Professional Documents
Culture Documents
مجلة الباحث القانونية - العدد 53 أبريل 2023 - المدير المسؤول ذ. محمد القاسمي
مجلة الباحث القانونية - العدد 53 أبريل 2023 - المدير المسؤول ذ. محمد القاسمي
م2023 من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أبــريل53 العدد
Researcher's journal
of Legal and Judicial Researches and Studies
– –
ن أُوتُوا اْلعِلْمَ
َالذِي َ
كمْ و َ (يَ ْرفَعِ اللَ ُه الَذِي َ
ن آ َمنُوا مِن ُ
خبِيرٌ)
َاللهُ بِمَا َتعْمَلُونَ َ
درَجَاتٍ و َ
َ
صدق الله العظيم
مجلة الباحث
للدراسات واألبحاث القانونية والقضائية
مسؤولا المجلة:
اللجنة العلمية:
الأعضاء من داخل المملكة المغربية:
.104
.120
ISSN
Arcif
مجلة الباحث
للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية
www.allbahit.com
تبقى كل الأراء والمواقف الواردة بالمقالات المنشورة بالمجلة ملزمة لأصحابها ولا تلزم المجلة وطاقمها
majalatlbahit2017@gmail.com word
.22
فهرسة العدد:
مقاالت وأحباث قانونية وقضائية باللغة العربية
12 17
63
36
36
97
79
111
162
163 62
179
266
212
217
266
452
472 32.15
872
505 110.14
543
554
567
533
RIZQY BASMA
166
وعادة ما تقاس قوة املجتمع بقوة نظامه التعليمي .غير أن الظروف المستجدة التي
صاحبت وباء " كوفيد "91بينت بجالء بعد الحجر الصحي قصور الوسائل التقليدية للتعليم،
حينما انتقلنا بشكل مفاجئ إلى التعليم عن بعد دون تهيئة قبلية ألطر افه ،نظرا لوجود مجموعة
من اإلكراهات وجب التعامل معها إبان هذه الفترة من خالل تخفيف االضرار واالستمرار مع
ذلك في التدريس ولو عن بعد.
وإن كانت العملية التعليمية تتغير عادة بالموازاة مع التقدم التكنولوجي والرقمي ،فإن
الرقمنة واألثمة والتطبيقات الذكية لم تعد مجرد ميزات يحظى بها أطراف هذه العملية؛ بل
غدت ضرورة في زمن الجائحة .فصارت اآلليات التعليمية تتجاوز الثوابت التقليدية لتخرج إلى
الوجود متغيرات أفرزت توجهات حديثة وأدوارا فعلية ،وأخرى محتملة للنظم الذكية .باعتماد
برامج محوسبة لخلق تطبيقات ومنصات ذكية قادرة على التأثير وبشدة على سلوك المعلم
والمتعلم على حد سواء .هذه التحوالت الرقمية الديناميكية تفرض على كل المتدخلين في
المسلسل التعليمي ،العمل على ضرورة فهم احتياجات الطالب بشكل متواصل حتى يتمكنوا
من السيطرة على احتياجاتهم من خالل فهمها واستباق وتوقع توجهاتها المستقبلية .بيد أنه إذا
كانت فئات قادرة على االستفادة من النظم الذكية بشكل فوري ،فإن فئات أخرى يتعذر عليها
ذلك نظرا لتحديات مرتبطة بثلة من األموركالتخصص واإلمكانات المادية.
وقد شكلت الجائحة محددا أساسيا لسلوك المؤسسة التعليمية إذ أضحى للتعليم بعدا
آخر لصيقا به من خالل التعليم عن بعد ،مرتبط بمفهوم السالمة؛ فارتبط كل من التعليم
والصحة بعالقة جدلية وثيقة ظهرت قوتها في مرحلة الحجرالصحي .ولما كانت هذه الصورة هي
حاضرالتعليم حاليا ،فما هي الرؤية االستشر افية لمستقبل التعليم في ظل التطورالتكنولوجي
المتواصل .وماهي األدوار والتوجهات املحتملة للذكاء االصطناعي في العملية التعليمية؟ وهل
توجد تطبيقات ذكية تكرس هذه التوجهات؟ ثم ماهي الفرص واالمكانات الحقيقية لتجاوز
اإلكراهات التي تحول دون االستفادة من النظم الذكية في هذه العملية؟
بناء على ما سبق ،فهذا الموضوع يثير عددا ال يسههان به من التساؤالت ،هدفها التكهن
حول مستقبل الذكاء االصطناعي في التعليم .وعليه ،سنحاول معالجة موضوعنا من خالل
المزاوجة بين المنهج الوصفي الذي ال غنى عنه في دراسة أي موضوع قانوني ،والمنهج التحليلي
عبر تحليل عناصر الموضوع؛ مع االستئناس ،عند الضرورة ،بالمو اقف المقارنة على أمل
الوصول إلى أجوبة وحلول لما يطرحه الموضوع من إشكاالت .وسنحاول تناول الموضوع من
خالل التطرق للذكاء االصطناعي ما بين الماهية واالنواع (املحور األول) ،ثم تأثير الذكاء
االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد 91وأدواره املحتملة (املحورالثاني).
حتى نتمكن من معرفة متغيرات العملية التعليمية بعد كوفيد 91من خالل النظم الذكية
المتمثلة في الذكاء االصطناعي بحسب موضوعنا ،سنحاول في هذا املحور الوقوف على ماهية
الذكاء االصطناعي(أوال) ،ثم الحديث باختصارعن أنواعه(ثانيا).
يعاصر عالمنا الحالي بروز ثورة معلوماتية يتربع على قمهها الذكاء االصطناعي في مختلف
ميادين الحياة اليومية ،إذ يتواجد الذكاء االصطناعي أينما ذهبنا ،ويمكن لكل منا لمس جوانبه
يوميا بدون حتى أن نفكر في ذلك أو نستشعره؛ فعندما نفتح الهاتف من خالل معرف الوجه، ً
وعندما نقوم ببرمجة المنبه ليوقظنا صباحا ،وعندما نجيب أصدقاءنا في مو اقع التواصل
االجتماعي من خالل خوارزميات هذه المو اقع ،وعندما نعقد لقاءات عائلية من خالل برمجيات
مثبتة بالهاتف أو الحاسوب ،كلها مظاهر أو أوجه للذكاء االصطناعي نستخدمها يوميا دون أن
نشير لمصطلح الذكاء االصطناعي .أيضا يعتمد األفراد اليوم على مجموعة من المساعدين
الشخصيين الذكيين مثل Alexaو Siriو .Cortanوأصبح الذكاء االصطناعي يلج ملختلف
املجاالت إذ رأينا كيف ساعدت الروبوتات األطقم الطبية في العمليات الجراحية ،وفي قياس
درجات الحرارة لمرض ى كوفيد 91 ،وفي توفير العالج لهم دون الخوف من خطر العدوى .فكانت
خير مساعد لإلنسان في معركته ضد الوباء الجديد خصوصا وأنها تعمل دون كلل1.
كل هذا يدفع للتساؤل عن دور الذكاء االصطناعي في التعليم خصوصا مع التحول
التكنولوجي والرقمنة الهائلة ملختلف مجاالت الحياة ،فالبد أن يكون للذكاء االصطناعي أثرعلى
العملية التعليمية و انعكاس على مختلف أطر افها وخصوصا األستاذ 2الذي ستمكن من خلق
محتوى تعليمي وتطوير مداركه باستعمال النظم الذكية ،والطالب الذي سيتحسن مستوى
فهمه واستيعابه للمحتويات التعليمية مع إمكانية تحليل ثلة من البيانات قد تساعد في االلمام
بعدد من الجوانب محيطة بالطلبة تكون غائبة عن المدرس أو األستاذ3.
-1محمد سالم ،هل تستطيع األنظمة الذكية تعليم نفسها بنفسها كما حدث في برنامج “إحسان من المستقبل”؟ ،منشور في0101-10-10
آخر تحديث في ،0101-01-02بموقع ،https://www.arageek.com/تاريخ الزيارة 0100-10-12على الساعة .01:01
-2سنستعمل على مدار البحث مصطلحات كاألستاد والمعلم والمدرس للداللة على الملقن ولعدم حصر الحديث عن فئة معينة دون أخرى.
-3الذكاء االصطناعي في التعليم والتعليم عن بعد :األمثلة واالستخدامات ،منشور بتاريخ 7أبريل ،0100بموقع https://blackboard-
،sa.com/تاريخ الزيارة 0100-00-12على الساعة .01:01
إن األهمية التقنية لألنظمة الذكية تظهر عمليا من خالل اعتبارها آلية يمكن بواسطهها
االحتفاظ وتخزين بشكل أكثريسرا خبرة العلماء على شكل برامج متاحة ،مع االبقاء على إمكانية
تطويرها وتحديثها كلما كان لذلك موجب .وبالتالي يهدف الذكاء االصطناعي إلى عدم إضاعة
خبرات ومعارف الخبراء البشر إما بمجرد وفاتهم ،أو بعجزهم عن العمل ،إذ يتم الحفاظ عليها
وتخزينها كبرامج محفوظة بالحاسوب يمكن استحضارها بأي وقت بل وحتى تعديلها وتطويرها
وإجراء إضافات عليها4.
عرفت نظم المعلومات في العقود األخيرة من القرن الماض ي تحوالت جذرية ومتسارعة
ومتواصلة ،عبر ظهور مجموعة من التطبيقات الجديدة والمستحدثة ألنظمة المعلومات
المصممة اعتمادا على معاييرجديدة بشكل حديث .وقد ساعد على هذا التطورعدة عوامل من
بين بينها :الثورة التقنية الهائلة في قطاع تقنيات المعلومات ،االنفتاح والتطورالمعرفي ،الفكري
والتنظيمي ،وتزايد حدة المنافسة بين المنظمات ،… ،وغيرها .كما حصلت دورة ابتكارات
جديدة في مجال الذكاء االصطناعي مع التوسع الهائل لإلنترنت والتطور الكبير للحوسبة ،مما
سمح بالوصول إلى حجم مهول من البيانات لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية .هذه اإلمكانية
الجديدة ،تسمح بتطويرتقنيات التعلم العميق لآلالت بالبدء في التفوق على أداء أفضل الخبراء
البشريين في مجاالت مثل التعرف البصري أو تحليل المستندات أو الترجمة5.
تعتبرادوات الذكاء االصطناعي ،من بين أرفع التطبيقات الحديثة ألنظمة المعلومات .هو
مجال معرفي جديد خلق كعلم من علوم الحاسوب ،ويهتم ببحث واستيعاب طبيعة الذكاء
البشري وسبل محاكاته واالقتداء به من أجل خلق جيل حديث من الحاسبات الذكية ،المبرمجة
خصيصا إلنجازمهام تحتاج لقدرة كبيرة في اإلدراك واالستنباط واالستنتاج .وهي صفات بال شك
يتمتع بها اإلنسان ،وتدخل في إطار قائمة سلوكياته الذكية ،التي كان يتعذر سابقا على اآللة أن
تكتسبها 6.وعلى حد تعبيرالبعض فذكاؤنا هو ما يجعلنا منا بشرا ،والذكاء االصطناعي هو امتداد
لهذه الخاصية7 .
-4آالن بوتييه ،الذكاء االصطناعي واقعه ومستقبله ،ترجمة علي صبري فرغلي ،سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني
للثقافة والفنون واآلداب-الكويت ،أبريل ،2335ص .3
5
-Intelligence Artificielle - État de l’art et perspectives pour la France, Rapport final, Édition : Martine
Automme, Nicole Merle-Lamoot,p 11, février 2019, publié sur https://www.entreprises.gouv.fr/, visité le
24-05-2021 à 16h23.
-6خوالد أبو بكر ،تطبيقات الذكاء االصطناعي كتوجه حديث لتعزيز تنافسية منظمات األعمال ،مؤلف جماعي ،المركز الديمقراطي العربي
للدراسات االستراتيجية والسياسية واالقتصادية برلين-المانيا ،الطبعة األولى 4023ـ ص 7
“Our intelligence is what makes us human, and AI is an extension of that quality.” (Yann Le) -7
إن عدم وجود تعريف دقيق لمفهوم الذكاء االصطناعي يجعل من الصعب تحديد
واإلحاطة بمفهومه .في سنة ،9111اقترح John Mccarthyهذا المصطلح في إطارمشروع بحث
يصف الذكاء االصطناعي كمشكلة بحث حول مدى محاكاة اآللة للتصرف بشكل ذكي ،إذا كان
اإلنسان يتصرف بذكاء .وقد عرفه ،Marvin Lee Minskyبأنه بناء برامج المعلومات التي يتم
تخصيصها لتحقيق مهام تجرى حاليا من قبل البشر بشكل مرض ،نظرا ألنها تتطلب عمليات
عقلية عالية المستوى :كالتعلم واالدراك الحس ي ،تنظيم الذاكرة والتفكير النقدي .ومن خالل
هذا التعريف يمكن تفكيك الذكاء االصطناعي إلى ما هو اصطناعي محصل عليه من خالل
روبوت أو آلة ،وما هو ذكاء ألن الهدف هو القرب أكثر من تصرفات البشر8.
فأما كلمة الذكاء ،فهو مجموعة الوظائف النفسية والفيزيولوجية التي تساهم في معرفة
وفهم طبيعة األشياء ومعنى الحقائق 9.وبالتالي يعبر عن القدرة على فهم الظروف أو الحاالت
الجديدة والمتغيرة حسب قاموس . Websterبمعنى القدرة على استيعاب وفهم وتعلم الحاالت
أو الظروف الجديدة ،بمفهوم أخر يشكل اإلدراك ،الفهم ،والتعلم مفاتيحا للذكاء.
- Pooja Damodaran, Artificial Intelligence In International Arbitration - A Myth Or Reality?, Abril 13,
2020, Published On http://www.vyablog.com/, Visited The 11-01-2021, At 10h26.
Tiffany Joris, L’impact De L’intelligence Artificielle Sur L’arbitrage Et Sa Procédure, Travail De Fin -8
D’études Master En Droit A Finalité Spécialisée En Droit Des Affaires, Université Liège Droit, Science
Politique Et Criminologie, Année Académique 2019-2020, Page 14.
Boris Barraud, L'intelligence de l'intelligence artificielle, L’intelligence artificielle –Dans toutes ses -9
dimensions, L’Harmattan, 2019. hal-02327501v3, p 16, publié sur https://hal.archives-ouvertes.fr/,
visiter le 11-12-2021 à 14h03.
Boris Barraud, L'intelligence de l'intelligence artificielle, L’intelligence artificielle –Dans toutes ses -10
, op-cité.1dimensions, L’Harmattan, 2019. hal-02327501v3, p 1
-11أمينة عثامنية ،المفاهيم األساسية للذكاء االصطناعي ،تطبيقات الذكاء االصطناعي كتوجه حديث لتعزيز تنافسية منظمات األعمال،
مؤلف جماعي ،المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية والسياسية واالقتصادية برلين -المانيا ،الطبعة األولى 4023ـ ص .22
« Ensemble de théories et de techniques mises en œuvre en vue de réaliser des machines capables de -12
» simuler l'intelligence humaine.
ويرى البعض بأنه مجموعة من التقنيات اآللية الهادفة إلى محاكاة أو تقليد الذكاء
البشري ،في الممارسة العملية يتم التعامل مع وظائف معزولة لهذا الذكاء تتجاوزقدرات البشر.
فاملجاالت التي تتجاوزنا فيها اآلالت هي الذاكرة والعمليات الحسابية 13.ومن بين أهم التعريفات
المقدمة في شأن الذكاء االصطناعي نجد أنه:
-عند Bellmanهو " أتمتة النشاطات المتعلقة بالتفكير البشري مثل صنع القرار ،حل
المشاكل ،التعلم ،...،الخ".
-عند Winstonهو "دراسة الحاسبات التي تجعل عمليات اإلدراك ،التفكير ،التصرف
ممكنة"
-عند Rich and Knightهو "دراسة كيفية جعل الحواسب تقوم بأعمال يقوم بها
اإلنسان حاليا بشكل أفضل"
-عند ،Luger and Stubblefieldهو "فرع علوم الحاسوب المهتم بأتمتة السلوك
اإلنساني"
وقد عرفه Dan.W.Pattersonبأنه فرع من فروع علم الحاسبات المهتم بدراسة و إنشاء
منظومات حاسوبية تظهربعض أشكال الذكاء ،بشكل تصبح معه هذه المنظومات ليست فقط
قادرة على القيام باستنتاجات نافعة جدا بخصوص المشكلة موضوع الدراسة ،بل أيضا قادرة
على فهم اللغات الطبيعية واإلدراك واالستيعاب الحي وغيرها من اإلمكانيات التي تحاكي
امكانيات اإلنسان14.
كما عرفة Andreas Kaplanو Haenlein Michaelبأنه تمكن نظام معين من تحليل
بيانات واستخراج قواعد معرفية حديثة منها ،واستخدام هذه القواعد بعد تكييفها لتحقيق
أهداف ومهام جديدة .ويمكن تعريف الذكاء االصطناعي بانه عبارة عن سلوكا وخصائص معينة
تتصف بها برامج الحاسوب ،تجعلها تقلد وتحاكي اإلمكانات الذهنية البشرية وكيفية عملها.
وتشكل القدرة على التعلم والتحليل واالستنتاج والتفاعل و إبداء رد الفعل على أوضاع
لم تبرمج في اآللة ،من أهم خاصيات الذكاء االصطناعي15.
وعليه يكون الذكاء االصطناعي عبارة عن تقنية قادرة على تحقيق نتائج تشبه النتائج التي
ً
يتوصل إليها الدماغ البشري ،يتعلق االمربأداة معلوماتية تؤدي أعماال أو مهاما كانت حتى وقت
قريب حكرا على الكائنات الحية .وتعتمد هذه األداة خصوصا على الخوارزميات ،أي سلسلة
الصيغ الرياضية والمعالجة اإلحصائية .تعمل مع "المدخالت"
(وتسمى البيانات األولية) وتؤدي إلى "املخرجات" (وتسمى النتائج) باتباع خطوات
مختلفة ،تتطلب عمليات حسابية او منطقية أو مقارنات أو تشبيهات .وحسب البعض ،ال يسعى
الذكاء االصطناعي إلى محاكاة كيفية عمل الذكاء البيولوجي ولكن يسعى إلى محاكاة النتائج التي
يحققها فقط .ألن طموح الباحثين في هذا املجال لم يكن ولن يكون أبدا هو تصنيع أدمغة
تكنولوجية تقترب قدر اإلمكان من األدمغة الطبيعية والوعي والفكر البشريين؛ و إنما طموحهم
هو فقط تصميم أدوات تكنولوجيا المعلومات القادرة على إنتاج النتائج األكثر صلة ،بشكل
-15خديجة لطفي ،كيف يستطيع الذكاء االصطناعي التأثير على التعليم ؟ ،منشور بتاريخ ،0102-10-00بموقع https://www.new-
،educ.com/تاريخ الزيارة 0100-00-00على الساعة .00:07
(-16المعهد القومي للبحوث في علوم الحاسب اآللي واألثمتة).
Michèle Drechsler, L’intelligence artificielle dans l’éducation : Enjeux, défis pour l'enseignement et -17
l'apprentissage, publié le 23-06-2021, sur https://ia4marketing.fr/, visité le 04-12-2021 à 17 :23.
18
Définition de l’Inria L'Institut national de recherche en informatique et en automatique
.Dans le livre blanc, “Éducation et Numérique : enjeux et défis” (Giraudon et al. 2020, p.32), de l’Inria
-Michèle Drechsler, op-cité.
19
-Michèle Drechsler, op-cité.
رئيس ي من خالل معالجة البيانات اإلحصائية 20.وإن كانت التعاريف التي أعطيت للذكاء
االصطناعي قد تعددت ،فالباحثون كل بحسب وجهة نظره يعطي تعريفا له والذي قد يختلف
مع تعريف باحث أخر ،لسبب بسيط أن الذكاء االصطناعي بما أنه يقلد ويحاكي الذكاء البشري،
وأن هؤالء الباحثين مختلفين في األصل في تعريف الذكاء البشري نفسه الذي يكتنفه عدم الدقة
والوضوح ،فمن الطبيعي ومن غير المستغرب أن يختلفوا حول ماهية الذكاء االصطناعي21.
وبشكل عام الذكاء االصطناعي هو تمكن اآلالت والحواسيب الرقمية من القيام بمهام
ّ
الذكية؛ كالقدرة على التفكيرأو التعلم من محددة ،تماثل وتحاكي المهام التي تقوم بها الكائنات
التجارب السابقة أو القدرة على اكتساب الخبرات واالستنتاج وغيرها من العمليات األخرى .كما
يهدف الذكاء االصطناعي لبلوغ خلق بيئة من األنظمة متمتعة بذكاء معين ،قادرة على التصرف
على شاكلة النمط الذي يتصرف به البشر ،من خالل اكتساب مهارات التعلم والفهم
واالستيعاب والتفاعل والتأقلم...إلخ .بحيث تصبح هذه األنظمة الذكية قادرة على تقديم
خدمات مختلفة لمستخدميها بحسب مجاالت عملها وحاجات هؤالء.
إن البحث في هذا املجال يوصل ملجموعة كبيرة من التعاريف التي تتفق جلها تقريبا حول
جعل الذكاء البشري مرجعا للذكاء االصطناعي ،مادام الهدف األساس ي من هذا األخيرهومحاكاة
وتقليد الذكاء البشري ،وإعادة انتاج اإلدراك ورد الفعل البشريين ولم ال تجاوزهما في العالم
الحقيقي .ال شك أن تعامل المعلم والمتعلم مع أو عن طريق الروبوتات يسبب مخاوف كبيرة.
مما يدفع للتساؤل حول مدى قدرة اآللة أو الحواسب على اتخاذ قرارات أفضل من البشرمادام
الذكاء االصطناعي يرتكز باألساس على نظام معلوماتي محوسب قادر على تقليد الوظائف
المعرفية؟
بعد التطرق لثلة من التعاريف التي تناولت مفهوم الدكاء االصطناعي ،البد من أن نتناول
أنواعه حتى يتسنى لنا معرفة أي من هذه األنواع سيكون خادما بفعالية للعملية التعليمية.
Boris Barraud, L'intelligence de l'intelligence artificielle, L’intelligence artificielle –Dans toutes ses -20
dimensions, L’Harmattan, 2019. hal-02327501v3, p 17-18, op-cité.
-21أمينة عثامنية ،م س ،ص .22
يجب التمييز بين نوعين من الذكاء االصطناعي :الذكاء االصطناعي الناعم والذكاء
االصطناعي الصلب .الذكاء االصطناعي الناعم هو ما نعرفه اليوم :التعلم اآللي ،والتعرف على
الصور ،والبيانات الضخمة ،وما إلى ذلك .والذكاء االصطناعي الصعب هو ما نراه في األفالم مثل
الروبوتات واآلالت التي تفكروحدها.
صراحة ال توجد بعد أنظمة الذكاء االصطناعي الصعبة ،ونحن بعيدون جدا عنها! فالذكاء
االصطناعي العام يسمح بتجميع معارف واستعمالها من أجل حل مختلف أنواع المشاكل
والمواضيع .بمعنى أنه يمكن أن يساعدنا في حل إشكاليات معقدة ،ويحتاج بالضرورة إلى تملك
بعض المعارف والمدارك األعقد ،وصراحة لم نصل بعد لهذه المرحلة من الذكاء االصطناعي
في الوقت الراهن.
حاليا نبحث بشكل أساس ي في الذكاء االصطناعي الضيق أواملحدود النطاق؛ بمعنى الذكاء
المناسب لمهام محددة مثل القيام بتحليل نص أو تحليل سالمة عادات القيادة وغيرها من
األمثلة ،وهذا الذكاء ال يمكن لآللة تعلمه من تلقاء نفسها بل يجب أن تتم برمجهها من أجل أن
تقوم بتعلمه22.
حاليا أنظمة الذكاء االصطناعي الوحيدة الموجودة هي األنظمة اللينة .التي تقوم بتعليم
اآلالت أشياء ثم تقوم هذه اآلالت بالتكرار وتحسين ما تم تعلمه .وإذا كان الذكاء االصطناعي
يؤدي المهام التي تتطلب قوة حسابية كبيرة ،إال انه ال يقررالقيام بذلك بمفرده .هذا ال يعني أنه
ليس خطيرا .والخطرال يكمن في أن البشرسوف يستعبدون بواسطة اآلالت ،ولكن التخوف يأتي
من األشخاص الذين يتحكمون في تلك اآلالت .ما يثير القلق ليس الذكاء االصطناعي الناعم
بمفرده ألنه يمكن أن يكون مفيدا للغاية ،ولكنه يتحكم في الوصول إلى البيانات الشخصية
والمعلومات واألدوات ونتائج هذه الخوارزميات .إذا كان بإمكاني التقاط البيانات الشخصية
لألفراد وم عالجة تلك المعلومات باستخدام خوارزميات الذكاء االصطناعي الناعمة ،فيمكنني
التنبؤ بكيفية تصرف هؤالء ويمكن أن يؤدي ذلك إلى فتح الباب أمام التالعبات على مستويات
أكبر و أكبر23.
يحاول الذكاء االصطناعي إعادة إنتاج الفئات الرئيسية الثالث للمهام المعرفية :إدراك
البيئة ،وفهم الموقف ،و اتخاذ القرار .لقد أتاح تطوير رؤية الحاسوب أو تقنيات المعالجة
التلقائية للغة ( )NLPبالفعل ،تحقيق مستوى رائع من النضج في اإلدراك وبعض النجاحات
المثيرة لالهتمام لمهام الفهم؛ مثل الترجمة اآللية والنجاح والغالبية العظمى من الفهم و اتخاذ
القرار ،وال تزال المهام التي يؤديها البشربعيدة عن متناول أنظمة الذكاء االصطناعي الراهنة.
حاليا ،يعتمد أداء الذكاء االصطناعي على تو افر عدد كبير من األحداث وقوة حاسوبية
ً
كبيرة للتعلم .من جانبه ،غالبا ما يتعلم الدماغ البشري موقفا مع أمثلة قليلة جدا وبقدرة ممتازة
على التعميم على مو اقف أخرى .هذه القدرة على التعميم من أحداث قليلة تبرز متانة نموذج
التعلم البشري ،وقدرته على توفير استجابات مستقرة على الرغم من األحداث الطفيلية .وهذا
يتو افق مع مفهوم الخبرة عند البشر24.
بعد التطرق لبسط مفهوم الذكاء االصطناعي وسرد مجموعة من التعاريف وتقسيمه
ألنواع رئيسية سنحاول أن نتطرق في املحورالموالي لبعض التطبيقات واالدواراملحتملة التي تهم
أطراف العالقة التعليمية من خالل محاولة فهم مدى استيعاب مجال التعليم-خصوصا بعد
الجائحة-ألنظمة الذكاء االصطناعي من خالل عدد من النقاط.
املحور الثاني :تأثير الذكاء االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد 91وأدواره
املحتملة
ال يمكن ألحد إنكار المكانة المهمة التي أصبح يحظى بها الذكاء االصطناعي في مختلف
الميادين ،وبالنسبة للتعليم فقد اكتسحت النظم الذكية هذا املجال مع طهور تطبيقات
ومنصات واليات مخصصة للمتعلمين وللمعلمين ،والهدف بطبيعة الحال هو تحسين أو تجويد
العملية التعليمية مع جعلها أكثر فعالية و إنصافا 25.غير أن جائحة كوفيد 91فرضت اللجوء
إلى النظم الذكية واالستعانة بها في العملية التعليمية بعد أن أبان النظام التعليمي التقليدي
الحضوري ،والمقررات الدراسية الورقية عن نخلفها عن مواجهة ضرورات الجائحة ،فكان
لزاما علينا االنتقال من الثوابت إلى متغيرات تعتمد التطور التكنلوجي كقنطرة للوصول إلى
المتعلمين أو الطالب أينما كانوا في مرحلة الحجرالصحي وما تلهها .وعليه سنتناول في هذا املحور
24
-Intelligence Artificielle - État de l’art et perspectives pour la France, op-cité, p 11.
Michèle Drechsler, op-cité.-25
تأثير الذكاء االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد (91أوال) ،ثم أدواره املحتملة في هذه
العملية(ثانيا).
ال يحفى على أحد تأثيرودوالتكنولوجيا في العملية التعليمية خصوصا بعد الجائحة ،لكن
إذا كان اعتماد النظم الذكية في التعليم وجعله تعليما افتراضيا عن بعد قد تمكن من مواكبته
طلبة ذوي التخصصات العلمية المشابهة وأساتذتهم فإن طلبة االستقطاب المفتوح خارج
التخصص ،وجزء كبيرمن المعلمين واألساتذة وجدوا صعوبة في اعتماد التعليم االفتراض ي عن
بعد ،مما أبان عن الحاجة إلى تكوينات في مجال المعلوميات ،حتى يستطيع كل من يجد نفسه
بحاجة ماسة لتعلم التقنيات التكنولوجية أن يوفر لنفسه تدريبات ستساعده على التكيف
وبسرعة مع األوضاع الراهنة.
ولما فرض التعليم عن بعد نفسه بعد كوفيد ،91فإنه طرح ليس فقط معيقات متعلقة
بالجاهزية التقنية والتكوينية ألطراف العملية التعليمية ،بل طرح أيضا معيقات مادية حالت
وال زالت تحول بين الطلبة وبين التعليم عن بعد لعدم توفرهم على اإلمكانات المادية الضرورية
من أجهزة كومبيوتر أو هواتف أو لوحات ذكية تمكنهم من تتبع الدروس عن بعد ،ناهيك عن
مشكل مادي آخرمرتبط بصبيب االنترنيت؛ إذ توجد فئة من الطلبة ال تتوفرعلى إمكانات مادية
للحصول على صبيب انترنيت ،وحتى إن حصلت على الصبيب فإن مقر سكناهم يحول بينهم
وبين التعلم عن بعد بسبب وجودهم بمناطق ال توجد بها أية تغطية.
عادة ما يركز المعلم في التعليم التقليدي على نتائج وعالمات الطالب ،أما حاليا أصبح
بإمكان أنظمة الذكاء االصطناعي التعمق أكثر ،قصد معرفة عدد من التفاصيل المهمة ،كمكان
عيش الطالب ،وبيئته وظروفه ومصاعبه التي سوف تؤثر بدون شك على تحصيله العام .كما
تستطيع األنظمة الذكية تحديد مشاكل الطالب وتجليات القصور بدقة ،هل تعود للمفهوم
العام للسؤال ذاته ،أم ترجع لقلة تركيزه ،أم للطريقة التي يقدم بها المدرس معلوماته ،وأسلوبه
في التدريس26.
إن التحول العالمي السريع من التعليم التقليدي إلى التعليم عن بعد الممكن رقميا،
وضع التعليم في مفترق الطرق وأصبح البد من االختياربين أمرين :إما المض ي قدما نحو تقنيات
الذكاء االصطناعي والروبوتات وتعلم اآللة...وغيرها ،وإما العودة إلى الطرق التقليدية
والقديمة 27.الركون إلى الحل الثاني لم يعد ممكنا بالنظرإلى التطورالذي عرفه الوباء الذي أدى
إلى وجود متحورات أخرى من قبيل ألفا ،بيتا ،غاما ،دلتا ،أومكرون ،وهي كافية للجزم بأن النمط
التقليدي في التعليم لم يعد مستساغا بالنظر إلى الوضعية الوبائية المقلقة ،ومادام التعليم
أصبح مقترنا أكثر من قبل بضرورة الحفاظ على السالمة الجسدية ألطراف العملية التعليمية
فهذا يعني ضرورة االستعداد والتأهب لكل طارئ قد يطرأ فيما بعد .وبالتالي يكون التعليم
باستعمال تكنولوجيا النظم الذكية أكثرأمانا وأكثرمالئمة للوضعية التي يعيشها العالم اليوم.
المالحظ اليوم أن العملية التعليمية تعرف تنوعا ما بين التعليم الحضوري باعتماد
الوسائط االلكترونية والتعليم عن بعد ،وظهرت مصطلحات أخرى من قبيل التعليم االلكتروني
والتعليم الرقمي والتعليم اإلفتراض ي ،وكلها تصب في نفس المنحى وإن لم يكن لها نفس المعنى
الحرفي .فقد أدى استخدام الشبكة العنكبوتية إلى بروز مصطلحات مثل :عالم بال أوراق،
جامعات بال أسوار ،جامعات افتراضية ،جامعات الكترونية ،الفصول الذكية ،وأصبحت
المصطلحات تتشابه لحد يجعل الباحث في حيرة من امره أيهما أفضل في التعبير عن فكرته.
وبخصوص مصطلح التعليم عن بعد والتعليم اإللكتروني ،فإن كانا يستعمالن كمرادفات فإن
التعليم عن بعد في جوهره يشتمل على دالالت غيرالكترونية ألنه كان عبرالمراسلة الورقية وعبر
كل أشكال التواصل غيرااللكتروني قبل اكتشاف األنترنيت وقبل اختراع الحاسوب ...وغيرها .أما
التعليم اإللكتروني فهو نمط من التعليم عن بعد في أعلى مراحل تطوره ،ويمكن تصور التعليم
اإللكتروني بشكل مباشروعن قرب كذلك ،لذلك يمكن القول بأن التعليم االفتراض ي بطريقة ما
هو شكل من التعليم االلكتروني28.
ويكاد يتطابق التعليم االفتراض ي والتعليم الرقمي مع التعليم االلكتروني ،بمعنى أن
الرقمنة واالفتراضية وااللكترونية نشأت في عصر الثورة الصناعية ،وتتحرك في فضاء واحد
وبالتالي فهي تشير إلى شكل واحد من التعليم بداللة واحدة .وال شك أن تنوع المصطلحات التي
تعني مدلول واحد ،يعبرعلى غنى المعرفة وخصوبهها .غيرأنه مع ذلك نلمس بعض التباين بينها؛
فاالفتراض ي يقوم على الرقمي وااللكتروني غير أنه يركز على عالم معاش افتراضيا بصفته ظال
للو اقع أو عالما بديال ،أما الرقمي فيعتمد على معادلة الكترونية مشمولة بمعيار الرقمية
المعروفة بلغة الصفروالواحد .ويسمى رقميا كل ما يستدعي أنظمة الكترونية مبنية على وظائف
منطقية يتم فيها اختزال االعتبارات الحسابية29.والتعليم الرقمي هو شكل تعليمي مبتكر
يستعمل األدوات واآلليات الرقمية في عملية التعليم وتسمى بطريقة التدريس بمساعدة
التكنولوجيا 30.أما التعليم االلكتروني حسب البعض فهو استعمال اآلليات االلكترونية التي
ترمي إلى التواصل بين كل من المعلم والمتعلم 31.ومنه يمكن القول حسب البعض ،بأن هذه
التعريفات تجعل من التعليم االفتراض ي والرقمي واإللكتروني وكأنها ثالث وجوه لحقيقة واحدة
ألنها تصب في مسار واحد32.
بعد البحث في تأثير الذكاء االصطناعي في العملية التعليمية بعد كوفيد ،91ال بد أن
نتطرق في النقطة الموالية لبعض األدواراملحتملة للذكاء االصطناعي في هذه العملية التعليمية
من خالل مجموعة من التطبيقات.
إن المرحلة الصعبة التي مرت منها بلدان العالم ومنها المغرب بعد جائحة كوفيد ،91
أبانت بجالء عن الحاجة الماسة لتطويراملجال التكنولوجي بنظمه الذكية ،حتى يستطيع مد يد
العون وتبسيط وتسهيل األمورفي مختلف املجاالت ،وما التدريس سوى مجال من املجاالت التي
تأثرت بهذه الجائحة وخصوصا بعد فرض الحجر الصحي واالنتقال من التعليم الحضوري
التقليدي إلى التعليم االفتراض ي عن بعد .وما الذكاء االصطناعي سوى وسيلة لتبسيط مهام
المدرس والرفع من مستوى املحتوى التعليمي ،ووسيلة للتصدي ملختلف التحديات التي
سيعرفها العالم خصوصا وأن الجائحة ال تزال مستمرة بمختلف متحوراتها التي تظهر تباعا
وتخلف عر اقيل على مختلف المستويات.
هناك عدد من األدوارالتي يمكن للذكاء االصطناعي أن يلعبها في مؤسسات المستقبل غير
البعيد ،وفيما يلي سنحاول عرض بعض األدوار املحتملة التي من الممكن أن يلعبها الذكاء
االصطناعي؛ كنظام ذكي قادر على إعادة رسم حدود ومعالم العملية التعليمية وفق المتغيرات
التي من الممكن أن تفرض في المستقبل القريب -مع أن بعض التغييرات موجودة بالفعل حاليا-
،كالتالي:
قبل الحديث عن أتمتة التقييم البد من التمييزما بين األتمتة والذكاء االصطناعي ،تعتمد
األتمتة على القواعد التي تحددها البرمجة ،بمعنى أن اآللة تتبع المتسلسالت المنطقية املحددة
سلفا ،بمعنى أن الرمز Aيفض ي منطقيا إلى الرمز Bوهكذا .بمعنى آخر فاألتمتة هي فن جعل
األشياء تتم بشكل أوتوماتيكي تلقائي بمجرد وجود متسلسالت منطقية محددة مسبقا .أما
الذكاء االصطناعي فهو نظام برمجي يمكن من خالله تعليم اآللة لتستنتج بنفسها وتكون قادرة
على إدراك ما يجب فعله وما يجب تجنبه ،والتشفير بهذا النظام الذكي ال يكون صريحا بحيث
يسمج لآللة بنوع معين من المناورة35.
ً
تشكل التقييمات عمال مضجرا ومتكررا للمعلمين .فهي تستغرق وقتا طويال يمكن
استخدامه بشكل أفضل للقيام بأعمال أخرى كالتفاعل مع الطالب ،أو تحضير محتوى دراس ي
معين أوإكمال تدريبهم...إلخ 36.وعلى الرغم من أن النظام المدعوم بالذكاء االصطناعي ال يعوض
التصنيف البشري ،إال أنه يقترب من ذلك ،إذ يمكن أن تستفيد جميع اختبارات االختيار
المتعدد QCMمن الدرجات التلقائية المؤتمتة .في هذا السياق توجد بالفعل العديد من
التطبيقات مثل Socrativeو eClickerالتي تسمح لك بإنشاء أسئلة متعددة االختيارات والتي
يتم تصحيحها تلقائيا .كما تقدم غالبية منصات التعلم مثل Didactiو Moodleو Khan
Academyو Netmathsأسئلة التصحيح الذاتي أو أدوات إلنشاء أسئلة قابلة للتصحيح
الذاتي .وتنبغي اإلشارة إلى أنه في المستقبل القريب سوف تتمكن األدوات باستعمال النظم
الذكية من تصحيح اإلجابات القصيرة وحتى اإلجابات عن األسئلة المقالية .بمعنى ان تقليل
وقت التصحيح يعني مزيدا من الوقت لدعم الطالب ولصالحهم37.
هذه التكنولوجيا موجودة بالفعل على المنصة األمريكية .Khan Academyحيث يجيب
الطالب على أسئلة التصحيح الذاتي المتعلقة بالموضوع ،وفي حالة الصعوبة يرسل له النظام
الذكي أسئلة أخرى أو شروحات أخرى لمساعدته .هذا يعني أن التعلم الفردي يمكن أن يصبح
أسهل بكثير باستخدام أدوات من هذا الصنف 38.يمكن أن يكون هذا النوع من التعليم
الشخص ي حال لمساعدة التالميذ من مختلف المستويات على العمل في نفس الفصل بعد ذلك
من خالل تسهيل حصول الطلبة على المساعدة والدعم وإضفاء الطابع الفردي39.
Terry Heick, 10 Roles For Artificial Intelligence In Education, published on -36
https://www.teachthought.com/, visited the 14-12-2021 at 15 :21.
37
-Sébastien Wart, 5 rôles possibles de l’intelligence artificielle en éducation , Publié le :14 février 2014,
Modifié le : 23 juin 2016, publié sur https://ecolebranchee.com/, visité le 05-12-2021 à 10 :15.
38
-Sébastien Wart, op-cité.
39
Terry Heick, document already mentioned.
جميع التالميذ يقومون ببناء نفس األساس المفاهيمي 40.إن تصور أداة تعليمية تجعل من
الممكن تنظيم وتركيب الدروس و أيضا تقديم اقتراحات لتحسين املحتوى التعليمي تبعا لنجاح
أو لصعوبات يمكن للطالب الذين يتابعونها من مواجههها ،ليس خياال علميا ألن منصة
courseraطبقت ووضعت بالفعل نظام من هذا القبيل41.
في نفس السياق ،قامت مجموعة من الشركات والمنصات الرقمية بإنشاء محتوى ذكي،
بواسطة تحويل المصنفات التعليمية التقليدية إلى كتب ذكية وواجهات تعلم رقمية قابلة
للتخصيص على جميع المستويات.واستحدثت شركة - Content Technologies Inc.التي
تعمل على تطويرالذكاء االصطناعي وتصميم التعليم الذكي-عددا من خدمات املحتوى التعليمي
الذكي .فمثال خدمة ،Cram101تستعمل آليات ذكية اصطناعيا لنشر محتوى المقررات
الدراسية من خالل دليل الدراسة الذكي الذي يشمل تالخيص الفصول ونماذج من االمتحانات.
كما تمتلك JustTheFacts101غرض مماثل وإن كان أكثربساطة حيث يتم إبرازملخصات نصية
محددة لكل فصل ،ويتم أرشفهها بعد ذلك إلى مجموعة رقمية و إتاحهها على موقع أمازون.
إذا كان من الواضح أنه ال يزال من المستحيل استبدال المعلمين البشريين تماما ،فإن
المستقبل قد يشهد شيئا فشيئا على أن الطالب سيتمكنون من الحصول على المساعدة من
المعلم الروبوت 43.من جهة ،يظهر أن القيمة البشرية للمدرس ستبقى بعيدة كل البعد عن
الخالف واستبدالها بنظام مؤتمت بالكامل لن يكون قريبا .ومن جهة أخرى ،نلمس بالفعل وجود
40
letroisg, 10 rôles pour l’intelligence artificielle dans l’éducation, 13 fev, publié sur https://letroisg.fr/,
visité le 14-12-2021 à 17 :10.
41
-Sébastien Wart, op-cité.
-42فريق درويدي ،أمثلة على تطبيقات الذكاء االصطناعي في التعليم ،أغسطس ،0101 ,1منشور بموقع
،/https://www.droidy.netتاريخ الزيارة 0100-00-02على الساعة .02:00
43
letroisg, op-cité.
بعض برامج التدريس المستندة إلى الذكاء االصطناعي والتي يمكن أن تساعد الطالب .فقد تم
إجراء بعض التطورات في الرياضيات ،حيث يمكن أن ير افق الطالب نوع من الولي أو المدرس
ي من أجل توجيهه الكتساب المفاهيم األساسية44. االفتراض
لم يعد الذكاء االصطناعي حكرا على فئة معينة من املجتمع بل بات الجميع يتعامل مع
الذكاء االصطناعي بشكل يومي؛ ألنه صار يتدخل في مختلف ميادين الحياة اليومية .ولم تسلم
العملية التعليمية من هذا االجتياح التكنولوجي السريع ،الذي خلق قفزة نوعية في طريقة
التعامل مع تقنيات الذكاء االصطناعي ،لدرجة أصبح معها يسود التخوف من حلول النظم
المدعومة بالذكاء االصطناعي محل المدرس ،واستبدال املحتويات التعليمية التقليدية
باملحتويات التعليمية الرقمية .وهو ما سوف يقودنا للتطرق إلى فرضيات استعمال تكنولوجيا
النظم الذكية في التعليم وتأثيرها على األستاذ كعضو رئيس ي في العملية التعليمية .إذ سيؤدي
استعمال الذكاء االصطناعي إما إلى استبدال األستاذ بنظم الذكاء االصطناعي ،أو الجمع بين
األستاذ والنظم المدعومة بالذكاء االصطناعي ،أو كون هذه النظم داعمة له فقط لتسهيل
العملية التعليمية.
بالنسبة للفرضية األولى المتعلقة باستبدال األستاذ بنظام يدعم الذكاء االصطناعي
كأستاذ روبوت ،نتساءل هل فصل الغد يمكن أن يقوم به روبوت في وقت تكون المؤسسة
التعليمية تعاني من نقص أطرالتدريس وخصوصا مع التطورالمهول للذكاء االصطناعي؟
جوابا على هذا السؤال ،يمكن القول بأن تجربة الروبوت بالمؤسسة التعليمية سبق
خوض غمارها بعدد من المؤسسات التعليمية .غير أن البعض 45يرى بأن الروبوت ال يمكنه
تعويض األستاذ أبدا ،ولكنه يمكنه بالمقابل أن يكون مساعدا أو رفيقا جيدا له .فالوجه
المستديروالمبتسم وملكة الحديث يجعل الروبوتات PEPPERو NAOيجذبان انتباه الطالب،
وقد تمت دراسة تصميم مظهرهم لهذا الغرض بشكل أساس ي ،حتى يتم قبولهم بسهولة وسرعة
من قبل محيطهم ،ألنه كلما كان الروبوت شبيها باإلنسان كلما زادت فرص رفضه من قبله ،فتم
االحتفاظ لهم بالعينين واليدين لتسهيل التواصل والتفاعل معهما46.
44
-Sébastien Wart, op-cité.
Jean-Luc Metaireau-45
46
-Nicolas Cailleaud, EDUCATION : LES ROBOTS REMPLACERONT-ILS LES PROFS ?, Mis à jour le
22/05/2019 à 09:45, Publié le 21/05/2019 à 18:13, publié sur https://www.cnews.fr/, visité le 13-11-
2021 à 15 :21.
والجدير بالذكر أن بعض البلدان تستغل الروبوتات في مشاريع طموحة فمثال PEPPER
سوف يبدأ اختبار مع الطلبة بمفرده من خالل طرح أسئلة برمجها المعلم ،ويمكن للطالب
اإلجابة عنها من خالل تطبيق مثبت بهواتفهم الذكية ،مما سيسمح للمعلم في الوقت الفعلي من
معرفة إن كان الفصل برمته في نفس المستوى مقارنة بالدرس السابق47.
في نفس السياق نستحضر الروبوت Lexiالذي يقوم بتحية طلبة جامعة Saint-Gall
بهيئته البشرية قبل بدأ الحصة ،وقد بدأت األستاذة باستعمال الروبوت Lexiألول مرة سنة
2191على سبيل التجربة ،وهو روبوت مزود بالذكاء االصطناعي وقادر على آداء مهام ثانوية
بسيطة .أما Thymioفال يبدو بشريا باستثناء قدرته على التعلم .وبالتالي تقود الروبوتات مثل
Thymioو Lexiالتحول الرقمي الذي يحدث حاليا في الجامعات والفصول الدراسية بسوسرا.
وتدعم العديد من المؤسسات هذا التحول التكنولوجي بسبب الجائحة ،خصوصا و أنه يمكن
استعمال الروبوتات NAOمن منظور آخر ،إذ يمكنها تعويض األطفال المرض ى والسماح لهم
بالتفاعل مع الفصل الدراس ي 48.وهي إمكانية مهمة جدا خصوصا مع ما تفرضه الجائحة من
تباعد جسدي ومن حجر صحي على الطلبة المصابين بهذا المرض .وبعيدا عن الجائحة فإن
استعمال الروبوتات مكن طالب يعانون من طيف التوحد من الحصول على نتائج مبهرة ،إذ
أصبحوا أقل توترا مع تحسن قدراتهم ،خاصة المرتبطة بالتعلم والتواصل .إن استعمال
الروبوت هنا لم يكن كرفيق ،و إنما كامتداد صناعي يسمح للطالب المصابين بهذا المرض من
مواجهة العالم وفهمه بشكل أفضل ،إذ يتحدث الروبوت نيابة عنهم مما يساعدهم على الخروج
من عزلههم والتواصل والتعبير عن مشاعرهم49.
لذا يمكن القول بأنه إن أمكن تصور الجمع بين األستاذ والنظم المدعومة بالذكاء
االصطناعي ،وتصور أن يكون هذا النظام داعما لألستاذ لتسهيل عمله ،ألنه في الحالتين يكون
مر افقا باألستاذ الذي يتحكم بزمام األمور؛ فإنه يصعب تصوراستبدال األستاذ بالروبوت ،ألن
الروبوتات لن تحل محل األستاذ .ورغم كون الروبوتات التعليمية قد يكون لها تأثير معين
خصوصا كونها مصدرا للمعلومات ،إال أنها ال يمكنها أن تقوم مقام المدرسين الذين لهم إسهام
فعلي في التطوير التعليمي للطالب ذوي االحتياجات الخاصة .وعلى الرغم من كون الروبوتات
تتمتع بذكاء اصطناعي إال انها تبقى مع ذلك خالية من الحافزواإللهام والقدرات التعليمية ،هذه
الروبوتات ال تأخذ بعين االعتبار ال التعلم االجتماعي العاطفي وال البعد اإلنساني وال التفاعل
الشخص ي .فقد يحرفون عملية تعليم الطالب ويعرقلون عمليات التدريس ويخلقون عبء عمل
إضافي للمدرس .في حين يلعب هذا األخير دورا رائدا من حيث اإلدماج والعدالة االجتماعية من
أجل عالم أفضل50.
إن قدرة الذكاء االصطناعي على خلق تغيير جذري تقريبا في أي ش يء يبدو أنه من
المسلمات على مستوى التعليم ،يدفع للقول بأن العقود القادمة ستحمل تغييرات هائلة.
فباستخدام أنظمة الذكاء االصطناعي والبرمجيات الداعمة له ،يمكن للطالب التعلم في أي
مكان في العالم وفي أي وقت ،والنتيجة أنه في غضون العقود القادمة ،يمكن أن يكون لدينا نظرة
مغايرة كثيرا عن التعليم 51.فكلما كانت األنظمة المعلوماتية الذكية أفضل ،كلما أمكن القيام
بالعملية التعلمية خارج الفصل الدراس ي .وسيبقى المعلم دائما يشكل مرشدا لمساعدة
الطالب على تطوير اآلراء والتحقق من صحة المعلومات لديه .وبالمقابل فإن هذا النوع من
التدريس ،لن يكون فيه المعلم قادرا على الوقوف أمام فصل من الطالب السلبيين 52،بل يحتاج
حركية ونشاط الطالب في الفصل االفتراض ي ،بشكل يجعلهم قادرين على المناقشة والتحليل
وتبادل المعارف .هنا يمكن الحديث ليس فقط عن الدروس الرئيسية ولكن أيضا عن األشغال
التوجيهية واألشغال التطبيقية .ونذكر في هذا اإلطار بإحدى التجارب السباقة في هذا املجال،
وهي تجربة املختبر عن بعد " " télé laboratoireالموجودة بالكلية المتعددة التخصصات
بخريبكة إذ تم افتتاح املختبر األورومغاربي لألشغال التطبيقية سنة ،2193وهي تجربة تمكن
طالب الكلية من إجراء أشغالهم التطبيقية بدولة أخرى من مكانهم بحجرة الدرس 53.وإذا ما
أمكن تصور المسألة ،فيمكن القياس على ذلك لتصور أشغال توجيهية أو تطبيقية لطلبة
Comité Sydical Européen De L’education, les robots ne remplaceront jamais les enseignant(e)s, -50
01mars 2018, publié sur https://www.csee-etuce.org/, visité le 11-12-2021 à 11h09.
51
-letroisg, op-cité.
52
-Sébastien Wart, op-cité.
53
Inauguration du laboratoire Euro Maghrébin des travaux pratiques à distance à Khouribga , publié sur
https://www.youtube.com/, le 28-06-2013, visité le 11-12-2021 à 23 :14.
القانون مثال ،من خالل إجراءها لهم برحاب املحكمة وهم بمقاعدهم الدراسية أو بمنازلهم،
ولكن كيف يمكن ذلك؟
صراحة هذه اإلمكانية متاحة انطالقا من تقنية الو اقع االفتراض ي )(RVأو الو اقع
المعزز ) (ARفاألولى عبارة عن محاكاة تفاعلية تعطي للطالب فرصة القيام بتجارب متنوعة؛
كزيارة أماكن ومو اقع محددة كاألماكن التاريخية أو إدارات معينة أو مستشفيات أو محاكم.
..إلخ؛ وهوإما في فصله أوفي منزله .كما يمكن للطالب أن يكون عنصرا في هذه التجربة ،أوالتنقل
داخلها ،والتفاعل فيها عبر أنظمة خاصة كنظارات الو اقع االفتراض ي التي تعينه على االندماج
بصورة كلية في التجربة .وتساعد هذه اآللية الطالب على إنماء إمكاناته عبرجوالت افتراضية كما
تساعده في فهم واستيعاب بعض البيانات العلمية المعقدة .أما الثانية فهي الو اقع
المعزز )(ARوالتي تجعل الطالب بنتقل بعرض ثنائي أو ثالثي األبعاد في محيطه ،إذ تدمج هذه
المشاهد ليتم توليد و اقع عرض مركب .وتمكن هذه اآللية من محاكاة عمليات شائكة
كالعمليات الجراحية لطلبة الطب مثال54.
كخالصة يمكن القول بأن التطورالتكنولوجي في مجال المعلوميات والنظم الذكية وكل
ما يرتبط بها قد انعكست آثاره على مختلف الميادين وما التعليم إال جزء منها ،ومن خالل هذا
الموضوع بينا أن التعليم هو أحد املجاالت التي أحدث فيها الذكاء االصطناعي-وال يزال-تغييرات
كبيرة .هذه النظم الذكية صحيح لها إيجابيات ،ولكن ال يمكن التغاض ي عن سلبياتها ألنها
ستعود أطراف العملية التعليمية على تلقي المساعدة ببطء وبثبات حتى يصبح من الصعب
االستغناء عنها في يوم من األيام .وبغض النظر عن التقييمات اإليجابية والسلبية للذكاء
االصطناعي ،واعتراضات بعض أطراف العملية التعليمية من المدرسة التقليدية المتشبثين
بكل ما هو تقليدي؛ فإن االستعانة بالنظم الذكية في التعليم إن كانت ستساعد في تجويد
العملية التعليمية خصوصا بعد ما فرضته الجائحة من تغييرات ،من االنتقال من التعليم
الحضوري إلى التعليم عن بعد من خالل التعليم االلكتروني والتعليم الرقمي االفتراض ي باتجاه
التعليم الذكي ،فإن قبولها وتقبلها من قبل أطراف العملية التعليمية سيكون مرهونا بال شك
بحدود معينة في إطاروظيفي محدد دون أن تستبدل المعلم .بمعنى أن قبولها سيكون باعتبارها
وسائل خادمة ومساعدة للمعلم .ألن الروبوتات "المؤنسنة" أو الشبيهة بالبشر ذات الذكاء
االصطناعي القوي على فرض وجودها في المستقبل ،فإنها ال تستطيع الحلول محل المعلمين،
ألن هناك افتراضات قيمية متأصلة مرتبطة بالتواصل اإلنساني حيث تبقى الروبوتات خالية من
عنصرالتحفيزوااللهام والعفوية والبعد اإلنساني ،االجتماعي والعاطفي ،مما قد يحرف ويعرقل
عملية تعليم الطالب إن تم إفراغها من هذه االبعاد .شئنا أم أبينا ،فالحقيقة القاسية هي أن
اآلالت المدعومة بالذكاء االصطناعي يمكنها التعامل بسرعة ودقة أكبر من أي إنسان لديه
كميات كبيرة من البيانات .مما سيمكنها من لعب دور جوهري في التعليم في المستقبل القريب.
لذا يجب توخي الحرص في استعماله ألن هذا التحول سيخلق للوجود قضايا جدية يتعين على
مجتمع التعليم التعامل معها في السنوات القادمة ،دون تعريض قيمه األساسية للخطر.
الئحة المراجع:
-آالن بوتييه ،الذكاء االصطناعي و اقعه ومستقبله ،ترجمة علي صبري فرغلي ،سلسلة
كتب ثقافية شهرية يصدرها املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب-الكويت ،أبريل .9113
-خديجة لطفي ،كيف يستطيع الذكاء االصطناعي التأثير على التعليم ؟ ،منشور بتاريخ
،2191-11-99بموقع ،https://www.new-educ.com/تاريخ الزيارة 2129-92-92على
الساعة .99:11
-خوالد أبو بكر ،تطبيقات الذكاء االصطناعي كتوجه حديث لتعزيز تنافسية منظمات
األعمال ،مؤلف جماعي ،المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية والسياسية
واالقتصادية برلين-المانيا ،الطبعة األولى 2191ـ
قراءة، إشكاليات التعليم االلكتروني وتحدياته في ضوء جائحة كرونا، علي أسعد وطفة-
جامعة، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية،سوسيولوجية في جدليات التفاعل والتأثير
.2129 الكويت،1 العدد، سلسلة إصدارات االستكتاب،كلية التربية-الكويت
،2191 ,1 أغسطس، أمثلة على تطبيقات الذكاء االصطناعي في التعليم، فريق درويدي-
.94:29 على الساعة2129-92-23 تاريخ الزيارة،/https://www.droidy.net منشوربموقع
هل تستطيع األنظمة الذكية تعليم نفسها بنفسها كما حدث في برنامج، محمد سالم-
بموقع،2121-91-23 آخر تحديث في2121-10-19 منشور في،“إحسان من المستقبل”؟
.91:21 على الساعة2122-19-13 تاريخ الزيارة،https://www.arageek.com/
–
تتمحورهذه الدراسة حول االستقالل المالي للجهة باعتباره يشكل أحد أركان الشخصية
الترابية التي تسعى الجهوية المتقدمة إلى تكريسه ،السيما وقد أسندت للجهة مهام في مجاالت
التنمية وإعداد التراب تتطلب موارد مالية كافية لتنفيذها.
ومن هنا تتجلى أهمية هذا الموضوع في كونه يسلط الضوء على إشكالية االستقالل
المالي للجهة رغم تعدد مواردها وتنوعها ،تزداد أهميته ببحثه في قدرة الجهة التدبيرية والتقريرية
في املجال الجبائي ومدى تأثيرذلك على ماليهها.
بناء على ما سبق تبرز اإلشكالية املحورية لهذه الدراسة كالتالي :ما مدى مواكبة النظام
المالي الجهوي لدورالطالئعي للجهة في مجال التنمية؟
تتفرع عن هذه
اإلشكالية أسئلة من قبيل؛ هل تعدد وتنوع الموارد المالية للجهة يشكل معيارا الستقاللها
المالي؟ أين تتجلى إكراهات االستقالل المالي الجهوي؟ ما تأثير ذلك على تدعيم الجهوية
المتقدمة؟
وعليه سنعالج اإلشكالية واألسئلة المتفرعة عنها بالدراسة والتحليل من خالل محورين
كاآلتي :املحوراألول :االستقالل المالي للجهة .املحورالثاني :إكراهات االستقالل المالي الجهوي.
إن االستقالل المالي للجهة يشكل عنصرا مهما في تدعيم الالمركزية المالية من خالل
تمكين الجهة من موارد مالية كافية لالطالع باألدوار المنوطة بها بشكل يضمن النجاعة
واالستمرارية .وإلبراز درجة هذا االستقالل سنقف عند الموارد المالية املخصصة للجهات من
خالل ثالث فقرات؛ نخصص (األولى) إلى الموارد الذاتية و(الثانية) إلى الموارد املحولة
و(الثالثة) إلى الموارد المتأتية من االقتراض.
يقصد بالموارد الذاتية للجهة مجموع الموارد التي تحصلها الجهة في إطارنطاقها الترابي
الخاص( ،)55وتملك حق االستفادة منها بشكل كلي بموجب القانون ،وتتمتع بسلط ربط وتصفية
وتحصيل هذه العائدات( ،)56قد تم التنصيص عليها في المادة 911من القانون 999.94المتعلق
بالجهات.
-55حسن بريح والمصطفى خطاب " :مسلسل اإلصالح الجبائي المحلي وإشكالية االستقالل المالي للجماعات الترابية"،
سلسلة أريد أن أعرف ،العدد ،3الطبعة األولى ،4102 ،مطبعة النجاح الجديدة -الدار البيضاء ،ص.24 :
-56المصطفى معمر" :أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية -دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم
11.311المتعلق بالجهات ،"-منشورات مجلة العلوم القانونية ،سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية ،العدد الرابع،4102 ،
يرتبط نجاح الجهة في تحقيق التنمية الجهوية بمدى توفرها على موارد مالية كافية،
تؤهلها لتنفيذ برامجها .وتشكل الموارد الذاتية مؤشرا لقياس مدى استقاللية المالية الجهوية،
فكلما كان حجم الموارد الذاتية مهما كلما استطاعت الجهة تلبية حاجاتها العامة األساسية،
بل وتحقيق فوائض مالية ترصد للتجهيز ،أي توفير اإلعتمادات الالزمة إلنجاز البرامج
االستثمارية التنموية وتأهيل البنايات التحتية .وتعتبر هذه الموارد أحد عناصر التوازن الذي
يزيد من فعالية التنظيم الجهوي ،ذلك أن تفعيل دور الجهة يستلزم تطويرمواردها المالية بما
يمكنها من الوفاء بمتطلبات التنمية الجهوية وإعداد التراب.
إن اعتماد صيغة الالمركزية اإلدارية من الناحية المالية يقتض ي مراعاة المبادئ
التالية(: )57
– 9تحديد مصادر دخل اإلدارات الالمركزية بما يتالءم مع الصالحيات المناطة بها ،إذ
إنه بعد تعيين وظيفة هذه اإلدارات البد من دراسة أنواع الرسوم والضرائب والمداخيل التي
يمكن أن تجبيها ،يجب أن يتم ذلك بإعادة نظرشاملة لمالية الدولة العامة والحاجات التي تلبيها
الدولة وبقدر صالحيات كل من الدولة واإلدارة املحلية ،حيث يتم تقسيم نسب اإلنفاق و أنواع
الرسوم والضرائب لكل منهما.
– 2إن نظام تحويل األموال من الدولة إلى اإلدا ات الالمركزية هو أمر َّ
البد منه نظرا لدور ر
الضرائب ومالءمة جبايهها من قبل الدولة ،لذلك يجب أن يوضع نظام للتمويل ينظم هذه
العملية بدقة ويشترك في إتمامها ممثلون عن البلديات(الوحدات الالمركزية) .وهنا ،يجب أن
تحترم الدولة قوانينها الالمركزية ،فال يستعمل ماال خصصته للبلديات مهما كانت دواعي
االستعمال ،إنما يجب الفصل بين مال الدولة ومال البلديات.
- 3يجب أن يكون نظام الرسوم والضرائب املحلية سهال ومبسطا لتسهيل الجباية.
– 4إن مر اقبة الدولة للبلديات يجب أن تكون مر اقبة فعالة ولكن غيرمعيقة للتنمية،
فاألموال البلدية ملك للبلدية ،وهي تتصرف فيها وليس للدولة ،وعندما تخطئ البلدية تجري
محاسبهها.
-57القاضي إيلي معلوف" :الصندوق البلدي المستقل معالجة مالية لالمركزية اإلدارية" ،الطبعة األولى ،4112 ،منشورات
زين الحقوقية ،مطبعة مكتبة زين الحقوقية واألدبية ،بيروت -لبنان ،ص 072 :و.071
– 1إن تطور وتسهيل أداء العمل اإلنمائي يحتم اعتماد المعلوماتية ،و إنشاء الحكومة
اإللكترونية.
يقتض ي تطبيق الجهوية المتقدمة إطالق مرحلة جديدة من اإلصالح المالي الالمركزي،
وقد دشن ذلك دستور 2199من خالل الفصل 949الذي أشار إلى الموارد المالية للجهات
والجماعات الترابية األخرى ،وضع القانون 999.94المتعلق بالجهات األسس المالية للجهة،
بحيث أنها تعتمد على الجبايات الجهوية الستخالص بعض الضرائب والرسوم وتخصص نسبة
مئوية من ضرائب الدولة لفائدة الجهة مع إمكانية اللجوء إلى االقتراض باإلضافة إلى موارد
ومداخل أخرى متعددة ومتنوعة.
تشكل جبايات الجهة العمود الفقري للتنمية الجهوية باعتبارأنها ال تغطي فقط نفقات
التسيير للجهة بل تتعدها لتحقيق التنمية وتنفيذ البرامج واملخططات التنموية واالستثمارات
بالجهة ،بحيث كلما كانت درجة االستقالل المالي للجهة أكبركلما كانت أقدرعلى العمل والتدبير.
تعتبر الضرائب والرسوم أهم مورد ذاتي لإليراد( )58ويجري اعتبارها موردا ذاتيا لميزانية
الجهة ألنها تمتلك حق االستفادة من عائداته بشكل كلي بموجب القانون وتتمتع بسلط ربطه
وتصفيته وتحصيله .وبناء على هذا المعيار يمكن حصر الموارد الجبائية الذاتية للجهة كما
حددتها المادة 911من قانون 999.94في حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجهة في
تحصيلها طبقا للتشريع الجاري به العمل ،إذ تشكل هذه الضرائب والرسوم المصدراألساس ي
لتحقيق االستقالل المالي لميزانية الجهة والحد من تبعيهها لميزانية الدولة وهي بالنتيجة الركن
األساس ي لدعم دورالجهة في تحقيق التنمية.
فالجهة كجماعة ترابية متميزة داخل التنظيم الالمركزي اإلداري ،تسعى إلى تحقيق
المصالح العامة حالها حال الدولة ،من تم فإن تحقيق االنسجام العملي يكون ضروريا بين
الطرفين ،ابتداء من عملية توزيع وتحويل االختصاصات فيما بينهما وحتى تنفيذها ،يتطلب األمر
على امتداد هذه المراحل تخصيصا ماليا كافيا .وكما أنها تشارك الدولة في تحمل األعباء العامة،
-58المصطفى معمر" :أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية -دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم
فمن الضروري دعمها ماليا وقانونيا لمساعدتها على أداء وظائفها من خالل اإلنفاق املخطط
والهادف إلى تحقيق تقدم في كافة املجاالت الجهوية واملحلية.
نجد أن المادة 911من القانون رقم 999.94قد عملت على حصر جميع موارد الجهة
وحددتها ووزعت إلى مصادر متعددة ومتنوعة ،في اتجاه ضمان تمويل ذاتي كافي للجهة يعزز
استقاللها المالي ،هذه الموارد موزعة على الشكل التالي:
حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجهة في تحصيلها طبقا للتشريع الجاري به
العمل؛
أموال المساعدات والهبات والوصايا؛ باالضافة إلى مداخيل مختلفة وموارد أخرى(.)...
إن دراسة بنية هذه المداخيل تستلزم إبداء مجموعة من المالحظات واالستنتاجات:
فبالنسبة لألتاوى ،إن تسمية األتاوى لها فائدة قانونية وعملية مهمة ،فهو يميزها عن
دائرة الرسوم التي يعود للسلطة التشريعية وحدها عمال بأحكام دستور 2199أمرسن القواعد
المنظمة ألوعيهها وأسعارها وطرق تحصيلها والمنازعة فيها .أما األتاوى فهي تخرج من هذه
الدائرة ويعود أمرتأسيسها أوتعديلها للسلطة التنظيمية .وهي مساهمات تفرض على المرتفقين
من أجل تغطية تكاليف إحداث أو صيانة أو إدارة منشأة عامة ،مقابل خدمات أو استعمال
مرفق عمومي(.)59
أما بالنسبة لألجور عن الخدمات المقدمة ،فإن القانون التنظيمي أسند للمجالس
سلطة إحداثها وتحديد سعرها ،فصالحية املجلس في هذا الباب تقريرية حيث يمتلك سلطات
وضع وتقدير أسعار هذه األجور حسب ظروف الجهة وو اقع المرتفقين .ويتعلق األمر بسعر
يقبض مقابل خدمة أو منفعة عمومية صناعية أو تجارية يحصل عليها المرتفق وفق قواعد
السوق.
وبالنسبة لدخول أمالك الجهة فهي دخول تتحقق لميزانية الجهة من مختلف
المعامالت الجارية على ذمهها المالية والعقارية ،فمن حق الجماعة أن تتصرف بموجب القانون
في أصولها بمختلف المعامالت القانونية المرخص بها كالبيوعات واالكتراءات واالقتناءات
والمبادالت وكل المعامالت األخرى المأذون بمباشرتها على الملك الخاص للجهة(.)60
أما دخول المساهمات فهي دخول تتحصل عليها الجهة من مختلف األرباح والعائدات
والمكاسب الناتجة عن مساهمهها في المقاوالت التجارية والصناعية والخدماتية (.).....
نخلص إلى أنه ،لكسب رهان الديمقراطية ينبغي تمكين الجهة من التصرف في ثرواتها
وتطويرها وتحويل حق استخالص جباية بعض أصناف الضرائب من الدولة إلى الجهة.
تحتل الموارد الجبائية املحولة في جميع الدول نسبة عالية في بنية تمويل الميزانيات
الجهوية ،غير أن طبيعة هذا التحويل تختلف من دولة إلى أخرى ،فإذا كانت الجهة بألمانيا
تقتسم مع االتحاد الفيدرالي أغلب الموارد الضريبية ذات المردودية المرتفعة ،هذا التقسيم
يكون محدد دستوريا ،نفس الش يء بالنسبة للمجموعات المستقلة بإسبانيا حيث نجد توزيعا
-59المصطفى معمر" :أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية -دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم
-60المصطفى معمر" :أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية -دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم
دستوريا للموارد المالية بين اإلدارة المركزية وهذه املجموعات ،بينما بإيطاليا وفرنسا فإن
القانون العام هو الذي يحدد الموارد الضريبية لفائدة الجهات(.)61
وعلى غرار التشريعات المقارنة كفرنسا ،قرر المشرع المغربي أن تستفيد الجهات من
جزء من حصيلة بعض الضرائب الوطنية ،غيرأنه لم يحدد الضرائب الوطنية التي سوف يعود
جزء من مداخليها إلى الجهات و إنما أعطى بعض األمثلة على هذه الضرائب التي ترصدها الدولة
للجهات بموجب قو انين المالية ،والسيما فيما يتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة على
الدخل والرسم على عقود التأمين( .)62حددت نسبها في %1من حصيلة الضريبة على الشركات،
و %1من حصيلة الضريبة على الدخل ،و %91من حصيلة الرسم على عقود التأمين ،تضاف
إليها اعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة في أفق بلوغ سقف 91ماليين درهم سنة
.)63(2129
يالحظ بخصوص هذا النوع من الموارد ،أنه يتأثر إيجابا وسلبا بقوانين مالية كل سنة،
وتظل بذلك رهينة بالوضعية المالية العامة للدولة ،التي تتأثر بالتقلبات االقتصادية
والمالية(.)64
-61فاطمة السعيدي مزروع" :اإلدارة المحلية الالمركزية بالمغرب" ،الطبعة األولى ،4113 ،مطبعة النجاح الجديدة -الدار
-62المادة 022من الظهير الشريف رقم 0.01.23صادر في 41من رمضان 7( 0232يوليو )4101بتنفيذ القانون
التنظيمي رقم 000.02المتعلق بالجهات ،الجريدة الرسمية عدد 2321بتاريخ 43يوليو .4101
-64علي الورضي" :مستقبل السياسة الجهوية بالمغرب" ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ،جامعة سيدي
محمد بن عبد الله ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية االجتماعية بفاس ،السنة الجامعية ،4101-4102ص.474 :
الدولة للجهات من %9إلى %1لكل من حصة الضريبة على الشركات وحصة الضريبة على
الدخل (.)65()....
كما أوصت اللجنة بالربط بين نقل االختصاصات الجديدة للجهات والنقل الموازي
لإلمكانيات المالية المطابقة لها ،تم تكريس ذلك في دستور 2199كقاعدة أساسية للمالية
املحلية ،حينما يؤكد على ضرورة أن يكون كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات
الترابية األخرى مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له .وبذلك يكون واضع الدستورقد رأى ضرورة
دسترة المبدأ المنصوص عليه في المادة 1من القانون رقم 41.10المتعلق بالجهات ،بحيث
نص في الفصل 949من الدستور ،على أن" « :كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات
والجماعات الترابية األخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له» .وتعتبر قاعدة التو افق
بين االختصاصات المنقولة والموارد المرصودة أساسية بالنسبة للدولة الموحدة ،ليس فقط
إلنجاح التنمية املحلية ،ولكن أيضا بشكل خاص من أجل الرقي باستقاللية الجماعات الترابية
في مواجهة كل تدخل وبدون حق للسلطات المركزية في الشؤون املحلية والجهوية(.)66
إن التكريس الدستوري لمبدأ المعادلة بين الموارد واالختصاصات ،الهدف منه تعزيز
استقاللية الجهات خاصة في املجال المالي ،ألن كل اختصاص ينقل إلى الجهة يشكل عبء مالي
إضافي على ماليهها .فحسب المادة 14من القانون ،)67(999.94تشمل مجاالت االختصاصات
المنقولة من الدولة إلى الجهة بصفة خاصة؛ التجهيز والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي
والصناعة والتجارة والطاقة والماء والبيئة والتعليم والصحة والثقافة والرياضة .ويكون تحويل
االختصاصات المنقولة إلى اختصاصات ذاتية للجهة أو الجهات المعنية ،هذه االختصاصات
ال تنقل مرة واحدة وال تشمل كل الجهات بحيث يعتمد في نقلها مبدأ التدرج والتمايزبين الجهات.
-65تقرير اللجنة االستشارية للجهوية :التصور العام للجهوية المتقدمة ،الكتاب األول ،التصور العام ،ص.30 :
-66أمين الصميعي" :لسلطة الترابية في الدستور على ضوء التجربة الفرنسية -مساهمة في دراسة القانون الدستوري
المحلي" ،رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية-
ذهب الدستورالفرنس ي إلى أكثرمن ذلك بالتنصيص على أن استحداث كل اختصاص أو
توسيعه ترتبت عليه زيادة في نفقات البد وأن ترصد له موارد يحددها القانون(.)68
وهكذا ،فإن نقل أي اختصاص أو استحداثه أو توسيعه يجب أن يرصد له مورد مالي كافي
لكي ال يشكل االختصاص الجديد عبء إضافي على مالية محدودة ال تساعد على إنجاز أعمال
تنموية ،ألن ازدياد وتنامي حجم االختصاصات الجهوية مقابل استقرارالموارد الجهوية ،سيزكي
الوصاية المالية الممارسة على الجهات من خالل اللجوء المتزايد لإلمدادات والقروض.
خول القانون 999.94إمكانية مالية جديدة لتدعيم الموارد المالية للجهة ،حيث أكدت
العديد من مواد هذا القانون على إمكانية الحصول على قروض ،والسيما المواد 11و991
و ،212فالمادة 11جعلت اإلقتراضات والضمانات الواجب منحها من بين القضايا األساسية
التي يسهر مجلس الجهة على مناقشهها والتداول بشأنها ،ومنحت لرئيس الجهة صالحية تنفيذ
مداوالت املجلس ومقرراته المتعلقة بإبرام عقود اإلقتراضات ،كما أشارت المادة 991إلى
مسالة التأشير على المقررات المتعلقة باالقتراضات والضمانات وحددت السلطة الحكومية
المكلفة بذلك ،بينما بينت المادة 212آجال التأشيروالمسطرة الواجب اتخاذها من قبل رئيس
الجهة في حالة عدم التأشيرداخل األجل املحدد.
حددت القواعد اإلجرائية لعمليات االقتراض التي تقوم بها الجهة بموجب مرسوم(.)69
عرف عملية االقتراض( )70بأنها « :كل عملية يتم بموجبها وضع أموال أو االلتزام بوضعها من
طرف مؤسسة ائتمان رهن تصرف الجهة التي تكون ملزمة بإرجاعها وفق شروط تعاقدية».
يالحظ أن المشرع لم يترك الباب مفتوحا على تأويالت قد توسع أو تضيق من مدلول االقتراض،
هذا التعريف يزيل اللبس الذي يمكن أن يشوب عملية االقتراض ،كما يساعد الباحث
والممارس على فهم القصد من عمليات االقتراض.
Article 72-2 : Constitution de la république française, Constitution du 4 octobre 1958, issue de la -68
(de la loi constitutionnelle n° 724/2008 du 23 juillet 2008). révision constitutionnelle de juillet 2008
-69المرسوم رقم 1.2..1.2صادر في 22من رمضان .(2241يونيو )112.بتحديد القواعد التي تخضع لها
عمليات اإلقتراضات التي تقوم بها الجهة ،جريدة الرسمية عدد 87.1بتاريخ 27يونيو . 112.
زاد هذا الحرص من خالل تحديد مجال إنفاق هذه القروض ،إذ تخصص ،بصفة
حصرية ،لتمويل نفقات التجهيز .كما يمكن أن تخصص لتمويل مساهمة الجهة في مشاريع
تكون موضوع عقود تعاون أو شراكة( ،)71يمكن تفسير هذا التضييق والتشديد بحماية الجهة
المقترضة من أن تثقل كاهلها بديون أخرى تتعلق بالتسيير والتدبير أو مر افق اجتماعية
مسههلكة للنفقات دون أن يكون لها انعكاس اقتصادي على الجهة أو غيرها من النفقات التي
تتطلب أموال كثيرة قد تفوق قدرتها على التسديد ،مما ال ينسجم مع مفهوم القرض وأهدافه
مادام هذا األخير نفقة إجبارية مؤجلة األداء حيث يتحتم على الجهة المقترضة أن تتولى
تخصيص موارد لسداد قيمة القرض وفوائده(.)72
فالقرض مورد استثنائي في تمويل الميزانيات العمومية ،واللجوء إليه يجب أن يتم بشكل
استثنائي وفي حدود معينة ،حتى ال تكون الموارد العمومية نفقات مؤجلة بشكل دوري ،مادامت
الجهات المقترضة تلتزم برد مبلغ القرض مستقبال ،وهو بذلك بمثابة ضريبة مستحقة لفائدة
مؤسسات االئتمان و اقع على الطرف المقترض ،وذلك برد مبلغ القرض والفوائد المستحقة
عليه(.)73
فالجهة المقترضة مطالبة بمنح ضمانات تتناسب مع حجم القرض( .)74وكان على واضع
المرسوم أن يبين طبيعة ونوعية هذه الضمانات ومعايير التناسب بين القرض والضمانات.
ونظرا للطابع المالي للقروض والضمانات التي تقتض ي التعامل بصرامة لتفادي التالعب
باألموال مع الليونة في نفس الوقت ،فقد اشترط المو افقة المسبقة للسلطة الحكومية
المكلفة بالداخلية على مقررات مجلس الجهة المتعلقة باالقتراضات والضمانات حتى تصبح
قابلة للتنفيذ( ، )75ألن من شأن هذه العمليات أن تتسبب في مديونية الجهة وقد تمتد هذه
-72نجيب جيري" :الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية المحلية" ،منشورات مجلة الحقوق ،سلسلة
المعارف القانونية والقضائية ،العدد ،4102 ،12دار نشر المعرفة ،مطبعة المعارف الجديدة – الرباط ،ص.021 :
-73نجيب جيري" :الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية المحلية" ،مرجع سابق ،ص.072 :
المديونية إلى مجالس جهوية متعاقبة وتلزمها بالتسديد ،السيما وأن المشرع قد انفتح على
مؤسسات ائتمان متعددة سواء كانت وطنية أو أجنبية(.)76
حدد المرسوم شروط اللجوء إلى االستدانة من المؤسسات المالية الوطنية والدولية،
فبعد مرحلة التأشيرة على مقررات مجلس الجهة المتعلقة باالقتراضات والضمانات من طرف
السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية التي تجسد المر اقبة القبلية ،تأتي مرحلة الترخيص التي
تجسد المر اقبة البعدية ،حيث بعد توصل الجهة المعنية برسالة تحمل مو افقة مؤسسة
االئتمان المعنية ،يقوم رئيس مجلس الجهة بإرسال نسخة من هذه المو افقة إلى كل من
السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية وبالمالية من أجل الترخيص باالقتراض من
المؤسسة المعنية داخل أجل 21يوما من تاريخ التوصل بنسخة من المو افقة ،وذلك بعد
مر اقبة مدى احترام مداوالت مجلس الجهة والقدرة المالية للجهة على تسديد أقساط القرض
وبنود مشروع عقد القرض والضمانات الممنوحة من قبل الجهة( ،)77إذ ال يكفي مو افقة
المؤسسة المالية على منح القرض للجهة بل تتوقف على ترخيص سلطتي المر اقبة اإلدارية
والمالية.
يحظى االقتراض بأهمية في القانون الفرنس ي لكونه يشكل مصدرا ثالثا لتمويل نفقات
الجهة ،بحيث لم تعد هناك وصاية بهذا الشأن بعد خوصصة المؤسسة التي كانت متخصصة
في منح قروض للجماعات الترابية ،وبالتالي حرية اللجوء إلى الخدمات البنكية ،بشرط أن تكون
هذه القروض مخصصة لالستثمار .وهكذا ،أصبح االقتراض يساهم في تمويل %11من
استثمارات الجهات بفرنسا(.)78
-78محمد حيمود" :تمويل الجهوية المتقدمة بالمغرب :المرتكزات المالية والتدبيرية" ،منشورات شبكة الحقوقيين المغاربة،
أشغال األيام المغاربية التاسعة للقانون المنظمة من طرف شبكة الحقوقيين المغاربيين(أيام 47-42أبريل ،4102 ،)4103
وبالنسبة أللمانيا ،فإن الجهات تتوفر على حرية في اللجوء إلى القروض كمصدر لتمويل
نفقاتها سواء لدى المؤسسات العمومية أو الخاصة وإن كانت الجهات ملزمة بوضع برنامج
لالقتراض لمدة خمس سنوات يعرض على السلطات المالية االتحادية(.)79
أما في إيطاليا ،فإن حرية الجهات االيطالية مقيدة مع الجهات األوربية بحيث ال يمكن
اللجوء إلى القروض إال بعد مصادقة السلطات المركزية ،وعلى العموم ،فإن الجهات ال تعتمد
كثيرا على القروض في تمويل نفقاتها بالمقارنة مع الجماعات واألقاليم(.)80
أما فيما يتعلق بإسبانيا ،فإن املجموعات المستقلة االسبانية ال تتوفر على حرية كاملة
في هذا املجال بحيث هناك بعض القيود التي حددها القانون التنظيمي لسنة 9111كتخصيص
القروض لتمويل االستثمارات الجديدة ،وأن ال تتجاوز األقساط السنوية والفوائد % 21من
المداخيل الجارية للمجموعة المقترضة ،كما أن املجلس الوطني للسياسة المالية يمارس
مر اقبة على سياسة االقتراض بحيث يجب الحصول على مو افقته فيما يخص القروض
األجنبية(.)81
أما في التجربة المغربية ،فقد شكل صندوق التجهيزالجماعي المؤسسة االئتمانية األولى،
بالنظرإلى االمتيازات التي يوفرها للجماعات الترابية كمؤسسة مختصة بمنح القروض املحلية،
بحيث يرصد أمواله رهن إشارة الجماعات مقابل فوائد ،وذلك في إطار إنجازها للمشاريع
التجهيزية األساسية ،وهي في الغالب مشاريع اقتصادية منتجة ،ستمكن الجماعات الترابية
مستقبال من تنمية مواردها الذاتية ،سواء بشكل مباشر في حالة المشاريع الجماعية المعدة
لالستغالل بمقابل أو بشكل غير مباشر في حالة المشاريع التجهيزية من البنيات التحتية
المنشطة للحياة االقتصادية(.)82
-79عبد الحق المرجاني" :الجهوية في بعض الدول المتقدمة وواقعها وآفاقها في المغرب" ،منشورات المجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد مزدوج ،2-7أبريل – شتنبر ،0222مطبعة دار النشر المغربية -الدار البيضاء ،ص.22 :
-80توفيق منصوري" :النموذج اإليطالي للجهوية" ،منشورات المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية ،عدد خاص،
يونيو ،4111مطبعة الرسالة– الرباط ،ص.022 :
-81مصطفى بلقزبور" :الجهوية الموسعة بإسبانيا -المجموعات المستقلة ،"-منشورات سلسلة الالمركزية واإلدارة الترابية،
العدد ،02الطبعة الثالثة ،4104 ،مطبعة طوب بريس– الرباط ،ص.027 :
-82نجيب جيري" :الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية المحلية" ،مرجع سابق ،ص.072 -072 :
وقد أبانت هذه التجربة عن محدودية سياسة االقتراض في دعم تمويل النظام المالي
للجهات فباإلضافة إلى حضورسلطة الوصاية ،فهناك معاييروضعها صندوق تجهيزالجماعات
للحسم في أهلية هذه الوحدات الالمركزية لالقتراض عبر تحليل وضعيهها المالية الترابية ،إذ
أخذ هذا الصندوق بعين االعتبار في منحه للقروض ،القدرة التسديدية للجماعات الترابية
واشترط تحضيرملفات ودراسات تقنية بشأن المشاريع التي ترغب الوحدات التربية الالمركزية
في تمويلها عن طريق القروض ،وهو ما يتعذر على عدد منها بالنظر لقلة األطر المؤهلة لهذه
المهمة ،مما يوحي بأن سياسة االقتراض التي يرتكز عليها الصندوق تنبني على التعامل مع
الجماعات الترابية بعقلية تعامل البنك مع مقاوالت القطاع الخاص .فتكون النتيجة تبعا
لذلك ،ضعف مساهمة الصندوق في دعم املجهود التنموي الجهوي ،إذ احتلت الجهات المرتبة
األخيرة ضمن زبناء صندوق التجهيز الجماعي بنسبة %4سنة ،)83(2111ولتجاوز هذا اإلشكال
اقترحت اللجنة االستشارية للجهوية توسيع طاقات صندوق التجهيز الجماعي وإشراك القطاع
البنكي بإقامة "كونسرسيومات" معه ،خاصة المشاريع القابلة للتمويل البنكي .ويرخص للمجال
الجهوية ،في المرحلة األولى ،اللجوء إلى سوق السندات الداخلية ،وفي مرحلة الحقة إلى السوق
الخارجية( .)84ففي القانون 999.94المتعلق بالجهات والمرسوم( ،)85لم ترد اإلشارة إلى صندوق
التجهيزالجماعي و إنما ينصان صراحة على مؤسسة االئتمان لمنح القروض للجهات.
وضمانا للمرونة في عملية إرجاع القرض ،يمكن للجهة المقترضة أن تعيد جدولة تسديد
أقساط القروض أو تسديدها بكيفية مسبقة إن توفر لها الفائض المالي الكفيل بذلك بعد
مو افقة مجلسها( .)86وتكون عملية إعادة الجدولة موضوع عقد جديد مع مؤسسة االئتمان
دون الحصول على ترخيص من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية
المكلفة بالمالية.
-83محمد حيمود " :تمويل الجهوية المتقدمة بالمغرب :المرتكزات المالية والتدبيرية" ،مرجع سابق ،ص.030 :
-84اللجنة االستشارية للجهوية :تقرير حول الجهوية المتقدمة ،الكتاب األول ،التصور العام ،ص.30 -31 :
-85المرسوم رقم 4.07.422بتحديد القواعد التي تخضع لها عمليات اإلقتراضات التي تقوم بها الجهة ،سبقت اإلشارة إليه.
إن تكريس مبدأ التدبير الحر دستوريا جاء لتعزيز نظام الالمركزية بالمغرب ،فهو ال يقف
عند منح الجهات موارد مالية كافية و إنما منحها أيضا سلطات حقيقية لتحديد طبيعة هذه
الموارد ومصدرها ،بأن تتوفر على سلطات جبائية مستقلة وليس سلطة تدبير الموارد ذات
المصدرالخارجي ،وهو ما سنعمل على توضيحه من خالل التطرق إلى مركزية فرض الضريبة في
(الفقرة األولى) ثم إلى محدودية التمويل الذاتي للجهة يكرس التبعية لمالية الدولة في (الفقرة
الثانية).
كانت الضريبة والزالت إحدى تجليات سيادة الدولة ،ففي جميع الدول كيفما كانت
طبيعهها الدستورية ،ارتبطت الضريبة بالسيادة الوطنية ،والمغرب بدوره لم يخرج عن هذه
القاعدة ،بحيث يعود فرض و إنشاء الضريبة إلى القانون وحده (البرلمان) ،أي أن الجهاز
التشريعي هو المؤهل لوحده بموجب النص الدستوري لخلق كل اقتطاع جبائي جديد بالرغم
من أنه على المستوى العملي قد يعمد النص القانوني إلى تفويض الحكومة للقيام بإحداث
بعض االقتطاعات الجبائية(.)87
كرس المشرع الدستوري هذا المبدأ في الفصل 91من دستور 9110إذ نص << :على
الجميع أن يتحمل كل قدراستطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصالحية إلحداثها
وتوزيعها .»...نفس الش يء أكده دستور 2199في الفصلين 31و 11بالتنصيص على أن قانون
المالية يصدر عن مجلس النواب ،يبين القانون التنظيمي للمالية شروط مناقشة البرلمان
لمشروع قانون المالية والتصويت عليه من خالل توضيح اختصاصات البرلمان في هذا املجال،
وقد نص القانون التنظيمي للمالية رقم 1.11على اختصاص البرلمان في مناقشة مشروع
القانون المالي والتصويت عليه.
إن البرلمان هو المؤهل وحده في تحديد الضريبة وأساسها ومقدارها وطرق تحصيلها،
كما هو مبين في الفصل 19من دستور 2199الذي ينص على أن البرلمان يحدد أيضا الضرائب
والرسوم املحلية ،مما يجعل سلطة فرض الضريبة بالمغرب تعود إلى السلطة التشريعية
-87محمد قزيبر " :حدود الدور الجبائي للجماعات المحلية" ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد مزدوج
،22-27يوليو -أكتوبر ،4112مطبعة دار النشر المغربية -الدار البيضاء ،ص.001 :
المركزية .وهو ما يتناسب مع شكل الدولة البسيط والموحد حيث يتكرس هذا الوضع بشكل
خاص مقارنة بالدول المركبة.
ولعل االختصاص الحصري للبرلمان بفرض الضريبة يحقق عدة مزايا أهمها(:)88
تفادي االزدواج الضريبي داخل الدولة الواحدة بين السلطة المركزية من جهة والسلطة
املحلية من جهة أخرى.
وهكذا ،تم تبرير حصر خلق الضرائب بالجهاز التشريعي بمبدأ وحدة الدولة ووحدة
سيادتها ،بمعنى أن هناك مصدر واحد للسيادة يمارس على مجموع التراب الوطني ،وبالتالي
فاختصاصات السيادة ومن ضمنها االختصاص الجبائي ال يمكن تفويضه للجماعات الترابية
مما قد يمس بوحدة سلطة وضع القواعد وبالتالي الطبيعة الموحدة للدولة( .)89ومن جهة
أخرى ،فتوحيد السياسة الجبائية يتطلب توحيد مصدر فرض الضريبة لما لعملية الفرض
الضريبي من أبعاد اقتصادية واجتماعية ،حيث أن النظام الجبائي الحديث ال يقتصردوره على
مجرد توفير المال الضروري لتغطية نفقات الجماعات الترابية بل يتعدى ذلك إلى تحقيق
أهداف التنمية الشاملة(.)90
تميزت المنظومة الجبائية بالمغرب بتكريس المبدأ الدستوري المتعلق بمركزية فرض
الضريبة ومع أن هذه المنظومة منحت هامشا من "الحرية التشريعية" للمجالس التداولية،
السيما تحديد أسعار بعض الرسوم والضرائب ،إال أن ذلك لم يكن كافيا للتقليص من القيود
على دورهذه املجالس في العمليات الجبائية ،بحيث أن الدولة ظلت تمارس هيمنة مطلقة فيما
يتعلق بمحتوى الجباية املحلية.
-88محمد عالي أدبيا" :إشكالية االستقالل المالي للجماعات المحلية في المغرب" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق،
جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية عين الشق -الدار البيضاء ،4110-4111 ،ص:
.407-402
François Labie : «Finances locales», Dolloz, 1995, p : 13. -89
-90أحمد حضراني" :النظام الجبائي المحلي على ضوء التشريع المغربي والمقارن" ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ،العدد ،44الطبعة األولى ،4110مطبعة المعارف– الرباط ،ص.00 :
إن الفقه الفرنس ي ربط بين القدرة الضريبية واالستقالل المالي املحلي( ،)91بحيث يجب
التأكيد ،فيما يتعلق بتحديد مفهوم االستقالل المالي المرتبط بالجماعات الترابية ،على
ضرورة عدم الخلط بين االستقالل من حيث التدبير واالستقالل على مستوى التقرير .ففي
الحالة األولى ،فإن تحويالت مالية من طرف الدولة تكون كافية حتى نحدد وجود استقالل المالي
من عدمه ،مع العلم بأن هذه التحويالت ينبغي لها أن تكون غنية وموضوعة الستخدام حر .أما
في الحالة الثانية ،يظهركقدرة مالية موسعة بحيث تتيح للسلطة المعنية بها إمكانية التحكم في
البعض من مصادرالتمويل كما هو الشأن بالنسبة لالقتراض ،وبشكل خاص مسألة الضرائب
والتي تظل المقياس الحقيقي لوجود هذا االستقالل(.)92
وهكذا ،فإن الحديث عن االستقالل المالي الجهوي في غياب سلطة ضريبية جهوية ال
يستقيم ،ففي الو اقع العملي فالسلطة الضريبية الوحيدة والحقيقية هي المشرع ،على اعتبار
أن السلطة الضريبية ترتبط بوجود سلطة سياسية ،فالتكريس القانوني لهذه المعادلة يقودنا
إلى القول بأنه ال وجود لسلطة سياسية دون سلطة ضريبية ،واالعتراف بوجود هذه األخيرة
للجماعات الترابية يؤكد الطبيعة السياسية للقوة الترابية ،باعتبارها أصبحت تحوز
اختصاصا سياسيا يمكن أن يرتكزعليه هامش استقاللها.
لم تستفد الجماعات الترابية والسيما الجهة داخل الدولة الموحدة من مسألة التكريس
الدستوري لالستقالل المالي أو الضريبي .حيث إن مبدأ الدولة وعدم قابليهها للتجزيء ،غير
متو افقة بطبيعهها مع االعتراف بوجود سلطة مالية وضريبية حقيقية على المستوى الجهوي
واملحلي(.)93
وقد أفرزالتطورالتاريخي للدولة ،إرساء قاعد المو افقة على الضريبة من طرف الشعب
من خالل ممثليه في البرلمان ،وذلك بالتدخل في تأسيس الضريبة ،وبهذا أضحى االختصاص
الحصري للمشرع في املجال الضريبي والذي يعتبر كإحدى تجليات ممارسة السيادة( ،)94بينما
تكتفي الوحدات الالمركزية بتطبيق الضريبة فقط.
أولت الدولة اهتماما متزايدا للجماعات الترابية والسيما الجهة التي أصبحت تقوم بدور
طالئعي في املجال االقتصادي واالجتماعي والثقافي والبيئي ،وتحولت بذلك إلى فاعل حقيقي في
التنمية ،وبالتالي فإن مطلب تمكين الجهة أصبح يفرضه الو اقع ،لذا ينبغي تمكينها من سلطة
جبائي ة حقيقية .وفي هذا الصدد ،خاض المغرب إصالحات مؤسساتية توجت بإصالحات
دستورية والسيما تبني المغرب لجهوية متقدمة التي تقتض ي بالضرورة إصالح النظام المالي
املحلي والجهوي وإعطاء المزيد من الحرية للمجالس المنتخبة في مجال الجبايات ،غيرأننا نجد
الدستور الحالي ،2199قد حسم في مصير ومآل النظام الجبائي الجهوي واملحلي .إذ حدد في
فصله 19لالئحة من الميادين التي يختص البرلمان بالتشريع فيها ،من بينها النظام الضريبي
ووعاء الضرائب ومقدارها وطرق تحصيلها .وأن السلطة الجبائية للمجالس الجهوية تبقى
محدودة ومحصورة داخل حدود ما يضعه القانون ويحدده ،فال يحق للجهة أن تقوم بخلق
الضرائب وربطها و إنما يجب أن يقتصر دورها في إقامة أسعار هذه الضرائب داخل إطار
السقوف القانونية( ،)95أي أن االستقالل المالي للجهات المتعلق بالجانب ضريبي يبقى مرتبط
باعتبارات خارجية تتمثل في إرادة المشرع والتي ال يمكن للجهة أن تقررخارجها.
إن وضعية تغييب الجهات في مجال تأسيس الجباية تتأكد من خالل استبعاد أي سلطة
تأسيسية للجهات سواء أصلية أو فرعية في المادة الجبائية ،يجعل النظام الالمركزي بالمغرب
ال يرقى بعد إلى االقتراب من نظام الجهوية السياسية ،والذي قد يسمح بمنح اختصاصات
واسعة للهيآت الالمركزية خاصة الجهات في المادة الجبائية( )96باالعتراف لها بصالحية التشريع
الجبائي.
-94محمد الشكيري" :التشريع الضريبي المغربي" ،الجزء الثاني ،0222 -0227 ،مطبعة النجاح الجديدة -الدار البيضاء،
ص .27
-95المصطفى معمر" :إكراهات النظام المالي للجهة بالمغرب" ،منشورات المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية ،عدد
-96محمد قزيبر" :حدود الدور الجبائي للجماعات المحلية" ،مرجع سابق ،ص.002 :
يبدو أن االستقالل المالي للجهة اختزل في وضع الميزانية أو في مجرد االستقالل في
تدبيرها ،ألن السلطة الالمركزية تبقى خاضعة للسلطة السياسية المركزية التي هي المشرع
األصلي صاحب االختصاص الوحيد والحقيقي فيما يتعلق بالتشريع في املجال المالي ،حيث
يرتبط هذا االستقالل بتوفر الجهة على ميزانية خاصة بها والتصرف بحرية في مجال التسيير
المالي في شقيه المتعلق بالمداخيل والنفقات و أيضا بمدى توفرها على سلطة تحديد مداخليها
ونفقاتها حين إعداد الميزانية ،هذا إذا ما استحضرنا الطابع اإلجباري لجميع نفقات التسيير
والتدخل الجلي للسلطة المركزية في مسطرة الموازنة.
الفقرة الثانية :محدودية التمويل الذاتي للجهة يكرس التبعية لمالية الدولة
إن عدم قدرة الجماعات الترابية على تمويل تكاليف التسيير ونفقات التدبير العادي
يؤدي بالضرورة إلى إضعاف قدرتها التدبيرية ،وإذا كان االعتماد على التمويل المركزي لموازنة
التكاليف مع الموارد ،فإن هذه التبعية عادة ما يصاحبها نوع من التدخل أو التوجيه المؤثر في
النشاط المالي الترابي وبرمجة مضامين الميزانية التر ابية(.)97
يقصد بالتمويل المركزي الحصة المالية التي تخصصها الدولة من مداخيلها الجبائية
لفائدة الجماعات الترابية بهدف تغطية نفقاتها وموازنة وضعيهها المالية ،وهذه الحصص
تكون محددة قانونا سواء فيما يتعلق بالضرائب المعنية أو بالنسب املخصصة كحصة لهذه
الهيآت الالمركزية.
إن هذا الو اقع يكرسه القانون )98(999.94بموجب المادة 910التي نظمت توزيع الموارد
وفق الصيغة التالية" :تتوفرالجهة لممارسة اختصاصاتها على موارد مالية ذاتية وموارد مالية
ترصدها الدولة وحصيلة اإلقتراضات" .كما تأكد المادة 911من هذا القانون على استمرارية
هذه التبعية الجبائية الجهوية لميزانية الدولة ،حيث أبقت على باب التحويالت من ميزانية
الدولة إلى ميزانيات الجهة مفتوحا ،بنصها على تخويلها حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب
الدولة املخصصة للجهة بمقتض ى قوانين المالية .كما تنص المادة 911من القانون المذكور
على أنه ،يتعين على الدولة أن تقوم بموجب قوانين المالية برصد موارد مالية قارة وكافية
-97عبد اللطيف بروحو" :مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية" ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،العدد ،27الطبعة الثانية ،4102مطبعة المعارف الجديدة – الرباط ،ص.330 :
-98القانون التنظيمي السالف الذكر المتعلق بالجهات رقم .000.02
للجهات لممارسة اختصاصاتها الذاتية؛ وكذا تحويل الموارد المالية المطابقة لممارسة
االختصاصات المنقولة إليها.
إذا كانت هذه المقتضيات ال تثير ظاهريا أية إشكاالت ،على اعتبار أن تمويل المشاريع
المرتبطة باالختصاصات يكون مضمونا من الناحية القانونية ،فإن ممارسهها بهذا الشكل وبهذا
التمويل وفي ظل نظام للرقابة المالية يتضمن آليات التوجيه والتدخل ،يقيد حرية التصرف
لدى الجهة.
إن محدودية التمويل الذاتي ال تؤثر فقط في قدرة الجهة على ممارسة اختصاصاتها
الخاصة بالحرية الالزمة وباالستقالل المطلوب ،و إنما بنزوع السلطات المركزية إلى التدخل
والتأثير في تدبير الشأن الجهوي ،فالتمويل المركزي للنفقات الجارية للجهات وكذا تمويل
للمشاريع التنموية يؤدي في غالب األحيان إلى مصاحبة هذا التمويل بنوع من الرقابة المفرطة
على النشاط المالي الجهوي ،هذه الرقابة تكون في بعض األحيان مجسدة في التوجيهات التي
تصدرها سلطات الوصاية التي تر اقب الحقا مدى االلتزام بها ،كما يقترن التمويل في أحايين
أخرى بتوجيه صريح في اتجاه اتخاذ تدابيربعينها أواعتماد سياسة معينة أو تنزيل برامج محددة،
وتر اقب مدى التزام الجهات بما تم فرضه عليها في هذا الصدد(.)99
إن معالجة هذا المشكل كان باإلمكان أن يتم بمناهج أخرى بنيوية تضمن للجماعة
الترابية استقاللها التمويلي واإلداري ،بحيث بدل التشريع لنظام جبائي تراكمي تفرض في إطاره
الضرائب والرسوم املحلية مع ضرائب الدولة والجهات على نفس القواعد واألوعية الجبائية
وتحتفظ فيه الدولة بقرارات وضع قواعد تحديد األوعية والحساب والتحصيل وال تفوض إال
سلطات محدودة للمستويات الالمركزية ،فإنه ومن أجل تطوير الالمركزية ،يمكن اعتماد نظام
جبائي تراتبي يتم فيه تخصيص أوعية جبائية مستقلة وخاصة بكل مستوى من مستويات
التنظيم اإلداري للمملكة وتمنح فيه صالحيات واسعة لإلدارة الجبائية املحلية واملجالس
التداولية الالمركزية ويتم فيه التخلي عن بعض الضرائب الوطنية للمستويات املحلية(.)100
-99نجيب جيري " :الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية المحلية" ،مرجع سابق ،ص .070 :
-100المصطفى معمر" :آفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية -دراسة على ضوء أحكام القانون التنظيمي رقم
كما تثير مسالة نقل االختصاصات إشكاالت ترتبط باالستقالل المالي وبهامش التصرف
املخول للجهات ،فدستور 2199ربط مسألة نقل االختصاصات من الدولة إلى الجهات بتحويل
الموارد المالية المطابقة لها .وبينت المادة 911من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات أن
هذا التمويل يكون بموجب قوانين المالية ،غير أن هذه العملية تكون مرفقة بإجراءات تحد
بشكل كبير من درجة االستقالل المالي للجهات وتضيق إلى حد كبير قدرتها على اتخاذ القرار
وتنفيذه ،فإذا كانت النصوص القانونية تتحدث عن "نقل االختصاصات" فإن تحويل
اإلعتمادات المالية يتم وفق مسطرة خاصة تؤدي إلى تنزيل برنامج متكامل ومشروع جاهز
للتنفيذ يوجه إلى الجهة المعنية مع التحويالت المالية المالئمة ،هذا يعني بأن الجهة تصبح هنا
مجرد منفذ في عين المكان للمشاريع المركزية عوض أن تكون هي المبادرة إلى برمجة وتنفيذ
القرارات المالية المتعلقة بها ،كما أن الرخص الخاصة بهذا الشكل يتم دون أي تداول وتصويت
في املجالس الجهوية بحجة أن األموال مصدرها هيآت أخرى وال عالقة للمجالس بها(.)101
إن إشكالية ضعف مردودية الموارد الذاتية في تمويل النفقات الجهوية يطبع النظام
المالي ألغلب الدول سواء ذات نظام فيدرالي أوموحد ،فمثال في ألمانيا ال تتجاوزمساهمة الموارد
الذاتية في تمويل النفقات الجهوية ،%9ونفس النسبة في إيطاليا ،بينما في إسبانيا احتلت
الضريبة الذاتية %2سنة 9114من الموارد المالية للمجموعات المستقلة ،أما بالنسبة
لفرنسا فهي ال تتوفر على موارد مالية خاصة بها و إنما تعتمد بشكل أساس ي على الضرائب
املحلية للجماعات عن طريق فرض أسعارإضافية بجانب أسعارالجماعات واألقاليم.
وهكذا ،نجد أن هذا النوع من التمويل في جل الدول األوروبية ضعيفا في بنية التمويل
الجهوي بحيث غالبا ما تكون الجهات تتوفر على بعض الرسوم القليلة األهمية والضعيفة
المردودية ،كما أن الجهات تبتعد عن فرض رسوم وضرائب جهوية وذلك لدو افع سياسية
و انتخابية(.)102
-101عبد اللطيف بروحو" :مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية" ،مرجع سابق ،ص .422
-102عبد الحق المرجاني" :الجهوية في بعض الدول المتقدمة وواقعها وآفاقها في المغرب" ،مرجع سابق ،ص.22 :
oتعزيز القدرة على االقتراض عبر دعم إمكانيات صندوق التجهيز الجماعي
باعتباره مؤسسة متخصصة في منح القروض للجماعات الترابية.
خاتمة:
يسههدف إصالح مالية الجهة تطوير بنية نظام الالمركزية بالمغرب من خالل تجاوز
اإلكراهات التي عاقت تقدم الالمركزية وعطلت التنمية لعقود ،ويشكل االستقالل المالي أحد
أهم هذه العوائق لذلك حض ي باهتمام دستور 2199حيث أصبح يشكل أحد مبادئ التدبيرالحر
للجهات وأداة مهمة لتحقيق التنمية الجهوية ،وفي هذا الصدد ،كرس لنظام مالي خاص بالجهة
من خالل التنصيص على أن الجهة تتوفر على موارد مالية ذاتية وموارد مالية محولة من قبل
الدولة ووضع قاعدة لنقل أي اختصاص من الدولة إلى الجهات بأن يكون مقترنا بتحويل الموارد
المطابقة له.
وقد تبين أنه بالرغم من تعدد وتنوع الموارد المالية المرصودة للجهات فإن ماليهها ال
تعرف استقالال حقيقيا وذلك راجع لألسباب التالية:
-إن مبادئ وحدة الدولة غير متو افقة بطبيعهها مع االعتراف بوجود سلطة مالية
وضريبية للجهة؛
-عدم كفاية الموارد المالية الذاتية للجهة تجعل التحويالت المالية من الدولة إلى
الجهات كبيرة مما يرسخ تبعية مالية الجهة لمالية الدولة؛
-عدم امتالك الجهة لسلطة القرار المالي ال تتيح لها إمكانية التحكم في البعض من
مصادر التمويل كما هو الشأن بالنسبة لالقتراض وبشكل خاص مسألة الضرائب التي تخضع
لمبدأ مركزية فرض الضريبة؛
-عدم امتالك الجهة للسلطة الضريبية والتي تظل المقياس الحقيقي لوجود هذا
االستقالل.
وعليه ،كان
من المفترض أن يتجه اإلصالح الدستوري الذي كرس لجهوية متقدمة نحو تمكين الجهة من
سلطة جبائية حقيقية وعدم حصر السلطة الجبائية للمجالس الجهوية داخل حدود ما يضعه
القانون ويحدده وال يسمح لها أن تقررخارج إرادة المشرع .وبالتالي ،فإن تغييب الجهات في مجال
تأسيس الجباية ،يجعل النظام الالمركزي بالمغرب ال يرقى إلى االقتراب من نظام الجهوية
السياسية ،الذي قد يسمح بمنح اختصاصات واسعة للجهات في المادة الجبائية باالعتراف لها
بصالحية التشريع الجبائي.
الئحة المراجع:
حسن بريح والمصطفى خطاب " :مسلسل اإلصالح الجبائي املحلي وإشكالية االستقالل
المالي للجماعات الترابية" ،سلسلة أريد أن أعرف ،العدد ،3الطبعة األولى ،2194 ،مطبعة
النجاح الجديدة -الدارالبيضاء.
المصطفى معمر" :أفاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية -دراسة على ضوء
أحكام القانون التنظيمي رقم 993.94المتعلق بالجهات ،"-منشورات مجلة العلوم القانونية،
سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية ،العدد الرابع ،2190 ،مطبعة األمنية -الرباط.
القاض ي إيلي معلوف" :الصندوق البلدي المستقل معالجة مالية لالمركزية اإلدارية"،
الطبعة األولى ،2110 ،منشورات زين الحقوقية ،مطبعة مكتبة زين الحقوقية واألدبية ،بيروت-
لبنان.
فاطمة السعيدي مزروع" :اإلدارة املحلية الالمركزية بالمغرب" ،الطبعة األولى،2113 ،
مطبعة النجاح الجديدة -الدارالبيضاء.
علي الورض ي" :مستقبل السياسة الجهوية بالمغرب" ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في
القانون العام ،جامعة سيدي محمد بن عبد الله ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
االجتماعية بفاس ،السنة الجامعية .2191-2194
أمين الصميعي" :لسلطة الترابية في الدستور على ضوء التجربة الفرنسية -مساهمة في
دراسة القانون الدستوري املحلي" ،رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق ،جامعة القاض ي
عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية -مراكش.2192-2199 ،
نجيب جيري" :الالمركزية الترابية بالمغرب ونظم الرقابة على المالية املحلية" ،منشورات
مجلة الحقوق ،سلسلة المعارف القانونية والقضائية ،العدد ،2191 ،14دار نشر المعرفة،
مطبعة المعارف الجديدة – الرباط.
عبد الحق المرجاني" :الجهوية في بعض الدول المتقدمة وو اقعها و آفاقها في المغرب"،
منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،عدد مزدوج ،1-1أبريل – شتنبر ،9114
مطبعة دارالنشرالمغربية -الدارالبيضاء.
محمد قزيبر " :حدود الدور الجبائي للجماعات املحلية" ،منشورات املجلة المغربية
لإلدارة املحلية والتنمية ،عدد مزدوج ،11-11يوليو -أكتوبر ،2111مطبعة دارالنشر المغربية-
الدارالبيضاء.
محمد عالي أدبيا" :إشكالية االستقالل المالي للجماعات املحلية في المغرب" ،أطروحة
لنيل الدكتوراه في الحقوق ،جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية عين الشق -الدارالبيضاء.2119-2111 ،
عبد اللطيف بروحو" :مالية الجماعات الترابية بين و اقع الرقابة ومتطلبات التنمية"،
منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،العدد ،11
الطبعة الثانية ،2190مطبعة المعارف الجديدة – الرباط.
أثار النقاش البرلماني خالل عدة جلسات لألسئلة الشفهية األسبوعية إشكالية برمجة
تناول الكلمة للتحدث في موضوع عام وطارئ لما له من تداعيات و آثار على حياة المواطنات
والمواطنين أو لكونه يستلزم اتخاد تدابير وإجراءات استعجالية ،السيما من زاوية مسؤولية
مكتبي مجلس ي البرلمان في تدبيرطلباتها وتفعيل التجاوب الحكومي معها.
فمن وجهة موقف المعارضة البرلمانية فإن عدم برمجة التحدث في موضوع عام وطارئ
بمجلس النواب يعد بمثابة "حجب للحق في تناول الكلمة في نهاية الجلسة" ،و "إخالل بمقتض ى
المادة 912من النظام الداخلي ملجلس النواب ،التي تنص فقرتها الثانية على إمكانية تناول
الكلمة للتحدث في موضوع عام وطارئ".
كما أن "بت مكتب املجلس في طلبات التحدث الواردة على رئيس املجلس قبل إحالهها على
الحكومة من شأنه إفراغها من محتواها الطارئ ،المقترن بأجل اإلشعارالقانوني من لدن رؤساء
الفرق واملجموعات النيابية المعنية بها ،والذي يمكن أن يضيق إلى 24ساعة قبل موعد افتتاح
جلسة األسئلة "،و"ليس من حق مكتب املجلس فرز المواضيع املحالة على رئيس املجلس
وتصنيفها إلى مواضيع طارئة وأخرى غيرطارئة ،أو عامة أو غيرعامة" ألن األمريقتض ي منه فقط
"إرسالها إلى الحكومة للتداول في شأنها وتقديم جواب بخصوصها".
أما من وجهة موقف مكتب مجلس النواب فيبرزترجيح عملي لخياربته في طلبات التحدث
في موضوع عام وطارئ وتصفيهها قبل إحالة ما يراه ،من وجهة نظره ،مالئما من بينها على
الحكومة لتقديرالتفاعل من عدمه ،حيث سبق له تعليل عدم برمجة تناول الكلمة للتحدث في
موضوع عام وطارئ بكون "الطلبات المتعلقة بها لم تكن متو افقة مع شرطي العمومية
واالستعجالية" ،وبأن "مكتب املجلس يبت في طلبات التحدث قبل إحالهها على الحكومة".
وحيث إن تتبع مسارالتأويل البرلماني لموضوع تناول الكلمة في نهاية الجلسة األسبوعية
يحيل بالضرورة على تجربة برمجة التحدث في موضوع عام وطارئ باتفاق مع الحكومة ،قبل
اعتماد تجربة برمجته ولو عبرت الحكومة عن عدم استعدادها للتفاعل معه ،كما طبق ذلك
مجلس النواب بإرادته المنفردة في جلساته األخيرة خالل الوالية التشريعية السابقة ،ليبرز
السجال البرلماني والقانوني حول نظام تصفية طلبات التحدث من لدن مكتب مجلس النواب
خالل الوالية التشريعية الحالية.
ُ
وبالرجوع إلى الفصل 911من الدستور ،نجد فقرته األولى تنص على ما يلي" :تخصص
باألسبقية جلسة في كل أسبوع ألسئلة أعضاء مجلس ي البرلمان وأجوبة الحكومة" ،فيما تنص
ُ
فقرته الثانية على أنه" :تدلي الحكومة بجوابها خالل العشرين يوما الموالية إلحالة السؤال
عليها".
وحيث تجعل هذه األحكام الدستورية األسبقية الزمنية واالعتبارية لبرمجة األسئلة
الشفهية البرلمانية وأجوبة الحكومة عليها ،فإن ذلك يستوجب توجيه النظر البرلماني
والحكومي حول أولوية هذه اآللية الرقابية الدستورية في متابعة العمل الحكومي وتجويد
جاذبية مواضيع األسئلة التي تتم برمجهها.
كما تثبت نفس األحكام المذكورة حرص المشرع الدستوري على تخصيص جلسة
مساءلة أسبوعية لمناقشة قضايا راهنة ،بدليل تقييد األجل الدستوري للجواب الحكومي
وتحديده في عشرين يوما الموالية لتاريخ توصل الحكومة بالسؤال.
صبغة استعجالية كبيرة بالنسبة للرأي العام الوطني وقد يتعذر استدراك برمجته كسؤال
أسبوعي أو كتابي واإلجابة عنه بعد فوات اآلوان.
وحيث يتبين مما سبق ذكره أن طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ تكتس ي قيمة
دستورية وقانونية أدنى من األسئلة الشفهية اآلنية ،فمن المتعين أن يتم تفعيل العمل بها في
نطاق التقيد باحترام مبدأين دستوريين أساسيين ،ويتعلقان بالحق البرلماني الشخص ي في
مساءلة الحكومة من جهة ،وبالتوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة
ثانية.
وحيث إن المبدأ الدستوري المتعلق بالحق البرلماني في المساءلة يجد سنده في الفصل
01من الدستور ،الذي جعل النيابة البرلمانية مستمدة من األمة وفرض المساواة بين أعضاء
البرلمان في ممارسة حقوقهم الدستورية ،ومن بينها وأهمها توجيه أسئلة برلمانية بموجب أحكام
الفصل 911من الدستور ،فإن ذلك يستوجب ،من زاوية دستورية وقانونية جوهرية ،اإلحالة
على عدم شرعية أي مبادرة لحجب حق أعضاء البرلمان في تقديم طلباتهم للتحدث في موضوع
عام وطارئ ،إذ ال يحق ألجهزة البرلمان من حيث المبدإ الدستوري وبموجب المقتض ى القانوني
أن تتصدى لتفعيل هذا الحق البرلماني الشخص ي والقانوني.
وحيث يكفي اإلشارة إلى أن عدم أحقية تعديل فحوى األسئلة البرلمانية أو تحويلها إلى
أسئلة كتابية دون مو افقة مسبقة لواضعيها ،تجعل نظر أجهزة املجلس في طلبات للتحدث في
موضوع عام وطارئ دون مو افقة مسبقة لواضعيها مثارانتقاد من هذه الزاوية.
ويمكن تعزيز االستدالل القانوني على ذلك باإلحالة على مقتضيات النظام الداخلي التي
اكتفت بتحديد نطاق المسؤولية التقنية التدبيرية لألجهزة البرلمانية المعنية في مجال تفعيل
الحق البرلماني القانوني في تناول الكلمة في نهاية جلسة األسئلة الشفهية ،حيث "يقوم رئيس
الفريق أو املجموعة البرلمانية أو أعضاء البرلمان غيرالمنتسبين ألي فريق أو مجموعة برلمانية
بإشعار رئيس املجلس كتابة بطلبات التحدث في موضوع عام وطارئ قبل افتتاح الجلسة 24
ساعة على األقل ،وتبعا لذلك "يقوم رئيس املجلس بإشعارالحكومة بموضوع الطلبات التي تم
اشعاره بها" ،علما أن "برمجة المواضيع تتم باتفاق معها" (المادة 912من النظام الداخلي
ملجلس النواب والمادة 901من النظام الداخلي ملجلس المستشارين).
كما نث ير خلو النظام الداخلي من أي مقتض ى صريح يسعف في تعليل تدخل مكتب
املجلس للتحقق من شروط طلبات التحدث والبت فيها قبل اعتمادها ،السيما إذا علمنا كذلك
غياب مقتض ى يسمح لمكتب مجلس النواب البت في فحوى األسئلة الشفهية وتصفيهها قبل
إحالهها على الحكومة.
لنصل إلى استنتاج أن حق ترجيح قبول أو رفض طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ
موكول حصرا للحكومة ،لدرجة تثير من وجهة نظر أخرى اعتبار أي تدخل لمكتب املجلس
لتصفية تلك الطلبات وإعمال نظره بصفة منفردة بشأن فحواها دون مو افقة مسبقة
لواضعيها بمثابة حلول برلماني غيردستوري وغيرقانوني ومس جوهري بمبدإ الحق البرلماني في
مساءلة الحكومة وتكافؤ فرص أعضاء البرلمان في تفعيل حقوقهم المستمدة من تمثيليههم
لألمة على حد سواء.
أما من جهة المبدأ الدستوري المتعلق بالتوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية
والتنفيذية بسنده الوارد بموجب الفقرة الثانية من الفصل األول من الدستور ،فإن مقتض ى
الحال يفرض اإلحالة على ضرورة إخبار الحكومة بمواضيع طلبات أعضاء البرلمان للتحدث في
موضوع عام وطارئ واالتفاق معها مسبقا ،قبل برمجة تناول الكالم في هذا النطاق ،علما أن
النظام الداخلي واضح بتنصيصه على "برمجة الطلبات باتفاق مع الحكومة".
كما أن القضاء الدستوري سبق أن أكد على ذلك وحسم األمر بموجب قراره المرجعي
رقم 124/93بمناسبة بته في دستورية النظام الداخلي ملجلس النواب لسنة ،2193والذي ورد
فيه ما يلي" :وحيث إن أعضاء البرلمان ،الذين يستمدون نيابههم من األمة بموجب
الفصل 01من الدستور ،متساوون في ممارسة الحقوق التي يخولها لهم الدستور؛
وحيث إن التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ُي ُّ
عد ،بمقتض ى الفقرة الثانية من
الفصل األول من الدستور ،من المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة؛
وحيث إنه ،بناء على ذلك ،فإن ما تتضمنه هذه المادة من منح األسبقية الزمنية للتحدث
في موضوع عام طارئ ،في جلسة مخصصة دستوريا ألسئلة النواب وأجوبة الحكومة وفق
الضوابط املحددة لذلك في الفصل 911من الدستور ،وحصر تناول الكالم فيها على رؤساء
الفرق النيابية أو من ينتدبونهم دون سائر النواب ،وعدم إخبار الحكومة واالتفاق معها مسبقا
على هذا األمرُ ،ي ِخ ُّل بالمبادئ الدستورية سالفة الذكر ،مما يجعل هذه المادة غير مطابقة
للدستور" ،كما أنه سبق التذكير بنفس مضمون القرار المذكور بمناسبة البت في دستورية
النظام الداخلي ملجلس المستشارين لسنة ( 2194قراراملجلس الدستوري رقم .)131/94
وعليه فمن المالئم اإلشارة إلى أن مجلس النواب في مرحلته النهائية من الوالية التشريعية
السابقة قد أخل بمبدإ التوازن والتعاون مع السلطة التنفيذية في مجال تدبير التفاعل مع
طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ ،بمبادرته لبرمجهها بصفة منفردة ودون اتفاق مسبق مع
الحكومة.
ولئن كان مجلس النواب الحالي قد تراجع عن تطبيق المنهجية السابقة املخلة بحق
الحكومة في تقدير التفاعل من عدمه مع طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ ،فإن منهجية
تصفيته للطلبات املحالة على رئيس املجلس تثير من زاوية عميقة إخالل بمقتض ى إخبار
الحكومة بكل الطلبات المذكورة ،بهدف تفعيل مسؤوليهها في قبول أو رفض ما تراه مناسبا
باعتبار ما له من تداعيات أو انعكاسات على حياة المواطنات والمواطنين أو ما يقتضيه واجب
اتخاد تدابيراستعجالية.
ومن جهة إحصائية إجمالية ،نسجل تفعيال مهما آللية التحدث في موضوع عام وطارئ،
حيث تحقق التفاعل اإليجابي خالل الوالية التشريعية السابقة مع 913طلبا من أصل 001من
طلبات الفرق واملجموعات البرلمانية ،أي بما نسبته ،% 21.11مع إثارة وجود تفاوت كبير من
حيث عدد الطلبات الموجهة حسب القطاعات الحكومية وتركيزالنظرالبرلماني بشكل كبيرعلى
القضايا الطارئة التي تهم القطاعات الحكومية األربعة التالية :الداخلية ،التربية الوطنيةـ
الصحةـ التجهيزوالنقل.
وخالل السنة التشريعية األولى من الوالية التشريعية الحالية تجاوبت الحكومة مع ما ال
يقل عن 44طلبا من بينها اقتضت تنويرالرأي العام بمعطيات رسمية ،مع تسجيل تفوق عددي
ملجلس المستشارين في طلباته المبرمجة ( 21طلبا) .ويمكن ربط العدد المبرمج بمجلس النواب
بتصفية مكتبه لطلبات النواب قبل إحالهها على الحكومة بخالف املجلس اآلخر الذي استفاد
و أفاد من يسرإحالة طلبات المستشارين ،علما أن عدة جلسات شهدت نقط نظام احتجاجية
لنواب المعارضة في هذا الشأن.
ومن بين أهم المواضيع الطارئة التي تم تناول الكلمة بشأنها :ارتفاع أسعار بعض المواد
األساسية وفرض اإلدالء بجواز التلقيح لولوج املحاكم واختفاء النحل والمر اقبة الجمركية
للمعامالت المنجزة.
و إذا كانت أهمية مواصلة تفعيل آلية التحدث في موضوع عام وطارئ في نهاية الجلسات
األسبوعية يتعذر استبعادها في المراجعة المقبلة للنظام الداخلي ،لكون هذه اآللية أصبحت
بحق مكتسب برلماني وطني يتيح فرصة نادرة لنقاش استعجالي في قضايا عامة وطارئة ال تشملها
البرمجة املحتملة أو النهائية لجدول األسئلة الشفهية األسبوعية ،وتحتمل بحكم طبيعهها إشعار
رئيس املجلس بها ،ولو قبل 24ساعة فقط من موعد الجلسة ،فإن و اقع السجال البرلماني
والقانوني بشأنها يفرض ضرورة بذل مجهود جماعي لتثمين مساهمهها في إغناء النقاش العمومي
المؤسساتي وتنوير الرأي العام الوطني بالمعطيات والتوضيحات الحكومية الضرورية حول
القضايا المستعجلة وذلك بتكريس تفعيلها اإليجابي في إطار اعتيادي محايد من السجال
البرلماني المتجدد ،مع استبعاد تصفية حرية المبادرات البرلمانية في طلب إثارة ما تراه من
مستجدات وقضايا تستأثر باهتمام المواطنات والمواطنين.
وفي هذا الصدد ،وحيث إن السند الدستوري والقانوني والعملي لضرورة إخبارالحكومة
واالتفاق المسبق معها ثابت وأولى في تقدير أحقيهها في ترجيح التفاعل من عدمه مع طلبات
التحدث في موضوع عام وطارئ ،دون حاجة قانونية وتنظيمية مسبقة لتصفية برلمانية غير
مسنودة بمو افقة مسبقة ألعضاء البرلمان المعنيين ،فإنه من باب التفاعل اإليجابي اإلفادة
ببعض المالحظات بهدف تعزيزوتجويد آلية التحدث في موضوع عام وطارئ ،بما يحقق المالءمة
بين الحق الدستوري والقانوني البرلماني في مساءلة الحكومة وطلب توضيحات منها حول
موضوع عام وطارئ من جهة ،وبين المسؤولية الحكومية في تكريس التفاعل المنشود مع
القضايا الحقيقية المستعجلة التي تقتض ي تقديم المعطيات والتوضيحات الرسمية
الضرورية من جهة ثانية ،وذلك كما يلي:
-9وضع مقتض ى صريح في النظام الداخلي بشأن المو افقة المسبقة لمقدمي طلبات
التحدث في موضوع عام وطارئ على استبعاد إحالهها على الحكومة أو تحويلها إلى أسئلة شفهية
آنية.
-2تجنب توجيه طلبات للتحدث في نفس المواضيع التي تتضمنها األسئلة الشفهية
والكتابية؛
-4إعادة النظر في موعد توزيع جدول األسئلة المبرمجة وتجنب التأخير في إحالة طلبات
التحدث في موضوع عام وطارئ ،حتى يتسنى للقطاعات الحكومية المعنية دراسهها وإعداد
عناصرالجواب عنها في الوقت الكافي؛
-1مالءمة إحالة طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ مع برمجة حضور الوزراء
وغيابهم؛
-0مضاعفة تفعيل اإلنابة الحكومية بين الوزراء لضمان التفاعل االستعجالي مع طلبات
التحدث في موضوع عام وطارئ؛
-1إيالء القطاعات الحكومية أهمية خاصة لطلبات التحدث املحالة عليها ودراسهها
دراسة موضوعية فاحصة ،قبل تحديد موقف منها ،واعتبار التفاعل اإليجابي معها فرصة
تثمين مجهودها وعملها وليس محطة محرجة قد تدفع في وجهة تقديرها تفويهها.
الئحة المراجع:
قرارالقضاء الدستوري رقم 124/93بمناسبة بته في دستورية النظام الداخلي ملجلس النواب
لسنة .2193.
