You are on page 1of 23

‫‪30‬‬

‫ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺭﻫﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺗﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬


‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺴﻨﻄﻴﻨﺔ ‪ - 1‬ﻣﺨﺘﺒﺮ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬

‫إشكالية اهلوية والعوملة‬


‫ﻛﻮﺍﺳﻤﻲ‪ ،‬ﻣﺮﻳﻢ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫ﻉ‪10‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬

‫بني‬ ‫‪2014‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬


‫‪47 - 66‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫‪642656‬‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬

‫ﻭﻣﻘﺎﻻﺕاملاضي وحتديات املستقبل‬


‫رهانات‬‫ﺑﺤﻮﺙ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫‪AraBase‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/642656‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬

‫األستاذة‪ /‬مريم كواسمي‬

‫قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫جامعة ‪ 03‬أوت ‪5511‬‬

‫© ‪ 2023‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ‪:‬‬

‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪APA‬‬
‫ﻛﻮﺍﺳﻤﻲ‪ ،‬ﻣﺮﻳﻢ‪ .(2014) .‬ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺭﻫﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺗﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‪.‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ‪ ،‬ﻉ‪ .66 - 47 ،10‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ ‪642656/Record/com.mandumah.search//:http‬‬
‫إشكالية اهلوية والعوملة‬ ‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪MLA‬‬
‫ﻛﻮﺍﺳﻤﻲ‪ ،‬ﻣﺮﻳﻢ‪" .‬ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺭﻫﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺗﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‪".‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔﻉ‪ .66 - 47 :(2014) 10‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ ‪642656/Record/com.mandumah.search//:http‬‬

‫بني‬

‫رهانات املاضي وحتديات املستقبل‬

‫األستاذة‪ /‬مريم كواسمي‬

‫قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫جامعة ‪ 03‬أوت ‪5511‬‬

‫© ‪ 2023‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫إشكالية اهلوية والعوملة‬

‫بني‬

‫رهانات املاضي وحتديات املستقبل‬

‫األستاذة‪ /‬مريم كواسمي‬

‫قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫جامعة ‪ 03‬أوت ‪5511‬‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫إشكالية اهلوية والعوملة بني رهانات املاضي وحتديات املستقبل‬

‫األستاذة‪ /‬مريم كواسمي‬

‫قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫جامعة ‪ 03‬أوت ‪5511‬‬

‫فرض مصطلح "اهلوية" نفسه يف الساحة األدبية والسياسية والثقافية بشكل الفت لالنتباه‪،‬‬

‫فبات دائم احلضور وأصبح احلديث عنه حديثا شائكا إشكاليا يدخل من سباق ران إسرتاتيجي‪،‬‬

‫لذلك أضحى من الصعب العثور على تعريف دقيق حمدد هلذا األخري فقد تعددت مفاهيمه‬

‫واختلفت‪ ،‬كل حسب خلفياته التارخيية والسياسية واعتقاداته الدينية ومناحيه األيديولوجية‪" ،‬فعلى‬

‫الرغم من أن مصطلح اهلوية ذو تاريخ طويل‪ ،‬إذ أنه اشتق من اجلذر الالتيين (‪ )Edem‬الذي يدل‬

‫على التوحد واالستمرارية‪ ،‬فإنه مل يصبح متداوال إال خالل القرن العشرين فقط‪ ،‬فاستقراء تاريخ كلمة‬

‫"هوية" يعود بنا إىل التاريخ القدمي إال أن مل يكن رائجا‪ ،‬فكانت إعادة بعثه يف القرن العشرين وذلك‬

‫تبعا خلصوصيات هذا القرن وما عرفه هذا األخري من صراعات وتشظيات بني الشعوب حتم على‬

‫الدارسني للقوميات إعادة بعث هذا املصطلح من جديد‪.‬‬

‫اهلوية كما عرفها قاموس "املنجد" اللغة العربية معناها (حقيقة الشيء أو الشخص املطلقة‪،‬‬

‫املشتملة على صفاته اجلوهرية) وهي يف اللغة العربية مشتقة‪ ،‬كما هو واضح يف مبناها من الضمري‬

‫املنفصل (هو) الذي يدل على ذات الشيء أو الشخص‪ ،‬املستقلة عن ذوات األشياء أو األشخاص‬

‫‪74‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫اآلخرين‪ .‬أما يف اللغة الفرنسية فإن لفظ اهلوية (‪ )identité‬مشتق من الكلمة الالتينية (‪،)Edem‬‬

‫اليت تقال عن األشياء أو الكائنات املتشاهبة أو املتماثلة متاثال تاما‪ ،‬مع االحتفاظ يف ذات الوقت‬

‫يتمايز بعضها عن بعض "واهلوية كما شرحها قاموس "الروس الفرنسي" تعين‪( :‬جمموع الظروف‪ ،‬أو‬

‫احليثيات اليت جعل من الشخص شخصا مميزا‪ ،‬أو حمددا)"‪.‬‬

‫وال خيتلف قاموس "‪ "Petit Robert‬يف تعريفه للهوية كثريا عما جاء يف القاموس السابق‪،‬‬

‫فهي حسب تعريفه هلا (ما يسمح بالتعرف على شخص بني مجيع األشخاص اآلخرين) لكنه يضيف‬

‫بني قوسني بأهنا (احلالة املدنية والصفات املميزة للشخص)‪.‬‬

‫أما املوسوعة الكونية فتنطلق من األصل الالتيين للكلمة لتنفذ فكرة التشابه أو التماثل التام‬

‫بني األشياء‪ ،‬وتستشهد بقول الفيلسوف الرياضي "البينيتز "‪( )6161 -6491( "Laypnits‬الذي‬

‫ينفي أن يتشابه شيئان يف العامل يف كل خصائصها) ليخلص إىل نتيجة (أنا لو قلنا بذلك لكانا شيئا‬

‫واحدا)‪.‬‬

‫وهبذا يكون مفهوم اهلوية مشرتكا بعض الشيء بني كل هذه التعريفات اللغوية املقدمة سابقا‪،‬‬

‫فنالحظ أن هناك إمجاع على أهنا تعين ذلك االستقالل الكياين لشيء أو كائن عن أي شيء آخر‪،‬‬

‫فاهلوية هنا تعين بشكل أوضح الشعور يتميز شخص أو جمتمع عن آخر مهما كانت درجة التشابه‬

