You are on page 1of 49

‫العجم‬

‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫جملــــــة العلــــــوم الرتبـــــوية‬


‫والدراســــات اإلنســـانيـــة‬

‫ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ‪ :‬ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬


‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻌﺰ ﻓﺮﻉ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ ‪ -‬ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻌﺠﻤﻲ‪ ،‬ﺣﺴﻦ ﻧﺎﺟﻊ ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫ﻉ‪25‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬
‫( ‪)‬‬ ‫من القيم‬
‫‪2022‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬
‫‪157 - 203‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫‪10.55074/2152-000-025-006‬‬ ‫‪:DOI‬‬

‫العجم‬
‫ي‬ ‫‪ /1316984‬حسن بن ناجع‬
‫د‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬

‫تفسي وعلوم القرآن بقسم‬


‫ر‬ ‫ﺑﺤﻮﺙمساعد يف‬
‫ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫أستاذ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫‪Arabic‬‬
‫الدراسات اإلسالمية ‪ -‬جامعة تبوك السعودية‬ ‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‪:‬‬
‫‪EduSearch, HumanIndex‬‬
‫‪hagmi-25@hotmail.com‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‪ ،‬ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/1316984‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬

‫© ‪ 2023‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ‬
‫)ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ‬ ‫ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ‬
‫‪29/5/2022‬‬ ‫قبوله ﻋﺒﺮ ر‬
‫للنش‬ ‫تاري ﺃﻭخ ﺍﻟﻨﺸﺮ‬
‫ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ‬ ‫البحثﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‬
‫‪1/5/2022‬‬ ‫ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ‬ ‫‪ )‬تاري‬
‫ﺗﺤﻤﻴﻞخﺃﻭتسليم‬
‫المجلة‪ :‬ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫‪http://hesj.org/ojs/index.php/hesj/index‬‬ ‫موقع ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ‬
‫ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ‬
‫*)‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪157‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫جملــــــة العلــــــوم الرتبـــــوية‬


‫والدراســــات اإلنســـانيـــة‬

‫ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ‬


‫ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ‪:‬‬

‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪APA‬‬
‫ﺍﻟﻌﺠﻤﻲ‪ ،‬ﺣﺴﻦ ﻧﺎﺟﻊ ﻣﺤﻤﺪ‪ .(2022) .‬ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ‪ :‬ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‬
‫ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‪.‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻉ‪ .203 - 157 ،25‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/1316984‬‬
‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪MLA‬‬
‫الكريم(‬
‫ﺿﻮﺀ‪ )‬ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن‬
‫ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ‪:‬‬ ‫ﺍﻟﻘﻴﻢ‬ ‫"ﻣﻦ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ‪.‬‬ ‫ﻧﺎﺟﻊ‬ ‫ﺣﺴﻦ‬ ‫ﺍﻟﻌﺠﻤﻲ‪،‬‬
‫ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‪".‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔﻉ‪.203 - 157 :(2022) 25‬‬
‫ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ ‪1316984/Record/com.mandumah.search//:http‬‬

‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬
‫تفسي وعلوم القرآن بقسم‬
‫ر‬ ‫أستاذ مساعد يف‬
‫الدراسات اإلسالمية ‪ -‬جامعة تبوك السعودية‬
‫‪hagmi-25@hotmail.com‬‬

‫© ‪ 2023‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ‬
‫)ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ‬ ‫ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ‬
‫‪29/5/2022‬‬ ‫قبوله ﻋﺒﺮ ر‬
‫للنش‬ ‫تاري ﺃﻭخ ﺍﻟﻨﺸﺮ‬
‫ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ‬ ‫البحثﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‬
‫‪1/5/2022‬‬ ‫ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ‬ ‫‪ )‬تاري‬
‫ﺗﺤﻤﻴﻞخﺃﻭتسليم‬
‫المجلة‪ :‬ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫‪http://hesj.org/ojs/index.php/hesj/index‬‬ ‫موقع ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ‬
‫ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ‬
‫*)‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪157‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫جملــــــة العلــــــوم الرتبـــــوية‬


‫والدراســــات اإلنســـانيـــة‬

‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬


‫( ‪)‬‬

‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬
‫تفسي وعلوم القرآن بقسم‬
‫ر‬ ‫أستاذ مساعد يف‬
‫الدراسات اإلسالمية ‪ -‬جامعة تبوك السعودية‬
‫‪hagmi-25@hotmail.com‬‬

‫تاري خ قبوله ر‬
‫للنش ‪29/5/2022‬‬ ‫‪ )‬تاري خ تسليم البحث ‪1/5/2022‬‬
‫‪http://hesj.org/ojs/index.php/hesj/index‬‬ ‫*) موقع المجلة‪:‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪157‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬
‫تفسي وعلوم القرآن‬
‫ر‬ ‫أستاذ مساعد يف‬
‫بقسم الدراسات اإلسالمية جامعة تبوك‪ -‬السعودية‬
‫ملخص البحث باللغة العربية‬
‫تناولت هذه الدراسة الحديث عن بعض القيم الحضارية الموجودة في القرآن الكريم وبينت أن‬
‫القيم عبارة عن مجموعة المبادئ والقواعد والمثل العليا والحضارة نظام شامل يقوم بعمارة األرض‬
‫ضوء المنهج الرباني والنبوي ثم تحدثت الدراسة عن أبرز القيم الحضارية مثل العدل الذي هو أساس‬
‫الملك والحرية التي هي قرينة الحضارة ثم ذكرت قيمة التنافس وأثره في االزدهار الحضاري ثم‬
‫اإلحسان الذي هو من صفات أهل اإليمان ثم التعاون ثم األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم‬
‫تنمية روح الوالء واالنتماء للوطن وذكرت الدراسة جملة من النتائج أهمها أن القيم الحضارية‬
‫الموجودة في كتاب هللا ‪ ‬هي الطريق الموصل إلى معرفة هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬والسعادة في الدنيا‬
‫والوصول للجنة في اآلخرة‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬القيم – الحضارة – العدل – الحرية – التنافس – التعاون – اإلحسان – األمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر – الوالء واالنتماء‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪158‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫ حسن بن ناجع‬/‫د‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

Cultural Values: A Study in the


Light of the Holy Quran
Dr. Hassan Bin Nagaa Al-Ajmi
Assistant Professor of Interpretation and Sciences of the Qur'an
Department of Islamic Studies, University of Tabuk, Saudi Arabia
Abstract
The study has investigated some civilized values in the Holy Quran.
This study has shown that they are a set of principles, rules and ideals, and
civilization which is a comprehensive system that builds the earth in the
light of the divine and prophetic approach. The study has highlighted the
most prominent of the values like justice as the base for ruling a country
and the freedom value which is the counterpart of civilization, the value of
competition and its influence on civilized behavior. Then Ihsan, which is
one of the characteristics of people of faith; after that cooperation, then
enjoining good and forbidding evil, then developing the spirit of loyalty
and belonging. The study has found that these values are the best way to
the recognition of Allah and the happiness in this life and the life hereafter
Keywords: Values - Civilization - Justice - Freedom - Competition -
Cooperation - Charity - Enjoining Good and Forbidding Evil - Loyalty and
Belonging.

‫م‬2022 ،‫ سبتمبر‬،)25( ‫الــعــــــدد‬ 159 ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫مقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين؛ سبحانه من إله عظيم علم بالقلم‪ ،‬علم اإلنسان ما ال يعلم‪ ،‬أكرمنا‬
‫باإليمان‪ ،‬وأعزنا باإلسالم‪ ،‬وأنعم علينا بنبيه محمد –‪ -‬صاحب القيم الحضارية النبيلة "كان يمتاز‬
‫من جمال خلقه وكمال خلقه بما ال يحيط بوصفه البيان‪ ،‬وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجالله‪،‬‬
‫والرجال تفانوا في توقيره وإكباره‪ ،‬بما ال تعرف الدنيا لرجل غيره‪ ،‬فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام‬
‫أخرج البشرية من ظلمات الكفر والجهالة إلى نور‬ ‫ولم يبالوا أن تندق أعناقهم وال يخدش له ظفر"‬
‫(‪)1‬‬

‫التوحيد والهداية والعلم والبصيرة؛ فاستحق بحق أن يكون أسوة ألمته في األدب والتربية‪ ،‬وبعد‪،،،‬‬
‫فإن اإلسالم عبارة عن مجموعة من ِ‬
‫الق َيم الحضارية هدفها؛ ترقية الحياة نحو األفضل وتهذيبها‬
‫نحو األحسن‪ ،‬وإسعاد البشرية في الدارين‪ ،‬إذا طبق المسلمون هذه القيم خرجوا من الدوائر الضيقة‬
‫التي تأخذ بأيديهم نحو الهبوط واالنحدار بل التخلي عن هذه القيم يؤدي بالمجتمع إلى الدمار‬
‫والهالك؛ لكن العيش في ضوئها يرنوا بالمجتمع نحو التقدم والكمال والرقي‪.‬‬
‫وأصبحت هذه القيم التي ذكرها القرآن الكريم؛ تمثل الركيزة األساس للبناء والتشكيل العقائدي‪،‬‬
‫والثقافي‪ ،‬واألخالقي‪ ،‬للشخصية المسلمة‪ ،‬وبالتالي للمجتمع‪ ،‬وتعمل على تحصين الفرد من االنحراف‬
‫مع تيارات الشهوات واألهواء والفتن‪.‬‬
‫وقد عرفت هذه القيم في اإلسالم بالثبات‪ ،‬فهي ال تقبل التغير والتبدل مهما تقادمت عليها‬
‫األزمان وإلى يوم القيامة‪ ،‬وهي ربانية المصدر‪ ،‬عالمية الشمول‪ ،‬ثابتة واألصول‪ ،‬مرنة التطبيق‪،‬‬
‫تشمل ميادين الحياة الدنيا واآلخرة في توازن واعتدال‪ ،‬تعد اإلنسان لعبادة هللا حق عبادته‪ ،‬وعمارة‬
‫األرض وخالفتها وفق منهج رضيه هللا لعباده واختاره لهم‪.‬‬
‫وهذه القيم الحضارية ‪َّ -‬أدب بها القرآن الكريم والسنة الشريفة‪" -‬أدب رباني أبهر العقول‪،‬‬
‫وباتت مبهورة بهذا التشريع السماوي الذي يتفق مع األدب الجم‪ ،‬والذوق الرفيع‪ ،‬والرقي اإلنساني‪،‬‬
‫وسمو المبادئ اإلنسانية التي اصطفى بها هللا ‪ --‬هذه األمة اإلسالمية خير أمة أخرجت‬
‫للناس"(‪)2‬؛ مصداقا لقول هللا ‪ :‬ﭽﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶﭼ(‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬الرحيق المختوم ‪ -‬صفي الرحمن المباركفوري (المتوفى‪1427 :‬هـ) ‪ -‬دار الهالل ‪ -‬بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى (صـ‬
‫‪.)538‬‬
‫(‪ )2‬التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية ‪ -‬علي علي صبح ‪ -‬المكتبة األزهرية للتراث ‪( -‬ص‪.)202 :‬‬
‫(‪ )3‬آل عمران اآلية‪.)110( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪160‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫وفي هذا البحث إن شاء هللا سنكون بصدد الحديث عن بعض القيم الحضارية الواردة في القرآن‬
‫الكريم فكان البحث بعنوان (من القيم الحضارية دراسة في ضوء القرآن الكريم)‪.‬‬
‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تكمن أهمية الدراسة في عدة نقاط منها‪-:‬‬
‫أو ًال‪ :‬أنها تبرز القيم الحضارية في بناء اإلنسان الذي هو محور كتاب هللا ‪ ‬فقد تنزل القرآن الكريم‬
‫لصالحه واالرتقاء به في شتى الجوانب المادية والروحية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إن القرآن الكريم يحمل بين دفتيه الطريق األمثل نحو الحضارات وركن ركين من أساس‬
‫نهضتها؛ ألنه ال سبيل ألي حضارة شامخة ما لم تتخذ من القرآن الكريم شرعة ومنهاجا‪ ،‬ومنارة‬
‫وسراجا منيرا‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬التعرف من خالل المنهج القرآني على بعض القيم الحضارية ذلك المنهج الذي يتسم بالدقة‬
‫والشمول والعمق واألصالة والمعاصرة بل والموضوعية‬
‫رابعاً‪ :‬ما تحتويه كتب التفسير من درر وكنوز نفيسة حول حديث القرآن الكريم عن القيم الحضارية‬
‫بما هو جدير بالذكر لرصد بعض القيم واالستفادة منها‪.‬‬
‫أسباب اختيار الدراسة‬
‫وقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع عدة أسباب منها‪-:‬‬
‫أو ًال‪ :‬حاجة األمة اإلسالمية لهذه القيم التي تساهم بشكل كبير وملحوظ في نهضتها ووحدتها‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إن معرفة القيم الحضارية الموجودة في القرآن الكريم من األمور الضرورية؛ ألن ذلك له أثر‬
‫كبير المدى في التعامل مع هذا الهدي الرباني‪ ،‬من استشعا ار للعظمة وتذوقا لحالوته وتنسما لعبيره؛‬
‫فهو كتاب تعبد وريادة‪ ،‬ودستور حضارة وقيادة يهدي إلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬األ ثر الكبير لهذه القيم في االرتقاء باألمة اإلسالمية وحضارتها‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬حاجة األمة لهذه الدراسة المهمة التي تساهم في نهوضها ووحدتها باإلضافة إلى حرصي على‬
‫أن أقدم شيئ ًا مفيدًا لإلنسانية يضيء طريقها ويقود سفينتها‪ ،‬ويلقي المرساة في مرفأ األمان‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫سأقوم بعون هللا ‪ ‬وتوفيقه بهذه الدراسة معتمدًا على المناهج العلمية التي تخدم البحث في‬
‫جوانبه كافة‪ ،‬وهي‪ :‬المنهج االستقرائي التحليلي ثم المنهج االستنباطي(‪ ،)1‬فقد استخدمت هذا المنهج‬

‫(‪ ) 1‬هو‪ :‬الطريقة التي يقوم فيها الباحث ببذل أقصي جهد عقلي ونفسي عند دراسة النصوص بهدف استخراج مبادئ‬
‫تربوية مدعمة باألدلة الواضحة‪ .‬المرشد في كتابة األبحاث‪ -‬حلمي محمد فوده وعبد الرحمن صالح عبد هللا جدة‪ :‬دار‬
‫الشروق ل ‪ -‬الطبعة السادسة ‪1410،1411 -‬هـ‪1991 -‬م‪(- .‬صـ‪- )42‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪161‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫في ثنايا البحث حيث قمت بقراءة اآليات القرآنية‪ ،‬واألحاديث النبوية ذات الصلة بموضوع الدراسة‬
‫وفهمها‪ ،‬لتحديد العبر والدروس المستنبطة من األدلة واستخراجها‪ ،‬ثم المنهج الوصفي(‪ ،)1‬وقد‬
‫استخدمت هذا المنهج في وصف بعض القيم الحضارية(‪ ،)2‬وكذلك بعض المناهج العلمية األخرى‬
‫التي يقتضيها البحث‪.‬‬
‫وأما منهجي في البحث فهو كاآلتي‪:‬‬
‫أ‪ .‬قمت بإذن هللا بعزو اآليات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم اآليات كما قمت بتخريج األحاديث‬
‫كاف على صحته‪ ،‬وما لم يكن فيهما قمت بتخريجه مع‬ ‫واآلثار‪ ،‬فما كان في الصحيحين فذلك دليل ٍ‬
‫ٌ‬
‫مستعينا بكالم األئمة المحققين في ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ذكر الحكم عليه‪،‬‬
‫ِ‬
‫تأصيل هذا‬ ‫أجل‬ ‫ِ‬
‫وتوثيقها‪ ،‬من ِ‬ ‫مادة البحث‬ ‫ِ‬
‫األصيلة لجم ِع ِ‬ ‫ِ‬
‫المصادر‬ ‫ب‪ .‬قمت بإذن هللا بالرجوع إلى‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الصافية‬ ‫ينابيع ِه‬
‫ِ‬ ‫الموضوع المهم‪ ،‬والرجوع به إلى‬
‫ج‪ .‬التزمت األمانة العلمية في البحث كله‪ ،‬فنسبت كل قول إلى قائله‪ ،‬ومصدره‪ ،‬وأذكر في الهامش‬
‫اسم الكتاب‪ ،‬ومؤلفه‪ ،‬والمترجم والمحقق إن وجد‪ ،‬ورقم الجزء ثم رقم الصفحة‪ ،‬ثم دار النشر ورقم‬
‫الطبعة‪ ،‬وتاريخها إن وجد ذلك وعند عدم وجودها أذكر كلمة "بدون"‪ .‬وإن كان النقل فيه تصرف‬
‫أشير إلى ذلك‪ ،‬وإن كان هناك اختصا ار قلت باختصار وهكذا‪.‬‬
‫الشاه ِد‬
‫ِ‬ ‫يان مو ِ‬
‫ض ِع‬ ‫وعزوها إلى من قالها مع ب ِ َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ط النصوص الشعرية واألدبية‪،‬‬‫د‪ .‬قمت بإذن هللا بضب ُ‬
‫اج ِإلى ٍ‬
‫بيان‪.‬‬ ‫منها إذا احتَ َ‬
‫ه‪ .‬كل مبحث أورده في بحثي فإنني أدلل عليه ببعض األدلة من القرآن والسنة‪ ،‬خشية اإلطالة‪.‬‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫‪ )1‬بيان مفهوم لفظ القيم ومرادفاتها في اللغة واالصطالح وعالقتها بالحضارة‪.‬‬
‫‪ )2‬التعريف بقيمة العدل والحرية واالحسان والتعاون وأثرها في بناء الحضارة‪.‬‬
‫‪ )3‬التعرف على التنافس واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنمية روح الوالء واالنتماء للوطن‬
‫كقيم حضارية في ضوء القرآن الكريم‪.‬‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬الذي يعتمد عليه في دراسة الواقعة أو الظاهرة كما توجد في الواقع واالهتمام بوصفها وصفًا دقيقًا والتعبير عنها‬
‫تعبيرا كميًا أو كيفيًا ينظر‪ :‬المرجع السابق نفسه ‪(-‬صـ‪ – )26‬بتصرف‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ ) 2‬يقوم هذا المنهج على تحليل ظاهرة من الظواهر للوصول إلى أسباب هذه الظاهرة‪ ،‬والعوامل التي تتحكم فيها‪،‬‬
‫واستخالص النتائج لتعميمها ‪ -‬أبجديات البحث في العلوم الشرعية‪ -‬د‪ .‬فريد األنصاري‪ -‬منشورات الفرقان‪ -‬الطبعة‬
‫األولي ‪1997 -1417 -‬م‪(-‬صـ‪ ) 96‬بتصرف يسير‪ ،‬واالستقراء في اللغة تعني من قرأ األمر أي تتبعه‪ ،‬ونظر في‬
‫حاله‪ ،‬أو من قرأت الشيء‪ :‬بمعنى جمعته وضممت بعضه إلى بعض‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬تتبع الموضوع واستقرائه في‬
‫مظانه وجمع المعلومات المتعلقة به ‪ -‬لسان العرب‪ -‬محمد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين ابن منظور‬
‫األنصاري الرويفعى اإلفريقى (المتوفى‪711 :‬هـ) ‪ -‬دار صادر – بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1414 -‬هـ‪.)175/15‬‬
‫بتصرف يسير‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪162‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫تساؤالت البحث‪:‬‬
‫‪ )1‬ما مفهوم لفظ القيم ومرادفاتها في اللغة واالصطالح وعالقتها بالحضارة؟‬
‫‪ )2‬ما التعريف بقيمة العدل والحرية واالحسان والتعاون وأثرها في بناء الحضارة؟‬
‫‪ )3‬ما العدل كقيمة حضارية في ضوء القرآن الكريم؟‬
‫‪ )4‬ما الحرية واالحسان والتعاون كقيم حضارية في ضوء القرآن الكريم؟‬
‫‪ )5‬ما التعرف على التنافس واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنمية روح الوالء واالنتماء للوطن‬
‫كقيم حضارية في ضوء القرآن الكريم؟‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫فإنه بعد البحث والتقصي‪ -‬حسب جهد الباحث‪ -‬واالطالع على قوائم الرسائل الجامعية في كل‬
‫من الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة‪ ،‬وجامعة أم القرى بمكة المكرمة‪ ،‬والبحث في اإلنترنيت‪،‬‬
‫واالتصال بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية بالرياض‪ ،‬تبين للباحث أنه ليس هناك‬
‫دراسة لها عالقة مباشرة بالموضوع‪ ،‬وإن كان هناك بعض الكتابات المفرقة في جزء منه‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫كتاب‪ :‬قيم حضارية في القرآن الكريم ‪ -‬عالم ما قبل القرآن – توفيق محمد سبع – دار المنار–‬
‫القاهرة – الطبعة الثانية – ‪1984‬م‪.‬‬
‫وقد تحدثت هذه الدراسة‪ ( :‬عن معنى الحضارة والثقافة المدنية نشأتها وتطورها‪ ،‬ثم تحدثت عن‬
‫حضارة اإلسالم وحضارة ما قبل اإلسالم وأثر الثقافة في حياة المجتمعات‪ ،‬وتحدثت عن هللا والكون‬
‫أيض ا حضارات قديمة وصفها القرآن الكريم‪ ،‬وقيم حضارية متجددة‬ ‫واإلنسان‪ ،‬وذكرت الدراسة ً‬
‫ومستمرة بين الكتب السماوية والقرآن الكريم‪ ،‬وبينت هذه الدراسة أن القرآن الكريم منبع حضاري‬
‫متجدد‪ ،‬وذكرت مكانة العقل في حضارة القرآن‪ ،‬وذوقيات حضارية قرآنية)‪.‬‬
‫والفرق بين هذه الدراسة وبين دراستي‪ :‬أن هذه الدراسة تحدثت عن قيام الحضارات في ضوء‬
‫القرآن الكريم لكنها لم تذكر القيم الحضارية التي أذكرها بإذن هللا في هذا البحث‪.‬‬
‫خطة الدراسة‪ :‬قمت بتقسيم البحث إلى مقدمة وتمهيد وسبعة مباحث وخاتمة وفهارس على نحو ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫المقدمة‪ :‬وتشتمل على أهمية الدراسة‪ ،‬وأسباب اختيارها‪ ،‬والدراسات السابقة‪ ،‬وخطة الدراسة والمنهج‬
‫المتبع فيها‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬ويحتوي على‪:‬‬
‫‪ .1‬التعريف بمفردات عنوان البحث‪.‬‬
‫‪ .2‬مرادفات مصطلح الحضارة في القرآن الكريم‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪163‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫المبحث األول‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم العدل‪.‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم الحرية‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم اإلحسان‪.‬‬
‫المبحث ال اربع‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم التعاون‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم التنافس‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم تنمية روح الوالء واالنتماء‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬وتشتمل على أهم النتائج وأبرز التوصيات‪.‬‬
‫الفهارس‪ :‬فهرس المصادر والمراجع ثم فهرس الموضوعات‪.‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫ويشتمل على‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬التعريف بمفردات عنوان البحث‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ورود مادة الحضارة في القرآن ونظائرها‪.‬‬
‫أو ًال‪ :‬التعريف بمفردات عنوان البحث‪.‬‬
‫‪ .1‬تعريف القيم في اللغة واالصطالح‪.‬‬
‫{أ} تعريف القيم في اللغة‪:‬‬
‫القيم في اللغة‪ :‬جمع قيمة‪ ،‬وهي مشتقة من الفعل قوم‪ ،‬وتأتي على عدة معاني‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬الديمومة والثبات‪ :‬ومنه قول هللا تعالى‪ :‬ﭽﮖﮗﮘﮙﮚﭼ(‪ ،)1‬أي في مكان تدوم إقامتهم‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ .2‬السياسة والرعاية‪ :‬ومنه ما قالته العرب عن الذي يرعى القوم ويسوسهم فالقيم‪ :‬السيد وسائس‬
‫األمر‪.‬‬
‫‪ .3‬الصالالح واالسالتقامة‪ :‬فالشييء القييم ماليه قيميه بصيالحه واسيتقامته ومنيه قولييه ‪ ‬ﭽ ﮧ ﮨﭼ‬
‫(‪)2‬‬

