You are on page 1of 543

‫م‬2023 ۩ ‫ ۩ أبـــــــــــــريل‬53 ‫الــعـــــــدد‬

‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Researcher's journal
of Legal and Judicial Researches and Studies

– –

‫رئيس التحرير – الأستاذ جعفر القاسمي‬


19 
‫رئيس التحرير – الأستاذ جعفر القاسمي‬ 






49.16 67.12 
68 



. 

. 
38.15 

110.14 



 LE PARTICULARISME DE L’ABUS DE DEPENDENCE ECONOMIQUE ....……………………RIZQY BASMA


 Rôle de l’Etat dans la croissance économique……………............……………………………… ALLY Sidi Mohamed
 Déconcentration administrative au Maroc et répartition des compétences ............................... Docteur Aziza BENKADA

ISSN: 2550 – 603X ‫ر دمد‬


® ‫ م‬2017 ‫جميع حقوق النشر محفوظة لسنة‬

- P1 @ mail. ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ن أُوتُوا اْلعِلْمَ‬
‫َالذِي َ‬
‫كمْ و َ‬ ‫(يَ ْرفَعِ اللَ ُه الَذِي َ‬
‫ن آ َمنُوا مِن ُ‬
‫خبِيرٌ)‬
‫َاللهُ بِمَا َتعْمَلُونَ َ‬
‫درَجَاتٍ و َ‬
‫َ‬
‫صدق الله العظيم‬

‫اآلية الحادية عرش (‪ )11‬من سورة المجادلة‬

‫‪P2‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫مجلة الباحث‬
‫للدراسات واألبحاث القانونية والقضائية‬

‫مسؤولا المجلة‪:‬‬

‫اللجنة العلمية‪:‬‬
‫الأعضاء من داخل المملكة المغربية‪:‬‬

‫‪P3‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪.104‬‬

‫‪.120‬‬

‫الأعضاء من باقي الأقطار العربية‪:‬‬

‫لجنة التنقيح والمراجعة اللغوية والنشر‪:‬‬

‫‪P4‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫اعتمادات مجلة الباحث للدراسات القانونية‪:‬‬

‫‪ISSN‬‬

‫‪Arcif‬‬

‫‪isi indexing‬‬ ‫‪SCRIP‬‬

‫‪P5‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫مجلة الباحث‬
‫للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية‬
‫‪www.allbahit.com‬‬

‫تبقى كل الأراء والمواقف الواردة بالمقالات المنشورة بالمجلة ملزمة لأصحابها ولا تلزم المجلة وطاقمها‬

‫‪majalatlbahit2017@gmail.com‬‬ ‫‪word‬‬

‫‪212 441374747‬‬ ‫‪wathssap‬‬

‫‪.22‬‬

‫‪P6‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫فهرسة العدد‪:‬‬
‫مقاالت وأحباث قانونية وقضائية باللغة العربية‬
‫‪12‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪63‬‬

‫‪36‬‬

‫‪36‬‬

‫‪97‬‬

‫‪79‬‬

‫‪111‬‬

‫‪162‬‬

‫‪117‬‬ ‫‪47.16‬‬ ‫‪64.12‬‬

‫‪163‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪P4‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪179‬‬

‫‪266‬‬

‫‪212‬‬

‫‪217‬‬

‫‪266‬‬

‫‪452‬‬

‫‪472‬‬ ‫‪32.15‬‬

‫‪872‬‬

‫‪505‬‬ ‫‪110.14‬‬

‫‪543‬‬

‫‪554‬‬

‫‪567‬‬

‫‪P2‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪533‬‬

‫مقاالت وأحباث قانونية وقضائية باللغة الفرنسية‬


‫‪966‬‬

‫‪RIZQY BASMA‬‬

‫‪166‬‬

‫‪ALLY Sidi Mohamed‬‬


‫‪112‬‬

‫‪Docteur Aziza BENKADA‬‬

‫‪P7‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫افتتاحية العدد‪ ،‬يقدمها‪ :‬ذ محمد القاسمي‬


‫بسم لله الكريم‪ ،‬وبه نستعين‪ ،‬وبفضله‬
‫نمضي ونغدوا في طريقنا حتى نبلغ مقام اليقين‪،‬‬
‫والصلاة والسلام على أشرف المرسلين‪ ،‬نهر الهدى‬
‫وبحر الندى وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬رب اشرح‬
‫لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني‬
‫يفقهوا قولي‪...‬أما بعد‪ :‬تتمة للمسار الذي بدأناه‬
‫مند سنوات خلت في مجال النشر العلمي والبحث‬
‫الأكاديمي‪ ،‬فإنه لمن دواعي السرور أن نقص‬
‫شريط عدد جديد من أعداد مجلتنا‪ ،‬ويتعلق الأمر بالعدد ‪ 53‬أبريل ‪ ،0203‬هذا‬
‫الأخير جاء بعد اصدار ثلة من الأعداد المتنوعة من المجلة‪ ،‬بين تلك المتعلقة‬
‫بالقانون الخاص أو تلك المتعلقة بالقانون العام‪ ،‬بالإضافة إلى إصدار ستة أعداد‬
‫متعلقة بجائحة كورونا وحالة الطوارئ الصحية التي مازال العالم يتجرع‬
‫ويلاتهما‪ ،‬راجين من الله العلي القدير أن يعجل برفعهما‪ ،‬آمين‪...‬‬
‫فالعدد الثالث والخمسون (‪ )53‬من هذا الصرح غني بمقالات وأبحاث في‬
‫مجال القانون والعدالة‪ ،‬ألفها أساتذة التعليم العالي ودكاترة وممارسين‬
‫وباحثين في أسلاك الدكتوراه من المغرب وبعض الدول العربية الشقيقة‪،‬‬
‫ستشكل بلا شك أو أدنى ريب إضافة للخزانة القانونية الرقمية‪ ،‬ومادة علمية‬
‫يعتمدها الفقيه والمتخصص والباحث وكل مهتم بالتأليف في الشأن القانوني‬
‫والقضائي المغربي والمقارن سواء في القانون العام أو الخاص على حد سواء‪...‬‬
‫فالشكر الجزيل لكل من ساهم من قريب أو بعيد في تأليف وصياغة بنيان‬
‫هذا العدد‪ ،‬والشكر الجزيل للجنة العلمية وللجنة التنقيح والمراجعة اللغوية‬
‫والنشر‪ ،‬وفي انتظار اصدار العدد ‪ 54‬مايو ‪ ،0203‬تفضلوا بقبول أسمى عبارات‬
‫التقدير والاحترام؛ والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته…‬
‫حرر بالمملكة المغربية في ‪0203/24/20‬‬

‫‪P 10‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫متغريات العملية التعليمية بعد" كوفيد ‪" 91‬من‬


‫خالل األدوار احملتملة لنظام الذكاء االصطناعي‬
‫ما بني تداعيات احلاضر وتطلعات املستقبل‬
‫‪The educational process after "covid-19" possible roles of the artificial intelligence system‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر التعليم أحد أهم أعمدة مؤشرات التقدم اإلنساني‪ ،‬الثقافي واالجتماعي بالبلد؛‬
‫لكونه من بين أبرزأدوات تحقيق التنمية االجتماعية بالدولة‪ .‬وقد ساهم التطورالتكنولوجي في‬
‫تغير حاجات العملية التعليمية التي أصبحت تتأقلم ومختلف هذه التقلبات‪ ،‬حتى أن صيغ‬
‫تقديم المعلومة باتت متنوعة تبعا لتنوع التقنيات املحوسبة المغرية للذكاء االصطناعي الذي‬
‫يلعب دورا مهما في تحديد التوجهات الحديثة في التعليم‪ .‬فظهرت الدروس الصوتية والمرئية‬
‫والتعليم المتزامن والتعليم غير المتزامن‪...‬إلخ‪ .‬وبطبيعة الحال كان البد ألطراف العملية‬
‫التعليمية من التأقلم مع هذه الثورة الرقمية فظهرما يسمى بالدروس اإللكترونية‪ ،‬واملحاضرات‬
‫عبراإلنترنيت‪ .‬واألقسام االفتراضية‪ ....‬إلخ‪.‬‬

‫وعادة ما تقاس قوة املجتمع بقوة نظامه التعليمي‪ .‬غير أن الظروف المستجدة التي‬
‫صاحبت وباء " كوفيد ‪ "91‬بينت بجالء بعد الحجر الصحي قصور الوسائل التقليدية للتعليم‪،‬‬
‫حينما انتقلنا بشكل مفاجئ إلى التعليم عن بعد دون تهيئة قبلية ألطر افه‪ ،‬نظرا لوجود مجموعة‬
‫من اإلكراهات وجب التعامل معها إبان هذه الفترة من خالل تخفيف االضرار واالستمرار مع‬
‫ذلك في التدريس ولو عن بعد‪.‬‬

‫وإن كانت العملية التعليمية تتغير عادة بالموازاة مع التقدم التكنولوجي والرقمي‪ ،‬فإن‬
‫الرقمنة واألثمة والتطبيقات الذكية لم تعد مجرد ميزات يحظى بها أطراف هذه العملية؛ بل‬

‫‪P 12‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫غدت ضرورة في زمن الجائحة‪ .‬فصارت اآلليات التعليمية تتجاوز الثوابت التقليدية لتخرج إلى‬
‫الوجود متغيرات أفرزت توجهات حديثة وأدوارا فعلية‪ ،‬وأخرى محتملة للنظم الذكية‪ .‬باعتماد‬
‫برامج محوسبة لخلق تطبيقات ومنصات ذكية قادرة على التأثير وبشدة على سلوك المعلم‬
‫والمتعلم على حد سواء‪ .‬هذه التحوالت الرقمية الديناميكية تفرض على كل المتدخلين في‬
‫المسلسل التعليمي‪ ،‬العمل على ضرورة فهم احتياجات الطالب بشكل متواصل حتى يتمكنوا‬
‫من السيطرة على احتياجاتهم من خالل فهمها واستباق وتوقع توجهاتها المستقبلية‪ .‬بيد أنه إذا‬
‫كانت فئات قادرة على االستفادة من النظم الذكية بشكل فوري‪ ،‬فإن فئات أخرى يتعذر عليها‬
‫ذلك نظرا لتحديات مرتبطة بثلة من األموركالتخصص واإلمكانات المادية‪.‬‬

‫الكلمات المفاتيح‪ :‬التعليم‪ ،‬الذكاء االصطناعي‪ ،‬التوجهات‪ ،‬الحوسبة‪ ،‬التكنولوجيا‬


‫الرقمية‪...‬‬

‫وقد شكلت الجائحة محددا أساسيا لسلوك المؤسسة التعليمية إذ أضحى للتعليم بعدا‬
‫آخر لصيقا به من خالل التعليم عن بعد‪ ،‬مرتبط بمفهوم السالمة؛ فارتبط كل من التعليم‬
‫والصحة بعالقة جدلية وثيقة ظهرت قوتها في مرحلة الحجرالصحي‪ .‬ولما كانت هذه الصورة هي‬
‫حاضرالتعليم حاليا‪ ،‬فما هي الرؤية االستشر افية لمستقبل التعليم في ظل التطورالتكنولوجي‬
‫المتواصل‪ .‬وماهي األدوار والتوجهات املحتملة للذكاء االصطناعي في العملية التعليمية؟ وهل‬
‫توجد تطبيقات ذكية تكرس هذه التوجهات؟ ثم ماهي الفرص واالمكانات الحقيقية لتجاوز‬
‫اإلكراهات التي تحول دون االستفادة من النظم الذكية في هذه العملية؟‬

‫بناء على ما سبق‪ ،‬فهذا الموضوع يثير عددا ال يسههان به من التساؤالت‪ ،‬هدفها التكهن‬
‫حول مستقبل الذكاء االصطناعي في التعليم‪ .‬وعليه‪ ،‬سنحاول معالجة موضوعنا من خالل‬
‫المزاوجة بين المنهج الوصفي الذي ال غنى عنه في دراسة أي موضوع قانوني‪ ،‬والمنهج التحليلي‬
‫عبر تحليل عناصر الموضوع؛ مع االستئناس‪ ،‬عند الضرورة‪ ،‬بالمو اقف المقارنة على أمل‬
‫الوصول إلى أجوبة وحلول لما يطرحه الموضوع من إشكاالت‪ .‬وسنحاول تناول الموضوع من‬
‫خالل التطرق للذكاء االصطناعي ما بين الماهية واالنواع (املحور األول)‪ ،‬ثم تأثير الذكاء‬
‫االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد ‪91‬وأدواره املحتملة (املحورالثاني)‪.‬‬

‫‪P 13‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫املحوراألول‪ :‬الذكاء االصطناعي ما بين الماهية واالنواع‬

‫حتى نتمكن من معرفة متغيرات العملية التعليمية بعد كوفيد ‪ 91‬من خالل النظم الذكية‬
‫المتمثلة في الذكاء االصطناعي بحسب موضوعنا‪ ،‬سنحاول في هذا املحور الوقوف على ماهية‬
‫الذكاء االصطناعي(أوال)‪ ،‬ثم الحديث باختصارعن أنواعه(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬ماهية الذكاء االصطناعي‬

‫يعاصر عالمنا الحالي بروز ثورة معلوماتية يتربع على قمهها الذكاء االصطناعي في مختلف‬
‫ميادين الحياة اليومية‪ ،‬إذ يتواجد الذكاء االصطناعي أينما ذهبنا‪ ،‬ويمكن لكل منا لمس جوانبه‬
‫يوميا بدون حتى أن نفكر في ذلك أو نستشعره؛ فعندما نفتح الهاتف من خالل معرف الوجه‪،‬‬ ‫ً‬
‫وعندما نقوم ببرمجة المنبه ليوقظنا صباحا‪ ،‬وعندما نجيب أصدقاءنا في مو اقع التواصل‬
‫االجتماعي من خالل خوارزميات هذه المو اقع‪ ،‬وعندما نعقد لقاءات عائلية من خالل برمجيات‬
‫مثبتة بالهاتف أو الحاسوب‪ ،‬كلها مظاهر أو أوجه للذكاء االصطناعي نستخدمها يوميا دون أن‬
‫نشير لمصطلح الذكاء االصطناعي‪ .‬أيضا يعتمد األفراد اليوم على مجموعة من المساعدين‬
‫الشخصيين الذكيين مثل ‪ Alexa‬و ‪ Siri‬و‪ .Cortan‬وأصبح الذكاء االصطناعي يلج ملختلف‬
‫املجاالت إذ رأينا كيف ساعدت الروبوتات األطقم الطبية في العمليات الجراحية‪ ،‬وفي قياس‬
‫درجات الحرارة لمرض ى كوفيد‪ 91 ،‬وفي توفير العالج لهم دون الخوف من خطر العدوى‪ .‬فكانت‬
‫خير مساعد لإلنسان في معركته ضد الوباء الجديد خصوصا وأنها تعمل دون كلل‪1.‬‬

‫كل هذا يدفع للتساؤل عن دور الذكاء االصطناعي في التعليم خصوصا مع التحول‬
‫التكنولوجي والرقمنة الهائلة ملختلف مجاالت الحياة‪ ،‬فالبد أن يكون للذكاء االصطناعي أثرعلى‬
‫العملية التعليمية و انعكاس على مختلف أطر افها وخصوصا األستاذ‪ 2‬الذي ستمكن من خلق‬
‫محتوى تعليمي وتطوير مداركه باستعمال النظم الذكية‪ ،‬والطالب الذي سيتحسن مستوى‬
‫فهمه واستيعابه للمحتويات التعليمية مع إمكانية تحليل ثلة من البيانات قد تساعد في االلمام‬
‫بعدد من الجوانب محيطة بالطلبة تكون غائبة عن المدرس أو األستاذ‪3.‬‬

‫‪ -1‬محمد سالم‪ ،‬هل تستطيع األنظمة الذكية تعليم نفسها بنفسها كما حدث في برنامج “إحسان من المستقبل”؟‪ ،‬منشور في‪0101-10-10‬‬
‫آخر تحديث في ‪ ،0101-01-02‬بموقع ‪ ،https://www.arageek.com/‬تاريخ الزيارة ‪ 0100-10-12‬على الساعة ‪.01:01‬‬
‫‪ -2‬سنستعمل على مدار البحث مصطلحات كاألستاد والمعلم والمدرس للداللة على الملقن ولعدم حصر الحديث عن فئة معينة دون أخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬الذكاء االصطناعي في التعليم والتعليم عن بعد‪ :‬األمثلة واالستخدامات‪ ،‬منشور بتاريخ ‪ 7‬أبريل ‪ ،0100‬بموقع ‪https://blackboard-‬‬
‫‪ ،sa.com/‬تاريخ الزيارة ‪ 0100-00-12‬على الساعة ‪.01:01‬‬

‫‪P 14‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إن األهمية التقنية لألنظمة الذكية تظهر عمليا من خالل اعتبارها آلية يمكن بواسطهها‬
‫االحتفاظ وتخزين بشكل أكثريسرا خبرة العلماء على شكل برامج متاحة‪ ،‬مع االبقاء على إمكانية‬
‫تطويرها وتحديثها كلما كان لذلك موجب‪ .‬وبالتالي يهدف الذكاء االصطناعي إلى عدم إضاعة‬
‫خبرات ومعارف الخبراء البشر إما بمجرد وفاتهم‪ ،‬أو بعجزهم عن العمل‪ ،‬إذ يتم الحفاظ عليها‬
‫وتخزينها كبرامج محفوظة بالحاسوب يمكن استحضارها بأي وقت بل وحتى تعديلها وتطويرها‬
‫وإجراء إضافات عليها‪4.‬‬

‫عرفت نظم المعلومات في العقود األخيرة من القرن الماض ي تحوالت جذرية ومتسارعة‬
‫ومتواصلة‪ ،‬عبر ظهور مجموعة من التطبيقات الجديدة والمستحدثة ألنظمة المعلومات‬
‫المصممة اعتمادا على معاييرجديدة بشكل حديث‪ .‬وقد ساعد على هذا التطورعدة عوامل من‬
‫بين بينها‪ :‬الثورة التقنية الهائلة في قطاع تقنيات المعلومات‪ ،‬االنفتاح والتطورالمعرفي‪ ،‬الفكري‬
‫والتنظيمي‪ ،‬وتزايد حدة المنافسة بين المنظمات‪ ،… ،‬وغيرها‪ .‬كما حصلت دورة ابتكارات‬
‫جديدة في مجال الذكاء االصطناعي مع التوسع الهائل لإلنترنت والتطور الكبير للحوسبة‪ ،‬مما‬
‫سمح بالوصول إلى حجم مهول من البيانات لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية‪ .‬هذه اإلمكانية‬
‫الجديدة‪ ،‬تسمح بتطويرتقنيات التعلم العميق لآلالت بالبدء في التفوق على أداء أفضل الخبراء‬
‫البشريين في مجاالت مثل التعرف البصري أو تحليل المستندات أو الترجمة‪5.‬‬

‫تعتبرادوات الذكاء االصطناعي‪ ،‬من بين أرفع التطبيقات الحديثة ألنظمة المعلومات‪ .‬هو‬
‫مجال معرفي جديد خلق كعلم من علوم الحاسوب‪ ،‬ويهتم ببحث واستيعاب طبيعة الذكاء‬
‫البشري وسبل محاكاته واالقتداء به من أجل خلق جيل حديث من الحاسبات الذكية‪ ،‬المبرمجة‬
‫خصيصا إلنجازمهام تحتاج لقدرة كبيرة في اإلدراك واالستنباط واالستنتاج‪ .‬وهي صفات بال شك‬
‫يتمتع بها اإلنسان‪ ،‬وتدخل في إطار قائمة سلوكياته الذكية‪ ،‬التي كان يتعذر سابقا على اآللة أن‬
‫تكتسبها‪ 6.‬وعلى حد تعبيرالبعض فذكاؤنا هو ما يجعلنا منا بشرا‪ ،‬والذكاء االصطناعي هو امتداد‬
‫لهذه الخاصية‪7 .‬‬

‫‪ -4‬آالن بوتييه‪ ،‬الذكاء االصطناعي واقعه ومستقبله‪ ،‬ترجمة علي صبري فرغلي‪ ،‬سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪-‬الكويت‪ ،‬أبريل ‪ ،2335‬ص ‪.3‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-Intelligence Artificielle - État de l’art et perspectives pour la France, Rapport final, Édition : Martine‬‬
‫‪Automme, Nicole Merle-Lamoot,p 11, février 2019, publié sur https://www.entreprises.gouv.fr/, visité le‬‬
‫‪24-05-2021 à 16h23.‬‬
‫‪ -6‬خوالد أبو بكر‪ ،‬تطبيقات الذكاء االصطناعي كتوجه حديث لتعزيز تنافسية منظمات األعمال‪ ،‬مؤلف جماعي‪ ،‬المركز الديمقراطي العربي‬
‫للدراسات االستراتيجية والسياسية واالقتصادية برلين‪-‬المانيا‪ ،‬الطبعة األولى ‪4023‬ـ ص ‪7‬‬
‫‪“Our intelligence is what makes us human, and AI is an extension of that quality.” (Yann Le) -7‬‬

‫‪P 15‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إن عدم وجود تعريف دقيق لمفهوم الذكاء االصطناعي يجعل من الصعب تحديد‬
‫واإلحاطة بمفهومه‪ .‬في سنة ‪ ،9111‬اقترح ‪ John Mccarthy‬هذا المصطلح في إطارمشروع بحث‬
‫يصف الذكاء االصطناعي كمشكلة بحث حول مدى محاكاة اآللة للتصرف بشكل ذكي‪ ،‬إذا كان‬
‫اإلنسان يتصرف بذكاء‪ .‬وقد عرفه ‪ ،Marvin Lee Minsky‬بأنه بناء برامج المعلومات التي يتم‬
‫تخصيصها لتحقيق مهام تجرى حاليا من قبل البشر بشكل مرض‪ ،‬نظرا ألنها تتطلب عمليات‬
‫عقلية عالية المستوى‪ :‬كالتعلم واالدراك الحس ي‪ ،‬تنظيم الذاكرة والتفكير النقدي‪ .‬ومن خالل‬
‫هذا التعريف يمكن تفكيك الذكاء االصطناعي إلى ما هو اصطناعي محصل عليه من خالل‬
‫روبوت أو آلة‪ ،‬وما هو ذكاء ألن الهدف هو القرب أكثر من تصرفات البشر‪8.‬‬

‫فأما كلمة الذكاء‪ ،‬فهو مجموعة الوظائف النفسية والفيزيولوجية التي تساهم في معرفة‬
‫وفهم طبيعة األشياء ومعنى الحقائق‪ 9.‬وبالتالي يعبر عن القدرة على فهم الظروف أو الحاالت‬
‫الجديدة والمتغيرة حسب قاموس‪ . Webster‬بمعنى القدرة على استيعاب وفهم وتعلم الحاالت‬
‫أو الظروف الجديدة‪ ،‬بمفهوم أخر يشكل اإلدراك‪ ،‬الفهم‪ ،‬والتعلم مفاتيحا للذكاء‪.‬‬

‫وأما كلمة االصطناعي فترتبط باستعمال الحاسوب والعمليات االلكترونية‬


‫والتكنولوجية األخرى‪ 10،‬فهي متعلقة بفعل صنع أو اصطنع‪ ،‬وهي تطلق على األشياء الناشئة‬
‫نتيجة اصطناع وتشكيل األشياء‪ ،‬تمييزا لها عن غيرها من األشياء الموجودة فعال والناشئة‬
‫بشكل طبيعي دون تدخل اإلنسان‪11.‬‬

‫ويمكن أيضا إيجاد تعاريف متعددة بالقواميس والمعاجم كقاموس ‪ ،Larousse‬الذي‬


‫يعرف الذكاء االصطناعي بأنه مجموعة من النظريات والتقنيات المستخدمة من أجل أن تصير‬
‫اآلالت قادرة على محاكاة الذكاء البشري‪12.‬‬

‫‪- Pooja Damodaran, Artificial Intelligence In International Arbitration - A Myth Or Reality?, Abril 13,‬‬
‫‪2020, Published On http://www.vyablog.com/, Visited The 11-01-2021, At 10h26.‬‬
‫‪Tiffany Joris, L’impact De L’intelligence Artificielle Sur L’arbitrage Et Sa Procédure, Travail De Fin -8‬‬
‫‪D’études Master En Droit A Finalité Spécialisée En Droit Des Affaires, Université Liège Droit, Science‬‬
‫‪Politique Et Criminologie, Année Académique 2019-2020, Page 14.‬‬
‫‪Boris Barraud, L'intelligence de l'intelligence artificielle, L’intelligence artificielle –Dans toutes ses -9‬‬
‫‪dimensions, L’Harmattan, 2019. hal-02327501v3, p 16, publié sur https://hal.archives-ouvertes.fr/,‬‬
‫‪visiter le 11-12-2021 à 14h03.‬‬
‫‪Boris Barraud, L'intelligence de l'intelligence artificielle, L’intelligence artificielle –Dans toutes ses -10‬‬
‫‪, op-cité.1dimensions, L’Harmattan, 2019. hal-02327501v3, p 1‬‬
‫‪ -11‬أمينة عثامنية‪ ،‬المفاهيم األساسية للذكاء االصطناعي‪ ،‬تطبيقات الذكاء االصطناعي كتوجه حديث لتعزيز تنافسية منظمات األعمال‪،‬‬
‫مؤلف جماعي‪ ،‬المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية والسياسية واالقتصادية برلين‪ -‬المانيا‪ ،‬الطبعة األولى ‪4023‬ـ ص ‪.22‬‬
‫‪« Ensemble de théories et de techniques mises en œuvre en vue de réaliser des machines capables de -12‬‬
‫» ‪simuler l'intelligence humaine.‬‬

‫‪P 16‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ويرى البعض بأنه مجموعة من التقنيات اآللية الهادفة إلى محاكاة أو تقليد الذكاء‬
‫البشري‪ ،‬في الممارسة العملية يتم التعامل مع وظائف معزولة لهذا الذكاء تتجاوزقدرات البشر‪.‬‬
‫فاملجاالت التي تتجاوزنا فيها اآلالت هي الذاكرة والعمليات الحسابية‪ 13.‬ومن بين أهم التعريفات‬
‫المقدمة في شأن الذكاء االصطناعي نجد أنه‪:‬‬

‫‪ -‬عند ‪ Bellman‬هو " أتمتة النشاطات المتعلقة بالتفكير البشري مثل صنع القرار‪ ،‬حل‬
‫المشاكل‪ ،‬التعلم‪ ،...،‬الخ‪".‬‬

‫‪ -‬عند ‪ Winston‬هو "دراسة الحاسبات التي تجعل عمليات اإلدراك‪ ،‬التفكير‪ ،‬التصرف‬
‫ممكنة"‬

‫‪ -‬عند ‪ Rich and Knight‬هو "دراسة كيفية جعل الحواسب تقوم بأعمال يقوم بها‬
‫اإلنسان حاليا بشكل أفضل"‬

‫‪ -‬عند ‪ ،Luger and Stubblefield‬هو "فرع علوم الحاسوب المهتم بأتمتة السلوك‬
‫اإلنساني"‬

‫وقد عرفه ‪Dan.W.Patterson‬بأنه فرع من فروع علم الحاسبات المهتم بدراسة و إنشاء‬
‫منظومات حاسوبية تظهربعض أشكال الذكاء‪ ،‬بشكل تصبح معه هذه المنظومات ليست فقط‬
‫قادرة على القيام باستنتاجات نافعة جدا بخصوص المشكلة موضوع الدراسة‪ ،‬بل أيضا قادرة‬
‫على فهم اللغات الطبيعية واإلدراك واالستيعاب الحي وغيرها من اإلمكانيات التي تحاكي‬
‫امكانيات اإلنسان‪14.‬‬

‫كما عرفة ‪Andreas Kaplan‬و‪ Haenlein Michael‬بأنه تمكن نظام معين من تحليل‬
‫بيانات واستخراج قواعد معرفية حديثة منها‪ ،‬واستخدام هذه القواعد بعد تكييفها لتحقيق‬
‫أهداف ومهام جديدة‪ .‬ويمكن تعريف الذكاء االصطناعي بانه عبارة عن سلوكا وخصائص معينة‬
‫تتصف بها برامج الحاسوب‪ ،‬تجعلها تقلد وتحاكي اإلمكانات الذهنية البشرية وكيفية عملها‪.‬‬

‫‪https://www.larousse.fr/, visité le 16-03-2021 à 13h03.‬‬


‫‪Olivier Ezratty, Les applications de l’intelligence artificielle dans l’éducation, publié le 3 avril 2020, sur -13‬‬
‫‪http://www.magrh.reconquete-rh.org/, visité le 04-12-2021 à 13h45.‬‬
‫‪ -14‬أمينة عثامنية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪P 14‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وتشكل القدرة على التعلم والتحليل واالستنتاج والتفاعل و إبداء رد الفعل على أوضاع‬
‫لم تبرمج في اآللة‪ ،‬من أهم خاصيات الذكاء االصطناعي‪15.‬‬

‫جاء في تعريف ‪ 16،INRIA‬بأن الذكاء االصطناعي هو أتمتة العمليات والسلوكيات التي‬


‫يعتبرها البشر ذكية‪ 17.‬أما موقع وزارة العدل الفرنسية فقد عرفه بأنه املجال المتعدد‬
‫التخصصات نظريا وعمليا‪ ،‬الذي يهدف إلى فهم آليات االدراك والتفكير ومحاكاتها عبر جهاز أو‬
‫وبالنسبة للمجلس األوربي يشير‬ ‫‪18‬‬ ‫برمجية لمساعدة األنشطة البشرية أو االستغناء عنها‪.‬‬
‫المصطلح بمفهومه الواسع إلى األنظمة التي تشكل مجاال للخيال العلمي أو ما يسمى بالذكاء‬
‫االصطناعي القوي الذي يتمتع بنوع من الوعي الذاتي‪ ،‬أما األنظمة التي تشتغل فعال والقادرة‬
‫على آداء مهام معقدة للغاية؛ كالتعرف على الوجه او الصوت‪ ،‬قيادة السيارة فتسمى بأنظمة‬
‫الذكاء االصطناعي الضعيف او المعتدل‪19.‬‬

‫وعليه يكون الذكاء االصطناعي عبارة عن تقنية قادرة على تحقيق نتائج تشبه النتائج التي‬
‫ً‬
‫يتوصل إليها الدماغ البشري‪ ،‬يتعلق االمربأداة معلوماتية تؤدي أعماال أو مهاما كانت حتى وقت‬
‫قريب حكرا على الكائنات الحية‪ .‬وتعتمد هذه األداة خصوصا على الخوارزميات‪ ،‬أي سلسلة‬
‫الصيغ الرياضية والمعالجة اإلحصائية‪ .‬تعمل مع "المدخالت"‬

‫(وتسمى البيانات األولية) وتؤدي إلى "املخرجات" (وتسمى النتائج) باتباع خطوات‬
‫مختلفة‪ ،‬تتطلب عمليات حسابية او منطقية أو مقارنات أو تشبيهات‪ .‬وحسب البعض‪ ،‬ال يسعى‬
‫الذكاء االصطناعي إلى محاكاة كيفية عمل الذكاء البيولوجي ولكن يسعى إلى محاكاة النتائج التي‬
‫يحققها فقط‪ .‬ألن طموح الباحثين في هذا املجال لم يكن ولن يكون أبدا هو تصنيع أدمغة‬
‫تكنولوجية تقترب قدر اإلمكان من األدمغة الطبيعية والوعي والفكر البشريين؛ و إنما طموحهم‬
‫هو فقط تصميم أدوات تكنولوجيا المعلومات القادرة على إنتاج النتائج األكثر صلة‪ ،‬بشكل‬

‫‪ -15‬خديجة لطفي‪ ،‬كيف يستطيع الذكاء االصطناعي التأثير على التعليم ؟‪ ،‬منشور بتاريخ ‪ ،0102-10-00‬بموقع ‪https://www.new-‬‬
‫‪ ،educ.com/‬تاريخ الزيارة ‪ 0100-00-00‬على الساعة ‪.00:07‬‬
‫‪(-16‬المعهد القومي للبحوث في علوم الحاسب اآللي واألثمتة)‪.‬‬
‫‪Michèle Drechsler, L’intelligence artificielle dans l’éducation : Enjeux, défis pour l'enseignement et -17‬‬
‫‪l'apprentissage, publié le 23-06-2021, sur https://ia4marketing.fr/, visité le 04-12-2021 à 17 :23.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪Définition de l’Inria L'Institut national de recherche en informatique et en automatique‬‬
‫‪.Dans le livre blanc, “Éducation et Numérique : enjeux et défis” (Giraudon et al. 2020, p.32), de l’Inria‬‬
‫‪-Michèle Drechsler, op-cité.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪-Michèle Drechsler, op-cité.‬‬

‫‪P 12‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫رئيس ي من خالل معالجة البيانات اإلحصائية‪ 20.‬وإن كانت التعاريف التي أعطيت للذكاء‬
‫االصطناعي قد تعددت‪ ،‬فالباحثون كل بحسب وجهة نظره يعطي تعريفا له والذي قد يختلف‬
‫مع تعريف باحث أخر‪ ،‬لسبب بسيط أن الذكاء االصطناعي بما أنه يقلد ويحاكي الذكاء البشري‪،‬‬
‫وأن هؤالء الباحثين مختلفين في األصل في تعريف الذكاء البشري نفسه الذي يكتنفه عدم الدقة‬
‫والوضوح‪ ،‬فمن الطبيعي ومن غير المستغرب أن يختلفوا حول ماهية الذكاء االصطناعي‪21.‬‬

‫وبشكل عام الذكاء االصطناعي هو تمكن اآلالت والحواسيب الرقمية من القيام بمهام‬
‫ّ‬
‫الذكية؛ كالقدرة على التفكيرأو التعلم من‬ ‫محددة‪ ،‬تماثل وتحاكي المهام التي تقوم بها الكائنات‬
‫التجارب السابقة أو القدرة على اكتساب الخبرات واالستنتاج وغيرها من العمليات األخرى‪ .‬كما‬
‫يهدف الذكاء االصطناعي لبلوغ خلق بيئة من األنظمة متمتعة بذكاء معين‪ ،‬قادرة على التصرف‬
‫على شاكلة النمط الذي يتصرف به البشر‪ ،‬من خالل اكتساب مهارات التعلم والفهم‬
‫واالستيعاب والتفاعل والتأقلم‪...‬إلخ‪ .‬بحيث تصبح هذه األنظمة الذكية قادرة على تقديم‬
‫خدمات مختلفة لمستخدميها بحسب مجاالت عملها وحاجات هؤالء‪.‬‬

‫إن البحث في هذا املجال يوصل ملجموعة كبيرة من التعاريف التي تتفق جلها تقريبا حول‬
‫جعل الذكاء البشري مرجعا للذكاء االصطناعي‪ ،‬مادام الهدف األساس ي من هذا األخيرهومحاكاة‬
‫وتقليد الذكاء البشري‪ ،‬وإعادة انتاج اإلدراك ورد الفعل البشريين ولم ال تجاوزهما في العالم‬
‫الحقيقي‪ .‬ال شك أن تعامل المعلم والمتعلم مع أو عن طريق الروبوتات يسبب مخاوف كبيرة‪.‬‬
‫مما يدفع للتساؤل حول مدى قدرة اآللة أو الحواسب على اتخاذ قرارات أفضل من البشرمادام‬
‫الذكاء االصطناعي يرتكز باألساس على نظام معلوماتي محوسب قادر على تقليد الوظائف‬
‫المعرفية؟‬

‫بعد التطرق لثلة من التعاريف التي تناولت مفهوم الدكاء االصطناعي‪ ،‬البد من أن نتناول‬
‫أنواعه حتى يتسنى لنا معرفة أي من هذه األنواع سيكون خادما بفعالية للعملية التعليمية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أنواع الذكاء االصطناعي‪:‬‬

‫‪Boris Barraud, L'intelligence de l'intelligence artificielle, L’intelligence artificielle –Dans toutes ses -20‬‬
‫‪dimensions, L’Harmattan, 2019. hal-02327501v3, p 17-18, op-cité.‬‬
‫‪ -21‬أمينة عثامنية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪P 17‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يجب التمييز بين نوعين من الذكاء االصطناعي‪ :‬الذكاء االصطناعي الناعم والذكاء‬
‫االصطناعي الصلب‪ .‬الذكاء االصطناعي الناعم هو ما نعرفه اليوم‪ :‬التعلم اآللي‪ ،‬والتعرف على‬
‫الصور‪ ،‬والبيانات الضخمة‪ ،‬وما إلى ذلك‪ .‬والذكاء االصطناعي الصعب هو ما نراه في األفالم مثل‬
‫الروبوتات واآلالت التي تفكروحدها‪.‬‬

‫صراحة ال توجد بعد أنظمة الذكاء االصطناعي الصعبة‪ ،‬ونحن بعيدون جدا عنها! فالذكاء‬
‫االصطناعي العام يسمح بتجميع معارف واستعمالها من أجل حل مختلف أنواع المشاكل‬
‫والمواضيع‪ .‬بمعنى أنه يمكن أن يساعدنا في حل إشكاليات معقدة‪ ،‬ويحتاج بالضرورة إلى تملك‬
‫بعض المعارف والمدارك األعقد‪ ،‬وصراحة لم نصل بعد لهذه المرحلة من الذكاء االصطناعي‬
‫في الوقت الراهن‪.‬‬

‫حاليا نبحث بشكل أساس ي في الذكاء االصطناعي الضيق أواملحدود النطاق؛ بمعنى الذكاء‬
‫المناسب لمهام محددة مثل القيام بتحليل نص أو تحليل سالمة عادات القيادة وغيرها من‬
‫األمثلة‪ ،‬وهذا الذكاء ال يمكن لآللة تعلمه من تلقاء نفسها بل يجب أن تتم برمجهها من أجل أن‬
‫تقوم بتعلمه‪22.‬‬

‫حاليا أنظمة الذكاء االصطناعي الوحيدة الموجودة هي األنظمة اللينة‪ .‬التي تقوم بتعليم‬
‫اآلالت أشياء ثم تقوم هذه اآلالت بالتكرار وتحسين ما تم تعلمه‪ .‬وإذا كان الذكاء االصطناعي‬
‫يؤدي المهام التي تتطلب قوة حسابية كبيرة‪ ،‬إال انه ال يقررالقيام بذلك بمفرده‪ .‬هذا ال يعني أنه‬
‫ليس خطيرا‪ .‬والخطرال يكمن في أن البشرسوف يستعبدون بواسطة اآلالت‪ ،‬ولكن التخوف يأتي‬
‫من األشخاص الذين يتحكمون في تلك اآلالت‪ .‬ما يثير القلق ليس الذكاء االصطناعي الناعم‬
‫بمفرده ألنه يمكن أن يكون مفيدا للغاية‪ ،‬ولكنه يتحكم في الوصول إلى البيانات الشخصية‬
‫والمعلومات واألدوات ونتائج هذه الخوارزميات‪ .‬إذا كان بإمكاني التقاط البيانات الشخصية‬
‫لألفراد وم عالجة تلك المعلومات باستخدام خوارزميات الذكاء االصطناعي الناعمة‪ ،‬فيمكنني‬
‫التنبؤ بكيفية تصرف هؤالء ويمكن أن يؤدي ذلك إلى فتح الباب أمام التالعبات على مستويات‬
‫أكبر و أكبر‪23.‬‬

‫‪.4 Tiffany Joris, Op-cité, Page 1-22‬‬


‫‪Charlotte Collot, Intelligence artificielle et libre arbitre : qui décide ? Qui choisit ?, publié sur -23‬‬
‫‪https://www.calliege.be/, visité le 13-05-2021 à 21h02.‬‬

‫‪P 20‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يحاول الذكاء االصطناعي إعادة إنتاج الفئات الرئيسية الثالث للمهام المعرفية‪ :‬إدراك‬
‫البيئة‪ ،‬وفهم الموقف‪ ،‬و اتخاذ القرار‪ .‬لقد أتاح تطوير رؤية الحاسوب أو تقنيات المعالجة‬
‫التلقائية للغة (‪ )NLP‬بالفعل‪ ،‬تحقيق مستوى رائع من النضج في اإلدراك وبعض النجاحات‬
‫المثيرة لالهتمام لمهام الفهم؛ مثل الترجمة اآللية والنجاح والغالبية العظمى من الفهم و اتخاذ‬
‫القرار‪ ،‬وال تزال المهام التي يؤديها البشربعيدة عن متناول أنظمة الذكاء االصطناعي الراهنة‪.‬‬

‫حاليا‪ ،‬يعتمد أداء الذكاء االصطناعي على تو افر عدد كبير من األحداث وقوة حاسوبية‬
‫ً‬
‫كبيرة للتعلم‪ .‬من جانبه‪ ،‬غالبا ما يتعلم الدماغ البشري موقفا مع أمثلة قليلة جدا وبقدرة ممتازة‬
‫على التعميم على مو اقف أخرى‪ .‬هذه القدرة على التعميم من أحداث قليلة تبرز متانة نموذج‬
‫التعلم البشري‪ ،‬وقدرته على توفير استجابات مستقرة على الرغم من األحداث الطفيلية‪ .‬وهذا‬
‫يتو افق مع مفهوم الخبرة عند البشر‪24.‬‬

‫بعد التطرق لبسط مفهوم الذكاء االصطناعي وسرد مجموعة من التعاريف وتقسيمه‬
‫ألنواع رئيسية سنحاول أن نتطرق في املحورالموالي لبعض التطبيقات واالدواراملحتملة التي تهم‬
‫أطراف العالقة التعليمية من خالل محاولة فهم مدى استيعاب مجال التعليم‪-‬خصوصا بعد‬
‫الجائحة‪-‬ألنظمة الذكاء االصطناعي من خالل عدد من النقاط‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬تأثير الذكاء االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد ‪91‬وأدواره‬
‫املحتملة‬

‫ال يمكن ألحد إنكار المكانة المهمة التي أصبح يحظى بها الذكاء االصطناعي في مختلف‬
‫الميادين‪ ،‬وبالنسبة للتعليم فقد اكتسحت النظم الذكية هذا املجال مع طهور تطبيقات‬
‫ومنصات واليات مخصصة للمتعلمين وللمعلمين‪ ،‬والهدف بطبيعة الحال هو تحسين أو تجويد‬
‫العملية التعليمية مع جعلها أكثر فعالية و إنصافا‪ 25.‬غير أن جائحة كوفيد ‪ 91‬فرضت اللجوء‬
‫إلى النظم الذكية واالستعانة بها في العملية التعليمية بعد أن أبان النظام التعليمي التقليدي‬
‫الحضوري‪ ،‬والمقررات الدراسية الورقية عن نخلفها عن مواجهة ضرورات الجائحة‪ ،‬فكان‬
‫لزاما علينا االنتقال من الثوابت إلى متغيرات تعتمد التطور التكنلوجي كقنطرة للوصول إلى‬
‫المتعلمين أو الطالب أينما كانوا في مرحلة الحجرالصحي وما تلهها‪ .‬وعليه سنتناول في هذا املحور‬

‫‪24‬‬
‫‪-Intelligence Artificielle - État de l’art et perspectives pour la France, op-cité, p 11.‬‬
‫‪Michèle Drechsler, op-cité.-25‬‬

‫‪P 21‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تأثير الذكاء االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد ‪(91‬أوال)‪ ،‬ثم أدواره املحتملة في هذه‬
‫العملية(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تأثيرالذكاء االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد ‪91‬‬

‫ال يحفى على أحد تأثيرودوالتكنولوجيا في العملية التعليمية خصوصا بعد الجائحة‪ ،‬لكن‬
‫إذا كان اعتماد النظم الذكية في التعليم وجعله تعليما افتراضيا عن بعد قد تمكن من مواكبته‬
‫طلبة ذوي التخصصات العلمية المشابهة وأساتذتهم فإن طلبة االستقطاب المفتوح خارج‬
‫التخصص‪ ،‬وجزء كبيرمن المعلمين واألساتذة وجدوا صعوبة في اعتماد التعليم االفتراض ي عن‬
‫بعد‪ ،‬مما أبان عن الحاجة إلى تكوينات في مجال المعلوميات‪ ،‬حتى يستطيع كل من يجد نفسه‬
‫بحاجة ماسة لتعلم التقنيات التكنولوجية أن يوفر لنفسه تدريبات ستساعده على التكيف‬
‫وبسرعة مع األوضاع الراهنة‪.‬‬

‫ولما فرض التعليم عن بعد نفسه بعد كوفيد ‪ ،91‬فإنه طرح ليس فقط معيقات متعلقة‬
‫بالجاهزية التقنية والتكوينية ألطراف العملية التعليمية‪ ،‬بل طرح أيضا معيقات مادية حالت‬
‫وال زالت تحول بين الطلبة وبين التعليم عن بعد لعدم توفرهم على اإلمكانات المادية الضرورية‬
‫من أجهزة كومبيوتر أو هواتف أو لوحات ذكية تمكنهم من تتبع الدروس عن بعد‪ ،‬ناهيك عن‬
‫مشكل مادي آخرمرتبط بصبيب االنترنيت؛ إذ توجد فئة من الطلبة ال تتوفرعلى إمكانات مادية‬
‫للحصول على صبيب انترنيت‪ ،‬وحتى إن حصلت على الصبيب فإن مقر سكناهم يحول بينهم‬
‫وبين التعلم عن بعد بسبب وجودهم بمناطق ال توجد بها أية تغطية‪.‬‬

‫عادة ما يركز المعلم في التعليم التقليدي على نتائج وعالمات الطالب‪ ،‬أما حاليا أصبح‬
‫بإمكان أنظمة الذكاء االصطناعي التعمق أكثر‪ ،‬قصد معرفة عدد من التفاصيل المهمة‪ ،‬كمكان‬
‫عيش الطالب‪ ،‬وبيئته وظروفه ومصاعبه التي سوف تؤثر بدون شك على تحصيله العام‪ .‬كما‬
‫تستطيع األنظمة الذكية تحديد مشاكل الطالب وتجليات القصور بدقة‪ ،‬هل تعود للمفهوم‬
‫العام للسؤال ذاته‪ ،‬أم ترجع لقلة تركيزه‪ ،‬أم للطريقة التي يقدم بها المدرس معلوماته‪ ،‬وأسلوبه‬
‫في التدريس‪26.‬‬

‫‪-26‬الذكاء االصطناعي في التعليم والتعليم عن بعد‪ :‬األمثلة واالستخدامات‪ ،‬م‪.‬س‪.‬‬

‫‪P 22‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إن التحول العالمي السريع من التعليم التقليدي إلى التعليم عن بعد الممكن رقميا‪،‬‬
‫وضع التعليم في مفترق الطرق وأصبح البد من االختياربين أمرين‪ :‬إما المض ي قدما نحو تقنيات‬
‫الذكاء االصطناعي والروبوتات وتعلم اآللة‪...‬وغيرها‪ ،‬وإما العودة إلى الطرق التقليدية‬
‫والقديمة‪ 27.‬الركون إلى الحل الثاني لم يعد ممكنا بالنظرإلى التطورالذي عرفه الوباء الذي أدى‬
‫إلى وجود متحورات أخرى من قبيل ألفا‪ ،‬بيتا‪ ،‬غاما‪ ،‬دلتا‪ ،‬أومكرون‪ ،‬وهي كافية للجزم بأن النمط‬
‫التقليدي في التعليم لم يعد مستساغا بالنظر إلى الوضعية الوبائية المقلقة‪ ،‬ومادام التعليم‬
‫أصبح مقترنا أكثر من قبل بضرورة الحفاظ على السالمة الجسدية ألطراف العملية التعليمية‬
‫فهذا يعني ضرورة االستعداد والتأهب لكل طارئ قد يطرأ فيما بعد‪ .‬وبالتالي يكون التعليم‬
‫باستعمال تكنولوجيا النظم الذكية أكثرأمانا وأكثرمالئمة للوضعية التي يعيشها العالم اليوم‪.‬‬

‫المالحظ اليوم أن العملية التعليمية تعرف تنوعا ما بين التعليم الحضوري باعتماد‬
‫الوسائط االلكترونية والتعليم عن بعد‪ ،‬وظهرت مصطلحات أخرى من قبيل التعليم االلكتروني‬
‫والتعليم الرقمي والتعليم اإلفتراض ي‪ ،‬وكلها تصب في نفس المنحى وإن لم يكن لها نفس المعنى‬
‫الحرفي‪ .‬فقد أدى استخدام الشبكة العنكبوتية إلى بروز مصطلحات مثل‪ :‬عالم بال أوراق‪،‬‬
‫جامعات بال أسوار‪ ،‬جامعات افتراضية‪ ،‬جامعات الكترونية‪ ،‬الفصول الذكية‪ ،‬وأصبحت‬
‫المصطلحات تتشابه لحد يجعل الباحث في حيرة من امره أيهما أفضل في التعبير عن فكرته‪.‬‬
‫وبخصوص مصطلح التعليم عن بعد والتعليم اإللكتروني‪ ،‬فإن كانا يستعمالن كمرادفات فإن‬
‫التعليم عن بعد في جوهره يشتمل على دالالت غيرالكترونية ألنه كان عبرالمراسلة الورقية وعبر‬
‫كل أشكال التواصل غيرااللكتروني قبل اكتشاف األنترنيت وقبل اختراع الحاسوب‪ ...‬وغيرها‪ .‬أما‬
‫التعليم اإللكتروني فهو نمط من التعليم عن بعد في أعلى مراحل تطوره‪ ،‬ويمكن تصور التعليم‬
‫اإللكتروني بشكل مباشروعن قرب كذلك‪ ،‬لذلك يمكن القول بأن التعليم االفتراض ي بطريقة ما‬
‫هو شكل من التعليم االلكتروني‪28.‬‬

‫ويكاد يتطابق التعليم االفتراض ي والتعليم الرقمي مع التعليم االلكتروني‪ ،‬بمعنى أن‬
‫الرقمنة واالفتراضية وااللكترونية نشأت في عصر الثورة الصناعية‪ ،‬وتتحرك في فضاء واحد‬
‫وبالتالي فهي تشير إلى شكل واحد من التعليم بداللة واحدة‪ .‬وال شك أن تنوع المصطلحات التي‬

‫‪https://digital-education-outlook.oecd.org/, visité le 05-12-2021 à 14 :02.-27‬‬


‫‪ -28‬علي أسعد وطفة‪ ،‬إشكاليات التعليم االلكتروني وتحدياته في ضوء جائحة كرونا‪ ،‬قراءة سوسيولوجية في جدليات التفاعل والتأثير‪،‬‬
‫مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية‪ ،‬جامعة الكويت‪-‬كلية التربية‪ ،‬سلسلة إصدارات االستكتاب‪ ،‬العدد ‪ ،7‬الكويت ‪ ،0100‬ص ‪.70‬‬

‫‪P 23‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تعني مدلول واحد‪ ،‬يعبرعلى غنى المعرفة وخصوبهها‪ .‬غيرأنه مع ذلك نلمس بعض التباين بينها؛‬
‫فاالفتراض ي يقوم على الرقمي وااللكتروني غير أنه يركز على عالم معاش افتراضيا بصفته ظال‬
‫للو اقع أو عالما بديال‪ ،‬أما الرقمي فيعتمد على معادلة الكترونية مشمولة بمعيار الرقمية‬
‫المعروفة بلغة الصفروالواحد‪ .‬ويسمى رقميا كل ما يستدعي أنظمة الكترونية مبنية على وظائف‬
‫منطقية يتم فيها اختزال االعتبارات الحسابية‪29.‬والتعليم الرقمي هو شكل تعليمي مبتكر‬
‫يستعمل األدوات واآلليات الرقمية في عملية التعليم وتسمى بطريقة التدريس بمساعدة‬
‫التكنولوجيا‪ 30.‬أما التعليم االلكتروني حسب البعض فهو استعمال اآلليات االلكترونية التي‬
‫ترمي إلى التواصل بين كل من المعلم والمتعلم‪ 31.‬ومنه يمكن القول حسب البعض‪ ،‬بأن هذه‬
‫التعريفات تجعل من التعليم االفتراض ي والرقمي واإللكتروني وكأنها ثالث وجوه لحقيقة واحدة‬
‫ألنها تصب في مسار واحد‪32.‬‬

‫إن البحث في مصطلحات عالم التكنولوجيا يظهروجود مصطلح آخروهو "الديجيتالي"‪،‬‬


‫فيصبح لدينا ما هو رقمي وما هو الكتروني وما هو "ديجيتالي"‪ ،‬وهي كلها مصطلحات مرتبطة‬
‫بمجال المعلوميات والشاشات الذكية والهواتف الذكية‪...‬وغيرها‪ .‬ولكن مع البحث في‬
‫الموضوع وجدنا أنها ليست مترادفات؛ إذ في فرنسا يتم استعمال مصطلح الرقمية ألن‬
‫"الديجيتالية" مرتبط بالتكنولوجيا المرتبطة باألصابع‪ ،‬او ما هو لمس ي وهو مصطلح مستعمل‬
‫من قبل االنجلوسكسونيين‪ ،‬و ‪ digit‬يعني رقم أو الحساب على األصابع‪ 33،‬وبالتالي يكون معنى‬
‫"الديجيتالية" هو استعمال األرقام واستعمال التكنولوجيا الرقمية‪ .‬أما مصطلح االلكتروني‬
‫فيشير بشكل أساس ي إلى نوعية الدعامة المستعملة‪ 34،‬ومصطلح الرقمي يشير أكثر إلى فكرة‬
‫المضمون يعني مضمون هذه الدعامة‪.‬‬

‫بعد البحث في تأثير الذكاء االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد ‪ ،91‬ال بد أن‬
‫نتطرق في النقطة الموالية لبعض األدواراملحتملة للذكاء االصطناعي في هذه العملية التعليمية‬
‫من خالل مجموعة من التطبيقات‪.‬‬

‫‪ ، https://fr.wikipedia.org/-29‬تاريخ الزيارة ‪ 0100-00-00‬على الساعة ‪.00:07‬‬


‫‪ -30‬علي أسعد وطفة‪ ،‬م‪,‬س‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪ -31‬علي أسعد وطفة م‪,‬س ‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ -32‬علي أسعد وطفة‪ ،‬م‪,‬س ‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪Fabian Ropars, Faut-il dire numérique ou digital ?, Publié le 11 février 2015 à 10h49, mis à jour le 28 -33‬‬
‫‪juin 2018 à 12h29, sur https://www.blogdumoderateur.com/, visité le 04-12-2021 à 13 :23.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪Sellsy, Facture électronique, numérique, digitale : quelles sont les différences ?, 10/5/2019, publié sur‬‬
‫‪https://go.sellsy.com/, visité le 13-12-2021 à 16 :02.‬‬

‫‪P 24‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ثانيا‪ :‬األدواراملحتملة للذكاء االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد ‪91‬‬

‫إن المرحلة الصعبة التي مرت منها بلدان العالم ومنها المغرب بعد جائحة كوفيد ‪،91‬‬
‫أبانت بجالء عن الحاجة الماسة لتطويراملجال التكنولوجي بنظمه الذكية‪ ،‬حتى يستطيع مد يد‬
‫العون وتبسيط وتسهيل األمورفي مختلف املجاالت‪ ،‬وما التدريس سوى مجال من املجاالت التي‬
‫تأثرت بهذه الجائحة وخصوصا بعد فرض الحجر الصحي واالنتقال من التعليم الحضوري‬
‫التقليدي إلى التعليم االفتراض ي عن بعد‪ .‬وما الذكاء االصطناعي سوى وسيلة لتبسيط مهام‬
‫المدرس والرفع من مستوى املحتوى التعليمي‪ ،‬ووسيلة للتصدي ملختلف التحديات التي‬
‫سيعرفها العالم خصوصا وأن الجائحة ال تزال مستمرة بمختلف متحوراتها التي تظهر تباعا‬
‫وتخلف عر اقيل على مختلف المستويات‪.‬‬

‫هناك عدد من األدوارالتي يمكن للذكاء االصطناعي أن يلعبها في مؤسسات المستقبل غير‬
‫البعيد‪ ،‬وفيما يلي سنحاول عرض بعض األدوار املحتملة التي من الممكن أن يلعبها الذكاء‬
‫االصطناعي؛ كنظام ذكي قادر على إعادة رسم حدود ومعالم العملية التعليمية وفق المتغيرات‬
‫التي من الممكن أن تفرض في المستقبل القريب ‪-‬مع أن بعض التغييرات موجودة بالفعل حاليا‪-‬‬
‫‪ ،‬كالتالي‪:‬‬

‫‪-9‬يمكن للذكاء االصطناعي أتمتة أنشطة التعليم األساس ي كالتقييمات‪:‬‬

‫قبل الحديث عن أتمتة التقييم البد من التمييزما بين األتمتة والذكاء االصطناعي‪ ،‬تعتمد‬
‫األتمتة على القواعد التي تحددها البرمجة‪ ،‬بمعنى أن اآللة تتبع المتسلسالت المنطقية املحددة‬
‫سلفا‪ ،‬بمعنى أن الرمز ‪A‬يفض ي منطقيا إلى الرمز ‪ B‬وهكذا‪ .‬بمعنى آخر فاألتمتة هي فن جعل‬
‫األشياء تتم بشكل أوتوماتيكي تلقائي بمجرد وجود متسلسالت منطقية محددة مسبقا‪ .‬أما‬
‫الذكاء االصطناعي فهو نظام برمجي يمكن من خالله تعليم اآللة لتستنتج بنفسها وتكون قادرة‬
‫على إدراك ما يجب فعله وما يجب تجنبه‪ ،‬والتشفير بهذا النظام الذكي ال يكون صريحا بحيث‬
‫يسمج لآللة بنوع معين من المناورة‪35.‬‬

‫ً‬
‫تشكل التقييمات عمال مضجرا ومتكررا للمعلمين‪ .‬فهي تستغرق وقتا طويال يمكن‬
‫استخدامه بشكل أفضل للقيام بأعمال أخرى كالتفاعل مع الطالب‪ ،‬أو تحضير محتوى دراس ي‬

‫‪ -35‬خديجة لطفي‪ ،‬م‪.‬س‪.‬‬

‫‪P 25‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫معين أوإكمال تدريبهم‪...‬إلخ‪ 36.‬وعلى الرغم من أن النظام المدعوم بالذكاء االصطناعي ال يعوض‬
‫التصنيف البشري‪ ،‬إال أنه يقترب من ذلك‪ ،‬إذ يمكن أن تستفيد جميع اختبارات االختيار‬
‫المتعدد ‪QCM‬من الدرجات التلقائية المؤتمتة‪ .‬في هذا السياق توجد بالفعل العديد من‬
‫التطبيقات مثل ‪ Socrative‬و ‪ eClicker‬التي تسمح لك بإنشاء أسئلة متعددة االختيارات والتي‬
‫يتم تصحيحها تلقائيا‪ .‬كما تقدم غالبية منصات التعلم مثل ‪ Didacti‬و ‪ Moodle‬و ‪Khan‬‬
‫‪ Academy‬و ‪ Netmaths‬أسئلة التصحيح الذاتي أو أدوات إلنشاء أسئلة قابلة للتصحيح‬
‫الذاتي‪ .‬وتنبغي اإلشارة إلى أنه في المستقبل القريب سوف تتمكن األدوات باستعمال النظم‬
‫الذكية من تصحيح اإلجابات القصيرة وحتى اإلجابات عن األسئلة المقالية‪ .‬بمعنى ان تقليل‬
‫وقت التصحيح يعني مزيدا من الوقت لدعم الطالب ولصالحهم‪37.‬‬

‫‪ -2‬امكانية تكييف البرامج التعليمية مع احتياجات الطالب‪:‬‬

‫هذه التكنولوجيا موجودة بالفعل على المنصة األمريكية ‪ .Khan Academy‬حيث يجيب‬
‫الطالب على أسئلة التصحيح الذاتي المتعلقة بالموضوع‪ ،‬وفي حالة الصعوبة يرسل له النظام‬
‫الذكي أسئلة أخرى أو شروحات أخرى لمساعدته‪ .‬هذا يعني أن التعلم الفردي يمكن أن يصبح‬
‫أسهل بكثير باستخدام أدوات من هذا الصنف‪ 38.‬يمكن أن يكون هذا النوع من التعليم‬
‫الشخص ي حال لمساعدة التالميذ من مختلف المستويات على العمل في نفس الفصل بعد ذلك‬
‫من خالل تسهيل حصول الطلبة على المساعدة والدعم وإضفاء الطابع الفردي‪39.‬‬

‫‪ -3‬اقترح الذكاء االصطناعي تحسينات على المدرس‪:‬‬


‫ال يدرك المعلمون ً‬
‫دائما الفجوات املحتملة في دروسهم أو مواردهم التعليمية‪ ،‬مما يترك‬
‫الطالب في حالة من االرتباك وسوء الفهم‪ .‬يقدم الذكاء االصطناعي طريقة للكشف عن هذه‬
‫المشكلة‪ .‬فمثال عندما يعطي عدد كبير من الطالب إجابة خاطئة ألحد الفروض‪ ،‬يقوم النظام‬
‫الذكي بإخطار المعلم ويقدم للطالب في نفس الوقت رسالة مخصصة لكل نوع من اإلجابة مع‬
‫نصائح للعثور على اإلجابة الصحيحة‪ ،‬هذا النوع من النظام يجعل من الممكن التأكد من أن‬

‫‪Terry‬‬ ‫‪Heick,‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪Roles‬‬ ‫‪For‬‬ ‫‪Artificial Intelligence In Education, published on -36‬‬
‫‪https://www.teachthought.com/, visited the 14-12-2021 at 15 :21.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪-Sébastien Wart, 5 rôles possibles de l’intelligence artificielle en éducation , Publié le :14 février 2014,‬‬
‫‪Modifié le : 23 juin 2016, publié sur https://ecolebranchee.com/, visité le 05-12-2021 à 10 :15.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪-Sébastien Wart, op-cité.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪Terry Heick, document already mentioned.‬‬

‫‪P 26‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫جميع التالميذ يقومون ببناء نفس األساس المفاهيمي‪ 40.‬إن تصور أداة تعليمية تجعل من‬
‫الممكن تنظيم وتركيب الدروس و أيضا تقديم اقتراحات لتحسين املحتوى التعليمي تبعا لنجاح‬
‫أو لصعوبات يمكن للطالب الذين يتابعونها من مواجههها‪ ،‬ليس خياال علميا ألن منصة‬
‫‪ coursera‬طبقت ووضعت بالفعل نظام من هذا القبيل‪41.‬‬

‫في نفس السياق‪ ،‬قامت مجموعة من الشركات والمنصات الرقمية بإنشاء محتوى ذكي‪،‬‬
‫بواسطة تحويل المصنفات التعليمية التقليدية إلى كتب ذكية وواجهات تعلم رقمية قابلة‬
‫للتخصيص على جميع المستويات‪.‬واستحدثت شركة ‪- Content Technologies Inc.‬التي‬
‫تعمل على تطويرالذكاء االصطناعي وتصميم التعليم الذكي‪-‬عددا من خدمات املحتوى التعليمي‬
‫الذكي‪ .‬فمثال خدمة‪ ،Cram101‬تستعمل آليات ذكية اصطناعيا لنشر محتوى المقررات‬
‫الدراسية من خالل دليل الدراسة الذكي الذي يشمل تالخيص الفصول ونماذج من االمتحانات‪.‬‬
‫كما تمتلك ‪ JustTheFacts101‬غرض مماثل وإن كان أكثربساطة حيث يتم إبرازملخصات نصية‬
‫محددة لكل فصل‪ ،‬ويتم أرشفهها بعد ذلك إلى مجموعة رقمية و إتاحهها على موقع أمازون‪.‬‬

‫كما يسمح برنامج ‪Netex Learning‬للمدرسين بتصميم املحتوى الرقمي بواسطة‬


‫األجهزة وإدماج متعدد من الوسائل كالفيديو والصوت مثال‪.‬وتسخر ‪ Netex‬منصة سحابية‬
‫تعليمية مرصودة لألساتذة تمكنهم من تصميم نظم تعليمية متخصصة مزودة بتطبيقات‪،‬‬
‫ودورات افتراضية‪ ،‬وتقييمات ذاتية‪ ،‬وندوات الفيديو‪...‬إلخ‪42.‬‬

‫‪ -4‬تمكين الطالب من مساعدة إضافية من المعلم‪-‬الروبوت المدعوم بنظام الذكاء‬


‫االصطناعي‪:‬‬

‫إذا كان من الواضح أنه ال يزال من المستحيل استبدال المعلمين البشريين تماما‪ ،‬فإن‬
‫المستقبل قد يشهد شيئا فشيئا على أن الطالب سيتمكنون من الحصول على المساعدة من‬
‫المعلم الروبوت‪ 43.‬من جهة‪ ،‬يظهر أن القيمة البشرية للمدرس ستبقى بعيدة كل البعد عن‬
‫الخالف واستبدالها بنظام مؤتمت بالكامل لن يكون قريبا‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬نلمس بالفعل وجود‬

‫‪40‬‬
‫‪letroisg, 10 rôles pour l’intelligence artificielle dans l’éducation, 13 fev, publié sur https://letroisg.fr/,‬‬
‫‪visité le 14-12-2021 à 17 :10.‬‬
‫‪41‬‬
‫‪-Sébastien Wart, op-cité.‬‬
‫‪ -42‬فريق درويدي‪ ،‬أمثلة على تطبيقات الذكاء االصطناعي في التعليم‪ ،‬أغسطس ‪ ،0101 ,1‬منشور بموقع‬
‫‪ ،/https://www.droidy.net‬تاريخ الزيارة ‪ 0100-00-02‬على الساعة ‪.02:00‬‬
‫‪43‬‬
‫‪letroisg, op-cité.‬‬

‫‪P 24‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بعض برامج التدريس المستندة إلى الذكاء االصطناعي والتي يمكن أن تساعد الطالب‪ .‬فقد تم‬
‫إجراء بعض التطورات في الرياضيات‪ ،‬حيث يمكن أن ير افق الطالب نوع من الولي أو المدرس‬
‫ي من أجل توجيهه الكتساب المفاهيم األساسية‪44.‬‬ ‫االفتراض‬

‫لم يعد الذكاء االصطناعي حكرا على فئة معينة من املجتمع بل بات الجميع يتعامل مع‬
‫الذكاء االصطناعي بشكل يومي؛ ألنه صار يتدخل في مختلف ميادين الحياة اليومية‪ .‬ولم تسلم‬
‫العملية التعليمية من هذا االجتياح التكنولوجي السريع‪ ،‬الذي خلق قفزة نوعية في طريقة‬
‫التعامل مع تقنيات الذكاء االصطناعي‪ ،‬لدرجة أصبح معها يسود التخوف من حلول النظم‬
‫المدعومة بالذكاء االصطناعي محل المدرس‪ ،‬واستبدال املحتويات التعليمية التقليدية‬
‫باملحتويات التعليمية الرقمية‪ .‬وهو ما سوف يقودنا للتطرق إلى فرضيات استعمال تكنولوجيا‬
‫النظم الذكية في التعليم وتأثيرها على األستاذ كعضو رئيس ي في العملية التعليمية‪ .‬إذ سيؤدي‬
‫استعمال الذكاء االصطناعي إما إلى استبدال األستاذ بنظم الذكاء االصطناعي‪ ،‬أو الجمع بين‬
‫األستاذ والنظم المدعومة بالذكاء االصطناعي‪ ،‬أو كون هذه النظم داعمة له فقط لتسهيل‬
‫العملية التعليمية‪.‬‬

‫بالنسبة للفرضية األولى المتعلقة باستبدال األستاذ بنظام يدعم الذكاء االصطناعي‬
‫كأستاذ روبوت‪ ،‬نتساءل هل فصل الغد يمكن أن يقوم به روبوت في وقت تكون المؤسسة‬
‫التعليمية تعاني من نقص أطرالتدريس وخصوصا مع التطورالمهول للذكاء االصطناعي؟‬

‫جوابا على هذا السؤال‪ ،‬يمكن القول بأن تجربة الروبوت بالمؤسسة التعليمية سبق‬
‫خوض غمارها بعدد من المؤسسات التعليمية‪ .‬غير أن البعض ‪45‬يرى بأن الروبوت ال يمكنه‬
‫تعويض األستاذ أبدا‪ ،‬ولكنه يمكنه بالمقابل أن يكون مساعدا أو رفيقا جيدا له‪ .‬فالوجه‬
‫المستديروالمبتسم وملكة الحديث يجعل الروبوتات ‪ PEPPER‬و‪ NAO‬يجذبان انتباه الطالب‪،‬‬
‫وقد تمت دراسة تصميم مظهرهم لهذا الغرض بشكل أساس ي‪ ،‬حتى يتم قبولهم بسهولة وسرعة‬
‫من قبل محيطهم‪ ،‬ألنه كلما كان الروبوت شبيها باإلنسان كلما زادت فرص رفضه من قبله‪ ،‬فتم‬
‫االحتفاظ لهم بالعينين واليدين لتسهيل التواصل والتفاعل معهما‪46.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪-Sébastien Wart, op-cité.‬‬
‫‪Jean-Luc Metaireau-45‬‬
‫‪46‬‬
‫‪-Nicolas Cailleaud, EDUCATION : LES ROBOTS REMPLACERONT-ILS LES PROFS ?, Mis à jour le‬‬
‫‪22/05/2019 à 09:45, Publié le 21/05/2019 à 18:13, publié sur https://www.cnews.fr/, visité le 13-11-‬‬
‫‪2021 à 15 :21.‬‬

‫‪P 22‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫والجدير بالذكر أن بعض البلدان تستغل الروبوتات في مشاريع طموحة فمثال ‪PEPPER‬‬
‫سوف يبدأ اختبار مع الطلبة بمفرده من خالل طرح أسئلة برمجها المعلم‪ ،‬ويمكن للطالب‬
‫اإلجابة عنها من خالل تطبيق مثبت بهواتفهم الذكية‪ ،‬مما سيسمح للمعلم في الوقت الفعلي من‬
‫معرفة إن كان الفصل برمته في نفس المستوى مقارنة بالدرس السابق‪47.‬‬

‫في نفس السياق نستحضر الروبوت ‪ Lexi‬الذي يقوم بتحية طلبة جامعة ‪Saint-Gall‬‬
‫بهيئته البشرية قبل بدأ الحصة‪ ،‬وقد بدأت األستاذة باستعمال الروبوت ‪ Lexi‬ألول مرة سنة‬
‫‪ 2191‬على سبيل التجربة‪ ،‬وهو روبوت مزود بالذكاء االصطناعي وقادر على آداء مهام ثانوية‬
‫بسيطة‪ .‬أما ‪ Thymio‬فال يبدو بشريا باستثناء قدرته على التعلم‪ .‬وبالتالي تقود الروبوتات مثل‬
‫‪ Thymio‬و ‪ Lexi‬التحول الرقمي الذي يحدث حاليا في الجامعات والفصول الدراسية بسوسرا‪.‬‬
‫وتدعم العديد من المؤسسات هذا التحول التكنولوجي بسبب الجائحة‪ ،‬خصوصا و أنه يمكن‬
‫استعمال الروبوتات ‪ NAO‬من منظور آخر‪ ،‬إذ يمكنها تعويض األطفال المرض ى والسماح لهم‬
‫بالتفاعل مع الفصل الدراس ي‪ 48.‬وهي إمكانية مهمة جدا خصوصا مع ما تفرضه الجائحة من‬
‫تباعد جسدي ومن حجر صحي على الطلبة المصابين بهذا المرض‪ .‬وبعيدا عن الجائحة فإن‬
‫استعمال الروبوتات مكن طالب يعانون من طيف التوحد من الحصول على نتائج مبهرة‪ ،‬إذ‬
‫أصبحوا أقل توترا مع تحسن قدراتهم‪ ،‬خاصة المرتبطة بالتعلم والتواصل‪ .‬إن استعمال‬
‫الروبوت هنا لم يكن كرفيق‪ ،‬و إنما كامتداد صناعي يسمح للطالب المصابين بهذا المرض من‬
‫مواجهة العالم وفهمه بشكل أفضل‪ ،‬إذ يتحدث الروبوت نيابة عنهم مما يساعدهم على الخروج‬
‫من عزلههم والتواصل والتعبير عن مشاعرهم‪49.‬‬

‫لذا يمكن القول بأنه إن أمكن تصور الجمع بين األستاذ والنظم المدعومة بالذكاء‬
‫االصطناعي‪ ،‬وتصور أن يكون هذا النظام داعما لألستاذ لتسهيل عمله‪ ،‬ألنه في الحالتين يكون‬
‫مر افقا باألستاذ الذي يتحكم بزمام األمور؛ فإنه يصعب تصوراستبدال األستاذ بالروبوت‪ ،‬ألن‬
‫الروبوتات لن تحل محل األستاذ‪ .‬ورغم كون الروبوتات التعليمية قد يكون لها تأثير معين‬
‫خصوصا كونها مصدرا للمعلومات‪ ،‬إال أنها ال يمكنها أن تقوم مقام المدرسين الذين لهم إسهام‬

‫‪Nicolas Cailleaud, op-cité.-47‬‬


‫‪Christian Raaflaub, Les robots remplaceront-ils les enseignants?, 2 mars 2021-13 :42, publié sur -48‬‬
‫‪https://www.swissinfo.ch/, visité le 05-12-2021 à 18 :15.‬‬
‫‪Philippe Gambert, Nantes. Le robot enseignant débarque à la rentrée, Publié le 29/01/2019 à 20h23 -49‬‬
‫‪sur https://www.ouest-france.fr/, visité le 05-12-2021 à 21 :13.‬‬

‫‪P 27‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫فعلي في التطوير التعليمي للطالب ذوي االحتياجات الخاصة‪ .‬وعلى الرغم من كون الروبوتات‬
‫تتمتع بذكاء اصطناعي إال انها تبقى مع ذلك خالية من الحافزواإللهام والقدرات التعليمية‪ ،‬هذه‬
‫الروبوتات ال تأخذ بعين االعتبار ال التعلم االجتماعي العاطفي وال البعد اإلنساني وال التفاعل‬
‫الشخص ي‪ .‬فقد يحرفون عملية تعليم الطالب ويعرقلون عمليات التدريس ويخلقون عبء عمل‬
‫إضافي للمدرس‪ .‬في حين يلعب هذا األخير دورا رائدا من حيث اإلدماج والعدالة االجتماعية من‬
‫أجل عالم أفضل‪50.‬‬

‫‪ -1‬اخرج التعلم من قاعة الدراسة‪:‬‬

‫إن قدرة الذكاء االصطناعي على خلق تغيير جذري تقريبا في أي ش يء يبدو أنه من‬
‫المسلمات على مستوى التعليم‪ ،‬يدفع للقول بأن العقود القادمة ستحمل تغييرات هائلة‪.‬‬
‫فباستخدام أنظمة الذكاء االصطناعي والبرمجيات الداعمة له‪ ،‬يمكن للطالب التعلم في أي‬
‫مكان في العالم وفي أي وقت‪ ،‬والنتيجة أنه في غضون العقود القادمة‪ ،‬يمكن أن يكون لدينا نظرة‬
‫مغايرة كثيرا عن التعليم‪ 51.‬فكلما كانت األنظمة المعلوماتية الذكية أفضل‪ ،‬كلما أمكن القيام‬
‫بالعملية التعلمية خارج الفصل الدراس ي‪ .‬وسيبقى المعلم دائما يشكل مرشدا لمساعدة‬
‫الطالب على تطوير اآلراء والتحقق من صحة المعلومات لديه‪ .‬وبالمقابل فإن هذا النوع من‬
‫التدريس‪ ،‬لن يكون فيه المعلم قادرا على الوقوف أمام فصل من الطالب السلبيين‪ 52،‬بل يحتاج‬
‫حركية ونشاط الطالب في الفصل االفتراض ي‪ ،‬بشكل يجعلهم قادرين على المناقشة والتحليل‬
‫وتبادل المعارف‪ .‬هنا يمكن الحديث ليس فقط عن الدروس الرئيسية ولكن أيضا عن األشغال‬
‫التوجيهية واألشغال التطبيقية‪ .‬ونذكر في هذا اإلطار بإحدى التجارب السباقة في هذا املجال‪،‬‬
‫وهي تجربة املختبر عن بعد " ‪ " télé laboratoire‬الموجودة بالكلية المتعددة التخصصات‬
‫بخريبكة إذ تم افتتاح املختبر األورومغاربي لألشغال التطبيقية سنة ‪ ،2193‬وهي تجربة تمكن‬
‫طالب الكلية من إجراء أشغالهم التطبيقية بدولة أخرى من مكانهم بحجرة الدرس‪ 53.‬وإذا ما‬
‫أمكن تصور المسألة‪ ،‬فيمكن القياس على ذلك لتصور أشغال توجيهية أو تطبيقية لطلبة‬

‫‪Comité Sydical Européen De L’education, les robots ne remplaceront jamais les enseignant(e)s, -50‬‬
‫‪01mars 2018, publié sur https://www.csee-etuce.org/, visité le 11-12-2021 à 11h09.‬‬
‫‪51‬‬
‫‪-letroisg, op-cité.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪-Sébastien Wart, op-cité.‬‬
‫‪53‬‬
‫‪Inauguration du laboratoire Euro Maghrébin des travaux pratiques à distance à Khouribga , publié sur‬‬
‫‪https://www.youtube.com/, le 28-06-2013, visité le 11-12-2021 à 23 :14.‬‬

‫‪P 30‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫القانون مثال‪ ،‬من خالل إجراءها لهم برحاب املحكمة وهم بمقاعدهم الدراسية أو بمنازلهم‪،‬‬
‫ولكن كيف يمكن ذلك؟‬

‫صراحة هذه اإلمكانية متاحة انطالقا من تقنية الو اقع االفتراض ي )‪(RV‬أو الو اقع‬
‫المعزز )‪ (AR‬فاألولى عبارة عن محاكاة تفاعلية تعطي للطالب فرصة القيام بتجارب متنوعة؛‬
‫كزيارة أماكن ومو اقع محددة كاألماكن التاريخية أو إدارات معينة أو مستشفيات أو محاكم‪.‬‬
‫‪..‬إلخ؛ وهوإما في فصله أوفي منزله‪ .‬كما يمكن للطالب أن يكون عنصرا في هذه التجربة‪ ،‬أوالتنقل‬
‫داخلها‪ ،‬والتفاعل فيها عبر أنظمة خاصة كنظارات الو اقع االفتراض ي التي تعينه على االندماج‬
‫بصورة كلية في التجربة‪ .‬وتساعد هذه اآللية الطالب على إنماء إمكاناته عبرجوالت افتراضية كما‬
‫تساعده في فهم واستيعاب بعض البيانات العلمية المعقدة‪ .‬أما الثانية فهي الو اقع‬
‫المعزز )‪(AR‬والتي تجعل الطالب بنتقل بعرض ثنائي أو ثالثي األبعاد في محيطه‪ ،‬إذ تدمج هذه‬
‫المشاهد ليتم توليد و اقع عرض مركب‪ .‬وتمكن هذه اآللية من محاكاة عمليات شائكة‬
‫كالعمليات الجراحية لطلبة الطب مثال‪54.‬‬

‫كخالصة يمكن القول بأن التطورالتكنولوجي في مجال المعلوميات والنظم الذكية وكل‬
‫ما يرتبط بها قد انعكست آثاره على مختلف الميادين وما التعليم إال جزء منها‪ ،‬ومن خالل هذا‬
‫الموضوع بينا أن التعليم هو أحد املجاالت التي أحدث فيها الذكاء االصطناعي‪-‬وال يزال‪-‬تغييرات‬
‫كبيرة‪ .‬هذه النظم الذكية صحيح لها إيجابيات‪ ،‬ولكن ال يمكن التغاض ي عن سلبياتها ألنها‬
‫ستعود أطراف العملية التعليمية على تلقي المساعدة ببطء وبثبات حتى يصبح من الصعب‬
‫االستغناء عنها في يوم من األيام‪ .‬وبغض النظر عن التقييمات اإليجابية والسلبية للذكاء‬
‫االصطناعي‪ ،‬واعتراضات بعض أطراف العملية التعليمية من المدرسة التقليدية المتشبثين‬
‫بكل ما هو تقليدي؛ فإن االستعانة بالنظم الذكية في التعليم إن كانت ستساعد في تجويد‬
‫العملية التعليمية خصوصا بعد ما فرضته الجائحة من تغييرات‪ ،‬من االنتقال من التعليم‬
‫الحضوري إلى التعليم عن بعد من خالل التعليم االلكتروني والتعليم الرقمي االفتراض ي باتجاه‬
‫التعليم الذكي‪ ،‬فإن قبولها وتقبلها من قبل أطراف العملية التعليمية سيكون مرهونا بال شك‬
‫بحدود معينة في إطاروظيفي محدد دون أن تستبدل المعلم‪ .‬بمعنى أن قبولها سيكون باعتبارها‬
‫وسائل خادمة ومساعدة للمعلم‪ .‬ألن الروبوتات "المؤنسنة" أو الشبيهة بالبشر ذات الذكاء‬

‫‪ -54‬خديجة لطفي‪ ،‬م‪.‬س‪.‬‬

‫‪P 31‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫االصطناعي القوي على فرض وجودها في المستقبل‪ ،‬فإنها ال تستطيع الحلول محل المعلمين‪،‬‬
‫ألن هناك افتراضات قيمية متأصلة مرتبطة بالتواصل اإلنساني حيث تبقى الروبوتات خالية من‬
‫عنصرالتحفيزوااللهام والعفوية والبعد اإلنساني‪ ،‬االجتماعي والعاطفي‪ ،‬مما قد يحرف ويعرقل‬
‫عملية تعليم الطالب إن تم إفراغها من هذه االبعاد‪ .‬شئنا أم أبينا‪ ،‬فالحقيقة القاسية هي أن‬
‫اآلالت المدعومة بالذكاء االصطناعي يمكنها التعامل بسرعة ودقة أكبر من أي إنسان لديه‬
‫كميات كبيرة من البيانات‪ .‬مما سيمكنها من لعب دور جوهري في التعليم في المستقبل القريب‪.‬‬
‫لذا يجب توخي الحرص في استعماله ألن هذا التحول سيخلق للوجود قضايا جدية يتعين على‬
‫مجتمع التعليم التعامل معها في السنوات القادمة‪ ،‬دون تعريض قيمه األساسية للخطر‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪ -‬آالن بوتييه‪ ،‬الذكاء االصطناعي و اقعه ومستقبله‪ ،‬ترجمة علي صبري فرغلي‪ ،‬سلسلة‬
‫كتب ثقافية شهرية يصدرها املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪-‬الكويت‪ ،‬أبريل ‪.9113‬‬

‫‪ -‬أمينة عثامنية‪ ،‬المفاهيم األساسية للذكاء االصطناعي‪ ،‬تطبيقات الذكاء االصطناعي‬


‫كتوجه حديث لتعزيز تنافسية منظمات األعمال‪ ،‬مؤلف جماعي‪ ،‬المركز الديمقراطي العربي‬
‫للدراسات االستراتيجية والسياسية واالقتصادية برلين‪ -‬المانيا‪ ،‬الطبعة األولى ‪2191‬ـ‪.‬‬

‫‪ -‬خديجة لطفي‪ ،‬كيف يستطيع الذكاء االصطناعي التأثير على التعليم ؟‪ ،‬منشور بتاريخ‬
‫‪ ،2191-11-99‬بموقع ‪ ،https://www.new-educ.com/‬تاريخ الزيارة ‪ 2129-92-92‬على‬
‫الساعة ‪.99:11‬‬

‫‪ -‬خوالد أبو بكر‪ ،‬تطبيقات الذكاء االصطناعي كتوجه حديث لتعزيز تنافسية منظمات‬
‫األعمال‪ ،‬مؤلف جماعي‪ ،‬المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية والسياسية‬
‫واالقتصادية برلين‪-‬المانيا‪ ،‬الطبعة األولى ‪2191‬ـ‬

‫‪ -‬الذكاء االصطناعي في التعليم والتعليم عن بعد‪ :‬األمثلة واالستخدامات‪ ،‬منشور بتاريخ‬


‫‪ 1‬أبريل ‪ ،2129‬بموقع ‪ ،https://blackboard-sa.com/‬تاريخ الزيارة ‪ 2129-92-13‬على الساعة‬
‫‪.91:91‬‬

‫‪P 32‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

‫ قراءة‬،‫ إشكاليات التعليم االلكتروني وتحدياته في ضوء جائحة كرونا‬،‫ علي أسعد وطفة‬-
‫ جامعة‬،‫ مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية‬،‫سوسيولوجية في جدليات التفاعل والتأثير‬
.2129 ‫ الكويت‬،1 ‫ العدد‬،‫ سلسلة إصدارات االستكتاب‬،‫كلية التربية‬-‫الكويت‬

،2191 ,1 ‫ أغسطس‬،‫ أمثلة على تطبيقات الذكاء االصطناعي في التعليم‬،‫ فريق درويدي‬-
.94:29 ‫ على الساعة‬2129-92-23 ‫ تاريخ الزيارة‬،/https://www.droidy.net ‫منشوربموقع‬

‫ هل تستطيع األنظمة الذكية تعليم نفسها بنفسها كما حدث في برنامج‬،‫ محمد سالم‬-
‫ بموقع‬،2121-91-23 ‫ آخر تحديث في‬2121-10-19‫ منشور في‬،‫“إحسان من المستقبل”؟‬
.91:21 ‫ على الساعة‬2122-19-13 ‫ تاريخ الزيارة‬،https://www.arageek.com/

.22:91 ‫ على الساعة‬2129-92-99 ‫ تاريخ الزيارة‬،https://fr.wikipedia.org/ -

Boris Barraud, L'intelligence de l'intelligence artificielle, L’intelligence -


artificielle –Dans toutes ses dimensions, L’Harmattan, 2019. hal-02327501v3,
publié sur https://hal.archives-ouvertes.fr/, visiter le 11-12-2021 à 14h03.

- Charlotte Collot, Intelligence artificielle et libre arbitre : qui décide ? Qui


choisit ?, publié sur https://www.calliege.be/, visité le 13-05-2021 à 21h02.

- christian Raaflaub, Les robots remplaceront-ils les enseignants?, 2 mars


2021-13 :42, publié sur https://www.swissinfo.ch/, visité le 05-12-2021 à 18 :15.

- comité sydical européen de l’education, les robots ne remplaceront jamais


les enseignant(e)s, 01mars 2018, publié sur https://www.csee-etuce.org/, visité
le 11-12-2021 à 11h09.

- Fabian Ropars, Faut-il dire numérique ou digital ?, Publié le 11 février 2015


à 10h49, mis à jour le 28 juin 2018 à 12h29, sur
https://www.blogdumoderateur.com/, visité le 04-12-2021 à 13 :23.

- https://digital-education-outlook.oecd.org/, visité le 05-12-2021 à 14 :02.

- https://www.larousse.fr/, visité le 16-03-2021 à 13h03.

P 33 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

- Inauguration du laboratoire Euro Maghrébin des travaux pratiques à


distance à Khouribga, publié sur https://www.youtube.com/, le 28-06-2013,
visité le 11-12-2021 à 23 :14.

- Intelligence artificielle - État de l’art et perspectives pour la France,


Rapport final, Édition : Martine Automme, Nicole Merle-Lamoot, février 2019,
publié sur https://www.entreprises.gouv.fr/, visité le 24-05-2021 à 16h23.

- letroisg, 10 rôles pour l’intelligence artificielle dans l’éducation, 13 fev,


publié sur https://letroisg.fr/, visité le 14-12-2021 à 17 :10.

- Michèle Drechsler, L’intelligence artificielle dans l’éducation : Enjeux,


défis pour l'enseignement et l'apprentissage, publié le 23-06-2021, sur
https://ia4marketing.fr/, visité le 04-12-2021 à 17 :23.

- Nicolas Cailleaud, education : les robots remplaceront-ils les profs ?, Mis à


jour le 22/05/2019 à 09:45, Publié le 21/05/2019 à 18:13, publié sur
https://www.cnews.fr/, visité le 13-11-2021 à 15 :21.

- Olivier Ezratty, Les applications de l’intelligence artificielle dans


l’éducation, publié le 3 avril 2020, sur http://www.magrh.reconquete-rh.org/,
visité le 04-12-2021 à 13h45.

- Philippe GAMBERT, Nantes. Le robot enseignant débarque à la rentrée,


Publié le 29/01/2019 à 20h23 sur https://www.ouest-france.fr/, visité le 05-12-
2021 à 21 :13.

- Pooja Damodaran, Artificial Intelligence In International Arbitration - A


Myth Or Reality?, Abril 13, 2020, Published On http://www.vyablog.com/, Visited
The 11-01-2021, At 10h26.

P 34 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

- SÉBASTIEN WART, 5 rôles possibles de l’intelligence artificielle en


éducation, Publié le :14 février 2014, Modifié le : 23 juin 2016, publié sur
https://ecolebranchee.com/, visité le 05-12-2021 à 10 :15.

- Sellsy, Facture électronique, numérique, digitale : quelles sont les


différences ?, 10/5/2019, publié sur https://go.sellsy.com/, visité le 13-12-2021 à
16 :02.

- Terry Heick, 10 Roles For Artificial Intelligence In Education, published on


https://www.teachthought.com/, visited the 14-12-2021 at 15 :21.

- Tiffany Joris, L’impact De L’intelligence Artificielle Sur L’arbitrage Et Sa


Procédure, Travail De Fin D’études Master En Droit A Finalité Spécialisée En Droit
Des Affaires, Université Liège Droit, Science Politique Et Criminologie, Année
Académique 2019-2020, Page 14.

P 35 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫–‬

‫مالية اجلهة وإشكالية االستقالل‬


‫املالي اجلهوي‬
‫‪The region's finances and the problem of regional financial independence‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫ارتبطت إشكالية االستقالل المالي للجماعات الترابية في المغرب بالديمقراطية املحلية‪،‬‬
‫فرغم اعتراف الدولة للهيآت الالمركزية بعدة صالحيات وإسناد تسييرالكثيرمن المر افق العامة‬
‫املحلية والجهوية لها‪ ،‬إال أنها أبقت أهم االختصاصات المالية في يدي السلطة التشريعية‬
‫المركزية و أقرت ذلك في دساتيرها‪ ،‬وهو ما ينم عن تكريس إليديولوجية الدولة المغربية التي‬
‫تعتبر التشريع في املجال المالي من اختصاص البرلمان وحده لكونه يتناسب مع شكل الدولة‬
‫الموحدة ويعبر عن وحدتها وسيادتها‪ .‬فدستور ‪ 2199‬رغم سنه لجهوية متقدمة فإنه لم يمنح‬
‫الجهات سلطة تأسيسية في املجال الجبائي ذلك ما يجعل بنية الجهة فيما يخص القدرة المالية‬
‫تعتبر كسلطة ترابية ثانوية على مستوى القرار المالي وبالتالي على مستوى تدخلها في تحديد‬
‫مصادرتمويلها‪ .‬لذلك فمحدودية تمويلها الذاتي يجعلها تعتمد بشكل كبيرعلى التمويل المركزي‬
‫وهو ما يساهم في استمرارية التبعية الجبائية الجهوية لميزانية الدولة‪.‬‬

‫تتمحورهذه الدراسة حول االستقالل المالي للجهة باعتباره يشكل أحد أركان الشخصية‬
‫الترابية التي تسعى الجهوية المتقدمة إلى تكريسه‪ ،‬السيما وقد أسندت للجهة مهام في مجاالت‬
‫التنمية وإعداد التراب تتطلب موارد مالية كافية لتنفيذها‪.‬‬

‫ومن هنا تتجلى أهمية هذا الموضوع في كونه يسلط الضوء على إشكالية االستقالل‬
‫المالي للجهة رغم تعدد مواردها وتنوعها‪ ،‬تزداد أهميته ببحثه في قدرة الجهة التدبيرية والتقريرية‬
‫في املجال الجبائي ومدى تأثيرذلك على ماليهها‪.‬‬

‫‪P 36‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بناء على ما سبق تبرز اإلشكالية املحورية لهذه الدراسة كالتالي‪ :‬ما مدى مواكبة النظام‬
‫المالي الجهوي لدورالطالئعي للجهة في مجال التنمية؟‬

‫تتفرع عن هذه‬
‫اإلشكالية أسئلة من قبيل؛ هل تعدد وتنوع الموارد المالية للجهة يشكل معيارا الستقاللها‬
‫المالي؟ أين تتجلى إكراهات االستقالل المالي الجهوي؟ ما تأثير ذلك على تدعيم الجهوية‬
‫المتقدمة؟‬

‫وعليه سنعالج اإلشكالية واألسئلة المتفرعة عنها بالدراسة والتحليل من خالل محورين‬
‫كاآلتي‪ :‬املحوراألول‪ :‬االستقالل المالي للجهة‪ .‬املحورالثاني‪ :‬إكراهات االستقالل المالي الجهوي‪.‬‬

‫املحوراألول‪ :‬االستقالل المالي للجهة‬

‫إن االستقالل المالي للجهة يشكل عنصرا مهما في تدعيم الالمركزية المالية من خالل‬
‫تمكين الجهة من موارد مالية كافية لالطالع باألدوار المنوطة بها بشكل يضمن النجاعة‬
‫واالستمرارية‪ .‬وإلبراز درجة هذا االستقالل سنقف عند الموارد المالية املخصصة للجهات من‬
‫خالل ثالث فقرات؛ نخصص (األولى) إلى الموارد الذاتية و(الثانية) إلى الموارد املحولة‬
‫و(الثالثة) إلى الموارد المتأتية من االقتراض‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الموارد الذاتية للجهة‬

‫يقصد بالموارد الذاتية للجهة مجموع الموارد التي تحصلها الجهة في إطارنطاقها الترابي‬
‫الخاص(‪ ،)55‬وتملك حق االستفادة منها بشكل كلي بموجب القانون‪ ،‬وتتمتع بسلط ربط وتصفية‬
‫وتحصيل هذه العائدات(‪ ،)56‬قد تم التنصيص عليها في المادة ‪ 911‬من القانون ‪ 999.94‬المتعلق‬
‫بالجهات‪.‬‬

‫‪ -55‬حسن بريح والمصطفى خطاب ‪" :‬مسلسل اإلصالح الجبائي المحلي وإشكالية االستقالل المالي للجماعات الترابية"‪،‬‬

‫سلسلة أريد أن أعرف‪ ،‬العدد ‪ ،3‬الطبعة األولى‪ ،4102 ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬ص‪.24 :‬‬

‫‪ -56‬المصطفى معمر‪" :‬أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية‪ -‬دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم‬

‫‪ 11.311‬المتعلق بالجهات‪ ،"-‬منشورات مجلة العلوم القانونية‪ ،‬سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية‪ ،‬العدد الرابع‪،4102 ،‬‬

‫مطبعة األمنية‪ -‬الرباط‪ ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪P 34‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يرتبط نجاح الجهة في تحقيق التنمية الجهوية بمدى توفرها على موارد مالية كافية‪،‬‬
‫تؤهلها لتنفيذ برامجها‪ .‬وتشكل الموارد الذاتية مؤشرا لقياس مدى استقاللية المالية الجهوية‪،‬‬
‫فكلما كان حجم الموارد الذاتية مهما كلما استطاعت الجهة تلبية حاجاتها العامة األساسية‪،‬‬
‫بل وتحقيق فوائض مالية ترصد للتجهيز‪ ،‬أي توفير اإلعتمادات الالزمة إلنجاز البرامج‬
‫االستثمارية التنموية وتأهيل البنايات التحتية‪ .‬وتعتبر هذه الموارد أحد عناصر التوازن الذي‬
‫يزيد من فعالية التنظيم الجهوي‪ ،‬ذلك أن تفعيل دور الجهة يستلزم تطويرمواردها المالية بما‬
‫يمكنها من الوفاء بمتطلبات التنمية الجهوية وإعداد التراب‪.‬‬

‫إن اعتماد صيغة الالمركزية اإلدارية من الناحية المالية يقتض ي مراعاة المبادئ‬
‫التالية(‪: )57‬‬

‫‪ – 9‬تحديد مصادر دخل اإلدارات الالمركزية بما يتالءم مع الصالحيات المناطة بها‪ ،‬إذ‬
‫إنه بعد تعيين وظيفة هذه اإلدارات البد من دراسة أنواع الرسوم والضرائب والمداخيل التي‬
‫يمكن أن تجبيها‪ ،‬يجب أن يتم ذلك بإعادة نظرشاملة لمالية الدولة العامة والحاجات التي تلبيها‬
‫الدولة وبقدر صالحيات كل من الدولة واإلدارة املحلية‪ ،‬حيث يتم تقسيم نسب اإلنفاق و أنواع‬
‫الرسوم والضرائب لكل منهما‪.‬‬
‫‪ – 2‬إن نظام تحويل األموال من الدولة إلى اإلدا ات الالمركزية هو أمر َّ‬
‫البد منه نظرا لدور‬ ‫ر‬
‫الضرائب ومالءمة جبايهها من قبل الدولة‪ ،‬لذلك يجب أن يوضع نظام للتمويل ينظم هذه‬
‫العملية بدقة ويشترك في إتمامها ممثلون عن البلديات(الوحدات الالمركزية)‪ .‬وهنا‪ ،‬يجب أن‬
‫تحترم الدولة قوانينها الالمركزية‪ ،‬فال يستعمل ماال خصصته للبلديات مهما كانت دواعي‬
‫االستعمال‪ ،‬إنما يجب الفصل بين مال الدولة ومال البلديات‪.‬‬

‫‪ - 3‬يجب أن يكون نظام الرسوم والضرائب املحلية سهال ومبسطا لتسهيل الجباية‪.‬‬

‫‪ – 4‬إن مر اقبة الدولة للبلديات يجب أن تكون مر اقبة فعالة ولكن غيرمعيقة للتنمية‪،‬‬
‫فاألموال البلدية ملك للبلدية‪ ،‬وهي تتصرف فيها وليس للدولة‪ ،‬وعندما تخطئ البلدية تجري‬
‫محاسبهها‪.‬‬

‫‪ -57‬القاضي إيلي معلوف‪" :‬الصندوق البلدي المستقل معالجة مالية لالمركزية اإلدارية"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،4112 ،‬منشورات‬

‫زين الحقوقية‪ ،‬مطبعة مكتبة زين الحقوقية واألدبية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ص‪ 072 :‬و‪.071‬‬

‫‪P 32‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ – 1‬إن تطور وتسهيل أداء العمل اإلنمائي يحتم اعتماد المعلوماتية‪ ،‬و إنشاء الحكومة‬
‫اإللكترونية‪.‬‬

‫يقتض ي تطبيق الجهوية المتقدمة إطالق مرحلة جديدة من اإلصالح المالي الالمركزي‪،‬‬
‫وقد دشن ذلك دستور ‪ 2199‬من خالل الفصل ‪ 949‬الذي أشار إلى الموارد المالية للجهات‬
‫والجماعات الترابية األخرى‪ ،‬وضع القانون ‪ 999.94‬المتعلق بالجهات األسس المالية للجهة‪،‬‬
‫بحيث أنها تعتمد على الجبايات الجهوية الستخالص بعض الضرائب والرسوم وتخصص نسبة‬
‫مئوية من ضرائب الدولة لفائدة الجهة مع إمكانية اللجوء إلى االقتراض باإلضافة إلى موارد‬
‫ومداخل أخرى متعددة ومتنوعة‪.‬‬

‫تشكل جبايات الجهة العمود الفقري للتنمية الجهوية باعتبارأنها ال تغطي فقط نفقات‬
‫التسيير للجهة بل تتعدها لتحقيق التنمية وتنفيذ البرامج واملخططات التنموية واالستثمارات‬
‫بالجهة‪ ،‬بحيث كلما كانت درجة االستقالل المالي للجهة أكبركلما كانت أقدرعلى العمل والتدبير‪.‬‬

‫تعتبر الضرائب والرسوم أهم مورد ذاتي لإليراد(‪ )58‬ويجري اعتبارها موردا ذاتيا لميزانية‬
‫الجهة ألنها تمتلك حق االستفادة من عائداته بشكل كلي بموجب القانون وتتمتع بسلط ربطه‬
‫وتصفيته وتحصيله‪ .‬وبناء على هذا المعيار يمكن حصر الموارد الجبائية الذاتية للجهة كما‬
‫حددتها المادة ‪ 911‬من قانون ‪ 999.94‬في حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجهة في‬
‫تحصيلها طبقا للتشريع الجاري به العمل‪ ،‬إذ تشكل هذه الضرائب والرسوم المصدراألساس ي‬
‫لتحقيق االستقالل المالي لميزانية الجهة والحد من تبعيهها لميزانية الدولة وهي بالنتيجة الركن‬
‫األساس ي لدعم دورالجهة في تحقيق التنمية‪.‬‬

‫فالجهة كجماعة ترابية متميزة داخل التنظيم الالمركزي اإلداري‪ ،‬تسعى إلى تحقيق‬
‫المصالح العامة حالها حال الدولة‪ ،‬من تم فإن تحقيق االنسجام العملي يكون ضروريا بين‬
‫الطرفين‪ ،‬ابتداء من عملية توزيع وتحويل االختصاصات فيما بينهما وحتى تنفيذها‪ ،‬يتطلب األمر‬
‫على امتداد هذه المراحل تخصيصا ماليا كافيا‪ .‬وكما أنها تشارك الدولة في تحمل األعباء العامة‪،‬‬

‫‪ -58‬المصطفى معمر‪" :‬أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية ‪ -‬دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم‬

‫‪ 11.311‬المتعلق بالجهات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.02 :‬‬

‫‪P 37‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫فمن الضروري دعمها ماليا وقانونيا لمساعدتها على أداء وظائفها من خالل اإلنفاق املخطط‬
‫والهادف إلى تحقيق تقدم في كافة املجاالت الجهوية واملحلية‪.‬‬

‫نجد أن المادة ‪ 911‬من القانون رقم ‪ 999.94‬قد عملت على حصر جميع موارد الجهة‬
‫وحددتها ووزعت إلى مصادر متعددة ومتنوعة‪ ،‬في اتجاه ضمان تمويل ذاتي كافي للجهة يعزز‬
‫استقاللها المالي‪ ،‬هذه الموارد موزعة على الشكل التالي‪:‬‬

‫الموارد الجبائية الذاتية للجهة ‪:‬‬

‫‪ ‬حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجهة في تحصيلها طبقا للتشريع الجاري به‬
‫العمل؛‬

‫موارد ذاتية غيرجبائية لفائدة الجهة ‪:‬‬

‫‪ ‬حصيلة األتاوى املحدثة طبقا للتشريع الجاري به العمل؛‬

‫‪ ‬حصيلة األجورعن الخدمات المقدمة ( المادة ‪ 11‬من القانون رقم ‪) 999.94‬؛‬

‫‪ ‬حصيلة الغرامات طبقا للتشريع الجاري به العمل؛‬

‫‪ ‬حصيلة االستغالالت واألتاوى وحصص األرباح‪ ،‬وكذلك الموارد وحصيلة المساهمات‬


‫المالية المتأتية من المؤسسات والمقاوالت التابعة للجهة أو المساهمة فيها؛‬

‫‪ ‬دخول األمالك والمساهمات؛‬

‫‪ ‬حصيلة بيع المنقوالت والعقارات؛‬

‫‪ ‬أموال المساعدات والهبات والوصايا؛ باالضافة إلى مداخيل مختلفة وموارد أخرى(‪.)...‬‬

‫إن دراسة بنية هذه المداخيل تستلزم إبداء مجموعة من المالحظات واالستنتاجات‪:‬‬

‫فبالنسبة لألتاوى‪ ،‬إن تسمية األتاوى لها فائدة قانونية وعملية مهمة‪ ،‬فهو يميزها عن‬
‫دائرة الرسوم التي يعود للسلطة التشريعية وحدها عمال بأحكام دستور‪ 2199‬أمرسن القواعد‬
‫المنظمة ألوعيهها وأسعارها وطرق تحصيلها والمنازعة فيها‪ .‬أما األتاوى فهي تخرج من هذه‬
‫الدائرة ويعود أمرتأسيسها أوتعديلها للسلطة التنظيمية‪ .‬وهي مساهمات تفرض على المرتفقين‬

‫‪P 40‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫من أجل تغطية تكاليف إحداث أو صيانة أو إدارة منشأة عامة‪ ،‬مقابل خدمات أو استعمال‬
‫مرفق عمومي(‪.)59‬‬

‫أما بالنسبة لألجور عن الخدمات المقدمة‪ ،‬فإن القانون التنظيمي أسند للمجالس‬
‫سلطة إحداثها وتحديد سعرها‪ ،‬فصالحية املجلس في هذا الباب تقريرية حيث يمتلك سلطات‬
‫وضع وتقدير أسعار هذه األجور حسب ظروف الجهة وو اقع المرتفقين‪ .‬ويتعلق األمر بسعر‬
‫يقبض مقابل خدمة أو منفعة عمومية صناعية أو تجارية يحصل عليها المرتفق وفق قواعد‬
‫السوق‪.‬‬

‫وبالنسبة لدخول أمالك الجهة فهي دخول تتحقق لميزانية الجهة من مختلف‬
‫المعامالت الجارية على ذمهها المالية والعقارية‪ ،‬فمن حق الجماعة أن تتصرف بموجب القانون‬
‫في أصولها بمختلف المعامالت القانونية المرخص بها كالبيوعات واالكتراءات واالقتناءات‬
‫والمبادالت وكل المعامالت األخرى المأذون بمباشرتها على الملك الخاص للجهة(‪.)60‬‬

‫أما دخول المساهمات فهي دخول تتحصل عليها الجهة من مختلف األرباح والعائدات‬
‫والمكاسب الناتجة عن مساهمهها في المقاوالت التجارية والصناعية والخدماتية (‪.).....‬‬

‫نخلص إلى أنه‪ ،‬لكسب رهان الديمقراطية ينبغي تمكين الجهة من التصرف في ثرواتها‬
‫وتطويرها وتحويل حق استخالص جباية بعض أصناف الضرائب من الدولة إلى الجهة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الموارد المالية املحولة‬

‫تحتل الموارد الجبائية املحولة في جميع الدول نسبة عالية في بنية تمويل الميزانيات‬
‫الجهوية‪ ،‬غير أن طبيعة هذا التحويل تختلف من دولة إلى أخرى‪ ،‬فإذا كانت الجهة بألمانيا‬
‫تقتسم مع االتحاد الفيدرالي أغلب الموارد الضريبية ذات المردودية المرتفعة‪ ،‬هذا التقسيم‬
‫يكون محدد دستوريا‪ ،‬نفس الش يء بالنسبة للمجموعات المستقلة بإسبانيا حيث نجد توزيعا‬

‫‪ -59‬المصطفى معمر‪" :‬أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية‪ -‬دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم‬

‫‪ 11.311‬المتعلق بالجهات‪ ،"-‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 42‬و‪.47‬‬

‫‪ -60‬المصطفى معمر‪" :‬أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية ‪ -‬دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم‬

‫‪ 11.311‬المتعلق بالجهات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42 :‬‬

‫‪P 41‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫دستوريا للموارد المالية بين اإلدارة المركزية وهذه املجموعات‪ ،‬بينما بإيطاليا وفرنسا فإن‬
‫القانون العام هو الذي يحدد الموارد الضريبية لفائدة الجهات(‪.)61‬‬

‫وعلى غرار التشريعات المقارنة كفرنسا‪ ،‬قرر المشرع المغربي أن تستفيد الجهات من‬
‫جزء من حصيلة بعض الضرائب الوطنية‪ ،‬غيرأنه لم يحدد الضرائب الوطنية التي سوف يعود‬
‫جزء من مداخليها إلى الجهات و إنما أعطى بعض األمثلة على هذه الضرائب التي ترصدها الدولة‬
‫للجهات بموجب قو انين المالية‪ ،‬والسيما فيما يتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة على‬
‫الدخل والرسم على عقود التأمين(‪ .)62‬حددت نسبها في ‪ %1‬من حصيلة الضريبة على الشركات‪،‬‬
‫و‪ %1‬من حصيلة الضريبة على الدخل‪ ،‬و‪ %91‬من حصيلة الرسم على عقود التأمين‪ ،‬تضاف‬
‫إليها اعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة في أفق بلوغ سقف ‪ 91‬ماليين درهم سنة‬
‫‪.)63(2129‬‬

‫يالحظ بخصوص هذا النوع من الموارد‪ ،‬أنه يتأثر إيجابا وسلبا بقوانين مالية كل سنة‪،‬‬
‫وتظل بذلك رهينة بالوضعية المالية العامة للدولة‪ ،‬التي تتأثر بالتقلبات االقتصادية‬
‫والمالية(‪.)64‬‬

‫تعتبر الزيادة في النسبة املخصصة للجهات من حصيلة الضرائب الوطنية‪ ،‬تكريسا‬


‫قانونيا لما جاء في تقرير اللجنة االستشارية للجهوية‪ ،‬التي أوصت في تقريريها على أن الجهوية‬
‫المتقدمة تستوجب الزيادة في الموارد المرصودة للمجالس الجهوية من قبل الدولة بشكل‬
‫ملموس لكي تتمكن من إنجازأعمال هامة في مجال التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫والبيئية‪ .‬وذلك من خالل المطالبة بالرفع من حصة عائدات الضرائب والرسوم التي تخصصها‬

‫‪ -61‬فاطمة السعيدي مزروع‪" :‬اإلدارة المحلية الالمركزية بالمغرب"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،4113 ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدار‬

‫البيضاء‪ ،‬ص ‪.412‬‬

‫‪ -62‬المادة ‪ 022‬من الظهير الشريف رقم ‪ 0.01.23‬صادر في ‪ 41‬من رمضان ‪ 7( 0232‬يوليو ‪ )4101‬بتنفيذ القانون‬
‫التنظيمي رقم ‪ 000.02‬المتعلق بالجهات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2321‬بتاريخ ‪ 43‬يوليو ‪.4101‬‬

‫‪ -63‬المادة ‪ 022‬من القانون التنظيمي السالف الذكر رقم ‪ 000.02‬المتعلق بالجهات‪.‬‬

‫‪ -64‬علي الورضي‪" :‬مستقبل السياسة الجهوية بالمغرب"‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة سيدي‬
‫محمد بن عبد الله ‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية االجتماعية بفاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،4101-4102‬ص‪.474 :‬‬

‫‪P 42‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الدولة للجهات من ‪ %9‬إلى ‪ %1‬لكل من حصة الضريبة على الشركات وحصة الضريبة على‬
‫الدخل (‪.)65()....‬‬

‫كما أوصت اللجنة بالربط بين نقل االختصاصات الجديدة للجهات والنقل الموازي‬
‫لإلمكانيات المالية المطابقة لها‪ ،‬تم تكريس ذلك في دستور ‪ 2199‬كقاعدة أساسية للمالية‬
‫املحلية‪ ،‬حينما يؤكد على ضرورة أن يكون كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات‬
‫الترابية األخرى مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له‪ .‬وبذلك يكون واضع الدستورقد رأى ضرورة‬
‫دسترة المبدأ المنصوص عليه في المادة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 41.10‬المتعلق بالجهات‪ ،‬بحيث‬
‫نص في الفصل ‪ 949‬من الدستور‪ ،‬على أن‪" « :‬كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات‬
‫والجماعات الترابية األخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له»‪ .‬وتعتبر قاعدة التو افق‬
‫بين االختصاصات المنقولة والموارد المرصودة أساسية بالنسبة للدولة الموحدة‪ ،‬ليس فقط‬
‫إلنجاح التنمية املحلية‪ ،‬ولكن أيضا بشكل خاص من أجل الرقي باستقاللية الجماعات الترابية‬
‫في مواجهة كل تدخل وبدون حق للسلطات المركزية في الشؤون املحلية والجهوية(‪.)66‬‬

‫إن التكريس الدستوري لمبدأ المعادلة بين الموارد واالختصاصات‪ ،‬الهدف منه تعزيز‬
‫استقاللية الجهات خاصة في املجال المالي‪ ،‬ألن كل اختصاص ينقل إلى الجهة يشكل عبء مالي‬
‫إضافي على ماليهها‪ .‬فحسب المادة ‪ 14‬من القانون ‪ ،)67(999.94‬تشمل مجاالت االختصاصات‬
‫المنقولة من الدولة إلى الجهة بصفة خاصة؛ التجهيز والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي‬
‫والصناعة والتجارة والطاقة والماء والبيئة والتعليم والصحة والثقافة والرياضة‪ .‬ويكون تحويل‬
‫االختصاصات المنقولة إلى اختصاصات ذاتية للجهة أو الجهات المعنية‪ ،‬هذه االختصاصات‬
‫ال تنقل مرة واحدة وال تشمل كل الجهات بحيث يعتمد في نقلها مبدأ التدرج والتمايزبين الجهات‪.‬‬

‫‪ -65‬تقرير اللجنة االستشارية للجهوية‪ :‬التصور العام للجهوية المتقدمة‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬التصور العام‪ ،‬ص‪.30 :‬‬

‫‪ -66‬أمين الصميعي‪" :‬لسلطة الترابية في الدستور على ضوء التجربة الفرنسية ‪ -‬مساهمة في دراسة القانون الدستوري‬

‫المحلي"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪-‬‬

‫مراكش‪ ،4104-4100 ،‬ص‪.71 :‬‬

‫‪ -67‬القانون التنظيمي السالف الذكر رقم ‪ 000.02‬المتعلق بالجهات‪.‬‬

‫‪P 43‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ذهب الدستورالفرنس ي إلى أكثرمن ذلك بالتنصيص على أن استحداث كل اختصاص أو‬
‫توسيعه ترتبت عليه زيادة في نفقات البد وأن ترصد له موارد يحددها القانون(‪.)68‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن نقل أي اختصاص أو استحداثه أو توسيعه يجب أن يرصد له مورد مالي كافي‬
‫لكي ال يشكل االختصاص الجديد عبء إضافي على مالية محدودة ال تساعد على إنجاز أعمال‬
‫تنموية‪ ،‬ألن ازدياد وتنامي حجم االختصاصات الجهوية مقابل استقرارالموارد الجهوية‪ ،‬سيزكي‬
‫الوصاية المالية الممارسة على الجهات من خالل اللجوء المتزايد لإلمدادات والقروض‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬الموارد المتأتية من االقتراض‬

‫خول القانون ‪ 999.94‬إمكانية مالية جديدة لتدعيم الموارد المالية للجهة‪ ،‬حيث أكدت‬
‫العديد من مواد هذا القانون على إمكانية الحصول على قروض‪ ،‬والسيما المواد ‪ 11‬و‪991‬‬
‫و‪ ،212‬فالمادة ‪ 11‬جعلت اإلقتراضات والضمانات الواجب منحها من بين القضايا األساسية‬
‫التي يسهر مجلس الجهة على مناقشهها والتداول بشأنها‪ ،‬ومنحت لرئيس الجهة صالحية تنفيذ‬
‫مداوالت املجلس ومقرراته المتعلقة بإبرام عقود اإلقتراضات‪ ،‬كما أشارت المادة ‪ 991‬إلى‬
‫مسالة التأشير على المقررات المتعلقة باالقتراضات والضمانات وحددت السلطة الحكومية‬
‫المكلفة بذلك‪ ،‬بينما بينت المادة ‪ 212‬آجال التأشيروالمسطرة الواجب اتخاذها من قبل رئيس‬
‫الجهة في حالة عدم التأشيرداخل األجل املحدد‪.‬‬

‫حددت القواعد اإلجرائية لعمليات االقتراض التي تقوم بها الجهة بموجب مرسوم(‪.)69‬‬
‫عرف عملية االقتراض(‪ )70‬بأنها‪ « :‬كل عملية يتم بموجبها وضع أموال أو االلتزام بوضعها من‬
‫طرف مؤسسة ائتمان رهن تصرف الجهة التي تكون ملزمة بإرجاعها وفق شروط تعاقدية»‪.‬‬
‫يالحظ أن المشرع لم يترك الباب مفتوحا على تأويالت قد توسع أو تضيق من مدلول االقتراض‪،‬‬
‫هذا التعريف يزيل اللبس الذي يمكن أن يشوب عملية االقتراض‪ ،‬كما يساعد الباحث‬
‫والممارس على فهم القصد من عمليات االقتراض‪.‬‬

‫‪Article 72-2 : Constitution de la république française, Constitution du 4 octobre 1958, issue de la -68‬‬
‫‪(de la loi constitutionnelle n° 724/2008 du 23 juillet 2008). révision constitutionnelle de juillet 2008‬‬
‫‪ -69‬المرسوم رقم ‪ 1.2..1.2‬صادر في ‪ 22‬من رمضان ‪ .(2241‬يونيو ‪ )112.‬بتحديد القواعد التي تخضع لها‬

‫عمليات اإلقتراضات التي تقوم بها الجهة‪ ،‬جريدة الرسمية عدد ‪ 87.1‬بتاريخ ‪ 27‬يونيو ‪. 112.‬‬

‫‪ -70‬المادة األولى من المرسوم السالف الذكر رقم ‪.1.2..1.2‬‬

‫‪P 44‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫زاد هذا الحرص من خالل تحديد مجال إنفاق هذه القروض‪ ،‬إذ تخصص‪ ،‬بصفة‬
‫حصرية‪ ،‬لتمويل نفقات التجهيز‪ .‬كما يمكن أن تخصص لتمويل مساهمة الجهة في مشاريع‬
‫تكون موضوع عقود تعاون أو شراكة(‪ ،)71‬يمكن تفسير هذا التضييق والتشديد بحماية الجهة‬
‫المقترضة من أن تثقل كاهلها بديون أخرى تتعلق بالتسيير والتدبير أو مر افق اجتماعية‬
‫مسههلكة للنفقات دون أن يكون لها انعكاس اقتصادي على الجهة أو غيرها من النفقات التي‬
‫تتطلب أموال كثيرة قد تفوق قدرتها على التسديد‪ ،‬مما ال ينسجم مع مفهوم القرض وأهدافه‬
‫مادام هذا األخير نفقة إجبارية مؤجلة األداء حيث يتحتم على الجهة المقترضة أن تتولى‬
‫تخصيص موارد لسداد قيمة القرض وفوائده(‪.)72‬‬

‫فالقرض مورد استثنائي في تمويل الميزانيات العمومية‪ ،‬واللجوء إليه يجب أن يتم بشكل‬
‫استثنائي وفي حدود معينة‪ ،‬حتى ال تكون الموارد العمومية نفقات مؤجلة بشكل دوري‪ ،‬مادامت‬
‫الجهات المقترضة تلتزم برد مبلغ القرض مستقبال‪ ،‬وهو بذلك بمثابة ضريبة مستحقة لفائدة‬
‫مؤسسات االئتمان و اقع على الطرف المقترض‪ ،‬وذلك برد مبلغ القرض والفوائد المستحقة‬
‫عليه(‪.)73‬‬

‫فالجهة المقترضة مطالبة بمنح ضمانات تتناسب مع حجم القرض(‪ .)74‬وكان على واضع‬
‫المرسوم أن يبين طبيعة ونوعية هذه الضمانات ومعايير التناسب بين القرض والضمانات‪.‬‬
‫ونظرا للطابع المالي للقروض والضمانات التي تقتض ي التعامل بصرامة لتفادي التالعب‬
‫باألموال مع الليونة في نفس الوقت‪ ،‬فقد اشترط المو افقة المسبقة للسلطة الحكومية‬
‫المكلفة بالداخلية على مقررات مجلس الجهة المتعلقة باالقتراضات والضمانات حتى تصبح‬
‫قابلة للتنفيذ(‪ ، )75‬ألن من شأن هذه العمليات أن تتسبب في مديونية الجهة وقد تمتد هذه‬

‫‪ -71‬المادة ‪ 1‬من المرسوم اآلنف الذكر رقم ‪.1.2..1.2‬‬

‫‪ -72‬نجيب جيري‪" :‬الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية المحلية"‪ ،‬منشورات مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة‬

‫المعارف القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪ ،4102 ،12‬دار نشر المعرفة‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة – الرباط‪ ،‬ص‪.021 :‬‬

‫‪ -73‬نجيب جيري‪" :‬الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية المحلية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.072 :‬‬

‫‪ -74‬المادة ‪ 3‬من المرسوم السالف الذكر رقم ‪.4.07.422‬‬

‫‪ -75‬المادة ‪ 001‬من القانون التنظيمي السالف الذكر رقم ‪ 000.02‬المتعلق بالجهات‪.‬‬

‫‪P 45‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المديونية إلى مجالس جهوية متعاقبة وتلزمها بالتسديد‪ ،‬السيما وأن المشرع قد انفتح على‬
‫مؤسسات ائتمان متعددة سواء كانت وطنية أو أجنبية(‪.)76‬‬

‫حدد المرسوم شروط اللجوء إلى االستدانة من المؤسسات المالية الوطنية والدولية‪،‬‬
‫فبعد مرحلة التأشيرة على مقررات مجلس الجهة المتعلقة باالقتراضات والضمانات من طرف‬
‫السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية التي تجسد المر اقبة القبلية‪ ،‬تأتي مرحلة الترخيص التي‬
‫تجسد المر اقبة البعدية‪ ،‬حيث بعد توصل الجهة المعنية برسالة تحمل مو افقة مؤسسة‬
‫االئتمان المعنية‪ ،‬يقوم رئيس مجلس الجهة بإرسال نسخة من هذه المو افقة إلى كل من‬
‫السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية وبالمالية من أجل الترخيص باالقتراض من‬
‫المؤسسة المعنية داخل أجل ‪ 21‬يوما من تاريخ التوصل بنسخة من المو افقة‪ ،‬وذلك بعد‬
‫مر اقبة مدى احترام مداوالت مجلس الجهة والقدرة المالية للجهة على تسديد أقساط القرض‬
‫وبنود مشروع عقد القرض والضمانات الممنوحة من قبل الجهة(‪ ،)77‬إذ ال يكفي مو افقة‬
‫المؤسسة المالية على منح القرض للجهة بل تتوقف على ترخيص سلطتي المر اقبة اإلدارية‬
‫والمالية‪.‬‬

‫يحظى االقتراض بأهمية في القانون الفرنس ي لكونه يشكل مصدرا ثالثا لتمويل نفقات‬
‫الجهة‪ ،‬بحيث لم تعد هناك وصاية بهذا الشأن بعد خوصصة المؤسسة التي كانت متخصصة‬
‫في منح قروض للجماعات الترابية‪ ،‬وبالتالي حرية اللجوء إلى الخدمات البنكية‪ ،‬بشرط أن تكون‬
‫هذه القروض مخصصة لالستثمار‪ .‬وهكذا‪ ،‬أصبح االقتراض يساهم في تمويل ‪ %11‬من‬
‫استثمارات الجهات بفرنسا(‪.)78‬‬

‫‪ -76‬المادة الخامسة من المرسوم السالف الذكر رقم ‪.4.07.422‬‬

‫‪ -77‬المادة الخامسة من المرسوم السالف الذكر رقم ‪.4.07.422‬‬

‫‪ -78‬محمد حيمود‪" :‬تمويل الجهوية المتقدمة بالمغرب‪ :‬المرتكزات المالية والتدبيرية"‪ ،‬منشورات شبكة الحقوقيين المغاربة‪،‬‬

‫أشغال األيام المغاربية التاسعة للقانون المنظمة من طرف شبكة الحقوقيين المغاربيين(أيام ‪ 47-42‬أبريل ‪،4102 ،)4103‬‬

‫مطبعة المعارف الجديدة‪ -‬الرباط‪ ،‬ص ‪.03‬‬

‫‪P 46‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وبالنسبة أللمانيا‪ ،‬فإن الجهات تتوفر على حرية في اللجوء إلى القروض كمصدر لتمويل‬
‫نفقاتها سواء لدى المؤسسات العمومية أو الخاصة وإن كانت الجهات ملزمة بوضع برنامج‬
‫لالقتراض لمدة خمس سنوات يعرض على السلطات المالية االتحادية(‪.)79‬‬

‫أما في إيطاليا‪ ،‬فإن حرية الجهات االيطالية مقيدة مع الجهات األوربية بحيث ال يمكن‬
‫اللجوء إلى القروض إال بعد مصادقة السلطات المركزية‪ ،‬وعلى العموم‪ ،‬فإن الجهات ال تعتمد‬
‫كثيرا على القروض في تمويل نفقاتها بالمقارنة مع الجماعات واألقاليم(‪.)80‬‬

‫أما فيما يتعلق بإسبانيا‪ ،‬فإن املجموعات المستقلة االسبانية ال تتوفر على حرية كاملة‬
‫في هذا املجال بحيث هناك بعض القيود التي حددها القانون التنظيمي لسنة ‪ 9111‬كتخصيص‬
‫القروض لتمويل االستثمارات الجديدة‪ ،‬وأن ال تتجاوز األقساط السنوية والفوائد ‪ % 21‬من‬
‫المداخيل الجارية للمجموعة المقترضة‪ ،‬كما أن املجلس الوطني للسياسة المالية يمارس‬
‫مر اقبة على سياسة االقتراض بحيث يجب الحصول على مو افقته فيما يخص القروض‬
‫األجنبية(‪.)81‬‬

‫أما في التجربة المغربية‪ ،‬فقد شكل صندوق التجهيزالجماعي المؤسسة االئتمانية األولى‪،‬‬
‫بالنظرإلى االمتيازات التي يوفرها للجماعات الترابية كمؤسسة مختصة بمنح القروض املحلية‪،‬‬
‫بحيث يرصد أمواله رهن إشارة الجماعات مقابل فوائد‪ ،‬وذلك في إطار إنجازها للمشاريع‬
‫التجهيزية األساسية‪ ،‬وهي في الغالب مشاريع اقتصادية منتجة‪ ،‬ستمكن الجماعات الترابية‬
‫مستقبال من تنمية مواردها الذاتية‪ ،‬سواء بشكل مباشر في حالة المشاريع الجماعية المعدة‬
‫لالستغالل بمقابل أو بشكل غير مباشر في حالة المشاريع التجهيزية من البنيات التحتية‬
‫المنشطة للحياة االقتصادية(‪.)82‬‬

‫‪ -79‬عبد الحق المرجاني‪" :‬الجهوية في بعض الدول المتقدمة وواقعها وآفاقها في المغرب"‪ ،‬منشورات المجلة المغربية‬
‫لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،2-7‬أبريل – شتنبر ‪ ،0222‬مطبعة دار النشر المغربية‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ -80‬توفيق منصوري‪" :‬النموذج اإليطالي للجهوية"‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية‪ ،‬عدد خاص‪،‬‬
‫يونيو ‪ ،4111‬مطبعة الرسالة– الرباط‪ ،‬ص‪.022 :‬‬

‫‪ -81‬مصطفى بلقزبور‪" :‬الجهوية الموسعة بإسبانيا‪ -‬المجموعات المستقلة‪ ،"-‬منشورات سلسلة الالمركزية واإلدارة الترابية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،02‬الطبعة الثالثة‪ ،4104 ،‬مطبعة طوب بريس– الرباط‪ ،‬ص‪.027 :‬‬
‫‪ -82‬نجيب جيري‪" :‬الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية المحلية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.072 -072 :‬‬

‫‪P 44‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وقد أبانت هذه التجربة عن محدودية سياسة االقتراض في دعم تمويل النظام المالي‬
‫للجهات فباإلضافة إلى حضورسلطة الوصاية‪ ،‬فهناك معاييروضعها صندوق تجهيزالجماعات‬
‫للحسم في أهلية هذه الوحدات الالمركزية لالقتراض عبر تحليل وضعيهها المالية الترابية‪ ،‬إذ‬
‫أخذ هذا الصندوق بعين االعتبار في منحه للقروض‪ ،‬القدرة التسديدية للجماعات الترابية‬
‫واشترط تحضيرملفات ودراسات تقنية بشأن المشاريع التي ترغب الوحدات التربية الالمركزية‬
‫في تمويلها عن طريق القروض‪ ،‬وهو ما يتعذر على عدد منها بالنظر لقلة األطر المؤهلة لهذه‬
‫المهمة‪ ،‬مما يوحي بأن سياسة االقتراض التي يرتكز عليها الصندوق تنبني على التعامل مع‬
‫الجماعات الترابية بعقلية تعامل البنك مع مقاوالت القطاع الخاص‪ .‬فتكون النتيجة تبعا‬
‫لذلك‪ ،‬ضعف مساهمة الصندوق في دعم املجهود التنموي الجهوي‪ ،‬إذ احتلت الجهات المرتبة‬
‫األخيرة ضمن زبناء صندوق التجهيز الجماعي بنسبة ‪ %4‬سنة ‪ ،)83(2111‬ولتجاوز هذا اإلشكال‬
‫اقترحت اللجنة االستشارية للجهوية توسيع طاقات صندوق التجهيز الجماعي وإشراك القطاع‬
‫البنكي بإقامة "كونسرسيومات" معه‪ ،‬خاصة المشاريع القابلة للتمويل البنكي‪ .‬ويرخص للمجال‬
‫الجهوية‪ ،‬في المرحلة األولى‪ ،‬اللجوء إلى سوق السندات الداخلية‪ ،‬وفي مرحلة الحقة إلى السوق‬
‫الخارجية(‪ .)84‬ففي القانون ‪ 999.94‬المتعلق بالجهات والمرسوم(‪ ،)85‬لم ترد اإلشارة إلى صندوق‬
‫التجهيزالجماعي و إنما ينصان صراحة على مؤسسة االئتمان لمنح القروض للجهات‪.‬‬

‫وضمانا للمرونة في عملية إرجاع القرض‪ ،‬يمكن للجهة المقترضة أن تعيد جدولة تسديد‬
‫أقساط القروض أو تسديدها بكيفية مسبقة إن توفر لها الفائض المالي الكفيل بذلك بعد‬
‫مو افقة مجلسها(‪ .)86‬وتكون عملية إعادة الجدولة موضوع عقد جديد مع مؤسسة االئتمان‬
‫دون الحصول على ترخيص من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية‬
‫المكلفة بالمالية‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬إكراهات االستقالل المالي الجهوي‬

‫‪ -83‬محمد حيمود ‪" :‬تمويل الجهوية المتقدمة بالمغرب‪ :‬المرتكزات المالية والتدبيرية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.030 :‬‬

‫‪ -84‬اللجنة االستشارية للجهوية ‪ :‬تقرير حول الجهوية المتقدمة‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬التصور العام‪ ،‬ص‪.30 -31 :‬‬

‫‪ -85‬المرسوم رقم ‪ 4.07.422‬بتحديد القواعد التي تخضع لها عمليات اإلقتراضات التي تقوم بها الجهة‪ ،‬سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬

‫‪ -86‬المادة الثامنة من المرسوم السالف الذكر رقم ‪.4.07.422‬‬

‫‪P 42‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إن تكريس مبدأ التدبير الحر دستوريا جاء لتعزيز نظام الالمركزية بالمغرب‪ ،‬فهو ال يقف‬
‫عند منح الجهات موارد مالية كافية و إنما منحها أيضا سلطات حقيقية لتحديد طبيعة هذه‬
‫الموارد ومصدرها‪ ،‬بأن تتوفر على سلطات جبائية مستقلة وليس سلطة تدبير الموارد ذات‬
‫المصدرالخارجي‪ ،‬وهو ما سنعمل على توضيحه من خالل التطرق إلى مركزية فرض الضريبة في‬
‫(الفقرة األولى) ثم إلى محدودية التمويل الذاتي للجهة يكرس التبعية لمالية الدولة في (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األول‪ :‬مركزية فرض الضريبة‬

‫كانت الضريبة والزالت إحدى تجليات سيادة الدولة‪ ،‬ففي جميع الدول كيفما كانت‬
‫طبيعهها الدستورية‪ ،‬ارتبطت الضريبة بالسيادة الوطنية‪ ،‬والمغرب بدوره لم يخرج عن هذه‬
‫القاعدة‪ ،‬بحيث يعود فرض و إنشاء الضريبة إلى القانون وحده (البرلمان)‪ ،‬أي أن الجهاز‬
‫التشريعي هو المؤهل لوحده بموجب النص الدستوري لخلق كل اقتطاع جبائي جديد بالرغم‬
‫من أنه على المستوى العملي قد يعمد النص القانوني إلى تفويض الحكومة للقيام بإحداث‬
‫بعض االقتطاعات الجبائية(‪.)87‬‬

‫كرس المشرع الدستوري هذا المبدأ في الفصل ‪ 91‬من دستور ‪ 9110‬إذ نص ‪<< :‬على‬
‫الجميع أن يتحمل كل قدراستطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصالحية إلحداثها‬
‫وتوزيعها‪ .»...‬نفس الش يء أكده دستور‪ 2199‬في الفصلين ‪ 31‬و‪ 11‬بالتنصيص على أن قانون‬
‫المالية يصدر عن مجلس النواب‪ ،‬يبين القانون التنظيمي للمالية شروط مناقشة البرلمان‬
‫لمشروع قانون المالية والتصويت عليه من خالل توضيح اختصاصات البرلمان في هذا املجال‪،‬‬
‫وقد نص القانون التنظيمي للمالية رقم ‪ 1.11‬على اختصاص البرلمان في مناقشة مشروع‬
‫القانون المالي والتصويت عليه‪.‬‬

‫إن البرلمان هو المؤهل وحده في تحديد الضريبة وأساسها ومقدارها وطرق تحصيلها‪،‬‬
‫كما هو مبين في الفصل ‪ 19‬من دستور‪ 2199‬الذي ينص على أن البرلمان يحدد أيضا الضرائب‬
‫والرسوم املحلية‪ ،‬مما يجعل سلطة فرض الضريبة بالمغرب تعود إلى السلطة التشريعية‬

‫‪ -87‬محمد قزيبر ‪" :‬حدود الدور الجبائي للجماعات المحلية"‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج‬

‫‪ ،22-27‬يوليو‪ -‬أكتوبر ‪ ،4112‬مطبعة دار النشر المغربية‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬ص‪.001 :‬‬

‫‪P 47‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المركزية‪ .‬وهو ما يتناسب مع شكل الدولة البسيط والموحد حيث يتكرس هذا الوضع بشكل‬
‫خاص مقارنة بالدول المركبة‪.‬‬

‫ولعل االختصاص الحصري للبرلمان بفرض الضريبة يحقق عدة مزايا أهمها(‪:)88‬‬

‫‪ ‬تفادي االزدواج الضريبي داخل الدولة الواحدة بين السلطة المركزية من جهة والسلطة‬
‫املحلية من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ ‬توحيد السياسة الجبائية‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تم تبرير حصر خلق الضرائب بالجهاز التشريعي بمبدأ وحدة الدولة ووحدة‬
‫سيادتها‪ ،‬بمعنى أن هناك مصدر واحد للسيادة يمارس على مجموع التراب الوطني‪ ،‬وبالتالي‬
‫فاختصاصات السيادة ومن ضمنها االختصاص الجبائي ال يمكن تفويضه للجماعات الترابية‬
‫مما قد يمس بوحدة سلطة وضع القواعد وبالتالي الطبيعة الموحدة للدولة(‪ .)89‬ومن جهة‬
‫أخرى‪ ،‬فتوحيد السياسة الجبائية يتطلب توحيد مصدر فرض الضريبة لما لعملية الفرض‬
‫الضريبي من أبعاد اقتصادية واجتماعية‪ ،‬حيث أن النظام الجبائي الحديث ال يقتصردوره على‬
‫مجرد توفير المال الضروري لتغطية نفقات الجماعات الترابية بل يتعدى ذلك إلى تحقيق‬
‫أهداف التنمية الشاملة(‪.)90‬‬

‫تميزت المنظومة الجبائية بالمغرب بتكريس المبدأ الدستوري المتعلق بمركزية فرض‬
‫الضريبة ومع أن هذه المنظومة منحت هامشا من "الحرية التشريعية" للمجالس التداولية‪،‬‬
‫السيما تحديد أسعار بعض الرسوم والضرائب‪ ،‬إال أن ذلك لم يكن كافيا للتقليص من القيود‬
‫على دورهذه املجالس في العمليات الجبائية‪ ،‬بحيث أن الدولة ظلت تمارس هيمنة مطلقة فيما‬
‫يتعلق بمحتوى الجباية املحلية‪.‬‬

‫‪ -88‬محمد عالي أدبيا‪" :‬إشكالية االستقالل المالي للجماعات المحلية في المغرب"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪،‬‬

‫جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية عين الشق‪ -‬الدار البيضاء‪ ،4110-4111 ،‬ص‪:‬‬

‫‪.407-402‬‬
‫‪François Labie : «Finances locales», Dolloz, 1995, p : 13. -89‬‬
‫‪ -90‬أحمد حضراني‪" :‬النظام الجبائي المحلي على ضوء التشريع المغربي والمقارن"‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة‬

‫المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية‪ ،‬العدد ‪ ،44‬الطبعة األولى ‪ ،4110‬مطبعة المعارف– الرباط‪ ،‬ص‪.00 :‬‬

‫‪P 50‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إن الفقه الفرنس ي ربط بين القدرة الضريبية واالستقالل المالي املحلي(‪ ،)91‬بحيث يجب‬
‫التأكيد‪ ،‬فيما يتعلق بتحديد مفهوم االستقالل المالي المرتبط بالجماعات الترابية‪ ،‬على‬
‫ضرورة عدم الخلط بين االستقالل من حيث التدبير واالستقالل على مستوى التقرير‪ .‬ففي‬
‫الحالة األولى‪ ،‬فإن تحويالت مالية من طرف الدولة تكون كافية حتى نحدد وجود استقالل المالي‬
‫من عدمه‪ ،‬مع العلم بأن هذه التحويالت ينبغي لها أن تكون غنية وموضوعة الستخدام حر‪ .‬أما‬
‫في الحالة الثانية‪ ،‬يظهركقدرة مالية موسعة بحيث تتيح للسلطة المعنية بها إمكانية التحكم في‬
‫البعض من مصادرالتمويل كما هو الشأن بالنسبة لالقتراض‪ ،‬وبشكل خاص مسألة الضرائب‬
‫والتي تظل المقياس الحقيقي لوجود هذا االستقالل(‪.)92‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن الحديث عن االستقالل المالي الجهوي في غياب سلطة ضريبية جهوية ال‬
‫يستقيم‪ ،‬ففي الو اقع العملي فالسلطة الضريبية الوحيدة والحقيقية هي المشرع‪ ،‬على اعتبار‬
‫أن السلطة الضريبية ترتبط بوجود سلطة سياسية‪ ،‬فالتكريس القانوني لهذه المعادلة يقودنا‬
‫إلى القول بأنه ال وجود لسلطة سياسية دون سلطة ضريبية‪ ،‬واالعتراف بوجود هذه األخيرة‬
‫للجماعات الترابية يؤكد الطبيعة السياسية للقوة الترابية‪ ،‬باعتبارها أصبحت تحوز‬
‫اختصاصا سياسيا يمكن أن يرتكزعليه هامش استقاللها‪.‬‬

‫لم تستفد الجماعات الترابية والسيما الجهة داخل الدولة الموحدة من مسألة التكريس‬
‫الدستوري لالستقالل المالي أو الضريبي‪ .‬حيث إن مبدأ الدولة وعدم قابليهها للتجزيء‪ ،‬غير‬
‫متو افقة بطبيعهها مع االعتراف بوجود سلطة مالية وضريبية حقيقية على المستوى الجهوي‬
‫واملحلي(‪.)93‬‬

‫وقد أفرزالتطورالتاريخي للدولة‪ ،‬إرساء قاعد المو افقة على الضريبة من طرف الشعب‬
‫من خالل ممثليه في البرلمان‪ ،‬وذلك بالتدخل في تأسيس الضريبة‪ ،‬وبهذا أضحى االختصاص‬

‫‪UHALDEBORDE (JEAN-MICHEL) : «L’autonomie financière et fiscale des collectivités locales: -91‬‬


‫‪L’horizon embrumé de la décentralisation», in «Gestion et droit des collectivités locales. Nouveaux‬‬
‫‪horizons, vingt ans après la loi du 2 mars, 1982», Gaz. Communes, cahier détaché n° 2-18 /1692, 5 mai‬‬
‫‪2003, p: 118.‬‬
‫‪De l’autonomie financière et de la libre administration des collectivités »BOUVIER MICHEL: -92‬‬
‫‪territoriales», JCP administrations et collectivités territoriales, 28 octobre 2002, n° 1097, p: 100 .‬‬
‫‪RFDA, 1992, P : 454. , «les garanties constitutionnelles du pouvoir financier local» :PHILIP -93‬‬

‫‪P 51‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الحصري للمشرع في املجال الضريبي والذي يعتبر كإحدى تجليات ممارسة السيادة(‪ ،)94‬بينما‬
‫تكتفي الوحدات الالمركزية بتطبيق الضريبة فقط‪.‬‬

‫أولت الدولة اهتماما متزايدا للجماعات الترابية والسيما الجهة التي أصبحت تقوم بدور‬
‫طالئعي في املجال االقتصادي واالجتماعي والثقافي والبيئي‪ ،‬وتحولت بذلك إلى فاعل حقيقي في‬
‫التنمية‪ ،‬وبالتالي فإن مطلب تمكين الجهة أصبح يفرضه الو اقع‪ ،‬لذا ينبغي تمكينها من سلطة‬
‫جبائي ة حقيقية‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬خاض المغرب إصالحات مؤسساتية توجت بإصالحات‬
‫دستورية والسيما تبني المغرب لجهوية متقدمة التي تقتض ي بالضرورة إصالح النظام المالي‬
‫املحلي والجهوي وإعطاء المزيد من الحرية للمجالس المنتخبة في مجال الجبايات‪ ،‬غيرأننا نجد‬
‫الدستور الحالي ‪ ،2199‬قد حسم في مصير ومآل النظام الجبائي الجهوي واملحلي‪ .‬إذ حدد في‬
‫فصله ‪ 19‬لالئحة من الميادين التي يختص البرلمان بالتشريع فيها‪ ،‬من بينها النظام الضريبي‬
‫ووعاء الضرائب ومقدارها وطرق تحصيلها‪ .‬وأن السلطة الجبائية للمجالس الجهوية تبقى‬
‫محدودة ومحصورة داخل حدود ما يضعه القانون ويحدده‪ ،‬فال يحق للجهة أن تقوم بخلق‬
‫الضرائب وربطها و إنما يجب أن يقتصر دورها في إقامة أسعار هذه الضرائب داخل إطار‬
‫السقوف القانونية(‪ ،)95‬أي أن االستقالل المالي للجهات المتعلق بالجانب ضريبي يبقى مرتبط‬
‫باعتبارات خارجية تتمثل في إرادة المشرع والتي ال يمكن للجهة أن تقررخارجها‪.‬‬

‫إن وضعية تغييب الجهات في مجال تأسيس الجباية تتأكد من خالل استبعاد أي سلطة‬
‫تأسيسية للجهات سواء أصلية أو فرعية في المادة الجبائية‪ ،‬يجعل النظام الالمركزي بالمغرب‬
‫ال يرقى بعد إلى االقتراب من نظام الجهوية السياسية‪ ،‬والذي قد يسمح بمنح اختصاصات‬
‫واسعة للهيآت الالمركزية خاصة الجهات في المادة الجبائية(‪ )96‬باالعتراف لها بصالحية التشريع‬
‫الجبائي‪.‬‬

‫‪ -94‬محمد الشكيري‪" :‬التشريع الضريبي المغربي"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،0222 -0227 ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدار البيضاء‪،‬‬

‫ص ‪.27‬‬

‫‪ -95‬المصطفى معمر‪" :‬إكراهات النظام المالي للجهة بالمغرب"‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية‪ ،‬عدد‬

‫خاص‪ ،‬يونيو ‪ ،4111‬مطبعة الرسالة– الرباط‪ ،‬ص‪.072 :‬‬

‫‪ -96‬محمد قزيبر‪" :‬حدود الدور الجبائي للجماعات المحلية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.002 :‬‬

‫‪P 52‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يبدو أن االستقالل المالي للجهة اختزل في وضع الميزانية أو في مجرد االستقالل في‬
‫تدبيرها‪ ،‬ألن السلطة الالمركزية تبقى خاضعة للسلطة السياسية المركزية التي هي المشرع‬
‫األصلي صاحب االختصاص الوحيد والحقيقي فيما يتعلق بالتشريع في املجال المالي‪ ،‬حيث‬
‫يرتبط هذا االستقالل بتوفر الجهة على ميزانية خاصة بها والتصرف بحرية في مجال التسيير‬
‫المالي في شقيه المتعلق بالمداخيل والنفقات و أيضا بمدى توفرها على سلطة تحديد مداخليها‬
‫ونفقاتها حين إعداد الميزانية‪ ،‬هذا إذا ما استحضرنا الطابع اإلجباري لجميع نفقات التسيير‬
‫والتدخل الجلي للسلطة المركزية في مسطرة الموازنة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية التمويل الذاتي للجهة يكرس التبعية لمالية الدولة‬

‫إن عدم قدرة الجماعات الترابية على تمويل تكاليف التسيير ونفقات التدبير العادي‬
‫يؤدي بالضرورة إلى إضعاف قدرتها التدبيرية‪ ،‬وإذا كان االعتماد على التمويل المركزي لموازنة‬
‫التكاليف مع الموارد‪ ،‬فإن هذه التبعية عادة ما يصاحبها نوع من التدخل أو التوجيه المؤثر في‬
‫النشاط المالي الترابي وبرمجة مضامين الميزانية التر ابية(‪.)97‬‬

‫يقصد بالتمويل المركزي الحصة المالية التي تخصصها الدولة من مداخيلها الجبائية‬
‫لفائدة الجماعات الترابية بهدف تغطية نفقاتها وموازنة وضعيهها المالية‪ ،‬وهذه الحصص‬
‫تكون محددة قانونا سواء فيما يتعلق بالضرائب المعنية أو بالنسب املخصصة كحصة لهذه‬
‫الهيآت الالمركزية‪.‬‬

‫إن هذا الو اقع يكرسه القانون ‪ )98(999.94‬بموجب المادة ‪ 910‬التي نظمت توزيع الموارد‬
‫وفق الصيغة التالية‪" :‬تتوفرالجهة لممارسة اختصاصاتها على موارد مالية ذاتية وموارد مالية‬
‫ترصدها الدولة وحصيلة اإلقتراضات"‪ .‬كما تأكد المادة ‪ 911‬من هذا القانون على استمرارية‬
‫هذه التبعية الجبائية الجهوية لميزانية الدولة‪ ،‬حيث أبقت على باب التحويالت من ميزانية‬
‫الدولة إلى ميزانيات الجهة مفتوحا‪ ،‬بنصها على تخويلها حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب‬
‫الدولة املخصصة للجهة بمقتض ى قوانين المالية‪ .‬كما تنص المادة ‪ 911‬من القانون المذكور‬
‫على أنه‪ ،‬يتعين على الدولة أن تقوم بموجب قوانين المالية برصد موارد مالية قارة وكافية‬

‫‪ -97‬عبد اللطيف بروحو‪" :‬مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية"‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة‬
‫المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مواضيع الساعة‪ ،‬العدد ‪ ،27‬الطبعة الثانية ‪ ،4102‬مطبعة المعارف الجديدة – الرباط‪ ،‬ص‪.330 :‬‬
‫‪ -98‬القانون التنظيمي السالف الذكر المتعلق بالجهات رقم ‪.000.02‬‬

‫‪P 53‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫للجهات لممارسة اختصاصاتها الذاتية؛ وكذا تحويل الموارد المالية المطابقة لممارسة‬
‫االختصاصات المنقولة إليها‪.‬‬

‫إذا كانت هذه المقتضيات ال تثير ظاهريا أية إشكاالت‪ ،‬على اعتبار أن تمويل المشاريع‬
‫المرتبطة باالختصاصات يكون مضمونا من الناحية القانونية‪ ،‬فإن ممارسهها بهذا الشكل وبهذا‬
‫التمويل وفي ظل نظام للرقابة المالية يتضمن آليات التوجيه والتدخل‪ ،‬يقيد حرية التصرف‬
‫لدى الجهة‪.‬‬

‫إن محدودية التمويل الذاتي ال تؤثر فقط في قدرة الجهة على ممارسة اختصاصاتها‬
‫الخاصة بالحرية الالزمة وباالستقالل المطلوب‪ ،‬و إنما بنزوع السلطات المركزية إلى التدخل‬
‫والتأثير في تدبير الشأن الجهوي‪ ،‬فالتمويل المركزي للنفقات الجارية للجهات وكذا تمويل‬
‫للمشاريع التنموية يؤدي في غالب األحيان إلى مصاحبة هذا التمويل بنوع من الرقابة المفرطة‬
‫على النشاط المالي الجهوي‪ ،‬هذه الرقابة تكون في بعض األحيان مجسدة في التوجيهات التي‬
‫تصدرها سلطات الوصاية التي تر اقب الحقا مدى االلتزام بها‪ ،‬كما يقترن التمويل في أحايين‬
‫أخرى بتوجيه صريح في اتجاه اتخاذ تدابيربعينها أواعتماد سياسة معينة أو تنزيل برامج محددة‪،‬‬
‫وتر اقب مدى التزام الجهات بما تم فرضه عليها في هذا الصدد(‪.)99‬‬

‫إن معالجة هذا المشكل كان باإلمكان أن يتم بمناهج أخرى بنيوية تضمن للجماعة‬
‫الترابية استقاللها التمويلي واإلداري‪ ،‬بحيث بدل التشريع لنظام جبائي تراكمي تفرض في إطاره‬
‫الضرائب والرسوم املحلية مع ضرائب الدولة والجهات على نفس القواعد واألوعية الجبائية‬
‫وتحتفظ فيه الدولة بقرارات وضع قواعد تحديد األوعية والحساب والتحصيل وال تفوض إال‬
‫سلطات محدودة للمستويات الالمركزية‪ ،‬فإنه ومن أجل تطوير الالمركزية‪ ،‬يمكن اعتماد نظام‬
‫جبائي تراتبي يتم فيه تخصيص أوعية جبائية مستقلة وخاصة بكل مستوى من مستويات‬
‫التنظيم اإلداري للمملكة وتمنح فيه صالحيات واسعة لإلدارة الجبائية املحلية واملجالس‬
‫التداولية الالمركزية ويتم فيه التخلي عن بعض الضرائب الوطنية للمستويات املحلية(‪.)100‬‬

‫‪ -99‬نجيب جيري ‪" :‬الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية المحلية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.070 :‬‬

‫‪ -100‬المصطفى معمر‪" :‬آفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية ‪ -‬دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم‬

‫‪ 11.311‬المتعلق بالجماعات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40 :‬‬

‫‪P 54‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫كما تثير مسالة نقل االختصاصات إشكاالت ترتبط باالستقالل المالي وبهامش التصرف‬
‫املخول للجهات‪ ،‬فدستور ‪ 2199‬ربط مسألة نقل االختصاصات من الدولة إلى الجهات بتحويل‬
‫الموارد المالية المطابقة لها‪ .‬وبينت المادة ‪ 911‬من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات أن‬
‫هذا التمويل يكون بموجب قوانين المالية‪ ،‬غير أن هذه العملية تكون مرفقة بإجراءات تحد‬
‫بشكل كبير من درجة االستقالل المالي للجهات وتضيق إلى حد كبير قدرتها على اتخاذ القرار‬
‫وتنفيذه‪ ،‬فإذا كانت النصوص القانونية تتحدث عن "نقل االختصاصات" فإن تحويل‬
‫اإلعتمادات المالية يتم وفق مسطرة خاصة تؤدي إلى تنزيل برنامج متكامل ومشروع جاهز‬
‫للتنفيذ يوجه إلى الجهة المعنية مع التحويالت المالية المالئمة‪ ،‬هذا يعني بأن الجهة تصبح هنا‬
‫مجرد منفذ في عين المكان للمشاريع المركزية عوض أن تكون هي المبادرة إلى برمجة وتنفيذ‬
‫القرارات المالية المتعلقة بها‪ ،‬كما أن الرخص الخاصة بهذا الشكل يتم دون أي تداول وتصويت‬
‫في املجالس الجهوية بحجة أن األموال مصدرها هيآت أخرى وال عالقة للمجالس بها(‪.)101‬‬

‫إن إشكالية ضعف مردودية الموارد الذاتية في تمويل النفقات الجهوية يطبع النظام‬
‫المالي ألغلب الدول سواء ذات نظام فيدرالي أوموحد‪ ،‬فمثال في ألمانيا ال تتجاوزمساهمة الموارد‬
‫الذاتية في تمويل النفقات الجهوية ‪ ،%9‬ونفس النسبة في إيطاليا‪ ،‬بينما في إسبانيا احتلت‬
‫الضريبة الذاتية ‪ %2‬سنة ‪ 9114‬من الموارد المالية للمجموعات المستقلة‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫لفرنسا فهي ال تتوفر على موارد مالية خاصة بها و إنما تعتمد بشكل أساس ي على الضرائب‬
‫املحلية للجماعات عن طريق فرض أسعارإضافية بجانب أسعارالجماعات واألقاليم‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬نجد أن هذا النوع من التمويل في جل الدول األوروبية ضعيفا في بنية التمويل‬
‫الجهوي بحيث غالبا ما تكون الجهات تتوفر على بعض الرسوم القليلة األهمية والضعيفة‬
‫المردودية‪ ،‬كما أن الجهات تبتعد عن فرض رسوم وضرائب جهوية وذلك لدو افع سياسية‬
‫و انتخابية(‪.)102‬‬

‫ويمكن إقرارموارد ذاتية جديدة عبرتوسيع الوعاء الضريبي من خالل ‪:‬‬

‫‪ -101‬عبد اللطيف بروحو‪" :‬مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.422‬‬

‫‪ -102‬عبد الحق المرجاني‪" :‬الجهوية في بعض الدول المتقدمة وواقعها وآفاقها في المغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬

‫‪P 55‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ o‬فرض رسوم جديدة تتماش ى مع خصوصيات كل جهة وذلك تجاه مستعملي‬


‫التجهيزات الكبرى األساسية (المطارات واملحطات السككية الكبرى‪ )..‬دون‬
‫الزيادة المفرطة في الضغط الجبائي الوطني‪.‬‬

‫‪ o‬تعزيز القدرة على االقتراض عبر دعم إمكانيات صندوق التجهيز الجماعي‬
‫باعتباره مؤسسة متخصصة في منح القروض للجماعات الترابية‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫يسههدف إصالح مالية الجهة تطوير بنية نظام الالمركزية بالمغرب من خالل تجاوز‬
‫اإلكراهات التي عاقت تقدم الالمركزية وعطلت التنمية لعقود‪ ،‬ويشكل االستقالل المالي أحد‬
‫أهم هذه العوائق لذلك حض ي باهتمام دستور‪ 2199‬حيث أصبح يشكل أحد مبادئ التدبيرالحر‬
‫للجهات وأداة مهمة لتحقيق التنمية الجهوية‪ ،‬وفي هذا الصدد‪ ،‬كرس لنظام مالي خاص بالجهة‬
‫من خالل التنصيص على أن الجهة تتوفر على موارد مالية ذاتية وموارد مالية محولة من قبل‬
‫الدولة ووضع قاعدة لنقل أي اختصاص من الدولة إلى الجهات بأن يكون مقترنا بتحويل الموارد‬
‫المطابقة له‪.‬‬

‫وقد تبين أنه بالرغم من تعدد وتنوع الموارد المالية المرصودة للجهات فإن ماليهها ال‬
‫تعرف استقالال حقيقيا وذلك راجع لألسباب التالية‪:‬‬

‫‪ -‬إن مبادئ وحدة الدولة غير متو افقة بطبيعهها مع االعتراف بوجود سلطة مالية‬
‫وضريبية للجهة؛‬

‫‪ -‬عدم كفاية الموارد المالية الذاتية للجهة تجعل التحويالت المالية من الدولة إلى‬
‫الجهات كبيرة مما يرسخ تبعية مالية الجهة لمالية الدولة؛‬

‫‪ -‬عدم امتالك الجهة لسلطة القرار المالي ال تتيح لها إمكانية التحكم في البعض من‬
‫مصادر التمويل كما هو الشأن بالنسبة لالقتراض وبشكل خاص مسألة الضرائب التي تخضع‬
‫لمبدأ مركزية فرض الضريبة؛‬

‫‪ -‬عدم امتالك الجهة للسلطة الضريبية والتي تظل المقياس الحقيقي لوجود هذا‬
‫االستقالل‪.‬‬

‫‪P 56‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬محدودية سياسة االقتراض في دعم تمويل النظام المالي للجهات‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬كان‬
‫من المفترض أن يتجه اإلصالح الدستوري الذي كرس لجهوية متقدمة نحو تمكين الجهة من‬
‫سلطة جبائية حقيقية وعدم حصر السلطة الجبائية للمجالس الجهوية داخل حدود ما يضعه‬
‫القانون ويحدده وال يسمح لها أن تقررخارج إرادة المشرع‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن تغييب الجهات في مجال‬
‫تأسيس الجباية‪ ،‬يجعل النظام الالمركزي بالمغرب ال يرقى إلى االقتراب من نظام الجهوية‬
‫السياسية‪ ،‬الذي قد يسمح بمنح اختصاصات واسعة للجهات في المادة الجبائية باالعتراف لها‬
‫بصالحية التشريع الجبائي‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫حسن بريح والمصطفى خطاب ‪" :‬مسلسل اإلصالح الجبائي املحلي وإشكالية االستقالل‬
‫المالي للجماعات الترابية"‪ ،‬سلسلة أريد أن أعرف‪ ،‬العدد ‪ ،3‬الطبعة األولى‪ ،2194 ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ -‬الدارالبيضاء‪.‬‬

‫المصطفى معمر‪" :‬أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية‪ -‬دراسة على ضوء‬
‫أحكام القانون التنظيمي رقم ‪ 993.94‬المتعلق بالجهات‪ ،"-‬منشورات مجلة العلوم القانونية‪،‬‬
‫سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،2190 ،‬مطبعة األمنية‪ -‬الرباط‪.‬‬

‫القاض ي إيلي معلوف‪" :‬الصندوق البلدي المستقل معالجة مالية لالمركزية اإلدارية"‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،2110 ،‬منشورات زين الحقوقية‪ ،‬مطبعة مكتبة زين الحقوقية واألدبية‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪.‬‬

‫فاطمة السعيدي مزروع‪" :‬اإلدارة املحلية الالمركزية بالمغرب"‪ ،‬الطبعة األولى‪،2113 ،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدارالبيضاء‪.‬‬

‫علي الورض ي‪" :‬مستقبل السياسة الجهوية بالمغرب"‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد الله ‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫االجتماعية بفاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2191-2194‬‬

‫‪P 54‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أمين الصميعي‪" :‬لسلطة الترابية في الدستور على ضوء التجربة الفرنسية ‪ -‬مساهمة في‬
‫دراسة القانون الدستوري املحلي"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق‪ ،‬جامعة القاض ي‬
‫عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ -‬مراكش‪.2192-2199 ،‬‬

‫نجيب جيري‪" :‬الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية املحلية"‪ ،‬منشورات‬
‫مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة المعارف القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪ ،2191 ،14‬دار نشر المعرفة‪،‬‬
‫مطبعة المعارف الجديدة – الرباط‪.‬‬

‫محمد حيمود‪" :‬تمويل الجهوية المتقدمة بالمغرب‪ :‬المرتكزات المالية والتدبيرية"‪،‬‬


‫منشورات شبكة الحقوقيين المغاربة‪ ،‬أشغال األيام المغاربية التاسعة للقانون المنظمة من‬
‫طرف شبكة الحقوقيين المغاربيين(أيام ‪ 21-20‬أبريل ‪ ،2194 ،)2193‬مطبعة المعارف‬
‫الجديدة‪ -‬الرباط‪.‬‬

‫عبد الحق المرجاني‪" :‬الجهوية في بعض الدول المتقدمة وو اقعها و آفاقها في المغرب"‪،‬‬
‫منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،1-1‬أبريل – شتنبر ‪،9114‬‬
‫مطبعة دارالنشرالمغربية‪ -‬الدارالبيضاء‪.‬‬

‫توفيق منصوري‪" :‬النموذج اإليطالي للجهوية"‪ ،‬منشورات املجلة المغربية لألنظمة‬


‫القانونية والسياسية‪ ،‬عدد خاص‪ ،‬يونيو ‪ ،2111‬مطبعة الرسالة– الرباط‪.‬‬

‫مصطفى بلقزبور‪" :‬الجهوية الموسعة بإسبانيا‪ -‬املجموعات المستقلة‪ ،"-‬منشورات‬


‫سلسلة الالمركزية واإلدارة الترابية‪ ،‬العدد ‪ ،91‬الطبعة الثالثة‪ ،2192 ،‬مطبعة طوب بريس–‬
‫الرباط‪.‬‬

‫محمد قزيبر ‪" :‬حدود الدور الجبائي للجماعات املحلية"‪ ،‬منشورات املجلة المغربية‬
‫لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،11-11‬يوليو‪ -‬أكتوبر ‪ ،2111‬مطبعة دارالنشر المغربية‪-‬‬
‫الدارالبيضاء‪.‬‬

‫محمد عالي أدبيا‪" :‬إشكالية االستقالل المالي للجماعات املحلية في المغرب"‪ ،‬أطروحة‬
‫لنيل الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية عين الشق‪ -‬الدارالبيضاء‪.2119-2111 ،‬‬

‫‪P 52‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫عبد اللطيف بروحو‪" :‬مالية الجماعات الترابية بين و اقع الرقابة ومتطلبات التنمية"‪،‬‬
‫منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مواضيع الساعة‪ ،‬العدد ‪،11‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ ،2190‬مطبعة المعارف الجديدة – الرباط‪.‬‬

‫‪P 57‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫قراءة يف إشكالية التحدث يف موضوع‬


‫عام وطارئ بالربملان املغربي‬
‫‪Read about the problem of speaking on a public and emergency topic in the Moroccan parliament‬‬

‫أثار النقاش البرلماني خالل عدة جلسات لألسئلة الشفهية األسبوعية إشكالية برمجة‬
‫تناول الكلمة للتحدث في موضوع عام وطارئ لما له من تداعيات و آثار على حياة المواطنات‬
‫والمواطنين أو لكونه يستلزم اتخاد تدابير وإجراءات استعجالية‪ ،‬السيما من زاوية مسؤولية‬
‫مكتبي مجلس ي البرلمان في تدبيرطلباتها وتفعيل التجاوب الحكومي معها‪.‬‬

‫فمن وجهة موقف المعارضة البرلمانية فإن عدم برمجة التحدث في موضوع عام وطارئ‬
‫بمجلس النواب يعد بمثابة "حجب للحق في تناول الكلمة في نهاية الجلسة"‪ ،‬و "إخالل بمقتض ى‬
‫المادة ‪ 912‬من النظام الداخلي ملجلس النواب‪ ،‬التي تنص فقرتها الثانية على إمكانية تناول‬
‫الكلمة للتحدث في موضوع عام وطارئ"‪.‬‬

‫كما أن "بت مكتب املجلس في طلبات التحدث الواردة على رئيس املجلس قبل إحالهها على‬
‫الحكومة من شأنه إفراغها من محتواها الطارئ‪ ،‬المقترن بأجل اإلشعارالقانوني من لدن رؤساء‬
‫الفرق واملجموعات النيابية المعنية بها‪ ،‬والذي يمكن أن يضيق إلى ‪ 24‬ساعة قبل موعد افتتاح‬
‫جلسة األسئلة "‪،‬و"ليس من حق مكتب املجلس فرز المواضيع املحالة على رئيس املجلس‬
‫وتصنيفها إلى مواضيع طارئة وأخرى غيرطارئة‪ ،‬أو عامة أو غيرعامة" ألن األمريقتض ي منه فقط‬
‫"إرسالها إلى الحكومة للتداول في شأنها وتقديم جواب بخصوصها"‪.‬‬

‫أما من وجهة موقف مكتب مجلس النواب فيبرزترجيح عملي لخياربته في طلبات التحدث‬
‫في موضوع عام وطارئ وتصفيهها قبل إحالة ما يراه‪ ،‬من وجهة نظره‪ ،‬مالئما من بينها على‬
‫الحكومة لتقديرالتفاعل من عدمه‪ ،‬حيث سبق له تعليل عدم برمجة تناول الكلمة للتحدث في‬

‫‪P 60‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫موضوع عام وطارئ بكون "الطلبات المتعلقة بها لم تكن متو افقة مع شرطي العمومية‬
‫واالستعجالية"‪ ،‬وبأن "مكتب املجلس يبت في طلبات التحدث قبل إحالهها على الحكومة"‪.‬‬

‫وحيث إن تتبع مسارالتأويل البرلماني لموضوع تناول الكلمة في نهاية الجلسة األسبوعية‬
‫يحيل بالضرورة على تجربة برمجة التحدث في موضوع عام وطارئ باتفاق مع الحكومة‪ ،‬قبل‬
‫اعتماد تجربة برمجته ولو عبرت الحكومة عن عدم استعدادها للتفاعل معه‪ ،‬كما طبق ذلك‬
‫مجلس النواب بإرادته المنفردة في جلساته األخيرة خالل الوالية التشريعية السابقة‪ ،‬ليبرز‬
‫السجال البرلماني والقانوني حول نظام تصفية طلبات التحدث من لدن مكتب مجلس النواب‬
‫خالل الوالية التشريعية الحالية‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبالرجوع إلى الفصل ‪ 911‬من الدستور‪ ،‬نجد فقرته األولى تنص على ما يلي‪" :‬تخصص‬
‫باألسبقية جلسة في كل أسبوع ألسئلة أعضاء مجلس ي البرلمان وأجوبة الحكومة"‪ ،‬فيما تنص‬
‫ُ‬
‫فقرته الثانية على أنه‪" :‬تدلي الحكومة بجوابها خالل العشرين يوما الموالية إلحالة السؤال‬
‫عليها"‪.‬‬

‫وحيث تجعل هذه األحكام الدستورية األسبقية الزمنية واالعتبارية لبرمجة األسئلة‬
‫الشفهية البرلمانية وأجوبة الحكومة عليها‪ ،‬فإن ذلك يستوجب توجيه النظر البرلماني‬
‫والحكومي حول أولوية هذه اآللية الرقابية الدستورية في متابعة العمل الحكومي وتجويد‬
‫جاذبية مواضيع األسئلة التي تتم برمجهها‪.‬‬

‫كما تثبت نفس األحكام المذكورة حرص المشرع الدستوري على تخصيص جلسة‬
‫مساءلة أسبوعية لمناقشة قضايا راهنة‪ ،‬بدليل تقييد األجل الدستوري للجواب الحكومي‬
‫وتحديده في عشرين يوما الموالية لتاريخ توصل الحكومة بالسؤال‪.‬‬

‫وحيث إن اإلطار الدستوري والقانوني المتعلق باألسئلة الشفهية األسبوعية ال يحجب‬


‫إمكانية االتفاق بين البرلمان والحكومة على برمجة أسئلة شفهية آنية حول قضايا طارئة تستأثر‬
‫باهتمام الرأي العام الوطني وتقتض ي إلقاء الضوء عليها داخل المؤسسة البرلمانية قبل اكتمال‬
‫األجل الدستوري المذكور‪ ،‬علما أنه يمكن استدراك برمجهها واإلجابة عنها ولو بعد فوات أوان‬
‫األجل الدستوري‪ ،‬فقد أتاح الفرصة إلمكانية توجيه طلبات للتحدث في موضوع عام يكتس ي‬

‫‪P 61‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫صبغة استعجالية كبيرة بالنسبة للرأي العام الوطني وقد يتعذر استدراك برمجته كسؤال‬
‫أسبوعي أو كتابي واإلجابة عنه بعد فوات اآلوان‪.‬‬

‫وحيث يتبين مما سبق ذكره أن طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ تكتس ي قيمة‬
‫دستورية وقانونية أدنى من األسئلة الشفهية اآلنية‪ ،‬فمن المتعين أن يتم تفعيل العمل بها في‬
‫نطاق التقيد باحترام مبدأين دستوريين أساسيين‪ ،‬ويتعلقان بالحق البرلماني الشخص ي في‬
‫مساءلة الحكومة من جهة‪ ،‬وبالتوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة‬
‫ثانية‪.‬‬

‫وحيث إن المبدأ الدستوري المتعلق بالحق البرلماني في المساءلة يجد سنده في الفصل‬
‫‪ 01‬من الدستور‪ ،‬الذي جعل النيابة البرلمانية مستمدة من األمة وفرض المساواة بين أعضاء‬
‫البرلمان في ممارسة حقوقهم الدستورية‪ ،‬ومن بينها وأهمها توجيه أسئلة برلمانية بموجب أحكام‬
‫الفصل ‪ 911‬من الدستور‪ ،‬فإن ذلك يستوجب‪ ،‬من زاوية دستورية وقانونية جوهرية‪ ،‬اإلحالة‬
‫على عدم شرعية أي مبادرة لحجب حق أعضاء البرلمان في تقديم طلباتهم للتحدث في موضوع‬
‫عام وطارئ‪ ،‬إذ ال يحق ألجهزة البرلمان من حيث المبدإ الدستوري وبموجب المقتض ى القانوني‬
‫أن تتصدى لتفعيل هذا الحق البرلماني الشخص ي والقانوني‪.‬‬

‫وحيث يكفي اإلشارة إلى أن عدم أحقية تعديل فحوى األسئلة البرلمانية أو تحويلها إلى‬
‫أسئلة كتابية دون مو افقة مسبقة لواضعيها‪ ،‬تجعل نظر أجهزة املجلس في طلبات للتحدث في‬
‫موضوع عام وطارئ دون مو افقة مسبقة لواضعيها مثارانتقاد من هذه الزاوية‪.‬‬

‫ويمكن تعزيز االستدالل القانوني على ذلك باإلحالة على مقتضيات النظام الداخلي التي‬
‫اكتفت بتحديد نطاق المسؤولية التقنية التدبيرية لألجهزة البرلمانية المعنية في مجال تفعيل‬
‫الحق البرلماني القانوني في تناول الكلمة في نهاية جلسة األسئلة الشفهية‪ ،‬حيث "يقوم رئيس‬
‫الفريق أو املجموعة البرلمانية أو أعضاء البرلمان غيرالمنتسبين ألي فريق أو مجموعة برلمانية‬
‫بإشعار رئيس املجلس كتابة بطلبات التحدث في موضوع عام وطارئ قبل افتتاح الجلسة ‪24‬‬
‫ساعة على األقل‪ ،‬وتبعا لذلك "يقوم رئيس املجلس بإشعارالحكومة بموضوع الطلبات التي تم‬
‫اشعاره بها"‪ ،‬علما أن "برمجة المواضيع تتم باتفاق معها" (المادة ‪ 912‬من النظام الداخلي‬
‫ملجلس النواب والمادة ‪ 901‬من النظام الداخلي ملجلس المستشارين)‪.‬‬

‫‪P 62‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫كما نث ير خلو النظام الداخلي من أي مقتض ى صريح يسعف في تعليل تدخل مكتب‬
‫املجلس للتحقق من شروط طلبات التحدث والبت فيها قبل اعتمادها‪ ،‬السيما إذا علمنا كذلك‬
‫غياب مقتض ى يسمح لمكتب مجلس النواب البت في فحوى األسئلة الشفهية وتصفيهها قبل‬
‫إحالهها على الحكومة‪.‬‬

‫لنصل إلى استنتاج أن حق ترجيح قبول أو رفض طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ‬
‫موكول حصرا للحكومة‪ ،‬لدرجة تثير من وجهة نظر أخرى اعتبار أي تدخل لمكتب املجلس‬
‫لتصفية تلك الطلبات وإعمال نظره بصفة منفردة بشأن فحواها دون مو افقة مسبقة‬
‫لواضعيها بمثابة حلول برلماني غيردستوري وغيرقانوني ومس جوهري بمبدإ الحق البرلماني في‬
‫مساءلة الحكومة وتكافؤ فرص أعضاء البرلمان في تفعيل حقوقهم المستمدة من تمثيليههم‬
‫لألمة على حد سواء‪.‬‬

‫أما من جهة المبدأ الدستوري المتعلق بالتوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية‬
‫والتنفيذية بسنده الوارد بموجب الفقرة الثانية من الفصل األول من الدستور‪ ،‬فإن مقتض ى‬
‫الحال يفرض اإلحالة على ضرورة إخبار الحكومة بمواضيع طلبات أعضاء البرلمان للتحدث في‬
‫موضوع عام وطارئ واالتفاق معها مسبقا‪ ،‬قبل برمجة تناول الكالم في هذا النطاق‪ ،‬علما أن‬
‫النظام الداخلي واضح بتنصيصه على "برمجة الطلبات باتفاق مع الحكومة"‪.‬‬

‫كما أن القضاء الدستوري سبق أن أكد على ذلك وحسم األمر بموجب قراره المرجعي‬
‫رقم ‪ 124/93‬بمناسبة بته في دستورية النظام الداخلي ملجلس النواب لسنة ‪ ،2193‬والذي ورد‬
‫فيه ما يلي‪" :‬وحيث إن أعضاء البرلمان‪ ،‬الذين يستمدون نيابههم من األمة بموجب‬
‫الفصل ‪ 01‬من الدستور‪ ،‬متساوون في ممارسة الحقوق التي يخولها لهم الدستور؛‬
‫وحيث إن التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ُي ُّ‬
‫عد‪ ،‬بمقتض ى الفقرة الثانية من‬
‫الفصل األول من الدستور‪ ،‬من المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة؛‬

‫وحيث إنه‪ ،‬بناء على ذلك‪ ،‬فإن ما تتضمنه هذه المادة من منح األسبقية الزمنية للتحدث‬
‫في موضوع عام طارئ‪ ،‬في جلسة مخصصة دستوريا ألسئلة النواب وأجوبة الحكومة وفق‬
‫الضوابط املحددة لذلك في الفصل ‪ 911‬من الدستور‪ ،‬وحصر تناول الكالم فيها على رؤساء‬
‫الفرق النيابية أو من ينتدبونهم دون سائر النواب‪ ،‬وعدم إخبار الحكومة واالتفاق معها مسبقا‬

‫‪P 63‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫على هذا األمر‪ُ ،‬ي ِخ ُّل بالمبادئ الدستورية سالفة الذكر‪ ،‬مما يجعل هذه المادة غير مطابقة‬
‫للدستور"‪ ،‬كما أنه سبق التذكير بنفس مضمون القرار المذكور بمناسبة البت في دستورية‬
‫النظام الداخلي ملجلس المستشارين لسنة ‪( 2194‬قراراملجلس الدستوري رقم ‪.)131/94‬‬

‫وعليه فمن المالئم اإلشارة إلى أن مجلس النواب في مرحلته النهائية من الوالية التشريعية‬
‫السابقة قد أخل بمبدإ التوازن والتعاون مع السلطة التنفيذية في مجال تدبير التفاعل مع‬
‫طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ‪ ،‬بمبادرته لبرمجهها بصفة منفردة ودون اتفاق مسبق مع‬
‫الحكومة‪.‬‬

‫ولئن كان مجلس النواب الحالي قد تراجع عن تطبيق المنهجية السابقة املخلة بحق‬
‫الحكومة في تقدير التفاعل من عدمه مع طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ‪ ،‬فإن منهجية‬
‫تصفيته للطلبات املحالة على رئيس املجلس تثير من زاوية عميقة إخالل بمقتض ى إخبار‬
‫الحكومة بكل الطلبات المذكورة‪ ،‬بهدف تفعيل مسؤوليهها في قبول أو رفض ما تراه مناسبا‬
‫باعتبار ما له من تداعيات أو انعكاسات على حياة المواطنات والمواطنين أو ما يقتضيه واجب‬
‫اتخاد تدابيراستعجالية‪.‬‬

‫ومن جهة إحصائية إجمالية‪ ،‬نسجل تفعيال مهما آللية التحدث في موضوع عام وطارئ‪،‬‬
‫حيث تحقق التفاعل اإليجابي خالل الوالية التشريعية السابقة مع ‪ 913‬طلبا من أصل ‪ 001‬من‬
‫طلبات الفرق واملجموعات البرلمانية‪ ،‬أي بما نسبته ‪ ،% 21.11‬مع إثارة وجود تفاوت كبير من‬
‫حيث عدد الطلبات الموجهة حسب القطاعات الحكومية وتركيزالنظرالبرلماني بشكل كبيرعلى‬
‫القضايا الطارئة التي تهم القطاعات الحكومية األربعة التالية‪ :‬الداخلية‪ ،‬التربية الوطنيةـ‬
‫الصحةـ التجهيزوالنقل‪.‬‬

‫وخالل السنة التشريعية األولى من الوالية التشريعية الحالية تجاوبت الحكومة مع ما ال‬
‫يقل عن ‪ 44‬طلبا من بينها اقتضت تنويرالرأي العام بمعطيات رسمية‪ ،‬مع تسجيل تفوق عددي‬
‫ملجلس المستشارين في طلباته المبرمجة (‪ 21‬طلبا)‪ .‬ويمكن ربط العدد المبرمج بمجلس النواب‬
‫بتصفية مكتبه لطلبات النواب قبل إحالهها على الحكومة بخالف املجلس اآلخر الذي استفاد‬
‫و أفاد من يسرإحالة طلبات المستشارين‪ ،‬علما أن عدة جلسات شهدت نقط نظام احتجاجية‬
‫لنواب المعارضة في هذا الشأن‪.‬‬

‫‪P 64‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ومن بين أهم المواضيع الطارئة التي تم تناول الكلمة بشأنها‪ :‬ارتفاع أسعار بعض المواد‬
‫األساسية وفرض اإلدالء بجواز التلقيح لولوج املحاكم واختفاء النحل والمر اقبة الجمركية‬
‫للمعامالت المنجزة‪.‬‬

‫و إذا كانت أهمية مواصلة تفعيل آلية التحدث في موضوع عام وطارئ في نهاية الجلسات‬
‫األسبوعية يتعذر استبعادها في المراجعة المقبلة للنظام الداخلي‪ ،‬لكون هذه اآللية أصبحت‬
‫بحق مكتسب برلماني وطني يتيح فرصة نادرة لنقاش استعجالي في قضايا عامة وطارئة ال تشملها‬
‫البرمجة املحتملة أو النهائية لجدول األسئلة الشفهية األسبوعية‪ ،‬وتحتمل بحكم طبيعهها إشعار‬
‫رئيس املجلس بها‪ ،‬ولو قبل ‪ 24‬ساعة فقط من موعد الجلسة‪ ،‬فإن و اقع السجال البرلماني‬
‫والقانوني بشأنها يفرض ضرورة بذل مجهود جماعي لتثمين مساهمهها في إغناء النقاش العمومي‬
‫المؤسساتي وتنوير الرأي العام الوطني بالمعطيات والتوضيحات الحكومية الضرورية حول‬
‫القضايا المستعجلة وذلك بتكريس تفعيلها اإليجابي في إطار اعتيادي محايد من السجال‬
‫البرلماني المتجدد‪ ،‬مع استبعاد تصفية حرية المبادرات البرلمانية في طلب إثارة ما تراه من‬
‫مستجدات وقضايا تستأثر باهتمام المواطنات والمواطنين‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬وحيث إن السند الدستوري والقانوني والعملي لضرورة إخبارالحكومة‬
‫واالتفاق المسبق معها ثابت وأولى في تقدير أحقيهها في ترجيح التفاعل من عدمه مع طلبات‬
‫التحدث في موضوع عام وطارئ‪ ،‬دون حاجة قانونية وتنظيمية مسبقة لتصفية برلمانية غير‬
‫مسنودة بمو افقة مسبقة ألعضاء البرلمان المعنيين‪ ،‬فإنه من باب التفاعل اإليجابي اإلفادة‬
‫ببعض المالحظات بهدف تعزيزوتجويد آلية التحدث في موضوع عام وطارئ‪ ،‬بما يحقق المالءمة‬
‫بين الحق الدستوري والقانوني البرلماني في مساءلة الحكومة وطلب توضيحات منها حول‬
‫موضوع عام وطارئ من جهة‪ ،‬وبين المسؤولية الحكومية في تكريس التفاعل المنشود مع‬
‫القضايا الحقيقية المستعجلة التي تقتض ي تقديم المعطيات والتوضيحات الرسمية‬
‫الضرورية من جهة ثانية‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬

‫‪-9‬وضع مقتض ى صريح في النظام الداخلي بشأن المو افقة المسبقة لمقدمي طلبات‬
‫التحدث في موضوع عام وطارئ على استبعاد إحالهها على الحكومة أو تحويلها إلى أسئلة شفهية‬
‫آنية‪.‬‬

‫‪P 65‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -2‬تجنب توجيه طلبات للتحدث في نفس المواضيع التي تتضمنها األسئلة الشفهية‬
‫والكتابية؛‬

‫‪-3‬تنويع مواضيع وطلبات التحدث في قضايا حيوية مستعجلة بالقطاعات الحكومية؛‬

‫‪-4‬إعادة النظر في موعد توزيع جدول األسئلة المبرمجة وتجنب التأخير في إحالة طلبات‬
‫التحدث في موضوع عام وطارئ‪ ،‬حتى يتسنى للقطاعات الحكومية المعنية دراسهها وإعداد‬
‫عناصرالجواب عنها في الوقت الكافي؛‬

‫‪-1‬مالءمة إحالة طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ مع برمجة حضور الوزراء‬
‫وغيابهم؛‬

‫‪-0‬مضاعفة تفعيل اإلنابة الحكومية بين الوزراء لضمان التفاعل االستعجالي مع طلبات‬
‫التحدث في موضوع عام وطارئ؛‬

‫‪-1‬إيالء القطاعات الحكومية أهمية خاصة لطلبات التحدث املحالة عليها ودراسهها‬
‫دراسة موضوعية فاحصة‪ ،‬قبل تحديد موقف منها‪ ،‬واعتبار التفاعل اإليجابي معها فرصة‬
‫تثمين مجهودها وعملها وليس محطة محرجة قد تدفع في وجهة تقديرها تفويهها‪.‬‬

‫وفي كل األحول‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن يستمرالسجال البرلماني والقانوني المقترن بتفعيل‬


‫هذه اآللية في إثارة عدة إشكاالت قانونية وتنظيمية وعملية مشروعة وغير مشروعة‪ ،‬في ظل‬
‫استحالة اعتباركل ذلك من الناحية العملية من مشموالت اختصاص املحكمة الدستورية التي‬
‫يتعذر عليها أصال البت في قضايا برلمانية نابعة من تطبيق مقتضيات النظام الداخلي في حد‬
‫ذاته‪ ،‬فضال عن استحالة إلغاء التباس حاصل في صعوبة تقدير خاصية االستعجال التي تهم‬
‫عدة حاالت للتحدث في موضوع عام وطارئ‪ ،‬دون استبعاد ربط ذلك بمتغيرات معادلة التوازن‬
‫والحساب البرلماني "السياسوي"‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫النظام الداخلي ملجلس النواب‪.‬‬

‫الدستورالمغربي لسنة ‪.2199‬‬

‫النظام الداخلي ملجلس المستشارين‪.‬‬

‫‪P 66‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫قرارالقضاء الدستوري رقم ‪ 124/93‬بمناسبة بته في دستورية النظام الداخلي ملجلس النواب‬
‫لسنة ‪.2193.‬‬

‫‪P 64‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الدميقراطية التشاركية‪ :‬قراءة يف‬


‫التجربة املغربية‬
‫‪Participatory democracy: a reading of the Moroccan experience‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫شهد العالم جملة من التطورات والتحوالت الشاملة والعميقة التي صاحبهها بروزالعديد‬
‫من المفاهيم كالعولمة‪ ،‬الحكم الراشد‪ ،‬التحول الديمقراطي‪ ،‬محدثة تغييرات جذرية على‬
‫العديد من الدول‪ ،‬إذ حتمت عليها العمل على إيجاد آليات وميكانيزمات جديدة لمواكبة هذه‬
‫األخيرة ضمانا الستقرارها واستمراريهها عبر إجراء تعديالت في مختلف سياسهها وهياكلها‬
‫وصياغة أنظمهها االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬السياسية وحتى الثقافية باالنتقال من حكم مركزي‬
‫تكون فيه الدولة هي المسيرالوحيد إلى حكم محلي ال مركزي قائم على تعدد واختالف الفاعلين‬
‫وفتح املجال لهم للمشاركة في الحياة السياسية واالندماج فيها بتكريس ما يسمى بالديمقراطية‬
‫التشاركية كقاعدة استراتيجية في إعادة بناء وهيكلة سياسات عامة فعالة وناجحة تتسم‬
‫باالستمرارية والشمولية لدفع بعجلة التنمية املحلية والسعي إلى تحقيق الرفاه االجتماعي‬
‫واالقتصادي‪.‬‬

‫وقد أثبتت التجارب أن ممارسة الديمقراطية التشاركية ومشاركة الساكنة املحلية في‬
‫اتخاذ القرار له أثر إيجابي في تقدم وتطوير املجتمعات‪ ،‬على اعتبار أن إعمال الديمقراطية‬
‫التشاركية على المستوى الوطني والجهوي واملحلي من شأنه أن يساهم في الحد من احتكار‬
‫السلطة من قبل أقلية منتجة في املجتمع‪ ،‬ومن شأن ذلك أن يوسع قاعدة النخب االجتماعية‬
‫والمدنية وتسيير مساهمههم في تدبير الشأن العام‪ ،‬ومن تم فقد أصبح المفهوم التقليدي‬
‫لالنتخاب متجاوزا ولم يعد دور المواطن مقتصرا على اإلدالء بصوته في االنتخابات الختيار‬
‫ممثليه في المؤسسات المنتخبة على المستويين الوطني واملحلي‪ ،‬بل من الضروري ضمان‬
‫استمرارية مشاركة المواطنين في إتخاذ القرارات والسياسات العمومية بشكل دائم ومستمرمن‬
‫شأنه تفعيل مبدأ السيادة الشعبية وتكريس حكم الشعب‪.‬‬

‫‪P 62‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫في هذا الصدد تعتبر الديمقراطية التشاركية عملية لصنع القرار العمومي من خالل‬
‫الجمع بين عناصر التشاركية والديمقراطية النيابية‪ ،‬بحيث يبقى للمواطن حق تقرير‬
‫السياسات العمومية ويختص السياسيين بدورتنفيذ هذه السياسات‪ ،‬إذ أن الناخبين يقومون‬
‫برصد مقترحاتهم مع السياسة المطبقة على أرض الو اقع وفي هذا النظام يمكن للمواطن التأثير‬
‫في السياسات وتحديد األولويات اإلجتماعية‪ ،‬ارتباطا بذلك فان الديمقراطية التشاركية ال‬
‫تسههدف تغيير ميكانيزمات الحكم‪ ،‬وال تقترح هذه اآلليات بشكل يتقاطع مع الديمقراطية‬
‫التمثيلية أو يقصيها‪ ،‬ولكنها آليات مكملة ومساعدة‪ ،‬لكونها تعمل على تقوية الديمقراطية غير‬
‫المباشرة‪ ،‬وتحيين مضامينها لكي تصبح أكثرفعالية‪.‬‬

‫سنحاول في هذه الدراسة التطرق إلى التجربة المغربية في ممارسة وتطبيق الديمقراطية‬
‫التشاركية من خالل املحاول التالية‪ .‬املحور األول ‪ :‬اإلطار المفاهيمي والمرجعي للديمقراطية‬
‫التشاركية‪ .‬املحورالثاني‪ :‬اإلطارالمرجعي والقانوني للديمقراطية التشاركية‪.‬‬

‫املحوراألول ‪ :‬اإلطارالمفاهيمي والمرجعي للديمقراطية التشاركية‬

‫أوال‪ :‬ماهية الديمقراطية التشاركية ‪:‬‬

‫مفهوم الديمقراطية التشاركية ‪:‬‬ ‫‪-9‬‬

‫تمثل الديمقراطية التشاركية أحد الركائز األساسية لتجسيد عملية التنمية على‬
‫الصعيدين املحلي والوطني وذلك نظرا لألهمية البالغة التي تتسم بها باعتبارها الوسيلة التي يتم‬
‫من خاللها فتح الباب أمام المواطنين لإلندماج في الحياة السياسية والمشاركة في عملية صنع‬
‫القرار‪ ،‬إذ تعد من المفاهيم الجديدة والحديثة المتعددة في استعماالتها أخذت مسميات‬
‫مختلفة كالديمقراطية املحلية‪ ،‬الديمقراطية الشعبية وحتى التداولية ومنه يمكن تحديدها‬
‫كاآلتي ‪.103 :‬‬

‫الديمقراطية التشاركية كمفهوم ظهر نتيجة لإلنتقادات المتكررة والمتزايدة للنظام‬


‫النيابي الذي لم يعد يوفر للمواطنين مكانة الئقة في الحياة السياسية ‪،‬خاصة وأن دور الناخب‬
‫ينتهي بمجرد انههاء العملية اإلنتخابية‪ ،‬فكانت البرازيل أول الدول تأسيسا لهذا البرنامج خالل‬
‫فترة السبعينيات في مدينة مونتو أليغري‪ ،‬بحيث تشكل أحد النماذج البارزة في تجسيد‬

‫‪ 103‬موستف يونس‪ "،‬الديمقراطية المحدثة‪ :‬سياق أزمة ومحوالت انبعاث" مجلة المستقبل العربي‪ ،‬متحصل عليه من‬
‫‪www.caus.org.lb/Home/dawn.php? Article IP=5529‬‬

‫‪P 67‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الديمقراطية التشاركية‪ ،‬بعد ذلك تم إعتماده وتضمينه في الدستور البرازيلي عام ‪ 9111‬م ثم‬
‫طبق فيما بعد في الدول األوروبية خالل الثمانينيات خاصة في بريطانيا و أطلق عليها‬
‫بالديمقراطية التداولية‪ ،‬ثم جسدت في ألمانيا بينما فرنسا فقد استعملت هذه األخيرة بمصطلح‬
‫الديمقراطية الحوارية عبرإصدارها قانون سنة ‪ 2112‬جعل منها ذات بعد محلي‪.‬‬

‫وقد تم تعريف الديمقراطية التشاركية بأنها " نظام يمكن من مشاركة المواطنين‬
‫والمواطنات في صنع القرارات السياسية ذات األولوية بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر‬
‫والمستمرمع السلطات القائمة بشأن المشكالت والقضايا المطروحة‪ ،‬وتبنت مفهوما جوهريا‬
‫يأخذ بعين االعتباردورالمواطنين في المشاركة في صنع القرارالسياس ي وتدبيرالشأن العام كما‬
‫أنها تتسم بالتفاعل بين المواطنين والحكومات أوالمستشارين املحليين بشكل دائم مستمروأنها‬
‫مكملة للديمقراطية التمثيلية" ‪.104‬‬

‫الديمقراطية التشاركية هي "عملية استشارة المواطنين و اتخاذ القرارات واإلسهام في‬


‫مر اقبة السياسات العمومية‪ ،‬أال وهي عملية إشراك المواطنين في السياسيات العمومية من‬
‫حيث االستشارة والمر اقبة و اتخاذ القرار ‪.105‬‬

‫وهناك تعريف آخر للديمقراطية التشاركية قدمه "جون ديوري"‪ ،‬حيث عرف‬
‫الديمقراطية التشاركية بأنها ‪":‬مشاركة كل من يتأثر بالمؤسسات االجتماعية‪ ،‬حيث يشارك‬
‫الفرد في رسم و إنتاج هذه المؤسسات والسياسات التي تنبع منها‪. 106‬‬

‫يستنتج أن الديمقراطية التشاركية عبارة عن نظام ديمقراطي يسعى إلى تشكيل مواطنين‬
‫أكفاء للمشاركة في أكبرعدد ممكن من نواحي الحياة اإلجتماعية‪.‬‬

‫من هنا يمكن توضيح ثالث محطات رئيسية للديمقراطية التشاركية‪:‬‬

‫‪ -‬الديمقراطية التشاركية تعني مشاركة واسعة النطاق من قبل األفراد إلعادة بناء‬
‫املجتمع‪.‬‬

‫‪ 104‬نجيب المحمودي‪":‬الدمقراطية التشاركية في التجربة المغربية‪ ،‬مقال نشر بجريدة إيكونيوز‪ ،‬الخميس ‪ 20‬يوليوز ‪.0102‬‬
‫‪ 105‬أحمد عبابو‪ :‬الديمقراطية التشاركية في إطار الدستور المغربي ‪ ،0100‬بحث لنيل الماستر في القانون العام ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬فاس‪،‬‬
‫‪ ، 0102/0100‬ص‪.02 :‬‬
‫‪ 106‬جون ديوري‪ ":‬الديمقراطية التشاركية من خالل دستور ‪ ،"0100‬موقع العلوم القانونية‪.‬‬

‫‪P 40‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬الديمقراطية التشاركية تعني المشاركة في إتخاذ القرار بهدف إعادة بناء النموذج‬
‫الديمقراطي‪.‬‬

‫‪ -‬الديمقراطية التشاركية تعني المشاركة والتشاور القائم على أساس تبادل اآلراء‬
‫والتعاون في العمل على مستوى المؤسسات ‪ 107‬الديمقراطية التشاركية هي شكل من أشكال‬
‫التدبير المشترك بشأن املحلي يتأسس على تقوية وتمكين المواطن من المشاركة فيصنع‬
‫القرارات العامة التي تهمهم من جهة‪ ،‬والعمل على خلق جو يسوده التنسيق بين مختلف‬
‫الفواعل والقطاعات التي من بينها منظمات املجتمع المدني‪ ،‬القطاع الخاص وكذا تحسين‬
‫مهارات وقدرات الجهات الفاعلة املحلية من خالل اإلستحواذ على الوسائل واألساليب التي تعزز‬
‫قدرات التدخل النوعي لديها و من مشاركهها في تحقيق التطوروالنمو على المستوى املحلي‪.‬‬

‫‪ -‬وعليه فهي شكل جديد م ن أشكال الديمقراطية‪ ،‬الذي يسمح بمشاركة المواطنين في‬
‫مختلف عمليات صنع القرار‪ ،‬وفي النقاشات العامة المتعلقة بالسياسات املحلية‪ ،‬اإلقليمية‪،‬‬
‫والجهوية وحتى الوطنية ‪.108‬‬

‫خصائص الديمقراطية التشاركية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ -‬المبادرة التشريعية للمواطنين كأحقيته في التصويت والمشاركة في مختلف القضايا‬


