You are on page 1of 16

‫تقارير‬

‫آثار نازلة كورونا ىلع املبادئ املُؤَسِّسَة للمنظمات الدولية واإلقليمية‬

‫حامد عبد املاجد القويسي*‬

‫‪ 9‬اغسطس‪/‬آب ‪2020‬‬

‫‪Al Jazeera Centre for Studies‬‬


‫‪Tel: +974 40158384‬‬
‫‪jcforstudies@aljazeera.net‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net‬‬
‫منظمة الصحة العالمية قدمت نموذجًا واضحًا للفشل في التعامل مع نازلة كورونا كان له تداعياته العالمية (رويترز)‬

‫مقدمة‬
‫تُع ُّد نازلة كورونا من أخطر النوازل والكوارث الشاملة التي تواجه اإلنسانية في القرن الحالي‪ ،‬وتمثِّل دراسة آثارها‬
‫وانعكاساتها على المنظمات الدولية واإلقليمية أحد أهم أولويات القضايا على أجندة البحث في الجامعات ومراكز التفكير‬
‫والدراسات‪ ،‬وأجهزة صنع القرار واتخاذه‪ ،‬ويتمثَّل إسهام هذا البحث في محاولة تقديم "إضافة نوعية" متواضعة على‬
‫المستويين المنهجي والمعرفي للجهود البحثية الضخمة انطالقًا من تناول القضية بالدراسة عبر النقاط األربعة التالية‪:‬‬

‫أوًل‪ :‬مسلَّمة الدراسة وفرضيتها‪ :‬تنطلق الدراسة من مسلَّمة أساسية مفادها أن نشأة المنظمات الدولية واإلقليمية جاءت‬
‫ا‬
‫سة" التي استهدفت‬
‫في سياق أزمات وحروب عالمية كبرى‪ ،‬كاستجابة وتجسيدًا لمجموعة من "الدعوات" و"المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫منع تكرار وقوع "حروب جديدة"‪ ،‬و"تحقيق السلم واألمن الدوليين" و"تعزيز التعاون والتضامن الدولي واإلقليمي" في‬
‫مواجهة النوازل والكوارث اإلنسانية‪ ،‬ولنتذ َّكر مبادئ وودرو ويلسون (‪ )Woodrow Wilson‬األربعة عشر‪ ،‬وما تتضمنه‬
‫إعالنات ومواثيق المنظمات الدولية واإلقليمية المختلفة في هذا الصدد(‪.)1‬‬

‫سة أدى إلى‬


‫وتحاول الدراسة اختبار فرضية مفادها أن التزام المنظمات الدولية واإلقليمية ‪-‬ولو نسبيًّا‪ -‬بتطبيق مبادئها ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫عدم وقوع حروب عالمية جديدة‪ :‬أي تحقيق ْ‬
‫السلم واألمن الدوليين ولو جزئيًّا‪ ،‬هذا من جانب‪ ،‬وعلى الجانب اآلخر فإن‬
‫سة الخاصة بالتضامن الدولي والتعاون اإلقليمي كان من األسباب األساسية وراء‬
‫الفشل النسبي في تطبيق المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫انتشار النوازل والكوارث اإلنسانية‪ ،‬مثل نازلة كورونا في أوضاعنا الراهنة‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬التساؤًلت األساسية للدراسة‪ :‬تسعى الدراسة للتأكد من مدى صحة الفرضية السابقة عبر اإلجابة على تساؤلين‬
‫سة لنظام‬
‫أساسين‪ :‬أولهما ذو طبيعة وصفية وتحليلية؛ يدور حول المدى الذي "كشفت" فيه األزمة عن فشل المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬

‫‪2‬‬
‫"التعاون والتضامن العالمي" والمنوط تحقيقه بالمنظمات الدولية واإلقليمية‪ ،‬بينما التساؤل الثاني ذو الطبيعة التفسيرية‬
‫سة"‪،‬‬
‫والمستقبلية يدور حول تفسير أسباب الفشل‪ :‬إلى أي مدى تعود األزمة إلى "الفجوة" الموجودة بين "المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫و"الممارسات الواقعية" للمنظمات الدولية واإلقليمية؛ حيث تكون األولى مجرد "غطاء أيديولوجي" للثانية(‪ ،)2‬أو أن هذا‬
‫سة باعتبارها تتضمن في سياق نشأتها واستمراريتها‪ ،‬وبنيتها وتكوينها الداخلي‪ ،‬ما‬
‫الفشل يرجع إلى طبيعة المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫سة التي قامت عليها المنظمات الدولية واإلقليمية ت ُ َع ُّد ‪-‬كما‬
‫يخلق ذلك ويؤدي إليه؛ إذ يذهب البعض إلى أن المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫سنرى‪ -‬امتدادًا لمنطق الوفاق األوروبي (‪ ،)Concert of Europe‬والذي قام على أساسه "نظام فيينا" ( ‪Vienna‬‬
‫سة‬
‫‪ )System‬بحمولته التاريخية ومنظومته القيمية الكلية المض َّمنة(‪)3‬؟ وإلى أي مدى يؤثر ذلك على مستقبل المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫للمنظمات الدولية واإلقليمية؟‬

‫ثالثاا‪ :‬منهجية الدراسة ومصادرها‪ :‬يترتب على ما سبق تحديد االختيار المنهجي للدراسة في إطار االتجاهات الثالث‬
‫السائدة في علم العالقات الدولية بصدد دراسة النوازل واألزمات(‪ ،)4‬وهي‪ :‬أ) الواقعيون (‪ :)Realists‬الذين يؤكدون‬
‫على التوزيع العادل للقوة‪ ،‬والمصالح الذاتية للدول‪ .‬ب) الليبراليون (‪ :)Liberals‬الذين يركزون على قدرة المنظمات‬
‫الدولية على التخفيف من آثار الفوضى الدولية التي يؤكد عليها الواقعيون ولمساعدة "الدول" على تحقيق أهدافها‪ .‬ج)‬
‫البنائيون (‪ :)Constructors‬الذين يؤكدون على أهمية الهويات الجماعية العابرة للحدود التي تتش َّكل منها القضايا‬
‫المشتركة‪.‬‬

‫ويتمثَّل االختيار المنهجي األساس للدراسة في االتجاه الثاني (الليبرالي)‪ ،‬أي التركيز على مدى قدرة المنظمات على التخفيف‬
‫من آثار النوازل‪ ،‬ومساعدة الدول والمجتمعات في كيفية التعامل معها‪ ،‬مع اعتبار أن االتجاه األول (الواقعي) يمثِّل "تهديدًا"‬
‫صا وبدائل أمامه‪ ،‬هذا من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر تتبع‬
‫يضع حدودًا على االختيار‪ ،‬وأن االتجاه الثالث (البنائي) يمنح فر ً‬
‫الدراسة الخطوات العلمية الخمسة المعروفة منهجيًّا في تناول موضوعها(‪ ،)5‬وهي‪ :‬التوصيف‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والتنبؤ‬
‫ورسم السيناريوهات المستقبلية‪ ،‬والتعامل معها ضب ً‬
‫طا وتحك ًما‪ ،‬كما تتعامل مع المصادر األساسية المتمثلة في الوثائق‬
‫التأسيسية للمنظمات الدولية واإلقليمية وممارساتها إزاء النازلة‪ ،‬و"البيانات" و"الخطاب السياسي واإلعالمي واألكاديمي"‬
‫حولها‪.‬‬

‫رابعاا‪ :‬تقسيم الدراسة‪ :‬تسعى الدراسة انطالقًا من التساؤلين السابقين لمقاربة قضيتها البحثية عبر اإلجابة على سؤالين‪،‬‬
‫األول‪ :‬سؤال المنهج ويضع الضوابط المنهجية لدراسة القضية علميًّا وبحثيًّا‪ ،‬ويقدم مراجعة نقدية للخطاب السائد معرفيًّا‬
‫سة" للمنظمات الدولية‬
‫حول كيفية الدراسة‪ ،‬والثاني‪ :‬سؤال الموضوع الذي يبحث "آثار" النازلة على "المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫واإلقليمية التي قامت عليها‪ ،‬ومنحتها المشروعية القانونية والشرعية السياسية‪.‬‬

‫‪ .1‬سؤال المنهج‪ :‬كيفية دراسة آثار نازلة كورونا على المنظمات الدولية واإلقليمية‬
‫تُحدِّد اإلجابة على سؤال المنهج "األبعاد الغائبة" في بحث موضوع "آثار نازلة كورونا وانعكاساتها على المنظمات الدولية‬
‫واإلقليمية"؛ إذ تتمثَّل في مجموعة من الضوابط "المنهجية" و"المعرفية" المحددة لكيفية دراسة الموضوع علميًّا‪.‬‬
‫ا‬
‫أوًل‪ :‬الضوابط المنهجية لكيفية دراسة آثار نازلة كورونا‬
‫تنبع الضوابط المنهجية من فهم طبيعة موضوع الدراسة ذاته‪ ،‬ويقود اتباعها لجعل نتائجها موضع ثقة ومصداقية علمية‪،‬‬
‫وتتمحور حول طبيعة النازلة وآثارها كما يلي‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫أ‪ -‬صعوبة دراسة آثار النازلة علم ًّيا‬
‫ت ُ َع ُّد "دراسات األثر" (‪ ،)The effect studies‬وفقًا لمنهجية البحث العلمي‪ ،‬من الدراسات "الصعبة" أو "المستحيلة"‪،‬‬
‫صح بعدم القيام بها إال في ظل ضوابط منهجية ومعرفية محددة وصارمة‪ ،‬وذلك لسببين‪ً ،‬‬
‫أوال‪ :‬عدم الثقة‬ ‫والتي عادة ً ما يُ ْن َ‬
‫في النتائج التي يتم التوصل إليها‪ ،‬وثانيًا‪ :‬عدم القدرة على إثباتها عبر تقديم األدلة والبراهين عليها‪ .‬وينتمي موضوع البحث‬
‫لهذه النوعية من الدراسات؛ إذ يبحث في تأثير العامل "المستقل" (‪( )Independent Variable‬آثار نازلة كورونا)‬
‫المؤسسة للمنظمات الدولية واإلقليمية"؛ حيث يتخذ بحث‬
‫ِّ‬ ‫على "العامل التابع" (‪ ،)Variable Dependent‬أي "المبادئ‬
‫العالقة أحد صور ثالثة(‪:)6‬‬

‫األولى‪ :‬العالقة السببية المباشرة (‪ ،)Causal Relationship‬بحيث تكون آثار نازلة كورونا المباشرة وغير المباشرة‬
‫هي "السبب" الذي يخلق "تغييرات" محددة في المبادئ المؤسسة للمنظمات الدولية واإلقليمية‪ .‬والثانية‪ :‬العالقة التوافقية‬
‫(‪ )Correlation Relationship‬وتعني أن آثار نازلة كورونا‪ ،‬والتغيرات في المبادئ المؤسسة للمنظمات الدولية‬
‫واإلقليمية‪ ،‬توجدان وتختفيان م ًعا دون إمكانية إثبات عالقة بينهما‪ .‬والثالثة‪ :‬عالقة االعتماد المتبادل‬
‫(‪ ،)Interdependence Relationship‬أي تتوقف التغيرات في المبادئ المؤسسة للمنظمات الدولية واإلقليمية وتعتمد‬
‫على اآلثار التي تُحدثها نازلة كورونا‪.‬‬