وقد أثبتت التجارب أن ممارسة الديمقراطية التشاركية ومشاركة الساكنة املحلية في
اتخاذ القرار له أثر إيجابي في تقدم وتطوير املجتمعات ،على اعتبار أن إعمال الديمقراطية
التشاركية على المستوى الوطني والجهوي واملحلي من شأنه أن يساهم في الحد من احتكار
السلطة من قبل أقلية منتجة في املجتمع ،ومن شأن ذلك أن يوسع قاعدة النخب االجتماعية
والمدنية وتسيير مساهمههم في تدبير الشأن العام ،ومن تم فقد أصبح المفهوم التقليدي
لالنتخاب متجاوزا ولم يعد دور المواطن مقتصرا على اإلدالء بصوته في االنتخابات الختيار
ممثليه في المؤسسات المنتخبة على المستويين الوطني واملحلي ،بل من الضروري ضمان
استمرارية مشاركة المواطنين في إتخاذ القرارات والسياسات العمومية بشكل دائم ومستمرمن
شأنه تفعيل مبدأ السيادة الشعبية وتكريس حكم الشعب.
في هذا الصدد تعتبر الديمقراطية التشاركية عملية لصنع القرار العمومي من خالل
الجمع بين عناصر التشاركية والديمقراطية النيابية ،بحيث يبقى للمواطن حق تقرير
السياسات العمومية ويختص السياسيين بدورتنفيذ هذه السياسات ،إذ أن الناخبين يقومون
برصد مقترحاتهم مع السياسة المطبقة على أرض الو اقع وفي هذا النظام يمكن للمواطن التأثير
في السياسات وتحديد األولويات اإلجتماعية ،ارتباطا بذلك فان الديمقراطية التشاركية ال
تسههدف تغيير ميكانيزمات الحكم ،وال تقترح هذه اآلليات بشكل يتقاطع مع الديمقراطية
التمثيلية أو يقصيها ،ولكنها آليات مكملة ومساعدة ،لكونها تعمل على تقوية الديمقراطية غير
المباشرة ،وتحيين مضامينها لكي تصبح أكثرفعالية.
سنحاول في هذه الدراسة التطرق إلى التجربة المغربية في ممارسة وتطبيق الديمقراطية
التشاركية من خالل املحاول التالية .املحور األول :اإلطار المفاهيمي والمرجعي للديمقراطية
التشاركية .املحورالثاني :اإلطارالمرجعي والقانوني للديمقراطية التشاركية.
تمثل الديمقراطية التشاركية أحد الركائز األساسية لتجسيد عملية التنمية على
الصعيدين املحلي والوطني وذلك نظرا لألهمية البالغة التي تتسم بها باعتبارها الوسيلة التي يتم
من خاللها فتح الباب أمام المواطنين لإلندماج في الحياة السياسية والمشاركة في عملية صنع
القرار ،إذ تعد من المفاهيم الجديدة والحديثة المتعددة في استعماالتها أخذت مسميات
مختلفة كالديمقراطية املحلية ،الديمقراطية الشعبية وحتى التداولية ومنه يمكن تحديدها
كاآلتي .103 :
103موستف يونس "،الديمقراطية المحدثة :سياق أزمة ومحوالت انبعاث" مجلة المستقبل العربي ،متحصل عليه من
www.caus.org.lb/Home/dawn.php? Article IP=5529
الديمقراطية التشاركية ،بعد ذلك تم إعتماده وتضمينه في الدستور البرازيلي عام 9111م ثم
طبق فيما بعد في الدول األوروبية خالل الثمانينيات خاصة في بريطانيا و أطلق عليها
بالديمقراطية التداولية ،ثم جسدت في ألمانيا بينما فرنسا فقد استعملت هذه األخيرة بمصطلح
الديمقراطية الحوارية عبرإصدارها قانون سنة 2112جعل منها ذات بعد محلي.
وقد تم تعريف الديمقراطية التشاركية بأنها " نظام يمكن من مشاركة المواطنين
والمواطنات في صنع القرارات السياسية ذات األولوية بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر
والمستمرمع السلطات القائمة بشأن المشكالت والقضايا المطروحة ،وتبنت مفهوما جوهريا
يأخذ بعين االعتباردورالمواطنين في المشاركة في صنع القرارالسياس ي وتدبيرالشأن العام كما
أنها تتسم بالتفاعل بين المواطنين والحكومات أوالمستشارين املحليين بشكل دائم مستمروأنها
مكملة للديمقراطية التمثيلية" .104
وهناك تعريف آخر للديمقراطية التشاركية قدمه "جون ديوري" ،حيث عرف
الديمقراطية التشاركية بأنها ":مشاركة كل من يتأثر بالمؤسسات االجتماعية ،حيث يشارك
الفرد في رسم و إنتاج هذه المؤسسات والسياسات التي تنبع منها. 106
يستنتج أن الديمقراطية التشاركية عبارة عن نظام ديمقراطي يسعى إلى تشكيل مواطنين
أكفاء للمشاركة في أكبرعدد ممكن من نواحي الحياة اإلجتماعية.
-الديمقراطية التشاركية تعني مشاركة واسعة النطاق من قبل األفراد إلعادة بناء
املجتمع.
104نجيب المحمودي":الدمقراطية التشاركية في التجربة المغربية ،مقال نشر بجريدة إيكونيوز ،الخميس 20يوليوز .0102
105أحمد عبابو :الديمقراطية التشاركية في إطار الدستور المغربي ،0100بحث لنيل الماستر في القانون العام ،كلية الحقوق ،فاس،
، 0102/0100ص.02 :
106جون ديوري ":الديمقراطية التشاركية من خالل دستور ،"0100موقع العلوم القانونية.
-الديمقراطية التشاركية تعني المشاركة في إتخاذ القرار بهدف إعادة بناء النموذج
الديمقراطي.
-الديمقراطية التشاركية تعني المشاركة والتشاور القائم على أساس تبادل اآلراء
والتعاون في العمل على مستوى المؤسسات 107الديمقراطية التشاركية هي شكل من أشكال
التدبير المشترك بشأن املحلي يتأسس على تقوية وتمكين المواطن من المشاركة فيصنع
القرارات العامة التي تهمهم من جهة ،والعمل على خلق جو يسوده التنسيق بين مختلف
الفواعل والقطاعات التي من بينها منظمات املجتمع المدني ،القطاع الخاص وكذا تحسين
مهارات وقدرات الجهات الفاعلة املحلية من خالل اإلستحواذ على الوسائل واألساليب التي تعزز
قدرات التدخل النوعي لديها و من مشاركهها في تحقيق التطوروالنمو على المستوى املحلي.
-وعليه فهي شكل جديد م ن أشكال الديمقراطية ،الذي يسمح بمشاركة المواطنين في
مختلف عمليات صنع القرار ،وفي النقاشات العامة المتعلقة بالسياسات املحلية ،اإلقليمية،
والجهوية وحتى الوطنية .108
-المشاركة في بناء المناقشات المفتوحة لمعالجة القرارات على مستوى النطاق املحلي
عبراستعراض جملة من المقترحات البناءة من خالل التنظيم الديمقراطي واإلستشاري.
-الديمقراطية التشاركية تثري العملية اإلخبارية ،فهي مكملة للديمقراطية التمثيلية من
جهة ومساهمة في دمج المواطن وتعزيزدوره في الحياة السياسية من جهة أخرى .109
107علي عبود المهداوي ،حيدر ناظم ":مقاربات في الديمقراطية والمجتمع المدني :دراسة في األسس والمقومات والسياق التاريخي،
دار صفحات للدراسات والنشر ،دمشق ،0110 ،ص.07 :
108مغربي فريال ":الديمقراطية التشاركية كآلية لتحقيق التنمية المحلية -المملكة المغربية نموذجا" ،مجلة المفكر ،الجزائر ،العدد ،07
جوان ،0101ص.000 :
109عبد المطلب عبد الحميد ":التمويل المحلي والتنمية المحلية" ،الدار الجامعة ،القاهرة ،0110 ،ص .02
مواصلة المملكة المغربية مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة ،مرتكزاتها
المشاركة والتعدية والحكامة الجيدة ،وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع باألمن
والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة اإلجتماعية ،ومقومات العيش الكريم ،في
نطاق التالزم بين حقوق و واجبة المواطنة.
نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ،ديمقراطية برلمانية واجتماعية من
مرتكزاته الديمقراطية التشاركية .يقوم النظام الدستوري للملكة على أساس فصل السلط،
وتوازنها وتعاونها ،والديمقراطية المواطنة والتشاركية ،وعلى مبادئ الحكامة الجيدة ،وربط
المسؤولية باملحاسبة ،110كما نصت الفقرة الثالثة من الفصل 92من الدستورالمغربي لسنة
2199على ما يلي " :تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام ،والمنظمات غيرالحكومية
في طار الديمقراطية التشاركية ،في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة
والسلطات العمومية ،وكذا في تفعيلها وتقييمها ،وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه
المشاركة ،طبق شروط وكيفيات يحددها القانون .111
110محمد الغالي ":هيئات التشاور العمومي ،برامج العمل ،برامج التنمية للجماعات الترابية" ،مقال منشور على
االنترنت.
111حسن بوزيدي ":دور المجتمع المدني في دستور ،"0100ضمن المجتمع المدني المغربي ،مجلة الفرقان /العدد ،0102 /72ص
.22
الرغبة في مأسسة أدوار المنظمات المدنية في مجال صناعة القرار بعد أن كانت أدوارها نتاجا
لما أفرزته الممارسة وفي غياب شبه كلي ألي إطار قانوني يحددها ويوضحها ،باستثناء ما كان
واردا في الميثاق الجماعي الذي نعتبره بمثابة اللبنة األساسية في تكريس الديمقراطية التشاركية
وتأطيرها قانونيا .وذلك من خالل تضمنه لبعض اآلليات التشاركية التي تفتح املجال لمساهمة
منظمات املجتمع المدني في تدبيرالشأن العام على المستوى املحلي ،باإلضافة إلى بعض البرامج
التنموية التي تضمنت أشكاال مختلفة لمشاركة املجتمع المدني في السيرورة القرارية.112
غير أن غياب المأسسة كان يجعل هذه المشاركة ،خاصة على المستوى الوطني تتم
بشكل اعتباطي ،وهو ما أفرز محدودية البرامج التنموية ببالدنا .األمر الذي عمل دستور 2199
على تجاوزه بوضعه إطارا مؤسساتيا للمشاركة المدنية في إتخاذ القرارات التنموية ،حيث أقرت
الفقرة الثالثة من الفصل 92من الدستور بمساهمة المنظمات المدنية في إعداد قرارات
ومشاريع لدى السلطات المنتخبة والمؤسسات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها ،وعلى هذه
المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة طبق الشروط والكيفيات التي يحددها القانون،
وهوما يقترب من منطوق الفصل 931من الباب التاسع املخصص للجهات والجماعات الترابية
في فقرته األولى التي تحث مجالس الجهات والجماعات الترابية على وضع آليات تشاركية للحوار
والتشاور تيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها
.113
فالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية تضمنت عدة مقتضيات تتعلق بإعمال آليات
الديمقراطية التشاركية على المستويات املحلية الثالثة:
112شعبان عبد الحسن ،المجتمع المدني الوجه اآلخر للسياسة ،دار ورد ،عمان ،الطبعة األولى ،ص 22وما بعدها ،وارد عند أحمد
أعراب ،الوجيز في علم السياسة ،الطبعة ،0100ص .71
113عكاشة بن مصطفى "،آليات الديمقراطية المباشرة في دستور ،"0100ضمن كتاب جماعي :النص والبيئة السياسية ،سلسلة بدائل
قانونية وسياسية ،العدد ،0102 ،0ص .70
فبالنسبة للجهات تضمن القانون التنظيمي المؤطر لها ثالث هيئات :واحدة استشارية
بشراكة مع فعاليات املجتمع المدني ،تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل
مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع ،واألخرى إستشارية تتعلق بدراسة القضايا
المتعلقة باهتمامات الشباب ،والثالثة بشراكة مع الفاعلين اإلقتصاديين بالجهة ،تهتم بدراسة
القضايا الجهوية ذات الطابع اإلقتصادي.
أما بخصوص العماالت واألقاليم والجماعات ،تضمنت القوانين التنظيمية المؤطرة لها
إحداث هيئة إستشارية لدى كل مجلس تهتم بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة
وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع ،بشراكة مع فعاليات املجتمع المدني.
لقد أدى تباعد بين األحزاب المغربية والمواطن من جهة ،وضعف العمل واالنخراط
السياس ي لفئات عريضة من املجتمع ،وتراجع ثقة المواطنين في املجال العمومي من جهة ثانية،
لعدة أسباب تاريخية واجتماعية وسياسية و اقتصادية ،إلى الدفع بالمشرع الدستوري إلى
دسترة آليات وتقنيات فعالة للتواصل ،والتفاعل والمشاركة في إتخاذ القرار العمومي داخل
مختلف المؤسسات ،واإلدارات والمر افق العمومية املحلية والوطنية و أتاح للمواطنين فرادى
وجماعات ودون انخراطهم في هيكل تنظيمي محدد إمكانية المشاركة في صناعة و اتخاذ القرارات
العمومية ،وذلك من خالل آليات الملتمسات في املجال التشريعي .114
يعد الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع من آليات المشاركة المواطنة التي
أقرها الدستور ،وهو حق يخول للمواطنات والمواطنين المساهمة في المبادرة التشريعية عبر
تقديم اقتراحات أو توصيات ألحد مجلس ي البرلمان ،وذلك متى ما إتضح أن مسألة أو موضوعا
يقتض ي تأطيرا قانونيا ،ومن هنا يمكن تعريف الملتمس التشريعي" بأنه كل مبادرة يتقدم بها
مواطنات ومواطنين بهدف المساهمة في المبادرة التشريعية من أجل سن قانون عادي أو إلقاء
قانون موجود" .115
114فاطمة الزهراء ميرات":من اجل مقاربة تشاركية في إعداد الميزانية السنوية :المجتمع المدني نموذجا"المجلة المغربية لإلدارة
المحلية و التنمية( ،دراسات) عدد ،012ماي – يونيو ،0100ص .22
115دليل المشاركة المواطنة "حق تقديم الملتمسات في مجال التشريع" ،الجزء الثاني ،من إصدار الوزارة المنتدبة لدى رئيس المحكومة
المكلفة بالعالقات مع البرلمان والمجتمع المدني ،0102،ص.2 :
فحق تقديم الملتمسات من طرف المواطنين مكسب ديمقراطي تاريخي يقتض ي تأهيل
املجتمع المدني ،و أيضا فتح بوابة إلكترونية من أجل تلقي مقترحات الجمعيات ،على أنه في
األخيرنؤكد أن هذه التقنية السياسية ما هي إال وسيلة وليس غاية في حد ذاتها ،وسيلة يجب أن
تمكن المواطنين من المشاركة الفعلية في إتخاذ القرارات العمومية التي تخدم وتدافع على
المصالح العليا للمجتمع من أجل تحقيق حياة أفضل ،بالموازاة مع استعمال تقنية تقديم
العرائض.
فضال عما سبق ،فإن الدستور الجديد وسع من دور المواطن ،المنحصر سلفا في الدور
االنتخابي ،المنتهي بإنههاء اإلستحقاقات اإلنتخابية ،سواء كان ذلك من داخل مؤسسات قائمة
الذات :جمعيات ووداديات ،أو مواطنا عاديا فحسب ،116حيث أن المشرع الدستوري قد وعى
التغيرات الجارية على صعيد المفاهيم الكبرى للسياسة ،فتبنى آليات للديمقراطية التشاركية
ومكن المواطن من دورتشريعي من خالل تقديم الملتمسات في مجال التشريع لسلطة تشريعية،
حيث جاء في الفصل 94من الدستور الجديد " :2199للمواطنات والمواطنين ضمن شروط
وكيفيات يحددها قانون تنظيمي الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع ،ومن شأن تفعيل
هذه اآللية زيادة من المشاركة الشعبية ،وإذكاء روح المواطنة والمسؤولية".
نجد األنظمة الدستورية والقانونية مختلفة بشكل كبير في إقرار حق تقديم العرائض،
المغرب117 فالبعض أقر ممارسة هذا الحق بشكل فردي كاألردن وألمانيا ،في المقابل نجد
وبريطانيا 118أقرت هذا الحق بشكل جماعي ،وهنا يمكن أن تكون العريضة حاملة لفكرة
تشريعية أو مطالب مجتمعية .119
عند دراستنا للوثيقة الدستورية المغربية يتضح أن المشرع الدستوري حاول أن يبوأ
الفرد مكانة متميزة ،وذلك باإلعتراف له بحقوق دستورية يمكن أن يمارسها دون وساطة أو
توجيه من أحد ،خصوصا بعد أن ازداد وعي المواطن المغربي بالتعاطي مع الشؤون اإلدارية
116أسماء اإلسماعيلي ":المجتمع المدني واألدوار الدستورية الجديدة" ،مجلة مسالك ،العدد ،0102 ،20/20ص.002 :
117اشترك المشرع المغربي لتقيم عريضة تشكيل لجنة مكونة من تسعة أفراد على األقل تسمى لجنة تقديم العريضة ،والتي تتولى جمع
0111توقيع.
118لكي نشترط عريضة أي مواطن أو مقيم في بريطانيا في موقع البرلمان يشترط أن تحظى عريضته بدعم خمسة أشخاص على
األقل ،وبعد ذلك ينبغي أن توقع من قبل 1000, 00مواطن.
119رضى مقتدر ":الحق في تقديم العرائض بين التجربة المغربية والتجارب الدولية" ،مرجع سابق ،ص .00
والسياسية املحلية والجهوية والوطنية ،فتقديم العرائض وسيلة عرفها ومارسها المغاربة منذ
زمن وهنا نذكرفقط عريضة المطالبة باإلستقالل سنة .9144
وتقدم لنا التجربة البريطانية أسمى تعبير لهذه اآللية ،حيث عملت بريطانيا بالعرائض
مع الثورة البريطانية لسنة 9011حيث تم اإلعتراف بتقديم العرائض دستوريا بعدما كان يتم
العمل بطريقة عرفية توارثهها المملكة على مر السنين وطورتها ليتم تقنينها بموجب قانون
الحقوق لسنة .120 9011
من بين المستجدات التي ميزت دستور 2199اعتماد الديمقراطية التشاركية كأحد
المرتكزات األساسية التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة ،وقد تجسد ذلك من خالل
تعظيم مكانة المواطن و إبرازها في الهندسة الدستورية التي ربطت السلطات العمومية
والمؤسسات المنتخبة بالمواطنين على مستوى إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها
وتقييمها ،ولعل أبرز وأهم هذه اآلليات التي أقرتها الوثيقة الدستورية الشتراك المواطنين في
تدبيرالشأن العام ،هو إقرارالحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية .
وإذا كان حق تقديم العرائض ذا أهمية بالغة سواء إشراك المواطنين في تدبير الشأن
العام أو في الحياة السياسية فإن التجربة المغربية لم تعرف تراكما كبيرا في هذا املجال بحيث
ألنه وألول مرة تمت دسترة هذا الحق بشكل صريح مع الدستور المغربي الجديد 2199في
الفصول ( 91و ،)931وبالرجوع إلى القانون التنظيمي المتعلق بالجهات نجد المشرع المغربي
120سعيدة ايت عبد العالي ":الديمقراطية التشاركية المحلية ،من خالل آليات تقديم العرائض" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
العام ،جامعة القاضي عياض ،كلية الحقوق ،مراكش ،0107/0100 ،ص .72
121بركة عبد الرحمان "،المجتمع المدني وصناعة القرار العمومي المحلي" ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام ،جامعة
الحسن األول ،كلية الحقوق ،سطات ،0107/0100 ،ص .01
نظم شروط تقديم العرائض من طرف المواطنين والمواطنات والجمعيات وفقا ملجموعة من
الضوابط القانونية الواجب احترامها .
الئحة المراجع:
موستف يونس "،الديمقراطية املحدثة :سياق أزمة ومحوالت انبعاث" مجلة المستقبل
العربي ،متحصل عليه من .www.caus.org.lb/Home/dawn.php? Article IP=5529
علي عبود المهداوي ،حيدر ناظم ":مقاربات في الديمقراطية واملجتمع المدني :دراسة في
األسس والمقومات والسياق التاريخي ،دارصفحات للدراسات والنشر ،دمشق.2119 ،
مغربي فريال ":الديمقراطية التشاركية كآلية لتحقيق التنمية املحلية -المملكة المغربية
نموذجا" ،مجلة المفكر ،الجزائر ،العدد ،91جوان .2191
عبد المطلب عبد الحميد ":التمويل املحلي والتنمية املحلية" ،الدار الجامعة ،القاهرة،
.2119
محمد الغالي ":هيئات التشاور العمومي ،برامج العمل ،برامج التنمية للجماعات
الترابية" ،مقال منشورعلى االنترنت.
حسن بوزيدي ":دور املجتمع المدني في دستور ،"2199ضمن املجتمع المدني المغربي،
مجلة الفرقان /العدد .2194 /14
شعبان عبد الحسن ،املجتمع المدني الوجه اآلخر للسياسة ،دار ورد ،عمان ،الطبعة
األولى ،ص 34وما بعدها ،وارد عند أحمد أعراب ،الوجيزفي علم السياسة ،الطبعة .2129
فاطمة الزهراء ميرات":من اجل مقاربة تشاركية في إعداد الميزانية السنوية :املجتمع
المدني نموذجا"املجلة المغربية لإلدارة املحلية و التنمية( ،دراسات) عدد ،914ماي – يونيو
.2192
سعيدة ايت عبد العالي ":الديمقراطية التشاركية املحلية ،من خالل آليات تقديم
العرائض" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،جامعة القاض ي عياض ،كلية
الحقوق ،مراكش.2191/2190 ،
بركة عبد الرحمان "،املجتمع المدني وصناعة القرار العمومي املحلي" ،رسالة لنيل
شهادة الماسترفي القانون العام ،جامعة الحسن األول ،كلية الحقوق ،سطات.2191/2190 ،
-0تتلخص وقائع القضية في أن السيدة مرسي كانت تشكو من حساسية في األنف إثر ذلك قامت بمراجعة أحد االطباء المتخصصين
باألشعة حيث قام بعالجها بأشعة أكس xوذلك خالل سنة 5291أين نتج عن هذا العالج تلف االنسجة المخاطية في وجه السيدة
ما يقارب ثالث 03سنوات من انتهاء العالج مطالبا الطبيب بالتعويض إثر ذلك قام زوجها برفع دعوى نيابة عنها سنة 5292أي
عن الضرر الذي لحق زوجته عملت محكمة النقض الفرنسية على تكييف المسؤولية الطبية ،أي هل يمكن اعتبارها مسؤولية تقصيرية
وبالتالي تتقادم دعوى التعويض فيها بمرور ثالث 30سنوات أم أنها ذات طبيعة عقدية بالتالي تخضع لمدة التقادم المدني والمقدرة ب
03سنة ،بما تقضي به قواعد المسؤولية العقدية ،وكان من نتائج ذلك قبول دعوى التعويض في قضية مرسي بعد مرور ثالث سنوات على
حدوث خطأ طبي معتبرة أن المسؤولية الطبية من طبيعة عقدية أي تخضع لنظام التقادم المدني.
العلمية المكتسبة 123يترتب على خرقه أو مخالفته قيام المسؤولية العقدية للمتسبب في
الضرر.
وإذا كان االصل أن يسأل الشخص عن خطئه الشخص ي فقط أين تتحقق المسؤولية
العقدية للطبيب المعالج عند خروجه عن االصول العلمية والفنية في العلوم الطبية ،كما
تتحقق المسؤولية للمؤسسات االستشفائية الخاصة عند اخاللها بالتزام تنفيذ الخدمات
العادية للمريض التي يمليها عقد الفندقة وبالتزام تقديم العالج معا وباألخص تنفيذ تعليمات
الطبيب إال ان استعانة كل من الطبيب بمساعدين والمؤسسة االستشفائية باألطباء
والممرضين يجعلهم مسؤولون عن أخطائهم بمناسبة تقديم العالج ،بالتالي إعمال قواعد
المسؤولية العقدية عن فعل الغير مما يدعونا الى طرح االشكال التالي :متى تتحقق المسؤولية
العقدية عن فعل الغيرفي املجال الطبي.
الغير ،لكن يمكن استخالصها ضمنيا من صريح نص الفقرة الثانية من المادة 911من
القانون المدني الجزائري 124التي تتعلق بتعديل قواعد المسؤولية العقدية عن فعل الغيرحيث
يجوز للمدين أن يشترط عدم مسؤوليته عن خطأ مستخدميه في تنفيذ التزامه ان كان غشا أو
خطأ جسيما ،والتي من غيرالممكن تطبيقها اال اذا كانت المسؤولية المدنية العقدية عن فعل
الغيربمجرد عدم وفاء هذا األخيربالتزامه.125
ال تقوم المسؤولية العقدية بصفة عامة والمسؤولية العقدية عن فعل الغير بصفة
خاصة في الفترة السابقة على التعاقد وال بعد انقضائها ،بل تثورعند االخالل بالتزام عقدي أثناء
123
- civ, 03/05/1936, 1936,1,p.88,comc Matter.
- 124المادة 072من االمر رقم 11/17 :المؤرخ في 03ماي 4117المعدل والمتمم لالمر رقم 12/71المؤرخ في 42
سبتمبر 0271المتضمن القانون المدني ،جريدة رسمية عدد .....والتي تنص على أن " وكذلك يجوز االتفاق على اعفاء المدين من أيـة
مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي إال ما ينشأ عن غشه أو خطئه الجسيم غير أنه يجوز للمدين أن يشترط اعفاءه من المسؤولية الناجمة
عن الغش أو الخطأ الجسيم الـذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه" .
- 125أنور سلطان ،الموجز في مصادر االلتزام ،منشأة المعارف ،0220 ،ص .002
قيام العقد فيشترط لقيام المسؤولية الطبية العقدية عن فعل الغير تحقق رابطة عقدية
صحيحة بين الطبيب والمريض. 126
هناك اختالف بين الفقهاء في تحديد ماهية العقد الطبي خاصة فيما يتعلق بتحديد
طبيعته حيث عرفه الدكتور عبد الرزاق أحمد الصنهوري بأنه " اتفاق بين الطبيب والمريض
على أن يقوم االول بعالج الثاني مقابل أجر معلوم" ،127ويعرف العقد الطبي على أنه " اتفاق
يربط بين الطبيب والمريض بمقتضاه يلتزم الطبيب بتقديم العالج الضروري للمريض وفقا
للقواعد العلمية ،والذي بدوره يقوم هذا االخير بدفع أتعاب العالج " 128فالطبيب الذي يقوم
بفتح عيادة
وتعليق الفتة تحمل اسمه وتخصصه فهذا يعتبر دعوة الى التعاقد ورضا المريض يعتبر
ركنا النعقاد هذا العقد بين الطبيب والمريض فابداء هذا االخير رغبته في تلقي العالج من قبل
الطبيب يعتبر ايجابا منه ،فيبرم عقدا مع هذا االخير سواء كان شفهيا أو ضمنيا أين يمون فيه
التزام الطبيب ليس بتحقيق نتيجة وبالتالي االلتزام بشفاء المريض و إنما انما ببذل عناية في
تقديم عالج يتسم بالحيطة والحذر واليقضة والتبصر بما يتفق واألصول العلمية والفنية
لعملية التطبيب.129
فلقيام المسؤولية الطبية عن فعل الغيريشترط أن يكون العقد الطبي 130مستوفيا لكل
أركانه من تراض ي الذي يتحقق بمجرد تبادل المريض التعبيرعن ارادته مع الطبيب لكن يشترط
-ال مجال لالدعاء بالمسؤولية العقدية اال بوجود عقد طبي بين االطراف الذي ينبغي أن يكون صحيحا مرتبا لجميع أثاره بين 126
المتعاقدين ،فال مجال للحديث عن هذا النوع من المسؤولية اذا لم ينعقد العقد بعد كأن يتضرر أحد االطراف في مرحلة المفاوضة مثال،
كما ال تطبق المسؤولية العقدية اذا كان العقد باطال أو قابال لإلبطال ويستوي في ذلك في الحالة التي تكون فيها العالقة العقدية قد انقضت
سواء بسبب فسخها أو ألي سبب آخر ،عن علي الفياللي االلتزامات ،الفعل المستحق للتعويض ،الطبعة الثالثة ،دار الموفم للنشر ،الجزائر
،0100 ،ص.00
- 127عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء السابع ،المجلد االول ،الغقود الواردة على العمل ،
الكطبعة الجديدة ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،0221 ،ص .01
- 128عشوش كريم ،العقد الطبي ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر ، 0117 ،ص . 12
Il se forme, entre le médecin et son client un véritable contrat, comportant pour le patient, -129
l’engagement, sinon, bien évidement de guérir le malade ; ce qui n’a d’ailleurs jamais été allégué; mais
du moins de lui donné des soins non pas quelconques ; mais consciencieux, attentif, et réserve faites
des circonstance exceptionnelle , conforme aux données acquise de la science ; que la violation même
involontaire, de cette obligation contractuelle, est sanctionnée par une responsabilité et de même
nature, également contractuelle›› Arrêt Dr Nicolas. C.Mercier, Cass.Civ 1er ,20/05/1936.In : http://
www.droit-médical.fr
- 130وثار جدال فقهي وتضاربت االراء حول طبيعة هذا العقد ،فهماك من يرى بأنه عقد وكالة إذ يوكل المريض طبيبه للقيام بإعمال
العالج بغية الشفاء ،وهناك من الفقه من يرى بأنه عقد عمل يخضع فيه الطبيب إلشراف مستخدمه والمتمثل في المريض رغم اقتصاره
ان يتم التعبيرعن االرادة من قبل شخص يكون مؤهل قانونا بأن تصدرالمو افقة من المريض
شخصيا اعماال للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني الجزائري ،131أو من قبل
من يمثله أو ينوب عنه كالولي أو الوص ي ،فإذا كان المريض قاصرا فيكون من قبل االولياء
والممثل الشرعي لقاصر وفق ما قضت به الفقرة االولى من المادة 12من مدونة أخالقيات
الطب والتي تقض ي "يتعين على الطبيب أو جراح االسنان المطلوب منه تقديم العالج لقاصر أو
لعاجز بالغ ،أن يستعين جاهدا إلخطار االولياء او الممثل الشرعي ويحصل على مو افقههم"،132
كما يشترط في الطبيب االهلية القانونية وان تتوفر فيه شروط ممارسة مهنة الطب وفق ما
نصت عليه المادة 911من القانون المتعلق بحماية الصحة وترقيهها ،133بأن يكون حائزا
لشهادة في االختصاص ،وحائزا على الجنسية الجزائري ،وحصوله على ترخيص وزاري بممارسة
مهنة الطب ،ومحل يستمد مشروعيته من جواز التعامل مع معصومية جسم االنسان الذي
تفرضه التطورات العلمية والطبية مما يجيز المساس به ،وأن يكون السبب مشروعا غير
مخالف للنظام العام واآلداب ،باإلضافة الى الشكلية في بعض الحاالت االستثنائية كنقل
وزراعة االعضاء البشرية وتشريح الموتى من أجل أهداف علمية .
فينبغي أن يكون العقد صحيحا فالعقد الباطل ال يرتب التزامات على طرفيه فمثال تخلف
رضا المريض يجعل العقد باطال أوأن يكون بغرض القتل بدافع الرحمة ( قتل الرحيم) أوالقيام
بعمل ية جراحية بهدف التجريب ال بهدف تقديم العالج والشفاء وأن حالته الصحية ال تستدعي
هذه العملية ،وهذا يعتبر اخالل باآلداب العامة والنظام العام مما يحول دون تحقق الغاية من
ابرام عقد العالج لبطالنه وبالتالي ال يرتب التزامات على الطبيب والمريض على حد السواء فما
بني ال بطل فهو باطل .
على الجانب االداري مع احتفاظه باستقالله الفني ،فيلتزم الطبيب بالقيام بالعمل لصالح المريض ببذل جهد فني وفكري مقابل أتعاب محددة
مسبقا ،وهناك إتجاه ثالث يرى أنه عقد مقاولة رغم التزام الطبيب ببذل عناية فقط مقابل أجر معلوم ،واتجاه آخر يرى أنه عقد ايجار أشخاص
أو خدمة يلتزم الطبيب بأداء خدمة العالج مقابل أجر يؤديه له المريض ،إال ان الفقه القانوني أجمع على تكييفه بأنه عقد من نوع خاص،
وأقرت ذلك محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر بتاريخ 0273/12/04على اعتبار ان عالقة الطبيب يرتبط بالمريض بعقد يكون
قائم بذاته ال يمت صلة بأي عقد من العقود السابق ذكرها ،عن كريم عشوش ،المرجع السابق ،ص .01-01
يعتبر من الغير كل مساعد أو معاون أو أي شخص ساهم في تنفيذ االلتزام بناءا على
أوامروتحت رقابة المدين بمعنى أن يكون تابعا له سواء باعتباره أجيرا أو متدخال بدون مقابل،
كما يكون نائبا أو بديال منفذا لاللتزام في مكان المدين ،ويكون من الغيرفي املجال الطبي الطبيب
الذي يوكل اليه تقديم العالج للمريض ،أو الصيدلي ،أو الطبيب البديل أو مساعديه 134من
ممرضات أو قابالت ،فتتحقق المسؤولية العقدية عن فعل الغير في املجال الطبي بمجرد عدم
قيام الطبيب أو من فوض اليه العمل الطبي في تقديم العالج للمريض ،كما تسأل المؤسسة
اإلستشفائية الخاصة عقديا
عن أعمال مستخدمي الصحة لديها ،حيث تقض ي المادة 13فقرة 12من مدونة
أخالقيات الطب بأن " ...المساعدون الذين يختارهم الطبيب أو جراح االسنان يعملون تحت
مر اقبههما ومسؤوليههما " ،135فيسأل الطبيب عن عدم تنفيذ االلتزام العقدي الناش ئ عن
تقصيرممثليه أومن ينوب عنه في القيام بالعمل الطبي حتى ولو لم يثبت خطأه الشخص ي ،فتثور
مسؤوليته عمن يختارهم للعمل تحت رقابته ومسؤوليته أو يتدخلون في العمل الطبي وال يمنعهم
عن ذلك على الرغم من قدرته على ذلك كون ذلك بمثابة اختيار كافي لتحميله المسؤولية عن
أخطائهم .
ينبغي أن ينتج عن هذا االخالل ضررا يلحق بالمريض يستوجب التعويض عنه،
باإلضافة الى أن لطبيعة التزام المدين فيما إذا كان االلتزام بتحقيق نتيجة أو ببذل عناية أثرفي
تقريرحصول اخالل بااللتزام من قبل الغير ،فالتزام هذا االخيريقاس بالمقياس الذي يقاس به
خطأ المدين نفسه في تنفيذ التزامه.136
ثانيا :حاالت تحقق المسؤولية العقدية عن فعل الغيرفي املجال الطبي .
- 02ال يعتبر المساعد من قبيل السبب االجنبي انما يعتبر من مستلزمات العقد الطبي وفق ما نصت عليه المادة 017من القانون المدني
الجزائري والتي تنص على انه "...وال يقتصر العقد على الزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب ،بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفق
القانون والعرف والعدالة بحسب طبية االلتزام".
- 135المادة 72فقرة 10من المرسوم التنفيذي رقم 070-20مؤرخ في 10محرم 0202الموافق ل 10يوليو 0220المتضمن مدونة
أخالقيات الطب ،جريدة رسمية عدد 00الصادرة بتاريخ 11يوليو .0220
-136أكرم محمود حسن البدو ،المسؤولية المدنية للمستشفيات الخاصة ،دار الحامد للنشر والتوزيع ،الطبعة االولى ،0112 ،ص .72
تتحقق الرابطة الطبية العقدية إذا كان المريض او من ينوب عنه حرا في اختيار
طبيبه ،ويتحقق ذلك اذا كان الطبيب حرا يعمل لسابه الخاص إما في عيادته الخاصة او بإحدى
المستشفيات الخاصة بموجب عقد خاص.
تعتبرارادة الطرفين متطابقة ملجرد دخول المريض لعيادة الطبيب الخاصة اوالعيادة
المشتركة بين مجموعة من االطباء137كأن تضم العيادة طبيبا جراحا وطبيب التخذير،
وأخصائي االشعة والتحاليل باإلضافة الى الممرضين الذين يرتبط معهم الطبيب بموجب عقد
عمل من اجل مساعدته في تنفيذ العقد الطبي فأي خطأ يرتكبه هؤالء يسأل عنه الطبيب
باعتباره المتعاقد المباشرمع المريض ما دام كلفهم بأداء التزام في االصل هو المدين به ،إال ان
هذا ال يعفي الطبيب المساعد عن الخطأ الشخص ي ،أما اذا تدخل طبيب آخر دون مو افقة
الطبيب المتعاقد مع المريض يعتبربمثابة السبب االجنبي ال يسأل عنه الطبيب المعالج.
فإذا ارتكب طبيب التخذير خطأ فان الطبيب الجراح يتحمل مسؤولية هذه األخطاء
يكون مسئوال مسؤولية عقدية عن فعل طبيب التخذير حيث ال يسأل عن خطأه الشخص ي وال
عن الخطأ المشترك بينه وبين مساعده بل عن خطأ مساعد له ذلك الخطأ ألنه عهد اليه
بمساعدته في القيام بتخذيرالمريض من أجل تنفيذ التزامه الذي يمليه عليه العقد المبرم بينه
وبين المريض ،وعلى هذا االساس فطبيب التخذيرال يعتبرأجنبي عن العقد ،فالطبيب الجراح
يقع عليه وحده االلتزام بمر اقبة مدى احترام كل عضو من أعضاء الفريق الطبي لقواعد
االحتياط والحذرالتي توجبها االصول الطبية والفنية المنصوص عليها في القانون الطبي.139
تجب االشارة أم مسؤولية الطبيب الجراح عن أخطاء طبيب التخذير ال تعتبر اخالال أو
إنقاصا من استقاللية هذا االخير في عمله المنهي واختصاصه ،فهذه المسؤولية ال تعتبر طبيب
التخذير تابع او خاضع لألول في أداء عمله و إنما ترجع الى ان الجراح هو وحده المتعاقد مع
المريض ومن ثم ينبغي عليه ببذل العناية الالزمة لعالجه ،الن طبيب التخذيريمارس عمله بناءا
على اتفاق مع الطبيب الجراح فالمساعدة ال تعني التبعية بل التعاون المتبادل كما ان طبيب
التخذيرال يكون ملزما امام المريض.
لما كان الطبيب صاحب العيادة او المؤسسة االستشفائية الخاصة يمثل شخصا
اعتباريا هو العيادة الخاصة التي تقدم المؤسسات االستشفائية الخاصة خدمات مزدوجة
بموجب عقد االستشفاء المبرم بينها وبين المريض ،من جهد تقدم خدمات فندقية من توفير
ظروف مالئمة الستقبال المريض وأمنه وحراسة اغراضه وخدمات عالجية ،فالمريض عند
ابرامه عقدا طبيا مع صاحب العيادة الخاصة ويقوم هذا االخير بتكليف أحد أطباءه او
مساعديه بتنفيذ عقد العالج فأي إهمال او تقصير من طرف الطبيب المساعد يسأل عنه
الطبيب صاحب المؤسسة االستشفائية الخاصة إلخالله بتنفيذ التزامه الوارد في العقد على
أساس أن الطبيب صاحب العيادة هو الذي يختار االطباء المساعدين ممن يعملون معه،
وإلمكانية مساءلته عقديا عن أخطاء االطباء المساعدين له ينبغي أن يكون بينهما عقد بينهما،
وأن يكون الضرر ناتج عن عدم تنفيذ االلتزام الذي تعهد به المدين أي الطبيب صاحب
المؤسسة االستشفائية الخاصة ،هذا االقراريجد مبرره في صريح نص المادة 911من القانون
المدني الجزائري التي تؤكد على إمكانية اعفاء المدين من المسؤولية عن أفعال من يستعين
بهم أو يفوضهم لتنفيذ التزاماته التعاقدية.
- 139رايس محمد ،المرجع السابق ،ص ،001و حسام الدين االهواني ،المرجع السابق ،ص .211
والمعطيات الطبية ،فهنا تنتفي مسؤولية الطبيب املختص والتي يتحملها الطبيب صاحب
العيادة متى وجد عقد بينهما كما سبق بيانه ،إال ان هذه القاعدة ال يمكن االخذ بها على اطالقها
الن هناك حاالت تنتفي فيها مسؤولية الطبيب صاحب العيادة و يكون الطبيب المعالج وحده
المسئول عن أخطاءه كما لو كان هذا الطبيب يباشر عمله في العيادة بصفة غير دائمة ،140بأن
يتفق طبيب مع مريض على يجري له عملية جراحية في عيادة معينة يختارها الطبيب ،في هذه
الحالة ال تكون العيادة مسئولة عن أخطاء هذا الطبيب سواء كان صاحبها أم ال على أساس ان
المريض تعاقد مباشرة مع هذا الطبيب ولم يتعاقد مع المؤسسة االستشفائية أي أن العقد
ابرم خارج نطاقها ،ومع ذلك يلتزم الطبيب صاحب العيادة بضمان حسن سير العمل الطبي
وتوفير االجهزة والمعدات الالزمة وكل مستلزمات التدخل الطبي .تجب االشارة الى ان في هذه
الحالة يبرم عقدين مع نفس المريض االول بينه وبين الطبيب مضمونه العقد الطبي والثاني
بينه وبين المؤسسة االستشفائية الخاصة وهو عقد استشفاء موضوعه تقديم الخدمات
العادية خالل تلقيه العالج و إقامته فيه141
يحدث أن يقوم الطبيب المتعاقد مع المريض بإحالل طبيب آخر محله لفترة زمنية
معينة شريطة أن يكون هذا الطبيب على درجة من الكفاءة تتناسب مع كفاءة الطبيب األصلي
ويستوجب لثبوت مسؤولية الطبيب المعالج عن أخطاء من حل محله أنه الملتزم بالعالج و أنه
اختار بديال له ،وأن تستمر عالقته العقدية مع مريضه طوال مدة العالج ،فينبغي ان يكون
الطبيب االصلي مدين بالعالج للمريض إال انه يباشر تنفيذ التزامه عن طريق طبيب آخر يختاره
ويقوم بتفويضه متابعة واستمرار العالج الذي بدأ فيه بموجب اتفاقية االستبدال ،فكأن
االخطاء و اقعة منه شخصيا باعتبارعمل البديل امتداد لعمل الطبيب األصلي ،ويشترط في هذه
الحالة ان يكون االختيار من قبل الطبيب االصلي دون المريض الن ذلك ينشأ عقد جديد بين
الطبيب البديل والمريض مستقل عن عالقته بالطبيب االصلي ،فهذا االخير يسأل عن خطأ
الطبيب البديل مادام التكليف الفعلي بالعمل الطبي قد صدر منه ،142وفي حالة تخلف اختيار
الطبيب االصلي يلتزم الطبيب المستخلف بمواصلة العالج الذي بدأ فيه االول على ان يكف عن
140
- Marie-Laure Moquet-Anger , Droit Hospitalier, L.G.D.J ,édition Alpha, Parie 2010,p 265.
- 141رايس محمد ،المرجع السابق ،ص .002
- 142حسام الدين االهواني ،المرجع السابق ،ص .217
ذلك بمجرد عودة الطبيب االصلي على ان يلتزم بتزويده بالحالة الصحية للمريض وتزويده بكل
المعلومات المتعلقة بحالته.
في حالة ارتباط المريض بعقد مع مؤسسة استشفائية خاصة وتقوم هذه االخيرة
باختيارطبيب لتنفيذ االلتزامات التي يرتبها العقد وبعد ذلك تختارطبيب آخربديال عن االول في
هذه الحالة تكون المؤسسة االستشفائية مسئولة عقديا عن أخطاء الطبيب االصلي وبديله
باعتباره المدين الوحيد بالعالج اتجاه المريض ويبقى االطباء مسئولين عن أخطائهم
الشخصية مسؤولية تقصيرية .
وتجب االشارة أن الطبيب المناوب هو غيرالطبيب البديل فالمرحلة السابقة على اقامة
المريض بالمستشفى الخصوص ي التي تكون بموجب توقيع الطبيب على قرار المو افقة على
قبوله بها ،ففي هذه المرحلة ال يكون للمريض طبيبا معالجا بل طبيبا مناوبا ينصرف بمجرد
انههاء فترة مناوبته دون ان يكون له قصد الرجوع لمواصلة العالج الذي بدأ فيه بل يحل محله
طبيب مناوب آخر فقي هذه الحالة نكون امام نظام المناوبة ال اتفاقية استبدال ،فيكون
المستشفى هو المسئول الوحيد عن أخطاء االطباء المتدخلين لتنفيذ العالج نفسه على
المريض نفسه ما دام الملتزم به ،دون أدنى مسؤولية على الطبيب عن خطأ زميل حل محله
وتتحقق هذه الحالة خاصة في الحاالت االستعجالية .
يستعين الطبيب بالممرضين خالل فترات تقديم العالج للمريض من بداية مرحلة
التحضير او االعداد و أثناء التدخل الطبي والى غاية مرحلة ما بعد هذا التدخل الجراحي،
فالطبيب ملزم بمر اقبة جميع االعمال التي يقوم بها مساعديه بمناسبة تنفيذ عقد العالج،
وهذا االلتزام مستمد من العقد الطبي مباشرة الن المريض تعاقد مع الطبيب االصلي او رئيس
الفريق الطبي في حالة التدخل الجراحي ،ويجب التفرقة بين ما اذا كان المريض قد اختار
المستشفى ام ان الطبيب هو الذي حددها.
اذا كان الطبيب هو من حدد المؤسسة االستشفائية للمريض فيكون مسئوال عن
أخطاء مساعديه باعتباره من عهد اليهم وأدخلهم لتنفيذ التزامه ،فالطبيب يكون مسؤوال عن
مساعديه خالل مرحلة التحضيرللتدخل الطبي الن هذه االخيرة تتم تحت االشراف المباشرله،
زيادة على ذلك تكون المؤسسة االستشفائية مسؤولة امام المريض عن االخطاء التي ترتكبها
هيئة التمريض سواء كان اختيارها من قبل المريض او من قبل الطبيب ،فالمنشأة الصحية
تكون ملزمة ازاء المريض بتقديم العناية الالزمة عن االعمال المرتبطة بالتدخل الطبي العالجي
او الجراحي ،أما في مرحلة التدخل الطبي ال يمكن اعمال قواعد المسؤولية العقدية عن فعل
الممرض إال في حالى ادخال الطبيب الممرض في تنفيذ االلتزام الن في هذه المرحلة تكون زمام
االموربيد الطبيب.
أما اذا قام الطبيب باختيار المؤسسة االستشفائية فالطبيب ال يسأل إال عن خطئه
الشخص ي كأن يصف دواء خاطئا او يههاون في مر اقبة المريض دون االخطاء المرتكبة من قبل
مساعديه ألن الطبيب لم يقم بإدخالهم في تنفيذ التزامه الذي يمليه عليه العقد الطبي ،فقبول
الطبيب اجراء التدخل الطبي في المؤسسة االستشفائية التي اختارها المريض ال يمكن اعتباره
مو افقة من قبل المريض عن تحمل المسؤولية عن االخطاء المرتبطة بالتدخل الطبي ،كذلك
االمربالنسبة للمرحلة الالحقة على التدخل الخل الطبي،143اذا كان الطبيب يمارس مهنته بشكل
حرفي عيادته الخاصة في هذه الحالة يكون مسئوال عقديا عن جميع أخطاء مستخدميه باعتبار
أنهم يعملون تحت مسؤوليته بموجب عقد ايجارخدمات.
يالحظ ان المسؤولية العقدية للطبيب عن فعل مساعديه متوقفة على مدى امتداد
االلتزامات التي يضمنها كل طرف متعاقد مع المريض والتي تتحدد حسب اختيار المؤسسة
االستشفائية أكان المريض أو طبيبه ،ألن باختيار الطبيب له يكون ضمانا لجميع االعمال
المرتبطة بالعالج منذ بدايته حتى نهايته دون االعمال الفندقية التي تبقى دائما على عاتق
المستشفى الخاص أما اختياره من قبل المريض يعني اعفاء الطبيب من جميع االعمال
السابقة والالحقة لجوهرالتدخل العالجي فال يسأل اال عن أخطائه الشخصية ،مع بقائه ملزما
برقابة المساعدين في حدود تفادي وقوع اضرارمحتملة على المريض .
يستنتج أن تحديد المسئول عن خطأ المساعد يكون تبعا لنطاق االلتزام العقدي لكل
طرف متعاقد مع المريض ،الذي يبين طبيعة عمل المساعد أكان تنفيذا اللتزام طبي يسأل عنه
الطبيب أم التزام استشفائي يسأل عنه المستشفى ،فالمسئول من أدخل المساعد لتنفيذ
التزام هو أصال المدين به دون ما أهمية للتمييزبين من اختارالمؤسسة االستشفائية .
تنص المادة 924من القانون المدني الجزائري أن كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص
بخطئه ،ويسبب ضررا للغيريلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض ،فتقوم المسؤولية المدنية
بتو افر اركانها من خطأ وضررا وعالقة سببية ،ولما كانت المسؤولية العقدية أحد شقيها تقوم
هي االخرى بتو افر هذه االركان زيادة على الشرط السلبق ذكرها من وجوب وجود عقد صحيح
وحصول باخالل بالتزام عقدي.
يجمع الفقه القانوني على تعريف الخطأ الطبي على انه " :الخطأ الذي يرتكبه الطبيب
أثناء مزاولته لمهنته إخالال بالتزام بذل العناية ،ويتجلى في كل مرة ال يقوم فيها الطبيب بعمله
بانتباه وحذر ،وال يراعي فيها االصول العلمية المستقرة ،مع االخذ بعين االعتبار كل الظروف
االستثنائية في الزمان والمكان ،وعدم االخذ بالضرورة بنتيجة عمله دائما والتي تقترن أحيانا
بالفشل نتيجة املخاطراملحتملة التي تكتنف معظم االعمال الطبية ،وهو نتيجة كل خطأ يرتكبه
الطبيب أثناء مزاولته لفنه إذا كان السبب في االضرار بمريضه" ،144كما عرفه قرار Arrêt
Mercierملحكمة النقض الفرنسية الشهير " يكون الطبيب مخطئا إذا كانت العناية التي بذلها
تخالف الحقائق العلمية الحالية ".145
فالخطأ الطبي هوأساس المسؤولية الطبية بصفة عامة والمسؤولية الطبية عن فعل
الغيربصفة خاصة ،االمرالذي أكده قانون 14مارس 2112الفرنس ي المتعلق بحقوق المرض ى
ونوعية نظام الصحة ، 146ويثبت من جانب الطبيب سواء تعلق االمر بأداء مهنته كطبيب وهو
ما يعرف بالخطأ الفني او المنهي والمتمثل في الخروج عن االصول الفنية للمهنة ومخالفة قواعد
العلم واألصول الطبية المستقرة ،او خطأ عادي غير متعلق بالمهنة ناتج عن اهمال الطبيب
- 144بن صغير مراد ،الخطأ الطبي في ظل قواعد المسؤولية المدنية ،دراسة مقارنة ،ص .00
145
- Cass.civ : 20/05/1936. Responsabilité civile et assurances, Edition du juris -classeur-, Hors-
série,(juillet- août1999), Paris, p 07.
146
- Art L1142-1 al du C.S.P.F dispose que « Hors le cas ou leur responsabilité est encorue en raison
d’un défaut d’un produit de santé,les professionnels de santé mentionnes a la organisme dans lequels
sont réalisés des actes individuels de prévention de diagnostic ou de soins ne sont responsables des
» conséquences dommageables d’actes de prévention , de diagnostic ou de soins qu’en cas de faute
وتقصيره وعدم احتياطه و اتخاذه الحيطة والحذرالتي يمليها عليه واجب الحيطة والتبصر ،كما
يمكن ان يكون الخطأ جسيما او يسيرا وللخطأ الطبي عدة صور.
-الخطأ في التشخيص :هو ذلك الجزء من الفن الطبي الذي يهدف لمعرفة طبية المرض
ووضعه في االطار املحدد له ،147فيخول الطبيب او جراح االسنان القيام بكل اعمال
التشخيص والوقاية والعالج فالغلط في هذه المرحلة ال يرتب مسؤولية الطبيب ،انما
تترتب عن االهمال او التقصيرمن جانب هذا االخيرفي لجوءه الى كافة الوسائل العلمية
والحديثة التي توفرها المعطيات العلمية في املجال الطبي من أجل تشخيص المرض.
-الخطأ في تنفيذ العالج :بعد القيام بعملية التشخيص واختيار العالج المناسب
للمريض تبدأ مرحلة العالج التي يكون الطبيب مسئوال عن أي خطأ يرتكبه هو او احد
مساعديه اذا تم ادخاله في هذه العملية ،فكل اهمال او عدم احتياط او رعونة يعتبر
خطأ طبي موجب للمسؤولية كالخطأ في الحقن باألمصال ،او الخطأ في وصف دواء
معين ،او الخطأ في التدخل الجراحي او في العالج باألشعة او في العمليات التجميلية او في
نقل الدم والخطأ في اختيار واستعمال وسائل العالج ،فالطبيب خالل تقديم العالج
يكون ملزما ببذل العناية التي تمليها عليه اصول مهنة الطب وقواعدها حيث تنص
المادة 41من مدونة اخالقيات الطب على ان " :يلتزم الطبيب او جراح االسنان بمجرد
مو افقته على أي طلب معالجة بضمان تقديم العالج لمرضاه يتسم باإلخالص والتفاني
والمطابقة لمعطيات العلم الحديثة واالستعانة عند الضرورة بالزمالء املختصين
والمؤهلين".
-الخطأ في المر اقبة :ينبغي على الطبيب االلتزام بمر اقبة المريض للتأكد من اثارالعالج
ومدى تأثيره على المريض خاصة بعد العمليات الجراحية خاصة طبيب التخذير الذي
يلتزم بإفاقته بعد التدخل الجراحي لتفادي ما قد يثور من مشاكل تنفسية او عدم
انتضام دقات القلب ،وكذلك االمربالنسبة للتعليمات التي يفوضها الطبيب للمرضين،
حيث اعتبرالطبيب الجراح مسؤوال عما أصاب المريض من حروق أثناء غيبوبته عقب
- 147محمد حسن قاسم ،اثبات الخطأ في المجال الطبي ،دار الجامعة الجديدة ،طبعة ،0110ص .000
إجراء العملية الجراحية بسبب عمليات التدفئة التي قام بها الممرضون اذ كان على
الطبيب الجراح أن يرقب بنفسه درجة الحرارة الالزمة. 148
ثانيا :الضرر
الضرر هو الركن الثاني من أركان للمسؤولية ويتمثل في االذى الذي يصيب الشخص من
جراء المساس بحق من حقوقه ،او بمصلحة مشروعة ،سواء تعلق ذلك الحق او تلك المصلحة
بسالمة جسمه اوعاطفته اوماله اوحريته اوشرفه اوغيرذلك ، 149ناتج عن عدم الوفاء بااللتزام
او التأخرفي الوفاء به فال يكفي لقيام المسؤولية ثبوت خطأ الطبيب او أحد مساعديه بل ينبغي
أن يكون الخطأ قد أدى الى الحاق ضرر بالمريض موجب للتعويض عنه ،ويستوي ان يكون
الضررماديا او أدبيا او تفويت فرصة العالج او الشفاء وفق نص المادة 912من القانون المدني
الجزائري ،ويجب ان يكون الضرر محققا او انه محقق ومؤكد الوقوع مستقبال كما يشمل
الضرر الذي قام بسببه كالحروق الناجمة عن تعريض جسم المريض لألشعة القوية ،فينبغي
ان يكون الضرر نتج مباشرة عن الخطأ المرتكب من قبل الطبيب او احد مساعديه وفي أي
مرحلة من راحل تقديم العالج.
على الرغم من صعوبة اقامة العالقة السببية بين الخطأ والضرر في املجال الطبي نظرا
لخصوصية العمل الطبي اال انه يلزم وجود عالقة سببية بين الخطأ المرتكب والضرر الناتج
عنه لقيام المسؤولية العقدية عن فعل الغير خاصتا وان العقد الطبي هو الذي يحكم هذه
العالقة الذي ينعقد بين الطبيب والمريض او بين المريض والمؤسسة االستشفائية الخاصة
فينبغي ان يكون الضرر الو اقع نتيجة مباشرة للخطأ المرتكب ،فإذا كان المريض تعاقد مع
الطبيب يكون هذا االخير مسؤوال عن جبر الضرر إال اذا أثبت السبب االجنبي الذي يخرج منه
الغير كما سبق بيانه فمتى ثبتت عالقة الطبيب بمساعديه يكون مسؤوال عقديا عن أعمالهم،
كذلك االمر بالنسبة للمؤسسات االستشفائية مادام يحكمها العقد الطبي ،ويقع عبء االثبات
على المدعي وفق القواعد العامة للمسؤولية فعلى الطبيب اثبات انه قام بتنفيذ جميع
االلتزامات التي يمليها عليه العقد الطبي وما دام التزام الطبيب التزام ببذل عناية بالتالي ينبغي
على المريض اثبات الخطأ والفعل الضارالعالقة السببية بينهما.
الخاتمة:
وختاما يمكن القول أن بانتقال القطاء الصحي من العام الى الخاص ونظرا لحداثة
االجهزة والعلوم الطبية وما يشهده هذا املجال من تطور سريع ،وبوجود مصلحتين متضاربتين
يجب التوفيق بينهما مصلحة الطبيب الذي يتمتع باستقالليته المهنية ومصلحة المؤسسات
الطبية من جهة ،ومصلحة المرض ى من جهة أخرى ،فالمسؤولية عن فعل الغيرفي املجال الطبي
على فكرة أن المدين االصلي بااللتزام يكون مسؤوال عن االخطاء التي ترتكب من قبل االشخاص
الذين يستعملهم في تنفيذ التزامه وال يجوز للطبيب ان يتخلص من هذه المسؤولية االب اثبات
السبب االجنبي او القوة القاهرة ،ينبغي على المشرع الجزائري العمل على تقنين أحكام تنظم
المسؤولية الطبية من أجل حماية الطرف الضعيف عي العالقة التعاقدية وهو المريض الذي
يسعى الى العالج خاصتا ما يشهده الوقت الحالي من كثرة و تنوع االخطاء الطبية وصعوبة اثباتها
خاصة في القطاع الخاص ،الذي اصبح يؤمن على المسؤولية المدنية لدى شركات التأمين .
الئحة المراجع:
االمر رقم 11/11 :المؤرخ في 93ماي 2111المعدل والمتمم لالمر رقم 11/11المؤرخ في
20سبتمبر 9111المتضمن القانون المدني.
علي الفياللي االلتزامات ،الفعل المستحق للتعويض ،الطبعة الثالثة ،دارالموفم للنشر،
الجزائر.2192 ،
عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء السابع ،املجلد
االول ،الغقود الواردة على العمل ،الكطبعة الجديدة ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت،
.9111
عشوش كريم ،العقد الطبي ،دارهومة للطباعة والنشروالتوزيع ،الجزائر. 2111 ،
أكرم محمود حسن البدو ،المسؤولية المدنية للمستشفيات الخاصة ،دارالحامد للنشر
والتوزيع ،الطبعة االولى.2114 ،
رايس محمد ،نطاق وأحكام المسؤولية المدنية لألطباء و إثباتها ،دار هومة للنشر
والتوزيع ،الجزائر.2192 ،
تخلص الدراسة إلى أنه بالرغم من أن موريتانيا عرفت تنظيم انتخابات رئاسية مرتين
في اآلجال املحددة دستوريا بعد سريان نفاذ المقتضيات المدسترة لتجريم االنقالبات ،وشهد
االستحقاق الرئاس ي األخير الذي نظم في شهر يونيو 2191تبادال دبمقراطيا على السلطة في جو
سلمي تنافس ي هادئ ،إال أن الوقت مازال مبكرا على الحكم بأن هذه التجربة ستشكل قطيعة
مع االنقالبات والممارسات غير الديمقراطية ،رغم أنها مؤشر إيجابي يصب في منحى وضع لبنة
تبعث على التفاؤل باحترام الشرعية الدستورية المكرسة لمبدأ التداول الديمقراطي على
السلطة.
Titre de l'étude
Résumé de l'étude
Cette étude vise à aborder un sujet très important (le mandat présidentiel),
comme le meilleur outil pour démocratiser le gouvernement et consacrer la
passation apaisée de la plus haute fonction de l'Etat (la Présidence de la
République, dont la préoccupation est le garant de l'indépendance et la
souveraineté du pays et le protecteur de la légitimité constitutionnelle. Dont la
préoccupation est le garant de l’indépendance et de la souveraineté du pays, le
protecteur de la légitimité constitutionnelle, le détenteur de l’autorité publique
et le subordonné de toutes les autorités.
L'étude conclut que bien que la Mauritanie ait su organiser des élections
présidentielles à deux reprises dans les délais constitutionnels après l'entrée en
Mots clés
.9عنوان الدراسة
.3تقديم
شهدت موريتانيا خالل مسيرتها السياسية ثالث دساتير أحدث كل منها نظاما مغايرا
لسلفه ،وتبعا لذلك اختلفت المقتضيات الناظمة للعهدة الرئاسية واألحكام المرتبطة بها في كل
دستورعلى حدة .فأول دستورعرفته البالد صدرفي مارس سنة 9111أسس لنظام يوصف بأنه
برلماني الوجود فيه لمنصب رئيس الجمهورية ،حيث يوجد على رأس السلطة التنفيذية
(الحكومة) وزيرأول ينتخب من قبل الجمعية اإلقليمية (البرلمان).
التكتس ي دراسة دستور 9111أهمية كبيرة نظرا لكونه وضع في فترة الستقالل املحلي/
الذاتي واستمر العمل به لفترة قصيرة استغرقت ما بين سنتي 9111و ،9109حيث عجل بنهاية
العمل به التغيرات التي حدثت على المسرح السياس ي الموريتاني خالل سنتي 9101و 9109من
جهة ،وعدم مالءمة مايرتبه من مقتضيات دستورية مع األوضاع الجديدة المترتبة عن حصول
البالد على االستقالل التام في الـ 21نوفمبر ،9101وهو ماتطلب اعتماد دستورجديد في 21مايو
9109اتجهت فلسفة واضعيه إلى إرساء دعائم نظام سياس ي من نمط رئاس ي ،أورئاسوي وفقا
لما درجت عليه تقاليد الدول اإلفريقية ذات اإلرث الفرنس ي.150
وهكذا فقد أرس ى دستور - 9109الذي يعتبر دستور الجمهورية الثانية -نظاما دستوريا
مختلفا عن النظام الذي ساد في ظل سلفه دستور 9111من حيث النمط الذي تبنى ،والعالقات
التي أقام بين المؤسسات الدستورية ،151حيث أحدث منصب رئيس الجمهورية وحدد العهدة
الرئاسية في خمس سنوات قابلة للتجديد بشكل مستمر ،وهو ما مكن الرئيس األسبق املختار
ولد داداه من االستمرار في الحكم طيلة ثالث مأموريات رئاسية حتى أطاخ به الجيش بموجب
انقالب عسكري في العاشرمن يوليو .9111وعلى إثرهذا االنقالب تم إلغاء العمل بدستور9109
وحلت المؤسسات السياسية المنبثقة عنه.
بخصوص الفترة الفاصلة بين العاشر يوليو 9111و 9119فال يتوقع أن يكون موضوع
العهدة الرئاسية محل اهتمام يذكر ،حيث عاشت البالد خالل هذه الفترة وضعية يمكن وصفها
باالستثنائية ،امتازت بصراع الجيش على الحكم وهيمنته على مختلف السلط ،وظلت البالد
تسير طيلة هذه الفترة بواسطة أوامر أو مواثيق تصدرها اللجان العسكرية التي تعاقبت على
الحكم .واستمر هذا الوضع حوالي ثالثة عشر سنة حتى تاريخ وضع دستور جديد للبالد سنة
.9119وقد أقام هذا الدستور مؤسسات ديمقراطية ،وعلى إثره تم انتخاب المؤسسات
الدستورية كالبرلمان ورئاسة الجمهورية ،وتمت دسترة التعددية الحزبية وحرية التعبير .ومازال
هذا الدستورساري النفاذ في البالد ،غيرأنه شهد ثالث مراجعات جزئية ،أوالها في 2110والثانية
في 2192والثالثة في .2191
هذا السياق العام لكرنولوجيا مسار التجارب الدستورية الموريتانية وما مرت به من
تحيين وتحديث ملحتوى الوثيقة الدستورية ،كان فيه لموضوع العهدة الرئاسية (تقليصا
وتحديدا) وإرساء معالم التداول الديمقراطي على السلطة نصيب من التعديل والمراجعة ،نظرا
لما مرت به البالد خالل مسيرتها السياسية من صراع على السلطة أفض ى إلى مسلسل من
االنقالبات العسكرية واالنقالبات المضادة .وبالتالي انصب اهتمام الطبقة السياسية
150انظر أحمد سالم ولد ببوط ،تطور المؤسسات في الجمهورية اإلسالمية الموريتانية ،تعريب محمد ولد الداه ولد عبد القادر،
المجلة الموريتانية للقانون واالقتصاد ،العدد ،01يونيو ،0102ص .27
يراجع سيدي محمد ولد سيدأب ،الوسيط في القانون الدستوري والنظم السياسية ،مطبعة سيرك (ش.م) ط ،0102 ،0ص 151
.027
الموريتانية منذ تبني خيار النظام الديمقراطي بداية تسعينات القرن المنصرم على الميكانيزم
الدستوري الضابط للعهدة الرئاسية والتمكين إلرساء التداول الديمقراطي على السلطة،
وظلت األحكام المرتبطة بهذا الموضوع محل تعديل في كل المراجعات الدستورية المتعاقبة،
سعيا إلى وضع أدوات دستورية صلبة تحصرالتناوب على السلطة في االنتخاب النزيه والشفاف،
وتمكن من وضع حد الستمرارمسلسل االنقالب على الشرعية الدستورية والتغلب على السلطة
بالقوة العسكرية الذي عانت منه البالد طيلة عقود من الزمن.
.4في هذا السياق ،تجد هذه الدراسة أهميهها في كونها تعالج موضوعا بالغ
األهمية (العهدة الرئاسية) الرتباطه بأعلى منصب في الدولة (رئاسة
الجمهورية) يعتبر الشاغل له هو الضامن الستقالل البالد وسيادتها وحامي
الشرعية الدستورية وهو الممسك بزمام الشأن العام وتخضع له كل السلط.
وعلى ضوء ماسلف ستتم معالجة الموضوع من خالل تقسيمه إلى ثالثة محاور :يتناول
األول منها التأسيس الدستوري للعهدة الرئاسية في دستوري 9109و ،9119في حين يتناول
الثاني محورية المأمورية الرئاسية في المراجعة الدستورية ،2110بينما سيخصص الثالث
لمستجدات مراجعة الدستورية 2192المرتبطة بوضع مكابح ترس ي مزيدا من احترام مبدأ
التداول الديمقراطي على السلطة.
سيتم تقسيم هذا املحور إلى نقطتين ،من خاللهما يتم تناول المقتضيات الدستورية
الناظمة للعهدة الرئاسية في ظل دستور( 9109أوال) ودستور( 9119ثانيا) ،وهو ما سيمكننا من
معرفة مدى تطابق أو تمايزمقتضيات أحكام المأمورية الرئاسية في كل من هذين الدستورين.
اعتنى المؤسس الدستوري الموريتاني في أول دستور عرفته البالد بعد االستقالل
بموضوع تحديد مدة المأمورية الرئاسية مجسدا ذلك في نص المادة 93من دستور 9109على
أن رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمس سنوات باالقتراع العام المباشر .غير أن المشرع ترك
مشرعا بتنصيص المادة 91من نفس الدستور باب إمكانية االستمرار في السلطة مدى الحياة َ
ّ
على أنه يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية دون أن ِ
تبوب على تحديد أي سقف لعدد
المأموريات الرئاسية القابلة للتجديد( .)152وهو أمر متوقع حسب األستاذ " أرنو" نظرا لطبيعة
النظام السائد في ظل دستور 9109الذي يعتمد على الحزب الواحد ،ووحدة القيادة السياسية
للحزب والدولة ،فرئيس الجمهورية باعتباره أمينا عاما لحزب الشعب( ،)153وحائزا على ثقة
مناضليه فإن ترشيحه ونجاحه يكون مضمونا بسبب انعدام منافس له من جهة ،وإشراف
المناضلين التابعين للحزب الذي يمثله على االنتخابات ومواالة اإلدارة بمفهومها الواسع له ،من
جهة أخرى.
لقد كرس دستور 9109العمل بقاعدة أحادية التنافس وحصرالترشح لمنصب رئاسة
الجمهورية في شخص األمين العام لحزب الشعب منذ التعديل الدستوري الذي أجري في سنة
،)154(9101والذي بموجبه تمت دسترة نظام الحزب الوحيد المعترف به في الدولة إلى أن تم إلغاء
العمل بدستور 9109وحل المؤسسات المنبثقة عنه –بما فيها حزب الشعب -بموجب انقالب
العاشرمن يوليو ،9111لتدخل البالد مرحلة جديدة من األحكام العسكرية استمرت حتى صدور
دستور 21يوليو .9119
لقد دفع المؤسسة العسكرية إلى وضع إجراءات االنتقال من الحكم العسكري إلى الحكم
الديمقراطي ،ما عاشته األحكام الدكتاتورية من مأزق ،وما لحق باألنظمة العسكرية من إفالس؛
باإلضافة إلى الموجة الديمقراطية التي اجتاحت العالم خصوصا بعد سقوط الثنائية
القطبية ،كل ذلك دفع بالسلطات العسكرية الحاكمة في موريتانيا إلى مسايرة هذا التوجه
الديمقراطي الجديد ،حيث لم تجد بدا من الدخول في هذا التيار ،خاصة بعد أن أصبحت
الدول األوربية والواليات المتحدة األمريكية تربط تقديم مساعداتها للدول اإلفريقية بتبنيها
دساتيرتؤسس لالنتقال الديمقراطي وتكريس دولة المؤسسات.
هذه العوامل الداخلية والخارجية دفعت بالعقيد معاوية ولد الطايع ،رئيس اللجنة
العسكرية الحاكمة وقتئذ ،إلى اإلعالن عن نيته وضع دستور جديد يقيم مؤسسات دستورية
تحكم البالد( ،)155وتم ذلك بالفعل باستفتاء الشعب حول مشروع الدستورالجديد في الـ 92من
يوليو ،9119و أقره الشعب بأغلبية أصوات ناخبيه ،وتم إصداره في 21يوليو من نفس السنة،
وتم تنظيم السلط ،بما فيها البرلمان ،في ظل هذا الدستور على نحو ما هو متعارف عليه في
األنظمة الدستورية ذات التوجه الديمقراطي.
إذا كان المشرع الدستوري حدد مدة المأمورية الرئاسية في الصيغة األصلية لدستور21
يوليو 9119على غراردستور ،9109فإنه أضاف مقتض ى جديدا ترتب عنه زيادة مدة المأمورية
لتصبح ست ( )0سنوات ،بدل خمس سنوات التي كانت مقررة في سلفه دستور .9109وعالوة
سيدي محمد ولد سيدأب ،السلطات العامة والعالقة بينها في ظل النظام الدستوري الموريتاني -2332دراسة ()155
مقارنة-رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ،كلية الحقوق أكدال ،جامعة محمد الخامس ،الرباط،
السنة الجامعية ،2332-2335ص .2
على ذلك ترك باب إمكانية تجديد الواليات الرئاسية مطلقا بدون تقييد بمدد رئاسية محددة،
بحيث اكتفى بالتنصيص على أنه" يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية"( ،)156وهو ما يعني
إمكانية إعادة انتخاب الرئيس ألكثر من مرة ،وهو ما يحمل على القول إن المؤسس الدستوري
شرعن إمكانية االستمرارفي السطة مدى الحياة.
بيد أن دستور 9119إذا كان كرس التنافس الحرعلى منصب رئيس الجمهورية وفتح باب
التعددية الحزبية والسياسية إال أن الممارسة العملية كانت تجسد مظهرا من مظاهر سيادة
نظام " الحزب الواحد" ،حيث ظل الحزب الجمهوري (الحزب الحاكم وقتئذ) هو المهيمن على
الحياة السياسية والمناصب التمثيلية ،وظلت االنتخابات سواء كانت رئاسية أو برلمانية مجرد
إجراءات تنظيمية شكلية التتوفر فيها معاييراالختيارالحرالنزيه والشفاف.
لقد كانت ثغرة عدم تحديد مدد تجديد الواليات الرئاسية فرصة استغلها الرئيس األسبق
معاوية ولد الطايع إلعادة انتخابه ثالث مرات ،غير أن انقالب الجيش الذي أطاح به في الثالث
أغشت 2111عجل بنهاية حكمه قبل انههاء مأموريته الرئاسية الثالثة ،لتدخل البالد بذلك
مرحلة انتقالية جديدة أفضت إلى مراجعة دستورية سنة .2110
نظرا لفشل التجربة الدستورية التي سادت منذ 9119حتى تاريخ تعليق العمل بها
بموجب انقالب ،2111نظرا لفشلها في تكريس التداول على السلطة وإرساء دعائم التنافس
الحر على منصب رئاسة الجمهورية ،فقد انصب اهتمام القوى السياسية في موريتانيا على
تدارس موضوع العهدة الرئاسية وما يتعلق بالنظام القانوني النتخاب رئيس الجمهورية بشكل
عام خالل األيام التشاورية التي نظمها املجلس العسكري للتدارس حول آليات السبل األنجع
()156انظر المادة 43في صيغتها األصلية ،قبل التعديل الذي لحقها بموجب المراجعة الدستورية .4006
للعودة بالبالد إلى الحياة الدستورية العادية و انتخاب مؤسسات سياسية بطريقة نزيهة
وشفافة ،وهو ما تطلب مراجعة الدستور في يونيو 2110بواسطة االستفتاء الشعبي.
وهكذا فقد ركز المشرع الدستوري الموريتاني خالل المراجعة الدستورية )157(2110
على موضوع المأمورية الرئاسية وضوابطها بشكل عام بدءا بتحديد سن أدنى للترشح لمنصب
رئيس الجمهورية ( 41سنة على األقل) وسن أعلى ( 11سنة على األكثر) مرورا بتقليص مدة
وصوال إلى حظر المساس بهذه الرئاسية()158 االنتداب الرئاس ي وتحديد عدد المأموريات
المقتضيات في أي مراجعة للدستور ،ومنع تولي أي منصب قيادي في حزب سياس ي على رئيس
الجمهورية.
في هذا اإلطارتم تقليص المدة الرئاسية وتحديد عدد المأموريات التي يسمح بها إلعادة
انتخاب رئيس الجمهورية ،بحيث أصبحت المادتان 20و 21بموجب التعديل الذي لحق بهما
تنصان بشكل صريح على أن رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمس ( )1سنوات عن طريق
االقتراع العام المباشر( ،)159واليمكن إعادة انتخابه ألكثرمن مرة واحدة (.)160
بيد أن المشرع الدستوري إذا كان حسم في المادة 21من الدستور عدد المأموريات
الرئاسية المسموح بها لرئيس الجمهورية فإنه ترك الباب مفتوحا للتأويل فيما يتعلق بطريقة
شهد الدستور الموريتاني لسنة ،2332النافذ حاليا ،أول مراجعة في عام ،4006وذلك بموجب القانون ()157
الدستوري االستفتائي رقم ،4006 -022بتاريخ 24يوليو ،4006الجريدة الرسمية ،عدد ،2244بتاريخ 25
يوليو .4006
( )158لقد تأثرت األنظمة الدستورية المغاربية عموما ،بما فيها موريتانيا ،في دسترتها للمقتضيات المتعلقة بآلية
انتخاب رئيس الجمهورية بالمقتضيات الناظمة لنفس الموضوع في النظام الدستوري الفرنسي ،حيث يتم انتخاب
رئيس الجمهورية في فرنسا لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة .غير أنه تجدر اإلشارة إلى أن رئيس
الجمهورية في فرنسا لم يكن في السابق ينتخب مباشرة من قبل الشعب ،بل كان ينتخب من طرف البرلمان طيلة
الفترة التي سبقت التعديل الذي شهده دستور الجمهورية الخامسة .وانطالقا من حرص الجنرال ديغول على تقوية
مركز رئيس الجمهورية أكثر في مواجهة مركز البرلمان ،جعله ذلك يقدم مبادرة لمراجعة الدستور بموجبها يصبح
رئيس الجمهورية يتم انتخابه مباشرة بواسطة االقتراع العام المباشر ،وهو ما تم فعال في 6نوفمبر .2364لمزيد
من التفصيل ،يراجع:
آندريه هوريو ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،ترجمة علي مقلد وآخرون ،األهلية للنشر والتوزيع ،بيروت-
لبنان ،ط ،2372،ص.530:
()159الفقرة األولى من المادة 46من الدستور الموريتاني ،2332مرجع سبق ذكره.
()160المادة 43من دستور ،2332مرجع سبق ذكره.
احتساب المأموريتين المسموح بهما؛ فنص المادة 21لم يحدد ما إذا كانت المأمورية الرئاسية
تحتسب ،أو التحتسب ،كاملة في حال ما إذا قدم رئيس الجمهورية استقالته من منصبه قبيل
اكتمال مأموريته الرئاسية بفترة قليلة ،ثم نظمت انتخابات رئاسية طبقا لما تحدده مقتضيات
الدستور في مثل هذه الحالة ،فهل يمكن أن يترشح رئيس الجمهورية المستقيل في هذه
االنتخابات؟ وفضال عن ذلك لم يحدد النص الدستوري ما إذا كان المقصود منع الترشح ألكثر
مأموريتين متصلتين فقط أو مطلقا سواء كانتا متصلتين أو منفصلتين على غرار نظرائه في
العديد من التشريعات المقارنة161؟
اليوجد في النص الدستوري ما يحسم هذه المسألة بشكل قاطع ،إال أنه بالرجوع
لألعمال التحضرية إلعداد مسودة المراجعة الدستورية 2110نجد أن صياغة هذه المسودة
كانت تتضمن التنصيص بشكل صريح على منع ترشح رئيس الجمهورية ألكثرمن دورتين رئاسيتين
سواء كانتا متصلتين أو منفصلتين ،وهذا التوجه هو الذي سارعليه الكثرمن الدساتيرالمقارنة
التي تحدد عدد المأموريات الرئاسية التي يمكن لرئيس الجمهورية أن يترشح لها .لكن بالرغم
من ذلك فإن التساؤل يبقى مشروعا عن أسباب عدول المشرع الدستوري الموريتاني عن
تضمين هذا المقتض ى في الصيغة النهائية لمشروع المراجعة الذي صادق عليه الشعب في
استفتاء يونيو .2110
تنص على صيغة اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس الجمهورية وإجراءات أدائها،
-الجزء األول يتعلق بالقسم على أداء رئيس الجمهورية لوظائفه على الوجه األكمل
والسهر على مصلحة الشعب الموريتاني والحفاظ على استقالل البالد وسيادتها ووحدة الوطن
وحوزته الترابية.
161انظر مثال :الفصل 70من الدستور التونسي 0102والمادة 10من الدستور الفرنسي.
-الجزء الثاني يتعلق بالقسم على عدم المساس بعدد المأموريات الرئاسية وشروط
تجديدها ،وذلك بتأدية الصيغة التالية:
"و أقسم بالله العلي العظيم أال أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غيرمباشرة أية مبادرة
من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة األحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس
الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 20و 21من الدستور".
وهنا تجدر اإلشارة إلى أنه قبل المراجعة الدستورية 2110لم تكن المادة ،21
المذكورة ،تنص على صيغة اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس الجمهورية عند
تسلمه لمهامه .حيث كانت تتألف من فقرة واحدة مصاغة بشكل مختصر ،وذلك
على النحو التالي" :يتسلم الرئيس المنتخب مهامه فورانقضاء مدة رئاسة سلفه".
بيد أنه إذا كان الدستور الموريتاني جعل صيغة اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس
الجمهورية تتضمن القسم على عدم المساس بعدد الدورات الرئاسية ومددها ،فإن الدساتير
األخرى في البلدان العربية واإلسالمية اكتفت بالتنصيص على حظر المساس بتلك األحكام في
أي مراجعة للدستور ،دون أن تذهب إلى أبعد من ذلك بتسييج تلك المقتضيات بمقتض ى آخر
ذا طابع ديني ،وذلك من خالل إدراج تلك األحكام في صيغ اليمين الدستورية التي يقسم بها
الرئيس المنتخب فورتسلمه لمهامه الرئاسية(.)162
هكذا يمكن القول إن لجوء المشرع الدستوري الموريتاني إلى إلزام رئيس الجمهورية
بالقسم على االلتزام بعدم المساس باألحكام المنظمة للمأموريات الرئاسية ومددها ،تأكيد ذا
صبغة دينية نابع باألساس من عظمة ومكانة القسم في نفوس الشعوب المسلمة ،نظرا
الستشعارها وجوب اللتزام بالمقسوم عليه؛ خاصة وأن الشعب الموريتاني يصنف بأنه من أكثر
الشعوب ّ
تدينا والتزاما بتعاليم الشريعة اإلسالمية ،والتي من بينها وجوب احترام العهد والقسم.
ويؤدي رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام املجلس الدستوري بحضور مكتب
الجمعية الوطنية ورئيس املحكمة العليا ورئيس املجلس األعلى للفتوى والمظالم(.)163
لم يكتف المشرع الدستوري الموريتاني بالتنصيص على منع إعادة انتخاب رئيس
الجمهورية ألكثر من مرة واحدة ،بل أدرج هذا المبدأ ضمن الموضوعات األربعة املحددة
واملحصورة التي ال يجوز بحال من األحوال أن يطالها التعديل في أي مراجعة للدستور ( وهو ما
يسمى في الفقه الدستوري بالحظر الموضوعي) ،طبقا لما تقض ي به مقتضيات المادة 11من
الدستور.
وهكذا فقد أصبحت الفقرة األخيرة من المادة 11من الدستور (بعد التعديل الذي
لحق بها سنة )2110تنص على مايلي" :ال يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور،
إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصيغة الجمهورية للمؤسسات أو
من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدإ التناوب الديمقراطي على السلطة
والمبدإ المالزم له الذي يحدد مدة والية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة
واحدة ،وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 20و 21المذكورتان سالفا".
بيد أنه تجدر اإلشارة إلى أن مبدأ حظر انتخاب رئيس الجمهورية ألكثر من مرتين هو
السائد في العديد من دساتير دول العالم ،فقد تبناه الدستور الفرنس ي( )164والدستور األمريكي،
وكذا دساتير كل من ومصر( ،)165تونس( )166والجزائر(،)167بحيث نصت المادة 299من هذا
األخير(الدستورالجزائري المعدل ،)2190على أن عدم إمكانية إعادة انتخاب رئيس الجمهورية
ألكثرمن مرة واحدة ال يمكن أن يطاله أي تعديل .أما الدستورالتونس ي 2194فقد نص هو اآلخر
كانت الصيغة األصلية لهذه الفقرة الثالثة من المادة ،43قبل تعديلها في المراجعة الدستورية ،4027كالتالي: ()163
"يؤدي اليمين (أي رئيس الجمهورية) أمام المجلس الدستوري بحضور مكتب الجمعية الوطنية ومكتب مجلس الشيوخ
ورئيس المحكمة العليا ورئيس المجلس اإلسالمي األعلى".
()164المادة 6من دستور 2353الفرنسي.
()165الفقرة األولى من المادة 220من الدستور المصري ،4022الجريدة الرسمية لجمهورية مصر العربية ،عدد ،5
بتاريخ 23يناير .4022
()166الفقرة الخامسة من الفصل 75من الدستور التونسي .4022
()167المادة 33من الدستور الجزائري 2336الذي شهد آخر تعديل ،4026مرجع سبق ذكره.
في الفقرة األخيرة من الفصل 11منه على أنه "ال يجوز ألي تعديل أن ينال من عدد الدورات
الرئاسية ومددها بالزيادة"(.)168
رغم التفاؤل الذي ساد في الساحة السياسية الوطنية على إثرنتائج المراجعة الدستورية
سنة 2110التي ترتب عنها تنظيم انتخابات رئاسية سنة 2111اعتبرها المر اقبون شفافة
ونزيهة ،وأسفرت عن فوز الرئيس األسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بمنصب رئيس
الجمهورية ،وبذلك دخلت البالد منعطفا جديدا ساد فيه األمل بالقطيعة مع الممارسات غير
الديمقراطية للوصول إلى الحكم وإرساء دعائم التداول الديمقراطي على السلطة.
غيرأن هذا األمل تالش ى بعد مض ي خمسة عشرشهرا فقط من مأمورية الرئيس سيدي
محمد ولد الشيخ عبد الله ،حيث عادت البالد إلى مربع االنقالبات العسكرية ،فتمت اإلطاحة
صباح السادس من أغسطس 2111بالرئيس المنتخب ولد الشيخ عبد الله بموجب انقالب
عسكري .وبذلك دخلت البالد نمطا آخر من أزماتها السياسية المتتالية كان أكثر حدة وتجاذبا
بين قادة االنقالب العسكري بقيادة الجنرال وقتئذ محمد ولد عبد العزيز والقوى المدنية
الداعمة له من جهة ،وقوى المعارضة الراديكالية واألحزاب الداعمة للرئيس المنتخب،
المطاح به ،من جهة أخرى.
وللخروج من هذه األزمة وتداعياتها تم توقيع "اتفاق داكار" والذي بموجبه دخلت
البالد في مرحلة انتقالية قصيرة تمهيدا لتنظيم انتخابات رئاسية تفض ي إلى العودة بالبالد إلى
الحياة السياسية والدستورية العادية ،غيرأن أهم قوى المعارضة المشاركة في هذه االنتخابات
برئاسة العزيز169 لم تعترف بنتائجها التي ترتب عنها فوز الرئيس الحالي محمد ولد عبد
الجمهورية ؛ ماجعل أزمة العالقة بين القوى السياسية تعود إلى مربعها األول .وبعد سنتين من
انتخابه ( أي ولد عبد العزيز) أعلن عن فتح حوارجديد مع القوى المعارضة لتحريك مياه األزمة
السياسية نحو االنفراج ،شارك فيه بعض أحزاب المعارضة إلى جانب أحزاب األغلبية ،لكن
أهم قوى المعارضة قاطعته.
لقد ظل هاجس عودة وأد مسار تكريس التداول على السلطة حاضرا في نقاشات
األطراف السياسية المشاركة في هذا الحوار ،وتجسد ذلك في االتفاق على إضافة مقتضيات
جديدة في صلب الوثيقة الدستورية تجرم االنقالبات العسكرية وتعتبرها جرائم التتقادم ،وهو
ماتمت دسترته في المراجعة الدستورية لسنة .2192
املحورالثالث
بما أن االنقالبات العسكرية ظلت هي أكبر خطر يواجه استقرار األنظمة السياسية في
موريتانيا وتكريس مبدأ التناوب الديمقراطي ،حيث كانت وراء إجهاض أهم التجارب
الديمقراطية التي عرفهها البالد ،بدءا بتجربة الحزب الواحد التي أنهاها الجيش بانقالب الـ10
يوليو ،1978واالنقالبات المتتالية األخرى التي شهدتها البالد ماقبل التسعينات ،والتي كان
آخرها في ،9114 92/92مرورا بتجربة 1991التي تم االنقضاض عليها بانقالب 3أغسطس
،2005وصوال إلى تجربة 2111التي أجهضت هي األخرى بانقالب أغسطس )170(2111؛ كل ذلك
جعل الهاجس الذي يؤرق الطبقة السياسية هو حضور االنقالبات بشكل ملفت في
موريتانيا(.)171
والستبيان ذلك أكثرسيتم رصد أهم االنقالبات التي عرفهها موريتانيا منذ االستقالل وإلى
اليوم ،بدءا بما كتب له النجاح منها في الوصول إلى السلطة وكذلك أهم املحاوالت االنقالبية
األخرى التي باءت بالفشل ،وذلك من خالل الجدولين التاليين.
قراءة في الخلفيات السياسية واألبعاد انظر سيدي محمد ولد سيدأب ،اإلصالحات الدستورية األخيرة في موريتانيا، ()170
حيث وصل عدد المحاوالت االنقالبية التي عرفتها موريتانيا منذ استقاللها وإلى اليوم 15انقالبا ،منها مانجح
ومنها ما ُمني بالفشل.
يتضح من بيانات هذا الجدول رقم ( )2أن موريتانيا شهدت ستة ( )0انقالبات عسكرية
نجحت في الوصول إلى السلطة ،أربعة من هذه االنقالبات تتالت في فترة زمنية ال تتجاوزست()0
سنوات ،أي في الفترة ما بين 91يوليو 9111و 92من ديسمبر .9114كما شهدت انقالبين ناجحين
في فترة ال تتجاوز ثالث ( )3سنوات ،أي في الفترة ما بين 3أغشت 2111و 0أغشت .2111وعلى
إثركل انقالب إما أن يتم إلغاء العمل بالدستوربشكل كلي كما حدث مع انقالبات ما قبل ،9119
حيث تم إلغاء العمل بدستور ،9109الذي كان ساري النفاذ آنذاك ،بموجب انقالب 91يوليو
( )172تم االعتماد في بيانات الجدول على المواثيق التي أصدرتها اللجان العسكرية التي تعاقبت على الحكم في
موريتانيا في الفترة ما بين 20يوليو 2373إلى ،2332وكذلك ميثاق المجلس العسكري الصادر غداة انقالب
الثالث أغشت 4005وميثاق المجلس األعلى للدولة الصادر يوم انقالب السادس أغشت .)4003
.9111وإما أن يقررقادة االنقالب عدم إلغاء الدستورولكن العمل به يبقى معلقا إلى حين انههاء
الفترة االنتقالية لسيطرة الجيش على السلطة ،وهو ما حدث مع انقالبي 3غشت 2111و0
غشت ،2111حيث تمت إعادة العمل بدستور 21يوليو 9119فورانههاء الفترة االنتقالية(.)173
جدول رقم ( )9أبرز املحاوالت االنقالبية التي فشلت في الوصول إلى السلطة()174
تعتبر موريتانيا من أكثر البلدان العربية التي شهدت انقالبات عسكرية في التاريخ العربي المعاصر ،حيث ()173
وصل عدد المحاوالت االنقالبية التي عرفتها موريتانيا منذ استقاللها وإلى اليوم 15انقالبا ،منها ما نجح ومنها
ما ُمـني بالفشل.
()174تم االعتماد في معلومات هذا الجدول على :عبد الرحمن حرمة بابانا ،الجيش والسلطة في موريتانيا ،مطبعة
،Casablanca –Uprintمنشورات مركز الصحيفة ،الطبعة األولى نوفمبر 4022ص 400إلى .442
من خالل بيانات هذا الجدول رقم ( )3الذي رصد أبرز املحاالت االنقالبية التي فشلت في
الوصول إلى السلطة في موريتانيا ،يالحظ أنه خالل شهر أكتوبر سنة 9111وقعت محاولتين
انقالبيتين لإلطاحة برئيس الدولة العقيد معاوية ولد الطايع .ولكنهما فشلتا في الوصول إلى
السلطة .وقد تم اتهام " جبهة تحرير األفارقة" المعروفة بـ FLAMبهاتين املحاولتين ،وهي حركة
زنجية تههمها السلطة الحاكمة بتأجيج الصراعات الفئوية والعرقية .كما شهدت سنة 9119أبرز
محاولة انقالبية بقيادة محمد ولد اباه ولد عبد القادروأحمد سالم ولد سيدي بتاريخ 90مارس
9119لإلطاحة بالرئيس محمد خونه ولد هيداله .وفي سنة 2113حدثت محاولة انقالبية كادت
أن تنجح في الوصول إلى السلطة واإلطاحة برئيس الجمهورية وقتئذ معاوية ولد الطايع ،لكنها
وئدت في النهاية؛ مما دفع قياداتها للجوء إلى بعض الدول اإلفريقية خشية مالحقههم من قبل
نظام ولد الطايع .وقد كانت فترة اللجوء إلى الخارج فرصة لزعماء هذه املحاولة للتفكير وإعداد
خطة جديدة للعودة إلى موريتانيا ومحاولة إسقاط حكم ولد الطايع من جديد في سنة ،2114
لكن السلطة الحاكمة أفشلت هذه الخطة في مهدها وتم اعتقال مختلف المههمين بهذه املحاولة
االنقالبية.
لقد رأت األطراف السياسية المشاركة في حوار 2011أن التنصيص على تجريم
االنقالبات دستوريا سيكون رادعا لكل من يزعم إمكانية الوصول إلى السلطة بغير الطرق
الديمقراطية .وفي هذا اإلطار ،أسفرت اإلصالحات الدستورية التي اعتمدت سنة 2192عن
إضافة فقرة جديدة للمادة 2من الدستور الموريتاني لسنة ،9119تنص على ما يلي" :تكتسب
السلطة السياسية وتمارس وتنقل في إطار التداول السلمي وفقا ألحكام الدستور .وتعتبر
االنقالبات وغيرها من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور جرائم التقبل التقادم ويعاقب
أصحابها والمتمالئون معهم سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين بموجب القانون .لكن
هذه األفعال ال تكون محل مالحقات (أي متابعات) إذا كان قد تم ارتكابها قبل تاريخ نفاذ هذا
القانون الدستوري".
والمالحظ أن هذا النص أكد على أن هذه المقتضيات التسري على االنقالبات السابقة
على إقرار هذه التعديل الدستوري ،وبالتالي فإن األشخاص الذين شاركوا في انقالبات سابقة
سيبقون في مأمن من أن تطالهم أي عقوبة على تلك األفعال بموجب أحكام هذا النص .
غيرأنه مما تجدراإلشارة إليه ،أنه اليفهم من خالل هذا النص أن االنقالبات في موريتانيا
كانت مشروعة قبل المقتضيات التي الدستورية التي جاءت بها اإلصالحات الدستورية في هذا
الشأن ،بل إن القانون الجنائي الموريتاني كان يعاقب على جميع األفعال التي تسههدف قلب
نظام الحكم بالقوة( .)175فبالرجوع إلى نص المادة 13من هذا القانون نجدها تنص على ما يلي:
"االعتداء الذي يكون الغرض منه القضاء على النظام الدستوري أو تغييره أو تحريض
المواطنين أو السكان على حمل السالح ضد سلطة الدولة أو ضد بعضهم البعض أو المساس
بوحدة أرض الوطن ،يعاقب عليه باألشغال الشاقة المؤبدة .وتنفيذ االعتداء أو محاولة تنفيذه
يعتبرفي حكم االعتداء"(.)176
أما من حيث الممارسة فقد تمت محاكمة ومعاقبة ،بل إعدام ،بعض الضباط الذين
قادوا في السابق محاوالت انقالبية فاشلة ،ومن هؤالء قادة انقالب 90مارس 9119الذين حاولوا
إسقاط حكم رئي س الدولة المقدم محمد خونه ولد هيداله ،غير أن هذه املحاولة وئدت في
النهاية ،واعتقل أصحابها وتم تنفيذ اإلعدام بحق أربعة منهم( ،)177وتم الحكم على البقية بأحكام
قاسية( .)178كما أن املحاوالت االنقالبية الفاشلة المتكررة التي حاولت إسقاط نظام الرئيس
األسبق معاوية ولد الطائع ،تم اعتقال أصحابها وحكم على بعضهم بعقوبات قاسية(.)179
انظر سيدي محمد ولد سيدأب ،الوسيط في القانون الدستوري ،..مرجع سابق ،ص.422 ()175
المادة 35من األمر القانوني رقم 35-264الصادر بتاريخ 3يوليو 2335المتضمن القانون الجنائي ()176
الموريتاني.
( )177يتعلق األمر بكل من :العقيد محمد ولد اباه ولد عبد القادر (المعروف ب كادير) والعقيد أحمد سالم ولد سيدي،
والمالزم انييغ مصطفى ،ومحمد ولد دودو سك.
للتفصيل في مالبسات المحاولة االنقالبية 26مارس ،انظر :عبد الرحمن حرمة بابانا ،الجيش والسلطة في ()178
هكذا يمكن القول إن الطبقة السياسية في موريتانيا ترى أن وضع آليات دستورية تجرم
االنقالب على السلطة ستحد من هيمنة المؤسسة العسكرية على الحكم بطرق غير شرعية؛
باعتبار أن هذه المقتضيات الدستورية من شأنها أن تلجم القيادات العسكرية عن التفكير
مسبقا في أخذ السلطة بالقوة ،وذلك بوصف الجيش هو الجهة التي يتوجس منها ،بالدرجة
األولى ،القيام بتحرك عسكري ينجم عنه الوصول إلى سدة الحكم بغيراالنتخاب.
خالصة:
منذ سريان نفاذ هذا المقتض ى الدستوري بموجب المراجعة الدستورية لسنة ،2192
الذي يؤكد تجريم االنقالبات واعتبارها جرائم التتقادم ،جرت في موريتانيا انتخابات رئاسية
مرتين في اآلجال املحددة دستوريا ،وشهدت اآلخيرة منهما التي نظمت في ينويو 2191تبادال
دبمقراطيا على السلطة في جو سلمي تنافس ي هادئ ،فهل ستشكل هذه التجربة قطيعة مع
االنقالبات والممارسات غيرالديمقراطية التي تؤدي إلى وأد التناوب على السلطة الذي ظل محور
اهتمام المشرع الوطني في مختلف المراجعات الدستورية المتعاقبة؟
المراجع والمصادر
أوال :الكتب
سيدي محمد ولد سيدأب ،الوسيط في القانون الدستوري والنظم السياسية ،مطبعة
سيرك (ش.م) ط 2193 ،9
جان أكلود أرنو ،المؤسسات السياسية الموريتانية ،تعريب عبد القادر الميالدي ،مركز
التوثيق والبحوث بالمدرسة الوطنية لإلدارة ،انواكشوط 9112
آندريه هوريو ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،ترجمة علي مقلد وآخرون،
األهلية للنشروالتوزيع ،بيروت-لبنان ،ط9114،
ثانيا :الرسائل
سيدي محمد ولد سيدأب ،السلطات العامة والعالقة بينها في ظل النظام الدستوري
الموريتاني -9119دراسة مقارنة-رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ،كلية
الحقوق أكدال ،جامعة محمد الخامس ،الرباط ،السنة الجامعية .9113
أحمد سالم ولد ببوط ،تطور المؤسسات في الجمهورية اإلسالمية الموريتانية ،تعريب
محمد ولد الداه ولد عبد القادر ،املجلة الموريتانية للقانون واالقتصاد ،العدد ،21يونيو2193
سيدي محمد ولد سيدأب ،اإلصالحات الدستورية األخيرة في موريتانيا ،قراءة في
الخلفيات السياسية واألبعاد القانونية ،املجلة الموريتانية للقانون واالقتصاد ،عدد 21يونيو
2193
الدساتير
Abstract :
تمهيد:
أصبحت فكرة تعويض الدولة االفراد عن االضرارالناتجة عن الكوارث ،180و اقعا مسلما
به ،فبحكم الموقع الجغرافي للمملكة والظواهرالطبيعية التي تسجلها ،أصبحت معرضة لعدد
180كارثة؛ اسم فاعل من الفعل كرث ،بمعنى حادثة تتسبب في دمار واسع النطاق والشدة؛ أي نكبة ،وجاء في معجم "لسان العرب"،
كرث :ك ََرثَه األ َ ْم ُر يَ ْك ِرثُه و يَ ْك ُرتُه ك َْرثاً ،وأ َ ْك َرثه :ساءه واشت َّد علـيه ،و َبلَ َغ منه الـ َم َ
شقَّة .و في اللغة اإلنجليزية كانت تستخدم قديما ً للتدليل
على التأثير أو الفأل السيئ ألحد النجوم أو الكواكب ،باللفظة اإلنجليزية ( )Disasterمشتقة من أصل فرنسي ( ،)désastreوالتي بدورها
مشتقة من أصل إيطالي ( ،)disastroحيث األصل الالتيني لها مكون من مقطعين ( )disبمعنى "سيء و( )astroبمعنى نجم The
.American Heritage Dictionary of the English Language, Third Edition 1996 by Houghton Mifflin Company
تعرف الكارثة بشكل أكثر تحديد بأنها تحول مدمر عنيف في أسلوب الحياة الطبيعية والبشرية ،محدثا بصورة مفاجئة أضرارا مادية على
نطاق واسع مخلفا عددا من الجرحى والوفيات ،ومن ثم البد من توفر ثالث عناصر وهي المفاجئة ،اتساع رقعة الدمار ،شمول أعداد
من األخطار الكبيرة التي تستلزم تسييرا مناسبا لألزمة ،كما أن هشاشة المدن وبعض المر افق
العامة ،ساهمت بشكل كبير في ارتفاع درجة الدمار من خسائر في األرواح البشرية واالضرار
المادية ،وعليه فان تدخل الدولة وتحملها لمسؤولية هذه الكوارث اصبح امرا البد منه ومرتبط
باستقرارها وامنها الداخلي ،ولعل المتتبع لمسار تطور مسؤولية الدولة يالحظ أنه تم التراجع
عن المفهوم المطلق لمبدأ السيادة وما كان يقتضيه من عدم الجمع بين السيادة والمسؤولية
الذي كان ينفي المسؤولية عن الدولة ،فنظرا التساع مجاالت تدخل الدولة وتوسيع نطاق
أنشطهها ووظائفها وظهوربعض المبادئ االجتماعية التي كان لها األثرفي إرساء مبدأ المسؤولية
دون خطأ ،وتعدد حاالت وصورتلك المسؤولية ،181إال أنه ما تزال توجد حاالت كثيرة يتجرد فيها
ّ
الضرر من أي ضمان ويفتقر فيها المضرور إلى جبر ضرره ،وكون العدالة ال تكتمل إال بمساعدة
من يتعرضون ألضرار مباغتة وقاسية وضعههم فيها األقدار ،كالكوارث سواء كانت ترجع لقوة
العوامل الطبيعية وعنفها ،كما هو االمرفي الزالزل والبراكين واألعاصيروالفيضانات وغيرها من
ً
الظواهرالطبيعية ،أو العنف البشري الذي يرتكبه اإلنسان وال يثبت فيه – غالبا – أي خطأ من
مرفق األمن كالحوادث اإلرهابية 182والحروب األهلية أواألجنبية أوحاالت الهياج والفوض ى ونحو
ذلك ،183بالتالي فان غالبية الدول كانت تضطر الى تعويض ضحايا هذه الكوارث كنوع من
الحفاظ على استقرارالبالد وحفظ توازنها ،إال أن ذلك كان يثقل كاهلها بشكل كبير ،وعليه فإن
موضوع التعويض عن الكوارث سواء الطبيعية او بفعل االنسان ،له ابعاد إنسانية واجتماعية
و اقتصادية ،تستدعي التصدي لها بجملة من القوانين واألنظمة التي تخفف وطأتها على
األفراد ،وكذلك الدولة التي تثقل كاهلها بالنفقات المرتفعة وغير المتوقعة ،وبالرجوع الى
الفصل 41من الدستور المغربي الذي ينص على أن " :على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية
كبيرة من األفراد ،جمال صالح ،السالمة من الكوارث الطبيعية والمخاطر البشرية ،الطبعة االولى ،0110دار الشروق-مصر ،صفحة
.07
181
LA RESPONSABILITÉ ADMINISTRATIVE, Article Par Jean-Marie Pontier Professeur à
l’Université de Paris I Panthéon Sorbonne Directeur du Centre de recherches administratives
de l’Université Paul Cézanne Aix-Marseille III.
182لقد أقر المجمع العربي على أن كلمة اإلرهاب مصطلح جديد وأساسه رهب أي أخاف ،وكلمة إرهاب هي مصدر الفعل أرهب بمعنى
خوف ،أما اإلرهابي فهو الذي يتخذ من العنف واإلرهاب مسلكا له من اجل تحقيق أهداف سياسية ".أنظر طارق عبد العزيز حمدي،
المسؤولية الدولية الجنائية والمدنية عن جرائم اإلرهاب الدولي ،دار الكتب القانونية ،مصر ،2008صفحة.2-1
183تعتبر السيدة "مارجري فراي" أول من دعت إلى أن الدولة تكون مسئولة قانونا اتجاه ضحايا الجرائم ،ومن ثم تلتزم بتعويضهم عما
المن ،وحماية المواطنين والمقيمين على أرضها ،وذلك في الفترةيلحق بهم من ضرر ،استنادا إلى تقصيرها في أداء واجبها بالحفاظ على ا ْ
ما بعد الحرب العالمية الثانية ،وتحديدا حينما نشرت كتابا لها بعنوان" أسلحة القانون" قررت فيه أن دور التعويض ال يمكن بحال من
األحوال أن يجبر الضرر الناتج عن الجريمة ويقتصر فقط على تخفيف آثارها وجسامتها ،كما تتابعت مقاالتها التي نادت فيها وبشكل
مباشر بضرورة وجود دور للدولة في تعويض ضحايا الجريمة من األموال العامة .أنظر :يعقوب محمد حياتي ،تعويض الدولة للمجني
عليهم في جرائم األشخاص ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراه من كلية الحقوق ،جامعة اإلسكندرية ،0277 ،صفحة20وما بعدها.
وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها ،التكاليف التي تتطلبها تنمية البالد وكذا تلك
الناتجة عن األعباء الناجمة عن اآلفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البالد" ،حيث نجده يقر
مبدأ التضامن في تحمل التكاليف واألعباء ،وهو ش يء محمود لكن يجب أن يعززبترسانة قانونية
قوية ،كغيره من التشريعات األخرى ،حيث نجد تنوع التشريع الكندي 184ملجابهة مثل هذه
الكوارث ،والمتمثل في خلق أنظمة إدارة الطوارئ ،والذي يقوم على أربع ادوار أساسية متمثلة
في التخفيف والتأهب وهي أساليب وقائية تخفف من وطأه الكوارث واالستجابة واالنعاش ،من
خالل كيفية التعامل مع هذه الكوارث واألضرارالتي خلفهها ،وهو نهج متوازن وشامل قائم على
املخاطر ،مع االستعانة بخدمات التأمين بهذا الشأن للتخفيف من حدتها ،185وبالرجوع الى
التشريع المغربي نجد انه قد نهج في اآلونة األخيرة ،نفس النهج من خالل القانون 186رقم 991.94
الذي يهدف الى احداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية ،يتضمن مجموعة من اللجان
واألجهزة اإلدارية ،التي تسهر على تسيير العمليات التي يقوم بها صندوق التضامن ضد الوقائع
الكارثية ،سواء على أساس جداول تقييد المتضررين لالستفادة من هذه صندوق التضامن ،او
على أساس االستفادة من عقود التأمين على هذا النوع من الكوارث.
وفي ظل الوضع السائد في البالد وتخبط االفراد في طلب التعويض لجبر االضرار من
الدولة ،خاصة وان جلهم يلجأ الى القضاء مباشرة دون تحديد األساس القانوني للمطالبة،
تطرح اإلشكالية حول شروط قيام مسؤولية الدولة عن الوقائع الكارثية ،187وقواعد االستفادة
184
The story of Canada’s emergency management system is one of near misses and moving
targets. Over the past century, Canadians have experienced horrific events. Some of these, such
as the 1912 Regina Tornado, the 1917 Halifax explosion, and the 1918 Influenza Pandemic, had
an enormous impact on the affected communities, but are so far in our past that the physical and
social scars have faded. More recent events, like the 1997 Red River Flood, Y2K, or Hurricane
Juan in 2003, provided dramatic examples of the risks and received widespread media attention,
but fell far short of being a maximum credible event. Canada’s society and emergency
management systems have not been recently tested to the breaking point in the same way that
Hurricane Katrina did in the United States.
185
The Government of Canada and all the Provincial and Territorial governments have agreed
on principles set out in “An Emergency Management Framework for Canada” (2007). This
acknowledges the importance of the four interrelated functions of prevention/mitigation,
preparedness, response and recovery in a balanced and comprehensive risk-based approach.
http://publications.gc.ca/collections/collection_2011/sen/yc33-0/YC33-0-يمكن تحميله عن طريق الرابط التالي:
392-13-1-eng.pdf
186ظهير شريف رقم 06006000صادر في 00من ذي القعدة 0227الموافق ل 00أغسطس 0100بتنفيذ القانون رقم 001602
المتعلق بإحداث نظام لتغطية واب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم 0762المتعلق بمدونة التامينات.
187ان األسس التي تقوم عليها مسؤولية الدولة عن الكوارث ،تختلف باختالف مجموعة من االتجاهات ،فاتجاه يقول أنها مسؤولية تقوم
على المخاطر Responsabilité Pour risqueوأخر يقول بأنها مسؤولية ناشئة عن اإلخالل بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام
األعباء العامة ،Principe de L’égalité entre les Leوأمام هذا المد والجذب بين االتجاهين citoyens devants les
charges publiquesيوجد رأي ثالث بين االتجاهين السابقين ،بحيث يتجه إلى أن مصطلح المسؤولية دون خطأ مرادف لمصطلح
من التعويضات وجبر مضروري الكوارث أمامها ،وازدواجية الوضع القانوني لقواعد التعويض
بين القواعد العامة والخاصة؟ ما سيتبين من خالل ما سياتي.
إن دراسة مسؤولية الدولة عن التعويض من خالل القواعد العامة ،تحيلنا الى الفصل
11من قانون االلتزامات والعقود ،الذي يفهم من نصه أنه يلزم لقيام المسؤولية أن يكون هناك
خطأ188يترتب عليه ضرر ،وأن يكون الضرر نتيجة مباشرة للخطأ ،189وعليه فخطأ الدولة في
حالة حدوث كارثة سواء طبيعية او بفعل اإلنسان ،يتمثل في عدم اتخاذها لالحتياطات الالزمة
في مثل هذه الظروف سواء األمنية أو االحترازية أو الوقائية ،ما أكدته املحكمة اإلدارية بالرباط
في حكم لها ،جاء فيه ما يلي" :وحيث إن السياسة الوقائية يجب أن تشكل أساس تدخل الدولة
في مجال إنجاز البنية التحتية والههيئة القروية الفالحية المائية ،والسيما بناء سدود أو قنوات
كبيرة لصرف المياه ،وذلك بهدف الحماية الدائمة للسكان والمراكز واألنشطة االقتصادية و
الفالحية الموجودة في المناطق المهددة من الفيضانات ،وحيث إن األمطارالغزيرة واالستثنائية
المسببة للفيضان ال تشكل قوة قاهرة و إنما قرينة على ترتب المسؤولية ،لكون وقوعها في فصل
ً ً
الشتاء من األمورالمتوقعة وليست قوة قاهرة أوسببا أجنبيا لإلعفاء من المسؤولية ،مما يعطي
للقوة القاهرة في حقل القانون والقضاء اإلداري مفهوما متميزا وخاصا يتالءم وطبيعة روابط
القانون العام تتحمل آثاره الدولة عن القانون المدني الذي يتحمل آثاره الدائن" ،190ولصعوبة
إثبات خطأ الدولة أحيان كثيرة ،بخاصة في مثل هذه الحاالت ،فإن مسؤولية الدولة هنا تقوم
على أساس املخاطر 191ما أكدته محكمة النقض في قرار لها ذهبت فيه إلى أن مسؤولية الدولة
ثابتة عن تسيير إدارتها حتى ولو عند عدم ثبوت أي خطأ من جانبها استنادا إلى فكرة املخاطر
مسؤولية المخاطر وال توجد ث ّمة فروق بينهما ،وهو األقرب في ما يخص طبيعة هذه الكوارث وخصوصيتها ،ولذلك ففي هذه الحالة يكفي
لتحقق المسؤولية دون خطأ توفر ركني الضرر والعالقة السببيةورقة عمل بعنوان مسؤولية اإلدارة بدون خطأ ،من إعداد المركز العربي
للبحوث القانونية والقضائية المؤتمر السابع لرؤساء المحاكم اإلدارية في الدولة العربية ،المنعقد ببيروت ،بمقر المركز العربي للبحوث
القانونية والقضائية ،خالل الفترة ما بين 02-00أغسطس ،0107منشور على الموقع الرسمي للمركز العربي للبحوث القانونية والقضائية
هذا الرابط https://carjj.org/node/5076
188الخطأ في اللغة ضد الصواب ،أما في االصطالح القانوني فقد عرفه المشرع المغربي من خالل الفصل ،.1من قانون االلتزامات
والعقود ،الفقرة 4منه ،حيث جاء فيه " :والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله ،أو فعل ما كان يجب االمتناع عنه ،وذلك من غير قصد
إلحداث الضرر عبد الحق صافي ،الوجيز في القانون المدني ،الجزء الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،طبعة ،0100صفحة
.72-71
189حليمة لمغاري ،المختصر في المسؤولية المدنية ،الطبعة ،0100مطبعة قرطبة ،أكادير ،صفحة .27
190حكم المحكمة اإلدارية بالرباط رقم 172بتاريخ.1122/2/14 :
191مسؤولية المخاطر Responsabilité Pour risqueوالمسؤولية الناشئة عن اإلخالل بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام األعباء
العامة Principe de L’égalité entre les Leوأمام هذا المد والجذب بين االتجاهين citoyens devants les charges
publiquesظهر اتجاه ثالث تبين رأيا وسطا بين االتجاهين السابقين ،بحيث يتجه إلى أن مصطلح المسؤولية دون خطأ مرادف لمصطلح
مسؤولية المخاطر وال توجد ث ّمة فروق بينهما.
الناتجة عن استعمال خطير ،192وفي حكم أخر للمحكمة اإلدارية بأكادير في 21يونيو 2110بأن
" األلغام من المواد الخطيرة التي تقع على الدولة حماية المواطنين من خطرها وحراسة األماكن
املحتمل أنها موجودة بها ،وأن مسؤولية الدولة في هذه الحالة تقوم على أساس املخاطروال يكون
بالتالي المتضرر ملزما بإثبات الخطأ من جانبها ،الش يء الذي تتحمل الدولة كامل مسؤولية
حادث االنفجار المذكور ،ويكون معه طلب التعويض له ما يبرره " .193وعليه فان القضاء
المغربي اجمع على انه ليس بالضرورة لقيام مسؤولية الدولة ،اثبات الخطأ في الكثير من
الحاالت ،بل يكفي اثبات الضررفقط.
ويعد الضرر 194في مسؤولية الدولة عن الكوارث ،كل أذى يصيب الشخص في حق من
حقوقه أو مصلحة مشروعة له ،بسبب كارثة طبيعية ،كالفيضانات والزالزل أو اعتداء بفعل
اإلنسان سواء كان هجوما إرهابيا أواضطرابا شعبيا ،سواء كانت هذه الحقوق مادية كالمساس
بمصلحة مالية للمضرور متعلقة بممتلكاته كفقدان السكن الرئيس ي ،أو ما يتعلق بالنفقات
المتعلقة باالستشفاء أو االنقطاع عن العمل ،وقد يكون عبارة عن تفويت فرصة شرط إثبات
ادعائه ،أو مصلحة معنوية فيما يتعلق بالمساس بنفسيته أو مكانته العائلية أو المهنية أو
االجتماعية ،ولكي يستوجب الضرر التعويض بحسب القواعد والنصوص ،يجب أن يكون
محققا بمعنى أن يكون فعال و اقعا كههدم البناء وضياع ما بداخله نتيجة لكارثة ما ،أوعلى األقل
مستقبلي حيث تحقق في الحاضر لكن تراخت آثاره كلها أو بعضها إلى المستقبل ،وأن يكون غير
مشروع ،بمعنى أنه يجب أن يمس بالمصالح المالية التي يحميها القانون ،مثاله قتل من يتولى
إعالة شخص تجب عليه النفقة و أيضا ان يكون شخصيا بمعنى يجب أن يكون الضرر نتيجة
مباشرة أو غيرمباشرة للفعل الضارأو كان مرتدا يصيب عدة أشخاص كأن كان المصاب يعيلهم
كأوالده وزوجته ،فيحرمون من إعالته.195
192القرار عدد 21بتاريخ 2..4/12/22في الملف اإلداري عدد .2/21211منشورات المجلس األعلى 2...-2.71الصفحة
.11.
193حكم إداري أكا َدير ،عدد ،0110/012بتاريخ 00ماي 0110،ملف رقم /072ش .0112
194الضرر في اللغة ضد النفع ،وفي االصطالح القانوني ،عرفه المشرع المغربي من خالل الفصل .1من قانون االلتزامات والعقود،
في فقرته األولى " :الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم ،هو الخسارة التي لحقت المدعي فعال والمصروفات الضرورية ،التي اضطر أو
سيضطر إلى إنفاقها إلصالح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به وكذلك حرم منه في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل ،أنظر حليمة
لمغاري ،مرجع سابق ،صفحة .00
195عبد الحق صافي ،مرجع سابق ،صفحة من 017إلى .000
لكن إلى جانب هذه الشروط فإن نظام المسؤولية على أساس املخاطر ،يشترط توفر
الطابع الخاص وغير العادي للضرر القابل للتعويض ،196ويقصد بالضرر الغير العادي حسب
بعض الفقه الضرر الذي يفوق ما يؤخذ على عاتق المواطن ،197أما الطابع الخاص فيعلق
الفقيه دي لوباديربأن الحاالت التي يثبت فيها وجود المسؤولية دون خطأ يتعين أن يكون الضرر
الو اقع خاصا بفرد أو بعدد محدود من األفراد ،وكتب األستاذ MORGANEأن الضرر الخاص
هوالضررالذي يتحمله شخص أوعدد من األشخاص يمكن تحديدهم اسميا ،198ما ينطبق على
حالة حدوث الكوارث الطبيعية التي تصيب منطقة ما او عمال إرهابيا اودى بحياة مجموعة من
الناس األبرياء.
ولعل اثبات الخطأ والضرر ال يكفيان لقيام مسؤولية الدولة ،بل يلزمهما قيام العالقة
السببية بينهما ،أي أن يتصل الفعل إلى مصدره مباشرة ،وبالتالي لكي تتحقق المسؤولية يجب
أن تكون هناك عالقة مباشرة بين الخطأ الذي ارتكبته احدى إدارات الدولة ام مؤسساتها
باعتبارها المسؤولة و الضررالذي أصاب المضرور ،199بمعنى أن تكون الكارثة هي المسؤولة أو
السبب المباشرللضررالذي أصاب المتضرر ،وبالتالي فإنه ال يمكن إثارة مسؤولية الدولة قصد
الحصول على التعويض إال إذا كانت الكارثة سواء الطبيعية أو بفعل اإلنسان هي السبب
المباشر والوحيد للضرر ،والقضاء المغربي أكد على ضرورة وجود هده العالقة حتى في غياب
الخطأ ،حيث قضت محكمة االستئناف بالرباط في حكمها الصادر بفاتح يوليوز ،1953من أن
كل الضررالحق بأحد الخواص يجب أن تتحمله الجماعة شرط أن يكون الضررذا أهمية و أن
يكون له عالقة مباشرة باألشغال المنجزة ،200وقد أكد قرار املجلس األعلى سابقا محكمة
النقض حاليا ،رقم 312بتاريخ 1فبراير 9111على أن مسؤولية اإلدارة عن األضرار الناتج
مباشرة عن األشياء الخطيرة التي تستعملها في تسيير مصالحها كالسيارة ،تخضع لمقتضيات
الفصل 11السابق الذكر في جزئه الذي يرتب هذه المسؤولية عليها ،وحتى بدون أي خطأ ،بل
يكفي في ذلك إثبات وجود عالقة سببية بين الضرر الحاصل للضحية واألشياء المستعملة من
196
FRAYSSINET. Marie Helene ; Réflexions sur les question de la faute dans la responsabilité de l’état
puissance publique ;RRJ ;N01 ; publiées par la faculté de droit et de science politique d’Aix
Marseille ;page371 .
197ماجد راغب الحلو ،القضاء اإلداري دراسة مقارنة ،الدار الجامعية القاهرة ،1988صفحة .251
198خلوف رشيد ،قانون المسؤولية اإلدارية ،الطبعة الرابعة ،الجزائر ،2011صفحة .115
199حليمة لمغاري ،مرجع سابق ،صفحة .72
200مقال المسؤولية اإلدارية للجماعة ،منشور بالموقع االلكتروني www.barlamane.comبتاريخ 2مايو . 0102
طرف اإلدارة ،وال تعفى هذه األخيرة من المسؤولية كليا أو جزئيا ،إال بإثبات خطأ الضحية ،هذا
الخطأ الذي ال وجود له في النازلة.201
أما بخصوص القانون 110.14المتعلق بإحداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية،
فقد جاء بمجموعة من الشروط منها ما هو موضوعي يتعلق بنطاق التغطية واألشخاص
المستفيدين من هذه التغطية ،وما هو اجرائي الستفادة ضحايا الكوارث سواء الطبيعية أو
التي بفعل اإلنسان؛ من تعويض عن األضراروالخسائرالتي لحقههم .و يقصد بنطاق التغطية
المفهوم الذي حدده المشرع لمصطلح الو اقعة ،وكذلك االستثناءات المنصوص عليها والتي
ال تخضع لنظام القانون رقم ،110.14واألضرارالتي يغطيها التعويض.
فقد جاء في المادة الثالثة منه على أنه ":كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب
يرجع السبب الحاسم فيه الى فعل القوة غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف
لإلنسان" ،ليأتي في الفقرة الثانية ليميز بين كل من عامل القوة غير العادية لفعل طبيعي 202و
الفعل العنيف لإلنسان ،ويعطي مواصفات لكل منهما يجب أن تتوفر فيهما لكي نكون أمام
المفهوم الدقيق للكارثة المراد تغطيهها ،الفجائية وعدم التوقع والخطورة بالنسبة للعموم
بالنسبة لعامل القوة غير العادية لعامل طبيعي؛ و أيضا شرط كونه عمال إرهابيا أو نتيجة
مباشرة لوقوع فتن أو اضطرابات شعبية بالنسبة للفعل العنيف لإلنسان ،وعليه فالمشرع
المغربي ادخل في مفهوم الو اقعة الكارثة كل من الكارثة الطبيعية أو التي بفعل اإلنسان
كاإلرهاب مثال؛ وهو ش يء يحسب له كون انه في كثيرمن األحيان يكون المتسبب والمسؤول عنها
أشخاص أو جهات مجهولة ،مما يتعسر على المتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي
لحقه.
باإلضافة إلى أن المشرع قد حدد النطاق المكاني للكارثة التي تخضع لنظام التعويض،
فكل كارثة تقع خارج المغرب تستبعد من هذا النظام ،وهو ما نص عليه بشكل صريح من خالل
الفقرة األولى من المادة الثالثة من القانون رقم .110.14
201القرار عدد 21بتاريخ 2..4/12/22في الملف اإلداري عدد .2/21211منشورات المجلس األعلى 2...-2.71الصفحة
.11.
202تنص المادة الثالثة من القانون قيد الدراسة على انه ...":يشكل عامل القوة غير العادية لعامل طبيعي واقعة كارثية إذا تبين توفره على
المواصفات التالية :أ ن تتوفر في وقوع الحادث المسبب له شرط الفجائية أو عدم توقع الحادث ،شرط أن ال تمكن التدابير االعتيادية المتخذة
من تفادي هذا الحادث أو تعذر اتخاذ التدابير؛ أن تشكل أثاره المدمرة خطورة شديدة بالنسبة للعموم؛ يعتبر الفعل العنيف لإلنسان واقعة
كارثية إذا كان يشكل فعال إرهابيا؛ أو نتيجة مباشرة لوقوع فتن
او اضطرابات شعبية عندما تشكل أثارها خطورة شديدة على العموم".
إضافة الى ذلك تنص المادة الخامسة من القانون قيد الدراسة والتحليل على انه":
تستثنى من نطاق تطبيق النظام ،األضرارأو الخسائر المترتبة عن؛ استعمال المواد أو األسلحة
الكيماوية أو البيولوجية أو الجرثومية أو اإلشعاعية أو النووية؛ أو الحرب األهلية أو الحرب
الخارجية أو أعمال العدوان المشابهة وذلك سواء أكانت الحرب معلنة أم ال؛ الجريمة
الكترونية" ،والمالحظ من خالل هذا النص ،على أن المشرع قد ضيق من نطاق األعمال التي
تقع بفعل اإلنسان والتي تشكل كارثة حسب مدلول المادة الثالثة ،بمعنى أنه إذا وقعت عملية
إرهابية أو فتن أو اضطرابات شعبية ،استخدمت فيها هذه األسلحة المدمرة فإنها تخرج من
نطاق تغطية القانون رقم 110.14؛ مما يثيرالتساؤل هنا من هو المسؤول عن هذه األعمال مع
العلم أنها أكثروقعا وضررا وجسامة على اإلنسانية بأكملها؟
وبحسب المادة 30من القانون قيد التحليل؛ فإنه يشمل التعويض المستحق؛ كل
من العجز البدني الدائم لضحية الكارثة؛ وفقدان مورد العيش الذي يلحق بذوي حقوق
الضحية بسبب وفاتها أو فقدانها؛ و أيضا يغطي التعويض فقدان المسكن الرئيس ي أو فقدان
االنتفاع به؛ شرط التثبت من عدم صالحيته للسكن من طرف لجنة الخبرة 203التي تعد تقريرا
تضمن فيه استنتاجاتها بشأن المسائل التقنية موضوع الخبرة.
ـأعضاء العائلة الذين سببت هذه الو اقعة بشكل مباشر ،فقدانهم لمسكنهم؛ و أيضا غير
األعضاء عندما يكون أزواجهم أو أطفالهم أعضاء العائلة المذكورة.
وجاء في المادة 29من القانون قيد الدراسة؛ على أن الفاعلين األصليين والمساهمين
والمشاركين كذلك وذوو حقوقهم ال يستفيدون من تعويضات صندوق التضامن جراء فقدان
مورد العيش من جراء وفاة هؤالء الفاعلين والمساهمين األصليين؛ إال أننا نرى أنه كان من
األفضل إضافة شرط التثبت من تواطؤ ذوو الحقوق؛ فهم يعتبرون ضحايا كغيرهم.
وأخرى مرتبطة بضحايا الكوارث ،حيث يترتب على نشر القرار اإلداري بصفة حصرية؛
انطالق عملية تقييد الضحايا في سجل التعداد؛ بمعنى أن كل ضحية لم يتم تعداده فهو غير
مستفيد من النظام؛ ومن عملية منح التعويضات من طرف صندوق التضامن؛ وكذا تفعيل
الضمان ضد عو اقب الوقائع الكارثية بالنسبة للمؤمنين عنها طبقا المادة 64/1من القانون
رقم 17.99المتعلق بمدونة التأمينات.