‫والمشكالت‪.‬‬

‫‪ -‬المشاركة في بناء المناقشات المفتوحة لمعالجة القرارات على مستوى النطاق املحلي‬
‫عبراستعراض جملة من المقترحات البناءة من خالل التنظيم الديمقراطي واإلستشاري‪.‬‬

‫‪ -‬الديمقراطية التشاركية تثري العملية اإلخبارية‪ ،‬فهي مكملة للديمقراطية التمثيلية من‬
‫جهة ومساهمة في دمج المواطن وتعزيزدوره في الحياة السياسية من جهة أخرى ‪.109‬‬

‫أهداف الديمقراطية التشاركية‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪ 107‬علي عبود المهداوي‪ ،‬حيدر ناظم‪ ":‬مقاربات في الديمقراطية والمجتمع المدني‪ :‬دراسة في األسس والمقومات والسياق التاريخي‪،‬‬
‫دار صفحات للدراسات والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،0110 ،‬ص‪.07 :‬‬
‫‪ 108‬مغربي فريال‪ ":‬الديمقراطية التشاركية كآلية لتحقيق التنمية المحلية‪ -‬المملكة المغربية نموذجا"‪ ،‬مجلة المفكر‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬العدد ‪،07‬‬
‫جوان ‪ ،0101‬ص‪.000 :‬‬
‫‪ 109‬عبد المطلب عبد الحميد‪ ":‬التمويل المحلي والتنمية المحلية"‪ ،‬الدار الجامعة‪ ،‬القاهرة‪ ،0110 ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪P 41‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الهدف الرئيس ي للديمقراطية التشاركية هو محاولة تجاوز معوقات الحكم وخلق‬


‫ديناميكيات تفاعلية جديدة بين الدولة واملجتمع‪ ،‬وتقديم تفسيرات منطقية لفهم الفعل‬
‫العمومي وتفسيره والعمل على خلق نموذج من الحكم التشاركي‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اإلطارالمرجعي والقانوني للديمقراطية التشاركية‪:‬‬

‫املحددات الدستورية والقانونية للديمقراطية التشاركية ‪:‬‬ ‫‪-9‬‬

‫نصت ديباجة دستور ‪ 2199‬على ما يلي ‪:‬‬

‫مواصلة المملكة المغربية مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة‪ ،‬مرتكزاتها‬
‫المشاركة والتعدية والحكامة الجيدة‪ ،‬وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع باألمن‬
‫والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة اإلجتماعية‪ ،‬ومقومات العيش الكريم ‪ ،‬في‬
‫نطاق التالزم بين حقوق و واجبة المواطنة‪.‬‬

‫ونص الفصل األول على ما يلي ‪:‬‬

‫نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية‪ ،‬ديمقراطية برلمانية واجتماعية من‬
‫مرتكزاته الديمقراطية التشاركية‪ .‬يقوم النظام الدستوري للملكة على أساس فصل السلط‪،‬‬
‫وتوازنها وتعاونها‪ ،‬والديمقراطية المواطنة والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وربط‬
‫المسؤولية باملحاسبة ‪ ،110‬كما نصت الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 92‬من الدستورالمغربي لسنة‬
‫‪ 2199‬على ما يلي ‪" :‬تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام‪ ،‬والمنظمات غيرالحكومية‬
‫في طار الديمقراطية التشاركية‪ ،‬في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة‬
‫والسلطات العمومية‪ ،‬وكذا في تفعيلها وتقييمها‪ ،‬وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه‬
‫المشاركة‪ ،‬طبق شروط وكيفيات يحددها القانون ‪.111‬‬

‫يتضح عبر كثير من المقتضيات الدستورية أن المشاركة أصبحت من المرتكزات‬


‫األساسية التي يقوم عليها النظام الدستوري المغربي‪ ،‬وذلك من خالل منح دورمتميزلمنظمات‬
‫املجتمع المدني إلى جانب المؤسسات العمومية في صناعة السياسيات العمومية‪ .‬وهذا يظهر‬

‫‪ 110‬محمد الغالي‪ ":‬هيئات التشاور العمومي‪ ،‬برامج العمل‪ ،‬برامج التنمية للجماعات الترابية"‪ ،‬مقال منشور على‬
‫االنترنت‪.‬‬
‫‪ 111‬حسن بوزيدي‪ ":‬دور المجتمع المدني في دستور ‪ ،"0100‬ضمن المجتمع المدني المغربي‪ ،‬مجلة الفرقان‪ /‬العدد ‪ ،0102 /72‬ص‬
‫‪.22‬‬

‫‪P 42‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الرغبة في مأسسة أدوار المنظمات المدنية في مجال صناعة القرار بعد أن كانت أدوارها نتاجا‬
‫لما أفرزته الممارسة وفي غياب شبه كلي ألي إطار قانوني يحددها ويوضحها‪ ،‬باستثناء ما كان‬
‫واردا في الميثاق الجماعي الذي نعتبره بمثابة اللبنة األساسية في تكريس الديمقراطية التشاركية‬
‫وتأطيرها قانونيا‪ .‬وذلك من خالل تضمنه لبعض اآلليات التشاركية التي تفتح املجال لمساهمة‬
‫منظمات املجتمع المدني في تدبيرالشأن العام على المستوى املحلي‪ ،‬باإلضافة إلى بعض البرامج‬
‫التنموية التي تضمنت أشكاال مختلفة لمشاركة املجتمع المدني في السيرورة القرارية‪.112‬‬

‫غير أن غياب المأسسة كان يجعل هذه المشاركة‪ ،‬خاصة على المستوى الوطني تتم‬
‫بشكل اعتباطي‪ ،‬وهو ما أفرز محدودية البرامج التنموية ببالدنا‪ .‬األمر الذي عمل دستور ‪2199‬‬
‫على تجاوزه بوضعه إطارا مؤسساتيا للمشاركة المدنية في إتخاذ القرارات التنموية‪ ،‬حيث أقرت‬
‫الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 92‬من الدستور بمساهمة المنظمات المدنية في إعداد قرارات‬
‫ومشاريع لدى السلطات المنتخبة والمؤسسات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها‪ ،‬وعلى هذه‬
‫المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة طبق الشروط والكيفيات التي يحددها القانون‪،‬‬
‫وهوما يقترب من منطوق الفصل ‪ 931‬من الباب التاسع املخصص للجهات والجماعات الترابية‬
‫في فقرته األولى التي تحث مجالس الجهات والجماعات الترابية على وضع آليات تشاركية للحوار‬
‫والتشاور تيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها‬
‫‪.113‬‬

‫إن الهدف الذي يؤسس له الدستورالحالي يتجاوزمنطق اإلنصات والحوارإلى المشاركة‬


‫الفعلية في عملية إعداد و اتخاذ القرار العمومي‪ ،‬وأخذ الحلول المقترحة من طرف هيئات‬
‫املجتمع المدني بعين اإلعتبار‪ ،‬لذلك يمكن اإلنطالق من بعض اآلليات التشاورية باعتبارها‬
‫مدخال أساسيا للمشاركة الفعلية في صناعة القرار‪.‬‬

‫فالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية تضمنت عدة مقتضيات تتعلق بإعمال آليات‬
‫الديمقراطية التشاركية على المستويات املحلية الثالثة‪:‬‬

‫حيث نصت على إحداث هيئات استشارية لدى املجالس المنتخبة‪.‬‬

‫‪ 112‬شعبان عبد الحسن‪ ،‬المجتمع المدني الوجه اآلخر للسياسة‪ ،‬دار ورد‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص ‪ 22‬وما بعدها‪ ،‬وارد عند أحمد‬
‫أعراب‪ ،‬الوجيز في علم السياسة‪ ،‬الطبعة ‪ ،0100‬ص ‪.71‬‬
‫‪ 113‬عكاشة بن مصطفى‪ "،‬آليات الديمقراطية المباشرة في دستور ‪ ،"0100‬ضمن كتاب جماعي‪ :‬النص والبيئة السياسية‪ ،‬سلسلة بدائل‬
‫قانونية وسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،0102 ،0‬ص ‪.70‬‬

‫‪P 43‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫فبالنسبة للجهات تضمن القانون التنظيمي المؤطر لها ثالث هيئات‪ :‬واحدة استشارية‬
‫بشراكة مع فعاليات املجتمع المدني‪ ،‬تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل‬
‫مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع‪ ،‬واألخرى إستشارية تتعلق بدراسة القضايا‬
‫المتعلقة باهتمامات الشباب‪ ،‬والثالثة بشراكة مع الفاعلين اإلقتصاديين بالجهة‪ ،‬تهتم بدراسة‬
‫القضايا الجهوية ذات الطابع اإلقتصادي‪.‬‬

‫أما بخصوص العماالت واألقاليم والجماعات‪ ،‬تضمنت القوانين التنظيمية المؤطرة لها‬
‫إحداث هيئة إستشارية لدى كل مجلس تهتم بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة‬
‫وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع‪ ،‬بشراكة مع فعاليات املجتمع المدني‪.‬‬

‫‪-9‬الترسيخ الدستوري آللية تقديم الملتمسات ‪:‬‬

‫لقد أدى تباعد بين األحزاب المغربية والمواطن من جهة‪ ،‬وضعف العمل واالنخراط‬
‫السياس ي لفئات عريضة من املجتمع‪ ،‬وتراجع ثقة المواطنين في املجال العمومي من جهة ثانية‪،‬‬
‫لعدة أسباب تاريخية واجتماعية وسياسية و اقتصادية‪ ،‬إلى الدفع بالمشرع الدستوري إلى‬
‫دسترة آليات وتقنيات فعالة للتواصل‪ ،‬والتفاعل والمشاركة في إتخاذ القرار العمومي داخل‬
‫مختلف المؤسسات‪ ،‬واإلدارات والمر افق العمومية املحلية والوطنية و أتاح للمواطنين فرادى‬
‫وجماعات ودون انخراطهم في هيكل تنظيمي محدد إمكانية المشاركة في صناعة و اتخاذ القرارات‬
‫العمومية‪ ،‬وذلك من خالل آليات الملتمسات في املجال التشريعي ‪.114‬‬

‫يعد الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع من آليات المشاركة المواطنة التي‬
‫أقرها الدستور‪ ،‬وهو حق يخول للمواطنات والمواطنين المساهمة في المبادرة التشريعية عبر‬
‫تقديم اقتراحات أو توصيات ألحد مجلس ي البرلمان‪ ،‬وذلك متى ما إتضح أن مسألة أو موضوعا‬
‫يقتض ي تأطيرا قانونيا‪ ،‬ومن هنا يمكن تعريف الملتمس التشريعي" بأنه كل مبادرة يتقدم بها‬
‫مواطنات ومواطنين بهدف المساهمة في المبادرة التشريعية من أجل سن قانون عادي أو إلقاء‬
‫قانون موجود" ‪.115‬‬

‫‪ 114‬فاطمة الزهراء ميرات‪":‬من اجل مقاربة تشاركية في إعداد الميزانية السنوية‪ :‬المجتمع المدني نموذجا"المجلة المغربية لإلدارة‬
‫المحلية و التنمية‪( ،‬دراسات) عدد ‪ ،012‬ماي – يونيو ‪ ،0100‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 115‬دليل المشاركة المواطنة "حق تقديم الملتمسات في مجال التشريع"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬من إصدار الوزارة المنتدبة لدى رئيس المحكومة‬
‫المكلفة بالعالقات مع البرلمان والمجتمع المدني‪ ،0102،‬ص‪.2 :‬‬

‫‪P 44‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫فحق تقديم الملتمسات من طرف المواطنين مكسب ديمقراطي تاريخي يقتض ي تأهيل‬
‫املجتمع المدني‪ ،‬و أيضا فتح بوابة إلكترونية من أجل تلقي مقترحات الجمعيات‪ ،‬على أنه في‬
‫األخيرنؤكد أن هذه التقنية السياسية ما هي إال وسيلة وليس غاية في حد ذاتها‪ ،‬وسيلة يجب أن‬
‫تمكن المواطنين من المشاركة الفعلية في إتخاذ القرارات العمومية التي تخدم وتدافع على‬
‫المصالح العليا للمجتمع من أجل تحقيق حياة أفضل‪ ،‬بالموازاة مع استعمال تقنية تقديم‬
‫العرائض‪.‬‬

‫فضال عما سبق‪ ،‬فإن الدستور الجديد وسع من دور المواطن‪ ،‬المنحصر سلفا في الدور‬
‫االنتخابي‪ ،‬المنتهي بإنههاء اإلستحقاقات اإلنتخابية‪ ،‬سواء كان ذلك من داخل مؤسسات قائمة‬
‫الذات‪ :‬جمعيات ووداديات‪ ،‬أو مواطنا عاديا فحسب‪ ،116‬حيث أن المشرع الدستوري قد وعى‬
‫التغيرات الجارية على صعيد المفاهيم الكبرى للسياسة‪ ،‬فتبنى آليات للديمقراطية التشاركية‬
‫ومكن المواطن من دورتشريعي من خالل تقديم الملتمسات في مجال التشريع لسلطة تشريعية‪،‬‬
‫حيث جاء في الفصل ‪ 94‬من الدستور الجديد ‪ " :2199‬للمواطنات والمواطنين ضمن شروط‬
‫وكيفيات يحددها قانون تنظيمي الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع‪ ،‬ومن شأن تفعيل‬
‫هذه اآللية زيادة من المشاركة الشعبية‪ ،‬وإذكاء روح المواطنة والمسؤولية"‪.‬‬

‫الترسيخ الدستوري آلليات تقديم العرائض‬ ‫‪-2‬‬

‫نجد األنظمة الدستورية والقانونية مختلفة بشكل كبير في إقرار حق تقديم العرائض‪،‬‬
‫المغرب‪117‬‬ ‫فالبعض أقر ممارسة هذا الحق بشكل فردي كاألردن وألمانيا‪ ،‬في المقابل نجد‬
‫وبريطانيا ‪ 118‬أقرت هذا الحق بشكل جماعي‪ ،‬وهنا يمكن أن تكون العريضة حاملة لفكرة‬
‫تشريعية أو مطالب مجتمعية ‪.119‬‬

‫عند دراستنا للوثيقة الدستورية المغربية يتضح أن المشرع الدستوري حاول أن يبوأ‬
‫الفرد مكانة متميزة‪ ،‬وذلك باإلعتراف له بحقوق دستورية يمكن أن يمارسها دون وساطة أو‬
‫توجيه من أحد‪ ،‬خصوصا بعد أن ازداد وعي المواطن المغربي بالتعاطي مع الشؤون اإلدارية‬

‫‪ 116‬أسماء اإلسماعيلي‪ ":‬المجتمع المدني واألدوار الدستورية الجديدة"‪ ،‬مجلة مسالك‪ ،‬العدد ‪ ،0102 ،20/20‬ص‪.002 :‬‬
‫‪ 117‬اشترك المشرع المغربي لتقيم عريضة تشكيل لجنة مكونة من تسعة أفراد على األقل تسمى لجنة تقديم العريضة‪ ،‬والتي تتولى جمع‬
‫‪ 0111‬توقيع‪.‬‬
‫‪ 118‬لكي نشترط عريضة أي مواطن أو مقيم في بريطانيا في موقع البرلمان يشترط أن تحظى عريضته بدعم خمسة أشخاص على‬
‫األقل‪ ،‬وبعد ذلك ينبغي أن توقع من قبل ‪ 1000, 00‬مواطن‪.‬‬
‫‪ 119‬رضى مقتدر‪ ":‬الحق في تقديم العرائض بين التجربة المغربية والتجارب الدولية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬

‫‪P 45‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫والسياسية املحلية والجهوية والوطنية‪ ،‬فتقديم العرائض وسيلة عرفها ومارسها المغاربة منذ‬
‫زمن وهنا نذكرفقط عريضة المطالبة باإلستقالل سنة ‪.9144‬‬

‫وتقدم لنا التجربة البريطانية أسمى تعبير لهذه اآللية‪ ،‬حيث عملت بريطانيا بالعرائض‬
‫مع الثورة البريطانية لسنة ‪ 9011‬حيث تم اإلعتراف بتقديم العرائض دستوريا بعدما كان يتم‬
‫العمل بطريقة عرفية توارثهها المملكة على مر السنين وطورتها ليتم تقنينها بموجب قانون‬
‫الحقوق لسنة ‪.120 9011‬‬

‫تماشيا مع مختلف الدساتير(الفرنس ي‪ -‬اإلنجليزي‪ )...‬فقد نص الدستورالمغربي الجديد‬


‫لسنة ‪ 2199‬على الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العموميةـ باعتبارها وسيلة من وسائل‬
‫المر اقبة والتتبع للشأن العام بصفة عامة‪ ،‬باإلضافة أن هذا اإلجراء يمكن من إعطاء دفعة‬
‫قوية للمشاركة المواطنة في السياسات العمومية‪ ،‬هذا الحق الذي يمكن المواطنين‬
‫والمواطنات من التوجه إلى السلطات العمومية من اجل بلورة قرار معين أو التراجع عن أخر‪،‬‬
‫مما سيعززمنطق الشفافية والمر اقبة والمسائلة‪. 121‬‬

‫من بين المستجدات التي ميزت دستور ‪ 2199‬اعتماد الديمقراطية التشاركية كأحد‬
‫المرتكزات األساسية التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة‪ ،‬وقد تجسد ذلك من خالل‬
‫تعظيم مكانة المواطن و إبرازها في الهندسة الدستورية التي ربطت السلطات العمومية‬
‫والمؤسسات المنتخبة بالمواطنين على مستوى إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها‬
‫وتقييمها‪ ،‬ولعل أبرز وأهم هذه اآلليات التي أقرتها الوثيقة الدستورية الشتراك المواطنين في‬
‫تدبيرالشأن العام‪ ،‬هو إقرارالحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية ‪.‬‬

‫وإذا كان حق تقديم العرائض ذا أهمية بالغة سواء إشراك المواطنين في تدبير الشأن‬
‫العام أو في الحياة السياسية فإن التجربة المغربية لم تعرف تراكما كبيرا في هذا املجال بحيث‬
‫ألنه وألول مرة تمت دسترة هذا الحق بشكل صريح مع الدستور المغربي الجديد ‪ 2199‬في‬
‫الفصول (‪ 91‬و‪ ،)931‬وبالرجوع إلى القانون التنظيمي المتعلق بالجهات نجد المشرع المغربي‬

‫‪ 120‬سعيدة ايت عبد العالي‪ ":‬الديمقراطية التشاركية المحلية‪ ،‬من خالل آليات تقديم العرائض"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون‬
‫العام‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬مراكش‪ ،0107/0100 ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ 121‬بركة عبد الرحمان ‪ "،‬المجتمع المدني وصناعة القرار العمومي المحلي"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة‬
‫الحسن األول‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬سطات‪ ،0107/0100 ،‬ص ‪.01‬‬

‫‪P 46‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫نظم شروط تقديم العرائض من طرف المواطنين والمواطنات والجمعيات وفقا ملجموعة من‬
‫الضوابط القانونية الواجب احترامها ‪.‬‬

‫كما أن المشرع أطر ممارسة المواطنات والمواطنين والجمعيات والحق في تقديم‬


‫العرائض أمام الجهات من خالل ثالثة محاور أساسية تتمثل في ‪ :‬تقديم العرائض من قبل‬
‫المواطنات والمواطنين‪ ،‬ثم شروط تقديم العرائض من قبل الجمعيات وأخيرا كيفية إيداع‬
‫العرائض ‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫موستف يونس‪ "،‬الديمقراطية املحدثة‪ :‬سياق أزمة ومحوالت انبعاث" مجلة المستقبل‬
‫العربي‪ ،‬متحصل عليه من ‪.www.caus.org.lb/Home/dawn.php? Article IP=5529‬‬

‫نجيب املحمودي‪":‬الدمقراطية التشاركية في التجربة المغربية‪ ،‬مقال نشر بجريدة‬


‫إيكونيوز‪ ،‬الخميس ‪ 39‬يوليوز‪.2194‬‬

‫أحمد عبابو‪ :‬الديمقراطية التشاركية في إطارالدستورالمغربي ‪ ،2199‬بحث لنيل الماستر‬


‫في القانون العام ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬فاس‪. 2193/2192 ،‬‬

‫علي عبود المهداوي‪ ،‬حيدر ناظم‪ ":‬مقاربات في الديمقراطية واملجتمع المدني‪ :‬دراسة في‬
‫األسس والمقومات والسياق التاريخي‪ ،‬دارصفحات للدراسات والنشر‪ ،‬دمشق‪.2119 ،‬‬

‫مغربي فريال‪ ":‬الديمقراطية التشاركية كآلية لتحقيق التنمية املحلية‪ -‬المملكة المغربية‬
‫نموذجا"‪ ،‬مجلة المفكر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪ ،91‬جوان ‪.2191‬‬

‫عبد المطلب عبد الحميد‪ ":‬التمويل املحلي والتنمية املحلية"‪ ،‬الدار الجامعة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.2119‬‬

‫محمد الغالي‪ ":‬هيئات التشاور العمومي‪ ،‬برامج العمل‪ ،‬برامج التنمية للجماعات‬
‫الترابية"‪ ،‬مقال منشورعلى االنترنت‪.‬‬

‫حسن بوزيدي‪ ":‬دور املجتمع المدني في دستور ‪ ،"2199‬ضمن املجتمع المدني المغربي‪،‬‬
‫مجلة الفرقان‪ /‬العدد ‪.2194 /14‬‬

‫‪P 44‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫شعبان عبد الحسن‪ ،‬املجتمع المدني الوجه اآلخر للسياسة‪ ،‬دار ورد‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬ص ‪ 34‬وما بعدها‪ ،‬وارد عند أحمد أعراب‪ ،‬الوجيزفي علم السياسة‪ ،‬الطبعة ‪.2129‬‬

‫عكاشة بن مصطفى‪ "،‬آليات الديمقراطية المباشرة في دستور ‪ ،"2199‬ضمن كتاب‬


‫جماعي‪ :‬النص والبيئة السياسية‪ ،‬سلسلة بدائل قانونية وسياسية‪ ،‬العدد ‪.2194 ،2‬‬

‫فاطمة الزهراء ميرات‪":‬من اجل مقاربة تشاركية في إعداد الميزانية السنوية‪ :‬املجتمع‬
‫المدني نموذجا"املجلة المغربية لإلدارة املحلية و التنمية‪( ،‬دراسات) عدد ‪ ،914‬ماي – يونيو‬
‫‪.2192‬‬

‫أسماء اإلسماعيلي‪ ":‬املجتمع المدني واألدوار الدستورية الجديدة"‪ ،‬مجلة مسالك‪،‬‬


‫العدد ‪.2193 ،40/41‬‬

‫سعيدة ايت عبد العالي‪ ":‬الديمقراطية التشاركية املحلية‪ ،‬من خالل آليات تقديم‬
‫العرائض"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬مراكش‪.2191/2190 ،‬‬

‫بركة عبد الرحمان ‪ "،‬املجتمع المدني وصناعة القرار العمومي املحلي"‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫شهادة الماسترفي القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن األول‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬سطات‪.2191/2190 ،‬‬

‫‪P 42‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫املسؤولية العقدية عن فعل الغري يف‬


‫اجملال الطيب‬
‫‪Contractual liability for the action of third parties in the medical field‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫لقد أثارت المسؤولية الطبية العديد من المشاكل والتحديات‪ ،‬وفي مقدمهها تكييف‬
‫طبيعهها التي تتأرجح بين التقصيرية والعقدية‪ ،‬واختالفها من القطاع العام الى الخاص‪ ،‬وأن‬
‫المؤسسات االستشفائية الخاصة أثبتت وجودها وجدارتها في املجال الصحي نظرا لجودة‬
‫وسرعة الخدمات التي تقدمها واستعمالها لألجهزة الحديثة والمتطورة أين أصبحت تنافس‬
‫القطاع العام وتستقطب العاملين فيه بما فيهم االطباء والممرضات بناءا على عقد أو بموجب‬
‫اتفاق‪ ،‬فأجمع الفقه والقضاء على اعتبارها مسؤولية عقدية من حيث المبدأ تأسيسا على‬
‫الخطأ العقدي الناتج عن اإلخالل بالتزام العالج المتعهد به والذي يرتبه هذا العقد على نحو‬
‫يلحق ضررا بالمريض يوجب جبره والتعويض عنه‪ ،‬بموجب قرار محكمة النقض الفرنسية‬
‫الشهير ‪ ARRET MERCIER 122‬الصادر بتاريخ ‪ 21‬ماي ‪ 9130‬الذي أقر بأنه تنشأ بين الطبيب‬
‫وعميله‪ ،‬وكذا بين هذا االخيروالمؤسسات االستشفائية الخاصة الممثلة من قبل الطبيب سواء‬
‫كان مالكها أو مكلف بتسييرها عقد حقيقي يتضمن التزام تقديم العالج بما يتفق والمعطيات‬

‫‪ -0‬تتلخص وقائع القضية في أن السيدة مرسي كانت تشكو من حساسية في األنف إثر ذلك قامت بمراجعة أحد االطباء المتخصصين‬
‫باألشعة حيث قام بعالجها بأشعة أكس ‪ x‬وذلك خالل سنة ‪ 5291‬أين نتج عن هذا العالج تلف االنسجة المخاطية في وجه السيدة‬
‫ما يقارب ثالث ‪ 03‬سنوات من انتهاء العالج مطالبا الطبيب بالتعويض‬ ‫إثر ذلك قام زوجها برفع دعوى نيابة عنها سنة ‪ 5292‬أي‬
‫عن الضرر الذي لحق زوجته عملت محكمة النقض الفرنسية على تكييف المسؤولية الطبية‪ ،‬أي هل يمكن اعتبارها مسؤولية تقصيرية‬
‫وبالتالي تتقادم دعوى التعويض فيها بمرور ثالث ‪ 30‬سنوات أم أنها ذات طبيعة عقدية بالتالي تخضع لمدة التقادم المدني والمقدرة ب‬
‫‪ 03‬سنة‪ ،‬بما تقضي به قواعد المسؤولية العقدية‪ ،‬وكان من نتائج ذلك قبول دعوى التعويض في قضية مرسي بعد مرور ثالث سنوات على‬
‫حدوث خطأ طبي معتبرة أن المسؤولية الطبية من طبيعة عقدية أي تخضع لنظام التقادم المدني‪.‬‬

‫‪P 47‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫العلمية المكتسبة‪ 123‬يترتب على خرقه أو مخالفته قيام المسؤولية العقدية للمتسبب في‬
‫الضرر‪.‬‬

‫وإذا كان االصل أن يسأل الشخص عن خطئه الشخص ي فقط أين تتحقق المسؤولية‬
‫العقدية للطبيب المعالج عند خروجه عن االصول العلمية والفنية في العلوم الطبية‪ ،‬كما‬
‫تتحقق المسؤولية للمؤسسات االستشفائية الخاصة عند اخاللها بالتزام تنفيذ الخدمات‬
‫العادية للمريض التي يمليها عقد الفندقة وبالتزام تقديم العالج معا وباألخص تنفيذ تعليمات‬
‫الطبيب إال ان استعانة كل من الطبيب بمساعدين والمؤسسة االستشفائية باألطباء‬
‫والممرضين يجعلهم مسؤولون عن أخطائهم بمناسبة تقديم العالج‪ ،‬بالتالي إعمال قواعد‬
‫المسؤولية العقدية عن فعل الغير مما يدعونا الى طرح االشكال التالي‪ :‬متى تتحقق المسؤولية‬
‫العقدية عن فعل الغيرفي املجال الطبي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬شروط قيام المسؤولية العقدية عن فعل الغيرفي املجال الطبي‪.‬‬

‫الغير‪ ،‬لكن يمكن استخالصها ضمنيا من صريح نص الفقرة الثانية من المادة ‪ 911‬من‬
‫القانون المدني الجزائري‪ 124‬التي تتعلق بتعديل قواعد المسؤولية العقدية عن فعل الغيرحيث‬
‫يجوز للمدين أن يشترط عدم مسؤوليته عن خطأ مستخدميه في تنفيذ التزامه ان كان غشا أو‬
‫خطأ جسيما‪ ،‬والتي من غيرالممكن تطبيقها اال اذا كانت المسؤولية المدنية العقدية عن فعل‬
‫الغيربمجرد عدم وفاء هذا األخيربالتزامه‪.125‬‬

‫‪ - 9‬شروط قيام المسؤولية العقدية عن فعل الغيرفي املجال الطبي‪.‬‬

‫وجود عقد طبي صحيح‪.‬‬

‫ال تقوم المسؤولية العقدية بصفة عامة والمسؤولية العقدية عن فعل الغير بصفة‬
‫خاصة في الفترة السابقة على التعاقد وال بعد انقضائها‪ ،‬بل تثورعند االخالل بالتزام عقدي أثناء‬

‫‪123‬‬
‫‪- civ, 03/05/1936, 1936,1,p.88,comc Matter.‬‬
‫‪ - 124‬المادة ‪ 072‬من االمر رقم‪ 11/17 :‬المؤرخ في ‪ 03‬ماي ‪ 4117‬المعدل والمتمم لالمر رقم ‪ 12/71‬المؤرخ في ‪42‬‬
‫سبتمبر ‪ 0271‬المتضمن القانون المدني‪ ،‬جريدة رسمية عدد ‪ .....‬والتي تنص على أن " وكذلك يجوز االتفاق على اعفاء المدين من أيـة‬
‫مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي إال ما ينشأ عن غشه أو خطئه الجسيم غير أنه يجوز للمدين أن يشترط اعفاءه من المسؤولية الناجمة‬
‫عن الغش أو الخطأ الجسيم الـذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه" ‪.‬‬
‫‪ - 125‬أنور سلطان‪ ،‬الموجز في مصادر االلتزام‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،0220 ،‬ص ‪.002‬‬

‫‪P 20‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫قيام العقد فيشترط لقيام المسؤولية الطبية العقدية عن فعل الغير تحقق رابطة عقدية‬
‫صحيحة بين الطبيب والمريض‪. 126‬‬

‫هناك اختالف بين الفقهاء في تحديد ماهية العقد الطبي خاصة فيما يتعلق بتحديد‬
‫طبيعته حيث عرفه الدكتور عبد الرزاق أحمد الصنهوري بأنه " اتفاق بين الطبيب والمريض‬
‫على أن يقوم االول بعالج الثاني مقابل أجر معلوم"‪ ،127‬ويعرف العقد الطبي على أنه " اتفاق‬
‫يربط بين الطبيب والمريض بمقتضاه يلتزم الطبيب بتقديم العالج الضروري للمريض وفقا‬
‫للقواعد العلمية‪ ،‬والذي بدوره يقوم هذا االخير بدفع أتعاب العالج "‪ 128‬فالطبيب الذي يقوم‬
‫بفتح عيادة‬

‫وتعليق الفتة تحمل اسمه وتخصصه فهذا يعتبر دعوة الى التعاقد ورضا المريض يعتبر‬
‫ركنا النعقاد هذا العقد بين الطبيب والمريض فابداء هذا االخير رغبته في تلقي العالج من قبل‬
‫الطبيب يعتبر ايجابا منه‪ ،‬فيبرم عقدا مع هذا االخير سواء كان شفهيا أو ضمنيا أين يمون فيه‬
‫التزام الطبيب ليس بتحقيق نتيجة وبالتالي االلتزام بشفاء المريض و إنما انما ببذل عناية في‬
‫تقديم عالج يتسم بالحيطة والحذر واليقضة والتبصر بما يتفق واألصول العلمية والفنية‬
‫لعملية التطبيب‪.129‬‬

‫فلقيام المسؤولية الطبية عن فعل الغيريشترط أن يكون العقد الطبي‪ 130‬مستوفيا لكل‬
‫أركانه من تراض ي الذي يتحقق بمجرد تبادل المريض التعبيرعن ارادته مع الطبيب لكن يشترط‬

‫‪ -‬ال مجال لالدعاء بالمسؤولية العقدية اال بوجود عقد طبي بين االطراف الذي ينبغي أن يكون صحيحا مرتبا لجميع أثاره بين‬ ‫‪126‬‬

‫المتعاقدين‪ ،‬فال مجال للحديث عن هذا النوع من المسؤولية اذا لم ينعقد العقد بعد كأن يتضرر أحد االطراف في مرحلة المفاوضة مثال‪،‬‬
‫كما ال تطبق المسؤولية العقدية اذا كان العقد باطال أو قابال لإلبطال ويستوي في ذلك في الحالة التي تكون فيها العالقة العقدية قد انقضت‬
‫سواء بسبب فسخها أو ألي سبب آخر‪ ،‬عن علي الفياللي االلتزامات‪ ،‬الفعل المستحق للتعويض‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار الموفم للنشر‪ ،‬الجزائر‬
‫‪ ،0100 ،‬ص‪.00‬‬

‫‪ - 127‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬المجلد االول‪ ،‬الغقود الواردة على العمل ‪،‬‬
‫الكطبعة الجديدة‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،0221 ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪ - 128‬عشوش كريم‪ ،‬العقد الطبي‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ، 0117 ،‬ص ‪. 12‬‬
‫‪Il se forme, entre le médecin et son client un véritable contrat, comportant pour le patient, -129‬‬
‫‪l’engagement, sinon, bien évidement de guérir le malade ; ce qui n’a d’ailleurs jamais été allégué; mais‬‬
‫‪du moins de lui donné des soins non pas quelconques ; mais consciencieux, attentif, et réserve faites‬‬
‫‪des circonstance exceptionnelle , conforme aux données acquise de la science ; que la violation même‬‬
‫‪involontaire, de cette obligation contractuelle, est sanctionnée par une responsabilité et de même‬‬
‫‪nature, également contractuelle›› Arrêt Dr Nicolas. C.Mercier, Cass.Civ 1er ,20/05/1936.In : http://‬‬
‫‪www.droit-médical.fr‬‬
‫‪ - 130‬وثار جدال فقهي وتضاربت االراء حول طبيعة هذا العقد‪ ،‬فهماك من يرى بأنه عقد وكالة إذ يوكل المريض طبيبه للقيام بإعمال‬
‫العالج بغية الشفاء‪ ،‬وهناك من الفقه من يرى بأنه عقد عمل يخضع فيه الطبيب إلشراف مستخدمه والمتمثل في المريض رغم اقتصاره‬

‫‪P 21‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ان يتم التعبيرعن االرادة من قبل شخص يكون مؤهل قانونا بأن تصدرالمو افقة من المريض‬
‫شخصيا اعماال للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني الجزائري‪ ،131‬أو من قبل‬
‫من يمثله أو ينوب عنه كالولي أو الوص ي‪ ،‬فإذا كان المريض قاصرا فيكون من قبل االولياء‬
‫والممثل الشرعي لقاصر وفق ما قضت به الفقرة االولى من المادة ‪ 12‬من مدونة أخالقيات‬
‫الطب والتي تقض ي "يتعين على الطبيب أو جراح االسنان المطلوب منه تقديم العالج لقاصر أو‬
‫لعاجز بالغ‪ ،‬أن يستعين جاهدا إلخطار االولياء او الممثل الشرعي ويحصل على مو افقههم"‪،132‬‬
‫كما يشترط في الطبيب االهلية القانونية وان تتوفر فيه شروط ممارسة مهنة الطب وفق ما‬
‫نصت عليه المادة ‪ 911‬من القانون المتعلق بحماية الصحة وترقيهها‪ ،133‬بأن يكون حائزا‬
‫لشهادة في االختصاص‪ ،‬وحائزا على الجنسية الجزائري‪ ،‬وحصوله على ترخيص وزاري بممارسة‬
‫مهنة الطب‪ ،‬ومحل يستمد مشروعيته من جواز التعامل مع معصومية جسم االنسان الذي‬
‫تفرضه التطورات العلمية والطبية مما يجيز المساس به‪ ،‬وأن يكون السبب مشروعا غير‬
‫مخالف للنظام العام واآلداب‪ ،‬باإلضافة الى الشكلية في بعض الحاالت االستثنائية كنقل‬
‫وزراعة االعضاء البشرية وتشريح الموتى من أجل أهداف علمية ‪.‬‬

‫فينبغي أن يكون العقد صحيحا فالعقد الباطل ال يرتب التزامات على طرفيه فمثال تخلف‬
‫رضا المريض يجعل العقد باطال أوأن يكون بغرض القتل بدافع الرحمة ( قتل الرحيم) أوالقيام‬
‫بعمل ية جراحية بهدف التجريب ال بهدف تقديم العالج والشفاء وأن حالته الصحية ال تستدعي‬
‫هذه العملية‪ ،‬وهذا يعتبر اخالل باآلداب العامة والنظام العام مما يحول دون تحقق الغاية من‬
‫ابرام عقد العالج لبطالنه وبالتالي ال يرتب التزامات على الطبيب والمريض على حد السواء فما‬
‫بني ال بطل فهو باطل ‪.‬‬

‫على الجانب االداري مع احتفاظه باستقالله الفني‪ ،‬فيلتزم الطبيب بالقيام بالعمل لصالح المريض ببذل جهد فني وفكري مقابل أتعاب محددة‬
‫مسبقا‪ ،‬وهناك إتجاه ثالث يرى أنه عقد مقاولة رغم التزام الطبيب ببذل عناية فقط مقابل أجر معلوم‪ ،‬واتجاه آخر يرى أنه عقد ايجار أشخاص‬
‫أو خدمة يلتزم الطبيب بأداء خدمة العالج مقابل أجر يؤديه له المريض‪ ،‬إال ان الفقه القانوني أجمع على تكييفه بأنه عقد من نوع خاص‪،‬‬
‫وأقرت ذلك محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر بتاريخ ‪ 0273/12/04‬على اعتبار ان عالقة الطبيب يرتبط بالمريض بعقد يكون‬
‫قائم بذاته ال يمت صلة بأي عقد من العقود السابق ذكرها‪ ،‬عن كريم عشوش‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.01-01‬‬

‫‪ - 131‬المواد ‪ 22-22 -20‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬


‫‪ - 132‬ويرى جانب من الفقه انه يجب أخذ رأي الزوج في بعض الحاالت كاستئصال الرحم أو تبادل الوالدات‪ ،‬إال أن هناك من الفقه من‬
‫يعارض هذا الرأي بحجة أنه ليس للزوج حق الوصاية على الزوجة بخصوص ممارسة حقوقها الزوجية‪ ،‬عن عشوش كريم‪ ،‬الرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.47‬‬
‫‪ - 133‬المادة ‪ 027‬من القانون رقم ‪ 10-10‬المؤرخ في ‪ 00‬جمادى االول ‪ 0210‬الموافق ل ‪ 00‬أفريل ‪. 0210‬‬

‫‪P 22‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫اخالل الغيرباإللتزام العقدي‪.‬‬

‫يعتبر من الغير كل مساعد أو معاون أو أي شخص ساهم في تنفيذ االلتزام بناءا على‬
‫أوامروتحت رقابة المدين بمعنى أن يكون تابعا له سواء باعتباره أجيرا أو متدخال بدون مقابل‪،‬‬
‫كما يكون نائبا أو بديال منفذا لاللتزام في مكان المدين‪ ،‬ويكون من الغيرفي املجال الطبي الطبيب‬
‫الذي يوكل اليه تقديم العالج للمريض‪ ،‬أو الصيدلي‪ ،‬أو الطبيب البديل أو مساعديه‪ 134‬من‬
‫ممرضات أو قابالت‪ ،‬فتتحقق المسؤولية العقدية عن فعل الغير في املجال الطبي بمجرد عدم‬
‫قيام الطبيب أو من فوض اليه العمل الطبي في تقديم العالج للمريض‪ ،‬كما تسأل المؤسسة‬
‫اإلستشفائية الخاصة عقديا‬

‫عن أعمال مستخدمي الصحة لديها‪ ،‬حيث تقض ي المادة ‪ 13‬فقرة ‪ 12‬من مدونة‬
‫أخالقيات الطب بأن "‪ ...‬المساعدون الذين يختارهم الطبيب أو جراح االسنان يعملون تحت‬
‫مر اقبههما ومسؤوليههما "‪ ،135‬فيسأل الطبيب عن عدم تنفيذ االلتزام العقدي الناش ئ عن‬
‫تقصيرممثليه أومن ينوب عنه في القيام بالعمل الطبي حتى ولو لم يثبت خطأه الشخص ي‪ ،‬فتثور‬
‫مسؤوليته عمن يختارهم للعمل تحت رقابته ومسؤوليته أو يتدخلون في العمل الطبي وال يمنعهم‬
‫عن ذلك على الرغم من قدرته على ذلك كون ذلك بمثابة اختيار كافي لتحميله المسؤولية عن‬
‫أخطائهم ‪.‬‬

‫ينبغي أن ينتج عن هذا االخالل ضررا يلحق بالمريض يستوجب التعويض عنه‪،‬‬
‫باإلضافة الى أن لطبيعة التزام المدين فيما إذا كان االلتزام بتحقيق نتيجة أو ببذل عناية أثرفي‬
‫تقريرحصول اخالل بااللتزام من قبل الغير‪ ،‬فالتزام هذا االخيريقاس بالمقياس الذي يقاس به‬
‫خطأ المدين نفسه في تنفيذ التزامه‪.136‬‬

‫ثانيا‪ :‬حاالت تحقق المسؤولية العقدية عن فعل الغيرفي املجال الطبي ‪.‬‬

‫‪ - 9‬المسؤولية العقدية للطبيب عن أعمال مساعديه من االطباء‪.‬‬

‫‪ - 02‬ال يعتبر المساعد من قبيل السبب االجنبي انما يعتبر من مستلزمات العقد الطبي وفق ما نصت عليه المادة ‪ 017‬من القانون المدني‬
‫الجزائري والتي تنص على انه "‪...‬وال يقتصر العقد على الزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب ‪ ،‬بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفق‬
‫القانون والعرف والعدالة بحسب طبية االلتزام"‪.‬‬
‫‪ - 135‬المادة ‪ 72‬فقرة ‪ 10‬من المرسوم التنفيذي رقم ‪ 070-20‬مؤرخ في ‪ 10‬محرم ‪ 0202‬الموافق ل ‪ 10‬يوليو ‪ 0220‬المتضمن مدونة‬
‫أخالقيات الطب ‪ ،‬جريدة رسمية عدد ‪ 00‬الصادرة بتاريخ ‪ 11‬يوليو ‪.0220‬‬
‫‪ -136‬أكرم محمود حسن البدو‪ ،‬المسؤولية المدنية للمستشفيات الخاصة‪ ،‬دار الحامد للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،0112 ،‬ص ‪.72‬‬

‫‪P 23‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تتحقق الرابطة الطبية العقدية إذا كان المريض او من ينوب عنه حرا في اختيار‬
‫طبيبه‪ ،‬ويتحقق ذلك اذا كان الطبيب حرا يعمل لسابه الخاص إما في عيادته الخاصة او بإحدى‬
‫المستشفيات الخاصة بموجب عقد خاص‪.‬‬

‫‪ -9 – 9‬مسؤولية الطبيب صاحب العيادة الخاصة عن أعمال مساعديه‪.‬‬

‫تعتبرارادة الطرفين متطابقة ملجرد دخول المريض لعيادة الطبيب الخاصة اوالعيادة‬
‫المشتركة بين مجموعة من االطباء‪137‬كأن تضم العيادة طبيبا جراحا وطبيب التخذير‪،‬‬
‫وأخصائي االشعة والتحاليل باإلضافة الى الممرضين الذين يرتبط معهم الطبيب بموجب عقد‬
‫عمل من اجل مساعدته في تنفيذ العقد الطبي فأي خطأ يرتكبه هؤالء يسأل عنه الطبيب‬
‫باعتباره المتعاقد المباشرمع المريض ما دام كلفهم بأداء التزام في االصل هو المدين به‪ ،‬إال ان‬
‫هذا ال يعفي الطبيب المساعد عن الخطأ الشخص ي‪ ،‬أما اذا تدخل طبيب آخر دون مو افقة‬
‫الطبيب المتعاقد مع المريض يعتبربمثابة السبب االجنبي ال يسأل عنه الطبيب المعالج‪.‬‬

‫مسؤولية الطبيب العقدية عن فعل مساعديه من االطباء تبرز خاصة في مجال‬


‫الجراحة‪ ،‬حيث يستعين الجراح بمساعدين من االطباء أثناء التدخل الجراحي سواء في االعمال‬
‫السابقة أو الالحقة لهذا التدخل خاصة طبيب التخذير الذي يالزم الجراح قبل و أثناء وبعد‬
‫عمليات الجراحة‪ ،‬الذي يتمثل عمله في تغييب المريض عن االدراك واإلحساس بطريقة علمية‬
‫تجعله ال يشعر بآالم الجراحة ثم يرجعه الى وعيه وذلك بعد التأكد من صحة القلب ونبضات‬
‫القلب و انتظام الضغط الدموي ونسبة السكرفي الدم وعمل الكلى حتى يتمكن من تقديرجرعة‬
‫التخذيرونوعيته التي يمكن ان يتحملها المريض‪. 138‬‬

‫فإذا ارتكب طبيب التخذير خطأ فان الطبيب الجراح يتحمل مسؤولية هذه األخطاء‬
‫يكون مسئوال مسؤولية عقدية عن فعل طبيب التخذير حيث ال يسأل عن خطأه الشخص ي وال‬
‫عن الخطأ المشترك بينه وبين مساعده بل عن خطأ مساعد له ذلك الخطأ ألنه عهد اليه‬
‫بمساعدته في القيام بتخذيرالمريض من أجل تنفيذ التزامه الذي يمليه عليه العقد المبرم بينه‬
‫وبين المريض‪ ،‬وعلى هذا االساس فطبيب التخذيرال يعتبرأجنبي عن العقد‪ ،‬فالطبيب الجراح‬

‫‪ - 137‬المادة ‪ 011‬و ‪ 011‬مكرر من قانون الصحة الجزائري‪ .‬مسؤولية‬


‫‪ - 138‬رايس محمد‪ ،‬نطاق وأحكام المسؤولية المدنية لألطباء وإثباتها‪ ،‬دار هومة للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،0100 ،‬ص ‪.011‬‬

‫‪P 24‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يقع عليه وحده االلتزام بمر اقبة مدى احترام كل عضو من أعضاء الفريق الطبي لقواعد‬
‫االحتياط والحذرالتي توجبها االصول الطبية والفنية المنصوص عليها في القانون الطبي‪.139‬‬

‫تجب االشارة أم مسؤولية الطبيب الجراح عن أخطاء طبيب التخذير ال تعتبر اخالال أو‬
‫إنقاصا من استقاللية هذا االخير في عمله المنهي واختصاصه‪ ،‬فهذه المسؤولية ال تعتبر طبيب‬
‫التخذير تابع او خاضع لألول في أداء عمله و إنما ترجع الى ان الجراح هو وحده المتعاقد مع‬
‫المريض ومن ثم ينبغي عليه ببذل العناية الالزمة لعالجه‪ ،‬الن طبيب التخذيريمارس عمله بناءا‬
‫على اتفاق مع الطبيب الجراح فالمساعدة ال تعني التبعية بل التعاون المتبادل كما ان طبيب‬
‫التخذيرال يكون ملزما امام المريض‪.‬‬

‫‪ -2- 9‬مسؤولية الطبيب صاحب المؤسسة االستشفائية الخاصة عن أعمال مساعديه‪.‬‬

‫لما كان الطبيب صاحب العيادة او المؤسسة االستشفائية الخاصة يمثل شخصا‬
‫اعتباريا هو العيادة الخاصة التي تقدم المؤسسات االستشفائية الخاصة خدمات مزدوجة‬
‫بموجب عقد االستشفاء المبرم بينها وبين المريض‪ ،‬من جهد تقدم خدمات فندقية من توفير‬
‫ظروف مالئمة الستقبال المريض وأمنه وحراسة اغراضه وخدمات عالجية‪ ،‬فالمريض عند‬
‫ابرامه عقدا طبيا مع صاحب العيادة الخاصة ويقوم هذا االخير بتكليف أحد أطباءه او‬
‫مساعديه بتنفيذ عقد العالج فأي إهمال او تقصير من طرف الطبيب المساعد يسأل عنه‬
‫الطبيب صاحب المؤسسة االستشفائية الخاصة إلخالله بتنفيذ التزامه الوارد في العقد على‬
‫أساس أن الطبيب صاحب العيادة هو الذي يختار االطباء المساعدين ممن يعملون معه‪،‬‬
‫وإلمكانية مساءلته عقديا عن أخطاء االطباء المساعدين له ينبغي أن يكون بينهما عقد بينهما‪،‬‬
‫وأن يكون الضرر ناتج عن عدم تنفيذ االلتزام الذي تعهد به المدين أي الطبيب صاحب‬
‫المؤسسة االستشفائية الخاصة‪ ،‬هذا االقراريجد مبرره في صريح نص المادة ‪ 911‬من القانون‬
‫المدني الجزائري التي تؤكد على إمكانية اعفاء المدين من المسؤولية عن أفعال من يستعين‬
‫بهم أو يفوضهم لتنفيذ التزاماته التعاقدية‪.‬‬

‫المريض يتعاقد مع المؤسسة االستشفائية الخاصة أو العيادة ويتم توجيهه من قبل‬


‫صاحبها الى الطبيب املختص في حالته من أجل عالجه واإلشراف عليه أين يقبل او يرفض تقديم‬
‫تلقي العالج‪ ،‬ليتعهد الطبيب املختص بتقديم العناية الصادقة والواعية والحذرة بما يتفق‬

‫‪ - 139‬رايس محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،001‬و حسام الدين االهواني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬

‫‪P 25‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫والمعطيات الطبية‪ ،‬فهنا تنتفي مسؤولية الطبيب املختص والتي يتحملها الطبيب صاحب‬
‫العيادة متى وجد عقد بينهما كما سبق بيانه‪ ،‬إال ان هذه القاعدة ال يمكن االخذ بها على اطالقها‬
‫الن هناك حاالت تنتفي فيها مسؤولية الطبيب صاحب العيادة و يكون الطبيب المعالج وحده‬
‫المسئول عن أخطاءه كما لو كان هذا الطبيب يباشر عمله في العيادة بصفة غير دائمة‪ ،140‬بأن‬
‫يتفق طبيب مع مريض على يجري له عملية جراحية في عيادة معينة يختارها الطبيب‪ ،‬في هذه‬
‫الحالة ال تكون العيادة مسئولة عن أخطاء هذا الطبيب سواء كان صاحبها أم ال على أساس ان‬
‫المريض تعاقد مباشرة مع هذا الطبيب ولم يتعاقد مع المؤسسة االستشفائية أي أن العقد‬
‫ابرم خارج نطاقها ‪ ،‬ومع ذلك يلتزم الطبيب صاحب العيادة بضمان حسن سير العمل الطبي‬
‫وتوفير االجهزة والمعدات الالزمة وكل مستلزمات التدخل الطبي‪ .‬تجب االشارة الى ان في هذه‬
‫الحالة يبرم عقدين مع نفس المريض االول بينه وبين الطبيب مضمونه العقد الطبي والثاني‬
‫بينه وبين المؤسسة االستشفائية الخاصة وهو عقد استشفاء موضوعه تقديم الخدمات‬
‫العادية خالل تلقيه العالج و إقامته فيه‪141‬‬

‫‪ -3- 9‬مسؤولية الطبيب العقدية عن فعل الطبيب البديل‪.‬‬

‫يحدث أن يقوم الطبيب المتعاقد مع المريض بإحالل طبيب آخر محله لفترة زمنية‬
‫معينة شريطة أن يكون هذا الطبيب على درجة من الكفاءة تتناسب مع كفاءة الطبيب األصلي‬
‫ويستوجب لثبوت مسؤولية الطبيب المعالج عن أخطاء من حل محله أنه الملتزم بالعالج و أنه‬
‫اختار بديال له‪ ،‬وأن تستمر عالقته العقدية مع مريضه طوال مدة العالج‪ ،‬فينبغي ان يكون‬
‫الطبيب االصلي مدين بالعالج للمريض إال انه يباشر تنفيذ التزامه عن طريق طبيب آخر يختاره‬
‫ويقوم بتفويضه متابعة واستمرار العالج الذي بدأ فيه بموجب اتفاقية االستبدال‪ ،‬فكأن‬
‫االخطاء و اقعة منه شخصيا باعتبارعمل البديل امتداد لعمل الطبيب األصلي‪ ،‬ويشترط في هذه‬
‫الحالة ان يكون االختيار من قبل الطبيب االصلي دون المريض الن ذلك ينشأ عقد جديد بين‬
‫الطبيب البديل والمريض مستقل عن عالقته بالطبيب االصلي‪ ،‬فهذا االخير يسأل عن خطأ‬
‫الطبيب البديل مادام التكليف الفعلي بالعمل الطبي قد صدر منه‪ ،142‬وفي حالة تخلف اختيار‬
‫الطبيب االصلي يلتزم الطبيب المستخلف بمواصلة العالج الذي بدأ فيه االول على ان يكف عن‬

‫‪140‬‬
‫‪- Marie-Laure Moquet-Anger , Droit Hospitalier, L.G.D.J ,édition Alpha, Parie 2010,p 265.‬‬
‫‪ - 141‬رايس محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.002‬‬
‫‪ - 142‬حسام الدين االهواني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.217‬‬

‫‪P 26‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ذلك بمجرد عودة الطبيب االصلي على ان يلتزم بتزويده بالحالة الصحية للمريض وتزويده بكل‬
‫المعلومات المتعلقة بحالته‪.‬‬

‫في حالة ارتباط المريض بعقد مع مؤسسة استشفائية خاصة وتقوم هذه االخيرة‬
‫باختيارطبيب لتنفيذ االلتزامات التي يرتبها العقد وبعد ذلك تختارطبيب آخربديال عن االول في‬
‫هذه الحالة تكون المؤسسة االستشفائية مسئولة عقديا عن أخطاء الطبيب االصلي وبديله‬
‫باعتباره المدين الوحيد بالعالج اتجاه المريض ويبقى االطباء مسئولين عن أخطائهم‬
‫الشخصية مسؤولية تقصيرية ‪.‬‬

‫وتجب االشارة أن الطبيب المناوب هو غيرالطبيب البديل فالمرحلة السابقة على اقامة‬
‫المريض بالمستشفى الخصوص ي التي تكون بموجب توقيع الطبيب على قرار المو افقة على‬
‫قبوله بها‪ ،‬ففي هذه المرحلة ال يكون للمريض طبيبا معالجا بل طبيبا مناوبا ينصرف بمجرد‬
‫انههاء فترة مناوبته دون ان يكون له قصد الرجوع لمواصلة العالج الذي بدأ فيه بل يحل محله‬
‫طبيب مناوب آخر فقي هذه الحالة نكون امام نظام المناوبة ال اتفاقية استبدال‪ ،‬فيكون‬
‫المستشفى هو المسئول الوحيد عن أخطاء االطباء المتدخلين لتنفيذ العالج نفسه على‬
‫المريض نفسه ما دام الملتزم به‪ ،‬دون أدنى مسؤولية على الطبيب عن خطأ زميل حل محله‬
‫وتتحقق هذه الحالة خاصة في الحاالت االستعجالية ‪.‬‬

‫‪ - 2‬مسؤولية الطبيب عن أفعال مساعديه غيراالطباء‪.‬‬

‫يستعين الطبيب بالممرضين خالل فترات تقديم العالج للمريض من بداية مرحلة‬
‫التحضير او االعداد و أثناء التدخل الطبي والى غاية مرحلة ما بعد هذا التدخل الجراحي‪،‬‬
‫فالطبيب ملزم بمر اقبة جميع االعمال التي يقوم بها مساعديه بمناسبة تنفيذ عقد العالج‪،‬‬
‫وهذا االلتزام مستمد من العقد الطبي مباشرة الن المريض تعاقد مع الطبيب االصلي او رئيس‬
‫الفريق الطبي في حالة التدخل الجراحي‪ ،‬ويجب التفرقة بين ما اذا كان المريض قد اختار‬
‫المستشفى ام ان الطبيب هو الذي حددها‪.‬‬

‫اذا كان الطبيب هو من حدد المؤسسة االستشفائية للمريض فيكون مسئوال عن‬
‫أخطاء مساعديه باعتباره من عهد اليهم وأدخلهم لتنفيذ التزامه‪ ،‬فالطبيب يكون مسؤوال عن‬
‫مساعديه خالل مرحلة التحضيرللتدخل الطبي الن هذه االخيرة تتم تحت االشراف المباشرله‪،‬‬

‫‪P 24‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫زيادة على ذلك تكون المؤسسة االستشفائية مسؤولة امام المريض عن االخطاء التي ترتكبها‬
‫هيئة التمريض سواء كان اختيارها من قبل المريض او من قبل الطبيب‪ ،‬فالمنشأة الصحية‬
‫تكون ملزمة ازاء المريض بتقديم العناية الالزمة عن االعمال المرتبطة بالتدخل الطبي العالجي‬
‫او الجراحي‪ ،‬أما في مرحلة التدخل الطبي ال يمكن اعمال قواعد المسؤولية العقدية عن فعل‬
‫الممرض إال في حالى ادخال الطبيب الممرض في تنفيذ االلتزام الن في هذه المرحلة تكون زمام‬
‫االموربيد الطبيب‪.‬‬

‫أما اذا قام الطبيب باختيار المؤسسة االستشفائية فالطبيب ال يسأل إال عن خطئه‬
‫الشخص ي كأن يصف دواء خاطئا او يههاون في مر اقبة المريض دون االخطاء المرتكبة من قبل‬
‫مساعديه ألن الطبيب لم يقم بإدخالهم في تنفيذ التزامه الذي يمليه عليه العقد الطبي‪ ،‬فقبول‬
‫الطبيب اجراء التدخل الطبي في المؤسسة االستشفائية التي اختارها المريض ال يمكن اعتباره‬
‫مو افقة من قبل المريض عن تحمل المسؤولية عن االخطاء المرتبطة بالتدخل الطبي‪ ،‬كذلك‬
‫االمربالنسبة للمرحلة الالحقة على التدخل الخل الطبي‪،143‬اذا كان الطبيب يمارس مهنته بشكل‬
‫حرفي عيادته الخاصة في هذه الحالة يكون مسئوال عقديا عن جميع أخطاء مستخدميه باعتبار‬
‫أنهم يعملون تحت مسؤوليته بموجب عقد ايجارخدمات‪.‬‬

‫يالحظ ان المسؤولية العقدية للطبيب عن فعل مساعديه متوقفة على مدى امتداد‬
‫االلتزامات التي يضمنها كل طرف متعاقد مع المريض والتي تتحدد حسب اختيار المؤسسة‬
‫االستشفائية أكان المريض أو طبيبه‪ ،‬ألن باختيار الطبيب له يكون ضمانا لجميع االعمال‬
‫المرتبطة بالعالج منذ بدايته حتى نهايته دون االعمال الفندقية التي تبقى دائما على عاتق‬
‫المستشفى الخاص أما اختياره من قبل المريض يعني اعفاء الطبيب من جميع االعمال‬
‫السابقة والالحقة لجوهرالتدخل العالجي فال يسأل اال عن أخطائه الشخصية‪ ،‬مع بقائه ملزما‬
‫برقابة المساعدين في حدود تفادي وقوع اضرارمحتملة على المريض ‪.‬‬

‫يستنتج أن تحديد المسئول عن خطأ المساعد يكون تبعا لنطاق االلتزام العقدي لكل‬
‫طرف متعاقد مع المريض‪ ،‬الذي يبين طبيعة عمل المساعد أكان تنفيذا اللتزام طبي يسأل عنه‬
‫الطبيب أم التزام استشفائي يسأل عنه المستشفى‪ ،‬فالمسئول من أدخل المساعد لتنفيذ‬
‫التزام هو أصال المدين به دون ما أهمية للتمييزبين من اختارالمؤسسة االستشفائية ‪.‬‬

‫‪ - 143‬حسام الدين االهواني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫‪P 22‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ثانيا‪ :‬قيام المسؤولية العقدية عن فعل الغير‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 924‬من القانون المدني الجزائري أن كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص‬
‫بخطئه‪ ،‬ويسبب ضررا للغيريلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض‪ ،‬فتقوم المسؤولية المدنية‬
‫بتو افر اركانها من خطأ وضررا وعالقة سببية‪ ،‬ولما كانت المسؤولية العقدية أحد شقيها تقوم‬
‫هي االخرى بتو افر هذه االركان زيادة على الشرط السلبق ذكرها من وجوب وجود عقد صحيح‬
‫وحصول باخالل بالتزام عقدي‪.‬‬

‫‪ - 9‬الخطأ الطبي ‪.‬‬

‫يجمع الفقه القانوني على تعريف الخطأ الطبي على انه ‪ " :‬الخطأ الذي يرتكبه الطبيب‬
‫أثناء مزاولته لمهنته إخالال بالتزام بذل العناية‪ ،‬ويتجلى في كل مرة ال يقوم فيها الطبيب بعمله‬
‫بانتباه وحذر‪ ،‬وال يراعي فيها االصول العلمية المستقرة‪ ،‬مع االخذ بعين االعتبار كل الظروف‬
‫االستثنائية في الزمان والمكان‪ ،‬وعدم االخذ بالضرورة بنتيجة عمله دائما والتي تقترن أحيانا‬
‫بالفشل نتيجة املخاطراملحتملة التي تكتنف معظم االعمال الطبية‪ ،‬وهو نتيجة كل خطأ يرتكبه‬
‫الطبيب أثناء مزاولته لفنه إذا كان السبب في االضرار بمريضه"‪ ،144‬كما عرفه قرار ‪Arrêt‬‬
‫‪ Mercier‬ملحكمة النقض الفرنسية الشهير " يكون الطبيب مخطئا إذا كانت العناية التي بذلها‬
‫تخالف الحقائق العلمية الحالية "‪.145‬‬

‫فالخطأ الطبي هوأساس المسؤولية الطبية بصفة عامة والمسؤولية الطبية عن فعل‬
‫الغيربصفة خاصة‪ ،‬االمرالذي أكده قانون ‪ 14‬مارس ‪ 2112‬الفرنس ي المتعلق بحقوق المرض ى‬
‫ونوعية نظام الصحة‪ ، 146‬ويثبت من جانب الطبيب سواء تعلق االمر بأداء مهنته كطبيب وهو‬
‫ما يعرف بالخطأ الفني او المنهي والمتمثل في الخروج عن االصول الفنية للمهنة ومخالفة قواعد‬
‫العلم واألصول الطبية المستقرة‪ ،‬او خطأ عادي غير متعلق بالمهنة ناتج عن اهمال الطبيب‬

‫‪ - 144‬بن صغير مراد‪ ،‬الخطأ الطبي في ظل قواعد المسؤولية المدنية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪145‬‬
‫‪- Cass.civ : 20/05/1936. Responsabilité civile et assurances, Edition du juris -classeur-, Hors-‬‬
‫‪série,(juillet- août1999), Paris,‬‬ ‫‪p 07.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪- Art L1142-1 al du C.S.P.F dispose que « Hors le cas ou leur responsabilité est encorue en raison‬‬
‫‪d’un défaut d’un produit de santé,les professionnels de santé mentionnes a la organisme dans lequels‬‬
‫‪sont réalisés des actes individuels de prévention de diagnostic ou de soins ne sont responsables des‬‬
‫» ‪conséquences dommageables d’actes de prévention , de diagnostic ou de soins qu’en cas de faute‬‬

‫‪P 27‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وتقصيره وعدم احتياطه و اتخاذه الحيطة والحذرالتي يمليها عليه واجب الحيطة والتبصر‪ ،‬كما‬
‫يمكن ان يكون الخطأ جسيما او يسيرا وللخطأ الطبي عدة صور‪.‬‬

‫‪ -‬الخطأ في التشخيص‪ :‬هو ذلك الجزء من الفن الطبي الذي يهدف لمعرفة طبية المرض‬
‫ووضعه في االطار املحدد له‪ ،147‬فيخول الطبيب او جراح االسنان القيام بكل اعمال‬
‫التشخيص والوقاية والعالج فالغلط في هذه المرحلة ال يرتب مسؤولية الطبيب‪ ،‬انما‬
‫تترتب عن االهمال او التقصيرمن جانب هذا االخيرفي لجوءه الى كافة الوسائل العلمية‬
‫والحديثة التي توفرها المعطيات العلمية في املجال الطبي من أجل تشخيص المرض‪.‬‬

‫‪ -‬الخطأ في تنفيذ العالج‪ :‬بعد القيام بعملية التشخيص واختيار العالج المناسب‬
‫للمريض تبدأ مرحلة العالج التي يكون الطبيب مسئوال عن أي خطأ يرتكبه هو او احد‬
‫مساعديه اذا تم ادخاله في هذه العملية ‪ ،‬فكل اهمال او عدم احتياط او رعونة يعتبر‬
‫خطأ طبي موجب للمسؤولية كالخطأ في الحقن باألمصال‪ ،‬او الخطأ في وصف دواء‬
‫معين‪ ،‬او الخطأ في التدخل الجراحي او في العالج باألشعة او في العمليات التجميلية او في‬
‫نقل الدم والخطأ في اختيار واستعمال وسائل العالج‪ ،‬فالطبيب خالل تقديم العالج‬
‫يكون ملزما ببذل العناية التي تمليها عليه اصول مهنة الطب وقواعدها حيث تنص‬
‫المادة ‪ 41‬من مدونة اخالقيات الطب على ان ‪ " :‬يلتزم الطبيب او جراح االسنان بمجرد‬
‫مو افقته على أي طلب معالجة بضمان تقديم العالج لمرضاه يتسم باإلخالص والتفاني‬
‫والمطابقة لمعطيات العلم الحديثة واالستعانة عند الضرورة بالزمالء املختصين‬
‫والمؤهلين"‪.‬‬

‫‪ -‬الخطأ في المر اقبة‪ :‬ينبغي على الطبيب االلتزام بمر اقبة المريض للتأكد من اثارالعالج‬
‫ومدى تأثيره على المريض خاصة بعد العمليات الجراحية خاصة طبيب التخذير الذي‬
‫يلتزم بإفاقته بعد التدخل الجراحي لتفادي ما قد يثور من مشاكل تنفسية او عدم‬
‫انتضام دقات القلب ‪ ،‬وكذلك االمربالنسبة للتعليمات التي يفوضها الطبيب للمرضين‪،‬‬
‫حيث اعتبرالطبيب الجراح مسؤوال عما أصاب المريض من حروق أثناء غيبوبته عقب‬

‫‪ - 147‬محمد حسن قاسم‪ ،‬اثبات الخطأ في المجال الطبي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬طبعة ‪ ،0110‬ص ‪.000‬‬

‫‪P 70‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إجراء العملية الجراحية بسبب عمليات التدفئة التي قام بها الممرضون اذ كان على‬
‫الطبيب الجراح أن يرقب بنفسه درجة الحرارة الالزمة‪. 148‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الضرر‬

‫الضرر هو الركن الثاني من أركان للمسؤولية ويتمثل في االذى الذي يصيب الشخص من‬
‫جراء المساس بحق من حقوقه‪ ،‬او بمصلحة مشروعة ‪ ،‬سواء تعلق ذلك الحق او تلك المصلحة‬
‫بسالمة جسمه اوعاطفته اوماله اوحريته اوشرفه اوغيرذلك‪ ، 149‬ناتج عن عدم الوفاء بااللتزام‬
‫او التأخرفي الوفاء به فال يكفي لقيام المسؤولية ثبوت خطأ الطبيب او أحد مساعديه بل ينبغي‬
‫أن يكون الخطأ قد أدى الى الحاق ضرر بالمريض موجب للتعويض عنه‪ ،‬ويستوي ان يكون‬
‫الضررماديا او أدبيا او تفويت فرصة العالج او الشفاء وفق نص المادة ‪ 912‬من القانون المدني‬
‫الجزائري‪ ،‬ويجب ان يكون الضرر محققا او انه محقق ومؤكد الوقوع مستقبال كما يشمل‬
‫الضرر الذي قام بسببه كالحروق الناجمة عن تعريض جسم المريض لألشعة القوية‪ ،‬فينبغي‬
‫ان يكون الضرر نتج مباشرة عن الخطأ المرتكب من قبل الطبيب او احد مساعديه وفي أي‬
‫مرحلة من راحل تقديم العالج‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العالقة السببية‪.‬‬

‫على الرغم من صعوبة اقامة العالقة السببية بين الخطأ والضرر في املجال الطبي نظرا‬
‫لخصوصية العمل الطبي اال انه يلزم وجود عالقة سببية بين الخطأ المرتكب والضرر الناتج‬
‫عنه لقيام المسؤولية العقدية عن فعل الغير خاصتا وان العقد الطبي هو الذي يحكم هذه‬
‫العالقة الذي ينعقد بين الطبيب والمريض او بين المريض والمؤسسة االستشفائية الخاصة‬
‫فينبغي ان يكون الضرر الو اقع نتيجة مباشرة للخطأ المرتكب‪ ،‬فإذا كان المريض تعاقد مع‬
‫الطبيب يكون هذا االخير مسؤوال عن جبر الضرر إال اذا أثبت السبب االجنبي الذي يخرج منه‬
‫الغير كما سبق بيانه فمتى ثبتت عالقة الطبيب بمساعديه يكون مسؤوال عقديا عن أعمالهم‪،‬‬
‫كذلك االمر بالنسبة للمؤسسات االستشفائية مادام يحكمها العقد الطبي‪ ،‬ويقع عبء االثبات‬
‫على المدعي وفق القواعد العامة للمسؤولية فعلى الطبيب اثبات انه قام بتنفيذ جميع‬

‫‪ - 148‬حسام الدين االهواني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.000‬‬


‫‪ - 149‬مقدم سعيد‪ ،‬نظرية التعويض عن الضرر المعنوي‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،0220 ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪P 71‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫االلتزامات التي يمليها عليه العقد الطبي وما دام التزام الطبيب التزام ببذل عناية بالتالي ينبغي‬
‫على المريض اثبات الخطأ والفعل الضارالعالقة السببية بينهما‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫وختاما يمكن القول أن بانتقال القطاء الصحي من العام الى الخاص ونظرا لحداثة‬
‫االجهزة والعلوم الطبية وما يشهده هذا املجال من تطور سريع‪ ،‬وبوجود مصلحتين متضاربتين‬
‫يجب التوفيق بينهما مصلحة الطبيب الذي يتمتع باستقالليته المهنية ومصلحة المؤسسات‬
‫الطبية من جهة‪ ،‬ومصلحة المرض ى من جهة أخرى‪ ،‬فالمسؤولية عن فعل الغيرفي املجال الطبي‬
‫على فكرة أن المدين االصلي بااللتزام يكون مسؤوال عن االخطاء التي ترتكب من قبل االشخاص‬
‫الذين يستعملهم في تنفيذ التزامه وال يجوز للطبيب ان يتخلص من هذه المسؤولية االب اثبات‬
‫السبب االجنبي او القوة القاهرة‪ ،‬ينبغي على المشرع الجزائري العمل على تقنين أحكام تنظم‬
‫المسؤولية الطبية من أجل حماية الطرف الضعيف عي العالقة التعاقدية وهو المريض الذي‬
‫يسعى الى العالج خاصتا ما يشهده الوقت الحالي من كثرة و تنوع االخطاء الطبية وصعوبة اثباتها‬
‫خاصة في القطاع الخاص‪ ،‬الذي اصبح يؤمن على المسؤولية المدنية لدى شركات التأمين ‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫االمر رقم‪ 11/11 :‬المؤرخ في ‪ 93‬ماي ‪ 2111‬المعدل والمتمم لالمر رقم ‪ 11/11‬المؤرخ في‬
‫‪ 20‬سبتمبر‪ 9111‬المتضمن القانون المدني‪.‬‬

‫أنورسلطان‪ ،‬الموجزفي مصادرااللتزام‪ ،‬منشأة المعارف‪.9110 ،‬‬

‫علي الفياللي االلتزامات‪ ،‬الفعل المستحق للتعويض‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دارالموفم للنشر‪،‬‬
‫الجزائر‪.2192 ،‬‬

‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬املجلد‬
‫االول‪ ،‬الغقود الواردة على العمل‪ ،‬الكطبعة الجديدة‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪.9111‬‬

‫عشوش كريم‪ ،‬العقد الطبي‪ ،‬دارهومة للطباعة والنشروالتوزيع‪ ،‬الجزائر‪. 2111 ،‬‬

‫‪P 72‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المرسوم التنفيذي رقم ‪ 210-12‬مؤرخ في ‪ 11‬محرم ‪ 9493‬المو افق ل ‪ 10‬يوليو ‪9112‬‬


‫المتضمن مدونة أخالقيات الطب‪ ،‬جريدة رسمية عدد ‪ 12‬الصادرة بتاريخ ‪ 11‬يوليو ‪.9112‬‬

‫أكرم محمود حسن البدو‪ ،‬المسؤولية المدنية للمستشفيات الخاصة‪ ،‬دارالحامد للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة االولى‪.2114 ،‬‬

‫رايس محمد‪ ،‬نطاق وأحكام المسؤولية المدنية لألطباء و إثباتها‪ ،‬دار هومة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.2192 ،‬‬

‫‪P 73‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫العهدة الرئاسية يف موريتانيا وإشكالية‬


‫التداول على السلطة‬
‫‪The presidential era in Mauritania and the problem of power trading‬‬
‫ملخص الدراسة‪:‬‬
‫تسعى هذه الدراسة إلى معالجة موضوع بالغ األهمية (العهدة الرئاسية) باعتباره هو‬
‫األداة المثلى لدمقرطة الحكم وتكريس التداول السلمي على أسمى منصب في الدولة (رئاسة‬
‫الجمهورية) الذي يعتبر الشاغل له هو الضامن الستقالل البالد وسيادتها وحامي الشرعية‬
‫الدستورية وهو الممسك بزمام الشأن العام وتخضع له كل السلط‪ .‬لذلك تحاول هذه الدراسة‬
‫الوقوف توصيفا وتحليال واستنباطا عند أهم مستجدات الميكانيزمات الدستورية الضابطة‬
‫للعهدة الرئاسية في التجارب الدستورية الموريتانية المتعاقبة سواء من حيث مدتها بدءا ونهاية‬
‫أومن حيث تحديد مدد تجديدها‪ ،‬فضال عن استعراض مختلف المكابح التي وضعها المشرع‬
‫الدستوري للحيلولة دون المساس بالمقتضيات الضامنة للتناوب الديمقراطي على السلطة‪،‬‬
‫ودسترة تجريم االنقضاض على الشرعية الدستورية أو أي وسيلة من شأنها الوصول إلى السلطة‬
‫بغيراالنتخاب‪.‬‬

‫تخلص الدراسة إلى أنه بالرغم من أن موريتانيا عرفت تنظيم انتخابات رئاسية مرتين‬
‫في اآلجال املحددة دستوريا بعد سريان نفاذ المقتضيات المدسترة لتجريم االنقالبات‪ ،‬وشهد‬
‫االستحقاق الرئاس ي األخير الذي نظم في شهر يونيو ‪ 2191‬تبادال دبمقراطيا على السلطة في جو‬
‫سلمي تنافس ي هادئ‪ ،‬إال أن الوقت مازال مبكرا على الحكم بأن هذه التجربة ستشكل قطيعة‬
‫مع االنقالبات والممارسات غير الديمقراطية‪ ،‬رغم أنها مؤشر إيجابي يصب في منحى وضع لبنة‬
‫تبعث على التفاؤل باحترام الشرعية الدستورية المكرسة لمبدأ التداول الديمقراطي على‬
‫السلطة‪.‬‬

‫‪P 74‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

‫ العهدة الرئاسية – التداول على السلطة – موريتانيا – االنقالبات‬:‫الكلمات االفتتاحية‬


‫العسكرية‬

Titre de l'étude

Le mandat présidentiel en Mauritanie et le problème de la passation


démocratique du pouvoir

Résumé de l'étude

Cette étude vise à aborder un sujet très important (le mandat présidentiel),
comme le meilleur outil pour démocratiser le gouvernement et consacrer la
passation apaisée de la plus haute fonction de l'Etat (la Présidence de la
République, dont la préoccupation est le garant de l'indépendance et la
souveraineté du pays et le protecteur de la légitimité constitutionnelle. Dont la
préoccupation est le garant de l’indépendance et de la souveraineté du pays, le
protecteur de la légitimité constitutionnelle, le détenteur de l’autorité publique
et le subordonné de toutes les autorités.

Par conséquent, Cette étude tente de décrire, d'analyser et d'éclaircir les


évolutions les plus importantes des mécanismes constitutionnels contrôlant le
mandat présidentiel dans les expériences constitutionnelles mauritaniennes
successives, tant en termes de sa durée de début et de fin ou en termes de
détermination des périodes de son renouvellement, ainsi qu'un examen des
différents freins mis par le législateur constitutionnel pour éviter de porter
atteinte aux exigences garantissant la passation démocratique de l'autorité, et la
constitution de l'incrimination de l'atteinte à la légitimité constitutionnelle ou
de tout moyen qui conduirait à l'accession au pouvoir autre que par élection.

L'étude conclut que bien que la Mauritanie ait su organiser des élections
présidentielles à deux reprises dans les délais constitutionnels après l'entrée en

P 75 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪vigueur des dispositions constitutionnelles criminalisant les coups d'État, et que‬‬


‫‪les dernières élections présidentielles qui ont été organisées en juin 2019 ont vu‬‬
‫‪un échange de pouvoir démocratique dans un cadre pacifique, compétitif et‬‬
‫‪ambiance calme, mais il est encore trop tôt pour juger que cette expérience‬‬
‫‪constituera une rupture avec les coups d'État et les pratiques antidémocratiques,‬‬
‫‪bien qu’il s’agisse d’un signe positif d’une construction porteuse de respect de la‬‬
‫‪légitimité constitutionnelle inscrite dans le principe de la passation‬‬
‫‪démocratique du pouvoir.‬‬

‫‪Mots clés‬‬

‫‪Mandat présidentiel - Passation du pouvoir - Mauritanie - Coups d'Etat‬‬


‫‪militaires.‬‬

‫‪ .9‬عنوان الدراسة‬

‫‪ .2‬العهدة الرئاسية في موريتانيا وإشكالية التداول على السلطة‬

‫‪ .3‬تقديم‬

‫شهدت موريتانيا خالل مسيرتها السياسية ثالث دساتير أحدث كل منها نظاما مغايرا‬
‫لسلفه‪ ،‬وتبعا لذلك اختلفت المقتضيات الناظمة للعهدة الرئاسية واألحكام المرتبطة بها في كل‬
‫دستورعلى حدة‪ .‬فأول دستورعرفته البالد صدرفي مارس سنة ‪ 9111‬أسس لنظام يوصف بأنه‬
‫برلماني الوجود فيه لمنصب رئيس الجمهورية‪ ،‬حيث يوجد على رأس السلطة التنفيذية‬
‫(الحكومة) وزيرأول ينتخب من قبل الجمعية اإلقليمية (البرلمان)‪.‬‬

‫التكتس ي دراسة دستور ‪ 9111‬أهمية كبيرة نظرا لكونه وضع في فترة الستقالل املحلي‪/‬‬
‫الذاتي واستمر العمل به لفترة قصيرة استغرقت ما بين سنتي ‪ 9111‬و‪ ،9109‬حيث عجل بنهاية‬
‫العمل به التغيرات التي حدثت على المسرح السياس ي الموريتاني خالل سنتي ‪ 9101‬و‪ 9109‬من‬
‫جهة‪ ،‬وعدم مالءمة مايرتبه من مقتضيات دستورية مع األوضاع الجديدة المترتبة عن حصول‬
‫البالد على االستقالل التام في الـ‪ 21‬نوفمبر‪ ،9101‬وهو ماتطلب اعتماد دستورجديد في ‪ 21‬مايو‬

‫‪P 76‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ 9109‬اتجهت فلسفة واضعيه إلى إرساء دعائم نظام سياس ي من نمط رئاس ي‪ ،‬أورئاسوي وفقا‬
‫لما درجت عليه تقاليد الدول اإلفريقية ذات اإلرث الفرنس ي‪.150‬‬

‫وهكذا فقد أرس ى دستور ‪ - 9109‬الذي يعتبر دستور الجمهورية الثانية‪ -‬نظاما دستوريا‬
‫مختلفا عن النظام الذي ساد في ظل سلفه دستور‪ 9111‬من حيث النمط الذي تبنى‪ ،‬والعالقات‬
‫التي أقام بين المؤسسات الدستورية ‪ ،151‬حيث أحدث منصب رئيس الجمهورية وحدد العهدة‬
‫الرئاسية في خمس سنوات قابلة للتجديد بشكل مستمر‪ ،‬وهو ما مكن الرئيس األسبق املختار‬
‫ولد داداه من االستمرار في الحكم طيلة ثالث مأموريات رئاسية حتى أطاخ به الجيش بموجب‬
‫انقالب عسكري في العاشرمن يوليو ‪ .9111‬وعلى إثرهذا االنقالب تم إلغاء العمل بدستور‪9109‬‬
‫وحلت المؤسسات السياسية المنبثقة عنه‪.‬‬

‫بخصوص الفترة الفاصلة بين العاشر يوليو ‪ 9111‬و‪ 9119‬فال يتوقع أن يكون موضوع‬
‫العهدة الرئاسية محل اهتمام يذكر‪ ،‬حيث عاشت البالد خالل هذه الفترة وضعية يمكن وصفها‬
‫باالستثنائية‪ ،‬امتازت بصراع الجيش على الحكم وهيمنته على مختلف السلط‪ ،‬وظلت البالد‬
‫تسير طيلة هذه الفترة بواسطة أوامر أو مواثيق تصدرها اللجان العسكرية التي تعاقبت على‬
‫الحكم‪ .‬واستمر هذا الوضع حوالي ثالثة عشر سنة حتى تاريخ وضع دستور جديد للبالد سنة‬
‫‪ .9119‬وقد أقام هذا الدستور مؤسسات ديمقراطية‪ ،‬وعلى إثره تم انتخاب المؤسسات‬
‫الدستورية كالبرلمان ورئاسة الجمهورية‪ ،‬وتمت دسترة التعددية الحزبية وحرية التعبير‪ .‬ومازال‬
‫هذا الدستورساري النفاذ في البالد‪ ،‬غيرأنه شهد ثالث مراجعات جزئية‪ ،‬أوالها في ‪ 2110‬والثانية‬
‫في ‪ 2192‬والثالثة في ‪.2191‬‬

‫هذا السياق العام لكرنولوجيا مسار التجارب الدستورية الموريتانية وما مرت به من‬
‫تحيين وتحديث ملحتوى الوثيقة الدستورية‪ ،‬كان فيه لموضوع العهدة الرئاسية (تقليصا‬
‫وتحديدا) وإرساء معالم التداول الديمقراطي على السلطة نصيب من التعديل والمراجعة‪ ،‬نظرا‬
‫لما مرت به البالد خالل مسيرتها السياسية من صراع على السلطة أفض ى إلى مسلسل من‬
‫االنقالبات العسكرية واالنقالبات المضادة‪ .‬وبالتالي انصب اهتمام الطبقة السياسية‬

‫‪150‬انظر أحمد سالم ولد ببوط‪ ،‬تطور المؤسسات في الجمهورية اإلسالمية الموريتانية‪ ،‬تعريب محمد ولد الداه ولد عبد القادر‪،‬‬
‫المجلة الموريتانية للقانون واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪ ،01‬يونيو ‪ ،0102‬ص ‪.27‬‬
‫يراجع سيدي محمد ولد سيدأب‪ ،‬الوسيط في القانون الدستوري والنظم السياسية‪ ،‬مطبعة سيرك (ش‪.‬م) ط ‪ ،0102 ،0‬ص‬ ‫‪151‬‬

‫‪.027‬‬

‫‪P 74‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الموريتانية منذ تبني خيار النظام الديمقراطي بداية تسعينات القرن المنصرم على الميكانيزم‬
‫الدستوري الضابط للعهدة الرئاسية والتمكين إلرساء التداول الديمقراطي على السلطة‪،‬‬
‫وظلت األحكام المرتبطة بهذا الموضوع محل تعديل في كل المراجعات الدستورية المتعاقبة‪،‬‬
‫سعيا إلى وضع أدوات دستورية صلبة تحصرالتناوب على السلطة في االنتخاب النزيه والشفاف‪،‬‬
‫وتمكن من وضع حد الستمرارمسلسل االنقالب على الشرعية الدستورية والتغلب على السلطة‬
‫بالقوة العسكرية الذي عانت منه البالد طيلة عقود من الزمن‪.‬‬

‫‪ .4‬في هذا السياق‪ ،‬تجد هذه الدراسة أهميهها في كونها تعالج موضوعا بالغ‬
‫األهمية (العهدة الرئاسية) الرتباطه بأعلى منصب في الدولة (رئاسة‬
‫الجمهورية) يعتبر الشاغل له هو الضامن الستقالل البالد وسيادتها وحامي‬
‫الشرعية الدستورية وهو الممسك بزمام الشأن العام وتخضع له كل السلط‪.‬‬

‫‪ .1‬وتأسيسا على ما تقدم تحاول هذه الدراسة الوقوف توصيفا وتحليال‬


‫واستنباطا عند أهم مستجدات الميكانيزمات الدستورية الضابطة للعهدة‬
‫الرئاسية سواء من حيث مدتها بدءا ونهاية أو من حيث تحديد مدد تجديدها‪،‬‬
‫فضال عن استعراض مختلف المكابح التي وضعها المشرع الدستوري‬
‫للحيلولة دون المساس بالمقتضيات الضامنة للتناوب الديمقراطي على‬
‫السلطة‪ ،‬ودسترة تجريم االنقضاض على الشرعية الدستورية أو أي وسيلة من‬
‫شأنها الوصول إلى السلطة بغيراالنتخاب‪.‬‬

‫وعلى ضوء ماسلف ستتم معالجة الموضوع من خالل تقسيمه إلى ثالثة محاور‪ :‬يتناول‬
‫األول منها التأسيس الدستوري للعهدة الرئاسية في دستوري ‪ 9109‬و‪ ،9119‬في حين يتناول‬
‫الثاني محورية المأمورية الرئاسية في المراجعة الدستورية ‪ ،2110‬بينما سيخصص الثالث‬
‫لمستجدات مراجعة الدستورية ‪ 2192‬المرتبطة بوضع مكابح ترس ي مزيدا من احترام مبدأ‬
‫التداول الديمقراطي على السلطة‪.‬‬

‫‪P 72‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫املحوراألول‪ :‬التأسيس الدستوري للعهدة الرئاسية في دستوري ‪ 9109‬و‪9119‬‬

‫سيتم تقسيم هذا املحور إلى نقطتين‪ ،‬من خاللهما يتم تناول المقتضيات الدستورية‬
‫الناظمة للعهدة الرئاسية في ظل دستور‪( 9109‬أوال) ودستور‪( 9119‬ثانيا)‪ ،‬وهو ما سيمكننا من‬
‫معرفة مدى تطابق أو تمايزمقتضيات أحكام المأمورية الرئاسية في كل من هذين الدستورين‪.‬‬

‫أوال‪ :‬دستوراالستقالل ‪ : 9109‬عهدة رئاسية أحادية التنافس‬

‫اعتنى المؤسس الدستوري الموريتاني في أول دستور عرفته البالد بعد االستقالل‬
‫بموضوع تحديد مدة المأمورية الرئاسية مجسدا ذلك في نص المادة ‪ 93‬من دستور ‪ 9109‬على‬
‫أن رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمس سنوات باالقتراع العام المباشر‪ .‬غير أن المشرع ترك‬
‫مشرعا بتنصيص المادة ‪ 91‬من نفس الدستور‬ ‫باب إمكانية االستمرار في السلطة مدى الحياة َ‬
‫ّ‬
‫على أنه يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية دون أن ِ‬
‫تبوب على تحديد أي سقف لعدد‬
‫المأموريات الرئاسية القابلة للتجديد(‪ .)152‬وهو أمر متوقع حسب األستاذ " أرنو" نظرا لطبيعة‬
‫النظام السائد في ظل دستور‪ 9109‬الذي يعتمد على الحزب الواحد‪ ،‬ووحدة القيادة السياسية‬
‫للحزب والدولة‪ ،‬فرئيس الجمهورية باعتباره أمينا عاما لحزب الشعب(‪ ،)153‬وحائزا على ثقة‬
‫مناضليه فإن ترشيحه ونجاحه يكون مضمونا بسبب انعدام منافس له من جهة‪ ،‬وإشراف‬
‫المناضلين التابعين للحزب الذي يمثله على االنتخابات ومواالة اإلدارة بمفهومها الواسع له‪ ،‬من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬

‫لقد كرس دستور‪ 9109‬العمل بقاعدة أحادية التنافس وحصرالترشح لمنصب رئاسة‬
‫الجمهورية في شخص األمين العام لحزب الشعب منذ التعديل الدستوري الذي أجري في سنة‬
‫‪ ،)154(9101‬والذي بموجبه تمت دسترة نظام الحزب الوحيد المعترف به في الدولة إلى أن تم إلغاء‬
‫العمل بدستور ‪ 9109‬وحل المؤسسات المنبثقة عنه –بما فيها حزب الشعب‪ -‬بموجب انقالب‬
‫العاشرمن يوليو‪ ،9111‬لتدخل البالد مرحلة جديدة من األحكام العسكرية استمرت حتى صدور‬
‫دستور‪ 21‬يوليو ‪.9119‬‬

‫(‪)152‬انظر المادة ‪ 25‬من دستور ‪.2362‬‬


‫(‪)153‬الحزب الوحيد المعترف به في الدولة بموجب المادة ‪ 3‬من الدستور‪.‬‬
‫(‪)154‬يراجع‪ :‬جان أكلود أرنو‪ ،‬المؤسسات السياسية الموريتانية‪ ،‬تعريب عبد القادر الميالدي‪ ،‬مركز التوثيق والبحوث‬
‫بالمدرسة الوطنية لإلدارة‪ ،‬انواكشوط ‪ ،2334‬ص‪.40:‬‬

‫‪P 77‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ثانيا‪ :‬دستور‪ 9119‬وفتح باب التنافس على الرئاسة‬

‫قبل الحديث عن الميكانيزم الضابط للعهدة الرئاسية في دستور‪ 21‬يوليو ‪ 9119‬يجدر‬


‫بنا اإلشارة بشكل مختصر إلى أسباب ودو افع تبني دمقرطة الحياة السياسية واالنتقال من‬
‫مرحلة األحكام العسكرية التي سادت في البالد طيلة الفترة الفاصلة بين ‪ 9111‬و‪.9119‬‬

‫‪-9‬دو افع االنتقال من عسكرة الحكم إلى تبني خياردمقرطة السلطة‬

‫لقد دفع المؤسسة العسكرية إلى وضع إجراءات االنتقال من الحكم العسكري إلى الحكم‬
‫الديمقراطي‪ ،‬ما عاشته األحكام الدكتاتورية من مأزق‪ ،‬وما لحق باألنظمة العسكرية من إفالس؛‬
‫باإلضافة إلى الموجة الديمقراطية التي اجتاحت العالم خصوصا بعد سقوط الثنائية‬
‫القطبية‪ ،‬كل ذلك دفع بالسلطات العسكرية الحاكمة في موريتانيا إلى مسايرة هذا التوجه‬
‫الديمقراطي الجديد‪ ،‬حيث لم تجد بدا من الدخول في هذا التيار‪ ،‬خاصة بعد أن أصبحت‬
‫الدول األوربية والواليات المتحدة األمريكية تربط تقديم مساعداتها للدول اإلفريقية بتبنيها‬
‫دساتيرتؤسس لالنتقال الديمقراطي وتكريس دولة المؤسسات‪.‬‬

‫هذه العوامل الداخلية والخارجية دفعت بالعقيد معاوية ولد الطايع‪ ،‬رئيس اللجنة‬
‫العسكرية الحاكمة وقتئذ‪ ،‬إلى اإلعالن عن نيته وضع دستور جديد يقيم مؤسسات دستورية‬
‫تحكم البالد(‪ ،)155‬وتم ذلك بالفعل باستفتاء الشعب حول مشروع الدستورالجديد في الـ ‪ 92‬من‬
‫يوليو ‪ ،9119‬و أقره الشعب بأغلبية أصوات ناخبيه‪ ،‬وتم إصداره في ‪ 21‬يوليو من نفس السنة‪،‬‬
‫وتم تنظيم السلط‪ ،‬بما فيها البرلمان‪ ،‬في ظل هذا الدستور على نحو ما هو متعارف عليه في‬
‫األنظمة الدستورية ذات التوجه الديمقراطي‪.‬‬

‫‪-2‬المزاوجة بين دمقرطة التنافس على السلطة وشرعنة االستمرارفي الحكم‬

‫إذا كان المشرع الدستوري حدد مدة المأمورية الرئاسية في الصيغة األصلية لدستور‪21‬‬
‫يوليو ‪ 9119‬على غراردستور‪ ،9109‬فإنه أضاف مقتض ى جديدا ترتب عنه زيادة مدة المأمورية‬
‫لتصبح ست (‪ )0‬سنوات‪ ،‬بدل خمس سنوات التي كانت مقررة في سلفه دستور ‪ .9109‬وعالوة‬

‫سيدي محمد ولد سيدأب‪ ،‬السلطات العامة والعالقة بينها في ظل النظام الدستوري الموريتاني ‪-2332‬دراسة‬ ‫(‪)155‬‬

‫مقارنة‪-‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق أكدال‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪ ،2332-2335‬ص ‪.2‬‬

‫‪P 100‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫على ذلك ترك باب إمكانية تجديد الواليات الرئاسية مطلقا بدون تقييد بمدد رئاسية محددة‪،‬‬
‫بحيث اكتفى بالتنصيص على أنه" يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية"(‪ ،)156‬وهو ما يعني‬
‫إمكانية إعادة انتخاب الرئيس ألكثر من مرة‪ ،‬وهو ما يحمل على القول إن المؤسس الدستوري‬
‫شرعن إمكانية االستمرارفي السطة مدى الحياة‪.‬‬

‫بيد أن دستور‪ 9119‬إذا كان كرس التنافس الحرعلى منصب رئيس الجمهورية وفتح باب‬
‫التعددية الحزبية والسياسية إال أن الممارسة العملية كانت تجسد مظهرا من مظاهر سيادة‬
‫نظام " الحزب الواحد"‪ ،‬حيث ظل الحزب الجمهوري (الحزب الحاكم وقتئذ) هو المهيمن على‬
‫الحياة السياسية والمناصب التمثيلية‪ ،‬وظلت االنتخابات سواء كانت رئاسية أو برلمانية مجرد‬
‫إجراءات تنظيمية شكلية التتوفر فيها معاييراالختيارالحرالنزيه والشفاف‪.‬‬

‫لقد كانت ثغرة عدم تحديد مدد تجديد الواليات الرئاسية فرصة استغلها الرئيس األسبق‬
‫معاوية ولد الطايع إلعادة انتخابه ثالث مرات‪ ،‬غير أن انقالب الجيش الذي أطاح به في الثالث‬
‫أغشت ‪ 2111‬عجل بنهاية حكمه قبل انههاء مأموريته الرئاسية الثالثة‪ ،‬لتدخل البالد بذلك‬
‫مرحلة انتقالية جديدة أفضت إلى مراجعة دستورية سنة ‪.2110‬‬

‫املحورالثاني‪ :‬محورية العهدة الرئاسية في المراجعة الدستورية ‪2110‬‬

‫باالطالع على مضامين المراجعة الدستورية ‪ 2110‬نالحظ أن المأمورية الرئاسية‬


‫شكلت محور اهتمام المشرع الدستوري في هذه المراجعة‪ ،‬سواء من خالل تقليص مدة‬
‫المأمورية وتحديد عدد الواليات الرئاسية‪ ،‬أو من حيث إدراج االلتزام باحترام هذه المقتضيات‬
‫ضمن صيغة اليمين الدستورية‪ ،‬فضال عن حظرالمساس بها في أي تعديل دستوري‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المأمورية الرئاسية بين التقليص وتحديد مدد التجديد‬

‫نظرا لفشل التجربة الدستورية التي سادت منذ ‪ 9119‬حتى تاريخ تعليق العمل بها‬
‫بموجب انقالب ‪ ،2111‬نظرا لفشلها في تكريس التداول على السلطة وإرساء دعائم التنافس‬
‫الحر على منصب رئاسة الجمهورية‪ ،‬فقد انصب اهتمام القوى السياسية في موريتانيا على‬
‫تدارس موضوع العهدة الرئاسية وما يتعلق بالنظام القانوني النتخاب رئيس الجمهورية بشكل‬
‫عام خالل األيام التشاورية التي نظمها املجلس العسكري للتدارس حول آليات السبل األنجع‬

‫(‪)156‬انظر المادة ‪ 43‬في صيغتها األصلية‪ ،‬قبل التعديل الذي لحقها بموجب المراجعة الدستورية ‪.4006‬‬

‫‪P 101‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫للعودة بالبالد إلى الحياة الدستورية العادية و انتخاب مؤسسات سياسية بطريقة نزيهة‬
‫وشفافة‪ ،‬وهو ما تطلب مراجعة الدستور في يونيو ‪ 2110‬بواسطة االستفتاء الشعبي‪.‬‬
‫وهكذا فقد ركز المشرع الدستوري الموريتاني خالل المراجعة الدستورية ‪)157(2110‬‬

‫على موضوع المأمورية الرئاسية وضوابطها بشكل عام بدءا بتحديد سن أدنى للترشح لمنصب‬
‫رئيس الجمهورية (‪ 41‬سنة على األقل) وسن أعلى (‪ 11‬سنة على األكثر) مرورا بتقليص مدة‬
‫وصوال إلى حظر المساس بهذه‬ ‫الرئاسية(‪)158‬‬ ‫االنتداب الرئاس ي وتحديد عدد المأموريات‬
‫المقتضيات في أي مراجعة للدستور‪ ،‬ومنع تولي أي منصب قيادي في حزب سياس ي على رئيس‬
‫الجمهورية‪.‬‬

‫في هذا اإلطارتم تقليص المدة الرئاسية وتحديد عدد المأموريات التي يسمح بها إلعادة‬
‫انتخاب رئيس الجمهورية‪ ،‬بحيث أصبحت المادتان ‪ 20‬و‪ 21‬بموجب التعديل الذي لحق بهما‬
‫تنصان بشكل صريح على أن رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمس (‪ )1‬سنوات عن طريق‬
‫االقتراع العام المباشر(‪ ،)159‬واليمكن إعادة انتخابه ألكثرمن مرة واحدة (‪.)160‬‬

‫بيد أن المشرع الدستوري إذا كان حسم في المادة ‪ 21‬من الدستور عدد المأموريات‬
‫الرئاسية المسموح بها لرئيس الجمهورية فإنه ترك الباب مفتوحا للتأويل فيما يتعلق بطريقة‬

‫شهد الدستور الموريتاني لسنة ‪ ،2332‬النافذ حاليا‪ ،‬أول مراجعة في عام ‪ ،4006‬وذلك بموجب القانون‬ ‫(‪)157‬‬

‫الدستوري االستفتائي رقم ‪ ،4006 -022‬بتاريخ ‪ 24‬يوليو ‪ ،4006‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ ،2244‬بتاريخ ‪25‬‬
‫يوليو ‪.4006‬‬
‫(‪ )158‬لقد تأثرت األنظمة الدستورية المغاربية عموما‪ ،‬بما فيها موريتانيا‪ ،‬في دسترتها للمقتضيات المتعلقة بآلية‬
‫انتخاب رئيس الجمهورية بالمقتضيات الناظمة لنفس الموضوع في النظام الدستوري الفرنسي‪ ،‬حيث يتم انتخاب‬
‫رئيس الجمهورية في فرنسا لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة‪ .‬غير أنه تجدر اإلشارة إلى أن رئيس‬
‫الجمهورية في فرنسا لم يكن في السابق ينتخب مباشرة من قبل الشعب‪ ،‬بل كان ينتخب من طرف البرلمان طيلة‬
‫الفترة التي سبقت التعديل الذي شهده دستور الجمهورية الخامسة‪ .‬وانطالقا من حرص الجنرال ديغول على تقوية‬
‫مركز رئيس الجمهورية أكثر في مواجهة مركز البرلمان‪ ،‬جعله ذلك يقدم مبادرة لمراجعة الدستور بموجبها يصبح‬
‫رئيس الجمهورية يتم انتخابه مباشرة بواسطة االقتراع العام المباشر‪ ،‬وهو ما تم فعال في ‪ 6‬نوفمبر ‪ .2364‬لمزيد‬
‫من التفصيل‪ ،‬يراجع‪:‬‬
‫آندريه هوريو‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬ترجمة علي مقلد وآخرون‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪ ،2372،‬ص‪.530:‬‬
‫(‪)159‬الفقرة األولى من المادة ‪ 46‬من الدستور الموريتاني ‪ ،2332‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪)160‬المادة ‪ 43‬من دستور ‪ ،2332‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪P 102‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫احتساب المأموريتين المسموح بهما؛ فنص المادة ‪ 21‬لم يحدد ما إذا كانت المأمورية الرئاسية‬
‫تحتسب‪ ،‬أو التحتسب‪ ،‬كاملة في حال ما إذا قدم رئيس الجمهورية استقالته من منصبه قبيل‬
‫اكتمال مأموريته الرئاسية بفترة قليلة‪ ،‬ثم نظمت انتخابات رئاسية طبقا لما تحدده مقتضيات‬
‫الدستور في مثل هذه الحالة‪ ،‬فهل يمكن أن يترشح رئيس الجمهورية المستقيل في هذه‬
‫االنتخابات؟ وفضال عن ذلك لم يحدد النص الدستوري ما إذا كان المقصود منع الترشح ألكثر‬
‫مأموريتين متصلتين فقط أو مطلقا سواء كانتا متصلتين أو منفصلتين على غرار نظرائه في‬
‫العديد من التشريعات المقارنة‪161‬؟‬

‫اليوجد في النص الدستوري ما يحسم هذه المسألة بشكل قاطع‪ ،‬إال أنه بالرجوع‬
‫لألعمال التحضرية إلعداد مسودة المراجعة الدستورية ‪ 2110‬نجد أن صياغة هذه المسودة‬
‫كانت تتضمن التنصيص بشكل صريح على منع ترشح رئيس الجمهورية ألكثرمن دورتين رئاسيتين‬
‫سواء كانتا متصلتين أو منفصلتين‪ ،‬وهذا التوجه هو الذي سارعليه الكثرمن الدساتيرالمقارنة‬
‫التي تحدد عدد المأموريات الرئاسية التي يمكن لرئيس الجمهورية أن يترشح لها‪ .‬لكن بالرغم‬
‫من ذلك فإن التساؤل يبقى مشروعا عن أسباب عدول المشرع الدستوري الموريتاني عن‬
‫تضمين هذا المقتض ى في الصيغة النهائية لمشروع المراجعة الذي صادق عليه الشعب في‬
‫استفتاء يونيو ‪.2110‬‬

‫ثالثا‪ :‬القسم على عدم المساس بالعهدة الرئاسية‬

‫بعد التعديل الذي لحق بالمادة ‪ 21‬من الدستوربموجب مراجعة ‪ 2110‬أصبحت‬

‫تنص على صيغة اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس الجمهورية وإجراءات أدائها‪،‬‬

‫وتتألف صيغة اليمين المذكورة من جزأين‪:‬‬

‫‪-‬الجزء األول يتعلق بالقسم على أداء رئيس الجمهورية لوظائفه على الوجه األكمل‬
‫والسهر على مصلحة الشعب الموريتاني والحفاظ على استقالل البالد وسيادتها ووحدة الوطن‬
‫وحوزته الترابية‪.‬‬

‫‪ 161‬انظر مثال‪ :‬الفصل ‪ 70‬من الدستور التونسي ‪ 0102‬والمادة ‪ 10‬من الدستور الفرنسي‪.‬‬

‫‪P 103‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪-‬الجزء الثاني يتعلق بالقسم على عدم المساس بعدد المأموريات الرئاسية وشروط‬
‫تجديدها‪ ،‬وذلك بتأدية الصيغة التالية‪:‬‬

‫"و أقسم بالله العلي العظيم أال أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غيرمباشرة أية مبادرة‬

‫من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة األحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس‬
‫الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين ‪ 20‬و‪ 21‬من الدستور"‪.‬‬

‫وهنا تجدر اإلشارة إلى أنه قبل المراجعة الدستورية ‪ 2110‬لم تكن المادة ‪،21‬‬
‫المذكورة‪ ،‬تنص على صيغة اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس الجمهورية عند‬

‫تسلمه لمهامه‪ .‬حيث كانت تتألف من فقرة واحدة مصاغة بشكل مختصر‪ ،‬وذلك‬

‫على النحو التالي‪" :‬يتسلم الرئيس المنتخب مهامه فورانقضاء مدة رئاسة سلفه"‪.‬‬

‫بيد أنه إذا كان الدستور الموريتاني جعل صيغة اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس‬
‫الجمهورية تتضمن القسم على عدم المساس بعدد الدورات الرئاسية ومددها‪ ،‬فإن الدساتير‬
‫األخرى في البلدان العربية واإلسالمية اكتفت بالتنصيص على حظر المساس بتلك األحكام في‬
‫أي مراجعة للدستور‪ ،‬دون أن تذهب إلى أبعد من ذلك بتسييج تلك المقتضيات بمقتض ى آخر‬
‫ذا طابع ديني‪ ،‬وذلك من خالل إدراج تلك األحكام في صيغ اليمين الدستورية التي يقسم بها‬
‫الرئيس المنتخب فورتسلمه لمهامه الرئاسية(‪.)162‬‬

‫هكذا يمكن القول إن لجوء المشرع الدستوري الموريتاني إلى إلزام رئيس الجمهورية‬
‫بالقسم على االلتزام بعدم المساس باألحكام المنظمة للمأموريات الرئاسية ومددها‪ ،‬تأكيد ذا‬
‫صبغة دينية نابع باألساس من عظمة ومكانة القسم في نفوس الشعوب المسلمة‪ ،‬نظرا‬
‫الستشعارها وجوب اللتزام بالمقسوم عليه؛ خاصة وأن الشعب الموريتاني يصنف بأنه من أكثر‬
‫الشعوب ّ‬
‫تدينا والتزاما بتعاليم الشريعة اإلسالمية‪ ،‬والتي من بينها وجوب احترام العهد والقسم‪.‬‬

‫(‪)162‬انظر المواد المحددة لصيغة اليمين الدستورية في الدساتير التالية‪:‬‬


‫الدستور التونسي لسنة ‪( 4022‬الفصل ‪)76‬؛‬ ‫‪‬‬
‫الدستور المصري لسنة ‪ 4022‬ومصر (المادة‪)222‬؛‬ ‫‪‬‬
‫الدستور الجزائري لسنة ‪( 2336‬المادة‪)30‬؛‬ ‫‪‬‬
‫الدستور العراقي لسنة ‪( 4005‬المادة ‪.)50/72‬‬ ‫‪‬‬

‫‪P 104‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ويؤدي رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام املجلس الدستوري بحضور مكتب‬
‫الجمعية الوطنية ورئيس املحكمة العليا ورئيس املجلس األعلى للفتوى والمظالم(‪.)163‬‬

‫رابعا‪ :‬إدراج العهدة الرئاسية ضمن مواضيع "الحظرالموضوعي"‬

‫لم يكتف المشرع الدستوري الموريتاني بالتنصيص على منع إعادة انتخاب رئيس‬
‫الجمهورية ألكثر من مرة واحدة‪ ،‬بل أدرج هذا المبدأ ضمن الموضوعات األربعة املحددة‬
‫واملحصورة التي ال يجوز بحال من األحوال أن يطالها التعديل في أي مراجعة للدستور ( وهو ما‬
‫يسمى في الفقه الدستوري بالحظر الموضوعي)‪ ،‬طبقا لما تقض ي به مقتضيات المادة ‪ 11‬من‬
‫الدستور‪.‬‬

‫وهكذا فقد أصبحت الفقرة األخيرة من المادة ‪ 11‬من الدستور (بعد التعديل الذي‬
‫لحق بها سنة ‪ )2110‬تنص على مايلي‪" :‬ال يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور‪،‬‬
‫إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصيغة الجمهورية للمؤسسات أو‬
‫من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدإ التناوب الديمقراطي على السلطة‬
‫والمبدإ المالزم له الذي يحدد مدة والية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة‬
‫واحدة‪ ،‬وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان ‪ 20‬و‪ 21‬المذكورتان سالفا"‪.‬‬

‫بيد أنه تجدر اإلشارة إلى أن مبدأ حظر انتخاب رئيس الجمهورية ألكثر من مرتين هو‬
‫السائد في العديد من دساتير دول العالم‪ ،‬فقد تبناه الدستور الفرنس ي(‪ )164‬والدستور األمريكي‪،‬‬
‫وكذا دساتير كل من ومصر(‪ ،)165‬تونس(‪ )166‬والجزائر(‪،)167‬بحيث نصت المادة ‪ 299‬من هذا‬
‫األخير(الدستورالجزائري المعدل ‪ ،)2190‬على أن عدم إمكانية إعادة انتخاب رئيس الجمهورية‬
‫ألكثرمن مرة واحدة ال يمكن أن يطاله أي تعديل‪ .‬أما الدستورالتونس ي ‪ 2194‬فقد نص هو اآلخر‬

‫كانت الصيغة األصلية لهذه الفقرة الثالثة من المادة ‪ ،43‬قبل تعديلها في المراجعة الدستورية ‪ ،4027‬كالتالي‪:‬‬ ‫(‪)163‬‬

‫"يؤدي اليمين (أي رئيس الجمهورية) أمام المجلس الدستوري بحضور مكتب الجمعية الوطنية ومكتب مجلس الشيوخ‬
‫ورئيس المحكمة العليا ورئيس المجلس اإلسالمي األعلى"‪.‬‬
‫(‪)164‬المادة ‪ 6‬من دستور ‪ 2353‬الفرنسي‪.‬‬
‫(‪)165‬الفقرة األولى من المادة ‪ 220‬من الدستور المصري ‪ ،4022‬الجريدة الرسمية لجمهورية مصر العربية‪ ،‬عدد ‪،5‬‬
‫بتاريخ ‪ 23‬يناير ‪.4022‬‬
‫(‪)166‬الفقرة الخامسة من الفصل ‪ 75‬من الدستور التونسي ‪.4022‬‬
‫(‪)167‬المادة ‪ 33‬من الدستور الجزائري‪ 2336‬الذي شهد آخر تعديل ‪ ،4026‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪P 105‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫في الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 11‬منه على أنه "ال يجوز ألي تعديل أن ينال من عدد الدورات‬
‫الرئاسية ومددها بالزيادة"(‪.)168‬‬

‫خامسا‪ :‬وأد نتائج المراجعة الدستورية ‪2110‬‬

‫رغم التفاؤل الذي ساد في الساحة السياسية الوطنية على إثرنتائج المراجعة الدستورية‬
‫سنة ‪ 2110‬التي ترتب عنها تنظيم انتخابات رئاسية سنة ‪ 2111‬اعتبرها المر اقبون شفافة‬
‫ونزيهة‪ ،‬وأسفرت عن فوز الرئيس األسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بمنصب رئيس‬
‫الجمهورية‪ ،‬وبذلك دخلت البالد منعطفا جديدا ساد فيه األمل بالقطيعة مع الممارسات غير‬
‫الديمقراطية للوصول إلى الحكم وإرساء دعائم التداول الديمقراطي على السلطة‪.‬‬

‫غيرأن هذا األمل تالش ى بعد مض ي خمسة عشرشهرا فقط من مأمورية الرئيس سيدي‬
‫محمد ولد الشيخ عبد الله‪ ،‬حيث عادت البالد إلى مربع االنقالبات العسكرية ‪ ،‬فتمت اإلطاحة‬
‫صباح السادس من أغسطس ‪ 2111‬بالرئيس المنتخب ولد الشيخ عبد الله بموجب انقالب‬
‫عسكري‪ .‬وبذلك دخلت البالد نمطا آخر من أزماتها السياسية المتتالية كان أكثر حدة وتجاذبا‬
‫بين قادة االنقالب العسكري بقيادة الجنرال وقتئذ محمد ولد عبد العزيز والقوى المدنية‬
‫الداعمة له من جهة‪ ،‬وقوى المعارضة الراديكالية واألحزاب الداعمة للرئيس المنتخب‪،‬‬
‫المطاح به‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬

‫وللخروج من هذه األزمة وتداعياتها تم توقيع "اتفاق داكار" والذي بموجبه دخلت‬
‫البالد في مرحلة انتقالية قصيرة تمهيدا لتنظيم انتخابات رئاسية تفض ي إلى العودة بالبالد إلى‬
‫الحياة السياسية والدستورية العادية‪ ،‬غيرأن أهم قوى المعارضة المشاركة في هذه االنتخابات‬
‫برئاسة‬ ‫العزيز‪169‬‬ ‫لم تعترف بنتائجها التي ترتب عنها فوز الرئيس الحالي محمد ولد عبد‬
‫الجمهورية ؛ ماجعل أزمة العالقة بين القوى السياسية تعود إلى مربعها األول‪ .‬وبعد سنتين من‬
‫انتخابه ( أي ولد عبد العزيز) أعلن عن فتح حوارجديد مع القوى المعارضة لتحريك مياه األزمة‬

‫(‪)168‬ونفس األحكام يتبناها دساتير كل من فرنسا ومصر والعراق‪ ،‬انظر‪:‬‬


‫‪-‬الدستور الفرنسي لسنة ‪( 2353‬المادة‪ )6‬الجريدة الرسمية الفرنسية‪ ،‬عدد ‪ ،0453‬بتاريخ ‪ 05‬أكتوبر ‪ ،2353‬ص‬
‫‪ 3252‬إلى ‪.3272‬‬
‫الدستور المصري ‪( 4022‬المادة‪)220‬؛‬ ‫‪‬‬
‫الدستور العراقي (المادة ‪ ،)74‬الجريدة الرسمية العراقية‪ ،‬عدد ‪ ،2024‬بتاريخ ‪ 43‬ديسمبر ‪.4005‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ 169‬الذي قاد في السابق انقالب الـ ‪ 0‬أغشت ‪ 0111‬بمعية مجموعة من ضباط الجيش‪.‬‬

‫‪P 106‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫السياسية نحو االنفراج‪ ،‬شارك فيه بعض أحزاب المعارضة إلى جانب أحزاب األغلبية‪ ،‬لكن‬
‫أهم قوى المعارضة قاطعته‪.‬‬

‫لقد ظل هاجس عودة وأد مسار تكريس التداول على السلطة حاضرا في نقاشات‬
‫األطراف السياسية المشاركة في هذا الحوار‪ ،‬وتجسد ذلك في االتفاق على إضافة مقتضيات‬
‫جديدة في صلب الوثيقة الدستورية تجرم االنقالبات العسكرية وتعتبرها جرائم التتقادم‪ ،‬وهو‬
‫ماتمت دسترته في المراجعة الدستورية لسنة ‪.2192‬‬

‫املحورالثالث‬

‫المراجعة الدستورية ‪ 2192‬وهاجس وأد مبدأ التداول على السلطة‬

‫بما أن االنقالبات العسكرية ظلت هي أكبر خطر يواجه استقرار األنظمة السياسية في‬
‫موريتانيا وتكريس مبدأ التناوب الديمقراطي‪ ،‬حيث كانت وراء إجهاض أهم التجارب‬
‫الديمقراطية التي عرفهها البالد‪ ،‬بدءا بتجربة الحزب الواحد التي أنهاها الجيش بانقالب الـ‪10‬‬
‫يوليو‪ ،1978‬واالنقالبات المتتالية األخرى التي شهدتها البالد ماقبل التسعينات‪ ،‬والتي كان‬
‫آخرها في ‪ ،9114 92/92‬مرورا بتجربة ‪ 1991‬التي تم االنقضاض عليها بانقالب ‪ 3‬أغسطس‬
‫‪ ،2005‬وصوال إلى تجربة ‪ 2111‬التي أجهضت هي األخرى بانقالب أغسطس ‪)170(2111‬؛ كل ذلك‬
‫جعل الهاجس الذي يؤرق الطبقة السياسية هو حضور االنقالبات بشكل ملفت في‬
‫موريتانيا(‪.)171‬‬

‫والستبيان ذلك أكثرسيتم رصد أهم االنقالبات التي عرفهها موريتانيا منذ االستقالل وإلى‬
‫اليوم‪ ،‬بدءا بما كتب له النجاح منها في الوصول إلى السلطة وكذلك أهم املحاوالت االنقالبية‬
‫األخرى التي باءت بالفشل‪ ،‬وذلك من خالل الجدولين التاليين‪.‬‬

‫قراءة في الخلفيات السياسية واألبعاد‬ ‫انظر سيدي محمد ولد سيدأب‪ ،‬اإلصالحات الدستورية األخيرة في موريتانيا‪،‬‬ ‫(‪)170‬‬

‫القانونية‪ ،‬المجلة الموريتانية للقانون واالقتصاد‪ ،‬عدد ‪ 01‬يونيو ‪ ،0102‬ص ‪.101‬‬


‫حيث تعتبر موريتانيا من أكثر البلدان العربية التي شهدت انقالبات عسكرية في التاريخ العربي المعاصر‪،‬‬ ‫(‪)171‬‬

‫حيث وصل عدد المحاوالت االنقالبية التي عرفتها موريتانيا منذ استقاللها وإلى اليوم ‪ 15‬انقالبا‪ ،‬منها مانجح‬
‫ومنها ما ُمني بالفشل‪.‬‬

‫‪P 104‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫جدول رقم (‪ )9‬االنقالبات التي نجحت في الوصول إلى السلطة في موريتانيا(‪)172‬‬

‫قائد االنقالب‬ ‫التاريخ‬ ‫الع ـ ــدد‬

‫العقيد‪ :‬المصطفى ولد محمد‬ ‫يوليو‬ ‫‪91‬‬


‫‪9‬‬
‫السالك‬ ‫‪9111‬‬

‫العقيد‪ :‬محمد محمود ولد‬ ‫يونيو‬ ‫‪13‬‬


‫‪2‬‬
‫احمد لولي‬ ‫‪9111‬‬

‫المقدم‪ :‬محمد خونه ولد‬ ‫يناير‬ ‫‪14‬‬


‫‪3‬‬
‫هيداله‬ ‫‪9111‬‬

‫العقيد‪ :‬معاوية ولد الطايع‬ ‫‪ 92‬ديسمبر‬


‫‪4‬‬
‫‪9114‬‬

‫العقيد‪ :‬اعل ولد محمد فال‬ ‫‪ 13‬أغشت‬


‫‪1‬‬
‫‪2111‬‬

‫الجنرال‪ :‬محمد ولد عبد العزيز‬ ‫‪ 10‬أغشت‬


‫‪0‬‬
‫‪2111‬‬

‫المصدر‪ :‬إعداد شخص ي‪.‬‬

‫يتضح من بيانات هذا الجدول رقم (‪ )2‬أن موريتانيا شهدت ستة (‪ )0‬انقالبات عسكرية‬
‫نجحت في الوصول إلى السلطة‪ ،‬أربعة من هذه االنقالبات تتالت في فترة زمنية ال تتجاوزست(‪)0‬‬
‫سنوات‪ ،‬أي في الفترة ما بين ‪ 91‬يوليو ‪ 9111‬و‪ 92‬من ديسمبر‪ .9114‬كما شهدت انقالبين ناجحين‬
‫في فترة ال تتجاوز ثالث (‪ )3‬سنوات‪ ،‬أي في الفترة ما بين ‪ 3‬أغشت ‪ 2111‬و‪ 0‬أغشت ‪ .2111‬وعلى‬
‫إثركل انقالب إما أن يتم إلغاء العمل بالدستوربشكل كلي كما حدث مع انقالبات ما قبل ‪،9119‬‬
‫حيث تم إلغاء العمل بدستور ‪ ،9109‬الذي كان ساري النفاذ آنذاك‪ ،‬بموجب انقالب ‪ 91‬يوليو‬

‫(‪ )172‬تم االعتماد في بيانات الجدول على المواثيق التي أصدرتها اللجان العسكرية التي تعاقبت على الحكم في‬
‫موريتانيا في الفترة ما بين ‪ 20‬يوليو ‪ 2373‬إلى ‪ ،2332‬وكذلك ميثاق المجلس العسكري الصادر غداة انقالب‬
‫الثالث أغشت ‪ 4005‬وميثاق المجلس األعلى للدولة الصادر يوم انقالب السادس أغشت ‪.)4003‬‬

‫‪P 102‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ .9111‬وإما أن يقررقادة االنقالب عدم إلغاء الدستورولكن العمل به يبقى معلقا إلى حين انههاء‬
‫الفترة االنتقالية لسيطرة الجيش على السلطة‪ ،‬وهو ما حدث مع انقالبي ‪ 3‬غشت ‪ 2111‬و‪0‬‬
‫غشت ‪ ،2111‬حيث تمت إعادة العمل بدستور‪ 21‬يوليو ‪ 9119‬فورانههاء الفترة االنتقالية(‪.)173‬‬
‫جدول رقم (‪ )9‬أبرز املحاوالت االنقالبية التي فشلت في الوصول إلى السلطة(‪)174‬‬

‫أبرزقادة املحاولة االنقالبية‬ ‫التاريخ‬ ‫العدد‬

‫العقيد‪ :‬محمد ولد اباه ولد عبد‬


‫القادر‬ ‫‪ 90‬مارس ‪9119‬‬ ‫‪9‬‬
‫العقيد‪ :‬أحمد سالم ولد سيدي‬

‫قادة جبهة تحرير األفارقة‬


‫‪ 90‬أكتوبر ‪9111‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪–)FLAM‬املحاولة االنقالبية األولى‪.‬‬

‫قادة جبهة تحرير األفارقة‬


‫‪ 21‬أكتوبر ‪9111‬‬ ‫‪3‬‬
‫(‪-)FLAM‬املحاولة االنقالبية الثانية‪.‬‬

‫‪ -‬الرائد‪ :‬صالح ولد حننا‬

‫‪ -‬الرائد‪ :‬محمد ولد شيخنا‬ ‫‪ 10‬يونيو ‪2113‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الرائد‪ :‬عبد الرحمن ولد ميني‬

‫قادة فرسان التغيير (صالح ولد‬


‫حننا‬ ‫سبتمبر ‪2114‬‬ ‫‪4‬‬
‫محمد ولد شيخنا‬

‫تعتبر موريتانيا من أكثر البلدان العربية التي شهدت انقالبات عسكرية في التاريخ العربي المعاصر‪ ،‬حيث‬ ‫(‪)173‬‬

‫وصل عدد المحاوالت االنقالبية التي عرفتها موريتانيا منذ استقاللها وإلى اليوم ‪ 15‬انقالبا‪ ،‬منها ما نجح ومنها‬
‫ما ُمـني بالفشل‪.‬‬
‫(‪)174‬تم االعتماد في معلومات هذا الجدول على‪ :‬عبد الرحمن حرمة بابانا‪ ،‬الجيش والسلطة في موريتانيا‪ ،‬مطبعة‬
‫‪ ،Casablanca –Uprint‬منشورات مركز الصحيفة‪ ،‬الطبعة األولى نوفمبر ‪ 4022‬ص ‪ 400‬إلى ‪.442‬‬

‫‪P 107‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ميني‬ ‫ولد‬ ‫الرحمن‬ ‫‪-‬عبد‬


‫وآخرين‪)...‬‬

‫المصدر‪ :‬إعداد شخص ي‪.‬‬

‫من خالل بيانات هذا الجدول رقم (‪ )3‬الذي رصد أبرز املحاالت االنقالبية التي فشلت في‬
‫الوصول إلى السلطة في موريتانيا‪ ،‬يالحظ أنه خالل شهر أكتوبر سنة ‪ 9111‬وقعت محاولتين‬
‫انقالبيتين لإلطاحة برئيس الدولة العقيد معاوية ولد الطايع‪ .‬ولكنهما فشلتا في الوصول إلى‬
‫السلطة‪ .‬وقد تم اتهام " جبهة تحرير األفارقة" المعروفة بـ ‪ FLAM‬بهاتين املحاولتين‪ ،‬وهي حركة‬
‫زنجية تههمها السلطة الحاكمة بتأجيج الصراعات الفئوية والعرقية‪ .‬كما شهدت سنة ‪ 9119‬أبرز‬
‫محاولة انقالبية بقيادة محمد ولد اباه ولد عبد القادروأحمد سالم ولد سيدي بتاريخ ‪ 90‬مارس‬
‫‪ 9119‬لإلطاحة بالرئيس محمد خونه ولد هيداله‪ .‬وفي سنة ‪ 2113‬حدثت محاولة انقالبية كادت‬
‫أن تنجح في الوصول إلى السلطة واإلطاحة برئيس الجمهورية وقتئذ معاوية ولد الطايع‪ ،‬لكنها‬
‫وئدت في النهاية؛ مما دفع قياداتها للجوء إلى بعض الدول اإلفريقية خشية مالحقههم من قبل‬
‫نظام ولد الطايع‪ .‬وقد كانت فترة اللجوء إلى الخارج فرصة لزعماء هذه املحاولة للتفكير وإعداد‬
‫خطة جديدة للعودة إلى موريتانيا ومحاولة إسقاط حكم ولد الطايع من جديد في سنة ‪،2114‬‬
‫لكن السلطة الحاكمة أفشلت هذه الخطة في مهدها وتم اعتقال مختلف المههمين بهذه املحاولة‬
‫االنقالبية‪.‬‬

‫لقد رأت األطراف السياسية المشاركة في حوار ‪ 2011‬أن التنصيص على تجريم‬
‫االنقالبات دستوريا سيكون رادعا لكل من يزعم إمكانية الوصول إلى السلطة بغير الطرق‬
‫الديمقراطية‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬أسفرت اإلصالحات الدستورية التي اعتمدت سنة ‪2192‬عن‬
‫إضافة فقرة جديدة للمادة ‪ 2‬من الدستور الموريتاني لسنة ‪ ،9119‬تنص على ما يلي‪" :‬تكتسب‬
‫السلطة السياسية وتمارس وتنقل في إطار التداول السلمي وفقا ألحكام الدستور‪ .‬وتعتبر‬
‫االنقالبات وغيرها من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور جرائم التقبل التقادم ويعاقب‬
‫أصحابها والمتمالئون معهم سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين بموجب القانون‪ .‬لكن‬
‫هذه األفعال ال تكون محل مالحقات (أي متابعات) إذا كان قد تم ارتكابها قبل تاريخ نفاذ هذا‬
‫القانون الدستوري"‪.‬‬

‫‪P 110‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫والمالحظ أن هذا النص أكد على أن هذه المقتضيات التسري على االنقالبات السابقة‬
‫على إقرار هذه التعديل الدستوري‪ ،‬وبالتالي فإن األشخاص الذين شاركوا في انقالبات سابقة‬
‫سيبقون في مأمن من أن تطالهم أي عقوبة على تلك األفعال بموجب أحكام هذا النص ‪.‬‬

‫غيرأنه مما تجدراإلشارة إليه‪ ،‬أنه اليفهم من خالل هذا النص أن االنقالبات في موريتانيا‬
‫كانت مشروعة قبل المقتضيات التي الدستورية التي جاءت بها اإلصالحات الدستورية في هذا‬
‫الشأن‪ ،‬بل إن القانون الجنائي الموريتاني كان يعاقب على جميع األفعال التي تسههدف قلب‬
‫نظام الحكم بالقوة(‪ .)175‬فبالرجوع إلى نص المادة ‪ 13‬من هذا القانون نجدها تنص على ما يلي‪:‬‬
‫"االعتداء الذي يكون الغرض منه القضاء على النظام الدستوري أو تغييره أو تحريض‬
‫المواطنين أو السكان على حمل السالح ضد سلطة الدولة أو ضد بعضهم البعض أو المساس‬
‫بوحدة أرض الوطن‪ ،‬يعاقب عليه باألشغال الشاقة المؤبدة‪ .‬وتنفيذ االعتداء أو محاولة تنفيذه‬
‫يعتبرفي حكم االعتداء"(‪.)176‬‬

‫أما من حيث الممارسة فقد تمت محاكمة ومعاقبة‪ ،‬بل إعدام‪ ،‬بعض الضباط الذين‬
‫قادوا في السابق محاوالت انقالبية فاشلة‪ ،‬ومن هؤالء قادة انقالب ‪ 90‬مارس ‪ 9119‬الذين حاولوا‬
‫إسقاط حكم رئي س الدولة المقدم محمد خونه ولد هيداله‪ ،‬غير أن هذه املحاولة وئدت في‬
‫النهاية‪ ،‬واعتقل أصحابها وتم تنفيذ اإلعدام بحق أربعة منهم(‪ ،)177‬وتم الحكم على البقية بأحكام‬
‫قاسية(‪ .)178‬كما أن املحاوالت االنقالبية الفاشلة المتكررة التي حاولت إسقاط نظام الرئيس‬
‫األسبق معاوية ولد الطائع‪ ،‬تم اعتقال أصحابها وحكم على بعضهم بعقوبات قاسية(‪.)179‬‬

‫انظر سيدي محمد ولد سيدأب‪ ،‬الوسيط في القانون الدستوري‪ ،..‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.422‬‬ ‫(‪)175‬‬

‫المادة ‪ 35‬من األمر القانوني رقم ‪ 35-264‬الصادر بتاريخ ‪ 3‬يوليو ‪ 2335‬المتضمن القانون الجنائي‬ ‫(‪)176‬‬

‫الموريتاني‪.‬‬
‫(‪ )177‬يتعلق األمر بكل من‪ :‬العقيد محمد ولد اباه ولد عبد القادر (المعروف ب كادير) والعقيد أحمد سالم ولد سيدي‪،‬‬
‫والمالزم انييغ مصطفى‪ ،‬ومحمد ولد دودو سك‪.‬‬
‫للتفصيل في مالبسات المحاولة االنقالبية ‪ 26‬مارس‪ ،‬انظر‪ :‬عبد الرحمن حرمة بابانا‪ ،‬الجيش والسلطة في‬ ‫(‪)178‬‬

‫موريتانيا‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ 400‬إلى ‪.405‬‬


‫(‪ )179‬على سبيل المثال تم الحكم على المتهمين بالمحاولة االنقالبية الفاشلة الذي حدثت في ‪ 3‬يونيو ‪ 4005‬بعقوبات‬
‫قاسية وصلت حد الحكم بالسجن المؤبد لبعض هؤالء المتهمين‪.‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫هكذا يمكن القول إن الطبقة السياسية في موريتانيا ترى أن وضع آليات دستورية تجرم‬
‫االنقالب على السلطة ستحد من هيمنة المؤسسة العسكرية على الحكم بطرق غير شرعية؛‬
‫باعتبار أن هذه المقتضيات الدستورية من شأنها أن تلجم القيادات العسكرية عن التفكير‬
‫مسبقا في أخذ السلطة بالقوة‪ ،‬وذلك بوصف الجيش هو الجهة التي يتوجس منها‪ ،‬بالدرجة‬
‫األولى‪ ،‬القيام بتحرك عسكري ينجم عنه الوصول إلى سدة الحكم بغيراالنتخاب‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫رغم أن تجربة اإلصالح الدستوري الذي عرفته موريتانيا في سنة ‪ 2110‬جعلت‬


‫المر اقبين والمهتمين بالشأن السياس ي الموريتاني يتفاءلون خيرا بإرسائها لدعائم التحول‬
‫الديمقراطي للبالد من خالل تكريس مبدأ التناوب على السلطة بواسطة االقتراع الشفاف‬
‫والنزيه‪ ،‬وغلق الباب أمام كل الطرق غير الديمقراطية للوصول إلى السلطة‪ ،‬كاالنقالبات‬
‫العسكرية‪ ،‬فإنه سرعانما تم اإلجهاز على هذه التجربة‪ ،‬التي لم تعمر طويال‪ ،‬حيث انقلب عليها‬
‫الجيش صبيحة السادس أغسطس ‪ .2111‬وهو ما شكل انتكاسة في مسار إرساء التداول‬
‫الديمقراطي على السلطة؛ األمر الذي دفع الطبقة السياسية المشاركة في الحوار السياس ي‬
‫الذي التأم بين األغلبية الحاكمة وبعض قوى المعارضة أواخر سنة ‪ 2199‬إلى التأكيد على‬
‫ضرورة دسترة تجريم االنقالبات والوصول إلى السلطة بغير االنتخاب‪ ،‬واعتبار تلك الممارسات‬
‫جرائم التسقط بالتقادم‪.‬‬

‫منذ سريان نفاذ هذا المقتض ى الدستوري بموجب المراجعة الدستورية لسنة ‪،2192‬‬
‫الذي يؤكد تجريم االنقالبات واعتبارها جرائم التتقادم‪ ،‬جرت في موريتانيا انتخابات رئاسية‬
‫مرتين في اآلجال املحددة دستوريا‪ ،‬وشهدت اآلخيرة منهما التي نظمت في ينويو ‪ 2191‬تبادال‬
‫دبمقراطيا على السلطة في جو سلمي تنافس ي هادئ‪ ،‬فهل ستشكل هذه التجربة قطيعة مع‬
‫االنقالبات والممارسات غيرالديمقراطية التي تؤدي إلى وأد التناوب على السلطة الذي ظل محور‬
‫اهتمام المشرع الوطني في مختلف المراجعات الدستورية المتعاقبة؟‬

‫خالصة القول إن العملية الديمقراطية في موريتانيا ستظل مشوبة بالكثيرمن العيوب‬


‫والتشوهات والتحديات؛ خصوصا وان مصدر تجارب دمقرطة الحكم في البالد‪ ،‬منذ وضع‬
‫دستور‪ 9119‬وصوال إلى اإلصالحات الدستورية ‪ 2192 ،2110‬و‪ ،2191‬هي أنظمة قادمة من رحم‬
‫المؤسسة العسكرية ووصلت للحكم بدءا بغيرالطرق الديمقراطية‪.‬‬

‫‪P 112‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المراجع والمصادر‬

‫أوال‪ :‬الكتب‬

‫سيدي محمد ولد سيدأب‪ ،‬الوسيط في القانون الدستوري والنظم السياسية‪ ،‬مطبعة‬
‫سيرك (ش‪.‬م) ط ‪2193 ،9‬‬

‫جان أكلود أرنو‪ ،‬المؤسسات السياسية الموريتانية‪ ،‬تعريب عبد القادر الميالدي‪ ،‬مركز‬
‫التوثيق والبحوث بالمدرسة الوطنية لإلدارة‪ ،‬انواكشوط ‪9112‬‬

‫آندريه هوريو‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬ترجمة علي مقلد وآخرون‪،‬‬
‫األهلية للنشروالتوزيع‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪9114،‬‬

‫عبد الرحمن حرمة بابانا‪ ،‬الجيش والسلطة في موريتانيا‪ ،‬مطبعة – ‪Casablanca‬‬


‫‪ ،Uprint‬منشورات مركزالصحيفة‪ ،‬الطبعة األولى نوفمبر‪2194‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرسائل‬

‫سيدي محمد ولد سيدأب‪ ،‬السلطات العامة والعالقة بينها في ظل النظام الدستوري‬
‫الموريتاني ‪-9119‬دراسة مقارنة‪-‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق أكدال‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪.9113‬‬

‫ثالثا‪ :‬المقاالت العلمية‬

‫أحمد سالم ولد ببوط‪ ،‬تطور المؤسسات في الجمهورية اإلسالمية الموريتانية‪ ،‬تعريب‬
‫محمد ولد الداه ولد عبد القادر‪ ،‬املجلة الموريتانية للقانون واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪ ،21‬يونيو‪2193‬‬

‫سيدي محمد ولد سيدأب‪ ،‬اإلصالحات الدستورية األخيرة في موريتانيا‪ ،‬قراءة في‬
‫الخلفيات السياسية واألبعاد القانونية‪ ،‬املجلة الموريتانية للقانون واالقتصاد‪ ،‬عدد ‪ 21‬يونيو‬
‫‪2193‬‬

‫رابعا‪ :‬النصوص القانونية‬

‫الدساتير‬

‫‪P 113‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الدستورالموريتاني لسنة ‪ 9119‬المعدل سنوات ‪ 2110‬و‪ 2192‬و‪2191‬‬

‫الدستورالموريتاني لسنة ‪9109‬‬

‫\الدستورالفرنس ي لشنة ‪9111‬‬

‫الدستورالتونس ي لسنة ‪2194‬‬

‫الدستورالمصري لسنة ‪2194‬‬

‫الدستورالجزائري لسنة ‪9110‬‬

‫الدستورالعراقي لسنة ‪2111‬‬

‫األمر القانوني رقم ‪ 13-902‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬يوليو ‪ 9113‬المتضمن القانون الجنائي‬


‫الموريتاني‪.‬‬

‫‪P 114‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫قراءة يف قوانني التعويض عن الكوارث‬


‫يف التشريع املغربي‬
‫‪A reading on disaster compensation laws in Moroccan legislation‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫يعنى هذا البحث بقراءة لقوانين التعويض عن الكوارث في التشريع المغربي‪ ،‬بين‬
‫القواعد الخاصة بأحكام التعويض الفوري عن الكوارث من خالل االستفادة من صندوق‬
‫التضامن‪ ،‬والقواعد العامة المتعلقة بالتعويض على أساس المسؤولية العادية‪ .‬الكلمات‬
‫المفاتيح‪ :‬التعويض عن الكوارث‪ -‬مسؤولية الدولة‪.‬‬

‫‪Abstract :‬‬

‫‪This research is concerned about the disaster compensation laws in‬‬


‫‪Moroccan legislation, and he explained the rules for immediate compensation‬‬
‫‪for disasters by the Solidarity Fund, and the rules for compensation on the basis‬‬
‫‪of regular liability related. Key Word: Disaster compensation- State responsibility‬‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫أصبحت فكرة تعويض الدولة االفراد عن االضرارالناتجة عن الكوارث‪ ،180‬و اقعا مسلما‬
‫به‪ ،‬فبحكم الموقع الجغرافي للمملكة والظواهرالطبيعية التي تسجلها‪ ،‬أصبحت معرضة لعدد‬

‫‪ 180‬كارثة؛ اسم فاعل من الفعل كرث ‪ ،‬بمعنى حادثة تتسبب في دمار واسع النطاق والشدة؛ أي نكبة‪ ،‬وجاء في معجم "لسان العرب"‪،‬‬
‫كرث‪ :‬ك ََرثَه األ َ ْم ُر يَ ْك ِرثُه و يَ ْك ُرتُه ك َْرثاً‪ ،‬وأ َ ْك َرثه‪ :‬ساءه واشت َّد علـيه‪ ،‬و َبلَ َغ منه الـ َم َ‬
‫شقَّة‪ .‬و في اللغة اإلنجليزية كانت تستخدم قديما ً للتدليل‬
‫على التأثير أو الفأل السيئ ألحد النجوم أو الكواكب‪ ،‬باللفظة اإلنجليزية (‪ )Disaster‬مشتقة من أصل فرنسي (‪ ،)désastre‬والتي بدورها‬
‫مشتقة من أصل إيطالي (‪ ،)disastro‬حيث األصل الالتيني لها مكون من مقطعين (‪ )dis‬بمعنى "سيء و(‪ )astro‬بمعنى نجم ‪The‬‬
‫‪.American Heritage Dictionary of the English Language, Third Edition 1996 by Houghton Mifflin Company‬‬
‫تعرف الكارثة بشكل أكثر تحديد بأنها تحول مدمر عنيف في أسلوب الحياة الطبيعية والبشرية‪ ،‬محدثا بصورة مفاجئة أضرارا مادية على‬
‫نطاق واسع مخلفا عددا من الجرحى والوفيات‪ ،‬ومن ثم البد من توفر ثالث عناصر وهي المفاجئة‪ ،‬اتساع رقعة الدمار‪ ،‬شمول أعداد‬

‫‪P 115‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫من األخطار الكبيرة التي تستلزم تسييرا مناسبا لألزمة‪ ،‬كما أن هشاشة المدن وبعض المر افق‬
‫العامة‪ ،‬ساهمت بشكل كبير في ارتفاع درجة الدمار من خسائر في األرواح البشرية واالضرار‬
‫المادية‪ ،‬وعليه فان تدخل الدولة وتحملها لمسؤولية هذه الكوارث اصبح امرا البد منه ومرتبط‬
‫باستقرارها وامنها الداخلي‪ ،‬ولعل المتتبع لمسار تطور مسؤولية الدولة يالحظ أنه تم التراجع‬
‫عن المفهوم المطلق لمبدأ السيادة وما كان يقتضيه من عدم الجمع بين السيادة والمسؤولية‬
‫الذي كان ينفي المسؤولية عن الدولة‪ ،‬فنظرا التساع مجاالت تدخل الدولة وتوسيع نطاق‬
‫أنشطهها ووظائفها وظهوربعض المبادئ االجتماعية التي كان لها األثرفي إرساء مبدأ المسؤولية‬
‫دون خطأ‪ ،‬وتعدد حاالت وصورتلك المسؤولية‪ ،181‬إال أنه ما تزال توجد حاالت كثيرة يتجرد فيها‬
‫ّ‬
‫الضرر من أي ضمان ويفتقر فيها المضرور إلى جبر ضرره‪ ،‬وكون العدالة ال تكتمل إال بمساعدة‬
‫من يتعرضون ألضرار مباغتة وقاسية وضعههم فيها األقدار‪ ،‬كالكوارث سواء كانت ترجع لقوة‬
‫العوامل الطبيعية وعنفها‪ ،‬كما هو االمرفي الزالزل والبراكين واألعاصيروالفيضانات وغيرها من‬
‫ً‬
‫الظواهرالطبيعية‪ ،‬أو العنف البشري الذي يرتكبه اإلنسان وال يثبت فيه – غالبا – أي خطأ من‬
‫مرفق األمن كالحوادث اإلرهابية‪ 182‬والحروب األهلية أواألجنبية أوحاالت الهياج والفوض ى ونحو‬
‫ذلك‪ ،183‬بالتالي فان غالبية الدول كانت تضطر الى تعويض ضحايا هذه الكوارث كنوع من‬
‫الحفاظ على استقرارالبالد وحفظ توازنها‪ ،‬إال أن ذلك كان يثقل كاهلها بشكل كبير‪ ،‬وعليه فإن‬
‫موضوع التعويض عن الكوارث سواء الطبيعية او بفعل االنسان‪ ،‬له ابعاد إنسانية واجتماعية‬
‫و اقتصادية‪ ،‬تستدعي التصدي لها بجملة من القوانين واألنظمة التي تخفف وطأتها على‬
‫األفراد‪ ،‬وكذلك الدولة التي تثقل كاهلها بالنفقات المرتفعة وغير المتوقعة‪ ،‬وبالرجوع الى‬
‫الفصل ‪ 41‬من الدستور المغربي الذي ينص على أن‪ " :‬على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية‬

‫كبيرة من األفراد‪ ،‬جمال صالح‪ ،‬السالمة من الكوارث الطبيعية والمخاطر البشرية‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،0110‬دار الشروق‪-‬مصر‪ ،‬صفحة‬
‫‪.07‬‬
‫‪181‬‬
‫‪LA RESPONSABILITÉ ADMINISTRATIVE, Article Par Jean-Marie Pontier Professeur à‬‬
‫‪l’Université de Paris I Panthéon Sorbonne Directeur du Centre de recherches administratives‬‬
‫‪de l’Université Paul Cézanne Aix-Marseille III.‬‬
‫‪ 182‬لقد أقر المجمع العربي على أن كلمة اإلرهاب مصطلح جديد وأساسه رهب أي أخاف‪ ،‬وكلمة إرهاب هي مصدر الفعل أرهب بمعنى‬
‫خوف‪ ،‬أما اإلرهابي فهو الذي يتخذ من العنف واإلرهاب مسلكا له من اجل تحقيق أهداف سياسية‪ ".‬أنظر طارق عبد العزيز حمدي‪،‬‬
‫المسؤولية الدولية الجنائية والمدنية عن جرائم اإلرهاب الدولي‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر ‪ ،2008‬صفحة‪.2-1‬‬
‫‪183‬تعتبر السيدة "مارجري فراي" أول من دعت إلى أن الدولة تكون مسئولة قانونا اتجاه ضحايا الجرائم‪ ،‬ومن ثم تلتزم بتعويضهم عما‬
‫المن‪ ،‬وحماية المواطنين والمقيمين على أرضها‪ ،‬وذلك في الفترة‬‫يلحق بهم من ضرر‪ ،‬استنادا إلى تقصيرها في أداء واجبها بالحفاظ على ا ْ‬
‫ما بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وتحديدا حينما نشرت كتابا لها بعنوان" أسلحة القانون" قررت فيه أن دور التعويض ال يمكن بحال من‬
‫األحوال أن يجبر الضرر الناتج عن الجريمة ويقتصر فقط على تخفيف آثارها وجسامتها‪ ،‬كما تتابعت مقاالتها التي نادت فيها وبشكل‬
‫مباشر بضرورة وجود دور للدولة في تعويض ضحايا الجريمة من األموال العامة‪ .‬أنظر‪ :‬يعقوب محمد حياتي‪ ،‬تعويض الدولة للمجني‬
‫عليهم في جرائم األشخاص‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراه من كلية الحقوق‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪ ،0277 ،‬صفحة‪20‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪P 116‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها‪ ،‬التكاليف التي تتطلبها تنمية البالد وكذا تلك‬
‫الناتجة عن األعباء الناجمة عن اآلفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البالد"‪ ،‬حيث نجده يقر‬
‫مبدأ التضامن في تحمل التكاليف واألعباء‪ ،‬وهو ش يء محمود لكن يجب أن يعززبترسانة قانونية‬
‫قوية‪ ،‬كغيره من التشريعات األخرى‪ ،‬حيث نجد تنوع التشريع الكندي‪ 184‬ملجابهة مثل هذه‬
‫الكوارث‪ ،‬والمتمثل في خلق أنظمة إدارة الطوارئ‪ ،‬والذي يقوم على أربع ادوار أساسية متمثلة‬
‫في التخفيف والتأهب وهي أساليب وقائية تخفف من وطأه الكوارث واالستجابة واالنعاش‪ ،‬من‬
‫خالل كيفية التعامل مع هذه الكوارث واألضرارالتي خلفهها‪ ،‬وهو نهج متوازن وشامل قائم على‬
‫املخاطر‪ ،‬مع االستعانة بخدمات التأمين بهذا الشأن للتخفيف من حدتها ‪ ،185‬وبالرجوع الى‬
‫التشريع المغربي نجد انه قد نهج في اآلونة األخيرة‪ ،‬نفس النهج من خالل القانون‪ 186‬رقم ‪991.94‬‬
‫الذي يهدف الى احداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية‪ ،‬يتضمن مجموعة من اللجان‬
‫واألجهزة اإلدارية‪ ،‬التي تسهر على تسيير العمليات التي يقوم بها صندوق التضامن ضد الوقائع‬
‫الكارثية‪ ،‬سواء على أساس جداول تقييد المتضررين لالستفادة من هذه صندوق التضامن‪ ،‬او‬
‫على أساس االستفادة من عقود التأمين على هذا النوع من الكوارث‪.‬‬

‫وفي ظل الوضع السائد في البالد وتخبط االفراد في طلب التعويض لجبر االضرار من‬
‫الدولة‪ ،‬خاصة وان جلهم يلجأ الى القضاء مباشرة دون تحديد األساس القانوني للمطالبة‪،‬‬
‫تطرح اإلشكالية حول شروط قيام مسؤولية الدولة عن الوقائع الكارثية‪ ،187‬وقواعد االستفادة‬

‫‪184‬‬
‫‪The story of Canada’s emergency management system is one of near misses and moving‬‬
‫‪targets. Over the past century, Canadians have experienced horrific events. Some of these, such‬‬
‫‪as the 1912 Regina Tornado, the 1917 Halifax explosion, and the 1918 Influenza Pandemic, had‬‬
‫‪an enormous impact on the affected communities, but are so far in our past that the physical and‬‬
‫‪social scars have faded. More recent events, like the 1997 Red River Flood, Y2K, or Hurricane‬‬
‫‪Juan in 2003, provided dramatic examples of the risks and received widespread media attention,‬‬
‫‪but fell far short of being a maximum credible event. Canada’s society and emergency‬‬
‫‪management systems have not been recently tested to the breaking point in the same way that‬‬
‫‪Hurricane Katrina did in the United States.‬‬
‫‪185‬‬
‫‪The Government of Canada and all the Provincial and Territorial governments have agreed‬‬
‫‪on principles set out in “An Emergency Management Framework for Canada” (2007). This‬‬
‫‪acknowledges the importance of the four interrelated functions of prevention/mitigation,‬‬
‫‪preparedness, response and recovery in a balanced and comprehensive risk-based approach.‬‬
‫‪http://publications.gc.ca/collections/collection_2011/sen/yc33-0/YC33-0-‬يمكن تحميله عن طريق الرابط التالي‪:‬‬
‫‪392-13-1-eng.pdf‬‬
‫‪186‬ظهير شريف رقم ‪ 06006000‬صادر في ‪ 00‬من ذي القعدة ‪ 0227‬الموافق ل ‪ 00‬أغسطس ‪ 0100‬بتنفيذ القانون رقم ‪001602‬‬
‫المتعلق بإحداث نظام لتغطية واب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم ‪ 0762‬المتعلق بمدونة التامينات‪.‬‬
‫‪ 187‬ان األسس التي تقوم عليها مسؤولية الدولة عن الكوارث‪ ،‬تختلف باختالف مجموعة من االتجاهات‪ ،‬فاتجاه يقول أنها مسؤولية تقوم‬
‫على المخاطر‪ Responsabilité Pour risque‬وأخر يقول بأنها مسؤولية ناشئة عن اإلخالل بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام‬
‫األعباء العامة ‪ ،Principe de L’égalité entre les Le‬وأمام هذا المد والجذب بين االتجاهين ‪citoyens devants les‬‬
‫‪ charges publiques‬يوجد رأي ثالث بين االتجاهين السابقين‪ ،‬بحيث يتجه إلى أن مصطلح المسؤولية دون خطأ مرادف لمصطلح‬

‫‪P 114‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫من التعويضات وجبر مضروري الكوارث أمامها‪ ،‬وازدواجية الوضع القانوني لقواعد التعويض‬
‫بين القواعد العامة والخاصة؟ ما سيتبين من خالل ما سياتي‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬قيام مسؤولية الدولة للتعويض عن الكوارث‬

‫إن دراسة مسؤولية الدولة عن التعويض من خالل القواعد العامة‪ ،‬تحيلنا الى الفصل‬
‫‪ 11‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬الذي يفهم من نصه أنه يلزم لقيام المسؤولية أن يكون هناك‬
‫خطأ‪188‬يترتب عليه ضرر‪ ،‬وأن يكون الضرر نتيجة مباشرة للخطأ‪ ،189‬وعليه فخطأ الدولة في‬
‫حالة حدوث كارثة سواء طبيعية او بفعل اإلنسان‪ ،‬يتمثل في عدم اتخاذها لالحتياطات الالزمة‬
‫في مثل هذه الظروف سواء األمنية أو االحترازية أو الوقائية‪ ،‬ما أكدته املحكمة اإلدارية بالرباط‬
‫في حكم لها‪ ،‬جاء فيه ما يلي‪" :‬وحيث إن السياسة الوقائية يجب أن تشكل أساس تدخل الدولة‬
‫في مجال إنجاز البنية التحتية والههيئة القروية الفالحية المائية‪ ،‬والسيما بناء سدود أو قنوات‬
‫كبيرة لصرف المياه‪ ،‬وذلك بهدف الحماية الدائمة للسكان والمراكز واألنشطة االقتصادية و‬
‫الفالحية الموجودة في المناطق المهددة من الفيضانات‪ ،‬وحيث إن األمطارالغزيرة واالستثنائية‬
‫المسببة للفيضان ال تشكل قوة قاهرة و إنما قرينة على ترتب المسؤولية‪ ،‬لكون وقوعها في فصل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الشتاء من األمورالمتوقعة وليست قوة قاهرة أوسببا أجنبيا لإلعفاء من المسؤولية‪ ،‬مما يعطي‬
‫للقوة القاهرة في حقل القانون والقضاء اإلداري مفهوما متميزا وخاصا يتالءم وطبيعة روابط‬
‫القانون العام تتحمل آثاره الدولة عن القانون المدني الذي يتحمل آثاره الدائن"‪ ،190‬ولصعوبة‬
‫إثبات خطأ الدولة أحيان كثيرة‪ ،‬بخاصة في مثل هذه الحاالت‪ ،‬فإن مسؤولية الدولة هنا تقوم‬
‫على أساس املخاطر‪ 191‬ما أكدته محكمة النقض في قرار لها ذهبت فيه إلى أن مسؤولية الدولة‬
‫ثابتة عن تسيير إدارتها حتى ولو عند عدم ثبوت أي خطأ من جانبها استنادا إلى فكرة املخاطر‬

‫مسؤولية المخاطر وال توجد ث ّمة فروق بينهما‪ ،‬وهو األقرب في ما يخص طبيعة هذه الكوارث وخصوصيتها‪ ،‬ولذلك ففي هذه الحالة يكفي‬
‫لتحقق المسؤولية دون خطأ توفر ركني الضرر والعالقة السببيةورقة عمل بعنوان مسؤولية اإلدارة بدون خطأ‪ ،‬من إعداد المركز العربي‬
‫للبحوث القانونية والقضائية المؤتمر السابع لرؤساء المحاكم اإلدارية في الدولة العربية‪ ،‬المنعقد ببيروت‪ ،‬بمقر المركز العربي للبحوث‬
‫القانونية والقضائية‪ ،‬خالل الفترة ما بين ‪ 02-00‬أغسطس ‪ ،0107‬منشور على الموقع الرسمي للمركز العربي للبحوث القانونية والقضائية‬
‫هذا الرابط ‪https://carjj.org/node/5076‬‬
‫‪188‬الخطأ في اللغة ضد الصواب‪ ،‬أما في االصطالح القانوني فقد عرفه المشرع المغربي من خالل الفصل ‪ ،.1‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬الفقرة ‪ 4‬منه‪ ،‬حيث جاء فيه‪ " :‬والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله‪ ،‬أو فعل ما كان يجب االمتناع عنه‪ ،‬وذلك من غير قصد‬
‫إلحداث الضرر عبد الحق صافي‪ ،‬الوجيز في القانون المدني‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‪ ،‬طبعة ‪ ،0100‬صفحة‬
‫‪.72-71‬‬
‫‪189‬حليمة لمغاري‪ ،‬المختصر في المسؤولية المدنية‪ ،‬الطبعة ‪ ،0100‬مطبعة قرطبة‪ ،‬أكادير‪ ،‬صفحة ‪.27‬‬
‫‪190‬حكم المحكمة اإلدارية بالرباط رقم ‪ 172‬بتاريخ‪.1122/2/14 :‬‬
‫‪191‬مسؤولية المخاطر‪ Responsabilité Pour risque‬والمسؤولية الناشئة عن اإلخالل بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام األعباء‬
‫العامة ‪ Principe de L’égalité entre les Le‬وأمام هذا المد والجذب بين االتجاهين ‪citoyens devants les charges‬‬
‫‪ publiques‬ظهر اتجاه ثالث تبين رأيا وسطا بين االتجاهين السابقين‪ ،‬بحيث يتجه إلى أن مصطلح المسؤولية دون خطأ مرادف لمصطلح‬
‫مسؤولية المخاطر وال توجد ث ّمة فروق بينهما‪.‬‬

‫‪P 112‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الناتجة عن استعمال خطير‪ ،192‬وفي حكم أخر للمحكمة اإلدارية بأكادير في ‪ 21‬يونيو ‪ 2110‬بأن‬
‫" األلغام من المواد الخطيرة التي تقع على الدولة حماية المواطنين من خطرها وحراسة األماكن‬
‫املحتمل أنها موجودة بها‪ ،‬وأن مسؤولية الدولة في هذه الحالة تقوم على أساس املخاطروال يكون‬
‫بالتالي المتضرر ملزما بإثبات الخطأ من جانبها‪ ،‬الش يء الذي تتحمل الدولة كامل مسؤولية‬
‫حادث االنفجار المذكور‪ ،‬ويكون معه طلب التعويض له ما يبرره‪ " .193‬وعليه فان القضاء‬
‫المغربي اجمع على انه ليس بالضرورة لقيام مسؤولية الدولة‪ ،‬اثبات الخطأ في الكثير من‬
‫الحاالت‪ ،‬بل يكفي اثبات الضررفقط‪.‬‬

‫ويعد الضرر‪ 194‬في مسؤولية الدولة عن الكوارث‪ ،‬كل أذى يصيب الشخص في حق من‬
‫حقوقه أو مصلحة مشروعة له‪ ،‬بسبب كارثة طبيعية‪ ،‬كالفيضانات والزالزل أو اعتداء بفعل‬
‫اإلنسان سواء كان هجوما إرهابيا أواضطرابا شعبيا‪ ،‬سواء كانت هذه الحقوق مادية كالمساس‬
‫بمصلحة مالية للمضرور متعلقة بممتلكاته كفقدان السكن الرئيس ي‪ ،‬أو ما يتعلق بالنفقات‬
‫المتعلقة باالستشفاء أو االنقطاع عن العمل‪ ،‬وقد يكون عبارة عن تفويت فرصة شرط إثبات‬
‫ادعائه‪ ،‬أو مصلحة معنوية فيما يتعلق بالمساس بنفسيته أو مكانته العائلية أو المهنية أو‬
‫االجتماعية‪ ،‬ولكي يستوجب الضرر التعويض بحسب القواعد والنصوص‪ ،‬يجب أن يكون‬
‫محققا بمعنى أن يكون فعال و اقعا كههدم البناء وضياع ما بداخله نتيجة لكارثة ما‪ ،‬أوعلى األقل‬
‫مستقبلي حيث تحقق في الحاضر لكن تراخت آثاره كلها أو بعضها إلى المستقبل‪ ،‬وأن يكون غير‬
‫مشروع‪ ،‬بمعنى أنه يجب أن يمس بالمصالح المالية التي يحميها القانون‪ ،‬مثاله قتل من يتولى‬
‫إعالة شخص تجب عليه النفقة و أيضا ان يكون شخصيا بمعنى يجب أن يكون الضرر نتيجة‬
‫مباشرة أو غيرمباشرة للفعل الضارأو كان مرتدا يصيب عدة أشخاص كأن كان المصاب يعيلهم‬
‫كأوالده وزوجته‪ ،‬فيحرمون من إعالته‪.195‬‬

‫‪192‬القرار عدد ‪ 21‬بتاريخ ‪ 2..4/12/22‬في الملف اإلداري عدد ‪ .2/21211‬منشورات المجلس األعلى ‪ 2...-2.71‬الصفحة‬
‫‪.11.‬‬
‫‪193‬حكم إداري أكا َدير‪ ،‬عدد ‪ ،0110/012‬بتاريخ ‪ 00‬ماي ‪ 0110،‬ملف رقم ‪/072‬ش ‪.0112‬‬
‫‪194‬الضرر في اللغة ضد النفع‪ ،‬وفي االصطالح القانوني‪ ،‬عرفه المشرع المغربي من خالل الفصل ‪ .1‬من قانون االلتزامات والعقود‪،‬‬
‫في فقرته األولى‪ " :‬الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم‪ ،‬هو الخسارة التي لحقت المدعي فعال والمصروفات الضرورية‪ ،‬التي اضطر أو‬
‫سيضطر إلى إنفاقها إلصالح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به وكذلك حرم منه في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل‪ ،‬أنظر حليمة‬
‫لمغاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحة ‪.00‬‬
‫‪195‬عبد الحق صافي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحة من ‪ 017‬إلى ‪.000‬‬

‫‪P 117‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لكن إلى جانب هذه الشروط فإن نظام المسؤولية على أساس املخاطر‪ ،‬يشترط توفر‬
‫الطابع الخاص وغير العادي للضرر القابل للتعويض‪ ،196‬ويقصد بالضرر الغير العادي حسب‬
‫بعض الفقه الضرر الذي يفوق ما يؤخذ على عاتق المواطن‪ ،197‬أما الطابع الخاص فيعلق‬
‫الفقيه دي لوباديربأن الحاالت التي يثبت فيها وجود المسؤولية دون خطأ يتعين أن يكون الضرر‬
‫الو اقع خاصا بفرد أو بعدد محدود من األفراد‪ ،‬وكتب األستاذ ‪ MORGANE‬أن الضرر الخاص‬
‫هوالضررالذي يتحمله شخص أوعدد من األشخاص يمكن تحديدهم اسميا‪ ،198‬ما ينطبق على‬
‫حالة حدوث الكوارث الطبيعية التي تصيب منطقة ما او عمال إرهابيا اودى بحياة مجموعة من‬
‫الناس األبرياء‪.‬‬

‫ولعل اثبات الخطأ والضرر ال يكفيان لقيام مسؤولية الدولة‪ ،‬بل يلزمهما قيام العالقة‬
‫السببية بينهما‪ ،‬أي أن يتصل الفعل إلى مصدره مباشرة‪ ،‬وبالتالي لكي تتحقق المسؤولية يجب‬
‫أن تكون هناك عالقة مباشرة بين الخطأ الذي ارتكبته احدى إدارات الدولة ام مؤسساتها‬
‫باعتبارها المسؤولة و الضررالذي أصاب المضرور‪ ،199‬بمعنى أن تكون الكارثة هي المسؤولة أو‬
‫السبب المباشرللضررالذي أصاب المتضرر‪ ،‬وبالتالي فإنه ال يمكن إثارة مسؤولية الدولة قصد‬
‫الحصول على التعويض إال إذا كانت الكارثة سواء الطبيعية أو بفعل اإلنسان هي السبب‬
‫المباشر والوحيد للضرر‪ ،‬والقضاء المغربي أكد على ضرورة وجود هده العالقة حتى في غياب‬
‫الخطأ‪ ،‬حيث قضت محكمة االستئناف بالرباط في حكمها الصادر بفاتح يوليوز ‪ ،1953‬من أن‬
‫كل الضررالحق بأحد الخواص يجب أن تتحمله الجماعة شرط أن يكون الضررذا أهمية و أن‬
‫يكون له عالقة مباشرة باألشغال المنجزة‪ ،200‬وقد أكد قرار املجلس األعلى سابقا محكمة‬
‫النقض حاليا‪ ،‬رقم ‪ 312‬بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 9111‬على أن مسؤولية اإلدارة عن األضرار الناتج‬
‫مباشرة عن األشياء الخطيرة التي تستعملها في تسيير مصالحها كالسيارة‪ ،‬تخضع لمقتضيات‬
‫الفصل ‪ 11‬السابق الذكر في جزئه الذي يرتب هذه المسؤولية عليها‪ ،‬وحتى بدون أي خطأ‪ ،‬بل‬
‫يكفي في ذلك إثبات وجود عالقة سببية بين الضرر الحاصل للضحية واألشياء المستعملة من‬

‫‪196‬‬
‫‪FRAYSSINET. Marie Helene ; Réflexions sur les question de la faute dans la responsabilité de l’état‬‬
‫‪puissance publique ;RRJ ;N01 ; publiées par la faculté de droit et de science politique d’Aix‬‬
‫‪Marseille ;page371 .‬‬
‫‪197‬ماجد راغب الحلو‪ ،‬القضاء اإلداري دراسة مقارنة‪ ،‬الدار الجامعية القاهرة ‪ ،1988‬صفحة ‪.251‬‬
‫‪198‬خلوف رشيد‪ ،‬قانون المسؤولية اإلدارية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬الجزائر ‪ ،2011‬صفحة ‪.115‬‬
‫‪199‬حليمة لمغاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحة ‪.72‬‬
‫‪200‬مقال المسؤولية اإلدارية للجماعة‪ ،‬منشور بالموقع االلكتروني ‪ www.barlamane.com‬بتاريخ ‪2‬مايو ‪. 0102‬‬

‫‪P 120‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫طرف اإلدارة‪ ،‬وال تعفى هذه األخيرة من المسؤولية كليا أو جزئيا‪ ،‬إال بإثبات خطأ الضحية‪ ،‬هذا‬
‫الخطأ الذي ال وجود له في النازلة‪.201‬‬

‫أما بخصوص القانون‪ 110.14‬المتعلق بإحداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية‪،‬‬
‫فقد جاء بمجموعة من الشروط منها ما هو موضوعي يتعلق بنطاق التغطية واألشخاص‬
‫المستفيدين من هذه التغطية‪ ،‬وما هو اجرائي الستفادة ضحايا الكوارث سواء الطبيعية أو‬
‫التي بفعل اإلنسان؛ من تعويض عن األضراروالخسائرالتي لحقههم‪ .‬و يقصد بنطاق التغطية‬
‫المفهوم الذي حدده المشرع لمصطلح الو اقعة‪ ،‬وكذلك االستثناءات المنصوص عليها والتي‬
‫ال تخضع لنظام القانون رقم ‪ ،110.14‬واألضرارالتي يغطيها التعويض‪.‬‬

‫فقد جاء في المادة الثالثة منه على أنه‪ ":‬كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب‬
‫يرجع السبب الحاسم فيه الى فعل القوة غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف‬
‫لإلنسان"‪ ،‬ليأتي في الفقرة الثانية ليميز بين كل من عامل القوة غير العادية لفعل طبيعي‪ 202‬و‬
‫الفعل العنيف لإلنسان‪ ،‬ويعطي مواصفات لكل منهما يجب أن تتوفر فيهما لكي نكون أمام‬
‫المفهوم الدقيق للكارثة المراد تغطيهها‪ ،‬الفجائية وعدم التوقع والخطورة بالنسبة للعموم‬
‫بالنسبة لعامل القوة غير العادية لعامل طبيعي؛ و أيضا شرط كونه عمال إرهابيا أو نتيجة‬
‫مباشرة لوقوع فتن أو اضطرابات شعبية بالنسبة للفعل العنيف لإلنسان‪ ،‬وعليه فالمشرع‬
‫المغربي ادخل في مفهوم الو اقعة الكارثة كل من الكارثة الطبيعية أو التي بفعل اإلنسان‬
‫كاإلرهاب مثال؛ وهو ش يء يحسب له كون انه في كثيرمن األحيان يكون المتسبب والمسؤول عنها‬
‫أشخاص أو جهات مجهولة‪ ،‬مما يتعسر على المتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي‬
‫لحقه‪.‬‬

‫باإلضافة إلى أن المشرع قد حدد النطاق المكاني للكارثة التي تخضع لنظام التعويض‪،‬‬
‫فكل كارثة تقع خارج المغرب تستبعد من هذا النظام‪ ،‬وهو ما نص عليه بشكل صريح من خالل‬
‫الفقرة األولى من المادة الثالثة من القانون رقم ‪.110.14‬‬

‫‪201‬القرار عدد ‪ 21‬بتاريخ ‪ 2..4/12/22‬في الملف اإلداري عدد ‪ .2/21211‬منشورات المجلس األعلى ‪ 2...-2.71‬الصفحة‬
‫‪.11.‬‬
‫‪ 202‬تنص المادة الثالثة من القانون قيد الدراسة على انه‪ ...":‬يشكل عامل القوة غير العادية لعامل طبيعي واقعة كارثية إذا تبين توفره على‬
‫المواصفات التالية‪ :‬أ ن تتوفر في وقوع الحادث المسبب له شرط الفجائية أو عدم توقع الحادث‪ ،‬شرط أن ال تمكن التدابير االعتيادية المتخذة‬
‫من تفادي هذا الحادث أو تعذر اتخاذ التدابير؛ أن تشكل أثاره المدمرة خطورة شديدة بالنسبة للعموم؛ يعتبر الفعل العنيف لإلنسان واقعة‬
‫كارثية إذا كان يشكل فعال إرهابيا؛ أو نتيجة مباشرة لوقوع فتن‬
‫او اضطرابات شعبية عندما تشكل أثارها خطورة شديدة على العموم"‪.‬‬

‫‪P 121‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إضافة الى ذلك تنص المادة الخامسة من القانون قيد الدراسة والتحليل على انه‪":‬‬
‫تستثنى من نطاق تطبيق النظام‪ ،‬األضرارأو الخسائر المترتبة عن؛ استعمال المواد أو األسلحة‬
‫الكيماوية أو البيولوجية أو الجرثومية أو اإلشعاعية أو النووية؛ أو الحرب األهلية أو الحرب‬
‫الخارجية أو أعمال العدوان المشابهة وذلك سواء أكانت الحرب معلنة أم ال؛ الجريمة‬
‫الكترونية"‪ ،‬والمالحظ من خالل هذا النص‪ ،‬على أن المشرع قد ضيق من نطاق األعمال التي‬
‫تقع بفعل اإلنسان والتي تشكل كارثة حسب مدلول المادة الثالثة‪ ،‬بمعنى أنه إذا وقعت عملية‬
‫إرهابية أو فتن أو اضطرابات شعبية‪ ،‬استخدمت فيها هذه األسلحة المدمرة فإنها تخرج من‬
‫نطاق تغطية القانون رقم ‪110.14‬؛ مما يثيرالتساؤل هنا من هو المسؤول عن هذه األعمال مع‬
‫العلم أنها أكثروقعا وضررا وجسامة على اإلنسانية بأكملها؟‬

‫وبحسب المادة ‪30‬من القانون قيد التحليل؛ فإنه يشمل التعويض المستحق؛ كل‬
‫من العجز البدني الدائم لضحية الكارثة؛ وفقدان مورد العيش الذي يلحق بذوي حقوق‬
‫الضحية بسبب وفاتها أو فقدانها؛ و أيضا يغطي التعويض فقدان المسكن الرئيس ي أو فقدان‬
‫االنتفاع به؛ شرط التثبت من عدم صالحيته للسكن من طرف لجنة الخبرة‪ 203‬التي تعد تقريرا‬
‫تضمن فيه استنتاجاتها بشأن المسائل التقنية موضوع الخبرة‪.‬‬

‫كما حددت المادة ‪28‬من القانون ‪110.14‬؛ األشخاص المستفيدة من التعويضات‬


‫التي يمنحها صندوق التضامن؛ شرط عدم توفرهم على تغطية أخرى ضد عو اقب الو اقعة‬
‫الكارثية وهم؛‬

‫ـ األشخاص الذين أصيبوا بضرربدني ناجم مباشرة عن الوقعة الكارثية؛‬

‫ـ األشخاص المساهمين في عمليات اإلنقاذ واإلغاثة واستتباب األمن المرتبطة بهذه‬


‫الو اقعة الكارثية؛‬

‫ـأعضاء العائلة الذين سببت هذه الو اقعة بشكل مباشر‪ ،‬فقدانهم لمسكنهم؛ و أيضا غير‬
‫األعضاء عندما يكون أزواجهم أو أطفالهم أعضاء العائلة المذكورة‪.‬‬

‫وجاء في المادة ‪29‬من القانون قيد الدراسة؛ على أن الفاعلين األصليين والمساهمين‬
‫والمشاركين كذلك وذوو حقوقهم ال يستفيدون من تعويضات صندوق التضامن جراء فقدان‬

‫‪203‬انظر المادة ‪36‬من القانون قيد الدراسة والتحليل‪.‬‬

‫‪P 122‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫مورد العيش من جراء وفاة هؤالء الفاعلين والمساهمين األصليين؛ إال أننا نرى أنه كان من‬
‫األفضل إضافة شرط التثبت من تواطؤ ذوو الحقوق؛ فهم يعتبرون ضحايا كغيرهم‪.‬‬

‫وباإلضافة الى هذه الشروط الموضوعية‪ ،‬فهناك مجموعة من اإلجراءات المسطرية‬


‫والشكلية‪ ،‬بدونها ال يمكن أن يستفيد ضحايا الكوارث من صندوق التضامن لتغطية أضرارهم؛‬
‫والتي تنقسم إلى إجراءات إدارية تعنى بها اإلدارة‪ ،‬تضمنهها المادة ‪ 0‬من القانون أعاله‪ ،‬التي تنص‬
‫على أنه‪ ":‬يتم اإلعالن عن حدوث الو اقعة الكارثية‪ ،‬بموجب قرار إداري؛ إحداث لجنة تتبع‬
‫الوقائع الكارثية‪ ،‬يناط لها مهمة تتبع وتنفيذ النظام؛ ينشر قرار اإلعالن في الجريدة الرسمية‬
‫داخل أجل ال يتعدى ثالثة أشهر؛ تحدد المناطق المنكوبة وتاريخ ومدة الو اقعة الكارثية؛ "‪.‬‬

‫وأخرى مرتبطة بضحايا الكوارث‪ ،‬حيث يترتب على نشر القرار اإلداري بصفة حصرية؛‬
‫انطالق عملية تقييد الضحايا في سجل التعداد؛ بمعنى أن كل ضحية لم يتم تعداده فهو غير‬
‫مستفيد من النظام؛ ومن عملية منح التعويضات من طرف صندوق التضامن؛ وكذا تفعيل‬
‫الضمان ضد عو اقب الوقائع الكارثية بالنسبة للمؤمنين عنها طبقا المادة ‪64/1‬من القانون‬
‫رقم ‪ 17.99‬المتعلق بمدونة التأمينات‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أثارمسؤولية الدولة عن الكوارث‬

‫يقتض ي البث في آثار مسؤولية الدولة الناجمة عن الكوارث‪ ،‬التعرض لدعوى‬


‫التعويض عن الكوارث‪ ،‬وتحديد كيفية تقدير التعويض عن الكوارث وحدود هذا التعويض‪،‬‬
‫وذلك من خالل القواعد العامة والقانون المتعلق بإحداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع‬
‫الكارثية‪ ،‬فبحسب القواعد العامة نميز في مسألة االختصاص بين كل من االختصاص النوعي‬
‫والمكاني‪ ،‬ويقصد باالختصاص النوعي للمحاكم اإلدارية باختصاص البث في نوع معين من‬
‫القضايا والمنازعات التي تحصل بين األفراد والدولة‪204‬؛ وقد نصت المادة الثامنة من القانون‬
‫رقم ‪ 41-90‬بما يلي‪" :‬البث ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات اإلدارية بسبب تجاوز‬
‫السلطة في النزاعات المتعلقة بالعقود اإلدارية‪ ،‬دعاوي التعويض عن األضرار التي تسببها‬
‫أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام‪ ،‬ماعدا اإلضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات‬
‫أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام"‪ ،‬وما يهمنا هنا هي األضرارالناتجة عن‬
‫أعمال أشخاص القانون العام‪ ،‬ما يعرف بقضاء التعويض‪ ،‬وينبني على المسؤولية التي يفترض‬

‫‪204‬عبد الحق صافي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحة ‪.129‬‬

‫‪P 123‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫في الدولة تحملها‪ ،‬عن األضرارالتي تلحقها في شخص اإلدارة بالغير‪ ،‬وقد وضع قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬المبادئ العامة لمسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها في الفصلين‪79 ،‬و ‪ ،80‬ولم يتفق‬
‫الفقه على أساس تحميل الدولة مسؤولية األضرار التي تلحق بالغير بخاصة فيما يتعلق‬
‫بمسؤوليهها عن الكوارث‪ ،‬حيث يعتبرها بعض الفقه مسؤولة ولو بدون أخطاء‪ ،‬والسند في ذلك‬
‫إما أن تتحمل الدولة املخاطر التي يمكن أن تحدق باألفراد‪ ،‬نتيجة استعمال األشياء الخطرة‪،‬‬
‫أو أن تتحمل المسؤولية دون خطأ وبغض النظرعن وجود مخاطرأو عدمها‪ ،205‬أما االختصاص‬
‫المكاني فيقصد به أن يعقد االختصاص للمحكمة اإلدارية التي حصل بها الفعل المسبب‬
‫للضرر‪ ،‬أي الكارثة‪ ،‬ومن المعلوم أنه في دعوى المسؤولية المدنية‪ ،‬هناك طرفان أساسيان؛‬
‫يعد المتضرراحد هذه األطراف‪ ،‬المسمى باللغة االجرائية المدعي‪ ،‬والمتضررمن الكارثة؛ وقد‬
‫يكون شخصا طبيعيا‪ ،‬فاألصل أن ترفع دعوى المسؤولية من طرفه إذا كان يتوفر على أهلية‬
‫التقاض ي‪ ،‬أو من نائبه الشرعي بحسب الحاالت‪ ،‬وقد يكون شخصا اعتباريا يثبت كذلك له رفع‬
‫دعوى التعويض ضد الدولة‪ ،‬عن الضرر الذي أصابه والناتج عن الكارثة‪ ،‬وفي حالة وفاة‬
‫المضرور ينتقل حقه في التعويض إلى ورثته إذا رفع هذا األخير الدعوى قبل وفاته‪ ،‬أما إذا توفي‬
‫ولم يرفع دعواه بعد‪ ،‬نميزهنا بين الضررالمادي‪ ،‬الذي يعطي الحق للورثة بالمطالبة بالتعويض‬
‫مباشرة بعد وفاته‪ ،‬على عكس الضررالمعنوي الذي اختلف بشأنه الفقه‪ ،‬منهم من يقول بعدم‬
‫إمكانية انتقال الحق إلى الورثة‪ ،‬وآخرون يجيزون ذلك طبقا لقواعد العدالة واإلنصاف‪ ،‬هذا‬
‫بغض النظر عن دعوى التعويض التي يرفعونها لتعويض الضرر المعنوي الالحق بهم‬
‫شخصيا‪.206‬‬

‫أما الطرف المدعى عليه في دعوى المسؤولية المدنية عن الكوارث الطبيعية‪ ،‬وهو‬
‫الشخص المسؤول عن الضرر‪ ،‬والتي هي الدولة وقد تكون إدارة تابعة لها أو اومؤسسة عمومية‬
‫او شخص اعتباري تابع لها‪.‬‬

‫وبالرجوع الى القواعد العامة‪ ،‬نجد انه على المتضرر عبء إثبات أركان مسؤولية الدولة‬
‫طبقا للقواعد العامة‪ ،‬والقائمة على الخطأ والضرروالعالقة السببية بينهما‪ ،207‬وألننا أمام نوع‬

‫‪205‬عبد الكريم الطالب‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة ال مدنية‪ ،‬الناشر مكتبة المعرفة مراكش‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‪،2015،‬‬
‫صفحة ‪.33‬‬
‫‪ 206‬مأمون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬مصادر االلتزامات ‪ ،1982‬صفحة‬
‫‪ 422‬وما يليها‪.‬‬
‫‪207‬حليمة لمغاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحة ‪.90‬‬

‫‪P 124‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫خاص من المسؤولية والتي تقوم على أساس املخاطريكتفي المتضررهنا بإثبات الضرروالعالقة‬
‫السببية بين الكارثة والضرر‪.‬‬

‫وبالرجوع الى الفصل ‪106‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬نجد على أن مدد التقادم في‬
‫دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة‪ ،‬هي بمض ي خمس سنوات‪ ،‬تبتدئ من الوقت‬
‫الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضررالضررومن هو المسؤول عنه‪ ،‬و في جميع األحوال بمض ي‬
‫عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر‪ ،‬وفي املجمل فإننا نقول أن التعويض هو جزاء‬
‫المسؤولية‪ ،‬ويعني جبر الضرر سواء كان ماديا أو معنويا ومهما كان أساس المسؤولية أي سواء‬
‫كان على أساس الخطأ أوعلى أساس الضررأوعلى أساس المساواة أمام التكاليف العامة‪ ،‬وغني‬
‫عن القول بأن التعويض في القانون المدني يجيزأن يكون التعويض نقديا أو عينيا‪ ،208‬إال أنه في‬
‫القانون اإلداري ال يكون إال نقدا‪ ،‬ذلك ألن التعويض العيني يتنافى مع قاعدة عامة مقرره في‬
‫القانون اإلداري‪ ،‬بحيث ال يستطيع القاض ي في النظام الالتيني سواء كان مدنيا أم إداريا إصدار‬
‫أوامرلإلدارة تتضمن توقيع جزاء عيني عليها و من ثم ال يكون أمام القاض ي إال التعويض بمقابل‬
‫أي التعويض النقدي ‪ ،209‬وبما أن الغاية من التعويض هو جبر الضرر ومحو آثاره فهو يخضع‬
‫ملجموعة من القواعد منها‪:‬‬

‫‪1‬ـ وجوب أن يكون التعويض كامال‪ ،‬يشمل كل من الخسارة التي لحقت المضرور‬
‫والمصروفات الضرورية‪ ،‬التي اضطرأو سيضطرإلنفاقها إلصالح الضرر‪ ،‬كمصروفات الكراء في‬
‫حالة فقدانه لسكنه الرئيس ي نتيجة كارثة طبيعية كالزلزال‪ ،‬أو مصاريف االستشفاء في حالة‬
‫تعرضه لضررجسدي بفعل هجوم إرهابي‪ ،‬وما فاته من كسب‪.‬‬

‫‪2‬ـ مراعاة طبيعة الخطأ في تقديرالتعويض‪ ،‬وفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل‬
‫‪ ":98‬ويجب على املحكمة أن تقدر بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو عن‬
‫تدليسه‪."210‬‬

‫‪3‬ـ يتمتع قضاة الموضوع بكامل الصالحية لتعيين قدر التعويض الواجب تخويله‬
‫للمتضررمن غيرأن يتقيدوا بتوضيح أسس هذا التقدير‪ ،‬ما أيده املجلس األعلى سابقا محكمة‬
‫النقض حاليا‪ ،‬في عدة قرارات من ضمنها‪ ":‬ملحكمة األساس سلطة تقديرية مطلقة لتعيين مبلغ‬

‫‪208‬عبد الحق صافي‪،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحة ‪.135‬‬


‫‪209‬سليمان الطماوي القضاء اإلداري الكتاب االول‪ ،‬قضاء اإللغاء‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬الطبعة ‪ 7‬سنة ‪ ،2015‬صفحة ‪.295‬‬
‫‪210‬حليمة لمغاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحة ‪.94‬‬

‫‪P 125‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التعويض املحكوم به للمتضرر‪ ،‬وليس عليها أن تعلل هذا المبلغ بأسباب خاصة"‪ ،211‬وبالتالي‬
‫يبقى للقاض ي حرية مطلقة في تحديد مبلغ التعويضات الممنوحة للمتضررين من جراء‬
‫التفجيرات اإلرهابية أو الكوارث الطبيعية‪ ،‬دون أن يكونوا ملزمين بتبريرأحكامهم‪.‬‬

‫إن دعوى التعويض ضد الدولة والمنظمة طبقا للقانون رقم ‪ ،110.14‬تمر بمجموعة‬
‫من المراحل لها طبيعة خاصة وتختلف عن التعويض بالقواعد العامة التي تطرقنا لها أعاله‪.‬‬

‫حيث تنص المادة ‪ 43‬من القانون ‪ 991.94‬على أنه يجب على الضحية المقيدة في سجل‬
‫التعداد‪ ،‬أو ذوي حقوقها أن يقدموا طلبا إلى صندوق يحدد بنص تنظيمي نموذج الطلب‬
‫والوثائق التي يجب إرفاقها به وكذا كيفيات تقديمه ودراسته‪ ،‬باإلضافة إلى شهادة تثبت حالة‬
‫العجز البدني الدائم للمتضرر مسلمة من طرف طبيب ممارس بالقطاع العام تتضمن نسبة‬
‫العجز‪ ،‬الوثائق المثبتة ألجرة المتضرر وحالته المادية‪ ،‬أما في حالة الوفاة أو الفقد فإنه يجب‬
‫إرفاق الملف ب نسخة من رسم الوفاة للضحية أو وثيقة تثبت فقدانه أو نسخة من الحكم‬
‫القضائي المصرح بموته‪ ،‬باإلضافة إلى إثبات لصفة ذوي حقوق الضحية أوالشخص المفقود‪،‬‬
‫وفي حالة فقدان المسكن الرئيس ي أو فقدان االنتفاع به‪ ،‬يرفق الملف بتقريرالخبرة الذي يثبت‬
‫حالة المسكن المفقود‪.212‬‬

‫كما تفيد المادة ‪ 44‬من القانون قيد الدراسة‪ ،‬بأنه في حالة تقديم المعني باألمرطلب‬
‫التعويض‪ ،‬يقوم صندوق التضامن بدراسته‪ ،‬وفي حالة إغفال المعني باآلمر لبعض البيانات آو‬
‫الوثائق يشعره الصندوق بضرورة إتمام البيانات آوالوثائق الناقصة‪ ،‬ثم بعدها يبث بشأن قبول‬
‫الطلب‪ ،‬وفي حالة الرفض يجب أن يكون قرار عدم قبول طلب التعويض معلال‪ ،‬ويتم تبليغ‬
‫المعني باألمر بهذا القرار مصحوبا بكل الوثائق المرفقة بالطلب المذكور بواسطة رسالة‬
‫مضمونة مع إشعار بالتوصل أو عن طريق إجراء غير قضائي‪ ،‬وذلك داخل اجل ‪ 31‬يوما ابتداء‬
‫من تاريخ التوصل بهذا الطلب وبالوثائق المرفقة معه‪ ،‬وفي حالة عدم تبليغ قرار الرفض يعتبر‬
‫طلب التعويض مقبوال‪.‬‬

‫كما يبلغ مقترح التعويض إلى الطالب‪ ،‬بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو‬
‫عن طريق إجراء غير قضائي‪ ،‬داخل اجل ‪ 31‬يوما ابتداء من تاريخ التوصل بملف التعويض‬

‫‪211‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ ،5381‬ملف مدني عدد ‪ ،2002/5/1/1874‬مجلة المحامي‪ ،‬عدد ‪ ،22‬صفحة ‪.017‬‬
‫‪212‬لمزيد من التفصيل أنظر المادة ‪ 20‬من القانون ‪ 001602‬المتعلق ب نظام تغطية الوقائع الكارثية ‪.‬‬

‫‪P 126‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الكامل‪ ،‬ويرفق هذا االقتراح بتوصيل يجب على المستفيد أن يرجعه إلى صندوق التضامن بعد‬
‫أن يوقع عليه‪ ،‬تنص المادة ‪ 40‬من القانون أنه في انتظار البث في ملف التعويض يمكن منح‬
‫تسبيق لألشخاص املحددة في البند األول من المادة ‪ ،21‬وهم األشخاص المصابين بضرر بدني‬
‫ناجم مباشرة عن الكارثة بمن فيهم من ساهموا ف عمليات اإلنقاذ واإلغاثة أو ذوي حقوقهم في‬
‫حالة الوفاة أو الفقدان‪ .‬وبحسب المادة ‪ 41‬من القانون‪ ،‬يجب على صندوق التضامن أن يدفع‬
‫التعويض المستحق داخل اجل ‪ 31‬يوما من تاريخ استالم التوصيل الموقع عليه من المستفيد‪،‬‬
‫كما يمكن للمستفيد رفض هذا التعويض‪ ،‬وذلك بإبالغ رفضه إلى الصندوق بواسطة أي وثيقة‬
‫ثابتة التاريخ قبل لجوئه إلى لجنة تسوية المنازعات‪.‬‬

‫وطبقا للمادة ‪ 13‬من القانون أعاله‪ ،‬فانه يتقادم كل طلب أداء التعويضات التي‬
‫يمنحها صندوق التضامن‪ ،‬بمرور سنتين ابتداء من تاريخ نشر القرار اإلداري‪ ،‬غير ان التقادم ال‬
‫يسري أو يتم توقيفه ضد الشخص الذي يوجد في ظروف استحال عليه فيها المطالبة بحقوقه‬
‫بسبب مانع نتج عن القانون‪ ،‬أو عن القوة القاهرة‪ ،‬كما يوقف التقادم أو يقطع بأي سبب من‬
‫األسباب العادية لتوقيف أو لقطع التقادم طبقا للقواعد العامة‪.‬‬

‫وتتولى لجنة تسوية المنازعات البت في كل نزاع قائم بين ضحايا و اقعة كارثية أو ذوي‬
‫حقوقهم وصندوق التضامن‪ ،‬ويرأس هذه اللجنة قاض يعين من قبل املجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية‪ ،‬وممثل لإلدارة المعنية‪ ،‬وطبيبين يمارسان بالقطاع العام متخصصان في مجال طبي‬
‫ذي صلة وثيقة بموضوع النزاع‪ ،‬باإلضافة إلى خبير في مجال البناء يكون مسجال في الجدول‬
‫الوطني للخبراء القضائيين‪.‬‬

‫يجب تقديم الطعن أمام لجنة تسوية المنازعات ضد قرار صندوق التضامن داخل‬
‫اجل سنة ابتداء من تاريخ تبليغ القرار المتنازع فيه من قبل صندوق التضامن‪ ،‬ويقدم الطعن‬
‫ضد قرار صندوق التضامن في شكل مكتوب من طرف المعني باآلمر أو ذوي حقوقه‪ ،‬مرفقا‬
‫بجميع الوثائق والبيانات الضرورية‪ ،‬وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو يتم‬
‫إيداعه بمقر اللجنة مقابل وصل‪ ،‬وتجتمع لجنة التسوية للبت في الطعن في مقرها أو أي مكان‬
‫مناسب آخذة بعين االعتبار ظروف الكارثة‪ ،‬وتكون مداوالتها سرية‪ ،‬كما تتخذ قراراتها بأغلبية‬
‫أصوات أعضائها‪ ،‬وفي حالة تساوي األصوات‪ ،‬يعتبرصوت الرئيس مرجحا‪ ،‬يجب أن يكون القرار‬
‫الصادرعن اللجنة مكتوبا ومؤرخا‪ ،‬ويشارفيه إلى الهوية الكاملة لألطراف‪ ،‬كما يتضمن ادعاءات‬

‫‪P 124‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫األطراف و دفوعاتهم على التوالي والمستندات وبيان المسائل محل النزاع التي يتم الفصل فيها‬
‫بمقتض ى القراروكذا منطوقه‪ ،‬كما يجب أن يكون مفصال ومعلال وموقعا من طرف أعضاء لجنة‬
‫التسوية‪ ،213‬وطبقا للمادة ‪ 09‬من القانون فإن لجنة تسوية النزاعات تتوفرعلى أجل ال يتعدى‬
‫‪ 0‬أشهر تبتدئ من تاريخ رفع األمر إليها‪ ،‬ويمكن تمديد هذا األجل من طريف رئيس املحكمة‬
‫اإلدارية املختصة باعتبارمكان وقوع الو اقعة بناء على طلب رئيس لجنة التسوية‪.‬‬

‫يكون قرار لجنة تسوية المنازعات ملزما ألطراف النزاع‪ ،‬وهم المتضرر وصندوق‬
‫التضامن‪ ،‬ويتم تبليغه لألطراف عن طريق إجراء غيرقضائي‪ ،‬من طرف رئيس اللجنة داخل اجل‬
‫‪ 91‬يوما من تاريخ اتخاذ القرار‪ ،‬ويكون هذا القرار غير قابل للطعن أمام القضاء العادي‪،‬‬
‫باستثناء خرقه للقانون‪ ،‬وذلك أمام محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط وفق الشكليات وضمن‬
‫اآلجال العادية‪.214‬‬

‫كما يمكن اللجوء إلى القضاء العادي في حالتين؛ إذا لم تتخذ لجنة التسوية قراراها‬
‫داخل األجل املحدد القانوني وهو ‪ 0‬أشهر‪ ،‬يمكن للمتضرر الطعن أمام املحكمة اإلدارية‬
‫املختصة باعتبار مكان وقوع الكارثة داخل اجل ‪ 01‬يوما ابتداء من اليوم األول الذي يلي تاريخ‬
‫انصرام األجل‪ ،‬و يمكن الطعن في قرارات صندوق التضامن أمام القضاء اإلداري‪ ،‬لكن بعد‬
‫استنفاذ مسطرة الطعن أمام لجنة تسوية المنازعات وذلك تحت طائلة عدم القبول‪،215‬‬
‫وبالتالي نالحظ أن المتضررال يمكن له اللجوء إلى القضاء العادي بعد استنفاذ مسطرة صندوق‬
‫التضامن ومسطرة تسوية المنازعات إال في حالتين ضئيلتين فقط‪.‬‬

‫خ ـ ـ ــات ـمـ ـ ـ ــة‪:‬‬

‫إن الدافع الغريزي لحب البقاء‪ ،‬يجعل اإلنسان في رحلة بحث طويلة عن مختلف السبل‬
‫والوسائل التي تجعله آمنا من غضب الطبيعة واإلنسان المفاجئ‪ ،‬ولكي يكون غيرمضطرلتحمل‬
‫أثارها‪ ،‬وحده فقد حاولت معظم الدول خلق أنظمة قانونية قادرة نسبيا على تغطية املخاطر‬
‫التي تحدق به‪ ،‬باإلضافة الى القواعد العامة‪ ،‬للتخفيف من وطأة الكوارث الطبيعية أو التي‬
‫بفعل اإلنسان‪ ،‬كأسلوب جديد لنظام تعويض فوري وسلس يستطيع المتضررمن خالله تغطية‬
‫عو اقب الوقائع الكارثية التي ألمت به‪ ،‬وعليه من خالل الدراسة التي قمنا بها‪ ،‬يتمثل لنا الفرق‬

‫‪213‬أنظر المادة ‪ 01‬من القانون رقم ‪.001602‬‬


‫‪214‬انظر المادة ‪ 02‬من القانون رقم ‪.001602‬‬
‫‪215‬أنظر المادة ‪ 00‬من القانون ‪.001602‬‬

‫‪P 122‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بين قواعد التعويض على أساس المسؤولية العادية وأحكام التعويض الفوري عن الكوارث في‬
‫النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬في نظام التعويض الفوري يكتفي بإثبات وقوع الضرر وبيان مقداره‪ ،‬وبالتالي دون أن يقع‬
‫عبء اإلثبات على عاتق المتضررمن الكوارث‪.‬‬

‫‪ -‬مجرد إثبات حدوث الضرركاف الستحقاق التعويض من صندوق الضمان‪.‬‬

‫‪ -‬إن نظام صندوق التضامن‪ ،‬نظام مستقل وسلس ومتميزال على مستوى تكوينه أو تنظيمه‪،‬‬
‫وغيرمعقد وبسيط يمكن للمتضررالولوج إليه‪.‬‬

‫‪ -‬يكفل صندوق التضامن للمتضرر تعويض تلقائي وكامل في فترة وجيزة دون إثقال كاهله‬
‫بالمصاريف واإلجراءات الطويلة الغيرمقبولة كما في القضاء العادي‪.‬‬

‫‪ -‬إلزام الصندوق بأداء التعويض الكامل داخل مدة وجيزة ومحددة بالقانون‪.‬‬

‫وكتوصيات يمكن أن نورد مجموعة من اإلشارات يمكن أن تعززمن هذا النظام وتزيد من‬
‫نجاعته‪:‬‬

‫‪ -‬يجب إيالء أولوية للحد من أخطار الكوارث في السياسات العمومية للدولة واملخططات‬
‫التنموية‪.‬‬

‫‪ -‬تحديث المعلومات والبيانات المتعلقة باملخاطرومحاولة التعرف عليها مبكرا قبل حدوثها‪،‬‬
‫ورصد األخطاروتعقبها للحد من خطورتها و آثارها‪.‬‬

‫تعزيز آليات التأهب واالستجابة واإلغاثة للكوارث الطبيعية واإلنسانية أو التي بفعل‬ ‫‪-‬‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -‬المواكبة القانونية المستمرة للمستجدات التي تحدث في هذا املجال‪ ،‬إن على مستوى‬
‫المفاهيم والعناصر المشكلة لحالة الكارثة‪ ،‬أو على مستوى األحكام والقواعد التي تضبط‬
‫هذا املجال‪ ،‬أخذا بعين االعتبار عنصر التطور التكنولوجي و العلمي‪ ،‬الذي أصبح يسمح‬
‫بتوقع األحداث بشكل مبكرا نسبيا متيحا بذلك إمكانية تفاديها أو تفادي نتائجها الوخيمة‪،‬‬
‫كما يتيح إمكانية القياس المسبق لألضرار و توقعها و معرفة ما يمكن أن تحتاجه من‬
‫إمكانيات لمواجههها و إصالحها‪.‬‬

‫‪P 127‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الئحة المراجع‬

‫المراجع العربية‬

‫‪-‬جمال صالح‪ ،‬السالمة من الكوارث الطبيعية واملخاطر البشرية‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬دار‬
‫الشروق‪-‬مصر‪.2112‬‬

‫‪-‬طارق عبد العزيز حمدي‪ ،‬المسؤولية الدولية الجنائية والمدنية عن جرائم اإلرهاب‬
‫الدولي‪ ،‬دارالكتب القانونية‪ ،‬مصر ‪.2008‬‬

‫‪-‬يعقوب محمد حياتي‪ ،‬تعويض الدولة للمجني عليهم في جرائم األشخاص‪ ،‬دراسة‬
‫مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراه من كلية الحقوق‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.9111 ،‬‬

‫‪-‬عبد الحق صافي‪ ،‬الوجيز في القانون المدني‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‬
‫الدارالبيضاء‪ ،‬طبعة ‪ ،2191‬صفحة ‪.11-11‬‬

‫‪-‬حليمة لمغاري‪ ،‬املختصرفي المسؤولية المدنية‪ ،‬الطبعة ‪ ،2190‬مطبعة قرطبة‪ ،‬أكادير‪.‬‬

‫‪-‬منشورات املجلس األعلى ‪. 9111-9111‬‬

‫‪-‬ماجد راغب الحلو‪ ،‬القضاء اإلداري دراسة مقارنة‪ ،‬الدارالجامعية القاهرة ‪.1988‬‬

‫‪-‬خلوف رشيد‪ ،‬قانون المسؤولية اإلدارية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬الجزائر ‪2011‬‬

‫‪-‬منشورات املجلس األعلى ‪ 9111-9111‬الصفحة ‪.221‬‬

‫‪-‬عبد الكريم الطالب‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية‪ ،‬الناشر مكتبة المعرفة‬
‫مراكش‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء‪.2015،‬‬

‫‪-‬مأمون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬املجلد‬
‫األول‪ ،‬مصادرااللتزامات ‪.1982‬‬

‫‪-‬سليمان الطماوي القضاء اإلداري الكتاب االول‪ ،‬قضاء اإللغاء‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫الطبعة ‪ 7‬سنة ‪ ،2015‬صفحة ‪.295‬‬

‫‪P 130‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

‫ أغسطس‬21 ‫ المو افق ل‬9431 ‫ من ذي القعدة‬29 ‫ صادرفي‬9.90.912 ‫ظهيرشريف رقم‬-


‫ المتعلق بإحداث نظام لتغطية واب الوقائع الكارثية وبتغيير‬991.94 ‫ بتنفيذ القانون رقم‬2190
.‫ المتعلق بمدونة التامينات‬91.1 ‫وتتميم القانون رقم‬

‫المراجع األجنبية‬

- FRAYSSINET. Marie Helene ; Réflexions sur les question de la faute dans la


responsabilité de l’état puissance publique ;RRJ ;N01 ; publiées par la faculté de
droit et de science politique d’Aix Marseille .