‫هو الدين القيم الثابت المقوم ألمور الناس ومعاشهم(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سورة الدخان اآلية‪.)51(:‬‬


‫(‪ )2‬سورة األنعام جزء اآلية‪.)161( :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬لسان العرب ‪ -‬مرجع سابق‪( :‬صـ‪ - )502‬مختار الصحاح ‪ -‬زين الدين أبو عبد هللا محمد بن أبي بكر بن عبد‬
‫القادر الحنفي الرازي (المتوفى‪666 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬يوسف الشيخ محمد ‪ -‬المكتبة العصرية ‪ -‬الدار النموذجية‪ ،‬بيروت ‪-‬‬
‫الطبعة‪ :‬الخامسة‪1420 ،‬هـ ‪1999 /‬م ‪( -‬صـ ‪.)557‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪164‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫م الالن خ الالالل م الالا س الال ق‪ :‬يمكيين القييول إن القيييم فييي االشييتقاق اللغييوي تطلييق ويييراد بهييا الديموميية‬
‫والثبات‪ ،‬والسياسة والرعاية‪ ،‬والصالح واالستقامة‪.‬‬
‫{ب} تعريف القيم في االصطالح‪:‬‬
‫ُعرفت القيم بعدة تعريفات نذكر أهمها على النحو التالي‪:‬‬
‫هي‪" :‬مجموعة المبادئ والقواعد والمثل العليا التي يؤمن بها الناس ويتفقون عليها فيما بينهم‬
‫ويتخذون منها ميزان ًا يزنون بها أعمالهم‪ ،‬ويحكمون بها على تصرفاتهم المادية والمعنوية"(‪.)1‬‬
‫وقيل القيمة‪" :‬معيار وغاية نابعة من الشرع‪ ،‬منبثقة عن العقيدة اإلسالمية‪ ،‬يقصدها المسلم‬
‫عند القيام باألعمال‪ ،‬ويقف في أعالها‪ ،‬غاية الغايات مرضاة هللا تعالي"(‪ ،)2‬وقد وردت كلمة القيم‬
‫في القرآن الكريم في آيات كثيرة تدل على هذه المعاني منها قول هللا ‪‬ﭽﮧ ﮨﭼ(‪"،)3‬والقيم‪ -‬بفتح‬
‫القاف وتشديد الياء‪ -‬كما قرأه نافع‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬وأبو عمرو‪ ،‬وأبو جعفر‪ ،‬ويعقوب‪ :‬وصف مبالغة‬
‫قائم بمعنى معتدل غير معوج‪ ،‬وإطالق القيام على االعتدال واالستقامة مجاز‪ ،‬ألن المرء إذا قام‬
‫اعتدلت قامته‪ ،‬فيلزم االعتدال القيام‪ ،‬واألحسن أن نجعل القيم للمبالغة في القيام باألمر‪ ،‬وهو مرادف‬
‫القيوم‪ ،‬فيستعار القيام للكفاية بما يحتاج إليه والوفاء بما فيه صالح المقوم عليه‪ ،‬فاإلسالم قيم باألمة‬
‫وحاجتها‪ ،‬يقال‪ :‬فالن قيم على كذا‪ ،‬بمعنى مدبر له ومصلح‪ ،‬ومنه وصف هللا تعالى بالقيوم‪ ،‬وهذا‬
‫أحسن ألن فيه زيادة على مفاد مستقيم الذي أخذ جزءا من التمثيلية‪ ،‬فال تكون إعادة لبعض‬
‫أي "إن إقامتك وجهك للدين حنيفا‪ ،‬غير مغير‬ ‫(‪)5‬‬
‫التشبيه"(‪ ،)4‬ومنها قول هللا ‪‬ﭽﮓ ﮔ ﮕﭼ‬
‫وال مبدل‪ ،‬هو الدين القيم‪ ،‬يعني‪ :‬المستقيم الذي ال عوج فيه عن االستقامة من الحنفية إلى اليهودية‬
‫والنصرانية‪ ،‬وغير ذلك من الضالالت والبدع المحدثة"(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬القيم التربوية في القصص القرآني ‪ -‬سيد أحمد الطهطاوي ‪ -‬دار الفكر العربي ‪ -‬الطبعة األولى ‪1996 -‬م ‪-‬‬
‫(ص‪.)42‬‬
‫(‪ )2‬محاضرات في فلسفة التربية ‪ -‬عليان عبد هللا الحولي ‪ -‬الجامعة اإلسالمية‪ ،‬كلية التربية‪ ،‬غزة‪ ،‬ط‪1421 ،2‬هـ ‪-‬‬
‫‪2001‬م‪( -‬ص ‪.)36‬‬
‫(‪ )3‬سورة األنعام جزء اآلية‪.)161( :‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير « تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» ‪ -‬محمد الطاهر بن محمد‬
‫بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفي‪1393 :‬هـ) ‪ -‬الدار التونسية للنشر ‪ -‬تونس ‪ -‬سنة النشر‪ 1984 :‬هـ ‪-8( -‬‬
‫‪.)199 /‬‬
‫(‪ )5‬يوسف جزء اآلية‪.)40(:‬‬
‫(‪ )6‬جامع البيان في تأويل القرآن ‪ -‬محمد بن جرير أبو جعفر الطبري (المتوفى‪310 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪-‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1420 ،‬هـ ‪ 2000 -‬م (‪.)99 /20‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪165‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫ومنها قوله تعالى‪ :‬ﭽﮈﮉﮊ ﭼ(‪" ،)1‬يعني صادقة مستقيمة ال عوج فيها‪ ،‬ويقال‪ :‬ﭽﮈﮉ‬
‫وبعد استقراء أقوال‬ ‫ﮊ ﭼ يعني تدل على الصالح والصواب وال تدل على الشرك والمعاصي"‬
‫(‪)2‬‬

‫بعض المفسرين في تفسير المفردات القريبة من مفردة القيم نلخص أن القيم تعني الشيء المستقيم‬
‫الذي ال اعوجاج فيه المعتدل ولذلك فالقيم الحضارية هي‪ :‬عبارة عن مجموعة المبادئ والمثل العليا‬
‫مستمدة من كتاب هللا وسنة رسول هللا ‪ ‬يعيش المسلم من خاللها فاهما لدينه ضابطا لسلوكه‬
‫منظما لحياته يختار أهدافه في ضوئها؛ مما يحقق له ولمجتمعة سعادة الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ .2‬تعريف الحضارة في اللغة واالصطالح‪.‬‬
‫{أ} تعريف الحضارة في اللغة‪:‬‬
‫أصل الحضارة في اللغة‪ :‬اإلقامة في الحضر كما أن البداوة‪ :‬السكنى في البادية‪ ،‬والتحضر‬
‫والحضرة والحاضرة‪ :‬خالف البادية وهي المدن والقرى والريف‪ ،‬سميت بذلك ألن أهلها حضروا‬
‫األمصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار‪ ...‬والحاضر القوم النزول على ماء يقيمون به وال‬
‫(‪)3‬‬
‫يرحلون عنه ‪.‬‬
‫والحضارة‪" :‬اإلقامة في الحضر‪ ،‬والحضارة ضد البداوة وهي مرحلة سامية من مراحل التطور‬
‫(‪)4‬‬
‫اإلنساني ومظاهر الرقى العلمي والفني واألدبي واالجتماعي" ‪.‬‬
‫من خالل ما س ق‪ :‬يمكن القول إن الحضارة في االشتقاق اللغوي يطلق ويراد بها اإلقامة في‬
‫الحضر‪ ،‬فهي ضد البداوة‪.‬‬
‫{ب} تعريف الحضارة في االصطالح‪:‬‬
‫ُعرفت الحضارة بتعريفات عديدة منها ما يلي‪:‬‬
‫هي‪" :‬كل ما ينشئه اإلنسان في كل ما يتصل بمختلف جوانب نشاطه ونواحيه‪ :‬عقالً وخلقاً ومادة‬
‫(‪)5‬‬
‫وروحاً وديناً ودنيا" ‪.‬‬
‫وهذا التعريف يعتبر شامل لمعنى الحضارة الشتماله على الجوانب المادية والحضارية‪ ،‬واألهداف‬
‫الدينية والدنيوية‪.‬‬

‫(‪ )1‬البينة‪3 :‬‬


‫(‪ )2‬بحر العلوم ـ موافق للمطبوع ‪ -‬أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى‪ 373 :‬هـ) ‪-‬‬
‫تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمود مطرجي ‪ -‬دار النشر‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪.)579 /3( -‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬لسان العرب ‪ 909 ،908/2‬باختصار مادة ح ض ر‪ -‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الوسيط ‪ -‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة ‪ -‬إبراهيم مصطفى وآخرون ‪ -‬دار الدعوة ‪.)181 / 1( -‬‬
‫(‪ )5‬اإلسالم والحضارة الغربية ‪ -‬د‪ /‬محمد محمد حسين ‪ -‬المكتب اإلسالمي ‪( -‬صـ ‪ – )4‬بدون‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪166‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫أوهي‪" :‬ثمرة كل جهد يقوم به اإلنسان؛ لتحسين ظروف حياته سواء أكان المجهود المبذول‬
‫(‪)1‬‬
‫للوصول إلى تلك الثمرة مقصودًا أم غير مقصود‪ ،‬وسواء أكانت الثمرة مادية أم معنوية" ‪.‬‬
‫وقيل هي‪ " :‬نظام متكامل يشمل كل ما لإلنسان من أفكار وآراء وأخالق وأعمال في حياته الفردية أو‬
‫(‪)2‬‬
‫األسرية أو االجتماعية أو االقتصادية أو السياسية" ‪.‬‬
‫من خالل ما س ق يمكن القول إن الحضارة نظام شامل يقوم بعمارة األرض في ضوء المنهج‬
‫الرباني الذي شرعه لنا رب العالمين وبينه النبي ‪ ‬وهذه الحضارة تحتاج إلى قلوب طاهرة و ِ‬
‫أياد‬
‫ٍ‬
‫وعقول زاخرة وهمم عالية‪ .‬وأن مادة الحضارة وردت في القرآن الكريم بمعاني‬ ‫متوضئة ونفوس عامرة‬
‫متعددة التمدن والتحضر والشيء العظيم كما أبين في النقطة التالية بإذن هللا‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ورود مادة الحضارة في القرآن ونظائرها‪.‬‬
‫وردت مادة حضر وبعض مشتقاتها في القرآن الكريم بعدة معاني‪:‬‬
‫‪ .1‬من الحضور وهو الشهود ويقابله الغياب‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﭼ(‪ ،)3‬ومعنى اآلية " حضر يعقوب مقدمات الموت‪ ،‬وإال فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول‬
‫شيئا"(‪ )4‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﭼ(‪ ،)5‬يعني‪" :‬إذا تيقن حضور الموت‪،‬‬
‫ورأى أعالمه‪ ،‬ولم يشكك في قر ِ‬
‫به منه"(‪.)6‬‬ ‫ُ‬
‫‪ .2‬اجتماع الشيء ووجوده كما ورد في قول هللا ‪ ‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭼ(‪".)7‬أ ي يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها‬
‫حاضرين تتمنى لو أن بينهما وبين ذلك اليوم وهو له أمدًا بعيدًا‪ :‬أي مسافة بعيدة"(‪.)8‬‬

‫(‪ )1‬الحضارة ‪ -‬د‪ /‬حسين مؤنس ‪ -‬الكتاب رقم‪ 1‬من سلسلة عالم المعرفة ‪ -‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬
‫بالكويت‪ .‬ص ‪ - 13‬بدون‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحضارة اإلسالمية أسسها ومبادؤها ‪ -‬دار الطباعة العربية ‪ -‬ص ‪ - 5‬بدون‪.‬‬
‫(‪ )3‬البقرة جزء اآلية‪.)133( :‬‬
‫(‪ )4‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ‪ -‬أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية األندلسي‬
‫المحاربي (المتوفى‪542 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق عبد السالم عبد الشافي محمد ‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪-‬الطبعة‪ :‬األولى ‪-‬‬
‫‪ 1422‬هـ ‪.)214 /1( -‬‬
‫(‪ )5‬البقرة جزء اآلية‪.)180( :‬‬
‫ِير ال َب ِسيْط ‪ -‬أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي (المتوفى‪468 :‬هـ) ‪-‬‬‫(‪ )6‬الت َّ ْفس ُ‬
‫المحقق‪ :‬أصل تحقيقه في (‪ ) 15‬رسالة دكتوراة بجامعة اإلمام محمد بن سعود‪ ،‬ثم قامت لجنة علمية من الجامعة‬
‫بسبكه وتنسيقه ‪ -‬عمادة البحث العلمي ‪ -‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1430 ،‬هـ ‪/3( -‬‬
‫‪.)544‬‬
‫(‪ )7‬آل عمران اآلية‪.)30( :‬‬
‫(‪ )8‬تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) ‪ -‬أبو البركات عبد هللا بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي‬
‫(المتوفى‪710 :‬هـ) ‪ -‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬يوسف علي بديوي ‪ -‬راجعه وقدم له‪ :‬محيي الدين ديب مستو ‪ -‬دار الكلم‬
‫الطيب‪ ،‬بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1419 ،‬هـ ‪ 1998 -‬م ‪.)248 /1( -‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪167‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫‪ .3‬مالزمة الشيء ال ينفك عنه قال تعالى‪ :‬ﭽﭤ ﭥ ﭦﭧﭼ(‪ ،)1‬ومعنى إحضار األنفس‬
‫ومنه‬ ‫الشح‪ :‬أن الشح "حاضر لها ال يغيب عنها أبدًا وال تنفك عنه‪ ،‬يعني أنها مطبوعة عليه"‪،‬‬
‫(‪)2‬‬

‫اإلتيان بالشيء وإحضاره قال تعالى‪ :‬ﭽﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬


‫ﭺﭼ(‪ ،)3‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﭼ(‪ )4‬أي "مقيمون‬
‫فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬مجموعون‪ ،‬وقيل‪ :‬نازلون‪ ،‬وقيل‪ :‬معذبون‪ ،‬والمعاني متقاربة‪ ،‬والمراد‪ :‬دوام عذابهم"(‪ )5‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭼ(‪" ،)6‬أي في جهنم‬
‫تحضرهم الزبانية فيها"(‪.)7‬‬
‫ومن هنا فإن مدار الكلمة هو الحضور والشهود‪ ،‬وصلة هذا المعنى بالحضارة أن الحضارة‬
‫شاهدة على المنجزات والثمرات الناتجة عن العمل‪ ،‬والحضور للعقل وللوعي اإلنساني ولإلبداع‬
‫واضح فيها‪.‬‬
‫‪ .4‬أما كلمة الحضر فإنها لم ترد في القرآن الكريم بل وردت كلمة القرية مفردة ومجموعة وكلمة‬
‫المدينة كذلك في مواضع كثيرة تحمل وصفا لمظاهر الحياة في القرى والمدن‪ ،‬فجاءت القرية في‬
‫موضع االعتبار واالتعاظ بمصير القرى الهالكة من ذلك قوله تعالى‪ :‬ﭽﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢﭼ(‪" )8‬قال السدي‪ :‬يقول هي ساقطة‬
‫على سقفها‪ ،‬أي سقطت السقف ثم سقطت الحيطان عليها‪ ،‬واختاره الطبري‪ .‬وقال غير السدي‪:‬‬
‫معناه خاوية من الناس والبيوت قائمة‪ ،‬وخاوية معن اها خالية‪ ،‬وأصل الخواء الخلو‪ ،‬يقال‪ :‬خوت الدار‬
‫وخويت تخوى خواء وخويا‪ :‬أقوت‪ ،‬وكذلك إذا سقطت‪ ،‬ومنه وقوله تعالى‪( :‬خاوية)" أي خالية‪ ،‬ويقال‬
‫ساقطة‪ ،‬كما يقال‪ ":‬فهي خاوية على عروشها" أي ساقطة على سقفها‪ ،‬والخواء الجوع لخلو البطن‬
‫من الغذاء‪ ،‬وخوت المرأة وخويت أيضا خوى أي خال جوفها عند الوالدة‪ .‬وخويت لها تخوية إذا‬

‫(‪ )1‬النساء جزء اآلية‪.)128( :‬‬


‫(‪ ) 2‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج ‪ -‬د وهبة بن مصطفى الزحيلي ‪ -‬دار الفكر المعاصر ‪ -‬دمشق ‪ -‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية‪ 1418 ،‬هـ ‪.)291/5( -‬‬
‫(‪ )3‬مريم اآلية‪.)68( :‬‬
‫(‪ )4‬سبأ اآلية‪.)38( :‬‬
‫(‪ )5‬فتح القدير ‪ -‬محمد بن علي بن محمد بن عبد هللا الشوكاني اليمني (المتوفى‪1250 :‬هـ) ‪ -‬دار ابن كثير‪ ،‬دار الكلم‬
‫الطيب ‪ -‬دمشق‪ ،‬بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1414 -‬هـ ‪.)252 /4( -‬‬
‫(‪ )6‬الروم اآلية‪.)16( :‬‬
‫(‪ )7‬الجامع ألحكام القرآن ‪ -‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي‬
‫(المتوفى‪ 671 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬هشام سمير البخاري ‪ -‬دار عالم الكتب‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪ -‬الطبعة‪:‬‬
‫‪ 1423‬هـ‪ 2003 /‬م ‪.)307 /14( -‬‬
‫(‪ )8‬الحج اآلية‪.)45( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪168‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫عملت لها خوية تأكلها وهي طعام‪ .‬والخوي البطن السهل من األرض على فعيل‪ .‬وخوى البعير إذا‬
‫جافى بطنه عن األرض في بروكه‪ ،‬وكذلك الرجل في سجوده"(‪)1‬ﭽﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭼ(‪ ،)2‬وأن القرية هي البلدة العامرة التي يطمع فيها الملوك الجبابرة‪،‬‬
‫لينهبوا خيراتها ويفسدوا عمرانها ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ‬
‫ﯽﭼ(‪ ،)3‬ونموذج القرية العامرة المنعمة بعيش رغيد قال تعالى‪ :‬ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﭼ(‪ ،)4‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭼ(‪ ،)5‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﭼ(‪.)6‬‬
‫وضرب المثل بالقرى الهالكة وعيدا لقريش وتسلية للنبي ‪ ‬وتثبيتا له ﭽﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭼ(‪ ،)7‬أي "فال ناصر لهم وال معين وال شفيع وال ولى مما‬
‫ّ‬
‫كانوا يزعمونه في الدنيا"(‪.)8‬‬
‫وضرب المثل بالقرية المنحرفة عن منهج هللا المعطلة لشرع هللا ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ(‪.)9‬‬
‫‪ .5‬وتأتي كلمة المدينة في القرآن مرادفة للقرية وقد تأتي بمعنى المدينة المنورة وقد تأتي بمعنى‬
‫القرية الكبيرة الحاضرة العامرة‪ ،‬وأصل المدينة غالبا قرية صغيرة امتد عمرانها حتى صارت مدينة‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﭼ(‪.)10‬‬

‫(‪ )1‬تفسير القرطبي (‪ - )290 /3‬مرجع سابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬الحج اآلية‪.)48( :‬‬
‫(‪ )3‬النمل اآلية‪.)34( :‬‬
‫(‪ )4‬القصص اآلية‪.)58( :‬‬
‫(‪ )5‬النحل اآلية‪.)112( :‬‬
‫(‪ )6‬اإلسراء اآلية‪.)16( :‬‬
‫(‪ )7‬محمد اآلية‪.)13( :‬‬
‫(‪ )8‬تفسير المراغي ‪ -‬أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى‪1371 :‬هـ) ‪ -‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي‬
‫وأوالده بمصر ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1365 ،‬هـ ‪ 1946 -‬م ‪.)126 /14( -‬‬
‫(‪ )9‬الطالق اآلية‪.)8( :‬‬
‫(‪ )10‬األحزاب اآلية‪.)60( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪169‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫"لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة "فإن هذا كله شيء واحد‬
‫يعني أنه نعتهم بأعمالهم الخبيثة‪ ،‬ثم ال يجاورونك فيها إال قليال" يعني ال يساكنونك في المدينة إال‬
‫قليال حتى أهلكهم ويقال إال جوا ار قليال ويقال إال قليال منهم‪ ،‬وقال قتادة إن أناسا من المنافقين أرادوا‬
‫أن يظهروا نفاقهم فنزلت هذه اآلية"(‪.)1‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﭽ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬ ﭭ ﭮﭼ(‪ )2‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﭽ ﯺ ﯻ‬ ‫(‪)3‬‬
‫ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﭼ(‪ )4‬وقال تعالى‪:‬‬
‫ﭽﯫ ﯬ ﯭ ﯮﭼ(‪ ،)5‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﭽﭝ ﭞ‬ ‫ﯣﭼ(‪)6‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﭼ‬
‫(‪)7‬‬

‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ(‪ )8‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬


‫ﰁﭼ(‪ )9‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦﭼ(‪.)10‬‬
‫وبالنظر والتدبر في هذه اآليات نجد المدينة هي المجتمع العمراني األوسع الذي يشتمل على‬
‫مرافق كالمطاعم واألسواق الدائمة وغيرها‪ ،‬والتعبير من أقصى المدينة يشير إلى اتساعها وترامي ما‬
‫بين أطرافها‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم‪ :‬العدل‪.‬‬
‫ومنهاجها‪ ،‬ال‬
‫ُ‬ ‫وتاجها‬
‫العدل أساس الملك ونبراس التقدم واالزدهار والنهوض الحضارة وسياجها‪ُ ،‬‬
‫يمكن أن نتصور حضارة بدون عدل‪ ،‬وال تنهض األمم إال بإقامة العدل‪ ،‬وال تحرس المدائن‬
‫والحواضر والقرى والبراري والبوادي إال بالعدل‪ ،‬به قامت السموات واألرض‪ ،‬وله تنصب موازين‬
‫اجب في كافة األمور وسائر األحوال‪ ،‬قال تعالى في سورة النحل قال تعالى‬
‫العدل و ٌ‬
‫َ‬ ‫القسط‪ ،‬ذلك أن‬

‫(‪ )1‬تفسير السمرقندي = بحر العلوم ‪ -‬دار الفكر (‪ – )70 /3‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬األعراف اآلية‪.)123( :‬‬
‫(‪ )3‬التوبة اآلية‪.)101( :‬‬
‫(‪ )4‬يوسف اآلية‪.)30( :‬‬
‫(‪ )5‬الحجر اآلية‪.)67( :‬‬
‫(‪ )6‬الكهف جزء اآلية‪.)19( :‬‬
‫(‪ )7‬الكهف جزء اآلية‪.)82( :‬‬
‫(‪ )8‬القصص جزء اآلية‪.)15( :‬‬
‫(‪ )9‬القصص جزء اآلية‪.)20( :‬‬
‫(‪ )10‬يس اآلية‪.)20( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪170‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫في سورة النحل ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬


‫ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﭼ(‪ " ،)1‬فالعدل الذي أمر هللا به يشمل العدل في حقه وفي حق‬
‫عباده‪ ،‬فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة بأن يؤدي العبد ما أوجب هللا عليه من الحقوق‬
‫المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده‪ ،‬ويعامل الخلق بالعدل التام‪ ،‬فيؤدي كل وال ما‬
‫عليه تحت واليته سواء في ذلك والية اإلمامة الكبرى‪ ،‬ووالية القضاء ونواب الخليفة‪ ،‬ونواب القاضي‪،‬‬
‫والعدل هو ما فرضه هللا عليهم في كتابه‪ ،‬وعلى لسان رسوله‪ ،‬وأمرهم بسلوكه‪ ،‬ومن العدل في‬
‫المعامالت أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات‪ ،‬بإيفاء جميع ما عليك فال تبخس‬
‫لهم حقا وال تغشهم وال تخدعهم وتظلمهم‪ .‬فالعدل واجب‪ ،‬واإلحسان فضيلة مستحب وذلك كنفع‬
‫الناس بالمال والبدن والعلم‪ ،‬وغير ذلك من أنواع النفع حتى إنه يدخل فيه اإلحسان إلى الحيوان‬
‫البهيم المأكول وغيره"(‪.)2‬‬
‫"إن هللا تعالى جمع الخير كله وال شر كله في هذه اآلية وقال إن استقامة الملك بالثالثة المأمور بها‬
‫(‪)3‬‬
‫في اآلية واضطرابه بالثالثة المنهي عنها فيها" ‪ ،‬وفي سورة األنعام يقول ‪ ‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯﭰ ﭱ ﭲﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ(‪.)4‬‬
‫ومسلك في اإلسالم دعا إليه القرآن في عهد الدعوة األول وقبل أن تقوم‬
‫ٌ‬ ‫حميد‬
‫ٌ‬ ‫خلق‬
‫العدل ٌ‬
‫ف ُ‬
‫آيات كثيرةٌ‬
‫كيان‪ ،‬وأمر به حين تحقق النصر والتمكين‪ ،‬ففي السور المكية ٌ‬
‫لإلسالم دولة‪ ،‬ويصبح له ٌ‬
‫اجب في كافة األمور وسائر األحوال‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫العدل و ٌ‬
‫َ‬ ‫تحث على العدل‪ ،‬وكذلك في السور المدنية؛ ذلك أن‬
‫والعدل‪ " :‬أمر تقتضيه الحضارة والعمران والتقدم‪ ،‬وتشيد به كل العقول‪ ،‬وأصل من أصول الحكم‬
‫في اإلسالم‪ ،‬وال بد للمجتمع منه حتى يأخذ الضعيف حقه‪ ،‬وال يبغي القوي على الضعيف‪ ،‬ويستتب‬
‫األمن والنظام‪ ،‬وأجمعت الشرائع السماوية على وجوب إقامة العدل‪ ،‬فعلى الحاكم وأتباعه من الوالة‬
‫والموظفين والقضاة التزام العدل‪ ،‬حتى تصل الحقوق ألهلها"(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬النحل اآلية‪.)90( :‬‬


‫(‪ )2‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪ -‬عبد الرحمن بن ناصر بن عبد هللا السعدي (المتوفى‪1376 :‬هـ) ‪-‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪1420‬هـ ‪ 2000-‬م ‪( -‬ص‪.)447 :‬‬
‫(‪ )3‬المنهج المسلوك في سياسة الملوك ‪ -‬عبد الرحمن بن نصر‪ ،‬أبو النجيب‪ ،‬جالل الدين العدوي الشيزري الشافعي‬
‫(المتوفى‪ :‬نحو ‪590‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬علي عبد هللا الموسى ‪ -‬مكتبة المنار ‪.)242 / 1( -‬‬
‫(‪ )4‬األنعام اآلية‪.)152( :‬‬
‫(‪ )5‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج ‪ - )124 /5( -‬مرجع سابق‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪171‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫أساس دعوة األنبياء والرسل ‪ -‬عليهم السالم ‪ -‬قال تعالى‪ :‬ﭽﭑﭒ ﭓﭔ‬
‫ُ‬ ‫فالعدال ُة‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭼ(‪.)1‬‬
‫فكل الرساالت جاءت لتقر في األرض وفي حياة الناس ميزاناً ثابتاً ترجع إليه البشرية‪ ،‬لتقويم‬
‫األعمال واألحداث واألشياء والرجال؛ وتقيم عليه حياتها في مأمن من اضطراب األهواء واختالف‬
‫األمزجة‪ ،‬وتصادم المصالح والمنافع‪ ،‬ميزاناً ال يحابي أحداً؛ ألنه يزن بالحق للجميع‪ ،‬وال يجور على‬
‫أحد؛ ألن هللا رب للناس جميعا‪ ،‬وهذا الميزان الذي أنزله هللا في الرسالة هو الضمان الوحيد للبشرية‬
‫من العواصف والزالزل واالضطرابات التي تحيق بها في معترك األهواء ومضطرب العواطف‬
‫ومصطخب المنافسة وحب الذات فال بد من مي ازن ثابت يثوب إليه البشر‪ ،‬فيجدون عنده الحق‬
‫والعدل والنصفة بال محاباة ﭽﭙﭚﭛﭜﭼ فبغير هذا الميزان اإللهي الثابت في منهج هللا‬
‫وشريعته‪ ،‬ال يهتدي الناس إلى العدل‪ ،‬وإن اهتدوا إليه لم يثبت في أيديهم ميزانه‪ ،‬وهي تضطرب في‬
‫(‪)2‬‬
‫مهب الجهاالت واألهواء! ‪.‬‬
‫من أنواع العدل‬
‫للعدل أنواع كثيرة نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫خيرها وصالحها‪،‬‬
‫‪ .1‬العدل مع النفس‪ :‬وذلك باجتناب ما يوردها المهالك‪ ،‬واإلقبال على ما فيه ُ‬
‫والعمل على تحقيق سعادتها األبدية في الدارين‪ ،‬ولقد َّ‬
‫حذر القرآن من ظلم المرء لنفسه بالحاق‬
‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫الضالل‬ ‫في‬ ‫التمادي‬ ‫أو‬ ‫المعاصي‬ ‫بارتكاب‬ ‫سواء‬ ‫بها‬ ‫الضرر‬
‫ﭽﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽﭼ(‪.)3‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫(‪.)4‬‬
‫ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ‬

‫(‪ )1‬الحديد اآلية‪.)25( :‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم ‪ -‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى‪774 :‬هـ)‬
‫‪ -‬تحقيق سامي بن محمد سالمة ‪ -‬دار طيبة ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م ‪ – )490 /7( -‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )3‬آل عمران اآليتان‪.)117، 116( :‬‬
‫(‪ )4‬هود اآليتان‪.)101 – 100( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪172‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫وقال تعالى ﭽﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄﮅﭼ(‪.)1‬‬
‫والواجب على من ظلم نفسه أن يبادر إلى التوبة واإلنابة قال تعالى‪ :‬ﭽﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙﯚﭼ(‪.)2‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃﭼ(‪.)3‬‬
‫‪ .2‬العدل في الحكم‪ :‬ألنه من الدعائم األساسية لبناء المجتمع المسلم‪ ،‬حيث تنمو الحضارة وتزدهر‬
‫في ظل حكم عادل قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﭼ(‪.)4‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﭽﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﭼ(‪.)5‬‬
‫في المنهج المسلوك في سياسة الملوك ‪" :‬واعلم أن العدل ال يتحقق من الملك‬ ‫(‪)6‬‬
‫قال الشيزري‬
‫إال بلزوم عشر خصال"‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬إقامة منار الدين وحفظ شعائره والحث على العمل به من غير إهمال له وال تفريط بحقوقه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حراسة البيضة والذب عن الرعية من عدو في الدين أو باغ في النفس والمال‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عمارة البلدان باعتماد المصالح وتهذيب السبل والمسالك‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬النظر في تعدي الوالة وأهل العز من األعوان على الرعية‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬النظر في أحوال الجند وغيرهم من أهل الرزق لئال تبخسهم العمال أرزاقهم أو يؤخرون‬
‫العطاء فيجحف االنتظار بهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬إبراهيم اآلية‪.)45( :‬‬


‫(‪ )2‬النساء اآلية‪.)64( :‬‬
‫(‪ )3‬آل عمران اآلية‪.)135( :‬‬
‫(‪ )4‬النساء اآلية‪.)58( :‬‬
‫(‪ )5‬الحجرات اآلية‪.)9( :‬‬
‫(‪ )6‬عبد الرحمن بن نصر بن عبد هللا‪ ،‬أبو النجيب‪ ،‬جالل الدين العدوي الشيزري‪ :‬قاضي طبريا‪ .‬شافعي‪ .‬نسبته الى قلعة‬
‫شيزر (قرب المعرة) سكن حلب‪ .‬له كتب‪ ،‬منها (النهج المسلوك في سياسة الملوك ‪ -‬ط) ألفه للملك الناصر‪ ،‬صالح الدين‬
‫األيوبي‪ ،‬و (نهاية الرتبة في طلب الحسبة ‪ -‬ط) ‪ -‬األعالم ‪ -‬خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس‪ ،‬الزركلي‬
‫الدمشقي (المتوفى‪1396 :‬هـ) ‪ -‬دار العلم للماليين ‪ -‬الطبعة‪ :‬الخامسة عشر ‪ -‬أيار‪ /‬مايو ‪ 2002‬م‪.)340 /3( -‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪173‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫السادس‪ :‬الجلوس لكشف المظالم والنظر بين المتشاجرين من الرعية والفصل بينهم بالنصفة على‬
‫وجه الشرع‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬تقدير ما يخرج من بيت المال على طبقات أربابه من غير إسراف وال إقتار‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬إقامة الحدود على أهل الجرائم بالشرع المطهر على قدر الجريمة‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬اختيار خلفائه ف ي األمور ووالته وقضاته وعماله بأن يكونوا من أهل الكفاية واألمانة والحذق‬
‫والدراية فيما هم بصدده‪.‬‬
‫العاشر ‪ :‬تنفيذ ما وقف من أحكام القضاة وأهل الحسبة وما عجزوا عن تنفيذه لقوة يد المحكوم عليه‬
‫وتعززه فينفذ الملك ما حكموه عليه بالشرع‪.‬‬
‫فإذا فعل الملك هذه العش ر خصال كان مؤديا لحق هللا تعالى في الرعية بالعدل الذي أمر هللا‬
‫تعالى به وكان مستوجبا لطاعتهم ومستحقا لمناصحتهم وإن ترك شيئا من ذلك كان عن العدل ناكبا‬
‫(‪)1‬‬
‫وفي الجور راغبا ‪.‬‬
‫‪ .3‬العدالة في التعامل‪ :‬جاءت أطول آية في أطول سورة‪ ،‬بدعوة إلى تحري العدل واإلنصاف في‬
‫المعامالت قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ‬
‫ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﭼ(‪ ،)2‬وجاءت سورة من سور القرآن بالنهي عن‬
‫التطفيف‪ ،‬وهو بخس الناس حقهم في مقابل استيفاء الحقوق وزيادة‪ ،‬وهذا من ظلم الغير قال تعالى‪:‬‬
‫ﭽﯖ ﯗ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﭼ(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬المنهج المسلوك في سياسة الملوك ‪ – )249 / 1( -‬مرجع سابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬البقرة اآلية‪.)282( :‬‬
‫(‪ )3‬المطففين اآليات‪.)6 – 1( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪174‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫ويضيِع‬
‫ّ‬ ‫فإذا كان هللا ‪ ‬قد نهى عن التطفيف وتوعد فاعليه فما بال من يبخس الناس حقوقهم‬
‫أموالهم! والسورة مع كونها مكية إال أنها تحذر من هذا السلوك الظالم‪ ،‬ذلك أن العدل والوفاء‬
‫بالحقوق من أصول األحكام التي قامت الشريعةُ اإلسالمي ُة على دعائمها‪.‬‬
‫شدد فيه اإلسالم ما ُس ّمي في عصرنا‪ :‬العدل‬‫‪ .4‬العدل االجتماعي "ومن أبرز أنواع العدل الذي ّ‬
‫األمة الواحدة‪ ،‬وإعطاء‬
‫المتكافئة ألبناء ّ‬
‫الفرصة ُ‬ ‫ويراد به‪ :‬العدل في توزيع الثّروة‪ ،‬وإتاحة ُ‬
‫االجتماعي‪ُ ،‬‬
‫النفوذ منهم‪ ،‬وتقريب الفوارق ّ‬
‫الشاسعة‬ ‫وجهودهم دون أن يسرقها الغادرون وذوو ّ‬
‫العاملين ثمرة أعمالهم ُ‬
‫طغيان األغنياء والعمل على رفع مستوى الفقراء" ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بالحد من ُ‬ ‫بين األفراد والفئات بعضها وبعض‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫طيب من الثمر فبالعدل‬ ‫فالعدل دوحة يتفيأ ظاللها كل ضعيف ومهضوم‪ ،‬ويتفتق عنها كل ٍّ‬
‫(‪)2‬‬
‫تقوى األواصر بين أفراد المجتمع "فإذا كان السلطان عاد ً‬
‫ال عمرت الدنيا وأمنت الرعايا" ‪.‬‬
‫وقال األحنف بن قيس‪ :‬إ ن الدنيا عمرت بالعدل فكذلك تخرب بالجور ألن العدل يصفو نوره‪،‬‬
‫وتلوح تباشيره‪ ،‬من مسيرة ألف فرسخ والجور يتراكم ظالمه‪ ،‬ويسود قتامة من مسيرة ألف فرسخ‪ .‬وقال‬
‫الفضيل بن عياض – رحمه هللا – لو كنت أملك دعوة مستجابة ما دعوت بها إال للسلطان العال؛‬
‫(‪)3‬‬
‫ألنه في عدل السلطان صالح للعباد ورقي للبالد ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية – رحمه هللا ‪ :-‬وأمور الناس إنما تستقيم في الدنيا مع العدل‪ ،‬الذي‬
‫قد يكون فيه االشتراك في بعض أنواع اإلثم‪ ،‬أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق‪ ،‬وإن لم يشترك‬
‫في إثم ولهذا قيل‪ :‬إن هللا يأذن بقيام الدولة التي يسودها العدل وإن كان الظلم منتشر فيها وال يأذن‬
‫بقيام الدول الظالمة وإن كانت مسلمة‪ ،‬فالدنيا تدوم مع العدل وإن كان الكفر منتشر‪ ،‬وال تدوم مع‬
‫اإلسالم والظلم‪ ،‬ذلك أن العدل نظام كل شيء‪ ،‬وإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫صاحبها من أهل الدين‪ ،‬ومتى لم تقم بالعدل لم تقم وإن كان صاحبها من اإليمان ما يجزي به في‬
‫(‪)4‬‬
‫اآلخرة ‪.‬‬
‫من خالل ما س ق‪ :‬يمكن القول أن العدل أساس الملك‪ ،‬وميزان الحكم بين الناس ومنبع‬
‫الحضارات وازدهارها‪ ،‬به يأمن اإلنسان على نفسه وماله وولده‪ ،‬ويتحقق الطمأنينة واألمن واالستقرار‬
‫في المجتمعات‪ ،‬فهو سبيل الرقي والتحضر فما قامت الحضارات إال بالعدل والسير على منهج هللا‪،‬‬

‫(‪ )1‬مالمح المجتمع المسلم د يوسف القرضاوي مكتبة وهبة‪ .‬القاهرة الطبعة الثالثة‪( ،2001 .‬ص ‪.)149‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التبر المسبوك في نصيحة الملوك ‪ -‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هـ) ‪ -‬صححه‪:‬‬
‫أحمد شمس الدين ‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1409 ،‬هـ ‪ 1988 -‬م ‪ - )16 / 1( -‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق نفسه ‪.)30 / 1( -‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬االستقامة ‪ -‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد ابن‬
‫تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم ‪ -‬جامعة اإلمام محمد بن سعود ‪-‬‬
‫المدينة المنورة ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ - )247 / 2( - 1403 ،‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪175‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫وما انهارت الحضارات إال بعدم إقامة العدل والبعد عن منهج هللا قال تعالى‪:‬‬
‫ﭽﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵﯶﯷﯸﯹﭼ(‪.)1‬‬
‫إيذان من هللا تعالى بانهدام هذه الحضارة المادية الظالم أهلها‪ ،‬الذين أفادوا منها في البغي‬
‫" ٌ‬
‫والظلم ونشر الفساد في األرض‪ ،‬ولم ينتفعوا منها في إقامة العدل ورفع راية الحق‪ ،‬بل فرحوا بما‬
‫أوتوا من العلم وظنوا أنهم تمكنوا من السيطرة على تقلبات الظواهر الطبيعية والكونية‪ ،‬فهنالك يأذن‬
‫حد لهذا الكبر والغرور إذ ال يليق الكبر إال باهلل العظيم‪ ،‬فهو الجبار المتكبر وحده‬
‫هللا تعالى بوضع ّ‬
‫ال شريك له"(‪.)2‬‬
‫فنخلص أن العدل أساس الحضارات ومهد األمجاد خاصة إذا كان على منهج هللا وسنة النبي ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم الحرية‪.‬‬
‫تعتبر الحرية من أهم القيم الحضارية وذلك إن اإلسالم في تشريعاته أرسى دعائم الحرية‬
‫الجاهليات‪ ،‬وحرر العقل من الفلسفات‬
‫ّ‬ ‫الشهوات‪ ،‬ومن أغالل‬ ‫ومبادئها فقد حرر اإلنسان من أسر ّ‬
‫طله‪ ،‬أو تُطلق له العنان بال‬
‫الوضعية التي تُ ّقيد العقل‪ ،‬وتُع ّ‬
‫ّ‬ ‫الديانات‬
‫المادّية‪ ،‬والمذاهب الهدامة‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫الشوائب واألكدار‪ ،‬واألهواء‪،‬‬
‫ضابط‪ ،‬أو ميزان‪ ،‬كما حرر القلب من الهمم الدنيئة‪ ،‬وطهره من ُك ّل ّ‬ ‫ٍ‬
‫الشهوات وهيمنتها‪ ،‬فالحرية في اإلسالم من‬
‫الران‪ ،‬وتحرير الجسد من أسر ّ‬ ‫وتجليته من الصيدأ و ّ‬
‫المقاصيد الشرعية‪ ،‬والمبادئ األساسية التي أرساها اإلسالم‪ ،‬فال سبيل إلي حضارة حقيقية بدون‬
‫حرية‪ ،‬والحرية في اإلسالم حق للفرد‪ ،‬وحق للمجتمع‪ ،‬وهي ليست حرية مطلقة‪ ،‬ولكنها منضبطة‬
‫منظمة‪ ،‬بحيث ال تصيطدم بحرية اآلخرين‪ ،‬كما أنها موصيولة بجملة من القيم كالعزة والكرامة‪،‬‬
‫واألمن والسالمة والمساواة والعدالة‪ ،‬والعفة والطهارة‪ ،‬وغيرها من القيم السامية‪ ،‬والمقاصيد الحسنة‬
‫التي جاء بها اإلسالم الحنيف‪ ،‬ونادت بها الدعوة إليه في كل عصير ومصير على ألسنة الدعاة‬
‫ِ‬
‫التعبير‪ ،‬وحري َة‬ ‫ِ‬
‫العقيدة وحري َة‬ ‫الدارسين‪ ،‬ومن صيور الحرية التي منحها اإلسالم لإلنسان‪ :‬حري َة‬
‫ِ‬
‫التنقل‪ ،‬وحري َة الهج ِرة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكلمة‪ ،‬وحري َة إصيدار القرار‪ ،‬وحري َة التقاضي والشكوى‪ ،‬وحري َة‬ ‫الر ِ‬
‫أي‪ ،‬وحري َة‬
‫وغيرها من الحريات التي‬ ‫ِ‬
‫االختيار‪،‬‬ ‫وحري َة التص ِ‬
‫يرف في الملكية الخاصية والتأهيل الفردي‪ ،‬وحري َة‬
‫َ‬
‫أقرها اإلسالم وشرحها القرآن ونادى بها المخلصون لربهم ولدينهم؛ إنها الحرية التي تجعل اإلنسان ال‬