‫بينهما‪.‬‬

‫كما أن هناك من أدخل البعد النفسي لدى اإلنسان يف تشكيل اهلوية أمثال الفيلسوف‬

‫اإلجنليزي (جون لوك ‪ )6179 -6161‬حيث قال‪" :‬إن الذات أو الـ"هو" (‪ )Le moi‬أو (‪)Self‬‬

‫‪74‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫هو ذلك الشيء (‪ )La chose‬املفكر الواعي‪ ،‬كائنا ما كانت الصورة اليت يتجلى فيها روحية أو مادية‬

‫بسيط مركبة ن "ال يهم" ومن خالل هذه الفقرة نالحظ اتساع مفهوم اهلوية وتشعبه أكثر فأكثر‪،‬‬

‫حيث أصبح أكثر تعقيدا باختاذه أبعادا "أكر منها لغوية"‪ ،‬بل أبعادا سياقية كما اختذت النقاشات‬

‫اخلاصة هبذا املصطلح منحنيني أساسيني (املنحىن السيكودينامي‪ -‬الدينامي النفسي) (واملنحىن‬

‫السوسيولوجي) "حيث ظهر املنحىن السيكودينامي مع "نظرية فرويد" حول التوحد أو التماهي وتتمثل‬

‫يف أن الطفل يتشرب أشخاصا أو موضوعات خارجية‪ ،‬غالبا ما تكون األنا العليا لألب (أو األم)‪،‬‬

‫وتركز (وإن كانت متصارعة)"‪ .‬املنحىن الدينامي النفسي يقصد به أن له عالقة بالقوى أو العمليات‬

‫العقلية أو العاطفية الناشئة خباصة يف فجر الطفولة وبآثارها يف على السلوك واألوضاع العقلية فهنا تتربر‬

‫العالقة بني الطفولة وآثارها يف السلوك البشري واعقلي وعلى هذا األساس تتكون شخصية الفرد‪...‬‬

‫ويف هذا السياق نفسه بنظر املؤرخ النفسي "ايريك ايركون" إىل اهلوية بوصفها "علمية تقع يف‬

‫القلب من اإلنسان كما توجد يف قلب ثقافته اجلمعية وهذا ما خيلق الرابطة بني الفرد واجملتمع‪ ،‬وقد‬

‫طور "ايريك ايركسون" (مفهوم أزمة اهلوية) خالل (احلرب العاملية الثانية) لإلشارة إىل املرضى املصابني‬

‫بتوحد الشخصية "مث عمم هذا املفهوم بعد ذلك ليدل على مرحلة كاملة‪ ،‬مراحل احلياة (‪ )...‬وهنا‬

‫تصبح مرحلة الشباب أزمة عامة واضطراب حمتمل للهوية‪ ،‬وبعد ذلك انطلق مصطلح أزمة اهلوية إىل‬

‫جمال االستعمال الشائع"‪ .‬ويعد هذا املفهوم هو أقرب املفاهيم النفسية وأكثرها إحاطة مبفهوم اهلوية‬

‫كمعطى نفسي‪ ،‬هذا فيما خيص "مفهوم اهلوية" من خالل املنحىن السيكودينامي أو الدينامي النفسي‪.‬‬

‫فيما خيص هذا املفهوم من خالل املنحىن السوسيولوجي كما ذكرنا سابقا فق اختذت املناقشات حول‬

‫هذه اإلشكالية منحنيني منحىن نفسي ومنحىن وسوسيولوجي "فريتبط االجتاه السوسيولوجي اخلاص‬

‫‪75‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫بنظرية اهلوية التفاعلية الرمزية‪ ،‬كما نبع من الرباغماتية للذات اليت تناوهلا "وليام جيمس" و"جورج‬

‫هاربرت"‪ ،‬فالذات تعتد قدرة إنسانية مميزة متكن األفراد من التفاع عن طريق اللغة واالتصال" فهذا‬

‫املصطلح عند السوسيولوجني مرتبط بعالقة األنا املتميزة بالعامل اخلارجي (اجملتمع) والتفاعل بني هذه‬

‫الذات وهذا العامل اخلارجي هلا‪ ،‬يتم عن طريق اللغة وهلذا قيل أن للغة الفضل يف تكوين وزرع‬

‫اإلحساس اجلماعي باالنتماء لدى الشعوب‪ .‬ويف خضم التطورات احلديثة على مستوى النظريات‬

‫االجتماعية وغريها تغري مفهوم "اهلوية" تبعا هلذه التغريات على مجيع املستويات املرتبطة "بالبنيوية وما‬

‫بعد البنيوية"‪ .‬وتستند آراء أصحاب البنيوية وما بعد البنيوية إىل آراء وتوجهات عامل اللغة السويسري‬

‫"فرديناد دي سوسري" صاحب االجتاه البنيوي (‪ )...‬فاللغة يف رأيه نسق ذو بنية وهو الذي يولد‬

‫املعاين‪ ،‬وقد أعلن "سوسري" أن اللغة هي‪ -‬احلقيقية‪ -‬اليت ختاطب الفرد بإخضاعه لقواعدها (‪)...‬‬

‫لدعم الرأي القائل بأن مجيع املعاين االجتماعي والثقافية‪ ،‬إمنا تتخلق داخل اللغة (‪ )...‬وبعبارة أخرى‬

‫ميكن القول بأن العامل من حولنا بل املكان الذي نعيش فيه إمنا يكسب معناه وداللته يف إطار التصور‬

‫الذي منلكه‪ ،‬وهكذا ميكن القول أن هويتنا‪ -‬من نكون‪-‬؟ وإحساسنا باهلوية إمنا يتشكل من خالل‬

‫املعاين املرتبطة ببعض اخلصائص والقدرات وأشكال السلوك‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس ميكن القول أن املادة اخلام للهوية تتشكل أوال من خالل اخلطابات‬

‫املتداولة ومع استيعاب األفراد هلذه اخلطابات وهبذا الشكل تلعب اللغة دورا كبريا يف تكوين هوية‬

‫الشعوب واألممم‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫وبناء على هذا ال ميكن أن نعثر على معىن واضح ملصطلح "اهلوية" داخل علم االجتماع‪،‬‬

‫حيث يستخدم هذا املصطلح بشكل عام وفضفاض مرافقا ملعىن أو مفهوم الذات عند الباحث‪ ،‬وتبعا‬