- LA RESPONSABILITÉ ADMINISTRATIVE, Article Par Jean-Marie Pontier


Professeur à l’Université de Paris I Panthéon Sorbonne Directeur du Centre de
recherches administratives de l’Université Paul Cézanne Aix-Marseille III.

- The American Heritage Dictionary of the English Language, Third Edition


1996 by Houghton Mifflin Company.

‫المو اقع االلكترونية‬

- http://publications.gc.ca/collections/collection_2011/sen/yc33-0/YC33-
0-392-13-1-eng.pdf

- https://carjj.org/node/5076

- www.barlamane.com

P 131 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫قراءة يف سياق وحصيلة املراجعة‬


‫الدستورية وافاقها (دستور ‪ 2199‬منوذجا)‬
‫‪Reading in the context and outcome of the constitutional review and its prospects‬‬
‫)‪(Constitution of 2011 as a model‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫عرف المغرب مجموعة من االصالحات الدستورية كان اخرها دستور ‪ ،2199‬الذي يعتبر‬
‫نقلة نوعية ‪ ،‬حيث تبنى االختيار الديمقراطي باعتباره من الثوابت التي يقوم عليها النظام‬
‫السياس ي المغربي‪ ،‬باالضافة الى المكتسبات التي جاء بهافي مجال الحريات والحقوق االساسية‬
‫مما جعل التوجه الديمقراطي خيارا ال رجعة فيه في النظام السياس ي المغربي‪،‬و بتبنيه مبادئ‬
‫الديمقراطية مثل مبدا فصل السلط الذي يرمي الى فصل السلطة التشريعية على السلطة‬
‫التنفيذية والسلطة القضائية والتعاون فيما بينهم‪ ،‬وموقع المؤسسة الملكية في االختصاصات‬
‫الدستورية ‪،‬ومبدا السيادة الوطنية تم مفهوم الملكية البرلمانية بعتبارها من المطالب التي‬
‫راهنة عليها النخبة السياسية المغربية منذ الفجراالول لالستقالل ‪.‬‬

‫فصل السلط ‪،‬االصالحات الدستورية ‪،‬الخيار‬ ‫الكلمات المفتاحية ‪:‬‬


‫الديمقراطي‪،‬الحقوق والحريات‬

‫‪Summary‬‬

‫‪Morocco has known a series of constitutional reforms, the latest being the‬‬
‫‪2011 Constitution, which is a paradigm shift. The democratic choice was adopted‬‬
‫‪as one of the foundations of Morocco's political system. in addition to the gains‬‬

‫‪P 132‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪made by Bhavi in the field of fundamental freedoms and rights, which made‬‬
‫‪democratic orientation an irreversible option in Morocco's political system, And‬‬
‫‪by embracing the principles of democracy, such as the separation of power, which‬‬
‫‪aims to separate the legislative power over the executive and the judiciary and‬‬
‫‪cooperate between them. The Royal Foundation's position in the constitutional‬‬
‫‪disciplines, and the principle of national sovereignty, was conceived as‬‬
‫‪parliamentary monarchy, following the demands of Morocco's political elite‬‬
‫‪since the first dawn of independence‬‬

‫‪Keywords: separation of authority, constitutional reforms, democratic‬‬


‫‪choice, rights and freedom.‬‬

‫تقديم ‪:‬‬

‫تقوم بلدان مختلفة في العالم بتكييف دساتيرها بانتظام مع متطلبات الساحة الدولية‬
‫والوطنية‪ ،‬بل إنها تصمم أحيانا دساتير جديدة لتحقيق دساتير أكثر ديمقراطية‪ ،‬وتحسين‬
‫الضوابط واالستجابة بشكل أفضل لرغبات الناخبين‪ .‬ويمكن أيضا إجراء تغييرات دستورية‬
‫بعد مرحلة من الصراع من أجل إنشاء نظام دستوري جديد ووضع رؤية لكيفية إقامة مجتمع‬
‫أكثرعدال‪ ،‬أو أن هناك رغبة في تنقيح دستور قائم من أجل االستجابة على نحو أفضل للدستور‬
‫السياس ي‪ ،‬والتغيرات االقتصادية أو االجتماعية في املجتمع‪ ،‬وألي سبب كان‪ ،‬يتمثل العنصر‬
‫الرئيس ي ألي إصالح دستوري في ضمان تعزيز واحترام وحماية حقوق اإلنسان والحريات‬
‫األساسية بحيث تعتبر الوثيقة الدستورية عادة مدخال من مداخل االنتقال الديمقراطي فهي‬
‫الوثيقة التي تحدد شكل وطبيعة النظام السياس ي وشكل التعاقد بين الحاكم واملحكومين‬
‫وموازين القوى ‪ ،‬فقد احتلت إشكالية التحول الديمقراطي في األدبيات السياسية والدستورية‬
‫مكانة هامة حيث اصبحت تعد الشكل الرئيس ي التي تواجه العديد من األنظمة السياسية في‬
‫العالم المعاصر‪ ،‬والتاريخ الدستوري بالمغرب شهد بدوره مجموعة من التعديالت الدستورية‬
‫بعد االستقالل ‪ ،‬حيث تم وضع اول دستور سنة ‪ 9102‬تم تعديله سنة ‪ 9111‬ودستور‪9112‬‬
‫وسنتي ‪ 9112‬و ‪ 9110‬باإلضافة إلى دستور ‪ 2199‬الذي يشكل طفرة نوعية في مجال الحقوق‬

‫‪P 133‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫والحريات و نقطة ّ‬
‫تحول على طريق تحويل المغرب إلى أول نظام ملكي دستوري في العالم‬
‫العربي‪،‬خصوصا بعد تاثيرالثورات الربيعية على المشهد السياس ي الدولي ‪،‬‬

‫وقد أسفر عن التعديل الدستوري بعد استفتاء فاتح يوليوز ‪ ،2199‬عن تطور هندسة‬
‫دستورية جديدة مختلفة عن الهندسة الدستورية للدستور ‪ 93‬شتنبر ‪ 9110‬وهمت هذه‬
‫الهندسة تقوية منظومة حقوق اإلنسان والحريات وتخصيص الباب الثاني من دستور ‪، 2199‬‬
‫وإعادة توزيع السلطة بين المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان ثم التكريس الدستوري‬
‫للجهوية المتقدمة واالرتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة ‪.‬‬

‫وقد حظيت منظومة الحقوق والحريات في الدراسات الدستورية باهتمام مختلف‬


‫الدارسين والمهتمين نظرا للتطور الذي شهدتها منظومة الحقوق والحريات على المستوى‬
‫الدولي‪ ،‬واصبحت من اولويات مطالب الثورات الربيعية التي تطالب بدسترة الحقوق والحريات‪،‬‬
‫خاصة بعد انفجارات الربيع العربي وهو ما يجعلنا امام اشكالية رئيسية ‪ :‬الى اي حد استطاعت‬
‫الدساتيرالمغربية حماية الحقوق والحربات وتكييفها وفق المواثيق الدولية ؟‬

‫وسنحاول االجابة عن هذه االشكالية وفق التصميم التالي‪ :‬املحوراألول ‪ :‬حقوق اإلنسان‬
‫والحريات في النظام الدستوري‪ .‬املحورالثاني‪ :‬تموقع المؤسسة الملكية في دستور‪ .2199‬املحور‬
‫الثالث ‪ :‬حصيلة السلطة التشريعية و التنفيدية في دستور‪. 2199‬‬

‫املحوراألول ‪ :‬حقوق اإلنسان والحريات في النظام الدستوري ‪.‬‬

‫ترجع دسترة الحقوق والحريات العامة بالمغرب إلى الموجة الدستورية األولى الممتدة‬
‫بين ‪ 9102‬و ‪ 9112‬ثم الموجة الدستورية الثانية ما بين ‪ 9112‬و ‪ 9110‬حيث ضلت كل موجة‬
‫دستورية محكومة بظروفها الوطنية المالزمة لها ومتأثرة بوضعية حقوق اإلنسان على‬
‫المستوى الدولي فإذا كانت الفترة الممتدة من ‪ 9102‬إلى ‪ 9112‬تتسم بغلبة الحقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية على الحقوق المدنية والسياسية فإن الموجة الدستورية الثانية لعام ‪ 9112‬و‬
‫‪ 9110‬في المغرب تزامنت مع ظهور الجيل الجديد لحقوق اإلنسان وتقليص ملحوظ للحقوق‬
‫االقتصادية واالجتماعية ‪.216‬‬

‫‪216‬على كريمى أسئلة االنتقال الديمقراضي في المغرب ‪ :‬قضايا في اإلصالح السياسي والدستوري‪ ،‬الدار البيضاء ‪،‬مطبعة النجاح الجديدة‬
‫‪،‬الطبعة االولى ‪، 0110.‬ص ‪.71‬‬

‫‪P 134‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وقد انخرط المغرب في بداية التسعينات بقوة في عولمة حقوق اإلنسان‪ ،‬حيث لم يبقى‬
‫المغرب منعزل وغير معني بما يحدث من تقنيات على المستوى الدولي بحجة حياده و انطوائه‬
‫‪ ،‬وهو األمر الذي يصعد من ضغوطات دولية مكتفة لذلك كان لزاما عليه لكي ينفلت من هذه‬
‫الضغوطات أن يسايرالظرفية الجديدة و هو ما عبرت عنه الفقرة الثالثة من دستوري ‪ 9112‬و‬
‫‪ 9110‬التي كرست الموقف الجديد للمغرب حيث تقول إن المملكة المغربية تؤكد تشبثها‬
‫بحقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا " وال يمكن املجازفة بالقول بأن هذه هي المرة‬
‫األولى يعترف المغرب بحقوق اإلنسان بموجب النص الدستوري ويلتزم بأحترامها لكن ما يمكن‬
‫تأكيده هو أن هذا االلتزام يعتبر بمثابة قفزة نوعية في اتجاه تكريس حقوق اإلنسان وحرياته‬
‫األساسية ‪ ،‬فالمغرب لم ينص على مبدأ الخصوصية التي تتجلى في تحفظه على العديد من‬
‫العهود والمواثيق التي كان طرفا فيها ‪ ،‬ومن بينها البروتوكول االختياري المتعلق بالعهد الخاص‬
‫بالحقوق المدنية والسياسية ‪ ،‬والذي يتيح لكل مواطن أو أي إنسان رفع تقرير إلى لجنة حقوق‬
‫اإلنسان باألمم المتحدة عن االنههاكات التي تتعرض لها حقوقه داخل بلدها فما إذن الجديد‬
‫الذي أتى به دستور‪ 2199‬فيما يخص حقوق اإلنسان والحريات العامة؟‬

‫اوال ‪ :‬توسيع مجال حقوق اإلنسان والحريات‪.‬‬

‫تضمن الدستور الجديد مجموعة من الحقوق والحريات بحيث يمكن اعتبار هذا‬
‫الدستور بمثابة ثورة في مجال حقوق اإلنسان والحريات‪ ،‬فباإلضافة إلى الباب األول الخاص‬
‫باألحكام العامة ‪،‬تما في إطار دستور ‪ 2199‬تخصيص باب بكامله بعنوان الحريات" والحقوق‬
‫األساسية " احتوى على ‪ 22‬فصال من الفصل ‪ 91‬إلى الفصل (‪ )41‬وتضمن الدستور حقوق‬
‫اإلنسان بمختلف أنواعها وأجيالها سواء منها ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية‪ ،217‬أو‬
‫بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية‪.‬‬

‫وهكذا ضم الباب الثاني من الدستور مجموعة من الحقوق المدنية والسياسية ‪ ،‬مثل‬


‫حق الملكية المساواة بين الجنسين حرية الفكر والرأي حرية الصحافة‪ ،‬الحق في الحياة‪ ،‬منع‬
‫التعذيب منع االعتقال ‪ ،‬حرية التنقل حرية االجتماع والتظاهر والتجمهر ‪ ،‬الحق في تأسيس‬
‫الجمعيات ‪ ،‬الحق في ممارسة العمل النقابي ‪ ،‬حق اإلضراب الحق في التصويت والترشح‬
‫لالنتخابات‪ ....‬وفي هذا اإلطار تمت دسترة توصيات هيئة اإلنصاف والمصالحة فيما يخص‬

‫‪ 217‬علي كريمي أسئلة االنتقال الديمقراطي في المغرب قضايا في اإلصالح السياسي والدستوري‪ .‬نفس المرجع السابق الصفحة ‪.20‬‬

‫‪P 135‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تجريم التعذيب واالختفاء القسري ‪ ،‬ومبدأ المساواة بين الجنسين ‪ ،‬وعدم المساس بالحياة‬
‫الخاصة لألفراد ‪ ،‬وحرمة المراسالت ‪ ،‬وقرينة البراءة في المتابعات القضائية‪.218‬‬

‫والمالحظ انه رغم تكريس الدستور للحق في الحياة فإنه لم ينص صراحة على إلغاء‬
‫عقوبة اإلعدام الذي طالبت به هيئة اإلنصاف والمصالحة في توصياتها ‪ ،‬والتي شددت فيها على‬
‫الحد من عقوبة اإلعدام ونيج التدرج في إلغائها ‪ ،‬من خالل اشتراط النطق باإلعدام بإجماع‬
‫القضاة‪،219‬وتضمن الدستور كذلك العديد من الفصول الخاصة بالحقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية والبيئية مثل ( الحق في الشغل الحق في الحصول على تعليم عصري ‪،‬‬
‫الحق في الحماية االجتماعية والتغطية الصحية‪ ،‬الحق في السكن الالئق ‪ ،‬الحق في التنمية‬
‫المستدامة ‪ ،‬الحق في ولوج الوظائف العمومية حسب االستحقاق ‪).‬‬

‫ويعتبرأهم ماجاء به الدستورالحالي في مجال الحقوق الثقافية هو تنصيصه في التصدير‬


‫على مفهوم الهوية الوطنية والتركيز على مكوناتها المتعددة العربية ‪ ،‬اإلسالمية األمازيغية‪،‬‬
‫الصحراوية الحسانية‪ ،‬األندلسية والعبرية والمتوسطية باإلضافة إلى دسترة اللغة األمازيغية‬
‫كلغة رسمية إلى جانب العربية كما ينص على ذلك الفصل الخامس من الباب الثاني‪ .‬وبهذا يكون‬
‫الدستور قد استجاب للبعض ‪ ،‬الهيئات السياسية والحقوقية التي ظلت تطالب باالعتراف‬
‫باللغة األمازيغية إلى جانب العربية كلغة رسمية للبالد‪.‬‬

‫ولم يكتفي الدستور بالحديث عن الحقوق والحريات التي تضمنها الدولة للمواطنين بل‬
‫جاءت هذه الحقوق مقرونة بواجبات على المواطنين تحملها‪ ،‬وهذا يؤدي إلى سيادة ثقافة‬
‫القيام بالواجب ‪ ،‬مما يجعل المواطن يقرأ حقوقه بقدرما يقرأ واجباته ويقوم بها ‪ ،220‬ويالحظ‬
‫أن المشرع الدستوري المغربي أخد بعين االعتبارأن ال تبقى هذه الحقوق والحريات المنصوص‬
‫عليها في الدستور حبرا على ورق فقام بدسترة مجموعة من المؤسسات والهيئات التي تساعد‬
‫على ضمان التفعيل األمثل للحقوق والحريات التي جاء بها الدستور وبالتالي عمل على دسترة‬
‫هينات الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫‪218‬للمزيد اإلطالع على توصيات هيئة األنصاف والمصالحة بشان استقالل القضاء مجلة عدالة عدد‪ 01‬أبريل ‪ 0100‬الصفحات ‪-20‬‬
‫‪. 22‬‬
‫‪219‬انظر توصيات هيئة اإلنصاف والمصالحة حول إعادة تأهيل السياسة والتشريع الجنائيين مجلة عدالة العدد ‪ 01‬أبريل ‪ 0100‬ص ‪.20‬‬
‫‪220‬محمد الغالي ‪،‬مقال منشور في جريدة الصباح ‪،‬تحت عدد ‪ 5843‬تاريخ ‪.5122 /2/ 52-53‬‬

‫‪P 136‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ثانيا ‪ :‬دسترة هيئات الحكامة الجيدة ‪.‬‬

‫في إطار الدستور الجديد دسترة العديد من المؤسسات الخاصة بالحكامة الجيدة ‪ ،‬وهو‬
‫ما تضمنته الفصول (من ‪ 909‬إلى ‪ ، 221) 911‬وتبقى أهم هذه الهيئات مؤسسة الوسيط ‪ ،‬ثم‬
‫املجلس الوطني للحقوق اإلنسان ‪.‬‬

‫‪ -9‬املجلس الوطني لحقوق اإلنسان‬

‫تم إحداث املجلس الوطني للحقوق اإلنسان بمهام واختصاصات جديدة مخالفة لما كان‬
‫معمول به في املجلس االستشاري للحقوق اإلنسان‪ ،‬حيث أن القانون الصادرتحت رقم ‪.91.99‬‬
‫‪ 9‬بتاريخ فاتح مارس ‪ 2199‬الخاص باملجلس الوطني ‪ ،‬كان يتوخى تحقيق هدفين أساسيين األول‬
‫مؤسساتي وتعكسه (الفقرة (‪ )93‬من الديباجة ويهدف إلى االرتقاء بهذا املجلس إلى مطاف صريح‬
‫جديد من المؤسسات الحامية لحقوق اإلنسان سواء على المستوى الوطني أو الجهوي‪ ،‬والثاني‬
‫موضوعي ويتمثل في كون هذا املجلس لم يعد يرتبط بالحقوق فقط بمفهومها الحصري بل‬
‫تعداها إلى املجال االقتصادي واالجتماعي والسياس ي ‪.222‬‬

‫وهكذا تما منح املجلس آليات مخالفة لآلليات التي كانت ممنوحة للمجلس االستشاري‬
‫لحقوق اإلنسان فعلى مستوى الرقابة تم منحه اختصاصات تندرج في بعدين ‪ ،‬األولى تتمثل في‬
‫الرقابة القبلية التي تسمح بالتدخل بكيفية سابقة وعاجلة كلما تعلق األمر بحالة من الحاالت‬
‫التي تؤدي إلى انههاك حق من حقوق اإلنسان‪ ،‬والثانية تتمثل في الرقابة البعدية ‪ ،‬التي تخول‬
‫املجلس العديد من االختصاصات في مجال حماية حقوق اإلنسان والنهوض بها‪.223‬‬

‫وقد تمت االرتقاء باملجلس الوطني لحقوق اإلنسان إلى مستوى هيئة دستورية ‪ ،‬في إطار‬
‫التعديل الدستوري الجديد ‪ ،‬وهذا ما تضمنه الفصل ‪ ، 909‬الذي اعتبره مؤسسة دستورية‬
‫مستقلة ‪ ،‬تتولى النظرفي القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق اإلنسان والحريات وحمايهها‪.‬‬

‫‪221‬يتعلق األمر بالمؤسسات التالية ‪ " :‬املجلس الوطني للحقوق اإلنسان (ف‪ )222‬مؤسسة الوسيط (ف‪ )225‬مجلس الجالية المغربية بالخارج (ف‪ )225‬الهيئة‬
‫المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز (‪ )228‬الهيئة العليا لالتصال السمعي البصري (ف (‪ )223‬مجلس المنافسة (ف ‪ )222‬الهيئة الوطنية للنزاهة‬
‫للوقاية من الرشوة ومحاربتها (‪ )221‬املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (ف ‪ ، )224‬املجلس االستشاري لألسرة والطفولة (‪ )221‬املجلس االستشاري‬
‫للشباب والعمل الجمعوي (ف (‪211‬‬
‫‪222‬فاطمة لوريني ‪ ،‬مؤسسة املجلس الوطني بين منزلتين ‪ ،‬مجلة عدالة‪ ،‬العدد ‪ 21‬أبريل ‪ 5122‬ص ‪. 51‬‬
‫‪223‬فاطمة لوريني ‪ ،‬مؤسسة املجلس الوطني بين منزلتين ‪ ،‬م‪،‬س ص ‪.51‬‬
‫نص الفصل ‪ 222‬من الدستور الحالي على ما يلي‪ " :‬املجلس الوطني للحقوق اإلنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة تتولى النضر في القضايا المتعلقة بالدفاع‬
‫عن حقوق اإلنسان والحريات وحمايتها ويضمان ممارستها الكاملة ‪ ،‬والنهوض بها وبضمان ممارستها الكاملة ‪ ،‬والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات‬
‫المواطنات والمواطنين أفرادا وجماعات ‪ ،‬وذلك في إطار الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا املجال "‪.‬‬

‫‪P 134‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -2‬مؤسسة الوسيط‬

‫إن مطلب تأسيس ودسترة مؤسسة الوسيط ليس وليد اليوم بل يعود لعقد التسعينات‬
‫من القرن الماض ي ‪ ،‬فقد سبق أن طلب بإقامة ودسترة هذه المؤسسة لما لها من دورفي حماية‬
‫حقوق ومصالح المواطنين ‪ ،‬ورفع المعاناة التي يلقاها المواطن في هذا املجال خصوصا‬
‫بالبوادي ‪ ،‬كما سبق للوزير األول السيد عبد الرحمان اليوسفي بتاريخ ‪ 93‬يناير ‪ 2111‬ضمن‬
‫تصريح القاه أمام البرلمان ‪ ،‬أن أكد عزم الحكومة على التقدم بمشروع قانون تحدث بمقتضاه‬
‫‪ ،‬مؤسسة وطنية مستقلة ‪ ،‬على غرار مؤسسة الوسيط التي توجد بالعديد من الدول‬
‫الديمقراطية المتحضرة وكان يهدف هذا المشروع إلى حماية المواطنين من الحيف والتسلط‬
‫والالمباالة الذي يتعرضون له من قبل اإلدارة ‪224‬وقد ظهر هذا النوع من المؤسسات ألول مرة‬
‫بالسويد تحت اسم (األمبودستان) ثم انتشرت في العديد من دول العالم كما هو الشأن بالنسبة‬
‫للوسيط (‪ ) le médiateur‬بفرنسا والمدافع عن شعبه ( ‪ el defonsor del pueblo‬باسبانيا ‪،‬‬
‫ومؤسسة الوسيط بالجزائر‪.‬‬

‫وقد تم إحداث مؤسسة الوسيط بمقتض ى الظهير المؤرخ في ‪ 2199-3-1‬وأسندت لها‬


‫اختصاصات متنوعة تضاهي وتتجاوزالمقتضيات التي أسندت لمؤسسة ديوان المظالم" حيث‬
‫أصبح بإمكانها أن تتولى حسب المادة األولى من الظهير املحدث لي في نطاق العالقة بين اإلدارة‬
‫والمواطنين مهمة الدفاع عن الحقوق واإلسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل‬
‫واإلنصاف والعمل على نشرقيم التخليق والشفافية في تدبيرالمر افق العمومية ‪.225‬‬

‫وقد تم االرتقاء بمؤسسة الوسيط في إطارالتعديل الدستوري الجديد إلى مستوى هيئة‬
‫دستورية ‪ ،‬وذلك ما ينص عليه الفصل ‪226 902‬من الباب الثاني عشر حيث أصبحت بموجبه‬
‫هذه المؤسسة مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة مهمهها الدفاع عن الحقوق والحريات في‬
‫إطارالعالقة التي تجمع بين اإلدارة والمواطنين‪.‬‬

‫‪224‬املختار مطيع ‪،‬توسيع مجال الحريات من خالل مشروع مؤسسة الوسيط‪ ،‬مجلة دراسات ووقائع دستورية وسياسية العددة مزدوج‪، 5112 .‬ص ‪.232‬‬
‫‪225‬فاطمة لوريني اختصاصات مؤسسة (الوسيط) وآليات تفعيلها مجلة عدالة ع ‪ 21‬أبريل ‪، 5122‬ص ‪.11‬‬
‫‪226‬ينص الفصل‪ 225‬من دستور ‪ 5122‬على ما يلي ‪ ":‬الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العالقات بين اإلدارة‬
‫والمترفقين واإلسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل واإلنصاف‪ ،‬وقيم التخليق والشفافية في تدبير اإلدارات والمؤسسات العمومية والجماعات‬
‫الترابية والهيئات التي تمارس صالحيات السلطة العمومية "‪.‬‬

‫‪P 132‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إن هذه الحقوق والحريات التي تم التنصيص عليها في الدستور الجديد هي دليل على أن‬
‫الدولة غيرت من المرجعية انتي كانت تضيع على أساسها السياسات العمومية حيث تحولت‬
‫هذه المرجعية من المنطق التقليدي الذي يجعل المواضن في خدمة الدولة إلى مرجعية ذات‬
‫مقاربة حقوقية تعتبر الدولة في خدمة المواطن كم تما االنتقال في إطار هذه المراجعة‬
‫الدستورية من مرحلة االكتفاء باإلعالن عن الحقوق والحريات إلى مرحلة يمكن وصفها بالجبل‬
‫انثالث ‪ ،‬وهو جيل التمكين من خالل دسترة العديد من األنيات الكفيلة بتفعيل هذه الحقوق‬
‫المعترف بها على أرض الو اقع‪.227‬‬

‫املحورالثاني‪ :‬تموقع المؤسسة الملكية في دستور‪2199‬‬

‫جاء دستور ‪ 2199‬بمجموعة من المستجدات فيما يخص توزيع بين السلطات املختلفة‬
‫والعالقة فيما بينها ‪ ،‬فما هي إذن مكانة كل من المؤسسة الملكية والبرلمان والحكومة في إطار‬
‫الدستورالجديد ؟‬

‫اوال ‪ :‬مكانة المؤسسة الملكية في دستور ‪2199‬‬

‫شكل الفصل ‪228 91‬من الدستور المغربي ‪ ،‬دعامة أساسية للتبوء المؤسسة الملكية‬
‫مركز الصدارة على باقي المؤسسات األخرى فهذا الفصل يحيل على تعدد أنماط مشروعية‬
‫المؤسسة الملكية من مشروعية دينية‪ 229‬نابعة من لقب إمارة المؤمنين إلى مشروعية تاريخية‬
‫تتجلى في كون الملكية رمز لوحدة واستمرارية الدولة‪ ،‬ثم مشروعية تعاقدية تجسدها البيعة‬
‫التي تعتبرفي نضرالفقهاء ميثاقا تعاقديا تتحدد بموجبه حقوق وواجبات كل من الراعي والرعية‪.‬‬

‫وقد جاءت الملكية مرتبة في الباب الثالث من دستور ‪ 2199‬بعد الباب األول الخاص‬
‫بأحكام عامة والباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات األساسية‪ ،‬مما يدل على أن المؤسسة‬
‫الملكية ال زالت تحتل مكانة الصدارة في البناء الدستوري للنظام السياس ي المغربي‪ .‬وقد تم‬
‫بموجب المراجعة الدستورية الجديدة‪،‬و تقسيم الفصل ‪ 91‬إلى فصلين فصل يتضمن‬

‫‪227‬محمد العالي ‪ ،‬م‪،‬ص جريدة الصباح ‪ ،‬عدد‪ 5843‬بتاريخ ‪. 52 /2/5122‬‬


‫‪228‬ينص الفصل ‪ 21‬من دستور ‪ 2112‬على ما يلي‪:‬‬
‫الملك هو أمير المؤمنين والممثل األسمى لألمة ورمز وحدتها وضا من دوام الدولة واستمرارها وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور‪ ,‬وله صيانة‬
‫حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وهو الضامن الستقالل البالد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة "‬
‫‪229‬محمد مالكي القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ .‬مراكش المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ .5115‬ص ‪. 514‬‬

‫‪P 137‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الصالحيات الدينية للملك باعتباره أميرا للمؤمنين وهو الفصل ‪ ،230 49‬وفصل خاص‬
‫بالصالحيات المدنية للملك باعتباره رئيسا للدولة وممثلها األسمى وهو الفصل‪ ،42231‬و هذا‬
‫الفصل من شأنه أن يحد من تداخل االختصاصات بين الشأن الديني والدنيوي التي كان يكرسها‬
‫الفصل ‪ 91‬في الدستور القديم‪ ،‬باإلضافة إلى حذف عبارة "الممثل األسمى لألمة" التي كانت‬
‫تجعل من الملك فوق المؤسسات الثمتيلية األخرى كالحكومة والبرلمان‪ ،‬كما أصبحت ممارسة‬
‫هذه الصالحيات المنصوص عليها في الفصول ‪ 49‬و ‪ 42‬مقرونة بما هو متضمن في الدستور‪.‬‬

‫فدستور فاتح يوليوز ‪ 2199‬يقطع مع العديد من المفاهيم التي كانت سائدة في الدساتير‬
‫السابقة‪ ،‬وفي مقدمهها االنتقال من مبدأ سمو المؤسسة الملكية إلى مبدأ سمو الدستور‪ ،‬فهذا‬
‫المبدأ تمت اإلشارة إليه في الخطاب التاريخي لتاسع مارس ضمن المرتكزات السبعة التي‬
‫اعتمدت في صياغة الدستور‪ ،‬وتجسد بشكل قوي من خالل تشديد الدستور الجديد على كون‬
‫صالحيات الملك كأميرللمؤمنين مقيدة بما هومنصوص عليه في الدستور‪ ،‬كما وقع التأكيد على‬
‫هذا المبدأ في خطاب العرش (‪ )31‬يوليوز ‪ )2199‬عندما تما الحديث عن المرتكزات الثالثة‬
‫للتفعيل مقتضيات الدستور الجديد‪ ،‬ومن بينها تكريس مبدأ‪ ،‬الدستور سمو من خالل اعتبار‬
‫أية ممارسة تهدف إلى إفراغ الدستور الجديد من داللته الديمقراطية بمثابة خرق لمنطوق‬
‫الدستور الجديد وروحه ‪,232‬إضافة إلى هذه االختصاصات التي يمارسها الملك في إطار الفصل‬
‫‪ 49‬و‪ ،42‬تضمن الدستورالجديد مجموعة من الصالحيات التي يمارسها الملك سواء في الحاالت‬
‫االعتيادية أو االستثنائية‪.‬‬

‫‪ -9‬اختصاصات الملك في الحاالت االعتيادية‪.‬‬

‫تشمل هذه االختصاصات الصالحيات التي منحها التعديل الدستوري الجديد للملك في‬
‫عالقته بالسلطة التنفيذية ثم التشريعية والقضائية‪.‬‬

‫‪230‬ينص الفصل ‪ 82‬من دستور ‪ 5122‬على مايلي‪ ::‬الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة و الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية‪ .‬يرأس الملك أمير المؤمنين‬
‫املجلس العلمي األعلى الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه ‪ .‬ويعتبر املجلس الجهة الوحيدة المؤهلة إلصدار الفتاوى المعتمدة رسميا بشان المسائل‬
‫املحالة عليه استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين اإلسالمي الحنيف ومقاصده السمحة ‪.‬تحدد اختصاصات املجلس وتأليفه وكيفية سيره بظهير‪ .‬يمارس الملك‬
‫الصالحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين واملخولة له حصريا بمقتض ى هذا الفصل بواسطة ظهائر‪.‬‬
‫‪231‬ينص الفصل ‪ 85‬من دستور ‪ 5122‬على ما يلي‪:‬‬
‫الملك رئيس الدولة وممثلها األسمى ورمز وحدة األمة وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم األسمى بين مؤسساتها يسهر على احترام الدستور‪ ،‬وحسن سير‬
‫المؤسسات الدستورية وعلى صيانة االختيار الديمقراطي ‪ ،‬وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات ‪ ،‬وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة‪.‬‬
‫الملك هو ضامن استقالل البالد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة‪ .‬يمارس الملك هذه المهام بمقتض ى ظهائر ‪ ،‬من خالل السلطات املخولة له صراحة‬
‫بنص الدستور‪.‬‬
‫‪ 232‬محمد ضريف ‪ ،‬من مبدأ سمو المؤسسة الملكية إلى مبدأ سمو الدستور‪ ،‬جريدة المساء العدد ‪ .5/4/5122 .25-25‬ص ‪. 8‬‬

‫‪P 140‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪-‬اختصاصات الملك في مجال السلطة التنفيذية‬

‫وفقا للتعديل الدستوري الجديد أصبح الملك بمقتض ى الفصل ‪ 23341‬مجبر على تعيين‬
‫رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب‪ ،‬وعلى أساس النتائج‬
‫المترتبة عنها ‪ ،‬على خالف الفصل ‪234 24‬من دستور ‪ 93‬شتنبر ‪ ، 9110‬الذي يعطي للملك سلطة‬
‫تقديرية في تعيين الوزير األول من داخل أو خارج البرلمان ‪ ،‬كما حدث عند تعيين إدريس جطوا‬
‫كوزيرأول تكنوقراطي من خارج البرلمان سنة ‪.2112‬‬

‫ويعتبر الفصل ‪ 41‬من أهم المستجدات التي أتى بها التعديل الدستوري الجديد‪ ،‬حيث‬
‫تم بموجبه دسترة املجلس الحكومي وترقية‪ ،‬الوزيراألول إلى مستوى رئيس للحكومة ‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى تكريس المسؤولية التضامنية للحكومة من خالل ربط استقالة الحكومة بإعفاء الحكومة‬
‫بكاملها ‪ ،‬فالمقتضيات التي جاء بها هذ ا الفصل في حال تفعيلها سوف تؤدي إلى تقوية مكانة‬
‫الحكومة ‪ ،‬وإضفاء الطابع البرلماني على النظام السياس ي المغربي من خالل انبثاق الحكومة‬
‫عن البرلمان ‪ ،‬وقد حافظ الملك بمقتض ى الفصل ‪ 41‬على رئاسته للمجلس الوزاري‪ ،‬الذي‬
‫يتألف من رئيس الحكومة والوزراء ‪ ،‬وتمر عبره أهم المواضيع الخاصة بالسياسات العامة‬
‫الخاصة بشؤون البالد كما حددها الفصل ‪ 41‬غير أن الجديد الذي أتى به هذا الفصل أي‬
‫الفصل ‪ 41‬هو إمكانية تفويض الملك رئاسة املجلس الوزاري للرئيس الحكومة ‪ ،‬بناءا على‬
‫جدول أعمال محدد‬

‫يمارس الملك كذلك طبقا للفصل ‪ 42‬السلطة التنظيمية بمقتض ى ظهائر موقع عليها‬
‫بالعطف من طرف رئيس الحكومة ما عدا المقتضيات المتعلقة بالفصول التالية (‪-41-44-49‬‬
‫‪ 235)914 -931-11-11-19‬ويتعلق األمر بممارسة الصالحيات الدينية (ف‪ ، 49‬وتعيين‪ ،‬عشر‬
‫شخصيات من مجلس الوصاية فقرة الثانية ف (‪ ، )44‬وتعيين رئيس الحكومة (ف ‪ ، )41‬وحل‬
‫البرلمان (ف‪ ، )19‬والمو افقة على تعيين القضاة بظهير (ف ‪ ،11‬واإلعالن عن حالة االستثناء‬

‫‪233‬تنص الفقرة الثانية من الفصل ‪ 81‬من دستور ‪ 5122‬على ما يلي‪:‬‬


‫العين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياس ي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها ‪ .‬ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها‬
‫‪234‬للملك بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة ‪ ،‬أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم‪ : .‬ينص الفصل ‪ 58‬من دستور ‪ 25‬شتنبر ‪2112‬‬
‫على ما يلي‪ :‬العين الملك الوزير األول ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير األول‪ .‬وله أن يعفيهم من مهامهم ويعفى الحكومة بمبادرة منه أو بناءا على‬
‫استقالتها " ‪.‬‬
‫‪235‬للمزيد من االطالع أنضر الفصل ‪ 33‬من دستور ‪.5122‬‬

‫‪P 141‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫(ف‪ ، )11‬وتعيين ستة أعضاء من املحكمة الدستورية إضافة إلى رئيسها ف (‪ ، )931‬ثم اقتراح‬
‫وعرض مشروع الدستورعلى االستفتاء (ف‪.)914‬‬

‫وأصبح الملك في إطارالتعديل الجديد يعين في الوظائف المدنية‪ ،‬بناءا على اقتراح رئيس‬
‫الحكومة وبمبادرة من الوزير الذي تتعلق الوظيفة بقطاعه‪ ،‬كما تنص على ذلك الفقرة األخيرة‬
‫من الفصل ‪ .41‬بينما احتفظ الملك بحق التعيين في الوظائف العسكرية دون تدخل رئيس‬
‫الحكومة‪ ،‬باعتباره القائد األعلى للقوات الملكية المسلحة‪ ،‬كما ينص على ذلك الفصل ‪، 13‬‬
‫ورئاسته للمجلس األعلى لألمن الذي تما التنصيص على إحداثه في الفصل ‪.14‬‬

‫ويمارس الملك تبعا للفصل ‪ 11‬من الدستور الجديد السلطة الدبلوماسية ‪ ،‬من خالل‬
‫اعتماد السفراء لديه ولدى الدول األجنبية‪ ،‬والتوقيع والمصادقة على المعاهدات الدولية‬
‫حيث أورد هذا الفصل عدة أنواع من المعاهدات التي أصبحت تتطلب المصادقة عليها من‬
‫طرف الملك المو افقة المسبقة عليها من طرف البرلمان بواسطة قانون مثل معاهدات السلم‬
‫واألمن ورسم الحدود‪ ...‬وهذا يختلف عن المقتضيات التي وردت في الفصل ‪ 39‬من دستور‬
‫‪ ،9110‬والتي حضرت نوع المعاهدات التي تتطلب مو افقة البرلمان قبل المصادقة عليها من‬
‫طرف الملك‪ ،‬في المعاهدات واالتفاقيات التي تلزم مالية الدولة‪.‬‬

‫اختصاصات الملك في مجال السلطة التشريعية (البرلمان)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الزال الملك في إطار الدستور الجديد يمارس العديد من االختصاصات‪ ،‬تضمنها له‬
‫مجموعة من األليات والصالحيات من بينها‪:‬‬

‫‪ -‬استمرار الملك في افتتاح دورات البرلمان بواسطة خطاب وال يمكن أن يكون هذا الخطاب‬
‫محل أي نقاش داخلهما أي داخل مجلس النواب ومجلس المستشارين‪ ،‬كما ينص على ذلك‬
‫الفصل ‪ 12‬من الدستورالجديد على خالف الفصل ‪ 1‬من دستور‪ 9110‬الذي ينص على أن‬
‫الملك يخاطب األمة والبرلمان وال يمكن أن يكون مضمونه محط أي نقاش فالفصل ‪12‬‬
‫حد من الخطابات الملكية بما يعني أن هذه الخطابات أصبحت موضوعا للنقاش خارج‬

‫‪P 142‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫البرلمان مع التعديل الجديد حيث أضيفت عبارة (داخلهما) لتصبح الصيغة الحالية هي‬
‫"وال يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما‪."236‬‬

‫‪ -‬من حق الملك من قراءة جديدة ألي مشروع أو اقتراح قانون سبقت المصادقة عليه أمام‬
‫املجلس النواب أومجلس المستشارين‪ ،‬وال يمكن أن ترفض هذه القراءة الجديدة كما ينص‬
‫على ذلك الفصل ‪ 11‬من دستور‪2199‬‬

‫‪ -‬احتفظ الملك بوحده حل مجلس ي البرلمان أو أحدهما بموجب الفصل ‪ 23710‬طبقا‬


‫للشروط المبينة في الفصول ‪ 11‬و ‪ 11‬وذلك بعد إخباره للرئيس الحكومة ورئيس كل من‬
‫رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين بقرارالحل الذي يتخذه الملك بعد توجيه‬
‫خطاب إلى األمة لإلشارة فقد أصبح رئيس الحكومة في إطار اإلصالح الدستوري الجديد‪،‬‬
‫يشترك مع الملك في إمكانية حله للمجلس النواب ‪ ،‬دون إمكانية ذلك على مستوى مجلس‬
‫وبهذا اإلجراء أصبح البرلمان وهو‬ ‫‪238.914‬‬ ‫المستشارين كما ينص على ذلك الفصل‬
‫المؤسسة التي أوكلت إليها السلطة التشريعية معرض في أية لحظة للقرار الحل سواء من‬
‫طرف الملك أو رئيس الحكومة ‪ ،‬مما سيجعل المؤسسة التشريعية رهينة بالسلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬التي بإمكانها في أية لحظة الضغط على البرلمان ‪ ،‬وتعطيل عمله في حالة ما إذا‬
‫خالف التوجهات العامة ‪ ،‬وهو ما سيؤدي إلى غياب استقاللية المؤسسة التشريعية‪.239‬‬

‫‪ -‬يختص الملك كذلك بحقه في طرح مشروع أو اقتراح قانون على االستفتاء‪ ،‬من أجل‬
‫المو افقة عليه من طرف الشعب‪ ،‬وقد يتعلق األمر باستفتاء دستوري أو سياس ي‪ ،‬حيث تصبح‬
‫المراجعة نهائية بعد إقرارها باالستفتاء ف (‪ .)914‬باإلضافة إلى حقه في إصدار األمر بتنفيذ‬
‫القانون خالل الثالثين يوما الموالية إلحالته على الحكومة ‪ ،‬حيث ينشرفي الجريدة الرسمية في‬
‫أجل أقصاه ال يتعدى شهرا ابتداءا من تاريخ إصداره من طرف الملك (‪.)11‬‬

‫‪ -‬اختصاصات الملك في عالقته بالسلطة القضائية (القضاء)‪.‬‬

‫‪236‬محمد عابد الجباري ‪،‬الديمقراطية في المغرب من التاجيل الى التزوير ‪،‬تنديد بالحكم الفردي واالنتصار للديمقراطية ‪،‬مواقف(سلسلة كتب شهرية العدد‬
‫الرابع )ملفات الذاكرة السياسية الدار البيضاء دار النشر المغربية ‪،‬ص ‪. 255‬‬
‫‪237‬تنص الفصل ‪ 12‬من دستور ‪ 5122‬على ما يلي‪ :‬اللملك بعد استشارة رئيس املحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس‬
‫المستشارين‪ ،‬أن يحل بظهير املجلسين معا أو أحدهما يقع الحى بعد خطاب يوجهه الملك إلى االمة"‪.‬‬
‫‪238‬اينص الفصل ‪ 218‬من نستور ‪ 5122‬على ما يلي‪ :‬المكن للرئيس الحكومة حل مجلس النواب بعد استشارة الملك ورئيس املجلس ورئيس املحكمة الدستورية‬
‫بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري يقدم رئيس الحكومة تصريحا يتضمن بصفة خاصة دوافع قرار الحل وأهدافه ‪." .‬‬
‫‪239‬محمد الحضيري ملف تحت عنوان مطالب ال تجدونها في الدستور ‪ ،‬مجلة أو ل المساء االسبوعية العدد ‪ 51 .53‬يوليوز ‪، 5122‬ص ‪. 52‬‬

‫‪P 143‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫اعتبر الفقه اإلسالمي القضاء من وظائف اإلمامة ‪ ،‬فقد جعل الفقيه اإلسالمي أبو‬
‫الحسن الماوردي القضاء من وظائف اإلمامة وحددها في عشر صالحيات بدون أن يميز فيها بين‬
‫ما هو ديني أو سياس ي‪ 240‬فيما اعتبر الفقيه اإلسالمي المعاصر عبد الرزاق أحمد السنهوري‬
‫القضاء من الصالحيات السياسية لألمير أو الخليفة التي يستطيع من خاللها في نضام الخالفة‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬أن يدير ويباشر القضاء بنفسه مع إمكانية تفويض مزاولهها إلى الوزراء والوالة‪،‬‬
‫مستدال بتولي الرسول صلى الله وعليه وسلم مهمة القضاء بنفسه ‪ ،‬ثم الخلفاء الراشدين من‬
‫بعده ‪ ،‬الذين اضطروا للتعيين قضاة يتولون شؤون القضاء أمام تزايد حجم المسؤوليات‬
‫المهمة التي زادت أعباؤها‪241‬‬

‫وقد التزم الخلفاء بمبدأ استقالل القضاء ‪ ،‬حيث روي عن الخليفة عمر ابن الخطاب‬
‫رض ي الله عنه ‪ ،‬أنه رفض أن يلغي حكما أصدره قاضيه أبو الدرداء‪ ،‬على الرغم أنه كان مخالفا‬
‫لرأيه في تلك الحالة ‪ ،‬كما الترم الخلفاء كذلك بمبدأ المساواة أمام القضاء ‪ ،‬وعدم وجود أية‬
‫حصانة قضائية للخليفة ‪ ،‬ومثال ذلك أن الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رض ي الله عنه‪،‬‬
‫وقف إلى جانب خصمه الذي اشتكاه إلى القضاء ‪ ،‬وكان المدعي فردا عاديا من اهل الذمة‪.242‬‬

‫ويمارس الملك في إطار الدستور الحالي العديد من الصالحيات التي تدخل في مجال‬
‫القضاء‪ ،‬باعتباره أميرا للمؤمنين ويتحدث الدستورالجديد عن القضاء باعتباره سلطة قضائية‬
‫مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية الفصل ‪ ،911‬حيث أنهت الوثيقة الدستورية‬
‫وصاية وزارة العدل على "املجلس األعلى للقضاء " الذي تحول إلى املجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية ‪ ،‬و هذه االستقاللية ال تهم الملك الذي يمارس العديد من الصالحيات من أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬رئاسته للمجلس األعلى للسلطة القضائية كما ينص على ذلك الفصل (‪ )991‬من دستور‬
‫‪ .2199‬وقد أصبح املجلس األعلى للسلطة القضائية يتكون حسب نفس الفصل من الرئيس‬
‫األول للمحكمة النقض كرئيس منتدب‪ ،‬والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‪ ،‬وأربعة‬
‫ممثلين لقضاة محاكم االستئناف ‪ ،‬ينتخبهم القضاة فيما بينهم‪ ،‬وستة ممثلين للقضاة‬
‫محاكم أول درجة ‪ ،‬ينتخبهم القضاة فيما بينهم ‪،‬كما نص الدستور الجديد على وجوب‬
‫حضورتمثيلية النساء القاضيات داخل تركيبة املجلس بما يتناسب مع حضورهم في سلك‬

‫‪240‬محمد الماوردي ‪ ،‬األحكام السلطانية بيروت دار الكتب العلمية الطبعة ‪ ،5112 ، 5‬ص ‪. 54‬‬
‫‪241‬عبد الرزاق أحمد السنهوري فقه الخالفة ونطورها لتصبح عصبة امم شرقية القاهرة الهيئة المصرية العامة الكتاب الطبعة الثانية ‪ .2115‬الصفحة ‪.212‬‬
‫‪242‬عبد الرزاق أحمد السنهوري فقه الخالفة ونطورها لتصبح عصبة امم شرقية ‪ .‬نفس المرجع ص ‪.215‬‬

‫‪P 144‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫القضاء باإلضافة إلى حضور أشخاص من خارج سلك القضاء عن "مؤسسة الوسيط"‬
‫و"املجلس الوطني للحقوق اإلنسان ‪ ،‬باالضافة إلى ست شخصيات يعينهم الملك مشهود‬
‫لهم بالكفاءة التجرد والعطاء المتميزفي مجال استقالل القضاء وسيادة القانون من بينهم‬
‫عضوا يقترحه األمين العام للمجلس العلمي األعلى (ف‪.)991‬‬

‫ويتضح من التركيبة الجديدة للمجلس األعلى للسلطة القضائية ‪ ،‬خلو الفصل ‪ 991‬من‬
‫أي تنصيص على حضوروزيرالعدل في تركيبة املجلس ‪ ،‬على خالف الفصل ‪ 10‬من دستور‪9110‬‬
‫الذي كان يسمح بحضور وزير العدل في املجلس األعلى للقضاء بصفته نائبا للرئيس وهذا من‬
‫شأنه يحد من وصاية وزارة العدل جهازالقضاء‪.‬‬

‫‪ -‬يتم إصداراألحكام وتنفيذها باسم الملك‪ ،‬كما ينص على ذلك الفصل ‪ ،924‬وتمت إضافة‬
‫عبارة ‪ :‬طبقا للقانون"‪ ،‬مما يعني أن األحكام والقرارات التي تصدرها املحاكم تبقى غير‬
‫شرعية إذا لم تتم في إطار القانون‪ .‬كما احتفظ الملك كذلك بحقه في ممارسة العفو‬
‫(الفصل ‪.)11‬‬

‫أما فيما يتعلق بالقضاء الدستوري ‪ ،‬فقد نص الدستور الجديد على إحداث محكمة‬
‫دستورية تحل محل املجلس الدستوري (الفصل ‪ ، )921‬حيث يضمن الدستور للملك الحق في‬
‫تعيين رئيس املحكمة الدستورية من بين األعضاء الذين تتألف منهم‪ ،‬باإلضافة إلى تعيين ستة‬
‫أعضاء من األعضاء االثن ى عشر الذين تتألف منهم املحكمة‪ ،‬ومن بينهم عضو يقترحه األمين‬
‫العام للمجلس العلمي األعلى (الفصل ‪.)931‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اختصاصات الملك في الحاالت االستثنائية‪.‬‬

‫تخول الدساتير عادة‪ ،‬للرئيس الدولة سلطات واسعة للكي يتمكن من مواجهة األوضاع‬
‫غير العادية التي قد تعرض سالمة وأمن الدولة للخطر‪ ،‬وذلك خالل مرور الدولة بظروف غير‬
‫عادية أهمها حالة االستثناء وحالة الحصار وحالة الحرب‪ . 243‬وقد عمل المشرع الدستوري‬
‫المغربي شانه شان باقي الدساتير على تنظيم كيفية التعامل مع األوضاع غير العادية‪ ،‬وذلك‬
‫بتكريسه للحالة االستثناء وحالة الحصاروإشهارالحرب‪.‬‬

‫‪243‬حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ‪ :‬المفاهيم األساسية والنظم السياسية ‪ .‬الدار البيضاء ‪،‬دار النشر المغربية ‪،‬الطبعة الرابعة‬
‫‪ 5115‬ص ‪.215‬‬

‫‪P 145‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -9‬حالة االستثناء‬

‫خص دستور ‪ 2199‬شأنه شأن باقي الدساتير المغربية الملك بحقه في اإلعالن عن حالة‬
‫االستثناء بعد استشارة رئيس الحكومة‪ ،‬ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين‪ ،‬ثم‬
‫رئيس املحكمة الدستورية وتوجيه خطاب إلى األمة (ف‪، 244)11‬وتضمن الفصل ‪ 11‬توفر أحد‬
‫الشرطين لإلعالن عن حالة االستثناء إما تهديد حوزة التراب الوطني ‪ ،‬أو وقوع أحداث تعرقل‬
‫السير العادي للمؤسسات الدستورية ‪ ،‬باإلضافة إلى شروط شكلية تتمثل في استشارة رئيس‬
‫الحكومة ‪ ،‬ورئيسا مجلس ي البرلمان ورئيس املحكمة الدستورية ثم توجيه خطاب إلى األمة ‪.‬‬

‫وقد أصبح رئيس الحكومة يستشار في حالة ما إذا أراد الملك إعمال مقتضيات هذا‬
‫الفصل على خالف الفصل ‪245 31‬من دستور‪ 9110‬الذي يستثني الوزيراألول من هذه االستشارة‬
‫‪ ،‬باإلضافة إلى حذف عبارة "ما من شأنه التي وردت في الفصل ‪ 31‬والتي تم بموجبها إعطاء سلطة‬
‫تقديرية واسعة في اللجوء لحالة االستثناء ‪ ،‬و ابقى الفصل ‪ 11‬على ما جاء به الفصل ‪ 31‬من‬
‫دستور ‪ 9110‬حيث أن البرلمان يبقى قائما وجوبا في حالة اإلعالن عن حالة االستثناء إال أن‬
‫الفصل ‪ 11‬أعطى أهمية لمسالة الحقوق والحريات من خالل التنصب على أنها تبقى مضمونة‬
‫عند لجوء الملك إلى إعمال هذه الحالة‪.‬‬

‫وقد سبق للمغرب أن عاش حالة االستثناء ما بين (‪ ، )9111-9101‬حيث توقف العمل‬
‫بأحكام التستور في ظروف لم يحصل اإلجماع على دستوريهها حيث لقيت اعتراضا من طرف‬
‫بعض القرى السياسية مثل حزب االستقالل واالتحاد الوطني للقوات الشعبية وجزء‬
‫واالستقالل ‪.246‬‬

‫‪244‬تنص الفقرة األولى من الفصل ‪ 31‬من دستور ‪ 5122‬على ما يلي ‪ :‬إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من األحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات‬
‫الدستورية ‪ ،‬يمكن لله أن يعلن عن حالة االستثناء بظهير بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ‪ ،‬ورئيس مجلس النواب ‪ ،‬ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس‬
‫المستشارين ورئيس املحكمة الدستورية ‪ ،‬وتوجيه خطاب إلى األمة‪...‬‬
‫‪245‬ينص الفصل ‪ 53‬من دستور ‪ 25‬شتنبر ‪ 2112‬على ما يلي‪ :‬ال كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من األحداث ما من شأنه أن يمس بسير المؤسسات‬
‫الدستورية يمكن للملك أن يعلن عن حالة االستثناء بظهير شريف بعد استشارة رئيس مجلس البرلمان ‪ ،‬ورئيس املجلس الدستوري وتوجيه خطاب إلى األمة ‪،‬‬
‫ويخول بذلك على الرغم من جميع النصوص املخالفة صالحيات اتخاذ جميع اإلجراءات التي يفرضها الدفاع عن حوزة الوطن ويقتضبها رجوع المؤسسات‬
‫الدستورية إلى سيرها العادي ‪ ،‬أو يتطلبها تسيير شؤون الدولة‪.‬‬
‫‪246‬محمد مالكي القانون الدستوري والمؤسسات السياسية م س ‪ ،‬ص ‪. 522‬‬

‫‪P 146‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -2‬حالة الحصار‬

‫يقصد بحالة الحصارفرض إجراءات عسكرية على منطقة أو جل مناطق البالد حيث يتم‬
‫توسيع صالحيات السلطة العسكرية في مناطق الحصار من أجل السيطرة على الموقف‬
‫واستتباب األمن‪: 247‬‬

‫وقد نص الفصل ‪ 14248‬من دستور ‪ 2199‬على حق الملك في اإلعالن عن حالة الحصار‬


‫ً‬
‫لمدة ال تجاوز ‪ 31‬يوما بواسطة ظهير موقع بالعطف من طرف رئيس الحكومة حيث ال يمكن‬
‫تعديد مدتها إال بواسطة قانون فقد أصبح اإلعالن عن هذه الحالة يتطلب توقيع رئيس‬
‫الحكومة ‪ ،‬على خالف الفصل ‪ 91‬من دستور‪ 9110‬الذي خول للملك اإلعالن عنها بدون اشتراط‬
‫التوقيع بالعطف من طرف الوزيراألول وقد سبق الملك الحسن الثاني أن كان قريبا من اإلعالن‬
‫عن حالة الحصارحين لوح في خطابه إلى األمة بتاريخ (‪ )9119-3-9‬إلى مكاتبة اللجوء إلى الفصل‬
‫‪249 41‬السيطرة على أي انفالت أمني وذلك بقوله "‪ ..‬أما من ناحية األمن فقد قررنا إذا وقع ولو‬
‫إشارة واحدة أن نعلن حالة الحصارالتي يخولها القانون والدستور‪"250‬‬

‫‪ -3‬اشهار الحرب‬

‫كان الفصل ‪ 19‬من الدستور‪ 9102‬يشترط مو افقة البرلمان على قرارإشهارالحرب الذي‬
‫يتخذه الملك سواء كانت هذه الحرب دفاعية أوهجومية ‪ ،‬إال أن الدساتيرالالحقة ‪ ،‬ومنها دستور‬
‫‪ 9110‬أكدت على أن إشهار الحرب من طرف الملك ال يتطلب المو افقة القبلية من طرف‬
‫البرلمان بل فقط إخباره‪ ،‬وقد الفصل ‪ 11‬من الدستور الجديد نفس اإلجراء المعمول به في‬
‫دستور ‪ .9110‬فالملك في إطار الدستور الحالي يتخذ قرار إشهار الحرب بعد التداول بشأنه في‬
‫املجلس الوزاري وبعد إخبارالبرلمان ‪.‬‬

‫‪247‬حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المفاهيم األساسية والنظم السياسية مرجع س الصفحة ‪. 218‬‬
‫‪248‬ينص الفصل ‪ 18‬من الدستور ‪ 5122‬على ما يلي ‪ :‬يمكن اإلعالن لمدة ثالثين يوما عن حالة الحصار بمقتض ى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة وال يمكن‬
‫تمديد هذا األجل إال بقانون " ‪.‬‬
‫‪249‬نص الفصل ‪ 81‬من مستور ‪ 23‬شتنبر ‪ 2112‬على ما يلي ‪" :‬يمكن اإلعالن عن حالة الحصار لمدة ثالثين يوما بمقتض ى ظهير شريف وال يمكن تمديد أجل‬
‫الثالثين يوما إال بقانون "‪.‬‬
‫‪250‬حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية والمفاهيم األساسية والنظم السياسية م‪.‬س‪.070‬‬

‫‪P 144‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫املحورالثالث ‪ :‬حصيلة السلطة التشريعية و التنفيدية في دستور‪. 2199‬‬

‫اوال ‪ :‬السلطة التشريعية‬

‫من المرتكزات التي راهن عليها المشرع الدستوري المغربي في اإلصالحات الدستورية‬
‫األخيرة انبثاق برلمان عن انتخابات حرة ونزيهة يتبوأ فيها البرلمان مكان الصدارة مع توسيع‬
‫مجال القانون ليشمل اختصاصات جديدة تكفل له النهوض بمهامه الثمتيلية التشريعية‬
‫والرقابية ‪ ،‬فما ‪ ،‬أهم المستجدات هي التي أتى بها الدستور الجديد فيما يخص صالحيات‬
‫وتنظيم السلطة التشريعية (البرلمان) ؟‪.‬‬

‫‪ -9‬تنظيم البرلمان‪.‬‬

‫عمل المغرب في أول دستورله بتاريخ ‪ 94‬دجنبر ‪ 9102‬بنظام الثنائية املجلسية ثم لجا في‬
‫المراجعات الدستورية لسنة ‪ 9111‬و ‪ 9112‬و ‪ 9112‬إلى إلغاء مجلس المستشارين ‪ ،‬و العمل‬
‫باملجلس الواحد إال أن دستور ‪ 9110‬أعاد من جديد تجربة الثنائية املجلسية التي شهدها‬
‫المغرب مع دستور‪.9102‬‬

‫وقد شهدت الحياة السياسية المغربية أراء متضاربة حول مدى نجاعة كل من نضام‬
‫الثنائية املجلسية واألحادية املجلسية في تقوية نظام المؤسسة البرلمانية في المغرب؟ فهناك‬
‫خطاب يدعوا إلى العودة النهائية إلى نظام األحادية املجلسية ‪ ،251‬وخطاب آخريدعوا إلى التشبث‬
‫بنظام الثنائية املجلسية ‪ ،‬ويبرر أصحاب خطاب األحادية موقفهم بأن انتخابات الغرفة الثانية‬
‫كانت دائما محط انتقاد من طرف الطبقة السياسية ‪ ،‬إضافة إلى أن الغرفة الثانية منحت‬
‫اختصاصات رقابية تصل إلى حد إسقاط الحكومة ‪ ،‬مما يجعلها متساوية مع مجلس النواب‬
‫المنتخب باالقتراع العام المباشرلهذا‪ ،‬فتمثيلية القوى المنتجة‬

‫‪251‬حسين مشدود أي مخرج للمجلس المستشارين بين المطالبين بحذفه والدعوة إلى استمراره ‪ ،‬مجلة دراسات ووقائع دستورية‬
‫وسياسية ‪ ،‬العدد ‪ 2‬مارس ‪ 0112‬ص ‪.002‬‬

‫‪P 142‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫للثروة حسب رأيهم يجب أن تتم داخل املجلس االقتصادي واالجتماعي ‪ .252‬أما أصحاب‬
‫الخطاب الداعي إلى اإلبقاء على نضام الثنائية املجلسية ‪ ،‬فيبررون ذلك بكون الغرفة الثانية‬
‫تتميز بخصوصية بنيهها التمثيلية ومحدودية سلطاتها الرقابية التي يؤكدها الفصل ‪ 11‬من‬
‫دستور ‪ 9110‬حينما اشترط تصويت أغلبية ثلثي األعضاء في مجلس المستشارين لتمريرملتمس‬
‫الرقابة مما سيجعل إسقاط الحكومة مهمة شبه مستحيل ‪،‬إن هذا التباين في موقف األحزاب‬
‫السياسية بين من يدعوا إلى حذف الغرفة الثانية وبين من يدعوا إلى بقائها ‪ ،‬يعبرعن صراع خفي‬
‫بين األحزاب حول توسيع دائرة تمثيليهها الفشل بعض األحزاب في التغلغل داخل بعض المناطق‬
‫والقطاعات اإلنتاجية يوازيه نجاح البعض في اختر اقها‪.‬‬

‫وقد تما االحتفاظ في إطار دستور الجديد بنظام الثنائية املجلسية ‪ ،‬الذي كرسه دستور‬
‫‪ 9110‬حيث نص الفصل ‪ 01‬من الدستور الجديد على أن البرلمان يتكون من مجلسين هما‬
‫مجلس النواب ومجلس المستشارين وعلى الرغم من أن الدستور المراجع لعام ‪ 2199‬لم‬
‫يستجيب للمطالب إلغاء الغرفة الثانية فقد قوى موقع مجلس النواب على حساب مجلس‬
‫المستشارين من خالل تنصيصه على مجموعة من المقتضيات من بينها‪:‬‬

‫‪ ‬تقديم ملتمس الرقابة فقط من طرف خمس مجلس النواب يؤدي في حالة التصويت‬
‫عليه إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية (الفصل (‪.)911‬‬

‫‪ ‬التصويت على البرنامج الحكومي باألغلبية المطلقة ألعضاء مجلس النواب دون أعضاء‬
‫مجلس المستشارين (الفصل ‪.)11‬‬

‫‪ ‬إبداع قانون المالية باألسبقية لدى مجلس النواب (الفصل ‪.)11‬‬

‫‪ ‬التصريح بمنح الثقة من طرف األغلبية المطلقة بمجلس النواب بشأن تصريح يدلي به‬
‫رئیس الحكومة في موضوع السياسة العامة (الفصل (‪.)913‬‬

‫‪ ‬منح مجلس المستشارين حق تقديم ملتمس المساءلة للحكومة فقط دون القدرة على‬
‫إثارة ‪ 10‬مسؤوليهها الفصل (‪)910‬‬

‫‪252‬حسين مشدود أي مخرج للمجلس المستشارين بين المطالبين بحذفه والدعوة إلى استمراره ‪ ،‬م‪.‬س ‪،‬ص ‪.002‬‬

‫‪P 147‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ ‬طلب عقد دورة استثنائية بواسطة ثلث أعضاء مجلس النواب‪ ،‬وبأغلبية أعضاء مجلس‬
‫المستشارين (الفصل (‪)00‬‬

‫ويمكن القول‪ .‬مع هذه التعديالت الجديدة أن المغرب انتقل من نظام املجلس المتكافئ‬
‫إلى نظام املجلس غيرالمتكافئ الذي يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة بالمقارنة مع الغرفة‬
‫الثانية التي تراجعت مكانهها التمثيلية والرقابية‪.253‬‬

‫وبتكريس دستور ‪ 2199‬لنظام الثنائية املجلسية غير المتكافئة ‪ ،‬يكون قد قطع الطريق‬
‫على بعض الهيئات السياسية والحقوقية التي ‪ ،‬التي كانت تطالب بإلغاء الغرفة الثانية واإلبقاء‬
‫على مجلس النواب ‪ ،‬وكمثال على ذلك ما اقترحه حزب الطليعة الديمقراطي االشتراكي‪ ،‬على‬
‫اللجنة االستشارية للمراجعة الدستور‪ ،‬بإلغاء مجلس المستشارين ‪ ،‬مبررا موقفه بأن‬
‫الصالحيات التي أعطيت له في ظل دستور ‪ 9110‬تكاد تكون متطابقة تماما مع االختصاصات‬
‫الممنوحة للمجلس النواب ‪ ،‬باإلضافة إلى عرقلته للعمل التشريعي وارتفاع حجم الميزانيات‬
‫التي تصرف فيه بدون فائدة‪ .254‬وذهبت جمعية هيئة املحامين بالمغرب في نفس االتجاه حينما‬
‫طالبت في مقترحاتها رعة إلى اللجنة االستشارية بإعادة النضرفي نظام الغرفتين ‪.255‬‬

‫ووفقا للفصل ‪ 02‬من الدستور الجديد‪ ،‬فإن مجلس النواب ينتخب باالقتراع العام‬
‫والمباشر لمدة خمس سنوات‪ ،‬وقد ترك هذا الفصل مهمة تحديد عدد أعضاء مجلس النواب‬
‫للقانون التنظيمي‪ .‬أما مجلس المستشارين فقد نص الفصل ‪ 03‬على انتخابه باالقتراع العام‬
‫غيرالمباشر‪ ،‬وحدد عدد أعضائه في نسبة ال نقل عن ‪ 11‬عضوا وال تتجاوز‪ 921‬عضوا في انتظار‬
‫قانون تنظيمي يحسم في عدد أعضائه‪.‬‬

‫وقد تما في الفصل ‪ 04‬من دستور‪ 2199‬تقييد مجال الحصانة البرلمانية بالنسبة للنواب‬
‫بحيث أصبحت منحصرة فقط في التعبيرعن رأي النواب داخل البرلمان على خالف الفصل ‪31‬‬

‫‪ 253‬يتبين أن الدستور الجديد استجاب إلى حد ما إلى المقترحات التي قدمتها بعض األحزاب كحزب األصالة والمعاصرة الذي اقترح‬
‫أعضاء مجلس النواب مكانة أقوى من مجلس المستشارين وبالتالي العمل بانضمام المجلس غير المتكافئ ‪ .‬للمزيد من اإلطالع أنضر‬
‫المذكرة األولية المرفوعة إلى اللجنة االستشارية للمراجعة الدستور مجلة عدالة توست العد ‪ 01‬أبريل ‪ 0100‬الصفحة ‪ 22.‬وأنظر أيضا‬
‫مذكرة اإلصالحات الدستورية لألحزاب الكتلة الديمقراطية للسنة ‪ 0110‬بخصوص مجلس المستشارين منشورة بمجلة عدالة ع ‪ 00‬مايو‬
‫‪ 0100‬الصفحات ‪.20-20‬‬
‫‪254‬أنظ ر مقترحات حزب الطليعة الديمقراطي االشتراكي بخصوص اإلصالحات الدستورية المرفوعة إلى اللجنة االستشارية للمراجعة‬
‫الدستور مجلة عدالة العدد ‪ 01‬أبريل ‪ 0100‬الصفحة ‪.11‬‬
‫‪255‬أنظر المقترحات الخاصة بهيئة المحامين بالمغرب المتعلقة باإلصالحات الدستورية بمجلة عدالة عدد ‪ 00‬مايو ‪.0100‬‬

‫‪P 150‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫من دستور‪ 9110‬الذي يمنع متابعة النواب وإلقاء القبض عليهم ‪ ،‬في قضية جناية أو جنحة أثناء‬
‫دورات البرلمان وخارجها إال بإذن من رئيس املجلس الذي ينتمي إليه النائب‬

‫‪ -2‬اختصاصات السلطة التشريعية (البرلمان)‪.‬‬

‫يختص البرلمان شانه شان باقي البرلمانات في النظم السياسية المعاصرة بصالحيات تهم‬
‫مجال التشريع والمالية والدبلوماسية‪ ،‬ومر اقبة الحكومة‪ ،‬فما هي إذن المستجدات التي جاء‬
‫بها دستور‪ 2199‬فيما يخص هذه الصالحيات ؟‬

‫‪ -‬مجال التشريع‪.‬‬

‫عمل المغرب منذ دستور‪ ، 9102‬بقاعدة العقلنة البرلمانية مستوحيا تجربة العديد من‬
‫الدساتير المعاصرة ‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا في دستور الجمهورية الخامسة لسنة‬
‫‪ 2569111‬وتعني العقلنة البرلمانية حصراختصاصات البرلمان ‪ ،‬والسماح للحكومة بتولي الميام‬
‫األخرى الخارجة عن البرلمان وقد أخذت فرسا بهذه القاعدة بناءا على تراكمات ‪ ،‬في حين نجد‬
‫أن هذه التجربة في المغرب لم تكن ناتجة عن تراكمات ‪:257‬‬

‫وقد حدد الفصل ‪ 19‬من دستور ‪ ، 2199‬املجاالت التي يختص البرلمان بالتشريع فيها‬
‫بقوله ‪ :‬يختص القانون باالضافة إلى المواد المسندة إليه بفصول أخرى من الدستوربالتشريع‬
‫في الميادين التالية ‪:‬‬

‫‪ ‬الحقوق والحريات األساسية المنصوص عليها في الباب األول من هذا الدستور‬

‫‪ ‬نظام األسرة والحالة المدنية‬

‫‪ ‬مبادئ وقواعد المنظومة الصحية ‪.‬‬

‫وتبعا للمقتضيات التي جاء بها الدستورالجديد‪ ،‬فيما يخص صالحيات البرلمان في مجال‬
‫التشريع ‪ ،‬فانه تم توسيع مجال القانون لينتقل من ‪ 31‬اختصاص في دستور ‪ 9110‬إلى أكثر من‬

‫‪256‬محمد مالكي القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ .‬م‪,‬س‪،‬ص ‪.200‬‬


‫‪ 257‬محمد مالكي محاضرات في مادة القضاء الدستوري جامعة القاضي عياض‪ .‬كلية الحقوق بمراكش السنة الجامعية‪0110-0117 .‬‬
‫غير منشور ص ‪.02‬‬

‫‪P 151‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ 01‬في الدستور الحالي ‪ ،‬ورغم هذا التوسيع فإن أهم الصالحيات الميمة التي أضيفت للسلطة‬
‫التشريعية ‪ ،‬تتمثل في التقطيع االنتخابي والعفو العام واالتفاقيات الدولية‪258‬‬

‫وكرس الدستور الجديد شأنه شان باقي الدساتير المغربية‪ ،‬العديد من اإلجراءات التي‬
‫تحد من سلطة البرلمان في مجال التشريع ‪ ،‬حينما حول الفصل ‪ 19‬للحكومة التشريع في المواد‬
‫التي ال يشملها مجال القانون صراحة ‪.‬‬

‫إضافة إلى هذه المقتضيات التي جاء بها الفصل ‪ ، 19‬هناك تقنيتين تستطيع الحكومة‬
‫عبرهما‪ .‬ممارسة نفس االختصاصات التي يمارسها البرلمان األولى تتجسد في قانون اإلذن‬
‫المنصوص عليه في الفصل ‪ 11‬من الدستور ‪ ،‬وهو أن تقوم الحكومة بطلب اإلذن من البرلمان‬
‫من أجل إن يسمح لها لمدة محدودة وللغاية معينة بإصدار مراسيم يجري العمل بها بمجرد‬
‫نشرها ‪ ،‬على أن تعرض على البرلمان عدما ينتهي األجل الذي حدده قانون اإلذن إلصدارها‪ .‬أما‬
‫التقنية الثانية فينص عليها الفصل ‪ 19‬الذي يعطي للحكومة حق التشريع في الفترات الفاصلة‬
‫بين دورات البرلمان ‪ ،‬وباتفاق مع اللجان التي يعنيها األمر بواسطة مراسيم قانونية ‪ ،‬شريطة أن‬
‫تحال على بعد ذلك على البرلمان بقصد المصادقة عليها في دورته العادية الموالية ‪.‬‬

‫‪ -‬االختصاص المالي ‪.‬‬

‫تعد السلطة المالية من االختصاصات التقليدية للبرلمان في النظم السياسية المعاصرة‬


‫وقد ذهب النظام السياس ي المغربي في نفس االتجاه ‪ ،259‬حيث جعلت جل الدساتير المغربية‬
‫السلطة المالية مجال خاص بالبرلمان ومنها دستور‪ 93‬شتنبر‪ 9110‬الذي ينص على االختصاص‬
‫المالي للبرلمان في الفصل الخمسون ‪،‬وقد تطرق الفصل ‪ 11‬من الدستورالجديد إلى صالحيات‬
‫البرلمان في مجال المناقشة والتصويت على قانون المالية ‪ ،‬لكن نفس الفصل أورد العديد من‬
‫القيود التي تجعل سلطة البرلمان محدودة في هذا املجال ‪ ،‬حيث لم يسمح للبرلمان بالتصويت‬
‫على قانون المالية أكثرمن مرة واحدة فيما يخص ا اإلستراتيجية الطويلة األمد وخص الحكومة‬
‫وحدها بأحقية تعديل مشاريع القوانين الخاصة بهذه املخططات باإلضافة إلى إعطاء الضوء‬

‫‪258‬عبد العالي حامي الذين ‪ ،‬قدوة في موضوع الملكية البرلمانية في مشروع الدستور‪ ،‬منشورة بجريدة الصباح ‪ .‬العدد ‪ 2271‬بتاريخ‬
‫‪ 0100-0-01‬ص‪.0‬‬
‫‪259‬محمد مالكي القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق الذكر ‪،‬ص ‪.202‬‬

‫‪P 152‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫األخضر للحكومة للفتح االعتمادات الالزمة للسير المر افق العمومية ‪ ،‬في حالة تعذر مناقشة‬
‫والتصويت على قانون المالية بسبب إحالته على املحكمة الدستورية‬

‫‪ -‬مر اقبة الحكومة‪.‬‬

‫عرفت التجربة البرلمانية إمكانيتين لمر اقبة العمل الحكومي ومساءلته األولى تسمح‬
‫بمر اقبة أعمال الحكومة القدرة على إثارة مسؤوليهها ‪ ،‬والثانية تسمح بمر اقبة أعمالها دون‬
‫القدرة على إثارة مع مسؤوليهها ‪.260‬‬

‫فيما يخص التقنيات التي تؤدي إلى إثارة مسؤولية الحكومة فقد نص الفصل ‪ 911‬من‬
‫مجلس المستشارين على إجراءات من بينها تقديم‪ ،‬ملتمس الرقابة الذي يقوم به خمس أعضاء‬
‫مجلس النواب ‪ ،‬ويؤدي في حالة التصويت عليه باألغلبية المطلقة لهذا املجلس إلى استقالة‬
‫الحكومة استقالة جماعية وقد أصبح تقديم ملتمس الرقابة مع التعديل الجديد شأن خاص‬
‫بمجلس النواب دون مجلس المستشارين على خالف دستور ‪ ،9110‬الذي كان يخول ملجلس‬
‫المستشارين في الفصل ‪ 11‬الحق في تقديم ملتمس الرقابة وإسقاط الحكومة‪ .‬وهناك تقنية‬
‫أخرى تتعلق بسحب الثقة من الحكومة ‪ ،‬التي ينص عليها الفصل ‪ 913‬من دستور ‪ 2199‬التي‬
‫تخول للبرلمان التصويت بمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به رئيس الحكومة في موضوع يتعلق‬
‫بالسياسات العامة ‪،‬ففي حال رفض التصريح باألغلبية المطلقة يترتب على ذلك استقالة‬
‫الحكومة استقالة جماعية ‪.‬‬

‫وقد سبق للبرلمان المغربي أن لجأ إلى إعمال تقنية تقديم ملتمس الرقابة أكثر من مرة ‪،‬‬
‫كمثال على ذلك الملتمس الذي تقدم به الفريق االتحادي برئاسة السيد عبد اللطيف بن جلون‬
‫‪ ،‬بتاريخ ‪ 91‬يونيو ‪ 9104‬ضد الحكومة ‪ ،‬حيث ناقش هذا الملتمس عجز الحكومة عن إدارة‬
‫السيا سة العامة للبالد ‪ ،‬بعدما أصبحت األوضاع االقتصادية تنذر بوقوع العديد من‬
‫االضطرابات والمظاهرات الخطيرة كما وقع فيما بعد بالنسبة ألحداث الدار البيضاء في ‪ 23‬و‬
‫‪ 24‬مارس ‪ 2619101‬باإلضافة إلى الملتمس الذي تقدمت به أحزاب المعارضة في شهرمايو ‪9111‬‬

‫‪260‬كولفرني محمد منهجية اإلصالح الد ستوري بين القانون والتسويق السياسي‪ .‬مجلة عدالة غوست مجلة شهرية قانونية‪ .‬عدد ‪02-00‬‬
‫يونيو يوليوز ‪ 0100‬ص‪.22‬‬
‫‪261‬نجيب الحجيوي سمو المؤسسة الملكية دراسة قانونية أطروحة للنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة محمد الخامس أكدال كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية الرباط السنة الجامعية ‪ 0110-0111‬ص ‪.077‬‬

‫‪P 153‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وموقع عليه من طرف ‪ 12‬نائب برلمانيا ‪ ،262‬غير أن هذه الملتمسات جميعها كان يلزمها توفر‬
‫النصاب القانوني لكي تؤدي إلى إسقاط الحكومة ‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالتقنيات التي ال تودي إلى إثارة مسؤولية الحكومة فقد جاء دستور‬
‫‪ ، 2199‬بمجموعة من المقتضيات تتمثل في توجيه األسئلة للحكومة بشقيها الكتابي والشفوي‬
‫(الفصل ‪ ، ) 911‬وتشكيل لجان نيابية للتقص ي الحقائق من طرف مجلس النواب أو مجلس‬
‫المستشارين (ف (‪ ، )01‬أو توجيه ملتمس المساءلة للحكومة من طرف مجلس المستشارين‬
‫(ف) (‪)910‬‬

‫‪ -‬السلطة الدبلوماسية‬

‫لقد كان مجال السلطة الدبلوماسية ضعيفا في دستور ‪ 93‬شتنبر ‪ 9110‬حيث أوردت‬
‫المادة ‪ 39‬نوع واحد من المعاهدات التي تستوجب المو افقة القبلية للبرلمان عليها قبل‬
‫المصادقة عليها من طرف الملك ‪ ،‬وفي المعاهدات التي تلزم مالية الدولة‪ 263‬لكن دستور ‪2199‬‬
‫في فصله ‪ 11‬أضاف أنواع أخرى من المعاهدات التي تتطلب المو افقة عليها من طرف البرلمان‬
‫‪ ،‬قبل أن يصادق عليها الملك ‪ ،‬وتتمثل باالضافة إلى المعاهدات التي تلزم مالية الدولة في ‪:‬‬

‫‪ ‬المعاهدات التي يستلزم تطبيقها تدابيرتشريعية ‪.‬‬

‫‪ ‬المعاهدات المتعلقة بحقوق وحريات المواطنين والمواطنات العامة والخاصة‪.‬‬

‫‪ ‬معاهدات السلم و االتحاد‪.‬‬

‫‪ ‬معاهدات رسم الحدود ‪.‬‬

‫‪ ‬معاهدات التجارة‬

‫وبهذا اإلجراء يكون الدستور المغربي قد وسع من نطاق السلطة الدبلوماسية للبرلمان‪،‬‬
‫ي لسنة ‪ 9111‬في المادة ‪264 13‬‬ ‫كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الدساتيركالدستورالفرنس‬

‫‪ -‬ممارسة السلطة التأسيسية ‪:‬‬

‫‪262‬حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ‪ :‬المفاهيم األساسية والنظم السياسية ‪ ..‬مرجع سابق الذكر ص ‪.012‬‬
‫‪ 263‬حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ‪ :‬المفاهيم األساسية والنظم السياسية نفس المرجع ص ‪.012‬‬
‫‪264‬لإلطالع على مضمون هذا الفصل أنظر نجيب الحجيوي سمو المؤسسة الملكية دراسة قانونية مرجع سابق الذكر الصفحة ‪.012‬‬

‫‪P 154‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫باإلضافة إلى االختصاصات التي سبق ذكرها ‪ ،‬يختص البرلمان في ممارسة السلطة‬
‫التأسيسية أي الحق في تعديل ومراجعة الدستور ‪ ،‬وذلك ما ينص عليه الفصل ‪ 912‬من‬
‫الدستور الجديد ‪ ،‬والذي يخول البرلمان الحق في اقتراح مراجعة وتعديل الدستورالذي يتقدم‬
‫به عضو أو أكثرمن أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين‬

‫ثانيا ‪ :‬مكانة السلطة التنفيذية (الحكومة ) في دستور‪2199‬‬

‫جاءت التعديالت الدستورية الجديدة بمستجدات همت على الخصوص تقوية موقع‬
‫الحكومة ورئيسها داخل البناء المؤسساتي المغربي ‪ ،‬حيث تمت إعادة النظر في طريقة تعيين‬
‫الحكومة ورئيسها وتوسيع مجال عملها ليشمل اختصاصات أخرى‪.‬‬

‫‪ -9‬تنصيب الحكومة ورئيسها‬

‫تتجلى أهم المستجدات التي جاء بها الدستور الجديد في طريقة تعيين رئيس الحكومة‪،‬‬
‫حيث أصبح الملك بمقتض ى الفصل ‪ 41‬من دستور ‪ ،2199‬يعين رئيس الحكومة من الحزب‬
‫السياس ي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب حيث تما القطع مع طريقة التعيين‬
‫السابقة المنصوص عليها في الفصل ‪ 24‬من دستور ‪ 9110‬والتي كانت تعطي للملك سلطة‬
‫تقديرية في تعيين الوزيراألول سواء من داخل البرلمان أو خارجه‪.‬‬

‫كما أصبحت الحكومة في إطار دستور ‪ 2199‬ال تعتبر منصبة إال إذا صوت على برنامجها‬
‫األغلبية المطلقة أعضاء مجلس النواب ‪ ،‬وهو ما سوف يساهم في تكريس قاعدة التنصيب‬
‫المزدوج من طرف الملك والبرلمان و انتقيد بالشرعية السياسية واالنتخابية في تنصيب‬
‫الحكومة‪.265‬‬

‫فدستور‪ 2199‬يقطع مع االرتباك الذي حصل سنة ‪ 9110‬بمناسية تعديل الدستورحول‬


‫التنصيب األحادي أو المزدوج أي هل الوزير األول يعين من قبل الملك أم من قبل الملك‬
‫والبرلمان معا ؟ وهو ما قاد إلى العديد من المنزلقات التي رهنت المسارالديمقراطي‪.266‬‬

‫‪265‬تنص الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 11‬من دستور ‪ 0100‬على ما يلي ‪ ":‬تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب‬
‫المعبر عنها بتصويت األغلبية المطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم لصالح برنامج الحكومة "‪.‬‬
‫‪ 266‬االتحاد االشتراكي للقوات الشعبية المؤتمر الوطني الثامن التقرير التركيبي المعد من قبل لجنة تقييم انتخابات ‪ 7‬شتنبر ‪ 0117‬المصادق‬
‫عليه من طرف المجلس الوطني في دورته التاسعة المنعقدة يوم ‪ 00‬يناير ‪ 0111‬الدار البيضاء مطبعة دار النشر المغربية ‪ 0111‬الصفحة‬
‫‪.02.‬‬

‫‪P 155‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ومن أهم المستجدات كذلك ترقية الوزير األول إلى مستوى رئيس للحكومة ودسترة‬
‫املجلس الحكومي وتخوينه التداول في مجموعة من القضايا ‪ ،‬بدون إخالل بالصالحيات‬
‫الممنوحة للمجلس الوزاري ‪ ،‬والتي يضمنه الفصل ‪ 41‬من الدستور‪.‬‬

‫‪ -2‬توسيع صالحيات الحكومة‬

‫خول الفصل ‪ 11267‬من الدستور الجديد صالحيات جديدة للحكومة من بينها ممارسة‬
‫السلطة التنفيذية والسهر على تنفيذ البرنامج الحكومي ‪ ،‬واإلشراف على المؤسسات‬
‫والمقاوالت العمومية وهذه الصالحيات لم تكن واردة في الفصل ‪ 26809‬من الدستور السابق‬
‫الذي حدد وظيفة الحكومة في تنفيذ القوانين فقط‪.‬‬

‫وقد احتفظ رئيس الحكومة بمجموعة من الصالحيات التي كان يمارسها ‪ ،‬في التجربة‬
‫الدستورية‪ .‬السابقة مثل عرض البرنامج الحكومي (ف ‪ ، )11‬وممارسة السلطة التنظيمية‬
‫(‪ ،)11‬والتوقيع بالعطف على بعض الظهائر الملكية (‪ )42‬وعرض مشروع تعديل الدستور (ف‬
‫(‪ )912‬وطلب عقد دورة استثنائية للبرلمان (‪....)00‬‬

‫وبناءا على الفصل ‪ 914‬من دستور‪ 2199‬أصبح رئيس الحكومة يشترك مع في حل مجلس‬
‫النواب بناء على مرسوم يتخذ في املجلس الوزاري وذلك بعد استشارة الملك ورئيس مجلس‬
‫النواب ورئيس املحكمة الدستورية كما منح الفصل ‪ 41‬للرئيس الحكومة الحق في ترؤس املجلس‬
‫الوزاري بتفويض من الملك وبناء على جدول أعمال محدد‪ ،‬باإلضافة إلى حقه في التعيين في‬
‫الوظائف المدنية على أن ال يخل ذلك بمقتضيات الفصل ‪ 41‬من دستور ‪ ، 2199‬ورغم الطابع‬
‫البرلماني الذ ي أصبح يميز النظام السياس ي المغربي من خالل تقيد الملك باالعتبار السياس ي‬
‫واالنتخابي في تعيين رئيس الحكومة فإن هناك فصول أخرى ال زالت تتضمن الطابع التنفيذي‬
‫للمؤسسة الملكية كالفصل ‪ 41‬الخاص باملجلس الوزاري حيث تظهر بعض االختصاصات ذات‬
‫الطابع التنفيذي مثل التوجهات العامة للقانون المالية ‪ ،‬أو السياسة العامة للدولة ‪ ،‬كما يبرز‬
‫الطابع التنفيذي كذلك‪ .‬في الفصل ‪ ، 41‬حيث يمتلك الملك سلطة اإلعفاء التلقاني للوزراء مما‬

‫‪267‬ينص الفصل ‪ 12‬من دستور ‪ 0100‬على ما يلي ‪ " :‬تمارس الحكومة السلطة التنفيذية العمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ‬
‫البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين اإلدارة موضوعة تحت تصرفها كما تمارس اإلشراف والوصاية على المؤسسات والمقاوالت‬
‫العمومية "‬
‫‪268‬ينص الفصل ‪ 00‬من دستور ‪ 0220‬على ما يلي‪ :‬تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين ‪ ،‬واإلدارة موضوعة رهن تصرفها "‪.‬‬

‫‪P 156‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يجعل الوزراء يستشعرون أن رئيسهم الفعلي هو من يملك فقط سلطة اإلعفاء وليس من يملك‬
‫سلطة اقتراحهم على الملك من أجل تعيينهم‪269‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫يمكن اعتباردستور‪ 2199‬بمثابة ميثاق جديد للحريات والحقوق بين الدولة والمواطنين‬
‫فقد تما تخصيص الباب الثاني من الدستور بكامله للحقوق والحريات األساسية وتضمينه‬
‫مختلف أنواع وأجيال حقوق اإلنسان كالحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬والحقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية والبيئية والتنمية المستدامة ‪ ،‬ودسترة بعض التوصيات التي وضعهها هيئة‬
‫اإلنصاف والمصالحة في مجال حقوق اإلنسان والحريات العامة‪ .‬باإلضافة إلى دسترة بعض‬
‫الهيئات التي تعتبر ضمانة للممارسة الحقوق والحريات التي كرسها الدستور كاملجلس الوطني‬
‫للحقوق اإلنسان ومؤسسة الوسيط وفي مجال توزيع السلط والعالقة فيما بينها نجد أن‬
‫المؤسسة الملكية حافظت على موقعها في هرم النظام السياس ي المغربي ‪ ،‬من خالل ممارسهها‬
‫للمجموعة من الصالحيات التي يضمنها لها الدستور الجديد سواء في الحاالت العادية أو‬
‫االستثنائية من أهمها رئاسة الملك للمجلس الوزاري الذي تمر عبره أهم المواضيع الخاصة‬
‫بالسياسات العامة للبالد والحق في حل البرلمان بمجلسيه وممارسة السلطة الدبلوماسية‪،‬‬
‫باالضافة إلى رئاسته ملجموعة من الهبنات كاملجلس الوزاري واملجلس األعلى للسلطة القضائية‪،‬‬
‫واملجلس األعلى لألمن ‪ ،‬واملجلس العلمي األعلى وفيما يخص البرلمان فقد تما توسيع صالحياته‪،‬‬
‫لتنتقل من ‪ 31‬اختصاص في الدستورالقديم إلى ‪ 01‬اختصاص في الدستورالجديد وتمثلت أهم‬
‫االختصاصات الجديدة المسنودة للسلطة التشريعية في التقطيع االنتخابي والعفو العام ‪ ،‬ثم‬
‫االتفاقيات الدولية كما تمت تقوية الوظيفة التمثيلية والرقابية ملجلس النواب بالمقارنة مع‬
‫الغرفة الثانية ‪،‬أما فيما يخص السلطة التنفيذية فقد تمت تقوية موقع الحكومة في النظام‬
‫الدستوري الجديد‪ ،‬وذلك عبردسترة املجلس الحكومي ‪ ،‬و التقيد باالعتبارالسياس ي واالنتخابي‬
‫في تعيين الحكومة ‪ ،‬حيث أصبح الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات‬
‫أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪ 269‬عبد العالي حامي الذين قدرة تحت عنوان ( الملكية البرلمانية في مشروع الدستور ) منشورة في جريدة الصباح مرجع سابق الذكر‬
‫الصفحة‪.‬‬

‫‪P 154‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫على كريمى أسئلة االنتقال الديمقراض ي في المغرب ‪ :‬قضايا في اإلصالح السياس ي‬


‫والدستوري‪ ،‬الدارالبيضاء ‪،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪،‬الطبعة االولى ‪2111.‬‬

‫فاطمة لوريني ‪ ،‬مؤسسة املجلس الوطني بين منزلتين ‪ ،‬مجلة عدالة‪ ،‬العدد ‪ 91‬أبريل‬
‫‪2199‬‬

‫املختارمطيع ‪،‬توسيع مجال الحريات من خالل مشروع مؤسسة الوسيط‪ ،‬مجلة دراسات‬
‫ووقائع دستورية وسياسية العددة مزدوج‪2119 .‬‬

‫محمد مالكي القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ .‬مراكش المطبعة والور اقة‬
‫الوطنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2112‬‬

‫محمد ضريف ‪ ،‬من مبدأ سموالمؤسسة الملكية إلى مبدأ سموالدستور‪ ،‬جريدة المساء‬
‫العدد ‪.2/1/2199 .92-93‬‬

‫محمد عابد الجباري‪ ،‬الديمقراطية في المغرب من التاجيل الى التزوير‪ ،‬تنديد بالحكم‬
‫الفردي واالنتصار للديمقراطية‪ ،‬مو اقف(سلسلة كتب شهرية العدد الرابع )ملفات الذاكرة‬
‫السياسية الدارالبيضاء دارالنشرالمغربية‬

‫محمد الحضيري ملف تحت عنوان مطالب ال تجدونها في الدستور ‪ ،‬مجلة أو ل المساء‬
‫االسبوعية العدد ‪ 31 .31‬يوليوز‪2199‬‬

‫عبد الرزاق أحمد السنهوري فقه الخالفة ونطورها لتصبح عصبة امم شرقية القاهرة‬
‫الهيئة المصرية العامة الكتاب الطبعة الثانية ‪.9113‬‬

‫‪P 152‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫–‬

‫اشكالية مراجعة السومة الكرائية بني‬


‫قانون ‪ 01.92‬و القانون رقم ‪41.90‬‬
‫‪The problem of revising the credit score between law 67.12 and Law No. 49.16‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫تحظى العالقة الكرائية بحضور قوي في األنشطة التجارية‪ ،‬وهي عالقة تجمع بين‬
‫صاحب الملك ( المكري ) وهو في الغالب ال يحبذ تأطير العالقة الكرائية قانونيا خوفا أو تهربا‬
‫من التبعات واآلثارالقانونية المترتبة على هذا التأطيرالقانوني‪ ،‬وبين المستغل للمحل موضوع‬
‫العالقة الكرائية (المكتري) الذي يسعى دائما للتأطير القانوني لهذه العالقة حماية لنشاطه‬
‫التجاري‪.‬‬

‫لذلك كان لزاما على المشرع أن يتدخل لتنظيم وتأطيرهذه العالقة حماية لمصالح‬
‫الطرفين من خالل عدد من المقتضيات القانونية‪ ،‬وآخرها قانون ‪ 41.90‬و قانون ‪ 01.92‬الذين‬
‫وفروا لطرفي العقد وخاصة المكتري مجموعة من المداخل القانونية لضمان حقوق والتزامات‬
‫الطرفين‪ ،‬باإلضافة الى اآلليات المسطرية الالزمة لتدبير المنازعات القضائية بين أطراف‬
‫العالقة الكرائية‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس نعالج هذا الموضوع في مبحثين على الشكل التالي‪ :‬المبحث األول‪:‬‬
‫مراجعة السومة الكرائية في ظل قانون ‪ .01.92‬المبحث الثاني‪ :‬مراجعة السومة الكرائية في‬
‫ظل قانون‪.41.90‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مراجعة السومة الكرائية في ظل قانون ‪01.92‬‬

‫في هذا المبحث سنتطرق في المطلب األول الى المراجعة الودية للسومة طبقا للقانون‬
‫رقم ‪ ،01.92‬أما في المطلب الثاني سنتحدث عن المراجعة القضائية للسومة الكرائية في ظل‬
‫قانون ‪.01.92‬‬

‫‪P 157‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المطلب األول‪ :‬المراجعة الودية للسومة الكرائية طبقا للقانون رقم ‪01.92‬‬

‫سنقسم هذا المطلب الى فقرتين حيث سنعالج في الفقرة األولى ظروف وأسباب اعتماد‬
‫المسطرة الودية لمراجعة السومة الكرائية‪ ،‬على أن نبين في الفقرة الثانية المسطرة الودية‬
‫لمراجعة السومة الكرائية‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬ظروف وأسباب اعتماد المسطرة الودية لمراجعة السومة الكرائية‬

‫من غير المنطقي أن تبقى الظروف والمالبسات املحيطة بإبرام عقد الكراء قارة ألن هذا‬
‫ال ينسجم و سنة الحياة‪ ،‬السيما اذا تعلق األمر بمنفعة منصبة على محل معد للسكني أو‬
‫اإلستعمال المنهي‪ ،‬ذلك أن عقدا من هذا النوع يدخل في زمرة العقود الزمنية والمتجددة‪ ،‬مما‬
‫يبقى معه احتمال المطالبة بتعديل محله و سببه واردا في كل حين‪ ،‬خاصة إذا لم يوجد هناك‬
‫أي نص قانوني يمنع و ذلك‪ ،‬وهذا األمرمنصوص عليه في القوانين المقارنة كالقانون الفرنس ي‬
‫المنظم لألكرية الصادر سنة ‪ 9141‬حيث نص في فصله ‪ 32‬مكرر على أنه في حالة التغيير الكلى‬
‫أوالجرئي للعناصرالمعتمدة لتحديد السرعة الكراتية يمكن لهاته األخيرة أن تكون محل تعديل‬
‫بناء على طلب أي من المتعاقدين ‪.‬‬

‫لألطراف المتعاقدة في عقد الكراء‪ ،‬وكنا منك يمكن أن و رفع طلب لديه لمراجعة‬
‫السومة الكرائية‪270.‬‬

‫وأعتقد أن هذا الفصل فيه من الوضوح ما يجعله بمثابة ترخيص عام ير فيه القاض ي‬
‫كما يتضح أن روح هذا النص يتماش ى مع الفصل ‪ 0‬من ظهير ‪ 21‬دجنبر ‪ 9111‬وكذا المادة ‪ 0‬من‬
‫القانون رقم ‪ 11.13‬لسالف الذكر التي تحيل بدورها إلى الفصلين ‪ 001‬و ‪ 009‬من ق ل ع حيث‬
‫أن على القاض ي وهو يعيد النظر في تحديد الوجيية الكرائية الحقيقية أن يأخذ بعين االعتبار‬
‫الظروف االقتصادية العامة و التحسينات التي أدخلت على الدارأو تهالكه بسب القدم ‪.‬‬

‫ومنه يمكن القول أنه بإمكان األطراف اللجوء حبيا إلى تعديل السومة الكرائية استنادا‬
‫إلى بعض المبررات أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬تغييرالمعاييرالتي اعتمدت كأساس لتحديد الوجيبة الكرائية األساسية‪.‬‬

‫‪270‬د العربي مياد مراجعة الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية والمهنية في ضوء التشريع والقضاء‪ ،‬مطبعة دار‬
‫القلم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0112 ،‬ص‪.000 :‬‬

‫‪P 160‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬أسباب مادية صرفة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المسطرة الودية لمراجعة السومة الكرائية‬

‫في هذه الفقرة سنتناول طرق مراجعة السومة الكرائية وديا في (أوال)‪ ،‬على أن نعالج‬
‫مدى نجاعة هذه المسطرة في (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬طرق مراجعة السومة الكرائية وديا‬

‫يقصد بطرق مراجعة الوجيبة الكرائية حبيا‪ ،‬المساطر المتبعة من طرف المتعاقدين‬
‫لتحقيق رغبههم في المراجعة‪ ،‬إذ من غير المستبعد أن تكون الوسيلة هي نفسها المتبعة بدءا‬
‫من الرغبة في تحديد الوجيبة الكرائية األصلية والمتمثلة أساسا في اتباع مسطرة التحديد‬
‫اإلجمالية‪.‬‬

‫وتنبني الوجيبة الكرائية اإلجمالية على نوع من العزم والتسامح‪ ،‬إذ غالبا ما ينظر إلى‬
‫األمور نظرة إجمالية عامة‪ ،‬وتتم الموازنة بين الربح والخسارة ودون الدخول في تفاصيل األمور‬
‫وهي بذلك ال تتطلب مجهودا فنيا أو تقنيا كالتحديد التقني‪.271‬‬

‫والتحديد التقني للسومة الكرائية يتطلب دراسة خاصة ال يمكن أن يقوم بها إال املختص‬
‫في الميدان التقني للبناء وهذه الدراسة وحدها تتطلب تكاليف إضافية قد ال تحفزاألطراف على‬
‫اعتمادها السيما إذا كانوا من ذوي الدخل املحدود أوأن الوجيبة الكرائية في حد ذاتها ال تتطلب‬
‫وجود مثل هذه التعقيدات فباألحرى مراجعهها‪.‬‬

‫إال أن اللجوء إلى التحديد التقني للوجيبة الكرائية مستحب في بعض األحيان نظرا لما‬
‫يقوم عليه من موضوعية وبرهان خاصة إذا ارتبط تحديد الوجيبة الكرائية بتكاليف مواد‬
‫عملية البناء وعنصري العمل والزمان‪ ،‬باإلضافة إلى عنصر المكان حيث يتخذ األطراف من‬
‫تكلفة البناء بما فيها المواد واليد العاملة وكذا درجة الرفاهية التي تحققها العين للمكتري‬
‫باإلضافة إلى الموقع الجغرافي ودرجة القدم والحداثة المتواجدة عليها العين المكتراة معيارا‬
‫للتعديل‪.‬‬

‫‪271‬الحسن البنسوني ‪ ،‬مراجعة السومة الكرائية للمحالت السكنية و التجارية بين األهمية القانونية و التطبيق العملي‬
‫في التشريع المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية‬
‫–طنجة‪ -‬السنة الجامعية ‪ ، 0100-0100‬ص‪.12 :‬‬

‫‪P 161‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ثم إن طلب مراجعة السومة الكرائية يوجه مباشرة أو بواسطة الغيرإلى المتعاقد اآلخر‬
‫شفاهة أو كتابيا‪ ،‬ويتضمن هذا الطلب ما يفيد أن المكري يطلب الزيادة ألسباب يراها وجيهة‪،‬‬
‫أو على العكس من ذلك يتوجه المكتري بطلب يرمي من خالله تخفيض الوجيبة الكرائية‬
‫ألسباب ما‪ ،‬وغالبا ما يقترح الوجيبة الكرائية المرغوب فيها‪ ،‬أو الطريقة التي ينبغي اتباعها‬
‫لتحديدها‪ ،‬ثم يحدث القبول مباشرة أو بعد نقاش حول كيفية التعديل‪.272‬‬

‫وقد نصت المادة األولى من القانون رقم ‪ 11.13‬بانه ‪ " :‬يحق للمكري والمكتري االتفاق‬
‫على تحديد ثمن الكراء وشروط مراجعته ونسبة الرفع من قيمته أو تخفيضها وذلك سواء تعلق‬
‫الكراء بمحل معد للسكنى أو اإلستعمال المنهي أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي"‪.‬‬

‫ومجمل القول أن ميكانيزمات تعديل السومة الكرائية يتطلب فيها ما يتطلب في تحديد‬
‫الوجيبة الكرائية األصلية من وجود الشروط القانونية الواجب تطلبها في التعاقد‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى االتفاق على كيفية التعديل إال أن هذا األخير ال يوجد إال مع وجود سومة كرائية يقرها‬
‫القانون‪ ،‬وبمعنى آخر إن القول بالمراجعة يتطلب في الش يء المعدل أن يكون مشروعا في حد‬
‫ذاته وإال وجب بطالن العقد من أصله‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مدى نجاعة المسطرة الحبية في مراجعة السومة الكرائية‬

‫ال شك أنه من حق كل من المكري والمكتري للمحالت السكنية أوالمعدة لإلستعمال‬


‫المنهي أن يعبرا عن رغبههما في إدخال تعديالت نسبية أو جوهرية على عقد الكراء الذي أبرماه‬
‫على وجه صحيح مادامت هناك أسباب موضوعية تحتم ذلك وال يوجد ما يمنع من عرقلة هذه‬
‫الرغبة والسيما إذا تعلق األمربالوجيبة الكرائية‪.‬‬

‫إن تعديل السومة الكرائية لجميع املحالت على اختالف أنواعها وأصنافها رخصة منحها‬
‫القانون للطرف المتضرر يمكن أن يطالب باالستفادة منها في الحدود التي يسمح بها القانون‪،‬‬
‫والمشرع إذا اعتبر مراجعة الوجيبة الكرائية مجرد رخصة وليس بحق بمعناه المتسلط كان‬
‫هدفه األساس ي هو اإلبقاء على روح المودة والثقة السائدة بين المتعاقدين‪ ،‬السيما وأن الكراء‬
‫السكني أو المنهي يؤسس على مصلحة إنسانية ومنفعية متبادلة‪.‬‬

‫‪272‬العربي مياد ‪ :‬م س ‪ ،‬ص‪070 :‬‬

‫‪P 162‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ولهذه األسباب وغيرها تبقى المسطرة الحبية هي المعول عليها لضمان نوع من اإلستقرار‬
‫واالستمرارية في عالقة كهذه والسيما وأن إبرام عقد الكراء ذاته يتم بطريقة ودية وسلمية‪.‬‬

‫والشك أن المشرع وحتى ال يزيد من حدة أزمة السكن‪ ،‬و آفة الكراء السكني على‬
‫الخصوص كان اتجاهه العام هو تفضيل المسطرة الودية على المسطرة القضائية من خالل‬
‫جل الفصول المتعلقة بتحديد السومة الكرائية أو مراجعهها‪ ،‬وهكذا مثال نجده ينص في‬
‫الفصل ‪ 1‬من مرسوم قانون التخفيض على أنه‪ :‬إذا نشأ خالف حول إسقاط ثلث الوجيبة‬
‫الكرائية أو إثبات الدخل الصافي المكري يجب أن ترفع القضية إلى لجنة توفيق إدارية وبعد‬
‫فشل هذه األخيرة في إيجاد حل قانوني آنذاك فقط يرفع األمر إلى حاكم الجماعة أو المقاطعة‬
‫أي أن اللجوء إلى القضاء غيرجائزإال بعد استنفاذ الطرق الحبية‪.‬‬

‫وهو ما نجده كذلك في الفصل ‪ 1‬من قانون ‪ 21‬غشت ‪ 9111‬وكذا المادة ‪ 2‬من قانون‬
‫‪ 11.13‬بتاريخ ‪ 31‬نونبر‪ 2111‬حيث تبقى مراجعة الوجيبة الكرائية بطرق حبية واردة‪ ،‬وال تتدخل‬
‫املحكمة إال عند عدم اتفاق األطراف عليها‪ ،‬بل األكثر من هذا فإن الفصل ‪ 1‬من نفس القانون‬
‫ينص على أنه يسري مفعول السومة الكرائية ابتداء من التاريخ المتفق عليه من لدن األطراف‬
‫أنفسهم وعند الخالف فقط فمن تاريخ الطلب أمام القضاء‪.‬‬

‫وهو اإلتجاه الذي سار فيه الفصل ‪ 1‬من ظهير ‪ 1‬يناير ‪ 9113‬بشأن المراجعة الدورية‬
‫ألثمان كراء األماكن المستعملة للتجارة أو الصناعة أو الحرف‪.‬‬

‫وتجدراإلشارة إلى أن مراجعة السومة الكرائية سواء تمت من طرف مختصين تم تعيينهم‬
‫من طرف المتعاقدين‪ ،‬أو حتى من طرف الغير ال يخرجها عن إطار المسطرة الحبية‪ ،‬مادام أن‬
‫أي نزاع لم يثربين األطراف بل إن رغبههما المشتركة هي التي أملت تفويض مهمة تحديد السومة‬
‫الكرائية المعدلة للغيرحتى لو كان في إطارالتحكيم ‪.273‬‬

‫‪273‬الحسن البنسوني ‪ ،‬م س ‪ ،‬ص‪.12:‬‬

‫‪P 163‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المراجعة القضائية للسومة الكرائية في ظل قانون ‪01.92‬‬

‫منح القانون ‪ 01.92‬امكانية اللجوء الى القضاء عند فشل المراجعة الودية‬
‫للوجيبة الكرائية من أجل تحقيق التوازن بين المكري و المكتري في العالقات الكرائية‪ ،‬مراعيا‬
‫بذلك مختلف الظروف املحيطة بمسالة المراجعة‪274.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مضمون المسطرة القضائية لمراجعة السومة الكرائية‬

‫اختلفت طريقة سلوك المسطرة القضائية من ظهير آلخر‪ ،‬ففي ظهير ‪ 1‬يناير ‪9113‬‬
‫وظهير ‪ 21‬دجنبر ‪ 9111‬يتم اللجوء إلى القضاء مباشرة‪ ،‬أما في ظهير ‪ 24‬ماي ‪ 9111‬فال مناص من‬
‫توجيه إنذار إلى المكتري يعرب فيه المكري عن رغبته في تجديد عقد الكراء شريطة الزيادة في‬
‫السومة الكرائية‪.‬‬

‫أو توجيه إنذارللمكتري يطلب فيه الزيادة في السومة الكرائية ‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقانون الجديد فقد خير المكري بين اللجوء إلى القضاء مباشرة وإذا لم‬
‫يتجاوب المكثري مع ذلك اإلنذارفيجب على المكري أن يرفع دعوى المراجعة داخل أجل الثالثة‬
‫أشهرالموالية لتاريخ توصله باإلنذار‪.‬‬

‫ولم يرتب المشرع أي جزاء على عدم رفع الدعوى داخل هذا األجل‪ ،‬بهذا الخصوص ذهب‬
‫أحد الباحثين إلى أن عدم احترام هذه المقتضيات المقررة قانونا يترتب عنه تجديد عقد الكراء‬
‫بنفس الشروط‪ ،‬وال يقبل طلب الزيادة إال بعد مرور ثالث سنوات أخرى‪ ،‬بينما يرى باحث‬
‫آخر‪،‬أن شرط إقامة الدعوى داخل ثالثة أشهر الموالية للتوصل باإلنذار هو بمثابة تحفيز‬
‫للمكري للتعجيل واإلسراع برفع الدعوى وحماية للمكتري من المباغتة و إثقال كاهله بمبالغ‬
‫متراكمة فيكون في غير مقدوره أدائها دفعة واحدة‪ ،‬أما إذا أثيرت الدعوى خارج هذا األجل فإن‬
‫المكري المهمل ال يستفيد من هذه الميزة‪ ،‬باإلضافة إلى عدم اإلستفادة من مفعول‬

‫‪ 274‬عرض قدمه طلبة ماستر العقار و التعمير تحت عنوان الوجيبة الكرائية للمحالت المعدة للسكنى و االستعمال‬
‫المهني‪ ،‬موجودعلى األنترنت‪ ، https://www.elkanounia.com،‬ص ‪ ،07‬تاريخ االطالع ‪.0100-10-10‬‬
‫على الساعة الثانية زواال‪.‬‬

‫‪P 164‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الزيادة‪ ،‬ال من تاريخ التوصل باإلنذار بل من تاريخ المطالبة القضائية‪ ،‬كما تنص على‬
‫ذلك المادة السابعة‪ 275‬من القانون الجديد رقم ‪ ،11.13‬وليس منع المكري من المطالبة‬
‫بمراجعة السومة الكرائية إال بعد مرورثالث سنوات أخرى كما يرى ذلك الرأي األول‪.‬‬

‫وهذا بخالف ما نص عليه الفصل السابع من ظهير ‪ 21/92/9111‬الذي يقرر سريان‬


‫السومة الكرائية الجديدة ابتداء من التاريخ المتفق عليه من لدن األطراف أو من تاريخ الطلب‬
‫المقدم إلى القضاء‪.‬‬

‫وكما هو الحال بالنسبة لتقيد إرادة الطرفين فاملحكمة أيضا مقيدة بنفس القيود‪ ،‬إال أن‬
‫لها هامش من الحرية أكثرتمنحه لها المادة الخامسة من القانون رقم ‪.11.13‬‬

‫وتجدر اإلشارة أيضا إلى أن مسطرة مراجعة السومة الكرائية أمام املحكمة اإلبتدائية‬
‫صاحبة اإلختصاص النوعي في هذا النوع من القضايا تكون شفوية طبقا للفقرة األخيرة من‬
‫المادة ‪ 41‬من قانون المسطرة المدنية‪.276‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬دورالقاض ي في مراجعة السومة الكرئية‬

‫إن مراجعة السومة الكرائية للمحالت السكنية والمهنية بالطرق الودية رخصة‬
‫منحها المشرع ألطراف العالقة الكرائية‪ ،‬إال أنه في حالة النزاع تبقى مر اقبة القضاء لمسطرة‬
‫ممارسة هذه الرخصة واردة‪ ،‬وذلك رغبة من المشرع في دفع كل تعسف محتمل من أي واحد‬
‫من الطرفين ومن تم يمكن القول بأن القضاء باإلضافة إلى دوره الحاسم في تطبيق القانون‬
‫وتأويله عند الغموض فهو يقوم بدور اجتماعي وتربوي مهم السيما بالنسبة لبعض العقود‬
‫الكبرى كعقود الكراء‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق كان القضاء قبل صدورظهير ‪ 21‬دجنبر ‪ 9111‬يميل إلى ترجيح كفة‬
‫المكتري على حساب المكري كلما تسرب أمامه نزاع يتعلق بمراجعة السومة الكرائية‪ ،‬حيث‬

‫‪275‬تنص المادة السابعة من القانون رقم ‪ 17612‬على ما يلي‪" :‬يجري العمل بالوجيبة الكرائية الجديدة ابتداء من‬
‫تاريخ المطالبة القضائية إذا عبر المكري عن رغبته في مراجعة ثمن الكراء بتوجيه إنذار للمكتري‪ ،‬فإن سريان‬
‫الوجيبة الكرائية الجديدة يبتدئ من تاريخ التوصل باإلنذار‪ ،‬شريطة رفع الدعوى داخل أجل الثالثة أشهر الموالية‬
‫لتاريخ التوصل‪".‬‬
‫‪276‬تنص هذه المادة على ما يلي ‪" :‬يمكن للمحكمة تحديد نسبة الزيادة في ثمن الكراء بما لها مـن سـلطن تقديرية‬
‫ودون التقيد بالنسبتين المذكورتين في المادة الرابعة أعاله إذا كان ثمن الكراء ال يتجـاوز أربعمائة درهم شهريا‬
‫على أن ال تتعدى نسبة الزيادة ‪."01%‬‬

‫‪P 165‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫كان يعتمد تقنية تأويل النصوص القانونية بشكل يجعلها طيعة وقابلة لحماية الطرف‬
‫الضعيف في العقد اي المكتري ‪.‬‬

‫وهكذا قضت محكمة االستئناف بالرباط أنه يشمل مفهوم الظروف االقتصادية مجموع‬
‫التطور االقتصادي ليس بالكيفية التي يترجم بها في الحركة العامة لألسعار‪ ،‬ولكن في تأثيراته‬
‫على سوق األكرية‪.‬‬

‫وعلى العكس من هذه التقنية يتدخل مباشرة إلى جانب المكتري في الحالة التي يستنبط‬
‫من مالبسات النزاع رغبة المكري في غبن أو استغالل المكتري استغالال جليا‪ ،‬وفي هذا االتجاه‬
‫قضت نفس املحكمة بأن حذف الماء الساخن مع التدفئة المركزية يشكل في المغرب كما في‬
‫فرنسا تخفيضا من الرفاهية والراحة ويجب أن يؤدي إلى تخفيض في الكراء‪ ،‬وذلك عندما يكون‬
‫تواجد هذين اإلمتيازين بالعقارقد أتاحا تقرير كراء مرتفع‪.277‬‬

‫كما قضت بأنه ال يستطيع المكري أن يطالب بزيادة الكراء املحدد باتفاق مشترك أو‬
‫المعين من طرف القضاء بناء على المصاريف المنجزة بتحديد األماكن قبل اإلنتفاع بما ال‬
‫يمكن اعتبارهذه المصاريف بأنها قد تمت في صالح المكتري مباشرة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬خصوصية مرجعة السومة الكرائية في ظل قانون ‪41.90‬‬

‫سنقسم هذا المبحث الى مطلبين على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬التحديد القانوني للسومة الكرائية طبقا للقانون ‪.41.90‬‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬الدعاوى المتعلقة بالسومة الكرائية في ظل قانون ‪41.90‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التحديد القانوني للسومة الكرائية طبقا للقانون ‪41.90‬‬

‫ينشأ عقد الكراء بالتراض ي بين الطرفين على الشروط والعناصر التي يقوم عليها كعقـد‬
‫رضـائي‪ ،‬وفي مقدمـة مـا يـتم تراضيهما عليـه تحديد الوجيبـة الكرائية بمحضـرإرادتهما وال يتدخل‬
‫القانون في تحديدها إال عند عدم اتفاقهما عليها‪.‬‬

‫وعليه سوف نتطرق إلى كل من التحديد الرضائي للوجيبة الكرائية (الفقرة األولى)‪،‬‬

‫‪277‬محمد العربي مياد ‪ :‬م س ‪ ،‬ص‪.000 :‬‬

‫‪P 166‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ثم التطرق لخضوع مراجعة الوجيبة لمقتضيات القانون رقم ‪ 41.90‬وذلك في (الفقرة‬

‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التحديد الرضائي للوجيبة الكرائية‬

‫لم يحدد المشرع المغربي حذو بعض التشريعات األخرى في إسناد تحديد الوجيبة‬
‫الكرائية إلى لجان مختصة و أبقى بذلك على حرية طرفي العالقة الكرائية في االتفاق على‬
‫تحديدها‪ ،278‬وهذا ما تم التنصيص عليه في الفصل ‪ 021‬من قانون االلتزامات والعقود الذي‬
‫جاء فيه‪" :‬يتم الكراء بتراض ي الطرفين على الش يء واألجرة وعلى غير ذلك مما عس ى أن يتفقا‬
‫عليـه مـن شـروط في العقد"‪ ،‬وكذلك الفقرة األولى من المادة الخامسة من قانون رقم ‪ 41.90‬التي‬
‫نصت على ما يلي‪:‬‬

‫"تحدد الوجيبة الكرائية للعقارات أو املحالت المشار إليها في المادة األولى أعاله‪ ،‬وكذا‬
‫كافة التحمالت بتراض ي الطرفين‪".‬‬

‫وتكون الوجيبة الكرائية من عدة عناصر في مقدمهها المقابل الذي يؤدي المكتري إلى‬
‫المكري لقاء االنتفاع بالعين المكتراة والذي قد شكل بمفرده الوجيبة إضافة إلى عناصر أخرى‬
‫مكملة للوجيبة الكرائية‪ ،279‬سماها المشرع في الفصل ‪ 042‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫بالتكاليف المفروضة على العين المكتراة‪ ،‬وبالتحمالت في المادة الخامسة ‪ -‬من القانون رقم‬
‫‪.28041.90‬‬

‫واألصل في تحديد الوجيبة الكرائية أن يتم بالتراض ي بين المكري والمكتري يحدد دائما‬
‫في مبلغ معين يدفع أقساطا متساوية خالل مدة قيام العالقة التعاقدية بينهما‪ ،281‬وإن لم‬

‫‪278‬قرار أشار إليه األستاذ مصطفى بونجة في مؤلفه الكراء التجاري بين ظهير ‪ 02‬ماي ‪ 0200‬وقانون رقم‬
‫‪ ،22600‬الطبعة األولى ‪ ،0100‬دار النشر‪ :‬مشورات المركز المغربي للتحكيم ومنازعات األعمال‪ -‬طنجة‪ -‬ص‪:‬‬
‫‪.001‬‬
‫‪279 -‬ينص الفصل ‪ 020‬من قانون االلتزامات والعقود على ما يلي‪" :‬يلتزم المكري بدفع الضرائب وغيرها من‬
‫التكاليف المفروضة على العينالمكتراة مالم يقض العقد أو العرف بخالف ذلك‪".‬‬
‫‪280‬المادة ‪ 0‬من القانون رقم ‪ 22600‬على ما يلي‪ ":‬تحدد الوجيبة الكرائية للعقارات أو المحالت المشار إليها في‬
‫المادة األولى أعاله وكذا كافة التحمالت بتراضي الطرفين‪ ،‬تعتبر هذه التحمالت من مشموالت الوجيبة الكرائية في‬
‫حالة عدم التنصيص على الطرف الملزم بها"‬
‫كافة التحمالت بتراضي الطرفين‪ ،‬تعتبر هذه التحمالت من مشموالت الوجيبة الكرائية في حالة عدم التنصيص‬
‫على الطرف الملزم بها‪".‬‬
‫‪281‬نزهة الخالدي‪ :‬الوجيز في العقود المسماة عقد البيع‪ ،‬عقد الكراء وفقا لقانون االلتزامات والعقود المغربي‬
‫والقوانين المقارنة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،0100‬مطبعة تطوان ‪ ،‬ص‪.01 :‬‬

‫‪P 164‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يحددانها فالفقه أجاز إسناد تحديدها لشخص ثالث من الغير وألزمهما بنتيجة تحديدها‪ ،‬ولم‬
‫يرفع عنها هذا المنع إال في حالة اتفاقهما على حد أقص ى للوجيبة ال يجوز تجاوزه‪ ،‬وحد أدنى ال‬
‫يمكن النزول عنه حماية لمهامها‪.‬‬

‫والمالحظ أن الوجيبة الكرائية ليست من جنس واحد فقد تكون مبلغا من النقود‬
‫يدفعه المكتري شهريا أو سنويا حسب االتفاق‪ ،‬وهذا هو الغالب ويمكن أن تكون غير ذلك في‬
‫شـكـل جـزء مـن املحصـول أو المنتوج إذا انصـب الكـراء على األرض أو كميـة مـن األطعمة أو عبارة‬
‫عن انتفاع المكري بش يء يعود للمكتـري مقابل انتفاع هذا األخير بالعين المكتراة حيث جاء في‬
‫الفصل ‪ 033‬من قانون االلتزامات والعقود "يجب أن تكون األجرة معينة ويسوغ أن تكون نقودا‬
‫أو منتوجا أو أطعمة أو أية منقوالت أخرى شرط أن تكون محددة بالنسبة إلى مقدارها وصنفها‪،‬‬
‫ويسوغ أيضا أن تكون األجرة حصة‬

‫شائعة في منتجات الش يء المكتري‪...".‬‬

‫إال أن المالحظ عمليا أن السومة الكرائية غالبا ما تكون نقودا تؤدى على رأس كل شهر‬
‫أو فصل أو سنة‪ ،‬وفي الحالة التي يفصل فيها المتعاقدان تحديد الوجيبة الكرائية فإنه يتم‬
‫العمل بالتعريفة الرسمية إن وجدت‪ ،‬فإن لم توجد افترض في الطرفين أنهما ارتضيا التعاقد‬
‫على أساس وجيبة المثل‪ 282،‬السائدة وقت التعاقد ال وقت التقدير‪ ،‬وهي وجيبة تحددها‬
‫املحكمة باالستعانة إلى عقـود كـراء أماكن مماثلـة عـن مـدة سابقة أو تاليـة إن وجدت واالستعانة‬
‫برأي أصل الخبرة وذلك ألن من شروط الوجيبة أن تكون محدد أو قابلة للتحديد‪.‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أنه تضاف إلى الوجيبة الكرائية التكاليف أو التحمالت والتي يتم‬
‫تحديدها كذلك بتراض ي األطراف المتعاقدة وفي حالة عدم التنصيص على الطرف الملزم‬
‫بالتحمالت فيعتبرمن مشموالت الوجيبة الكرائية‪.283‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خضوع مراجعة السومة الكرائية لمقتضيات القانون ‪41.90‬‬

‫نصت المادة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 41.90‬على أنه "تطبق على مراجعة الوجيبـة الكرائية‬
‫مقتضيات القانون رقم ‪ 11.13‬المتعلق بمراجعة أثمـان كـراء املحالت المعدة للسكنى أو‬

‫‪282‬ينص الفصل ‪ 022‬من قانون االلتزامات والعقود على أنه "إذا لم يحدد الطرفان األجرة افتراض فيهما أنهما‬
‫قد قبال أجرة المثل‪...".‬‬
‫‪283‬المادة ‪ 0‬من قانون رقم ‪.22600‬‬

‫‪P 162‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫االستعمال المنهي أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي الصادر بتنفيذه الظهيرالشريف رقم‬


‫‪ 9.11.934‬بتاريخ ‪ 91‬من ذي القعدة ‪ 31( 9421‬نوفمبر‪.)2111‬‬

‫وتنبغي اإلشارة بداية إلى أن المشرع المغربي نظم المراجعة الدورية ألثمان كراء األماكن‬
‫المستعملة للتجارة والصناعة والحرف منذ ظهير ‪ 1‬يناير ‪ 9113‬الذي نص في فصله الثاني على‬
‫قاعدة المراجعة‪ ،‬حيث جاء فيه" "يمكن لكل طرف أن يحصل كل ثالث سنوات على مراجعة‬
‫الكراء‪ ،‬إذا تسبب تقلب الظروف االقتصادية في تغيير القيمة الكرائية املحدودة حبيا أو بمقرر‬
‫قضائي بنسبة تزيد على الربع‪" :‬غير أن هذا القانون ألغي بمقتض ى المادة العاشرة من القانون‬
‫رقم ‪ 11.13‬التـي جـاء فيها‪" :‬تلغى جميع مقتضيات املخالفة لهذا القانون والمتعلقة بمراجعة‬
‫ثمن الكراء"‪284.‬‬

‫وبالرجوع إلى القانون رقم ‪ 11.13‬نجد المشرع جعل حق مراجعة ثمن الكراء من حق كل‬
‫من المكري والمكتري على السواء إما زيادة في مقدارها أو تخفيضا‪.285‬‬

‫ويمكن أن تتم المراجعة لثمن الكراء بالتراض ي فإذا لم يحصل أي اتفاق بين الطرفين‬
‫على شروط مراجعة ثمن الكراء ونسبة الرفع من قيمته أمكن مراجعته بعد مرور كل ثالثة‬
‫سنوات على األقـل مـن تـاريخ االتفاق على الثمن أو مـن تـاريخ مراجعتـه بـين األطراف مباشرة أو‬
‫من تاريخ الذي حددته املحكمة آلخرمراجعة وذلك طبقا للنسب المقررة في هذا القانون (المادة‬
‫‪ )2‬من القانون رقم ‪.11.13‬‬

‫وتقض ي المادة ‪ 4‬من هذا القانون بأنه‪ " :‬تحدد نسبة الزيادة في ثمن الكراء كما يلي‪:‬‬

‫‪ 1% -‬بالنسبة للمحالت المعدة للسكنى‪.‬‬

‫‪ 91% -‬بالنسبة لباقي املحالت‪.‬‬

‫‪284‬عبد الرحمان الشرقا في‪ :‬قانون العقود الخاصة‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬العقود الواردة على منفعة الشيء عقد الكراء‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪،0100‬دار السالم للطباعة و النشر و التوزيع ص‪.010:‬‬
‫‪ 285‬المادة األولى" يحق للمكري والمكتري اإلنفاق على تحديد ثمن الكراء وشروط مراجعته ونسبة الرفع من‬
‫قيمته أو تخفيضها‪".‬‬

‫‪P 167‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وتبين المادة ‪ 1‬أنه للمحكمة تحديد نسبة الزيادة من ثمن الكراء بما لها من سلطة‬
‫تقديرية ودون التقييد بالنسبتين المذكورتين في المادة الرابعة أعاله‪ ،‬إذا كان ثمن الكراء ال‬
‫يتجاوز‪ 411‬درهم شهريا على أن ال تتعدى نسبة الزيادة املحكوم بها ‪.%.28611‬‬

‫كما يمكن للمكتري المطالبة بتخفيض ثمن مقابل الكراء إذا طرأت ظروف أثرت على‬
‫استعمال املحل للغرض الذي اكتري من أجله‪ ،‬وذلك وفقا ألحكام الفصلين ‪ 001‬و‪ 009‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود‪ ،‬ويجرى العمل بالوجيبة الجديدة ابتداء من تاريخ المطالبة القضائية‪.‬‬

‫كما في حالة توجيه إنذارللمكتري من طرف المكري بشأن مراجعة ثمن الكراء فإن سريان‬
‫الوجيبة الكرائية يبتدئ من تاريخ التوصل باإلنذار‪ ،‬شريطة رفع الدعوى داخل الثالثة أشهر‬
‫الموالية لتاريخ التوصل‪.‬‬

‫وطبقا للمادة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 11.13‬فإن الحكم المقرر للزيادة في ثمن الكراء يقض ي‬
‫باستيفاء المبلغ المستحق اعتبارا من تاريخ سريان الزيادة إلى تاريخ تنفيذ الحكم‪ ،‬ويمكن‬
‫استئناف الحكم الصادرفي هذه القضايا داخل أجل ثالثين يوما كاملة من تاريخ التبليغ‪ ،‬كما أن‬
‫أجل االستئناف واالستئناف نفسه ال يوقف تنفيذ األحكام الصادرة في نطاق القانون رقم‬
‫‪ ،11.13‬غيرأنه يمكن ملحكمة االستئناف أن توقف التنفيذ بقرارمعلل وبناء على طلب مستقل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدعاوى المتعلقة بالسومة الكرائية في ظل قانون ‪41.90‬‬

‫سنقسم هذا المطلب الى فقرتين على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ -‬الفقرة األولى‪ :‬االختصاص بين املحاكم العادية و التجارية ‪.‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثانية‪ :‬املحكمة املختصة بالنظر في دعاوى السومة الكرائية في اطار قانون‬
‫‪.41.90‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االختصاص بين املحاكم العادية و التجارية‬

‫‪ 286‬محمد أحمد بونبات‪ :‬كراء المحالت التجارية‪ ،‬ظهير ‪ 02‬ماي ‪ ،0200‬الطبعة األولى ‪ ،0111‬مراكش ‪:‬‬
‫المطبعة و الوراقة الوطنية ‪ ،‬ص‪.02 :‬‬

‫‪P 140‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫قد كثر الحديث مؤخرا عن تعدد حاالت تنازع االختصاص النوعي في التنظيم‬
‫القضائي للمملكة خصوصا بعد إحداث املحاكم التجارية المتخصصة‪ ،‬لدرجة أصبح معها‬
‫الفقه والقضاء المغربي في حيرة من إسناد االختصاص لهذه املحكمة أو تلك‪.‬‬

‫وبالرجوع للقضاء المغربي يتبين لنا أن مو اقفه متضاربة فيما يتعلق بالجهة املختصة في‬
‫قضايا الكراء التجاري‪ ،287‬والتي من بينها النزاعات المتعلقة بالسومة الكرائية‪ ،‬فهناك من‬
‫يسند االختصاص للمحكمة التجارية (أوال)‪ ،‬في حين الرأي الثاني يرى أنهـا مـن اختصاص املحاكم‬
‫العادية (ثانيا) وبين معاذين الموقفين اتخذت بعض املحاكم موقفا وسطا وهو ما يعرف‬
‫باالتجاه الذي تبنى ازدواجية االختصاص (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التوجه المؤيد الختصاص املحاكم التجارية‬

‫يرى أنصار هذا االتجاه أن املحاكم التجارية هي املختصة في النزاعات المتعلقة بعقـد‬
‫الكـراء التجـاري مـا دامـت أنـهـا متخصصـة حسب المادة ‪ 1‬من القانون املحـدث للمحاكم التجارية‬
‫بالنظرفي النزاعات المتعلقة باألصول التجارية‪.‬‬

‫وأخذت بهذا االتجاه محكمة االستئناف في التجارية بمراكش واملحاكم التجارية التابعة‬
‫لها‪ ،‬حيث جاء في قرار صادر عنها بتاريخ ‪ 29‬أكتوبر ‪ 9111‬ما يلي‪ :‬حيث إن ما ذهب إليه حكم‬
‫املحكمة التجارية من كون المقصود من النزاعات المتعلقة باألصول التجارية‪ ،‬النزاعات التي‬
‫تثور حول العقود المتعلقة باألصول التجارية كما هي محددة في مدونة التجارة باإلضافة إلى‬
‫المنازعات التي يكون األصل التجاري بكافة عناصـره موضوعا لها في غيرمحله باعتبارأن الفقرة‬
‫الخامسة من المادة الخامسة من قانون إحداث املحاكم التجاريـة تـنص صراحة على اختصاص‬
‫املحاكم التجارية بالبث في النزاعات‪ ،‬المتعلقة باألصول التجارية وال تشير إطالقا إلى كونها‬
‫تقتصر فقط على النزاعات المتعلقة باألصـول التجارية وال تشير إطالقا إلى كونها تقتصر فقط‬
‫على النزاعـات الـتـي تـثـور حـول العقود المتعلقة باألصـل التجاري‪ ،‬والتفسير الـذي أعطتـه‬
‫املحكمة التجارية ال ينسجم مع ما هو منصوص عليه في الفقرة المذكورة التي جاءت واضحة ال‬
‫تحتاج إلى تأويل‪ ،‬باإلضافة إلى أن لفظ النزاعات الواردة في الفقرة المذكورة شاملة لجميع‬
‫النزاعـات سـواء تعلق األمـربـالعقود المنصبة على األصـل التجـاري والنزاعات الرامية إلى رفض أو‬
‫تجديد العقود في إطار ظهير ‪ 24‬ماي ‪ 9111‬أو غيرها من المنازعات األخرى‪ ،‬وسواء تعلق األمر‬

‫‪287‬عبدالرحمان الشرقاوي‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.000 :‬‬

‫‪P 141‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بنزاع حول األصل التجاري برمته أو احـد عناصره‪ ،‬اذ من مناط االختصاص املحاكم التجارية هو‬
‫وجود نزاع يتعلق باألصل التجاري بصرف النظرعن كون العقد مدني و تجاري‪.288‬‬

‫وفي قرار آخر صادر عنها أيضا جاء فيه‪" :‬وحيث أنه بالرجوع إلى الفقرة الخامسة مـن‬
‫المـادة الخامسـة مـن القـانون رقم ‪ 13( 11‬يتضح بأنهـا تمـد االختصاص للمحـاكم التجارية للبث‬
‫في النزاعات المتعلقة باألصول التجارية‪ ،‬وما دام رئيس املحكمة التجارية يمارس االختصاصات‬
‫المسندة إليه بنصوص خاصة والتي لها ارتباط بالنزاعات المتعلقة باألصول التجارية‪ ،‬بوصفه‬
‫جزءا من هذه املحكمة فإنه يكون مختصا بالبث في مراجعة الوجيبة الكرائية في إطار ظهير ‪1‬‬
‫يناير ‪ 9113‬باعتبار أن مراجعة هذه الوجيبة الكرائية من شأنها التأثير في قيمة األصل التجاري‬
‫إيجابيا أو سلبيا‪ ،‬وباعتبارأن الحق في الكراء يعتبرعنصرا أساسيا في تكوين األصل التجاري"‪.289‬‬

‫ويتجلى من حيثيات هذا القرارأن املحكمة أسندت االختصاص لرئيس املحكمة التجارية‬
‫باعتبار أن مراجعة الوجيبة الكرائية تؤثر في قيمة األصل التجاري إيجابيا أو سلبيا بالنظر إلى‬
‫أن الحق في الكراء يعتبر عنصرا أساسيا في تكوين األصل التجاري‪ ،‬ولتكون محكمة االستئناف‬
‫بمراكش منسجمة مع نفسها فقد اعتبرت أن إثارة املحكمة التجارية من تلقاء نفسها مسألة‬
‫االختصاص النوعي هي مسألة مرفوضة واعتمدت عدم في هذا القول على المادة ‪ 1‬من القانون‬
‫رقم ‪ 13.11‬املحدث للمحاكم التجارية‪.‬‬

‫البالد‪ ،921‬وباعتبار أيضا أن املحاكم التجارية تعد محاكم استثنائية يتعين تحديد‬
‫النزاعات الواجـب عرضها عليهـا صـراحـة بـنص تشريعي ‪ ،931‬وأن القانون املحـدث للمحـاكم‬
‫التجارية ال يوجـد فيـه مـا يـنص على إسناد االختصاص للمحاكم التجاريـة للبـث فـي النزاعات‬
‫المتعلقة بالكراء التجاري ومن ثم فإنه يرى بضرورة االحتفاظ للمحاكم العادية بهذا‬
‫االختصاص‪ ،‬وهوما ذهبت إليه أيضا محكمة االستئناف التجارية بفاس في أحد قراراتها‪ ،‬والذي‬
‫جاء فيه‪..." :‬إن المشرع هدف إلى جعل االختصاص املخول لهذه املحكمة اختصاصا ضيقا وفي‬
‫إطارمحدود ولفائدة أشخاص معينين وألغراض خاصة وبناء على نصـوص واردة بمدونة التجارة‬
‫وهي المتعلقة بالعقود التجارية واألصـول التجارية واألوراق التجارية وصعوبة المقاولة ومساطر‬

‫‪288‬قرار أشار إليه عبد الرحمان الشرقاوي في مؤلفه‪ ،‬قانون العقود الخاصة‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬العقود الواردة على‬
‫منفعة الشيئ في عقد الكراء‪ ،‬طبعة ‪ ،0100‬ص ‪. 000 :‬‬
‫‪289‬قرار أورده الحسن البنسوسي‪ ،‬م س ‪،‬ص‪. 010 :‬‬

‫‪P 142‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التسوية والتصفية القضائية وبالتالي فإن هاته املحاكم استثنائية وال يمكنها التوسع في‬
‫االختصاص املخول لها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التوجه المؤيد الختصاص املحاكم العادية‬

‫أما هذا التوجه فكان يذهب عكس التوجه السابق بحيث يرى أن املحاكم العادية هي‬
‫املختصة بالنظر في مراجعة السومة الكرائية في األكرية التجارية نظرا إلى أن عقد الكراء في‬
‫األصل هو عقد مدني ونظرا أيضا ألن القانون الفرنس ي باعتباره المصدر التاريخي لقانون‬
‫إحداث املحاكم التجارية يجعل من نزع األكرية التجارية من إختصاص القضاء المدني‪،‬‬
‫باإلضافة الى قلة املحاكم التجارية و عدم انتشارها في جميع أنحاء البالد‪ ،‬وباعتبار أيضا أن‬
‫املحاكم التجارية تعد محاكم استثنائية يتعين تحديد النزاعات الواجـب عرضها عليهـا صـراحـة‬
‫بـنص تشريعي ‪ ،‬وأن القانون املحـدث للمحـاكم التجارية ال يوجـد فيـه مـا يـنص على إسناد‬
‫االختصاص للمحاكم التجاريـة للبـث فـي النزاعات المتعلقة بالكراء التجاري ومن ثم فإنه يرى‬
‫بضرورة االحتفاظ للمحاكم العادية بهذا االختصاص‪ ،‬وهو ما ذهبت إليه أيضا محكمة‬
‫االستئناف التجارية بفاس في أحد قراراتها‪ ،‬والذي جاء فيه‪..." :‬إن المشرع هدف إلى جعل‬
‫االختصاص املخول لهذه املحكمة اختصاصا ضيقا وفي إطار محدود ولفائدة أشخاص معينين‬
‫وألغراض خاصة وبناء على نصـوص واردة بمدونة التجارة وهي المتعلقة بالعقود التجارية‬
‫واألصـول التجارية واألوراق التجارية وصعوبة المقاولة ومساطر التسوية والتصفية القضائية‬
‫وبالتالي فإن هاته املحاكم استثنائية وال يمكنها التوسع في االختصاص املخول لها‪.290‬‬

‫وما ورد بالمقال االستئنافي من استدالل بما وقع أثناء عرض مشروع قانون إحداث‬
‫املحاكم التجارية على البرلمان وإن كان يستأنس به في إبرازنية المشرع‪ ،‬إال أنه ال يلزمنـا فـي شـيء‪،‬‬
‫إذ العبرة بما وقعت عليـه وصـدربـه ال لما كانت النوايا تهدف إلى تطبيقه أو النص عليه والعرض‬
‫أصال كان للمناقشة والتعديل والتنقيح‪ ،‬ثم إنه ال مبررلاللتفات للدفع بكون العقد األصلي ليس‬
‫بعقد تجاري و إنما انصب على كراء عقاروهو بذلك يعد عمال مدنيا صرفا ولو تم اكتساب األصل‬
‫التجاري فيه‪ ،‬إذ العبرة بالعالقة وقت قيامها ال لما آلت إليه‪ ،‬والعقود التجارية في جميع األحوال‬

‫‪290‬الحسن البنسوسي‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪. 017 :‬‬

‫‪P 143‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تولت مدونة التجارة تحديدها وتعريفها وليس من بينها عقد كراء محددا لالستعمال التجاري‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى ال يخضع عقد الكراء فيها للمبادئ التجارية كما نظمهها مدونة التجارة‪291.‬‬

‫ثم إن الغرض من إحداث املحاكم التجارية كما ورد بوجه االستئناف يقتض ي حتما كون‬
‫القضاء المدني العادي ال يمكنه القيام بنفس الدور أو أكثر‪ ،‬والو اقع أثبت عكس ذلك بما له‬
‫من والية عامة وإلمام شامل بسائرالجوانب القانونية‪"...‬‬

‫ثالثا‪ :‬ازدواجية االختصاص بين املحاكم التجارية والعاديـة للنظـرفـي الكـراءالتجاري‬

‫يرى أصحاب هذا التوجه أن االختصاص بالنظر في النزاعات المتعلقة باألكرية‬


‫التجارية ومنها المنازعات في مراجعة السومة الكرائية ينعقد تـارة للمحكمة التجارية إذا تعلق‬
‫األمر بعالقة بين تاجرين إذ يصبح العقد ذو طبيعة تجارية وتختص هذه املحكمة بالنزاعات‬
‫المتعلقة به طبقا للفقرة األولى من المادة الخامسة من قانون ‪ 13.11‬أما إذا كان المكري غير‬
‫تاجرفإن العقد يكون حينئذ مختلط لذلك تختص بالنظر فيه املحكمة االبتدائية‪.292‬‬

‫وفي األخيرنشيربهذا الخصوص إلى أن محكمة النقض تدخلت لحسم هذا الخالف وإسناد‬
‫االختصاص إلى املحاكم التجارية في قضايا األكرية التجارية من خالل القرارالصادرعنها بتاريخ‬
‫‪ 94‬نونبر‪.2119‬‬

‫وهكذا نخلص إلى أن المشرع ومن خالل القانون رقم ‪ 41.90‬الجديد تبقى توجهات‬
‫محكمة النقض المغربيـة كعقد اختصـاص فـي مـادة الـكـراء التجاري للمحاكم التجارية وبالتالي‬
‫يمكن القول على أن توجهات محكمة النقض اعتبرت كمصـدر مـن مـصـادر القانون رقم ‪41.90‬‬
‫الجديد‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬املحكمة املختصة بالنظر في دعاوى السومة الكرائية في اطار قانون‬
‫‪41.90‬‬

‫أقر القانون رقم ‪ 41.90‬إمكانية مراجعة السومة الكرائية وفق القانون رقم ‪1113‬‬
‫المتعلق بكيفية مراجعـة أثمـان كـراء املحالت المعدة للسكني أو االستعمال المنهي أو التجاري أو‬

‫‪291‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.007 :‬‬


‫‪292‬محمد المجدوبي االدريسي‪ ،‬عمل المحاكم التجارية‪ ،‬بدايته‪ ،‬اشكاليته‪ ،‬مطبعة دار السالم‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،0222‬ص ‪.11 :‬‬

‫‪P 144‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الصناعي أو الحرفي‪ ،‬وهو ما يعد لبنة أساسية في اتجاه تبسيط المسطرة بخالف التعقيد الذي‬
‫كان يلف مسطرة المطالبة بالزيادة في ظل ظهير ‪.9111‬‬

‫وبالرجوع إلى القانون رقم ‪ 11.13‬وخاصة المادة ‪ 1‬منـه نـجـده أسند االختصاص بالنظر‬
‫في المنازعات المتعلقة بالمراجعة واستيفاء والزيادة في أثمان الكراء إلى املحكمة‬

‫االبتدائية‪ ،‬إال أن القانون رقم ‪ 41.90‬أعطى إمكانية المراجعة دون التقيد بمقتضيات‬
‫القانون رقم ‪ 11.13‬حيث أحال اختصاص البث في التحديد السومة الكرائية في بعض الحاالت‬
‫للمحكمة التجارية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حاالت اختصاص املحكمة االبتدائية‬

‫يجوز لطرفي عقد كراء منظم بقانون رقم ‪ 41.90‬اللجوء إلى المسطرة التي وردت بشـأن‬
‫مراجعـة أجـرة الكـراء فـي القـانون رقـم ‪ 11.13‬المتعلـق بمراجعـة أثمـان كـراء املحالت المعدة‬
‫للسكني أو االستعمال المنهي أو التجاري أو الحرفي‪ 293‬ومن شأن هذه المسطرة إتاحة الفرصـة‬
‫لكـال الطرفين بمراجعـة مقـداراألجرة وفقا لظروفهـا ومـا ال يتعارض مع مصالحها‪ ،‬ومن ثمة يكون‬
‫للمكري طلب الزيادة في مبلغ الكراء‪ ،‬كما يكون‬

‫للمكتري المعارضة بطلب إنقاص األجرة سيان في هذا األمر إن كان مبلغ األجرة محددا‬
‫تحديدا بالتراض ي أم يرجع التحديد فيه إلى حكم قضائي سابق‪.‬‬

‫وتعتبراملحكمة االبتدائيـة هـي املحكمة املختصـة بـالنظرفي النزاعات المتعلقة بالمراجعة‬


‫واستيفاء الزيادة في أثمان الكراء سواء المنصوص عليها في العقد أم المقررة قانونا‪ ،294‬هذا وقد‬
‫سبق ملحكمة االستئناف التجارية بفاس في ظل ظهير ‪ 24‬ماي ‪ 9111‬أن اعتبرت أن "توصـل‬
‫المكتـري بإنذار فـي إطـار ظهير ‪ 11/1/24‬من أجل مراجعة الوجيبة الكرائية بعد دخول الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1/11/934‬الصادر في ‪ 91‬ذي القعدة المو افق ‪ 2111/99/31‬بتنفيذ القانون‬
‫‪ 11.13‬المتعلق بمراجعة الوجيبة الكرائية للمحالت المعدة للسكني أو االستعمال المهنـي أو‬

‫‪293‬تنص الفقرة األخيرة من المادة ‪ 0‬من القانون رقم ‪ 22600‬على ما يلي‪.." :‬تطبق على مراجعة الوجيبة الكرائية‬
‫مقتضيات القانون رقم ‪ 17612‬المتعلق بمراجعة أثمان كراء المحالت المعدة للسكني أو االستعمال المهني أو‬
‫التجاري أو الصناعي أو الحرفي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‪ 03176022 .‬بتاريخ ‪ 02‬من ذي القعدة‪،‬‬
‫‪ ،0201‬الموافق ‪21‬نونبر ‪. 0117‬‬
‫‪294‬تنص المادة ‪ 1‬من قانون رقم ‪ 17612‬على أنه‪" :‬تختص المحكمة االبتدائية بالنظر في المنازعات المتعلقة‬
‫بمراجعة واستيفاء الزيادة في أثمان الكراء سواء المنصوص عليها في العقد أو المقررة قانونا والمتعلقة بالمحالت‬
‫المشار إليها في المادة األولى من هذا القانون‪".‬‬

‫‪P 145‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التجـاري أو الصناعي أو الحرفي المنشوربالجريدة الرسمية عدد ‪ 1110‬والتي دخلت حيزالتطبيق‬


‫بتاريخ ‪ 2111/92/93‬والذي سلب االختصاص من املحاكم التجارية لفائدة املحاكم االبتدائية‪،‬‬
‫يجعل الطلب المقـدم لقاض ي الصلح والرامـي إلجرائـه يخرج عن نطـاق اختصاصـه ويجعل األمر‬
‫الصادرعنه بتحديد السومة الكرائية في غيرمحله ويتعين إلغاؤه وإرجاع الملف لقاض ي الصلح‬
‫للبث فيه طبقا للقانون‪.‬‬

‫كما جاء أيضا في األمر الصادر عن رئيس املحكمة التجارية بوجدة الذي جاء فيه "وحقا‬
‫حيث أن القانون رقم ‪ 11.13‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 9.11.934‬بتاريخ‬
‫‪ 31/99/2111‬والذي دخل حيز التنفيذ بنشره بالجريدة الرسمية عدد ‪ 1110‬بتاريخ ‪ 93‬دجنبر‬
‫‪ 2111‬أسند االختصاص للمحكمة االبتدائية بالنظرفي المنازعات المتعلقة بمراجعة واستيفاء‬
‫الزيادة في أثمان كراء املحالت المذكورة في (المادة ‪ 1‬منه) كما أنه ألغى جميع مقتضيات املخافة‬
‫له والمتعلقة بمراجعة ثمن الكراء (المادة ‪ 91‬منه) ونص صراحة على أنه يسري على الدعاوى‬
‫المسجلة بعد نشره بالجريدة الرسمية (المادة و ‪ 1‬منه)‪.‬‬

‫وحيث أنه لما كانت دعوى المدعي بمراجعة السومة الكرائية قد أقيمت بعد دخوله‬
‫القانون حيز التطبيق‪ ،‬فإنها تكون قد رفعت أمام جهة لم تعد مختصة نوعيا مما يجعلها غير‬
‫مسموعة ويتعين بالتالي التصريح بعدم قبول الطلب بشأنها"‪.295‬‬

‫وتحدد نسبة الزيادة في نسبتين قارتين هما ‪ %1‬و ‪ %91‬حسب نوعية املحل فإذا كان املحل‬
‫معدا للتجارة أو الصناعة والحرف فإن نسبة الزيادة هي ‪ %91‬من األجرة القديمة‪ ،‬ونسبة ثالثة‬
‫تبقى من السلطة التقديرية للقاض ي إذا كـان مبلغ ثمـن الكـراء ال يتجاوز ‪ 411‬درهم شهريا على‬
‫أن ال تتعدى الزيادة ‪.%11‬‬

‫ويمكن للمكتري طلب تخفيض الكراء إذا طرأت ظروف أثرت على استعمال املحل للغـرض‬
‫الـذي اكتـري مـن أجـلـه وفـق مقتضيات الفصـلين ‪ 001‬و ‪ 009‬مـن قـانـون االلتزامات والعقود‪،296‬‬
‫ولم يتحدث القانون عن نسبة التخفيض وال عن تاريخ تنفيذه‪ ،‬ويجرى العمل بالوجيبة الكرائية‬
‫الجديدة ابتداء من تاريخ المطالبة القضائية‪ ،‬إال أنه إذا عبرالمكري عن رغبته في مراجعة ثمن‬

‫‪ 295‬أمر عدد ‪ 00/12‬ملف رقم ‪ 22/12/0‬صادر بتاريخ ‪ ،07/12/0112‬غير منشور‪.‬‬


‫‪ 296‬المادة ‪ 0‬من القانون رقم ‪17612‬‬

‫‪P 146‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الكراء بتوجيه إنذار للمكتري‪ ،‬فإن سريان الوجيبة الكرائية الجديدة تبتدئ من تاريخ التوصل‬
‫باإلنذارشريطة رفع الدعوى داخل أجل ثالثة أشهرالموالية لتاريخ التوصل‪.‬‬

‫والحكم الذي يقض ي بالزيادة أو بالتخفيض يمكن استئنافه داخل أجل ‪ 31‬يوما كاملة‬
‫من تاريخ التبليغ مع اإلشارة إلى أنه ال يوقف أجل االستئناف‪ ،‬واالستئناف نفسه تنفيذ الألحكام‬
‫الصادرة في نطاق الزيادة في ثمن الكراء‪ ،‬غيرأنه يمكن ملحكمة االستئناف أن توقف التنفيذ بقرار‬
‫معلل وبناء على طلب مستقل‪ ،‬وبالتالي يعتبرالحكم القاض ي بتحديد السومة الكرائية مشمول‬
‫بالنفاذ المعجل‪.‬‬

‫إال أنه يالحظ على المادة ‪ 1‬من هذا القانون أنها شملت الحكم القاض ي بالزيادة فقط‬
‫بالنفاذ المعجل دون الحكم القاض ي باإلنقـاص مـن السـومة الكرائيـة الـذي بقي خاضع‬
‫للمسطرة العادية‪ ،‬حيث أنه بإمكانه إيقافه أثناء سريان أجل االستئناف ثم االستئناف نفسه‬
‫دون أن يحرك المكري ساكنا‪ ،‬خالفا لحالة المكتري إن هو حكم عليه بالزيادة فإنه يتحمل رفع‬
‫طلب مستقل للحصول على إيقاف تنفيذ الحكم بالزيادة وبقرارمعلل وفي هذا دون شك نوع من‬
‫المشقة والحرج على المكتري المكلف بإثبات السبب الحقيقي الداعي إلى إيقاف سريان الحكم‬
‫القاض ي بالزيادة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حاالت اختصاص املحكمة التجارية‬

‫إذا كانت المادة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 41.90‬أحالت على القانون رقم ‪ 11.13‬فيمـا يتعلق‬
‫بالمنازعات ال متعلقة بالسومة الكرائية والذي يسند االختصاص للمحكمة االبتدائية للبث في‬
‫هذه النزاعات إال أنه أعطي إمكانية مراجعهها في بعض الحاالت دون التقيد بمقتضيات القانون‬
‫رقم ‪ 11.13‬وأسند االختصاص فيها للمحكمة التجارية وتتلخص هذه الحاالت في‪:‬‬

‫أ‪ -‬حالة الهدم وإعادة البناء‪:‬‬

‫يتعين على المكري أن يقـوم داخـل أجـل شـهر مـن تـاريخ توصله بشهادة المطابقة‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 11‬من القانون رقم ‪ 192.11‬المتعلـق بـالتعمير الصادر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقـم ‪ 9.12.39‬بتاريخ ‪ 91‬من ذي الحجـة ‪ 91( 9492‬يونيـو ‪ )9111‬والمسلمة له‬
‫من طرف الجهة املختصة بإلشعارالمكتري املحل داخل أجل ثالث سنوات من تاريخ إفراغـه يحـق‬

‫‪P 144‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لـه المطالبة بالتعويض وفق مقتضيات المادة ‪ 1‬أعاله ما لم تكن أسباب التأخير خارجة عن‬
‫إرادة المكري‪.‬‬

‫والمادة ‪ 92‬من نفس القانون تنص على أنه يلزم المكتري عند تمكينه من املحل بدفع‬
‫الوجيبة الكر ائية القديمة في انتظار تحديد الشروط الجديدة للعقد إما اتفاقا أو بواسطة‬
‫املحكمة مع مراعاة العناصر الجديدة المستحدثة باملحل دون التقيد بمقتضيات القانون رقم‬
‫‪ 11.13‬المتعلق بمراجعة أثمان كراء املحالت المعدة للسكنى أو االستعمال المنهي أو التجاري أو‬
‫الصناعي أو الحرفي‪297.‬‬

‫ب‪ -‬في حالة ممارسة المكترى ألنشطة مكملة أو مرتبطة أو مختلفة ‪:‬‬

‫تسمح المادة ‪ 22‬من القانون رقم ‪ 41.90‬للمكتري بممارسة أنشطة مكملة أو مرتبطة أو‬
‫مختلفة وذلك بمو افقة المكري‪ ،‬وقد منح لرئيس املحكمة بصفته قاضيا لألمور المستعجلة‬
‫صالحية التدخل لمنح المكتـري اإلذن لممارسة هذه األنشطة‪ ،‬وذلك في حالة رفض المكري‬
‫داخل أجل شهرين طلب ممارسة األنشطة الموجه له من طرف المكتري‪ .298‬وأضافت المادة ‪23‬‬
‫من نفس القانون على أنه يحق للمكري في الحاالت المشارإليها في المادة ‪ 22‬أن يطالب بتحديد‬
‫الوجيبة الكرائية الجديدة على أن تسري من تاريخ المطالبة بها قضائيا‪.‬‬

‫ج‪ -‬حالة الكراء من الباطن‪:‬‬

‫أجاز القانون الجديد إمكانية الكراء من الباطن‪ ،‬ما لم يتضمن العقد مقتض ى صريحا‬
‫يمنع هذه العملية‪ ،‬وعلى أساس أن تبقى العالقة بين المكري والمكتري األصلي‪ ،‬ويبقى المكتريان‬
‫األصلي والفرعي يتحمالن على وجه التضامن جميع االلتزامات الواحدة في العقد من قبيل أداء‬
‫الوجيبة وتوابعها‪.299‬‬

‫ويحق للمكري إذا كانت قيمة الكراء من الباطن تفوق قيمة الكراء األصلي‪ ،‬مراجعة‬
‫السومة الكرائية إما اتفاقا أو قضاء‪ ،‬وفي الحالة األخيرة تراعي املحكمة الفرق بين السومتين‬

‫‪297‬مصطفى بونجة‪ ،‬م س ‪ ،‬ص ‪. 021 :‬‬


‫‪298‬المادة ‪ 00‬من القانون رقم ‪.22600‬‬
‫‪299‬وزارة العدل و الحريات‪ ،‬القانون رقم ‪ 22600‬في شروح ‪ ،‬طبعة فبراير ‪ ، 0107‬ص‪. 00 :‬‬

‫‪P 142‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫دون أن تتقيد بمقتضيات القانون رقم ‪ 11.13‬المتعلـق بمراجعة أثمـان كـراء املحالت المعدة‬
‫للسكني أو االستعمال المنهي أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫وختاما يمكن القول أن إشكالية مراجعة الوجيبة الكرائية إشكالية معقدة استعص ى‬
‫لحد اآلن على المشرع إيجاد حل ناجع لها‪.‬‬

‫ومن أبرزمظاهرهذا التعقيد أن لها ارتباطا مباشرا بعدة جوانب اجتماعية و اقتصادية‬
‫وسيكولوجية وقانونية ‪ ،‬بحيث هناك تداخالت بين كل هذه العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬إذ‬
‫كلما سعى أحد أطراف التعاقد إلى المطالبة بمراجعة السومة الكرائية وديا أو قضائيا إال وبرز‬
‫على السطح تضارب في المصالح ومواجهة نفسية وقانونية من آثارها إخالل اجتماعي‬
‫و اقتصادي‪ ،‬لذلك الحظنا أنه منذ بداية القرن الماض ي والمشرع يتدخل إلى جانب المكري أو‬
‫المكتري من أجل الحفاظ على التوازن العقدي والحد من غلو سلطان اإلرادة‪.‬‬

‫وقد تجلى هذا التدخل بإصدارما يناهز‪ 30‬نصا قانونيا تنظم كلها العالقة الكرائية عامة‬
‫والسومة الكرائية على وجه الخصوص كان من بينها قانون رقم ‪ 01.92‬والقانون ‪ 41.90‬و آخرها‬
‫القانون رقم‪ 13.11‬المتعلق بمراجعة أثمان كراء املحالت المعدة للسكني أو اإلستعمال المنهي‬
‫أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 9.11.934‬بتاريخ ‪31‬‬
‫نوفمبر‪.2111‬‬

‫وبالرغم من كثرة هذه القوانين اال أنها لم تأتي بحلول جذرية و ناجعة إلشكالية مراجعة‬
‫السومة الكرائية‪ ،‬ولذا وجب التفكير في اصدار قانون موحد قادر على حل اشكالية الوجيبة‬
‫الكرائية للحد من مداها و انعكاساتها االجتماعية و االقتصادية و النفسية‪.‬‬

‫وتأسيس على ماسبق نقترح ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إصدار نصوص قانونية أمرة تحدد السومة الكرائية انطالقا من مجموعة من‬
‫المعطيات والظروف اإلقتصادية واإلجتماعية املحددة سلفا‪.‬‬

‫‪P 147‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬تحديد الرؤية بالنسبة لمراجعة السومة الكرائية زيادة وتخفيضا مع األخذ بعين‬
‫االعتبارالظروف اإلقتصادية واإلجتماعية املحيطة بطلب المراجعة‪.‬‬

‫‪ -‬جمع شتات النصوص القانونية المتعلقة بالكراء في مدونة واحدة‪.‬‬

‫‪ -‬منح القضاء السلطة التقديرية التي كان يتمتع بها في إقرار السومة الكرائية الجديدة‬
‫مع تحديد ضوابط معينة لذلك‪ ،‬ألن ضابط مرور الثالث سنوات غير كافي ‪ ،‬إذ ال بد من حدوث‬
‫تغيرات في الظروف اإلقتصادية العامة أو حدوثها على مستوى محيط العين المكتراة‪.‬‬

‫المراجع المعتمدة‪:‬‬

‫الكتب‪:‬‬

‫‪ -‬لعربي محمد مياد‪ ،‬الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية و المهنية على ضوء القانون‬
‫رقم ‪ 01.92‬و القانون المقارن‪ ،‬طبعة ‪ ،2194‬دارالنشر‪ :‬المطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪.‬‬

‫‪ -‬أنورطلبه ‪ ،‬الوسيط في القانون المدني ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬العقود المسماة ‪ ،‬االسكندرية‬


‫‪.:‬دارالفكرالعربي ‪ ،‬طبعة ‪.9111‬‬

‫‪ -‬العربي مياد مراجعة الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية والمهنية في ضوء التشريع‬
‫والقضاء‪ ،‬مطبعة دارالقلم‪ ،‬الطبعة األولى‪.2113 ،‬‬

‫‪ -‬مصطفى بونجة في مؤلفه الكراء التجاري بين ظهير ‪ 24‬ماي ‪ 9111‬وقانون رقم ‪،41.90‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2190‬دارالنشر‪:‬مشورات المركزالمغربي للتحكيم ومنازعات األعمال‪.‬‬

‫‪ -‬نزهة الخالدي‪ :‬الوجيز في العقود المسماة عقد البيع‪ ،‬عقد الكراء وفقا لقانون‬
‫االلتزامات والعقود المغربي والقوانين المقارنة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2190‬مطبعة تطوان‬
‫‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمان الشرقا في‪ :‬قانون العقود الخاصة‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬العقود الواردة على‬
‫منفعة الش يء عقد الكراء‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،2190‬دارالسالم للطباعة و النشرو التوزيع‪.‬‬

‫الرسائل و األطروحات‪:‬‬

‫‪P 120‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬الحسين البنسوس ي‪ ،‬مراجعة السومة الكرائية للمحالت السكنية و التجارية بين‬


‫األهمية القانونية و التطبيق العملي في التشريع المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في‬
‫القانون الخاص‪،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية –طنجة‪ -‬السنة‬
‫الجامعية ‪.2192-2199‬‬

‫األحكام و القرارات القضائية‪:‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 1‬بتاريخ ‪ 20‬يناير ‪ 9119‬ملف اجتماعي عدد ‪ 10213‬منشور بمجلة قضاء‬
‫املجلس األعلى عدد ‪ 21‬ص ‪.931‬‬

‫قرار مؤرخ في ‪ 21‬أبريل ‪ 9113‬ملف رقم ‪ 19004‬منشور باملجلة القضائية لسنة ‪9114‬‬ ‫‪-‬‬
‫العدد ‪ -‬األول ص ‪.01‬‬

‫‪ -‬قرار رقم ‪ 119‬بتارخ ‪ 31‬أكتوبر ‪ 9111‬في الملف المدني عدد ‪ 9 /14 /231‬منشور بمجلة‬
‫رابطة القضاة عدد ‪، 91-94‬ص‪. 11 :‬‬

‫‪ -‬أمرعدد ‪ 02/11‬ملف رقم ‪ 33/11/9‬صادربتاريخ ‪ ،91/14/2111‬غيرمنشور‪.‬‬

‫المقاالت‪:‬‬

‫‪ -‬الههامي مشتاق الوجيبة الكرائية ما بين التحديد اإلتفاقي والقضائي الوجيبة الكرائية‬
‫مابين التحديد اإلتفاقي والقضائي‪ ،‬مقال منشور في األنترنت على موقع‬
‫‪ ./https://www.aljami3a.com‬تاريخ االطالع ‪. 2122-11-92 :‬‬

‫‪ -‬الوجيبة الكرائية للمحالت المعدة للسكنى و االستعمال المنهي‪ ،‬عرض قدمه طلبة‬
‫ماستر القانون و التعمير بكلية العلوم القانونية – السويس ي‪ -‬السنة الجامعية ‪-2191‬‬
‫‪.2121‬‬

‫‪ -‬النهاري بوبكر‪ :‬بدل الكراء تحديده ومراجعته في المغرب بين حرية التعاقد وتدخل‬
‫الدولة‪ ،‬مقـال منشور بمجلة الميادين‪ ،‬العدد الثامن السنة ‪ ،.9113‬منشورات جامعة‬
‫محمد األول كليـة العلـوم القانونيـة واالقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬وجدة‪.‬‬

‫‪ -‬عرض قدمه طلبة ماستر العقار و التعمير تحت عنوان الوجيبة الكرائية للمحالت‬
‫األنترنت‪،‬‬ ‫موجودعلى‬ ‫المنهي‪،‬‬ ‫االستعمال‬ ‫و‬ ‫للسكنى‬ ‫المعدة‬

‫‪P 121‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ ، https://www.elkanounia.com‬ص ‪ ،91‬تاريخ االطالع ‪ .2122-10-19‬على الساعة‬


‫الثانية زواال‪.‬‬

‫القوانين‪:‬‬

‫‪ -‬القانون ‪ 01.92‬لمتعلق بتنظيم العالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت‬


‫المعدة للسكنى أو لالستعمال المنهي‪.‬‬

‫‪ -‬القانون ‪ 41.90‬المتعلق بكراء العقارات أو املحالت املخصصة لالستعمال التجاري أو‬


‫الصناعي أو الحرفي‪.‬‬

‫‪ -‬قانون ‪ 11.13‬المتعلق بمراجعة أثمان كـراء املحـالت المعـدة للـسكني أو االستعمال‬


‫المنهي‪.‬‬

‫‪ -‬وزارة العدل و الحريات‪ ،‬القانون رقم ‪ 41.90‬في شروح ‪ ،‬طبعة فبراير‪.2191‬‬

‫المراجع المعتمدة‪:‬‬

‫الكتب ‪:‬‬

‫‪ -‬سليمان مرقس ‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني ‪ ،‬في العقود المساة عقد اإليجار ‪،‬‬
‫الطبعة الرابعة ‪ ،‬طبعة ‪ ، 9113‬مطبعة دارالنهضة العربية ‪ ،‬مصر‪ ،‬دارالنشر‪ :‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ -‬لعربي محمد مياد‪ ،‬الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية و المهنية على ضوء القانون‬
‫رقم ‪ 01.92‬و القانون المقارن‪ ،‬طبعة ‪ ،2194‬دارالنشر‪ :‬المطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪.‬‬

‫‪ -‬أنورطلبه ‪ ،‬الوسيط في القانون المدني ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬العقود المسماة ‪ ،‬االسكندرية‪:‬‬


‫دارالفكرالعربي ‪ ،‬طبعة ‪.9111‬‬

‫‪ -‬العربي مياد مراجعة الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية والمهنية في ضوء التشريع‬
‫والقضاء‪ ،‬مطبعة دارالقلم‪ ،‬الطبعة األولى‪.2113 ،‬‬

‫الرسائل و األطروحات‪:‬‬

‫‪P 122‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬رشيدة الدياري‪ :‬حماية حق الكراء التجاري من خالل القوانين المنظمة‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية – طنجة‪-‬‬
‫السنة الجامعية ‪.2190-2191 :‬‬

‫‪ -‬الحسين البنسوس ي‪ ،‬مراجعة السومة الكرائية للمحالت السكنية و التجارية بين‬


‫األهمية القانونية و التطبيق العملي في التشريع المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماسترفي القانون‬
‫الخاص‪،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية –طنجة‪ -‬السنة الجامعية ‪-2199‬‬
‫‪.2192‬‬

‫‪ -‬مصطفى بونجة في مؤلفه الكراء التجاري بين ظهير ‪ 24‬ماي ‪ 9111‬وقانون رقم ‪،41.90‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2190‬دارالنشر‪:‬مشورات المركزالمغربي للتحكيم ومنازعات األعمال‪.‬‬

‫‪ -‬نزهة الخالدي‪ :‬الوجيز في العقود المسماة عقد البيع‪ ،‬عقد الكراء وفقا لقانون‬
‫االلتزامات والعقود المغربي والقوانين المقارنة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2190‬مطبعة تطوان‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمان الشرقا في‪ :‬قانون العقود الخاصة‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬العقود الواردة على‬
‫منفعة الش يء عقد الكراء‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،2190‬دارالسالم للطباعة و النشرو التوزيع‪.‬‬

‫‪ -‬محمد أحمد بونبات‪ :‬كراء املحالت التجارية‪ ،‬ظهير‪ 24‬ماي ‪ ،9111‬الطبعة األولى ‪،2111‬‬
‫مراكش ‪ :‬المطبعة و الور اقة الوطنية‪.‬‬

‫‪ -‬محمد املجدوبي االدريس ي‪ ،‬عمل املحاكم التجارية‪ ،‬بدايته‪ ،‬اشكاليته‪ ،‬مطبعة دار‬
‫السالم‪ ،‬الطبعة األولى‪.9111 ،‬‬

‫األحكام و القرارات القضائية‪:‬‬

‫‪ -‬حكم بتاريخ ‪ 91‬أبريل ‪ 9111‬ملف رقم ‪ 9221/14‬منشور بمجلة الحاكم المعربية ‪ ،‬عدد‬
‫‪.931 11-11‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 331‬بتاريخ ‪ 1‬مارس ‪ 9114‬في الملف المدني عدد ‪ 10342‬منشور بمجلة‬
‫املحاكم المغربية عدد ‪.34‬‬

‫‪ -‬قراررقم ‪ 2914/19‬بتاريخ ‪20‬مارس ‪ ، 9110‬منشوربمجلة املجلس األعلى ‪ ،‬عدد األول‪.‬‬

‫‪P 123‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬حكم عدد ‪ 2921‬ملف مدني رقم ‪ 919/10/2111‬صادر بتاريخ ‪ ،99/ 99/2111‬غير‬


‫منشور‪.‬‬

‫‪ -‬حكم عدد ‪ 9113/1/1‬ملف مدني رقم ‪ 9911/2111‬صادر بتاريخ ‪ 21/91/2111‬غير‬


‫منشور‪.‬‬

‫‪ -‬حكم عدد ‪ 2212‬ملف مدني‪ ،‬رقم ‪ 14/0/2111‬بتاريخ ‪.20/99/2111‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ 1‬بتاريخ ‪ 20‬يناير ‪ 9119‬ملف اجتماعي عدد ‪ 10213‬منشور بمجلة قضاء‬
‫املجلس األعلى عدد ‪ 21‬ص ‪.931‬‬

‫‪ -‬قرار مؤرخ في ‪ 21‬أبريل ‪ 9113‬ملف رقم ‪ 19004‬منشور باملجلة القضائية لسنة ‪9114‬‬
‫العدد ‪ -‬األول ص ‪.01‬‬

‫‪ -‬قرار رقم ‪ 119‬بتارخ ‪ 31‬أكتوبر ‪ 9111‬في الملف المدني عدد ‪ 9 /14 /231‬منشور بمجلة‬
‫رابطة القضاة عدد ‪، 91-94‬ص‪.11 :‬‬

‫‪ -‬أمرعدد ‪ 02/11‬ملف رقم ‪ 33/11/9‬صادربتاريخ ‪ ،91/14/2111‬غيرمنشور‪.‬‬

‫المقاالت ‪:‬‬

‫‪ -‬الههامي مشتاق الوجيبة الكرائية ما بين التحديد اإلتفاقي والقضائي الوجيبة الكرائية‬
‫مابين التحديد اإلتفاقي والقضائي‪ ،‬مقال منشور في األنترنت على موقع‬
‫‪https://www.aljami3a.com/.‬تاريخ االطالع ‪.2122-11-92 :‬‬

‫‪ -‬الوجيبة الكرائية للمحالت المعدة للسكنى و االستعمال المنهي‪ ،‬عرض قدمه طلبة‬
‫ماسترالقانون و التعميربكلية العلوم القانونية – السويس ي‪ -‬السنة الجامعية ‪.2121-2191‬‬

‫‪ -‬النهاري بوبكر ‪ :‬بدل الكراء تحديده ومراجعته في المغرب بين حرية التعاقد وتدخل‬
‫الدولة‪ ،‬مقـال منشور بمجلة الميادين‪ ،‬العدد الثامن السنة ‪ ،.9113‬منشورات جامعة محمد‬
‫األول كليـة العلـوم القانونيـة واالقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬وجدة‪.‬‬

‫‪P 124‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬عرض قدمه طلبة ماستر العقار و التعمير تحت عنوان الوجيبة الكرائية للمحالت‬
‫المعدة للسكنى واالستعمال المنهي‪ ،‬موجود على موقع ‪ ،https://www.elkanounia.com‬ص‬
‫‪ ،91‬تاريخ االطالع ‪ .2122-10-19‬على الساعة الثانية زواال‪.‬‬

‫القوانين‪:‬‬

‫‪ -‬القانون ‪ 01.92‬لمتعلق بتنظيم العالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت‬


‫المعدة للسكنى أو لالستعمال المنهي‪.‬‬

‫‪ -‬القانون ‪ 41.90‬المتعلق بكراء العقارات أو املحالت املخصصة لالستعمال التجاري أو‬


‫الصناعي أو الحرفي‪.‬‬

‫‪ -‬قانون ‪ 11.13‬المتعلق بمراجعة أثمان كـراء املحـالت المعـدة للـسكني أو االستعمال‬


‫المنهي‪.‬‬

‫‪ -‬وزارة العدل و الحريات‪ ،‬القانون رقم ‪ 41.90‬في شروح ‪ ،‬طبعة فبراير ‪.2191‬‬

‫‪P 125‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫خطاب ذكرى ل‪ 01‬مبناسبة ثورة امللك والشعب‬


‫بني حماوالت أعداء الوحدة الرتابية وآفاق‬
‫االستحقاقات االنتخابية لسنة ‪2129‬‬
‫‪Anniversary speech of the 68th on the occasion of the revolution of the king and the people‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫من المعلوم أن خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك والشعب المؤرخ في ‪ 21‬غشت‬
‫‪ ، 2129‬جاء في سياق سلسلة متواصلة من الخطب الملكية التي جاءت مطبوعة بالطموح‬
‫والوضوح والو اقعية من جهة ‪ ،‬وروح الشفافية وتحديد األهداف بشكل واضح للسياسات‬
‫وللدبلوماسية المغربية من جهة أخرى‪ ،‬كما يأتي في إطار تأكيد مضامين خطاب العرش املجيد‬
‫المؤرخ في ‪ 39‬يوليوز ‪ ، 2129‬وفي ظل التطورات الميدانية األخيرة التي تعرفها قضية الوحدة‬
‫الترابية‪300.‬‬

‫ويعرف خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك والشعب بأنه توجهات الدولة المغرية في‬
‫رسم البرنامج الحكومي و السياسات واالستراتيجيات لجميع القوى الحية لألمة في إطار احترام‬
‫الدستور وحسن سير المؤسسات وحماية المصالح العليا للوطن والمواطنين وتكريس دولة‬
‫الحق والقانون والمؤسسات‪.‬‬

‫ونظرا ألهمية التوجه السياس ي واالستراتيجي للدولة المغربية في بناء دبلوماسية ناعمة‬
‫وفعالة ضد أعداء وخصوم الوحدة الترابية واستحضار التحديات التنموية لالستحقاقات‬
‫االنتخابية لسنة ‪ ،2129‬فإن اإلشكالية المركزية تتمثل فيما يلي‪ :‬كيف سيتعامل المغرب‬
‫مستقبال مع هذه الههديدات واألزمات‬

‫‪300‬مداخلة محمد تاج الدين الحسيني‪ ،‬خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك والشعب‪ ،‬مشاركة في برنامج قناة ميدي ‪0‬‬
‫تيفي‪ ،‬يوم ‪ 01‬غشت ‪.0100‬‬

‫‪P 126‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المتواصلة والمتكررة من طرف أعداء الوحدة الترابية والتحديات التنموية في أفق رسم‬
‫إستراتيجية جديدة للسياسات وللدبلوماسية المغربية واالستحقاقات االنتخابية لسنة ‪2129‬؟‬
‫وتحت هاته اإلشكالية املحورية تتفرع عنها التساؤالت التالية‪ :‬ما هي محاوالت أعداء الوحدة‬
‫الترابية؟ وما هي آفاق االستحقاقات االنتخابية لسنة ‪2129‬؟‬

‫ولمعالجة الموضوع من جميع جوانبه‪ ،‬ارتأيت اعتماد التقسيم التالي‪ :‬المبحث األول‪:‬‬
‫محاوالت أعداء الوحدة الترابية‪ .‬المبحث الثاني‪ :‬آفاق االستحقاقات االنتخابية لسنة ‪.2129‬‬

‫المبحث األول‪ :‬محاوالت أعداء الوحدة الترابية‬

‫من الواضح جدا أن المناورات واالستفزازات المتواصلة والمتكررة من طرف أعداء‬


‫الوحدة الترابية‪ ،‬جاءت نتيجة التوجه السياس ي واالستراتيجي للدولة المغربية في رسم ركائز‬
‫ومعايير للسياسات والدبلوماسية المغربية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي‪ .‬وعليه‪،‬‬
‫سوف نتناول دعوة العاهل المغربي لفتح الحدود البرية مع الدولة الجزائرية في خطاب العرش‬
‫لسنة ‪ 2129‬في المطلب األول والمناورات الدبلوماسية للدولة الجزائرية في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬دعوة العاهل المغربي لفتح الحدود البرية مع الدولة الجزائرية في خطاب‬
‫العرش لسنة ‪2129‬‬

‫في إطارمواصلة الدولة الجزائرية وحلفائها مناوراتها واستفزازاتها المتواصلة والمتكررة‬


‫ضد المغرب بشأن قضية الوحدة الترابية‪ ،‬فإن العاهل المغربي الملك محمد السادس يدعو‬
‫الجزائر إلى فتح الحدود البرية والتعاون وحسن الجوار ‪ ،‬وذلك من خالل وضع آلية مشتركة‬
‫ثنائية أو متعددة األطراف لدراسة القضايا الخالفية والبحث عن الحلول المناسبة لها وفق‬
‫تغليب منطق الحكمة‪ ،‬والمصالح العليا من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف الذي يضيع‬
‫طاقات بين البلدين‪ ،‬في خطاب العرش املجيد المؤرخ‬

‫في ‪ 39‬يوليوز‪301.2129‬وينبغي التذكيرإلى أن دعوة العاهل المغربي للدولة الجزائرية تدل‬


‫بشكل واضح على مصداقية الدبلوماسية الملكية الناعمة في التعامل مع القضايا الخالفية‬

‫‪301‬مداخلة عبد الفتاح نعوم‪ ،‬الجزائر تتهم المغرب بتنفيذ أعمال عدائية ضدها‪ ..‬هل تتجه العالقات للقطيعة؟‪،‬مشاركة في‬
‫برنامج إسأل أكثر ‪ RT‬العربية‪ ،‬يوم ‪ 01‬غشت ‪.0100‬‬

‫‪P 124‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بشكل يخدم المصالح العليا للبلدين ولدول المنطقة على صعيد المنطقة على المستوى‬
‫اإلقليمي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المناورات الدبلوماسية للدولة الجزائرية‬

‫بالرجوع إلى بيان رئاسة الدولة الجزائرية المؤرخ في ‪ 91‬غشت ‪ 2129‬بشأن إعادة تقييم‬
‫العالقات المغربية الجزائرية بما وصفهها باألعمال العدائية المتكررة للمغرب ضد الجزائر‬
‫واستحضار دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس لفتح الحدود البرية حسب الخطاب‬
‫الملكي السامي بمناسبة عيد العرش املجيد المؤرخ في ‪ 39‬يوليوز ‪ ،2129‬فإن الدولة الجزائرية‬
‫تواصل المناورات واالستفزازات الدبلوماسية ضد المغرب من خالل انصر افها عن األزمات‬
‫السياسية والصحيةواالقتصادية الداخلية والتوجه نحو انشغال الرأي العام الدولي باألزمات‬
‫الخارجية ضد الحدود المغربية الجزائرية‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن األعمال العدائية المتكررة للمغرب حسب بيان رئاسة الدولة‬
‫الجزائرية تتجلى أساسا في تعدي ممثل المغرب لدى األمم المتحدة على الجزائر عندما تكلم‬
‫خارج إطار القانون بشأن منطقة القبائل وتجسس المغرب للجزائر حسب برنامح بيغاسوس‬
‫التابع لدولة إسرائيل وتأمرالمغرب مع الكيان الصهيوني من أجل تعيين عضو مر اقب في األمم‬
‫المتحدة وتصريح الخارجية الكيان الصهيوني بأن الجزائر تتعاون مع الدولة اإليرانية‬
‫ومسؤولية وقوف المغرب مع إسرائيل على حرائق الغابات من خالل دعم منظمات إرهابية التي‬
‫تقف وراء هذه الحرائق‪302.‬‬

‫كما أنها تواصل تشويه صورة المؤسسة األمنية ومحاولة التأثير على قوتها وفعاليهها‪ ،‬في‬
‫الحفاظ على أمن واستقرار المغرب؛ إضافة إلى الدعم والتنسيق‪ ،‬الذي تقوم به في محيطنا‬
‫اإلقليمي والدولي‪ ،‬باعتراف عدد من الدول نفسها‪.‬و اسههداف المغرب من طرف بعض الدول‬
‫والمنظمات المعروفة بعدائها لبالدنا‪ ،‬ألنه دولة عريقة ‪ ،‬تمتد ألكثرمن إثني عشرقرنا‪ ،‬فضال عن‬
‫تاريخها األمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة‪ ،‬منذ أزيد من أربعة قرون‪ ،‬في ارتباط‬
‫قوي وتالحم وتكامل وتضامن وتعاون بين العرش وجميع مكونات الشعب بقيادة المؤسسة‬

‫‪302‬الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد بمناسبة عيد العرش المجيد المؤرخ في ‪ 20‬يوليوز ‪.0100‬‬

‫‪P 122‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الملكية على الرغم من تنوعها وتعددها ‪ ،‬وكذا لما يتمتع به من نعمة األمن واالستقرارالسياس ي‬
‫على خالف ما تشهده دول المنطقة على المستوى اإلقليمي وعلى مستويات متعددة ‪303.‬كما أن‬
‫المناورات واالستفزازات المتواصلة والمتكررة ضد المغرب من طرف أعداء الوحدة الترابية ‪،‬‬
‫بما في ذلك الجزائر وألمانيا وإسبانيا الذين يحاولون قدر اإلمكان تغليط الرأي العام الدولي‬
‫باألخبار الزائفة التي ال أساس لها من الصحة ‪ ،‬وذلك بفعل استخدام الوسائل الشرعية وغير‬
‫الشرعية لتوريط المغرب في مشاكل وخالفات مع بعض الدول ووضع تقارير في عرقلة مسيرته‬
‫التنموية وعدم مسايرة بعض قادة األوروبيون ومالئمة أنظمههم السياسية التي تعيش على‬
‫الماض ي لهذه التطورات والتحوالت الجيو اإلستراتيجية والمتغيرات الجيو السياسية‬
‫المتواجدة في الساحة الدولية عموما و اإلقليمية تحديدا‪304.‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬آفاق االستحقاقات االنتخابية لسنة ‪2129‬‬

‫ال أحد يجادل في أن دور االستحقاقات االنتخابية لسنة ‪ 2129‬يتجلى أساسا في تحديث‬
‫الدولة المغربية من خالل إنتاخ نخب مؤهلة قادر على استحضار اإلختالالت الجوهرية‬
‫لالقتصاد الوطني والتداعيات الصحية والتحديات االجتماعية التي مازلت إلى حدود الساعة‬
‫يعاني منها شريحة كبيرة من المغاربة على الرغم من تعاقب الحكومات وتراكم أوراش الحماية‬
‫االجتماعية‪ .‬وتبعا لذلك‪ ،‬سوف نتطرق إلى سياق تنزيل التقرير العام من طرف لجنة النموذج‬
‫التنموي الجديد في المطلب األول و التحديات التنموية في أفق النموذج التنموي الجديد لعام‬
‫‪ 2131‬في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬سياق تنزيل التقريرالعام من طرف لجنة النموذج التنموي‬

‫الجديد الشك أن السياق الذي يعرفه المغرب إزاء التطورات الميدانية‬


‫المتسارعة والتحوالت الجيواالستراتيجية والجيوالسياسية والتداعيات الصحية ألزمة كوفيد‬
‫‪ 91‬وحجم التحديات التنموية ‪ ،‬جعلت من المغرب أن يقدم على خطوات طموحة وشجاعة في‬

‫‪303‬مداخلة أحمد مفيد‪ ،‬خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك والشعب ‪ ،‬مشاركة في برنامج قناة ميدي ‪ 0‬تيفي‪ ،‬يوم ‪01‬‬
‫غشت ‪.0100‬‬

‫‪304‬الخطاب الملكي السامي بمناسبة خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك والشعب المؤرخ في ‪ 01‬غشت ‪.0100‬‬

‫‪P 127‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التفكيرفي إعداد نموذج تنموي جديد يحد من المشاكل واالختالالت البنيوية لالقتصاد الوطني‪،‬‬
‫سواء تعلق األمربإنتاج نخب وكفاءات‬

‫وطاقات مؤهلة لرفع مستوى الرهانات اآلنية والمستقبلية لبناء مغرب الغد‪.‬‬

‫كما أن الوضع الديمقراطي والتنموي والحقوقي الحالي يتطلب من الجميع استحضار‬


‫اليقظة والمواكبة ملختلف تطورات التوجه االستراتجي والسياس ي للدولة المغرية من خالل‬
‫آلية دمقرطة مؤسسات الدولة واملجتمع والتنسيق المستمر لجميع القوى الحية لألمة في أفق‬
‫تحقيق نتائج ملموسة ومرضية وشافية لكل المغاربة في االنتخابات التشريعية والجهوية‬
‫واملحلية لسنة ‪ ، 2129‬بما في ذلك القطاعات اإلنتاجية وتحديث ورش الجهوية المتقدمة التي‬
‫هي آلية لتغيير طريقة االشتغال والعمل داخل هياكل الدولة المغربية ‪ ،‬وذلك بما يتناسب‬
‫ويتكامل مع أهداف وروية النموذج التنموي الجديد وضمان مرتكزات التنمية المستدامة‪305.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التحديات التنموية في أفق النموذج التنموي الجديد لعام ‪2131‬‬

‫بالموازاة مع محاوالت أعداء الوحدة الترابية‪ ،‬فإن المغرب مقبل على استحقاقات ملحة‬
‫بشأن االنتخابات التشريعية والجهوية واملحلية بتاريخ ‪ 1‬شتنبر ‪ 2129‬والتي تتزامن مع مرحلة‬
‫جديدة من المشاريع واإلصالحات في إطار تنزيل النموذج التنموي وتفعيل الميثاق الوطني من‬
‫أجل التنمية‪ .‬على ضوء التقريرالعام الذي قدمته لجنة النموذج التنموي الجديد بتاريخ ‪ ،‬حيث‬
‫أن االنتخابات ليست غاية في حد ذاتها‪ ،‬و إنما هي وسيلة إلقامة مؤسسات ذات مصداقية ‪،‬‬
‫تخدم مصالح المواطنين‪ ،‬وتدافع عن قضايا الوطن‪ ،.‬وهذا ما أكده العاهل المغربي الملك‬
‫محمد السادس في أكثرمن مناسبة الذي بين للعالم أن الدولة المغربية تكون قوية بمؤسساتها‪،‬‬
‫وبوحدة وتالحم مكوناتها الوطنية‪ ،‬وهذا هو سالح للمغرب للدفاع عن البالد‪ ،‬في وقت الشدة‬
‫واألزمات والههديدات‪306.‬‬

‫‪305‬ميلود بلقاضي‪ ،‬قراءة في خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك والشعب المؤرخة في ‪ 01‬غشت ‪ ،0100‬مشاركة في‬
‫برنامج قناة ميدي ‪ 0‬تيفي‪ ،‬يوم ‪ 00‬غشت ‪.0100‬‬

‫‪306‬مداخلة عبد العزيز الروماني‪ ،‬خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك والشعب ‪ ،‬مشاركة في برنامج قناة ميدي ‪ 0‬تيفي‪،‬‬
‫يوم ‪ 01‬غشت ‪ .0100‬وللمزيد من التوضيح راجع مداخلة عبد العزيز القراقي‪ ،‬مضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى ‪01‬‬
‫لثورة الملك والشعب‪ ،‬مشاركة في برنامج دوزيم ‪ ،‬يوم ‪ 00‬غشت ‪.0100‬‬

‫‪P 170‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫وتأسيسا على ماسبق ‪ ،‬يتضح أنه في خضم التطورات الميدانية التي تعيشها المملكة‬
‫المغربية اليوم على ضوء احترام االلتزامات الدستورية بشأن انتظام االنتخابات التشريعية‬
‫والجهوية واملحلية الذي يشكل عمق الممارسة الديمقراطية ونضج البناء الديمقراطي لما راكم‬
‫المغرب من الخبرة والتجربة و تعزيزا لمضامين التقرير العام الذي أعدته لجنة النموذج‬
‫التنموي الجديد يوم الثالثاء ‪ 21‬ماي ‪ 2129‬الذي أكد على ضرورة مواكبة القوى الحية لألمة‬
‫لهذه األرواش اإلصالحية الكبرى من أجل تصويب المعيقات وتجديد النموذج التنموي الجديد‬
‫نتيجة فشل خيارات سياسية منذ حصول المغرب على االستقالل وإلى حدود الساعة‪ ،‬حيث‬
‫يجب على جميع الفعاليات املجتمعية األخذ بعين االعتباروالحسبان التدابيرالتالية‪:‬‬

‫‪-‬ضرورة وجود الرؤية اإلستراتيجية المندمجة والشاملة على مدى البعيد يتبناها كافة‬
‫المتدخلين في مجال السياسات العمومية‪.‬‬

‫‪-‬الحث على االنسجام سواء على مستوى تصور اإلصالحات وتنفيذها أو على مستوى‬
‫تتنزيل السياسات العمومية وتطبيقها من خالل غياب مرجعية مشتركة وبدون تنسيق بين‬
‫الفاعلين‪ ،‬مما ال يساعد على تحديد األولويات واألخذ بعين االعتبار الموارد المتاحة والقدرات‬
‫الحقيقة للفاعلين‪.‬‬

‫‪-‬اإلسراع في دينامية التحول الهيكلي لالقتصاد المغربي نتيجة انفتاح املحدود على‬
‫الفاعلين الجدد األكثرإبداعا وتنافسية وبإمكانهم االستثمارفي قطاعات قادرة على خلق الثروة‬
‫ومناصب الشغل‪ ،‬حيث يعزى ذلك أساسا إلى ضعف الضبط والتقنين و هيمنة منطق الريع في‬
‫بعض القطاعات في ظل وجود نظام دعم عمومي يغذي ذلك‪.‬‬

‫‪-‬الحث على التنافسية االقتصاد الوطني جراء التكلفة المرتفعة لعوامل اإلنتاج‪.‬‬

‫‪-‬تقوية القدرات املحدودة للقطاع العام في صياغة وتفعيل الخدمات العمومية ذات‬
‫جودة وسهلة الولوج خصوصا في قطاعات مهمة تمس الحياة اليومية للمواطن وذلك يعزى إلى‬

‫‪P 171‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ضعف روح المبادرة وسيادة ثقافة االمتثال والمطابقة والتركيز على الموارد بدل إبالء األولوية‬
‫لمنطق جودة األداء والنتائج داخل اإلدارة العمومية‬