في الدولة تحملها ،عن األضرارالتي تلحقها في شخص اإلدارة بالغير ،وقد وضع قانون االلتزامات
والعقود ،المبادئ العامة لمسؤولية اإلدارة عن أعمال موظفيها في الفصلين79 ،و ،80ولم يتفق
الفقه على أساس تحميل الدولة مسؤولية األضرار التي تلحق بالغير بخاصة فيما يتعلق
بمسؤوليهها عن الكوارث ،حيث يعتبرها بعض الفقه مسؤولة ولو بدون أخطاء ،والسند في ذلك
إما أن تتحمل الدولة املخاطر التي يمكن أن تحدق باألفراد ،نتيجة استعمال األشياء الخطرة،
أو أن تتحمل المسؤولية دون خطأ وبغض النظرعن وجود مخاطرأو عدمها ،205أما االختصاص
المكاني فيقصد به أن يعقد االختصاص للمحكمة اإلدارية التي حصل بها الفعل المسبب
للضرر ،أي الكارثة ،ومن المعلوم أنه في دعوى المسؤولية المدنية ،هناك طرفان أساسيان؛
يعد المتضرراحد هذه األطراف ،المسمى باللغة االجرائية المدعي ،والمتضررمن الكارثة؛ وقد
يكون شخصا طبيعيا ،فاألصل أن ترفع دعوى المسؤولية من طرفه إذا كان يتوفر على أهلية
التقاض ي ،أو من نائبه الشرعي بحسب الحاالت ،وقد يكون شخصا اعتباريا يثبت كذلك له رفع
دعوى التعويض ضد الدولة ،عن الضرر الذي أصابه والناتج عن الكارثة ،وفي حالة وفاة
المضرور ينتقل حقه في التعويض إلى ورثته إذا رفع هذا األخير الدعوى قبل وفاته ،أما إذا توفي
ولم يرفع دعواه بعد ،نميزهنا بين الضررالمادي ،الذي يعطي الحق للورثة بالمطالبة بالتعويض
مباشرة بعد وفاته ،على عكس الضررالمعنوي الذي اختلف بشأنه الفقه ،منهم من يقول بعدم
إمكانية انتقال الحق إلى الورثة ،وآخرون يجيزون ذلك طبقا لقواعد العدالة واإلنصاف ،هذا
بغض النظر عن دعوى التعويض التي يرفعونها لتعويض الضرر المعنوي الالحق بهم
شخصيا.206
أما الطرف المدعى عليه في دعوى المسؤولية المدنية عن الكوارث الطبيعية ،وهو
الشخص المسؤول عن الضرر ،والتي هي الدولة وقد تكون إدارة تابعة لها أو اومؤسسة عمومية
او شخص اعتباري تابع لها.
وبالرجوع الى القواعد العامة ،نجد انه على المتضرر عبء إثبات أركان مسؤولية الدولة
طبقا للقواعد العامة ،والقائمة على الخطأ والضرروالعالقة السببية بينهما ،207وألننا أمام نوع
205عبد الكريم الطالب ،الشرح العملي لقانون المسطرة ال مدنية ،الناشر مكتبة المعرفة مراكش ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،2015،
صفحة .33
206مأمون الكزبري ،نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ،المجلد األول ،مصادر االلتزامات ،1982صفحة
422وما يليها.
207حليمة لمغاري ،مرجع سابق ،صفحة .90
خاص من المسؤولية والتي تقوم على أساس املخاطريكتفي المتضررهنا بإثبات الضرروالعالقة
السببية بين الكارثة والضرر.
وبالرجوع الى الفصل 106من قانون االلتزامات والعقود ،نجد على أن مدد التقادم في
دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة ،هي بمض ي خمس سنوات ،تبتدئ من الوقت
الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضررالضررومن هو المسؤول عنه ،و في جميع األحوال بمض ي
عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر ،وفي املجمل فإننا نقول أن التعويض هو جزاء
المسؤولية ،ويعني جبر الضرر سواء كان ماديا أو معنويا ومهما كان أساس المسؤولية أي سواء
كان على أساس الخطأ أوعلى أساس الضررأوعلى أساس المساواة أمام التكاليف العامة ،وغني
عن القول بأن التعويض في القانون المدني يجيزأن يكون التعويض نقديا أو عينيا ،208إال أنه في
القانون اإلداري ال يكون إال نقدا ،ذلك ألن التعويض العيني يتنافى مع قاعدة عامة مقرره في
القانون اإلداري ،بحيث ال يستطيع القاض ي في النظام الالتيني سواء كان مدنيا أم إداريا إصدار
أوامرلإلدارة تتضمن توقيع جزاء عيني عليها و من ثم ال يكون أمام القاض ي إال التعويض بمقابل
أي التعويض النقدي ،209وبما أن الغاية من التعويض هو جبر الضرر ومحو آثاره فهو يخضع
ملجموعة من القواعد منها:
1ـ وجوب أن يكون التعويض كامال ،يشمل كل من الخسارة التي لحقت المضرور
والمصروفات الضرورية ،التي اضطرأو سيضطرإلنفاقها إلصالح الضرر ،كمصروفات الكراء في
حالة فقدانه لسكنه الرئيس ي نتيجة كارثة طبيعية كالزلزال ،أو مصاريف االستشفاء في حالة
تعرضه لضررجسدي بفعل هجوم إرهابي ،وما فاته من كسب.
2ـ مراعاة طبيعة الخطأ في تقديرالتعويض ،وفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل
":98ويجب على املحكمة أن تقدر بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو عن
تدليسه."210
3ـ يتمتع قضاة الموضوع بكامل الصالحية لتعيين قدر التعويض الواجب تخويله
للمتضررمن غيرأن يتقيدوا بتوضيح أسس هذا التقدير ،ما أيده املجلس األعلى سابقا محكمة
النقض حاليا ،في عدة قرارات من ضمنها ":ملحكمة األساس سلطة تقديرية مطلقة لتعيين مبلغ
التعويض املحكوم به للمتضرر ،وليس عليها أن تعلل هذا المبلغ بأسباب خاصة" ،211وبالتالي
يبقى للقاض ي حرية مطلقة في تحديد مبلغ التعويضات الممنوحة للمتضررين من جراء
التفجيرات اإلرهابية أو الكوارث الطبيعية ،دون أن يكونوا ملزمين بتبريرأحكامهم.
إن دعوى التعويض ضد الدولة والمنظمة طبقا للقانون رقم ،110.14تمر بمجموعة
من المراحل لها طبيعة خاصة وتختلف عن التعويض بالقواعد العامة التي تطرقنا لها أعاله.
حيث تنص المادة 43من القانون 991.94على أنه يجب على الضحية المقيدة في سجل
التعداد ،أو ذوي حقوقها أن يقدموا طلبا إلى صندوق يحدد بنص تنظيمي نموذج الطلب
والوثائق التي يجب إرفاقها به وكذا كيفيات تقديمه ودراسته ،باإلضافة إلى شهادة تثبت حالة
العجز البدني الدائم للمتضرر مسلمة من طرف طبيب ممارس بالقطاع العام تتضمن نسبة
العجز ،الوثائق المثبتة ألجرة المتضرر وحالته المادية ،أما في حالة الوفاة أو الفقد فإنه يجب
إرفاق الملف ب نسخة من رسم الوفاة للضحية أو وثيقة تثبت فقدانه أو نسخة من الحكم
القضائي المصرح بموته ،باإلضافة إلى إثبات لصفة ذوي حقوق الضحية أوالشخص المفقود،
وفي حالة فقدان المسكن الرئيس ي أو فقدان االنتفاع به ،يرفق الملف بتقريرالخبرة الذي يثبت
حالة المسكن المفقود.212
كما تفيد المادة 44من القانون قيد الدراسة ،بأنه في حالة تقديم المعني باألمرطلب
التعويض ،يقوم صندوق التضامن بدراسته ،وفي حالة إغفال المعني باآلمر لبعض البيانات آو
الوثائق يشعره الصندوق بضرورة إتمام البيانات آوالوثائق الناقصة ،ثم بعدها يبث بشأن قبول
الطلب ،وفي حالة الرفض يجب أن يكون قرار عدم قبول طلب التعويض معلال ،ويتم تبليغ
المعني باألمر بهذا القرار مصحوبا بكل الوثائق المرفقة بالطلب المذكور بواسطة رسالة
مضمونة مع إشعار بالتوصل أو عن طريق إجراء غير قضائي ،وذلك داخل اجل 31يوما ابتداء
من تاريخ التوصل بهذا الطلب وبالوثائق المرفقة معه ،وفي حالة عدم تبليغ قرار الرفض يعتبر
طلب التعويض مقبوال.
كما يبلغ مقترح التعويض إلى الطالب ،بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو
عن طريق إجراء غير قضائي ،داخل اجل 31يوما ابتداء من تاريخ التوصل بملف التعويض
211قرار المجلس األعلى عدد ،5381ملف مدني عدد ،2002/5/1/1874مجلة المحامي ،عدد ،22صفحة .017
212لمزيد من التفصيل أنظر المادة 20من القانون 001602المتعلق ب نظام تغطية الوقائع الكارثية .
الكامل ،ويرفق هذا االقتراح بتوصيل يجب على المستفيد أن يرجعه إلى صندوق التضامن بعد
أن يوقع عليه ،تنص المادة 40من القانون أنه في انتظار البث في ملف التعويض يمكن منح
تسبيق لألشخاص املحددة في البند األول من المادة ،21وهم األشخاص المصابين بضرر بدني
ناجم مباشرة عن الكارثة بمن فيهم من ساهموا ف عمليات اإلنقاذ واإلغاثة أو ذوي حقوقهم في
حالة الوفاة أو الفقدان .وبحسب المادة 41من القانون ،يجب على صندوق التضامن أن يدفع
التعويض المستحق داخل اجل 31يوما من تاريخ استالم التوصيل الموقع عليه من المستفيد،
كما يمكن للمستفيد رفض هذا التعويض ،وذلك بإبالغ رفضه إلى الصندوق بواسطة أي وثيقة
ثابتة التاريخ قبل لجوئه إلى لجنة تسوية المنازعات.
وطبقا للمادة 13من القانون أعاله ،فانه يتقادم كل طلب أداء التعويضات التي
يمنحها صندوق التضامن ،بمرور سنتين ابتداء من تاريخ نشر القرار اإلداري ،غير ان التقادم ال
يسري أو يتم توقيفه ضد الشخص الذي يوجد في ظروف استحال عليه فيها المطالبة بحقوقه
بسبب مانع نتج عن القانون ،أو عن القوة القاهرة ،كما يوقف التقادم أو يقطع بأي سبب من
األسباب العادية لتوقيف أو لقطع التقادم طبقا للقواعد العامة.
وتتولى لجنة تسوية المنازعات البت في كل نزاع قائم بين ضحايا و اقعة كارثية أو ذوي
حقوقهم وصندوق التضامن ،ويرأس هذه اللجنة قاض يعين من قبل املجلس األعلى للسلطة
القضائية ،وممثل لإلدارة المعنية ،وطبيبين يمارسان بالقطاع العام متخصصان في مجال طبي
ذي صلة وثيقة بموضوع النزاع ،باإلضافة إلى خبير في مجال البناء يكون مسجال في الجدول
الوطني للخبراء القضائيين.
يجب تقديم الطعن أمام لجنة تسوية المنازعات ضد قرار صندوق التضامن داخل
اجل سنة ابتداء من تاريخ تبليغ القرار المتنازع فيه من قبل صندوق التضامن ،ويقدم الطعن
ضد قرار صندوق التضامن في شكل مكتوب من طرف المعني باآلمر أو ذوي حقوقه ،مرفقا
بجميع الوثائق والبيانات الضرورية ،وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو يتم
إيداعه بمقر اللجنة مقابل وصل ،وتجتمع لجنة التسوية للبت في الطعن في مقرها أو أي مكان
مناسب آخذة بعين االعتبار ظروف الكارثة ،وتكون مداوالتها سرية ،كما تتخذ قراراتها بأغلبية
أصوات أعضائها ،وفي حالة تساوي األصوات ،يعتبرصوت الرئيس مرجحا ،يجب أن يكون القرار
الصادرعن اللجنة مكتوبا ومؤرخا ،ويشارفيه إلى الهوية الكاملة لألطراف ،كما يتضمن ادعاءات
األطراف و دفوعاتهم على التوالي والمستندات وبيان المسائل محل النزاع التي يتم الفصل فيها
بمقتض ى القراروكذا منطوقه ،كما يجب أن يكون مفصال ومعلال وموقعا من طرف أعضاء لجنة
التسوية ،213وطبقا للمادة 09من القانون فإن لجنة تسوية النزاعات تتوفرعلى أجل ال يتعدى
0أشهر تبتدئ من تاريخ رفع األمر إليها ،ويمكن تمديد هذا األجل من طريف رئيس املحكمة
اإلدارية املختصة باعتبارمكان وقوع الو اقعة بناء على طلب رئيس لجنة التسوية.
يكون قرار لجنة تسوية المنازعات ملزما ألطراف النزاع ،وهم المتضرر وصندوق
التضامن ،ويتم تبليغه لألطراف عن طريق إجراء غيرقضائي ،من طرف رئيس اللجنة داخل اجل
91يوما من تاريخ اتخاذ القرار ،ويكون هذا القرار غير قابل للطعن أمام القضاء العادي،
باستثناء خرقه للقانون ،وذلك أمام محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط وفق الشكليات وضمن
اآلجال العادية.214
كما يمكن اللجوء إلى القضاء العادي في حالتين؛ إذا لم تتخذ لجنة التسوية قراراها
داخل األجل املحدد القانوني وهو 0أشهر ،يمكن للمتضرر الطعن أمام املحكمة اإلدارية
املختصة باعتبار مكان وقوع الكارثة داخل اجل 01يوما ابتداء من اليوم األول الذي يلي تاريخ
انصرام األجل ،و يمكن الطعن في قرارات صندوق التضامن أمام القضاء اإلداري ،لكن بعد
استنفاذ مسطرة الطعن أمام لجنة تسوية المنازعات وذلك تحت طائلة عدم القبول،215
وبالتالي نالحظ أن المتضررال يمكن له اللجوء إلى القضاء العادي بعد استنفاذ مسطرة صندوق
التضامن ومسطرة تسوية المنازعات إال في حالتين ضئيلتين فقط.
إن الدافع الغريزي لحب البقاء ،يجعل اإلنسان في رحلة بحث طويلة عن مختلف السبل
والوسائل التي تجعله آمنا من غضب الطبيعة واإلنسان المفاجئ ،ولكي يكون غيرمضطرلتحمل
أثارها ،وحده فقد حاولت معظم الدول خلق أنظمة قانونية قادرة نسبيا على تغطية املخاطر
التي تحدق به ،باإلضافة الى القواعد العامة ،للتخفيف من وطأة الكوارث الطبيعية أو التي
بفعل اإلنسان ،كأسلوب جديد لنظام تعويض فوري وسلس يستطيع المتضررمن خالله تغطية
عو اقب الوقائع الكارثية التي ألمت به ،وعليه من خالل الدراسة التي قمنا بها ،يتمثل لنا الفرق
بين قواعد التعويض على أساس المسؤولية العادية وأحكام التعويض الفوري عن الكوارث في
النقاط التالية:
-في نظام التعويض الفوري يكتفي بإثبات وقوع الضرر وبيان مقداره ،وبالتالي دون أن يقع
عبء اإلثبات على عاتق المتضررمن الكوارث.
-إن نظام صندوق التضامن ،نظام مستقل وسلس ومتميزال على مستوى تكوينه أو تنظيمه،
وغيرمعقد وبسيط يمكن للمتضررالولوج إليه.
-يكفل صندوق التضامن للمتضرر تعويض تلقائي وكامل في فترة وجيزة دون إثقال كاهله
بالمصاريف واإلجراءات الطويلة الغيرمقبولة كما في القضاء العادي.
-إلزام الصندوق بأداء التعويض الكامل داخل مدة وجيزة ومحددة بالقانون.
وكتوصيات يمكن أن نورد مجموعة من اإلشارات يمكن أن تعززمن هذا النظام وتزيد من
نجاعته:
-يجب إيالء أولوية للحد من أخطار الكوارث في السياسات العمومية للدولة واملخططات
التنموية.
-تحديث المعلومات والبيانات المتعلقة باملخاطرومحاولة التعرف عليها مبكرا قبل حدوثها،
ورصد األخطاروتعقبها للحد من خطورتها و آثارها.
تعزيز آليات التأهب واالستجابة واإلغاثة للكوارث الطبيعية واإلنسانية أو التي بفعل -
اإلنسان.
-المواكبة القانونية المستمرة للمستجدات التي تحدث في هذا املجال ،إن على مستوى
المفاهيم والعناصر المشكلة لحالة الكارثة ،أو على مستوى األحكام والقواعد التي تضبط
هذا املجال ،أخذا بعين االعتبار عنصر التطور التكنولوجي و العلمي ،الذي أصبح يسمح
بتوقع األحداث بشكل مبكرا نسبيا متيحا بذلك إمكانية تفاديها أو تفادي نتائجها الوخيمة،
كما يتيح إمكانية القياس المسبق لألضرار و توقعها و معرفة ما يمكن أن تحتاجه من
إمكانيات لمواجههها و إصالحها.
الئحة المراجع
المراجع العربية
-جمال صالح ،السالمة من الكوارث الطبيعية واملخاطر البشرية ،الطبعة االولى ،دار
الشروق-مصر.2112
-طارق عبد العزيز حمدي ،المسؤولية الدولية الجنائية والمدنية عن جرائم اإلرهاب
الدولي ،دارالكتب القانونية ،مصر .2008
-يعقوب محمد حياتي ،تعويض الدولة للمجني عليهم في جرائم األشخاص ،دراسة
مقارنة ،رسالة دكتوراه من كلية الحقوق ،جامعة اإلسكندرية.9111 ،
-عبد الحق صافي ،الوجيز في القانون المدني ،الجزء الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة
الدارالبيضاء ،طبعة ،2191صفحة .11-11
-ماجد راغب الحلو ،القضاء اإلداري دراسة مقارنة ،الدارالجامعية القاهرة .1988
-عبد الكريم الطالب ،الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ،الناشر مكتبة المعرفة
مراكش ،مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء.2015،
-مأمون الكزبري ،نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ،املجلد
األول ،مصادرااللتزامات .1982
-سليمان الطماوي القضاء اإلداري الكتاب االول ،قضاء اإللغاء ،دار الفكر العربي،
الطبعة 7سنة ،2015صفحة .295
المراجع األجنبية
- http://publications.gc.ca/collections/collection_2011/sen/yc33-0/YC33-
0-392-13-1-eng.pdf
- https://carjj.org/node/5076
- www.barlamane.com
Summary
Morocco has known a series of constitutional reforms, the latest being the
2011 Constitution, which is a paradigm shift. The democratic choice was adopted
as one of the foundations of Morocco's political system. in addition to the gains
made by Bhavi in the field of fundamental freedoms and rights, which made
democratic orientation an irreversible option in Morocco's political system, And
by embracing the principles of democracy, such as the separation of power, which
aims to separate the legislative power over the executive and the judiciary and
cooperate between them. The Royal Foundation's position in the constitutional
disciplines, and the principle of national sovereignty, was conceived as
parliamentary monarchy, following the demands of Morocco's political elite
since the first dawn of independence
تقديم :
تقوم بلدان مختلفة في العالم بتكييف دساتيرها بانتظام مع متطلبات الساحة الدولية
والوطنية ،بل إنها تصمم أحيانا دساتير جديدة لتحقيق دساتير أكثر ديمقراطية ،وتحسين
الضوابط واالستجابة بشكل أفضل لرغبات الناخبين .ويمكن أيضا إجراء تغييرات دستورية
بعد مرحلة من الصراع من أجل إنشاء نظام دستوري جديد ووضع رؤية لكيفية إقامة مجتمع
أكثرعدال ،أو أن هناك رغبة في تنقيح دستور قائم من أجل االستجابة على نحو أفضل للدستور
السياس ي ،والتغيرات االقتصادية أو االجتماعية في املجتمع ،وألي سبب كان ،يتمثل العنصر
الرئيس ي ألي إصالح دستوري في ضمان تعزيز واحترام وحماية حقوق اإلنسان والحريات
األساسية بحيث تعتبر الوثيقة الدستورية عادة مدخال من مداخل االنتقال الديمقراطي فهي
الوثيقة التي تحدد شكل وطبيعة النظام السياس ي وشكل التعاقد بين الحاكم واملحكومين
وموازين القوى ،فقد احتلت إشكالية التحول الديمقراطي في األدبيات السياسية والدستورية
مكانة هامة حيث اصبحت تعد الشكل الرئيس ي التي تواجه العديد من األنظمة السياسية في
العالم المعاصر ،والتاريخ الدستوري بالمغرب شهد بدوره مجموعة من التعديالت الدستورية
بعد االستقالل ،حيث تم وضع اول دستور سنة 9102تم تعديله سنة 9111ودستور9112
وسنتي 9112و 9110باإلضافة إلى دستور 2199الذي يشكل طفرة نوعية في مجال الحقوق
وقد أسفر عن التعديل الدستوري بعد استفتاء فاتح يوليوز ،2199عن تطور هندسة
دستورية جديدة مختلفة عن الهندسة الدستورية للدستور 93شتنبر 9110وهمت هذه
الهندسة تقوية منظومة حقوق اإلنسان والحريات وتخصيص الباب الثاني من دستور ، 2199
وإعادة توزيع السلطة بين المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان ثم التكريس الدستوري
للجهوية المتقدمة واالرتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة .
وسنحاول االجابة عن هذه االشكالية وفق التصميم التالي :املحوراألول :حقوق اإلنسان
والحريات في النظام الدستوري .املحورالثاني :تموقع المؤسسة الملكية في دستور .2199املحور
الثالث :حصيلة السلطة التشريعية و التنفيدية في دستور. 2199
ترجع دسترة الحقوق والحريات العامة بالمغرب إلى الموجة الدستورية األولى الممتدة
بين 9102و 9112ثم الموجة الدستورية الثانية ما بين 9112و 9110حيث ضلت كل موجة
دستورية محكومة بظروفها الوطنية المالزمة لها ومتأثرة بوضعية حقوق اإلنسان على
المستوى الدولي فإذا كانت الفترة الممتدة من 9102إلى 9112تتسم بغلبة الحقوق االقتصادية
واالجتماعية على الحقوق المدنية والسياسية فإن الموجة الدستورية الثانية لعام 9112و
9110في المغرب تزامنت مع ظهور الجيل الجديد لحقوق اإلنسان وتقليص ملحوظ للحقوق
االقتصادية واالجتماعية .216
216على كريمى أسئلة االنتقال الديمقراضي في المغرب :قضايا في اإلصالح السياسي والدستوري ،الدار البيضاء ،مطبعة النجاح الجديدة
،الطبعة االولى ، 0110.ص .71
وقد انخرط المغرب في بداية التسعينات بقوة في عولمة حقوق اإلنسان ،حيث لم يبقى
المغرب منعزل وغير معني بما يحدث من تقنيات على المستوى الدولي بحجة حياده و انطوائه
،وهو األمر الذي يصعد من ضغوطات دولية مكتفة لذلك كان لزاما عليه لكي ينفلت من هذه
الضغوطات أن يسايرالظرفية الجديدة و هو ما عبرت عنه الفقرة الثالثة من دستوري 9112و
9110التي كرست الموقف الجديد للمغرب حيث تقول إن المملكة المغربية تؤكد تشبثها
بحقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا " وال يمكن املجازفة بالقول بأن هذه هي المرة
األولى يعترف المغرب بحقوق اإلنسان بموجب النص الدستوري ويلتزم بأحترامها لكن ما يمكن
تأكيده هو أن هذا االلتزام يعتبر بمثابة قفزة نوعية في اتجاه تكريس حقوق اإلنسان وحرياته
األساسية ،فالمغرب لم ينص على مبدأ الخصوصية التي تتجلى في تحفظه على العديد من
العهود والمواثيق التي كان طرفا فيها ،ومن بينها البروتوكول االختياري المتعلق بالعهد الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية ،والذي يتيح لكل مواطن أو أي إنسان رفع تقرير إلى لجنة حقوق
اإلنسان باألمم المتحدة عن االنههاكات التي تتعرض لها حقوقه داخل بلدها فما إذن الجديد
الذي أتى به دستور 2199فيما يخص حقوق اإلنسان والحريات العامة؟
تضمن الدستور الجديد مجموعة من الحقوق والحريات بحيث يمكن اعتبار هذا
الدستور بمثابة ثورة في مجال حقوق اإلنسان والحريات ،فباإلضافة إلى الباب األول الخاص
باألحكام العامة ،تما في إطار دستور 2199تخصيص باب بكامله بعنوان الحريات" والحقوق
األساسية " احتوى على 22فصال من الفصل 91إلى الفصل ( )41وتضمن الدستور حقوق
اإلنسان بمختلف أنواعها وأجيالها سواء منها ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ،217أو
بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية.
217علي كريمي أسئلة االنتقال الديمقراطي في المغرب قضايا في اإلصالح السياسي والدستوري .نفس المرجع السابق الصفحة .20
تجريم التعذيب واالختفاء القسري ،ومبدأ المساواة بين الجنسين ،وعدم المساس بالحياة
الخاصة لألفراد ،وحرمة المراسالت ،وقرينة البراءة في المتابعات القضائية.218
والمالحظ انه رغم تكريس الدستور للحق في الحياة فإنه لم ينص صراحة على إلغاء
عقوبة اإلعدام الذي طالبت به هيئة اإلنصاف والمصالحة في توصياتها ،والتي شددت فيها على
الحد من عقوبة اإلعدام ونيج التدرج في إلغائها ،من خالل اشتراط النطق باإلعدام بإجماع
القضاة،219وتضمن الدستور كذلك العديد من الفصول الخاصة بالحقوق االقتصادية
واالجتماعية والثقافية والبيئية مثل ( الحق في الشغل الحق في الحصول على تعليم عصري ،
الحق في الحماية االجتماعية والتغطية الصحية ،الحق في السكن الالئق ،الحق في التنمية
المستدامة ،الحق في ولوج الوظائف العمومية حسب االستحقاق ).
ولم يكتفي الدستور بالحديث عن الحقوق والحريات التي تضمنها الدولة للمواطنين بل
جاءت هذه الحقوق مقرونة بواجبات على المواطنين تحملها ،وهذا يؤدي إلى سيادة ثقافة
القيام بالواجب ،مما يجعل المواطن يقرأ حقوقه بقدرما يقرأ واجباته ويقوم بها ،220ويالحظ
أن المشرع الدستوري المغربي أخد بعين االعتبارأن ال تبقى هذه الحقوق والحريات المنصوص
عليها في الدستور حبرا على ورق فقام بدسترة مجموعة من المؤسسات والهيئات التي تساعد
على ضمان التفعيل األمثل للحقوق والحريات التي جاء بها الدستور وبالتالي عمل على دسترة
هينات الحكامة الجيدة.
218للمزيد اإلطالع على توصيات هيئة األنصاف والمصالحة بشان استقالل القضاء مجلة عدالة عدد 01أبريل 0100الصفحات -20
. 22
219انظر توصيات هيئة اإلنصاف والمصالحة حول إعادة تأهيل السياسة والتشريع الجنائيين مجلة عدالة العدد 01أبريل 0100ص .20
220محمد الغالي ،مقال منشور في جريدة الصباح ،تحت عدد 5843تاريخ .5122 /2/ 52-53
في إطار الدستور الجديد دسترة العديد من المؤسسات الخاصة بالحكامة الجيدة ،وهو
ما تضمنته الفصول (من 909إلى ، 221) 911وتبقى أهم هذه الهيئات مؤسسة الوسيط ،ثم
املجلس الوطني للحقوق اإلنسان .
تم إحداث املجلس الوطني للحقوق اإلنسان بمهام واختصاصات جديدة مخالفة لما كان
معمول به في املجلس االستشاري للحقوق اإلنسان ،حيث أن القانون الصادرتحت رقم .91.99
9بتاريخ فاتح مارس 2199الخاص باملجلس الوطني ،كان يتوخى تحقيق هدفين أساسيين األول
مؤسساتي وتعكسه (الفقرة ( )93من الديباجة ويهدف إلى االرتقاء بهذا املجلس إلى مطاف صريح
جديد من المؤسسات الحامية لحقوق اإلنسان سواء على المستوى الوطني أو الجهوي ،والثاني
موضوعي ويتمثل في كون هذا املجلس لم يعد يرتبط بالحقوق فقط بمفهومها الحصري بل
تعداها إلى املجال االقتصادي واالجتماعي والسياس ي .222
وهكذا تما منح املجلس آليات مخالفة لآلليات التي كانت ممنوحة للمجلس االستشاري
لحقوق اإلنسان فعلى مستوى الرقابة تم منحه اختصاصات تندرج في بعدين ،األولى تتمثل في
الرقابة القبلية التي تسمح بالتدخل بكيفية سابقة وعاجلة كلما تعلق األمر بحالة من الحاالت
التي تؤدي إلى انههاك حق من حقوق اإلنسان ،والثانية تتمثل في الرقابة البعدية ،التي تخول
املجلس العديد من االختصاصات في مجال حماية حقوق اإلنسان والنهوض بها.223
وقد تمت االرتقاء باملجلس الوطني لحقوق اإلنسان إلى مستوى هيئة دستورية ،في إطار
التعديل الدستوري الجديد ،وهذا ما تضمنه الفصل ، 909الذي اعتبره مؤسسة دستورية
مستقلة ،تتولى النظرفي القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق اإلنسان والحريات وحمايهها.
221يتعلق األمر بالمؤسسات التالية " :املجلس الوطني للحقوق اإلنسان (ف )222مؤسسة الوسيط (ف )225مجلس الجالية المغربية بالخارج (ف )225الهيئة
المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز ( )228الهيئة العليا لالتصال السمعي البصري (ف ( )223مجلس المنافسة (ف )222الهيئة الوطنية للنزاهة
للوقاية من الرشوة ومحاربتها ( )221املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (ف ، )224املجلس االستشاري لألسرة والطفولة ( )221املجلس االستشاري
للشباب والعمل الجمعوي (ف (211
222فاطمة لوريني ،مؤسسة املجلس الوطني بين منزلتين ،مجلة عدالة ،العدد 21أبريل 5122ص . 51
223فاطمة لوريني ،مؤسسة املجلس الوطني بين منزلتين ،م،س ص .51
نص الفصل 222من الدستور الحالي على ما يلي " :املجلس الوطني للحقوق اإلنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة تتولى النضر في القضايا المتعلقة بالدفاع
عن حقوق اإلنسان والحريات وحمايتها ويضمان ممارستها الكاملة ،والنهوض بها وبضمان ممارستها الكاملة ،والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات
المواطنات والمواطنين أفرادا وجماعات ،وذلك في إطار الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا املجال ".
-2مؤسسة الوسيط
إن مطلب تأسيس ودسترة مؤسسة الوسيط ليس وليد اليوم بل يعود لعقد التسعينات
من القرن الماض ي ،فقد سبق أن طلب بإقامة ودسترة هذه المؤسسة لما لها من دورفي حماية
حقوق ومصالح المواطنين ،ورفع المعاناة التي يلقاها المواطن في هذا املجال خصوصا
بالبوادي ،كما سبق للوزير األول السيد عبد الرحمان اليوسفي بتاريخ 93يناير 2111ضمن
تصريح القاه أمام البرلمان ،أن أكد عزم الحكومة على التقدم بمشروع قانون تحدث بمقتضاه
،مؤسسة وطنية مستقلة ،على غرار مؤسسة الوسيط التي توجد بالعديد من الدول
الديمقراطية المتحضرة وكان يهدف هذا المشروع إلى حماية المواطنين من الحيف والتسلط
والالمباالة الذي يتعرضون له من قبل اإلدارة 224وقد ظهر هذا النوع من المؤسسات ألول مرة
بالسويد تحت اسم (األمبودستان) ثم انتشرت في العديد من دول العالم كما هو الشأن بالنسبة
للوسيط ( ) le médiateurبفرنسا والمدافع عن شعبه ( el defonsor del puebloباسبانيا ،
ومؤسسة الوسيط بالجزائر.
وقد تم االرتقاء بمؤسسة الوسيط في إطارالتعديل الدستوري الجديد إلى مستوى هيئة
دستورية ،وذلك ما ينص عليه الفصل 226 902من الباب الثاني عشر حيث أصبحت بموجبه
هذه المؤسسة مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة مهمهها الدفاع عن الحقوق والحريات في
إطارالعالقة التي تجمع بين اإلدارة والمواطنين.
224املختار مطيع ،توسيع مجال الحريات من خالل مشروع مؤسسة الوسيط ،مجلة دراسات ووقائع دستورية وسياسية العددة مزدوج، 5112 .ص .232
225فاطمة لوريني اختصاصات مؤسسة (الوسيط) وآليات تفعيلها مجلة عدالة ع 21أبريل ، 5122ص .11
226ينص الفصل 225من دستور 5122على ما يلي ":الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العالقات بين اإلدارة
والمترفقين واإلسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل واإلنصاف ،وقيم التخليق والشفافية في تدبير اإلدارات والمؤسسات العمومية والجماعات
الترابية والهيئات التي تمارس صالحيات السلطة العمومية ".
إن هذه الحقوق والحريات التي تم التنصيص عليها في الدستور الجديد هي دليل على أن
الدولة غيرت من المرجعية انتي كانت تضيع على أساسها السياسات العمومية حيث تحولت
هذه المرجعية من المنطق التقليدي الذي يجعل المواضن في خدمة الدولة إلى مرجعية ذات
مقاربة حقوقية تعتبر الدولة في خدمة المواطن كم تما االنتقال في إطار هذه المراجعة
الدستورية من مرحلة االكتفاء باإلعالن عن الحقوق والحريات إلى مرحلة يمكن وصفها بالجبل
انثالث ،وهو جيل التمكين من خالل دسترة العديد من األنيات الكفيلة بتفعيل هذه الحقوق
المعترف بها على أرض الو اقع.227
جاء دستور 2199بمجموعة من المستجدات فيما يخص توزيع بين السلطات املختلفة
والعالقة فيما بينها ،فما هي إذن مكانة كل من المؤسسة الملكية والبرلمان والحكومة في إطار
الدستورالجديد ؟
شكل الفصل 228 91من الدستور المغربي ،دعامة أساسية للتبوء المؤسسة الملكية
مركز الصدارة على باقي المؤسسات األخرى فهذا الفصل يحيل على تعدد أنماط مشروعية
المؤسسة الملكية من مشروعية دينية 229نابعة من لقب إمارة المؤمنين إلى مشروعية تاريخية
تتجلى في كون الملكية رمز لوحدة واستمرارية الدولة ،ثم مشروعية تعاقدية تجسدها البيعة
التي تعتبرفي نضرالفقهاء ميثاقا تعاقديا تتحدد بموجبه حقوق وواجبات كل من الراعي والرعية.
وقد جاءت الملكية مرتبة في الباب الثالث من دستور 2199بعد الباب األول الخاص
بأحكام عامة والباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات األساسية ،مما يدل على أن المؤسسة
الملكية ال زالت تحتل مكانة الصدارة في البناء الدستوري للنظام السياس ي المغربي .وقد تم
بموجب المراجعة الدستورية الجديدة،و تقسيم الفصل 91إلى فصلين فصل يتضمن
الصالحيات الدينية للملك باعتباره أميرا للمؤمنين وهو الفصل ،230 49وفصل خاص
بالصالحيات المدنية للملك باعتباره رئيسا للدولة وممثلها األسمى وهو الفصل ،42231و هذا
الفصل من شأنه أن يحد من تداخل االختصاصات بين الشأن الديني والدنيوي التي كان يكرسها
الفصل 91في الدستور القديم ،باإلضافة إلى حذف عبارة "الممثل األسمى لألمة" التي كانت
تجعل من الملك فوق المؤسسات الثمتيلية األخرى كالحكومة والبرلمان ،كما أصبحت ممارسة
هذه الصالحيات المنصوص عليها في الفصول 49و 42مقرونة بما هو متضمن في الدستور.
فدستور فاتح يوليوز 2199يقطع مع العديد من المفاهيم التي كانت سائدة في الدساتير
السابقة ،وفي مقدمهها االنتقال من مبدأ سمو المؤسسة الملكية إلى مبدأ سمو الدستور ،فهذا
المبدأ تمت اإلشارة إليه في الخطاب التاريخي لتاسع مارس ضمن المرتكزات السبعة التي
اعتمدت في صياغة الدستور ،وتجسد بشكل قوي من خالل تشديد الدستور الجديد على كون
صالحيات الملك كأميرللمؤمنين مقيدة بما هومنصوص عليه في الدستور ،كما وقع التأكيد على
هذا المبدأ في خطاب العرش ( )31يوليوز )2199عندما تما الحديث عن المرتكزات الثالثة
للتفعيل مقتضيات الدستور الجديد ،ومن بينها تكريس مبدأ ،الدستور سمو من خالل اعتبار
أية ممارسة تهدف إلى إفراغ الدستور الجديد من داللته الديمقراطية بمثابة خرق لمنطوق
الدستور الجديد وروحه ,232إضافة إلى هذه االختصاصات التي يمارسها الملك في إطار الفصل
49و ،42تضمن الدستورالجديد مجموعة من الصالحيات التي يمارسها الملك سواء في الحاالت
االعتيادية أو االستثنائية.
تشمل هذه االختصاصات الصالحيات التي منحها التعديل الدستوري الجديد للملك في
عالقته بالسلطة التنفيذية ثم التشريعية والقضائية.
230ينص الفصل 82من دستور 5122على مايلي ::الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة و الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية .يرأس الملك أمير المؤمنين
املجلس العلمي األعلى الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه .ويعتبر املجلس الجهة الوحيدة المؤهلة إلصدار الفتاوى المعتمدة رسميا بشان المسائل
املحالة عليه استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين اإلسالمي الحنيف ومقاصده السمحة .تحدد اختصاصات املجلس وتأليفه وكيفية سيره بظهير .يمارس الملك
الصالحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين واملخولة له حصريا بمقتض ى هذا الفصل بواسطة ظهائر.
231ينص الفصل 85من دستور 5122على ما يلي:
الملك رئيس الدولة وممثلها األسمى ورمز وحدة األمة وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم األسمى بين مؤسساتها يسهر على احترام الدستور ،وحسن سير
المؤسسات الدستورية وعلى صيانة االختيار الديمقراطي ،وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات ،وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.
الملك هو ضامن استقالل البالد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة .يمارس الملك هذه المهام بمقتض ى ظهائر ،من خالل السلطات املخولة له صراحة
بنص الدستور.
232محمد ضريف ،من مبدأ سمو المؤسسة الملكية إلى مبدأ سمو الدستور ،جريدة المساء العدد .5/4/5122 .25-25ص . 8
وفقا للتعديل الدستوري الجديد أصبح الملك بمقتض ى الفصل 23341مجبر على تعيين
رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب ،وعلى أساس النتائج
المترتبة عنها ،على خالف الفصل 234 24من دستور 93شتنبر ، 9110الذي يعطي للملك سلطة
تقديرية في تعيين الوزير األول من داخل أو خارج البرلمان ،كما حدث عند تعيين إدريس جطوا
كوزيرأول تكنوقراطي من خارج البرلمان سنة .2112
ويعتبر الفصل 41من أهم المستجدات التي أتى بها التعديل الدستوري الجديد ،حيث
تم بموجبه دسترة املجلس الحكومي وترقية ،الوزيراألول إلى مستوى رئيس للحكومة ،باإلضافة
إلى تكريس المسؤولية التضامنية للحكومة من خالل ربط استقالة الحكومة بإعفاء الحكومة
بكاملها ،فالمقتضيات التي جاء بها هذ ا الفصل في حال تفعيلها سوف تؤدي إلى تقوية مكانة
الحكومة ،وإضفاء الطابع البرلماني على النظام السياس ي المغربي من خالل انبثاق الحكومة
عن البرلمان ،وقد حافظ الملك بمقتض ى الفصل 41على رئاسته للمجلس الوزاري ،الذي
يتألف من رئيس الحكومة والوزراء ،وتمر عبره أهم المواضيع الخاصة بالسياسات العامة
الخاصة بشؤون البالد كما حددها الفصل 41غير أن الجديد الذي أتى به هذا الفصل أي
الفصل 41هو إمكانية تفويض الملك رئاسة املجلس الوزاري للرئيس الحكومة ،بناءا على
جدول أعمال محدد
يمارس الملك كذلك طبقا للفصل 42السلطة التنظيمية بمقتض ى ظهائر موقع عليها
بالعطف من طرف رئيس الحكومة ما عدا المقتضيات المتعلقة بالفصول التالية (-41-44-49
235)914 -931-11-11-19ويتعلق األمر بممارسة الصالحيات الدينية (ف ، 49وتعيين ،عشر
شخصيات من مجلس الوصاية فقرة الثانية ف ( ، )44وتعيين رئيس الحكومة (ف ، )41وحل
البرلمان (ف ، )19والمو افقة على تعيين القضاة بظهير (ف ،11واإلعالن عن حالة االستثناء
(ف ، )11وتعيين ستة أعضاء من املحكمة الدستورية إضافة إلى رئيسها ف ( ، )931ثم اقتراح
وعرض مشروع الدستورعلى االستفتاء (ف.)914
وأصبح الملك في إطارالتعديل الجديد يعين في الوظائف المدنية ،بناءا على اقتراح رئيس
الحكومة وبمبادرة من الوزير الذي تتعلق الوظيفة بقطاعه ،كما تنص على ذلك الفقرة األخيرة
من الفصل .41بينما احتفظ الملك بحق التعيين في الوظائف العسكرية دون تدخل رئيس
الحكومة ،باعتباره القائد األعلى للقوات الملكية المسلحة ،كما ينص على ذلك الفصل ، 13
ورئاسته للمجلس األعلى لألمن الذي تما التنصيص على إحداثه في الفصل .14
ويمارس الملك تبعا للفصل 11من الدستور الجديد السلطة الدبلوماسية ،من خالل
اعتماد السفراء لديه ولدى الدول األجنبية ،والتوقيع والمصادقة على المعاهدات الدولية
حيث أورد هذا الفصل عدة أنواع من المعاهدات التي أصبحت تتطلب المصادقة عليها من
طرف الملك المو افقة المسبقة عليها من طرف البرلمان بواسطة قانون مثل معاهدات السلم
واألمن ورسم الحدود ...وهذا يختلف عن المقتضيات التي وردت في الفصل 39من دستور
،9110والتي حضرت نوع المعاهدات التي تتطلب مو افقة البرلمان قبل المصادقة عليها من
طرف الملك ،في المعاهدات واالتفاقيات التي تلزم مالية الدولة.
الزال الملك في إطار الدستور الجديد يمارس العديد من االختصاصات ،تضمنها له
مجموعة من األليات والصالحيات من بينها:
-استمرار الملك في افتتاح دورات البرلمان بواسطة خطاب وال يمكن أن يكون هذا الخطاب
محل أي نقاش داخلهما أي داخل مجلس النواب ومجلس المستشارين ،كما ينص على ذلك
الفصل 12من الدستورالجديد على خالف الفصل 1من دستور 9110الذي ينص على أن
الملك يخاطب األمة والبرلمان وال يمكن أن يكون مضمونه محط أي نقاش فالفصل 12
حد من الخطابات الملكية بما يعني أن هذه الخطابات أصبحت موضوعا للنقاش خارج
البرلمان مع التعديل الجديد حيث أضيفت عبارة (داخلهما) لتصبح الصيغة الحالية هي
"وال يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما."236
-من حق الملك من قراءة جديدة ألي مشروع أو اقتراح قانون سبقت المصادقة عليه أمام
املجلس النواب أومجلس المستشارين ،وال يمكن أن ترفض هذه القراءة الجديدة كما ينص
على ذلك الفصل 11من دستور2199
-يختص الملك كذلك بحقه في طرح مشروع أو اقتراح قانون على االستفتاء ،من أجل
المو افقة عليه من طرف الشعب ،وقد يتعلق األمر باستفتاء دستوري أو سياس ي ،حيث تصبح
المراجعة نهائية بعد إقرارها باالستفتاء ف ( .)914باإلضافة إلى حقه في إصدار األمر بتنفيذ
القانون خالل الثالثين يوما الموالية إلحالته على الحكومة ،حيث ينشرفي الجريدة الرسمية في
أجل أقصاه ال يتعدى شهرا ابتداءا من تاريخ إصداره من طرف الملك (.)11
236محمد عابد الجباري ،الديمقراطية في المغرب من التاجيل الى التزوير ،تنديد بالحكم الفردي واالنتصار للديمقراطية ،مواقف(سلسلة كتب شهرية العدد
الرابع )ملفات الذاكرة السياسية الدار البيضاء دار النشر المغربية ،ص . 255
237تنص الفصل 12من دستور 5122على ما يلي :اللملك بعد استشارة رئيس املحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس
المستشارين ،أن يحل بظهير املجلسين معا أو أحدهما يقع الحى بعد خطاب يوجهه الملك إلى االمة".
238اينص الفصل 218من نستور 5122على ما يلي :المكن للرئيس الحكومة حل مجلس النواب بعد استشارة الملك ورئيس املجلس ورئيس املحكمة الدستورية
بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري يقدم رئيس الحكومة تصريحا يتضمن بصفة خاصة دوافع قرار الحل وأهدافه ." .
239محمد الحضيري ملف تحت عنوان مطالب ال تجدونها في الدستور ،مجلة أو ل المساء االسبوعية العدد 51 .53يوليوز ، 5122ص . 52
اعتبر الفقه اإلسالمي القضاء من وظائف اإلمامة ،فقد جعل الفقيه اإلسالمي أبو
الحسن الماوردي القضاء من وظائف اإلمامة وحددها في عشر صالحيات بدون أن يميز فيها بين
ما هو ديني أو سياس ي 240فيما اعتبر الفقيه اإلسالمي المعاصر عبد الرزاق أحمد السنهوري
القضاء من الصالحيات السياسية لألمير أو الخليفة التي يستطيع من خاللها في نضام الخالفة
اإلسالمية ،أن يدير ويباشر القضاء بنفسه مع إمكانية تفويض مزاولهها إلى الوزراء والوالة،
مستدال بتولي الرسول صلى الله وعليه وسلم مهمة القضاء بنفسه ،ثم الخلفاء الراشدين من
بعده ،الذين اضطروا للتعيين قضاة يتولون شؤون القضاء أمام تزايد حجم المسؤوليات
المهمة التي زادت أعباؤها241
وقد التزم الخلفاء بمبدأ استقالل القضاء ،حيث روي عن الخليفة عمر ابن الخطاب
رض ي الله عنه ،أنه رفض أن يلغي حكما أصدره قاضيه أبو الدرداء ،على الرغم أنه كان مخالفا
لرأيه في تلك الحالة ،كما الترم الخلفاء كذلك بمبدأ المساواة أمام القضاء ،وعدم وجود أية
حصانة قضائية للخليفة ،ومثال ذلك أن الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رض ي الله عنه،
وقف إلى جانب خصمه الذي اشتكاه إلى القضاء ،وكان المدعي فردا عاديا من اهل الذمة.242
ويمارس الملك في إطار الدستور الحالي العديد من الصالحيات التي تدخل في مجال
القضاء ،باعتباره أميرا للمؤمنين ويتحدث الدستورالجديد عن القضاء باعتباره سلطة قضائية
مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية الفصل ،911حيث أنهت الوثيقة الدستورية
وصاية وزارة العدل على "املجلس األعلى للقضاء " الذي تحول إلى املجلس األعلى للسلطة
القضائية ،و هذه االستقاللية ال تهم الملك الذي يمارس العديد من الصالحيات من أهمها:
-رئاسته للمجلس األعلى للسلطة القضائية كما ينص على ذلك الفصل ( )991من دستور
.2199وقد أصبح املجلس األعلى للسلطة القضائية يتكون حسب نفس الفصل من الرئيس
األول للمحكمة النقض كرئيس منتدب ،والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ،وأربعة
ممثلين لقضاة محاكم االستئناف ،ينتخبهم القضاة فيما بينهم ،وستة ممثلين للقضاة
محاكم أول درجة ،ينتخبهم القضاة فيما بينهم ،كما نص الدستور الجديد على وجوب
حضورتمثيلية النساء القاضيات داخل تركيبة املجلس بما يتناسب مع حضورهم في سلك
240محمد الماوردي ،األحكام السلطانية بيروت دار الكتب العلمية الطبعة ،5112 ، 5ص . 54
241عبد الرزاق أحمد السنهوري فقه الخالفة ونطورها لتصبح عصبة امم شرقية القاهرة الهيئة المصرية العامة الكتاب الطبعة الثانية .2115الصفحة .212
242عبد الرزاق أحمد السنهوري فقه الخالفة ونطورها لتصبح عصبة امم شرقية .نفس المرجع ص .215
القضاء باإلضافة إلى حضور أشخاص من خارج سلك القضاء عن "مؤسسة الوسيط"
و"املجلس الوطني للحقوق اإلنسان ،باالضافة إلى ست شخصيات يعينهم الملك مشهود
لهم بالكفاءة التجرد والعطاء المتميزفي مجال استقالل القضاء وسيادة القانون من بينهم
عضوا يقترحه األمين العام للمجلس العلمي األعلى (ف.)991
ويتضح من التركيبة الجديدة للمجلس األعلى للسلطة القضائية ،خلو الفصل 991من
أي تنصيص على حضوروزيرالعدل في تركيبة املجلس ،على خالف الفصل 10من دستور9110
الذي كان يسمح بحضور وزير العدل في املجلس األعلى للقضاء بصفته نائبا للرئيس وهذا من
شأنه يحد من وصاية وزارة العدل جهازالقضاء.
-يتم إصداراألحكام وتنفيذها باسم الملك ،كما ينص على ذلك الفصل ،924وتمت إضافة
عبارة :طبقا للقانون" ،مما يعني أن األحكام والقرارات التي تصدرها املحاكم تبقى غير
شرعية إذا لم تتم في إطار القانون .كما احتفظ الملك كذلك بحقه في ممارسة العفو
(الفصل .)11
أما فيما يتعلق بالقضاء الدستوري ،فقد نص الدستور الجديد على إحداث محكمة
دستورية تحل محل املجلس الدستوري (الفصل ، )921حيث يضمن الدستور للملك الحق في
تعيين رئيس املحكمة الدستورية من بين األعضاء الذين تتألف منهم ،باإلضافة إلى تعيين ستة
أعضاء من األعضاء االثن ى عشر الذين تتألف منهم املحكمة ،ومن بينهم عضو يقترحه األمين
العام للمجلس العلمي األعلى (الفصل .)931
تخول الدساتير عادة ،للرئيس الدولة سلطات واسعة للكي يتمكن من مواجهة األوضاع
غير العادية التي قد تعرض سالمة وأمن الدولة للخطر ،وذلك خالل مرور الدولة بظروف غير
عادية أهمها حالة االستثناء وحالة الحصار وحالة الحرب . 243وقد عمل المشرع الدستوري
المغربي شانه شان باقي الدساتير على تنظيم كيفية التعامل مع األوضاع غير العادية ،وذلك
بتكريسه للحالة االستثناء وحالة الحصاروإشهارالحرب.
243حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية :المفاهيم األساسية والنظم السياسية .الدار البيضاء ،دار النشر المغربية ،الطبعة الرابعة
5115ص .215
-9حالة االستثناء
خص دستور 2199شأنه شأن باقي الدساتير المغربية الملك بحقه في اإلعالن عن حالة
االستثناء بعد استشارة رئيس الحكومة ،ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ،ثم
رئيس املحكمة الدستورية وتوجيه خطاب إلى األمة (ف، 244)11وتضمن الفصل 11توفر أحد
الشرطين لإلعالن عن حالة االستثناء إما تهديد حوزة التراب الوطني ،أو وقوع أحداث تعرقل
السير العادي للمؤسسات الدستورية ،باإلضافة إلى شروط شكلية تتمثل في استشارة رئيس
الحكومة ،ورئيسا مجلس ي البرلمان ورئيس املحكمة الدستورية ثم توجيه خطاب إلى األمة .
وقد أصبح رئيس الحكومة يستشار في حالة ما إذا أراد الملك إعمال مقتضيات هذا
الفصل على خالف الفصل 245 31من دستور 9110الذي يستثني الوزيراألول من هذه االستشارة
،باإلضافة إلى حذف عبارة "ما من شأنه التي وردت في الفصل 31والتي تم بموجبها إعطاء سلطة
تقديرية واسعة في اللجوء لحالة االستثناء ،و ابقى الفصل 11على ما جاء به الفصل 31من
دستور 9110حيث أن البرلمان يبقى قائما وجوبا في حالة اإلعالن عن حالة االستثناء إال أن
الفصل 11أعطى أهمية لمسالة الحقوق والحريات من خالل التنصب على أنها تبقى مضمونة
عند لجوء الملك إلى إعمال هذه الحالة.
وقد سبق للمغرب أن عاش حالة االستثناء ما بين ( ، )9111-9101حيث توقف العمل
بأحكام التستور في ظروف لم يحصل اإلجماع على دستوريهها حيث لقيت اعتراضا من طرف
بعض القرى السياسية مثل حزب االستقالل واالتحاد الوطني للقوات الشعبية وجزء
واالستقالل .246
244تنص الفقرة األولى من الفصل 31من دستور 5122على ما يلي :إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من األحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات
الدستورية ،يمكن لله أن يعلن عن حالة االستثناء بظهير بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ،ورئيس مجلس النواب ،ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس
المستشارين ورئيس املحكمة الدستورية ،وتوجيه خطاب إلى األمة...
245ينص الفصل 53من دستور 25شتنبر 2112على ما يلي :ال كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من األحداث ما من شأنه أن يمس بسير المؤسسات
الدستورية يمكن للملك أن يعلن عن حالة االستثناء بظهير شريف بعد استشارة رئيس مجلس البرلمان ،ورئيس املجلس الدستوري وتوجيه خطاب إلى األمة ،
ويخول بذلك على الرغم من جميع النصوص املخالفة صالحيات اتخاذ جميع اإلجراءات التي يفرضها الدفاع عن حوزة الوطن ويقتضبها رجوع المؤسسات
الدستورية إلى سيرها العادي ،أو يتطلبها تسيير شؤون الدولة.
246محمد مالكي القانون الدستوري والمؤسسات السياسية م س ،ص . 522
-2حالة الحصار
يقصد بحالة الحصارفرض إجراءات عسكرية على منطقة أو جل مناطق البالد حيث يتم
توسيع صالحيات السلطة العسكرية في مناطق الحصار من أجل السيطرة على الموقف
واستتباب األمن: 247
-3اشهار الحرب
كان الفصل 19من الدستور 9102يشترط مو افقة البرلمان على قرارإشهارالحرب الذي
يتخذه الملك سواء كانت هذه الحرب دفاعية أوهجومية ،إال أن الدساتيرالالحقة ،ومنها دستور
9110أكدت على أن إشهار الحرب من طرف الملك ال يتطلب المو افقة القبلية من طرف
البرلمان بل فقط إخباره ،وقد الفصل 11من الدستور الجديد نفس اإلجراء المعمول به في
دستور .9110فالملك في إطار الدستور الحالي يتخذ قرار إشهار الحرب بعد التداول بشأنه في
املجلس الوزاري وبعد إخبارالبرلمان .
247حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المفاهيم األساسية والنظم السياسية مرجع س الصفحة . 218
248ينص الفصل 18من الدستور 5122على ما يلي :يمكن اإلعالن لمدة ثالثين يوما عن حالة الحصار بمقتض ى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة وال يمكن
تمديد هذا األجل إال بقانون " .
249نص الفصل 81من مستور 23شتنبر 2112على ما يلي " :يمكن اإلعالن عن حالة الحصار لمدة ثالثين يوما بمقتض ى ظهير شريف وال يمكن تمديد أجل
الثالثين يوما إال بقانون ".
250حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية والمفاهيم األساسية والنظم السياسية م.س.070
من المرتكزات التي راهن عليها المشرع الدستوري المغربي في اإلصالحات الدستورية
األخيرة انبثاق برلمان عن انتخابات حرة ونزيهة يتبوأ فيها البرلمان مكان الصدارة مع توسيع
مجال القانون ليشمل اختصاصات جديدة تكفل له النهوض بمهامه الثمتيلية التشريعية
والرقابية ،فما ،أهم المستجدات هي التي أتى بها الدستور الجديد فيما يخص صالحيات
وتنظيم السلطة التشريعية (البرلمان) ؟.
-9تنظيم البرلمان.
عمل المغرب في أول دستورله بتاريخ 94دجنبر 9102بنظام الثنائية املجلسية ثم لجا في
المراجعات الدستورية لسنة 9111و 9112و 9112إلى إلغاء مجلس المستشارين ،و العمل
باملجلس الواحد إال أن دستور 9110أعاد من جديد تجربة الثنائية املجلسية التي شهدها
المغرب مع دستور.9102
وقد شهدت الحياة السياسية المغربية أراء متضاربة حول مدى نجاعة كل من نضام
الثنائية املجلسية واألحادية املجلسية في تقوية نظام المؤسسة البرلمانية في المغرب؟ فهناك
خطاب يدعوا إلى العودة النهائية إلى نظام األحادية املجلسية ،251وخطاب آخريدعوا إلى التشبث
بنظام الثنائية املجلسية ،ويبرر أصحاب خطاب األحادية موقفهم بأن انتخابات الغرفة الثانية
كانت دائما محط انتقاد من طرف الطبقة السياسية ،إضافة إلى أن الغرفة الثانية منحت
اختصاصات رقابية تصل إلى حد إسقاط الحكومة ،مما يجعلها متساوية مع مجلس النواب
المنتخب باالقتراع العام المباشرلهذا ،فتمثيلية القوى المنتجة
251حسين مشدود أي مخرج للمجلس المستشارين بين المطالبين بحذفه والدعوة إلى استمراره ،مجلة دراسات ووقائع دستورية
وسياسية ،العدد 2مارس 0112ص .002
للثروة حسب رأيهم يجب أن تتم داخل املجلس االقتصادي واالجتماعي .252أما أصحاب
الخطاب الداعي إلى اإلبقاء على نضام الثنائية املجلسية ،فيبررون ذلك بكون الغرفة الثانية
تتميز بخصوصية بنيهها التمثيلية ومحدودية سلطاتها الرقابية التي يؤكدها الفصل 11من
دستور 9110حينما اشترط تصويت أغلبية ثلثي األعضاء في مجلس المستشارين لتمريرملتمس
الرقابة مما سيجعل إسقاط الحكومة مهمة شبه مستحيل ،إن هذا التباين في موقف األحزاب
السياسية بين من يدعوا إلى حذف الغرفة الثانية وبين من يدعوا إلى بقائها ،يعبرعن صراع خفي
بين األحزاب حول توسيع دائرة تمثيليهها الفشل بعض األحزاب في التغلغل داخل بعض المناطق
والقطاعات اإلنتاجية يوازيه نجاح البعض في اختر اقها.
وقد تما االحتفاظ في إطار دستور الجديد بنظام الثنائية املجلسية ،الذي كرسه دستور
9110حيث نص الفصل 01من الدستور الجديد على أن البرلمان يتكون من مجلسين هما
مجلس النواب ومجلس المستشارين وعلى الرغم من أن الدستور المراجع لعام 2199لم
يستجيب للمطالب إلغاء الغرفة الثانية فقد قوى موقع مجلس النواب على حساب مجلس
المستشارين من خالل تنصيصه على مجموعة من المقتضيات من بينها:
تقديم ملتمس الرقابة فقط من طرف خمس مجلس النواب يؤدي في حالة التصويت
عليه إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية (الفصل (.)911
التصويت على البرنامج الحكومي باألغلبية المطلقة ألعضاء مجلس النواب دون أعضاء
مجلس المستشارين (الفصل .)11
التصريح بمنح الثقة من طرف األغلبية المطلقة بمجلس النواب بشأن تصريح يدلي به
رئیس الحكومة في موضوع السياسة العامة (الفصل (.)913
منح مجلس المستشارين حق تقديم ملتمس المساءلة للحكومة فقط دون القدرة على
إثارة 10مسؤوليهها الفصل ()910
252حسين مشدود أي مخرج للمجلس المستشارين بين المطالبين بحذفه والدعوة إلى استمراره ،م.س ،ص .002
طلب عقد دورة استثنائية بواسطة ثلث أعضاء مجلس النواب ،وبأغلبية أعضاء مجلس
المستشارين (الفصل ()00
ويمكن القول .مع هذه التعديالت الجديدة أن المغرب انتقل من نظام املجلس المتكافئ
إلى نظام املجلس غيرالمتكافئ الذي يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة بالمقارنة مع الغرفة
الثانية التي تراجعت مكانهها التمثيلية والرقابية.253
وبتكريس دستور 2199لنظام الثنائية املجلسية غير المتكافئة ،يكون قد قطع الطريق
على بعض الهيئات السياسية والحقوقية التي ،التي كانت تطالب بإلغاء الغرفة الثانية واإلبقاء
على مجلس النواب ،وكمثال على ذلك ما اقترحه حزب الطليعة الديمقراطي االشتراكي ،على
اللجنة االستشارية للمراجعة الدستور ،بإلغاء مجلس المستشارين ،مبررا موقفه بأن
الصالحيات التي أعطيت له في ظل دستور 9110تكاد تكون متطابقة تماما مع االختصاصات
الممنوحة للمجلس النواب ،باإلضافة إلى عرقلته للعمل التشريعي وارتفاع حجم الميزانيات
التي تصرف فيه بدون فائدة .254وذهبت جمعية هيئة املحامين بالمغرب في نفس االتجاه حينما
طالبت في مقترحاتها رعة إلى اللجنة االستشارية بإعادة النضرفي نظام الغرفتين .255
ووفقا للفصل 02من الدستور الجديد ،فإن مجلس النواب ينتخب باالقتراع العام
والمباشر لمدة خمس سنوات ،وقد ترك هذا الفصل مهمة تحديد عدد أعضاء مجلس النواب
للقانون التنظيمي .أما مجلس المستشارين فقد نص الفصل 03على انتخابه باالقتراع العام
غيرالمباشر ،وحدد عدد أعضائه في نسبة ال نقل عن 11عضوا وال تتجاوز 921عضوا في انتظار
قانون تنظيمي يحسم في عدد أعضائه.
وقد تما في الفصل 04من دستور 2199تقييد مجال الحصانة البرلمانية بالنسبة للنواب
بحيث أصبحت منحصرة فقط في التعبيرعن رأي النواب داخل البرلمان على خالف الفصل 31
253يتبين أن الدستور الجديد استجاب إلى حد ما إلى المقترحات التي قدمتها بعض األحزاب كحزب األصالة والمعاصرة الذي اقترح
أعضاء مجلس النواب مكانة أقوى من مجلس المستشارين وبالتالي العمل بانضمام المجلس غير المتكافئ .للمزيد من اإلطالع أنضر
المذكرة األولية المرفوعة إلى اللجنة االستشارية للمراجعة الدستور مجلة عدالة توست العد 01أبريل 0100الصفحة 22.وأنظر أيضا
مذكرة اإلصالحات الدستورية لألحزاب الكتلة الديمقراطية للسنة 0110بخصوص مجلس المستشارين منشورة بمجلة عدالة ع 00مايو
0100الصفحات .20-20
254أنظ ر مقترحات حزب الطليعة الديمقراطي االشتراكي بخصوص اإلصالحات الدستورية المرفوعة إلى اللجنة االستشارية للمراجعة
الدستور مجلة عدالة العدد 01أبريل 0100الصفحة .11
255أنظر المقترحات الخاصة بهيئة المحامين بالمغرب المتعلقة باإلصالحات الدستورية بمجلة عدالة عدد 00مايو .0100
من دستور 9110الذي يمنع متابعة النواب وإلقاء القبض عليهم ،في قضية جناية أو جنحة أثناء
دورات البرلمان وخارجها إال بإذن من رئيس املجلس الذي ينتمي إليه النائب
يختص البرلمان شانه شان باقي البرلمانات في النظم السياسية المعاصرة بصالحيات تهم
مجال التشريع والمالية والدبلوماسية ،ومر اقبة الحكومة ،فما هي إذن المستجدات التي جاء
بها دستور 2199فيما يخص هذه الصالحيات ؟
-مجال التشريع.
عمل المغرب منذ دستور ، 9102بقاعدة العقلنة البرلمانية مستوحيا تجربة العديد من
الدساتير المعاصرة ،كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا في دستور الجمهورية الخامسة لسنة
2569111وتعني العقلنة البرلمانية حصراختصاصات البرلمان ،والسماح للحكومة بتولي الميام
األخرى الخارجة عن البرلمان وقد أخذت فرسا بهذه القاعدة بناءا على تراكمات ،في حين نجد
أن هذه التجربة في المغرب لم تكن ناتجة عن تراكمات :257
وقد حدد الفصل 19من دستور ، 2199املجاالت التي يختص البرلمان بالتشريع فيها
بقوله :يختص القانون باالضافة إلى المواد المسندة إليه بفصول أخرى من الدستوربالتشريع
في الميادين التالية :
وتبعا للمقتضيات التي جاء بها الدستورالجديد ،فيما يخص صالحيات البرلمان في مجال
التشريع ،فانه تم توسيع مجال القانون لينتقل من 31اختصاص في دستور 9110إلى أكثر من
01في الدستور الحالي ،ورغم هذا التوسيع فإن أهم الصالحيات الميمة التي أضيفت للسلطة
التشريعية ،تتمثل في التقطيع االنتخابي والعفو العام واالتفاقيات الدولية258
وكرس الدستور الجديد شأنه شان باقي الدساتير المغربية ،العديد من اإلجراءات التي
تحد من سلطة البرلمان في مجال التشريع ،حينما حول الفصل 19للحكومة التشريع في المواد
التي ال يشملها مجال القانون صراحة .
إضافة إلى هذه المقتضيات التي جاء بها الفصل ، 19هناك تقنيتين تستطيع الحكومة
عبرهما .ممارسة نفس االختصاصات التي يمارسها البرلمان األولى تتجسد في قانون اإلذن
المنصوص عليه في الفصل 11من الدستور ،وهو أن تقوم الحكومة بطلب اإلذن من البرلمان
من أجل إن يسمح لها لمدة محدودة وللغاية معينة بإصدار مراسيم يجري العمل بها بمجرد
نشرها ،على أن تعرض على البرلمان عدما ينتهي األجل الذي حدده قانون اإلذن إلصدارها .أما
التقنية الثانية فينص عليها الفصل 19الذي يعطي للحكومة حق التشريع في الفترات الفاصلة
بين دورات البرلمان ،وباتفاق مع اللجان التي يعنيها األمر بواسطة مراسيم قانونية ،شريطة أن
تحال على بعد ذلك على البرلمان بقصد المصادقة عليها في دورته العادية الموالية .
258عبد العالي حامي الذين ،قدوة في موضوع الملكية البرلمانية في مشروع الدستور ،منشورة بجريدة الصباح .العدد 2271بتاريخ
0100-0-01ص.0
259محمد مالكي القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق الذكر ،ص .202
األخضر للحكومة للفتح االعتمادات الالزمة للسير المر افق العمومية ،في حالة تعذر مناقشة
والتصويت على قانون المالية بسبب إحالته على املحكمة الدستورية
عرفت التجربة البرلمانية إمكانيتين لمر اقبة العمل الحكومي ومساءلته األولى تسمح
بمر اقبة أعمال الحكومة القدرة على إثارة مسؤوليهها ،والثانية تسمح بمر اقبة أعمالها دون
القدرة على إثارة مع مسؤوليهها .260
فيما يخص التقنيات التي تؤدي إلى إثارة مسؤولية الحكومة فقد نص الفصل 911من
مجلس المستشارين على إجراءات من بينها تقديم ،ملتمس الرقابة الذي يقوم به خمس أعضاء
مجلس النواب ،ويؤدي في حالة التصويت عليه باألغلبية المطلقة لهذا املجلس إلى استقالة
الحكومة استقالة جماعية وقد أصبح تقديم ملتمس الرقابة مع التعديل الجديد شأن خاص
بمجلس النواب دون مجلس المستشارين على خالف دستور ،9110الذي كان يخول ملجلس
المستشارين في الفصل 11الحق في تقديم ملتمس الرقابة وإسقاط الحكومة .وهناك تقنية
أخرى تتعلق بسحب الثقة من الحكومة ،التي ينص عليها الفصل 913من دستور 2199التي
تخول للبرلمان التصويت بمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به رئيس الحكومة في موضوع يتعلق
بالسياسات العامة ،ففي حال رفض التصريح باألغلبية المطلقة يترتب على ذلك استقالة
الحكومة استقالة جماعية .
وقد سبق للبرلمان المغربي أن لجأ إلى إعمال تقنية تقديم ملتمس الرقابة أكثر من مرة ،
كمثال على ذلك الملتمس الذي تقدم به الفريق االتحادي برئاسة السيد عبد اللطيف بن جلون
،بتاريخ 91يونيو 9104ضد الحكومة ،حيث ناقش هذا الملتمس عجز الحكومة عن إدارة
السيا سة العامة للبالد ،بعدما أصبحت األوضاع االقتصادية تنذر بوقوع العديد من
االضطرابات والمظاهرات الخطيرة كما وقع فيما بعد بالنسبة ألحداث الدار البيضاء في 23و
24مارس 2619101باإلضافة إلى الملتمس الذي تقدمت به أحزاب المعارضة في شهرمايو 9111
260كولفرني محمد منهجية اإلصالح الد ستوري بين القانون والتسويق السياسي .مجلة عدالة غوست مجلة شهرية قانونية .عدد 02-00
يونيو يوليوز 0100ص.22
261نجيب الحجيوي سمو المؤسسة الملكية دراسة قانونية أطروحة للنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة محمد الخامس أكدال كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية الرباط السنة الجامعية 0110-0111ص .077
وموقع عليه من طرف 12نائب برلمانيا ،262غير أن هذه الملتمسات جميعها كان يلزمها توفر
النصاب القانوني لكي تؤدي إلى إسقاط الحكومة .
أما فيما يتعلق بالتقنيات التي ال تودي إلى إثارة مسؤولية الحكومة فقد جاء دستور
، 2199بمجموعة من المقتضيات تتمثل في توجيه األسئلة للحكومة بشقيها الكتابي والشفوي
(الفصل ، ) 911وتشكيل لجان نيابية للتقص ي الحقائق من طرف مجلس النواب أو مجلس
المستشارين (ف ( ، )01أو توجيه ملتمس المساءلة للحكومة من طرف مجلس المستشارين
(ف) ()910
-السلطة الدبلوماسية
لقد كان مجال السلطة الدبلوماسية ضعيفا في دستور 93شتنبر 9110حيث أوردت
المادة 39نوع واحد من المعاهدات التي تستوجب المو افقة القبلية للبرلمان عليها قبل
المصادقة عليها من طرف الملك ،وفي المعاهدات التي تلزم مالية الدولة 263لكن دستور 2199
في فصله 11أضاف أنواع أخرى من المعاهدات التي تتطلب المو افقة عليها من طرف البرلمان
،قبل أن يصادق عليها الملك ،وتتمثل باالضافة إلى المعاهدات التي تلزم مالية الدولة في :
معاهدات التجارة
وبهذا اإلجراء يكون الدستور المغربي قد وسع من نطاق السلطة الدبلوماسية للبرلمان،
ي لسنة 9111في المادة 264 13 كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الدساتيركالدستورالفرنس
262حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية :المفاهيم األساسية والنظم السياسية ..مرجع سابق الذكر ص .012
263حاج قاسم محمد القانون الدستوري والمؤسسات السياسية :المفاهيم األساسية والنظم السياسية نفس المرجع ص .012
264لإلطالع على مضمون هذا الفصل أنظر نجيب الحجيوي سمو المؤسسة الملكية دراسة قانونية مرجع سابق الذكر الصفحة .012
باإلضافة إلى االختصاصات التي سبق ذكرها ،يختص البرلمان في ممارسة السلطة
التأسيسية أي الحق في تعديل ومراجعة الدستور ،وذلك ما ينص عليه الفصل 912من
الدستور الجديد ،والذي يخول البرلمان الحق في اقتراح مراجعة وتعديل الدستورالذي يتقدم
به عضو أو أكثرمن أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين
جاءت التعديالت الدستورية الجديدة بمستجدات همت على الخصوص تقوية موقع
الحكومة ورئيسها داخل البناء المؤسساتي المغربي ،حيث تمت إعادة النظر في طريقة تعيين
الحكومة ورئيسها وتوسيع مجال عملها ليشمل اختصاصات أخرى.
تتجلى أهم المستجدات التي جاء بها الدستور الجديد في طريقة تعيين رئيس الحكومة،
حيث أصبح الملك بمقتض ى الفصل 41من دستور ،2199يعين رئيس الحكومة من الحزب
السياس ي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب حيث تما القطع مع طريقة التعيين
السابقة المنصوص عليها في الفصل 24من دستور 9110والتي كانت تعطي للملك سلطة
تقديرية في تعيين الوزيراألول سواء من داخل البرلمان أو خارجه.
كما أصبحت الحكومة في إطار دستور 2199ال تعتبر منصبة إال إذا صوت على برنامجها
األغلبية المطلقة أعضاء مجلس النواب ،وهو ما سوف يساهم في تكريس قاعدة التنصيب
المزدوج من طرف الملك والبرلمان و انتقيد بالشرعية السياسية واالنتخابية في تنصيب
الحكومة.265
265تنص الفقرة الثالثة من الفصل 11من دستور 0100على ما يلي ":تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب
المعبر عنها بتصويت األغلبية المطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم لصالح برنامج الحكومة ".
266االتحاد االشتراكي للقوات الشعبية المؤتمر الوطني الثامن التقرير التركيبي المعد من قبل لجنة تقييم انتخابات 7شتنبر 0117المصادق
عليه من طرف المجلس الوطني في دورته التاسعة المنعقدة يوم 00يناير 0111الدار البيضاء مطبعة دار النشر المغربية 0111الصفحة
.02.
ومن أهم المستجدات كذلك ترقية الوزير األول إلى مستوى رئيس للحكومة ودسترة
املجلس الحكومي وتخوينه التداول في مجموعة من القضايا ،بدون إخالل بالصالحيات
الممنوحة للمجلس الوزاري ،والتي يضمنه الفصل 41من الدستور.
خول الفصل 11267من الدستور الجديد صالحيات جديدة للحكومة من بينها ممارسة
السلطة التنفيذية والسهر على تنفيذ البرنامج الحكومي ،واإلشراف على المؤسسات
والمقاوالت العمومية وهذه الصالحيات لم تكن واردة في الفصل 26809من الدستور السابق
الذي حدد وظيفة الحكومة في تنفيذ القوانين فقط.
وقد احتفظ رئيس الحكومة بمجموعة من الصالحيات التي كان يمارسها ،في التجربة
الدستورية .السابقة مثل عرض البرنامج الحكومي (ف ، )11وممارسة السلطة التنظيمية
( ،)11والتوقيع بالعطف على بعض الظهائر الملكية ( )42وعرض مشروع تعديل الدستور (ف
( )912وطلب عقد دورة استثنائية للبرلمان (....)00
وبناءا على الفصل 914من دستور 2199أصبح رئيس الحكومة يشترك مع في حل مجلس
النواب بناء على مرسوم يتخذ في املجلس الوزاري وذلك بعد استشارة الملك ورئيس مجلس
النواب ورئيس املحكمة الدستورية كما منح الفصل 41للرئيس الحكومة الحق في ترؤس املجلس
الوزاري بتفويض من الملك وبناء على جدول أعمال محدد ،باإلضافة إلى حقه في التعيين في
الوظائف المدنية على أن ال يخل ذلك بمقتضيات الفصل 41من دستور ، 2199ورغم الطابع
البرلماني الذ ي أصبح يميز النظام السياس ي المغربي من خالل تقيد الملك باالعتبار السياس ي
واالنتخابي في تعيين رئيس الحكومة فإن هناك فصول أخرى ال زالت تتضمن الطابع التنفيذي
للمؤسسة الملكية كالفصل 41الخاص باملجلس الوزاري حيث تظهر بعض االختصاصات ذات
الطابع التنفيذي مثل التوجهات العامة للقانون المالية ،أو السياسة العامة للدولة ،كما يبرز
الطابع التنفيذي كذلك .في الفصل ، 41حيث يمتلك الملك سلطة اإلعفاء التلقاني للوزراء مما
267ينص الفصل 12من دستور 0100على ما يلي " :تمارس الحكومة السلطة التنفيذية العمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ
البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين اإلدارة موضوعة تحت تصرفها كما تمارس اإلشراف والوصاية على المؤسسات والمقاوالت
العمومية "
268ينص الفصل 00من دستور 0220على ما يلي :تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين ،واإلدارة موضوعة رهن تصرفها ".
يجعل الوزراء يستشعرون أن رئيسهم الفعلي هو من يملك فقط سلطة اإلعفاء وليس من يملك
سلطة اقتراحهم على الملك من أجل تعيينهم269
خاتمة :
يمكن اعتباردستور 2199بمثابة ميثاق جديد للحريات والحقوق بين الدولة والمواطنين
فقد تما تخصيص الباب الثاني من الدستور بكامله للحقوق والحريات األساسية وتضمينه
مختلف أنواع وأجيال حقوق اإلنسان كالحقوق المدنية والسياسية ،والحقوق االقتصادية
واالجتماعية والبيئية والتنمية المستدامة ،ودسترة بعض التوصيات التي وضعهها هيئة
اإلنصاف والمصالحة في مجال حقوق اإلنسان والحريات العامة .باإلضافة إلى دسترة بعض
الهيئات التي تعتبر ضمانة للممارسة الحقوق والحريات التي كرسها الدستور كاملجلس الوطني
للحقوق اإلنسان ومؤسسة الوسيط وفي مجال توزيع السلط والعالقة فيما بينها نجد أن
المؤسسة الملكية حافظت على موقعها في هرم النظام السياس ي المغربي ،من خالل ممارسهها
للمجموعة من الصالحيات التي يضمنها لها الدستور الجديد سواء في الحاالت العادية أو
االستثنائية من أهمها رئاسة الملك للمجلس الوزاري الذي تمر عبره أهم المواضيع الخاصة
بالسياسات العامة للبالد والحق في حل البرلمان بمجلسيه وممارسة السلطة الدبلوماسية،
باالضافة إلى رئاسته ملجموعة من الهبنات كاملجلس الوزاري واملجلس األعلى للسلطة القضائية،
واملجلس األعلى لألمن ،واملجلس العلمي األعلى وفيما يخص البرلمان فقد تما توسيع صالحياته،
لتنتقل من 31اختصاص في الدستورالقديم إلى 01اختصاص في الدستورالجديد وتمثلت أهم
االختصاصات الجديدة المسنودة للسلطة التشريعية في التقطيع االنتخابي والعفو العام ،ثم
االتفاقيات الدولية كما تمت تقوية الوظيفة التمثيلية والرقابية ملجلس النواب بالمقارنة مع
الغرفة الثانية ،أما فيما يخص السلطة التنفيذية فقد تمت تقوية موقع الحكومة في النظام
الدستوري الجديد ،وذلك عبردسترة املجلس الحكومي ،و التقيد باالعتبارالسياس ي واالنتخابي
في تعيين الحكومة ،حيث أصبح الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات
أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها.
الئحة المراجع:
269عبد العالي حامي الذين قدرة تحت عنوان ( الملكية البرلمانية في مشروع الدستور ) منشورة في جريدة الصباح مرجع سابق الذكر
الصفحة.
فاطمة لوريني ،مؤسسة املجلس الوطني بين منزلتين ،مجلة عدالة ،العدد 91أبريل
2199
املختارمطيع ،توسيع مجال الحريات من خالل مشروع مؤسسة الوسيط ،مجلة دراسات
ووقائع دستورية وسياسية العددة مزدوج2119 .
محمد مالكي القانون الدستوري والمؤسسات السياسية .مراكش المطبعة والور اقة
الوطنية ،الطبعة األولى .2112
محمد ضريف ،من مبدأ سموالمؤسسة الملكية إلى مبدأ سموالدستور ،جريدة المساء
العدد .2/1/2199 .92-93
محمد عابد الجباري ،الديمقراطية في المغرب من التاجيل الى التزوير ،تنديد بالحكم
الفردي واالنتصار للديمقراطية ،مو اقف(سلسلة كتب شهرية العدد الرابع )ملفات الذاكرة
السياسية الدارالبيضاء دارالنشرالمغربية
محمد الحضيري ملف تحت عنوان مطالب ال تجدونها في الدستور ،مجلة أو ل المساء
االسبوعية العدد 31 .31يوليوز2199
عبد الرزاق أحمد السنهوري فقه الخالفة ونطورها لتصبح عصبة امم شرقية القاهرة
الهيئة المصرية العامة الكتاب الطبعة الثانية .9113
–
لذلك كان لزاما على المشرع أن يتدخل لتنظيم وتأطيرهذه العالقة حماية لمصالح
الطرفين من خالل عدد من المقتضيات القانونية ،وآخرها قانون 41.90و قانون 01.92الذين
وفروا لطرفي العقد وخاصة المكتري مجموعة من المداخل القانونية لضمان حقوق والتزامات
الطرفين ،باإلضافة الى اآلليات المسطرية الالزمة لتدبير المنازعات القضائية بين أطراف
العالقة الكرائية.
وعلى هذا األساس نعالج هذا الموضوع في مبحثين على الشكل التالي :المبحث األول:
مراجعة السومة الكرائية في ظل قانون .01.92المبحث الثاني :مراجعة السومة الكرائية في
ظل قانون.41.90
في هذا المبحث سنتطرق في المطلب األول الى المراجعة الودية للسومة طبقا للقانون
رقم ،01.92أما في المطلب الثاني سنتحدث عن المراجعة القضائية للسومة الكرائية في ظل
قانون .01.92
المطلب األول :المراجعة الودية للسومة الكرائية طبقا للقانون رقم 01.92
سنقسم هذا المطلب الى فقرتين حيث سنعالج في الفقرة األولى ظروف وأسباب اعتماد
المسطرة الودية لمراجعة السومة الكرائية ،على أن نبين في الفقرة الثانية المسطرة الودية
لمراجعة السومة الكرائية.
الفقرة األولى :ظروف وأسباب اعتماد المسطرة الودية لمراجعة السومة الكرائية
من غير المنطقي أن تبقى الظروف والمالبسات املحيطة بإبرام عقد الكراء قارة ألن هذا
ال ينسجم و سنة الحياة ،السيما اذا تعلق األمر بمنفعة منصبة على محل معد للسكني أو
اإلستعمال المنهي ،ذلك أن عقدا من هذا النوع يدخل في زمرة العقود الزمنية والمتجددة ،مما
يبقى معه احتمال المطالبة بتعديل محله و سببه واردا في كل حين ،خاصة إذا لم يوجد هناك
أي نص قانوني يمنع و ذلك ،وهذا األمرمنصوص عليه في القوانين المقارنة كالقانون الفرنس ي
المنظم لألكرية الصادر سنة 9141حيث نص في فصله 32مكرر على أنه في حالة التغيير الكلى
أوالجرئي للعناصرالمعتمدة لتحديد السرعة الكراتية يمكن لهاته األخيرة أن تكون محل تعديل
بناء على طلب أي من المتعاقدين .
لألطراف المتعاقدة في عقد الكراء ،وكنا منك يمكن أن و رفع طلب لديه لمراجعة
السومة الكرائية270.
وأعتقد أن هذا الفصل فيه من الوضوح ما يجعله بمثابة ترخيص عام ير فيه القاض ي
كما يتضح أن روح هذا النص يتماش ى مع الفصل 0من ظهير 21دجنبر 9111وكذا المادة 0من
القانون رقم 11.13لسالف الذكر التي تحيل بدورها إلى الفصلين 001و 009من ق ل ع حيث
أن على القاض ي وهو يعيد النظر في تحديد الوجيية الكرائية الحقيقية أن يأخذ بعين االعتبار
الظروف االقتصادية العامة و التحسينات التي أدخلت على الدارأو تهالكه بسب القدم .
ومنه يمكن القول أنه بإمكان األطراف اللجوء حبيا إلى تعديل السومة الكرائية استنادا
إلى بعض المبررات أهمها:
270د العربي مياد مراجعة الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية والمهنية في ضوء التشريع والقضاء ،مطبعة دار
القلم ،الطبعة األولى ،0112 ،ص.000 :
في هذه الفقرة سنتناول طرق مراجعة السومة الكرائية وديا في (أوال) ،على أن نعالج
مدى نجاعة هذه المسطرة في (ثانيا).
يقصد بطرق مراجعة الوجيبة الكرائية حبيا ،المساطر المتبعة من طرف المتعاقدين
لتحقيق رغبههم في المراجعة ،إذ من غير المستبعد أن تكون الوسيلة هي نفسها المتبعة بدءا
من الرغبة في تحديد الوجيبة الكرائية األصلية والمتمثلة أساسا في اتباع مسطرة التحديد
اإلجمالية.
وتنبني الوجيبة الكرائية اإلجمالية على نوع من العزم والتسامح ،إذ غالبا ما ينظر إلى
األمور نظرة إجمالية عامة ،وتتم الموازنة بين الربح والخسارة ودون الدخول في تفاصيل األمور
وهي بذلك ال تتطلب مجهودا فنيا أو تقنيا كالتحديد التقني.271
والتحديد التقني للسومة الكرائية يتطلب دراسة خاصة ال يمكن أن يقوم بها إال املختص
في الميدان التقني للبناء وهذه الدراسة وحدها تتطلب تكاليف إضافية قد ال تحفزاألطراف على
اعتمادها السيما إذا كانوا من ذوي الدخل املحدود أوأن الوجيبة الكرائية في حد ذاتها ال تتطلب
وجود مثل هذه التعقيدات فباألحرى مراجعهها.
إال أن اللجوء إلى التحديد التقني للوجيبة الكرائية مستحب في بعض األحيان نظرا لما
يقوم عليه من موضوعية وبرهان خاصة إذا ارتبط تحديد الوجيبة الكرائية بتكاليف مواد
عملية البناء وعنصري العمل والزمان ،باإلضافة إلى عنصر المكان حيث يتخذ األطراف من
تكلفة البناء بما فيها المواد واليد العاملة وكذا درجة الرفاهية التي تحققها العين للمكتري
باإلضافة إلى الموقع الجغرافي ودرجة القدم والحداثة المتواجدة عليها العين المكتراة معيارا
للتعديل.
271الحسن البنسوني ،مراجعة السومة الكرائية للمحالت السكنية و التجارية بين األهمية القانونية و التطبيق العملي
في التشريع المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية
–طنجة -السنة الجامعية ، 0100-0100ص.12 :
ثم إن طلب مراجعة السومة الكرائية يوجه مباشرة أو بواسطة الغيرإلى المتعاقد اآلخر
شفاهة أو كتابيا ،ويتضمن هذا الطلب ما يفيد أن المكري يطلب الزيادة ألسباب يراها وجيهة،
أو على العكس من ذلك يتوجه المكتري بطلب يرمي من خالله تخفيض الوجيبة الكرائية
ألسباب ما ،وغالبا ما يقترح الوجيبة الكرائية المرغوب فيها ،أو الطريقة التي ينبغي اتباعها
لتحديدها ،ثم يحدث القبول مباشرة أو بعد نقاش حول كيفية التعديل.272
وقد نصت المادة األولى من القانون رقم 11.13بانه " :يحق للمكري والمكتري االتفاق
على تحديد ثمن الكراء وشروط مراجعته ونسبة الرفع من قيمته أو تخفيضها وذلك سواء تعلق
الكراء بمحل معد للسكنى أو اإلستعمال المنهي أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي".
ومجمل القول أن ميكانيزمات تعديل السومة الكرائية يتطلب فيها ما يتطلب في تحديد
الوجيبة الكرائية األصلية من وجود الشروط القانونية الواجب تطلبها في التعاقد ،باإلضافة
إلى االتفاق على كيفية التعديل إال أن هذا األخير ال يوجد إال مع وجود سومة كرائية يقرها
القانون ،وبمعنى آخر إن القول بالمراجعة يتطلب في الش يء المعدل أن يكون مشروعا في حد
ذاته وإال وجب بطالن العقد من أصله.
إن تعديل السومة الكرائية لجميع املحالت على اختالف أنواعها وأصنافها رخصة منحها
القانون للطرف المتضرر يمكن أن يطالب باالستفادة منها في الحدود التي يسمح بها القانون،
والمشرع إذا اعتبر مراجعة الوجيبة الكرائية مجرد رخصة وليس بحق بمعناه المتسلط كان
هدفه األساس ي هو اإلبقاء على روح المودة والثقة السائدة بين المتعاقدين ،السيما وأن الكراء
السكني أو المنهي يؤسس على مصلحة إنسانية ومنفعية متبادلة.
ولهذه األسباب وغيرها تبقى المسطرة الحبية هي المعول عليها لضمان نوع من اإلستقرار
واالستمرارية في عالقة كهذه والسيما وأن إبرام عقد الكراء ذاته يتم بطريقة ودية وسلمية.
والشك أن المشرع وحتى ال يزيد من حدة أزمة السكن ،و آفة الكراء السكني على
الخصوص كان اتجاهه العام هو تفضيل المسطرة الودية على المسطرة القضائية من خالل
جل الفصول المتعلقة بتحديد السومة الكرائية أو مراجعهها ،وهكذا مثال نجده ينص في
الفصل 1من مرسوم قانون التخفيض على أنه :إذا نشأ خالف حول إسقاط ثلث الوجيبة
الكرائية أو إثبات الدخل الصافي المكري يجب أن ترفع القضية إلى لجنة توفيق إدارية وبعد
فشل هذه األخيرة في إيجاد حل قانوني آنذاك فقط يرفع األمر إلى حاكم الجماعة أو المقاطعة
أي أن اللجوء إلى القضاء غيرجائزإال بعد استنفاذ الطرق الحبية.
وهو ما نجده كذلك في الفصل 1من قانون 21غشت 9111وكذا المادة 2من قانون
11.13بتاريخ 31نونبر 2111حيث تبقى مراجعة الوجيبة الكرائية بطرق حبية واردة ،وال تتدخل
املحكمة إال عند عدم اتفاق األطراف عليها ،بل األكثر من هذا فإن الفصل 1من نفس القانون
ينص على أنه يسري مفعول السومة الكرائية ابتداء من التاريخ المتفق عليه من لدن األطراف
أنفسهم وعند الخالف فقط فمن تاريخ الطلب أمام القضاء.
وهو اإلتجاه الذي سار فيه الفصل 1من ظهير 1يناير 9113بشأن المراجعة الدورية
ألثمان كراء األماكن المستعملة للتجارة أو الصناعة أو الحرف.
وتجدراإلشارة إلى أن مراجعة السومة الكرائية سواء تمت من طرف مختصين تم تعيينهم
من طرف المتعاقدين ،أو حتى من طرف الغير ال يخرجها عن إطار المسطرة الحبية ،مادام أن
أي نزاع لم يثربين األطراف بل إن رغبههما المشتركة هي التي أملت تفويض مهمة تحديد السومة
الكرائية المعدلة للغيرحتى لو كان في إطارالتحكيم .273
منح القانون 01.92امكانية اللجوء الى القضاء عند فشل المراجعة الودية
للوجيبة الكرائية من أجل تحقيق التوازن بين المكري و المكتري في العالقات الكرائية ،مراعيا
بذلك مختلف الظروف املحيطة بمسالة المراجعة274.
اختلفت طريقة سلوك المسطرة القضائية من ظهير آلخر ،ففي ظهير 1يناير 9113
وظهير 21دجنبر 9111يتم اللجوء إلى القضاء مباشرة ،أما في ظهير 24ماي 9111فال مناص من
توجيه إنذار إلى المكتري يعرب فيه المكري عن رغبته في تجديد عقد الكراء شريطة الزيادة في
السومة الكرائية.
أما بالنسبة للقانون الجديد فقد خير المكري بين اللجوء إلى القضاء مباشرة وإذا لم
يتجاوب المكثري مع ذلك اإلنذارفيجب على المكري أن يرفع دعوى المراجعة داخل أجل الثالثة
أشهرالموالية لتاريخ توصله باإلنذار.
ولم يرتب المشرع أي جزاء على عدم رفع الدعوى داخل هذا األجل ،بهذا الخصوص ذهب
أحد الباحثين إلى أن عدم احترام هذه المقتضيات المقررة قانونا يترتب عنه تجديد عقد الكراء
بنفس الشروط ،وال يقبل طلب الزيادة إال بعد مرور ثالث سنوات أخرى ،بينما يرى باحث
آخر،أن شرط إقامة الدعوى داخل ثالثة أشهر الموالية للتوصل باإلنذار هو بمثابة تحفيز
للمكري للتعجيل واإلسراع برفع الدعوى وحماية للمكتري من المباغتة و إثقال كاهله بمبالغ
متراكمة فيكون في غير مقدوره أدائها دفعة واحدة ،أما إذا أثيرت الدعوى خارج هذا األجل فإن
المكري المهمل ال يستفيد من هذه الميزة ،باإلضافة إلى عدم اإلستفادة من مفعول
274عرض قدمه طلبة ماستر العقار و التعمير تحت عنوان الوجيبة الكرائية للمحالت المعدة للسكنى و االستعمال
المهني ،موجودعلى األنترنت ، https://www.elkanounia.com،ص ،07تاريخ االطالع .0100-10-10
على الساعة الثانية زواال.
الزيادة ،ال من تاريخ التوصل باإلنذار بل من تاريخ المطالبة القضائية ،كما تنص على
ذلك المادة السابعة 275من القانون الجديد رقم ،11.13وليس منع المكري من المطالبة
بمراجعة السومة الكرائية إال بعد مرورثالث سنوات أخرى كما يرى ذلك الرأي األول.
وكما هو الحال بالنسبة لتقيد إرادة الطرفين فاملحكمة أيضا مقيدة بنفس القيود ،إال أن
لها هامش من الحرية أكثرتمنحه لها المادة الخامسة من القانون رقم .11.13
وتجدر اإلشارة أيضا إلى أن مسطرة مراجعة السومة الكرائية أمام املحكمة اإلبتدائية
صاحبة اإلختصاص النوعي في هذا النوع من القضايا تكون شفوية طبقا للفقرة األخيرة من
المادة 41من قانون المسطرة المدنية.276
إن مراجعة السومة الكرائية للمحالت السكنية والمهنية بالطرق الودية رخصة
منحها المشرع ألطراف العالقة الكرائية ،إال أنه في حالة النزاع تبقى مر اقبة القضاء لمسطرة
ممارسة هذه الرخصة واردة ،وذلك رغبة من المشرع في دفع كل تعسف محتمل من أي واحد
من الطرفين ومن تم يمكن القول بأن القضاء باإلضافة إلى دوره الحاسم في تطبيق القانون
وتأويله عند الغموض فهو يقوم بدور اجتماعي وتربوي مهم السيما بالنسبة لبعض العقود
الكبرى كعقود الكراء.
وتأسيسا على ما سبق كان القضاء قبل صدورظهير 21دجنبر 9111يميل إلى ترجيح كفة
المكتري على حساب المكري كلما تسرب أمامه نزاع يتعلق بمراجعة السومة الكرائية ،حيث
275تنص المادة السابعة من القانون رقم 17612على ما يلي" :يجري العمل بالوجيبة الكرائية الجديدة ابتداء من
تاريخ المطالبة القضائية إذا عبر المكري عن رغبته في مراجعة ثمن الكراء بتوجيه إنذار للمكتري ،فإن سريان
الوجيبة الكرائية الجديدة يبتدئ من تاريخ التوصل باإلنذار ،شريطة رفع الدعوى داخل أجل الثالثة أشهر الموالية
لتاريخ التوصل".
276تنص هذه المادة على ما يلي " :يمكن للمحكمة تحديد نسبة الزيادة في ثمن الكراء بما لها مـن سـلطن تقديرية
ودون التقيد بالنسبتين المذكورتين في المادة الرابعة أعاله إذا كان ثمن الكراء ال يتجـاوز أربعمائة درهم شهريا
على أن ال تتعدى نسبة الزيادة ."01%
كان يعتمد تقنية تأويل النصوص القانونية بشكل يجعلها طيعة وقابلة لحماية الطرف
الضعيف في العقد اي المكتري .
وهكذا قضت محكمة االستئناف بالرباط أنه يشمل مفهوم الظروف االقتصادية مجموع
التطور االقتصادي ليس بالكيفية التي يترجم بها في الحركة العامة لألسعار ،ولكن في تأثيراته
على سوق األكرية.
وعلى العكس من هذه التقنية يتدخل مباشرة إلى جانب المكتري في الحالة التي يستنبط
من مالبسات النزاع رغبة المكري في غبن أو استغالل المكتري استغالال جليا ،وفي هذا االتجاه
قضت نفس املحكمة بأن حذف الماء الساخن مع التدفئة المركزية يشكل في المغرب كما في
فرنسا تخفيضا من الرفاهية والراحة ويجب أن يؤدي إلى تخفيض في الكراء ،وذلك عندما يكون
تواجد هذين اإلمتيازين بالعقارقد أتاحا تقرير كراء مرتفع.277
كما قضت بأنه ال يستطيع المكري أن يطالب بزيادة الكراء املحدد باتفاق مشترك أو
المعين من طرف القضاء بناء على المصاريف المنجزة بتحديد األماكن قبل اإلنتفاع بما ال
يمكن اعتبارهذه المصاريف بأنها قد تمت في صالح المكتري مباشرة.
ينشأ عقد الكراء بالتراض ي بين الطرفين على الشروط والعناصر التي يقوم عليها كعقـد
رضـائي ،وفي مقدمـة مـا يـتم تراضيهما عليـه تحديد الوجيبـة الكرائية بمحضـرإرادتهما وال يتدخل
القانون في تحديدها إال عند عدم اتفاقهما عليها.
وعليه سوف نتطرق إلى كل من التحديد الرضائي للوجيبة الكرائية (الفقرة األولى)،
ثم التطرق لخضوع مراجعة الوجيبة لمقتضيات القانون رقم 41.90وذلك في (الفقرة
الثانية).
لم يحدد المشرع المغربي حذو بعض التشريعات األخرى في إسناد تحديد الوجيبة
الكرائية إلى لجان مختصة و أبقى بذلك على حرية طرفي العالقة الكرائية في االتفاق على
تحديدها ،278وهذا ما تم التنصيص عليه في الفصل 021من قانون االلتزامات والعقود الذي
جاء فيه" :يتم الكراء بتراض ي الطرفين على الش يء واألجرة وعلى غير ذلك مما عس ى أن يتفقا
عليـه مـن شـروط في العقد" ،وكذلك الفقرة األولى من المادة الخامسة من قانون رقم 41.90التي
نصت على ما يلي:
"تحدد الوجيبة الكرائية للعقارات أو املحالت المشار إليها في المادة األولى أعاله ،وكذا
كافة التحمالت بتراض ي الطرفين".
وتكون الوجيبة الكرائية من عدة عناصر في مقدمهها المقابل الذي يؤدي المكتري إلى
المكري لقاء االنتفاع بالعين المكتراة والذي قد شكل بمفرده الوجيبة إضافة إلى عناصر أخرى
مكملة للوجيبة الكرائية ،279سماها المشرع في الفصل 042من قانون االلتزامات والعقود
بالتكاليف المفروضة على العين المكتراة ،وبالتحمالت في المادة الخامسة -من القانون رقم
.28041.90
واألصل في تحديد الوجيبة الكرائية أن يتم بالتراض ي بين المكري والمكتري يحدد دائما
في مبلغ معين يدفع أقساطا متساوية خالل مدة قيام العالقة التعاقدية بينهما ،281وإن لم
278قرار أشار إليه األستاذ مصطفى بونجة في مؤلفه الكراء التجاري بين ظهير 02ماي 0200وقانون رقم
،22600الطبعة األولى ،0100دار النشر :مشورات المركز المغربي للتحكيم ومنازعات األعمال -طنجة -ص:
.001
279 -ينص الفصل 020من قانون االلتزامات والعقود على ما يلي" :يلتزم المكري بدفع الضرائب وغيرها من
التكاليف المفروضة على العينالمكتراة مالم يقض العقد أو العرف بخالف ذلك".
280المادة 0من القانون رقم 22600على ما يلي ":تحدد الوجيبة الكرائية للعقارات أو المحالت المشار إليها في
المادة األولى أعاله وكذا كافة التحمالت بتراضي الطرفين ،تعتبر هذه التحمالت من مشموالت الوجيبة الكرائية في
حالة عدم التنصيص على الطرف الملزم بها"
كافة التحمالت بتراضي الطرفين ،تعتبر هذه التحمالت من مشموالت الوجيبة الكرائية في حالة عدم التنصيص
على الطرف الملزم بها".
281نزهة الخالدي :الوجيز في العقود المسماة عقد البيع ،عقد الكراء وفقا لقانون االلتزامات والعقود المغربي
والقوانين المقارنة ،الطبعة الثانية ،0100مطبعة تطوان ،ص.01 :
يحددانها فالفقه أجاز إسناد تحديدها لشخص ثالث من الغير وألزمهما بنتيجة تحديدها ،ولم
يرفع عنها هذا المنع إال في حالة اتفاقهما على حد أقص ى للوجيبة ال يجوز تجاوزه ،وحد أدنى ال
يمكن النزول عنه حماية لمهامها.
والمالحظ أن الوجيبة الكرائية ليست من جنس واحد فقد تكون مبلغا من النقود
يدفعه المكتري شهريا أو سنويا حسب االتفاق ،وهذا هو الغالب ويمكن أن تكون غير ذلك في
شـكـل جـزء مـن املحصـول أو المنتوج إذا انصـب الكـراء على األرض أو كميـة مـن األطعمة أو عبارة
عن انتفاع المكري بش يء يعود للمكتـري مقابل انتفاع هذا األخير بالعين المكتراة حيث جاء في
الفصل 033من قانون االلتزامات والعقود "يجب أن تكون األجرة معينة ويسوغ أن تكون نقودا
أو منتوجا أو أطعمة أو أية منقوالت أخرى شرط أن تكون محددة بالنسبة إلى مقدارها وصنفها،
ويسوغ أيضا أن تكون األجرة حصة
إال أن المالحظ عمليا أن السومة الكرائية غالبا ما تكون نقودا تؤدى على رأس كل شهر
أو فصل أو سنة ،وفي الحالة التي يفصل فيها المتعاقدان تحديد الوجيبة الكرائية فإنه يتم
العمل بالتعريفة الرسمية إن وجدت ،فإن لم توجد افترض في الطرفين أنهما ارتضيا التعاقد
على أساس وجيبة المثل 282،السائدة وقت التعاقد ال وقت التقدير ،وهي وجيبة تحددها
املحكمة باالستعانة إلى عقـود كـراء أماكن مماثلـة عـن مـدة سابقة أو تاليـة إن وجدت واالستعانة
برأي أصل الخبرة وذلك ألن من شروط الوجيبة أن تكون محدد أو قابلة للتحديد.
كما تجدر اإلشارة إلى أنه تضاف إلى الوجيبة الكرائية التكاليف أو التحمالت والتي يتم
تحديدها كذلك بتراض ي األطراف المتعاقدة وفي حالة عدم التنصيص على الطرف الملزم
بالتحمالت فيعتبرمن مشموالت الوجيبة الكرائية.283
نصت المادة 1من القانون رقم 41.90على أنه "تطبق على مراجعة الوجيبـة الكرائية
مقتضيات القانون رقم 11.13المتعلق بمراجعة أثمـان كـراء املحالت المعدة للسكنى أو
282ينص الفصل 022من قانون االلتزامات والعقود على أنه "إذا لم يحدد الطرفان األجرة افتراض فيهما أنهما
قد قبال أجرة المثل...".
283المادة 0من قانون رقم .22600
وتنبغي اإلشارة بداية إلى أن المشرع المغربي نظم المراجعة الدورية ألثمان كراء األماكن
المستعملة للتجارة والصناعة والحرف منذ ظهير 1يناير 9113الذي نص في فصله الثاني على
قاعدة المراجعة ،حيث جاء فيه" "يمكن لكل طرف أن يحصل كل ثالث سنوات على مراجعة
الكراء ،إذا تسبب تقلب الظروف االقتصادية في تغيير القيمة الكرائية املحدودة حبيا أو بمقرر
قضائي بنسبة تزيد على الربع" :غير أن هذا القانون ألغي بمقتض ى المادة العاشرة من القانون
رقم 11.13التـي جـاء فيها" :تلغى جميع مقتضيات املخالفة لهذا القانون والمتعلقة بمراجعة
ثمن الكراء"284.
وبالرجوع إلى القانون رقم 11.13نجد المشرع جعل حق مراجعة ثمن الكراء من حق كل
من المكري والمكتري على السواء إما زيادة في مقدارها أو تخفيضا.285
ويمكن أن تتم المراجعة لثمن الكراء بالتراض ي فإذا لم يحصل أي اتفاق بين الطرفين
على شروط مراجعة ثمن الكراء ونسبة الرفع من قيمته أمكن مراجعته بعد مرور كل ثالثة
سنوات على األقـل مـن تـاريخ االتفاق على الثمن أو مـن تـاريخ مراجعتـه بـين األطراف مباشرة أو
من تاريخ الذي حددته املحكمة آلخرمراجعة وذلك طبقا للنسب المقررة في هذا القانون (المادة
)2من القانون رقم .11.13
وتقض ي المادة 4من هذا القانون بأنه " :تحدد نسبة الزيادة في ثمن الكراء كما يلي:
284عبد الرحمان الشرقا في :قانون العقود الخاصة ،الكتاب الثاني ،العقود الواردة على منفعة الشيء عقد الكراء،
الطبعة الثانية ،0100دار السالم للطباعة و النشر و التوزيع ص.010:
285المادة األولى" يحق للمكري والمكتري اإلنفاق على تحديد ثمن الكراء وشروط مراجعته ونسبة الرفع من
قيمته أو تخفيضها".
وتبين المادة 1أنه للمحكمة تحديد نسبة الزيادة من ثمن الكراء بما لها من سلطة
تقديرية ودون التقييد بالنسبتين المذكورتين في المادة الرابعة أعاله ،إذا كان ثمن الكراء ال
يتجاوز 411درهم شهريا على أن ال تتعدى نسبة الزيادة املحكوم بها .%.28611
كما يمكن للمكتري المطالبة بتخفيض ثمن مقابل الكراء إذا طرأت ظروف أثرت على
استعمال املحل للغرض الذي اكتري من أجله ،وذلك وفقا ألحكام الفصلين 001و 009من قانون
االلتزامات والعقود ،ويجرى العمل بالوجيبة الجديدة ابتداء من تاريخ المطالبة القضائية.
كما في حالة توجيه إنذارللمكتري من طرف المكري بشأن مراجعة ثمن الكراء فإن سريان
الوجيبة الكرائية يبتدئ من تاريخ التوصل باإلنذار ،شريطة رفع الدعوى داخل الثالثة أشهر
الموالية لتاريخ التوصل.
وطبقا للمادة 1من القانون رقم 11.13فإن الحكم المقرر للزيادة في ثمن الكراء يقض ي
باستيفاء المبلغ المستحق اعتبارا من تاريخ سريان الزيادة إلى تاريخ تنفيذ الحكم ،ويمكن
استئناف الحكم الصادرفي هذه القضايا داخل أجل ثالثين يوما كاملة من تاريخ التبليغ ،كما أن
أجل االستئناف واالستئناف نفسه ال يوقف تنفيذ األحكام الصادرة في نطاق القانون رقم
،11.13غيرأنه يمكن ملحكمة االستئناف أن توقف التنفيذ بقرارمعلل وبناء على طلب مستقل.
-الفقرة الثانية :املحكمة املختصة بالنظر في دعاوى السومة الكرائية في اطار قانون
.41.90
286محمد أحمد بونبات :كراء المحالت التجارية ،ظهير 02ماي ،0200الطبعة األولى ،0111مراكش :
المطبعة و الوراقة الوطنية ،ص.02 :
قد كثر الحديث مؤخرا عن تعدد حاالت تنازع االختصاص النوعي في التنظيم
القضائي للمملكة خصوصا بعد إحداث املحاكم التجارية المتخصصة ،لدرجة أصبح معها
الفقه والقضاء المغربي في حيرة من إسناد االختصاص لهذه املحكمة أو تلك.
وبالرجوع للقضاء المغربي يتبين لنا أن مو اقفه متضاربة فيما يتعلق بالجهة املختصة في
قضايا الكراء التجاري ،287والتي من بينها النزاعات المتعلقة بالسومة الكرائية ،فهناك من
يسند االختصاص للمحكمة التجارية (أوال) ،في حين الرأي الثاني يرى أنهـا مـن اختصاص املحاكم
العادية (ثانيا) وبين معاذين الموقفين اتخذت بعض املحاكم موقفا وسطا وهو ما يعرف
باالتجاه الذي تبنى ازدواجية االختصاص (ثالثا).
يرى أنصار هذا االتجاه أن املحاكم التجارية هي املختصة في النزاعات المتعلقة بعقـد
الكـراء التجـاري مـا دامـت أنـهـا متخصصـة حسب المادة 1من القانون املحـدث للمحاكم التجارية
بالنظرفي النزاعات المتعلقة باألصول التجارية.
وأخذت بهذا االتجاه محكمة االستئناف في التجارية بمراكش واملحاكم التجارية التابعة
لها ،حيث جاء في قرار صادر عنها بتاريخ 29أكتوبر 9111ما يلي :حيث إن ما ذهب إليه حكم
املحكمة التجارية من كون المقصود من النزاعات المتعلقة باألصول التجارية ،النزاعات التي
تثور حول العقود المتعلقة باألصول التجارية كما هي محددة في مدونة التجارة باإلضافة إلى
المنازعات التي يكون األصل التجاري بكافة عناصـره موضوعا لها في غيرمحله باعتبارأن الفقرة
الخامسة من المادة الخامسة من قانون إحداث املحاكم التجاريـة تـنص صراحة على اختصاص
املحاكم التجارية بالبث في النزاعات ،المتعلقة باألصول التجارية وال تشير إطالقا إلى كونها
تقتصر فقط على النزاعات المتعلقة باألصـول التجارية وال تشير إطالقا إلى كونها تقتصر فقط
على النزاعـات الـتـي تـثـور حـول العقود المتعلقة باألصـل التجاري ،والتفسير الـذي أعطتـه
املحكمة التجارية ال ينسجم مع ما هو منصوص عليه في الفقرة المذكورة التي جاءت واضحة ال
تحتاج إلى تأويل ،باإلضافة إلى أن لفظ النزاعات الواردة في الفقرة المذكورة شاملة لجميع
النزاعـات سـواء تعلق األمـربـالعقود المنصبة على األصـل التجـاري والنزاعات الرامية إلى رفض أو
تجديد العقود في إطار ظهير 24ماي 9111أو غيرها من المنازعات األخرى ،وسواء تعلق األمر
بنزاع حول األصل التجاري برمته أو احـد عناصره ،اذ من مناط االختصاص املحاكم التجارية هو
وجود نزاع يتعلق باألصل التجاري بصرف النظرعن كون العقد مدني و تجاري.288
وفي قرار آخر صادر عنها أيضا جاء فيه" :وحيث أنه بالرجوع إلى الفقرة الخامسة مـن
المـادة الخامسـة مـن القـانون رقم 13( 11يتضح بأنهـا تمـد االختصاص للمحـاكم التجارية للبث
في النزاعات المتعلقة باألصول التجارية ،وما دام رئيس املحكمة التجارية يمارس االختصاصات
المسندة إليه بنصوص خاصة والتي لها ارتباط بالنزاعات المتعلقة باألصول التجارية ،بوصفه
جزءا من هذه املحكمة فإنه يكون مختصا بالبث في مراجعة الوجيبة الكرائية في إطار ظهير 1
يناير 9113باعتبار أن مراجعة هذه الوجيبة الكرائية من شأنها التأثير في قيمة األصل التجاري
إيجابيا أو سلبيا ،وباعتبارأن الحق في الكراء يعتبرعنصرا أساسيا في تكوين األصل التجاري".289
ويتجلى من حيثيات هذا القرارأن املحكمة أسندت االختصاص لرئيس املحكمة التجارية
باعتبار أن مراجعة الوجيبة الكرائية تؤثر في قيمة األصل التجاري إيجابيا أو سلبيا بالنظر إلى
أن الحق في الكراء يعتبر عنصرا أساسيا في تكوين األصل التجاري ،ولتكون محكمة االستئناف
بمراكش منسجمة مع نفسها فقد اعتبرت أن إثارة املحكمة التجارية من تلقاء نفسها مسألة
االختصاص النوعي هي مسألة مرفوضة واعتمدت عدم في هذا القول على المادة 1من القانون
رقم 13.11املحدث للمحاكم التجارية.
البالد ،921وباعتبار أيضا أن املحاكم التجارية تعد محاكم استثنائية يتعين تحديد
النزاعات الواجـب عرضها عليهـا صـراحـة بـنص تشريعي ،931وأن القانون املحـدث للمحـاكم
التجارية ال يوجـد فيـه مـا يـنص على إسناد االختصاص للمحاكم التجاريـة للبـث فـي النزاعات
المتعلقة بالكراء التجاري ومن ثم فإنه يرى بضرورة االحتفاظ للمحاكم العادية بهذا
االختصاص ،وهوما ذهبت إليه أيضا محكمة االستئناف التجارية بفاس في أحد قراراتها ،والذي
جاء فيه..." :إن المشرع هدف إلى جعل االختصاص املخول لهذه املحكمة اختصاصا ضيقا وفي
إطارمحدود ولفائدة أشخاص معينين وألغراض خاصة وبناء على نصـوص واردة بمدونة التجارة
وهي المتعلقة بالعقود التجارية واألصـول التجارية واألوراق التجارية وصعوبة المقاولة ومساطر
288قرار أشار إليه عبد الرحمان الشرقاوي في مؤلفه ،قانون العقود الخاصة ،الكتاب الثاني ،العقود الواردة على
منفعة الشيئ في عقد الكراء ،طبعة ،0100ص . 000 :
289قرار أورده الحسن البنسوسي ،م س ،ص. 010 :
التسوية والتصفية القضائية وبالتالي فإن هاته املحاكم استثنائية وال يمكنها التوسع في
االختصاص املخول لها.
أما هذا التوجه فكان يذهب عكس التوجه السابق بحيث يرى أن املحاكم العادية هي
املختصة بالنظر في مراجعة السومة الكرائية في األكرية التجارية نظرا إلى أن عقد الكراء في
األصل هو عقد مدني ونظرا أيضا ألن القانون الفرنس ي باعتباره المصدر التاريخي لقانون
إحداث املحاكم التجارية يجعل من نزع األكرية التجارية من إختصاص القضاء المدني،
باإلضافة الى قلة املحاكم التجارية و عدم انتشارها في جميع أنحاء البالد ،وباعتبار أيضا أن
املحاكم التجارية تعد محاكم استثنائية يتعين تحديد النزاعات الواجـب عرضها عليهـا صـراحـة
بـنص تشريعي ،وأن القانون املحـدث للمحـاكم التجارية ال يوجـد فيـه مـا يـنص على إسناد
االختصاص للمحاكم التجاريـة للبـث فـي النزاعات المتعلقة بالكراء التجاري ومن ثم فإنه يرى
بضرورة االحتفاظ للمحاكم العادية بهذا االختصاص ،وهو ما ذهبت إليه أيضا محكمة
االستئناف التجارية بفاس في أحد قراراتها ،والذي جاء فيه..." :إن المشرع هدف إلى جعل
االختصاص املخول لهذه املحكمة اختصاصا ضيقا وفي إطار محدود ولفائدة أشخاص معينين
وألغراض خاصة وبناء على نصـوص واردة بمدونة التجارة وهي المتعلقة بالعقود التجارية
واألصـول التجارية واألوراق التجارية وصعوبة المقاولة ومساطر التسوية والتصفية القضائية
وبالتالي فإن هاته املحاكم استثنائية وال يمكنها التوسع في االختصاص املخول لها.290
وما ورد بالمقال االستئنافي من استدالل بما وقع أثناء عرض مشروع قانون إحداث
املحاكم التجارية على البرلمان وإن كان يستأنس به في إبرازنية المشرع ،إال أنه ال يلزمنـا فـي شـيء،
إذ العبرة بما وقعت عليـه وصـدربـه ال لما كانت النوايا تهدف إلى تطبيقه أو النص عليه والعرض
أصال كان للمناقشة والتعديل والتنقيح ،ثم إنه ال مبررلاللتفات للدفع بكون العقد األصلي ليس
بعقد تجاري و إنما انصب على كراء عقاروهو بذلك يعد عمال مدنيا صرفا ولو تم اكتساب األصل
التجاري فيه ،إذ العبرة بالعالقة وقت قيامها ال لما آلت إليه ،والعقود التجارية في جميع األحوال
تولت مدونة التجارة تحديدها وتعريفها وليس من بينها عقد كراء محددا لالستعمال التجاري،
وبعبارة أخرى ال يخضع عقد الكراء فيها للمبادئ التجارية كما نظمهها مدونة التجارة291.
ثم إن الغرض من إحداث املحاكم التجارية كما ورد بوجه االستئناف يقتض ي حتما كون
القضاء المدني العادي ال يمكنه القيام بنفس الدور أو أكثر ،والو اقع أثبت عكس ذلك بما له
من والية عامة وإلمام شامل بسائرالجوانب القانونية"...
وفي األخيرنشيربهذا الخصوص إلى أن محكمة النقض تدخلت لحسم هذا الخالف وإسناد
االختصاص إلى املحاكم التجارية في قضايا األكرية التجارية من خالل القرارالصادرعنها بتاريخ
94نونبر.2119
وهكذا نخلص إلى أن المشرع ومن خالل القانون رقم 41.90الجديد تبقى توجهات
محكمة النقض المغربيـة كعقد اختصـاص فـي مـادة الـكـراء التجاري للمحاكم التجارية وبالتالي
يمكن القول على أن توجهات محكمة النقض اعتبرت كمصـدر مـن مـصـادر القانون رقم 41.90
الجديد.
الفقرة الثانية :املحكمة املختصة بالنظر في دعاوى السومة الكرائية في اطار قانون
41.90
أقر القانون رقم 41.90إمكانية مراجعة السومة الكرائية وفق القانون رقم 1113
المتعلق بكيفية مراجعـة أثمـان كـراء املحالت المعدة للسكني أو االستعمال المنهي أو التجاري أو
الصناعي أو الحرفي ،وهو ما يعد لبنة أساسية في اتجاه تبسيط المسطرة بخالف التعقيد الذي
كان يلف مسطرة المطالبة بالزيادة في ظل ظهير .9111
وبالرجوع إلى القانون رقم 11.13وخاصة المادة 1منـه نـجـده أسند االختصاص بالنظر
في المنازعات المتعلقة بالمراجعة واستيفاء والزيادة في أثمان الكراء إلى املحكمة
االبتدائية ،إال أن القانون رقم 41.90أعطى إمكانية المراجعة دون التقيد بمقتضيات
القانون رقم 11.13حيث أحال اختصاص البث في التحديد السومة الكرائية في بعض الحاالت
للمحكمة التجارية.
يجوز لطرفي عقد كراء منظم بقانون رقم 41.90اللجوء إلى المسطرة التي وردت بشـأن
مراجعـة أجـرة الكـراء فـي القـانون رقـم 11.13المتعلـق بمراجعـة أثمـان كـراء املحالت المعدة
للسكني أو االستعمال المنهي أو التجاري أو الحرفي 293ومن شأن هذه المسطرة إتاحة الفرصـة
لكـال الطرفين بمراجعـة مقـداراألجرة وفقا لظروفهـا ومـا ال يتعارض مع مصالحها ،ومن ثمة يكون
للمكري طلب الزيادة في مبلغ الكراء ،كما يكون
للمكتري المعارضة بطلب إنقاص األجرة سيان في هذا األمر إن كان مبلغ األجرة محددا
تحديدا بالتراض ي أم يرجع التحديد فيه إلى حكم قضائي سابق.
293تنص الفقرة األخيرة من المادة 0من القانون رقم 22600على ما يلي.." :تطبق على مراجعة الوجيبة الكرائية
مقتضيات القانون رقم 17612المتعلق بمراجعة أثمان كراء المحالت المعدة للسكني أو االستعمال المهني أو
التجاري أو الصناعي أو الحرفي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 03176022 .بتاريخ 02من ذي القعدة،
،0201الموافق 21نونبر . 0117
294تنص المادة 1من قانون رقم 17612على أنه" :تختص المحكمة االبتدائية بالنظر في المنازعات المتعلقة
بمراجعة واستيفاء الزيادة في أثمان الكراء سواء المنصوص عليها في العقد أو المقررة قانونا والمتعلقة بالمحالت
المشار إليها في المادة األولى من هذا القانون".
كما جاء أيضا في األمر الصادر عن رئيس املحكمة التجارية بوجدة الذي جاء فيه "وحقا
حيث أن القانون رقم 11.13الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 9.11.934بتاريخ
31/99/2111والذي دخل حيز التنفيذ بنشره بالجريدة الرسمية عدد 1110بتاريخ 93دجنبر
2111أسند االختصاص للمحكمة االبتدائية بالنظرفي المنازعات المتعلقة بمراجعة واستيفاء
الزيادة في أثمان كراء املحالت المذكورة في (المادة 1منه) كما أنه ألغى جميع مقتضيات املخافة
له والمتعلقة بمراجعة ثمن الكراء (المادة 91منه) ونص صراحة على أنه يسري على الدعاوى
المسجلة بعد نشره بالجريدة الرسمية (المادة و 1منه).
وحيث أنه لما كانت دعوى المدعي بمراجعة السومة الكرائية قد أقيمت بعد دخوله
القانون حيز التطبيق ،فإنها تكون قد رفعت أمام جهة لم تعد مختصة نوعيا مما يجعلها غير
مسموعة ويتعين بالتالي التصريح بعدم قبول الطلب بشأنها".295
وتحدد نسبة الزيادة في نسبتين قارتين هما %1و %91حسب نوعية املحل فإذا كان املحل
معدا للتجارة أو الصناعة والحرف فإن نسبة الزيادة هي %91من األجرة القديمة ،ونسبة ثالثة
تبقى من السلطة التقديرية للقاض ي إذا كـان مبلغ ثمـن الكـراء ال يتجاوز 411درهم شهريا على
أن ال تتعدى الزيادة .%11
ويمكن للمكتري طلب تخفيض الكراء إذا طرأت ظروف أثرت على استعمال املحل للغـرض
الـذي اكتـري مـن أجـلـه وفـق مقتضيات الفصـلين 001و 009مـن قـانـون االلتزامات والعقود،296
ولم يتحدث القانون عن نسبة التخفيض وال عن تاريخ تنفيذه ،ويجرى العمل بالوجيبة الكرائية
الجديدة ابتداء من تاريخ المطالبة القضائية ،إال أنه إذا عبرالمكري عن رغبته في مراجعة ثمن
الكراء بتوجيه إنذار للمكتري ،فإن سريان الوجيبة الكرائية الجديدة تبتدئ من تاريخ التوصل
باإلنذارشريطة رفع الدعوى داخل أجل ثالثة أشهرالموالية لتاريخ التوصل.
والحكم الذي يقض ي بالزيادة أو بالتخفيض يمكن استئنافه داخل أجل 31يوما كاملة
من تاريخ التبليغ مع اإلشارة إلى أنه ال يوقف أجل االستئناف ،واالستئناف نفسه تنفيذ الألحكام
الصادرة في نطاق الزيادة في ثمن الكراء ،غيرأنه يمكن ملحكمة االستئناف أن توقف التنفيذ بقرار
معلل وبناء على طلب مستقل ،وبالتالي يعتبرالحكم القاض ي بتحديد السومة الكرائية مشمول
بالنفاذ المعجل.
إال أنه يالحظ على المادة 1من هذا القانون أنها شملت الحكم القاض ي بالزيادة فقط
بالنفاذ المعجل دون الحكم القاض ي باإلنقـاص مـن السـومة الكرائيـة الـذي بقي خاضع
للمسطرة العادية ،حيث أنه بإمكانه إيقافه أثناء سريان أجل االستئناف ثم االستئناف نفسه
دون أن يحرك المكري ساكنا ،خالفا لحالة المكتري إن هو حكم عليه بالزيادة فإنه يتحمل رفع
طلب مستقل للحصول على إيقاف تنفيذ الحكم بالزيادة وبقرارمعلل وفي هذا دون شك نوع من
المشقة والحرج على المكتري المكلف بإثبات السبب الحقيقي الداعي إلى إيقاف سريان الحكم
القاض ي بالزيادة.
إذا كانت المادة 1من القانون رقم 41.90أحالت على القانون رقم 11.13فيمـا يتعلق
بالمنازعات ال متعلقة بالسومة الكرائية والذي يسند االختصاص للمحكمة االبتدائية للبث في
هذه النزاعات إال أنه أعطي إمكانية مراجعهها في بعض الحاالت دون التقيد بمقتضيات القانون
رقم 11.13وأسند االختصاص فيها للمحكمة التجارية وتتلخص هذه الحاالت في:
يتعين على المكري أن يقـوم داخـل أجـل شـهر مـن تـاريخ توصله بشهادة المطابقة
المنصوص عليها في المادة 11من القانون رقم 192.11المتعلـق بـالتعمير الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقـم 9.12.39بتاريخ 91من ذي الحجـة 91( 9492يونيـو )9111والمسلمة له
من طرف الجهة املختصة بإلشعارالمكتري املحل داخل أجل ثالث سنوات من تاريخ إفراغـه يحـق
لـه المطالبة بالتعويض وفق مقتضيات المادة 1أعاله ما لم تكن أسباب التأخير خارجة عن
إرادة المكري.
والمادة 92من نفس القانون تنص على أنه يلزم المكتري عند تمكينه من املحل بدفع
الوجيبة الكر ائية القديمة في انتظار تحديد الشروط الجديدة للعقد إما اتفاقا أو بواسطة
املحكمة مع مراعاة العناصر الجديدة المستحدثة باملحل دون التقيد بمقتضيات القانون رقم
11.13المتعلق بمراجعة أثمان كراء املحالت المعدة للسكنى أو االستعمال المنهي أو التجاري أو
الصناعي أو الحرفي297.
ب -في حالة ممارسة المكترى ألنشطة مكملة أو مرتبطة أو مختلفة :
تسمح المادة 22من القانون رقم 41.90للمكتري بممارسة أنشطة مكملة أو مرتبطة أو
مختلفة وذلك بمو افقة المكري ،وقد منح لرئيس املحكمة بصفته قاضيا لألمور المستعجلة
صالحية التدخل لمنح المكتـري اإلذن لممارسة هذه األنشطة ،وذلك في حالة رفض المكري
داخل أجل شهرين طلب ممارسة األنشطة الموجه له من طرف المكتري .298وأضافت المادة 23
من نفس القانون على أنه يحق للمكري في الحاالت المشارإليها في المادة 22أن يطالب بتحديد
الوجيبة الكرائية الجديدة على أن تسري من تاريخ المطالبة بها قضائيا.
أجاز القانون الجديد إمكانية الكراء من الباطن ،ما لم يتضمن العقد مقتض ى صريحا
يمنع هذه العملية ،وعلى أساس أن تبقى العالقة بين المكري والمكتري األصلي ،ويبقى المكتريان
األصلي والفرعي يتحمالن على وجه التضامن جميع االلتزامات الواحدة في العقد من قبيل أداء
الوجيبة وتوابعها.299
ويحق للمكري إذا كانت قيمة الكراء من الباطن تفوق قيمة الكراء األصلي ،مراجعة
السومة الكرائية إما اتفاقا أو قضاء ،وفي الحالة األخيرة تراعي املحكمة الفرق بين السومتين
دون أن تتقيد بمقتضيات القانون رقم 11.13المتعلـق بمراجعة أثمـان كـراء املحالت المعدة
للسكني أو االستعمال المنهي أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي.
خاتمة :
وختاما يمكن القول أن إشكالية مراجعة الوجيبة الكرائية إشكالية معقدة استعص ى
لحد اآلن على المشرع إيجاد حل ناجع لها.