‫يمكن القول إذن‪ :‬إن ثمة اتفاقًا بين الباحثين على صعوبة إثبات وجود العالقة أو إرجاع "التغيرات" في العامل التابع المبادئ‬
‫المؤسسة للمنظمات الدولي ة واإلقليمية إلى العامل المستقل (آثار نازلة كورونا)‪ ،‬فهي مستحيلة في (الصورة األولى)‪ ،‬وال‬
‫معنى لها في (الصورة الثانية)‪ ،‬وبالغة الصعوبة في (الصورة الثالثة) إلى درجة تصل إلى حد االستحالة‪.‬‬

‫ب‪ -‬كيفية دراسة اآلثار النابعة من طبيعة الظاهرة "المربع اًلستراتيجي" للنازلة‬
‫تُعَ ُّد نازلة كورونا ظاهرة ُم َر َّكبة في جوهرها تمتلك أبعادًا استراتيجية أربعًا الزمة لوجود وبقاء المجتمعات والدول‪ ،‬ويجب‬
‫فهمها وتحليلها من خالل هذا "المربع االستراتيجي" الذي يتضمن األبعاد‪ :‬الصحية واالقتصادية والسياسية والمجتمعية‪.‬‬
‫فالنازلة وإن بدأت نا زلة صحية إال أنها سرعان ما انتقلت تأثيراتها إلى األبعاد االقتصادية‪ ،‬ثم األبعاد السياسية‪ ،‬لتصبح‬
‫إشكالية مجتمعية شاملة عالمية‪ ،‬وفي الوقت ذاته تمتلك النازلة أبعادًا إقليمية ومحلية تختلف من منطقة ودولة ألخرى‪،‬‬
‫واإلشكالية أن "العدو‪/‬الفيروس" العامل المحوري في بناء االستراتيجية ما زالت حقيقته خافية‪ ،‬وأساليب التعامل معه غير‬
‫واضحة للجميع‪ .‬لقد شهدت البشرية "تاريخيًّا" نوازل صحية مشابهة‪ ،‬إال أن هذه النازلة تتمتع بقدر من التفرد والخصوصية‬
‫أمرا موضع شك حتى اآلن‪ ،‬مما يتطلب وضع‬
‫في سياقها مما يجعل من عملية بناء "نموذج تاريخي" كأداة للمقارنة والقياس ً‬
‫ضوابط منهجية لكيفية التعامل العلمي‪ ،‬وعلى الجانب اآلخر تتطلب دراسة "نازلة كورونا" فهم طبيعة آثارها؛ إذ هي ً‬
‫أوال‪:‬‬
‫من الظواهر الدينامية المتغيرة وغير الثابتة‪ ،‬وثانيًا‪ :‬من الظواهر الرجراجة التي تتسم بدرجة عالية من السيولة‬
‫(‪ ،)Liquidity‬وثالثًا‪ :‬من الظواهر غير المكتملة (‪ .)Unfinished Business‬وتضع السمات الثالث آلثار النازلة‬
‫ً‬
‫وصوال إلى التنبؤ باتجاهات المستقبل ومن ثم‬ ‫وتفسيرا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتحليال‬ ‫ضوابط منهجية صارمة على كيفية دراستها علميًّا‪ :‬توصيفًا‬
‫بصدد كيفية التعامل معها ضب ً‬
‫طا وتحك ًما‪ ،‬كما أسلفنا‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬كيفية دراسة الخطاب السائد بصدد آثار نازلة كورونا "المثلث المعرفي"‬
‫يدور الخطاب السائد بصدد آثار نازلة كورونا حول ثالثة أضالع مترابطة ت ُ َع ُّد بمنزلة "المثلث المعرفي" المطلوب فهمه‬
‫وتحليله نقديًّا‪ ،‬ومن ثم وضع الضوابط "المعرفية" لكيفية التعامل معه‪ ،‬فوفقًا لهذا الخطاب السائد‪ً ،‬‬
‫أوال‪ :‬تمثِّل آثار نازلة‬

‫‪4‬‬
‫"تحول تاريخية فاصلة" (‪ )Historical Turning Point‬في مسار تاريخ العالقات الدولية‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫تعبيرا عن نقطة‬
‫ً‬ ‫كورونا‬
‫مثل بقية األحداث التاريخية الكبرى كالحروب العالمية‪ ،‬والثورات‪ ،‬والكوارث‪ ،‬وثانيًا‪ :‬تضع آثار النازلة النهايات المختلفة‬
‫(‪ )The ends‬ألوضاع ومنظمات معينة قائمة وبالتالي سيكون للنازلة ثالثًا "الما بعديات" (‪ .)The Post‬ونفصل هذه‬
‫األضالع المعرفية الثالثة فيما يلي‪:‬‬

‫تحول تاريخي فارقة‬


‫أ‪ -‬النازلة نقطة ُّ‬
‫يُ َع ُّد وصف "نازلة كورونا الحالية" بنقطة التحول التاريخية أحد أهم أضالع المثلث المعرفي لفهم هذا الخطاب السائد حاليًّا‪،‬‬
‫ً‬
‫مماثال‪ ،‬فقبل عقدين من الزمن‬ ‫لكن مراجعة الدراسات السابقة ذات داللة‪ ،‬فلو رجعنا للتاريخ القريب سنجد خطابًا سائدًا‬
‫كانت "أحداث سبتمبر‪/‬أيلول ‪ ،"2001‬وما تالها من إعالن الحرب على اإلرهاب وغزو أفغانستان والعراق‪ ،‬في نظر من‬
‫تشكل بداية انهيار اإلمبراطورية األميركية(‪ ،)7‬ليتكرر األمر ذاته قبل عقد‬
‫تحول تاريخية عالمية يمكن أن ِّ‬
‫كتبوا عنها نقطة ُّ‬
‫تحول تاريخية إقليمية قبل توالي االنقالبات والثورات‬
‫من الزمان عندما كتبنا عن ظاهرة "الثورات العربية" كنقطة ُّ‬
‫المضادة(‪.)8‬‬

‫يفرض ذلك على الباحث الجاد التوقف أمام األحداث الكبرى ُمتَأ َ ِّم ًال في منهجية استدعائها التي قد تتشابه شكليًّا لكن تختلف‬
‫ض ِّللَة إن لم يتم بناء "النموذج التاريخي" أداة للمقارنة المنهجية المنضبطة(‪ ،)9‬وأن يدرك أيضًا‬
‫موضوعيًّا فتكون المقارنة ُم َ‬
‫وتشكل قطيعة بنيوية‬
‫ِّ‬ ‫تحول تاريخية تضع النهاية ألوضاع معينة‪،‬‬
‫ضرورة وجود ضوابط علمية محددة العتبار النازلة نقطة ُّ‬
‫التحول التاريخي الحقيقية حسب‬
‫ُّ‬ ‫ومعرفية مع الواقع القائم‪ ،‬وبالتالي لها "ما بعدها"‪ ،‬ولعل أهم هذه الضوابط أن تقود نقطة‬
‫طبيعتها ولو تدريجيًّا إلى تغيير البنية السياسية واالقتصادية المجتمعية والدولية‪ ،‬رغم صعوبة إثبات وجود عالقة سببية‬
‫التحول التاريخي وحدوث تغيير بنيوي ومعرفي داخل العالقة المجتمعية والدولية(‪.)10‬‬
‫ُّ‬ ‫مباشرة بين نقطة‬

‫لقد قدمت دراسات تاريخ العالقات الدولية أكثر النماذج اقترابًا من االكتمال من مقولة‪" :‬نقطة التحول التاريخي"‪ ،‬وهي‬
‫ظواهر "الحروب" و"الثورات"‪ ،‬ومنها "الحرب األميركية" والحربان العالميتان‪ ،‬األولى والثانية‪ ،‬والثورات الفرنسية‪،‬‬
‫والسوفيتية‪ ،‬واإليرانية‪ .‬والمالحظة الجديرة باالعتبار أن هذه األحداث التاريخية الكبرى استغرق بعضها فترات زمنية‬
‫ً‬
‫أجياال كاملة‪ ،‬وبالتالي يجب على الباحثين‬ ‫التحول التاريخي‪ ،‬البعض منها استغرق‬
‫ُّ‬ ‫طويلة لكي يفرز آثاره‪ ،‬ومن ثم يمثِّل نقطة‬
‫المؤسسة للمنظمات‬
‫ِّ‬ ‫الجادين التواضع ً‬
‫قليال والتساؤل عن الكيفية والمدى اللذين يمكن أن تؤثر بهما نازلة كورونا على المبادئ‬
‫الدولية واإلقليمية وفي ضوء وجود ضوابط منهجية ومعرفية محددة‪.‬‬

‫ب‪ -‬النازلة تضع "النهايات"‬


‫يتداول الخطاب السائد مقولة‪" :‬النهايات"؛ بمعنى أن النازلة ستضع النهاية للكثير من األوضاع المستقرة‪ ،‬ويذهب البعض‬
‫إلى أن آثار أزمة كورونا ستضع "النهاية" للنظام الدولي القائم عبر تغييرات هيكلية في بنيته وقواه األساسية وقواعده‬
‫المختلفة‪...‬إلخ‪.‬‬

‫وتُعَ ُّد مراجعة الدراسات السابقة مجددًا بهذا الصدد ذات داللة؛ إذ قبل ثالثة عقود من الزمان شهد الخطاب السائد نفس الجدل‬
‫حول عدد من "النهايات"؛ ولنتذ َّكر الجدل الذي أثارته كتابات المستشرق المخضرم‪ ،‬برنارد لويس (‪،)Bernard Lewis‬‬
‫صاحب الصالت الوثيقة بدوائر صنع القرار األميركي والصهيوني حول مستقبل المنطقة العربية واإلسالمية وشرق‬
‫األوسطية وتقسيم خرائطها(‪ .)11‬ولنتذ َّكر في نفس السياق كتابات صامويل هنتنغتون (‪ )Samuel Huntington‬حول‬

‫‪5‬‬
‫صدام الحضارات وصراعها واستجابات جامعاتنا ومفكرينا حولها برفع رايات حوار وتواصل وتالقح الحضارات(‪)12‬؛‬
‫تلك الموجة التي سادت الخطاب والواقع في نهاية التسعينات من القرن الماضي‪ ،‬دون أن ننسى أيضًا الخطاب السائد عن‬
‫"النهايات" والغوغائي أحيانًا في أعقاب سقوط االتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية وانهيار حائط برلين الشهير والجدل‬
‫حول "نهاية التاريخ" ذاته والتبشير باالنتصار النهائي للرأسمالية والديمقراطية والليبرالية الغربية(‪.)13‬‬

