‫ابن عباس‬ ‫أخ َرُجوا نبيَّهُم‪))،‬‬


‫((لما أُخرج النبي( من مكة‪ ،‬قال أبو بكر ْ‬ ‫‪.8‬‬

‫‪230‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫((أعددت لعبادي الصالحين ما ال عين رأت))‬ ‫‪.9‬‬

‫‪226‬‬ ‫معاذ بن جبل‬ ‫ام اْل َع ْبِد ِم َن اللَّْي ِل))‬ ‫((قَ َ ِ‬


‫ال ق َي ُ‬ ‫‪.10‬‬

‫‪283‬‬ ‫عبد اهلل بن عمرو‬ ‫َحِد ُك ْم))‬ ‫ِ‬ ‫اإليمان لَي ْخلَ ُ ِ‬
‫ق في َج ْوف أ َ‬ ‫((إِ َّن ِ َ َ َ‬ ‫‪.11‬‬

‫‪354‬‬
‫فهرس األبيات الشعرية‬
‫فهرس األبيات الشعر َّية‬

‫الصفحة‬ ‫شطر البيت‬ ‫القافية‬ ‫م‬

‫‪234‬‬ ‫وسائره ٍ‬
‫باد إلى الشمس أجمع‬ ‫العين‬ ‫‪.1‬‬

‫‪185‬‬ ‫ويعد عطاءك المائة الرتاعا‬ ‫العين‬ ‫‪.2‬‬

‫‪43‬‬ ‫والوزن والتحقير واإلعظام‬ ‫الميم‬ ‫‪.3‬‬

‫‪39‬‬ ‫افر لم ُي ْكلم‬


‫مالي وعرضي و ٌ‬ ‫الميم‬ ‫‪.4‬‬

‫‪208‬‬ ‫صوام‬
‫ساقي نصارى قبيل الفصح َّ‬ ‫الميم‬ ‫‪.5‬‬

‫‪208‬‬ ‫وكان الكأس مجراها اليمينا‬ ‫النون‬ ‫‪.6‬‬

‫‪256‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ ‬المصادر‪:‬‬

‫‪ .1‬ابن األثير‪ ،‬ضياء الدين(د‪.‬ت)‪ :‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫الحوفي‪ ،‬أحمد‪ ،‬وطبانة‪ ،‬بدوي‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬دار نهضة مصر‪.‬‬

‫‪ .2‬ابن أحمد‪ ،‬الخليل(‪1985‬م)‪ :‬الجمل في النحو‪ ،‬تحقيق‪ :‬قباوة‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫ائي‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ابن أحمد‪ ،‬الخليل(د‪.‬ت)‪ :‬كتاب العين‪ ،‬تحقيق‪ :‬المخزومي‪ ،‬مهدي والسامر ّ‬

‫ابراهيم د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الهالل‪.‬‬

‫‪ .4‬األخفش‪ ،‬سعيد(‪2003‬م)‪ :‬معاني القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬الورد‪ ،‬عبد األمير‪ ،‬ط‪ .1‬بيروت‪:‬‬

‫عالم الكتب‪.‬‬

‫‪ .5‬األزهري‪ ،‬خالد(‪2000‬م)‪ :‬شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون‬

‫التوضيح في َّ‬
‫النحو‪ ،‬تحقيق‪ :‬عيون السَّود‪ ،‬محمد‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .6‬األزهري‪ ،‬خالد(‪1984‬م)‪ :‬شرح العوامل المائة للجرجاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬البدراوي‪ ،‬زهران‪.‬‬

‫ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.‬‬

‫‪ .7‬األزهري‪ ،‬محمد (‪2001‬م)‪ :‬تهذيب اللغة‪ ،‬تحقيق مرعب‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬

‫إحياء التراث‪.‬‬

‫‪ .8‬األزهري‪ ،‬محمد(‪1993‬م)‪ :‬معاني القراءات‪ ،‬تحقيق‪ :‬القوزي‪ ،‬عوض‪ .‬ط‪،1‬‬

‫السعودية‪ :‬مركز البحوث بجامعة الملك سعود‪.‬‬

‫‪ .9‬اإلستانبولي‪ ،‬إسماعيل حقِّي(د‪.‬ت)‪ :‬روح البيان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫الرضى(‪1975‬م)‪ :‬شرح شافية ابن الحاجب‪ ،‬تحقيق‪ :‬نور الحسن‪،‬‬


‫‪ .10‬االستراباذي‪ِّ ،‬‬

‫محمد وآخرون‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .11‬استيتية‪ ،‬سمير(‪2005‬م)‪ :‬رياض القرآن تفسير في النظم القرآني ونهجه النفسي‬

‫والتربوي‪ ،‬ط‪ ،1‬المملكة األردنية الهاشمية‪ :‬عالم الكتب الحديث‪.‬‬

‫‪ .12‬األشموني‪ ،‬أحمد محمد(‪1973‬م)‪ :‬منار الهدى في بيان الوقف واالبتدا‪ ،‬ط‪،2‬‬

‫مصر‪ :‬شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪.‬‬

‫‪ .13‬األصبهاني‪ ،‬أبو القاسم الملقب بقوام السنة(‪1995‬م)‪ :‬إعراب القرآن لألصبهاني‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬المؤيد‪ ،‬فائزة‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬مكتبة الملك فهد الوطنية‪.‬‬

‫‪ .14‬األصفهاني‪ ،‬الراغب(‪1412‬هـ)‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬الداودي‪ ،‬صفوان‪،‬‬

‫ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ :‬الدار الشامية‪.‬‬

‫‪ .15‬األلوسي‪ ،‬شهاب الدين(‪1415‬هـ)‪ :‬روح المعاني في تفسير القرن العظيم والسبع‬

‫المثاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عطية‪ ،‬علي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .16‬األندلسي‪ ،‬أبو حيَّان(‪1998‬م)‪ :‬ارتشاف الضرب من لسان العرب‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫التواب‪ ،‬رمضان‪ .‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪.‬‬


‫عثمان‪ ،‬رجب؛ عبد َّ‬

‫‪ .17‬األنصاري‪ ،‬ابن هشام(د‪.‬ت)‪ :‬أوضح المسالك‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد‪ ،‬محمد محي‬

‫الدين‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية‪.‬‬

‫‪ .18‬األنطاكي‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪ :‬المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها‪ ،‬ط‪،3‬‬

‫بيروت‪ :‬دار الشرق العربي‪.‬‬

‫‪ .19‬أنيس‪ ،‬إبراهيم (د‪.‬ت)‪ :‬األصوات اللغوية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬مصر‪ :‬مكتبة نهضة مصر‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .20‬ابن الباذش‪ ،‬أبو جعفر أحمد بن علي(‪1403‬هـ)‪ :‬اإلقناع في القراءات السبع‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬قطامش‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪ .21‬باشا‪ ،‬ابن كمال(‪ 2002‬م)‪ :‬أسرار النحو‪ ،‬تحقيق‪ :‬حامد‪ ،‬أحمد‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪:‬‬

‫دار الفكر‪.‬‬

‫‪ .22‬الباقولي‪ ،‬علي بن الحسين الملقب بجامع العلوم(‪2001‬م)‪ :‬كشف المشكالت‬

‫وايضاح المعضالت في إعراب القرآن وعلل القراءات‪ ،‬تحقيق‪ :‬السعدي‪ ،‬عبد القادر‪،‬‬

‫عمان‪ :‬دار عمار‪.‬‬


‫ط‪َّ ،1‬‬

‫‪ .23‬البحلوز‪ ،‬عالء الدين مصطفى(‪2006‬م)‪ :‬النظير ودوره في توجيه القراءات‬

‫القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار البصائر‪.‬‬

‫‪ .24‬البخاري(‪1987‬م)‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬البغا‪ ،‬مصطفى بيروت‪ :‬دار ابن‬

‫كثير‪.‬‬

‫‪ .25‬البغوي‪ ،‬الحسين (‪1997‬م)‪ :‬معالم التنزيل في تفسير القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬النمر‪،‬‬

‫محمد وضميرية‪ ،‬عثمان‪ ،‬ط‪ ،4‬المدينة المنورة‪ :‬دار طيبة للنشر‪.‬‬

‫‪ .26‬البقاعي‪ ،‬إبراهيم(د‪.‬ت)‪ :‬نظم الدرر في تناسب اآليات والسور‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬القاهرة‪:‬‬