‫(‪ )1‬يونس جزء اآلية‪.)24( :‬‬


‫(‪ )2‬التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون ‪ -‬تفسير القرآن الكريم على منهاج األصلين العظيمين ‪-‬‬
‫الوحيين‪ :‬القرآن والسنة الصحيحة ‪ -‬على فهم الصحابة والتابعين‪ .‬تفسير منهجي فقهي شامل معاصر ‪ -‬األستاذ‬
‫الدكتور مأمون حموش ‪-‬المدقق اللغوي‪ :‬أحمد راتب حموش ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1428 ،‬هـ ‪ 2007 -‬م (‪.)628 /3‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪176‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫يحاسب إال على ما قدمت يداه‪ ،‬وال يعاقب إال على ما فكر ودبر‪ ،‬وقد تجلى كل تلك المعاني‪ ،‬في‬
‫القرآن الكريم قال هللا تعالى‪ :‬ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙﭼ(‪" ،)1‬أي ال تكرهوا أحدا على الدخول في‬
‫دين اإلسالم‪ ،‬فإنه ِّبين واضح جلي دالئله‪ ،‬وبراهينه‪ ،‬ال يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه‪،‬‬
‫بل من هداه هللا لإلسالم‪ ،‬وشرح صيدره‪ ،‬ونور بصييرته‪ ،‬دخل فيه على نور واضح‪ ،‬ومن ختم هللا‬
‫على قلبه وسمعه‪ ،‬وبصيره؛ ال يفيده الدخول في الدين مكرها مقسو ار"(‪ )2‬وقال هللا جل شأنه ﭽ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﭼ(‪ ،)3‬وقال ‪ :‬ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶﭼ(‪،)4‬‬
‫فهي أي‪ :‬الحرية ما يشعر به المخلوق في هذا الوجود فهي دائما مالزمة لكرامته اإلنسانية‪ ،‬حيث‬
‫أقر اإلسالم مبدأ الحرية في أسمى مظاهرها‪ ،‬وأجلى معانيها‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ولقد شهد بذلك بعض الغربيين‪ :‬يقول ديورانت ‪..." :‬كان مركز المرأة المسلمة يمتاز عن مركز‬
‫حق لزوجها أو لدائنيه‬
‫المرأة في بعض البالد األوروبية؛ حيث إنها كانت حرَة التصرف فيما تملك ال َّ‬
‫(‪)6‬‬
‫في شيء من أمالكها‪. "....‬‬
‫وتقول ماكلوسكي‪" :‬في ظل اإلسالم استعادت المرأة حريتها‪ ،‬واكتسبت مكانة مرموقة‪ ،‬فاإلسالم‬
‫ي عتبر النساء شقائق للرجال‪ ،‬وكالهما يكمل اآلخر‪ ،‬إن المرأة المسلمة معززة مكرمة في كافة نواحي‬
‫الحياة‪ ،‬ولكنها اليوم مخدوعة مع األسف ببريق الحضارة الغربية الزائف‪ ،‬ومع ذلك فسوف تكشف‬
‫يوما ما‪ :‬كم هي مضللة في ذلك بعد أن تعرف الحقيقة"(‪.)7‬‬
‫ً‬
‫فقد جاء اإلسالم ليحطم القيود واألغالل التي صنعتها األساطير واألوهام؛ ليتحرر اإلنسان من‬
‫المذلة والهوان حيث دعوة التوحيد والعبودية الخالصة هلل ‪ ،‬والتحرر من عبادة األشجار واألحجار‬

‫(‪ )1‬البقرة اآلية (‪.)255‬‬


‫(‪ )2‬تفسير القران العظيم البن كثير مرجع سابق (‪.)521 /1‬‬
‫(‪ )3‬الغاشية اآليتان (‪.)22 ،21‬‬
‫(‪ )4‬يونس اآلية (‪.)99‬‬
‫(‪ )4‬ول ديورانت ‪ W. Durant‬مؤلف أمريكي معاصر‪ ،‬يعد كتابه (قصة الحضارة) واحدا ً من أشهر الكتب الني تؤرخ‬
‫للحضارة البشرية عبر مساراتها المعقدة المتشابكة‪ ،‬عكف على تأليفه السنين الطوال‪ ،‬وأصدر جزأه األول عام‬
‫‪1935‬م‪ ،‬ثم تلته بقية األجزاء الثالثين‪ ،‬ومن كتبه‪( :‬قصة الفلسفة)‪ - .‬قالوا عن القرآن ‪ -‬عماد الدين خليل ‪ -‬الشاملة‬
‫الذهبية ‪ -‬بدون (ص‪.)17‬‬
‫صابر ‪-‬‬
‫ديورانت (المتوفى‪ 1981 :‬م) ‪ -‬تقديم‪ :‬الدكتور محيي الدّين َ‬
‫َ‬ ‫ديورانت = ويليام جيمس‬
‫َ‬ ‫(‪ )5‬قصة الحضارة ‪ِ -‬ول‬
‫ترجمة‪ :‬الدكتور زكي نجيب مح ُمود وآخرين ‪ -‬دار الجيل‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ 1408 -‬هـ ‪1988 -‬م (‪.)140 /13‬‬
‫(‪ )6‬ألمانية‪ :‬كانت تعمل قنصالً لبالدها‪ ،‬ألمانيا االتحادية‪ ،‬في بنغالديش‪ ،‬اهتدت إلى اإلسالم وأعلنت إسالمها عام‬
‫‪1976‬م‪ ،‬وشعرت يومها (وكأنها ولدت من جديد) ‪.https://rasoulallah.net/ar/articles/article/3069‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪177‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫والنيران وغيرها من المخلوقات قال تعالى‪ :‬ﭽﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ‬


‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﭼ(‪.)1‬‬
‫جاء ليتحرر اإلنسان من عبادة الحاكم واألحبار والرهبان قال تعالى‪ :‬ﭽﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬﯭﯮ ﯯﯰﭼ(‪.)2‬‬
‫جاء بتخليص اإلنسان من عبودية المال والشهوات قال تعالى‪ :‬ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ(‪" ،)3‬وكانت‬
‫النتيجة الطبيعية لعقيدة اإليمان بخالق الكون واإلنسان ثورة اإلنسان على كل عبودية‪ ،‬ثورته على‬
‫نفسه ليسيطر على أهوائها‪ ،‬وثورته على الملوك المستبدين من القياصرة واألكاسرة‪ ،‬وانتشار الوعي‬
‫في الشعوب جميعا ذلك الوعي القائم على عادة هللا وتعظيمه وحده التعظيم المطلق والنظر إلى‬
‫جميع الناس ومنهم كبراء الدنيا وملوكها نظرة ال خضوع فيها وال خوف"(‪.)4‬‬
‫وتتمرد على التّقليد األعمى‬ ‫الخرافة‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫تنبذ ُ‬
‫لمية ‪ -‬التي ُ‬
‫العقلية الع ّ‬
‫ّ‬ ‫"والُقرآن أعظم كتاب ُي ْنشئ ‪-‬‬
‫الظنون واألهواء في مقام البحث عن‬ ‫الكبراء‪ ،‬أو للعوام والدهماء‪ ،‬وترُفض ُّ‬
‫السادة و ُ‬
‫ّ‬ ‫لألجداد واآلباء و ّ‬
‫ؤكدة في الحسيات‪ ،‬ومن‬ ‫الم ّ‬ ‫اليقينية‪ ،‬وال تقبل دعوى ّإال ببرهان قاطع‪ ،‬من ُ‬
‫المشاهدة ُ‬ ‫ّ‬ ‫الحقائق واألمور‬
‫النظر فريضة‪ ،‬والتّفكير‬
‫ويعتبر القرآن ّ‬
‫المرويات‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الموثّق في‬
‫النقل ُ‬
‫العقليات‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬ ‫السليم في‬
‫المنطق ّ‬
‫جهنم‬
‫عبادة‪ ،‬والبحث عن الحقيقة ُقربة‪ ،‬واستخدام أدوات المعرفة ُشك ًار لنعم هللا وتعطيلها سبيالً إلى ّ‬
‫الناس بعض ًا‬
‫دمر ُحّريَّة اإلنسان وأتى على بُنيانها من القواعد اتّخاذ بعض ّ‬
‫ولذلك؛ فإ ّن أعظم ما ّ‬
‫الناس ُحّريتهم وكرامتهم يجب تحطيم هؤالء األرباب األدعياء‪،‬‬
‫يسترد ّ‬
‫ّ‬ ‫أرباب ًا من دون هللا‪ ،‬ولكي‬
‫ِ‬
‫أنفس الذين توهمهم أرباباً حّقاً وهم مخلوقون مثلهم!‪ ،‬ال يملكون‬ ‫واآللهة المزيفين‪ ،‬خصوصاً في‬
‫حياة وال ُنشو اًر‪ ،‬ولقد وعى ُمشركو العرب هذه الحقيقة منذ دعا‬
‫ألنفسهم ض ًار وال نفعاً وال موتاً وال ً‬
‫النبي ‪ ‬من ّأول يوم إلى التوحيد‪ ،‬وعّلموا أن وراء هذه الكلمة (ال إله ّإال هللا) انقالباً في الحياة‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬فصلت اآلية‪.)37( :‬‬


‫(‪ )2‬التوبة اآلية‪.)31( :‬‬
‫(‪ )3‬آل عمران اآليتان‪.)15 - 14( :‬‬
‫(‪ )4‬نحو إنسانية سعيدة د‪ .‬محمد المبارك رحمه هللا ‪ -‬دار الفكر بيروت ‪ 1389 -‬هـ الطبعة الثانية‪ -‬ص ‪.55‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪178‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫الفقراء والمساكين والمسحوقين فال‬


‫سيما ُ‬‫ياسية‪ ،‬و ّأنها تؤذن بميالد جديد للبشرّية‪ ،‬وال ّ‬
‫الس ّ‬‫االجتماعية و ّ‬
‫ّ‬
‫كل قواهم لحرب كل من آمن بها واستجاب لندائها" ‪ ،‬ولذلك فإنه ال‬
‫(‪)1‬‬
‫وجندوا ّ‬
‫ُغ ُرّو أن وقفوا في وجهها ّ‬
‫ُيتص ّيور وجود حضارة إال بوجود معنى حقيقي للحرية‪ ،‬ولذلك قال اإلمام محمد أبو زهرة ‪ -‬رحمه هللا‬
‫‪ -‬عن حقيقة الحرية‪ :‬إنها" تتكون من حقيقتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬السيطرة على النفس والخضوع لحكم العقل ال الخضوع لحكم الهوى والثانية‪:‬‬
‫" اإلحساس الدقيق بحق الناس عليه‪ ،‬وإال كانت األنانية‪ ،‬والحرية نقيضان ال يجتمعان"(‪ ،)2‬فالحرية‬
‫تعني تحمل المسئولية وعلى قدر تحمل المسئولية تكون الحرية‪ ،‬فالقيم الحضارية اإلسالمية أثبتت‬
‫سموها على المستوى النظري والمذهبي‪ ،‬وعلى المستوى التطبيقي‪ ،‬األمر الذي تفتقده كل‬
‫المنظومات الحضارية األخرى‪ ،‬وخاصة المنظومة الحضارية الغربية التي عانى العالم الكثير بسببها‬
‫ومازال يعاني‪ ،‬وعلى المستوى اإلسالمي فإن الحاجة إلى المشروع الحضاري اإلسالمي أكثر‬
‫حيوية‪ ....‬ألن المشروع الحضاري اإلسالمي ال بد أن يأتي على مستويين‪ :‬المستوى العالمي وهو‬
‫المستوى الذي علينا أن نقدم من خالله إلى العالم طريق ًا جديدًا مثي ًار للخروج من مأزق العالم المعاق‬
‫ومآسيه وظلماته‪ ،‬وهو المستوى الذ ي يتضمن التأكيد على قيم الحرية‪ ،‬والعدل‪ ،‬والال‬
‫عنصرية‪.)3(.....،‬‬
‫ويفهم مما سبق أن الحضارة قرينة الحرية فالحرية من القيم الحضارية التي لها دور كبير في‬
‫ازدهارها ورقيها‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم اإلحسان‪.‬‬
‫اإلحسان من القيم الحضارية التي أقرها القرآن الكريم وهو من أخالق أهل اإليمان ومراتبهم‬
‫التي يتزلفون بها إلى الرحمن‪ ،‬وهو من أسباب النهوض والرقي لما فيه من ٍ‬
‫خير وصالح وجود‪ ،‬وهو‬
‫شريعة هللا في السابقين قال تعالى‪ :‬ﭽﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱ ﯲﯳ ﭼ(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬مالمح ال ُمجتمع المسلم الذي نُنشده د‪ .‬يوسف القرضاوي ص ‪ - 135‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬محاضرات في المجتمع اإلسالمي ‪ -‬الشيخ محمد أبو زهرة ‪ -‬دار الفكر العربي ‪ -‬القاهرة ‪ (-‬صـ‪ - )18‬بدون‪.‬‬
‫(‪ )3‬المفصل في الرد على الحضارة الغربية ‪ -‬علي بن نايف الشحود ‪ -‬الشاملة الذهبية (‪.)63 /7‬‬
‫(‪ )4‬البقرة اآلية‪.)83( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪179‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫ومن اآليات الجامعة لشتى ميادين اإلحسان قوله تعالى‪ :‬ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙﭼ(‪.)1‬‬
‫حيث شمل اإلحسان القريب والبعيد والحر والمملوك والمؤمن والكافر والغريب والخادم‪،‬‬
‫واإلحسان ليس مجرد ادعاء أو شعارات بل هو خلق كريم وسلوك عملي قويم قال تعالى‪ :‬ﭽﮀ‬
‫ﮁ ﮂﮃﮄ ﮅﮆ ﮇﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﭼ(‪،)2‬‬
‫واإلحسان من منطلق شكر هللا تعالى على إحسانه قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅﭼ(‪ ،)3‬واإلحسان ال جزاء له إال اإلحسان قال تعالى ﭽﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﭼ(‪،)4‬‬
‫واإلحسان يعني مراقبة هللا تعالى في األقوال واألعمال‪ ،‬ويعني الدقة واإلتقان للعمل وتحري الصواب‬
‫فيه‪ ،‬كما يعني إسداء المعروف وإيصال الخير دون انتظار مقابل وحين تنتشر هذه الخصال‬
‫المحمودة في المجتمع فإنه يرتقي إلى أعلى المراتب ارتقاء ماديا وروحيا‪ ،‬سياسيا واقتصاديا وأخالقيا‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳﭴ ﭼ(‪ )5‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ(‪ ،)6‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭼ(‪ ،)7‬إن أية حضارة‪ ،‬تمر بمراحل ثالث‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬هي مرحلة الفكرة‪ ،‬مرحلة اإليمان بالهدف‪ ،‬الذي يمأل على اإلنسان نفسه‪،‬‬
‫ويشكل له هاجس ًا دائم ًا‪ ،‬وقلق ًا سوي ًا‪ ،‬ويدفعه للعطاء غير المتناهي‪ ،‬والتضحية في سبيل ذلك‪.‬‬
‫المرحلة الحضارية الثانية‪ :‬التي تمر بها األمة‪ ،‬هي مرحلة العقل‪ ،‬وضمور اإليمان‪ ،‬وفتور‬
‫الحماس‪ ،‬نسبي ًا‪ ..‬مرحلة التوازن‪ ،‬بين العمل واألجر‪ ،‬بين الحق والواجب‪ ،‬بين اإلنتاج واالستهالك‪،‬‬

‫(‪ )1‬النساء اآلية‪.)36( :‬‬


‫(‪ )2‬النساء اآليات‪.)63 - 62( :‬‬
‫(‪ )3‬القصص اآلية‪.)77( :‬‬
‫(‪ )4‬الرحمن اآلية‪.)60( :‬‬
‫(‪ )5‬هود اآلية‪.)7( :‬‬
‫(‪ )6‬الكهف اآلية‪.)7( :‬‬
‫(‪ )7‬الملك اآلية‪. (2( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪180‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫بين الدنيا واآلخرة‪ ،‬دورة ضبط النسب‪ ..‬حلول العدل‪ ،‬محل اإلحسان‪ ..‬وهنا تصل الحضارة إلى‬
‫قمتها‪.‬‬
‫المرحلة الحضارية الثالثة‪ :‬وتبدأ مرحلة السقوط‪ ،‬إذا لم تستدرك ما يتسرب لها من أم ارض‪ ،‬أو‬
‫مرحلة ما قبل السقوط النهائي‪ ،‬هي مرحلة غياب اإليمان‪ ،‬وبروز الشهوة‪ ،‬والغريزة‪ ،‬وانكسار الموازين‬
‫االجتماعية‪ ،‬واستباحة كل شيء وبكل األساليب‪ ،‬وعندها تسقط الحضارة‪ ،‬وتموت األمة‪ ،‬ويتم‬
‫االستبدال(‪.)1‬‬
‫أصوبه‪،‬‬
‫أخلصه و ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫"أحسن العمل" فقال‪ :‬هو‬ ‫ضْي ُل بن ِعياض – رحمه هللا ‪ -‬عن‬ ‫وقد ُسِئ َل ُ‬
‫الف َ‬
‫العمل إذا كان خالِص ًا وإن جانب الصواب لم ُيْقَبل‪،‬‬‫َ‬ ‫إن‬
‫أصوبه؟ فقال‪ّ :‬‬
‫أخلص ُه و ُ‬
‫ُ‬ ‫قالوا‪ :‬يا أبا علي‪ ،‬ما‬
‫ّ‬
‫ص أن يكو َن‬ ‫وإذا كان فيه صواب لكنه ليس فيه إخالصا لم يْقبل‪ ،‬حتى يكو َن خالص ًا صوابا‪ .‬والخالِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ثم ق أر قوَل ُه تعالى‪ :‬ﭽ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ‬ ‫اب أن يكو َن على ّ‬
‫السّنة‪ّ .‬‬ ‫الصو ُ‬
‫هلل‪ ،‬و ّ‬
‫ﰚﰛﰜﭼ(‪. ،)2‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ومن اإلحسان العفو والتسامح والبذل والعطاء وكظم الغيظ ومقابلة السيئة بالحسنة قال تعالى‪:‬‬
‫ﭽﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭼ(‪،)4‬‬
‫وقد وردت لفظة المحسنين في القرآن في ثالثين موضعا وفي ميادين متباينة في السلم والحرب وفي‬
‫الرضا والغضب وفي أعمال الخير وفي ميادين القتال وفي أبواب التطوع وفي التعامل مع أهل‬
‫غيب للمؤمن في هذا الخلق العظيم الذي يسعد به المجتمع وترقى به األمم ومن‬
‫الكتاب وفي هذا تر ٌ‬
‫أروع صور اإلحسان في حضارتنا الرائدة‪ :‬ما رآه ابن بطوطة في رحلته إلى الشام‪ :‬مررت يوماً‬
‫ببعض طرق دمشق فرأيت به عبدا صغي اًر مملوكا كان في يده صفحة من الفخار الصيني فسقطت‬
‫من يده وكانت تسمى عندهم بالصحن فانكسرت فاجتمع الناس حوله وأشار عليه بعضهم أن يجمع‬
‫شقفها ويأخذها لصاحب أوقاف األواني فج معها الغالم وذهب معه أحد الرجال فأراه إياها فدفع له ما‬
‫اشترى به ذلك الصحن‪ ،‬وهذا من أفضل األعمال؛ ألن سيد الغالم من الممكن أن يضربه على كسر‬
‫الصحن أو ينهره؛ فينفطر قلبه وينكسر فكان هذا الموقف يسود فيه جبر الخاطر فجزى هللا أصحاب‬
‫هذه الهمم العالية التي تساهم في الخير إلى مثل هذا‪ .‬وأهل دمشق يتنافسون في عمارة المساجد‬

‫(‪ ) 1‬الحضارة اإلسالمية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل ‪ -‬جمع وإعداد‪ :‬علي بن نايف الشحود ‪ -‬الشاملة الذهبية ‪-‬‬
‫(‪.)173 /9‬‬
‫(‪ )2‬الكهف اآلية‪.)110( :‬‬
‫(‪ )3‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن ‪ -‬أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي‪ ،‬أبو إسحاق (المتوفى‪427 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪:‬‬
‫اإلمام أبي محمد بن عاشور‪ -‬مراجعة وتدقيق‪ :‬األستاذ نظير الساعدي ‪ -‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان ‪-‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪ ،1422‬هـ ‪ 2002 -‬م (‪.)356 / 9‬‬
‫(‪ )4‬آل عمران اآلية‪.)134( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪181‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫والزوايا والمدارس والمشاهد وهم يحسنون الظن بالمغاربة‪ ،‬ويطمئنون إليهم باألموال واألهلين واألوالد‬
‫وكل من انقطع بجهة من جهات دمشق ال بد أن يتأتى له وجه من المعاش‪ ،‬من إمامة مسجد‪ ،‬أو‬
‫قراءة بمدرسة أو مالزم ة مسجد‪ ،‬يجيء إليه فيه رزقه أو قراءة القرآن‪ ،‬أو خدمة مشهد من المشاهد‬
‫المباركة‪ ،‬أو يكون كجملة الصوفية بالخوانق‪ ،‬تجري له النفقة والكسوة فمن كان بها غريب ًا على خير‬
‫لم يزل مصوناً عن بذل وجهه محفوظاً عما يزري بالمروءة ومن كان من أهل المهنة والخدمة فله‬
‫أسباب أخرى ‪ ،‬من حراسة بستان أو أمانة طاحونة أو كفالة صبيان يغدو معهم إلى التعليم ويروح‬
‫ومن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة وجد اإلعانة التامة على ذلك‪ .‬ومن فضائل أهل دمشق عدم‬
‫فطور لصائم وحده في رمضان البتة حتى ولو كان أمي ار أو وزي ار أو من أكابر القوم فإنه يقوم بدعوة‬
‫الفقراء والمساكين للفطور عنده؛ وكذلك التجار وكبار السوقة يفعلون ذلك ومن كان من الضعفاء‬
‫وأهل البادية فإنهم يحضرون مجتمعين في دار أحدهم أو في بيت من بيوت هللا ويأتي كل واحد بما‬
‫(‪)1‬‬
‫عنده من طعام فيفطرون جميعا على مائدة واحدة ‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم التعاون‪.‬‬
‫من القيم اإلنسانية الرائعة واألسس الحضارية الرصينة التعاون اإلنساني‪ ،‬فالتعاون ضرورة من‬
‫ضرورة الحياة ولواله لما استقامت‪ ،‬فاإلنسان ال ينهض وحده بكل متطلبات الحياة بل جعل هللا الناس‬
‫متفاوتين متفاضلين ليكمل بعضهم بعضا‪ ،‬ويخدم بعضهم بعضا‪ ،‬هذا على مستوى األفراد والشعوب‪،‬‬
‫كذلك على مستوى األمم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﭼ(‪.)2‬‬
‫والتعاون بين البشر من فطرة هللا التي فطر الناس عليها‪ ،‬يقول ابن خلدون في مقدمته‪":‬‬
‫الك ّن وغير ذلك وإنما‬
‫اإلنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء و َ‬
‫تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه واالجتماع المهيأ لذلك‬
‫التعاون‪ ،‬وقبول ما جاءت به األنبياء عن هللا تعالى والعمل به واتباع صالح أخراه"(‪.)3‬‬
‫وقال‪ " :‬قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه وأنهم‬
‫متعاونون جميعا في عمرانهم على ذلك‪ ،‬والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في غرائب األمصار وعجائب األسفار) ‪ -‬محمد بن عبد هللا بن محمد بن‬
‫إبراهيم اللواتي الطنجي‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬ابن بطوطة (المتوفى‪779 :‬هـ) ‪ -‬أكاديمية المملكة المغربية‪ ،‬الرباط ‪1417 -‬‬
‫هـ ‪ -47 / 1 -‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )2‬الزخرف اآلية‪.)32(:‬‬
‫(‪ )3‬ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر ‪ -‬عبد الرحمن بن محمد‪ ،‬ابن‬
‫خلدون (المتوفى‪808 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬خليل شحادة ‪ -‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1408 ،‬هـ ‪ 1988 -‬م‪-‬‬
‫(‪.)429/1‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪182‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫يستقل الواحد بتحصيل حصته منه وإذا‬