‫ملشاعره وأفكاره وتوجهاته حول ذاته مثلما هو احلال فيما خيص مصطلحي "هوية النوع" و"اهلوية‬

‫الطبقية"‪ ،‬لذلك يرى البعض أن هويتنا تعد نتاجا للتوقعات املرتبطة باألدوار االجتماعية يف مقابل ذلك‬

‫يرى البعض اآلخر أننا نصوغ ذواتنا بشكل أفضل تفاعلية من خالل املواد اليت تقدم لنا أثناء عملية‬

‫التنشئة االجتماع ي أو عرب األدوار املختلفة اليت تؤديها"‪ ،‬ونالحظ أن ما هو مشرتك بني كل هذه‬

‫التوضيحات أن اهلوية "هي نتاج اجتماعي قبل كل شيء ينشأ من خالل التفاعل القائم بني "الفرد‬

‫وأدواره املختلفة اليت تؤديها يف اجملتمع بكل جوانبه" معرجني على دور اللغة كعنصر اجتماعي يف حتديد‬

‫وإبراز مالمح هذه اهلوية‪ ،‬دون أن نغفل حضور بعض املسميات الشائعة يف أوساط علم االجتماع‬

‫وعلم النفس مثل‪ :‬اخلصية‪ ،‬اإلنية‪ ،‬الكينونة والذات وغريها‪.‬‬

‫مفهوم اهلوية عند املفكرين "العرب" يف العصر احلديث‪:‬‬

‫أولت دراسات الفكر العريب اهتماما كبريا مبفهوم اهلوية وهذا يعود إىل ما عانته الدول العربية‬

‫اإلسالمية عن متزق وشتات جراء احلروب واالستعمار وكل أنواع السيطرة اخلارجية االستعمارية منها‬

‫واالستثمارية‪ ،‬فتاريخ الدول العربية يف كل اجملاالت حافل باملعاناة والتمزق والتنظيمات‪ ،‬لذلك كان‬

‫موضوع اهلوية أو اهتمامات هذه الدول "وال شك أن العامل العريب بالنسبة للرأي العام‪ -‬كان أول‬

‫منطقة من مناطق العامل اليت وصفت فيها مسألة اهلوية‪ ،‬وكأهنا عالمة مميزة مركبة للحاضر‪ ،‬فقد تنظم‬

‫احلياة السياسية وبضبط إيقاعها عن طريق تظاهرات ضخمة كاشفة عن اهلويات" وعلى هذا األساس‬

‫‪15‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫مل هتر لفة "اهلوية" إال حديثا‪ ،‬يف املعجم السياسي واملعجم العريب‪ ،‬وكلما توارى التاريخ واضمحل‬

‫اجملتمع أمام الثقافة الغربية الكاسحة إال وصار النظام السياسي يواجه أكرب الصعوبات يف حتديد "معامل‬

‫هذه اهلوية"‪ ،‬وهذا يعود إىل انبهار الفرد العريب باآلخر الغريب وتعظيمه له مقابل تقزميه لذاته‪ ،‬هلذا كان‬

‫هذا االهنزام الفكري الذي يعانيه اجملتمع العريب هو السبب األول واألهم يف إعادة بعث هذا املصطلح‬

‫من جديد‪.‬‬

‫فهذا املفهوم للهوية شاع يف القرن التاسع عشر "كتعبري عن مجاع تارخيية تعيش أزمة‪ ،‬وتبحث‬

‫هلا عن خمرج يف تعابري مثل‪ :‬النزعة العاملية والتطورية‪ ،‬باملطالبة بإشباع اهلوية وضد التجانس وإمنا اهلوية‬

‫يف عامل جديد ظل زمنا طويال غريبا عنها ويف معارضة اخللط التارخيي‪ ،‬تبني وتكشف عن مواقف‬

‫دفاعية" فهذا املفهوم اجلديد للفظة اهلوية فرضته معطيات العصر وظروفه ومناحيه األيديولوجية‬

‫والفكرية ولذلك عربت يف القرن ‪64‬م عن مجاعة تعيش "التمزق" وأزمة التشظي‪ ،‬وحتاول من خالهلا‬

‫مواكبة التطورات العاملية كما هو احلال يف بلدان الوطن العريب املستعمرة وكانت هذه اللفظة يف هناية‬

‫املطاف "نتيجة لظروف الفشل واهلزائم الداخلية واخلارجية اليت عرفتها القومية العربية والدول اليت‬

‫خرجت مهزومة إثر حرب ‪6411‬م"‬

‫أما فيما خيص القرن ‪ 17‬م ونظرة مفكري إىل هذا املصطلح فلم ختتلف كثريا عن سابقيه‪:‬‬

‫حيث اكتسب اهلوية طابع اإلفراط يف القومي نظرا للخطر الذي يداهم القومية العربية‪ ،‬وحنن سنحاول‬

‫رصد آراء أهم مفكري هذا العصر من خالل بعض األمساء اليت سنستحضرها يف هذا املقام‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫شغلت قضي ة "اهلوية" عددا غري قابل من الكتاب واملفكرين واملثقفني من العرب وخاصة‬

‫املغاربة‪ ،‬وذلك ألن اجملتمع "املغاريب" لديه نظرته اخلاصة اليت ينظر هبا إىل موضوع "اهلوية" ومن بني‬

‫هؤالء جند الكاتب املغريب‪ :‬عبد السالم بن عبد العايل‪ :‬الذي اهتم هبذه القضية وأصدر جمموعة من‬

‫الكتب يف هذا اجملال منها (الرتاث واهلوية ‪ )6491‬وتطرق فيه إىل مهوم املثقف املغريب وكذلك عالقة‬

‫اهلوية بالرتاث‪ ،‬وكلك كتابة (أسس الفكر الفلسفي املعاصر ‪ )6446‬وحتدث فيه عن مسألة "اهلوية‬

‫واالختالف"‪.‬‬

‫"حياول املفكر املغريب وضع مفهوم للهوية على شاكلة ما قام به "هيجل" حيث أدمج‬

‫االختالف كمفهوم داخل للهوية وجزء منها ومييز بني مفهومي االختالف جزء من اهلوية‪ ،‬أما التميز‬

‫فهو إضفاء من خارجها لداخليها‪ ،‬إن االختالف خاصية يف اهلوية‪ ،‬أما التميز فهو خاصية هلوية ما‪،‬‬

