‫المحاضرة رقم‪9 :‬‬

‫نص تاريخي‬

‫‪1‬‬
 ‫السنة الجامعية‪2023-2022 :‬‬ ‫جامعة ابن طفيل‬
‫وحدة‪ :‬تاريخ أوروبا في العصور الوسطى‪:‬الفيودالية والكنيسة‬ ‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫األستاذ‪ :‬محمد حبيدة‬ ‫شعبة التاريخ والحضارة‬
‫الفصل األول‬
‫املحاضرة رقم‪9 :‬‬

‫المحاضرة التاسعة‪:‬‬

‫ملحق ‪3‬‬

‫كتاب المجتمع الفيودالي‬

‫للمؤرخ الفرنسي مارك بلوك‬

‫أول دراسة هتم التاريخ االجتماعي متثَّلت يف كتاب "المجتمع الفيودالي" الصادر عام ‪.1939‬‬
‫كتاب "فعفع اليقينيات وقلب املشاهد التقليدية"‪ .‬هكذا تكلَّم املؤرخ روبري فوسيي الذي قدَّم لطبعة جديدة‬
‫ٌ‬
‫صدرت مبناسبة مرور مخسني سنة (‪ )1989‬على النسخة األصلية‪.‬‬
‫تتجلى أمهية هذا الكتاب يف عدد من النِّقاط‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬جسد هذا الكتاب التيار اإلسطوغرايف اجلديد املعروف باسم "مدرسة احلوليات" الذي قاده املؤرخان‬
‫الفرنسيان مارك بلوك ولوسيان فيفر يف مط لع القرن العشرين‪ ،‬وذلك يف مواجهة املدرسة الوضعانية اليت كانت قد‬
‫ركزت على الوثيقة املكتوبة‪ ،‬وعلى احلدث‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أبان الكتاب عن ِغىن التالقح بني التاريخ وعلم االجتماع‪ ،‬وذلك جتاوبا مع مقوالت ومفاهيم إميل‬
‫دروكامي‪.‬‬
‫يف نقاشه مع علماء االجتماع‪ ،‬كان املؤرخ الوضعاين فوستل دوكالنج‪ ،‬صاحب أول كرسي للتاريخ الوسيط جبامعة‬
‫السوربون يف هناية القرن التاسع عشر‪ ،‬حيب ترديد ما مفاده أن السوسيولوجيا احلقيقية هي التاريخ‪ .‬وكان إميل‬
‫دروكامي ُيرُّد عليه "ال جدال يف ذلك‪ ،‬شريطة أن يُكتب التاريخ بطريقة سوسيولوجية"‪ .‬هذا ما أظهره مارك بلوك يف‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬
‫وهذا أمر له داللته‪ ،‬ألنه ن َقل اإلشكالية التارخيية من البحث يف األحداث إىل البحث يف البنيات‪ :‬بنيات اجملتمع‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ارتباط الكتاب مبنظور ثالثي‪ :‬السؤال والرتكيب واملقارنة‪.‬‬
‫السؤال الستنطاق الوثائق‪.‬‬
‫والرتكيب لتجاوز التفاصيل وتوليد األفكار‪.‬‬
‫واملقارنة لتجاوز التوصيف وبلوغ درجة التفسري‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫بالنسبة للسؤال‪ ،‬يرى مارك بلوك بأن الوثائق‪ ،‬حىت وإن كانت خالية من كل لُبس‪ ،‬ال تتكلم إال إذا أحسن املؤرخ‬
‫استنطاقها‪ .‬يقول‪" :‬تلك هي الضرورة األوىل لكل حبث تارخيي سليم"‪.‬‬
‫وبالنسبة للرتكيب‪ ،‬جعل منه مارك بلوك منهجا رئيسيا يف عملية إدراك التاريخ‪ .‬يقول‪" :‬يف تطور املعارف يُسدي‬
‫الرتكيب أحيانا‪ ،‬مهما بدا مبكرا‪ ،‬خدمات أهم من الكثري من املونوغرافيات"‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمقارنة‪ ،‬فقد أوضحها مارك بلوك على مستويني‪ :‬مستوى أفقي مشل بلدان فرنسا وإجنلرتا وأملانيا‪،‬‬
‫لفهم الفيودالية باعتبارها بنية اجتماعية‪ ،‬تشكلت حول طبقة النبالء‪ ،‬كـ "طبقة إقطاعية" تتحكم يف األراضي‬
‫الزراعية بواسطة استغالل األقنان‪ ،‬بتواطؤ مع الكنيسة اليت وفَّرت الغطاء اإليديولوجي الالزم‪ .‬ومستوى عمودي‬
‫بني الفيودالية األوروبية والفيودالية اليابانية‪.‬‬
‫ويف عملية الفهم هذه‪ ،‬خاصة على املستوى األول‪ ،‬أشار مارك بلوك ملسألتني أساسيتني‪:‬‬
‫امتياز الوراثة‪ ،‬وتعاملت‬
‫أوال‪ ،‬امتلكت طبقة النبالء وضعا قانونيا يدعم التفوق االقتصادي وجيسده‪ ،‬كما امتلكت َ‬
‫اجتماعيا من موقعها احملتكر لفنون الفروسية والقتال‪ ،‬بكربياء حريب ِّبني كـ "مكون رئيسي من مكونات وعيها‬
‫الطبقي"‪.‬‬
‫وثانيا‪ ،‬احتوت الفيودالية على إمكانيات التحول‪ .‬هنا‪ ،‬ميَّز مارك بلوك بني عصرين فيودالني‪ ،‬وشدَّد على أمهية‬
‫إرهاصات اقتصاد جديد تقوده طبقة‬
‫ُ‬ ‫العصر الفيودايل الثاين الذي اتضحت معامله يف القرن الثاين عشر ملا ظهرت‬
‫إرهاصات‬
‫ُ‬ ‫جرت منتوجات القرى إىل أسواق املدن اليت نشطت فيها التجارة والرواج النقدي‪ ،‬و‬‫بورجوازية جنينية َّ‬
‫هنضة ثقافية ارتقى فيها استخدام العقل ارتقاءً ملموسا‪ ،‬مما أدى يف هناية املطاف إىل تفكيك النظام الفيودايل‬
‫وظهور بوادر نظام جديد هو النظام الرأمسايل‪.‬‬
‫يف هذه املقاربة‪ ،‬يظهر تأثري كارل ماركس يف تناول التنظيم االجتماعي والتحول االقتصادي‪ ،‬على‬
‫مستوى العالقة بني النبالء واألقنان‪ ،‬ودينامية قوى اإلنتاج‪.‬‬
‫لكن هذا التفسري املادي كان مفتوحا على البعد اإلثنولوجي‪ ،‬من سلوكيات ومتثالت‪ ،‬والذي جيد مصدره يف تتبع‬
‫نتائج أحباث العلوم االجتماعية‪.‬‬
‫ففصل القول يف متثل الزمن‬
‫يف قسم حتت عنوان "ظروف احلياة واملناخ الذهين"‪ ،‬تناول "طرق اإلحساس والتفكري"‪َّ ،‬‬
‫والعقلية الدينية والذاكرة اجلماعية‪.‬‬
‫عرب عنه املؤرخ األمريكي نورمان كانتور بالقول‪" :‬إن منوذج التاريخ االجتماعي الذي دافع عنه مارك بلوك‬‫هذا ما َّ‬
‫يندرج ضمن املاركسية‪ ،‬لكن هذه املاركسية كانت تلطفها األنثروبولوجيا"‪.‬‬

‫‪3‬‬