‫ّ‬ ‫األكثر من عددهم أضعافا‪ ،‬فالقوت من الحنطة مثال ال‬
‫حداد ونجار لآلالت وقائم على البقر وإثارة األرض وحصاد‬
‫انتدب لتحصيله الستة‪ ،‬أو العشرة من ّ‬
‫السنبل وسائر مؤن الفلح وتوزعوا على تلك األعمال أو اجتمعوا وحصل بعملهم ذلك مقدار من‬
‫ا لقوت فإنه حينئذ قوت ألضعافهم مرات فاألعمال بعد االجتماع زائدة على حاجات العاملين‬
‫وضروراتهم"(‪.)1‬‬
‫وركبه على صورة‬
‫ويقول في موضع آخر فيه مزيد بيان‪" :‬إن هللا سبحانه وتعالى خلق اإلنسان ّ‬
‫ركب فيه من القدرة على‬‫ال يصلح حياتها وال بقاؤها إال بالغذاء‪ ،‬وهداه إلى التماسه بفطرته‪ ،‬وبما ّ‬
‫تحصيله‪ ،‬إال أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء‪ ،‬غير موفيه له‬
‫بمادة حياته منه‪ ،‬ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثال‪ ،‬فال يحصل‬
‫إال بعالج كثير من الطحن والعجن والطبخ‪ ،‬وكل واحد من هذه األعمال الثالثة يحتاج إلى مواعين‬
‫وآالت ال تتم إال بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري‪ ،‬هب أنه يأكل حبا من غير عالج؛‬
‫فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه؛ الزراعة والحصاد والدراس الذي‬
‫يخرج الحب من غالف السنبل‪ ،‬ويحتاج كل واحد من هذه إلى آالت متعددة وصنائع كثيرة أكثر من‬
‫األولى بكثير‪ ،‬ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد‪ ،‬فالبد من اجتماع الُقدر الكثيرة‬
‫(‪)2‬‬
‫من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم" ‪.‬‬
‫فاللبنات المتناثرة هنا وهناك ال قيمة لها لكن حين يبنى بها جدار فترى البنيان مرصوصا تدرك‬
‫أهمية التماسك ومتانة الترابط وقوة التعاون قال هللا تعالى‪ :‬ﭽﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﭼ(‪.)3‬‬
‫ضا‬
‫ض ُه ْم) َب ْع ً‬ ‫ال اْلم ْؤ ِم ُن ِلْلم ْؤ ِم ِن َكاْلبُ ْن َي ِ‬
‫ان َي ُشُّد َب ْع ُ‬
‫ض ُه ( َب ْع ُ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َ ِ‬
‫ُ‬ ‫وسى ‪َ ‬عن النب ِّي ‪َ ‬ق َ ُ‬
‫وع ْن أَبي ُم َ‬
‫َصابِ ِع ِه(‪ .)4‬وقال هللا تعالى‪ :‬ﭽﯭﯮ ﯯﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ(‪.)5‬‬ ‫َّك َب ْي َن أ َ‬
‫َو َشب َ‬
‫سد عرف في حضارة التاريخ قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ‬ ‫بالتّعاون والتّضامن بنى ذو القرنين أعظم ٍ‬
‫ّ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟﰠ ﰡ ﰢﭼ(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق نفسه ‪.)360/1( -‬‬


‫(‪ )2‬المرجع السابق نفسه ‪.)360 / 1(-‬‬
‫(‪ )3‬الصف اآلية‪.)4( :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري في صحيحه ‪ -‬كتاب المظالم ‪ -‬باب نصر المظلوم ‪ - )129/3( -‬حديث (‪.)2446‬‬
‫(‪ )5‬المائدة اآلية‪.)2( :‬‬
‫(‪ )6‬الكهف اآليات‪.( 97 – 95( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪183‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﭼ فقال‪ :‬هو أن تعمل به‬
‫وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه(‪.)1‬‬
‫وقال ابن القيم ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬في قوله تعالى‪ :‬ﭽﯭ ﯮ ﯯﯰﯱ ﭼ اآلية حيث "اشتملت‬
‫هذه اآلية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين‬
‫ربهم‪ ،‬فإن كل عبد ال ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين‪ :‬واجب بينه وبين هللا وواجب بينه‬
‫وبين الخلق‪ ،‬فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون‬
‫اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة هللا وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفالحة وهي‬
‫البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله"(‪.)2‬‬
‫ثم ّبين أهمية التعاون على البر والتقوى وأنه من مقاصد اجتماع الناس فقال‪" :‬والمقصود من‬
‫اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى‪ ،‬فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علما‬
‫يستقل بعلم ذلك وال بالقدرة عليه؛ فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل‬
‫ُّ‬ ‫وعمال‪ ،‬فإن العبد وحده ال‬
‫النوع اإلنساني قائما بعضه ببعضه معينا بعضه لبعضه"(‪.)3‬‬
‫وقال البيهقي‪ -‬رحمه هللا‪ :-‬في شعب اإليمان "باب في التعاون على البر والتقوى قال هللا‬
‫‪‬ﭽﯭ ﯮﯯﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷﭼ(‪ ،)4‬ومعنى هذا الباب أن المعاونة على البر‬
‫بر؛ ألنه إذا عدمت مع وجود الحاجة إليه لم يوجد البر وإذا وجدت وجد البر فبان بأنها في نفسها بر‬
‫ثم رجح هذا البر على البر الذي ينفرد به الواحد بما فيه من حصول بر كثير مع موافقة أهل الدين‬
‫والتشبه بما بني عليه أكثر الطاعات من االشتراك فيها وأدائها بالجماعة"(‪.)5‬‬
‫وهذا الكالم يدل قطعا على أن توزيع المهمات إلنجاز األعمال من التعاون المطلوب وأن هذا‬

‫التعاون بين األفراد ينتقل بعمل ّ‬


‫كل منهم ليصبح وظيفة عامة اجتماعية تكفل العيش لعدد كبير من‬
‫المجتمع‪ ،‬فالتعاون بين األفراد وتقسيم العمل ظاهرتان مالزمتان لإلنسان وال غنى له عنهما‪ ،‬و ّ‬
‫أن‬
‫تعاون المجموعة ال يُنتج ما يكفيهم فقط وإنما يزيد ويفيض‪.‬‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ -‬أبو نعيم أحمد بن عبد هللا األصبهاني (المتوفى‪430 :‬هـ) ‪ -‬السعادة ‪ -‬بجوار‬
‫محافظة مصر‪1394 ،‬هـ ‪1974 -‬م ‪ -‬دار الكتاب العربي – بيروت – (‪.)284/ 7‬‬
‫(‪ )2‬زاد المهاجر إلى ربه ‪ -‬محمد بن أبي بكر شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى‪751 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد جميل‬
‫غازي ‪ -‬مكتبة المدني ‪ -‬جدة (‪.)7 ،6‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق نفسه ‪( -‬ص ‪.)13‬‬
‫(‪ )4‬المائدة اآلية‪. (2( :‬‬
‫(‪ )5‬شعب اإليمان ‪ -‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى‪ ،‬أبو بكر البيهقي (المتوفى‪458 :‬هـ) – تحقيق‪ -‬الدكتور عبد‬
‫العلي عبد الحميد حامد ‪ -‬مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند ‪ -‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪ 1423 ،‬هـ ‪ 2003 -‬م‪.)101/6( -‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪184‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫ولنا في رسول هللا ‪ ‬أسوة حسنة‪ ،‬فلقد كان يشارك أصحابه مشاركة فعالة في السلم والحرب‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول َّ ِ‬‫اع ِد ِي ‪ُ ‬كَّنا مع رس ِ‬ ‫فعن سهل ب ِن سع ٍد َّ ِ‬
‫َّللا ‪ ‬في اْل َخ ْن َد ِق َو ُه َو َي ْحف ُر َوَن ْح ُن َن ْنُق ُل الت َر َ‬
‫اب‬ ‫ََ َُ‬ ‫الس ّ‬ ‫َْ ْ َْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صار َواْل ُم َهاج َرة تَ َاب َع ُه َس ْه ُل ْب ُن َس ْعد َع ْن ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ويمُّر ِبنا َفَقال َّ‬
‫اغف ْر ل ْأل َْن َ‬‫ش ْاآلخ َرْه َف ْ‬
‫ش إال َع ْي ُ‬ ‫الل ُه َّم َال َع ْي َ‬ ‫َ‬ ‫ََُ َ‬
‫ِم ْثَل ُه(‪.)1‬‬
‫ولذلك "أكد اإلسالم على فطرة هللا بالحث على إشباع الحاجة إلى الصيحبة‪ ،‬فأمر كل مسلم‬
‫باالهتمام بالجماعة‪ ،‬واالنتماء إليها‪ ،‬والحرص عليها‪ ،‬وحث على األلفة‪ ،‬والتعاون بين الناس"(‪.)2‬‬
‫فالتعاون من أصول البناء والتواصل الحضاري بين األفراد وبين األمم والشعوب‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم التنافس‪.‬‬
‫عجيبا أن يفوق امرؤ أخاه في‬
‫ً‬ ‫التنافس من القيم الحضارية التي ذكرها القرآن الكريم "فليس‬
‫المستهجن أن يسعى األدنى‬
‫َ‬ ‫علمٍ‪ ،‬أو خبرة‪ ،‬أو في أي مجال من مجاالت الحياة‪ ،‬كما أنه ليس من‬
‫جهده للتفوق عليه‪ ،‬في حدود ابتغاء رضا هللا‪ ،‬والسالمة من آفات الكبر‪،‬‬‫للحاق باألعلى‪ ،‬وأن يبذل َ‬
‫الع ْجب‪ ،‬والرياء وبقيد طهارة المشاعر القلبية‪ ،‬ونقاء العالقات األخوية"(‪.)3‬‬
‫وُ‬
‫لذا دعا اإلسالم إلى التنافس‪ ،‬والتسابق‪ ،‬والتسارع إلى فعل الخيرات والطاعات والقربات؛ وبين‬
‫‪ ‬أنه ميدان مفتو ٌح للجميع‪ ،‬وبه يحصيل اإلنسان على الجائزة الكبرى‪ ،‬وهي الفوز بجنات واسعة‬
‫دل على ذلك نصيوص كثيرة من القرآن الكريم‪،‬‬ ‫تتسع لكل المسارعين‪ ،‬والمنافسين في الخيرات‪ّ ،‬‬
‫والسنة النبوية الشريفة؛ قال تعالى‪ :‬ﭽﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜﭼ(‪.)4‬وقال‪‬ﭽﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬
‫ﮠﮡﮢﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﭼ(‪ .)5‬ومدح هللا ‪ ‬األنبياء بهذه الصيفة الحميدة‬
‫فقال‪ :‬ﭽﯦﯧﯨﯩﯪ ﯫﯬ ﯭﯮﯯ ﯰﯱﭼ(‪.)6‬‬
‫"ولما ذكر هؤالء األنبياء والمرسلين‪ ،‬كال على انفراده‪ ،‬أثنى عليهم عموما فقال‪ِ{ :‬إَّن ُه ْم َكانُوا‬
‫ات} أي‪ :‬يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة‪ ،‬ويكملونها على الوجه‬ ‫يس ِارعون ِفي اْلخير ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َُ ُ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه اإلمام البخاري في صحيحه ‪ -‬كتاب الرقاق ‪ -‬باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن ال عيش إال عيش اآلخرة‬
‫‪ - )25/4( -‬حديث (‪.)2834‬‬
‫(‪ ) 2‬االنتماء الوطني وعالقته ببعض متغيرات الشخصـية لدى عينة من طالب المرحلي الثانوية بمدينتي مكة المكرمة‪،‬‬
‫وجده ‪ -‬د‪ /‬عبد هلل بن رمزي بن عبدهللا الحربي ‪( -‬صـ ‪ ) 14‬رسالة ماجستير المملكة العربية السعودية كلية التربية ‪-‬‬
‫قسم علم النفس ‪2010 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذه أخالقنا حين نكون مؤمنين حقا ‪ -‬أبو أسامة‪ ،‬محمود محمد الخزندار (المتوفى‪1422 :‬هـ) ‪( -‬صـ‪ - )201 :‬دار‬
‫طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض ‪ -‬المملكة العربية السعودية ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1417 ،‬هـ ‪.1997 -‬‬
‫(‪ )4‬آل عمران اآلية (‪.)133‬‬
‫(‪ )5‬الحديد اآلية (‪.)21‬‬
‫(‪ )6‬األنبياء جزء اآلية (‪.)90‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪185‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫ون َنا َرَغ ًبا َوَرَه ًبا}‬ ‫الالئق الذي ينبغي وال يتركون فضيلة يقدرون عليها‪ ،‬إال انتهزوا الفرصة فيها‪َ ،‬‬
‫{وَي ْد ُع َ‬
‫أي‪ :‬يسألوننا األمور المرغوب فيها‪ ،‬من مصالح الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويتعوذون بنا من األمور المرهوب‬
‫ِِ‬
‫ين}‬
‫{و َكانُوا َل َنا َخاشع َ‬ ‫منها‪ ،‬من مضار الدارين‪ ،‬وهم راغبون راهبون ال غافلون‪ ،‬الهون وال مدلون‪َ ،‬‬
‫أي‪ :‬خاضعين متذللين متضرعين‪ ،‬وهذا لكمال معرفتهم بربهم"(‪.)1‬‬
‫الصيالحة‬ ‫باألعمال‬ ‫يقومون‬ ‫الذين‬ ‫الصيالحين‬ ‫عباده‬ ‫وصيف‬ ‫بعد‬ ‫‪‬‬ ‫وقال‬
‫ﭽﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭼ(‪ ،)2‬وأمرنا هللا بالمنافسة‪ ،‬والتسابق في الخيرات‪ ،‬فقال في‬
‫محكم التنزيل‪:‬ﭽﭯﭰﭼ(‪.)3‬‬
‫ودعا هللا إلى التنافس فقال تعالى‪ :‬ﭽﯢﯣﯤﯥ ﭼ‪ :‬أي فليستبق في تحصييل ذلك‬
‫المتسابقون‪ ،‬وأهل التنافس‪ :‬التغالب في الشيء النفيس‪ ،‬وأصله في النفس ّ‬
‫لعزتها وهو الذي تحرص‬
‫عليه نفوس الناس‪ ،‬ويريده كل واحد لنفسه والمنافسة مجاهدة النفس للتشبه باألفاضل‪ ،‬واللحق بهم‪،‬‬
‫وهي بهذا المعنى من شرف النفس‪ ،‬وعلو الهمة(‪.)4‬‬
‫والتنافس‪" :‬أن َي ِنفس الرجل على الرجل بالشيء يكون له‪ ،‬ويتمنى أن يكون له دونه‪ ،‬وهو‬
‫مأخوذ من الشيء النفيس وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس‪ ،‬وتطلبه وتشتهيه‪ ،‬وكان معناه في‬
‫فليجد الناس فيه‪ ،‬وإليه فليستبقوا في طلبه‪ ،‬ولتحرص عليه نفوسهم"(‪ .)5‬وقال‪ :‬ﭽﯖ‬
‫ّ‬ ‫ذلك‪.‬‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﭼ(‪ .)6‬فالسابقون هم الذين يتسابقون في الدنيا إلى‬
‫الخيرات‪ ،‬حتى يسبقوا في اآلخرة إلى الجنات‪.‬‬
‫السا ِبُقون يوم ال َق ِ‬
‫يامة إلى‬ ‫ِ‬ ‫"السا ِبُقو َن في ُّ‬ ‫قال ابن ِّ‬
‫الخ ْيرات ُه ْم َّ َ َ‬
‫الد ْنيا إلى َ‬ ‫القيم‪ -‬رحمه هللا‪َّ :-‬‬
‫المحبة‪ ،‬والوئام‪ ،‬دين التّعاون‪ ،‬والتّضامن يُغلق أبواب الصيراع‪ ،‬ويفتح‬
‫ّ‬ ‫"دين‬ ‫َّ‬
‫الجنات" ‪ ،‬فإسالمنا ُ‬
‫(‪)7‬‬

‫الجنات‪ ،‬والتعاون على البر‪ ،‬والتقوى‪ِ ،‬مضمار‬


‫أبواب التّنافس إلى الخيرات‪ ،‬والتّسابق إلى المغفرة و ّ‬

‫(‪ )1‬تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص‪ - )530 :‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬المؤمنون اآلية (‪.)61‬‬
‫(‪ )3‬البقرة جزء اآلية (‪.)148‬‬
‫(‪ ) 4‬ينظر‪ :‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ‪ -‬شهاب الدين األلوسي (المتوفى‪1270 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪:‬‬
‫علي عبد الباري عطية ‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1415 ،‬هـ ‪ -‬بتصرف بسيط‪.‬‬
‫(‪ )5‬جامع البيان في تأويل القرآن ‪ - )299 /24( -‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )6‬الواقعة اآليات (‪.)10:12‬‬
‫(‪ )7‬حادي األرواح إلى بالد األفراح ‪ -‬محمد بن أبي بكر شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى‪751 :‬هـ) ‪ -‬مطبعة‬
‫المدني‪ ،‬القاهرة ‪( -‬صـ‪ - )115‬بدون‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪186‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫سع للجميع فالقاعدة التي نبني عليها عالقاتنا‪ ،‬وتعامالتنا في هذا الكون‪،‬‬
‫فسيح وميدان رحيب‪ ،‬يتّ ُ‬
‫التنافس المحمود الذي يذكي شعلة ِ‬
‫الجد‪ ،‬والعمل ويثير العقول‪ ،‬ويحفز الهمم نحو المعالي" ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫قدر أنبياء هللا صيلوات ربي وسالمه‬ ‫وقد سرت روح التنافس في نفوس أص ِ‬
‫يحاب الهمم‪ ،‬وأعالهم ًا‬
‫عليهم؛ فنبي هللا موسى‪ ‬بكى لما تجاوزه النبي ‪ ‬غبط ًة فقيل له‪ :‬ما يبكيك؟ فقال‪( :‬أبكي ألن‬
‫غالما بعث ِ‬
‫بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي)(‪.)2‬‬ ‫ً‬
‫والفرق بين التنافس المحمود‪ ،‬والتنافس والمذموم‪:‬‬
‫التنافس المحمود يكون في ميادين البر‪ ،‬مع ضبط عمل المتنافس وسلوكه بأن ال يكون عجبا‬
‫وخيالء‪ ،‬ليصيل إلى لتحقيق الغاية المرجوة منه‪ ،‬قال هللا تعالى في كتابه الكريم‪ :‬ﭽﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫﭼ(‪ .)3‬فالمتنافس‪ :‬صياحب الهمة العالية‪ ،‬يسعى‬
‫ليكون أول المتسابقين للرقي‪ ،‬والحصيول على معالي األمور في الدنيا واآلخرة‪ ،‬فهو‪ :‬ال يعني‬
‫التحاسد‪ ،‬والشقاق والعراك على دنيا زائلة ففي الحديث الشريف‪ :‬عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قيل لرسول هللا ‪ ‬أي الناس أفضل قال‪( :‬كل مخموم القلب صيدوق للسان)‪ .‬قالوا‬
‫غل‪ ،‬وال‬
‫النقي‪ .‬ال إثم فيه‪ ،‬وال بغي‪ ،‬وال ّ‬
‫ُّ‬ ‫صيدوق اللسان نعرفه‪ .‬فما مخموم القلب؟ قال‪( :‬هو التقي‬
‫حسد)(‪ ،)4‬ولذلك‪" :‬فاألمة اإلسالمية‪ ،‬مسالمة مع نفسها‪ .‬ال تعرف الصيراع الذي يؤدي إلى التنازع‪،‬‬
‫وال تعرف التنافس؛ الذي يقود إلى األنانية والظلم‪ ،‬والخيالء والعجب‪ ،‬وإنما يعيش أبناؤها في سالم‪،‬‬
‫ومحبة‪ ،‬وتعاون‪ ،‬وتألف على فعل الخير‪ ،‬وتآزر‪ ،‬وتكامل‪ ،‬وأمر بالمعروف‪ ،‬ونهي عن المنكر‪.‬‬
‫ولعل التنافس الوحيد بين أبنائها‪ ،‬على مستوى أقطار األمة وبين غيرهم هو‪ :‬ذلك التنافس في‬
‫طاعة هللا‪ ،‬وفي العمل الصيالح‪ ،‬والمسالمة مع غيرهم في أي زمان ومكان(‪.)5‬‬
‫كل ٍ‬
‫عمل صيال ٍح‪ ،‬يعود بالنفع على الفرد‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬ال لما فيه‬ ‫ِ‬
‫فدعوة اإلسالم دعوة التنافس إلى ّ‬
‫رب العالمين‪ .‬ولذلك قال بعض العلماء‪" :‬إن‬ ‫من نف ٍع فحسب؛ بل طاع ًة هلل ورسوله‪ ،‬وابتغاء مرضاة ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫استطعت أال يسبقك إلى هللا أحد فافعل"(‪.)6‬‬