‫ومنه‪ :‬اهلوية العربية واألوروبية واألسيوية"‪.‬‬

‫ونعرف كما سبق وذكرنا أن فكرة "االختالف يف اهلوية ظهرت عند هيجل يف الفلسفة الغربية‬

‫وعند اخلوارزمي يف الفلسفة العربية‪،‬وعند اخلوارزمي يف الفلسفة العربية‪،‬فاهلوية من وجهة نظر "بن عبد‬

‫العايل" موجدة لكنه يؤكد على وجود االختالف واالعتماد على آراء هيجل يف عالمة اهلوية‬

‫باالختالف" إال أ نه البد من التأكد هنا بأن هذا املفكر املغريب تناول مسألة اهلوية قصد دراسة العالقة‬

‫الشائكة بني "الفكر والواقع" وخصوص مع الغري أو اآلخر‪ ...،‬ومها مفهومان يبعدان اهلوية عن كل‬

‫ختشب واستقرار وثبات‪ ،‬بل وتنفي عنها االنغالق والتوحد فرتمي هبا يف تعدد ال متناه" أي أن اهلوية ال‬

‫تدعو النغالق والتحجر بل إمنا هي تتمتع بديناميكية ركية جتعلها "دائمة التجدد االنفتاح"‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫وهذا جنده يف قول بن عبد العايل‪" :‬ألهنا ترعى االختالف وترتك للتفردات نصيبها يف الوجود‬

‫بل إهنا ال تقدم نفسها إال حركة ال متناهية للضم والتباعد"‬

‫وميكن القول من خال ل هذا أن ريية "بن عبد العايل" ميكن اعتبارها ريية مثالية يف طبيعتها‪،‬‬

‫وحتاول االستناد على هاجس الرغبة يف املعرفة وكذلك "التفكيك" و"إعادة البناء" مقارنة بالنماذج‬

‫النقدية احلديثة اليت تسعى إىل إمعان النظر يف إشكالية اهلوية دون العودة إىل حمتواها الفلسفي‪ ،‬وها ما‬

‫سنجده يف كتابات "علي حرب" حيث بىن آراءه بعيدا عن الفلسفة املثالية القدمية وألصق دراساته‬

‫بالواقع العريب املعاش‪.‬‬

‫علي حرب واملفهوم الوضعي للهوية‪:‬‬

‫إذا كان "عبد السالم بن عبد العايل" نظر للهوية من موقف فلسفي خالص فإن "علي حرب"‬

‫انطلق من ريية معيارية ونظر إليها على أهنا معطى جوهري يف الوجود حيث يقوم أن‪" :‬اهلوية اعتقاد‬

‫املرء أن بإمكانه أن يبقى "هو هو‪ ،‬بالتطابق مع أصوله‪ ،‬أو االلتصاق بذاكرته أو احملافظة على تراثه" ما‬

‫هو إال ومها ومل يكتف بذلك بل راح يقول‪" :‬إن هذا الوهم جعل املثقف يقيم يف قوقعته ويتصرف‬

‫كحارس هويته وأفكاره‪ ،‬األمر الذي منعه من التجديد واإلبداع‪ ،‬وحال بينه وبني االخنراط يف صناعة‬

‫العامل انطالقا من جمال عمله وتأثريه‪ ،‬أي من خالل صناعة األفكار وابتكار املفاهيم"‪" ،‬علي حرب"‬

‫أكثر الكتاب العرب واملفكرين تشايما يف قضية اهلوية حيث يعتربها ال وجود هلا‪ ،‬يف ظل "االنطواء‬

‫واجلمود والتثبيت بالرتاث وعدم جماراة العصر" ويرى أيضا أن االنفتاح على اآلخر هو "سر" اإلبداع‬

‫والتحديد وانتعا اهلوية وليس العكس كما يدعي بعض املثقفني‪ ،‬ففي موقفه "ينفي اهلوية نفيا هلويته"‪،‬‬

‫‪17‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫يطالب "علي حرب" املثقف "باإليداع" لنفع هويته وليس االنغالق والقضاء عليها‪ .‬لكن هذه الريية‬

‫سرعان ما يأيت "علي حرب" بنقيضها حيث يقوم عن اهلوية أهنا "أرحب من أن حتتويها فكرة أو عقيدة‬

‫أو مؤسسة"‪.‬‬

‫وهكذا ينتقل من حالة "أو موقف" النفي والرفض إىل موقف االعرتاف والقبول وهو‬

‫االعرتاف بوجود هوية ولكن يف ظل االنفتاح على الغري والتعرف وقبول اآلخر‪.‬‬

‫وقد كانت "مسألة اهلوية" الشغل الشاغل "لعلي حرب" يف بعض فرتات حياته وهذا ما تقر‬

‫به كل أعماله مثل‪ :‬كتابه "حديث النهايات"‪" ،‬فتوحات العوملة ومأزق اهلوية" ‪ 1777‬وحتدث فيه عن‬

‫اهلوية والعوملة كثنائية وصراع كل منهما من أجل البقاء‪.‬‬

‫"هنا يعود "علي حرب" إىل دائرة اهلوية غري ناف وجودها‪ ،‬يقول يف هذا الصدد "جيد اإلنسان‬

‫نفسه اليوم بني ثالث عوامل لكل منها هويته ومركز استقطابه‪:‬‬

‫األول‪ :‬العامل القدمي بأصولياته الدينية وتصوراته الالهوتية الغيبية أو املاورائية‪،‬‬

‫الثاين‪ :‬العامل احلديث بفلسفاته العلمانية ورواياته العقالنية أو بإيديولوجياته العاملية وهتومياته اإلنساوية‪،‬‬

‫الثالث‪ :‬العامل اآلخذ يف التشكل اآلن أي عامل العوملة‪ "...‬فهذه العوامل الثالث ميكن تسميتها‬

‫باألصولية (الرتاثية)‪.‬‬

‫والعاملية (العلمانية) والعوملة (اإلعالمية)‪ ،‬ويف خضم ها "فعلي حرب" حيمل "أهل اهلوية"‬

‫مسؤولية ضعفها" املثقف‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫كما ينفي أن تكون اهلوية جاهزة أو منزلة من األعلى فهو يقرتح هوية ولكن دون امتالك‬