ومن أبرزمظاهرهذا التعقيد أن لها ارتباطا مباشرا بعدة جوانب اجتماعية و اقتصادية
وسيكولوجية وقانونية ،بحيث هناك تداخالت بين كل هذه العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،إذ
كلما سعى أحد أطراف التعاقد إلى المطالبة بمراجعة السومة الكرائية وديا أو قضائيا إال وبرز
على السطح تضارب في المصالح ومواجهة نفسية وقانونية من آثارها إخالل اجتماعي
و اقتصادي ،لذلك الحظنا أنه منذ بداية القرن الماض ي والمشرع يتدخل إلى جانب المكري أو
المكتري من أجل الحفاظ على التوازن العقدي والحد من غلو سلطان اإلرادة.
وقد تجلى هذا التدخل بإصدارما يناهز 30نصا قانونيا تنظم كلها العالقة الكرائية عامة
والسومة الكرائية على وجه الخصوص كان من بينها قانون رقم 01.92والقانون 41.90و آخرها
القانون رقم 13.11المتعلق بمراجعة أثمان كراء املحالت المعدة للسكني أو اإلستعمال المنهي
أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 9.11.934بتاريخ 31
نوفمبر.2111
وبالرغم من كثرة هذه القوانين اال أنها لم تأتي بحلول جذرية و ناجعة إلشكالية مراجعة
السومة الكرائية ،ولذا وجب التفكير في اصدار قانون موحد قادر على حل اشكالية الوجيبة
الكرائية للحد من مداها و انعكاساتها االجتماعية و االقتصادية و النفسية.
-إصدار نصوص قانونية أمرة تحدد السومة الكرائية انطالقا من مجموعة من
المعطيات والظروف اإلقتصادية واإلجتماعية املحددة سلفا.
-تحديد الرؤية بالنسبة لمراجعة السومة الكرائية زيادة وتخفيضا مع األخذ بعين
االعتبارالظروف اإلقتصادية واإلجتماعية املحيطة بطلب المراجعة.
-منح القضاء السلطة التقديرية التي كان يتمتع بها في إقرار السومة الكرائية الجديدة
مع تحديد ضوابط معينة لذلك ،ألن ضابط مرور الثالث سنوات غير كافي ،إذ ال بد من حدوث
تغيرات في الظروف اإلقتصادية العامة أو حدوثها على مستوى محيط العين المكتراة.
المراجع المعتمدة:
الكتب:
-لعربي محمد مياد ،الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية و المهنية على ضوء القانون
رقم 01.92و القانون المقارن ،طبعة ،2194دارالنشر :المطبعة األمنية ،الرباط.
-العربي مياد مراجعة الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية والمهنية في ضوء التشريع
والقضاء ،مطبعة دارالقلم ،الطبعة األولى.2113 ،
-مصطفى بونجة في مؤلفه الكراء التجاري بين ظهير 24ماي 9111وقانون رقم ،41.90
الطبعة األولى ،2190دارالنشر:مشورات المركزالمغربي للتحكيم ومنازعات األعمال.
-نزهة الخالدي :الوجيز في العقود المسماة عقد البيع ،عقد الكراء وفقا لقانون
االلتزامات والعقود المغربي والقوانين المقارنة ،الطبعة الثانية ،2190مطبعة تطوان
.
-عبد الرحمان الشرقا في :قانون العقود الخاصة ،الكتاب الثاني ،العقود الواردة على
منفعة الش يء عقد الكراء ،الطبعة الثانية ،2190دارالسالم للطباعة و النشرو التوزيع.
الرسائل و األطروحات:
-قرار عدد 1بتاريخ 20يناير 9119ملف اجتماعي عدد 10213منشور بمجلة قضاء
املجلس األعلى عدد 21ص .931
قرار مؤرخ في 21أبريل 9113ملف رقم 19004منشور باملجلة القضائية لسنة 9114 -
العدد -األول ص .01
-قرار رقم 119بتارخ 31أكتوبر 9111في الملف المدني عدد 9 /14 /231منشور بمجلة
رابطة القضاة عدد ، 91-94ص. 11 :
المقاالت:
-الههامي مشتاق الوجيبة الكرائية ما بين التحديد اإلتفاقي والقضائي الوجيبة الكرائية
مابين التحديد اإلتفاقي والقضائي ،مقال منشور في األنترنت على موقع
./https://www.aljami3a.comتاريخ االطالع . 2122-11-92 :
-الوجيبة الكرائية للمحالت المعدة للسكنى و االستعمال المنهي ،عرض قدمه طلبة
ماستر القانون و التعمير بكلية العلوم القانونية – السويس ي -السنة الجامعية -2191
.2121
-النهاري بوبكر :بدل الكراء تحديده ومراجعته في المغرب بين حرية التعاقد وتدخل
الدولة ،مقـال منشور بمجلة الميادين ،العدد الثامن السنة ،.9113منشورات جامعة
محمد األول كليـة العلـوم القانونيـة واالقتصادية واإلجتماعية ،وجدة.
-عرض قدمه طلبة ماستر العقار و التعمير تحت عنوان الوجيبة الكرائية للمحالت
األنترنت، موجودعلى المنهي، االستعمال و للسكنى المعدة
القوانين:
المراجع المعتمدة:
الكتب :
-سليمان مرقس ،الوافي في شرح القانون المدني ،في العقود المساة عقد اإليجار ،
الطبعة الرابعة ،طبعة ، 9113مطبعة دارالنهضة العربية ،مصر ،دارالنشر :القاهرة.
-لعربي محمد مياد ،الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية و المهنية على ضوء القانون
رقم 01.92و القانون المقارن ،طبعة ،2194دارالنشر :المطبعة األمنية ،الرباط.
-العربي مياد مراجعة الوجيبة الكرائية للمحالت السكنية والمهنية في ضوء التشريع
والقضاء ،مطبعة دارالقلم ،الطبعة األولى.2113 ،
الرسائل و األطروحات:
-رشيدة الدياري :حماية حق الكراء التجاري من خالل القوانين المنظمة ،رسالة لنيل
دبلوم الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية – طنجة-
السنة الجامعية .2190-2191 :
-مصطفى بونجة في مؤلفه الكراء التجاري بين ظهير 24ماي 9111وقانون رقم ،41.90
الطبعة األولى ،2190دارالنشر:مشورات المركزالمغربي للتحكيم ومنازعات األعمال.
-نزهة الخالدي :الوجيز في العقود المسماة عقد البيع ،عقد الكراء وفقا لقانون
االلتزامات والعقود المغربي والقوانين المقارنة ،الطبعة الثانية ،2190مطبعة تطوان.
-عبد الرحمان الشرقا في :قانون العقود الخاصة ،الكتاب الثاني ،العقود الواردة على
منفعة الش يء عقد الكراء ،الطبعة الثانية ،2190دارالسالم للطباعة و النشرو التوزيع.
-محمد أحمد بونبات :كراء املحالت التجارية ،ظهير 24ماي ،9111الطبعة األولى ،2111
مراكش :المطبعة و الور اقة الوطنية.
-محمد املجدوبي االدريس ي ،عمل املحاكم التجارية ،بدايته ،اشكاليته ،مطبعة دار
السالم ،الطبعة األولى.9111 ،
-حكم بتاريخ 91أبريل 9111ملف رقم 9221/14منشور بمجلة الحاكم المعربية ،عدد
.931 11-11
-قرار عدد 331بتاريخ 1مارس 9114في الملف المدني عدد 10342منشور بمجلة
املحاكم المغربية عدد .34
-قرار عدد 1بتاريخ 20يناير 9119ملف اجتماعي عدد 10213منشور بمجلة قضاء
املجلس األعلى عدد 21ص .931
-قرار مؤرخ في 21أبريل 9113ملف رقم 19004منشور باملجلة القضائية لسنة 9114
العدد -األول ص .01
-قرار رقم 119بتارخ 31أكتوبر 9111في الملف المدني عدد 9 /14 /231منشور بمجلة
رابطة القضاة عدد ، 91-94ص.11 :
المقاالت :
-الههامي مشتاق الوجيبة الكرائية ما بين التحديد اإلتفاقي والقضائي الوجيبة الكرائية
مابين التحديد اإلتفاقي والقضائي ،مقال منشور في األنترنت على موقع
https://www.aljami3a.com/.تاريخ االطالع .2122-11-92 :
-الوجيبة الكرائية للمحالت المعدة للسكنى و االستعمال المنهي ،عرض قدمه طلبة
ماسترالقانون و التعميربكلية العلوم القانونية – السويس ي -السنة الجامعية .2121-2191
-النهاري بوبكر :بدل الكراء تحديده ومراجعته في المغرب بين حرية التعاقد وتدخل
الدولة ،مقـال منشور بمجلة الميادين ،العدد الثامن السنة ،.9113منشورات جامعة محمد
األول كليـة العلـوم القانونيـة واالقتصادية واإلجتماعية ،وجدة.
-عرض قدمه طلبة ماستر العقار و التعمير تحت عنوان الوجيبة الكرائية للمحالت
المعدة للسكنى واالستعمال المنهي ،موجود على موقع ،https://www.elkanounia.comص
،91تاريخ االطالع .2122-10-19على الساعة الثانية زواال.
القوانين:
-وزارة العدل و الحريات ،القانون رقم 41.90في شروح ،طبعة فبراير .2191
ويعرف خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك والشعب بأنه توجهات الدولة المغرية في
رسم البرنامج الحكومي و السياسات واالستراتيجيات لجميع القوى الحية لألمة في إطار احترام
الدستور وحسن سير المؤسسات وحماية المصالح العليا للوطن والمواطنين وتكريس دولة
الحق والقانون والمؤسسات.
ونظرا ألهمية التوجه السياس ي واالستراتيجي للدولة المغربية في بناء دبلوماسية ناعمة
وفعالة ضد أعداء وخصوم الوحدة الترابية واستحضار التحديات التنموية لالستحقاقات
االنتخابية لسنة ،2129فإن اإلشكالية المركزية تتمثل فيما يلي :كيف سيتعامل المغرب
مستقبال مع هذه الههديدات واألزمات
300مداخلة محمد تاج الدين الحسيني ،خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك والشعب ،مشاركة في برنامج قناة ميدي 0
تيفي ،يوم 01غشت .0100
المتواصلة والمتكررة من طرف أعداء الوحدة الترابية والتحديات التنموية في أفق رسم
إستراتيجية جديدة للسياسات وللدبلوماسية المغربية واالستحقاقات االنتخابية لسنة 2129؟
وتحت هاته اإلشكالية املحورية تتفرع عنها التساؤالت التالية :ما هي محاوالت أعداء الوحدة
الترابية؟ وما هي آفاق االستحقاقات االنتخابية لسنة 2129؟
ولمعالجة الموضوع من جميع جوانبه ،ارتأيت اعتماد التقسيم التالي :المبحث األول:
محاوالت أعداء الوحدة الترابية .المبحث الثاني :آفاق االستحقاقات االنتخابية لسنة .2129
المطلب األول :دعوة العاهل المغربي لفتح الحدود البرية مع الدولة الجزائرية في خطاب
العرش لسنة 2129
301مداخلة عبد الفتاح نعوم ،الجزائر تتهم المغرب بتنفيذ أعمال عدائية ضدها ..هل تتجه العالقات للقطيعة؟،مشاركة في
برنامج إسأل أكثر RTالعربية ،يوم 01غشت .0100
بشكل يخدم المصالح العليا للبلدين ولدول المنطقة على صعيد المنطقة على المستوى
اإلقليمي.
بالرجوع إلى بيان رئاسة الدولة الجزائرية المؤرخ في 91غشت 2129بشأن إعادة تقييم
العالقات المغربية الجزائرية بما وصفهها باألعمال العدائية المتكررة للمغرب ضد الجزائر
واستحضار دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس لفتح الحدود البرية حسب الخطاب
الملكي السامي بمناسبة عيد العرش املجيد المؤرخ في 39يوليوز ،2129فإن الدولة الجزائرية
تواصل المناورات واالستفزازات الدبلوماسية ضد المغرب من خالل انصر افها عن األزمات
السياسية والصحيةواالقتصادية الداخلية والتوجه نحو انشغال الرأي العام الدولي باألزمات
الخارجية ضد الحدود المغربية الجزائرية.
وتجدر اإلشارة إلى أن األعمال العدائية المتكررة للمغرب حسب بيان رئاسة الدولة
الجزائرية تتجلى أساسا في تعدي ممثل المغرب لدى األمم المتحدة على الجزائر عندما تكلم
خارج إطار القانون بشأن منطقة القبائل وتجسس المغرب للجزائر حسب برنامح بيغاسوس
التابع لدولة إسرائيل وتأمرالمغرب مع الكيان الصهيوني من أجل تعيين عضو مر اقب في األمم
المتحدة وتصريح الخارجية الكيان الصهيوني بأن الجزائر تتعاون مع الدولة اإليرانية
ومسؤولية وقوف المغرب مع إسرائيل على حرائق الغابات من خالل دعم منظمات إرهابية التي
تقف وراء هذه الحرائق302.
كما أنها تواصل تشويه صورة المؤسسة األمنية ومحاولة التأثير على قوتها وفعاليهها ،في
الحفاظ على أمن واستقرار المغرب؛ إضافة إلى الدعم والتنسيق ،الذي تقوم به في محيطنا
اإلقليمي والدولي ،باعتراف عدد من الدول نفسها.و اسههداف المغرب من طرف بعض الدول
والمنظمات المعروفة بعدائها لبالدنا ،ألنه دولة عريقة ،تمتد ألكثرمن إثني عشرقرنا ،فضال عن
تاريخها األمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة ،منذ أزيد من أربعة قرون ،في ارتباط
قوي وتالحم وتكامل وتضامن وتعاون بين العرش وجميع مكونات الشعب بقيادة المؤسسة
302الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد بمناسبة عيد العرش المجيد المؤرخ في 20يوليوز .0100
الملكية على الرغم من تنوعها وتعددها ،وكذا لما يتمتع به من نعمة األمن واالستقرارالسياس ي
على خالف ما تشهده دول المنطقة على المستوى اإلقليمي وعلى مستويات متعددة 303.كما أن
المناورات واالستفزازات المتواصلة والمتكررة ضد المغرب من طرف أعداء الوحدة الترابية ،
بما في ذلك الجزائر وألمانيا وإسبانيا الذين يحاولون قدر اإلمكان تغليط الرأي العام الدولي
باألخبار الزائفة التي ال أساس لها من الصحة ،وذلك بفعل استخدام الوسائل الشرعية وغير
الشرعية لتوريط المغرب في مشاكل وخالفات مع بعض الدول ووضع تقارير في عرقلة مسيرته
التنموية وعدم مسايرة بعض قادة األوروبيون ومالئمة أنظمههم السياسية التي تعيش على
الماض ي لهذه التطورات والتحوالت الجيو اإلستراتيجية والمتغيرات الجيو السياسية
المتواجدة في الساحة الدولية عموما و اإلقليمية تحديدا304.
ال أحد يجادل في أن دور االستحقاقات االنتخابية لسنة 2129يتجلى أساسا في تحديث
الدولة المغربية من خالل إنتاخ نخب مؤهلة قادر على استحضار اإلختالالت الجوهرية
لالقتصاد الوطني والتداعيات الصحية والتحديات االجتماعية التي مازلت إلى حدود الساعة
يعاني منها شريحة كبيرة من المغاربة على الرغم من تعاقب الحكومات وتراكم أوراش الحماية
االجتماعية .وتبعا لذلك ،سوف نتطرق إلى سياق تنزيل التقرير العام من طرف لجنة النموذج
التنموي الجديد في المطلب األول و التحديات التنموية في أفق النموذج التنموي الجديد لعام
2131في المطلب الثاني.
303مداخلة أحمد مفيد ،خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك والشعب ،مشاركة في برنامج قناة ميدي 0تيفي ،يوم 01
غشت .0100
304الخطاب الملكي السامي بمناسبة خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك والشعب المؤرخ في 01غشت .0100
التفكيرفي إعداد نموذج تنموي جديد يحد من المشاكل واالختالالت البنيوية لالقتصاد الوطني،
سواء تعلق األمربإنتاج نخب وكفاءات
وطاقات مؤهلة لرفع مستوى الرهانات اآلنية والمستقبلية لبناء مغرب الغد.
المطلب الثاني :التحديات التنموية في أفق النموذج التنموي الجديد لعام 2131
بالموازاة مع محاوالت أعداء الوحدة الترابية ،فإن المغرب مقبل على استحقاقات ملحة
بشأن االنتخابات التشريعية والجهوية واملحلية بتاريخ 1شتنبر 2129والتي تتزامن مع مرحلة
جديدة من المشاريع واإلصالحات في إطار تنزيل النموذج التنموي وتفعيل الميثاق الوطني من
أجل التنمية .على ضوء التقريرالعام الذي قدمته لجنة النموذج التنموي الجديد بتاريخ ،حيث
أن االنتخابات ليست غاية في حد ذاتها ،و إنما هي وسيلة إلقامة مؤسسات ذات مصداقية ،
تخدم مصالح المواطنين ،وتدافع عن قضايا الوطن ،.وهذا ما أكده العاهل المغربي الملك
محمد السادس في أكثرمن مناسبة الذي بين للعالم أن الدولة المغربية تكون قوية بمؤسساتها،
وبوحدة وتالحم مكوناتها الوطنية ،وهذا هو سالح للمغرب للدفاع عن البالد ،في وقت الشدة
واألزمات والههديدات306.
305ميلود بلقاضي ،قراءة في خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك والشعب المؤرخة في 01غشت ،0100مشاركة في
برنامج قناة ميدي 0تيفي ،يوم 00غشت .0100
306مداخلة عبد العزيز الروماني ،خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك والشعب ،مشاركة في برنامج قناة ميدي 0تيفي،
يوم 01غشت .0100وللمزيد من التوضيح راجع مداخلة عبد العزيز القراقي ،مضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 01
لثورة الملك والشعب ،مشاركة في برنامج دوزيم ،يوم 00غشت .0100
الخاتمة:
وتأسيسا على ماسبق ،يتضح أنه في خضم التطورات الميدانية التي تعيشها المملكة
المغربية اليوم على ضوء احترام االلتزامات الدستورية بشأن انتظام االنتخابات التشريعية
والجهوية واملحلية الذي يشكل عمق الممارسة الديمقراطية ونضج البناء الديمقراطي لما راكم
المغرب من الخبرة والتجربة و تعزيزا لمضامين التقرير العام الذي أعدته لجنة النموذج
التنموي الجديد يوم الثالثاء 21ماي 2129الذي أكد على ضرورة مواكبة القوى الحية لألمة
لهذه األرواش اإلصالحية الكبرى من أجل تصويب المعيقات وتجديد النموذج التنموي الجديد
نتيجة فشل خيارات سياسية منذ حصول المغرب على االستقالل وإلى حدود الساعة ،حيث
يجب على جميع الفعاليات املجتمعية األخذ بعين االعتباروالحسبان التدابيرالتالية:
-ضرورة وجود الرؤية اإلستراتيجية المندمجة والشاملة على مدى البعيد يتبناها كافة
المتدخلين في مجال السياسات العمومية.
-الحث على االنسجام سواء على مستوى تصور اإلصالحات وتنفيذها أو على مستوى
تتنزيل السياسات العمومية وتطبيقها من خالل غياب مرجعية مشتركة وبدون تنسيق بين
الفاعلين ،مما ال يساعد على تحديد األولويات واألخذ بعين االعتبار الموارد المتاحة والقدرات
الحقيقة للفاعلين.
-اإلسراع في دينامية التحول الهيكلي لالقتصاد المغربي نتيجة انفتاح املحدود على
الفاعلين الجدد األكثرإبداعا وتنافسية وبإمكانهم االستثمارفي قطاعات قادرة على خلق الثروة
ومناصب الشغل ،حيث يعزى ذلك أساسا إلى ضعف الضبط والتقنين و هيمنة منطق الريع في
بعض القطاعات في ظل وجود نظام دعم عمومي يغذي ذلك.
-الحث على التنافسية االقتصاد الوطني جراء التكلفة المرتفعة لعوامل اإلنتاج.
-تقوية القدرات املحدودة للقطاع العام في صياغة وتفعيل الخدمات العمومية ذات
جودة وسهلة الولوج خصوصا في قطاعات مهمة تمس الحياة اليومية للمواطن وذلك يعزى إلى
ضعف روح المبادرة وسيادة ثقافة االمتثال والمطابقة والتركيز على الموارد بدل إبالء األولوية
لمنطق جودة األداء والنتائج داخل اإلدارة العمومية
-الشعور بالحماية القضائية وقدرتها على توقع النصوص القانونية والتي تترك مجاال
واسعا للتأويل وضعف م نسوب الثقة في بعض المؤسسات وعبء البيروقراطية ،مما يكبح
المشاركة ويحد من المبادرة307.
الئحة المراجع
الخطب الملكية
الخطاب الملكي السامي بمناسبة خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك
والشعب المؤرخ في 21غشت .2129
الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش املجيد بمناسبة عيد العرش
املجيد المؤرخ في 39يوليوز .2129
الوثائق الرسمية
بيان رئاسة الدولة الجزائرية بشأن األعمال العدائية المتكررة للمغرب ضد
الجزائرالمؤرخ في 91غشت .2129
التقريرالعام الذي أعدته لجنة النموذج التنموي يوم الثالثاء 21ماي .2129
البرامج التليفزيونية
مداخلة أحمد مفيد ،خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك والشعب ،
مشاركة في برنامج قناة ميدي 9تيفي ،يوم 21غشت .2129
مداخلة محمد تاج الدين الحسيني ،خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك
والشعب ،مشاركة في برنامج قناة ميدي 9تيفي ،يوم 21غشت .2129
307التقرير العام الذي أعدته لجنة النموذج التنموي يوم الثالثاء 00ماي .0100
ميلود بلقاض ي ،قراءة في خطاب ذكرى ل 01بمناسبة ثورة الملك والشعب
المؤرخة في 21غشت ،2129مشاركة في برنامج قناة ميدي 9تيفي ،يوم 29غشت .2129
مداخلة عبد العزيز القراقي ،مضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 01
لثورة الملك والشعب ،مشاركة في برنامج دوزيم ،يوم 29غشت .2129
مداخلة عبد الفتاح نعوم ،الجزائرتههم المغرب بتنفيذ أعمال عدائية ضدها..
هل تتجه العالقات للقطيعة؟،مشاركة في برنامج إسأل أكثر RTالعربية ،يوم 91غشت .2129
لقد تطورت العالقات االقتصادية الدولية باتجاه التكامل االقتصادي ،هذه الظاهرة
التي عرفت توسعا كبيرا بعد الحرب العالمية الثانية ،نتيجة للتحوالت االقتصادية التي شهدها
العالم في هذه الفترة ،و التي فرضت على الدول االتجاه نحو التكامل و انشاء التكتالت
االقتصادية .لعل السبب األساس ي يكمن في الرغبة في تحقيق أهداف اقتصادية-انمائية
وأهداف سياسية –أمنية ،ألجل الوصول لتحقيق الغاية الكبرى للتكامل المتمثل في التنمية
االقتصادية واألمن بمفهومه الشامل ،وذلك باتباع خطوات اقتصادية متدرجة تبدأ من منطقة
للتجارة الحرة ثم اتحاد جمركي فسوق مشتركة ثم اتحاد اقتصادي و أخيرا اندماج اقتصادي تام
يمهد للوحدة السياسية و هي نفس المسارات التي حققهها التكثالت االقليمية الوازنة كاالتحاد
االوربي على سبيل الذكر.
فإلى أي مدى يتمثل صانع القرار المغاربي حتمية و ضرورة خلق مسارات التكامل
االقتصادي كسبيل لتجاوزكل المعيقات التي تحول دون تحقيق أهداف التنمية المنشودة ؟.
إن المتمعن في الخريطة الجغر افية لدول المغرب العربي و لتاريخها التليد سيجد
تناسقا و انسجاما طبيعيا نظرا لما تتوفر عليه من مقومات و مدركات مشتركة ال تتناسب مع
و اقع الحال ،حيث تزخربوحدة الجغر افيا و التاريخ و الثقافة كما تتوفرعلى ثروات و امكانيات
متنوعة سنحاول التفصيل فيها إلبرازمقومات التكامل االقتصادي المغاربي :
اإلطار الجغرافي :يحظى التكامل االقتصادي المغاربي بإطار جغرافي متميز ،خصوصا أن
عامل الجغر افيا يشكل معطى حيوي للدول ذات العالقة ،ومن الواضح أن تأثير الجغر افيا ال
يقتصر على مجرد االمتداد أو التواصل المكاني بل يشكل أساسا لتكوين وحدات جغر افية
تتكامل وتتماثل لتعبرعن وحدة االقليم المتنوع ،وتقع منطقة المغرب الكبيربالتحديد في شمال
افريقيا بين دائرتي عرض 31ْ- ْ"91شماال و خط طول ْ 21ْ-90و تشرف على الجناح الغربي للوطن
العربي .
تطل ع لى البحر األبيض المتوسط الذي يحدها شماال بساحل طوله 4131كلم ن و على
املحيط األطلس ي غربا بساحل طوله 3940كلم ،يحدها من الشرق مصر و السودان و من
الجنوب دول الساحل الصحراوي .
فالموقع االستراتيجي المتميز للمغارب جعل منها منطقة استقطاب حضاري و تنافس
دولي ،و لعل نظرة متفحصة في خريطة العالم السياسية تحدد لنا أهمية المنطقة المغاربية
كمجال ،فهي في افريقيا قارة المستقبل ،ومنفتحة على أوربا حيث مركزالثقل الصناعي والتأثير
الحضاري كما تتصل بالمشرق العربي و باقي األقطار االسالمية ،هذا ما جعل منها منطقة مهمة
في مجال التوازنات اإلقليمية و العالقات الدولية .
اإلطار التاريخي :إن فكرة الوحدة و التكامل ليست وليدة الحاضر بل هي راسخة في جذور
أعماق التاريخ المغاربي ،إذ ترجع األصول التاريخية للوحدة و التكامل المغاربي إلى فترة النضال
المشترك ضد االستعمار.
و يعتبراحد المؤخرين المغاربيين أن حركات التحررالمغاربية شكلت حركات تنويرفكري
تزاوج بين المقاومة المسلحة و النضال السياس ي .فهناك عدة معالم تاريخية تجسد البعد
المغاربي في تاريخ الكفاح المشترك و نخص منها بالذكر:
+جمعية نجم شمال افريقيا :جسدت رغبة بعض الشباب المثقف الحالم بوحدة و
اندماج مغاربيين كفيل بمواجهة التحديات المشتركة خصوصا أمام مستعمرمشترك ّ
مما شكل
عامال حاسما في خلق شعور بالتضامن و التعاون بين النخب الوطنية لموجهة االستعمار ،
فتحولت العاصمة الباريسة مركزالتقاء الطلبة المغاربيين الذين تكتلوا في منظمات ذات توجه
مغاربي ،بدأت بإنشاء جمعية نجم شمال افريقيا سنة 308.9121
+جمعية طلبة شمال افريقيا :تأسست في باريس سنة 9121من طرف مجموعة من
الطلبة يتقاسمون نفس الهم المغاربي و يريدون توحيد الرؤى و الدفاع عن مصالح بلدانهم و
توثيق العالقات فيما بينهم و قد كانوا من أبرززعماء حركات التحررالمغاربيين فيما بعد .
+مكتب المغرب العربي :شكلت مرحلة تأسيس جامعة الدول العربية في 9141مرحلة
حاسمة في الدفع بالنضال المغاربي المشترك و تنامي الحس القومي و الوطني بما ألهم زعماء
الحركات التحررية الى المطالبة بالحرية واالستقالل ،فأصبحت القاهرة املجال الذي يلتقي فيه
مناضلو حركات التحرر كعالل الفاس ي و عبد الكريم الخطابي و يوسف الرويس ي ...من أجل
http://barq-rs.com : -308من تقرير حول اإلتحاد المغربي ،الواقع و التحديات ،منشور على الرابط التالي
بلورة نقاشات وحدوية تدفع في اتجاه طرد المستعمر من البلدان المغاربية و تجسيد وحدة
الكفاح ،توجت بتأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة سنة .9141
+مؤتمر طنجة : 9111يشكل هذا المؤتمر التجسيد الفعلي و الرسمي لفكرة المغرب
العربي،والذي تميزبمشاركة الحزب الحرالدستوري التونس ي ،حزب االستقالل المغربي وحزب
جبهة التحرير الوطني الجزائري كما حضر وفد ليبي بصفة مر اقب .و قد تمخض عن هذا
المؤتمر مجموعة من القرارات التي تهم االستجابة لتطلعات الشعوب التو اقة للحرية و كرد
فعل تجاه معاهدة روما الخاصة بإنشاء السوق األوربية المشتركة ،لكن الظروف الداخلية
المتفاوتة لكل دول المغرب العربي على حدة لم تترجم قوة اإلرادة المغاربية ووحدتها التي
عكست وعي النخب السياسية بضرورة تجسيرالعالقات والدفاع عن المصالح المشتركة إيمانا
منها بأن المصيرمشترك .
كل هذه املحطات و التنسيقات عكست رغبة الشعوب في تحقيق الوحدة و التكامل و
تطوير المدركات الجماعية بناءا على المشترك البين مغاربي ،فعلى عكس كل التوجهات
ّ
اإلقليمية العربية األخرى مثل مجلس التعاون الخليجي الذي شكل الهاجس األمني و السياس ي
دافعا لنشأته فإن اإلتحاد المغاربي كان تتويجا لمسار نضال حركات التحرر الوطنية التي
جسدت وحدة اإلقليم و لم تكن مجال صراع بين الدولة الوطنية و اتحاد المغرب العربي309.
لكن بعد حصول الدول المغاربية على استقاللها ،نسطرتجربتين تاريخيتين :
+تجربة اللجنة االستشارية الدائمة 9111/9104حيث كانت اللجنة تعمل على إيجاد
المناخ المالئم للتكامل و االندماج .
+تجربة المغرب العربي :أخذت فكرة ارساء تكامل مغاربي تلوح في األفق بعد التقارب
المغربي الجزائري ماي ، 9111و التآخي التونس ي الليبي فديسمبر 9111و ما نتج عنه من تطبيع
للعالقات بين الدول الغاربية و تهيئة المناخ المالئم لبناء المغرب العربي الكبير على أساس
التعاون و المصالح المشتركة ّأدى إلى االعالن الرسمي عن ميالد اتحاد المغرب العربي في 91
فبراير 9111بمراكش .
-309عبد النور بن عنتر ،مقالة االتحاد المغربي بين االفتراض و الواقع ،منشورة على الرابط التالي :
file:///C:/Users/hp/Desktop/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF%20%D8%
A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D9%8A..%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%
D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B6%20%D9%88%D8%A7%D9%84%
D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9.pdf
-310مقال اخباري منشور على موقع الجزيرة ،أخبار االقتصاد على الرابط http://www.aljazeera.net/news/ebusiness.
-311الغوث ولد الطالب " :األبعاد االقتصادية و االجتماعية لسياسة الخصخصة في موريتانيا" مجلة فكر العلوم االقتصادية و القانونية و
السياسية،العدد األول 0111،ص.70
ورغم ما يوحي به تنوع اقتصاديات الدول المغاربية إال أن حجم التبادالت التجارية يظل
ضعيفا مقارنة مع كل االمكانات المتاحة و التي يعززها القرب الجغرافي ،نتيجة الصراعات
السياسية و غياب رؤية استشر افية تخدم مصالح الشعوب .
الثروات الطبيعية :تشتمل المنطقة المغاربية على أراض ي متعددة المناخات و موارد
مائية و ثروات بحرية و غابوية ،كما تزخر بموارد طاقية تتباين من دولة إلى أخرى مما يجعل من
مصلحة كل دولة التكامل مع الدول المغاربية األخرى ألن من شأن ذلك تجاوز حاالت النقص و
العوزالتي تشهدها مختلف البلدان المغاربية.
بعجلة التقدم االقتصادي و االجتماعي و فرصة حقيقية يتعين اغتنامها لذلك فهي مهمة
و ضرورية و ثروة عظيمة و في نفس اآلن يشكل عدم توظيفها و تأمين احتياجاتها مخاطرة أمنية و
اجتماعية كبيرة .
فمنسوب الوعي لدى الشباب المغاربي مرتفع مقارنة مع العقود الماضية و اضحوا أكثر
تعليما و انفتاحا على التكنولوجيا الحديثة ،و أي تهميش أو اصطدام بو اقع يهمشهم سيحولهم
من طاقة هائلة للبناء إلى قوةكاسحة للهدم312.
-312من التقرير الخاص بالتنمية االنسانية العربية ، 0100تحت عنوان " الشباب في المنطقة العربية :افاق التنمية االنسانية في واقع
متغير "الصادر عن برنامج األمم المتحدة االنمائي.،للتوسع أكثر أنظر الرابط التالي
https://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr16.pdf
إمكانيات مالية و تجارية :تعرف المبادالت التجارية بين الدول المغاربية حالة ضعف
كبير ،ال تترجم فلسفة االتحاد المغاربي الذي كان من بين أهدافة خلق سوق مشتركة تحقق من
خاللها ذلك التكامل االقتصادي المنشود ،فمساهمة المنطقة المغاربية في التجارة العالمية
ال يتجاوز %9من مجمل التصديرالعالمي و تدنوالى %1.22من الواردات ،نتيجة ضعف القدرة
التنافسية للقوى االنتاجية و محدودية االستراتيجيات التنموية التي لم تمكن من تحقيق نسب
نمومرتفعة تؤدي الى حركية اقتصادية تساهم في محاربة الهشاشة التي تطبع اقتصاديات الدول
المغاربية بل ظلت السياسات االقتصادية تعاني من وضعية عجز تجاري بنيوي يتداخل مع
عوامل أخرى تحول دون تكثيف التبادل التجاري بين دول المنطقة و منها أساسا الحواجز
الجمركية و االعتماد على التجارة مع اوربا313.
لذلك ورغم المديونية التي تشهدها دول المنطقة في مجموعها ،فإن حجم األموال
المستثمرة خارجيا بإمكان توظيفها تحقيق تنمية إذا تو افرت العوامل الموضوعية لذلك من
شفافية و اعمال للقانون و الحكامة الرشيدة.
مما ال شك فيه أن تجميد مؤسسات االتحاد المغاربي أدى إلى تعطيل تنفيذ كل ّ
االستراتيجيات الواعدة بما أسهم في تراجع مؤشرات التنمية ملجمع الدول المغاربية نتيجة
تداخل مجموعة من العوائق و بنيات األزمة التي حالت دون تحقيق اآلمال المنشودة زمن
التأسيس و نميزفي هذا اإلطاربين :
أوال :أزمة الدولة المغاربية :هناك تجليات واضحة ومتعددة على أن دول المغارب تعيش
أزمة دولة وطنية ،و هي أزمة ناتجة عن تراجع دورالدولة في ايجاد الحلول ملختلف المشاكل التي
تطرحها قضايا التنمية في مختلف ميادينها االقتصادية ،االجتماعية ،الثقافية و اإلنسانية .هذا
التراجع يعود باألساس إلى:
-أزمة أنظمة سياسية تحتكرالسلطة و ال تؤسس لنظم ديمقراطية ّ
مما انعكس سلبا على
المشاريع واملخططات التنموية .فالعديد من المؤشرات تؤكد على أن تعثرمسارالبناء المشترك
يرتبط بغياب الديمقراطية التي تشكل مجاال لتدافع االفكار و نقاش التصورات و االختيارات و
فتح املجال العام المغاربي أمام حيوية و دينامية تتجاوز منطق الدولة القطرية و يعطي مكانة
لمؤسسات االتحاد حتى تغدو فاعلة اساسية لترجمة التصورات على ارض الو اقع ،و هذا
يفترض التخلي عن النزعة المتمركزة حول السلطة من طرف االنظمة الحاكمة و قبول االنفتاح
على املجتمع المدني و توسيع مجال المشاركة السياسية انطالقا من أرضيات مشتركة مبنية
على الحوارو التو افق لحل كل األزمات البينية .
-أزمة الذهنية السياسية :ال تزال األنظمة السياسية في دول المغرب الكبيرمركزية تتحدد
بموجبها درجة و مستوى التكامل ،فحين يغيب دور المؤسسات و تحضر اإلنغالقية فإن ذلك
ّ
يقوض كل طرح تكاملي .كما أن الخطاب السياس ي ما يزال يدور في فلك الماض ي و لم يتخل بعد
عن اإلرث الثقيل للماض ي المرتبط بصراعات الحرب الباردة التي تجاوزها التاريخ عوض النظر
الى المستقبل و النهل من التجارب المقارنة ملجموعة من التكثالت اإلقليمية التي تجاوزت كل
صراعاتها لصالح مصير زاهرألوطانها.
-تكريس التفاوتات االجتماعية و املجالية الذي انعكس على كل مؤشرات التنمية و ّأدى
الى ارتفاع معدالت البطالة و الهشاشة االقتصادية .فغياب الحكامة و التوزيع العادل للثروة
شكل ابرزعوائق التنمية المغاربية و هذا التفاوت خلق تهديدات للسلم االجتماعي و شكل حالة
ر أفرز معضالت الهجرة السرية و اإلدمان على كل أنواع املخدرات هروبا من و اقع مأزوم يرتبط
غياب عدالة توزيعية و ليس حتمية .فبالرجوع الى مؤشر جيني الذي يقيس عدم المساواة في
توزيع المداخيل ،تبرز الدول المغاربية كأقل المناطق عدالة في االستفادة من الثروة الوطنية
314.
ثانيا :أزمة اختيارات اقتصادية فاشلة :حيث اعتمدت االقتصاديات المغاربية على بيع
المواد األولية و نصف المصنعة في السواق العالمية ،و هذه االسواق غير ثابتة ّ
مما يؤدي إلى
عجز في الميزان التجاري و عدم توازن النمو االقتصادي دون إغفال ضعف التجارة البينية .و
ذلك يبرزجليا من خالل حضور:
التنافس عوض التكامل :من بين معيقات التنمية المغاربية غياب التنسيق و
التخطيطات الجماعية في إطار تحقيق التكامل االقتصادي مما يخلق تشابه المنتجات
المصنعة و الموارد الطاقية ،األمرالذي يعيق تطويرا للمنطقة و ذلك جلي في مجال املحروقات
مثال ،فغياب النسيق يجعلها تتبع نفس التوجهات و يضعف قدراتها التفاوضية في السوق
العالمية .
تسييس اإلقتصاد و اخضاعه للسياسة :و هذا أخطر ما وقع في منطقتنا المغاربية و
العربية ،بمعنى أن العالقات السياسية بين الدول هي املحدد لمستوى التبادل التجاري و ليست
المصالح المشتركة و المنافع التي يجب تحقيقها.
ثالثا :أزمة بنية داخلية :من المقومات األساسية لتجسيد التكامل المغاربي على أرض
الو اقع كمجال لتحقيق التنمية و االرتقاء ،قيام مجتمع مدني فاعل و مدرك لذلك ،إضافة الى
توفربنية تحتية مشتركة تساهم في تجسيرالعالقات االجتماعية ،االنسانية و االقتصادية و هذا
ما ال يتوفرفي الراهن :
ضعف فاعلية املجتمع المدني :يحتاج البناء المغاربي إلى مشاركة جماعية مؤمنة بإرادة
اإلنجاز ،و هذا يعني أن أزمة اإلتحاد المغاربي هي في جزء منها أزمة مجتمع مدني الذي يمكنه أن
يشغل دور الوساطة و جماعة ضغط على الفاعلين السياسيين من أجل تفعيل و تعميق أواصر
التكامل .و غرس ذلك في وعي الناس و إدراكهم الجمعي حتى ال تصيرمجرد نقاش نخبوي .
ضعف البنية التحتية المشتركة كشروط مادية أساسية لتقوية العالقات االقتصادية و
االجتماعية و تأتي في مقدمهها وسائل النقل و المواصالت و االتصاالت و تدفق المعلومات بما
يساهم في تقريب المسافة االقتصادية .
رابعا :العائق المؤسساتي القانوني :يمكن القول على أن التجربة المغاربية أثبتت
محدوديهها ألن الكثير من اللجان الوظيفية اقتصرت على اتباث الوجود دون أن تؤدي الى
الفاعلية و النجاعة المرجوة منها .و السبب عدم امتالكها لسلطة اتخاذ القرارو انعدام القدرة
على تجسيد القرارات الى و اقع حقيقي لدورها االستشاري فقط و اشتراط االجماع التخاذ
القرار،وعدم سريان القرارات إال بعد صدورها في شكل تشريعات وطنية و غياب سلطة اقليمية
تفوض لها االختصاصات أمام تشبت الدول األعضاء بسيادتها و سلطانها بشكل مطلق.وعليا ّ
هذا ما يترجم العطب في القوانين التأسيسية و الممارسة التي تحد من عمل مؤسسات االتحاد
الذي ترجمه توقف مجلس الرئاسة منذ . 9114
إن انجازات التجربة المغاربية لم تكن في مستوى الطموح و اإلمكانات لوجود مجموعة
من العوائق و التحديات التي لم تستطع األطراف المغاربية عبر مسيرتها التخلص منها أو
تجاوزها ،فضعف التكامل المغاربي جاء انعكاسا للعالقات التي حكمت دول المغرب العربي و
التي وقفت ضد منطق التاريخ و الجغر افيا و جانبت إرادة الشعوب و حتمية القدر.
تتطلب المصلحة االقتصادية للدول المغاربية المزيد من تقارب وجهات النظر حتى
تتمكن من تنسيق سياساتها االقتصادية داخليا و خارجيا ّ
مما يؤدي إلى حمايهها من االستغالل
الخارجي ،و إلى التدبير األمثل لثرواتها االقتصادية إلقامة صناعة متكاملة و متطورة و تبادل
تجاري محكم بينها وبين الجماعة الدولية و اإلقليمية في إطارالتفاوض.
إذن فالتكامل االقتصادي يمكن من وقوف الدول المغاربية ككيان اقتصادي متالحم
أمام السوق االوربية الموحدة و سيعطيها قوة كبيرة في مجال المساومة الدولية على أساس
توظيف و استثمارما لديها من امكانات طاقية و فالحية و معدنية و التي ال يمكن أن تستغني عنه
دول الجوار األوربي الموحد لذا أصبح لزاما على الدول المغاربية أن تتجه للتكامل أمام بروز
للتحدي االقتصادي المغذي لألمني و السياس ي.
هناك عالقة وطيدة بين التكامل و التنمية ،و يتجسد في العائدات التي تجنيها أطراف
التكامل ،ألن الحافزنحو تحقيق قدرمن األهداف التي ال يمكن بلوغها بجهود منفردة ،يعني أن
هذه العالقة تتمثل في ارتباط الوسيلة بالهدف ،إذ يفترض أن التكامل االقتصادي أفضل
الوسائل البديلة في التنمية ،لذلك يقال " ليس كل محور للتنمية محورا للتكامل ،بينما كل
محورللتكامل هو محورللتنمية " .و لن يتحقق ذلك إال عبر:
-9خلق شراكات اقتصادية مغاربية و مجمعات صناعية ،في إطارتكاملي و ليس تنافس ي و
الهدف تكامل سوق مغاربية مشتركة في أفق زيادة االنتاج واالتجاه نحوالتكامل الذي يأخذ شكل
تجمعات اقتصادية كبيرة تتجه نحو الوحدة االقتصادية التي ستمكن من تخفيف التبعية
للخارج و تضييق الفجوة بين املجال المغاربي و املجاالت التي يتفاعل معها .
إن تفعيل التكامل االقتصادي المغاربي سيقوي الصالت بينها و بين عمقها االفريقي
وستشكل حلقة وصل بينها وبين اوربا لصالح اقتصاداتها مع االستفادة من السلع والمواد الخام
المنتجة في افريقيا و الغيرمنافسة للسلع و الخدمات المتوفرة في الدول المغاربية .
-3ترتبط قوة االتحاد المغاربي من الناحية االقتصادية في التركيز على تشبيك العالقات
بين دولها و توسيع التجارة البينية و زيادة حجمها ،و تبادل الخبرات و الكفاءات ،و االستثمارفي
العامل البشري و تنمية طاقاته المعرفية و تشجيع البحث العلمي و التمكن من التكنولوجيا
الحديثة 315.
-315عبد الحليم بن مشري ًالتنافس الدولي في منطقة المغرب العربي ً ندوة المغرب العربي و التحوالت اإلقليمية الراهنة ،منشورة على
موقع مركز الجزيرة للدراسات.
-1العمل على تطوير شبكات البنية التحتية الداخلية في كل دولة و ربطها ببنية اقليمية
تفي بمتطلبات التكامل االقتصادي االقليمي و التنمية االقليمية بما يساعد على تعزيز مسيرة
التكامل و جعلها غير قابلة لإلنتكاس.
-0أما على المستوى المؤسساتي فيجب تدعيم و تفعيل مؤسسات االتحاد المغاربي و
اعطاء لجانها و هيئاتها صالحيات كافية ألجرأة قراراتها بعيدا عن منطق السياسة ،و التعامل مع
الشأن االقتصادي بحيادية تامة بعيدا عن اإليديولوجية و المصالح الضيقة بالنظر الى
طموحات الشعوب و مستقبلها 316.
خاتمة :
إن تحقق التكامل المغاربي لم يعد شعارا بل حتمية و ضرورة وجودية،تقع المسؤولية
على الجميع من أجل تحقيقها خصوصا أمام كل اإلمكانيات المتوفرة التي تؤهلها لتمثل قطب
تكاملي بين التكثالت العالمية.
ففي تقرير ملجلس االستخبارات األمريكي بعنوان " االتجاهات العالمية في :2121العالم
المتحول" يؤكد على قتامة صورة المنطقة المغاربية و الشرق األوسط ،رغم إشارته إلى وجود
موارد هائلة كنتيجة الفتقارالمنطقة إلى أليات لحل الخالفات و هو ما سيخلق امكانية اللجوء
إلى الصراع و التسلح و استغالل الجماعات اإلرهابية للوضع .
و عليه فإن المنطقة إن لم تأخذ بزمام المبادرة فإن مستقبلها سيجرى تقريره بعيدا عنها
ما لم تنجح في توفيرشروط التحول السياس ي ،االقتصادي واالجتماعي بما يعززشروط التفاوض
و يحقق مساعي و أهداف تأسيس اتحاد المغرب العربي بمراكش سنة .9111
و بالتالي فنحن أمام سيناريوهين كأفق لتحقيق التكامل المغاربي :السيناريواألول يتفاءل
بإمكانية تحقيق و تفعيل التكامل ضمن انههاج سياسة استراتيجية بديلة باالعتماد على
التنسيق و الحوار و استثمار االمكانيات المشتركة ّ
مما يحقق للمنطقة استقاللية اقتصادية
ويعطيها ثقال استراتيجيا .و سيناريو ثان يقوم على اإلخفاق و استبدال المشروع المغاربي
بمشاريع أخرى و استمرار الوضع على أزمته مع تغذيته بعوامل تهدد أمن المنطقة و تشيع
الفوض ى التي تؤطرالجماعات االرهابية و المهربين و تجارالبشر.
-316انصاف سركالي ،مستقبل االتحاد المغاربي في ظل الوضع االستراتيجي الجديد ،أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق بسال ،السنة
الجامعية ،0100/0100ص .011
الئحة المراجع:
عبد النوربن عنتر ،مقالة االتحاد المغربي بين االفتراض و الو اقع ،منشورة على الرابط
التالي .file:///C:/Users/hp/Desktop/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D :
مقال اخباري منشور على موقع الجزيرة ،أخبار االقتصاد على الرابط
.http://www.aljazeera.net/news/ebusiness.
الغوث ولد الطالب " :األبعاد االقتصادية و االجتماعية لسياسة الخصخصة في
موريتانيا" مجلة فكرالعلوم االقتصادية و القانونية و السياسية،العدد األول 2111،
التقرير الخاص بالتنمية االنسانية العربية ، 2190تحت عنوان " الشباب في المنطقة
العربية :افاق التنمية االنسانية في و اقع متغير "الصادر عن برنامج األمم المتحدة
التالي الرابط أنظر أكثر االنمائي.،للتوسع
.https://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr16.pdf
علي الشابي ً الثورات العربية و ضرورة التكامل االقتصادي المغار ًبي مقالة مقدمة في
ندوة المغرب العربي و التحوالت االقليمية الراهنة ،بالدوحة 91/91فبراير ، 2193منشورة على
موقع مركزالجزيرة للدراسات.
عبد الحليم بن مشري ًالتنافس الدولي في منطقة المغرب العربي ً ندوة المغرب العربي
والتحوالت اإلقليمية الراهنة ،منشورة على موقع مركزالجزيرة للدراسات.
وعلى ضوء دلك يبقى الموضوع جدير بالنقاش من خالل معالجة املحورين التاليين
على ضوء القانون المنظم للمهنة :318أوال :االختصاص المكاني للمفوض القضائي .ثانيا:
سلطة المر اقبة والتأديب التي يخضع لها المفض القضائي.
إن االختصاص المكاني للمفوض القضائي يعتبر صلب موضوع النقاش ومن تم يبقى
التساؤل المطروح حول النفود الترابي الدي يمكن ان يمارس فيه هدا االخير مهامه هل يقتصر
فقط على دائرة نفود املحكمة االبتدائية التي عين بها ام يمتد على صعيد محاكم المملكة؟
بالرجوع إلى المادة الثانية من القانون 19/13نجدها تنص على أنه" :تحدث بدو ائر
املحاكم االبتدائية مكاتب المفوضين القضائيين للقيام بالمهام المنوطة بهم طبقا لهدا القانون
امام مختلف محاكم المملكة" .وهكذا فان المفوض القضائي بمجرد نجاحه في المباراة وخالل
نهاية التكوين يرخص له وزيرالعدل بموجب قراريحدد فيه مقرمكتبه لمزاولة المهنة .فحسب
المادة اعاله اختصاص المفوض القضائي مرتبط بدائرة املحكمة االبتدائية التي تشمل مقر
تواجد مكتبه بها ،فكل محكمة يقع بدائرة اختصاصها مجموعة من مكاتب المفوضين
القضائيين بالرغم من ان نفس المادة اعاله تنص على عبارة "امام مختلف محاكم "....التي
توحي بانه يمكن للمفوض القضائي ان يمارس مهامه على الصعيد الوطني.
في حين جاءت المواد 92و21و 29من نفس القانون لتبن بشكل جلي ان المفض
القضائي يعمل تحت دائرة نفود املحكمة االبتدائية التي عين بها.
وهكذا نصت المادة 92على "ادا تغيب مفوض قضائي أو عاقه عائق مؤقت أصدررئيس
املحكمة االبتدائية لمقره امرا بتكليف مفوض قضائي اخر بنفس الدائرة " ....وهو االمر الدي
يؤكد بقاء المفوض القضائي مختصا في الحيزالجغرافي الدي تشمله املحكمة االبتدائية المعين
بدائرتها.
وقد نصت المادة 21على انه "تمسك كتابة الضبط سجال وفق نموذج يحدد بقرار
وزير العدل يؤشر عل صفحاته رئيس املحكمة االبتدائية املختصة" وهو االمر الدي يؤكد على
رابطة االختصاص المكاني بين المفوض القضائي واملحكمة التي يوجد بدائرتها مقرمكتبه ،كما
ان طالب االجراء حسب المادة 29من نفس القانون يختار المفوض القضائي من بين
المفوضين القضائيين الموجودة مقار مكاتبهم بدائرة املحكمة المطلوب القيام باإلجراءات
بدائرة نفوذها.
وهكذا فان االختصاص المكاني للمفوض القضائي حسب ما جاء في مواد القانون
المشار اليه سابقا يبقى لصيقا بدائرة املحكمة االبتدائية التي عين بدائرتها مهما كان حيزها
الجغرافي.
ثانيا :سلطة المر اقبة والتأديب التي يخضع لها المفوض القضائي.
ادا كان المفوض القضائي يتمتع بالحماية القانونية اثناء مزاولته لمهامه حسب نص
المادة 21من قانون 13.19التي تنص على انه يتمتع المفوض القضائي اثناء مزاولته لمهامه
بالحماية القانونية التي تنص عليها مقتضيات الفصلين 203و 201من القانون الجنائي "فانه
في المقابل يخضع لسلطة المر اقبة من طرف رئيس املحكمة اومن ينوب عنه في دلك بغية
التأكد من األعمال واإلجراءات التي يقوم بها من الناحية الشكلية والموضوعية 319باعتباران
رئيس املحكمة يكون لديه ملف شخص ي مفتوح لكل مفوض قضائي تحت مر اقبته واشر افه
اومن ينتدبه لهده الغاية حسب ما هو منصوص عليه في المادتين 99و 90من نفس القانون320
وهو الدي يعد التقارير بشان الخروقات التي يرتكبها المفوض القضائي ويحيلها على وكيل
الملك. 321
كما يمكن له ان يضع حدا الحاق الكاتب الدي اختاره المفوضالقضائي عند تبوث
مخالفة خطيرة في حقه322
اما فيما يخص سلطة مر اقبة وكيل الملك فانه يتخد ما يراه مناسبا بخصوص
التقارير التي تحال عليه من طرف رئيس املحكمة بخصوص املخالفات التي يرتكبها المفوض
القضائي ،323كما يمكنه ان يقوم بتفتيش مكتب هدا االخير التابع لدائرة نفوده مع اشعار
السيد الوزير باالخالالت المهنية الخطيرة التي تتبثها محاضر البحث ،مع امكانية اتخاد قرار
التوقيف المؤقت عندما تستوجب الضرورة دلك وتحريرالمتابعة التاديبيةبناء على تقريررئيس
املحكمة او شكاية المتضرراو تقريرالهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين 324كما ان عمليات
تصفية المشاركة تجرى تحت مر اقبة وكيل الملك325
وهكدا يتضح جليا من خالل املحورين اللدين تم التطرق اليهما ان هناك ارتباط وثيق
بين االختصاص المكاني للمفوض القضائي ودائرة نفود املحكمة االبتدائية التي عين بها سواء
من ناحية الحقوق والواجبات المفروضة عليه اومن ناحية سلطة المر اقبة واالشراف التي
يخضع لها وهو ما تم تكريسه في مجموعة من المواد التي جاء بها قانون . 13.19
وتماشيا مع روح التشريع فانه يبقى على المفوض القضائي ان يمارس المهام
واالجراءات الموكولة اليه داخل الدائرة القضائية التي عين بها مقر عمله حتى يبقى خاضعا
ومتحكما في مر اقبة االعمال التي يقوم بها من طرف رئيس املحكمة ووكيل الملك بها،وحتى يبقى
كدلك مستفيدا من الحماية القانونية باعتباره موظفا عموميا حسب ما جاء في قانون المهنة
والتي نص عليها الفصالن 203و 201من القانون الجنائي ،وحتى ال تطرح كدلك مسالة تنازع
االختصاص فيما يتعلق بسلطة التاديب والمر اقبة بخصوص االخالالت التي تقع خارج الدائرة
القضائية المعين بها حالة تنفيد اجراء معين .
وادا ما تم التساهل في هدا االمر بغية تبسيط االجراءات والمساطر القضائية فانه
يبقى من الضروري حصول المفوض القضائي على االذن من رئيس املحكمة مع اشعار وكيل
الملك بمهمة تنفيذ اجراء معين خارج دائرة االختصاص الترابي للمحكمة حتى يتسنى لسلطة
المر اقبة مواكبة وتتبع االجراءات والملفات وماقد يطالها من اخالالت مهنية ونزاعات بين منفد
االجراء وطالبه والجهة المنفد عليها.
– –
وإن الضمير المسؤول هو الركن األساس ي في تكريس االصالح الحقيقي لقطاع العدالة،
ضمير يستمد مرجعياته من سلوكيات وأخالقيات غير منحرفة وزائدة ،وهذا المشروع الكبير
يالمس التطلعات الملكية السامية لصاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره الله و أيده في
العديد من خطاباته السامية " فالقطاع العام يحتاج ،دون تأخير ،إلى ثورة حقيقية ثالثية
األبعاد :ثورة في التبسيط ،وثورة في النجاعة ،وثورة في التخليق ،326وجاء أيضا في خطاب العرش
في 21يوليوز لسنة " 2111كما أننا ننتظر من حكومتنا ترسيخ دولة القانون بإعطاء دفعة قوية
لإلصالح اإلداري والقضائي المستمرعلى تخليق الحياة العامة وثقافة المرفق العام.327
326اخطاب الملكي السامي لـ 52يوليوز ،4023بمناسبة الذكرى الـ 40لتربع صاحب الجاللة الملك محمد السادس لعرش
أسالفه المنعمين .
327خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش بالرباط 50 ،يوليوز . 4000
والتخليق ومحاربة الفساد مشروع بناء يستسقى مرده من الفصلين 328 914و 329911من
دستور 2199وكذلك المادة 1في االتفاقية الدولية ملحاربة الفساد والرشوة لسنة ،330 2111
ويعد دعامة أساسية لسيادة القانون والستقالل القضاء ونزاهته ،كما جاء في تقرير النموذج
التنموي الجديد. 331
وبما أن تخليق منظومة العدالة بمثابة المدخل الحقيقي والفعال لتخليق الحياة العامة
فإن هذا المشروع ال يمكنه أن يتحقق إال بفعل العديد من اآلليات المؤثرة لبلوغ العديد من
األهداف ،وبالتالي فماهي آليات والسبل الكفيلة لتخليق منظومة العدالة؟ و أين تتجلى
األهداف المبتغات الوصول إليها ؟
إن طبيعة الموضوع تقتض ي منا تقسيم الموضوع لمطلبين أساسين نتطرق في المطلب
االول لآلليات الفيلة لتخليق منظومة العدالة ،و في المطلب الثاني أهداف التخليق .
للتخليق أهمية وطيدة في بناء دولة المؤسسات وبناء دولة الحق والقانون وذلك بغية
إقبارالفساد االزورارالذي يقزم التنمية المستدامة وهذا ما ال يمكن تحقيقيه إال بفعل العديد
اآلليات سواء من حيت إقرارالتوعية والتحسيس وهومفاد " الفقرة االولى " ،دون إغفال سلطة
الجزاء والضرب بسد من حديد باعتبارها الهازج الرئيس ي للتخليق بصفة عامة وهو ما سنتطرق
له " الفقرة الثانية ".
328الفصل 252من الدستور " يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها،
واإلنصاف في تغطية التراب الوطني ،واالستمرارية في أداء الخدمات.
تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية ،وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية
التي أقرها الدستور".
329الفصل 255من الدستور " يمارس أعوان المرافق العمومية وظائفهم ،وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية
والنزاهة والمصلحة العامة ".
330المادة الثامنة من االتفاقية الدولية لمكافحة الرشوة و الفساد " تسعى سعى كل دولة طرف ،حيثما اقتضى األمر ووفقا
للمبادئ األساسية لنظامها القانوني ،إلى اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم لتوظيف المستخدمين المدنيين ،وغيرهم من الموظفين
العموميين غير المنتخبين عند االقتضاء ،واستخدامهم واستيقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد تتسم بأنها
-1تقوم مـبـادئ الـكـفـاءة والشـفـافـية والمعايير الموضوعية ،مثل الجدارة واإلنصاف واألهلية ".
331كلمة الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية حول موضوع "العدالة في النموذج التنموي الجديد"
في 11نونبر. 8281
جاء في التقرير العام للنموذج التنموي الجديد لسنة " 4042يجـب اسـتكمال إصالح القضـاء بشـكل كامـل ،طبقا لتوصيـات
ميثاق إصالح منظومة العدالة ،قصد تحسـين أدائــه ،والتقليــل مــن بطئــه ،ومحاربــة الرشــوة علــى جميــع المســتويات،
بصفتهــا مصــدرا للتعســف وانعــدام الحمايــة لــدى المواطنيــن .وسيشــمل ذلــك علــى وجــه الخصــوص تســريع وتيــرة
رقمنه المســاطر الداخليــة قصـد توثيـق إجراءاتهـا ونشـر المقـررات القضائيـة إضفاء الشـفافية عليهـا وإحـداث منصـة رقميـة
قضائيـة توفـر لـكل مواطـن خدمـة قضائيـة فعالـة سـريعة وعـن قـرب ،بمـا فـي ذلـك التبليـغ اإللكتروني كمـا يجـب أن تشـمل
لزوميـة الشـفافية والحيـاد واالنصـاف مجـال القضـاء التجـاري الـذي يشـكل محـددا بالـغ االثر علـى منـاخ األعمال لتقييـم
المخاطـر مـن طـرف المسـتثمرين المغاربـة واألجانب " ص.62
الفقرة األولى :التوعية والتحسيس قاطرة أساسية لتخليق منظومة العدالة :
في و اقع األمر للتخليق أهمية كبير في تحديث مراكز العدالة وتوفير االمن القانوني
والقضائي في املجتمع ،وذلك لن يأتي إال بفعل برامج هادفة وكفيلة بالتوعية والحسيس واالرشاد
السليم لكيفية تفعيله واالمرال يعدو أن يكون سوى خارطة طريق يتبعها المواطنين والموظفين
لحسن سيرمراكزالعدالة .
وإن ترسيخ قيم الشفافية في تدبير الشأن العام ،بما يتناسب مع دستور المملكة
والتزاماتها الدولية وتنزيل توصيات ميثاق إصالح منظومة العدالة يقتض ي إقرار مضامين
التوعية والتحسيس في مراكز العدالة ،للحد من الجنوح الغير مشروع وهو ما تأتى في 11مارس
2129بإصدار املجلس األعلى للسلطة القضائية مدونة األخالقيات والسلوكيات ،وفق معايير
الحكامة القضائية والتي نصت على القواعد التي يجب على القضاة التقييد بها من شفافية
ونزاهة ولباقة في التعامل مع مو اقع التواصل االجتماعي وحياد وتحفظ ،وهي محطة هامة في
تأطير السلوك القضائي بشراكة كل المؤسسات المعنية ،إلعطاء العناية الكبيرة لورش
التخليق ضمن المشاريع الكبرى إلصالح منظومة العدالة.
وإن وجود مدونة األخالقيات يعتبر من التدابير الوقائية من الفساد التي من شأنها تعزيز
النزاهة والمسؤولية ،خصوصا أن سلطة القضائية سلطة مستقلة ومحايدة وبمثابة ركن
أساس ي لحماية حقوق اإلنسان ،كما أن نزاهة القضاء تشكل حجر األساس في األنظمة
القضائية القوية وشرطا مسبقا وضروريا لسيادة القانون ،والسياق الذي جاء في إطاره وضع
هذه المدونة لألخالقيات بالمغرب يندرج ضمن مسار تعزيز عملية اإلصالح الشامل للعدالة
الذي انطلق قبل بضع سنوات ،كما يجد سنده في تنفيذ مقتضيات المادة 910من القانون
التنظيمي المتعلقة باملجلس األعلى للسلطة القضائية.332
332جاء في المادة 206من القانون التنظيمي للمجلس األعلى للسلطة القضائية " يضع المجلس ،بعد استشارة
الجمعيات المهنية للقضاة ،مدونة األخالقيات القضائية تتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة
االلتزام بها أثناء ممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم الفضائية ،وذلك من أجل :الحفاظ على استقاللية القضاء وتمكينهم
من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد ومسؤولية ؛ صيانة هيئة الهيئة القضائية التي ينتسبون إليها والتقيد باألخالقيات
النبيلة للعمل القضائي وااللتزام بحسن قواعد سير العدالة ،حماية حقوق المتقاضين وسائر مرتفقي القضاء والسهر
على حسن معاملتهم في إطار االحترام التام للقانون :تأمين استمرارية مرفق القضاء والعمل على ضمان حسن سيره
تنشر مدونة األخالقيات القضائية بالجريدة الرسمية " .
وقد ثم إصدار سنة " 2191ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط" ،ودادية موظفي العدل
ليكون بمثابة مرجع أخالقي ودليل قيمي يرشد كتاب الضبط في حياتهم المهنية ،ويساعدهم في
ضبط عالقاتهم مع كافة العاملين بمحيطهم وكل الو افدين على مو اقع العدالة .
وجاء في ديباجة الميثاق بأن " االلتزام بالقيم األخالقية والممارسات الفضلى من طرف
العاملين بالمر افق القضائية بصفة عامة ومن طرف أطر كتابة الضبط بصفة خاصة ،يشكل
شرطا ضروريا لتحقيق العدالة وإرساء دولة الحق والقانون وتثبيت الديمقراطية التي هي أساس
التنمية االجتماعية واالقتصادية.
والبد من االهتمام بتكوين الموظفين بقطاع العدالة في مجال التخليق ومحاربة الرشوة
يعد موضوع تكوين العاملين في قطاع من أهم المواضيع التي اهتمت بها وزارة العدل واملجلس
األعلى للسلطة القضائية لضمان عدالة قوية وفعالة وفي هذا السياق وتدعيما النخراط في
ورش تخليق منظومة العدالة نظمت األجهزة الساهرة على القطاع العديد من الدورات
التكوينية الدولية للموظفين في قطاع العدالة من أجل التخليق ومحاربة الرشوة من بينها دورتين
تكوينيتين بشراكة مع تراسبرانس ي المغرب لفائدة عدد من القضاة؛ األولى حول
موضوع" :آليات مكافحة الرشوة" ،بتاريخ 13نونبر 2192بغرفة الصناعة والتجارة والخدمات
بتازة بمبادرة من المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بتازة.
وقد أدرج المعهد العالي للقضاء مادة هاتين الوثيقتين السلوكيتين في إطاربرامج التكوين
األساس ي والمستمر املخصصة للملحقين القضائيين وكتاب الضبط ،وكذا لبعض الفئات
المهنية القضائية كالمفوضين القضائيين والعدول.
اليوم ال أحد فوق املحاسبة وال مجال لإلخالل بالثقة العامة والعزم كبيرعلى مواجهة كل
الحاالت الشاذة التي قد تس يء إلى الصورة العامة لمراكز العدالة ،وبقدر كبير من العزم على
تشجيع كل الطاقات المبدعة والعالمات المضيئة التي تنير سماء العدالة ببالدنا وذلك إلقرار
التخليق وبناء المراكز القضائية على سمات األخالقية حيث بوجودها يتحقق ازدهارها
وبإقبارها يشوبها االنهيار ،وفي هذا السياق فقد تمت دراسة ومعالجة ( )0310شكاية وإحالهها
على الجهات املختصة ،فضال عن احالة ل 911شكاية على المفتشية العامة للمجلس األعلى
للسلطة القضائية وتمت دراسة 910منها ،وهنا ال بد من التأكيد على أنه بقدر حرصنا على
تكريس قواعد الشفافية ومبادئ المسؤولية واملحاسبة فانه بالمقابل لن يثم التساهل أمام
الشكايات الكيدية التي تتم بسوء نية بغرض التأثير أو الضغط والتشويش ،وقد عرفت سنة
2191إحالة ألربعة وعشرون ( )24قاضيا في إطار مسطرة التأديب بعد دراسة متأنية لتقارير
المقررين ،في حين تقررالحفظ في حق ( )0آخرين.
وقد سهر املجلس األعلى للسلطة القضائية في كل هذا على أن تمر الملفات التأديبية
للقضاة في إطار من الضمانات الدستورية والقانونية التي تفعل قواعد المسؤولية والتأطير
والتخليق والتوجيه والتقويم وتوزعت العقوبات بين العزل واإلنذار وعدم مؤاخذة قاضيين
وتعميق البحث في حق واحد333.
وفي نفس السياق أنجزت المفتشية العامة لوزارة العدل خالل سنة ، 2121وإلى غاية
21أكتوبر عددا من مهام المر اقبة والتفتيش ،تمثلت في إجراء مهمة مر اقبة أوراش البناء
المتعثرة همت تسعة عشر( )91مشروعا ،كما قامت بمهمة مر اقبة صفقات الحراسة واألمن
والنظافة باإلدارة المركزية ،و أنجزت أبحاثا في وقائع همت 10محاكم ابتدائية وهي املحمدية
وأزيالل وتطوان والمدنية بالدارالبيضاء والتجارية بالرباط وتنغير.
وخالل نفس الفترة تلقت المفتشية العامة لوزارة العدل ما مجموعه 294شكاية،
اتخذت بشأنها القرارات المناسبة ،وتوصلت ب ( )91شكاية وتظلم من مؤسسة الوسيط ،تمت
معالجة 92منها ،والباقي في طوراإلنجاز.
أما على مستوى معالجة الملفات التأديبية ،فقد عملت الوزارة إلى حدود 23/91/2121
على معالجة عدد من الملفات المترتبة عن اختالالت مهنية أو متابعات قضائية ،حيث بلغ عدد
الملفات التأديبية المفتوحة بناء على متابعات قضائية إلى 39ملفا ،و بلغ عدد الملفات
التأديبية المفتوحة بناء على اختالالت مهنية إلى ملف واحد ،وصدرت بهذا الخصوص عقوبات
تأديبية في حق 11موظفين.334
ان تخليق منظومة العدالة يهب زمرة من األهداف من شأنها أن تعطي ازدهار فعال
للمنظومة القضائية بصفة خاصة ومنظومة العدالة بصفة عامة ،ومن بين هذه األهداف أن
التخليق له أثر بناء في تحقيق استقاللية السلطة القضائية بكونها أحد المبادئ االساسية في
333كلمة الرئيس األول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية بمناسبة افتتاح السنة
القضائية لسنة . 4023
334عرض السيد وزير العدل بعد لعبة تقديم الميزانية الفرعية لوزارة العدل أمام لجنة العدل والتشريع و حقوق االنسان بمجلس النواب
برسم .0100
المنظومة القانونية وهو مفاد دراستنا في " الفقرة االولى " ،ومما ال شك فيه واستنادا إلى ما
سبق للتخليق تأثيرقوي في إقراراألمن القضائي وحماية وصون حقوق المتقاضين أمام المراكز
القضائية وهو ما سنتطرق له في " الفقرة الثانية ".
تعتبر السلطة القضائية من السلطات األساسية داخل الدولة و أنيط بها مهمة تطبيق
القانون وحماية الحقوق والحريات ،ولها سمو على باقي السلط داخل الدولة ،وبموجب الفصل
911من الدستورفإنه يؤكد على أن " .السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن
السلطة التنفيذية
الملك هو الضامن الستقال السلطة القضائية " ،335والمقصود بهذا باستقالل السلطة
القضائية أن تكون قادرة على إدارة نفسها بنفسها ،وملمة بالمسائل التي تهم سير عملها على
العموم ،بمعنى أن تكون سيدة نفسها في مهامها بمنأى عن أي تدخل ،إال ما كان من التعاون
والتوازن الذ ي يقض ي بهما مبدأ الفصل النسبي للسلط ،وال يمكن الحديث عن االستقاللية اال
بفعل وجود التخليق وذلك من أجل ضمان سير المؤسسة العدالة على أحسن وجه سواء لدى
الو افدين لمراكز العدالة أو على مستوى التدبير االداري أو على مستوي المهام المنوطة بكل
موظفي العدالة .
يقصد باألمن القضائي الثقة في المؤسسة القضائية واالطمئنان إلى ما ينتج عنها وهي
تقوم بمهمهها المتجلية في تطبيق القانون على ما يعرض عليها من قضايا أو ما تجههد بشأنه
من نوازل ،هذا مع تحقيق ضمانات الجودة عند أدائها لمهاها ،وتسهيل الولوج إليها وعلم
العموم بمجريات عملها ،وهذا المبدأ يجد أساسه في الفصل 991من الدستور الذي ينص “
يتولى القاض ي حماية حقوق األشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ،وتطبيق القانون
".
335وجاء كذلك في المادة االولى من الميثاق العالمي للقضاة " تكفل الدولة استقالل السلطة القضائية وينص عليه
دستور البلد أو قوانينه .ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام
ومراعاة استقالل السلطة القضائية".
وفي المادة 8من االتفاقية االمريكية لحقوق اإلنسان " لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية
وتجريها خالل وقت معقول محكمة مختصة مستقلة غير متحيزة كانت قد أسست سابقا ً وفقا ً للقانون " .
ومن خالل ما سبق يستساغ بأن األمن القضائي له مميزات متعددة تفيد إقرارالطمأنينة
لدى علمة الناس عند ولوجهم للمؤسسة القضائية ،و أيضا تحقيق التنمية االقتصادية
وتحسين مناخ األعمال في مؤشر"بيسنس دوينغ" ،ويطمح كذلك الى تحقيق التنمية االجتماعية،
وكل هذا ال يمكن تحقيقه اال بفعل استراتيجية محكمة تجد روحها من مبدأ التخليق وفق
حكامة جيدة تمنح مرأة مشعة لسمعة القضاء الوطني داخل املحافل الدولية .
إن نجاح التخليق في مر افق العدالة يعتمد على مسؤولية مشتركة بين المواطنين وجل
موظفي العدالة كل من موقعه وبوسائله األمر الذي سيعطي المحالة سمعة جيدة لمراكز
العدالة وإظهارها بإشعاع جيد خالل المراسيم الوطنية والدولية.
الئحة المراجع:
كلمة الرئيس األول ملحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية
بمناسبة افتتاح السنة القضائية لسنة .2191
عرض السيد وزير العدل بعد لعبة تقديم الميزانية الفرعية لوزارة العدل أمام لجنة
العدل والتشريع و حقوق االنسان بمجلس النواب برسم .2129
دستورالمملكية المغربية.
والجانب الجنائي ثانيا وذلك من خالل الغوص في ماهية ونطاق المسؤولية الجنائية
لرجال التعليم وموانع هاته المسؤولية كل ذلك في على ضوء القوانين واالنظمة األساسية
.الحديثة المنظمة لقطاع التربية والتكوين
Study summary :
This study aims to examine the civil liability of a non-
custodial nature and the criminal liability of educational personnel
by first addressing the civil aspect. It addresses the basis of the
responsibility of educational personnel, the conditions that must
be met to fulfill this responsibility, and the ways or means of
discharging this responsibility and the legal regulations adopted in
this regard.
The second criminal aspect is the question of the nature and
scope of the criminal responsibility of educational personnel, and
the obstacles to this responsibility, in the light of modern laws and
regulations governing the education and training sector
إن اإلنسان مدني بطبعه ،وال يمكن له أن يعيش بمعزل عن أفراد مجتمعه ،وال يستغني
عن عالقاته ومعامالته في ظل هذا املجتمع ،كون هذا التعامل هو الذي يحقق له أسباب
االستمرار وتلبية حاجيات ومتطلبات الحياة ،336بيد أنه إذا ارتكب فعل محظور جنائي أو أخل
بالتزام/واجب أضرباآلخرين نكون أمام ما يسمى بالمسؤولية.
ويقصد بالمسؤولية " "la résponsabilitéعند إطالق هذا المصطلح تحمل الشخص
لنتائج وعو اقب التقصير الصادر عنه أو عمن يتولى رقابته واإلشراف عليه . 337فكل شخص
مسؤول عن تصرفاته وتصرفات عمن يتولى رقابههم وعلى هذا المنوال نجد مسؤولية رجال
التعليم التي تشكل أحد أهم أصناف المسؤولية عن فعل الغير ،خاصة المسؤولية الجنائية
منها والمدنية والتي تعتبر إحدى أهم الموضوعات المتشعبة في املجال المدني برمته ،ونظرا
ألهميهها فقد أفرد لها المشرع المغربي الفصل 11مكررمن قانون االلتزامات والعقود المغربي
338
هذا ويكتس ي موضوع مسؤولية رجال التعليم أهمية كبيرة حيث عمل المشرع المغربي
على تحديد المركز القانوني لرجال التعليم حيث عدت المدرس/ة أنه قد حل محل اآلباء أثناء
تلقي أوالدهما التعليم على يديه ،ومن ثم فإن اضطالع المدرس/ة بوظيفته التعليمية يفرض
عليه التزاما برقابة التالميذ المعهود بهم إليه بمقتض ى الوظيفة المذكورة فإذا ما أحدث هؤالء
التالميذ أو حدث لهم ضررمنهم ،أو من الغير ،أو من المدرس/ة فستنعقد مسؤولية هذا االخير
بوصفه متوليا للرقابة على التالميذ339
بناء على ما سبق ذكره يمكننا التساؤل عن إلى أي حد وفق المشرع المغربي في تحديد
المسؤولية سواء الجنائية منها أو المدنية لرجال التعليم؟
336-معاد البراهمي ،مبدأ سلطان اإلرادة على ضوء التحوالت اإلقتصادية ،رسالة ماستر قانون خاص ،جامعة .سيدي
محمد بن عبد الله ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية فاس ، 0101-0107 ،ص .0
-337عبد القادر العرعاري ،مصادر االلتزامات الكتاب الثاني المسؤولية المدنية ،الطبعة الثالثة ،دار األمان الرباط ،سنة
، 0100ص . 7
-338قانون االلتزامات والعقود ،ظهير 2رمضان 00( ، 0220أغسطس ) 0202صيغة محينة بتاريخ 11يناير ،0100
الجريدة الرسمية عدد 2000
-339جليل حسن بشات الساعدي ،مسؤولية المعلم المدنية دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،سنة
، 0112ص . 01
تبعا للمنهجية القانونية سنحاول معالجة هذه اإلشكالية من خالل التصميم اآلتي:
المطلب األول :المسؤولية المدنية ذات الطابع التقصيري لرجال التعليم .المطلب الثاني:
المسؤولية الجنائية لرجال التعليم .
تعتبر المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير من أهم مظاهر المسؤولية المدنية ،والتي
تشمل العديد من صور المسؤولية كمسؤولية التابع عن أفعال تابعه أو مسؤولية املخدوم عن
أفعال الخادم ،وأرباب الحرف عن متعلميهم ،واألبوين واألقارب عن املختليين عقليا الذين هم
تحت رعايههم ،ثم مسؤولية رجال التعليم التي هي موضوع دراستنا في الورقة البحثية .و ذلك من
خالل الحديث عن أساس مسؤولية المعلمين عن متعلميهم مرورا بشروط قيام هذه المسؤولية
(الفقرة األولى) لنختم بكيفية دفع المسؤولية (الفقرة الثانية).
سنحاول من خالل هذه الفقرة ان نبحث في األساس التي تقوم عليه مسؤولية رجال
التعليم -أوال -على ان نحدد شروط قيام هذه المسؤولية -ثانيا-
-340المقصود برجال التعليم كل المعلمين والمعلمات واألساتذة واألستاذات الذين يشتغلون في مؤسسات التربية
والتعليم العمومي والتي ينظمها المرسوم 06106270الصادر في 0جمادى األولى 07( 0202يوليو ) 0110
بمثابة النظام األساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي كما وقع تغييره وتتممه.
عليهم باعتباره السبب في حصول الفعل الضار يلزم المدعي إثباته وفقا للقواعد القانونية
العامة341
إذن مسؤولية المعلمين عن المتعلمين تقوم على أساس الخطأ الواجب اإلثبات ،أي أن
من يدعي وجود خطأ أو تقصير من قبل رجال التعليم فيجب عليه إثباته بوسائل االثبات
المضمنة في القواعد القانونية العامة ومن بين هذه الوسائل نجد إقرار الخصم وشهادة
الشهود إلى غير ذلك من وسائل اإلثبات طبقا لمقتضيات الفصل 414من قانون االلتزامات
المغربي342 والعقود
وبالرجوع إلى الظهير الشريف رقم 9.11.111 .المتعلق بالنظام األساس ي العام للوظيفة
العمومية 343نجد أنه ينص بشكل صريح في فصله 91أن كل موظف مسؤول عن كل المهام
المعهودة إليه وعن كل هفوة يرتكبها أثناء تأدية وظيفته أو عند مباشرتها ،في هذا الصدد يطرح
تساؤل عريض ما موقع األساتذة أطر االكاديميات الجهوية للتربية والتكوين أو ما يعرفون عند
الشأن العام ب " األساتذة المتعاقدون " من هاته المسؤولية ال سيما وأن هؤالء األساتذة ال
يعتبرون موظفون عموميون وبالتالي ال ينطبق عليهم النظام االساس ي العام للوظيفة
العمومية؟
حسب رأينا المتواضع أن األساتذة أطر األكاديميات بدورهم تنطبق عليهم المقتضيات
المنصوص عليها في المادة 91من ظهير النظام االساس ي للوظيفة العمومية لكون النظام
الخاص بأطر األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الذي تم المصادقة عليه من قبل املجلس
اإلداري لألكاديميات الجهوية بتاريخ 93مارس 2191خضع في تركيبته البنيوية على مجموعة من
المرجعيات وعلى رأسها ظهير النظام األساس ي العام للوظيفة العمومية ،وما سيزيد تأكيد هذا
الطرح هو ما سنورده أثناء حديثنا عن المسؤولية الجنائية لرجال التعليم.
من خالل مقتضيات الفصل 11مكرر من قانون االلتزامات والعقود المغربي يستوجب
لقيام مسؤولية رجال التعليم وجود شرطين وهما :
إحداث الطفل او الشاب ضررللغيرأثناء فترة الدراسة 344أو في فترات االستراحة 345أو في
حصة التربية البدنية .
يفيد الشرط االول أن مسؤولية رجال التعليم عن األضرارالتي يحدثها األطفال او الشبان
الذين في عهدتهم تقتصر على األوقات التي يكون فيها هؤالء األطفال او الشبان تحت إشر افهم
بمعنى أخر في وقت العمل والذي يتضمن (الحصص التعليمية أو حصص التربية البدنية أو
فترات االستراحة أو الرحالت الجماعية خارج أسوارالمؤسسات التعليمية ).
أما الشرط الثاني فيفيد تحقق مسؤولية رجال رهين بتسبب الطفل اوالشاب الذي تحت
عهدة وإشراف المعلم(ة) في وقوع ضررللغير.
ال تقوم المسؤولية حتى يثبت المتضررالخطأ في الرقابة في جانب المعلم(ة) 347ألن أساس
مسؤولية المعلم(ة) -كما سبقت اإلشارة إلى ذلك -أنها تقوم على الخطأ الواجب اإلثبات .
-344عبد الحميد أخريف ،محاضرات في مجزوءة المسؤولية المدنية ،ألقيت على طلبة السداسي الثالث حقوق،
بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية فاس .0102/0100 ،
-345تجدر اإلشارة إلى أن األساتذة /المعلمين والمعلمات في السلك االبتدائي يضعون اتفاق موثق فيما بينهم لتقسيم
أيام أو ساعات الحراسة والمراقبة واإلشراف على التالميذ أثناء فترة االستراحة ،أما في السلك اإلعدادي والثانوي
فاألمر يختلف حيث تعهد المهمة تعهد للحارس العام للخارجية طبقا لمقتضيات المادة 00من النظام األساسي
الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي .
-346عبد القادر العرعاري ،مرجع سابق ،ص( 020بتصرف) .
-347عبد الحميد أخريف ،مرجع سابق (.بدون صفحة).
وتخضع طرق دفع مسؤولية األستاذ/ة والمعلم/ة إن أراد دفعها ملجموعة من الضوابط
القانونية؛ فعليه بالسعي إلى هدم أركانها ويمكنه أن يستعمل في ذلك ما يلي :
الدفاع الشرعي :من المبادئ الثابتة في علم القانون أن يسمح للفرد بأن يدافع عن نفسه
في حالة العدوان المباشرعلى النفس أو المال ،ما يتفق مع طبيعة األمور.
حالة الضرورة :وهذه الحالة تطبيقا للقاعدة الشرعية التي تقرر أن الضرورات تبيح
املحظورات.
تنفيذ أمر الرئيس :المدرس/ة أو المعلم/ة ال يكون مسؤوال عن عمله الذي أضر بالغير
إذا أداه تنفيذا ألمر القانون أو ألمر صدر إليه من رئيسيه .348بل األكثر من ذلك االمتثال
لتوجيهات وتعليمات السلطة الرئاسية تشكل أحد أهم واجبات المدرس/ة أوالمعلم(ة) وهذا ما
نص عليه الفصل 91من ظهير الوظيفة العمومية والمادة 1من النظام األساس ي الخاص بأطر
األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
إذا كانت المسؤولية المدنية تقوم بمجرد اإلخالل بااللتزامات والواجبات سواء
المتضمنة في نصوص قانونية أو المستخلصة من مبادئ التعايش االجتماعي .فإن المسؤولية
الجنائية تنشأ عن ارتكاب فعل ضار باملجتمع ،وفقا لمقتضيات القانون الجنائي المغربي349
وتتولى النيابة العامة متابعة الجاني 350أمام املحاكم املختصة مراعية في ذلك المبدأ األصل " ال
جريمة وال عقوبة إال بنص" 351
وعليه إن الموظف بشكل عام والمعلم(ة) /المدرس(ة) بشكل خاص قد يكون محط
مساءلة جنائية متى تبث في حقه ارتكاب فعل ضارمخالف لمقتضيات القانون الجنائي.
-349ظهير شريف رقم 06026202صادر في 01جمادى الثانية 00( 0210نونبر ) 0200بالمصادقة القانون
الجنائي .
-350أحمد أباش ،مرجع سابق ،ص .212
-351أنظر الفصل الثالث من القانون الجنائي المغربي .
ومن هذا المنطلق سنحاول تناول ماهية ونطاق مسؤولية رجال التعليم على مستوى
(الفقرة األولى ) على أن نتناول بالدراسة والتحليل موانع مسؤولية رجال التعليم في( الفقرة
الثانية ).
إن المسؤولية الجنائية ترتبط بالجريمة كسلوك منحرف وقع التنصيص على زجره
وكو اقعة اجتماعية تعرفها كل املجتمعات ،ويضطلع القانون الجنائي بتحديد الجرائم
والعقوبات املخصصة لها حرصا على تحقيق أسباب األمن في املجتمع ،352وبالتالي يمكن تحديد
المسؤولية الجنائية لألستاذ(ة)/المعلم(ة) بأنها نتيجة طبيعية لسلوكه سواء كان عمال أو
امتناعا معاقب عليه في نصوص القانون الجنائي ،وبالنظرإلى مجموعة من المعطيات المتمثلة
في مساسه بالمصلحة التي عمل المشرع المغربي على حمايهها وإلحاق الضرربها.
وبالرجوع إلى الفصل 91من قانون الوظيفة العمومية و الذي ينص بشكل صريح عن
المسؤولية الجنائية للموظف في حالة ارتكابه لهفوة في تأدية وظيفته أو مباشرتها ،لكن هنا
يتباذرإلى ذهننا تساؤل هام سنصوغه كاالتي :هل يسأل األساتذة أطراألكاديميات جنائيا طبقا
لمقتضيات الفصل 91أعاله على اعتبار أنهم ليسوا موظفين عمومين ؟ أم لهم نظام مساءلة
جنائية خاصة بهم تتالءم و وضعيههم ؟.
بالعودة إلى تعريف المشرع المغربي للموظف العمومي نجد أنه ينص على ما يلي " :يعد
موظفا عموميا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسالك
االدارة التابعة للدولة " 353اذن مسألة الترسيم تعتبر أحد الركائز األساسية في التوظيف األمر
الذي ينتفي عند نمط تشغيل األساتذة أطر األكاديميات الذي اعتمد فيه آلية التعاقد ،وجدير
بالذكرأن االكاديميات الجهوية للتربية والتكوين باعتبارها االدارة المشغلة ليس لها من مهامها
الترسيم وهذا ما يتضح بجالء من خالل القانون 35411.11
-352أحمد قليش و مجيدي السعدية وسعاد حميدي ومحمد زنون ،الوجيز في شرح القانون الجنائي العام ،مطبعة
األمنية -الرباط ،ص .21
-353الفصل الثاني من النظام االساسي العام للوظيفة العمومية.
-354للتفصيل في الموضوع أكثر انظر المرسوم رقم 061160100صادر في 07من شعبان 02 ( 0200نوفمبر
)0111بتطبيق القانون رقم 17611القاضي بإحداث األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كما وقع تغييره ،
الجريدة الرسمية عدد 2201بتاريخ يوليو .0110
غير أن مفهوم الموظف في املجال الجنائي يبقى واسعا حيث يعمد التشريع الجنائي إلى
التوسع في تحديد مفهوم الموظف في كل من يمارس سلطة عامة أو يكلف بوظيفة مرفق عام أو
يتولى نيابة عمومية 355وهذا ما يؤكده بجالء منطوق الفصل 224من القانون الجنائي حيث
ينص على ما يلي << :يعد موظفا عموميا ،في تطبيق أحكام التشريع الجنائي ،كل شخص كيفما
كانت صفته ،يعهد إليه ،في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر
ويساهم بذلك في خدمة الدولة ،أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية ،أو المؤسسات
العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.
وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له
بعد انههاء خدمته ،إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها. >> .
تجدراإلشارة أيضا إلى أن النظام األساس ي الخاص بأطراألكاديميات الجهوية لم يتناول
المسؤولية الجنائية لهيئة التدريس بشكل صريح لكن هناك بعض الواجبات الملقاة على عاتق
رجال التعليم في حالة اإلخالل بها قد تؤدي به إلى المساءلة الجنائية من ذلك إفشاء السرالمنهي
مثال (الفقرة 99من المادة 1من النظام األساس ي الخاص بأطراألكاديميات الجهوية ).
ينص الفصل 932من القانون الجنائي على أن << كل شخص سليم العقل قادر على
التمييزيكون مسؤوال شخصيا عن:
محاوالت الجنايات.
وال يستثنى من هذا المبدأ إال الحاالت التي ينص فيها القانون صراحة على خالف ذلك .
>>
-355المختار اعمره ( ،المساءلة الجنائية للموظف العمومي عن إخالله بالتزاماته القانونية ) ،مقال منشور على
الموقع االلكتروني التالي: https://www.rolacc.qa/wp-comtent/uploads
من خالل مقتضيات هذا الفصل يتضح أنه ال يمكن ان يكون أهال للمساءلة الجنائية إال
من كان سليم العقل وقادر على التمييز.
وقد عالج المشرع المغربي موانع المسؤولية الجنائية في المواد 932إلى 941من
مجموعة القانون الجنائي ،حيث ترتبط هذه الموانع بالعاهات العقلية والتي تتمثل في
الحالتين التاليتين
الحالة األولى :الخلل العقلي ؛ وهذا ما نص عليه المشرع من خالل الفصل 934من
القانون الجنائي بقوله ^ :ال يكون مسؤوال ،ويجب الحكم بإعفائه ،من كان وقت ارتكابه
الجريمة المنسوبة إليه ،في حالة يستحيل عليه معها اإلدراك أو اإلرادة نتيجة لخلل في قواه
العقلية.
وفي الجنايات والجنح ،يحكم باإليداع القضائي في مؤسسة لعالج األمراض العقلية وفق
الشروط المقررة في الفصل .10
أما في مواد املخالفات -فإن الشخص الذي يحكم بإعفائه -إذا كان خطرا على النظام
العام -يسلم إلى السلطة اإلدارية. >>.
الحالة الثانية :الضعف العقلي :وهي الحالة التي نص عليها المشرع المغربي في الفصل
931من القانون الجنائي بما يلي << :تكون مسؤولية الشخص ناقصة إذا كان وقت ارتكابه
الجريمة مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه أو إرادته ويؤدي إلى تنقيص
مسؤوليته جزئيا.
وفي الجنايات والجنح ،تطبق على الجاني العقوبات أو التدابيرالوقائية المقررة في الفصل
.11
أما في املخالفات ،فتطبق العقوبات مع مراعاة حالة المههم العقلية. >> 356
بناء على ما سبق ال يمكن مساءلة رجال التعليم جنائيا كلما ثبت وجود عاهة من العاهات
العقلية السابق ذكرها.
خاتمة :
-356أحمد قليش و مجيدي السعدية و سعاد حميدي ومحمد زنون ،مرجع سابق ،ص 20و 20و . 22
خالصة القول لقد أحسن المشرع المغربي عند تأسيسه المسؤولية المدنية لرجال
التعليم على أساس الخطأ الواجب االثبات (الفصل 11مكرر من قانون االلتزامات والعقود
المغربي ) على اعتبار المكانة االعتبارية واملحورية لرجال التعليم داخل أي مجتمع وباعتبار
الموارد البشرية إحدى أهم العناصراألساسية في تحقيق التنمية ألي مجتمع.
لكن ما يعاب هنا هو تداخل مجموعة من القوانين واألنظمة في تحديد مسؤولية رجال
التعليم كظهير قانون االلتزامات والعقود والنظام االساس ي العام للوظيفة العمومية والنظام
الخاص بأطراالكاديميات الجهوية للتربية والتكوين .
-معاد البراهمي ،مبدأ سلطان اإلرادة على ضوء التحوالت االقتصادية ،رسالة ماستر
قانون خاص ،جامعة .سيدي محمد بن عبد الله ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية فاس.2191-2191 ،
-عبد القادر العرعاري ،مصادر االلتزامات الكتاب الثاني المسؤولية المدنية ،الطبعة
الثالثة ،داراألمان الرباط ،سنة . 2199
-عبد الحميد أخريف ،محاضرات وفي مجزوءة المسؤولية المدنية ،ألقيت على طلبة
السداس ي الثالث حقوق ،بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية فاس ،
.2194/2191
_ جليل حسن بشات الساعدي ،مسؤولية المعلم المدنية دراسة مقارنة ،الطبعة األولى،
دارالثقافة للنشروالتوزيع ،سنة 2114
–
الثالث سوف يسعى لتوضيح نشاط الجريمة عبر الوطنية في عصر العولمة من خالل شرح
أنواع الجريمة العابرة للحدود في عصر العولمة في المبحث األول وكذلك توضيح بعض
العمليات اإلجرامية الخطيرة مثل الهجرة غير الشرعية في بعض الدول مثل ليبيا في المبحث
.الثاني
Abstract
Most nation-states are now alert to the challenges and threats posed by
non-traditional security matters. The most important fact is that these matters
directly affect society and people. Moreover, transnational crime is the most
important security issue because it threatens the state’s sovereignty and political
stability and may weaken the credibility of states and undermine the power and
authority of governments. Moreover, transnational crime means that the world
today is facing increasing criminal organizations that can undermine national
and international security, the global economy and the rule of law, and which, if
raised uncontrollably, may threaten the concept of the nation-state. Thus, issues
of transnational crime began to be given the highest priority by states and non-
state actors. For example, the United Nations supported the Inter-Ministerial
Global Conference on Transnational Organized Crime in Italy 1994 that sought
to develop policies to combat transnational organized crime, and Southeast
Asian countries and the European Union took the initiative to deal with this
problem. In other words, due to its transnational nature, transnational organized
crime is now a component of the international political agenda and has a major
impact on international relations. Therefore, this research will address whether
global security is threatened by transnational crime by devoting to define
concepts. In the first section, transnational crime will be defined, the second will
deal with the definition of global security, and the second chapter will explain the
environment in which transnational crime operates by describing the
relationship between transnational crime and the failed state in the first
dissection as well as its work in developed countries In the second subject, either
the third part will seek to clarify the activity of transnational crime in the era of
globalization by explaining the types of transnational crime in the era of
globalization in the first sector as well as clarifying some serious criminal
operations such as illegal immigration in some countries such as Libya in the
second part.
المــقدمــة:
ً
يعتبر حقل العالقات الدولية حقال ديناميكي خصوصا علي المستوي األكاديمي وذلك
بسبب ظهوربعض المفاهيم على السطح في فترة معينة وتختفي في وقت آخر ,خالل حقبة الحرب
الباردة هيمن علي الدول القومية االنقسام والصراع األيديولوجي وكانت معظمها قلقة بشأن
برنامج األمن السياس ي العسكري التقليدي و كان الشغل الشاغل للدول القومية التفكير في
قضايا األمن العسكري الناتجة عن الصراع بين القوتين العظميين ،وهما االتحاد السوفيتي
وأمريكا ومع ذلك في نهاية الحرب الباردة وانهيار االتحاد السوفيتي في عام ،9111ظهرت مفاهيم
أمنية جديدة مثل األمن البشري سنة 9114م واألمن العالمي وكذلك مفهوم الجريمة المنظمة
العابرة للحدود لتكون واحدة من األمور البارزة في قضايا األمن العالمي .ظاهرة الجريمة
المنظمة العابرة للحدود ليست حديثة لقد ارتكبت الجرائم منذ أن فصلت الحدود الدول
ولكن الجديد في الجريمة العابرة للحدود ،خاصة في العقود القليلة الماضية هي ثالثة أسباب
مترابطة على الجريمة العابرة للحدود :عولمة االقتصاد ،وزيادة أعداد وتنوع المهاجرين
ووسائل تكنولوجيا االتصاالت المتطورة والحديثة ( .)1999 ،NIJباإلضافة إلى ذلك ،فإن
عولمة االتصاالت التي أنشأها اإلنترنت ،وبساطة التجارة الدولية والسفر ،وتنامي
الديمقراطيات الجديدة داخل أوروبا الشرقية و افريقيا وحول العالم التي تكافح من أجل
االعتراف بها ،كلها تزيد من احتمالية تحول الجريمة المنظمة املحلية الي مستوى دولي يهدف إلى
استخدام ضحايا جدد (ألبانيز .)2112 ،
تم إعادة توزيع اإلجراءات الجنائية على مستوى العالم ،بسبب زيادة الفرص وكذلك
تقليل املخاطر التي تختلف من إقليم إلى آخر ( .)2002 ،Williams and Godsonإن غالبية
الدول القومية متيقظة اآلن للتحديات والههديدات التي تسببها األمور األمنية غير التقليدية
ولكن الحقيقة األكثر أهمية هي أن هذه األمور تؤثر بشكل مباشر على املجتمع والناس عالوة
على ذلك تعتبر الجريمة العابرة للحدود محبذة ألهم قضية أمنية في المقام األول ألنها تهدد
سيادة الدول واستقرارها السياس ي وقد تضعف مصداقية الدول الفردية وتقوض سلطة
الحكومات باإلضافة إلي ذلك تعني الجريمة العابرة للحدود أن العالم في الوقت الحاضر يواجه
منظمات إجرامية متزايدة يمكن أن تقوض األمن الوطني والدولي ،واالقتصاد العالمي وسيادة
القانون ،والتي إذا تم رفعها خارج نطاق السيطرة ،فقد تهدد مفهوم الدولة القومية .وهكذا ،
بدأت قضايا الجريمة المنظمة العابرة للحدود تعطي األولوية القصوى من قبل الدول والجهات
الفاعلة غير الحكومية فعلى سبيل المثال ،دعمت األمم المتحدة المؤتمر العالمي المشترك
بين الوزارات بشأن الجريمة المنظمة عبر الوطنية في إيطاليا في ، 9114والذي بحث عن وضع
سياسات لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود ،وأخذت دول جنوب شرق آسيا مع
االتحاد األوروبي زمام المبادرة للتعامل مع هذه المشكلة .بعبارة أخرى ،بسبب طابعها العابر
للحدود ،أصبحت الجريمة العابرة للحدود اآلن ً
جزءا من جدول األعمال السياس ي الدولي ولها
تأثير كبير على العالقات الدولية ولهذا السبب سوف تخصص هذه الورقة لدراسة تهديد
الجريمة المنظمة العابرة للحدود لألمن العالمي من خالل تقسيمها إلي عدة فصول بداية بإطار
الدراسة الذي سيتناول إشكالية الدراسة وأهميهها ومنهجيهها و أيضا أهدافها كما سيتم في هذه
ً
مهددا بالجريمة العابرة للحدود ولكن ذلك يتطلب التطرق الدراسة فيما إذا كان األمن العالمي
إلي تعريفات الجريمة المنظمة العابرة للحدود ومعرفة أنواعها و أثرها على املجتمع الوطني
والدولي وكذلك العالقة بين الجريمة العابرة للحدود والدول الفاشلة وتأثيرها علي األمن العالمي
ً
خاصة
ٍ بشكل متزايد خصوصا في سياق العولمة ،وبالتالي سوف تكون ليبيا بعد 2199م كمثال
في ملف الهجرة غير الشرعية واالتجاربالبشرو أيضا منطقة عبورلتجارة السالح واملخدرات كل
ذلك أصبح يشكل مصدر قلق لألمن العالمي ولذلك انطلقت العديد من العمليات سواء علي
الصعيد املحلي من خفر السواحل الليبي أو اإلقليمي مثل الدوريات االيطالية والفرنسية
لمر اقبة شواطئ الدولة الليبية.
إطـارالـدراسة:
أهمية الدراسـة :تكمن أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء علي الههديد الحقيقي
للجريمة المنظمة العابرة للحدود التي تعتبرمن الفواعل غيرالدول المؤثرة في الساحة الدولية
عامة وعلي األمن العالمي بشكل خاص من خالل عالقهها مع الدول سواء كانت المتقدمة أو التي
في طورالنمو و أيضا توضيح زيادة نشاط الجريمة العابرة للحدود في العقود الثالثة األخيرة "زمن
العولمة".
مشكلة الدراسـة:
تعكس إشكالية هذه الدراسة تحديد وتشخيص اثر الجريمة المنظمة العابرة للحدود
علي األمن العالمي وذلك من خالل التطرق إلي البيئة التي يزداد نشاطها فيها وطريقة عملها
و أنواع أنشطهها وكيفية تحركاتها في عصر العولمة ويمكن صياغة المشكلة في التساؤالت
التالية:
ً
.9إلي إي مدي أصبح نشاط الجريمة العابرة للحدود المتزايد بوتيرة سريعة يمثل خطرا
ً
حقيقا علي األمن العالمي؟
.2لماذا تجد الجريمة المنظمة العابرة للحدود بيئة مناسبة للعمل في الدول الفاشلة؟
.3ما هو الدور الذي لعبته العولمة في تسهيل النشاط للجريمة العابرة للحدود؟ وهل
ظهرت أنواع جديدة لها في سياق هذا الزمن؟ وكيف أصبحت ليبيا أنموذجا لذلك؟
فرضيات الدراسـة:
أدي ازدياد نشاط الجريمة المنظمة العابرة للحدود في الساحة الدولية إلي تهديد واضح
لألمن العالمي .
إن ضعف مواجهة التحديات األمنية في الدول الفاشلة ساعد في زيادة نشاط الجريمة
المنظمة العابرللحدود.
ساعد تطور االتصاالت وحرية التنقل للسلع والبشر ورؤوس األموال عبر الحدود
"العولمة" في تسهيل عمل الجريمة العابرة للحدود وتنوع أنشطة إجرامية جديدة لها في دول
تعاني وضع أمني ضعيف مثل ليبيا.
أهـداف الـدراسـة:
تهدف هذه الدراسة إلى التطرق لمفهوم الجريمة المنظمة العابرة للحدود وتوضيح
عالقته باألمن العالمي من خالل التعرف علي األسباب الحقيقية وراء ازدياد نشاط الجريمة
العابرة للحدود في الدول الفاشلة وتنوع أنشطهها وسهولة حركة أعضاءها في سياق عصر
العولمة وتوضيح خطورة بعض العمليات مثل الهجرة غيرالشرعية التي تتدفق بشكل مريب من
خالل الحدود الليبية.
محتـويات الدراسـة:
هذه الدراسة تتضمن مقدمة عامة متبوعة بثالثة مباحث ,ثم نتائج الدراسة:
خصص المبحث األول لتعريف المفاهيم ففي المطلب األول سوف يتم تعريف الجريمة
العابرة للحدود ,الثاني سوف يتطرق لتعريف األمن العالمي ,وكذلك سيشرح المبحث الثاني
البيئة التي تعمل فيها الجريمة العابرة للحدود من خالل تناول العالقة بين الجريمة العابرة
للحدود والدولة الفاشلة في المطلب األول وكذلك عملها في الدول المتقدمة في المطلب الثاني,
إما عن المبحث الثالث سيسعي إلي توضيح نشاط الجريمة العابرة للحدود في عصر العولمة
من خالل التطرق إلي أنواع الجريمة العابرة للحدود في زمن العولمة في المطلب األول وكذلك
إيضاح بعض العمليات اإلجرامية الخطيرة مثل الهجرة غير الشرعية في بعض الدول مثل ليبيا
في المطلب الثاني.
تتناول الدراسة الفترة الزمنية ما بعد سقوط االتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين حتى
وقتنا الراهن باعتبارها فترة تحول سريع في العالقات الدولية ،حيث انتعشت األفكار الجديدة
مصـادر البـحث :مصادر بحث أولية متمثلة في الوثائق والمعاهدات والقوانين الدولية.
مصادربحث ثانوية تتمثل في الكتب -الدوريات -االنترنت.
إن هذا المبحث سيسعي إلي تعريف مفهوم الجريمة المنظمة العابرة للحدود حسب أراء
مفكرين سياسيين و أيضا وفقا ألراء قانونين ومعرفة التعريف األنسب لهذا المفهوم وما هي
وجهة نظر الباحث في هذه التعريفات كما سيوضح هذا المبحث تعريف مفهوم األمن العالمي
وبروزه كمصطلح واألسباب التي جعلت هذا المفهوم يخرج إلي حيزالوجود وينال اهتمام املجتمع
الدولي.
ال يوجد تعريف واضح للجريمة العابرة للحدود لوجود اختالف كبير حسب مستويات
ً
اعتمادا على التحليل ونظم المنهجية املختارة للدراسة لذلك تتطور التعريفات باستمرار
األفكار والوعي وتحديد المفاهيم في مرحلة زمنية محددة بمداخل ومناهج أكاديمية (Zabyelina
.)،ومع ذلك ،من الناحية التقليدية ،أشارت الجريمة المنظمة العابرة للحدود "إلى أنشطة غير
مشروعة تمتد لتشمل وتنههك قوانين دولتين أو أكثر" ) .(Giraldo and Trinkunas, 2010قد
ً
أساسيا ولكن ال يلبي أهمية هذا المفهوم لذلك في مؤتمر مكافحة الجريمة يصبح هذا التعريف
المنظمة العابرة للحدود في عام ، 2111حددت األمم المتحدة تعريفا أكثر عمومية "ليشمل كل
نشاط غير قانوني ُيرتكب في أكثر من بلد أويتم تنظيمه في دولة ولكن يتم تنفيذه في دولة أخري
مما يؤثر بشكل غير مباشر علي السلطات القضائية للدول املجاورة لها" (األمم المتحدة ،
.)2111عالوة على ذلك ّ ،
عرف Bossardالجريمة المنظمة العابرة للحدود بأنها "جريمة لها بعد
دولي وتنطوي على عبور حدود وطنية للدولة سواء قبل أو أثناء أو بعد الو اقعة" ( ،Bossard
ً
)2008وجد هذا التعريف قبوال بين العلماء األكاديميين وقد عرفها الدكتورشريف السيد كامل
بالقول أنها " فعل أو أفعال غير مشروعة تهدف غالبا للربح ترتكبها جماعة إجرامية باستخدام
الههديد الو العنف أو الرشوة حيث تتصف هذه الجماعة اإلجرامية باالستمرارية والتنظيم
الهيكلي المتدرج ,حيث يعمل أعضاؤها وفق نظام داخلي يحدد دور كل منهم ,كما يكفل والئهم
ألوامررؤسائهم ويمتد نشاطها اإلجرامي عبرعدة دول" ( قارة ,2193 ,ص .)212
باإلضافة إلي الدكتور طارق سرور ,الذي عرفها بأنها مجموعة من األنشطة اإلجرامية
المعقدة ،تقوم بها علي نطاق واسع تنظیمات أو جماعات منظمة ،ویكون الدافعان الرئیسیان
إليها هما الربح المالي و اكتساب السطوة ،بفتح أسواق السلع والخدمات غير القانونیة
واملحافظة على تلك األسواق واستغاللها ،وهذه الجرائم كثيرا ما تتجاوز الحدود الوطنیة ،وال
ترتبط بإفساد الشخصیات العامة والسیاسیة بواسطة الرشوة والتواطؤٕ ،و إنما ترتبط أیضا
بالههدیدات والتخويف العنف" (سرور ,2111 ,ص )93ولكن يمكن ألي باحث أن يرى أن كل
هذه التعريفات أكثر عمومية وتصف الجريمة على المستوى الدولي فقط .وبالتالي ،من وجهة
نظري ،تجاهلت هذه التعريفات أن الجريمة عبر الوطنية هي نوع خاص من الجرائم التي تتعلق
أساسا بانخفاض املخاطر وارتفاع اإلرباح من خالل استغالل الحدود واختالف السلطات ً
القضائية التي تعتبر المزايا اإلستراتيجية لها باإلضافة إلى ذلك ،هذه التعريفات ال تالحظ بأن
الجريمة العابرة للحدود هي ظاهرة اجتماعية ال تشمل األماكن فحسب ،بل تشمل ً
أيضا
األشخاص والمؤسسات التي تتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل االقتصادية واالجتماعية
والثقافية في الو اقع ،الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية هي مزيج معقد ،لذلك هناك
بعض الغموض في تحديد خط فاصل أو فصل أنواع مختلفة من الجرائم ألنها موجودة في عدة
ً
موضوعا أشكال هجينة مختلفة ) .(Ruggiero, 1996ونتيجة لذلك ،تعد الجريمة عبر الوطنية
ّ
سأعرف الجريمة عبر الوطنية على أنها فرع من فروع ً
صعبا في السياق األكاديمي ،ومع ذلك
الجريمة التي ترتكب في بلدين أو أكثر حيث يكون لها آثار سلبية كبيرة على القطاعات السياسية
واالقتصادية واالجتماعية عالوة على ذلك ،فهي تهدد األمن العالمي ألنها مرتبطة بههريب
املخدرات واألسلحة وشبكات غسيل األموال واالتجار بالبشر واإلطراف البشرية ,والهجرة الغير
الشرعية ,وتجارة اآلثار ,والقرصنة المعلوماتية و أيضا قد تتالقي مصالحها مع الجماعات
اإلرهابية في تحقيق أهداف معينة.
استطاعت المدرسة الو اقعية خالل فترة الحرب الباردة بان تسيطر بشكل كبير على
ً
التنظير في حقل العالقات الدولية ،ولذلك عرفوا الدراسات األمنية تعريفا محدودا يقتصر على
قضايا األمن العسكري ومحورية أمن الدولة باعتبارها الوحدة األساسية في التحليل األمني،
"واألمن الوطني باعتباره التصور األمثل لألمن لتكيفه مع الههديدات األمنية في ظل نظام ثنائي
القطبية التي تتصارع فيه كل من الكتلة الغربية بزعامة الواليات المتحدة األمريكية والكتلة
الشرقية بزعامة اإلتحاد السوفيتي" (بوستى . )2191 ,ولكن بعد انهياراالتحاد السوفيتي والكتلة
الشرقية وانهيارجداربرلين و انههاء الحرب الباردة أصبح النظام العالمي يتبلوربشكل جديد علي
المستوي البنيوي "القطبية األحادية" وعلي المستوي األكاديمي برزت القضايا األمنية
( (Security Issuesكبرادايم يجمع العديد من العلماء في بعض المدارس مثل مدرسة كوبنهاجن
وباريس (يونس .)2191 ,في ظل هذه التغيرات أصبح مفهوم األمن العالمي يحظي باهتمام بسبب
الوتيرة السريعة لإلحداث والتطورات التي شهدها "املجتمع الدولي والعالقات الدولية فقد أثرت
ً
هذه التطورات بشكل واضح على مفهوم األمن علي مستوي أبعاده املختلفة إقليميا ودوليا حيث
ً
أصبح مفهوم األمن التقليدي السابق يشهد تطورا كلي عبرفترات زمنية مختلفة فقد تغيرمفهوم
ً ً ً
األمن التقليدي تغييرا شامال متجاوزا األسس التي بني عليها خاصة "القوة العسكرية في التعامل
مع األخطار والتحديات التي كانت تواجه الدول وذلك عبر إدراك أهمية وضرورة التركيز على
منظومة أمنية شاملة من خالل االهتمام والتركيز على مفهوم األمن املجتمعي الشامل والكامل"
(الرشدان .)2191,ومن هذا المنطلق بدأت التطورات تظهر في حقل الدراسات األمنية الغربية
والشرقية ،وذلك أدي إلى إعادة تعريف مفهوم األمن العالمي وتوسيع نطاق مستويات مرجعية
تحليلية جديدة ،كما أن التطورات والمتغيرات اإلقليمية والدولية وبروزقضايا وتحديات عالمية
جديدة ساهمت بشكل كبيرفي حدوث تغييرواضح في مفهوم األمن العالمي الذي يعرف " على أنه
وضعا تحدث فيه األمور في جزء من العالم بحيث تؤثر في الناس الذين يعيشون في جزء آخر
منه ويعني هذا مثال ،السالمة من تهديد الحرب بين الدول ومن عبور اإلرهابيين الحدود الدولية،
والجريمة المنظمة العابرة للحدود ومن إسهام الصراعات في مناطق معينة في تقييد التجارة
الدولية أو الحد من تدفق الموارد الضرورية كالنفط ،ومن الحكومات المضطهدة ،ومن
الكوارث البيئية أو أي مشكلة أخرى تؤدي إلى تدفق الالجئين بهجرات جماعية عابرة الحدود،
ويمكن إضافة العديد من الههديدات املحتملة األخرى إلى هذه القائمة" (ريتون ,2111 ,ص.)1
كما وضعت صحيفة األمن الدولي ( )International Securityتعريفا يقدم صورة أوضح
لمفهوم األمن العالمي حيث يقول" يتزايد تعريف األمم ألمنها ليس باألشكال التقليدية لقواتها
المسلحة و اقتصادها النشيط واستقرار الحكم فيها فقط ،بل بشروط أخرى كقدراتها التي
كانت في الماض ي أقل مركزية كموارد الطاقة والعلم والتكنولوجيا والغذاء والمصادر
الطبيعية ،لقد فرض االعتماد المتبادل اهتمامات عبر األمم كالتجارة واإلرهاب والتوريد
العسكري والبيئة لتكون عناصر رئيسة في االعتبارات األمنية في أي مجتمع رفاه ورخاء ،ويشتمل
األمن العالمي جميع تلك العوامل ذات التأثير المباشر في بنية نظام دولة األمة وسيادة أعضائها
مع تأكيد خاص على استخدام القوة والههديد بها وضبطها"( .س ناي ,و دوناهيو ,2112 ،ص
.)29ولقد عرف كل من
) (M. H. Saier Jr. & J. T. Trevorsاألمن العالمي علي انه المفهوم الذي يتضمن األمن
االقتصادي ،واألمن القومي ،وأمن الطاقة ،واألمن النووي ،واألمن السيبراني ،واألمن
الديمقراطي والحقوق المدنية ،واألمن الشخص ي ،وأمن الرعاية الصحية واهم من ذلك األمن
البيئي .ويعتبر هذا التعريف أكثر شمولية ويشمل جميع الجوانب األمنية علي الصعيد العالمي
().)Saier & Trevors, 2008
مما ال شك فيه إن تطوروزيادة نشاط الجريمة المنظمة العابرة للحدود يعتمد علي البيئة
التي تعمل فيها هذه المنظمات اإلجرامية لذلك سوف يسعي هذا المبحث إلي توضيح العالقة
بين الجريمة العابرة للحدود والدول الفاشلة التي تعاني من تحديات أمنية وسياسية
و اقتصادية وال يقتصرالوضع علي هذه الدول فقط بل سيشرح هذا المبحث أيضا كيفية عمل
هذه المنظمات في الدول المتقدمة مما يعني إن هذا المبحث سيقسم إلي مطلبين:
زيادة عدد الدول الفاشلة بعد نهاية الحرب الباردة هو أنه عندما تنازعت القوتان العظميان
خالل الحرب الباردة حول بسط نفوذهما على العالم ،دعم كل منهما العديد من الدول
واألنظمة من خالل منحهما معونات اقتصادية و مساعدات عسكرية وبعد نهاية الحرب الباردة
،تقلص هذا المورد من المساعدة الخارجية ،مما جعل بعض الدول تضعف في تغطية تكاليف
مهمة مثل الجوانب األمنية .تعتبرالدول اإلفريقية جنوب الصحراء الكبرى والتي تضم حوالي 42
دولة مثال علي الدول الفاشلة ويليها منطقة الشرق األوسط والبلقان (,Bischoff
,2114ص .)121يرى العديد من الباحثين مثل Wylerأن هناك عالقات قوية بين الجريمة
العابرة للحدود والدول الفاشلة حيث يقول بان اغلب منظمات الجريمة العابرة للحدود
ً
والجماعات اإلرهابية ،تستفيد من األماكن اآلمنة التي توفرها الدول الضعيفة والفاشلة ووفقا
لتقرير مجموعة وكاالت العمل األمريكية حول الجريمة العابرة للحدود ،يمكن أن تكون الدول
الفاشلة مو اقع مفيدة يمكن من خاللها للمجرمين نقل الواردات غير القانونية وتجارة األسلحة
واملخدرات واالتجاربالبشرواآلثار وغسيل أرباحهم وذلك بسبب القوانين غير المنفذة وهشاشة
األمن والدرجات العالية من الفساد في المؤسسات وتعتبر غينيا بيساو خير مثال على الدولة
الضعيفة ألنها البوابة األهم للكوكايين الذي جاء من كولومبيا وال تستطيع السلطات في غينيا
التعامل مع هؤالء املجرمين ألن الفساد منتشر في الحكومة التي ال تهتم بدعم قطاع الشرطة
والجيش ففي ابريل سنة 2110ضبطت الشرطة 031كيلوغراما من الكوكايين ومع ذلك فإن
املجرمين تمكنوا من الفرار مع باقي الشحنة التي تقدر بحوالي 2.1طن ألن الشرطة لم تكن قادرة
على اعتقالهم .وفي الشهر نفسه ،أشارت تقارير إعالمية إلى أن تجار املخدرات أقاموا نقطة
عبور إلى جانب خليج غينيا كطريق لتجنب تشديد إجراءات الشرطة قبالة سواحل أوروباً .
غالبا
ما تحاصر الدول الفاشلة في إفريقيا تحديات ملحة أخرى مثل ضعف المؤسسات العامة أو
ً
عدم االستقرار السياس ي أو الفقر ويمكن أن توفر مكانا لهذه الجماعات .تتكون إحدى
الشبكات غير القانونية ،التي تعمل في غينيا بيساو ،من تجار من أمريكا الجنوبية وشركات نقل
أفريقية وموزعين أوروبيين (موتوم )2110 ،مثال أخر يمثل تهديدا ألمن الدولة القومية واألمن
العالمي مثل الصومال التي تعتبر دولة فاشلة والسبب هوالصراع علي السلطة وظهورمليشيات
وعصابات إجرامية أصبحت تقوم بعمليات قرصنة بحرية ففي عام ، 2111شن القراصنة
ً ً
هجوما واستولوا على 42سفينة و 941حادثا في المياه قبالة السواحل الصوماليون 999
الصومالية في عام .)2009 ،BBC (" 2111نتيجة لذلك ،تزدهر الجريمة العابرة للحدود في
الدول الفاشلة وتعطي العديد من الدول األولوية للتعامل مع هذا النوع من الدول في أجندة
سياسهها الخارجية ألنها تعتبر هذا النوع من الدول يمثل تهديدات حقيقية ألمنها فعلى سبيل
المثال تنص السياسة الخارجية األمريكية على أن الههديدات الو اقعية التي تؤثر على أمن
ومصالح أمريكا والدول األخرى في القرن الواحد والعشرين ال تأتي من العالقات بين الدول
والقوى المتزايدة ولكنها تأتي من الدول الفاشلة التي أصبحت أماكن لههريب املخدرات.
واإلرهاب وتهريب األسلحة والمواد النووية واالتجار بالبشر واآلثار وغسيل األموال عالوة على
ذلك ،أصبحت أماكن لألمراض ومالذ للمتطرفين ( .)2003 ،Garretباإلضافة إلى ذلك ،وصفت
السياسة الخارجية البريطانية أن سبب التدخل في أفغانستان هو حماية أمنها من الجماعات
اإلرهابية الموجودة هناك وتجار مخدر األفيون التي تشههر بها هذه الدولة ولكن يمكن مالحظة
وجود تناقض في هذه التصريحات ألن كال من السياستين الخارجية البريطانية واألمريكية دعما
ً
االنفصال في السودان وكالهما اعترف بها مع إنهما يعلمان جيدا أن دولة جنوب السودان دولة
ضعيفة وفاشلة ورغم استقاللها منذ 2199م إال أنها مازالت تعاني من صراعات جعلت منها مالذ
امن للجريمة العابرة للحدود خصوصا عمليات االتجار بالبشر والههريب حيث قال جون فاك
بان هناك جهود مبذولة من الشرطة السودانية ،في الحد من "عمليات االتجاربالبشروالههريب،
ولكن ال تمتلك القدر الكافي من الكفاءة واإلمكانيات ولذلك علي االتحاد األوروبي تقديم الدعم
الالزم للسودان والتعاون مع الشرطة السودانية ،إلنفاذ كافة برامجها تجاه محاربة االتجار
وتهريب البشر ،والجرائم األخرى" (بوابة إفريقيا اإلخبارية )2191 ,ومن خالل ما سرد يمكن
القول أن الجريمة العابرة للحدود لها عالقة قوية بالدول الفاشلة وكالهما يشكل تهديدات
حقيقية ألمن الدولة القومية واألمن العالمي.
علي الرغم من إن الجريمة العابرة للحدود تجد مالذ ومكان مناسب ألنشطهها اإلجرامية
في الدول النامية الضعيفة والفاشلة إال إن أوربا تعد مهد الجماعات اإلجرامية المنظمة إلي حد
القول بان نشأت الجريمة المنظمة مرتبط بنشأة المافيا في أوربا خاصة في ايطاليا في جزيرة
صقلية سنة 9112عندما كانت مستعمرة فرنسية (أفندي,2199,ص )91ولقد استطاعت
المافيا في ايطاليا من تطوير نشاطها وتحويل قوتها من محلية إلي قوة عابرة للحدود وذلك عن
طريق إقامة تحالفات مع جماعات المافيا الناشطة في الجنوب األمرالذي جعلها توسع نشاطها
لتصل إلي أمريكيا وكندا وأوربا خاصة في ألمانيا وسويسرا وروسيا و تتعدد األنشطة األجرامية
المرتكبة من المافیا ،حیث أنها تسعى ،وفي نطاق
واسع ،إلى تحقیق أرباح طائلة ،ومن أبرز األنشطة التي تمارسها تجارة املخدرات واألسلحة
والههريب
كذلك تعمل على سلب األموال بوسائل متعددة منها إنتاج وبیع الحمایة الخاصة ،بحیث
تفرض إتاوة في مقابل توفير الحمایة للتجار ومالكي رؤوس األموال وهي بذلك أصبحت قوة
ضاربة تضاهي الدولة في وظائفها األساسیة ،السیما من حیث تأمين الحمایة لمواطنيها ورعایاها
(البريزات ,2111 ,ص .)911-911ومن اخطرمنظمات الجريمة العابرة للحدود خاصة بعد انهيار
االتحاد السوفيتي وتحول روسيا إلي االقتصاد الليبرالي الحر المافيا الروسية "التي وجدت
الفرصة من اجل توسيع نشاطها اإلجرامي
والذي امتد إلى حد االستحواذ على األموال اإلستراتيجية كالبترول والمعادن الثمینة،
واستثمار األموال غير المشروعة لتحقیق أكبر قدر ممكن من الربح ،مستغلة في ذلك غیاب
القواعد القانونیة التي تنظم التحول الو اقع آنذاك بصورة فعالة" (كامل ,2119 ,ص )11وفي
الو اقع تعتبر المافيا الروسية من اخطر الجماعات الرتكابها جرائم غير متوقعة وذلك يرجع إلي
حجم نشاطها و اتساع نطاقها اإلجرامي فهي تقوم بشتى أنواع الجرائم مثل سرقة السيارات
وبيعها وتجارة األسلحة وعمليات النصب واالحتيال في مجال التامين الطبي والتامين عن حوادث
السيارات باإلضافة إلي تجارة املخدرات وال يقتصر نشاط المافيا الروسية في روسيا بل يمتد
عالميا إلي دول أخري خاصة الواليات المتحدة حيث نجد مافيا "اوديسا" الموجودة في
كاليفورنيا وعصابة "الشيشان" التي يعتمد نشاط أعضائها علي االبتزازوالقتل المأجوروجماعة
مالينا اورجانيزا التي لها صالت دولية موسعة وترتكب في جرائم مختلفة مثل التدليس ببطاقات
االئتمان واالبتزاز واالحتيال الضريبي (الشوا ,9111 ,ص )11-11وهناك أمثلة كثيرة أخري مثل
المافيا الصينية التي يطلق عليها المثلث الصيني وياكوزا في اليابان ,ومارا سالفاتروشا في
الواليات المتحدة وهي جميعا تلعب دورا إجراميا خطير علي المستوي الدولي من خالل ترابط
هذه الشبكات األمرالذي يودي إلي تهديد األمن العالمي.
شهد العالم بأسره تغييرا ملحوظ في العقود الثالث الماضية الذي يطلق عليه بعصر
العولمة لما فيه من سرعة تنقل المعلومات والبشر والمال و أيضا االندماج الكامل ومعرفة
األخراألمرالذي جعل من الكثيريطلق علي العالم وخصوصا بعد تطويرشبكات االنترنت ومو اقع
التواصل االجتماعي بالقرية الصغيرة لذلك سيعرض هذا المبحث أنواع الجريمة العابرة
للحدود وتهديدها للمجتمع الوطني والدولي في سياق هذا الزمن وسيتطرق أيضا إلي العولمة
والجريمة العابرة للحدود و اتخاذ ليبيا كمثال لما تواجهه من تحديات في مواجهة الجريمة
المنظمة العابرة للحدود.
المطلب األول :أنواع الجريمة العابرة للحدود وتهديداتها للمجتمع الوطني والدولي:
للجريمة المنظمة العابرة للحدود أنواع عديدة وأوجه مختلفة بما في ذلك االتجار
باملخدرات وغسيل األموال واالتجار بالبشر وأعضائهم والههرب الضريبي وتجارة اآلثار واالبتزاز
والسرقة والقتل المأجور وتجارة األسلحة الكيميائية والنووية والقرصنة واإلرهاب وجرائم
الكمبيوتر واختراق األنظمة االلكترونية وبطاقات االئتمان والجريمة البيئية واختطاف
الطائرات ونشرالفساد ( )Edwards and Gill, 2006عدد كبيرمن أنواع هذه الجرائم أصبحت
ترتكب بسهولة بسبب تكنولوجيا االتصاالت والسفر ومن خالل ذلك يشير Galeotإلي ان
مكافحة الجريمة العابرة للحدود أصبحت تمثل مصدر قلق والشغل الشاغل لألمن في القرن
ً
تهديدا الحادي والعشرين ( )Galeotti, 2001وذلك الن الجريمة العابرة للحدود اصبحت تمثل
للدول واملجتمعات المدنية واالقتصاديات الوطنية فعلى سبيل المثال ،يمكن للجهات الفاعلة
غير الحكومية استخدام اإلرهاب لدعم أسبابها السياسية وقد تحصل هذه املجموعات على
القوة من قدرتها على إقامة روابط عبر الحدود الوطنية كما تمثل أنشطهها ً
تحديا لسيادة الدولة
وسالمة الدول المستقلة وتهدد الحكومات وهناك إشكال أخرى للجريمة العابرة للحدود لها آثار
سلبية على الدول ومجتمعاتها مثل غسيل األموال واالتجار باملخدرات والسرقة واالبتزازوتجارة
السالح والبشر التي تؤدي إلى تقليل قدرة الحكومة على فرض سيادتها علي أراضيها ،وتقليل
مصداقية المؤسسات االقتصادية وإضعاف النظم االجتماعية وتتزايد بعض هذه األنواع من
الجرائم العابرة للحدود بسبب العالقات المتبادلة بين الدول فعلى سبيل المثال ،الشكل
ً
شيوعا للجريمة المالية العابرة للحدود هو غسيل األموال وبطاقات االئتمان واختراق األكثر
ً
األنظمة االلكترونية المالية الذي زاد بسبب الترابط بين الدول ( )2008 ،Waliaفوفقا لقاعدة
بيانات "صندوق النقد الدولي" ( ، )IMFفقد تم تقييم أن األنشطة الدولية لغسيل األموال تتغير
من 111مليار إلى 2تريليون دوالر وهي كمية كبيرة من تحويل األموال لذلك ،أصبح تتبع تدفقات
ً
تعقيدا بسبب هذا التحويل اإللكتروني للعملة الذي أصبح رأس المال اإلقليمية والعالمية أكثر
يمثل عائق كبير أمام إدارة االقتصاد العالمي ( )2004 ،IMFكما إن الجانب المظلم من الجريمة
العابرة للحدود هو عالقة اغلب هذه المنظمات اإلجرامية باإلرهاب الذي يهدد األمن القومي
والعالمي حيث رفعت غادة والي المديرة التنفيذية لمكتب األمم المتحدة المعني باملخدرات
والجريمة بان الكثير من "اإلرهابيين والجريمة العابر للحدود يتعاونون علي أساس األراض ي
المشتركة أو المصلحة المشتركة ويعتمدون غالبا علي العالقات الشخصية التي عادت تحدث
في السجون كما قالت أيضا بان اغلب الدول أفادت بان اإلرهابيين يستفيدون من األنشطة
اإلجرامية المنظمة مثل االتجار بالبشر وتهريب المهاجرين واالختطاف بهدف الحصول علي
فدية وكذلك تجارة املخدرات" (األمم المتحدة )2121 ,إن كل هذه األنواع من الجريمة المنظمة
العابرة للحدود والتي تطورت بشكل مرعب وخطير في سياق عصر العولمة أصبحت تمثل خطر
حقيقي علي جميع مستويات األمن سواء أمن اإلفراد وامن الدولة القومية واألمن العالمي.