‫(‪ ) 1‬ينظر‪ :‬مؤتمر السيرة النبوية الخامس بعنوان المجتمع المسلم‪ .‬لسنة ‪2013‬م ‪ -‬د‪ /‬احمد محمد الشرقاوي سالم ‪-‬‬
‫الجامعة اإلسالمية جنوب البنجاب‪ .‬المملكة العربية السعودية ‪( -‬صـ‪.)43‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه اإلمام البخاري في صـحيحه ‪ -‬كتاب مناقب األنصـار ‪ -‬باب المعراج ‪ - )52/5( -‬حديث (‪.)3887‬‬
‫(‪ )3‬البقرة اآلية (‪.)207‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه بن ماجة في سننه ‪ -‬باب الورع والتقوى ‪ - )299/5( -‬حديث (‪ )4216‬وقال المحقق حديث صـحيح‪،‬‬
‫وأخرجه الشيخ األلباني في السلسة الصـحيحة (‪ - )632/2‬حديث (‪ ،)948‬وقال حديث إسناده صـحيح ورجاله ثقات‪.‬‬

‫(‪ ) 5‬علم االجتماع اإلسالمي التصـوير القرآني للمجتمع المسلم نظرية اإلسالم االجتماعية ‪ -‬د‪ /‬صـالح مصـطفى الفوال‬
‫‪ -‬دار الفكر العربي‪ - .‬بتصـرف (‪ ،)73 / 1‬بدون‪.‬‬
‫(‪ )6‬علو الهمة ‪ -‬محمد إسماعيل المقدم ‪ -‬دار القمة ‪ -‬دار اإليمان‪ -‬مصر ‪ 2004 -‬م ‪( -‬صـ‪.)209 :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪187‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫وأما التنافس المذموم‪ :‬فهو تنافس على أمور الدنيا الفانية‪ ،‬الذي يكون لغرض دنيوي يصييب‬
‫المجتمع في مقتل‪ ،‬وكان مصيدر خوف النبي‪ ‬على األمة؛ لذلك حذر منه النبي ‪ ‬كما جاء في‬
‫صيحيح البخاري أن النبي ‪ ‬قال‪( :‬أبشروا‪ ،‬وأملوا ما يسركم‪ ،‬فو هللا ال الفقر أخشى عليكم‪ ،‬ولكن‬
‫أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم‪ ،‬فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم‬
‫فالتنافس المذموم التنافس على الدنيا؛ ألنه يثير الحقد‪ ،‬والضغينة‪ ،‬ويؤدي إلى‬ ‫(‪)1‬‬
‫كما أهلكتهم)‬
‫االختالف والفرقة‪ ،‬ولذلك قال البعض‪" :‬من نافسك في دينك فنافسه‪ ،‬ومن نافسك في دنياه فألقها في‬
‫نحره"(‪ .)2‬وقيل أيضاً‪ " :‬النفس قد جبلت على حب الرفعة‪ ،‬فهي ال تحب أن يعلوها جنسها‪ ،‬فإذا عال‬
‫عليها شق عليها‪ ،‬وكرهته‪ ،‬وأحبت زوال ذلك ليقع التساوي‪ ،‬وهذا أمر مركوز في الطباع؛ فأما إن‬
‫أحب أن يسبق أقرانه‪ ،‬ويطلع على ما لم يدركوه‪ ،‬فإنه ال يأثم بذلك؛ ألنه لم يؤثر زوال ما عندهم‬
‫عنهم‪ ،‬بل أحب االرتفاع عنهم؛ ليزيد حظه عند ربه كما لو استبق عبدان إلى خدمة موالهما‪ ،‬فأحب‬
‫أحدهما أن يستبق"(‪ ،)3‬كما حبب اإلسالم في التمني للتنافس المحمود؛ فعن أبي هريرة ‪ :‬أن رسول‬
‫هللا ‪ ‬قال‪( :‬ال حسد إال في اثنتين‪ :‬رجل علمه هللا القرآن‪ ،‬فهو يتلوه آناء الليل‪ ،‬وآناء النهار‪ ،‬فسمعه‬
‫جار له‪ ،‬فقال‪ :‬ليتني أوتيت مثل ما أوتي فالن فعملت مثل ما يعمل‪ ،‬ورجل آتاه هللا ماال‪ ،‬فهو يهلكه‬
‫في الحق‪ ،‬فقال رجل‪ :‬ليتني أوتيت مثل ما أوتي فالن‪ ،‬فعملت مثل ما يعمل)(‪" ،)4‬فالحسد المذكور‬
‫في الحديث هو الغبطة وأطلق الحسد عليها مجا از وهي‪ :‬أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من‬
‫غير أن يزول عنه‪ ،‬والحرص على هذا يسمى منافسة‪ ،‬فإن كان في الطاعة‪ ،‬فهو محمود ‪،)5("....‬‬
‫وإن كان غير ذلك فهو مذموم‪.‬‬
‫من خالل ما س ق نخلص‪ :‬أن التنافس من أفضل القيم الحضارية إذا كان محمودا؛ ألن‬
‫المتنافس صاحب الهمة العالية‪ ،‬الذي يسعى ليكون أول المتسابقين للرقي لمعالي األمور في الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬وال يكون ذلك إال بهمته العالية التي هي الحياة‪ ،‬والنور الساطع الذي يسترشد به الغرباء في‬
‫زمن الظلمة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه اإلمام البخاري في صـحيحه ‪ -‬كتاب الجزية ‪ -‬باب الجزية والموادعة مع أهل الكتاب ‪ - )96/4( -‬حديث‬
‫(‪.)3158‬‬
‫(‪ )2‬علو الهمة ‪( -‬صـ‪ – )209 :‬مرجع سابق‪.‬‬
‫ِين ‪ -‬نجم الدين‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي (المتوفى‪689 :‬هـ) ‪-‬‬ ‫َصـر مِ ْن َه ِ‬
‫اج القَاصـد ْ‬ ‫(‪ُ )3‬م ْخت ُ‬
‫ان‪ ،‬دمشق ‪ 1398 -‬هـ ‪ 1978 -‬م بدون‪.‬‬ ‫(صـ‪ - )186‬قدم له‪ :‬األستاذ محمد أحمد دهمان ‪ -‬مكتَبَةُ دَ ِار البَيَ ْ‬
‫(‪ )4‬أخرجه اإلمام البخاري في صـحيحه ‪ -‬كتاب فضائل القرآن ‪ -‬باب اغتباط صـاحب القرآن ‪ - )191/6( -‬حديث‬
‫(‪.)5026‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ -‬أحمد بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي ‪ -‬دار المعرفة ‪ -‬بيروت‪1379 ،‬‬
‫– تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي – تخريج‪ :‬محب الدين الخطيب ‪ -‬تعليق‪ :‬عبد العزيز بن عبد هللا بن باز (‪.)167 /1‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪188‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫ال مبحث السادس‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم األمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪.‬‬
‫إن فريضة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل القيم الحضارية بل من أشرف‬
‫األعمال وأسمي المطالب‪ ،‬فهو مهمة األنبياء والرسل ‪ -‬عليهم والسالم‪ -‬وهي الميراث اإللهي‪،‬‬
‫والوسيلة األساسية؛ لبناء المجتمعات نحو المستقبل المنشود‪ ،‬والهدف من تحقيق الخالفة في األرض‬
‫كما قال تعالى في محكم التنزيل‪ :‬ﭽﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕﭼ(‪ ،)1‬ولذلك "فالمؤمن عقيدته مبنية علي االقناع وعلي‬
‫الخير‪ ،‬فإن وجد في مؤمن شر‪ ،‬فوليه من المؤمنين يبعده عن الشر‪ ،‬وبعيده إلي طريق الخير‪،‬‬
‫والمؤمن أيضا ينبه غيره ويبصره‪ ،‬ألن كل واحد في المجتمع المؤمن‪ ...‬يرد اآلخر في نقطة ضعفه‪،‬‬
‫وكل منهم ينصح االخر ويعظه؛ ليكتمل إيمان المجتمع‪ ،‬ومن يقصر في شيء يجد القريب منه‪ ،‬وهو‬
‫يسد الثغرة الطارئة في سلوكه"(‪.)2‬‬
‫"فتلك الوظيفة فريضة دينية إسالمية مقدسه‪ ،‬تحمي قلب األمة من األمراض التي تفتك‬
‫بالشعوب‪ ،‬وتبعث العزة والكرامة في الصدور‪ ،‬وتقمع العصاة كما تردع الظالمين‪ ،...‬فالمجتمع إذا لم‬
‫يأخذ على أيدي الفساق والعصاة والمفسدين والطغاة؛ فسدوا وانتشرت فيه ميكروبات االنحالل‬
‫والضعف‪ ،‬وتنزل عليه عضب هللا"(‪.)3‬‬
‫عي‬
‫اجب شر ٌّ‬
‫مقاصدهُ الساميةُ وأهداُف ُه العليا‪ ،‬فهو و ٌ‬
‫ُ‬ ‫ولذلك فلألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫ِ‬
‫النجاة‪.‬‬ ‫قارب‬ ‫أمر ضرورٌّي‪ ،‬به ُ‬
‫تقام الحجة‪ ،‬وهو ُ‬ ‫و ٌ‬
‫قال تعالى ﭽﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆﭼ(‪.)4‬‬
‫يقول تعالى "فهال وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من‬
‫الشرور والمنكرات والفساد في األرض‪ ،‬وقوله‪{ :‬إال قليال} أي قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم‬
‫يكونوا كثي ار وهم الذين أنجاهم هللا عند حلول غضبه وفجأة نقمته ولهذا أمر هللا تعالى هذه األمة‬

‫(‪ )1‬الحج اآلية‪.)41(:‬‬


‫(‪ )2‬تفسير الشعراوي ‪ -‬محمد متولي الشعراوي (المتوفى‪1418 :‬هـ) ‪ -‬مطابع أخبار اليوم ‪.)5285/9( -‬‬
‫(‪ )3‬دولة القرآن – طه عبد الباقي سرور – (صـ ‪ – )129‬دار الفكر العربي – بدون‪.‬‬
‫(‪ )4‬هود اآلية‪.)116( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪189‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر"(‪ )1‬كما قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮖﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﭼ(‪.)2‬‬
‫فهذا أمر من هللا ألمة اإلسالم أن تكون بكامل أفرادها قائمة على قدم وساق‪ ،‬ال يغفلون وال‬
‫يتهاونون وال يتوانون في الدعوة إلى الخير‪ ،‬وفي األمر بالمعروف والنهي عنه‪ ،‬وقد حكم هللا ّ‬
‫بأن‬
‫الفالح مختص بهذه األمة وحدها إن هي فعلت ذلك‪ ،‬وهذا يعني أن يكون في األمة أناس هم أعمدة‬
‫األمة وحداتها والحراس لدينه‪ ،‬يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‪ ،‬ولو خلت‬
‫األمة من هؤالء انفرط عقدها‪ ،‬وانتشر الفساد في أرجائها‪ ،‬وكانت عرضة للزوال‪ ،‬ولذلك قال‬
‫الضحاك في هذه الفرقة‪" :‬هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة" يعني المجاهدين والعلماء‪ ،‬وهذا ال‬
‫يتعارض مع أن تكون أمة اإلسالم بأكملها قائمة على شريعة هللا حامية لحوزة الدين‪ ،‬وليقم كل واحد‬
‫بدوره‪ ،‬حسب موقعه وظروفه(‪.)3‬‬
‫إثر ِ‬
‫أمرهم بتكميل‬ ‫ِ‬
‫قال أبو السعود – رحمه هللا ‪" :-‬أمرهم هللا سبحانه بتكميل الغير وإرشاده َ‬
‫يقوم‬ ‫ِ‬
‫النفس وتهذيبها‪ ،‬بما قبله من األوامر والنواهي؛ تثبيتاً للكل على مراعاة ما فيها من األحكامِ‪ ،‬بأن َ‬
‫ظ على حقوقها وحدوِدها‬
‫(‪)4‬‬
‫الناس كاف ًة ويرَد َعهم عن اإلخالل بها" ‪.‬‬
‫ويذكرها َ‬
‫َ‬ ‫بعضهم بمواجبها ويحاف َ‬
‫ُ‬
‫أهمي ُة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحقيق الفالح لألفراد‬ ‫َّ‬ ‫من هنا ندرك‪:‬‬
‫والمجتمعات‪ ،‬وكيف كانت هذه األمة خاتمة األمم ورسالتها خاتمة الرساالت لمحافظتها على‬
‫مقومات البقاء والدوام؛ من االستمرار في الدعوة إلى الخير‪ ،‬والقيام باألمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنك ر‪ ،‬ففي الدعوة إلى الخير النماء واالزدهار وفي النهي عن المنكر صيانتها عن عوامل الفناء‪،‬‬
‫وكل مجتمع توفرت له عوامل النماء واالزدهار‪ ،‬وسلم من دواعي الفناء والدمار ال شك يستطيع‬
‫(‪)5‬‬
‫مواصلة سيره‪ ،‬وتحقيق هدفه‪ ،‬وفوزه وفالحه ‪. " ...‬‬
‫ٍ‬
‫سامية‪ ،‬وليس كما َّيدعيه‬ ‫ٍ‬
‫رسالة‬ ‫عي‪ ،‬و ِ‬
‫أداء‬ ‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيام بو ٍ‬
‫اجب شر ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫تدخال في‬‫وتضييق على الناس‪ ،‬أو ُّ‬
‫ٌ‬ ‫وحبس لألنفاس‬
‫ٌ‬ ‫وتقييد للحريات‬
‫ٌ‬ ‫حجر على العقول‬
‫البعض أنه ٌ‬‫ُ‬
‫نقول إنه قيمةٌ إنسانيةٌ‬
‫وتعرضا لخصوصياتهم‪ ،‬أو اعتداء على حرياتهم وسلبا إلرادتهم‪ ،‬بل ُ‬
‫شئونهم‪ُّ ،‬‬
‫عظيمةٌ‪ ،‬وشرعةٌ ربانيةٌ حكيمةٌ‪ ،‬ورسالةٌ إيجابيةٌ كريمةٌ‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬

‫(‪ )1‬تفسير ابن كثير‪.)565 /2( -‬‬


‫(‪ )2‬آل عمران اآلية‪.)104( :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التفسير الموضوعي ‪ -‬مناهج جامعة المدينة العالمية ‪ -‬بكالوريوس ‪ -‬جامعة المدينة العالمية ‪( -‬ص‪– )13 :‬‬
‫كود المادة ‪.IUQR4093 -‬‬
‫(‪ )4‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ‪ -‬أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى‪982 :‬هـ) ‪-‬‬
‫دار إحياء التراث العربي – بيروت – (‪.)67 / 2‬‬
‫(‪ )5‬آيات الهداية واالستقامة في كتاب هللا تعالى ‪ -‬الشيخ عطية سالم ‪ - 97 ،96/1 -‬بدون‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪190‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫ﮕﮖ ﮗﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫﭼ(‪.)1‬‬
‫سر بقائهم وارتقائهم‪،‬‬
‫فمن أسمى أوصاف أهل اإليمان األمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو ُّ‬
‫واستحقاقهم لرحمة هللا تعالى التي تغمرهم في دنياهم وتغشاهم في أخراهم‪ ،‬وقال تعالى ﭽﭑﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ(‪ ،)2‬وسر‬
‫التعبير بي ﭽ ﭝﭼ "أنه تعالى مدحهم بما صدر منهم في الماضي وذلك يفيد رغبتهم في الثبات‬
‫(‪)3‬‬
‫عليه في المستقبل" ‪.‬‬
‫"والحق هو األمر الثابت الذي ال يسوغ إنكاره‪ ،‬وال زوال في الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير‬
‫(‪)4‬‬
‫كله من توحيد هللا وطاعته واتباع كتبه ورسله" ‪ ،‬وقد أكد العلماء على هذه الفضيلة فقال اإلمام‬
‫النووي – رحمه هللا ‪" -‬واعلم أن هذا‪ ...‬باب عظيم به قوام األمر ومالكة‪ ...‬فينبغي لطالب اآلخرة‪،‬‬
‫والساعي في تحصيل رضا هللا ‪ ‬أن يعتني بهذا الباب فان نفعه عظيم‪ ،‬وال يهابن من ينكر عليه‬
‫الرتفاع مرتبته فان هللا تعالي يقول‪ :‬ﭽﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂﭼ(‪ ،)5‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﭽ ﭛﭜ ﭝﭞﭟ ﭠ ﭡﭢﭼ(‪)6‬وقال تعالى‪:‬ﭽﮡﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﭼ‬
‫(‪)7‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ(‪ .)8‬واعلم أن األجر علي‬


‫قدر النصب‪ ،‬وال يتركه أيضا لصداقته ومودته‪ ،‬ومداهنته‪ ،‬وطلب الوجاهة عنده‪ ،‬ودوام المنزلة لديه‪،‬‬
‫فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا‪ ،‬ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلي مصالح آخرته‪ ،‬وينقذه‬
‫من مدارها‪ ،‬وصديق اإلنسان ومحبه هو من سعي في عمارة آخرته‪ ،‬وإن أدي ذلك الي نقص في‬
‫دنياه‪ ،‬وعدوه من يسعي في ذهاب أو نقص آخرته‪ ،‬وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه‪ ،‬وإنما‬
‫كان ابليس عدوا لنا لهذا‪ ،‬وكانت االنبياء‪ ،‬صلوات هللا وسالمه عليهم اجمعين‪ ،‬أولياء للمؤمنين؛‬

‫(‪ )1‬التوبة اآلية‪.)71( :‬‬


‫(‪ )2‬العصر اآليات‪.)3 - 1( :‬‬
‫(‪ )3‬التفسير الكبير ‪ -‬أبو عبد هللا محمد الملقب بفخر الدين الرازي (المتوفى‪606 :‬هـ) ‪ -‬دار إحياء التراث العربي ‪-‬‬
‫بيروت‪ -‬الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1420 -‬هـ ‪.90/32‬‬
‫(‪ )4‬إرشاد العقل السليم ‪ - 901/5‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )5‬الحج جزء اآلية‪.)40( :‬‬
‫(‪ )6‬آل عمران جزء اآلية‪.)101( :‬‬
‫(‪ )7‬العنكبوت اآليتان‪.)2، 1( :‬‬
‫(‪ )8‬العنكبوت جزء اآلية‪.)69( :‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪191‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫لسعيهم في مصالح آخرتهم‪ ،‬وهدايتهم اليها"(‪ ،)1‬والمتتبع للقصص القرآني يجد أن أنبياء هللا عليهم‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬بذلوا جل جهدهم في نصح اقوامهم‪ ،‬وارشادهم الي ما ينفعهم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬فقد‬
‫قاموا بفريضة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي أكمل وجه كما حكي القران الكريم عنهم‪،‬‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات أهل ال نصر والتمكين قال تعالى في سورة الحج‬
‫ﭽﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ(‪ ،)2‬وترك التواصي بالحق من أسباب‬
‫التراجع والضعف والهالك‪ ،‬قال تعالى في سورة المائدة قال تعالى‪ :‬ﭽﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﭼ(‪ ،)3‬وجاء عن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫(ِإ َّن أََّو َل ما َد َخ َل َّ‬
‫ع َما‬ ‫ول َيا َه َذا ات ِق َّ َ‬
‫َّللا َوَد ْ‬ ‫الر ُج َل َف َيُق ُ‬
‫الر ُج ُل َيْلَقى َّ‬ ‫ان َّ‬ ‫يل َك َ‬
‫ص َعَلى َبني إ ْس َرائ َ‬ ‫النْق ُ‬ ‫َ‬
‫تَصنع َفِإنَّه َال ي ِح ُّل َلك! ثَُّم يْلَقاه ِمن اْل َغ ِد ف َال يمنعه َذلِك أَن ي ُكو َن أ ِ‬
‫َكيَل ُه َو َش ِر َيب ُه َوَق ِع َيدهُ‪َ ،‬فَل َّما َف َعُلوا‬ ‫َ َْ ُ ُ َ ْ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َُ ُ َ‬
‫ض ثَُّم َق أَر ‪ ‬ﭽﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ ِإَلى َق ْولِ ِه‬ ‫ِ‬
‫ض ِهم ِب َب ْع ٍ‬
‫وب َب ْع ْ‬ ‫َّللاُ ُقلُ َ‬
‫ض َر َب َّ‬ ‫ِ‬
‫َذل َك َ‬
‫وف َوَلتَ ْن َه ُو َّن َع ْن‬‫َّللاِ َلتَأْمرَّن ِباْلمعر ِ‬ ‫َّ‬
‫ﭽﮨ ﮩ ﮪﮫ ﭼ سورة المائدة ‪ ،‬ثَُّم َق َ‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫َ ُْ‬ ‫ال‪َ ( :‬كال َو َّ ُ ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫اْلم ْن َك ِر وَلتَأْخ ُذ َّن عَلى يدي َّ‬
‫الظالِ ِم َوَلتَ ْأ ُ‬
‫ص ًرا) ‪ ،‬وقال‬ ‫ص ُرَّن ُه َعَلى اْل َح ِّق َق ْ‬ ‫ط ُرَّن ُه َعَلى اْل َح ِّق أَ ْ‬
‫ط ًار َوَلتَْق ُ‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫تعالى‪ :‬ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﭼ(‪ )5‬قال اإلمام ابن‬
‫كثير عند تفسيره لهذه اآلية الكريمة‪" :‬المعنى أن تكون هناك فرقة من هذه األمة متصدي ًة لهذا‬
‫(‪)6‬‬
‫الشأن‪ ،‬وإن كان ذلك واجب ًا على كل فرٍد بحسبه" ‪.‬‬
‫إن المتبع لدعوات األنبياء والرسل ‪ -‬عليهم السالم ‪ -‬يجد أن أنبياء هللا بذلوا كل جهدهم في‬
‫نصح أقوامهم باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أكمل وجه‪ ،‬وأحسن بيان‪ ،‬ومن ثم كان بناء‬
‫الحضارات واألمجاد بفضل هذه الفريضة‪.‬‬