‫قبلي هلا‪ ،‬بل على العكس من ذلك وهذا ما نفهمه من قوله‪ :‬إهنا مرة اجلهد واملراس واشتغال على‬

‫املعطي الوجدي بكل أبعاده من أجل حتويله إىل أعمال وإجنازات فاهلوية صناعة وحتويل بقدر ما هي‬

‫انبناء وتشكل واألحرى القول بأهنا بنية يعاد بنايها باستمرار خصوصا عند األزمات أو الوقوع يف‬

‫مأزق"‬

‫وهذا املفهوم أراد "علي حرب" من خالله جتاوز الفهم اجلاري للهوية الذي كان أول أسباب‬

‫ضعفها يف وقت مضى وال يزال كذلك‪ ،‬وذلك ألن اهلوية القوية واملزدهرة هي اهلوية القادرة على األخذ‬

‫والعطاء وذلك من خالل احلفاظ على أصوهلا مع جماراة عصرها "بكل أبعاده"‪.‬‬

‫ويضيف يف هذا املقام‪" :‬حنتاج إىل تغيري منط التعامل من هلويتنا ييث نقيم مع األول والثوابت‬

‫عالقة متحركة حتويلية‪ ،‬تتيح لنا أن نتغري عما حنن عليه عرب إنتاج احلقائق وخلق الوقائع وهبذا ملعىن حنن‬

‫حنتاج إىل الدفاع عن هلويتنا بقدر ما حنتاج أي عمل منتج نتجدد به بقدر ما تزداد جتدرا" هذا القول‬

‫يريد أن يطالب "حرب" بإعادة تشكل اهلوية من طرف املعنيني هبا من كل "العينات" يف سياق‬

‫األحداث واجملريات عوملة اهلوية "مبا يتماشى مع مقتضى العصر "اليوم" وهذا يقوم مبجموعة العمليات‬

‫منها‪ :‬التكوين‪ ،‬التداول‪ ،‬التواصل‪ ،‬االعرتاف مبواطن ضعف األنا‪ ،‬التنمية يف مجيع اجملاالت ألن مأزق‬

‫اهلوية من مأزق "األنا وهذا بالضبط ما حتدث عنه "علي حرب" يف كتابه "حديث النهاية"‪ ،‬وهنالك‬

‫أن األنا ال ميكن أن حيي من خالل مفردات األصل احملافظة االنغالق‪ ،‬التحجر واخلوف بل من خالل‬

‫مفردات املغامرة‪ ،‬التواصل والتبادل واالعرتاف‪ ،‬اإلبداع والتجدد والتحول واالخرتاق‪ ،‬ورفع شعار اخلروج‬

‫‪15‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫من الذاكرة واالنطواء هو أول خطوا اإلبداع والتجدد "لروح اهلوية" وهذا بالضبط ما نادى به "علي‬

‫حرب" يف كتاباته وتصرحياته للنخب املثقفة يف كل مرة‪.‬‬

‫وليس "علي حرب" الوحيد الذي الحقه "سؤال اهلوية" بل هناك من كل لـ"هذا املوضوع‬

‫هاجسا" لكن هذا املفكر اليوم ليس "عربيا" بل فرنكوفونيا وهو يتجسد يف شخص "أمني معلوف"‬

‫وأبرز كتاباته اهلويات القائلة (‪ )la identities meutriéres‬سؤال "اهلوية" األصل الذي الحق‬

‫"أمني معلوف" وصار يبحث عن ذاته وعن نفسه بني كل ما هو عريب أو فرنسي وعاش التمزق حيث‬

‫نراه يف مقدمة كتابه "اهلويات القاتلة" يطرح جمموعة من األسئلة عن أصله وهلويته وتلمس يف حديثه‬

‫ذلك النشظي الذي عاناه هذا الكاتب حيث يقول‪" :‬هل أنا إذن نصف فرنسي ونصف لبناين؟ يقول‪:‬‬

‫أبدا فاهلوية ال تتجزأ وال تنقسم أنصافا وال أثالثا وال مساحات منفصلة‪ ،‬ليست لدي هويات عدة‪،‬‬

‫أملك هوية واحدة مكونة من العناصر اليت تؤلفها على وفق تركيب خاص خيتلف من شخص آلخر"‪.‬‬

‫وهذه اهلوية اليت يتحدث عنها "أمني معلوف" ما هي إال هوية مركبة ( ‪identité‬‬

‫‪ )comlexe‬ويقدم آلة يف كتابه هذا عن بعض األفراد الذين ميلكون "هوية مركبة" مثله متاما‪ :‬فرانكو‪-‬‬

‫لبناين‪ ،‬أو مثل مالك حداد "فرانكو‪ -‬جزائري" فهذا االختالط يف نظر أمني معلوف "هو ضياع ومتزق"‬

‫حيث يقول أن‪" :‬إن الذي حيمل هوية مركبة جيد نفسه بالتايل مهمشا يقول بأهنم يكونون حية‬

‫االنتماء بني اهلوية األصلية واملكتسبة‪.‬‬

‫ويركز أمني معلوف "علي اهلوية" املركبة ألهنا يعاين من الصراع بني العرب والغرب بني لبنان‬

‫وفرنسا كما عاىن كثري مثله وهو يف كتابه هذا يدعو إىل "ميل املرء" إىل هوية واحدة وإن كانت لديه‬

‫‪14‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫"هوية مركبة" وهذا ما جنده يف مقالة له بعنوان هلوييت وانتماءايت " ‪mon identité et mes‬‬

‫‪"appurtenances‬ـ ويسعى أمني معلوف إىل القول ألنه ما من انتماء له الغلبة يف تكوين اهلوية‬

‫إطالقا "بل "أن اهلوية تتكون من انتماءات متعددة لكن من الضروري التأكيد أيضا بأهنا واحدة‬

‫ونعيشها كوحدة متكاملة"‪ .‬فاالنتماء الديين والسياسي واللغوي والعقائدي واأليديولوجي والثقايف‬

‫يدخل حتت لواء لفظة "اهلوية" وهي اليت جتمع بني كل هذه االنتماءات الكثرية من حيث املصدر‬

‫واألصل والتكوين دون أن تكون الغلبة املطلقة ألي من هذه االنتماءات بل اهلوية هي نتائج تفاعل‬