‫‪ -‬الشعور بالحماية القضائية وقدرتها على توقع النصوص القانونية والتي تترك مجاال‬
‫واسعا للتأويل وضعف م نسوب الثقة في بعض المؤسسات وعبء البيروقراطية‪ ،‬مما يكبح‬
‫المشاركة ويحد من المبادرة‪307.‬‬

‫الئحة المراجع‬

‫الخطب الملكية‬

‫الخطاب الملكي السامي بمناسبة خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك‬ ‫‪‬‬
‫والشعب المؤرخ في ‪ 21‬غشت ‪.2129‬‬

‫الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش املجيد بمناسبة عيد العرش‬ ‫‪‬‬
‫املجيد المؤرخ في ‪ 39‬يوليوز ‪.2129‬‬

‫الوثائق الرسمية‬

‫بيان رئاسة الدولة الجزائرية بشأن األعمال العدائية المتكررة للمغرب ضد‬ ‫‪‬‬
‫الجزائرالمؤرخ في ‪91‬غشت ‪.2129‬‬

‫التقريرالعام الذي أعدته لجنة النموذج التنموي يوم الثالثاء ‪ 21‬ماي ‪.2129‬‬ ‫‪‬‬

‫البرامج التليفزيونية‬

‫مداخلة أحمد مفيد‪ ،‬خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك والشعب ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مشاركة في برنامج قناة ميدي ‪ 9‬تيفي‪ ،‬يوم ‪ 21‬غشت ‪.2129‬‬

‫مداخلة محمد تاج الدين الحسيني‪ ،‬خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك‬ ‫‪‬‬
‫والشعب ‪ ،‬مشاركة في برنامج قناة ميدي ‪ 9‬تيفي‪ ،‬يوم ‪ 21‬غشت ‪.2129‬‬

‫‪307‬التقرير العام الذي أعدته لجنة النموذج التنموي يوم الثالثاء ‪ 00‬ماي ‪.0100‬‬

‫‪P 172‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ميلود بلقاض ي‪ ،‬قراءة في خطاب ذكرى ل‪ 01‬بمناسبة ثورة الملك والشعب‬ ‫‪‬‬
‫المؤرخة في ‪ 21‬غشت ‪ ،2129‬مشاركة في برنامج قناة ميدي ‪ 9‬تيفي‪ ،‬يوم ‪ 29‬غشت ‪.2129‬‬

‫مداخلة عبد العزيز القراقي‪ ،‬مضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى ‪01‬‬ ‫‪‬‬
‫لثورة الملك والشعب‪ ،‬مشاركة في برنامج دوزيم ‪ ،‬يوم ‪ 29‬غشت ‪.2129‬‬

‫مداخلة عبد الفتاح نعوم‪ ،‬الجزائرتههم المغرب بتنفيذ أعمال عدائية ضدها‪..‬‬ ‫‪‬‬
‫هل تتجه العالقات للقطيعة؟‪،‬مشاركة في برنامج إسأل أكثر ‪ RT‬العربية‪ ،‬يوم ‪ 91‬غشت ‪.2129‬‬

‫‪P 173‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التكامل االقتصادي املغاربي و مسارات‬


‫التفعيل‬
‫‪Maghreb economic integration and activation pathways‬‬
‫الإطار العام للموضوع‬
‫انسجاما مع ما يعيشه العالم اليوم من متغيرات و تحوالت ذات أبعاد متعددة سياسية‪،‬‬
‫اجتماعية‪ ،‬ثقافية و أساسا اقتصادية في ظل العولمة و عصر التكنولوجيات الرقمية‪ ،‬فإن‬
‫الوحدات السياسية ملزمة اليوم أكثرمن أي وقت مض ى باالندماج في إطارتكتالت إقليمية قوية‬
‫تستطيع من خاللها مواجهة التحديات المطروحة و املخاطر المستجدة التي تصعب على دولة‬
‫واحدة تحملها‪.‬‬

‫تجمع أغلب التحليالت الرصينة أن اإلتحاد المغاربي له من المقومات ما يجعله تكتال‬


‫قويا بالنظر إلى حجم التقاطعات الناظمة بين بلدانه المكونة له ‪ ،‬و التي ترتبط بالمقومات‬
‫التاريخية و الحضارية المشتركة تدعمها اإلمكانيات الجغر افية و البشرية و الموارد الطبيعية‬
‫مما يجعل من التعاون و التنسيق و خلق جسور للتكامل االقتصادي ضرورة و اقعية و‬ ‫الهائلة ّ‬
‫ذكاء سياسيا يتيح فرصا واعدة لتحقيق التنمية و تطويراقتصادات الدول المغاربية بما يمكنها‬
‫من تجاوز كل المعضالت االجتماعية و األمنية الي تعيشها المنطقة المغاربية‪ .‬إن العوامل‬
‫السابقة الذكر و املحفزة لتحقيق نوع من التكامل االقتصادي‪ ،‬ال يمكن أن تحجب عنا الو اقع‬
‫المرير الذي تعيشه المنطقة المغاربية و المرتبط بمجموعات من المعيقات السياسية و‬
‫التاريخية التي تفرض بذل جهود كبيرة من أجل تحقيق أهداف مخطط لها ‪ ،‬ترقى باالتحاد‬
‫المغاربي إلى مستوى منشود يدمجها في سياقات العالم الجديد و يعطيها إمكانيات مواجهة‬
‫تحديات العولمة و ربح رهان التنمية و القدرة على تدبير األزمات اإلقليمية كالهجرة السرية و‬
‫اإلرهاب و الههريب ‪...‬‬

‫‪P 174‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لقد تطورت العالقات االقتصادية الدولية باتجاه التكامل االقتصادي‪ ،‬هذه الظاهرة‬
‫التي عرفت توسعا كبيرا بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬نتيجة للتحوالت االقتصادية التي شهدها‬
‫العالم في هذه الفترة‪ ،‬و التي فرضت على الدول االتجاه نحو التكامل و انشاء التكتالت‬
‫االقتصادية‪ .‬لعل السبب األساس ي يكمن في الرغبة في تحقيق أهداف اقتصادية‪-‬انمائية‬
‫وأهداف سياسية –أمنية ‪ ،‬ألجل الوصول لتحقيق الغاية الكبرى للتكامل المتمثل في التنمية‬
‫االقتصادية واألمن بمفهومه الشامل‪ ،‬وذلك باتباع خطوات اقتصادية متدرجة تبدأ من منطقة‬
‫للتجارة الحرة ثم اتحاد جمركي فسوق مشتركة ثم اتحاد اقتصادي و أخيرا اندماج اقتصادي تام‬
‫يمهد للوحدة السياسية و هي نفس المسارات التي حققهها التكثالت االقليمية الوازنة كاالتحاد‬
‫االوربي على سبيل الذكر‪.‬‬

‫فإلى أي مدى يتمثل صانع القرار المغاربي حتمية و ضرورة خلق مسارات التكامل‬
‫االقتصادي كسبيل لتجاوزكل المعيقات التي تحول دون تحقيق أهداف التنمية المنشودة ؟‪.‬‬

‫تقتض ي اإلجابة عن اإلشكالية المطروحة تفكيك الموضوع إلى محاورموضوعاتية ترتبط‬


‫بمقومات التكامل االقتصادي المغاربي و أهدافه (املحور األول) قبل استحضار معيقات‬
‫التحقيق (املحور الثاني) على أساس تحديد سبل التفعيل و مسارات التكامل االقتصادي‬
‫المغاربي (املحورالثالث)‪.‬‬

‫املحوراألول ‪ :‬التكامل االقتصادي المغاربي ‪ :‬المقومات و األهداف ‪.‬‬

‫إن المتمعن في الخريطة الجغر افية لدول المغرب العربي و لتاريخها التليد سيجد‬
‫تناسقا و انسجاما طبيعيا نظرا لما تتوفر عليه من مقومات و مدركات مشتركة ال تتناسب مع‬
‫و اقع الحال‪ ،‬حيث تزخربوحدة الجغر افيا و التاريخ و الثقافة كما تتوفرعلى ثروات و امكانيات‬
‫متنوعة سنحاول التفصيل فيها إلبرازمقومات التكامل االقتصادي المغاربي ‪:‬‬

‫اإلطار الجغرافي ‪ :‬يحظى التكامل االقتصادي المغاربي بإطار جغرافي متميز‪ ،‬خصوصا أن‬
‫عامل الجغر افيا يشكل معطى حيوي للدول ذات العالقة‪ ،‬ومن الواضح أن تأثير الجغر افيا ال‬
‫يقتصر على مجرد االمتداد أو التواصل المكاني بل يشكل أساسا لتكوين وحدات جغر افية‬
‫تتكامل وتتماثل لتعبرعن وحدة االقليم المتنوع‪ ،‬وتقع منطقة المغرب الكبيربالتحديد في شمال‬
‫افريقيا بين دائرتي عرض ‪ 31ْ- ْ"91‬شماال و خط طول ْ‪ 21ْ-90‬و تشرف على الجناح الغربي للوطن‬
‫العربي ‪.‬‬

‫‪P 175‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تطل ع لى البحر األبيض المتوسط الذي يحدها شماال بساحل طوله ‪4131‬كلم ن و على‬
‫املحيط األطلس ي غربا بساحل طوله ‪3940‬كلم ‪ ،‬يحدها من الشرق مصر و السودان و من‬
‫الجنوب دول الساحل الصحراوي ‪.‬‬

‫فالموقع االستراتيجي المتميز للمغارب جعل منها منطقة استقطاب حضاري و تنافس‬
‫دولي‪ ،‬و لعل نظرة متفحصة في خريطة العالم السياسية تحدد لنا أهمية المنطقة المغاربية‬
‫كمجال ‪ ،‬فهي في افريقيا قارة المستقبل ‪ ،‬ومنفتحة على أوربا حيث مركزالثقل الصناعي والتأثير‬
‫الحضاري كما تتصل بالمشرق العربي و باقي األقطار االسالمية ‪ ،‬هذا ما جعل منها منطقة مهمة‬
‫في مجال التوازنات اإلقليمية و العالقات الدولية ‪.‬‬
‫اإلطار التاريخي ‪ :‬إن فكرة الوحدة و التكامل ليست وليدة الحاضر بل هي راسخة في جذور‬
‫أعماق التاريخ المغاربي ‪ ،‬إذ ترجع األصول التاريخية للوحدة و التكامل المغاربي إلى فترة النضال‬
‫المشترك ضد االستعمار‪.‬‬
‫و يعتبراحد المؤخرين المغاربيين أن حركات التحررالمغاربية شكلت حركات تنويرفكري‬
‫تزاوج بين المقاومة المسلحة و النضال السياس ي ‪ .‬فهناك عدة معالم تاريخية تجسد البعد‬
‫المغاربي في تاريخ الكفاح المشترك و نخص منها بالذكر‪:‬‬

‫‪ +‬جمعية نجم شمال افريقيا ‪ :‬جسدت رغبة بعض الشباب المثقف الحالم بوحدة و‬
‫اندماج مغاربيين كفيل بمواجهة التحديات المشتركة خصوصا أمام مستعمرمشترك ّ‬
‫مما شكل‬
‫عامال حاسما في خلق شعور بالتضامن و التعاون بين النخب الوطنية لموجهة االستعمار ‪،‬‬
‫فتحولت العاصمة الباريسة مركزالتقاء الطلبة المغاربيين الذين تكتلوا في منظمات ذات توجه‬
‫مغاربي ‪ ،‬بدأت بإنشاء جمعية نجم شمال افريقيا سنة ‪308.9121‬‬

‫‪+‬جمعية طلبة شمال افريقيا ‪ :‬تأسست في باريس سنة ‪ 9121‬من طرف مجموعة من‬
‫الطلبة يتقاسمون نفس الهم المغاربي و يريدون توحيد الرؤى و الدفاع عن مصالح بلدانهم و‬
‫توثيق العالقات فيما بينهم و قد كانوا من أبرززعماء حركات التحررالمغاربيين فيما بعد ‪.‬‬

‫‪+‬مكتب المغرب العربي ‪:‬شكلت مرحلة تأسيس جامعة الدول العربية في ‪ 9141‬مرحلة‬
‫حاسمة في الدفع بالنضال المغاربي المشترك و تنامي الحس القومي و الوطني بما ألهم زعماء‬
‫الحركات التحررية الى المطالبة بالحرية واالستقالل ‪ ،‬فأصبحت القاهرة املجال الذي يلتقي فيه‬
‫مناضلو حركات التحرر كعالل الفاس ي و عبد الكريم الخطابي و يوسف الرويس ي ‪ ...‬من أجل‬

‫‪http://barq-rs.com :‬‬ ‫‪-308‬من تقرير حول اإلتحاد المغربي ‪ ،‬الواقع و التحديات ‪ ،‬منشور على الرابط التالي‬

‫‪P 176‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بلورة نقاشات وحدوية تدفع في اتجاه طرد المستعمر من البلدان المغاربية و تجسيد وحدة‬
‫الكفاح ‪ ،‬توجت بتأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة سنة ‪.9141‬‬

‫‪+‬مؤتمر طنجة ‪ : 9111‬يشكل هذا المؤتمر التجسيد الفعلي و الرسمي لفكرة المغرب‬
‫العربي‪،‬والذي تميزبمشاركة الحزب الحرالدستوري التونس ي ‪ ،‬حزب االستقالل المغربي وحزب‬
‫جبهة التحرير الوطني الجزائري كما حضر وفد ليبي بصفة مر اقب ‪ .‬و قد تمخض عن هذا‬
‫المؤتمر مجموعة من القرارات التي تهم االستجابة لتطلعات الشعوب التو اقة للحرية و كرد‬
‫فعل تجاه معاهدة روما الخاصة بإنشاء السوق األوربية المشتركة ‪ ،‬لكن الظروف الداخلية‬
‫المتفاوتة لكل دول المغرب العربي على حدة لم تترجم قوة اإلرادة المغاربية ووحدتها التي‬
‫عكست وعي النخب السياسية بضرورة تجسيرالعالقات والدفاع عن المصالح المشتركة إيمانا‬
‫منها بأن المصيرمشترك ‪.‬‬

‫كل هذه املحطات و التنسيقات عكست رغبة الشعوب في تحقيق الوحدة و التكامل و‬
‫تطوير المدركات الجماعية بناءا على المشترك البين مغاربي‪ ،‬فعلى عكس كل التوجهات‬
‫ّ‬
‫اإلقليمية العربية األخرى مثل مجلس التعاون الخليجي الذي شكل الهاجس األمني و السياس ي‬
‫دافعا لنشأته فإن اإلتحاد المغاربي كان تتويجا لمسار نضال حركات التحرر الوطنية التي‬
‫جسدت وحدة اإلقليم و لم تكن مجال صراع بين الدولة الوطنية و اتحاد المغرب العربي‪309.‬‬

‫لكن بعد حصول الدول المغاربية على استقاللها ‪ ،‬نسطرتجربتين تاريخيتين ‪:‬‬

‫‪ +‬تجربة اللجنة االستشارية الدائمة ‪ 9111/9104‬حيث كانت اللجنة تعمل على إيجاد‬
‫المناخ المالئم للتكامل و االندماج ‪.‬‬

‫‪ +‬تجربة المغرب العربي ‪ :‬أخذت فكرة ارساء تكامل مغاربي تلوح في األفق بعد التقارب‬
‫المغربي الجزائري ماي ‪ ، 9111‬و التآخي التونس ي الليبي فديسمبر‪ 9111‬و ما نتج عنه من تطبيع‬
‫للعالقات بين الدول الغاربية و تهيئة المناخ المالئم لبناء المغرب العربي الكبير على أساس‬
‫التعاون و المصالح المشتركة ّأدى إلى االعالن الرسمي عن ميالد اتحاد المغرب العربي في ‪91‬‬
‫فبراير‪ 9111‬بمراكش ‪.‬‬

‫‪ -309‬عبد النور بن عنتر ‪ ،‬مقالة االتحاد المغربي بين االفتراض و الواقع ‪ ،‬منشورة على الرابط التالي ‪:‬‬
‫‪file:///C:/Users/hp/Desktop/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF%20%D8%‬‬
‫‪A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D9%8A..%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%‬‬
‫‪D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B6%20%D9%88%D8%A7%D9%84%‬‬
‫‪D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9.pdf‬‬

‫‪P 174‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التنوع االقتصادي ‪ :‬تختلف دول المنطقة من حيث تركيبة اقتصادياتها ‪ ،‬فالجزائر و‬


‫ليبيا يتوفران على امكانات صناعية و نفطية ‪،‬فليبيا تعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم و هو‬
‫عماد اقتصادها و قد احتلت الرتبة الثامنة عشر عالميا سنة ‪ 2111‬لكن األوضاع األمنية التي‬
‫تعيشها البالد منذ االطاحة بنظام القذافي ساهم في تدهور اقتصادها مع ارتفاع نسب تهريب‬
‫النفط و بيعه في السوق السوداء و ما تعرفه مصافي النفط من صراعات بين ميليشيات ‪ ،‬الش يء‬
‫الذي جعل ليبيا رغم امكاناتها النفطية تغدو من بين الدول الفاشلة‪ ،‬أما الجزائر فمن أغنى‬
‫الدول المنتجة للنفط والغازالطبيعي والتي تشكل ‪ 11‬في المئة من إجمالي صادراتها و‪ 01‬فالمئة‬
‫من عائداتها‪ ، 310‬و ما يعاب على اإلقتصاد الجزائري هو غياب تنوع اقتصادي يحول دون‬
‫الدخول في أزمات تقلبات أسواق النفط العالمية و يشكل المدخل المغاربي مجاال لتحقيق ذلك‬
‫شريطة الوعي بذلك ّ‬
‫‪.‬أما موريتانيا فتتوفرعلى ثروة معدنية و حيوانية هامة خاصة تعدد ثرواتها‬
‫من المعادن من حديد و نحاس ‪ ،‬كما تتوفرعلى مخزون مهم من الفوسفات ‪ ،‬غيرأن االقتصاد‬
‫الموريتاني يعاني من ضعف دعم شركائه المغاربيين و االستفادة من خبراتهم ‪ ،‬الش يء الذي‬
‫فرض القيام بإصالحات جذرية تهم نهج سياسة الخصخصة وخفض العبء عن ميزانية الدولة‬
‫رغم ضعف القطاع الخاص عن مواكبة تلك االصالحات‪ 311.‬أما تونس و المغرب فلهما خبرات‬
‫في الصناعات الزراعية و قدرات فالحية و خدماتية تنافسية ‪،‬فتونس تتوفرعلى اقتصاد سياحي‬
‫متطوررغم الضعف الذي أصاب القطاع جراء الهجمات االرهابية التي اسههدفت بعض المعالم‬
‫السياحية و التي أضرت باالقتصاد التونس ي أما المغرب فله امكانات جيدة ‪ ،‬فيعد المنتج األول‬
‫عالميا من الفوسفات كما أن له انفتاحا على واجهتين بحريتين و يتوفرعلى بنية تحتية متطورة‬
‫ومخططات فالحية وصناعية يمكنها تحقيق اكتفاء ذاتي واالرتقاء بمستويات النموالمنخفضة‬
‫في كل بلد على حدة و التي أمكن تعزيزها في حالة التو افق المشترك و التكامل المدروس‪.‬‬

‫‪-310‬مقال اخباري منشور على موقع الجزيرة ‪،‬أخبار االقتصاد على الرابط ‪http://www.aljazeera.net/news/ebusiness.‬‬
‫‪-311‬الغوث ولد الطالب ‪" :‬األبعاد االقتصادية و االجتماعية لسياسة الخصخصة في موريتانيا" مجلة فكر العلوم االقتصادية و القانونية و‬
‫السياسية‪،‬العدد األول ‪ 0111،‬ص‪.70‬‬

‫‪P 172‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ورغم ما يوحي به تنوع اقتصاديات الدول المغاربية إال أن حجم التبادالت التجارية يظل‬
‫ضعيفا مقارنة مع كل االمكانات المتاحة و التي يعززها القرب الجغرافي ‪ ،‬نتيجة الصراعات‬
‫السياسية و غياب رؤية استشر افية تخدم مصالح الشعوب ‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬الموقع الرسمي التحاد المغرب العربي‪:‬‬


‫المالحظ من خالل نظرة متفحصة للتبادالت البينية للجزائرو المغرب باعتبارهما أقوى‬
‫الدول المغاربية من الناحية االقتصادية و التجارية على أن حجم التبادل التجاري بينهما‬
‫ضعيف جدا مقارنة مع مختلف الشركاء خاصة االوربيين رغم كل العوامل الجغر افية واملجالية‬
‫المساعدة على تعميق العالقات بشكل أكبر‪,‬‬

‫‪P 177‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الثروات الطبيعية ‪ :‬تشتمل المنطقة المغاربية على أراض ي متعددة المناخات و موارد‬
‫مائية و ثروات بحرية و غابوية ‪،‬كما تزخر بموارد طاقية تتباين من دولة إلى أخرى مما يجعل من‬
‫مصلحة كل دولة التكامل مع الدول المغاربية األخرى ألن من شأن ذلك تجاوز حاالت النقص و‬
‫العوزالتي تشهدها مختلف البلدان المغاربية‪.‬‬

‫الطاقات البشرية ‪:‬تشيرمجموعة من االحصائيات الى أن أعمارثلثي سكان المنطقة تقل‬


‫أعمارهم عن‪ 31‬سنة‪ ،‬نصفهم من الشريحة العمرية ‪ 21/21‬سنة ‪ ،‬هذه الكتلة السكانية تشكل‬
‫طاقة هائلة قادرة على الدفع‬

‫بعجلة التقدم االقتصادي و االجتماعي و فرصة حقيقية يتعين اغتنامها لذلك فهي مهمة‬
‫و ضرورية و ثروة عظيمة و في نفس اآلن يشكل عدم توظيفها و تأمين احتياجاتها مخاطرة أمنية و‬
‫اجتماعية كبيرة ‪.‬‬

‫فمنسوب الوعي لدى الشباب المغاربي مرتفع مقارنة مع العقود الماضية و اضحوا أكثر‬
‫تعليما و انفتاحا على التكنولوجيا الحديثة ‪،‬و أي تهميش أو اصطدام بو اقع يهمشهم سيحولهم‬
‫من طاقة هائلة للبناء إلى قوةكاسحة للهدم‪312.‬‬

‫‪-312‬من التقرير الخاص بالتنمية االنسانية العربية ‪، 0100‬تحت عنوان " الشباب في المنطقة العربية‪ :‬افاق التنمية االنسانية في واقع‬
‫متغير "الصادر عن برنامج األمم المتحدة االنمائي‪.،‬للتوسع أكثر أنظر الرابط التالي‬
‫‪https://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr16.pdf‬‬

‫‪P 200‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫نظرة الشباب العربي و المغاربي لالقتصاد و األمن ‪ :‬المالحظ ازدياد‬


‫األوضاع سوءا حسب رؤية الشباب المستجوب – النسب المئوية‬

‫المصدر‪ :‬تقريرالتنمية االنسانية العربية لسنة ‪2190‬‬

‫إمكانيات مالية و تجارية ‪ :‬تعرف المبادالت التجارية بين الدول المغاربية حالة ضعف‬
‫كبير‪ ،‬ال تترجم فلسفة االتحاد المغاربي الذي كان من بين أهدافة خلق سوق مشتركة تحقق من‬
‫خاللها ذلك التكامل االقتصادي المنشود ‪ ،‬فمساهمة المنطقة المغاربية في التجارة العالمية‬
‫ال يتجاوز‪ %9‬من مجمل التصديرالعالمي و تدنوالى ‪ %1.22‬من الواردات ‪ ،‬نتيجة ضعف القدرة‬
‫التنافسية للقوى االنتاجية و محدودية االستراتيجيات التنموية التي لم تمكن من تحقيق نسب‬
‫نمومرتفعة تؤدي الى حركية اقتصادية تساهم في محاربة الهشاشة التي تطبع اقتصاديات الدول‬
‫المغاربية بل ظلت السياسات االقتصادية تعاني من وضعية عجز تجاري بنيوي يتداخل مع‬
‫عوامل أخرى تحول دون تكثيف التبادل التجاري بين دول المنطقة و منها أساسا الحواجز‬
‫الجمركية و االعتماد على التجارة مع اوربا‪313.‬‬

‫المغاربي مقالة مقدمة في ندوة المغرب العربي و التحوالت االقليمية‬


‫ً‬ ‫‪-313‬علي الشابي ً الثورات العربية و ضرورة التكامل االقتصادي‬
‫الراهنة‪ ،‬بالدوحة ‪ 01/07‬فبراير ‪ ، 0102‬منشورة على موقع مركز الجزيرة للدراسات‪.‬‬

‫‪P 201‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لذلك ورغم المديونية التي تشهدها دول المنطقة في مجموعها‪ ،‬فإن حجم األموال‬
‫المستثمرة خارجيا بإمكان توظيفها تحقيق تنمية إذا تو افرت العوامل الموضوعية لذلك من‬
‫شفافية و اعمال للقانون و الحكامة الرشيدة‪.‬‬

‫املحورالثاني ‪ :‬معيقات تحقيق التكامل اإلقتصادي المغاربي ‪:‬‬

‫مما ال شك فيه أن تجميد مؤسسات االتحاد المغاربي أدى إلى تعطيل تنفيذ كل‬ ‫ّ‬
‫االستراتيجيات الواعدة بما أسهم في تراجع مؤشرات التنمية ملجمع الدول المغاربية نتيجة‬
‫تداخل مجموعة من العوائق و بنيات األزمة التي حالت دون تحقيق اآلمال المنشودة زمن‬
‫التأسيس و نميزفي هذا اإلطاربين ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬أزمة الدولة المغاربية ‪ :‬هناك تجليات واضحة ومتعددة على أن دول المغارب تعيش‬
‫أزمة دولة وطنية ‪،‬و هي أزمة ناتجة عن تراجع دورالدولة في ايجاد الحلول ملختلف المشاكل التي‬
‫تطرحها قضايا التنمية في مختلف ميادينها االقتصادية ‪ ،‬االجتماعية ‪،‬الثقافية و اإلنسانية‪ .‬هذا‬
‫التراجع يعود باألساس إلى‪:‬‬
‫‪-‬أزمة أنظمة سياسية تحتكرالسلطة و ال تؤسس لنظم ديمقراطية ّ‬
‫مما انعكس سلبا على‬
‫المشاريع واملخططات التنموية ‪.‬فالعديد من المؤشرات تؤكد على أن تعثرمسارالبناء المشترك‬
‫يرتبط بغياب الديمقراطية التي تشكل مجاال لتدافع االفكار و نقاش التصورات و االختيارات و‬
‫فتح املجال العام المغاربي أمام حيوية و دينامية تتجاوز منطق الدولة القطرية و يعطي مكانة‬
‫لمؤسسات االتحاد حتى تغدو فاعلة اساسية لترجمة التصورات على ارض الو اقع ‪ ،‬و هذا‬
‫يفترض التخلي عن النزعة المتمركزة حول السلطة من طرف االنظمة الحاكمة و قبول االنفتاح‬
‫على املجتمع المدني و توسيع مجال المشاركة السياسية انطالقا من أرضيات مشتركة مبنية‬
‫على الحوارو التو افق لحل كل األزمات البينية ‪.‬‬

‫‪-‬أزمة الذهنية السياسية ‪ :‬ال تزال األنظمة السياسية في دول المغرب الكبيرمركزية تتحدد‬
‫بموجبها درجة و مستوى التكامل ‪،‬فحين يغيب دور المؤسسات و تحضر اإلنغالقية فإن ذلك‬
‫ّ‬
‫يقوض كل طرح تكاملي ‪.‬كما أن الخطاب السياس ي ما يزال يدور في فلك الماض ي و لم يتخل بعد‬
‫عن اإلرث الثقيل للماض ي المرتبط بصراعات الحرب الباردة التي تجاوزها التاريخ عوض النظر‬
‫الى المستقبل و النهل من التجارب المقارنة ملجموعة من التكثالت اإلقليمية التي تجاوزت كل‬
‫صراعاتها لصالح مصير زاهرألوطانها‪.‬‬

‫‪P 202‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪-‬تكريس التفاوتات االجتماعية و املجالية الذي انعكس على كل مؤشرات التنمية و ّأدى‬
‫الى ارتفاع معدالت البطالة و الهشاشة االقتصادية ‪.‬فغياب الحكامة و التوزيع العادل للثروة‬
‫شكل ابرزعوائق التنمية المغاربية و هذا التفاوت خلق تهديدات للسلم االجتماعي و شكل حالة‬
‫ر أفرز معضالت الهجرة السرية و اإلدمان على كل أنواع املخدرات هروبا من و اقع مأزوم يرتبط‬
‫غياب عدالة توزيعية و ليس حتمية ‪.‬فبالرجوع الى مؤشر جيني الذي يقيس عدم المساواة في‬
‫توزيع المداخيل ‪ ،‬تبرز الدول المغاربية كأقل المناطق عدالة في االستفادة من الثروة الوطنية‬
‫‪314.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أزمة اختيارات اقتصادية فاشلة ‪ :‬حيث اعتمدت االقتصاديات المغاربية على بيع‬
‫المواد األولية و نصف المصنعة في السواق العالمية ‪ ،‬و هذه االسواق غير ثابتة ّ‬
‫مما يؤدي إلى‬
‫عجز في الميزان التجاري و عدم توازن النمو االقتصادي دون إغفال ضعف التجارة البينية ‪.‬و‬
‫ذلك يبرزجليا من خالل حضور‪:‬‬

‫التنافس عوض التكامل ‪ :‬من بين معيقات التنمية المغاربية غياب التنسيق و‬
‫التخطيطات الجماعية في إطار تحقيق التكامل االقتصادي مما يخلق تشابه المنتجات‬
‫المصنعة و الموارد الطاقية ‪ ،‬األمرالذي يعيق تطويرا للمنطقة و ذلك جلي في مجال املحروقات‬
‫مثال ‪ ،‬فغياب النسيق يجعلها تتبع نفس التوجهات و يضعف قدراتها التفاوضية في السوق‬
‫العالمية ‪.‬‬

‫تسييس اإلقتصاد و اخضاعه للسياسة ‪ :‬و هذا أخطر ما وقع في منطقتنا المغاربية و‬
‫العربية ‪ ،‬بمعنى أن العالقات السياسية بين الدول هي املحدد لمستوى التبادل التجاري و ليست‬
‫المصالح المشتركة و المنافع التي يجب تحقيقها‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أزمة بنية داخلية ‪ :‬من المقومات األساسية لتجسيد التكامل المغاربي على أرض‬
‫الو اقع كمجال لتحقيق التنمية و االرتقاء ‪،‬قيام مجتمع مدني فاعل و مدرك لذلك ‪ ،‬إضافة الى‬
‫توفربنية تحتية مشتركة تساهم في تجسيرالعالقات االجتماعية ‪،‬االنسانية و االقتصادية و هذا‬
‫ما ال يتوفرفي الراهن ‪:‬‬

‫ضعف فاعلية املجتمع المدني ‪ :‬يحتاج البناء المغاربي إلى مشاركة جماعية مؤمنة بإرادة‬
‫اإلنجاز‪ ،‬و هذا يعني أن أزمة اإلتحاد المغاربي هي في جزء منها أزمة مجتمع مدني الذي يمكنه أن‬

‫‪-314‬علي الشابي ‪ ،‬المصدر السابق ذكره‪.‬‬

‫‪P 203‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يشغل دور الوساطة و جماعة ضغط على الفاعلين السياسيين من أجل تفعيل و تعميق أواصر‬
‫التكامل ‪.‬و غرس ذلك في وعي الناس و إدراكهم الجمعي حتى ال تصيرمجرد نقاش نخبوي ‪.‬‬

‫ضعف البنية التحتية المشتركة كشروط مادية أساسية لتقوية العالقات االقتصادية و‬
‫االجتماعية و تأتي في مقدمهها وسائل النقل و المواصالت و االتصاالت و تدفق المعلومات بما‬
‫يساهم في تقريب المسافة االقتصادية ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬العائق المؤسساتي القانوني ‪ :‬يمكن القول على أن التجربة المغاربية أثبتت‬
‫محدوديهها ألن الكثير من اللجان الوظيفية اقتصرت على اتباث الوجود دون أن تؤدي الى‬
‫الفاعلية و النجاعة المرجوة منها ‪ .‬و السبب عدم امتالكها لسلطة اتخاذ القرارو انعدام القدرة‬
‫على تجسيد القرارات الى و اقع حقيقي لدورها االستشاري فقط و اشتراط االجماع التخاذ‬
‫القرار‪،‬وعدم سريان القرارات إال بعد صدورها في شكل تشريعات وطنية و غياب سلطة اقليمية‬
‫تفوض لها االختصاصات أمام تشبت الدول األعضاء بسيادتها و سلطانها بشكل مطلق‪.‬و‬‫عليا ّ‬
‫هذا ما يترجم العطب في القوانين التأسيسية و الممارسة التي تحد من عمل مؤسسات االتحاد‬
‫الذي ترجمه توقف مجلس الرئاسة منذ ‪. 9114‬‬

‫إن انجازات التجربة المغاربية لم تكن في مستوى الطموح و اإلمكانات لوجود مجموعة‬
‫من العوائق و التحديات التي لم تستطع األطراف المغاربية عبر مسيرتها التخلص منها أو‬
‫تجاوزها‪ ،‬فضعف التكامل المغاربي جاء انعكاسا للعالقات التي حكمت دول المغرب العربي و‬
‫التي وقفت ضد منطق التاريخ و الجغر افيا و جانبت إرادة الشعوب و حتمية القدر‪.‬‬

‫املحورالثالث ‪ :‬مسارات تفعيل التكامل االقتصادي المغاربي‪.‬‬

‫تتطلب المصلحة االقتصادية للدول المغاربية المزيد من تقارب وجهات النظر حتى‬
‫تتمكن من تنسيق سياساتها االقتصادية داخليا و خارجيا ّ‬
‫مما يؤدي إلى حمايهها من االستغالل‬
‫الخارجي‪ ،‬و إلى التدبير األمثل لثرواتها االقتصادية إلقامة صناعة متكاملة و متطورة و تبادل‬
‫تجاري محكم بينها وبين الجماعة الدولية و اإلقليمية في إطارالتفاوض‪.‬‬

‫إذن فالتكامل االقتصادي يمكن من وقوف الدول المغاربية ككيان اقتصادي متالحم‬
‫أمام السوق االوربية الموحدة و سيعطيها قوة كبيرة في مجال المساومة الدولية على أساس‬
‫توظيف و استثمارما لديها من امكانات طاقية و فالحية و معدنية و التي ال يمكن أن تستغني عنه‬

‫‪P 204‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫دول الجوار األوربي الموحد لذا أصبح لزاما على الدول المغاربية أن تتجه للتكامل أمام بروز‬
‫للتحدي االقتصادي المغذي لألمني و السياس ي‪.‬‬

‫هناك عالقة وطيدة بين التكامل و التنمية ‪ ،‬و يتجسد في العائدات التي تجنيها أطراف‬
‫التكامل ‪ ،‬ألن الحافزنحو تحقيق قدرمن األهداف التي ال يمكن بلوغها بجهود منفردة ‪ ،‬يعني أن‬
‫هذه العالقة تتمثل في ارتباط الوسيلة بالهدف ‪،‬إذ يفترض أن التكامل االقتصادي أفضل‬
‫الوسائل البديلة في التنمية ‪ ،‬لذلك يقال " ليس كل محور للتنمية محورا للتكامل ‪ ،‬بينما كل‬
‫محورللتكامل هو محورللتنمية "‪ .‬و لن يتحقق ذلك إال عبر‪:‬‬

‫‪-9‬خلق شراكات اقتصادية مغاربية و مجمعات صناعية‪ ،‬في إطارتكاملي و ليس تنافس ي و‬
‫الهدف تكامل سوق مغاربية مشتركة في أفق زيادة االنتاج واالتجاه نحوالتكامل الذي يأخذ شكل‬
‫تجمعات اقتصادية كبيرة تتجه نحو الوحدة االقتصادية التي ستمكن من تخفيف التبعية‬
‫للخارج و تضييق الفجوة بين املجال المغاربي و املجاالت التي يتفاعل معها ‪.‬‬

‫‪-2‬تنسيق السياسات االقتصادية بين الدول المغاربية في مختلف النواحي االقتصادية‬


‫المتمثلة في الغاء القيود الجمركية و في النواحي المالية و النقدية‪ ،‬و هذا يعني توحيد أسعار‬
‫الصرف و حرية التحويل في أفق التوحيد من أجل بلوغ هيكل اقتصادي امثل ضمن اقتصاد‬
‫دولي معقد قد يساهم في رفع مستوى النمو االقتصادي للدول المغاربية‪.‬‬

‫إن تفعيل التكامل االقتصادي المغاربي سيقوي الصالت بينها و بين عمقها االفريقي‬
‫وستشكل حلقة وصل بينها وبين اوربا لصالح اقتصاداتها مع االستفادة من السلع والمواد الخام‬
‫المنتجة في افريقيا و الغيرمنافسة للسلع و الخدمات المتوفرة في الدول المغاربية ‪.‬‬

‫‪-3‬ترتبط قوة االتحاد المغاربي من الناحية االقتصادية في التركيز على تشبيك العالقات‬
‫بين دولها و توسيع التجارة البينية و زيادة حجمها ‪ ،‬و تبادل الخبرات و الكفاءات ‪ ،‬و االستثمارفي‬
‫العامل البشري و تنمية طاقاته المعرفية و تشجيع البحث العلمي و التمكن من التكنولوجيا‬
‫الحديثة ‪315.‬‬

‫‪-4‬توف ير جو الديمقراطية و فتح املجال لعمل مؤسسات املجتمع المدني و األحزاب‬


‫السياسية و تجاوز الطابع البيروقراطي‪ .‬إضافة إلى االستثمار في الرأسمال البشري و خاصة في‬
‫مجال التربية و التعليم و الرعاية الصحية‪.‬‬

‫‪ -315‬عبد الحليم بن مشري ًالتنافس الدولي في منطقة المغرب العربي ً ندوة المغرب العربي و التحوالت اإلقليمية الراهنة ‪ ،‬منشورة على‬
‫موقع مركز الجزيرة للدراسات‪.‬‬

‫‪P 205‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪-1‬العمل على تطوير شبكات البنية التحتية الداخلية في كل دولة و ربطها ببنية اقليمية‬
‫تفي بمتطلبات التكامل االقتصادي االقليمي و التنمية االقليمية بما يساعد على تعزيز مسيرة‬
‫التكامل و جعلها غير قابلة لإلنتكاس‪.‬‬

‫‪ -0‬أما على المستوى المؤسساتي فيجب تدعيم و تفعيل مؤسسات االتحاد المغاربي و‬
‫اعطاء لجانها و هيئاتها صالحيات كافية ألجرأة قراراتها بعيدا عن منطق السياسة ‪ ،‬و التعامل مع‬
‫الشأن االقتصادي بحيادية تامة بعيدا عن اإليديولوجية و المصالح الضيقة بالنظر الى‬
‫طموحات الشعوب و مستقبلها ‪316.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫إن تحقق التكامل المغاربي لم يعد شعارا بل حتمية و ضرورة وجودية‪،‬تقع المسؤولية‬
‫على الجميع من أجل تحقيقها خصوصا أمام كل اإلمكانيات المتوفرة التي تؤهلها لتمثل قطب‬
‫تكاملي بين التكثالت العالمية‪.‬‬

‫ففي تقرير ملجلس االستخبارات األمريكي بعنوان " االتجاهات العالمية في ‪ :2121‬العالم‬
‫المتحول" يؤكد على قتامة صورة المنطقة المغاربية و الشرق األوسط ‪ ،‬رغم إشارته إلى وجود‬
‫موارد هائلة كنتيجة الفتقارالمنطقة إلى أليات لحل الخالفات و هو ما سيخلق امكانية اللجوء‬
‫إلى الصراع و التسلح و استغالل الجماعات اإلرهابية للوضع ‪.‬‬

‫و عليه فإن المنطقة إن لم تأخذ بزمام المبادرة فإن مستقبلها سيجرى تقريره بعيدا عنها‬
‫ما لم تنجح في توفيرشروط التحول السياس ي‪ ،‬االقتصادي واالجتماعي بما يعززشروط التفاوض‬
‫و يحقق مساعي و أهداف تأسيس اتحاد المغرب العربي بمراكش سنة ‪.9111‬‬

‫و بالتالي فنحن أمام سيناريوهين كأفق لتحقيق التكامل المغاربي ‪ :‬السيناريواألول يتفاءل‬
‫بإمكانية تحقيق و تفعيل التكامل ضمن انههاج سياسة استراتيجية بديلة باالعتماد على‬
‫التنسيق و الحوار و استثمار االمكانيات المشتركة ّ‬
‫مما يحقق للمنطقة استقاللية اقتصادية‬
‫ويعطيها ثقال استراتيجيا‪ .‬و سيناريو ثان يقوم على اإلخفاق و استبدال المشروع المغاربي‬
‫بمشاريع أخرى و استمرار الوضع على أزمته مع تغذيته بعوامل تهدد أمن المنطقة و تشيع‬
‫الفوض ى التي تؤطرالجماعات االرهابية و المهربين و تجارالبشر‪.‬‬

‫‪ -316‬انصاف سركالي‪ ،‬مستقبل االتحاد المغاربي في ظل الوضع االستراتيجي الجديد‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق بسال ‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪ ،0100/0100‬ص ‪.011‬‬

‫‪P 206‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫عبد النوربن عنتر‪ ،‬مقالة االتحاد المغربي بين االفتراض و الو اقع ‪ ،‬منشورة على الرابط‬
‫التالي ‪.file:///C:/Users/hp/Desktop/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D :‬‬

‫مقال اخباري منشور على موقع الجزيرة ‪،‬أخبار االقتصاد على الرابط‬
‫‪.http://www.aljazeera.net/news/ebusiness.‬‬

‫الغوث ولد الطالب ‪" :‬األبعاد االقتصادية و االجتماعية لسياسة الخصخصة في‬
‫موريتانيا" مجلة فكرالعلوم االقتصادية و القانونية و السياسية‪،‬العدد األول ‪2111،‬‬

‫التقرير الخاص بالتنمية االنسانية العربية ‪، 2190‬تحت عنوان " الشباب في المنطقة‬
‫العربية‪ :‬افاق التنمية االنسانية في و اقع متغير "الصادر عن برنامج األمم المتحدة‬
‫التالي‬ ‫الرابط‬ ‫أنظر‬ ‫أكثر‬ ‫االنمائي‪.،‬للتوسع‬
‫‪.https://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr16.pdf‬‬

‫علي الشابي ً الثورات العربية و ضرورة التكامل االقتصادي المغار ًبي مقالة مقدمة في‬
‫ندوة المغرب العربي و التحوالت االقليمية الراهنة‪ ،‬بالدوحة ‪ 91/91‬فبراير‪ ، 2193‬منشورة على‬
‫موقع مركزالجزيرة للدراسات‪.‬‬

‫عبد الحليم بن مشري ًالتنافس الدولي في منطقة المغرب العربي ً ندوة المغرب العربي‬
‫والتحوالت اإلقليمية الراهنة ‪ ،‬منشورة على موقع مركزالجزيرة للدراسات‪.‬‬

‫انصاف سركالي‪ ،‬مستقبل االتحاد المغاربي في ظل الوضع االستراتيجي الجديد‪ ،‬أطروحة‬


‫دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق بسال ‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2190/2191‬‬

‫‪P 204‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫قراءة يف االختصاص املكاني للمفوض‬


‫القضائي يف التشريع املغربي‬
‫‪Read about the spatial competence of the judicial commissioner in Moroccan legislation‬‬
‫ال بد من التذكير ان مهنة المفوضين القضائيين تم تقنينها بموجب الظهير الشريف‬
‫الصادربتاريخ ‪ 94‬فبراير‪ 2110‬المتعلق بتنفيذ القانون رقم ‪، 19/13‬الدي اعتبرمهنة المفوض‬
‫القضائي مهنة حرة مساعدة للقضاء تمارس وفقا ألحكامه والنصوص التنظيمية المتعلقة‬
‫بتطبيقه ‪317‬اال ان بعض النقاشات العملية طفت على السطح من جملهها اهلية المفوض‬
‫القضائي في ممارسة المهام الموكولة اليه بموجب القانون المشار اليه اعاله خارج دائرة‬
‫املحكمة االبتدائية التي يوجد بها مقرمكتبه خصوصا بعد صدورقراراملجلس االعلى سابقا رقم‬
‫‪ 11/031‬القاض ي بصحة اجراءات الحجز التنفيذي التي قام بها العون القضائي خارج دائرة‬
‫اختصاصه مادام ان القانون رقم ‪ 9111/92/21‬لم يرتب أي جزاء في حالة القيام باإلجراءات من‬
‫طرف العون خارج الدائرة الترابية المزاول بها مهامه‪،.‬وان مصلحة الطاعنة لم تتضررمن دلك‬
‫االجراء الي لم يمس بالنظام العام‪.‬‬

‫وعلى ضوء دلك يبقى الموضوع جدير بالنقاش من خالل معالجة املحورين التاليين‬
‫على ضوء القانون المنظم للمهنة‪ :318‬أوال‪ :‬االختصاص المكاني للمفوض القضائي‪ .‬ثانيا‪:‬‬
‫سلطة المر اقبة والتأديب التي يخضع لها المفض القضائي‪.‬‬

‫اوال‪ :‬االختصاص المكاني للمفوض القضائي‪.‬‬

‫إن االختصاص المكاني للمفوض القضائي يعتبر صلب موضوع النقاش ومن تم يبقى‬
‫التساؤل المطروح حول النفود الترابي الدي يمكن ان يمارس فيه هدا االخير مهامه هل يقتصر‬
‫فقط على دائرة نفود املحكمة االبتدائية التي عين بها ام يمتد على صعيد محاكم المملكة؟‬

‫‪ 317‬المادة ‪ 0‬من قانون ‪. 10/12‬‬


‫‪ 318‬القانون رقم ‪ 10/12‬المتعلق بالمفوضين القضائيين‪.‬‬

‫‪P 202‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بالرجوع إلى المادة الثانية من القانون ‪ 19/13‬نجدها تنص على أنه‪" :‬تحدث بدو ائر‬
‫املحاكم االبتدائية مكاتب المفوضين القضائيين للقيام بالمهام المنوطة بهم طبقا لهدا القانون‬
‫امام مختلف محاكم المملكة"‪ .‬وهكذا فان المفوض القضائي بمجرد نجاحه في المباراة وخالل‬
‫نهاية التكوين يرخص له وزيرالعدل بموجب قراريحدد فيه مقرمكتبه لمزاولة المهنة‪ .‬فحسب‬
‫المادة اعاله اختصاص المفوض القضائي مرتبط بدائرة املحكمة االبتدائية التي تشمل مقر‬
‫تواجد مكتبه بها‪ ،‬فكل محكمة يقع بدائرة اختصاصها مجموعة من مكاتب المفوضين‬
‫القضائيين بالرغم من ان نفس المادة اعاله تنص على عبارة "امام مختلف محاكم ‪ "....‬التي‬
‫توحي بانه يمكن للمفوض القضائي ان يمارس مهامه على الصعيد الوطني‪.‬‬

‫في حين جاءت المواد ‪ 92‬و‪21‬و‪ 29‬من نفس القانون لتبن بشكل جلي ان المفض‬
‫القضائي يعمل تحت دائرة نفود املحكمة االبتدائية التي عين بها‪.‬‬

‫وهكذا نصت المادة ‪ 92‬على "ادا تغيب مفوض قضائي أو عاقه عائق مؤقت أصدررئيس‬
‫املحكمة االبتدائية لمقره امرا بتكليف مفوض قضائي اخر بنفس الدائرة ‪" ....‬وهو االمر الدي‬
‫يؤكد بقاء المفوض القضائي مختصا في الحيزالجغرافي الدي تشمله املحكمة االبتدائية المعين‬
‫بدائرتها‪.‬‬

‫وقد نصت المادة ‪ 21‬على انه "تمسك كتابة الضبط سجال وفق نموذج يحدد بقرار‬
‫وزير العدل يؤشر عل صفحاته رئيس املحكمة االبتدائية املختصة" وهو االمر الدي يؤكد على‬
‫رابطة االختصاص المكاني بين المفوض القضائي واملحكمة التي يوجد بدائرتها مقرمكتبه‪ ،‬كما‬
‫ان طالب االجراء حسب المادة ‪ 29‬من نفس القانون يختار المفوض القضائي من بين‬
‫المفوضين القضائيين الموجودة مقار مكاتبهم بدائرة املحكمة المطلوب القيام باإلجراءات‬
‫بدائرة نفوذها‪.‬‬
‫وهكذا فان االختصاص المكاني للمفوض القضائي حسب ما جاء في مواد القانون‬
‫المشار اليه سابقا يبقى لصيقا بدائرة املحكمة االبتدائية التي عين بدائرتها مهما كان حيزها‬
‫الجغرافي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬سلطة المر اقبة والتأديب التي يخضع لها المفوض القضائي‪.‬‬

‫ادا كان المفوض القضائي يتمتع بالحماية القانونية اثناء مزاولته لمهامه حسب نص‬
‫المادة ‪ 21‬من قانون ‪ 13.19‬التي تنص على انه يتمتع المفوض القضائي اثناء مزاولته لمهامه‬
‫بالحماية القانونية التي تنص عليها مقتضيات الفصلين ‪ 203‬و‪ 201‬من القانون الجنائي "فانه‬

‫‪P 207‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫في المقابل يخضع لسلطة المر اقبة من طرف رئيس املحكمة اومن ينوب عنه في دلك بغية‬
‫التأكد من األعمال واإلجراءات التي يقوم بها من الناحية الشكلية والموضوعية ‪319‬باعتباران‬
‫رئيس املحكمة يكون لديه ملف شخص ي مفتوح لكل مفوض قضائي تحت مر اقبته واشر افه‬
‫اومن ينتدبه لهده الغاية حسب ما هو منصوص عليه في المادتين ‪99‬و‪ 90‬من نفس القانون‪320‬‬
‫وهو الدي يعد التقارير بشان الخروقات التي يرتكبها المفوض القضائي ويحيلها على وكيل‬
‫الملك‪. 321‬‬

‫كما يمكن له ان يضع حدا الحاق الكاتب الدي اختاره المفوضالقضائي عند تبوث‬
‫مخالفة خطيرة في حقه‪322‬‬

‫اما فيما يخص سلطة مر اقبة وكيل الملك فانه يتخد ما يراه مناسبا بخصوص‬
‫التقارير التي تحال عليه من طرف رئيس املحكمة بخصوص املخالفات التي يرتكبها المفوض‬
‫القضائي ‪،323‬كما يمكنه ان يقوم بتفتيش مكتب هدا االخير التابع لدائرة نفوده مع اشعار‬
‫السيد الوزير باالخالالت المهنية الخطيرة التي تتبثها محاضر البحث ‪،‬مع امكانية اتخاد قرار‬
‫التوقيف المؤقت عندما تستوجب الضرورة دلك وتحريرالمتابعة التاديبيةبناء على تقريررئيس‬
‫املحكمة او شكاية المتضرراو تقريرالهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين ‪ 324‬كما ان عمليات‬
‫تصفية المشاركة تجرى تحت مر اقبة وكيل الملك‪325‬‬

‫وهكدا يتضح جليا من خالل املحورين اللدين تم التطرق اليهما ان هناك ارتباط وثيق‬
‫بين االختصاص المكاني للمفوض القضائي ودائرة نفود املحكمة االبتدائية التي عين بها سواء‬
‫من ناحية الحقوق والواجبات المفروضة عليه اومن ناحية سلطة المر اقبة واالشراف التي‬
‫يخضع لها وهو ما تم تكريسه في مجموعة من المواد التي جاء بها قانون ‪. 13.19‬‬

‫وتماشيا مع روح التشريع فانه يبقى على المفوض القضائي ان يمارس المهام‬
‫واالجراءات الموكولة اليه داخل الدائرة القضائية التي عين بها مقر عمله حتى يبقى خاضعا‬

‫‪ 319‬المادة ‪ 22‬من قانون ‪12610‬‬


‫‪ 320‬تنص المادة ‪ 00‬على انه "يفتح رئيس المحكمة االبتدائية ملف شخصي لكل مفوض من المفوضين القضائيين العاملين بدائرته تحفظ‬
‫فيه جميع المستندات والوثائق المتعلقة بحالته المدنية والجامعية والمهنية‪ ،‬كما تضمن فيه جميع التقارير المحررة في شانه المقررات‬
‫التأديبية أو الزجرية المتخذة في حقه وكدلك الرامية الى رد اعتباره عند االقتضاء‪،‬‬
‫وتنص المادة ‪" 00‬يمارس المفوض القضائي المهام الموكولة اليه في تنفيذ االوامر واالحكام والقرارات وينجزها وفقا للقواعد العامة‬
‫للتنفيذ ودلك تحت مراقبة رئيس المحكمة اومن ينتدبه لهده الغاية"‪.‬‬
‫‪ 321‬المادة ‪ 20‬من القانون ‪.12610‬‬
‫‪ 322‬المادة ‪ 20‬من القانون‪. 12610‬‬
‫‪ 323‬المادة ‪ 22‬من قانون ‪.12610‬‬
‫‪ 324‬المادة ‪ 20‬من القانون ‪.12610‬‬
‫‪ 325‬المادة ‪ 00‬من القانون ‪.12610‬‬

‫‪P 210‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ومتحكما في مر اقبة االعمال التي يقوم بها من طرف رئيس املحكمة ووكيل الملك بها‪،‬وحتى يبقى‬
‫كدلك مستفيدا من الحماية القانونية باعتباره موظفا عموميا حسب ما جاء في قانون المهنة‬
‫والتي نص عليها الفصالن ‪ 203‬و‪ 201‬من القانون الجنائي ‪،‬وحتى ال تطرح كدلك مسالة تنازع‬
‫االختصاص فيما يتعلق بسلطة التاديب والمر اقبة بخصوص االخالالت التي تقع خارج الدائرة‬
‫القضائية المعين بها حالة تنفيد اجراء معين ‪.‬‬

‫وادا ما تم التساهل في هدا االمر بغية تبسيط االجراءات والمساطر القضائية فانه‬
‫يبقى من الضروري حصول المفوض القضائي على االذن من رئيس املحكمة مع اشعار وكيل‬
‫الملك بمهمة تنفيذ اجراء معين خارج دائرة االختصاص الترابي للمحكمة حتى يتسنى لسلطة‬
‫المر اقبة مواكبة وتتبع االجراءات والملفات وماقد يطالها من اخالالت مهنية ونزاعات بين منفد‬
‫االجراء وطالبه والجهة المنفد عليها‪.‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫–‬ ‫–‬

‫ختليق منظومة العدالة‬


‫‪Creation of the justice system‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر التخليق من أهم الخطط واللبنات األساسية التي تهدف للوصول الى خطة‬
‫متكاملة شاملة للقضاء على جميع مظاهرالفساد واالنحراف في السلوك المنهي لألفراد الموكول‬
‫لهم القيام ببعض المهام‪ ،‬و أيضا تغييربعض العادات لدى جل الو افدين بقطاع العدالة‪ ،‬وهو‬
‫ورش كبير تسعى جاهدا وزارة العدل واملجلس األعلى للسلطة القضائية تفعيله عبر مختلف‬
‫المسائل المتاحة لهم بغية التصدي لكافة التجاوزات واالختالالت التي قد تروم دون ارتقاء‬
‫منظومة العدالة‪.‬‬

‫وإن الضمير المسؤول هو الركن األساس ي في تكريس االصالح الحقيقي لقطاع العدالة‪،‬‬
‫ضمير يستمد مرجعياته من سلوكيات وأخالقيات غير منحرفة وزائدة‪ ،‬وهذا المشروع الكبير‬
‫يالمس التطلعات الملكية السامية لصاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره الله و أيده في‬
‫العديد من خطاباته السامية " فالقطاع العام يحتاج‪ ،‬دون تأخير‪ ،‬إلى ثورة حقيقية ثالثية‬
‫األبعاد‪ :‬ثورة في التبسيط‪ ،‬وثورة في النجاعة‪ ،‬وثورة في التخليق‪ ،326‬وجاء أيضا في خطاب العرش‬
‫في ‪ 21‬يوليوز لسنة ‪ " 2111‬كما أننا ننتظر من حكومتنا ترسيخ دولة القانون بإعطاء دفعة قوية‬
‫لإلصالح اإلداري والقضائي المستمرعلى تخليق الحياة العامة وثقافة المرفق العام‪.327‬‬

‫‪ 326‬اخطاب الملكي السامي لـ‪ 52‬يوليوز ‪ ،4023‬بمناسبة الذكرى الـ‪ 40‬لتربع صاحب الجاللة الملك محمد السادس لعرش‬
‫أسالفه المنعمين ‪.‬‬
‫‪ 327‬خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش بالرباط ‪ 50 ،‬يوليوز ‪. 4000‬‬

‫‪P 212‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫والتخليق ومحاربة الفساد مشروع بناء يستسقى مرده من الفصلين ‪ 328 914‬و ‪ 329911‬من‬
‫دستور ‪ 2199‬وكذلك المادة ‪ 1‬في االتفاقية الدولية ملحاربة الفساد والرشوة لسنة ‪،330 2111‬‬
‫ويعد دعامة أساسية لسيادة القانون والستقالل القضاء ونزاهته‪ ،‬كما جاء في تقرير النموذج‬
‫التنموي الجديد‪. 331‬‬

‫وبما أن تخليق منظومة العدالة بمثابة المدخل الحقيقي والفعال لتخليق الحياة العامة‬
‫فإن هذا المشروع ال يمكنه أن يتحقق إال بفعل العديد من اآلليات المؤثرة لبلوغ العديد من‬
‫األهداف‪ ،‬وبالتالي فماهي آليات والسبل الكفيلة لتخليق منظومة العدالة؟ و أين تتجلى‬
‫األهداف المبتغات الوصول إليها ؟‬

‫إن طبيعة الموضوع تقتض ي منا تقسيم الموضوع لمطلبين أساسين نتطرق في المطلب‬
‫االول لآلليات الفيلة لتخليق منظومة العدالة‪ ،‬و في المطلب الثاني أهداف التخليق ‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬اآلليات الكفيلة لتخليق منظومة العدالة‬

‫للتخليق أهمية وطيدة في بناء دولة المؤسسات وبناء دولة الحق والقانون وذلك بغية‬
‫إقبارالفساد االزورارالذي يقزم التنمية المستدامة وهذا ما ال يمكن تحقيقيه إال بفعل العديد‬
‫اآلليات سواء من حيت إقرارالتوعية والتحسيس وهومفاد " الفقرة االولى "‪ ،‬دون إغفال سلطة‬
‫الجزاء والضرب بسد من حديد باعتبارها الهازج الرئيس ي للتخليق بصفة عامة وهو ما سنتطرق‬
‫له " الفقرة الثانية "‪.‬‬

‫‪328‬الفصل ‪ 252‬من الدستور " يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها‪،‬‬
‫واإلنصاف في تغطية التراب الوطني‪ ،‬واالستمرارية في أداء الخدمات‪.‬‬
‫تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية‪ ،‬وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية‬
‫التي أقرها الدستور"‪.‬‬
‫‪329‬الفصل ‪ 255‬من الدستور " يمارس أعوان المرافق العمومية وظائفهم‪ ،‬وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية‬
‫والنزاهة والمصلحة العامة "‪.‬‬
‫‪330‬المادة الثامنة من االتفاقية الدولية لمكافحة الرشوة و الفساد " تسعى سعى كل دولة طرف ‪ ،‬حيثما اقتضى األمر ووفقا‬
‫للمبادئ األساسية لنظامها القانوني ‪ ،‬إلى اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم لتوظيف المستخدمين المدنيين ‪ ،‬وغيرهم من الموظفين‬
‫العموميين غير المنتخبين عند االقتضاء ‪ ،‬واستخدامهم واستيقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد تتسم بأنها‬
‫‪ -1‬تقوم مـبـادئ الـكـفـاءة والشـفـافـية والمعايير الموضوعية ‪ ،‬مثل الجدارة واإلنصاف واألهلية "‪.‬‬
‫‪ 331‬كلمة الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية حول موضوع "العدالة في النموذج التنموي الجديد"‬
‫في ‪ 11‬نونبر‪. 8281‬‬
‫جاء في التقرير العام للنموذج التنموي الجديد لسنة ‪ " 4042‬يجـب اسـتكمال إصالح القضـاء بشـكل كامـل‪ ،‬طبقا لتوصيـات‬
‫ميثاق إصالح منظومة العدالة‪ ،‬قصد تحسـين أدائــه‪ ،‬والتقليــل مــن بطئــه‪ ،‬ومحاربــة الرشــوة علــى جميــع المســتويات‪،‬‬
‫بصفتهــا مصــدرا للتعســف وانعــدام الحمايــة لــدى المواطنيــن‪ .‬وسيشــمل ذلــك علــى وجــه الخصــوص تســريع وتيــرة‬
‫رقمنه المســاطر الداخليــة قصـد توثيـق إجراءاتهـا ونشـر المقـررات القضائيـة إضفاء الشـفافية عليهـا وإحـداث منصـة رقميـة‬
‫قضائيـة توفـر لـكل مواطـن خدمـة قضائيـة فعالـة سـريعة وعـن قـرب‪ ،‬بمـا فـي ذلـك التبليـغ اإللكتروني كمـا يجـب أن تشـمل‬
‫لزوميـة الشـفافية والحيـاد واالنصـاف مجـال القضـاء التجـاري الـذي يشـكل محـددا بالـغ االثر علـى منـاخ األعمال لتقييـم‬
‫المخاطـر مـن طـرف المسـتثمرين المغاربـة واألجانب " ص‪.62‬‬

‫‪P 213‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬التوعية والتحسيس قاطرة أساسية لتخليق منظومة العدالة ‪:‬‬

‫في و اقع األمر للتخليق أهمية كبير في تحديث مراكز العدالة وتوفير االمن القانوني‬
‫والقضائي في املجتمع‪ ،‬وذلك لن يأتي إال بفعل برامج هادفة وكفيلة بالتوعية والحسيس واالرشاد‬
‫السليم لكيفية تفعيله واالمرال يعدو أن يكون سوى خارطة طريق يتبعها المواطنين والموظفين‬
‫لحسن سيرمراكزالعدالة ‪.‬‬

‫وإن ترسيخ قيم الشفافية في تدبير الشأن العام‪ ،‬بما يتناسب مع دستور المملكة‬
‫والتزاماتها الدولية وتنزيل توصيات ميثاق إصالح منظومة العدالة يقتض ي إقرار مضامين‬
‫التوعية والتحسيس في مراكز العدالة‪ ،‬للحد من الجنوح الغير مشروع وهو ما تأتى في ‪ 11‬مارس‬
‫‪ 2129‬بإصدار املجلس األعلى للسلطة القضائية مدونة األخالقيات والسلوكيات‪ ،‬وفق معايير‬
‫الحكامة القضائية والتي نصت على القواعد التي يجب على القضاة التقييد بها من شفافية‬
‫ونزاهة ولباقة في التعامل مع مو اقع التواصل االجتماعي وحياد وتحفظ‪ ،‬وهي محطة هامة في‬
‫تأطير السلوك القضائي بشراكة كل المؤسسات المعنية‪ ،‬إلعطاء العناية الكبيرة لورش‬
‫التخليق ضمن المشاريع الكبرى إلصالح منظومة العدالة‪.‬‬

‫وإن وجود مدونة األخالقيات يعتبر من التدابير الوقائية من الفساد التي من شأنها تعزيز‬
‫النزاهة والمسؤولية‪ ،‬خصوصا أن سلطة القضائية سلطة مستقلة ومحايدة وبمثابة ركن‬
‫أساس ي لحماية حقوق اإلنسان‪ ،‬كما أن نزاهة القضاء تشكل حجر األساس في األنظمة‬
‫القضائية القوية وشرطا مسبقا وضروريا لسيادة القانون‪ ،‬والسياق الذي جاء في إطاره وضع‬
‫هذه المدونة لألخالقيات بالمغرب يندرج ضمن مسار تعزيز عملية اإلصالح الشامل للعدالة‬
‫الذي انطلق قبل بضع سنوات‪ ،‬كما يجد سنده في تنفيذ مقتضيات المادة ‪ 910‬من القانون‬
‫التنظيمي المتعلقة باملجلس األعلى للسلطة القضائية‪.332‬‬

‫‪332‬جاء في المادة ‪ 206‬من القانون التنظيمي للمجلس األعلى للسلطة القضائية " يضع المجلس ‪ ،‬بعد استشارة‬
‫الجمعيات المهنية للقضاة ‪ ،‬مدونة األخالقيات القضائية تتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة‬
‫االلتزام بها أثناء ممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم الفضائية ‪ ،‬وذلك من أجل ‪ :‬الحفاظ على استقاللية القضاء وتمكينهم‬
‫من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد ومسؤولية ؛ صيانة هيئة الهيئة القضائية التي ينتسبون إليها والتقيد باألخالقيات‬
‫النبيلة للعمل القضائي وااللتزام بحسن قواعد سير العدالة ‪ ،‬حماية حقوق المتقاضين وسائر مرتفقي القضاء والسهر‬
‫على حسن معاملتهم في إطار االحترام التام للقانون ‪ :‬تأمين استمرارية مرفق القضاء والعمل على ضمان حسن سيره‬
‫تنشر مدونة األخالقيات القضائية بالجريدة الرسمية " ‪.‬‬

‫‪P 214‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وقد ثم إصدار سنة ‪" 2191‬ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط"‪ ،‬ودادية موظفي العدل‬
‫ليكون بمثابة مرجع أخالقي ودليل قيمي يرشد كتاب الضبط في حياتهم المهنية‪ ،‬ويساعدهم في‬
‫ضبط عالقاتهم مع كافة العاملين بمحيطهم وكل الو افدين على مو اقع العدالة ‪.‬‬

‫وجاء في ديباجة الميثاق بأن " االلتزام بالقيم األخالقية والممارسات الفضلى من طرف‬
‫العاملين بالمر افق القضائية بصفة عامة ومن طرف أطر كتابة الضبط بصفة خاصة‪ ،‬يشكل‬
‫شرطا ضروريا لتحقيق العدالة وإرساء دولة الحق والقانون وتثبيت الديمقراطية التي هي أساس‬
‫التنمية االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫والبد من االهتمام بتكوين الموظفين بقطاع العدالة في مجال التخليق ومحاربة الرشوة‬
‫يعد موضوع تكوين العاملين في قطاع من أهم المواضيع التي اهتمت بها وزارة العدل واملجلس‬
‫األعلى للسلطة القضائية لضمان عدالة قوية وفعالة وفي هذا السياق وتدعيما النخراط في‬
‫ورش تخليق منظومة العدالة نظمت األجهزة الساهرة على القطاع العديد من الدورات‬
‫التكوينية الدولية للموظفين في قطاع العدالة من أجل التخليق ومحاربة الرشوة من بينها دورتين‬
‫تكوينيتين بشراكة مع تراسبرانس ي المغرب لفائدة عدد من القضاة؛ األولى حول‬
‫موضوع‪" :‬آليات مكافحة الرشوة"‪ ،‬بتاريخ ‪ 13‬نونبر ‪ 2192‬بغرفة الصناعة والتجارة والخدمات‬
‫بتازة بمبادرة من المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بتازة‪.‬‬

‫وقد أدرج المعهد العالي للقضاء مادة هاتين الوثيقتين السلوكيتين في إطاربرامج التكوين‬
‫األساس ي والمستمر املخصصة للملحقين القضائيين وكتاب الضبط‪ ،‬وكذا لبعض الفئات‬
‫المهنية القضائية كالمفوضين القضائيين والعدول‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬سلطة المتابعة و الجزاء لتخليق منظومة العدالة‬

‫اليوم ال أحد فوق املحاسبة وال مجال لإلخالل بالثقة العامة والعزم كبيرعلى مواجهة كل‬
‫الحاالت الشاذة التي قد تس يء إلى الصورة العامة لمراكز العدالة‪ ،‬وبقدر كبير من العزم على‬
‫تشجيع كل الطاقات المبدعة والعالمات المضيئة التي تنير سماء العدالة ببالدنا وذلك إلقرار‬
‫التخليق وبناء المراكز القضائية على سمات األخالقية حيث بوجودها يتحقق ازدهارها‬
‫وبإقبارها يشوبها االنهيار‪ ،‬وفي هذا السياق فقد تمت دراسة ومعالجة (‪ )0310‬شكاية وإحالهها‬
‫على الجهات املختصة‪ ،‬فضال عن احالة ل ‪ 911‬شكاية على المفتشية العامة للمجلس األعلى‬
‫للسلطة القضائية وتمت دراسة ‪ 910‬منها‪ ،‬وهنا ال بد من التأكيد على أنه بقدر حرصنا على‬
‫تكريس قواعد الشفافية ومبادئ المسؤولية واملحاسبة فانه بالمقابل لن يثم التساهل أمام‬

‫‪P 215‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الشكايات الكيدية التي تتم بسوء نية بغرض التأثير أو الضغط والتشويش‪ ،‬وقد عرفت سنة‬
‫‪ 2191‬إحالة ألربعة وعشرون (‪ )24‬قاضيا في إطار مسطرة التأديب بعد دراسة متأنية لتقارير‬
‫المقررين‪ ،‬في حين تقررالحفظ في حق (‪ )0‬آخرين‪.‬‬

‫وقد سهر املجلس األعلى للسلطة القضائية في كل هذا على أن تمر الملفات التأديبية‬
‫للقضاة في إطار من الضمانات الدستورية والقانونية التي تفعل قواعد المسؤولية والتأطير‬
‫والتخليق والتوجيه والتقويم وتوزعت العقوبات بين العزل واإلنذار وعدم مؤاخذة قاضيين‬
‫وتعميق البحث في حق واحد‪333.‬‬

‫وفي نفس السياق أنجزت المفتشية العامة لوزارة العدل خالل سنة ‪ ، 2121‬وإلى غاية‬
‫‪ 21‬أكتوبر عددا من مهام المر اقبة والتفتيش ‪ ،‬تمثلت في إجراء مهمة مر اقبة أوراش البناء‬
‫المتعثرة همت تسعة عشر(‪ )91‬مشروعا‪ ،‬كما قامت بمهمة مر اقبة صفقات الحراسة واألمن‬
‫والنظافة باإلدارة المركزية‪ ،‬و أنجزت أبحاثا في وقائع همت ‪ 10‬محاكم ابتدائية وهي املحمدية‬
‫وأزيالل وتطوان والمدنية بالدارالبيضاء والتجارية بالرباط وتنغير‪.‬‬

‫وخالل نفس الفترة تلقت المفتشية العامة لوزارة العدل ما مجموعه ‪ 294‬شكاية‪،‬‬
‫اتخذت بشأنها القرارات المناسبة‪ ،‬وتوصلت ب (‪ )91‬شكاية وتظلم من مؤسسة الوسيط‪ ،‬تمت‬
‫معالجة ‪ 92‬منها‪ ،‬والباقي في طوراإلنجاز‪.‬‬

‫أما على مستوى معالجة الملفات التأديبية ‪ ،‬فقد عملت الوزارة إلى حدود ‪23/91/2121‬‬
‫على معالجة عدد من الملفات المترتبة عن اختالالت مهنية أو متابعات قضائية‪ ،‬حيث بلغ عدد‬
‫الملفات التأديبية المفتوحة بناء على متابعات قضائية إلى ‪ 39‬ملفا‪ ،‬و بلغ عدد الملفات‬
‫التأديبية المفتوحة بناء على اختالالت مهنية إلى ملف واحد‪ ،‬وصدرت بهذا الخصوص عقوبات‬
‫تأديبية في حق ‪ 11‬موظفين‪.334‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أهداف تخليق منظومة العدالة‬

‫ان تخليق منظومة العدالة يهب زمرة من األهداف من شأنها أن تعطي ازدهار فعال‬
‫للمنظومة القضائية بصفة خاصة ومنظومة العدالة بصفة عامة‪ ،‬ومن بين هذه األهداف أن‬
‫التخليق له أثر بناء في تحقيق استقاللية السلطة القضائية بكونها أحد المبادئ االساسية في‬

‫‪ 333‬كلمة الرئيس األول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية بمناسبة افتتاح السنة‬
‫القضائية لسنة ‪. 4023‬‬
‫‪334‬عرض السيد وزير العدل بعد لعبة تقديم الميزانية الفرعية لوزارة العدل أمام لجنة العدل والتشريع و حقوق االنسان بمجلس النواب‬
‫برسم ‪.0100‬‬

‫‪P 216‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المنظومة القانونية وهو مفاد دراستنا في " الفقرة االولى " ‪ ،‬ومما ال شك فيه واستنادا إلى ما‬
‫سبق للتخليق تأثيرقوي في إقراراألمن القضائي وحماية وصون حقوق المتقاضين أمام المراكز‬
‫القضائية وهو ما سنتطرق له في " الفقرة الثانية "‪.‬‬

‫الفقرة االولى ‪ :‬دورالتخليق في إقراراستقاللية السلطة القضائية‬

‫تعتبر السلطة القضائية من السلطات األساسية داخل الدولة و أنيط بها مهمة تطبيق‬
‫القانون وحماية الحقوق والحريات‪ ،‬ولها سمو على باقي السلط داخل الدولة‪ ،‬وبموجب الفصل‬
‫‪ 911‬من الدستورفإنه يؤكد على أن " ‪.‬السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن‬
‫السلطة التنفيذية‬

‫الملك هو الضامن الستقال السلطة القضائية "‪ ،335‬والمقصود بهذا باستقالل السلطة‬
‫القضائية أن تكون قادرة على إدارة نفسها بنفسها‪ ،‬وملمة بالمسائل التي تهم سير عملها على‬
‫العموم‪ ،‬بمعنى أن تكون سيدة نفسها في مهامها بمنأى عن أي تدخل‪ ،‬إال ما كان من التعاون‬
‫والتوازن الذ ي يقض ي بهما مبدأ الفصل النسبي للسلط‪ ،‬وال يمكن الحديث عن االستقاللية اال‬
‫بفعل وجود التخليق وذلك من أجل ضمان سير المؤسسة العدالة على أحسن وجه سواء لدى‬
‫الو افدين لمراكز العدالة أو على مستوى التدبير االداري أو على مستوي المهام المنوطة بكل‬
‫موظفي العدالة ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬دورالتخليق في تفعيل األمن القضائي‬

‫يقصد باألمن القضائي الثقة في المؤسسة القضائية واالطمئنان إلى ما ينتج عنها وهي‬
‫تقوم بمهمهها المتجلية في تطبيق القانون على ما يعرض عليها من قضايا أو ما تجههد بشأنه‬
‫من نوازل‪ ،‬هذا مع تحقيق ضمانات الجودة عند أدائها لمهاها‪ ،‬وتسهيل الولوج إليها وعلم‬
‫العموم بمجريات عملها‪ ،‬وهذا المبدأ يجد أساسه في الفصل ‪ 991‬من الدستور الذي ينص “‬
‫يتولى القاض ي حماية حقوق األشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي‪ ،‬وتطبيق القانون‬
‫"‪.‬‬

‫‪335‬وجاء كذلك في المادة االولى من الميثاق العالمي للقضاة " تكفل الدولة استقالل السلطة القضائية وينص عليه‬
‫دستور البلد أو قوانينه‪ .‬ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام‬
‫ومراعاة استقالل السلطة القضائية"‪.‬‬
‫وفي المادة ‪ 8‬من االتفاقية االمريكية لحقوق اإلنسان " لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية‬
‫وتجريها خالل وقت معقول محكمة مختصة مستقلة غير متحيزة كانت قد أسست سابقا ً وفقا ً للقانون " ‪.‬‬

‫‪P 214‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ومن خالل ما سبق يستساغ بأن األمن القضائي له مميزات متعددة تفيد إقرارالطمأنينة‬
‫لدى علمة الناس عند ولوجهم للمؤسسة القضائية‪ ،‬و أيضا تحقيق التنمية االقتصادية‬
‫وتحسين مناخ األعمال في مؤشر"بيسنس دوينغ"‪ ،‬ويطمح كذلك الى تحقيق التنمية االجتماعية‪،‬‬
‫وكل هذا ال يمكن تحقيقه اال بفعل استراتيجية محكمة تجد روحها من مبدأ التخليق وفق‬
‫حكامة جيدة تمنح مرأة مشعة لسمعة القضاء الوطني داخل املحافل الدولية ‪.‬‬

‫إن نجاح التخليق في مر افق العدالة يعتمد على مسؤولية مشتركة بين المواطنين وجل‬
‫موظفي العدالة كل من موقعه وبوسائله األمر الذي سيعطي المحالة سمعة جيدة لمراكز‬
‫العدالة وإظهارها بإشعاع جيد خالل المراسيم الوطنية والدولية‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫كلمة الرئيس األول ملحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية‬
‫بمناسبة افتتاح السنة القضائية لسنة ‪.2191‬‬

‫عرض السيد وزير العدل بعد لعبة تقديم الميزانية الفرعية لوزارة العدل أمام لجنة‬
‫العدل والتشريع و حقوق االنسان بمجلس النواب برسم ‪.2129‬‬

‫دستورالمملكية المغربية‪.‬‬

‫الميثاق العالمي للقضاة‪.‬‬

‫االتفاقية االمريكية لحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫القانون التنظيمي للمجلس األعلى للسلطة القضائية‪.‬‬

‫‪P 212‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

‫املسؤولية القانونية لرجال التعليم – دراسة على‬


‫ضوء القوانني واألنظمة األساسية احلديثة‬
The legal responsibility of men of Education
:‫ملخص‬
‫تروم هذه الدراسة البحث في المسؤولية المدنية ذات الطابع التقصيري والمسؤولية‬
‫الجنائية لرجال التعليم وذلك من خالل التطرق للجانب المدني أوال حيث تم معالجة األساس‬
‫الذي تقوم عليه مسؤولية رجال التعليم وكذلك الشروط الواجب توفرها لقيام هذه‬
‫المسؤولية وفضال عن طرق او كيفية دفع هاته المسؤولية والضوابط القانونية المعتمدة في‬
.‫ذلك‬

‫والجانب الجنائي ثانيا وذلك من خالل الغوص في ماهية ونطاق المسؤولية الجنائية‬
‫لرجال التعليم وموانع هاته المسؤولية كل ذلك في على ضوء القوانين واالنظمة األساسية‬
.‫الحديثة المنظمة لقطاع التربية والتكوين‬

Study summary :
This study aims to examine the civil liability of a non-
custodial nature and the criminal liability of educational personnel
by first addressing the civil aspect. It addresses the basis of the
responsibility of educational personnel, the conditions that must
be met to fulfill this responsibility, and the ways or means of
discharging this responsibility and the legal regulations adopted in
this regard.
The second criminal aspect is the question of the nature and
scope of the criminal responsibility of educational personnel, and
the obstacles to this responsibility, in the light of modern laws and
regulations governing the education and training sector

P 217 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إن اإلنسان مدني بطبعه‪ ،‬وال يمكن له أن يعيش بمعزل عن أفراد مجتمعه‪ ،‬وال يستغني‬
‫عن عالقاته ومعامالته في ظل هذا املجتمع‪ ،‬كون هذا التعامل هو الذي يحقق له أسباب‬
‫االستمرار وتلبية حاجيات ومتطلبات الحياة‪ ،336‬بيد أنه إذا ارتكب فعل محظور جنائي أو أخل‬
‫بالتزام‪/‬واجب أضرباآلخرين نكون أمام ما يسمى بالمسؤولية‪.‬‬

‫ويقصد بالمسؤولية "‪ "la résponsabilité‬عند إطالق هذا المصطلح تحمل الشخص‬
‫لنتائج وعو اقب التقصير الصادر عنه أو عمن يتولى رقابته واإلشراف عليه ‪ . 337‬فكل شخص‬
‫مسؤول عن تصرفاته وتصرفات عمن يتولى رقابههم وعلى هذا المنوال نجد مسؤولية رجال‬
‫التعليم التي تشكل أحد أهم أصناف المسؤولية عن فعل الغير‪ ،‬خاصة المسؤولية الجنائية‬
‫منها والمدنية والتي تعتبر إحدى أهم الموضوعات المتشعبة في املجال المدني برمته ‪ ،‬ونظرا‬
‫ألهميهها فقد أفرد لها المشرع المغربي الفصل ‪ 11‬مكررمن قانون االلتزامات والعقود المغربي‬
‫‪338‬‬

‫هذا ويكتس ي موضوع مسؤولية رجال التعليم أهمية كبيرة حيث عمل المشرع المغربي‬
‫على تحديد المركز القانوني لرجال التعليم حيث عدت المدرس‪/‬ة أنه قد حل محل اآلباء أثناء‬
‫تلقي أوالدهما التعليم على يديه ‪ ،‬ومن ثم فإن اضطالع المدرس‪/‬ة بوظيفته التعليمية يفرض‬
‫عليه التزاما برقابة التالميذ المعهود بهم إليه بمقتض ى الوظيفة المذكورة فإذا ما أحدث هؤالء‬
‫التالميذ أو حدث لهم ضررمنهم ‪ ،‬أو من الغير‪ ،‬أو من المدرس‪/‬ة فستنعقد مسؤولية هذا االخير‬
‫بوصفه متوليا للرقابة على التالميذ‪339‬‬

‫بناء على ما سبق ذكره يمكننا التساؤل عن إلى أي حد وفق المشرع المغربي في تحديد‬
‫المسؤولية سواء الجنائية منها أو المدنية لرجال التعليم؟‬

‫‪ 336-‬معاد البراهمي‪ ،‬مبدأ سلطان اإلرادة على ضوء التحوالت اإلقتصادية ‪ ،‬رسالة ماستر قانون خاص ‪ ،‬جامعة‪ .‬سيدي‬
‫محمد بن عبد الله ‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية فاس ‪ ، 0101-0107 ،‬ص ‪.0‬‬
‫‪ -337‬عبد القادر العرعاري ‪ ،‬مصادر االلتزامات الكتاب الثاني المسؤولية المدنية ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،‬دار األمان الرباط ‪ ،‬سنة‬
‫‪ ، 0100‬ص ‪. 7‬‬

‫‪ -338‬قانون االلتزامات والعقود ‪ ،‬ظهير ‪ 2‬رمضان ‪ 00( ، 0220‬أغسطس ‪ ) 0202‬صيغة محينة بتاريخ ‪ 11‬يناير ‪،0100‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪2000‬‬
‫‪ -339‬جليل حسن بشات الساعدي‪ ،‬مسؤولية المعلم المدنية دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪،‬سنة‬
‫‪ ، 0112‬ص ‪. 01‬‬

‫‪P 220‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تبعا للمنهجية القانونية سنحاول معالجة هذه اإلشكالية من خالل التصميم اآلتي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المسؤولية المدنية ذات الطابع التقصيري لرجال التعليم‪ .‬المطلب الثاني‪:‬‬
‫المسؤولية الجنائية لرجال التعليم ‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬المسؤولية المدنية ذات الطابع التقصيري لرجال التعليم‪:340‬‬

‫تعتبر المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير من أهم مظاهر المسؤولية المدنية‪ ،‬والتي‬
‫تشمل العديد من صور المسؤولية كمسؤولية التابع عن أفعال تابعه أو مسؤولية املخدوم عن‬
‫أفعال الخادم‪ ،‬وأرباب الحرف عن متعلميهم‪ ،‬واألبوين واألقارب عن املختليين عقليا الذين هم‬
‫تحت رعايههم‪ ،‬ثم مسؤولية رجال التعليم التي هي موضوع دراستنا في الورقة البحثية‪ .‬و ذلك من‬
‫خالل الحديث عن أساس مسؤولية المعلمين عن متعلميهم مرورا بشروط قيام هذه المسؤولية‬
‫(الفقرة األولى) لنختم بكيفية دفع المسؤولية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أساس مسؤولية رجال التعليم وشروط قيامها ‪:‬‬

‫سنحاول من خالل هذه الفقرة ان نبحث في األساس التي تقوم عليه مسؤولية رجال‬
‫التعليم ‪-‬أوال‪ -‬على ان نحدد شروط قيام هذه المسؤولية ‪-‬ثانيا‪-‬‬

‫أوال ‪ :‬أساس مسؤولية رجال التعليم ‪:‬‬

‫تدخل مسؤولية المعلمين واألساتذة عن األطفال والشبان الذين في عهدتهم ضمن‬


‫حاالت المسؤولية عن فعل الغير‪ ،‬وبالرغم من أن هذه المسؤولية تقترب من حيث شكلها العام‬
‫بالمسؤوليات الموضوعية ‪ ،‬إال أنه يسري عليها ما يسري على المسؤولية الشخصية من أحكام‬
‫خصوصا ما يتعلق باإلثبات إذ أن المشرع أسس هذه المسؤولية على الخطأ الواجب اإلثبات‬
‫من طرف المدعي وهذا ما ورد النص عليه في الفصل ‪ 11‬مكرر من ق ‪.‬ل‪.‬ع الذي ورد فيه بأنه "‬
‫يسأل المعلمون و موظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من األطفال والشبان خالل‬
‫الوقت الذي يوجدون فيه تخت رقابههم ‪ ،‬والخطأ أو عدم الحيطة أو اإلهمال الذي يحتج به‬

‫‪ -340‬المقصود برجال التعليم كل المعلمين والمعلمات واألساتذة واألستاذات الذين يشتغلون في مؤسسات التربية‬
‫والتعليم العمومي والتي ينظمها المرسوم ‪ 06106270‬الصادر في ‪ 0‬جمادى األولى ‪07( 0202‬يوليو ‪) 0110‬‬
‫بمثابة النظام األساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي كما وقع تغييره وتتممه‪.‬‬

‫‪P 221‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫عليهم باعتباره السبب في حصول الفعل الضار يلزم المدعي إثباته وفقا للقواعد القانونية‬
‫العامة‪341‬‬

‫إذن مسؤولية المعلمين عن المتعلمين تقوم على أساس الخطأ الواجب اإلثبات ‪ ،‬أي أن‬
‫من يدعي وجود خطأ أو تقصير من قبل رجال التعليم فيجب عليه إثباته بوسائل االثبات‬
‫المضمنة في القواعد القانونية العامة ومن بين هذه الوسائل نجد إقرار الخصم وشهادة‬
‫الشهود إلى غير ذلك من وسائل اإلثبات طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 414‬من قانون االلتزامات‬
‫المغربي‪342‬‬ ‫والعقود‬

‫وبالرجوع إلى الظهير الشريف رقم‪ 9.11.111 .‬المتعلق بالنظام األساس ي العام للوظيفة‬
‫العمومية‪ 343‬نجد أنه ينص بشكل صريح في فصله ‪ 91‬أن كل موظف مسؤول عن كل المهام‬
‫المعهودة إليه وعن كل هفوة يرتكبها أثناء تأدية وظيفته أو عند مباشرتها ‪ ،‬في هذا الصدد يطرح‬
‫تساؤل عريض ما موقع األساتذة أطر االكاديميات الجهوية للتربية والتكوين أو ما يعرفون عند‬
‫الشأن العام ب " األساتذة المتعاقدون " من هاته المسؤولية ال سيما وأن هؤالء األساتذة ال‬
‫يعتبرون موظفون عموميون وبالتالي ال ينطبق عليهم النظام االساس ي العام للوظيفة‬
‫العمومية؟‬

‫حسب رأينا المتواضع أن األساتذة أطر األكاديميات بدورهم تنطبق عليهم المقتضيات‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 91‬من ظهير النظام االساس ي للوظيفة العمومية لكون النظام‬
‫الخاص بأطر األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الذي تم المصادقة عليه من قبل املجلس‬
‫اإلداري لألكاديميات الجهوية بتاريخ ‪ 93‬مارس ‪ 2191‬خضع في تركيبته البنيوية على مجموعة من‬

‫‪ -341‬عبد القادر العرعاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.020‬‬


‫‪ -342‬ينص الفصل ‪ 212‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي على مايلي ‪ " :‬وسائل اإلثبات التي يقررها القانون‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ - 0‬إقرار الخصم؛‬
‫‪ - 0‬الحجة الكتابية؛‬
‫‪ - 2‬شهادة الشهود؛‬
‫‪ - 2‬القرينة؛‬
‫‪ - 0‬اليمين والنكول عنها‪".‬‬
‫‪ -343‬ظهير شريف رقم ‪ 06016111‬بتاريخ ‪ 2‬شعبان ‪ 02(0277‬فبراير ‪.)0201‬بشأن النظام األساسي العام للوظيفة‬
‫العمومية الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 0270‬بتاريخ ‪ 00‬رمضان ‪00(0277‬أبريل ‪)0201‬ص ‪. 202‬‬

‫‪P 222‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المرجعيات وعلى رأسها ظهير النظام األساس ي العام للوظيفة العمومية ‪ ،‬وما سيزيد تأكيد هذا‬
‫الطرح هو ما سنورده أثناء حديثنا عن المسؤولية الجنائية لرجال التعليم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شروط قيام مسؤولية رجال التعليم ‪:‬‬

‫من خالل مقتضيات الفصل ‪ 11‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود المغربي يستوجب‬
‫لقيام مسؤولية رجال التعليم وجود شرطين وهما ‪:‬‬

‫‪ ‬وجود طفل أو شاب متعلم تحت إشراف معلم(ة)‪.‬‬

‫‪ ‬إحداث الطفل او الشاب ضررللغيرأثناء فترة الدراسة‪ 344‬أو في فترات االستراحة‪ 345‬أو في‬
‫حصة التربية البدنية ‪.‬‬

‫يفيد الشرط االول أن مسؤولية رجال التعليم عن األضرارالتي يحدثها األطفال او الشبان‬
‫الذين في عهدتهم تقتصر على األوقات التي يكون فيها هؤالء األطفال او الشبان تحت إشر افهم‬
‫بمعنى أخر في وقت العمل والذي يتضمن (الحصص التعليمية أو حصص التربية البدنية أو‬
‫فترات االستراحة أو الرحالت الجماعية خارج أسوارالمؤسسات التعليمية )‪.‬‬

‫أما الشرط الثاني فيفيد تحقق مسؤولية رجال رهين بتسبب الطفل اوالشاب الذي تحت‬
‫عهدة وإشراف المعلم(ة) في وقوع ضررللغير‪.‬‬

‫وجديربالذكرأن ما ينطبق على مسؤولية رجال التعليم في المؤسسات العمومية ينطبق‬


‫على رجال التعليم في المؤسسات الخصوصية‪.346‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬كيفية دفع مسؤولية رجال التعليم ‪:‬‬

‫ال تقوم المسؤولية حتى يثبت المتضررالخطأ في الرقابة في جانب المعلم(ة)‪ 347‬ألن أساس‬
‫مسؤولية المعلم(ة) ‪-‬كما سبقت اإلشارة إلى ذلك ‪ -‬أنها تقوم على الخطأ الواجب اإلثبات ‪.‬‬

‫‪ -344‬عبد الحميد أخريف ‪ ،‬محاضرات في مجزوءة المسؤولية المدنية ‪ ،‬ألقيت على طلبة السداسي الثالث حقوق‪،‬‬
‫بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية فاس ‪.0102/0100 ،‬‬
‫‪ -345‬تجدر اإلشارة إلى أن األساتذة ‪/‬المعلمين والمعلمات في السلك االبتدائي يضعون اتفاق موثق فيما بينهم لتقسيم‬
‫أيام أو ساعات الحراسة والمراقبة واإلشراف على التالميذ أثناء فترة االستراحة ‪ ،‬أما في السلك اإلعدادي والثانوي‬
‫فاألمر يختلف حيث تعهد المهمة تعهد للحارس العام للخارجية طبقا لمقتضيات المادة ‪ 00‬من النظام األساسي‬
‫الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي ‪.‬‬
‫‪ -346‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪( 020‬بتصرف) ‪.‬‬
‫‪ -347‬عبد الحميد أخريف ‪ ،‬مرجع سابق ‪ (.‬بدون صفحة)‪.‬‬

‫‪P 223‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وتخضع طرق دفع مسؤولية األستاذ‪/‬ة والمعلم‪/‬ة إن أراد دفعها ملجموعة من الضوابط‬
‫القانونية؛ فعليه بالسعي إلى هدم أركانها ويمكنه أن يستعمل في ذلك ما يلي ‪:‬‬

‫نفي الخطأ بتبريرالفعل الضاروذلك من خالل ‪:‬‬

‫الدفاع الشرعي ‪ :‬من المبادئ الثابتة في علم القانون أن يسمح للفرد بأن يدافع عن نفسه‬
‫في حالة العدوان المباشرعلى النفس أو المال ‪ ،‬ما يتفق مع طبيعة األمور‪.‬‬

‫حالة الضرورة ‪ :‬وهذه الحالة تطبيقا للقاعدة الشرعية التي تقرر أن الضرورات تبيح‬
‫املحظورات‪.‬‬

‫تنفيذ أمر الرئيس ‪ :‬المدرس‪/‬ة أو المعلم‪/‬ة ال يكون مسؤوال عن عمله الذي أضر بالغير‬
‫إذا أداه تنفيذا ألمر القانون أو ألمر صدر إليه من رئيسيه‪ .348‬بل األكثر من ذلك االمتثال‬
‫لتوجيهات وتعليمات السلطة الرئاسية تشكل أحد أهم واجبات المدرس‪/‬ة أوالمعلم(ة) وهذا ما‬
‫نص عليه الفصل ‪ 91‬من ظهير الوظيفة العمومية والمادة ‪ 1‬من النظام األساس ي الخاص بأطر‬
‫األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬المسؤولية الجنائية لرجال التعليم ‪:‬‬

‫إذا كانت المسؤولية المدنية تقوم بمجرد اإلخالل بااللتزامات والواجبات سواء‬
‫المتضمنة في نصوص قانونية أو المستخلصة من مبادئ التعايش االجتماعي‪ .‬فإن المسؤولية‬
‫الجنائية تنشأ عن ارتكاب فعل ضار باملجتمع ‪ ،‬وفقا لمقتضيات القانون الجنائي المغربي‪349‬‬

‫وتتولى النيابة العامة متابعة الجاني‪ 350‬أمام املحاكم املختصة مراعية في ذلك المبدأ األصل " ال‬
‫جريمة وال عقوبة إال بنص‪" 351‬‬

‫وعليه إن الموظف بشكل عام والمعلم(ة) ‪/‬المدرس(ة) بشكل خاص قد يكون محط‬
‫مساءلة جنائية متى تبث في حقه ارتكاب فعل ضارمخالف لمقتضيات القانون الجنائي‪.‬‬

‫‪ -348‬أحمد أباش‪ ،‬التشريع المدرسي وأخالقيات المهنة ‪ ،‬ص ‪. 200‬‬

‫‪ -349‬ظهير شريف رقم ‪ 06026202‬صادر في ‪ 01‬جمادى الثانية ‪ 00( 0210‬نونبر ‪ ) 0200‬بالمصادقة القانون‬
‫الجنائي ‪.‬‬
‫‪ -350‬أحمد أباش ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ -351‬أنظر الفصل الثالث من القانون الجنائي المغربي ‪.‬‬

‫‪P 224‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ومن هذا المنطلق سنحاول تناول ماهية ونطاق مسؤولية رجال التعليم على مستوى‬
‫(الفقرة األولى ) على أن نتناول بالدراسة والتحليل موانع مسؤولية رجال التعليم في( الفقرة‬
‫الثانية )‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬ماهية ونطاق مسؤولية رجال التعليم الجنائية ‪:‬‬

‫إن المسؤولية الجنائية ترتبط بالجريمة كسلوك منحرف وقع التنصيص على زجره‬
‫وكو اقعة اجتماعية تعرفها كل املجتمعات ‪ ،‬ويضطلع القانون الجنائي بتحديد الجرائم‬
‫والعقوبات املخصصة لها حرصا على تحقيق أسباب األمن في املجتمع‪ ،352‬وبالتالي يمكن تحديد‬
‫المسؤولية الجنائية لألستاذ(ة)‪/‬المعلم(ة) بأنها نتيجة طبيعية لسلوكه سواء كان عمال أو‬
‫امتناعا معاقب عليه في نصوص القانون الجنائي ‪ ،‬وبالنظرإلى مجموعة من المعطيات المتمثلة‬
‫في مساسه بالمصلحة التي عمل المشرع المغربي على حمايهها وإلحاق الضرربها‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى الفصل ‪ 91‬من قانون الوظيفة العمومية و الذي ينص بشكل صريح عن‬
‫المسؤولية الجنائية للموظف في حالة ارتكابه لهفوة في تأدية وظيفته أو مباشرتها ‪ ،‬لكن هنا‬
‫يتباذرإلى ذهننا تساؤل هام سنصوغه كاالتي ‪ :‬هل يسأل األساتذة أطراألكاديميات جنائيا طبقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 91‬أعاله على اعتبار أنهم ليسوا موظفين عمومين ؟ أم لهم نظام مساءلة‬
‫جنائية خاصة بهم تتالءم و وضعيههم ؟‪.‬‬

‫بالعودة إلى تعريف المشرع المغربي للموظف العمومي نجد أنه ينص على ما يلي ‪ " :‬يعد‬
‫موظفا عموميا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسالك‬
‫االدارة التابعة للدولة "‪ 353‬اذن مسألة الترسيم تعتبر أحد الركائز األساسية في التوظيف األمر‬
‫الذي ينتفي عند نمط تشغيل األساتذة أطر األكاديميات الذي اعتمد فيه آلية التعاقد ‪،‬وجدير‬
‫بالذكرأن االكاديميات الجهوية للتربية والتكوين باعتبارها االدارة المشغلة ليس لها من مهامها‬
‫الترسيم وهذا ما يتضح بجالء من خالل القانون ‪35411.11‬‬

‫‪ -352‬أحمد قليش و مجيدي السعدية وسعاد حميدي ومحمد زنون ‪ ،‬الوجيز في شرح القانون الجنائي العام ‪ ،‬مطبعة‬
‫األمنية ‪-‬الرباط ‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -353‬الفصل الثاني من النظام االساسي العام للوظيفة العمومية‪.‬‬

‫‪ -354‬للتفصيل في الموضوع أكثر انظر المرسوم رقم ‪ 061160100‬صادر في ‪ 07‬من شعبان ‪ 02 ( 0200‬نوفمبر‬
‫‪ )0111‬بتطبيق القانون رقم ‪ 17611‬القاضي بإحداث األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كما وقع تغييره ‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 2201‬بتاريخ يوليو ‪.0110‬‬

‫‪P 225‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫غير أن مفهوم الموظف في املجال الجنائي يبقى واسعا حيث يعمد التشريع الجنائي إلى‬
‫التوسع في تحديد مفهوم الموظف في كل من يمارس سلطة عامة أو يكلف بوظيفة مرفق عام أو‬
‫يتولى نيابة عمومية ‪355‬وهذا ما يؤكده بجالء منطوق الفصل ‪ 224‬من القانون الجنائي حيث‬
‫ينص على ما يلي ‪ << :‬يعد موظفا عموميا‪ ،‬في تطبيق أحكام التشريع الجنائي‪ ،‬كل شخص كيفما‬
‫كانت صفته‪ ،‬يعهد إليه‪ ،‬في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر‬
‫ويساهم بذلك في خدمة الدولة‪ ،‬أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية‪ ،‬أو المؤسسات‬
‫العمومية أو مصلحة ذات نفع عام‪.‬‬

‫وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له‬
‫بعد انههاء خدمته‪ ،‬إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها‪. >> .‬‬
‫تجدراإلشارة أيضا إلى أن النظام األساس ي الخاص بأطراألكاديميات الجهوية لم يتناول‬
‫المسؤولية الجنائية لهيئة التدريس بشكل صريح لكن هناك بعض الواجبات الملقاة على عاتق‬
‫رجال التعليم في حالة اإلخالل بها قد تؤدي به إلى المساءلة الجنائية من ذلك إفشاء السرالمنهي‬
‫مثال (الفقرة ‪ 99‬من المادة ‪ 1‬من النظام األساس ي الخاص بأطراألكاديميات الجهوية )‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬موانع المسؤولية الجنائية لرجال التعليم ‪:‬‬

‫ينص الفصل ‪ 932‬من القانون الجنائي على أن << كل شخص سليم العقل قادر على‬
‫التمييزيكون مسؤوال شخصيا عن‪:‬‬

‫الجرائم التي يرتكبها ‪.‬‬

‫الجنايات أو الجنح التي يكون مشاركا في ارتكابها‪.‬‬

‫محاوالت الجنايات‪.‬‬

‫محاوالت بعض الجنح ضمن الشروط المقررة في القانون للعقاب عليها‪.‬‬

‫وال يستثنى من هذا المبدأ إال الحاالت التي ينص فيها القانون صراحة على خالف ذلك ‪.‬‬
‫>>‬

‫‪ -355‬المختار اعمره ‪ ( ،‬المساءلة الجنائية للموظف العمومي عن إخالله بالتزاماته القانونية ) ‪ ،‬مقال منشور على‬
‫الموقع االلكتروني التالي‪: https://www.rolacc.qa/wp-comtent/uploads‬‬

‫‪P 226‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫من خالل مقتضيات هذا الفصل يتضح أنه ال يمكن ان يكون أهال للمساءلة الجنائية إال‬
‫من كان سليم العقل وقادر على التمييز‪.‬‬

‫وقد عالج المشرع المغربي موانع المسؤولية الجنائية في المواد ‪ 932‬إلى ‪ 941‬من‬
‫مجموعة القانون الجنائي ‪ ،‬حيث ترتبط هذه الموانع بالعاهات العقلية والتي تتمثل في‬
‫الحالتين التاليتين‬

‫الحالة األولى ‪ :‬الخلل العقلي ؛ وهذا ما نص عليه المشرع من خالل الفصل ‪ 934‬من‬
‫القانون الجنائي بقوله ‪ ^ :‬ال يكون مسؤوال‪ ،‬ويجب الحكم بإعفائه‪ ،‬من كان وقت ارتكابه‬
‫الجريمة المنسوبة إليه‪ ،‬في حالة يستحيل عليه معها اإلدراك أو اإلرادة نتيجة لخلل في قواه‬
‫العقلية‪.‬‬

‫وفي الجنايات والجنح‪ ،‬يحكم باإليداع القضائي في مؤسسة لعالج األمراض العقلية وفق‬
‫الشروط المقررة في الفصل ‪.10‬‬

‫أما في مواد املخالفات ‪ -‬فإن الشخص الذي يحكم بإعفائه ‪ -‬إذا كان خطرا على النظام‬
‫العام‪ -‬يسلم إلى السلطة اإلدارية‪. >>.‬‬

‫الحالة الثانية ‪ :‬الضعف العقلي ‪ :‬وهي الحالة التي نص عليها المشرع المغربي في الفصل‬
‫‪ 931‬من القانون الجنائي بما يلي ‪ << :‬تكون مسؤولية الشخص ناقصة إذا كان وقت ارتكابه‬
‫الجريمة مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه أو إرادته ويؤدي إلى تنقيص‬
‫مسؤوليته جزئيا‪.‬‬

‫وفي الجنايات والجنح‪ ،‬تطبق على الجاني العقوبات أو التدابيرالوقائية المقررة في الفصل‬
‫‪.11‬‬

‫أما في املخالفات‪ ،‬فتطبق العقوبات مع مراعاة حالة المههم العقلية‪. >> 356‬‬

‫بناء على ما سبق ال يمكن مساءلة رجال التعليم جنائيا كلما ثبت وجود عاهة من العاهات‬
‫العقلية السابق ذكرها‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫‪ -356‬أحمد قليش و مجيدي السعدية و سعاد حميدي ومحمد زنون ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 20‬و‪ 20‬و ‪. 22‬‬

‫‪P 224‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫خالصة القول لقد أحسن المشرع المغربي عند تأسيسه المسؤولية المدنية لرجال‬
‫التعليم على أساس الخطأ الواجب االثبات (الفصل ‪ 11‬مكرر من قانون االلتزامات والعقود‬
‫المغربي ) على اعتبار المكانة االعتبارية واملحورية لرجال التعليم داخل أي مجتمع وباعتبار‬
‫الموارد البشرية إحدى أهم العناصراألساسية في تحقيق التنمية ألي مجتمع‪.‬‬

‫لكن ما يعاب هنا هو تداخل مجموعة من القوانين واألنظمة في تحديد مسؤولية رجال‬
‫التعليم كظهير قانون االلتزامات والعقود والنظام االساس ي العام للوظيفة العمومية والنظام‬
‫الخاص بأطراالكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ‪.‬‬

‫الئحة المراجع ‪:‬‬

‫قوانين ومراسيم ‪:‬‬

‫‪ -‬قانون االلتزامات والعقود ‪ ،‬ظهير‪ 1‬رمضان ‪ 92( ، 9339‬أغسطس ‪ ) 9193‬صيغة محينة‬


‫بتاريخ ‪ 11‬يناير ‪ ، 2129‬الجريدة الرسمية عدد ‪.4222‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 9.11.493‬صادر في ‪ 21‬جمادى الثانية ‪ 20( 9312‬نونبر ‪) 9102‬‬


‫بالمصادقة القانون الجنائي ‪.‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 9.11.111‬بتاريخ ‪ 4‬شعبان ‪ 24(9311‬فبراير ‪.)9111‬بشأن النظام‬


‫األساس ي العام للوظيفة العمومية الجريدة الرسمية عدد ‪ 2312‬بتاريخ ‪ 29‬رمضان‬
‫‪99(9311‬أبريل ‪)9111‬ص ‪. 194‬‬

‫‪ -‬المرسوم ‪ 2.12.310‬الصادر في ‪ 0‬جمادى األولى ‪91( 9493‬يوليو ‪ ) 2112‬بمثابة النظام‬


‫األساس ي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي كما وقع تغييره وتتممه‪.‬‬

‫‪ -‬المرسوم رقم ‪ 2.11.9190‬صادر في ‪ 21‬من شعبان ‪ 24 ( 9429‬نوفمبر ‪ )2111‬بتطبيق‬


‫القانون رقم ‪ 11.11‬القاض ي بإحداث األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كما وقع تغييره ‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 4191‬بتاريخ يوليو ‪.2119‬‬

‫مراجع عامة وخاصة ‪:‬‬

‫‪ -‬معاد البراهمي‪ ،‬مبدأ سلطان اإلرادة على ضوء التحوالت االقتصادية‪ ،‬رسالة ماستر‬
‫قانون خاص‪ ،‬جامعة‪ .‬سيدي محمد بن عبد الله‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية فاس‪.2191-2191 ،‬‬

‫‪P 222‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬عبد القادر العرعاري ‪ ،‬مصادر االلتزامات الكتاب الثاني المسؤولية المدنية ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪ ،‬داراألمان الرباط ‪ ،‬سنة ‪. 2199‬‬

‫‪ -‬عبد الحميد أخريف ‪ ،‬محاضرات وفي مجزوءة المسؤولية المدنية ‪ ،‬ألقيت على طلبة‬
‫السداس ي الثالث حقوق ‪ ،‬بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية فاس ‪،‬‬
‫‪.2194/2191‬‬

‫‪-‬أحمد أباش‪ ،‬التشريع المدرس ي وأخالقيات المهنة ‪.‬‬


‫‪ -‬أحمد قليش و مجيدي السعدية وسعاد حميدي ومحمد زنون ‪ ،‬الوجيزفي شرح القانون‬
‫الجنائي العام ‪ ،‬مطبعة األمنية ‪-‬الرباط‪.‬‬

‫_ جليل حسن بشات الساعدي‪ ،‬مسؤولية المعلم المدنية دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫دارالثقافة للنشروالتوزيع ‪،‬سنة ‪2114‬‬

‫مقال قانوني ‪:‬‬

‫‪-‬املختاراعمره ‪ ( ،‬المساءلة الجنائية للموظف العمومي عن إخالله بالتزاماته القانونية)‪،‬‬


‫مقال منشور على الموقع االلكتروني التالي‪: https://www.rolacc.qa/wp-‬‬
‫‪comtent/uploads‬‬

‫‪P 227‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫–‬

‫اجلرمية املنظمة العابرة للحدود واألمن‬


‫العاملي‬
‫‪Transnational organized crime and global security‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫أصبحت معظم الدول القومية اآلن متيقظة للتحديات والههديدات التي تشكلها األمور‬
‫األمنية غير التقليدية‪ .‬الحقيقة األكثر أهمية هي أن هذه األمور تؤثر بشكل مباشر على املجتمع‬
‫والناس عالوة على ذلك فإن الجريمة العابرة للحدود تعتبر من أهم القضايا األمنية التي تهدد‬
‫سيادة الدولة واستقرارها السياس ي وقد تضعف مصداقية الدول وتقوض النظام وسلطة‬
‫الحكومات باإلضافة إلي ذلك تعني الجريمة عبر الوطنية أن العالم اليوم يواجه منظمات‬
‫إجرامية متزايدة يمكنها تقويض األمن الوطني والدولي ‪ ،‬واالقتصاد العالمي وسيادة القانون‬
‫والتي إذا أثيرت بشكل ال يمكن السيطرة عليه قد تهدد مفهوم الدولة القومية وهكذا بدأت‬
‫الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية في إعطاء األولوية القصوى لقضايا الجريمة العابرة‬
‫للحدود على سبيل المثال ‪ ،‬دعمت األمم المتحدة المؤتمر العالمي المشترك بين الوزارات بشأن‬
‫الجريمة المنظمة عبر الوطنية في إيطاليا ‪ 9114‬الذي سعى إلى وضع سياسات لمكافحة الجريمة‬
‫المنظمة عبر الوطنية ‪ ،‬وأخذت بلدان جنوب شرق آسيا واالتحاد األوروبي زمام المبادرة‬
‫ً‬
‫ونظرا لطبيعهها أصبحت الجريمة المنظمة العابرة‬ ‫للتعامل مع هذه المشكلة بعبارة أخرى‬
‫جزءا من جدول األعمال السياس ي الدولي ولها تأثير كبير على العالقات الدولية‬‫للحدود اآلن ً‬
‫ً‬
‫مهددا بالجريمة المنظمة العابرة للحدود‬ ‫لذلك سيتناول هذا البحث ما إذا كان األمن العالمي‬
‫من خالل تكريسه لتعريف المفاهيم في القسم األول ‪ ،‬سيتم تعريف الجريمة المنظمة العابرة‬
‫للحدود‪ ،‬وسيتناول القسم الثاني تعريف األمن العالمي ‪ ،‬وسيشرح الفصل الثاني البيئة التي‬
‫تعمل فيها الجريمة عبر الوطنية من خالل وصف العالقة بين الجريمة عبر الوطنية والدولة‬
‫الفاشلة في الفصل األول باإلضافة إلي عملها في الدول المتقدمة في المبحث الثاني ‪ ,‬والجزء‬

‫‪P 230‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

‫الثالث سوف يسعى لتوضيح نشاط الجريمة عبر الوطنية في عصر العولمة من خالل شرح‬
‫أنواع الجريمة العابرة للحدود في عصر العولمة في المبحث األول وكذلك توضيح بعض‬
‫العمليات اإلجرامية الخطيرة مثل الهجرة غير الشرعية في بعض الدول مثل ليبيا في المبحث‬
.‫الثاني‬

Abstract

Most nation-states are now alert to the challenges and threats posed by
non-traditional security matters. The most important fact is that these matters
directly affect society and people. Moreover, transnational crime is the most
important security issue because it threatens the state’s sovereignty and political
stability and may weaken the credibility of states and undermine the power and
authority of governments. Moreover, transnational crime means that the world
today is facing increasing criminal organizations that can undermine national
and international security, the global economy and the rule of law, and which, if
raised uncontrollably, may threaten the concept of the nation-state. Thus, issues
of transnational crime began to be given the highest priority by states and non-
state actors. For example, the United Nations supported the Inter-Ministerial
Global Conference on Transnational Organized Crime in Italy 1994 that sought
to develop policies to combat transnational organized crime, and Southeast
Asian countries and the European Union took the initiative to deal with this
problem. In other words, due to its transnational nature, transnational organized
crime is now a component of the international political agenda and has a major
impact on international relations. Therefore, this research will address whether
global security is threatened by transnational crime by devoting to define
concepts. In the first section, transnational crime will be defined, the second will
deal with the definition of global security, and the second chapter will explain the
environment in which transnational crime operates by describing the

P 231 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪relationship between transnational crime and the failed state in the first‬‬
‫‪dissection as well as its work in developed countries In the second subject, either‬‬
‫‪the third part will seek to clarify the activity of transnational crime in the era of‬‬
‫‪globalization by explaining the types of transnational crime in the era of‬‬
‫‪globalization in the first sector as well as clarifying some serious criminal‬‬
‫‪operations such as illegal immigration in some countries such as Libya in the‬‬
‫‪second part.‬‬

‫المــقدمــة‪:‬‬
‫ً‬
‫يعتبر حقل العالقات الدولية حقال ديناميكي خصوصا علي المستوي األكاديمي وذلك‬
‫بسبب ظهوربعض المفاهيم على السطح في فترة معينة وتختفي في وقت آخر‪ ,‬خالل حقبة الحرب‬
‫الباردة هيمن علي الدول القومية االنقسام والصراع األيديولوجي وكانت معظمها قلقة بشأن‬
‫برنامج األمن السياس ي العسكري التقليدي و كان الشغل الشاغل للدول القومية التفكير في‬
‫قضايا األمن العسكري الناتجة عن الصراع بين القوتين العظميين ‪ ،‬وهما االتحاد السوفيتي‬
‫وأمريكا ومع ذلك في نهاية الحرب الباردة وانهيار االتحاد السوفيتي في عام ‪ ،9111‬ظهرت مفاهيم‬
‫أمنية جديدة مثل األمن البشري سنة ‪9114‬م واألمن العالمي وكذلك مفهوم الجريمة المنظمة‬
‫العابرة للحدود لتكون واحدة من األمور البارزة في قضايا األمن العالمي‪ .‬ظاهرة الجريمة‬
‫المنظمة العابرة للحدود ليست حديثة لقد ارتكبت الجرائم منذ أن فصلت الحدود الدول‬
‫ولكن الجديد في الجريمة العابرة للحدود‪ ،‬خاصة في العقود القليلة الماضية هي ثالثة أسباب‬
‫مترابطة على الجريمة العابرة للحدود‪ :‬عولمة االقتصاد‪ ،‬وزيادة أعداد وتنوع المهاجرين‬
‫ووسائل تكنولوجيا االتصاالت المتطورة والحديثة ( ‪ .)1999 ،NIJ‬باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬فإن‬
‫عولمة االتصاالت التي أنشأها اإلنترنت ‪ ،‬وبساطة التجارة الدولية والسفر ‪ ،‬وتنامي‬
‫الديمقراطيات الجديدة داخل أوروبا الشرقية و افريقيا وحول العالم التي تكافح من أجل‬
‫االعتراف بها ‪ ،‬كلها تزيد من احتمالية تحول الجريمة المنظمة املحلية الي مستوى دولي يهدف إلى‬
‫استخدام ضحايا جدد (ألبانيز ‪.)2112 ،‬‬

‫تم إعادة توزيع اإلجراءات الجنائية على مستوى العالم ‪ ،‬بسبب زيادة الفرص وكذلك‬
‫تقليل املخاطر التي تختلف من إقليم إلى آخر ( ‪ .)2002 ،Williams and Godson‬إن غالبية‬

‫‪P 232‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الدول القومية متيقظة اآلن للتحديات والههديدات التي تسببها األمور األمنية غير التقليدية‬
‫ولكن الحقيقة األكثر أهمية هي أن هذه األمور تؤثر بشكل مباشر على املجتمع والناس عالوة‬
‫على ذلك تعتبر الجريمة العابرة للحدود محبذة ألهم قضية أمنية في المقام األول ألنها تهدد‬
‫سيادة الدول واستقرارها السياس ي وقد تضعف مصداقية الدول الفردية وتقوض سلطة‬
‫الحكومات باإلضافة إلي ذلك تعني الجريمة العابرة للحدود أن العالم في الوقت الحاضر يواجه‬
‫منظمات إجرامية متزايدة يمكن أن تقوض األمن الوطني والدولي ‪ ،‬واالقتصاد العالمي وسيادة‬
‫القانون ‪ ،‬والتي إذا تم رفعها خارج نطاق السيطرة ‪ ،‬فقد تهدد مفهوم الدولة القومية‪ .‬وهكذا ‪،‬‬
‫بدأت قضايا الجريمة المنظمة العابرة للحدود تعطي األولوية القصوى من قبل الدول والجهات‬
‫الفاعلة غير الحكومية فعلى سبيل المثال ‪ ،‬دعمت األمم المتحدة المؤتمر العالمي المشترك‬
‫بين الوزارات بشأن الجريمة المنظمة عبر الوطنية في إيطاليا في ‪ ، 9114‬والذي بحث عن وضع‬
‫سياسات لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود ‪ ،‬وأخذت دول جنوب شرق آسيا مع‬
‫االتحاد األوروبي زمام المبادرة للتعامل مع هذه المشكلة‪ .‬بعبارة أخرى ‪ ،‬بسبب طابعها العابر‬
‫للحدود ‪ ،‬أصبحت الجريمة العابرة للحدود اآلن ً‬
‫جزءا من جدول األعمال السياس ي الدولي ولها‬
‫تأثير كبير على العالقات الدولية ولهذا السبب سوف تخصص هذه الورقة لدراسة تهديد‬
‫الجريمة المنظمة العابرة للحدود لألمن العالمي من خالل تقسيمها إلي عدة فصول بداية بإطار‬
‫الدراسة الذي سيتناول إشكالية الدراسة وأهميهها ومنهجيهها و أيضا أهدافها كما سيتم في هذه‬
‫ً‬
‫مهددا بالجريمة العابرة للحدود ولكن ذلك يتطلب التطرق‬ ‫الدراسة فيما إذا كان األمن العالمي‬
‫إلي تعريفات الجريمة المنظمة العابرة للحدود ومعرفة أنواعها و أثرها على املجتمع الوطني‬
‫والدولي وكذلك العالقة بين الجريمة العابرة للحدود والدول الفاشلة وتأثيرها علي األمن العالمي‬
‫ً‬
‫خاصة‬
‫ٍ‬ ‫بشكل متزايد خصوصا في سياق العولمة ‪ ،‬وبالتالي سوف تكون ليبيا بعد ‪2199‬م كمثال‬
‫في ملف الهجرة غير الشرعية واالتجاربالبشرو أيضا منطقة عبورلتجارة السالح واملخدرات كل‬
‫ذلك أصبح يشكل مصدر قلق لألمن العالمي ولذلك انطلقت العديد من العمليات سواء علي‬
‫الصعيد املحلي من خفر السواحل الليبي أو اإلقليمي مثل الدوريات االيطالية والفرنسية‬
‫لمر اقبة شواطئ الدولة الليبية‪.‬‬

‫إطـارالـدراسة‪:‬‬

‫سيتم التعرض في هذا السياق إلي النقاط التالية‪:‬‬

‫‪P 233‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أهمية الدراسـة‪ :‬تكمن أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء علي الههديد الحقيقي‬
‫للجريمة المنظمة العابرة للحدود التي تعتبرمن الفواعل غيرالدول المؤثرة في الساحة الدولية‬
‫عامة وعلي األمن العالمي بشكل خاص من خالل عالقهها مع الدول سواء كانت المتقدمة أو التي‬
‫في طورالنمو و أيضا توضيح زيادة نشاط الجريمة العابرة للحدود في العقود الثالثة األخيرة "زمن‬
‫العولمة"‪.‬‬

‫مشكلة الدراسـة‪:‬‬

‫تعكس إشكالية هذه الدراسة تحديد وتشخيص اثر الجريمة المنظمة العابرة للحدود‬
‫علي األمن العالمي وذلك من خالل التطرق إلي البيئة التي يزداد نشاطها فيها وطريقة عملها‬
‫و أنواع أنشطهها وكيفية تحركاتها في عصر العولمة ويمكن صياغة المشكلة في التساؤالت‬
‫التالية‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ .9‬إلي إي مدي أصبح نشاط الجريمة العابرة للحدود المتزايد بوتيرة سريعة يمثل خطرا‬
‫ً‬
‫حقيقا علي األمن العالمي؟‬

‫‪ .2‬لماذا تجد الجريمة المنظمة العابرة للحدود بيئة مناسبة للعمل في الدول الفاشلة؟‬

‫‪ .3‬ما هو الدور الذي لعبته العولمة في تسهيل النشاط للجريمة العابرة للحدود؟ وهل‬
‫ظهرت أنواع جديدة لها في سياق هذا الزمن؟ وكيف أصبحت ليبيا أنموذجا لذلك؟‬

‫فرضيات الدراسـة‪:‬‬

‫أدي ازدياد نشاط الجريمة المنظمة العابرة للحدود في الساحة الدولية إلي تهديد واضح‬
‫لألمن العالمي ‪.‬‬

‫إن ضعف مواجهة التحديات األمنية في الدول الفاشلة ساعد في زيادة نشاط الجريمة‬
‫المنظمة العابرللحدود‪.‬‬

‫ساعد تطور االتصاالت وحرية التنقل للسلع والبشر ورؤوس األموال عبر الحدود‬
‫"العولمة" في تسهيل عمل الجريمة العابرة للحدود وتنوع أنشطة إجرامية جديدة لها في دول‬
‫تعاني وضع أمني ضعيف مثل ليبيا‪.‬‬

‫‪P 234‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬
‫منهجية الدراسـة‪ :‬من الناحية النظرية سيكون هذا العمل مرتبطا بالعالقات الدولية‬
‫والدراسات األمنية المعاصرة الن الجريمة العابرة للحدود تعتبرمن الفواعل غيرالدول المؤثرة‬
‫بشكل سلبي في األمن العالمي لذلك سوف يعتمد هذا البحث علي المنهج التحليلي في فهم‬
‫المفاهيم ووصفها و أيضا سيكون للمنهج القانوني دورفي التعرف علي الجريمة المنظمة العابرة‬
‫للحدود وسيتناول المنهج االستقرائي التقص ي ومعرفة األسباب التي أدت إلى زيادة نشاط‬
‫الجريمة العابرة للحدود التي تهدد األمن علي مستوى عالمي‪.‬‬

‫أهـداف الـدراسـة‪:‬‬

‫تهدف هذه الدراسة إلى التطرق لمفهوم الجريمة المنظمة العابرة للحدود وتوضيح‬
‫عالقته باألمن العالمي من خالل التعرف علي األسباب الحقيقية وراء ازدياد نشاط الجريمة‬
‫العابرة للحدود في الدول الفاشلة وتنوع أنشطهها وسهولة حركة أعضاءها في سياق عصر‬
‫العولمة وتوضيح خطورة بعض العمليات مثل الهجرة غيرالشرعية التي تتدفق بشكل مريب من‬
‫خالل الحدود الليبية‪.‬‬

‫محتـويات الدراسـة‪:‬‬

‫هذه الدراسة تتضمن مقدمة عامة متبوعة بثالثة مباحث‪ ,‬ثم نتائج الدراسة‪:‬‬

‫خصص المبحث األول لتعريف المفاهيم ففي المطلب األول سوف يتم تعريف الجريمة‬
‫العابرة للحدود‪ ,‬الثاني سوف يتطرق لتعريف األمن العالمي‪ ,‬وكذلك سيشرح المبحث الثاني‬
‫البيئة التي تعمل فيها الجريمة العابرة للحدود من خالل تناول العالقة بين الجريمة العابرة‬
‫للحدود والدولة الفاشلة في المطلب األول وكذلك عملها في الدول المتقدمة في المطلب الثاني‪,‬‬
‫إما عن المبحث الثالث سيسعي إلي توضيح نشاط الجريمة العابرة للحدود في عصر العولمة‬
‫من خالل التطرق إلي أنواع الجريمة العابرة للحدود في زمن العولمة في المطلب األول وكذلك‬
‫إيضاح بعض العمليات اإلجرامية الخطيرة مثل الهجرة غير الشرعية في بعض الدول مثل ليبيا‬
‫في المطلب الثاني‪.‬‬

‫الحدود الزمنية للدراسة‪:‬‬

‫تتناول الدراسة الفترة الزمنية ما بعد سقوط االتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين حتى‬
‫وقتنا الراهن باعتبارها فترة تحول سريع في العالقات الدولية ‪ ،‬حيث انتعشت األفكار الجديدة‬

‫‪P 235‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ّ‬
‫والبنائية التي ترفض اعتبار األمن العالمي لعبة ذات محصلة صفرية‬ ‫للو اقعية والليبرالية‬
‫تشارك بها الدول فحسب‪ ،‬إذ اتسع المفهوم ليشمل أبعادا اجتماعية وبيئية و اقتصادية‬
‫وثقافية يشارك فيها األفراد والجماعات والتنظيمات والشركات وكل األنظمة العابرة للحدود في‬
‫النظام الدولي‪.‬‬

‫مصـادر البـحث‪ :‬مصادر بحث أولية متمثلة في الوثائق والمعاهدات والقوانين الدولية‪.‬‬
‫مصادربحث ثانوية تتمثل في الكتب ‪ -‬الدوريات ‪ -‬االنترنت‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف مفاهيم الدراسة‬

‫إن هذا المبحث سيسعي إلي تعريف مفهوم الجريمة المنظمة العابرة للحدود حسب أراء‬
‫مفكرين سياسيين و أيضا وفقا ألراء قانونين ومعرفة التعريف األنسب لهذا المفهوم وما هي‬
‫وجهة نظر الباحث في هذه التعريفات كما سيوضح هذا المبحث تعريف مفهوم األمن العالمي‬
‫وبروزه كمصطلح واألسباب التي جعلت هذا المفهوم يخرج إلي حيزالوجود وينال اهتمام املجتمع‬
‫الدولي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف الجريمة المنظمة العابرة للحدود‪:‬‬

‫ال يوجد تعريف واضح للجريمة العابرة للحدود لوجود اختالف كبير حسب مستويات‬
‫ً‬
‫اعتمادا على‬ ‫التحليل ونظم المنهجية املختارة للدراسة لذلك تتطور التعريفات باستمرار‬
‫األفكار والوعي وتحديد المفاهيم في مرحلة زمنية محددة بمداخل ومناهج أكاديمية (‪Zabyelina‬‬
‫‪ .)،‬ومع ذلك‪ ،‬من الناحية التقليدية‪ ،‬أشارت الجريمة المنظمة العابرة للحدود "إلى أنشطة غير‬
‫مشروعة تمتد لتشمل وتنههك قوانين دولتين أو أكثر" )‪ .(Giraldo and Trinkunas, 2010‬قد‬
‫ً‬
‫أساسيا ولكن ال يلبي أهمية هذا المفهوم لذلك في مؤتمر مكافحة الجريمة‬ ‫يصبح هذا التعريف‬
‫المنظمة العابرة للحدود في عام ‪ ، 2111‬حددت األمم المتحدة تعريفا أكثر عمومية "ليشمل كل‬
‫نشاط غير قانوني ُيرتكب في أكثر من بلد أويتم تنظيمه في دولة ولكن يتم تنفيذه في دولة أخري‬
‫مما يؤثر بشكل غير مباشر علي السلطات القضائية للدول املجاورة لها" (األمم المتحدة ‪،‬‬
‫‪ .)2111‬عالوة على ذلك ‪ّ ،‬‬
‫عرف ‪ Bossard‬الجريمة المنظمة العابرة للحدود بأنها "جريمة لها بعد‬
‫دولي وتنطوي على عبور حدود وطنية للدولة سواء قبل أو أثناء أو بعد الو اقعة" ( ‪،Bossard‬‬
‫ً‬
‫‪ )2008‬وجد هذا التعريف قبوال بين العلماء األكاديميين وقد عرفها الدكتورشريف السيد كامل‬

‫‪P 236‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بالقول أنها " فعل أو أفعال غير مشروعة تهدف غالبا للربح ترتكبها جماعة إجرامية باستخدام‬
‫الههديد الو العنف أو الرشوة حيث تتصف هذه الجماعة اإلجرامية باالستمرارية والتنظيم‬
‫الهيكلي المتدرج‪ ,‬حيث يعمل أعضاؤها وفق نظام داخلي يحدد دور كل منهم‪ ,‬كما يكفل والئهم‬
‫ألوامررؤسائهم ويمتد نشاطها اإلجرامي عبرعدة دول" ( قارة‪ ,2193 ,‬ص ‪.)212‬‬

‫باإلضافة إلي الدكتور طارق سرور‪ ,‬الذي عرفها بأنها مجموعة من األنشطة اإلجرامية‬
‫المعقدة‪ ،‬تقوم بها علي نطاق واسع تنظیمات أو جماعات منظمة‪ ،‬ویكون الدافعان الرئیسیان‬
‫إليها هما الربح المالي و اكتساب السطوة‪ ،‬بفتح أسواق السلع والخدمات غير القانونیة‬
‫واملحافظة على تلك األسواق واستغاللها‪ ،‬وهذه الجرائم كثيرا ما تتجاوز الحدود الوطنیة‪ ،‬وال‬
‫ترتبط بإفساد الشخصیات العامة والسیاسیة بواسطة الرشوة والتواطؤ‪ٕ ،‬و إنما ترتبط أیضا‬
‫بالههدیدات والتخويف العنف" (سرور‪ ,2111 ,‬ص ‪ )93‬ولكن يمكن ألي باحث أن يرى أن كل‬
‫هذه التعريفات أكثر عمومية وتصف الجريمة على المستوى الدولي فقط‪ .‬وبالتالي ‪ ،‬من وجهة‬
‫نظري ‪ ،‬تجاهلت هذه التعريفات أن الجريمة عبر الوطنية هي نوع خاص من الجرائم التي تتعلق‬
‫أساسا بانخفاض املخاطر وارتفاع اإلرباح من خالل استغالل الحدود واختالف السلطات‬ ‫ً‬

‫القضائية التي تعتبر المزايا اإلستراتيجية لها باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬هذه التعريفات ال تالحظ بأن‬
‫الجريمة العابرة للحدود هي ظاهرة اجتماعية ال تشمل األماكن فحسب ‪ ،‬بل تشمل ً‬
‫أيضا‬
‫األشخاص والمؤسسات التي تتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل االقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية في الو اقع ‪ ،‬الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية هي مزيج معقد ‪ ،‬لذلك هناك‬
‫بعض الغموض في تحديد خط فاصل أو فصل أنواع مختلفة من الجرائم ألنها موجودة في عدة‬
‫ً‬
‫موضوعا‬ ‫أشكال هجينة مختلفة )‪ .(Ruggiero, 1996‬ونتيجة لذلك ‪ ،‬تعد الجريمة عبر الوطنية‬
‫ّ‬
‫سأعرف الجريمة عبر الوطنية على أنها فرع من فروع‬ ‫ً‬
‫صعبا في السياق األكاديمي ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫الجريمة التي ترتكب في بلدين أو أكثر حيث يكون لها آثار سلبية كبيرة على القطاعات السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية عالوة على ذلك ‪ ،‬فهي تهدد األمن العالمي ألنها مرتبطة بههريب‬
‫املخدرات واألسلحة وشبكات غسيل األموال واالتجار بالبشر واإلطراف البشرية‪ ,‬والهجرة الغير‬
‫الشرعية‪ ,‬وتجارة اآلثار‪ ,‬والقرصنة المعلوماتية و أيضا قد تتالقي مصالحها مع الجماعات‬
‫اإلرهابية في تحقيق أهداف معينة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف األمن العالمي‪:‬‬

‫‪P 234‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫استطاعت المدرسة الو اقعية خالل فترة الحرب الباردة بان تسيطر بشكل كبير على‬
‫ً‬
‫التنظير في حقل العالقات الدولية‪ ،‬ولذلك عرفوا الدراسات األمنية تعريفا محدودا يقتصر على‬
‫قضايا األمن العسكري ومحورية أمن الدولة باعتبارها الوحدة األساسية في التحليل األمني‪،‬‬
‫"واألمن الوطني باعتباره التصور األمثل لألمن لتكيفه مع الههديدات األمنية في ظل نظام ثنائي‬
‫القطبية التي تتصارع فيه كل من الكتلة الغربية بزعامة الواليات المتحدة األمريكية والكتلة‬
‫الشرقية بزعامة اإلتحاد السوفيتي" (بوستى‪ . )2191 ,‬ولكن بعد انهياراالتحاد السوفيتي والكتلة‬
‫الشرقية وانهيارجداربرلين و انههاء الحرب الباردة أصبح النظام العالمي يتبلوربشكل جديد علي‬
‫المستوي البنيوي "القطبية األحادية" وعلي المستوي األكاديمي برزت القضايا األمنية‬
‫(‪ (Security Issues‬كبرادايم يجمع العديد من العلماء في بعض المدارس مثل مدرسة كوبنهاجن‬
‫وباريس (يونس‪ .)2191 ,‬في ظل هذه التغيرات أصبح مفهوم األمن العالمي يحظي باهتمام بسبب‬
‫الوتيرة السريعة لإلحداث والتطورات التي شهدها "املجتمع الدولي والعالقات الدولية فقد أثرت‬
‫ً‬
‫هذه التطورات بشكل واضح على مفهوم األمن علي مستوي أبعاده املختلفة إقليميا ودوليا حيث‬
‫ً‬
‫أصبح مفهوم األمن التقليدي السابق يشهد تطورا كلي عبرفترات زمنية مختلفة فقد تغيرمفهوم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫األمن التقليدي تغييرا شامال متجاوزا األسس التي بني عليها خاصة "القوة العسكرية في التعامل‬
‫مع األخطار والتحديات التي كانت تواجه الدول وذلك عبر إدراك أهمية وضرورة التركيز على‬
‫منظومة أمنية شاملة من خالل االهتمام والتركيز على مفهوم األمن املجتمعي الشامل والكامل"‬
‫(الرشدان‪ .)2191,‬ومن هذا المنطلق بدأت التطورات تظهر في حقل الدراسات األمنية الغربية‬
‫والشرقية‪ ،‬وذلك أدي إلى إعادة تعريف مفهوم األمن العالمي وتوسيع نطاق مستويات مرجعية‬
‫تحليلية جديدة‪ ،‬كما أن التطورات والمتغيرات اإلقليمية والدولية وبروزقضايا وتحديات عالمية‬
‫جديدة ساهمت بشكل كبيرفي حدوث تغييرواضح في مفهوم األمن العالمي الذي يعرف " على أنه‬
‫وضعا تحدث فيه األمور في جزء من العالم بحيث تؤثر في الناس الذين يعيشون في جزء آخر‬
‫منه ويعني هذا مثال‪ ،‬السالمة من تهديد الحرب بين الدول ومن عبور اإلرهابيين الحدود الدولية‪،‬‬
‫والجريمة المنظمة العابرة للحدود ومن إسهام الصراعات في مناطق معينة في تقييد التجارة‬
‫الدولية أو الحد من تدفق الموارد الضرورية كالنفط‪ ،‬ومن الحكومات المضطهدة‪ ،‬ومن‬
‫الكوارث البيئية أو أي مشكلة أخرى تؤدي إلى تدفق الالجئين بهجرات جماعية عابرة الحدود‪،‬‬
‫ويمكن إضافة العديد من الههديدات املحتملة األخرى إلى هذه القائمة" (ريتون‪ ,2111 ,‬ص‪.)1‬‬
‫كما وضعت صحيفة األمن الدولي (‪ )International Security‬تعريفا يقدم صورة أوضح‬

‫‪P 232‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لمفهوم األمن العالمي حيث يقول" يتزايد تعريف األمم ألمنها ليس باألشكال التقليدية لقواتها‬
‫المسلحة و اقتصادها النشيط واستقرار الحكم فيها فقط‪ ،‬بل بشروط أخرى كقدراتها التي‬
‫كانت في الماض ي أقل مركزية كموارد الطاقة والعلم والتكنولوجيا والغذاء والمصادر‬
‫الطبيعية‪ ،‬لقد فرض االعتماد المتبادل اهتمامات عبر األمم كالتجارة واإلرهاب والتوريد‬
‫العسكري والبيئة لتكون عناصر رئيسة في االعتبارات األمنية في أي مجتمع رفاه ورخاء‪ ،‬ويشتمل‬
‫األمن العالمي جميع تلك العوامل ذات التأثير المباشر في بنية نظام دولة األمة وسيادة أعضائها‬
‫مع تأكيد خاص على استخدام القوة والههديد بها وضبطها"‪( .‬س ناي‪ ,‬و دوناهيو‪ ,2112 ،‬ص‬
‫‪ .)29‬ولقد عرف كل من‬

‫)‪ (M. H. Saier Jr. & J. T. Trevors‬األمن العالمي علي انه المفهوم الذي يتضمن األمن‬
‫االقتصادي ‪ ،‬واألمن القومي ‪ ،‬وأمن الطاقة ‪ ،‬واألمن النووي ‪ ،‬واألمن السيبراني ‪ ،‬واألمن‬
‫الديمقراطي والحقوق المدنية ‪ ،‬واألمن الشخص ي ‪ ،‬وأمن الرعاية الصحية واهم من ذلك األمن‬
‫البيئي‪ .‬ويعتبر هذا التعريف أكثر شمولية ويشمل جميع الجوانب األمنية علي الصعيد العالمي‬
‫()‪.)Saier & Trevors, 2008‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تنامي الجريمة المنظمة العابرة للحدود‬

‫مما ال شك فيه إن تطوروزيادة نشاط الجريمة المنظمة العابرة للحدود يعتمد علي البيئة‬
‫التي تعمل فيها هذه المنظمات اإلجرامية لذلك سوف يسعي هذا المبحث إلي توضيح العالقة‬
‫بين الجريمة العابرة للحدود والدول الفاشلة التي تعاني من تحديات أمنية وسياسية‬
‫و اقتصادية وال يقتصرالوضع علي هذه الدول فقط بل سيشرح هذا المبحث أيضا كيفية عمل‬
‫هذه المنظمات في الدول المتقدمة مما يعني إن هذا المبحث سيقسم إلي مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الجريمة العابرة للحدود والدول الفاشلة‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫وفقا لـ ‪ ،Rot berg‬فإن الدولة الفاشلة توصف بثالث خصائص أوال‪ ،‬عندما ال تستطيع‬
‫الدولة توفير األمن األساس ي لمواطنيها ً‬
‫ثانيا ‪ ،‬غياب ومحدودية المشاركة في النظام السياس ي‬
‫ألن السلطة في يد أقلية (األوليغارشية) السمة الثالثة هي ضعف البنية التحتية األساسية‬
‫للدولة ( ‪ .)2010 ،Ripsman‬صرح فوكوياما أن الدول الفاشلة أصبحت بشكل مثير للجدل‬
‫القضية األكثر أهمية للنظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة (‪ .)2110 ، Patrick‬أعتقد أن سبب‬

‫‪P 237‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫زيادة عدد الدول الفاشلة بعد نهاية الحرب الباردة هو أنه عندما تنازعت القوتان العظميان‬
‫خالل الحرب الباردة حول بسط نفوذهما على العالم ‪ ،‬دعم كل منهما العديد من الدول‬
‫واألنظمة من خالل منحهما معونات اقتصادية و مساعدات عسكرية وبعد نهاية الحرب الباردة‬
‫‪ ،‬تقلص هذا المورد من المساعدة الخارجية ‪ ،‬مما جعل بعض الدول تضعف في تغطية تكاليف‬
‫مهمة مثل الجوانب األمنية‪ .‬تعتبرالدول اإلفريقية جنوب الصحراء الكبرى والتي تضم حوالي ‪42‬‬
‫دولة مثال علي الدول الفاشلة ويليها منطقة الشرق األوسط والبلقان (‪,Bischoff‬‬
‫‪,2114‬ص‪ .)121‬يرى العديد من الباحثين مثل‪ Wyler‬أن هناك عالقات قوية بين الجريمة‬
‫العابرة للحدود والدول الفاشلة حيث يقول بان اغلب منظمات الجريمة العابرة للحدود‬
‫ً‬
‫والجماعات اإلرهابية‪ ،‬تستفيد من األماكن اآلمنة التي توفرها الدول الضعيفة والفاشلة ووفقا‬
‫لتقرير مجموعة وكاالت العمل األمريكية حول الجريمة العابرة للحدود ‪ ،‬يمكن أن تكون الدول‬
‫الفاشلة مو اقع مفيدة يمكن من خاللها للمجرمين نقل الواردات غير القانونية وتجارة األسلحة‬
‫واملخدرات واالتجاربالبشرواآلثار وغسيل أرباحهم وذلك بسبب القوانين غير المنفذة وهشاشة‬
‫األمن والدرجات العالية من الفساد في المؤسسات وتعتبر غينيا بيساو خير مثال على الدولة‬
‫الضعيفة ألنها البوابة األهم للكوكايين الذي جاء من كولومبيا وال تستطيع السلطات في غينيا‬
‫التعامل مع هؤالء املجرمين ألن الفساد منتشر في الحكومة التي ال تهتم بدعم قطاع الشرطة‬
‫والجيش ففي ابريل سنة ‪ 2110‬ضبطت الشرطة ‪ 031‬كيلوغراما من الكوكايين ومع ذلك فإن‬
‫املجرمين تمكنوا من الفرار مع باقي الشحنة التي تقدر بحوالي ‪ 2.1‬طن ألن الشرطة لم تكن قادرة‬
‫على اعتقالهم‪ .‬وفي الشهر نفسه ‪ ،‬أشارت تقارير إعالمية إلى أن تجار املخدرات أقاموا نقطة‬
‫عبور إلى جانب خليج غينيا كطريق لتجنب تشديد إجراءات الشرطة قبالة سواحل أوروبا‪ً .‬‬
‫غالبا‬
‫ما تحاصر الدول الفاشلة في إفريقيا تحديات ملحة أخرى مثل ضعف المؤسسات العامة أو‬
‫ً‬
‫عدم االستقرار السياس ي أو الفقر ويمكن أن توفر مكانا لهذه الجماعات‪ .‬تتكون إحدى‬
‫الشبكات غير القانونية ‪ ،‬التي تعمل في غينيا بيساو ‪ ،‬من تجار من أمريكا الجنوبية وشركات نقل‬
‫أفريقية وموزعين أوروبيين (موتوم ‪ )2110 ،‬مثال أخر يمثل تهديدا ألمن الدولة القومية واألمن‬
‫العالمي مثل الصومال التي تعتبر دولة فاشلة والسبب هوالصراع علي السلطة وظهورمليشيات‬
‫وعصابات إجرامية أصبحت تقوم بعمليات قرصنة بحرية ففي عام ‪ ، 2111‬شن القراصنة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هجوما واستولوا على ‪ 42‬سفينة و ‪ 941‬حادثا في المياه قبالة السواحل‬ ‫الصوماليون ‪999‬‬
‫الصومالية في عام ‪ .)2009 ،BBC (" 2111‬نتيجة لذلك ‪ ،‬تزدهر الجريمة العابرة للحدود في‬

‫‪P 240‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الدول الفاشلة وتعطي العديد من الدول األولوية للتعامل مع هذا النوع من الدول في أجندة‬
‫سياسهها الخارجية ألنها تعتبر هذا النوع من الدول يمثل تهديدات حقيقية ألمنها فعلى سبيل‬
‫المثال تنص السياسة الخارجية األمريكية على أن الههديدات الو اقعية التي تؤثر على أمن‬
‫ومصالح أمريكا والدول األخرى في القرن الواحد والعشرين ال تأتي من العالقات بين الدول‬
‫والقوى المتزايدة ولكنها تأتي من الدول الفاشلة التي أصبحت أماكن لههريب املخدرات‪.‬‬
‫واإلرهاب وتهريب األسلحة والمواد النووية واالتجار بالبشر واآلثار وغسيل األموال عالوة على‬
‫ذلك ‪ ،‬أصبحت أماكن لألمراض ومالذ للمتطرفين ( ‪ .)2003 ،Garret‬باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬وصفت‬
‫السياسة الخارجية البريطانية أن سبب التدخل في أفغانستان هو حماية أمنها من الجماعات‬
‫اإلرهابية الموجودة هناك وتجار مخدر األفيون التي تشههر بها هذه الدولة ولكن يمكن مالحظة‬
‫وجود تناقض في هذه التصريحات ألن كال من السياستين الخارجية البريطانية واألمريكية دعما‬
‫ً‬
‫االنفصال في السودان وكالهما اعترف بها مع إنهما يعلمان جيدا أن دولة جنوب السودان دولة‬
‫ضعيفة وفاشلة ورغم استقاللها منذ ‪2199‬م إال أنها مازالت تعاني من صراعات جعلت منها مالذ‬
‫امن للجريمة العابرة للحدود خصوصا عمليات االتجار بالبشر والههريب حيث قال جون فاك‬
‫بان هناك جهود مبذولة من الشرطة السودانية‪ ،‬في الحد من "عمليات االتجاربالبشروالههريب‪،‬‬
‫ولكن ال تمتلك القدر الكافي من الكفاءة واإلمكانيات ولذلك علي االتحاد األوروبي تقديم الدعم‬
‫الالزم للسودان والتعاون مع الشرطة السودانية‪ ،‬إلنفاذ كافة برامجها تجاه محاربة االتجار‬
‫وتهريب البشر‪ ،‬والجرائم األخرى" (بوابة إفريقيا اإلخبارية‪ )2191 ,‬ومن خالل ما سرد يمكن‬
‫القول أن الجريمة العابرة للحدود لها عالقة قوية بالدول الفاشلة وكالهما يشكل تهديدات‬
‫حقيقية ألمن الدولة القومية واألمن العالمي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الجريمة العابرة للحدود والدول المتقدمة‪:‬‬

‫علي الرغم من إن الجريمة العابرة للحدود تجد مالذ ومكان مناسب ألنشطهها اإلجرامية‬
‫في الدول النامية الضعيفة والفاشلة إال إن أوربا تعد مهد الجماعات اإلجرامية المنظمة إلي حد‬
‫القول بان نشأت الجريمة المنظمة مرتبط بنشأة المافيا في أوربا خاصة في ايطاليا في جزيرة‬
‫صقلية سنة ‪ 9112‬عندما كانت مستعمرة فرنسية (أفندي‪,2199,‬ص‪ )91‬ولقد استطاعت‬
‫المافيا في ايطاليا من تطوير نشاطها وتحويل قوتها من محلية إلي قوة عابرة للحدود وذلك عن‬
‫طريق إقامة تحالفات مع جماعات المافيا الناشطة في الجنوب األمرالذي جعلها توسع نشاطها‬

‫‪P 241‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لتصل إلي أمريكيا وكندا وأوربا خاصة في ألمانيا وسويسرا وروسيا و تتعدد األنشطة األجرامية‬
‫المرتكبة من المافیا ‪ ،‬حیث أنها تسعى‪ ،‬وفي نطاق‬

‫واسع‪ ،‬إلى تحقیق أرباح طائلة‪ ،‬ومن أبرز األنشطة التي تمارسها تجارة املخدرات واألسلحة‬
‫والههريب‬

‫كذلك تعمل على سلب األموال بوسائل متعددة منها إنتاج وبیع الحمایة الخاصة‪ ،‬بحیث‬
‫تفرض إتاوة في مقابل توفير الحمایة للتجار ومالكي رؤوس األموال وهي بذلك أصبحت قوة‬
‫ضاربة تضاهي الدولة في وظائفها األساسیة‪ ،‬السیما من حیث تأمين الحمایة لمواطنيها ورعایاها‬
‫(البريزات‪ ,2111 ,‬ص ‪ .)911-911‬ومن اخطرمنظمات الجريمة العابرة للحدود خاصة بعد انهيار‬
‫االتحاد السوفيتي وتحول روسيا إلي االقتصاد الليبرالي الحر المافيا الروسية "التي وجدت‬
‫الفرصة من اجل توسيع نشاطها اإلجرامي‬

‫والذي امتد إلى حد االستحواذ على األموال اإلستراتيجية كالبترول والمعادن الثمینة‪،‬‬
‫واستثمار األموال غير المشروعة لتحقیق أكبر قدر ممكن من الربح‪ ،‬مستغلة في ذلك غیاب‬
‫القواعد القانونیة التي تنظم التحول الو اقع آنذاك بصورة فعالة" (كامل‪ ,2119 ,‬ص ‪ )11‬وفي‬
‫الو اقع تعتبر المافيا الروسية من اخطر الجماعات الرتكابها جرائم غير متوقعة وذلك يرجع إلي‬
‫حجم نشاطها و اتساع نطاقها اإلجرامي فهي تقوم بشتى أنواع الجرائم مثل سرقة السيارات‬
‫وبيعها وتجارة األسلحة وعمليات النصب واالحتيال في مجال التامين الطبي والتامين عن حوادث‬
‫السيارات باإلضافة إلي تجارة املخدرات وال يقتصر نشاط المافيا الروسية في روسيا بل يمتد‬
‫عالميا إلي دول أخري خاصة الواليات المتحدة حيث نجد مافيا "اوديسا" الموجودة في‬
‫كاليفورنيا وعصابة "الشيشان" التي يعتمد نشاط أعضائها علي االبتزازوالقتل المأجوروجماعة‬
‫مالينا اورجانيزا التي لها صالت دولية موسعة وترتكب في جرائم مختلفة مثل التدليس ببطاقات‬
‫االئتمان واالبتزاز واالحتيال الضريبي (الشوا‪ ,9111 ,‬ص ‪ )11-11‬وهناك أمثلة كثيرة أخري مثل‬
‫المافيا الصينية التي يطلق عليها المثلث الصيني وياكوزا في اليابان‪ ,‬ومارا سالفاتروشا في‬
‫الواليات المتحدة وهي جميعا تلعب دورا إجراميا خطير علي المستوي الدولي من خالل ترابط‬
‫هذه الشبكات األمرالذي يودي إلي تهديد األمن العالمي‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الجريمة العابرة للحدود في عصرالعولمة‬

‫‪P 242‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫شهد العالم بأسره تغييرا ملحوظ في العقود الثالث الماضية الذي يطلق عليه بعصر‬
‫العولمة لما فيه من سرعة تنقل المعلومات والبشر والمال و أيضا االندماج الكامل ومعرفة‬
‫األخراألمرالذي جعل من الكثيريطلق علي العالم وخصوصا بعد تطويرشبكات االنترنت ومو اقع‬
‫التواصل االجتماعي بالقرية الصغيرة لذلك سيعرض هذا المبحث أنواع الجريمة العابرة‬
‫للحدود وتهديدها للمجتمع الوطني والدولي في سياق هذا الزمن وسيتطرق أيضا إلي العولمة‬
‫والجريمة العابرة للحدود و اتخاذ ليبيا كمثال لما تواجهه من تحديات في مواجهة الجريمة‬
‫المنظمة العابرة للحدود‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أنواع الجريمة العابرة للحدود وتهديداتها للمجتمع الوطني والدولي‪:‬‬

‫للجريمة المنظمة العابرة للحدود أنواع عديدة وأوجه مختلفة بما في ذلك االتجار‬
‫باملخدرات وغسيل األموال واالتجار بالبشر وأعضائهم والههرب الضريبي وتجارة اآلثار واالبتزاز‬
‫والسرقة والقتل المأجور وتجارة األسلحة الكيميائية والنووية والقرصنة واإلرهاب وجرائم‬
‫الكمبيوتر واختراق األنظمة االلكترونية وبطاقات االئتمان والجريمة البيئية واختطاف‬
‫الطائرات ونشرالفساد (‪ )Edwards and Gill, 2006‬عدد كبيرمن أنواع هذه الجرائم أصبحت‬
‫ترتكب بسهولة بسبب تكنولوجيا االتصاالت والسفر ومن خالل ذلك يشير ‪ Galeot‬إلي ان‬
‫مكافحة الجريمة العابرة للحدود أصبحت تمثل مصدر قلق والشغل الشاغل لألمن في القرن‬
‫ً‬
‫تهديدا‬ ‫الحادي والعشرين (‪ )Galeotti, 2001‬وذلك الن الجريمة العابرة للحدود اصبحت تمثل‬
‫للدول واملجتمعات المدنية واالقتصاديات الوطنية فعلى سبيل المثال ‪ ،‬يمكن للجهات الفاعلة‬
‫غير الحكومية استخدام اإلرهاب لدعم أسبابها السياسية وقد تحصل هذه املجموعات على‬
‫القوة من قدرتها على إقامة روابط عبر الحدود الوطنية كما تمثل أنشطهها ً‬
‫تحديا لسيادة الدولة‬
‫وسالمة الدول المستقلة وتهدد الحكومات وهناك إشكال أخرى للجريمة العابرة للحدود لها آثار‬
‫سلبية على الدول ومجتمعاتها مثل غسيل األموال واالتجار باملخدرات والسرقة واالبتزازوتجارة‬
‫السالح والبشر التي تؤدي إلى تقليل قدرة الحكومة على فرض سيادتها علي أراضيها ‪ ،‬وتقليل‬
‫مصداقية المؤسسات االقتصادية وإضعاف النظم االجتماعية وتتزايد بعض هذه األنواع من‬
‫الجرائم العابرة للحدود بسبب العالقات المتبادلة بين الدول فعلى سبيل المثال ‪ ،‬الشكل‬
‫ً‬
‫شيوعا للجريمة المالية العابرة للحدود هو غسيل األموال وبطاقات االئتمان واختراق‬ ‫األكثر‬
‫ً‬
‫األنظمة االلكترونية المالية الذي زاد بسبب الترابط بين الدول ( ‪ )2008 ،Walia‬فوفقا لقاعدة‬

‫‪P 243‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بيانات "صندوق النقد الدولي" (‪ ، )IMF‬فقد تم تقييم أن األنشطة الدولية لغسيل األموال تتغير‬
‫من ‪ 111‬مليار إلى ‪ 2‬تريليون دوالر وهي كمية كبيرة من تحويل األموال لذلك ‪ ،‬أصبح تتبع تدفقات‬
‫ً‬
‫تعقيدا بسبب هذا التحويل اإللكتروني للعملة الذي أصبح‬ ‫رأس المال اإلقليمية والعالمية أكثر‬
‫يمثل عائق كبير أمام إدارة االقتصاد العالمي (‪ )2004 ،IMF‬كما إن الجانب المظلم من الجريمة‬
‫العابرة للحدود هو عالقة اغلب هذه المنظمات اإلجرامية باإلرهاب الذي يهدد األمن القومي‬
‫والعالمي حيث رفعت غادة والي المديرة التنفيذية لمكتب األمم المتحدة المعني باملخدرات‬
‫والجريمة بان الكثير من "اإلرهابيين والجريمة العابر للحدود يتعاونون علي أساس األراض ي‬
‫المشتركة أو المصلحة المشتركة ويعتمدون غالبا علي العالقات الشخصية التي عادت تحدث‬
‫في السجون كما قالت أيضا بان اغلب الدول أفادت بان اإلرهابيين يستفيدون من األنشطة‬
‫اإلجرامية المنظمة مثل االتجار بالبشر وتهريب المهاجرين واالختطاف بهدف الحصول علي‬
‫فدية وكذلك تجارة املخدرات" (األمم المتحدة‪ )2121 ,‬إن كل هذه األنواع من الجريمة المنظمة‬
‫العابرة للحدود والتي تطورت بشكل مرعب وخطير في سياق عصر العولمة أصبحت تمثل خطر‬
‫حقيقي علي جميع مستويات األمن سواء أمن اإلفراد وامن الدولة القومية واألمن العالمي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العولمة والجريمة العابرة للحدود‪:‬‬

‫في العقود الثالثة االخيرة‪ ،‬أصبحت الجريمة العابرة للحدود قضية تقتصر على بعض‬
‫الدول والمناطق ‪ ،‬نتيجة لعوامل تاريخية معينة حتي باتت تؤثربشكل ملحوظ على صانع القرار‬
‫السياس ي وتتحول إلى عناصر أساسية تهدد األمن القومي والعالمي ( ‪Godson and Olson,‬‬
‫ً‬
‫حاسما في زيادة الجريمة المنظمة العابرة للحدود‬ ‫‪ )1995‬باالضافة الي ذلك تلعب العولمة ً‬
‫دورا‬
‫من خالل اقتصاد العولمة والثورة الهائلة في االتصاالت والنقل والتكنولوجيا كما انها لعبت دور‬
‫واضح في تقويض الحدود بين الدول حتي اصبحت ال تستطيع السيطرة على البضائع غير‬
‫المشروعة والهجرة غير الشرعية واملخدرات والسالح والمال‪ ,‬ان قوى الطلب والعرض العالمية‬
‫خلقت اسو اقا جديدة للسلع والخدمات غير المشروعة التي تقدمها المنظمات اإلجرامية‬
‫فمثال هناك طلب كبير على املخدرات ( في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية) ‪ ،‬واألسلحة (في‬
‫إفريقيا والشرق األوسط) ‪ ،‬والحياة البرية الغريبة وأجزاء الحيوانات (آسيا) ‪ ،‬واستغالل البشر‬
‫تقريبا) وحسب تقرير منظمة التعاون االقتصادي والتنمية (‪)OECD‬‬ ‫ً‬ ‫الذي يعتبر (في كل مكان‬
‫ً‬
‫مؤخرا أن التجارة الدولية في السلع المقلدة والمسروقة تصل إلى نصف تريليون دوالركما تتمتع‬

‫‪P 244‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫الشبكات اإلجرامية ً‬
‫أيضا بفرص جديدة إلنشاء منشآت في بلدان مختلفة يمكنها من خاللها إنتاج‬
‫وتوزيع سلعها غير المشروعة ‪ ،‬مما يقلل التكاليف ويعظم األرباح‪ .‬وبالمثل ‪ً ،‬‬
‫تماما كما نرى مع‬
‫الشركات متعددة الجنسيات القانونية ‪ ،‬يمكن للشبكات اإلجرامية العابرة للحدود االستعانة‬
‫بمجموعة مصادر خارجية تدعم خدماتها كربط المناطق حول العالم باإلنترنت و انخفاض‬
‫تكاليف العمالة )‪ )Forest, 2020‬فعلي سبيل المثال يتم اآلن تهريب كميات هائلة من الكوكايين‬
‫عن طريق السفن والجو من أمريكا الالتينية (بشكل رئيس ي كولومبيا وبيرو والبرازيل وفنزويال)‬
‫ً‬
‫إلى غرب إفريقيا ‪ ،‬ويتم تهريب الهيروين من وسط وجنوب آسيا إلى شرق إفريقيا (وأحيانا غرب‬
‫أيضا‪ .) .‬في كلتا الحالتين ‪ ،‬تشق املخدرات طريقها من شرق وغرب إفريقيا إلى أسواق‬ ‫إفريقيا ً‬
‫ً‬
‫مسههلكي املخدرات الرئيسية في أوروبا والواليات المتحدة وفقا لتقرير املخدرات العالمي لعام‬
‫‪ 2191‬الصادر عن مكتب األمم المتحدة المعني باملخدرات والجريمة ‪ ،‬تضاعفت كمية‬
‫الكوكايين المضبوطة في إفريقيا في عام ‪ ، 2190‬مع الدول التي شهدت في شمال إفريقيا زيادة‬
‫قدرها ستة أضعاف وتمثل ‪ 01‬في المائة من جميع الكوكايين المضبوط في المنطقة في عام ‪2190‬‬
‫ً‬ ‫وقد حدد أطلس اإلنتربول العالمي للتدفقات غير المشروعة ً‬
‫عددا قليال من البلدان باعتبارها‬
‫مراكز عبور مهمة بشكل خاص لههريب املخدرات بما في ذلك غينيا بيساو ‪ ،‬الرأس األخضر ‪،‬‬
‫جزر الكناري ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ليبيا إثيوبيا ويشير هذا التقرير ً‬
‫أيضا إلى أن االتجار غير‬ ‫و‬
‫المشروع واستخدام الكبتاغون (اسم العالمة التجارية لعقار الفينيثيلين ‪ ،‬وهو مزيج من‬
‫األمفيتامين والثيوفيلين ‪ ،‬مما يزيد من اليقظة) آخذ في االزدياد في جميع أنحاء إفريقيا‬
‫)‪ )UNDOC,2018‬كذلك في اسيا حيث تعتبر الهند هي المصدر الرئيس ي لكل من هذه األدوية‬
‫ويالحظ االستخدام المتزايد بشكل خاص في مالي وتشاد ونيجيريا بينما وصفت النيجر وبنين‬
‫وتوغو بأنها مراكز عبور مهمة وفي غضون ذلك تم اكتشاف العشرات من مختبرات‬
‫الميثامفيتامين في جميع أنحاء غرب إفريقيا بما في ذلك واحد في نيجيريا قادر على إنتاج ما قيمته‬
‫مليارات الدوالرات من العقار)‪ .)NBC, 2016‬من الدول التي ذكرت كمناطق عبور هي ليبيا‬
‫وحسب موقعها تعتبر بوابة إفريقيا و أيضا علي حدود أوربا الجنوبية كما تطل علي ساحل يقدر‬
‫ً‬
‫بحوالي ‪ 2111‬كم ولقد شهدت عام ‪2199‬م ثورة احدثت فيها تغييرا جذري في النظام السياس ي‬
‫األمر الذي لم يلبث طويال حتى أصبح محل صراع بين القوي السياسية من اجل السلطة بل‬
‫وصل األمر في ‪ 2194‬إلي حرب أهلية جعلت ليبيا في مصافي الدول الفاشلة ومالذ لإلرهاب‪,‬‬
‫والجريمة المنظمة العابرة للحدود المتخصصة في االتجاربالبشروالسالح واآلثارواملخدرات‪ ,‬إال‬

‫‪P 245‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إن الملف األخطرهو الهجرة الغيرشرعية حيث تدفق إلي ايطاليا سنة ‪2194‬م عبرالبحراألبيض‬
‫المتوسط ‪ 911004‬مهاجرا وهذا يعني حوالي أربعة إضعاف عدد المهاجرين سنة ‪2193‬م‬
‫(‪ )Malakooti, 2015‬وعلي الرغم من انخفاض هذا العدد في سنة ‪ 2191‬و أيضا ‪2191‬م‬
‫والسنوات التي بعدها بسبب تزايد عدد الوفيات في البحر و أيضا عمل خفر السواحل الليبي‬
‫الذي استطاع إن يقف إمام الكثيرمن هذه العمليات وإحالة عدد كبيرمن المهاجرين إلي مراكز‬
‫إيواء المهاجرين التي أصبحت فيما بعد محل بيع المهاجرين إلي المهربين وذلك الن اغلب هذه‬
‫المراكز أصبحت تحت سيطرة المليشيات بشكل فعلي التي تسعي إلي ربح المال بأي طريقة‬
‫(‪ )Micallef and Reitano, 2017‬باإلضافة إلي ذلك وحسب كتاب شاو ومانجان ( ‪Shaw and‬‬
‫ً‬
‫‪ )Mangan‬في كتابهم "االتجارغيرالمشروع وتحول ليبيا‪ :‬اإلرباح والخسائر" أصبحت ليبيا مركزا‬
‫إقليميا لالتجار باملخدرات وكذلك تدفق الهيروين والكوكايين من خالل شمال وشرق وجنوب‬
‫إفريقيا عبرالمنطقة الجنوبية الغربية باتجاه مصروأوربا (‪ )Shaw and Mangan,2194‬وكذلك‬
‫حسب المركز األوربي لرصد املخدرات الذي وصف ليبيا كمركز تحويل ناش ي للميثامفيتامين‬
‫الذي يتم إنتاجه في غرب إفريقيا والموجه إلي شرق وجنوب أسيا (المركزاألوربي لرصد املخدرات‬
‫واإلدمان‪.)2191 ,‬‬

‫إن هذا الوضع في ليبيا ساعد في انتشار اإلمراض وزيادة نمو الجريمة العابرة للحدود‬
‫بتدفق إعداد كبيرة من المهاجرين سواء األفارقة أو السوريين الذين ال توجد لهم وثائق صحية‬
‫حيث إن بعضهم يكون حامل إلمراض خطيرة مثل االيدز وااليبوال والوباء الكبدي والمال ريا‪,‬‬
‫ً‬
‫كذلك انخرط البعض منهم في الجماعات المسلحة واإلرهابية التي عانت ليبيا كثيرا في مواجههها‬
‫في بنغازي ودرنة والجنوب الليبي وهذا ال يمثل تهديد ألمن ليبيا فقط بل لألمن العالمي فعلي‬
‫سبيل المثال إحداث سبتمبر‪2119‬م كانت بسبب هجرة غيرشرعية ترتب عليها مو اقف عالمية‬
‫منها احتالل دول كأفغانستان والعراق و أيضا زعزعت الثقة في حوالي مليار مسلم ومعاملههم في‬
‫الغرب بشكل عنصري األمر الذي ترتب عليه صراع أديان علي مستوي محلي ودولي هدد بدوره‬
‫األمن العالمي‪.‬‬

‫الـخـاتـمـة‪:‬‬

‫في اآلونة األخيرة ‪ ،‬واجه حقل العالقات الدولية عدة تحديات ألنه ال يمتلك نماذج واضحة‬
‫تغطي جميع األفكار والمفاهيم‪ .‬لذلك ظهرت العديد من الدراسات والبحوث في العديد من‬

‫‪P 246‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫املجاالت في هذا املجال مثل األمن والبيئة والعولمة ومن الواضح أن األمن هو املجال المهم‬
‫الذي يتعلق بجميع الدول ويدرك العلماء والمفكرون أن مفهوم األمن قد تغير في العقود القليلة‬
‫الماضية من األمن التقليدي مثل توازن القوى أو القضية العسكرية إلى مفاهيم وفاعلين جدد‬
‫ال يهددون فقط أمن الدول القومية ولكن ً‬
‫أيضا األمن العالمي وفي هذا الصدد أصبحت الجريمة‬
‫العابرة للحدود من أهم المفاهيم التي تم التركيز عليها من العلماء في حقل العالقات الدولية ‪،‬‬
‫لذلك قام العديد منهم بتعريف الجريمة العابرة للحدود كما قامت بعض المنظمات مثل األمم‬
‫ً‬
‫معقدا عالوة على ذلك يري العديد من المر اقبين بأن‬ ‫ً‬
‫مفهوما‬ ‫المتحدة بتعريفها ‪ ،‬ولكن كان‬
‫الجريمة العابرة للحدود قد ازدهرت في الدول الفاشلة أو الضعيفة ‪ ،‬ال سيما في إفريقيا جنوب‬
‫الصحراء الكبرى ‪ ،‬وهذه العالقة بينهما تمثل تهديدات حقيقية بسبب أن هناك احتمالية بأن‬
‫تكون هذه الدول اقل قدرة في مواجهة المنظمات اإلجرامية العابرللحدود بل أحيانا تصبح هذه‬
‫المنظمات أقوى من بعض الدول ‪ ،‬وال سيما الضعيفة منها بحيث تشكل تحديات وتهديدات‬
‫لألمن القومي والعالمي لذلك تركز الكثير من الدول على هذه القضية وتعطيها األولوية في‬
‫أجندة سياسهها الخارجية ومع ذلك لم يقتصر األمر علي الدول الضعيفة فالجريمة العابرة‬
‫للحدود تمكنت من العمل حتى في الدول المتقدمة وكانت أقوى بكثير في إعمالها من الدول‬
‫الضعيفة على سبيل المثال ‪ ،‬كان للمافيا في إيطاليا وياكوزا في اليابان تأثير سلبي كبير على‬
‫السياسة الداخلية والخارجية في بالدهم وهناك تقرير قدمهها تسريبات ويكيليكس ذكر أن‬
‫المافيا في إيطاليا تدعم الجماعات اإلرهابية في أفغانستان وبالتالي ‪ ،‬فإن هذا المزيج المعقد‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫من الجرائم العابرة للحدود شكل وجهة نظر مختلفة بين الدول وكل فريق يههم فريقا آخر‬
‫بزيادتها ‪ ،‬ويطلب كل فريق من اآلخر مراجعة سياساته وأو افق على أن هذا الصراع متاح على‬
‫المستويات العالمية بين دول الشمال والجنوب والتي تمثل الههديدات الحقيقية لألمن العالمي‬
‫و يصف القسم األخير من هذه الورقة كيف أن الجريمة المنظمة العابرة للحدود أكبر من ذي‬
‫قبل في سياق العولمة ‪ ،‬فهي تتكون من العديد من األنواع مثل االتجار باملخدرات والسالح‬
‫واآلثاروالبشر وغسيل األموال والهجرة غير الشرعية وتهريب األسلحة والمواد النووية والههرب‬
‫الضريبي والفساد كما يالحظ العديد من العلماء أن الجريمة العابرة للحدود تتزايد من خالل‬
‫العولمة ويعزون هذا السبب إلى العولمة االقتصادية والتنقل غير المشروع لألشخاص والسلع‬
‫ورؤوس األموال بسهولة شديدة ألن القيود الحدودية قد تم تقليلها ‪ ،‬وبعض نقاط التفتيش غير‬
‫مبالية وضعيفة في العديد من البلدان باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬يدفع التقدم التكنولوجي الجريمة‬

‫‪P 244‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫العابرة للحدود إلى االرتفاع بسرعة مثل النقل واالتصاالت وخدمات اإلنترنت وسيتم التركيز على‬
‫الهجرة غير الشرعية وتجارة املخدرات والسالح واآلثار والربح غير المشروع التي تحدث بشكل‬
‫كبير في قارة إفريقيا وباعتبارها تهديدات حقيقية تهدد أمن الدولة القومية واألمن العالمي‬
‫وضرب ليبيا كمثال ألنها تقع جغر ً‬
‫افيا في شمال إفريقيا وهي كذلك تعتبر بوابة مهمة بين أفريقيا‬
‫وأوروبا مما يشكل مشكلة كبيرة بسبب الهجرة غير الشرعية وتجارة املخدرات واآلثار والسالح‬
‫وهكذا تواجه ليبيا واالتحاد األوروبي تهديدات خطيرة خصوصا من الهجرة غير الشرعية التي‬
‫كلفت الكثير من الجهد والوقت والمال في كافة القطاعات السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫وبغض النظر عن السياسات الليبية المتردية بسبب الوضع السياس ي واألمني من الواضح أن‬
‫الهجرة غير الشرعية كانت تهدد ليبيا قبل االتحاد األوروبي ‪ ،‬وأعتقد أن التحركات غير الشرعية‬
‫لألشخاص تمثل مخاطر حقيقية على األمن العالمي ألن العديد من األشخاص المسههدفين‬
‫منهم يكسبون المال بطرق غير مشروعة وهي أسباب تكوين العصابات والمليشيات واالنضمام‬
‫إلى الجماعات اإلرهابية‪.‬‬

‫الــمراجــع‬

‫األمم المتحدة‪ ,‬مسئولون أمميون‪ :‬الروابط العابرة للحدود بين االرهابيين والجريمة‬
‫المنظمة تؤكد على الحاجة إلى استجابة عالمية متماسكة ‪ 2121‬اخر زيارة ‪ 2129-13-91‬علي‬
‫موقع الكتروني ‪.https://news.un.org/ar/story/2020/08/1059392‬‬

‫بوابة إفريقيا اإلخبارية‪ ,‬تأكيد سوداني على ضرورة التعاون للحد من الجرائم العابرة‬
‫للحدود‪ ,2191 ,‬موقع الكتروني‪ https://www.afrigatenews.net/article‬أخر زيارة ‪-13-11‬‬
‫‪2122‬م علي‬
‫توفيق بوستي‪" ,‬مفهوم األمن في منظورات العالقات الدولية"‪ ,‬المعهد المصري‬
‫للدراسات‪,2191 ,‬نسخة الكترونية‪ ,‬اخراطالع ‪2122-13-11‬م‪.‬‬

‫جهاد محمد البريزات‪ ،‬الجریمة المنظمة‪ ،‬دراسة تحلیلیة‪ ،‬ط األولى‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزیع‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬سنة ‪.2111‬‬

‫جوزيف ‪.‬س نأي‪ ،‬جون‪.‬د‪.‬دوناهيو‪ ،‬الحكم في عالم يتجه نحو العولمة‪ ،‬ترجمة محمد‬
‫شريف الطرح‪ ،‬الرياض‪ ،‬العبيكان‪،‬ط‪.2112 ,9‬‬

‫‪P 242‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫حسام محمد السید أفندي‪ ،‬التشكیالت العصابية في القانون الجنائي‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬
‫دار النهضة العربیة‪ ،‬القاهرة مصر‪ ،‬سنة‪.2011‬‬

‫شریف سید كامل‪ ،‬الجریمة المنظمة في القانون المقارن‪ ،‬ط األولى‪ ،‬دار النهضة العربیة‪،‬‬
‫القاهرة مصر‪ ،‬سنة ‪.2119‬‬

‫طارق سرور‪ ،‬الجماعة اإلجرامية المنظمة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربیة‪ ،‬القاهرة‬
‫مصر‪ ،‬سنة‪. 2005‬‬

‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ,‬تطور مفهوم األمن العالمي في عالم متغير‪ ,‬دراسات‪ ،‬العلوم‬
‫ّ‬
‫‪2191,‬‬ ‫العدد‪3‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪46‬‬ ‫املجلد‬ ‫واالجتماعية‪،‬‬ ‫اإلنسانية‬
‫‪https://search.mandumah.com/Search/Results?lookfor=%22%D8%A7%D9%84‬‬
‫‪%D8%A7%D9%85%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9‬‬
‫‪%85%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A%22&type‬‬
‫‪=Subject‬‬

‫محمد سامي الشوا‪ ،‬الجریمة المنظمة وصداها على األنظمة العقابیة‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربیة‪ ،‬القاهرة مصر‪ ،‬سنة ‪ ,9111‬ص ‪.11-11‬‬
‫محمد عبدالله يونس‪ " ,‬كيف ّ‬
‫تغير العالم بعد ‪ً 31‬‬
‫عاما من سقوط حائط برلين؟‪,‬‬
‫المستقبل لالبحاث والدراسات المتقدمة‪ ,2191 ,‬موقع الكتروني‪ ,‬تم زيارة الموقع ‪2122 -13-11‬‬

‫يول ريتون‪ ،‬فانوس األمن الدولي‪ ،‬ابو ظبي‪ ،‬مركز األما ا رت للد ا رسات والبحوث‬
‫اإلستارتيجية‪2009،‬‬

‫المراجع األجنبية‬

‫‪Arezo Malakooti, Migration trends across the Mediterranean: Connecting‬‬


‫‪the dots, Altai Consulting, IOM MENA Regional Office, 2015.‬‬

‫‪Aguillonmate, (2011) ''Wikileaks in today's media: Cablegate‬‬


‫]‪coverage''[online‬‬ ‫‪last‬‬ ‫‪accessed‬‬ ‫‪on‬‬ ‫‪18-06-2122at‬‬
‫‪http://wlcentral.org/node/1004.‬‬

‫‪P 247‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Albanese, J. (2002) ''The Prediction and Control of Organized Crime'': A Risk


Assessment

BBC, (2003) ''US attacks Belgium war crimes law'' [online] last accessed on
15-06-2122 at

BBC, (2009) ''Q&A: Somali piracy'' [online] last accessed on 17-06-2122at

http://news.bbc.co.uk/1/hi/world/africa/7734985.stm.

BBC, (2010) ''Opium addiction fuels Afghan chaos'' [online] last accessed
on 13-06-2122at

http://news.bbc.co.uk/1/hi/world/south_asia/8687734.stm.

Bischoff, P (2004) ''Regionalism and regional Cooperation in Africa'': New


Century Challenges and Prospects. In Africa at the Crossroad: Between
Regionalism and Globalization, edited by John Mukum and Suresh Chandra
Saxena, Westport, Conn.

Bossard, A (2008) ''Transnational Crime'': A Threat to International peace


and Security [online] last accessed on 14-06-2122at
http://www.pctc.gov.ph/updates/tcthreat.htm.

Cha, V. (2000) ''Globalization and the study of International Security'':


Journal of Peace Research Vol.37:3, pp.391-403.

CNN, (2007) U.S. ''Military: Iraq lawmaker is U.S. Embassy bomber''


[online] last accessed on 19-06-2122 at
http://edition.cnn.com/2007/world/meast/02/05/iraq.lawmaker/index.html.

Cook, R. (2005) '' The Struggle against Terrorism cannot be won by military
means''[online] last accessed on 20-06-2122at
http://www.guardian.co.uk/uk/2005/jul/08/july7.development.

P 250 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Dannreuther, R. (2008) ''International Security: the contemporary


Agenda'', United States, Polity press.

Edwards, M. and Gill, P. (2006) ''Transnational Organized Crime:


perspectives on global security'', London: Routledge.

EU Business, (2010) ''EU offers Libya aid to stop migrations'', [online] last
accessed on 22-06-2122at http://www.eubusiness.com/news-eu/libya-
immigration.6fh.

European Monitoring Centre for Drugs and Drug Addiction (EMCDDA).


2015.

European Drug Report: Trends and Developments. Brussels: European


Monitoring Centre for Drugs and Drug Addiction.

Garret, B. (2003) ''Non-Globalization States Pose a Threat''[online] last


accessed on 24-06-2122at

file:///C:/Users/akram/Desktop/non-
Globalized%20states%20pose%20A%20Threat.htm.

Giraldo, J and Trinkunas, H (2010) ''Transnational Crime'', Chapter 25 in


Alan Collins(Ed), Contemporary Security Studies, pp. 430.

Godson, R. and Olson, W. (1995) ''International organized Crime: emerging


threat to US Security''. Wasgington: National Strategy Information Center.

Hoffman, B. (2006) ''Inside Terrorism'', New York: Columbia University


Press.

Hornberger, J. (2009) ''U.S. Foreign Policy Caused the Taliban


problem''[online] last accessed on 27-06-2122at
http://www.fff.org/comment/com0905c.asp.

P 251 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Instrument for Targeting Law Enforcement Efforts. [online] last accessed


on 17-06-2122at

http://www.wjin.net/pubs/1953.doc?PHPSESSID=d93aff7c768da982e48a
eeb0967d67ff.

International Monetary Fund, (1996) ''Money Launddering''[online] last


accessed on 26-06-2122at http://samvak.com/pp96.html.

Mark Micallef and Tuesday Reitano, The anti-human smuggling business


and Libya’s political end game, Institute for Security Studies and Global Initiative
Against Transnational Organized Crime, December 2017.

Mutume, G. (2006) '' Organized Crime Targets Weak African


states''[online] last accessed on 28-06-2122 at
http://www.un.org/ecosocdev/geninfo/afrec/vol121no2/212-organized-
crime.html.

National Institute of Justice. (1999) '' Transnational Organized Crime: A


Summary of a Workshop''. U.S. Department of Justice, Office of Justice Programs.

Osborn, A. (2005) Putin: ''Collapse of the Soviet Union was catastrophe of


the century'' [online] last accessed on 18-06-2122at
http://www.independent.co.uk/news/world/europe/putin-collapse-of-the-
soviet-union-was-catastrophe-of-the-century-521064.html.

Pappe. I. (2008) ''The Bureaucracy of Evil: the history of the Israeli


occupation'', Oxford University.

Patrick, S. (2006) '' Weak States and Global Threats: Fact or


Fiction?''[online] last accessed on 16-06-2122 at
http://www.twq.com/06spring_patrickpdf.

Reuter, (1999) '' Transnational Organized Crime: Summary of a


Workshop''[online] last accessed on 25-06-2122 at

P 252 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

http://books.google.co.uk/books?id=olzNB7A5zOwC&pg=PA5&dq=types+of+tr
ansnational+crime&hl=en&ei=rQJQTZieC42shAfz8839dg&sa=x&oi=book_result
&ct=book-
thumbnail&resnum=1&sqi=2&ved=0cdeq6wewaa#v=onepage&q=types%20f%2
0transnational%20crime&f=false.

Ripsman, M. (2010) '' Globalization and the National Security State'', New
York: Oxford University Press.

Ruggiero, V. (1996) '' Organized Crime between the Informal and Formal
Economy'', [online] last accessed on 16-06-2122 at
http://www.securitytransformation.org/images/publicationes/163_working_pa
per_4_-
Organized_Crime_Between_the_Informal_and_the_formal_Economy.pdf.

Saier, M.H., Trevors, J.T. Global Security in the 21st Century. Water Air Soil
Pollut 205, 45–46 (2010).

https://doi.org/10.1007/s11270-007-9522-xi

Stephen, J. (2010) ''Human Security: Key Drivers, Antecedents and


Conceptualization'' [online] last accessed on 15-06-2022 at
http://www.latrobe.edu.au/humansecurity/assets/downloads/James_IHS_Wor
kshop_17June.pdf.

Shaw, M. & F. Mangan. 2014. Illicit trafficking and Libya’s transition: profits
and losses. Washington, DC: United States Institute of Peace.

Wilia. R. (2008) ''Types of transnational crimes[online] last accessed on 14-


06-2022

Williams, P. & Godson, R. (2002) '' Anticipating organized and transnational


crime'', Crime, Law and Social Change''. 4(37):311-355.