‫(‪ )1‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ‪ -‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى‪676 :‬هـ) ‪ -‬دار‬
‫إحياء التراث العربي – بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.)214/2( – 1392 ،‬‬
‫(‪ )2‬الحج اآلية‪.)40( :‬‬
‫(‪ )3‬المائدة اآليتان‪.)80 ،79( :‬‬
‫اود في السنن أول كتاب المالحم‪ .‬باب األمر والنهي‪ .‬الحديث رقم‪4336 :‬ـ ورواه ابن ماجة في السنن ‪-‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو دَ ُ‬
‫كتاب الفتن‪ .‬باب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ .‬الحديث رقم‪ -4006 :‬ورواه الترمذي في السنن وقال حسن‬
‫غريب‪.‬‬
‫(‪ )5‬األنفال اآلية‪.)25( :‬‬
‫(‪ )6‬تفسير القرآن العظيم البن كثير‪ -391/1 -‬مرجع سابق‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪192‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫المبحث السابع‪ :‬من القيم الحضارية في القرآن الكريم تنمية روح الوالء واالنتماء بأنواعه‪.‬‬
‫إن تنمية روح الوالء واالنتماء من القيم الحضارية التي حث عليها القرآن الكريم ولذلك نجد‬
‫حرص اإلسالم على أن يكون والء المسل وانتمائه لدينه من أول لحظة يعلن فيها الشهادتين‪ ،‬والبراءة‬
‫من كل معبود سوى هللا واألدلة على ذلك كثيرة في كتاب هللا منها ما يلي‪ :‬منها قول هللا ‪ :‬ﭽ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬

‫ﯻ ﯼﯽﯾ ﭼ أي ليس لكم أيها المؤمنون ناص ٌير إال هللاُ ورسولُه‪ ،‬والمؤمنون‪ ،‬الذين ص ُ‬
‫يفتهم ما‬ ‫(‪)1‬‬

‫تبروا من َواليته ونهاكم أن تتخذوا منهم‬ ‫ذكر تعالى ِذ ْكره‪ ،‬فأما اليهود‪ ،‬والنصيارى ِ‬
‫الذين أمركم هللا أن ّأ‬ ‫ُُ ّ‬
‫بعضهم أولياء بعض‪ ،‬وال تتخذوا منهم وليًّا وال‬
‫أولياء‪ ،‬وال ُنصيراء‪ ،‬بل ُ‬
‫َ‬ ‫أولياء‪ ،‬وال نُصيراء‪ ،‬فليسوا لكم‬
‫إعالم من هللا تعالى‬
‫ٌ‬ ‫نصيي اًر وقوله تعالى‪ :‬ﭽﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ هذا‬
‫ف اليهود وخلعوهم‪ ،‬رضاً بوالية هللا ورسوله والمؤمنين‪ ،‬والذين‬‫ِذ ْكره عباده جميعاً الذين تَبَّأروا من ِحْل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫الس ْوء تدور عليهم فسارعوا إلى مواالتهم َّ‬
‫بأن من وثق باهلل‪ ،‬وتولى هللاَ‬ ‫تمسكوا بحلفهم‪ ،‬وخافوا دوائر َّ‬ ‫ّ‬
‫ائر‪،‬‬
‫ورسوَله‪ ،‬والمؤمنين‪ ،‬ومن كان على مثل حاله من أولياء هللا من المؤمنين‪ ،‬لهم الغلبةُ‪ ،‬والدو ُ‬
‫وحزب هللا هم الغالبون دون حزب الشيطان(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫حزب هللا‪،‬‬ ‫والدولةُ على من عاداهم‪َّ ،‬‬
‫وحادهم؛ ألنهم ُ‬
‫ومن اآل يات التي تدل على الوالء أيضا قول هللا ‪ :‬ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬
‫ﰐ ﰑﰒ ﰓﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙﭼ(‪ )3‬وقول هللا ‪ :‬ﭽﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵﭶﭷ‬
‫ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉﮊ‬
‫ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑﮒﮓﮔ ﭼ(‪ .)4‬وقوله تعالى‪ :‬ﭽﯕﯖﯗﯘﭼ(‪،)5‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽﭯﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺﭻﭼ(‪ .)6‬فهذه النصيوص‬
‫الكريمة تثبت مدى منة هللا سبحانه وتعالى بإنعامه على المسلمين بهذا الدين‪ ،‬كما حثت السنة‬
‫النبوية المطهرة على تنمية روح الوالء واالنتماء فقال النبي ‪ ‬كما جاء في صيحيح البخاري في‬
‫اح ِمهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الحديث الذي رواه النعمان بن بشير يقول قال رسول هللا ‪( :‬ترى المؤمنين في تو ّادهم‪ ،‬وتر ُ‬
‫الح ّمى)(‪.)7‬‬
‫كم َث ُل الجسد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تََداعى له سائر الجسد بالسهر و ُ‬
‫طفهم َ‬
‫وتعا ُ‬

‫(‪ )1‬المائدة اآليتان (‪.)56 ،55‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن ‪ - )427/10( -‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬البقرة جزء اآلية (‪.)256‬‬
‫(‪ )4‬آل عمران اآلية (‪.)103‬‬
‫(‪ )5‬األنعام اآلية (‪.)71‬‬
‫(‪ )6‬آل عمران اآلية (‪.)85‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه اإلمام البخاري في صـحيحه ‪ -‬كتاب األدب ‪ -‬باب رحمة الناس والبهائم (‪ - )10/8‬حديث (‪.)6011‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪193‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫وكما جاء عن أبي بردة بريد بن أبي بردة‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني جدي أبو بردة‪ ،‬عن أبيه أبي موسى‪،‬‬
‫ضه بعضاً)(‪.)1‬‬
‫يشد َب ْع ُ‬
‫وقال ‪( : ‬المؤمن للمؤمن كالبنيان ّ‬
‫ومما روي أيضاً‪ :‬أن عبد هللا بن عمر‪ -‬رضي هللا عنهما‪ ،-‬أخبر‪ :‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‪:‬‬
‫(المسلم أخو المسلم‪ ،‬ال يظلمه‪ ،‬وال يسلمه‪ ،‬ومن كان في حاجة أخيه كان هللا في حاجته)(‪.)2‬‬
‫وجاء عن أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪( :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ال تدخلون ّ‬
‫الجن َة حتى تؤمنوا‪ ،‬وال تؤمنوا‬
‫السالم بينكم)(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا‬ ‫تحابوا‪ ،‬أوال أدّلكم على‬
‫َ‬ ‫حتى ّ‬
‫فتنمية روح الوالء واالنتماء ركن أساسي في عقيدة اإلنسان‪ ،‬فال يصيلي المصيلي إال ألنه يحب هللا‬
‫ورسوله‪ ،‬وال يصيوم إال ألنه يحب هللا ورسوله‪ ،‬وال يحب المسلم إال ألنه يحب هللا ورسوله‪ ،‬وال يتجنب الزنا‪،‬‬
‫والربا والقتل‪ ،‬والتدمير إال ألنه يحب هللا ورسوله وال يبغض الكافر‪ ،‬ولو كان أقرب قريب إال ألنه يحب هللا‬
‫ورسوله‪" .‬فأصيل كل فعل وحركة في العالم من الحب واإلرادة كما أن البغض والكراهة أصيل كل ترك"(‪.)4‬‬
‫فأصيل التوحيد‪ ،‬وروحه‪" :‬إخالص المحبة هلل وحده‪ ،‬وهي أصيل التأله‪ ،‬والتعبد له‪ ،‬بل هي‬
‫حقيقة العبادة‪ ،‬وال يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربه‪ ،‬وتسبق محبته جميع محبة الخالئق‪،‬‬
‫وتغلبها‪ ،‬ويكون لها الحكم عليها بحيث تكون سائر محاب العبد تبعا لهذه المحبة التي بها سعادة‬
‫العبد‪ ،‬وفالحة‪ .‬ومن تفريعها‪ ،‬وتكميلها الحب في هللا‪ ،‬فيحب العبد ما يحبه هللا من األعمال‪،‬‬
‫واألشخاص‪ ،‬ويبغض ما يبغضه هللا من األشخاص واألعمال‪ ،‬ويوالي أولياءه ويعادي أعداءه‪ ،‬وبذلك‬
‫وهذا هو عين روح الوالء واالنتماء‪ .‬ولذلك "أكد اإلسالم على فطرة هللا‬ ‫(‪)5‬‬
‫يكمل إيمان العبد وتوحيده"‬
‫بالحث على إشباع الحاجة إلى الصيحبة‪ ،‬فأمر كل مسلم باالهتمام بالجماعة‪ ،‬واالنتماء إليها‪،‬‬
‫والحرص عليها‪ ،‬وحث على األلفة‪ ،‬والتعاون بين الناس"(‪.)6‬‬
‫فالمسل م هو "لبنة حية في جسم الجماعة‪ ،‬وال يمكن أن ينعزل عنها‪ ،‬كما أن جسم الجماعة ال‬
‫يمكن بنائه؛ إال من خالل اللبنات البشرية‪ ،‬وأن الفرد ليتدرج في مراحل حياته المختلفة في ظل‬

‫(‪ )1‬أخرجه اإلمام البخاري في صـحيحه ‪ -‬كتاب األدب ‪ -‬باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا (‪ - )12/8‬حديث‬
‫(‪.)6026‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه اإلمام البخاري في صـحيحه ‪ -‬كتاب اإلكراه ‪ -‬باب إذا استكرهت المرأة على الزنا فال حد عليها ‪)22/9( -‬‬
‫حديث (‪.)6951‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه اإلمام مسلم في صـحيحه ‪ -‬كتاب اإليمان ‪ -‬باب بيان أنه ال يدخل الجنة إال المؤمنون‪ ،‬وأن محبة المؤمنين‬
‫من اإليمان‪ ،‬وأن إفشاء السالم سببا لحصـولها ‪ - )74/1( -‬حديث (‪.)54‬‬
‫(‪ )4‬جامع الرسائل ‪ -‬تقي الدين أبو ال َعباس أحمد بن عبد الحليم محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى‪:‬‬
‫‪728‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم ‪ -‬ط‪ :‬دار العطاء – الرياض ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪1422‬هـ ‪2001 -‬م ‪/2( -‬‬
‫‪.)193‬‬
‫(‪ )5‬القول السديد شرح كتاب التوحيد ‪ -‬أبو عبد هللا‪ ،‬عبد الرحمن آل سعدي (المتوفى‪1376 :‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬المرتضى‬
‫الزين أحمد ‪ -‬مجموعة التحف النفائس الدولية ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪( - .‬صـ‪ )114 :‬بدون‪.‬‬
‫(‪ ) 6‬االنتماء الوطني وعالقته ببعض متغيرات الشخصـية لدى عينة من طالب المرحلى الثانوية بمدينتي مكة المكرمة‪،‬‬
‫وجده ‪ -‬د‪ /‬عبد هلل بن رمزي بن عبدهللا الحربي ‪ -‬رسالة ماجستير المملكة العربية السعودية كلية التربية ‪ -‬قسم علم‬
‫النفس ‪2010 -‬م ‪( -‬صـ ‪.)14‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪194‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫المظهر االجتماعي للحياة مؤثرا‪ ،‬ومتأثر آخذا‪ ،‬ومعطيا‪ ،‬ومن ثم فإن الحياة االجتماعية تقوم في‬
‫جوهرها على الصيورة الجماعية"(‪.)1‬‬
‫"ولذا يعتبر تنمية روح الوالء‪ ،‬واالنتماء بمثابة اتجاه قوي يحركه دافع قوي؛ إلشباع حاجة‬
‫أساسية لدى اإلنسان يقهر من خاللها انفصياله‪ ،‬وعزلته عن اآلخرين‪ ،‬باحثا عن االندماج‪ ،‬والتوحد‬
‫مع كيان يشعر أنه أكيد‪ ،‬وأشمل‪ ،‬وأقوى منه ويبحث عن األمان لتحقيق ذاته مع اآلخرين يكون‬
‫مقبوال منهم‪ ،‬ويرضون وجوده معهم"(‪.)2‬‬
‫وأيض ًا‪" :‬يعد االنتماء من الحاجات النفسية األساسية لإلنسان‪ ،‬فقد أجمع علماء النفس‬
‫واالجتماع على جعله مع الحب في مرتبة تالية في حياة اإلنسان الطبيعية التي تضمن له النمو‪،‬‬
‫والبقاء ح ًيا‪ .‬واالنتماء حاجة نفسية طبيعة لدى الفرد‪ ،‬ولكنها شأنها شأن غيرها من الحاجات النفسية‬
‫الطبيعية التي ال تتحقق تلقائيا كما أنها ال تتخذ نمطا سلوكيا‪ ،‬واحدا للتعبير عن نفسها‪ ،‬إنما تتعدد‬
‫تلك األنماط اتساعا وضيقا‪ ،‬تناف ار وتكامال"(‪ .)3‬فسر االنتماء‪ ،‬والوالء هو "أن الفرد الواحد يشعر من‬
‫عمق وجدانه أنه ال يستطيع العيش وحده‪ ،‬فريدا في هذا الكون الفسيح‪ ،‬ويريد أن يجد آخر يتحدث‬
‫معه ليوسع من وجوده‪ ،‬فإذا وجد اآلخر تمسك به‪ ،‬وأخلص له‪ ،‬فالوالء عبارة عن دمج الذات الفردية‬
‫في ذات أوسع منها وأشمل‪ ،‬وإذا صيدر هذا الدمج عن إيمان وإخالص وجب على الفرد أن يحميه‪،‬‬
‫وإن اقتضى األمر تضحية بالروح"(‪.)4‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬أنواع الوالء واالنتماء‪:‬‬
‫‪ .1‬الوالء واالنتماء للدين‪ :‬وهو أصيل األنواع؛ ألنه يبني عليه بقية األنواع األخرى فوالء اإلنسان‬
‫لربه أصيل في الدين وأمر به الشرع فالمسلمون في ربوع األرض أمة واحدة أتباع ملة واحدة كما‬
‫أخبر القرآن الكريم قال تعالى‪ :‬ﭽﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢﭣﭤ ﭥ ﭼ(‪ )5‬فيجب‬
‫‪.‬‬ ‫أن يكون الوالء للدين ال لألشخاص؛ فالحق ب ٍ‬
‫اق واألشخاص زائلون‪ ،‬واعرف الحق تعرف أهله‬
‫‪ .2‬وهناك انتماء للوطن ‪ :‬وهو من أفضل األنواع وكان أول ممارس لها النبي محمد‪ ‬حينما خرج‬
‫من مكة الى المدينة فنظر إلى مكة وقال كلمته المشهورة‪( :‬أما وهللا إنك ألحب البالد إلى هللا‬

‫(‪ )1‬اإلسالم والشباب عبد االتواب رضوان ‪ -‬مجلة رسالة اإلسالم ‪( -‬العد ‪1987 - )16‬م‪( - .‬صـ‪.)55‬‬
‫(‪ )2‬االنتماء الوطني وعالقته ببعض متغيرات الشخصـية مرجع سابق (صـ ‪.)15‬‬
‫(‪ )3‬التنشئة االجتماعية للطفل العربي الوحدة والتعددية ‪ -‬قدري حفني ‪ -‬مجلة النيل ‪( -‬العدد ‪ )28‬القاهرة ‪1986‬م ‪-‬‬
‫(صـ‪.)62‬‬
‫(‪ )4‬قيم من التراث ‪ -‬زكي نجيب محمود ‪ -‬دار الشروق ‪ -‬القاهرة ‪1999 -‬م ‪( -‬صـ ‪.)391‬‬
‫(‪ )5‬األنبياء اآلية (‪.)92‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪195‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫سبحانه‪ ،‬ولوال أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت)(‪ .)1‬فالوالء واالنتماء لإلسالم عامة‪ ،‬وللوطن‬
‫خاصية صينوان يتواكبان في تنمية المجتمع وتوثيق عرى االنتماء بين أبنائه‪ ،‬وطريق لبناء التاريخ‪،‬‬
‫والمجد‪ ،‬والحضارة‪ ،‬ولم ال وقد استعمرنا هللا في األرض لالستخالف بعد أن أنشأها ‪ ‬كما قال‬
‫تعالى‪ :‬ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀﭼ(‪ ،)2‬ولذلك "فال قيام ألمة اإلسالم‪ ،‬إال إذا التئم نسيجها‬
‫بلحمة الوالء‪ ،‬وألزمت نفسها بعناصير هذا الوالء وهي‪ :‬األمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر وإقامة‬
‫الصيالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وطاعة هللا‪ ،‬ورسوله"(‪.)3‬‬
‫‪ .3‬وهناك والء وانتماء للق يلة والعشيرة‪ :‬التي يعيش فيها اإلنسان‪ ،‬وهذا أيض ًا أمر أقره الشرع فقال‬
‫تعالى‪:‬ﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊﮋ ﭼ(‪.)4‬‬
‫‪ .4‬وهناك الوالء واالنتماء األسري‪ :‬ونسبة األوالد إلى آبائهم كما قال تعالى‪ :‬ﭽﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﭼ(‪.)5‬‬
‫‪ .5‬وهناك الوالء واالنتماء‪ :‬لصينعة أو حرفة معينة فيقال فالن حداد نجار اسكافي جزار خباز‪،‬‬
‫وكان الصيحابة ‪ ‬ومن بعدهم عندهم روح االنتماء والوالء فقد كانوا دائما ينسبون إلى أوطانهم‪ ،‬وقد‬
‫يشتهرون بها فال يعرفون‪ ،‬إال بنسبتهم إليها وذلك مثل الغفاري‪ ،‬واألشعري‪ ،‬والفارسي‪ ،‬والبصيري‪،‬‬
‫والقرني‪ ،‬والبخاري‪ ،‬والصينعاني‪ ...‬بل كان الكثير من إذا شعروا‪ ،‬بدنو أجلهم‪ ،‬رجعوا إلى أوطانهم‪،‬‬
‫حتى يختموا فيها حياتهم‪ ،‬ويدفنوا فيها بعد موتهم(‪.)6‬‬
‫وبتنمية روح الوالء واالنتماء تنتعش األمة وتزدهر حضاريا واقتصياديا فهو "ضرورة اقتصيادية‬
‫حتى نحافظ على وجودنا‪ ،‬ونعمل على تطوير أنفسنا‪ ،‬وننافس اإلنتاج الكبير‪ ،‬وندخل عصير‬
‫التكنولوجيا المتطورة‪ ،‬ونحن مرفوعون الرأس‪ .‬ال فرادى مبعثرين‪ ،‬ولنتبؤأ مكانتنا الالئقة بنا في‬
‫المجتمع اإلنساني كله"(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬أخبار مكة وما جاء فيها من األثار ‪ -‬أبو الوليد محمد بن عبد هللا بن أحمد المكي المعروف باألزرقي (المتوفى‪:‬‬
‫‪250‬هـ) ‪ -‬تحقيق‪ :‬رشدي الصـالح ملحس ‪ -‬دار األندلس للنشر – بيروت ‪ - )295 /2( -‬بدون‪.‬‬
‫(‪ )2‬هود اآلية (‪.)61‬‬
‫(‪ )3‬الوالء من واجبات الرحمة ‪ -‬محمد مجاهد طبل ‪( -1995 -‬صـ ‪ )4‬بدون‪.‬‬
‫(‪ )4‬الحجرات اآلية (‪.)13‬‬
‫(‪ )5‬األحزاب اآلية (‪.)5‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬االنتماء والوالء الوطني في الكتاب والسنة د‪ /‬وليد مساعدة وآخرون ‪ -‬بحث منشور بالمجلة األردنية في‬
‫الدراسات اإلسالمية (العدد ‪1431) 3‬ه ‪2010-‬م ‪( -‬صـ ‪.)51‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬درر إسالمية ‪ -‬عبد العظيم منصـور ‪ -‬طبعة المجلس األعلى للشئون اإلسالمية ‪1975‬م ‪( -‬صـ‪ - )101‬بدون‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪196‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫وبتنمية روح الوالء واالنتماء تتوثق العالقات والروابط الحضارية واالجتماعية لتحقيق قول هللا ‪‬‬
‫ﭽﯜﯝﯞ ﭼ(‪" ،)1‬فما دامت هناك أخوة فال أنانية‪ ،‬وال سلبية‪ ،‬وال مشاكل‪ ،‬وإن وجدت‪ ،‬فإنها‬
‫سرعان ما تحل" فإنه ما من فكرة عرفتها البشرية حتى اليوم في تنظيم العالم كوحدة إنسانية‪ ،‬وفي‬
‫تنظيم المجتمع كوحدة بشرية؛ إ ال وفكر اإلسالم‪ ،‬واإلنسان أكبر منها وأرحب"(‪ ،)2‬بتنمية روح الوالء‬
‫واالنتماء ينضبط المجتمع خلقي ًا‪ ،‬حيث ينتشر الحب‪ ،‬والعدل‪ ،‬والرحمة والوفاء‪ ،‬وكل ما هو خير‬
‫"فليست األخالق من مواد الترف‪ ،‬التي يمكن االستغناء عنها؛ بل هي أصيول الحياة التي يرتضيها‬
‫الدين‪ ،‬ويحترم ذويها"(‪.)3‬‬
‫وبتنمية روح الوالء للدين واالنتماء للوطن‪ ،‬تزدهر الحضارة في شتى المجاالت العلمية‪،‬‬
‫واألخالقية واالقتصيادية‪ ،‬والسياسية والتقنية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫الخاتمة وتشتمل على أهم النتائج وأبرز التوصيات‪:‬‬
‫تم بحمد هللا تعالى البحث الموسوم بي "من القيم الحضارية دراسة في ضوء القرآن الكريم"‬
‫ونضمنها هنا أهم النتائج والتوصيات‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أهم النتائج‪:‬‬
‫‪ .1‬القيم‪ :‬عبارة عن مجموعة المبادئ والقواعد والمثل العليا التي يؤمن بها الناس ويتفقون عليها فيما‬
‫بينهم ويتخذون منها ميزان ًا يزنون بها أعمالهم‪.‬‬
‫‪ .2‬الحضارة‪ :‬نظام شامل يقوم بعمارة األرض في ضوء المنهج الرباني الذي شرعه لنا رب العالمين‬
‫وبينه النبي ‪.‬‬
‫ومنهاجها‪ ،‬ال‬
‫ُ‬ ‫وتاجها‬
‫‪ .1‬العدل أساس الملك ونبراس التقدم واالزدهار ونهوض الحضارة وسياجها‪ُ ،‬‬
‫يمكن أن نتصور حضارة بدون عدل‪.‬‬
‫‪ .2‬إن الحضارة قرينة الحرية فالحرية من القيم الحضارية التي لها دور كبير في ازدهارها ورقيها‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلحسان من القيم الحضارية التي أقرها القرآن الكريم وهو من أخالق أهل اإليمان ومن أسباب‬
‫النهوض والرقي الحضاري لما فيه من ٍ‬
‫خير وصالح للبالد والعباد‪.‬‬
‫‪ .4‬يعتبر التنافس من أفضل القيم الحضارية؛ ألنه قرين الهمة العالية فصاحب الهمة‪ ،‬يسعى ليكون‬
‫أول المتسابقين للرقي لمعالي األمور في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحجرات جزء اآلية (‪.)10‬‬