‫َ‬
‫أضغاث‬ ‫تساؤل الدراسة‪ ،‬ونحن إزاء فترة ليست بعيدة بمقاييس التاريخ في حياة األمم والشعوب‪ ،‬إلى أي مدى ت ُ َع ُّد الكتابات‬
‫أحالم أو سرابًا يحسبه الظمآن ماء؟ وهل يكرر خطابنا السائد حاليًّا بشأن نازلة كورونا ذات الجدل البيزنطي والحوار البابلي‬
‫ٍ‬
‫مجددًا؟‬

‫ج‪ -‬النازلة والمابعديات‬


‫تسود مقولة‪" :‬ما بعد نازلة كورونا" في الخطاب السياسي واإلعالمي إقليميًّا وعالميًّا‪ ،‬ولم تبتعد عن ذلك اإلصدارات‬
‫الرصينة‪ ،‬مثل مجلة "اإليكونوميست"‪ ،‬ومجالت أخرى ترى أن "الجميع اتفق على أن عالم ما بعد جائحة كوفيد‪ 19-‬لن‬
‫يكون كما كان قبلها"(‪ )14‬مؤكدة سياق الخطاب "السائد" بأن المسألة محل "اتفاق"‪ ،‬و"موضع" إجماع‪ ،‬أي إن عالم "ما‬
‫بعد كورونا" لن يكون مثل ما كان قبلها‪.‬‬

‫تقطع هكذا غالبية الدراسات باألمر بـ"ثقة"‪ ،‬وقدرة على "التنبؤ" ورسم السيناريوهات المستقبلية‪ ،‬أليس من المنطقي ‪-‬إذا‬
‫انطلقنا من صحة ما سبق‪ -‬أن نؤكد على التحليل القائل بأنه "ألم يكن من األجدى بهؤالء القائلين بـ"المابعديات" التنبؤ العلمي‬
‫بهذه النازلة "األزمة" قبل وقوعها لكي نتفاداها؛ وبذلك نتجنب "المعاناة" من آثارها بداية"(‪ً )15‬‬
‫بدال من التأكيد "الواثق"‬
‫وبمنطق "اإلجماع" على رسم السيناريوهات المابعدية بعد وقوع النازلة‪ ،‬والمعاناة من آثارها؟‬

‫وهكذا‪ ،‬يمكننا أن نخلص إلى إمكانية الدراسة العلمية آلثار نازلة كورونا على المبادئ المؤسسة للمنظمات الدولية واإلقليمية‬
‫في ضوء هذين المستويين من الضوابط‪ :‬المستوى األول‪ :‬وهو الضوابط المنهجية التي تتعلق بضرورة فهم طبيعة الظاهرة‬
‫موضع الدراسة "ظاهرة آثار نازلة كورونا"‪ ،‬وضوابط دراسة األثر على المبادئ المؤسسة للمنظمات الدولية واإلقليمية‪،‬‬
‫تحول‬
‫والمستوى الثاني من الضوابط المعرفية التي تتعلق بفهم مرتكزات الخطاب المعرفي حول الظاهرة باعتبارها نقطة ُّ‬
‫تاريخي يضع النهايات ألوضاع قائمة في بنية النظام الدولي وأنه سيكون لها ما بعدها؛ وبالتالي وضع هذا الحادث موضع‬
‫المقارنة مع أحداث تم التعامل معها بنفس منطق الخطاب لكي تتم االستفادة منه في التعامل مجددًا قبل أن ننتقل إلى تقديم‬
‫مساهمة الدراسة في موضوع دراسة الظاهرة‪.‬‬

‫‪ .2‬سؤال الموضوع‪ :‬آثار النازلة على المبادئ المؤسسة للمنظمات الدولية واإلقليمية‬
‫يأتي تناول كيفية تعامل المنظمات الدولية واإلقليمية مع آثار النازلة إجابة على سؤال الموضوع عبر مستويين‪ ،‬األول‪:‬‬
‫يفرضه اإلطار العلمي كما أسلفنا توصيفًا للنازلة كظاهرة مر َّكبة و"مربع استراتيجي" يمتلك أبعادًا أربعة متكاملة(‪)16‬‬
‫تشمل ‪ :‬أ)‪ :‬النو احي الصحية‪ ،‬ب) االقتصادية‪ ،‬ج) السياسية‪ ،‬د) المجتمعية‪ ،‬وتتعامل معه "المنظمات الدولية واإلقليمية"‬
‫وفقًا لرؤيتها ومبادئها المؤسسة‪ ،‬ومجال اختصاصاتها‪ ،‬والمستوى الثاني‪ :‬تفسير آثار النازلة على المبادئ المؤسسة للمنظمات‬
‫الدولية واإلقليمية‪ ،‬وتحديدًا على قدرتها المستقبلية للتعامل مع هذه اآلثار‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫المستوى األول‪ :‬كيفية تعامل المنظمات الدولية واإلقليمية مع آثار نازلة كورونا‪ :‬توصيف وتحليل‬
‫جاء تأسيس "المنظمات الدولية الحديثة"‪ ،‬مثل األمم المتحدة‪ ،‬استنادًا للرأي االستشاري لمحكمة العدل الدولية في ‪12‬‬
‫أبريل‪/‬نيسان ‪ ،1944‬كمنظمة صاحبة إرادة مستقلة عن الدول األعضاء‪ ،‬والتي قامت على أنقاض عصبة األمم التي تأسست‬
‫بعد الحرب العالمية األولى بهدف الحفاظ على السلم واألمن الدوليين‪ ،‬غير أن المنظمات اإلقليمية العامة والمتخصصة‬
‫والمعنية بالتعامل مع الكوارث والنوازل كانت األسبق وجودًا‪ ،‬نتناولها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬منظمة الصحة العالمية‪ :‬تقوم المنظمة بأدوار دولية في مواجهة األزمات الصحية‪ ،‬والكوارث واألوبئة العالمية؛ إذ‬
‫تتحدد مسؤوليتها في إعالن وتحديد مستوى األزمات‪ ،‬وتصنيفها حسب درجة انتشارها‪ ،‬وتقديم التنسيق والدعم الفني وتحديد‬
‫أنواع التدابير المشتركة التي ينبغي اتخاذها من طرف الدول مجتمعة‪ ،‬ومراقبة وتقييم الوضع باستمرار‪ ،‬وتقديم المساعدة‬
‫للدول الفقيرة‪ ،‬وتنسيق جهود البحث عن حلول صحية‪ .‬وقد قدَّمت منظمة الصحة العالمية في التعامل مع نازلة كورونا‬
‫نموذ ًجا واض ًحا للفشل؛ كان له تداعياته العالمية؛ األمر الذي سمح للرئيس األميركي‪ ،‬دونالد ترامب‪ ،‬باستغاللها سياسيًّا بداية‬
‫ً‬
‫انتقاال لالنسحاب واتهامها بالتقصير واالنحياز(‪.)17‬‬ ‫من تجميد الواليات المتحدة األميركية لمساهمتها المالية في الميزانية‬

‫‪ .2‬منظمة التعاون اًلقتصادي والتنمية‪ :‬ت ُ َع ُّد هذه المنظمة أكبر تجمع دولي للدول المانحة التي تتمتع بقدرات خاصة تؤهلها‬
‫لتقديم المساعدات‪ ،‬وتحقيق التعاون والتضامن الدولي‪ ،‬ومن هذه القدرات‪ :‬األنظمة الصحية المتطورة‪ ،‬والموارد المالية‬
‫الكبيرة‪ ،‬والمراكز البحثية المرموقة‪ ،‬واإلمكانيات اللوجستية الهائلة‪ ،‬والموارد البشرية الهائلة‪ ،‬والقدرات األمنية‬
‫العالية‪...‬إلخ‪ ،‬والواقع أنه رغم توافر كل هذه األمور ‪-‬بدرجات متفاوتة‪ -‬لدى هذه الدولة المانحة‪ ،‬فإن نازلة كورونا لم تحقق‬
‫التعاون والتضامن الدولي بين هذه "الدول المانحة" ذاتها‪ ،‬والتي ت ُ َع ُّد "النواة الصلبة" للمنظمة؛ فانعكس فشلها على فشل‬
‫المنظمة ككل(‪.)18‬‬

‫‪ .3‬منظمات المجتمع المدني العالمي‪ :‬يشمل هذا القطاع شبكة واسعة من المنظمات والجمعيات الناشطة على‬
‫المستويين‪ ،‬الدولي واإلقليمي‪ ،‬وعادة ما تكون مس َّجلة باألمم المتحدة‪ ،‬وتعود نشأة بعضها إلى عقود طويلة قبل نشأة المنظمات‬
‫الدولية الحكومية الرسمية‪ ،‬وغالبها يُعَ ُّد أكثر فعالية وكفاءة في مواجهة الكوارث والنوازل اإلنسانية مقارنة بالدولية‬
‫والحكومية رغم ضعف مواردها المالية والبشرية‪ .‬والواقع أنه ال تتوافر لدينا معلومات كافية عن األدوار التي قامت بها‬
‫منظمات‪ ،‬مثل‪ :‬الصليب األحمر الدولية‪ ،‬أو الهالل األحمر الدولي‪ ،‬أو األوكسفام‪ ،‬في التعامل مع هذه النازلة؛ ونرى أن هذه‬
‫ً‬
‫مستقبال للقيام بنفس الوظيفة‪ ،‬واألدوار في تحقيق "التضامن" و"التعاون الدولي" و"تعزيز قدرة"‬ ‫المنظمات هي المؤهلة‬
‫الدول الفقيرة على حماية وإنقاذ حياة رعاياها(‪.)19‬‬

‫‪ .4‬اًلتحاد األوروبي‪ :‬يُ َع ُّد االتحاد األوروبي منظمة إقليمية فعالة؛ لها دستور يحمي "الحركة" و"االنتقال" بين الدول‬
‫األعضاء‪ ،‬ويمتلك االتحاد عملة موحدة‪ ،‬وكذلك بن ًكا‪ ،‬وعل ًما ورئاسة واحدة‪...‬إلخ‪ ،‬ومع وجود هذا األساس القوي فإن التعامل‬
‫مع "آثار نازلة كورونا" جرى بشكل أحادي؛ حيث تصرفت كل دولة بمفردها‪ ،‬وغاب عن ممارستها واعتبارها وجود‬
‫"المبادئ األساسية" حول برامج "التعاون" و"التضامن" الجماعي لمصلحة السياسات القُطرية لكل دولة من دول‬
‫االتحاد(‪.)20‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ .5‬منظمة التعاون اإلسالمي‪ :‬وهي منظمة إقليمية تضم مجموعة واسعة من الدول األعضاء الذين تتباين مستوياتهم‬
‫االقتصادية؛ وغالبًا ما يشتركون في االنتماء إلى "الهوية" اإلسالمية ودون اشتراط ذلك‪ ،‬ورغم أن هذه المنظمة تمتلك بن ًكا‬
‫في جدة "بنك التنمية اإلسالمي" كان من الممكن أن يقوم بدور تضامني وتقديم مساعدات على مستوى الدول األعضاء (مثل‬
‫دور البنك أو صندوق النقد الدولي)‪ ،‬لم توجه منظمة التعاون اإلسالمي أية دعوة للتضامن أو التعاون بين أعضائها لمواجهة‬
‫آثار النازلة‪ ،‬وطغت الخالفات السياسية‪ ،‬ووجدنا بعض المساعدات من بعض الدول للبعض اآلخر دون أن يكون للمنظمة‬
‫أية أدوار حقيقية في مواجهة نازلة كورونا(‪.)21‬‬