P 253 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التفكك األسري وآثاره على مستقبل‬


‫األوالد‬
‫‪Family disintegration and its effects on the future of children‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫شكل التفكك األسري والزال إلى يومنا هذا كابوسا مخيفا لكل أفراد األسرة وخاصة‬
‫األبناء‪ ،‬وذلك بسبب تداعياته الخطيرة والمدمرة على صحههم الجسدية والنفسية ومستقبلهم‬
‫ومسارهم الدراس ي وما يواجهونه من صعوبات وعقبات داخل محيطهم األسري‪ ،‬والتي تدفعهم‬
‫إلى االرتماء في أحضان الشارع بما يحتويه من صراعات وتناقضات صارخة بين طموحاتهم وبين‬
‫الو اقع الحقيقي‪.‬‬

‫وقد حرصنا على تحديد مفهوم التفكك األسري وماهيته وكذا األسباب والعوامل التي‬
‫تتداخل لتبرزهذه اآلفة االجتماعية‪ ،‬وذلك من خالل تعريف هذا المفهوم من جوانبه املختلفة‬
‫وتبعا للظروف واألحوال التي تحيط بهذه الظاهرة‪ .‬كما حاولنا مقاربة مختلف الدو افع والعلل‬
‫التي تحدث داخل املحيط األسري فتساهم بشكل أو بآخر في بلورة التصدع والصراع بين أفراد‬
‫األسرة الواحدة‪ ،‬والتي من المفروض أن يغمرها التعاون والتآزر والتالحم واالنسجام بين جميع‬
‫مكوناتها‪.‬‬

‫أما في الشق الثاني من هذه الدراسة‪ ،‬فقد تطرقنا إلى آثار و انعكاسات التفكك األسري‬
‫على مستقبل األوالد‪ ،‬بحيث تمحورت المرحلة األولى حول تداعيات هذه الظاهرة على مستقبل‬
‫األبناء بصفة عامة من الجانب الصحي والنفس ي والوضع االجتماعي‪ ،‬في حين خصصت المرحلة‬
‫الثانية آلثارالتفكك األسري على التحصيل الدراس ي لألوالد و انعكاساته السلبية والخطيرة على‬
‫مسارهم الدراس ي وتدمير مستقبلهم و إقبارطموحاتهم وأحالمهم في تحقيق غد أفضل ورغبة في‬
‫نيل ظروف العيش الكريم‪.‬‬

‫‪P 254‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وقد اختتمت هذه الدراسة بجملة من الخالصات واالستنتاجات حول هذه اآلفة‬
‫االجتماعية الخطيرة و آثارها المدمرة‪ ،‬فضال عن الخروج بعدة اقتراحات وتوصيات للحد من‬
‫انعكاساتها على األبناء‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن الوسط األسري الذي يعيش فيه الطفل له أهمية بالغة وتأثير كبير في بناء شخصيته‬
‫وتشبعه بجملة من القيم واألفكار واألخالق والمو اقف‪ ،‬فإذا كانت األجواء األسرية يسودها‬
‫التفاهم والتعاون واالستقرار‪ ،‬فإن ذلك له وقع إيجابي على نفسية األوالد‪ ،‬والتي غالبا تكون‬
‫سوية ومتوازنة مما يشجعها على اإلجههاد والعطاء داخل مختلف مجاالت الحياة االجتماعية‪،‬‬
‫وهو ما يساهم دون أدنى شك في الدفع بعجلة املجتمع نحو مزيد من التقدم واالزدهار‪.‬‬

‫وعلى النقيض من هذا‪ ،‬فإذا كان املحيط األسري ملغوم باالضطراب والصراع بسبب‬
‫تفكك الروا بط العائلية وغياب السلطة الضابطة التي ستوجه وتحكم سلوك األطفال خالل‬
‫مختلف مراحل حياتهم‪ ،‬وخاصة خالل مرحلتي الطفولة والمراهقة باعتبارهما المنطلق لتكوين‬
‫شخصية الطفل مستقبال‪ ،‬فإن انعكاسات هذا الوضع تكون كارثية على وضع األوالد سواء من‬
‫حيث فشلهم في إكمال مسارهم الدراس ي أو من حيث انخراطهم في بؤر اإلجرام واالنحراف‪ ،‬وهو‬
‫ما يجعلهم عالة على مجتمعهم وعقبة في وجه كل املجهودات المبذولة من أجل رقيه ونموه‪.‬‬

‫وحتى نحيط بكل جوانب هذا الموضوع فإننا سنقسمه إلى محورين اثنين هما‪ :‬المبحث‬
‫األول‪ :‬تعريف التفكك األسري وأسبابه‪ .‬المبحث الثاني‪ :‬آثار التفكك األسري على مستقبل‬
‫األطفال‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف التفكك األسري وأسبابه‪:‬‬

‫إن تأطيرمفهوم التفكك األسري واإلحاطة بكل جوانبه يقتض ي تحديد هذا المفهوم أوال‬
‫( المطلب األول)‪ ،‬ثم بعد ذلك تحديد أسباب نشأته و انتشاره داخل أوساط األسر خاصة‬
‫واملجتمع عامة ( المطلب الثاني )‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف التفكك األسري‪:‬‬

‫يقصد بالتفكك من حيث اللغة انفصال أجزاء الش يء عن بعضها البعض‪ ،‬بحيث تصبح‬
‫قطعا مفككة وليست وحدة متكاملة ومتراصة‪.‬‬

‫‪P 255‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أما في االصطالح فالمراد بالتفكك انهياروحدة اجتماعية وتداعي بنائها واختالل وظائفها‬
‫وتدهور نظامها‪ ،‬سواء كانت هذه الوحدة شخص أم جماعة أم مؤسسة أم أمة بأسرها‪ ،‬وهو‬
‫عكس الترابط والتماسك(‪.)357‬‬

‫فالتفكك األسري انهيار الوحدة األسرية وتحلل أو تمزق نسيج األدوار االجتماعية‪ ،‬وذلك‬
‫عندما يخفق فرد أو أكثرمن أفرادها في القيام بالدورالمنوط به على نحو سليم‪ ،‬وبمعنى آخرهو‬
‫رفض التعاون بين أفراد األسرة وسيادة عمليات الصراع بين أفرادها(‪.)358‬‬

‫وقد تنوعت التسميات لكن المغزى يظل واحدا‪ ،‬وهكذا فقد سماه البعض بالتصدع‬
‫األسري كحالة من الخلل الوظيفي نتيجة لخالفات أو تخلي أحد الوالدين عن األدوار األساسية‬
‫المنوطة به‪ ،‬مما يؤدي إلى خلل وظيفي عام لعمل األسرة ككل‪.‬‬

‫أما من الناحية االجتماعية‪ ،‬فإن التفكك األسري يشير إلى الفشل في الدور التربوي‬
‫الرئيس ي لألسرة‪ ،‬حيث ينخفض مستوى مساهمهها في عملية التنشئة االجتماعية وفي بناء‬
‫شخصية الفرد بصورة مستمرة وضبط سلوكه وتوجيهه وفق متطلبات الحياة(‪ ،)359‬فهو انهيار‬
‫الوحدة األسرية و انحالل بناء األدواراالجتماعية ألفراد األسرة(‪.)360‬‬

‫إن التفكك األسري ناتج عن حدوث أو ظهورمرض‪ ،‬آفة‪ ،‬فساد‪ ،‬ضعف‪ ،‬هوان‪ ،‬وهن على‬
‫هذه الرابطة‪ ،‬على هذا الميثاق‪ ،‬على هذه الجامعة بأسباب متعددة(‪.)361‬‬

‫ويتفق الكثير من الباحثين والمفكرين على أن األسرة المفككة أو المتصدعة أشكاال‬


‫و أنماطا مختلفة‪ ،‬وقد أشار لها أحد المفكرين بقوله أن التفكك األسري هو مفهوم توصف به‬
‫األسرة التي يتناقض أطر افها الثالثة بعد تكامل وتماسك بصورة إرادية أو غيرإرادية‪ ،‬أما الصور‬
‫اإلرادية فقد تكون هجر الزوج وتركه زوجته وأوالده‪ ،‬وبذلك يفقدون رعايته وحمايته وتوجيهه‬
‫ومودته‪ ،‬أو تكون بخروج الزوجة غاضبة من بيت الـزوجية واصطحابها لألوالد أو تركهم ألبيهـم‬
‫يشقى بتدبير شؤونـهم وحده‪ ،‬ويضاف لهذه الصور اإلرادية صورة أخرى وهي العمالة الطويلة‬

‫‪ -357‬معجم العلوم االجتماعية‪ ،‬نخبة من األساتذة في علم االجتماع‪ ،‬مطبعة الهيئة المصرية للكتاب – طبعة سنة ‪ -0270‬ص‬
‫‪.001‬‬
‫‪ -358‬األسرة والبيئة – أحمد يحيى عبد الحميد – المكتب الجامعي الحديث باإلسكندرية –مصر‪ -‬طبعة ‪ – 0221‬ص ‪.72‬‬
‫‪ -359‬أسباب الجريمة وطبيعة السلوك اإلجرامي – عدنان الدوري‪ -‬دار السالسل – الطبعة الثالثة ‪ – 0212‬ص ‪.001‬‬
‫‪ -360‬دراسة تحليلية للعوامل المرتبطة بالتفكك األسري للعائلة العراقية بعد سنة ‪ – 0112‬فخري صبري عباس – طبعة‬
‫‪0101‬م‪.‬‬
‫‪ -361‬مداخلة لألستاذ محمد أبياط‪ :‬آثار مشكالت التفكك تصيب المجتمع كامال وأسبابه غياب التربية اإليمانية – مائدة مستديرة‬
‫من تنظيم جمعية المبادرة الثقافية بفاس بتاريخ ‪ 2‬يناير ‪.0100‬‬

‫‪P 256‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫األمد خارج البالد لما تتيحه من عائد مادي كبير‪ .‬أما عن الصور األخرى الغير إرادية التي ال‬
‫سيطرة ألحد عليها‪ ،‬والتي ينتج عنها تفكك األسرة فهي أربعة‪ :‬فقد تكون وفاة أحد األبوين أو‬
‫كالهما‪ ،‬أو تكون السجن الطويل المدة‪ ،‬أو تكون التجنيد للحرب والقتال في بالد بعيدة عن‬
‫الوطن‪ ،‬أو تكون النزوح الفجائي خوفا من األعداء املحتلين وتشتت األسرة نتيجة ذلك(‪.)362‬‬

‫ويتخذ التفكك األسري صورا وأشكاال متعددة تبعا لتغير ظروف وأحوال األسرة داخل‬
‫املجتمع‪ ،‬إال أنه غالبا ما يتمثل في نوعين اثنين هما‪:‬‬

‫‪ ‬التفكك النفس ي‪ :‬وينعت كذلك بالتفكك المعنوي‪ ،‬إذ يكون الوالدان موجودان‬
‫جسديا ولكن هناك خالفات مستمرة بينهما‪ ،‬بحيث يقل داخل هذه األسر احترام حقوق األفراد‬
‫وال يشعر فيه األبناء باالنتماء‪ ،‬ويظهرفي التفكك المعنوي االضطراب الذي يسود العالقات بين‬
‫أفراد األسرة وسوء التفاهم الحاصل بين الوالدين و انعكاساته على شخصية األوالد‪ ،‬وجهل‬
‫الوالدين بأساليب التربية السليمة(‪.)363‬‬

‫‪ ‬التفكك البنائي‪ :‬ويسمى كذلك بالتفكك المادي والذي ينشأ من غياب الوالدين أو‬
‫أحدهما‪ ،‬إما بالموت أو الطالق أو االنفصال أو االنشغال(‪.)364‬‬

‫وينقسم التفكك المادي بدوره إلى تفكك أسري جزئي ناتج عن حاالت االنفصال والهجر‬
‫المتقطع‪ ،‬حيث يعود الزوجان إلى الحياة األسرية غيرأنها تبقى حياة مهددة من وقت آلخربالهجر‬
‫واالنفصال‪ ،‬ثم تفكك أسري كلي ناتج عن الوفاة أو الطالق أو مقتل أحد الزوجين أو كالهما(‪.)365‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أسباب التفكك األسري‪:‬‬

‫إن أسباب التوترأو الصراع األسري قد تعود إلى أسباب شخصية أو اجتماعية أو ثقافية‬
‫مع مراعاة أن الصراع ال يحدث بسبب عامل واحد‪ ،‬فهو يأخذ الطابع التدريجي التراكمي الذي‬
‫تحكمه عمليات متداخلة يصعب فصل بعضها عن بعض‪ ،‬ومن هذه العمليات العوامل‬
‫المزاجية التي ترجع إلى ارتباط مجموعة من الصفات الوراثية‪ ،‬والتي تحدد ردود الفعل‬

‫‪ -362‬بحوث إسالمية في األسرة والجريمة والمجتمع – حسن الساعاتي – دار الفكر العربي – القاهرية – طبعة ‪– 0220‬‬
‫ص ‪ 20‬و‪.20‬‬
‫‪ -363‬األحداث المحرفون – علي محمد جعفر – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت – طبعة ‪ -0222‬ص‬
‫‪.00‬‬
‫‪ -364‬المرشد األسري – أمين ماهر – حرف للنشر والتوزيع – ص ‪.00‬‬
‫‪ -365‬التفكك األسري وعالقته بانحراف الفتيات في األردن – نادية هايل العمرو – رسالة ماجستير – جامعة مؤتة سنة‬
‫‪0117‬م – األردن – ص ‪.02‬‬

‫‪P 254‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫االنفعالية والعاطفية عند الفرد‪ ،‬ومنها أيضا األنماط السلوكية المتعارضة عند الزوجين‬
‫كمسائل األخالق وطرق التنشئة االجتماعية والتربية و اتخاذ القرارات ومعاملة اآلخرين وما إلى‬
‫ذلك‪.‬‬

‫كما توجد عمليات متعددة وعوامل أخرى تجعل الصراع مستمرا في نطاق األسرة‪ ،‬مما‬
‫قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك األسرة أو انهيار الكيان العائلي كلحمة تجمع مجموعة من‬
‫األفراد وتؤلف بين قلوبهم وتحمي حقوقهم وتؤمن مصالحهم‪.‬‬

‫وعلى الرغم من تعدد األسباب والعوامل المتداخلة في نشأة التفكك األسري فإنه يمكننا‬
‫إجمالها في العناصراآلتية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األسباب النفسية‪ :‬وفي مقدمهها غياب األمن النفس ي داخل املحيط األسري‪ ،‬سواء‬
‫من الناحية الوجدانية أو الجسدية مما يخلق قصورا عاطفيا ناتجا عن عدم اإلشباع العاطفي‪،‬‬
‫وهو ما يضطر أفراد األسرة إلى البحث عنه خارج مؤسسة الزواج عن طريق ربط عالقات غير‬
‫شرعية مع األجانب عن الكيان األسري‪.‬‬

‫كما أن غياب النموذج األمثل وهو القدوة الحسنة داخل األسرة سواء من الوالدين أو‬
‫األشقاء ‪ ،‬ومن ثم يعيش الفرد وخاصة األطفال بال تحفيزأودافع أونموذج حي لالقتداء به والسير‬
‫على خطاه‪ ،‬وهوما يخلف ضعفا كبيرا في مجال الدعم النفس ي والتعزيزاإليجابي لألوالد على وجه‬
‫الخصوص‪.‬‬

‫هذا باإلضافة إلى سيادة النزعة الذاتية وطغيان األنانية داخل النسيج األسري‪ ،‬وهو ما‬
‫يخلق صراعا كبيرا بين أفراد األسرة من أجل فرض الذات ولو على حساب باقي مكونات البنيان‬
‫األسري‪.‬‬

‫ومن جانب آخرفإن كثرة الضغوطات النفسية إما بسبب ظروف العمل أوبعض األمراض‬
‫والعاهات تساهم بشكل كبير في تدهور العالقات بين أفراد األسرة‪ ،‬وتخلق أوضاعا نفسية غير‬
‫سليمة يؤدي ضريبهها األبناء بدرجة أولى‪.‬‬

‫كما تلعب األنماط السلوكية المعبرة عن االستجابات المكتسبة للفرد في وضع اجتماعي‬
‫معين دورا مهما في بلورة التفكك األسري‪ ،‬خاصة وأنها تتعرض للتغييروالتعديل حسب األوضاع‬

‫‪P 252‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫والمو اقف‪ ،‬فالمالحظ أن هذه األنماط مكتسبة وتعرف استقرارا عند الزواج إذ يصعب تغييرها‬
‫بعد ذلك‪.‬‬

‫ويالحظ الباحثون في هذا املجال أن التوترات الزوجية بسبب األنماط السلوكية‬


‫المتعارضة عند الزوجين تصل إلى درجة خطيرة‪ ،‬خاصة إذا تعلقت بمسائل معينة كاألخالق‬
‫االجتماعية والنظافة‪ ،‬وكذا طرق تربية األطفال و اتخاذ القرارات المصيرية التي تهم تدبيرالشأن‬
‫األسري ومعاملة اآلخرين‪.‬‬

‫والشك أن األفراد يختلفون فيما بينهم من حيث األنماط السلوكية حسب تجاربهم في‬
‫أسرهم‪ ،‬فبعض األسر يكون األب فيها صاحب الكلمة النهائية‪ ،‬وفي البعض اآلخر تكون الكلمة‬
‫لألم‪ ،‬وهذا ال ينفي وجود نوع ثالث تكون مسؤولية األسرة فيها قسمة مشتركة بين األب واألم(‪.)366‬‬

‫كل هذا يبرز مدى تأثير العوامل النفسية واألنماط السلوكية في ظهور التفكك األسري‪،‬‬
‫وهي أسباب خطيرة ومتداخلة يصعب فصل بعضها عن البعض االخر أو التحكم فيها للحد من‬
‫تداعياتها على أوضاع األسرة نفسيا وسلوكيا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األسباب االجتماعية واالقتصادية‪:‬‬

‫من بين األسباب الرئيسية النتشارظاهرة التفكك األسري نجد عدم استقاللية مؤسسة‬
‫األسرة عن محيطها‪ ،‬بحيث يتدخل األهل واألقارب واألصدقاء بشكل صارخ في تدبير الشؤون‬
‫الداخلية لألسرة‪ ،‬وهو ما يوسع الهوة بين مكونات البنيان األسري ويرفع من حدة الصراع بينها‪.‬‬

‫فاملحيط االجتماعي لألسرة له دوركبيرفي تحقيق استقرارها إذا كان تدخله إيجابيا يصب‬
‫في مصلحة جميع أفرادها ويقوي روابط التضامن والتعاون بينهم‪ ،‬لكن الغالب في وقتنا الحاضر‬
‫هو التأثير السلبي لهذا املحيط على استمرارية النسيج األسري وتدعيم بنيانه حتى يضطلع‬
‫بأدواره المهمة داخل املجتمع ككل‪.‬‬

‫كما أن التنشئة االجتماعية السلبية التي خضع لها الزوجين تساهم بشكل كبير في‬
‫استفحال آفة التفكك األسري‪ ،‬ذلك أن تكوينهما الهش يفسح املجال لقيامهما بسلوكات‬
‫وممارسات تتنافى وميثاق الحياة الزوجية ويمنعهما من القيام بدورهما الفعال داخل املحيط‬

‫‪ -366‬المشاكل االجتماعية والسلوك االنحرافي – محمد عاطف غيث – دار المعرفة الجامعية اإلسكندرية – طبعة ‪0220‬م –‬
‫ص ‪.071‬‬

‫‪P 257‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫األسري‪ ،‬ناهيك عن تسهيل مأمورية األجانب للتدخل والتأثير على مسار الحياة الزوجية بسبب‬
‫ضعف شخصية الزوجين وهشاشة تكوينهما نفسيا وثقافيا وصعوبة انخراطهما بفعالية في بناء‬
‫أسرة مستقرة ومتكاملة‪.‬‬

‫ناهيك عن تداخل عوامل اجتماعية متعددة من فقروأمية وأوضاع اجتماعية جد مزرية‬


‫تساهم بشكل أو بآخر في بلورة التفكك األسري والرفع من وثيرة تفاقمه‪ ،‬خاصة في ظل تأزم‬
‫األوضاع االقتصادية في غياب شبه تام لفرص الشغل وتفش ي البطالة في أوساط الشباب في‬
‫مقابل االرتفاع المهول لتكاليف العيش‪ ،‬وهو ما فجرأشكاال مختلفة من االنحراف واإلجرام وما‬
‫لذلك من تبعات اجتماعية و اقتصادية خطيرة على األسرة واملجتمع‪.‬‬

‫فالعامل االقتصادي له أهمية كبيرة في تحقيق االستقرار األسري‪ ،‬إذ في ظل تخلف مورد‬
‫قار لرب األسرة‪ ،‬يصعب تلبية المتطلبات الكثيرة والمتزايدة للحياة األسرية‪ ،‬خاصة إذا لم‬
‫يتفهم باقي أفراد األسرة الوضعية الصعبة التي يمر منها معيلهم الوحيد والمسؤول عن تلبية‬
‫حاجياتهم‪.‬‬

‫كما أن خروج المرأة للعمل و انخراطها في تدبير شؤون األسرة ماديا ساهم بدوره في خلق‬
‫أزمة صراع األدوار بين الزوجين‪ ،‬مما ترتب عنه تملص أحد الطرفين من مسؤولياته والتزاماته‬
‫بداعي قدرة الطرف اآلخرعلى القيام بذلك لوحده لكونه يدخل في صميم واجباته‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬األسباب الشرعية والتشريعية‪:‬‬

‫إن أساس بناء األسرة على أسس متينة وقيامها بوظائفها النبيلة يقوم على مدى التزامها‬
‫بالضوابط الشرعية المؤطرة لها والمنظمة لكل جوانبها‪ ،‬لذلك فإن الخروج عن هذا اإلطار‬
‫الشرعي من خالل عدم الوفاء بااللتزامات وتحمل المسؤوليات في مقابل التمتع بالحقوق يؤدي‬
‫إلى اختالل موازين البنيان األسري‪ ،‬فيساهم بذلك في ظهور التفكك األسري بمختلف مظاهره‬
‫وتجلياته‪.‬‬

‫فغياب او تغييب الروابط الدينية التي تحضن الحياة الزوجية من كل األخطار التي قد‬
‫تلحقها وتهدد وحدتها واستقرارها‪ ،‬بحيث تظهر بعض الممارسات املجانبة للصواب كالخيانة‬
‫الزوجية والغدر واالنتقام من الطرف اآلخر ألتفه األسباب والمبررات الواهية ‪ ،‬مما يؤجج حدة‬
‫الصراع والخالفات بين أفراد األسرة وخاصة بين الزوجين‪.‬‬

‫‪P 260‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫كما أن بعض الهفوات التشريعية غالبا ما تساهم في خلق نزاعات بين أفراد األسرة‪ ،‬إذ ال‬
‫ترتكزعلى أسس ومنطلقات منطقية تراعي و اقع ومحيط هذه المؤسسة المهمة داخل النسيج‬
‫االجتماعي ‪ ،‬كما ال تستجيب لتطلعات وحاجيات أفرادها وتكرس النزعة الذاتية واألنانية مما‬
‫يسهل عملية التفرقة بينهم‪.‬‬

‫ورغم كل اإلصالحات والتعديالت التي أدخلها المشرع الوضعي على قوانين األسرة‬
‫بتعاقب الحقب والعصور إال أنها ظلت قاصرة عن تحقيق األمن األسري‪ ،‬مما ترك هذه الخلية‬
‫المهمة داخل املجتمع تتخبط في مشاكلها وتتفاحل أزماتها بشكل مستمر‪ ،‬وهو ما أدى الى‬
‫إفراغها من محتواها الروحي وحولها إلى قفص غير مرغوب فيه بل أصبح متجاوزا في عصر‬
‫التباهي بالحريات الفردية وسيطرة االنحالل األخالقي‪.‬‬

‫كما أن اكتساح وسائل التواصل االجتماعي لهذه المؤسسة زاد من تكريس العزلة‬
‫والتفرقة بين أفرادها‪ ،‬وذلك في ظل غياب التأطير والتقنين األمثل لكيفية استغالل هذه‬
‫الوسائط لخدمة مصالح أفراد األسرة وتمتين روابط املحبة والتعاون بينهم عوض تسخيرها‬
‫لتشتيت الشمل و إثارة الفتنة والصراعات بينهم‪.‬‬

‫بحيث لوحظ في اآلونة األخيرة تفش ي ظاهرة الخالفات األسرية بسبب االستعمال غير‬
‫اآلمن لوسائط التواصل الحديثة ‪ ،‬اذ يتم استغاللها بشكل عشوائي وبشع اللحاق أضراروخيمة‬
‫بمؤسسة األسرة من خالل زعزعة الثقة التي من المفروض أن تكون سائدة وسط املحيط‬
‫األسري‪ ،‬خاصة وأن مسألة الثقة واألمن األسري أساس تقوية الترابط والتآزر بين جميع أفراد‬
‫األسرة ومواصلة التضحيات من أجل الرقي بمستواها اجتماعيا و اقتصاديا ونفسيا ‪ ،‬وهو ما‬
‫سيحقق االستقرار األسري المنشود والذي يعتبر منطلقا لكل اإلنجازات التي سيحققها أفراد‬
‫األسرة وفي مقدمهها التحصيل الدراس ي الجيد والمثمر‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬آثارالتفكك األسري على مستقبل األطفال‪:‬‬

‫إن المشاكل األسرية عامة والتفكك األسري على وجه الخصوص له آثار سلبية على‬
‫األطفال من الناحية الجسدية والنفسية والعقلية‪ ،‬كما تؤثرهذه المشاكل كذلك على سلوكهم‬
‫وطريقة تعاملهم مع محيطهم إذ ينتابهم شعور دائم باالضطراب والقلق و انعدام الثقة في‬
‫النفس‪.‬‬

‫‪P 261‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لكل ذلك سنحاول استعراض آثارالتفكك األسري على حياة األوالد بشكل عام (المطلب‬
‫األول)‪ ،‬ثم تأثيرذلك على تحصيلهم الدراس ي بشكل خاص (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬آثارالتفكك األسري على حياة األوالد‪:‬‬

‫إن تنشئة الطفل نفسيا ورعايته في المرحلة األولى من حياته لها أثر بالغ في حياته وفي‬
‫تاريخه السلوكي فيما بعد‪ ،‬فإذا لم يقم بها الوالدان أو القائمان على شؤون الطفل على أسس‬
‫سليمة من الصحة النفسية‪ ،‬فإنها سوف تؤدي به إلى مسالك خطيرة ال يستطيع االنفكاك منها‬
‫في المستقبل(‪.)367‬‬

‫فالتنشئة األولى للطفل هي األساس والمنطلق إما نحو حياة سلبية يطبعها االستقرار‬
‫واالجههاد والعطاء أو نحو حياة مضطربة ينتابها القلق المؤدي إلى االنحراف والدمار صحيا‬
‫ونفسيا واجتماعيا‪.‬‬

‫فمما الشك فيه‪ ،‬أن للوسط األسري الذي يعيش فيه الطفل أثر بالغ على شخصيته‬
‫وقيمه و أفكاره وسلوكه‪ ،‬فإذا كان الجو األسري يواجه االضطراب نتيجة تفكك العالقات‬
‫االجتماعية بين األفراد‪ ،‬وغياب السلطة الضابطة التي توجه وتحكم سلوك الطفل في مختلف‬
‫مراحل حياته وخاصة مرحلتي الطفولة والمراهقة‪ ،‬وذلك باعتبارهما األساس الذي تتكون منه‬
‫شخصية الطفل مستقبال‪ ،‬وقد بينت بعض الدراسات الميدانية أن أغلب األطفال الذين كان‬
‫مصيرهم الشارع و اتجاههم فيما بعد إلى سلك الجريمة والعنف كانوا ينحدرون من أسر‬
‫مفككة(‪.)368‬‬

‫فحرمان الطفل من إشباع رغباته وحاجاته سواء في المنزل أو المدرسة قد يدفعه إلى‬
‫تصرفات تتسم بالشذوذ واالنحراف كوسيلة لحل مشكلة الكبت التي يعانيها‪ ،‬وكلما ازداد‬
‫الشعور بالحرمان كلما تعرضت ذات الفرد لالضطراب وامتألت نفسه بمشاعر القلق والتوثر‪،‬‬
‫خاصة إذا كان اإلنسان صغيرا لم يتدرب بعد على تحمل قدركافي من الحرمان‪.‬‬

‫كما أن عدم تحقق آمال الطفل في البيت‪ ،‬فإنه يجد في السلوك المنحرف سبيال لتحقيق‬
‫رغباته المكبوتة‪ ،‬فيظهر الصراع داخل أوساط األسرة المهملة التي تقود الطفل تدريجيا نحو‬

‫‪ -367‬األحداث المنحرفون – علي محمد جعفر – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت – طبعة ‪ -0222‬ص‬
‫‪.00‬‬
‫‪ -368‬عوامل االنحراف االجتماعي لدى الشباب واستراتيجيات التكفل والعالج‪ -‬خالد عبد السالم – ص ‪.001‬‬

‫‪P 262‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التشرد والتسول وبدء الممارسة الجانحة هروبا من جحيم البيت ومشاكله‪ ،‬فعدم إشباع رغبات‬
‫الطفل تدفعه إلشباعها بمختلف الوسائل كاللجوء إلى العصابات‪ ،‬حيث يجدون في هذا السبيل‬
‫متنفسا لكبههم وبديال عن خيبة أملهم داخل محيطهم األسري(‪.)369‬‬

‫يتبين إذن أن للتفكك األسري آثارا وخيمة على األطفال سواء من الناحية النفسية أو‬
‫العقلية بل وحتى الجسدية‪ ،‬مما يؤثر على سلوكهم بشكل كبير جدا وهو األمر الذي تكون له‬
‫تبعات سلبية على السلوك العام للمجتمع ككل‪.‬‬

‫ورغم ذلك‪ ،‬فاألوالد هم األكثرتأثرا بالتفكك األسري من خالل سيطرة الغضب واالنفعال‬
‫على سلوكهم وضعف مردوديههم على جميع المستويات‪ ،‬وذلك بفعل الدمار الداخلي الذي‬
‫يعيشونه ويحاولون تجاوزه من خالل احتراف اإلجرام واستخدام املخدرات والعقاقير‪.‬‬

‫إن هذا الوضع الصعب يجعل األطفال أكثرعرضة للمشاكل الصحية واألمراض العقلية‬
‫والعقد النفسية التي يستعص ي عالجها فيما بعد‪ ،‬وهو ما سيؤثر سلبا على اندماجهم داخل‬
‫النسيج االجتماعي إذ يفضلون العزلة والعزوف عن التواصل مع اآلخرين لفقدهم األمان والثقة‬
‫في جميع مكونات األسرة بل في أفرادا ملجتمع ككل‪.‬‬

‫والظاهرأن آثارالتفكك األسري على األطفال ال تنحصرعلى المستوى االجتماعي فحسب‬


‫بل تمتد لتشمل الجانب الروحي والعقائدي كذلك‪ ،‬إذ يالحظ عزوف األوالد ضحايا االنفصال‬
‫عن الممارسات الدينية مما قد يؤدي إلى فقدان العقيدة وعدم االلتزام بالتعاليم الدينية والقيم‬
‫األخالقية التي تؤطرالحياة داخل املجتمع‪.‬‬

‫ونتيجة ذلك يتحول الطفل إلى كتلة من العناد والعدو انية تكون على استعداد دائم‬
‫لالنحراف وتعاطي أعمال التدمير والتخريب‪ ،‬مما يكرس لديه النزعة األنانية واالنطوائية إذ ال‬
‫تهمه إال ذاته وتلبية رغباته المكبوتة داخل محيط أسرته المنهارة‪ ،‬كما ال يستطيع بل ال يرغب‬
‫في تحمل أي مسؤولية إلحساسه باإلحباط والنقص والدونية‪ ،‬وغالبا ما يحقد على اآلخرين‬
‫العتقاده بأن الجميع أفضل منه ويعيشون في ظروف مواتية في حين يعاني هوالحرمان واإلقصاء‬
‫والههميش‪.‬‬

‫‪ -369‬محمد علي جعفر – مرجع سابق – ص ‪.02‬‬

‫‪P 263‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫كل هذه الممارسات االنحر افية واألحاسيس غير السوية تؤثر بشكل كبير على األسرة‬
‫واملجتمع معا‪ ،‬إذ يسيطر الصراع والخالف على أجواء املحيط األسري كما يسبب ذلك اختالال‬
‫في العديد من القيم التي ينبني عليها املجتمع ويعمل جاهدا على تكريسها وترسيخها بين جميع‬
‫مكوناته وفي أذهان وسلوكيات أفراده‪ ،‬وذلك مثل الترابط والتضامن والتعاون والتسامح‬
‫ومساعدة املحتاج والوقوف بجانبه وغيرها من القيم والمبادئ اإليجابية والفاعلة في تماسك‬
‫املجتمع واستمراره‪.‬‬

‫وقد زادت سرعة التطور التكنولوجي والمعلوماتي من حدة تأثير التفكك األسري على‬
‫األطفال‪ ،‬وذلك في ظل مجموعة من التحوالت التي لحقت األسرة و انعكست على وظائفها‬
‫ومهامها كمؤسسة اجتماعية رائدة للتنشئة السليمة لألبناء‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فقد ساهم التفكك األسري في تغييب دور الرقابة والتوجيه والمصاحبة‬
‫والتواصل داخل الوسط األسري‪ ،‬مما وسع الهوة بين مكونات األسرة الواحدة وكرس االبتعاد‬
‫عن قيم املجتمع وعاداته وساهم في زيادة معدل االنحراف واإلجرام في صفوف الشباب‪.‬‬

‫فمهما حاولنا حصر آثار التفكك األسري على األطفال فإننا لن نستطيع ذلك مادامت‬
‫انعكاسات هذه الظاهرة الخطيرة تتطورباستمرار‪ ،‬وذلك تماشيا مع تطورظروف الحياة ونسقها‬
‫المتسارع‪ ،‬ومع ذلك يمكننا الجزم بأن التفكك األسري يشكل كابوسا مخيفا وسالحا فتاكا يدمر‬
‫مستقبل األطفال ويرمي بهم في أوكاراالنحراف والفساد وهو ما يؤثر بشكل كبير على نمو املجتمع‬
‫ككل وتقدمه وازدهاره‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آثارالتفكك األسري على التحصيل الدراس ي لألوالد‪:‬‬

‫إن التحصيل الدراس ي الجيد لكل طفل يتوقف على تداخل مجموعة من العوامل التي‬
‫تتفاعل فيما بينها لتخلق األجواء والظروف المواتية لذلك‪ ،‬وتعتبراألسرة عامال مهما إلى جانب‬
‫المدرسة واملجتمع‪ ،‬إال أن املحيط األسري يعد أساسا ومنطلقا للتفوق الدراس ي والذي يتواصل‬
‫ويكتمل داخل المؤسسات التعليمية التي تشكل أسرة ثانية مكملة لألسرة األم‪.‬‬

‫فإذا كان تكوين الطفل من الناحية المعرفية واألخالقية واالجتماعية يتم داخل األسرة‬
‫بشكل تلقائي دون تأطيررسمي‪ ،‬فإنه على العكس من ذلك داخل المدرسة التي تحكمها ضوابط‬
‫تنظيمية وبرامج تربوية رسمية في أجواء تنافسية على التحصيل الدراس ي بمعايير النجاح‬

‫‪P 264‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫والرسوب‪ ،‬في حين يشكل املحيط االجتماعي وسطا تقع فيه جملة من التفاعالت املختلفة والتي‬
‫قد تدعم ما بنته األسرة والمدرسة أو تهدمه لوجود تناقض بين ما تلقاه الطفل داخل محيطه‬
‫األسري والوسط المدرس ي وبين ما يعيشه حقيقة في الشارع‪.‬‬

‫فاالنسجام والتكامل بين هذه المؤسسات الثالث هو الذي يمكن الطفل من التحصيل‬
‫الدراس ي المثمر‪ ،‬غيرأن انهيارالركن األساس ي في هذا المثلث‪ ،‬والذي تمثله األسرة يعرقل المسار‬
‫الدراس ي لألوالد ويهدد مستقبلهم بل يدمر حياتهم ككل من خالل فشلهم في إكمال دراسههم‬
‫وركونهم إلى االنحراف واإلجرام بمختلف مظاهره وتجلياته‪.‬‬

‫إن االنهيار العاطفي والعالقات السيئة بين أفراد ألسرة ونوعية العالقة القائمة بين‬
‫الزوجين تنعكس سلبا على األطفال وتؤثر على سلوكهم‪ ،‬ألن عالقة الوالدين بالطفل تكون أكثر‬
‫تأثيرا على شخصيته‪ ،‬وبالتالي تؤدي إلى عرقلة مسيرة تعلمه وضعف تحصيله والذي يشكل حالة‬
‫مرضية خاصة‪ ،‬باإلضافة إلى العالقات األسرية الغير جيدة واألجواء المكهربة التي تؤثر عليه‬
‫وعلى دراسته(‪.)370‬‬

‫وقد اثبتت مجموعة من االحصائيات الكثيرة والمتعددة والتاي ال يسمح املجال بذكرها‬
‫وسردها أن التفكك األسري عامل أساس ي في الرسوب الدراس ي وارتفاع نسبة الهدر المدرس ي‪،‬‬
‫بحيث توجد عالقة وطيدة بين العاملين معا فكلما اشتدت حدة التصدع والخالف بين الزوجين‬
‫كلما سبب ذلك فشال دراسيا ذريعا لألبناء‪ ،‬اذ غالبا ما ينقطعون عن الدراسة في سن مبكرة‬
‫لعدم توفراألرضية المالئمة للتحصيل الدراس ي الفعال والنافع لألطفال واألسرة واملجتمع ‪.‬‬

‫يتضح إذن أهمية العامل األسري في تحقيق التحصيل الدراس ي الجيد‪ ،‬والذي تساهم‬
‫فيه الوضعية االقتصادية واالجتماعية لألسرة بشكل كبير‪ ،‬وهذا ما أكدته عدة دراسات علمية‬
‫حديثة ومن بينها الدراسة التي نشرها الباحث ‪ RISMAN‬عام ‪ 9102‬من خالل كتابه المعروف‬
‫بعنوان "الولد املحروم التراث"‪ ،‬والذي يبين فيه أن الولد املحروم يميل إلى التقليد أي التمسك‬
‫بالعادات القديمة واالهتمام باألمور العملية واحتقار األمور العلمية العقلية‪ ،‬فالبيت الفقير‬

‫‪ -370‬أصول التربية وعلم النفس – محمد رفعت رمضان – دار الفكر العربي للنشر – القاهرة – الطبعة الخامسة ‪0202‬م –‬
‫ص ‪.020‬‬

‫‪P 265‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المعدم يكون عادة خاليا من عوامل التشجيع على التحصيل المدرس ي الرفيع‪ ،‬ولذلك نجد‬
‫الناش ئ نفسه غيرقادرعلى البقاء في المدرسة(‪.)371‬‬

‫فالتفكك األسري سبب مباشر في االرتفاع المهول لنسبة الرسوب الدراس ي وكذا الهدر‬
‫المدرس ي‪ ،‬وذلك لكون األسرة هي صمام األمان لحياة الطفل وتأمين مستقبله‪ ،‬فالمسيرة‬
‫الدراسية لألبناء تظل مستقرة ما دام الوضع األسري كذلك‪ ،‬وما أن يحصل أدنى تشنج في‬
‫العالقة بين الزوجين حتى تتحول حياتهم إلى كابوس قاتل ونفق مظلم يسوده الخوف‬
‫واالضطراب‪.‬‬

‫فاالنفصال أو الشجار الدائم بين األب واألم يخلق لدى الطفل حالة من االرتباك‬
‫الدراس ي‪ ،‬وذلك بجنوح التلميذ وتهربه من المدرسة وإهمال واجباته الدراسية‪ ،‬وهو ما يؤدي‬
‫بشكل آلي إلى التكرارالمستمر‪ ،‬وبالتالي االنقطاع عن الدراسة في ظل غياب االهتمام لدى األسرة‬
‫وتتبعها لمسارالطفل الدراس ي وتشجيعه وتحفيزه وتوجيهه الوجهة الصحيحة‪.‬‬

‫فالصراعات داخل األسرة لها تأثير كبير على شخصية الطفل ومستوى نضجه الفكري‬
‫والمعرفي‪ ،‬بحيث أنها تشتت الفكروتقيد التركيزولها آثارجانبية منها الرسوب والفشل الدراس ي‬
‫المؤدي ال محالة إلى الهدر المدرس ي‪.‬‬

‫فاألسرة هي المكان األول لنموالطفل فكريا وروحيا وجسميا خالل السنوات الست األولى‬
‫من عمره‪ ،‬إضافة إلى دورها في التكامل مع المدرسة بعد هذه المرحلة العمرية‪ ،‬لذا فإن أهم‬
‫األدوار التي ينبغي على األسرة القيام بها لمشاركة المدرسة في رعاية سلوك األبناء وتقويمه‬
‫لتنمية وتحقيق سلوك أفضل لديهم حتى يكونوا أبلغ نفعا ألنفسهم وأسرهم ومجتمعهم حاضرا‬
‫ومستقبال(‪.)372‬‬

‫فالواضح أن األسرة هي األساس والمنطلق للتنشئة السلمية للطفل وجني ثمرة‬


‫التحصيل الدراس ي الفعال والمثمر‪ ،‬وكل تفكك أو تصدع يصيبها تكون ضحيته األولى هي‬
‫الطفل بما في ذلك تدمير مستقبله ووضع حد لمساره الدراس ي وبالتالي الزج به في أحضان‬
‫االنحراف والتشرد‪.‬‬

‫‪ -371‬التربية المتجددة وأركانها – حنا غالب – مطبعة بيروت – طبعة ‪0200‬م – ص ‪.27‬‬
‫‪ -372‬المرجع في اإلرشاد التربوي – هدى حسيني بيبي – دار أكاديميا – بيروت – طبعة ‪0111‬م – ص ‪.200‬‬

‫‪P 266‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إن الجو األسري الذي يعبر عن مدى تماسك أو تفكك العالقات الزوجية التي يؤدي من‬
‫خاللها إلى الطالق فيكون مردود الطفل المدرس ي إما إيجابيا أو سلبيا‪ ،‬فطالق الوالدين قد يلقي‬
‫الطفل في أحضان االنحراف والمنزل يمكن أن يكون السبب في كره الطفل للمدرسة‪ ،‬وذلك‬
‫عندما ال تيهئ له األسرة الجو المناسب لمراجعة دروسه‪ ،‬فإذا كان الطفل مع أمه المتزوجة فقد‬
‫تكون معاملة زوج األم سيئة‪ ،‬أما إذا كان األب متزوجا فقد تكون زوجة األب أيضا تمارس القسوة‬
‫عليه‪ ،‬كما أن عدم االهتمام بالطفل من طرف األب أو األم المنفصلين‪ ،‬وبالتالي انسداد نفسية‬
‫الطفل وهروبه الدائم من مراجعة دروسه وعدم القيام بواجباته المدرسية فيتأثر الطفل‬
‫دراسيا(‪.)373‬‬

‫كل هذا يبرز وجود عالقة ترابطية وطيدة بين التفكك األسري والفشل الدراس ي‪ ،‬بحيث‬
‫أنه كلما زادت حدة االنفصال بين الوالدين كلما تأثر الطفل سلبيا بذلك خاصة في مجال‬
‫تحصيله الدراس ي الذي يحكم عليه بالفشل مبكرا لعدم توفر الظروف المواتية لالجههاد‬
‫واالبتكارواإلبداع‪.‬‬

‫فاألسرة التي تعاني من حاالت التصدع واالنهيار بسبب العالقات المتوترة بين األبوين‪،‬‬
‫والشجار المستمر بين أفرادها‪ ،‬وكذا اإلهمال والمعاملة السيئة من جانب الوالدين لألبناء‬
‫والمتمثلة في الكراهية والنبد والههديد والعقاب واإليذاء الجسدي تعد من العوامل التي تساهم‬
‫في تدني المستوى التحصيلي لألوالد(‪.)374‬‬

‫فالرعاية السليمة والتتبع المستمر والمصاحبة الدائمة لألبناء أساس التحصيل‬


‫الدراس ي الجيد‪ ،‬وذلك بعيدا عن جحيم الصراعات بين الزوجين وما ير افقها من آثارمدمرة على‬
‫نفسية الطفل‪ ،‬وهو ما يرغمه على الرسوب الدراس ي رغم مقاومته لذلك جراء حداثة سنه وقلة‬
‫تجاربه في تدبير شؤون الحياة‪ ،‬مما يضعف عزيمته وقدرته على مقاومة كل هدة االكراهات‬
‫ومجابهة الصعاب‪.‬‬

‫إن األسلوب التربوي السائد داخل األسرة يؤثرعلى التحصيل الدراس ي لألبناء‪ ،‬فكلما كان‬
‫النمط التربوي بعيدا عن العنف والقسوة واإلهمال والتسيب كلما كان مستوى التحصيل‬

‫‪ -373‬التقويم والقياس النفسي والتربوي – رمزية الغريب – المكتبة األجلومصرية القاهرة – طبعة ‪0227‬م – ص ‪.20‬‬
‫‪ -374‬األسس النفسية للنمو اإلنساني – طلعت عبد الرحيم – المكتبة األنجلومصرية‪ -‬ص ‪.01‬‬

‫‪P 264‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الدراس ي أفضل‪ ،‬بحيث أن اهتمام اآلباء بأبنائهم من حيث الرعاية والصداقة يؤثرفي تحصيلهم‬
‫الدراس ي وتفوقهم العلمي والعملي في جميع الميادين املختلفة(‪.)375‬‬

‫والحقيقة أن مؤسسة األسرة هي المشتل الخصب واملحفز األساس ي لألبناء من أجل‬


‫تحصيل دراس ي يافع‪ ،‬وذلك من خالل توفيرالظروف واألرضية المناسبة من أجل االنكباب على‬
‫الدراسة والتحصيل برغبة جامحة وعزيمة قوية على النجاح والتفوق‪ ،‬وفي مقابل ذلك فإن كل‬
‫تصدع لهذه المؤسسة المهمة داخل املجتمع يشكل صفعة قوية لألبناء تربك حساباتهم‬
‫وتدخلهم في دوامة الفشل الدراس ي الذريع‪ ،‬والذي يؤزم وضعيههم ويقض ي على كل تطلعاتهم‬
‫و آفاقهم المستقبلية‪.‬‬

‫‪ ‬خاتمــة‪:‬‬

‫لقد تطرقنا من خالل هذه الدراسة إلى ظاهرة خطيرة فرضت نفسها من بين الظواهر‬
‫االجتماعية التي شملت جميع املجتمعات دون استثناء ومن بينها املجتمع المغربي‪ ،‬وإن كانت‬
‫حدة تأثيرها تختلف من وسط آلخر تبعا الختالف البيئة وظروف التنشئة االجتماعية‪ ،‬بحيث‬
‫المسنا شدة تأثير ظاهرة التفكك األسري على التحصيل الدراس ي لألبناء و انعكاساتها السلبية‬
‫على مستقبلهم بصفة عامة‪.‬‬

‫فحرمان الطفل من دفء الجواألسري وما يحمله من أمان واطمئنان وتشجيع وتحفيزله‪،‬‬
‫يجعله يلجأ إلى الجو الخارجي المتمثل في الشارع بكل رواسبه خاصة رفقاء السوء المتمردين‬
‫على القيم والمبادئ المؤطرة للحياة داخل املجتمع‪.‬‬

‫والو اقع أن التفكك األسري يؤدي حتما إلى ضعف أو تدني المستوى التحصيلي لألبناء‪،‬‬
‫وذلك في ظل غياب االهتمام والمتابعة والتوجيه واإلرشاد والعطف والحنان‪ ،‬كما ال يجدون‬
‫النصيحة وال الدعم النفس ي المهم لمواصلة المسار الدراس ي الطويل والمليء بالعر اقيل‬
‫والصعوبات‪.‬‬

‫فمن بين أهم مسؤوليات األسرة تربية األبناء وتنشئههم في جو سليم يحفزهم ويساعدهم‬
‫على تحقيق التقدم والنجاح في كل مجاالت الحياة‪ ،‬وهوهدف ومطلب ال يمكن نيله في ظل سيادة‬
‫التفكك والصراع بين أفراد األسرة وسيادة النزعة الذاتية واالفراط في األنانية‪.‬‬

‫‪ -375‬علم النفس االجتماعي – داود ليلى – رسالة جامعية – جامعة دمشق بسوريا – ‪0277‬م – ص ‪.20‬‬

‫‪P 262‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لقد أصبح لزاما على المشرع وكذا جميع المنظمات الحكومية وغيرها من فعاليات‬
‫املجتمع المدني االنخراط بفعالية واالنكباب على تكريس ثقافة أسرية ترتكز على قيم ومبادئ‬
‫ثابتة‪ ،‬وذلك بغية خلق نوع من االستقراراألسري كعامل مهم ومؤثرفي تمكين األوالد من تحصيل‬
‫دراس ي جيد يؤمن مستقبلهم ويحقق كل طموحاتهم‪ ،‬وهو ما سيكون له وقع إيجابي على ازدهار‬
‫مجتمعهم ورقيه وتقدمه‪.‬‬

‫الئحة لمراجع‪:‬‬

‫معجم العلوم االجتماعية‪ ،‬نخبة من األساتذة في علم االجتماع‪ ،‬مطبعة الهيئة المصرية‬
‫للكتاب – طبعة سنة ‪.9111‬‬

‫األسرة والبيئة – أحمد يحيى عبد الحميد – المكتب الجامعي الحديث باإلسكندرية –‬
‫مصر‪ -‬طبعة ‪.9111‬‬

‫دراسة تحليلية للعوامل المرتبطة بالتفكك األسري للعائلة العر اقية بعد سنة ‪– 2113‬‬
‫فخري صبري عباس – طبعة ‪2191‬م‪.‬‬

‫محمد أبياط‪ :‬آثارمشكالت التفكك تصيب املجتمع كامال وأسبابه غياب التربية اإليمانية‬
‫– مائدة مستديرة من تنظيم جمعية المبادرة الثقافية بفاس بتاريخ ‪ 3‬يناير‪.2190‬‬

‫بحوث إسالمية في األسرة والجريمة واملجتمع – حسن الساعاتي – دار الفكر العربي –‬
‫القاهرية – طبعة ‪.9110‬‬

‫األحداث املحرفون – علي محمد جعفر– المؤسسة الجامعية للدراسات والنشروالتوزيع‬


‫بيروت – طبعة ‪.9114‬‬

‫التفكك األسري وعالقته بانحراف الفتيات في األردن – نادية هايل العمرو – رسالة‬
‫ماجستير– جامعة مؤتة سنة ‪2111‬م – األردن‪.‬‬

‫المشاكل االجتماعية والسلوك االنحرافي – محمد عاطف غيث – دارالمعرفة الجامعية‬


‫اإلسكندرية – طبعة ‪9111‬م‪.‬‬

‫‪P 267‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫األحداث المنحرفون – علي محمد جعفر – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬


‫والتوزيع بيروت – طبعة ‪.911‬‬

‫أصول التربية وعلم النفس – محمد رفعت رمضان – دار الفكر العربي للنشر – القاهرة‬
‫– الطبعة الخامسة ‪9104‬م‪.‬‬

‫المرجع في اإلرشاد التربوي – هدى حسيني بيبي – دارأكاديميا – بيروت – طبعة ‪2111‬م‪.‬‬

‫التقويم والقياس النفس ي والتربوي – رمزية الغريب – المكتبة األجلومصرية القاهرة –‬


‫طبعة ‪9111‬م‪.‬‬

‫‪P 240‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫–‬

‫قراءة يف أهم مظـاهر استـقالل‬


‫السـطـلـة الـقضائيـة فـي ضوء قانون‬
‫الـتـنظيم القضائــي رقـم ‪31.91‬‬
‫‪Manifestations of the independence of the judiciary in the light of the law on judicial‬‬
‫‪organization No. 38.15‬‬

‫يعد القضاء إحدى أهم الدعامات األساسية لبناء دولة الحق والقانون‪ ،‬وهو‬
‫يضطلع بمهمة الفصل في الحقوق المتنازع حولها‪ ،‬وفق مساطر قانونية تتضمن شروط‬
‫املحاكمة العادلة شكال ومضمونا‪ ،‬إذ أن الحق في محاكمة عادلة وحق اللجوء الى القضاء‪ ،‬ومبدأ‬
‫ضمان حقوق الدفاع وغيرها من الضمانات األخرى تدور كلها في فلك االستقاللية‪ ،‬وبالتالي‬
‫استقاللية القاض ي كشخص ذاتي والقضاء كمؤسسة دستورية وحياد العدالة هومحوركل تلك‬
‫الضمانات‪376.‬‬

‫وقد أسس دستور ‪ 2199‬لهذا المرتكز وارتقى بالقضاء كسلطة مستقلة عن السلطتين‬
‫التشريعية والتنفيذية بموجب الفصل ‪ 911‬منه‪ ،‬باإلضافة إلى العديد من الخطابات الملكية‬
‫السامية والتي أشارفيها جاللة الملك محمد السادس نصره الله بشكل واضح وصريح الى ضرورة‬
‫العمل على تحقيق االستقالل التام للقضاء ولعل من أبرز هذه الخطابات‪ ،‬الخطاب الملكي‬
‫السامي لـ ‪ 21‬غشت ‪ 2111‬والذي شكل خارطة الطريق نحو اإلصالح الشامل والعميق لمنظومة‬

‫‪ - 376‬ال يمكن بأي حال من األحوال أن نتحدث عن ضمانات حماية الحقوق والحريات بمنأى عن استقالل السلطة‬
‫القضائية كسلطة واستقالل القاضي كشخص ذاتي بعيدا عن كل التأثيرات الخارجية التي يمكن أن تحول دون أدائه‬
‫لرسالته‪.‬‬

‫‪P 241‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫العدالة‪ 377،‬وكذا الخطاب الذي تلى اصدارالوثيقة الدستورية في ‪ 1‬مارس ‪ ،2199‬حيث دعا فيه‬
‫جاللته الى ضرورة االرتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة‪.‬‬

‫وتعزز ذلك بإحداث املجلس األعلى للسلطة القضائية وتحديد اختصاصاته وتركيبته‪،‬‬
‫فظال عن اصدارالقانونيين التنظيميين‪ ،‬القانون رقم ‪ 911.93‬المتعلق باملجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية وجعل رئاسته لجاللة الملك الذي يعتبر بصريح الفصل ‪ 911‬من الدستور الضامن‬
‫الستقالل السلطة القضائية‪ ،‬والقانون ‪ 910.93‬المتعلق بالنظام األساس ي للقضاة‪.‬‬

‫ويعد استقالل السلطة القضائية من المبادئ األساسية التي يقوم عليها التنظيم‬
‫القضائي المغربي‪ ،‬والذي نصت عليه المادة ‪ 91‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬ويقتض ي‬
‫من جهة أن تتمتع السلطة القضائية باستقالل تام عن السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬بما‬
‫يضمن عدم تدخل أي منها في وظيفة وعمل القضاء بأي شكل من األشكال‪ ،‬فال يخضع القاض ي‬
‫ألوامرهما أو تعليماتهما أو توجيهاتهما‪ ،‬ضمانا لحياده واستقالله وتجرده في قضائه من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬واكتمل هذا المبدأ السامي باستقالل النيابة العامة عن وصاية الوزيرالمكلف بالعدل‬
‫ونقل اختصاصاته للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض باعتباره رئيسا للنيابة العامة‪378.‬‬

‫وقد جاء القانون ‪ 31.91‬المتعلق بالتنظيم القضائي ليكرس استقالل السلطة‬


‫القضائية‪ ،‬والتأكيد على ضرورة احترام هذا المبدأ وجعله أولى المبادئ ولبنة أساسية لترسيخ‬
‫قواعد العدل واإلنصاف واحقاق الحقوق‪ ،‬ويكتس ي هذا القانون كما جاء في الدورية الصادرة‬
‫عن الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية أهمية بالغة‪ ،‬السيما فيما يتعلق‬
‫باستكمال البناء المؤسساتي للسلطة القضائية ببالدنا وإعادة ضبط وتنظيم العالقة بين‬

‫‪ - 377‬ومما جاء في هذا الخطاب‪ ":‬إن األمر يتعلق بورش شاق وطويل‪ ،‬يتطلب تعبئة شاملة‪ ،‬ال تقتصر على أسرة‬
‫القضاء والعدالة‪ ،‬وإنما تشمل كافة المؤسسات والفعاليات‪ ،‬بل وكل المواطنين‪.‬‬
‫وإننا لنعتبر اإلصالح الجوهري للقضاء‪ ،‬حجر الزاوية في ترسيخ الديمقراطية ي والمواطنة لدى شبابنا وأجيالنا‬
‫الحاضرة والصاعدة"‪.‬‬
‫‪ - 378‬وتجدر اإلشارة في هذا المقام إلى أن استقالل السلطة القضائية هو موضوع يقودنا بالضرورة الى تبيان وضعية‬
‫النيابة العامة في منظومة القضاء‪ ،‬بحيث أصبحت هذه األخيرة مستقلة عن السلطة التنفيذية وذلك تعزي از لمبدأ‬
‫االستقاللية‪ ،‬وقد استحدث هذا الوضع بموجب القانون ‪ 012.03‬الذي نص في مادته ‪ 41‬على ما يلي‪ ":‬يوضع‬
‫قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين"‪ ،‬على خالف‬
‫ما كان عليه الوضع سابقا‪.‬‬

‫‪P 242‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫مختلف المكونات داخل املحاكم وفقا للوضع المؤسساتي الجديد الذي أفرزه دستور ‪2199‬‬
‫والقانون التنظيمي رقم ‪.911.93‬‬

‫وإذا كان القانون الجديد المتعلق للتنظيم القضائي جاء من جهة بمقتضيات تؤكد‬
‫المبدأ السالف الذكر‪ ،‬ومن جهة أخرى أتى بمرتكزات جديدة تأصل وتدعم من استقاللية‬
‫السلطة القضائية‪ ،‬فما هي مظاهرهذه االستقاللية؟‬

‫وعليه سنحاول في النقاط التالية ابرازمظاهرهذه االستقاللية على الشكل التالي‪ :‬أوال‪:‬‬
‫على مستوى مبادئ التنظيم القضائي‪ .‬ثانيا‪ :‬على مستوى تنظيم عمل الهيئات القضائية‪ .‬ثالثا‪:‬‬
‫على مستوى منظومة تدبيراملحاكم‪ .‬رابعا‪ :‬على مستوى التنظيم الداخلي للمحاكم‪ .‬خامسا‪ :‬على‬
‫مستوى حقوق المتقاضين‪ .‬سادسا‪ :‬على مستوى التعيين‪ .‬سابعا‪ :‬على مستوى التفتيش‬
‫واإلشراف القضائي على املحاكم‪.‬‬

‫أوال‪ :‬على مستوى مبادئ التنظيم القضائي‬

‫نص القانون الجديد في المادة الرابعة على أن التنظيم القضائي يقوم على مبدأ‬
‫استقالل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬وهذا ما هوإال إعادة التأكيد‬
‫على أهمية هذا المبدأ ومكانته في بناء النظام القضائي ببالدنا وضمانة أساسية لحماية الحقوق‬
‫والحريات وسيادة القانون‪ ،‬كما يعد هذا التنصيص التشريعي تجسيدا للفصول ‪ 10‬و ‪ 11‬و ‪911‬‬
‫و ‪ 911‬من الدستور‪.‬‬

‫أكد القانون ‪ 31.91‬في المادة السابعة على أن املحاكم تمارس مهامها القضائية تحت‬
‫سلطة المسؤولين القضائيين بها مع مراعاة المادة ‪ 42‬من القانون ‪ 910.93‬المتعلق بالنظام‬
‫األساس ي للقضاة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬على مستوى تنظيم عمل الهيئات القضائية‬

‫تأكيدا على ضرورة بناء الجسم القضائي واستكمال الستقالل السلطة القضائية‬
‫تنص المادة ‪ 91‬على أنه يمارس مهام النيابة العامة قضاتها تحت سلطة ومر اقبة الوكيل العام‬
‫للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة ورؤسائهم التسلسليين‪.‬‬

‫‪P 243‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تم التأكيد في المادة ‪ 91‬على أن األحكام القضائية تصدروتنفذ باسم جاللة الملك وطبقا‬
‫للقانون وفقا لما ينص على ذلك الفصل ‪ 924‬من الدستور‪ ،‬وأن هيئة املحكمة هي التي تحدد‬
‫التاريخ الذي يتم فيه النطق بالحكم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬على مستوى منظومة تدبيراملحاكم‬

‫أشار المشرع في قانون التنظيم القضائي الجديد إلى أن السلطة الحكومية المكلفة‬
‫بالعدل هي من تتولى اإلشراف اإلداري والمالي على املحاكم بتنسيق وتعاون مع املجلس األعلى‬
‫للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمسؤولين القضائيين واالداريين باملحاكم‪.‬‬

‫ويعهد اليها كذلك بإعداد برامج نجاعة أداء املحاكم في إطار االحترام التام لمبدأ‬
‫استقالل السلطة القضائية طبقا للمادة ‪ 29‬من القانون السالف الذكر‪.‬‬

‫يمارس كل من رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة مهامهما ذات الطبيعة‬
‫القضائية تحت سلطة ومر اقبة المسؤولين القضائيين باملحكمة كل في مجال اختصاصاته‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬على مستوى التنظيم الداخلي للمحاكم‬

‫تم احداث منصب مكتب املحكمة على مستوى محاكم أولى درجة وثاني درجة تحت‬
‫رئاسة رئيس املحكمة والرئيس األول ويضم في عضويته عضوالنيابة العامة وباقي أعضاء السلك‬
‫القضائي كما حددهم المشرع في المادة ‪ ،21 21‬والذي يتولى وضع برنامج تنظيم املحكمة‪،‬‬
‫ويتضمن هذا البرنامج تحديد الغرف والهيئات وتأليفها‪ ،‬وتوزيع القضايا والمهام على قضاة‬
‫املحكمة‪ ،‬وضبط عدد الجلسات و أيام وساعات انعقادها‪.‬‬

‫تأكيدا من المشرع كذلك على مبدأ استقالل السلطة القضائية‪ ،‬جعل تركيبة الجمعية‬
‫العامة للمحاكم الدرجة األولى والثانية تقتصرفقط في تركيبهها على قضاة الحكم وقضاة النيابة‬
‫العامة‪ ،‬مع الحضوراالستشاري لكل من رئيس كتابة الضبط وكتابة النيابة العامة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬على مستوى حقوق المتقاضين‬

‫جاء المشرع في المادة ‪ 31‬من القانون الجديد للتنظيم القضائي ليؤكد مرة أخرى على‬
‫ضرورة ممارسة القضاة لمهامهم باستقالل وتجرد ونزاهة واستقامة ضمانا مساواة الجميع‬

‫‪P 244‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أمام القضاء‪ ،‬ويتولون حماية حقوق األشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي‪ ،‬وتطبيق‬
‫القانون طبقا ألحكام الفصل ‪ 991‬من الدستور‪ ،‬باعتبار القضاة العمود الفقري الستقالل‬
‫السلطة القضائية‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬على مستوى التعيين‬

‫جاء القانون ‪ 31.91‬بمستجدات غاية في األهمية تكرس وبشكل واضح لالستقاللية التي‬
‫تتمتع بها السلطة القضائية‪ ،‬وذلك من خالل جعل مهمة تعيين القضاة ورؤساء األقسام‬
‫والغرف باملحاكم من اختصاص املجلس األعلى للسلطة القضائية‪.‬‬

‫فقد نصت المادة ‪ 40‬على أنه يتم تعيين رؤساء أقسام قضاء األسرة ورؤساء األقسام‬
‫المتخصصة في القضاء اإلداري ورؤساء األقسام المتخصصة في القضاء التجاري بقرار‬
‫للمجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ،‬وأضافت المادة ‪ 41‬أنه يعين من بين قضاة املحكمة‬
‫االبتدائية رؤساء الغرف ورؤساء الهيئات ونوابهم‪ ،‬وقضاة التنفيذ‪ ،‬وكذا القضاة المنتدبون في‬
‫قضايا صعوبات المقاولة باألقسام المتخصصة في القضاء التجاري‪ ،‬والمفوضون الملكيون‬
‫للدفاع عن القانون والحق باألقسام المتخصصة في القضاء اإلداري على مستوى املحاكم‬
‫االبتدائية‪ ،‬باإلضافة الى قضاة منتدبون في قضايا صعوبات المقاولة والسجل التجاري باملحاكم‬
‫ي التنفيذ باملحاكم اإلدارية‪380.‬‬ ‫التجارية‪ 379،‬وقاض ي أو أكثرللقيام بمهمة قاض‬

‫وفي نفس اإلطار يعين قضاة األسرة المكلفون بالزواج‪ ،‬والقضاة المكلفون بالتوثيق‪،‬‬
‫والقضاة المكلفون بشؤون القاصرين‪ ،‬والقضاة المكلفون بالتحقيق‪ ،‬وقضاة األحداث‪،‬‬
‫وقضاة تطبيق العقوبات لمدة ثالث سنوات بقرارللمجلس األعلى للسلطة القضائية باقتراح من‬
‫رئيس املحكمة‪381.‬‬

‫تفاديا للتكرار نفس الش يء بخصوص التعيين على مستوى محاكم ثاني درجة أصبح‬
‫املجلس األعلى للسلطة القضائية هو الجهة املختصة بتعيين القضاة بعد أن كان ذلك من‬
‫اختصاص الوزيرالمكلف بالعدل‪.‬‬

‫‪ -‬أنظر المادة ‪ 12‬من قانون التنظيم القضائي‪.‬‬ ‫‪379‬‬

‫‪ -‬كل هؤالء القضاة يتم تعيينهم بنفس الكيفية‪.‬‬ ‫‪380‬‬

‫‪ -‬بعد أن كانوا يعينون في ظل القانون القديم بقرار لوزير العدل‪.‬‬ ‫‪381‬‬

‫‪P 245‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫سابعا‪ :‬على مستوى التفتيش واإلشراف القضائي على املحاكم‬

‫حتى على مستوى التفتيش واالشراف على املحاكم راع المشرع المغربي وهو يضع‬
‫نصوص قانون التنظيم القضائي مبدأ استقالل السلطة القضائية‪ ،‬وذلك من خالل جعل‬
‫التفتيش القضائي للمحاكم من اختصاص المفتشية العامة للشؤون القضائية المنصوص‬
‫عليها في القانون التنظيمي المتعلق باملجلس األعلى للسلطة القضائية طبقا لما تنص عليه‬
‫المادة ‪382.11‬‬

‫أما بخصوص اإلشراف القضائي فقد أناطه المشرع بالمسؤولين القضائيين باملحاكم‬
‫باإلضافة إلى اشراف أعضاء النيابة العامة وفق للتسلسل‪ ،‬بحيث جعل الرئيس األول ملحكمة‬
‫النقض على قمة هذا اإلشراف بأن أناط به االشراف على الرؤساء األولين ملحاكم ثاني درجة‬
‫ورؤساء محاكم اولى درجة‪ ،‬والوكيل العام للملك يشرف على أعضاء النيابة العامة باعتباره‬
‫رئيسا لهذه األخيرة‪383.‬‬

‫وهذه لم تكن إال بعض المستجدات التي أتى بها القانون ‪ 31.91‬المتعلق بالتنظيم‬
‫القضائي في إطاراستكمال البناء المؤسساتي والتشريعي للسلطة القضائية وتعزيزاستقالليهها‪،‬‬
‫وكذا تجسيدا للمقتضيات الدستورية واالتفاقيات الدولية ذات الصلة‪.‬‬

‫ونشير في األخير إلى أن تنزيل هذه المقتضيات على أرض الو اقع لن يتأتى إال من خالل‬
‫ارادة قوية تقوم على المسؤولية والمثابرة ومضاعفة الجهود من قبل املجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية ورئاسة النيابة العامة ومشاركة الوزارة المكلفة بالعدل وكافة الفاعليين في قطاع‬
‫العدالة‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫ق ـ ـان ـ ـ ـون ال ـت ـن ـظي ـ ـم الق ـضـ ـائـ ـي رق ـ ـ ـ ـم ‪31.91‬‬

‫دستورالمملكة المغربية لسنة ‪2199‬‬

‫القانون المنظم للمجلس األعلى للسلطة القضائية‬

‫‪ -‬ويبقى التفتيش اإلداري والمالي من اختصاص المفتشية العامة للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل‪.‬‬ ‫‪382‬‬

‫‪ - 383‬أنظر المواد من ‪ 010‬الى ‪ 011‬من قانون التنظيم القضائي‪.‬‬

‫‪P 246‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫القانون المنظم لنقل اختصاصات النيابة العامة للوكيل العام لدى محكمة النقض‬

‫النظام األساس ي للقضاة‬

‫‪P 244‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫جدلية العالقة بني الدميقراطية والتنمية ‪:‬‬


‫رهانات وحتديات التنمية والدميقراطية‬
‫‪The dialectic of the relationship between democracy and development: Stakes and‬‬
‫‪challenges of development and democracy.‬‬

‫الملخص التنفيذي‪:‬‬
‫تناقش هذه الورقة البحثية فضل األنظمة السياسية في تحقيق التنمية‪ ،‬ونقصد بذلك‬
‫النظام السياس ي البارز المتمثل في الديمقراطية‪ .‬ومن خالل الوقوف على آليات عمل النظام‬
‫الديمقراطي؛ خاصة ما يتعلق منها بآليات الرقابة واملحاسبة التي يقدمها النموذج الديمقراطي‪،‬‬
‫بجانب الحريات المدنية والسياسية‪ ،‬وتوسيع المشاركة في اتخاذ القرارات‪ ،‬فإنه يوفر أفضل‬
‫إطارلالشتغال على األهداف االنمائية والتنموية‪ .‬لكن عمل النظام الديمقراطي لصالح التنمية‬
‫ليست نتيجة حتمية‪ ،‬إذ يمكن أن يصيب القصور والفشل أنظمة ديمقراطية عديدة تتخد‬
‫آليات إجرائية للديمقراطية‪ ،‬لكنها تفشل في جانبها الجوهري المتمثل‪ ،‬في المساءلة‪،‬‬
‫والشفافية‪ ،‬واملحاسبة‪ ،‬وسيادة القانون‪ ،‬وضعف المشاركة‪ ،‬مما يمكن أن يشكل تحديا‬
‫لنموذج الديمقراطية‪ ،‬خصوصا في ظل ما تقدمه نماذج تنموية استبدادية من نجاجات‬
‫اقتصادية وتنموية‪ .‬الكلمات المفتاحية‪ :‬الديمقراطية‪ -‬التنمية‪ -‬األنظمة االستبدادية‪.‬‬

‫‪This paper discusses the virtue of political systems in achieving‬‬


‫‪development, and we mean the prominent political system repreented by‬‬
‫‪democracy. Especialy with regard to the oversight and accountability‬‬
‫‪mechanisms provided by the democratic model, in addition to civil and political‬‬
‫‪freedoms, and the expansion of participation in decision-making, it provides the‬‬
‫‪best framework for working on development.However, the work of the‬‬

‫‪P 242‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪democratic system in favor of development is not an inevitable result, as many‬‬


‫‪democratic systems that adopt procedural mechanisms for democracy, but fail in‬‬
‫‪their essentiel aspect represented by accountability, transparency, the rule of‬‬
‫‪law, and weak participation, which could constitute a challange to the model‬‬
‫‪democracy, especialy in light of the economic and developmental successes‬‬
‫‪offered by authoritarian development models. Keywords ; Democracy,‬‬
‫‪Development, authoritarian regimes.‬‬

‫تقديم‪:‬‬

‫تثير العالقة بين التنمية والديمقراطية توترا بينهما‪ ،‬انعكس ذلك في النقاشات‬
‫الفكرية واألكاديمية في األدبيات املختصة‪ ،‬ورغم أن الدراسات اإلمبريقية لم تحسم الجدل‬
‫القائم في عالقههما وارتباطهما‪ ،‬إال أن أغلب الباحثين يذهبون الى اعتبارأن الديمقراطية إحدى‬
‫املحددات الرئيسية للتنمية؛ لكن إن كان هذا االشكال ال يطرح في الدول الغربية‪ ،‬على اعتبارأنها‬
‫كلها ديمقراطيات ليبرالية مؤسسية تحقق مستويات عالية من التنمية والحريات المدنية‬
‫والسياسية‪ ،‬يبقى االشكال مطروحا في دول العالم النامي والدول السائرة في طريق النمو‪ ،‬والتي‬
‫تعرف مستويات مختلفة من التنمية والتحديث االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وتنوع كبير في أنظمهها‬
‫السياسية‪ ،‬لذلك تبقى مسألة العالقة بين الديمقراطية والتنمية في دول العالم النامي قضية‬
‫إشكالية تستدعي حذرا منهجيا في التعامل معها‪ ،‬إذ تبقى مدخالت ومخرجات الديمقراطية‬
‫والتنمية فيها رهينة بظروف وعوامل داخلية وخارجية تستدعي دراسة كل حالة انطالقا من‬
‫تجربهها الذاتية نحو مسيرة الدمقرطة والتنمية‪.‬‬

‫تبقى التجارب الو اقعية لدول العالم النامي غيرحاسمة بخصوص العالقة بين التنمية‬
‫والديمقراطية‪ ،‬فهناك دوال مثال كالهند‪ ،384‬حافظت على نظام ديمقراطي منذ استقاللها عن‬
‫بريطانيا‪ ،‬لكنها واجهت تحديات وعقبات كبيرة في جهد التحديث والتنمية‪ ،‬فيما نجد دول أخرى‬
‫ذات أنظمة عسكرية واستبدادية حققت مستويات متميزة من التحديث والتنمية‪ ،‬من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬يجادل الكثيرمن الباحثين أن نوعية الديمقراطية هي املحدد األساس ي في المسارالتنموي‬

‫‪ 384‬حافظت الهند على النظام الديمقراطي منذ استقاللها‪ ،‬باستثناء الحالة التي أعلنت فيها رئيسة الوزراء أنديرا غاندي عن حالة‬
‫الطوارئ في البالد لكن تم العودة إلى النظام الدستوري بعد إجراء االنتخابات وخسارة رئيسة الوزراء أنديرا لها ‪.‬‬

‫‪P 247‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لدولة معينة‪ ،‬فالديمقراطيات التي يغلب عليها الجانب الشكلي واالجرائي تعاني من مشاكل‬
‫بنيوية في تحقيق التنمية‪ ،‬كغياب الشفافية والحكامة‪ ،‬وضعف فعالية الحكومة‪ ،‬وفساد‬
‫النخبة السياسية‪ ،‬وضعف المشاركة السياسية والتمكين االقتصادي واالجتماعي لفئات كبيرة‬
‫داخل املجتمع‪ ،‬لذلك فوجود هذه المؤشرات السلبية داخل" النظام الديمقراطي‪ ،‬رغم ارتكازه‬
‫على شرعية انتخابية وتعددية سياسية‪ ،‬فإنها تحد من قدرته على المساءلة واملحاسبة‬
‫والفعالية ‪ ...‬وبالتالي القدرة على تحقيق أهداف التنمية‪ ،‬وقد طغى على كثيرمن حاالت التحول‬
‫الديمقراطي خ الل الموجة الثالثة هذا الشكل من األنظمة السياسية التي أصبحت توصف‬
‫باألنظمة الهجينة‪ 385‬أو (دول المنطقة الرمادية)‪ ،‬التي تشكل حالة وسطية بين الديمقراطية‬
‫الكاملة والدكتاتورية الصريحة‪ ،‬وتشكل حاليا الظروف السياسية األكثر شيوعا في دول العالم‬
‫النامي‪ ،‬وتتسم هذه األنظمة بالفجوة الواسعة بين النخب السياسية و المواطنين‪ ،‬وتخلق‬
‫صراعات أعمق بين النخب والجماهير حول توزيع الثروة والدخل‪ ،‬و تعاني من عجز ديمقراطي‬
‫مزمن؛ بما في ذلك التمثيل الضعيف لمصالح المواطنين‪ ،‬و انخفاض مستويات المشاركة‬
‫السياسية‪ ،‬وإساءة استخدام القانون‪ ،‬ومستويات منخفضة جدا من ثقة الجمهور في‬
‫المؤسسات السياسية‪ ،‬والتعايش بين المؤسسات النظامية وغيرالنظامية‪ ،‬والتفاوت في تطبيق‬
‫سيادة القانون‪...‬وتحت تأثير الظروف السياسية تلك تعيش كثير من الدول مشاكل بنيوية في‬
‫تحقيق التنمية‪ ،‬وتعاني قصورا ديمقراطيا وعيوب كثيرة تعتري النظام السياس ي القائم على‬
‫التعددية النسبية‪ .‬وبالتالي فالتساؤل يبقى مطروحا‪ :‬هل وجود نظام ديمقراطي في الدول النامية‬
‫كفيل بتحقيق تنمية تنعكس أثارهاعلى المستويات االجتماعية واالقتصادية لباقي أفراد‬
‫املجتمع؟‪ ،‬وما نوع النظام الديمقراطي الصالح للتنمية؟‪ ،‬وكيف تعمل السيرورات المؤسساتية‬
‫للديمقراطية في دول العلم النامي في تحقيق الجهد التنموي؟‪.‬‬

‫ومن ثمة فإن ما سنقدمه في بحثنا هذا‪ ،‬هو التركيز على العالقة بين الديمقراطية‬
‫والتنمية‪ ،‬ومستوى الترابط القائم بينهما‪ ،‬و الوقوف على محددات نوعية الديمقراطية ومدى‬
‫استجابهها لشروط تحقيق التنمية‪ ،‬وسنقوم من خالل هذه المساهمة إلى التطرق في المبحث‬
‫األول لسياق العالقة بين التنمية والديمقراطية‪ ،‬وحدود التأثيرالحاصل بينهما‪ ،‬والتحديات التي‬
‫تطرحها األنظمة التنموية االستبدادية‪ ،‬فيما سنحاول في المبحث الثاني‪ ،‬إبرازمدى انعكاس بناء‬

‫‪ 385‬تم إطالق مجموعة من االوصاف على هذا النوع من األنظمة من قبل الباحثين والمهتمين مثل الديمقراطيات غير الليبرالية‬
‫‪،‬أو االستبدادية التنافسية ‪ ،‬والدول الهجينة ‪....‬‬

‫‪P 220‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫نظام ديمقراطي مؤسس ي قائم على المشاركة الموسعة والرقابة واملحاسبة‪ ،‬في التنمية ببلد‬
‫معين‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬طبيعة العالقة بين التنمية والديمقراطية‪.‬‬

‫تكتس ي العالقة بين التنمية والديمقراطية في الفكرالسياس ي الحديث منذ الستينات‪،‬‬


‫وكذلك اتجاهات منظمات التنمية الدولية منذ التسعينات أهمية بالغة‪ ،‬حيث جرى التأسيس‬
‫في عمل وطروحات هذه المنظمات إلى الدمج بين نظام الحكم الديمقراطي والحكم الرشيد‬
‫وتحسن شروط التنمية الشاملة القائمة على مشاركة الناس وتعزيز قدراتهم االنسانية في كافة‬
‫الميادين االقتصادية والسياسية واالجتماعية‪ ...‬إذ يشكل إصالح نظام الحكم مدخال من‬
‫مدخالت تحقيق التنمية الموسعة‪ ،‬وأعيد النقاش حول فضل األنظمة الديمقراطية في تحقيق‬
‫مستويات عالية من التنمية‪ ،‬خصوصا مع انهيار نماذج األنظمة التسلطية اليمينية واليسارية‬
‫في هذه الفترة‪ ،‬و اتجاه المنظمات الدولية في ربط تقاريرها ودراساتها بين نظام الحكم والتنمية‪،‬‬
‫وهو األمر المذكور بوضوح في إعالن عام ‪ 9110‬بشأن الحق في التنمية‪ ،‬و في إعالن فيينا لسنة‬
‫‪ ،9113‬والفريق المعني بالديمقراطية و حقوق االنسان سنة ‪.2112‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬جدلية العالقة بين الديمقراطية والتنمية في األدبيات املختصة‪.‬‬

‫أخذت عالقة النظام الديمقراطي بتحقيق التنمية‪ ،‬حيزا و افرا من الدراسات‬


‫واألبحاث في هذا املجال‪ ،‬وقد احتدم النقاش الفكري واألكاديمي حول فضل األنظمة السياسية‬
‫في تحقيق أعلى مستويات التنمية‪ ،386‬وهذه الدراسات كثيرة ومتنوعة وكذلك متباينة في نتائجها‬
‫واستنتاجاتها‪ ،‬وال يميل جميع الباحثين الذين تناولوا هذه المسألة إلى التفاؤل‪ ،‬بل يصير األمر‬

‫‪ 5‬انقسم الباحثون حول هذه المسألة إلى اتجاهين ‪ :‬اتجاه يرى بأن النظام االستبدادي هو أفضل نظام لتحقيق التنمية في الدول‬
‫النامية‪ ،‬فيما ذهب أخرون إلى اعتبار النظام الديمقراطي هو األفضل للتنمية‪ ،‬وتتمثل مبررات االتجاه األول في‪ :‬أن‬
‫الضرورات االقتصادية واالجتماعية سابقة على الحريات المدنية والسياسية ومن ثم فإن أولوية القضاء على الفقر والبؤس‬
‫تأتي قبل تأسيس الديمقراطية‪ ،‬كما يذهب هؤالء إلى أن االستقرار ضروري للتنمية ومن شأن الديمقراطية أن تعرض‬
‫مؤسسات الدول النامية الهشة أصال للضغط‪ ،‬كما تعتبر الديمقراطية غير مفيدة في هذا الصدد ألنها ال تكبح الميل نحو‬
‫االستهالك مما يؤثر على النمو في المستقبل‪ .‬أما أنصار االتجاه الثاني الداعم للديمقراطية‪ ،‬فينظر إلى اعتبار التنمية‬
‫والديمقراطية عملية متكاملة تتأسس انطالقا من اعتبارات المشاركة الموسعة لألفراد في اتخاذ القرارات والتمتع بالحريات‬
‫المدنية والسياسية‪ ،‬للمزيد انظر‪:‬‬
‫غيورغ سورنسن‪ ،‬الديمقراطية والتحول الديمقراطي‪ :‬السيرورات والمأمول في عالم متغير‪ ،‬ترجمة عفاف البطاينة‪ ،‬المركز‬
‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ -‬الدوحة ؛قطر‪ ،‬الطبعة االولى ‪ .0100‬ص‪.‬ص‪.001-022.‬‬

‫‪P 221‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ببعضهم إلى الحديث عن مقايضة بين الديمقراطية السياسية من جهة‪ ،‬والتنمية من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫أجريت تحليالت عدة ملحاولة فهم تأثير األنظمة السياسية على التنمية‪" ،‬فروبرت‬
‫مارش" قام بدراسة لثمانية وتسعين بلدا بين ‪ 9111‬و‪ ،9111‬واستنتج أن التنافس السياس ي في‬
‫الديمقراطيات له تأثير كبير على كبح معدل التنمية‪ ،‬بدال من تسهيله‪ ،‬في حين يزيد النظام‬
‫التسلطي في األمم الفقيرة معدل التنمية االقتصادية‪ .387‬كما توصلت دراسة مشابهة "لروبرت‬
‫و ايد"‪ 388‬شملت ‪ 924‬بلدا في الفترة ما بين ‪9101‬و ‪ 9114‬وخلصت الدراسة إلى نفس استنتاجات‬
‫دراسة "روبرت مارش"‪ ،‬وفي تحليله للحاالت الرئيسية في أمريكا الجنوبية توصل "غريميلو‬
‫أودونيل" إلى أن التسلطية هي الحالة األكثر حظا المالزمة ألعلى مستويات التحديث‪ ،‬ويستدل‬
‫أودونيل أن سيرورة التحديث الصناعي التي شهدتها العديد من بلدان أمريكا الالتينية في‬
‫ستينيات القرن العشرين وأو ائل سبعينياته‪ ،‬لم يكن في جعبهها ما تقدمه إلى أغلبية السكان‪،‬‬
‫وكي يستمر هذا النموذج في مواجهة المقاومة الشعبية له‪ ،‬يحتاج النخب الحاكمة إلى نظام‬
‫تسلطي‪.389‬‬

‫فيما توصلت دراسات أخرى إلى استنتاجات معاكسىة‪ ،‬فقد تناول "روبرت بارو"‪12 390‬‬
‫حالة‪ ،‬شملت الفترة ما بين ‪ 9101‬و‪ ،9111‬وتوصل إلى أن الديمقراطية أفضل في توليد التنمية‬
‫من األنظمة االستبدادية‪.‬‬

‫لقد توصل "بريجوفسكي و ليمونجي"‪ 391‬من خالل فحصهم ألكثر من ‪ 29‬دراسة‪ ،‬لفترات‬
‫معينة ولمناطق مختلفة‪ ،‬إلى أن هناك ثمانية دراسات وجدت أن الديمقراطية هي أفضل نظام‬
‫للتنمية االقتصادية‪ ،‬فيما توصلت ثمانية دراسات لصالح األنظمة االستبدادية‪ ،‬فيما وجدت‬
‫خمس دراسات أن ال فرق بينهما‪ ،‬لذلك ال تنتهي هذه الدراسات إلى إجابات حاسمة حول هذه‬
‫المسألة‪ ،‬ومن ثم يقودنا هذا التدافع في النتائج إلى التساؤل‪ :‬هل هذا السعي مجدي من الناحية‬

‫‪387‬‬
‫‪Robert M. Marsh « Does Democracy hinder Economic Development in the Latecomer Developing‬‬
‫‪Nations »Comparative Social Research, vol.2(1979), p.244 .‬‬
‫‪388‬‬
‫‪Robert wade « Governing The market, Economic Theory and the role of government in west Asian‬‬
‫‪Industiarialisation ». Princeton University Press.1990.‬‬
‫‪389‬‬
‫‪Guillermo O ‘Donnell, Modernization and bureaucratic-Authoritarianism: studies in south American‬‬
‫‪politics (Berkeley, University of California. Instituted of international Studies(,1973 .‬‬
‫‪390‬‬
‫‪Robert J.Barro »A cross-country study of growth, saving and government » Working Paper No. 2855,‬‬
‫‪1989 .‬‬
‫‪391‬‬
‫‪Adam przewoski and Fernando Limongi « Political regimes and Economic Growth »journal of‬‬
‫‪economic perspective, vol.7, n. 22.p.60.‬‬

‫‪P 222‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المنهجية‪ ،‬باعتماد وسائل القياس االستداللية؟‪ .‬يبدوا أن هذا النهج يعتريه غموض خاص به‪،‬‬
‫فعلماء االجتماع ال يملكون إال القليل من المعرفة اإلحصائية حول تأثيراألنظمة على النموذلك‬
‫أن تصميم البحث المطلوب لتوليد هذه المعرفة هو أمر معقد‪ .‬لكن إذا عكسنا السؤال‬
‫و افترضنا أن ليس لألنظمة تأثيرعلى النمو والتنمية‪ ،‬نظرنا إلى احتماالت بقاء األنظمة في ظروف‬
‫اقتصادية مختلفة‪ ،‬فاألنظمة االستبدادية تصبح أقل احتماال من الديمقراطية للبقاء على قيد‬
‫الحياة عند أدائها بشكل سيئ‪ ،392‬كما تعمل الديمقراطيات على تجنب حاالت الكوارث اإلنسانية‬
‫بشكل أفضل؛ فقد نشأت أكبر أزمات الالجئين خالل السنوات العشرين الماضية في األنظمة‬
‫االستبدادية‪ ،‬وكان ‪ 11‬في المائة من جميع الالجئين داخليا في عام ‪ 2113‬يعيشون في ظل أنظمة‬
‫استبدادية‪ ،‬على الرغم من أن هذه االنظمة ال تمثل سوى ثلث الدول‪ 393،‬كما أكد أمارتيا سن‬
‫"أن الديمقراطيات لم تعرف املجاعات قط سواء كانت ديمقراطيات غنية أو فقيرة"‪.394‬‬

‫وعند النظر في الظروف التي تعمل على مواصلة جهود التحديث والتنمية‪ ،‬فيمثل‬
‫التغيير السياس ي والتحول نحو الديمقراطية أمر في غاية األهمية من منظور إرساء سياسات‬
‫تنموية متسقة‪395،‬ألنه يرس ي دعائم نظام قائم على احترام الحريات السياسية والمدنية ويضمن‬
‫التعددية الحزبية والتداول السلمي على السلطة‪ ،‬فالنظر إلى التنمية بمنظور واسع يأخذ بعين‬
‫االعتبار مفهوم الحرية كجزء تأسيس ي هام من عملية التنمية‪ 396،‬متجاوزا العتبارات الكمية‬
‫كالدخل الفردي وأمد الحياة‪...‬التي تبقى قاصرة عن تحديد مفهوم التنمية رغم أهميهها؛‬
‫فالشعب الفاقد للحرية السياسية أوللحقوق المدنية حتى إذا لم يكن يعوزه األمن االقتصادي‪،‬‬
‫فإنه يكون محروما من حريات مهمة تهيء له مسؤولية قيادة حياته وتوجيهها‪ ،‬ويكون محروما‬
‫من فرصة المشاركة في اتخاذ القرارات الحاسمة المتعلقة بالشؤون العامة‪ ،‬وال ريب في أن‬
‫مظاهر الحرمان هذه تشكل قيدا على الحياة االجتماعية و السياسية‪ ،‬ويتعين النظر إليها‬
‫باعتبارها مظاهر قهر؛ وحيث إن الحريات السياسية والمدنية تمثل عناصر تأسيسية للحرية‬

‫‪392‬‬
‫‪Ibid.p.63.‬‬
‫‪393‬‬
‫‪B. Morton H. Helpern and Josef Siegle, the democracy advantage how democracies promote‬‬
‫‪prosperity and piece, Foreign Affaire, January 2005 .volume 83, n.5 p. 00‬‬
‫‪ 394‬أماراتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ترجمة شوقي جالل‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد ‪ ، 212‬ماي ‪ ، 0112‬ص‪0.‬‬
‫‪ 395‬مراد دياني‪ ،‬إشكالية التنمية بين مآرب الحراك العربي ومقاصد أمارتيا سن‪ ،‬خمس معضالت أمام تجسير البون بين ما‬
‫هو كائن وما ينبغي أن يكون‪ ،‬في كتاب السياسات التنموية وتحديات الثورة في االقطار العربية‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬المركز‬
‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،0107‬ص‪072.‬‬
‫‪ 396‬يرجع استعمال مفهوم التنمية حرية إلى عالم االقتصاد الهندي أماراتيا صن ‪ ،‬في كتابه الصادر سنة ‪ ،0222‬حيث عرف‬
‫التنمية بأنها توسيع القدرات االنسانية‪ ،‬وذلك بالتأكيد على أهمية الحرية في عملية التنمية سواء من خالل دورها البنائي أو‬
‫الوسيلي ‪ .‬للمزيد أنظر‪ :‬أماراتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪P 223‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫االنسانية‪ ،‬فإن إنكارها يشكل عقبة في حد ذاته‪ ،397‬إذ تمنح الحريات السياسية للناس وسائل‬
‫الضغط من أجل اعتماد السياسات التي توسع فرصهم االجتماعية واالقتصادية‪.398‬‬

‫لذلك فمن منظور التنمية الواسعة التي تشمل محددات أخرى‪ ،‬تعتبر المشاركة‬
‫السياسية والمعارضة جزءان تأسيسيان من عملية التنمية ذاتها؛ يقول أماريا سن في هذا‬
‫الصدد‪" ،‬إن المرء‪ ،‬حتى ولو كان من أكثرالناس ثراء‪ ،‬إذا ما أحيل بينه وبين حرية التعبيربحرية‬
‫عن رأيه أو إذا حظرت عليه المشاركة في الحوارات العامة أو في اتخاذ القرارات العامة‪ ،‬فإنه‬
‫فمن دون الحريات المدنية‬ ‫قيما"؛‪399‬‬ ‫يصبح بذلك محروما من ش يء يراه عن حق شيئا‬
‫والسياسية لن يشعر المواطنون باالطمئنان للسعي من أجل األهداف االقتصادية‪ ،‬وبهذا‬
‫المعنى‪ ،‬ثمة عالقة تعزيزمتبادلة بين الديمقراطية والتنمية االقتصادية‪.400‬‬

‫تخالف هذه المقاربة االتجاه الغالب في االقتصاد الذي يختزل التنمية في جوانب‬
‫كمية‪ ،‬ورياضية‪ ،‬لذلك فإن التأسيس للحريات السياسية والمدنية خالل فترة التحوالت‬
‫الديمقراطية والسياسية‪ ،‬هو مدخل هام لتحقيق التنمية الشاملة في أبعادها االنسانية‪.‬‬

‫ومن ثم يجب إدراك أن الترابطات المتبادلة و المتداخلة بين الحريات السياسية‬


‫وفهم و إيفاء االحتياجات االقتصادية واالجتماعية ليست أداتية فقط‪ ،‬بل بنيوية أيضا‪ ،‬إذ أن‬
‫الحريات السياسية يمكن أن يكون لها دور مهم في توفير الحو افز والمعلومات‪ ،‬من أجل‬
‫الضرورات االقتصادية الملحة‪401،‬وكذلك من خالل ما توفره من حرية المشاركة في النقاشات‬
‫العامة والمساهمة في اتخاد القرارات التي تهم شؤون الناس‪ ،‬فهذه المقاربة إذن‪ ،‬تمثل طريقة‬
‫جديدة للتفكيرفي التنمية االقتصادية وفي إشكالية الفقروالحرمان‪ ،‬لذلك فإن المفهوم المالئم‬
‫للتنمية يجب أن يتجاوزكثيرا حدود تراكم الثروة وزيادة مجمل الناتج القومي والمتغيرات األخرى‬
‫ذات العالقة بالدخل‪ ،‬و يجب النظر إلى ما هو أبعد من النمو االقتصادي ولكن دون إغفال‬
‫ألهميهها‪402.‬‬

‫‪ 397‬أماراتيا سن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مرجع سابق ص‪. 0.‬‬


‫‪398‬‬
‫‪Rapport mondial sur le développement humain 2002 « approfondir la démocratie dans un monde‬‬
‫» ‪2002 p.51, PNUD) programme des nations unies pour le développement ( , fragmenté‬‬
‫‪ 399‬أماراتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مرجع سابق ص‪،21.‬‬
‫‪ 400‬غيورغ سورنسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 002.‬‬
‫‪ 401‬أماراتيا صن‪ ،‬مرجع سابق ص‪001. .‬‬
‫‪ 402‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪2.‬‬

‫‪P 224‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لقد أكدت أدبيات ودراسات كثيرة هذه الحجة القائلة بوجود روابط متداخلة بين‬
‫الحريات السياسية والمدنية والتنمية‪ ،‬وهو أمر أكده تقرير األمم المتحدة لسنة ‪ ،4032112‬كما‬
‫أشار "ويلزل و انغلهارت"‪ 404‬في دراسة لهما إلى وجود رابط إحصائي قوي بين مستوى التنمية‬
‫االقتصادية واحترام قيم حرية التعبير عن الذات والقدرة الحكومية‪ ،‬كما يشير بعض خبراء‬
‫االقتصاد الجدد منذ التسعينات‪ ،‬بدءا باإلطار الذي وضعه دوغالس نورث‪ ،405‬وصوال إلى‬
‫"أسيموغلو" و"جيمس روبنسون"‪ ،406‬إلى أن تعزيز التنمية االقتصادية وكذلك السياسية‪،‬‬
‫يعتمد في المقام األول على تحسين المؤسسات؛ فأصبح هناك إجماع على ذلك بين‬
‫االقتصاديين على مدى السنوات العشرين الماضية‪ ،‬حيث شهد العالم العديد من حاالت فشل‬
‫التنمية على الرغم من وفرة رأس المال والموارد الطبيعية والسكان المتعلمين‪ ،‬وفي الموارد التي‬
‫تهاجرجميعها أو يصيبها الركود والخمول إذا لم تحسن المؤسسات استغاللها‪.407‬‬

‫تذهب بذلك أغلب األدبيات الحديثة‪ ،‬إلى أن تعبئة الجهود التنموية داخل أي كيان أو‬
‫مجتمع أصبحت محكومة أكثرمن أي وقت مض ى باعتبارات جودة الحكم ووجود الديمقراطية‪،‬‬
‫والحريات المدنية والسياسية‪ ،‬باعتبارها عناصر تأسيسية في عملية التنمية ومنوالها الحالي‬
‫القائم على احترام كرامة الفرد وخصوصياته المتعددة ومطالبه المشروعة بما فيها حقه في‬
‫التمتع بالحريات كافة؛ فاإلنسان يبقى كائنا ال تحكمه اعتبارات اشباع حاجاته البيولوجية‬
‫فقط‪ ،‬بل إن انسانيته تطمح إلى إبراز مظاهر حسية أخرى كالمشاركة الموسعة في اتخاذ‬
‫القرارات والسياسات التي تهم شؤونه‪ ،‬وكذلك تمتعه بحرية التعبير و اتخاذ اآلراء التي تعبر عن‬
‫طموحاته‪ ،‬وهذا ال يمكن تحقيقه إال في ظل نظام ديمقراطي حقيقي‪ ،‬وبهذا المعنى ليست‬
‫الديمقراطية رفاهية‪ ،‬على العكس تماما‪ ،‬لها قيمة جوهرية للتنمية ألنها تربطها عالقة قوية‬
‫بالحريات المدنية والسياسية‪ ،‬ويمكن أن تساهم في التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ولكن‬

‫‪403‬‬
‫‪Rapport mondial sur le développement humain 2002 ,op.cit.,‬‬
‫‪404‬‬
‫‪Inglehart and C.welzel, Development, Freedom and Rising Happiness:A Global perspective 1981-‬‬
‫‪2006, Perspective on Psychological Science, volume 3, n.4, January 2008.‬‬
‫‪405‬‬
‫‪Douglas C. North, Institution, Institutional change and Economic performance (New York: Cambridge‬‬
‫‪university press, 1990).‬‬
‫‪406‬‬
‫‪Daron Acemoglu and James Robinson, Why Nations fail: The Origins of Power, Prosperity and‬‬
‫‪Poverty (New York: The Crown Publishing Group, 2012) , and Daron Acemoglu A. Robinson, Economic‬‬
‫‪origins of dictatorship and democracy. Cambridge university press, 2006.‬‬
‫‪ 407‬دوغالس نورث وأخرون‪ ،‬في ظل العنف‪ :‬السياسة واالقتصاد ومشكالت التنمية‪ ،‬ترجمة كمال المصري‪ ،‬سلسلة عالم‬
‫المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،222‬فبراير ‪.0100‬ص‪.‬ص‪.01-2.‬‬

‫‪P 225‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫هذه العالقة ليست تلقائية واألمرمتروك للحكم الديمقراطي لتعزيزها‪ ،‬وضمان أن المؤسسات‬
‫الديمقراطية تخدم التنمية‪408.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬فبالرغم من أن الديمقراطية عملية أكثرتعقيدا‪ ،‬إال أنها تقلل من نطاق‬
‫السياسات المتعسفة أو الضيقة أو المتطرفة التي يمكن أن تكون لها عو اقب اقتصادية‬
‫كارثية‪ ،‬كما تضع األنظمة الفدرالية والجهوية الضوابط و التوازنات على مختلف مستويات‬
‫الحكومة وبالتالي تحرص ضد التركيز المفرط للسلطة على المستوى الوطني والسماح بمرونة‬
‫معالجة األولويات املحلية‪ ،‬بالمقارنة فاألنظمة االستبدادية؛ غالبا ما تحول االحتكار السياس ي‬
‫إلى احتكار اقتصادي يمكن فقط الشركات واألفراد المرتبطين ارتباطا وثيقا بالحزب الحاكم‬
‫الحصول على التراخيص والتصاريح واالئتمان والموارد األخرى الالزمة للنجاح؛ مثل هذه‬
‫المعاملة التفضيلية تقلل المنافسة واالبتكار وبالتالي تقلل من الكفاءة االقتصادية‪ 409،‬في ظل‬
‫نظام استحواذي تهيمن عليه قوى نخبوية‪ ،‬مما يؤثر بشكل سيئ على مخرجات التنمية‪ ،‬ويكبح‬
‫التقدم االقتصادي الذي يمثل أساس أي بناء تنموي‪ ،‬حيث تغلب املحسوبية والزبونية‪،‬‬
‫و انتشار االحتكار االقتصادي الذي تفرضه األنظمة االستبدادية على االقتصاد وتحوله إلى‬
‫اقتصاد ريعي غيرمنتج‪.‬‬

‫وال يمكن الحديث هنا عن اقتصاد رأسمالي منفتح في ظل هذا النظام االحتكاري التي‬
‫تسيطرعليه قوى نخبوية‪ ،‬ال تسمح بالولوج الحرإلى مؤسساتية االقتصادية والسياسية‪ ،‬وقد‬
‫أشار ميلتون فريدمان‪ :‬إلى أن‪" ،‬تخليص تنظيم النشاط االقتصادي من قبضة السلطة‬
‫السياسية‪ ،‬سيفض ي بالسوق إلى القضاء على هذا المصدرمن القوة الجبرية‪ ،‬مما يمكن القوة‬
‫االقتصادية من أن تكون أداة ضبط للقوة السياسية بدال من أن تكون تعزيزا لها"‪ ،410‬لكن‬
‫التحرير االقتصادي‪ ،‬وبناء اقتصاد سوقي تنافس ي قوي بعيد عن احتكار السلطة السياسية أو‬
‫تحت مر اقبهها‪ ،‬ال يمكن أن يتم في ظل نظام استبدادي قائم على االحتكار واالستحواد على‬
‫المؤسسات االقتصادية‪ ،‬ومن هنا تظهر الحاجة إلى النظام السياس ي الديمقراطي لمتابعة‬
‫جهود تعزيز االقتصاد التنافس ي الحر والمنفتح في مؤسساتية االقتصادية والسياسية‪ ،‬وذلك‬
‫راجع للتعددية والمر اقبة التي يباشرها هذا النظام ومؤسساته على عمل منظومة السوق وعلى‬

‫‪408 Adam‬‬
‫‪przewoski and Fernando Limongi, op.cit. p.61.‬‬
‫‪02Morton H. Helpern and Josef siegle, op .cit , p. 409‬‬
‫‪ 410‬ميلتون فريدمان‪ ،‬الرأسمالية والحرية‪ ،‬ترجمة مروة عبد الفتاح شحاتة‪ ،‬كلمات عربية للترجمة والنشر‪ ،‬مصر‪ -‬القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،0100‬ص‪. 21.‬‬

‫‪P 226‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫مر اقبة االحتكارات‪ ،‬والريوع والتراخيص التي تستحوذ عليها فئات نخبوية تستفيذ من قربها من‬
‫السلطة السياسية في النظام السلطوي واالستبدادي‪.‬‬

‫إجماال‪ ،‬تقدم الديمقراطية مجموعة قوية من المؤسسات التي تدفع التنمية‪ ،‬وكلما‬
‫كانت العمليات الحكومية أكثرتمثيال وشفافية وتخضع للمساءلة‪ ،‬فإن السياسات والممارسات‬
‫تكون أكثر احتماال ألن تستجيب لألولويات األساسية العامة للسكان‪ ،411‬وتشابك الديمقراطية‬
‫والتنمية يساعد على ترسيخ أحدهما األخرعلى المدى الطويل‪ .‬في الو اقع‪ ،‬إذا أريد للديمقراطية‬
‫السياسية أن تجد استمرارا لها في التدابير االقتصادية واالجتماعية يجب أن تعزز التنمية‪،‬‬
‫وبالمثل‪ ،‬فإن أي استراتيجية إنمائية تحتاج أن تنفذ وأن يتم التحقق من صحهها وتعزيزها‬
‫كما أن واحدة من العقبات التي تحول دون تحقيق‬ ‫الديمقراطي‪412،‬‬ ‫بواسطة المشاركة‬
‫الديمقراطية هو عدم المساواة في توزيع الثروة والدخل‪ 413،‬وهذا هو السبب في أن تنفيذ‬
‫الحريات السياسية لن يكون كافيا لضمان استدامة الديمقراطية في البلدان النامية‪ ،‬إذا لم‬
‫يصاحبها في الوقت نفسه استراتيجيات لتعزيزالحقوق االقتصادية و االجتماعية‪.414‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬النجاحات التنموية لألنظمة االستبدادية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أسس النجاح التنموي لألنظمة االسبتدادية والسلطوية‪.‬‬

‫رغم افتراضنا بأن النظام الديمقراطي يشكل أفضل نموذج لتحقيق التنمية في أبعادها‬
‫المتعددة‪ ،‬إال أن ذلك ال ينفي أن بعض األنظمة االستبدادية والسلطوية لم تحقق مستويات‬
‫مبهرة للتنمية خالل فترات مختلفة‪ ،‬وفي مناطق متعددة من العالم‪ ،‬بدءا من النظام النازي في‬
‫ثالثينيات القرن الماض ي‪ ،‬وصوال إلى النماذج التنموية المبهرة لجنوب شرق أسيا‪ ،‬ونموذج‬
‫الصين الحالي‪ ،‬لذلك يجب أن ندرس سياق ظهور هذه النماذج والركائز النظرية والفكرية التي‬
‫تقوم عليها‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫‪Morton H. Helpern and Josef siegle op .cit , p.66.‬‬
‫‪412‬‬
‫‪L’ interaction démocratie et développement., sous directions de boutros boutros- ghali, création du‬‬
‫‪panel international sur la démocratie et le développement (PIDD) ,UNISCO 2002, p00.‬‬
‫‪ 413‬للمزيد حول تأثير النزاعات التوزريعية على الديمقراطية‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪Ben Ansell and David Samuels , Inequality and Democratization; An Elite Competition Approch,‬‬
‫‪(Cambredge: Cambredge university press).‬‬
‫‪414‬‬
‫‪L’ interaction démocratie et développement., Op.cit.p.22.‬‬

‫‪P 224‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ترجع األسس النظرية التي تقوم عليها التنمية في ظل األنظمة االستبدادية‪ ،‬إلى فكرة‬
‫التحديث عند "ليبست"‪ ،415‬الذي أكد على أن الديمقراطية تتطلب مستوى عال من التنمية‬
‫االقتصادية‪ ،‬بعد (ليبست)‪،‬هناك مجموعة هائلة من األدبيات النظرية واالحصائية التي تفيد‬
‫بأن الديمقراطية هي نتاج التنمية االقتصادية‪ ،‬في حين أن االعتقاد منتشرعلى نطاق واسع بأن‬
‫الديمقراطية تتطلب مستوى أساس ي من مستوى التنمية االقتصادية‪416‬؛ فاالفتراض القائم‬
‫على "التنمية أوال" هو أن الديمقراطية ستتبع في النهاية التقدم االقتصادي‪ 417،‬إذ تطرح في‬
‫العديد من البلدان أسئلة حول التو افق و المفاضلة بين الديمقراطية والتنمية‪ ،‬فغالبا ما يبرر‬
‫النظام االستبدادي حقيقة أن الحكومات المنتخبة ديمقراطيا في الدول النامية‪ ،‬غيركفئة وغير‬
‫قادرة على إدارة الحياة االقتصادية واالجتماعية للبالد‪ ،‬وغالبا ما يدعي الناطقون باسم األنظمة‬
‫االستبدادية أنهم أكثر قدرة على إقامة دولة قوية من املحتمل اتخاذ قرارات صعبة لصالح‬
‫الشعب‪ ،‬كما يجادلون بأن العملية الديمقراطية هي مصدر الفوض ى ويمكن أن تعوق اإلدارة‬
‫الفعالة‪ ،‬ويجب على الدول أن تختار بين الديمقراطية والتنمية‪ ،‬وتوسيع الحريات السياسية‬
‫وزيادة الدخل‪ 418،‬هذا الخطاب استمرلفترة طويلة لدى قادة دول العالم الثالث واحتد النقاش‬
‫الفكري واإليديولوجي حوله في المنظمات والمؤتمرات الدولية‪419.‬‬

‫استخدم الحكام االستبداديين في دول العالم النامي هذه الطروحات واألفكار لشرعنة‬
‫وجودهم في السلطة باعتبار أن التنمية هي عملية تسبق الديمقراطية‪ ،‬ومن ثم يجب توفير كل‬
‫طاقات الدولة من أجل العمل على الوصول إلى مستويات مرتفعة من التنمية االقتصادية‪ ،‬وإذا‬
‫كانت فعال بعض النماذج من الحكام االستبداديين قد حققوا نتائج مرتفعة على مستوى التنمية‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وهي نماذج محدودة وحاالت معزولة‪ ،‬استمرالخطاب الشعبوي لدى‬
‫غالبية الحكام االستبداديين في دول العالم النامي‪ ،‬ولم تحقق غالبية الدول‪ ،‬مستويات مرتفعة‬
‫من التنمية االقتصادية‪ ،‬و لم تبني أنظمة حكم ديمقراطية واستمر الوضع على حاله‪ ،‬إلى أن‬

‫‪ 415‬يطرح ليبست في فكرة عامة مفادها أن الديمقراطية تستلزم وجود شروط مسبقة‪ ،‬تتمثل في التحديث االقتصادي‬
‫واالجتماعي فاألمم الغنية حسبه هي التي تتوفر على المقومات الكافية لبناء نظام ديمقراطي‪ ،‬من خالل ارتفاع مستوى الدخل‬
‫الفردي والتعليم والتنمية االقتصادية واتساع الطبقة الوسطى وظهور المجتمع المدني‪ ،‬للمزيد أنظر‪:‬‬
‫‪Seymour Martine lipset, Some social requisites of democracy : Economic development and political‬‬
‫‪legitimacy, The American science review. Vol.53, number 1, 1959.‬‬
‫‪416 Adam‬‬
‫‪Przewoski and Fernando Limongi, op.cit, p.62.‬‬
‫‪417‬‬
‫‪Morton H. Halpern and Josef Siegle, op. cit.p.63.‬‬
‫‪418‬‬
‫‪Rapport mondial sur la développement humain 2002 , op.cit. p.55.‬‬
‫‪ 419‬انظر مثال لموقف الصين وسنغافورة حول إعالن فيينا لسنة ‪ ،0222‬ورفضهم الربط بين الديمقراطية والحق في التنمية‪،‬‬
‫باعتبار أن التنمية وتحقيق الحقوق االقتصادية واالجتماعية تحتل أولوية كبرى لدى الشعوب‪ ،‬تسبق االعتراف بالحقوق‬
‫السياسية والمدنية‪.‬‬

‫‪P 222‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وصل الحال في بعض النماذج إلى الفشل و االنهيار‪ ،‬حيث أصبحت هذه النمادح غير قابل‬
‫لالستدامة والتكيف مع المتغيرات الطارئة سواء الداخلية أو الخارجية‪ ،‬وهو ما أدى بها إلى أن‬
‫تصبح دول فاشلة تمزقها الحروب األهلية والصراعات بين األطراف المتحاربة‪.420‬‬

‫لذلك فإن الحاالت التي نجحت فيها التنمية في ظل أنظمة استبدادية تمثل نماذج‬
‫استثنائية حتى اعتبر بعض الباحثين‪ 421‬أنه ميزة خاصة بدول في جنوب شرق أسيا و ال يمكن‬
‫نقلها أو استنساخها في أماكن أخرى‪ .‬وبالعودة إلى نظرية الشروط المسبقة فقد تعززت هذه‬
‫األطروحة إلى حد كبير باألداء االقتصادي المبهر لبعض األنظمة األوتوقراطية في شرق أسيا‪:‬‬
‫سنغافورة‪ ،‬إندونيسيا‪ ،‬كوريا الجنوبية وتايوان‪ ،‬والصين في الفترة األخيرة‪ ،‬والشيلي بشكل أقل‬
‫في أمريكا الالتينية؛ واستنادا إلى تجارب هذه البلدان ساعد حكم الزعماء القوميين المدعومة‬
‫بخبرة من التكنوقراط‪ ،‬و المعزولة عن فوض ى السياسات الديمقراطية المتخبطة والغير‬
‫مستقرة التي عانت منها بعض الدول النامية الحديثة العهد بالديمقراطية أفضل طريقة‬
‫لمتابعة سياسات االقتصاد الكلي بعيدة النظر‪ ،422‬فبنى الحكام في هذه المناطق شرعيههم بناء‬
‫على ما حققوه من تقدم وتنمية اقتصادية واجتماعية (شرعية االنجاز)؛ حيث تعتمد األنظمة‬
‫االستبدادية إلى حد كبيرعلى األداء االقتصادي الناجح‪ ،‬وغالبا ما تستخدم األنظمة الدكتاتورية‬
‫في نجاحها االقتصادي والتنموي مزيجا من القمع والوالء؛ وذلك يشمل آليتين‪ :‬األولى؛ القمع‬
‫السياس ي‪ ،‬بمعنى إزالة تهديد المعارضة لسياسههم‪ .‬وثانيا؛ توزيع المزايا والعطايا على الشعب‬
‫لكسب الوالء لهم‪ 423،‬فاألنظمة السلطوية‪ ،‬وفيما تفتقد ذلك النوع من الشرعية الواسعة التي‬
‫تضفيها االنتخابات التنافسية‪ ،‬تستمر في التعويل على "صفقات سلطوية" مع مجموعة مؤيدة‬
‫محددة‪ ،‬تتمثل في ثالث مجموعات محورية من الفاعلين‪" :‬املجموعات التجارية في القطاع‬
‫الخاص"‪ ،‬و "منظمات الطبقة الوسطى والقطاعات الشعبية" و"النخبتين العسكرية‬

‫‪ 420‬أدت السياسات االستبدادية لبعض األنظمة في العالم العربي مثال‪ ،‬إلى حالة من االستياء الشعبي‪ ،‬والذي عبر عنه من‬
‫خالل الثورات العربية بداية من سنة ‪ ،0100‬وقد اختلفت طبيعة التعامل مع االحتجاجات من نظام عربي إلى أخر‪ ،‬وتمثل‬
‫االنظمة في كل من سوريا وليبيا واليمن حاال ت متطرفة للتعامل مع االحتجاجات الشعبية‪ ،‬من خالل مواجهة المتظاهرين‬
‫العزل بالسالح‪ ،‬وإن كان هذا األمر يمثل الطبيعة االستبدادية والديكتاتورية لهذه االنظمة‪ ،‬فإن االمر الذي يثير االنتباه هو أن‬
‫هذه الحاالت تمثل نماذج ديكتاتورية كانت تقدم خطابا شعبويا طيلة فترة االربعين سنة التي سبقت الثورات العربية‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإن النموذج الذي تقدمه لم يحقق نموذجا للتنمية ولم تتحول على إثره تلك األنظمة االستبدادية للديمقراطية‪ ،‬فتأكلت شرعيتها‪،‬‬
‫وهو األمر الذي وصل إلى حد انهيار الدولة وتحولها إلى دول فاشلة ‪.‬‬
‫‪421‬‬
‫)‪Thomas Cartrother, The end of the Transition paradigm, Journal of democracy, vol.13 , no.1 (2002‬‬
‫‪pp.2-18.‬‬
‫‪422‬‬
‫‪Morton H. Helpern and josef siegle ,op.cit, P.58.‬‬
‫‪ 423‬رونالد وينتروب‪ ،‬اإلقتصاد السياسي للدكتاتورية‪ ،‬ترجمة جالل البنا وإبراهيم أحمد إبراهيم‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪،‬‬
‫القاهرة‪ -‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 0107‬ص‪.70.‬‬

‫‪P 227‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫والسياسية المتحكمتين بالدولة"‪ .‬ومن الممكن أن يشوش تدهور الظروف االقتصادية‪ ،‬وما‬
‫يقابله م ن ضغوط من أجل تعديل السياسة‪ ،‬الصفقات السلطوية المبرمة مع املجموعات‬
‫الثالث كافة‪ ،424‬لذلك يرجح أن تحافظ السلطويات على بنية حكمها في حاالت تحقيقها‬
‫لمستويات عالية من النمو االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬فيما تهدد األزمات االقتصادية استقرار‬
‫األنظمة السلطوية‪425.‬‬

‫تتبلور حجة الحكام االستبداديين حول فكرة أساسية‪ ،‬تتمثل في أن هناك تباينا بين‬
‫الديمقراطية والنمو االقتصادي‪ ،‬وذلك ألسباب اقتصادية وسياسية‪ :‬وترتبط األسباب‬
‫االقتصادية بحقيقة أن النمو يتطلب فائضا اقتصاديا متاحا لالستثمار‪ ،‬لذلك فإن الطريقة‬
‫الوحيدة لزيادة الفائض المتاح لالستثمارهي الحد من االسههالك والنظام الديمقراطي غيرقادر‬
‫على اتباع سياسات كبح االسههالك‪ 426،‬حيث ينزع القادة الديمقراطيين إلى الرضوخ إلمالءات‬
‫الناخبين بدعم الرفاه‪ ،‬على حساب االستثمار والنمو‪ ،‬وهو ما من شأنه أن يعرض أسس تعزيز‬
‫الرفاه برمهها في المستقبل‪ ،‬نتيجة ضعف النمو وارتفاع المديونية‪.‬‬

‫أما من لديه تحفظات سياسية على الديمقراطية‪ ،‬فينطلق من حقيقة مفادها أن‬
‫التنمية االقتصادية تتعززعلى أكمل وجه‪ ،‬عندما تتو افردرجة عالية من االستقرارفي النظام‬
‫والديمقراطية غيرمفيدة في هذا الصدد ألنها تعرض مؤسسات البلدان النامية الضعيفة أصال‬
‫للضغط الذي تمارسه جماعات مختلفة في املجتمع‪ 427.‬ورغم أن الدراسات التجريبية المنهجية‬
‫ال تمثل دعما حقيقيا للزعم بأن ثمة تناقضا بين الحريات السياسية والديمقراطية و األداء‬
‫االقتصادي‪ ،428‬فإننا سنتعامل مع الحاالت التي حققت معدالت نمو اقتصادي مرتفعة في ظل‬
‫الحكم االستبدادي‪ ،‬فالش يء المؤكد أن بعض الدول االستبدادية ( مثل كوريا الجنوبية وتايوان‬
‫في عهد الحكم العسكري‪ ،‬وسنغافورة في عهد لي كوان‪ ،‬والصين بعد االصالح االقتصادي)‪،‬‬

‫‪ 424‬جون تيوريل‪ ،‬محددات التحول الديمقراطي‪ :‬تفسير تغير أنظمة الحكم في العالم (‪ ،)0110-0270‬ترجمة خليل الحاج‬
‫صالح‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الطبعة األولى ‪، 0102‬ص‪.000.‬‬
‫للمزيد حو تأثير األزمة االقتصادية على األنظمة االستبدادية‪ ،‬وفرص التحول الديمقراطي أنظر‪:‬‬
‫‪425‬‬
‫‪Dietrich Rueschemeyer at. Al, Capitalist Development and Democracy, Contomporary Sociology,‬‬
‫‪January 1992.‬‬
‫‪ 426‬غيورغ سورنسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪001.‬‬
‫‪ 427‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪. 000.‬‬
‫‪ 428‬ال يوجد دليلي تجريبي لالعتقاد بأـن هناك تناقضا بين الديمقراطية واألداء االقتصادي الجيد‪ ،‬بل هناك أسباب وجيهة‬
‫لالعتقاد بأن التوافق بين الديمقراطية والنمو مترادفين‪ :‬تشكل جميع الدول االكثر ثراء في العالم (مع استثناءين) أي دخل‬
‫فردي يزيد عن ‪ 01111‬دوالر (تكافئ القدرة الشرائية في سنة ‪ )0111‬من االنظمة الديمقراطية‪ ،‬وفي الواقع يتالشى االرتباط‬
‫بين الديمقراطية والدخل الفردي أو يختفي عندما ينظر المرء فقط إلى فئة البلدان منخفضة الدخل‪ .‬للمزيد أنظر‪Rapport :‬‬
‫‪mondial sur la développement humain 2002, op.cit.‬‬

‫‪P 270‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫حققت مستويات مرتفعة من التنمية االقتصادية‪ ،‬أكثر من بعض الدول الديمقراطية في دول‬
‫العالم النامي‪ ،‬فما هي الظروف التي ساعدت هذه الدول على تحقيق التنمية االقتصادية فيها‬
‫غاب ذلك في كثيرمن األنظمة االستبدادية واألتوقراطية في دول العالم النامي األخرى؟‪.‬‬

‫إن السمة المميزة لهذه األنظمة‪ ،‬هي قدرتها على دعم كل من النمو والرفاه‪ ،‬فالحكومة‬
‫ذات توجه إصالحي وتتمتع بدرجة عالية من االستقاللية‪ ،‬بعيدا عن مصالح النخب الراسخة‪،‬‬
‫وتسيطرالحكومة على جهازدولة له امكانات بيروقراطية وتنظيمية قادرة على دعم التنمية‪ ،‬تدير‬
‫هذا الجهاز نخب الدولة الملتزمة أيديولوجيا بتنشيط التنمية االقتصادية من حيث النمو‬
‫وكذلك الرفاه‪ 429.‬كما أن السياسات والظروف االقتصادية التي أفضت إلى النجاح االقتصادي‬
‫القتصادات شرق آسيا أصبحت مفهومة‪ ،‬حيث السياسات المساعدة التي تتضمن االنفتاح‬
‫على المنافسة واستخدام األسواق الدولية‪ ،‬وتوفر مستوى عالي من معرفة القراءة والكتابة‬
‫والتعليم المدرس ي‪ ،‬وتشجيع المناخ االقتصادي العام القائم على االستثمار والتصدير‬
‫والتصنيع‪ 430،‬فالصين مثال‪ ،‬لم تحقق نتائج اقتصادية جيدة إال بعد فترة االنفتاح واالصالح‬
‫الزراعي في بداية الثمانينيات من القرن الماض ي‪ ،‬فلم تؤدي فترة التخطيط المركزي خالل مرحلة‬
‫"ماو تس ي تونغ"‪ ،‬إلى نتائج كبيرة على المستوى االقتصادي واالجتماعي وعرفت انتكاسات حادة‬
‫نتيجة اخفاق السياسات خالل مرحلة ما قبل االنفتاح االقتصادي على السوق‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نهضة الصين‪.‬‬

‫تقدم الصين في الوقت المعاصرنموذجا تنمويا مغايرا عن النماذج الغربية‪ ،‬وتحديا غير‬
‫مسبوق لها؛ خاصة في ظل النجاح االقتصادي السريع التي حققته خالل السنوات األخيرة‪ ،‬وقد‬
‫تم هذا النجاح في ظل تبنيها اقتصاد السوق‪ ،‬بعيدا عن األراء العقائدية التي كانت تقدمها‬
‫السلطات الشيوعية ما قبل الثمانينيات‪ ،‬حتى أضحت الصين مدافعا عن الحرية االقتصادية‬
‫وحرية عمل األسواق‪ ،‬في ظل هذا النجاح‪ ،‬وفي ظل الحمائية االقتصادية التي أصبحت تنهجا‬
‫بعض الدول الغربية تجاهها‪ .‬فيكف تم هذا النجاح وهذا التحول؟‪.‬‬

‫استطاع الحزب الشيوعي بقيادة "ماوتس ي تونغ" السيطرة على السلطة سنة ‪،9141‬‬
‫بعد القضاء على القوميين في البر الرئيس‪ ،‬وتم االعالن عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية‪.‬‬

‫‪ 429‬غيورغ سورنسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.002.‬‬


‫‪ 430‬أمارتيا سن‪ ،‬مرجع سابق ص‪.000.‬‬

‫‪P 271‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تم بعد ذلك إقامة نظام سياس ي قائم على االستحواذ واالستبداد؛ فعلى الصعيد السياس ي لم‬
‫يسمح بإنشاء أي مؤسسة سياسية أخرى إلى اآلن من غير الحزب الشيوعي مع القضاء على كل‬
‫مظاهر الحريات المدنية والسياسية‪ ،‬وصاحب هذه المؤسسات السياسية السلطوية‬
‫االستحواذية وجود مؤسسات اقتصادية شديدة االستحواذ والهيمنة‪ ،‬والقائمة على التأميم‬
‫وإلغاء كل مظاهر حق الملكية‪ ،‬و اقتصاد السوق‪ ..‬واحتكر بذلك الحزب الشيوعي بقيادة ماو‬
‫على كل موارد الدولة‪431.‬‬

‫كانت الستراتيجية التطويروالتنمية التي تقوم على التخطيط نتائج مدمرة هائلة؛ حيث‬
‫نتج عن محاولة تحويل البلد إلى بلد صناعية في إطار ما يعرف "الوثبة العظمى إلى األمام" بعد‬
‫عام ‪ 9111‬إلى مجاعات كبيرة‪ ،‬ورغم تعدد تفسيرات هذه املجاعات لم يشك أي شخص في الدور‬
‫المركزي لهذه السياسية في قتل ما بين عشرين إلى أربعين مليون شخص‪.‬‬

‫بعدها سرعان ما بدأت الثورة الثقافية مثلها مثل الوثبة العظمى إلى األمام‪ ،‬في تدمير‬
‫االقتصاد وحياة البشر‪ ،‬وأدت حمالت التطهيرالتي قادها المتحمسون من النظام في زياذة خنق‬
‫الحريات المدنية والقضاء على كل مظاهر التنوع التي يتمتع بها املجتمع‪ .‬بعد موت "ماو" كانت‬
‫الثورة الثقافية والوتبة العظمى إلى األمام من أبرزإرثه السلطوي‪ ،‬وقد نتج عن هذه السياسات‬
‫و أثارها المدمرة صراع بين أولئك الذين لديهم وجهات نظرمختلفة ومعتقدات متغيرة بخصوص‬
‫التغيير‪ ،‬بين المشتديين من النظام وإصالحييه‪.‬‬

‫حسم الصراع على السلطة في النهاية لصالح االصالحيين بقيادة "دينغ شياوبينغ"‪ ،‬ولم‬
‫يرغب هذا األخير في إلغاء النظام الشيوعي‪ ،‬إال أنه اعتقد هو ومؤيديه أن النمو االقتصادي‬
‫الهائل يمكن القيام به دون املخاطرة بسيطرتهم السياسية‪ ... :‬و ذلك باالصالح االقتصادي‪،‬‬
‫ودعم قوى السوق وتوسيع نطاق حق الملكية‪ ،‬وتقليل دور الحزب الشيوعي في املجتمع‪،‬‬
‫واالنفتاح على االستثماراألجنبي والتجارة الدولية‪ ،‬واالندماج في االقتصاد العالمي‪ .‬كانت سلسلة‬
‫التغييرات المؤسساتية االقتصادية قد بدأت باالصالح الزراعي‪" ،‬بنظام المسؤولية المنزلية"‪،‬‬
‫والذي قدم حو افز اقتصادية للمزارعين وإعطاء دور أكبر للسوق والالمركزية‪ 432،‬وفي االقتصاد‬

‫‪ 431‬دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن‪ ،‬كيف تفشل األمم‪ :‬أصول السلطة واإلزدهار والفقر‪ ،‬ترجمة بدران حامد‪ ،‬الدار الدولية‬
‫لالستثمارات الثقافية‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصر‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،0100 ،‬ص‪.‬ص‪.020-020 .‬‬
‫‪ 432‬غيرورغ سونسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.000.‬‬

‫‪P 272‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الحضري‪ ،‬استقلت مؤسسات الدولة‪ ،‬و أنشئت أربع عشرمدينة مفتوحة‪ ،‬وأعطيت القدرة على‬
‫جذب االستثمار األجنبي‪433.‬‬

‫أدت هذه الحو افز إلى زيادة االنتاجية في املجال الزراعي بشكل غير مسبوق‪ ،‬وساعد‬
‫تقديم الحو افز في املجال الزراعة والصناعة‪ ،‬والذي أعقبه بعد ذلك االستثمار األجنبي‬
‫والتكنولوجيا في وضع الصين على أول طريق النمواالقتصادي‪ ،‬لكن كان هذا النموتحت سيطرة‬
‫المؤسسات السياسية االستبدادية‪ ،‬حتى وإن لم تكن قمعية بنفس ما كانت عليه أثناء الثورة‬
‫الثقافية‪ ،‬أو حتى وإن كانت المؤسسات االقتصادية قد تحولت جزئيا إلى مؤسسات جرة‬
‫ومفتوحة نسبيا‪434.‬‬

‫يبقى بذلك االقتصاد الصيني في ظل المؤسسات السياسية االسبتدادية في دائرة‬


‫المر اقبة‪ ،‬بالرغم من الحو افز التي يقدمها‪ ،‬وبالبرغم من االنتفاح على االستثمارات األجنبية‬
‫واالبتكار التكنولوجي‪ ،‬حيث تعمل الشركات الخاصة ورجال األعمال غير المقربين من الحزب‬
‫الشيوعي تحت رقابة النظام وتوجيهه‪ ،‬ويراعون في توجهاتهم االستثمارية مساندة ودعم نخب‬
‫وكوادر الحزب الشيوعي‪ ،‬ويتجنبون خطوطهم الحمراء‪ ،‬في حين تتم محاباة الشركات التابعة‬
‫للحزب واألفراد المقربين من النظام بالحصول على عقود بشروط مرضية‪ .‬تبقى حقوق الملكية‬
‫غير آمنة بشكل كامل في الصين في ظل هذا النظام؛ إذ تتم بين الحين واألخر مصادرة ممتلكات‬
‫بعض رجال األعمال‪ ،‬ووضع قيود عليهم‪ ،‬ويتم تنظيم العمالة بشكل صارم‪ ...‬لذلك فهذه‬
‫القواعد غيرالشفافة تصعب التحرك باتجاه نظام ينزع إلى المزيد من الالمركزية وينقاد للسوق‪،‬‬
‫ذلك أن الشروط المؤسسية المسبقة بحاجة لتأسيس‪435.‬‬

‫ومن خالل هذا النموذج‪ ،‬فإنه حتى إن كانت المؤسسات االقتصادية الصينية أكثر‬
‫انفتاحا اليوم بصورة النظير لها عما كانت عليه منذ أربعة عقود‪ ،‬إال أن التجربة الصينية تعد‬
‫مثاال على النمو في ظل النظام االستبدادي‪ ،‬القائم على مؤسسات سياسية استحواذية تهيمن‬
‫عليها قلة قليلة من نخب الحزب الشيوعي وكوادره‪ ،‬وهذا النمو والتنمية االقتصادية السريعة‬
‫يذكرنا بالعديد من التشابهات بين نمو االتحاد السوفيتي خالل الخمسينيات والسيتينيات من‬
‫القرن الماض ي وبين النمو الصيني‪ 436،‬بالرغم من الفوراق الملحوظة‪ ،‬حيث جرى األول في ظل‬

‫‪ 433‬دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن‪ ،‬كيف تفشل األمم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪001-022.‬‬
‫‪ 434‬المرجع نفسه‪.000 ،‬‬
‫‪ 435‬غيرورغ سورنسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.002.‬‬
‫‪ 436‬دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن‪ ،‬كيف تفشل األمم ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.071.‬‬

‫‪P 273‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تخطيط مركزي قائم على التحول إلى الصناعة‪ ،‬فيما جرى األخير في ظل نظام السوق‪ ،‬إال أن‬
‫هناك قواسم مشتركة تتمثل في الرقابة الكبيرة على االقتصاد واملجتمع التي أبداها النظامين‬
‫تجاه شعوبهم‪437.‬‬

‫بسبب سيطرة الحزب على المؤسسات االقتصادية‪ ،‬يتم تحجيم عمل السوق بالرغم‬
‫من التنوع الذي يبديه نمو االقتصاد الصيني عن االقتصادات األخرى التي تهيمن عليها األنظمة‬
‫االستبدادية‪ ،‬والبراعة والمهارة التي يبديها رجال األعمال الصينيين‪ ،‬لذلك فإن هذا النموسوف‬
‫تنفذ طاقته ويتوقف‪ ،‬طالما ظلت المؤسسات السياسية على وضعها االستبدادي كما كان في‬
‫جميع الحاالت المشابهة‪ ،‬ومن غيراملحتمل أن تترجم هذه التنمية االقتصادية إلى نمو مستدام‪،‬‬
‫ى الخالقة" في االقتصاد الصيني‪438.‬‬ ‫لغياب ما يسميها أحد الباحثين "الفوض‬

‫المبحث الثاني‪ :‬محددات النظام الديمقراطي لتحقيق التنمية‪.‬‬

‫توفر بنية النظام الديمقراطي مسارات متعددة لمتابعة السياسات االقتصادية‬


‫واالجتماعية والتنموية‪ ،‬داخل أي دولة‪ ،‬فانطالقا من ترسيخ الفصل بين السلطات وتوسيع‬
‫المر اقبة واملحاسبة سواء املحاسبة الرسمية أو الشعبية‪ ،‬تكون السياسات التنموية أكثر‬
‫نجاعة وشموال لفئات واسعة من أفراد الشعب‪ ،‬حيث تشكل المشاركة كذلك سمة مميزة‬
‫للسياسات التنموية التي أكدت عليها كثير من تقارير المنظمات الدولية المعنية بالتنمية‪ ،‬وهو‬
‫الذي يتسق مع عمل النظام الديمقراطي‪.‬‬

‫الفقرة االولى‪ :‬أليات المر اقبة واملحاسبة في النظام الديمقراطي ودورها في تحقيق‬
‫التنمية‪.‬‬

‫رغم إقرارنا بأهمية المؤسسات الديمقراطية‪ ،‬إال أنه ليس باإلمكان اعتبارها أدوات‬
‫تعمل آليا من أجل التنمية والتطوير‪ ،‬فتفعيل الديمقراطية مشروط بما تقدمه الديمقراطية‬
‫من قيم و أولويات‪ ،‬وباستثمار للفرص المتاحة للتعبير والمشاركة‪ ،‬فقيم الديمقراطية‬
‫ونموذجها‪ ،‬والمتمثل في االختيار الحر‪ ،‬والمشاركة الموسعة للمواطنين في إدارة الشأن العام‪،‬‬

‫‪ 437‬على عكس طروحات نظرية التحديث التي تفترض أن توجه النظام االستبدادي نحو السماح باالنفتاح والتعددية‪ ،‬عندما يحقق مستويات‬
‫متوسطة وعليا من النمو والتنمية االقتصادية‪ ،‬وتوسع التعليم وزيادة الدخل‪ ...‬نجد أن سيطرة الحزب الشيوعي في الصين قد زادت وألياته‬
‫الرقابية قد تطورت بشكل كبير بفعل استفادته من التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬حيث يسيطر الحزب على وسائل االعالم بما فيها االنترنيت‪ ،‬ويعمل‬
‫بنظام رقابي صارم‪ ،‬يحجب كل ما ال يروق للنظام وللحزب‪.‬‬
‫‪ 438‬دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن‪ ،‬كيف تفشل األمم‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.071.‬‬

‫‪P 274‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وفعالية عمل المؤسسات ومر اقبهها‪ ،‬وترسيخ المر اقبة واملحاسبة‪ ،‬هي التي تشكل آليات‬
‫اشتغال النظام الديمقراطي في تعزيز التنمية؛ فالنظام الديمقراطي يشكل بنية متسقة تشمل‬
‫القيم والممارسة وترسيخ عمل مؤسسات الرقابة‪.‬‬

‫فال توجد ديمقراطية حقيقية بدون نظام قضائي مستقل وبدون مؤسسات تضمن‬
‫حرية التعبير ووسائل إعالم حرة؛ إذ يجب أن تمارس سلطة التشريع من قبل ممثلي الشعب‪،‬‬
‫الذي ينتخبهم الشعب‪ ،‬ويجب تنفيذ القوانين من قبل أشخاص مسؤولين قانونيا وجهاز إداري‬
‫وتنفيذي مسؤول أمام المنتخبين‪ 439،‬في ظل رقابة مؤسسات املجتمع المدني ووسائل االعالم‪.‬‬

‫إن الديمقراطية تفترض وجود السلطة التشريعية التي تمثل الشعب‪ ،‬وتعكس حقيقة‬
‫تنوع السكان داخل الدولة‪ ،‬حيث يتم وضع تشريعات مقبولة وضرورية لتناغم الحياة‬
‫االجتماعية‪ .‬كما تتطلب أيضا وجود سلطة قضائية مستقلة وكفؤة تعمل على ضمان الحقوق‬
‫لجميع المواطنين وتعزيز سيادة القانون‪ ،‬و تتطلب أيضا تجنيد األحزاب السياسية والنظام‬
‫االنتخابي الذاتي‪ ،‬وتتطلب مؤسسات إعالمية حرة وفعالة ومستقلة وسياسيين محايدين وفي‬
‫خدمة السكان‪ ،‬وأخيرا وجود مجتمع مدني حر نشيط قادر على اإلشراف ومر اقبة السلطات‬
‫العامة وجماعات ذات المصالح‪ ،‬و اقتراح أنماط من المشاركة السياسية مدعومة بالقيم‬
‫الديمقراطية‪.440‬‬

‫تتعدد مؤسسات الرقابة داخل النظام الديمقراطي‪ ،‬من مؤسسات رسمية تمثل ركائز‬
‫أساسية وراسخة في النظام القائم على الفصل بين السلطات ومر اقبة بعضها لبعض كالبرلمان‬
‫والمؤسسات الرقابية األخرى المنصوص عليها في الدستور‪ ،‬ثم مؤسسات رقابية أخرى غير‬
‫رسمية وهي تمثل سلطة رقابة مهمة وذات فاعلية تتمثل في االعالم والصحافة والرأي العام‬
‫واملجتمع المدني‪ ،‬وهي مرتبطة بعمل النموذج الديمقراطي المتسق مع قيم حرية التعبير و‬
‫الرأي‪ ،‬لذلك فبنية النظام القائم على المر اقبة تسمح باتخاذ القرارات الصحيحة‪ ،‬وذات‬
‫الفاعلية والنجاعة‪ .‬ففي الديمقراطيات المؤسسية‪ ،‬ال تسري المساءلة عموديا فحسب‪،‬‬
‫واضعة المسؤولين المنتخبين موضع مساءلة فقط في صناديق اإلقتراع‪ ،‬بل أفقيا أيضا‪ ،‬عبر‬

‫‪439‬‬
‫‪boutros boutros- ghali ) sous directions(, L’ interaction démocratie et développement., création du‬‬
‫‪panel international sur la démocratie et le développement(PIDD); UNISCO 2002, p.10 .‬‬
‫‪440‬‬
‫‪Rapport mondial sur le développement humain 2002, op.cit. p00.‬‬

‫‪P 275‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫شبكة من القوى المستقلة نسبيا(أي مؤسسات أخرى)‪ ،441‬قد تكون مؤسسات رسمية‬
‫كالبرلمان‪ ،‬أومنظمات املجتمع المدني األخرى واإلعالم‪ ،‬لذلك فالمؤسسات الديمقراطية تقدم‬
‫رقابة عمودية و أفقية على السلطة الحكومية وبالتالي تحد من إمكانات الموظفين العموميين‬
‫والسياسيين من تجميع ثروة شخصية وتنفيذ سياسات ال تحظى بشعبية‪ 442،‬أو سياسات‬
‫عمومية ال جدوى منها وال تحقق أهداف التنمية‪.‬‬

‫كذلك يقلل االنفتاح في النظام الديمقراطي من نطاق الفساد؛ تخلق وسائل االعالم‬
‫المستقلة والحقيقية توقعات أعلى فيما يتعلق بالشفافية والكشف عن تضارب المصالح‬
‫املحتمل‪ ،‬والميزة األخرى للديمقراطية هي القدرة على التكيف‪ :‬تعزز الديمقراطيات االستقرار‬
‫السياس ي من خالل إنشاء أليات واضحة لتداول السلطة‪ ،‬وهذا يتيح لها التكيف بسالسة مع‬
‫موت القائد أو هزيمته االنتخابية‪ ،‬مما يقلل من نطاق التكتيكات غير القانونية أو السياسات‬
‫القسرية للوصول إلى السلطة‪ ،‬وبالتالي يستمر زخم التنمية على الرغم من تغيير السياسات‬
‫املحددة من إدارة إلى أخرى‪ 443،‬كما أن العمليات الديمقراطية يمكن أن تساهم في التنمية؛‬
‫فالتنافس على السلطة‪ ،‬من خالل االنتخابات وغيرها من األليات الديمقراطية‪ ،‬يجعل‬
‫السياسيين أكثراستعدادا لتلبية احتياجات الناس و تطلعاتهم‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬يمكن إدارة الصراع وتحقيق االستقرار‪ ،‬ففي الديمقراطيات يكون‬
‫للناس الحق في التعبير والفكر‪ ،‬وحرية الوصول إلى المعلومات من خالل وسائل االعالم الحرة‬
‫والمستقلة وإمكانية النقاش العمومي المفتوح الذي يسمح بالتعبير عند تطوير السياسات‬
‫العمومية‪ 444،‬و طالما أن التمثيل السياس ي يكتس ي الطابع المؤسس ي ويتيح تنافسية الوكالء‪،‬‬
‫وبالتحديد الممثلين‪ ،‬ويسمح كذلك باالنتقال السلس للسلطة‪ ،‬فإن هذا النوع من المأسسة‬
‫السياسية يساهم في الحد من مخاطر الفساد‪ ،‬ويعزز الشفافية‪ ،‬والتغيير والمساءلة‪ 445،‬لذلك‬
‫فإن المؤسسات والممارسات والمثل العليا للديمقراطية لديها القدرة على تحدي تركيزالسلطة‬
‫السياسية ومنع ظهورالطغيان‪ ،‬فهي تلعب دورا حاسما في تشكيل الحكم الذي يأتي من الناس‪،‬‬

‫‪ 441‬غييرمو أدونيل‪ ،‬الديمقراطية التفويضية‪ ،‬في كتاب الديمقراطية أبحاث مختارة‪ ،‬تحرير الري دليموند و مارك ف‪ .‬بالنتر‪،‬‬
‫شركة المطبوعات للتوزيع والنشر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،0100‬ص‪.‬ص‪.010-10.‬‬
‫‪442‬‬
‫‪Robert J.Barro, Determinants of Economic growth: across country empirical of economic study,‬‬
‫‪National bureau of economic research, Cambridge, 1996 .p.39.‬‬
‫‪443‬‬
‫‪Morton H. Helpern and Josef Siegle, op.cit, p.65.‬‬
‫‪444‬‬
‫‪Rapport mondial sur le développement humain , op.cit. p.00.‬‬
‫‪ 445‬تقرير حول مقومات الحكم في البلدان العربية خالل المراحل االنتقالية ‪ :‬التحديات االقتصادية القصيرة ومتوسطة االجل‪،‬‬
‫اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي أسيا (االسكوا)‪ ،‬التابعة لألمم المتحدة ‪.0102.‬ص‪. 010.‬‬

‫‪P 276‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وتسمح بإدارة فعالة لجهود التنمية االنسانية في املجتمعات‬ ‫الناس‪446،‬‬ ‫ويكون في خدمة‬
‫املختلفة‪.‬‬

‫إن التأسيس لهذا النمط من المر اقبة واملحاسبة تستلزم إذن وجود مؤسسات فاعلة‬
‫وقوية ومستقلة‪ ،‬تقوم بأدوارها كاملة‪ ،‬وال تستأثر أي سلطة بصناعة القرار لوحدها‪ ،‬وهذا‬
‫النمط موجود ومرسخ في الديمقراطيات التمثيلية والليبرالية‪ ،‬لكن كما الحظ غييرمو أدونيل‪447‬‬

‫في دراسة الحال ة ألمريكا الالتينية‪ ،‬فإن التحوالت الديمقراطية الناشئة في هذه البلدان أنتجت‬
‫نمطا من الديمقراطية سماها "بالديمقراطية التفويضية"‪ ،‬وفي هذا النمط يستأثر الرئيس‬
‫والسلطة التنفيذية بالقرار السياس ي‪ ،‬ويتم تجاوز األحزاب السياسية والمؤسسات الدستورية‬
‫األخرى‪ ،‬وبالتالي فإن المساءلة تكون في هذا النمط من الديمقراطية مساءلة عمودية فقط‬
‫تتمثل في االنتخابات‪ ،‬فيما تغيب المساءلة األفقية الممثلة في البرلمان واملجتمع المدني‬
‫واإلعالم‪ ،‬لذلك يبدل الرئيس المنتخب والسلطة التنفيذية مساعي حثيثة إلعاقة تطورمثل هذه‬
‫المؤسساتذ‪ ،‬وقد أرجئ أدونيل أسباب ظهورهذا النمط إلى‪:‬‬

‫‪ -‬األزمة االجتماعية واالقتصادية المتجذرة التي ورثهها معظم الدول المتحولة أسالفها‬
‫التسلطيين‪ ،‬والتي تعززممارسات ومفاهيم محددة بشأن التطبيق المناسب للسلطة السياسية‬
‫والذي سارباتجاه الديمقراطية التفويضية وليس التمثيلية‪.448‬‬

‫‪ -‬عدم امتالك شبكة القوى المؤسسية التي تؤمن قاعدة لعملية صنع السياسية‪ ،‬أي‬
‫غياب أي تجربة مؤسسية ديمقراطية في الدولة‪.‬‬

‫لذلك فإن العنصر األساس ي لبناء مؤسسات رقابة ومحاسبة قوية في األنظمة‬
‫الديمقراطية الوليدة‪ ،‬تتمثل في بناء مجموعة من المؤسسات التي تصبح مراكز مهمة في تيار‬
‫السلطة السياسة‪ ،‬ويتحقق ذلك بشمول السياسات الحكومية واالستراتيجيات السياسية‬
‫ملختلف المفوضين السياسيين على االعتراف بمصلحة سياسية مشتركة في بناء المؤسسات‬
‫الديمقراطية؛ هذه المؤسسات تسهل بدورها التكيف مع المشاكل االجتماعية االقتصادية‬
‫الموروثة من النظام االستبدادي‪.449‬‬

‫‪446‬‬
‫‪Morton H. Helpern and josef siegle ,op.cit .p 12.‬‬
‫‪ 447‬غيييرمو أدونيل‪ ،‬الديمقراطية التفويضية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 448‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.17..‬‬
‫‪449‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11-17..‬‬

‫‪P 274‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تعزيزالقدرات اإلنسانية في النظام الديمقراطي‪ :‬توسيع المشاركة‪ ،‬وتعزيز‬


‫الحريات المدنية و السياسية‪.‬‬

‫يتعين النظرإلى الديمقراطية باعتبارها ألية خلق فرص‪ ،‬كما أن استخدام هذه الفرص‬
‫يستلزم نوعا من التحليل يتناول ممارسة الحقوق الديمقراطية والسياسية‪ 450،‬ذلك أن النظام‬
‫الديمقراطي ال يعمل آليا في ما يتعلق بتحقيق المطالب االجتماعية والتنموية‪ ،‬فقصور‬
‫الممارسة والفشل يعتري ديمقراطيات أكثرنضجا‪ ،‬لذلك فإن تعميق الديمقراطية وخلق الحكم‬
‫الديمقراطي يتطلب بالضرورة توسيع املجال السياس ي والمدني للمشاركة االجتماعية‬
‫والشعبية؛‪ 451‬فالحقوق السياسية والمدنية‪ ،‬خاصة ما يتعلق منها بضمان المناقشة والحوار‬
‫والنقد واالختالف هي حقوق محورية بالنسبة إلى عمليات توليد اختيارات قائمة على المعلومات‬
‫والتفكيرالجاد والعميق‪ ،‬وهذه عمليات حاسمة لصياغة القيم واألولويات‪ ،452‬فالديمقراطية ال‬
‫تتوقف فقط على القواعد واالجراءات التي يكفلها هذا النظام‪ ،‬بل إن األمرأعمق من ذلك‪ ،‬فهي‬
‫تتطلب جهدا وممارسة بناءة وموسعة في النقاشات العامة‪ ،‬ومشاركة فاعلة في اتخاذ القرارات‬
‫التي تهم الجوانب الحرجة والملحة للحاجيات اإلنسانية‪ ،‬فأليات المشاركة و اتخاذ القرار في‬
‫النظام الديمقراطي‪ ،‬تساهم بشكل عام في إثارة االهتمام بالقضايا األكثر إلحاحا للحاجيات‬
‫االنسانية‪ ،‬ويتم تحييد القرارات واالستراتيجيات المكلفة ماليا وغير املجدية اقتصاديا‬
‫واجتماعيا‪ ،‬أو الناتجة عن محاباة عناصر داخل النظام أو خارجه‪ ،‬كما يقع في كثيرمن األنظمة‬
‫االستبدادية التي تسيطرالنخبة المتنفذة في صياغة السياسات والقرارات بشكل منفرد‪ ،‬ودون‬
‫مر اقبة المؤسسات األخرى‪.‬‬

‫تقوم الديمقراطية في استقرارها على الشرعية والخضوع اإلرادي للمواطنين أكثر من‬
‫األنظمة الدكتاتورية‪ ،‬ويرجع ذلك إلى كون الديمقراطية من حيث طبيعهها تقوم على تو افق‬
‫شعبي‪ ،453‬كما تمنح الحريات السياسية في الديمقراطيات للناس وسائل الضغط من أجل‬
‫اعتماد السياسات التي توسع فرصهم االجتماعية واالقتصادية‪ 454.‬ويساهم الحكم الديمقراطي‬
‫في حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬وتثبيت المشاركة الموسعة للمواطنين في إعداد القواعد‬

‫‪ 450‬أمارتيا صن‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬ص‪.001.‬‬


‫‪451‬‬
‫‪Morton H. Helpern and josef siegle, op.cit.p.82‬‬
‫‪ 452‬أمارتيا صن‪ ،‬مرجع سابق ص‪.007-000.‬‬
‫‪ 453‬الري دايموند‪ ،‬روح الديمقراطية ‪ :‬الكفاح من أجل بناء مجتمعات حرة‪ ،‬ترجمة عبد النور الخرافي‪ ،‬الشبكة العربية‬
‫لألبحاث والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،0102‬ص‪.002.‬‬
‫‪454‬‬
‫‪Rapport mondial sur la développement humain 2002 ,op.cit. p.51.‬‬

‫‪P 272‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫والمؤسسات التي تؤثرفي حياة األفراد والحصول على نتائج اقتصادية واجتماعية أكثرتوازنا‪455،‬‬

‫فالفضاءات التي يمكن للمرء أن يناقش فيها بحرية السياسة‪ ،‬و أنماط التعبيراملختلفة المتاحة‬
‫لألفراد تشكل جوهر الحياة الديمقراطية وتضمن فعالية القرارات‪ ،‬وكما هو موضح في تقرير‬
‫التنمية البشرية لسنة ‪ 2112‬فالديمقراطية هو النظام المؤسس ي الوحيد الذي يسمح‬
‫بالمناقشة المفتوحة على السلطة‪ ،‬وهذا متو افق مع احترام قيم حقوق االنسان‪.‬‬

‫كما أن المشاركة هي أحد المبادئ المهمة المتكررة في خطب المنظمات الدولية‬


‫المعنية بالتنمية‪ ،‬ذلك أن مبادرات التنمية تكون أكثر فعالية عندما يتم تطويرها وتنفيذها‬
‫بالتشاور مع السكان المسههدفين وتستند فكرة المشاركة إلى فكرة الفعالية‪ ،‬والتي تشكل‬
‫تعددية األطراف الفاعلة ومشاركة "المعني" عامال من عوامل نجاح التنمية‪ ،456‬فأصبح البعد‬
‫التشاركي في عملية التنمية آلية مهمة لتعزيز فعالية عمل البرامج والسياسات التنموية في‬
‫الدول‪ ،‬وقد شدد الفريق المعني بالديمقراطية وحقوق االنسان على هذا المعطى‪ ،‬حيث " تعد‬
‫المشاركة الحرة للمواطنين شرطا أساسيا‪ ،‬ألنه يسمح بممارسة الحقوق في حرية الرأي‬
‫واالختالف‪ ،‬وهذا هو أيضا الذي يسمح للمجتمع المدني بالتعبيرعن نفسه"‪.457‬‬

‫إن توسيع أنماط مشاركة المواطنين في إدارة الحياة السياسية‪ ،‬وتعزيز فرصهم في‬
‫المشاركة أثناء صياغة السياسات االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬يعتبرعامال مهما في إثارة النقاش‬
‫حول األهداف الملحة لحاجياتهم‪ ،‬ويكمن أن تتخذ هذه المشاركة‪ ،‬أنماط متعددة كالحكم‬
‫املحلي واالدارة الذاتية‪...‬لكن تعزيزهذه المشاركة يتطلب وجود مجتمع مدني نشط ومستقل‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إن القيام بالخيارات التنموية واالنمائية الصعبة ومتابعهها‪ ،‬ال يمكن أن يتحقق إال من‬
‫خالل حكومات متجاوبة وقابلة للمساءلة واملحاسبة‪ ،‬فمساءلة الحكومة تجعل السياسات أكثر‬
‫شفافية وفعالية‪ ،‬ويتأتى ذلك بإصالح الحكم وتعزيزالديمقراطية؛ باعتبارها نظام الحكم األكثر‬

‫‪455‬‬
‫‪op.cit. p.52.‬‬
‫‪456‬‬
‫‪Amine Allal ; « développement international et promotion de la démocratie : A propos de la‬‬
‫‪gouvernance locale Au Maroc » ; L’année de Maghreb .3 ;2007 ; Novembre 2010 .‬‬
‫‪http:/journals.openedition.org/annéemaghreb/374 :DOI:10.4000/anneemaghreb.347 .‬‬
‫‪457‬‬
‫‪L’ interaction démocratie et développement , op.cit p.11 .‬‬

‫‪P 277‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫نجاعة لتمثيل مصالح جميع الفئات‪ ،‬وتعزيز دينامية ونسق التنمية‪ ،‬من خالل آليات الرصد‬
‫والتتبع التي يمكن االشتغال عليها في هذا النظام‪.‬‬

‫كما أن النظام الديمقراطي قادرعلى تصحيح اختالالته‪ ،‬حيث يمكن أن تختلف طرائق‬
‫وممارسة الديمقراطية باختالف النظام االجتماعي والتنمية االقتصادية الخاصة بكل بلد‪ ،‬إذ‬
‫يمكن تجسيد المبادئ العامة للديمقراطية بشكل مختلف من مجتمع إلى أخر‪ ،‬انطالقا من‬
‫الخصوصيات الثقافية واالجتماعية واالقتصادية التي تميزكل دولة ومجتمع‪ ،‬ومن ثم فإنه يمثل‬
‫النظام السياس ي األكثر مرونة والذي يمكن اإلشتغال عليه داخل مكونات أي مجتمع‪ ،‬مهما‬
‫تعددت البنيات الثقافية والعرقية واالجتماعية له‪ ،‬مما يسمح بإدارة الصراع في املجتمع داخل‬
‫إطار متحكم فيه وبناء على قواعد راسخة‪ ،‬تضمن الحقوق العامة لجميع االفراد واالقليات‪.‬‬
‫مرونة هذا النظام تساعد على التجاوب مع الحاجات التنموية لباقي االفراد‪ ،‬و ترسيخ منوال‬
‫التنمية بناء على اآلليات التي يوفرها النظام الديمقراطي؛ والقائمة على االختيارالحرللحكومة‪،‬‬
‫والمساءلة والشفافية‪ ،‬وحرية الرأي والتعبير‪.‬‬

‫لكن وجود النظام الديمقراطي وإدارته للعملية التنموية‪ ،‬هو رهين بجودة الحكم في أي‬
‫دولة‪ ،‬فرغم أهمية االنتخابات الحرة واختيار المواطنين للبرلمان والحكومة بالنسبة‬
‫للديمقراطية‪ ،‬إال أن النظام ال يتوقف على ذلك فقط‪ ،‬حيث وجود آليات متعددة للمر اقبة‬
‫والتتبع ومجتمع مدني حرونشيط‪ ،‬ووسائل إعالم حرة‪ ،‬تعززمن متابعة السياسات المسطرة في‬
‫تحقيق التنمية‪ ،‬وتحسن من كفاءة السياسات المتبعة في هذا املجال‪ ،‬ويصحح االختالالت التي‬
‫يمكن أن تقع فيها المؤسسات الرسمية أثناء تنفيذها للسياسات العمومية‪ ،‬لكن حين تغيب‬
‫عمل هذه الدينامية المؤسساتية أو يصيبها الوهن والقصور أو غياب الفعالية‪ ،‬أنذاك يصبح‬
‫النظام الديمقراطي غيرفعال في متابعة الجهود التنموية واالنمائية‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫المراجع باللغة العربية‪.‬‬

‫‪ -‬أماراتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ترجمة شوقي جالل‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد‬
‫‪ ، 313‬ماي ‪. 2114‬‬

‫‪P 300‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬غيورغ سونسن‪ ،‬الديمقراطية والتحول الديمقراطي‪ :‬السيرورات والمأمول في عالم‬


‫متغير– ترجمة عفاف البطاينة – المركزالعربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ -‬الدوحة ؛قطر –‬
‫الطبعة االولى ‪. 2191‬‬

‫‪ -‬غييرمو أدونيل‪ ،‬الديمقراطية التفويضية‪ ،‬في كتاب الديمقراطية أبحاث مختارة‪ :‬تحرير‬
‫الري دايموند و مارك ف‪ .‬بالنتر‪ ،‬شركة المطبوعات للتوزيع والنشر بالتعاون مع جامعة‬
‫كولومبيا‪ ،‬الطبعة األولى‪ .2190‬ص ‪.‬ص ‪.910-11‬‬

‫‪ -‬دوغالس س ي نورث وأخرون‪ ،‬في ظل العنف‪ :‬السياسة واالقتصاد ومشكالت التنمية‪،‬‬


‫ترجمة كمال المصري‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،433‬فبراير‪.2190‬‬

‫‪ -‬دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن‪ ،‬كيف تفشل األمم‪ :‬أصول السلطة واإلزدهار‬
‫والفقر‪ ،‬ترجمة بدران حامد‪ ،‬الدار الدولية لالستثمارات الثقافية‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫االولى‪.2191 ،‬‬

‫‪ -‬رونالد وينتروب‪ ،‬اإلقتصاد السياس ي للدكتاتورية‪ ،‬ترجمة جالل البنا و إبراهيم أحمد‬
‫إبراهيم‪ ،‬المركزالقومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2191‬‬

‫‪ -‬جون تيوريل‪ ،‬محددات التحول الديمقراطي‪ :‬تفسيرتغيرأنظمة الحكم في العالم (‪-9112‬‬


‫‪ ،)2110‬ترجمة خليل الحاج صالح‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.2191‬‬

‫‪ -‬مراد دياني‪ ،‬إشكالية التنمية بين مأرب الحراك العربي ومقاصد أمارتيا سن خمس‬
‫معضالت أمام تجسير البون بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون‪ ،‬في كتاب السياسات التنموية‬
‫وتحديات الثورة في االقطار العربية‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة‬
‫السياسات‪ ،‬الطبعة االولى ‪2191‬‬

‫‪ -‬ميلتون فريدمان‪ ،‬الرأسمالية والحرية‪ ،‬ترجمة مروة عبد الفتاح شحاتة‪ ،‬كلمات عربية‬
‫للترجمة والنشر‪ ،‬مصر– القاهرة الطبعة اأولى‪.2199،‬‬

‫‪ -‬الري دايموند‪ ،‬روح الديمقراطية‪ :‬الكفاح من أجل بناء مجتمعات حرة‪ ،‬ترجمة عبد النور‬
‫الخرافي‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى ‪. 2194‬‬

‫‪P 301‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

‫ التحديات‬: ‫ تقرير حول مقومات الحكم في البلدان العربية خالل المراحل االنتقالية‬-
،)‫ اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي أسيا (االسكوا‬،‫االقتصادية القصيرة ومتوسطة االجل‬
.2193 ‫لألمم المتحدة‬

:‫المراجع باللغة الفرنسية‬


- Amine Allal ; « développement international et promotion de la
démocratie : A propos de la gouvernance locale Au Maroc » ; L’année de Maghreb
.3 ;2007 ; Novembre 2010

http:/journals.openedition.org/aneemaghreb/374 :DOI:10.4000/anneem
aghreb.347

-L’interaction démocratie et développement., création du panel


international sur la démocratie et le développement(PIDD) ;sous directions de
boutros boutros- ghali ,UNISCO 2002

-Rapport mondial sur le développement humain 2002 « approfondir la


démocratie dans un

Monde fragmenté ». programme des nations unis pour le développement


(PNUD) .

:‫المراجع باللغة االنجليزية‬

- Adam przewoski and fernando limongi, Political regimes and economic


growth, journal of economic perspectives, volume 7, n.93

-Ben Ansell and David Samuels , Inequality and Democratization; An Elite


Competition Approch, (Cambredge: Cambredge university press).

- Douglas C. North, Institution, Institutional change and Economic


performance (New York: Cambridge university press ;1990)

P 302 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

-Daron Acemoglu and James Roninson , Why Nations fail: The Origins’ of
Power, Prosperity and Poverty(New york: The Crown Publishing Group ; 2012)

- Daron Acemoglu and A. robinson, Economic origins of dictatorship and


democracy. Cambridge university press, 2006.

- Guillermo O ‘Donnell, Modernization and bureaucratic-


Authoritarianism:studies in south American politics( Berkeley ; University of
California. Instituted of international Studies. 1973)

- Larry Diamond , Juan L. linz and Saymour Martine Lipest, Democracy and
developing countries : Latin American (Boulder ; Colo: Lynne Reiner 1989).

-Morton H. Helpern and Josef Siegle, The Democracy Advantage: how


Democracies promote prosperity and piece, foreign affair, January 2005 .volume
83, n.5

-Samuel P. Huntington; Political order in changing Societies (New haven


:Yale University 3, press 2006

-Robert J.barro, determinants of economic growth: across country empirical


of economic study, National bureau of economic research, Cambridge 1996

- Robert wade « Governing The market ; Economic Theory and the role of
government in west Asian Industrialisation ». Princeton: Princeton University
Press.1990

- Robert J.Barro, A cross-country study of growth, saving and government ,


Working Paper No. 2855 , 1989.

-Robert M. Marsh « Does Democracy hinder Economic Development in the


Latecomer Developing Nations »Comparative Social Research, vol.2 (1979).

P 303 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

-Inglehart and C.welzel , Development ,Freedom and Rising Happiness:A


Global perspective 1981-2006 ;Perspective on Psychological Science, volume
3, N.4 , January 2008.

-Saimour Martine Lipset, Some social requisites of democracy : Economic


development and political legitimacy, The American science review. Vol. 53,
number 1

-Thomas Cartrother, The end of the Transition paradigm, Journal of


democracy, vol. 13 (11) no.1 (2002).

P 304 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تعويض ضحايا أعمال اإلرهاب والشغب‬


‫وفقا للقانون رقم ‪ 991.94‬املتعلق بإحداث‬
‫نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية‬
‫‪Compensation of victims of acts of terrorism and hooliganism in accordance with‬‬
‫‪Law No. 110.14‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫على غرار مجموعة من الدول التي سنت قوانين لحفظ وحماية حقوق ضحايا جرائم‬
‫اإلرهاب والشغب‪ ،‬فأحدثت صناديق خاصة بتعويضهم‪ ،‬قام المشرع المغربي بتبني فكرة‬
‫تعويض هؤالء الضحايا إعماال لمبدأ التضامن الوطني‪ ،‬فأصدر بهذا الخصوص القانون رقم‬
‫‪ 991.94‬المتعلق بإحداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم‬
‫‪ 91.11‬المتعلق بمدونة التأمينات‪ ،458‬وذلك حتى يتسنى توفيرالحد األدنى من التعويض لهم‪.‬‬

‫ويعد ظهور نظام الضمان أو التضامن حدثا مهما في مجال تعويض هؤالء الضحايا‪ ،‬إذ‬
‫يعتبرتحوال من نظام المسؤولية الفردية إلى نظام المسؤولية الجماعية للمجتمع‪.‬‬

‫فإذا كان من الصعب إثبات حدوث خطأ من جانب اإلدارة في مثل الحوادث اإلرهابية‬
‫وحوادث الشغب وغيرها‪ ،‬فإن معنى ذلك ـ ـ إذا طبقنا قاعدة مسؤولية اإلدارة بناء على خطأ‪،‬‬
‫باعتبارها القاعدة العامة في نظرية المسؤولية اإلدارية ـ ـ أن ضحايا هذه الحوادث لن يحصلوا‬
‫على أي تعويض عما أصابهم من ضرر رغم فداحة مصابهم‪ ،‬ولذا فمن العدالة اللجوء إلى نظام‬
‫آخر لتعويضهم عما يصيبهم من جراء مثل هذه األحداث‪.‬‬

‫‪ -458‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 0.02.014‬بتاريخ ‪ 40‬من ذي القعدة (‪ 41‬أغسطس ‪ ،)4102‬ج‪ .‬ر‪.‬‬
‫عدد ‪ 2114‬بتاريخ ‪ 41‬ذو الحجة ‪ 44( 0237‬شتنبر ‪ ،)4102‬ص‪.2231 :‬‬

‫‪P 305‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫هذا النظام أخذت به بعض النظم القانونية المقارنة وعلى رأسها فرنسا التي أحدثت‬
‫صناديق الضمان االجتماعي‪ ،‬لتقوم بجبر األضرار التي تقع لهؤالء الضحايا وغيرهم‪ ،‬في أسرع‬
‫وقت ممكن‪ ،‬وبإجراءات سهلة‪ ،‬وهذا ما سارعليه المشرع المغربي الذي أحدث بموجب القانون‬
‫رقم ‪ 991.94‬السالف الذكر نظاما لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية بواسطة نظامي التضامن‬
‫والتأمين‪ ،‬وهذا ما سنتعرض له في المطالب التالية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مبررات إحداث صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية‬

‫يمكن إجمال أهم األسباب التي أدت إلى ظهورنظام الضمان أوالتضامن لتعويض ضحايا‬
‫أعمال اإلرهاب والشغب فيما يلي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬انتشارالعنف والشغب والجرائم اإلرهابية‬

‫انتشرت الجرائم اإلرهابية وجرائم الشغب في الوقت الحالي بشكل غير مسبوق‪ ،‬مما‬
‫استدعى سرعة إيجاد السبل الالزمة لمواجههها‪ ،‬وتعويض ضحاياها‪.‬‬

‫ويرجع أحد الباحثين‪ 459‬انتشار الجرائم اإلرهابية بشكل غير مسبوق في دول العالم‬
‫الثالث‪ ،‬إلى مخلفات النظم غير الديمقراطية فيها‪ ،‬والفقر وغياب حرية التعبير بين أهلها‪ .‬كما‬
‫انتشرت هذه الجرائم في الدول المتقدمة أيضا‪ ،‬كرد فعل ضد التدخل السافر لهذه الدول في‬
‫شؤون الدول األخرى األقل تقدما‪ ،‬والحرب المعلنة على دينها وقيمها وأخالقها‪ ،‬والحرب‬
‫العسكرية المعلنة على أهلها وأرضها‪ ،‬مثلما وقع في الحرب األمريكية على أفغانستان والعراق‪.‬‬

‫كل ذلك‪ ،‬أدى إلى كثرة األعمال اإلرهابية في السنوات األخيرة بشكل غير مسبوق‪ ،‬مع كثرة‬
‫عدد ضحاياها من قتلى ومصابين ومشردين‪ ،‬وكل ذلك استلزم نظاما يكفل سرعة تعويض هؤالء‬
‫الضحايا وأسرهم‪ ،‬دون الوقوف فقط عمن كان وراء اندالع هذه األحداث‪ ،‬ألنه في الغالب يبقى‬
‫بحثا عن مجهول في غالب األحيان‪.‬‬

‫‪ -459‬حمدي أبو النور السيد عويس‪ ،‬التعويض عن طريق صناديق الضمان في التشريع المقارن‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،4100 ،‬ص‪.010 :‬‬

‫‪P 306‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وإلى جانب انتشار الجرائم اإلرهابية‪ ،‬انتشرت في اآلونة األخيرة بالمغرب أعمال الشغب‪،‬‬
‫وال سيما تلك المصاحبة لمباريات كرة القدم على وجه الخصوص‪ ،‬والتي أسفرت عن عدد من‬
‫الضحايا والمصابين فضال عن تخريب المنشآت الرياضية وممتلكات الخواص وغيرذلك‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬قصورقواعد المسؤولية الفردية عن توفيرالحماية الكافية لضحايا أعمال‬


‫اإلرهاب والشغب‬

‫معلوم أن القضاء العادي واإلداري يقيم المسؤولية عن األضرار التي تصيب الغير على‬
‫أساس الخطأ‪ ،‬وذلك وفقا لألركان التقليدية للمسؤولية‪ ،‬وهي الخطأ والضرر وعالقة السببية‬
‫بينهما‪ ،‬وما زال تو افر هذه األركان هو األساس في المسؤولية الخطئية الستحقاق الضحية‬
‫للتعويض‪ ،‬سواء في مجال المسؤولية اإلدارية أو في مجال المسؤولية المدنية‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬فإذا عجز المتضرر عن إثبات خطأ الغير والضرر الذي أصابه وعالقة السببية‬
‫بينهما‪ ،‬فإنه لن يحصل على التعويض وفقا لهذه القواعد‪.‬‬

‫ولهذا‪ ،‬فقد خطى القضاء اإلداري الفرنس ي خطوات واسعة في مجال المسؤولية اإلدارية‬
‫بدون خطأ‪ ،‬فقررها في حاالت كثيرة‪ ،‬تحقيقا للعدالة‪ ،‬وتوزيعا للعبء العام على األفراد‪ ،‬فأصبح‬
‫يحكم للضحية بالتعويض ولو دون وقوع خطأ من المتسبب في الضرر‪ ،‬إذا كان ذلك ما تقتضيه‬
‫قواعد العدالة‪ ،‬وتبعه في ذلك القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬ولكن بخطوات أقل‪.‬‬

‫ورغم الجهد الملحوظ الذي بذله القضاء اإلداري‪ ،‬إال أن التطور الذي حققه في مجال‬
‫المسؤولية اإلدارية يبقى محدود األثر في التعويض عن األضرار المترتبة عن بعض الحوادث‬
‫كاألعمال اإلرهابية وأعمال الشغب؛ إذ ال تسعف األسس التقليدية للمسؤولية اإلدارية كالخطأ‬
‫واملخاطر في جبر هذه األضرار‪ ،‬لما تتطلبه من شروط معينة‪ ،‬فضال عن صعوبة إثبات الخطأ‬
‫المرفقي في مثل هذه الحوادث‪.460‬‬

‫‪ -460‬حمدي أبو النور السيد عويس‪ ،‬التعويض عن طريق صناديق الضمان في التشريع المقارن‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪ 017 :‬و‪ 012‬ورشيد البقالي‪ ،‬المسؤولية اإلدارية بدون خطأ‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون‬
‫العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد الله‪ ،‬فاس‪ ،4140-4141 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.472‬‬

‫‪P 304‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وجدير باإلشارة‪ ،‬أنه مع ظهور التقنيات الحديثة المستخدمة في الجريمة أيا كان نوعها‪،‬‬
‫أصبح من المتعسرفي كثيرمن الحاالت تحديد المسؤول عن األضرارالناجمة عنها‪ ،‬وهو ما يقع‬
‫بشكل ملحوظ بالنسبة لضحايا جرائم اإلرهاب والشغب‪.‬‬

‫بل قد يحدث في بعض الحاالت أال يوجد مسؤول عن األضرارالتي أصابت فئة معينة من‬
‫الناس‪ ،‬كما هوالحال في ضحايا الزالزل أوالبراكين أوالفيضانات‪ ،‬ومن غيرالعدل أن يترك هؤالء‬
‫الضحايا بال تعويضات‪ ،‬ملجرد أنه ال مسؤول عن مثل هذه الحوادث‪.‬‬

‫ولذلك جاءت مسؤولية الضمان كنظام يتحمل األضرارالو اقعة بهؤالء الضحايا‪ ،‬ويكمل‬
‫النقص الذي قد يعتري نظام المسؤولية بناء على خطأ أو بدون خطأ‪.461‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬جاء في عرض السيد الوزير المنتدب لدى وزير االقتصاد والمالية‪،‬‬
‫المكلف بالميزانية حول القانون رقم ‪ 991.94‬املحدث لنظام تغطية عو اقب الوقائع الكارثية‬
‫ما يلي‪":‬لذا‪ ،‬ومن أجل الحفاظ على مصالح ضحايا الوقائع الكارثية وضمان تعويض للمتضررين‬
‫من هذه الكوارث‪ ،‬فقد بات من الضروري وضع آليات للتعويض تكون ناجعة ومستدامة"‪.462‬‬

‫وهذا ما أشار إليه أيضا بعض الفقه المغربي‪ ،‬الذي أكد أن الحاجة ماسة إلى نصوص‬
‫تشريعية تغطي هذا الجانب‪ ،‬عندما يعاني املجتمع من ويالت جرائم اإلرهاب‪ .463‬وهو ما تنبه له‬
‫المشرع المغربي‪ ،‬فسن القانون رقم ‪ 991.94‬المتعلق بإحداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع‬
‫الكارثية‪ ،‬حيث قرر التعويض إما عن طريق صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية لغير‬
‫المؤمنين‪ ،‬وإما عن طريق التأمين بالنسبة لمن يتوفرون على تأمين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ماهية صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية ونطاق التعويض فيه‬

‫‪ -461‬حمدي أبو النور السيد عويس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 012‬و‪.012‬‬


‫‪ -462‬من عرض السيد الوزير المنتدب لدى وزير االقتصاد والمالية‪ ،‬المكلف بالميزانية أمام لجنة المالية والتجهيزات‬
‫والتخطيط والتنمية الجهوية بمجلس المستشارين‪ ،‬بتاريخ ‪ 04‬يوليوز ‪.4102‬‬
‫‪ -463‬الطيب أنجار‪ ،‬تعويض ضحايا جرائم اإلرهاب في المملكة المغربية‪ ،‬مجلة القضاء والقانون‪ ،‬السنة ‪ ،42‬العدد‬
‫‪ ،022‬دجنبر ‪ ،4102‬ص‪.44 :‬‬

‫‪P 302‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫شهد المغرب كغيره من الدول أحداثا اجتماعية ذات طابع عنيف‪ ،‬أحدثت أضرارا‬
‫جسمانية بليغة وخسائرا في األرواح‪ ،‬وأضرارا مادية مهمة في الممتلكات‪ ،‬وهو ما دفع بالمشرع‬
‫المغربي نحوسن القانون رقم ‪ 991.94‬المتعلق بإحداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية؛‬
‫وهو نظام مزدوج للتعويض يتعلق شقه األول بتمكين األشخاص الذاتيين غير المتوفرين على‬
‫تغطية تأمينية من حد أدنى من التعويض عن الضرر الذي قد يتعرضون له في حالة حدوث‬
‫و اقعة كارثية‪ ،‬في حين يتعلق الشق اآلخر بتعويض األشخاص المتوفرين على عقود تأمين‪،‬‬
‫والذين كانوا ضحية إحدى الوقائع الكارثية‪.‬‬

‫وفيما يلي سنتناول الشق األول من نظام التعويض وهو نظام التضامن‪ ،‬الذي يتكفل به‬
‫صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية‪ ،‬وذلك في الفرعين التاليين‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ماهية صندوق التضامن‬

‫سنتطرق في هذا الصدد لتأليف ومهام صندوق التضامن (الفقرة األولى)‪ ،‬وموارده‬
‫ونفقاته (الفقرة الثانية)‪ ،‬ثم شروط وكيفيات اللجوء إليه من لدن ضحايا إحدى الوقائع‬
‫الكارثية‪ ،‬ومنها أعمال اإلرهاب والشغب (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تأليفه ومهامه‬

‫يعد نظام التغطية ضد عو اقب الوقائع الكارثية آلية تهدف إلى تعويض الضحايا عن‬
‫األضرارالبدنية واألضرارالمادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية‪ ،‬أواألضرارالناشئة عن الفعل‬
‫العنيف لإلنسان‪ ،‬سواء تجسد هذا الفعل العنيف في عمل من أعمال اإلرهاب أو الشغب‪.‬‬

‫وحسب المادة الثالثة من القانون رقم ‪ 991.94‬السالف الذكر‪ ،‬يقصد بالو اقعة‬
‫الكارثية "كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب‪ ،‬يرجع السبب الحاسم فيه إلى فعل‬
‫القوة غيرالعادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف لإلنسان"‪.‬‬

‫ولهذا الغرض‪ ،‬أحدث المشرع المغربي بموجب القانون المذكورصندوق التضامن ضد‬
‫الوقائع الكارثية‪ ،‬من أجل توفيرالحد األدنى من التعويض لصالح ضحايا هذه الوقائع الذين ال‬
‫يتوفرون على تغطية ضد الضرر الذي لحق بهم‪ .‬ويعد هذا الصندوق شخصا اعتباريا خاضعا‬

‫‪P 307‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫للقانون العام‪ ،‬ويتمتع باالستقالل المالي‪ .464‬وبما أن هذا الصندوق يخضع لوصاية الدولة‪،‬‬
‫فإنه من المنطقي أن يخضع للمر اقبة المالية للدولة المطبقة على المقاوالت العمومية‪.465‬‬

‫هذا‪ ،‬ويديرصندوق التضامن مجلس إداري ويسيره مدير‪.‬‬

‫ويتكون هذا املجلس من‪:‬‬

‫‪ 1-‬ممثلين عن اإلدارة؛‬

‫‪ -‬ممثل عن هيئة مر اقبة التأمينات واالحتياط االجتماعي تعينه هذه الهيئة؛‬

‫‪ -‬ممثلين اثنين عن مقاوالت التأمين وإعادة التأمين المعتمدة بالمغرب‪ ،‬يتم تعيينهما من‬
‫طرف رئيس الحكومة لمدة ‪ 1‬سنوات باقتراح من الجامعة المغربية لشركات التأمين وإعادة‬
‫التأمين‪.466‬‬

‫وتتجلى أهم مهام وأهداف صندوق التضامن فيمايلي‪:‬‬

‫‪ ‬تعويض ضحايا الوقائع الكارثية وفق الشروط المنصوص عليها في القانون رقم‬
‫‪ 991.94‬السالف الذكر؛‬

‫‪ ‬منح قروض لمقاوالت التأمين وإعادة التأمين بموجب العمليات التي يحددها هذا‬
‫القانون؛‬

‫‪ ‬المساهمة في الضمان الذي تمنحه الدولة وفق أحكام القانون؛‬

‫‪ ‬صياغة اقتراحات و إبالغها إلى اإلدارة بهدف تحسين النظام؛‬

‫‪ ‬إعداد معطيات إحصائية ومالية تتعلق بعو اقب الوقائع الكارثية و إبالغها إلى‬
‫اإلدارة بناء على طلبها؛‬

‫‪ ‬إنجازأو األمربإنجازكل الدراسات التي يراها ضرورية لممارسة مهامه‪.467‬‬

‫‪ -464‬المادة ‪ 01‬من القانون رقم ‪ 001.02‬السالف الذكر‪.‬‬


‫‪ -465‬المادة ‪ 02‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪ -466‬انظر المادتين ‪ 02‬و‪ 02‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪ -467‬راجع المادة ‪ 07‬من القانون رقم ‪ 001.02‬السالف الذكر‪.‬‬

‫‪P 310‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موارده ونفقاته‬

‫لقد حددت المادة ‪ 20‬من القانون رقم ‪ 991.94‬السالف الذكر‪ ،‬موارد صندوق التضامن‬
‫ضد الوقائع الكارثية‪ ،‬وكذا نفقاته‪.‬‬

‫فبالنسبة لموارده ومداخيله فتشمل ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬مخصص أولي مدفوع من الدولة محدد في قانون للمالية؛‬

‫‪ ‬عائدات الرسوم شبه الضريبية املحدثة لفائدته بنص تنظيمي؛‬

‫‪ ‬األجرة عن الخدمات المقدمة؛‬

‫‪ ‬المصاريف واألتعاب المؤداة من قبل مقاوالت التأمين وإعادة التأمين برسم‬


‫عمليات الخبرة المنجزة لفائدتها من طرف الخبرة المشار إليها في القانون‬
‫المذكور؛‬

‫‪ ‬مبلغ القروض المسدد من طرف مقاوالت التأمين وإعادة التأمين؛‬

‫‪ ‬عائدات وفوائد توظيف أموال صندوق التضامن؛‬

‫‪ ‬مبلغ االقتراضات؛‬

‫‪ ‬عائدات الرجوع الممارس من طرف صندوق التضامن؛‬

‫‪ ‬مبلغ االقتراضات؛‬

‫‪ ‬اإلعانات والهبات والوصايا‪.‬‬

‫وفيما يخص نفقات الصندوق المذكورفهي تشمل‪:‬‬

‫‪ ‬التعويضات المدفوعة لفائدة ضحايا الوقائع الكارثية؛‬

‫‪ ‬القروض الممنوحة لمقاوالت التأمين وإعادة التأمين؛‬

‫‪ ‬المساهمة في الضمان الممنوح من طرف الدولة؛‬

‫‪ ‬نفقات التسييرواالستثمار؛‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ ‬مصاريف تسييروتجهيزلجنة التتبع بما فيها المتعلقة بلجنة الخبرة؛‬

‫‪ ‬مصاريف تسييروتجهيزلجنة تسوية النزاعات؛‬

‫‪ ‬كل النفقات األخرى المرتبطة مباشرة بمهام صندوق التضامن‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬شروط وكيفيات اللجوء إلى صندوق التضامن‬

‫يتم تعويض ضحايا إحدى الوقائع الكارثية ضمن الحدود وتبعا للقواعد الحسابية‬
‫املحددة في القانون رقم ‪ 991.94‬السالف الذكروالنصوص المتخذة لتطبيقه‪.468‬‬

‫وحسب المادتين ‪ 0‬و‪ 1‬من القانون المذكور‪ ،‬فإنه بمجرد نشر القرار اإلداري القاض ي‬
‫باإلعالن عن حدوث الو اقعة الكارثية‪ ،‬تنطلق عملية تقييد الضحايا في سجل تعداد ضحايا‬
‫الوقائع الكارثية داخل أجل ال يتجاوز ‪ 3‬أشهر‪ ،‬وكذا عملية منح التعويضات من طرف صندوق‬
‫التضامن ضد الوقائع الكارثية‪.‬‬

‫وألجل االستفادة من التعويضات الممنوحة من طرف هذا الصندوق‪ ،‬يجب على الضحية‬
‫المقيدة في سجل التعداد أو ذوي حقوقها أن يقدموا طلبا كتابيا إليه‪ ،469‬يوجه مباشرة إليه‬
‫بواسطة رسالة مضمونة مع إشعاربالتوصل‪ ،‬أو يودع في مقره مقابل وصل‪.‬‬

‫كما يمكن كذلك إرسال الطلب المذكور إلى صندوق التضامن بأية وسيلة من وسائل‬
‫االتصال عن بعد‪ ،‬التي يضعها الصندوق رهن إشارة الطالب‪.470‬‬

‫وينبغي أن يرفق الطلب المذكوربالوثائق التالية‪:471‬‬

‫‪ -468‬المادة ‪ 47‬من القانون رقم ‪ 001.02‬السالف الذكر‪.‬‬


‫‪ -469‬المادة ‪ 23‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪ -470‬انظر المادة ‪ 40‬من المرسوم رقم ‪ 4.02.721‬الصادر في ‪ 43‬من شعبان ‪ 42( 0221‬أبريل ‪)4102‬‬
‫بتطبيق القانون رقم ‪ 001.02‬المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم‬
‫‪ 07.22‬المتعلق بمدونة التأمينات‪ ،‬ج‪.‬ر عدد ‪ 2772‬بتاريخ ‪ 01‬رمضان ‪ 02 ( 0221‬ماي ‪ ،)4102‬ص‪.4717 :‬‬
‫‪ -471‬المادة ‪ 44‬من المرسوم السالف الذكر‪.‬‬

‫‪P 312‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أ‪ -‬في حالة العجزالبدني الدائم للضحية‪:‬‬

‫يجب أن يتضمن ملف التعويض مايلي‪:‬‬

‫‪ ‬وثيقة تثبت هوية الضحية أو ذوي حقوقها؛‬

‫‪ ‬وثيقة تثبت هوية الطالب عندما يقدم الطلب من طرف شخص آخرغيرالضحية‬
‫أو ذوي حقوقها؛‬

‫‪ ‬وصل التقييد في سجل تعداد ضحايا الوقائع الكارثية؛‬

‫‪ ‬تصريح بالشرف يصرح بموجبه الضحية أو ذوي حقوقها أن الضررموضوع طلب‬


‫التعويض غير متوفر على تغطية أخرى حسب مدلول المادة ‪ 21‬من القانون رقم‬
‫‪ 991.94‬السالف الذكر‪.‬‬

‫ب‪ -‬في حالة وفاة الضحية أو في حالة شخص مفقود‪:‬‬

‫يجب أن يشمل ملف التعويض‪ ،‬عالوة على ما سبق ذكره في النقطة (أ)‪ ،‬ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬مستخرج من رسم والدة ذوي حقوق الضحية أو الشخص المفقود؛‬

‫‪ ‬وثيقة تثبت‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬إصابة الفرع بعاهة بدنية أو عقلية ال يستطيع معها‬
‫القيام بسد حاجاته‪.‬‬

‫ج‪ -‬في حالة فقدان المسكن الرئيس ي‪:‬‬

‫يجب أن يشمل ملف التعويض‪ ،‬فضال عما سبق ذكره في النقطة (أ)‪ ،‬ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬نسخة من رسم ملكية املحل موضوع طلب التعويض أو أي وثيقة أخرى تثبت‬
‫ملكية املحل المذكور؛‬

‫‪ ‬وثيقة مسلمة من طرف السلطات املختصة‪ ،‬تثبت أن املحل المذكور كان‬


‫مخصصا‪ ،‬من قبل المالك أو زوجه أو أزواجه أو األطفال الذين هم تحت كفالته‬
‫أو هم معا‪ ،‬لسكنهم الرئيس ي حسب مدلول المادة ‪ 2‬من القانون رقم ‪991.94‬‬
‫السالف الذكر‪.‬‬

‫‪P 313‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫هذا‪ ،‬ويعتبر ملف التعويض كامال إذا تضمن‪ ،‬عالوة على الوثائق المشار إليها أعاله‪،‬‬
‫الوثائق التالية التي تمكن صندوق التضامن من تقييم التعويض حسب الحاالت المبينة بعده‪:‬‬

‫أ‪ -‬في حالة العجزالبدني الدائم للضحية‪:‬‬

‫‪-‬شهادة تثبت استقرار جراح الضحية بصفة نهائية مسلمة من طرف طبيب ممارس‬
‫بالقطاع العام‪ ،‬وتتضمن نسبة العجزالبدني الدائم الذي ستظل الضحية مصابة به؛‬

‫‪-‬الوثائق المثبتة ألجرة الضحية أو كسبه المنهي‪.‬‬

‫ب‪ -‬في حالة وفاة الضحية أو في حالة شخص مفقود‪:‬‬

‫‪ -‬نسخة من رسم وفاة الضحية‪ ،‬وفي حالة شخص مفقود وثيقة تثبت فقدانه أو نسخة‬
‫من الحكم القضائي المصرح بموته؛‬

‫‪ -‬الوثائق المثبتة ألجرة الضحية أو الشخص المفقود أو لكسبه المنهي؛‬

‫‪ -‬إثباتا لصفة ذوي حقوق الضحية أو الشخص المفقود‪.‬‬

‫ج‪ -‬في حالة فقدان المسكن الرئيس ي أو فقدان االنتفاع به‪:‬‬

‫‪-‬إعداد تقريرالخبرة من طرف لجنة الخبرة‪.472‬‬

‫وبعد استكمال وثائق ملف التعويض يقوم صندوق التضامن بدراسة طلب التعويض‪،‬‬
‫ويدعو‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬المعني باألمر إلى إتمام البيانات التي تم إغفالها أو اإلدالء بالوثائق‬
‫الناقصة‪ ،‬ويبت بشأن قبول أو رفض هذا الطلب‪.473‬‬

‫ويجب على صندوق التضامن أن يبلغ مقترح التعويض إلى الطالب‪ ،‬بواسطة رسالة‬
‫مضمونة مع إشعار بالتوصل أو عن طريق إجراء غير قضائي‪ ،‬وذلك داخل أجل (‪ )31‬يوما من‬
‫تاريخ التوصل بملف التعويض الكامل‪.474‬‬

‫‪-472‬انظر المادة ‪ 21‬من القانون رقم ‪ 001.02‬السالف الذكر‪.‬‬


‫‪-473‬انظر المادة ‪ 22‬من القانون المذكور‪.‬‬
‫‪-474‬انظر المادة ‪ 27‬من نفس القانون‬

‫‪P 314‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وبعد استالم التوصيل يجب على المستفيد من التعويض توقيعه وإرجاعه إلى‬
‫الصندوق‪ .‬هذا األخير ملزم بدفع التعويض المستحق داخل أجل (‪ )31‬يوما بعد استالم‬
‫التوصيل الموقع عليه‪.475‬‬

‫هذا‪ ،‬ويتقادم كل طلب أداء التعويضات التي يمنحها صندوق التضامن بمرور سنتين‬
‫ابتداء من تاريخ نشرالقراراإلداري الذي أعلن عن الو اقعة الكارثية‪.476‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نطاق التعويض في صندوق التضامن والمنازعات المترتبة عنه‬

‫سنتناول نطاق التعويض في صندوق التضامن في (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم المنازعات‬


‫المتعلقة بمنح التعويض في (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬نطاق التعويض في صندوق التضامن‬

‫سنتناول هذه الفقرة في البندين التاليين‪:‬‬

‫البند األول‪ :‬األضرارالقابلة للتعويض‬

‫يمكن تقسيم هذه األضرار إلى نوعين‪:‬‬

‫أوال‪ -‬تعويض األشخاص الذين تعرضوا ألضرار بدنية أو في حالة الوفاة‪ ،477‬ويشمل‬
‫التعويض المستحق برسم الضررالذي يتعرض له األشخاص المؤهلون‪:‬‬

‫‪ -‬العجزالبدني الدائم للضحية؛‬

‫‪ -‬فقدان مورد العيش الذي يلحق بذوي حقوق الضحية بسبب وفاتها أو فقدانها‪.‬‬

‫ويعتبر في حكم ذوي الحقوق األشخاص الذين كانت الضحية الهالك أو المفقود ملزما‬
‫بالنفقة عليهم بموجب قواعد نظام أحواله الشخصية‪ ،‬وكذا كل شخص آخركان يعوله دون أن‬
‫يكون ملزما بالنفقة عليه‪.‬‬

‫‪-475‬انظر المادة ‪ 22‬منه‪.‬‬


‫‪-476‬انظر المادة ‪ 13‬منه‪.‬‬
‫‪ -477‬انظر بهذا الخصوص المواد‪ 42 :‬و‪ 31‬و‪ 32‬و‪ 32‬من القانون رقم ‪ 001.02‬السالف الذكر‪.‬‬

‫‪P 315‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ثانيا‪-‬التعويض عن فقدان المسكن الرئيس ي أو عن فقدان االنتفاع به‪ :‬فبالنسبة‬


‫للتعويض عن فقدان المسكن الرئيس ي فهو يتم على النحو التالي‪:‬‬

‫عندما يتم اإلعالن على أن المسكن الرئيس ي غير صالح للسكن‪ ،‬يتم منح تعويض عن‬
‫فقدان مكان المسكن الرئيس ي لمالك المسكن الذي يشغل مكان اإلقامة المذكور؛‬

‫يؤدى التعويض المذكور أعاله أيضا للمالك غير العضو في هذه العائلة‪ ،‬عندما يكون‬
‫زوجه أو أزواجه أو األطفال الذين هم تحت كفالته أو هم معا أعضاء في العائلة المذكورة‪.‬‬

‫وبالنسبة للتعويض عن فقدان االنتفاع بالسكن‪ ،‬فيؤدى التعويض عن فقدان االنتفاع‬


‫بالمسكن الرئيس ي للمكتري العضوفي العائلة التي تقيم بهذا السكن‪ .‬ويؤدى أيضا هذا التعويض‬
‫للمكتري غير العضو في هذه العائلة الذي يكون زوجه أو أزواجه أو األطفال الذين هم تحت‬
‫كفالته أو هم معا أعضاء في العائلة المذكورة‪.‬‬

‫وفي حالة ما إذا كانت العائلة تقيم بالمسكن الرئيس ي بدون مقابل‪ ،‬يؤدى التعويض عن‬
‫فقدان االنتفاع لفائدة هذه العائلة‪.‬‬

‫البند الثاني‪ :‬األشخاص المؤهلون لالستفادة من التعويضات التي يمنحها الصندوق‬

‫طبقا للمادة ‪ 21‬من القانون رقم ‪ 991.94‬السالف الذكر‪ ،‬يستفيد من التعويضات التي‬
‫يمنحها صندوق التضامن أولئك الذين ال يتوفرون على تغطية أخرى ضد عو اقب الوقائع‬
‫الكارثية‪ ،‬خاصة‪:‬‬

‫*األشخاص الذين أصيبوا بضرر بدني ناجم مباشرة عن الو اقعة الكارثية‪ ،‬بمن فيهم‬
‫أولئك الذين يساهمون في عملية اإلنقاذ واإلغاثة واستتباب األمن‪ ،‬مرتبطة بهذه الو اقعة‪ ،‬أو‬
‫ذوي حقوقهم في حالة وفاة هؤالء األشخاص‪.‬‬

‫*أعضاء العائلة الذين تسببت هذه الو اقعة‪ ،‬بشكل مباشر‪ ،‬في جعل مسكنهم الرئيس ي‬
‫غير صالح للسكن‪ ،‬ويمكن كذلك لألشخاص غير األعضاء في هذه العائلة االستفادة من‬
‫التعويضات التي يمنحها الصندوق عندما يكون أزواجهم أو أطفالهم الذين هم تحت كفالههم أو‬
‫هم معا أعضاء في العائلة المذكورة‪.‬‬

‫‪P 316‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المنازعات المتعلقة بمنح التعويض‬

‫إن أي نزاع بين صندوق التضامن وضحية و اقعة كارثية يجب تقديمه أوال إلى لجنة‬
‫تسوية النزاعات‪ .‬لكن‪ ،‬وقبل لجوء المعني باألمرإلى هذه اللجنة يجب عليه‪ ،‬حينما يرفض مبلغ‬
‫التعويض المقترح عليه‪ ،‬إبالغ رفضه إلى صندوق التضامن بواسطة أي وثيقة ثابتة التاريخ‪.478‬‬

‫وبعد قيام المعني باألمر أو الضحية بهذا اإلجراء الالزم مراعاته من لدنه‪ ،‬يمكنه اللجوء‬
‫آنئذ إلى لجنة تسوية المنازعات‪ ،‬والتي تتولى البت في كل نزاع قائم بين ضحايا و اقعة كارثية أو‬
‫ذوي حقوقهم وصندوق التضامن قبل إقامة أي دعوى قضائية‪ ،‬وذلك وفق الشكليات‬
‫والمساطرالمنصوص عليها في هذا املجال‪.479‬‬

‫وتشكل لجنة التسوية بالنسبة لكل و اقعة كارثية‪ .‬ويجب تقديم الطعن أمام هذه اللجنة‪،‬‬
‫تحت طائلة عدم القبول‪ ،‬داخل أجل سنة ابتداء من تاريخ تبليغ القرار المتنازع فيه‪ ،‬المتخذ‬
‫من قبل صندوق التضامن‪ .‬غيرأنه‪ ،‬يمكن للجنة التسوية رفع هذا الجزاء عن الطاعن إذا ثبت‬
‫بأنه لم يكن قادرا‪ ،‬لوجود عذرمشروع على المطالبة بحقوقه داخل األجل املحدد‪.‬‬

‫وينبغي تقديم الطعن المذكورفي شكل طلب مكتوب من طرف الضحية‪ ،‬أو ذوي حقوقها‬
‫أو األشخاص المفوضين من قبلهم لهذا الغرض‪ ،‬ويوجه هذا الطلب إلى لجنة التسوية مرفقا‪،‬‬
‫عند االقتضاء‪ ،‬بجميع الوثائق التي يعتزم الطالب استعمالها‪ ،‬وذلك بواسطة رسالة مضمونة‬
‫مع إشعاربالتوصل أو يتم إيداعه بمقراللجنة مقابل وصل‪.480‬‬

‫هذا‪ ،‬وتقوم لجنة التسوية بجميع إجراءات البحث؛ باالستماع إلى أطراف النزاع أو إلى‬
‫ممثليهم أوإلى الشهود‪ ،‬أو بتعيين خبراء أو بأي إجراء آخرللبحث‪ ،‬يكون ضروريا لتسوية النزاعات‬
‫المعروضة عليها‪.481‬‬

‫وتتوفرلجنة التسوية على أجل ال يتعدى ستة (‪ )0‬أشهر‪ ،‬يبتدئ من تاريخ رفع األمرإليها‪،‬‬
‫وذلك قصد اتخاذ قرارها النهائي‪ .‬ويمكن تمديد هذا األجل لنفس المدة من طرف رئيس املحكمة‬

‫‪ -478‬انظر المادة ‪ 11‬من القانون رقم ‪ 001.02‬السالف الذكر‪.‬‬


‫‪ -479‬المادة ‪ 12‬من القانون رقم ‪ 001.02‬السالف الذكر‪.‬‬
‫‪ -480‬المادة ‪ 17‬من القانون نفسه‪.‬‬
‫‪ -481‬المادة ‪ 12‬من نفس القانون‪.‬‬

‫‪P 314‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫اإلدارية املختصة باعتبار مكان وقوع الو اقعة الكارثية‪ ،‬وذلك بناء على طلب من رئيس لجنة‬
‫التسوية‪.‬‬

‫وإذا لم تتخذ لجنة التسوية قرارها داخل األجل المذكور‪ ،‬يمكن للضحية أو لذوي‬
‫حقوقها أو لألشخاص المفوضين من قبلهم لهذا الغرض‪ ،‬أن يتقدموا بالطعن أمام املحكمة‬
‫اإلدارية املختصة باعتبار مكان وقوع الو اقعة الكارثية‪ ،‬وذلك داخل أجل (‪ )01‬يوما ابتداء من‬
‫اليوم األول الذي يلي انصرام األجل المنصوص عليه في الفقرة أعاله‪.482‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أحكام التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية‬

‫في ظل و اقع يتسم بارتفاع وثيرة الوقائع الكارثية‪ ،‬وال سيما التي يكون مصدرها الفعل‬
‫العنيف لإلنسان‪ ،‬والمتمثلة أساسا في أعمال اإلرهاب وأعمال الشغب‪ ،‬فقد سن المشرع‬
‫المغربي نظاما للتغطية ضد عو اقب هذه الوقائع‪ .‬ويجمع هذا النظام بين نظامي التضامن‬
‫الذي سبق التطرق إليه‪ ،‬والتأمين لفائدة األشخاص الذين اكتتبوا عقد تأمين‪.‬‬

‫وألهمية هذا النظام األخير وحداثته في التأمين ضد األعمال اإلرهابية وأعمال الشغب‪،‬‬
‫فسنتطرق بإيجاز لمفهوم التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية في (الفرع األول)‪ ،‬وأحكام‬
‫التغطية التأمينية ضد مخاطراإلرهاب والشغب في (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية‬

‫سنقسم هذا الفرع إلى فقرتين‪ ،‬نتناول التعريف بالتأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية‬
‫في (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم شروطه وإجراءاته في (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التعريف بالتأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية‬

‫إن فلسفة التأمين تقوم باألساس على محاولة توسيع دائرة المساهمين في توفيرالضمان‬
‫المالي‪ ،‬لدفع التعويضات المستحقة حين يتعرض األفراد ألضرارجسيمة‪ ،‬بشكل يعجزالكثيرين‬
‫عن تحملها‪ ،‬إذ يمكن من خالل التأمين تشتيت الخسارة وتبديدها من خالل وجود عدد كبيرمن‬

‫‪ -482‬المادة ‪ 20‬من نفس القانون‪.‬‬

‫‪P 312‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫األشخاص يههددهم جميعا خطر واحد‪ ،‬بحيث متى تحقق هذا الخطر تم تعويضه من مبالغ‬
‫المتعاونين‪.483‬‬

‫والتأمين لغة‪ :‬من أمن واألمان بمعنى جعله في أمن‪ ،‬يقال تأمينا على الش يء أي اتخذه‬
‫أمينا‪ ،‬قال‪ :‬آمين‪ ،‬أي أن التأمين من األمان أي الطمأنينة‪.‬‬

‫واصطالحا‪ ،‬عرف الفقيه الفرنس ي ‪ HEMARD‬التأمين بأنه "عملية يحصل بمقتضاها‬


‫أحد الطرفين وهو المؤمن له نظير دفع مبلغ معين‪ ،‬وهو القسط‪ ،‬على تعهد لصالحه أو لصالح‬
‫الغير في حالة تحقق خطر معين من طرف اآلخر‪ ،‬وهو المؤمن الذي يحمل على عاتقه مجموعة‬
‫من املخاطرويجري بينها المقاصة‪ ،‬وفقا لقوانين اإلحصاء"‪.484‬‬

‫وألن مخاطر أعمال اإلرهاب والشغب في تزايد مستمر ألسباب متعددة سبق بيانها‪ ،‬فقد‬
‫اهتدى المشرع المغربي بموجب القانون رقم ‪ 991.94‬السالف الذكرإلى إجبارية اشتمال عقود‬
‫التأمين على الضمان ضد عو اقب تلك األعمال والجرائم‪.485‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروطه التأمين وإجراءاته‬

‫سنقسم هذه الفقرة إلى بندين على النحو التالي‪:‬‬

‫البند األول‪ :‬شروط التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية‬

‫إذا كان التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية يعد نوعا من أنواع عقود التأمين‪ ،‬فإنه‬
‫يخضع لذات الشروط الفنية التي يخضع لها عقد التأمين عموما‪ ،‬فهل تنسجم هذه الشروط‬
‫مع أعمال اإلرهاب والشغب كمخاطر يؤمن ضدها‪ ،‬بوصفها جرائم تخلف خسائر جسيمة في‬
‫األرواح واألموال والممتلكات؟‪ .‬لنرى ذلك وكما يلي‪:486‬‬

‫‪ -483‬ديش موسى‪ ،‬دور التأمين في جبر األضرار الناجمة عن الجرائم اإلرهابية (دراسة مقارنة)‪ ،‬مجلة البحوث‬
‫القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،4102 ،3‬ص‪.024 :‬‬
‫‪484‬‬
‫‪- Maurice Picard et André Besson, les assurances terroristes, Le contrat‬‬
‫‪d’assurance 11Ed, LGDJ, 1982, p : 2.‬‬
‫‪ -485‬المادة ‪ 0-22‬من القانون السالف الذكر‪.‬‬
‫‪ -486‬إسراء صالح داود‪ ،‬التأمين ضد األعمال اإلرهابية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 021-023 :‬وديش موسى‪ ،‬دور‬
‫التأمين في جبر األضرار الناجمة عن الجرائم اإلرهابية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.410-022 :‬‬

‫‪P 317‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أوال‪-‬التعاون‪:‬‬

‫إن عقد التأمين يقوم أساسا على التعاون من خالل تجميع أكبر عدد ممكن من‬
‫األشخاص الذين يتعرضون للخطر ذاته‪ ،‬ورغبة منهم في تجنب ما ينجم عن وقوعه من آثار‬
‫وخيمة‪ ،‬ودفع ضرره بدال من تحمل آثاره بصورة فردية‪ ،‬يعجزالفرد لوحده عن تجنب آثاره‪ ،‬فإذا‬
‫ما ساهم المؤمن لهم في جمع المال عن طريق قيامهم بتسديد أقساط التأمين‪ ،‬ولحق بأحدهم‬
‫ضرر نتيجة لتحقق الخطر المؤمن منه‪ ،‬فإن الجميع يكونون قد ساهموا في تغطية الخسائر‬
‫الناشئة عن وقوع الخطرالمؤمن ضده‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن التأمين ضد الفعل اإلرهابي واالضطرابات الشعبية أو ما يعرف بأعمال‬


‫الشغب يكون وسيلة لتوزيع وتشتيت الخسائر الناجمة عن اإلرهاب أو الشغب‪ ،‬التي تؤدي إلى‬
‫إلحاق األذى ببعض المؤمن لهم‪ ،‬ألن غاية التأمين تحقيق التضامن والتكافل بين مجموعة من‬
‫الناس يتعرضون إلى خطرواحد أو مجموعة أخطارتهددهم في سالمة أنفسهم وأموالهم‪.‬‬

‫ولما كانت مخاطرأعمال اإلرهاب والشغب عبارة عن استخدام للقوة والعنف من جانب‬
‫الجناة‪ ،‬بهدف اإلخالل بالنظام العام وتعريض سالمة املجتمع وأمنه للخطر‪ ،‬عن طريق إيذاء‬
‫األشخاص وإلقاء الرعب بينهم‪ ،‬وتعريض حياتهم وأموالهم للخطر‪ ،‬وعلى اعتبار أن املخاطر‬
‫اإلرهابية وكذا مخاطرأعمال الشغب أمرمحتمل حدوثها‪ ،‬قد تصيب فردا أوأفرادا من املجتمع‪،‬‬
‫أمام هذا كله يستوجب تعاون هؤالء األفراد الذين يههددهم هذا النوع من املخاطر ويرغبون في‬
‫الوقاية من آثاره السيئة واملحتمل حدوثها‪ ،‬فلزاما عليهم أن يتعاونوا لمواجهة هذه املخاطر‬
‫بواسطة مساهمة كل منهم بقسط تأميني يدفعونه للمؤمن‪.‬‬

‫ثانيا‪-‬إجراء المقاصة بين املخاطر‬

‫تعتبر المقاصة بين املخاطر ع ملية فنية بحتة‪ ،‬إذ غايهها توفير نوع من الحماية والضمان‬
‫للمؤمن‪ ،‬وذلك من خالل تحويل مجموع مبالغ التأمين التي تستحق عند تحقق الخطر منه‪،‬‬
‫فكلما زاد عدد المؤمن لهم كلما حقق التأمين أهدافه بتوزيع عبء املخاطر التي تلحق ببعض‬
‫المؤمن لهم على حساب المؤمن لهم جميعا‪ .‬ولتحقيق المقاصة ينبغي أن تكون املخاطر أو‬
‫األخطارذات طبيعة واحدة من حيث النوع والمدة‪ ،‬وهو ما يمكن أن يتحقق في عقد التأمين ضد‬

‫‪P 320‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أعمال اإلرهاب والشغب‪ ،‬إذ أنها متحدة من حيث النوع وهو اإلرهاب أو الشغب‪ ،‬ومن حيث‬
‫المدة وهي مدة سريان عقد التأمين‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬عوامل اإلحصاء‬

‫يقصد بها العمليات الحسابية التي من خاللها يمكن للمؤمن أن يتعرف على الحوادث‬
‫املحتملة الوقوع خالل فترة زمنية معينة‪ ،‬ويطلق عليها كذلك بحساب االحتماالت وذلك لتحديد‬
‫درجة حدة الخطرليتمكن المؤمن من تحديد سعرالتأمين‪ ،‬ومن ثم تحديد القسط الذي ينبغي‬
‫للمؤمن دفعه‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬نالحظ أن المشرع المغربي قد حدد سعر ضمان الو اقعة الكارثية‬
‫للمؤمن لهم تجاه شركات التأمين‪ ،‬وذلك بموجب قرار لوزير االقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة‬
‫رقم ‪ 4911.91‬بتحديد األقساط أواالشتراكات المتعلقة بالضمان ضد عو اقب الوقائع الكارثية‬
‫ونسب العمولة برسم عرض عمليات التأمين المتعلقة بهذا الضمان وكذا أسقفه ومبالغ‬
‫خلوص التأمين‪ ،‬الصادرفي ‪ 21‬دجنبر ‪ ،4872191‬وتم تحديد هذه النسبة كما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬تأمين األضرارعلى الممتلكات‪ 8%:‬من القسط المتعلق بعقد التأمين الذي يغطي‬
‫األضرار التي تلحق بالممتلكات (بحد أقص ى ال يتجاوز ‪ 911.111‬درهم لكل‬
‫عقار)‪.488‬‬

‫‪ ‬التأمين على السيارات‪:‬‬

‫‪ -‬المسؤولية المدنية‪ 2% :‬من قسط تأمين المسؤولية المدنية على السيارات‪ ،‬عندما‬
‫تكون العربة مخصصة لالستعمال في النقل العمومي للمسافرين‪ ،‬و ‪ 3,5%‬من هذا القسط‬
‫بالنسبة لالستخدامات األخرى‪.489‬‬

‫‪ -487‬قرار لوزير االقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة رقم ‪ 2011.02‬صادر في ‪ 31‬من ربيع اآلخر ‪47( 0220‬‬
‫ديسمبر ‪ ، )4102‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2223‬بتاريخ ‪ 3‬جمادى األولى ‪ 31( 0220‬ديسمبر ‪ ،)4102‬ص‪:‬‬
‫‪.00222‬‬
‫‪ -488‬المادة الثانية من القرار المذكور‪.‬‬

‫‪ -489‬المادة ‪ 2‬من القرار المشار إليه أعاله‪.‬‬

‫‪P 321‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -‬ضمانات األضرار التي تلحق بالعربات‪ :‬حددت نسبة ضمان الو اقعة الكارثية في ‪1,5%‬‬
‫من القسط الخاص فقط بالضمانات الملحقة‪.490‬‬

‫‪ ‬المسؤولية المدنية جراء األضرار البدنية الالحقة بالغير‪ %2 :‬من القسط‬


‫المتعلق بعقود التأمين التي تغطي هذا النوع من التأمين‪.491‬‬

‫البند الثاني‪ :‬إجراءات التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية‬

‫وفيما يتعلق بإجراءات التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية‪ ،‬فإنه يجب على المؤمن له‬
‫إعالم مؤمنه‪ ،‬داخل أجل ال يتعدى ‪ 21‬يوما بعد حدوث الو اقعة الكارثية‪ ،‬ما عدا في حالة‬
‫االستحالة المطلقة للقيام بذلك‪ ،‬أو في حالة وجود سبب مشروع‪ ،‬أو وقع حادث فجائي أو قوة‬
‫قاهرة‪.‬‬

‫ويتم هذا اإلعالم إما كتابة‪ ،‬أو شفويا مقابل وصل‪ ،‬أو بواسطة أي وسيلة أخرى تثبت‬
‫التوصل‪.‬‬

‫ففي حالة األضرار المادية‪ ،‬يتعين على الضحية التقدم بطلب تعويض لدى مؤمنها‪،‬‬
‫استنادا إلى النموذج املحدد في الملحق رقم (‪ )2‬بقراروزيراالقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة رقم‬
‫‪ 2294.91‬المتعلق بتحديد كيفيات إعمال الضمان ضد عو اقب الوقائع الكارثية‪ ،‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 31‬من ربيع اآلخر‪ 21( 9449‬ديسمبر‪ ،492)2191‬مع تضمنه للبيانات والمعلومات التالية‪:‬‬

‫‪ ‬هوية المصرح؛‬

‫‪ ‬رقم بوليصة التأمين واسم المؤمن؛‬

‫‪ ‬أرقام بوليصة التأمين‪ ،‬إن وجدت‪ ،‬والتي تغطي األضرار التي لحقت بموضوع‬
‫التصريح؛‬

‫‪ ‬تاريخ ومكان وقوع الحادث؛‬

‫‪ -490‬المادة ‪ 3‬من نفس القرار المذكور‪.‬‬


‫‪ -491‬المادة ‪ 1‬منه‪.‬‬
‫‪ -492‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2223‬بتاريخ ‪ 3‬جمادى األولى ‪ 31( 0220‬ديسمبر ‪ )4102‬ص‪.00222 :‬‬

‫‪P 322‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ ‬طبيعة الو اقعة التي نجمت عنها األضرار؛‬

‫‪ ‬وصف لألضرارالمترتبة عن حدوث الو اقعة‪.493‬‬

‫وفي حالة األضرار البدنية‪ ،‬يتعين على الضحية التي تعرضت ألضرار بدنية إثر حدوث‬
‫و اقعة كارثية أوذوي حقوقها في حالة وفاتها أو فقدانها‪ ،‬أن يقدموا إلى المؤمن أو من يمثله طلب‬
‫التعويض وفق النموذج املحدد في الملحق رقم (‪ )9‬من القرارالمشارإليه أعاله‪ ،‬مع تحديد‪:‬‬

‫‪ ‬هوية المصرح؛‬

‫‪ ‬رقم بوليصة التأمين؛‬

‫‪ ‬أرقام بوليصة التأمين‪ ،‬إن وجدت‪ ،‬والتي تغطي األضرار التي لحقت بموضوع‬
‫التصريح؛‬

‫‪ ‬تاريخ ومكان وقوع الحادث؛‬

‫‪ ‬طبيعة الو اقعة التي نجمت عنها األضرار؛‬

‫‪ ‬وصف لألضرارالمسجلة؛‬

‫‪ ‬اسم ونسب الضحايا وعالقههم بالمؤمن له (في حالة األضرار البدنية الالحقة‬
‫بالسائق وكل شخص تم نقله بالعربة المؤمنة‪ ،‬وكذا األضرار التي لحقت بذوي‬
‫حقوقهم جراء وفاتهم)؛‬

‫‪ ‬عدد الضحايا وكل معلومة تكميلية متاحة تمكن من تحديدهم (في حالة األضرار‬
‫البدنية التي لحقت باألشخاص غير التابعين للمؤمن له‪ ،‬المتواجدين بالمو اقع‬
‫المشمولة بعقد التأمين زمن وقوع الحادث‪ ،‬واألضرار التي لحقت بذوي حقوقهم‬
‫جراء وفاتهم)‪.‬‬

‫كما يتعين على المتضررإرفاق طلب التعويض بالوثائق التالية‪:494‬‬

‫‪ -493‬المادة األولى من القرار المذكور‪.‬‬


‫‪ -494‬انظر المادة ‪ 4‬من قرار وزير االقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة رقم ‪ 4402.02‬السالف الذكر‪.‬‬

‫‪P 323‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ ‬نسخة موجزة من رسم والدة الضحية أو أي وثيقة أخرى تثبت سنه؛‬

‫‪ ‬الوثائق المثبتة لألجرة أو الكسب المنهي للضحية؛‬

‫‪ ‬أي وثيقة أخرى الزمة لتقدير الضرر طبقا ألحكام الظهير الشريف رقم ‪9.14.911‬‬
‫الصادرفي ‪ 0‬محرم ‪ 2( 9411‬أكتوبر‪ ،)9114‬المعتبربمثابة قانون يتعلق بتعويض‬
‫المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك‪.‬‬

‫عالوة على الوثائق المذكورة‪ ،‬يجب على المعني باألمر أن يرفق طلبه بالوثائق التالية‪،‬‬
‫حسب الحالة‪:‬‬

‫‪ -9‬في حالة عجز بدني دائم للضحية‪ ،‬شهادة تثبت استقرارجراح الضحية بصفة نهائية‪،‬‬
‫مسلمة من طرف طبيب‪ ،‬وتتضمن نسبة العجزالذي ستظل الضحية مصابة به؛‬

‫‪ -2‬في حالة وفاة الضحية‪:‬‬

‫‪ -‬نسخة من شهادة وفاة الضحية‪ ،‬وإذا تعلق األمر بشخص مفقود‪ ،‬نسخة من الحكم‬
‫القضائي الذي يصرح بموته؛‬

‫‪ -‬وثيقة تثبت صفة ذوي حقوق الضحية؛‬

‫‪ -‬نسخة موجزة من رسوم والدة فروع الضحية أو أي وثيقة أخرى تثبت سنهم‪ ،‬وعند‬
‫االقتضاء وثيقة تثبت أن الفرع مصاب بعاهة بدنية أو عقلية ال يستطيع معها القيام بسد‬
‫حاجاته‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويتعين على المؤمن بعد ذلك‪ ،‬إخطار صاحب الطلب بمبلغ التعويض‪ ،‬بواسطة‬
‫رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل‪ ،‬أو عن طريق وسيلة أخرى غير قضائية‪ ،‬داخل أجل (‪)01‬‬
‫يوما من استالم طلب التعويض‪.‬‬

‫كما يتعين على صاحب الطلب أن يخبرالمؤمن‪ ،‬داخل أجل (‪ )31‬يوما من استالم مقترح‬
‫التعويض‪ ،‬برفضه أو قبوله المقترح سالف الذكر‪ ،‬عن طريق رسالة مضمونة مع إشعار‬
‫بالتوصل‪ ،‬أو عن طريق وسيلة أخرى غيرقضائية‪.‬‬

‫‪P 324‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وفي حالة المو افقة على المقترح المذكور‪ ،‬يتعين على المؤمن أن يدفع التعويض أو‬
‫التسبيق للمؤمن له‪ ،‬في غضون (‪ )29‬يوما الموالية لتاريخ إخباره بذلك‪.495‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أحكام التغطية التأمينية ملخاطرأعمال اإلرهاب والشغب‬

‫سنتناول في هذا الفرع نطاق األضرار المشمولة بالضمان (الفقرة األولى) ثم االلتزامات‬
‫الناشئة عن التأمين ضد األعمال اإلرهابية وأعمال الشغب (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬نطاق األضرارالمشمولة بالضمان‬

‫يتولى المؤمن ضمان األضرار والخسائر الناشئة عن وقوع أعمال إرهابية أو أعمال‬
‫شغب‪ ،‬تولد أضرارا بدنية (البند األول) وأخرى مالية (البند الثاني)‪.‬‬

‫البند األول‪ :‬ضمان األضرارالبدنية‬

‫تنص المادة ‪ 3-04‬من القانون رقم ‪ 991.94‬السالف الذكر على أنه يغطي الضمان ضد‬
‫عو اقب الوقائع الكارثية‪ ،‬األضرارالبدنية التي يتعرض لها السائق وكل شخص منقول على متن‬
‫العربة المؤمن عليها‪ ،‬وكذا األضرار الالحقة بذوي حقوقهم على إثر وفاتهم‪ ،‬عندما تنتج هذه‬
‫األضرارمباشرة عن و اقعة كارثية تمس العربة المؤمن عليها‪.‬‬

‫وحسب نفس المادة‪ ،‬فعندما يكون مالك العربة شخصا ذاتيا‪ ،‬يغطي الضمان كذلك‬
‫األضرار البدنية التي يتعرض لها مالك العربة وأزواجه وأوالده الموجودون تحت كفالته وكذا‬
‫األضرار الالحقة بذوي حقوق هؤالء سبب وفاتهم‪ ،‬شريطة أن تكون هذه األضرار ناتجة مباشرة‬
‫عن و اقعة كارثية‪.‬‬

‫البند الثاني‪ :‬ضمان األضرارالالحقة باألموال‬

‫تنص المادة ‪ 2-04‬من القانون رقم ‪ 91.11‬المتعلق بمدونة التأمينات‪ 496‬على أن الضمان‬
‫يغطي األضرارالالحقة باألموال المؤمن عليها‪ ،‬والناتجة مباشرة عن و اقعة كارثية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االلتزامات الناشئة عن التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية‬

‫‪ -495‬انظر المادة ‪ 2‬من القرار السالف الذكر‪.‬‬


‫‪ -496‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 0.14.432‬بتاريخ ‪ 41‬من رجب ‪ 3( 0243‬أكتوبر ‪ ،)4114‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 1112‬بتاريخ ‪ 7‬نونبر ‪.4114‬‬

‫‪P 325‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يترتب على التأمين ضد األعمال اإلرهابية وأعمال الشغب التزامات على المؤمن والمؤمن‬
‫له‪ ،‬وسنتطرق لها بش يء من اإليجازعلى النحو التالي‪:‬‬

‫البند األول‪ :‬التزامات المؤمن‬

‫يعد االلتزام بأداء مبلغ التأمين أومبلغ التعويض أهم التزامات المؤمن‪ ،‬فهوملزم بضمان‬
‫المؤمن له والحلول محله في دفع مبلغ التعويض‪ ،‬وهذا ما أكدته المادة ‪ 921‬من القانون رقم‬
‫‪ 91.11‬المتعلق بمدونة التأمينات عندما نصت على أنه‪ ":‬يحل المؤمن بقوة القانون محل‬
‫المؤمن له في حدود الضمان المنصوص عليه في العقد ألداء التعويضات أو اإلجراءات‬
‫الممنوحة لألشخاص المنقولين أو األغيار أو ذويهم وكذا جميع المصاريف الناجمة عن‬
‫الحادثة‪."...‬‬

‫وقد نصت المادة ‪ 1-04‬من القانون رقم ‪ 91.11‬السالف الذكرعلى تخويل وزارة االقتصاد‬
‫والمالية مهمة تحديد األسقف اإلجمالية للتعويض‪ ،‬وذلك برسم أي و اقعة كارثية تقع في كل‬
‫سنة‪.‬‬

‫البند الثاني‪ :‬التزامات المؤمن له‬

‫يترتب على المؤمن له التزامات ناشئة عن عقد التأمين بصفة عامة‪ ،‬ويعد االلتزام‬
‫بتسديد قسط التأمين‪ ،‬االلتزام الرئيس ي الذي ينبغي للمؤمن له القيام به‪ ،‬وهذا ما أكدته المادة‬
‫‪ 9-04‬من القانون رقم ‪ 91.11‬السالف الذكر‪ ،‬حينما نصت على أن المكتتب في عقود التأمين‬
‫يكون مدينا بقسط أو اشتراك التأمين المقابل للضمان الناتج عن هذه العقود‪.‬‬

‫وقد سبقت اإلشارة إلى أن المشرع المغربي‪ ،‬وبموجب قرار وزير االقتصاد والمالية‬
‫وإصالح اإلدارة رقم ‪ 4911.91‬السالف الذكر‪ ،‬قد تكفل بتحديد سعر هذا الضمان‪ ،‬سواء‬
‫بالنسبة لتأمين األضرارعلى الممتلكات أو بالنسبة للتأمين على السيارات أو بالنسبة للمسؤولية‬
‫المدنية جراء األضرارالبدنية الالحقة بالغير‪.‬‬

‫ويظهر مما سبق‪ ،‬مدى أهمية نظام التغطية ضد عو اقب الوقائع الكارثية الذي‬
‫استحدثه المشرع المغربي في نظامه القانوني‪ ،‬وذلك بموجب القانون رقم ‪ 991.94‬السالف‬
‫الذكر‪ ،‬مسايرا في ذلك ـ ـ إلى حد ما ـ ـ بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنس ي على سبيل‬

‫‪P 326‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المثال‪ ،‬الذي نقل عنه نظام التعويض املختلط أو المزدوج‪ ،‬الذي يزاوج بين نظام التضامن‬
‫ونظام التأمين‪.‬‬

‫ويرمي هذا النظام باألساس إلى تعويض ضحايا األحداث اإلرهابية واالضطرابات‬
‫الشعبية وغيرها من الوقائع الكارثية‪ ،‬وهو ما سيجنبهم عبء تقديم ورفع دعاوى التعويض أمام‬
‫القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬وما يتطلبه من مستلزمات وإمكانيات مادية‪ ،‬فضال عن بطء اإلجراءات‬
‫القضائية‪.497‬‬

‫غير أن أهمية نظام التغطية المذكور‪ ،‬قد يصطدم ببعض العقبات القانونية‪ ،‬ولعل‬
‫أهمها يتمثل في أن اإلعالن عن حدوث الو اقعة الكارثية ال يتم إال بموجب قرار إداري لرئيس‬
‫الحكومة‪ ،‬الش يء الذي قد يعطيه ـ ـ كما يرى أحد الباحثين‪ 498‬ـ ـ سلطة تقديرية ال حدود لها في‬
‫اتخاذه للقرارالمذكور‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫حمدي أبو النور السيد عويس‪ ،‬التعويض عن طريق صناديق الضمان في التشريع‬
‫المقارن‪ ،‬دارالفكرالجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪.2199 ،‬‬

‫ورشيد البقالي‪ ،‬المسؤولية اإلدارية بدون خطأ‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه‬
‫في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن‬
‫عبد الله‪ ،‬فاس‪.2129-2121 ،‬‬

‫الطيب أنجار‪ ،‬تعويض ضحايا جرائم اإلرهاب في المملكة المغربية‪ ،‬مجلة القضاء‬
‫والقانون‪ ،‬السنة ‪ ،21‬العدد ‪ ،900‬دجنبر ‪.2190‬‬

‫ديش موس ى‪ ،‬دورالتأمين في جبراألضرارالناجمة عن الجرائم اإلرهابية (دراسة مقارنة)‪،‬‬


‫مجلة البحوث القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪.2194 ،3‬‬

‫‪ -497‬العزاوي العدناني‪ ،‬المسؤولية اإلدارية بدون خطأ أو خارج الخطأ في القانون المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه‬
‫في القانون العام والعلوم السياسية‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة القاضي عياض مراكش‪،‬‬
‫‪ ،4102-4102‬ص‪.032 :‬‬
‫‪ -498‬رشيد البقالي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.423 :‬‬

‫‪P 324‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أنواع وأشكال العالمة التجارية يف القانون‬


‫العراقي واالتفاقيات الدولية‬
‫‪Types and forms of trademark in Iraqi law and international agreements‬‬
‫الملخص‪:‬‬
‫والمنتج ومقدم الخدمة ينظرون الى العالمة التجارية على انها من العوامل‬
‫ِ‬ ‫التاجر‬
‫االساسية لنجاح عملهم في ميدان التجارة ‪ ,‬وعليه كلما كانت تتمتع بالتمييز والوضوح العالمة‬
‫التجارية كلما كان تأثيرها في جمهورالمسههلكين بصورة مباشرة ‪ ,‬هذا االمر سيحقق بدوره شهرة‬
‫ً‬
‫واسعة للعالمة التجارية ويكون انعكاسها ايجابيا على التاجر او المن ِتج في واردات مالية وفيرة‬
‫تتحقق له نتيجة االرباح من المبيعات ‪,‬ففي الوقت الذي اوردت فيه التشريعات تعداد لعديد‬
‫من االشكال التي تتخذها العالمة التجارية التي نعني بها صورالعالمة التجارية ‪ ,‬االمركان واضح‬
‫والمنتج يعلم‬
‫ِ‬ ‫من خالل تعاريف العالمة التجارية في القوانين الوطنية ‪ ,‬التاجر ومقدم الخدمة‬
‫ان العالمة التجارية التي يتخذها ال يمكن لها التمتع بالحماية القانونية عندما ال يكون لها شكل‬
‫محدد رسمه التشريع الخاص في العالمة التجارية حسب تشريع دولته لذلك قمنا في تحديد تلك‬
‫االشكال ‪ ,‬كما جاءت هذه الدراسة لبيان انواع العالمة التجارية لكونها تتنوع انواعها حسب نوع‬
‫النشاط التجاري التي تؤدي وظيفهها فيه لتمييز المنتجات او السلع او الخدمات المقدمة‬
‫وتمييزها عما مثيالتها ‪ ,‬هذا التنوع الذي تنوعت فيه العالمة التجارية لم يكون بسبب‬
‫التشريعات او القوانين املختلفة التي نظمت العالمة التجارية انما بسبب التطورالتجاري لذلك‬
‫قمنا بتحديد تلك االنواع للعالمة ‪ ,‬متناولين النصوص القانونية للمشرع العراقي مع التطرق لما‬
‫اوردته االتفاقيات الدولية في هذا الجانب ‪.‬‬

‫‪Summary : The trader, producer, and service provider view the trademark‬‬
‫‪as one of the main factors for the success of their work in the field of trade, and‬‬
‫‪therefore the more distinct and clear the trademark is, the more direct its impact‬‬

‫‪P 322‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

will be on the consumer audience. This, in turn, will achieve wide fame for the
brand and will have a positive impact on the merchant or producer in abundant
financial revenues that will be achieved for him as a result of profits from sales.
At a time when the legislation enumerated the many forms that the trademark
takes, by which we mean the images of the trademark, and this matter was
evident through the definitions of the trademark in the national laws,The trader,
the service provider, and the producer know that the trademark that he takes
cannot enjoy legal protection when it does not have a specific form drawn by the
special legislation in the trademark in the legislation of his country, so we have
defined those forms,This study also came to show the types of trademarks, as
their types vary according to the type of commercial activity in which they
perform their function in order to distinguish the products, goods or services
provided and distinguish them from their counterparts .This diversity in which
the brand diversified was not due to the different legislation or laws that
regulated the brand, but rather because of the commercial development, so we
identified these types of the mark,Dealing with the legal texts of the Iraqi
legislator, while addressing what was mentioned in the international agreements
in this aspect.