‫دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ .27‬البنتني‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪ :‬مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬الصناوي‪،‬‬

‫محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .28‬بو حوش‪ ،‬غنية(‪2014‬م)‪ :‬القراءات القرآنية وأثرها في الدراسات اللغوية‬

‫أنموذجا‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬عالم الكتب الحديث‪.‬‬


‫ً‬ ‫والشريعة‪ ،‬قراءة أبي عمرو البصري‬

‫‪360‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .29‬البيضاوي‪ ،‬ناصر الدين أبو سعيد عبد اهلل بن عمر(‪1418‬هـ)‪ :‬أنوار التنزيل‬

‫وأسرار التأويل‪ ،‬تحقيق‪ :‬المرعشلي‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬

‫‪ .30‬البيلي‪ ،‬أحمد(‪1998‬م)‪ :‬المكشاف عما بين القراءات العشر من اختالف‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫الخرطوم‪ :‬الدار السودانية للكتب‪.‬‬

‫علي(‪1352‬هـ)‪ :‬شرح القصائد العشر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬إدارة‬


‫‪ .31‬التبريزي‪ ،‬يحيى بن ّ‬

‫الطباعة المنيرية‪.‬‬

‫‪ .32‬تسهر‪ ،‬جولد(‪1955‬م)‪ :‬مذاهب التفسير اإلسالمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬النجار‪ ،‬عبد الحليم‪،‬‬

‫د‪.‬ط‪ ،‬مصر‪ :‬مكتبة الخانجي‪ ،‬وبغداد‪ :‬مكتبة المثنى‪.‬‬

‫‪ .33‬الثعالبي‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد(‪1418‬هـ)‪ :‬الجواهر الحسان في تفسير القرآن‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬معوض‪ ،‬محمد‪ ،‬عبد الموجود‪ ،‬عادل‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث‬

‫العربي‪.‬‬

‫‪ .34‬الثعلبي‪ ،‬أبو إسحاق أحمد(‪2002‬م)‪ :‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬

‫‪ .35‬ابن جبارة‪ ،‬يوسف بن علي(‪2007‬م)‪ :‬الكامل في القراءات واألربعين الزائدة‬

‫عليها‪ ،‬ص‪ .589‬تحقيق‪ :‬الشايب‪ ،‬جمال‪ ،‬ط‪ .1‬مؤسسة سما للتوزيع‪.‬‬

‫لمؤصل أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬ط‪،1‬‬


‫‪ .36‬جبل‪ ،‬محمد(‪2010‬م)‪ :‬المعجم االشتقاقي ا ِّ‬

‫القاهرة‪ :‬مكتبة اآلداب‪.‬‬

‫‪ .37‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر(د‪.‬ت)‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬تحقيق‪ :‬شاكر‪ ،‬محمود محمد‪،‬‬

‫د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .38‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر(‪2009‬م)‪ :‬العوامل المائة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الداغستاني‪ ،‬أنور‪.‬‬

‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار المنهاج‪.‬‬

‫‪ .39‬ابن الجزري‪ :‬محمد بن محمد بن علي(‪1985‬م)‪ :‬التمهيد في علم التجويد‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬البواب‪ ،‬علي‪ ،‬ط‪ ،1 .‬الرياض‪ :‬مكتبة المعارف‪.‬‬

‫‪ .40‬ابن الجزري‪ ،‬محمد (د‪.‬ت)‪ :‬النشر في القراءات العشر‪ ،‬تحقيق‪ :‬الضباع‪ ،‬علي‪.‬‬

‫د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬المطبعة التجارية الكبرى‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .41‬ابن ُجِّزي‪ ،‬محمد بن أحمد(‪1995‬م)‪ :‬التسهيل لعلوم التنزيل‪ ،‬تحقيق‪ :‬سالم‪،‬‬

‫محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .42‬الجزولي‪ ،‬عيسى(د‪.‬ت)‪ :‬المقدمة الجزولية في النحو‪ ،‬تحقيق‪ ،‬عبد الوهاب‪،‬‬

‫شعبان‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬مكة المكرمة‪ :‬مطبعة أم القرى‪.‬‬

‫‪ .43‬ابن جماعة‪ ،‬بدر الدين(‪2000‬م)‪ :‬شرح كافية ابن الحاجب‪ ،‬تحقيق‪ :‬داود‪ ،‬محمد‪.‬‬

‫د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار المنار‪.‬‬

‫‪ .44‬ابن ِّ‬
‫جني‪ ،‬أبو الفتح(‪1954‬م)‪ :‬المنصف شرح كتاب التصريف للمازني‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫القاهرة‪ :‬دار إحياء التراث القديم‪.‬‬

‫‪ .45‬ابن ِّ‬
‫جني‪ ،‬أبو الفتح(‪2009‬م)‪ :‬المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات‬

‫واإليضاح عنها‪ ،‬تحقيق‪ :‬النجدي‪ ،‬علي وآخرون‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬القاهرة‪ :‬المجلس األعلى‬

‫للشؤون اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .46‬ابن الجوزي‪ ،‬جمال الدين عبد الرحمن (‪1984‬م)‪ :‬زاد المسير في علم التفسير‪،‬‬

‫ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .47‬الجوهري‪ ،‬إسماعيل(‪1987‬م)‪ :‬تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عطاء‪ ،‬أحمد‪،‬‬

‫ط‪ ،4‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪.‬‬

‫‪ .48‬الحاكم‪ ،‬محمد بن عبد اهلل(‪1990‬م)‪ :‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬تحقيق‪ :‬عطا‪،‬‬

‫مصطفى‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .49‬حبش‪ ،‬محمد(‪1999‬م)‪ :‬القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني واألحكام‬

‫الشرعية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪ .50‬حبيب‪ ،‬بو سغادي(‪2015‬م)‪ :‬قراءة في نحو القراءات القرآنية‪ -‬دراسة داللية‬

‫لنماذج‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫حسان‪ ،‬تمام(‪1993‬م)‪ :‬البيان في روائع القرآن دراسة لغوية وأسلوبية للنص‬


‫َّ‬ ‫‪.51‬‬

‫القرآني‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬

‫‪ .52‬حسن‪ ،‬غمبو(‪2011‬م)‪ :‬ظواهر تصريف األفعال في القراءات السبع الشهيرة‪،‬‬

‫ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار المختار‪.‬‬

‫‪ .53‬الحلبي‪ ،‬السمين(د‪.‬ت)‪ :‬الدر المصون في علوم الكتاب المكنون‪ ،‬تحقيق‪ :‬الخراط‪،‬‬

‫أحمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دمشق‪ :‬دار القلم‪.‬‬

‫‪ .54‬الحلبي‪ ،‬السَّمين(‪1996‬م)‪ :‬عمدة الحفاظ في تفسير أشرف األلفاظ‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫عيون السود‪ ،‬محمد باسل‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .55‬أبو حيان‪ ،‬محمد بن يوسف(‪1420‬هـ)‪ :‬البحر المحيط في التفسير‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫جميل‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬صدقي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪ .56‬ابن خالويه‪ ،‬الحسين(‪1981‬م)‪ :‬الحجة في القراءات السبع‪ ،‬تحقيق‪ :‬مكرم‪ ،‬عبد‬

‫العال‪ .‬ط‪ .4‬بيروت‪ :‬دار الشروق‪.‬‬


‫‪363‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .57‬الخراط‪ ،‬أحمد(‪1426‬هـ)‪ :‬اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية المتواترة‪،‬‬

‫د‪.‬ط‪ .‬المدينة المنورة‪ :‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‪.‬‬

‫‪ .58‬الخطابي‪ ،‬سليمان(د‪.‬ت)‪ :‬بيان إعجاز القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬خلف اهلل‪ ،‬محمد؛ زغلول‪،‬‬

‫محمد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.‬‬

‫‪ .59‬الخطيب‪ ،‬عبد الكريم(د‪.‬ت)‪ :‬التفسير القرآني للقرآن‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر‬

‫العربي‪.‬‬

‫‪ .60‬الخطيب‪ ،‬عبد اللطيف(‪2002‬م)‪ :‬معجم القراءات‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار سعد الدين‪.‬‬