في العقود الثالثة االخيرة ،أصبحت الجريمة العابرة للحدود قضية تقتصر على بعض
الدول والمناطق ،نتيجة لعوامل تاريخية معينة حتي باتت تؤثربشكل ملحوظ على صانع القرار
السياس ي وتتحول إلى عناصر أساسية تهدد األمن القومي والعالمي ( Godson and Olson,
ً
حاسما في زيادة الجريمة المنظمة العابرة للحدود )1995باالضافة الي ذلك تلعب العولمة ً
دورا
من خالل اقتصاد العولمة والثورة الهائلة في االتصاالت والنقل والتكنولوجيا كما انها لعبت دور
واضح في تقويض الحدود بين الدول حتي اصبحت ال تستطيع السيطرة على البضائع غير
المشروعة والهجرة غير الشرعية واملخدرات والسالح والمال ,ان قوى الطلب والعرض العالمية
خلقت اسو اقا جديدة للسلع والخدمات غير المشروعة التي تقدمها المنظمات اإلجرامية
فمثال هناك طلب كبير على املخدرات ( في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية) ،واألسلحة (في
إفريقيا والشرق األوسط) ،والحياة البرية الغريبة وأجزاء الحيوانات (آسيا) ،واستغالل البشر
تقريبا) وحسب تقرير منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ()OECD ً الذي يعتبر (في كل مكان
ً
مؤخرا أن التجارة الدولية في السلع المقلدة والمسروقة تصل إلى نصف تريليون دوالركما تتمتع
إن الملف األخطرهو الهجرة الغيرشرعية حيث تدفق إلي ايطاليا سنة 2194م عبرالبحراألبيض
المتوسط 911004مهاجرا وهذا يعني حوالي أربعة إضعاف عدد المهاجرين سنة 2193م
( )Malakooti, 2015وعلي الرغم من انخفاض هذا العدد في سنة 2191و أيضا 2191م
والسنوات التي بعدها بسبب تزايد عدد الوفيات في البحر و أيضا عمل خفر السواحل الليبي
الذي استطاع إن يقف إمام الكثيرمن هذه العمليات وإحالة عدد كبيرمن المهاجرين إلي مراكز
إيواء المهاجرين التي أصبحت فيما بعد محل بيع المهاجرين إلي المهربين وذلك الن اغلب هذه
المراكز أصبحت تحت سيطرة المليشيات بشكل فعلي التي تسعي إلي ربح المال بأي طريقة
( )Micallef and Reitano, 2017باإلضافة إلي ذلك وحسب كتاب شاو ومانجان ( Shaw and
ً
)Manganفي كتابهم "االتجارغيرالمشروع وتحول ليبيا :اإلرباح والخسائر" أصبحت ليبيا مركزا
إقليميا لالتجار باملخدرات وكذلك تدفق الهيروين والكوكايين من خالل شمال وشرق وجنوب
إفريقيا عبرالمنطقة الجنوبية الغربية باتجاه مصروأوربا ( )Shaw and Mangan,2194وكذلك
حسب المركز األوربي لرصد املخدرات الذي وصف ليبيا كمركز تحويل ناش ي للميثامفيتامين
الذي يتم إنتاجه في غرب إفريقيا والموجه إلي شرق وجنوب أسيا (المركزاألوربي لرصد املخدرات
واإلدمان.)2191 ,
إن هذا الوضع في ليبيا ساعد في انتشار اإلمراض وزيادة نمو الجريمة العابرة للحدود
بتدفق إعداد كبيرة من المهاجرين سواء األفارقة أو السوريين الذين ال توجد لهم وثائق صحية
حيث إن بعضهم يكون حامل إلمراض خطيرة مثل االيدز وااليبوال والوباء الكبدي والمال ريا,
ً
كذلك انخرط البعض منهم في الجماعات المسلحة واإلرهابية التي عانت ليبيا كثيرا في مواجههها
في بنغازي ودرنة والجنوب الليبي وهذا ال يمثل تهديد ألمن ليبيا فقط بل لألمن العالمي فعلي
سبيل المثال إحداث سبتمبر2119م كانت بسبب هجرة غيرشرعية ترتب عليها مو اقف عالمية
منها احتالل دول كأفغانستان والعراق و أيضا زعزعت الثقة في حوالي مليار مسلم ومعاملههم في
الغرب بشكل عنصري األمر الذي ترتب عليه صراع أديان علي مستوي محلي ودولي هدد بدوره
األمن العالمي.
الـخـاتـمـة:
في اآلونة األخيرة ،واجه حقل العالقات الدولية عدة تحديات ألنه ال يمتلك نماذج واضحة
تغطي جميع األفكار والمفاهيم .لذلك ظهرت العديد من الدراسات والبحوث في العديد من
املجاالت في هذا املجال مثل األمن والبيئة والعولمة ومن الواضح أن األمن هو املجال المهم
الذي يتعلق بجميع الدول ويدرك العلماء والمفكرون أن مفهوم األمن قد تغير في العقود القليلة
الماضية من األمن التقليدي مثل توازن القوى أو القضية العسكرية إلى مفاهيم وفاعلين جدد
ال يهددون فقط أمن الدول القومية ولكن ً
أيضا األمن العالمي وفي هذا الصدد أصبحت الجريمة
العابرة للحدود من أهم المفاهيم التي تم التركيز عليها من العلماء في حقل العالقات الدولية ،
لذلك قام العديد منهم بتعريف الجريمة العابرة للحدود كما قامت بعض المنظمات مثل األمم
ً
معقدا عالوة على ذلك يري العديد من المر اقبين بأن ً
مفهوما المتحدة بتعريفها ،ولكن كان
الجريمة العابرة للحدود قد ازدهرت في الدول الفاشلة أو الضعيفة ،ال سيما في إفريقيا جنوب
الصحراء الكبرى ،وهذه العالقة بينهما تمثل تهديدات حقيقية بسبب أن هناك احتمالية بأن
تكون هذه الدول اقل قدرة في مواجهة المنظمات اإلجرامية العابرللحدود بل أحيانا تصبح هذه
المنظمات أقوى من بعض الدول ،وال سيما الضعيفة منها بحيث تشكل تحديات وتهديدات
لألمن القومي والعالمي لذلك تركز الكثير من الدول على هذه القضية وتعطيها األولوية في
أجندة سياسهها الخارجية ومع ذلك لم يقتصر األمر علي الدول الضعيفة فالجريمة العابرة
للحدود تمكنت من العمل حتى في الدول المتقدمة وكانت أقوى بكثير في إعمالها من الدول
الضعيفة على سبيل المثال ،كان للمافيا في إيطاليا وياكوزا في اليابان تأثير سلبي كبير على
السياسة الداخلية والخارجية في بالدهم وهناك تقرير قدمهها تسريبات ويكيليكس ذكر أن
المافيا في إيطاليا تدعم الجماعات اإلرهابية في أفغانستان وبالتالي ،فإن هذا المزيج المعقد
ً ّ
من الجرائم العابرة للحدود شكل وجهة نظر مختلفة بين الدول وكل فريق يههم فريقا آخر
بزيادتها ،ويطلب كل فريق من اآلخر مراجعة سياساته وأو افق على أن هذا الصراع متاح على
المستويات العالمية بين دول الشمال والجنوب والتي تمثل الههديدات الحقيقية لألمن العالمي
و يصف القسم األخير من هذه الورقة كيف أن الجريمة المنظمة العابرة للحدود أكبر من ذي
قبل في سياق العولمة ،فهي تتكون من العديد من األنواع مثل االتجار باملخدرات والسالح
واآلثاروالبشر وغسيل األموال والهجرة غير الشرعية وتهريب األسلحة والمواد النووية والههرب
الضريبي والفساد كما يالحظ العديد من العلماء أن الجريمة العابرة للحدود تتزايد من خالل
العولمة ويعزون هذا السبب إلى العولمة االقتصادية والتنقل غير المشروع لألشخاص والسلع
ورؤوس األموال بسهولة شديدة ألن القيود الحدودية قد تم تقليلها ،وبعض نقاط التفتيش غير
مبالية وضعيفة في العديد من البلدان باإلضافة إلى ذلك ،يدفع التقدم التكنولوجي الجريمة
العابرة للحدود إلى االرتفاع بسرعة مثل النقل واالتصاالت وخدمات اإلنترنت وسيتم التركيز على
الهجرة غير الشرعية وتجارة املخدرات والسالح واآلثار والربح غير المشروع التي تحدث بشكل
كبير في قارة إفريقيا وباعتبارها تهديدات حقيقية تهدد أمن الدولة القومية واألمن العالمي
وضرب ليبيا كمثال ألنها تقع جغر ً
افيا في شمال إفريقيا وهي كذلك تعتبر بوابة مهمة بين أفريقيا
وأوروبا مما يشكل مشكلة كبيرة بسبب الهجرة غير الشرعية وتجارة املخدرات واآلثار والسالح
وهكذا تواجه ليبيا واالتحاد األوروبي تهديدات خطيرة خصوصا من الهجرة غير الشرعية التي
كلفت الكثير من الجهد والوقت والمال في كافة القطاعات السياسية واالقتصادية واالجتماعية
وبغض النظر عن السياسات الليبية المتردية بسبب الوضع السياس ي واألمني من الواضح أن
الهجرة غير الشرعية كانت تهدد ليبيا قبل االتحاد األوروبي ،وأعتقد أن التحركات غير الشرعية
لألشخاص تمثل مخاطر حقيقية على األمن العالمي ألن العديد من األشخاص المسههدفين
منهم يكسبون المال بطرق غير مشروعة وهي أسباب تكوين العصابات والمليشيات واالنضمام
إلى الجماعات اإلرهابية.
الــمراجــع
األمم المتحدة ,مسئولون أمميون :الروابط العابرة للحدود بين االرهابيين والجريمة
المنظمة تؤكد على الحاجة إلى استجابة عالمية متماسكة 2121اخر زيارة 2129-13-91علي
موقع الكتروني .https://news.un.org/ar/story/2020/08/1059392
بوابة إفريقيا اإلخبارية ,تأكيد سوداني على ضرورة التعاون للحد من الجرائم العابرة
للحدود ,2191 ,موقع الكتروني https://www.afrigatenews.net/articleأخر زيارة -13-11
2122م علي
توفيق بوستي" ,مفهوم األمن في منظورات العالقات الدولية" ,المعهد المصري
للدراسات,2191 ,نسخة الكترونية ,اخراطالع 2122-13-11م.
جهاد محمد البريزات ،الجریمة المنظمة ،دراسة تحلیلیة ،ط األولى ،دار الثقافة للنشر
والتوزیع ،عمان األردن ،سنة .2111
جوزيف .س نأي ،جون.د.دوناهيو ،الحكم في عالم يتجه نحو العولمة ،ترجمة محمد
شريف الطرح ،الرياض ،العبيكان،ط.2112 ,9
حسام محمد السید أفندي ،التشكیالت العصابية في القانون الجنائي ،دراسة مقارنة،
دار النهضة العربیة ،القاهرة مصر ،سنة.2011
شریف سید كامل ،الجریمة المنظمة في القانون المقارن ،ط األولى ،دار النهضة العربیة،
القاهرة مصر ،سنة .2119
طارق سرور ،الجماعة اإلجرامية المنظمة ،دراسة مقارنة ،دار النهضة العربیة ،القاهرة
مصر ،سنة. 2005
عبد الفتاح علي الرشدان ,تطور مفهوم األمن العالمي في عالم متغير ,دراسات ،العلوم
ّ
2191, العدد3 ، 46 املجلد واالجتماعية، اإلنسانية
https://search.mandumah.com/Search/Results?lookfor=%22%D8%A7%D9%84
%D8%A7%D9%85%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9
%85%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A%22&type
=Subject
محمد سامي الشوا ،الجریمة المنظمة وصداها على األنظمة العقابیة ،دار النهضة
العربیة ،القاهرة مصر ،سنة ,9111ص .11-11
محمد عبدالله يونس " ,كيف ّ
تغير العالم بعد ً 31
عاما من سقوط حائط برلين؟,
المستقبل لالبحاث والدراسات المتقدمة ,2191 ,موقع الكتروني ,تم زيارة الموقع 2122 -13-11
يول ريتون ،فانوس األمن الدولي ،ابو ظبي ،مركز األما ا رت للد ا رسات والبحوث
اإلستارتيجية2009،
المراجع األجنبية
BBC, (2003) ''US attacks Belgium war crimes law'' [online] last accessed on
15-06-2122 at
http://news.bbc.co.uk/1/hi/world/africa/7734985.stm.
BBC, (2010) ''Opium addiction fuels Afghan chaos'' [online] last accessed
on 13-06-2122at
http://news.bbc.co.uk/1/hi/world/south_asia/8687734.stm.
Cook, R. (2005) '' The Struggle against Terrorism cannot be won by military
means''[online] last accessed on 20-06-2122at
http://www.guardian.co.uk/uk/2005/jul/08/july7.development.
EU Business, (2010) ''EU offers Libya aid to stop migrations'', [online] last
accessed on 22-06-2122at http://www.eubusiness.com/news-eu/libya-
immigration.6fh.
file:///C:/Users/akram/Desktop/non-
Globalized%20states%20pose%20A%20Threat.htm.
http://www.wjin.net/pubs/1953.doc?PHPSESSID=d93aff7c768da982e48a
eeb0967d67ff.
http://books.google.co.uk/books?id=olzNB7A5zOwC&pg=PA5&dq=types+of+tr
ansnational+crime&hl=en&ei=rQJQTZieC42shAfz8839dg&sa=x&oi=book_result
&ct=book-
thumbnail&resnum=1&sqi=2&ved=0cdeq6wewaa#v=onepage&q=types%20f%2
0transnational%20crime&f=false.
Ripsman, M. (2010) '' Globalization and the National Security State'', New
York: Oxford University Press.
Ruggiero, V. (1996) '' Organized Crime between the Informal and Formal
Economy'', [online] last accessed on 16-06-2122 at
http://www.securitytransformation.org/images/publicationes/163_working_pa
per_4_-
Organized_Crime_Between_the_Informal_and_the_formal_Economy.pdf.
Saier, M.H., Trevors, J.T. Global Security in the 21st Century. Water Air Soil
Pollut 205, 45–46 (2010).
https://doi.org/10.1007/s11270-007-9522-xi
Shaw, M. & F. Mangan. 2014. Illicit trafficking and Libya’s transition: profits
and losses. Washington, DC: United States Institute of Peace.
وقد حرصنا على تحديد مفهوم التفكك األسري وماهيته وكذا األسباب والعوامل التي
تتداخل لتبرزهذه اآلفة االجتماعية ،وذلك من خالل تعريف هذا المفهوم من جوانبه املختلفة
وتبعا للظروف واألحوال التي تحيط بهذه الظاهرة .كما حاولنا مقاربة مختلف الدو افع والعلل
التي تحدث داخل املحيط األسري فتساهم بشكل أو بآخر في بلورة التصدع والصراع بين أفراد
األسرة الواحدة ،والتي من المفروض أن يغمرها التعاون والتآزر والتالحم واالنسجام بين جميع
مكوناتها.
أما في الشق الثاني من هذه الدراسة ،فقد تطرقنا إلى آثار و انعكاسات التفكك األسري
على مستقبل األوالد ،بحيث تمحورت المرحلة األولى حول تداعيات هذه الظاهرة على مستقبل
األبناء بصفة عامة من الجانب الصحي والنفس ي والوضع االجتماعي ،في حين خصصت المرحلة
الثانية آلثارالتفكك األسري على التحصيل الدراس ي لألوالد و انعكاساته السلبية والخطيرة على
مسارهم الدراس ي وتدمير مستقبلهم و إقبارطموحاتهم وأحالمهم في تحقيق غد أفضل ورغبة في
نيل ظروف العيش الكريم.
وقد اختتمت هذه الدراسة بجملة من الخالصات واالستنتاجات حول هذه اآلفة
االجتماعية الخطيرة و آثارها المدمرة ،فضال عن الخروج بعدة اقتراحات وتوصيات للحد من
انعكاساتها على األبناء.
مقدمة:
إن الوسط األسري الذي يعيش فيه الطفل له أهمية بالغة وتأثير كبير في بناء شخصيته
وتشبعه بجملة من القيم واألفكار واألخالق والمو اقف ،فإذا كانت األجواء األسرية يسودها
التفاهم والتعاون واالستقرار ،فإن ذلك له وقع إيجابي على نفسية األوالد ،والتي غالبا تكون
سوية ومتوازنة مما يشجعها على اإلجههاد والعطاء داخل مختلف مجاالت الحياة االجتماعية،
وهو ما يساهم دون أدنى شك في الدفع بعجلة املجتمع نحو مزيد من التقدم واالزدهار.
وعلى النقيض من هذا ،فإذا كان املحيط األسري ملغوم باالضطراب والصراع بسبب
تفكك الروا بط العائلية وغياب السلطة الضابطة التي ستوجه وتحكم سلوك األطفال خالل
مختلف مراحل حياتهم ،وخاصة خالل مرحلتي الطفولة والمراهقة باعتبارهما المنطلق لتكوين
شخصية الطفل مستقبال ،فإن انعكاسات هذا الوضع تكون كارثية على وضع األوالد سواء من
حيث فشلهم في إكمال مسارهم الدراس ي أو من حيث انخراطهم في بؤر اإلجرام واالنحراف ،وهو
ما يجعلهم عالة على مجتمعهم وعقبة في وجه كل املجهودات المبذولة من أجل رقيه ونموه.
وحتى نحيط بكل جوانب هذا الموضوع فإننا سنقسمه إلى محورين اثنين هما :المبحث
األول :تعريف التفكك األسري وأسبابه .المبحث الثاني :آثار التفكك األسري على مستقبل
األطفال.
إن تأطيرمفهوم التفكك األسري واإلحاطة بكل جوانبه يقتض ي تحديد هذا المفهوم أوال
( المطلب األول) ،ثم بعد ذلك تحديد أسباب نشأته و انتشاره داخل أوساط األسر خاصة
واملجتمع عامة ( المطلب الثاني ).
يقصد بالتفكك من حيث اللغة انفصال أجزاء الش يء عن بعضها البعض ،بحيث تصبح
قطعا مفككة وليست وحدة متكاملة ومتراصة.
أما في االصطالح فالمراد بالتفكك انهياروحدة اجتماعية وتداعي بنائها واختالل وظائفها
وتدهور نظامها ،سواء كانت هذه الوحدة شخص أم جماعة أم مؤسسة أم أمة بأسرها ،وهو
عكس الترابط والتماسك(.)357
فالتفكك األسري انهيار الوحدة األسرية وتحلل أو تمزق نسيج األدوار االجتماعية ،وذلك
عندما يخفق فرد أو أكثرمن أفرادها في القيام بالدورالمنوط به على نحو سليم ،وبمعنى آخرهو
رفض التعاون بين أفراد األسرة وسيادة عمليات الصراع بين أفرادها(.)358
وقد تنوعت التسميات لكن المغزى يظل واحدا ،وهكذا فقد سماه البعض بالتصدع
األسري كحالة من الخلل الوظيفي نتيجة لخالفات أو تخلي أحد الوالدين عن األدوار األساسية
المنوطة به ،مما يؤدي إلى خلل وظيفي عام لعمل األسرة ككل.
أما من الناحية االجتماعية ،فإن التفكك األسري يشير إلى الفشل في الدور التربوي
الرئيس ي لألسرة ،حيث ينخفض مستوى مساهمهها في عملية التنشئة االجتماعية وفي بناء
شخصية الفرد بصورة مستمرة وضبط سلوكه وتوجيهه وفق متطلبات الحياة( ،)359فهو انهيار
الوحدة األسرية و انحالل بناء األدواراالجتماعية ألفراد األسرة(.)360
إن التفكك األسري ناتج عن حدوث أو ظهورمرض ،آفة ،فساد ،ضعف ،هوان ،وهن على
هذه الرابطة ،على هذا الميثاق ،على هذه الجامعة بأسباب متعددة(.)361
-357معجم العلوم االجتماعية ،نخبة من األساتذة في علم االجتماع ،مطبعة الهيئة المصرية للكتاب – طبعة سنة -0270ص
.001
-358األسرة والبيئة – أحمد يحيى عبد الحميد – المكتب الجامعي الحديث باإلسكندرية –مصر -طبعة – 0221ص .72
-359أسباب الجريمة وطبيعة السلوك اإلجرامي – عدنان الدوري -دار السالسل – الطبعة الثالثة – 0212ص .001
-360دراسة تحليلية للعوامل المرتبطة بالتفكك األسري للعائلة العراقية بعد سنة – 0112فخري صبري عباس – طبعة
0101م.
-361مداخلة لألستاذ محمد أبياط :آثار مشكالت التفكك تصيب المجتمع كامال وأسبابه غياب التربية اإليمانية – مائدة مستديرة
من تنظيم جمعية المبادرة الثقافية بفاس بتاريخ 2يناير .0100
األمد خارج البالد لما تتيحه من عائد مادي كبير .أما عن الصور األخرى الغير إرادية التي ال
سيطرة ألحد عليها ،والتي ينتج عنها تفكك األسرة فهي أربعة :فقد تكون وفاة أحد األبوين أو
كالهما ،أو تكون السجن الطويل المدة ،أو تكون التجنيد للحرب والقتال في بالد بعيدة عن
الوطن ،أو تكون النزوح الفجائي خوفا من األعداء املحتلين وتشتت األسرة نتيجة ذلك(.)362
ويتخذ التفكك األسري صورا وأشكاال متعددة تبعا لتغير ظروف وأحوال األسرة داخل
املجتمع ،إال أنه غالبا ما يتمثل في نوعين اثنين هما:
التفكك النفس ي :وينعت كذلك بالتفكك المعنوي ،إذ يكون الوالدان موجودان
جسديا ولكن هناك خالفات مستمرة بينهما ،بحيث يقل داخل هذه األسر احترام حقوق األفراد
وال يشعر فيه األبناء باالنتماء ،ويظهرفي التفكك المعنوي االضطراب الذي يسود العالقات بين
أفراد األسرة وسوء التفاهم الحاصل بين الوالدين و انعكاساته على شخصية األوالد ،وجهل
الوالدين بأساليب التربية السليمة(.)363
التفكك البنائي :ويسمى كذلك بالتفكك المادي والذي ينشأ من غياب الوالدين أو
أحدهما ،إما بالموت أو الطالق أو االنفصال أو االنشغال(.)364
وينقسم التفكك المادي بدوره إلى تفكك أسري جزئي ناتج عن حاالت االنفصال والهجر
المتقطع ،حيث يعود الزوجان إلى الحياة األسرية غيرأنها تبقى حياة مهددة من وقت آلخربالهجر
واالنفصال ،ثم تفكك أسري كلي ناتج عن الوفاة أو الطالق أو مقتل أحد الزوجين أو كالهما(.)365
إن أسباب التوترأو الصراع األسري قد تعود إلى أسباب شخصية أو اجتماعية أو ثقافية
مع مراعاة أن الصراع ال يحدث بسبب عامل واحد ،فهو يأخذ الطابع التدريجي التراكمي الذي
تحكمه عمليات متداخلة يصعب فصل بعضها عن بعض ،ومن هذه العمليات العوامل
المزاجية التي ترجع إلى ارتباط مجموعة من الصفات الوراثية ،والتي تحدد ردود الفعل
-362بحوث إسالمية في األسرة والجريمة والمجتمع – حسن الساعاتي – دار الفكر العربي – القاهرية – طبعة – 0220
ص 20و.20
-363األحداث المحرفون – علي محمد جعفر – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت – طبعة -0222ص
.00
-364المرشد األسري – أمين ماهر – حرف للنشر والتوزيع – ص .00
-365التفكك األسري وعالقته بانحراف الفتيات في األردن – نادية هايل العمرو – رسالة ماجستير – جامعة مؤتة سنة
0117م – األردن – ص .02
االنفعالية والعاطفية عند الفرد ،ومنها أيضا األنماط السلوكية المتعارضة عند الزوجين
كمسائل األخالق وطرق التنشئة االجتماعية والتربية و اتخاذ القرارات ومعاملة اآلخرين وما إلى
ذلك.
كما توجد عمليات متعددة وعوامل أخرى تجعل الصراع مستمرا في نطاق األسرة ،مما
قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك األسرة أو انهيار الكيان العائلي كلحمة تجمع مجموعة من
األفراد وتؤلف بين قلوبهم وتحمي حقوقهم وتؤمن مصالحهم.
وعلى الرغم من تعدد األسباب والعوامل المتداخلة في نشأة التفكك األسري فإنه يمكننا
إجمالها في العناصراآلتية:
أوال :األسباب النفسية :وفي مقدمهها غياب األمن النفس ي داخل املحيط األسري ،سواء
من الناحية الوجدانية أو الجسدية مما يخلق قصورا عاطفيا ناتجا عن عدم اإلشباع العاطفي،
وهو ما يضطر أفراد األسرة إلى البحث عنه خارج مؤسسة الزواج عن طريق ربط عالقات غير
شرعية مع األجانب عن الكيان األسري.
كما أن غياب النموذج األمثل وهو القدوة الحسنة داخل األسرة سواء من الوالدين أو
األشقاء ،ومن ثم يعيش الفرد وخاصة األطفال بال تحفيزأودافع أونموذج حي لالقتداء به والسير
على خطاه ،وهوما يخلف ضعفا كبيرا في مجال الدعم النفس ي والتعزيزاإليجابي لألوالد على وجه
الخصوص.
هذا باإلضافة إلى سيادة النزعة الذاتية وطغيان األنانية داخل النسيج األسري ،وهو ما
يخلق صراعا كبيرا بين أفراد األسرة من أجل فرض الذات ولو على حساب باقي مكونات البنيان
األسري.
ومن جانب آخرفإن كثرة الضغوطات النفسية إما بسبب ظروف العمل أوبعض األمراض
والعاهات تساهم بشكل كبير في تدهور العالقات بين أفراد األسرة ،وتخلق أوضاعا نفسية غير
سليمة يؤدي ضريبهها األبناء بدرجة أولى.
كما تلعب األنماط السلوكية المعبرة عن االستجابات المكتسبة للفرد في وضع اجتماعي
معين دورا مهما في بلورة التفكك األسري ،خاصة وأنها تتعرض للتغييروالتعديل حسب األوضاع
والمو اقف ،فالمالحظ أن هذه األنماط مكتسبة وتعرف استقرارا عند الزواج إذ يصعب تغييرها
بعد ذلك.
والشك أن األفراد يختلفون فيما بينهم من حيث األنماط السلوكية حسب تجاربهم في
أسرهم ،فبعض األسر يكون األب فيها صاحب الكلمة النهائية ،وفي البعض اآلخر تكون الكلمة
لألم ،وهذا ال ينفي وجود نوع ثالث تكون مسؤولية األسرة فيها قسمة مشتركة بين األب واألم(.)366
كل هذا يبرز مدى تأثير العوامل النفسية واألنماط السلوكية في ظهور التفكك األسري،
وهي أسباب خطيرة ومتداخلة يصعب فصل بعضها عن البعض االخر أو التحكم فيها للحد من
تداعياتها على أوضاع األسرة نفسيا وسلوكيا.
من بين األسباب الرئيسية النتشارظاهرة التفكك األسري نجد عدم استقاللية مؤسسة
األسرة عن محيطها ،بحيث يتدخل األهل واألقارب واألصدقاء بشكل صارخ في تدبير الشؤون
الداخلية لألسرة ،وهو ما يوسع الهوة بين مكونات البنيان األسري ويرفع من حدة الصراع بينها.
فاملحيط االجتماعي لألسرة له دوركبيرفي تحقيق استقرارها إذا كان تدخله إيجابيا يصب
في مصلحة جميع أفرادها ويقوي روابط التضامن والتعاون بينهم ،لكن الغالب في وقتنا الحاضر
هو التأثير السلبي لهذا املحيط على استمرارية النسيج األسري وتدعيم بنيانه حتى يضطلع
بأدواره المهمة داخل املجتمع ككل.
كما أن التنشئة االجتماعية السلبية التي خضع لها الزوجين تساهم بشكل كبير في
استفحال آفة التفكك األسري ،ذلك أن تكوينهما الهش يفسح املجال لقيامهما بسلوكات
وممارسات تتنافى وميثاق الحياة الزوجية ويمنعهما من القيام بدورهما الفعال داخل املحيط
-366المشاكل االجتماعية والسلوك االنحرافي – محمد عاطف غيث – دار المعرفة الجامعية اإلسكندرية – طبعة 0220م –
ص .071
األسري ،ناهيك عن تسهيل مأمورية األجانب للتدخل والتأثير على مسار الحياة الزوجية بسبب
ضعف شخصية الزوجين وهشاشة تكوينهما نفسيا وثقافيا وصعوبة انخراطهما بفعالية في بناء
أسرة مستقرة ومتكاملة.
فالعامل االقتصادي له أهمية كبيرة في تحقيق االستقرار األسري ،إذ في ظل تخلف مورد
قار لرب األسرة ،يصعب تلبية المتطلبات الكثيرة والمتزايدة للحياة األسرية ،خاصة إذا لم
يتفهم باقي أفراد األسرة الوضعية الصعبة التي يمر منها معيلهم الوحيد والمسؤول عن تلبية
حاجياتهم.
كما أن خروج المرأة للعمل و انخراطها في تدبير شؤون األسرة ماديا ساهم بدوره في خلق
أزمة صراع األدوار بين الزوجين ،مما ترتب عنه تملص أحد الطرفين من مسؤولياته والتزاماته
بداعي قدرة الطرف اآلخرعلى القيام بذلك لوحده لكونه يدخل في صميم واجباته.
إن أساس بناء األسرة على أسس متينة وقيامها بوظائفها النبيلة يقوم على مدى التزامها
بالضوابط الشرعية المؤطرة لها والمنظمة لكل جوانبها ،لذلك فإن الخروج عن هذا اإلطار
الشرعي من خالل عدم الوفاء بااللتزامات وتحمل المسؤوليات في مقابل التمتع بالحقوق يؤدي
إلى اختالل موازين البنيان األسري ،فيساهم بذلك في ظهور التفكك األسري بمختلف مظاهره
وتجلياته.
فغياب او تغييب الروابط الدينية التي تحضن الحياة الزوجية من كل األخطار التي قد
تلحقها وتهدد وحدتها واستقرارها ،بحيث تظهر بعض الممارسات املجانبة للصواب كالخيانة
الزوجية والغدر واالنتقام من الطرف اآلخر ألتفه األسباب والمبررات الواهية ،مما يؤجج حدة
الصراع والخالفات بين أفراد األسرة وخاصة بين الزوجين.
كما أن بعض الهفوات التشريعية غالبا ما تساهم في خلق نزاعات بين أفراد األسرة ،إذ ال
ترتكزعلى أسس ومنطلقات منطقية تراعي و اقع ومحيط هذه المؤسسة المهمة داخل النسيج
االجتماعي ،كما ال تستجيب لتطلعات وحاجيات أفرادها وتكرس النزعة الذاتية واألنانية مما
يسهل عملية التفرقة بينهم.
ورغم كل اإلصالحات والتعديالت التي أدخلها المشرع الوضعي على قوانين األسرة
بتعاقب الحقب والعصور إال أنها ظلت قاصرة عن تحقيق األمن األسري ،مما ترك هذه الخلية
المهمة داخل املجتمع تتخبط في مشاكلها وتتفاحل أزماتها بشكل مستمر ،وهو ما أدى الى
إفراغها من محتواها الروحي وحولها إلى قفص غير مرغوب فيه بل أصبح متجاوزا في عصر
التباهي بالحريات الفردية وسيطرة االنحالل األخالقي.
كما أن اكتساح وسائل التواصل االجتماعي لهذه المؤسسة زاد من تكريس العزلة
والتفرقة بين أفرادها ،وذلك في ظل غياب التأطير والتقنين األمثل لكيفية استغالل هذه
الوسائط لخدمة مصالح أفراد األسرة وتمتين روابط املحبة والتعاون بينهم عوض تسخيرها
لتشتيت الشمل و إثارة الفتنة والصراعات بينهم.
بحيث لوحظ في اآلونة األخيرة تفش ي ظاهرة الخالفات األسرية بسبب االستعمال غير
اآلمن لوسائط التواصل الحديثة ،اذ يتم استغاللها بشكل عشوائي وبشع اللحاق أضراروخيمة
بمؤسسة األسرة من خالل زعزعة الثقة التي من المفروض أن تكون سائدة وسط املحيط
األسري ،خاصة وأن مسألة الثقة واألمن األسري أساس تقوية الترابط والتآزر بين جميع أفراد
األسرة ومواصلة التضحيات من أجل الرقي بمستواها اجتماعيا و اقتصاديا ونفسيا ،وهو ما
سيحقق االستقرار األسري المنشود والذي يعتبر منطلقا لكل اإلنجازات التي سيحققها أفراد
األسرة وفي مقدمهها التحصيل الدراس ي الجيد والمثمر.
إن المشاكل األسرية عامة والتفكك األسري على وجه الخصوص له آثار سلبية على
األطفال من الناحية الجسدية والنفسية والعقلية ،كما تؤثرهذه المشاكل كذلك على سلوكهم
وطريقة تعاملهم مع محيطهم إذ ينتابهم شعور دائم باالضطراب والقلق و انعدام الثقة في
النفس.
لكل ذلك سنحاول استعراض آثارالتفكك األسري على حياة األوالد بشكل عام (المطلب
األول) ،ثم تأثيرذلك على تحصيلهم الدراس ي بشكل خاص (المطلب الثاني).
إن تنشئة الطفل نفسيا ورعايته في المرحلة األولى من حياته لها أثر بالغ في حياته وفي
تاريخه السلوكي فيما بعد ،فإذا لم يقم بها الوالدان أو القائمان على شؤون الطفل على أسس
سليمة من الصحة النفسية ،فإنها سوف تؤدي به إلى مسالك خطيرة ال يستطيع االنفكاك منها
في المستقبل(.)367
فالتنشئة األولى للطفل هي األساس والمنطلق إما نحو حياة سلبية يطبعها االستقرار
واالجههاد والعطاء أو نحو حياة مضطربة ينتابها القلق المؤدي إلى االنحراف والدمار صحيا
ونفسيا واجتماعيا.
فمما الشك فيه ،أن للوسط األسري الذي يعيش فيه الطفل أثر بالغ على شخصيته
وقيمه و أفكاره وسلوكه ،فإذا كان الجو األسري يواجه االضطراب نتيجة تفكك العالقات
االجتماعية بين األفراد ،وغياب السلطة الضابطة التي توجه وتحكم سلوك الطفل في مختلف
مراحل حياته وخاصة مرحلتي الطفولة والمراهقة ،وذلك باعتبارهما األساس الذي تتكون منه
شخصية الطفل مستقبال ،وقد بينت بعض الدراسات الميدانية أن أغلب األطفال الذين كان
مصيرهم الشارع و اتجاههم فيما بعد إلى سلك الجريمة والعنف كانوا ينحدرون من أسر
مفككة(.)368
فحرمان الطفل من إشباع رغباته وحاجاته سواء في المنزل أو المدرسة قد يدفعه إلى
تصرفات تتسم بالشذوذ واالنحراف كوسيلة لحل مشكلة الكبت التي يعانيها ،وكلما ازداد
الشعور بالحرمان كلما تعرضت ذات الفرد لالضطراب وامتألت نفسه بمشاعر القلق والتوثر،
خاصة إذا كان اإلنسان صغيرا لم يتدرب بعد على تحمل قدركافي من الحرمان.
كما أن عدم تحقق آمال الطفل في البيت ،فإنه يجد في السلوك المنحرف سبيال لتحقيق
رغباته المكبوتة ،فيظهر الصراع داخل أوساط األسرة المهملة التي تقود الطفل تدريجيا نحو
-367األحداث المنحرفون – علي محمد جعفر – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت – طبعة -0222ص
.00
-368عوامل االنحراف االجتماعي لدى الشباب واستراتيجيات التكفل والعالج -خالد عبد السالم – ص .001
التشرد والتسول وبدء الممارسة الجانحة هروبا من جحيم البيت ومشاكله ،فعدم إشباع رغبات
الطفل تدفعه إلشباعها بمختلف الوسائل كاللجوء إلى العصابات ،حيث يجدون في هذا السبيل
متنفسا لكبههم وبديال عن خيبة أملهم داخل محيطهم األسري(.)369
يتبين إذن أن للتفكك األسري آثارا وخيمة على األطفال سواء من الناحية النفسية أو
العقلية بل وحتى الجسدية ،مما يؤثر على سلوكهم بشكل كبير جدا وهو األمر الذي تكون له
تبعات سلبية على السلوك العام للمجتمع ككل.
ورغم ذلك ،فاألوالد هم األكثرتأثرا بالتفكك األسري من خالل سيطرة الغضب واالنفعال
على سلوكهم وضعف مردوديههم على جميع المستويات ،وذلك بفعل الدمار الداخلي الذي
يعيشونه ويحاولون تجاوزه من خالل احتراف اإلجرام واستخدام املخدرات والعقاقير.
إن هذا الوضع الصعب يجعل األطفال أكثرعرضة للمشاكل الصحية واألمراض العقلية
والعقد النفسية التي يستعص ي عالجها فيما بعد ،وهو ما سيؤثر سلبا على اندماجهم داخل
النسيج االجتماعي إذ يفضلون العزلة والعزوف عن التواصل مع اآلخرين لفقدهم األمان والثقة
في جميع مكونات األسرة بل في أفرادا ملجتمع ككل.
ونتيجة ذلك يتحول الطفل إلى كتلة من العناد والعدو انية تكون على استعداد دائم
لالنحراف وتعاطي أعمال التدمير والتخريب ،مما يكرس لديه النزعة األنانية واالنطوائية إذ ال
تهمه إال ذاته وتلبية رغباته المكبوتة داخل محيط أسرته المنهارة ،كما ال يستطيع بل ال يرغب
في تحمل أي مسؤولية إلحساسه باإلحباط والنقص والدونية ،وغالبا ما يحقد على اآلخرين
العتقاده بأن الجميع أفضل منه ويعيشون في ظروف مواتية في حين يعاني هوالحرمان واإلقصاء
والههميش.
كل هذه الممارسات االنحر افية واألحاسيس غير السوية تؤثر بشكل كبير على األسرة
واملجتمع معا ،إذ يسيطر الصراع والخالف على أجواء املحيط األسري كما يسبب ذلك اختالال
في العديد من القيم التي ينبني عليها املجتمع ويعمل جاهدا على تكريسها وترسيخها بين جميع
مكوناته وفي أذهان وسلوكيات أفراده ،وذلك مثل الترابط والتضامن والتعاون والتسامح
ومساعدة املحتاج والوقوف بجانبه وغيرها من القيم والمبادئ اإليجابية والفاعلة في تماسك
املجتمع واستمراره.
وقد زادت سرعة التطور التكنولوجي والمعلوماتي من حدة تأثير التفكك األسري على
األطفال ،وذلك في ظل مجموعة من التحوالت التي لحقت األسرة و انعكست على وظائفها
ومهامها كمؤسسة اجتماعية رائدة للتنشئة السليمة لألبناء.
وهكذا ،فقد ساهم التفكك األسري في تغييب دور الرقابة والتوجيه والمصاحبة
والتواصل داخل الوسط األسري ،مما وسع الهوة بين مكونات األسرة الواحدة وكرس االبتعاد
عن قيم املجتمع وعاداته وساهم في زيادة معدل االنحراف واإلجرام في صفوف الشباب.
فمهما حاولنا حصر آثار التفكك األسري على األطفال فإننا لن نستطيع ذلك مادامت
انعكاسات هذه الظاهرة الخطيرة تتطورباستمرار ،وذلك تماشيا مع تطورظروف الحياة ونسقها
المتسارع ،ومع ذلك يمكننا الجزم بأن التفكك األسري يشكل كابوسا مخيفا وسالحا فتاكا يدمر
مستقبل األطفال ويرمي بهم في أوكاراالنحراف والفساد وهو ما يؤثر بشكل كبير على نمو املجتمع
ككل وتقدمه وازدهاره.
إن التحصيل الدراس ي الجيد لكل طفل يتوقف على تداخل مجموعة من العوامل التي
تتفاعل فيما بينها لتخلق األجواء والظروف المواتية لذلك ،وتعتبراألسرة عامال مهما إلى جانب
المدرسة واملجتمع ،إال أن املحيط األسري يعد أساسا ومنطلقا للتفوق الدراس ي والذي يتواصل
ويكتمل داخل المؤسسات التعليمية التي تشكل أسرة ثانية مكملة لألسرة األم.
فإذا كان تكوين الطفل من الناحية المعرفية واألخالقية واالجتماعية يتم داخل األسرة
بشكل تلقائي دون تأطيررسمي ،فإنه على العكس من ذلك داخل المدرسة التي تحكمها ضوابط
تنظيمية وبرامج تربوية رسمية في أجواء تنافسية على التحصيل الدراس ي بمعايير النجاح
والرسوب ،في حين يشكل املحيط االجتماعي وسطا تقع فيه جملة من التفاعالت املختلفة والتي
قد تدعم ما بنته األسرة والمدرسة أو تهدمه لوجود تناقض بين ما تلقاه الطفل داخل محيطه
األسري والوسط المدرس ي وبين ما يعيشه حقيقة في الشارع.
فاالنسجام والتكامل بين هذه المؤسسات الثالث هو الذي يمكن الطفل من التحصيل
الدراس ي المثمر ،غيرأن انهيارالركن األساس ي في هذا المثلث ،والذي تمثله األسرة يعرقل المسار
الدراس ي لألوالد ويهدد مستقبلهم بل يدمر حياتهم ككل من خالل فشلهم في إكمال دراسههم
وركونهم إلى االنحراف واإلجرام بمختلف مظاهره وتجلياته.
إن االنهيار العاطفي والعالقات السيئة بين أفراد ألسرة ونوعية العالقة القائمة بين
الزوجين تنعكس سلبا على األطفال وتؤثر على سلوكهم ،ألن عالقة الوالدين بالطفل تكون أكثر
تأثيرا على شخصيته ،وبالتالي تؤدي إلى عرقلة مسيرة تعلمه وضعف تحصيله والذي يشكل حالة
مرضية خاصة ،باإلضافة إلى العالقات األسرية الغير جيدة واألجواء المكهربة التي تؤثر عليه
وعلى دراسته(.)370
وقد اثبتت مجموعة من االحصائيات الكثيرة والمتعددة والتاي ال يسمح املجال بذكرها
وسردها أن التفكك األسري عامل أساس ي في الرسوب الدراس ي وارتفاع نسبة الهدر المدرس ي،
بحيث توجد عالقة وطيدة بين العاملين معا فكلما اشتدت حدة التصدع والخالف بين الزوجين
كلما سبب ذلك فشال دراسيا ذريعا لألبناء ،اذ غالبا ما ينقطعون عن الدراسة في سن مبكرة
لعدم توفراألرضية المالئمة للتحصيل الدراس ي الفعال والنافع لألطفال واألسرة واملجتمع .
يتضح إذن أهمية العامل األسري في تحقيق التحصيل الدراس ي الجيد ،والذي تساهم
فيه الوضعية االقتصادية واالجتماعية لألسرة بشكل كبير ،وهذا ما أكدته عدة دراسات علمية
حديثة ومن بينها الدراسة التي نشرها الباحث RISMANعام 9102من خالل كتابه المعروف
بعنوان "الولد املحروم التراث" ،والذي يبين فيه أن الولد املحروم يميل إلى التقليد أي التمسك
بالعادات القديمة واالهتمام باألمور العملية واحتقار األمور العلمية العقلية ،فالبيت الفقير
-370أصول التربية وعلم النفس – محمد رفعت رمضان – دار الفكر العربي للنشر – القاهرة – الطبعة الخامسة 0202م –
ص .020
المعدم يكون عادة خاليا من عوامل التشجيع على التحصيل المدرس ي الرفيع ،ولذلك نجد
الناش ئ نفسه غيرقادرعلى البقاء في المدرسة(.)371
فالتفكك األسري سبب مباشر في االرتفاع المهول لنسبة الرسوب الدراس ي وكذا الهدر
المدرس ي ،وذلك لكون األسرة هي صمام األمان لحياة الطفل وتأمين مستقبله ،فالمسيرة
الدراسية لألبناء تظل مستقرة ما دام الوضع األسري كذلك ،وما أن يحصل أدنى تشنج في
العالقة بين الزوجين حتى تتحول حياتهم إلى كابوس قاتل ونفق مظلم يسوده الخوف
واالضطراب.
فاالنفصال أو الشجار الدائم بين األب واألم يخلق لدى الطفل حالة من االرتباك
الدراس ي ،وذلك بجنوح التلميذ وتهربه من المدرسة وإهمال واجباته الدراسية ،وهو ما يؤدي
بشكل آلي إلى التكرارالمستمر ،وبالتالي االنقطاع عن الدراسة في ظل غياب االهتمام لدى األسرة
وتتبعها لمسارالطفل الدراس ي وتشجيعه وتحفيزه وتوجيهه الوجهة الصحيحة.
فالصراعات داخل األسرة لها تأثير كبير على شخصية الطفل ومستوى نضجه الفكري
والمعرفي ،بحيث أنها تشتت الفكروتقيد التركيزولها آثارجانبية منها الرسوب والفشل الدراس ي
المؤدي ال محالة إلى الهدر المدرس ي.
فاألسرة هي المكان األول لنموالطفل فكريا وروحيا وجسميا خالل السنوات الست األولى
من عمره ،إضافة إلى دورها في التكامل مع المدرسة بعد هذه المرحلة العمرية ،لذا فإن أهم
األدوار التي ينبغي على األسرة القيام بها لمشاركة المدرسة في رعاية سلوك األبناء وتقويمه
لتنمية وتحقيق سلوك أفضل لديهم حتى يكونوا أبلغ نفعا ألنفسهم وأسرهم ومجتمعهم حاضرا
ومستقبال(.)372
-371التربية المتجددة وأركانها – حنا غالب – مطبعة بيروت – طبعة 0200م – ص .27
-372المرجع في اإلرشاد التربوي – هدى حسيني بيبي – دار أكاديميا – بيروت – طبعة 0111م – ص .200
إن الجو األسري الذي يعبر عن مدى تماسك أو تفكك العالقات الزوجية التي يؤدي من
خاللها إلى الطالق فيكون مردود الطفل المدرس ي إما إيجابيا أو سلبيا ،فطالق الوالدين قد يلقي
الطفل في أحضان االنحراف والمنزل يمكن أن يكون السبب في كره الطفل للمدرسة ،وذلك
عندما ال تيهئ له األسرة الجو المناسب لمراجعة دروسه ،فإذا كان الطفل مع أمه المتزوجة فقد
تكون معاملة زوج األم سيئة ،أما إذا كان األب متزوجا فقد تكون زوجة األب أيضا تمارس القسوة
عليه ،كما أن عدم االهتمام بالطفل من طرف األب أو األم المنفصلين ،وبالتالي انسداد نفسية
الطفل وهروبه الدائم من مراجعة دروسه وعدم القيام بواجباته المدرسية فيتأثر الطفل
دراسيا(.)373
كل هذا يبرز وجود عالقة ترابطية وطيدة بين التفكك األسري والفشل الدراس ي ،بحيث
أنه كلما زادت حدة االنفصال بين الوالدين كلما تأثر الطفل سلبيا بذلك خاصة في مجال
تحصيله الدراس ي الذي يحكم عليه بالفشل مبكرا لعدم توفر الظروف المواتية لالجههاد
واالبتكارواإلبداع.
فاألسرة التي تعاني من حاالت التصدع واالنهيار بسبب العالقات المتوترة بين األبوين،
والشجار المستمر بين أفرادها ،وكذا اإلهمال والمعاملة السيئة من جانب الوالدين لألبناء
والمتمثلة في الكراهية والنبد والههديد والعقاب واإليذاء الجسدي تعد من العوامل التي تساهم
في تدني المستوى التحصيلي لألوالد(.)374
إن األسلوب التربوي السائد داخل األسرة يؤثرعلى التحصيل الدراس ي لألبناء ،فكلما كان
النمط التربوي بعيدا عن العنف والقسوة واإلهمال والتسيب كلما كان مستوى التحصيل
-373التقويم والقياس النفسي والتربوي – رمزية الغريب – المكتبة األجلومصرية القاهرة – طبعة 0227م – ص .20
-374األسس النفسية للنمو اإلنساني – طلعت عبد الرحيم – المكتبة األنجلومصرية -ص .01
الدراس ي أفضل ،بحيث أن اهتمام اآلباء بأبنائهم من حيث الرعاية والصداقة يؤثرفي تحصيلهم
الدراس ي وتفوقهم العلمي والعملي في جميع الميادين املختلفة(.)375
خاتمــة:
لقد تطرقنا من خالل هذه الدراسة إلى ظاهرة خطيرة فرضت نفسها من بين الظواهر
االجتماعية التي شملت جميع املجتمعات دون استثناء ومن بينها املجتمع المغربي ،وإن كانت
حدة تأثيرها تختلف من وسط آلخر تبعا الختالف البيئة وظروف التنشئة االجتماعية ،بحيث
المسنا شدة تأثير ظاهرة التفكك األسري على التحصيل الدراس ي لألبناء و انعكاساتها السلبية
على مستقبلهم بصفة عامة.
فحرمان الطفل من دفء الجواألسري وما يحمله من أمان واطمئنان وتشجيع وتحفيزله،
يجعله يلجأ إلى الجو الخارجي المتمثل في الشارع بكل رواسبه خاصة رفقاء السوء المتمردين
على القيم والمبادئ المؤطرة للحياة داخل املجتمع.
والو اقع أن التفكك األسري يؤدي حتما إلى ضعف أو تدني المستوى التحصيلي لألبناء،
وذلك في ظل غياب االهتمام والمتابعة والتوجيه واإلرشاد والعطف والحنان ،كما ال يجدون
النصيحة وال الدعم النفس ي المهم لمواصلة المسار الدراس ي الطويل والمليء بالعر اقيل
والصعوبات.
فمن بين أهم مسؤوليات األسرة تربية األبناء وتنشئههم في جو سليم يحفزهم ويساعدهم
على تحقيق التقدم والنجاح في كل مجاالت الحياة ،وهوهدف ومطلب ال يمكن نيله في ظل سيادة
التفكك والصراع بين أفراد األسرة وسيادة النزعة الذاتية واالفراط في األنانية.
-375علم النفس االجتماعي – داود ليلى – رسالة جامعية – جامعة دمشق بسوريا – 0277م – ص .20
لقد أصبح لزاما على المشرع وكذا جميع المنظمات الحكومية وغيرها من فعاليات
املجتمع المدني االنخراط بفعالية واالنكباب على تكريس ثقافة أسرية ترتكز على قيم ومبادئ
ثابتة ،وذلك بغية خلق نوع من االستقراراألسري كعامل مهم ومؤثرفي تمكين األوالد من تحصيل
دراس ي جيد يؤمن مستقبلهم ويحقق كل طموحاتهم ،وهو ما سيكون له وقع إيجابي على ازدهار
مجتمعهم ورقيه وتقدمه.
الئحة لمراجع:
معجم العلوم االجتماعية ،نخبة من األساتذة في علم االجتماع ،مطبعة الهيئة المصرية
للكتاب – طبعة سنة .9111
األسرة والبيئة – أحمد يحيى عبد الحميد – المكتب الجامعي الحديث باإلسكندرية –
مصر -طبعة .9111
دراسة تحليلية للعوامل المرتبطة بالتفكك األسري للعائلة العر اقية بعد سنة – 2113
فخري صبري عباس – طبعة 2191م.
محمد أبياط :آثارمشكالت التفكك تصيب املجتمع كامال وأسبابه غياب التربية اإليمانية
– مائدة مستديرة من تنظيم جمعية المبادرة الثقافية بفاس بتاريخ 3يناير.2190
بحوث إسالمية في األسرة والجريمة واملجتمع – حسن الساعاتي – دار الفكر العربي –
القاهرية – طبعة .9110
التفكك األسري وعالقته بانحراف الفتيات في األردن – نادية هايل العمرو – رسالة
ماجستير– جامعة مؤتة سنة 2111م – األردن.
أصول التربية وعلم النفس – محمد رفعت رمضان – دار الفكر العربي للنشر – القاهرة
– الطبعة الخامسة 9104م.
المرجع في اإلرشاد التربوي – هدى حسيني بيبي – دارأكاديميا – بيروت – طبعة 2111م.
–
يعد القضاء إحدى أهم الدعامات األساسية لبناء دولة الحق والقانون ،وهو
يضطلع بمهمة الفصل في الحقوق المتنازع حولها ،وفق مساطر قانونية تتضمن شروط
املحاكمة العادلة شكال ومضمونا ،إذ أن الحق في محاكمة عادلة وحق اللجوء الى القضاء ،ومبدأ
ضمان حقوق الدفاع وغيرها من الضمانات األخرى تدور كلها في فلك االستقاللية ،وبالتالي
استقاللية القاض ي كشخص ذاتي والقضاء كمؤسسة دستورية وحياد العدالة هومحوركل تلك
الضمانات376.
وقد أسس دستور 2199لهذا المرتكز وارتقى بالقضاء كسلطة مستقلة عن السلطتين
التشريعية والتنفيذية بموجب الفصل 911منه ،باإلضافة إلى العديد من الخطابات الملكية
السامية والتي أشارفيها جاللة الملك محمد السادس نصره الله بشكل واضح وصريح الى ضرورة
العمل على تحقيق االستقالل التام للقضاء ولعل من أبرز هذه الخطابات ،الخطاب الملكي
السامي لـ 21غشت 2111والذي شكل خارطة الطريق نحو اإلصالح الشامل والعميق لمنظومة
- 376ال يمكن بأي حال من األحوال أن نتحدث عن ضمانات حماية الحقوق والحريات بمنأى عن استقالل السلطة
القضائية كسلطة واستقالل القاضي كشخص ذاتي بعيدا عن كل التأثيرات الخارجية التي يمكن أن تحول دون أدائه
لرسالته.
العدالة 377،وكذا الخطاب الذي تلى اصدارالوثيقة الدستورية في 1مارس ،2199حيث دعا فيه
جاللته الى ضرورة االرتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة.
وتعزز ذلك بإحداث املجلس األعلى للسلطة القضائية وتحديد اختصاصاته وتركيبته،
فظال عن اصدارالقانونيين التنظيميين ،القانون رقم 911.93المتعلق باملجلس األعلى للسلطة
القضائية وجعل رئاسته لجاللة الملك الذي يعتبر بصريح الفصل 911من الدستور الضامن
الستقالل السلطة القضائية ،والقانون 910.93المتعلق بالنظام األساس ي للقضاة.
ويعد استقالل السلطة القضائية من المبادئ األساسية التي يقوم عليها التنظيم
القضائي المغربي ،والذي نصت عليه المادة 91من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،ويقتض ي
من جهة أن تتمتع السلطة القضائية باستقالل تام عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ،بما
يضمن عدم تدخل أي منها في وظيفة وعمل القضاء بأي شكل من األشكال ،فال يخضع القاض ي
ألوامرهما أو تعليماتهما أو توجيهاتهما ،ضمانا لحياده واستقالله وتجرده في قضائه من جهة
أخرى ،واكتمل هذا المبدأ السامي باستقالل النيابة العامة عن وصاية الوزيرالمكلف بالعدل
ونقل اختصاصاته للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض باعتباره رئيسا للنيابة العامة378.
- 377ومما جاء في هذا الخطاب ":إن األمر يتعلق بورش شاق وطويل ،يتطلب تعبئة شاملة ،ال تقتصر على أسرة
القضاء والعدالة ،وإنما تشمل كافة المؤسسات والفعاليات ،بل وكل المواطنين.
وإننا لنعتبر اإلصالح الجوهري للقضاء ،حجر الزاوية في ترسيخ الديمقراطية ي والمواطنة لدى شبابنا وأجيالنا
الحاضرة والصاعدة".
- 378وتجدر اإلشارة في هذا المقام إلى أن استقالل السلطة القضائية هو موضوع يقودنا بالضرورة الى تبيان وضعية
النيابة العامة في منظومة القضاء ،بحيث أصبحت هذه األخيرة مستقلة عن السلطة التنفيذية وذلك تعزي از لمبدأ
االستقاللية ،وقد استحدث هذا الوضع بموجب القانون 012.03الذي نص في مادته 41على ما يلي ":يوضع
قضاة النيابة العامة تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين" ،على خالف
ما كان عليه الوضع سابقا.
مختلف المكونات داخل املحاكم وفقا للوضع المؤسساتي الجديد الذي أفرزه دستور 2199
والقانون التنظيمي رقم .911.93
وإذا كان القانون الجديد المتعلق للتنظيم القضائي جاء من جهة بمقتضيات تؤكد
المبدأ السالف الذكر ،ومن جهة أخرى أتى بمرتكزات جديدة تأصل وتدعم من استقاللية
السلطة القضائية ،فما هي مظاهرهذه االستقاللية؟
وعليه سنحاول في النقاط التالية ابرازمظاهرهذه االستقاللية على الشكل التالي :أوال:
على مستوى مبادئ التنظيم القضائي .ثانيا :على مستوى تنظيم عمل الهيئات القضائية .ثالثا:
على مستوى منظومة تدبيراملحاكم .رابعا :على مستوى التنظيم الداخلي للمحاكم .خامسا :على
مستوى حقوق المتقاضين .سادسا :على مستوى التعيين .سابعا :على مستوى التفتيش
واإلشراف القضائي على املحاكم.
نص القانون الجديد في المادة الرابعة على أن التنظيم القضائي يقوم على مبدأ
استقالل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ،وهذا ما هوإال إعادة التأكيد
على أهمية هذا المبدأ ومكانته في بناء النظام القضائي ببالدنا وضمانة أساسية لحماية الحقوق
والحريات وسيادة القانون ،كما يعد هذا التنصيص التشريعي تجسيدا للفصول 10و 11و 911
و 911من الدستور.
أكد القانون 31.91في المادة السابعة على أن املحاكم تمارس مهامها القضائية تحت
سلطة المسؤولين القضائيين بها مع مراعاة المادة 42من القانون 910.93المتعلق بالنظام
األساس ي للقضاة.
تأكيدا على ضرورة بناء الجسم القضائي واستكمال الستقالل السلطة القضائية
تنص المادة 91على أنه يمارس مهام النيابة العامة قضاتها تحت سلطة ومر اقبة الوكيل العام
للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة ورؤسائهم التسلسليين.
تم التأكيد في المادة 91على أن األحكام القضائية تصدروتنفذ باسم جاللة الملك وطبقا
للقانون وفقا لما ينص على ذلك الفصل 924من الدستور ،وأن هيئة املحكمة هي التي تحدد
التاريخ الذي يتم فيه النطق بالحكم.
أشار المشرع في قانون التنظيم القضائي الجديد إلى أن السلطة الحكومية المكلفة
بالعدل هي من تتولى اإلشراف اإلداري والمالي على املحاكم بتنسيق وتعاون مع املجلس األعلى
للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمسؤولين القضائيين واالداريين باملحاكم.
ويعهد اليها كذلك بإعداد برامج نجاعة أداء املحاكم في إطار االحترام التام لمبدأ
استقالل السلطة القضائية طبقا للمادة 29من القانون السالف الذكر.
يمارس كل من رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة مهامهما ذات الطبيعة
القضائية تحت سلطة ومر اقبة المسؤولين القضائيين باملحكمة كل في مجال اختصاصاته.
تم احداث منصب مكتب املحكمة على مستوى محاكم أولى درجة وثاني درجة تحت
رئاسة رئيس املحكمة والرئيس األول ويضم في عضويته عضوالنيابة العامة وباقي أعضاء السلك
القضائي كما حددهم المشرع في المادة ،21 21والذي يتولى وضع برنامج تنظيم املحكمة،
ويتضمن هذا البرنامج تحديد الغرف والهيئات وتأليفها ،وتوزيع القضايا والمهام على قضاة
املحكمة ،وضبط عدد الجلسات و أيام وساعات انعقادها.
تأكيدا من المشرع كذلك على مبدأ استقالل السلطة القضائية ،جعل تركيبة الجمعية
العامة للمحاكم الدرجة األولى والثانية تقتصرفقط في تركيبهها على قضاة الحكم وقضاة النيابة
العامة ،مع الحضوراالستشاري لكل من رئيس كتابة الضبط وكتابة النيابة العامة.
جاء المشرع في المادة 31من القانون الجديد للتنظيم القضائي ليؤكد مرة أخرى على
ضرورة ممارسة القضاة لمهامهم باستقالل وتجرد ونزاهة واستقامة ضمانا مساواة الجميع
أمام القضاء ،ويتولون حماية حقوق األشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ،وتطبيق
القانون طبقا ألحكام الفصل 991من الدستور ،باعتبار القضاة العمود الفقري الستقالل
السلطة القضائية.
جاء القانون 31.91بمستجدات غاية في األهمية تكرس وبشكل واضح لالستقاللية التي
تتمتع بها السلطة القضائية ،وذلك من خالل جعل مهمة تعيين القضاة ورؤساء األقسام
والغرف باملحاكم من اختصاص املجلس األعلى للسلطة القضائية.
فقد نصت المادة 40على أنه يتم تعيين رؤساء أقسام قضاء األسرة ورؤساء األقسام
المتخصصة في القضاء اإلداري ورؤساء األقسام المتخصصة في القضاء التجاري بقرار
للمجلس األعلى للسلطة القضائية ،وأضافت المادة 41أنه يعين من بين قضاة املحكمة
االبتدائية رؤساء الغرف ورؤساء الهيئات ونوابهم ،وقضاة التنفيذ ،وكذا القضاة المنتدبون في
قضايا صعوبات المقاولة باألقسام المتخصصة في القضاء التجاري ،والمفوضون الملكيون
للدفاع عن القانون والحق باألقسام المتخصصة في القضاء اإلداري على مستوى املحاكم
االبتدائية ،باإلضافة الى قضاة منتدبون في قضايا صعوبات المقاولة والسجل التجاري باملحاكم
ي التنفيذ باملحاكم اإلدارية380. التجارية 379،وقاض ي أو أكثرللقيام بمهمة قاض
وفي نفس اإلطار يعين قضاة األسرة المكلفون بالزواج ،والقضاة المكلفون بالتوثيق،
والقضاة المكلفون بشؤون القاصرين ،والقضاة المكلفون بالتحقيق ،وقضاة األحداث،
وقضاة تطبيق العقوبات لمدة ثالث سنوات بقرارللمجلس األعلى للسلطة القضائية باقتراح من
رئيس املحكمة381.
تفاديا للتكرار نفس الش يء بخصوص التعيين على مستوى محاكم ثاني درجة أصبح
املجلس األعلى للسلطة القضائية هو الجهة املختصة بتعيين القضاة بعد أن كان ذلك من
اختصاص الوزيرالمكلف بالعدل.
حتى على مستوى التفتيش واالشراف على املحاكم راع المشرع المغربي وهو يضع
نصوص قانون التنظيم القضائي مبدأ استقالل السلطة القضائية ،وذلك من خالل جعل
التفتيش القضائي للمحاكم من اختصاص المفتشية العامة للشؤون القضائية المنصوص
عليها في القانون التنظيمي المتعلق باملجلس األعلى للسلطة القضائية طبقا لما تنص عليه
المادة 382.11
أما بخصوص اإلشراف القضائي فقد أناطه المشرع بالمسؤولين القضائيين باملحاكم
باإلضافة إلى اشراف أعضاء النيابة العامة وفق للتسلسل ،بحيث جعل الرئيس األول ملحكمة
النقض على قمة هذا اإلشراف بأن أناط به االشراف على الرؤساء األولين ملحاكم ثاني درجة
ورؤساء محاكم اولى درجة ،والوكيل العام للملك يشرف على أعضاء النيابة العامة باعتباره
رئيسا لهذه األخيرة383.
وهذه لم تكن إال بعض المستجدات التي أتى بها القانون 31.91المتعلق بالتنظيم
القضائي في إطاراستكمال البناء المؤسساتي والتشريعي للسلطة القضائية وتعزيزاستقالليهها،
وكذا تجسيدا للمقتضيات الدستورية واالتفاقيات الدولية ذات الصلة.
ونشير في األخير إلى أن تنزيل هذه المقتضيات على أرض الو اقع لن يتأتى إال من خالل
ارادة قوية تقوم على المسؤولية والمثابرة ومضاعفة الجهود من قبل املجلس األعلى للسلطة
القضائية ورئاسة النيابة العامة ومشاركة الوزارة المكلفة بالعدل وكافة الفاعليين في قطاع
العدالة.
الئحة المراجع:
-ويبقى التفتيش اإلداري والمالي من اختصاص المفتشية العامة للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل. 382
القانون المنظم لنقل اختصاصات النيابة العامة للوكيل العام لدى محكمة النقض
الملخص التنفيذي:
تناقش هذه الورقة البحثية فضل األنظمة السياسية في تحقيق التنمية ،ونقصد بذلك
النظام السياس ي البارز المتمثل في الديمقراطية .ومن خالل الوقوف على آليات عمل النظام
الديمقراطي؛ خاصة ما يتعلق منها بآليات الرقابة واملحاسبة التي يقدمها النموذج الديمقراطي،
بجانب الحريات المدنية والسياسية ،وتوسيع المشاركة في اتخاذ القرارات ،فإنه يوفر أفضل
إطارلالشتغال على األهداف االنمائية والتنموية .لكن عمل النظام الديمقراطي لصالح التنمية
ليست نتيجة حتمية ،إذ يمكن أن يصيب القصور والفشل أنظمة ديمقراطية عديدة تتخد
آليات إجرائية للديمقراطية ،لكنها تفشل في جانبها الجوهري المتمثل ،في المساءلة،
والشفافية ،واملحاسبة ،وسيادة القانون ،وضعف المشاركة ،مما يمكن أن يشكل تحديا
لنموذج الديمقراطية ،خصوصا في ظل ما تقدمه نماذج تنموية استبدادية من نجاجات
اقتصادية وتنموية .الكلمات المفتاحية :الديمقراطية -التنمية -األنظمة االستبدادية.
تقديم:
تثير العالقة بين التنمية والديمقراطية توترا بينهما ،انعكس ذلك في النقاشات
الفكرية واألكاديمية في األدبيات املختصة ،ورغم أن الدراسات اإلمبريقية لم تحسم الجدل
القائم في عالقههما وارتباطهما ،إال أن أغلب الباحثين يذهبون الى اعتبارأن الديمقراطية إحدى
املحددات الرئيسية للتنمية؛ لكن إن كان هذا االشكال ال يطرح في الدول الغربية ،على اعتبارأنها
كلها ديمقراطيات ليبرالية مؤسسية تحقق مستويات عالية من التنمية والحريات المدنية
والسياسية ،يبقى االشكال مطروحا في دول العالم النامي والدول السائرة في طريق النمو ،والتي
تعرف مستويات مختلفة من التنمية والتحديث االقتصادي واالجتماعي ،وتنوع كبير في أنظمهها
السياسية ،لذلك تبقى مسألة العالقة بين الديمقراطية والتنمية في دول العالم النامي قضية
إشكالية تستدعي حذرا منهجيا في التعامل معها ،إذ تبقى مدخالت ومخرجات الديمقراطية
والتنمية فيها رهينة بظروف وعوامل داخلية وخارجية تستدعي دراسة كل حالة انطالقا من
تجربهها الذاتية نحو مسيرة الدمقرطة والتنمية.
تبقى التجارب الو اقعية لدول العالم النامي غيرحاسمة بخصوص العالقة بين التنمية
والديمقراطية ،فهناك دوال مثال كالهند ،384حافظت على نظام ديمقراطي منذ استقاللها عن
بريطانيا ،لكنها واجهت تحديات وعقبات كبيرة في جهد التحديث والتنمية ،فيما نجد دول أخرى
ذات أنظمة عسكرية واستبدادية حققت مستويات متميزة من التحديث والتنمية ،من جهة
أخرى ،يجادل الكثيرمن الباحثين أن نوعية الديمقراطية هي املحدد األساس ي في المسارالتنموي
384حافظت الهند على النظام الديمقراطي منذ استقاللها ،باستثناء الحالة التي أعلنت فيها رئيسة الوزراء أنديرا غاندي عن حالة
الطوارئ في البالد لكن تم العودة إلى النظام الدستوري بعد إجراء االنتخابات وخسارة رئيسة الوزراء أنديرا لها .
لدولة معينة ،فالديمقراطيات التي يغلب عليها الجانب الشكلي واالجرائي تعاني من مشاكل
بنيوية في تحقيق التنمية ،كغياب الشفافية والحكامة ،وضعف فعالية الحكومة ،وفساد
النخبة السياسية ،وضعف المشاركة السياسية والتمكين االقتصادي واالجتماعي لفئات كبيرة
داخل املجتمع ،لذلك فوجود هذه المؤشرات السلبية داخل" النظام الديمقراطي ،رغم ارتكازه
على شرعية انتخابية وتعددية سياسية ،فإنها تحد من قدرته على المساءلة واملحاسبة
والفعالية ...وبالتالي القدرة على تحقيق أهداف التنمية ،وقد طغى على كثيرمن حاالت التحول
الديمقراطي خ الل الموجة الثالثة هذا الشكل من األنظمة السياسية التي أصبحت توصف
باألنظمة الهجينة 385أو (دول المنطقة الرمادية) ،التي تشكل حالة وسطية بين الديمقراطية
الكاملة والدكتاتورية الصريحة ،وتشكل حاليا الظروف السياسية األكثر شيوعا في دول العالم
النامي ،وتتسم هذه األنظمة بالفجوة الواسعة بين النخب السياسية و المواطنين ،وتخلق
صراعات أعمق بين النخب والجماهير حول توزيع الثروة والدخل ،و تعاني من عجز ديمقراطي
مزمن؛ بما في ذلك التمثيل الضعيف لمصالح المواطنين ،و انخفاض مستويات المشاركة
السياسية ،وإساءة استخدام القانون ،ومستويات منخفضة جدا من ثقة الجمهور في
المؤسسات السياسية ،والتعايش بين المؤسسات النظامية وغيرالنظامية ،والتفاوت في تطبيق
سيادة القانون...وتحت تأثير الظروف السياسية تلك تعيش كثير من الدول مشاكل بنيوية في
تحقيق التنمية ،وتعاني قصورا ديمقراطيا وعيوب كثيرة تعتري النظام السياس ي القائم على
التعددية النسبية .وبالتالي فالتساؤل يبقى مطروحا :هل وجود نظام ديمقراطي في الدول النامية
كفيل بتحقيق تنمية تنعكس أثارهاعلى المستويات االجتماعية واالقتصادية لباقي أفراد
املجتمع؟ ،وما نوع النظام الديمقراطي الصالح للتنمية؟ ،وكيف تعمل السيرورات المؤسساتية
للديمقراطية في دول العلم النامي في تحقيق الجهد التنموي؟.
ومن ثمة فإن ما سنقدمه في بحثنا هذا ،هو التركيز على العالقة بين الديمقراطية
والتنمية ،ومستوى الترابط القائم بينهما ،و الوقوف على محددات نوعية الديمقراطية ومدى
استجابهها لشروط تحقيق التنمية ،وسنقوم من خالل هذه المساهمة إلى التطرق في المبحث
األول لسياق العالقة بين التنمية والديمقراطية ،وحدود التأثيرالحاصل بينهما ،والتحديات التي
تطرحها األنظمة التنموية االستبدادية ،فيما سنحاول في المبحث الثاني ،إبرازمدى انعكاس بناء
385تم إطالق مجموعة من االوصاف على هذا النوع من األنظمة من قبل الباحثين والمهتمين مثل الديمقراطيات غير الليبرالية
،أو االستبدادية التنافسية ،والدول الهجينة ....
نظام ديمقراطي مؤسس ي قائم على المشاركة الموسعة والرقابة واملحاسبة ،في التنمية ببلد
معين.
5انقسم الباحثون حول هذه المسألة إلى اتجاهين :اتجاه يرى بأن النظام االستبدادي هو أفضل نظام لتحقيق التنمية في الدول
النامية ،فيما ذهب أخرون إلى اعتبار النظام الديمقراطي هو األفضل للتنمية ،وتتمثل مبررات االتجاه األول في :أن
الضرورات االقتصادية واالجتماعية سابقة على الحريات المدنية والسياسية ومن ثم فإن أولوية القضاء على الفقر والبؤس
تأتي قبل تأسيس الديمقراطية ،كما يذهب هؤالء إلى أن االستقرار ضروري للتنمية ومن شأن الديمقراطية أن تعرض
مؤسسات الدول النامية الهشة أصال للضغط ،كما تعتبر الديمقراطية غير مفيدة في هذا الصدد ألنها ال تكبح الميل نحو
االستهالك مما يؤثر على النمو في المستقبل .أما أنصار االتجاه الثاني الداعم للديمقراطية ،فينظر إلى اعتبار التنمية
والديمقراطية عملية متكاملة تتأسس انطالقا من اعتبارات المشاركة الموسعة لألفراد في اتخاذ القرارات والتمتع بالحريات
المدنية والسياسية ،للمزيد انظر:
غيورغ سورنسن ،الديمقراطية والتحول الديمقراطي :السيرورات والمأمول في عالم متغير ،ترجمة عفاف البطاينة ،المركز
العربي لألبحاث ودراسة السياسات -الدوحة ؛قطر ،الطبعة االولى .0100ص.ص.001-022.
ببعضهم إلى الحديث عن مقايضة بين الديمقراطية السياسية من جهة ،والتنمية من جهة
أخرى.
أجريت تحليالت عدة ملحاولة فهم تأثير األنظمة السياسية على التنمية" ،فروبرت
مارش" قام بدراسة لثمانية وتسعين بلدا بين 9111و ،9111واستنتج أن التنافس السياس ي في
الديمقراطيات له تأثير كبير على كبح معدل التنمية ،بدال من تسهيله ،في حين يزيد النظام
التسلطي في األمم الفقيرة معدل التنمية االقتصادية .387كما توصلت دراسة مشابهة "لروبرت
و ايد" 388شملت 924بلدا في الفترة ما بين 9101و 9114وخلصت الدراسة إلى نفس استنتاجات
دراسة "روبرت مارش" ،وفي تحليله للحاالت الرئيسية في أمريكا الجنوبية توصل "غريميلو
أودونيل" إلى أن التسلطية هي الحالة األكثر حظا المالزمة ألعلى مستويات التحديث ،ويستدل
أودونيل أن سيرورة التحديث الصناعي التي شهدتها العديد من بلدان أمريكا الالتينية في
ستينيات القرن العشرين وأو ائل سبعينياته ،لم يكن في جعبهها ما تقدمه إلى أغلبية السكان،
وكي يستمر هذا النموذج في مواجهة المقاومة الشعبية له ،يحتاج النخب الحاكمة إلى نظام
تسلطي.389
فيما توصلت دراسات أخرى إلى استنتاجات معاكسىة ،فقد تناول "روبرت بارو"12 390
حالة ،شملت الفترة ما بين 9101و ،9111وتوصل إلى أن الديمقراطية أفضل في توليد التنمية
من األنظمة االستبدادية.
لقد توصل "بريجوفسكي و ليمونجي" 391من خالل فحصهم ألكثر من 29دراسة ،لفترات
معينة ولمناطق مختلفة ،إلى أن هناك ثمانية دراسات وجدت أن الديمقراطية هي أفضل نظام
للتنمية االقتصادية ،فيما توصلت ثمانية دراسات لصالح األنظمة االستبدادية ،فيما وجدت
خمس دراسات أن ال فرق بينهما ،لذلك ال تنتهي هذه الدراسات إلى إجابات حاسمة حول هذه
المسألة ،ومن ثم يقودنا هذا التدافع في النتائج إلى التساؤل :هل هذا السعي مجدي من الناحية
387
Robert M. Marsh « Does Democracy hinder Economic Development in the Latecomer Developing
Nations »Comparative Social Research, vol.2(1979), p.244 .
388
Robert wade « Governing The market, Economic Theory and the role of government in west Asian
Industiarialisation ». Princeton University Press.1990.
389
Guillermo O ‘Donnell, Modernization and bureaucratic-Authoritarianism: studies in south American
politics (Berkeley, University of California. Instituted of international Studies(,1973 .
390
Robert J.Barro »A cross-country study of growth, saving and government » Working Paper No. 2855,
1989 .
391
Adam przewoski and Fernando Limongi « Political regimes and Economic Growth »journal of
economic perspective, vol.7, n. 22.p.60.
المنهجية ،باعتماد وسائل القياس االستداللية؟ .يبدوا أن هذا النهج يعتريه غموض خاص به،
فعلماء االجتماع ال يملكون إال القليل من المعرفة اإلحصائية حول تأثيراألنظمة على النموذلك
أن تصميم البحث المطلوب لتوليد هذه المعرفة هو أمر معقد .لكن إذا عكسنا السؤال
و افترضنا أن ليس لألنظمة تأثيرعلى النمو والتنمية ،نظرنا إلى احتماالت بقاء األنظمة في ظروف
اقتصادية مختلفة ،فاألنظمة االستبدادية تصبح أقل احتماال من الديمقراطية للبقاء على قيد
الحياة عند أدائها بشكل سيئ ،392كما تعمل الديمقراطيات على تجنب حاالت الكوارث اإلنسانية
بشكل أفضل؛ فقد نشأت أكبر أزمات الالجئين خالل السنوات العشرين الماضية في األنظمة
االستبدادية ،وكان 11في المائة من جميع الالجئين داخليا في عام 2113يعيشون في ظل أنظمة
استبدادية ،على الرغم من أن هذه االنظمة ال تمثل سوى ثلث الدول 393،كما أكد أمارتيا سن
"أن الديمقراطيات لم تعرف املجاعات قط سواء كانت ديمقراطيات غنية أو فقيرة".394
وعند النظر في الظروف التي تعمل على مواصلة جهود التحديث والتنمية ،فيمثل
التغيير السياس ي والتحول نحو الديمقراطية أمر في غاية األهمية من منظور إرساء سياسات
تنموية متسقة395،ألنه يرس ي دعائم نظام قائم على احترام الحريات السياسية والمدنية ويضمن
التعددية الحزبية والتداول السلمي على السلطة ،فالنظر إلى التنمية بمنظور واسع يأخذ بعين
االعتبار مفهوم الحرية كجزء تأسيس ي هام من عملية التنمية 396،متجاوزا العتبارات الكمية
كالدخل الفردي وأمد الحياة...التي تبقى قاصرة عن تحديد مفهوم التنمية رغم أهميهها؛
فالشعب الفاقد للحرية السياسية أوللحقوق المدنية حتى إذا لم يكن يعوزه األمن االقتصادي،
فإنه يكون محروما من حريات مهمة تهيء له مسؤولية قيادة حياته وتوجيهها ،ويكون محروما
من فرصة المشاركة في اتخاذ القرارات الحاسمة المتعلقة بالشؤون العامة ،وال ريب في أن
مظاهر الحرمان هذه تشكل قيدا على الحياة االجتماعية و السياسية ،ويتعين النظر إليها
باعتبارها مظاهر قهر؛ وحيث إن الحريات السياسية والمدنية تمثل عناصر تأسيسية للحرية
392
Ibid.p.63.
393
B. Morton H. Helpern and Josef Siegle, the democracy advantage how democracies promote
prosperity and piece, Foreign Affaire, January 2005 .volume 83, n.5 p. 00
394أماراتيا صن ،التنمية حرية ،ترجمة شوقي جالل ،سلسلة عالم المعرفة ،الكويت ،عدد ، 212ماي ، 0112ص0.
395مراد دياني ،إشكالية التنمية بين مآرب الحراك العربي ومقاصد أمارتيا سن ،خمس معضالت أمام تجسير البون بين ما
هو كائن وما ينبغي أن يكون ،في كتاب السياسات التنموية وتحديات الثورة في االقطار العربية ،مجموعة مؤلفين ،المركز
العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،الطبعة االولى ،0107ص072.
396يرجع استعمال مفهوم التنمية حرية إلى عالم االقتصاد الهندي أماراتيا صن ،في كتابه الصادر سنة ،0222حيث عرف
التنمية بأنها توسيع القدرات االنسانية ،وذلك بالتأكيد على أهمية الحرية في عملية التنمية سواء من خالل دورها البنائي أو
الوسيلي .للمزيد أنظر :أماراتيا صن ،التنمية حرية ،مرجع سابق.
االنسانية ،فإن إنكارها يشكل عقبة في حد ذاته ،397إذ تمنح الحريات السياسية للناس وسائل
الضغط من أجل اعتماد السياسات التي توسع فرصهم االجتماعية واالقتصادية.398
لذلك فمن منظور التنمية الواسعة التي تشمل محددات أخرى ،تعتبر المشاركة
السياسية والمعارضة جزءان تأسيسيان من عملية التنمية ذاتها؛ يقول أماريا سن في هذا
الصدد" ،إن المرء ،حتى ولو كان من أكثرالناس ثراء ،إذا ما أحيل بينه وبين حرية التعبيربحرية
عن رأيه أو إذا حظرت عليه المشاركة في الحوارات العامة أو في اتخاذ القرارات العامة ،فإنه
فمن دون الحريات المدنية قيما"؛399 يصبح بذلك محروما من ش يء يراه عن حق شيئا
والسياسية لن يشعر المواطنون باالطمئنان للسعي من أجل األهداف االقتصادية ،وبهذا
المعنى ،ثمة عالقة تعزيزمتبادلة بين الديمقراطية والتنمية االقتصادية.400
تخالف هذه المقاربة االتجاه الغالب في االقتصاد الذي يختزل التنمية في جوانب
كمية ،ورياضية ،لذلك فإن التأسيس للحريات السياسية والمدنية خالل فترة التحوالت
الديمقراطية والسياسية ،هو مدخل هام لتحقيق التنمية الشاملة في أبعادها االنسانية.
لقد أكدت أدبيات ودراسات كثيرة هذه الحجة القائلة بوجود روابط متداخلة بين
الحريات السياسية والمدنية والتنمية ،وهو أمر أكده تقرير األمم المتحدة لسنة ،4032112كما
أشار "ويلزل و انغلهارت" 404في دراسة لهما إلى وجود رابط إحصائي قوي بين مستوى التنمية
االقتصادية واحترام قيم حرية التعبير عن الذات والقدرة الحكومية ،كما يشير بعض خبراء
االقتصاد الجدد منذ التسعينات ،بدءا باإلطار الذي وضعه دوغالس نورث ،405وصوال إلى
"أسيموغلو" و"جيمس روبنسون" ،406إلى أن تعزيز التنمية االقتصادية وكذلك السياسية،
يعتمد في المقام األول على تحسين المؤسسات؛ فأصبح هناك إجماع على ذلك بين
االقتصاديين على مدى السنوات العشرين الماضية ،حيث شهد العالم العديد من حاالت فشل
التنمية على الرغم من وفرة رأس المال والموارد الطبيعية والسكان المتعلمين ،وفي الموارد التي
تهاجرجميعها أو يصيبها الركود والخمول إذا لم تحسن المؤسسات استغاللها.407
تذهب بذلك أغلب األدبيات الحديثة ،إلى أن تعبئة الجهود التنموية داخل أي كيان أو
مجتمع أصبحت محكومة أكثرمن أي وقت مض ى باعتبارات جودة الحكم ووجود الديمقراطية،
والحريات المدنية والسياسية ،باعتبارها عناصر تأسيسية في عملية التنمية ومنوالها الحالي
القائم على احترام كرامة الفرد وخصوصياته المتعددة ومطالبه المشروعة بما فيها حقه في
التمتع بالحريات كافة؛ فاإلنسان يبقى كائنا ال تحكمه اعتبارات اشباع حاجاته البيولوجية
فقط ،بل إن انسانيته تطمح إلى إبراز مظاهر حسية أخرى كالمشاركة الموسعة في اتخاذ
القرارات والسياسات التي تهم شؤونه ،وكذلك تمتعه بحرية التعبير و اتخاذ اآلراء التي تعبر عن
طموحاته ،وهذا ال يمكن تحقيقه إال في ظل نظام ديمقراطي حقيقي ،وبهذا المعنى ليست
الديمقراطية رفاهية ،على العكس تماما ،لها قيمة جوهرية للتنمية ألنها تربطها عالقة قوية
بالحريات المدنية والسياسية ،ويمكن أن تساهم في التنمية االقتصادية واالجتماعية ،ولكن
403
Rapport mondial sur le développement humain 2002 ,op.cit.,
404
Inglehart and C.welzel, Development, Freedom and Rising Happiness:A Global perspective 1981-
2006, Perspective on Psychological Science, volume 3, n.4, January 2008.
405
Douglas C. North, Institution, Institutional change and Economic performance (New York: Cambridge
university press, 1990).
406
Daron Acemoglu and James Robinson, Why Nations fail: The Origins of Power, Prosperity and
Poverty (New York: The Crown Publishing Group, 2012) , and Daron Acemoglu A. Robinson, Economic
origins of dictatorship and democracy. Cambridge university press, 2006.
407دوغالس نورث وأخرون ،في ظل العنف :السياسة واالقتصاد ومشكالت التنمية ،ترجمة كمال المصري ،سلسلة عالم
المعرفة ،العدد ،222فبراير .0100ص.ص.01-2.
هذه العالقة ليست تلقائية واألمرمتروك للحكم الديمقراطي لتعزيزها ،وضمان أن المؤسسات
الديمقراطية تخدم التنمية408.
من جهة أخرى ،فبالرغم من أن الديمقراطية عملية أكثرتعقيدا ،إال أنها تقلل من نطاق
السياسات المتعسفة أو الضيقة أو المتطرفة التي يمكن أن تكون لها عو اقب اقتصادية
كارثية ،كما تضع األنظمة الفدرالية والجهوية الضوابط و التوازنات على مختلف مستويات
الحكومة وبالتالي تحرص ضد التركيز المفرط للسلطة على المستوى الوطني والسماح بمرونة
معالجة األولويات املحلية ،بالمقارنة فاألنظمة االستبدادية؛ غالبا ما تحول االحتكار السياس ي
إلى احتكار اقتصادي يمكن فقط الشركات واألفراد المرتبطين ارتباطا وثيقا بالحزب الحاكم
الحصول على التراخيص والتصاريح واالئتمان والموارد األخرى الالزمة للنجاح؛ مثل هذه
المعاملة التفضيلية تقلل المنافسة واالبتكار وبالتالي تقلل من الكفاءة االقتصادية 409،في ظل
نظام استحواذي تهيمن عليه قوى نخبوية ،مما يؤثر بشكل سيئ على مخرجات التنمية ،ويكبح
التقدم االقتصادي الذي يمثل أساس أي بناء تنموي ،حيث تغلب املحسوبية والزبونية،
و انتشار االحتكار االقتصادي الذي تفرضه األنظمة االستبدادية على االقتصاد وتحوله إلى
اقتصاد ريعي غيرمنتج.
وال يمكن الحديث هنا عن اقتصاد رأسمالي منفتح في ظل هذا النظام االحتكاري التي
تسيطرعليه قوى نخبوية ،ال تسمح بالولوج الحرإلى مؤسساتية االقتصادية والسياسية ،وقد
أشار ميلتون فريدمان :إلى أن" ،تخليص تنظيم النشاط االقتصادي من قبضة السلطة
السياسية ،سيفض ي بالسوق إلى القضاء على هذا المصدرمن القوة الجبرية ،مما يمكن القوة
االقتصادية من أن تكون أداة ضبط للقوة السياسية بدال من أن تكون تعزيزا لها" ،410لكن
التحرير االقتصادي ،وبناء اقتصاد سوقي تنافس ي قوي بعيد عن احتكار السلطة السياسية أو
تحت مر اقبهها ،ال يمكن أن يتم في ظل نظام استبدادي قائم على االحتكار واالستحواد على
المؤسسات االقتصادية ،ومن هنا تظهر الحاجة إلى النظام السياس ي الديمقراطي لمتابعة
جهود تعزيز االقتصاد التنافس ي الحر والمنفتح في مؤسساتية االقتصادية والسياسية ،وذلك
راجع للتعددية والمر اقبة التي يباشرها هذا النظام ومؤسساته على عمل منظومة السوق وعلى
408 Adam
przewoski and Fernando Limongi, op.cit. p.61.
02Morton H. Helpern and Josef siegle, op .cit , p. 409
410ميلتون فريدمان ،الرأسمالية والحرية ،ترجمة مروة عبد الفتاح شحاتة ،كلمات عربية للترجمة والنشر ،مصر -القاهرة،
الطبعة األولى ،0100ص. 21.
مر اقبة االحتكارات ،والريوع والتراخيص التي تستحوذ عليها فئات نخبوية تستفيذ من قربها من
السلطة السياسية في النظام السلطوي واالستبدادي.
إجماال ،تقدم الديمقراطية مجموعة قوية من المؤسسات التي تدفع التنمية ،وكلما
كانت العمليات الحكومية أكثرتمثيال وشفافية وتخضع للمساءلة ،فإن السياسات والممارسات
تكون أكثر احتماال ألن تستجيب لألولويات األساسية العامة للسكان ،411وتشابك الديمقراطية
والتنمية يساعد على ترسيخ أحدهما األخرعلى المدى الطويل .في الو اقع ،إذا أريد للديمقراطية
السياسية أن تجد استمرارا لها في التدابير االقتصادية واالجتماعية يجب أن تعزز التنمية،
وبالمثل ،فإن أي استراتيجية إنمائية تحتاج أن تنفذ وأن يتم التحقق من صحهها وتعزيزها
كما أن واحدة من العقبات التي تحول دون تحقيق الديمقراطي412، بواسطة المشاركة
الديمقراطية هو عدم المساواة في توزيع الثروة والدخل 413،وهذا هو السبب في أن تنفيذ
الحريات السياسية لن يكون كافيا لضمان استدامة الديمقراطية في البلدان النامية ،إذا لم
يصاحبها في الوقت نفسه استراتيجيات لتعزيزالحقوق االقتصادية و االجتماعية.414
رغم افتراضنا بأن النظام الديمقراطي يشكل أفضل نموذج لتحقيق التنمية في أبعادها
المتعددة ،إال أن ذلك ال ينفي أن بعض األنظمة االستبدادية والسلطوية لم تحقق مستويات
مبهرة للتنمية خالل فترات مختلفة ،وفي مناطق متعددة من العالم ،بدءا من النظام النازي في
ثالثينيات القرن الماض ي ،وصوال إلى النماذج التنموية المبهرة لجنوب شرق أسيا ،ونموذج
الصين الحالي ،لذلك يجب أن ندرس سياق ظهور هذه النماذج والركائز النظرية والفكرية التي
تقوم عليها.
411
Morton H. Helpern and Josef siegle op .cit , p.66.
412
L’ interaction démocratie et développement., sous directions de boutros boutros- ghali, création du
panel international sur la démocratie et le développement (PIDD) ,UNISCO 2002, p00.
413للمزيد حول تأثير النزاعات التوزريعية على الديمقراطية ،أنظر:
Ben Ansell and David Samuels , Inequality and Democratization; An Elite Competition Approch,
(Cambredge: Cambredge university press).
414
L’ interaction démocratie et développement., Op.cit.p.22.
ترجع األسس النظرية التي تقوم عليها التنمية في ظل األنظمة االستبدادية ،إلى فكرة
التحديث عند "ليبست" ،415الذي أكد على أن الديمقراطية تتطلب مستوى عال من التنمية
االقتصادية ،بعد (ليبست)،هناك مجموعة هائلة من األدبيات النظرية واالحصائية التي تفيد
بأن الديمقراطية هي نتاج التنمية االقتصادية ،في حين أن االعتقاد منتشرعلى نطاق واسع بأن
الديمقراطية تتطلب مستوى أساس ي من مستوى التنمية االقتصادية416؛ فاالفتراض القائم
على "التنمية أوال" هو أن الديمقراطية ستتبع في النهاية التقدم االقتصادي 417،إذ تطرح في
العديد من البلدان أسئلة حول التو افق و المفاضلة بين الديمقراطية والتنمية ،فغالبا ما يبرر
النظام االستبدادي حقيقة أن الحكومات المنتخبة ديمقراطيا في الدول النامية ،غيركفئة وغير
قادرة على إدارة الحياة االقتصادية واالجتماعية للبالد ،وغالبا ما يدعي الناطقون باسم األنظمة
االستبدادية أنهم أكثر قدرة على إقامة دولة قوية من املحتمل اتخاذ قرارات صعبة لصالح
الشعب ،كما يجادلون بأن العملية الديمقراطية هي مصدر الفوض ى ويمكن أن تعوق اإلدارة
الفعالة ،ويجب على الدول أن تختار بين الديمقراطية والتنمية ،وتوسيع الحريات السياسية
وزيادة الدخل 418،هذا الخطاب استمرلفترة طويلة لدى قادة دول العالم الثالث واحتد النقاش
الفكري واإليديولوجي حوله في المنظمات والمؤتمرات الدولية419.
استخدم الحكام االستبداديين في دول العالم النامي هذه الطروحات واألفكار لشرعنة
وجودهم في السلطة باعتبار أن التنمية هي عملية تسبق الديمقراطية ،ومن ثم يجب توفير كل
طاقات الدولة من أجل العمل على الوصول إلى مستويات مرتفعة من التنمية االقتصادية ،وإذا
كانت فعال بعض النماذج من الحكام االستبداديين قد حققوا نتائج مرتفعة على مستوى التنمية
االقتصادية واالجتماعية ،وهي نماذج محدودة وحاالت معزولة ،استمرالخطاب الشعبوي لدى
غالبية الحكام االستبداديين في دول العالم النامي ،ولم تحقق غالبية الدول ،مستويات مرتفعة
من التنمية االقتصادية ،و لم تبني أنظمة حكم ديمقراطية واستمر الوضع على حاله ،إلى أن
415يطرح ليبست في فكرة عامة مفادها أن الديمقراطية تستلزم وجود شروط مسبقة ،تتمثل في التحديث االقتصادي
واالجتماعي فاألمم الغنية حسبه هي التي تتوفر على المقومات الكافية لبناء نظام ديمقراطي ،من خالل ارتفاع مستوى الدخل
الفردي والتعليم والتنمية االقتصادية واتساع الطبقة الوسطى وظهور المجتمع المدني ،للمزيد أنظر:
Seymour Martine lipset, Some social requisites of democracy : Economic development and political
legitimacy, The American science review. Vol.53, number 1, 1959.
416 Adam
Przewoski and Fernando Limongi, op.cit, p.62.
417
Morton H. Halpern and Josef Siegle, op. cit.p.63.
418
Rapport mondial sur la développement humain 2002 , op.cit. p.55.
419انظر مثال لموقف الصين وسنغافورة حول إعالن فيينا لسنة ،0222ورفضهم الربط بين الديمقراطية والحق في التنمية،
باعتبار أن التنمية وتحقيق الحقوق االقتصادية واالجتماعية تحتل أولوية كبرى لدى الشعوب ،تسبق االعتراف بالحقوق
السياسية والمدنية.
وصل الحال في بعض النماذج إلى الفشل و االنهيار ،حيث أصبحت هذه النمادح غير قابل
لالستدامة والتكيف مع المتغيرات الطارئة سواء الداخلية أو الخارجية ،وهو ما أدى بها إلى أن
تصبح دول فاشلة تمزقها الحروب األهلية والصراعات بين األطراف المتحاربة.420
لذلك فإن الحاالت التي نجحت فيها التنمية في ظل أنظمة استبدادية تمثل نماذج
استثنائية حتى اعتبر بعض الباحثين 421أنه ميزة خاصة بدول في جنوب شرق أسيا و ال يمكن
نقلها أو استنساخها في أماكن أخرى .وبالعودة إلى نظرية الشروط المسبقة فقد تعززت هذه
األطروحة إلى حد كبير باألداء االقتصادي المبهر لبعض األنظمة األوتوقراطية في شرق أسيا:
سنغافورة ،إندونيسيا ،كوريا الجنوبية وتايوان ،والصين في الفترة األخيرة ،والشيلي بشكل أقل
في أمريكا الالتينية؛ واستنادا إلى تجارب هذه البلدان ساعد حكم الزعماء القوميين المدعومة
بخبرة من التكنوقراط ،و المعزولة عن فوض ى السياسات الديمقراطية المتخبطة والغير
مستقرة التي عانت منها بعض الدول النامية الحديثة العهد بالديمقراطية أفضل طريقة
لمتابعة سياسات االقتصاد الكلي بعيدة النظر ،422فبنى الحكام في هذه المناطق شرعيههم بناء
على ما حققوه من تقدم وتنمية اقتصادية واجتماعية (شرعية االنجاز)؛ حيث تعتمد األنظمة
االستبدادية إلى حد كبيرعلى األداء االقتصادي الناجح ،وغالبا ما تستخدم األنظمة الدكتاتورية
في نجاحها االقتصادي والتنموي مزيجا من القمع والوالء؛ وذلك يشمل آليتين :األولى؛ القمع
السياس ي ،بمعنى إزالة تهديد المعارضة لسياسههم .وثانيا؛ توزيع المزايا والعطايا على الشعب
لكسب الوالء لهم 423،فاألنظمة السلطوية ،وفيما تفتقد ذلك النوع من الشرعية الواسعة التي
تضفيها االنتخابات التنافسية ،تستمر في التعويل على "صفقات سلطوية" مع مجموعة مؤيدة
محددة ،تتمثل في ثالث مجموعات محورية من الفاعلين" :املجموعات التجارية في القطاع
الخاص" ،و "منظمات الطبقة الوسطى والقطاعات الشعبية" و"النخبتين العسكرية
420أدت السياسات االستبدادية لبعض األنظمة في العالم العربي مثال ،إلى حالة من االستياء الشعبي ،والذي عبر عنه من
خالل الثورات العربية بداية من سنة ،0100وقد اختلفت طبيعة التعامل مع االحتجاجات من نظام عربي إلى أخر ،وتمثل
االنظمة في كل من سوريا وليبيا واليمن حاال ت متطرفة للتعامل مع االحتجاجات الشعبية ،من خالل مواجهة المتظاهرين
العزل بالسالح ،وإن كان هذا األمر يمثل الطبيعة االستبدادية والديكتاتورية لهذه االنظمة ،فإن االمر الذي يثير االنتباه هو أن
هذه الحاالت تمثل نماذج ديكتاتورية كانت تقدم خطابا شعبويا طيلة فترة االربعين سنة التي سبقت الثورات العربية ،ومن ثم
فإن النموذج الذي تقدمه لم يحقق نموذجا للتنمية ولم تتحول على إثره تلك األنظمة االستبدادية للديمقراطية ،فتأكلت شرعيتها،
وهو األمر الذي وصل إلى حد انهيار الدولة وتحولها إلى دول فاشلة .
421
)Thomas Cartrother, The end of the Transition paradigm, Journal of democracy, vol.13 , no.1 (2002
pp.2-18.
422
Morton H. Helpern and josef siegle ,op.cit, P.58.
423رونالد وينتروب ،اإلقتصاد السياسي للدكتاتورية ،ترجمة جالل البنا وإبراهيم أحمد إبراهيم ،المركز القومي للترجمة،
القاهرة -مصر ،الطبعة األولى 0107ص.70.
والسياسية المتحكمتين بالدولة" .ومن الممكن أن يشوش تدهور الظروف االقتصادية ،وما
يقابله م ن ضغوط من أجل تعديل السياسة ،الصفقات السلطوية المبرمة مع املجموعات
الثالث كافة ،424لذلك يرجح أن تحافظ السلطويات على بنية حكمها في حاالت تحقيقها
لمستويات عالية من النمو االقتصادي واالجتماعي ،فيما تهدد األزمات االقتصادية استقرار
األنظمة السلطوية425.
تتبلور حجة الحكام االستبداديين حول فكرة أساسية ،تتمثل في أن هناك تباينا بين
الديمقراطية والنمو االقتصادي ،وذلك ألسباب اقتصادية وسياسية :وترتبط األسباب
االقتصادية بحقيقة أن النمو يتطلب فائضا اقتصاديا متاحا لالستثمار ،لذلك فإن الطريقة
الوحيدة لزيادة الفائض المتاح لالستثمارهي الحد من االسههالك والنظام الديمقراطي غيرقادر
على اتباع سياسات كبح االسههالك 426،حيث ينزع القادة الديمقراطيين إلى الرضوخ إلمالءات
الناخبين بدعم الرفاه ،على حساب االستثمار والنمو ،وهو ما من شأنه أن يعرض أسس تعزيز
الرفاه برمهها في المستقبل ،نتيجة ضعف النمو وارتفاع المديونية.
أما من لديه تحفظات سياسية على الديمقراطية ،فينطلق من حقيقة مفادها أن
التنمية االقتصادية تتعززعلى أكمل وجه ،عندما تتو افردرجة عالية من االستقرارفي النظام
والديمقراطية غيرمفيدة في هذا الصدد ألنها تعرض مؤسسات البلدان النامية الضعيفة أصال
للضغط الذي تمارسه جماعات مختلفة في املجتمع 427.ورغم أن الدراسات التجريبية المنهجية
ال تمثل دعما حقيقيا للزعم بأن ثمة تناقضا بين الحريات السياسية والديمقراطية و األداء
االقتصادي ،428فإننا سنتعامل مع الحاالت التي حققت معدالت نمو اقتصادي مرتفعة في ظل
الحكم االستبدادي ،فالش يء المؤكد أن بعض الدول االستبدادية ( مثل كوريا الجنوبية وتايوان
في عهد الحكم العسكري ،وسنغافورة في عهد لي كوان ،والصين بعد االصالح االقتصادي)،
424جون تيوريل ،محددات التحول الديمقراطي :تفسير تغير أنظمة الحكم في العالم ( ،)0110-0270ترجمة خليل الحاج
صالح ،المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،الطبعة األولى ، 0102ص.000.
للمزيد حو تأثير األزمة االقتصادية على األنظمة االستبدادية ،وفرص التحول الديمقراطي أنظر:
425
Dietrich Rueschemeyer at. Al, Capitalist Development and Democracy, Contomporary Sociology,
January 1992.
426غيورغ سورنسن ،مرجع سابق ،ص001.
427المرجع نفسه ،ص. 000.
428ال يوجد دليلي تجريبي لالعتقاد بأـن هناك تناقضا بين الديمقراطية واألداء االقتصادي الجيد ،بل هناك أسباب وجيهة
لالعتقاد بأن التوافق بين الديمقراطية والنمو مترادفين :تشكل جميع الدول االكثر ثراء في العالم (مع استثناءين) أي دخل
فردي يزيد عن 01111دوالر (تكافئ القدرة الشرائية في سنة )0111من االنظمة الديمقراطية ،وفي الواقع يتالشى االرتباط
بين الديمقراطية والدخل الفردي أو يختفي عندما ينظر المرء فقط إلى فئة البلدان منخفضة الدخل .للمزيد أنظرRapport :
mondial sur la développement humain 2002, op.cit.
حققت مستويات مرتفعة من التنمية االقتصادية ،أكثر من بعض الدول الديمقراطية في دول
العالم النامي ،فما هي الظروف التي ساعدت هذه الدول على تحقيق التنمية االقتصادية فيها
غاب ذلك في كثيرمن األنظمة االستبدادية واألتوقراطية في دول العالم النامي األخرى؟.
إن السمة المميزة لهذه األنظمة ،هي قدرتها على دعم كل من النمو والرفاه ،فالحكومة
ذات توجه إصالحي وتتمتع بدرجة عالية من االستقاللية ،بعيدا عن مصالح النخب الراسخة،
وتسيطرالحكومة على جهازدولة له امكانات بيروقراطية وتنظيمية قادرة على دعم التنمية ،تدير
هذا الجهاز نخب الدولة الملتزمة أيديولوجيا بتنشيط التنمية االقتصادية من حيث النمو
وكذلك الرفاه 429.كما أن السياسات والظروف االقتصادية التي أفضت إلى النجاح االقتصادي
القتصادات شرق آسيا أصبحت مفهومة ،حيث السياسات المساعدة التي تتضمن االنفتاح
على المنافسة واستخدام األسواق الدولية ،وتوفر مستوى عالي من معرفة القراءة والكتابة
والتعليم المدرس ي ،وتشجيع المناخ االقتصادي العام القائم على االستثمار والتصدير
والتصنيع 430،فالصين مثال ،لم تحقق نتائج اقتصادية جيدة إال بعد فترة االنفتاح واالصالح
الزراعي في بداية الثمانينيات من القرن الماض ي ،فلم تؤدي فترة التخطيط المركزي خالل مرحلة
"ماو تس ي تونغ" ،إلى نتائج كبيرة على المستوى االقتصادي واالجتماعي وعرفت انتكاسات حادة
نتيجة اخفاق السياسات خالل مرحلة ما قبل االنفتاح االقتصادي على السوق.
تقدم الصين في الوقت المعاصرنموذجا تنمويا مغايرا عن النماذج الغربية ،وتحديا غير
مسبوق لها؛ خاصة في ظل النجاح االقتصادي السريع التي حققته خالل السنوات األخيرة ،وقد
تم هذا النجاح في ظل تبنيها اقتصاد السوق ،بعيدا عن األراء العقائدية التي كانت تقدمها
السلطات الشيوعية ما قبل الثمانينيات ،حتى أضحت الصين مدافعا عن الحرية االقتصادية
وحرية عمل األسواق ،في ظل هذا النجاح ،وفي ظل الحمائية االقتصادية التي أصبحت تنهجا
بعض الدول الغربية تجاهها .فيكف تم هذا النجاح وهذا التحول؟.
استطاع الحزب الشيوعي بقيادة "ماوتس ي تونغ" السيطرة على السلطة سنة ،9141
بعد القضاء على القوميين في البر الرئيس ،وتم االعالن عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية.
تم بعد ذلك إقامة نظام سياس ي قائم على االستحواذ واالستبداد؛ فعلى الصعيد السياس ي لم
يسمح بإنشاء أي مؤسسة سياسية أخرى إلى اآلن من غير الحزب الشيوعي مع القضاء على كل
مظاهر الحريات المدنية والسياسية ،وصاحب هذه المؤسسات السياسية السلطوية
االستحواذية وجود مؤسسات اقتصادية شديدة االستحواذ والهيمنة ،والقائمة على التأميم
وإلغاء كل مظاهر حق الملكية ،و اقتصاد السوق ..واحتكر بذلك الحزب الشيوعي بقيادة ماو
على كل موارد الدولة431.
كانت الستراتيجية التطويروالتنمية التي تقوم على التخطيط نتائج مدمرة هائلة؛ حيث
نتج عن محاولة تحويل البلد إلى بلد صناعية في إطار ما يعرف "الوثبة العظمى إلى األمام" بعد
عام 9111إلى مجاعات كبيرة ،ورغم تعدد تفسيرات هذه املجاعات لم يشك أي شخص في الدور
المركزي لهذه السياسية في قتل ما بين عشرين إلى أربعين مليون شخص.
بعدها سرعان ما بدأت الثورة الثقافية مثلها مثل الوثبة العظمى إلى األمام ،في تدمير
االقتصاد وحياة البشر ،وأدت حمالت التطهيرالتي قادها المتحمسون من النظام في زياذة خنق
الحريات المدنية والقضاء على كل مظاهر التنوع التي يتمتع بها املجتمع .بعد موت "ماو" كانت
الثورة الثقافية والوتبة العظمى إلى األمام من أبرزإرثه السلطوي ،وقد نتج عن هذه السياسات
و أثارها المدمرة صراع بين أولئك الذين لديهم وجهات نظرمختلفة ومعتقدات متغيرة بخصوص
التغيير ،بين المشتديين من النظام وإصالحييه.
حسم الصراع على السلطة في النهاية لصالح االصالحيين بقيادة "دينغ شياوبينغ" ،ولم
يرغب هذا األخير في إلغاء النظام الشيوعي ،إال أنه اعتقد هو ومؤيديه أن النمو االقتصادي
الهائل يمكن القيام به دون املخاطرة بسيطرتهم السياسية ... :و ذلك باالصالح االقتصادي،
ودعم قوى السوق وتوسيع نطاق حق الملكية ،وتقليل دور الحزب الشيوعي في املجتمع،
واالنفتاح على االستثماراألجنبي والتجارة الدولية ،واالندماج في االقتصاد العالمي .كانت سلسلة
التغييرات المؤسساتية االقتصادية قد بدأت باالصالح الزراعي" ،بنظام المسؤولية المنزلية"،
والذي قدم حو افز اقتصادية للمزارعين وإعطاء دور أكبر للسوق والالمركزية 432،وفي االقتصاد
431دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن ،كيف تفشل األمم :أصول السلطة واإلزدهار والفقر ،ترجمة بدران حامد ،الدار الدولية
لالستثمارات الثقافية ،القاهرة -مصر ،الطبعة االولى ،0100 ،ص.ص.020-020 .
432غيرورغ سونسن ،مرجع سابق ،ص.000.
الحضري ،استقلت مؤسسات الدولة ،و أنشئت أربع عشرمدينة مفتوحة ،وأعطيت القدرة على
جذب االستثمار األجنبي433.
أدت هذه الحو افز إلى زيادة االنتاجية في املجال الزراعي بشكل غير مسبوق ،وساعد
تقديم الحو افز في املجال الزراعة والصناعة ،والذي أعقبه بعد ذلك االستثمار األجنبي
والتكنولوجيا في وضع الصين على أول طريق النمواالقتصادي ،لكن كان هذا النموتحت سيطرة
المؤسسات السياسية االستبدادية ،حتى وإن لم تكن قمعية بنفس ما كانت عليه أثناء الثورة
الثقافية ،أو حتى وإن كانت المؤسسات االقتصادية قد تحولت جزئيا إلى مؤسسات جرة
ومفتوحة نسبيا434.
ومن خالل هذا النموذج ،فإنه حتى إن كانت المؤسسات االقتصادية الصينية أكثر
انفتاحا اليوم بصورة النظير لها عما كانت عليه منذ أربعة عقود ،إال أن التجربة الصينية تعد
مثاال على النمو في ظل النظام االستبدادي ،القائم على مؤسسات سياسية استحواذية تهيمن
عليها قلة قليلة من نخب الحزب الشيوعي وكوادره ،وهذا النمو والتنمية االقتصادية السريعة
يذكرنا بالعديد من التشابهات بين نمو االتحاد السوفيتي خالل الخمسينيات والسيتينيات من
القرن الماض ي وبين النمو الصيني 436،بالرغم من الفوراق الملحوظة ،حيث جرى األول في ظل
433دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن ،كيف تفشل األمم ،مرجع سابق ،ص001-022.
434المرجع نفسه.000 ،
435غيرورغ سورنسن ،مرجع سابق ،ص.002.
436دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن ،كيف تفشل األمم ،مرجع سابق ،ص.071.
تخطيط مركزي قائم على التحول إلى الصناعة ،فيما جرى األخير في ظل نظام السوق ،إال أن
هناك قواسم مشتركة تتمثل في الرقابة الكبيرة على االقتصاد واملجتمع التي أبداها النظامين
تجاه شعوبهم437.
بسبب سيطرة الحزب على المؤسسات االقتصادية ،يتم تحجيم عمل السوق بالرغم
من التنوع الذي يبديه نمو االقتصاد الصيني عن االقتصادات األخرى التي تهيمن عليها األنظمة
االستبدادية ،والبراعة والمهارة التي يبديها رجال األعمال الصينيين ،لذلك فإن هذا النموسوف
تنفذ طاقته ويتوقف ،طالما ظلت المؤسسات السياسية على وضعها االستبدادي كما كان في
جميع الحاالت المشابهة ،ومن غيراملحتمل أن تترجم هذه التنمية االقتصادية إلى نمو مستدام،
ى الخالقة" في االقتصاد الصيني438. لغياب ما يسميها أحد الباحثين "الفوض
الفقرة االولى :أليات المر اقبة واملحاسبة في النظام الديمقراطي ودورها في تحقيق
التنمية.
رغم إقرارنا بأهمية المؤسسات الديمقراطية ،إال أنه ليس باإلمكان اعتبارها أدوات
تعمل آليا من أجل التنمية والتطوير ،فتفعيل الديمقراطية مشروط بما تقدمه الديمقراطية
من قيم و أولويات ،وباستثمار للفرص المتاحة للتعبير والمشاركة ،فقيم الديمقراطية
ونموذجها ،والمتمثل في االختيار الحر ،والمشاركة الموسعة للمواطنين في إدارة الشأن العام،
437على عكس طروحات نظرية التحديث التي تفترض أن توجه النظام االستبدادي نحو السماح باالنفتاح والتعددية ،عندما يحقق مستويات
متوسطة وعليا من النمو والتنمية االقتصادية ،وتوسع التعليم وزيادة الدخل ...نجد أن سيطرة الحزب الشيوعي في الصين قد زادت وألياته
الرقابية قد تطورت بشكل كبير بفعل استفادته من التكنولوجيا الحديثة ،حيث يسيطر الحزب على وسائل االعالم بما فيها االنترنيت ،ويعمل
بنظام رقابي صارم ،يحجب كل ما ال يروق للنظام وللحزب.
438دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن ،كيف تفشل األمم ،مرجع سابق،ص.071.
وفعالية عمل المؤسسات ومر اقبهها ،وترسيخ المر اقبة واملحاسبة ،هي التي تشكل آليات
اشتغال النظام الديمقراطي في تعزيز التنمية؛ فالنظام الديمقراطي يشكل بنية متسقة تشمل
القيم والممارسة وترسيخ عمل مؤسسات الرقابة.
فال توجد ديمقراطية حقيقية بدون نظام قضائي مستقل وبدون مؤسسات تضمن
حرية التعبير ووسائل إعالم حرة؛ إذ يجب أن تمارس سلطة التشريع من قبل ممثلي الشعب،
الذي ينتخبهم الشعب ،ويجب تنفيذ القوانين من قبل أشخاص مسؤولين قانونيا وجهاز إداري
وتنفيذي مسؤول أمام المنتخبين 439،في ظل رقابة مؤسسات املجتمع المدني ووسائل االعالم.
إن الديمقراطية تفترض وجود السلطة التشريعية التي تمثل الشعب ،وتعكس حقيقة
تنوع السكان داخل الدولة ،حيث يتم وضع تشريعات مقبولة وضرورية لتناغم الحياة
االجتماعية .كما تتطلب أيضا وجود سلطة قضائية مستقلة وكفؤة تعمل على ضمان الحقوق
لجميع المواطنين وتعزيز سيادة القانون ،و تتطلب أيضا تجنيد األحزاب السياسية والنظام
االنتخابي الذاتي ،وتتطلب مؤسسات إعالمية حرة وفعالة ومستقلة وسياسيين محايدين وفي
خدمة السكان ،وأخيرا وجود مجتمع مدني حر نشيط قادر على اإلشراف ومر اقبة السلطات
العامة وجماعات ذات المصالح ،و اقتراح أنماط من المشاركة السياسية مدعومة بالقيم
الديمقراطية.440
تتعدد مؤسسات الرقابة داخل النظام الديمقراطي ،من مؤسسات رسمية تمثل ركائز
أساسية وراسخة في النظام القائم على الفصل بين السلطات ومر اقبة بعضها لبعض كالبرلمان
والمؤسسات الرقابية األخرى المنصوص عليها في الدستور ،ثم مؤسسات رقابية أخرى غير
رسمية وهي تمثل سلطة رقابة مهمة وذات فاعلية تتمثل في االعالم والصحافة والرأي العام
واملجتمع المدني ،وهي مرتبطة بعمل النموذج الديمقراطي المتسق مع قيم حرية التعبير و
الرأي ،لذلك فبنية النظام القائم على المر اقبة تسمح باتخاذ القرارات الصحيحة ،وذات
الفاعلية والنجاعة .ففي الديمقراطيات المؤسسية ،ال تسري المساءلة عموديا فحسب،
واضعة المسؤولين المنتخبين موضع مساءلة فقط في صناديق اإلقتراع ،بل أفقيا أيضا ،عبر
439
boutros boutros- ghali ) sous directions(, L’ interaction démocratie et développement., création du
panel international sur la démocratie et le développement(PIDD); UNISCO 2002, p.10 .
440
Rapport mondial sur le développement humain 2002, op.cit. p00.
شبكة من القوى المستقلة نسبيا(أي مؤسسات أخرى) ،441قد تكون مؤسسات رسمية
كالبرلمان ،أومنظمات املجتمع المدني األخرى واإلعالم ،لذلك فالمؤسسات الديمقراطية تقدم
رقابة عمودية و أفقية على السلطة الحكومية وبالتالي تحد من إمكانات الموظفين العموميين
والسياسيين من تجميع ثروة شخصية وتنفيذ سياسات ال تحظى بشعبية 442،أو سياسات
عمومية ال جدوى منها وال تحقق أهداف التنمية.
كذلك يقلل االنفتاح في النظام الديمقراطي من نطاق الفساد؛ تخلق وسائل االعالم
المستقلة والحقيقية توقعات أعلى فيما يتعلق بالشفافية والكشف عن تضارب المصالح
املحتمل ،والميزة األخرى للديمقراطية هي القدرة على التكيف :تعزز الديمقراطيات االستقرار
السياس ي من خالل إنشاء أليات واضحة لتداول السلطة ،وهذا يتيح لها التكيف بسالسة مع
موت القائد أو هزيمته االنتخابية ،مما يقلل من نطاق التكتيكات غير القانونية أو السياسات
القسرية للوصول إلى السلطة ،وبالتالي يستمر زخم التنمية على الرغم من تغيير السياسات
املحددة من إدارة إلى أخرى 443،كما أن العمليات الديمقراطية يمكن أن تساهم في التنمية؛
فالتنافس على السلطة ،من خالل االنتخابات وغيرها من األليات الديمقراطية ،يجعل
السياسيين أكثراستعدادا لتلبية احتياجات الناس و تطلعاتهم.
من جهة أخرى ،يمكن إدارة الصراع وتحقيق االستقرار ،ففي الديمقراطيات يكون
للناس الحق في التعبير والفكر ،وحرية الوصول إلى المعلومات من خالل وسائل االعالم الحرة
والمستقلة وإمكانية النقاش العمومي المفتوح الذي يسمح بالتعبير عند تطوير السياسات
العمومية 444،و طالما أن التمثيل السياس ي يكتس ي الطابع المؤسس ي ويتيح تنافسية الوكالء،
وبالتحديد الممثلين ،ويسمح كذلك باالنتقال السلس للسلطة ،فإن هذا النوع من المأسسة
السياسية يساهم في الحد من مخاطر الفساد ،ويعزز الشفافية ،والتغيير والمساءلة 445،لذلك
فإن المؤسسات والممارسات والمثل العليا للديمقراطية لديها القدرة على تحدي تركيزالسلطة
السياسية ومنع ظهورالطغيان ،فهي تلعب دورا حاسما في تشكيل الحكم الذي يأتي من الناس،
441غييرمو أدونيل ،الديمقراطية التفويضية ،في كتاب الديمقراطية أبحاث مختارة ،تحرير الري دليموند و مارك ف .بالنتر،
شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ،الطبعة األولى ،0100ص.ص.010-10.
442
Robert J.Barro, Determinants of Economic growth: across country empirical of economic study,
National bureau of economic research, Cambridge, 1996 .p.39.
443
Morton H. Helpern and Josef Siegle, op.cit, p.65.
444
Rapport mondial sur le développement humain , op.cit. p.00.
445تقرير حول مقومات الحكم في البلدان العربية خالل المراحل االنتقالية :التحديات االقتصادية القصيرة ومتوسطة االجل،
اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي أسيا (االسكوا) ،التابعة لألمم المتحدة .0102.ص. 010.
وتسمح بإدارة فعالة لجهود التنمية االنسانية في املجتمعات الناس446، ويكون في خدمة
املختلفة.
إن التأسيس لهذا النمط من المر اقبة واملحاسبة تستلزم إذن وجود مؤسسات فاعلة
وقوية ومستقلة ،تقوم بأدوارها كاملة ،وال تستأثر أي سلطة بصناعة القرار لوحدها ،وهذا
النمط موجود ومرسخ في الديمقراطيات التمثيلية والليبرالية ،لكن كما الحظ غييرمو أدونيل447
في دراسة الحال ة ألمريكا الالتينية ،فإن التحوالت الديمقراطية الناشئة في هذه البلدان أنتجت
نمطا من الديمقراطية سماها "بالديمقراطية التفويضية" ،وفي هذا النمط يستأثر الرئيس
والسلطة التنفيذية بالقرار السياس ي ،ويتم تجاوز األحزاب السياسية والمؤسسات الدستورية
األخرى ،وبالتالي فإن المساءلة تكون في هذا النمط من الديمقراطية مساءلة عمودية فقط
تتمثل في االنتخابات ،فيما تغيب المساءلة األفقية الممثلة في البرلمان واملجتمع المدني
واإلعالم ،لذلك يبدل الرئيس المنتخب والسلطة التنفيذية مساعي حثيثة إلعاقة تطورمثل هذه
المؤسساتذ ،وقد أرجئ أدونيل أسباب ظهورهذا النمط إلى:
-األزمة االجتماعية واالقتصادية المتجذرة التي ورثهها معظم الدول المتحولة أسالفها
التسلطيين ،والتي تعززممارسات ومفاهيم محددة بشأن التطبيق المناسب للسلطة السياسية
والذي سارباتجاه الديمقراطية التفويضية وليس التمثيلية.448
-عدم امتالك شبكة القوى المؤسسية التي تؤمن قاعدة لعملية صنع السياسية ،أي
غياب أي تجربة مؤسسية ديمقراطية في الدولة.
لذلك فإن العنصر األساس ي لبناء مؤسسات رقابة ومحاسبة قوية في األنظمة
الديمقراطية الوليدة ،تتمثل في بناء مجموعة من المؤسسات التي تصبح مراكز مهمة في تيار
السلطة السياسة ،ويتحقق ذلك بشمول السياسات الحكومية واالستراتيجيات السياسية
ملختلف المفوضين السياسيين على االعتراف بمصلحة سياسية مشتركة في بناء المؤسسات
الديمقراطية؛ هذه المؤسسات تسهل بدورها التكيف مع المشاكل االجتماعية االقتصادية
الموروثة من النظام االستبدادي.449
446
Morton H. Helpern and josef siegle ,op.cit .p 12.
447غيييرمو أدونيل ،الديمقراطية التفويضية ،مرجع سابق.
448المرجع نفسه ،ص.17..
449المرجع نفسه ،ص.11-17..
يتعين النظرإلى الديمقراطية باعتبارها ألية خلق فرص ،كما أن استخدام هذه الفرص
يستلزم نوعا من التحليل يتناول ممارسة الحقوق الديمقراطية والسياسية 450،ذلك أن النظام
الديمقراطي ال يعمل آليا في ما يتعلق بتحقيق المطالب االجتماعية والتنموية ،فقصور
الممارسة والفشل يعتري ديمقراطيات أكثرنضجا ،لذلك فإن تعميق الديمقراطية وخلق الحكم
الديمقراطي يتطلب بالضرورة توسيع املجال السياس ي والمدني للمشاركة االجتماعية
والشعبية؛ 451فالحقوق السياسية والمدنية ،خاصة ما يتعلق منها بضمان المناقشة والحوار
والنقد واالختالف هي حقوق محورية بالنسبة إلى عمليات توليد اختيارات قائمة على المعلومات
والتفكيرالجاد والعميق ،وهذه عمليات حاسمة لصياغة القيم واألولويات ،452فالديمقراطية ال
تتوقف فقط على القواعد واالجراءات التي يكفلها هذا النظام ،بل إن األمرأعمق من ذلك ،فهي
تتطلب جهدا وممارسة بناءة وموسعة في النقاشات العامة ،ومشاركة فاعلة في اتخاذ القرارات
التي تهم الجوانب الحرجة والملحة للحاجيات اإلنسانية ،فأليات المشاركة و اتخاذ القرار في
النظام الديمقراطي ،تساهم بشكل عام في إثارة االهتمام بالقضايا األكثر إلحاحا للحاجيات
االنسانية ،ويتم تحييد القرارات واالستراتيجيات المكلفة ماليا وغير املجدية اقتصاديا
واجتماعيا ،أو الناتجة عن محاباة عناصر داخل النظام أو خارجه ،كما يقع في كثيرمن األنظمة
االستبدادية التي تسيطرالنخبة المتنفذة في صياغة السياسات والقرارات بشكل منفرد ،ودون
مر اقبة المؤسسات األخرى.
تقوم الديمقراطية في استقرارها على الشرعية والخضوع اإلرادي للمواطنين أكثر من
األنظمة الدكتاتورية ،ويرجع ذلك إلى كون الديمقراطية من حيث طبيعهها تقوم على تو افق
شعبي ،453كما تمنح الحريات السياسية في الديمقراطيات للناس وسائل الضغط من أجل
اعتماد السياسات التي توسع فرصهم االجتماعية واالقتصادية 454.ويساهم الحكم الديمقراطي
في حماية حقوق اإلنسان ،وتثبيت المشاركة الموسعة للمواطنين في إعداد القواعد
فالفضاءات التي يمكن للمرء أن يناقش فيها بحرية السياسة ،و أنماط التعبيراملختلفة المتاحة
لألفراد تشكل جوهر الحياة الديمقراطية وتضمن فعالية القرارات ،وكما هو موضح في تقرير
التنمية البشرية لسنة 2112فالديمقراطية هو النظام المؤسس ي الوحيد الذي يسمح
بالمناقشة المفتوحة على السلطة ،وهذا متو افق مع احترام قيم حقوق االنسان.
إن توسيع أنماط مشاركة المواطنين في إدارة الحياة السياسية ،وتعزيز فرصهم في
المشاركة أثناء صياغة السياسات االقتصادية و االجتماعية ،يعتبرعامال مهما في إثارة النقاش
حول األهداف الملحة لحاجياتهم ،ويكمن أن تتخذ هذه المشاركة ،أنماط متعددة كالحكم
املحلي واالدارة الذاتية...لكن تعزيزهذه المشاركة يتطلب وجود مجتمع مدني نشط ومستقل.