:‫المقدمة‬

‫المنتج أوالشخص الذي‬


ِ ‫تعد العالمة التجارية من الوسائل المهمة التي يتخذها التاجرأو‬
‫ أذ تلعب‬,‫يقدم خدمة لكي يميز سلعه ومنتجاته عن غيره عما يشابهها من مثيالتها في االسواق‬
َ ً ً
‫العالمة التجارية منذ زمن بعيد دورا واضحا في الداللة على مصدر المنتجات ومن ثم تطور هذا‬
َ ً
‫ هذا الدور كان من اقدم‬, ‫الدور لتكون العالمة التجارية رمزا لصفات المنتجات وخصائصها‬
ً
‫الوظائف للعالمة التجارية ظهورا من الناحية التاريخية فلم تعد مجرد اداة لتمييز مصدر‬
ً
‫ واصبحت من االدوات‬,‫المنتجات بل اصبحت رمزا الى صفات المنتجات والسلع وخصائصها‬
‫المهمة التي يتخذها التاجر أو المن ِتج للدخول الى عالم المنافسة في ميدان التجارة مع باقي‬

P 327 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬
‫المتنافسين متخذين من العالمة التجارية سببا لجذب المسههلكين بقصد تحقيق نسبة عالية‬
‫من االرباح ‪ ,‬بعد التطور المتسارع الذي شهده االقتصاد العراقي في عام ‪ 2114‬و انفتاحه على‬
‫السوق العالمية عد هذا االنفتاح خطوة ايجابية في طريق النظام االقتصادي الذي كان من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شأنه تواجد العراق في منظمة التجارة العالمية بوصفه عضوا مر اقبا في عام ‪ 2111‬بعد ان كان‬
‫في عزلة تامة عن املجتمع الدولي‪ ,‬تعاظم دور العالمة التجارية لتكون احدى الوسائل المهمة في‬
‫المنافسة المشروعة ‪ ,‬لذلك اتجهت أغلب الدول الى سن التشريعات وعقد االتفاقيات التي من‬
‫خاللها تضع االسس القانونية لتمتع العالمة التجارية بالحماية ‪ ,‬كان العراق من بين الدول التي‬
‫شرعت القوانين المالئمة لذلك ‪ ,‬حيث حددت اغلب التشريعات المقارنة واالتفاقيات الدولية‬
‫ذات االختصاص في حماية الحقوق الفكرية بصورة عامة والعالمة التجارية في صورة خاصة ‪,‬‬
‫الى بيان االنواع واالشكال التي تتخذها العالمة التجارية ‪ ,‬اذ ان هذه االشكال لها االهمية الكبيرة‬
‫في االجراءات الشكلية لتسجيل العالمة التجارية باإلضافة الى انواع العالمة التجارية تحدد‬
‫المركز القانوني للعالمة التجارية من حيث عدم اكتسابها الحماية القانونية في حال كانت‬
‫مخالفة لتلك التشريعات ‪ ,‬جاءت هذه الدراسة لتبين االشكال واالنواع التي تتخذها العالمات‬
‫التجارية موضحين موقف المشرع العراقي والبعض من التشريعات المقارنة وما تطرقت اليه‬
‫االتفاقيات والمعاهدات الدولية بهذا الشأن ‪.‬‬

‫اهمية البحث‬

‫تعد العالمة التجارية في الوقت الحاضرمن الدالئل المهمة التي يتخذها التاجرأو المن ِتج‬
‫للدخول الى عالم التجارة مع باقي المتنافسين بهدف جذب المسههلكين لتحقيق نسبة عالية من‬
‫ً‬ ‫ََ‬
‫االرباح ‪ ,‬الن العالمة بمثابة هوية تعريفية للسلعة او المنتج الذي يقوم المسههلك باتخاذ قرارا‬
‫ً‬
‫المنتج او مقدم الخدمة الى معرفة‬
‫مناسبا الختيارهذه المنتجات ‪ ,‬لذا استوجب على التاجر أو ِ‬
‫االنواع التي يمكنه اقتنائها لعالمته التي ال تتعارض مع النصوص والتشريعات الدولية ‪ ,‬كما ان‬
‫اختيارالشكل المناسب للعالمة من االسباب المهمة التي توفرشرط التسجيل للعالمة التجارية‬
‫ليتمتع مالكها بالحماية الجزائية‪ ،‬باإلضافة الى حمايهها المدنية عند استعمال العالمة ذات‬
‫شكل ال تمنعه النصوص القانونية‪.‬‬

‫خطة الدراسة‪ :‬اشتملت هذه الدراسة على مبحثين‪ ،‬سنتناول في المبحث االول منها الى‬
‫بيان االنواع التي تتخذها العالمة التجارية ومدى مطابقهها للنصوص القانونية التي منعت‬

‫‪P 330‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫استخدام انواع من العالمات التجارية فيما خصصنا المبحث الثاني من دراستنا الى معرفة‬
‫االشكال التي تعتمدها النصوص القانونية للمشرع العراقي في قانون العالمات البيانات‬
‫والتجارية وما نصت عليه االتفاقيات الدولية وتطرقت اليه البعض من التشريعات المقارنة‪.‬‬
‫ً‬
‫المبحث األول‪ :‬انواع العالمات التجارية وفقا للقانون العراقي واالتفاقيات الدولية‬

‫العالمة التجارية تتنوع انواعها حسب نوع النشاط التجاري التي تؤدي وظيفهها فيه لتمييز‬
‫المنتجات او السلع او الخدمات المقدمة وتمييزها عم مثيالتها ‪ ,‬ان التنوع الذي تنوعت فيه‬
‫العالمة التجارية لم يكون بسبب التشريعات او القوانين املختلفة التي نظمت العالمة التجارية‪,‬‬
‫انما بسبب تطور الجانب التجاري والتكنلوجي الذي ادى الى ظهور االبتكارات المتعددة انتجت‬
‫انواع من العالمة التجارية ‪ ,‬من المتعارف عليه ان العالمة التجارية وان تعددت انواعها اال انها‬
‫َ‬
‫تكون مملوكة لشخص واحد ‪ ,‬وقد تكون العالمة متعدد بعدد السلع ولكن تكون منتجة من جهة‬
‫واحدة ‪ ,‬وقد تكون العالمة واحدة لسلع متعددة لكن تنتج من قبل شركة واحدة ‪ ,‬وعليه‬
‫سنوضح انواع العالمات التجارية‬

‫أوال‪ -‬العالمة التجارية لتمييزللمنتجات والبضائع‬

‫ان العالمة التي يتخذها التاجر او المن ِتج لتمييز منتجاته او سلعه عن مثيالتها قد تكون‬
‫عالمة تجارية او عالمة صناعية ‪ ,‬نجد التشريعات والنصوص القانونية لم تعطي تمييز بين‬
‫العالمة التجارية او العالمة الصناعية‪ ,499‬ذلك الن الحماية القانونية التي تكتسبها العالمة‬
‫لكونها توضح مصدرالبيع فيما يخص التاجرفي عالمته التجارية ونفس الدورفي توضيح مصدر‬
‫المنتجات المصنعة فيما يخص العالمة الصناعية وهي تمارس وظيفهها ‪ ,‬هذا االمر نالحظه من‬
‫خالل التشريعات والقوانين الداخلية لمعظم الدول التي اتخذت تسمية للتشريعات والقوانين‬
‫التي تنظم العالمة التجارية بتسمية قانون العالمات التجارية والصناعية ‪,‬حيث لم تجعل ميزة‬
‫او صفة تختلف فيها العالمة اذا كانت تجارية او صناعية‪.500‬‬

‫بعض العالمة التجارية تعود لنفس الصانع ويكون هو التاجر ‪ ,‬حيث هناك من يقوم‬
‫ً‬
‫بتصنيع المنتجات في مصانعه‪ ,‬ومن ثم يقوم ببيعها ايضا من نفس الشخص في االسواق ‪ ,‬وهذا‬
‫َ‬
‫المنتج يحمل العالمة التجارية موحدة ‪ ,‬عليه ستكون هذه العالمة تعمل بدورالعالمة الصناعية‬

‫د‪ .‬علي فتاك ‪ ,‬تأثير المنافسة على االلتزام بضمان سالمة المنتوج ‪ ,‬دار الفكر الجامعي ‪ ,‬ط ‪ , 0‬االسكندرية ‪ , 0117 ,‬ص ‪.002‬‬ ‫‪499‬‬

‫‪ 500‬هذا ما ذهب أليه المشرع العراقي والقانون االردني والقانون المصري واالنكليزي‪.‬‬

‫‪P 331‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كمنتج من المصنع وكمنتج‬
‫والعالمة التجارية في وقت واحد لكونها تقوم للداللة على المنتج ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫للبيع من قبل التاجر صاحب المصنع ايضا ‪ ,‬أذ ابتعدنا قليال عن المنتجات والسلع التي تقوم‬
‫العالمة التجارية بوظيفهها االساسية لهما من خالل تمييزها عن مثيالتها ‪ ,‬فهناك نوع من‬
‫العالمات ال ترتبط بسلع او بضائع انما تكون عبارة عن اشارة تستعمل لتمييز خدمة معينة عن‬
‫الخدمات التي تماثلها ويطلق عليها عالمة الخدمة ( ‪ ) service mark‬عادة ما تكون هذه العالمة‬
‫في المؤسسات االعالمية او الخدمة التي تقدم في المطاعم او النقل او الفنادق او شركات تأجير‬
‫السيارات وهناك عالمات للخدمة المطاعم اشههرت في جميع انحاء دول العالم منها عالمة‬
‫الخدمة ( ‪. 501 ) Me Donalds‬‬

‫عالمة الخدمة نجدها في التشريعات قد فرقهها عن العالمة التجارية اذ ان العالمة‬


‫التجارية تكون وظيفهها لتمييز المنتجات او السلع عن غيرها ‪ ,‬بينما عالمة الخدمة تطلق على‬
‫المنتجات التي تقدمها المؤسسات والشركات لعمالئها مثال على ذلك العالمة التي تطلقها‬
‫محطات الغسل للسيارات ‪,‬وهناك من يرى ان هذه العالمات تخرج عن النوع المألوف للعالمات‬
‫َ‬
‫التجارية وعما تدلل عليه ‪ , 502‬ذلك الن العالمة اقترن اسمها مع وجود منتج تضع فوقه لغرض‬
‫تميزه عن غيره من المنتجات التي يتشابه معها ‪ ,‬او العالمة كانت لتميزسلعة يقوم التاجرببيعها‬
‫ويحتاج الى عالمة تجارية تميز سلعه عما يشابهها من مثيالتها ‪ ,‬لكن اضطر المشرعين في‬
‫ُ‬
‫السنوات االخيرة بعد انتشارعالمات الخدمة بشكل واسع تماشيا مع التطورات االقتصادية الى‬
‫ادخال عالمة الخدمة في التشريعات لغرض سبغ الحماية القانونية عليها ‪ ,‬ولهذا نرى ان االمر‬
‫رقم (‪ )11‬لسنة ‪ 2114‬الذي صدر من سلطة االئتالف المؤقتة الذي عدل بموجبه قانون‬
‫العالمات التجارية رقم ( ‪ ) 29‬لسنة ‪ 9111‬حيث افتقر في هذا القانون عند تعريف العالمة‬
‫التجارية الى وجود عالمة الخدمة لذلك تم تعديل نص المادة االولى من القانون لتصبح فيها‬
‫عالمة الخدمة وتحت التعريف "اي اشارة او مجموعة من االشارات يستخدمها الشخص‬
‫لتعريف وتمييزخدمات شخص بضمنها الخدمات الفريدة ‪ ,‬عن خدمات االخرين ‪ ,‬ولكي تشيرالى‬
‫ً‬
‫مصدر الخدمات حتى لو لم يكن معروفا ان العناوين واالسماء الشخصية والفقرات المميزة في‬
‫برامج االذاعة والتلفزيون ‪ ,‬يمكن ان تسجل كعالمات خدمة ‪,‬عالمات البيع بالمفرد ‪ ,‬سواء كانت‬

‫‪ 501‬عبد الله حميد سليمان الغويري ‪ ,‬العالمة المشهورة وحمايتها ضمن اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة ‪ ,‬منشورات شبكة‬
‫قوانين الشرق ‪ ,‬القاهرة ‪ , 0110 ,‬ص ‪.000‬‬
‫‪ 502‬هشام فرعون ‪ ,‬القانون التجاري ‪ ,‬مطبعة الروضة ‪ ,‬دمشق ‪ , 0222 ,‬ص ‪.070‬‬

‫‪P 332‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لبيع بضائع مجهزالخدمة او تلك المملوكة لألخرين او لكليهما"‪ , 503‬وان كان التعديل جاء متأخر‬
‫من قبل المشرع العراقي في ادخال عالمة الخدمة ضمن تعريفه للعالمة التجارية اال انها تعد‬
‫خطوة جيدة تدل على حرص المشرع العراقي بإدخال عالمة الخدمة تحت مظلة الحماية‬
‫القانونية ويكون بذلك قد واكب التطورات في ميدان التجارة وحماية حقوق الملكية الفكرية ‪.‬‬

‫عند رجوعنا الى اتفاقية التريبس نجد التعريف الذي عرفت فيه العالمة التجارية على‬
‫انها "تعتبر عالمة تجارية كل عالمة تكون قادرة على تمييز السلع والخدمات التي تنتجها منشأة‬
‫ما‪ ,‬عن تلك التي تنتجها منشأة اخرى وتدخل في عداد العالمة التجارية الكلمات التي تشمل على‬
‫اسماء شخصية والحروف واالرقام واالشكال ومجموعات االلوان او اي مزيج منها ‪ ,‬وهي تصلح‬
‫جميعها للتسجيل كعالمة تجارية"‪. 504‬‬

‫عند البيان في التعريف اعاله نجد ما ورد فيه من باب المثال وليس الحصر في انواع‬
‫العالمة التجارية ولم نجد ما يشير الى وجود الحماية القانونية لعالمة الخدمة ضمن بنود‬
‫اتفاقية تريبس ‪ ,‬مما جعل الدول االعضاء في االتفاقية الى تدارك ضرورة سبغ الحماية القانونية‬
‫على عالمة الخدمة وهذه الحماية ال تتحقق اال من خالل ذكرها ببنود االتفاقية لذلك في عام‬
‫‪ 9101‬بمدينة استكهولم اضافة وجوه جديدة للعالمة التجارية منها عالمة الخدمة ليكون من‬
‫ضمن مفهوم العالمة التجارية ‪ ,‬من ثم تسري على عالمة الخدمة كافة النصوص التي تعالج‬
‫العالمة التجارية كما اوجبت االتفاقية في المادة السادسة "تتعهد دول االتحاد بحماية عالمات‬
‫الخدمة ‪ ,‬وال تلزم هذه الدول بأن تكفل التسجيل لتلك العالمات"‪. 505‬‬

‫المشرع المصري الذي تناول العالمة التجارية في نصوصه التشريعية بتنوع النشاط الي‬
‫يتخذه التاجراو المن ِتج اال انه القانون المصري الذي نظم العالمات التجارية رقم ( ‪ ) 11‬لسنة‬
‫‪ 9131‬لم نجد في نصوصه ما يشير الى عالمة الخدمة ولم يشير أليها المشرع عندما قام بتعريف‬
‫العالمة التجارية ‪ ,‬بالتالي لم تكون ضمن مظلة الحماية القانونية كباقي العالمات التي أرس ى‬
‫حمايهها القانون ‪ ,‬لكن عندما شرع المشرع المصري قانون رقم ( ‪ ) 12‬لسنة ‪ 2112‬عرف العالمة‬
‫التجارية في المادة ( ‪ ) 03‬من القانون على أنها "اذا كانت تستخدم او يراد ان تستخدم اما في‬

‫‪ 503‬األمر ( ‪ ) 11‬لسنة ‪ 0112‬الذي بموجبه تم تعديل قانون العالمات والبيانات التجارية العراقي رقم ( ‪ ) 00‬لسنة ‪.0207‬‬
‫‪ 504‬المادة ( ‪ )00‬من الفقرة االولى التفاقية تريبس التي دخلت الخدمة عام ‪.0112‬‬
‫‪ 505‬صالح هادي فليح ‪ ,‬الملكية الفكرية للعالئم التجارية في القانون العراقي ‪ ,‬مكتبة القانون المقارن ‪ ,‬الطبعة االولى ‪,‬‬
‫‪ , 0100‬ص ‪.07‬‬

‫‪P 333‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تمييزمنتجات عمل صناعي او استغالل صناعي واما للداللة عن مصدرالمنتجات او البضائع او‬
‫‪ ,‬هنا يكون المشرع‬ ‫انواعها او مرتبهها او صفاتها واما لداللة عن تأدية خدمة من الخدمات"‪506‬‬

‫المصري قد ساوى بين عالمة الخدمة والعالمة التجارية في تعريفه للعالمة التجارية ‪ ,‬وفي نفس‬
‫االتجاه كان القضاء المصري مع التشريعات الوطنية مؤيد نوع عالمة الخدمة ووظيفهها من‬
‫خالل الطعن بحكم ألحدى املحاكم المصرية من قبل محكمة النقض المصرية "ان الوظيفة‬
‫َ‬
‫االساسية للعالمة التجارية هي تحديد مصدر المنتج ‪ ,‬حيث تضمن العالمة التجارية نوعية‬
‫البضاعة او الخدمة ‪ ,‬فالعالمة التجارية تساعد المسههلكين على معرفة البضاعة او الخدمة‬
‫التي يرغبون بها وتسهل للعميل معرفة المنتجات بمجرد النظرأليها" ‪. 507‬‬

‫من االنواع للعالمة التجارية التي تناولها المشرع العراقي في قانون رقم ( ‪ ) 29‬لسنة ‪9111‬‬
‫المعدل عالمة الضمان وأشارألى هذا النوع من العالمة في المادة االولى من القانون "اي اشارة‬
‫او مجموعة اشارات تستخدم من قبل شخص غير صاحبها الحقيقي لغرض بيان المنشأ‬
‫االقليمي او اي منشأ اخر ‪ ,‬او المادة او اسلوب التصنيع او الجودة او الدقة او اي خواص اخرى‬
‫لسلع او خدمات هذا الشخص او ان صنع السلعة او تقديم الخدمة تم انجازه من قبل اعضاء‬
‫نقابة او منظمة اخرى وتضمن عالمة الضمان المؤشرات الجغر افية"‪ ,508‬تستخدم هذه‬
‫ُ‬
‫العالمة من قبل الشركات اال انه تحت رقابة صاحب الحق في العالمة ووظيفهها الرئيسية ومهمهها‬
‫ضمان الجودة ‪ ,‬نجد العالمة التجارية تكون مختلفة عن الغاية التي وضعت من اجله على‬
‫َ‬
‫المنتج للصانع او السلع للتاجر عن عالمة الضمان ‪ ,‬ذلك الن عالمة الضمان ليس من وظائفها‬
‫َ‬
‫تمييزالمنتج او السلعات عما يشابهها من مثيالتها ‪ ,‬انما توسمت بوظيفة تخالف وظيفة العالمة‬
‫التجارية يقصدها المسههلك لمعرفة المنشأ االصلي للمنتوجات او السلع التي وضعت عليها‪,‬‬
‫كذلك من وظائف عالمة الضمان ادراج التفاصيل التي تخص المنتجات او السلع مع بيان‬
‫المواد االولية التي استخدمه في صناعهها‪.509‬‬

‫اما المشرع المصري ‪ ,‬فقد تناول عالمة الضمان في قانون حماية حقوق الملكية الفكرية‬
‫رقم (‪ ) 12‬لسنة ‪ 2112‬ونصت المادة ( ‪ ) 11‬بخصوص تسجيل العالمات الخاصة بالفحص‬

‫‪ 506‬ينظر الى نص المادة ( ‪ ) 02‬من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري رقم ( ‪ ) 10‬لسنة ‪.0110‬‬
‫‪ 507‬محكمة النقض المصرية ‪ ,‬طعن رقم ‪ 00010‬لسنة ‪ , 0112‬حكم غير منشور شبكة قوانين الشرق ‪.0100 ,‬‬
‫‪ 508‬ينظر الى نص المادة ( ‪ ) 2‬مكررة من ثانيا من قانون العالمات والبيانات التجارية العراقي رقم ( ‪ ) 00‬لسنة ‪0207‬‬
‫المعدل‪.‬‬
‫‪ 509‬د‪ .‬حسين فتحي ‪ ,‬حدود مشروعية االعالنات التجارية لحماية المتجر والمستهلك ‪ ,‬بدون ناشر ‪ , 0220 ,‬ص ‪.000‬‬

‫‪P 334‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫والمر اقبة على ان "للوزيراملختص تحقيقا للمصلحة العامة ان يرخص االشخاص الطبيعيين‬
‫او االعتباريين الذين يزاولون اعمال فحص المنتجات ومر اقبهها ‪ ,‬بتسجيل عالمة تخصص‬
‫للداللة على اجراء المر اقبة او الفحص لتلك المنتجات وذلك فيما يتعلق بمصدرها او عناصر‬
‫تركيبها او طريقة انتاجها او صنفها او حقيقهها او اي خاصية اخرى تميزها وال يجوزالتصرف بهذه‬
‫َ‬
‫العالمة اال بموجب تصريح خاص من الوزيراملختص"‪ ,510‬بالنظرلكون مصدرالمنتج او السلعة‬
‫يكون ذات اهمية كبيرة لدى جمهور المسههلكين ‪ ,‬هذه االهمية جعلت من المشرع المصري ان‬
‫يجعل لعالمة الضمان اهمية توازيها في منح المو افقات لتلك العالمة ‪ ,‬لذلك كانت مو افقة‬
‫الوزيراملختص هي من تحدد المو افقة لمنح عالمة الضمان من عدمه وهذا السياق الذي اتبعه‬
‫المشرع المصري كان السبب في زرع الطمأنينة لدى جمهورالمسههلكين في الرصانة واالمانة التي‬
‫سوف يتم من خاللها اختيار الشركات او المؤسسين لهذه العالمات الذين ستكون وظيفههم‬
‫َ‬
‫مهمة في تحديد نوع المنشأ للمنتج او السلع او الخدمات المقدمة ‪ ,‬ومن االسباب التي تعاني منها‬
‫االسواق املحلية في العراق هي ردائه المنتجات والسلع على الرغم من وجود عالمة الضمان ‪,‬‬
‫ذلك الن عالمة الضمان تمنح ألي شركة او مؤسسة وبمو افقات أولية مبسطة ‪ ,‬لكن لو سار‬
‫المشرع العراقي على ما سار عليه المشرع المصري وأوكل مهمة المو افقة على منح عالمة‬
‫الضمان تكون محصورة بمو افقة الوزير املختص ‪ ,‬لكانت هناك نتائج إيجابية تنعكس على‬
‫االسواق التجارية كانت ام الصناعية في العراق ‪.‬‬

‫مما يجب معرفته هناك اختالف كبير يضاف الى اختالف الغاية التي استعملت من اجله‬
‫العالمة التجارية او عالمة الضمان ‪ ,‬حيث العالمة التجارية تكون مملوكة لشخص او مجموعة‬
‫َ‬
‫اشخاص ‪ ,‬اال انه عالمة الضمان ال تكون مملوكة لصاحب المنتج او للتاجر مالك السلع التي‬
‫تحملها عالمة الضمان ‪ ,‬انما هناك شركات او جهات اختصاصية مهمهها ووظيفهها تقييم السلع‬
‫والمنتجات ‪.‬‬

‫العالمة التجارية التي وظيفهها لتمييز المنتجات والبضائع لها انواع اخرى تكون من‬
‫خاللها اما عالمة منفردة او عالمات االسرة ‪ ,‬والعالمة التجارية التي نعني بها عالمة االسرة هي‬
‫باألصل عالمة تجارية واحدة اال انها لها وظيفة في تمييز انواع عديدة من السلع او المنتجات او‬
‫الخدما ت المقدمة لكن لمالك واحد او شركة واحدة هي مختصة بهذه االنواع المتعددة من‬

‫‪ 510‬د‪ .‬علي البارودي ‪ ,‬و د‪ .‬محمد السيد الفقي ‪ ,‬القانون التجاري ‪ ,‬دار المطبوعات الجامعية ‪ ,‬االسكندرية ‪ , 0222 ,‬ص‬
‫‪.002‬‬

‫‪P 335‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫السلع او المنتجات التي تحملها عالمة تجارية واحدة ‪ ,‬وهذا ما ينطبق على سبيل المثال على‬
‫شركة سامسونج ( ‪ ) SAMSUNG‬للهاتف النقال ‪ ,‬حيث تحمل منتجات هذه الشركة عالمة‬
‫واحدة في منتجات متعددة ومختلفة ‪ ,‬واختالفها لكون كل جهاز هاتف نقال يختلف ليس في‬
‫الموديل و انما اختالفه في الخصائص المشتركة في انتاجه‪ ,511‬في حين تكون العالمة المنفردة‬
‫نوعها يختلف عن اداء العالمة االسرة ‪ ,‬ذلك ألنه هناك شركة تنتج العديد من المنتجات‬
‫وبطبيعة حال هذه المنتجات تختلف فيما بينها ‪ ,‬لذلك تجعل الشركة الواحدة لكل منتج عالمة‬
‫تنفرد به لتقوم بحمل المنتج الخاص في هذه الشركة ‪.‬‬

‫ان التطور التكنلوجي المتسارع كان هو االخر سبب مهم لظهور انواع من العالمات‬
‫التجارية التي اختصت هذه االنواع في املجال التكنلوجي ‪ ,‬من هذه العالمات هي ( عالمات‬
‫االنترنيت وعالمات الدومين ) والوظيفة االساسية لهذه العالمات هي ارشاد رواد متصفحي‬
‫مو اقع االنترنيت الى العناوين االلكترونية ‪ ,‬لتكون احدى اسباب السهولة المستخدم في‬
‫استعمالها في العالم االفتراض ي ‪ ,‬حيث ان ظهور الشركات وهي تتنافس في االسواق االلكترونية‬
‫مما جعل هناك سيطرة لبعضهم على عالمات االنترنيت‪ ,512‬هذه العالمة التي كانت ضمن‬
‫الميدان التجاري االلكتروني انقسمت الى انواع متعددة ‪ ,‬منها ما تخصصت لتكون عالمة دالة‬
‫على المو اقع املختصة في االعالنات التجارية داخل العالم االفتراض ي ومن مهام الوظيفية لهذا‬
‫النوع الدالة بالداللة عن المو اقع املختصة التي تقوم في االعالن عن السلع او الخدمات او‬
‫المنتجات لمشاريع وشركات محدودة ‪ ,‬أال انه ال توجد أمكانية لدى المسههلك في التبضع منها‬
‫مباشرة باإلضافة الى العالمات الدالة عن المو اقع الحكومية او الرياضية او الفنية‪ ,‬التي يمكن‬
‫للشخص الوصول اليها‪ ,‬والبعض االخر من العالمات االلكترونية التي تكون وظيفهها تسويقية‬
‫لكي تقوم في الداللة على المو اقع االلكترونية التي تختص في نشر وعرض السلع او الخدمات او‬
‫المنتجات للشركات‪ ,‬ولديها خصوصية في اعطاء االذن للمسههلك لغرض التبضع منها بصورة‬
‫مباشرة وذلك من خالل بطاقات الدفع المسبق‪.513‬‬

‫‪ 511‬المحامي قحطان سلمان القيسي ‪ ,‬الحماية القانونية لحق المخترع ومالك العالمة التجارية ‪ ,‬مطبعة الجاحظ ‪ ,‬بغداد‬
‫‪ ,0211,‬ص ‪.010‬‬
‫‪ 512‬صالح هادي فليح ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص ‪.07‬‬
‫‪ 513‬محمد حسن عبد المجيد الحداد ‪ ,‬االليات الدولية لحماية حقوق الملكية الصناعية واثرها االقتصادي ‪ ,‬دار الكتب القانونية‬
‫‪ ,‬القاهرة ‪ , 0100 ,‬ص ‪.022‬‬

‫‪P 336‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫عالمات االنترنيت اختلفت في عدة نواحي مع العالمات التجارية ‪ ,‬حيث العالمة التجارية‬
‫تسجل لدى مسجل العالمات الوطني ‪ ,‬في حين تسجيل عالمات االنترنيت تكتسب ملكيهها من‬
‫خالل تسجيل لدى شركات مختصة وليست من طرف حكومي ‪ ,‬وال يكون االستعمال منش ئ‬
‫للتسجيل لها‪ ,514‬في حين ان العالمات العادية تكتسب ملكيهها من خالل االستعمال او التسجيل‬
‫وهذا ما اوردته العديد من التشريعات الوطنية والدولية ‪ ,‬وتتشابه العالمة التجارية مع عالمات‬
‫االنترنيت من الناحية التي استخدمت من اجلها وهي في تمييز السلع او المنتجات او الخدمة‬
‫المقدمة عن مثيالتها من السلع والمنتجات ‪ ,‬فكالهما يقدمان خدمة لتعريف المسههلك ‪ ,‬كما‬
‫تتفق عالمات االنترنيت مع العالمات التجارية من حيث الشروط الموضوعية ‪ ,‬وذلك كونها ال‬
‫تتمتع بالحماية القانونية اذا كانت تلك العالمات تحمل اسماء مخالفة للنظام العام واآلداب‬
‫ً‬
‫العامة ‪ ,‬او اسمها مطابقا لشعار دولة ما او يس يء الى احد رموزها‪ ,‬كما ان ال يشكل اسم عالمة‬
‫االنترنيت تعدي على اسم عالمة تجارية فيقع هذا التصرف ضمن المنافسة غيرالمشروعة‪.515‬‬
‫ً‬
‫ثانيا ‪ -‬العناصرالمركبة لشخصية العالمة التجارية تكون سبب في تعدد انواعها‪.‬‬

‫العناصر المركبة للعالمة التجارية تجعلها مقسمة ألى قسمين من العالمات في قسمها‬
‫االول تكون عالمة بسيطة والسبب لكونها عالمة بسيطة ألنها بالعادة تتألف من أسم واحد أو‬
‫تحمل كلمة واحدة أو رمز معين ‪ ,‬أما القسم الثاني وبسبب تداخل العديد من العناصر تنتج لنا‬
‫العالمة المركبة ومنها العالمة التي تحمل أسم الصانع او التاجرومعه مجموعة من االلوان على‬
‫شكل رموز‪ ,516‬كذلك انقسمت العالمة التجارية الى قسمين عندما نراها من خالل التقسيم‬
‫الشخص ي لها فتكون على ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أ‪ -‬عالمات فردية وهي التي يملكها شخص سواء كان طبيعيا او معنويا ‪ ,‬وتكون عبارة عن‬
‫عالمة تجارية او صناعية او عالمة خدمة لتمييز المنتجات او السلع أو الخدمات المقدمة عن‬
‫غيرها ‪.‬‬

‫‪ 514‬رامي محمد علوان ‪ ,‬المنازعات حول العالمات التجارية ومواقع األنترنيت ‪ ,‬مجلة الشريعة والقانون‪ ,‬العدد الثاني‬
‫والعشرون ‪ ,‬كانون الثاني ‪ , 0111 ,‬ص ‪.00 -02‬‬
‫‪ 515‬د‪ .‬صالح زين الدين ‪ ,‬ترقين العالمة التجارية في األردن ‪ ,‬بحث منشور لدى مجلة الحقوق ( جامعة الكويت ) العدد‬
‫الرابع ‪ , 0112,‬ص ‪.02‬‬
‫‪ 516‬د‪ .‬ابي سعيد الد يوه جي ‪ ,‬التسويق الدولي ‪ ,‬دار الكتب للطباعة والنشر ‪,‬جامعة الموصل ‪ , 0217 ,‬ص ‪ 007‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫‪P 334‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ب ‪ -‬عالمات جماعية وهي عالمة تستعملها عدة مشروعات اقتصادية تنتج نوعا معينا‬
‫من المنتجات ويجمعها اتحاد او مؤسسة تسعى لتحقيق المصالح المشتركة للمشروعات‬
‫المتحدة‪ ,‬وتختص العالمة الجماعية مشروعات متعددة او شخصية معنوية لكي تميزمنتجاتهم‬
‫او بضائعهم عن مثيالتها من المتنافسين‪.517‬‬

‫عند رجوعنا الى قانون العالمات والبيانات التجارية العراقي رقم ( ‪ ) 29‬لسنة ‪9111‬‬
‫المعدل وتعريف المشرع للعالمة التجارية على أنها "عالمة تجارية او عالمة خدمة تستخدم من‬
‫قبل اعضاء تعاونية او جمعية او اي مجموعة او منظمة تعاونية وتحتوي على عالمات تشير الى‬
‫العضوية في اتحاد او نقابة او اي مجموعة اخرى" المشرع العراقي لم يفرق مابين العالمة‬
‫الجماعية عن العالمة العادية ‪ ,‬ذلك لكونها مملوكة من اشخاص متعددين وتمارس الوظيفة‬
‫االساسية لها التي رسمها المشرع وهي تمييز المنتجات أو السلع او الخدمات عما يشابهها من‬
‫مثيالتها‪.518‬‬

‫في حين نجد المشرع االردني لم ينظر للعالمة الجماعية كما نظر اليها المشرع العراقي ‪,‬‬
‫هذا يتضح لنا من خالل ما جاء بقانون العالمات التجارية االردني رقم ( ‪ ) 33‬لسنة ‪9112‬‬
‫وتعديالته في المادة الثانية منه عندما عرف العالمة الجماعية بانها ‪" :‬العالمة التي يستعملها‬
‫شخص اعتباري ‪ ,‬لتصديق مصدر البضائع ليست من صنعه او المصنوعة منها او جودتها او‬
‫طريقة انتاجها او الدقة المتبعة في صنعها او غير ذلك من مميزات وخصائص تلك"‪.519‬‬

‫قراءتنا للتعريف الذي اوردة المشرع االردني نجد ان المشرع االردني‪ ,520‬لم يأتي بما جاء‬
‫به المشرع العراقي وبعض التشريعات المقارنة ‪ ,‬لكونه اخذ بمفهوم العالمة الجماعية مع عالمة‬
‫الرقابة وعالمة الضمان ‪ ,‬ولم يكن المشرع االردني الوحيد ممن اخذ في هكذا مفهوم على العالمة‬
‫ً‬
‫الجماعية انما هناك تشريعات ابتعدت كثيرا عندما حصرت هذا النوع من العالمات (العالمة‬
‫الجماعية ) بيد الهيئات والمؤسسات الحكومية ‪ ,‬وهذا ما تطرق اليه المشرع اليمني في قانون‬
‫حماية الحق الفكري اليمني رقم ( ‪ ) 91‬لسنة ‪ 9111‬والذي نص في المادة ( ‪ ) 11‬منه على ‪:‬‬

‫‪ 517‬المحامي قحطان سلمان القيسي ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص ‪.020‬‬


‫‪ 518‬د‪ .‬عجده الجياللي ‪,‬موسوعة حقوق الملكية الفكرية ( العالمة التجارية خصائصها وحمايتها ) ‪ ,‬الطبعة االولى‬
‫‪,‬منشورات دار زين الحقوقية ‪ ,‬ا‪ , 0110‬ص‪.002‬‬
‫‪ 519‬ينظر الى قانون العالمات التجارية االردني ‪,‬الصادر بتاريخ ‪ , 0200/0/0‬المنشور في الجريدة الرسمية بالعدد ( ‪0001‬‬
‫) وبدء العمل به بتاريخ ‪.0200/7/0‬‬
‫‪ 520‬محمد حسين اسماعيل ‪ ,‬القانون التجاري االردني ‪ ,‬دار عمان للطباعة والنشر ‪ ,‬عمان ‪ , 0210 ,‬ص‪.010‬‬

‫‪P 332‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪" -9‬يجوز للهيئات ومؤسسات القطاع العام ان تسجل عالمة جماعية لمر اقبة منتجات‬
‫او خدمات الوحدات التابعة لها من حيث مصدر المنتجات او عناصر تركيبها او الطريقة التي‬
‫صنعت بها او صفاتها او من حيث نوع الخدمة او خاصية للداللة على اجراء المر اقبة‬
‫والفحص"‪.‬‬

‫‪" - 2‬ال يجوزالتصرف بالعالمة التجارية الجماعية اال بترخيص من الوزيراملختص"‪.521‬‬

‫االجراءات هذه نجدها طبيعية لكون المشرع اليمني ربط بين العالمة الجماعية وعالمة‬
‫المر اقبة‪ ,‬والجدير بالذكر ان المشرع العراقي لم يقتصر على تسجيل العالمة الجماعية‬
‫للمؤسسات الحكومية او مؤسسات القطاع العام ‪ ,‬انما جعل الحق في تسجيل العالمة‬
‫الجماعية الى مجموعة اعضاء نقابات او منظمات او جمعيات ‪ ,‬كما ذهب اليه المشرع المصري‬
‫وان كان ابعد مما ذهب اليه المشرع العراقي اذ نص المشرع المصري على منح حق تسجيل‬
‫العالمات الجماعية الى االشخاص المعنوية واالشخاص االعتبارية ‪ ,‬حتى وان لم يكن لهؤالء‬
‫االشخاص منشأة تجارية او صناعية‪.‬‬

‫المشرع العراقي خضع العالمة الجماعية عند تسجيلها لنفس القواعد الخاصة بتسجيل‬
‫العالمة التجارية العادية ‪,‬اذ تتمتع بالحماية القانونية ذاتها الممنوحة للعالمة التجارية العادية‬
‫‪ ,‬ويترتب على العالمة الجماعية كل االثارالمترتبة على العالمة التجارية العادية وهذا ما انتهجه‬
‫ً‬
‫ايضا المشرع المصري ‪.‬‬

‫ً‬
‫المبحث الثاني‪ :‬اشكال العالمات التجارية وفقا للقانون العراقي واالتفاقيات الدولية‬

‫والمنتج ومقدم الخدمة ينظرون الى العالمة التجارية على انها من العوامل‬
‫ِ‬ ‫التاجر‬
‫االساسية لنجاح عملهم في ميدان التجارة ‪ ,‬وعليه كلما كانت تتمتع بالتمييز والوضوح العالمة‬
‫التجارية كلما كان تأثيرها في جمهورالمسههلكين بصورة مباشرة ‪ ,‬هذا االمر سيحقق بدوره شهرة‬
‫ً‬
‫واسعة للعالمة التجارية ويكون انعكاسها ايجابيا على التاجر او المن ِتج في واردات مالية وفيرة‬
‫تتحقق له نتيجهها االرباح من المبيعات ‪,‬ففي الوقت الذي اوردت فيه التشريعات تعداد لعديد‬

‫‪ 521‬د‪ .‬فواز عبد الرحمن علي ‪ ,‬الحماية القانونية للعالمة التجارية في الجمهورية اليمنية ‪ ,‬دار الجامعة الجديدة ‪ ,‬اإلسكندرية‬
‫‪ , 0100,‬ص ‪.200‬‬

‫‪P 337‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫من االشكال التي تتخذها العالمة التجارية والتي نعني بها صورالعالمة التجارية ‪ ,‬وهذا االمركان‬
‫واضح من خالل تعاريف العالمة التجارية في القوانين الوطنية ‪ ,‬التاجرومقدم الخدمة والمن ِتج‬
‫ادركوا ان العالمة التجارية التي يتخذها ال يمكن لها التمتع بالحماية القانونية عندما ال يكون‬
‫لها شكل محدد رسمه التشريع الخاص في العالمة التجارية في تشريع دولته ‪ ,‬هذا ما ذهب اليه‬
‫المشرع العراقي حينما شرع قانون العالمات والبيانات التجارية رقم ( ‪ ) 29‬لسنة ‪ 9111‬المعدل‬
‫عندما ذكراعداد ألشكال العالمة التجارية وكانت على سبيل المثال اي لم يحصرها بعدد معين‬
‫ذلك لكون االبتكارات الذهنية ال يمكن تحديدها بصور او أشكال محددة ‪ ,‬وعند رجوعنا‬
‫ً‬
‫للتعاريف الواردة في التشريعات نجدها ايضا من الصعوبة ايجاد اشكال محددة على سبيل‬
‫الحصر تحدد فيه اشكال العالمة التجارية ‪,‬وهذا االمر ينسحب الى االحكام القضائية التي‬
‫تناولت العالمة التجارية ‪ ,‬وكذلك حتى الفقهاء عندما تطرقوا للعالمة التجارية لم يحددوا شكل‬
‫او عدة اشكال محددة للعالمة التجارية ‪ ,‬حيث ان العالمة التجارية قد تتخذ مجموعة من‬
‫االشكال اوتكون عبارة عن ارقام اورموزاوامضاءات اوكلمات وغيره وان عدم وجود شكل محدد‬
‫للعالمة التجارية يعود الى ان اختيارالعالمات التجارية يعود الى الجذب التجاري ‪ ,‬لكون وظيفهها‬
‫االساسية هي ان ترتبط بذهن المسههلك والخدمات والمنتجات التي تقدمها لجمهور‬
‫المسههلكين‪.‬‬

‫ولما تقدم سنقوم بتوضيح بعض االشكال التي اختارها المنتج اوالتاجراومقدم الخدمة‬
‫لعالمته التجارية ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ -‬الكلمات واالسماء المتخذة اشكال للعالمة التجارية‪.‬‬

‫التشريعات لم تمنع في اي نص من نصوصها من استعمال االسماء لتكون عالمة تجارية‬


‫المنتج او مقدم الخدمة لتمييز منتجاته عما يماثلها من المنتجات او السلع او‬‫ِ‬ ‫للتاجر او‬
‫الخدمات‪ ,‬لكن استعمال االسم كعالمة تجارية ال يكون مطلق أنما وفق ألية تحتم على التاجراو‬
‫المنتج او مقدم الخدمة التقيد فيها ومنها ‪ ,‬أن يكون اختياراالسم مشترطا بشكل مميزوان يكون‬
‫ِ‬
‫سبب في منع الغيرمن استخدامه وللتوضيح اكثريجب ان يكون االسم الذي يستخدم في العالمة‬
‫التجارية يمتاز اما بوضعه في اطار معين او الوان الحروف لالسم تكون بالوان مميزة‪ ,‬او كتابة‬
‫االسم بشكل مثلث او دائري او كتابة االسم تكون بخط معين بالخط الكوفي او اللفظ العربي او‬
‫الخط الفارس ي ‪ ,‬مثال على ذلك العالمة التجارية لسيارات ( المرسيدس ) حيث تكون بشكل‬

‫‪P 340‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫دائري ويحمل رمز السم مرسيدس ‪ ,‬وعالمة الكوست ( ‪ ) Lacoste‬التي كانت تستخدم لتمييز‬
‫المالبس ‪ ,‬كذلك لم تمنع النصوص القانونية من اختياراسم المتوفي ليكون عالمة تجارية لكن‬
‫اشترطت مو افقة جميع ورثة المتوفي على التسمية كما اشترطت مو افقة الغير في حال اختيار‬
‫اسمه ليكون عالمة تجارية‪ , )523( 522‬كما استقرت اغلب القرارات في املحاكم املختصة على هذا‬
‫الرأي ومنها محكمة النقض المصرية في قرار لها بشأن استعمال االسم كعالمة تجارية "للتاجر‬
‫ً‬
‫او الصانع اتخاذ اسمه الخاص عالمة لتمييزمنتجاته بشرط ان يتخذ هذا االسم في كتابته شكال‬
‫ً‬
‫مميزا"‪ .524‬لذلك ان االسماء التي تعد شخصية مجردة من اي ميزة او االسماء تكون عادية ال‬
‫يوجد ما يميزها لتكون عالمة تجارية ال يمكن التسمية باسمها مثال لذلك لو استخدم اسم‬
‫شخص ي ( حسن ‪ ,‬علي رضا ‪ ,‬ضحى ) والعلة من ذلك ان هذه االسماء يمكنها التشابه وبصورة‬
‫كبيرة مع مثيلهها من االسماء التي تتشابه معها ‪ ,‬وفي حال تم السماح ألطالق االسم الشخص ي‬
‫املجرد على العالمة التجارية ال يمكن ان يمنع اي شخص على سبيل المثال من اسمه ( حسن )‬
‫من استخدام أسمه في العالمة التجارية التي تميزمنتجاته أو سلعه ‪ ,‬وهنا سيحدث التباس لدى‬
‫المسههلك وكذلك ال يمكن اثبات احقية االسم الخاص في العالمة التجارية لمالكه الحقيقي‪.525‬‬

‫مما استقر عليه الرأي في حاالت تشابه االسماء فيمكن اعتماد العالمة التجارية التي‬
‫سبقت مثيلهها في االسم باالستعمال ‪ ,‬حيث اذا تشابهت عالمتين تجاريتين تحمل نفس االسم‬
‫للعالمة فهنا يكون الحق للعالمة التي استعملت اسبق من مثيلهها ‪ ,‬باإلضافة الى انه هناك اماكن‬
‫تستخدم لرمزيهها او لكونها تحمل اسم اثري او لتعريف انها مصنوعة في هذا البلد وباألخص اذا‬
‫َ‬
‫كان هذا المنتج هو من هذا البلد بالذات‪.‬‬

‫كما يحق لجميع المن ِتجين والتجار ومقدمي الخدمات من اختيار اسم االقليم او اي‬
‫مدينة على عالمههم التجارية وال يعني تسجيل اسم االقليم من قبل احد التجار او المن ِتجين‬
‫المنتجين من التسمية ‪ ,‬لكن ال يحق لهم تسمية االسماء الجغر افية باسم‬
‫حرمان باقي التجاراو ِ‬
‫العالمة التجارية ‪ ,‬هذا األمراتفقت عليه معظم التشريعات‪ ,526‬في عدم تسجيل العالمة التجارية‬

‫‪ 522‬حمادي زوبير ‪ ,‬الحماية القانونية للعالمات التجارية ‪,‬منشورات الحلبي ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬لبنان ‪ ,0110 ,‬ص ‪.70‬‬
‫‪ 524‬د‪ .‬أحمد حسني ‪ ,‬قضاء النقض التجاري ‪ ,‬القرار رقم ( ‪ ) 000‬لسنة ‪, 0200‬منشأة المعارف مطبعة اطلس ‪,‬‬
‫اإلسكندرية ‪ , 0210 ,‬ص ‪.020‬‬
‫‪ 525‬السيد عبد الوهاب عرفة ‪ ,‬الوسيط في حماية حقوق الملكية الفكرية ‪ ,‬منشورات دار المطبوعات الجامعية ‪ ,‬االسكندرية‪,‬‬
‫‪ , 0117‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 526‬محمد حسين اسماعيل ‪ ,‬القانون التجاري االردني ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص ‪.21‬‬

‫‪P 341‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َ‬
‫التي تحمل االسم الجغرافي الذي سيولد اللبس لدى المسههلك من حيث نوعية المنتج أو مكان‬
‫الصنع‪.527‬‬

‫مما يجدر له االشارة ان التشريعات والنصوص القانونية لم تمنع من تسمية العالمة‬


‫المنتج او التاجر او مقدم الخدمة لكن بشرط‬
‫ِ‬ ‫التجارية بنفس االسم لعالمة تجارية استعملها‬
‫هناك ميزة في هذه التسمية منها كأن تكون في لغة تختلف عن اللغة لتسمية تلك العالمة‬
‫منتج لديه مصنع يصنع منتجات انشائية تحمل اسم ( إنشائيات‬
‫التجارية‪ ,‬حيث اذا كان هناك ِ‬
‫منتج أخر استعمل نفس االسم لكن في اللغة الفارسية فهنا ال‬
‫المتحدة ) في اللغة العربية وجاء ِ‬
‫يمنع من تلك التسمية‪ ,528‬في بعض االحيان يكون استعمال الكلمة المتخذة كعالمة تجارية‬
‫َ‬
‫مرتبطة بشكل المنتج أو السلعة أو الخدمة المقدمة بمدلولها اللفظي ‪ ,‬أو تتكون العالمة‬
‫َ‬
‫التجارية من مجموعة من الكلمات لكنها ال ترتبط بأي ارتباط بطبيعة السلعة أو المنتج او‬
‫الخدمة المقدمة ‪ ,‬انما تكون هذه التسمية لتضيف جمالية لشكل العالمة وتجذب من خاللها‬
‫المسههلكين‪.529‬‬

‫هنا يمكننا القول ان االسماء و األماكن ال يمكن لها ان تستعمل كعالمة تجارية مميزة‬
‫بالشكل المرجو منها ذلك الن هذه االسماء متاحة لكل التجار والمن ِتجين ومقدمي الخدمات‬
‫استعمالها وباإلمكان استخدام االسماء واالماكن كعالمة تجارية متى كانت تلك االسماء بارزة‬
‫كأن تشير لمدينة دينية معروفة أو مدينة أثرية مشهورة ونحن نرى كباحث في التنظيم القانوني‬
‫للعالمة التجارية االسماء واالماكن التي تكون أسم مميزللعالمة التجارية هي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬االسم الشخص ي عندما يكون في أطارعلى شكل بيضوي أو دائري مما يجعله مميزلكل‬
‫من يراه ‪ ,‬حيث ان النصوص والتشريعات تحمي الشكل للعالمة التجارية ال االسم الذي تحمله‪.‬‬

‫ب ‪ -‬هناك أسماء لشخصيات وزعماء تكون هذه من الشخصيات المؤثرة في املجتمع مما‬
‫يكون التسمية بها يجذب من يراها او يسمع بها ‪ ,‬اال انه يشترط قبل التسمية بها استحصال‬
‫مو افقة ذو الشأن باالسم ‪ ,‬وفي حال كونه متوفي يجب استحصال مو افقة جميع ورثته‬
‫الشرعيين ‪.‬‬

‫‪ 527‬مجدي محب حافظ ‪ ,‬موسوعة تشريعات الغش والتدليس ‪ ,‬مصر ‪ , 0221 ,‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 528‬هالة مقداد أحمد الجليلي ‪ ,‬العالمة التجارية ‪ ,‬رسالة ماجستير غير منشورة ‪ , 0227,‬ص ‪.70‬‬
‫‪ 529‬د‪ .‬سميحة القليوبي ‪ ,‬الملكية الصناعية ‪ ,‬الطبعة الثالثة ‪ ,‬دار النهضة العربية ‪ ,‬القاهرة ‪ , 0220 ,‬ص ‪.020‬‬

‫‪P 342‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ج ‪ -‬نجد استعمال االسماء الشخصية التي تتميز بطابع خاص ومميز بشرط ان تكتب‬
‫بحروف او الوان مميزة او بطريقة خط مثل الخط الكوفي او الخط الفارس ي او غيره ‪.‬‬

‫د ‪ -‬في استخدام االسماء الجغر افية يجب مراعاة ان ال تحدث لبس لجمهورالمسههلكين‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫من حيث مصدر المنتج او السلعة ‪ ,‬مثال ان تذكر تاج محل على اسم عالمتك التجارية و أنت‬
‫تروج لمنتوج في العراق ‪ ,‬بينما يتبادرالى ذهن المسههلك المنتوج من دولة الهند ‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬الحروف واالرقام والصوروالرسوم التي تستعمل كشكل للعالمة التجارية‬

‫يجوز ان تتكون العالمة التجارية من حروف أو ارقام معينة ‪ ,‬سواء كانت هذه الحروف‬
‫تدل على اسم معين أو انها تمثل الحروف االولى السم التاجر أو المنتج أو مقدم الخدمة ‪ ,‬لكنه‬
‫يشترط ان تكون هذه الحروف أو االرقام مميزة‪ ,530‬مثال على ذلك عالمة ( ان‪ .‬اي ‪ .‬س ي ) التي‬
‫استعملت لتمييز منتجات لألجهزة اإللكترونية ‪ ,‬كما يمكن استخدام االرقام مثل العالمة‬
‫التجارية (‪ ) 19‬للداللة على الشركات الخلوية ‪ ,‬ويجوز ان تقترن الحروف مع االرقام كما في‬
‫مشروب ( ‪.531) up1‬‬

‫ثالثا‪ -‬الرموزوالرسوم والتصاويروالدمغات واالختام التي تكون شكل للعالمة التجارية‬

‫يمكن للرسوم التي تكون مصممة بشكل ابداعي أو ذا صفة مميزة ان تستعمل كشكل‬
‫ألشكال العالمة التجارية للتمييزعن السلع أو المنتجات أو الخدمة التي تقدم في عالم المنافسة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪,‬سواء كان مستمدا من شكل الطبيعة كشكل الشجرة مثال ‪ ,‬أو من احدى الحيوانات كشكل‬
‫الحشرة للتمييزعن نوع من انواع مبيد الحشرات ‪.‬‬
‫ً‬
‫ان استعمال الرموز يشترط ان يكون الرمز يحمل الجدة وكافيا لمنع اللبس لدى جمهور‬
‫ً‬
‫المسههلكين ان ال يكون مستعمال لدى الجميع‪. 532‬فاستعمال التاجرأو ِ‬
‫المنتج أو مقدم الخدمة‬
‫َ‬
‫رسم صورة حيوان للداللة عن منتج معين ال يمكن إعطاءه الحق بملكية هذه العالمة التجارية‬
‫ً‬
‫اال اذا احتوت على شكل مميزويبرزخاصية له وتجعله مؤثرا ‪ ,‬كما يجوزان تكون العالمة التجارية‬
‫من الصور االشخاص ام غير ذلك ‪ ,‬ولكن عند اتخاذ صورة شخص كعالمة تجارية يجب اخذ‬

‫‪ 530‬السيد عبد الوهاب عرفة ‪ ,‬مصدر سابق ‪.002 ,‬‬


‫‪ 531‬هالة مقداد أحمد الجليلي ‪ ,,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص‪.10‬‬
‫‪ 532‬د‪ .‬بتول صراوه عبادي ‪ ,‬التضليل االعالني واثرة على المستهلك ‪,‬الطبعة االولى‪ ,‬منشورات الحلبي‪ ,‬بيروت ‪, 0100 ,‬‬
‫ص ‪.021‬‬

‫‪P 343‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬
‫االذن من صاحبها ‪ ,‬وفي حال كون الشخص المراد اتخاذ صورته كشكل للعالمة تجارية متوفيا‬
‫فيجب اخذ االذن من جميع ورثته‪ ,533‬والهدف من ذلك لحماية جمهور المسههلكين من الوقوع‬
‫في الخطأ‪.534‬‬

‫تستعمل الدمغات كإحدى اشكال العالمة التجارية ويقصد بالدمغات العالمات املحفورة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبالتالي قد تكون رمزا أو صورة أو اسما ‪ ,‬وهي قد تكون محفورة بطريقة الحفر أو الضغط أو‬
‫الصب والتي تظهر في غلق المعلبات والصناديق ‪ ,‬ويقصد بالنقوش واالختام التي تستعمل‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫كعالمة تجارية هي الرسوم أو النقوش البارزة التي توضع على المنتج أو السلعة وهي ايضا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مشمولة بالحماية القانونية المقررة للعالمات التجارية لكونها تتخذ شكال مميزا‪.535‬‬
‫ً‬
‫رابعا ‪ -‬اشكال اخرى للعالمات التجارية العالمة اللونية والعالمة الصوتية والدفاعية‬

‫ان الطبيعة االبتكارية للعالمة التجارية تجعلها بشكل تساير التطور المتسارع الذي‬
‫يسعى من خالله التاجر أو المن ِتج أو مقدم الخدمة في تقديم االساليب المتنوعة ومسايرة‬
‫التغيرات االقتصادية واالجتماعية التي يكون لها االثر الكبير على اذواق المسههلكين ‪ ,‬لذا قد‬
‫المنتج أو مقدم الخدمة الى تسجيل االلوان ان كانت احادية او مركبة كعالمة‬
‫يتجه التاجر أو ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تجارية ‪ ,‬لغرض تمييزمنتجاتهم أو سلعهم لكونها تشكل تنسيق يضفي عليها طابعا مميزا ‪.‬‬

‫هذا االمر دفع العديد من التشريعات الى اعتماد تسجيل العالمة التجارية التي تحمل‬
‫ً‬
‫شكال لأللوان ‪ ,‬بنوعيها االحادية أو المركبة ‪ ,‬لكن هذه التشريعات اختلفت في اعتماد تسجيل‬
‫العالمة التي تحمل اللون الواحد او مجموعة من االلوان‪ ,536‬مثال على ذلك العالمة الصفراء‬
‫(‪ )Lipton‬التي تحمل منتوج الشاي واسع الشهرة ‪.‬‬

‫اشار المشرع الفلسطيني في قانون العالمات التجارية المطبق في الضفة الغربية بنص‬
‫ُ‬
‫المادة ( ‪ ) 4/1‬وتطابقها ايضا المادة ( ‪ ) 4/1‬من القانون النافذ في قطاع غزة ان "يجوز ان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تقتصر العالمة التجارية كليا أو جزئيا على لون واحد أو اكثر من االلوان الخاصة وفي مثل هذه‬
‫الحالة يأخذ المسجل أو املحكمة بعين االعتبار لدى الفصل في الصفة الفارقة لتلك العالمة‬

‫‪ 533‬د‪ .‬محمود سمير الشرقاوي ‪,‬القانون التجاري ‪ ,‬الجزء االول ‪ ,‬دار النهضة العربية ‪ ,‬القاهرة ‪ 0210 ,‬ص ‪.070‬‬
‫‪ 534‬مجدي محب حافظ ‪ ,‬مصدر سابق ص ‪.002‬‬
‫‪ 535‬د‪ .‬محمود سمير الشرقاوي ‪,‬مصدرسابق ‪ ,‬ص ‪.071‬‬
‫‪ 536‬عبد القادر حسن العطير ‪ ,‬الوجيز في شرح القانون التجاري ‪ ,‬مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ,‬عمان ‪ ,0222 ,‬ص‬
‫‪.071‬‬

‫‪P 344‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التجارية كون العالمة التجارية مقتصرة على تلك االلوان اما اذا سجلت عالمة تجارية دون‬
‫حصرها في الوان خاصة فتعتبرمسجلة لجميع االلوان"‪.537‬‬

‫كما أشارت اليه الفقرة االولى من المادة السابعة من قانون العالمات االردني على ان‬
‫ً‬
‫االلوان قد تكون هي الصفة الفارقة بالعالمة التجارية ‪ ,‬ويمكن ان تقتصرالعالمة التجارية كليا‬
‫ً‬
‫أو جزئيا على لون واحد أو الوان متعددة ‪ ,‬وعند تسجيل عالمة التجارية دون حصرها في الوان‬
‫خاصة تعد مسجلة لجميع االلوان ‪ ,‬وقد جاء في قرار محكمة العدل العليا االردنية انه ال يوجد‬
‫تشابه بين عالمتين تجاريتين من شأنه ان يؤدي الى غش الجمهور اذا اختلف لون كل عالمة‬
‫منهما‪.538‬‬
‫ً‬
‫المشرع البحريني صريح جدا في اباحة تسجيل اللون المفرد كعالمة تجارية وتوفير‬
‫الحماية القانونية لها ‪ ,‬اذ نصت المادة الثانية من قانون العالمات التجارية البحريني رقم ( ‪99‬‬
‫) لسنة ‪ 2110‬على ان اللون او مجموعة من االلوان هي شكل من اشكال العالمة التجارية‪.539‬‬

‫لبيان موقف المشرع العراقي تجاه اتخاذ االلوان كعالمة تجارية ‪ ,‬نجد في المادة االولى‬
‫من قانون العالمات والبيانات التجارية رقم ( ‪ ) 29‬لسنة ‪ 9111‬المعدل و وردت كلمة االلوان في‬
‫تعريف العالمة التجارية ‪ ,‬وكانت هذه الكلمة االلوان على وجه االطالق من دون تحديد لون مفرد‬
‫أو مجموعة من االلوان ‪ ,‬بهذه اإلشارة لكلمة االلوان في تعريف العالمة التجارية فأن المشرع‬
‫العراقي كان يهدف الى حماية العالمة التجارية التي تتخذ من االلوان سواء كانت من لون واحد‬
‫ً‬
‫أو من الوان متعددة ‪ ,‬وموقف المشرع العراقي كان جيدا من هذه الناحية ‪ ,‬ألنه لوذكرلون واحد‬
‫ً‬
‫ألصبحت الحماية القانونية للعالمة التي تتخذ لون واحد ‪ ,‬بينما لو ذكرالعالمة التي تتخذ شكال‬
‫ً‬
‫من مجموعة الوان ألصبح المفهوم منه يقصد عدم شمول العالمة التجارية التي تتخذ شكال‬
‫من لون واحد‪.540‬‬

‫‪ 537‬قرار رقم ‪ 00 /002‬عدل عليا ‪ ,‬مجلة نقابة المحاميين األردنيين ‪ ,‬سنة ‪.0207‬‬
‫‪ 538‬روبا طاهر القليوبي ‪ ,‬حقوق الملكية الفكرية ‪ ,‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ,‬عمان ‪ ,‬االردن ‪ , 0221 ,‬ص ‪.012‬‬
‫‪ 539‬ينظر الى نص المادة الثانية من قانون العالمات التجارية البحريني رقم ( ‪ ) 00‬لسنة ‪ 0110‬التي نصت على ان‪:‬‬
‫"يقصد بالعالمة التجارية كل ما يأخذ شكالً مميزا من اسماء او كلمات او توقيعات او حروف او رموز او ارقام او عناوين‬
‫او اختام او رسوم او اصوات او روائح او صور او نقوش او تغليف او عناصر تصويرية او اشكال او لون او مجموعة‬
‫من االلوان ‪."....‬‬
‫‪ 540‬د‪ .‬عبد الله حسين علي محمود ‪ ,‬حماية المستهلك من الغش التجاري ‪ ,‬دار النهضة العربية ‪ ,‬القاهرة ‪ , 0110 ,‬ص ‪001‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬

‫‪P 345‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬
‫كما الحظنا ذلك في موقف المشرع المصري الذي تطرق لأللوان التي تتخذ شكال للعالمة‬
‫التجارية كمجموعة من االلوان ‪ ,‬وجاء في نص المادة ( ‪ ) 03‬من قانون حماية حقوق الملكية‬
‫ً‬
‫الفكرية المصري رقم ( ‪ ) 12‬لسنة ‪ 2112‬في تعريفها للعالمة التجارية بانها ‪" :‬كل ما يميز منتجا‬
‫ً‬
‫سلعة كان أو خدمة كالكلمات والحروف ومجموعة من االلوان التي تتخذ شكال مميزا" ‪ ,‬وبذلك‬
‫ً‬
‫يكون المشرع المصري قد اوضح صراحة بأن الحماية القانونية تكون للعالمة التي يكون شكلها‬
‫مكون من مجموعة من االلوان‪.541‬‬
‫ً‬
‫هناك نوع من العالمات التي تتخذ شكال من الصوت كالجمل الموسيقية التي تكون هذه‬
‫العالمة تستعمل في البث اإلذاعي كما هو مالحظ للعالمة الخاصة بهيئة اإلذاعة البريطانية‬
‫وتكون كدقات الساعة ‪ ,‬ويتبادرالتساؤل هل باإلمكان تسجيل هكذا عالمات تتخذ من الصوت‬
‫ً‬
‫المميزشكال لها ؟‬
‫ً‬
‫كان المشرع الفرنس ي سباقا في تسجيل العالمات الصوتية لكون هذه اإلشارات تلعب دور‬
‫هام وكبير ال يمكن االسههانة به في مجال الدعاية بفرنسا ‪ ,‬وجاء في قانون الملكية الفكرية‬
‫الفرنس ي بالفقرة االولى من المادة ( ‪ ) 199‬على اعتبارهذه اإلشارات الصوتية عالمة تجارية‪.542‬‬

‫كما حذا المشرع اإلنكليزي بما ذهب اليه المشرع الفرنس ي على تسجيل العالمات‬
‫الصوتية حيث نص في القوانين الخاصة بالملكية الفكرية على تعريفات عديدة وليس هناك اي‬
‫اشارة أو صنف قد استثناه القانون من التسجيل طالما باإلمكان تمثيلها برسم تخطيطي ‪.‬‬
‫ً‬
‫اما المشرع المصري فقد اوضح صراحة موقفة من هكذا اشكال تتخذ للعالمات‬
‫التجارية ‪ ,‬فقد اورد في المادة ( ‪ ) 03‬من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصرية رقم (‬
‫‪ ) 12‬لسنة ‪ 2112‬عندما اشارالى ان العالمة التجارية التي تحظى بالحماية القانونية مما يمكن‬
‫ادراكها بالبصر‪.‬‬

‫من جانبه المشرع االردني اشترط لتسجيل العالمة التجارية ان يكون شكلها قابل‬
‫لألدراك عن طريق البصر ‪ ,‬وهذا ما اوردة قانون العالمات التجارية األردني رقم ( ‪ ) 34‬لسنة‬

‫‪ 541‬حمادي زوبير ‪ ,‬مصدر سابق‪ ,‬ص ‪.70‬‬


‫‪ 542‬عبد الرحمن السيد قرمان ‪ ,‬االتجاهات الحديثة في حماية العالمة التجارية المشهورة دراسة مقارنة بين القانونين المصري‬
‫والفرنسي‪ ,‬الطبعة الثانية ‪ ,‬دار النهضة العربية ‪ ,‬القاهرة ‪.010 , 0111 ,‬‬

‫‪P 346‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬
‫‪ 5439111‬فيما كان المشرع العراقي واضحا في االعتراف بتسجيل العالمة الصوتية وجاء في المادة‬
‫االولى من قانون العالمات والبيانات التجارية رقم ( ‪ ) 29‬لسنة ‪ 9111‬المعدل ونصت على ان‪:‬‬
‫ً‬
‫"‪ ....‬وال يشترط في اإلشارة ادراكها بصريا حتى تصلح للحماية كعالمة تجارية"‪.544‬‬

‫نرى ان االعتراف الصريح من قبل المشرع العراقي بالحماية القانونية للعالمة التجارية‬
‫ً‬
‫التي تتخذ من الصوت شكال لها هو لمواكبة التطورات التكنلوجية في مجال عالم التجارة التي‬
‫َ‬
‫اخذت تستعين بالطرق الحديثة للترويج عن البضائع والمنتجات والخدمات المقدمة لتمييزها‬
‫عما يشابهها من مثيالتها ‪.‬‬

‫هناك عالمات يطلق عليها العالمات المانعة وعالمات االحتياط ويلجأ التاجر أو المن ِتج‬
‫أو مقدم الخدمة بتسجيل هذه العالمات كالعالمات المانعة ليس بقصد استعمالها لتمييز‬
‫منتجاته أو سلعه أو خدماته ‪ ,‬انما يهدف من وراء هذا التسجيل ان يمنع غيره من التجار أو‬
‫ً‬
‫المن ِتجين من استعمالها أو تسجيلها الحقا ‪ ,‬يسعى من هذا العمل ان يحول دون ان يقوم الغير‬
‫بتسجيل عالمة مشابهة أو مقارنة لعالمته التي يستعملها ‪ ,‬لذلك يقوم صاحب العالمة االصلية‬
‫بتسجيل بعض العالمة التي تتقارب باأللفاظ من عالمته االصلية مثال قيام صاحب عالمة ( ليز‬
‫) الخاصة والمشهورة لمأكوالت االطفال بتسجيل عالمة ( ليزر) أو ( لزر) ‪.‬‬

‫نجد ان المشرع العراقي من خالل قانون (‪ ) 29‬لسنة ‪ 9111‬المعدل عندما حدد شروط‬
‫منح العالمة التجارية فقد الزم مسجل العالمات التجارية عند تقديم طلب لتسجيل عالمة‬
‫ً‬
‫تجارية ان يقوم بالبحث عن عدم وجود عالمات مشابهة مسجله لديه حاليا أوانها قيد التسجيل‬
‫‪ ,‬مما يعني ان اتباع هذا النظام في البحث عن العالمة المشابهة يجعل تسجيل هذه العالمة امر‬
‫غيرموجود‪ ,‬بل ان مسجل العالمات التجارية يقوم برفض الطلب للتسجيل‪.545‬‬

‫توجد عالمات يطلق عليها العالمات االحتياطية ‪ ,‬وهذه العالمات على خالف العالمات‬
‫المنتج أو مقدم الخدمة بتسجيلها ‪ ,‬عندما يقوم بتسجيل‬
‫المانعة فهي ما يلجأ اليها التاجر أو ِ‬
‫اكثر من عالمة تجارية مقاربة ومتشابهة باأللفاظ لعالمته التجارية االصلية‪ ,‬ومن ثم يقوم‬
‫َ‬
‫باستخدامها في المستقبل لتمييزمنتجات عالمته االصلية مع اختالف نوع المنتج ‪.‬‬

‫‪ 543‬القاضي عماد الدين محمود سويدات‪ ,‬الحماية المدنية للعالمة التجارية ‪ ,‬الطبعة االولى ‪ ,‬دار ومكتبة الحامد للنشر‬
‫والتوزيع ‪ ,‬االردن ‪ , 0100 ,‬ص‪020‬‬
‫‪ 544‬ينظر الى المادة األولى من قانون العالمات والبيانات التجارية العراقي رقم ( ‪ ) 00‬لسنة ‪ 0207‬المعدل‪.‬‬
‫‪ 545‬د‪ .‬علي فتاك ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص ‪.001‬‬

‫‪P 344‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫سايرالمشرع العراقي معظم التشريعات المقارنة في عدم تسجيل هكذا عالمات وهذا ما‬
‫اوردة في قانون العالمات والبيانات التجارية رقم ( ‪ ) 29‬لسنة ‪ 9111‬المعدل والذي اوجب على‬
‫صاحب العالمة التجارية باستعمال عالمته بعد تسجيلها وتكون معرف لبضائعه ومنتجاته‬
‫ً‬
‫لمدة خمس سنوات من بعد التسجيل فورا ‪ ,‬هذا ما ذهب اليه المشرع المصري في قانون حماية‬
‫حقوق الملكية الفكرية رقم ( ‪ ) 12‬لسنة ‪ 2112‬من حظر استعمال العالمة االحتياطية ونص‬
‫على ان "يجوز للمحكمة املختصة ً‬
‫بناء على طلب كل ذي شأن ان تقض ي بشطب تسجيل عالمة‬
‫بحكم قضائي واجب النفاذ اذا ثبت لديها انها لم تستعمل بصفة جدية دون مبرر تقدره لمدة‬
‫خمس سنوات متتالية"‪.546‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫ً‬
‫نظرا لما تمثله العالمة التجارية من اهمية كبرى على الصعيد االقتصادي بمعناه الواسع‪,‬‬
‫لذا اعطت الدول المتقدمة االهتمام والعناية بالعالمة التجارية بجميع صورها واوجه‬
‫استغاللها وتحديد الحقوق وااللتزامات التي تترتب على استعمالها وحمايهها القانونية من اعتداء‬
‫االخرين عليها ‪ ,‬كانت هذه الدراسة لتسليط الضوء على االشكال واالنواع التي تتمثل في العالمة‬
‫ً‬
‫التجارية‪ ,‬واالثار المترتبة على مخالفة تلك االشكال واالنواع ‪ ,‬متطرقا الى ما نص عليه القانون‬
‫العراقي والتشريعات المقارنة واالتفاقيات والمعاهدات الدولية ‪ ,‬أذ بيننا الى الطريق الذي‬
‫المنتج اومقدم الخدمة في اختيارالشكل الذي يتناسب مع النصوص القانونية‬
‫يسلكه التاجراو ِ‬
‫التي تمنح الحماية القانونية ألشكال محددة ‪ ,‬اذ تحرم العالمة التي تتخذ شكل ال يمكنها من‬
‫خالله تسجيلها لدى المسجل الوطني ‪ ,‬وتطرقنا الى االنواع التي تتنوع فيها العالمة التجارية التي‬
‫ال تتعارض والنصوص القانونية في التشريعات المقارنة ‪ ,‬موضحين ان التنوع الذي تنوعت فيه‬
‫العالمة التجارية لم يكون بسبب التشريعات او القوانين املختلفة التي نظمت العالمة التجارية‪,‬‬
‫انما بسبب تطور الجانب التجاري والتكنلوجي الذي ادى الى ظهور االبتكارات المتعددة انتجت‬
‫انواع من العالمة التجارية ‪.‬‬

‫االستنتاجات‬

‫من االستنتاجات المهمة التي توصلنا اليها في نهاية هذه الدراسة هي ‪:‬‬

‫‪ 546‬ينظر للمادة ( ‪ ) 20‬من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري رقم ( ‪ ) 10‬لسنة ‪.0110‬‬

‫‪P 342‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أ ‪ -‬المشرع العراقي وغالبية التشريعات المقارنة شرعت قوانين خاصة لتنظيم عمل‬
‫التجار والمن ِتجين ومقدمي الخدمات عند استعمالهم عالمات تجارية ‪ ,‬لم يترك تنظيمها‬
‫للقواعد العامة اال في بعض الحاالت التي تم االشارة اليها في دراستنا‪ ,‬كما بينت تلك القوانين‬
‫تعداد اشكال العالمات التجارية و انواعها من خالل التعريفات التي اوردتها في القوانين ‪.‬‬

‫ب‪ -‬التاجر ومقدم الخدمة والمن ِتج أدرك ان العالمة التجارية التي يتخذها ال يمكن لها‬
‫التمتع بالحماية القانونية عندما ال يكون لها شكل محدد رسمه التشريع الخاص للعالمة‬
‫التجارية في تشريعات دولته ‪ ,‬كما اكد عليه المشرع العراقي في قانون العالمات والبيانات‬
‫التجارية رقم ‪ 29‬لسنة ‪ 9111‬المعدل ‪ ,‬كذلك اتفقت عليه اغلب النصوص في االتفاقيات‬
‫والمعاهدات الدولية التي نظمت عمل العالمة التجارية ‪.‬‬

‫ج‪ -‬التنوع الذي تنوعت فيه العالمة التجارية لم يكون للتشريعات الوطنية او الدولية‬
‫ً‬
‫دورا فيه ‪ ,‬انما يرجع في التطورات الملحوظة في ميدان التجارة ‪ ,‬باإلضافة الى التسارع في التطور‬
‫التكنلوجي الذي ادى الى ظهور االبتكارات المتعددة انتجت من جانبها انواع متعددة للعالمات‬
‫التجارية‪.‬‬

‫ح ‪ -‬من االسباب التي تعاني منها االسواق املحلية في العراق هي ردائه المنتجات والسلع‬
‫على الرغم من وجود عالمة الضمان ‪ ,‬ذلك الن عالمة الضمان تمنح ألي شركة او مؤسسة‬
‫وبمو افقات أولية مبسطة ‪ ,‬لكن لوسارالمشرع العراقي على ما سارعليه المشرع المصري وأوكل‬
‫مهمة المو افقة على منح عالمة الضمان تكون محصورة بمو افقة الوزيراملختص ‪ ,‬لكانت هناك‬
‫نتائج إيجابية تنعكس على االسواق التجارية كانت ام الصناعية في العراق ‪.‬‬

‫د – االسباب التي ادت لتنوع العالمة التجارية تكون اما بسبب وظيفهها االساسية لتمييز‬
‫المنتجات والسلع والخدمات المقدمة او بسبب العناصرالمركبة لشخصية العالمة التجارية ‪.‬‬

‫ه – اغلب التشريعات والنصوص القانونية في االتفاقيات والمعاهدات الدولية لم تأتي‬


‫في تعداد اشكال العالمات التجارية على سبيل الحصر انما على سبيل المثال ‪ ,‬السبب في ذلك‬
‫لكون االبتكارات الذهنية ال يمكن تحديدها في صوراو اشكال محددة ‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪P 347‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫علي فتاك ‪ ,‬تأثير المنافسة على االلتزام بضمان سالمة المنتوج ‪ ,‬دار الفكر الجامعي ‪ ,‬ط‬
‫‪ , 9‬االسكندرية ‪.2111 ,‬‬

‫عبد الله حميد سليمان الغويري ‪ ,‬العالمة المشهورة وحمايهها ضمن اتفاقية الجوانب‬
‫المتصلة بالتجارة ‪ ,‬منشورات شبكة قوانين الشرق ‪ ,‬القاهرة ‪.2110 ,‬‬

‫هشام فرعون ‪ ,‬القانون التجاري ‪ ,‬مطبعة الروضة ‪ ,‬دمشق ‪.9114 ,‬‬

‫صالح هادي فليح ‪ ,‬الملكية الفكرية للعالئم التجارية في القانون العراقي ‪ ,‬مكتبة القانون‬
‫المقارن ‪ ,‬الطبعة االولى ‪.2122 ,‬‬

‫حسين فتحي ‪ ,‬حدود مشروعية االعالنات التجارية لحماية المتجر والمسههلك ‪ ,‬بدون‬
‫ناشر‪.‬‬

‫علي البارودي ‪ ,‬و د‪ .‬محمد السيد الفقي ‪ ,‬القانون التجاري ‪ ,‬دار المطبوعات الجامعية ‪,‬‬
‫االسكندرية ‪.9111 ,‬‬

‫محمد حسن عبد املجيد الحداد ‪ ,‬االليات الدولية لحماية حقوق الملكية الصناعية‬
‫و اثرها االقتصادي ‪ ,‬دارالكتب القانونية ‪ ,‬القاهرة ‪.2199 ,‬‬

‫رامي محمد علوان ‪ ,‬المنازعات حول العالمات التجارية ومو اقع األنترنيت مجلة الشريعة‬
‫والقانون‪ ,‬العدد الثاني والعشرون ‪ ,‬كانون الثاني ‪.2111 ,‬‬

‫صالح زين الدين ‪ ,‬ترقين العالمة التجارية في األردن ‪ ,‬بحث منشور لدى مجلة الحقوق (‬
‫جامعة الكويت ) العدد الرابع ‪.2111,‬‬

‫عجده الجياللي ‪,‬موسوعة حقوق الملكية الفكرية ( العالمة التجارية خصائصها‬


‫وحمايهها) ‪ ,‬الطبعة االولى ‪,‬منشورات دارزين الحقوقية ‪.2111‬‬

‫محمد حسين اسماعيل ‪ ,‬القانون التجاري االردني ‪ ,‬دار عمان للطباعة والنشر ‪ ,‬عمان ‪,‬‬
‫‪.9111‬‬

‫فواز عبد الرحمن علي ‪ ,‬الحماية القانونية للعالمة التجارية في الجمهورية اليمنية ‪ ,‬دار‬
‫الجامعة الجديدة ‪ ,‬اإلسكندرية ‪.2199,‬‬

‫‪P 350‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫حمادي زوبير ‪ ,‬الحماية القانونية للعالمات التجارية ‪,‬منشورات الحلبي ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬لبنان‬
‫‪.2112‬‬

‫أحمد حسني ‪ ,‬قضاء النقض التجاري ‪ ,‬القرار رقم ( ‪ ) 929‬لسنة ‪, 9110‬منشأة المعارف‬
‫مطبعة اطلس ‪ ,‬اإلسكندرية ‪.9112 ,‬‬

‫عبد الوهاب عرفة ‪ ,‬الوسيط في حماية حقوق الملكية الفكرية منشورات دارالمطبوعات‬
‫الجامعية ‪ ,‬االسكندرية ‪.2111 ,‬‬

‫سميحة القليوبي ‪ ,‬الملكية الصناعية ‪ ,‬الطبعة الثالثة دار النهضة العربية ‪ ,‬القاهرة‬
‫‪ 9110‬بيروت‪.‬‬

‫محمود سمير الشرقاوي ‪,‬القانون التجاري ‪ ,‬الجزء االول ‪ ,‬دار النهضة العربية ‪ ,‬القاهرة‬
‫‪.9112‬‬

‫روبا طاهر القليوبي ‪ ,‬حقوق الملكية الفكرية ‪ ,‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ,‬عمان‬
‫االردن ‪.9111 ,‬‬

‫‪P 351‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫–‬

‫خصوصيات البطالن الوجوبي للعقد يف نظام‬


‫مساطر صعوبات املقاولة طبقا للقانون ‪91.13‬‬
‫‪Peculiarities of mandatory invalidity of the contract in the system of rules of contracting‬‬
‫‪difficulties‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبرمبدأ حرية اإلرادة والعدالة التعاقدية مبدأين أساسيين للعملية التعاقدية‪ ،‬كما أن‬
‫القوة الملزمة للعقد هي الهدف الجوهري للمتعاقدين‪ ،‬فالعقد بمثابة شريعة لهم فال يجوز‬
‫نقضه أو تعديله إال باتفاق الطرفين أو لألسباب التي يقررها القانون‪ ،‬وهذا ما يقض ي به مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة‪ ،547‬حيث إن العقد ملك لألطراف ومن صنع إرادتهم‪ ،‬والتوازن العقدي بينهم يعد‬
‫مطلبا أساسيا تسعى إليه كافة أطر افه‪.‬‬

‫لكن التطورات االقتصادية واالجتماعية والتكنولوجية التي حصلت بشكل مفاجئ أفرزت‬
‫اختالال بينا بين أطراف العالقة العقدية‪ ،‬وهوما كان سببا وراء ظهورأفكارجديدة منتقدة ألسس‬
‫مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬تنادي بضرورة تدخل الدولة لتقييد هذه الحرية على المستوى‬
‫االقتصادي من خالل ما يسمى باالقتصاد الموجه‪ ،‬ليس من أجل اإللغاء الكلي لدور اإلرادة في‬

‫‪-547‬لقدد سددددددداد هدذا المبددأ في نهداية القرن ‪ 21‬وبداية القرن ‪ 2.‬الذي نادى رواده بضدددددددرورة تأمين الحرية االقتصدددددددادية‬
‫والمبادالت التجارية على الصددعيد الداخلي والدولي خاصددة بعد تعقد الحياة االقتصددادية‪ ،‬إذ ظهرت المؤسددسددات االقتصددادية‬
‫الكبرى وتطورت وتوسددعت تحت شددعار الحرية االقتصددادية التي أصددبحت فيما بعد حرية فعلية ومدعمة بنصددوص القانون‬
‫المدني‪ .‬فانتشدار التجارة وازدياد حركة التعامل اقتضيا التخلص من القيود واألوضاع التي تعيق سرعة التداول‪ ،‬وكان اتجاه‬
‫الفيزوقراط وعلى رأسدهم "آدام سميت" وأتباعه هم المروجون لهذا المبادئ المنادية بالحرية االقتصادية عن طريق شعارهم‬
‫"دعه يعمل دعه يمر"‪ .‬وما كان لهذه األسس االقتصادية لمبدأ سلطان اإلرادة إال أن وجدت أرضها الخصبة التي نمت فيها‬
‫وشدبت في ظل قانون نابوليون لسنة ‪ 2112‬خاصة في مادة العقود‪ ،‬إذ نص هذا القانون في الفقرة األولى من المادة ‪2242‬‬
‫على هذا المبدأ‪ ":‬االتفاقات المعقودة على وجه شررعي تقو مقا القانون بالنسبة للى منشئيها"‪ .‬فاإلرادة وحدها هي التي‬
‫تنشدددئ التصدددرف القانوني وتحدد آثاره‪ ،‬فإذا أبرم العقد بين الطرفين أصدددبح ملزما لهما‪ ،‬وليس ألي منهما التحلل منه باتفاق‬
‫جديد يبرم لهذه الغاية‪ .‬إدريس بنشددقرون‪ ،‬أثر تغير الظروف االقتصددادية على العقد‪ ،‬مقال منشددور على مجلة القصددر‪ :‬العدد‬
‫الثاني ‪ 1111‬ص‪21.‬‬

‫‪P 352‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تكوين العقود‪ ،‬و إنما فقط من أجل توجيهها لالتجاه الذي يحقق النظام والعدالة‬
‫االجتماعية‪ 548‬في شكل القانون االقتصادي وخاصة النظام العام االقتصادي‪.‬‬

‫بناء عليه فقد أصبحت العقود منظمة نظرا لآلثار االقتصادية‪ ،‬مما أثر على التوجهات‬
‫األساسية للقاعدة القانونية وأصبح الميل نحو تنظيم لالقتصاد‪ ،‬ذلك أن العقد يكون في‬
‫المرحلة األولى للتعاقد كتصرف قانوني قائم على المساواة التعاقدية بين طرفين أحدهما دائن‬
‫واآلخرمدين‪ ،‬إال أن هذا العقد يدخل في إطارشبكة اقتصادية تصبح معها العالقة القائمة بين‬
‫الطرفين‪ ،‬تحكمها قواعد القانون االقتصادي نتيجة لتطور مفهوم المقاولة إلى قانون‬
‫األعمال‪.549‬‬

‫يعد بطالن العقود في نظام مساطر صعوبات المقاولة للتصرفات التي يجريها المدين‬
‫المتوقف عن الدفع خالل فترة الشك‪ ،‬ثورة على القواعد العامة لنظرية البطالن المطلق التي‬
‫ال تأخد منها إلى الصفة‪ ،‬أما األسباب والقواعد التي تقرره فتختلف عنها بشكل يطبع عليها‬
‫خصوصيات‪ ،‬تتجلى أبعادها حتى بالنسبة آلثارهذا البطالن‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن إشكالية الموضوع تتجلى في مدى خصوصيات البطالن الوجوبي‬
‫للعقد في إطارنظام مساطرصعوبات المقاولة؟‬

‫و انطالقا من هذا اإلشكال سنقوم بتناول هذا الموضوع من خالل محورين‪ :‬املحور‬
‫األول‪ :‬خصوصيات البطالن الوجوبي للعقد‪ .‬املحورالثاني‪ :‬آثارالبطالن الوجوبي للعقد‪.‬‬

‫املحور األول‪ :‬خصوصيات البطالن الوجوبي للعقد‬

‫سنحاول في هذه الفقرة أن نبرز مدى تأثير نظام مساطر صعوبات المقاولة في نظرية‬
‫البطالن المطلق‪ ،‬عبر مقابلة األسباب العامة لبطالن العقود بالمبررات القانونية لتقرير‬
‫البطالن الوجوبي للعقد (أوال)‪ ،‬وكذا التأثرالواضح للبناء القانوني لقواعد ممارسة دعوى هذا‬
‫البطالن بوضعية المقاولة الخاضعة لنظام المساطرالجماعية (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تأثيروضعية المقاولة في أسباب البطالن‬

‫‪ -548‬محمد الشرقاني‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات (العقد) م‪ .‬سجلماسة مكناس‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪ 1128‬ص‪24 :‬‬
‫‪ -549‬ياسددددين منصددددوري‪ ،‬المقاربة االقتصددددادية للعقد‪ ،‬رسددددالة لنيل دبلوم الماسددددتر في شددددعبة القانون الخاص وحدة قانون‬
‫األعمال‪ ،‬جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصدددادية واالجتماعية السدددوسدددي –الرباط‪ -‬س‪.‬ج‪1122/1121 ،‬‬
‫ص‪ 1.‬و ‪.‬‬

‫‪P 353‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يقع العقد باطال إعماال للقواعد العامة إذا تخلف ركن من أركانه األساسية التي يقوم‬
‫عليها‪ ،‬أو إذا اختل هذا الركن اختالال يؤدي إلى عدم االعتداد به أصال‪ ،550‬ويقع العقد باطال‬
‫كذلك إذا نص القانون على ذلك‪ ،551‬حيث تنص الفقرة الثانية من الفصل ‪ 310‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪،‬‬
‫على ما يلي‪ ":‬ويكون االلتزام باطال بقوة القانون‪:‬‬

‫‪ -9‬إذا كان ينقصه أحد األركان الالزمة لقيامه؛‬

‫‪ -2‬إذا قررالقانون في حالة خاصة بطالنه "‪.‬‬

‫لكن المشرع المغربي‪ ،‬وخروجا عن هذه األسباب العامة المقررة لبطالن العقود‪ ،‬قرر‬
‫ً‬
‫نظاما قانونيا خاصا‪ ،‬حيث نص في الفقرة األولى المادة ‪ 194‬من م‪.‬ت على أنه‪" :‬يعتبر باطال كل‬
‫عقد بدون مقابل قام به المدين بعد تاريخ التوقف عن الدفع"‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن من شأن قيام المدين بتصرفات غير عوضية ‪ - 552‬أي إخراج مال من ذمته‬
‫المالية‪ -‬وهو يعلم أنه متوقف عن الدفع أن يلحق ضررا واضحا بوضعية المقاولة؛ لذلك‪،‬‬
‫فالمشرع عامله بنقيض قصده ورتب البطالن الوجوبي على مثل هذا التصرفات‪ .‬لكن السؤال‬
‫الذي يثور هنا يتعلق باألساس المبرر للقول ببطالن عقد نشأ وهو مستوف ألركانه القانونية‬
‫نظريا؟‬

‫لئن كان المشرع المغربي عند تقرير بطالن التصرفات املجراة خالل فترة الريبة يكون قد‬
‫ارتاب وشك في مدى إنجازها عن حسن نية‪ 553،‬فإن هنالك رأي‪ 554‬يذهب إلى أنه إذا كان نص‬
‫القانون يشكل سببا للبطالن في ضوء القواعد العامة‪ ،‬فإنه يهم تصرفات مسماة وليست‬
‫تصرفات منجزة داخل فترة معينة‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للتصرفات القانونية بدون مقابل‬
‫المنجزة خالل فترة الريبة‪.‬‬

‫‪ -550‬إدريس العلوي العبدالوي‪ ،‬شدددرح القانون المدني‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام العقد‪ ،‬م‪ .‬النجاح الجديدة الدار البيضددداء‪ .‬ط ‪ 2‬س ‪2..8‬‬
‫ص‪ : 787 .‬أورده معاد لخيار ‪ :‬نفس المرجع‪ .‬ص ‪.4..‬‬
‫‪ -551‬في بعض الحاالت الخاصددة وعلى سددبيل الحصددر قد يقرر القانون اعتبار عقد ما باطال‪ ،‬منها على الخصدددوص‪ :‬بطالن التعامل في‬
‫التركة المستقبلة الفصل ‪ 82‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬بطالن تأجير خدمات شخص آلخر طوال حياته‪ ،‬الفصل ‪ .1.‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫‪ -552‬ومن أهم صددددددور هذه التصددددددرفات العقود التبرعية التي ال يأخذ فيها المتعاقد مقابال لما أعطاه‪ ،‬وال يعطي المتعاقد اآلخر مقابال لما‬
‫أخذه‪ ،‬وهي بذلك عقود ضارة بالذمة المالية ضررا محضا‪ ،‬ألنها تفقر الذمة المالية ألحد طرفها و تغني الذمة المالية لآلخر بدون عوض‪.‬‬
‫عبدد اإللده برجداني‪ ،‬الحمدايدة القدانونيدة و القضدددددددائيدة للمقاولة‪ :‬دراسدددددددة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في العلوم القانونية‪ ،‬جامعة‬
‫القاضي عياض‪ :‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1112-1117 :‬ص‪.111 :‬‬
‫‪ -553‬معاد لخيار‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.4.. :‬‬
‫‪554 - Nathalie Stagnoli, les atteintes de procédure collective à la liberté contractuelle, Mémoire‬‬

‫‪de DEA droit des affaires, universitaires Robert schuman de Strasbourg, Année universitaire :‬‬
‫‪2002-2003, p. 51- 52.‬‬

‫‪P 354‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫في حين ذهب رأي‪ 555‬آخر إلى أن الفرق بين سبب البطالن في كل من النظامين يرجع إلى‬
‫المصلحة املحمية في كل منهما‪ ،‬حيث اعتبرجزاء البطالن يهم جميع التصرفات الماسة بالنظام‬
‫واألخالق العامين‪ ،‬أما جزاء البطالن الوجوبي فقد جاء أساسا لحماية المقاولة بالذات من‬
‫تعسف دائنيها أو تدليس مسيرها‪.‬‬

‫وإن كان جانب مقابل يأخذ بالقول إن بطالن التصرفات املجراة خالل فترة الريبة‬
‫مؤسسة على صورية سببها‪ ،‬مما يجعل قواعد فترة الريبة خروجا عن األحكام العامة‪ ،‬باالفتراض‬
‫المسبق النعدام السبب‪ ،‬والحال أن هذه األحكام تفرض أن السبب المذكور هو السبب‬
‫الحقيقي ويقع على من يدعي خالف ذلك عبء اإلثبات‪.‬‬

‫تأسيسا عليه‪ ،‬فإن استقراء مقتضيات الفقرة األولى من المادة ‪ 194‬من م‪.‬ت في سياقها‬
‫الخاص‪ ،‬يظهرأن مرد بطالن تصرفات المدين بني على أساس تحصين أموال المقاولة المتوقفة‬
‫ً‬
‫عن الدفع‪ ،‬وضمان فرص إنقاذها بعيدا عن األخذ بأحكام النظرية التقليدية للسبب أو صورية‬
‫العقد‪ ،‬ألن الرهان األكبرالمتمثل في حماية االقتصاد الوطني بشكل عام والمقاولة بشكل خاص‬
‫باستحضار دائم لمفهوم النظام العام االقتصادي‪ ،556‬وخروجا عن أسباب بطالن العقود‬
‫ً‬
‫العامة متأثرا بو اقع التجارة وخصائص البيئة التجارية‪ ،‬فإنه تقرربطالن كل عقد أبرمه المدين‬
‫وهو متوقف عن الدفع مستجمعا للشروط التالية‪:557‬‬

‫‪ – 9‬أن يكون العقد أو التصرف بدون مقابل؛‬

‫‪ – 2‬أن يقع العقد أو التصرف داخل فترة الريبة؛‬

‫‪ – 3‬أن يصدرالعقد أو التصرف بدون مقابل من المدين المتوقف عن الدفع‪.‬‬

‫وإذا كان المشرع المغربي قد قلل من حاالت البطالن الوجوبي وحصرها في حالة واحدة‪،‬‬
‫فإن المشرع الفرنس ي على العكس من ذلك وسع بشكل كبير من تطبيق البطالن الوجوبي‪،‬‬

‫‪ - 555‬لبنى فريالي‪ ،‬العقود في إطار مسددداطر صدددعوبات المقاولة‪ ،‬بحث نهاية التمرين‪ ،‬المعهد الوطني للدراسدددات القضدددائية‪ ،‬الفوج ‪،11‬‬
‫س‪.‬ق ‪ ،1112-2...‬ص‪.8. :‬‬
‫‪ -556‬إن التطور االقتصدادي أدى بالدولة إلى التدخل بمقتضدى قواعد النظام العام االقتصادي‪ ،‬لتوجيه العملية التعاقدية بما يخدم المصلحة‬
‫العامة والسددياسددة االقتصددادية المطبقة في الدولة‪ ،‬وبالتالي فإن التصددرفات القانونية يجب أن تكون خاضددعة له‪ ،‬تحث طائلة بطالنها بطالنا‬
‫مطلقا؛ سددددددليمان المقداد‪ ،‬مركز اإلرادة في العقود‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬مركز دراسددددددات الدكتوراه في القانون و‬
‫االقتصددداد والتدبير‪ :‬مختبر األنظمة المدنية والمهنية‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصدددادية واالجتماعية – وجدة‪ ،‬س‪.‬ج‪:‬‬
‫‪ 112.-1128‬ص‪ 111 .‬و ‪112‬‬
‫‪ -557‬عبد الرحيم ميراري‪ ،‬واقعة التوقف عن الدفع وآثارها على تصدرفات المدين‪ :‬دراسدة تحليلية بين النص والقانون‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماسددتر في القانون الخاص‪ ،‬وحدة ماسددتر قانون المقاولة التجارية‪ ،‬جامعة الحسددن األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصددادية واالجتماعية‬
‫– سطات‪ ،‬س‪.‬ج‪ ،111.-1111 :‬ص‪.17 :‬‬

‫‪P 355‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وحاول اإلحاطة من خاللها بجميع التصرفات "المشبوهة" التي يمكن أن يقدم عليها المدين‬
‫المتوقف عن الدفع‪ ،‬وكذا بمختلف الحيل التي يمكنه أن يمارسها بغية تحقيق أغراض‬
‫شخصية واإلضراربالدائنين‪ ،558‬وهو ما نصت عليه المادة ‪ L 632-2‬م‪.‬ت‪.‬ف‪.559‬‬

‫بناء عليه‪ ،‬فإن السؤال المطروح‪ ،‬في هذا السياق‪ ،‬يتمثل في كيفية ممارسة دعوى‬
‫البطالن الوجوبي أمام الطابع المتميزأو الخاص للبطالن ضمن مساطرصعوبات المقاولة؟‬

‫ثانيا‪ :‬خصوصيات ممارسة دعوى البطالن الوجوبي‬

‫إن تقرير البطالن في القواعد العامة يكون الهدف من ورائه الحفاظ على المصلحة‬
‫العامة‪ ،‬ولهذا فإن التمسك به ال يقتصر على أطراف التعاقد فحسب‪ ،‬بل يمكن للغير الذي لم‬
‫يكن طرفا في العقد أن يتمسك به‪ ،‬كما أن املحكمة تتمسك به من تلقاء نفسها‪ ،‬ولو لم يطلب‬
‫األطراف ذلك منها‪ ،‬كل ذلك ألن البطالن له عالقة بالمصلحة العامة ومتعلق بالنظام العام‪،560‬‬
‫وبالتالي يمكن لكل ذي مصلحة أن يثيره‪.‬‬

‫إال أن مظاهر تأثير نظام مساطر صعوبات المقاولة في النظرية العامة للعقد‪ ،‬تلقى‬
‫بظاللها على قواعد تقرير بطالن التصرفات العقدية المبرمة من قبل المدين المتوقف عن‬
‫الدفع خالل فترة الريبة‪ ،‬حيث جعل المشرع أحقية طلب بطالنها بيد السنديك وحده حسب‬
‫المادة ‪ 191‬من م‪.‬ت‪.561‬‬

‫وبالتالي ال يجوز للغير‪ ،‬سواء تعلق األمر بالدائنين أو النيابة العامة أو املحكمة من تلقاء‬
‫نفسها أوممثل المأجورين‪ ،‬أن يمارس دعوى البطالن‪ 562‬ضد العقود واألعمال بدون مقابل التي‬

‫‪ -558‬عالل فالي‪ ":‬مساطر صعوبات المقاولة" م‪ .‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع –الرباط‪ ،‬ط‪ ،1127 .‬ص‪.272 :‬‬
‫‪559‬‬
‫‪- L’article L632-2 du code de commerce française dispose : «Les paiements pour dettes‬‬
‫‪échues effectués à compter de la date de cessation des paiements et les actes à titre onéreux‬‬
‫‪accomplis à compter de cette même date peuvent être annulés si ceux qui ont traité avec le‬‬
‫‪débiteur ont eu connaissance de la cessation des paiements.‬‬
‫‪Toute saisie administrative, toute saisie attribution ou toute opposition peut également être‬‬
‫‪annulée lorsqu'elle a été délivrée ou pratiquée par un créancier à compter de la date de‬‬
‫‪cessation des paiements et en connaissance de celle-ci».‬‬
‫‪ -560‬عبد العالي دقوقي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ :‬المصادر اإلرادية لاللتزام‪ ،‬مطبعة سجلماسة – مكناس‪ ،‬طبعة ‪ ،1127‬ص‪.242 :‬‬
‫‪ -561‬تنص المادة ‪ .21‬من م‪.‬ت‪ ،‬على أنه‪":‬يمارس السنديك دعوى البطالن قصد لعادة جمع أصول المقاولة"‪.‬‬
‫‪ -562‬وعلى العكس من ذلك فإن المفهوم الجديد للدعوى في ظل نظام م‪.‬ص‪.‬م حتم على المشرع أن يمنح للعديد من األجهزة إمكانية‬
‫تقديم طلب افتتاح المسطرة الجماعية ضد المقاولة‪ ،‬وأال يقتصر فقط على الدائن أو المدين بدافع حماية المصالح الخاصة لكل منهما‪ .‬فهذه‬
‫الخصوصية هي الت ي تترجم أن دعوى افتتاح المسطرة ضد المقاولة يمكن تقديمها من قبل المدين داخل أجل محدد‪ ،‬وكذا من الدائن‬
‫والجهاز القضائي اللذين لم يلزمهما المشرع بأي أجل‪ ،‬بذلك تم تغيير المفهوم التقليدي للدعوى المرتبط أساسا بوجود ادعاء صادر من‬
‫المدعي ضد المدعي عليه‪ ،‬إلى مفهو م تشاركي حديث يجعل كل األطراف بمثابة مشاركين في البحث عن سبل تهدف إلى تسوية وضعية‬
‫المقاولة؛ يوسف حنان و سعيد بهي‪ ،‬األجل في مساطر التسوية القضائية‪ ،‬على ضوء القانون ‪ 72607‬م‪ .‬دار السالم للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪ 0102‬ص‪01 .‬‬

‫‪P 356‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يجريها رئيس المقاولة بعد تاريخ التوقف عن الدفع‪ ،563‬وذلك خالفا للمشروع الفرنس ي الذي‬
‫وسع من دائرة األشخاص الذين يحق لهم ممارسة دعوى البطالن‪ ،‬لتشمل كال من المتصرف‬
‫وممثل الدائنين والمصفي والمفوض المشرف على تنفيذ مخطط التسوية والنيابة العامة‪.564‬‬

‫لكن السؤال الذي يثوربهذا الخصوص يرتبط بمسألة تقاعس السنديك عن رفع دعوى‬
‫البطالن رغم علمه أو عدم علمه‪ ،‬فهل يجوزلغيره القيام بذلك؟ إنه ومع صراحة المادة ‪ 191‬من‬
‫م‪.‬ت فعدم قيام السنديك بذلك ال يشرع لغيره ممارسة هذه الدعوى‪ ،‬فغاية األمرأنه يتم إخباره‬
‫بتلك العملية‪ ،‬وينتج عن عدم قيامه بممارسة الدعوى إثارة مسؤوليته‪.‬‬

‫ولئن كان األصل أنه ال حاجة ألي إجراء لتقرير بطالن العقد الباطل‪ ،‬فألنه يعتبر من‬
‫الناحية القانونية عدم‪ ،‬والعدم ال يحتاج إلى حكم قضائي لتقريره لكن إذا وقع خالف بخصوص‬
‫مدى تحقق البطالن ومبرره‪ ،‬فإن المتطلبات العملية تقتض ي تقريرالبطالن من طرف املحكمة‪،‬‬
‫ومع هذه الفرضية يعتبرحكمها معلنا للبطالن ال منشئا له‪.565‬‬

‫بناء عليه‪ ،‬فرغم تنصيص المادة ‪ 194‬من م‪.‬ت على أنه "يعتبرباطال‪ ،"...‬فذلك ال يعني أن‬
‫البطالن في هذه الحالة يتم بشكل تلقائي أو ضمني دون أن تنطق به املحكمة‪ ،‬بل يتعين عليها أن‬
‫تصرح به ألنها ملزمة بذلك كلما تبين أن العقد المعني قد تم من طرف المدين بدون مقابل بعد‬
‫تاريخ التوقف عن دفع ديونه المستحقة‪566‬؛ وهذا ما قضت به محكمة النقض في قرار صادر‬
‫عنها‪ ،‬ورد فيه‪":‬بحيث يقتصر البطالن على التصرفات التي تمت خالل فترة الريبة فقط دون‬
‫غيرها من التصرفات التي تمت قبلها"‪.567‬‬

‫أما بخصوص أجل تقادم دعوى البطالن الوجوبي فلم يعمد المشرع المغربي إلى تحديده‬
‫رغم التعديل الذي حل بالكتاب الخامس من مدونة التجارة لسنة ‪ 9110‬بموجب القانون رقم‬

‫‪ -563‬عبد الغفور أغزاف‪ ،‬أحكام البطالن في الكتاب الخامس من نظام معالجة صددعوبات المقاولة‪ ،‬رسددالة لنيل دبلوم الماسددتر في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬وحدة القانون والمقاولة‪ ،‬جامعة موالي إسدددددددماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصدددددددادية واالجتماعية – مكناس‪ ،‬س‪.‬ج‪-1128 :‬‬
‫‪ ،112.‬ص‪.81 :‬‬
‫‪«L'action en nullité est exercée par‬‬ ‫‪564‬‬
‫‪- L’article L 632-4 du code de commerce française dispose‬‬
‫‪l'administrateur, le mandataire judiciaire, le commissaire à l'exécution du plan ou le ministère‬‬
‫‪public. Elle a pour effet de reconstituer l'actif du débiteur».‬‬
‫‪ -565‬عبدد الحق الصدددددددافي‪ ،‬الوجيز في القدانون المددني‪ ،‬الجزء األول‪ :‬المصدددددددادر اإلرادية لاللتزام (العقد و اإلرادة المنفردة) م‪ .‬النجاح‬
‫الجديدة ‪-‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ 1128 .‬ص‪.2.2 :‬‬
‫‪ -566‬امحمد لفروجي‪ ،‬التوقف عن الدفع في قانون صددددددعوبات المقاولة‪ ،‬سددددددلسددددددلة الدراسددددددة القانونية المعمقة‪ ،‬م‪ .‬النجاح الجديدة ‪-‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬ط‪ 1117 ،‬ص‪.218 :‬‬
‫‪ -567‬قرار صدددددددادر عن محكمة النقض‪ ،‬تحت رقم ‪ ،2/22‬في الملف التجاري رقم ‪ ،1122/2/4/22.2‬بتاريخ ‪ -1124/2/42‬أورده‪:‬‬
‫عالل فالي‪ ،‬تعليق على مسداطر صدعوبات المقاولة على ضدوء ‪ 11‬سدنة من القضداء التجاري ‪ 2..1‬إلى ‪ ،1121‬م‪ .‬المعارف الجديدة ‪-‬‬
‫الرباط‪ ،‬ط‪ .‬األولى نونبر ‪ 1121‬ص‪.411 :‬‬

‫‪P 354‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪56813.91‬؛ كما أنه اليمكن الرجوع حتى للقواعد العامة المقررة لتقادم دعوى البطالن لسببين‬
‫أساسيين‪ :‬أولهما‪ ،‬يتجلى في أن الفصول من ‪ 310‬إلى ‪ 391‬المقررة لبطالن العقود ضمن ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫لم تتحدث عن أي أجل‪ ،‬ليذهب األستاذ إدريس العلوي العبدالوي‪ 569‬إلى القول بعدم تقادمها‬
‫مهما طال الزمن‪ ،‬بحكم أن العقد الباطل عدم والعدم ال يصبح موجودا بمض ي الزمن‪ ،‬لكن‬
‫االتجاه الغالب في الفقه المغربي‪ ،‬ذهب خالف ذلك مستندا على مقتضيات الفصل ‪ 311‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬حيث تنص على أن كل الدعاوى الناشئة عن االلتزام تتقادم بمض ي ‪ 91‬سنة ابتداء من‬
‫تاريخ إبرام العقد‪.‬‬

‫هكذا إذن‪ ،‬فعدم تحديد المشرع للسنديك أجال معينا لممارسة دعوى البطالن‬
‫الوجوبي‪ ،‬جعلت بعض الفقه يذهب إلى القول إنه يتعين رفع الدعوى من قبل السنديك خالل‬
‫الفترة التي يكون ال يزال فيها للمدعى عليه الحق في التصريح بديونه ضمن خصوم المقاولة وقبل‬
‫القيام بتحقيق الديون‪ ،‬أو أثناء تقديم طلب إلى القاض ي المنتدب من أجل رفع السقوط الذي‬
‫قد يطبق عليه نتيجة عدم قيامه بهذا التصريح داخل األجل القانوني‪.‬‬

‫في حين ذهب األستاذ أحمد شكري السباعي إلى القول بإمكانية تبني الحلول المقترحة من‬
‫طرف الفقه الفرنس ي في هذا اإلطار‪ ،‬بحيث تبقى دعوى البطالن قائمة ببقاء السنديك في مهمته‬
‫التي ال تنتهي إال بقفل المسطرة‪ .570‬وهو ما أقر به العمل القضائي‪ ،‬حيث صدر قرار ملحكمة‬
‫االستئناف التجارية بفاس‪ ،571‬جاء فيه‪":‬وحيث إن المشرع المغربي لم يحدد أي أجل لممارسة‬
‫دعوى اإلبطال من طرف السنديك وأحجم عن وضع تقادم لهذه الدعوى ولم يأخذ بالتقادم‬
‫الذي وضعته المادة ‪ 121‬من مشروع ‪ ،9111‬وبمعنى آخر إن دعوى البطالن في فترة الريبة تبقى‬
‫قائمة ما دام السنديك الذي له وحده حق ممارسهها باقيا في مهمته أو وظيفته التي ال تنتهي إال‬
‫بقفل المسطرة ‪."...‬‬

‫‪ -568‬القانون رقم ‪ .4.2.‬القاضددي بنسددخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم ‪ .7.27‬المتعلق بمدونة التجارة فيما يخص مسدداطر‬
‫صدددعوبات المقاولة‪ ،‬الصدددادر بتنفيذه الظهير الشدددريف رقم ‪ 2.21.18‬في ‪ 1‬شدددعبان ‪ 2.( 224.‬أبريل ‪ ،)1121‬الجريدة الرسدددمية عدد‬
‫‪ ،888.‬بتاريخ ‪ 14‬أبريل ‪.1121‬‬
‫‪ -569‬إدريس العلوي العبدالوي‪" :‬محاضددددددرات في القانون المدني نظرية االلتزام" مطبوع على اسددددددتانسدددددديل ص‪ : 282 .‬أورده محمد‬
‫الشرقاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.2.1 :‬‬
‫‪ -570‬أحمد شدددكري السدددباعي‪ ،‬الوسددديط في مسددداطر الوقاية من الصدددعوبات التي تعترض المقاولة ومسددداطر معالجتها‪ ،‬الجزء الثالث‪ :‬في‬
‫التصددفية القضددائية والقواعد المشددتركة بين مسددطرتي التسددوية القضددائية و التصددفية القضددائية‪ ،‬والجزاءات التجارية والجنائية المتخدة ضددد‬
‫مسيري المقاولة‪ ،‬المعارف الجديدة – الرباط‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪ ،1111‬ص‪ 481 :‬و ‪.484‬‬
‫‪ -571‬قرار صدادر عن محكمة االسددتئناف التجارية بفاس‪ ،‬تحت رقم ‪ ،27‬في الملف عدد ‪ ،2./18‬بتاريخ ‪ -1118/18/11‬أورده‪ :‬عالل‬
‫فالي‪ ،‬تعليق على مساطر صعوبات المقاولة في ضوء ‪ 11‬سنة من القضاء التجاري ‪ 2..1‬إلى ‪ ،1121‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.411 :‬‬

‫‪P 352‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أنه إذا كانت اإلجازة‪ 572‬ال تصحح العقد الباطل طبقا للفصل ‪391‬‬
‫من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي ينص على أنه‪":‬إجازة االلتزام الباطل بقوة القانون أو تصديق عليه ال يكون‬
‫لهما أدنى أثر"‪ ،‬فإن البطالن الوجوبي كذلك ال يقبل اإلجازة‪ ،‬لكن يمكن أن يصبح صحيحا إذ‬
‫انقض ى أجل ممارسة دعوى البطالن الوجوبي املخولة للسنديك‪.‬‬

‫تأسيسا عليه‪ ،‬فإن تأثير وضعية المقاولة المتوقفة عن الدفع في األسس والقواعد‬
‫العامة لبطالن العقود ‪ ،‬يضفي على نظرية البطالن الوجوبي للعقد خصوصيات تتجلى معالمها‬
‫عند مالمسة كيفية تقرير بطالن هذه العقود‪ ،‬األمر الذي ال محال سينعكس بالتبعية على آثار‬
‫البطالن الوجوبي للعقد‪.‬‬

‫املحورالثاني‪ :‬آثارالبطالن الوجوبي للعقد‬

‫طالما أن العقد الباطل من قبيل العدم فإن العدم ال يبنى عليه ش يء‪ ،‬وبالتالي فاألصل في‬
‫البطالن أنه ال يرتب أي أثر قانوني‪ ،‬مما يجعلنا نتساءل عن آثار البطالن الوجوبي للعقد تجاه‬
‫المتعاقدين (أوال) والغير(ثانيا)؟‬

‫أوال‪ :‬آثارالبطالن الوجوبي في مواجهة األطراف‬

‫إن االلتزام الباطل بقوة القانون ال يمكن أن ينتج أي أثرإال استرداد ما دفع بغيرحق تنفيذا‬
‫له‪573‬؛ وبالتالي‪ ،‬فإن آثارالعقد الباطل فيما بين المتعاقدين تفض ي إلى إلغاء مفعوله بأثررجعي‬
‫واسترداد ما وقع تنفيذا له‪.574‬‬

‫كما أن العقد الذي وقع بطالنه خالل فترة الريبة بطالنا وجوبيا لم يكن نتاج سبب عام‬
‫من أسباب البطالن‪ ،‬و إنما هو بطالن من نوع خاص؛ فلوال وجود المدين في حالة توقف عن‬
‫الدفع ويحظر عنه التصرف في أموال المقاولة خالل فترة الريبة املحددة من قبل املحكمة‪ ،‬لما‬
‫تقرربطالنه‪.‬‬

‫‪ -572‬اإلجازة ‪ La confirmation‬عبارة عن "تصررررا قانوني بمقتضرراه تتجه لرادة من شررررعت لمصرررلحته قابلية العقد لابطال نحو‬
‫التنازل عن حقه في لبطال العقد الذي يصرب صرحيحا بر ر رجعيم من فهي ال تفيد لبرا عقد جديد كبديل للعقد الباطلم بل تؤدي فقط‬
‫للى جعل العقد الموجود المهدد بالبطالن صحيحا"‪ .‬عبد الحق الصافي ‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.2.1 :‬‬
‫‪ -573‬ينص الفصددددل ‪ 418‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬في فقرته األولى على ما يلي‪ ":‬االلتزام الباطل بقوة القانون ال يمكن أن نتج أي أثر‪ ،‬إال اسددددترداد‬
‫ما دفع بغير حق تنفيذا له "‪.‬‬
‫‪ -574‬فريدة المحمودي‪ ،‬محاضرات في النظرية العامة الاللتزمات‪ ،‬م ‪ .‬مكتبة سجلماسة – مكناس‪ ،‬ط‪ ،1118 .‬ص‪.244 :‬‬

‫‪P 357‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بناء عليه‪ ،‬فقد نص المشرع في المادة ‪ 191‬من م‪.‬ت‪ ،‬على أنه‪":‬يمارس السنديك دعوى‬
‫البطالن قصد إعادة جمع أصول المقاولة"‪ ،‬وبالتالي فالغاية من ممارسة دعوى البطالن‬
‫الوجوبي هي إعادة جمع أصول المقاولة‪ ،‬عبرإلغاء التصرفات والعقود المبرمة خالل فترة الريبة‬
‫بأثررجعي تجاه الطرف الثاني المستفيد من العقد غيرالعوض ي (أي بدون مقابل)‪ ،‬وتخصيصها‬
‫من أجل ضمان استمرارية نشاط المقاولة المفتوحة في مواجههها المسطرة‪ ،‬وكذا بهدف‬
‫تصفية خصومها من خالل العمل على إبراء ذمهها من الديون المترتبة عليها‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن دعوى البطالن ينتج عنها إبطال للعقود التي تم إبرامها بأثر رجعي‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل إعادة األطراف المتعاقدة إلى الحالة السابقة عن البطالن‪.‬‬

‫فال يمكن للمتعاقد مع رئيس المقاولة أن يتمسك بتعليق سريان أثرالبطالن الوجوبي في‬
‫مواجهته على ضرورة تمكينه من حقوق معينة‪ ،575‬ذلك أن األمريتعلق والحالة هذه بعقد بدون‬
‫مقابل‪ ،‬مما يقتض ي أن ينتج عن بطالنه بطالنا وجوبيا إرجاع الحالة إلى ما كانت عليها قبل‬
‫التعا قد‪ ،‬حيث يتم ذلك عن طريق قيام المتعاقد المعني باألمر بتمكين السنديك من المبالغ‬
‫واألشياء التي يكون قد تلقاها من رئيس المقاولة بسبب العقد أو العمل المبرم بدون مقابل بعد‬
‫تاريخ التوقف عن الدفع‪.576‬‬

‫كما تجدراإلشارة إلى أنه إذا كان البطالن في إطارالقواعد العامة ينتج باألساس عن خلل‬
‫في تكوين العقد‪ ،‬مما يسمح في بعض األحيان بإمكانية تطبيق إما نظرية انتقاص العقد‪ 577‬أو‬
‫نظرية تحويل العقد‪ ،578‬فإن البطالن الوجوبي للعقد ناتج عن سبب بعيد عن ذلك؛ وبالتالي‪،‬‬
‫فال يمكن أن ينتج آثارا إيجابية فيما بين المتعاقدين سوى أثرأصلي متمثل في مسح البطالن آلثار‬
‫العقد في الماض ي والمستقبل‪.‬‬

‫‪-575‬فإذا عمد المسدددددتفيد من حق عيني متعلق بعقار محفظ آل إليه بموجب التصدددددرفات المجرات خالل فترة الريبة إلى تقييده في الرسدددددم‬
‫العقاري‪ ،‬فإنه يعد قرينة قانونية على وجود الحقوق التي ينصددددب عليها‪ ،‬إال أنها قرينة بسدددديطة ويمكن إثبات عكسددددها‪ ،‬حيث نجد الفصددددل‬
‫الثاني من م‪.‬ح‪.‬ع في الفقرة الثانية ينص على ما يلي‪ ":‬إن الرسدوم العقارية وما تتضدمنه من تقيدات تابعة إلنشائها تحفظ الحق الذي تنص‬
‫عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشددددددخص المعين بها هو فعال صدددددداحب الحقوق المبينة فيها"‪ .‬ومن تم فإن حجية التقييد بين‬
‫األطراف تبقى نسدبية‪ ،‬بحيث إذا كان العقد باطال أو قابال لإلبطال أو قابال للفسدخ‪ ،‬وصدر حكم قضائي يقضي بذلك يتم التشطيب عليه من‬
‫الرسدددددددم العقدار طدالمدا أن العقدار لم يتم تفويتده لفدائددة أحدد من األغيار؛ البكاي المعزوز و عبد العالي دقوقي‪ ،‬قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬م‪،‬‬
‫سجلماسة مكناس‪ ،‬ط‪ ،112..‬ص‪ 211 .‬و ‪214‬‬
‫‪ - 576‬التوزاني فردوس‪ ،‬فترة الريبة في نظام صدعوبات المقاولة‪ ،‬رسدالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬وحدة المدني واألعمال‪،‬‬
‫جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – طنجة‪ ،‬س‪.‬ج‪ ،1122- 1124 :‬ص‪..1 :‬‬
‫‪ - 577‬ينص الفصدددل ‪ 411‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬على أن‪":‬بطالن جزء من اإللتزا يبطل اإللتزا في مجموعهم لال لذا أمكن لهذا االلتزا أن يبقى‬
‫قائما بدون الجزء الذي لحقه البطالنم وفي هذه الحالة األخيرة يبقى االلتزا قائما باعتباره عقد متميز عن العقد األصلي"‪.‬‬
‫‪ -578‬ينص الفصددل ‪ 41.‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬على أنه‪":‬لذا بطل االلتزا باعتبار ذاته وكان به من الشررروط ما يص ر به التزا جخر جرت عليه‬
‫القواعد المقررة لهذا اإللتزا األخير"‪.‬‬

‫‪P 360‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وإذا كانت الغاية من أحكام البطالن هي إنقاذ المقاولة المتوقفة عن الدفع‪ ،‬فإن هذه‬
‫الغاية ليست حماية لشخص المدين و إنما حماية لالقتصاد الوطني باعتبار أن المقاوالت هي‬
‫أساس هذا االقتصاد‪ ،‬دون أن ننس ى األدوار التي أصبحت تلعبها المقاوالت على المستوى‬
‫االجتماعي من خالل توفير مناصب الشغل وضمان التوازن واالستقرار االجتماعي وكذا أدائها‬
‫الضرائب لفائدة الدولة‪ ،‬وبالتالي أصبحت المقاوالت من أهم اللبنات األساسية لبناء أي‬
‫اقتصاد حديث‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن بطالن العقد يترتب عنه عدم قدرته على إنتاج أية آثاركقاعدة عامة‪ ،‬ما عدا‬
‫استرداد ما دفع بغير وجه حق فيما بين المتعاقدين؛ لكن ماذا عن حقوق الغير عند تقرير‬
‫املحكمة بطالن التصرفات العقدية التي قام بها المدين خالل فترة الريبة؟‬

‫ثانيا‪ :‬آثارالبطالن الوجوبي في مواجهة األغيار‬

‫إن الحكم القاض ي بالبطالن الوجوبي لكل عقد أبرمه المدين خالل فترة الريبة‪ ،‬يؤدي إلى‬
‫إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد ولو تجاه الحائز حسن النية أو تجاه الغير حسن‬
‫النية الذي يكون قد امتلك المال موضوع الدعوى‪.‬‬

‫فالغيرفي العقد الباطل هوكل من اكتسب حقا بمقتض ى العقد الذي تقرربطالنه وما دام‬
‫ً‬
‫البطالن يترتب عليه العدم‪ ،579‬فإنه يسرى منطقيا بأثر رجعي بالنسبة للغير الذي تزول عندئذ‬
‫حقوقه إذا زالت حقوق من نقلها إليه‪.580‬‬

‫ولئن كان المشرع المغربي قد افترض سوء نية تصرفات المدين خالل فترة الريبة فكيف‬
‫ال يفترضها في الغير‪ ،‬رغم أن األصل في األفعال حسن النية‪ ،581‬ما عدا إذا كان يعلم أو كان يجب‬
‫عليه أن يعلم عند تلقيه الش يء أن من تلقاه منه لم يكن له حق التصرف فيه‪582‬؛ وبالتالي‪ ،‬فإن‬
‫األثر الرجعي للبطالن الوجوبي يمتد كذلك إلى الغير الذي تلقى حقا من المستفيد األول من‬
‫التصرفات املجراة خالل فترة الشك‪ ،‬وهو وجه الخروج عن المبادئ العامة لنظرية العقد التي‬

‫‪ -579‬فحكم انعدام أي أثر للبطالن بالنسدددبة للغير ما هو إال تطبيق للقاعدتين المتمثلتين تواليا في "فاقد الشررريء ال يعطيه" و"لذا زال حق‬
‫المتصرا زال حق المتلقى فال يمكن للشخص أن ينقل لغيره من حقوق أك ر مما يملك"‪ .‬محمد الشرقاني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.214 :‬‬
‫‪ -580‬المختار بن أحمد عطار‪ ،‬الوسددددديط في القانون المدني‪ :‬مصدددددادر اإللتزام‪ ،‬م ‪ .‬النجاح الجديدة – الدار البيضددددداء‪ ،‬ط‪ .‬الثانية ‪،111.‬‬
‫ص‪.2.1 :‬‬
‫‪ -581‬ينص الفصل ‪ 2..‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬على ما يلي‪ ":‬حسن النية يفترض دئما ما دام العكس لم يثبت"‪.‬‬
‫‪ -582‬ينص الفصددددل ‪ 278‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬في فقرته الثانية على ما يلي‪ ":‬وال يفترض حسددددن النية فيمن كان يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم‬
‫عند تلقيه الشئ أن من تلقاه منه لم يكن له حق التصرف فيه"‪.‬‬

‫‪P 361‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تقرير استثناء عدم تأثير البطالن على الحقوق المكتسبة للغير حسن النية‪ ،583‬وضرورة احترام‬
‫الحائزحسن النية بتقريرالحيازة في المنقول سند الملكية‪ ،584‬بغية ضمان استقرارالمعامالت‬
‫وحماية الغيرالذي اكتسب عن حسن نية حقوقا قض ى األمرببطالنها‪.‬‬

‫لكن السؤال الذي يطرح في مسألة الغيريتعلق بحقوق الدائن صاحب الضمانة على نفس‬
‫المال الذي وقع تبديده خالل فترة الريبة من قبل المدين؟‬

‫فعندما يتم التصريح بالبطالن‪ ،‬فإنه ينتج آثارا في مواجهة الجميع‪ ،‬وبخاصة الدائنون‬
‫الذين يتوفرون على ضمانات على نفس أموال المدين‪ ،‬إال أنهم قاموا بتقييدها بتاريخ الحق‬
‫لتاريخ التوقف عن الدفع‪ ،‬إذ إن البطالن يستفيد منه الدائن الذي يملك ضمانة قانونية‬
‫وصحيحة على نفس المال‪ ،‬والذي كان يسبقه في الترتيب الدائن الحاصل على الضمانة املحكوم‬
‫ببطالنها‪ ،‬األمرالذي يكون معه جزاء البطالن لصالح الدائنين الحاصلين على تقييد الحق‪.585‬‬

‫إن هاجس المشرع المغربي المتمثل في ضمان استمرارية المقاوالت المتوقفة عن الدفع‬
‫بتسويهها قضائيا‪ ،‬والبحث عن فرص أكثرإلنقاذها أمام الصدمات االقتصادية التي تتعرض لها‪،‬‬
‫دفعه إلى تجاوز كل الثوابت العامة للعقد بافتراض سوء نية المدين المتصرف في أموال‬
‫المقاولة‪ ،‬مبني على قرينة قانونية قاطعة ال تقبل إثبات العكس‪ ،‬رغم أن األصل هو حسن النية‬
‫إلى حين أن يثبت العكس‪ .‬وعدم إيالء أي اعتبار للحقوق المكتسبة للغير ذي حسن النية الذي‬
‫تلقى حقا من المستفيد من التصرف بدون مقابل‪ ،‬يرجع لضمان أصولها ولوعلى أسس وثو ابت‬
‫العقد التي عمرت لقرون‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فطالما أن العقد الباطل من قبيل العدم فإن العدم ال يبنى عليه ش ئ‪ ،‬وإن كان‬
‫العقد القابل لإلبطال مصيره بين الحياة والموت‪ ،‬أي بين إهدار فرصة إبطاله لمن تقرر الحق‬
‫لمصلحته و بين التمسك بإعدامه عبر طلب إبطاله‪ ،‬يجعلنا نتساءل حول النظام القانوني‬

‫‪ 583‬إن مفهوم الغير في النظدام العقداري يدأخذ وجهين أثنين؛ فإذا كان حسدددددددن النية فال يمكن في أي حال التمسدددددددك بإطال هذا التقييد في‬
‫مواجهتده‪ ،‬وهو مدا نص عليده الفصدددددددل ‪ 88‬من ظ‪.‬ت‪.‬ع‪" ،‬ال يمكن في أي حدال التمسدددددددك بدإبطدال هدذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية‬
‫الحسددنة"‪ .‬كما جاء في الفصددل الثاني من م‪.‬ح‪.‬ع‪ ،‬ما يلي‪":‬إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشددطيب من الرسددم العقاري ال‬
‫يمكن التمسددك به في مواجهة الغير المقيد عن حسددن نية‪ ،‬كما ال يمكن أن يلحق به أي ضددرر‪ ،‬إال إذا كان صدداحب الحق قد تضددرر بسددبب‬
‫تدليس أو زور أو اسددددتعماله‪ "...‬أما إذا كان سدددديء النية كونه يعلم ( أي العلم المجرد) عند تقييد الحق العيني باسددددمه في الرسددددم العقاري‬
‫العيوب والشدددوائب التي تشدددوب سدددند أو رسدددم من تلقى الحق منه‪ ،‬وهذا يعني أنه ال يسدددتحق أن يحتمي وراء الحجية المطلقة للتقييد التي‬
‫يستفيد منها فقط الغير حسن النية؛ البكاي المعزوز و عبد العالي دقوقي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪21. .‬‬
‫‪ -584‬ينص الفصدددددددل ‪ 278‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬في فقرتده األولى على ما يلي‪ ":‬يفترض في الحائز بحسدددددددن نية شددددددديئا منقوال أو مجموعة من‬
‫المنقوالت أنه قد كسب هذا الشئ بطريق قانوني وعلى وجه صحيح‪ ،‬وعلى من يدعي العكس أن يقيم الدليل عليه"‪.‬‬
‫‪ - 585‬زهير الشدددرقاني‪ ،‬نظرية العقد بين القانون المدني ونظام معالجة صددددعوبات المقاولة‪ ،‬رسددددالة لنيل دبلوم الماسددددتر في وحدة القانون‬
‫والمقاولة‪ ،‬جامعة موالي إسدددددددماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصدددددددادية واالجتماعية ‪ -‬مكناس‪ ،‬س‪.‬ج‪ ،1127-1122 :‬ص‪ 242 :‬و‬
‫‪.247‬‬

‫‪P 362‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫للبطالن الجوازي للعقود المبرمة من قبل المدين في ظل التأثر الواضح لنظرية العقد بنظام‬
‫صعوبات المقاولة؟‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫في الختام‪ ،‬نخلص إلى أن تأثير نظام مساطر صعوبات المقاولة في نظرية العقد كان قويا‬
‫للغاية‪ ،‬حيث تم إقرارقواعد مخالفة لمؤسستي البطالن واإلبطال بشكل غيرمألوف لحد اليوم‪،‬‬
‫فبالرغم من أن اإلرادة هي من قررت وتعاقدت بشأنه فلم يعد لها سلطان يحكم‪ ،‬بل إن السلطان‬
‫بات للقوة االقتصادية للمقاولة ولمصلحهها الفضلى‪ ،‬ولو اقتض ى الرهان المس بأحد مسلمات‬
‫القانون المدني م ن قوة ملزمة للعقد وهدم لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬لغاية واحدة‬
‫تتمثل في إنقاذ مكون أساس ي من مكونات االقتصاد الوطني أال وهي المقاولة‪ .‬فال يهم ما إن كان‬
‫األمر على حساب عقود جارية أو ديون سابقة لوضعيهها االقتصادية‪ ،‬فاألهم استمرارية نشاط‬
‫المقاولة المتوقفة عن الدفع بإنقاذها من خطرالتصفية القضائية‪.‬‬

‫الئحة المراجع‬

‫الكتب ‪:‬‬

‫‪-‬أحمد شكري السباعي‪ ،‬الوسيط في مساطرالوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة‬


‫ومساطر معالجهها‪ ،‬الجزء الثالث‪ :‬في التصفية القضائية والقواعد المشتركة بين مسطرتي‬
‫التسوية القضائية و التصفية القضائية‪ ،‬والجزاءات التجارية والجنائية المتخدة ضد مسيري‬
‫المقاولة‪ ،‬المعارف الجديدة – الرباط‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪.2111‬‬

‫‪-‬إدريس العلوي العبدالوي‪ ،‬شرح القانون المدني‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام العقد‪ ،‬م‪.‬‬
‫النجاح الجديدة الدارالبيضاء‪ .‬ط ‪ 9‬س ‪9110‬‬

‫‪-‬امحمد لفروجي‪ ،‬التوقف عن الدفع في قانون صعوبات المقاولة‪ ،‬سلسلة الدراسة‬


‫القانونية المعمقة‪ ،‬م‪ .‬النجاح الجديدة ‪-‬الدارالبيضاء‪ ،‬ط‪2111 ،‬‬

‫‪-‬إدريس بنشقرون‪ ،‬أثر تغير الظروف االقتصادية على العقد‪ ،‬مقال منشور على مجلة‬
‫القصر‪ :‬العدد الثاني ‪2111‬‬

‫‪P 363‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪-‬البكاي المعزوز و عبد العالي دقوقي‪ ،‬قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬م‪ ،‬سجلماسة مكناس‪،‬‬
‫ط‪2191.‬‬

‫‪-‬املختار بن أحمد عطار‪ ،‬الوسيط في القانون المدني‪ :‬مصادر اإللتزام‪ ،‬م ‪ .‬النجاح‬
‫الجديدة – الدارالبيضاء‪ ،‬ط‪ .‬الثانية ‪2111‬‬

‫‪ -‬فريدة املحمودي‪ ،‬محاضرات في النظرية العامة الاللتزمات‪ ،‬م ‪ .‬مكتبة سجلماسة –‬


‫مكناس‪ ،‬ط‪،2110 .‬‬

‫‪-‬عالل فالي‪ ":‬مساطر صعوبات المقاولة" م‪ .‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع –‬
‫الرباط‪ ،‬ط‪.2191 .‬‬

‫‪-‬عبد العالي دقوقي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ :‬المصادر اإلرادية لاللتزام‪ ،‬مطبعة‬
‫سجلماسة – مكناس‪ ،‬طبعة ‪2191‬‬

‫‪-‬عبد الحق الصافي‪ ،‬الوجيز في القانون المدني‪ ،‬الجزء األول‪ :‬المصادر اإلرادية لاللتزام‬
‫(العقد و اإلرادة المنفردة) م‪ .‬النجاح الجديدة ‪-‬الدارالبيضاء‪ ،‬ط‪2190 .‬‬

‫‪ -‬عالل فالي‪ ،‬تعليق على مساطر صعوبات المقاولة على ضوء ‪ 21‬سنة من القضاء‬
‫التجاري ‪ 9111‬إلى ‪ ،2191‬م‪ .‬المعارف الجديدة ‪-‬الرباط‪ ،‬ط‪ .‬األولى نونبر‪. 2191‬‬

‫‪ -‬محمد الشرقاني‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات (العقد) م‪ .‬سجلماسة مكناس‪ ،‬ط‪ .‬األولى‬
‫‪. 2190‬‬

‫‪-‬يوسف حنان و سعيد بهي‪ ،‬األجل في مساطر التسوية القضائية‪ ،‬على ضوء القانون‬
‫‪ 13.91‬م‪ .‬دارالسالم للطباعة والنشروالتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪. 2191‬‬

‫الرسائل ‪:‬‬

‫‪-‬التوزاني فردوس‪ ،‬فترة الريبة في نظام صعوبات المقاولة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماسترفي‬
‫القانون الخاص‪ ،‬وحدة المدني واألعمال‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية – طنجة‪ ،‬س‪.‬ج‪،2194- 2193 :‬‬

‫‪P 364‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪-‬عبد اإلله برجاني‪ ،‬الحماية القانونية و القضائية للمقاولة‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة‬
‫لنيل دكتوراه الدولة في العلوم القانونية‪ ،‬جامعة القاض ي عياض‪ :‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية – مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2114-2111 :‬‬

‫‪-‬عبد الرحيم ميراري‪ ،‬و اقعة التوقف عن الدفع و آثارها على تصرفات المدين‪ :‬دراسة‬
‫تحليلية بين النص والقانون‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماسترفي القانون الخاص‪ ،‬وحدة ماسترقانون‬
‫المقاولة التجارية‪ ،‬جامعة الحسن األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية –‬
‫سطات‪ ،‬س‪.‬ج‪.،2111-2111 :‬‬

‫‪-‬عبد الغفور أغزاف‪ ،‬أحكام البطالن في الكتاب الخامس من نظام معالجة صعوبات‬
‫المقاولة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬وحدة القانون والمقاولة‪ ،‬جامعة‬
‫موالي إسماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – مكناس‪ ،‬س‪.‬ج‪-2190 :‬‬
‫‪.2191‬‬

‫‪ -‬لبنى فريالي‪ ،‬العقود في إطار مساطر صعوبات المقاولة‪ ،‬بحث نهاية التمرين‪ ،‬المعهد‬
‫الوطني للدراسات القضائية‪ ،‬الفوج ‪ ،21‬س‪.‬ق ‪،2119-9111‬‬

‫‪-‬ياسين منصوري‪ ،‬المقاربة االقتصادية للعقد‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في شعبة‬
‫القانون الخاص وحدة قانون األعمال‪ ،‬جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية السوس ي –الرباط‪ -‬س‪.‬ج‪2199/2192 ،‬‬

‫‪-‬سليمان المقداد‪ ،‬مركز اإلرادة في العقود‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪،‬‬
‫مركز دراسات الدكتوراه في القانون و االقتصاد والتدبير‪ :‬مختبر األنظمة المدنية والمهنية‪،‬‬
‫جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – وجدة‪ ،‬س‪.‬ج‪-2190 :‬‬
‫‪2191‬‬

‫‪-‬زهير الشرقاني‪ ،‬نظرية العقد بين القانون المدني ونظام معالجة صعوبات المقاولة‪،‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم الماستر في وحدة القانون والمقاولة‪ ،‬جامعة موالي إسماعيل‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية ‪ -‬مكناس‪ ،‬س‪.‬ج‪.2191-2194 :‬‬

‫المراجع بالفرنسية‪:‬‬

‫‪P 365‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬
1 - Nathalie Stagnoli, les atteintes de procédure collective à la liberté
contractuelle, Mémoire de DEA droit des affaires, universitaires Robert schuman
de Strasbourg, Année universitaire : 2002-2003, p. 51- 52.

P 366 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الوقف االحتياطي للموظف العام يف التشريع‬


‫الفلسطيين ‪ -‬دراسة مقارنة‬
‫‪Reserve endowment for public servants in the Palestinian legislation‬‬
‫‪A comparative study‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قد تلجأ اإلدارة أحيانا الى وقف الموظف العام عن العمل أحيانا عندما تسند اليه‬
‫مخالفات إدارية‪ ،‬وتكون هذه املخالفات مما يصعب االستمرار معها في مزاولة أعباء الوظيفة‬
‫حتى ال تتعارض مع الصالح العام‪ ،‬وعندئذ تلجأ اإلدارة الى وقف الموظف عن العمل لغايات‬
‫المصلحة العامة مقابل ما يمنح من ضمانات في مواجهة اإلدارة قبل البت في أمر الموظف من‬
‫حيث البراءة أو اإلدانة وتقيع العقاب‪ ،‬فهذا الوقف عن العمل حق طبيعي أقرته مختلف‬
‫التشريعات لجهة اإلدارة‪.‬‬

‫وتبلورت أهمية هذه الدراسة في بيان مدى كفاية التشريعات محل الدراسة لتنظيم‬
‫الوقف االحتياطي عن العمل وبيان ما هي االثارالمترتبة على هذا االجراء‪ ،‬ولتوضيح هذه األهمية‬
‫قمنا باتباع المنهج المقارن ومن ثم تقسيم الدراسة الى مطلبين تناولنا في األول مفهوم الوقف‬
‫االحتياطي وفي الثاني االثارالمترتبة عليه‪.‬‬

‫وفي النهاية توصلنا الى مجموعة من النتائج من أهمها أن الوقف االحتياطي إجراء‬
‫احترازي وليس تأديبي‪ ،‬كما توصلنا الى مجموعة من التوصيات من أهمها ضرورة قيام المشرع‬
‫الفلسطيني بتحديد مدة معينة للوقف االحتياطي‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الوقف االحتياطي‪ ،‬القرار التأديبي‪ ،‬املحاكمة التأديبية‪ ،‬التحقيق‬


‫اإلداري‪ ،‬الموظف العام‪.‬‬

‫‪P 364‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Summary:

The administration may sometimes resort to suspending the public


employee from work sometimes when he is assigned administrative violations,
and these violations make it difficult to continue carrying out the burdens of the
job so as not to conflict with the public interest, and then the administration
resorts to suspending the employee from work for the purposes of the public
interest in exchange for what is granted Guarantees in the face of the
administration before deciding on the matter of the employee in terms of
innocence or conviction and the imposition of punishment. This suspension from
work is a natural right approved by various legislations for the administration.
The importance of this study was crystallized in showing the adequacy of the
legislation under study to regulate the precautionary suspension from work and
to indicate what are the implications of this procedure, and to clarify this
importance we followed the comparative approach and then divided the study
into two requirements. In the end, we reached a set of results, the most important
of which is that the precautionary stay is a precautionary measure, not a
disciplinary one. We also reached a set of recommendations, the most important
of which is the need for the Palestinian legislator to specify a specific period for
the precautionary stay. key words:

Precautionary suspension, disciplinary decision, disciplinary trial,


administrative investigation, public servant

key words: Precautionary suspension, disciplinary decision, disciplinary


trial, administrative investigation, public servant

P 362 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫تتمثل أهمية الوظيفة العامة في ارتباطها بسير المر افق العامة بانتظام واضطراد‬
‫ً‬
‫نظرا لما تؤديه من خدمات عامة لألفراد داخل الدولة‪ ،‬ولذا تحرص التشريعات واللوائح داخل‬
‫الدولة والتي تنظم الوظيفة العمومية على النص عليها بما يحميها من تعسف الموظف‬
‫و انحر افه حتى ال يؤثرعلى انتظام الخدمات المقدمة للمواطنين‪.‬‬

‫وعليه نصت المادة رقم (‪ )1/9‬من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم ‪ 4‬لسنة‬
‫‪ 9111‬المعدل‪ 586‬على أنه‪ ":‬الوظيفة‪ :‬مجموعة المهام التي توكلها جهة مختصة الى الموظف‬
‫للقيام بها بمقتض ى هذا القانون أو أي تشريع أخرأو تعليمات أو قرارات إدارية وما يتعلق بها من‬
‫صالحيات وما يترتب على تلك المهام من مسؤوليات"‪.‬‬

‫وفي مقابل ذلك نصت المادة األولى من قانون الخدمة المدنية المصري رقم ‪19‬‬
‫لسنة ‪587 2190‬بالقول أن‪ ":‬الوظائف المدنية حق للمواطنين على أساس الكفاءة والجدارة وهي‬
‫تكليف للقائمين بها لخدمة الشعب‪ ،‬وتكفل الدولة حقوقهم وحمايههم وقيامهم بأداء واجباتهم‬
‫في رعاية مصالح الشعب"‪.‬‬
‫ً‬
‫واستناد لما سبق فالموظف‪ 588‬هو الشخص المنوط به القيام بأعباء الوظيفة‬
‫العامة وعليه تقع مهام إدارة المر افق العامة وتسييرها على النحو الذي يتو افق ورغبات‬
‫وحاجات المواطنين‪ ،‬بما ال يتعارض مع القوانين واللوائح والقرارات المنظمة للوظيفة العامة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن قيام الموظف بأي عمل مخالف لألنظمة والقوانين يعرضه‬
‫للمحاسبة والعقاب من خالل التحقيق معه ومن ثم توقيع الجزاء المناسب‪ ،‬ولتحقيق العدالة‬
‫في هذا االمرأحاطت التشريعات الوظيفية الموظف العام بمجموعة من الضمانات التي تكفل‬

‫‪ .‬قانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم ‪ 0222/2‬المعدل بالقانون رقم ‪ ،4111/2‬المنشور بالجريدة الرسمية‪ ،‬العدد ‪12‬‬ ‫‪586‬‬

‫لسنة ‪ ،4111‬ص ‪.410‬‬


‫‪ .‬قانون الخدمة المدنية المصري رقم ‪ 4102/20‬المنشور في الجريدة الرسمية‪ ،‬العدد ‪ 23‬مكرر (أ) لسنة ‪.4102‬‬ ‫‪587‬‬

‫‪ .‬نصت المادة (‪ )2/0‬من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم ‪ 0222/2‬المعدل على تعريف الموظف بأنه‪ ":‬الموظف‪:‬‬ ‫‪588‬‬

‫ويقصد به الموظف أو الموظفة وهو الشخص المعين بقرار من جهة مختصة لشغل وظيفة مدرجة في نظام تشكيالت‬
‫الوظائف المدنية على موازنة احدى الدوائر الحكومية أياً كانت طبيعة تلك الوظيفة أو مسماها"‪.‬‬
‫وانظر أيضاً المادة رقم (‪ )1/4‬من قانون الخدمة المدنية المصري رقم ‪ 4102/20‬والتي أشارت الى تعريف الموظف‬
‫بأنه كل من يشغل إحدى الوظائف الواردة بموازنة الوحدة‪.‬‬

‫‪P 367‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬
‫حمايته من تعسف اإلدارة بحقه‪ ،‬ومن هذه الضمانات وقفه عن العمل احتياطيا لغايات‬
‫التحقيق معه طيلة فترة التحقيق‪.‬‬

‫أهمية الدراسة‪:‬‬

‫تتمثل هذه الدراسة في محورين اثنين‪:‬‬

‫األول‪ :‬املحور النظري‪ ،‬الذي يهدف الى البحث في التشريعات الناظمة للوقف‬
‫االحتياطي عن العمل لغايات التحقيق ومدى كفايهها وشموليهها‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬املحور العملي‪ ،‬ونقصد به البحث في اآلثار المادية الو اقعة على الموظف‬
‫ً‬
‫سواء المالية أو عالقته باإلدارة‪.‬‬ ‫الموقوف عن العمل لغايات التحقيق‬

‫أهداف الدراسة‪:‬‬

‫تتمحور األهداف الرئيسية لهذه الدراسة في بحث الجوانب األساسية إليقاف‬


‫الموظف العام احتياطيا ًلغايات التحقيق في التشريع الفلسطيني ومقارنته بالوقف االحتياطي‬
‫ً‬
‫عن العمل وفقا لقانون الخدمة المدنية المصري‪.‬‬

‫إشكالية الدراسة‪:‬‬

‫تكمن اإلشكالية الرئيسية لهذه الدراسة في بيان كيفية تحقيق الموازنة بين حقوق‬
‫الموظف الموقوف عن العمل وبين متطلبات ضمان عدالة التحقيق معه بهدف تحديد مدى‬
‫ً‬
‫مسؤوليته عن ما نسب اليه وذلك ضمانا لسيرالمر افق العامة بانتظام واطراد‪.‬‬

‫تساؤالت الدراسة‪:‬‬

‫يتمثل السؤال الرئيس في هذه الدراسة حول تحديد مدى شمولية التشريعات‬
‫الناظمة للوقف االحتياطي من جميع الجوانب‪ ،‬ويتفرع بطبيعة الحال عن هذا التساؤل الرئيس‬
‫مجموعة من األسئلة‪ ،‬من أهمها‪:‬‬

‫‪ – 9‬ما هو الوقف االحتياطي عن العمل لغايات التحقيق‪.‬‬

‫‪ – 2‬ما هي الضمانات المقررة للموظف الموقوف عن العمل لغايات التحقيق‪.‬‬

‫‪ – 3‬ما هي االثارالناتجة عن الوقف االحتياطي عن العمل‪.‬‬

‫‪P 340‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬

‫لإلجابة على التساؤالت السابقة ولضمان شمولية الدراسة في تناولها لجميع جوانب‬
‫الموضوع‪ ،‬اتبع الباحث في هذه الدراسة المنهج المقارن بين التشريعين الفلسطيني والمصري‪،‬‬
‫وذلك بهدف اإلحاطة بكل جوانب الدراسة‪.‬‬

‫تقسيم الدراسة‪:‬‬
‫ً‬
‫تناولنا هذه الدراسة من خالل تقسيمها تبعا لما يلي‪ :‬المطلب األول‪ :‬مفهوم الوقف‬
‫االحتياطي‪.‬المطلب الثاني‪ :‬اآلثارالمترتبة على الوقف االحتياطي عن العمل‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الوقف االحتياطي‬

‫يعد الوقف االحتياطي عن العمل لمصلحة التحقيق من أبرزاإلجراءات التي قد تتخذها‬


‫السلطة التأديبية املختصة ضد الموظف املحال للتحقيق‪ ،‬فقد ترى – سلطة التحقيق –‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ضرورة وقف الموظف عن العمل مؤقتا ضمانا لسالمة إجراءات التحقيق‪ ،‬فوجوده يعرقل‬
‫مصلحة التحقيق‪ ،‬وخاصة إذا كانت الههمة المسندة إليه ماسة بالشرف والنزاهة‪ ،‬ولذا يكون‬
‫إبقاؤه داخل المرفق ً‬
‫سببا في عرقلة سيرالتحقيق بإخفاء أدلة اإلدانة والعبث بها بشكل أو بآخر‬
‫(‪.)589‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف الوقف االحتياطي عن العمل‬

‫ونص المشرع الفلسطيني على الوقف االحتياطي بنص المادة (‪ )13‬من قانون الخدمة‬
‫المدنية المعدل رقم ‪ 2111/4‬بالقول‪ ":‬مع مراعاة األحكام األخرى لهذا القانون‪ :‬عند إحالة‬
‫الموظف للتحقيق يجوز لرئيس الدائرة الحكومية التي تبعها وقف الموظف عن عمله أو نقله‬
‫إلى وظيفة أخرى في الدائرة نفسها بصفة مؤقتة ريثما ينتهي التحقيق معه"‪ ،‬كما نص المادة‬
‫ً‬
‫(‪ )11‬من ذات القانون على أن‪" :‬يدفع للموظف الموقوف عن عمله راتبه كامال فترة وقفه"(‪.)590‬‬

‫(‪ )589‬د‪ .‬مفتاح خليفة عبد الحميد‪ :‬الوقف االحتياطي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬بحث منشور في المجلة الليبية العالمية‪ ،‬جامع بنغازي‪،‬‬
‫كلية التربية بالمرج‪ ،‬العدد ‪ ،4102 7‬ص ‪.7‬‬
‫أيضا المادة (‪ )022‬من الالئحة التنفيذية رقم ‪ 4111 /21‬بشأن قانون الخدمة المدنية الفلسطيني المعدل رقم‬
‫(‪ )590‬ونصت ً‬
‫ار بإيقاف الموظف الحال للتحقيق التأديبي عن‬
‫‪ 4111/2‬على الوقف االحتياطي بالقول‪ ":‬يصدر رئيس الدائرة الحكومية قرًا‬
‫العمل وفي هذه الحالة تتعلق جميع صالحياته التي منحت له طيلة فترة التوقيف عن العمل ويبلغ الديون بذلك"‬

‫‪P 341‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وألهمية الوقف االحتياطي عن العمل نص المشرع المصري بالمادة (‪ )03‬من قانون‬


‫الخدمة المدنية رقم ‪ 2190 / 19‬بالقول(‪" :)591‬لكل من السلطة املختصة ورئيس هيئة النيابة‬
‫ً‬
‫احتياطيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق‬ ‫اإلدارية بحسب األحوال أن يوقف الموظف عن عمله‬
‫معه ذلك لمدة ال تزيد على ثالثة أشهر وال يجوز مد هذه المدة إال بقرار من املحكمة التأديبية‬
‫املختصة للمدة التي تحددها‪ ،‬ويترتب على وقف العامل عن عمله وقف صرف نصف أجره‬
‫ً‬
‫ابتداء من تاريخ الوقف‪ ،‬ويجب عرض األمر ً‬
‫فورا على املحكمة التأديبية املختصة لتقرير صرف‬
‫أو عدم صرف المتبقي من أجره‪ ،‬فإذا لم يعرض األمر عليها خالل عشرة أيام من تاريخ الوقف‬
‫وجب صرف كامل أجره حتى تقرر املحكمة ما يتبع بشأنه وعلى املحكمة أن تصدر قرارها خالل‬
‫عشرين ً‬
‫يوما من تاريخ رفع األمر إليها فإذا لم تصدر املحكمة قرارها في خالل هذه المدة يصرف‬
‫ً‬
‫األجركامال‪ ،‬فإذا برئ الموظف أوحفظ التحقيق معه أوجوزي بجزاء اإلنذارأوالخصم من األجر‬
‫لمدة ال تجاوزخمسة أيام صرف إليه ما يكون قد أوقف صرفه من أجره وإذا جوزي بجزاء أشد‬
‫تقررالسلطة التي وقعت الجزاء ما يتبع في شأن األجرالموقوف صرفه‪ ،‬فإن جوزي بجزاء الفصل‬
‫انههت خدمته من تاريخ وقفه وال يجوز أن يسترد منه في هذه الحالة ما سبق أن صرف له من‬
‫أجر"‪.‬‬

‫_كما نصت المادة (‪ )021‬من ذات الالئحة على أنه‪" :‬يصرف للموظف الموقوف عن العمل والمحال للتحقيق معه من قبل لجنه‬
‫كامال عدا بدل التنقل فترة وقفه عن العمل"‪.‬‬
‫تحقيق راتبه ً‬
‫أيضا نص المادة (‪ )01‬من القانون رقم ‪ 0212/007‬بشأن تنظيم النيابة اإلدارية المحاكمات التأديبية حيث جاءتها‪:‬‬
‫(‪ )591‬انظر ً‬
‫"لمدير النيابة اإلدارية أو أحد الوكالء العامين أن يطلب وقف الموظف عن أعمال وظيفته إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه‬
‫ذلك‪ ،‬ويكون الوقف بقرار من الوزير أو الرئيس المختص فإذا لم يوافق الرئيس المختص على وقف الموظف وجب عليه إبالغ‬
‫مدير النيابة اإلدارية بمبررات امتناعه وذلك خالل أسبوع من طلبه وال يجوز أن تزيد مدة الوقف عن ثالثة أشهر إال بقرار من‬
‫ابتداء من اليوم الذى أوقف فيه ما لم‬
‫ً‬ ‫المحكمة التأديبية المختصة ويترتب على وقف الموظف عن عمله وقف صرف مرتبه‬
‫تقرر المحكمة صرف المرتب كله أو بعضه بصفة مؤقتة إلى أن تقرر عند الفصل في الدعوى التأديبية ما يتبع في شأن‬
‫المرتب عن مدة الوقف سواء بحرمان الموظف منه أو بصرفه إليه كله أو بعضه"‪ ،‬كما نصت المادة (‪ )021‬من الالئحة‬
‫التنفيذية رقم ‪ 4107/0402‬بشأن قانون الخدمة المدنية المصري رقم ‪ 4102/20‬على الوقف االحتياطي بالقول‪" :‬إذا اقتضت‬
‫احتياطيا عن العمل يعرض األمر على السلطة المختصة مذكرة تتضمن موضوع التحقيق‬
‫ً‬ ‫مصلحة التحقيق وقف الموظف‬
‫ومبررات الوقف ومدته بما ال يجاوز ثالثة أشهر فإذا قررت وقفه عن العمل يتعين إعالمه بقرار الوقف وإرسال صورة منه إلى‬
‫كل من رئيسه المباشر وإدارة الموارد البشرية"‪.‬‬

‫‪P 342‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واضحا للوقف‬ ‫ويستفاد من التشريعات الوظيفة السابقة أن المشرع لم يحدد تعريفا‬
‫االحتياطي ولكن يستثنى من ذلك ما نص عليه المشرع السوري في المادة (‪ )0‬من المرسوم‬
‫التشريعي رقم (‪ )11‬لسنة ‪ 9102‬والخاص بمجلس التأديب والتي اشارت إلى الوقف االحتياطي‬
‫ً‬
‫بأنه كف يد الموظف أي فصله من وظيفته مؤقتا حتى عودته (‪.)592‬‬

‫وبالرغم من سكوت المشرع في األنظمة الوظيفة عن تعريف الوقف االحتياطي إال أن‬
‫ً‬
‫الفقه سار على عكس ذلك‪ ،‬فقد عرفه البعض بأنه "حجب العامل مؤقتا عن مباشرة‬
‫اختصاصاته الوظيفية لمدة زمنيه تنتهي بانههاء األصل املحدد بقرارالوقف الصادرمن السلطة‬
‫التأديبية اإلدارية أو بالقرارالصادرعن املحكمة التأديبية بامتداده وأما بصدورقرارأو حكم من‬
‫جهة االختصاص بالبت فيما نسب إلى العامل من أخطاء تأديبية أو جنائية"(‪:)593‬‬
‫ً‬
‫وعرفه أخر بأنه‪" :‬إجراء قانوني يقصد به ابعاد الموظف المههم عن عمله مؤقتا أي‬
‫ً‬
‫إسقاط والية الوظيفة العامة عنه مؤقتا بحيث يكف عن مباشرة المهام الموكلة إليه القيام‬
‫بها إذا ما تطلب ذلك مصلحة التحقيق الذي يجري معه‪ ،‬ويستوي في ذلك أن يكون التحقيق‬
‫جنائيا يتم بمعرفة النيابة العامة أو أن يكون إدارًيا يتم بمعرفة السلطات التأديبية‬
‫ً‬
‫املختصة"(‪.)594‬‬

‫ويعرفه البعض اآلخربأنه‪" :‬منع الموظف من مباشرة أعمال وظيفته لمدة معنية"(‪. )595‬‬
‫ً‬
‫وقضائيا عرفت املحكمة اإلدارية العليا الوقف االحتياطي بأنه(‪" :)596‬إسقاط والية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الوظيفة عنه إسقاطا مؤقتا فال يتولى فيه سلطة أو يباشرلها عمال‪ ،‬ذلك أن الموظف قد تسند‬
‫إليه تهم وتوجه إليه مآخذ فيقتض ي األمر اقصائه عن وظيفته‪ ،‬الي يجرى التحقيق فيها وصوال‬
‫للحقيقة انبالجها في جو خال من مؤثراته أو ً‬
‫بعيدا عن سلطاته أو ألن في اتهامه ما يدعو إلى‬ ‫ٍ‬ ‫و‬

‫(‪ )592‬مشار إليه لدى د‪ .‬محمد احمد عبد الرحمن‪ :‬اإلجراءات االحتياطية للتأديب في الوظيفة العامة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪،‬‬
‫جامعة عين شمس‪ ،0227 ،‬ص‪.444‬‬
‫(‪ )593‬د‪ .‬رفعت المصيلحي نجار‪ :‬ايقاف العاملين المدنيين بالدولة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،0220 ،‬ص‪.34‬‬
‫(‪ )594‬د‪ .‬رمضان بطيخ‪ :‬الوسيط في القانون اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ 0227 ،‬ص ‪.122‬‬
‫(‪ )595‬المستشار محمد أحمد رشوان‪ :‬أصول القانون التأديبي‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،‬القاهرة‪ 0221 ،‬ص ‪.071‬‬
‫(‪ )596‬حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية بالطعن رقم (‪04 )010‬ق‪ ،‬جلسة ‪ ،0221/4/07‬مجموعة أحكامها‪ ،‬السنة الثالثة‬
‫عشرة‪.‬‬

‫‪P 343‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫االحتياط والتصون للعمل العام الموكل إليه بتجريده منه وكف يديه عنه‪ ،‬أو ألن في االتهام ما‬
‫يشينه فيمس ً‬
‫تبعا لذلك مركزالوظيفة التي يتوالها ويؤثرفي حسن سيرالعمل‪."...‬‬
‫ً‬
‫احتياطيا يكون إذا أسندت إليه‬ ‫كما عرفته ً‬
‫أيضا بأنه (‪ " :)597‬وقف العامل عن العمل‬
‫مخالفات ويدعو األمر إلى االحتياط والتصون للعمل العام الموكل إليه بكف ما يدعيه‬
‫اقتضائه عنه ليجري التحقيق في جو خال من مؤشراته ً‬
‫بعيدا عن سلطاته"‪.‬‬ ‫و‬
‫ً‬
‫وقضاء واألساس القانوني له‪ ،‬البد‬ ‫وبعد أن بين الباحث مفهوم الوقف االحتياطي فقها‬
‫من بيان الجهة املختصة بإصدار قرار الوقف عن العمل وفي فلسطين أشارت المادة (‪ )13‬من‬
‫قانون الخدمة المدنية المعدل رقم ‪ 2111/4‬وكذلك المادة (‪ )944‬من الالئحة التنفيذية رقم‬
‫‪ 2111/41‬بشأن قانون الخدمة المدنية المعدل‪ ،‬إلى اختصاص رئيس الدائرة الحكومية (الوزير‬
‫أو رئيس أية إدارة أو مؤسسة عامة أو سلطة إدارية جهة أخرى تكون موازنهها ضمن الموازنة‬
‫ً‬
‫احتياطيا إذا اقتضت‬ ‫العامة للسلطة الفلسطينية أو ملحقة بها‪ ،‬باتفاق الموظف عن عمله‬
‫مصلحة التحقيق ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي ذلك أيضا أشارت المادة (‪ )03‬من قانون الخدمة المدنية المصري سالفة الذكرإلى‬
‫أن القراريصدرمن السلطة املختصة (الوزيرأو املحافظ أو رئيس مجلس إدارة الهيئة العمومية‬
‫ً‬
‫احتياطيا‬ ‫أو مدير النيابة اإلدارية) ويكون للسلطة المفوضة في التأديب الحق في وقف العامل‬
‫دون الحاجة إلى النص على ذلك صراحة في قرارالتفويض (‪.)598‬‬

‫ويملك مدير‬
‫ً‬
‫احتياطيا بالرغم من أن هذا الحق يقتصرعلى مجرد االقتراح‪،‬‬ ‫النيابة اإلدارية حق وقف العامل‬
‫وصاحب الكلمة الفصل في هذا االقتراح يعود للسلطات الرئاسية املختصة وهذا بموجب المادة‬

‫(‪ )597‬حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية في الطعن رقم (‪32 )0217‬ق‪ ،‬جلسة ‪ 0220/1/41‬الموسوعة اإلدارية الحديثة‪،‬‬
‫ج ‪ ،2‬ص ‪.142‬‬
‫(‪ )598‬د‪ .‬احمد سالمة بدر‪ :‬التحقيق اإلداري والمحاكمة التأديبية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،4112 ،‬ص ‪022‬‬
‫أيضا قضت المحكمة اإلدارية العليا بالقول‪ ...." :‬بأن تفويض وكيل الو ازرة الساعد في التصرف في التحقيق يستتبع بالضرورة‬
‫_و ً‬
‫منحه حق وقف الموظف الذي يجرى معه التحقيق‪ ،‬ذلك أن الوقف عن العمل وسيلة إلى غاية‪ ،‬وال يمكن فصل أحدهما عن‬
‫اآلخر‪ ،‬فالوقف يوطئ السبيل إلى التحقيق مع الموظف الموقوف في جو خال من تأثيره ونفوذه" حكم المحكمة اإلدارية العليا‬
‫في الطعن رقم (‪ )013‬جلسة ‪ ،0221/2/41‬مجموعة أحكامها السنة العاشرة‪.071 ،‬‬

‫‪P 344‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫العاشرة من القانون رقم ‪ 9111/991‬بشأن تنظيم النيابة اإلدارية والحاكمات التأديبية وال‬
‫ً‬
‫مسببا لعدم وجود نص يوجب ذلك (‪.)599‬‬ ‫يشترط أن يكون قرارالوقف‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مدة الوقف االحتياطي والغاية منه‬

‫الغصن األول‪ :‬مدة الوقف االحتياطي‪:‬‬

‫لم يحدد المشرع الفلسطيني مدة للوقف االحتياطي عن العمل‪ ،‬فبموجب المادة (‪)13‬‬
‫من قانون الخدمة المدنية العدل رقم ‪ 2111/4‬نجد أن المشرع قد منح رئيس الدائرة الحكومية‬
‫التي يتبعها الموظف صالحية وقفه عن العمل إال أن عدم تحديد المشرع الفلسطيني لمدة‬
‫معينة يخش ى منه تعسف رئيس الدائرة الحكومية في استعماله لهذا الحق مما يؤثر على مبدأ‬
‫الضمان‪ ،‬ولذا فإن الباحث يرى لو أن المشرع الفلسطيني أخذ بما أخذ به المشرع المصري من‬
‫ً‬
‫احتياطيا كضمانة للموظف املحال إلى التحقيق‪.‬‬ ‫تحديد مدة معينة‪ ،‬للوقف عن العمل‬
‫ً‬
‫وتحديدا المادة‬ ‫أما المشرع المصري قد حدد في قانون الخدمة المدنية رقم ‪2190/19‬‬
‫(‪ ) 03‬على أن مدة وقف الموظف عن عمله حتى ثالثة أشهر‪ ،‬إلى أن للسلطة املختصة بوقف‬
‫الموظف أن توقفه ألى مدة‪ ،‬وألكثر من مرة‪ ،‬شريطة أن يكون التوقيف في حدود الثالثة أشهر‬
‫التي حددها القانون أما إذا أرادت الجهة املختصة بالوقف وقف الموظف ألكثر من ذلك أو‬
‫تحديد مدة وقف زيادة على الثالثة أشهر فعليها أن تلجأ إلى املحكمة التأديبية قبل انههاء الثالثة‬
‫ً‬
‫أشهر للنظر في مسألة وقفه وفقا لما نص عليه القانون‪ ،‬وإال ترتب على ذلك بطالن وقف‬
‫الموظف لمدة تتجاوزالثالثة أشهر(‪.)600‬‬

‫أما إذا و افقت امل حكمة التأديبية على طلب وقف الموظف عن عمله بعد الثالثة أشهر‬
‫فإن هذه المو افقة تصحح الفترة المنقضية بين انههاء الثالثة أشهر وصدور قرار املحكمة‬
‫بالمو افقة على التحديد وبالتالي فإن وقف الموظف أكثرمن ثالثة أشهريمكن تصحيحها بقرار‬
‫من املحكمة التأديبية عند عرض األمرعليها(‪.)601‬‬

‫(‪ )599‬د‪ .‬نواف كنعان‪ :‬النظام التأديبي في الوظيفة العامة‪ ،‬مكتبة الجامعة‪ ،‬الشارقة‪ ،4112 ،‬ص ‪.414‬‬
‫(‪ )600‬د‪ .‬ثروت محمد عوض‪ :‬التحقيق اإلداري ودور النيابة اإلدارية فيه‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس‪،‬‬
‫‪ 0222‬ص ‪.211‬‬
‫(‪ )601‬د‪ .‬عصمت عبد الله الشيخ‪ :‬اإلحالة إلى التحقيق في النظام التأديبي الوظيفي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.041‬‬

‫‪P 345‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وإذا عرض األمر على املحكمة التأديبية املختصة فإن لها الحرية الكاملة في تحديد مدة‬
‫الوقف بحسب ما تقتضيه الظروف والمالبسات‪ ،‬فللمحكمة أن تعيد توقيف الموظف بعد‬
‫انههاء المدة األولى كما لها أن توقف الموظف عن عمله لحين االنههاء من املحاكمة التأديبية‪،‬‬
‫فاملحكمة التأديبية غير مقيدة بالثالثة أشهر وليست مقيدة بمدة معينة‪ ،‬وهذا الرأي يأخذ به‬
‫المشرع المصري بنص المادة (‪ )03‬من قانون الخدمة المدنية مما جعله عرضة لالنتقاد من‬
‫بعض الفقه‪ ،‬حيث يرون أن إطالق سلطة املحكمة دون قيد زمني قد يصيب الموظف بضرر‪،‬‬
‫وعليه فمن األفضل أن تكون المدة ثالثة أشهر كحد أقص ى في كل مرة تو افق عليها املحكمة‬
‫التأديبية(‪.)602‬‬
‫ً‬
‫ابتداء ال يقيد اختصاص املحكمة‬ ‫كما أن صحة أو بطالن القرارالصادربوقف الموظف‬
‫التأديبية بمد مدة وقف الموظف وتقريرصرف أو عدم صرف الباقي من أجره‪ ،‬كما أنه ال يشترط‬
‫لصحة قرار الوقف أن ينص في قرار الوقف على مدة الوقف بل يكفي أن تكون تلك المدة في‬
‫حدود الثالثة أشهر‪ ،‬وللمحكمة اإلدارية العليا وحدها االختصاص بنظرالطعون المرفوعة ضد‬
‫أحكام املحاكم التأديبية بمد مدة الوقف(‪.)603‬‬

‫الغصن الثاني‪ :‬الغاية من الوقف االحتياطي‪:‬‬

‫أشارت المادة (‪ )03‬من قانون الخدمة المدنية رقم ‪ 2190/19‬بوضوح إلى ذلك الهدف‬
‫ً‬
‫احتياطيا قد يكون ذا نفوذ في‬ ‫وهو "تطلب مصلحة التحقيق هذا الوقف" فالموظف الموقوف‬
‫مجال عمله مما يساعده بالتأثيرعلى مجريات التحقيق أو العمل على اخفاء أية وثائق ممكن أن‬
‫تفيد في التحقيق إلى غيرذلك من األمور(‪.)604‬‬

‫ويرى بعض الفقه (‪ )605‬أن األخذ بهذا الهدف بجب أن يكون لتحقيق الصالح العام (مبدأ‬
‫الفاعلية) إذا أن الوقف عن العمل يأتي لصون المصلحة العامة بالحفاظ على الوظيفة العامة‬

‫(‪ )602‬د‪ .‬عبد العزيز عبد المنعم خليفة‪ :‬الشرعية اإلجرائية في التأديب الرئاسي والقضائي للموظف العام‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،‬ط‪،4112 ،0‬‬
‫ص ‪.411‬‬
‫(‪ )603‬د‪ .‬رمضان بطيخ‪ :‬الوسيط في القانون اإلداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.210‬‬
‫(‪ )604‬د‪ .‬سليمان الطماوي‪ :‬القضاء اإلداري‪ ،‬قضاء التأديب‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ 4102 ،‬ص ‪322‬‬
‫(‪ )605‬د‪ .‬السيد محمد إبراهيم‪ ،‬شرح نظام العامليين المدنيين بالدولة‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬دار المعارف‪ 0222 ،‬ص‪:121‬‬

‫‪P 346‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫في مرحلة تتزعزع فيها الثقة بصالحية الموظف‪ ،‬بينما يرى البعض اآلخر (‪ ،)606‬أنه البد أن يؤخذ‬
‫بهذا الهدف تحقيق مبدأ الضمان من خالل قصر هذا الهدف لمصلحة التحقيق وحده فهو‬
‫إجراء وقائي ال يجب أخذه في غيرنطاق التحقيق‪.‬‬

‫وبين هذين الرأيين ظهر رأي وسط (‪ )607‬يدعو أنصاره إلى أن الوقف االحتياطي يجب أن‬
‫يقوم على معيار شخص ي بالنظر إلى شخص الموظف المههم من خالل معرفه أن كان له نفوذ‬
‫يؤثر على التحقيق‪ ،‬ومعيار موضوعي يؤخذ بالحسبان إن كان الفعل املخالف يؤذي الوظيفة‬
‫ً‬
‫حرصا على الوظيفة‪.‬‬ ‫العامة أم ال‪ ،‬ومن ثم أبعاد الموظف المههم‬

‫وللوقف االحتياطي شروط يجب تو افرها‪ ،‬ويتمثل في شرطين اثنين‪ :‬األول‪ :‬أنه يشترط‬
‫ً‬
‫ً‬
‫جنائيا في‬ ‫سواء كان تحقيقا إدارًيا أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫احتياطيا أن يكون هنالك تحقيق معه‬ ‫إليقاف الموظف‬
‫مخالفة مالية أو إدارية منسوبة إليه‪ ،‬فالوقف عن العمل استثناء من القواعد العامة يقتصر‬
‫إعماله على ما ورد به النص دون توسع‪ ،‬فإذا كان وقف الموظف دون أن يوجه إليه اتهام أو أن‬
‫ً‬
‫تكون اإلدارة لم تتأكد من اسناد املخالفة للموظف عندئذ يكون الوقف باطال‪ ،‬ألن المشرع‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سليما تطبيقا للحكمة التي من أجلها شرع الوقف‪ ،‬فإذا كان‬ ‫تقديرا‬ ‫قصد أن يقدر الموقف‬
‫ً‬
‫احتياطيا (‪.)608‬‬ ‫تقصيرالموظف بواجباته ألسباب قهريه خارجه عن إرادته فال يجوزوقفه‬

‫والثاني‪ :‬أن يتم التوقف االحتياطي إذا اقتضيت مصلحة التحقيق ذلك‪ ،‬وهذا بصريح‬
‫النصوص القانونية السابقة‪ ،‬فإذا كان الموظف املحال للتحقيق لديه ما يعيق عمل السلطة‬
‫ً‬
‫تيسيرا إلجراءات‬ ‫املختصة اثناء التحقيق‪ ،‬جاز لها – السلطة املختص – وقفه عن العمل‬
‫التحقيق ومن ثم يجب حصرهدا اإلجراء في نطاق التأديب باعتبارأن ضوابط الوقف االحتياطي‬
‫ونطاقه هي مصلحة التأديب (‪.)609‬‬

‫(‪ )606‬د‪ .‬مغاوري شاهين‪ :‬القرار التأديبي وضماناته ورقابته القضائية بين الفاعلية والضمان‪ ،‬مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ 0222‬ص‪:120‬‬
‫(‪ )607‬د‪ .‬رفعت المصيلحي النجار‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )608‬د‪ .‬مغاوري شاهين‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫(‪ )609‬د‪ .‬عبد العظيم عبد السالم عبد الحميد‪ :‬تأديب الموظف العام في مصر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ 4112‬ص‪.130‬‬

‫‪P 344‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ً‬
‫احتياطيا‬ ‫وفي ذلك قضت املحكمة اإلدارية العليا بأنه (‪" :)610‬ومن حيث إن وقف العامل‬
‫عن العمل منوط ليس فقط بإجراء تحقيق معه بل أن تقتض ي مصلحة التحقيق معه هذا‬
‫ً‬
‫احتياطيا ال يكون إال إذا اسندت إليه مخالفات‬ ‫الوقف كذلك أي أن وقف العامل عن العمل‬
‫ويدعو األمر إلى االحتياط والتصون للعمل العام الموكل إليه بكف يده عنه و اقصائه عنه‬
‫ليجري التحقيق معه في جو ٍ‬
‫خال من مؤثراته وبعيد عن سلطاته‪."..‬‬
‫وأخيرا يجدرالقول إن وقف الموظف عن العمل اح ً‬
‫تياطيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫احتياطيا‬ ‫ذلك ال يمنع اإلدارة‪ ،‬من أن ترفع عنه هذا الوقف إذا ثبت لإلدارة أن وقف الموظف‬
‫لن يجدي ً‬
‫نفعا وأن عودته للعمل لن تعيق سيرالتحقيق (‪.)611‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬اآلثارالمترتبة على الوقف االحتياطي عن العمل‬