‫يض ِ‬
‫اوي‪،‬‬ ‫الب َ‬ ‫الش َه ِ‬
‫اب َعلَى ت ْف ِ‬ ‫‪ .61‬الخفاجي‪ ،‬شهاب الدين أحمد(د‪.‬ت)‪ :‬ح ِ‬
‫اشي ُة ِّ‬
‫سير َ‬ ‫َ‬

‫يضاوي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬ ‫اْلمس َّماة‪ِ :‬ع َنايةُ القاضي ِ‬


‫وكفَايةُ الراضي َعلَى ت ْف ِ‬
‫الب َ‬
‫سير َ‬ ‫َُ‬

‫صادر‪.‬‬

‫‪ .62‬الخولي‪ ،‬محمد(‪1982‬م)‪ :‬دراسات لغوية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الرياض‪ :‬دار العلوم‪.‬‬

‫‪ .63‬الداني‪ ،‬أبو عمرو (‪2008‬م)‪ :‬التيسير في القراءات السبع‪ ،‬تحقيق‪ :‬الضامن‪،‬‬

‫حاتم‪ ،‬ط‪ ،1‬الشارقة‪ :‬مكتبة الصحابة‪.‬‬

‫‪ .64‬الداني‪ ،‬عثمان بن سعيد (‪1984‬م)‪ :‬التيسير في القراءات السبع‪ ،‬تحقيق‪ :‬تريزل‪،‬‬

‫أوتو‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪.‬‬

‫‪ .65‬الداني‪ ،‬أبو عمرو عثمان بن سعيد(‪2007‬م)‪ :‬جامع البيان في القراءات السبع‪،‬‬

‫ط‪ ،1‬اإلمارات‪ :‬جامعة الشارقة‪.‬‬

‫‪ .66‬الداني‪ ،‬عثمان بن سعيد(‪1987‬م)‪ :‬المكتفى في الوقف واالبتدا في كتاب اهلل عز‬

‫وجل‪ ،‬تحقيق‪ :‬المرعشلي‪ ،‬يوسف‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .67‬الراجحي‪ ،‬شرف الدين(‪1999‬م)‪ :‬المبني للمجهول وتراكيبه وداللته في القرآن‬

‫العظيم‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪.‬‬

‫‪ .68‬الراجحي‪ ،‬عبده(‪1996‬م)‪ :‬اللهجات العربية في القراءات القرآنية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬مصر‪:‬‬

‫دار المعرفة الجامعية‬

‫‪ .69‬الرازي‪ ،‬فخر الدين(‪1999‬م)‪ :‬مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪:‬‬

‫دار إحياء التراث العربي‪.‬‬

‫‪ .70‬ا َّلرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر(‪1999‬م)‪ :‬مختار الصحاح‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ‪ ،‬يوسف‪،‬‬

‫ط‪ ،5‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية‪.‬‬

‫‪ .71‬الراغب( ‪1999‬م)‪ :‬تفسير الراغب األصفهاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬بسيوني‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫طنطا‪ :‬جامعة طنطا‪.‬‬

‫‪ .72‬الرافعي‪ ،‬مصطفى(‪2005‬م)‪ :‬إعجاز القرآن والبالغة النبوية‪ ،‬ط‪ ،8‬بيروت‪ :‬دار‬

‫الكتاب العربي‪.‬‬

‫‪ .73‬رضا‪ ،‬محمد رشيد(‪1990‬م)‪ :‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬

‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬

‫‪ .74‬الرضي‪ ،‬الشريف(د‪.‬ت)‪ :‬تلخيص البيان في مجازات القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬مقلد‪ ،‬علي‪،‬‬

‫لبنان‪ :‬مكتبة الحياة‪.‬‬

‫الرعيني‪ ،‬أحمد بن يوسف(‪2007‬م)‪ :‬تحفة األقران فيما قُرئ بالتثليث من حروف‬


‫‪ُّ .75‬‬

‫القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬البواب‪ ،‬علي‪ ،‬ط‪ ،2‬الرياض‪ :‬دار كنوز إشبيليا‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪َّ .76‬‬
‫الزجَّاج‪ ،‬أبو إسحاق(‪1988‬م)‪ :‬معاني القرآن واعرابه‪ ،‬تحقيق‪ :‬شلبي‪ ،‬عبد الجليل‪،‬‬

‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬

‫‪ .77‬الزركشي‪ ،‬بدر الدين محمد(‪2003‬م)‪ :‬البرهان في علوم القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو‬

‫الفضل‪ ،‬محمد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬السعودية‪ :‬دار عالم الكتب‪.‬‬

‫‪ .78‬الزمخشري‪ ،‬محمود بن عمرو (‪1407‬هـ)‪ :‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪،‬‬

‫ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪.‬‬

‫‪ .79‬ابن زنجلة‪ ،‬أبو زرعة‪ :‬حجة القراءات‪ ،‬تحقيق‪ :‬األفغاني‪ ،‬سعيد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪:‬‬

‫دار الرسالة‪.‬‬

‫‪ .80‬أبو زهرة‪ ،‬محمد (د‪.‬ت)‪ :‬زهرة التفاسير‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪.‬‬

‫‪ .81‬الزوبعي‪ ،‬طالب(‪1996‬م)‪ :‬من أساليب التعبير القرآني‪-‬دراسة لغوية وأسلوبية‬

‫في ضوء النص القرآني‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار النهضة العربية‪.‬‬

‫‪ .82‬الزوبعي‪ ،‬طالب(‪1997‬م)‪ :‬علم المعاني بين بالغة القدامى وأسلوبية المحدثين‪،‬‬

‫ص‪ ،245‬ط‪ ،1‬بنغازي‪ :‬جامعة قاريونس‪.‬‬

‫‪َّ .83‬‬
‫الز ْو َزني‪ ،‬حسين بن أحمد(‪2002‬م)‪ :‬شرح المعلقات السبع‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬

‫إحياء التراث العربي‪.‬‬

‫عمان‪ :‬دار‬
‫‪ .84‬السامرائي؛ فاضل(‪2009‬م)‪ :‬بالغة الكلمة في التعبير القرآني‪ ،‬ط‪َّ ،5‬‬

‫عمار‬
‫َّ‬

‫‪ .85‬السامرائي‪ ،‬فاضل(‪1989‬م)‪ :‬التعبير القرآني‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الموصل‪ :‬دار الكتب‪.‬‬

‫عمان‪ :‬دار‬
‫‪ .86‬السامرائي‪ ،‬فاضل صالح(‪2007‬م)‪ :‬معاني األبنية في العربية‪ ،‬ط‪َّ ،2‬‬

‫عمار‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪366‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .87‬السامرائي‪ ،‬فاضل(‪2003‬م)‪ :‬معاني النحو‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬شركة العاتك‪.‬‬

‫الفتلي‪ ،‬عبد الحسين‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .88‬ابن السراج‪ ،‬أبو بكر(‪1996‬م)‪ :‬األصول في النحو‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫ط‪ .3‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫‪ .89‬السرقسطي‪ ،‬أبو طاهر إسماعيل بن خلف (‪1405‬هـ)‪ :‬العنوان في القراءات‬

‫السبع‪ ،‬تحقيق‪ :‬زاهد‪ ،‬زهير‪ ،‬العطية‪ ،‬خليل‪ ،‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬

‫‪ .90‬سعد‪ ،‬محمد أحمد(‪2000‬م)‪ :‬التوجيه البالغي للقراءات القرآنية‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪:‬‬

‫مكتبة اآلداب‪.‬‬

‫‪ .91‬السعدي‪ ،‬عبد الرحمن(‪2000‬م)‪ :‬تيسير الكريم المنان في تفسير كالم َّ‬


‫المنان‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬اللويحق‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫‪ .92‬السفاقسي‪ ،‬علي النوري بن محمد(‪2008‬م)‪ :‬غيث النفع في القراءات السبع‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬الحفيان‪ ،‬أحمد‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫السكاكي‪ ،‬يوسف(‪1987‬م)‪ :‬مفتاح العلوم‪ ،‬تحقيق‪ :‬زرزور‪ ،‬نعيم‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪:‬‬


‫َّ‬ ‫‪.93‬‬

‫دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫معوض‪ ،‬علي‬
‫‪ .94‬السمرقندي‪ ،‬نصر بن أحمد(‪1993‬م)‪ :‬بحر العلوم‪ ،‬تحقيق‪ّ :‬‬