‫بينها وهذه الريية الوضعية للهوية عند أمني معلوف تعود إىل خصوصية هذا اآلخر أيديولوجيا وتكوينه‬

‫العلمي‪" :‬عريب غريب"‪.‬‬

‫أمني معلوف يرى أن "اهلوية مؤلفة من انتماءات متعددة وهي ليست سلسلة من االنتماءات‬

‫املستقلة وليست رقعا بل رمسا على النسيج مشدود" ومتاشيا مع هذا املنطق ملفهوم اهلوية جاءت رواية‪-‬‬

‫ليون أفريقي‪ -‬ألمني معلوف مبثابة دليل على هذا الفكر حيث يقول ليون هذا الذي هو حسن بن‬

‫حممد الوزان "ست أفريقيا وال من أوروبا وال من بالد العرب‪ ،‬فأنا ابن السبيل‪ ،‬وطين هو القافلة وحيايت‬

‫هي أقل الرحالت توقعا"‪.‬‬

‫وإذا عدنا إىل "بعض مفكري العرب" من القرن العشرين واستقرأنا آراءهم جند أن "حممد‬

‫عابد اجلابري" قد قدم مسامهة معمقة يف فهمه للهوية حيث يرى فيها "كيانا يصري ويتطور وليست‬

‫معطى جاهزا وهنائيا فهي تصري وتتطور إما يف اجتاه االنكماش وإما يف اجتاه االنتشار وهي تعتين‬

‫بتجارب أهلها ومعاناهتم وانتصاراهتم وأيضا باحتكاكها سلبا وإجيابا مع اهلويات الثقافية األخرى"‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫فهذه اهلوية ليست وليدة أعدم بل هي عبارة عن نتيجة لرتاكمات حضارية وثقافية جلماعة معينة‬

‫شكلت من خالهلا اهلوية "فهوية الفرد وهوية اجلماعة واهلوية قومية‪ ،‬كلها هويات متغرية ذات حركية‬

‫دائمة مع الزمن حيث تتفاعل مع معطيات العصر إما إجيابا وإما سلبا‪ ،‬وهذه الريية هي "نفسها ريية‬

‫ادوارد سعيد للهوية حيث يقوم بأهنا" مثرة إرادة وليست شيئا تعطيه الطبيعة والتاريخ"‪.‬‬

‫ويؤكد اجلابري أن اهلوية الثقافية ال تكتمل وال تربز خصوصيتها احلضارية وال تغدو هوية قارة‬

‫على نشدان العاملية وعلى األخذ والعطاء إال إذا جتمدت مرجعيتها يف كيان شخص تتطابق فيه ثالث‬

‫عناصر‪ :‬الوطن واألمة والدولة وعلى هذا األساس يؤمن اجلابري بأنه "ال يوجد داللة مطلقة فوق‬

‫الثقافات املغايرة لذلك فإن التجأت ثقافة ما إىل االقتباس ففي داخل هذه الثقافة ينبغي البحث عن‬

‫املربر الذي أدى إىل ذلك‪.‬‬

‫كما أن ما مييز نظرة اجلابري ملسألة اهلوية هو ربطها مبفهوم آخر هو القومية هذا املفهوم‬

‫الذي ظهر وانتشر مع الدعوات القومية يف القرن ‪64‬م"‪.‬‬

‫ومن خالل هذه التعاريف واالجتهادات املقدمة من قبل نقاد ومفكرين عرب نالحظ أنه‬

‫اجتمعوا حول حقيقة واحدة أن اهلوية إمنا هي وعي وإحساس باالنتماء إىل كيان اجتماعي معني له‬

‫خصوصياته اليت متيزه عن غريه‪ ،‬بغض النظر عن التصادمات واخلالفات أو حىت التطابقات يف أي جمال‬

‫من اجملاالت‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫اهلوية والعوملة‪:‬‬

‫شاع يف السنوات األخرية املاضية مصطلحا "أصبح األكثر تداوال يف الساحة الثقافية‪ ،‬فال حتل‬

‫مبقام إال وسجل فيه هذا املصطلح حضوره‪" ،‬العوملة" فهو مفهوم بعكس حقيقة أساسية مفادها زيادة‬

‫التالحم بني األجزاء املكونة لألرض من كل النواحي السياسية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬الثقافية واإلعالمية يف‬

‫مواجهة ظاهرة "التمسك بذات ثقافية معينة"‪" ،‬فالعوملة هي جمموعة متشابكة من العالقات املعقدة‪،‬‬

‫وهي عملية تارخيية تشهد انتقال اجملتمع اإلنساين من عهد الدول املنفردة أو الكيانات اإلقليمية إىل‬

‫عهد آخر ي شهد فيه تفاعال وتالمحا عضويا بني الدول والكيانات اإلقليمية والثقافات الوطنية" فهذا‬

‫املفهوم للعوملة واهلوية جيعل من كل منها مصطلحا يكاد يكون مناقضا لآلخر بأي صفة من الصفات‪،‬‬

‫فيمكن القول أن هذا املفهوم "العوملة" جيعل من "مصطلح اهلوية" نقيضا له إن صح التعبري" فاهلوية‬

‫قومية أو اهلوية الوطنية كعامل أساسي يف بناء ثقافة وكيان الشعوب وبذلك كان هذا املفهوم اجلديد‬

‫مبثابة زعزعة للنظام العام القومي لألمم والشعوب اليت ترى يف التفاعل والتالحم مع اآلخر مبثابة التبعية‬

‫واخلروج عن خصوصية األنا وجوهر الذات وما ميثل اهلوية أمام هذا املد اجلديد املطالب حبل وفك كل‬

‫اهلويات والدول حتت قانون واحد أال وهو "العوملة لذلك هناك سؤال يتجرأ ويطرح نفسه يف هذا‬

‫السياق‪ ،‬إذا كانت اهلوية هي ذلك الشهور باالنتماء إىل أمة أو عب معني لديه ما مييزه عن غريه‬

‫ويفخر بذلك أو أن اهلوية هي بكل دقة" عناصر الرتكيب يف عالقتها الداخلية اليت تعطي للكائن‬

‫خصائصه األساسية واليت تتصل بالوسط اخلارجي طبيعيا كان أو غري طبيعي فهي الشعور باالنتماء إىل‬

‫وسط وثقافة معينني وعلى العكس من ذلك فالعوملة هي "رفض هلذه النزعة الوطنية ودعوة لضحد كل‬