‫(‪ )2‬نظرية تقويم الفرد‪ ،‬وتنظيم المجتمع في اإلسالم ‪ -‬محمد موسى عثمان ‪ -‬سلسة البحوث اإلسالمية العدد (‪- )11‬‬
‫‪1400‬ه‪1980،‬م‪( -‬صـ‪.)115‬‬
‫(‪ )3‬خلق المسلم ‪ -‬الشيخ محمد الغزالي الطبعة الثامنة‪ -‬دار التراث العربي ‪1394‬ه ‪1974،‬م ‪( -‬صـ‪.)11‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪197‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫‪ .5‬بتنمية روح الوالء هلل ولدينه‪ ،‬واالنتماء للوطن اإلسالمي واألسرة المسلمة والمجتمع المسلم تزدهر‬
‫الحضارة في شتى المجاالت العلمية‪ ،‬واالقتصيادية‪ ،‬والسياسية والتقنية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ .6‬القيم الحضارية الموجودة في كتاب هللا ‪ ‬هي الطريق الموصل إلى معرفة هللا سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫للسعادة في الدنيا والوصول للجنة في اآلخرة‪.‬‬
‫كل مقومات الحضارة القادرة على قيادة العالم‪ ،‬فبالد اإلسالم تملك‬ ‫‪ .7‬اإلسالم قوة عالمية تمتلك ّ‬
‫الطاقة‪ ،‬والثروة‪ ،‬والكثافة السكانية‪ ،‬واالمتداد اإلقليمي‪ ،‬في أغنى بقع العالم‪.‬‬
‫‪ .8‬الحضارة اإلسالمية تمتلك أغنى ثقافة إنسانية مصدرها رباني محفوظ‪ ،‬قادرة على إخراج اإلنسان‬
‫من ظالم الشرك إلى نور التوحيد‪ ،‬ومن الباطل إلى الحق‪ ،‬ومن الضالل إلى الهدى‪ ،‬ومن الغي إلى‬
‫الرشاد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أبرز التوصيات‬
‫ً‬
‫‪ .1‬يجب االهتمام بالقيم الحضارية‪ ،‬واألخالق اإلسالمية الرفيعة‪ ،‬التي تعمل على رفاهية المجتمع‪،‬‬
‫حتى يعيش المجتمع في سعادة أبدية‪.‬‬
‫‪ .2‬في القرآن الكريم صور ومشاهد للحضارات الرائدة والبائدة وال يكتفي القرآن بالعرض والتصوير‬
‫بل يشتمل على التحليل والنقد واالستنباط واالعتبار‪.‬‬
‫‪ .3‬ضرورة البحث والتنقيب عن القيم الحضارية في القرآن الكريم وجمعها وتوظيفها واالستفادة منها‪.‬‬
‫‪ .4‬يجب دراسة هذه القيم في جميع المراحل التعليمية؛ ألنها من الثوابت التي أقام عليها اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .5‬ضرورة توظيف المنهج القرآني في نقد الحضارات المعاصرة‪.‬‬
‫أهم المصادر والمراجع‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬كتب السنة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أهم المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أبجديات البحث في العلوم الشرعية ‪ -‬د‪ .‬فريد األنصاري ‪ -‬منشورات الفرقان ‪ -‬الطبعة األولي الدار‬
‫البيضاء‪1417 -‬هي‪1997 -‬م‪.‬‬
‫أخبار مكة وما جاء فيها من األثار ‪ -‬أبو الوليد محمد بن عبد هللا بن أحمد بن محمد بن الوليد بن‬
‫عقبة بن األزرق الغساني المكي المعروف باألزرقي (المتوفى‪250 :‬هي) ‪ -‬تحقيق‪ :‬رشدي‬
‫الصيالح ملحس ‪ -‬دار األندلس للنشر – بيروت ‪ -‬بدون‪.‬‬
‫إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ‪ -‬أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى‬
‫(المتوفى‪982 :‬هي) ‪ -‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪198‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫االستقامة ‪ -‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي‬
‫(المتوفى‪728 :‬هي) ‪ -‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم ‪ -‬جامعة اإلمام محمد بن سعود ‪-‬‬
‫المدينة المنورة ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪.1403 ،‬‬
‫اإلسالم والحضارة الغربية ‪ -‬د‪ /‬محمد محمد حسين ‪ -‬المكتب اإلسالمي – بدون‪.‬‬
‫اإلسالم والشباب عبد التواب رضوان ‪ -‬مجلة رسالة اإلسالم ‪( -‬العد ‪1987 - )16‬م‪.‬‬
‫االنتماء الوطني وعالقته ببعض متغيرات الشخصيية لدى عينة من طالب المرحلة الثانوية بمدينتي‬
‫مكة المكرمة‪ ،‬وجده ‪ -‬د‪ /‬عبد هلل بن رمزي بن عبد هللا الحربي ‪ -‬رسالة ماجستير المملكة‬
‫العربية السعودية كلية التربية ‪ -‬قسم علم النفس ‪2010 -‬م‪.‬‬
‫االنتماء والوالء الوطني في الكتاب والسنة د‪ /‬وليد مساعدة وآخرون ‪ -‬بحث منشور بالمجلة األردنية‬
‫في الدراسات اإلسالمية (العدد‪1431)3‬ه ‪2010-‬م‪.‬‬
‫آيات الهداية واالستقامة في كتاب هللا تعالى ‪ -‬الشيخ عطية سالم بدون‪.‬‬
‫بحر العلوم ي موافق للمطبوع ‪ -‬أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى‪:‬‬
‫‪373‬هي) ‪ -‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمود مطرجي ‪ -‬دار النشر‪ :‬دار الفكر – بيروت‪.‬‬
‫التبر المسبوك في نصيحة الملوك ‪ -‬أبو حامد الغزالي الطوسي (المتوفى‪505 :‬هي) ‪ -‬ضبطه‬
‫وصححه‪ :‬أحمد شمس الدين ‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1409‬هي ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫التحرير والتنوير « تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» ‪ -‬محمد‬
‫الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى‪1393 :‬هي) ‪ -‬الدار‬
‫التونسية للنشر – تونس ‪ -‬سنة النشر‪1984 :‬هي‪.‬‬
‫التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية ‪ -‬علي علي صبح ‪ -‬المكتبة األزهرية للتراث‪.‬‬
‫الب ِس ْيط ‪ -‬أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي‬ ‫ِ‬
‫التَّْفس ُير َ‬
‫(المتوفى‪468 :‬هي) ‪ -‬المحقق‪ :‬أصل تحقيقه في (‪ )15‬رسالة دكتوراة بجامعة اإلمام محمد‬
‫بن سعود‪ ،‬ثم قامت لجنة علمية من الجامعة بسبكه وتنسيقه ‪ -‬عمادة البحث العلمي ‪-‬‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪1430 ،‬هي‪.‬‬
‫تفسير الشعراوي – الخواطر‪ -‬محمد متولي الشعراوي (المتوفى‪1418 :‬هي)‪ -‬مطابع أخبار اليوم ‪-‬‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ -‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى‪:‬‬
‫‪774‬هي) ‪ -‬تحقيق سامي بن محمد سالمة ‪ -‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪ -‬ط‪2،1420‬هي‪-‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪199‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫التفسير الكبير‪ -‬أبو عبد هللا محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين‬
‫الرازي خطيب الري (المتوفى‪606 :‬هي) ‪ -‬دار إحياء التراث العربي – بيروت ‪ -‬ط‪،2‬‬
‫‪1420‬هي‪.‬‬
‫التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون ‪ -‬تفسير القرآن الكريم على منهاج األصلين‬
‫العظيمين ‪ -‬الوحيين‪ :‬القرآن والسنة الصحيحة ‪ -‬على فهم الصحابة والتابعين‪ .‬تفسير‬
‫منهجي فقهي شامل معاصر ‪ -‬األستاذ الدكتور مأمون حموش ‪ -‬المدقق اللغوي‪ :‬أحمد راتب‬
‫حموش ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪1428 ،‬هي ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫تفسير المراغي ‪ -‬أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى‪1371 :‬هي) ‪ -‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى‬
‫البابى الحلبي وأوالده بمصر ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪1365 ،‬هي ‪1946 -‬م‪.‬‬
‫التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج ‪ -‬د وهبة بن مصطفى الزحيلي ‪ :-‬دار الفكر المعاصر‬
‫– دمشق ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1418 ،‬هي‪.‬‬
‫تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)‪ -‬أبو البركات عبد هللا بن أحمد بن محمود حافظ‬
‫الدين النسفي (المتوفى‪710 :‬هي)‪ -‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬يوسف علي بديوي‪ -‬راجعه وقدم له‪:‬‬
‫محيي الدين ديب مستو‪ -‬دار الكلم الطيب‪ ،‬بيروت‪ -‬ط‪1419 ،1‬هي ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫التنشئة االجتماعية للطفل العربي الوحدة والتعددية ‪ -‬قدري حفني‪ -‬مجلة النيل ‪( -‬العدد‪ )28‬القاهرة‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪ -‬عبد الرحمن بن ناصر بن عبد هللا السعدي‬
‫(المتوفى‪1376 :‬هي) ‪ -‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى ‪1420‬هي ‪2000-‬م‪.‬‬
‫جامع البيان في تأويل القرآن ‪ -‬محمد بن جرير أبو جعفر الطبري (المتوفى‪310 :‬هي) ‪ -‬تحقيق‪:‬‬
‫أحمد محمد شاكر ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪1420 ،‬هي ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫العباس أحمد بن عبد الحليم محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬
‫جامع الرسائل ‪ -‬تقي الدين أبو َ‬
‫الدمشقي (المتوفى‪728 :‬هي) ‪ -‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم ‪ -‬ط‪ :‬دار العطاء – الرياض ‪-‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪1422‬هي ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن ‪ -‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس‬
‫الدين القرطبي (المتوفى‪671 :‬هي) ‪ -‬تحقيق‪ :‬هشام سمير البخاري‪ -‬دار عالم الكتب‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪ -‬الطبعة‪ 1423 :‬هي‪2003 /‬م‪.‬‬
‫حادي األرواح إلى بالد األفراح ‪ -‬محمد بن أبي بكر سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى‪:‬‬
‫‪751‬هي) ‪ -‬مطبعة المدني‪ ،‬القاهرة ‪ -‬بدون‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪200‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫الحضارة ‪ -‬د‪ /‬حسين مؤنس ‪ -‬الكتاب رقم ‪ 1‬من سلسلة عالم المعرفة ‪ -‬المجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون واآلداب بالكويت‪.‬‬
‫الحضارة اإلسالمية أسسها ومبادؤها ‪ -‬دار الطباعة العربية ‪ -‬بدون‪.‬‬
‫الحضارة اإلسالمية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل‪ -‬جمع وإعداد‪ :‬علي بن نايف الشحود ‪-‬‬
‫الشاملة الذهبية‪.‬‬
‫حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ -‬أبو نعيم أحمد بن عبد هللا األصبهاني (المتوفى‪430 :‬هي) ‪-‬‬
‫السعادة ‪ -‬بجوار محافظة مصر‪1394 ،‬هي ‪1974 -‬م ‪ -‬دار الكتاب العربي – بيروت‪.‬‬
‫خلق المسلم ‪ -‬الشيخ محمد الغزالي الطبعة الثامنة‪ -‬دار التراث العربي ‪1394‬ه ‪1974،‬م‪.‬‬
‫درر إسالمية ‪ -‬عبد العظيم منصيور ‪ -‬طبعة المجلس األعلى للشئون اإلسالمية ‪1975‬م – بدون‪.‬‬
‫دولة القرآن – طه عبد الباقي سرور – دار الفكر العربي – بدون‪.‬‬
‫ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر ‪ -‬عبد الرحمن‬
‫بن محمد بن خلدون أبو زيد‪( ،‬المتوفى‪808 :‬هي) ‪ -‬تحقيق‪ :‬خليل شحادة ‪ -‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1408 ،‬هي ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫ديوان حافظ إبراهيم ‪ -‬الهيئة المصرية العامة للكتاب – بدون‪.‬‬
‫رحلة ابن بطوطة ‪ -‬محمد بن عبد هللا بن محمد بن إبراهيم ابن بطوطة (المتوفى‪779 :‬هي) ‪-‬‬
‫أكاديمية المملكة المغربية‪ ،‬الرباط ‪1417 -‬هي‪.‬‬
‫الرحيق المختوم‪ -‬صفي الرحمن المباركفوري (المتوفى‪1427 :‬هي)‪ -‬دار الهالل‪ -‬بيروت‪ -‬دار‬
‫الوفاء ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪.‬‬
‫روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ -‬شهاب الدين األلوسي (المتوفى‪1270 :‬هي)‪-‬‬
‫تحقيق‪ :‬علي عبد الباري عطية ‪ -‬دار الكتب العلمية – بيروت‪ -‬ط‪1415 ،2‬هي‪.‬‬
‫زاد المهاجر إلى ربه ‪ -‬محمد بن أبي بكر شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى‪751 :‬هي) ‪-‬‬
‫تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد جميل غازي ‪ -‬مكتبة المدني‪.‬‬
‫علم االجتماع اإلسالمي التصيوير القرآني للمجتمع المسلم نظرية اإلسالم االجتماعية ‪ -‬د‪ /‬صيالح‬
‫مصيطفى الفوال ‪ -‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫علو الهمة ‪ -‬محمد إسماعيل المقدم ‪ -‬دار القمة ‪ -‬دار اإليمان‪ ،‬مصر ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ -‬أحمد بن حجر العسقالني الشافعي ‪ -‬دار المعرفة ‪ -‬بيروت‪،‬‬
‫‪ - 1379‬رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ -‬قام بإخراجه وصححه وأشرف‬
‫على طبعه‪ :‬محب الدين الخطيب ‪ -‬عليه تعليقات العالمة‪ :‬عبد العزيز بن عبد هللا بن باز‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪201‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫فتح القدير ‪ -‬محمد بن علي بن محمد بن عبد هللا الشوكاني اليمني (المتوفى‪1250 :‬هي) ‪ -‬دار ابن‬
‫كثير‪ ،‬دار الكلم الطيب ‪ -‬دمشق‪ ،‬بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪1414 -‬ه‪.‬ي‬
‫القاموس المحيط ‪ -‬مجد الدين الفيروزآبادى (المتوفى‪817 :‬هي) ‪ -‬تحقيق‪ :‬مكتب تحقيق التراث في‬
‫قسوسي‪ -‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر‬ ‫مؤسسة الرسالة ‪ -‬بإشراف‪ :‬محمد نعيم العر ُ‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت – لبنان ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثامنة‪1426 ،‬هي ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫ديورانت (المتوفى‪1981 :‬م) ‪ -‬تقديم‪ :‬الدكتور محيي‬ ‫قصة الحضارة ‪ِ -‬ول َ‬
‫ديورانت = ويليام جيمس َ‬
‫محمود وآخرين ‪ -‬دار الجيل‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان ‪-‬‬
‫صابر ‪ -‬ترجمة‪ :‬الدكتور زكي نجيب ُ‬ ‫الدين َ‬
‫ّ‬
‫‪1408‬هي ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫القول السديد شرح كتاب التوحيد‪ -‬أبو عبد هللا‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصير آل سعدي (المتوفى‪:‬‬
‫‪1376‬هي)‪ -‬تحقيق‪ :‬المرتضى الزين أحمد‪ -‬مجموعة التحف النفائس الدولية‪ -‬ط‪ ،2‬بدون‪.‬‬
‫قيم من التراث ‪ -‬زكي نجيب محمود ‪ -‬دار الشروق ‪ -‬القاهرة ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫الكشف والبيان عن تفسير القرآن ‪ -‬أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي‪( -‬المتوفى‪427 :‬هي) ‪-‬‬
‫تحقيق‪ :‬اإلمام أبي محمد بن عاشور‪ -‬مراجعة وتدقيق‪ :‬األستاذ نظير الساعدي ‪ -‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت – لبنان ‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪1422‬هي ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫لسان العرب‪ -‬محمد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين ابن منظور األنصاري الرويفعى‬
‫اإلفريقى (المتوفى‪711 :‬هي) ‪ -‬دار صادر – بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثالثة ‪.1414 -‬‬
‫محاضرات في المجتمع اإلسالمي ‪ -‬الشيخ محمد أبو زهرة ‪ -‬دار الفكر العربي ‪ -‬القاهرة‪ .‬بدون‪.‬‬
‫المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ‪ -‬أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام‬
‫بن عطية األندلسي المحاربي (المتوفى‪542 :‬هي) ‪ -‬تحقيق عبد السالم عبد الشافي محمد ‪-‬‬
‫دار الكتب العلمية – بيروت ‪-‬الطبعة‪ :‬األولى ‪1422 -‬هي‪.‬‬
‫مختار الصحاح ‪ -‬زين الدين أبو عبد هللا محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (المتوفى‪:‬‬
‫‪666‬هي) – تحقيق‪ :‬يوسف الشيخ محمد ‪ -‬المكتبة العصرية ‪ -‬الدار النموذجية‪ ،‬بيروت –‬
‫صيدا ‪ -‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪1420 ،‬هي‪1999 /‬م‪.‬‬
‫ين ‪ -‬نجم الدين‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي‬ ‫ِ‬ ‫ُم ْختَص ُير ِم ْن َه ِ‬
‫اج الَقاصيد ْ‬
‫ان‪ ،‬دمشق ‪-‬‬ ‫(المتوفى‪689 :‬هي) ‪ -‬قدم له‪ :‬األستاذ محمد أحمد دهمان ‪ -‬مكتََب ُة َد ِار َ‬
‫الب َي ْ‬
‫‪1398‬هي ‪1978 -‬م بدون‪.‬‬
‫المرشد في كتابة األبحاث‪ -‬حلمي محمد فوده وعبد الرحمن صالح عبد هللا جدة‪ :‬دار الشروق للنشر‬
‫والتوزيع والطباعة‪ -‬الطبعة السادسة‪1410،1411 -‬هي‪1991 -‬م‪.‬‬
‫مروج الذهب ومعادن الجوهر ‪ -‬أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعودي (المتوفى‪346 :‬هي)‬
‫‪ -‬تحقيق‪ :‬أسعد داغر ‪ -‬دار الهجرة – قم ‪1409-‬هي‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪202‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬


‫العجم‬
‫ي‬ ‫د‪ /‬حسن بن ناجع‬ ‫من القيم الحضارية دراسة يف ضوء القرآن الكريم‬

‫المعجم الوسيط ‪ -‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة ‪( -‬إبراهيم مصطفى‪ /‬أحمد الزيات‪ /‬حامد عبد القادر‪/‬‬
‫محمد النجار) ‪ -‬دار الدعوة‪.‬‬
‫المفصل في الرد على الحضارة الغربية ‪ -‬علي بن نايف الشحود ‪ -‬الشاملة الذهبية‪.‬‬
‫مالمح المجتمع المسلم د يوسف القرضاوي مكتبة وهبة‪ .‬القاهرة الطبعة الثالثة‪.2001 .‬‬
‫المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ‪ -‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى‪:‬‬
‫‪676‬هي) ‪ -‬دار إحياء التراث العربي – بيروت ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.1392 ،‬‬
‫المنهج المسلوك في سياسة الملوك ‪ -‬عبد الرحمن بن نصر بن عبد هللا‪ ،‬جالل الدين العدوي‬
‫الشيزري الشافعي (المتوفى‪ :‬نحو ‪590‬هي) ‪ -‬تحقيق‪ :‬علي عبد هللا الموسى ‪ -‬مكتبة المنار‬
‫‪ -‬الزرقاء‬
‫مؤتمر السيرة النبوية الخامس بعنوان المجتمع المسلم‪ .‬لسنة ‪2013‬م ‪ -‬د‪ /‬احمد محمد الشرقاوي‬
‫سالم ‪ -‬الجامعة اإلسالمية جنوب البنجاب‪ .‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫نحو إنسانية سعيدة‪ ،‬د‪ .‬محمد المبارك رحمه هللا ‪ -‬دار الفكر بيروت ‪1389‬هي الطبعة الثانية‪.‬‬
‫نظرية تقويم الفرد‪ ،‬وتنظيم المجتمع في اإلسالم ‪ -‬محمد موسى عثمان ‪ -‬سلسة البحوث اإلسالمية‬
‫العدد (‪1400 - )11‬ه‪1980،‬م‪.‬‬
‫هذه أخالقنا حين نكون مؤمنين حقا‪ -‬أبو أسامة‪ ،‬محمود محمد الخزندار (المتوفى‪1422 :‬هي)‪ -‬دار‬
‫طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ -‬ط‪1417 ،2‬هي ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫الوالء من واجبات الرحمة ‪ -‬محمد مجاهد طبل ‪ -1995 -‬بدون‪.‬‬

‫الــعــــــدد (‪ ،)25‬سبتمبر‪2022 ،‬م‬ ‫‪203‬‬ ‫مجلـة العلـوم التربـوية والدراسـات اإلنسـانيـة‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like