‫ً‬
‫احتياطيا أثناء التحقيق إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك‬ ‫ويترتب على وقف الموظف‬
‫نتائج هامة‪:‬‬
‫ً‬
‫احتياطيا عن العمل‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬كف يد الموظف الموقوف‬
‫ً‬
‫احتياطيا‪،‬‬ ‫أن ممارسة السلطة املختصة لصالحياتها بوقف الموظف عن العمل‬
‫ً‬
‫بإسقاط والية الوظيفة عنه مؤقتا بمنع الموظف من مباشرة أي عمل من أعمال وظيفته أثناء‬
‫ً‬
‫تأسيسا على صدورها من شخص غير‬ ‫مدة الوقف‪ ،‬فالتصرفات التي تصدر عنه تعد منعدمة‪،‬‬
‫مختص‪ ،‬وال ينقذ هذه التصرفات من االنعدام إال إعمال نظرية الموظف الفعلي (‪.)612‬‬
‫والوقف يقطع صلة الموظف بوظيفته‪ ،‬فهو يبقي ً‬
‫بعيدا عنها لفترة من الوقت‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإنه يتحلل من إداء الواجبات المنوطة به وبالتالي تكون كافة اإلجراءات والواجبات المرتبطة‬
‫ً‬
‫ملتزما‬ ‫أيضا موقوفه‪ ،‬إال أنه – الموظف الموقوف– يبقي‬ ‫بالفعل موضوع الوقف تكون ً‬

‫بالحفاظ على اسرارما أطلع عليه من وثائق أثناء ممارسته الختصاصه (‪.)613‬‬

‫(‪ )610‬حكم المحكمة اإلدارية العليا في الطعن رقم (‪ 32 )0217‬ق‪ ،‬جلسة ‪0221/1/41‬‬
‫(‪ )611‬د‪ .‬سليمان الطماوي‪ :‬قضاء التأديب مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.321‬‬
‫(‪ )612‬د‪ .‬محمد خيري المرغني‪ :‬مبادئ القانون اإلداري العربي‪ ،‬مطبعة الساحل‪ ،‬الرباط‪ ،0221 ،‬ص‪412‬‬
‫_ د‪ .‬هاني على الطهراوي‪ :‬القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ص ‪ ،4110‬ص‪.317‬‬
‫(‪ )613‬د‪ .‬ماهر عبد الهادي‪ :‬الشرعية اإلجرائية في التأديب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ 0221 ،‬ص‪.342‬‬

‫‪P 342‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أما ما يتعلق باألعمال الوظيفة العامة‪ ،‬غير الواجبات موضوع الوقف‪ ،‬فيرى البعض‬
‫أنه إذا قام الموظف بممارسهها دون أن تكون هنالك ضرورة ملحة فيعتبرعندئذ عمله مخالفة‬
‫ً‬
‫احتياطيا‬ ‫تستوجب العقاب التأديبي إال أن البعض يرى بجوار ممارسة الموظف الموقوف‬
‫ألعمال أخرى خارج نطاق الوظيفة كاألعمال الخاصة سواء بأجرأو بدون أجرفالعمل لدى الغير‬
‫ال يرتب مخالفة ألحكام القانون (‪.)614‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أثرالوقف االحتياطي على الترقية‬

‫ويقصد بها تأجيل ترقيه الموظف املحال للتحقيق لحين االنههاء من إجراءات التحقيق‪،‬‬
‫وفي ذلك نصت المادة (‪ )01‬من قانون الخدمات المدنية المصري رقم ‪ 2190/19‬على أنه‪" :‬ال‬
‫يجوز ترقيه الموظف الحال إلى الحاكمة التأديبية أو الجنائية أو الموقوف عن العمل مدة‬
‫اإلحالة أو الوقف وفي هذه الحالة تحجز وظيفة للموظف‪ ،‬وإذا برئ الموظف املحال أو قض ي‬
‫بحكم نهائي بمعاقبته باإلنذار أو الخصم من األجر لمدة ال تزيد على عشرة أيام وجب ترقيته‬
‫اعتبا ًرا من التاريخ الذي كانت ستتم فيه الترقية لو لم يحل إلى املحاكمة ويمنح أجر الوظيفة‬
‫المرقى اليها من هذا التاريخ‪ ،‬وفي جميع األموال ال يجوز تأخير ترقية الموظف لمدة تزيد على‬
‫سنتين" ويستفاد من هذا النص ما يلي‪:‬‬

‫‪ -9‬أنه من حيث األصل العام ال يجوزالنظرفي ترقية موظف اثناء مدة الوقف مهما كانت‪،‬‬
‫أو املحال إلى املحكمة التأديبية أو الجنائية ومهما طالت (‪.)615‬‬

‫‪ -2‬يبقي للموظف طيلة مدة الوقف أواملحاكمة التأديبية أوالجنائية مهما بلغت من الزمن‬
‫حقه في الوظيفة‪ ،‬أي أن له األولوية في العودة إلى مكان عمله ً‬
‫بناء على نتيجة الوقف أو‬
‫املحاكمة‪.‬‬

‫(‪ )614‬انظر‪ :‬د‪ .‬محمود فؤاد بركات‪ :‬الوقف االحتياطي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬بحث منشور في مجلة العلوم اإلدارية‪ ،‬س‪ ،42 ،‬العدد‬
‫الثاني‪ ،‬كانون أول ‪ ،0222‬ص‪012‬‬
‫_ د‪ .‬ماهر عبد الهادي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.331‬‬
‫(‪ )615‬الفقر الرابعة من المادة (‪ )24‬من الالئحة التنفيذية رقم ‪ 4107 /0402‬بشأن قانون الخدمة المدنية المصري رقم ‪/20‬‬
‫محاال إلى المحكمة التأديبية أو الجنائية أو موقوًفا العمل‬
‫ً‬ ‫‪ 4102‬حيث جاءتها‪" :‬ال يجوز النظر في ترقية‪ – 21111‬إذا كان‬
‫وذلك طوال مدة اإلحالة أو الوقف‪."....‬‬

‫‪P 347‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -3‬يستحق الموظف ترقيته الموقوفة في حالة البراءة مما هو منسوب إليه أو إذا قضت‬
‫املحكمة أو الجهة املختصة بحكم نهائي بعقوبة اإلنذار أو الخصم من األجر مدة ال تزيد‬
‫على العشرة أيام على أن يبدأ تاريخ الترقية بأثر رجعي من التاريخ األصلي المستحق‬
‫للترقية‪.‬‬

‫‪ -4‬يستحق الموظف أجر الدرجة الوظيفة الجديدة والمرقي اليها من تاريخ استحقاق‬
‫الترقية‪.‬‬

‫‪ -1‬ال يجوز أن يتم تأخير تنفيذ ما سبق من حقوق للموظف أكثر من سنتين من تاريخ‬
‫استحقاقه‪.‬‬

‫‪ -0‬في حال أن تم توقيع عقوبة بالخصم أكثر من عشرة أيام أو بجزاء غير االنذار‪ ،‬فإنه ال‬
‫ً‬
‫استنادا لنص‬ ‫يجوز النظر في ترقية الموظف قبل محو الجزاء الموقع عليه‪ ،‬وذلك‬
‫الفقرة األخيرة من المادة (‪ )21‬من قانون الخدمة المدنية المصري ‪ 2190/19‬والتي جاء‬
‫فيها‪ ....." :‬وباستثناء جزائي االنذاروالخصم من األجرمدة ال تزيد على عشرة أيام ال يجوز‬
‫ترقية الموظف قبل محو العقوبة الموقعة عليه"(‪.)616‬‬
‫ً‬
‫خالفا لما سبق فإن قرار الترقية يعتبر قرا ًرا ً‬
‫معيبا ويجوز‬ ‫أما إذا تمت ترقية الموظف‬
‫ً‬
‫احتياطيا ال يؤثرعلى استحقاق‬ ‫الطعن فيه خالل مدة الطعن (‪ )01‬يوما‪ ،‬كما أن وقف الموظف‬
‫ً‬
‫محروما منها لسبب آخر‪ ،‬وتحتسب للموظف مدة الوقف في‬ ‫الموظف للعالوة الدورية مالم يكن‬
‫المعاش‪ ،‬حيث يحسب له على أساس كامل المرتب وليس على أساس الجزء الذي قبضه‬
‫الموظف اثناء فترة الوقف (‪.)617‬‬

‫(‪ )616‬نصت المادة (‪ )27‬من قانون الخدمة المدنية المصري رقم ‪ 4102/20‬على أنه‪" :‬تمحى الجزاءات التأديبية التي توقع على‬
‫الموظف بانقضاء الفترات التالية‪:‬‬
‫‪ - 0‬سنة في حالة اإلنذار والتنبيه والخصم من األجر مده ال تزيد على خمسة أيام‪.‬‬
‫يوما‪.‬‬
‫‪ - 4‬ستنان في حالة اللوم والخصم من األجر مدة تزيد على خمسة أيام وحتى خمسة عشر ً‬
‫يوما‪.‬‬
‫يوما وحتى ثالثين ً‬
‫‪ - 3‬ثالث سنوات في حالة الخصم من األجر مدة تزيد على خمسة عشر ً‬
‫اعتبار من‬
‫ًا‬ ‫‪ - 2‬أربع سنوات بالنسبة إلى الجزاءات األخرى عدا جزاءي الفصل واإلحالة إلى المعاش وتحسب فترات المحو‬
‫تاريخ توقيع الجزاء‪."....‬‬
‫(‪ )617‬عبد الفتاح حسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.022‬‬

‫‪P 320‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أما في فلسطين فقد نصت المادة (‪ )11‬من قانون الخدمة المدنية المعدل رقم ‪2111/4‬‬
‫على أنه‪ -9" :‬إذا قدمت بحق الموظف شكوى تستوجب اتخاذ إجراءات تأديبية أو جزائية فال‬
‫ينظر في ترقية إال بعد صدور القرار النهائي في قضيته‪ -2 .‬إذا تتقرر عدم اتخاذ إجراءات تأديبية‬
‫بحقه أو تمت تبرئته من الههمة الموجهة إليه ينظر في ترقيته من تاريخ استحقاقها" ويتضح من‬
‫النص السابق أن المشرع الفلسطيني حدد الحالة التي يجوزفيها تأجيل ترقية الموظف املحال‬
‫إلى التحقيق‪ ،‬وهي حالة وجود شكوى ضد الموظف تستوجب اتخاذ اإلجراءات التأديبية أو‬
‫الجزائية‪.‬‬

‫ولما سبق يتبين أن الفرق بين المشرعين المصري والفلسطيني‪ ،‬أن المشرع المصري لم‬
‫يرتب على اإلحالة للتحقيق وقف ترقية الموظف طالما أنه لم ُي َحل إلى املحاكمة التأديبية أو‬
‫ً‬
‫الجزائية‪ ،‬أو أن يصدر بحقه قرار بوقفه عن العمل وفقا لنص المادة (‪ )01‬من قانون الخدمة‬
‫المدنية المصري‪ ،‬فالمشرع المصري وضع ضوابط على تأجيل الترقية‪ ،‬أما المشرع‬
‫الفلسطيني فقد أوجب على السلطة اإلدارية إن اتخذت أي إجراء تأديبي بحق الموظف تأجيل‬
‫النظرفي ترقيته حتى صدور القرارالنهائي في القضية وبالتالي فإنه وبمجرد اتخاذ أي إجراء تأديبي‬
‫بحق الموظف يتوجب على اإلدارة تأجيل ترقيته‪.‬‬

‫كما أن المشرع الفلسطيني لم يفرق بين العقوبات البسيطة والعقوبات األكثرشده‪ ،‬كما‬
‫فعل المشرع المصري‪ ،‬مما يجعل النصوص الناظمة للوقف االحتياطي في التشريع الفلسطيني‬
‫ً‬
‫مثار شك فهي بهذا الحال ال تنظر إلى مصلحة الموظف اطالقا و انما تعمل فقط على تغليب‬
‫منطق الفاعلية اإلدارية فقط‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪:‬‬
‫ً‬
‫احتياطيا‬ ‫األثرالمتعلق براتب الموظف الموقوف‬

‫أشارت المادة (‪ )03‬من قانون الخدمة المدنية المصري رقم ‪ 2190/19‬إلى أن وقف‬
‫ا لموظف احتياطيا عن العمل يترتب عليه آثار متعلقة بالمرتب الذي يتقاضاه الموظف‪ ،‬حيث‬
‫يتم صرف نصف األجرفقط طيلة مدة الوقف‪ ،‬أما الجزء المتبقي فيتم تحديد مصيره من قبل‬
‫املحكمة التأديبية‪ ،‬فالمشرع المصري يعتبر المرتب المصدر الرئيس للموظف إذا لم يكن‬
‫الوحيد الذي يعول اسرته‪ ،‬وبالتالي نظرإلى ظروف الموظف الموقوف فقررصرف نصف األجر‪،‬‬

‫‪P 321‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وألهمية هذا دعا البعض إلى القول إن يتم تخويل السلطة اإلدارية صالحية البت في أمر أجر‬
‫ً‬
‫احتياطيا‪ ،‬وأن ال يتم الوقف بقوة القانون(‪.)618‬‬ ‫الموظف الموقوف‬

‫وفيما يتعلق بالنصف األخرمن المرتب اشارت المادة إلى ما يلي‪:‬‬

‫‪ -9‬تقرر املحكمة التأديبية ما يتعلق بالنصف اآلخر من المرتب‪ ،‬وذلك بعد أن‬
‫ً‬
‫احتياطيا‪،‬‬ ‫يعرض عليها األمر خالل عشرة أيام من تاريخ وقف الموظف‬
‫وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقرير صرف نصف المرتب أو كله وإذا لم‬
‫ً‬
‫يعرض األمر عليها خالل العشرة أيام من تاريخ الوقف يصرف المرتب كامال‬
‫بحكم القانون‪ ،‬وسلطة املحكمة واسعة وخاضعة لرقابة القضاء حيث اكدت‬
‫املحكمة اإلدارية على ذلك بقولها(‪ ...." :)619‬واملحكمة التأديبية في هذا الصدد‬
‫تصدر قراراتها بصرف نصف المرتب الموقوف صرفه‪ ،‬ولئن كانت سلطة‬
‫املحكمة التأديبية في هذا الشأن سلطة تقديرية أخرى – تخضع لضوابط‬
‫تتصل بالصالح العام لظروف العامل المالية ومركزه الوظيفي ومدى جدية أو‬
‫خطورة االتهام الذي ينسب إليه"‪.‬‬

‫و انتقد موقف المشرع المصري من تقريروقف صرف نصف الراتب بمجرد صدوروقف‬
‫الموظف احتيا ً‬
‫طيا عن العمل‪ ،‬فالهدف األساس ي من وقف الموظف هو إبعاده بصفة مؤقتة‬
‫عن الممارسة الفعلية ألعمال وظيفته‪ ،‬ومن ثم ال يوجد مبرر لتقرير أكثر من ذلك بحرمانه من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقها وقضاء أنه ال يعد ً‬
‫تأديبيا بل هو‬ ‫جزاء‬ ‫نصف الراتب‪ ،‬كما أن الوقف االحتياطي متفق عليه‬
‫مجرد إجراء تحفظي فقط (‪.)620‬‬

‫كما أن قصر مدة العشرة أيام المتاحة للمحكمة التأديبية حتى تبدي رأيها فيما يتعلق‬
‫بالنصف اآلخر من المرتب‪ ،‬هي محل انتقاد إذ إن اإلدارة لن تستطيع عرض قرار الوقف عن‬
‫العمل على املحكمة بدون أن تستمد أسبابها من التحقيق وقد يستغرق هذا التحقيق وقتا أطول‬
‫من العشرة أيام وهنا يعارض منطق الفاعلية مع منطق الضمان‪ ،‬فالوقف المؤقت إذا لم‬

‫(‪ )618‬د‪ .‬رفعت المصيلحي النجار‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.423‬‬


‫عاما‪.‬‬
‫(‪ )619‬حكم المحكمة اإلدارية العليا في الطعن (‪02 )4102‬ق‪ ،‬جلسة ‪ ،0272/2/07‬مجموعة الخمسة عشرة ً‬
‫(‪ ) 620‬د‪ .‬عمرو فؤاد بركات‪ :‬الوقف االحتياطي‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬بحث منشور في مجلة العلوم اإلدارية‪ ،‬س ‪ ،42‬ع ‪0222 ،4‬‬
‫ص ‪.072‬‬

‫‪P 322‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يعرض األمر على املحكمة خالل العشرة أيام سينتهي بإجازة إجبارية بمرتب كامل على خالف‬
‫القاعدة األصولية األجرمقابل العمل (‪.)621‬‬

‫‪ -9‬أنه يجب على املحكمة التأديبية املختصة أن تصدر قرارها فيما قدم لها خالل عشرين‬
‫ً‬
‫يوما‪ ،‬فإذا انقضت المدة دون أن تبت‪ ،‬يصرف للموظف الموقوف راتبه كامال‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا كانت نتيجة الوقف االحتياطي أن ُب ّ ِرئ الموظف أو رأت جهة التحقيق حفظ األوراق‬
‫عندئذ يصرف للموظف ما كان قد أوقف صرفه من أجره‪.‬‬

‫‪ -3‬إذا عوقب الموظف بعقوبة اإلنذار أو الخصم من األجر لمدة ال تزيد على خمسة أيام‬
‫ً‬
‫احتياطيا ما كان قد أوقف صرفه من الراتب‪.‬‬ ‫يصرف للموظف الموقوف‬

‫‪ -4‬إذا تمت معاقبة الموظف بعقوبة اشد من العقوبة في الفقرة اعاله‪ ،‬تقرر السلطة‬
‫املختصة التي أو قعت الجزاء األشد ما يتعلق بشأن الراتب الموقوف صرفه‪.‬‬
‫ً‬
‫احتياطيا بعقوبة الفصل من الخدمة‪ ،‬يتم وقف خدمته من‬ ‫‪ -1‬إذا انتهي وقف الموظف‬
‫ً‬
‫احتياطيا‪.‬‬ ‫ً‬
‫احتياطيا كما ال يسترد منه ما كان قد صرف من لحظة توقيفه‬ ‫تاريخ وقفه‬
‫ً‬
‫وأخيرا يجدرالتنويه إلى أن المشرع لم يمنح املحاكم التأديبية االختصاص بالنظرفي تقدير‬
‫التعويضات الناشئة عن األضرارالناشئة عن املخالفات التأديبية‪ ،‬فهي محاكم لتوقع العقوبة‬
‫التأديبية فقط‪ ،‬فإذا خرجت املحكمة التأديبية عن هذا األمر وقضت بإلزام الموظف بدفع‬
‫مبالغ كتعويض اعتبر حكمها ال حجيه له‪ ،‬ولإلدارة أن تسلك الطريق القانون للحصول على‬
‫حقوقها المالية (‪.)622‬‬
‫وبالرغم من ذلك ارست املحكمة العليا (الدستورية) مبدأ ً‬
‫هاما خولت فيه املحاكم‬
‫ً‬
‫وتعويضا جاء فيه (‪ .." :)623‬ومن حيث إن المشرع‬ ‫التأديبية النظرفي كافة السائل التأديبية ً‬
‫عقابا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تنظيما وتفصيال لما قررته المادة (‪ )912‬من الدستورفي صفه عامة مطلقة‪،‬‬ ‫أورد هذه النصوص‬
‫حيث تنص على أن‪ ،‬مجلس الدولة مختص بالفصل في المنازعات اإلدارية وفي الدعاوى‬

‫(‪ )621‬د‪ .‬سليمان الطماوي‪ :‬قضاء التأديب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.321‬‬
‫(‪ )622‬د‪ .‬عمرو فؤاد بركات‪ :‬السلطة التأديبية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.447‬‬
‫(‪ )623‬حكم المحكمة العليا (الدستورية) رقم (‪4 )2‬ق (تنازع) تاريخ ‪ ،0274/00/2‬مشار إليه لدى د‪ .‬فهي عزت سلطة التأديبية‬
‫بين اإلدارة والقضاء‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس‪ 0221 ،‬ص‪.471‬‬

‫‪P 323‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التأديبية‪ ...‬الخ‪ ،‬مما يدل على أن المشرع قد خلع على الحاكم التأديبية الوالية العامة للفصل‬
‫في تأديب العاملين‪ ،‬ومنهم العاملون بالقطاع العام – ومن ثم فإن واليهها هذه تتناول الدعوى‬
‫التأديبية المبتدأة‪ ،‬أي التي تختص فيها املحكمة يتوقع جزاء تأديبي‪ ،‬كما تتناول الطعن في أي‬
‫جزاء تأديبي على النحو الذي فصلته نصوص قانون مجلس الدولة المتقدم ذكرها واختصاص‬
‫املحاكم التأديبية بالفصل في هذا الطعن ال يقتصر على طلب الغاء الجزاء المطعون فيه‪ ،‬بل‬
‫يشمل كذلك طلب التعويض عن األضرارالمترتبة عليه إذ يستند كال الطلبين إلى أساس واحد‪،‬‬
‫هو عدم مشروعيه القرارالمطعون فيه كما يشمل غيرذلك من الطلبات المرتبطة بالطعن‪."....‬‬

‫وتأثرت املحكمة اإلدارية العليا بهذا الحكم وأصدرت عدة أحكام أجازت فيها اختصاص‬
‫املحاكم التأديبية بنظرطلبات التعويض‪ ،‬ومنها ما قضت به بالقول(‪ ...( :)624‬قضاء هذه املحكمة‬
‫استقرفي ضوء حكم املحكمة العليا في الطعن رقم ‪ 1‬لسنة ‪ 9112‬على أنه في ضوء المادة (‪)912‬‬
‫من الدستور وبصدور القانون رقم (‪ )41‬لسنة ‪ 9112‬بشأن مجلس الدولة فإن المشرع قد خلع‬
‫على املحاكم التأديبية الوالية العامة للفصل في مسائل تأديب العاملين ومنهم العاملون بالقطاع‬
‫العام‪ ،‬ومن ثم فإن واليهها تتناول الدعوى المبتدأة التي تختص فيها املحكمة بتوقيع جزاء‬
‫تأديبي‪ ...‬وأن اختصاص املحكمة التأديبية بالفصل في هذا الطعن ال يقتصر على الطعن بإلغاء‬
‫الجزاء وهو الطعن المباشر‪ ،‬بل يتناول طلبات التعويض عن األضرارالمترتبة على الجزاء‪ ،‬فهي‬
‫طعون غير مباشرة‪ ،‬وكذلك غيرها من الطلبات المرتبطة به ذلك أن كال الطعنين يستند إلى‬
‫أساس قانوني واحد يربط بينهما‪ ،‬وهو عدم مشروعية القرارالصادربالجزاء‪."...‬‬

‫ويرى جانب من الفقه (‪ )625‬أنه من المناسب إعطاء املحكمة التأديبية هذا االختصاص‬
‫ما دامت تنظر في الخطأ التأديبي‪ ،‬حتى تصفي المنازعة مرة واحدة أمام جهة قضائية واحدة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تدعيما الستقرار الموظف وانهاء للنزاع في فترة وجيزة باعتبار أن المسئولية المدنية أكثر دخوال‬
‫في عمل القضاء بها في عمل التأديبية‪.‬‬

‫(‪ )624‬حكم المحكمة اإلدارية العليا في الطعن (‪ 30 )022‬ق‪ ،‬جلسة ‪ ،0222/00/00‬مجموعة‬


‫(‪ )625‬د‪ .‬سليمان الطماوي‪ :‬قضاء التأديب مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100‬‬

‫‪P 324‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ويرى جانب آخر (‪ )626‬أن ما قضت به املحكمة العليا (الدستورية) غيركاف لمنح املحكمة‬
‫التأديبية أحكام نظر التعويضات المدنية‪ ،‬فالحكم الدستوري جاء بخصوص ما للموظف من‬
‫التعويض المستحق عن األضرارالتي سببها له القرارالتأديبي غيرالمشروع‪ ،‬ولم يشرالحكم إلى‬
‫املجاالت األخرى كمطالبة اإلدارة واألفراد الذين قد يتضررون من املخالفة التأديبية التي تثبت‬
‫في حق الموظف‪ ،‬كما أنه ال يجوزمنح أي جهة أية اختصاصات إال بموجب نص صريح‪.‬‬

‫أما في فلسطين‪ ،‬فقد أخذ المشرع منحى آخر ومختلف عن المشرع المصري‪ ،‬حيث‬
‫أشارت المادة (‪ )14‬من قانون الخدمة المدنية سالفة الذكر إلى صرف المرتب كامال للموظف‬
‫الموقوف احتياطيا طيلة فترة وقفه‪ ،‬وهذا ما أكدت عليه محكمة العدل العليا الفلسطينية‬
‫بقولها(‪ ..." :)627‬إذا أجازت المادة (‪ )13‬من قانون الخدمة المدنية رقم ‪ 9111/4‬لرئيس الدائرة‬
‫الحكومية التي يتبعها الموظف عند إحالته للتحقيق وقفه عن العمل أو نقله إلى وظيفه أخرى‬
‫ً‬
‫في نفس الدائرة بصفة مؤقتة وفيما ينتهي التحقيق إلى أنه ال يجوز وفقا لنص المادة (‪ )13‬من‬
‫ذات القانون وقف راتب الموظف الموقوف عن العمل وبالتالي فمن باب أولى عدم وقف راتب‬
‫الموظف املحال للتحقيق وغير الموقوف عن العمل وبالتالي كان قرار الجهة المستدعى ضدها‬
‫ً‬
‫احتياطيا و اقعا في غير محله وجديرا‬ ‫بوقف راتب المستدعي املحال للتحقيق وغير الموقوف‬
‫باإللغاء"‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫بعد أن انههينا من تناول موضوع الوقف االحتياطي للموظف العام عن العمل في‬
‫ً‬
‫التشريع الفلسطيني لغايات التحقيق وفقا لقانون الخدمة المدنية رقم ‪ 9111/4‬المعدل‬
‫ً‬
‫بالقانون رقم ‪ ،2111/4‬ومقارنته بالتشريع المصري وفقا لقانون الخدمة المدنية رقم‬
‫‪ ،2190/19‬توصلنا في نهاية الدراسة الى مجموعة من النتائج والتوصيات من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬النتائج‪:‬‬

‫(‪ )626‬د‪ .‬محمود أبو السعود‪ :‬نظرية التأديب في الوظيفة العامة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬االيمان للطباعة‪ ،‬بدون تاريخ‪،‬‬
‫ص‪.022‬‬
‫(‪ )627‬قرار محكمة العدل العليا الفلسطينية رقم (‪ )12‬قضية رقم ‪ 4110/02‬المقتفي‪.‬‬

‫‪P 325‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ – 9‬يعتبر الوقف االحتياطي عن العمل لغايات التحقيق‪ ،‬إبعاد الموظف املحال الى‬
‫الحقيق عن القيام بمهام الوظيفة‪ ،‬متى اعتبرذلك الوقف في مصلحة التحقيق‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ – 2‬يعتبر الوقف االحتياطي إجراء احترازي وليس ً‬
‫جزاء تأديبيا‪ ،‬وال يترتب عليه االنقطاع‬
‫عن الوظيفة‪ ،‬حتى لو أثرعلى الحقوق المالية له‪.‬‬

‫‪ – 3‬أوجب المشرع الفلسطيني على اإلدارة تأجيل ترقية الموظف في حال اتخاذ أي إجراء‬
‫تأديبي بحقه‪.‬‬

‫‪ – 4‬لم يفرق المشرع الفلسطيني بين العقوبات البسيطة واألكثر شدة كما فعل المشرع‬
‫المصري‪ ،‬مما يجعل النصوص الناظمة للوقف ال تنظرلمصلحة الموظف بل تعمل على تغليب‬
‫منطق الفاعلية اإلدارية‪.‬‬

‫‪ – 1‬لم يحدد المشرع الفلسطيني مدة الوقف االحتياطي عن العمل على العكس من‬
‫المشرع المصري الذي حدد مدة الثالث أشهر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ – 0‬أوص ى المشرع الفلسطيني بصرف راتب كامل للموظف الموقوف احتياطيا عن‬
‫العمل بعكس المشرع المصري الذي قررصرف نصف المرتب طيلة مدة الوقف‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬التوصيات‪:‬‬

‫‪ – 9‬توص ي الدراسة بضرورة بتحديد مدة زمنية للوقف االحتياطي عن العمل للموظف‬
‫العام‪.‬‬

‫‪ – 2‬توص ي الدراسة المشرع الفلسطيني بعدم النص على وقف الترقية في حال اتخاذ أي‬
‫اجراء تأديبي لما في ذلك ظلم واضح للموظف‪.‬‬

‫قائمة المصادروالمراجع‬

‫د‪ .‬احمد سالمة بدر‪ :‬التحقيق اإلداري واملحاكمة التأديبية‪ ،‬دارالنهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.2114‬‬

‫د‪ .‬السيد محمد إبراهيم‪ ،‬شرح نظام العامليين المدنيين بالدولة‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪.9100 ،‬‬

‫‪P 326‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫د‪ .‬ثروت محمد عوض‪ :‬التحقيق اإلداري ودور النيابة اإلدارية فيه‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس‪.9114 ،‬‬

‫د‪ .‬رفعت المصيلحي نجار‪ :‬ايقاف العاملين المدنيين بالدولة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪.9119 ،‬‬

‫د‪ .‬رمضان بطيخ‪ :‬الوسيط في القانون اإلداري‪ ،‬دارالنهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.9111 ،‬‬

‫د‪ .‬سليمان الطماوي‪ :‬القضاء اإلداري‪ ،‬قضاء التأديب‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬دارالفكرالعربي‪،‬‬
‫القاهرة‪.2194 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد العظيم عبد السالم عبد الحميد‪ :‬تأديب الموظف العام في مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2114 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز عبد المنعم خليفة‪ :‬الشرعية اإلجرائية في التأديب الرئاس ي والقضائي‬
‫للموظف العام‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،‬ط‪.2110 ،9‬‬

‫د‪ .‬عصمت عبد الله الشيخ‪ :‬اإلحالة إلى التحقيق في النظام التأديبي الوظيفي‪ ،‬دارالنهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫د‪ .‬عمرو فؤاد بركات‪ :‬الوقف االحتياطي‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬بحث منشور في مجلة العلوم‬
‫اإلدارية‪ ،‬س ‪ ،20‬ع ‪.9114 ،2‬‬

‫د‪ .‬فهي عزت سلطة التأديبية بين اإلدارة والقضاء‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس‪.9111 ،‬‬

‫د‪ .‬ماهرعبد الهادي‪ :‬الشرعية اإلجرائية في التأديب‪ ،‬دارالنهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.9111 ،‬‬

‫د‪ .‬محمد احمد عبد الرحمن‪ :‬اإلجراءات االحتياطية للتأديب في الوظيفة العامة‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس‪.9111 ،‬‬

‫د‪ .‬محمد جودت الملط‪ :‬المسؤولية التأديبية للموظف العام‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪.9101 ،‬‬

‫‪P 324‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫د‪ .‬محمد خيري المرغني‪ :‬مبادئ القانون اإلداري العربي‪ ،‬مطبعة الساحل‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪.9111‬‬

‫د‪ .‬محمود أبو السعود‪ :‬نظرية التأديب في الوظيفة العامة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة عين‬
‫شمس‪ ،‬االيمان للطباعة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫د‪ .‬محمود فؤاد بركات‪ :‬الوقف االحتياطي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬بحث منشور في مجلة العلوم‬
‫اإلدارية‪ ،‬س‪ ،20 ،‬العدد الثاني‪ ،‬كانون أول ‪.9114‬‬

‫د‪ .‬مغاوري شاهين‪ :‬القرار التأديبي وضماناته ورقابته القضائية بين الفاعلية والضمان‪،‬‬
‫مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪.9110 ،‬‬

‫د‪ .‬مفتاح خليفة عبد الحميد‪ :‬الوقف االحتياطي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬بحث منشور في املجلة‬
‫الليبية العالمية‪ ،‬جامع بنغازي‪ ،‬كلية التربية بالمرج‪ ،‬العدد ‪.2190 1‬‬

‫د‪ .‬نواف كنعان‪ :‬النظام التأديبي في الوظيفة العامة‪ ،‬مكتبة الجامعة‪ ،‬الشارقة‪.2111 ،‬‬

‫د‪ .‬هاني على الطهراوي‪ :‬القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ص ‪.2119‬‬

‫المستشارمحمد أحمد رشوان‪ :‬أصول القانون التأديبي‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،‬القاهرة‪.9101 ،‬‬

‫‪P 322‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التجريح على ضوء قانون املسطرة املدنية‬


‫املغربي‬
‫‪Defamation in light of the Moroccan civil procedure law‬‬

‫تــوطئـــــة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َْ‬
‫يخول التجريح ألطراف النزاع ِتبيان ما من شأنه أن ي ِخ َّل بنزاهة‪ ،‬استقاللية ِ‬
‫وحياد‬
‫َْ‬ ‫ُ ّ‬
‫القاض ي أو امل َح ِكم‪ ،‬باإلضافة إلى إبراز األسباب التي تن َج ِلي بموجبها مصداقية الشاهد‬

‫وع ِية الرأي التقني للخبير‪ .‬ضمنت المواثيق الدولية‪ 628‬منذ نهاية النصف األول من‬ ‫ََ ُ‬
‫وموض ِ‬
‫القرن الماض ي زمرة من النقاط‪ ،‬وصفت آنذاك بشروط املحاكمة العادلة‪ ،‬والتي أغناها الفقه‬

‫بالعديد من المقترحات‪ ،‬حيث يعتبرالتجريح أحد أبرزها‪ .‬ذلك أن إنكارهذا الحق على األطراف‬

‫يفتح الباب على مصراعيه للشطط في استعمال السلطة وتصفية الحسابات‪ ،‬خصوصا إذا كان‬
‫ُ َ‬
‫ألحد أطراف النزاع عداوة‪ ،‬صداقة سواء مع أحد أعضاء هيئة الحكم أو مع أولئك الذين ُيدلون‬

‫بدلوهم في املحاكمة لتنويرالعدالة من شهود أو خبراء‪ .‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬حرصت التشريعات‬

‫الدولية في جل األنظمة القانونية‪ ،‬على تخصيص مقتضيات ومساطر خاصة للتجريح في‬
‫ُ ْ ً‬
‫ض ِف َّية عليها طابق النظام العام‪ ،‬ومقترنة عدم احترامها بجزاءات مختلفة‪.‬‬‫القوانين المسطرية م‬

‫وذلك إيمانا منها بضرورة منح هذا الحق ألطراف النزاع حتى يتسنى تأسيس املحاكمة على ركائز‬

‫‪ - . 628‬اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪.0227 ،‬‬


‫‪ -‬العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‪.0207 ،‬‬
‫‪ -‬االتفاق الدولي لحقوق اإلنسان‪.0201 ،‬‬
‫‪ -‬النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‪.0227 ،‬‬

‫‪P 327‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫سليمة تخلو من أية نوايا سلبية‪ ،‬رغبة في االنتقام كانت أو تفعيل ألطماع مبنية على مصالح‬

‫مباشرة في النزاع‪.‬‬

‫وج ْم ُع ُه " جارحون"‪ ،‬مشتقة من فعل‬


‫فالتجريح لغة‪ 629‬هو اسم مؤنث مفرده " جارح" َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫"ج َّر َح" على وزن ف َّع َل‪ ،‬تفيد معاني شتى حسب السياق اللغوي الذي تندرج فيه‪ .‬فالجارح من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫امل َخالب الحادة‪َ .‬‬ ‫َّ‬
‫وج َّر َح ُم َب ِارز ُه أي أكثر فيه الجراح‪ ،‬وجوارح اإلنسان‬ ‫ِ‬ ‫الط ْير هو الكاسر ذي‬

‫وار ُح في ما يصطاد من الطير وحيوانات برية لقوله تعالى في سورة المائدة (اآلية‬ ‫َ‬
‫مشاعره‪ ،‬والج ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ُ ْ ُ َّ َ ُ ُ َّ ّ َ ُ َ َ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ َ ّ َ‬
‫اس ُب ُه ْم‪ ،‬والجارحة‬‫ك‬
‫ِِ ِ‬‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫أ‬ ‫والجارح‬ ‫"‪.‬‬ ‫ين‬ ‫‪" :)4‬قل أ ِحل لكم الط ِيبات وما علمتم ِمن الجو ِار ِح مك ِل ِب‬
‫َ‬
‫الر ْجل واألصابع‪ .‬وت ْج ِرْي ُح الش يء يعني من جهة‬ ‫من أعضاء جسد اإلنسان هو العضو العامل َك ّ‬
‫ِ‬
‫ُ ُ َ‬
‫يد ك ْس َب ُه لقوله تعالى في سورة األنعام (اآلية ‪ُ " :)01‬ه َو‬ ‫وبه‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ي ِف‬ ‫َ ُُ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ِتبي ِان مس ِاو ِئه وعي ِ‬
‫الن َه ِار"‪ .‬وفي علم الحديث‪ ،‬املجرح هو الحكم على راوي‬ ‫الل ْيل َو َي ْع َل ُم َما َج َر ْح ُت ْم ب َّ‬
‫َّ َ َ َ َّ ُ ْ َّ‬
‫ِ‬ ‫ال ِذي يتوفاكم ِب ِ‬
‫ُ‬
‫حديث وتبيان درجة صدقه‪ُ .‬وي َع ّ ِرف ابن األثير تجريح الشاهد في " جامع األصول في أحاديث‬

‫الرسول" بأنه‪ " :‬إظهار فيه ما ترد به شهادته"‪.‬‬

‫أما من الناحية القانونية‪ ،‬فقد عرف الدكتورعزمي عبد الفتاح التجريح على أنه "تنظيم‬

‫بمقتضاه يستطيع المتقاض ي أن يستبعد قاضيا أو أكثر من تشكيل املحكمة‪ ،‬إذا كان من‬

‫الممكن أن يفقد هذا القاض ي حياده‪ ." 630‬أما الفقيه اندريه بوني (‪ ،)Andre Panille‬فقد عرف‬

‫التجريح على أنه "هو ذلك اإلجراء الذي بواسطته يقوم أحد المتقاضين بإبعاد قاض ي أو أكثر‬

‫بإثارة الشك في حياده‪ ،‬نزاهته أو ضميره المنهي‪." 631‬‬

‫‪ . 629‬معجم " لسان العرب" البن منظور‪ ،‬دار المعارف ‪.0100‬‬


‫‪ . 630‬الددددكتور عزمدددي عبدددد الفتددداح – إجدددراءات رد الحكمدددين فدددي قدددانون المرافعدددات الكدددويتي – المجلدددة العربيدددة للفقددده القضددداء األماندددة‬
‫العامة لمجلس وزراء العدل العرب – عدد‪ 2 :‬ابريل سنة ‪ 0210‬ص ‪202‬‬
‫‪631‬‬
‫‪. Andre Panille : "Le Pouvoir Judiciaire et les tribunaux " , 1910, N° 4. P 97‬‬

‫‪P 370‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َ‬
‫َع َّرف المشرع المغربي التجريح‪ ،‬على غرار باقي األنظمة القانونية الدولية‪ ،‬وخصه‬

‫بمقتضيات خاصة ضمنها في الباب الخامس من قانون المسطرة المدنية‪ .‬وتحديدا من الفصل‬

‫‪ 211‬إلى الفصل ‪ ،211‬بالنسبة لتجريح القضاة‪ ،‬مع التمييز بين تجريحهم من جهة ومخاصمههم‬
‫وترتيب مسؤوليههم من جهة أخرى‪ ،‬بمناسبة ارتكابهم ألخطاء أثناء مزاولههم لمهامهم‪ .‬كما َحر َ‬
‫ص‬ ‫ِ‬
‫المشرع المغربي‪ ،‬وتماشيا مع روح تعاليم الدين اإلسالمي‪ ،‬وما دأبت عليه التوجهات الفقهية في‬

‫هذا الباب‪ ،‬على تمكين أطراف النزاع من تجريح الشاهد وذلك بغية إبراز ما من شأنه أن ُي ِخ َّل‬
‫َ‬
‫بصدقه‪ ،‬السيما إذا كانت هذه الشهادة حاسمة في الدعوى ولها أثربالغ على ت َو ُّج ِه املحكمة التي‬

‫قد تحكم بحقوق لطرف على حساب آخر‪ ،‬مرتكزة على شهادة زائفة ورائها تحقيق مصلحة‬

‫للشاهد في النزاع أو رغبة في تصفية حسابات شخصية مع أحد األطراف‪.‬‬

‫و إيمانا من المشرع المغربي بضرورة توسيع مجال تطبيق مسطرة التجريح لتشمل كل‬

‫المتدخلين في النزاعات المعروضة أمام املحاكم‪ ،‬سواء كانوا ينتمون لسلك القضاء أو أولئك‬
‫ص ُبو َن ل َلب ّت في النازعات‪ ،‬في إطار ما أضحى يعرف بالوسائل البديلة ل َف ّ‬
‫ض النزاعات‪ ،‬فقد‬ ‫الم َن َّ‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عمل المشرع المغربي على اغناء الترسانة القانونية المسطرية بمقتضيات تكفل لألطراف حق‬

‫تجريح املحكمين وهيئات التحكيم‪ .‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬نص الفصل ‪ 323‬من قانون المسطرة‬

‫المدنية على عدة أسباب لتجريح املحكم تجد علهها إما في عداوة أو قرابة مع أحد األطراف أو‬
‫مصلحة شخصية للمحكم في النزاع‪ .‬كما َحر َ‬
‫ص المشرع المغربي من جهة أخرى‪ ،‬ونظرا لما لرأي‬ ‫ِ‬
‫الخبير من أثر على توجه املحكمة‪ ،‬على منح أطراف النزاع حق تجريحه حتى يتسنى لهم رصد‬
‫َ‬
‫و إبراز ما من شأنه أن يضع حياده واستقالليته موضوع شك‪ .‬ول َع َّل اعتماد املحكمة في بعض‬

‫القضايا على الخبرة بطريقة حصرية‪ ،‬السيما في غياب وسائل إثبات دامغة‪ ،‬وفي نزاعات تتسم‬

‫بطابعها التقني املحض‪ ،‬يجعل آلية التجريح ضرورية لضمان تحقيق العدالة ودرئ أي شطط‬

‫أو تعسف‪.‬‬

‫‪P 371‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َ ُ‬
‫ليس من السهل الغوص في أغوار تاريخ القوانين المسطرية لما َيكت ِنف ُه هذا العمل من‬

‫صعوبة في الوقوف على المراجع من أمهات الكتب التي تعرضت بالشرح والتفصيل إلشكاالت‬

‫دقيقة‪ ،‬كتلك المتعلقة بالتجريح‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬لكون أن الغالبية العظمى من األبحاث‬

‫القانونية اهتمت بقوانين الموضوع لما لها من وقع و اثرمباشرين على طبيعة األحكام الفاصلة‬

‫في النزاعات على حساب القواعد المسطرية‪ .‬حيث ينظرإليها‪ ،‬أي القواعد المسطرية‪ ،‬من زاوية‬

‫القواعد المؤطرة للنزاع دونما أي تأثير على مآل طلبات األطراف ودفوعاتهم باستثناء تلك‬

‫المقدمة في إطارالدفوعات الشكلية‪.‬‬

‫لم يكن مفهوم التجريح متداوال في التشريعات التي سبقت اإلسالم‪ ،‬أوعلى األقل بالمنوال‬

‫الذي أشار إليه النص القرآني حينما استبعد شهادة الذين ال يرض ى المسلمون دينهم لقوله‬
‫ُّ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫تعالي في سورة البقرة ( اآلية ‪ِ " :)212‬م َّم ْن ت ْرض ْون ِم َن الش َهداء"‪ .‬في مقابل ذلك‪ ،‬كانت إمكانية‬

‫استبعاد شاهد أو قاض لدى بعض األنظمة القانونية التي سبقت اإلسالم‪ ،‬إذا صح التعبير‪،‬‬
‫َُ‬
‫تف َّع ُل وفق ما يمليه ضمير الحاكم أو الهيئة القضائية إذا ما وجدت‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فإن‬
‫َ‬
‫التشريع اإلسالمي والفقه الحقا‪ ،‬كانا َس َّباق ِان إلى تأطير هذه المسطرة ُم َح ِّد َد ِان ضوابطها‬

‫وشروط تفعيلها‪ .‬حيث لم يرد في القانون الروماني أي نص تشريعي أو ممارسة قضائية تفيد‬

‫تأطيرهذه المسطرة ال من ناحية تجريح القضاة أو الشهود‪ .‬لكن القوانين الوضعية األوروبية‬

‫التي تلت في القرون الوسطى نصت صراحة على هذا الحق ‪.632‬‬

‫َ‬
‫َوض َع الفقه اإلسالمي مجموعة من المبادئ التي تؤطرسلوك القاض ي على نحو تبعد عنه‬

‫الشبهة وال تضع حياده محطة شك‪ .‬ومن بين أهم هذه المبادئ‪ ،‬مبدأ المساواة بين األطراف في‬

‫مجلس القضاء وفي الجلسات العلنية‪ .‬حيث ُي َع ُّد لزاما على القاض ي تمتيع األطراف بنفس القدر‬

‫‪632‬‬
‫‪. BORIS Bernadé , " La récusation des juges, Etude médiévale et contemporaine ", 4006‬‬

‫‪P 372‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫من العناية بطريقة ال تجعل أحدهما يحض ى بامتيازات خاصة على حساب األخر‪ ،‬كجلوس‬
‫ُ‬
‫أحدهما وترك اآلخر و اقفا‪ ،‬أو ُدن ّ ِو أحدهما من الهيئة القضائية َو ُب ْع ِد اآلخر عنها‪ .‬ومن جهة‬
‫َ‬
‫أخرى‪ُ ،‬ي ْعنى هذا المبدأ بتحديد طبيعة السلوك الذي يجب على القاض ي أو الهيئة القضائية أن‬

‫تتبناه اتجاه أطراف النزاع‪ .‬حيث ال ينبغي للقاض ي على سبيل المثال أن يتحاوربلباقة مع طرف‪،‬‬

‫فيما يعمل على إظهار وجه سلطوي اتجاه األخر أو أن ينظر إليه بازدراء‪ .‬ومما ال شك فيه بأن‬
‫َ‬
‫إحاطة الفقه اإلسالمي لعالقة القاض ي بالمتقاضين بزمرة من الضمانات‪ ،‬لم يكن َو ِليدة‬

‫الصدفة‪ ،‬بل دعته الضرورة االجتماعية للحد من التحاقن بين األفراد والجماعات المبني على‬

‫الحقد‪ ،‬الحسد والتسلط‪ .‬هذا األخير‪ ،‬قد يجد مكانه للطفوفي انعدام القواعد المؤطرة لسلوك‬

‫القاض ي والكفيلة بضمان حياده واستقالله‪ ،‬السيما و أنه هو الضامن لحقوق األطراف‪.‬‬

‫في الغرب‪ ،‬وتحديدا في فرنسا‪ ،‬يعد قانون " ابار تيسيمي" (‪ )Loi Aperticimi‬من بين أول‬

‫التشريعات التي تطرقت صراحة إلى إمكانية تجريح القاض ي ُم َح ِّد َدا " الشك في حياد القاض ي"‬
‫َك َ‬
‫سب ٍب فريد لممارسة هذا الحق‪ .633‬لم يحض التجريح في ظل هذا القانون بأي امتياز خاص‪،‬‬

‫عن طريق تضمينه مثال في مساطر خاصة‪ ،‬كما هو الحال في جل التشريعات المعاصرة‪َ ،‬ب ْل كان‬
‫ً‬
‫يثار كدفع شكلي‪ .‬الش يء الذي لم يكن معه الحق للمدعي أن يثير هذا الدفع الذي كان حكرا‬

‫فقط على المدعى عليه‪.‬‬

‫في بداية القرون الوسطى‪ ،‬كان جزء مهم من التشريع في أوروبا حكرا على ملوك الدول‬

‫على حساب المؤسسات البرلمانية التي لم تمتلك بعد السلطات الكافية لتدلوا بدلوها في كل‬

‫المواد المؤطرة لعمل مؤسسات الدولة‪ ،‬بما في ذلك المؤسسة القضائية‪ .‬حيث كان لملوك‬

‫هذه الدول صالحيات موسعة تخول لهم َس َّن قوانين ملزمة‪ ،‬في مواد شتى‪ ،‬دونما المرور عبر‬

‫‪633‬‬
‫‪. BORIS Bernadé , " La récusation des juges, Etude médiévale et contemporaine ", 4006‬‬

‫‪P 373‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المؤسسة التشريعية‪ .‬لم تكن هذه القوانين تقتصر فقط على الجوانب التنظيمية لشؤون‬

‫الدولة‪ ،‬بل امتدت إلى نطاق أوسع متضمنة لقواعد تؤطراملحاكمات ( قواعد مسطرية)‪ ،‬وأخرى‬

‫تفصل في النزاعات (قواعد الموضوع)‪ .‬وفي غياب نصوص صريحة وواضحة تؤطرالتجريح‪ ،‬كان‬

‫املحامون في الدول األوروبية يلتجئون للفقه الستخالص الوسائل الكفيلة بتأسيس دفوعاتهم‬

‫المتعلقة بالتجريح‪ . 634‬ففي فرنسا مثال‪ ،‬عمل الملوك الذين تعاقبوا على حكم البالد منذ‬

‫القرن الخامس عشر َوإلى أواخرالقرن السابع عشر‪ ،‬على تضمين هذه الوسائل المستوحاة من‬
‫ْ‬
‫الفقه‪ ،‬في المراسيم الملكية التي ُع ِن َيت بالتجريح دونما وضع تعريف دقيق لهذا المبدأ أوتحديد‬

‫نطاق تطبيقه‪.635‬‬

‫بدأت في نهاية القرن السابع عشر في فرنسا شرارات التحاقن بين القضاة والمؤسسة‬

‫الملكية‪ .‬فالملك لويس الرابع عشر كان في حاجة إلى قضاة يأتمرون بأوامره لتوحيد البالد‪ .‬في‬

‫حين أن معظمهم كانوا متأثرين بفكر" گيوم ديران" ) ‪ ( Guillaume Durand‬المؤسس لمفهوم‬

‫القاض ي الجيد‪ .636‬وفي هذا السياق التاريخي‪ ،‬جاء المرسوم الملكي لسنة ‪ 9001‬ليحدد أسباب‬

‫التجريح حفاظا على شرف القضاة من أي محاولة للنيل من سمعههم عبرأية ممارسات تعسفية‬

‫لحق التجريح‪ .‬لكنه في نفس الوقت جاء مبهما بمنحه أطراف النزاع إمكانية تجريح القضاة‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫حيثما تبتث " سوء نيههم في التعامل مع القضية"‪ .‬ول َع َّل الغموض الذي َيكت ِنف هذه عبارة‪،‬‬

‫والذي يفتح الباب على مصراعيه لتجريح القضاة بدون أي سبب موضوعي‪ ،‬لدال على جو‬

‫التحاقن وعدم الثقة الذي شاب عالقة القضاة بالملك لويس الرابع عشر في فرنسا‪ .‬هذه‬

‫العالقة المتوثرة‪ ،‬ثم توظيفها الحقا واستثمارها سياسيا من طرف رواد الثورة الفرنسية‪ ،‬في‬

‫‪634‬‬
‫‪. BORIS Bernadé , " La récusation des juges, Etude médiévale et contemporaine ", 4006‬‬
‫‪635‬‬
‫‪. BORIS Bernadé , " La récusation des juges, étude médiévale et contemporaine ", 4006‬‬
‫‪ 636‬ترجمددددة لمفهددددوم " ‪ ،" Le Bon Juge‬والددددذي بموجبدددده علددددى القاضددددي أن يسددددعى إلددددى تحقيددددق اإلنصدددداف فددددي أحكامدددده بعيدددددا‬
‫عن أي تأثير سياسي‪ ،‬اجتماعي أو شخصي‬

‫‪P 374‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫محاولة لكسب المؤسسة القضائية عن طريق تحديد أسباب التجريح بطريقة حصرية حتى ال‬
‫الس َ‬
‫اس ِة لتخدم مصالح قصرفيرساي‪ 637‬على حساب‬ ‫تكون هذه المسطرة موضوع توظيف من َّ‬

‫مصالح المتقاضين‪ .‬وعلى الرغم من أن هذا المبدأ بدأ يطفو في التشريعات األوروبية بطريقة‬

‫جلية منذ بداية القرون الوسطى‪ ،‬إال أن جل التشريعات الوضعية المعاصرة‪ ،‬الغربية منها أو‬
‫َْ َ‬
‫العربية على حد سواء‪ ،‬لم تخصص له سوى مقتضيات ُمقتض َبة‪ ،‬دونما التوسع في نطاق تفعيله‬

‫أو المقاصد المتوخاة من ورائه‪ .‬هذا الوضع خلق نوعا من اللبس والخلط بين التجريح وبعض‬

‫المفاهيم املجاورة كمخاصمة القضاة وتحميلهم المسؤولية بمناسبة ارتكابهم ألخطاء أثناء‬

‫مزاولة مهامهم‪.‬‬

‫يكتس ي التجريح أهمية بالغة ال من الناحية العلمية أو العملية‪ .‬فمن الناحية العلمية‪،‬‬

‫تفتقرالخزانة القانونية المغربية ِلعدد كاف من المراجع التي تطرقت لهذه المسطرة موضحة‬

‫ماهيهها‪ ،‬شروط تطبيقها عن طريق قراءة نقدية للنصوص ومقارنهها بنظيرتها في األنظمة‬

‫ود النصوص المؤطرة لمسطرة التجريح‪.‬‬ ‫ُ ُ‬


‫القانونية المماثلة‪ .‬ولهذا الفراغ تأثير مباشر على جم ِ‬
‫حيث لم يطرأ عليها أي تغييرمنذ إصدارأول صيغة لقانون المسطرة المدنية‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬

‫على وثيرة تفعيل هذه المساطر التي تثير تحفظ المتقاضين إيمانا منهم بعدم نجاعهها‪ .‬أما من‬

‫الناحية المهنية‪ ،‬فمهنيو المنازعات القضائية في حاجة ألبحاث ومراجع تساعدهم على تعزيز‬

‫دفوعاتهم بالنظريات الفقهية والتحليالت القانونية الكفيلة ِب ِت َبيان روح النصوص‪ ،‬أهدافها‬

‫ومقاصدها أمام الهيئات القضائية‪.‬‬

‫‪ . 637‬اسم القصر الملكي في نهاية القرن الثامن عشر بفرنسا‬

‫‪P 375‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يعتمد هذا البحث على النهج المقارن إلبراز طبيعة القواعد المعمول بها في كل من‬

‫القانون الفرنس ي والمصري‪ ،‬وبسط سبل تعزيز القانون المسطري المغربي‪ ،‬وتحديدا‬

‫المقتضيات المتعلقة بالتجريح‪ ،‬لكي تواكب التطورات الحاصلة في األنظمة القانونية األخرى‪.‬‬

‫استعملت المقارنة‪ ،‬في العلوم اإلنسانية‪ ،‬كطريقة من الطرائق إلبراز أوجه التشابه‬

‫وال تباين بين مسألتين أو عدة مسائل نظرية أو مادية ملموسة‪ .‬والغاية من وضع اليد على مكامن‬

‫االختالف والتطابق هو إغناء الحقل المعرفي موضوع هذه المقارنة‪ ،‬بناء على الخالصات‬
‫واالستنتاجات التي َي ْخ ُل ُ‬
‫ص إليها الباحث‪.‬‬

‫استعملت العلوم اإلنسانية‪ ،‬بداية في علم االجتماع‪ ،‬المقارنة كمنهاج مستقل له‬

‫ضوابطه وأهدافه ِل ُي َع ِّم َم بعد ذلك على العديد من فروع العلوم اإلنسانية بما في ذلك القانون‪،‬‬

‫حيث أصبح هذا المنهاج فرعا مستقال يعرف في العلوم القانونية بالقانون المقارن له أساليبه‬
‫َ َ‬
‫ومناهجه‪ .‬ت ْعت ِم ُد الدراسات المقارنة على مجموعة من الطرائق التي تتميزعن بعضها البعض‬

‫بزمرة من الخصائص‪ .‬لكنها تنحصر في أربعة وهي "المقابلة"‪" ،‬المقارنة"‪" .‬المضاهاة" و"‬

‫الموازنة المنهجية"‪.‬‬
‫ُ َ ُ‬
‫عرف أيضا "بالمقارنة المنهجية"‪ .‬هي طريقة من طرائق‬ ‫" فالموازنة المنهجية"‪ ،‬والتي ت‬

‫المقارنة في العلوم القانونية والتي تسعى إلى تحديد القانون المثالي بعد استحضارالعوامل التي‬
‫َ ُ ُ‬
‫أثرت في َس ِ ّن كل قانون على حدة‪ .‬أما "المضاهاة" (‪ ،)Confrontation‬فهي ت ْه ِدف في ك ْن ِه َها إلى‬

‫إبراز التباين بين نظامين أو عدة أنظمة قانونية في عدد كبير من المواد‪ .‬لكن استعمالها في‬

‫المقارنة بين نصوص ومقتضيات قليلة بين نظامين قانونيين يبقى صحيحا من الناحية العلمية‪،‬‬

‫دون أن تكون هذه الطريقة هي األكثرنجاعة‪ .‬أما المقارنة (‪ ،)Rapprochement‬فهي تهدف إلى‬

‫تحديد مدى قرب أو تباعد القوانين محل المقارنة‪ .‬أي بعبارة أخرى فإن الباحث يسعى‪،‬‬

‫‪P 376‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بواسطة هذه الطريقة‪ ،‬إلى إبراز الهوة الفاصلة بين العناصرواألركان المؤسسة لكل قاعدة على‬
‫َ‬
‫ِحد ٍة‪ .‬لكن هذه الطريقة قد تفقد نجاعهها إذا ما طبقت على قوانين تنتمي إلى أنظمة قانونية‬

‫متباعدة‪ .‬ذلك أن اعتماد النظامين القانونيين اللذان تنتمي إليهما القوانين موضوع المقارنة‪،‬‬
‫َّ‬
‫على فلسفات تختلف اختالفا جوهريا ال من ناحية الركائز واألهداف‪ ،‬يجعل هذه الن ْو ِعية من‬

‫المقارنة عديمة الجدوى‪.‬‬

‫في حين تبقى المقابلة‪ ،‬أو ما يعرف عند بعض الفقهاء "باملجانبة" (‪ ،)Juxtaposition‬هي‬

‫الطريقة األكثر انتشارا بين الباحثين المهتمين بمقارنة نصوص قانونية تنتمي إلى نفس النظام‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫القانوني‪ .‬حيث يضع الباحث النصوص َجن ًبا إلى َجن ٍب حتى َيت َس َّنى له معرفة مكامن التشابه‬
‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫واالختالف ‪ .‬لكن هذه المقارنة ال ت ْعنى فقط ِب ِمنوال صياغة المقتضيات وأركانها‪ ،‬بل تت َع َّدى‬

‫ذلك إلبراز أثارها على حقوق أطراف النزاع ومدى تحقيقها ألهداف المشرع‪ .‬ولعل أبرز‬

‫االنتقادات الموجهة لهذه الطريقة كونها توجه الباحث نحو تمحيص المعارف القانونية حول‬

‫القوانين موضوع المقارنة‪ ،‬دونما أن تؤدي به إلى حل مشكلة عملية أو الخروج بخالصات ذات‬

‫فائدة علمية‪.‬‬

‫نصت مواثيق دولية‪ 638‬على عدة شروط للمحاكمة العادلة‪ ،‬مبرزة أهميهها في تحقيق‬

‫التوازن بين سلطة قضاء الموضوع‪ ،‬أجهزة المتابعة والتحقيق وبين حق األطراف في تقديم‬

‫مطالبهم والدفاع عنها دون قيد أومنع‪ .‬وعلى الرغم من تعدد هذه الشروط وتشعبها إال أنه يمكن‬

‫حصرها في أربعة محاور أساسية‪ .‬حيث يعنى األول بالحق في الولوج إلى قضاء مستقل َونزيه‪.‬‬

‫ب ينما يعنى الثاني بقرينة البراءة والضمانات األساسية الممنوحة للمههم في مراحل البحث‬

‫‪ - 638‬اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪0227 ،‬‬


‫‪ -‬العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‪0207 ،‬‬
‫‪ -‬االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان‪0201 ،‬‬
‫‪ -‬النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‪0227 ،‬‬

‫‪P 374‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التمهيدي والتحقيق‪ ،‬والثالث في التمييز بين أجهزة المتابعة والحكم‪ ،‬وأخيرا الحق في ممارسة‬

‫طرق الطعن ضد األحكام والقرارات‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أجل ُجل التشريعات‪ ،‬سواء العربية منها أو الدولية‪ ،‬نصت في ترساناتها‬

‫المسطرية على بعض من هذه الشروط‪ ،‬أي تلك المنصوص عليها في المواثيق الدولية‪ ،‬إال أنها‬

‫أغفلت التنصيص على التجريح كأحد شروط املحاكمة العادلة‪ ،‬ولم تعطه حقه في ديباجات‬

‫قوانينها و اقتصرت على تخصيص بعض الفصول له في إطار مساطر خاصة‪ .‬وفي المقابل‪،‬‬

‫اكتفت هذه التشريعات‪ ،‬على التركيز على مبدأ استقاللية القضاء وحياده واعتبرت أن التجريح‬

‫ال يعدو أن يكون سوى حق يستند في نشأته ومشروعيته على المبدئيين األولين‪َ .‬و َعلى الرغم من‬

‫صحة هذا التحليل من الناحية العلمية‪ ،‬إال أن الحق في ممارسة التجريح يبقى دعامة أساسية‬
‫ْ ُ‬
‫ال يستقيم ُبن َيان العدالة بدونها‪ ،‬وأن تمكين المتقاضين من هذا الحق هو ضروري ليس فقط‬

‫للتطبيق السليم للقواعد القانونية‪ ،‬بل لبلورة فلسفة المشرع ومقاصده‪.‬‬

‫وتأسيسا لما سبق‪ ،‬فإن هذا التوازن الهش بين هامش الحرية الممنوح للقاض ي واملحكم‬

‫في التكييف القانوني للوقائع‪ ،‬إثارة أي تعارض مع النظام العام‪ ،‬تأويل القانون واالستعانة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بالشهود والخبراء‪ ،‬وبين ممارسة حق التجريح هو سيف ذو حدين إذا لم َيت َس َّن ِت ْب َيان مدى‬

‫مصداقية كل الفاعلين في منظومة العدالة َوالمنوط إليهم مهمة الفصل في النزاعات‪ .‬ذلك أن‬

‫إصدار األحكام القضائية والتحكيمية قد يكون موضوع تشويش مصدره إما موقف شخص ي‪،‬‬

‫معاداة قبلية أو أية عداوة من أي صنف آخر اتجاه أطراف النزاع‪ .‬لكن‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن‬

‫فتح الباب على مصراعيه للتجريح بدون قيود تضمن عدم الشطط في استعمال هذا الحق‪ ،‬قد‬

‫يتنافى والغاية األساسية وراء هذا اإلجراء ويكون أحد دو افع التقاض ي بسوء نية مفاده تعطيل‬

‫العدالة وضياع حقوق األطراف‪ .‬ما هي إذن الضوابط التي يجب وضعها لضمان هذا التوازن؟‬

‫‪P 372‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫هل يمكن إثارة مسؤولية القاض ي‪ ،‬املحكم‪ ،‬الخبيرأوالشاهد في حالة عدم التصريح تلقائيا بأحد‬

‫أسباب التجريح؟ هل من الممكن تفعيل متابعات جنائية في حالة اإلخالل بهذا الواجب؟ هل‬

‫السرد المنصوص عليه في فصول التجريح بقانون المسطرة المدنية المغربي يمكن أن يشمل‬

‫كل الحاالت العملية التي يمكن إثارتها أمام القضاء؟ وكيف يمكن للتجريح أن يساهم في بلورة‬

‫رؤية جديدة لمقاصد العدالة حتى يسمو اإلنصاف على التطبيق الجاف للقواعد اإلجرائية‬

‫كانت أو تلك التي تفصل في الموضوع؟‬

‫سيكون مناسبا في إطار اإلجابة على هذه التساؤالت‪ ،‬التمييز بين التجريح والمساطر‬

‫املجاورة بما في ذلك "مسؤولية القاض ي" و" مخاصمته" (المبحث األول)‪ ،‬قبل التطرق إلى ترجيح‬
‫ً‬
‫القضاء واملحكمين ( المبحث الثاني)‪ ،‬مع مراعاة ِختاما خصوصيات مساطر تجريح الشهود‬

‫والخبراء ( المبحث الثالث)‪ ،‬في القانون المسطري المغربي مع اإلشارة إلى الموقف في القانون‬

‫المسطري المقارن‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التمييزبين التجريح والمساطراملجاورة‬

‫ْ‬
‫لم يحض التجريح باالهتمام الكافي من لدن الفقه‪ ،‬حيث اكتفت أمهات الكتب التي ُع ِن َيت‬
‫َ ُ‬
‫بالقوانين المسطرية‪ ،‬باستثناء البعض منها‪ ،‬بالنظرإليه كآلية خاصة ت ْه ِدف إلى سحب القضية‬
‫َ‬
‫من قاض أو هيئة حكم وإحالهها على أخرى‪ُ ،‬دونما البحث في أغوار األسباب التي بموجبها َس َّن‬

‫س المرجعية‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ َ‬


‫المشرع هذه المسطرة أو حدد أهدافها‪ .‬يتعين في هذا اإلطار‪ِ ،‬تبيان أوال األس ِ‬
‫َّ‬
‫ات الت َب ُاي ِن بين مسطرة التجريح ومخاصمة القضاة (‬
‫إبر ِاز ِس َم ِ‬
‫للتجريح ( المطلب األول)‪ ،‬قبل َ‬

‫المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األسس المرجعية للترجيح‬

‫‪P 377‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َّ َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫أبرز الفقه مبدئيين أساسيين شكال الل ِبنت ِان اللت ِان بناء عليهما تم تأسيس حق التجريح‪.‬‬
‫حيث ُي ْع َنى األول باستقاللية القضاء ( الفقرة األولى)‪ ،‬بينما َي ْن َ‬
‫ص ُّب الثاني على مبدأ الحياد (‬

‫الفقرة الثانية) لما لهما من تأثير مباشر على فحوى ومضامين األحكام الصادرة عن الهيئات‬

‫القضائية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلخالل بمبدأ استقاللية القضاة ودوره في نشأة حق التجريح‬

‫تم إصدار مدونة األخالقيات القضائية في المغرب بتاريخ ‪ 1‬مارس ‪ 2129‬كتعبير عن‬

‫انخراط املجلس األعلى للسلطة القضائية في ديناميكية إصالح منظومة القضاء‪ .‬وهي نتاج‬

‫لعمل مشترك بين قضاة‪ ،‬حقوقيين وفقا لمقاربة تشاركية ساهم فيها رجاالت قانون وطنيون‬

‫ودوليون‪ .‬كما شكلت تعبيرا عن رغبة الفاعلين في الميدان القضائي بالسمو بأخالقيات المهنة‬

‫معتبرين أن العمل وفق اإلطارالقانوني المنظم لمهنة القضاء غيركاف لترسيخ الثقة فيه ودعم‬

‫مصداقيته‪ .‬وأن أخالقية القضاء هي " صمام األمان" لكسب هذه الثقة‪ .‬حيث نصت المادة‬

‫‪ 910‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 911-93‬المتعلق باملجلس األعلى للسلطة القضائية على أن "‬

‫املجلس يضع بعد استشارة الجمعيات المهنية للقضاة‪ ،‬مدونة لألخالقيات القضائية تتضمن‬

‫القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة االلتزام بها أثناء ممارسههم لمهامهم‬

‫ومسؤولياتهم القضائية وذلك من أجل‪:‬‬

‫‪ -‬الحفاظ على استقاللية القضاة وتمكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد‬

‫ومسؤولية‪.‬‬

‫‪. "... -‬‬

‫‪P 400‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ضمنت هذه المدونة أربعة أبواب‪ُ ،‬خ ّ‬
‫ص َ‬
‫ص الثاني منها " للمبادئ العامة لألخالقيات"‪ ،‬في‬ ‫ِ‬
‫حين تم تكريس الفصل األول من هذا الباب " الستقالل القضاء"‪ ،‬لما لهذا المبدأ من أهمية في‬
‫َّ َ ْ‬
‫درئ أي ضغوطات عن السادة القضاة أثناء مزاولههم لمهامهم‪ .‬حيث أكدت المادة الثالثة من‬

‫هذا الباب " أن استقالل القضاة يتجلى في ممارسههم لمهامهم وفق ضميرهم المنهي وتماشيا مع‬

‫قواعد العدل واإلنصاف دون الخضوع ألي ضغط أو تلقي أوامر أو تعليمات من أية جهة‬

‫كانت"‪ .639‬مع التمييز في هذا الشأن بين قضاة الموضوع والنيابة العامة الذين عليهم االلتزام‬
‫ْ َ‬
‫بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي َيت َب ُعون لها‪ .‬وسعيا من املجلس األعلى‬

‫للسلطة القضائية المغربية على إبرازأهمية هذا المبدأ في الممارسة القضائية‪ ،‬عمدت المدونة‬

‫على التذكير بأن مبدأ استقاللية القاض ي هو مبدأ ذا قيمة دستورية قبل أن يكون حقا يحمي‬

‫القاض ي من أي ضغط "يتعارض وسيادة القانون"‪ .‬كما اعتبرت المدونة استقالل القاض ي‬
‫ْ‬
‫ضمانة من ضمانات املحاكمة العادلة‪ ،‬وذلك تماشيا مع ُج ْل المواثيق الدولية التي ُع ِن َيت‬

‫بشروط املحاكمة العادلة‪ .‬ورغبة من املجلس األعلى للسلطة القضائية في إبراز تجليات هذا‬

‫المبدأ في الممارسة القضائية‪ ،‬نصت المادة الخامسة من الباب الثالث للمدونة على بعض‬
‫َ ّ‬
‫التطبيقات التي تعكس ت َج ِل َيات هذا المبدأ في الممارسات اليومية العملية للسادة القضاة‪.‬‬

‫أما المشرع المصري‪ ،‬فقد أشارفي الفصل ‪ 921‬من الدستور‪ ،‬على أن استقالل مؤسسة‬

‫القضاء يعتبرمن بين أهم الضمانات الكفيلة بحماية الحقوق والحريات‪ .‬كما نصت المادة ‪922‬‬
‫من نفس الدستور على أن َّ‬
‫السادة القضاة مستقلون " وال سلطان عليهم في قضائهم ِلغير‬
‫ُ‬
‫القانون"‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فإن المشرع المصري ُي َم ِّيز بطريقة واضحة َو َج ِل َّية بين استقالل‬

‫‪ .639‬المادة الثالثة من الباب الثاني من مدونة األخالقيات القضائية‬

‫‪P 401‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫القضاء كمؤسسة عن الجهاز التشريعي والتنفيذي‪ ،‬واستقالل السادة القضاة من ناحية عدم‬

‫خضوعهم ألي سلطة في قضائهم لغيرالقانون‪.640‬‬

‫وكما ال يخفى على المهتمين بتاريخ األفكار والنظريات القانونية والسياسية أن مبدأ‬

‫الفصل بين السلط‪ 641‬هو نتاج لعقود من النضال أرست دعائمه الثورات في الغرب بما في ذلك‬

‫الثورة الفرنسية‪َ .‬والغاية األساسية من تفعيل هذا المبدأ في التشريعات الغربية‪ ،‬هو جعل‬

‫القاض ي في مأمن عن أية ضغوطات سياسية كانت أو سوسيو اقتصادية‪ .‬ولدعم هذا‬

‫االستقالل‪ ،‬نصت ُج ْل التشريعات العربية بما في ذلك المغربية‪ ،‬المصرية على مبدأ عدم قابلية‬

‫عزل القضاة ‪ .‬حيث يعتبر الفقه أن تفعيل هذا المبدأ هو من بين أهم الضمانات الستقالل‬

‫القضاء‪ .‬لكن بعض الفقهاء اعتبروا أن عدم قابلية القاض ي للعزل هو ضمانة للمتقاض ي أكثر‬

‫ما هي ضمانة للقاض ي‪ .642‬وقد أشارالمشرع المصري لهذا المبدأ‪ ،‬في المادة ‪ 911‬من الدستور‬

‫باإلضافة إلى المادة ‪ 01‬من قانون السلطة القضائية‪ ،‬حيث أكد على عدم قانونية نقل القضاة‬

‫إال برضاهم‪ .‬وهو نفس النهج الذي سار عليه المشرع الفرنس ي في المادة ‪ 04‬من الدستور‬

‫الفرنس ي‪.‬‬

‫إال أن الفقه الفرنس ي كان السباق في انتقاد هذا المبدأ‪ ،‬معتبرا أن طريقة تنزيله على أرض‬

‫الو اقع قد تكون منافية للهدف األصلي الذي ُس َّن من أجله‪ .‬حيث أوضح الفقيه " أسماين" (‬

‫‪ ،643)ESMEIN‬أن ترك أمرترقية القضاة للجهازالتنفيذي‪ ،‬ال يحقق استقالل القضاء‪ .‬ذلك أن‬

‫الس ُم َّو بوضعية القاض ي المهنية قد يكون موضوع مساومة أو مزايدة يؤثر سلبا على‬
‫ًّ‬

‫استقالليته‪ .‬ووعيا من طرف المشرع‪ ،‬في ُج ْل األنظمة القانونية‪ ،‬بضرورة فك الربط بين‬

‫‪ 640‬دكتور احمد فتحي سرور‪ " :‬الوسيط في قانون اإلجراءات الجنائية"‪ .‬القاهرة – ‪ 0271‬صفحة ‪702‬‬
‫‪ . 641‬المفكر مونتسكيو‪ ،‬كتاب " روح القوانين"‬
‫‪ . 642‬الدكتور احمد السيد صاوي‪" .‬الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية" القاهرة ‪ 0221‬ص ‪22‬‬
‫‪643‬‬
‫‪. ESMEIN : "Eléments de droit constitutionnel Français et comparé ". 1921‬‬

‫‪P 402‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫السلطة التنفيذية ووضعية القضاة السيما في الشق المتعلق بالترقية والتأديب‪ ،‬انصب التوجه‬
‫ْ‬
‫الغالب إلى وضع معاييروأسس محايدة تعتمد على األقدمية والكفاءة مع َمن ِح جهازخاص منبثق‬

‫من أسرة القضاء صالحيات الترقية‪ ،‬التأديب والعزل بناء على معايير موضوعية‪ .‬وهو النهج‬

‫الذي سار عليه المشرع المغربي بإحداثه للمجلس األعلى للسلطة القضائية في السادس من‬

‫ابريل ‪ . 2191‬ولعل توجه المشرع الفرنس ي‪ ،‬بإحداثه ملجلس األعلى للقضاة في سنة ‪ ،9141‬كان‬
‫َ‬
‫ِبذ ِل َك السباق في هذا الباب إلبراز أهمية استقالل القضاء على جميع األصعدة‪ .‬كما أن تأكيد‬

‫صالحيات هذا املجلس وتوسيعها في الدستورالفرنس ي لسنة ‪ 9111‬ألبهى دليل على وعي المشرع‬

‫الفرنس ي بضرورة وضع البنات األساسية َوالكفيلة بتحقيق استقاللية السلطة القضائية‪.‬‬

‫وتكريسا لمبدأ استقاللية القضاء اتجاه المتقاضين‪ ،‬نص اإلطارالقانوني المنظم لمهنة‬
‫َ ْ‬
‫القضاة في المغرب‪ 644‬على منع الجمع بين المهنة ومزاولة التجارة أو القيام بأي عمل‪ ،‬ك َمأ ُجور‬
‫َّ‬
‫ال َيت ِف ُق واستقالل القضاء وكرامته أويتعارض مع واجباته‪ .‬كما أكد المشرع المصري هذا النهج‬
‫ي ُ ً َْ‬
‫المن َع المتعلق بتحديد مكان عمل‬ ‫في الفصل ‪ 14‬من قانون السلطة القضائية المصر ‪ ،‬م ِضيفا‬

‫القاض ي‪ ،‬إذا كان محاميا من قبل‪ ،‬داخل دائرة املحكمة االبتدائية التي كان يزاول مهامه بها إال‬

‫بعد انقضاء أجل ثالث سنوات من تاريخ تعيينه وذلك طبقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من‬

‫الفصل ‪ 04‬من قانون السلطة القضائية المصري‪.‬‬

‫َ‬
‫وسعيا من المشرع الفرنس ي ِلك ْب ِح كل محاوالت الضغط على القضاء والتأثير على جوهر‬

‫وفحوى أحكامهم‪ ،‬عمل هذا األخير‪ ،‬على تجريم كل فعل‪ ،‬سواء تعلق األمر بأفعال أو أقوال‪،‬‬

‫تهدف إلى النيل من الثقة بالمؤسسة القضائية أو السادة القضاء‪ 645‬أو ممارسة أي ضغط على‬

‫الشهود‪ .‬وهو نفس النهج الذي سار عليه المشرع المصري في المادتين ‪ 910‬و‪ 911‬من قانون‬

‫‪ . 644‬المادة ‪ 27‬من القانون ‪ 010602‬المتعلق بالنظام األساسي للقضاة‬


‫‪ . 645‬الفصل ‪ 200‬من القانون الجنائي الفرنسي‬

‫‪P 403‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫العقوبات‪ .‬هذا ناهيك عن منع تفويت األصول المتنازع عليها للفاعلين في منظومة العدالة‪،‬‬

‫والذي يضل محطة إجماع بين جميع الدول العربية والغربية‪ .646‬وجدير بالتذكير أن مبدأ‬
‫اإلسالمي‪647‬‬
‫استقالل القضاء ليس وليد التشريعات الوضعية المعاصرة‪ .‬ذلك أن التاريخ‬
‫َّ َّ‬
‫الدال ِة على استقالل القضاء‪ .‬ذلك وبمناسبة احتكام أبي إبن كعب وعمر إبن‬ ‫َحا ِف ٌل باألمثلة‬

‫الخطاب لزيد إبن ثابت وحلولهما بمنزله ليحكم بينهم‪ ،‬وبعد سؤال هذا األخير حول إمكانية‬
‫استشا ته ألمير المؤمنين‪ ،‬أجاب عمر جوابه الشهير َّ‬
‫الد ِال على أهمية ومكانة مبدأ استقالل‬ ‫ر‬

‫القضاء قائال‪ " :‬في بيته يؤتى الحكم"‪.‬‬

‫في الغرب‪ ،‬نص الفصل ‪ 21‬من وثيقة العهد األعظم‪ ،‬أو ما يعرف في الفقه الغربي ب "‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫المنكا كا ْرطا" (‪ ،) La Manga Carta‬والتي تم إصدارها في عهد حكم الملك البريطاني دجون عام‬

‫‪ ، 9291‬على مفهوم القضاء الطبيعي‪ .‬وهو مبدأ في غاية من األهمية هدفه كفالة حق األطراف‬

‫اع ٌل الدولة مسؤولة عن توفير هذا الحق‪.‬‬ ‫َ‬


‫في محاكمة عادلة ومؤسسة على قيم المساواة وج ِ‬
‫ُ َ ُ‬
‫عرف‬ ‫ومن هذا المبدأ انبثق في القرنين السادس والسابع عشرمفهوم القاض ي الطبيعي والذي ي‬

‫لغة على انه القاض ي العادي الذي يمتلك كل الصالحيات في مجال تخصصه‪.648‬‬

‫عنيت دراسات فقهية عدة بمفهوم القاض ي الطبيعي‪ .‬حيث عرفه الدكتورمحمود نجيب‬

‫حسني‪ 649‬بأنه ‪" :‬حق المههمين بكل أطراف الدعوى أن يحاكموا أمام قاضيهم الطبيعي‪ ،‬أي‬

‫القاض ي املختص بهذه املحاكمة وقت ارتكاب الجريمة‪ ،‬أو قاض ي آخر ينتمي إلى ذات النظام‬
‫َ ْ‬
‫القضائي وتتوفر فيه كل الضمانات التي يقررها الدستور والقانون"‪ .‬كما َع َّرفت الجمعية‬

‫المصرية للقانون الجنائي في مؤتمرها المنعقد بالقاهرة سنة ‪ ،2114‬بأن القاض ي الطبيعي هو‪:‬‬

‫‪ . 646‬الدكتور محمد نور شحاتة‪ " :‬الوجيز في القضاء المدني" – صفحة ‪002‬‬
‫‪ . 647‬الدكتور محمد ابراهيم الجيوشي‪ " :‬أعالم القضاة في اإلسالم"‪ ،‬القاهرة‪ ،0217 ،‬صفحة ‪01‬‬
‫‪ . 648‬قاموس" لو بوتي روبير" ( ‪ .0222‬م‪) Le Petit Robert ،0112 ،‬‬
‫‪ . 649‬الدكتور محمود نجيب حسني‪ " ،‬شرح قانون اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬الطبعة ‪0‬‬

‫‪P 404‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ّ‬
‫" من يعين طبقا لقوانين ُت َن ِظ ُم القضاء ويتمتع باالستقالل وعدم قابلية للعزل ويطبق قانون‬

‫اإلجراءات الجنائية‪."650‬‬

‫وتأسيسا لما سبق‪ ،‬فإن حق األفراد في المثول أمام القاض ي الطبيعي يعد ناقصا إذا لم‬

‫تكن املحكمة دائمة‪ ،‬أي استثنائية‪ ،‬وغير منشأة بموجب القانون‪ .‬على المستوى العربي‪ ،‬تعد‬

‫توصيات المؤتمرالثاني للجمعية المصرية للقانون الجنائي المنعقد في ابريل ‪ 6519111‬األول من‬

‫نوعها في هذا الباب‪ .‬حيث أكدت أن هناك شرطان أساسيان يجب أن يتوفرا في القاض ي‬

‫الطبيعي‪ .‬أولها هو أن يتم تعيينه طبقا لشروط قانون السلطة القضائية‪ .‬أما الثاني‪ ،‬فيتعلق‬

‫بمباشرته لوظيفته وفقا لقانون اإلجراءات الجنائية دون أي استثناء وأن يمنح لألطراف الحق‬

‫في الطعن في أحكامه وقراراته‪.‬‬

‫وقد تم تكريس هذا المبدأ في مواثيق دولية عدة‪ ،‬من بين أبرزها العهد الدولي للحقوق‬

‫المدنية والسياسية الصادرة في سنة ‪ 9101‬والذي نص في المادة ‪ 94‬على أن‪" :‬الناس جميعا‬

‫سواء أمام القضاء‪ ،‬ومن حق كل فرد‪ ،‬لدى الفصل في أية تهمة جزية توجه إليه أو في حقوقه‬

‫والتزاماته في أية دعوى مدنية‪ ،‬أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة‬

‫مختصة مستقلة حيادية‪ ،‬منشأة بحكم قانون"‪ .‬كما نص الدستور المصري في المادة ‪ 01‬على‬

‫مبدأ القاض ي الطبيعي معتبرا أن‪" :‬لكل مواطن الحق في االلتجاء إلى قاضيه الطبيعي"‪ .‬وهو‬

‫بالتالي القاض ي املختص وقت ارتكاب الجريمة والذي تتوفر فيه ضمانات االستقاللية والحياد‬

‫اللتان ينص عليهما القانون‪.‬‬

‫‪ . 650‬الدكتور فتحي سرور " القانون الجنائي الدستوري‪ ،‬الشرعية الدستورية‪ ،‬في قانون اإلجراءات"‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬
‫‪ 0112‬صفحة ‪211‬‬
‫‪ .651‬توصيات المؤتمر الثاني للجمعية المصرية للقانون الجنائي‪ ،‬صادر عن المعهد الدولي للعلوم الجنائية‪ ،‬القاهرة ‪0272‬‬

‫‪P 405‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فإن استقالل القضاء عن باقي السلط‪ ،‬واستقالل القاض ي عن أي‬
‫َ‬
‫تأثير سواء من قبل أطراف القضية أو أية جهات أخرى لها مصلحة في النزاع‪ ،‬ل ُي َع ُّد ضمانة‬
‫َ‬ ‫أساسية إلصدار أحكام عادلة ومنصفة‪ .‬ونظرا ل َو ْعي المشرع بأن َّ‬
‫الس ْي ُر َورة االجتماعية قد ت ِل ُد‬ ‫ِ‬
‫وج َه ِات َها لروح القوانين وقواعد النظام العام‪ ،‬وتسعى إلى توجيه األحكام‬ ‫َت َّيارات منافية في َت ُّ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫القضائية ِل ِخ ْد َم ِة مصالحها‪ ،‬كان ِح ْين ِئ ٍذ حق التجريح ك َر ِ ّد فعل المشرع غ َايت ُه ِح َم َاية األفراد‬
‫ْ َ َ ْ‬
‫واملجتمع ككل من هذا النوع من اإلن ِفالتات‪ .‬وجاعل هذا الحق بيد أطراف النزاع لما لهم من‬
‫ّ‬
‫مصلحة مباشرة في النزاع‪ ،‬تستدعي منهم الفطنة واليقظة اتجاه كل ما من شأنه أن ُي ِخ َّل‬

‫باستقالل القاض ي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلخالل بمبدأ حياد القضاة ودوره في نشأة حق التجريح‬

‫للتجريح طابع شخص ي‪ .‬فالمطعون فيه هو شخص القاض ي بحكم وضعيته االجتماعية‬

‫أو عالقته االقتصادية بأحد أطراف النزاع‪ .‬ذلك أن مقدم الطلب يهدف أساسا إلى سحب‬

‫القضية من قاض أو هيئة معينة ومنعهم من البت فيها‪.‬‬

‫ْ‬
‫لم ينشأ حق التجريح من عدم‪ ،‬ولكنه كان وليد َوعي المشرع بضرورة منح أطراف النزاع‬
‫ْ َ‬
‫حق استبدال قاض بأخر أو هيئة أخرى في حالة ما إذا تبت ِإن ِتف ْاء عنصري الحياد االستقاللية‬
‫‪ .652‬فمبدأ الحياد يتجلى من جهة في أخد الشخص أو المؤسسة لقرارات َوت َب ّني مو اقف ُد َ‬
‫ونما‬ ‫ِ‬
‫َُ ّ‬
‫المت َح ِلي بالحياد يتعامل مع األطراف على قدم‬ ‫إقحام الذات‪ .653‬ومن جهة أخرى‪ ،‬القاض ي‬

‫‪652‬‬
‫‪. N. Fricero :"Récusation et abstention des juges : Analyse comparative de l’exigence commune‬‬
‫"‪d’impartialité‬‬
‫‪Les Nouveaux Cahiers du Conseil Constitutionnel, 2013/3 ( N° 40), pages 37 à 48.‬‬
‫‪653‬‬
‫‪. M-A. Frison Roche, " Le droit à un tribunal impartial ", libertés et droits fondamentaux, Dalloz‬‬

‫‪P 406‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المساواة دون إصدار أحكام مسبقة أو تكوين انطباع غير متجانس مع الوقائع والوسائل‬

‫المتضمنة بالملف‪.‬‬

‫فحياد القاض ي وكما وصفته املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان في قرارها عدد‬

‫‪ ( 91111/12‬قرار ‪ ) Le Strum C/France‬الصادر بتاريخ ‪ 4‬أكتوبر ‪ 2111‬ينقسم إلى شقين‬

‫أساسيين‪ .‬الشق األول ُي ْع َنى بعناصرذات "طابع ذاتي" تتعلق بالعالقة الشخصية التي قد تكون‬

‫ل لقاض ي مع أحد أطراف النزاع‪ .‬بينما يتضمن الشق الثاني عناصر تتسم بطابعها الموضوعي‬

‫وتحديدا بما إذا سبق للقاض ي وأن تدخل في القضية‪ .‬فكلمة " تدخل" ال تعني بالضرورة حسب‬
‫َ‬
‫القرار أعاله‪ ،‬البت في النزاع كقاض ي ينتمي إلى هيئة الحكم‪ ،‬بل يكفي أن يكون القاض ي قد ُع ِّين‬

‫كقاض ي منتدب مثال في مسطرة التسوية القضائية حتى يتم استبداله في إطار مسطرة التجريح‪.‬‬

‫والعلة في ذلك حسب نفس القرار‪ ،‬هو أن القاض ي المنتدب سبق له في إطار مزاولة مهامه‪ ،‬أن‬
‫َ َ‬
‫ك َّون نظرة مسبقة على طبيعة األخطاء المرتكبة من طرف المسيروال يمكن له أن يتحلى بالحياد‬
‫َ‬
‫في حالة ما إذا تم تعيينه كعضو في هيئة الحكم التي َست ُب ُّت في العقوبات المزمع اتخاذها في حق‬

‫المسير‪.‬‬

‫نصت العديد من المواثيق الدولية على مبدأ الحياد وألزمت الهيئات القضائية‬

‫باحترامه‪ .‬فالميثاق األوروبي لحقوق اإلنسان والحريات األساسية في فصله السادس من الباب‬

‫األول‪ ،‬يلزم الدول الموقعة على تنظيم محاكم مستقلة ومحايدة‪ .‬نفس النهج سارعليه الميثاق‬

‫الدولي للحريات المدنية والسياسية في فصله الرابع عشر من الباب األول‪ .‬على الصعيد‬

‫األوروبي‪ ،‬أصدرت الهيئة االستشارية للقضاة الدورية رقم‪ ،654 3‬بتاريخ ‪ 91‬نونبر ‪ ،2112‬والتي‬
‫ْ‬
‫َح َّد َدت من خاللها المبادئ والقواعد األخالقية التي يجب على القضاة الذين يزاولون مهامهم في‬

‫‪ . 654‬الدوريات التي تصدرها الهيئة االستشارية للقضاة باالتحاد األوروبي ليس لها أي طابع إلزامي‪ .‬لكنها ت ُ َع ُّد كمرجع بالنسبة للمشرع‬
‫األوربي الذي يأخذها بعين االعتبار في سن القوانين‬

‫‪P 404‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫محاكم اإلتحاد األوروبي احترامها‪ .‬أما على الصعيد الفرنس ي‪ ،‬أصدرت املحكمة الدستوري ــة‬

‫الفرنسي ـ ـ ــة قرارها عدد ‪ ،N° 10/313‬بتاريخ ‪ 93‬ابريل ‪ ،9110‬والذي اعتبرت فيه أن مبدأ الحياد‬

‫هومبدأ ذا "قيمة دستورية"‪ .‬وفي قرارآخرصادرعــن املحكمة الدستورية الفرنسية‪ ،‬تحـت ع ـ ــدد‬

‫‪ ،N° 2191-91‬بتاريخ ‪ 2‬يوليوز ‪ ،2191‬اعتبرت هذه املحكمة أن على جميع الهيئات القضائية‪،‬‬

‫بغض النظر عن تكوينها أو طبيعة النزاعات التي تبث فيها‪ ،‬أن تحترم مبدأ الحياد وتعمل على‬

‫تفعيله‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬نص الفصل الثالث من المرسوم الحكومي الفرنس ي عـدد ‪،N°11-9101‬‬
‫َ‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 1‬نونبر ‪ ،9111‬على تضمين عبارة "ممارسة المهام بكل حياد" في الق َس ْم الذي‬
‫َ‬
‫ُيؤ ِ ّد ْيه أعطاء املحكمة الدستورية‪.‬‬

‫في المغرب‪ ،‬نصت مدونة األخالقيات القضائية‪ ،‬من بين ما جاء فيها‪ ،‬على مبدئيين‬

‫أساسيين وهما‪ " :‬مبدأ استقاللية القضاء" ومبدأ " حياد القضاة"‪ .‬فيما يتعلق بالحياد‪ ،‬فقد‬

‫عرفته المادة السادسة من هذه المدونة على أنه " أداء الوظائف القضائية طبقا للوقائع‬

‫المعروضة ووفقا للقانون‪ ،‬دون أي حيزأو تحامل أو محاباة اتجاه أي طرف من أطراف الدعوى‬

‫ومصداقيهها‪ ،‬والتحررمن القناعات اإلديولوجية أو الثقافية أو العقائدية أو الفلسفية عبرالبت‬


‫َ َّ ْ‬
‫فيه"‪ .‬في حين أن المادة السابعة من نفس المدونة ذك َرت بأن تحلي القاض ي بمبدأ الحياد هو‬

‫واجب دستوري قبل أن يكون التزاما أخالقيا وعلى أنه أمر ضروري لضمان محاكمة عادلة‪.‬‬

‫َو َس ْع ًيا في تمكين السادة القضاة من الوقوف على بعض األمثلة العملية والتي تتضح من خاللها‬

‫تجليات هذا المبدأ‪ ،‬نصت المادة الثامنة من مدونة األخالقيات القضائية على بعض األمثلة‪،‬‬
‫َْ‬
‫وعددها أربعة عشر‪ ،‬والتي تن ِفي الجهالة عن أوجه تنزيل هذا المبدأ في الممارسة القضائية‬

‫اليومية‪ .‬وعلى الرغم من األهمية التي خولها الدستور المغربي ومدونة األخالقيات المهنية‬

‫‪P 402‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َ‬
‫لمبدأ الحياد ُم ْعت ِب ِرينه أحد الضمانات األساسية لقيام محاكمة عادلة‪ ،‬فقد اعتبرت بعض‬
‫الدراسات الفقهية أن هناك بعض االستثناء لهذا المبدأ والمتعلقة بالنظام العام أو بص َن َ‬
‫اع ِة‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫دليل‪ .655‬والعلة في ذلك هو وجود رهانات تت َع َّدى المصلحة الخاصة التي ت َّمت إثارتها في القضية‬

‫‪ ،‬كرفع القاض ي ألجرة األجير حتى تتناسب والحد األدنى لألجور‪ ،‬أو حكمه بأكثر مما طلب منه في‬

‫إطارالتعويضات الممنوحة في قضايا حوادث الشغل‪.‬‬

‫ويتضح مما تم بسطه أنفا أن احترام مبدأ الحياد من عدمه‪ ،‬وخالفا للمبادئ األخرى التي‬

‫ترتكزعليها املحاكمة العادلة كمبدأ المساواة‪ ،‬له تأثيرمباشرعلى طبيعة القرار‪ ،‬الحكم المتخذ‬

‫من طرف القاض ي أو الهيئة القضائية‪ .‬ذلك أن نطاق تأثيرالمبادئ األخرى ينصب تحديدا على‬
‫المراحل القبلية إلصدارالحكم والتي ُت َن ّظم َ‬
‫ص ْي ُر َورة املحاكمة واالنطباع العام الذي قد يتشكل‬ ‫ِ‬
‫في ذهن أطراف النزاع خالل أطواراملحاكمة‪.‬‬

‫و إيمانا من كل من المشرع المغربي‪ ،‬الفرنس ي والمصري بأن عدم احترام الهيئات‬

‫القضائية لمبدأ "الحياد" هو احتمال وارد على الرغم من توفيرجميع الضمانات المسطرية التي‬

‫نصت عليها القوانين اإلجرائية‪ ،‬كالحق في الولوج إلى محكمة عادلة ومستقلة‪ ،‬الفصل بين‬

‫أجهزة المتابعة التحقيق والحكم والحق في ممارسة طرق الطعن‪ ،‬فقد خوال تبعا لذلك ألطراف‬

‫النزاع إمكانية تبيان مكامن الخلل عن طريق ممارسة حق التجريح‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وتأسيسا لما سبق‪ ،‬فإن هذا الحق هو ن َت ٌ‬


‫اج لضرورة ْأمل ْه َها الممارسة العملية‪َ ،‬و َوع ُي‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫بأغوارالطبيعة البشرية التي قد ت ِزْي ُح القاض ي عن التنزيل الصحيح للمبادئ األساسية المؤطرة‬

‫للمحاكمة بما في ذلك االستقالل والحياد‪ .‬وفي هذا الصدد جاء النص القرآني ( سورة الشمس‬
‫ْ َ‬
‫اآلية ‪ )1‬واضحا حيث يؤكد رب العزة أن النفس البشرية مؤهلة بأن تتجه صوب َمن َحان ْي ِن‬

‫‪ . 655‬ذ‪ .‬عفيف البقالي " القاضي المدني واستنادات مبدأ الحياد" مجلة العلوم القانونية"‬

‫‪P 407‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َ‬
‫أع ُي ِن ِه العقاب الذي قد يلحق به في آخرته جراء ْإهدا ِر ِه‬ ‫متناقضين إذا لم يضع المرء ُن ْ‬
‫ص َب ْ‬
‫َ َََْ ُ ُ َ َْ‬
‫ور َها وتق َو َاها"‪.‬‬ ‫لحقوق العباد‪ " :‬فألهمها فج‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬يتضح جليا بأن حق الترجيح‪ ،‬ب َغ ّ‬


‫ض النظر عن أهدافه المتمثلة في‬‫ِ ِ‬
‫استبدال قاض بآخرأو هيئة بأخرى‪ ،656‬فإنه يرمي إلى تأسيس َس ٍّد منيع أمام بعض الممارسات‬
‫َ ْ ََُ‬ ‫َ ْ‬
‫صنة مقتضياتها‬ ‫التي قد تخ ُرج َع ْن إطارمر اقبة وضبط القوانين اإلجرائية‪ .‬حيث يستحيل شخ‬

‫بطريقة تمكن من ِت ْب َي ِان العالقات الشخصية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬سياسية كانت أو اقتصادية أو حتى‬

‫تلك التي لها طابع إيديولوجي أو فلسفي والتي قد تمنع القاض ي من ممارسة مهامه بكل حياد‪.‬‬
‫َ َ‬
‫وما ل ُه من آثار مباشرة على فحوى‬ ‫وبالتالي فإن احتمال َزْيغ القاض ي عن هذا المبدأ‬

‫الحكم‪ ،‬ألزم المشرع على وضع آلية عملية تمكن أطراف القضية حينما يتضح لهم وجود هذا‬

‫النوع من اإلخالل‪ ،‬بإبرازه وفقا لمسطرة خاصة‪ .‬أي بعبارة أخرى‪ ،‬حق التجريح في كنهه هو ردة‬

‫فعل المشرع هدفه خلق التوازن بين مصالح األطراف في عرض القضية أمام القاض ي الطبيعي‬
‫ْ‬ ‫والم َن َّ‬
‫ص ِب في إطار محكمة منشأة بموجب قانون ‪ ،‬وبين االحتمال الوارد الذي َيك ُم ُن‬ ‫املختص‪ُ ،‬‬

‫في انسالخ هذا القاض ي الطبيعي عن واجب الحياد‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أوجه التباين بين مسطرة التجريح ومخاصمة القضاة‬

‫ً‬ ‫وضع المشرع ُن ْ‬


‫ص َب عينيه ُز ْم َرة من المقاصد المتوخاة وراء تفعيل مسطرة مخاصمة‬

‫القضاة تميزها عن مسطرة التجريح (الفقرة األولى)‪ ،‬ومحددا أسبابها بطريقة حصرية ( الفقرة‬

‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مقاصد مسطرة مخاصمة القضاة‬

‫‪ . 656‬يمتد نطاق تطبيق التجريح إلى الشهود المحكمين والخبراء‬

‫‪P 410‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ََ ُ‬
‫ص في أغوارالمقاصد المتوخاة من مسطرة مخاصة القضاة‪ ،‬والتي تت َم َّيز‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ َ َ ْ‬
‫يتعين قبل الغو ِ‬
‫بها هذه المسطرة الخاصة عن التجريح‪ ،‬إبرازأوجه االختالف بين مسطرة التجريح نفسها وبعض‬
‫ُ َ ُ‬
‫عرف بمسطرة التشكك‬ ‫المساطراملجاورة كتلك المنصوص عليها في الفصل ‪ ،191‬أو تلك التي ت‬

‫المشروع‪ .‬فمسطرة الفصل ‪ 191‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬تهدف أساسا إلى سحب القضية‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫من املحكمة املختصة ت َر ِاب ًيا وإحالهها على محكمة أخرى إذا ث ُبت أن أحد قضاة تلك املحكمة أو‬
‫َ ٌ‬
‫زوجه ط َرف في الدعوى المعروضة على املحكمة سواء كطرف مدعي أو مدعى عليه‪ .‬وطبقا‬
‫َ‬
‫الم ْع ِن ِّيين بهذه المسطرة‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 191‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬فإن القضاة َ‬
‫َ ُ‬
‫هم فقط قضاة املحكمة االبتدائية ومستشاري محكمة االستئناف‪ .‬حيث َيت َع َّين على القاض ي‬

‫أو المستشار المعني باألمر‪ ،‬أن يعرض وضعيته على الرئيس األول ملحكمة النقض الذي يقرر‪،‬‬

‫بعد دراسة الملف‪ ،‬سحب القضية من املحكمة التي يزاول بها القاض ي أو المستشار مهامه‬

‫وإحالهها على محكمة أخرى خارج نفوذ محكمة الدرجة التي ينتمي إليها القاض ي‪ ،‬وذلك خالفا‬
‫َ‬
‫لقواعد االختصاص المنصوص عليها في قانون التنظيم القضائي المغربي‪َ .‬ب ْيد أن إصدارحكم‬

‫أو قرار دون احترام هذه المسطرة يعرضه إلمكانية إبطاله‪ ،‬حيث يمكن إثارة هذا الدفع سواء‬

‫كوسيلة من وسائل االستئناف أو سبب من أسباب الطعن‪.657‬‬

‫أما مسطرة التشكك المشروع‪ ،‬فعلى الرغم من أنها ترمي إلى نفس األهداف التي يمكن‬

‫تحقيقها عن طريق مسطرة التجريح ِب َس ْح ِب القضية من هيئة وإحالهها على هيئة أخرى من نفس‬

‫الدرجة‪ ،‬لكنها تتميزبتأسيسها على شكوك حول حياد املحكمة المعروض عليها القضية‪ .‬تخضع‬

‫مسطرة التشكك المشروع لمقتضيات الفصلين ‪ 313‬و‪ 314‬من قانون المسطرة المدنية‪،‬‬

‫ويتعين على مقدم الطلب توجيهه ملحكمة النقض التي تبث في الطلب وال يقبل قرارها أي طعن‪.‬‬

‫‪ .657‬الدكتور جواد أمهمول‪ " ،‬الوجيز في المسطرة المدنية"‪ .‬دار اآلفاق للنشر والتوزيع ‪ 0100‬صفحة ‪00‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫والحياد المقصود به في هذه المسطرة الخاصة‪ ،‬يتمثل في إبداء الهيئة التي تنظرفي النزاع لرأيها‬
‫َ‬
‫في نازلة مماثلة‪َ .‬ب ْيد أن المقصود " بإبداء الرأي" يتعلق بالمقاالت واآلراء التي قد ينشرها أعضاء‬

‫هيئة الحكم‪ .‬وال يتعلق األمربإصدارأحكام في نوازل مماثلة معروضة على أنظاراملحاكم‪.658‬‬

‫َ َ‬
‫دعوى املخاصمة هي دعوى مسؤولية بامتياز‪ ،‬تخول ألطراف النزاع الذين ل ِحق ُهم ضرر‬

‫جراء ارتكاب القاض ي ألخطاء‪ ،‬سواء كانت عمدية أم غيرعمدية‪ ،‬أثناء مزاولته لمهامه بالمطالبة‬
‫ً‬
‫بالتعويض‪ .‬يعتبر القضاء َم ْر ِفقا هاما في جميع األنظمة بغض النظر عن طابعها السياس ي أو‬

‫االقتصادي السائد‪َ ،‬و ُي َع ُّد الضمانة األساسية للحفاظ على السلم االجتماعي وصيانة حقوق‬
‫َ‬
‫األطراف‪َ .‬ن َّزل ْت ُه جميع الشعائر السماوية منزلة رفيعة وأوجبت العدل في تطبيق األحكام‪ .‬يقول‬
‫َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ‬
‫احكم َب ْي َن ُهم ِبال ِق ْس ِط ِإ َّن الله ُي ِح ُّب‬ ‫تعالى في سورة "المائدة"‪ ،‬اآلية " ‪ " :"42‬و ِإن حكمت ف‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ال ُمق ِس ِطين"‪ .‬ونظرا لما للقضاء من دور هام وطالئعي‪ ،‬وما لألحكام من تأثير على المراكز‬

‫القانونية لألطراف وحقوقهم‪ ،‬فقد مكنت جميع االنظم القانونية‪ ،‬أطراف النزاع‪ ،‬بالمطالبة‬

‫بالتعويض في حالة ما إذا ارتكب القاض ي خطأ أثناء مزاولته لمهامه‪.‬‬

‫هي اسم مؤنث جدرها اللغوي خصم‪ ،‬خصمه خصما‪ ،‬أي غلبه‬ ‫لغة‪659‬‬ ‫املخاصمة‬

‫بالحجج‪ ،‬والخصومة االسم من التخاصم واالختصام‪ .‬واصطالحا تفيد تقييد دعوى مسؤولية‬

‫ضد قاض‪ ،‬سواء كان ينتمي إلى سلك قضاء الموضوع أو عضو النيابة العامة‪ ،‬ومطالبته‬

‫بالتعويض عن الضرر الناتج عن الحكم الصادر أو الخطأ المنسوب إليه‪ .‬ويترتب في بعض‬

‫األحيان‪ ،‬بعد الحكم بصحة املخاصمة بطالن الحكم أو اإلجراء‪ ،‬كنتيجة مباشرة لما وقع فيه‬

‫القاض ي من إخالل بواجباته‪ .660‬ويرجع األساس القانوني ألحقية المتقاض ي للتعويض إلى‬
‫َ‬
‫المبادئ العامة المسؤولية المنصوص عليها في القانون المدني‪ .‬ف ُج ُّل القوانين المرجعية‬

‫‪ . 658‬الدكتور جواد أمهمول‪ " ،‬الوجيز في المسطرة المدنية"‪ .‬دار اآلفاق للنشر والتوزيع ‪ 0100‬صفحة ‪.02‬‬
‫‪ . 659‬معجم "لسان العرب" البن منظور‪ ،‬دار المعارف – ‪.0100‬‬
‫‪. 660‬عبد المجيد تركي‪ " ،‬شرح قانون اإلجراءات المدنية"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪ ،0100 ،2‬صفحة ‪.22‬‬

‫‪P 412‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫للمعامالت ذات الطابع المدني‪ ،‬بغض النظرعن النظام القانوني المعمول به‪ ،‬تشيرإلى إمكانية‬

‫تحميل الطرف الملحق لضرر المسؤولية‪ ،‬إذا ما ثبتت العالقة السببية بين الخطأ المرتكب‬

‫والضرر الالحق‪ .‬وهذا المبدأ تم التنصيص عليه صراحة في ظهير االلتزامات والعقود‬

‫والقانون المدني المصري‪ .663‬أما من الناحية‬ ‫ي‪662‬‬ ‫المغربي‪ ،661‬القانون المدني الفرنس‬
‫اإلجرائية‪ ،‬فالمدعي هو الخصم الذي لحقه ضرر جراء الخطأ المرتكب والذي يجب أن ُي َن ّ‬
‫ص َب‬‫ِ‬
‫نفسه طرفا مدنيا في الدعوى سواء أكان مدعيا‪ ،‬أو متدخال‪ .‬أما المدعى عليه‪ ،‬فهو القاض ي‬

‫الذي قد يزاول مهامه في محكمة ابتدائية أو على مستوى محاكم االستئناف أو حتى محكمة‬

‫النقض‪ .‬ويجدر التأكيد في هذا الصدد أن هناك إجماع بين كل من المشرع المغربي‪ ،‬المصري‬

‫والفرنس ي على عدم استثناء أي قاض‪ ،‬بغض النظرعن درجة املحكمة التي يزاول بها مهامه‪ ،‬من‬

‫دعوى املخاصمة وتحميله المسؤولية ‪.‬‬

‫َّ‬
‫أط َر المشرع المغربي مسطرة مخاصمة القضاة وحدد أسبابها حصريا في أربعة ثم‬

‫التنصيص عليهم في الفصل ‪ 319‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬ويمكن حصرها في الحاالت التي‬

‫يرتكب فيها القاض ي إما "غشا"‪" ،‬تدليسا"‪" ،‬غدرا" أو" إنكار للعدالة"‪ .‬هذا التحديد الحصري‬

‫ألسباب املخاصمة راجع إلى رغبة المشرع في توفيرظروف عمل مستقرة بعيدة عن أي ضغط أو‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫تشويش غ َايت ُه التأثير على َس ْي ُر َورة عمل القضاة سواء في مرحلة دراسة القضايا أو َّإبان فترة‬
‫الم َ‬
‫داولة والبث فيها‪ .‬هذا باإلضافة إلى خلق التوازن بين مصلحة المتقاضين في استخالص‬ ‫ُ‬

‫تعويضات بسبب األخطاء المرتكبة‪ ،‬وحماية القضاة من أي تعسف ناتج عن إثارة هذا النوع من‬

‫المساطر ِب ِن َّية تعطيل عمل منظومة العدالة‪.‬‬

‫‪ . 661‬الفصل ‪ 77‬وما يليه من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬


‫‪ . 662‬الفصول ‪ 0021‬إلى ‪ 0000‬من القانون المدني الفرنسي‪.‬‬
‫‪ . 663‬المادة ‪ 002‬وما يليها من القانون المدني المصري‪.‬‬

‫‪P 413‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أضاف المشرع المصري "الخطأ الجسيم" كسبب من أحد أسباب مخاصمة القضاة‪،‬‬

‫وذلك على الرغم من اعتباره أن الفرق بين الغش وما يعرف بالخطأ الجسيم ما هوإال تصورذهني‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫حيث ُين َس ُب ال ِغش في جزئه األكبرإلى خطأ فاحش َوق َع فيه القاض ي‪ .‬وهو النهج الذي سارعليه‬

‫المشرع الفرنس ي مند سنة ‪ 9133‬في التعديل الذي طرأ على المادة ‪ 111‬من قانون المسطرة‬

‫المدنية في تلك السنة‪ .‬وجديربالتذكيربأن األصل هو عدم مسؤولية القاض ي عما قد يصدرمنه‬

‫من أحكام‪ ،‬قرارات أو أوامر‪ .‬لكن التشريعات الدولية وبدرجات متفاوتة‪ ،‬قررت تحميل القاض ي‬

‫المسؤولية‪ ،‬والتي قد تنشأ بموجب نص خاص كما هو الحال بالنسبة للمشرع المغربي‪ ،‬أو بناء‬
‫َ‬
‫على أسباب محددة بما في ذلك األخطاء المهنية المرتكبة جسيمة كانت أو عادية‪َ .‬ب ْيد أن معظم‬
‫التشريعات َح َّد َد ْت‪ ،‬وبطريقة َح ْ‬
‫ص ِرية أسباب مخاصمة القضاة‪ ،‬معتبرة أن توفيرجو الطمأنينة‬

‫له في عمله وحمايته من أية محاولة للنيل من كرامته عن طريق تقييد دعاوى كيدية ضده‪ ،‬ال‬
‫ْ‬
‫َيخ ُدم مصالح منظومة العدالة ويجعل مصداقية السادة القضاة تحت رحمة طبيعة نوايا‬

‫المتقاضين‪.‬‬

‫الفار َق َ‬
‫الج ِلي بين مسطرة مخاصمة القضاة والطلبات الرامية إلى تنحيههم‪ ،‬هو أن‬
‫َ‬
‫ويبقى ِ‬
‫َُ َ‬
‫المتض ّ ِر ِر عن الضرر الذي أصابه‬ ‫يض‬ ‫و‬ ‫املخاصمة َت ْهد ُف إلى تحميل القاض ي المسؤولية َوت ْ‬
‫ع‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ْ‬
‫بسبب إت َيان القاض ي لعمل نص المشرع على أنه موجب للمخاصمة‪ ،‬ذلك وخالفا لمسطرة‬

‫التجريح التي يمكن إثارتها بمجرد ُب ُروزأحد األسباب التي نص عليها المشرع والتي إذا ما تحققت‬

‫تفيد بأن حياد القاض ي واستقالليته هم موضوع شك‪ .‬وتبعا لذلك‪ ،‬فإن املخاصمة‪ ،‬بحكم أنها‬
‫َ‬
‫دعوى مسؤولية‪ ،‬ال يمكن قبولها إال إذا اثبت ُمق ِّد ُم َها الضرر الذي لحقه جراء ارتكاب القاض ي‬

‫للفعل أو األفعال المنسوبة إليه‪.‬‬

‫‪P 414‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫سيكون مناسبا النظر إلى أسباب املخاصمة التي حددها المشرع المغربي مع التوسع في‬
‫َ‬
‫اه َي ِه َها عن طريق ِت ْب َيان موقف التشريعات األخرى وت ْح ِد ًيدا في كل من القانون المصري‬
‫م ِ‬
‫َ‬

‫والقانون الفرنس ي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التنصيص الحصري ألسباب املخاصمة‬

‫إن أول ما يثير انتباه الباحث أثناء دراسته وتحليله ألسباب مخاصمة القضاة هو هذا‬

‫التحديد والتنصيص الحصري الذي يعطي االنطباع ألول وهلة‪ ،‬بأن المشرع المغربي يريد وضع‬

‫القاض ي داخل سياج بمثابة سد منيع أمام كل محاولة إثارة مسؤوليته من طرف المتقاضيين‪.‬‬

‫هذه القراءة األولية قد ال تخلو من نسبة من الصحة‪ ،‬إذا ما أخدنا بعين االعتبار أن الممارسة‬

‫الفعلية ألي حق من الحقوق قد تكون موضوع تعسف غايته إلحاق الضررباآلخر‪.‬‬

‫ْ‬
‫وضع الفقيه الفرنس ي بالنيول (‪ 664)Planiol‬أول نظرية ُع ِن َيت بمفهوم "التعسف في‬

‫استعمال الحق"‪ ،‬وأسست للدعوى الرامية إلى التقنين في ممارسته‪ ،‬والمطالبة بالتعويض‬

‫السيما إذا كان صاحب هذا الحق يمارسه بغية إلحاق الضرر باآلخر‪ .‬وكان لهذه النظرية تأثير‬
‫َ‬
‫على تشريعات عدة‪ ،‬والتي َع ِملت على تضمينها في قوانينها بدرجات متفاوتة‪ .‬حيث اقتصر‬

‫المشرع الفرنس ي في هذا الصدد‪ ،‬على تنزيل روح هذه النظرية في مقتضيات المادة ‪ 9312‬من‬

‫القانون المدني والمتعلقة بالمسؤولية التقصيرية‪ ،‬بينما اعتبر المشرع المصري نظرية‬

‫التعسف في استعمال الحق نظرية عامة تسري على كل نواحي القانون‪ .665‬بينما فرض المشرع‬
‫َ ُ‬
‫المغربي ضوابط على صاحب الحق َيت َع َّين عليه مراعاتها في ممارسته إياه وإال اعتبر مخطأ‪،‬‬
‫َ‬
‫ويمكن ِحين ِئ ٍذ تحميله المسؤولية والمطالبة بالتعويض الناتج عن الضررالالحق بالغير‪.‬‬

‫‪. Planiol, "Traité élémentaire de droit civil", T. 2, 5éme édition, 1909, N° 871‬‬
‫‪664‬‬

‫‪ . 665‬سعاد بلحورابي‪ ،‬نظرية التعسفي في استعمال الحق وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ .‬رسالة ماجستير في القانون‬
‫" قانون المسؤولية المهنية"‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬الجزائر ‪ ،0102‬ص ‪02‬‬

‫‪P 415‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َ ُ‬
‫وبناء على ما تم بسطه آنفا‪ ،‬يمكن أن ُي َر ِاو َد ِذ ْه ُن الباحث تساؤل حول الغاية التي من‬
‫أجلها َع َم َد المشرع المغربي على تحديد أسباب الخصومة حصريا‪ ،‬ع َ‬
‫وض فتح املجال للسادة‬ ‫ِ‬
‫القضاة بالمطالبة بالتعويض و إثارة مسؤولية المتقاضين الذين أقدموا على تفعيل مسطرة‬

‫مخاصمة القضاة فقط بغية اإلساءة لهيئات الحكم‪.‬‬

‫أبرزت جل المراجع الفقهية التي ُع ِن َيت بمخاصمة القضاة‪ ،666‬أن فتح الباب على‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ص َر َ‬
‫م ْ‬
‫اع ْيه للمتقاضين إلثارة مسؤولية القاض ي بدون ق ْيد قد ُي ِولد ردود أفعال تتمثل في تقييد‬ ‫ِ‬
‫دعاوى مخاصمة ضد هيئات الحكم بمجرد صدورأحكام ال تتناسب والملتمسات المقدمة أثناء‬
‫َْ‬
‫سريان الدعوى‪ .‬ناهيك أنها قد تستعمل كوسيلة للنيل من سمعة القضاة والك ْب ِح من جرأتهم‬
‫ْ َ‬
‫في إصدار أحكام ُمن ِصفة‪ .‬هذا باإلضافة إلى هدر وقت السادة القضاة في اإلجابة على مقاالت‬

‫ومذكرات تحملهم المسؤولية ال لش يء إال ألنهم قاموا بواجبهم المنهي المتمثل في البث في القضايا‬

‫طبقا للمقتضيات القانونية المؤطرة للنازلة‪ .‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬يتضح بأن المشرع المغربي‬
‫َْ‬
‫وضع نصب عينيه هدفين أساسيين وراء تق ِن ْين أسباب املخاصمة‪ .‬أولها‪ ،‬حماية السادة القضاة‬
‫َ ُّ‬
‫من أي تعسف في استعمال هذا الحق من طرف المتقاضيين‪ .‬والثاني يتمثل في ت َجنب هدروقت‬

‫القضاة في الدفاع عن المو اقف التي تبنوها في أحكامهم‪ .‬السيما وأن طرق الطعن سواء منها‬
‫ُ َ‬
‫العادية أو غير العادية‪ ،‬تنشر الدعاوى من جديد‪ ،‬باستثناء الطعن بالنقض‪ ،‬وتخ ّ ِو ُل لألطراف‬
‫َ‬
‫مناقشة الدعاوى من جديد‪ .‬أما فيما يخص ال ِعل ْل وراء اختيار أسباب املخاصمة‪ ،‬فسيكون‬

‫مناسبا إبرازهم بالنظر إلى المقاصد المتوخاة من طرف المشرع المغربي مع توضيح الموقف‬

‫في القانون المقارن‪.‬‬

‫‪ . 666‬الدكتور حامد الشريف‪ " ،‬موانع القضاء"‪ .‬المكتبة العالمية‪0117 ،‬‬

‫‪P 416‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫نص الفصل ‪ 319‬من قانون المسطرة المدنية على أربعة أسباب يمكن بموجبها تأسيس‬

‫دعاوى مخاصمة القضاة سواء تعلق األمربقضاة الحكم أو النيابة العامة‪ .‬حيث ينص الفصل‬

‫‪ 319‬على ما يلي‪:‬‬

‫" يمكن مخاصمة القضاة في األحوال اآلتية‪:‬‬

‫‪ - )1‬إذا ادعى ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قاض ي الحكم أثناء تيهئ القضية أو‬

‫الحكم فيها أو من طرف قاض ي من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه‪.‬‬

‫‪ - )2‬إذا قض ى نص تشريعي صراحة بجوازها‪.‬‬

‫‪ - ).‬إذا قض ى نص تشريعي بمسؤولية القضاة يستحق عنها تعويض‪.‬‬

‫‪ - )1‬عند وجود إنكارالعدالة "‪.‬‬

‫أما المشرع المصري‪ ،‬فقد ضمن في الفصل ‪ 434‬من قانون المر افعات ثالثة أسباب‬

‫يمكن أن يعتمد عليها المتقاض ي في تقديم دعوى املخاصمة‪ .‬وهذه األسباب تم التنصيص عليها‬

‫حصريا على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ - )1‬إذا وقع من القاض ي أو عضو النيابة في عملهما غش أو تدليس أو غدر أو خطا منهي‬

‫جسيم‪.‬‬

‫ََ‬
‫‪ - )2‬إذا ْامتن َع القاض ي من اإلجابة على عريضة مقدمة له أو من الفصل في قضية صالحة‬
‫َ َ َّ ُ‬
‫للحكم وذلك بعد إنذاره مرتين على يد محضر َيتخلل ُه َما ميعاد أربعة وعشرين ساعة‬

‫بالنسبة إلى األوامر على العرائض وثالثة أيام بالنسبة إلى األحكام في الدعاوى الجزئية‬

‫والمستعجلة والتجارية وثمانية في الدعاوى األخرى‪.‬‬

‫‪P 414‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وال يجوزرفع دعوى املخاصمة في هذه الحالة قبل مض ي ثمانية أيام على آخرإنذار‪.‬‬

‫‪ - ).‬في األحوال األخرى التي يقض ي فيها القانون بمسؤولية القاض ي والحكم عليهما‬

‫بالتعويضات‪.‬‬

‫كما أضاف المشرع المصري في التعديل املحدث لقانون المر افعات الجنائية " الخطأ‬

‫الجسيم" كأحد األسباب التي تمنح الحق للمتقاضين بمخاصمة القضاة‪.‬‬

‫أما القضاء المغربي فقد أكد‪ ،‬في قرارات عدة‪ ،‬الطابع الحصري ألسباب املخاصمة‬

‫معتبرا أن أي سبب يخرج عن تلك المنصوص عليها في الفصل ‪ 319‬من قانون المسطرة‬

‫المدنية‪ ،‬ال يخول لمقدمه مخاصمة القضاة وتحميلهم المسؤولية‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬نذكرعلى‬

‫سبيل المثال قرار محكمة النقص عدد‪ 111‬الصادر بتاريخ‪ 2199/12/21 :‬في الملف المدني‬

‫عدد ‪ ،191/9/9/444/2‬حيث أكدت محكمة النقض المغربية أن "الطلب المقدم من طرف‬

‫طالب النقض ال يندرج في أية حالة من الحاالت المذكورة في الفصل ‪ 319‬من قانون المسطرة‬

‫المدنية مما ينبغي معه رفض الطلب"‪.667‬‬

‫وبخصوص شرط إنكار العدالة‪ ،‬فهو يتحقق إذا ما امتنع القاض ي عن البث في قضية‬

‫جاهزة للحكم بعدما تم توجيه له إنذارين‪ ،‬تفصل بينهما مدة خمسة عشر(‪ )91‬يوما من طرف‬

‫رئيس كتابة ضبط املحكمة التي تعلو مباشرة املحكمة التي ينتمي إليها القاض ي‪ ،‬بناء على طلب‬

‫مكتوب موجه له من طرف المعني باألمر‪ ،‬يبقيان بدون جدوى طبقا لمقتضيات الفصل ‪313‬‬

‫من قانون المسطرة المدنية المغربي‪ .‬وحيث إن إنكارالعدالة من طرف القاض ي ال يمكن تكييفه‬

‫على هذا النحو‪ ،‬إال ابتداء من التاريخ الذي تكون فيه القضية جاهزة ويرفض القاض ي البث‬

‫بعد توجيه اإلنذارين‪ .‬ذلك أن اإلجراءات التي يتخذها القاض ي أثناء سريان الدعوى أمام‬

‫‪ . 667‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 0000‬الصادر بتاريخ ‪ 0111/2/21‬في الملف المدني عدد ‪0111/0/0/002‬‬

‫‪P 412‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫املحكمة‪ ،‬بما في ذلك إعذار األطراف بتنصيب محام‪ ،‬في حالة ما إذا كانت المسطرة تستوجب‬

‫تنصيب محام ال يعتبرإنكارا للعدالة‪.‬‬

‫ويتعين في هذا الباب توضيح أن إنكار العدالة ليس في غالب األحيان نتيجة لرفض‬
‫القاض ي البث في القضية‪ ،‬بل تأخيرا منه َس ٌ‬
‫واء لعدم وجود نص قانوني يفصل في القضية أو‬

‫لغموض النص الحالي‪ .‬الش يء الذي يفرض على القاض ي البحث في أغواراالجههادات القضائية‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫واء املحلية منها أو على صعيد أنظمة قانونية مشابهة‪ُ ،‬بغ َية إصدارأحكام ُمن ِصفة تأخذ بعين‬
‫َس ٌ‬

‫ات الحالة الجديدة المعروضة عليه‪.‬‬ ‫ص َ‬‫االعتبار ُخ ُ‬


‫وصي ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫َب ْيد أن المشرع الفرنس ي‪ ،‬ألزم القاض ي على البث في القضية حتى في حالة انعدام نص أو‬

‫وض ِه‪ .‬حيث أكد المشرع الفرنس ي في الفصل الرابع من القانون المدني الفرنس ي بأن "‬ ‫ُُ‬
‫غم ِ‬
‫القاض ي الذي يمتنع عن البث بعلة وجود فراغ قانوني‪ ،‬أو غموض في النص‪ ،‬يمكن أن يكون‬

‫موضوع متابعة بإنكارالعدالة"‪.‬‬

‫‪L’article 4 du Code Civil Français :‬‬

‫‪« Le juge qui refusera de juger, sous prétexte du silence, de l'obscurité ou‬‬

‫‪de l'insuffisance de la loi, pourra être poursuivi comme coupable de déni de‬‬

‫‪justice ».‬‬

‫لكن محكمة النقض الفرنسية في قرارها عدد ‪ 91-91-141‬الصادربتاريخ ‪ 91‬شتنبر‪2190‬‬


‫َ ُ‬
‫عن الغرفة المدنية الثالثة‪ ،‬أكدت أن التأخير الناتج عن ت َماطل األطراف في تقديم دفوعاتهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مذكراتهم الجوابية‪ ،‬وت ْع ِق ْي َب ِاتهم ال يمكن في ظله تحميل القاض ي المسؤولية‪ ،‬ألن أجل َب ِث ِه في‬

‫الس َي َران إال من تاريخ جاهزية القضية‪.‬‬


‫القضية ال يبدأ في َّ‬

‫‪P 417‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُي ْق َ‬
‫صد بالغش َزْيغ القاض ي و ان ِح َر اف ُه عن التطبيق العادل للمقتضيات القانونية‬
‫ْ َ ُ َ َْ‬
‫صل َح ٍة ما أو االنتقام من أحد األطراف‪ .‬ولعل أبهى‬ ‫العتبارات ذات طابع شخص ي غايهها ِخدمة م‬
‫َْ ُ‬
‫األمثلة على ذلك‪ ،‬تغيير القاض ي لشهادة شاهد أو تك ِّييف ُه لوقائع واضحة غير تكييفها القانوني‬
‫َ ُْ‬
‫صف ُه لسند أو وثيقة بغيرما اشتملت عليه من مضامين واضحة المعالم‪.‬‬ ‫الصحيح‪ ،‬أو و‬

‫أما الغدر المشار إليه في الفقرة األولى من الفصل ‪ 319‬من قانون المسطرة المدنية‬
‫المغربي‪ ،‬فيختلف اختالفا جوهريا عن المفهوم المتداول عند العامة‪ .‬حيث َي ْن َ‬
‫ص ُّب مفهوم‬

‫الغدرعلى الحاالت التي يحكم فيها القاض ي مثال بغرامات أورسوم تزيد عن تلك المنصوص عليها‬
‫َ‬
‫اس َم‬
‫سواء في المقتضيات القانونية المؤطرة للنازلة أو في القوانين التنظيمية‪ .‬ويبقى الق ِ‬
‫المشترك بين الغدر‪ ،‬الغش والتدليس هوعامل سوء النية الذي يشكل الدافع الرئيس ي وراء هذا‬
‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ ُ‬
‫االنحراف َع َّما يقتضيه القانون‪ ،‬غ َايت ُه تحقيق مصلحة شخصية أو ِنك َاية في خصم‪ .‬وت ِج ُد ُر‬

‫اإلشارة إلى أن هذا االنحراف قد يصدر عن قضاة النيابة العامة أو الحكم في جميع مراحل‬

‫الدعوى سواء على مستوى التحقيق‪ ،‬المتابعة أو الحكم‪.668‬‬

‫أما الحاالت التي ينص فيها القانون صراحة على مخاصمة القاض ي أو تحمله المسؤولية‪،‬‬
‫َ َْ‬
‫ف َينت ِفي فيها اللبس حينما تحقق شروط قيام المسؤولية أو املخاصمة المنصوص عليها في تلك‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫المقتضيات‪ .‬وت ْبقى الحاالت التي ت ْعنى بالخطأ الجسيم موضوع جدل واسع من طرف الفقه‬

‫الذي ال يختلف في التمييز بينها وبين األخطاء المهنية التي قد يقع فيها موظفوا الدولة أو‬

‫المسؤولون عن تسيير المر افق العمومية‪ .‬بينما يبقى االختالف قائما حول طبيعة األفعال‬

‫الصادرة عن السادة القضاة والتي يمكن اعتبارها أخطاء جسيمة موجبة للمسؤولية‪ .‬وتجدر‬

‫اإلشارة أن المشرع المغربي‪ ،‬في الفصل ‪ 319‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬لم يتطرق لمفهوم‬

‫‪ .668‬ذ‪ .‬فتحي والي‪" ،‬الوسيط في قانون القضاء المدني" القاهرة‪ ،‬دار النهضة‪ ،،‬مطبعة جامعة القاهرة‪ ،‬دار الكتاب الجامعي‪0217 -‬‬

‫‪P 420‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الخطأ الجسيم أو حتى األخطاء المهنية‪ .‬و اقتصر على اإلشارة إلى " مسؤولية القضاة" التي قد‬

‫تنشأ جراء ارتكابهم ألخطاء‪ .‬في حين أن المشرع المصري أشارصراحة في الفصل ‪ 414‬من قانون‬
‫َ‬
‫المر افعات على "الخطأ الجسيم"‪ ،‬معتبرا إياه أحد أسباب مخاصمة القضاة‪َ .‬ب ْيد أن المشرع‬

‫الفرنس ي نص في التعديل الذي أحدثه القانون المنظم لمهنة القضاء‪ ،‬بتاريخ ‪ 22‬دجنبر‪،9111‬‬

‫مسؤولية القضاة في حالة ارتكابهم ألخطاء شخصية دونما التمييزبين األخطاء المهنية " العادية"‬

‫واألخطاء " الجسيمة"‪ ،669‬مع اعتبارمسؤولية الدولة قائمة عن الضررالالحق بأطراف النزاع في‬

‫حالة ارتكاب القاض ي الخطأ أثناء مزاولته لمهامه‪ .‬هذا الخطأ الذي ال ُي ْع ِفيه من العقوبات‬

‫التأديبية التي تخضع للسلطة التقديرية للمجلس األعلى للقضاء الفرنس ي‪ ،670‬في ظل غموض‬

‫النص المؤطر لها في القانون المنظم لمهنة القضاء في فرنسا‪ .‬حيث يشير هذا النص إلى "‬

‫اإلخالل‪ ،‬من طرف القاض ي‪ ،‬بواجبات الدولة وتحديدا مرفق العدالة اتجاه المتقاضين‪." 671‬‬

‫ْ‬
‫َويك ُم ُن الفرق بين الخطأ المنهي " العادي" والخطأ " الجسيم"‪ ،‬في كون أن األول هو الذي‬

‫قد يقع فيه القاض ي أثناء مزاولته لمهامه دون إغفال منه بواجباته المهنية العادية أو وقوعه في‬
‫َ‬ ‫ََُ‬
‫اض ِح‬
‫الغلط الفاضح‪ .‬أما الثاني‪ ،‬أي الخطأ الجسيم‪ ،‬فيرتكبه القاض ي حين يقع في الغلط الف ِ‬
‫والذي يتعلق بالمبادئ القانونية أو بوقائع القضية‪ .672‬وتجدر اإلشارة إلى أن القاض ي ال يعتبر‬

‫مرتكبا لخطأ جسيم في حالة إتيانه لفهم على نحو خالف فيه التوجه العام سواء القضائي منه‬

‫أو الفقهي‪ .‬وعلى الرغم من أن المشرع المصري‪ ،‬بتضمينه للخطأ الجسيم ضمن زمرة أسباب‬
‫َ َّ َ‬
‫مخاصمة القضاة يعتبر استثناء‪ ،‬إال أن ُه ت َر َك مهمة تحديد نوعية األخطاء التي تعتبر جسيمة‬

‫للسلطة التقديرية للهيئة التي تبث في الدعوى‪ .‬وهوالنهج الذي أكدته محكمة النقض المصرية‬

‫‪669‬‬
‫‪. L’ordonnance du 22 décembre 1958 portant statut de la magistrature pose un principe général : " Les‬‬
‫" ‪magistrats ne sont responsables que de leurs foutes personnelles‬‬
‫‪670‬‬
‫) ‪. Le Conseil Supérieur de la Magistrature ( C S M‬‬
‫‪671‬‬
‫النص األصلي باللغة الفرنسية ‪. " Manquement aux devoirs de l’état" :‬‬
‫‪ . 672‬الدكتور حامد الشريف‪ " ،‬موانع القضاء"‪ ،‬المكتبة العالمية‪0117 ،‬‬

‫‪P 421‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫في قرارات عدة نذكر من بينها القرار عدد ‪ 2191‬للسنة القضائية عدد ‪ ،11‬الصادر بتاريخ‬

‫‪.9112/9/20‬‬

‫أما فيما يخص المسؤولية الجنائية للقضاة‪ ،‬فقد اعتبر المشرع الفرنس ي أنها تخضع‬

‫للقواعد العامة للقانون الجنائي‪ .‬حيث يتم تكييف األفعال المرتكبة من طرف القاض ي أثناء‬

‫مزاولته لمهامه والتحقق ما إذا كانت مستوفية لألركان المؤسسة للفعل الجرمي طبقا للقواعد‬
‫ّ‬
‫المنصوص عليها في منظومة القانون الجنائي‪ .‬وقد يعتبر البعض على أن هذا التوجه ال ُي َو ِف ُر‬

‫الحماية الكافية للسادة القضاة‪ ،‬ويفتح الباب على مصراعيه أمام قيام متابعات‪ ،‬إصدارأحكام‬

‫قاسية في مواجهة السادة القضاة مرتكبي تلك األفعال الجرمية‪ .‬بيد أن فلسفة المشرع‬

‫الفرنس ي تبقى واضحة المعامل‪ ،‬ترمي إلى تجريد السادة القضاة من أي امتياز على اعتبار أنهم‬

‫الضامنين للتطبيق العادل والمنصف للقانون وأن إتيانهم ألفعال جرمية في ظل منحهم‬

‫امتيازات خاصة قد يضرب عرض الحائط مصداقية منظومة العدالة برمهها‪ .673‬وهو النهج‬

‫الذي سارعليه كل من المشرع المغربي والمصري مؤطرينه في مساطرخاصة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تجريح القضاة واملحكمين‬

‫الغاية األساسية واألصلية من نشأة حق التجريح هو استبعاد قاض من هيئة الحكم أو‬

‫المتابعة ( المطلب األول)‪ ،‬لكن ببروز وسائل بديلة لفض النزاعات وامتداد استعمالها‪ ،‬أضحى‬

‫من الممكن تجريح املحكمين ( المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تجريح قضاة الموضوع وقضاة النيابة العامة‬

‫‪673‬‬
‫‪. Nicolas Broconnay : " La responsabilité des Magistrats " : 11 juin 2019.‬‬

‫‪P 422‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫عنيت المقتضيات المسطرية المؤطرة لتجريح القضاة بتحديد األسباب والمساطر‬

‫المتبعة (الفقرة األولى)‪ ،‬لكن الموقف المتبني بخصوص تجريح قضاة النيابة العامة يضل‬

‫موضوع جدل واسع لدى الفقه ( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفق ــرة األول ــى‪ :‬تجريح قضاة الموضوع‬

‫لم ُي َع ّ ِرف المشرع المغربي تجريح القضاة في الفصول ‪ 211‬إلى ‪ 211‬من قانون المسطرة‬
‫َ َّ‬
‫المدنية المؤطرة له‪ ،‬ل ِكن ُه ترك هذه المهمة للفقه‪ .‬حيث عرفه الفقيه عبد العزيز توفيق على‬
‫َ‬
‫أنه " طلب منع القاض ي نظرالنزاع كلما قام سبب يدعوإلى الشك في قضائه بغيرميل أوت َح ُّي ٍز"‪.674‬‬

‫أما الفقه الفرنس ي‪ ،‬فقد عرفه على أنه " تلك اآللية التي تسمح لألطراف بمنع القاض ي وصرفه‬

‫من متابعة نظر النزاع المطروح أمامه متى تحققت أسباب ذلك"‪ .675‬في مصر‪ ،‬أرادت محكمة‬

‫النقض المصرية وضع حد لالختالفات الفقهية في تعريف مفهوم تجريح القضاة‪ ،‬بوضعها‬

‫تعريف له في القرار عدد ‪ 129‬الصادر في الملف عدد ‪ ،21/19/9111‬بأنه "مسطرة مقررة لتقرير‬

‫ضمانات معينة للحفاظ على هيئة القضاة وحسم ما يثار حول القاض ي من ادعاءات"‪.676‬‬
‫ُ ُ‬
‫والمالحظ من خالل تحليل هذه التعريفات‪ ،‬أنها ت ِبرز تجريح القضاة على أنه آلية إجرائية َس َّن َها‬

‫المشرع لخدمة غاية معينة وهي حماية المتقاضين من أي تطبيق غير عادل للمقتضيات‬

‫القانونية المؤطرة للنازلة ُي ْع َزى سواء لعدم حياد القاض ي أو لوجود مصلحة له في النزاع تضع‬

‫استقالليته موضع شك‪.‬‬

‫‪ . 674‬ذ‪ .‬عبد العزيز توفيق‪ " ،‬التعليق على قانون المسطرة المدنية المغربي على ضوء الفقه والقضاء" ج ‪ .0‬الدار العربية‬
‫‪.‬للموسوعات بالقاهرة باالشتراك مع الشركة الجديدة‪ ،‬دار الثقافة بالبيضاء‪ 0212 ،‬صفحة ‪.007‬‬
‫‪675‬‬
‫‪. Serge Guinchard, " Droit et pratique de la procédure civile ", Dalloz, 2002 , p. 825.‬‬
‫‪. 676‬قرار محكمة النقض المصرية عدد ‪ 200‬الصادر في الملف عدد ‪ ( 02/10/0210‬س ‪ 21‬قضائية)‪ ،‬أورده احمد ابو الوفا‪ ،‬التعليق‬
‫على نصوص المرافعات‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية طبعة ‪ ،0‬سنة ‪ 0111‬صفحة ‪.027‬‬

‫‪P 423‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تتميز مسطرة تجريح القضاة بطابعها االختياري والشخص ي‪ .‬لكن المشرع المغربي‪،‬‬

‫وخالفا إلى ما سارعليه في الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬لم ينص صراحة على ذلك‬

‫في قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة الجنائية المغربي‪:‬‬

‫"يقدم طلب التجريح كتابة‪ ،‬ويجب أن تبين فيه تحت طائلة البطالن الوسيلة المثارة‬

‫للتجريح‪ ،‬وأن يرفق بجميع الحجج المقيدة ويوقعه طالب التجريح أو وكيله الخاص"‪.‬‬

‫أما المشرع الفرنس ي‪ ،‬فقد نص بطريقة جلية على الطابع الشخص ي لمسطرة تجريح‬

‫القضاة في الفصل ‪ 343‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫‪L’article 343 du Code de Procédure Civil Français :‬‬

‫‪« A l'exception des actions portées devant la Cour de Cassation, la‬‬

‫‪récusation peut être proposée par la partie elle-même ou par son mandataire. Le‬‬

‫‪mandataire doit être muni d'un pouvoir spécial ».‬‬

‫وهو نفس النهج الذي سارعليه المشرع المصري في الفصل ‪ 913‬من قانون المر افعات‬

‫وأكدته محكمة النقض المصرية في العديد من قراراتها‪ .677‬ومن الناحية اإلجرائية‪ ،‬يقدم طلب‬

‫التجريح وفق القواعد المنصوص عليها في الفصل ‪ 32‬و‪ 33‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‬

‫واملحددة لشكليات المقال االفتتاحي للدعوى‪ .‬لتقوم بعد ذلك كتابة الضبط باملحكمة التي‬

‫يزاول بها القاض ي مهامه‪ ،‬بتبليغه ذلك الطلب‪ .‬وعليه أن يصرح داخل أجل عشرة أيام من تاريخ‬

‫التوصل‪ ،678‬سواء برفضه أو قبوله‪ ،‬مع اإلجابة عن وسائل هذا الترجيح‪ .‬فإذا تعلق األمربقاض‬

‫‪ . 677‬علي عوض حسن‪ " ،‬رد ومخاصمة أعضاء الهيئات القضائية"‪ ،‬دار الفكر الجامعي باإلسكندرية‪ ،‬طبعة ‪ ،0‬سنة ‪ ،0222‬صفحة‬
‫‪.00‬‬
‫‪ . 678‬الفصل ‪ 020‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‪.‬‬

‫‪P 424‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫يزاول مهامه باملحكمة االبتدائية أو بمحكمة االستئناف‪ ،‬فإن طلب التجريح‪ ،‬مرفوق بجواب‬

‫القاض ي أو المستشار يحال على السيد الرئيس األول الذي يستمع للطرف المقدم للطلب‬

‫وللقاض ي أو المستشار قبل أن يحيل الملف على غرفة المشورة‪ .‬بينما تبث محكمة النقض في‬

‫نفس اإلجراءات‪ ،‬ال من ناحية شكليات تقديم الطلب أو االجاالت الممنوحة‪ ،‬في طلب تجريح‬

‫مستشارلدى محكمة النقض‪.679‬‬

‫ُ‬
‫ويتضح جليا مما سبق‪ ،‬بأن هذه المسطرة هي تواجهية في ك ْن ِه َها‪ ،‬حيث تتاح الفرصة‬

‫للقاض ي أو المستشارموضوع طلب التجريح الرد على مزاعم مقدم الطلب و إبرازمكامن الخلل‬

‫أو تفتقر لوسائل‬ ‫في دفوعاته التي قد تخرج عن إطار التنصيص الحصري ألسباب التجريح‪680‬‬

‫اإلثبات‪ .‬هذا الطابع الحصري الذي أكدته محاكم االستئناف المغربية في قرارات عدة‪ ،‬نذكر‬

‫من بينها قرار محكمة االستئناف التجارية بمراكش عدد ‪ 993‬الصادر بتاريخ ‪ 2110/10/21‬في‬

‫الملف رقم ‪ ،2110/911‬حيث أكدت في قرارها بأن " سبب التجريح المعتمد والمنصوص عليه‬

‫في الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة المدنية غيرمتوفرفي النازلة مما ينبغي معه التصريح برفض‬

‫الطلب"‪.681‬‬

‫حرص المشرع المغربي‪ ،‬مند صدور الصيغة األولى لقانون المسطرة المدنية‪ ،‬على‬
‫َْ َ‬ ‫ُ َ‬
‫تضمين نصوص ومقتضيات تخ ّ ِو ُل أطراف النزاع تجريح القاض ي وتن ِح َيت ُه عن هيئة الحكم‪.‬‬
‫َ‬
‫واب ِط ِه‪ ،‬شكل حافزا‬
‫فالميراث التشريعي اإلسالمي‪ ،‬والذي كان سباقا لتأطير التجريح ووضع ض ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ّ‬
‫ض ّمنها في الفصول ‪ 211‬وما يليها من قانون‬ ‫للمشرع المغربي ِل َيت َبنى هذه المسطرة الخاصة وي‬

‫وم َح ِّد ًدا أسباب التجريح في ثمانية وهي كالتالي‪:‬‬


‫المسطرة المدنية بكل سالسة ُوي ْسر ُ‬
‫ٍ‬

‫‪. 679‬الفصل ‪ 020‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‪.‬‬


‫‪ . 680‬الفصل ‪ 020‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‪.‬‬
‫‪ . 681‬قدددددرار منشدددددور ب‪ " :‬الموسدددددوعة الكاملدددددة لقدددددانون المسدددددطرة المدنيدددددة"‪ ،‬الجدددددزء األول‪ ،‬ذ‪ /‬عمدددددر ازوكدددددار والنقيدددددب الطددددداهر‬
‫موافق‪.‬‬

‫‪P 425‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫" ‪ -‬إذا كان له (القاض ي) مصلحة شخصية مباشرة أو غيرمباشرة في النزاع‪.‬‬

‫‪ -‬إذا وجدت قرابة أو مصاهرة بينه أو بين زوجه مع أحد األطراف حتى درجة ابن العم‬

‫المباشربإدخال الغاية‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كانت هناك دعوى قائمة أو انههت منذ اقل من سنتين بينه أو بين زوجه أو أصولهما‬

‫أو فروعهما وبين احد األطراف‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كان دائنا أو مدينا ألحد األطراف‪.‬‬

‫‪ -‬إذا قدم استشارة أو ر افع أو كان طرفا في النزاع أو نظر فيه كحكم أو أدلى فيه بشهادة‪.‬‬

‫‪ -‬إذا سبق أن كان نائبا قانونيا ألحد األطراف‪.‬‬

‫‪ -‬إذا وجدت عالقة تبعية بين القاض ي أو زوجه وبين أحد األطراف أو زوجه‪.‬‬

‫‪ -‬إذا وجدت صداقة أو عداوة مشهورة بين القاض ي وأحد األطراف"‪.‬‬

‫إال أن القراءة الدقيقة لهذه األسباب الثمانية‪ ،‬والتي أراد لها المشرع أن تكون مفصلة‬

‫لرفع اللبس وتمكين األطراف من تأسيس مطالبهم على أسباب واضحة‪ ،‬يمكن حصرها في املحاور‬

‫الثالث التالية‪:‬‬

‫املحوراألول‪ :‬وجود مصلحة مباشرة للقاض ي في النزاع اقتصادية كانت أو شخصية‪.‬‬

‫املحورالثاني‪ :‬وجود قرابة أو عالقة‪ ،‬ب َغ ّ‬


‫ض النظرعن طبيعهها‪ ،‬بين القاض ي وأحد أطراف‬‫ِ ِ‬
‫النزاع‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫املحورالثالث‪ :‬إذا سبق للقاض ي أن ك َّون رأيا مسبقا عن النزاع أوأدلى ِبدل ِو ِه فيه كشاهد‪.‬‬

‫‪P 426‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫فاملحور األول‪ ،‬والمتعلق بوجود مصلحة مباشرة للقاض ي في النزاع‪ ،‬ال يعدو أن يكون في‬
‫َ َ‬ ‫ُك ْنهه إال إجراءا ْ‬
‫اح ِت ِرا ِزَّيا َي ْر ِمي من خالله المشرع ت ْم ِكين أطراف النزاع من تنحية القاض ي الذي‬ ‫ِِ‬
‫ّ‬
‫ُي ِخ ُّل بمبدأ االستقاللية‪ .‬ذلك أن وجود مصلحة اقتصادية أوشخصية للقاض ي في النزاع‪ ،‬تجعله‬

‫تحت رحمة القرارات التي قد تتخذها الجهة التي تكفل هذه المصلحة والتي قد تلوح بإيقاع‬
‫ْ‬
‫الضرربها في حالة عدم امتثاله ِل َرغ َب ِه َها‪.‬‬

‫أما املحورين الثاني والثالث‪ ،‬فهما بمثابة رد فعل المشرع المغربي الحتمال َزْي ِغ القاض ي‬

‫أو الهيئة القضائية عن مبدأ الحياد‪ .‬ذلك أن تكوين القاض ي لرأي مسبق عن القضية سواء إذا‬
‫ًّ‬
‫كان نائبا قانونيا ألحد األطراف أو في إطارتقديم استشارة أو شهادة في النزاع‪ ،‬يجعله ُم ِخال بمبدأ‬

‫الحياد وتحديدا بشقه الموضوعي‪ .682‬أما السبب المتعلق بوجود عالقة شخصية سواء قرابة‬

‫أو عداوة‪ ،‬بين القاض ي وأطراف النزاع‪ ،‬فلها تأثيرسلبي على حياد القاض ي " الذاتي"‪ ،‬كما عرفته‬

‫املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان في قرارها ‪ 91111/12‬الصادربتاريخ ‪C/France( 2111/91/4‬‬

‫‪.)Le Strum‬‬

‫وقد استنبط المشرع المغربي المقتضيات المتعلقة بتجريح القضاء من قانون‬

‫المسطرة المدنية والتنظيم القضائي الفرنس ي‪ ،‬اللذان كانا نتاجا لتعديالت عدة طرأت خالل‬

‫قرون على مرسوم ‪ ،9001‬والتي أسفرت على تقسيم التجريح إلى نوعين‪ ( :‬أ ) "الترجيح المسبب"‪،‬‬
‫ْ‬
‫َوالذي يجب أن َين َب ِني على أسباب ذكرها المشرع الفرنس ي في القانون المسطري‪ ،‬و( ب )‬

‫"الترجيح القاطع"‪َ ،‬والذي يسمح للخصوم تأسيس طلب التجريح على أسباب أخرى غيرتلك التي‬

‫ذكرها القانون‪ .‬وبعد التعديل الذي حصل على المادة ‪ 313‬من قانون المسطرة المدنية‬

‫الفرنس ي بتاريخ ‪ 90‬مارس ‪ ، 9111‬حدد المشرع الفرنس ي أسباب تجريح القضاة في ثمانية‪ .‬في‬

‫‪ . 682‬قرار محكمة األوروبية لحقوق اإلنسان عدد ‪ )Le Strum c/ France ( 07227/10‬الصادر بتاريخ ‪ 2‬اكتوبر ‪0117‬‬

‫‪P 424‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫حين لم يكن للتعديل الذي أدخله المشرع الفرنس ي على مسطرة التشكك المشروع أي أثر على‬

‫أسباب تجريح القضاة‪ ،‬حيث اكتفى باألسباب الثمانية مع تضمينها في الفصل ‪ L111-5‬من‬

‫مدونة التنظيم القضائي واملحددة في ما يلي‪:‬‬

‫‪ -9‬إذا كان للقاض ي أو زوجه مصلحة شخصية في النزاع‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا كان القاض ي أو زوجه دائن‪ ،‬مدين‪ ،‬وريث أو واهب ألحد األطراف‪.‬‬

‫‪ -3‬إذا كان القاض ي أو زوجه أبا أو والي ألحد األطراف أو زوجه إلى غاية الدرجة الرابعة‪.‬‬

‫‪ -4‬إذا كان هناك نزاع قائم بين القاض ي أو زوجه وأحد أطراف النزاع‪.‬‬

‫‪ -1‬إذا ما سبق للقاض ي أن بث في القضية مسبقا بصفته هاته أو بصفته محكم أو‬

‫مستشارألحد األطراف‪.‬‬

‫‪ -0‬إذا كان القاض ي أو زوجه مكلفا بتسييرأموال أحد األطراف‪.‬‬

‫‪ -1‬إذا كان بين القاض ي أو زوجه عالقة تبعية مع أحد األطراف أو زوجه‪.‬‬

‫‪ -1‬إذا كان بين القاض ي وأحد األطراف عالقة صداقة أو عداوة معروفة‪.‬‬

‫باإلضافة إلى األسباب السالفة الذكر‪ ،‬نص المشرع الفرنس ي في الفصل ‪ 1-9‬من‬

‫المرسوم رقم ‪ 11-9211‬الصادر في ‪ 22‬دجنبر ‪ 9111‬والمنظم لوضعية القضاء في فرنسا على‬

‫سبب أخرلتجريح القضاة ويتعلق األمرتحديدا بوجود " تضارب في المصالح"‪.‬‬

‫ما يثير انتباه الباحث‪ ،‬من أول قراءة لألسباب المنصوص عليها في الفصل ‪ L111-5‬من‬

‫مدونة التنظيم القضائي الفرنس ي والمرسوم المنظم لوضعية القضاة‪ ،‬وجود تطابق كبير َب ْي َن َها‬

‫وبين تلك المنصوص عليها في الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة المغربي‪ .‬ذلك إذا ما استثنينا‬

‫‪P 422‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الشرط األخيرالمتعلق بتضارب المصالح‪ ،‬يتضح بأن هذه األسباب يمكن إدراجها تحت خانتين‬

‫أساسيتان‪ .‬األولى تعنى بانتفاء شرط الحياد بشقيه الموضوعي والذاتي كما عرفته املحكمة‬

‫االوروبية لحقوق اإلنسان في قرارها "‪ ." Le Strum vs France‬ويتعلق األمر بكل من الفقرة‬

‫األولى‪ ،‬الثانية‪ ،‬الرابعة‪ ،‬الخامسة والثامنة من الفصل ‪ L111-6‬من مدونة التنظيم القضائي‪.‬‬

‫أما الفقرات األخرى‪ ،‬وهي الثانية‪ ،‬السادسة واألخيرة ( التاسعة ) فتعنى باألسباب التي يمكن‬

‫إثارتها حينما ال يستوفي القاض ي شرط االستقاللية‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أن المشرع المغربي‪ ،‬وعلى غرار النهج الذي سار عليه المشرع الفرنس ي‪،‬‬
‫َّ‬
‫َمك َن القاض ي في الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬من تجريح نفسه سواء بناء على أحد‬

‫األسباب المنصوص عليها في الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة المدنية أو لسبب آخر‪ .‬حيث‬

‫عليه أن يوجه طلبه لرئيس املحكمة إذا تعلق األمر بقاض ي يزاول مهامه في املحكمة االبتدائية‪.‬‬

‫أما إذا تعلق األمر برئيس املحكمة االبتدائية‪ ،‬فالتصريح يوجه للسيد الرئيس األول‪ .‬وفيما‬

‫يخص باقي الحاالت والمتعلقة أساسا بمستشارين يزاولون مهامهم سواء لدى محكمة‬

‫االستئناف أو لدى محكمة النقض‪ ،‬فالطلب يوجه لرؤساء الغرف والمستشارين اآلخرين الذين‬
‫َ‬
‫يزاولون مهامهم في هذه الغرف والذين عليهم أن ُيق ّ ِر ُروا ما إذا كان على المستشار المقدم‬

‫للتصريح بالتجريح أن يتخلى عن الحكم في القضية‪ .‬وبالرجوع للفصول المنظمة للتجريح في‬
‫َّ‬
‫مدونة التنظيم القضائي الفرنس ي‪ ،‬يتضح بأن المشرع الفرنس ي َمك َن قضاة الموضوع وقضاة‬

‫النيابة العامة‪ ،‬على حد سواء من تجريح أنفسهم ليس فقط لألسباب المنصوص عليها في‬

‫الفصل ‪ L111-6‬من مدونة التنظيم القضائي‪ ،‬بل ألي سبب آخر السيما حينما يتعلق االمر‬

‫بتضارب المصالح‪.‬‬

‫‪P 427‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وفيما يخص تجريح قضاة النيابة العامة‪ ،‬فقد َع ِم َل المشرع المغربي‪ ،‬من خالل‬

‫مقتضيات الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬على تمكين األطراف من ترجيح هذه الفئة‬

‫من القضاة‪ ،‬إذا كانوا طرفا منظما في الدعوى‪ ،‬وفقا لألسباب المنصوص عليها في الفصل ‪211‬‬
‫َ‬
‫من قانون المسطرة المدنية‪ .‬لكنه لم ينص صراحة على تمكينهم من تجريح أنفسهم‪َ .‬ب ْيد أن‬

‫الصيغة العامة التي جاء بها هذا النص‪ ،‬أي الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬ال تفيد‬

‫استثناء هذه الفئة من القضاة من تجريح أنفسهم وطلب استبعادهم‪.‬‬

‫لكن هذا التباين بين التنصيص الحصري ألسباب التجريح‪ ،‬حينما يتعلق األمر بمباشرة‬
‫َّ ْ‬
‫التجريح من طرف أحد المتقاضين‪ ،‬وحينما يتعلق األمر بتصريح بالتن ِح َّي ِة صادر عن أحد‬
‫َ‬ ‫ََْ‬
‫القضاة أنفسهم قد يدعو البعض إلى اعتبار أن هذه المسطرة الخاصة تفت ِق ُر ِل ُمق ّ ِو َمات‬

‫اإلنصاف وأنها تضيق الخناق على أطراف الدعوى‪ ،‬في حين تتسم بالمرونة كلما تعلق األمر‬

‫بتصريح التنحية الصادر عن القاض ي‪ .‬كما أن إمكانية تجريح القاض ي نفسه في القانون‬

‫المسطري المغربي‪ ،‬ألسباب أخرى غير تلك المنصوص عليها في الفصل ‪ 211‬من قانون‬
‫َ ْ‬
‫المسطرة المدنية‪ ،‬تط َر ُح أكثرمن تساؤل حول إمكانية استعمال من هذه اآللية من طرف بعض‬

‫السادة القضاة كوسيلة إلنكارالعدالة بمفهوم التخلي عن قضية معينة واالمتناع عن البث فيها‪.‬‬

‫وهو السيناريو الوارد السيما إذا كانت القضية المعروضة على القاض ي أو المستشار المقرر‬

‫تطرح بعض اإلحراج ألسباب قد ال تكون ظاهرة للعيان‪ ،‬أو نابعة عن رغبة القاض ي في تعطيل‬
‫َ َْ‬
‫مصالح أحد المتقاضين‪ .‬فالنفس البشرية ِب َو ْج َه ْي َها الصالح والطالح ال ت ْستث ِني فئات معينة من‬
‫َ ّ َُ‬ ‫ْ‬
‫والمث ِابرالذي على الشخص القيام‬ ‫املجتمع‪ ،‬وأن السبيل الوحيد َله ْه ِذ َي ِب َها َيك ُم ُن في العمل الج ِاد‬

‫به في سبيل تقويم سلوكه وتوجيه نفسه سبيل التقوى‪ .‬والنص القرآني واضح في هذا الباب‪.‬‬
‫َََْ َ َ ُ ُ َ َ ْ‬
‫ور َها َوتق َو َاها"‪.‬‬ ‫يقول الله تعالى في سورة الشمس ( اآلية ‪" :)1‬فألهمها فج‬

‫‪P 430‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لكن هذا التمييز بين أطراف النزاع والقضاة في تفعيل مسطرة التجريح‪ ،‬قد يكون سببه‬

‫نابع من رغبة المشرع منع أي شطط في استعمال حق التجريح من طرف المتقاضيين الذين قد‬

‫يلتجئوا إليه كأداة لتعطيل العدالة أو إطالة أمد النزاع دونما أن يرتكز التجريح على أسباب‬

‫جدية‪ .‬فالتجربة القضائية‪ ،‬وتحديدا فيما يخص المنازعات المعروضة أمام املحاكم‪ ،‬أبانت‬

‫عن الكم الهائل من المساطر التي تمارس من طرف بعض المتقاضين سواء بسوء نية أو رغبة‬

‫في إلحاق الضرربالغير‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬كان الترجيح والزال في ظل معظم األنظمة القانونية‪ ،‬يعتبر سيف دو‬

‫حدين قد ال يتسنى بلوغ المقاصد المتوخاة منه إذا لم يتم تقنين األسباب التي سيرتكز عليها‬
‫َ‬
‫طلب التجريح‪َ .‬ول َع َّل التطور التاريخي‪ ،‬الذي تمت اإلشارة إليه في ديباجة هذا المقال‪ ،‬وكيف‬

‫كان هذا الحق عرضة لممارسات تعسفية سواء من طرف المتقاضيين أو بطريقة غير مباشرة‬

‫تحت ضغط الساسة والملكية‪ ،‬لكفيل بتبيان مدى أهمية هذا التقنين ألسباب التجريح التي‬

‫يمكن إثارتها من طرف المتقاضين‪ .‬لكن أبرزانتقاد يمكن توجيهه للنصوص القانونية المؤطرة‬

‫للتجريح‪ ،‬سواء في القانون المغربي أو على مستوى القانون المقارن‪ ،‬هو جمود هذه النصوص‬

‫التي لم يطرأ عليها أي تغييرمنذ عقود‪ ،‬بالنسبة للنصوص المغربية‪ ،‬أو تعديالت طفيفة بالنسبة‬

‫للنص الفرنس ي‪ .‬مما تكون معه هذه المقتضيات ال تواكب العصرمن ناحية التطورالسوسيو‬

‫اجتماعي الحاصل في هذه املجتمعات‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬يتعين من جهة إعادة النظر في المسطرة المتبعة في تقديم القاض ي‬

‫لطلب تجريح نفسه‪ ،‬حيث إذا ما استثنينا الحالة التي يعرض فيها رئيس املحكمة االبتدائية طلبه‬

‫على مرؤوسه اإلداري المباشر‪ ،‬وهو الرئيس األول‪ ،‬فإن الحاالت األخرى والتي تتعلق سواء‬

‫بقضاة املحكمة االبتدائية‪ ،‬مستشاري محكمة النقض أو محكمة االستئناف‪ ،‬فإن طلباتهم‬

‫‪P 431‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تعرض على أعضاء الغرفة التي تبث في القضايا المعروضة على املحكمة في تلك المادة والذين‬

‫عليهم أن يقرروها ما إذا كان على القاض ي أو المستشار تنحية نفسه من عدمه‪ .‬وهو اإلجراء‬

‫الذي يتجرد من أي طابع استثنائي‪ ،‬على الرغم من أن الطلب الموجه من طرف القاض ي أو‬

‫المستشار يعد في حد ذاته طلبا استثنائيا يتعين البث فيه من طرف هيئة محايدة وأعلى درجة‬

‫في السلم اإلداري القضائي حتى تتمكن من تقييمه بكل استقاللية وموضوعية‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يتعين على المشرع المغربي‪ ،‬وعلى غرار ما سار إليه المشرع الفرنس ي‪،‬‬

‫أخد بعين االعتبار إمكانية تجريح القضاة أنفسهم‪ ،‬سواء كانوا قضاة موضوع أو قضاة النيابة‬
‫َ َ‬
‫العامة‪ ،‬ألسباب تتعلق "بتضارب المصالح"‪ .‬ذلك أن تطور الحياة االقتصادية‪ ،‬تش ُّع ُب َها وتعدد‬
‫َ ُ‬
‫استثمارات الفاعلين االقتصاديين‪ ،‬سواء كانوا موظفين أوغيرهم‪ ،‬وفي حدود َما ُيخ ّ ِول ُه القانون‪،‬‬

‫يجعل القضايا التي قد تطرح أمام املحاكم‪ ،‬ويكون فيها للقاض ي أو ألحد أفراد أسرته الصغيرة أو‬

‫الكبيرة تضارب في المصالح بين النهج الذي يجب أن تسير إليه العدالة ومصلحة القاض ي أو‬

‫المستشارالمقرر‪ ،‬تستدعي أن يقدم هذا األخيرطلب تنحيته حتى ولو كان هذا التضارب مستترا‬

‫وغيرواضح للعيان‪.‬‬

‫بصدور مدونة األخالقيات القضائية‪ ،‬أرادت السلطات العليا القضائية المغربية أن‬

‫توضح الرؤية وأن تنفي الجهالة عن كل ما من شأنه أن يشكل حجرة عثراء أمام النهوض بمنظومة‬

‫العدالة‪ .‬لكن الطابع الغير اإللزامي للمدونة وتلويحها بعقوبات تأديبية فقط‪ ،‬في حالة وجود‬

‫تضارب بالمصالح‪ ،‬يجعل فاعليهها ضعيفة أمام عدم التصريح العلني للقاض ي بوجودها‪ .‬مما‬

‫يكون معه تعديل مقتضيات الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة المدنية بطريقة تتضمن "‬

‫تضارب المصالح " كأحد أسباب تقديم طلب التنحية ضرورة يمليها الو اقع السوسيو‬

‫اقتصادي شريطة اقترانه بجزاءات تضمن التفعيل السليم لهذه المقتضيات‪.‬‬

‫‪P 432‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ما يثير انتباه الباحث في تحليله للنصوص القانونية المؤطرة لتجريح‬

‫القضاة‪ ،‬هو انعدام التوحيد بين المقتضيات واألسباب التي بموجبها يمكن تجريح القاض ي أو‬

‫الهيئة القضائية بين القانون المدني التجاري والجنائي سواء على مستوى القانون المصري‬

‫الفرنس ي أو حتى المغربي‪ .‬فحاالت الرد في قانون اإلجراءات الجنائية المصرية هي أوسع من‬

‫مثيلهها في قانون المر افعات المدنية والتجارية‪ .‬وأسباب تجريح القاض ي المدني والتجاري في‬

‫القانون المصري تقتصر على تلك المنصوص عليها في المادة ‪ 941‬من قانون المر افعات‪ .‬أما‬

‫قانون اإلجراءات‪ ،‬فهو يتضمن باإلضافة إلى األسباب المنصوص عليها في الفصل ‪ ،941‬األسباب‬

‫المذكورة في الفصل ‪.683 241‬‬

‫أما المشرع الفرنس ي‪ ،‬فلم يوحد بدوره أسباب التجريح بين القانون المدني والجنائي‪،‬‬

‫لكنه وخالفا للمشرع المصري‪ ،‬أورد عدد أسباب التجريح تفوق تلك المنصوص عليها في‬

‫التشريع المصري خصوصا في المادة المدنية والتجارية‪ .‬كما أن أوجه التباين في هذا الباب‬

‫تكمن في تخصيص كل من المشرع المصري والفرنس ي أسبابا لتجريح القاض ي الجنائي أقل بكثير‬

‫من تلك املخصصة لتجريح القاض ي المدني‪ ،‬على عكس التوجه الذي سار عليه المشرع‬

‫المغربي‪ ،‬الذي يعتبر أن الطابع الزجري والعقوبات السالبة للحرية المقترنة باألحكام الصادرة‬

‫عن القاض ي الجنائي‪ ،‬تستدعي توسيع رقعة األسباب التي تخول تجريح القاض ي الجنائي‪.‬‬

‫الفق ــرة الثاني ــة‪ :‬تجريح قضاة النيابة العامة‬

‫اختلف الفقه حول تاريخ ظهور النيابة العامة كجهاز‪ .‬لكن بعض الباحثين يؤكدون بأن‬

‫الملك فيليب الخامس‪ ،‬في القرن الرابع عشر ميالدي‪ ،‬أصدر وثيقة موجهة لوكالئه يأمرهم‬

‫بتمثيله في املحاكم الفرنسية في القضايا المتعلقة بممتلكاته‪ ،‬لتتوسع بعد ذلك صالحيات هؤالء‬

‫‪ . 683‬ذ‪ .‬حامد الشريف‪ " ،‬موانع القضاء"‪ ،‬المكتبة العالمية‪ ،‬طبعة ‪0117‬‬

‫‪P 433‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ُ‬
‫الوكالء ويشكلون تبعا لذلك جهازا ال يتجزأ من أسرة القضاة‪ ،‬ت ْع َه ُد لهم مهام تعنى أساسا بإثارة‬
‫َ‬
‫النظام العام الذي أضحى هو كذلك في تطور ُم ْست ِمر تحكمه التغيرات السوسيو اقتصادية‬

‫للمجتمع‪.‬‬

‫لم يعرف التشريع المغربي مؤسسة النيابة العامة كجهاز قائم الذات إال بعد فرض‬

‫الحماية الفرنسية ابتداء من معاهدة فاس المبرمة في ‪ 31‬مارس ‪ .9192‬وقد تكرس هذا الجهاز‪،‬‬

‫اي النيابة العامة‪ ،‬بعد استقالل المغرب وسن قانون المسطرة الجنائية في ‪ 91‬فبراير ‪9111‬‬

‫والذي تم إعداده على ضوء قانون المسطرة الجنائية الفرنس ي‪ .‬هذا األخير عرف زمرة من‬

‫التعديالت كان آخرها القانون ‪ 23.11‬والقانون ‪ .24.11‬يحكم عمل النيابة العامة في المغرب‬

‫القانون المسطري‪ ،‬سواء تعلق األمر بقانون المسطرة المدنية أو الجنائية‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫مجموعة من المراسيم الملكية التي حددت اختصاصات وكالء الملك‪ ،‬والتي تتمحور أساسا‬

‫حول مر اقبة تطبيق القانون‪ .‬أما في التشريع اإلسالمي‪ ،‬فنظام النيابة العامة لم يكن موجودا‬

‫بنفس التركيبة أو التسمية‪ ،‬وكانت هناك أنظمه شبيهة تحمل اسم " والية المظالم" أو " والية‬

‫الحسية َ"والتي لم تكن ممثلة في املحكمة على الرغم من أن اختصاصاتها كانت قريبة من‬

‫اختصاصات القاض ي‪.‬‬

‫النيابة العامة هي جهاز قضائي يدافع عن الحق العام عبر تسطير متابعات هدفها تمكين‬

‫املجتمع من إيقاع العقاب على مرتكبي األفعال الجرمية‪ .‬وفي إطار إنجازها لمهامها‪ ،‬خول لها‬
‫القانون‪ 684‬مرة من الصالحيات التي ُت ْ‬
‫ض ِفي على عمل ممثلتي هذا الجهازعدة خصائص تميزهم‬ ‫ز‬

‫عن قضاة الموضوع والمتمثلة أساسا في‪ :‬في االستقالل‪ ،‬الوحدة‪ ،‬التدرج والخضوع الرئاس ي‪،‬‬

‫‪ . 684‬كل من قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية‬

‫‪P 434‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫باإلضافة إلى خاصية عدم المسؤولية‪ ،‬عدم القابلية للتجريح‪ ،685‬ناهيك عن عدم ارتباط الجهاز‬

‫بمطالبه‪.‬‬

‫فخاصية وحدة النيابة العامة تعنى أساسا بكون أن أي قرار صادر عن أي عضو من‬

‫أعضاء هذا الجهاز‪ ،‬يعتبر كأنه صادر عن الجهاز ككل‪ .‬هذا باإلضافة إلى تمكين أعضاء النيابة‬

‫العامة من أن يحل أحدهم مكان اآلخر‪ .‬فهم يعملون باسم هذا الجهاز على خالف قضاة‬
‫َ‬
‫الموضوع‪ ،‬حيث يستقل كل واحد في َع َم ِل ِه القضائي عن اآلخر‪ ،‬وال يمكنهم التناوب عليه‪َ .‬ب ْيد‬

‫أن لخاصية الوحدة قيود تتمثل في االختصاص النوعي والترابي املخول لكل هيئة داخل دائرة‬

‫نفوذ املحكمة التي تنتمي إليها‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يخضع قضاة النيابة العامة لتسلسل إداري هرمي‪ ،‬يعتبر بموجبه‬

‫الوكيل العام لدى محكمة النقض مرؤوسهم األعلى طبقا لمقتضيات القانون ‪ 91.33‬والمتعلقة‬

‫بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعمل إلى الوكيل العام لدى محكمة النقض‪.‬‬

‫حيث أصبح هذا األخير‪ ،‬منذ تاريخ دخول هذا القانون حيزالتنفيذ في ‪ 1‬اكتوبر‪ ،2191‬المسؤول‬

‫القضائي األول عن جهازالنيابة العامة وذلك خالفا للوضع السابق‪ ،686‬والذي بموجبه كان لوزير‬

‫العدل سلطة توجيه التعليمات ألعضاء النيابة العامة و اقتراح نقلهم‪.‬‬

‫ويعتبرهذا التعديل لبنة أساسية في إطاراستكمال البناء الدستوري في البالد‪ ،‬ويندرج في‬

‫إطار تفعيل أحكام كل من المادتين ‪ 991‬و‪ 990‬من الدستور المغربي والمادتين ‪ 999‬و ‪ 991‬من‬
‫القانون األساس ي للقضاة‪َ .‬‬
‫وع َم ِل ًّيا‪ ،‬تقتض ي هذه القاعدة‪ ،‬أي الهرمية‪ ،‬خضوع كل مرؤوس‬

‫‪ . 685‬هناك استثناءات لهذه القاعدة حسب األنظمة القانونية‬


‫‪ . 686‬ظهير ‪0272/00/00‬‬

‫‪P 435‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لرئيس‪ .‬حيث يتعين على كل عضو من أعضاء النيابة العامة التقيد بالتعليمات‪ .‬غيرأن اإلجراء‬

‫المتخذ والمنجزخالفا للتعليمات يظل صحيحا ومنتجا آلثاره القانونية‪.‬‬

‫فقضاة النيابة العامة هم قضاة يخضعون لنفس التكوين كقضاة الموضوع ويتمتعون‬

‫باالستقاللية‪ ،‬في إطار إنجازهم لمهامهم‪ ،‬كممثلين للسلطة القضائية عن الجهاز التنفيذي‬

‫والتشريعي‪ .‬وعلى الرغم من تنوع أنماط تدخلهم في الدعاوى من طرف رئيس ي‪ ،‬منظم‪ ،687‬فهم‬

‫يتمتعون باالستقالل سواء عن الخصوم أواملحكمة‪ .‬ذلك أن سلطة المالئمة املخولة لهم قانونا‬

‫تمنحهم الحق في تسطيرالمتابعة من عدمه حسب ظروف ومالبسات القضية المعروضة عليهم‪.‬‬

‫بيد أن خاصية عدم قابلية تجريح قضاة النيابة العامة أضحت موضوع جدل واسع من‬

‫لدن لفقه‪ ،‬الذي يرى هذا الجهاز‪ ،‬أي النيابة العامة‪ ،‬كخصم إجرائي أكثر من ما هو خصم‬
‫َ‬
‫بالمفهوم القانوني التقليدي‪َ .‬وي ْعت ِب ُر من جهة أخرى‪ ،‬عدم إمكانية تجريح أحد ممثلي النيابة‬

‫العامة على الرغم من وجود أدلة قوية تضع حياده محطة شك‪ ،‬خرقا لشروط املحاكمة العادلة‬

‫وحصانة غيرمبررة لجهاز اعتبرته محكمة النقض فرنسية في قرارها ‪ ،1911‬الصادر في ‪ 91‬دجنبر‬

‫‪ 2191‬بأنه جهازغيرقضائي‪.‬‬

‫تتدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية‪ ،‬كما تمت اإلشارة إليه آنفا كطرف منظم‬

‫وذلك خالفا للقضايا ذات الطابع الزجري‪ .‬وهناك إجماع بين كل من المشرع المغربي‪ ،‬الفرنس ي‬

‫والمصري على إمكانية تجريح ممثلي النيابة العامة حينما يكون تدخلهم إختياري في الدعاوى‬

‫المدنية‪ .‬لم يقدم المشرع‪ 688‬أي تعليل واضح بخصوص التمييز في ممارسة حق التجريح بين‬

‫‪ . 687‬حينما تتدخل النيابة العامة كطرف منظم فتدخلها يكون أما اختياري أو إجباري حسب طبيعة القضايا‬
‫‪ . 688‬سواء المغربي‪ ،‬الفرنسي والمصري‬

‫‪P 436‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التدخل االختياري واإلجباري للنيابة العامة في هذه الدعاوى‪ ،‬لكن الفقه أدلى بدلوه في هذا‬

‫الباب مبرزا أسبابا تتعلق أساسا بالمركزالقانوني للنيابة العامة في كل حالة‪.‬‬

‫فحينما تختارالنيابة العامة أن تتدخل في الدعاوى المدنية‪ ،‬فهي تعتبرأجنبية عن النزاع‬

‫وال تقدم أي طلب من الطلبات‪ ،‬أو تتخذ أي إجراء‪ ،‬ناهيك عن عدم ممارسة أي طعن‪ .‬فمركزها‬

‫يتسم بالحياد وتكتفي بإبداء رأيها بهدف التطبيق السليم للقانون والعدالة‪ .‬بل إن بعض الفقه‬

‫أنعهها بالحكم االستشاري لما لمذكراتها من تأثيرعلى رأي املحكمة‪ .‬لكنها تبقى بدون مصلحة في‬

‫النزاع ومحايدة لكون أن طبيعة هذا التدخل يحتم عليها أن تبحث في القانون وحده دون الوقائع‬

‫التي يبقى البحث فيها حكرا على قضاة الموضوع‪.‬‬

‫بيد أن توجها من الفقه الفرنس ي ال يشاطرهذا الرأي‪ ،‬ويعتبرأن تدخل النيابة العامة في‬

‫القضايا المدنية ال مبررله وان مهمة حماية مصالح املجتمع هي من اختصاص قضاة الموضوع‬

‫الذين هم في غنى عن مستشارين إضافيين يوضحون لهم كيفية تطبيق القانون‪.689‬‬

‫َ ُ‬
‫َيت َم َّيز المركز القانوني للنيابة العامة في المواد المدنية بعدم التبات وبتغيره‪ ،‬حسب‬

‫طبيعة القضايا‪ ،‬من أصلي إلى منظم‪ ،‬وذلك خالفا لما سارت عليه جل التشريعات العربة منها‬

‫أو الغربية في المادة الجنائية‪ .‬وهناك شريحة عريضة من الفقه ترفض تكييف تدخل النيابة‬

‫العامة في القضايا المدنية كطرف أصلي‪ ،‬ألنها ال تتدخل كخصم بنفس المنوال الذي تكون‬
‫َ ّ‬
‫عليه في الدعاوى الجنائية‪ .690‬ولعل ت َب ِني كل من المشرع المغربي‪ ،‬المصري والفرنس ي التوجه‬

‫الذي بموجبه تتدخل النيابة العامة كطرف أصلي في بعض القضايا المدنية‪ ،‬يرتكزعلى فلسفة‬

‫قانونية مفادها بان هناك نوعية خاصة من القضايا لها صلة وثيقة بالمصلحة العامة أو‬

‫‪689‬‬
‫‪. H. Soulous :"La jurisprudence et le droit de ministère public d’agis au service de l’ordre public", TI‬‬
‫‪Paris, 1937, P.731, N° 870‬‬
‫‪ . 690‬ذ‪ .‬نوال التغدويني‪ " ،‬تجريح قضاة النيابة العامة في النظام القانوني المغربي"‪ .‬مطبعة انفو برائت‪0100 ،‬‬

‫‪P 434‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بالنظام العام تستوجب حماية خاصة من طرف المشرع‪ .‬وأن العلة وراء عدم تمكين األطراف‬
‫ْ‬
‫تجريح ممثلي النيابة العامة‪َ ،‬يك ُم ُن في أن ممارسة صالحياتهم وأداء مهامهم التي أوكلها لهم‬
‫َ‬
‫المشرع‪ ،‬ال يمكن أن ُيف َّع َل في إطار المساطر المعروضة على املحكمة إذا ما التزموا الحياد‪ .‬بل‬

‫أن أدائهم لمهامهم على الوجه الذي أراده المشرع يستوجب عليهم عدم الخضوع لذا المبدأ‬

‫السيما و أنه يتعلق األمر بنوعية من القضايا لها ارتباط جوهري باالستقرار العام للمجتمع‬

‫والحفاظ على ثوابته‪ .‬وبالتالي فإن ممارسة حق التجريح مخول قانونا متى استوجب المشرع‬

‫االلتزام بمبدأ الحياد‪.‬‬

‫وغني عن البيان أن تدخل النيابة العامة في القضايا المعروضة على املحاكم تحكمه‬

‫قواعد آمرة‪ .‬مع التمييز بين الحاالت التي يكون فيها التدخل إجباريا‪ ،‬الفصل ‪ 1‬من قانونا‬

‫لمسطرة المدنية‪ ،‬والحاالت التي ترك فيها المشرع السلطة التقديرية لممثلي النيابة العامة‪،‬‬

‫حيث يمكن لهم في هذه الحاالت األخيرة‪ ،‬االطالع على كافة القضايا المعروضة والتدخل في‬

‫بعضها‪ .‬كما يمكن للمحكمة أن تقررإحالة ملف معين على النيابة العامة لإلدالء بمستنتجاتها‪،‬‬

‫على أساس أن ال تمارس أي طعن من الطعون وينص الحكم الصادر على إدالئها بمستنتجاتها‬

‫الكتابية أو الشفوية وأن كل خرق لهذه الشكلية يترتب عنه بطالنه‪.‬‬

‫نظم المشرع المغربي تدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية في الفصول من ‪ 0‬إلى ‪91‬‬

‫من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬حيث يكون تدخلها اختياريا‪ ،‬باالستثناء الحاالت التي نص عليها‬

‫المشرع المغربي في الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية‪:‬‬

‫" يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى اآلتية‪:‬‬

‫‪P 432‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ - 9‬القضايا المتعلقة بالنظام العام والدولة والجماعات املحلية والمؤسسات العمومية‬

‫والهبات والوصايا لفائدة المؤسسات الخيرية وممتلكات األحباس واألراض ي الجماعية‪.‬‬

‫‪ - 2‬القضايا المتعلقة باألسرة ‪.‬‬

‫‪ - 3‬القضايا المتعلقة بفاقدي األهلية وبصفة عامة جميع القضايا التي يكون فيها ممثل‬

‫قانوني نائبا أو مؤازرا ألحد األطراف‪.‬‬

‫‪ - 4‬القضايا التي تتعلق وتهم األشخاص المفترضة غيبههم‪.‬‬

‫‪ - 1‬القضايا التي تتعلق بعدم االختصاص النوعي‪.‬‬

‫‪ - 0‬القضايا التي تتعلق بتنازع االختصاص‪ ،‬تجريح القضاة واإلحالة بسبب القرابة أو‬

‫المصاهرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬مخاصمة القضاة‪.‬‬

‫‪ - 1‬قضايا الزورالفرعي ‪."...‬‬

‫جاءت مقتضيات الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية بصيغة الوجوب‪،‬‬

‫وفرضت على املحكمة تبليغ النيابة العامة بهذا النوع من الدعاوى التي تتسم بصلهها الوثيقة‬

‫بالنظام العام من جهة‪ ،‬وتتعلق من جهة أخرى بمصالح أطراف يعتبرهم المشرع األكثر ضعفا‬

‫وعرضة بأن تنههك حقوقهم‪ .‬وهو التوجه الذي ال يختلف معه الفقه ال سيما‪ ،‬وأن السرد‬

‫المنصوص عليه في هذا الفصل يشير إلى نوعية قضايا ليس ألطر افها القدرة على الدفاع‬

‫الصحيح على حقوقهم‪ ،‬أصول منتجة مخصصة لخدمة الصالح العام‪ ،‬أو بقضايا تتسم‬

‫بحساسيهها كتلك المتعلقة بمخاصمة القضاة أو الزور الفرعي‪ .‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬يعتبر‬

‫المشرع أن النيابة العامة حينما تتدخل في هذه القضايا فهي ال تقتصر فقط على إثارة النقاط‬

‫‪P 437‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المتعلقة بالنظام العام أو الدفاع عن حقوق األطراف المشار إليهم في الفصل التاسع من‬

‫قانون المسطرة المدنية‪ ،‬بل يتعدى دورها ذلك لتكون طرفا في الدعوى‪ .‬وعلى هذا األساس‪،‬‬

‫تقوم النيابة العامة بتقديم الملتمسات‪ ،‬طلب االستماع إلى الشهود‪ ،‬إجراء بحوث في نقاط‬

‫معينة كفيلة بتنوير املحكمة‪ ،‬الطعن بزورية الوثائق وطلب إجراء خبرات‪ .‬هذا ناهيك عن‬

‫ممارسة طرق الطعن وما إلى ذلك من اإلجراءات املخولة قانونا ألطراف الدعوى‪ .‬لكن هذا‬

‫الموقف‪ ،‬الذي تبناه المشرع المغربي وسار عليه كل من المشرع المصري والفرنس ي‪ ،‬يلقى‬

‫معارضة متزايدة من طرف الفقه الذي يرى في النيابة العامة خصما إجرائيا وليس خصما‬

‫موضوعيا‪ .691‬هذه المعارضة بلغت ذروتها في األنظمة القانونية ذات المرجعية الالتينية‪ ،‬حيث‬

‫أضحى الفقهاء ُي َساءلون استثناء قضاة النيابة العامة من التجريح سواء في المادة الجنائية أو‬
‫َ‬
‫في بعض الدعاوى المدنية التي ُيعت َب ُرفيها تدخل النيابة العامة إجباريا‪ .‬ذلك أن نوعية القرارات‬

‫التي قد يتخذها ممثلوا النيابة العامة أو تلك الملتمسات التي قد تقدم للمحكمة سواء في‬

‫الدعاوى المتعلقة باألشخاص المفترضة غيبههم‪ ،‬بتجريح زمالئهم من قضاة الموضوع‪ ،‬أو تلك‬

‫المتعلقة باألسرة‪ ،‬قد ال تخلوا من الحياد واالستقاللية‪ .‬فيكفي أن تكون مثال لممثل النيابة‬

‫العامة‪ ،‬المنصب في ملف يتعلق بقضايا األسرة على سبيل المثال‪ ،‬صداقة‪ ،‬قرابة أو حتى‬

‫عداوة معروفة مع أحد أطراف النزاع لتصبح قراراته موجهة‪ ،‬غيرمنصفة بل ذات طابع انتقامي‬

‫غير مسؤول‪ .‬ويرى هذا التوجه الفقهي أيضا أن تمت العديد من األسباب التي تؤثر في نزاهة‬

‫واستقالل النيابة العامة والتي ليست مجرد خصم لكونها تقوم بمهمة أسندت إليها بموجب‬
‫القانون‪َ ،‬‬
‫وحار ُ‬
‫س القانون يجب أن يكون حارسا كالقانون نفسه‪ .692‬باإلضافة أن تجريح النيابة‬

‫‪. 691‬ادولف ريولط‪ " ،‬قانون المسطرة المدنية في شروح"‪ ،‬تعريب ادريس ملين‪ .‬منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات‪ ،‬مطبعة‬
‫المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬ع‪.‬ط‪.‬غ‪.‬م‪.‬س‪ ،0220 .‬صفحة ‪020‬‬
‫‪ 692‬الدكتور محمد سمير عبد الفتاح‪ " :‬النيابة العامة وسلطتها في إنهاء الدعوى الجنائية بدون محاكمة" ص ‪ ،22‬منشأة المعارض‬
‫باإلسكندرية‪0210 ،‬‬

‫‪P 440‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫العامة ال يتعلق إال بأحد أفرادها وليس الجهاز كله‪ .693‬وأن عضو النيابة العامة ال يختلف‬

‫شخصه إذا ما كان عضوا أصليا أم عضوا منضما‪ .‬ذلك أنه في كلتا الحالتين أسباب التجريح‬

‫تبقى متوفرة السيما وأن األمر يتعلق بحياد النظام القضائي بأكمله الذي تشكل فيه النيابة‬

‫العامة عنصرا أساسيا وأن علة " النيابة العامة خصم في الدعوى"‪ ،‬ال تصلح إال بالنسبة ألعمال‬

‫اإلتهام‪ .‬ولعل االستثناء الوحيد‪ ،‬في العالم العربي‪ ،‬لهذه القاعدة يبقى قانون األحكام العسكرية‬

‫المصري الذي أجازتجريح النيابة العامة العسكرية في المادة ‪ 09‬منه على الرغم من أنها تتدخل‬

‫في الدعوى كطرف رئيس ي‪.‬‬

‫المطلب الثان ــي‪ :‬تجريح املحكمين‬

‫أخذت الوسائل البديلة لفض النزاعات مكانة هامة منذ عقدين من الزمن‪ ،‬كآليات‬

‫للفصل في القضايا التي كانت تعرض تاريخيا على القضاء ( الفقرة األولى)‪ .‬ومع اتساع رقعة‬

‫تفعيلها‪ ،‬أضحى من الالزم تمكين األطراف من التحقق من استيفاء شروط املحاكمة العادلة بما‬

‫في ذلك إمكانية تجريح املحكمين‪ ،‬والتي سيتم التطرق إليها في كل من القانون المسطري المغربي‬

‫والمقارن ( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفق ــرة األول ــى‪ :‬التحكيم كأحد الوسائل البديلة لفض النزاعات‬

‫بادر المشرع المغربي في أو ائل التسعينات من القرن الماض ي إلى تعزيز الترسانة‬

‫المسطرية المغربية بمقتضيات تخول أطراف النزاع اللجوء إلى وسائل بديلة لفظ النزاعات‪.‬‬
‫َْ‬
‫ولعل الفلسفة من وراء تضمين هذه اآلليات تك ُم ُن‪ ،‬ليس فقط في التخفيف من ِح َّد ِة الضغط‬

‫على املحاكم‪ ،‬بل من َو ْع ِي ِه بأنها هي األقرب إلى األعراف التي سارعليها المغاربة منذ قرون‪ .‬حيث‬
‫ََُ‬ ‫ُ َ ًّ‬
‫الح َر ِف‬
‫كانت النزاعات التي تنشأ بين الحرفيين أو بين المسههلكين والتجارتفض عن طريق أمن ِاء ِ‬

‫‪693‬‬
‫‪A.Nomand, " Traité élémentaire du droit ciminel", Paris 1976‬‬

‫‪P 441‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ُْ ْ‬
‫ومهنيي القطاعات التي أن ِج َزت فيها تلك المعامالت‪ .‬ناهيك عن أن هذه النزاعات كانت تجد‬

‫طريقها إلى الحل بصفة نهائية داخل آجاالت سريعة أخذة بعين االعتبارقواعد يعتبرها المغاربة‬

‫األقرب لإلنصاف منه إلى تنزل قواعد بعيدة كل البعد عن الثقافة املحلية‪ .‬هذا باإلضافة إلى‬

‫تشبع املجتمع المغربي بالثقافة اإلسالمية‪ ،‬والتي جعلت هذه الوسيلة تجد طريقها تاريخيا إلى‬

‫القبول والتفعيل لدى شرائح عريضة من المواطنين‪ .‬فالقران الكريم نص صراحة‪ ،‬بل ألزم في‬

‫حالة حدوث خالفات عميقة بين األزواج‪ ،‬على اللجوء إلى حكمين من أهلي كل من الزوج والزوجة‬

‫إليجاد حل تو افقي يخول استمرارية العالقة الزوجية‪ .‬يقول رب العزة في سورة النساء ( اآلية‬
‫ّ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُْ‬
‫صال ًحا ُي َو ِف ِق‬ ‫‪َ " :)31‬و ِإن ِخفت ْم ِشقاق َب ْي ِن ِه َما ف ْاب َعثوا َحك ًما ِّم ْن أ ْه ِل ِه َو َحك ًما ِّم ْن أ ْه ِل َها ِإن ي ِريدا ِإ‬
‫َّ ُ َ ْ َ ُ َ َّ َّ َ َ َ َ ً َ‬
‫يما خ ِب ًيرا"‪.‬‬ ‫الله بينهما ِإن الله كان ع ِل‬

‫وغني عن البيان أن مبدأ اللجوء إلى التحكيم تم تأكيده في السنة النبوية في مو اقف شتى‪،‬‬

‫نذكر من بينها وصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لقبيلة بني قرناطة ِب َح ِ ّل نزاعاتهم عن‬

‫طريق التحكيم‪ ،694‬وقبوله تحكيم الصحابي سعد ابن معاد في نزاعه مع قبيلة بني قريضة‪.695‬‬

‫وهو النهج الذي سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده‪ .‬حيث قبل عمر ابن الخطاب التحكيم‬

‫في النزاع الذي يربطه بأبي ابن كعب الذي اقترح ابن عم عمرابن الخطاب كمحكم‪ .‬فما كان من‬

‫هذا األخيرإال أن رفض تحكيمه بعلة عدم استيفائه لشرطي الحياد واالستقاللية‪.696‬‬

‫ومن بين األمثلة التي تبرز مكانة التحكيم ودوره في فض النزاعات عبر التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫َ‬
‫اللجوء إليه بين المتنافسين على قمة َه َر ِم السلطة‪ .‬حيث احتكم كل من معاوية ابن أبي سفيان‬
‫َ َ‬
‫وعلي ابن أبي طالب إلى كل من عمر ابن العاص و أبو موس ى األشعري‪ ،‬واللذان اجتمعا وض َّمنا‬

‫‪694‬‬
‫‪. A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes , Economico " 1988, p.17‬‬
‫‪695‬‬
‫‪. K. EL KDAIKI, " La Clause compromissoire en droit musulman et en droit positif arabe",‬‬
‫‪GTM,N.S.N° 72‬‬
‫‪novembre- décembre 1944, P 48 .‬‬
‫‪696‬‬
‫‪. A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes ", op.cit, p.17‬‬

‫‪P 442‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َ‬
‫االتفاق كتابة‪ُ .‬ويعتبرهذا الحكم التحكيمي‪ ،‬إذا صح القول‪ ،‬أول تحكيم في التاريخ ُي ْعنى بإيجاد‬

‫حل لنزاع سياس ي‪ .‬كما ينفرد هذا األخيربكونه األول من نوعه الذي يحدد القانون المطبق على‬

‫النازلة وهوالتشريع اإلسالمي‪ .697‬بيد أنه على الرغم من إجماع كل المدارس الفقهية اإلسالمية‪،‬‬

‫على إباحة التحكيم كأحد الوسائل لفظ النزاعات‪ ،‬إال أن هناك خالفات الزالت قائمة حول‬

‫امتداد الصالحيات املخولة للمحكمين‪ .‬فالحنفيون يمنحون للمحكم جميع الصالحيات التي‬

‫يتوفرعليها القاض ي‪ ،‬هذا على الرغم من أنهم يرون الفرق ضئيال بين التحكيم والحل التو افقي‬

‫المبني على صلح األطراف‪ .698‬أما الشافعيون فهم يجردون املحكم من بعض الصالحيات‬

‫الممنوحة للقاض ي بعلة أن هذا األخير‪ ،‬وخالفا للمحكم‪ ،‬ال يمكن إزاحته وتغييره بآخر‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فهم ينكرون على األطراف الحق في اللجوء إلى التحكيم حيثما وجد قاض‬

‫شب في دائرة نفوذه النزاع‪.699‬‬

‫أما الحنابلة‪ ،‬فلهم موقف واضح وصريح في هذا الباب‪ .‬فهم يخولون للمحكم نفس‬
‫َ َ‬
‫الصالحيات املخولة للقاض ي‪َ ،‬وي ْمن ُحون للحكم التحكيمي نفس اآلثار كحكم القاض ي المنصب‬

‫من طرف الحاكم شريطة أن ال يكون املحكم موضوع أي منع تسقط بذلك أهليته لممارسة‬

‫التحكيم‪ .700‬أما المالكيون‪ ،‬فهم يرخصون تنصيب أحد أطراف النزاع في هيئة التحكيم إذا ما‬
‫ُّ َ‬
‫و افق األطراف على ذلك‪ .‬بيد أنهم ُي َع ِلقون تنفيذ الحكم التحكيمي على عدم وجود أي إخالل‬