‫ما هو خصوصي وقومي ووطين والدخل تح لواء العوملة والالثقافية والالهوية" أنصار اهلويات النقية مع‬

‫‪53‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫مثل هذا؟ وكيف يكون تأثري هذا املفهوم على اهلوية العربية اليت ترى يف حاهلا األنقى واألظهر واألكثر‬

‫متاسكا بني اهلويات؟ فكيف سيتعامل العريب املسلم أو كعريب فقط مع العوملة يف أحدث تقنياهتا؟‬

‫وهو الوجه اآلخر هلذا املفهوم وحتت أي إطار يدخل؟ وهل ما يعرف باهلوية اهلجينة كما‬

‫يدعو هلا البعض هي احلل يف هذه احلالة؟‬

‫هذه كلها تسايالت وال تزال تفرض نفسها يف زمن انقسم إىل تيارين‪ ،‬تيار ديين حمافظ‬

‫متمسك هبويته مهما كانت خصوصيتها وتيار يطالب دون انقطاع باالنفتاح والتخلص من كل ما هو‬

‫قومي ما ال جمارة ركب احلضارة الغربية كقوة إسرتاتيجية يف عامل يدعو إىل العوملة واالنفتاح كما ميليه‪،‬‬

‫والعريب يرى يف فكرة تقبل اآلخر وكذلك االنفتاح عليه وعلى حضارته نوع من التعبية الصرحية هلذا‬

‫الغرب الذي فرض نفسه على األنا العربية بطريقة يصعب علينا كعرب نكراهنا "فثنائية العالقة بني‬

‫الغرب والشرق‪ ،‬بني املنتصر واملهزوم‪ ،‬بني السيد والعبد‪ ،‬تقوم على إخضاع املهزوم وإذالله‪ ،‬وقبوله كل‬

‫إمالءات وشروط املنتصر هلذا أصبح العريب يرى أن العوملة وكل أنظمتها ومظاهرها نوعا من اإلذالل‬

‫والتبعية لآلخر ولكن ليست هذه احلالة الوحيدة يف التعامل مع العوملة بل هناك طرف آخر يتعامل مع‬

‫العوملة بنوع من االنبهار هبا والذوبان يف كل خصوصياهتا "فهذه الذات اليت تقف يف مواجهة اآلخر‬

‫ومقابلته‪ ،‬وقد اختار وفرض على هذه األنا العربية رد فعل معني ومن رحم العالقة تولدت مواقف‬

‫واختيارات‪ ...‬فحارهبا وشوش عليها‪ ،‬وسلط عليها جيشا من املستشرقني واملستعربني‪ ،‬وحاول أن‬

‫يلحق اللغة العربية‪ ...‬زيف التاريخ وألغى أمساء وحاول أن يدمر موطن هذه الذات‪ ،‬وأن ميزق خرائطها‬

‫اجلغرافية والوجدانية واحلضارية" لذلك ويف هذا الساق أصبحت اهلوية يف مأزق وبات احلفاظ عليها‬

‫‪55‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫دهاليز العوملة أمرا شاقا وصعبا ووجدنا هذا اآلخر يقسم هذا العامل إىل قسمني‪ :‬الغرب املاي وهو‬

‫العامل العقالين املتطور والشرق البدائي الروحاين املتخلف‪ ،‬واختذ كل الوسائل العسكرية والغري عسكرية‬

‫يف بسط سيطرته على الشرق وإخراجه من غياهب "التخلف والرجعية" حسب رأيه فهو حياول أن‬

‫يلعب دور الوصي على العامل باعتباره املسيطر بنفوذه األول يف مجيع اجملاالت‪ ،‬لذلك فقد بدأت‬

‫"مهمة الوصاية حبروب دينية صليبية وقد تنتهي اآلن حبرب حضارية‪ ،‬حرب جترد اإلنسان من ثقافته‬

‫وهويته وجترده من ماضيه‪ ،‬وكذلك من إرثه املعريف واجلمايل والعقائدي وكل شيء مييزه عن غريه حتت‬

‫شعار ما يعرف "العوملة" فلم تكن جراحات االستعمار قد انطفأت حىت بوغت العريب‪ ...‬بقوة هذا‬

‫الغرب الذي ما فتئ يرتد صداها بني احلني واآلخر وهي قوة غدا من الصعب اللحاق هبا وأيضا مضاها‬

‫الشرق هلا أو حتويله إىل طرف متكافئ فيها" فبع الذي مرت به الشعوب العربية وما عصفت هبويتها‬

‫من جراحات االستعمار إىل غياهب العوملة‪ ،‬فلم تتنفس هذه الشعوب الصعداء حىت وحدت نفسها‬

‫حبيسة استعمار آخر خفي وأكثر خطورة من سابقيه‪ ،‬فدخل هذا العريب يف صراع مع هذه القوة بكل‬

‫مظاهرها فتجده يوما منبهرا معجبا بنموذج اآلخر يف التقدم والتطور والتحضر وجتد يوما آخر ساخط‬

‫عليه يعتربه عدوا جيب عدم االنصياع له‪ ،‬وهذا الوضع احلضاري املزري الذي يعيشه اليوم مل يزد الفرد‬

‫العريب غال متزقا يف هويته وضياعا وغربة عن تارخيه وإرثه الثقايف‪.‬‬

‫لكن املشكلة احلقيقية هلويتنا الثقافية العربية ليست يف اكتساح العوملة واألمركة على ما نتوهم‬

‫حنن‪ ،‬بل تتمثل يف عجز اجملتمع العريب عن إعادة تشكيل هويته يف سياق العصر وجمرياته "بل عجزهم‬

‫عن العوملة هويتهم وأعلمه وحواسبه اقتصادهم وعقلنة سياستهم وكونته فكرهم ومعارفهم"‪ ،‬ذلك‬

‫‪50‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫فإشكالية اهلوية العريب ال تكمن يف العوملة وال يف العصر اجلديد بكل معطياته بل تكمن يف عدم قدرة‬

‫الفرد العريب على التعامل مع نظام العوملة ومستجدات عصره‪.‬‬

‫فاحلفاظ على اهلوية ال يتأتى عن طريق االنغالق ألن هذا االنغالق الذي متارسه السواد‬