‫‪ .6‬المنظمات اإلقليمية العربية‪ :‬جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي واًلتحاد المغاربي‬
‫ت ُ َع ُّد المنظمات اإلقليمية العربية من أضعف المنظمات اإلقليمية في مواجهة النوازل والكوارث‪ ،‬وقد اتضح ذلك جليًّا في‬
‫نازلة كورونا؛ حيث كان ما يجمع بينهما هو "ضعف التعاون والتضامن الصحي واالقتصادي"‪ ،‬وانعدام أية برامج لتبادل‬
‫الخبرات واإلدارة المشتركة‪ .‬فقد غابت الجامعة العربية تما ًما عن أي تحرك على كل المستويات‪ ،‬وتركت كل "دولة" تُدِّير‬
‫أمورها اعتمادًا على ذاتها؛ وظلت دول عربية فقيرة‪ ،‬مثل‪ :‬الصومال‪ ،‬وجزر القمر‪ ،‬وجيبوتي‪ ،‬والسودان‪ ،‬تكافح آثار نازلة‬
‫كورونا بإمكانياتها الضئيلة والمتواضعة‪ ،‬وتجد بعض الدعم من خارج "جامعة الدول العربية"‪ ،‬وذلك من دول‪ ،‬مثل‪ :‬الصين‪،‬‬
‫وتركيا‪ ،‬ودول االتحاد األوروبي‪.‬‬

‫لم تكن "المنظمات اإلقليمية" السابقة عند المقارنة أفضل ً‬


‫حاال من مثيالتها "المنظمات الدولية"؛ فاألولى سواء "المنظمات‬
‫اإلقليمية" المتماسكة النشطة "االتحاد األوروبي"؛ أو العاجزة الخاملة كـ"منظمة التعاون اإلسالمي"‪ ،‬تفاجأت بالنازلة ولم‬
‫تتحسَّب لها قبل وقوعها‪ ،‬كما أنها لم تقم بإدارتها وتركت معالجة آثارها المختلفة للدول األعضاء التي تصرفت بشكل‬
‫"أحادي" تما ًما وفق منطق تغلب عليه "األنانية" و"إغالق الحدود"‪.‬‬

‫وقد كشفت النازلة عن فشل المنظمات الدولية واإلقليمية في القيام بأدوارها األساسية المتوقعة في مثل هذه النوازل؛ التحذير‬
‫منها بداية‪ ،‬والتنسيق فيما بينها في مواجهتها والحد من آثارها على المستوى العالمي حتى اآلن‪ ،‬كما كشف التعامل مع آثار‬
‫النازلة "الضعف" و"البيروقراطية" الداخلية في "المنظمات الدولية" و"اإلقليمية"؛ إذ لم تستطع المنظمات القيام بالحدود‬
‫الدنيا من أدوارها األساسية مما أثار التساؤالت حول جدوى (الوجود) ذاته وفائدته‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫وتضع آثار النازلة العالم في تعامله مع المنظمات اإلقليمية والدولية أمام أحد خيارين‪ ،‬األول‪ :‬استغالل آثار النازلة لتطوير‬
‫مؤسسات النظام الدولي واإلقليمي باتجاه "التعاون" و"الرفاه" و"تبادل المصالح"‪ .‬والثاني‪ :‬استغالل النازلة لتعزيز أنماط‬
‫القوة‪ ،‬والقيادة والسيطرة داخل هذه المنظمات ولو بالقوة؛ األمر الذي يرتبط بالسيناريوهات المستقبلية التي ستتخذها‬
‫المنظمات الدولية واإلقليمية‪ ،‬ويذهب البعض إلى أن أمامها ثالثة سيناريوهات‪:‬‬
‫‪ -‬األول‪" :‬االحتواء" آلثار النازلة بشكل سريع وتداعيات محددة‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني‪" :‬التعايش" مع آثار النازلة وتداعياتها الخطرة‪.‬‬
‫‪ -‬الثالث‪" :‬الفوضى" والفشل في احتواء آثار النازلة وبالتالي خروجها عن حدود التحكم‪.‬‬

‫غير أن االنطالق إ لى إجابة سؤال المستقبل وسيناريوهاته البد أن يسبقه ضرورة طرح السؤال التفسيري‪ :‬لماذا فشلت‬
‫المؤسسة؟ وبالتالي يمكن‬
‫ِّ‬ ‫المنظمات الدولية واإلقليمية في التعامل مع آثار النازلة التي تقع في صلب رؤيتها‪ ،‬ومبادئها‬
‫الحديث عن السيناريوهات المستقبلية للتعامل مع النازلة والنوازل القادمة المشابهة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المستوى الثاني‪ :‬كيفية تعامل المنظمات الدولية واإلقليمية مستقبليًّا مع آثار نازلة كورونا‬
‫لم يكن الفشل الذي بدا واض ًحا في تعامل المنظمات الدولية واإلقليمية مع آثار "نازلة كورونا" بمنزلة داللة على عدم قيامها‬
‫ع َرضًا للمرض األصلي الذي تعانيه وليس حقيقته‪ ،‬والذي‬
‫بأدوارها المطلوبة ووظائفها المنوطة بها فقط؛ فقد يكون ذلك َ‬
‫تتمثَّل أسبابه المحورية وفقًا للبعض في "غياب" رسالتها‪ ،‬وعدم وضوح رؤيتها‪ ،‬وعدم االلتزام بالمبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫سة التي قامت‬
‫عليها‪ ،‬ومعها اكتسبت أساس وجودها ومشروعيتها القانونية‪ ،‬وشرعيتها الفعلية السياسية‪ .‬لقد نشأت المنظمات "الدولية"‬
‫سة المعروفة على المستوى الدولي من حماية السلم‬
‫تعبيرا نظاميًّا يجسد عال ًما من "األفكار" و"المبادئ" ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫ً‬ ‫و"اإلقليمية"‬
‫واألمن الدوليين إلى تحقيق التعاون والتضامن الجماعي والدولي‪...‬إلخ‪ ،‬وعلى المستوى اإلقليمي من السعي نحو "تحقيق‬
‫الوحدة األوروبية" بكل المراحل التي مرت بها؛ إلى تحقيق التعاون العربي والوحدة العربية؛ ناهيك عن "التضامن‬
‫اإلسالمي"‪ ،‬دون الحديث عن التعاون الخليجي‪.‬‬

‫سة بداية "المشروعية القانونية" لميالد المنظمات الدولية واإلقليمية‪ ،‬ومع تكرار الفشل في مواجهة‬
‫قدَّمت المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫سة بدأ يفقد شرعيته السياسية واألخالقية وفعاليته وفي الوقت نفسه بدأت‬
‫النوازل المتتالية‪ ،‬فإن الكثير من هذه المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫المنظمات الدولية واإلقليمية تعاني من فقدان الدور والهوية وتغلغل البيروقراطية والفساد اإلداري والمالي‪.‬‬

‫الوهَج الذي رافق عمليات اإلنشاء يخفت وينطفئ‪ ،‬واألماني واآلمال التي رافقت التأسيس ورعت عمليات‬
‫وهكذا‪ ،‬بدا أن َ‬
‫التطور واالزدهار تستنفد أغراضها‪ ،‬وبالتالي تتحول إلى زخرف من "القول" و"ركام" من األفكار الميتة والمميتة بتعبير‬
‫المفكر مالك بن نبي‪ ،‬في كتابه "مشكلة األفكار في العالم اإلسالمي"‪ ،‬فقد تحولت المبادئ إلى نقائضها‪ ،‬وتحولت مجالس‬
‫التعاون والتضامن إلى أدوات حصار وعدوان‪.‬‬

‫سة جديدة؟ يقول بذلك فريق من الباحثين بيد‬


‫انتظارا لبروز وميالد مبادئ ُم َؤ ِّس َ‬
‫ً‬ ‫التساؤل‪ :‬هل نحن بصدد اختفاء هذه المبادئ‬
‫أن ثمة فريقًا آخر يرى أن األمر ال يتعلق بدورة حياة هذه "األفكار والمبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫سة" ووصولها إلى نهايتها‪ ،‬لكن يذهبون‬
‫إلى أن هذه المنظمات الدولية واإلقليمية منذ البداية تستبطن في جوهرها نقيض الفكرة‪ ،‬وبالتالي لم تصمد أمام النوازل‪.‬‬
‫ً‬
‫وصوال لنوع من التفسير للظاهرة‪ ،‬وبالتالي سنعرض‬ ‫ويظل هذا الجدل التفسيري قائ ًما‪ ،‬وهو ما سنلقي عليه األضواء‬
‫االتجاهين ونتائجهما‪.‬‬

‫سة" للمنظمات الدولية واإلقليمية الحديثة‬


‫َس َ‬
‫ماهية "المبادئ ال ُمؤ ِّ‬
‫تتمثَّل المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫سة في مبدأين أساسين‪ ،‬األول‪ :‬تحقيق السلم واألمن الدوليين المنوط باألمم المتحدة "وتحديدًا مجلس‬
‫األمن" عبر منع نشوب حرب عالمية جديدة بالمعايير التقليدية للحربين‪ ،‬األولى والثانية‪ ،‬والمبدأ الثاني‪ :‬تحقيق التعاون‬
‫والتضامن الدوليين في مواجهة النوازل والكوارث عبر المنظمات الدولية واإلقليمية المتخصصة كما سيأتي‪.‬‬

‫أ‪ -‬ماهية "نظام التعاون والتضامن الدولي" و"اإلقليمي"‬


‫يعود نظام التعاون والتضامن الدولي الحالي بجذوره إلى فترة الحرب العالمية الثانية‪ ،1945 ،‬وقد تأسَّس هذا النظام لكي‬
‫تقوم الدول الداعمة "الغنية" بدعم الدول الفقيرة المحتاجة؛ وذلك ليس فقط لمواجهة النوازل والكوارث التي تحدث فجأة‬
‫وعلى سبيل االستثناء‪ ،‬ولكن من أجل تحقيق أهداف أخرى من قبيل‪ :‬تحقيق التنمية واالستقالل الحقيقي‪ ،‬ومن ناحية ثانية‪:‬‬
‫توفير تدفقات ومخصصات مالية وفنية للدول حديثة االستقالل لبناء قدراتها الذاتية المختلفة "في مرحلة تصفية االستعمار"‪،‬‬
‫وقد انتُقدت هذه المساعدات في إطار دراسات ونظريات التبعية باعتبارها إعادة صياغة جديدة للعالقات االستعمارية القديمة‬