خاتمة:
إن القيام بالخيارات التنموية واالنمائية الصعبة ومتابعهها ،ال يمكن أن يتحقق إال من
خالل حكومات متجاوبة وقابلة للمساءلة واملحاسبة ،فمساءلة الحكومة تجعل السياسات أكثر
شفافية وفعالية ،ويتأتى ذلك بإصالح الحكم وتعزيزالديمقراطية؛ باعتبارها نظام الحكم األكثر
455
op.cit. p.52.
456
Amine Allal ; « développement international et promotion de la démocratie : A propos de la
gouvernance locale Au Maroc » ; L’année de Maghreb .3 ;2007 ; Novembre 2010 .
http:/journals.openedition.org/annéemaghreb/374 :DOI:10.4000/anneemaghreb.347 .
457
L’ interaction démocratie et développement , op.cit p.11 .
نجاعة لتمثيل مصالح جميع الفئات ،وتعزيز دينامية ونسق التنمية ،من خالل آليات الرصد
والتتبع التي يمكن االشتغال عليها في هذا النظام.
كما أن النظام الديمقراطي قادرعلى تصحيح اختالالته ،حيث يمكن أن تختلف طرائق
وممارسة الديمقراطية باختالف النظام االجتماعي والتنمية االقتصادية الخاصة بكل بلد ،إذ
يمكن تجسيد المبادئ العامة للديمقراطية بشكل مختلف من مجتمع إلى أخر ،انطالقا من
الخصوصيات الثقافية واالجتماعية واالقتصادية التي تميزكل دولة ومجتمع ،ومن ثم فإنه يمثل
النظام السياس ي األكثر مرونة والذي يمكن اإلشتغال عليه داخل مكونات أي مجتمع ،مهما
تعددت البنيات الثقافية والعرقية واالجتماعية له ،مما يسمح بإدارة الصراع في املجتمع داخل
إطار متحكم فيه وبناء على قواعد راسخة ،تضمن الحقوق العامة لجميع االفراد واالقليات.
مرونة هذا النظام تساعد على التجاوب مع الحاجات التنموية لباقي االفراد ،و ترسيخ منوال
التنمية بناء على اآلليات التي يوفرها النظام الديمقراطي؛ والقائمة على االختيارالحرللحكومة،
والمساءلة والشفافية ،وحرية الرأي والتعبير.
لكن وجود النظام الديمقراطي وإدارته للعملية التنموية ،هو رهين بجودة الحكم في أي
دولة ،فرغم أهمية االنتخابات الحرة واختيار المواطنين للبرلمان والحكومة بالنسبة
للديمقراطية ،إال أن النظام ال يتوقف على ذلك فقط ،حيث وجود آليات متعددة للمر اقبة
والتتبع ومجتمع مدني حرونشيط ،ووسائل إعالم حرة ،تعززمن متابعة السياسات المسطرة في
تحقيق التنمية ،وتحسن من كفاءة السياسات المتبعة في هذا املجال ،ويصحح االختالالت التي
يمكن أن تقع فيها المؤسسات الرسمية أثناء تنفيذها للسياسات العمومية ،لكن حين تغيب
عمل هذه الدينامية المؤسساتية أو يصيبها الوهن والقصور أو غياب الفعالية ،أنذاك يصبح
النظام الديمقراطي غيرفعال في متابعة الجهود التنموية واالنمائية.
الئحة المراجع:
-أماراتيا صن ،التنمية حرية ،ترجمة شوقي جالل ،سلسلة عالم المعرفة ،الكويت ،عدد
، 313ماي . 2114
-غييرمو أدونيل ،الديمقراطية التفويضية ،في كتاب الديمقراطية أبحاث مختارة :تحرير
الري دايموند و مارك ف .بالنتر ،شركة المطبوعات للتوزيع والنشر بالتعاون مع جامعة
كولومبيا ،الطبعة األولى .2190ص .ص .910-11
-دارون أسيموغلو وجيمس روبنسزن ،كيف تفشل األمم :أصول السلطة واإلزدهار
والفقر ،ترجمة بدران حامد ،الدار الدولية لالستثمارات الثقافية ،القاهرة -مصر ،الطبعة
االولى.2191 ،
-رونالد وينتروب ،اإلقتصاد السياس ي للدكتاتورية ،ترجمة جالل البنا و إبراهيم أحمد
إبراهيم ،المركزالقومي للترجمة ،القاهرة -مصر ،الطبعة األولى .2191
-مراد دياني ،إشكالية التنمية بين مأرب الحراك العربي ومقاصد أمارتيا سن خمس
معضالت أمام تجسير البون بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون ،في كتاب السياسات التنموية
وتحديات الثورة في االقطار العربية ،مجموعة مؤلفين ،المركز العربي لألبحاث ودراسة
السياسات ،الطبعة االولى 2191
-ميلتون فريدمان ،الرأسمالية والحرية ،ترجمة مروة عبد الفتاح شحاتة ،كلمات عربية
للترجمة والنشر ،مصر– القاهرة الطبعة اأولى.2199،
-الري دايموند ،روح الديمقراطية :الكفاح من أجل بناء مجتمعات حرة ،ترجمة عبد النور
الخرافي ،الشبكة العربية لألبحاث والنشر ،بيروت ،الطبعة االولى . 2194
التحديات: تقرير حول مقومات الحكم في البلدان العربية خالل المراحل االنتقالية-
،) اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي أسيا (االسكوا،االقتصادية القصيرة ومتوسطة االجل
.2193 لألمم المتحدة
http:/journals.openedition.org/aneemaghreb/374 :DOI:10.4000/anneem
aghreb.347
-Daron Acemoglu and James Roninson , Why Nations fail: The Origins’ of
Power, Prosperity and Poverty(New york: The Crown Publishing Group ; 2012)
- Larry Diamond , Juan L. linz and Saymour Martine Lipest, Democracy and
developing countries : Latin American (Boulder ; Colo: Lynne Reiner 1989).
- Robert wade « Governing The market ; Economic Theory and the role of
government in west Asian Industrialisation ». Princeton: Princeton University
Press.1990
مقدمة:
على غرار مجموعة من الدول التي سنت قوانين لحفظ وحماية حقوق ضحايا جرائم
اإلرهاب والشغب ،فأحدثت صناديق خاصة بتعويضهم ،قام المشرع المغربي بتبني فكرة
تعويض هؤالء الضحايا إعماال لمبدأ التضامن الوطني ،فأصدر بهذا الخصوص القانون رقم
991.94المتعلق بإحداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم
91.11المتعلق بمدونة التأمينات ،458وذلك حتى يتسنى توفيرالحد األدنى من التعويض لهم.
ويعد ظهور نظام الضمان أو التضامن حدثا مهما في مجال تعويض هؤالء الضحايا ،إذ
يعتبرتحوال من نظام المسؤولية الفردية إلى نظام المسؤولية الجماعية للمجتمع.
فإذا كان من الصعب إثبات حدوث خطأ من جانب اإلدارة في مثل الحوادث اإلرهابية
وحوادث الشغب وغيرها ،فإن معنى ذلك ـ ـ إذا طبقنا قاعدة مسؤولية اإلدارة بناء على خطأ،
باعتبارها القاعدة العامة في نظرية المسؤولية اإلدارية ـ ـ أن ضحايا هذه الحوادث لن يحصلوا
على أي تعويض عما أصابهم من ضرر رغم فداحة مصابهم ،ولذا فمن العدالة اللجوء إلى نظام
آخر لتعويضهم عما يصيبهم من جراء مثل هذه األحداث.
-458الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 0.02.014بتاريخ 40من ذي القعدة ( 41أغسطس ،)4102ج .ر.
عدد 2114بتاريخ 41ذو الحجة 44( 0237شتنبر ،)4102ص.2231 :
هذا النظام أخذت به بعض النظم القانونية المقارنة وعلى رأسها فرنسا التي أحدثت
صناديق الضمان االجتماعي ،لتقوم بجبر األضرار التي تقع لهؤالء الضحايا وغيرهم ،في أسرع
وقت ممكن ،وبإجراءات سهلة ،وهذا ما سارعليه المشرع المغربي الذي أحدث بموجب القانون
رقم 991.94السالف الذكر نظاما لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية بواسطة نظامي التضامن
والتأمين ،وهذا ما سنتعرض له في المطالب التالية:
يمكن إجمال أهم األسباب التي أدت إلى ظهورنظام الضمان أوالتضامن لتعويض ضحايا
أعمال اإلرهاب والشغب فيما يلي:
انتشرت الجرائم اإلرهابية وجرائم الشغب في الوقت الحالي بشكل غير مسبوق ،مما
استدعى سرعة إيجاد السبل الالزمة لمواجههها ،وتعويض ضحاياها.
ويرجع أحد الباحثين 459انتشار الجرائم اإلرهابية بشكل غير مسبوق في دول العالم
الثالث ،إلى مخلفات النظم غير الديمقراطية فيها ،والفقر وغياب حرية التعبير بين أهلها .كما
انتشرت هذه الجرائم في الدول المتقدمة أيضا ،كرد فعل ضد التدخل السافر لهذه الدول في
شؤون الدول األخرى األقل تقدما ،والحرب المعلنة على دينها وقيمها وأخالقها ،والحرب
العسكرية المعلنة على أهلها وأرضها ،مثلما وقع في الحرب األمريكية على أفغانستان والعراق.
كل ذلك ،أدى إلى كثرة األعمال اإلرهابية في السنوات األخيرة بشكل غير مسبوق ،مع كثرة
عدد ضحاياها من قتلى ومصابين ومشردين ،وكل ذلك استلزم نظاما يكفل سرعة تعويض هؤالء
الضحايا وأسرهم ،دون الوقوف فقط عمن كان وراء اندالع هذه األحداث ،ألنه في الغالب يبقى
بحثا عن مجهول في غالب األحيان.
-459حمدي أبو النور السيد عويس ،التعويض عن طريق صناديق الضمان في التشريع المقارن ،دار الفكر
الجامعي ،اإلسكندرية ،4100 ،ص.010 :
وإلى جانب انتشار الجرائم اإلرهابية ،انتشرت في اآلونة األخيرة بالمغرب أعمال الشغب،
وال سيما تلك المصاحبة لمباريات كرة القدم على وجه الخصوص ،والتي أسفرت عن عدد من
الضحايا والمصابين فضال عن تخريب المنشآت الرياضية وممتلكات الخواص وغيرذلك.
معلوم أن القضاء العادي واإلداري يقيم المسؤولية عن األضرار التي تصيب الغير على
أساس الخطأ ،وذلك وفقا لألركان التقليدية للمسؤولية ،وهي الخطأ والضرر وعالقة السببية
بينهما ،وما زال تو افر هذه األركان هو األساس في المسؤولية الخطئية الستحقاق الضحية
للتعويض ،سواء في مجال المسؤولية اإلدارية أو في مجال المسؤولية المدنية.
ومن ثم ،فإذا عجز المتضرر عن إثبات خطأ الغير والضرر الذي أصابه وعالقة السببية
بينهما ،فإنه لن يحصل على التعويض وفقا لهذه القواعد.
ولهذا ،فقد خطى القضاء اإلداري الفرنس ي خطوات واسعة في مجال المسؤولية اإلدارية
بدون خطأ ،فقررها في حاالت كثيرة ،تحقيقا للعدالة ،وتوزيعا للعبء العام على األفراد ،فأصبح
يحكم للضحية بالتعويض ولو دون وقوع خطأ من المتسبب في الضرر ،إذا كان ذلك ما تقتضيه
قواعد العدالة ،وتبعه في ذلك القضاء اإلداري المغربي ،ولكن بخطوات أقل.
ورغم الجهد الملحوظ الذي بذله القضاء اإلداري ،إال أن التطور الذي حققه في مجال
المسؤولية اإلدارية يبقى محدود األثر في التعويض عن األضرار المترتبة عن بعض الحوادث
كاألعمال اإلرهابية وأعمال الشغب؛ إذ ال تسعف األسس التقليدية للمسؤولية اإلدارية كالخطأ
واملخاطر في جبر هذه األضرار ،لما تتطلبه من شروط معينة ،فضال عن صعوبة إثبات الخطأ
المرفقي في مثل هذه الحوادث.460
-460حمدي أبو النور السيد عويس ،التعويض عن طريق صناديق الضمان في التشريع المقارن ،المرجع السابق،
ص 017 :و 012ورشيد البقالي ،المسؤولية اإلدارية بدون خطأ :دراسة مقارنة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة سيدي محمد بن عبد الله ،فاس ،4140-4141 ،ص:
.472
وجدير باإلشارة ،أنه مع ظهور التقنيات الحديثة المستخدمة في الجريمة أيا كان نوعها،
أصبح من المتعسرفي كثيرمن الحاالت تحديد المسؤول عن األضرارالناجمة عنها ،وهو ما يقع
بشكل ملحوظ بالنسبة لضحايا جرائم اإلرهاب والشغب.
بل قد يحدث في بعض الحاالت أال يوجد مسؤول عن األضرارالتي أصابت فئة معينة من
الناس ،كما هوالحال في ضحايا الزالزل أوالبراكين أوالفيضانات ،ومن غيرالعدل أن يترك هؤالء
الضحايا بال تعويضات ،ملجرد أنه ال مسؤول عن مثل هذه الحوادث.
ولذلك جاءت مسؤولية الضمان كنظام يتحمل األضرارالو اقعة بهؤالء الضحايا ،ويكمل
النقص الذي قد يعتري نظام المسؤولية بناء على خطأ أو بدون خطأ.461
وفي هذا الصدد ،جاء في عرض السيد الوزير المنتدب لدى وزير االقتصاد والمالية،
المكلف بالميزانية حول القانون رقم 991.94املحدث لنظام تغطية عو اقب الوقائع الكارثية
ما يلي":لذا ،ومن أجل الحفاظ على مصالح ضحايا الوقائع الكارثية وضمان تعويض للمتضررين
من هذه الكوارث ،فقد بات من الضروري وضع آليات للتعويض تكون ناجعة ومستدامة".462
وهذا ما أشار إليه أيضا بعض الفقه المغربي ،الذي أكد أن الحاجة ماسة إلى نصوص
تشريعية تغطي هذا الجانب ،عندما يعاني املجتمع من ويالت جرائم اإلرهاب .463وهو ما تنبه له
المشرع المغربي ،فسن القانون رقم 991.94المتعلق بإحداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع
الكارثية ،حيث قرر التعويض إما عن طريق صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية لغير
المؤمنين ،وإما عن طريق التأمين بالنسبة لمن يتوفرون على تأمين.
المطلب الثاني :ماهية صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية ونطاق التعويض فيه
شهد المغرب كغيره من الدول أحداثا اجتماعية ذات طابع عنيف ،أحدثت أضرارا
جسمانية بليغة وخسائرا في األرواح ،وأضرارا مادية مهمة في الممتلكات ،وهو ما دفع بالمشرع
المغربي نحوسن القانون رقم 991.94المتعلق بإحداث نظام لتغطية عو اقب الوقائع الكارثية؛
وهو نظام مزدوج للتعويض يتعلق شقه األول بتمكين األشخاص الذاتيين غير المتوفرين على
تغطية تأمينية من حد أدنى من التعويض عن الضرر الذي قد يتعرضون له في حالة حدوث
و اقعة كارثية ،في حين يتعلق الشق اآلخر بتعويض األشخاص المتوفرين على عقود تأمين،
والذين كانوا ضحية إحدى الوقائع الكارثية.
وفيما يلي سنتناول الشق األول من نظام التعويض وهو نظام التضامن ،الذي يتكفل به
صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية ،وذلك في الفرعين التاليين:
سنتطرق في هذا الصدد لتأليف ومهام صندوق التضامن (الفقرة األولى) ،وموارده
ونفقاته (الفقرة الثانية) ،ثم شروط وكيفيات اللجوء إليه من لدن ضحايا إحدى الوقائع
الكارثية ،ومنها أعمال اإلرهاب والشغب (الفقرة الثالثة).
يعد نظام التغطية ضد عو اقب الوقائع الكارثية آلية تهدف إلى تعويض الضحايا عن
األضرارالبدنية واألضرارالمادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية ،أواألضرارالناشئة عن الفعل
العنيف لإلنسان ،سواء تجسد هذا الفعل العنيف في عمل من أعمال اإلرهاب أو الشغب.
وحسب المادة الثالثة من القانون رقم 991.94السالف الذكر ،يقصد بالو اقعة
الكارثية "كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب ،يرجع السبب الحاسم فيه إلى فعل
القوة غيرالعادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف لإلنسان".
ولهذا الغرض ،أحدث المشرع المغربي بموجب القانون المذكورصندوق التضامن ضد
الوقائع الكارثية ،من أجل توفيرالحد األدنى من التعويض لصالح ضحايا هذه الوقائع الذين ال
يتوفرون على تغطية ضد الضرر الذي لحق بهم .ويعد هذا الصندوق شخصا اعتباريا خاضعا
للقانون العام ،ويتمتع باالستقالل المالي .464وبما أن هذا الصندوق يخضع لوصاية الدولة،
فإنه من المنطقي أن يخضع للمر اقبة المالية للدولة المطبقة على المقاوالت العمومية.465
1-ممثلين عن اإلدارة؛
-ممثلين اثنين عن مقاوالت التأمين وإعادة التأمين المعتمدة بالمغرب ،يتم تعيينهما من
طرف رئيس الحكومة لمدة 1سنوات باقتراح من الجامعة المغربية لشركات التأمين وإعادة
التأمين.466
تعويض ضحايا الوقائع الكارثية وفق الشروط المنصوص عليها في القانون رقم
991.94السالف الذكر؛
منح قروض لمقاوالت التأمين وإعادة التأمين بموجب العمليات التي يحددها هذا
القانون؛
إعداد معطيات إحصائية ومالية تتعلق بعو اقب الوقائع الكارثية و إبالغها إلى
اإلدارة بناء على طلبها؛
لقد حددت المادة 20من القانون رقم 991.94السالف الذكر ،موارد صندوق التضامن
ضد الوقائع الكارثية ،وكذا نفقاته.
مبلغ االقتراضات؛
مبلغ االقتراضات؛
نفقات التسييرواالستثمار؛
يتم تعويض ضحايا إحدى الوقائع الكارثية ضمن الحدود وتبعا للقواعد الحسابية
املحددة في القانون رقم 991.94السالف الذكروالنصوص المتخذة لتطبيقه.468
وحسب المادتين 0و 1من القانون المذكور ،فإنه بمجرد نشر القرار اإلداري القاض ي
باإلعالن عن حدوث الو اقعة الكارثية ،تنطلق عملية تقييد الضحايا في سجل تعداد ضحايا
الوقائع الكارثية داخل أجل ال يتجاوز 3أشهر ،وكذا عملية منح التعويضات من طرف صندوق
التضامن ضد الوقائع الكارثية.
وألجل االستفادة من التعويضات الممنوحة من طرف هذا الصندوق ،يجب على الضحية
المقيدة في سجل التعداد أو ذوي حقوقها أن يقدموا طلبا كتابيا إليه ،469يوجه مباشرة إليه
بواسطة رسالة مضمونة مع إشعاربالتوصل ،أو يودع في مقره مقابل وصل.
كما يمكن كذلك إرسال الطلب المذكور إلى صندوق التضامن بأية وسيلة من وسائل
االتصال عن بعد ،التي يضعها الصندوق رهن إشارة الطالب.470
وثيقة تثبت هوية الطالب عندما يقدم الطلب من طرف شخص آخرغيرالضحية
أو ذوي حقوقها؛
يجب أن يشمل ملف التعويض ،عالوة على ما سبق ذكره في النقطة (أ) ،ما يلي:
وثيقة تثبت ،عند االقتضاء ،إصابة الفرع بعاهة بدنية أو عقلية ال يستطيع معها
القيام بسد حاجاته.
يجب أن يشمل ملف التعويض ،فضال عما سبق ذكره في النقطة (أ) ،ما يلي:
نسخة من رسم ملكية املحل موضوع طلب التعويض أو أي وثيقة أخرى تثبت
ملكية املحل المذكور؛
هذا ،ويعتبر ملف التعويض كامال إذا تضمن ،عالوة على الوثائق المشار إليها أعاله،
الوثائق التالية التي تمكن صندوق التضامن من تقييم التعويض حسب الحاالت المبينة بعده:
-شهادة تثبت استقرار جراح الضحية بصفة نهائية مسلمة من طرف طبيب ممارس
بالقطاع العام ،وتتضمن نسبة العجزالبدني الدائم الذي ستظل الضحية مصابة به؛
-نسخة من رسم وفاة الضحية ،وفي حالة شخص مفقود وثيقة تثبت فقدانه أو نسخة
من الحكم القضائي المصرح بموته؛
وبعد استكمال وثائق ملف التعويض يقوم صندوق التضامن بدراسة طلب التعويض،
ويدعو ،عند االقتضاء ،المعني باألمر إلى إتمام البيانات التي تم إغفالها أو اإلدالء بالوثائق
الناقصة ،ويبت بشأن قبول أو رفض هذا الطلب.473
ويجب على صندوق التضامن أن يبلغ مقترح التعويض إلى الطالب ،بواسطة رسالة
مضمونة مع إشعار بالتوصل أو عن طريق إجراء غير قضائي ،وذلك داخل أجل ( )31يوما من
تاريخ التوصل بملف التعويض الكامل.474
وبعد استالم التوصيل يجب على المستفيد من التعويض توقيعه وإرجاعه إلى
الصندوق .هذا األخير ملزم بدفع التعويض المستحق داخل أجل ( )31يوما بعد استالم
التوصيل الموقع عليه.475
هذا ،ويتقادم كل طلب أداء التعويضات التي يمنحها صندوق التضامن بمرور سنتين
ابتداء من تاريخ نشرالقراراإلداري الذي أعلن عن الو اقعة الكارثية.476
أوال -تعويض األشخاص الذين تعرضوا ألضرار بدنية أو في حالة الوفاة ،477ويشمل
التعويض المستحق برسم الضررالذي يتعرض له األشخاص المؤهلون:
-فقدان مورد العيش الذي يلحق بذوي حقوق الضحية بسبب وفاتها أو فقدانها.
ويعتبر في حكم ذوي الحقوق األشخاص الذين كانت الضحية الهالك أو المفقود ملزما
بالنفقة عليهم بموجب قواعد نظام أحواله الشخصية ،وكذا كل شخص آخركان يعوله دون أن
يكون ملزما بالنفقة عليه.
عندما يتم اإلعالن على أن المسكن الرئيس ي غير صالح للسكن ،يتم منح تعويض عن
فقدان مكان المسكن الرئيس ي لمالك المسكن الذي يشغل مكان اإلقامة المذكور؛
يؤدى التعويض المذكور أعاله أيضا للمالك غير العضو في هذه العائلة ،عندما يكون
زوجه أو أزواجه أو األطفال الذين هم تحت كفالته أو هم معا أعضاء في العائلة المذكورة.
وفي حالة ما إذا كانت العائلة تقيم بالمسكن الرئيس ي بدون مقابل ،يؤدى التعويض عن
فقدان االنتفاع لفائدة هذه العائلة.
طبقا للمادة 21من القانون رقم 991.94السالف الذكر ،يستفيد من التعويضات التي
يمنحها صندوق التضامن أولئك الذين ال يتوفرون على تغطية أخرى ضد عو اقب الوقائع
الكارثية ،خاصة:
*األشخاص الذين أصيبوا بضرر بدني ناجم مباشرة عن الو اقعة الكارثية ،بمن فيهم
أولئك الذين يساهمون في عملية اإلنقاذ واإلغاثة واستتباب األمن ،مرتبطة بهذه الو اقعة ،أو
ذوي حقوقهم في حالة وفاة هؤالء األشخاص.
*أعضاء العائلة الذين تسببت هذه الو اقعة ،بشكل مباشر ،في جعل مسكنهم الرئيس ي
غير صالح للسكن ،ويمكن كذلك لألشخاص غير األعضاء في هذه العائلة االستفادة من
التعويضات التي يمنحها الصندوق عندما يكون أزواجهم أو أطفالهم الذين هم تحت كفالههم أو
هم معا أعضاء في العائلة المذكورة.
إن أي نزاع بين صندوق التضامن وضحية و اقعة كارثية يجب تقديمه أوال إلى لجنة
تسوية النزاعات .لكن ،وقبل لجوء المعني باألمرإلى هذه اللجنة يجب عليه ،حينما يرفض مبلغ
التعويض المقترح عليه ،إبالغ رفضه إلى صندوق التضامن بواسطة أي وثيقة ثابتة التاريخ.478
وبعد قيام المعني باألمر أو الضحية بهذا اإلجراء الالزم مراعاته من لدنه ،يمكنه اللجوء
آنئذ إلى لجنة تسوية المنازعات ،والتي تتولى البت في كل نزاع قائم بين ضحايا و اقعة كارثية أو
ذوي حقوقهم وصندوق التضامن قبل إقامة أي دعوى قضائية ،وذلك وفق الشكليات
والمساطرالمنصوص عليها في هذا املجال.479
وتشكل لجنة التسوية بالنسبة لكل و اقعة كارثية .ويجب تقديم الطعن أمام هذه اللجنة،
تحت طائلة عدم القبول ،داخل أجل سنة ابتداء من تاريخ تبليغ القرار المتنازع فيه ،المتخذ
من قبل صندوق التضامن .غيرأنه ،يمكن للجنة التسوية رفع هذا الجزاء عن الطاعن إذا ثبت
بأنه لم يكن قادرا ،لوجود عذرمشروع على المطالبة بحقوقه داخل األجل املحدد.
وينبغي تقديم الطعن المذكورفي شكل طلب مكتوب من طرف الضحية ،أو ذوي حقوقها
أو األشخاص المفوضين من قبلهم لهذا الغرض ،ويوجه هذا الطلب إلى لجنة التسوية مرفقا،
عند االقتضاء ،بجميع الوثائق التي يعتزم الطالب استعمالها ،وذلك بواسطة رسالة مضمونة
مع إشعاربالتوصل أو يتم إيداعه بمقراللجنة مقابل وصل.480
هذا ،وتقوم لجنة التسوية بجميع إجراءات البحث؛ باالستماع إلى أطراف النزاع أو إلى
ممثليهم أوإلى الشهود ،أو بتعيين خبراء أو بأي إجراء آخرللبحث ،يكون ضروريا لتسوية النزاعات
المعروضة عليها.481
وتتوفرلجنة التسوية على أجل ال يتعدى ستة ( )0أشهر ،يبتدئ من تاريخ رفع األمرإليها،
وذلك قصد اتخاذ قرارها النهائي .ويمكن تمديد هذا األجل لنفس المدة من طرف رئيس املحكمة
اإلدارية املختصة باعتبار مكان وقوع الو اقعة الكارثية ،وذلك بناء على طلب من رئيس لجنة
التسوية.
وإذا لم تتخذ لجنة التسوية قرارها داخل األجل المذكور ،يمكن للضحية أو لذوي
حقوقها أو لألشخاص المفوضين من قبلهم لهذا الغرض ،أن يتقدموا بالطعن أمام املحكمة
اإلدارية املختصة باعتبار مكان وقوع الو اقعة الكارثية ،وذلك داخل أجل ( )01يوما ابتداء من
اليوم األول الذي يلي انصرام األجل المنصوص عليه في الفقرة أعاله.482
في ظل و اقع يتسم بارتفاع وثيرة الوقائع الكارثية ،وال سيما التي يكون مصدرها الفعل
العنيف لإلنسان ،والمتمثلة أساسا في أعمال اإلرهاب وأعمال الشغب ،فقد سن المشرع
المغربي نظاما للتغطية ضد عو اقب هذه الوقائع .ويجمع هذا النظام بين نظامي التضامن
الذي سبق التطرق إليه ،والتأمين لفائدة األشخاص الذين اكتتبوا عقد تأمين.
وألهمية هذا النظام األخير وحداثته في التأمين ضد األعمال اإلرهابية وأعمال الشغب،
فسنتطرق بإيجاز لمفهوم التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية في (الفرع األول) ،وأحكام
التغطية التأمينية ضد مخاطراإلرهاب والشغب في (الفرع الثاني).
سنقسم هذا الفرع إلى فقرتين ،نتناول التعريف بالتأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية
في (الفقرة األولى) ،ثم شروطه وإجراءاته في (الفقرة الثانية).
إن فلسفة التأمين تقوم باألساس على محاولة توسيع دائرة المساهمين في توفيرالضمان
المالي ،لدفع التعويضات المستحقة حين يتعرض األفراد ألضرارجسيمة ،بشكل يعجزالكثيرين
عن تحملها ،إذ يمكن من خالل التأمين تشتيت الخسارة وتبديدها من خالل وجود عدد كبيرمن
األشخاص يههددهم جميعا خطر واحد ،بحيث متى تحقق هذا الخطر تم تعويضه من مبالغ
المتعاونين.483
والتأمين لغة :من أمن واألمان بمعنى جعله في أمن ،يقال تأمينا على الش يء أي اتخذه
أمينا ،قال :آمين ،أي أن التأمين من األمان أي الطمأنينة.
وألن مخاطر أعمال اإلرهاب والشغب في تزايد مستمر ألسباب متعددة سبق بيانها ،فقد
اهتدى المشرع المغربي بموجب القانون رقم 991.94السالف الذكرإلى إجبارية اشتمال عقود
التأمين على الضمان ضد عو اقب تلك األعمال والجرائم.485
إذا كان التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية يعد نوعا من أنواع عقود التأمين ،فإنه
يخضع لذات الشروط الفنية التي يخضع لها عقد التأمين عموما ،فهل تنسجم هذه الشروط
مع أعمال اإلرهاب والشغب كمخاطر يؤمن ضدها ،بوصفها جرائم تخلف خسائر جسيمة في
األرواح واألموال والممتلكات؟ .لنرى ذلك وكما يلي:486
-483ديش موسى ،دور التأمين في جبر األضرار الناجمة عن الجرائم اإلرهابية (دراسة مقارنة) ،مجلة البحوث
القانونية والسياسية ،العدد ،4102 ،3ص.024 :
484
- Maurice Picard et André Besson, les assurances terroristes, Le contrat
d’assurance 11Ed, LGDJ, 1982, p : 2.
-485المادة 0-22من القانون السالف الذكر.
-486إسراء صالح داود ،التأمين ضد األعمال اإلرهابية ،المرجع السابق ،ص 021-023 :وديش موسى ،دور
التأمين في جبر األضرار الناجمة عن الجرائم اإلرهابية ،المرجع السابق ،ص.410-022 :
أوال-التعاون:
إن عقد التأمين يقوم أساسا على التعاون من خالل تجميع أكبر عدد ممكن من
األشخاص الذين يتعرضون للخطر ذاته ،ورغبة منهم في تجنب ما ينجم عن وقوعه من آثار
وخيمة ،ودفع ضرره بدال من تحمل آثاره بصورة فردية ،يعجزالفرد لوحده عن تجنب آثاره ،فإذا
ما ساهم المؤمن لهم في جمع المال عن طريق قيامهم بتسديد أقساط التأمين ،ولحق بأحدهم
ضرر نتيجة لتحقق الخطر المؤمن منه ،فإن الجميع يكونون قد ساهموا في تغطية الخسائر
الناشئة عن وقوع الخطرالمؤمن ضده.
ولما كانت مخاطرأعمال اإلرهاب والشغب عبارة عن استخدام للقوة والعنف من جانب
الجناة ،بهدف اإلخالل بالنظام العام وتعريض سالمة املجتمع وأمنه للخطر ،عن طريق إيذاء
األشخاص وإلقاء الرعب بينهم ،وتعريض حياتهم وأموالهم للخطر ،وعلى اعتبار أن املخاطر
اإلرهابية وكذا مخاطرأعمال الشغب أمرمحتمل حدوثها ،قد تصيب فردا أوأفرادا من املجتمع،
أمام هذا كله يستوجب تعاون هؤالء األفراد الذين يههددهم هذا النوع من املخاطر ويرغبون في
الوقاية من آثاره السيئة واملحتمل حدوثها ،فلزاما عليهم أن يتعاونوا لمواجهة هذه املخاطر
بواسطة مساهمة كل منهم بقسط تأميني يدفعونه للمؤمن.
تعتبر المقاصة بين املخاطر ع ملية فنية بحتة ،إذ غايهها توفير نوع من الحماية والضمان
للمؤمن ،وذلك من خالل تحويل مجموع مبالغ التأمين التي تستحق عند تحقق الخطر منه،
فكلما زاد عدد المؤمن لهم كلما حقق التأمين أهدافه بتوزيع عبء املخاطر التي تلحق ببعض
المؤمن لهم على حساب المؤمن لهم جميعا .ولتحقيق المقاصة ينبغي أن تكون املخاطر أو
األخطارذات طبيعة واحدة من حيث النوع والمدة ،وهو ما يمكن أن يتحقق في عقد التأمين ضد
أعمال اإلرهاب والشغب ،إذ أنها متحدة من حيث النوع وهو اإلرهاب أو الشغب ،ومن حيث
المدة وهي مدة سريان عقد التأمين.
يقصد بها العمليات الحسابية التي من خاللها يمكن للمؤمن أن يتعرف على الحوادث
املحتملة الوقوع خالل فترة زمنية معينة ،ويطلق عليها كذلك بحساب االحتماالت وذلك لتحديد
درجة حدة الخطرليتمكن المؤمن من تحديد سعرالتأمين ،ومن ثم تحديد القسط الذي ينبغي
للمؤمن دفعه.
وفي هذا الصدد ،نالحظ أن المشرع المغربي قد حدد سعر ضمان الو اقعة الكارثية
للمؤمن لهم تجاه شركات التأمين ،وذلك بموجب قرار لوزير االقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة
رقم 4911.91بتحديد األقساط أواالشتراكات المتعلقة بالضمان ضد عو اقب الوقائع الكارثية
ونسب العمولة برسم عرض عمليات التأمين المتعلقة بهذا الضمان وكذا أسقفه ومبالغ
خلوص التأمين ،الصادرفي 21دجنبر ،4872191وتم تحديد هذه النسبة كما يلي:
تأمين األضرارعلى الممتلكات 8%:من القسط المتعلق بعقد التأمين الذي يغطي
األضرار التي تلحق بالممتلكات (بحد أقص ى ال يتجاوز 911.111درهم لكل
عقار).488
-المسؤولية المدنية 2% :من قسط تأمين المسؤولية المدنية على السيارات ،عندما
تكون العربة مخصصة لالستعمال في النقل العمومي للمسافرين ،و 3,5%من هذا القسط
بالنسبة لالستخدامات األخرى.489
-487قرار لوزير االقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة رقم 2011.02صادر في 31من ربيع اآلخر 47( 0220
ديسمبر ، )4102الجريدة الرسمية عدد 2223بتاريخ 3جمادى األولى 31( 0220ديسمبر ،)4102ص:
.00222
-488المادة الثانية من القرار المذكور.
-ضمانات األضرار التي تلحق بالعربات :حددت نسبة ضمان الو اقعة الكارثية في 1,5%
من القسط الخاص فقط بالضمانات الملحقة.490
وفيما يتعلق بإجراءات التأمين ضد عو اقب الوقائع الكارثية ،فإنه يجب على المؤمن له
إعالم مؤمنه ،داخل أجل ال يتعدى 21يوما بعد حدوث الو اقعة الكارثية ،ما عدا في حالة
االستحالة المطلقة للقيام بذلك ،أو في حالة وجود سبب مشروع ،أو وقع حادث فجائي أو قوة
قاهرة.
ويتم هذا اإلعالم إما كتابة ،أو شفويا مقابل وصل ،أو بواسطة أي وسيلة أخرى تثبت
التوصل.
ففي حالة األضرار المادية ،يتعين على الضحية التقدم بطلب تعويض لدى مؤمنها،
استنادا إلى النموذج املحدد في الملحق رقم ( )2بقراروزيراالقتصاد والمالية وإصالح اإلدارة رقم
2294.91المتعلق بتحديد كيفيات إعمال الضمان ضد عو اقب الوقائع الكارثية ،الصادر
بتاريخ 31من ربيع اآلخر 21( 9449ديسمبر ،492)2191مع تضمنه للبيانات والمعلومات التالية:
هوية المصرح؛
أرقام بوليصة التأمين ،إن وجدت ،والتي تغطي األضرار التي لحقت بموضوع
التصريح؛
وفي حالة األضرار البدنية ،يتعين على الضحية التي تعرضت ألضرار بدنية إثر حدوث
و اقعة كارثية أوذوي حقوقها في حالة وفاتها أو فقدانها ،أن يقدموا إلى المؤمن أو من يمثله طلب
التعويض وفق النموذج املحدد في الملحق رقم ( )9من القرارالمشارإليه أعاله ،مع تحديد:
هوية المصرح؛
أرقام بوليصة التأمين ،إن وجدت ،والتي تغطي األضرار التي لحقت بموضوع
التصريح؛
وصف لألضرارالمسجلة؛
اسم ونسب الضحايا وعالقههم بالمؤمن له (في حالة األضرار البدنية الالحقة
بالسائق وكل شخص تم نقله بالعربة المؤمنة ،وكذا األضرار التي لحقت بذوي
حقوقهم جراء وفاتهم)؛
عدد الضحايا وكل معلومة تكميلية متاحة تمكن من تحديدهم (في حالة األضرار
البدنية التي لحقت باألشخاص غير التابعين للمؤمن له ،المتواجدين بالمو اقع
المشمولة بعقد التأمين زمن وقوع الحادث ،واألضرار التي لحقت بذوي حقوقهم
جراء وفاتهم).
أي وثيقة أخرى الزمة لتقدير الضرر طبقا ألحكام الظهير الشريف رقم 9.14.911
الصادرفي 0محرم 2( 9411أكتوبر ،)9114المعتبربمثابة قانون يتعلق بتعويض
المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك.
عالوة على الوثائق المذكورة ،يجب على المعني باألمر أن يرفق طلبه بالوثائق التالية،
حسب الحالة:
-9في حالة عجز بدني دائم للضحية ،شهادة تثبت استقرارجراح الضحية بصفة نهائية،
مسلمة من طرف طبيب ،وتتضمن نسبة العجزالذي ستظل الضحية مصابة به؛
-نسخة من شهادة وفاة الضحية ،وإذا تعلق األمر بشخص مفقود ،نسخة من الحكم
القضائي الذي يصرح بموته؛
-نسخة موجزة من رسوم والدة فروع الضحية أو أي وثيقة أخرى تثبت سنهم ،وعند
االقتضاء وثيقة تثبت أن الفرع مصاب بعاهة بدنية أو عقلية ال يستطيع معها القيام بسد
حاجاته.
هذا ،ويتعين على المؤمن بعد ذلك ،إخطار صاحب الطلب بمبلغ التعويض ،بواسطة
رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل ،أو عن طريق وسيلة أخرى غير قضائية ،داخل أجل ()01
يوما من استالم طلب التعويض.
كما يتعين على صاحب الطلب أن يخبرالمؤمن ،داخل أجل ( )31يوما من استالم مقترح
التعويض ،برفضه أو قبوله المقترح سالف الذكر ،عن طريق رسالة مضمونة مع إشعار
بالتوصل ،أو عن طريق وسيلة أخرى غيرقضائية.
وفي حالة المو افقة على المقترح المذكور ،يتعين على المؤمن أن يدفع التعويض أو
التسبيق للمؤمن له ،في غضون ( )29يوما الموالية لتاريخ إخباره بذلك.495
سنتناول في هذا الفرع نطاق األضرار المشمولة بالضمان (الفقرة األولى) ثم االلتزامات
الناشئة عن التأمين ضد األعمال اإلرهابية وأعمال الشغب (الفقرة الثانية).
يتولى المؤمن ضمان األضرار والخسائر الناشئة عن وقوع أعمال إرهابية أو أعمال
شغب ،تولد أضرارا بدنية (البند األول) وأخرى مالية (البند الثاني).
تنص المادة 3-04من القانون رقم 991.94السالف الذكر على أنه يغطي الضمان ضد
عو اقب الوقائع الكارثية ،األضرارالبدنية التي يتعرض لها السائق وكل شخص منقول على متن
العربة المؤمن عليها ،وكذا األضرار الالحقة بذوي حقوقهم على إثر وفاتهم ،عندما تنتج هذه
األضرارمباشرة عن و اقعة كارثية تمس العربة المؤمن عليها.
وحسب نفس المادة ،فعندما يكون مالك العربة شخصا ذاتيا ،يغطي الضمان كذلك
األضرار البدنية التي يتعرض لها مالك العربة وأزواجه وأوالده الموجودون تحت كفالته وكذا
األضرار الالحقة بذوي حقوق هؤالء سبب وفاتهم ،شريطة أن تكون هذه األضرار ناتجة مباشرة
عن و اقعة كارثية.
تنص المادة 2-04من القانون رقم 91.11المتعلق بمدونة التأمينات 496على أن الضمان
يغطي األضرارالالحقة باألموال المؤمن عليها ،والناتجة مباشرة عن و اقعة كارثية.
يترتب على التأمين ضد األعمال اإلرهابية وأعمال الشغب التزامات على المؤمن والمؤمن
له ،وسنتطرق لها بش يء من اإليجازعلى النحو التالي:
يعد االلتزام بأداء مبلغ التأمين أومبلغ التعويض أهم التزامات المؤمن ،فهوملزم بضمان
المؤمن له والحلول محله في دفع مبلغ التعويض ،وهذا ما أكدته المادة 921من القانون رقم
91.11المتعلق بمدونة التأمينات عندما نصت على أنه ":يحل المؤمن بقوة القانون محل
المؤمن له في حدود الضمان المنصوص عليه في العقد ألداء التعويضات أو اإلجراءات
الممنوحة لألشخاص المنقولين أو األغيار أو ذويهم وكذا جميع المصاريف الناجمة عن
الحادثة."...
وقد نصت المادة 1-04من القانون رقم 91.11السالف الذكرعلى تخويل وزارة االقتصاد
والمالية مهمة تحديد األسقف اإلجمالية للتعويض ،وذلك برسم أي و اقعة كارثية تقع في كل
سنة.
يترتب على المؤمن له التزامات ناشئة عن عقد التأمين بصفة عامة ،ويعد االلتزام
بتسديد قسط التأمين ،االلتزام الرئيس ي الذي ينبغي للمؤمن له القيام به ،وهذا ما أكدته المادة
9-04من القانون رقم 91.11السالف الذكر ،حينما نصت على أن المكتتب في عقود التأمين
يكون مدينا بقسط أو اشتراك التأمين المقابل للضمان الناتج عن هذه العقود.
وقد سبقت اإلشارة إلى أن المشرع المغربي ،وبموجب قرار وزير االقتصاد والمالية
وإصالح اإلدارة رقم 4911.91السالف الذكر ،قد تكفل بتحديد سعر هذا الضمان ،سواء
بالنسبة لتأمين األضرارعلى الممتلكات أو بالنسبة للتأمين على السيارات أو بالنسبة للمسؤولية
المدنية جراء األضرارالبدنية الالحقة بالغير.
ويظهر مما سبق ،مدى أهمية نظام التغطية ضد عو اقب الوقائع الكارثية الذي
استحدثه المشرع المغربي في نظامه القانوني ،وذلك بموجب القانون رقم 991.94السالف
الذكر ،مسايرا في ذلك ـ ـ إلى حد ما ـ ـ بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنس ي على سبيل
المثال ،الذي نقل عنه نظام التعويض املختلط أو المزدوج ،الذي يزاوج بين نظام التضامن
ونظام التأمين.
ويرمي هذا النظام باألساس إلى تعويض ضحايا األحداث اإلرهابية واالضطرابات
الشعبية وغيرها من الوقائع الكارثية ،وهو ما سيجنبهم عبء تقديم ورفع دعاوى التعويض أمام
القضاء اإلداري المغربي ،وما يتطلبه من مستلزمات وإمكانيات مادية ،فضال عن بطء اإلجراءات
القضائية.497
غير أن أهمية نظام التغطية المذكور ،قد يصطدم ببعض العقبات القانونية ،ولعل
أهمها يتمثل في أن اإلعالن عن حدوث الو اقعة الكارثية ال يتم إال بموجب قرار إداري لرئيس
الحكومة ،الش يء الذي قد يعطيه ـ ـ كما يرى أحد الباحثين 498ـ ـ سلطة تقديرية ال حدود لها في
اتخاذه للقرارالمذكور.
الئحة المراجع:
حمدي أبو النور السيد عويس ،التعويض عن طريق صناديق الضمان في التشريع
المقارن ،دارالفكرالجامعي ،اإلسكندرية.2199 ،
ورشيد البقالي ،المسؤولية اإلدارية بدون خطأ :دراسة مقارنة ،أطروحة لنيل الدكتوراه
في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة سيدي محمد بن
عبد الله ،فاس.2129-2121 ،
الطيب أنجار ،تعويض ضحايا جرائم اإلرهاب في المملكة المغربية ،مجلة القضاء
والقانون ،السنة ،21العدد ،900دجنبر .2190
-497العزاوي العدناني ،المسؤولية اإلدارية بدون خطأ أو خارج الخطأ في القانون المغربي ،أطروحة لنيل الدكتوراه
في القانون العام والعلوم السياسية ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة القاضي عياض مراكش،
،4102-4102ص.032 :
-498رشيد البقالي ،المرجع السابق ،ص.423 :
Summary : The trader, producer, and service provider view the trademark
as one of the main factors for the success of their work in the field of trade, and
therefore the more distinct and clear the trademark is, the more direct its impact
will be on the consumer audience. This, in turn, will achieve wide fame for the
brand and will have a positive impact on the merchant or producer in abundant
financial revenues that will be achieved for him as a result of profits from sales.
At a time when the legislation enumerated the many forms that the trademark
takes, by which we mean the images of the trademark, and this matter was
evident through the definitions of the trademark in the national laws,The trader,
the service provider, and the producer know that the trademark that he takes
cannot enjoy legal protection when it does not have a specific form drawn by the
special legislation in the trademark in the legislation of his country, so we have
defined those forms,This study also came to show the types of trademarks, as
their types vary according to the type of commercial activity in which they
perform their function in order to distinguish the products, goods or services
provided and distinguish them from their counterparts .This diversity in which
the brand diversified was not due to the different legislation or laws that
regulated the brand, but rather because of the commercial development, so we
identified these types of the mark,Dealing with the legal texts of the Iraqi
legislator, while addressing what was mentioned in the international agreements
in this aspect.
:المقدمة
اهمية البحث
تعد العالمة التجارية في الوقت الحاضرمن الدالئل المهمة التي يتخذها التاجرأو المن ِتج
للدخول الى عالم التجارة مع باقي المتنافسين بهدف جذب المسههلكين لتحقيق نسبة عالية من
ً ََ
االرباح ,الن العالمة بمثابة هوية تعريفية للسلعة او المنتج الذي يقوم المسههلك باتخاذ قرارا
ً
المنتج او مقدم الخدمة الى معرفة
مناسبا الختيارهذه المنتجات ,لذا استوجب على التاجر أو ِ
االنواع التي يمكنه اقتنائها لعالمته التي ال تتعارض مع النصوص والتشريعات الدولية ,كما ان
اختيارالشكل المناسب للعالمة من االسباب المهمة التي توفرشرط التسجيل للعالمة التجارية
ليتمتع مالكها بالحماية الجزائية ،باإلضافة الى حمايهها المدنية عند استعمال العالمة ذات
شكل ال تمنعه النصوص القانونية.
خطة الدراسة :اشتملت هذه الدراسة على مبحثين ،سنتناول في المبحث االول منها الى
بيان االنواع التي تتخذها العالمة التجارية ومدى مطابقهها للنصوص القانونية التي منعت
استخدام انواع من العالمات التجارية فيما خصصنا المبحث الثاني من دراستنا الى معرفة
االشكال التي تعتمدها النصوص القانونية للمشرع العراقي في قانون العالمات البيانات
والتجارية وما نصت عليه االتفاقيات الدولية وتطرقت اليه البعض من التشريعات المقارنة.
ً
المبحث األول :انواع العالمات التجارية وفقا للقانون العراقي واالتفاقيات الدولية
العالمة التجارية تتنوع انواعها حسب نوع النشاط التجاري التي تؤدي وظيفهها فيه لتمييز
المنتجات او السلع او الخدمات المقدمة وتمييزها عم مثيالتها ,ان التنوع الذي تنوعت فيه
العالمة التجارية لم يكون بسبب التشريعات او القوانين املختلفة التي نظمت العالمة التجارية,
انما بسبب تطور الجانب التجاري والتكنلوجي الذي ادى الى ظهور االبتكارات المتعددة انتجت
انواع من العالمة التجارية ,من المتعارف عليه ان العالمة التجارية وان تعددت انواعها اال انها
َ
تكون مملوكة لشخص واحد ,وقد تكون العالمة متعدد بعدد السلع ولكن تكون منتجة من جهة
واحدة ,وقد تكون العالمة واحدة لسلع متعددة لكن تنتج من قبل شركة واحدة ,وعليه
سنوضح انواع العالمات التجارية
ان العالمة التي يتخذها التاجر او المن ِتج لتمييز منتجاته او سلعه عن مثيالتها قد تكون
عالمة تجارية او عالمة صناعية ,نجد التشريعات والنصوص القانونية لم تعطي تمييز بين
العالمة التجارية او العالمة الصناعية ,499ذلك الن الحماية القانونية التي تكتسبها العالمة
لكونها توضح مصدرالبيع فيما يخص التاجرفي عالمته التجارية ونفس الدورفي توضيح مصدر
المنتجات المصنعة فيما يخص العالمة الصناعية وهي تمارس وظيفهها ,هذا االمر نالحظه من
خالل التشريعات والقوانين الداخلية لمعظم الدول التي اتخذت تسمية للتشريعات والقوانين
التي تنظم العالمة التجارية بتسمية قانون العالمات التجارية والصناعية ,حيث لم تجعل ميزة
او صفة تختلف فيها العالمة اذا كانت تجارية او صناعية.500
بعض العالمة التجارية تعود لنفس الصانع ويكون هو التاجر ,حيث هناك من يقوم
ً
بتصنيع المنتجات في مصانعه ,ومن ثم يقوم ببيعها ايضا من نفس الشخص في االسواق ,وهذا
َ
المنتج يحمل العالمة التجارية موحدة ,عليه ستكون هذه العالمة تعمل بدورالعالمة الصناعية
د .علي فتاك ,تأثير المنافسة على االلتزام بضمان سالمة المنتوج ,دار الفكر الجامعي ,ط , 0االسكندرية , 0117 ,ص .002 499
500هذا ما ذهب أليه المشرع العراقي والقانون االردني والقانون المصري واالنكليزي.
501عبد الله حميد سليمان الغويري ,العالمة المشهورة وحمايتها ضمن اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة ,منشورات شبكة
قوانين الشرق ,القاهرة , 0110 ,ص .000
502هشام فرعون ,القانون التجاري ,مطبعة الروضة ,دمشق , 0222 ,ص .070
لبيع بضائع مجهزالخدمة او تلك المملوكة لألخرين او لكليهما" , 503وان كان التعديل جاء متأخر
من قبل المشرع العراقي في ادخال عالمة الخدمة ضمن تعريفه للعالمة التجارية اال انها تعد
خطوة جيدة تدل على حرص المشرع العراقي بإدخال عالمة الخدمة تحت مظلة الحماية
القانونية ويكون بذلك قد واكب التطورات في ميدان التجارة وحماية حقوق الملكية الفكرية .
عند رجوعنا الى اتفاقية التريبس نجد التعريف الذي عرفت فيه العالمة التجارية على
انها "تعتبر عالمة تجارية كل عالمة تكون قادرة على تمييز السلع والخدمات التي تنتجها منشأة
ما ,عن تلك التي تنتجها منشأة اخرى وتدخل في عداد العالمة التجارية الكلمات التي تشمل على
اسماء شخصية والحروف واالرقام واالشكال ومجموعات االلوان او اي مزيج منها ,وهي تصلح
جميعها للتسجيل كعالمة تجارية". 504
عند البيان في التعريف اعاله نجد ما ورد فيه من باب المثال وليس الحصر في انواع
العالمة التجارية ولم نجد ما يشير الى وجود الحماية القانونية لعالمة الخدمة ضمن بنود
اتفاقية تريبس ,مما جعل الدول االعضاء في االتفاقية الى تدارك ضرورة سبغ الحماية القانونية
على عالمة الخدمة وهذه الحماية ال تتحقق اال من خالل ذكرها ببنود االتفاقية لذلك في عام
9101بمدينة استكهولم اضافة وجوه جديدة للعالمة التجارية منها عالمة الخدمة ليكون من
ضمن مفهوم العالمة التجارية ,من ثم تسري على عالمة الخدمة كافة النصوص التي تعالج
العالمة التجارية كما اوجبت االتفاقية في المادة السادسة "تتعهد دول االتحاد بحماية عالمات
الخدمة ,وال تلزم هذه الدول بأن تكفل التسجيل لتلك العالمات". 505
المشرع المصري الذي تناول العالمة التجارية في نصوصه التشريعية بتنوع النشاط الي
يتخذه التاجراو المن ِتج اال انه القانون المصري الذي نظم العالمات التجارية رقم ( ) 11لسنة
9131لم نجد في نصوصه ما يشير الى عالمة الخدمة ولم يشير أليها المشرع عندما قام بتعريف
العالمة التجارية ,بالتالي لم تكون ضمن مظلة الحماية القانونية كباقي العالمات التي أرس ى
حمايهها القانون ,لكن عندما شرع المشرع المصري قانون رقم ( ) 12لسنة 2112عرف العالمة
التجارية في المادة ( ) 03من القانون على أنها "اذا كانت تستخدم او يراد ان تستخدم اما في
503األمر ( ) 11لسنة 0112الذي بموجبه تم تعديل قانون العالمات والبيانات التجارية العراقي رقم ( ) 00لسنة .0207
504المادة ( )00من الفقرة االولى التفاقية تريبس التي دخلت الخدمة عام .0112
505صالح هادي فليح ,الملكية الفكرية للعالئم التجارية في القانون العراقي ,مكتبة القانون المقارن ,الطبعة االولى ,
, 0100ص .07
تمييزمنتجات عمل صناعي او استغالل صناعي واما للداللة عن مصدرالمنتجات او البضائع او
,هنا يكون المشرع انواعها او مرتبهها او صفاتها واما لداللة عن تأدية خدمة من الخدمات"506
المصري قد ساوى بين عالمة الخدمة والعالمة التجارية في تعريفه للعالمة التجارية ,وفي نفس
االتجاه كان القضاء المصري مع التشريعات الوطنية مؤيد نوع عالمة الخدمة ووظيفهها من
خالل الطعن بحكم ألحدى املحاكم المصرية من قبل محكمة النقض المصرية "ان الوظيفة
َ
االساسية للعالمة التجارية هي تحديد مصدر المنتج ,حيث تضمن العالمة التجارية نوعية
البضاعة او الخدمة ,فالعالمة التجارية تساعد المسههلكين على معرفة البضاعة او الخدمة
التي يرغبون بها وتسهل للعميل معرفة المنتجات بمجرد النظرأليها" . 507
من االنواع للعالمة التجارية التي تناولها المشرع العراقي في قانون رقم ( ) 29لسنة 9111
المعدل عالمة الضمان وأشارألى هذا النوع من العالمة في المادة االولى من القانون "اي اشارة
او مجموعة اشارات تستخدم من قبل شخص غير صاحبها الحقيقي لغرض بيان المنشأ
االقليمي او اي منشأ اخر ,او المادة او اسلوب التصنيع او الجودة او الدقة او اي خواص اخرى
لسلع او خدمات هذا الشخص او ان صنع السلعة او تقديم الخدمة تم انجازه من قبل اعضاء
نقابة او منظمة اخرى وتضمن عالمة الضمان المؤشرات الجغر افية" ,508تستخدم هذه
ُ
العالمة من قبل الشركات اال انه تحت رقابة صاحب الحق في العالمة ووظيفهها الرئيسية ومهمهها
ضمان الجودة ,نجد العالمة التجارية تكون مختلفة عن الغاية التي وضعت من اجله على
َ
المنتج للصانع او السلع للتاجر عن عالمة الضمان ,ذلك الن عالمة الضمان ليس من وظائفها
َ
تمييزالمنتج او السلعات عما يشابهها من مثيالتها ,انما توسمت بوظيفة تخالف وظيفة العالمة
التجارية يقصدها المسههلك لمعرفة المنشأ االصلي للمنتوجات او السلع التي وضعت عليها,
كذلك من وظائف عالمة الضمان ادراج التفاصيل التي تخص المنتجات او السلع مع بيان
المواد االولية التي استخدمه في صناعهها.509
اما المشرع المصري ,فقد تناول عالمة الضمان في قانون حماية حقوق الملكية الفكرية
رقم ( ) 12لسنة 2112ونصت المادة ( ) 11بخصوص تسجيل العالمات الخاصة بالفحص
506ينظر الى نص المادة ( ) 02من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري رقم ( ) 10لسنة .0110
507محكمة النقض المصرية ,طعن رقم 00010لسنة , 0112حكم غير منشور شبكة قوانين الشرق .0100 ,
508ينظر الى نص المادة ( ) 2مكررة من ثانيا من قانون العالمات والبيانات التجارية العراقي رقم ( ) 00لسنة 0207
المعدل.
509د .حسين فتحي ,حدود مشروعية االعالنات التجارية لحماية المتجر والمستهلك ,بدون ناشر , 0220 ,ص .000
مما يجب معرفته هناك اختالف كبير يضاف الى اختالف الغاية التي استعملت من اجله
العالمة التجارية او عالمة الضمان ,حيث العالمة التجارية تكون مملوكة لشخص او مجموعة
َ
اشخاص ,اال انه عالمة الضمان ال تكون مملوكة لصاحب المنتج او للتاجر مالك السلع التي
تحملها عالمة الضمان ,انما هناك شركات او جهات اختصاصية مهمهها ووظيفهها تقييم السلع
والمنتجات .
العالمة التجارية التي وظيفهها لتمييز المنتجات والبضائع لها انواع اخرى تكون من
خاللها اما عالمة منفردة او عالمات االسرة ,والعالمة التجارية التي نعني بها عالمة االسرة هي
باألصل عالمة تجارية واحدة اال انها لها وظيفة في تمييز انواع عديدة من السلع او المنتجات او
الخدما ت المقدمة لكن لمالك واحد او شركة واحدة هي مختصة بهذه االنواع المتعددة من
510د .علي البارودي ,و د .محمد السيد الفقي ,القانون التجاري ,دار المطبوعات الجامعية ,االسكندرية , 0222 ,ص
.002
السلع او المنتجات التي تحملها عالمة تجارية واحدة ,وهذا ما ينطبق على سبيل المثال على
شركة سامسونج ( ) SAMSUNGللهاتف النقال ,حيث تحمل منتجات هذه الشركة عالمة
واحدة في منتجات متعددة ومختلفة ,واختالفها لكون كل جهاز هاتف نقال يختلف ليس في
الموديل و انما اختالفه في الخصائص المشتركة في انتاجه ,511في حين تكون العالمة المنفردة
نوعها يختلف عن اداء العالمة االسرة ,ذلك ألنه هناك شركة تنتج العديد من المنتجات
وبطبيعة حال هذه المنتجات تختلف فيما بينها ,لذلك تجعل الشركة الواحدة لكل منتج عالمة
تنفرد به لتقوم بحمل المنتج الخاص في هذه الشركة .
ان التطور التكنلوجي المتسارع كان هو االخر سبب مهم لظهور انواع من العالمات
التجارية التي اختصت هذه االنواع في املجال التكنلوجي ,من هذه العالمات هي ( عالمات
االنترنيت وعالمات الدومين ) والوظيفة االساسية لهذه العالمات هي ارشاد رواد متصفحي
مو اقع االنترنيت الى العناوين االلكترونية ,لتكون احدى اسباب السهولة المستخدم في
استعمالها في العالم االفتراض ي ,حيث ان ظهور الشركات وهي تتنافس في االسواق االلكترونية
مما جعل هناك سيطرة لبعضهم على عالمات االنترنيت ,512هذه العالمة التي كانت ضمن
الميدان التجاري االلكتروني انقسمت الى انواع متعددة ,منها ما تخصصت لتكون عالمة دالة
على المو اقع املختصة في االعالنات التجارية داخل العالم االفتراض ي ومن مهام الوظيفية لهذا
النوع الدالة بالداللة عن المو اقع املختصة التي تقوم في االعالن عن السلع او الخدمات او
المنتجات لمشاريع وشركات محدودة ,أال انه ال توجد أمكانية لدى المسههلك في التبضع منها
مباشرة باإلضافة الى العالمات الدالة عن المو اقع الحكومية او الرياضية او الفنية ,التي يمكن
للشخص الوصول اليها ,والبعض االخر من العالمات االلكترونية التي تكون وظيفهها تسويقية
لكي تقوم في الداللة على المو اقع االلكترونية التي تختص في نشر وعرض السلع او الخدمات او
المنتجات للشركات ,ولديها خصوصية في اعطاء االذن للمسههلك لغرض التبضع منها بصورة
مباشرة وذلك من خالل بطاقات الدفع المسبق.513
511المحامي قحطان سلمان القيسي ,الحماية القانونية لحق المخترع ومالك العالمة التجارية ,مطبعة الجاحظ ,بغداد
,0211,ص .010
512صالح هادي فليح ,مصدر سابق ,ص .07
513محمد حسن عبد المجيد الحداد ,االليات الدولية لحماية حقوق الملكية الصناعية واثرها االقتصادي ,دار الكتب القانونية
,القاهرة , 0100 ,ص .022
عالمات االنترنيت اختلفت في عدة نواحي مع العالمات التجارية ,حيث العالمة التجارية
تسجل لدى مسجل العالمات الوطني ,في حين تسجيل عالمات االنترنيت تكتسب ملكيهها من
خالل تسجيل لدى شركات مختصة وليست من طرف حكومي ,وال يكون االستعمال منش ئ
للتسجيل لها ,514في حين ان العالمات العادية تكتسب ملكيهها من خالل االستعمال او التسجيل
وهذا ما اوردته العديد من التشريعات الوطنية والدولية ,وتتشابه العالمة التجارية مع عالمات
االنترنيت من الناحية التي استخدمت من اجلها وهي في تمييز السلع او المنتجات او الخدمة
المقدمة عن مثيالتها من السلع والمنتجات ,فكالهما يقدمان خدمة لتعريف المسههلك ,كما
تتفق عالمات االنترنيت مع العالمات التجارية من حيث الشروط الموضوعية ,وذلك كونها ال
تتمتع بالحماية القانونية اذا كانت تلك العالمات تحمل اسماء مخالفة للنظام العام واآلداب
ً
العامة ,او اسمها مطابقا لشعار دولة ما او يس يء الى احد رموزها ,كما ان ال يشكل اسم عالمة
االنترنيت تعدي على اسم عالمة تجارية فيقع هذا التصرف ضمن المنافسة غيرالمشروعة.515
ً
ثانيا -العناصرالمركبة لشخصية العالمة التجارية تكون سبب في تعدد انواعها.
العناصر المركبة للعالمة التجارية تجعلها مقسمة ألى قسمين من العالمات في قسمها
االول تكون عالمة بسيطة والسبب لكونها عالمة بسيطة ألنها بالعادة تتألف من أسم واحد أو
تحمل كلمة واحدة أو رمز معين ,أما القسم الثاني وبسبب تداخل العديد من العناصر تنتج لنا
العالمة المركبة ومنها العالمة التي تحمل أسم الصانع او التاجرومعه مجموعة من االلوان على
شكل رموز ,516كذلك انقسمت العالمة التجارية الى قسمين عندما نراها من خالل التقسيم
الشخص ي لها فتكون على :
ً ً
أ -عالمات فردية وهي التي يملكها شخص سواء كان طبيعيا او معنويا ,وتكون عبارة عن
عالمة تجارية او صناعية او عالمة خدمة لتمييز المنتجات او السلع أو الخدمات المقدمة عن
غيرها .
514رامي محمد علوان ,المنازعات حول العالمات التجارية ومواقع األنترنيت ,مجلة الشريعة والقانون ,العدد الثاني
والعشرون ,كانون الثاني , 0111 ,ص .00 -02
515د .صالح زين الدين ,ترقين العالمة التجارية في األردن ,بحث منشور لدى مجلة الحقوق ( جامعة الكويت ) العدد
الرابع , 0112,ص .02
516د .ابي سعيد الد يوه جي ,التسويق الدولي ,دار الكتب للطباعة والنشر ,جامعة الموصل , 0217 ,ص 007وما
بعدها.
عند رجوعنا الى قانون العالمات والبيانات التجارية العراقي رقم ( ) 29لسنة 9111
المعدل وتعريف المشرع للعالمة التجارية على أنها "عالمة تجارية او عالمة خدمة تستخدم من
قبل اعضاء تعاونية او جمعية او اي مجموعة او منظمة تعاونية وتحتوي على عالمات تشير الى
العضوية في اتحاد او نقابة او اي مجموعة اخرى" المشرع العراقي لم يفرق مابين العالمة
الجماعية عن العالمة العادية ,ذلك لكونها مملوكة من اشخاص متعددين وتمارس الوظيفة
االساسية لها التي رسمها المشرع وهي تمييز المنتجات أو السلع او الخدمات عما يشابهها من
مثيالتها.518
في حين نجد المشرع االردني لم ينظر للعالمة الجماعية كما نظر اليها المشرع العراقي ,
هذا يتضح لنا من خالل ما جاء بقانون العالمات التجارية االردني رقم ( ) 33لسنة 9112
وتعديالته في المادة الثانية منه عندما عرف العالمة الجماعية بانها " :العالمة التي يستعملها
شخص اعتباري ,لتصديق مصدر البضائع ليست من صنعه او المصنوعة منها او جودتها او
طريقة انتاجها او الدقة المتبعة في صنعها او غير ذلك من مميزات وخصائص تلك".519
قراءتنا للتعريف الذي اوردة المشرع االردني نجد ان المشرع االردني ,520لم يأتي بما جاء
به المشرع العراقي وبعض التشريعات المقارنة ,لكونه اخذ بمفهوم العالمة الجماعية مع عالمة
الرقابة وعالمة الضمان ,ولم يكن المشرع االردني الوحيد ممن اخذ في هكذا مفهوم على العالمة
ً
الجماعية انما هناك تشريعات ابتعدت كثيرا عندما حصرت هذا النوع من العالمات (العالمة
الجماعية ) بيد الهيئات والمؤسسات الحكومية ,وهذا ما تطرق اليه المشرع اليمني في قانون
حماية الحق الفكري اليمني رقم ( ) 91لسنة 9111والذي نص في المادة ( ) 11منه على :
" -9يجوز للهيئات ومؤسسات القطاع العام ان تسجل عالمة جماعية لمر اقبة منتجات
او خدمات الوحدات التابعة لها من حيث مصدر المنتجات او عناصر تركيبها او الطريقة التي
صنعت بها او صفاتها او من حيث نوع الخدمة او خاصية للداللة على اجراء المر اقبة
والفحص".
االجراءات هذه نجدها طبيعية لكون المشرع اليمني ربط بين العالمة الجماعية وعالمة
المر اقبة ,والجدير بالذكر ان المشرع العراقي لم يقتصر على تسجيل العالمة الجماعية
للمؤسسات الحكومية او مؤسسات القطاع العام ,انما جعل الحق في تسجيل العالمة
الجماعية الى مجموعة اعضاء نقابات او منظمات او جمعيات ,كما ذهب اليه المشرع المصري
وان كان ابعد مما ذهب اليه المشرع العراقي اذ نص المشرع المصري على منح حق تسجيل
العالمات الجماعية الى االشخاص المعنوية واالشخاص االعتبارية ,حتى وان لم يكن لهؤالء
االشخاص منشأة تجارية او صناعية.
المشرع العراقي خضع العالمة الجماعية عند تسجيلها لنفس القواعد الخاصة بتسجيل
العالمة التجارية العادية ,اذ تتمتع بالحماية القانونية ذاتها الممنوحة للعالمة التجارية العادية
,ويترتب على العالمة الجماعية كل االثارالمترتبة على العالمة التجارية العادية وهذا ما انتهجه
ً
ايضا المشرع المصري .
ً
المبحث الثاني :اشكال العالمات التجارية وفقا للقانون العراقي واالتفاقيات الدولية
والمنتج ومقدم الخدمة ينظرون الى العالمة التجارية على انها من العوامل
ِ التاجر
االساسية لنجاح عملهم في ميدان التجارة ,وعليه كلما كانت تتمتع بالتمييز والوضوح العالمة
التجارية كلما كان تأثيرها في جمهورالمسههلكين بصورة مباشرة ,هذا االمر سيحقق بدوره شهرة
ً
واسعة للعالمة التجارية ويكون انعكاسها ايجابيا على التاجر او المن ِتج في واردات مالية وفيرة
تتحقق له نتيجهها االرباح من المبيعات ,ففي الوقت الذي اوردت فيه التشريعات تعداد لعديد
521د .فواز عبد الرحمن علي ,الحماية القانونية للعالمة التجارية في الجمهورية اليمنية ,دار الجامعة الجديدة ,اإلسكندرية
, 0100,ص .200
من االشكال التي تتخذها العالمة التجارية والتي نعني بها صورالعالمة التجارية ,وهذا االمركان
واضح من خالل تعاريف العالمة التجارية في القوانين الوطنية ,التاجرومقدم الخدمة والمن ِتج
ادركوا ان العالمة التجارية التي يتخذها ال يمكن لها التمتع بالحماية القانونية عندما ال يكون
لها شكل محدد رسمه التشريع الخاص في العالمة التجارية في تشريع دولته ,هذا ما ذهب اليه
المشرع العراقي حينما شرع قانون العالمات والبيانات التجارية رقم ( ) 29لسنة 9111المعدل
عندما ذكراعداد ألشكال العالمة التجارية وكانت على سبيل المثال اي لم يحصرها بعدد معين
ذلك لكون االبتكارات الذهنية ال يمكن تحديدها بصور او أشكال محددة ,وعند رجوعنا
ً
للتعاريف الواردة في التشريعات نجدها ايضا من الصعوبة ايجاد اشكال محددة على سبيل
الحصر تحدد فيه اشكال العالمة التجارية ,وهذا االمر ينسحب الى االحكام القضائية التي
تناولت العالمة التجارية ,وكذلك حتى الفقهاء عندما تطرقوا للعالمة التجارية لم يحددوا شكل
او عدة اشكال محددة للعالمة التجارية ,حيث ان العالمة التجارية قد تتخذ مجموعة من
االشكال اوتكون عبارة عن ارقام اورموزاوامضاءات اوكلمات وغيره وان عدم وجود شكل محدد
للعالمة التجارية يعود الى ان اختيارالعالمات التجارية يعود الى الجذب التجاري ,لكون وظيفهها
االساسية هي ان ترتبط بذهن المسههلك والخدمات والمنتجات التي تقدمها لجمهور
المسههلكين.
ولما تقدم سنقوم بتوضيح بعض االشكال التي اختارها المنتج اوالتاجراومقدم الخدمة
لعالمته التجارية .
ً
أوال -الكلمات واالسماء المتخذة اشكال للعالمة التجارية.
دائري ويحمل رمز السم مرسيدس ,وعالمة الكوست ( ) Lacosteالتي كانت تستخدم لتمييز
المالبس ,كذلك لم تمنع النصوص القانونية من اختياراسم المتوفي ليكون عالمة تجارية لكن
اشترطت مو افقة جميع ورثة المتوفي على التسمية كما اشترطت مو افقة الغير في حال اختيار
اسمه ليكون عالمة تجارية , )523( 522كما استقرت اغلب القرارات في املحاكم املختصة على هذا
الرأي ومنها محكمة النقض المصرية في قرار لها بشأن استعمال االسم كعالمة تجارية "للتاجر
ً
او الصانع اتخاذ اسمه الخاص عالمة لتمييزمنتجاته بشرط ان يتخذ هذا االسم في كتابته شكال
ً
مميزا" .524لذلك ان االسماء التي تعد شخصية مجردة من اي ميزة او االسماء تكون عادية ال
يوجد ما يميزها لتكون عالمة تجارية ال يمكن التسمية باسمها مثال لذلك لو استخدم اسم
شخص ي ( حسن ,علي رضا ,ضحى ) والعلة من ذلك ان هذه االسماء يمكنها التشابه وبصورة
كبيرة مع مثيلهها من االسماء التي تتشابه معها ,وفي حال تم السماح ألطالق االسم الشخص ي
املجرد على العالمة التجارية ال يمكن ان يمنع اي شخص على سبيل المثال من اسمه ( حسن )
من استخدام أسمه في العالمة التجارية التي تميزمنتجاته أو سلعه ,وهنا سيحدث التباس لدى
المسههلك وكذلك ال يمكن اثبات احقية االسم الخاص في العالمة التجارية لمالكه الحقيقي.525
مما استقر عليه الرأي في حاالت تشابه االسماء فيمكن اعتماد العالمة التجارية التي
سبقت مثيلهها في االسم باالستعمال ,حيث اذا تشابهت عالمتين تجاريتين تحمل نفس االسم
للعالمة فهنا يكون الحق للعالمة التي استعملت اسبق من مثيلهها ,باإلضافة الى انه هناك اماكن
تستخدم لرمزيهها او لكونها تحمل اسم اثري او لتعريف انها مصنوعة في هذا البلد وباألخص اذا
َ
كان هذا المنتج هو من هذا البلد بالذات.
كما يحق لجميع المن ِتجين والتجار ومقدمي الخدمات من اختيار اسم االقليم او اي
مدينة على عالمههم التجارية وال يعني تسجيل اسم االقليم من قبل احد التجار او المن ِتجين
المنتجين من التسمية ,لكن ال يحق لهم تسمية االسماء الجغر افية باسم
حرمان باقي التجاراو ِ
العالمة التجارية ,هذا األمراتفقت عليه معظم التشريعات ,526في عدم تسجيل العالمة التجارية
522حمادي زوبير ,الحماية القانونية للعالمات التجارية ,منشورات الحلبي ,بيروت ,لبنان ,0110 ,ص .70
524د .أحمد حسني ,قضاء النقض التجاري ,القرار رقم ( ) 000لسنة , 0200منشأة المعارف مطبعة اطلس ,
اإلسكندرية , 0210 ,ص .020
525السيد عبد الوهاب عرفة ,الوسيط في حماية حقوق الملكية الفكرية ,منشورات دار المطبوعات الجامعية ,االسكندرية,
, 0117ص .22
526محمد حسين اسماعيل ,القانون التجاري االردني ,مصدر سابق ,ص .21
هنا يمكننا القول ان االسماء و األماكن ال يمكن لها ان تستعمل كعالمة تجارية مميزة
بالشكل المرجو منها ذلك الن هذه االسماء متاحة لكل التجار والمن ِتجين ومقدمي الخدمات
استعمالها وباإلمكان استخدام االسماء واالماكن كعالمة تجارية متى كانت تلك االسماء بارزة
كأن تشير لمدينة دينية معروفة أو مدينة أثرية مشهورة ونحن نرى كباحث في التنظيم القانوني
للعالمة التجارية االسماء واالماكن التي تكون أسم مميزللعالمة التجارية هي:
أ -االسم الشخص ي عندما يكون في أطارعلى شكل بيضوي أو دائري مما يجعله مميزلكل
من يراه ,حيث ان النصوص والتشريعات تحمي الشكل للعالمة التجارية ال االسم الذي تحمله.
ب -هناك أسماء لشخصيات وزعماء تكون هذه من الشخصيات المؤثرة في املجتمع مما
يكون التسمية بها يجذب من يراها او يسمع بها ,اال انه يشترط قبل التسمية بها استحصال
مو افقة ذو الشأن باالسم ,وفي حال كونه متوفي يجب استحصال مو افقة جميع ورثته
الشرعيين .
527مجدي محب حافظ ,موسوعة تشريعات الغش والتدليس ,مصر , 0221 ,ص .22
528هالة مقداد أحمد الجليلي ,العالمة التجارية ,رسالة ماجستير غير منشورة , 0227,ص .70
529د .سميحة القليوبي ,الملكية الصناعية ,الطبعة الثالثة ,دار النهضة العربية ,القاهرة , 0220 ,ص .020
ج -نجد استعمال االسماء الشخصية التي تتميز بطابع خاص ومميز بشرط ان تكتب
بحروف او الوان مميزة او بطريقة خط مثل الخط الكوفي او الخط الفارس ي او غيره .
د -في استخدام االسماء الجغر افية يجب مراعاة ان ال تحدث لبس لجمهورالمسههلكين
ً َ
من حيث مصدر المنتج او السلعة ,مثال ان تذكر تاج محل على اسم عالمتك التجارية و أنت
تروج لمنتوج في العراق ,بينما يتبادرالى ذهن المسههلك المنتوج من دولة الهند .
يجوز ان تتكون العالمة التجارية من حروف أو ارقام معينة ,سواء كانت هذه الحروف
تدل على اسم معين أو انها تمثل الحروف االولى السم التاجر أو المنتج أو مقدم الخدمة ,لكنه
يشترط ان تكون هذه الحروف أو االرقام مميزة ,530مثال على ذلك عالمة ( ان .اي .س ي ) التي
استعملت لتمييز منتجات لألجهزة اإللكترونية ,كما يمكن استخدام االرقام مثل العالمة
التجارية ( ) 19للداللة على الشركات الخلوية ,ويجوز ان تقترن الحروف مع االرقام كما في
مشروب ( .531) up1
يمكن للرسوم التي تكون مصممة بشكل ابداعي أو ذا صفة مميزة ان تستعمل كشكل
ألشكال العالمة التجارية للتمييزعن السلع أو المنتجات أو الخدمة التي تقدم في عالم المنافسة
ً ً
,سواء كان مستمدا من شكل الطبيعة كشكل الشجرة مثال ,أو من احدى الحيوانات كشكل
الحشرة للتمييزعن نوع من انواع مبيد الحشرات .
ً
ان استعمال الرموز يشترط ان يكون الرمز يحمل الجدة وكافيا لمنع اللبس لدى جمهور
ً
المسههلكين ان ال يكون مستعمال لدى الجميع. 532فاستعمال التاجرأو ِ
المنتج أو مقدم الخدمة
َ
رسم صورة حيوان للداللة عن منتج معين ال يمكن إعطاءه الحق بملكية هذه العالمة التجارية
ً
اال اذا احتوت على شكل مميزويبرزخاصية له وتجعله مؤثرا ,كما يجوزان تكون العالمة التجارية
من الصور االشخاص ام غير ذلك ,ولكن عند اتخاذ صورة شخص كعالمة تجارية يجب اخذ
تستعمل الدمغات كإحدى اشكال العالمة التجارية ويقصد بالدمغات العالمات املحفورة
ً ً
وبالتالي قد تكون رمزا أو صورة أو اسما ,وهي قد تكون محفورة بطريقة الحفر أو الضغط أو
الصب والتي تظهر في غلق المعلبات والصناديق ,ويقصد بالنقوش واالختام التي تستعمل
ً َ
كعالمة تجارية هي الرسوم أو النقوش البارزة التي توضع على المنتج أو السلعة وهي ايضا
ً ً
مشمولة بالحماية القانونية المقررة للعالمات التجارية لكونها تتخذ شكال مميزا.535
ً
رابعا -اشكال اخرى للعالمات التجارية العالمة اللونية والعالمة الصوتية والدفاعية
ان الطبيعة االبتكارية للعالمة التجارية تجعلها بشكل تساير التطور المتسارع الذي
يسعى من خالله التاجر أو المن ِتج أو مقدم الخدمة في تقديم االساليب المتنوعة ومسايرة
التغيرات االقتصادية واالجتماعية التي يكون لها االثر الكبير على اذواق المسههلكين ,لذا قد
المنتج أو مقدم الخدمة الى تسجيل االلوان ان كانت احادية او مركبة كعالمة
يتجه التاجر أو ِ
ً ً
تجارية ,لغرض تمييزمنتجاتهم أو سلعهم لكونها تشكل تنسيق يضفي عليها طابعا مميزا .
هذا االمر دفع العديد من التشريعات الى اعتماد تسجيل العالمة التجارية التي تحمل
ً
شكال لأللوان ,بنوعيها االحادية أو المركبة ,لكن هذه التشريعات اختلفت في اعتماد تسجيل
العالمة التي تحمل اللون الواحد او مجموعة من االلوان ,536مثال على ذلك العالمة الصفراء
( )Liptonالتي تحمل منتوج الشاي واسع الشهرة .
اشار المشرع الفلسطيني في قانون العالمات التجارية المطبق في الضفة الغربية بنص
ُ
المادة ( ) 4/1وتطابقها ايضا المادة ( ) 4/1من القانون النافذ في قطاع غزة ان "يجوز ان
ً ً
تقتصر العالمة التجارية كليا أو جزئيا على لون واحد أو اكثر من االلوان الخاصة وفي مثل هذه
الحالة يأخذ المسجل أو املحكمة بعين االعتبار لدى الفصل في الصفة الفارقة لتلك العالمة
533د .محمود سمير الشرقاوي ,القانون التجاري ,الجزء االول ,دار النهضة العربية ,القاهرة 0210 ,ص .070
534مجدي محب حافظ ,مصدر سابق ص .002
535د .محمود سمير الشرقاوي ,مصدرسابق ,ص .071
536عبد القادر حسن العطير ,الوجيز في شرح القانون التجاري ,مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع ,عمان ,0222 ,ص
.071
التجارية كون العالمة التجارية مقتصرة على تلك االلوان اما اذا سجلت عالمة تجارية دون
حصرها في الوان خاصة فتعتبرمسجلة لجميع االلوان".537
كما أشارت اليه الفقرة االولى من المادة السابعة من قانون العالمات االردني على ان
ً
االلوان قد تكون هي الصفة الفارقة بالعالمة التجارية ,ويمكن ان تقتصرالعالمة التجارية كليا
ً
أو جزئيا على لون واحد أو الوان متعددة ,وعند تسجيل عالمة التجارية دون حصرها في الوان
خاصة تعد مسجلة لجميع االلوان ,وقد جاء في قرار محكمة العدل العليا االردنية انه ال يوجد
تشابه بين عالمتين تجاريتين من شأنه ان يؤدي الى غش الجمهور اذا اختلف لون كل عالمة
منهما.538
ً
المشرع البحريني صريح جدا في اباحة تسجيل اللون المفرد كعالمة تجارية وتوفير
الحماية القانونية لها ,اذ نصت المادة الثانية من قانون العالمات التجارية البحريني رقم ( 99
) لسنة 2110على ان اللون او مجموعة من االلوان هي شكل من اشكال العالمة التجارية.539
لبيان موقف المشرع العراقي تجاه اتخاذ االلوان كعالمة تجارية ,نجد في المادة االولى
من قانون العالمات والبيانات التجارية رقم ( ) 29لسنة 9111المعدل و وردت كلمة االلوان في
تعريف العالمة التجارية ,وكانت هذه الكلمة االلوان على وجه االطالق من دون تحديد لون مفرد
أو مجموعة من االلوان ,بهذه اإلشارة لكلمة االلوان في تعريف العالمة التجارية فأن المشرع
العراقي كان يهدف الى حماية العالمة التجارية التي تتخذ من االلوان سواء كانت من لون واحد
ً
أو من الوان متعددة ,وموقف المشرع العراقي كان جيدا من هذه الناحية ,ألنه لوذكرلون واحد
ً
ألصبحت الحماية القانونية للعالمة التي تتخذ لون واحد ,بينما لو ذكرالعالمة التي تتخذ شكال
ً
من مجموعة الوان ألصبح المفهوم منه يقصد عدم شمول العالمة التجارية التي تتخذ شكال
من لون واحد.540
537قرار رقم 00 /002عدل عليا ,مجلة نقابة المحاميين األردنيين ,سنة .0207
538روبا طاهر القليوبي ,حقوق الملكية الفكرية ,مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ,عمان ,االردن , 0221 ,ص .012
539ينظر الى نص المادة الثانية من قانون العالمات التجارية البحريني رقم ( ) 00لسنة 0110التي نصت على ان:
"يقصد بالعالمة التجارية كل ما يأخذ شكالً مميزا من اسماء او كلمات او توقيعات او حروف او رموز او ارقام او عناوين
او اختام او رسوم او اصوات او روائح او صور او نقوش او تغليف او عناصر تصويرية او اشكال او لون او مجموعة
من االلوان ."....
540د .عبد الله حسين علي محمود ,حماية المستهلك من الغش التجاري ,دار النهضة العربية ,القاهرة , 0110 ,ص 001
وما بعدها.
كما حذا المشرع اإلنكليزي بما ذهب اليه المشرع الفرنس ي على تسجيل العالمات
الصوتية حيث نص في القوانين الخاصة بالملكية الفكرية على تعريفات عديدة وليس هناك اي
اشارة أو صنف قد استثناه القانون من التسجيل طالما باإلمكان تمثيلها برسم تخطيطي .
ً
اما المشرع المصري فقد اوضح صراحة موقفة من هكذا اشكال تتخذ للعالمات
التجارية ,فقد اورد في المادة ( ) 03من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصرية رقم (
) 12لسنة 2112عندما اشارالى ان العالمة التجارية التي تحظى بالحماية القانونية مما يمكن
ادراكها بالبصر.
من جانبه المشرع االردني اشترط لتسجيل العالمة التجارية ان يكون شكلها قابل
لألدراك عن طريق البصر ,وهذا ما اوردة قانون العالمات التجارية األردني رقم ( ) 34لسنة
نرى ان االعتراف الصريح من قبل المشرع العراقي بالحماية القانونية للعالمة التجارية
ً
التي تتخذ من الصوت شكال لها هو لمواكبة التطورات التكنلوجية في مجال عالم التجارة التي
َ
اخذت تستعين بالطرق الحديثة للترويج عن البضائع والمنتجات والخدمات المقدمة لتمييزها
عما يشابهها من مثيالتها .
هناك عالمات يطلق عليها العالمات المانعة وعالمات االحتياط ويلجأ التاجر أو المن ِتج
أو مقدم الخدمة بتسجيل هذه العالمات كالعالمات المانعة ليس بقصد استعمالها لتمييز
منتجاته أو سلعه أو خدماته ,انما يهدف من وراء هذا التسجيل ان يمنع غيره من التجار أو
ً
المن ِتجين من استعمالها أو تسجيلها الحقا ,يسعى من هذا العمل ان يحول دون ان يقوم الغير
بتسجيل عالمة مشابهة أو مقارنة لعالمته التي يستعملها ,لذلك يقوم صاحب العالمة االصلية
بتسجيل بعض العالمة التي تتقارب باأللفاظ من عالمته االصلية مثال قيام صاحب عالمة ( ليز
) الخاصة والمشهورة لمأكوالت االطفال بتسجيل عالمة ( ليزر) أو ( لزر) .
نجد ان المشرع العراقي من خالل قانون ( ) 29لسنة 9111المعدل عندما حدد شروط
منح العالمة التجارية فقد الزم مسجل العالمات التجارية عند تقديم طلب لتسجيل عالمة
ً
تجارية ان يقوم بالبحث عن عدم وجود عالمات مشابهة مسجله لديه حاليا أوانها قيد التسجيل
,مما يعني ان اتباع هذا النظام في البحث عن العالمة المشابهة يجعل تسجيل هذه العالمة امر
غيرموجود ,بل ان مسجل العالمات التجارية يقوم برفض الطلب للتسجيل.545
توجد عالمات يطلق عليها العالمات االحتياطية ,وهذه العالمات على خالف العالمات
المنتج أو مقدم الخدمة بتسجيلها ,عندما يقوم بتسجيل
المانعة فهي ما يلجأ اليها التاجر أو ِ
اكثر من عالمة تجارية مقاربة ومتشابهة باأللفاظ لعالمته التجارية االصلية ,ومن ثم يقوم
َ
باستخدامها في المستقبل لتمييزمنتجات عالمته االصلية مع اختالف نوع المنتج .
543القاضي عماد الدين محمود سويدات ,الحماية المدنية للعالمة التجارية ,الطبعة االولى ,دار ومكتبة الحامد للنشر
والتوزيع ,االردن , 0100 ,ص020
544ينظر الى المادة األولى من قانون العالمات والبيانات التجارية العراقي رقم ( ) 00لسنة 0207المعدل.
545د .علي فتاك ,مصدر سابق ,ص .001
سايرالمشرع العراقي معظم التشريعات المقارنة في عدم تسجيل هكذا عالمات وهذا ما
اوردة في قانون العالمات والبيانات التجارية رقم ( ) 29لسنة 9111المعدل والذي اوجب على
صاحب العالمة التجارية باستعمال عالمته بعد تسجيلها وتكون معرف لبضائعه ومنتجاته
ً
لمدة خمس سنوات من بعد التسجيل فورا ,هذا ما ذهب اليه المشرع المصري في قانون حماية
حقوق الملكية الفكرية رقم ( ) 12لسنة 2112من حظر استعمال العالمة االحتياطية ونص
على ان "يجوز للمحكمة املختصة ً
بناء على طلب كل ذي شأن ان تقض ي بشطب تسجيل عالمة
بحكم قضائي واجب النفاذ اذا ثبت لديها انها لم تستعمل بصفة جدية دون مبرر تقدره لمدة
خمس سنوات متتالية".546
الخاتمة:
ً
نظرا لما تمثله العالمة التجارية من اهمية كبرى على الصعيد االقتصادي بمعناه الواسع,
لذا اعطت الدول المتقدمة االهتمام والعناية بالعالمة التجارية بجميع صورها واوجه
استغاللها وتحديد الحقوق وااللتزامات التي تترتب على استعمالها وحمايهها القانونية من اعتداء
االخرين عليها ,كانت هذه الدراسة لتسليط الضوء على االشكال واالنواع التي تتمثل في العالمة
ً
التجارية ,واالثار المترتبة على مخالفة تلك االشكال واالنواع ,متطرقا الى ما نص عليه القانون
العراقي والتشريعات المقارنة واالتفاقيات والمعاهدات الدولية ,أذ بيننا الى الطريق الذي
المنتج اومقدم الخدمة في اختيارالشكل الذي يتناسب مع النصوص القانونية
يسلكه التاجراو ِ
التي تمنح الحماية القانونية ألشكال محددة ,اذ تحرم العالمة التي تتخذ شكل ال يمكنها من
خالله تسجيلها لدى المسجل الوطني ,وتطرقنا الى االنواع التي تتنوع فيها العالمة التجارية التي
ال تتعارض والنصوص القانونية في التشريعات المقارنة ,موضحين ان التنوع الذي تنوعت فيه
العالمة التجارية لم يكون بسبب التشريعات او القوانين املختلفة التي نظمت العالمة التجارية,
انما بسبب تطور الجانب التجاري والتكنلوجي الذي ادى الى ظهور االبتكارات المتعددة انتجت
انواع من العالمة التجارية .
االستنتاجات
من االستنتاجات المهمة التي توصلنا اليها في نهاية هذه الدراسة هي :
546ينظر للمادة ( ) 20من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري رقم ( ) 10لسنة .0110
أ -المشرع العراقي وغالبية التشريعات المقارنة شرعت قوانين خاصة لتنظيم عمل
التجار والمن ِتجين ومقدمي الخدمات عند استعمالهم عالمات تجارية ,لم يترك تنظيمها
للقواعد العامة اال في بعض الحاالت التي تم االشارة اليها في دراستنا ,كما بينت تلك القوانين
تعداد اشكال العالمات التجارية و انواعها من خالل التعريفات التي اوردتها في القوانين .
ب -التاجر ومقدم الخدمة والمن ِتج أدرك ان العالمة التجارية التي يتخذها ال يمكن لها
التمتع بالحماية القانونية عندما ال يكون لها شكل محدد رسمه التشريع الخاص للعالمة
التجارية في تشريعات دولته ,كما اكد عليه المشرع العراقي في قانون العالمات والبيانات
التجارية رقم 29لسنة 9111المعدل ,كذلك اتفقت عليه اغلب النصوص في االتفاقيات
والمعاهدات الدولية التي نظمت عمل العالمة التجارية .
ج -التنوع الذي تنوعت فيه العالمة التجارية لم يكون للتشريعات الوطنية او الدولية
ً
دورا فيه ,انما يرجع في التطورات الملحوظة في ميدان التجارة ,باإلضافة الى التسارع في التطور
التكنلوجي الذي ادى الى ظهور االبتكارات المتعددة انتجت من جانبها انواع متعددة للعالمات
التجارية.
ح -من االسباب التي تعاني منها االسواق املحلية في العراق هي ردائه المنتجات والسلع
على الرغم من وجود عالمة الضمان ,ذلك الن عالمة الضمان تمنح ألي شركة او مؤسسة
وبمو افقات أولية مبسطة ,لكن لوسارالمشرع العراقي على ما سارعليه المشرع المصري وأوكل
مهمة المو افقة على منح عالمة الضمان تكون محصورة بمو افقة الوزيراملختص ,لكانت هناك
نتائج إيجابية تنعكس على االسواق التجارية كانت ام الصناعية في العراق .
د – االسباب التي ادت لتنوع العالمة التجارية تكون اما بسبب وظيفهها االساسية لتمييز
المنتجات والسلع والخدمات المقدمة او بسبب العناصرالمركبة لشخصية العالمة التجارية .
الئحة المراجع:
علي فتاك ,تأثير المنافسة على االلتزام بضمان سالمة المنتوج ,دار الفكر الجامعي ,ط
, 9االسكندرية .2111 ,
عبد الله حميد سليمان الغويري ,العالمة المشهورة وحمايهها ضمن اتفاقية الجوانب
المتصلة بالتجارة ,منشورات شبكة قوانين الشرق ,القاهرة .2110 ,
صالح هادي فليح ,الملكية الفكرية للعالئم التجارية في القانون العراقي ,مكتبة القانون
المقارن ,الطبعة االولى .2122 ,
حسين فتحي ,حدود مشروعية االعالنات التجارية لحماية المتجر والمسههلك ,بدون
ناشر.
علي البارودي ,و د .محمد السيد الفقي ,القانون التجاري ,دار المطبوعات الجامعية ,
االسكندرية .9111 ,
محمد حسن عبد املجيد الحداد ,االليات الدولية لحماية حقوق الملكية الصناعية
و اثرها االقتصادي ,دارالكتب القانونية ,القاهرة .2199 ,
رامي محمد علوان ,المنازعات حول العالمات التجارية ومو اقع األنترنيت مجلة الشريعة
والقانون ,العدد الثاني والعشرون ,كانون الثاني .2111 ,
صالح زين الدين ,ترقين العالمة التجارية في األردن ,بحث منشور لدى مجلة الحقوق (
جامعة الكويت ) العدد الرابع .2111,
محمد حسين اسماعيل ,القانون التجاري االردني ,دار عمان للطباعة والنشر ,عمان ,
.9111
فواز عبد الرحمن علي ,الحماية القانونية للعالمة التجارية في الجمهورية اليمنية ,دار
الجامعة الجديدة ,اإلسكندرية .2199,
حمادي زوبير ,الحماية القانونية للعالمات التجارية ,منشورات الحلبي ,بيروت ,لبنان
.2112
أحمد حسني ,قضاء النقض التجاري ,القرار رقم ( ) 929لسنة , 9110منشأة المعارف
مطبعة اطلس ,اإلسكندرية .9112 ,
عبد الوهاب عرفة ,الوسيط في حماية حقوق الملكية الفكرية منشورات دارالمطبوعات
الجامعية ,االسكندرية .2111 ,
سميحة القليوبي ,الملكية الصناعية ,الطبعة الثالثة دار النهضة العربية ,القاهرة
9110بيروت.
محمود سمير الشرقاوي ,القانون التجاري ,الجزء االول ,دار النهضة العربية ,القاهرة
.9112
روبا طاهر القليوبي ,حقوق الملكية الفكرية ,مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ,عمان
االردن .9111 ,
–
لكن التطورات االقتصادية واالجتماعية والتكنولوجية التي حصلت بشكل مفاجئ أفرزت
اختالال بينا بين أطراف العالقة العقدية ،وهوما كان سببا وراء ظهورأفكارجديدة منتقدة ألسس
مبدأ سلطان اإلرادة ،تنادي بضرورة تدخل الدولة لتقييد هذه الحرية على المستوى
االقتصادي من خالل ما يسمى باالقتصاد الموجه ،ليس من أجل اإللغاء الكلي لدور اإلرادة في
-547لقدد سددددددداد هدذا المبددأ في نهداية القرن 21وبداية القرن 2.الذي نادى رواده بضدددددددرورة تأمين الحرية االقتصدددددددادية
والمبادالت التجارية على الصددعيد الداخلي والدولي خاصددة بعد تعقد الحياة االقتصددادية ،إذ ظهرت المؤسددسددات االقتصددادية
الكبرى وتطورت وتوسددعت تحت شددعار الحرية االقتصددادية التي أصددبحت فيما بعد حرية فعلية ومدعمة بنصددوص القانون
المدني .فانتشدار التجارة وازدياد حركة التعامل اقتضيا التخلص من القيود واألوضاع التي تعيق سرعة التداول ،وكان اتجاه
الفيزوقراط وعلى رأسدهم "آدام سميت" وأتباعه هم المروجون لهذا المبادئ المنادية بالحرية االقتصادية عن طريق شعارهم
"دعه يعمل دعه يمر" .وما كان لهذه األسس االقتصادية لمبدأ سلطان اإلرادة إال أن وجدت أرضها الخصبة التي نمت فيها
وشدبت في ظل قانون نابوليون لسنة 2112خاصة في مادة العقود ،إذ نص هذا القانون في الفقرة األولى من المادة 2242
على هذا المبدأ ":االتفاقات المعقودة على وجه شررعي تقو مقا القانون بالنسبة للى منشئيها" .فاإلرادة وحدها هي التي
تنشدددئ التصدددرف القانوني وتحدد آثاره ،فإذا أبرم العقد بين الطرفين أصدددبح ملزما لهما ،وليس ألي منهما التحلل منه باتفاق
جديد يبرم لهذه الغاية .إدريس بنشددقرون ،أثر تغير الظروف االقتصددادية على العقد ،مقال منشددور على مجلة القصددر :العدد
الثاني 1111ص21.
تكوين العقود ،و إنما فقط من أجل توجيهها لالتجاه الذي يحقق النظام والعدالة
االجتماعية 548في شكل القانون االقتصادي وخاصة النظام العام االقتصادي.
بناء عليه فقد أصبحت العقود منظمة نظرا لآلثار االقتصادية ،مما أثر على التوجهات
األساسية للقاعدة القانونية وأصبح الميل نحو تنظيم لالقتصاد ،ذلك أن العقد يكون في
المرحلة األولى للتعاقد كتصرف قانوني قائم على المساواة التعاقدية بين طرفين أحدهما دائن
واآلخرمدين ،إال أن هذا العقد يدخل في إطارشبكة اقتصادية تصبح معها العالقة القائمة بين
الطرفين ،تحكمها قواعد القانون االقتصادي نتيجة لتطور مفهوم المقاولة إلى قانون
األعمال.549
يعد بطالن العقود في نظام مساطر صعوبات المقاولة للتصرفات التي يجريها المدين
المتوقف عن الدفع خالل فترة الشك ،ثورة على القواعد العامة لنظرية البطالن المطلق التي
ال تأخد منها إلى الصفة ،أما األسباب والقواعد التي تقرره فتختلف عنها بشكل يطبع عليها
خصوصيات ،تتجلى أبعادها حتى بالنسبة آلثارهذا البطالن.
ومن هذا المنطلق فإن إشكالية الموضوع تتجلى في مدى خصوصيات البطالن الوجوبي
للعقد في إطارنظام مساطرصعوبات المقاولة؟
و انطالقا من هذا اإلشكال سنقوم بتناول هذا الموضوع من خالل محورين :املحور
األول :خصوصيات البطالن الوجوبي للعقد .املحورالثاني :آثارالبطالن الوجوبي للعقد.
سنحاول في هذه الفقرة أن نبرز مدى تأثير نظام مساطر صعوبات المقاولة في نظرية
البطالن المطلق ،عبر مقابلة األسباب العامة لبطالن العقود بالمبررات القانونية لتقرير
البطالن الوجوبي للعقد (أوال) ،وكذا التأثرالواضح للبناء القانوني لقواعد ممارسة دعوى هذا
البطالن بوضعية المقاولة الخاضعة لنظام المساطرالجماعية (ثانيا).
-548محمد الشرقاني ،النظرية العامة لاللتزامات (العقد) م .سجلماسة مكناس ،ط .األولى 1128ص24 :
-549ياسددددين منصددددوري ،المقاربة االقتصددددادية للعقد ،رسددددالة لنيل دبلوم الماسددددتر في شددددعبة القانون الخاص وحدة قانون
األعمال ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصدددادية واالجتماعية السدددوسدددي –الرباط -س.ج1122/1121 ،
ص 1.و .
يقع العقد باطال إعماال للقواعد العامة إذا تخلف ركن من أركانه األساسية التي يقوم
عليها ،أو إذا اختل هذا الركن اختالال يؤدي إلى عدم االعتداد به أصال ،550ويقع العقد باطال
كذلك إذا نص القانون على ذلك ،551حيث تنص الفقرة الثانية من الفصل 310من ق.ل.ع،
على ما يلي ":ويكون االلتزام باطال بقوة القانون:
لكن المشرع المغربي ،وخروجا عن هذه األسباب العامة المقررة لبطالن العقود ،قرر
ً
نظاما قانونيا خاصا ،حيث نص في الفقرة األولى المادة 194من م.ت على أنه" :يعتبر باطال كل
عقد بدون مقابل قام به المدين بعد تاريخ التوقف عن الدفع".
وعليه ،فإن من شأن قيام المدين بتصرفات غير عوضية - 552أي إخراج مال من ذمته
المالية -وهو يعلم أنه متوقف عن الدفع أن يلحق ضررا واضحا بوضعية المقاولة؛ لذلك،
فالمشرع عامله بنقيض قصده ورتب البطالن الوجوبي على مثل هذا التصرفات .لكن السؤال
الذي يثور هنا يتعلق باألساس المبرر للقول ببطالن عقد نشأ وهو مستوف ألركانه القانونية
نظريا؟
لئن كان المشرع المغربي عند تقرير بطالن التصرفات املجراة خالل فترة الريبة يكون قد
ارتاب وشك في مدى إنجازها عن حسن نية 553،فإن هنالك رأي 554يذهب إلى أنه إذا كان نص
القانون يشكل سببا للبطالن في ضوء القواعد العامة ،فإنه يهم تصرفات مسماة وليست
تصرفات منجزة داخل فترة معينة ،كما هو الحال بالنسبة للتصرفات القانونية بدون مقابل
المنجزة خالل فترة الريبة.
-550إدريس العلوي العبدالوي ،شدددرح القانون المدني ،النظرية العامة لإللتزام العقد ،م .النجاح الجديدة الدار البيضددداء .ط 2س 2..8
ص : 787 .أورده معاد لخيار :نفس المرجع .ص .4..
-551في بعض الحاالت الخاصددة وعلى سددبيل الحصددر قد يقرر القانون اعتبار عقد ما باطال ،منها على الخصدددوص :بطالن التعامل في
التركة المستقبلة الفصل 82من ق.ل.ع ،بطالن تأجير خدمات شخص آلخر طوال حياته ،الفصل .1.من ق.ل.ع
-552ومن أهم صددددددور هذه التصددددددرفات العقود التبرعية التي ال يأخذ فيها المتعاقد مقابال لما أعطاه ،وال يعطي المتعاقد اآلخر مقابال لما
أخذه ،وهي بذلك عقود ضارة بالذمة المالية ضررا محضا ،ألنها تفقر الذمة المالية ألحد طرفها و تغني الذمة المالية لآلخر بدون عوض.
عبدد اإللده برجداني ،الحمدايدة القدانونيدة و القضدددددددائيدة للمقاولة :دراسدددددددة مقارنة ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في العلوم القانونية ،جامعة
القاضي عياض :كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – مراكش ،السنة الجامعية ،1112-1117 :ص.111 :
-553معاد لخيار ،م .س ،ص.4.. :
554 - Nathalie Stagnoli, les atteintes de procédure collective à la liberté contractuelle, Mémoire
de DEA droit des affaires, universitaires Robert schuman de Strasbourg, Année universitaire :
2002-2003, p. 51- 52.
في حين ذهب رأي 555آخر إلى أن الفرق بين سبب البطالن في كل من النظامين يرجع إلى
المصلحة املحمية في كل منهما ،حيث اعتبرجزاء البطالن يهم جميع التصرفات الماسة بالنظام
واألخالق العامين ،أما جزاء البطالن الوجوبي فقد جاء أساسا لحماية المقاولة بالذات من
تعسف دائنيها أو تدليس مسيرها.
وإن كان جانب مقابل يأخذ بالقول إن بطالن التصرفات املجراة خالل فترة الريبة
مؤسسة على صورية سببها ،مما يجعل قواعد فترة الريبة خروجا عن األحكام العامة ،باالفتراض
المسبق النعدام السبب ،والحال أن هذه األحكام تفرض أن السبب المذكور هو السبب
الحقيقي ويقع على من يدعي خالف ذلك عبء اإلثبات.
تأسيسا عليه ،فإن استقراء مقتضيات الفقرة األولى من المادة 194من م.ت في سياقها
الخاص ،يظهرأن مرد بطالن تصرفات المدين بني على أساس تحصين أموال المقاولة المتوقفة
ً
عن الدفع ،وضمان فرص إنقاذها بعيدا عن األخذ بأحكام النظرية التقليدية للسبب أو صورية
العقد ،ألن الرهان األكبرالمتمثل في حماية االقتصاد الوطني بشكل عام والمقاولة بشكل خاص
باستحضار دائم لمفهوم النظام العام االقتصادي ،556وخروجا عن أسباب بطالن العقود
ً
العامة متأثرا بو اقع التجارة وخصائص البيئة التجارية ،فإنه تقرربطالن كل عقد أبرمه المدين
وهو متوقف عن الدفع مستجمعا للشروط التالية:557
وإذا كان المشرع المغربي قد قلل من حاالت البطالن الوجوبي وحصرها في حالة واحدة،
فإن المشرع الفرنس ي على العكس من ذلك وسع بشكل كبير من تطبيق البطالن الوجوبي،
- 555لبنى فريالي ،العقود في إطار مسددداطر صدددعوبات المقاولة ،بحث نهاية التمرين ،المعهد الوطني للدراسدددات القضدددائية ،الفوج ،11
س.ق ،1112-2...ص.8. :
-556إن التطور االقتصدادي أدى بالدولة إلى التدخل بمقتضدى قواعد النظام العام االقتصادي ،لتوجيه العملية التعاقدية بما يخدم المصلحة
العامة والسددياسددة االقتصددادية المطبقة في الدولة ،وبالتالي فإن التصددرفات القانونية يجب أن تكون خاضددعة له ،تحث طائلة بطالنها بطالنا
مطلقا؛ سددددددليمان المقداد ،مركز اإلرادة في العقود ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،مركز دراسددددددات الدكتوراه في القانون و
االقتصددداد والتدبير :مختبر األنظمة المدنية والمهنية ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصدددادية واالجتماعية – وجدة ،س.ج:
112.-1128ص 111 .و 112
-557عبد الرحيم ميراري ،واقعة التوقف عن الدفع وآثارها على تصدرفات المدين :دراسدة تحليلية بين النص والقانون ،رسالة لنيل دبلوم
الماسددتر في القانون الخاص ،وحدة ماسددتر قانون المقاولة التجارية ،جامعة الحسددن األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصددادية واالجتماعية
– سطات ،س.ج ،111.-1111 :ص.17 :
وحاول اإلحاطة من خاللها بجميع التصرفات "المشبوهة" التي يمكن أن يقدم عليها المدين
المتوقف عن الدفع ،وكذا بمختلف الحيل التي يمكنه أن يمارسها بغية تحقيق أغراض
شخصية واإلضراربالدائنين ،558وهو ما نصت عليه المادة L 632-2م.ت.ف.559
بناء عليه ،فإن السؤال المطروح ،في هذا السياق ،يتمثل في كيفية ممارسة دعوى
البطالن الوجوبي أمام الطابع المتميزأو الخاص للبطالن ضمن مساطرصعوبات المقاولة؟
إن تقرير البطالن في القواعد العامة يكون الهدف من ورائه الحفاظ على المصلحة
العامة ،ولهذا فإن التمسك به ال يقتصر على أطراف التعاقد فحسب ،بل يمكن للغير الذي لم
يكن طرفا في العقد أن يتمسك به ،كما أن املحكمة تتمسك به من تلقاء نفسها ،ولو لم يطلب
األطراف ذلك منها ،كل ذلك ألن البطالن له عالقة بالمصلحة العامة ومتعلق بالنظام العام،560
وبالتالي يمكن لكل ذي مصلحة أن يثيره.
إال أن مظاهر تأثير نظام مساطر صعوبات المقاولة في النظرية العامة للعقد ،تلقى
بظاللها على قواعد تقرير بطالن التصرفات العقدية المبرمة من قبل المدين المتوقف عن
الدفع خالل فترة الريبة ،حيث جعل المشرع أحقية طلب بطالنها بيد السنديك وحده حسب
المادة 191من م.ت.561
وبالتالي ال يجوز للغير ،سواء تعلق األمر بالدائنين أو النيابة العامة أو املحكمة من تلقاء
نفسها أوممثل المأجورين ،أن يمارس دعوى البطالن 562ضد العقود واألعمال بدون مقابل التي
-558عالل فالي ":مساطر صعوبات المقاولة" م .دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع –الرباط ،ط ،1127 .ص.272 :
559
- L’article L632-2 du code de commerce française dispose : «Les paiements pour dettes
échues effectués à compter de la date de cessation des paiements et les actes à titre onéreux
accomplis à compter de cette même date peuvent être annulés si ceux qui ont traité avec le
débiteur ont eu connaissance de la cessation des paiements.
Toute saisie administrative, toute saisie attribution ou toute opposition peut également être
annulée lorsqu'elle a été délivrée ou pratiquée par un créancier à compter de la date de
cessation des paiements et en connaissance de celle-ci».
-560عبد العالي دقوقي ،النظرية العامة لاللتزام :المصادر اإلرادية لاللتزام ،مطبعة سجلماسة – مكناس ،طبعة ،1127ص.242 :
-561تنص المادة .21من م.ت ،على أنه":يمارس السنديك دعوى البطالن قصد لعادة جمع أصول المقاولة".
-562وعلى العكس من ذلك فإن المفهوم الجديد للدعوى في ظل نظام م.ص.م حتم على المشرع أن يمنح للعديد من األجهزة إمكانية
تقديم طلب افتتاح المسطرة الجماعية ضد المقاولة ،وأال يقتصر فقط على الدائن أو المدين بدافع حماية المصالح الخاصة لكل منهما .فهذه
الخصوصية هي الت ي تترجم أن دعوى افتتاح المسطرة ضد المقاولة يمكن تقديمها من قبل المدين داخل أجل محدد ،وكذا من الدائن
والجهاز القضائي اللذين لم يلزمهما المشرع بأي أجل ،بذلك تم تغيير المفهوم التقليدي للدعوى المرتبط أساسا بوجود ادعاء صادر من
المدعي ضد المدعي عليه ،إلى مفهو م تشاركي حديث يجعل كل األطراف بمثابة مشاركين في البحث عن سبل تهدف إلى تسوية وضعية
المقاولة؛ يوسف حنان و سعيد بهي ،األجل في مساطر التسوية القضائية ،على ضوء القانون 72607م .دار السالم للطباعة والنشر
والتوزيع ،الرباط ،ط .األولى 0102ص01 .
يجريها رئيس المقاولة بعد تاريخ التوقف عن الدفع ،563وذلك خالفا للمشروع الفرنس ي الذي
وسع من دائرة األشخاص الذين يحق لهم ممارسة دعوى البطالن ،لتشمل كال من المتصرف
وممثل الدائنين والمصفي والمفوض المشرف على تنفيذ مخطط التسوية والنيابة العامة.564
لكن السؤال الذي يثوربهذا الخصوص يرتبط بمسألة تقاعس السنديك عن رفع دعوى
البطالن رغم علمه أو عدم علمه ،فهل يجوزلغيره القيام بذلك؟ إنه ومع صراحة المادة 191من
م.ت فعدم قيام السنديك بذلك ال يشرع لغيره ممارسة هذه الدعوى ،فغاية األمرأنه يتم إخباره
بتلك العملية ،وينتج عن عدم قيامه بممارسة الدعوى إثارة مسؤوليته.
ولئن كان األصل أنه ال حاجة ألي إجراء لتقرير بطالن العقد الباطل ،فألنه يعتبر من
الناحية القانونية عدم ،والعدم ال يحتاج إلى حكم قضائي لتقريره لكن إذا وقع خالف بخصوص
مدى تحقق البطالن ومبرره ،فإن المتطلبات العملية تقتض ي تقريرالبطالن من طرف املحكمة،
ومع هذه الفرضية يعتبرحكمها معلنا للبطالن ال منشئا له.565
بناء عليه ،فرغم تنصيص المادة 194من م.ت على أنه "يعتبرباطال ،"...فذلك ال يعني أن
البطالن في هذه الحالة يتم بشكل تلقائي أو ضمني دون أن تنطق به املحكمة ،بل يتعين عليها أن
تصرح به ألنها ملزمة بذلك كلما تبين أن العقد المعني قد تم من طرف المدين بدون مقابل بعد
تاريخ التوقف عن دفع ديونه المستحقة566؛ وهذا ما قضت به محكمة النقض في قرار صادر
عنها ،ورد فيه":بحيث يقتصر البطالن على التصرفات التي تمت خالل فترة الريبة فقط دون
غيرها من التصرفات التي تمت قبلها".567
أما بخصوص أجل تقادم دعوى البطالن الوجوبي فلم يعمد المشرع المغربي إلى تحديده
رغم التعديل الذي حل بالكتاب الخامس من مدونة التجارة لسنة 9110بموجب القانون رقم
-563عبد الغفور أغزاف ،أحكام البطالن في الكتاب الخامس من نظام معالجة صددعوبات المقاولة ،رسددالة لنيل دبلوم الماسددتر في القانون
الخاص ،وحدة القانون والمقاولة ،جامعة موالي إسدددددددماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصدددددددادية واالجتماعية – مكناس ،س.ج-1128 :
،112.ص.81 :
«L'action en nullité est exercée par 564
- L’article L 632-4 du code de commerce française dispose
l'administrateur, le mandataire judiciaire, le commissaire à l'exécution du plan ou le ministère
public. Elle a pour effet de reconstituer l'actif du débiteur».
-565عبدد الحق الصدددددددافي ،الوجيز في القدانون المددني ،الجزء األول :المصدددددددادر اإلرادية لاللتزام (العقد و اإلرادة المنفردة) م .النجاح
الجديدة -الدار البيضاء ،ط 1128 .ص.2.2 :
-566امحمد لفروجي ،التوقف عن الدفع في قانون صددددددعوبات المقاولة ،سددددددلسددددددلة الدراسددددددة القانونية المعمقة ،م .النجاح الجديدة -الدار
البيضاء ،ط 1117 ،ص.218 :
-567قرار صدددددددادر عن محكمة النقض ،تحت رقم ،2/22في الملف التجاري رقم ،1122/2/4/22.2بتاريخ -1124/2/42أورده:
عالل فالي ،تعليق على مسداطر صدعوبات المقاولة على ضدوء 11سدنة من القضداء التجاري 2..1إلى ،1121م .المعارف الجديدة -
الرباط ،ط .األولى نونبر 1121ص.411 :
56813.91؛ كما أنه اليمكن الرجوع حتى للقواعد العامة المقررة لتقادم دعوى البطالن لسببين
أساسيين :أولهما ،يتجلى في أن الفصول من 310إلى 391المقررة لبطالن العقود ضمن ق.ل.ع
لم تتحدث عن أي أجل ،ليذهب األستاذ إدريس العلوي العبدالوي 569إلى القول بعدم تقادمها
مهما طال الزمن ،بحكم أن العقد الباطل عدم والعدم ال يصبح موجودا بمض ي الزمن ،لكن
االتجاه الغالب في الفقه المغربي ،ذهب خالف ذلك مستندا على مقتضيات الفصل 311من
ق.ل.ع ،حيث تنص على أن كل الدعاوى الناشئة عن االلتزام تتقادم بمض ي 91سنة ابتداء من
تاريخ إبرام العقد.
هكذا إذن ،فعدم تحديد المشرع للسنديك أجال معينا لممارسة دعوى البطالن
الوجوبي ،جعلت بعض الفقه يذهب إلى القول إنه يتعين رفع الدعوى من قبل السنديك خالل
الفترة التي يكون ال يزال فيها للمدعى عليه الحق في التصريح بديونه ضمن خصوم المقاولة وقبل
القيام بتحقيق الديون ،أو أثناء تقديم طلب إلى القاض ي المنتدب من أجل رفع السقوط الذي
قد يطبق عليه نتيجة عدم قيامه بهذا التصريح داخل األجل القانوني.
في حين ذهب األستاذ أحمد شكري السباعي إلى القول بإمكانية تبني الحلول المقترحة من
طرف الفقه الفرنس ي في هذا اإلطار ،بحيث تبقى دعوى البطالن قائمة ببقاء السنديك في مهمته
التي ال تنتهي إال بقفل المسطرة .570وهو ما أقر به العمل القضائي ،حيث صدر قرار ملحكمة
االستئناف التجارية بفاس ،571جاء فيه":وحيث إن المشرع المغربي لم يحدد أي أجل لممارسة
دعوى اإلبطال من طرف السنديك وأحجم عن وضع تقادم لهذه الدعوى ولم يأخذ بالتقادم
الذي وضعته المادة 121من مشروع ،9111وبمعنى آخر إن دعوى البطالن في فترة الريبة تبقى
قائمة ما دام السنديك الذي له وحده حق ممارسهها باقيا في مهمته أو وظيفته التي ال تنتهي إال
بقفل المسطرة ."...
-568القانون رقم .4.2.القاضددي بنسددخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم .7.27المتعلق بمدونة التجارة فيما يخص مسدداطر
صدددعوبات المقاولة ،الصدددادر بتنفيذه الظهير الشدددريف رقم 2.21.18في 1شدددعبان 2.( 224.أبريل ،)1121الجريدة الرسدددمية عدد
،888.بتاريخ 14أبريل .1121
-569إدريس العلوي العبدالوي" :محاضددددددرات في القانون المدني نظرية االلتزام" مطبوع على اسددددددتانسدددددديل ص : 282 .أورده محمد
الشرقاني ،مرجع سابق ،ص.2.1 :
-570أحمد شدددكري السدددباعي ،الوسددديط في مسددداطر الوقاية من الصدددعوبات التي تعترض المقاولة ومسددداطر معالجتها ،الجزء الثالث :في
التصددفية القضددائية والقواعد المشددتركة بين مسددطرتي التسددوية القضددائية و التصددفية القضددائية ،والجزاءات التجارية والجنائية المتخدة ضددد
مسيري المقاولة ،المعارف الجديدة – الرباط ،ط .األولى ،1111ص 481 :و .484
-571قرار صدادر عن محكمة االسددتئناف التجارية بفاس ،تحت رقم ،27في الملف عدد ،2./18بتاريخ -1118/18/11أورده :عالل
فالي ،تعليق على مساطر صعوبات المقاولة في ضوء 11سنة من القضاء التجاري 2..1إلى ،1121مرجع سابق ،ص.411 :
كما تجدر اإلشارة إلى أنه إذا كانت اإلجازة 572ال تصحح العقد الباطل طبقا للفصل 391
من ق.ل.ع الذي ينص على أنه":إجازة االلتزام الباطل بقوة القانون أو تصديق عليه ال يكون
لهما أدنى أثر" ،فإن البطالن الوجوبي كذلك ال يقبل اإلجازة ،لكن يمكن أن يصبح صحيحا إذ
انقض ى أجل ممارسة دعوى البطالن الوجوبي املخولة للسنديك.
تأسيسا عليه ،فإن تأثير وضعية المقاولة المتوقفة عن الدفع في األسس والقواعد
العامة لبطالن العقود ،يضفي على نظرية البطالن الوجوبي للعقد خصوصيات تتجلى معالمها
عند مالمسة كيفية تقرير بطالن هذه العقود ،األمر الذي ال محال سينعكس بالتبعية على آثار
البطالن الوجوبي للعقد.
طالما أن العقد الباطل من قبيل العدم فإن العدم ال يبنى عليه ش يء ،وبالتالي فاألصل في
البطالن أنه ال يرتب أي أثر قانوني ،مما يجعلنا نتساءل عن آثار البطالن الوجوبي للعقد تجاه
المتعاقدين (أوال) والغير(ثانيا)؟
إن االلتزام الباطل بقوة القانون ال يمكن أن ينتج أي أثرإال استرداد ما دفع بغيرحق تنفيذا
له573؛ وبالتالي ،فإن آثارالعقد الباطل فيما بين المتعاقدين تفض ي إلى إلغاء مفعوله بأثررجعي
واسترداد ما وقع تنفيذا له.574
كما أن العقد الذي وقع بطالنه خالل فترة الريبة بطالنا وجوبيا لم يكن نتاج سبب عام
من أسباب البطالن ،و إنما هو بطالن من نوع خاص؛ فلوال وجود المدين في حالة توقف عن
الدفع ويحظر عنه التصرف في أموال المقاولة خالل فترة الريبة املحددة من قبل املحكمة ،لما
تقرربطالنه.
-572اإلجازة La confirmationعبارة عن "تصررررا قانوني بمقتضرراه تتجه لرادة من شررررعت لمصرررلحته قابلية العقد لابطال نحو
التنازل عن حقه في لبطال العقد الذي يصرب صرحيحا بر ر رجعيم من فهي ال تفيد لبرا عقد جديد كبديل للعقد الباطلم بل تؤدي فقط
للى جعل العقد الموجود المهدد بالبطالن صحيحا" .عبد الحق الصافي ،م .س ،ص.2.1 :
-573ينص الفصددددل 418من ق.ل.ع ،في فقرته األولى على ما يلي ":االلتزام الباطل بقوة القانون ال يمكن أن نتج أي أثر ،إال اسددددترداد
ما دفع بغير حق تنفيذا له ".
-574فريدة المحمودي ،محاضرات في النظرية العامة الاللتزمات ،م .مكتبة سجلماسة – مكناس ،ط ،1118 .ص.244 :
بناء عليه ،فقد نص المشرع في المادة 191من م.ت ،على أنه":يمارس السنديك دعوى
البطالن قصد إعادة جمع أصول المقاولة" ،وبالتالي فالغاية من ممارسة دعوى البطالن
الوجوبي هي إعادة جمع أصول المقاولة ،عبرإلغاء التصرفات والعقود المبرمة خالل فترة الريبة
بأثررجعي تجاه الطرف الثاني المستفيد من العقد غيرالعوض ي (أي بدون مقابل) ،وتخصيصها
من أجل ضمان استمرارية نشاط المقاولة المفتوحة في مواجههها المسطرة ،وكذا بهدف
تصفية خصومها من خالل العمل على إبراء ذمهها من الديون المترتبة عليها.
وعليه ،فإن دعوى البطالن ينتج عنها إبطال للعقود التي تم إبرامها بأثر رجعي ،وذلك من
خالل إعادة األطراف المتعاقدة إلى الحالة السابقة عن البطالن.
فال يمكن للمتعاقد مع رئيس المقاولة أن يتمسك بتعليق سريان أثرالبطالن الوجوبي في
مواجهته على ضرورة تمكينه من حقوق معينة ،575ذلك أن األمريتعلق والحالة هذه بعقد بدون
مقابل ،مما يقتض ي أن ينتج عن بطالنه بطالنا وجوبيا إرجاع الحالة إلى ما كانت عليها قبل
التعا قد ،حيث يتم ذلك عن طريق قيام المتعاقد المعني باألمر بتمكين السنديك من المبالغ
واألشياء التي يكون قد تلقاها من رئيس المقاولة بسبب العقد أو العمل المبرم بدون مقابل بعد
تاريخ التوقف عن الدفع.576
كما تجدراإلشارة إلى أنه إذا كان البطالن في إطارالقواعد العامة ينتج باألساس عن خلل
في تكوين العقد ،مما يسمح في بعض األحيان بإمكانية تطبيق إما نظرية انتقاص العقد 577أو
نظرية تحويل العقد ،578فإن البطالن الوجوبي للعقد ناتج عن سبب بعيد عن ذلك؛ وبالتالي،
فال يمكن أن ينتج آثارا إيجابية فيما بين المتعاقدين سوى أثرأصلي متمثل في مسح البطالن آلثار
العقد في الماض ي والمستقبل.
-575فإذا عمد المسدددددتفيد من حق عيني متعلق بعقار محفظ آل إليه بموجب التصدددددرفات المجرات خالل فترة الريبة إلى تقييده في الرسدددددم
العقاري ،فإنه يعد قرينة قانونية على وجود الحقوق التي ينصددددب عليها ،إال أنها قرينة بسدددديطة ويمكن إثبات عكسددددها ،حيث نجد الفصددددل
الثاني من م.ح.ع في الفقرة الثانية ينص على ما يلي ":إن الرسدوم العقارية وما تتضدمنه من تقيدات تابعة إلنشائها تحفظ الحق الذي تنص
عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشددددددخص المعين بها هو فعال صدددددداحب الحقوق المبينة فيها" .ومن تم فإن حجية التقييد بين
األطراف تبقى نسدبية ،بحيث إذا كان العقد باطال أو قابال لإلبطال أو قابال للفسدخ ،وصدر حكم قضائي يقضي بذلك يتم التشطيب عليه من
الرسدددددددم العقدار طدالمدا أن العقدار لم يتم تفويتده لفدائددة أحدد من األغيار؛ البكاي المعزوز و عبد العالي دقوقي ،قانون التحفيظ العقاري ،م،
سجلماسة مكناس ،ط ،112..ص 211 .و 214
- 576التوزاني فردوس ،فترة الريبة في نظام صدعوبات المقاولة ،رسدالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،وحدة المدني واألعمال،
جامعة عبد المالك السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – طنجة ،س.ج ،1122- 1124 :ص..1 :
- 577ينص الفصدددل 411من ق.ل.ع ،على أن":بطالن جزء من اإللتزا يبطل اإللتزا في مجموعهم لال لذا أمكن لهذا االلتزا أن يبقى
قائما بدون الجزء الذي لحقه البطالنم وفي هذه الحالة األخيرة يبقى االلتزا قائما باعتباره عقد متميز عن العقد األصلي".
-578ينص الفصددل 41.من ق.ل.ع ،على أنه":لذا بطل االلتزا باعتبار ذاته وكان به من الشررروط ما يص ر به التزا جخر جرت عليه
القواعد المقررة لهذا اإللتزا األخير".
وإذا كانت الغاية من أحكام البطالن هي إنقاذ المقاولة المتوقفة عن الدفع ،فإن هذه
الغاية ليست حماية لشخص المدين و إنما حماية لالقتصاد الوطني باعتبار أن المقاوالت هي
أساس هذا االقتصاد ،دون أن ننس ى األدوار التي أصبحت تلعبها المقاوالت على المستوى
االجتماعي من خالل توفير مناصب الشغل وضمان التوازن واالستقرار االجتماعي وكذا أدائها
الضرائب لفائدة الدولة ،وبالتالي أصبحت المقاوالت من أهم اللبنات األساسية لبناء أي
اقتصاد حديث.
وعليه ،فإن بطالن العقد يترتب عنه عدم قدرته على إنتاج أية آثاركقاعدة عامة ،ما عدا
استرداد ما دفع بغير وجه حق فيما بين المتعاقدين؛ لكن ماذا عن حقوق الغير عند تقرير
املحكمة بطالن التصرفات العقدية التي قام بها المدين خالل فترة الريبة؟
إن الحكم القاض ي بالبطالن الوجوبي لكل عقد أبرمه المدين خالل فترة الريبة ،يؤدي إلى
إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد ولو تجاه الحائز حسن النية أو تجاه الغير حسن
النية الذي يكون قد امتلك المال موضوع الدعوى.