‫سافربالعدالة في مقتضيات هذا الحكم‪.701‬‬

‫هناك إجماع لدى الفقه العربي والغربي على حد سواء‪ ،‬على أن التحكيم هو من أقدم‬

‫الوسائل على اإلطالق لفض المنازعات على الرغم من بعض الخالفات حول مدى اعتبار‬

‫‪697‬‬
‫‪.A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.19‬‬
‫‪698‬‬
‫‪. A. H EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.22‬‬
‫‪699‬‬
‫‪. A. H EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.23‬‬
‫‪700‬‬
‫‪. A. H EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.23‬‬
‫‪701‬‬
‫‪. A. H EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.23‬‬

‫‪P 443‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫التحكيم نفسه كشكل من أشكال العدالة من عدمه‪ .‬فالعرب‪ ،‬قبل مجيء اإلسالم عرفوا‬

‫التحكيم‪ ،‬حيث كان األطراف يلجئون إلى رؤساء القبائل أو الكهنة لفض النزاعات بينهم‪ .‬ومن‬

‫بين أشهراملحكمين لدى العرب‪ ،‬هاشم بن عبد مناف وعبد المطلب بن هاشم وقص ي بن كالب‪.‬‬

‫بيد أن هذه الوسيلة االختيارية التي استعملت تاريخيا في جل بقاع المعمور‪ ،‬أضحت مع تطور‬

‫المعامالت التجارية‪ ،‬و اتسام رقعهها وازدياد شعور عدم الثقة في األنظمة القضائية املحلية‪،‬‬
‫َ‬
‫وتحديدا ِب َعد ِم مواكبة بعض القوانين املحلية لألعراف التجارية الدولية‪ ،‬أكثر شيوعا بين‬

‫الشركات الدولية في المعامالت التجارية‪ .‬كما أن بطئ المساطر المعمول بها في املحاكم‪ ،‬طول‬

‫أمد النزاعات التي قد تعرف تدخل أطراف خارجية‪ ،‬اللجوء إلى خبرات متكررة أو استعمال أحد‬

‫األطراف لوسائل احتيالية بغية إطالة أمد النزاع‪ ،‬يجعل الطلب متزايد الستعمال هذه الوسيلة‬

‫البديلة حتى في النزاعات ذات الطابع املحلي‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬اهتمت القوانين الوضعية منذ نهاية القرن الماض ي‪ ،‬في جل بقاع‬
‫ُ ّ َ ْ‬
‫صت للتحكيم‪ ،‬مع ِت ْب َيان األركان‬ ‫المعمورعلى تعزيزترساناتها القانونية بمقتضيات و أبواب خ ِص‬

‫الموضوعية إلبرام اتفاق التحكيم‪ ،‬صياغته‪ ،‬تشكيل هيئة التحكيم مع منح األطراف إمكانية‬

‫تحديد قانون الموضوع والقوانين اإلجرائية باإلضافة إلى لغة ومكان التحكيم‪ .‬وتماشيا مع‬
‫ّ َ ُ ْ ََ‬ ‫َْ‬
‫اع ُرق َع ِة تد ُاو ِل السلع والخدمات بدون قيود‬‫هذا التوجه العام الذي ْأملت ُه العولمة و ِاتس‬

‫جمركية‪ ،‬خصص المشرع المغربي الفرع األول من الباب الثامن من قانون المسطرة المدنية‬
‫ُ ََْ‬
‫للتعريف بالقواعد العامة للتحكيم الداخلي مع تحديد نطاق تطبيقه‪ ،‬حيث ت ْستثنى التصرفات‬
‫َُ ّ‬
‫المت َم ِت َعة باختصاصات السلطة العمومية من التحكيم‪.‬‬ ‫األحادية للدولة أو الجماعات املحلية‬

‫مع التمييزبينها وبين النزاعات المالية الناتجة عنها والتي قد تكون موضوع تحكيم‪.702‬‬

‫‪ . 702‬الفصل ‪ 201‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‬

‫‪P 444‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لمبدأ سلطان اإلرادة مكانة خاصة في تحديد قانون الموضوع والقانون اإلجرائي‬

‫المتعمد أثناء سريان التحكيم‪ .‬حيث خول المشرع المغربي لألطراف إمكانية تحديد القواعد‬

‫اإلجرائية للدعوى التحكيمية عن طريق تمكين الهيئة التحكيمية من ضبط إجراءات مسطرة‬

‫التحكيم التي تراها مناسبة ما لم يتفق األطراف خالف ذلك‪ .703‬وهو النهج الذي سار عليه‬

‫المشرع المصري في المادة ‪ 21‬من قانون اإلجراءات الذي نص على ما يلي‪ " :‬لطرفي التحكيم‬

‫االتفاق على اإلجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم‪ ،‬لما في ذلك حقها في إخضاع هذه اإلجراءات‬

‫للقواعد النافذة في منظمة أو مراكز تحكيم في جمهورية مصرالعربية أو خارجها‪ ،‬فإذا لم يوجد‬

‫مثل هذا االتفاق‪ ،‬كان لهيئة التحكيم‪ ،‬مع مراعاة أحكام هذا القانون‪ ،‬أن تختار إجراءات‬

‫التحكيم التي تراها مناسبة"‪.‬‬

‫أما المشرع الفرنس ي‪ ،‬فقد أكد بدوره في المادة ‪ 911.1‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬على‬

‫إمكانية تضمين في عقد التحكيم للقواعد اإلجرائية التي ستنظم التحكيم‪ .‬وفي حالة صمت هذا‬

‫األخير‪ ،‬يمكن لهيئة التحكيم مالئمة القواعد اإلجرائية حسب طبيعة النزاع المعروض عليها‪.‬‬

‫ويتعين اإلشارة في هذا الصدد‪ ،‬أن من بين األسباب الرئيسية للجوء األطراف إلى تحديد‬

‫القواعد اإلجرائية‪ ،‬باإلضافة إلى قانون الموضوع‪ ،‬هو اختيار القواعد التي تتناسب وطبيعة‬
‫َ َ‬
‫قديم خد َمات أو َب ْي ِع سلع‪ .‬ويبقى‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫الميدان الذي يند ِرج ِف ِيه موضوع العقد سواء تعلق األمر ِبت ِ‬
‫اس بالنظام العام الداخلي‬ ‫الم َس ُ‬
‫نه سوى َ‬ ‫مجال اختيارهذه القواعد اإلجرائية واسعا ال َي ُح ُّد م ُ‬
‫ِ‬
‫للبلد المراد تذييل الحكم التحكيمي فيه بالصيغة التنفيذية‪ .‬لكن فكرة النظام العام تبقى‬
‫ج ّلي للعيان‪ .‬وقد حاول الفقه‪704‬‬
‫َ‬ ‫َ ٌَ‬
‫مبهمة‪ ،‬غيرواضحة وم ِرنة بطريقة تجعلها خالية من أي فحوى ِ‬

‫‪ . 703‬الفصل ‪ 207-01‬من قانون المسطرة المدنية‬


‫‪704‬‬
‫‪. Annick DORSNET - Dolivet et Thiery BONNEAU: "L'ordre public et les moyens d'ordre public en‬‬
‫‪procédures ". Dalloz 1986 Chron 59‬‬

‫‪P 445‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫ُ‬
‫منذ عقود تحديد معالم ومضامين هذا المفهوم دونما الخروج ِبخالصات وتعاريف موحدة‪.‬‬
‫ُ ُّ‬ ‫ٌ‬
‫ويبقى في نهاية المطاف هذا المفهوم َم ِرن إلى درجة ت َم ِكن ُه من احتواء القواعد القانونية التي‬

‫تهدف إلى حماية الكيان السياس ي االجتماعي األخالقي والعقائدي للدولة والتي تسمو بطبيعهها‬
‫َ‬
‫فوق المصالح الخاصة‪َ .‬و َجدير بالذكر ِخت ًاما أن عدم احترام الهيئة التحكيمية إلرادة األطراف‬

‫في اختيار القانون المسطري يعرض حكمها للبطالن طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 321-30‬من‬

‫قانون المسطرة المدنية المغربي‪ .‬وهو النهج الذي سار عليه كل من المشرع الفرنس ي‬

‫والمصري‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬آلية تجريح املحكمين بين القانون المغربي والموقف في القانون‬

‫المسطري المقارن‬

‫لم يقتصر كل من المشرع الفرنس ي‪ ،‬المغربي والمصري على فتح باب التجريح على‬

‫القضاة‪ ،‬فقط بل تعداه ليشمل املحكمين المنصبين في إطارمسطرة التحكيم سواء تعلق األمر‬

‫بالتحكيم الخاص أو المؤسساتي‪.‬‬

‫َْ‬
‫يعتبرالتحكيم أحد الطرق البديلة لفض النزاع والتي تعنى ِبعر ِ‬
‫ض النزاع أمام هيئة مكونة‬
‫من محكمين ُي َن ّ‬
‫ص ُب ُهم أطراف النزاع‪ .‬كما يتميز التحكيم بتمكينه لألطراف اختيار قانون‬‫ِ‬

‫‪- Jean VINCENT : " La procédure civile et l'ordre public. Mélanges ROUBIE ", Dalloz et Sirey 1961.‬‬
‫‪Page 303‬‬

‫‪- Philipe MALAURE, " Rapport de synthèse du colloque: l'ordre public à la fin du XX siècle" , Dalloz,‬‬
‫‪édition 1994. Page 105 et suivante‬‬

‫‪- Henri MAZEA UD, Jean MAZEAUD et François CHABAS : " Leçons de droit civil " Tome II, 1er‬‬
‫‪Volume, Obligations théorie générale, Montchrestien, édition 2002. Page 104‬‬

‫‪165)- Jean GHESTIN: " l'ordre public. Notion à contenu variable en droit privé français " Bruxelles.‬‬
‫‪1984 Bruylant, page 77 et suivante‬‬

‫‪P 446‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫الموضوع الذي سيطبق على النزاع والمسطرة التي سيتقيد بها دفاع كل طرف وهيئة التحكيم‪.‬‬
‫َ َ‬
‫خ َّولت مقتضيات المسطرة المدنية المغربية ألطراف النزاع تحديد‪ ،‬وبطريقة مسبقة‪ ،‬كيفية‬

‫حل أي نزاع قد ينشأ مستقبال بينهم جراء تنفيذ عقد معين وذلك عن طريق إبرام " معاهدة‬

‫التحكيم" أو إدماج شرط يسمى "بشرط التحكيم" في العقد األساس ي الذي يربط بينهم‪ .‬يعرف‬

‫الفصل ‪ 311‬من قانون المسطرة المدنية المغربي معاهدة التحكيم على أنها التزام يمكن‬

‫بموجبه لألطراف الولوج إلى التحكيم لحل أي نزاع قد ينش ئ بينهم‪ .‬تأخذ وثيقة التحكيم شكل‬

‫عقد مستقل أو شرط التحكيم يمكن إضافته للعقد األساس ي الذي يربط بين األطراف‪ .‬وقد‬

‫ينص على أسماء املحكمين‪ ،‬مكان ولغة التحكيم قانون الموضوع والمسطرة المتبعة‪ .‬تنش ئ‬

‫وثيقة التحكيم آثارا عدة من بين أهمها منع عرض النزاع على أية محكمة‪ .‬ذلك أن أية دعوى‬
‫َُ‬
‫مقدمة للمحكمة لم تحترم شرط التحكيم تق َاب ُل بعدم القبول‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬على املحكم المنصب من أحد أطراف النزاع أن يستوفي الشروط‬

‫المنصوص عليها في الفصل ‪ 321‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‪ ،‬السيما تلك المتعلقة‬

‫بعدم تعارض مهمة التحكيم مع صفته‪ .‬أما فيما يخص تصريح املحكم باألسباب التي قد تضع‬

‫حياده واستقالليته موضوع شك‪ ،‬فقد أكد القضاء الفرنس ي في قرارات عدة‪ ،705‬إلزامية تصريح‬

‫ض في المصالح‪.‬‬‫املحكم بهذا النوع من األسباب السيما إذا كان هناك َت َعا ُر ٌ‬

‫أما المشرع المغربي فقد حدد في الفصل ‪ 323‬من القانون ‪ 11-11‬تسع أسباب يمكن‬

‫لألطراف إثارتها لتجريح املحكم وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ -9‬إذا صدر في حقه حكم نهائي باإلدانة من أجل ارتكاب أحد األفعال المبنية في الفصل‬

‫‪ 321‬أعاله‪.‬‬

‫‪705‬‬
‫‪. CA Paris, 18 Nov 2004, Revarb,2004,P289‬‬

‫‪P 444‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -2‬كانت له أو لزوجته أو ألصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في‬

‫النزاع‪.‬‬

‫‪ -3‬كانت له قرابة أو مصاهرة تجمع بينه أو زوجه وبين أحد األطراف إلى درجة أبناء عمومة‬

‫األشقاء‪.‬‬

‫‪ -4‬كانت هناك دعوى جارية أو دعوى منههية في أقل من سنتين بين أحد األطراف واملحكم‬

‫أو زوجه أو أحد األصول والفروع‪.‬‬

‫‪ -1‬كان املحكمة دائنا أو مدينا ألحد األطراف‪.‬‬

‫‪ -0‬سبق أن خاصم أو مثل غيره في حضركشاهد في النزاع‪.‬‬

‫‪ -1‬تصرف بوصفه الممثل الشرعي ألحد األطراف‪.‬‬

‫‪ -1‬كانت توجد عالقة تبعية بين املحكم أو زوجه أو أصوله أو فروعه وبين أحد األطراف أو‬

‫زوجه أو أصوله أو فروعه‪.‬‬

‫‪ -1‬كانت صداقة أو عداوة بادية بينة وبين أحد األطراف‪.‬‬

‫وجديربالذكرأن المشرع المغربي لم ُي ِج ْزتجريح املحكم إال بناء على أسباب ظهرت‪ ،‬أو تم‬

‫اكتشافها بعد تعيينه‪ .706‬كما يجب التمييز في هذا اإلطار بين التجريح الذي يعتبر مسطرة من‬

‫المساطرالخاصة التي يمكن ألحد األطراف مباشرتها بناء على األسباب السالفة الذكروالعزل (‬

‫أي عزل املحكم)‪ ،‬والذي ال يمكن ممارسته إال بناء على اتفاق جماعي لكل األطراف‪ .‬حيث عليهم‬

‫إعالم املحكم بالقرار المتخذ في شأنه وتعيين محكم آخر وفقا لنفس المقتضيات المطبقة‬

‫لتعيين املحكم الذي تم تعويضه‪ .‬وفي حالة عدم اتفاق األطراف على عزل املحكم الذي تعذر‬

‫‪ . 706‬الفصل ‪ 200‬من قانون المسطرة المدنية‬

‫‪P 442‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫عليه أداء مهمته أوانقطع عنها‪ ،‬يمكن ألحد أطراف النزاع أن يتقدم بطلب العزل لرئيس املحكمة‬

‫معزز باألسباب التي تم تأسيس الطلب عليها‪ .‬ويبقى األمر الصادر عن رئيس املحكمة غير قابل‬

‫للطعن في حالة قبوله‪.‬‬

‫بالرجوع إلى األسباب التي نص عليها المشرع في الفصل ‪ 323‬من قانون المسطرة المدنية‬

‫المغربي‪ ،‬والتي تخول ألطراف النزاع تجريح املحكم‪ ،‬يتضح أنه باستثناء السبب األول‪ ،‬يمكن‬
‫َْ‬
‫تصنيفها إلى قسمين‪ .‬القسم األول يتعلق باألسباب التي َينت ِف َي بموجبها "حياد املحكم"‪ .‬والقسم‬

‫الثاني يتعلق باألسباب التي ال يتحقق بموجبها "شرط االستقاللية"‪.‬‬

‫فتجريح أحد املحكمين بسبب ارتكابه ألفعال تخل بالشرف‪ ،‬االستقامة أو اآلداب العامة‬

‫ال يجعله موضع ثقة من طرف املجتمع ككل‪ ،‬وتجعل نواياه موضع شك سواء تعلق األمربتعامل‬
‫َّ‬ ‫َ ُ َ َّ‬
‫الح َجج‪ ،‬الدالئل‬
‫يح بين ُ‬
‫الت ْرج َ‬
‫تجاري أو مدني‪ .‬ذلك أن تنصيبه كمحكم يجعله في مركز يخول له ِ‬
‫ُ‬
‫والوسائل المقدمة من األطراف وأخيرا إصدار حكم تحكيمي َي ْحك ُم بحقوق لطرف على حساب‬

‫آخر‪ .‬كما أن ِح ْر َم َانه من أهلية ممارسة التجارة أو أي حق من الحقوق المدنية غالبا ما يكون‬

‫نتيجة الرتكابه‪ ،‬سواء لجرم من الجرائم المتعلقة باألعمال‪ ،‬أو كعقوبة تبعية بمناسبة ارتكابه‬

‫لجرم منصوص عليه في منظومة القانون الجنائي‪ .‬الش يء الذي يستعص ي معه أن يكون‬

‫موضوع ثقة بين الناس‪ ،‬وتجعل تنصيبه في هيئة التحكيم محفوفا باملخاطر ويعرض حقوق‬

‫األطراف للضياع‪.‬‬

‫أما بخصوص األسباب التي بموجبها ينتفي عنصر الحياد‪ ،‬فيمكن إدراج تحهها كل من‬

‫السبب الثالث‪ ،‬الرابع والسادس‪ .‬ذلك أن وجود قرابة أو مصاهرة‪ ،‬دعوى مع أحد األطراف‪،‬‬

‫منههية منذ اقل من سنتين‪ ،‬باإلضافة إلى كونه سبق له أن خاصم أو حضركشاهد في نزاع يجمع‬

‫أحد األطراف‪ ،‬يجعل املحكم في مركز ال يمكنه أن يوفي بالتزاماته بدرجة الحياد المطلوب‪.‬‬

‫‪P 447‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫وبالرجوع إلى قرار املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان " ‪ ،" Le Strum vs France‬والذي تمت‬

‫اإلشارة إليه في توطئة هذا المقال‪ ،‬يتضح أن الشق الموضوعي للحياد والذي عرفته املحكمة في‬

‫هذا القرارغيرمستوفي‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقسم الثاني من األسباب‪ ،‬فهو يتعلق بتلك التي ال يتحقق بموجبها شرط‬

‫استقاللية املحكم‪ .‬ذلك أن وجود مصلحة شخصية للمحكم في النزاع‪ ،‬سواء كان دائنا‪ ،‬مدينا‬

‫أو تربطه عالقة تبعية مع أحد األطراف‪ ،‬ال يجعله في مأمن عن بعض التأثيرات التي قد تمارس‬

‫من بعض ذوي النوايا السيئة والذين قد يستغلون هذه الوضعية لتوجيه الحكم التحكيمي‬

‫لخدمة مصالحهم على حساب الطرف اآلخرفي النزاع‪.‬‬

‫وخالفا للنهج الذي سارعليه المشرع المغربي‪ ،‬لم يحدد المشرع الفرنس ي أسبابا حصرية‬

‫لتجريح املحكم‪ ،‬بل اكتفى بإلزام املحكم‪ ،‬قبل أن يقبل المهمة التي أسندت إليه من طرف أحد‬

‫األطراف‪ ،‬أن يصرح تلقائيا بالموانع والظروف التي قد تأثرعلى استقالليته وحياده‪ .‬كما ألزمه‬

‫المشرع‪ ،‬في حالة ظهور موانع بعد قبوله لمهمته‪ ،‬أن يعلن عنها فورا وفي إبانه‪ .‬أما فيما يخص‬

‫الجزاء المترتب عن عدم التصريح‪ ،‬فمقتضيات الفصل ‪ 9410‬من قانون المسطرة المدنية‬

‫الفرنس ي لم تنص صراحة على أي جزاء‪ ،‬لكن القضاء‪ ،‬وفي قرارات عدة ملحكمة النقض‬

‫الفرنسية‪ ،‬أكد على بطالن الحكم التحكيمي في حالة إذا لم يعلن أحد املحكمين عن األسباب‬

‫التي قد تأثرعلى استقالليته نذكرمن بينها القرارعدد ‪ 2412‬الصادرفي السادس من دجنبر‪2119‬‬

‫عن الغرفة الثانية ملحكمة النقض الفرنسية‪ .‬لكن ما يثير االنتباه في مقتضيات الفصل ‪9410‬‬
‫ُ َّ‬
‫للم َحكم بتصريح هذا‬ ‫من قانون المسطرة المدنية الفرنس ي‪ ،‬هو ربط المشرع تجريح األطراف‬

‫األخير بالموانع التي قد تضع حياده واستقالله محطة شك‪ .‬ذلك أنه باستثناء الحاالت التي‬
‫ُ ّ‬
‫للم َح ِكم أن يمارس مهامه بحياد‬ ‫يضع فيها األطراف اليد على أحد األسباب التي ال تخول‬

‫‪P 450‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫واستقاللية‪ ،‬فإن المسؤولية تقع كليا على املحكم الذي عليه أن يصرح بالموانع قبل قبوله‬

‫لمهمة التحكيم‪.‬‬

‫أما في يخص المسطرة المتبعة‪ ،‬فالمشرع الفرنس ي‪ ،‬وخالفا لما سار عليه المشرع‬
‫ُ َّ‬
‫المغربي‪ ،‬أحال مهمة تنحية امل َحكم إلى المؤسسة التي تشرف على التحكيم‪ ،‬في حالة ما إذا كان‬

‫التحكيم مؤسساتي‪ ،‬أوالشخص المشرف على التحكيم إذا ما أسندت هذه المهمة على شخص‬

‫ذاتي‪ .‬وفي حالة عدم تنصيب األطراف ألية مؤسسة أو شخص ذاتي لإلشراف على عملية‬

‫التحكيم‪ ،‬يمكن اللجوء إلى القاض ي املختص ( ‪ ،) Le Juge d’appui‬للبث في السبب المثاربغية‬

‫تجريح املحكم وحكمه غير قابل للطعن باستثناء الحالة التي يحكم فيها ببطالن عقد التحكيم‪،‬‬

‫وذلك طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 9401‬من قانون المسطرة المدنية الفرنس ي‪ .‬ولعل أكثرما يميز‬

‫النص الفرنس ي عن نظيره المغربي‪ ،‬هو فتح المشرع الفرنس ي املجال لتجريح املحكم ألي سبب‬

‫من شأنه أن يضع حياد واستقالل املحكم محطة شك‪ ،‬دونما تحديد هذه الموانع بطريقة‬

‫حصرية‪ .‬وقد حددت محكمة النقض الفرنسية المعايير التي بموجبها يمكن تقييم مدى‬

‫استقاللية وحياد املحكم‪ .‬حيث اعتبرت في قرارها عدد ‪ 2193.9133‬الصادر في ‪ 2‬يوليوز ‪2193‬‬

‫بأن "وجود روابط فكرية ومادية بين املحكم وأحد األطراف"‪ ،‬من شأنها أن تشكل خطرا على‬

‫مصالح وحقوق الطرف اآلخر‪ ،‬وتدفع باملحكم إلى ترجيح كفة الحكم التحكيمي لفائدة الطرف‬

‫األول على حساب الطرف الثاني‪.‬‬

‫أما فيما يخص التزام املحكم بالتصريح‪ ،‬فيتضمن من جهة كل ما من شأنه أن يشكل‬

‫تضاربا للمصالح‪ ،‬وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرارات عدة‪ ،‬نذكر من بينها قرار‬

‫الغرفة التجارية بمحكمة النقض الفرنسية عدد ‪ 211‬الصادرفي ‪ 20‬فبراير‪ ،7079113‬ومن جهة‪،‬‬

‫‪ . 707‬قرار منشور في مجلة محكمة النقض الفرنسية عدد ‪20‬‬

‫‪P 451‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫على املحكم أن يصرح بجميع المصالح التي قد تربطه ولو بطريقة غير مباشرة مع أحد أطراف‬

‫النزاع‪ ،‬مستشاريه أو مساعديه‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬قررت محكمة النقض الفرنسية في قرارها‬

‫عدد ‪ 99.21.211‬الصادرفي ‪ 91‬اكتوبر‪ 2192‬عن الغرفة المدنية األولى بأن وجود مصالح مباشرة‬

‫للمحكم مع مكتب املحاماة الذي كان أحد أجراء طرف في النزاع يشتغل معه‪ ،‬يشكل سببا من‬

‫شأنه أن يؤثر على حياده واستقالليته‪ .‬أما فيما يخص تنحية املحكم‪ ،‬فالمشرع الفرنس ي وعلى‬

‫غرار ما سار عليه المشرع المغربي‪ ،‬اشترط إجماع األطراف كشرط أساس ي وضروري لتنحية‬

‫املحكم وذلك طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 9411‬من قانون المسطرة المدنية الفرنس ي‪.‬‬

‫سلك المشرع المصري‪ 708‬نفس النهج الذي سارعليه المشرع الفرنس ي بمنح حق تجريح‬

‫املحكم ألسباب تضع حياده واستقالليته موضوع شك‪ .‬وخالفا لما سار عليه المشرع المغربي‬

‫الذي لم يشر صراحة إلى األسباب التي من شأنها أن تؤثر على حياد واستقاللية املحكم‪ ،‬حينما‬

‫اكتفى باإلشارة إلى أي سبب خطير‪ ،‬حرص المشرع المصري على اإلشارة الصريحة لهذين‬

‫المبدأين‪ ،709‬لما لهما من تأثيرعلى توجه املحكم أو الهيئة التحكيمية‪ .‬ولعل إجماع الفقه‪ ،‬كما‬

‫تمت اإلشارة إليه أنفا في توطئة هذا البحث‪ ،‬على أهمية هاذين المبدأين في نشأة حق التجريح‪،‬‬
‫جعل المشرع المصري ُي َن ّ‬
‫ص ُب ُه َما‪ ،‬كدعامتان أساسيتان ألي سبب من أسباب التجريح‪ ،‬وان‬‫ِ‬
‫مجرد بروزقرائن تجعل املحكم يخل بهذا المبدأين يفتح املجال لتقديم طلب التجريح‪ .‬ويتعين‬

‫اإلشارة في هذا الصدد أن طلب تجريح املحكم ال يوقف إجراءات التحكيم‪ ،‬طبقا للفقرة الثالثة‬
‫من المادة ‪ 91‬من قانون التحكيم المصري‪ ،‬وقد ُي َؤ ّس ُ‬
‫س على أي سبب من أسباب عدم صالحية‬ ‫ِ‬
‫القضاة أوتنحيته المشارإليها في قانون المر افعات المصرية شريطة أن ال يكون السبب معلوما‬

‫لدى الطرف قبل تعيين املحكم‪.710‬‬

‫‪ . 708‬قانون التحكيم المصري الصادر سنة ‪ 0222‬في الفقرة األولى من المادة ‪01‬‬
‫‪ . 709‬الحياد واالستقاللية‬
‫‪ . 710‬موسى فهد األعرج‪ " ،‬استقالل المحكم وحيدته"‪0100 .Justice Academy .‬‬

‫‪P 452‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َ َ‬
‫أما من الناحية اإلجرائية ف َعلى الطرف المقدم للطلب أن يوجهه أوال للهيئة‬

‫التحكيمية‪ .711‬موضحا أسباب الترجيح وذلك داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ العلم‬

‫بأسبابه أو بالظروف المبررة لذلك‪ .‬وعلى الهيئة التحكيمية أن تبث في الطلب إذا رفض املحكم‬

‫التنحي‪ .‬وللمحكم المطلوب تنحيته أن يطعن في القرار الصادر عن الهيئة التحكيمية أمام‬

‫املحكمة املختصة أصليا‪ ،712‬للبث في النزاع داخل اجل ثالثين يوما من تاريخ تبليغه له‪ .‬وتماشيا‬

‫مع النهج الذي سار عليه كل من المشرع المغربي والفرنس ي‪ ،‬ال ُيقبل طلب تجريح محكم ِم َّم ْن‬

‫سبق له تقديم طلب التنحية في ذات املحكم‪.713‬‬

‫أما المشرع المغربي فقد ألزم طالب التجريح على تقديم الطلب إلى رئيس املحكمة‬

‫املختصة داخل أجل ثمانية (‪ ) 1‬أيام من تاريخ علمه بتشكيل هيئة التحكيم أو باألسباب التي‬

‫تخول له تقديم طلب التجريح والمنصوص عليها في الفقرة األولى من الفصل ‪ 323‬من قانون‬

‫المسطرة المدنية‪ .‬وفي حالة إصراراملحكم على البقاء في هيئة التحكيم‪ ،‬يبث رئيس املحكمة في‬

‫طلب التجريح داخل أجل خمسة عشر ( ‪ )91‬يوما وقراراه غير قابل للطعن‪ .‬وفي حالة رفض‬

‫الطلب يمكن لألطراف تقديم طلب جديد شريطة أن يؤسس على أسباب أخرى غير تلك‬
‫ُ‬
‫المنصوص عليها في الطلب األول‪ .‬وتعتبر اإلجراءات التي شارك فيها املحكم امل َج َّرح باطلة وكأن‬

‫لم تكن وذلك طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل ‪ 323‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫وعلى الرغم من الصياغة اللغوية الواضحة لمقتضيات هذا الفصل‪ .‬فالنص يشير بداية إلى‬

‫الطلب المقدم إلى رئيس املحكمة‪ ،‬من قبل أحد األطراف‪ ،‬والذي عليه أن يقدمه للكتابة‬

‫الخاصة للسيد الرئيس‪ ،‬والذي خالفا للمقال المؤدى عنه يبقى هذا األخيرمعفى من أية رسوم‬

‫ويمكن لطرف النزاع أن يقدمه بنفسه دون مؤازرة محامي مقيد بهيئة من هيئات املحامين‬

‫‪ . 711‬الفقرة األولى من المادة ‪ 02‬من قانون التحكيم المصري‬


‫‪ . 712‬الفقرة الثانية من المادة ‪ 02‬من قانون التحكيم المصري‬
‫‪ . 713‬الفقرة الثالثة من المادة ‪ 02‬من قانون التحكيم المصري‬

‫‪P 453‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫َُ‬
‫بالمغرب‪ .‬إال أنه يبقى غير متجانس مع الممارسة العملية أمام املحاكم‪ .‬حيث تق َّد ُم الطلبات‬

‫من طرف السادة املحامون مرتكزة على بعض األسباب المنصوص عليها في الفصل ‪ 323‬من‬

‫قانون المسطرة المدنية‪ .‬وهذا النهج‪ ،‬أملته الضرورة العملية حيث يستعص ى على األطراف‪،‬‬

‫والذين غالبا ما يكون مجال اهتمامهم المنهي بعيدا عن القانون‪ ،‬أن يبرزوا النقاط القانونية‬

‫الصحيحة والكفيلة بقبول طلبهم‪ .‬يتعين معه إعادة النظر في صياغة هذا النص بطريقة تلزم‬

‫األطراف تقديم مقال من طرف محامي مسجل بأحد هيئات املحامين‪ ،‬حفاظا على حقوق‬

‫األطراف من الضياع وخدمة لمصالح العدالة‪.‬‬

‫كما أن هذه المقتضيات تبقى مبهمة فيما يخص تاريخ سريان أجل الثمانية ( ‪ )1‬أيام‬

‫لتقديم طلب التجريح‪ .‬حيث يشيرالنص إلى تاريخ العلم بتشكيل هيئة التحكيم‪ ،‬في حين لم يلزم‬

‫المشرع أعضاء هيئة التحكيم أو أطراف النزاع على اللجوء إلى أحد الوسائل الشبه قضائية من‬

‫" تبليغ عن طريق مفوض قضائي" أو عن طريق " البريد المضمون"‪ ،‬إلشعار الطرف بتنصيب‬

‫محكم‪ .‬الش يء الذي يفتح الباب على مصراعيه للمنازعة في تاريخ علم الطرف المقدم لطلب‬

‫التجريح‪ ،‬السيما في انعدام أية وسيلة من وسائل اإلثبات الشبه القضائية‪ ،‬المشار إليها آنفا‪،‬‬
‫ُوي ِط ُ‬
‫يل من أمد البث في الطلب‪ .‬كما أن اقتصار النص على اإلشارة للسيد رئيس املحكمة‬

‫(القاض ي املختص) يبقى غير واضح‪ .‬فهل يتعلق األمر برئيس املحكمة التي يقع في دائرتها تنفيذ‬

‫الحكم التحكيمي؟ أم رئيس املحكمة التي يقع بدائرتها مكان إنجاز إجراءات التحكيم؟ هذا‬

‫باإلضافة إلى غموض النص فيما يتعلق باالجاالت الممنوحة للمحكم بعد تقديم طلب التجريح‬

‫لرئيس املحكمة‪ .‬هل يمنحه السيد الرئيس أجال معقوال لتقديم دفاعه؟ هل أجل العشرة ( ‪)91‬‬

‫أيام الممنوحة للسيد الرئيس للبث في الطلب تبتدئ بمجرد تبليغ املحكم بالطلب ومثوله أمام‬

‫السيد رئيس املحكمة؟‬

‫‪P 454‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫أما بخصوص بطالن اإلجراءات التي شارك فيها املحكم املجرح‪ ،‬فيمكن تقديم طلب‬

‫بخصوصها مجددا من طرف الهيئة المنصبة من جديد‪ ،‬شريطة أن ال يشابها تقادم يجعلها‬

‫معرضة للرفض‪ .‬ويبقى االنتقاد األكبر الذي يمكن أن نوجهه للنصوص المنظمة للتجريح في‬

‫القانون المسطري المغربي هو‪ ،‬من جهة‪ ،‬عدم إلزام المشرع املحكم بالتصريح المسبق عن‬

‫طبيعة العالقة والمصالح‪ ،‬مباشرة كانت أو غيرمباشرة‪ ،‬مع أحد أطراف النزاع‪ .‬ومن جهة أخرى‬

‫تحديده لهذه األسباب بطريقة حصرية‪ .‬ذلك وخالفا للمشرع الفرنس ي‪ ،714‬والمشرع‬

‫المصري‪ ،715‬الذين فتحوا املجال لألطراف لتجريح املحكم ألي سبب يضع حياده واستقالله‬
‫َ‬
‫موضوع شك‪ .‬كما أن تحديد المشرع المغربي ألسباب التجريح‪ ،‬وبطريقة حصرية ُيض ِّي ُق‬

‫ص ُع ُب معه تجريح محكم بناء على أسباب غير تلك‬


‫الخناق على األطراف ويضعهم في موقف َي ْ‬
‫َْ‬
‫المنصوص عليها في الفصل ‪ 323‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‪ ،‬ولو من شأنها أن تن ِفي‬

‫الجهالة عن بعض العالقات وتضارب المصالح الذي قد يربط بين املحكم وأطراف النزاع وتؤثر‬

‫على فحوى الحكم التحكيمي‪.‬‬

‫فإذا كانت فلسفة المشرع وراء تحديد أسباب التجريح بطريقة حصرية بالنسبة للقضاة‬

‫هو الحد من أي شطط في استعمال حق التجريح بغية تعطيل العدالة عن طريق المس بسمعة‬
‫ُ َ َ‬
‫المطال ِبين بالبث في عدد مهم من القضايا سنويا‪ ،‬فسلوك المشرع المغربي‬ ‫السادة القضاة‬

‫نفس التوجه بالنسبة للمحكمين‪ ،‬يعتبر مجانبا للصواب اعتبارا من جهة‪ ،‬أن املحكمين‪،‬‬

‫وباستثناء رئيس هيئة التحكيم الذي قد يعين من طرف رئيس املحكمة‪ ،‬هم من اختياراألطراف‪.‬‬

‫وأن مزاولههم لهذا النشاط‪ ،‬أي التحكيم‪ ،‬يكون بطريقة استثنائية‪ ،‬وأن كونهم موضوع تجريح‬

‫ولو متكررال ضررله على مصالحهم أو مهامهم الخاصة‪ .‬بل إن فتح هذا الحق‪ ،‬أي التجريح‪ ،‬ألي‬

‫‪ . 714‬الفصل ‪ 0200‬من قانون المسطرة المدنية الفرنسي‬


‫‪ . 715‬المادة ‪ 00‬من قانون التحكيم المصري‬

‫‪P 455‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫سبب من شأنه أن يجعل حيادهم أو استقالليههم موضوع شك‪ ،‬لهو ضمانة أخرى كفيلة بتعزيز‬

‫الثقة في هذه الوسيلة البديلة لفض النزاعات‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تجريح الشهود والخبراء‬

‫كان التشريع اإلسالمي والفقه الحقا سباقان إلى تأطير شروط االستعانة بالشهادة‬
‫ْ‬
‫والشهود واستبعادهم قبل ُج ِ ّل األنظمة القانونية الوضعية ( المطلب األول)‪ .‬لكن ِب ُب ُروزقضايا‬

‫تتسم بطابعها التقني املحض ولجوء املحكمة لوسائل إثبات وقائع تقنية‪ ،‬كان ِل َز ًاما على المشرع‬
‫فتح املجال للمتقاضيين‪ ،‬ل َتقديم َما م ْن َشأنه أن ُيز َ‬
‫يح الخبرة المنجزة من طرف الخبير عن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ضوابطها الموضوعية‪ ،‬والتي قد تعتمد عليها املحكمة حصريا إلصدارالحكم ( المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مكانة الشهادة بين الفقه والقوانين الوضعية‬

‫حضيت الشهادة بعناية خاصة من طرف الشريعة اإلسالمية التي أحاطهها بضوابط‬

‫َي َت َع َّي ُن إبرازها (الفقرة األولى)‪ ،‬قبل بسط المساطر المتبعة لتجريح الشهود في القانون‬

‫المسطري المغربي‪ ،‬مع اإلشارة إلى الموقف في القانون المقارن ( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفق ــرة األولى‪ :‬الشهادة في الفقه اإلسالمي‬

‫تعتبرالشهادة من بين أهم وسائل اإلثبات وأعظمها مكانة‪ ،‬استعملت منذ األزل في أنظمة‬

‫قانونية سبقت التشريع اإلسالمي الذي أنزلها منزلة عظيمة وأحاطها بزمرة من الضوابط‪.‬‬

‫لعبت الشهادة دورا أساسيا في العهد الروماني‪ .‬ذلك أنه بانعدام وسائل اإلثبات التي تفيد نشأة‬
‫التزام‪ ،‬انتفائه‪ ،‬الوفاء به‪ ،‬أو ت َ‬
‫لك التي تثبت وضعيات قانونية‪ ،‬كان اللجوء إلى شهادة الشهود‬ ‫ِ‬
‫ضروريا للحفاظ على حقوق األطراف‪ .‬ففي عهد اإلمبراطور" جستينيان" ( ‪ ،)Justinien‬سادت‬

‫القاعدة التي بموجبها تتفوق الشهادة الشفوية على وسائل اإلثبات الكتابية‪ .‬وهذا الترجيح كان‬

‫‪P 456‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫راجع أساسا إلى انتشاراألمية بين أفراد الشعب‪ .‬لكن مع نفش ي شهادة الزورفي القرون الوسطى‬
‫َ َّ َ َ َ ً‬
‫احة على منع اللجوء‬ ‫في أوروبا‪ ،‬ثم إصدار قانون "موالن" (‪ )Moulin‬سنة ‪ 9100‬والذي نص صر‬

‫إلى شهادة الشهود في كل ما يجوز إثباته بواسطة الكتابة‪ .‬أما في القوانين الوضعية‪ ،‬فوسائل‬

‫اإلثبات تنقسم إلى نوعين‪ .‬قواعد موضوعية لها صلة وثيقة بالحق‪ ،‬شروط قبوله وتنظم عبئ‬

‫إثباته وقواعد إجرائية تعنى باإلجراءات الواجب إتباعها عند طلب االستعانة بتلك الوسيلة‪،‬‬

‫أي اإلثبات‪ ،‬أمام القضاء‪ .‬ويندرج تحت لواء وسائل اإلثبات كل من األدلة الكتابية‪ ،‬الشهادة‪،‬‬

‫القرائن‪ ،‬اإلقرار‪ ،‬اليمين‪ ،‬المعاينة والخبرة‪.‬‬

‫ونظرا لما لوسائل اإلثبات من اثر على مصالح الناس وحقوقهم‪ ،‬فقد حضيت باهتمام‬

‫بالغ من لدن الشريعة اإلسالمية التي حددت شروط تقديمها إلثبات حق او نوفيه‪ .‬ففي الحديث‬
‫َ‬
‫الذي رواه ابن عباس رض ي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬لو ُيعطى الناس بدعواهم‬

‫ال دعى أناس دماء رجال وأموالهم‪ ،‬ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر"‪.716‬‬

‫سيكون مناسبا تحديد مفهوم الشهادة في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬قبل التطرق إلى الشروط‬

‫الواجب توفرها في الشاهد‪ ،‬أقسام الشهادة ونطاق استعمالها كوسيلة إثبات في الشريعة‬

‫اإلسالمية‪.‬‬

‫َ‬
‫كلمة الشهادة مشتقة من فعل "ش ِه َد"‪ ،‬الذي يفيد معان شتى حسب السياق اللغوي‬
‫َ َ ُْ‬ ‫َ‬
‫الذي يندرج فيه‪ .‬فهو يعني الحضورلقوله تعالى في سورة البقرة ( اآلية ‪ " : )911‬ف َم ْن ش ِهد ِمنك ُم‬

‫ص ْم ُه"‪ .‬ومن جهة أخرى يعني المعاينة لقوله تعالي في س ــورة أل عمران ( اآلية ‪" :)91‬‬ ‫الش ْه َر َف ْل َي ُ‬
‫َّ‬

‫َ َ َّ َ َّ َ ََٰ َ َّ‬
‫ش ِهد الل ُه أن ُه ال ِإله ِإال ُه َو" ‪ .‬كما يفيد اإلخباربش يء خبرا قاطعا‪ .‬وأخيرا يفيد الحلف لقوله تعالي‬
‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ َ ُ َ َ ُ َ ْ‬ ‫َ‬
‫في سورة المنافقون (اآلية ‪" :)9‬إذا َج َاء َك ال ُمنا ِفقون فقالوا نش َه ُد ِإن َك ل َر ُسو ُل الله"‪ .717‬أما‬

‫‪ . 716‬النووي ( ‪ ،)0270‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬الجزء ‪ ،00‬المطبعة المصرية‪ ،‬ص ‪0‬‬


‫‪. 717‬ابن منضور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج ‪ ،0‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬صفحة ‪02‬‬

‫‪P 454‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫اصطالحا‪ ،‬فقد عرفها ابن فرحون‪ ،‬عند المالكية‪ ،‬بأنها " إخبار عدل حاكما بما علم‪ ،‬ولو بأمر‬

‫عام‪ ،‬ليحكم بمقتضاه وقيل هي إخبار حاكم عن علم‪ ،‬أي إخبارالشاهد الحاكم عن علم ال عن‬

‫ظن"‪ .718‬أما ابن الهمام محمد بن عبد الواحد فقد عرفها‪ ،‬عند الحنفية‪ ،‬بأنها‪" :‬إخبار صدق‬

‫إلثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء ولو بال دعوى"‪ .719‬وعند الشافعية‪ ،‬فقد عرفها‬

‫الرملي شمس الدين محمد بن ابي العباس بأنها ‪ ".‬إخبار بحق للغير على الغير بلفظ أشهد"‪.720‬‬

‫وتعرف لدى الحنابلة الشهادة بأنها‪ " :‬اإلخباربما علمه الشاهد بلفظ خاص"‪.721‬‬

‫أما فيما يتعلق بخصائصها‪ ،‬فقد حددها احمد شرف الدين في أربعة وهي‪:‬‬

‫‪ -9‬أن ال تكون الشهادة اال في مجلس القضاء‪.‬‬

‫‪ -2‬أن تصدرعن شخص ليس طرفا في الدعوى‪.‬‬

‫‪ -3‬أن تعتبرالشهادة حجة غير قاطعة‪.‬‬

‫‪ -4‬أن تعتبرالشهادة حجة متعدية وان ما يثبت عن طريقها يعتبرثابتا بالنسبة للكافة‪.722‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫وغني عن البيان أن مشروعية اإلثبات بالشهادة في الفقه اإلسالمي ت ِج ُد َمن َب َع َها في العديد‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫من اآليات القرآنية نذكرمن بينها قوله تعالى في سورة البقرة ( اآلية ‪َ " :)212‬وأش ِه ُدوا ِإذا ت َب َاي ْعت ْم‬
‫َّ ُ َ‬ ‫ّ ُ َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ َّ ُ ٌ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َوال ُيض َّاركا ِت ٌب َوال ش ِهي ٌد َو ِإن تف َعلوا ف ِإن ُه ف ُسوق ِبك ْم َو اتقوا الله َو ُي َع ِل ُمك ُم الل ُه َوالل ُه ِبك ِ ّل ش ْي ٍء‬
‫َّ َ‬
‫يموا الش َه َادة‬ ‫نك ْم َو َأق ُ‬
‫ََ ْ ُ َ َ ْ َ ْ ّ ُ‬
‫يم"‪ .‬وقوله تعالى في سورة الطالق ( اآلية ‪" :) 2‬وأش ِهدوا ذوي عد ٍل ِم‬ ‫َعل ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ِلل ِه"‪ .‬وقد أباحت الشريعة اإلسالمية استعمال الشهادة كوسيلة من وسائل اإلثبات ألسباب‬

‫‪ . 718‬ابن فرحون‪ ،‬برهان الدين ابو عبد الله محمد ( ‪ 0211‬هجرية ) ‪ " ،‬تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام"‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬طبعة ‪002/0 ،0‬‬
‫‪. 719‬ابن الهمام محمد ابن عبد الواحد (‪ " ،)0271‬فتح القدير شرح الهداية"‪ ،‬مطبعة البابي‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪ ، 0‬صفحة ‪200-202‬‬
‫‪ . 720‬الرملي‪ ،‬شمس الدين محمد بن ابي العباس ( ‪ " ،)0212‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج"‪ ،‬دار الفكر للنشر‪ ،‬بيروت ‪201/2‬‬
‫‪ . 721‬البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس ( ‪ 0210‬ه )‪ " ،‬كشاف القناع عن مثن اإلقناع"‪ ،‬تحقيق الهالل مصيلحي ومصطفى هالل‪ ،‬جار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت صفحة ‪212‬‬
‫‪ . 722‬شرف الدين احمد ( ‪ ،)0222‬أصول اإلثبات‪ ،‬ج ‪ ، 0‬طبعة نادي القضاة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬صفحة ‪010‬‬

‫‪P 452‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫عدة نذكر من بينها أنها وسيلة لدعم الروابط االجتماعية بين الناس‪َ ،‬ناه َ‬
‫يك َعن كونها أداة‬ ‫ِ‬
‫ِل ًن َ‬
‫صر ِة الحق الذي يحمله المسلم على غيره من المسلمين‪َ .‬وجديربالذكرأن الشهادة هي فرض‬

‫كفاية وليست فرد عين واجبة على الشخص الذي عاين الو اقعة موضوع النزاع‪ .‬والنص‬

‫القرآني جاء صريحا في هذا الباب‪ ،‬حيث يقول رب العزة في سورة البقرة ( اآلية ‪:)213‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َُْ‬
‫" َوال تكت ُموا الش َه َادة َو َم ْن َيكت ْم َها ف ِإن ُه آ ِث ٌم قل ُب ُه َوالل ُه ِب َما ت ْع َملون َع ِليم"‪َ .‬ب ْيد أن الشريعة‬

‫اإلسالمية قيدت قبول شهادة الشاهد ِب ُز ْم َر ٍة من الشروط‪ .‬حيث ينص الفقه على أحد عشر‬

‫شرطا وهم‪" :‬اإلسالم"‪" ،‬العقل"‪" ،‬البلوغ"‪" ،‬الحرية"‪" ،‬العدالة"‪" ،‬صالح دين الشاهد"‪،‬‬
‫َْ‬
‫"النطق"‪" ،‬أن ال يكون محذوفا في قذ ٍف"‪" ،‬أن ال يكون أصال أو فرعا للمشهود له"‪" ،‬أن ال تكون‬

‫له مصلحة في النزاع"‪" ،‬أن ال تكون له خصومة أوعداوة مع أحد األطراف"‪" ،‬الذكورة في الشهادة‬

‫على الحدود والقصاص"‪ .723‬أما في ما يخص الشهادة نفسها‪ ،‬فيجب أن تكون في مجلس‬
‫ُ‬
‫القضاء‪ ،‬وأن تكون في حضورالمشهود عليه أو وكيله وأن تؤدى بلفظ "أشهد"‪.724‬‬

‫والشهادة في الشريعة اإلسالمية أقسام‪ " :‬شهادة أصلية"‪" ،‬ثانوية"‪ ،‬و"شهادة سماع"‪.‬‬

‫فالشهادة األصلية هي التي تكون بناء على معاينة مباشرة كسماع مباشر أو معاينة المشهود به‬

‫بنفسه ال بغيره‪ .725‬أما الشهادة الثانوية‪ ،‬فهي الشهادة التي يعتمد فيها الشاهد على َما َس ِم َع‬

‫َوليس بما أدرك مباشرة‪ .726‬أما شهادة السامع فهي الشهادة التي يصرح الشاهد بموجبها بما‬
‫َسم َع ُه من غير ُم َع َّين فتخرج بذلك شهادة البث والنقل‪ .727‬لكن ما يميزها هو أن الشاهد ُي َ‬
‫ص ّ ِر ُح‬ ‫ِ‬

‫‪ . 723‬الشيرازي ابراهيم بت علي ( ‪ ،)0210‬المذهب‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬صفحة ‪270‬‬
‫‪ . 724‬ابن قدامة محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي ( ‪ ،)0221‬المغني‪ ،‬طبعة مكتبة الرباط الحديثة‪ ،‬صفحة ‪002‬‬
‫‪ . 725‬الخياري‪ ،‬عبد الله علي‪" ،‬حجية الشهادة في اإلثبات في النص اإلسالمي والقانون المقارن"‪ ،‬مركز األمن للنشر والتوزيع‪ ،‬صفحة‬
‫‪210‬‬
‫‪ 726‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬محمد بن ابي بكر الزرعي‪ " ،‬الطرق الحكمية" دار البيان بيروت صفحة ‪07‬‬
‫‪ . 727‬ابن فرحون ( ‪ " ،)0201‬تبصرة الحكام‪ ،‬طبعة مصطفة الحلبي‪ ،‬بيروت‪ -‬صفحة ‪012‬‬

‫‪P 457‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫بما سمعه من العدول وغيرهم‪ .‬باإلضافة إلى كون هذه الشهادة تنصب على ما يتناقله الناس‬

‫وال تعنى بالو اقعة المراد إثباتها‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ميزت الشريعة اإلسالمية بين شروط قبول الشهادة الخاصة بالشاهد‬
‫َ ُ َ‬
‫حد ًيدا‬ ‫َْ‬
‫وتلك المتعلقة بالشهادة عي ِنها‪ .‬فالشروط المتعلقة بهذه األخيرة‪ ،‬أي الشهادة‪ ،‬تص ُّب ت ِ‬
‫َحو َل " ُو ُ‬
‫جو ِب أدائها أمام القضاء"‪ 728‬و " بحضور الخصوم"‪ .729‬أما تلك المتعلقة بالشهادة‬

‫عينها فعددها إحدى عشر ( ‪ ،) 99‬كما سبق اإلشارة إليه سابقا‪ ،‬أبرزها وجوب توفر شرط‬

‫التمييز‪ ،‬حيث ال تقبل شهادة األطفال الغير القادرين على فهم الفعل وضبط طبيعته‪ .‬كما ال‬

‫تقبل شهادة البالغين الفاقدين لقواهم العقلية كالمصابين بالجنون أو أولئك الغير القادرين‬
‫َ ْ‬
‫على اإلدراك أو تذكر الوقائع التي ُي ْستش َه ُد فيها‪ .‬ناهيك عن استبعاد الشاهد الذي له عداوة‬

‫مع أحد أطراف النزاع أو له مصلحة مباشرة فيه‪.‬‬

‫َُ‬
‫لم تك ْن مسطرة تجريح الشهود محددة في ظل التشريع اإلسالمي بنفس الضوابط التي‬

‫أطرت بها في القوانين الوضعية المعاصرة بما في ذلك قانون المسطرة المدنية المغربي‪ .‬حيث‬
‫ُ َ‬ ‫َْ‬
‫كانت مهمة تن ِح َي ِة شاهد ت ْسن ُد ملجلس القضاء الذي كان يتحقق من شروط أداء الشهادة في‬

‫الشاهد‪ ،‬وعلى إتاحة الفرصة لألطراف إلبراز أية عداوة أو مصلحة للشاهد في النزاع‪ .‬وهذا‬

‫الحق كان مكفوال لألطراف قبل أن يدلي الشاهد بشهادته في مجلس القضاء‪ .‬كما كان للقاض ي‬

‫الحق في إثارة أي سبب من أسباب استبعاد الشاهد إذا ما بلغ إلى علمه تحقق أحد أسباب‬

‫تجريحه‪.‬‬

‫الفق ــرة الثانية‪ :‬تجريح الشهود في القوانين الوضعية‬

‫‪ . 728‬محمد عطية راغب‪ " :‬النظرية العامة لإلثبات في التشريع الجنائي العربي المقارن" القاهرة‪ -‬مطبعة المعرفة ‪ – 0201‬صفحة‬
‫‪00‬‬
‫‪ . 729‬احمد نشات‪ " :‬رسالة اإلثبات"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬دار الفكر العربي القاهرة‪ ،0270 ،‬صفحة ‪022‬‬

‫‪P 460‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫خولت جل التشريعات األوروبية في القرون الوسطى إمكانية االستعانة بالشهود‬

‫واشترطت في معظمها‪ ،‬باإلضافة إلى انتفاء َم َو انع األهلية‪ ،‬أن تكون للشاهد " سمعة جيدة في‬

‫املجتمع"‪ ،730‬وأن يكون قد عاين الوقائع التي َي َو ُّد تقديم شهادته فيها‪ .‬هذا باإلضافة إلى حياده‬

‫اتجاه أطراف وموضوع النزاع‪ .‬لكن مفهوم الحياد كما أشارت إليه التشريعات األوروبية‬

‫أناداك‪ ،‬يختلف اختالفا جوهريا عن ذلك الذي عرفته املحكمة األوربية لحقوق اإلنسان في‬
‫ُ‬
‫قرارها "‪ ،" Le Strum c/France‬حيث كان هذا المفهوم يقتصر في ك ْن ِه ِه على عدم وجود أية‬

‫قرابة‪ ،‬عداوة أو ملكية مشتركة بين الشاهد وأحد أطراف النزاع‪ .731‬وبناء على ذلك‪ ،‬فقد منحت‬

‫هذه التشريعات األطراف إمكانية تجريح الشاهد إذا لم يتحقق شرط من الشروط السالفة‬

‫الذكر‪ ،‬لكنها قيدت ممارسة هذا الحق بتقديم طلب بشأنه قبل إدالء الشاهد بشهادته‪.‬‬

‫الشهادة هي وسيلة من وسائل اإلثبات التي نص عليها قانون المسطرة المدنية المغربي‪،‬‬

‫حيث يمكن ألطراف النزاع تقديم طلب للمحكمة بشأن االستعانة بها‪ ،‬في إطار بحث‪ ،‬إلثبات‬

‫وقائع تمت معاينهها من طرف الشهود‪ ،‬أو نفي الجهالة عن تصرفات قانونية من شأنها تبيان‬

‫الحقيقة وتنوير العدالة‪ .‬ولقد نص الفصل ‪ 19‬من قانون المسطرة المدنية المغربي على أن‬

‫الشهادة تبقى مقبولة ما دامت مفيدة في البحث الذي تجريه املحكمة بشأن الوقائع‪.‬‬

‫أما من الناحية المسطرية‪ ،‬فقد ألزم المشرع المغربي القضاء‪ ،‬في الحكم التمهيدي‬

‫القاض ي بإجراء بحث‪ ،‬باإلضافة إلى استدعاء األطراف‪ ،‬تضمين الئحة الشهود المراد االستماع‬

‫إليهم‪ ،732‬على أساس أن يتم منحهم أجل خمسة أيام بين تاريخ التوصل باالستدعاء وتاريخ‬

‫الجلسة إذا كانوا يقطنون بدائرة نفوذ املحكمة‪ ،‬أو خمسة عشريوما إذا ما كانوا يقطنون بخارج‬

‫‪730‬‬
‫‪. Benoit Carnot : "Les témoins devant la justice , une histoire des statuts et des comportements ",‬‬
‫‪chapitre 4 pages 43-53, 2003, press universitaire de Rennes.‬‬
‫‪731‬‬
‫‪.Benoit Carnot : "Les témoins devant la justice , une histoire des statuts et des comportements ",‬‬
‫‪chapitre 4 pages 43-53, 2003, press universitaire de Rennes‬‬
‫‪ . 732‬الفصل ‪ 70‬من قانون المسطرة المدنية‬

‫‪P 461‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫دائرة املحكمة‪ .‬أما تخلفهم عن الجلسة بدون عذر مقبول‪ ،‬فإنه يعرضهم للحكم عليهم بغرامة‬

‫مالية ال تتعدى خمسون درهما‪ .‬فإذا ما تخلفوا للمرة الثانية‪ ،‬جازللمحكمة الحكم عليهم بغرامة‬

‫ال تتعدى مائة درهم قابلة للتنفيذ على الرغم من ممارسة الطعن ضدها سواء تعلق األمر‬

‫بالتعرض أو االستئناف‪ .733‬وفي حالة ما إذا تعذرعلى الشهود الحضورألسباب صحية أو غيرها‪،‬‬

‫أجازالمشرع للقاض ي االنتقال إلى عين المكان لالستماع إليهم‪ ،734‬أو بواسطة إنابة قضائية‪.735‬‬

‫ونظرا لكون أن الشهادة قد تعتبر أحيانا الوسيلة الوحيدة التي تمكن القضاء من الوصول إلى‬

‫الحقيقة‪ ،‬عمل المشرع المغربي على إحاطة شهادة الشهود بزمرة من الضمانات حتى يتسنى‬

‫التأكد من مصداقيهها وإزاحة كل مبطالتها كشهادة األقارب أو تلك التي تجلب للشاهد نفعا أو‬

‫تسقط عنه ضر‪.‬‬

‫تخضع الشهادة من جهة أخرى للسلطة التقديرية ومبدأ القناعة الوجدانية للقاض ي‬

‫الذي يمكن أن يأخذ بأقوال بعض الشهود ويستبعد آخرين‪ ،‬ألن الشاهد في نهاية المطاف ال‬

‫ُي ْخ ِب ُر إال عما سمعه أو رآه أو أدركه بحواسه الخمس وأن هذا اإلدراك ال يعدو أن يكون سوى‬

‫حقيقة نسبية تحتمل الخطأ في انعدام الدليل القاطع على ثبوت الوقائع موضوع الشهادة‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬يبقى للقاض ي الحق مواجهة الشهود بعضهم ببعض لوضع اليد على مكامن‬

‫الخلل والتناقض الموجبان الستبعاد الشهادة‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬ألزمت مقتضيات الفصل‬

‫‪ 10‬من قانون المسطرة المدنية القاض ي‪ ،‬قبل االستماع للشاهد‪ ،‬أن يتأكد من هويته‪ ،‬مهنته‬

‫وموطنه‪ ،‬باإلضافة إلى قرابته من أطراف النزاع مع ذكرالدرجة وجود أية عالقة تبعية مع أحد‬

‫األطراف‪ ،736‬مع استبعاد شهادة شاهد الذي لم يبلغ بعد ستة عشر سنة أو االقتصار باألخذ بها‬

‫‪ . 733‬الفصل ‪ 77‬من قانون المسطرة المدنية‬


‫‪ . 734‬الفصل ‪ 72‬من قانون المسطرة المدنية‬
‫‪ . 735‬الفصل ‪ 71‬من قانون المسطرة المدنية‬
‫‪ . 736‬الفصل ‪ 70‬من قانون المسطرة المدنية‬

‫‪P 462‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫على سبيل االستئناس‪ .‬غير أن مقتضيات قانون المسطرة المدنية المغربي المؤطرة لشهادة‬

‫الشهود لم تلزم القضاء بسؤال الشاهد عما إذا كانت له مصالح اقتصادية مشتركة مع أحد‬

‫أطراف النزاع واكتفت بإلزام الشاهد بالتصريح بأية عالقة تبعية قد تربطه بأحد األطراف دون‬

‫أن تلزم القضاء بالتحري عما إذا كانت للشاهد مصلحة مباشرة في النزاع‪.‬‬

‫وخالفا لما سار عليه المشرع المغربي من إمكانية االستماع إلى الشهود انفرادا‪ ،‬سواء‬

‫بمحضر األطراف أو غيبههم‪ ،‬اشترط المشرع الفرنس ي في الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة‬

‫المدنية الفرنس ي االستماع إلى الشهود بحضور أطراف النزاع‪ .‬وفي حالة استحالة حضور أحد‬

‫األطراف‪ ،‬أو اقتضت مصلحة العدالة االستماع للشاهد في غيبة أحدهم‪ ،‬ألزم المشرع الفرنس ي‬

‫القاض ي بوضع رهن إشارة األطراف‪ ،‬أوالطرف المتغيب‪ ،‬نسخة من مضامين أقوال وتصريحات‬

‫الشاهد‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬لم يلزم المشرع المصري القاض ي على االستماع للشهود بحضور‬

‫األطراف‪ ،‬لكنه ألزمه في المادة ‪ 21‬من الباب الثالث لقانون اإلثبات‪ ،‬على تمكين األطراف االطالع‬

‫على تصريحات الشاهد ومنحهم الحق في نفي مضامينها بنفس الطريقة أي عن طريق شهود‬

‫آخرين‪.‬‬

‫حرص المشرع المغربي على منح أطراف النزاع الحق في تبيان ما من شأنه أن يخرج‬

‫الشاهد من منطق الحياد الذي يجب أن تخضع له شهادته‪ .‬وعلى هذا األساس خول المشرع‬

‫المغربي ألطراف النزاع تجريح الشاهد عن طرق ملتمس شفوي يتقدم به دفاع أحد األطراف‬

‫حينما يتعلق األمرببحث‪ ،‬أوعن طريق طلب أو مذكرة جوابية تتضمن هذا الملتمس قبل تقديم‬

‫الشاهد لشهادته‪ .737‬وهو النهج الذي أكدته محكمة النقض المغربية في‪ ،‬قرارات عدة‪ ،‬نذكر‬

‫من بينها القرار عدد ‪ 2191‬المؤرخ في ‪ 2191/92/91‬في الملف االجتماعي عدد ‪،9912/1/2191‬‬

‫‪ . 737‬الفصل ‪ 72‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‬

‫‪P 463‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫حيث أكدت محكمة النقض أن " تجريح الشهود بعد أدائهم الشهادة غير مقبول‪ ،‬واملحكمة لم‬

‫تكن ملزمة بإجراء بحث جديد مادام أنها تتوفرعلى المعطيات الكافية للبث في القضية"‪.‬‬

‫َ‬
‫َب ْيد أن المشرع المغربي وضع استثناء لهذه القاعدة‪ ،‬ويتعلق تحديدا بالحالة التي لم‬

‫يظهر فيها سبب التجريح إال بعد االستماع إلى الشاهد‪ .738‬وهي الحالة الواردة عمليا لكون‬

‫أسباب بطالن الشهادة‪ ،‬التي يتحرى عنها القاض ي عن طريق طرح أسئلة موجهة للشاهد‪ ،‬قد ال‬

‫تغطي جميع أسباب التجريح وتقتصر فقط على التأكد من أن الشاهد ال تربطه أية عالقة‬

‫قرابة‪ ،‬مصاهرة إلى الدرجة الثالثة‪ ،‬أو عالقة تبعية مع أحد أطراف النزاع‪ .‬وحيث إن محكمة‬

‫النقض المغربية أكدت هذه القاعدة في قرارات عدة نذكرمن بينها القرارعدد ‪ 9420‬المؤرخ في‬

‫‪ 2191/10/91‬الذي جاء في منطوقه ما يلي‪" :‬يجب التقدم بطلب تجريح شاهد قبل أداء الشهادة‬
‫ََ‬
‫عدا إذا لم يظهرسببه إال بعد ذلك‪ ،‬والثابت من وثائق الملف انه لم ُيتقدم بطلب تجريح الشاهد‬

‫قبل االستماع إليه خالل جلسة البحث أمام محكمة االستئناف‪ ،‬ولم يثبت أن أسباب التجريح‬

‫لم تظهر إال بعد ذلك‪ ،‬وبالتالي لم يعد هناك مجال للطعن في شهادته استنادا على أنه هذا‬

‫المسيرالفعلي و أنه هو الذي قام بطرده ‪ ،‬ومما تكون معه الوسيلة على غيرأساس"‪.‬‬

‫وتماشيا مع هذا النهج‪ ،‬أكدت محكمة النقض في قرارات أخرى أن عبئ إثبات ظهور‬
‫ََ‬
‫أسباب التجريح بعد أداء الشهادة تق ُع على طالب التجريح‪ .‬حيث جاء في قرار محكمة النقض‬

‫عدد ‪ 9119‬المؤرخ في ‪ 2191/14/31‬في الملف االجتماعي ‪ " 1/9/2194/211‬أن الطالب لم يتقدم‬

‫بطلب تجريح الشاهد قبل االستماع إليه ابتدائيا ولم يتبين أن أسباب التجريح لم يظهرإال بعد‬

‫ذلك‪ ،‬وبالتالي لم يعد هناك مجال للطعن في شهادته "‪.‬‬

‫‪ . 738‬الفصل ‪ 11‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‬

‫‪P 464‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ومن بين اإلشكاالت التي ظلت إلى عهد قريب موضوع جدل في الفقه واختالف في توجهات‬

‫املحاكم‪ ،‬إمكانية استعانة المشغل بشهادة أحد العمال الذين تربطه بهم عالقة التبعية في نزاع‬

‫أمام املحكمة‪ .‬لكن محكمة النقض المغربية فصلت في هذه النقطة في قرارها عدد ‪9131‬‬

‫المؤرخ في ‪ 2191/11/11‬في الملف االجتماعي عدد ‪ ،2194/9/1/04‬والذي أكدت فيه أن الوقائع‬

‫التي لها صلة بمكان العمل ال يمكن إثباتها أو نفيها إال من طرف األشخاص المتواجدين بطريقة‬
‫َ‬
‫مستمرة ودورية في ذلك المكان‪ .‬و انه ال يمكن ت ْج ِريد المشغل من حق االستعانة بشهادة أحد‬
‫َ‬
‫األج َراء ما دام هذا الحق مخول لألجير‪.‬‬

‫المطلب الثان ــي‪ :‬تجريح الخبراء‬

‫سيكون مناسبا ِت ْب َيان مكانة الخبرة بين وسائل اإلثبات المعتمدة من طرف القضاء‬

‫(الفقرة األولى)‪ ،‬قبل َب ْس ِط اآللية المتبعة لتجريح الخبراء في القانون المغربي والموقف في‬

‫القانون المسطري المقارن ( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفق ــرة األول ــى‪ :‬مكانة الخبرة بين وسائل التحقيق‬

‫يقول الفقيه السنهوري‪ " :‬إذا كان اإلثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء على الو اقعة‬

‫التي يرتب القانون عليها أثرا فمعنى ذلك‪ :‬أن هذه الو اقعة إذا أنكرها الخصم ال تكون حقيقة‬

‫قضائية إال عن طريق اإلثبات القضائي‪ ،‬فالحق الذي ينكر على صاحبه وال يقام عليه دليل‬

‫قضائي ليست له قيمة عملية فهو والعدم سواء من الناحية القضائية‪ .‬ومن هنا تظهر أهمية‬

‫اإلثبات من الناحية العملية‪ ،‬فالحق يتجرد من قيمته ما لم يقم الدليل على الحادث المبدئي‬

‫وم ْع ِق ُد النفع فيه لهذا كان اإلثبات من اإلجراءات‬


‫له والو اقع أن الدليل هو قوام حياة الحق َ‬

‫القانونية التي ال تنقطع وأكثرها إفادة في الو اقع العملي‪.739‬‬

‫‪ . 739‬السنهوري‪ " :‬الوسيط"‪ ،‬الجزء ‪02/0‬‬

‫‪P 465‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬
‫الخبرة لغة تعني العلم بالش يء‪ ،‬والخبير هو العالم ُ‬
‫والم ِل ُّم بفحوى الش يء المراد االطالع‬

‫على حقيقته‪ .‬وهي صيغة مبالغة على منوال عليم أو قدير‪ .‬فالخبير هو اسم من أسماء الله‬
‫َ َ َ َّ َ َ َ ْ َ‬ ‫َّ‬
‫ض َو َما َب ْي َن ُه َما‬
‫األ ْر َ‬
‫الحسنى‪ .‬يقول تعالى في سورة "الفرقان" اآلية " ‪" :"11‬ال ِذي خلق السماو ِ‬
‫ات و‬
‫َ‬ ‫َّ ْ َ ُ َ ْ َ‬ ‫في س َّتة َأ َّيام ُث َّم ْ‬
‫اس َت َو َٰى َع َلى ْال َع ْ‬
‫اسأ ْل ِب ِه خ ِب ًيرا"‪ .‬ومع تنوع وتعدد املجاالت التي‬ ‫ش‪ ،‬الرحمان‪ ،‬ف‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬
‫تنتمي إليها النزاعات المعروضة أمام املحاكم‪ ،‬في عصرنا الحالي‪ ،‬والتي تخرج بطبيعهها عن صلب‬

‫معرفة القضاة‪ ،‬بل في معظم األحيان حتى عن نطاق معرفة األطراف أنفسهم‪ ،‬أضحى من‬

‫الضروري على الهيئة التي تبث في النزاع اللجوء إلى خبيرلإلدالء برأيه التقني في النازلة‪.‬‬

‫لم تحض الخبرة تاريخيا بنفس المكانة واألهمية كالتي منحت لها في ظل التشريعات‬

‫المعاصرة‪ .‬فعلى الرغم من أن القانون الروماني عرف ازدهارا لكثيرمن المبادئ القانونية‪ ،‬والتي‬
‫ُ َ ُ‬
‫المؤ ّ ِرخون أية حالة‬ ‫اعتمدت عليها تشريعات عدة الحقة في تأسيس أصول قواعدها‪ ،‬لم يذكر‬

‫الستعانة القاض ي بأهل الخبرة‪ .‬حيث كان القاض ي يتمتع بصالحيات مزدوجة‪ ،‬تخول له الفصل‬

‫في النقاط القانونية و إبداء رأيه في المسائل التقنية كلما دعت الضرورة إلى ذلك‪ .740‬ففي‬

‫القانون الفرنس ي‪ ،‬شكل مرسوم ‪ ،9411‬الصادر عن الملك شارل الثامن‪ ،‬والذي نظم الخبرة‬

‫وح ُد ِودها‪ ،‬أول المقتضيات التنظيمية التي تؤطر حاالت‬


‫المتعلقة بتحديد ملكية أراض ي البناء ُ‬
‫َ‬ ‫ََْ‬
‫االستعانة بالخبرة‪ .‬تلت ُه بعد ذلك زمرة من المراسيم كان أبرزها مرسوم " َبلوا" الصادرفي ‪،9111‬‬

‫والذي وسع من صالحيات الخبراء‪ ،‬حيت أصبحت املحاكم تعهد لهم مهمات تقييم األشياء بدال‬

‫من أن يقوم الشهود بذلك‪ ،‬وألزمههم تقديم تقرير شامل ومفصل ألعمالهم التحضيرية قبل‬

‫إصدار خالصاتهم‪ .‬ومن بين أبرز النقاط في هذا المرسوم‪ ،‬إتاحته لألطراف إمكانية تعيين‬
‫الخبراء‪ .‬حيث كان لزاما إسناد الخبرة لخبيرين على األقل‪ ،‬طبقا ُ‬
‫للع ْر ِف المعمول به في ذلك‬

‫‪ .‬عبد الرزاق الشيبان‪ " ،‬إجراءات الخبرة القضائية ودورها في اإلثبات"‪ ،‬مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية‪ ،‬صفحة ‪2‬‬ ‫‪740‬‬

‫‪P 466‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫اإلبان‪ ،‬والذي بموجبه يكون صوت واحد باطل‪ .741‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬خول هذا المرسوم‬

‫ور األطراف وتمكين املحكمة من‬ ‫ُ ُ‬


‫للمحكمة إمكانية تجريح الخبير الذي عليه انجاز الخبرة ِبحض ِ‬
‫َ‬
‫تقريره خالل ‪ 24‬ساعة‪ .‬ويمكن ِخت ًاما للمحكمة تعيين خبير آخر في حالة ما إذا لم تجد تقرير‬

‫الخبيركافيا‪.‬‬

‫عرف القانون اإلجرائي الفرنس ي تطورا ملحوظا بعد إصدار مرسوم ‪ ،9001‬والذي عمل‬

‫على توحيد الشكليات اإلجرائية للخبرة‪ .‬حيث أضحت تتسم بالبساطة بالمقارنة مع نظيرتها في‬
‫َ َ‬
‫الفترة السابقة إلصدار المرسوم‪ .‬كما لهذا المرسوم الفضل في وضع أسس ول ِبنات الخبرة في‬

‫القانون المسطري الفرنس ي الصادرفي ‪.9110‬‬

‫أما المشرع المغربي فلم ُي َع ّ ِرف الخبرة‪ ،‬لكنه أشار في الفصل ‪ 11‬من قانون المسطرة‬

‫المدنية على أنها وسيلة من وسائل التحقيق التي يمكن للقاض ي أن يأمر بها بناء على طلب من‬

‫أحد األطراف‪ ،‬أو تلقائيا قبل البث في جوهر الدعوى‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فالخبرة قانونا هي أحد‬

‫وسائل التحقيق التي يعتمد عليها القضاء للتوصل إلى حقيقة معينة انطالقا من وقائع‬

‫ومعطيات ذات طابع تقني‪ .‬حيث تسند لخبير مسجل في الئحة الخبراء القضائيين‪ .‬يمكن‬

‫للمحكمة‪ ،‬في ظل القانون المغربي‪ ،‬إسناد الخبرة لخبيرغيرمسجل شريطة أن يدلي بالقسم قبل‬

‫أن يبدئ في إنجاز المهمة المنوطة إليه‪ .‬يمكن لألطراف الطعن في الخبرة إذا لم يقم الخبير‪،‬‬

‫الغير مسجل في الئحة الخبراء‪ ،‬بتأدية القسم‪ .742‬ويجب على الخبيرأن يقدم جوابا محددا على‬

‫األسئلة الفنية التي طرحها القاض ي في حكمه التمهيدي القاض ي بإجراء خبرة‪ ،‬والتي يجب أن ال‬

‫تمد بصلة بالقانون‪ .‬سلك المشرع الفرنس ي نفس المنوال الذي سار عليه المشرع المغربي‬

‫حينما اكتفى في الفصل ‪ 232‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬بتحديد شروط تعيين الخبير من‬

‫‪ . 741‬علي الحديدي‪ " ،‬الخبرة في المسائل المدنية والتجارية"‪ ،‬دار النهضة العربية الطبعة األولى‪ ، 0222 ،‬صفحة ‪20‬‬
‫‪ . 742‬األستاذ زعيم ابراهيم " رقابة القضاء على أعمال الخبراء"‪ .‬مجلة المحامي عدد ‪22‬‬

‫‪P 464‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫طرف املحكمة‪ ،‬ونوعية القضايا التي تستدعي األخذ برأيه التقني‪ .‬بيد أن محكمة النقض‬

‫الفرنسية اتبعت في قرارها الصادرعن الغرفة المدنية الثانية بتاريخ ‪ 21‬فبراير ‪ ،743 9104‬نهجا‬

‫مخالفا لما سار عليه المشرع المغربي‪ ،‬حينما اعتبرت أن للمحكمة الصالحية في اختيار الخبير‬

‫خارج إطارهيئة الخبراء من ذوي االختصاص في القطاع موضوع الخبرة‪.‬‬

‫أما محكمة النقض المغربية‪ ،‬فقد اعتبرت في قرارها عدد ‪ 211‬المؤرخ في ‪ 92‬ابريل ‪2190‬‬

‫في الملف المدني رقم ‪" 2194/4/9/3419‬بعدم جوازانتداب خبيرخارج إطارأهل الفن موضوع‬

‫النزاع"‪ .‬وفي ملف مدني آخر عرض على محكمة النقض المغربية‪ ،‬يطعن فيه طالب النقض في‬

‫القرار الصادر عن محكمة االستئناف بعلة أن الخبير المعين ليس من دوي االختصاص‪ ،‬أكدت‬

‫محكمة النقض أن " املحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لما اعتمدت في قضائها على تقرير‬
‫َ ْ ْ َ‬
‫است َعان بشخص من أهل‬ ‫خبرة منجزة من طرف خبير غير مختص في المسح العقاري وإن‬

‫االختصاص تكون قد عللته تعليال فاسدا وهو بمثابة انعدامه مما يعرضه للنقض‪.744‬‬

‫تلعب الخبرة دورا هاما في مجاالت عدة‪ ،‬حيث تعتبرالوسيلة الفنية الكفيلة بتاطيرالنزاع‬

‫السيما حينما يتعلق األمر بمجال تقني يخرج بطبيعة عن صلب معرفة الهيئة القضائية‪ ،‬والتي‬

‫يقتصر دورها على البث في النقاط القانونية دون غيرها‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أشار القانون في‬

‫بعض المساطر الخاصة‪ ،‬على إلزامية اللجوء إلى خبير لتحديد على سبيل المثال الثمن‬

‫االفتتاحي‪ ،‬كما هو الحال في بيع عقاربالمزاد العلني‪ ،‬واشترط أن يضمن الخبيرفي خبرته المعايير‬

‫التي اعتمد عليها في تحديد الثمن االفتتاحي تحت طائلة عدم األخذ بالخبرة‪ .‬وهو النهج الذي‬

‫سارت عليه محكمة النقض المغربية في قرارات عدة نذكر من بينها القرار عدد ‪ 4/290‬الصادر‬

‫في ‪ 14‬ابريل ‪ 2191‬في الملف المدني رقم ‪ .2191/4/9/1111‬وفيما يتعلق بإمكانية إجراء خبرة‬

‫‪ . 743‬قرار منشور ب ‪ Bull civil II N° 168‬بتاريخ ‪ 01‬شتنبر ‪0111‬‬


‫‪ .744‬قرار رقم ‪ 0‬المؤرخ في ‪ 10‬يناير ‪ 0100‬في الملف المدني رقم ‪0102/2/0/0117‬‬

‫‪P 462‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ثانية‪ ،‬فإنها تخضع للسلطة التقديرية ملحكمة الموضوع شريطة أن تعلل قرارها‪ .‬وهي القاعدة‬

‫التي تبنهها محكمة النقض المغربية كتوجه راسخ في قرارات عديدة‪ ،‬نذكر من بينها القرار عدد‬

‫‪ 4/91‬المؤرخ في ‪ 13‬يناير‪ 2191‬في الملف المدني رقم ‪.2191/4/9/2411‬‬

‫ُ ُ‬
‫فالخبرة إذن هي وسيلة من وسائل اإلثبات التي تتسم بزمرة من الخصائص ت َم ِّيز َها عن باقي‬

‫وسائل التحقيق التي قد تلجأ إليها املحكمة من بينها طابعها االختياري‪ ،745‬الفني‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫َّ‬
‫الطابع الت َبعي‪ .‬فطابعها االختياري يتجلى في الحكم بها‪ ،‬من طرف املحكمة‪ ،‬بناء على طلب من‬

‫األطراف أو تلقائيا‪ .‬أما طابعها التقني‪ ،‬فنابع من طبيعة النوازل المطروحة على املحكمة والتي‬
‫َ ُ‬
‫دلوا ب َد َ‬
‫لوها في نزاع فني ال صلة له بالقانون وأن‬ ‫ِ‬ ‫ُيلجأ فيها للخبرة ‪ ،‬حيث يصعب على الهيئة أن ت‬
‫َّ‬ ‫ُ َ‬
‫ت ْب ِرز طبيعة الضرر‪ ،‬مسؤولية كل طرف أو األخطاء المرتكبة‪ .‬وفيما يتعلق بطابعها الت َبعي‪ ،‬فهو‬

‫نابع من ارتباط الخبرة ارتباطا جوهريا بالنزاع األصلي‪ ،‬حيث ال يمكن تصورخبرة بمعزل عن نزاع‬
‫َْ‬ ‫ُ‬
‫قائم‪ .‬وألن الخبرة في ك ْن ِه َها تهدف إلى نفي الجهالة عن و اقعة معينة‪ ،‬يصعب تحديد أسبابها‪،‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫آثا ِر َها ِونطاق مسؤولية األطراف‪ ،‬من جهات ال تنتمي إلى سلك اختصاص معين‪.746‬‬

‫الفق ــرة الثاني ــة‪ :‬تجريح الخبراء بين توجيه القانون المغربي والموقف في القانون المقارن‬

‫مكن المشرع المغربي‪ ،‬وعلى غرار باقي التشريعات العربية والغربية‪ ،‬تجريح الخبراء حتى‬

‫يتسنى لألطراف إبرازما من شأنه أن يخرج الخبرة عن ضوابطها الموضوعية‪ ،‬أو أن يزيح الخبير‬

‫عن استقالليته وحياده‪ .‬يتعين التمييز في هذا الباب‪ ،‬بين ِت ْب َي ِان األطراف لما يفيد بأن الخبير لم‬

‫يحترم الشروط الموضوعية في انجازه للخبرة‪ ،‬كعدم اعتماده على وسائل المقارنة في تقييمه‬

‫‪ . 745‬باستثناء بعض الحاالت التي نص عليها القانون صراحة‬


‫‪ . 746‬روبيو يسعد‪ ،‬يايا فرحات‪ ،‬الخبرة القضائية ودورها في اإلثبات‪ ،‬رسالة شهادة ماستر " مهن قضائية وقانونية"‪ .‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة عبد الرحمان‪ ،‬ميرة‪ ،‬بجاية‪ ،0102 ،‬صفحة ‪00‬‬

‫‪P 467‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫لعقار موضوع نزاع معين‪ ،‬والتي يجب عليه إبرازها تحت طائلة رفض الخبرة‪ ،‬وتقديم طلب‬
‫َْ‬
‫تن ِح َي ِت ِه سواء لوجود مصلحة له في النزاع‪ ،‬لتضارب المصالح أو ألسباب أخرى تجعل حياده أو‬
‫َ ُ‬
‫استقالليته موضوع شك‪ .‬ففي الحالة األولى‪ ،‬يتعلق األمر بطعن مقدم ضد الخبرة والتي َيت َع َّين‬

‫إنجازها طبقا لمعايير‪ ،‬والتي غالبا ما تكون محددة من طرف محكمة النقض في قرارات عدة‬

‫تؤسس لتوجه قضائي راسخ‪ ،‬كما هو الحال في الخبرات الرامية إلى تقييم العقارات‪ .‬حيث يرمي‬

‫هذا الطعن‪ ،‬إلى استصدار حكم تمهيدي جديد بانجاز خبرة أخرى‪ ،‬تعهد سواء لخبير واحد أو‬

‫خبرة ثالثية تعهد لثالثة خبراء‪ .747‬أما في الحالة الثانية‪ ،‬فيتعلق األمر بطلب تنحية موجه ضد‬

‫الخبيرنفسه مؤسس على أسباب حددها المشرع‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬ضمن المشرع المغربي‪ ،‬في الفصل ‪ 02‬من قانون المسطرة المدنية‪،‬‬

‫زمرة من األسباب لتجريح الخبيروهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كان هناك نزاع بينه وبين األطراف؛‬

‫‪ -‬إذا عين النجازالخبرة في غيرمجال اختصاصه؛‬

‫‪ -‬إذا سبق له أن ابدي رأيا أو أدلى بشهادة في موضوع النزاع؛‬

‫‪ -‬إذا كان مستشارا ألحد األطراف؛‬

‫‪ -‬ألي سبب خطيرآخر؛‬

‫‪ . 747‬قددددددرار محكمددددددة الددددددنقض المغربيددددددة عدددددددد ‪ 02‬الصددددددادر فددددددي ‪ 0110/10/00‬عددددددن الغرفددددددة المدنيددددددة فددددددي الملددددددف عدددددددد‬
‫‪0112/0/2/007‬‬
‫قرار منشور بكتاب األستاذ ابراهيم زعيم الماسي‪ " ،‬تقدير التعويض عن االعتداء المادي على الملكية العقارية"‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،0101‬صفحة ‪001‬‬

‫‪P 440‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫تخول إذن مقتضيات الفصل ‪ 02‬من قانون المسطرة المدنية المغربي‪ ،‬لألطراف الحق‬

‫في تجريح الخبير‪ ،‬ألسباب بعضها منصوص على سبيل الحصر‪ .‬وعلى األطراف تقديم طلب‬

‫التجريح خالل أجل ال يتعدى خمسة أيام من تاريخ التوصل بالمقرر القضائي تحت طائلة‬
‫َ ُّ‬
‫الرفض‪ ،‬وت ُبث املحكمة داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تقديمه‪ .‬ففي حالة قبول طلب‬

‫التجريح‪ ،‬تسحب املحكمة مهمة إنجاز الخبرة من الخبير وتعين خبيرا آخر وتسهر على تبليغ‬

‫األطراف‪ .‬كما يمكن للمحكمة سحب مهمة انجازالخبرة من الخبيرالذي لم يحترم اآلجال املخولة‬

‫له من طرف املحكمة لإلدالء بتقريرالخبرة‪ .‬ال تعتبرالخبرة ملزمة للقضاء‪ ،‬ففي حالة عدم األخذ‬

‫بالخبرة‪ ،‬على الهيئة المصدرة للقرار أن تعلل توجهها‪ .‬ذلك أن انعدام التعليل يعطي لألطراف‬

‫حق نقض القرارأمام محكمة النقض‪.748‬‬

‫وخالفا للنصوص المؤطرة لتجريح القضاة‪ ،‬لم يحدد المشرع المغربي أسبابا حصرية‬
‫لتجريح الخبير‪ .‬حيث عمل على إبراز بعض األسباب‪ ،‬وعددها أ بعة‪ ،‬والتي ما إذا تحققت ُتف ُ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ر‬

‫بأن الخبير‪ ،‬سواء ال يستوفي شرط االستقاللية ( السبب األول والرابع)‪ ،‬أو الحياد الموضوعي (‬

‫السبب الثالث )‪ ،‬أو عدم توفره على المعرفة والمهارات التي تؤهله لإلدالء برأي تقني في الخبرة (‬

‫السبب الثاني)‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فتح المشرع المغربي املجال أمام األطراف لتجريح الخبير‬

‫ألي سبب لقبه المشرع "بالخطير"‪ .‬ويكون الرفض مصير طلب التجريح الذي يقدم ألول مرة‬

‫أمام محكمة النقض‪ .‬وهو النهج الذي أكدته محكمة النقض‪ ،‬في قرارها عدد ‪ 9113‬المؤرخ في‬

‫‪ 2111/14/93‬في الملف المدني عدد ‪ .2113/1/9/3493‬ويتعين اإلشارة في هذا الصدد‪ ،‬أن طلب‬

‫تجريح الخبير يجب أن يقدم تحت هذا المسمى‪ ،‬وأن يؤسس سواء على األسباب األربعة األولى‬

‫المشار إليها في الفصل ‪ 02‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬أو على تلك التي تندرج تحت ما سماه‬

‫‪ . 748‬قرار محكمة النقض المغربية عدد ‪ 11‬الصادر في ‪ – 0202/0/00‬مجلة القضاء المجلس األعلى – عدد ‪ 02‬صفحة ‪00‬‬

‫‪P 441‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫المشرع "باألسباب الخطيرة"‪ .‬وأن تقديم طلب مجرد أو ملتمس " بتنحية الخبير"‪ ،‬ال يقوم مقام‬

‫طلب تجريح الخبير بالمفهوم المشار إليه في الفصل ‪ 02‬من القانون المسطرة المدنية‪ .‬وهو ما‬

‫أكدته محكمة النقض المغربية في قرارها عدد ‪ 2/021‬المؤرخ في ‪ 2194/91/31‬في الملف‬

‫التجاري عدد ‪ .2194/2/3/014‬كما يتعين التنبيه إلى أن المشرع المغربي سلك نهجا مخالفا‬

‫لما سار عليه في النصوص المؤطرة لتجريح القضاة‪ ،‬بعدم تحديده ألسباب معينة بطريقة‬

‫حصرية‪ ،‬ال يغني األطراف عن تأسيس طلبهم على أسباب ُم َح َّد َدة " تتسم بطابع خطير"‪َ ،‬ح َّتى‬
‫َ‬
‫يتسنى للمحكمة تقييم ال ِعل ِل المؤسسة للطلب‪ ،‬وإصدار قرارها بتنحية الخبير من عدمه‪ .‬وهي‬

‫النقطة التي أكدتها محكمة النقض في قرارها عدد ‪ 314‬الصادر في ‪ 2113/3/92‬في الملف‬

‫التجاري عدد ‪ ،2112/9/3/9101‬والذي رفض طلب تجريح الخبير‪ ،‬حيث أن مقدم طلب التنحية‬

‫لم يثبت " األسباب الخطيرة" التي بناء عليها أسس طلب التجريح‪.‬‬

‫أما بخصوص المسطرة المتبعة لتجريح الخبير‪ ،‬فلم يشترط المشرع المغربي‪ ،‬باستثناء‬

‫احترام أجل الخمسة (‪ )1‬أيام‪ ،‬والتي تبتدئ منذ تاريخ تبليغ مقرر تعيين الخبير‪ ،‬سوى تقديم‬

‫الطلب للمحكمة والذي يجب أن يرتكز على سبب معين‪ ،‬كما سبق اإلشارة إلى ذلك انفا‪ .‬حيث‬
‫َ‬
‫ت ُب ُّت املحكمة في الطلب داخل أجل خمسة (‪ )1‬أيام من تاريخ تقديمه‪ ،‬وقرارها ال يقبل الطعن إال‬

‫مع الحكم البات في الجوهر‪.‬‬

‫أما المشرع الفرنس ي‪ ،‬فقد تميز عن كل من المشرع المغربي والمصري بتضمينه في‬

‫الفصل ‪ 243‬من قانون المسطرة المدنية والمتعلق بتجريح الخبراء‪ ،749‬على نفس األسباب‬

‫المعتمدة لتجريح القاض ي‪ ،‬والمنصوص عليها في الفصل ‪ L 111-1‬من مدونة التنظيم القضائي‬

‫الفرنس ي‪ .‬مما يفيد‪ ،‬من جهة‪ ،‬رغبة المشرع الفرنس ي فتح املجال لألطراف لتأسيس طلباتهم‬

‫‪ . 749‬الفصل ‪ 022‬من قانون المسطرة المدنية الفرنسي‬

‫‪P 442‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫على أي سبب من شانه أن يجعل حياد أو استقاللية الخبير موضوع شك‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫َ ُ‬
‫تنزيله للخبرة والرأي التقني للخبير نفس المنزلة كالحكم القضائي‪ .‬وهو التوجه الذي ُي ْست َساغ‬

‫إذا ما أخدنا بعين االعتبارالطابع التقني للنقاط التي يعهد للخبيرالبث فيها‪ ،‬والتي غالبا ما تكون‬

‫لها سمة مفصلية في النزاع‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬أكدت محكمة النقض الفرنسية في قرارات عدة‬

‫نذكر من بينها القرار عدد ‪ 11-29‬الصادر في ‪ 91‬مارس ‪ 9119‬عن الغرفة التجارية أن‪ " :‬أسباب‬
‫ََْ‬
‫تجريح الخبيرغيرمحددة بطريقة حصرية"‪ .‬تلت ُه قرارات عدة‪ ،‬تؤسس لتوجه راسخ في الجمهورية‬

‫الفرنسية‪ ،‬بعدم تقنين أسباب تجريح الخبير‪ .‬كما افططن المشرع الفرنس ي‪ ،‬على غرار النهج‬

‫الذي سار عليه المشرع المغربي إلى ضرورة تجريح الخبير نفسه في حالة ما إذا اتضح له سبب‬

‫من أسباب التجريح‪.‬‬

‫ل م يحدد المشرع الفرنس ي اآلجال التي على األطراف احترامها بغية تجريح الخبير‪ ،‬لكنه‬

‫ترك هذه " المهمة" ملحكمة النقض الفرنسية التي أشارت في قرارات عدة نذكر من بينها القرار‬

‫عدد ‪ ،N°08-11.163‬الصادر في ‪ 4‬يونيو ‪ ،2111‬عن الغرفة المدنية الثانية‪ " ،‬أنه على األطراف‬

‫تقديم طلب تجريح الخبير قبل أن يضع تقريره للمحكمة"‪ .‬أما في ما يخص الجهة املختصة‪،‬‬

‫وخالفا للنهج الذي سار عليه المشرع المغربي‪ ،‬لم يحدد المشرع الفرنس ي المسطرة المتبعة‪،‬‬

‫حيث أسند مرة أخرى هذه المهمة ملحكمة النقض التي أكدت في قرارها عدد ‪ 911‬الصادر عن‬

‫الغرفة المدنية الثانية في ‪ 39‬مايو ‪" ، 9110‬بوجوب تقديم طلب التجريح لرئيس املحكمة التي‬
‫َ‬
‫عرضت عليها القضية"‪َ .‬ب ْيد أن قرار رفض طلب التجريح المقدم ضد الخبير ال يقبل أي طعن‬

‫بالنقض‪.750‬‬

‫‪ . 750‬قرار محكمة النقض الفرنسية عدد ‪ 020‬الصادر عن الغرفة المدنية الثانية في الثامن من أكتوبر ‪0210‬‬

‫‪P 443‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫عرف التشريع المصري الخبرة‪ ،‬في ظل الحكم العثماني وفي فترة ما قبل صدور قانون‬

‫المر افعات لسنة ‪ ،9111‬حيث كان يستعان بالخبراء في ميادين مختلفة كالطب‪ ،‬الهندسة‬

‫والكيمياء‪ .‬وكان اللجوء إلى الخبرة من األمور الشائعة في محاكم مصر العثمانية‪ .‬إذ كان‬

‫يستعان‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬بأعضاء طائفة البنائين املحترفين للوقوف على مدى مطابقة البناء‬

‫للمعاييرالفنية المعمول بها في ذلك اإلبان‪ .‬كما كانت املحاكم تستعين بالنساء في المسائل التي‬

‫ال يمكن لغيرهن اإلطالع عليها‪.751‬‬

‫وبصدور قانون المر افعات المصري في سنة ‪ ،9111‬تم تنظيم الخبرة في المواد ‪ 211‬إلى‬

‫‪ ،211‬وكذلك في قانون المر افعات أمام املحاكم األهلية في الفصل الثاني من الباب السابع من‬

‫الكتاب األول في المواد ‪ 223‬إلى ‪ .244‬كما عمل المشرع المصري على إدخال تعديالت عدة على‬

‫هذه القوانين‪ ،‬كان آخرها المرسوم رقم ‪ 10‬الصادرفي سنة ‪ 9112‬والمعمول به إلى اليوم‪.752‬‬

‫ينص مرسوم ‪ 9112‬المنظم للخبرة أمام جهات القضاء المصرية‪ ،‬في المادة الثانية‪ ،‬على‬

‫إحداث " لجنة خبراء الجدول" بكل محكمة من محاكم االستئناف واملحاكم االبتدائية‪ ،‬تتشكل‬

‫من رئيس املحكمة أو من ينوب عنه‪ ،‬والنائب العام أو من ينوب عنه‪ ،‬ومستشارتنتخبه الجمعية‬

‫العمومية لكل محكمة لمدة سنة‪ .‬تجتمع هذه اللجنة مرة واحدة كل سنة‪ ،‬في شهر يونيو‪ ،‬أو‬

‫كلما دعت الضرورة لذلك للنظرفي استعباد خبيرأصبح في حالة ال تمكنه من أداء أعماله أو فقد‬

‫شرطا من شروط تقييده في الجدول‪ ،‬أو حكم عليه بعقوبة جنائية‪ ،‬أو أصدرت عليه أحكام‬

‫قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف‪ .‬وللخبيرالذي قررت اللجنة استبعاد اسمه أن يتظلم من هذا‬

‫القرار‪ ،‬خالل أجل عشرة أيام من تاريخ إعالمه به‪ ،‬أمام املحكمة التي قررت لجنة الخبراء بها‬

‫استبعاد اسمه‪ ،‬وذلك طبقا لمقتضيات المادة الرابعة من المرسوم المصري المنظم للخبرة‪.‬‬

‫‪ .‬علي الحديدي‪ " ،‬الخبرة في المسائل المدنية والتجارية"‪ ،‬دار النهضة العربية الطبعة األولى‪ ، 0222 ،‬صفحة ‪21‬‬ ‫‪751‬‬

‫‪ .‬علي الحديدي‪ " ،‬الخبرة في المسائل المدنية والتجارية"‪ ،‬دار النهضة العربية الطبعة األولى‪ ، 0222 ،‬صفحة ‪20‬‬ ‫‪752‬‬

‫‪P 444‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ومن بين أبرزالنقاط التي تميزالمقتضيات المنظمة للخبرة والخبراء في مصر‪ ،‬الفصل بين خبراء‬

‫وزارة العدل وخبراء مصلحة الطب الشرعي‪ .‬حيث يعنى الفريق األول من الخبراء بالنظرفي مسائل‬

‫فنية مختلفة باستثناء تلك التي تتعلق بميدان الطب‪ ،‬الكيمياء الشرعية‪ ،‬املختبرات البيولوجية‬

‫والكيميائية والتي تعهد للفريق الثاني من الخبراء‪.‬‬

‫لم ينص المرسوم المنظم للخبرة والخبراء في مصر على خصوصيات عمل أو إنجاز‬

‫الخبرات لكل فريق على حدة باستثناء تكوين الهيئات التي عهدت لها مهمة التأديب‪ .‬ذلك أن‬

‫لجنة تأديب خبراء الجدول مصلحة الطب الشرعي تتكون‪ ،‬خالفا للجنة خبراء الجدول‪ ،753‬من‬

‫الوكيل الدائم لوزارة العدل‪ ،‬النائب العام أو من ينوب عنه‪ ،‬مستشار محكمة االستئناف‬

‫بالقاهرة والمنتخب من طرف الجمعية العمومية لمدة سنتين‪ ،‬باإلضافة إلى كبير األطباء‬

‫الشرعيين ورئيس أحد األقسام الطبية الشرعية يختاره وزيرالعدل‪.‬‬

‫لم ينظم المرسوم المسطرة المتبعة في تجريح الخبراء‪ ،‬سواء تعلق األمر بخبراء وزارة‬

‫العدل أو الخبراء التابعين لمصلحة الطب الشرعي‪ .‬لكنه اكتفى باإلشارة في المادة ‪ 13‬بتبليغ‬

‫نسخة من الحكم القاض ي بتجريح الخبير إلى مكتب الخبراء أو قسم الطب الشرعي‪ ،‬مع منح‬

‫الخبير الحق في تنحية نفسه‪ ،‬خالل الثالثة أيام بتكليفه أداء المأمورية‪ ،‬عن طريق تقديم طلب‬

‫لرئيس المكتب أو القسم أو المصلحة التي ينتمي إليها‪ .‬وهي المسطرة التي ينظمها نفس‬

‫المرسوم في المادة ‪ 91‬بالنسبة لخبراء وزارة العدل والمادة ‪ 30‬بالنسبة لخبراء مصلحة الطب‬

‫الشرعي‪ .‬لكن المشرع المصري ارتأى تحديد أسباب تجريح الخبرة بطريقة حصرية في الفصل‬

‫‪ 949‬من قانون اإلجراءات المصري على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ . 753‬المادة الثالثة من مرسوم ‪ 0200‬المنظم للخبرة أمام جهات القضاء‬

‫‪P 445‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪ -9‬إذا كان قريبا أو صهرا ألحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة أو كان له أو لزوجته خصومه‬

‫قائمه مع أحد الخصوم في الدعوى أومع زوجته ما لم تكن هذه الخصوم قد أقيمت من‬

‫الخصم أو من زوجته بعد تعين الخبيربقصد رده‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا كان وكيال ألحد الخصوم في أعماله الخاصة أو وصيا عليه أو قيما أو مظنونه وراثته‬

‫له بعد موته أو كانت له صله قرابة أو مصاهره للدرجة الرابعة بوص ى أحد الخصوم أو‬

‫بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة املختصة أو بأحد مديريها وكان لهذا‬

‫لعضو او المدير مصلحة شخصية في الدعوى‪.‬‬

‫‪ -3‬إذا كان له أو لزوجته أو ألحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيال‬

‫عنه أو وصيا قيما عليه مصلحه في الدعوى‪.‬‬

‫‪ -4‬إذا كان يعمل عند أحد الخصوم أو كان قد اعتاد مؤاكله أحداهم أو مساكنته أو كان‬

‫قد تلقى منه هديه أو كانت بينهما عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته أداء‬

‫مأموريته بغيرتحيز‪.‬‬

‫ومن بين أبرز المالحظات التي يمكن اثارتها بخصوص أسباب التجريح في القانون‬
‫ُ‬
‫المسطري المصري‪ ،‬هوهذا التخصيص الحصري امل َح َّد ِد بنص الفصل ‪ 949‬من قانون اإلثبات‬

‫المصري‪ .‬وهو نهج مخالف لما سار عليه كل من المشرع الفرنس ي والمغربي في تجريح الخبراء‪.‬‬
‫َ‬
‫َب ْيد أن مقتضيات هذا الفصل جاءت موازية في فلسفهها للمقاصد التي أراد كل من المشرع‬

‫المغربي والفرنس ي تحقيقهم‪ ،‬ويتعلق األمرتحديدا بإثارة كل ما من شأنه أن يضع حياد الخبيرأو‬

‫استقالليته موضوع شك‪ .‬فكل من الفقرة األولى والفقرة الثانية من الفصل ‪ 949‬من قانون‬

‫اإلثبات المصري‪ ،‬تتطرق إلى أسباب إذا ما تحققت تنفي الحياد عن الخبيربمفهومه الذاتي كما‬

‫عرفته املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان قرار "‪ ،" Le Strum vs France‬والذي سبق اإلشارة‬

‫‪P 446‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫إليه في توطئة هذا المقال‪ .‬أما الفقرة الثانية والرابعة‪ ،‬فتتطرق كل واحدة منهما ألسباب إذا ما‬

‫تحققت ال تخول للخبير أن يزاول مهامه باستقاللية‪ ،‬حيث تصبح له مصلحة مباشرة في النزاع‪.‬‬

‫ويتعين تقديم طلب تجريح الخبير في القانون المصري خالل الثالثة أيام لتاريخ الموالية الحكم‬

‫بتعيينه إذا صدر الحكم بحضور طالب التجريح‪ ،‬وإال ففي الثالثة أيام التي تلي تبليغ الحكم‬

‫التمهيدي‪ .‬ويعتبرهذا األجل من النظام العام‪ ،‬حيث ال تقبل طلبات التجريح إذا ما قدمت خارج‬

‫هذا األجل‪.‬‬

‫لمستنتجات الخبير وخالصاته المتضمنة في التقرير المودع لدى املحكمة اثر بالغ على‬

‫توجه قضاة الموضوع‪ ،‬الذين غالبا ما يسندون للخبير مهمات ذات طابع مفصلي في النزاعات‪.‬‬

‫فالخبرة هي بمثابة "مسودة حكم"‪ ،‬لتكتفي بعد ذلك املحكمة بتعزيزها ببعض الوسائل‬

‫القانونية المثارة من طرف األطراف أو التي تؤطر النزاع سواء من القواعد العامة أو تلك‬

‫المتضمنة في القوانين الخاصة التي لها عالقة بالنازلة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق تبرزخطورة إخالل الخبير‪ ،‬من جهة بالضوابط الموضوعية التي عليه‬

‫أن يتقيد بها في انجازالخبرة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬بكل من مبدأي االستقالل والحياد‪ .‬وتأسيسا لما‬

‫سبق‪ ،‬يتعين على المشرع المغربي‪ ،‬السيما وأن املجال الزمني المتاح لألطراف لتقديم طلب‬

‫التجريح ضيق للغاية‪ ،754‬تعزيز من جهة الترسانة المسطرية المغربية بإمكانية تحميل الخبير‬

‫المسؤولية في حالة عدم تصريحه التلقائي بأحد أسباب تجريحه والتي كان عليه إثارتها في غياب‬

‫علم األطراف بها‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬منح أجل معقول يتعدى الخمسة ( ‪ )1‬أيام لكي يتمكن‬

‫األطراف من التحري عن طبيعة العالقات التي قد تربط الخبيرباألطراف وفحوى النزاع‪.‬‬

‫‪ . 754‬خمسة ( ‪ ) 0‬أيام من تاريخ التبليغ بتعيين الخبير‪.‬‬

‫‪P 444‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫فالخبرة هي بمثابة "مشروع حكم"‪ ،‬قد تعتمد عليها املحكمة بطريقة حصرية في إصدار‬

‫حكمها بنقل حقوق من طرف إلى أخر‪ ،‬إبطال عقود أو أي إجراء آخر من شأنه أن يؤثر على‬

‫المراكز القانونية لألطراف‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فان عدم تصريح الخبير بتضارب المصالح‪،‬‬

‫وجود مصلحة شخصية له في النزاع‪ ،‬أو أي سبب خطيرقد يضع حياده واستقالليته محل شك‬

‫ويؤثر على فحوى الخبرة المنجزة‪ ،‬هو بمثابة إخالل سافر‪ ،‬ليس فقط بالضوابط التي تؤطر‬

‫عمل الخبراء‪ ،‬بل يتعداه ليشكل مساسا خطيرا بشروط املحاكمة العادلة والتي إذا ما اختلت‪،‬‬
‫َ ُ‬
‫اهتز السلم واالستقرار االجتماعي‪َ .‬يت َع َّين معه وضع قواعد احترازية‪ ،‬يلزم بها المشرع الخبراء‬

‫التصريح باألسباب التي قد تؤثر على حيادهم واستقاللهم‪ ،‬وتمكن من جهة أخرى‪ ،‬تسطير‬

‫المتابعة الجنائية في حالة ثبوت عدم وفائهم بهذا االلتزام بسوء نية‬

‫الئحة المراج ـ ـ ــع‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬

‫القوانين والنصوص التنظيمية‪:‬‬

‫قانون المسطرة المدنية المغربي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫قانون المسطرة المدنية الفرنس ي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مدونة التنظيم القضائي الفرنس ي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫القانون الجنائي الفرنس ي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫النظام األساس ي للقضاة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫قرارات محكمة النقض‪:‬‬

‫‪P 442‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫قرار محكمة النقض المصرية عدد ‪ 129‬الصادر في الملف عدد‬ ‫‪‬‬

‫‪ ( 21/19/9111‬س ‪ 41‬قضائية)‪ ،‬أورده احمد ابو الوفا‪ ،‬التعليق على نصوص‬

‫المر افعات‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية طبعة ‪ ،0‬سنة ‪. 2111‬‬

‫قرارمحكمة النقض المغربية عدد ‪ 11‬الصادرفي ‪ – 9101/9/22‬مجلة‬ ‫‪‬‬

‫القضاء املجلس األعلى – عدد ‪93‬‬

‫قرار محكمة النقض عدد ‪ 93‬الصادر في ‪ 2111/19/91‬عن الغرفة‬ ‫‪‬‬

‫المدنية في الملف عدد ‪.2113/2/4/921‬‬

‫المراجع الفقهية‪:‬‬

‫الدكتور عزمي عبد الفتاح ‪" ،‬إجراءات رد الحكمين في قانون‬ ‫‪‬‬

‫المر افعات الكويتي" املجلة العربية للفقه القضاء األمانة العامة ملجلس وزراء العدل‬

‫العرب – عدد‪ 3 :‬ابريل سنة ‪ 9110‬ص ‪.413‬‬

‫ذ‪ .‬حامد الشريف‪ " ،‬موانع القضاء"‪ ،‬المكتبة العالمية‪ ،‬طبعة ‪.2111‬‬ ‫‪‬‬

‫الدكتور مامون سالمة‪ " :‬اإلجراءات الجنائية في التشريع المصري –‬ ‫‪‬‬

‫الجزء الثاني – القاهرة‪ ،‬سنة ‪ 9111‬ص ‪. . 212‬‬

‫الدكتور محمد سمير عبد الفتاح‪ " :‬النيابة العامة وسلطهها في إنهاء‬ ‫‪‬‬

‫الدعوى الجنائية بدون محاكمة" ص ‪ ،13‬منشأة المعارض باإلسكندرية‪. 9110 ،‬‬

‫قرار محكمة األوروبية لحقوق اإلنسان عدد ‪Le Strum ( 91111/12‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ )c/ France‬الصادربتاريخ ‪ 4‬اكتوبر‪.2111‬‬

‫‪P 447‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫مدونة األخالقيات القضائية المغربية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫دكتور احمد فتحي سرور‪ " :‬الوسيط في قانون اإلجراءات الجنائية"‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫القاهرة – ‪ 9111‬صفحة ‪.123‬‬

‫المفكرمونتسكيو‪ ،‬كتاب " روح القوانين"‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الدكتور احمد السيد صاوي‪" .‬الوسيط في شرح قانون المر افعات‬ ‫‪‬‬

‫المدنية والتجارية" القاهرة ‪ 9111‬ص ‪.13‬‬

‫الدكتورمحمد نورشحاتة‪ " :‬الوجيزفي القضاء المدني" ص ‪.903‬‬ ‫‪‬‬

‫الدكتور محمد ابراهيم الجيوش ي‪ " :‬أعالم القضاة في اإلسالم"‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫القاهرة‪ ،9111 ،‬صفحة ‪.01‬‬

‫الدكتور محمود نجيب حسني‪ " ،‬شرح قانون اإلجراءات الجنائية"‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬

‫النهضة‪ ،‬الطبعة‪. 2‬‬

‫الدكتور فتحي سرور " القانون الجنائي الدستوري‪ ،‬الشرعية‬ ‫‪‬‬

‫الدستورية‪ ،‬في قانون اإلجراءات"‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار الشروق‪ 2114 ،‬صفحة ‪.411‬‬

‫توصيات المؤتمر الثاني للجمعية المصرية للقانون الجنائي‪ ،‬صادر‬ ‫‪‬‬

‫عن المعهد الدولي للعلوم الجنائية‪ ،‬القاهرة ‪.9111‬‬

‫الدوريات الصادرة عن الهيئة االستشارية للقضاة باالتحاد األوروبي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ذ‪ .‬عفيف البقالي " القاض ي المدني واستنادات مبدأ الحياد" مجلة‬ ‫‪‬‬

‫العلوم القانونية"‪.‬‬

‫‪P 420‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫سعاد بلحورابي‪ ،‬نظرية التعسفي في استعمال الحق وتطبيقاتها في‬ ‫‪‬‬

‫الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ .‬رسالة ماجستير في القانون " قانون المسؤولية‬

‫المهنية"‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬الجزائر‪ ،2194‬ص ‪.11‬‬

‫قرار محكمة النقض عدد ‪ 9001‬الصادر بتاريخ ‪ 2111/4/31‬في الملف‬ ‫‪‬‬

‫المدني عدد ‪.2111/9/9/121‬‬

‫ذ‪ .‬فتحي والي‪" ،‬الوسيط في قانون القضاء المدني" القاهرة‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬

‫النهضة‪ ،،‬مطبعة جامعة القاهرة‪ ،‬دارالكتاب الجامعي‪.9111 -‬‬

‫علي عوض حسن‪ " .‬رد ومخاصمة أعضاء الهيئات القضائية"‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬

‫الفكرالجامعي باإلسكندرية‪ ،‬طبعة ‪ ،2‬سنة ‪ ،9111‬صفحة ‪.20‬‬

‫قرارمنشورب‪ " :‬الموسوعة الكاملة لقانون المسطرة المدنية"‪ ،‬الجزء‬ ‫‪‬‬

‫األول‪ ،‬ذ‪ /‬عمرازوكاروالنقيب الطاهرمو افق‪.‬‬

‫ذ‪ .‬عبد العزيز توفيق‪ " ،‬التعليق على قانون المسطرة المدنية المغربي‬ ‫‪‬‬

‫على ضوء الفقه والقضاء" ج ‪ .2‬الدار العربية للموسوعات بالقاهرة باالشتراك مع‬

‫الشركة الجديدة‪ ،‬دارالثقافة بالبيضاء‪ 9113 ،‬صفحة ‪.991‬‬

‫النووي ( ‪ " ،)9112‬شرح صحيح مسلم"‪ ،‬الجزء ‪ ،92‬المطبعة‬ ‫‪‬‬

‫المصرية‪.‬‬

‫ابن فرحون‪ ،‬برهان الدين ابو عبد الله محمد ( ‪ 9311‬هجرية ) ‪" ،‬‬ ‫‪‬‬

‫تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام"‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬طبعة‬

‫‪. 904/9 ،9‬‬

‫‪P 421‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫ابن الهمام محمد ابن عبد الواحد (‪ " ،)9111‬فتح القدير شرح‬ ‫‪‬‬

‫الهداية"‪ ،‬مطبعة البابي‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪. 9‬‬

‫الرملي‪ ،‬شمس الدين محمد بن ابي العباس ( ‪ " ،)9114‬نهاية املحتاج‬ ‫‪‬‬

‫إلى شرح المنهاج"‪ ،‬دارالفكرللنشر‪ ،‬بيروت ‪.391/4‬‬

‫البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس ( ‪ 9412‬ه )‪ " ،‬كشاف القناع عن مثن‬ ‫‪‬‬

‫اإلقناع"‪ ،‬تحقيق الهالل مصيلحي ومصطفى هالل‪ ،‬جارالكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫شرف الدين احمد ( ‪ ،)9114‬أصول االثبات‪ ،‬ج ‪ ، 9‬طبعة نادي القضاة‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫القاهرة‪،‬‬

‫الشيرازي ابراهيم بن علي ( ‪ " ،)9112‬المذهب"‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫بيروت‪.‬‬

‫ابن قدامة محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدس ي (‬ ‫‪‬‬

‫‪" ،)9111‬المغني"‪ ،‬طبعة مكتبة الرباط الحديثة‪.‬‬

‫الخياري‪ ،‬عبد الله علي‪" ،‬حجية الشهادة في اإلثبات في النص اإلسالمي‬ ‫‪‬‬

‫والقانون المقارن"‪ ،‬مركزاألمن للنشروالتوزيع‪.‬‬

‫ابن قيم الجوزية‪ ،‬محمد بن ابي بكر الزرعي‪ " ،‬الطرق الحكمية"‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬

‫البيان‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫ابن فرحون ( ‪ " ،)9111‬تبصرة الحكام"‪ ،‬طبعة مصطفة الحلبي‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪P 422‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫محمد عطية راغب‪ " :‬النظرية العامة لإلثبات في التشريع الجنائي‬ ‫‪‬‬

‫العربي المقارن" القاهرة‪ -‬مطبعة المعرفة ‪.9101‬‬

‫احمد نشات‪ " :‬رسالة اإلثبات"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬

‫الفكرالعربي القاهرة‪.9112 ،‬‬

‫علي الحديدي‪ " ،‬الخبرة في المسائل المدنية والتجارية"‪ ،‬دار النهضة‬ ‫‪‬‬

‫العربية الطبعة األولى‪ ، 9113 ،‬صفحة ‪.31‬‬

‫زعيم إبراهيم‪ " :‬رقابة القضاة على أعمال الخبراء "‪ .‬مجلة املحامي‪ .‬عدد‬ ‫‪‬‬

‫‪.34‬‬

‫روبيو يسعد‪ ،‬يايا فرحات‪" ،‬الخبرة القضائية ودورها في اإلثبات"‪( ،‬‬ ‫‪‬‬

‫رسالة شهادة ماستر مهن قضائية وقانونية)‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬

‫عبد الرحمان‪ ،‬ميرة‪ ،‬بجاية‪.2191 ،‬‬

‫الدكتور جواد أمهمول‪ " ،‬الوجيز في المسطرة المدنية"‪ .‬دار اآلفاق‬ ‫‪‬‬

‫للنشروالتوزيع ‪.2191‬‬

‫الدكتورحامد الشريف‪ " ،‬موانع القضاء"‪ .‬المكتبة العالمية‪.2111 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫معــاج ــم‪:‬‬

‫معجم " لسان العرب" البن منظور‪ ،‬دارالمعارف‪2190 -‬‬ ‫‪‬‬

‫قاموس" لو بوتي روبير" ( ‪ .9434‬م‪) Le Petit Robert ،2113 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫ابن منضور‪ " ،‬لسان العرب"‪ ،‬ج ‪ ،2‬دارصادر‪ ،‬بيروت‬ ‫‪‬‬

‫‪P 423‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

:‫مراجع باللغة الفرنسية‬

 Andre Panille : " Le pouvoir judiciaire et les tribunaux " , 1910, N° 4.

 A.Nomand, " Traité élémentaire du droit ciminel", paris 1976 .

 BORIS Bernadé , " La récusation des juges, étude médiévale et

contemporaine ", 2110

 ESMEIN : « Eléments de droit constitutionnel Français et comparé ».

1921.

 N. Fricero :"Récusation et abstention des juges : Analyse

comparative de l’exigence commune d’impartialité".

Les Nouveaux Cahiers du Conseil Constitutionnel, 2013/3 ( N° 40), pages

37 à 48.

 M-A. Frison Roche, " Le droit à un tribunal impartial ", libertés et

droits fondamentaux, Dalloz

 Planiol,"Traité élémentaire de droit civil",T. 2, 5éme édition, 1909, N°

171.

 L’ordonnance du 22 décembre 1958 portant statut de la

magistrature en France.

 La loi régissant le Conseil Supérieur de la Magistrature ( C S M ).

P 424 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

 Nicolas Broconnay : " La Responsabilité des Magistrats " : 11 juin

2019

 A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes , Economico "

1988.

 K. EL KDAIKI, "La clause compromissoire en droit musulman et en

droit positif arabe", GTM,N.S.N° 72 novembre- décembre 1944.

 A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les Pays Arabes ", 1988.

 A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les Pays Arabes ", 1988.

 A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les Pays Arabes " , 1988.

 A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les Pays Arabes ", 1988.

 A.H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les Pays Arabes ",1988.

 Annick DORSNET - Dolivet et Thirry BONNEAU: " L'ordre public et

les moyens d'ordre public en procédures ". Dalloz 1986 Chron 59.

 Jean VINCENT : " La procédure civile et l'ordre public, Mélanges

ROUBIE ", Dalloz et Sirey 1961.

 Philipe MALAURE, " Rapport de synthèse du colloque: l'ordre public

à la fin du XX siècle ". Dalloz, édition 1994.

P 425 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

 Henri MAZEAUD, Jean MAZEAUD et François CHABAS : "Leçons de

droit civil "Tome II, 1er Volume, Obligations théorie générale, Montchrestien,

édition 2002.

 Jean GHESTIN: " L'ordre public, Notion à contenu variable en droit

privé français " Bruxelles,1984.

 Serge Guinchard, " Droit et Pratique de la Procédure Civile ", Dalloz,

2002 .

 Benoit Carnot : "Les témoins devant la justice , une histoire des

statuts et des comportements ", chapitre 4 pages 43-53, 2003, press universitaire

de Rennes.

P 426 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫مقاالت وأبحاث‬
‫قانونية وقضائية‬
‫باللغة الفرنسية‬

‫‪P 424‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

LE PARTICULARISME DE L’ABUS DE
DEPENDENCE ECONOMIQUE
THE PARTICULARISM OF THE ABUS OF ECONOMIC DEPENDENCE
Résumé :

La situation de dépendance économique est une situation


licite qui n'entraîne aucune conséquence juridique particulière.
Néanmoins, le droit de la concurrence condamne l'abus de cette
situation et il adopte une définition différente et qu'il considère à la
fois comme une pratique anticoncurrentielle et comme une pratique
abusive susceptible de créer un déséquilibre dans les relations
commerciales.
Cependant, La loi 104-12 relative à la liberté des prix et de la
concurrence qualifiée une situation d’abus de dépendance
économique que lorsque trois conditions sont simultanément
réunies : l’existence d’une dépendance économique, l’abus de cette
situation et l’absence de solution alternative.
Mots clés : Concurrence, dépendance, solution alternative,
abus, pratique anticoncurrentielle,

P 422 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

ABSTRACT
The situation of economic dependence is a lawful situation
which does not entail any legal consequence. Nevertheless,
competition law condemns the abuse of this situation and adopts a
different definition which it considers both as an anti-competitive
practice and as an abusive practice likely to create an imbalance in
commercial relations.
However, Law 104-12 relating to freedom of prices and
competition qualifies a situation of abuse of economic dependence
only when three conditions are simultaneously met: the existence
of economic dependence, the abuse of this situation and the
absence of an alternative solution.
Key words : Competition, dependence, alternative solution,
abuse, anti-competitive practice.
INTRODUCTION
De plus en plus de personnes font le choix du travail
indépendant, ce qui les contraint à rechercher activement des
clients. Dans certaines hypothèses, une partie importante voire
prépondérante du chiffre d’affaires est réalisée avec un ou deux
clients755. Cette situation appelée dépendance économique est
particulièrement dangereuse du fait de la fragilité des liens
d’affaires.
Cependant, ce phénomène peut avoir plusieurs causes qui
résident en premier lieu dans l’insuffisance du démarchage

755
Droit de la concurrence, Frison-Roche, Marie-Anne, Editeur : Dalloz, Publication : 2006, p : 145.

P 427 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

empêchant la diversification de la clientèle, et aussi dans la


réalisation d’un chiffre d’affaires important avec un ou plusieurs
clients qui permet d’assurer la viabilité de son activité en
demeurant dans une situation d’insécurité économique. En second
lieu, dans l’abus de dépendance économique matérialisé lorsqu’un
agent économique profite de son ascendance pour imposer des
conditions abusives756.
A cet égard et, à côté de l’abus de position dominante, la loi
104-12 prévoit une interdiction de l’abus de dépendance
économique qui s’inscrit dans une politique législative spécifique
qui vise à protéger les petites et moyennes entreprises contre les
abus commis par les grands fournisseurs et les abus de puissance
d’achat. Ce but est consacré par l’article 7757 de la loi 104-12 qui
considère l’abus de dépendance économique au même titre que
l’abus de position dominante une pratique anticoncurrentielle qui
peut conduire à l’exclusion de sociétés concurrentes, ce que le droit
de la concurrence ne tolère pas.
Par corollaire, nous constatons que deux types de
comportements sont pour l’essentiel distingués à ce titre : les abus
de position dominante et les abus de dépendance économique.
Ainsi de ce qui précède on déduit que l’état de dépendance
économique, l’intitulé de notre sujet, peut être défini comme
l’impossibilité pour une entreprise de disposer d’une solution

756
La concurrence dans un régime de la transition, Mihaylova,Stefka, Editeur : Gestion 2000, Publication :
2000, p : 78.
757
Dahir n°1-14-116 du 2 Ramadan 1435 portant promulgation de la loi n°104-12 relative a la liberté des
prix et de la concurrence, Bulletin Officiel n° 6280 du 10 chaoual 1435, p : 3731.

P 470 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

techniquement et économiquement équivalente aux relations


contractuelles qu’elle a nouées avec une autre entreprise.
Aussi, l’état de dépendance économique a pour cadre une
relation unissant un client et un fournisseur. Un client qui peut être
dépendant d’un fournisseur et un fournisseur qui peut être
dépendant d’un client, les relations envisagées sont verticales 758.
Toutefois la relation de dépendance économique est caractérisée
dès lors qu’il est établi qu’une entreprise se trouve dans
l’impossibilité de substituer à son donneur d’ordre un ou plusieurs
autres donneurs d’ordre lui permettent de faire fonctionner son
entreprise dans les conditions techniques et économiques
comparables.
Par ailleurs la dépendance économique reste tout à fait
originale, c’est l’abus de dépendance qui est une pratique
anticoncurrentielle. En ce sens, l’abus est prohibé expressément par
l’article 7759 lorsqu’il est susceptible d’affecter le fonctionnement
ou la structure de la concurrence. Ou même, l’exploitation abusive
par une entreprise ou un groupe d’entreprises de l’état de
dépendance économique dans laquelle se trouve à son égard une
entreprise cliente ou fournisseur. Cet abus peut notamment
consister en refus de vente, en vente liée, en pratique
discriminatoire ou en accord de gamme.

758
Mémento concurrence consommation, Bonnier, Marine,coursiére-Pluntz, Editeur : édition Francis
lefebvre, Publication : 2017, p : 99.
759
Dahir n°1-14-116 du 2 Ramadan 1435 portant promulgation de la loi n°104-12 relative a la liberté des
prix et de la concurrence, Bulletin Officiel n° 6280 du 10 chaoual 1435, p : 3731.

P 471 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Or, la concurrence pure est parfaite n’est pas


réellement l’objectif à atteindre par la loi 104-12, cependant
l’objectif visé est la concurrence effective, qui doit ce concevoir
comme un moyen parmi d’autre permettant à parvenir à l’efficacité
économique. Par conséquent, la libre concurrence ne signifie pas
laisser faire absolu, il est indispensable d’encadrer le marché
lorsque celui-ci ne s’autorégule pas en mettant en place les
conditions à son bon fonctionnement.
Et c’est précisément l’intérêt de notre sujet, qui tend à
présenter une vision générale du cadre de l’abus en doit de la
concurrence. Plus spécifiquement, d’une part l’état de dépendance
économique et son exploitation. D’autre part, l’abus de cette
situation économique et ses sanctions.
Et à cet effet, notre thème sera axé sur le régime
juridique de l’état de dépendance économique et de son abus, dont
l’intérêt estimé très important nous pousse à opter pour la
problématique suivante : Où réside le particularisme de l’abus de
dépendance économique par rapport aux autres pratiques
anticoncurrentielles ?
Pour bien mener notre travaille on a opté pour le plan suivant :
L’identification de l’abus de dépendance économique (I), L’abus
de dépendance économique face à la répression (II).

P 472 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Partie I : L’identification de l’abus de dépendance


économique.
L’exploitation abusive d’un état de dépendance économique
est fondamentalement une variété de pratiques discriminatoires.
C’est un comportement qui consiste à profiter de ce que le
partenaire économique est obligé de contracter pour lui imposer des
conditions économiques anormales et abusives. Ainsi, pour qu’il y
ait abus de dépendance économique, des conditions doivent
préalablement être réunies.
Dans cette partie, en va traiter dans un premier lieu la notion
de l’abus de dépendance économique (A) et ses conditions
d’existence en deuxième lieu (B).
A. La notion de l’abus de dépendance économique :
En va développer ce concept à la base de deux idées
principales : la dépendance économique et son abus.
a. La notion de la dépendance économique
La situation de dépendance économique est une situation
licite qui n'entraîne aucune conséquence juridique particulière.
Néanmoins, le droit de la concurrence condamne l'abus de cette
situation et il adopte une définition différente et qu'il considère à la
fois comme une pratique anticoncurrentielle et comme une pratique
abusive susceptible de créer un déséquilibre dans les relations
commerciales.760

760
http://www.theses.fr/1999MON10035

P 473 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

La dépendance économique est la situation de fait dans


laquelle se trouve une entreprise dans sa relation avec une autre,
cliente ou fournisseur, qui exerce sur elle un ascendant.761 La
dépendance peut être liée à la distribution de marques notoires, à la
domination économique liée à la puissance d’achat de certains
acheteurs.
L’existence d’un état de dépendance économique d’un
fournisseur envers un distributeur s’apprécie en tenant compte de
l’importance du chiffre d’affaires réalisé, de l’importance du
distributeur dans la commercialisation des produits, des facteurs
ayant conduit le fournisseur à concentrer ses ventes auprès du
762
distributeur et de la diversité des solutions alternatives.
De nombreux entrepreneurs (en particulier les créateurs
d’entreprises) disposent d’une clientèle assez peu variée et se
retrouvent ainsi dans une position de dépendance envers un ou
plusieurs clients. Ce phénomène peut avoir plusieurs causes :763
 Une insuffisance dans le démarchage qui empêche la
diversification de sa clientèle,
 La réalisation d’un chiffre d’affaires important avec un ou plusieurs
clients qui permet d’assurer la viabilité de son activité en
demeurant dans une situation d’insécurité économique (les liens
commerciaux peuvent être rompus),

761
G. Caniv et et M.-CI. Boutard-Labarde, op.cit, n° 109.
762
Dominique Legeais, Droit commercial et des affaires,18éme édition,2009
763
https://www.l-expert-comptable.com/a/532027-qu-est-ce-que-la-dependance-economique.html

P 474 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

 L’abus de dépendance économique, matérialisé lorsqu’un agent


économique profite de son ascendance pour imposer des conditions
abusives.
b. La notion de l’abus :
De point de vue littéraire, le mot abus se définit comme
étant une consommation complète, usage mauvais, excessif ou
injuste ou pernicieux de quelque chose, gaspillage764.
De point de vue juridique, le mot "abus" se réfère à l'usage
excessif d'un droit ayant eu pour conséquence l'atteinte aux droits
d'autrui. Dans les textes juridiques relatifs au droit privé et au droit
public, on trouve cette acception dans des expressions telles que
"abus de droit", "abus de pouvoirs", "abus de position dominante",
"abus de biens sociaux" et "clause abusive".765 Il est le fait de
dépasser les limites et les droits sans intention de nuire aux droits
d’autrui en commettant l’abus.
c. L’abus de dépendance économique :
Aux termes de l’article 7 de la loi 104-12 : « Est prohibée,
lorsqu'elle a pour objet ou peut avoir pour effet d’empêcher, de
restreindre ou de fausser le jeu de la concurrence, l’exploitation
abusive par une entreprise ou un groupe d’entreprises :
…………. d'une situation de dépendance économique dans
laquelle se trouve un client ou un fournisseur ne disposant
d’aucune autre alternative équivalente. L'abus peut notamment
consister en refus de vente, en ventes liées ou en conditions de vente

764
http://www.toupie.org/Dictionnaire/Abus.htm
765
https://www.dictionnaire-juridique.com/definition/abus.php

P 475 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

discriminatoires ainsi que dans la rupture de relations


commerciales établies, au seul motif que le partenaire refuse de se
soumettre à des conditions commerciales injustifiées. Il peut
consister également à imposer directement ou indirectement un
caractère minimal au prix de revente d’un produit ou d’un bien, au
prix d’une prestation de service ou à une marge commerciale ».
Il est un comportement constitutif et révélateur d’abus de
dépendance économique dans plusieurs cas possibles :
Soumettre son partenaire économique à des conditions
commerciales ou à des obligations injustifiées ;
Tenter d’obtenir de son partenaire économique un avantage
sans contrepartie : ça se voit beaucoup dans la grande distribution.
C’est l’effet par exemple de demander à un fournisseur de
participer sans contrepartie au financement d’une animation
commerciale.
Tenter d’obtenir un avantage sous la menace d’une rupture
brutale de la relation commerciale.
Rompre brutalement la relation commerciale établie
notamment sans préavis écrit.
B- Les conditions d’existence d’un abus de dépendance
économique
L’abus de dépendance économique, comme l’abus de position
dominante, est une pratique anticoncurrentielle suppose plusieurs
conditions pour son existence.

P 476 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

En premier lieu, il est important de déterminer si l’entreprise


concernée se trouve en situation de dépendance économique vis-à-
vis d’un de ses fournisseurs ou d’un de ses clients, et en second lieu
d’examiner si ce fournisseur ou ce client a abusé de cette situation.
En effet, une entreprise se trouve dans une situation de dépendance
économique à l’égard d’un fournisseur ou d’un client avec lequel
elle réalise une part importante de ses ventes ou de ses achats, dès
lors, où elle devrait renoncer à ces ventes ou ces achats, elle ne
disposerait d’aucune solution équivalente pour poursuivre son
activité766.
Donc pour qu'il y ait abus de dépendance économique, trois
conditions doivent être simultanément réunies :
 L’existence d’une situation de dépendance économique (1) ;
 L’abus de cette situation (2) ;
 Absence de solution alternative (3)767.
1- L’existence d’une situation de dépendance économique
Le Vocabulaire juridique publié sous la direction du
Professeur Cornu définit la dépendance comme l'absence
d'autonomie de comportement d'une personne par rapport à une
autre768.

766
D.ALAMI MACHICHI, Concurrence droit et obligation des entreprises au Maroc, édition Eddif, 2001,
p. 95.
767
HESS-FALLON Brigitte et SIMON Anne-Marie, Droit des affaires, Dalloz, Paris, 14 e édition, 2001,
P66.
768
CORNU Gérard, vocabulaire juridique, droit et science politique, Paris, 11eme édition, 2016.

P 474 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

La dépendance est un fait économique : c’est la situation du


commerçant qui est obligé de contracter avec une entreprise
déterminée parce qu’il n’a pas de solution équivalente769.
L’état de dépendance économique c’est une situation dans
laquelle une entreprise est obligée de poursuivre des relations
commerciales avec une autre entreprise, alors qu’il lui est
impossible de s’approvisionner par ailleurs en produits
substituables, dans des conditions équivalentes770.
La dépendance économique désigne donc une relation
commerciale dans laquelle l'un des partenaires n'a pas de solution
alternative (Solution de remplacement), s'il veut refuser de
contracter dans les conditions que lui impose son client ou son
fournisseur.
La dépendance économique marque un rapport de force, ce
rapport de force résulte, non pas de la domination objective d’un
marché comme dans le cas de la position dominante, mais du fait
que la puissance relative d’une entreprise rend ses partenaires
vulnérables (fragiles)771.
La notion de dépendance économique s’applique à un
distributeur vis-à-vis de son fournisseur (a), mais aussi d’un
fournisseur à l’égard de son client (b).
a- Dépendance d’approvisionnement

769
DEKEUWER-DEFOSSEZ François, Droit commercial, Montchrestien, Paris, 10eme édition, 2010
P.452
770
HESS-FALLON Brigitte et SIMON Anne-Marie, Droit des affaires, Dalloz, Paris, 14 e édition, 2001,
P67.
771
Op.cit, P66.

P 472 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

L'approvisionnement consiste, pour une entreprise, à acheter


les produits et les services qui sont nécessaires à son
fonctionnement. Donc, la dépendance d’approvisionnement c’est
la dépendance économique d’un distributeur à l’égard d’un
fournisseur. Ainsi, l’existence d’un état de dépendance
économique d’un distributeur par rapport à un fournisseur
s’apprécie en tenant compte de la notoriété de la marque du
fournisseur, de l’importance de sa part dans le marché considéré et
dans le chiffre d’affaires du distributeur, ainsi que de
l’impossibilité pour ce dernier d’obtenir de d’autres fournisseurs
des produits équivalents.
En d’autres termes la seule circonstance qu’un distributeur
réalise une part très importante voire exclusive de son
approvisionnement auprès d’un seul fournisseur ne suffit pas à
caractériser son état de dépendance économique car elle est
insuffisante pour établir que l’entreprise était dans l’impossibilité
de trouver une situation alternative puisqu’elle n’établit pas
l’absence de solution équivalente.
En effet, ils seront tenues en compte les caractéristiques du
produit, de la notoriété de la marque ou de l’enseigne du
fournisseur, de l’importance de sa part de marché et sa part dans
le chiffre d’affaire du distributeur.
Ces critères doivent être simultanément présents pour
impliquer l’existence d’une situation de dépendance économique.
b- Dépendance pour cause de puissance d’achat

P 477 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Le pouvoir d'achat est la capacité d'achat en termes de biens


services et produits, qui sont destinés à être vendus sur un marché.
La dépendance pour cause de puissance d’achat c’est la
dépendance économique d’un fournisseur à l’égard d’un client.
Cette situation se produit lorsque le rapport de force
contractuel entre le fournisseur et son client est déséquilibré au
profit de ce dernier, en raison de sa puissance d’achat.
En effet, les critères d’appréciation de cette dépendance
peuvent être la situation du fournisseur sur son marché comme par
exemple sa faible part de marché, sa petite taille, l’absence de
notoriété de la marque de ses produits, la part importante du client
dans son chiffre d’affaires, l’ancienneté de leurs relations
commerciales, la situation de la concurrence sur le marché, la
puissance d’achat de l’acheteur, sa puissance économique et
financière, sa part dans le chiffre d’affaires du fournisseur et enfin
les caractéristiques de leurs relations commerciales772.
Ces critères doivent être simultanément présents pour
impliquer l’existence d’une situation de dépendance
économique773.
2- L’exploitation abusive de cette situation
Comme la position dominante, la dépendance économique
n’est prohibée que dans la mesure où il y a exploitation abusive de
cette situation de dépendance. Il ne peut y avoir de pratique abusive

772
PIRONON Valérie, Droit de la concurrence, master pro, Paris, Gualino édition, 2009, P90.
773
PEDAMON Michel et KANFACK Hugues, Droit commercial, Dalloz, Paris, 4 eme édition, 2015,
P537

P 500 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

que si le comportement incriminé présente un caractère


"anormal"774.
Ainsi, ne peuvent être sanctionnés que les abus dont les effets,
actuels ou potentiels sont suffisamment tangibles. En outre,
l’infraction ne peut être constituée que si il y a un lien de causalité
entre la situation de dépendance économique et la pratique
incriminée, c’est –à-dire que l’exploitation abusive doit être
réalisée par l’utilisation de l’état de dépendance775.
Les textes ne définissent pas la notion d’exploitation abusive.
Ils se contentent d’identifier certaines pratiques considérées
comme des abus. L’article 7 de la loi 104-12, énumère dans ses
deux derniers alinéas les pratiques anticoncurrentielles susceptibles
de constituer un abus de dépendance économique, il y a :
 le refus de vente : considéré comme une action qui vise à refuser la
vente d'un produit. En effet, c’est une pratique normalement
interdite et sanctionnée par la loi pénale. En d’autre terme c’est le
fait pour un professionnel de refuser de vendre un produit ou un
service auprès d'un autre professionnel ou d'un particulier776.
 les ventes liées : est une pratique qui consiste à subordonner la
vente d’un produit à la vente d’un autre produit qui est différent du
premier. Une pratique donnant lieu couramment à des débats dans
le domaine de la vente liée avec comme exemple la vente d’un
système d’exploitation avec celle d’un ordinateur. En d’autre terme

774
Ibid.
775
PIRONON Valérie, droit de la concurrence, op.cit, P91.
776
HESS-FALLON Brigitte et SIMON Anne-Marie, Droit des affaires, Dalloz, Paris, 14 e édition, 2001,
P62.

P 501 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

c’est proposer ou vendre plusieurs produits dans un même lot sans


proposer ces produits séparément, au même prix.
 les pratiques discriminatoires : consiste à pratiquer à l’égard d’un
partenaire économique ou d’obtenir de lui des prix, des délais de
paiement, des conditions de vente ou des modalités de vente ou
d’achat discriminatoires et non justifiés par des contreparties
réelles en créant, de ce fait, pour ce partenaire, un désavantage ou
un avantage dans la concurrence. Ainsi que dans la rupture de
relations commerciales établies, au seul motif que le partenaire
refuse de se soumettre à des conditions commerciales
injustifiées777. Cela consiste aussi dans le fait d’imposer un
caractère minimal au prix de revente ou de réaliser des ventes à
temps. Une pratique discriminatoire est donc caractérisée par
l’existence d’un traitement différencié en l’absence de contrepartie.
Les pratiques discriminatoires peuvent être dénoncées à l’égard
d’un fournisseur ou d’un acheteur (distributeur).
Il faut ajouter que les refus de vente, les ventes liées et les
pratiques discriminatoires (en matière de prix, de délais de
paiement de conditions ou de modalités de vente ou d'achat) non
justifiées sont généralement le fait des fournisseurs dans leurs
relations avec les distributeurs. En revanche, la rupture (ou la
menace de rupture) de relations commerciales est généralement le
fait des distributeurs dans leurs relations avec les fournisseurs778.

777
Op.cit, P63.
778
PEDAMON Michel et KANFACK Hugues, Droit commercial, Dalloz, Paris, 4eme édition, 2015, P
543.

P 502 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

3- L’absence de solutions alternatives


Pour qu’il ait un abus de dépendance économique il ne suffit
pas l’existence d’une situation de dépendance économique, et d’un
abus de cette situation, encore faut il que l’entreprise en situation
de dépendance ne dispose pas de solution alternative. Il est donc
fort important de définir la solution alternative (a), et de démontrer
comment on peut la prouver (b).
a- La notion de la solution alternative :
La notion de solution équivalente veut dire qu’en cas de
rupture de la relation commerciale, l'entreprise dépendante pourra
trouver un autre partenaire afin de conclure une nouvelle relation
commerciale équivalente à la première, dans des délais et à un coût
raisonnables. En d’autre terme, trouver des produits substituts,
pour le distributeur.
Prenant l’exemple de dépendance d’approvisionnement, une
solution alternative existe si se trouvent sur le marché des produits
substituables à ceux du fournisseur concerné, autrement dit, des
produits ayant la même notoriété ou sont susceptibles de produire
le même chiffre d’affaires.
b- La preuve de l’absence de solution alternative :
Elle est prouvée lorsque l’entreprise en dépendance n’a pas
pu poursuivre normalement son activité en raison des pratiques
abusives et anticoncurrentielles mises en œuvre à son encontre tels

P 503 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

que la rupture abusive des relations commerciales avec le


fournisseur ou le client concerné779.
De même, il peut y avoir absence de solution alternative,
lorsqu’il est démontré que les pratiques dénoncées avaient entrainé
une baisse significative des ventes de l’entreprise victime.
Partie II : L’abus de dépendance économique face à la
répression
Le législateur a prévu des sanctions contre des abus
de la dépendance économique contraires au bon fonctionnement du
marché dans le cadre des relations bilatérales entre fournisseurs et
clients. Ainsi, le rôle du conseil de la concurrence, auquel on a
confié cette mission, semble extrêmement important afin de lutter
contre les pratiques anticoncurrentielles et d'étudier le
fonctionnement des marchés. Mais, avant de dévoiler les
différentes catégories des sanctions, il s’avère important de jeter de
la lumière sur les principales manifestations relatives à la
dépendance économique.
L’abus de dépendance économique étant une infraction à part
entière peut donner lieu à des sanctions civiles ou pénales,
lorsqu’elle est portée devant les juridictions, mais aussi à des
sanctions administratives.
A- Les sanctions civiles et pénales
Les sanctions civiles : selon les dispositions de l’article 10
de la loi 104-12 « Tout engagement, convention ou clause

779
PIRONON Valérie, Droit de la concurrence, master pro, Paris, Gualino édition, 2009, P27.

P 504 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

contractuelle se rapportant à une pratique prohibée en application


des articles 6 et 7 ci-dessus est nul de plein droit. Cette nullité peut
être invoquée par les parties et par les tiers ; elle ne peut être
opposée aux tiers par les parties ; elle est éventuellement
constatée par les tribunaux compétents à qui l’avis ou la décision
du conseil de la concurrence, s'il en est intervenu un, doit être
communiqué ».

Les sanctions pénales : L’abus de dépendance


économique ne suppose pas l’existence d’une position dominante,
mais constitue une infraction au droit de la concurrence à part
entière, et des sanctions ont été prévues par le législateur dans la
loi 104-12 notamment à l’article 75 pour la sanction pénale une
peine de 2 mois à 1 an d’emprisonnement et une amende de 10.000
à 500.000 DH. D’après l’article 76 Sera puni d’un emprisonnement
de deux (2) mois à deux (2) ans et d'une amende de dix mille
(10.000) à cinq cent mille (500.000) dirhams ou de l'une de ces
deux peines seulement le fait, en diffusant, par quelque moyen que
ce soit, des informations mensongères ou calomnieuses, en jetant
sur le marché des offres destinées à troubler les cours ou des
suroffres faites aux prix demandés par les vendeurs.
L’emprisonnement peut être porté à cinq (5) ans et l’amende à un
million (1.000.000) de dirhams si la spéculation porte sur des
denrées alimentaires ou marchandises ne rentrant pas dans
l'exercice habituel de la profession du contrevenant. Dans tous les

P 505 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

cas prévus aux articles 75 et 76 ci-dessus, le coupable peut être


frappé, indépendamment de l’application de l’article 87 du code
pénal, de l’interdiction d’un ou de plusieurs des droits mentionnés
à l’article 40 du même code selon l’article 77.
B- Les sanctions administratives
Aux termes de l’article 97 Les sanctions administratives sont
prononcées par arrêté de l’autorité prévue à l’article 93 de la
présente loi pris après avis du chef du service extérieur de
l’administration dont relève la marchandise, le produit ou le service
concerné. Selon l’article 98 : Les sanctions administratives sont par
ordre de gravité: 1- un avertissement par lettre recommandée avec
accusé de réception ; 2- le paiement d’une amende ne dépassant pas
dix fois le montant du chiffre d’affaires hebdomadaire moyen du
contrevenant calculé sur la base du dernier exercice clos, sans
qu’elle puisse excéder trois cent mille (300.000) dirhams avec un
seuil minimum de cinq mille (5.000) dirhams.

Bibliographie

- Bonnier, Marine, coursiére-Pluntz Mémento


concurrence consommation 2018, Editeur : édition Francis
lefebvre, Publication : 2017.
- CORNU Gérard, vocabulaire juridique, droit et science
politique, Paris, 11eme édition, 2016.

P 506 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

- D.ALAMI MACHICHI, Concurrence droit et


obligation des entreprises au Maroc, édition Eddif, 2001.
- DEKEUWER-DEFOSSEZ François, Droit
commercial, Montchrestien, Paris, 10eme édition, 2010.
- Dominique Legeais, Droit commercial et des affaires,
18éme édition,2009.
- Frison- roche, Marie-Anne, Droit de la concurrence,
Editeur : Dalloz, 2006.
- HESS-FALLON Brigitte et SIMON Anne-Marie, Droit
des affaires, Dalloz, Paris, 14e édition, 2001.
- Mihaylove, Stefka, La concurrence dans un régime de
la transition, Editeur : Gestion 2000.
- PEDAMON Michel et KANFACK Hugues, Droit
commercial, Dalloz, Paris, 4 eme édition, 2015.
- PIRONON Valérie, Droit de la concurrence, master
pro, Paris, Gualino édition, 2009.

P 504 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Rôle de l’Etat dans la croissance


économique
De nombreux pays en développement procèdent actuellement
à un ajustement macroéconomique substantiel. La manière dont ces
programmes affectent les dépenses publiques et, par conséquent, la
croissance économique à long terme et la réduction de la pauvreté
n'est pas claire. Il est donc important de suivre l'évolution des
niveaux et de la composition des dépenses publiques, et d'évaluer
les causes de ce changement dans le temps. Il est encore plus
important d'analyser la contribution relative des différentes
dépenses à la croissance de la production et à la réduction de la
pauvreté, car cela fournira des informations importantes pour un
ciblage plus efficace de ces ressources financières limitées et
souvent en déclin à l'avenir.
Le lien entre les dépenses publiques et la croissance
économique a suscité un intérêt considérable de la part des
chercheurs en économie, tant au niveau théorique qu'empirique.
Grosso modo, on peut distinguer deux points de vue opposés :
D'une part, il y a l'approche keynésienne selon laquelle les
dépenses publiques sont un outil politique important à utiliser pour

P 502 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

assurer un niveau raisonnable d'activité économique, corriger les


fluctuations cycliques à court terme des dépenses globales et
assurer une augmentation des investissements productifs,
fournissant ainsi une direction socialement optimale pour la
croissance et le développement.
L'opinion opposée est que l'intervention excessive de l'État
dans la vie économique affecte négativement les performances de
croissance pour deux raisons: premièrement, parce que les
opérations gouvernementales sont souvent menées de manière
moins efficace, elles réduisent la productivité globale du système
économique, deuxièmement, parce que les dépenses publiques
excessives (généralement accompagnées de niveaux d'imposition
élevés) faussent les incitations économiques et entraînent des
décisions économiques sous-optimales. Ceux qui sont en faveur
d'une taille plus importante de l'État accordent du crédit à la
fourniture de certains biens et services qui, autrement, ne seraient
pas fournis par le secteur privé. Ils affirment que le gouvernement
intervient dans les activités économiques en raison de l'échec du
marché et des externalités à établir un chemin de croissance
prédéterminé.
Le gouvernement existe afin de fournir une infrastructure
sociale et physique, en réalisant certains investissements et
dépenses. Par ces moyens, le gouvernement peut directement ou
indirectement améliorer la productivité du secteur privé par une
allocation efficiente et efficace des ressources. L'existence du

P 507 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

gouvernement est correctement justifiée si l'on considère les


fonctions légales du gouvernement, en termes de droits de
propriété, de fourniture de sécurité, de maintien de la loi et de
l'ordre, etc. En ce sens, les dépenses publiques sont devenues
opportunes et nécessaires pour surmonter les obstacles au
développement économique.
Toutefois, lorsque la taille du secteur public devient très
importante, elle peut entraver la croissance et le développement
économiques. Plus la taille du secteur public est importante, plus il
devient difficile de coordonner les activités des principaux acteurs
du système. Les gouvernements de grande taille ont tendance à
évincer l'investissement privé, ce qui se répercute invariablement
sur la production nationale. Les gouvernements de grande taille
peuvent également créer une volatilité de la production. Le
maintien de la loi et de l'ordre, en particulier la garantie des droits
de propriété, est probablement la raison la plus acceptable pour
l'intervention du gouvernement. Théoriquement, on affirme que
l'application des droits de propriété étant un bien public, sa
fourniture ne peut être matérialisée que par une action collective.
La justification de l'existence d'un gouvernement, où que ce soit,
peut être envisagée du point de vue des institutions des droits de
propriété, de l'état de droit, de la gouvernance, de la sécurité, de
l'application de l'état de droit, etc.
Les autres facteurs institutionnels qui peuvent influencer les
dépenses publiques et la croissance économique comprennent la

P 510 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

qualité des institutions (l'application des droits de propriété),


l'instabilité politique (coups d'État, troubles civils, guerres civiles,
etc.), et les caractéristiques des régimes politiques (élections,
constitutions, pouvoirs exécutifs). Tous ces facteurs affectent
directement l'investissement des nations car ils créent un
environnement difficile et de l'insécurité, ce qui augmente les coûts
de transaction et nuit à l'investissement privé pour la croissance.
L'incapacité du gouvernement à faire respecter l'État de droit
affecte l'économie des pays en développement et, de ce fait, les
comportements de recherche de rente, la corruption et la protection
des individus et des organisations liés à des personnes haut placées
deviennent un phénomène courant. Ces attitudes
comportementales augmentent les coûts de transaction et les coûts
de l'information dans le processus de production et rendent l'État
de droit plus fiable.

P 511 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Déconcentration administrative au Maroc et


répartition des compétences : une analyse des
défis et opportunités
Administrative Deconcentration in Morocco and Distribution of Competences : An
Analysis of Challenges and Opportunities

Résumé :
La déconcentration administrative est un système
d’organisation administrative qui permet au pouvoir central une
gestion plus efficace de son action. A ce titre, la mise en place de
la charte nationale de la déconcentration administrative au Maroc
a permis d’établir de nouvelles relations entre l’Etat, les services
déconcentrés et les régions.
L’objectif de cet article est donc d’identifier, sur la base d’une
approche analytique, le rôle de la déconcentration dans la
répartition efficace des compétences. Il permet également
d'analyser les défis et opportunités liés à cette approche, tels que la
coordination et le financement. Il s’agit donc de résoudre les
dysfonctionnements liés aux ressources humaines et à la gestion
budgétaire. Il s’agit également de mettre en place de nouveaux
rapports entre les services déconcentrés et les régions. La

P 512 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫‪déconcentration est ainsi présentée comme complémentaire à la‬‬


‫‪régionalisation avancée.‬‬
‫‪Mots clés : Déconcentration administrative, Charte nationale‬‬
‫‪de la déconcentration administrative, Régionalisation avancée,‬‬
‫‪Collectivités territoriales, Wali, Gouverneur.‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫يعتبر الال ممرك ادإاايي نااما دااييا يسم للسلطا المرك ية تتدتير الأن‬
‫التراتي تأكل أكثر نجاعة‪ .‬لقد أماح من يل الميثاق الوطني للال ممرك ادإاايي في‬
‫المغرب دقامة عالقا جديدة تين الدولة‪ ،‬المصال الال ممرك ة وكذا الجها ‪.‬‬
‫وفق مقايتة محليلية‪ ،‬فإ الهدف من هذه المقالة يكمن في محديد اوي الال ممرك‬
‫ادإاايي في التوزيع الفعال لالختصاصا ودتراز مختلف التحديا وكذا الفرص التي‬
‫قد يتيحها مفعيل هذا الميثاق‪ ،‬خاصة فيما يتعلق عمليتا التنسيق والتمويل‪ .‬لذا فإ‬
‫الرها يكمن في ديجاا الحلول لالختالال المتعلقة تالموايا البأرية ومدتير المي انية‬
‫وكذا دقامة عالقا جديدة تين المصال الال ممرك ة والجها ‪ .‬من هذا المنطلق يمكن‬
‫مقديم الال ممرك ادإاايي على أنه ناام مكمل لويش الجهوية الموسعة‪.‬‬
‫مفتاحية‪ :‬الال ممرك ادإاايي‪ ،‬الميثاق الوطني للالممرك ادإاايي‪،‬‬ ‫كلما‬
‫الجهوية الموسعة‪ ،‬الجماعا التراتية‪ ،‬الوالي‪ ،‬العامل‪.‬‬
‫‪Abstract :‬‬
‫‪Administrative deconcentration is a system of administrative‬‬
‫‪organization that allows the central government to manage its‬‬
‫‪actions more effectively. In this respect, the implementation of the‬‬
‫‪administrative deconcentration charter in Morocco has made it‬‬
‫‪possible to establish new relations between the State, the‬‬
‫‪deconcentrated services and the regions.‬‬

‫‪P 513‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

The objective of this article is therefore to identify, on the


basis of an analytical approach, the role of deconcentration in the
effective distribution of competences. It also analyzes the
challenges and opportunities related to this approach, such as
coordination and financing. The aim is to resolve dysfunctions
related to human resources and budget management. It is also a
question of establishing new relationships between the
deconcentrated services and the regions. Deconcentration is thus
presented as complementary to advanced regionalization.
Key words:
Administrative deconcentration, National charter of
administrative deconcentration, Advanced regionalization, Local
authorities, Wali, Governor.
Introduction
La déconcentration administrative est un système
d’organisation administrative par lequel le pouvoir central délègue
une partie de ses responsabilités et de ses pouvoirs à des structures
administratives déconcentrées locales, afin d'assurer une
représentation efficace sur le territoire national. Cette délégation de
pouvoirs permet aux services déconcentrés de prendre des
décisions et de mener à bien des tâches spécifiques en dehors de la
direction centralisée de l'Etat. Cependant, ces services restent sous
la responsabilité hiérarchique des autorités administratives
centrales et sont tenus de suivre les orientations et les politiques

P 514 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

définies par ces dernières780. La déconcentration administrative est


ainsi une manière d'assurer une plus grande proximité entre l'Etat
et les citoyens tout en maintenant un certain contrôle centralisé sur
les activités et les décisions prises au niveau local.
La délégation d'une partie des pouvoirs décisionnels de l'Etat
aux services déconcentrés implique, selon la nouvelle charte
nationale de la déconcentration administrative781 au Maroc, une
réallocation des compétences entre ces services et l'administration
centrale. Cela permettra également d'établir de nouvelles relations
avec les collectivités territoriales, en particulier les régions.
La nouvelle charte nationale de la déconcentration
administrative a fixé les principes de l’organisation administrative
des services déconcentrés de l’Etat. L’objectif à n’en pas nier est
de permettre au pouvoir central une gestion plus efficace de son
action sur l’ensemble du territoire national.
Le rôle du Wali, en tant que représentant du pouvoir central
dans la région et coordinateur des activités des services
déconcentrés, est prépondérant sous l’égide de la charte de la
déconcentration et dans le cadre de la nouvelle réforme de la
régionalisation avancée.
A vrai dire, la nouvelle charte de la déconcentration
administrative représente un levier fondamental au service de la
gouvernance territoriale. A ce titre, le décret portant charte de

780
De Bellescize, R. (2018). « L’essentiel du Droit administratif général : Intègre le projet de loi de
programmation 2018-2022 et de réforme pour la Justice Ed. 5 ». Gualino. P. 56.
781
Décret n° 2-17-618 portant Charte Nationale de la Déconcentration Administrative. BO n° 6740- 26
rabii II 1440 (3 janvier 2019).

P 515 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

déconcentration a établi un ensemble de principes de répartition des


attributions entre les administrations centrales et les services
déconcentrés de l’Etat. Cette répartition s’inscrit dans une logique
d’affermissement de la convergence et la cohérence des actions des
services déconcentrés. Elle est également accompagnée par le
renforcement de leurs attributions et leurs moyens.
La nouvelle configuration de l’administration territoriale a
mis l’accent sur de nouvelles relations entre les services
déconcentrés de l’Etat, d’une part, et les collectivités territoriales
en générale et les régions en particulier, d’autre part.
D’ailleurs, le transfert de compétences de l’Etat aux régions
exige, dans le cadre de la déconcentration et de la régionalisation
avancée, de respecter certains principes qui se basent
essentiellement sur la complémentarité et la coordination.
Déconcentration et décentralisation sont deux systèmes
d’administration complémentaire, mais qui sont certainement
différents.
Il est donc nécessaire de résoudre les dysfonctionnements liés
à la répartition des compétences entre le pouvoir central et les
services déconcentrés de l'Etat, ainsi qu'entre ces derniers et les
collectivités territoriales. Cela implique notamment de corriger les
problèmes de gestion budgétaire et de personnel. Le manque de
gouvernance dans ces domaines peut entraîner un échec dans
l'essor des services déconcentrés de l'Etat.

P 516 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Dans ce sillage, la problématique qui se pose est la suivante :


Comment la déconcentration administrative au Maroc peut-
elle être utilisée pour optimiser la répartition des compétences
entre l’Etat, les services déconcentrés et les régions en
s'appuyant sur les principes de complémentarité et de
coordination ?
L’analyse de ce sujet est donc nécessaire pour comprendre
comment la déconcentration administrative au Maroc peut
améliorer la répartition des compétences entre les différents
intervenants concernés par ce processus. Il permet également
d'analyser les défis et opportunités liés à cette approche, tels que la
coordination et le financement.
Dans le cadre de cet article, nous nous efforcerons de
répondre aux interrogations suivantes : Quel est le cadre
institutionnel de la déconcentration administrative au Maroc ?
Quelles sont les contraintes qui se pose en termes de gestion des
ressources humaines et financières ? Quels sont les impacts de la
déconcentration administrative sur la coordination des actions de
l’Etat, les services déconcentrés et les régions ? Quels sont les défis
et les opportunités liés à la mise en œuvre de la charte de la
déconcentration administrative au Maroc ?
Pour répondre à ces questions, le cadre méthodologique de
notre article repose sur une approche analytique. A ce titre, les
méthodes utilisées se base sur une analyse théorique et
documentaire de la charte de la déconcentration administrative au

P 514 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Maroc, des lois, des décrets et des documents scientifiques liés à la


déconcentration administrative. L’objectif est d’identifier le rôle de
la déconcentration dans la répartition efficace des compétences.
Notre étude sera constituée, tout d'abord, d’une revue de
littérature pour présenter un aperçu du rôle du Wali et des défis
qu'il rencontre dans la coordination entre le pouvoir central et les
services déconcentrés. Il sera par la suite procédé à une étude
interprétative de la charte nationale de la déconcentration
administrative pour indiquer sa contribution dans la répartition des
compétences entre les différents intervenants concernés par ce
processus. Enfin, un axe sera consacré à la répartition des
compétences conformément au principe de la subsidiarité pour
offrir les perspectives de recherche à l’amélioration efficace de leur
répartition.
La prééminence du rôle de Wali dans la configuration de
l’administration territoriale
Dans l’histoire administrative marocaine, le gouverneur « a
toujours été perçu comme l’agent du Makhzen, du ministère de
l’Intérieur et non pas d’un gouvernement »782. Cette réalité
administrative marocaine constituait une contrainte réelle qui a
freiné incontournablement la construction d’un Etat moderne.
La structure administrative déconcentrée se basait sur
l’institution provinciale783, comme l’échelon convenable à

782
Laamrani, A. (2016). « Le rôle du gouverneur au Maroc ». L'Harmattan. P. 346.
783
Zahir, T. (2014). « Les incidences de la réforme régionale sur l’administration déconcentrée de l’Etat
». Dans A. d. (REJMA) (Éd.), « la régionalisation dans les Etats du Maghreb : quelles perspectives ». Rabat.
P. 34.

P 512 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

l’assouplissement des charges du pouvoir central. Le gouverneur,


qui a été perçu comme une autorité administrative à compétence
générale, était étroitement lié aux autorités centrales et doté
d’attributions largement étendues.
Il va de soi que, dans un système politico-administratif, qui se
situe dans une position hybride entre un mode de fonctionnement
traditionnel du Makhzen et un système qui se veut moderne, la
déconcentration ne peut que renforcer d’une manière simple le
prolongement de l’Etat au niveau local. Dans ces conditions, « la
sphère des détenteurs de pouvoir, considérés comme perpétuant
une manière traditionnelle de gouverner et de gérer les affaires
publiques, et les pratiques politiques ; manière considérée comme
éloignée de la rationalité et de la modernité politique »784.
De nos jours, la réforme de la déconcentration administrative
est un projet qui a comme objectif principal d’accompagner
l’organisation territoriale décentralisée du pays, fondée sur la
régionalisation avancée785. Cette réforme favorise donc une
conduite durable, intégrée et complémentaire des politiques
publiques au niveau territorial.
Dans cette orientation, la charte met en exergue deux
fondements principaux de la déconcentration administrative.
D’abord, la région est considérée comme l’espace pertinent de la
mise en œuvre de la politique nationale de la déconcentration

784
Bourqia, R. (2011). « Culture politique au Maroc, à l’épreuve des mutations ». L’Harmattan, Logiques
sociales. P. 34.
785
Article 3 du Décret n° 2-17-618. Précité.

P 517 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

administrative, compte tenu de sa prééminence et du rôle qu’elle


peut jouer comme coordonnateur et organisateur des relations entre
l’Etat et ses représentations administratives. Ensuite, la
consécration d’un rôle pivot au wali de la région, dans la
coordination des activités des services déconcentrés de l’Etat, en
veillant à leur bon fonctionnement et à leur contrôle, dans l’objectif
d’assurer l’efficience, l’efficacité, et la convergence des politiques
publiques au niveau régional786.
Dans la nouvelle configuration de l’administration
territoriale, le wali assume au niveau des régions plusieurs rôles,
malgré l’absence d’un texte particulier qui définit actuellement son
statut. En comparaison de ses missions avec celles assumées par le
gouverneur, il est possible de relever avec intérêt deux éléments
essentiels qui mettent en exergue l’impulsion du rôle du Wali par
rapport à celui du gouverneur. D’un côté, puisque le wali de la
région ne représente autre que le gouverneur de la préfecture ou de
la province chef-lieu de la région, il exerce donc les mêmes
attributions du gouverneur définies par le Dahir du 15 février 1977.
De l’autre côté, si les attributions du gouverneur au niveau des
provinces et des préfectures comprennent, entre autres, des
missions du maintien de l’ordre et de la sécurité publics, les
attributions du Wali de la région couvrent des préoccupations qui
sont essentiellement destinées au développement économique et
social de la région où il appartient.

786
Article 5 du décret n° 2.17.618. Précité.

P 520 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

En vertu de l’article 145 de la constitution de 2011, qui a


remplacé l’article 102 de la Constitution de 1996, « dans les
collectivités territoriales, les walis de régions et les gouverneurs de
provinces et préfectures représentent le pouvoir central. Au nom du
gouvernement, ils assurent l’application des lois, mettent en œuvre
les règlements et les décisions gouvernementales et exercent le
contrôle administratif. Les walis et gouverneurs assistent les
présidents des collectivités territoriales et notamment les présidents
des Conseils régionaux dans la mise en œuvre des plans et des
programmes de développement. Sous l’autorité des ministres
concernés, ils coordonnent les activités des services déconcentrés
de l’administration centrale et veillent à leur bon fonctionnement
».
Il est ainsi patent que les walis représentent le « pouvoir
central » et non pas le ministère de l’Intérieur ou n’importe quel
ministère. Dans ce sillage, les attributions les plus importantes des
walis, instituées par l’article 145 de la constitution de 2011 sont
comme suit :
● L’application des lois et des règlements ;
● La mise en œuvre des règlements et des décisions
gouvernementales ;
● La présentation de toutes les formes de soutien aux
collectivités territoriales et les accompagner dans la mise en
œuvre de leurs programmes de développement ;
● Le contrôle administratif ;

P 521 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

● Les rapports hiérarchiques des walis et gouverneurs avec les


ministres concernés ;
● Les rapports des services déconcentrés avec les autres
autorités administratives ;
● La coordination des activités des services déconcentrés
régionaux de l’Etat.
Exceptionnellement, au titre du budget 2015 et malgré la mise
en œuvre de la régionalisation avancée, l’article 252 de la loi n°
111-14 prévoit que le Wali continue, conformément aux
dispositions de l’article 2 de la loi n° 45-08787, à exercer ses
missions en sa qualité d’ordonnateur des recettes et des dépenses
de la région.
Le Wali dispose également d’une délégation de pouvoir dans
le domaine d’investissement, aux termes des orientations initiées
par la Lettre royale du 9 janvier 2002. En l’espèce, le Wali
coordonne ou dirige l’activité des Centres Régionaux
d’Investissement (CRI)788.
En raison de son rôle prépondérant dans la mise en œuvre des
politiques nationales de développement économique et social, le
Wali de la région, en sa qualité de chargé de la coordination des
activités des services déconcentrés de l’administration centrale,

787
La loi n° 45-08 relative à l'organisation des finances des collectivités locales et de leurs
groupements, promulguée par Dahir n° 1-09-02 du 22 safar 1430. B.O. n° 5714 du 5 mars 2009.
788
Les Centres Régionaux d'Investissement (CRI) ont été créés depuis 2002, suite à la Lettre adressée par
Sa Majesté au premier Ministre, relative à la gestion déconcentrée de l'investissement. Ces Centres ont
pour objectifs d'encourager l'investissement au niveau régional et de contribuer à promouvoir le
potentiel des territoires régionaux. Available at :
http://www.pncl.gov.ma/fr/Gestionterritoriale/Partenaires/Pages/centreRegional.aspx (consulté le 30
octobre 2018)

P 522 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

coordonne avec le conseil régional à plusieurs niveaux. Il s’agit


d’abord de la mise en place du programme de développement
régional789, sur la base d’une démarche participative et dans la
perspective d’un développement durable. Ensuite, le wali de la
région assiste le président du conseil de la région dans la mise en
œuvre du schéma régional d’aménagement du territoire 790.
Ainsi, pour la résorption du déficit en matière de
développement humain, d’infrastructures et d’équipements 791, le
Chef du gouvernement peut désigner les walis des régions sous-
ordonnateurs des recettes et des dépenses du Fonds de mise à
niveau sociale, selon les procédures prévues par les textes
règlementaires en matière de comptabilité publique792.
Dans le même ordre d’idées, le wali de la région préside le
comité technique793, créé au niveau de chaque région dans le cadre
du Fonds de mise à niveau sociale, et composé du président du
conseil de la région, des gouverneurs des préfectures et provinces,
des présidents des conseils des préfectures et provinces et les
représentants des présidents des conseils de communes794, ainsi que
des représentants des départements gouvernementaux concernés

789
Article 83 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
790
Article 88 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
791
Article 229 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
792
Article 230 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
793
Ce comité est chargé : - du diagnostic du déficit enregistré à l’intérieur de la région dans les domaines
mentionnés à l’article 229 de la loi organique n° 111-14 ; - de l’élaboration de programmes de mise à
niveau sociale prenant en considération les priorités entre les secteurs et à l’intérieur de chaque secteur.
Le comité technique se réunit, sur invitation de son président, deux fois au moins par an et chaque fois
qu’il est nécessaire.
794
A raison d’un (1) représentant pour cinq communes. Voir article 232 de la loi organique n° 111-14.
Précitée.

P 523 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

par les programmes de mise à niveau sociale et opérant dans le


ressort territorial de la région795.
D’une manière générale, le rôle du Wali de la région et des
gouverneurs au niveau des provinces ou des préfectures devrait
faire l’objet d’une nouvelle conception, qui permet de dépasser les
butoirs qui limitent son rôle dans un simple cadre de
« consolidateur du régime ». Dans le même ordre d’idées, « il en
découle qu’à l’aube de l’adoption de la régionalisation avancée,
une réforme globale des missions d’administration territoriale doit
être entreprise, afin de réaliser un recentrage du rôle du gouverneur,
pour qu’il ne soit plus habilité seulement d’un rôle de coordination,
mais désormais de pilotage et de management public, qui
renforcera son autorité sur les agents administratifs des
circonscriptions territoriales, les chefs des services extérieurs de
son ressort territorial et sur tous les autres responsables de la mise
en œuvre de l’action de l’Etat au plus près des citoyens »796.
Dans le cadre de la nouvelle charte nationale de la
déconcentration administrative, certaines mesures vont être prises
pour renforcer le rôle du Wali de la région. Ces mesures ont eu pour
objet de donner au Wali les moyens nécessaires pour assumer
véritablement ses responsabilités en tant que chef de l'ensemble des
services déconcentrés797. Il s’agit de la mise en place d’un

795
Article 232 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
796
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 356.
797
Sous réserve des exceptions annoncées par l’article 46 du décret n° 2-17-618 portant Charte
Nationale de la Déconcentration Administrative, certains secteurs ministériels ne sont pas concernés par
la déconcentration. Il s’agit des ministères de la Justice, des Habous et des Affaires islamiques, de la

P 524 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

ensemble de moyens institutionnels de pilotage, à leur tête se


trouve : le comité régional de coordination et les représentations
administratives communes et sectoriels. Ces structures sont
destinées, au niveau territorial, à l’accompagnement du wali dans
ses attributions de « chef d’orchestre ».
Répartition des compétences entre l’Etat et ses services
déconcentrés : de la coordination à une nouvelle logique
managériale
Le dahir du 15 février 1977, relatif aux attributions du
gouverneur798, a établi les premières conditions importantes de la
mise en œuvre d’une déconcentration territoriale au pays. Il a fait
du gouverneur le représentant du pouvoir central au niveau
territorial et lui a attribué un ensemble de pouvoirs qui
s’articulaient généralement autour de la coordination des activités
des services extérieurs et la direction des activités des agents
d’autorité.
Le décret du 20 octobre 1993, relatif à la déconcentration
administrative799, constitue, à son tour, le premier texte écrit
consacré spécialement au sujet de la déconcentration. Ce décret
fixe la répartition des attributions et des moyens entre les services
centraux et extérieurs des administrations publiques800.

Défense nationale, des administrations chargées de la sûreté interne ainsi que tous les secteurs
ministériels qui ne disposent pas de services déconcentrés.
798
Dahir portant loi n° 1-75-168 du 25 safar 1397 (15 février 1977) relatif aux attributions du gouverneur.
BO n° : 3359 du 16/03/1977.
799
Décret n° 2-93-625 du 20 octobre 1993 relatif à la déconcentration administrative. BO n° 4227 du
03/11/1993.
800
Article 1 du Décret n° 2-93-625. Précité.

P 525 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Toutefois, ces deux textes restent insuffisants pour mener à


bien au niveau territorial une politique de déconcentration
cohérente et pertinente. En effet, l’absence d’une politique de
déconcentration « est une réalité patente au Maroc, les tentatives
de réglementation législatives et réglementaires restent
insuffisantes et deviennent, de plus en plus, surannées. Les textes
de 1993 et le dahir de 1977 ont subi l’érosion du temps »801. Dans
les faits, deux raisons principales expliquent ce constat.
Il s’agit en premier lieu de l’omniprésence du ministère de
l’intérieur qui se place dans une situation de prédominance par
rapport aux autres ministres. Cette position « très

conjugués : le sous équipement administratif et le sous-


développement. Parce que les tâches de développement sont des
tâches globales et impérieuses, et parce que les agents des
administrations de développement sont peu nombreux, le Ministère
de l’Intérieur et ses prolongements territoriaux sont amenés à
occuper une position centrale dans toute action qui vise à
transformer le monde rural et à créer les conditions d’un nouvel
équilibre entre celui-ci et le monde urbain »802.
Il s’agit en seconde lieu de l’éclatement de la structure
gouvernementale803, ce qui rend la mission du gouverneur en tant

801
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 339.
802
Rousset, M. (1969, Paris). « Le rôle du ministère de l’Intérieur et sa place au sein de l’administration
Marocaine ». Annuaire de l'Afrique du Nord. Centre national de la recherche scientifique. Centre de
recherches et d’études sur les sociétés méditerranéennes CRESM éds. , pp. 91-106. P.92
803
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 350.

P 526 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

que représentant du pouvoir central complexe, d’autant plus que les


programmes ministériels sont multiples et empêchent le
gouverneur d’exercer son autorité d’une façon plus uniforme.
De ce fait, si le projet de la régionalisation avancée est
considéré comme un chantier novateur, il convient de préparer
plusieurs conditions, afin de suivre le rythme de cette réforme et de
renforcer la politique de l’Etat en matière de la déconcentration. Il
s’agit principalement d’adopter une réforme de déconcentration
intégrée incluant toutes les composantes de l’administration
territoriale.
L’adoption de la charte nationale de la déconcentration
administrative, en octobre 2018, constitue un levier fondamental en
termes de gouvernance territoriale. Dans cette optique, la charte
constitue le cadre général de référence de la déconcentration des
services déconcentrés. L’objectif à n’en pas douter est d’améliorer
l'intervention et la politique de l'Etat au niveau régional et
territorial. Cela se traduit logiquement par l’adoption d’une
nouvelle démarche de gestion publique, afin d’aboutir à un
changement profond dans l’exercice et la modernisation de l’action
publique déconcentrée.
Parmi les volets principaux de la nouvelle réforme de la
déconcentration figure la mise en place de nouvelles règles
régissant la répartition des attributions entre les administrations
centrales et les services déconcentrés de l’Etat804. La répartition des

804
Dans la constitution de 1996, « les services déconcentrés » ont été désignés dans l’article 102 par
l’expression « services locaux des administrations centrales ».

P 524 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

compétences entre ces deux acteurs est d’une grande importance


en termes de bonne gouvernance et d’organisation administrative
territoriale.
Dans ce sillage, les administrations centrales sont chargées
des attributions à caractère national ou celles qui ne sont
susceptibles d’être accomplies par les services déconcentrées 805.
Pour ce qui est des services déconcentrés, ils sont chargés, au
niveau régional, de veiller à la gestion des établissements publics
régionaux appartenant à l’Etat, la mise en œuvre des politiques
publiques et la participation à la préparation et l’exécution des
programmes et projets publics programmés au niveau de la
région806. Par cette répartition, « le pouvoir central disposait de son
propre appareil d'exécution, et le ministère assurait son autorité
envers les autres branches de l'appareil administratif de l'État »807.
Au niveau régional, en vertu de l’article 15 du décret n°
2.17.618, le cadre général des attributions des services
déconcentrés est ainsi défini sur la base d’un ensemble
d’attributions. Parmi lesquelles figurent notamment la mise en
œuvre optimale des directives et des décisions des autorités
gouvernementales, la mise en œuvre des stratégies nationales et
sectorielles adoptées par l’Etat dans les différents domaines du
développement économique, social, culturel et environnemental.
Ils ont aussi la charge de l’élaboration et de l’exécution des

805
Article 14 du décret n° 2.17.618. Précité.
806
Article 15 du décret n° 2.17.618. Précité.
807
Gérard, M. (2002). « II. Bilan et avenir de la déconcentrationé ». Annuaire des collectivités locales.
L'organisation territoriale de la France, demain. Tome 22, pp. 25-49. P. 25.

P 522 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

politiques, des programmes et projets publics programmés sur le


ressort territorial de la région ainsi que la contribution à
l’élaboration et la mise en œuvre des schémas directeurs de la
déconcentration les concernant. Ils leur incombent également
d’assurer la qualité des prestations publiques et de présenter toute
proposition ou initiative susceptible d’améliorer leur action. Pour
les processus contractuels, les services déconcentrés au niveau
régional sont tenus de veiller à l’élaboration, à l’exécution et au
suivi des contrats et des conventions conclus pour la réalisation des
projets et des programmes publics, etc.
Dans cet ensemble, il est nécessaire de pallier certaines
carences dans la répartition des compétences entre le pouvoir
central et les services déconcentrés de l’Etat. Il s’agit notamment
de résoudre les dysfonctionnements liés à la gestion budgétaire
ainsi que ceux relatifs au personnel. Ce dernier problème de
gouvernance apparaît d’une manière palpable dans
« l’accaparement des compétences au niveau central »808. Si ces
dysfonctionnements ne sont pas corrigés, il est susceptible qu'en
quelques années, l’essor des services déconcentrés de l'État restera
tout de même défaillant, compte tenu de la reproduction des mêmes
pratiques contestables.
Il est nécessaire donc de prendre en considération ces
insuffisances et promouvoir, tout d’abord, la gouvernance
budgétaire et financière, dans une volonté de répondre aux

808
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 330.

P 527 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

nouvelles exigences de la réforme de la déconcentration et de celle


de la régionalisation avancée. Ensuite, une valorisation du capital
humain des services déconcentrés régionaux constitue une
nécessité à fort potentiel managérial. A ce titre, il est nécessaire de
mettre en places les mesures nécessaires ayant pour objet la
mutualisation des moyens matériels et humains entre le pouvoir
central et les services déconcentrés de l’Etat, tout en commençant
par ceux existant au niveau régional.
Le changement de paradigme dans les relations entre les
services déconcentrés de l'État et les régions
Bien que la déconcentration au Maroc en tant que système
d’organisation administrative repose, pendant longtemps, sur la
hiérarchie et sur un système pyramidal de commandement, il
s’avère aujourd’hui que les nouvelles réformes privilégient une
nouvelle logique de management.
A l’échelle régionale, la mise en œuvre des dispositions de la
charte nationale de la déconcentration administrative obéit à
plusieurs principes qui régissent, entre autres, les relations des
services déconcentrés de l’Etat avec les régions. Pour comprendre
mieux, la charte prévoit des mesures d’accompagnement de
l’organisation territoriale décentralisée du royaume, fondée sur la
régionalisation avancée.
Les mesures d’accompagnement qui incombent aux services
déconcentrés de l’Etat se basent essentiellement sur : l’appui,
l’assistance, la contribution au développement des capacités des

P 530 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

régions ainsi que sur le renforcement des mécanismes de dialogue


et de consultation avec les différents intervenants au niveau
régional. Il s’agit également d’accompagner les régions et les
autres niveaux de collectivités territoriales dans l’exercice de leurs
compétences, notamment dans la réalisation de leurs programmes
et projets d’investissement et leur apporter, à ce niveau, toute forme
d’assistance nécessaire.
À l’issue de ces mesures, nous pouvons constater que la
déconcentration est devenue aujourd’hui animée par une logique
de coopération, d’efficience et d’efficacité. L’objectif n’est autre
que d’instaurer de nouveaux rapports entre les services
déconcentrés de l’Etat et les différents niveaux de collectivités
territoriales. C’est dans cette optique que Marcou Gérard (2002)
souligne que : « la déconcentration prolonge et complète ainsi la
décentralisation. On l'a souvent exposé en faisant valoir que sans la
déconcentration la décentralisation serait affaiblie par la nécessité
d'en référer au pouvoir central dans toutes les politiques dans
lesquelles sont impliquées les administrations de l'État. Mais elle
est surtout la conséquence de la dimension territoriale croissante
que comportent toutes les politiques publiques, laquelle est elle-
même pour une part la conséquence de la réforme de la
décentralisation »809.
Les réformes de la régionalisation avancée et de la
déconcentration administrative ont ouvert les voies à des rapports

809
Gérard, M. (2002). Op. cit. P. 31.

P 531 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

nouveaux plus équilibrés, régis par des principes de coopération et


de partenariat. Dès lors, les conseils régionaux disposent de
compétences exécutives plus élargies à des domaines qui leur
échappaient auparavant. Par là même, les Walis ne constituent pas
de simples représentants de l’Etat, comme connu dans le passé
suivant l’ancienne vision traditionnelle de l’autorité. Ils sont
devenus plutôt des managers et des coordinateurs de l’action
territoriale au niveau régional. Dans ce sens, si l’on retient les
propos du Marcou Gérard (2002), puis les adapter au contexte
marocain, on peut confirmer que ce que le Wali gagne de la région
en attribution est beaucoup plus important qu’en puissance810.
D’ailleurs, la séparation entre les compétences de l’Etat et
celles des régions reste clairement identifiée. Pourtant, la
conciliation entre les intérêts nationaux et ceux locaux s’avère
comme une impérieuse nécessité. Dans ce sillage, « la
déconcentration apporte son concours à la décentralisation à travers
l’amélioration des compétences opérationnelles des services de
l’État, en leur donnant les moyens d’agir dans le cadre de leurs
compétences, sans en référer au pouvoir central, et sur la base de
leur appréciation de la situation locale »811.
De l’autre côté, pour permettre aux services déconcentrés de
l’Etat d’établir les bases nécessaires d’un partenariat effectif au
niveau régional, préfectoral ou provincial, deux mécanismes
principaux ont été mis en place par la nouvelle charte de la

810
Ibidem. P. 46.
811
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 566.

P 532 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

déconcentration administrative. En effet, la contribution des


régions aux politiques de l’Etat s’effectue sur la base de la
conclusion de conventions ou contrats au nom de l’Etat, en vertu
d’une délégation spéciale, dans le respect des orientations
générales de l’Etat et des programmes de développement régionaux
approuvés812.
Dans cette perspective, il est nécessaire de noter que la
coopération entre l’Etat et les régions, dans la réalisation de
plusieurs projets communs, a été formalisée notamment à travers
la conclusion des contrats Etat-Région. Les premiers contrats ont
été signés, à l’aune de la réforme de la régionalisation avancée,
depuis septembre 2018. Il s’agit d’une contractualisation afférente
à un nombre d’attributions qui relèvent de la compétence de
certains ministres, comme le transport interurbain qui fait partie des
attributions dévolues au ministère de transport. L’objectif assigné
consiste à mettre en place une régulation et un équilibre entre les
régions en termes de projets, en supportant solidairement et
proportionnellement le développement régional.
Vers une gouvernance plus performante : la subsidiarité
pour une répartition efficace des compétences
Le principe de la subsidiarité est un principe ancien. Il trouve
ses origines dans la doctrine catholique, selon laquelle « l’autorité
supérieure devait abandonner aux groupements de rang inférieur le

812
L’article 37 du décret n° 2.17.618. Précité.

P 533 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

soin des affaires de moindre importance »813. Au-delà de sa


signification catholique, ce principe est considéré dans le cadre de
l’Etat/Société comme : « la règle générale selon laquelle tout ce
que les individus, seuls ou en groupe, peuvent accomplir par eux-
mêmes ne doit pas être transféré à l’échelon supérieur »814.
Au niveau territorial, le principe de la subsidiarité constitue
un nouveau mode de répartition des compétences. Il consiste à
mettre en place de règles nouvelles susceptibles d’assurer plus de
cohérence dans l’élaboration de la décision administrative. Le
professeur Jean-François Brisson (2003) estime que « le principe
de subsidiarité ne permet en effet d’établir aucune délimitation
matérielle des compétences locales, pas plus qu’il ne limite bien au
contraire l’aptitude générale des collectivités locales à se saisir des
affaires qu’elles jugeraient d’intérêt public local »815.
Dans cette orientation, évoquer le principe de la subsidiarité
suppose que les compétences devraient être transférées au plus près
niveau concerné. Le pouvoir d’agir devrait être partagé d’une
manière efficace. L’objectif est de définir le niveau
d’administration le mieux placé pour assumer pleinement les
responsabilités et exercer efficacement les fonctions
administratives et territoriales. Dans cette perspective, l’Etat
devrait se délester de certaines de ses fonctions administratives au

813
Vulbeau, A. (2010). « Contrepoint - Subsidiarité et décentralisation ». Informations sociales (n° 162),
pp. 85-85. P. 85.
814
Barroche, J. (2008). « La subsidiarité. Le principe et l'application ». Études 2008/6 (Tome 408), pp.
777-788. P. 778.
815
Brisson, J. (2003, mars). « Les nouvelles clefs constitutionnelles de répartition matérielle des
compétences entre l’Etat et les collectivités locales ». AJDA. P.529.

P 534 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

profit des collectivités territoriales, afin de se concentrer sur les


missions les plus fondamentales. Il devrait donc leur transférer
« tous les pouvoirs qu’elles peuvent être en mesure d’assumer »816.
Le principe de la subsidiarité en tant que mécanisme nouvel
d’élaboration de la décision administrative locale vise à « laisser la
plus grande place possible à des ajustements locaux »817. En effet,
la croissance du champ d’intervention des collectivités territoriales,
et plus précisément des régions, suppose que tous les protagonistes
publics (Etat et collectivités territoriales) devraient se situer comme
des « soupapes de sécurité »818. C’est ainsi que l’affectation de
compétences devrait être effectuer vers l’échelon de proximité le
mieux placé pour les mettre en œuvre, au fur et à mesure que l’Etat
soit l’acteur supérieur qui assume la responsabilité de secours
lorsqu’une question n’est pas soluble au niveau inférieur819.
Afin d’éviter la confusion entre la notion de la subsidiarité et
celle de la décentralisation, il est nécessaire de déterminer la
logique sur la base de laquelle s’appuie la passation des pouvoirs à
travers ces deux paradigmes d’organisation administrative.
Comme le souligne Julien Barroche (2008) « la décentralisation
suppose un centre qui, selon une logique descendante, consent à la
délégation de certaines compétences à des échelons inférieurs. La

816
Vulbeau, A. (2010). Op. cit. P. 85.
817
Gaudin, J. (2004). « XVII. La contractualisation des rapports entre l'État et les collectivités territoriales
». Dans Annuaire des collectivités locales. T. 24, Réforme de la décentralisation, réforme de l'État (pp.
215-234). Régions et villes en Europe. P.224.
818
Madiot, Y. (1996). « Les techniques de correction de la répartition des compétences entre collectivités
locales ». Revue française de droit administratif, pp. 964-972. P. 969.
819
Vulbeau, A. (2010). Op. cit. P. 85.

P 535 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

subsidiarité s’inscrit, elle, dans un autre paradigme – ascendant


plus que descendant –, qui gagne à être interprétée à la lumière de
la notion théologique d’immanence réciproque »820. Dans une
conception similaire, Alain Vulbeau (2010) considère que la
subsidiarité se situe « au cœur d’une dialectique qui fait jouer de
façon dynamique les relations entre centralisation et
décentralisation »821, de façon de rechercher le niveau
d’administration le plus adéquat pour l’exercice des compétences
et des responsabilités d’une manière plus homogène et plus
efficace.
Dans le contexte marocain, la constitutionnalisation du
principe de la subsidiarité dans la nouvelle constitution marocaine
de 2011 reflète qu'une attention particulière va être accordée à
l’organisation administrative et territoriale du pays. Elle
présuppose l’établissement de nouvelles relations entre l’Etat et les
régions. L’article 140 de la constitution prévoit que « sur la base
du principe de subsidiarité, les collectivités territoriales ont des
compétences propres, des compétences partagées avec l’État et
celles qui leur sont transférables par ce dernier. Les régions et les
autres collectivités territoriales disposent, dans leurs domaines de
compétence respectifs et dans leur sort territorial, d’un pouvoir
réglementaire pour l’exercice de leurs attributions ».
Par référence aux dispositions de cet article, les domaines
d’interventions des régions pouvant alors établir de nouveaux

820
Barroche, J (2008). Op. cit. P.785.
821
Vulbeau, A. (2010). Ibidem. P. 85.

P 536 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

fondements de répartition des compétences entre l’Etat et les


régions sur la base du principe de la subsidiarité. Conformément à
ce principe, la priorité dans l’élaboration des décisions
administratives régionales devrait être accordée dans la mesure de
possible aux régions. De la sorte, la primauté dans la mise en œuvre
des politiques territoriales devrait être assurée au niveau régional.
Conclusion
Nous avons déjà souligné que l'un des obstacles majeurs à la
déconcentration administrative au Maroc est l'éclatement de la
structure gouvernementale, qui rend la mission du gouverneur plus
complexe. En effet, avec la multiplication des programmes
ministériels, il est difficile pour le gouverneur d'exercer son
autorité de manière uniforme, ce qui entrave la mise en place d'une
politique de déconcentration efficace. Il est donc crucial de prendre
des mesures pour renforcer la coordination et la cohérence entre les
différents acteurs de l'administration territoriale.
Il s’agit de mettre en place de nouvelles règles pour la
répartition des attributions entre les administrations centrales et
déconcentrées et la résolution des dysfonctionnements liés à la
gestion budgétaire et au personnel. La charte nationale de la
déconcentration administrative adoptée en 2018 peut servir de
cadre de référence pour la déconcentration des services
déconcentrés et aider à améliorer la gouvernance territoriale et
l'organisation administrative territoriale. Il est également
nécessaire de valoriser le capital humain des services déconcentrés

P 534 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

régionaux et de mettre en place des mesures pour mutualiser les


moyens matériels et humains entre le pouvoir central et les services
déconcentrés de l'État.
Il s’agit également de mettre en place les moyens nécessaires
pour renforcer les capacités des régions et à instaurer de nouveaux
rapports entre les services déconcentrés de l'État et les collectivités
territoriales. La déconcentration est ainsi présentée comme
complémentaire à la régionalisation avancée et permettant de
mieux répondre aux enjeux territoriaux des politiques publiques.
Dans ces conditions, le principe de subsidiarité implique que
les compétences doivent être transférées au niveau territorial le
mieux placé pour assumer pleinement les responsabilités et exercer
efficacement les fonctions administratives et territoriales, ce qui
implique que l'Etat devrait se délester de certaines de ses fonctions
administratives au profit des collectivités territoriales. Cela permet
aux collectivités territoriales de prendre en charge les compétences
qui leur sont les mieux adaptées, tandis que l'État intervient en
dernier recours. Contrairement à la décentralisation, qui est une
logique descendante de délégation de compétences de l'État vers
des échelons inférieurs, la subsidiarité est une logique ascendante
qui cherche à trouver le niveau d'administration le plus adapté pour
l'exercice des compétences et des responsabilités.
Pourtant, malgré l'adoption de la charte nationale de la
déconcentration administrative en 2018, l'opérationnalisation de ce
modèle n'a pas encore été pleinement réalisé. La concrétisation est

P 532 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

encore en attente, ce qui entrave la réalisation d'une véritable


déconcentration administrative au Maroc. L'opérationnalisation de
cette charte est essentielle pour assurer une prise de décision plus
rapide et plus efficace au niveau territorial, tout en renforçant la
place des différents parties concernées par ce processus.
Bibliographie :
Articles :
▪ Barroche, J. (2008). « La subsidiarité. Le principe et
l'application ». Études 2008/6 (Tome 408), pp. 777-788.
▪ Brisson, J. (2003, mars). « Les nouvelles clefs
constitutionnelles de répartition matérielle des compétences entre
l’Etat et les collectivités locales ». AJDA, pp. 529-539
▪ Gaudin, J. (2004). « XVII. La contractualisation des rapports
entre l'État et les collectivités territoriales ». Dans Annuaire des
collectivités locales. T. 24, Réforme de la décentralisation, réforme
de l'État. Régions et villes en Europe, pp. 215-234.
▪ Gérard, M. (2002). « II. Bilan et avenir de la
déconcentrationé ». Annuaire des collectivités locales.
L'organisation territoriale de la France, demain. Tome 22, pp. 25-
49.
▪ Madiot, Y. (1996). « Les techniques de correction de la
répartition des compétences entre collectivités locales ». Revue
française de droit administratif, pp. 964-972
▪ Rousset, M. (1969, Paris). « Le rôle du ministère de
l’Intérieur et sa place au sein de l’administration Marocaine ».

P 537 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

Annuaire de l'Afrique du Nord. Centre national de la recherche


scientifique. Centre de recherches et d’études sur les sociétés
méditerranéennes CRESM éds. , pp. 91-106.
▪ Vulbeau, A. (2010). « Contrepoint - Subsidiarité et
décentralisation ». Informations sociales (n° 162), pp. 85-85. P.
Ouvrages et conférences :
▪ Bourqia, R. (2011). « Culture politique au Maroc, à l’épreuve
des mutations ». L’Harmattan, Logiques sociales. 244 pages.
▪ De Bellescize, R. (2018). « L’essentiel du Droit administratif
général : Intègre le projet de loi de programmation 2018-2022 et de
réforme pour la Justice Ed. 5 ». Gualino. 156 pages.
▪ Laamrani, A. (2016). « Le rôle du gouverneur au Maroc ».
L'Harmattan. 698 pages.
Actes de colloques :
▪ Zahir, T. (2014). « Les incidences de la réforme régionale sur
l’administration déconcentrée de l’Etat». Dans A. d. (REJMA)
(Éd.), « la régionalisation dans les Etats du Maghreb : quelles
perspectives ». Rabat.
Textes juridiques :
▪ Dahir portant loi n° 1-75-168 du 25 safar 1397 (15 février
1977) relatif aux attributions du gouverneur. BO n° : 3359 du
16/03/1977.
▪ Dahir n° 1-09-02 du 22 safar 1430 (18 février 2009) portant
promulgation de la loi n° 45-08 relative à l'organisation des

P 540 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2023 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل‬53 ‫العدد‬

finances des collectivités locales et de leurs groupements. (B.O. n°


5714 du 5 mars 2009).
▪ Décret n° 2-93-625 du 4 joumada I 1414 (20 octobre 1993)
relatif à la déconcentration administrative. BO n° 4227 du
03/11/1993.
▪ Décret n° 2-17-618 portant Charte Nationale de la
Déconcentration Administrative. BO n° 6740- 26 rabii II 1440 (3
janvier 2019).

P 541 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫مت حبمد اهلل وتوفيقه‬

‫‪P 542‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 53‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل ‪ 2023‬م‬

‫صدر سابقا من جملة الباحث األعداد التالية‬

‫=‬

‫رابـط تحميـل جميـع األعـداد أذنـاه‪:‬‬

‫‪P 543‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫‪https://www.allbahit.com/search/label‬‬

You might also like