‫وآخرون‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .95‬السمعاني‪ ،‬أبو الظفَّر منصور(‪1997‬م)‪ :‬تفسير القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم‪ ،‬ياسر‪،‬‬

‫ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬دار الوطن‪.‬‬

‫‪ .96‬سيبويه‪ ،‬أبو بشر عمرو بن عثمان(‪1982‬م)‪ :‬الكتاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬هارون‪ ،‬عبد‬

‫السالم‪ ،‬ط‪ .2‬القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .97‬ابن سيده‪ ،‬علي بن إسماعيل (‪2000‬م)‪ :‬المحكم والمحيط األعظم‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫المحقق‪ :‬هنداوي‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .98‬ابن ِس َ‬
‫يده‪ ،‬علي(‪ 1996‬م)‪ :‬المخصص‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل‪ ،‬جفال‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬

‫إحياء التراث‪.‬‬

‫‪ .99‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين(د‪.‬ت)‪ :‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو الفضل‪،‬‬

‫محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬المطبعة العصرية‪ ،‬قطر‪ :‬و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .100‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين(‪1994‬م)‪ :‬قطف األزهار في كشف األسرار‪ ،‬ط‪ ،1‬تحقيق‪:‬‬

‫الحمادي‪ ،‬أحمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الدوحة‪ :‬و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .101‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين(‪2008‬م)‪ :‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬تحقيق‪ :‬جاد‪،‬‬

‫محمد أحمد وآخرون‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ :‬مكتبة دار التراث‪ ،‬الساقي‪.‬‬

‫‪ .102‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين(‪1988‬م)‪ :‬معترك األقران في إعجاز القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫شمس الدين‪ ،‬أحمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .103‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين(‪1998‬م)‪ :‬همع الهوامع في شرح جمع الجوامع‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫شمس الدين‪ ،‬أحمد‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫الدقِّي‪:‬‬
‫‪ .104‬شادي‪ ،‬محمد إبراهيم (‪1988‬م)‪ :‬البالغة الصوتية في القرآن الكريم‪ ،‬ط‪ُّ ،1‬‬

‫شركة الرسالة‪.‬‬

‫‪ .105‬ابنت الشاطئ‪ ،‬عائشة عبد الرحمن(‪1984‬م)‪ :‬اإلعجاز البياني للقرآن ومسائل‬

‫ابن األزرق دراسة قرآنية لغوية وبيانية‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.‬‬

‫‪ .106‬ابنت الشاطئ‪ ،‬عائشة(د‪.‬ت)‪ :‬التفسير البياني للقرآن الكريم‪ ،‬ط‪ ،7‬القاهرة‪ :‬دار‬

‫المعارف‪.‬‬
‫‪368‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .107‬الشعراوي‪ ،‬محمد متولي (‪1997‬م)‪ :‬تفسير الشعراوي‪ -‬الخواطر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬

‫مطابع أخبار اليوم‪.‬‬

‫‪ .108‬الشنقيطي‪ ،‬محمد األمين(‪1426‬هـ)‪ :‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪،‬‬

‫‪ ،680/6‬تحقيق‪ :‬أبو زيد‪ ،‬بكر‪ .‬ط‪ ،1‬مكة المكرمة‪ :‬دار عالم الفوائد‪.‬‬

‫‪ .109‬الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي(‪1992‬م)‪ :‬فتح القدير الجامع بين َّ‬


‫فني الرواية والدراية‬

‫من علم التفسير‪ ،‬تحقيق‪ :‬عميرة‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الوفاء‪.‬‬

‫‪ .110‬الشيخ‪ ،‬حمدي(‪2014‬م)‪ :‬القراءات القرآنية وأثرها في استنباط األحكام الفقهية‪،‬‬

‫ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬المكتب الجامعي الحديث‪.‬‬

‫‪ .111‬الشيخ‪ ،‬حمدي(د‪.‬ت)‪ :‬المعنى وأثره في اختالف وجوه اإلعراب في القراءات‬

‫القرآنية‪-‬دراسة تطبيقية‪ ،‬ط‪ ،1‬اإلسكندرية‪ :‬المكتب الجامعي الحديث‪.‬‬

‫‪ .112‬الصبان‪ ،‬محمد بن علي(‪1997‬م)‪ :‬حاشية الصبان على شرح األشموني أللفية‬

‫ابن مالك‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .113‬الصديقي‪ ،‬ابن َعالَّن(‪2001‬م)‪ :‬إتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬شمس الدين‪ ،‬إبراهيم‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫الصيمري‪ ،‬عبد اهلل(‪1982‬م)‪ :‬التبصرة والتذكرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد‪ ،‬فتحي‪ .‬ط‪ ،1‬مكة‬
‫‪َّ .114‬‬

‫المكرمة‪ :‬جامعة أم القرى‪.‬‬


‫َّ‬

‫‪ .115‬الضامن‪ ،‬حاتم(‪2001‬م)‪ :‬الصرف‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دبي‪ :‬مركز جمعة الماجد؛ األنطاكي‪.‬‬

‫‪ .116‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير(‪2000‬م)‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬شاكر‪،‬‬

‫أحمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .117‬العابد‪ ،‬صالح (‪2004‬م)‪ :‬نظرات لغوية في القرآن الكريم‪ ،‬ط‪ ،3‬الرياض‪ :‬دار‬

‫كنوز إشبيليا‪.‬‬

‫الدر المختار‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪:‬‬ ‫‪ .118‬ابن عابدين‪ ،‬محمد أمين)‪1992‬م)‪ُّ :‬‬


‫رد المحتار على ِّ‬

‫دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .119‬ابن عادل‪ ،‬أبو حفص عمر بن علي(‪1998‬م)‪ :‬اللباب في علوم الكتاب‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫عبد الموجود‪ ،‬عادل‪ ،‬معوض‪ ،‬علي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .120‬ابن عاشور‪ ،‬الطاهر(‪1984‬م)‪ :‬التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير‬

‫العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬تونس‪ :‬الدار التونسية‪.‬‬

‫‪ .121‬العاني‪ ،‬عبد القادر بن َّ‬


‫مال(‪1965‬م)‪ :‬بيان المعاني‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬مطبعة الترقِّي‪.‬‬

‫‪ .122‬عباس‪ ،‬فضل‪ :‬البالغة فنونها وأفنانها (المعاني)‪ ،‬ط‪ ،4‬األردن‪ :‬دار الفرقان‪.‬‬

‫‪ .123‬عباس‪ ،‬فضل (‪2008‬م)‪ :‬القراءات القرآنية وما يتعلق بها‪ ،‬ط‪ ،1‬األردن‪ :‬دار‬

‫النفائس‪.‬‬

‫‪ .124‬ابن عبد السالم‪ ،‬العز(‪1313‬هـ)‪ :‬اإلشارة إلى اإليجاز في بعض أنواع المجاز‪،‬‬

‫د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬المطبعة العامرة‪.‬‬

‫‪ .125‬أبو عبيدة‪ ،‬معمر بن المثنّى(‪1381‬هـ)‪ :‬مجاز القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬سزكين‪ ،‬فؤاد‪،‬‬

‫د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪.‬‬

‫‪ .126‬العسكري‪ ،‬أبو هالل(‪1952‬م)‪ :‬كتاب الصناعتين(الكتابة والشعر)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫البجاوي‪ ،‬علي؛ أبو الفضل‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬دار إحياء التراث‪.‬‬

‫‪370‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .127‬العسكري‪ ،‬أبو هالل (‪1412‬هـ)‪ :‬معجم الفروق الفردية‪ ،‬تحقيق‪ :‬بيات‪ ،‬بيت اهلل‪،‬‬

‫ط‪ ،1‬قم‪ :‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ .128‬العسكري‪ ،‬أبو هالل (د‪.‬ت)‪ :‬معجم الفروق اللغوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬سليم‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬

‫القاهرة‪ :‬دار العلم والثقافة‪.‬‬

‫‪ .129‬ابن عصفور(‪1996‬م)‪ :‬الممتع في التصريف‪ ،‬تحقيق‪ :‬قباوة‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫لبنان‪ :‬مكتبة لبنان ناشرون‪.‬‬