‫‪9‬‬
‫في أشكال جديدة بين دول المركز واألطراف‪ .‬ومن ناحية ثالثة‪ :‬توجيه جزء من هذا الدعم لتحقيق االستقرار السياسي خاصة‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وكان ذلك هدفًا أمينًا أيضًا‪ .‬ومن ناحية رابعة‪ :‬كانت هذه المساعدات إحدى أدوات الصراع‬
‫واالستقطاب السياسي إبان فترة الحرب الباردة بين المعسكرين‪ ،‬الشرقي والغربي‪ ،‬بقيادة أميركا واالتحاد السوفيتي‪ ،‬قبل أن‬
‫ينهار في نهاية التسعينات من القرن الماضي(‪.)22‬‬

‫ب‪ -‬تكوين نظام التعاون والتضامن الدولي‬


‫يتكون نظام التعاون والتضامن الدولي من مستويين متكاملين‪ ،‬األول‪ :‬الحكومي الرسمي الذي تجسده المنظمات الدولية‬
‫المعروفة‪ ،‬والثاني‪ :‬غير الحكومي المدني‪ ،‬والذي يجسده القطاع المدني العالمي‪ ،‬ويفترض أن هناك سعيًا لشراكة بينهما‪،‬‬
‫وبالذات في مواجهة النوازل والكوارث العالمية‪ ،‬ويتخذ المستوى الرسمي الحكومي صورتين للتضامن والتعاون؛ وهما‪:‬‬
‫األول‪ :‬التعاون "الثنائي" بين دولتين بشكل يجري فيه تبادل المنافع والتضامن في أوقات النوازل والكوارث‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫التضامن والتعاون "متعدد األطراف"‪ ،‬والذي تجسده المنظمات الدولية واإلقليمية التي تنسق جهودها لتحقيق أهداف معينة‬
‫على النحو الذي شهدناه في الوكاالت الدولية المتخصصة مثل منظمة الصحة العالمية‪ ،‬ومنظمة التعاون االقتصادي والتنمية‪.‬‬
‫والخالصة أن المنظمات الدولية واإلقليمية التي تعاملت مع آثار نازلة كورونا فشلت حتى اآلن غير أن تفسير هذا الفشل‬
‫سة لنظام التضامن والتعاون الدولي‪ ،‬ويمكن‬
‫وإرجاعه ألسبابه الحقيقية يظل موضع جدل علمي‪ ،‬خاصة بصدد المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫أن نرصد اًلتجاهين األساسين في التالي‪:‬‬

‫ا‬
‫أوًل‪ :‬نظام "التضامن الدولي المستجد"‪ :‬إعادة صياغة لنظام فيينا التأسيسي‬
‫يرى القائلون بهذا االتجاه أن نظام التضامن الدولي "المستجد" يحمل في طياته بذور فشله وتراجعه؛ إذ هو مجرد إعادة‬
‫ويتكون النظام المستجد من مجموعة من االتفاقيات‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ُعرف بـ"نظام فيينا"‪،‬‬
‫صياغة للوضع القديم‪ ،‬والذي كان سائدًا وي َ‬
‫والمنظمات‪ ،‬والمعايير‪ ،‬واآلليات‪ ،‬والخطط والبرامج التي يتم بموجبها تقديم المساعدات للدول والشعوب المحتاجة ‪-‬وبالذات‬
‫في أوقات النوازل والكوارث‪ -‬كتعبير عن نوع من التضامن الدولي‪.‬‬

‫ُو ِّلد النظام القديم بعد انتصار القوى العظمى حينئ ٍذ (إنجلترا وروسيا وبروسيا والنمسا) على نابليون بونابرت عام ‪،1815‬‬
‫سة التفاقية فيينا‪ ،‬وبالتالي أ ُ ْ‬
‫ط ِّلق عليه "نظام فيينا" إشارة لمؤتمر فيينا الشهير الذي انعقد‬ ‫وعلى أساسه جاءت المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫على مدار عامي (‪ ،)1814-1813‬والذي أدى إلى ما أُسمي الحقًا "نظام الوفاق األوروبي"‪ .‬وقد استمر نظام فيينا أو‬
‫"نظام الوفاق األوروبي" طوال القرن التاسع عشر باعتباره يحقق توازن القوى في أوروبا‪ ،‬وقد أثبت نجاحه في العديد من‬
‫أوًل‪:‬‬ ‫ً‬
‫وصوال إلى إنشاء عصبة األمم‪ ،‬وكان هذا النظام يقوم على أربعة أسس(‪ ،)23‬ا‬ ‫القضايا عبر آليات المؤتمرات والتحكيم‬
‫االعتراف بوضع خاص للجهات الفاعلة األكثر قوة في النظام بحيث تملي على أوروبا مصيرها وأن يكونوا وحدهم‬
‫المسؤولين عن الحفاظ على السالم‪ .‬ثانياا‪ :‬إقرار القوى العظمى بترسيخ الوضع السياسي واإلقليمي الراهن في القارة‪،‬‬
‫وإعادته وتجديده حسب الضرورة‪ .‬ثالثاا‪ :‬اتفاق األطراف األساسية السامية المتعاقدة على تجديد اجتماعاتها لفترات محددة‬
‫عبر آلية التشاور‪ ،‬وحل النزاعات من خالل اجتماعات دورية‪ .‬رابعاا‪ :‬االعتراف بالسيادة والحماية المتضمنة في نظام فيينا‪،‬‬
‫وتبدي الدول الكبرى سياسة إيجابية تجاه الدول التي تتمتع بمؤسسات سياسية داخلية محافظة غير ليبرالية وغير ثورية‪ .‬أما‬
‫النظام المستجد "نظام التضامن الدولي الحالي"‪ ،‬فيؤكد الكثيرون أنه يُعَ ُّد في جوهره امتدادًا لنظام الوفاق والتضامن‬
‫األوروبي‪ ،‬ويترجم المركزية األوروبية والغربية في نسختها األميركية األكثر ضراوة وتوح ً‬
‫شا‪ ،‬وأن القيم المضمنة‬
‫والمضمرة تتمثَّل في "عبء الرجل األبيض" الذي يحمل مهمة "تحضير وتحديث العالم"؛ وذلك عبر إعادة استعماره‬
‫ويشكل ذلك‬
‫ِّ‬ ‫وتقسيمه‪ ،‬وت ُ َع ُّد هي جوهر المشكلة التي تستبطن العنصرية في حقيقة األمر بكل أشكالها وفي جوهرها الحقيقي‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫لُبَّ اإلشكال وأساس تفجره الداخلي‪ ،‬والذي اتضح في النازلة األخيرة بقوة حين رفع الجمي ُع ولكن ك ٌّل بطريقته مضمون‬
‫شعار "أميركا ً‬
‫أوال" ومارس في الوقت ذاته عقلية السطو والقرصنة األوروبية على المستلزمات الطبية المهداة من الصين‬
‫تضررا؛ األمر الذي يعيد للذاكرة قراصنة جزيرة صقلية وفرسان القديس يوحنا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مثال إلى بعض الدول األوروبية األكثر‬
‫مجددًا‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬وصول نظام التضامن الدولي المستجد إلى طريق مسدود‬
‫سة لـ"نظام التعاون والتضامن الدولي" في‬
‫يرى كثيرون أن المنظمات الدولية واإلقليمية التي قامت لتحقيق المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫نسخته المستجدة قد استنفدت أغراضها ووصلت إلى طريق مسدود؛ إذ واجهت العديد من النوازل والكوارث الكبرى في‬
‫العقود األربعة المنصرمة‪ ،‬وكان آخرها مواجهة آثار نازلة كورونا؛ وقد أثبتت في تعاملها ً‬
‫فشال متتاليًا ‪-‬في احتواء هذه‬
‫ً‬
‫فضال عن شرعيتها موضع اختبار وتساؤل حقيقي‪ .‬وقد‬ ‫اآلثار أو حتى التعايش معها‪ -‬األمر الذي جعل مشروعية وجودها‬
‫سة لـ"نظام التضامن الدولي والتعاون اإلقليمي" الذي قامت عليه المؤسسات الدولية‬
‫انسحب هذا التساؤل على المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫ً‬
‫وصوال لحالة فقدان المشروعية والشرعية السياسية والصدقية األخالقية‪.‬‬ ‫واإلقليمية؛‬

‫تعرض فيها هذا النظام الختبار حقيقي على مدى‬


‫ويمكن أن نقدِّم أربعة نماذج لنوازل كبرى مختلفة الطبيعة والخطورة َّ‬
‫العقود األربعة الماضية كان الفشل حصاده النهائي؛ فلنتذ َّكر هذه النوازل األربعة(‪:)24‬‬
‫‪ -‬األولى‪ :‬نازلة ذات طبيعة اقتصادية‪ :‬بدأت هذه األزمة الحادة‪ ،‬التي عُرفت فيما بعد بأزمة الديون العالمية في الثمانينات‬
‫من القرن الماضي؛ عندما أعلنت المكسيك (كأول دولة) عن عجزها عن سداد ديونها‪ ،1982 ،‬وقد تال ذلك تقريبًا جميع‬
‫دول أميركا الجنوبية؛ وظهرت اآلثار الكارثية لألزمة على الطبقات االجتماعية الفقيرة التي عانت أشد المعاناة؛ حيث انتشر‬
‫الجوع والمرض‪ ،‬وتجاوز عدد الوفيات يومها ما خلَّفته نازلة كورونا من الضحايا‪ ،‬وكانت اآلثار كارثية على اقتصادات‬
‫هذه البلدان التي أعلنت إفالسها‪ ،‬ثم عمدت هذه الدول لتنفيذ برامج إلعادة الهيكلة‪ ،‬والخصخصة‪...‬إلخ‪ ،‬ووضعت برامج‬
‫لرعاية ومساعدة الطبقات الفقيرة أ ُ ْ‬
‫ط ِّلقَت لالنتباه ألن نظام التضامن الدولي بكافة مؤسساته لم يقم باألدوار المطلوبة منه في‬
‫مثل هذه النازلة‪ ،‬وكان ذلك بالفعل إفقادًا لمصداقيته ومشروعيته الحقيقية‪.‬‬

‫‪ -‬الثانية‪ :‬نازلة ذات طبيعة سياسية‪ :‬بدأت بانهيار االتحاد السوفيتي‪ ،‬وفي أعقابه سقطت أيضًا دول المنظومة االشتراكية‬
‫في أوروبا الشرقية‪ ،‬وقد كان سقوط حائط برلين داللة على نهاية هذه الحقبة‪ ،‬واإلشكالية هنا أن هذا االنهيار السريع والمتتالي‬
‫تعبيرا عن أزمة ضخمة ونازلة كبيرة؛ إذ عجزت األنظمة السياسية في ذلك الوقت عن أن تسد الفراغ الكبير الذي‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫حدث من زاوية الوفاء بالحاجات األساسية والضرورية للشعوب؛ حيث انتشر الجوع‪ ،‬والمرض وعانت فئات كثيرة من‬
‫انقطاع الكهرباء والتدفئة‪...‬إلخ‪ ،‬وهكذا كانت مؤسسات النظام الدولي ونظام التضامن االجتماعي أمام نازلة وكارثة إنسانية‬
‫حقيقية قضى فيها عشرات اآلالف نحبهم جوعًا‪ ،‬أو مرضًا‪ ،‬أو تجمدًا من البرد‪ .‬ومرة أخرى يثبت نظام التضامن االجتماعي‬
‫وهذه المؤسسات فشلها الحقيقي في هذا التعامل مع هذه النازلة والكارثة‪.‬‬