‫األعظم من لعوب العربية على هويته هو الدليل األول على ضعفها‪" ،‬فاهلوية شيء آخر غري رد افعل‬

‫ض اآلخر ونزوع حامل لتأكيد "األنا" بصورة أقوى وأرحب" فالعريب عضو يف قومية ثقافية‪ ،‬فال ميكن‬

‫أن يرى يف حاله إال الطهارة والنقاء "ويف غريه "الدنس والنجاسة" فهذه النظرة اإلقصائية اليت تبنتها‬

‫األنا يف مقابل اآلخر هي اليت جعلت من هذا اآلخر" ينظر إىل األنا عل أهنا ذات ثقافية متعصبة‬

‫ورجعي‪ ،‬فقد ساهم العريب يف تشويه صورة أناه أكثر مما ساهم أعدايه يف ذلك فقد أصبح املسلم‬

‫معادال موضوعيا للرجعية والتطرف‪ ،‬التعصب‪ ...‬اخل‪ ،‬لذلك "فكسر األقفال وإلغاء منطق احلراسة‪،‬‬

‫واعتما منهج نقدي لثقافتنا كفيل بتطوير مواضع اخللل يف هويتنا‪ ،‬اكتساهبا قوة وحيوية وقدرة على‬

‫املبادرة واالستفادة من املفاهيم اجلديدة‪ ،‬دون إحداث تشويه هلذه اهلوية" إذا كان "األنا ال يتحدد إال‬

‫عرب اآلخر‪ ،‬وراء تعلق األمر بالفرد أو اجلماعة فإن أي مشروع للمستقبل جيب أن يؤخذ فيه بعني‬

‫االعتبار بصورة واعية أو غري واعية‪ ،‬وميكن الذهاب أبعد من ذلك حيث ميكن القول أنه لوال وجود‬

‫اآلخر ملا كان التفكري يف املستقبل أصال‪ ،‬لذلك فاحلفاظ على اهلوية ومقاومة العوملة ال تكون ببناء‬

‫األوار العالية حول هوية أو االنغالق على الذات أو رفض ما هو آت‪ ،‬بل األمر يتطلب فهما عميقا‬

‫للذات وفهما مماثال لآلخر" ومن خالل ذلك يتم مراجعة الثقافة مع االستفادة من إجيابيات ثقافة‬

‫اآلخر ذلك اآلخر الذي فرض نفسه وأصبح من الضروري التعايش معه‪ ،‬فال فكرة االرمتاء يف أحضان‬

‫‪50‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫العوملة هي احلل جملاراهتا‪ ،‬وال فكر االنطواء على الذات وإقصاء اآلخر هي احلل يف سبيل حتقيق‬

‫الذات‪.‬‬

‫فهذا الفهم للذات لكل أبعادها والفهم املماثل لآلخر هو احلل األمثل يف سبيل مسايرة‬

‫العوملة بكل مظاهرها‪ ،‬فاألنا واآلخر ضرورة حتمية لبعضهما البعض لذلك فالصراع لن يكون يوما حال‬

‫خلالفاهتم بل إن التعايش واحلوار وهو السبيل األمثل للحفاظ على اهلويات وجعلها أكثر صالبة‬

‫متجددة مع العصور قادرة على جماهبة "كل متغريات العصر" فالتجدد هو السمة الضرورية لتحقيق‬

‫سريورة اهلوية العربية أو أي هوية أخرى‪.‬‬

‫المخطط يمثل عالقة العولمة بالنسيج الثقافي العربي‬

‫‪57‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫قائمة املراجع‪:‬‬

‫أمني معلوف‪ ،‬ليون أفريقي‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أمني معلوف‪ ،‬اهلويات القاتل‪ ،‬ترمجة‪ :‬جبور الدويهي‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫جوردون مارشال‪ ،‬موسوعة علم االجتماع‪ ،‬مراجعة "حممد حممود اجلوهري"‪ ،‬اجمللد ‪ ،6‬اجمللس‬ ‫‪‬‬

‫األعلى للثقافة املركز املصري العريب‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪Le Petit La Rousse, grand format en couleur, Paris, France.‬‬

‫أمحد منور‪" ،‬األديب اجلزائري باللسان الفرنسي‪ ،‬نشأته وتطوره وقضاياه‪ ،‬ديوان املطبوعات‬ ‫‪‬‬
‫اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.1771 ،‬‬

‫عزيز العظم‪ ،‬مفاهيم عاملية للهوية‪ ،‬من أجل حوار بني الثقافات‪ ،‬املركز الثقايف‪ ،‬العريب‪ ،‬الدار‬ ‫‪‬‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪.‬‬

‫عبد السالم بن عبد العايل‪ ،‬الفكر يف عصر التقنية‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪.1777 ،6.‬‬ ‫‪‬‬

‫حممد حسن الربغثي‪ ،‬الثقافة العربية والعوملة‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.1771‬‬

‫حممد عابد اجلابري‪ ،‬وجهة نظر‪ ،‬حنو إعادة بناء الفكر العريب املعاصر‪ ،‬مركز دراسات‪ ،‬الوحدة‬ ‫‪‬‬
‫العربية‪.‬‬

‫عز الدين إمساعيل‪ ،‬اهلوية القومية يف األدب العريب‪ ،‬دار األمني للطباعة‪ ،‬القاهرة‪.6444 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫رزان حممود إبراهيم‪ ،‬خطاب النهضة والتقدم يف الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬الشروق‪.1776 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫‪51‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬


‫إشكالية الهوية والعولمة بين رهانات الماضي وتحديات المستقبل‬ ‫أ‪ /‬مريم كواسمي‬

‫صدوق نور الدين‪ ،‬الغرب يف الرواية العربية‪ ،‬قنديل أم هاشم أمنوذجا‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬ ‫‪‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪.‬‬

‫حممد عابد اجلابري‪ ،‬مسألة اهلوية‪ ،‬العروبة واإلسالم والغرب‪ ،‬قضايا الفكر العريب‪ ،‬مركز‬ ‫‪‬‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫عبد السالم بن عبد العايل‪ ،‬الفكر يف عصر التقنية‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪.1777 ،6.‬‬ ‫‪‬‬

‫عبد السالم بن عبد العايل‪ ،‬أسس الفكر الفلسفي املعاصر توبقال‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪.1776 ،6.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪55‬‬ ‫مجلة الدراسات اللغوية العدد العاشر‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like