‫‪ .130‬ابن عصفور‪ ،‬علي(‪1972‬م)‪ :‬المقرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬الجوادي‪ ،‬أحمد؛ الجبوري‪ .‬ط‪.1‬‬

‫بدون دار ناشرة‪.‬‬

‫‪ .131‬ابن عطية‪ ،‬األندلسي(‪1422‬هـ)‪ :‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬عبد الشافي‪ ،‬عبد السالم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .132‬العقاد‪ ،‬عباس(‪2012‬م)‪ :‬اللغة الشاعرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مؤسسة هنداوي للتعليم‬

‫والثقافة‪.‬‬

‫الع ْك َبري‪ ،‬أبو البقاء عبد اهلل بن الحسين(‪1996‬م)‪ :‬إعراب القراءات الشواذ‪،‬‬
‫‪ُ .133‬‬

‫عزوز‪ ،‬محمد السيد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬


‫تحقيق‪ّ :‬‬

‫الع ْك َبري‪ ،‬أبو البقاء(‪2008‬م)‪ :‬التبيان في إعراب القرآن‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬شركة‬
‫‪ُ .134‬‬

‫القدس للتصدير‪.‬‬

‫‪ .135‬العكبري‪ ،‬أبو البقاء(د‪.‬ت)‪ :‬التبيان في إعراب القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬البجاوي‪ ،‬علي‪،‬‬

‫الحلبي وشركاه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البابي‬
‫ّ‬ ‫د‪.‬ط‪ ،‬سوريا‪ :‬عيسى‬

‫‪ .136‬العمادي‪ ،‬أبو السعود (د‪.‬ت)‪ :‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬بدون‬

‫تحقيق‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬


‫‪371‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .137‬العمادي‪ ،‬أبو السعود(د‪.‬ت)‪ :‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫عبد عطا‪ ،‬د‪.‬ط القادر‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة الرياض الحديثة‪.‬‬

‫‪ .138‬العمري‪ ،‬جمال(‪1982‬م)‪ :‬مباحث في اعجاز القرآن الكريم‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬

‫الشباب‪.‬‬

‫‪ .139‬عيد‪ ،‬رجاء(‪1998‬م)‪ :‬فلسفة البالغة بين التقنية والتطور‪ ،‬ط‪ ،2‬اإلسكندرية‪:‬‬

‫منشأة المعارف‪.‬‬

‫‪ .140‬عيسى‪ ،‬محمد مسعود(‪2009‬م)‪ :‬أثر القراءات القرآنية في الفهم اللغوي‪-‬دراسة‬

‫تطبيقية في سورة البقرة‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪.‬‬

‫‪ .141‬آغا‪ ،‬طه صالح(‪2007‬م)‪ :‬التوجيه اللغوي للقراءات القرآنية عند الفراء في‬

‫معاني القرآن‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪.‬‬

‫‪ .142‬الغالييني‪ ،‬مصطفى(‪2004‬م)‪ :‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتب‬

‫العلمية‪.‬‬

‫‪ .143‬ابن غلبون‪ ،‬أبو الطيب عبد المنعم(‪1995‬م)‪ :‬اختالف القراء السبعة في الياءات‬

‫والتاءات والنونات والباءات والثاءات‪ ،‬تحقيق‪ :‬الحسن‪ ،‬سر الختم‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪:‬‬

‫جامعة الملك سعود‪.‬‬

‫‪ .144‬ابن غلبون‪ ،‬أبو الطيب بن عبد المنعم(‪1991‬م)‪ :‬التذكرة في القراءات الثمان‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬سويد‪ ،‬أيمن‪ ،‬ط‪ ،1‬جدة‪ :‬الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ .145‬ابن فارس‪ ،‬أحمد(‪1979‬م)‪ :‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬هارون‪ ،‬عبد السالم‪،‬‬

‫د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .146‬الفارسي‪ ،‬أبو علي(‪1993‬م)‪ :‬الحجة للقراء السبعة‪ ،‬تحقيق‪ :‬قهوجي‪ ،‬بدر الدين‪.‬‬

‫ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار المأمون للتراث‪.‬‬

‫‪ .147‬فاضل مصطفى(‪1977‬م)‪ :‬أقسام الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬

‫القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪.‬‬

‫النجاتي‪ ،‬أحمد وآخرون‪ ،‬ط‪،1‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .148‬الفراء‪ ،‬يحيى (د‪.‬ت)‪ :‬معاني القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫مصر‪ :‬الدار المصرية للتأليف والترجمة‪.‬‬

‫‪ .149‬الفيروز آبادي‪ ،‬مجد الدين(‪1996‬م)‪ :‬بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب‬

‫العزيز‪ ،‬تحقيق‪ :‬النجار‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬القاهرة‪ :‬المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪،‬‬

‫لجنة إحياء التراث‪.‬‬

‫‪ .150‬الفيروز آبادي‪ ،‬مجد الدين(‪2005‬م)‪ :‬القاموس المحيط‪ ،‬تحقيق‪ :‬العرقوسي‪،‬‬

‫محمد‪ ،‬ط‪ ،8‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر‪.‬‬

‫‪ .151‬القاسمي‪ ،‬محمد جمال الدين(‪1957‬م)‪ :‬محاسن التأويل‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الباقي‪،‬‬

‫محمد فؤاد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬

‫‪ .152‬قباوة‪ ،‬فخر الدين(‪1998‬م)‪ :‬تصريف األسماء واألفعال‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬مكتبة‬

‫المعارف‪.‬‬

‫‪ .153‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد اهلل(د‪.‬ت)‪ :‬أدب الكاتب‪ ،‬تحقيق‪َّ :‬‬


‫الدالي‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪:‬‬

‫مؤسسة الرسالة‬

‫البردوني‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .154‬القرطبي‪ ،‬محمد شمس الدين(‪1964‬م)‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫أحمد؛ أطفيش‪ ،‬إبراهيم‪ .‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬دار الكتب المصرية‪.‬‬

‫‪ .155‬ابن القطاع‪ ،‬علي(‪1983‬م)‪ :‬كتاب األفعال‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬


‫‪373‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .156‬قطب‪ ،‬سيد(‪1412‬هـ)‪ :‬في ظالل القرآن‪ ،‬ط‪ ،17‬بيروت‪ :‬دار الشروق‪.‬‬

‫‪ .157‬قطب‪ ،‬سيد(‪2002‬م)‪ :‬مشاهد القيامة في القرآن‪ ،‬ط‪ ،14‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪.‬‬

‫‪ِ .158‬‬
‫الق َّنوجي‪ ،‬محمد صديق خان(‪1992‬م)‪ :‬فتح البيان في مقاصد القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫المكتبة العصريَّة‪.‬‬
‫األنصاري‪َ ،‬عبد اهلل‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬بيروت‪َ :‬‬
‫َ‬

‫‪ .159‬القوجوي‪ ،‬محمد بن مصلح الدين(‪1999‬م)‪ :‬حاشية محي الدين شيخ زاده على‬

‫تفسير البيضاوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شاهين‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .160‬ابن القوطية‪ ،‬أبو بكر(‪1952‬م)‪ :‬كتاب األفعال‪ ،‬تحقيق‪ :‬فودة‪ ،‬علي‪ .‬ط‪ ،1‬القاهرة‪:‬‬

‫مطبعة مصر‪.‬‬

‫وعلَلِ َها‬
‫‪ .161‬القيسي‪ ،‬مكي بن أبي طالب(‪1974‬م)‪ :‬الكشف عن وجوه القراءات السبع ِ‬

‫وح َج ِج َها‪ ،‬تحقيق‪ :‬رمضان‪ ،‬محيي الدين‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دمشق‪ :‬مطبوعات مجمع اللغة‬
‫ُ‬

‫العربية‪.‬‬

‫‪ .162‬القيسي‪ ،‬مكي بن أبي طالب (د‪.‬ت)‪ :‬كتاب التبصرة في القراءات السبع‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫محمد‪ ،‬جمال الدين‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬طنطا‪ :‬دار الصحابة للتراث‪.‬‬

‫‪ .163‬القيسي‪ ،‬مكي بن أبي طالب(‪2010‬م)‪ :‬مشكل إعراب القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد‬

‫العظيم‪ ،‬أسامة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .164‬ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن عمر(‪2000‬م)‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬

‫ابن حزم‪.‬‬

‫‪ .165‬الكرماني‪ ،‬محمود(د‪.‬ت)‪ :‬أسرار التكرار في القرآن الكريم‪ ،‬تحقيق‪ :‬عطا‪ ،‬عبد‬

‫القادر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفضيلة‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .166‬الكرماني‪ ،‬محمد بن أبي المحاسن(‪2001‬م)‪ :‬مفاتيح األغاني في القراءات‬

‫والمعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬مدلج‪ ،‬عبد الكريم‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار ابن حزم‪.‬‬

‫‪ .167‬الكريم‪ ،‬عبد اهلل(د‪.‬ت)‪ :‬الدرس النحوي في القرن العشرين‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬

‫اآلداب‪.‬‬

‫‪ .168‬الكوراني‪ ،‬أحمد(‪2007‬م)‪ :‬غاية األماني في تفسير الكالم الرباني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫كوكصو‪ ،‬محمد‪ ،‬تركيا‪ :‬جامعة صاقريا ‪-‬كلية العلوم االجتماعية‪.‬‬

‫‪ .169‬الشين‪ ،‬عبد الفتاح(‪1983‬م)‪ :‬من أسرار التعبير في القرآن صفاء الكلمة‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬

‫الرياض‪ :‬دار المريخ‪.‬‬

‫‪ .170‬الماتريدي‪ ،‬محمد بن محمد(‪2005‬م)‪ :‬تأويالت أهل السنة‪ ،‬تحقيق‪ :‬باسلوم‪،‬‬

‫مجدي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .171‬ابن مالك‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪ :‬شرح الكافية الشافية‪ ،‬تحقيق‪ :‬هريدي‪ ،‬عبد المنعم‪.‬‬

‫المكرمة‪ :‬جامعة ِّأم القرى ومركز البحث العلمي واحياء التّراث‪.‬‬


‫َّ‬ ‫د‪.‬ط‪ ،‬مكة‬

‫‪ .172‬الماوردي‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد(د‪.‬ت)‪ :‬النكت والعيون‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد‬

‫المقصود‪ ،‬السيد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .173‬مايو‪ ،‬عبد القادر(د‪.‬ت)‪ :‬علم النحو العربي‪-‬الفاعل ونائب الفاعل‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪:‬‬

‫دار القلم العربي‪.‬‬

‫‪ .174‬المبرد‪ ،‬محمد(‪2010‬م)‪ :‬المقتضب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عضيمة‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪:‬‬

‫المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية ولجنة إحياء التراث‪.‬‬

‫‪ .175‬المجاشعي‪ ،‬علي(‪2007‬م)‪ :‬النكت في القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬الطويل‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬

‫مصر‪ :‬دار البدر‪.‬‬


‫‪375‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .176‬ابن مجاهد‪ ،‬أحمد(‪1980‬م)‪ :‬السبعة في القراءات‪ ،‬تحقيق‪ :‬ضيف‪ ،‬شوقي‪ .‬ط‪،2‬‬

‫القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.‬‬

‫‪ .177‬محسين‪ ،‬محمد(‪1415‬هـ)‪ :‬الفتح الرباني في عالقة القراءات بالرسم العثماني‪،‬‬

‫د‪.‬ط‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الملك فهد الوطنية‪.‬‬

‫‪ .178‬محمود‪ ،‬عبد الغفور(‪2008‬م)‪ :‬القرآن والقراءات واألحرف السبعة‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪:‬‬

‫دار السالم‪.‬‬

‫‪ .179‬ابن أبي مريم‪ ،‬نصر بن علي (‪2009‬م)‪ :‬الموضح في وجوه القراءات وعللها‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬الطرهوني‪ ،‬عبد الرحيم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .180‬المصري‪ ،‬ابن أبي اإلصبع(‪1995‬م)‪ :‬بديع القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‪ ،‬حفني‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬

‫القاهرة‪ :‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪ .181‬المطرودي‪ ،‬عبد الرحمن(‪1991‬م)‪ :‬األحرف القرآنية السبعة‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬دار‬

‫عالم الكتب‪.‬‬

‫‪ .182‬المظهري‪ ،‬محمد ثناء اهلل (‪1412‬هـ)‪ :‬التفسير المظهري‪ ،‬تحقيق‪ :‬التونسي‪ ،‬غالم‬

‫نبي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬الباكستان‪ :‬مكتبة الرشدية‪.‬‬

‫اسطي(‪2004‬م)‪ :‬الكنز في القراءات‬


‫‪ .183‬المقرئ تاج الدين‪ ،‬عبد اهلل بن الوجيه الو ّ‬

‫العشر‪ ،‬تحقيق‪ :‬المشهداني‪ ،‬ط‪ ،1‬خالد‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الثقافة الدينية‪.‬‬

‫‪ .184‬مكرم‪ ،‬عبد العال سالم(‪1992‬م)‪ :‬تطبيقات نحوية بالغية‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬مؤسسة‬

‫الرسالة‪.‬‬

‫‪ .185‬مكرم‪ ،‬عبد العال سالم‪ ،‬عمر‪ ،‬أحمد مختار(‪1997‬م)‪ :‬معجم القراءات القرآنية‪،‬‬

‫ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬


‫‪376‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .186‬المنجد‪ ،‬محمد(‪ :)2010‬اتساع الداللة في الخطاب القرآني‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار‬

‫الفكر‪.‬‬

‫‪ .187‬ابن منظور‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪ :‬لسان العرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬الكبير عبد اهلل وآخرون‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬

‫القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.‬‬

‫‪ .188‬المهدوي‪ ،‬أحمد بن عمار(‪2006‬م)‪ :‬شرح الهداية‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد‪ ،‬حازم‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫األردن‪ :‬دار عمار‪.‬‬

‫‪ .189‬أبو موسى‪ ،‬محمد(‪1996‬م)‪ :‬من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة‬

‫األحزاب‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪.‬‬

‫‪ .190‬موسى‪ ،‬محمد السيد(د‪.‬ت)‪ :‬اإلعجاز البالغي في استخدام الفعل المبني‬

‫للمجهول‪ ،‬ص‪ ،2‬د‪.‬ط‪ ،‬المنصورة‪ :‬كلية اآلداب‪.‬‬

‫األعظمي‪ ،‬ط‪ ،1‬محمد‪ ،‬اإلمارات‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .191‬أنس‪ ،‬مالك‪2004(:‬م)‪ :‬الموطأ‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان لألعمال الخيرية واإلنسانية‪.‬‬

‫‪ .192‬ميشال‪ ،‬زكريا(‪1938‬م)‪ :‬األلسنية‪-‬علم اللغة الحديث‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬المؤسسة‬

‫الجامعة للدراسات والنشر والتوزيع‪.‬‬

‫الصابوني‪ ،‬محمد‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪َّ .193‬‬


‫النحاس‪ ،‬أبو جعفر(‪1409‬هـ)‪ :‬معاني القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫ّ‬

‫مكة المكرمة‪ :‬جامعة أم القرى‪.‬‬

‫‪ .194‬النحاس‪ ،‬أبو جعفر(‪1421‬هـ)‪ :‬إعراب القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل‪ ،‬عبد المنعم‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫العلي‪ ،‬خالد‪ .‬ط‪ .2‬بيروت‪:‬‬ ‫‪َّ .195‬‬


‫النحاس‪ ،‬أبو جعفر(‪2008‬م)‪ :‬إعراب القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫ّ‬

‫دار المعرفة‪.‬‬
‫‪377‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫الميسر‪ ،‬ط‪ ،4‬السعودية‪ :‬مجمع الملك‬


‫َّ‬ ‫‪ .196‬نخبة من العلماء(‪2012‬م)‪ :‬التفسير‬

‫فهد‪.‬‬

‫‪ .197‬النسائي‪ ،‬أحمد بن شعيب(‪1986‬م)‪ :‬المجتبى من السنن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو غدة‪ ،‬عبد‬

‫الفتاح‪ ،‬ط‪ ،2‬حلب‪ :‬مكتبة المطبوعات اإلسالمية‪.‬‬

‫‪َّ .198‬‬
‫الن َّ‬
‫شار‪ ،‬عمر بن زين الدين قاسم(‪2008‬م)‪ :‬البدور الزاهرة في القراءات العشر‬