‫هزت الضمير اإلنساني كله‪.‬‬ ‫‪ -‬الثالثة‪ :‬نازلة ذات طبيعة قيمية وأخالقية‪ :‬ت ُ َع ُّد نازلة إبادة جماعية وتطهير عرقي وكارثة َّ‬
‫حرب أهلية انزلقت لعملية إبادة جماعية في صراع بين قبائل الهوتو والتوتسي؛ إذ في غضون ثالثة أسابيع فقط قُتِّل نحو‬
‫‪ 80‬ألف مواطن رواندي في مذابح بشعة‪ ،‬كان موقف األمم المتحدة برئاسة أمينها العام‪ ،‬بطرس غالي(*) مخزيًا؛ إذ قامت‬
‫بسحب قوات حفظ السالم األممية‪ ،‬وتركت القبائل تلقى مصيرها ذب ًحا ً‬
‫وقتال‪ ،‬ولم يحفظ ماء وجه النظام الدولي سوى بعض‬
‫المنظمات الدولية غير الرسمية والصليب األحمر التي قامت بدور هامشي في حمايتهم من المذابح الجماعية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬الرابعة‪ :‬ذات طبيعة صحية عالمية‪ :‬نازلة كورونا‪ :‬لم يكن موقف نظام التضامن االجتماعي الدولي وال المنظمات الدولية‬
‫واإلقليمية‪ ،‬كما أسلفنا‪ ،‬بأحسن ً‬
‫حاال من النوازل السابقة‪ ،‬فالنظام الدولي يواجه نازلة شاملة تعدت آثارها النواحي الصحية‬
‫لتمتد للجوانب االقتصادية والسياسية والمجتم عية‪ .‬والالفت لالنتباه أن المنظمات الدولية واإلقليمية تركت الجميع يواجهون‬
‫مصيرهم دون تمييز بين الدول والمجتمعات الفقيرة والغنية بدعوى أنهم يجابهون نفس النازلة العالمية؛ وفي ذلك تجاهل‬
‫لحجم الكارثة في الدول الفقيرة‪ ،‬والتي تجعل من وقع وآثار النازلة عليها أخطر بكثير من الدول األخرى الغنية والمتقدمة‪،‬‬
‫وذلك لخمسة أسباب(‪ ،)25‬أولها‪ :‬أن غالبية سكان هذه الدول من "الفقراء" الذين يعتمدون على العمل اليومي خارج المنزل‬
‫للحصول على دخولهم من القطاعات غير المنظمة وغير الحكومية‪ ،‬وثانيهما‪ :‬أن القطاع االقتصادي األساس في هذه البلدان‬
‫هو القطاع الشعبي‪ ،‬أي غير المصنَّف‪ ،‬وهذا من أكثرها معاناة لتوقفه شبه الكامل أثناء النازلة‪ ،‬ثالثها‪ :‬أن النظام الصحي‬
‫في هذه الدول بالغ الضعف‪ ،‬يفتقر إلى مقومات الصحة العامة‪ ،‬وصحة الطوارئ الالزمة في هذه األزمات‪ ،‬ورابعها‪ :‬ضعف‬
‫الوعي الصحي نتيجة الضعف اإلعالمي‪ ،‬وانتشار االعتماد على العادات والتقاليد الشعبية المتوارثة‪ ،‬وخامسها‪ :‬ضعف‬
‫النظام البنكي والرقمي في هذه البلدان‪ ،‬وضعف سالسل التوريد لالحتياجات األساسية في هذه المجتمعات والدول‪.‬‬

‫يفرض كل ما سبق على المنظمات الدولية واإلقليمية توجيه جهودها نحو هذه الدول والمجتمعات الفقيرة؛ حيث تعيش‬
‫شعوبها إشكالية حقيقية وما زالت؛ فهي ال تستطيع البقاء في البيوت وممارسة االنعزال؛ ألنها خائفة من الموت جوعًا‪ ،‬وهي‬
‫أيضًا خائفة إذا خرجت كالمعتاد فقد تصاب بالمرض وتموت؛ ألنها لن تجد الرعاية الصحية المالئمة‪ .‬وهكذا لم تستطع‬
‫المنظمات الدولية واإلقليمية التعامل مع آثار النازلة سوى بتكرار الفشل التاريخي‪ .‬إن تفاعل اآلثار المستقبلية التي أفرزها‬
‫"التعامل الفاشل" لتلك المنظمات الدولية واإلقليمية مع النازلة حتى اآلن‪ ،‬هو من سيحدد مصيرهما مستقبليًّا‪ :‬نظام التضامن‬
‫الجماعي‪ ،‬والمنظمات الدولية واإلقليمية العاملة في إطاره‪.‬‬

‫استنتاجات‬
‫كشف التعامل الفاشل مع آثار نازلة كورونا من قبل المنظمات الدولية واإلقليمية عن احتماالت مستقبلية لتغيرات تشمل‬
‫سة للمنظمات الدولية واإلقليمية على مستويات أربع أساسية‪:‬‬
‫المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫َسس للمنظمات الدولية واإلقليمية‬ ‫ا‬
‫أوًل‪ :‬مراجعة البناء القيمي ال ُمؤ ِّ‬
‫يفترض أن تمتد تأثيرات نازلة كورونا إلى إحداث تغييرات في البناء القيمي ال ُم َؤ ِّسس للمنظمات الدولية واإلقليمية‪ ،‬يتضمن‬
‫مراجعة مفهوم القيمة ذاته؛ ففي نظرية القيم يكون التساؤل حول ماهية القيمة بداية‪ ،‬ومنظومة القيم والقيمة العليا التي تتربع‬
‫على قمة البناء القيمي وت ُ َع ُّد محوره الذي يدور معه وجودًا وعد ًما‪ :‬هل هي قيمة "الحرية"‪ ،‬أو "المساواة"‪ ،‬أو "العدالة"؟‬
‫تفرض آثار نازلة كورونا تحديد ماهية القيمة ومفهومها‪ :‬هل هي الموارد المالية‪ ،‬الثروة‪ ،‬النقود ‪-‬أيًّا كان الغطاء‪ :‬الذهب أو‬
‫الدوالر أو الهيبة والقوة األميركية‪ -‬أم هي الموارد البشرية‪ :‬جهد اإلنسان وعمله؟‬

‫فقد تبيَّن أن عقول الناس وجهدهم اإلنساني‪ ،‬سواء أكانوا األطباء أو العمال‪ ،‬يظل األهم مقارنة بالمال في مواجهة آثار‬
‫النازلة‪ ،‬وتبيَّن أيضًا أن "الفقر" ال يح دده فقط مقدار األرصدة من "المال والذهب"‪ ،‬بل مدى الحاجة ألشياء بسيطة مثل‬
‫"الكمامات" التي أشعلت معارك وحروبًا برزت فيها األنانية من أجل حب البقاء‪ ،‬وبالتالي أصبحت القيمة مرادفًا للقدرة على‬
‫الوفاء بالحاجة‪ ،‬أي مسألة "اإلشباع" المادي والمعنوي والنفسي‪ ،‬والذي يقدره عامل "الندرة" النسبية مقارنة بالموارد ‪-‬أيًّا‬
‫كانت نوعيتها‪ -‬وفي هذا برزت أهمية "القطاع الرقمي" الذي منع من موت المجتمعات والدول بـ"السكتة الكبرى"‪ ،‬وهذا لم‬
‫يكن يتم لوال "عقول" أبناء "الدول الفقيرة" التي أسهمت في العملية(‪.)26‬‬

‫‪12‬‬
‫يرتبط بالقيمة العليا النموذج السياسي الذي يجسدها‪ ،‬وبالتالي يدور التساؤل بهذا الصدد حول مدى االرتباط بين طبيعة النظم‬
‫السياسية (ديمقراطية وتسلطية)‪ ،‬ومدى الكفاءة والفعالية في التعامل مع آثار نازلة كورونا‪ ،‬ومن ثم النموذج السياسي‬
‫المستقبلي األفضل؛ فما أفضل النظم والنماذج السياسية في التعامل مع آثار هذه النوازل؟ فإذا كانت قيمة "الحرية"‪،‬‬
‫و"الديمقراطية" هي القيمة المحورية والعليا كانت "الحالة الديمقراطية" هي المقياس الذي على أساسه تتحدد "المساعدات‬
‫الدولية" في كل دولة وتنفيذ برامج "التضامن الجماعي" للدول الفقيرة؛ وفقًا لمؤشر يحدد موقع كل دولة بين "ديمقراطية‬
‫كاملة" إلى "سلطوية كاملة"؛ بالتركيز على حالة "الحقوق السياسية" و"الحريات المدنية" التي على أساسها تحدد المنظمات‬
‫الدولية برامج المساعدات التي بالطبع تخضع للتسييس‪ .‬التساؤل األساسي‪ :‬إلى أي مدى بعد هذه النازلة ستظل قيمة "الحرية"‬
‫يارا مركزيًّا" في هذا التصنيف وإلى أي مدى ستتراجع؟‬
‫في ضوء ما يحدث "مع ً‬

‫يُثار التساؤل األعمق حول وظيفة الدول‪ :‬هل هي تحقيق الحرية والسعادة أم حفظ حق الحياة والنفس ً‬
‫أوال؟ وبالتالي يفتح‬
‫الباب أمام مقاييس جديدة‪ ،‬وتطرح تساؤالت أمام بناء مقاييس ومؤشرات جديدة‪ ،‬وعن مدى االرتباط بين طبيعة النظم‬
‫السياسية (ديمقراطية‪-‬تسلطية) ومدى الكفاءة‪ ،‬والفعالية في إدارة مثل هذه النوازل عبر إعادة ترتيب النظام القيمي(‪.)27‬‬