فالغيرفي العقد الباطل هوكل من اكتسب حقا بمقتض ى العقد الذي تقرربطالنه وما دام
ً
البطالن يترتب عليه العدم ،579فإنه يسرى منطقيا بأثر رجعي بالنسبة للغير الذي تزول عندئذ
حقوقه إذا زالت حقوق من نقلها إليه.580
ولئن كان المشرع المغربي قد افترض سوء نية تصرفات المدين خالل فترة الريبة فكيف
ال يفترضها في الغير ،رغم أن األصل في األفعال حسن النية ،581ما عدا إذا كان يعلم أو كان يجب
عليه أن يعلم عند تلقيه الش يء أن من تلقاه منه لم يكن له حق التصرف فيه582؛ وبالتالي ،فإن
األثر الرجعي للبطالن الوجوبي يمتد كذلك إلى الغير الذي تلقى حقا من المستفيد األول من
التصرفات املجراة خالل فترة الشك ،وهو وجه الخروج عن المبادئ العامة لنظرية العقد التي
-579فحكم انعدام أي أثر للبطالن بالنسدددبة للغير ما هو إال تطبيق للقاعدتين المتمثلتين تواليا في "فاقد الشررريء ال يعطيه" و"لذا زال حق
المتصرا زال حق المتلقى فال يمكن للشخص أن ينقل لغيره من حقوق أك ر مما يملك" .محمد الشرقاني ،م.س ،ص.214 :
-580المختار بن أحمد عطار ،الوسددددديط في القانون المدني :مصدددددادر اإللتزام ،م .النجاح الجديدة – الدار البيضددددداء ،ط .الثانية ،111.
ص.2.1 :
-581ينص الفصل 2..من ق.ل.ع ،على ما يلي ":حسن النية يفترض دئما ما دام العكس لم يثبت".
-582ينص الفصددددل 278من ق.ل.ع ،في فقرته الثانية على ما يلي ":وال يفترض حسددددن النية فيمن كان يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم
عند تلقيه الشئ أن من تلقاه منه لم يكن له حق التصرف فيه".
تقرير استثناء عدم تأثير البطالن على الحقوق المكتسبة للغير حسن النية ،583وضرورة احترام
الحائزحسن النية بتقريرالحيازة في المنقول سند الملكية ،584بغية ضمان استقرارالمعامالت
وحماية الغيرالذي اكتسب عن حسن نية حقوقا قض ى األمرببطالنها.
لكن السؤال الذي يطرح في مسألة الغيريتعلق بحقوق الدائن صاحب الضمانة على نفس
المال الذي وقع تبديده خالل فترة الريبة من قبل المدين؟
فعندما يتم التصريح بالبطالن ،فإنه ينتج آثارا في مواجهة الجميع ،وبخاصة الدائنون
الذين يتوفرون على ضمانات على نفس أموال المدين ،إال أنهم قاموا بتقييدها بتاريخ الحق
لتاريخ التوقف عن الدفع ،إذ إن البطالن يستفيد منه الدائن الذي يملك ضمانة قانونية
وصحيحة على نفس المال ،والذي كان يسبقه في الترتيب الدائن الحاصل على الضمانة املحكوم
ببطالنها ،األمرالذي يكون معه جزاء البطالن لصالح الدائنين الحاصلين على تقييد الحق.585
إن هاجس المشرع المغربي المتمثل في ضمان استمرارية المقاوالت المتوقفة عن الدفع
بتسويهها قضائيا ،والبحث عن فرص أكثرإلنقاذها أمام الصدمات االقتصادية التي تتعرض لها،
دفعه إلى تجاوز كل الثوابت العامة للعقد بافتراض سوء نية المدين المتصرف في أموال
المقاولة ،مبني على قرينة قانونية قاطعة ال تقبل إثبات العكس ،رغم أن األصل هو حسن النية
إلى حين أن يثبت العكس .وعدم إيالء أي اعتبار للحقوق المكتسبة للغير ذي حسن النية الذي
تلقى حقا من المستفيد من التصرف بدون مقابل ،يرجع لضمان أصولها ولوعلى أسس وثو ابت
العقد التي عمرت لقرون.
وعليه ،فطالما أن العقد الباطل من قبيل العدم فإن العدم ال يبنى عليه ش ئ ،وإن كان
العقد القابل لإلبطال مصيره بين الحياة والموت ،أي بين إهدار فرصة إبطاله لمن تقرر الحق
لمصلحته و بين التمسك بإعدامه عبر طلب إبطاله ،يجعلنا نتساءل حول النظام القانوني
583إن مفهوم الغير في النظدام العقداري يدأخذ وجهين أثنين؛ فإذا كان حسدددددددن النية فال يمكن في أي حال التمسدددددددك بإطال هذا التقييد في
مواجهتده ،وهو مدا نص عليده الفصدددددددل 88من ظ.ت.ع" ،ال يمكن في أي حدال التمسدددددددك بدإبطدال هدذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية
الحسددنة" .كما جاء في الفصددل الثاني من م.ح.ع ،ما يلي":إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشددطيب من الرسددم العقاري ال
يمكن التمسددك به في مواجهة الغير المقيد عن حسددن نية ،كما ال يمكن أن يلحق به أي ضددرر ،إال إذا كان صدداحب الحق قد تضددرر بسددبب
تدليس أو زور أو اسددددتعماله "...أما إذا كان سدددديء النية كونه يعلم ( أي العلم المجرد) عند تقييد الحق العيني باسددددمه في الرسددددم العقاري
العيوب والشدددوائب التي تشدددوب سدددند أو رسدددم من تلقى الحق منه ،وهذا يعني أنه ال يسدددتحق أن يحتمي وراء الحجية المطلقة للتقييد التي
يستفيد منها فقط الغير حسن النية؛ البكاي المعزوز و عبد العالي دقوقي ،م.س ،ص21. .
-584ينص الفصدددددددل 278من ق.ل.ع ،في فقرتده األولى على ما يلي ":يفترض في الحائز بحسدددددددن نية شددددددديئا منقوال أو مجموعة من
المنقوالت أنه قد كسب هذا الشئ بطريق قانوني وعلى وجه صحيح ،وعلى من يدعي العكس أن يقيم الدليل عليه".
- 585زهير الشدددرقاني ،نظرية العقد بين القانون المدني ونظام معالجة صددددعوبات المقاولة ،رسددددالة لنيل دبلوم الماسددددتر في وحدة القانون
والمقاولة ،جامعة موالي إسدددددددماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصدددددددادية واالجتماعية -مكناس ،س.ج ،1127-1122 :ص 242 :و
.247
للبطالن الجوازي للعقود المبرمة من قبل المدين في ظل التأثر الواضح لنظرية العقد بنظام
صعوبات المقاولة؟
خاتمة:
في الختام ،نخلص إلى أن تأثير نظام مساطر صعوبات المقاولة في نظرية العقد كان قويا
للغاية ،حيث تم إقرارقواعد مخالفة لمؤسستي البطالن واإلبطال بشكل غيرمألوف لحد اليوم،
فبالرغم من أن اإلرادة هي من قررت وتعاقدت بشأنه فلم يعد لها سلطان يحكم ،بل إن السلطان
بات للقوة االقتصادية للمقاولة ولمصلحهها الفضلى ،ولو اقتض ى الرهان المس بأحد مسلمات
القانون المدني م ن قوة ملزمة للعقد وهدم لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين ،لغاية واحدة
تتمثل في إنقاذ مكون أساس ي من مكونات االقتصاد الوطني أال وهي المقاولة .فال يهم ما إن كان
األمر على حساب عقود جارية أو ديون سابقة لوضعيهها االقتصادية ،فاألهم استمرارية نشاط
المقاولة المتوقفة عن الدفع بإنقاذها من خطرالتصفية القضائية.
الئحة المراجع
الكتب :
-إدريس العلوي العبدالوي ،شرح القانون المدني ،النظرية العامة لإللتزام العقد ،م.
النجاح الجديدة الدارالبيضاء .ط 9س 9110
-إدريس بنشقرون ،أثر تغير الظروف االقتصادية على العقد ،مقال منشور على مجلة
القصر :العدد الثاني 2111
-البكاي المعزوز و عبد العالي دقوقي ،قانون التحفيظ العقاري ،م ،سجلماسة مكناس،
ط2191.
-املختار بن أحمد عطار ،الوسيط في القانون المدني :مصادر اإللتزام ،م .النجاح
الجديدة – الدارالبيضاء ،ط .الثانية 2111
-عالل فالي ":مساطر صعوبات المقاولة" م .دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع –
الرباط ،ط.2191 .
-عبد العالي دقوقي ،النظرية العامة لاللتزام :المصادر اإلرادية لاللتزام ،مطبعة
سجلماسة – مكناس ،طبعة 2191
-عبد الحق الصافي ،الوجيز في القانون المدني ،الجزء األول :المصادر اإلرادية لاللتزام
(العقد و اإلرادة المنفردة) م .النجاح الجديدة -الدارالبيضاء ،ط2190 .
-عالل فالي ،تعليق على مساطر صعوبات المقاولة على ضوء 21سنة من القضاء
التجاري 9111إلى ،2191م .المعارف الجديدة -الرباط ،ط .األولى نونبر. 2191
-محمد الشرقاني ،النظرية العامة لاللتزامات (العقد) م .سجلماسة مكناس ،ط .األولى
. 2190
-يوسف حنان و سعيد بهي ،األجل في مساطر التسوية القضائية ،على ضوء القانون
13.91م .دارالسالم للطباعة والنشروالتوزيع ،الرباط ،ط .األولى . 2191
الرسائل :
-التوزاني فردوس ،فترة الريبة في نظام صعوبات المقاولة ،رسالة لنيل دبلوم الماسترفي
القانون الخاص ،وحدة المدني واألعمال ،جامعة عبد المالك السعدي ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية – طنجة ،س.ج،2194- 2193 :
-عبد اإلله برجاني ،الحماية القانونية و القضائية للمقاولة :دراسة مقارنة ،أطروحة
لنيل دكتوراه الدولة في العلوم القانونية ،جامعة القاض ي عياض :كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية – مراكش ،السنة الجامعية .2114-2111 :
-عبد الرحيم ميراري ،و اقعة التوقف عن الدفع و آثارها على تصرفات المدين :دراسة
تحليلية بين النص والقانون ،رسالة لنيل دبلوم الماسترفي القانون الخاص ،وحدة ماسترقانون
المقاولة التجارية ،جامعة الحسن األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية –
سطات ،س.ج.،2111-2111 :
-عبد الغفور أغزاف ،أحكام البطالن في الكتاب الخامس من نظام معالجة صعوبات
المقاولة ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،وحدة القانون والمقاولة ،جامعة
موالي إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – مكناس ،س.ج-2190 :
.2191
-لبنى فريالي ،العقود في إطار مساطر صعوبات المقاولة ،بحث نهاية التمرين ،المعهد
الوطني للدراسات القضائية ،الفوج ،21س.ق ،2119-9111
-ياسين منصوري ،المقاربة االقتصادية للعقد ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في شعبة
القانون الخاص وحدة قانون األعمال ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية السوس ي –الرباط -س.ج2199/2192 ،
-سليمان المقداد ،مركز اإلرادة في العقود ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،
مركز دراسات الدكتوراه في القانون و االقتصاد والتدبير :مختبر األنظمة المدنية والمهنية،
جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – وجدة ،س.ج-2190 :
2191
-زهير الشرقاني ،نظرية العقد بين القانون المدني ونظام معالجة صعوبات المقاولة،
رسالة لنيل دبلوم الماستر في وحدة القانون والمقاولة ،جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية -مكناس ،س.ج.2191-2194 :
المراجع بالفرنسية:
ملخص:
ً ً
قد تلجأ اإلدارة أحيانا الى وقف الموظف العام عن العمل أحيانا عندما تسند اليه
مخالفات إدارية ،وتكون هذه املخالفات مما يصعب االستمرار معها في مزاولة أعباء الوظيفة
حتى ال تتعارض مع الصالح العام ،وعندئذ تلجأ اإلدارة الى وقف الموظف عن العمل لغايات
المصلحة العامة مقابل ما يمنح من ضمانات في مواجهة اإلدارة قبل البت في أمر الموظف من
حيث البراءة أو اإلدانة وتقيع العقاب ،فهذا الوقف عن العمل حق طبيعي أقرته مختلف
التشريعات لجهة اإلدارة.
وتبلورت أهمية هذه الدراسة في بيان مدى كفاية التشريعات محل الدراسة لتنظيم
الوقف االحتياطي عن العمل وبيان ما هي االثارالمترتبة على هذا االجراء ،ولتوضيح هذه األهمية
قمنا باتباع المنهج المقارن ومن ثم تقسيم الدراسة الى مطلبين تناولنا في األول مفهوم الوقف
االحتياطي وفي الثاني االثارالمترتبة عليه.
وفي النهاية توصلنا الى مجموعة من النتائج من أهمها أن الوقف االحتياطي إجراء
احترازي وليس تأديبي ،كما توصلنا الى مجموعة من التوصيات من أهمها ضرورة قيام المشرع
الفلسطيني بتحديد مدة معينة للوقف االحتياطي.
Summary:
المقدمة:
تتمثل أهمية الوظيفة العامة في ارتباطها بسير المر افق العامة بانتظام واضطراد
ً
نظرا لما تؤديه من خدمات عامة لألفراد داخل الدولة ،ولذا تحرص التشريعات واللوائح داخل
الدولة والتي تنظم الوظيفة العمومية على النص عليها بما يحميها من تعسف الموظف
و انحر افه حتى ال يؤثرعلى انتظام الخدمات المقدمة للمواطنين.
وعليه نصت المادة رقم ( )1/9من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم 4لسنة
9111المعدل 586على أنه ":الوظيفة :مجموعة المهام التي توكلها جهة مختصة الى الموظف
للقيام بها بمقتض ى هذا القانون أو أي تشريع أخرأو تعليمات أو قرارات إدارية وما يتعلق بها من
صالحيات وما يترتب على تلك المهام من مسؤوليات".
وفي مقابل ذلك نصت المادة األولى من قانون الخدمة المدنية المصري رقم 19
لسنة 587 2190بالقول أن ":الوظائف المدنية حق للمواطنين على أساس الكفاءة والجدارة وهي
تكليف للقائمين بها لخدمة الشعب ،وتكفل الدولة حقوقهم وحمايههم وقيامهم بأداء واجباتهم
في رعاية مصالح الشعب".
ً
واستناد لما سبق فالموظف 588هو الشخص المنوط به القيام بأعباء الوظيفة
العامة وعليه تقع مهام إدارة المر افق العامة وتسييرها على النحو الذي يتو افق ورغبات
وحاجات المواطنين ،بما ال يتعارض مع القوانين واللوائح والقرارات المنظمة للوظيفة العامة.
ومن هذا المنطلق فإن قيام الموظف بأي عمل مخالف لألنظمة والقوانين يعرضه
للمحاسبة والعقاب من خالل التحقيق معه ومن ثم توقيع الجزاء المناسب ،ولتحقيق العدالة
في هذا االمرأحاطت التشريعات الوظيفية الموظف العام بمجموعة من الضمانات التي تكفل
.قانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم 0222/2المعدل بالقانون رقم ،4111/2المنشور بالجريدة الرسمية ،العدد 12 586
.نصت المادة ( )2/0من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم 0222/2المعدل على تعريف الموظف بأنه ":الموظف: 588
ويقصد به الموظف أو الموظفة وهو الشخص المعين بقرار من جهة مختصة لشغل وظيفة مدرجة في نظام تشكيالت
الوظائف المدنية على موازنة احدى الدوائر الحكومية أياً كانت طبيعة تلك الوظيفة أو مسماها".
وانظر أيضاً المادة رقم ( )1/4من قانون الخدمة المدنية المصري رقم 4102/20والتي أشارت الى تعريف الموظف
بأنه كل من يشغل إحدى الوظائف الواردة بموازنة الوحدة.
أهمية الدراسة:
األول :املحور النظري ،الذي يهدف الى البحث في التشريعات الناظمة للوقف
االحتياطي عن العمل لغايات التحقيق ومدى كفايهها وشموليهها.
الثاني :املحور العملي ،ونقصد به البحث في اآلثار المادية الو اقعة على الموظف
ً
سواء المالية أو عالقته باإلدارة. الموقوف عن العمل لغايات التحقيق
أهداف الدراسة:
إشكالية الدراسة:
تكمن اإلشكالية الرئيسية لهذه الدراسة في بيان كيفية تحقيق الموازنة بين حقوق
الموظف الموقوف عن العمل وبين متطلبات ضمان عدالة التحقيق معه بهدف تحديد مدى
ً
مسؤوليته عن ما نسب اليه وذلك ضمانا لسيرالمر افق العامة بانتظام واطراد.
تساؤالت الدراسة:
يتمثل السؤال الرئيس في هذه الدراسة حول تحديد مدى شمولية التشريعات
الناظمة للوقف االحتياطي من جميع الجوانب ،ويتفرع بطبيعة الحال عن هذا التساؤل الرئيس
مجموعة من األسئلة ،من أهمها:
منهج الدراسة:
لإلجابة على التساؤالت السابقة ولضمان شمولية الدراسة في تناولها لجميع جوانب
الموضوع ،اتبع الباحث في هذه الدراسة المنهج المقارن بين التشريعين الفلسطيني والمصري،
وذلك بهدف اإلحاطة بكل جوانب الدراسة.
تقسيم الدراسة:
ً
تناولنا هذه الدراسة من خالل تقسيمها تبعا لما يلي :المطلب األول :مفهوم الوقف
االحتياطي.المطلب الثاني :اآلثارالمترتبة على الوقف االحتياطي عن العمل.
ونص المشرع الفلسطيني على الوقف االحتياطي بنص المادة ( )13من قانون الخدمة
المدنية المعدل رقم 2111/4بالقول ":مع مراعاة األحكام األخرى لهذا القانون :عند إحالة
الموظف للتحقيق يجوز لرئيس الدائرة الحكومية التي تبعها وقف الموظف عن عمله أو نقله
إلى وظيفة أخرى في الدائرة نفسها بصفة مؤقتة ريثما ينتهي التحقيق معه" ،كما نص المادة
ً
( )11من ذات القانون على أن" :يدفع للموظف الموقوف عن عمله راتبه كامال فترة وقفه"(.)590
( )589د .مفتاح خليفة عبد الحميد :الوقف االحتياطي ،دراسة مقارنة ،بحث منشور في المجلة الليبية العالمية ،جامع بنغازي،
كلية التربية بالمرج ،العدد ،4102 7ص .7
أيضا المادة ( )022من الالئحة التنفيذية رقم 4111 /21بشأن قانون الخدمة المدنية الفلسطيني المعدل رقم
( )590ونصت ً
ار بإيقاف الموظف الحال للتحقيق التأديبي عن
4111/2على الوقف االحتياطي بالقول ":يصدر رئيس الدائرة الحكومية قرًا
العمل وفي هذه الحالة تتعلق جميع صالحياته التي منحت له طيلة فترة التوقيف عن العمل ويبلغ الديون بذلك"
_كما نصت المادة ( )021من ذات الالئحة على أنه" :يصرف للموظف الموقوف عن العمل والمحال للتحقيق معه من قبل لجنه
كامال عدا بدل التنقل فترة وقفه عن العمل".
تحقيق راتبه ً
أيضا نص المادة ( )01من القانون رقم 0212/007بشأن تنظيم النيابة اإلدارية المحاكمات التأديبية حيث جاءتها:
( )591انظر ً
"لمدير النيابة اإلدارية أو أحد الوكالء العامين أن يطلب وقف الموظف عن أعمال وظيفته إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه
ذلك ،ويكون الوقف بقرار من الوزير أو الرئيس المختص فإذا لم يوافق الرئيس المختص على وقف الموظف وجب عليه إبالغ
مدير النيابة اإلدارية بمبررات امتناعه وذلك خالل أسبوع من طلبه وال يجوز أن تزيد مدة الوقف عن ثالثة أشهر إال بقرار من
ابتداء من اليوم الذى أوقف فيه ما لم
ً المحكمة التأديبية المختصة ويترتب على وقف الموظف عن عمله وقف صرف مرتبه
تقرر المحكمة صرف المرتب كله أو بعضه بصفة مؤقتة إلى أن تقرر عند الفصل في الدعوى التأديبية ما يتبع في شأن
المرتب عن مدة الوقف سواء بحرمان الموظف منه أو بصرفه إليه كله أو بعضه" ،كما نصت المادة ( )021من الالئحة
التنفيذية رقم 4107/0402بشأن قانون الخدمة المدنية المصري رقم 4102/20على الوقف االحتياطي بالقول" :إذا اقتضت
احتياطيا عن العمل يعرض األمر على السلطة المختصة مذكرة تتضمن موضوع التحقيق
ً مصلحة التحقيق وقف الموظف
ومبررات الوقف ومدته بما ال يجاوز ثالثة أشهر فإذا قررت وقفه عن العمل يتعين إعالمه بقرار الوقف وإرسال صورة منه إلى
كل من رئيسه المباشر وإدارة الموارد البشرية".
وبالرغم من سكوت المشرع في األنظمة الوظيفة عن تعريف الوقف االحتياطي إال أن
ً
الفقه سار على عكس ذلك ،فقد عرفه البعض بأنه "حجب العامل مؤقتا عن مباشرة
اختصاصاته الوظيفية لمدة زمنيه تنتهي بانههاء األصل املحدد بقرارالوقف الصادرمن السلطة
التأديبية اإلدارية أو بالقرارالصادرعن املحكمة التأديبية بامتداده وأما بصدورقرارأو حكم من
جهة االختصاص بالبت فيما نسب إلى العامل من أخطاء تأديبية أو جنائية"(:)593
ً
وعرفه أخر بأنه" :إجراء قانوني يقصد به ابعاد الموظف المههم عن عمله مؤقتا أي
ً
إسقاط والية الوظيفة العامة عنه مؤقتا بحيث يكف عن مباشرة المهام الموكلة إليه القيام
بها إذا ما تطلب ذلك مصلحة التحقيق الذي يجري معه ،ويستوي في ذلك أن يكون التحقيق
جنائيا يتم بمعرفة النيابة العامة أو أن يكون إدارًيا يتم بمعرفة السلطات التأديبية
ً
املختصة"(.)594
ويعرفه البعض اآلخربأنه" :منع الموظف من مباشرة أعمال وظيفته لمدة معنية"(. )595
ً
وقضائيا عرفت املحكمة اإلدارية العليا الوقف االحتياطي بأنه(" :)596إسقاط والية
ً ً ً
الوظيفة عنه إسقاطا مؤقتا فال يتولى فيه سلطة أو يباشرلها عمال ،ذلك أن الموظف قد تسند
إليه تهم وتوجه إليه مآخذ فيقتض ي األمر اقصائه عن وظيفته ،الي يجرى التحقيق فيها وصوال
للحقيقة انبالجها في جو خال من مؤثراته أو ً
بعيدا عن سلطاته أو ألن في اتهامه ما يدعو إلى ٍ و
( )592مشار إليه لدى د .محمد احمد عبد الرحمن :اإلجراءات االحتياطية للتأديب في الوظيفة العامة ،رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق،
جامعة عين شمس ،0227 ،ص.444
( )593د .رفعت المصيلحي نجار :ايقاف العاملين المدنيين بالدولة ،رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ،0220 ،ص.34
( )594د .رمضان بطيخ :الوسيط في القانون اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة 0227 ،ص .122
( )595المستشار محمد أحمد رشوان :أصول القانون التأديبي ،مطبعة مصر ،القاهرة 0221 ،ص .071
( )596حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية بالطعن رقم (04 )010ق ،جلسة ،0221/4/07مجموعة أحكامها ،السنة الثالثة
عشرة.
االحتياط والتصون للعمل العام الموكل إليه بتجريده منه وكف يديه عنه ،أو ألن في االتهام ما
يشينه فيمس ً
تبعا لذلك مركزالوظيفة التي يتوالها ويؤثرفي حسن سيرالعمل."...
ً
احتياطيا يكون إذا أسندت إليه كما عرفته ً
أيضا بأنه ( " :)597وقف العامل عن العمل
مخالفات ويدعو األمر إلى االحتياط والتصون للعمل العام الموكل إليه بكف ما يدعيه
اقتضائه عنه ليجري التحقيق في جو خال من مؤشراته ً
بعيدا عن سلطاته". و
ً
وقضاء واألساس القانوني له ،البد وبعد أن بين الباحث مفهوم الوقف االحتياطي فقها
من بيان الجهة املختصة بإصدار قرار الوقف عن العمل وفي فلسطين أشارت المادة ( )13من
قانون الخدمة المدنية المعدل رقم 2111/4وكذلك المادة ( )944من الالئحة التنفيذية رقم
2111/41بشأن قانون الخدمة المدنية المعدل ،إلى اختصاص رئيس الدائرة الحكومية (الوزير
أو رئيس أية إدارة أو مؤسسة عامة أو سلطة إدارية جهة أخرى تكون موازنهها ضمن الموازنة
ً
احتياطيا إذا اقتضت العامة للسلطة الفلسطينية أو ملحقة بها ،باتفاق الموظف عن عمله
مصلحة التحقيق ذلك.
ً
وفي ذلك أيضا أشارت المادة ( )03من قانون الخدمة المدنية المصري سالفة الذكرإلى
أن القراريصدرمن السلطة املختصة (الوزيرأو املحافظ أو رئيس مجلس إدارة الهيئة العمومية
ً
احتياطيا أو مدير النيابة اإلدارية) ويكون للسلطة المفوضة في التأديب الحق في وقف العامل
دون الحاجة إلى النص على ذلك صراحة في قرارالتفويض (.)598
ويملك مدير
ً
احتياطيا بالرغم من أن هذا الحق يقتصرعلى مجرد االقتراح، النيابة اإلدارية حق وقف العامل
وصاحب الكلمة الفصل في هذا االقتراح يعود للسلطات الرئاسية املختصة وهذا بموجب المادة
( )597حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية في الطعن رقم (32 )0217ق ،جلسة 0220/1/41الموسوعة اإلدارية الحديثة،
ج ،2ص .142
( )598د .احمد سالمة بدر :التحقيق اإلداري والمحاكمة التأديبية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،4112 ،ص 022
أيضا قضت المحكمة اإلدارية العليا بالقول ...." :بأن تفويض وكيل الو ازرة الساعد في التصرف في التحقيق يستتبع بالضرورة
_و ً
منحه حق وقف الموظف الذي يجرى معه التحقيق ،ذلك أن الوقف عن العمل وسيلة إلى غاية ،وال يمكن فصل أحدهما عن
اآلخر ،فالوقف يوطئ السبيل إلى التحقيق مع الموظف الموقوف في جو خال من تأثيره ونفوذه" حكم المحكمة اإلدارية العليا
في الطعن رقم ( )013جلسة ،0221/2/41مجموعة أحكامها السنة العاشرة.071 ،
العاشرة من القانون رقم 9111/991بشأن تنظيم النيابة اإلدارية والحاكمات التأديبية وال
ً
مسببا لعدم وجود نص يوجب ذلك (.)599 يشترط أن يكون قرارالوقف
لم يحدد المشرع الفلسطيني مدة للوقف االحتياطي عن العمل ،فبموجب المادة ()13
من قانون الخدمة المدنية العدل رقم 2111/4نجد أن المشرع قد منح رئيس الدائرة الحكومية
التي يتبعها الموظف صالحية وقفه عن العمل إال أن عدم تحديد المشرع الفلسطيني لمدة
معينة يخش ى منه تعسف رئيس الدائرة الحكومية في استعماله لهذا الحق مما يؤثر على مبدأ
الضمان ،ولذا فإن الباحث يرى لو أن المشرع الفلسطيني أخذ بما أخذ به المشرع المصري من
ً
احتياطيا كضمانة للموظف املحال إلى التحقيق. تحديد مدة معينة ،للوقف عن العمل
ً
وتحديدا المادة أما المشرع المصري قد حدد في قانون الخدمة المدنية رقم 2190/19
( ) 03على أن مدة وقف الموظف عن عمله حتى ثالثة أشهر ،إلى أن للسلطة املختصة بوقف
الموظف أن توقفه ألى مدة ،وألكثر من مرة ،شريطة أن يكون التوقيف في حدود الثالثة أشهر
التي حددها القانون أما إذا أرادت الجهة املختصة بالوقف وقف الموظف ألكثر من ذلك أو
تحديد مدة وقف زيادة على الثالثة أشهر فعليها أن تلجأ إلى املحكمة التأديبية قبل انههاء الثالثة
ً
أشهر للنظر في مسألة وقفه وفقا لما نص عليه القانون ،وإال ترتب على ذلك بطالن وقف
الموظف لمدة تتجاوزالثالثة أشهر(.)600
أما إذا و افقت امل حكمة التأديبية على طلب وقف الموظف عن عمله بعد الثالثة أشهر
فإن هذه المو افقة تصحح الفترة المنقضية بين انههاء الثالثة أشهر وصدور قرار املحكمة
بالمو افقة على التحديد وبالتالي فإن وقف الموظف أكثرمن ثالثة أشهريمكن تصحيحها بقرار
من املحكمة التأديبية عند عرض األمرعليها(.)601
( )599د .نواف كنعان :النظام التأديبي في الوظيفة العامة ،مكتبة الجامعة ،الشارقة ،4112 ،ص .414
( )600د .ثروت محمد عوض :التحقيق اإلداري ودور النيابة اإلدارية فيه ،رسالة دكتوراة ،كلية الحقوق ،جامعة عين شمس،
0222ص .211
( )601د .عصمت عبد الله الشيخ :اإلحالة إلى التحقيق في النظام التأديبي الوظيفي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،ص.041
وإذا عرض األمر على املحكمة التأديبية املختصة فإن لها الحرية الكاملة في تحديد مدة
الوقف بحسب ما تقتضيه الظروف والمالبسات ،فللمحكمة أن تعيد توقيف الموظف بعد
انههاء المدة األولى كما لها أن توقف الموظف عن عمله لحين االنههاء من املحاكمة التأديبية،
فاملحكمة التأديبية غير مقيدة بالثالثة أشهر وليست مقيدة بمدة معينة ،وهذا الرأي يأخذ به
المشرع المصري بنص المادة ( )03من قانون الخدمة المدنية مما جعله عرضة لالنتقاد من
بعض الفقه ،حيث يرون أن إطالق سلطة املحكمة دون قيد زمني قد يصيب الموظف بضرر،
وعليه فمن األفضل أن تكون المدة ثالثة أشهر كحد أقص ى في كل مرة تو افق عليها املحكمة
التأديبية(.)602
ً
ابتداء ال يقيد اختصاص املحكمة كما أن صحة أو بطالن القرارالصادربوقف الموظف
التأديبية بمد مدة وقف الموظف وتقريرصرف أو عدم صرف الباقي من أجره ،كما أنه ال يشترط
لصحة قرار الوقف أن ينص في قرار الوقف على مدة الوقف بل يكفي أن تكون تلك المدة في
حدود الثالثة أشهر ،وللمحكمة اإلدارية العليا وحدها االختصاص بنظرالطعون المرفوعة ضد
أحكام املحاكم التأديبية بمد مدة الوقف(.)603
أشارت المادة ( )03من قانون الخدمة المدنية رقم 2190/19بوضوح إلى ذلك الهدف
ً
احتياطيا قد يكون ذا نفوذ في وهو "تطلب مصلحة التحقيق هذا الوقف" فالموظف الموقوف
مجال عمله مما يساعده بالتأثيرعلى مجريات التحقيق أو العمل على اخفاء أية وثائق ممكن أن
تفيد في التحقيق إلى غيرذلك من األمور(.)604
ويرى بعض الفقه ( )605أن األخذ بهذا الهدف بجب أن يكون لتحقيق الصالح العام (مبدأ
الفاعلية) إذا أن الوقف عن العمل يأتي لصون المصلحة العامة بالحفاظ على الوظيفة العامة
( )602د .عبد العزيز عبد المنعم خليفة :الشرعية اإلجرائية في التأديب الرئاسي والقضائي للموظف العام ،د.ن ،ط،4112 ،0
ص .411
( )603د .رمضان بطيخ :الوسيط في القانون اإلداري ،مرجع سابق ،ص.210
( )604د .سليمان الطماوي :القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،الكتاب الثالث ،دار الفكر العربي ،القاهرة 4102 ،ص 322
( )605د .السيد محمد إبراهيم ،شرح نظام العامليين المدنيين بالدولة ،بدون طبعة ،دار المعارف 0222 ،ص:121
في مرحلة تتزعزع فيها الثقة بصالحية الموظف ،بينما يرى البعض اآلخر ( ،)606أنه البد أن يؤخذ
بهذا الهدف تحقيق مبدأ الضمان من خالل قصر هذا الهدف لمصلحة التحقيق وحده فهو
إجراء وقائي ال يجب أخذه في غيرنطاق التحقيق.
وبين هذين الرأيين ظهر رأي وسط ( )607يدعو أنصاره إلى أن الوقف االحتياطي يجب أن
يقوم على معيار شخص ي بالنظر إلى شخص الموظف المههم من خالل معرفه أن كان له نفوذ
يؤثر على التحقيق ،ومعيار موضوعي يؤخذ بالحسبان إن كان الفعل املخالف يؤذي الوظيفة
ً
حرصا على الوظيفة. العامة أم ال ،ومن ثم أبعاد الموظف المههم
وللوقف االحتياطي شروط يجب تو افرها ،ويتمثل في شرطين اثنين :األول :أنه يشترط
ً
ً
جنائيا في سواء كان تحقيقا إدارًيا أو
ً ً
احتياطيا أن يكون هنالك تحقيق معه إليقاف الموظف
مخالفة مالية أو إدارية منسوبة إليه ،فالوقف عن العمل استثناء من القواعد العامة يقتصر
إعماله على ما ورد به النص دون توسع ،فإذا كان وقف الموظف دون أن يوجه إليه اتهام أو أن
ً
تكون اإلدارة لم تتأكد من اسناد املخالفة للموظف عندئذ يكون الوقف باطال ،ألن المشرع
ً ً ً
سليما تطبيقا للحكمة التي من أجلها شرع الوقف ،فإذا كان تقديرا قصد أن يقدر الموقف
ً
احتياطيا (.)608 تقصيرالموظف بواجباته ألسباب قهريه خارجه عن إرادته فال يجوزوقفه
والثاني :أن يتم التوقف االحتياطي إذا اقتضيت مصلحة التحقيق ذلك ،وهذا بصريح
النصوص القانونية السابقة ،فإذا كان الموظف املحال للتحقيق لديه ما يعيق عمل السلطة
ً
تيسيرا إلجراءات املختصة اثناء التحقيق ،جاز لها – السلطة املختص – وقفه عن العمل
التحقيق ومن ثم يجب حصرهدا اإلجراء في نطاق التأديب باعتبارأن ضوابط الوقف االحتياطي
ونطاقه هي مصلحة التأديب (.)609
( )606د .مغاوري شاهين :القرار التأديبي وضماناته ورقابته القضائية بين الفاعلية والضمان ،مكتبة االنجلو المصرية ،القاهرة،
0222ص:120
( )607د .رفعت المصيلحي النجار :مرجع سابق ،ص.11
( )608د .مغاوري شاهين :مرجع سابق ،ص .227
( )609د .عبد العظيم عبد السالم عبد الحميد :تأديب الموظف العام في مصر ،الطبعة الثانية ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
4112ص.130
بالحفاظ على اسرارما أطلع عليه من وثائق أثناء ممارسته الختصاصه (.)613
( )610حكم المحكمة اإلدارية العليا في الطعن رقم ( 32 )0217ق ،جلسة 0221/1/41
( )611د .سليمان الطماوي :قضاء التأديب مرجع سابق ،ص .321
( )612د .محمد خيري المرغني :مبادئ القانون اإلداري العربي ،مطبعة الساحل ،الرباط ،0221 ،ص412
_ د .هاني على الطهراوي :القانون اإلداري ،الطبعة األولى ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،ص ،4110ص.317
( )613د .ماهر عبد الهادي :الشرعية اإلجرائية في التأديب ،دار النهضة العربية ،القاهرة 0221 ،ص.342
أما ما يتعلق باألعمال الوظيفة العامة ،غير الواجبات موضوع الوقف ،فيرى البعض
أنه إذا قام الموظف بممارسهها دون أن تكون هنالك ضرورة ملحة فيعتبرعندئذ عمله مخالفة
ً
احتياطيا تستوجب العقاب التأديبي إال أن البعض يرى بجوار ممارسة الموظف الموقوف
ألعمال أخرى خارج نطاق الوظيفة كاألعمال الخاصة سواء بأجرأو بدون أجرفالعمل لدى الغير
ال يرتب مخالفة ألحكام القانون (.)614
ويقصد بها تأجيل ترقيه الموظف املحال للتحقيق لحين االنههاء من إجراءات التحقيق،
وفي ذلك نصت المادة ( )01من قانون الخدمات المدنية المصري رقم 2190/19على أنه" :ال
يجوز ترقيه الموظف الحال إلى الحاكمة التأديبية أو الجنائية أو الموقوف عن العمل مدة
اإلحالة أو الوقف وفي هذه الحالة تحجز وظيفة للموظف ،وإذا برئ الموظف املحال أو قض ي
بحكم نهائي بمعاقبته باإلنذار أو الخصم من األجر لمدة ال تزيد على عشرة أيام وجب ترقيته
اعتبا ًرا من التاريخ الذي كانت ستتم فيه الترقية لو لم يحل إلى املحاكمة ويمنح أجر الوظيفة
المرقى اليها من هذا التاريخ ،وفي جميع األموال ال يجوز تأخير ترقية الموظف لمدة تزيد على
سنتين" ويستفاد من هذا النص ما يلي:
-9أنه من حيث األصل العام ال يجوزالنظرفي ترقية موظف اثناء مدة الوقف مهما كانت،
أو املحال إلى املحكمة التأديبية أو الجنائية ومهما طالت (.)615
-2يبقي للموظف طيلة مدة الوقف أواملحاكمة التأديبية أوالجنائية مهما بلغت من الزمن
حقه في الوظيفة ،أي أن له األولوية في العودة إلى مكان عمله ً
بناء على نتيجة الوقف أو
املحاكمة.
( )614انظر :د .محمود فؤاد بركات :الوقف االحتياطي ،دراسة مقارنة ،بحث منشور في مجلة العلوم اإلدارية ،س ،42 ،العدد
الثاني ،كانون أول ،0222ص012
_ د .ماهر عبد الهادي :مرجع سابق ،ص .331
( )615الفقر الرابعة من المادة ( )24من الالئحة التنفيذية رقم 4107 /0402بشأن قانون الخدمة المدنية المصري رقم /20
محاال إلى المحكمة التأديبية أو الجنائية أو موقوًفا العمل
ً 4102حيث جاءتها" :ال يجوز النظر في ترقية – 21111إذا كان
وذلك طوال مدة اإلحالة أو الوقف."....
-3يستحق الموظف ترقيته الموقوفة في حالة البراءة مما هو منسوب إليه أو إذا قضت
املحكمة أو الجهة املختصة بحكم نهائي بعقوبة اإلنذار أو الخصم من األجر مدة ال تزيد
على العشرة أيام على أن يبدأ تاريخ الترقية بأثر رجعي من التاريخ األصلي المستحق
للترقية.
-4يستحق الموظف أجر الدرجة الوظيفة الجديدة والمرقي اليها من تاريخ استحقاق
الترقية.
-1ال يجوز أن يتم تأخير تنفيذ ما سبق من حقوق للموظف أكثر من سنتين من تاريخ
استحقاقه.
-0في حال أن تم توقيع عقوبة بالخصم أكثر من عشرة أيام أو بجزاء غير االنذار ،فإنه ال
ً
استنادا لنص يجوز النظر في ترقية الموظف قبل محو الجزاء الموقع عليه ،وذلك
الفقرة األخيرة من المادة ( )21من قانون الخدمة المدنية المصري 2190/19والتي جاء
فيها ....." :وباستثناء جزائي االنذاروالخصم من األجرمدة ال تزيد على عشرة أيام ال يجوز
ترقية الموظف قبل محو العقوبة الموقعة عليه"(.)616
ً
خالفا لما سبق فإن قرار الترقية يعتبر قرا ًرا ً
معيبا ويجوز أما إذا تمت ترقية الموظف
ً
احتياطيا ال يؤثرعلى استحقاق الطعن فيه خالل مدة الطعن ( )01يوما ،كما أن وقف الموظف
ً
محروما منها لسبب آخر ،وتحتسب للموظف مدة الوقف في الموظف للعالوة الدورية مالم يكن
المعاش ،حيث يحسب له على أساس كامل المرتب وليس على أساس الجزء الذي قبضه
الموظف اثناء فترة الوقف (.)617
( )616نصت المادة ( )27من قانون الخدمة المدنية المصري رقم 4102/20على أنه" :تمحى الجزاءات التأديبية التي توقع على
الموظف بانقضاء الفترات التالية:
- 0سنة في حالة اإلنذار والتنبيه والخصم من األجر مده ال تزيد على خمسة أيام.
يوما.
- 4ستنان في حالة اللوم والخصم من األجر مدة تزيد على خمسة أيام وحتى خمسة عشر ً
يوما.
يوما وحتى ثالثين ً
- 3ثالث سنوات في حالة الخصم من األجر مدة تزيد على خمسة عشر ً
اعتبار من
ًا - 2أربع سنوات بالنسبة إلى الجزاءات األخرى عدا جزاءي الفصل واإلحالة إلى المعاش وتحسب فترات المحو
تاريخ توقيع الجزاء."....
( )617عبد الفتاح حسن ،مرجع سابق ،ص.022
أما في فلسطين فقد نصت المادة ( )11من قانون الخدمة المدنية المعدل رقم 2111/4
على أنه -9" :إذا قدمت بحق الموظف شكوى تستوجب اتخاذ إجراءات تأديبية أو جزائية فال
ينظر في ترقية إال بعد صدور القرار النهائي في قضيته -2 .إذا تتقرر عدم اتخاذ إجراءات تأديبية
بحقه أو تمت تبرئته من الههمة الموجهة إليه ينظر في ترقيته من تاريخ استحقاقها" ويتضح من
النص السابق أن المشرع الفلسطيني حدد الحالة التي يجوزفيها تأجيل ترقية الموظف املحال
إلى التحقيق ،وهي حالة وجود شكوى ضد الموظف تستوجب اتخاذ اإلجراءات التأديبية أو
الجزائية.
ولما سبق يتبين أن الفرق بين المشرعين المصري والفلسطيني ،أن المشرع المصري لم
يرتب على اإلحالة للتحقيق وقف ترقية الموظف طالما أنه لم ُي َحل إلى املحاكمة التأديبية أو
ً
الجزائية ،أو أن يصدر بحقه قرار بوقفه عن العمل وفقا لنص المادة ( )01من قانون الخدمة
المدنية المصري ،فالمشرع المصري وضع ضوابط على تأجيل الترقية ،أما المشرع
الفلسطيني فقد أوجب على السلطة اإلدارية إن اتخذت أي إجراء تأديبي بحق الموظف تأجيل
النظرفي ترقيته حتى صدور القرارالنهائي في القضية وبالتالي فإنه وبمجرد اتخاذ أي إجراء تأديبي
بحق الموظف يتوجب على اإلدارة تأجيل ترقيته.
كما أن المشرع الفلسطيني لم يفرق بين العقوبات البسيطة والعقوبات األكثرشده ،كما
فعل المشرع المصري ،مما يجعل النصوص الناظمة للوقف االحتياطي في التشريع الفلسطيني
ً
مثار شك فهي بهذا الحال ال تنظر إلى مصلحة الموظف اطالقا و انما تعمل فقط على تغليب
منطق الفاعلية اإلدارية فقط.
الفرع الثالث:
ً
احتياطيا األثرالمتعلق براتب الموظف الموقوف
أشارت المادة ( )03من قانون الخدمة المدنية المصري رقم 2190/19إلى أن وقف
ا لموظف احتياطيا عن العمل يترتب عليه آثار متعلقة بالمرتب الذي يتقاضاه الموظف ،حيث
يتم صرف نصف األجرفقط طيلة مدة الوقف ،أما الجزء المتبقي فيتم تحديد مصيره من قبل
املحكمة التأديبية ،فالمشرع المصري يعتبر المرتب المصدر الرئيس للموظف إذا لم يكن
الوحيد الذي يعول اسرته ،وبالتالي نظرإلى ظروف الموظف الموقوف فقررصرف نصف األجر،
وألهمية هذا دعا البعض إلى القول إن يتم تخويل السلطة اإلدارية صالحية البت في أمر أجر
ً
احتياطيا ،وأن ال يتم الوقف بقوة القانون(.)618 الموظف الموقوف
-9تقرر املحكمة التأديبية ما يتعلق بالنصف اآلخر من المرتب ،وذلك بعد أن
ً
احتياطيا، يعرض عليها األمر خالل عشرة أيام من تاريخ وقف الموظف
وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقرير صرف نصف المرتب أو كله وإذا لم
ً
يعرض األمر عليها خالل العشرة أيام من تاريخ الوقف يصرف المرتب كامال
بحكم القانون ،وسلطة املحكمة واسعة وخاضعة لرقابة القضاء حيث اكدت
املحكمة اإلدارية على ذلك بقولها( ...." :)619واملحكمة التأديبية في هذا الصدد
تصدر قراراتها بصرف نصف المرتب الموقوف صرفه ،ولئن كانت سلطة
املحكمة التأديبية في هذا الشأن سلطة تقديرية أخرى – تخضع لضوابط
تتصل بالصالح العام لظروف العامل المالية ومركزه الوظيفي ومدى جدية أو
خطورة االتهام الذي ينسب إليه".
و انتقد موقف المشرع المصري من تقريروقف صرف نصف الراتب بمجرد صدوروقف
الموظف احتيا ً
طيا عن العمل ،فالهدف األساس ي من وقف الموظف هو إبعاده بصفة مؤقتة
عن الممارسة الفعلية ألعمال وظيفته ،ومن ثم ال يوجد مبرر لتقرير أكثر من ذلك بحرمانه من
ً ً
فقها وقضاء أنه ال يعد ً
تأديبيا بل هو جزاء نصف الراتب ،كما أن الوقف االحتياطي متفق عليه
مجرد إجراء تحفظي فقط (.)620
كما أن قصر مدة العشرة أيام المتاحة للمحكمة التأديبية حتى تبدي رأيها فيما يتعلق
بالنصف اآلخر من المرتب ،هي محل انتقاد إذ إن اإلدارة لن تستطيع عرض قرار الوقف عن
العمل على املحكمة بدون أن تستمد أسبابها من التحقيق وقد يستغرق هذا التحقيق وقتا أطول
من العشرة أيام وهنا يعارض منطق الفاعلية مع منطق الضمان ،فالوقف المؤقت إذا لم
يعرض األمر على املحكمة خالل العشرة أيام سينتهي بإجازة إجبارية بمرتب كامل على خالف
القاعدة األصولية األجرمقابل العمل (.)621
-9أنه يجب على املحكمة التأديبية املختصة أن تصدر قرارها فيما قدم لها خالل عشرين
ً
يوما ،فإذا انقضت المدة دون أن تبت ،يصرف للموظف الموقوف راتبه كامال.
-2إذا كانت نتيجة الوقف االحتياطي أن ُب ّ ِرئ الموظف أو رأت جهة التحقيق حفظ األوراق
عندئذ يصرف للموظف ما كان قد أوقف صرفه من أجره.
-3إذا عوقب الموظف بعقوبة اإلنذار أو الخصم من األجر لمدة ال تزيد على خمسة أيام
ً
احتياطيا ما كان قد أوقف صرفه من الراتب. يصرف للموظف الموقوف
-4إذا تمت معاقبة الموظف بعقوبة اشد من العقوبة في الفقرة اعاله ،تقرر السلطة
املختصة التي أو قعت الجزاء األشد ما يتعلق بشأن الراتب الموقوف صرفه.
ً
احتياطيا بعقوبة الفصل من الخدمة ،يتم وقف خدمته من -1إذا انتهي وقف الموظف
ً
احتياطيا. ً
احتياطيا كما ال يسترد منه ما كان قد صرف من لحظة توقيفه تاريخ وقفه
ً
وأخيرا يجدرالتنويه إلى أن المشرع لم يمنح املحاكم التأديبية االختصاص بالنظرفي تقدير
التعويضات الناشئة عن األضرارالناشئة عن املخالفات التأديبية ،فهي محاكم لتوقع العقوبة
التأديبية فقط ،فإذا خرجت املحكمة التأديبية عن هذا األمر وقضت بإلزام الموظف بدفع
مبالغ كتعويض اعتبر حكمها ال حجيه له ،ولإلدارة أن تسلك الطريق القانون للحصول على
حقوقها المالية (.)622
وبالرغم من ذلك ارست املحكمة العليا (الدستورية) مبدأ ً
هاما خولت فيه املحاكم
ً
وتعويضا جاء فيه ( .." :)623ومن حيث إن المشرع التأديبية النظرفي كافة السائل التأديبية ً
عقابا
ً ً
تنظيما وتفصيال لما قررته المادة ( )912من الدستورفي صفه عامة مطلقة، أورد هذه النصوص
حيث تنص على أن ،مجلس الدولة مختص بالفصل في المنازعات اإلدارية وفي الدعاوى
( )621د .سليمان الطماوي :قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص .321
( )622د .عمرو فؤاد بركات :السلطة التأديبية ،مرجع سابق ،ص .447
( )623حكم المحكمة العليا (الدستورية) رقم (4 )2ق (تنازع) تاريخ ،0274/00/2مشار إليه لدى د .فهي عزت سلطة التأديبية
بين اإلدارة والقضاء ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراة ،كلية الحقوق ،جامعة عين شمس 0221 ،ص.471
التأديبية ...الخ ،مما يدل على أن المشرع قد خلع على الحاكم التأديبية الوالية العامة للفصل
في تأديب العاملين ،ومنهم العاملون بالقطاع العام – ومن ثم فإن واليهها هذه تتناول الدعوى
التأديبية المبتدأة ،أي التي تختص فيها املحكمة يتوقع جزاء تأديبي ،كما تتناول الطعن في أي
جزاء تأديبي على النحو الذي فصلته نصوص قانون مجلس الدولة المتقدم ذكرها واختصاص
املحاكم التأديبية بالفصل في هذا الطعن ال يقتصر على طلب الغاء الجزاء المطعون فيه ،بل
يشمل كذلك طلب التعويض عن األضرارالمترتبة عليه إذ يستند كال الطلبين إلى أساس واحد،
هو عدم مشروعيه القرارالمطعون فيه كما يشمل غيرذلك من الطلبات المرتبطة بالطعن."....
وتأثرت املحكمة اإلدارية العليا بهذا الحكم وأصدرت عدة أحكام أجازت فيها اختصاص
املحاكم التأديبية بنظرطلبات التعويض ،ومنها ما قضت به بالقول( ...( :)624قضاء هذه املحكمة
استقرفي ضوء حكم املحكمة العليا في الطعن رقم 1لسنة 9112على أنه في ضوء المادة ()912
من الدستور وبصدور القانون رقم ( )41لسنة 9112بشأن مجلس الدولة فإن المشرع قد خلع
على املحاكم التأديبية الوالية العامة للفصل في مسائل تأديب العاملين ومنهم العاملون بالقطاع
العام ،ومن ثم فإن واليهها تتناول الدعوى المبتدأة التي تختص فيها املحكمة بتوقيع جزاء
تأديبي ...وأن اختصاص املحكمة التأديبية بالفصل في هذا الطعن ال يقتصر على الطعن بإلغاء
الجزاء وهو الطعن المباشر ،بل يتناول طلبات التعويض عن األضرارالمترتبة على الجزاء ،فهي
طعون غير مباشرة ،وكذلك غيرها من الطلبات المرتبطة به ذلك أن كال الطعنين يستند إلى
أساس قانوني واحد يربط بينهما ،وهو عدم مشروعية القرارالصادربالجزاء."...
ويرى جانب من الفقه ( )625أنه من المناسب إعطاء املحكمة التأديبية هذا االختصاص
ما دامت تنظر في الخطأ التأديبي ،حتى تصفي المنازعة مرة واحدة أمام جهة قضائية واحدة،
ً ً
تدعيما الستقرار الموظف وانهاء للنزاع في فترة وجيزة باعتبار أن المسئولية المدنية أكثر دخوال
في عمل القضاء بها في عمل التأديبية.
ويرى جانب آخر ( )626أن ما قضت به املحكمة العليا (الدستورية) غيركاف لمنح املحكمة
التأديبية أحكام نظر التعويضات المدنية ،فالحكم الدستوري جاء بخصوص ما للموظف من
التعويض المستحق عن األضرارالتي سببها له القرارالتأديبي غيرالمشروع ،ولم يشرالحكم إلى
املجاالت األخرى كمطالبة اإلدارة واألفراد الذين قد يتضررون من املخالفة التأديبية التي تثبت
في حق الموظف ،كما أنه ال يجوزمنح أي جهة أية اختصاصات إال بموجب نص صريح.
أما في فلسطين ،فقد أخذ المشرع منحى آخر ومختلف عن المشرع المصري ،حيث
أشارت المادة ( )14من قانون الخدمة المدنية سالفة الذكر إلى صرف المرتب كامال للموظف
الموقوف احتياطيا طيلة فترة وقفه ،وهذا ما أكدت عليه محكمة العدل العليا الفلسطينية
بقولها( ..." :)627إذا أجازت المادة ( )13من قانون الخدمة المدنية رقم 9111/4لرئيس الدائرة
الحكومية التي يتبعها الموظف عند إحالته للتحقيق وقفه عن العمل أو نقله إلى وظيفه أخرى
ً
في نفس الدائرة بصفة مؤقتة وفيما ينتهي التحقيق إلى أنه ال يجوز وفقا لنص المادة ( )13من
ذات القانون وقف راتب الموظف الموقوف عن العمل وبالتالي فمن باب أولى عدم وقف راتب
الموظف املحال للتحقيق وغير الموقوف عن العمل وبالتالي كان قرار الجهة المستدعى ضدها
ً
احتياطيا و اقعا في غير محله وجديرا بوقف راتب المستدعي املحال للتحقيق وغير الموقوف
باإللغاء".
الخاتمة:
بعد أن انههينا من تناول موضوع الوقف االحتياطي للموظف العام عن العمل في
ً
التشريع الفلسطيني لغايات التحقيق وفقا لقانون الخدمة المدنية رقم 9111/4المعدل
ً
بالقانون رقم ،2111/4ومقارنته بالتشريع المصري وفقا لقانون الخدمة المدنية رقم
،2190/19توصلنا في نهاية الدراسة الى مجموعة من النتائج والتوصيات من أهمها ما يلي:
ً
أوال :النتائج:
( )626د .محمود أبو السعود :نظرية التأديب في الوظيفة العامة ،كلية الحقوق ،جامعة عين شمس ،االيمان للطباعة ،بدون تاريخ،
ص.022
( )627قرار محكمة العدل العليا الفلسطينية رقم ( )12قضية رقم 4110/02المقتفي.
– 9يعتبر الوقف االحتياطي عن العمل لغايات التحقيق ،إبعاد الموظف املحال الى
الحقيق عن القيام بمهام الوظيفة ،متى اعتبرذلك الوقف في مصلحة التحقيق.
ً – 2يعتبر الوقف االحتياطي إجراء احترازي وليس ً
جزاء تأديبيا ،وال يترتب عليه االنقطاع
عن الوظيفة ،حتى لو أثرعلى الحقوق المالية له.
– 3أوجب المشرع الفلسطيني على اإلدارة تأجيل ترقية الموظف في حال اتخاذ أي إجراء
تأديبي بحقه.
– 4لم يفرق المشرع الفلسطيني بين العقوبات البسيطة واألكثر شدة كما فعل المشرع
المصري ،مما يجعل النصوص الناظمة للوقف ال تنظرلمصلحة الموظف بل تعمل على تغليب
منطق الفاعلية اإلدارية.
– 1لم يحدد المشرع الفلسطيني مدة الوقف االحتياطي عن العمل على العكس من
المشرع المصري الذي حدد مدة الثالث أشهر.
ً
– 0أوص ى المشرع الفلسطيني بصرف راتب كامل للموظف الموقوف احتياطيا عن
العمل بعكس المشرع المصري الذي قررصرف نصف المرتب طيلة مدة الوقف.
ً
ثانيا :التوصيات:
– 9توص ي الدراسة بضرورة بتحديد مدة زمنية للوقف االحتياطي عن العمل للموظف
العام.
– 2توص ي الدراسة المشرع الفلسطيني بعدم النص على وقف الترقية في حال اتخاذ أي
اجراء تأديبي لما في ذلك ظلم واضح للموظف.
قائمة المصادروالمراجع
د .احمد سالمة بدر :التحقيق اإلداري واملحاكمة التأديبية ،دارالنهضة العربية ،القاهرة،
.2114
د .السيد محمد إبراهيم ،شرح نظام العامليين المدنيين بالدولة ،بدون طبعة ،دار
المعارف.9100 ،
د .ثروت محمد عوض :التحقيق اإلداري ودور النيابة اإلدارية فيه ،رسالة دكتوراة ،كلية
الحقوق ،جامعة عين شمس.9114 ،
د .رفعت المصيلحي نجار :ايقاف العاملين المدنيين بالدولة ،رسالة دكتوراه ،كلية
الحقوق ،جامعة القاهرة.9119 ،
د .رمضان بطيخ :الوسيط في القانون اإلداري ،دارالنهضة العربية ،القاهرة.9111 ،
د .سليمان الطماوي :القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،الكتاب الثالث ،دارالفكرالعربي،
القاهرة.2194 ،
د .عبد العظيم عبد السالم عبد الحميد :تأديب الموظف العام في مصر ،الطبعة
الثانية ،دار النهضة العربية ،القاهرة.2114 ،
د .عبد العزيز عبد المنعم خليفة :الشرعية اإلجرائية في التأديب الرئاس ي والقضائي
للموظف العام ،د.ن ،ط.2110 ،9
د .عصمت عبد الله الشيخ :اإلحالة إلى التحقيق في النظام التأديبي الوظيفي ،دارالنهضة
العربية ،القاهرة.
د .عمرو فؤاد بركات :الوقف االحتياطي :دراسة مقارنة ،بحث منشور في مجلة العلوم
اإلدارية ،س ،20ع .9114 ،2
د .فهي عزت سلطة التأديبية بين اإلدارة والقضاء ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراة ،كلية
الحقوق ،جامعة عين شمس.9111 ،
د .ماهرعبد الهادي :الشرعية اإلجرائية في التأديب ،دارالنهضة العربية ،القاهرة.9111 ،
د .محمد احمد عبد الرحمن :اإلجراءات االحتياطية للتأديب في الوظيفة العامة ،رسالة
دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة عين شمس.9111 ،
د .محمد جودت الملط :المسؤولية التأديبية للموظف العام ،رسالة دكتوراة ،كلية
الحقوق ،جامعة القاهرة.9101 ،
د .محمد خيري المرغني :مبادئ القانون اإلداري العربي ،مطبعة الساحل ،الرباط،
.9111
د .محمود أبو السعود :نظرية التأديب في الوظيفة العامة ،كلية الحقوق ،جامعة عين
شمس ،االيمان للطباعة ،بدون تاريخ.
د .محمود فؤاد بركات :الوقف االحتياطي ،دراسة مقارنة ،بحث منشور في مجلة العلوم
اإلدارية ،س ،20 ،العدد الثاني ،كانون أول .9114
د .مغاوري شاهين :القرار التأديبي وضماناته ورقابته القضائية بين الفاعلية والضمان،
مكتبة االنجلو المصرية ،القاهرة.9110 ،
د .مفتاح خليفة عبد الحميد :الوقف االحتياطي ،دراسة مقارنة ،بحث منشور في املجلة
الليبية العالمية ،جامع بنغازي ،كلية التربية بالمرج ،العدد .2190 1
د .نواف كنعان :النظام التأديبي في الوظيفة العامة ،مكتبة الجامعة ،الشارقة.2111 ،
د .هاني على الطهراوي :القانون اإلداري ،الطبعة األولى ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
عمان ،ص .2119
المستشارمحمد أحمد رشوان :أصول القانون التأديبي ،مطبعة مصر ،القاهرة.9101 ،
تــوطئـــــة:
ُ َْ
يخول التجريح ألطراف النزاع ِتبيان ما من شأنه أن ي ِخ َّل بنزاهة ،استقاللية ِ
وحياد
َْ ُ ّ
القاض ي أو امل َح ِكم ،باإلضافة إلى إبراز األسباب التي تن َج ِلي بموجبها مصداقية الشاهد
وع ِية الرأي التقني للخبير .ضمنت المواثيق الدولية 628منذ نهاية النصف األول من ََ ُ
وموض ِ
القرن الماض ي زمرة من النقاط ،وصفت آنذاك بشروط املحاكمة العادلة ،والتي أغناها الفقه
بالعديد من المقترحات ،حيث يعتبرالتجريح أحد أبرزها .ذلك أن إنكارهذا الحق على األطراف
يفتح الباب على مصراعيه للشطط في استعمال السلطة وتصفية الحسابات ،خصوصا إذا كان
ُ َ
ألحد أطراف النزاع عداوة ،صداقة سواء مع أحد أعضاء هيئة الحكم أو مع أولئك الذين ُيدلون
بدلوهم في املحاكمة لتنويرالعدالة من شهود أو خبراء .ومن هذا المنطلق ،حرصت التشريعات
الدولية في جل األنظمة القانونية ،على تخصيص مقتضيات ومساطر خاصة للتجريح في
ُ ْ ً
ض ِف َّية عليها طابق النظام العام ،ومقترنة عدم احترامها بجزاءات مختلفة.القوانين المسطرية م
وذلك إيمانا منها بضرورة منح هذا الحق ألطراف النزاع حتى يتسنى تأسيس املحاكمة على ركائز
سليمة تخلو من أية نوايا سلبية ،رغبة في االنتقام كانت أو تفعيل ألطماع مبنية على مصالح
مباشرة في النزاع.
وار ُح في ما يصطاد من الطير وحيوانات برية لقوله تعالى في سورة المائدة (اآلية َ
مشاعره ،والج ِ
َْ َ ُ ْ ُ َّ َ ُ ُ َّ ّ َ ُ َ َ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ َ ّ َ
اس ُب ُه ْم ،والجارحةك
ِِ ِه ل هأ والجارح ". ين " :)4قل أ ِحل لكم الط ِيبات وما علمتم ِمن الجو ِار ِح مك ِل ِب
َ
الر ْجل واألصابع .وت ْج ِرْي ُح الش يء يعني من جهة من أعضاء جسد اإلنسان هو العضو العامل َك ّ
ِ
ُ ُ َ
يد ك ْس َب ُه لقوله تعالى في سورة األنعام (اآلية ُ " :)01ه َو وبه ،ومن جهة أخرى ،ي ِف َ ُُ َْ َ َ
ِتبي ِان مس ِاو ِئه وعي ِ
الن َه ِار" .وفي علم الحديث ،املجرح هو الحكم على راوي الل ْيل َو َي ْع َل ُم َما َج َر ْح ُت ْم ب َّ
َّ َ َ َ َّ ُ ْ َّ
ِ ال ِذي يتوفاكم ِب ِ
ُ
حديث وتبيان درجة صدقهُ .وي َع ّ ِرف ابن األثير تجريح الشاهد في " جامع األصول في أحاديث
أما من الناحية القانونية ،فقد عرف الدكتورعزمي عبد الفتاح التجريح على أنه "تنظيم
بمقتضاه يستطيع المتقاض ي أن يستبعد قاضيا أو أكثر من تشكيل املحكمة ،إذا كان من
الممكن أن يفقد هذا القاض ي حياده ." 630أما الفقيه اندريه بوني ( ،)Andre Panilleفقد عرف
التجريح على أنه "هو ذلك اإلجراء الذي بواسطته يقوم أحد المتقاضين بإبعاد قاض ي أو أكثر
بمقتضيات خاصة ضمنها في الباب الخامس من قانون المسطرة المدنية .وتحديدا من الفصل
211إلى الفصل ،211بالنسبة لتجريح القضاة ،مع التمييز بين تجريحهم من جهة ومخاصمههم
وترتيب مسؤوليههم من جهة أخرى ،بمناسبة ارتكابهم ألخطاء أثناء مزاولههم لمهامهم .كما َحر َ
ص ِ
المشرع المغربي ،وتماشيا مع روح تعاليم الدين اإلسالمي ،وما دأبت عليه التوجهات الفقهية في
هذا الباب ،على تمكين أطراف النزاع من تجريح الشاهد وذلك بغية إبراز ما من شأنه أن ُي ِخ َّل
َ
بصدقه ،السيما إذا كانت هذه الشهادة حاسمة في الدعوى ولها أثربالغ على ت َو ُّج ِه املحكمة التي
قد تحكم بحقوق لطرف على حساب آخر ،مرتكزة على شهادة زائفة ورائها تحقيق مصلحة
و إيمانا من المشرع المغربي بضرورة توسيع مجال تطبيق مسطرة التجريح لتشمل كل
المتدخلين في النزاعات المعروضة أمام املحاكم ،سواء كانوا ينتمون لسلك القضاء أو أولئك
ص ُبو َن ل َلب ّت في النازعات ،في إطار ما أضحى يعرف بالوسائل البديلة ل َف ّ
ض النزاعات ،فقد الم َن َّ
ُ
ِ ِ ِ ِ
عمل المشرع المغربي على اغناء الترسانة القانونية المسطرية بمقتضيات تكفل لألطراف حق
تجريح املحكمين وهيئات التحكيم .ومن هذا المنطلق ،نص الفصل 323من قانون المسطرة
المدنية على عدة أسباب لتجريح املحكم تجد علهها إما في عداوة أو قرابة مع أحد األطراف أو
مصلحة شخصية للمحكم في النزاع .كما َحر َ
ص المشرع المغربي من جهة أخرى ،ونظرا لما لرأي ِ
الخبير من أثر على توجه املحكمة ،على منح أطراف النزاع حق تجريحه حتى يتسنى لهم رصد
َ
و إبراز ما من شأنه أن يضع حياده واستقالليته موضوع شك .ول َع َّل اعتماد املحكمة في بعض
القضايا على الخبرة بطريقة حصرية ،السيما في غياب وسائل إثبات دامغة ،وفي نزاعات تتسم
بطابعها التقني املحض ،يجعل آلية التجريح ضرورية لضمان تحقيق العدالة ودرئ أي شطط
أو تعسف.
صعوبة في الوقوف على المراجع من أمهات الكتب التي تعرضت بالشرح والتفصيل إلشكاالت
دقيقة ،كتلك المتعلقة بالتجريح ،ومن جهة أخرى ،لكون أن الغالبية العظمى من األبحاث
القانونية اهتمت بقوانين الموضوع لما لها من وقع و اثرمباشرين على طبيعة األحكام الفاصلة
في النزاعات على حساب القواعد المسطرية .حيث ينظرإليها ،أي القواعد المسطرية ،من زاوية
القواعد المؤطرة للنزاع دونما أي تأثير على مآل طلبات األطراف ودفوعاتهم باستثناء تلك
لم يكن مفهوم التجريح متداوال في التشريعات التي سبقت اإلسالم ،أوعلى األقل بالمنوال
الذي أشار إليه النص القرآني حينما استبعد شهادة الذين ال يرض ى المسلمون دينهم لقوله
ُّ َ َ َ َ
تعالي في سورة البقرة ( اآلية ِ " :)212م َّم ْن ت ْرض ْون ِم َن الش َهداء" .في مقابل ذلك ،كانت إمكانية
استبعاد شاهد أو قاض لدى بعض األنظمة القانونية التي سبقت اإلسالم ،إذا صح التعبير،
َُ
تف َّع ُل وفق ما يمليه ضمير الحاكم أو الهيئة القضائية إذا ما وجدت .وبناء على ذلك ،فإن
َ
التشريع اإلسالمي والفقه الحقا ،كانا َس َّباق ِان إلى تأطير هذه المسطرة ُم َح ِّد َد ِان ضوابطها
وشروط تفعيلها .حيث لم يرد في القانون الروماني أي نص تشريعي أو ممارسة قضائية تفيد
تأطيرهذه المسطرة ال من ناحية تجريح القضاة أو الشهود .لكن القوانين الوضعية األوروبية
التي تلت في القرون الوسطى نصت صراحة على هذا الحق .632
َ
َوض َع الفقه اإلسالمي مجموعة من المبادئ التي تؤطرسلوك القاض ي على نحو تبعد عنه
الشبهة وال تضع حياده محطة شك .ومن بين أهم هذه المبادئ ،مبدأ المساواة بين األطراف في
مجلس القضاء وفي الجلسات العلنية .حيث ُي َع ُّد لزاما على القاض ي تمتيع األطراف بنفس القدر
632
. BORIS Bernadé , " La récusation des juges, Etude médiévale et contemporaine ", 4006
من العناية بطريقة ال تجعل أحدهما يحض ى بامتيازات خاصة على حساب األخر ،كجلوس
ُ
أحدهما وترك اآلخر و اقفا ،أو ُدن ّ ِو أحدهما من الهيئة القضائية َو ُب ْع ِد اآلخر عنها .ومن جهة
َ
أخرىُ ،ي ْعنى هذا المبدأ بتحديد طبيعة السلوك الذي يجب على القاض ي أو الهيئة القضائية أن
تتبناه اتجاه أطراف النزاع .حيث ال ينبغي للقاض ي على سبيل المثال أن يتحاوربلباقة مع طرف،
فيما يعمل على إظهار وجه سلطوي اتجاه األخر أو أن ينظر إليه بازدراء .ومما ال شك فيه بأن
َ
إحاطة الفقه اإلسالمي لعالقة القاض ي بالمتقاضين بزمرة من الضمانات ،لم يكن َو ِليدة
الصدفة ،بل دعته الضرورة االجتماعية للحد من التحاقن بين األفراد والجماعات المبني على
الحقد ،الحسد والتسلط .هذا األخير ،قد يجد مكانه للطفوفي انعدام القواعد المؤطرة لسلوك
القاض ي والكفيلة بضمان حياده واستقالله ،السيما و أنه هو الضامن لحقوق األطراف.
في الغرب ،وتحديدا في فرنسا ،يعد قانون " ابار تيسيمي" ( )Loi Aperticimiمن بين أول
التشريعات التي تطرقت صراحة إلى إمكانية تجريح القاض ي ُم َح ِّد َدا " الشك في حياد القاض ي"
َك َ
سب ٍب فريد لممارسة هذا الحق .633لم يحض التجريح في ظل هذا القانون بأي امتياز خاص،
عن طريق تضمينه مثال في مساطر خاصة ،كما هو الحال في جل التشريعات المعاصرةَ ،ب ْل كان
ً
يثار كدفع شكلي .الش يء الذي لم يكن معه الحق للمدعي أن يثير هذا الدفع الذي كان حكرا
في بداية القرون الوسطى ،كان جزء مهم من التشريع في أوروبا حكرا على ملوك الدول
على حساب المؤسسات البرلمانية التي لم تمتلك بعد السلطات الكافية لتدلوا بدلوها في كل
المواد المؤطرة لعمل مؤسسات الدولة ،بما في ذلك المؤسسة القضائية .حيث كان لملوك
هذه الدول صالحيات موسعة تخول لهم َس َّن قوانين ملزمة ،في مواد شتى ،دونما المرور عبر
633
. BORIS Bernadé , " La récusation des juges, Etude médiévale et contemporaine ", 4006
المؤسسة التشريعية .لم تكن هذه القوانين تقتصر فقط على الجوانب التنظيمية لشؤون
الدولة ،بل امتدت إلى نطاق أوسع متضمنة لقواعد تؤطراملحاكمات ( قواعد مسطرية) ،وأخرى
تفصل في النزاعات (قواعد الموضوع) .وفي غياب نصوص صريحة وواضحة تؤطرالتجريح ،كان
املحامون في الدول األوروبية يلتجئون للفقه الستخالص الوسائل الكفيلة بتأسيس دفوعاتهم
المتعلقة بالتجريح . 634ففي فرنسا مثال ،عمل الملوك الذين تعاقبوا على حكم البالد منذ
القرن الخامس عشر َوإلى أواخرالقرن السابع عشر ،على تضمين هذه الوسائل المستوحاة من
ْ
الفقه ،في المراسيم الملكية التي ُع ِن َيت بالتجريح دونما وضع تعريف دقيق لهذا المبدأ أوتحديد
نطاق تطبيقه.635
بدأت في نهاية القرن السابع عشر في فرنسا شرارات التحاقن بين القضاة والمؤسسة
الملكية .فالملك لويس الرابع عشر كان في حاجة إلى قضاة يأتمرون بأوامره لتوحيد البالد .في
حين أن معظمهم كانوا متأثرين بفكر" گيوم ديران" ) ( Guillaume Durandالمؤسس لمفهوم
القاض ي الجيد .636وفي هذا السياق التاريخي ،جاء المرسوم الملكي لسنة 9001ليحدد أسباب
التجريح حفاظا على شرف القضاة من أي محاولة للنيل من سمعههم عبرأية ممارسات تعسفية
لحق التجريح .لكنه في نفس الوقت جاء مبهما بمنحه أطراف النزاع إمكانية تجريح القضاة
َ ُ َ
حيثما تبتث " سوء نيههم في التعامل مع القضية" .ول َع َّل الغموض الذي َيكت ِنف هذه عبارة،
والذي يفتح الباب على مصراعيه لتجريح القضاة بدون أي سبب موضوعي ،لدال على جو
التحاقن وعدم الثقة الذي شاب عالقة القضاة بالملك لويس الرابع عشر في فرنسا .هذه
العالقة المتوثرة ،ثم توظيفها الحقا واستثمارها سياسيا من طرف رواد الثورة الفرنسية ،في
634
. BORIS Bernadé , " La récusation des juges, Etude médiévale et contemporaine ", 4006
635
. BORIS Bernadé , " La récusation des juges, étude médiévale et contemporaine ", 4006
636ترجمددددة لمفهددددوم " ،" Le Bon Jugeوالددددذي بموجبدددده علددددى القاضددددي أن يسددددعى إلددددى تحقيددددق اإلنصدددداف فددددي أحكامدددده بعيدددددا
عن أي تأثير سياسي ،اجتماعي أو شخصي
محاولة لكسب المؤسسة القضائية عن طريق تحديد أسباب التجريح بطريقة حصرية حتى ال
الس َ
اس ِة لتخدم مصالح قصرفيرساي 637على حساب تكون هذه المسطرة موضوع توظيف من َّ
مصالح المتقاضين .وعلى الرغم من أن هذا المبدأ بدأ يطفو في التشريعات األوروبية بطريقة
جلية منذ بداية القرون الوسطى ،إال أن جل التشريعات الوضعية المعاصرة ،الغربية منها أو
َْ َ
العربية على حد سواء ،لم تخصص له سوى مقتضيات ُمقتض َبة ،دونما التوسع في نطاق تفعيله
أو المقاصد المتوخاة من ورائه .هذا الوضع خلق نوعا من اللبس والخلط بين التجريح وبعض
المفاهيم املجاورة كمخاصمة القضاة وتحميلهم المسؤولية بمناسبة ارتكابهم ألخطاء أثناء
مزاولة مهامهم.
يكتس ي التجريح أهمية بالغة ال من الناحية العلمية أو العملية .فمن الناحية العلمية،
تفتقرالخزانة القانونية المغربية ِلعدد كاف من المراجع التي تطرقت لهذه المسطرة موضحة
ماهيهها ،شروط تطبيقها عن طريق قراءة نقدية للنصوص ومقارنهها بنظيرتها في األنظمة
على وثيرة تفعيل هذه المساطر التي تثير تحفظ المتقاضين إيمانا منهم بعدم نجاعهها .أما من
الناحية المهنية ،فمهنيو المنازعات القضائية في حاجة ألبحاث ومراجع تساعدهم على تعزيز
دفوعاتهم بالنظريات الفقهية والتحليالت القانونية الكفيلة ِب ِت َبيان روح النصوص ،أهدافها
يعتمد هذا البحث على النهج المقارن إلبراز طبيعة القواعد المعمول بها في كل من
القانون الفرنس ي والمصري ،وبسط سبل تعزيز القانون المسطري المغربي ،وتحديدا
المقتضيات المتعلقة بالتجريح ،لكي تواكب التطورات الحاصلة في األنظمة القانونية األخرى.
استعملت المقارنة ،في العلوم اإلنسانية ،كطريقة من الطرائق إلبراز أوجه التشابه
وال تباين بين مسألتين أو عدة مسائل نظرية أو مادية ملموسة .والغاية من وضع اليد على مكامن
االختالف والتطابق هو إغناء الحقل المعرفي موضوع هذه المقارنة ،بناء على الخالصات
واالستنتاجات التي َي ْخ ُل ُ
ص إليها الباحث.
استعملت العلوم اإلنسانية ،بداية في علم االجتماع ،المقارنة كمنهاج مستقل له
ضوابطه وأهدافه ِل ُي َع ِّم َم بعد ذلك على العديد من فروع العلوم اإلنسانية بما في ذلك القانون،
حيث أصبح هذا المنهاج فرعا مستقال يعرف في العلوم القانونية بالقانون المقارن له أساليبه
َ َ
ومناهجه .ت ْعت ِم ُد الدراسات المقارنة على مجموعة من الطرائق التي تتميزعن بعضها البعض
بزمرة من الخصائص .لكنها تنحصر في أربعة وهي "المقابلة"" ،المقارنة"" .المضاهاة" و"
الموازنة المنهجية".
ُ َ ُ
عرف أيضا "بالمقارنة المنهجية" .هي طريقة من طرائق " فالموازنة المنهجية" ،والتي ت
المقارنة في العلوم القانونية والتي تسعى إلى تحديد القانون المثالي بعد استحضارالعوامل التي
َ ُ ُ
أثرت في َس ِ ّن كل قانون على حدة .أما "المضاهاة" ( ،)Confrontationفهي ت ْه ِدف في ك ْن ِه َها إلى
إبراز التباين بين نظامين أو عدة أنظمة قانونية في عدد كبير من المواد .لكن استعمالها في
المقارنة بين نصوص ومقتضيات قليلة بين نظامين قانونيين يبقى صحيحا من الناحية العلمية،
دون أن تكون هذه الطريقة هي األكثرنجاعة .أما المقارنة ( ،)Rapprochementفهي تهدف إلى
تحديد مدى قرب أو تباعد القوانين محل المقارنة .أي بعبارة أخرى فإن الباحث يسعى،
بواسطة هذه الطريقة ،إلى إبراز الهوة الفاصلة بين العناصرواألركان المؤسسة لكل قاعدة على
َ
ِحد ٍة .لكن هذه الطريقة قد تفقد نجاعهها إذا ما طبقت على قوانين تنتمي إلى أنظمة قانونية
متباعدة .ذلك أن اعتماد النظامين القانونيين اللذان تنتمي إليهما القوانين موضوع المقارنة،
َّ
على فلسفات تختلف اختالفا جوهريا ال من ناحية الركائز واألهداف ،يجعل هذه الن ْو ِعية من
في حين تبقى المقابلة ،أو ما يعرف عند بعض الفقهاء "باملجانبة" ( ،)Juxtapositionهي
الطريقة األكثر انتشارا بين الباحثين المهتمين بمقارنة نصوص قانونية تنتمي إلى نفس النظام
َ ْ ْ
القانوني .حيث يضع الباحث النصوص َجن ًبا إلى َجن ٍب حتى َيت َس َّنى له معرفة مكامن التشابه
ََ ْ ُ َ
واالختالف .لكن هذه المقارنة ال ت ْعنى فقط ِب ِمنوال صياغة المقتضيات وأركانها ،بل تت َع َّدى
ذلك إلبراز أثارها على حقوق أطراف النزاع ومدى تحقيقها ألهداف المشرع .ولعل أبرز
االنتقادات الموجهة لهذه الطريقة كونها توجه الباحث نحو تمحيص المعارف القانونية حول
القوانين موضوع المقارنة ،دونما أن تؤدي به إلى حل مشكلة عملية أو الخروج بخالصات ذات
فائدة علمية.
نصت مواثيق دولية 638على عدة شروط للمحاكمة العادلة ،مبرزة أهميهها في تحقيق
التوازن بين سلطة قضاء الموضوع ،أجهزة المتابعة والتحقيق وبين حق األطراف في تقديم
مطالبهم والدفاع عنها دون قيد أومنع .وعلى الرغم من تعدد هذه الشروط وتشعبها إال أنه يمكن
حصرها في أربعة محاور أساسية .حيث يعنى األول بالحق في الولوج إلى قضاء مستقل َونزيه.
ب ينما يعنى الثاني بقرينة البراءة والضمانات األساسية الممنوحة للمههم في مراحل البحث
التمهيدي والتحقيق ،والثالث في التمييز بين أجهزة المتابعة والحكم ،وأخيرا الحق في ممارسة
وعلى الرغم من أجل ُجل التشريعات ،سواء العربية منها أو الدولية ،نصت في ترساناتها
المسطرية على بعض من هذه الشروط ،أي تلك المنصوص عليها في المواثيق الدولية ،إال أنها
أغفلت التنصيص على التجريح كأحد شروط املحاكمة العادلة ،ولم تعطه حقه في ديباجات
قوانينها و اقتصرت على تخصيص بعض الفصول له في إطار مساطر خاصة .وفي المقابل،
اكتفت هذه التشريعات ،على التركيز على مبدأ استقاللية القضاء وحياده واعتبرت أن التجريح
ال يعدو أن يكون سوى حق يستند في نشأته ومشروعيته على المبدئيين األولينَ .و َعلى الرغم من
صحة هذا التحليل من الناحية العلمية ،إال أن الحق في ممارسة التجريح يبقى دعامة أساسية
ْ ُ
ال يستقيم ُبن َيان العدالة بدونها ،وأن تمكين المتقاضين من هذا الحق هو ضروري ليس فقط
وتأسيسا لما سبق ،فإن هذا التوازن الهش بين هامش الحرية الممنوح للقاض ي واملحكم
في التكييف القانوني للوقائع ،إثارة أي تعارض مع النظام العام ،تأويل القانون واالستعانة
ُ َ
بالشهود والخبراء ،وبين ممارسة حق التجريح هو سيف ذو حدين إذا لم َيت َس َّن ِت ْب َيان مدى
مصداقية كل الفاعلين في منظومة العدالة َوالمنوط إليهم مهمة الفصل في النزاعات .ذلك أن
إصدار األحكام القضائية والتحكيمية قد يكون موضوع تشويش مصدره إما موقف شخص ي،
معاداة قبلية أو أية عداوة من أي صنف آخر اتجاه أطراف النزاع .لكن ،ومن جهة أخرى ،فإن
فتح الباب على مصراعيه للتجريح بدون قيود تضمن عدم الشطط في استعمال هذا الحق ،قد
يتنافى والغاية األساسية وراء هذا اإلجراء ويكون أحد دو افع التقاض ي بسوء نية مفاده تعطيل
العدالة وضياع حقوق األطراف .ما هي إذن الضوابط التي يجب وضعها لضمان هذا التوازن؟
هل يمكن إثارة مسؤولية القاض ي ،املحكم ،الخبيرأوالشاهد في حالة عدم التصريح تلقائيا بأحد
أسباب التجريح؟ هل من الممكن تفعيل متابعات جنائية في حالة اإلخالل بهذا الواجب؟ هل
السرد المنصوص عليه في فصول التجريح بقانون المسطرة المدنية المغربي يمكن أن يشمل
كل الحاالت العملية التي يمكن إثارتها أمام القضاء؟ وكيف يمكن للتجريح أن يساهم في بلورة
رؤية جديدة لمقاصد العدالة حتى يسمو اإلنصاف على التطبيق الجاف للقواعد اإلجرائية
سيكون مناسبا في إطار اإلجابة على هذه التساؤالت ،التمييز بين التجريح والمساطر
املجاورة بما في ذلك "مسؤولية القاض ي" و" مخاصمته" (المبحث األول) ،قبل التطرق إلى ترجيح
ً
القضاء واملحكمين ( المبحث الثاني) ،مع مراعاة ِختاما خصوصيات مساطر تجريح الشهود
والخبراء ( المبحث الثالث) ،في القانون المسطري المغربي مع اإلشارة إلى الموقف في القانون
المسطري المقارن.
ْ
لم يحض التجريح باالهتمام الكافي من لدن الفقه ،حيث اكتفت أمهات الكتب التي ُع ِن َيت
َ ُ
بالقوانين المسطرية ،باستثناء البعض منها ،بالنظرإليه كآلية خاصة ت ْه ِدف إلى سحب القضية
َ
من قاض أو هيئة حكم وإحالهها على أخرىُ ،دونما البحث في أغوار األسباب التي بموجبها َس َّن
المطلب الثاني).
الفقرة الثانية) لما لهما من تأثير مباشر على فحوى ومضامين األحكام الصادرة عن الهيئات
القضائية.
تم إصدار مدونة األخالقيات القضائية في المغرب بتاريخ 1مارس 2129كتعبير عن
انخراط املجلس األعلى للسلطة القضائية في ديناميكية إصالح منظومة القضاء .وهي نتاج
لعمل مشترك بين قضاة ،حقوقيين وفقا لمقاربة تشاركية ساهم فيها رجاالت قانون وطنيون
ودوليون .كما شكلت تعبيرا عن رغبة الفاعلين في الميدان القضائي بالسمو بأخالقيات المهنة
معتبرين أن العمل وفق اإلطارالقانوني المنظم لمهنة القضاء غيركاف لترسيخ الثقة فيه ودعم
مصداقيته .وأن أخالقية القضاء هي " صمام األمان" لكسب هذه الثقة .حيث نصت المادة
910من القانون التنظيمي رقم 911-93المتعلق باملجلس األعلى للسلطة القضائية على أن "
املجلس يضع بعد استشارة الجمعيات المهنية للقضاة ،مدونة لألخالقيات القضائية تتضمن
القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة االلتزام بها أثناء ممارسههم لمهامهم
-الحفاظ على استقاللية القضاة وتمكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد
ومسؤولية.
هذا الباب " أن استقالل القضاة يتجلى في ممارسههم لمهامهم وفق ضميرهم المنهي وتماشيا مع
قواعد العدل واإلنصاف دون الخضوع ألي ضغط أو تلقي أوامر أو تعليمات من أية جهة
كانت" .639مع التمييز في هذا الشأن بين قضاة الموضوع والنيابة العامة الذين عليهم االلتزام
ْ َ
بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي َيت َب ُعون لها .وسعيا من املجلس األعلى
للسلطة القضائية المغربية على إبرازأهمية هذا المبدأ في الممارسة القضائية ،عمدت المدونة
على التذكير بأن مبدأ استقاللية القاض ي هو مبدأ ذا قيمة دستورية قبل أن يكون حقا يحمي
القاض ي من أي ضغط "يتعارض وسيادة القانون" .كما اعتبرت المدونة استقالل القاض ي
ْ
ضمانة من ضمانات املحاكمة العادلة ،وذلك تماشيا مع ُج ْل المواثيق الدولية التي ُع ِن َيت
بشروط املحاكمة العادلة .ورغبة من املجلس األعلى للسلطة القضائية في إبراز تجليات هذا
المبدأ في الممارسة القضائية ،نصت المادة الخامسة من الباب الثالث للمدونة على بعض
َ ّ
التطبيقات التي تعكس ت َج ِل َيات هذا المبدأ في الممارسات اليومية العملية للسادة القضاة.
أما المشرع المصري ،فقد أشارفي الفصل 921من الدستور ،على أن استقالل مؤسسة
القضاء يعتبرمن بين أهم الضمانات الكفيلة بحماية الحقوق والحريات .كما نصت المادة 922
من نفس الدستور على أن َّ
السادة القضاة مستقلون " وال سلطان عليهم في قضائهم ِلغير
ُ
القانون" .وبناء على ذلك ،فإن المشرع المصري ُي َم ِّيز بطريقة واضحة َو َج ِل َّية بين استقالل
القضاء كمؤسسة عن الجهاز التشريعي والتنفيذي ،واستقالل السادة القضاة من ناحية عدم
وكما ال يخفى على المهتمين بتاريخ األفكار والنظريات القانونية والسياسية أن مبدأ
الفصل بين السلط 641هو نتاج لعقود من النضال أرست دعائمه الثورات في الغرب بما في ذلك
الثورة الفرنسيةَ .والغاية األساسية من تفعيل هذا المبدأ في التشريعات الغربية ،هو جعل
القاض ي في مأمن عن أية ضغوطات سياسية كانت أو سوسيو اقتصادية .ولدعم هذا
االستقالل ،نصت ُج ْل التشريعات العربية بما في ذلك المغربية ،المصرية على مبدأ عدم قابلية
عزل القضاة .حيث يعتبر الفقه أن تفعيل هذا المبدأ هو من بين أهم الضمانات الستقالل
القضاء .لكن بعض الفقهاء اعتبروا أن عدم قابلية القاض ي للعزل هو ضمانة للمتقاض ي أكثر
ما هي ضمانة للقاض ي .642وقد أشارالمشرع المصري لهذا المبدأ ،في المادة 911من الدستور
باإلضافة إلى المادة 01من قانون السلطة القضائية ،حيث أكد على عدم قانونية نقل القضاة
إال برضاهم .وهو نفس النهج الذي سار عليه المشرع الفرنس ي في المادة 04من الدستور
الفرنس ي.
إال أن الفقه الفرنس ي كان السباق في انتقاد هذا المبدأ ،معتبرا أن طريقة تنزيله على أرض
الو اقع قد تكون منافية للهدف األصلي الذي ُس َّن من أجله .حيث أوضح الفقيه " أسماين" (
،643)ESMEINأن ترك أمرترقية القضاة للجهازالتنفيذي ،ال يحقق استقالل القضاء .ذلك أن
الس ُم َّو بوضعية القاض ي المهنية قد يكون موضوع مساومة أو مزايدة يؤثر سلبا على
ًّ
استقالليته .ووعيا من طرف المشرع ،في ُج ْل األنظمة القانونية ،بضرورة فك الربط بين
640دكتور احمد فتحي سرور " :الوسيط في قانون اإلجراءات الجنائية" .القاهرة – 0271صفحة 702
. 641المفكر مونتسكيو ،كتاب " روح القوانين"
. 642الدكتور احمد السيد صاوي" .الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية" القاهرة 0221ص 22
643
. ESMEIN : "Eléments de droit constitutionnel Français et comparé ". 1921
السلطة التنفيذية ووضعية القضاة السيما في الشق المتعلق بالترقية والتأديب ،انصب التوجه
ْ
الغالب إلى وضع معاييروأسس محايدة تعتمد على األقدمية والكفاءة مع َمن ِح جهازخاص منبثق
من أسرة القضاء صالحيات الترقية ،التأديب والعزل بناء على معايير موضوعية .وهو النهج
الذي سار عليه المشرع المغربي بإحداثه للمجلس األعلى للسلطة القضائية في السادس من
ابريل . 2191ولعل توجه المشرع الفرنس ي ،بإحداثه ملجلس األعلى للقضاة في سنة ،9141كان
َ
ِبذ ِل َك السباق في هذا الباب إلبراز أهمية استقالل القضاء على جميع األصعدة .كما أن تأكيد
صالحيات هذا املجلس وتوسيعها في الدستورالفرنس ي لسنة 9111ألبهى دليل على وعي المشرع
الفرنس ي بضرورة وضع البنات األساسية َوالكفيلة بتحقيق استقاللية السلطة القضائية.
وتكريسا لمبدأ استقاللية القضاء اتجاه المتقاضين ،نص اإلطارالقانوني المنظم لمهنة
َ ْ
القضاة في المغرب 644على منع الجمع بين المهنة ومزاولة التجارة أو القيام بأي عمل ،ك َمأ ُجور
َّ
ال َيت ِف ُق واستقالل القضاء وكرامته أويتعارض مع واجباته .كما أكد المشرع المصري هذا النهج
ي ُ ً َْ
المن َع المتعلق بتحديد مكان عمل في الفصل 14من قانون السلطة القضائية المصر ،م ِضيفا
القاض ي ،إذا كان محاميا من قبل ،داخل دائرة املحكمة االبتدائية التي كان يزاول مهامه بها إال
بعد انقضاء أجل ثالث سنوات من تاريخ تعيينه وذلك طبقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من
َ
وسعيا من المشرع الفرنس ي ِلك ْب ِح كل محاوالت الضغط على القضاء والتأثير على جوهر
وفحوى أحكامهم ،عمل هذا األخير ،على تجريم كل فعل ،سواء تعلق األمر بأفعال أو أقوال،
تهدف إلى النيل من الثقة بالمؤسسة القضائية أو السادة القضاء 645أو ممارسة أي ضغط على
الشهود .وهو نفس النهج الذي سار عليه المشرع المصري في المادتين 910و 911من قانون
العقوبات .هذا ناهيك عن منع تفويت األصول المتنازع عليها للفاعلين في منظومة العدالة،
والذي يضل محطة إجماع بين جميع الدول العربية والغربية .646وجدير بالتذكير أن مبدأ
اإلسالمي647
استقالل القضاء ليس وليد التشريعات الوضعية المعاصرة .ذلك أن التاريخ
َّ َّ
الدال ِة على استقالل القضاء .ذلك وبمناسبة احتكام أبي إبن كعب وعمر إبن َحا ِف ٌل باألمثلة
الخطاب لزيد إبن ثابت وحلولهما بمنزله ليحكم بينهم ،وبعد سؤال هذا األخير حول إمكانية
استشا ته ألمير المؤمنين ،أجاب عمر جوابه الشهير َّ
الد ِال على أهمية ومكانة مبدأ استقالل ر
في الغرب ،نص الفصل 21من وثيقة العهد األعظم ،أو ما يعرف في الفقه الغربي ب "
َ َ َ
المنكا كا ْرطا" ( ،) La Manga Cartaوالتي تم إصدارها في عهد حكم الملك البريطاني دجون عام
، 9291على مفهوم القضاء الطبيعي .وهو مبدأ في غاية من األهمية هدفه كفالة حق األطراف
لغة على انه القاض ي العادي الذي يمتلك كل الصالحيات في مجال تخصصه.648
عنيت دراسات فقهية عدة بمفهوم القاض ي الطبيعي .حيث عرفه الدكتورمحمود نجيب
حسني 649بأنه " :حق المههمين بكل أطراف الدعوى أن يحاكموا أمام قاضيهم الطبيعي ،أي
القاض ي املختص بهذه املحاكمة وقت ارتكاب الجريمة ،أو قاض ي آخر ينتمي إلى ذات النظام
َ ْ
القضائي وتتوفر فيه كل الضمانات التي يقررها الدستور والقانون" .كما َع َّرفت الجمعية
المصرية للقانون الجنائي في مؤتمرها المنعقد بالقاهرة سنة ،2114بأن القاض ي الطبيعي هو:
. 646الدكتور محمد نور شحاتة " :الوجيز في القضاء المدني" – صفحة 002
. 647الدكتور محمد ابراهيم الجيوشي " :أعالم القضاة في اإلسالم" ،القاهرة ،0217 ،صفحة 01
. 648قاموس" لو بوتي روبير" ( .0222م) Le Petit Robert ،0112 ،
. 649الدكتور محمود نجيب حسني " ،شرح قانون اإلجراءات الجنائية" ،دار النهضة ،الطبعة 0
اإلجراءات الجنائية."650
وتأسيسا لما سبق ،فإن حق األفراد في المثول أمام القاض ي الطبيعي يعد ناقصا إذا لم
تكن املحكمة دائمة ،أي استثنائية ،وغير منشأة بموجب القانون .على المستوى العربي ،تعد
توصيات المؤتمرالثاني للجمعية المصرية للقانون الجنائي المنعقد في ابريل 6519111األول من
نوعها في هذا الباب .حيث أكدت أن هناك شرطان أساسيان يجب أن يتوفرا في القاض ي
الطبيعي .أولها هو أن يتم تعيينه طبقا لشروط قانون السلطة القضائية .أما الثاني ،فيتعلق
بمباشرته لوظيفته وفقا لقانون اإلجراءات الجنائية دون أي استثناء وأن يمنح لألطراف الحق
وقد تم تكريس هذا المبدأ في مواثيق دولية عدة ،من بين أبرزها العهد الدولي للحقوق
المدنية والسياسية الصادرة في سنة 9101والذي نص في المادة 94على أن" :الناس جميعا
سواء أمام القضاء ،ومن حق كل فرد ،لدى الفصل في أية تهمة جزية توجه إليه أو في حقوقه
والتزاماته في أية دعوى مدنية ،أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة
مختصة مستقلة حيادية ،منشأة بحكم قانون" .كما نص الدستور المصري في المادة 01على
مبدأ القاض ي الطبيعي معتبرا أن" :لكل مواطن الحق في االلتجاء إلى قاضيه الطبيعي" .وهو
بالتالي القاض ي املختص وقت ارتكاب الجريمة والذي تتوفر فيه ضمانات االستقاللية والحياد
. 650الدكتور فتحي سرور " القانون الجنائي الدستوري ،الشرعية الدستورية ،في قانون اإلجراءات" ،الطبعة الثالثة ،دار الشروق،
0112صفحة 211
.651توصيات المؤتمر الثاني للجمعية المصرية للقانون الجنائي ،صادر عن المعهد الدولي للعلوم الجنائية ،القاهرة 0272
وبناء على ما سبق ،فإن استقالل القضاء عن باقي السلط ،واستقالل القاض ي عن أي
َ
تأثير سواء من قبل أطراف القضية أو أية جهات أخرى لها مصلحة في النزاع ،ل ُي َع ُّد ضمانة
َ أساسية إلصدار أحكام عادلة ومنصفة .ونظرا ل َو ْعي المشرع بأن َّ
الس ْي ُر َورة االجتماعية قد ت ِل ُد ِ
وج َه ِات َها لروح القوانين وقواعد النظام العام ،وتسعى إلى توجيه األحكام َت َّيارات منافية في َت ُّ
ٍ
ُ َ ُ َ
القضائية ِل ِخ ْد َم ِة مصالحها ،كان ِح ْين ِئ ٍذ حق التجريح ك َر ِ ّد فعل المشرع غ َايت ُه ِح َم َاية األفراد
ْ َ َ ْ
واملجتمع ككل من هذا النوع من اإلن ِفالتات .وجاعل هذا الحق بيد أطراف النزاع لما لهم من
ّ
مصلحة مباشرة في النزاع ،تستدعي منهم الفطنة واليقظة اتجاه كل ما من شأنه أن ُي ِخ َّل
للتجريح طابع شخص ي .فالمطعون فيه هو شخص القاض ي بحكم وضعيته االجتماعية
أو عالقته االقتصادية بأحد أطراف النزاع .ذلك أن مقدم الطلب يهدف أساسا إلى سحب
ْ
لم ينشأ حق التجريح من عدم ،ولكنه كان وليد َوعي المشرع بضرورة منح أطراف النزاع
ْ َ
حق استبدال قاض بأخر أو هيئة أخرى في حالة ما إذا تبت ِإن ِتف ْاء عنصري الحياد االستقاللية
.652فمبدأ الحياد يتجلى من جهة في أخد الشخص أو المؤسسة لقرارات َوت َب ّني مو اقف ُد َ
ونما ِ
َُ ّ
المت َح ِلي بالحياد يتعامل مع األطراف على قدم إقحام الذات .653ومن جهة أخرى ،القاض ي
652
. N. Fricero :"Récusation et abstention des juges : Analyse comparative de l’exigence commune
"d’impartialité
Les Nouveaux Cahiers du Conseil Constitutionnel, 2013/3 ( N° 40), pages 37 à 48.
653
. M-A. Frison Roche, " Le droit à un tribunal impartial ", libertés et droits fondamentaux, Dalloz
المساواة دون إصدار أحكام مسبقة أو تكوين انطباع غير متجانس مع الوقائع والوسائل
المتضمنة بالملف.
فحياد القاض ي وكما وصفته املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان في قرارها عدد
أساسيين .الشق األول ُي ْع َنى بعناصرذات "طابع ذاتي" تتعلق بالعالقة الشخصية التي قد تكون
ل لقاض ي مع أحد أطراف النزاع .بينما يتضمن الشق الثاني عناصر تتسم بطابعها الموضوعي
وتحديدا بما إذا سبق للقاض ي وأن تدخل في القضية .فكلمة " تدخل" ال تعني بالضرورة حسب
َ
القرار أعاله ،البت في النزاع كقاض ي ينتمي إلى هيئة الحكم ،بل يكفي أن يكون القاض ي قد ُع ِّين
كقاض ي منتدب مثال في مسطرة التسوية القضائية حتى يتم استبداله في إطار مسطرة التجريح.
والعلة في ذلك حسب نفس القرار ،هو أن القاض ي المنتدب سبق له في إطار مزاولة مهامه ،أن
َ َ
ك َّون نظرة مسبقة على طبيعة األخطاء المرتكبة من طرف المسيروال يمكن له أن يتحلى بالحياد
َ
في حالة ما إذا تم تعيينه كعضو في هيئة الحكم التي َست ُب ُّت في العقوبات المزمع اتخاذها في حق
المسير.
نصت العديد من المواثيق الدولية على مبدأ الحياد وألزمت الهيئات القضائية
باحترامه .فالميثاق األوروبي لحقوق اإلنسان والحريات األساسية في فصله السادس من الباب
األول ،يلزم الدول الموقعة على تنظيم محاكم مستقلة ومحايدة .نفس النهج سارعليه الميثاق
الدولي للحريات المدنية والسياسية في فصله الرابع عشر من الباب األول .على الصعيد
األوروبي ،أصدرت الهيئة االستشارية للقضاة الدورية رقم ،654 3بتاريخ 91نونبر ،2112والتي
ْ
َح َّد َدت من خاللها المبادئ والقواعد األخالقية التي يجب على القضاة الذين يزاولون مهامهم في
. 654الدوريات التي تصدرها الهيئة االستشارية للقضاة باالتحاد األوروبي ليس لها أي طابع إلزامي .لكنها ت ُ َع ُّد كمرجع بالنسبة للمشرع
األوربي الذي يأخذها بعين االعتبار في سن القوانين
محاكم اإلتحاد األوروبي احترامها .أما على الصعيد الفرنس ي ،أصدرت املحكمة الدستوري ــة
الفرنسي ـ ـ ــة قرارها عدد ،N° 10/313بتاريخ 93ابريل ،9110والذي اعتبرت فيه أن مبدأ الحياد
هومبدأ ذا "قيمة دستورية" .وفي قرارآخرصادرعــن املحكمة الدستورية الفرنسية ،تحـت ع ـ ــدد
،N° 2191-91بتاريخ 2يوليوز ،2191اعتبرت هذه املحكمة أن على جميع الهيئات القضائية،
بغض النظر عن تكوينها أو طبيعة النزاعات التي تبث فيها ،أن تحترم مبدأ الحياد وتعمل على
تفعيله.
ومن جهة أخرى ،نص الفصل الثالث من المرسوم الحكومي الفرنس ي عـدد ،N°11-9101
َ
الصادر بتاريخ 1نونبر ،9111على تضمين عبارة "ممارسة المهام بكل حياد" في الق َس ْم الذي
َ
ُيؤ ِ ّد ْيه أعطاء املحكمة الدستورية.
في المغرب ،نصت مدونة األخالقيات القضائية ،من بين ما جاء فيها ،على مبدئيين
أساسيين وهما " :مبدأ استقاللية القضاء" ومبدأ " حياد القضاة" .فيما يتعلق بالحياد ،فقد
عرفته المادة السادسة من هذه المدونة على أنه " أداء الوظائف القضائية طبقا للوقائع
المعروضة ووفقا للقانون ،دون أي حيزأو تحامل أو محاباة اتجاه أي طرف من أطراف الدعوى
واجب دستوري قبل أن يكون التزاما أخالقيا وعلى أنه أمر ضروري لضمان محاكمة عادلة.
َو َس ْع ًيا في تمكين السادة القضاة من الوقوف على بعض األمثلة العملية والتي تتضح من خاللها
تجليات هذا المبدأ ،نصت المادة الثامنة من مدونة األخالقيات القضائية على بعض األمثلة،
َْ
وعددها أربعة عشر ،والتي تن ِفي الجهالة عن أوجه تنزيل هذا المبدأ في الممارسة القضائية
اليومية .وعلى الرغم من األهمية التي خولها الدستور المغربي ومدونة األخالقيات المهنية
،كرفع القاض ي ألجرة األجير حتى تتناسب والحد األدنى لألجور ،أو حكمه بأكثر مما طلب منه في
ويتضح مما تم بسطه أنفا أن احترام مبدأ الحياد من عدمه ،وخالفا للمبادئ األخرى التي
ترتكزعليها املحاكمة العادلة كمبدأ المساواة ،له تأثيرمباشرعلى طبيعة القرار ،الحكم المتخذ
من طرف القاض ي أو الهيئة القضائية .ذلك أن نطاق تأثيرالمبادئ األخرى ينصب تحديدا على
المراحل القبلية إلصدارالحكم والتي ُت َن ّظم َ
ص ْي ُر َورة املحاكمة واالنطباع العام الذي قد يتشكل ِ
في ذهن أطراف النزاع خالل أطواراملحاكمة.
القضائية لمبدأ "الحياد" هو احتمال وارد على الرغم من توفيرجميع الضمانات المسطرية التي
نصت عليها القوانين اإلجرائية ،كالحق في الولوج إلى محكمة عادلة ومستقلة ،الفصل بين
أجهزة المتابعة التحقيق والحكم والحق في ممارسة طرق الطعن ،فقد خوال تبعا لذلك ألطراف
للمحاكمة بما في ذلك االستقالل والحياد .وفي هذا الصدد جاء النص القرآني ( سورة الشمس
ْ َ
اآلية )1واضحا حيث يؤكد رب العزة أن النفس البشرية مؤهلة بأن تتجه صوب َمن َحان ْي ِن
. 655ذ .عفيف البقالي " القاضي المدني واستنادات مبدأ الحياد" مجلة العلوم القانونية"
بطريقة تمكن من ِت ْب َي ِان العالقات الشخصية ،اجتماعية ،سياسية كانت أو اقتصادية أو حتى
تلك التي لها طابع إيديولوجي أو فلسفي والتي قد تمنع القاض ي من ممارسة مهامه بكل حياد.
َ َ
وما ل ُه من آثار مباشرة على فحوى وبالتالي فإن احتمال َزْيغ القاض ي عن هذا المبدأ
الحكم ،ألزم المشرع على وضع آلية عملية تمكن أطراف القضية حينما يتضح لهم وجود هذا
النوع من اإلخالل ،بإبرازه وفقا لمسطرة خاصة .أي بعبارة أخرى ،حق التجريح في كنهه هو ردة
فعل المشرع هدفه خلق التوازن بين مصالح األطراف في عرض القضية أمام القاض ي الطبيعي
ْ والم َن َّ
ص ِب في إطار محكمة منشأة بموجب قانون ،وبين االحتمال الوارد الذي َيك ُم ُن املختصُ ،
القضاة تميزها عن مسطرة التجريح (الفقرة األولى) ،ومحددا أسبابها بطريقة حصرية ( الفقرة
الثانية).
المشروع .فمسطرة الفصل 191من قانون المسطرة المدنية ،تهدف أساسا إلى سحب القضية
َ َ ُ
من املحكمة املختصة ت َر ِاب ًيا وإحالهها على محكمة أخرى إذا ث ُبت أن أحد قضاة تلك املحكمة أو
َ ٌ
زوجه ط َرف في الدعوى المعروضة على املحكمة سواء كطرف مدعي أو مدعى عليه .وطبقا
َ
الم ْع ِن ِّيين بهذه المسطرة
لمقتضيات الفصل 191من قانون المسطرة المدنية ،فإن القضاة َ
َ ُ
هم فقط قضاة املحكمة االبتدائية ومستشاري محكمة االستئناف .حيث َيت َع َّين على القاض ي
أو المستشار المعني باألمر ،أن يعرض وضعيته على الرئيس األول ملحكمة النقض الذي يقرر،
بعد دراسة الملف ،سحب القضية من املحكمة التي يزاول بها القاض ي أو المستشار مهامه
وإحالهها على محكمة أخرى خارج نفوذ محكمة الدرجة التي ينتمي إليها القاض ي ،وذلك خالفا
َ
لقواعد االختصاص المنصوص عليها في قانون التنظيم القضائي المغربيَ .ب ْيد أن إصدارحكم
أو قرار دون احترام هذه المسطرة يعرضه إلمكانية إبطاله ،حيث يمكن إثارة هذا الدفع سواء
أما مسطرة التشكك المشروع ،فعلى الرغم من أنها ترمي إلى نفس األهداف التي يمكن
تحقيقها عن طريق مسطرة التجريح ِب َس ْح ِب القضية من هيئة وإحالهها على هيئة أخرى من نفس
الدرجة ،لكنها تتميزبتأسيسها على شكوك حول حياد املحكمة المعروض عليها القضية .تخضع
مسطرة التشكك المشروع لمقتضيات الفصلين 313و 314من قانون المسطرة المدنية،
ويتعين على مقدم الطلب توجيهه ملحكمة النقض التي تبث في الطلب وال يقبل قرارها أي طعن.
.657الدكتور جواد أمهمول " ،الوجيز في المسطرة المدنية" .دار اآلفاق للنشر والتوزيع 0100صفحة 00
والحياد المقصود به في هذه المسطرة الخاصة ،يتمثل في إبداء الهيئة التي تنظرفي النزاع لرأيها
َ
في نازلة مماثلةَ .ب ْيد أن المقصود " بإبداء الرأي" يتعلق بالمقاالت واآلراء التي قد ينشرها أعضاء
هيئة الحكم .وال يتعلق األمربإصدارأحكام في نوازل مماثلة معروضة على أنظاراملحاكم.658
َ َ
دعوى املخاصمة هي دعوى مسؤولية بامتياز ،تخول ألطراف النزاع الذين ل ِحق ُهم ضرر
جراء ارتكاب القاض ي ألخطاء ،سواء كانت عمدية أم غيرعمدية ،أثناء مزاولته لمهامه بالمطالبة
ً
بالتعويض .يعتبر القضاء َم ْر ِفقا هاما في جميع األنظمة بغض النظر عن طابعها السياس ي أو
االقتصادي السائدَ ،و ُي َع ُّد الضمانة األساسية للحفاظ على السلم االجتماعي وصيانة حقوق
َ
األطرافَ .ن َّزل ْت ُه جميع الشعائر السماوية منزلة رفيعة وأوجبت العدل في تطبيق األحكام .يقول
َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ
احكم َب ْي َن ُهم ِبال ِق ْس ِط ِإ َّن الله ُي ِح ُّب تعالى في سورة "المائدة" ،اآلية " " :"42و ِإن حكمت ف
َ ْ ْ
ال ُمق ِس ِطين" .ونظرا لما للقضاء من دور هام وطالئعي ،وما لألحكام من تأثير على المراكز
القانونية لألطراف وحقوقهم ،فقد مكنت جميع االنظم القانونية ،أطراف النزاع ،بالمطالبة
هي اسم مؤنث جدرها اللغوي خصم ،خصمه خصما ،أي غلبه لغة659 املخاصمة
بالحجج ،والخصومة االسم من التخاصم واالختصام .واصطالحا تفيد تقييد دعوى مسؤولية
ضد قاض ،سواء كان ينتمي إلى سلك قضاء الموضوع أو عضو النيابة العامة ،ومطالبته
بالتعويض عن الضرر الناتج عن الحكم الصادر أو الخطأ المنسوب إليه .ويترتب في بعض
األحيان ،بعد الحكم بصحة املخاصمة بطالن الحكم أو اإلجراء ،كنتيجة مباشرة لما وقع فيه
القاض ي من إخالل بواجباته .660ويرجع األساس القانوني ألحقية المتقاض ي للتعويض إلى
َ
المبادئ العامة المسؤولية المنصوص عليها في القانون المدني .ف ُج ُّل القوانين المرجعية
. 658الدكتور جواد أمهمول " ،الوجيز في المسطرة المدنية" .دار اآلفاق للنشر والتوزيع 0100صفحة .02
. 659معجم "لسان العرب" البن منظور ،دار المعارف – .0100
. 660عبد المجيد تركي " ،شرح قانون اإلجراءات المدنية" ،دار النهضة العربية ،طبعة ،0100 ،2صفحة .22
للمعامالت ذات الطابع المدني ،بغض النظرعن النظام القانوني المعمول به ،تشيرإلى إمكانية
تحميل الطرف الملحق لضرر المسؤولية ،إذا ما ثبتت العالقة السببية بين الخطأ المرتكب
والضرر الالحق .وهذا المبدأ تم التنصيص عليه صراحة في ظهير االلتزامات والعقود
والقانون المدني المصري .663أما من الناحية ي662 المغربي ،661القانون المدني الفرنس
اإلجرائية ،فالمدعي هو الخصم الذي لحقه ضرر جراء الخطأ المرتكب والذي يجب أن ُي َن ّ
ص َبِ
نفسه طرفا مدنيا في الدعوى سواء أكان مدعيا ،أو متدخال .أما المدعى عليه ،فهو القاض ي
الذي قد يزاول مهامه في محكمة ابتدائية أو على مستوى محاكم االستئناف أو حتى محكمة
النقض .ويجدر التأكيد في هذا الصدد أن هناك إجماع بين كل من المشرع المغربي ،المصري
والفرنس ي على عدم استثناء أي قاض ،بغض النظرعن درجة املحكمة التي يزاول بها مهامه ،من
َّ
أط َر المشرع المغربي مسطرة مخاصمة القضاة وحدد أسبابها حصريا في أربعة ثم
التنصيص عليهم في الفصل 319من قانون المسطرة المدنية ،ويمكن حصرها في الحاالت التي
يرتكب فيها القاض ي إما "غشا"" ،تدليسا"" ،غدرا" أو" إنكار للعدالة" .هذا التحديد الحصري
ألسباب املخاصمة راجع إلى رغبة المشرع في توفيرظروف عمل مستقرة بعيدة عن أي ضغط أو
َ َ ُ
تشويش غ َايت ُه التأثير على َس ْي ُر َورة عمل القضاة سواء في مرحلة دراسة القضايا أو َّإبان فترة
الم َ
داولة والبث فيها .هذا باإلضافة إلى خلق التوازن بين مصلحة المتقاضين في استخالص ُ
تعويضات بسبب األخطاء المرتكبة ،وحماية القضاة من أي تعسف ناتج عن إثارة هذا النوع من
أضاف المشرع المصري "الخطأ الجسيم" كسبب من أحد أسباب مخاصمة القضاة،
وذلك على الرغم من اعتباره أن الفرق بين الغش وما يعرف بالخطأ الجسيم ما هوإال تصورذهني
َ ْ
حيث ُين َس ُب ال ِغش في جزئه األكبرإلى خطأ فاحش َوق َع فيه القاض ي .وهو النهج الذي سارعليه
المشرع الفرنس ي مند سنة 9133في التعديل الذي طرأ على المادة 111من قانون المسطرة
المدنية في تلك السنة .وجديربالتذكيربأن األصل هو عدم مسؤولية القاض ي عما قد يصدرمنه
من أحكام ،قرارات أو أوامر .لكن التشريعات الدولية وبدرجات متفاوتة ،قررت تحميل القاض ي
المسؤولية ،والتي قد تنشأ بموجب نص خاص كما هو الحال بالنسبة للمشرع المغربي ،أو بناء
َ
على أسباب محددة بما في ذلك األخطاء المهنية المرتكبة جسيمة كانت أو عاديةَ .ب ْيد أن معظم
التشريعات َح َّد َد ْت ،وبطريقة َح ْ
ص ِرية أسباب مخاصمة القضاة ،معتبرة أن توفيرجو الطمأنينة
له في عمله وحمايته من أية محاولة للنيل من كرامته عن طريق تقييد دعاوى كيدية ضده ،ال
ْ
َيخ ُدم مصالح منظومة العدالة ويجعل مصداقية السادة القضاة تحت رحمة طبيعة نوايا
المتقاضين.
الفار َق َ
الج ِلي بين مسطرة مخاصمة القضاة والطلبات الرامية إلى تنحيههم ،هو أن
َ
ويبقى ِ
َُ َ
المتض ّ ِر ِر عن الضرر الذي أصابه يض و املخاصمة َت ْهد ُف إلى تحميل القاض ي المسؤولية َوت ْ
ع
ِ ِ ِ
ْ ْ
بسبب إت َيان القاض ي لعمل نص المشرع على أنه موجب للمخاصمة ،ذلك وخالفا لمسطرة
التجريح التي يمكن إثارتها بمجرد ُب ُروزأحد األسباب التي نص عليها المشرع والتي إذا ما تحققت
تفيد بأن حياد القاض ي واستقالليته هم موضوع شك .وتبعا لذلك ،فإن املخاصمة ،بحكم أنها
َ
دعوى مسؤولية ،ال يمكن قبولها إال إذا اثبت ُمق ِّد ُم َها الضرر الذي لحقه جراء ارتكاب القاض ي
سيكون مناسبا النظر إلى أسباب املخاصمة التي حددها المشرع المغربي مع التوسع في
َ
اه َي ِه َها عن طريق ِت ْب َيان موقف التشريعات األخرى وت ْح ِد ًيدا في كل من القانون المصري
م ِ
َ
إن أول ما يثير انتباه الباحث أثناء دراسته وتحليله ألسباب مخاصمة القضاة هو هذا
التحديد والتنصيص الحصري الذي يعطي االنطباع ألول وهلة ،بأن المشرع المغربي يريد وضع
القاض ي داخل سياج بمثابة سد منيع أمام كل محاولة إثارة مسؤوليته من طرف المتقاضيين.
هذه القراءة األولية قد ال تخلو من نسبة من الصحة ،إذا ما أخدنا بعين االعتبار أن الممارسة
ْ
وضع الفقيه الفرنس ي بالنيول ( 664)Planiolأول نظرية ُع ِن َيت بمفهوم "التعسف في
استعمال الحق" ،وأسست للدعوى الرامية إلى التقنين في ممارسته ،والمطالبة بالتعويض
السيما إذا كان صاحب هذا الحق يمارسه بغية إلحاق الضرر باآلخر .وكان لهذه النظرية تأثير
َ
على تشريعات عدة ،والتي َع ِملت على تضمينها في قوانينها بدرجات متفاوتة .حيث اقتصر
المشرع الفرنس ي في هذا الصدد ،على تنزيل روح هذه النظرية في مقتضيات المادة 9312من
القانون المدني والمتعلقة بالمسؤولية التقصيرية ،بينما اعتبر المشرع المصري نظرية
التعسف في استعمال الحق نظرية عامة تسري على كل نواحي القانون .665بينما فرض المشرع
َ ُ
المغربي ضوابط على صاحب الحق َيت َع َّين عليه مراعاتها في ممارسته إياه وإال اعتبر مخطأ،
َ
ويمكن ِحين ِئ ٍذ تحميله المسؤولية والمطالبة بالتعويض الناتج عن الضررالالحق بالغير.
. Planiol, "Traité élémentaire de droit civil", T. 2, 5éme édition, 1909, N° 871
664
. 665سعاد بلحورابي ،نظرية التعسفي في استعمال الحق وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي .رسالة ماجستير في القانون
" قانون المسؤولية المهنية" ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،الجزائر ،0102ص 02
أبرزت جل المراجع الفقهية التي ُع ِن َيت بمخاصمة القضاة ،666أن فتح الباب على
َّ َ ص َر َ
م ْ
اع ْيه للمتقاضين إلثارة مسؤولية القاض ي بدون ق ْيد قد ُي ِولد ردود أفعال تتمثل في تقييد ِ
دعاوى مخاصمة ضد هيئات الحكم بمجرد صدورأحكام ال تتناسب والملتمسات المقدمة أثناء
َْ
سريان الدعوى .ناهيك أنها قد تستعمل كوسيلة للنيل من سمعة القضاة والك ْب ِح من جرأتهم
ْ َ
في إصدار أحكام ُمن ِصفة .هذا باإلضافة إلى هدر وقت السادة القضاة في اإلجابة على مقاالت
ومذكرات تحملهم المسؤولية ال لش يء إال ألنهم قاموا بواجبهم المنهي المتمثل في البث في القضايا
طبقا للمقتضيات القانونية المؤطرة للنازلة .ومن هذا المنطلق ،يتضح بأن المشرع المغربي
َْ
وضع نصب عينيه هدفين أساسيين وراء تق ِن ْين أسباب املخاصمة .أولها ،حماية السادة القضاة
َ ُّ
من أي تعسف في استعمال هذا الحق من طرف المتقاضيين .والثاني يتمثل في ت َجنب هدروقت
القضاة في الدفاع عن المو اقف التي تبنوها في أحكامهم .السيما وأن طرق الطعن سواء منها
ُ َ
العادية أو غير العادية ،تنشر الدعاوى من جديد ،باستثناء الطعن بالنقض ،وتخ ّ ِو ُل لألطراف
َ
مناقشة الدعاوى من جديد .أما فيما يخص ال ِعل ْل وراء اختيار أسباب املخاصمة ،فسيكون
مناسبا إبرازهم بالنظر إلى المقاصد المتوخاة من طرف المشرع المغربي مع توضيح الموقف
نص الفصل 319من قانون المسطرة المدنية على أربعة أسباب يمكن بموجبها تأسيس
دعاوى مخاصمة القضاة سواء تعلق األمربقضاة الحكم أو النيابة العامة .حيث ينص الفصل
319على ما يلي:
- )1إذا ادعى ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قاض ي الحكم أثناء تيهئ القضية أو
أما المشرع المصري ،فقد ضمن في الفصل 434من قانون المر افعات ثالثة أسباب
يمكن أن يعتمد عليها المتقاض ي في تقديم دعوى املخاصمة .وهذه األسباب تم التنصيص عليها
- )1إذا وقع من القاض ي أو عضو النيابة في عملهما غش أو تدليس أو غدر أو خطا منهي
جسيم.
ََ
- )2إذا ْامتن َع القاض ي من اإلجابة على عريضة مقدمة له أو من الفصل في قضية صالحة
َ َ َّ ُ
للحكم وذلك بعد إنذاره مرتين على يد محضر َيتخلل ُه َما ميعاد أربعة وعشرين ساعة
بالنسبة إلى األوامر على العرائض وثالثة أيام بالنسبة إلى األحكام في الدعاوى الجزئية
وال يجوزرفع دعوى املخاصمة في هذه الحالة قبل مض ي ثمانية أيام على آخرإنذار.
- ).في األحوال األخرى التي يقض ي فيها القانون بمسؤولية القاض ي والحكم عليهما
بالتعويضات.
كما أضاف المشرع المصري في التعديل املحدث لقانون المر افعات الجنائية " الخطأ
أما القضاء المغربي فقد أكد ،في قرارات عدة ،الطابع الحصري ألسباب املخاصمة
معتبرا أن أي سبب يخرج عن تلك المنصوص عليها في الفصل 319من قانون المسطرة
المدنية ،ال يخول لمقدمه مخاصمة القضاة وتحميلهم المسؤولية .وفي هذا الصدد ،نذكرعلى
سبيل المثال قرار محكمة النقص عدد 111الصادر بتاريخ 2199/12/21 :في الملف المدني
طالب النقض ال يندرج في أية حالة من الحاالت المذكورة في الفصل 319من قانون المسطرة
وبخصوص شرط إنكار العدالة ،فهو يتحقق إذا ما امتنع القاض ي عن البث في قضية
جاهزة للحكم بعدما تم توجيه له إنذارين ،تفصل بينهما مدة خمسة عشر( )91يوما من طرف
رئيس كتابة ضبط املحكمة التي تعلو مباشرة املحكمة التي ينتمي إليها القاض ي ،بناء على طلب
مكتوب موجه له من طرف المعني باألمر ،يبقيان بدون جدوى طبقا لمقتضيات الفصل 313
من قانون المسطرة المدنية المغربي .وحيث إن إنكارالعدالة من طرف القاض ي ال يمكن تكييفه
على هذا النحو ،إال ابتداء من التاريخ الذي تكون فيه القضية جاهزة ويرفض القاض ي البث
بعد توجيه اإلنذارين .ذلك أن اإلجراءات التي يتخذها القاض ي أثناء سريان الدعوى أمام
. 667قرار محكمة النقض عدد 0000الصادر بتاريخ 0111/2/21في الملف المدني عدد 0111/0/0/002
املحكمة ،بما في ذلك إعذار األطراف بتنصيب محام ،في حالة ما إذا كانت المسطرة تستوجب
ويتعين في هذا الباب توضيح أن إنكار العدالة ليس في غالب األحيان نتيجة لرفض
القاض ي البث في القضية ،بل تأخيرا منه َس ٌ
واء لعدم وجود نص قانوني يفصل في القضية أو
لغموض النص الحالي .الش يء الذي يفرض على القاض ي البحث في أغواراالجههادات القضائية
ْ َ ْ
واء املحلية منها أو على صعيد أنظمة قانونية مشابهةُ ،بغ َية إصدارأحكام ُمن ِصفة تأخذ بعين
َس ٌ
وض ِه .حيث أكد المشرع الفرنس ي في الفصل الرابع من القانون المدني الفرنس ي بأن " ُُ
غم ِ
القاض ي الذي يمتنع عن البث بعلة وجود فراغ قانوني ،أو غموض في النص ،يمكن أن يكون
« Le juge qui refusera de juger, sous prétexte du silence, de l'obscurité ou
de l'insuffisance de la loi, pourra être poursuivi comme coupable de déni de
justice ».