‫المتواترة‪ ،‬تحقيق‪ :‬المعصراوي‪ ،‬أحمد‪ ،‬ط‪ ،2‬قطر‪ :‬و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .199‬نهر‪ ،‬هادي(‪2008‬م)‪ :‬التفسير اللغوي االجتماعي للقراءات القرآنية‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫ع َّمان‪ :‬عالم الكتب الحديث‪.‬‬

‫‪ .200‬النيسابوري‪ ،‬أحمد بن الحسين بن ِم ْهران(‪1981‬م)‪ :‬المبسوط في القراءات العشر‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬حكيمي‪ ،‬سبيع‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دمشق‪ :‬مجمع اللغة العربية‪.‬‬

‫‪َّ .201‬‬
‫النيسابوري‪ ،‬مسلم بن الحجاج(د‪.‬ت)‪ :‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن‬

‫العدل إلى الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الباقي‪ ،‬محمد فؤاد‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫بيروت‪ :‬دار إحياء التراث‪.‬‬

‫‪ .202‬الهذلي‪ ،‬يوسف بن علي(‪2007‬م)‪ :‬الكامل في القراءات العشر‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشايب‪،‬‬

‫جمال‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة سما للتوزيع والنشر‪.‬‬

‫‪ .203‬الهرري‪ ،‬محمد األمين(‪2001‬م)‪ :‬حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬محمد‪ ،‬هاشم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار طوق النجاة‪.‬‬

‫‪ .204‬ابن هشام‪ ،‬عبد اهلل جمال الدين(‪2004‬م)‪ :‬شرح شذور الذهب في معرفة كالم‬

‫العرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد‪ ،‬محمد محي الدين‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الطالئع‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .205‬ابن هشام‪ ،‬جمال الدين(‪1964‬م)‪ :‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫المبارك‪ ،‬مازن‪ ،‬حمد اهلل‪ ،‬محمد‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار الفكر‬

‫الب ِس ْيط‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬جامعة اإلمام محمد‬


‫ير َ‬
‫ِ‬
‫‪ .206‬الواحدي‪ ،‬علي(‪1430‬هـ)‪ :‬التَّ ْفس ُ‬

‫بن سعود اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .207‬الواحدي‪ ،‬علي(‪1994‬م)‪ :‬الوسيط في تفسير القرآن المجيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬معوض‪،‬‬

‫علي‪ ،‬عبد الموجود‪ ،‬عادل‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .208‬الورفلي‪ ،‬رانية(‪2008‬م)‪ :‬الفروق الداللية بين القراءات القرآنية العشر‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫بنغازي‪ :‬جامعة قاريونس‪.‬‬

‫‪ .209‬ابن يعيش‪ ،‬موفّق الدين(‪2001‬م)‪ :‬شرح المفصل‪ ،‬تحقيق‪ :‬بديع‪ ،‬إيميل‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ ‬الرسائل الجامعية‪:‬‬

‫‪ .210‬بازمول‪ ،‬محمد(‪1412‬هـ)‪ :‬القراءات وأثرها في التفسير واألحكام‪ ،‬مكة المكرمة‪:‬‬

‫جامعة أم القرى (دكتوراة)‪.‬‬

‫‪ .211‬جاد اهلل‪ ،‬هدى(‪2006‬م)‪ :‬تفسير القرآن بالقراءات العشر(من النور إلى النمل)‪،‬‬

‫غزة‪ :‬الجامعة اإلسالمية(ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .212‬الجعيد‪ ،‬إبراهيم(‪1999‬م)‪ :‬خصائص بناء الجملة القرآنية وداللتها البالغية في‬

‫تفسير التحرير والتنوير‪ ،‬ص‪ ،259‬مكة المكرمة‪ :‬جامعة أم القرى(دكتوراة)‪.‬‬

‫‪ .213‬الجمل‪ ،‬محمد(‪2005‬م)‪ :‬الوجوه البالغية في توجيه القراءات القرآنية المتواترة‪،‬‬

‫األردن‪ :‬جامعة اليرموك(دكتوراة)‪.‬‬


‫‪379‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫وتفسير‬
‫ًا‬ ‫‪ .214‬الحربي‪ ،‬عبد العزيز(‪1417‬هـ)‪ :‬توجيه مشكل القراءات العشرية لغة‬

‫واعر ًابا‪ ،‬مكة المكرمة‪ :‬جامعة أم القرى(ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .215‬الحمزاوي‪ ،‬عالء(‪1998‬م)‪ :‬الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية‬

‫والتركيب‪ ،‬مصر‪ :‬جامعة المنيا(دكتوراة)‪.‬‬

‫‪ .216‬خالدي‪ ،‬خالد(‪2011‬م)‪ :‬االختالفات الصرفية والنحوية بين قراءتي الكسائي وأبي‬

‫عمرو بن العالء وأثرها في محادثة المعنى‪ ،‬الجزائر‪ :‬جامعة أبي بكر‬

‫بالقايد(ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .217‬خضر‪ ،‬محمد ياسين(‪2005‬م)‪ :‬دقائق الفروق اللغوية في البيان القرآني‪ ،‬بغداد‪:‬‬

‫جامعة بغداد(دكتوراة)‪.‬‬

‫‪ .218‬خليل‪ ،‬سامي(‪2009‬م)‪ :‬تفسير القرآن بالقراءات العشر من خالل سور سبأ‬

‫وفاطر ويس والصافات وص‪ ،‬غزة‪ :‬الجامعة اإلسالمية (ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .219‬أبو راس‪ ،‬منصور(‪2006‬م)‪ :‬اختالف البنية الصرفية في القراءات السبع‪ ،‬مكة‬

‫المكرمة‪ :‬جامعة أم القرى(ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .220‬رحمة‪ ،‬ستي(‪2016‬م)‪ :‬نائب الفاعل في القرآن الكريم‪-‬دراسة في سورة الكهف‬

‫ويس والواقعة والملك‪ ،‬الجزائر‪ :‬جامعة أنستاري اإلسالمية (ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .221‬سالم‪ :‬محمود عوض(‪2013‬م)‪ :‬العدول في التراكيب دراسة نحوية داللية على‬

‫القراءات العشر‪ ،‬مصر‪ :‬جامعة بني سويف(دكتوراة)‪.‬‬

‫‪ .222‬سيكو‪ ،‬كوليبالي(‪1423‬هـ)‪ :‬طبيعة االختالف بين القراء العشرة وبيان ما انفرد‬

‫بقراءته كل منهم من خالل إعراب القرآن وتفسيره‪ ،‬ساحل العاج‪( ،‬ماجستير)‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫‪ .223‬شهرة‪ ،‬إلياس(‪2014‬م)‪ :‬توجيه الفروق النحوية بين روايتي ورش عن نافع‬

‫وخلف عن حمزة‪ ،‬الجزائر‪ :‬جامعة الجزائر (ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .224‬عبد السالم‪ ،‬عواطف(‪2007‬م)‪ :‬صنيع الزيادة ومعانيها في الربع األول من‬

‫القرآن الكريم‪ ،‬السودان‪ :‬جامعة القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية(ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .225‬عطية‪ ،‬هديل‪ ،‬والمنيراوي‪ ،‬يوسف(‪2009‬م)‪ :‬أثر اختالف اإلعراب في تفسير‬

‫القرآن الكريم دراسة تطبيقية في سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء‪َّ ،‬‬
‫غزة‪:‬‬

‫الجامعة اإلسالمية‪( ،‬ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .226‬الغفاري‪ ،‬محمد توفيق(‪2013‬م)‪ :‬الوجهة البالغية للقراءات القرآنية في كتاب‬

‫الحجة ألبي علي الفارسي‪ ،‬غزة‪ :‬الجامعة اإلسالمية (ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .227‬الفضول‪ ،‬سليمان(‪2007‬م)‪ :‬االختالف في قراءة عاصم بين روايتي شعبة‬

‫وحفص‪-‬دراسة صوتية صرفية في ضوء علم اللغة المعاصر‪ ،‬األردن‪ :‬جامعة‬

‫مؤتة(ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .228‬قاسم‪ ،‬عبد الرحمن بن حسين(‪1430‬هـ)‪ :‬توجيه االختالف النحوي والصرفي وأثره‬