‫تصورا عن أربعة نماذج‬


‫ً‬ ‫يرتبط بذلك االختيار بين النماذج القائدة للمنظمات الدولية في إطار النظام الدولي المستجد‪ ،‬ونقدم‬
‫واقعية تعاملت مع النازلة وآثارها بأشكال مختلفة‪ ،‬وهي(‪:)28‬‬
‫أ‪ -‬النموذج الصيني‪ :‬يرشحه البعض ليكون قائدًا في مؤسسات النظام الدولي واإلقليمي القادم‪ ،‬والبعض يذهب إلى العكس‬
‫بصدد النموذج االشتراكي اس ًما والتسلطي حقيقة وواقعًا(‪.)29‬‬
‫ب‪ -‬النموذج األنجلوسكسوني األميركي‪-‬البريطاني‪ ،‬واللذان تعامال مع النازلة بطريقة فاشلة بدرجات متفاوتة‪.‬‬
‫ج‪ -‬النموذج القاري األوروبي‪( :‬يشمل الفرنسي‪ ،‬واإليطالي‪ ،‬واإلسباني) وبدورهم قدموا نموذ ًجا سيئًا إلدارة آثار األزمة‬
‫وللفشل حتى اآلن‪.‬‬
‫د‪ -‬النموذج االشتراكي الديمقراطي‪ :‬قدَّم إدارة ناجحة متوازنة للتعامل مع آثار النازلة‪ ،‬وهو يشمل طيفًا واسعًا يمتد من ألمانيا‬
‫والنمسا إلى دول الشمال األوروبي‪ ،‬مثل‪ :‬آيسلندا والدنمارك‪ ،‬والسويد‪ ،‬ويضم ً‬
‫دوال تتبنى نظام الرفاهية الشاملة والمفاوضة‬
‫الجماعية على المستوى الوطني‪ ،‬فهذه البالد تعرف "الرأسمالية المهذبة" ومستويات منخفضة من عدم المساواة وعدم تركز‬
‫الدخول‪ ،‬ورفاهية سخية‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬إعادة تعريف مفهوم "الفاعلون الدوليون"‬


‫ت الدولية الفاع َل الدولي األساس الرسمي‪ ،‬البعض أضاف فاعلين دوليين غير‬
‫ت الدولي ِّة الدو َل والمنظما ِّ‬
‫يعتبر عل ُم العالقا ِّ‬
‫رسميين جددًا‪ ،‬مثل‪ :‬الدِّين‪ ،‬واإلرهاب‪ ،‬والشركات متعددة الجنسيات‪ ،‬والواقع أن أهم فاعل دولي حاليًّا يُعَ ُّد غير معروف‬
‫وغير محدد المالمح هو "فيروس كورونا‪ " 19-‬الذي سيفرض خالل الفترة المقبلة تأثيراته المختلفة؛ وهذا هو التحدي‬
‫األساس(‪.)30‬‬

‫ثالثاا‪ :‬إعادة هيكلة التفاعالت وبناء القوة الدولية‬


‫أثارت نازلة كورونا وانعكاساتها المتعدية عالميًّا التساؤالت حول "بنية" و"هيكل" القوة الدولية‪ ،‬و"قيادة النظام الدولي" في‬
‫المستقبل ليس فقط بمعنى "الدولة" وإنما "النموذج" أو "المنظمة" القائد بتعبيرها الحضاري‪ ،‬وأنماطها االقتصادية‪ .‬وهناك‬
‫بالفعل جدل حقيقي حول مستقبل "القوة" و"القيادة" األميركية‪ ،‬وإلى أي مدى يمكن أن تمثِّل "الصين" تهديدًا حقيقيًّا‪ .‬ولنتذ َّكر‬
‫مؤسسة معروفة‪ ،‬هي‪ :‬الثروة‪ ،‬والقوة‪ ،‬والشرعية‪ ،‬واالستعداد لحشد استجابة‬
‫ِّ‬ ‫أن النموذج األميركي قام على عدة مبادئ‬

‫‪13‬‬
‫عالمية للكوارث والنوازل‪...‬إلخ‪ .‬وبالتالي‪ ،‬إلى أي مدى يمكننا الحديث عن فشل أميركي ونجاح صيني أم أن األمر ما زال‬
‫مبكرا؟ وفي هذا الصدد‪ ،‬ما مدى مسؤولية الصين عن النازلة؟ وتأثير ذلك على إمكانية وفرص وجودها في قيادة العالم بكل‬
‫ً‬
‫إشكالياته؟ وإلى أي مدى تمثل "االشتراكية الديمقراطية" ًّ‬
‫حال بعد فشل النموذج األنجلوسكسوني‪ ،‬وتراجع الالتيني‪ ،‬ورفض‬
‫النموذج الشمولي الروسي أو الصيني؟‬

‫رابعاا‪ :‬مراجعة مفهوم اًلعتماد المتبادل‬


‫تراجعت كثافة التفاعالت الدولية والمحلية نتيجة سياسة العزل واالنعزال‪ ،‬كأحد آثار التعامل مع نازلة كورونا؛ وكان ذلك‬
‫أول تأثير مباشر على مفهوم التفاعل واالعتماد المتبادل (‪ ،)Interdependence‬كما فشلت المنظمات الدولية واإلقليمية‬
‫ً‬
‫تساؤال حول مفهوم االعتماد المتبادل‪ ،‬وما يرتبط به من مفاهيم‪ ،‬مثل‪ :‬العولمة‬ ‫في التعامل مع آثار النازلة‪ ،‬مما آثار‬
‫االقتصادية‪ ،‬والتعاون‪ ،‬والتضامن العالمي‪ ،‬واالنفتاح والعدالة‪ ،‬والحرية‪...‬إلخ‪.‬‬

‫وفي خالصة خاتمة‪ ،‬توجد مؤشرات واقعية على انهيارات قادمة في الهياكل المؤسسية للنظام الدولي‪ ،‬ولكنها ليست حاسمة‪،‬‬
‫وفي نفس الوقت بروز ظواهر جديدة وفاعلين جدد‪ ،‬وأشكال جديدة للتفاعل غير معهودة من قبل‪ ،‬ولكنها غير واضحة‪ .‬إن‬
‫األطر المنهجية السائدة في تحليل المنظمات الدولية واإلقليمية لم تعد قادرة على تقديم فهم حقيقي لها عبر توصيفها‪ ،‬وتحليلها‪،‬‬
‫وتفسيرها ورسم اتجاهاتها المستقبلية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن التساؤل يغدو مشروعًا‪ :‬هل نحن على أبواب "حدوث ثورة علمية"‪،‬‬
‫نتيجة عدم قدرة اإلطار المنهجي والمعرفي على تقديم إجابات كافية و ُمرضية آلثار هذه النازلة على مؤسسات النظام الدولي‬
‫واإلقليمي وأننا على مشارف بزوغ إطار تفسيري أعلى جديد‪ ،‬أي تغيير في "البراديغم السائد" لدراسة العالقات والمنظمات‬
‫سة؟ سؤال تظل إجابته مفتوحة على كل االحتماالت‪.‬‬
‫الدولية بداية بإعادة تجديد المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫*أ‪.‬د‪ .‬حامد عبد الماجد القويسي‪ ،‬أستاذ النظم السياسية في كلية الدراسات الشرقية واإلفريقية‪ ،‬جامعة لندن‪ ،‬ورئيس مكتب‬
‫التطوير والمستشار األكاديمي لرئيس جامعة قطر‪.‬‬

‫مراجع‬
‫سة لنشأة المنظمات الدولية الحديثة‪:‬‬
‫(‪ )1‬راجع حول المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫‪addition, Barbra Feinberg, John Morton Blum, Woodrow Wilson and the Politics of Morality (Boston: Little Brown, 1956), 20‬‬
‫‪Woodrow Wilson, America’s 28th President (New York: Child Press, 2006), 110.‬‬
‫وكذلك قارن‪ :‬السيد أمين شلبي‪ ،‬آراء سولجنتسين في أبعاد الوفاق الدولي‪ ،‬مجلة السياسة الدولية (مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬العدد ‪ ،)1977 ،48‬ص ‪-112‬‬
‫‪.116‬‬
‫سة والممارسة العملية للمنظمات الدولية واإلقليمية‪:‬‬
‫(‪ )2‬راجع بصدد الفجوة بين المبادئ ال ُم َؤ ِّس َ‬
‫‪Barry Busan, Richard Little, International System in World History; Remaking the study of International Relations (Oxford‬‬
‫‪University Press, 2012), 56-99.‬‬
‫كذلك دراسة الباحث عبد ربي بن صحراء‪" ،‬هل كشفت جائحة كورونا هشاشة نظام التضامن الدولي؟"‪( ،‬ورقة غير منشورة)‪ ،‬ص ‪.5-3‬‬
‫(‪ )3‬حول العالقة بين المبادئ المؤسسة التي قامت عليها المنظمات الدولية الحديثة و"نظام فيينا" الذي يجسد الوفاق األوروبي‪ ،‬راجع‪ :‬كايل السكوريتس‪" ،‬نظام دول الوفاق األوروبي‬
‫وحوكمة القوى العظمى اليوم‪ :‬ماذا يمكن لنظام أوروبا في القرن التاسع عشر أن يعلِّم صانعي السياسات حول النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين؟"‪ ،‬مؤسسة راند‪ ،2017 ،‬ص‬
‫‪( ،25-10‬تاريخ الدخول‪ 15 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪.shorturl.at/tBNX7 :)2020‬‬
‫(‪ ) 4‬حول االتجاهات أو المدارس األساسية في دراسة العالقات الدولية‪ ،‬راجع‪ :‬محمد طه بدوي‪ ،‬مدخل إلى علم العالقات الدولية‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بدون تاريخ)‪ ،‬ص‬
‫‪ .43-34‬وقارن‪" :‬نظام دول الوفاق األوروبي وحوكمة القوى العظمى اليوم"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12-9‬‬
‫(‪ )5‬حامد عبد الماجد‪ ،‬منهجية بحث ودراسة الظواهر السياسية‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار نشر جامعة القاهرة‪ ،)2000 ،‬ص ‪.25-15‬‬
‫(‪ )6‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.36-35‬‬
‫(‪ )7‬حامد عبد الماجد‪ ،‬المشروع األمريكي في المنطقة العربية واستراتيجية مقاومته (القاهرة‪ ،‬دار الشروق الدولية‪ ،)2009 ،‬ص ‪.25 -18‬‬
‫(‪ ) 8‬حامد عبد الماجد (محرر)‪ ،‬التحوالت والثورات الشعبية في العالم العربي‪ :‬الدالالت الواقعية واآلفاق المستقبلية‪( ،‬عمان‪ ،‬مركز دراسات الشرق األوسط‪ ،)2011 ،‬ص ‪.26-7‬‬
‫(‪ ) 9‬راجع حول فكرة ومنهجية "بناء النماذج" كأداة للمقارنة أو القياس‪ ،‬سواء "النموذج المرجعي" أو "النموذج التاريخي"‪ ،‬نظرية التحليل السياسي (محاضرات غير منشورة ألقيت‬
‫على طالب الفرقة الرابعة قسم العلوم السياسية بكلية االقتصاد‪ .)1979 ،‬وراجع محاولة تطبيق فكرة النماذج واتخاذها أداة للمقارنة المنهجية في دراسة‪ ،‬حامد عبد الماجد‪ ،‬الوظيفة‬
‫العقيدية للدولة اإلسالمية‪ :‬دراسة في النظرية السياسية‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار النشر والتوزيع اإلسالمية‪ ،)1992 ،‬ص ‪.361 -351‬‬