‫في المعنى بين روايتي حفص عن عاصم وورش عن نافع‪ ،‬السعودية‪ :‬جامعة‬

‫اإلمام محمد بن سعود (ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .229‬كحيل‪ ،‬منير(‪2009‬م)‪ :‬ما انفرد به يعقوب من القراءات دراسة وصفية تحليلية‪،‬‬

‫الجزائر‪ :‬جامعة الحاج خضر(ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .230‬لطيف‪ ،‬محمد(‪2012‬م)‪ :‬القراءات المتواترة وأثرها في فهم المعاني دراسة نحوية‬

‫بالغية‪ ،‬باكستان‪ :‬جامعة كراتشي (دكتوراة)‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ .231‬محمد‪ ،‬صابر(‪2008‬م)‪ :‬تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر من سورة‬

‫التغابن إلى سورة الناس‪ ،‬غزة‪ :‬الجامعة اإلسالمية(ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .232‬المحمدي‪ ،‬محمد(‪2015‬م)‪ :‬التوجيه اللغوي والصرفي والنحوي في حجة القراءات‬

‫البن زنجلة‪ ،‬السودان‪ :‬جامعة القرآن الكريم (دكتوراة)‪.‬‬

‫‪ .233‬مصطفى‪ ،‬كريمة‪2001(:‬م)‪ :‬المبني لما لم يسم فاعله في القرآن‪ ،‬اإلسكندرية‪:‬‬

‫جامعة اإلسكندرية(دكتوراة)‪.‬‬

‫‪ .234‬المالحي(‪2002‬م)‪ :‬تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر (الفاتحة–آل‬

‫عمران)‪ ،‬غزة‪ :‬الجامعة اإلسالمية(ماجستير)‪.‬‬

‫السماع‪ ،‬مكة المكرمة‪ :‬جامعة أم‬ ‫‪ِ .235‬‬


‫موضي(‪1986‬م)‪ :‬صيغ األفعال بين القياس و َّ‬

‫القرى(ماجستير)‪.‬‬

‫الصرفي‪ ،‬جامعة‬
‫َّ‬ ‫‪ .236‬ناصر‪ ،‬حمود(‪2006‬م)‪ :‬القراءات في ضوء الدَّرس‬

‫دمشق(دكتو ارة)‪.‬‬

‫‪ .237‬الهجري‪ ،‬محمد سعيد(‪2013‬م)‪ :‬التغير الزمني لألفعال في القراءات القرآنية وأثره‬

‫على المعنى‪ ،‬الجمهورية اليمنية‪ :‬جامعة ذمار (ماجستير)‪.‬‬

‫‪ .238‬الهرري‪ ،‬محمد(‪1986‬م)‪ :‬القراءات المتواترة التي أنكرها ابن جرير الطبري في‬

‫تفسيره والرد عليه من أول القرآن إلى آخر سورة التوبة‪ ،‬المدينة المنورة‪ :‬الجامعة‬

‫اإلسالمية (دكتوراة)‪.‬‬

‫‪ .239‬اليماني‪ ،‬عبد الباقي(‪2010‬م)‪ :‬المقدمة السعدية في ضوابط العربية‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫الشهري‪ ،‬فاطمة‪ ،‬السعودية‪ :‬جمعة الملك خالد(ماجستير)‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر‬

‫َّ‬
‫المجالت والدوريات‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ .240‬البراق‪ ،‬عبد اهلل(‪1432‬هـ)‪ :‬دالئل اإلعجاز في القراءات‪ ،‬السعودية‪ :‬مجلة الحكمة‪ ،‬العدد ‪.43‬‬

‫‪ .241‬الجيلي‪ ،‬علي أحمد(‪2008‬م)‪ :‬اختالف القراءات من صيغة الماضي إلى غيرها‬

‫حكمته وداللته‪ ،‬مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية‪ ،‬العدد(‪ )1‬المجلد(‪.)5‬‬

‫حسون‪ ،‬رضا هادي(‪2008‬م)‪ :‬الصيغة العامة المزيدة في القرآن الكريم‪ ،‬مجلة‬


‫‪ُّ .242‬‬

‫كلية التربية بالجامعة المستنصرية‪ ،‬العدد (‪.)4‬‬

‫‪ .243‬حنني‪ ،‬زاهر(‪2007‬م)‪ :‬المبني للمجهول في القرآن الكريم بحث في النحو‬

‫والداللة‪ ،‬فلسطين‪ :‬مجلة جامعة الخليل للبحوث‪ ،‬المجلد(‪ ،)3‬العدد(‪.)1‬‬

‫‪ .244‬الشتيوي‪ ،‬علي(‪2006‬م)‪ :‬التوجيه النحوي لقراءة عبد اهلل ابن مسعود من خالل‬

‫معاني القرآن للفراء‪ ،‬ليبيا‪ :‬مجلة كلية الدعوة اإلسالمية‪ :‬العدد‪.23‬‬

‫‪ .245‬الطويل‪ ،‬سيد رزق(‪1983‬م)‪ :‬ظاهرة التوهم في الدراسات النحوية والتصريفية‪،‬‬

‫مجلة كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى‪ ،‬ع‪.1‬‬

‫‪ .246‬عباس‪ ،‬فضل(‪1989‬م)‪ :‬الكلمة القرآنية وأثرها في الدراسات اللغوية‪ ،‬مجلة مركز‬

‫بحوث السنة النبوية‪ ،‬الجامعة األردنية‪ ،‬ع‪.4‬‬

‫‪ .247‬العظامات‪ ،‬حسين(‪2011‬م)‪ :‬فلسفة المبني للمجهول في العربية‪ ،‬األردن‪ :‬مجلة‬

‫المنارة‪ ،‬المجلد(‪ ،)17‬العدد(‪.)7‬‬

‫‪ .248‬قطب‪ ،‬محمد عبد العال(‪1990‬م)‪ :‬من جماليات التصوير في القرآن الكريم‪ ،‬مكة‬

‫المكرمة‪ :‬رابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬مجلة دعوة الحق‪ ،‬ع‪.99‬‬

‫‪ .249‬محمد‪ ،‬عبد الفتَّاح(‪2006‬م)‪ :‬الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية‪ ،‬مجلة‬

‫جامعة دمشق‪ ،‬ع‪ ،1‬ج‪.22‬‬


‫‪383‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ ‬بحوث منشورة على النت‪:‬‬

‫‪ .250‬حمدون‪ ،‬غسان (د‪.‬ت)‪ :‬أساس العالقة بين معاني القرآن بتعدد القراءات عند‬

‫ابن الجزري‪ ،‬صنعاء‪ :‬كلية التربية بجامعة صنعاء (بحث منشور على اإلنترنت)‪.‬‬

‫لشوا‪ ،‬أيمن عبد َّ‬


‫الرزاق(د‪.‬ت)‪ :‬الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية‪ ،‬بحث‬ ‫‪ .251‬ا َّ‬

‫منشور على النت‪.‬‬

‫‪ .252‬عبَّاس‪ ،‬فضل(‪2010‬م)‪ :‬القراءات القرآنية من الوجهة البالغية‪ ،‬مقال على‬

‫اإلنترنت‪ ،‬ملتقى أهل التفسير ‪http://tafsir.net‬‬

‫‪ .253‬محمد‪ ،‬شفاء(‪2009‬م)‪ :‬الفعل ومتعلَّقاته في الحزب األخير من القرآن‪-‬دراسة‬

‫تحليلية‪ ،‬مقال على شبكة األلوكة باإلنترنت‪.‬‬

‫‪ .254‬محمود‪ ،‬رياض‪ ،‬الشريف‪ ،‬عماد(‪2007‬م)‪ :‬القراءات القرآنية وأثرها في التفسير‪،‬‬

‫بحث منشور على النت من أبحاث الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة‪.‬‬

‫‪ .255‬أبو موسى‪ ،‬محمد(د‪.‬ت)‪ :‬اإلعجاز البالغي في استخدام الفعل المبني للمجهول‪،‬‬

‫بحث منشور على موقع صيد الفوائد‪.‬‬

‫‪ .256‬تفسير سورة الرعد بالقراءات العشر المتواترة‪( ،‬بحث منشور على اإلنترنت من‬

‫غير اسم الباحث وال الدار الناشرة وال رقم الطبعة وال تاريخها)‪.‬‬

‫‪384‬‬

You might also like