‫‪14‬‬
‫(‪ )10‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.365-362‬‬
‫وراجع أيضًا‪:‬‬
‫‪Geopolitics after Covid -19: is the pandemic a turning point?” the Economist (Intelligence UNIT), (2020).‬‬
‫(‪ )11‬حول كتابات برنارد لويس عن تاريخ المنطقة ومستقبلها‪ ،‬راجع‪:‬‬
‫‪Bernard Lewis, What Went Wrong? W estern Impact and Middle Eastern Response, Released in January 2002, shortly after‬‬
‫‪the September 11 attack, but written shortly before. The nucleus of this book appeared as an article published in The Atlantic‬‬
‫‪Monthly in January 2002 also see: Bernard Lewis, The Arabs in History (Oxford University Press, 199 3).‬‬
‫(‪ )12‬راجع حول صدام الحضارات الدراسة األشهر لصامويل هنتنغتون‪:‬‬
‫‪- Samuel P. Huntington, The Clash of Civilizations, Foreign Affairs, no. 72, (1993.‬‬
‫‪- Shireen T. Hunter, the future of Islam and the West: Clash of Civilizations or peaceful Coexistence? (Washington: the center‬‬
‫‪for Strategic international Studies, 1995).‬‬
‫(‪ )13‬للمقارنة راجع‪ :‬وسيلة خراز‪" ،‬نهاية التاريخ‪ :‬فرانسيس فوكوياما نموذ ًجا"‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية (الجزائر‪ ،‬العدد ‪ ،)30‬ص ‪.44-27‬‬
‫‪Francis Fukuyama, The End of History and the Last Man (New York: Free press, 1993).‬‬
‫‪(Intelligence Unit), (May 6, 2020). (14) “Geopolitics after Covid-19 is the pandemic a turning point,” The Economist‬‬
‫(‪ ) 15‬خليل العناني‪" ،‬كورونا وسؤال "المابعديات" مخاطر القفز نحو المجهول"‪ ،‬الجزيرة‪ .‬نت‪ 16 ،‬أبريل‪/‬نيسان ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪ 15 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪:)2020‬‬
‫‪.shorturl.at/pHSW2‬‬
‫(‪ )16‬راجع حول نموذج "المربع االستراتيجي" كمدخل لدراسة وتناول إدارة األزمة تحليليًّا وسياسيًّا‪ :‬حامد عبد الماجد (محرر)‪ ،‬دور جامعة قطر تجاه الدولة والمجتمع القطري في‬
‫إدارة أزمة كورونا (ورقة غير منشورة)‪ ،‬جامعة قطر‪ ،‬مكتب االستراتيجية‪ :‬رئاسة جامعة قطر‪ ،‬يونيو‪/‬حزيران ‪.2020‬‬
‫(‪ )17‬حول موقف الواليات المتحدة األميركية من المنظمات الدولية المتخصصة وتحديدًا من تعامل منظمة الصحة العالمية مع النازلة‪ ،‬راجع‪" :‬فيروس كورونا‪ :‬منظمة الصحة العالمية‬
‫تطالب العالم بالتأهب وتبحث إعالن الطوارئ الصحية عالميًّا"‪ ،‬بي بي سي‪ 30 ،‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪ 16 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪.shorturl.at/fuJN0 :)2020‬‬
‫وراجع للمقارنة‪" ،‬فيروس كورونا‪ :‬انتقادات لقرار الرئيس ترامب بشأن تعليق تمويل منظمة الصحة العالمية"‪ ،‬بي بي سي‪ 15 ،‬أبريل‪/‬نيسان ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪ 16 :‬يونيو‪/‬حزيران‬
‫‪.shorturl.at/fltR5 :)2020‬‬
‫(‪ )18‬إدارة األمم المتحدة للتواصل العالمي‪" ،‬األمم المتحدة تدير التعاون العالمي استجابة لفيروس كورونا مرتكزة على العلم"‪ ،‬األمم المتحدة‪ 20 ،‬أبريل‪/‬نيسان ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪:‬‬
‫‪ 16‬يونيو‪/‬حزيران ‪ .shorturl.at/jkwDL :)2020‬راجع أيضًا‪ :‬إدارة األمم المتحدة للتواصل العالمي‪" ،‬تمويل من أجل محاربة جائحة كورونا في دول العالم الفقيرة"‪ ،‬األمم المتحدة‪،‬‬
‫‪ 6‬أبريل‪/‬نيسان ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪ 16 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪.shorturl.at/glvzP :)2020‬‬
‫(‪ )19‬حول دور منظمات المجتمع المدني العالمي غير الحكومية في مواجهة النوازل والكوارث‪ ،‬راجع‪:‬‬
‫‪" -‬هشاشة النظام الدولي‪ :‬هل تنهي جائحة كورونا العولمة التي نعرفها أم تدخل مرحلة أخرى؟"‪ ،‬الجزيرة نت‪ 21 ،‬مارس‪/‬آذار ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪ 16 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪:)2020‬‬
‫‪ .shorturl.at/syzCD‬وفي هذا اإلطار تأتي دراسة غير منشورة في بابها حول الموضوع للباحث‪ ،‬عبد ربي بن صحراء‪" ،‬هل كشفت جائحة كورونا هشاشة نظام التضامن الدولي؟"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.5-3‬‬
‫(‪ ) 20‬مجموعة من المؤلفين‪" ،‬أزمة كورونا‪ ..‬التداعيات على العالم العربي واستراتيجية المواجهة"‪ ،‬مجلة دراسات شرق أوسطية (مركز دراسات الشرق األوسط‪ ،‬ع َّمان‪ ،‬العدد ‪،92‬‬
‫صيف ‪ ،)2020‬ص ‪.4-3‬‬
‫(‪ )21‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .5-4‬وانظر‪ :‬شريفة جتين‪" ،‬كورونا يكشف اهتراء مبدأ التضامن بين دول االتحاد األوروبي"‪ ،‬وكالة األناضول‪ 23 ،‬مارس‪/‬آذار ‪( ،2020‬تاريخ‬
‫الدخول‪ 16 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪.shorturl.at/buzMV :)2020‬‬
‫(‪ )22‬راجع حول استخدام "المساعدات الدولية" إبَّان فترة الحرب الباردة كأحد أدوات الصراع السياسي‪ :‬حسين بلخيرات‪ ،‬النظرية السياسية للمجتمع الدولي‪ :‬اتجاهات العالقات الدولية‬
‫منذ نهاية الحرب الباردة‪( ،‬الجزائر‪ ،‬مركز الكتاب األكاديمي‪ ،)2004 ،‬ص ‪.176-157‬‬
‫(‪ )23‬راجع حول نظام الوفاق األوروبي‪ :‬كايل السكوريتس‪" ،‬نظام دول الوفاق األوروبي وحوكمة القوى العظمى اليوم"‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬وقارن‪" :‬التضامن األوروبي في مواجهة فيروس‬
‫كورونا"‪ ،diplomatie.gouv.fr ،‬بدون تاريخ‪( ،‬تاريخ الدخول‪ 16 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪shorturl.at/fzHKP :)2020‬‬
‫(‪ )24‬حول هذه األ زمات والنوازل‪ ،‬راجع‪ :‬دراسة للباحث‪ ،‬عبد ربي بن صحراء‪" ،‬هل كشفت جائحة كورونا هشاشة نظام التضامن الدولي؟"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .5-3‬وأيضًا للمقارنة‪:‬‬
‫"هل يفكك فيروس كورونا االتحاد األوروبي‪ ،‬ويقضي على حلم الوحدة العربية؟"‪ 27 ،DW ،‬مارس‪/‬آذار ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪ 16 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪.shorturl.at/glnxS :)2020‬‬
‫وأيضًا راجع‪" :‬هشاشة النظام الدولي ‪ ...‬هل تنهي جائحة كورونا العولمة التي نعرفها أم تدخل مرحلة أخرى؟"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫مستعرا ولقي قرابة المليون مصيرهم‬
‫ً‬ ‫* موقف بطرس غالي‪ ،‬األمين العام األسبق لألمم المتحدة‪ ،‬في هذه األزمة النازلة كان ضعيفًا ويراه البعض مخزيًا؛ إذ ترك الصراع العرقي والقبلي‬
‫ذب ًحا وسحبت األمم المتحدة جنودها‪ ،‬ويقارنها البعض بالموقف من أزمة البوسنة والهرسك في أعقاب تفكك االتحاد اليوغسالفي؛ وقد قال كوفي عنان‪ ،‬األمين العام التالي لألمم المتحدة‪،‬‬
‫عن هذه المذبحة‪ :‬إنها "وصمة عار في جبين اإلنسانية"‪ ،‬وبعدها تمت مراجعة شاملة أثمرت عن إنشاء مكتب تنسيق الشؤون اإلنسانية (‪ )UNOCHA‬واللجنة الدائمة‪.‬‬
‫(‪ )25‬عبد ربي بن صحراء‪" ،‬هل كشفت جائحة كورونا هشاشة نظام التضامن الدولي؟"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16-15‬‬
‫(‪ )26‬محمد يتيم‪" ،‬أزمة كورونا وانعكاساتها على منظومة القيم"‪ ،‬الجزيرة نت‪ 10 ،‬أبريل‪/‬نيسان ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪ 16 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪.shorturl.at/dit59 :)2020‬‬
‫‪Cheeseman, “Authoritarians are exploiting the Coronavirus. Democracies must not follow suit,” foreign (27) Jeffery Smith, Nick‬‬
‫‪policy, April 30, 2020 in addition see: Nael Shama, “In Egypt, the Corona Virus Pandemic has exposed the short falls of a‬‬
‫‪government that has neglected the health sector for long,” foreign policy, April 30, 2020.‬‬
‫‪The pandemic will change the World forever. We :(28) John Allen et all., “How the World will look after Coronavirus pandemic‬‬
‫‪asked 12 leading global thinkers for their predictions,” Foreign policy, March 20, 2020.‬‬
‫‪(29) Kurt M. Campbell and Rush Doshi, “The Coronavirus Could Reshape Global Order: China Is Maneuvering for International‬‬
‫‪Leadership as the United States Falters,” foreignaffairs.com, March 18, 2020.‬‬
‫(‪ )30‬جيل غرساني‪" ،‬أزمة فيروس كورونا فرصة إلعادة النظر في العالقات الدولية‪ ،‬وجعلها أكثر توازنًا"‪ ،‬موقع ‪ 27 ،France 24‬مارس‪/‬آذار ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪17 :‬‬
‫يونيو‪/‬حزيران ‪ .shorturl.at/lCHL2 :)2020‬وقارن‪ :‬عالء بيومي‪" ،‬انتفاضات كورونا المقبلة"‪ ،‬القدس العربي‪ 2 ،‬مايو‪/‬أيار ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪ 17 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪:)2020‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ .shorturl.at/AKTY1‬وأيضًا‪ :‬محمد حربي‪" ،‬مستقبل المنظمات الدولية وأزمة كورونا"‪ ،‬الوطن‪ 24 ،‬مايو‪/‬أيار ‪ .2020‬وقارن‪ :‬يوسف خليل‪" ،‬فيروس كورونا والحاجة إلى نظام‬
‫عالمي جديد"‪ ،‬الجزيرة نت‪ 17 ،‬أبريل‪/‬نيسان ‪( ،2020‬تاريخ الدخول‪ 17 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪.shorturl.at/bdfrD :)2020‬‬

‫انتهى‬

‫‪16‬‬

You might also like