أما الغدر المشار إليه في الفقرة األولى من الفصل 319من قانون المسطرة المدنية
المغربي ،فيختلف اختالفا جوهريا عن المفهوم المتداول عند العامة .حيث َي ْن َ
ص ُّب مفهوم
الغدرعلى الحاالت التي يحكم فيها القاض ي مثال بغرامات أورسوم تزيد عن تلك المنصوص عليها
َ
اس َم
سواء في المقتضيات القانونية المؤطرة للنازلة أو في القوانين التنظيمية .ويبقى الق ِ
المشترك بين الغدر ،الغش والتدليس هوعامل سوء النية الذي يشكل الدافع الرئيس ي وراء هذا
َ َ ً َ ُ
االنحراف َع َّما يقتضيه القانون ،غ َايت ُه تحقيق مصلحة شخصية أو ِنك َاية في خصم .وت ِج ُد ُر
اإلشارة إلى أن هذا االنحراف قد يصدر عن قضاة النيابة العامة أو الحكم في جميع مراحل
أما الحاالت التي ينص فيها القانون صراحة على مخاصمة القاض ي أو تحمله المسؤولية،
َ َْ
ف َينت ِفي فيها اللبس حينما تحقق شروط قيام المسؤولية أو املخاصمة المنصوص عليها في تلك
ُ َ َ َ
المقتضيات .وت ْبقى الحاالت التي ت ْعنى بالخطأ الجسيم موضوع جدل واسع من طرف الفقه
الذي ال يختلف في التمييز بينها وبين األخطاء المهنية التي قد يقع فيها موظفوا الدولة أو
المسؤولون عن تسيير المر افق العمومية .بينما يبقى االختالف قائما حول طبيعة األفعال
الصادرة عن السادة القضاة والتي يمكن اعتبارها أخطاء جسيمة موجبة للمسؤولية .وتجدر
اإلشارة أن المشرع المغربي ،في الفصل 319من قانون المسطرة المدنية ،لم يتطرق لمفهوم
.668ذ .فتحي والي" ،الوسيط في قانون القضاء المدني" القاهرة ،دار النهضة ،،مطبعة جامعة القاهرة ،دار الكتاب الجامعي0217 -
الخطأ الجسيم أو حتى األخطاء المهنية .و اقتصر على اإلشارة إلى " مسؤولية القضاة" التي قد
تنشأ جراء ارتكابهم ألخطاء .في حين أن المشرع المصري أشارصراحة في الفصل 414من قانون
َ
المر افعات على "الخطأ الجسيم" ،معتبرا إياه أحد أسباب مخاصمة القضاةَ .ب ْيد أن المشرع
الفرنس ي نص في التعديل الذي أحدثه القانون المنظم لمهنة القضاء ،بتاريخ 22دجنبر،9111
مسؤولية القضاة في حالة ارتكابهم ألخطاء شخصية دونما التمييزبين األخطاء المهنية " العادية"
واألخطاء " الجسيمة" ،669مع اعتبارمسؤولية الدولة قائمة عن الضررالالحق بأطراف النزاع في
حالة ارتكاب القاض ي الخطأ أثناء مزاولته لمهامه .هذا الخطأ الذي ال ُي ْع ِفيه من العقوبات
التأديبية التي تخضع للسلطة التقديرية للمجلس األعلى للقضاء الفرنس ي ،670في ظل غموض
النص المؤطر لها في القانون المنظم لمهنة القضاء في فرنسا .حيث يشير هذا النص إلى "
اإلخالل ،من طرف القاض ي ،بواجبات الدولة وتحديدا مرفق العدالة اتجاه المتقاضين." 671
ْ
َويك ُم ُن الفرق بين الخطأ المنهي " العادي" والخطأ " الجسيم" ،في كون أن األول هو الذي
قد يقع فيه القاض ي أثناء مزاولته لمهامه دون إغفال منه بواجباته المهنية العادية أو وقوعه في
َ ََُ
اض ِح
الغلط الفاضح .أما الثاني ،أي الخطأ الجسيم ،فيرتكبه القاض ي حين يقع في الغلط الف ِ
والذي يتعلق بالمبادئ القانونية أو بوقائع القضية .672وتجدر اإلشارة إلى أن القاض ي ال يعتبر
مرتكبا لخطأ جسيم في حالة إتيانه لفهم على نحو خالف فيه التوجه العام سواء القضائي منه
أو الفقهي .وعلى الرغم من أن المشرع المصري ،بتضمينه للخطأ الجسيم ضمن زمرة أسباب
َ َّ َ
مخاصمة القضاة يعتبر استثناء ،إال أن ُه ت َر َك مهمة تحديد نوعية األخطاء التي تعتبر جسيمة
للسلطة التقديرية للهيئة التي تبث في الدعوى .وهوالنهج الذي أكدته محكمة النقض المصرية
669
. L’ordonnance du 22 décembre 1958 portant statut de la magistrature pose un principe général : " Les
" magistrats ne sont responsables que de leurs foutes personnelles
670
) . Le Conseil Supérieur de la Magistrature ( C S M
671
النص األصلي باللغة الفرنسية . " Manquement aux devoirs de l’état" :
. 672الدكتور حامد الشريف " ،موانع القضاء" ،المكتبة العالمية0117 ،
في قرارات عدة نذكر من بينها القرار عدد 2191للسنة القضائية عدد ،11الصادر بتاريخ
.9112/9/20
أما فيما يخص المسؤولية الجنائية للقضاة ،فقد اعتبر المشرع الفرنس ي أنها تخضع
للقواعد العامة للقانون الجنائي .حيث يتم تكييف األفعال المرتكبة من طرف القاض ي أثناء
مزاولته لمهامه والتحقق ما إذا كانت مستوفية لألركان المؤسسة للفعل الجرمي طبقا للقواعد
ّ
المنصوص عليها في منظومة القانون الجنائي .وقد يعتبر البعض على أن هذا التوجه ال ُي َو ِف ُر
الحماية الكافية للسادة القضاة ،ويفتح الباب على مصراعيه أمام قيام متابعات ،إصدارأحكام
قاسية في مواجهة السادة القضاة مرتكبي تلك األفعال الجرمية .بيد أن فلسفة المشرع
الفرنس ي تبقى واضحة المعامل ،ترمي إلى تجريد السادة القضاة من أي امتياز على اعتبار أنهم
الضامنين للتطبيق العادل والمنصف للقانون وأن إتيانهم ألفعال جرمية في ظل منحهم
امتيازات خاصة قد يضرب عرض الحائط مصداقية منظومة العدالة برمهها .673وهو النهج
الغاية األساسية واألصلية من نشأة حق التجريح هو استبعاد قاض من هيئة الحكم أو
المتابعة ( المطلب األول) ،لكن ببروز وسائل بديلة لفض النزاعات وامتداد استعمالها ،أضحى
673
. Nicolas Broconnay : " La responsabilité des Magistrats " : 11 juin 2019.
المتبعة (الفقرة األولى) ،لكن الموقف المتبني بخصوص تجريح قضاة النيابة العامة يضل
لم ُي َع ّ ِرف المشرع المغربي تجريح القضاة في الفصول 211إلى 211من قانون المسطرة
َ َّ
المدنية المؤطرة له ،ل ِكن ُه ترك هذه المهمة للفقه .حيث عرفه الفقيه عبد العزيز توفيق على
َ
أنه " طلب منع القاض ي نظرالنزاع كلما قام سبب يدعوإلى الشك في قضائه بغيرميل أوت َح ُّي ٍز".674
أما الفقه الفرنس ي ،فقد عرفه على أنه " تلك اآللية التي تسمح لألطراف بمنع القاض ي وصرفه
من متابعة نظر النزاع المطروح أمامه متى تحققت أسباب ذلك" .675في مصر ،أرادت محكمة
النقض المصرية وضع حد لالختالفات الفقهية في تعريف مفهوم تجريح القضاة ،بوضعها
تعريف له في القرار عدد 129الصادر في الملف عدد ،21/19/9111بأنه "مسطرة مقررة لتقرير
ضمانات معينة للحفاظ على هيئة القضاة وحسم ما يثار حول القاض ي من ادعاءات".676
ُ ُ
والمالحظ من خالل تحليل هذه التعريفات ،أنها ت ِبرز تجريح القضاة على أنه آلية إجرائية َس َّن َها
المشرع لخدمة غاية معينة وهي حماية المتقاضين من أي تطبيق غير عادل للمقتضيات
القانونية المؤطرة للنازلة ُي ْع َزى سواء لعدم حياد القاض ي أو لوجود مصلحة له في النزاع تضع
. 674ذ .عبد العزيز توفيق " ،التعليق على قانون المسطرة المدنية المغربي على ضوء الفقه والقضاء" ج .0الدار العربية
.للموسوعات بالقاهرة باالشتراك مع الشركة الجديدة ،دار الثقافة بالبيضاء 0212 ،صفحة .007
675
. Serge Guinchard, " Droit et pratique de la procédure civile ", Dalloz, 2002 , p. 825.
. 676قرار محكمة النقض المصرية عدد 200الصادر في الملف عدد ( 02/10/0210س 21قضائية) ،أورده احمد ابو الوفا ،التعليق
على نصوص المرافعات ،منشأة المعارف باإلسكندرية طبعة ،0سنة 0111صفحة .027
تتميز مسطرة تجريح القضاة بطابعها االختياري والشخص ي .لكن المشرع المغربي،
وخالفا إلى ما سارعليه في الفصل 211من قانون المسطرة الجنائية ،لم ينص صراحة على ذلك
"يقدم طلب التجريح كتابة ،ويجب أن تبين فيه تحت طائلة البطالن الوسيلة المثارة
للتجريح ،وأن يرفق بجميع الحجج المقيدة ويوقعه طالب التجريح أو وكيله الخاص".
أما المشرع الفرنس ي ،فقد نص بطريقة جلية على الطابع الشخص ي لمسطرة تجريح
récusation peut être proposée par la partie elle-même ou par son mandataire. Le
وهو نفس النهج الذي سارعليه المشرع المصري في الفصل 913من قانون المر افعات
وأكدته محكمة النقض المصرية في العديد من قراراتها .677ومن الناحية اإلجرائية ،يقدم طلب
التجريح وفق القواعد المنصوص عليها في الفصل 32و 33من قانون المسطرة المدنية المغربي
واملحددة لشكليات المقال االفتتاحي للدعوى .لتقوم بعد ذلك كتابة الضبط باملحكمة التي
يزاول بها القاض ي مهامه ،بتبليغه ذلك الطلب .وعليه أن يصرح داخل أجل عشرة أيام من تاريخ
التوصل ،678سواء برفضه أو قبوله ،مع اإلجابة عن وسائل هذا الترجيح .فإذا تعلق األمربقاض
. 677علي عوض حسن " ،رد ومخاصمة أعضاء الهيئات القضائية" ،دار الفكر الجامعي باإلسكندرية ،طبعة ،0سنة ،0222صفحة
.00
. 678الفصل 020من قانون المسطرة المدنية المغربي.
يزاول مهامه باملحكمة االبتدائية أو بمحكمة االستئناف ،فإن طلب التجريح ،مرفوق بجواب
القاض ي أو المستشار يحال على السيد الرئيس األول الذي يستمع للطرف المقدم للطلب
وللقاض ي أو المستشار قبل أن يحيل الملف على غرفة المشورة .بينما تبث محكمة النقض في
نفس اإلجراءات ،ال من ناحية شكليات تقديم الطلب أو االجاالت الممنوحة ،في طلب تجريح
ُ
ويتضح جليا مما سبق ،بأن هذه المسطرة هي تواجهية في ك ْن ِه َها ،حيث تتاح الفرصة
للقاض ي أو المستشارموضوع طلب التجريح الرد على مزاعم مقدم الطلب و إبرازمكامن الخلل
أو تفتقر لوسائل في دفوعاته التي قد تخرج عن إطار التنصيص الحصري ألسباب التجريح680
اإلثبات .هذا الطابع الحصري الذي أكدته محاكم االستئناف المغربية في قرارات عدة ،نذكر
من بينها قرار محكمة االستئناف التجارية بمراكش عدد 993الصادر بتاريخ 2110/10/21في
الملف رقم ،2110/911حيث أكدت في قرارها بأن " سبب التجريح المعتمد والمنصوص عليه
في الفصل 211من قانون المسطرة المدنية غيرمتوفرفي النازلة مما ينبغي معه التصريح برفض
الطلب".681
حرص المشرع المغربي ،مند صدور الصيغة األولى لقانون المسطرة المدنية ،على
َْ َ ُ َ
تضمين نصوص ومقتضيات تخ ّ ِو ُل أطراف النزاع تجريح القاض ي وتن ِح َيت ُه عن هيئة الحكم.
َ
واب ِط ِه ،شكل حافزا
فالميراث التشريعي اإلسالمي ،والذي كان سباقا لتأطير التجريح ووضع ض ِ
ُ َ َ ّ
ض ّمنها في الفصول 211وما يليها من قانون للمشرع المغربي ِل َيت َبنى هذه المسطرة الخاصة وي
-إذا وجدت قرابة أو مصاهرة بينه أو بين زوجه مع أحد األطراف حتى درجة ابن العم
المباشربإدخال الغاية.
-إذا كانت هناك دعوى قائمة أو انههت منذ اقل من سنتين بينه أو بين زوجه أو أصولهما
-إذا قدم استشارة أو ر افع أو كان طرفا في النزاع أو نظر فيه كحكم أو أدلى فيه بشهادة.
-إذا وجدت عالقة تبعية بين القاض ي أو زوجه وبين أحد األطراف أو زوجه.
إال أن القراءة الدقيقة لهذه األسباب الثمانية ،والتي أراد لها المشرع أن تكون مفصلة
لرفع اللبس وتمكين األطراف من تأسيس مطالبهم على أسباب واضحة ،يمكن حصرها في املحاور
الثالث التالية:
فاملحور األول ،والمتعلق بوجود مصلحة مباشرة للقاض ي في النزاع ،ال يعدو أن يكون في
َ َ ُك ْنهه إال إجراءا ْ
اح ِت ِرا ِزَّيا َي ْر ِمي من خالله المشرع ت ْم ِكين أطراف النزاع من تنحية القاض ي الذي ِِ
ّ
ُي ِخ ُّل بمبدأ االستقاللية .ذلك أن وجود مصلحة اقتصادية أوشخصية للقاض ي في النزاع ،تجعله
تحت رحمة القرارات التي قد تتخذها الجهة التي تكفل هذه المصلحة والتي قد تلوح بإيقاع
ْ
الضرربها في حالة عدم امتثاله ِل َرغ َب ِه َها.
أما املحورين الثاني والثالث ،فهما بمثابة رد فعل المشرع المغربي الحتمال َزْي ِغ القاض ي
أو الهيئة القضائية عن مبدأ الحياد .ذلك أن تكوين القاض ي لرأي مسبق عن القضية سواء إذا
ًّ
كان نائبا قانونيا ألحد األطراف أو في إطارتقديم استشارة أو شهادة في النزاع ،يجعله ُم ِخال بمبدأ
الحياد وتحديدا بشقه الموضوعي .682أما السبب المتعلق بوجود عالقة شخصية سواء قرابة
أو عداوة ،بين القاض ي وأطراف النزاع ،فلها تأثيرسلبي على حياد القاض ي " الذاتي" ،كما عرفته
.)Le Strum
المسطرة المدنية والتنظيم القضائي الفرنس ي ،اللذان كانا نتاجا لتعديالت عدة طرأت خالل
قرون على مرسوم ،9001والتي أسفرت على تقسيم التجريح إلى نوعين ( :أ ) "الترجيح المسبب"،
ْ
َوالذي يجب أن َين َب ِني على أسباب ذكرها المشرع الفرنس ي في القانون المسطري ،و( ب )
"الترجيح القاطع"َ ،والذي يسمح للخصوم تأسيس طلب التجريح على أسباب أخرى غيرتلك التي
ذكرها القانون .وبعد التعديل الذي حصل على المادة 313من قانون المسطرة المدنية
الفرنس ي بتاريخ 90مارس ، 9111حدد المشرع الفرنس ي أسباب تجريح القضاة في ثمانية .في
. 682قرار محكمة األوروبية لحقوق اإلنسان عدد )Le Strum c/ France ( 07227/10الصادر بتاريخ 2اكتوبر 0117
حين لم يكن للتعديل الذي أدخله المشرع الفرنس ي على مسطرة التشكك المشروع أي أثر على
أسباب تجريح القضاة ،حيث اكتفى باألسباب الثمانية مع تضمينها في الفصل L111-5من
-2إذا كان القاض ي أو زوجه دائن ،مدين ،وريث أو واهب ألحد األطراف.
-3إذا كان القاض ي أو زوجه أبا أو والي ألحد األطراف أو زوجه إلى غاية الدرجة الرابعة.
-4إذا كان هناك نزاع قائم بين القاض ي أو زوجه وأحد أطراف النزاع.
-1إذا ما سبق للقاض ي أن بث في القضية مسبقا بصفته هاته أو بصفته محكم أو
مستشارألحد األطراف.
-1إذا كان بين القاض ي أو زوجه عالقة تبعية مع أحد األطراف أو زوجه.
-1إذا كان بين القاض ي وأحد األطراف عالقة صداقة أو عداوة معروفة.
باإلضافة إلى األسباب السالفة الذكر ،نص المشرع الفرنس ي في الفصل 1-9من
ما يثير انتباه الباحث ،من أول قراءة لألسباب المنصوص عليها في الفصل L111-5من
مدونة التنظيم القضائي الفرنس ي والمرسوم المنظم لوضعية القضاة ،وجود تطابق كبير َب ْي َن َها
وبين تلك المنصوص عليها في الفصل 211من قانون المسطرة المغربي .ذلك إذا ما استثنينا
الشرط األخيرالمتعلق بتضارب المصالح ،يتضح بأن هذه األسباب يمكن إدراجها تحت خانتين
أساسيتان .األولى تعنى بانتفاء شرط الحياد بشقيه الموضوعي والذاتي كما عرفته املحكمة
االوروبية لحقوق اإلنسان في قرارها " ." Le Strum vs Franceويتعلق األمر بكل من الفقرة
األولى ،الثانية ،الرابعة ،الخامسة والثامنة من الفصل L111-6من مدونة التنظيم القضائي.
أما الفقرات األخرى ،وهي الثانية ،السادسة واألخيرة ( التاسعة ) فتعنى باألسباب التي يمكن
والجدير بالذكر أن المشرع المغربي ،وعلى غرار النهج الذي سار عليه المشرع الفرنس ي،
َّ
َمك َن القاض ي في الفصل 211من قانون المسطرة المدنية ،من تجريح نفسه سواء بناء على أحد
األسباب المنصوص عليها في الفصل 211من قانون المسطرة المدنية أو لسبب آخر .حيث
عليه أن يوجه طلبه لرئيس املحكمة إذا تعلق األمر بقاض ي يزاول مهامه في املحكمة االبتدائية.
أما إذا تعلق األمر برئيس املحكمة االبتدائية ،فالتصريح يوجه للسيد الرئيس األول .وفيما
يخص باقي الحاالت والمتعلقة أساسا بمستشارين يزاولون مهامهم سواء لدى محكمة
االستئناف أو لدى محكمة النقض ،فالطلب يوجه لرؤساء الغرف والمستشارين اآلخرين الذين
َ
يزاولون مهامهم في هذه الغرف والذين عليهم أن ُيق ّ ِر ُروا ما إذا كان على المستشار المقدم
للتصريح بالتجريح أن يتخلى عن الحكم في القضية .وبالرجوع للفصول المنظمة للتجريح في
َّ
مدونة التنظيم القضائي الفرنس ي ،يتضح بأن المشرع الفرنس ي َمك َن قضاة الموضوع وقضاة
النيابة العامة ،على حد سواء من تجريح أنفسهم ليس فقط لألسباب المنصوص عليها في
الفصل L111-6من مدونة التنظيم القضائي ،بل ألي سبب آخر السيما حينما يتعلق االمر
بتضارب المصالح.
وفيما يخص تجريح قضاة النيابة العامة ،فقد َع ِم َل المشرع المغربي ،من خالل
مقتضيات الفصل 211من قانون المسطرة المدنية ،على تمكين األطراف من ترجيح هذه الفئة
من القضاة ،إذا كانوا طرفا منظما في الدعوى ،وفقا لألسباب المنصوص عليها في الفصل 211
َ
من قانون المسطرة المدنية .لكنه لم ينص صراحة على تمكينهم من تجريح أنفسهمَ .ب ْيد أن
الصيغة العامة التي جاء بها هذا النص ،أي الفصل 211من قانون المسطرة المدنية ،ال تفيد
لكن هذا التباين بين التنصيص الحصري ألسباب التجريح ،حينما يتعلق األمر بمباشرة
َّ ْ
التجريح من طرف أحد المتقاضين ،وحينما يتعلق األمر بتصريح بالتن ِح َّي ِة صادر عن أحد
َ ََْ
القضاة أنفسهم قد يدعو البعض إلى اعتبار أن هذه المسطرة الخاصة تفت ِق ُر ِل ُمق ّ ِو َمات
اإلنصاف وأنها تضيق الخناق على أطراف الدعوى ،في حين تتسم بالمرونة كلما تعلق األمر
بتصريح التنحية الصادر عن القاض ي .كما أن إمكانية تجريح القاض ي نفسه في القانون
المسطري المغربي ،ألسباب أخرى غير تلك المنصوص عليها في الفصل 211من قانون
َ ْ
المسطرة المدنية ،تط َر ُح أكثرمن تساؤل حول إمكانية استعمال من هذه اآللية من طرف بعض
السادة القضاة كوسيلة إلنكارالعدالة بمفهوم التخلي عن قضية معينة واالمتناع عن البث فيها.
وهو السيناريو الوارد السيما إذا كانت القضية المعروضة على القاض ي أو المستشار المقرر
تطرح بعض اإلحراج ألسباب قد ال تكون ظاهرة للعيان ،أو نابعة عن رغبة القاض ي في تعطيل
َ َْ
مصالح أحد المتقاضين .فالنفس البشرية ِب َو ْج َه ْي َها الصالح والطالح ال ت ْستث ِني فئات معينة من
َ ّ َُ ْ
والمث ِابرالذي على الشخص القيام املجتمع ،وأن السبيل الوحيد َله ْه ِذ َي ِب َها َيك ُم ُن في العمل الج ِاد
به في سبيل تقويم سلوكه وتوجيه نفسه سبيل التقوى .والنص القرآني واضح في هذا الباب.
َََْ َ َ ُ ُ َ َ ْ
ور َها َوتق َو َاها". يقول الله تعالى في سورة الشمس ( اآلية " :)1فألهمها فج
لكن هذا التمييز بين أطراف النزاع والقضاة في تفعيل مسطرة التجريح ،قد يكون سببه
نابع من رغبة المشرع منع أي شطط في استعمال حق التجريح من طرف المتقاضيين الذين قد
يلتجئوا إليه كأداة لتعطيل العدالة أو إطالة أمد النزاع دونما أن يرتكز التجريح على أسباب
جدية .فالتجربة القضائية ،وتحديدا فيما يخص المنازعات المعروضة أمام املحاكم ،أبانت
عن الكم الهائل من المساطر التي تمارس من طرف بعض المتقاضين سواء بسوء نية أو رغبة
ومن هذا المنطلق ،كان الترجيح والزال في ظل معظم األنظمة القانونية ،يعتبر سيف دو
حدين قد ال يتسنى بلوغ المقاصد المتوخاة منه إذا لم يتم تقنين األسباب التي سيرتكز عليها
َ
طلب التجريحَ .ول َع َّل التطور التاريخي ،الذي تمت اإلشارة إليه في ديباجة هذا المقال ،وكيف
كان هذا الحق عرضة لممارسات تعسفية سواء من طرف المتقاضيين أو بطريقة غير مباشرة
تحت ضغط الساسة والملكية ،لكفيل بتبيان مدى أهمية هذا التقنين ألسباب التجريح التي
يمكن إثارتها من طرف المتقاضين .لكن أبرزانتقاد يمكن توجيهه للنصوص القانونية المؤطرة
للتجريح ،سواء في القانون المغربي أو على مستوى القانون المقارن ،هو جمود هذه النصوص
التي لم يطرأ عليها أي تغييرمنذ عقود ،بالنسبة للنصوص المغربية ،أو تعديالت طفيفة بالنسبة
للنص الفرنس ي .مما تكون معه هذه المقتضيات ال تواكب العصرمن ناحية التطورالسوسيو
وعلى هذا األساس ،يتعين من جهة إعادة النظر في المسطرة المتبعة في تقديم القاض ي
لطلب تجريح نفسه ،حيث إذا ما استثنينا الحالة التي يعرض فيها رئيس املحكمة االبتدائية طلبه
على مرؤوسه اإلداري المباشر ،وهو الرئيس األول ،فإن الحاالت األخرى والتي تتعلق سواء
بقضاة املحكمة االبتدائية ،مستشاري محكمة النقض أو محكمة االستئناف ،فإن طلباتهم
تعرض على أعضاء الغرفة التي تبث في القضايا المعروضة على املحكمة في تلك المادة والذين
عليهم أن يقرروها ما إذا كان على القاض ي أو المستشار تنحية نفسه من عدمه .وهو اإلجراء
الذي يتجرد من أي طابع استثنائي ،على الرغم من أن الطلب الموجه من طرف القاض ي أو
المستشار يعد في حد ذاته طلبا استثنائيا يتعين البث فيه من طرف هيئة محايدة وأعلى درجة
في السلم اإلداري القضائي حتى تتمكن من تقييمه بكل استقاللية وموضوعية.
ومن جهة أخرى ،يتعين على المشرع المغربي ،وعلى غرار ما سار إليه المشرع الفرنس ي،
أخد بعين االعتبار إمكانية تجريح القضاة أنفسهم ،سواء كانوا قضاة موضوع أو قضاة النيابة
َ َ
العامة ،ألسباب تتعلق "بتضارب المصالح" .ذلك أن تطور الحياة االقتصادية ،تش ُّع ُب َها وتعدد
َ ُ
استثمارات الفاعلين االقتصاديين ،سواء كانوا موظفين أوغيرهم ،وفي حدود َما ُيخ ّ ِول ُه القانون،
يجعل القضايا التي قد تطرح أمام املحاكم ،ويكون فيها للقاض ي أو ألحد أفراد أسرته الصغيرة أو
الكبيرة تضارب في المصالح بين النهج الذي يجب أن تسير إليه العدالة ومصلحة القاض ي أو
المستشارالمقرر ،تستدعي أن يقدم هذا األخيرطلب تنحيته حتى ولو كان هذا التضارب مستترا
وغيرواضح للعيان.
بصدور مدونة األخالقيات القضائية ،أرادت السلطات العليا القضائية المغربية أن
توضح الرؤية وأن تنفي الجهالة عن كل ما من شأنه أن يشكل حجرة عثراء أمام النهوض بمنظومة
العدالة .لكن الطابع الغير اإللزامي للمدونة وتلويحها بعقوبات تأديبية فقط ،في حالة وجود
تضارب بالمصالح ،يجعل فاعليهها ضعيفة أمام عدم التصريح العلني للقاض ي بوجودها .مما
يكون معه تعديل مقتضيات الفصل 211من قانون المسطرة المدنية بطريقة تتضمن "
تضارب المصالح " كأحد أسباب تقديم طلب التنحية ضرورة يمليها الو اقع السوسيو
ومن جهة أخرى ،ما يثير انتباه الباحث في تحليله للنصوص القانونية المؤطرة لتجريح
القضاة ،هو انعدام التوحيد بين المقتضيات واألسباب التي بموجبها يمكن تجريح القاض ي أو
الهيئة القضائية بين القانون المدني التجاري والجنائي سواء على مستوى القانون المصري
الفرنس ي أو حتى المغربي .فحاالت الرد في قانون اإلجراءات الجنائية المصرية هي أوسع من
مثيلهها في قانون المر افعات المدنية والتجارية .وأسباب تجريح القاض ي المدني والتجاري في
القانون المصري تقتصر على تلك المنصوص عليها في المادة 941من قانون المر افعات .أما
قانون اإلجراءات ،فهو يتضمن باإلضافة إلى األسباب المنصوص عليها في الفصل ،941األسباب
أما المشرع الفرنس ي ،فلم يوحد بدوره أسباب التجريح بين القانون المدني والجنائي،
لكنه وخالفا للمشرع المصري ،أورد عدد أسباب التجريح تفوق تلك المنصوص عليها في
التشريع المصري خصوصا في المادة المدنية والتجارية .كما أن أوجه التباين في هذا الباب
تكمن في تخصيص كل من المشرع المصري والفرنس ي أسبابا لتجريح القاض ي الجنائي أقل بكثير
من تلك املخصصة لتجريح القاض ي المدني ،على عكس التوجه الذي سار عليه المشرع
المغربي ،الذي يعتبر أن الطابع الزجري والعقوبات السالبة للحرية المقترنة باألحكام الصادرة
عن القاض ي الجنائي ،تستدعي توسيع رقعة األسباب التي تخول تجريح القاض ي الجنائي.
اختلف الفقه حول تاريخ ظهور النيابة العامة كجهاز .لكن بعض الباحثين يؤكدون بأن
الملك فيليب الخامس ،في القرن الرابع عشر ميالدي ،أصدر وثيقة موجهة لوكالئه يأمرهم
بتمثيله في املحاكم الفرنسية في القضايا المتعلقة بممتلكاته ،لتتوسع بعد ذلك صالحيات هؤالء
. 683ذ .حامد الشريف " ،موانع القضاء" ،المكتبة العالمية ،طبعة 0117
للمجتمع.
لم يعرف التشريع المغربي مؤسسة النيابة العامة كجهاز قائم الذات إال بعد فرض
الحماية الفرنسية ابتداء من معاهدة فاس المبرمة في 31مارس .9192وقد تكرس هذا الجهاز،
اي النيابة العامة ،بعد استقالل المغرب وسن قانون المسطرة الجنائية في 91فبراير 9111
والذي تم إعداده على ضوء قانون المسطرة الجنائية الفرنس ي .هذا األخير عرف زمرة من
التعديالت كان آخرها القانون 23.11والقانون .24.11يحكم عمل النيابة العامة في المغرب
القانون المسطري ،سواء تعلق األمر بقانون المسطرة المدنية أو الجنائية ،باإلضافة إلى
مجموعة من المراسيم الملكية التي حددت اختصاصات وكالء الملك ،والتي تتمحور أساسا
حول مر اقبة تطبيق القانون .أما في التشريع اإلسالمي ،فنظام النيابة العامة لم يكن موجودا
بنفس التركيبة أو التسمية ،وكانت هناك أنظمه شبيهة تحمل اسم " والية المظالم" أو " والية
الحسية َ"والتي لم تكن ممثلة في املحكمة على الرغم من أن اختصاصاتها كانت قريبة من
النيابة العامة هي جهاز قضائي يدافع عن الحق العام عبر تسطير متابعات هدفها تمكين
املجتمع من إيقاع العقاب على مرتكبي األفعال الجرمية .وفي إطار إنجازها لمهامها ،خول لها
القانون 684مرة من الصالحيات التي ُت ْ
ض ِفي على عمل ممثلتي هذا الجهازعدة خصائص تميزهم ز
عن قضاة الموضوع والمتمثلة أساسا في :في االستقالل ،الوحدة ،التدرج والخضوع الرئاس ي،
باإلضافة إلى خاصية عدم المسؤولية ،عدم القابلية للتجريح ،685ناهيك عن عدم ارتباط الجهاز
بمطالبه.
فخاصية وحدة النيابة العامة تعنى أساسا بكون أن أي قرار صادر عن أي عضو من
أعضاء هذا الجهاز ،يعتبر كأنه صادر عن الجهاز ككل .هذا باإلضافة إلى تمكين أعضاء النيابة
العامة من أن يحل أحدهم مكان اآلخر .فهم يعملون باسم هذا الجهاز على خالف قضاة
َ
الموضوع ،حيث يستقل كل واحد في َع َم ِل ِه القضائي عن اآلخر ،وال يمكنهم التناوب عليهَ .ب ْيد
أن لخاصية الوحدة قيود تتمثل في االختصاص النوعي والترابي املخول لكل هيئة داخل دائرة
ومن جهة أخرى ،يخضع قضاة النيابة العامة لتسلسل إداري هرمي ،يعتبر بموجبه
الوكيل العام لدى محكمة النقض مرؤوسهم األعلى طبقا لمقتضيات القانون 91.33والمتعلقة
بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعمل إلى الوكيل العام لدى محكمة النقض.
حيث أصبح هذا األخير ،منذ تاريخ دخول هذا القانون حيزالتنفيذ في 1اكتوبر ،2191المسؤول
القضائي األول عن جهازالنيابة العامة وذلك خالفا للوضع السابق ،686والذي بموجبه كان لوزير
ويعتبرهذا التعديل لبنة أساسية في إطاراستكمال البناء الدستوري في البالد ،ويندرج في
إطار تفعيل أحكام كل من المادتين 991و 990من الدستور المغربي والمادتين 999و 991من
القانون األساس ي للقضاةَ .
وع َم ِل ًّيا ،تقتض ي هذه القاعدة ،أي الهرمية ،خضوع كل مرؤوس
لرئيس .حيث يتعين على كل عضو من أعضاء النيابة العامة التقيد بالتعليمات .غيرأن اإلجراء
فقضاة النيابة العامة هم قضاة يخضعون لنفس التكوين كقضاة الموضوع ويتمتعون
باالستقاللية ،في إطار إنجازهم لمهامهم ،كممثلين للسلطة القضائية عن الجهاز التنفيذي
والتشريعي .وعلى الرغم من تنوع أنماط تدخلهم في الدعاوى من طرف رئيس ي ،منظم ،687فهم
يتمتعون باالستقالل سواء عن الخصوم أواملحكمة .ذلك أن سلطة المالئمة املخولة لهم قانونا
تمنحهم الحق في تسطيرالمتابعة من عدمه حسب ظروف ومالبسات القضية المعروضة عليهم.
بيد أن خاصية عدم قابلية تجريح قضاة النيابة العامة أضحت موضوع جدل واسع من
لدن لفقه ،الذي يرى هذا الجهاز ،أي النيابة العامة ،كخصم إجرائي أكثر من ما هو خصم
َ
بالمفهوم القانوني التقليديَ .وي ْعت ِب ُر من جهة أخرى ،عدم إمكانية تجريح أحد ممثلي النيابة
العامة على الرغم من وجود أدلة قوية تضع حياده محطة شك ،خرقا لشروط املحاكمة العادلة
وحصانة غيرمبررة لجهاز اعتبرته محكمة النقض فرنسية في قرارها ،1911الصادر في 91دجنبر
2191بأنه جهازغيرقضائي.
تتدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية ،كما تمت اإلشارة إليه آنفا كطرف منظم
وذلك خالفا للقضايا ذات الطابع الزجري .وهناك إجماع بين كل من المشرع المغربي ،الفرنس ي
والمصري على إمكانية تجريح ممثلي النيابة العامة حينما يكون تدخلهم إختياري في الدعاوى
المدنية .لم يقدم المشرع 688أي تعليل واضح بخصوص التمييز في ممارسة حق التجريح بين
. 687حينما تتدخل النيابة العامة كطرف منظم فتدخلها يكون أما اختياري أو إجباري حسب طبيعة القضايا
. 688سواء المغربي ،الفرنسي والمصري
التدخل االختياري واإلجباري للنيابة العامة في هذه الدعاوى ،لكن الفقه أدلى بدلوه في هذا
وال تقدم أي طلب من الطلبات ،أو تتخذ أي إجراء ،ناهيك عن عدم ممارسة أي طعن .فمركزها
يتسم بالحياد وتكتفي بإبداء رأيها بهدف التطبيق السليم للقانون والعدالة .بل إن بعض الفقه
أنعهها بالحكم االستشاري لما لمذكراتها من تأثيرعلى رأي املحكمة .لكنها تبقى بدون مصلحة في
النزاع ومحايدة لكون أن طبيعة هذا التدخل يحتم عليها أن تبحث في القانون وحده دون الوقائع
بيد أن توجها من الفقه الفرنس ي ال يشاطرهذا الرأي ،ويعتبرأن تدخل النيابة العامة في
القضايا المدنية ال مبررله وان مهمة حماية مصالح املجتمع هي من اختصاص قضاة الموضوع
َ ُ
َيت َم َّيز المركز القانوني للنيابة العامة في المواد المدنية بعدم التبات وبتغيره ،حسب
طبيعة القضايا ،من أصلي إلى منظم ،وذلك خالفا لما سارت عليه جل التشريعات العربة منها
أو الغربية في المادة الجنائية .وهناك شريحة عريضة من الفقه ترفض تكييف تدخل النيابة
العامة في القضايا المدنية كطرف أصلي ،ألنها ال تتدخل كخصم بنفس المنوال الذي تكون
َ ّ
عليه في الدعاوى الجنائية .690ولعل ت َب ِني كل من المشرع المغربي ،المصري والفرنس ي التوجه
الذي بموجبه تتدخل النيابة العامة كطرف أصلي في بعض القضايا المدنية ،يرتكزعلى فلسفة
قانونية مفادها بان هناك نوعية خاصة من القضايا لها صلة وثيقة بالمصلحة العامة أو
689
. H. Soulous :"La jurisprudence et le droit de ministère public d’agis au service de l’ordre public", TI
Paris, 1937, P.731, N° 870
. 690ذ .نوال التغدويني " ،تجريح قضاة النيابة العامة في النظام القانوني المغربي" .مطبعة انفو برائت0100 ،
بالنظام العام تستوجب حماية خاصة من طرف المشرع .وأن العلة وراء عدم تمكين األطراف
ْ
تجريح ممثلي النيابة العامةَ ،يك ُم ُن في أن ممارسة صالحياتهم وأداء مهامهم التي أوكلها لهم
َ
المشرع ،ال يمكن أن ُيف َّع َل في إطار المساطر المعروضة على املحكمة إذا ما التزموا الحياد .بل
أن أدائهم لمهامهم على الوجه الذي أراده المشرع يستوجب عليهم عدم الخضوع لذا المبدأ
السيما و أنه يتعلق األمر بنوعية من القضايا لها ارتباط جوهري باالستقرار العام للمجتمع
والحفاظ على ثوابته .وبالتالي فإن ممارسة حق التجريح مخول قانونا متى استوجب المشرع
وغني عن البيان أن تدخل النيابة العامة في القضايا المعروضة على املحاكم تحكمه
قواعد آمرة .مع التمييز بين الحاالت التي يكون فيها التدخل إجباريا ،الفصل 1من قانونا
لمسطرة المدنية ،والحاالت التي ترك فيها المشرع السلطة التقديرية لممثلي النيابة العامة،
حيث يمكن لهم في هذه الحاالت األخيرة ،االطالع على كافة القضايا المعروضة والتدخل في
بعضها .كما يمكن للمحكمة أن تقررإحالة ملف معين على النيابة العامة لإلدالء بمستنتجاتها،
على أساس أن ال تمارس أي طعن من الطعون وينص الحكم الصادر على إدالئها بمستنتجاتها
نظم المشرع المغربي تدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية في الفصول من 0إلى 91
من قانون المسطرة المدنية ،حيث يكون تدخلها اختياريا ،باالستثناء الحاالت التي نص عليها
- 3القضايا المتعلقة بفاقدي األهلية وبصفة عامة جميع القضايا التي يكون فيها ممثل
- 0القضايا التي تتعلق بتنازع االختصاص ،تجريح القضاة واإلحالة بسبب القرابة أو
المصاهرة.
- 1مخاصمة القضاة.
وفرضت على املحكمة تبليغ النيابة العامة بهذا النوع من الدعاوى التي تتسم بصلهها الوثيقة
بالنظام العام من جهة ،وتتعلق من جهة أخرى بمصالح أطراف يعتبرهم المشرع األكثر ضعفا
وعرضة بأن تنههك حقوقهم .وهو التوجه الذي ال يختلف معه الفقه ال سيما ،وأن السرد
المنصوص عليه في هذا الفصل يشير إلى نوعية قضايا ليس ألطر افها القدرة على الدفاع
الصحيح على حقوقهم ،أصول منتجة مخصصة لخدمة الصالح العام ،أو بقضايا تتسم
بحساسيهها كتلك المتعلقة بمخاصمة القضاة أو الزور الفرعي .ومن هذا المنطلق ،يعتبر
المشرع أن النيابة العامة حينما تتدخل في هذه القضايا فهي ال تقتصر فقط على إثارة النقاط
المتعلقة بالنظام العام أو الدفاع عن حقوق األطراف المشار إليهم في الفصل التاسع من
قانون المسطرة المدنية ،بل يتعدى دورها ذلك لتكون طرفا في الدعوى .وعلى هذا األساس،
تقوم النيابة العامة بتقديم الملتمسات ،طلب االستماع إلى الشهود ،إجراء بحوث في نقاط
معينة كفيلة بتنوير املحكمة ،الطعن بزورية الوثائق وطلب إجراء خبرات .هذا ناهيك عن
ممارسة طرق الطعن وما إلى ذلك من اإلجراءات املخولة قانونا ألطراف الدعوى .لكن هذا
الموقف ،الذي تبناه المشرع المغربي وسار عليه كل من المشرع المصري والفرنس ي ،يلقى
معارضة متزايدة من طرف الفقه الذي يرى في النيابة العامة خصما إجرائيا وليس خصما
موضوعيا .691هذه المعارضة بلغت ذروتها في األنظمة القانونية ذات المرجعية الالتينية ،حيث
أضحى الفقهاء ُي َساءلون استثناء قضاة النيابة العامة من التجريح سواء في المادة الجنائية أو
َ
في بعض الدعاوى المدنية التي ُيعت َب ُرفيها تدخل النيابة العامة إجباريا .ذلك أن نوعية القرارات
التي قد يتخذها ممثلوا النيابة العامة أو تلك الملتمسات التي قد تقدم للمحكمة سواء في
الدعاوى المتعلقة باألشخاص المفترضة غيبههم ،بتجريح زمالئهم من قضاة الموضوع ،أو تلك
المتعلقة باألسرة ،قد ال تخلوا من الحياد واالستقاللية .فيكفي أن تكون مثال لممثل النيابة
العامة ،المنصب في ملف يتعلق بقضايا األسرة على سبيل المثال ،صداقة ،قرابة أو حتى
عداوة معروفة مع أحد أطراف النزاع لتصبح قراراته موجهة ،غيرمنصفة بل ذات طابع انتقامي
غير مسؤول .ويرى هذا التوجه الفقهي أيضا أن تمت العديد من األسباب التي تؤثر في نزاهة
واستقالل النيابة العامة والتي ليست مجرد خصم لكونها تقوم بمهمة أسندت إليها بموجب
القانونَ ،
وحار ُ
س القانون يجب أن يكون حارسا كالقانون نفسه .692باإلضافة أن تجريح النيابة
. 691ادولف ريولط " ،قانون المسطرة المدنية في شروح" ،تعريب ادريس ملين .منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات ،مطبعة
المعارف الجديدة ،الرباط ،ع.ط.غ.م.س ،0220 .صفحة 020
692الدكتور محمد سمير عبد الفتاح " :النيابة العامة وسلطتها في إنهاء الدعوى الجنائية بدون محاكمة" ص ،22منشأة المعارض
باإلسكندرية0210 ،
العامة ال يتعلق إال بأحد أفرادها وليس الجهاز كله .693وأن عضو النيابة العامة ال يختلف
شخصه إذا ما كان عضوا أصليا أم عضوا منضما .ذلك أنه في كلتا الحالتين أسباب التجريح
تبقى متوفرة السيما وأن األمر يتعلق بحياد النظام القضائي بأكمله الذي تشكل فيه النيابة
العامة عنصرا أساسيا وأن علة " النيابة العامة خصم في الدعوى" ،ال تصلح إال بالنسبة ألعمال
اإلتهام .ولعل االستثناء الوحيد ،في العالم العربي ،لهذه القاعدة يبقى قانون األحكام العسكرية
المصري الذي أجازتجريح النيابة العامة العسكرية في المادة 09منه على الرغم من أنها تتدخل
أخذت الوسائل البديلة لفض النزاعات مكانة هامة منذ عقدين من الزمن ،كآليات
للفصل في القضايا التي كانت تعرض تاريخيا على القضاء ( الفقرة األولى) .ومع اتساع رقعة
تفعيلها ،أضحى من الالزم تمكين األطراف من التحقق من استيفاء شروط املحاكمة العادلة بما
في ذلك إمكانية تجريح املحكمين ،والتي سيتم التطرق إليها في كل من القانون المسطري المغربي
الفق ــرة األول ــى :التحكيم كأحد الوسائل البديلة لفض النزاعات
بادر المشرع المغربي في أو ائل التسعينات من القرن الماض ي إلى تعزيز الترسانة
المسطرية المغربية بمقتضيات تخول أطراف النزاع اللجوء إلى وسائل بديلة لفظ النزاعات.
َْ
ولعل الفلسفة من وراء تضمين هذه اآلليات تك ُم ُن ،ليس فقط في التخفيف من ِح َّد ِة الضغط
على املحاكم ،بل من َو ْع ِي ِه بأنها هي األقرب إلى األعراف التي سارعليها المغاربة منذ قرون .حيث
ََُ ُ َ ًّ
الح َر ِف
كانت النزاعات التي تنشأ بين الحرفيين أو بين المسههلكين والتجارتفض عن طريق أمن ِاء ِ
693
A.Nomand, " Traité élémentaire du droit ciminel", Paris 1976
طريقها إلى الحل بصفة نهائية داخل آجاالت سريعة أخذة بعين االعتبارقواعد يعتبرها المغاربة
األقرب لإلنصاف منه إلى تنزل قواعد بعيدة كل البعد عن الثقافة املحلية .هذا باإلضافة إلى
تشبع املجتمع المغربي بالثقافة اإلسالمية ،والتي جعلت هذه الوسيلة تجد طريقها تاريخيا إلى
القبول والتفعيل لدى شرائح عريضة من المواطنين .فالقران الكريم نص صراحة ،بل ألزم في
حالة حدوث خالفات عميقة بين األزواج ،على اللجوء إلى حكمين من أهلي كل من الزوج والزوجة
إليجاد حل تو افقي يخول استمرارية العالقة الزوجية .يقول رب العزة في سورة النساء ( اآلية
ّ ُ َ َْ َ َ َ َ َ ُ َ َ ْ ُْ
صال ًحا ُي َو ِف ِق َ " :)31و ِإن ِخفت ْم ِشقاق َب ْي ِن ِه َما ف ْاب َعثوا َحك ًما ِّم ْن أ ْه ِل ِه َو َحك ًما ِّم ْن أ ْه ِل َها ِإن ي ِريدا ِإ
َّ ُ َ ْ َ ُ َ َّ َّ َ َ َ َ ً َ
يما خ ِب ًيرا". الله بينهما ِإن الله كان ع ِل
وغني عن البيان أن مبدأ اللجوء إلى التحكيم تم تأكيده في السنة النبوية في مو اقف شتى،
نذكر من بينها وصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لقبيلة بني قرناطة ِب َح ِ ّل نزاعاتهم عن
طريق التحكيم ،694وقبوله تحكيم الصحابي سعد ابن معاد في نزاعه مع قبيلة بني قريضة.695
وهو النهج الذي سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده .حيث قبل عمر ابن الخطاب التحكيم
في النزاع الذي يربطه بأبي ابن كعب الذي اقترح ابن عم عمرابن الخطاب كمحكم .فما كان من
هذا األخيرإال أن رفض تحكيمه بعلة عدم استيفائه لشرطي الحياد واالستقاللية.696
ومن بين األمثلة التي تبرز مكانة التحكيم ودوره في فض النزاعات عبر التاريخ اإلسالمي،
َ
اللجوء إليه بين المتنافسين على قمة َه َر ِم السلطة .حيث احتكم كل من معاوية ابن أبي سفيان
َ َ
وعلي ابن أبي طالب إلى كل من عمر ابن العاص و أبو موس ى األشعري ،واللذان اجتمعا وض َّمنا
694
. A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes , Economico " 1988, p.17
695
. K. EL KDAIKI, " La Clause compromissoire en droit musulman et en droit positif arabe",
GTM,N.S.N° 72
novembre- décembre 1944, P 48 .
696
. A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes ", op.cit, p.17
حل لنزاع سياس ي .كما ينفرد هذا األخيربكونه األول من نوعه الذي يحدد القانون المطبق على
النازلة وهوالتشريع اإلسالمي .697بيد أنه على الرغم من إجماع كل المدارس الفقهية اإلسالمية،
على إباحة التحكيم كأحد الوسائل لفظ النزاعات ،إال أن هناك خالفات الزالت قائمة حول
امتداد الصالحيات املخولة للمحكمين .فالحنفيون يمنحون للمحكم جميع الصالحيات التي
يتوفرعليها القاض ي ،هذا على الرغم من أنهم يرون الفرق ضئيال بين التحكيم والحل التو افقي
المبني على صلح األطراف .698أما الشافعيون فهم يجردون املحكم من بعض الصالحيات
الممنوحة للقاض ي بعلة أن هذا األخير ،وخالفا للمحكم ،ال يمكن إزاحته وتغييره بآخر.
باإلضافة إلى ذلك ،فهم ينكرون على األطراف الحق في اللجوء إلى التحكيم حيثما وجد قاض
أما الحنابلة ،فلهم موقف واضح وصريح في هذا الباب .فهم يخولون للمحكم نفس
َ َ
الصالحيات املخولة للقاض يَ ،وي ْمن ُحون للحكم التحكيمي نفس اآلثار كحكم القاض ي المنصب
من طرف الحاكم شريطة أن ال يكون املحكم موضوع أي منع تسقط بذلك أهليته لممارسة
التحكيم .700أما المالكيون ،فهم يرخصون تنصيب أحد أطراف النزاع في هيئة التحكيم إذا ما
ُّ َ
و افق األطراف على ذلك .بيد أنهم ُي َع ِلقون تنفيذ الحكم التحكيمي على عدم وجود أي إخالل
هناك إجماع لدى الفقه العربي والغربي على حد سواء ،على أن التحكيم هو من أقدم
الوسائل على اإلطالق لفض المنازعات على الرغم من بعض الخالفات حول مدى اعتبار
697
.A. H. EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.19
698
. A. H EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.22
699
. A. H EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.23
700
. A. H EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.23
701
. A. H EL AHDAB, " L’arbitrage dans les pays Arabes " p.23
التحكيم نفسه كشكل من أشكال العدالة من عدمه .فالعرب ،قبل مجيء اإلسالم عرفوا
التحكيم ،حيث كان األطراف يلجئون إلى رؤساء القبائل أو الكهنة لفض النزاعات بينهم .ومن
بين أشهراملحكمين لدى العرب ،هاشم بن عبد مناف وعبد المطلب بن هاشم وقص ي بن كالب.
بيد أن هذه الوسيلة االختيارية التي استعملت تاريخيا في جل بقاع المعمور ،أضحت مع تطور
المعامالت التجارية ،و اتسام رقعهها وازدياد شعور عدم الثقة في األنظمة القضائية املحلية،
َ
وتحديدا ِب َعد ِم مواكبة بعض القوانين املحلية لألعراف التجارية الدولية ،أكثر شيوعا بين
الشركات الدولية في المعامالت التجارية .كما أن بطئ المساطر المعمول بها في املحاكم ،طول
أمد النزاعات التي قد تعرف تدخل أطراف خارجية ،اللجوء إلى خبرات متكررة أو استعمال أحد
األطراف لوسائل احتيالية بغية إطالة أمد النزاع ،يجعل الطلب متزايد الستعمال هذه الوسيلة
وعلى هذا األساس ،اهتمت القوانين الوضعية منذ نهاية القرن الماض ي ،في جل بقاع
ُ ّ َ ْ
صت للتحكيم ،مع ِت ْب َيان األركان المعمورعلى تعزيزترساناتها القانونية بمقتضيات و أبواب خ ِص
الموضوعية إلبرام اتفاق التحكيم ،صياغته ،تشكيل هيئة التحكيم مع منح األطراف إمكانية
تحديد قانون الموضوع والقوانين اإلجرائية باإلضافة إلى لغة ومكان التحكيم .وتماشيا مع
ّ َ ُ ْ ََ َْ
اع ُرق َع ِة تد ُاو ِل السلع والخدمات بدون قيودهذا التوجه العام الذي ْأملت ُه العولمة و ِاتس
جمركية ،خصص المشرع المغربي الفرع األول من الباب الثامن من قانون المسطرة المدنية
ُ ََْ
للتعريف بالقواعد العامة للتحكيم الداخلي مع تحديد نطاق تطبيقه ،حيث ت ْستثنى التصرفات
َُ ّ
المت َم ِت َعة باختصاصات السلطة العمومية من التحكيم. األحادية للدولة أو الجماعات املحلية
مع التمييزبينها وبين النزاعات المالية الناتجة عنها والتي قد تكون موضوع تحكيم.702
لمبدأ سلطان اإلرادة مكانة خاصة في تحديد قانون الموضوع والقانون اإلجرائي
المتعمد أثناء سريان التحكيم .حيث خول المشرع المغربي لألطراف إمكانية تحديد القواعد
اإلجرائية للدعوى التحكيمية عن طريق تمكين الهيئة التحكيمية من ضبط إجراءات مسطرة
التحكيم التي تراها مناسبة ما لم يتفق األطراف خالف ذلك .703وهو النهج الذي سار عليه
المشرع المصري في المادة 21من قانون اإلجراءات الذي نص على ما يلي " :لطرفي التحكيم
االتفاق على اإلجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم ،لما في ذلك حقها في إخضاع هذه اإلجراءات
للقواعد النافذة في منظمة أو مراكز تحكيم في جمهورية مصرالعربية أو خارجها ،فإذا لم يوجد
مثل هذا االتفاق ،كان لهيئة التحكيم ،مع مراعاة أحكام هذا القانون ،أن تختار إجراءات
أما المشرع الفرنس ي ،فقد أكد بدوره في المادة 911.1من قانون المسطرة المدنية ،على
إمكانية تضمين في عقد التحكيم للقواعد اإلجرائية التي ستنظم التحكيم .وفي حالة صمت هذا
األخير ،يمكن لهيئة التحكيم مالئمة القواعد اإلجرائية حسب طبيعة النزاع المعروض عليها.
ويتعين اإلشارة في هذا الصدد ،أن من بين األسباب الرئيسية للجوء األطراف إلى تحديد
القواعد اإلجرائية ،باإلضافة إلى قانون الموضوع ،هو اختيار القواعد التي تتناسب وطبيعة
َ َ
قديم خد َمات أو َب ْي ِع سلع .ويبقى
َ َ َ َّ َ َ ُ ُ َْ َ
الميدان الذي يند ِرج ِف ِيه موضوع العقد سواء تعلق األمر ِبت ِ
اس بالنظام العام الداخلي الم َس ُ
نه سوى َ مجال اختيارهذه القواعد اإلجرائية واسعا ال َي ُح ُّد م ُ
ِ
للبلد المراد تذييل الحكم التحكيمي فيه بالصيغة التنفيذية .لكن فكرة النظام العام تبقى
ج ّلي للعيان .وقد حاول الفقه704
َ َ ٌَ
مبهمة ،غيرواضحة وم ِرنة بطريقة تجعلها خالية من أي فحوى ِ
تهدف إلى حماية الكيان السياس ي االجتماعي األخالقي والعقائدي للدولة والتي تسمو بطبيعهها
َ
فوق المصالح الخاصةَ .و َجدير بالذكر ِخت ًاما أن عدم احترام الهيئة التحكيمية إلرادة األطراف
في اختيار القانون المسطري يعرض حكمها للبطالن طبقا لمقتضيات الفصل 321-30من
قانون المسطرة المدنية المغربي .وهو النهج الذي سار عليه كل من المشرع الفرنس ي
والمصري.
الفقرة الثانية :آلية تجريح املحكمين بين القانون المغربي والموقف في القانون
المسطري المقارن
لم يقتصر كل من المشرع الفرنس ي ،المغربي والمصري على فتح باب التجريح على
القضاة ،فقط بل تعداه ليشمل املحكمين المنصبين في إطارمسطرة التحكيم سواء تعلق األمر
َْ
يعتبرالتحكيم أحد الطرق البديلة لفض النزاع والتي تعنى ِبعر ِ
ض النزاع أمام هيئة مكونة
من محكمين ُي َن ّ
ص ُب ُهم أطراف النزاع .كما يتميز التحكيم بتمكينه لألطراف اختيار قانونِ
- Jean VINCENT : " La procédure civile et l'ordre public. Mélanges ROUBIE ", Dalloz et Sirey 1961.
Page 303
- Philipe MALAURE, " Rapport de synthèse du colloque: l'ordre public à la fin du XX siècle" , Dalloz,
édition 1994. Page 105 et suivante
- Henri MAZEA UD, Jean MAZEAUD et François CHABAS : " Leçons de droit civil " Tome II, 1er
Volume, Obligations théorie générale, Montchrestien, édition 2002. Page 104
165)- Jean GHESTIN: " l'ordre public. Notion à contenu variable en droit privé français " Bruxelles.
1984 Bruylant, page 77 et suivante
الموضوع الذي سيطبق على النزاع والمسطرة التي سيتقيد بها دفاع كل طرف وهيئة التحكيم.
َ َ
خ َّولت مقتضيات المسطرة المدنية المغربية ألطراف النزاع تحديد ،وبطريقة مسبقة ،كيفية
حل أي نزاع قد ينشأ مستقبال بينهم جراء تنفيذ عقد معين وذلك عن طريق إبرام " معاهدة
التحكيم" أو إدماج شرط يسمى "بشرط التحكيم" في العقد األساس ي الذي يربط بينهم .يعرف
الفصل 311من قانون المسطرة المدنية المغربي معاهدة التحكيم على أنها التزام يمكن
بموجبه لألطراف الولوج إلى التحكيم لحل أي نزاع قد ينش ئ بينهم .تأخذ وثيقة التحكيم شكل
عقد مستقل أو شرط التحكيم يمكن إضافته للعقد األساس ي الذي يربط بين األطراف .وقد
ينص على أسماء املحكمين ،مكان ولغة التحكيم قانون الموضوع والمسطرة المتبعة .تنش ئ
وثيقة التحكيم آثارا عدة من بين أهمها منع عرض النزاع على أية محكمة .ذلك أن أية دعوى
َُ
مقدمة للمحكمة لم تحترم شرط التحكيم تق َاب ُل بعدم القبول.
ومن جهة أخرى ،على املحكم المنصب من أحد أطراف النزاع أن يستوفي الشروط
المنصوص عليها في الفصل 321من قانون المسطرة المدنية المغربي ،السيما تلك المتعلقة
بعدم تعارض مهمة التحكيم مع صفته .أما فيما يخص تصريح املحكم باألسباب التي قد تضع
حياده واستقالليته موضوع شك ،فقد أكد القضاء الفرنس ي في قرارات عدة ،705إلزامية تصريح
أما المشرع المغربي فقد حدد في الفصل 323من القانون 11-11تسع أسباب يمكن
-9إذا صدر في حقه حكم نهائي باإلدانة من أجل ارتكاب أحد األفعال المبنية في الفصل
321أعاله.
705
. CA Paris, 18 Nov 2004, Revarb,2004,P289
-2كانت له أو لزوجته أو ألصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في
النزاع.
-3كانت له قرابة أو مصاهرة تجمع بينه أو زوجه وبين أحد األطراف إلى درجة أبناء عمومة
األشقاء.
-4كانت هناك دعوى جارية أو دعوى منههية في أقل من سنتين بين أحد األطراف واملحكم
-1كانت توجد عالقة تبعية بين املحكم أو زوجه أو أصوله أو فروعه وبين أحد األطراف أو
وجديربالذكرأن المشرع المغربي لم ُي ِج ْزتجريح املحكم إال بناء على أسباب ظهرت ،أو تم
اكتشافها بعد تعيينه .706كما يجب التمييز في هذا اإلطار بين التجريح الذي يعتبر مسطرة من
المساطرالخاصة التي يمكن ألحد األطراف مباشرتها بناء على األسباب السالفة الذكروالعزل (
أي عزل املحكم) ،والذي ال يمكن ممارسته إال بناء على اتفاق جماعي لكل األطراف .حيث عليهم
إعالم املحكم بالقرار المتخذ في شأنه وتعيين محكم آخر وفقا لنفس المقتضيات المطبقة
لتعيين املحكم الذي تم تعويضه .وفي حالة عدم اتفاق األطراف على عزل املحكم الذي تعذر
عليه أداء مهمته أوانقطع عنها ،يمكن ألحد أطراف النزاع أن يتقدم بطلب العزل لرئيس املحكمة
معزز باألسباب التي تم تأسيس الطلب عليها .ويبقى األمر الصادر عن رئيس املحكمة غير قابل
بالرجوع إلى األسباب التي نص عليها المشرع في الفصل 323من قانون المسطرة المدنية
المغربي ،والتي تخول ألطراف النزاع تجريح املحكم ،يتضح أنه باستثناء السبب األول ،يمكن
َْ
تصنيفها إلى قسمين .القسم األول يتعلق باألسباب التي َينت ِف َي بموجبها "حياد املحكم" .والقسم
فتجريح أحد املحكمين بسبب ارتكابه ألفعال تخل بالشرف ،االستقامة أو اآلداب العامة
ال يجعله موضع ثقة من طرف املجتمع ككل ،وتجعل نواياه موضع شك سواء تعلق األمربتعامل
َّ َ ُ َ َّ
الح َجج ،الدالئل
يح بين ُ
الت ْرج َ
تجاري أو مدني .ذلك أن تنصيبه كمحكم يجعله في مركز يخول له ِ
ُ
والوسائل المقدمة من األطراف وأخيرا إصدار حكم تحكيمي َي ْحك ُم بحقوق لطرف على حساب
آخر .كما أن ِح ْر َم َانه من أهلية ممارسة التجارة أو أي حق من الحقوق المدنية غالبا ما يكون
نتيجة الرتكابه ،سواء لجرم من الجرائم المتعلقة باألعمال ،أو كعقوبة تبعية بمناسبة ارتكابه
لجرم منصوص عليه في منظومة القانون الجنائي .الش يء الذي يستعص ي معه أن يكون
موضوع ثقة بين الناس ،وتجعل تنصيبه في هيئة التحكيم محفوفا باملخاطر ويعرض حقوق
األطراف للضياع.
أما بخصوص األسباب التي بموجبها ينتفي عنصر الحياد ،فيمكن إدراج تحهها كل من
السبب الثالث ،الرابع والسادس .ذلك أن وجود قرابة أو مصاهرة ،دعوى مع أحد األطراف،
منههية منذ اقل من سنتين ،باإلضافة إلى كونه سبق له أن خاصم أو حضركشاهد في نزاع يجمع
أحد األطراف ،يجعل املحكم في مركز ال يمكنه أن يوفي بالتزاماته بدرجة الحياد المطلوب.
وبالرجوع إلى قرار املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان " ،" Le Strum vs Franceوالذي تمت
اإلشارة إليه في توطئة هذا المقال ،يتضح أن الشق الموضوعي للحياد والذي عرفته املحكمة في
هذا القرارغيرمستوفي.
أما بالنسبة للقسم الثاني من األسباب ،فهو يتعلق بتلك التي ال يتحقق بموجبها شرط
استقاللية املحكم .ذلك أن وجود مصلحة شخصية للمحكم في النزاع ،سواء كان دائنا ،مدينا
أو تربطه عالقة تبعية مع أحد األطراف ،ال يجعله في مأمن عن بعض التأثيرات التي قد تمارس
من بعض ذوي النوايا السيئة والذين قد يستغلون هذه الوضعية لتوجيه الحكم التحكيمي
وخالفا للنهج الذي سارعليه المشرع المغربي ،لم يحدد المشرع الفرنس ي أسبابا حصرية
لتجريح املحكم ،بل اكتفى بإلزام املحكم ،قبل أن يقبل المهمة التي أسندت إليه من طرف أحد
األطراف ،أن يصرح تلقائيا بالموانع والظروف التي قد تأثرعلى استقالليته وحياده .كما ألزمه
المشرع ،في حالة ظهور موانع بعد قبوله لمهمته ،أن يعلن عنها فورا وفي إبانه .أما فيما يخص
الجزاء المترتب عن عدم التصريح ،فمقتضيات الفصل 9410من قانون المسطرة المدنية
الفرنس ي لم تنص صراحة على أي جزاء ،لكن القضاء ،وفي قرارات عدة ملحكمة النقض
الفرنسية ،أكد على بطالن الحكم التحكيمي في حالة إذا لم يعلن أحد املحكمين عن األسباب
عن الغرفة الثانية ملحكمة النقض الفرنسية .لكن ما يثير االنتباه في مقتضيات الفصل 9410
ُ َّ
للم َحكم بتصريح هذا من قانون المسطرة المدنية الفرنس ي ،هو ربط المشرع تجريح األطراف
األخير بالموانع التي قد تضع حياده واستقالله محطة شك .ذلك أنه باستثناء الحاالت التي
ُ ّ
للم َح ِكم أن يمارس مهامه بحياد يضع فيها األطراف اليد على أحد األسباب التي ال تخول
واستقاللية ،فإن المسؤولية تقع كليا على املحكم الذي عليه أن يصرح بالموانع قبل قبوله
لمهمة التحكيم.
أما في يخص المسطرة المتبعة ،فالمشرع الفرنس ي ،وخالفا لما سار عليه المشرع
ُ َّ
المغربي ،أحال مهمة تنحية امل َحكم إلى المؤسسة التي تشرف على التحكيم ،في حالة ما إذا كان
التحكيم مؤسساتي ،أوالشخص المشرف على التحكيم إذا ما أسندت هذه المهمة على شخص
ذاتي .وفي حالة عدم تنصيب األطراف ألية مؤسسة أو شخص ذاتي لإلشراف على عملية
التحكيم ،يمكن اللجوء إلى القاض ي املختص ( ،) Le Juge d’appuiللبث في السبب المثاربغية
تجريح املحكم وحكمه غير قابل للطعن باستثناء الحالة التي يحكم فيها ببطالن عقد التحكيم،
وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 9401من قانون المسطرة المدنية الفرنس ي .ولعل أكثرما يميز
النص الفرنس ي عن نظيره المغربي ،هو فتح المشرع الفرنس ي املجال لتجريح املحكم ألي سبب
من شأنه أن يضع حياد واستقالل املحكم محطة شك ،دونما تحديد هذه الموانع بطريقة
حصرية .وقد حددت محكمة النقض الفرنسية المعايير التي بموجبها يمكن تقييم مدى
استقاللية وحياد املحكم .حيث اعتبرت في قرارها عدد 2193.9133الصادر في 2يوليوز 2193
بأن "وجود روابط فكرية ومادية بين املحكم وأحد األطراف" ،من شأنها أن تشكل خطرا على
مصالح وحقوق الطرف اآلخر ،وتدفع باملحكم إلى ترجيح كفة الحكم التحكيمي لفائدة الطرف
أما فيما يخص التزام املحكم بالتصريح ،فيتضمن من جهة كل ما من شأنه أن يشكل
تضاربا للمصالح ،وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرارات عدة ،نذكر من بينها قرار
الغرفة التجارية بمحكمة النقض الفرنسية عدد 211الصادرفي 20فبراير ،7079113ومن جهة،
على املحكم أن يصرح بجميع المصالح التي قد تربطه ولو بطريقة غير مباشرة مع أحد أطراف
النزاع ،مستشاريه أو مساعديه .وعلى هذا األساس ،قررت محكمة النقض الفرنسية في قرارها
عدد 99.21.211الصادرفي 91اكتوبر 2192عن الغرفة المدنية األولى بأن وجود مصالح مباشرة
للمحكم مع مكتب املحاماة الذي كان أحد أجراء طرف في النزاع يشتغل معه ،يشكل سببا من
شأنه أن يؤثر على حياده واستقالليته .أما فيما يخص تنحية املحكم ،فالمشرع الفرنس ي وعلى
غرار ما سار عليه المشرع المغربي ،اشترط إجماع األطراف كشرط أساس ي وضروري لتنحية
املحكم وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 9411من قانون المسطرة المدنية الفرنس ي.
سلك المشرع المصري 708نفس النهج الذي سارعليه المشرع الفرنس ي بمنح حق تجريح
املحكم ألسباب تضع حياده واستقالليته موضوع شك .وخالفا لما سار عليه المشرع المغربي
الذي لم يشر صراحة إلى األسباب التي من شأنها أن تؤثر على حياد واستقاللية املحكم ،حينما
اكتفى باإلشارة إلى أي سبب خطير ،حرص المشرع المصري على اإلشارة الصريحة لهذين
المبدأين ،709لما لهما من تأثيرعلى توجه املحكم أو الهيئة التحكيمية .ولعل إجماع الفقه ،كما
تمت اإلشارة إليه أنفا في توطئة هذا البحث ،على أهمية هاذين المبدأين في نشأة حق التجريح،
جعل المشرع المصري ُي َن ّ
ص ُب ُه َما ،كدعامتان أساسيتان ألي سبب من أسباب التجريح ،وانِ
مجرد بروزقرائن تجعل املحكم يخل بهذا المبدأين يفتح املجال لتقديم طلب التجريح .ويتعين
اإلشارة في هذا الصدد أن طلب تجريح املحكم ال يوقف إجراءات التحكيم ،طبقا للفقرة الثالثة
من المادة 91من قانون التحكيم المصري ،وقد ُي َؤ ّس ُ
س على أي سبب من أسباب عدم صالحية ِ
القضاة أوتنحيته المشارإليها في قانون المر افعات المصرية شريطة أن ال يكون السبب معلوما
. 708قانون التحكيم المصري الصادر سنة 0222في الفقرة األولى من المادة 01
. 709الحياد واالستقاللية
. 710موسى فهد األعرج " ،استقالل المحكم وحيدته"0100 .Justice Academy .
التحكيمية .711موضحا أسباب الترجيح وذلك داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ العلم
بأسبابه أو بالظروف المبررة لذلك .وعلى الهيئة التحكيمية أن تبث في الطلب إذا رفض املحكم
التنحي .وللمحكم المطلوب تنحيته أن يطعن في القرار الصادر عن الهيئة التحكيمية أمام
املحكمة املختصة أصليا ،712للبث في النزاع داخل اجل ثالثين يوما من تاريخ تبليغه له .وتماشيا
مع النهج الذي سار عليه كل من المشرع المغربي والفرنس ي ،ال ُيقبل طلب تجريح محكم ِم َّم ْن
أما المشرع المغربي فقد ألزم طالب التجريح على تقديم الطلب إلى رئيس املحكمة
املختصة داخل أجل ثمانية ( ) 1أيام من تاريخ علمه بتشكيل هيئة التحكيم أو باألسباب التي
تخول له تقديم طلب التجريح والمنصوص عليها في الفقرة األولى من الفصل 323من قانون
المسطرة المدنية .وفي حالة إصراراملحكم على البقاء في هيئة التحكيم ،يبث رئيس املحكمة في
طلب التجريح داخل أجل خمسة عشر ( )91يوما وقراراه غير قابل للطعن .وفي حالة رفض
الطلب يمكن لألطراف تقديم طلب جديد شريطة أن يؤسس على أسباب أخرى غير تلك
ُ
المنصوص عليها في الطلب األول .وتعتبر اإلجراءات التي شارك فيها املحكم امل َج َّرح باطلة وكأن
لم تكن وذلك طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 323من قانون المسطرة المدنية.
وعلى الرغم من الصياغة اللغوية الواضحة لمقتضيات هذا الفصل .فالنص يشير بداية إلى
الطلب المقدم إلى رئيس املحكمة ،من قبل أحد األطراف ،والذي عليه أن يقدمه للكتابة
الخاصة للسيد الرئيس ،والذي خالفا للمقال المؤدى عنه يبقى هذا األخيرمعفى من أية رسوم
ويمكن لطرف النزاع أن يقدمه بنفسه دون مؤازرة محامي مقيد بهيئة من هيئات املحامين
من طرف السادة املحامون مرتكزة على بعض األسباب المنصوص عليها في الفصل 323من
قانون المسطرة المدنية .وهذا النهج ،أملته الضرورة العملية حيث يستعص ى على األطراف،
والذين غالبا ما يكون مجال اهتمامهم المنهي بعيدا عن القانون ،أن يبرزوا النقاط القانونية
الصحيحة والكفيلة بقبول طلبهم .يتعين معه إعادة النظر في صياغة هذا النص بطريقة تلزم
األطراف تقديم مقال من طرف محامي مسجل بأحد هيئات املحامين ،حفاظا على حقوق
كما أن هذه المقتضيات تبقى مبهمة فيما يخص تاريخ سريان أجل الثمانية ( )1أيام
لتقديم طلب التجريح .حيث يشيرالنص إلى تاريخ العلم بتشكيل هيئة التحكيم ،في حين لم يلزم
المشرع أعضاء هيئة التحكيم أو أطراف النزاع على اللجوء إلى أحد الوسائل الشبه قضائية من
" تبليغ عن طريق مفوض قضائي" أو عن طريق " البريد المضمون" ،إلشعار الطرف بتنصيب
محكم .الش يء الذي يفتح الباب على مصراعيه للمنازعة في تاريخ علم الطرف المقدم لطلب
التجريح ،السيما في انعدام أية وسيلة من وسائل اإلثبات الشبه القضائية ،المشار إليها آنفا،
ُوي ِط ُ
يل من أمد البث في الطلب .كما أن اقتصار النص على اإلشارة للسيد رئيس املحكمة
(القاض ي املختص) يبقى غير واضح .فهل يتعلق األمر برئيس املحكمة التي يقع في دائرتها تنفيذ
الحكم التحكيمي؟ أم رئيس املحكمة التي يقع بدائرتها مكان إنجاز إجراءات التحكيم؟ هذا
باإلضافة إلى غموض النص فيما يتعلق باالجاالت الممنوحة للمحكم بعد تقديم طلب التجريح
لرئيس املحكمة .هل يمنحه السيد الرئيس أجال معقوال لتقديم دفاعه؟ هل أجل العشرة ( )91
أيام الممنوحة للسيد الرئيس للبث في الطلب تبتدئ بمجرد تبليغ املحكم بالطلب ومثوله أمام
أما بخصوص بطالن اإلجراءات التي شارك فيها املحكم املجرح ،فيمكن تقديم طلب
بخصوصها مجددا من طرف الهيئة المنصبة من جديد ،شريطة أن ال يشابها تقادم يجعلها
معرضة للرفض .ويبقى االنتقاد األكبر الذي يمكن أن نوجهه للنصوص المنظمة للتجريح في
القانون المسطري المغربي هو ،من جهة ،عدم إلزام المشرع املحكم بالتصريح المسبق عن
طبيعة العالقة والمصالح ،مباشرة كانت أو غيرمباشرة ،مع أحد أطراف النزاع .ومن جهة أخرى
تحديده لهذه األسباب بطريقة حصرية .ذلك وخالفا للمشرع الفرنس ي ،714والمشرع
المصري ،715الذين فتحوا املجال لألطراف لتجريح املحكم ألي سبب يضع حياده واستقالله
َ
موضوع شك .كما أن تحديد المشرع المغربي ألسباب التجريح ،وبطريقة حصرية ُيض ِّي ُق
الجهالة عن بعض العالقات وتضارب المصالح الذي قد يربط بين املحكم وأطراف النزاع وتؤثر
فإذا كانت فلسفة المشرع وراء تحديد أسباب التجريح بطريقة حصرية بالنسبة للقضاة
هو الحد من أي شطط في استعمال حق التجريح بغية تعطيل العدالة عن طريق المس بسمعة
ُ َ َ
المطال ِبين بالبث في عدد مهم من القضايا سنويا ،فسلوك المشرع المغربي السادة القضاة
نفس التوجه بالنسبة للمحكمين ،يعتبر مجانبا للصواب اعتبارا من جهة ،أن املحكمين،
وباستثناء رئيس هيئة التحكيم الذي قد يعين من طرف رئيس املحكمة ،هم من اختياراألطراف.
وأن مزاولههم لهذا النشاط ،أي التحكيم ،يكون بطريقة استثنائية ،وأن كونهم موضوع تجريح
ولو متكررال ضررله على مصالحهم أو مهامهم الخاصة .بل إن فتح هذا الحق ،أي التجريح ،ألي
سبب من شأنه أن يجعل حيادهم أو استقالليههم موضوع شك ،لهو ضمانة أخرى كفيلة بتعزيز
كان التشريع اإلسالمي والفقه الحقا سباقان إلى تأطير شروط االستعانة بالشهادة
ْ
والشهود واستبعادهم قبل ُج ِ ّل األنظمة القانونية الوضعية ( المطلب األول) .لكن ِب ُب ُروزقضايا
تتسم بطابعها التقني املحض ولجوء املحكمة لوسائل إثبات وقائع تقنية ،كان ِل َز ًاما على المشرع
فتح املجال للمتقاضيين ،ل َتقديم َما م ْن َشأنه أن ُيز َ
يح الخبرة المنجزة من طرف الخبير عن ِ ِِ ِ ِ ِ ِ
ضوابطها الموضوعية ،والتي قد تعتمد عليها املحكمة حصريا إلصدارالحكم ( المطلب الثاني).
حضيت الشهادة بعناية خاصة من طرف الشريعة اإلسالمية التي أحاطهها بضوابط
َي َت َع َّي ُن إبرازها (الفقرة األولى) ،قبل بسط المساطر المتبعة لتجريح الشهود في القانون
المسطري المغربي ،مع اإلشارة إلى الموقف في القانون المقارن ( الفقرة الثانية).
تعتبرالشهادة من بين أهم وسائل اإلثبات وأعظمها مكانة ،استعملت منذ األزل في أنظمة
قانونية سبقت التشريع اإلسالمي الذي أنزلها منزلة عظيمة وأحاطها بزمرة من الضوابط.
لعبت الشهادة دورا أساسيا في العهد الروماني .ذلك أنه بانعدام وسائل اإلثبات التي تفيد نشأة
التزام ،انتفائه ،الوفاء به ،أو ت َ
لك التي تثبت وضعيات قانونية ،كان اللجوء إلى شهادة الشهود ِ
ضروريا للحفاظ على حقوق األطراف .ففي عهد اإلمبراطور" جستينيان" ( ،)Justinienسادت
القاعدة التي بموجبها تتفوق الشهادة الشفوية على وسائل اإلثبات الكتابية .وهذا الترجيح كان
راجع أساسا إلى انتشاراألمية بين أفراد الشعب .لكن مع نفش ي شهادة الزورفي القرون الوسطى
َ َّ َ َ َ ً
احة على منع اللجوء في أوروبا ،ثم إصدار قانون "موالن" ( )Moulinسنة 9100والذي نص صر
إلى شهادة الشهود في كل ما يجوز إثباته بواسطة الكتابة .أما في القوانين الوضعية ،فوسائل
اإلثبات تنقسم إلى نوعين .قواعد موضوعية لها صلة وثيقة بالحق ،شروط قبوله وتنظم عبئ
إثباته وقواعد إجرائية تعنى باإلجراءات الواجب إتباعها عند طلب االستعانة بتلك الوسيلة،
أي اإلثبات ،أمام القضاء .ويندرج تحت لواء وسائل اإلثبات كل من األدلة الكتابية ،الشهادة،
ونظرا لما لوسائل اإلثبات من اثر على مصالح الناس وحقوقهم ،فقد حضيت باهتمام
بالغ من لدن الشريعة اإلسالمية التي حددت شروط تقديمها إلثبات حق او نوفيه .ففي الحديث
َ
الذي رواه ابن عباس رض ي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " :لو ُيعطى الناس بدعواهم
ال دعى أناس دماء رجال وأموالهم ،ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر".716
سيكون مناسبا تحديد مفهوم الشهادة في الشريعة اإلسالمية ،قبل التطرق إلى الشروط
الواجب توفرها في الشاهد ،أقسام الشهادة ونطاق استعمالها كوسيلة إثبات في الشريعة
اإلسالمية.
َ
كلمة الشهادة مشتقة من فعل "ش ِه َد" ،الذي يفيد معان شتى حسب السياق اللغوي
َ َ ُْ َ
الذي يندرج فيه .فهو يعني الحضورلقوله تعالى في سورة البقرة ( اآلية " : )911ف َم ْن ش ِهد ِمنك ُم
ص ْم ُه" .ومن جهة أخرى يعني المعاينة لقوله تعالي في س ــورة أل عمران ( اآلية " :)91 الش ْه َر َف ْل َي ُ
َّ
َ َ َّ َ َّ َ ََٰ َ َّ
ش ِهد الل ُه أن ُه ال ِإله ِإال ُه َو" .كما يفيد اإلخباربش يء خبرا قاطعا .وأخيرا يفيد الحلف لقوله تعالي
َّ َّ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ ْ َ
في سورة المنافقون (اآلية " :)9إذا َج َاء َك ال ُمنا ِفقون فقالوا نش َه ُد ِإن َك ل َر ُسو ُل الله" .717أما
اصطالحا ،فقد عرفها ابن فرحون ،عند المالكية ،بأنها " إخبار عدل حاكما بما علم ،ولو بأمر
عام ،ليحكم بمقتضاه وقيل هي إخبار حاكم عن علم ،أي إخبارالشاهد الحاكم عن علم ال عن
ظن" .718أما ابن الهمام محمد بن عبد الواحد فقد عرفها ،عند الحنفية ،بأنها" :إخبار صدق
إلثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء ولو بال دعوى" .719وعند الشافعية ،فقد عرفها
الرملي شمس الدين محمد بن ابي العباس بأنها ".إخبار بحق للغير على الغير بلفظ أشهد".720
وتعرف لدى الحنابلة الشهادة بأنها " :اإلخباربما علمه الشاهد بلفظ خاص".721
أما فيما يتعلق بخصائصها ،فقد حددها احمد شرف الدين في أربعة وهي:
-4أن تعتبرالشهادة حجة متعدية وان ما يثبت عن طريقها يعتبرثابتا بالنسبة للكافة.722
ْ َ
وغني عن البيان أن مشروعية اإلثبات بالشهادة في الفقه اإلسالمي ت ِج ُد َمن َب َع َها في العديد
َ َ ُ َ ْ
من اآليات القرآنية نذكرمن بينها قوله تعالى في سورة البقرة ( اآلية َ " :)212وأش ِه ُدوا ِإذا ت َب َاي ْعت ْم
َّ ُ َ ّ ُ َّ َّ َ َّ ُ َ ْ ُ َ َّ ُ ٌ ُ َ َ َ َ َ
َوال ُيض َّاركا ِت ٌب َوال ش ِهي ٌد َو ِإن تف َعلوا ف ِإن ُه ف ُسوق ِبك ْم َو اتقوا الله َو ُي َع ِل ُمك ُم الل ُه َوالل ُه ِبك ِ ّل ش ْي ٍء
َّ َ
يموا الش َه َادة نك ْم َو َأق ُ
ََ ْ ُ َ َ ْ َ ْ ّ ُ
يم" .وقوله تعالى في سورة الطالق ( اآلية " :) 2وأش ِهدوا ذوي عد ٍل ِم َعل ٌ
ِ ِ
َّ
ِلل ِه" .وقد أباحت الشريعة اإلسالمية استعمال الشهادة كوسيلة من وسائل اإلثبات ألسباب
. 718ابن فرحون ،برهان الدين ابو عبد الله محمد ( 0211هجرية ) " ،تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام" ،دار
الكتب العلمية ،بيروت ،طبعة 002/0 ،0
. 719ابن الهمام محمد ابن عبد الواحد ( " ،)0271فتح القدير شرح الهداية" ،مطبعة البابي ،مصر ،طبعة ، 0صفحة 200-202
. 720الرملي ،شمس الدين محمد بن ابي العباس ( " ،)0212نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" ،دار الفكر للنشر ،بيروت 201/2
. 721البهوتي ،منصور بن يونس ( 0210ه ) " ،كشاف القناع عن مثن اإلقناع" ،تحقيق الهالل مصيلحي ومصطفى هالل ،جار الكتب
العلمية ،بيروت صفحة 212
. 722شرف الدين احمد ( ،)0222أصول اإلثبات ،ج ، 0طبعة نادي القضاة ،القاهرة ،صفحة 010
كفاية وليست فرد عين واجبة على الشخص الذي عاين الو اقعة موضوع النزاع .والنص
القرآني جاء صريحا في هذا الباب ،حيث يقول رب العزة في سورة البقرة ( اآلية :)213
َ َ ُ َ َّ َْ َ َّ ُْ َّ َ َ َُْ
" َوال تكت ُموا الش َه َادة َو َم ْن َيكت ْم َها ف ِإن ُه آ ِث ٌم قل ُب ُه َوالل ُه ِب َما ت ْع َملون َع ِليم"َ .ب ْيد أن الشريعة
اإلسالمية قيدت قبول شهادة الشاهد ِب ُز ْم َر ٍة من الشروط .حيث ينص الفقه على أحد عشر
شرطا وهم" :اإلسالم"" ،العقل"" ،البلوغ"" ،الحرية"" ،العدالة"" ،صالح دين الشاهد"،
َْ
"النطق"" ،أن ال يكون محذوفا في قذ ٍف"" ،أن ال يكون أصال أو فرعا للمشهود له"" ،أن ال تكون
له مصلحة في النزاع"" ،أن ال تكون له خصومة أوعداوة مع أحد األطراف"" ،الذكورة في الشهادة
على الحدود والقصاص" .723أما في ما يخص الشهادة نفسها ،فيجب أن تكون في مجلس
ُ
القضاء ،وأن تكون في حضورالمشهود عليه أو وكيله وأن تؤدى بلفظ "أشهد".724
والشهادة في الشريعة اإلسالمية أقسام " :شهادة أصلية"" ،ثانوية" ،و"شهادة سماع".
فالشهادة األصلية هي التي تكون بناء على معاينة مباشرة كسماع مباشر أو معاينة المشهود به
بنفسه ال بغيره .725أما الشهادة الثانوية ،فهي الشهادة التي يعتمد فيها الشاهد على َما َس ِم َع
َوليس بما أدرك مباشرة .726أما شهادة السامع فهي الشهادة التي يصرح الشاهد بموجبها بما
َسم َع ُه من غير ُم َع َّين فتخرج بذلك شهادة البث والنقل .727لكن ما يميزها هو أن الشاهد ُي َ
ص ّ ِر ُح ِ
. 723الشيرازي ابراهيم بت علي ( ،)0210المذهب ،دار الفكر العربي ،بيروت ،صفحة 270
. 724ابن قدامة محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي ( ،)0221المغني ،طبعة مكتبة الرباط الحديثة ،صفحة 002
. 725الخياري ،عبد الله علي" ،حجية الشهادة في اإلثبات في النص اإلسالمي والقانون المقارن" ،مركز األمن للنشر والتوزيع ،صفحة
210
726ابن قيم الجوزية ،محمد بن ابي بكر الزرعي " ،الطرق الحكمية" دار البيان بيروت صفحة 07
. 727ابن فرحون ( " ،)0201تبصرة الحكام ،طبعة مصطفة الحلبي ،بيروت -صفحة 012
بما سمعه من العدول وغيرهم .باإلضافة إلى كون هذه الشهادة تنصب على ما يتناقله الناس
باإلضافة إلى ذلك ،ميزت الشريعة اإلسالمية بين شروط قبول الشهادة الخاصة بالشاهد
َ ُ َ
حد ًيدا َْ
وتلك المتعلقة بالشهادة عي ِنها .فالشروط المتعلقة بهذه األخيرة ،أي الشهادة ،تص ُّب ت ِ
َحو َل " ُو ُ
جو ِب أدائها أمام القضاء" 728و " بحضور الخصوم" .729أما تلك المتعلقة بالشهادة
عينها فعددها إحدى عشر ( ،) 99كما سبق اإلشارة إليه سابقا ،أبرزها وجوب توفر شرط
التمييز ،حيث ال تقبل شهادة األطفال الغير القادرين على فهم الفعل وضبط طبيعته .كما ال
تقبل شهادة البالغين الفاقدين لقواهم العقلية كالمصابين بالجنون أو أولئك الغير القادرين
َ ْ
على اإلدراك أو تذكر الوقائع التي ُي ْستش َه ُد فيها .ناهيك عن استبعاد الشاهد الذي له عداوة
َُ
لم تك ْن مسطرة تجريح الشهود محددة في ظل التشريع اإلسالمي بنفس الضوابط التي
أطرت بها في القوانين الوضعية المعاصرة بما في ذلك قانون المسطرة المدنية المغربي .حيث
ُ َ َْ
كانت مهمة تن ِح َي ِة شاهد ت ْسن ُد ملجلس القضاء الذي كان يتحقق من شروط أداء الشهادة في
الشاهد ،وعلى إتاحة الفرصة لألطراف إلبراز أية عداوة أو مصلحة للشاهد في النزاع .وهذا
الحق كان مكفوال لألطراف قبل أن يدلي الشاهد بشهادته في مجلس القضاء .كما كان للقاض ي
الحق في إثارة أي سبب من أسباب استبعاد الشاهد إذا ما بلغ إلى علمه تحقق أحد أسباب
تجريحه.
. 728محمد عطية راغب " :النظرية العامة لإلثبات في التشريع الجنائي العربي المقارن" القاهرة -مطبعة المعرفة – 0201صفحة
00
. 729احمد نشات " :رسالة اإلثبات" ،الجزء األول ،الطبعة السابعة ،دار الفكر العربي القاهرة ،0270 ،صفحة 022
واشترطت في معظمها ،باإلضافة إلى انتفاء َم َو انع األهلية ،أن تكون للشاهد " سمعة جيدة في
املجتمع" ،730وأن يكون قد عاين الوقائع التي َي َو ُّد تقديم شهادته فيها .هذا باإلضافة إلى حياده
اتجاه أطراف وموضوع النزاع .لكن مفهوم الحياد كما أشارت إليه التشريعات األوروبية
أناداك ،يختلف اختالفا جوهريا عن ذلك الذي عرفته املحكمة األوربية لحقوق اإلنسان في
ُ
قرارها " ،" Le Strum c/Franceحيث كان هذا المفهوم يقتصر في ك ْن ِه ِه على عدم وجود أية
قرابة ،عداوة أو ملكية مشتركة بين الشاهد وأحد أطراف النزاع .731وبناء على ذلك ،فقد منحت
هذه التشريعات األطراف إمكانية تجريح الشاهد إذا لم يتحقق شرط من الشروط السالفة
الذكر ،لكنها قيدت ممارسة هذا الحق بتقديم طلب بشأنه قبل إدالء الشاهد بشهادته.
الشهادة هي وسيلة من وسائل اإلثبات التي نص عليها قانون المسطرة المدنية المغربي،
حيث يمكن ألطراف النزاع تقديم طلب للمحكمة بشأن االستعانة بها ،في إطار بحث ،إلثبات
وقائع تمت معاينهها من طرف الشهود ،أو نفي الجهالة عن تصرفات قانونية من شأنها تبيان
الحقيقة وتنوير العدالة .ولقد نص الفصل 19من قانون المسطرة المدنية المغربي على أن
الشهادة تبقى مقبولة ما دامت مفيدة في البحث الذي تجريه املحكمة بشأن الوقائع.
أما من الناحية المسطرية ،فقد ألزم المشرع المغربي القضاء ،في الحكم التمهيدي
القاض ي بإجراء بحث ،باإلضافة إلى استدعاء األطراف ،تضمين الئحة الشهود المراد االستماع
إليهم ،732على أساس أن يتم منحهم أجل خمسة أيام بين تاريخ التوصل باالستدعاء وتاريخ
الجلسة إذا كانوا يقطنون بدائرة نفوذ املحكمة ،أو خمسة عشريوما إذا ما كانوا يقطنون بخارج
730
. Benoit Carnot : "Les témoins devant la justice , une histoire des statuts et des comportements ",
chapitre 4 pages 43-53, 2003, press universitaire de Rennes.
731
.Benoit Carnot : "Les témoins devant la justice , une histoire des statuts et des comportements ",
chapitre 4 pages 43-53, 2003, press universitaire de Rennes
. 732الفصل 70من قانون المسطرة المدنية
دائرة املحكمة .أما تخلفهم عن الجلسة بدون عذر مقبول ،فإنه يعرضهم للحكم عليهم بغرامة
مالية ال تتعدى خمسون درهما .فإذا ما تخلفوا للمرة الثانية ،جازللمحكمة الحكم عليهم بغرامة
ال تتعدى مائة درهم قابلة للتنفيذ على الرغم من ممارسة الطعن ضدها سواء تعلق األمر
بالتعرض أو االستئناف .733وفي حالة ما إذا تعذرعلى الشهود الحضورألسباب صحية أو غيرها،
أجازالمشرع للقاض ي االنتقال إلى عين المكان لالستماع إليهم ،734أو بواسطة إنابة قضائية.735
ونظرا لكون أن الشهادة قد تعتبر أحيانا الوسيلة الوحيدة التي تمكن القضاء من الوصول إلى
الحقيقة ،عمل المشرع المغربي على إحاطة شهادة الشهود بزمرة من الضمانات حتى يتسنى
التأكد من مصداقيهها وإزاحة كل مبطالتها كشهادة األقارب أو تلك التي تجلب للشاهد نفعا أو
تخضع الشهادة من جهة أخرى للسلطة التقديرية ومبدأ القناعة الوجدانية للقاض ي
الذي يمكن أن يأخذ بأقوال بعض الشهود ويستبعد آخرين ،ألن الشاهد في نهاية المطاف ال
ُي ْخ ِب ُر إال عما سمعه أو رآه أو أدركه بحواسه الخمس وأن هذا اإلدراك ال يعدو أن يكون سوى
حقيقة نسبية تحتمل الخطأ في انعدام الدليل القاطع على ثبوت الوقائع موضوع الشهادة.
وبناء على ذلك ،يبقى للقاض ي الحق مواجهة الشهود بعضهم ببعض لوضع اليد على مكامن
الخلل والتناقض الموجبان الستبعاد الشهادة .وعلى هذا األساس ،ألزمت مقتضيات الفصل
10من قانون المسطرة المدنية القاض ي ،قبل االستماع للشاهد ،أن يتأكد من هويته ،مهنته
وموطنه ،باإلضافة إلى قرابته من أطراف النزاع مع ذكرالدرجة وجود أية عالقة تبعية مع أحد
األطراف ،736مع استبعاد شهادة شاهد الذي لم يبلغ بعد ستة عشر سنة أو االقتصار باألخذ بها
على سبيل االستئناس .غير أن مقتضيات قانون المسطرة المدنية المغربي المؤطرة لشهادة
الشهود لم تلزم القضاء بسؤال الشاهد عما إذا كانت له مصالح اقتصادية مشتركة مع أحد
أطراف النزاع واكتفت بإلزام الشاهد بالتصريح بأية عالقة تبعية قد تربطه بأحد األطراف دون
أن تلزم القضاء بالتحري عما إذا كانت للشاهد مصلحة مباشرة في النزاع.
وخالفا لما سار عليه المشرع المغربي من إمكانية االستماع إلى الشهود انفرادا ،سواء
بمحضر األطراف أو غيبههم ،اشترط المشرع الفرنس ي في الفصل 211من قانون المسطرة
المدنية الفرنس ي االستماع إلى الشهود بحضور أطراف النزاع .وفي حالة استحالة حضور أحد
األطراف ،أو اقتضت مصلحة العدالة االستماع للشاهد في غيبة أحدهم ،ألزم المشرع الفرنس ي
القاض ي بوضع رهن إشارة األطراف ،أوالطرف المتغيب ،نسخة من مضامين أقوال وتصريحات
الشاهد .وفي هذا الصدد ،لم يلزم المشرع المصري القاض ي على االستماع للشهود بحضور
األطراف ،لكنه ألزمه في المادة 21من الباب الثالث لقانون اإلثبات ،على تمكين األطراف االطالع
على تصريحات الشاهد ومنحهم الحق في نفي مضامينها بنفس الطريقة أي عن طريق شهود
آخرين.
حرص المشرع المغربي على منح أطراف النزاع الحق في تبيان ما من شأنه أن يخرج
الشاهد من منطق الحياد الذي يجب أن تخضع له شهادته .وعلى هذا األساس خول المشرع
المغربي ألطراف النزاع تجريح الشاهد عن طرق ملتمس شفوي يتقدم به دفاع أحد األطراف
حينما يتعلق األمرببحث ،أوعن طريق طلب أو مذكرة جوابية تتضمن هذا الملتمس قبل تقديم
الشاهد لشهادته .737وهو النهج الذي أكدته محكمة النقض المغربية في ،قرارات عدة ،نذكر
من بينها القرار عدد 2191المؤرخ في 2191/92/91في الملف االجتماعي عدد ،9912/1/2191
حيث أكدت محكمة النقض أن " تجريح الشهود بعد أدائهم الشهادة غير مقبول ،واملحكمة لم
تكن ملزمة بإجراء بحث جديد مادام أنها تتوفرعلى المعطيات الكافية للبث في القضية".
َ
َب ْيد أن المشرع المغربي وضع استثناء لهذه القاعدة ،ويتعلق تحديدا بالحالة التي لم
يظهر فيها سبب التجريح إال بعد االستماع إلى الشاهد .738وهي الحالة الواردة عمليا لكون
أسباب بطالن الشهادة ،التي يتحرى عنها القاض ي عن طريق طرح أسئلة موجهة للشاهد ،قد ال
تغطي جميع أسباب التجريح وتقتصر فقط على التأكد من أن الشاهد ال تربطه أية عالقة
قرابة ،مصاهرة إلى الدرجة الثالثة ،أو عالقة تبعية مع أحد أطراف النزاع .وحيث إن محكمة
النقض المغربية أكدت هذه القاعدة في قرارات عدة نذكرمن بينها القرارعدد 9420المؤرخ في
2191/10/91الذي جاء في منطوقه ما يلي" :يجب التقدم بطلب تجريح شاهد قبل أداء الشهادة
ََ
عدا إذا لم يظهرسببه إال بعد ذلك ،والثابت من وثائق الملف انه لم ُيتقدم بطلب تجريح الشاهد
قبل االستماع إليه خالل جلسة البحث أمام محكمة االستئناف ،ولم يثبت أن أسباب التجريح
لم تظهر إال بعد ذلك ،وبالتالي لم يعد هناك مجال للطعن في شهادته استنادا على أنه هذا
المسيرالفعلي و أنه هو الذي قام بطرده ،ومما تكون معه الوسيلة على غيرأساس".
وتماشيا مع هذا النهج ،أكدت محكمة النقض في قرارات أخرى أن عبئ إثبات ظهور
ََ
أسباب التجريح بعد أداء الشهادة تق ُع على طالب التجريح .حيث جاء في قرار محكمة النقض
بطلب تجريح الشاهد قبل االستماع إليه ابتدائيا ولم يتبين أن أسباب التجريح لم يظهرإال بعد
ومن بين اإلشكاالت التي ظلت إلى عهد قريب موضوع جدل في الفقه واختالف في توجهات
املحاكم ،إمكانية استعانة المشغل بشهادة أحد العمال الذين تربطه بهم عالقة التبعية في نزاع
أمام املحكمة .لكن محكمة النقض المغربية فصلت في هذه النقطة في قرارها عدد 9131
التي لها صلة بمكان العمل ال يمكن إثباتها أو نفيها إال من طرف األشخاص المتواجدين بطريقة
َ
مستمرة ودورية في ذلك المكان .و انه ال يمكن ت ْج ِريد المشغل من حق االستعانة بشهادة أحد
َ
األج َراء ما دام هذا الحق مخول لألجير.
سيكون مناسبا ِت ْب َيان مكانة الخبرة بين وسائل اإلثبات المعتمدة من طرف القضاء
(الفقرة األولى) ،قبل َب ْس ِط اآللية المتبعة لتجريح الخبراء في القانون المغربي والموقف في
يقول الفقيه السنهوري " :إذا كان اإلثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء على الو اقعة
التي يرتب القانون عليها أثرا فمعنى ذلك :أن هذه الو اقعة إذا أنكرها الخصم ال تكون حقيقة
قضائية إال عن طريق اإلثبات القضائي ،فالحق الذي ينكر على صاحبه وال يقام عليه دليل
قضائي ليست له قيمة عملية فهو والعدم سواء من الناحية القضائية .ومن هنا تظهر أهمية
اإلثبات من الناحية العملية ،فالحق يتجرد من قيمته ما لم يقم الدليل على الحادث المبدئي
على حقيقته .وهي صيغة مبالغة على منوال عليم أو قدير .فالخبير هو اسم من أسماء الله
َ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َّ
ض َو َما َب ْي َن ُه َما
األ ْر َ
الحسنى .يقول تعالى في سورة "الفرقان" اآلية " " :"11ال ِذي خلق السماو ِ
ات و
َ َّ ْ َ ُ َ ْ َ في س َّتة َأ َّيام ُث َّم ْ
اس َت َو َٰى َع َلى ْال َع ْ
اسأ ْل ِب ِه خ ِب ًيرا" .ومع تنوع وتعدد املجاالت التي ش ،الرحمان ،فِ ر ِ ِ ِ ٍ
تنتمي إليها النزاعات المعروضة أمام املحاكم ،في عصرنا الحالي ،والتي تخرج بطبيعهها عن صلب
معرفة القضاة ،بل في معظم األحيان حتى عن نطاق معرفة األطراف أنفسهم ،أضحى من
الضروري على الهيئة التي تبث في النزاع اللجوء إلى خبيرلإلدالء برأيه التقني في النازلة.
لم تحض الخبرة تاريخيا بنفس المكانة واألهمية كالتي منحت لها في ظل التشريعات
المعاصرة .فعلى الرغم من أن القانون الروماني عرف ازدهارا لكثيرمن المبادئ القانونية ،والتي
ُ َ ُ
المؤ ّ ِرخون أية حالة اعتمدت عليها تشريعات عدة الحقة في تأسيس أصول قواعدها ،لم يذكر
الستعانة القاض ي بأهل الخبرة .حيث كان القاض ي يتمتع بصالحيات مزدوجة ،تخول له الفصل
في النقاط القانونية و إبداء رأيه في المسائل التقنية كلما دعت الضرورة إلى ذلك .740ففي
القانون الفرنس ي ،شكل مرسوم ،9411الصادر عن الملك شارل الثامن ،والذي نظم الخبرة
والذي وسع من صالحيات الخبراء ،حيت أصبحت املحاكم تعهد لهم مهمات تقييم األشياء بدال
من أن يقوم الشهود بذلك ،وألزمههم تقديم تقرير شامل ومفصل ألعمالهم التحضيرية قبل
إصدار خالصاتهم .ومن بين أبرز النقاط في هذا المرسوم ،إتاحته لألطراف إمكانية تعيين
الخبراء .حيث كان لزاما إسناد الخبرة لخبيرين على األقل ،طبقا ُ
للع ْر ِف المعمول به في ذلك
.عبد الرزاق الشيبان " ،إجراءات الخبرة القضائية ودورها في اإلثبات" ،مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية ،صفحة 2 740
اإلبان ،والذي بموجبه يكون صوت واحد باطل .741باإلضافة إلى ذلك ،خول هذا المرسوم
الخبيركافيا.
عرف القانون اإلجرائي الفرنس ي تطورا ملحوظا بعد إصدار مرسوم ،9001والذي عمل
على توحيد الشكليات اإلجرائية للخبرة .حيث أضحت تتسم بالبساطة بالمقارنة مع نظيرتها في
َ َ
الفترة السابقة إلصدار المرسوم .كما لهذا المرسوم الفضل في وضع أسس ول ِبنات الخبرة في
أما المشرع المغربي فلم ُي َع ّ ِرف الخبرة ،لكنه أشار في الفصل 11من قانون المسطرة
المدنية على أنها وسيلة من وسائل التحقيق التي يمكن للقاض ي أن يأمر بها بناء على طلب من
أحد األطراف ،أو تلقائيا قبل البث في جوهر الدعوى .وبناء على ذلك ،فالخبرة قانونا هي أحد
وسائل التحقيق التي يعتمد عليها القضاء للتوصل إلى حقيقة معينة انطالقا من وقائع
ومعطيات ذات طابع تقني .حيث تسند لخبير مسجل في الئحة الخبراء القضائيين .يمكن
للمحكمة ،في ظل القانون المغربي ،إسناد الخبرة لخبيرغيرمسجل شريطة أن يدلي بالقسم قبل
أن يبدئ في إنجاز المهمة المنوطة إليه .يمكن لألطراف الطعن في الخبرة إذا لم يقم الخبير،
الغير مسجل في الئحة الخبراء ،بتأدية القسم .742ويجب على الخبيرأن يقدم جوابا محددا على
األسئلة الفنية التي طرحها القاض ي في حكمه التمهيدي القاض ي بإجراء خبرة ،والتي يجب أن ال
تمد بصلة بالقانون .سلك المشرع الفرنس ي نفس المنوال الذي سار عليه المشرع المغربي
حينما اكتفى في الفصل 232من قانون المسطرة المدنية ،بتحديد شروط تعيين الخبير من
. 741علي الحديدي " ،الخبرة في المسائل المدنية والتجارية" ،دار النهضة العربية الطبعة األولى ، 0222 ،صفحة 20
. 742األستاذ زعيم ابراهيم " رقابة القضاء على أعمال الخبراء" .مجلة المحامي عدد 22
طرف املحكمة ،ونوعية القضايا التي تستدعي األخذ برأيه التقني .بيد أن محكمة النقض
الفرنسية اتبعت في قرارها الصادرعن الغرفة المدنية الثانية بتاريخ 21فبراير ،743 9104نهجا
مخالفا لما سار عليه المشرع المغربي ،حينما اعتبرت أن للمحكمة الصالحية في اختيار الخبير
أما محكمة النقض المغربية ،فقد اعتبرت في قرارها عدد 211المؤرخ في 92ابريل 2190
في الملف المدني رقم " 2194/4/9/3419بعدم جوازانتداب خبيرخارج إطارأهل الفن موضوع
النزاع" .وفي ملف مدني آخر عرض على محكمة النقض المغربية ،يطعن فيه طالب النقض في
القرار الصادر عن محكمة االستئناف بعلة أن الخبير المعين ليس من دوي االختصاص ،أكدت
محكمة النقض أن " املحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لما اعتمدت في قضائها على تقرير
َ ْ ْ َ
است َعان بشخص من أهل خبرة منجزة من طرف خبير غير مختص في المسح العقاري وإن
االختصاص تكون قد عللته تعليال فاسدا وهو بمثابة انعدامه مما يعرضه للنقض.744
تلعب الخبرة دورا هاما في مجاالت عدة ،حيث تعتبرالوسيلة الفنية الكفيلة بتاطيرالنزاع
السيما حينما يتعلق األمر بمجال تقني يخرج بطبيعة عن صلب معرفة الهيئة القضائية ،والتي
يقتصر دورها على البث في النقاط القانونية دون غيرها .باإلضافة إلى ذلك ،أشار القانون في
بعض المساطر الخاصة ،على إلزامية اللجوء إلى خبير لتحديد على سبيل المثال الثمن
االفتتاحي ،كما هو الحال في بيع عقاربالمزاد العلني ،واشترط أن يضمن الخبيرفي خبرته المعايير
التي اعتمد عليها في تحديد الثمن االفتتاحي تحت طائلة عدم األخذ بالخبرة .وهو النهج الذي
سارت عليه محكمة النقض المغربية في قرارات عدة نذكر من بينها القرار عدد 4/290الصادر
في 14ابريل 2191في الملف المدني رقم .2191/4/9/1111وفيما يتعلق بإمكانية إجراء خبرة
ثانية ،فإنها تخضع للسلطة التقديرية ملحكمة الموضوع شريطة أن تعلل قرارها .وهي القاعدة
التي تبنهها محكمة النقض المغربية كتوجه راسخ في قرارات عديدة ،نذكر من بينها القرار عدد
ُ ُ
فالخبرة إذن هي وسيلة من وسائل اإلثبات التي تتسم بزمرة من الخصائص ت َم ِّيز َها عن باقي
وسائل التحقيق التي قد تلجأ إليها املحكمة من بينها طابعها االختياري ،745الفني ،باإلضافة إلى
َّ
الطابع الت َبعي .فطابعها االختياري يتجلى في الحكم بها ،من طرف املحكمة ،بناء على طلب من
األطراف أو تلقائيا .أما طابعها التقني ،فنابع من طبيعة النوازل المطروحة على املحكمة والتي
َ ُ
دلوا ب َد َ
لوها في نزاع فني ال صلة له بالقانون وأن ِ ُيلجأ فيها للخبرة ،حيث يصعب على الهيئة أن ت
َّ ُ َ
ت ْب ِرز طبيعة الضرر ،مسؤولية كل طرف أو األخطاء المرتكبة .وفيما يتعلق بطابعها الت َبعي ،فهو
نابع من ارتباط الخبرة ارتباطا جوهريا بالنزاع األصلي ،حيث ال يمكن تصورخبرة بمعزل عن نزاع
َْ ُ
قائم .وألن الخبرة في ك ْن ِه َها تهدف إلى نفي الجهالة عن و اقعة معينة ،يصعب تحديد أسبابها،
َ ُ َ
آثا ِر َها ِونطاق مسؤولية األطراف ،من جهات ال تنتمي إلى سلك اختصاص معين.746
الفق ــرة الثاني ــة :تجريح الخبراء بين توجيه القانون المغربي والموقف في القانون المقارن
مكن المشرع المغربي ،وعلى غرار باقي التشريعات العربية والغربية ،تجريح الخبراء حتى
يتسنى لألطراف إبرازما من شأنه أن يخرج الخبرة عن ضوابطها الموضوعية ،أو أن يزيح الخبير
عن استقالليته وحياده .يتعين التمييز في هذا الباب ،بين ِت ْب َي ِان األطراف لما يفيد بأن الخبير لم
يحترم الشروط الموضوعية في انجازه للخبرة ،كعدم اعتماده على وسائل المقارنة في تقييمه
لعقار موضوع نزاع معين ،والتي يجب عليه إبرازها تحت طائلة رفض الخبرة ،وتقديم طلب
َْ
تن ِح َي ِت ِه سواء لوجود مصلحة له في النزاع ،لتضارب المصالح أو ألسباب أخرى تجعل حياده أو
َ ُ
استقالليته موضوع شك .ففي الحالة األولى ،يتعلق األمر بطعن مقدم ضد الخبرة والتي َيت َع َّين
إنجازها طبقا لمعايير ،والتي غالبا ما تكون محددة من طرف محكمة النقض في قرارات عدة
تؤسس لتوجه قضائي راسخ ،كما هو الحال في الخبرات الرامية إلى تقييم العقارات .حيث يرمي
هذا الطعن ،إلى استصدار حكم تمهيدي جديد بانجاز خبرة أخرى ،تعهد سواء لخبير واحد أو
خبرة ثالثية تعهد لثالثة خبراء .747أما في الحالة الثانية ،فيتعلق األمر بطلب تنحية موجه ضد
وعلى هذا األساس ،ضمن المشرع المغربي ،في الفصل 02من قانون المسطرة المدنية،
. 747قددددددرار محكمددددددة الددددددنقض المغربيددددددة عدددددددد 02الصددددددادر فددددددي 0110/10/00عددددددن الغرفددددددة المدنيددددددة فددددددي الملددددددف عدددددددد
0112/0/2/007
قرار منشور بكتاب األستاذ ابراهيم زعيم الماسي " ،تقدير التعويض عن االعتداء المادي على الملكية العقارية" ،الطبعة األولى،
،0101صفحة 001
تخول إذن مقتضيات الفصل 02من قانون المسطرة المدنية المغربي ،لألطراف الحق
في تجريح الخبير ،ألسباب بعضها منصوص على سبيل الحصر .وعلى األطراف تقديم طلب
التجريح خالل أجل ال يتعدى خمسة أيام من تاريخ التوصل بالمقرر القضائي تحت طائلة
َ ُّ
الرفض ،وت ُبث املحكمة داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تقديمه .ففي حالة قبول طلب
التجريح ،تسحب املحكمة مهمة إنجاز الخبرة من الخبير وتعين خبيرا آخر وتسهر على تبليغ
األطراف .كما يمكن للمحكمة سحب مهمة انجازالخبرة من الخبيرالذي لم يحترم اآلجال املخولة
له من طرف املحكمة لإلدالء بتقريرالخبرة .ال تعتبرالخبرة ملزمة للقضاء ،ففي حالة عدم األخذ
بالخبرة ،على الهيئة المصدرة للقرار أن تعلل توجهها .ذلك أن انعدام التعليل يعطي لألطراف
وخالفا للنصوص المؤطرة لتجريح القضاة ،لم يحدد المشرع المغربي أسبابا حصرية
لتجريح الخبير .حيث عمل على إبراز بعض األسباب ،وعددها أ بعة ،والتي ما إذا تحققت ُتف ُ
يد ِ ر
بأن الخبير ،سواء ال يستوفي شرط االستقاللية ( السبب األول والرابع) ،أو الحياد الموضوعي (
السبب الثالث ) ،أو عدم توفره على المعرفة والمهارات التي تؤهله لإلدالء برأي تقني في الخبرة (
السبب الثاني) .باإلضافة إلى ذلك ،فتح المشرع المغربي املجال أمام األطراف لتجريح الخبير
ألي سبب لقبه المشرع "بالخطير" .ويكون الرفض مصير طلب التجريح الذي يقدم ألول مرة
أمام محكمة النقض .وهو النهج الذي أكدته محكمة النقض ،في قرارها عدد 9113المؤرخ في
2111/14/93في الملف المدني عدد .2113/1/9/3493ويتعين اإلشارة في هذا الصدد ،أن طلب
تجريح الخبير يجب أن يقدم تحت هذا المسمى ،وأن يؤسس سواء على األسباب األربعة األولى
المشار إليها في الفصل 02من قانون المسطرة المدنية ،أو على تلك التي تندرج تحت ما سماه
. 748قرار محكمة النقض المغربية عدد 11الصادر في – 0202/0/00مجلة القضاء المجلس األعلى – عدد 02صفحة 00
المشرع "باألسباب الخطيرة" .وأن تقديم طلب مجرد أو ملتمس " بتنحية الخبير" ،ال يقوم مقام
طلب تجريح الخبير بالمفهوم المشار إليه في الفصل 02من القانون المسطرة المدنية .وهو ما
التجاري عدد .2194/2/3/014كما يتعين التنبيه إلى أن المشرع المغربي سلك نهجا مخالفا
لما سار عليه في النصوص المؤطرة لتجريح القضاة ،بعدم تحديده ألسباب معينة بطريقة
حصرية ،ال يغني األطراف عن تأسيس طلبهم على أسباب ُم َح َّد َدة " تتسم بطابع خطير"َ ،ح َّتى
َ
يتسنى للمحكمة تقييم ال ِعل ِل المؤسسة للطلب ،وإصدار قرارها بتنحية الخبير من عدمه .وهي
النقطة التي أكدتها محكمة النقض في قرارها عدد 314الصادر في 2113/3/92في الملف
التجاري عدد ،2112/9/3/9101والذي رفض طلب تجريح الخبير ،حيث أن مقدم طلب التنحية
لم يثبت " األسباب الخطيرة" التي بناء عليها أسس طلب التجريح.
أما بخصوص المسطرة المتبعة لتجريح الخبير ،فلم يشترط المشرع المغربي ،باستثناء
احترام أجل الخمسة ( )1أيام ،والتي تبتدئ منذ تاريخ تبليغ مقرر تعيين الخبير ،سوى تقديم
الطلب للمحكمة والذي يجب أن يرتكز على سبب معين ،كما سبق اإلشارة إلى ذلك انفا .حيث
َ
ت ُب ُّت املحكمة في الطلب داخل أجل خمسة ( )1أيام من تاريخ تقديمه ،وقرارها ال يقبل الطعن إال
أما المشرع الفرنس ي ،فقد تميز عن كل من المشرع المغربي والمصري بتضمينه في
الفصل 243من قانون المسطرة المدنية والمتعلق بتجريح الخبراء ،749على نفس األسباب
المعتمدة لتجريح القاض ي ،والمنصوص عليها في الفصل L 111-1من مدونة التنظيم القضائي
الفرنس ي .مما يفيد ،من جهة ،رغبة المشرع الفرنس ي فتح املجال لألطراف لتأسيس طلباتهم
على أي سبب من شانه أن يجعل حياد أو استقاللية الخبير موضوع شك .ومن جهة أخرى،
َ ُ
تنزيله للخبرة والرأي التقني للخبير نفس المنزلة كالحكم القضائي .وهو التوجه الذي ُي ْست َساغ
إذا ما أخدنا بعين االعتبارالطابع التقني للنقاط التي يعهد للخبيرالبث فيها ،والتي غالبا ما تكون
لها سمة مفصلية في النزاع .وفي هذا الصدد ،أكدت محكمة النقض الفرنسية في قرارات عدة
نذكر من بينها القرار عدد 11-29الصادر في 91مارس 9119عن الغرفة التجارية أن " :أسباب
ََْ
تجريح الخبيرغيرمحددة بطريقة حصرية" .تلت ُه قرارات عدة ،تؤسس لتوجه راسخ في الجمهورية
الفرنسية ،بعدم تقنين أسباب تجريح الخبير .كما افططن المشرع الفرنس ي ،على غرار النهج
الذي سار عليه المشرع المغربي إلى ضرورة تجريح الخبير نفسه في حالة ما إذا اتضح له سبب
ل م يحدد المشرع الفرنس ي اآلجال التي على األطراف احترامها بغية تجريح الخبير ،لكنه
ترك هذه " المهمة" ملحكمة النقض الفرنسية التي أشارت في قرارات عدة نذكر من بينها القرار
عدد ،N°08-11.163الصادر في 4يونيو ،2111عن الغرفة المدنية الثانية " ،أنه على األطراف
تقديم طلب تجريح الخبير قبل أن يضع تقريره للمحكمة" .أما في ما يخص الجهة املختصة،
وخالفا للنهج الذي سار عليه المشرع المغربي ،لم يحدد المشرع الفرنس ي المسطرة المتبعة،
حيث أسند مرة أخرى هذه المهمة ملحكمة النقض التي أكدت في قرارها عدد 911الصادر عن
الغرفة المدنية الثانية في 39مايو " ، 9110بوجوب تقديم طلب التجريح لرئيس املحكمة التي
َ
عرضت عليها القضية"َ .ب ْيد أن قرار رفض طلب التجريح المقدم ضد الخبير ال يقبل أي طعن
بالنقض.750
. 750قرار محكمة النقض الفرنسية عدد 020الصادر عن الغرفة المدنية الثانية في الثامن من أكتوبر 0210
عرف التشريع المصري الخبرة ،في ظل الحكم العثماني وفي فترة ما قبل صدور قانون
المر افعات لسنة ،9111حيث كان يستعان بالخبراء في ميادين مختلفة كالطب ،الهندسة
والكيمياء .وكان اللجوء إلى الخبرة من األمور الشائعة في محاكم مصر العثمانية .إذ كان
يستعان ،على سبيل المثال ،بأعضاء طائفة البنائين املحترفين للوقوف على مدى مطابقة البناء
للمعاييرالفنية المعمول بها في ذلك اإلبان .كما كانت املحاكم تستعين بالنساء في المسائل التي
وبصدور قانون المر افعات المصري في سنة ،9111تم تنظيم الخبرة في المواد 211إلى
،211وكذلك في قانون المر افعات أمام املحاكم األهلية في الفصل الثاني من الباب السابع من
الكتاب األول في المواد 223إلى .244كما عمل المشرع المصري على إدخال تعديالت عدة على
هذه القوانين ،كان آخرها المرسوم رقم 10الصادرفي سنة 9112والمعمول به إلى اليوم.752
ينص مرسوم 9112المنظم للخبرة أمام جهات القضاء المصرية ،في المادة الثانية ،على
إحداث " لجنة خبراء الجدول" بكل محكمة من محاكم االستئناف واملحاكم االبتدائية ،تتشكل
من رئيس املحكمة أو من ينوب عنه ،والنائب العام أو من ينوب عنه ،ومستشارتنتخبه الجمعية
العمومية لكل محكمة لمدة سنة .تجتمع هذه اللجنة مرة واحدة كل سنة ،في شهر يونيو ،أو
كلما دعت الضرورة لذلك للنظرفي استعباد خبيرأصبح في حالة ال تمكنه من أداء أعماله أو فقد
شرطا من شروط تقييده في الجدول ،أو حكم عليه بعقوبة جنائية ،أو أصدرت عليه أحكام
قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف .وللخبيرالذي قررت اللجنة استبعاد اسمه أن يتظلم من هذا
القرار ،خالل أجل عشرة أيام من تاريخ إعالمه به ،أمام املحكمة التي قررت لجنة الخبراء بها
استبعاد اسمه ،وذلك طبقا لمقتضيات المادة الرابعة من المرسوم المصري المنظم للخبرة.
.علي الحديدي " ،الخبرة في المسائل المدنية والتجارية" ،دار النهضة العربية الطبعة األولى ، 0222 ،صفحة 21 751
.علي الحديدي " ،الخبرة في المسائل المدنية والتجارية" ،دار النهضة العربية الطبعة األولى ، 0222 ،صفحة 20 752
ومن بين أبرزالنقاط التي تميزالمقتضيات المنظمة للخبرة والخبراء في مصر ،الفصل بين خبراء
وزارة العدل وخبراء مصلحة الطب الشرعي .حيث يعنى الفريق األول من الخبراء بالنظرفي مسائل
فنية مختلفة باستثناء تلك التي تتعلق بميدان الطب ،الكيمياء الشرعية ،املختبرات البيولوجية
لم ينص المرسوم المنظم للخبرة والخبراء في مصر على خصوصيات عمل أو إنجاز
الخبرات لكل فريق على حدة باستثناء تكوين الهيئات التي عهدت لها مهمة التأديب .ذلك أن
لجنة تأديب خبراء الجدول مصلحة الطب الشرعي تتكون ،خالفا للجنة خبراء الجدول ،753من
الوكيل الدائم لوزارة العدل ،النائب العام أو من ينوب عنه ،مستشار محكمة االستئناف
بالقاهرة والمنتخب من طرف الجمعية العمومية لمدة سنتين ،باإلضافة إلى كبير األطباء
لم ينظم المرسوم المسطرة المتبعة في تجريح الخبراء ،سواء تعلق األمر بخبراء وزارة
العدل أو الخبراء التابعين لمصلحة الطب الشرعي .لكنه اكتفى باإلشارة في المادة 13بتبليغ
نسخة من الحكم القاض ي بتجريح الخبير إلى مكتب الخبراء أو قسم الطب الشرعي ،مع منح
الخبير الحق في تنحية نفسه ،خالل الثالثة أيام بتكليفه أداء المأمورية ،عن طريق تقديم طلب
لرئيس المكتب أو القسم أو المصلحة التي ينتمي إليها .وهي المسطرة التي ينظمها نفس
المرسوم في المادة 91بالنسبة لخبراء وزارة العدل والمادة 30بالنسبة لخبراء مصلحة الطب
الشرعي .لكن المشرع المصري ارتأى تحديد أسباب تجريح الخبرة بطريقة حصرية في الفصل
-9إذا كان قريبا أو صهرا ألحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة أو كان له أو لزوجته خصومه
قائمه مع أحد الخصوم في الدعوى أومع زوجته ما لم تكن هذه الخصوم قد أقيمت من
-2إذا كان وكيال ألحد الخصوم في أعماله الخاصة أو وصيا عليه أو قيما أو مظنونه وراثته
له بعد موته أو كانت له صله قرابة أو مصاهره للدرجة الرابعة بوص ى أحد الخصوم أو
بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة املختصة أو بأحد مديريها وكان لهذا
-3إذا كان له أو لزوجته أو ألحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيال
-4إذا كان يعمل عند أحد الخصوم أو كان قد اعتاد مؤاكله أحداهم أو مساكنته أو كان
قد تلقى منه هديه أو كانت بينهما عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته أداء
مأموريته بغيرتحيز.
ومن بين أبرز المالحظات التي يمكن اثارتها بخصوص أسباب التجريح في القانون
ُ
المسطري المصري ،هوهذا التخصيص الحصري امل َح َّد ِد بنص الفصل 949من قانون اإلثبات
المصري .وهو نهج مخالف لما سار عليه كل من المشرع الفرنس ي والمغربي في تجريح الخبراء.
َ
َب ْيد أن مقتضيات هذا الفصل جاءت موازية في فلسفهها للمقاصد التي أراد كل من المشرع
المغربي والفرنس ي تحقيقهم ،ويتعلق األمرتحديدا بإثارة كل ما من شأنه أن يضع حياد الخبيرأو
استقالليته موضوع شك .فكل من الفقرة األولى والفقرة الثانية من الفصل 949من قانون
اإلثبات المصري ،تتطرق إلى أسباب إذا ما تحققت تنفي الحياد عن الخبيربمفهومه الذاتي كما
عرفته املحكمة األوروبية لحقوق اإلنسان قرار " ،" Le Strum vs Franceوالذي سبق اإلشارة
إليه في توطئة هذا المقال .أما الفقرة الثانية والرابعة ،فتتطرق كل واحدة منهما ألسباب إذا ما
تحققت ال تخول للخبير أن يزاول مهامه باستقاللية ،حيث تصبح له مصلحة مباشرة في النزاع.
ويتعين تقديم طلب تجريح الخبير في القانون المصري خالل الثالثة أيام لتاريخ الموالية الحكم
بتعيينه إذا صدر الحكم بحضور طالب التجريح ،وإال ففي الثالثة أيام التي تلي تبليغ الحكم
التمهيدي .ويعتبرهذا األجل من النظام العام ،حيث ال تقبل طلبات التجريح إذا ما قدمت خارج
هذا األجل.
لمستنتجات الخبير وخالصاته المتضمنة في التقرير المودع لدى املحكمة اثر بالغ على
توجه قضاة الموضوع ،الذين غالبا ما يسندون للخبير مهمات ذات طابع مفصلي في النزاعات.
فالخبرة هي بمثابة "مسودة حكم" ،لتكتفي بعد ذلك املحكمة بتعزيزها ببعض الوسائل
القانونية المثارة من طرف األطراف أو التي تؤطر النزاع سواء من القواعد العامة أو تلك
ومن هذا المنطلق تبرزخطورة إخالل الخبير ،من جهة بالضوابط الموضوعية التي عليه
أن يتقيد بها في انجازالخبرة ،ومن جهة أخرى ،بكل من مبدأي االستقالل والحياد .وتأسيسا لما
سبق ،يتعين على المشرع المغربي ،السيما وأن املجال الزمني المتاح لألطراف لتقديم طلب
التجريح ضيق للغاية ،754تعزيز من جهة الترسانة المسطرية المغربية بإمكانية تحميل الخبير
المسؤولية في حالة عدم تصريحه التلقائي بأحد أسباب تجريحه والتي كان عليه إثارتها في غياب
علم األطراف بها .ومن جهة أخرى ،منح أجل معقول يتعدى الخمسة ( )1أيام لكي يتمكن
فالخبرة هي بمثابة "مشروع حكم" ،قد تعتمد عليها املحكمة بطريقة حصرية في إصدار
حكمها بنقل حقوق من طرف إلى أخر ،إبطال عقود أو أي إجراء آخر من شأنه أن يؤثر على
المراكز القانونية لألطراف .وعلى هذا األساس ،فان عدم تصريح الخبير بتضارب المصالح،
وجود مصلحة شخصية له في النزاع ،أو أي سبب خطيرقد يضع حياده واستقالليته محل شك
ويؤثر على فحوى الخبرة المنجزة ،هو بمثابة إخالل سافر ،ليس فقط بالضوابط التي تؤطر
عمل الخبراء ،بل يتعداه ليشكل مساسا خطيرا بشروط املحاكمة العادلة والتي إذا ما اختلت،
َ ُ
اهتز السلم واالستقرار االجتماعيَ .يت َع َّين معه وضع قواعد احترازية ،يلزم بها المشرع الخبراء
التصريح باألسباب التي قد تؤثر على حيادهم واستقاللهم ،وتمكن من جهة أخرى ،تسطير
المتابعة الجنائية في حالة ثبوت عدم وفائهم بهذا االلتزام بسوء نية
المراجع الفقهية:
المر افعات الكويتي" املجلة العربية للفقه القضاء األمانة العامة ملجلس وزراء العدل
ذ .حامد الشريف " ،موانع القضاء" ،المكتبة العالمية ،طبعة .2111
الدكتور محمد سمير عبد الفتاح " :النيابة العامة وسلطهها في إنهاء
قرار محكمة األوروبية لحقوق اإلنسان عدد Le Strum ( 91111/12
دكتور احمد فتحي سرور " :الوسيط في قانون اإلجراءات الجنائية".
الدكتور احمد السيد صاوي" .الوسيط في شرح قانون المر افعات
الدكتور محمود نجيب حسني " ،شرح قانون اإلجراءات الجنائية" ،دار
الدستورية ،في قانون اإلجراءات" ،الطبعة الثالثة ،دار الشروق 2114 ،صفحة .411
ذ .عفيف البقالي " القاض ي المدني واستنادات مبدأ الحياد" مجلة
العلوم القانونية".
الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي .رسالة ماجستير في القانون " قانون المسؤولية
ذ .فتحي والي" ،الوسيط في قانون القضاء المدني" القاهرة ،دار
علي عوض حسن " .رد ومخاصمة أعضاء الهيئات القضائية" ،دار
ذ .عبد العزيز توفيق " ،التعليق على قانون المسطرة المدنية المغربي
على ضوء الفقه والقضاء" ج .2الدار العربية للموسوعات بالقاهرة باالشتراك مع
المصرية.
ابن فرحون ،برهان الدين ابو عبد الله محمد ( 9311هجرية ) " ،
تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام" ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،طبعة
ابن الهمام محمد ابن عبد الواحد ( " ،)9111فتح القدير شرح
الرملي ،شمس الدين محمد بن ابي العباس ( " ،)9114نهاية املحتاج
شرف الدين احمد ( ،)9114أصول االثبات ،ج ، 9طبعة نادي القضاة،
القاهرة،
بيروت.
ابن قدامة محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدس ي (
الخياري ،عبد الله علي" ،حجية الشهادة في اإلثبات في النص اإلسالمي
ابن قيم الجوزية ،محمد بن ابي بكر الزرعي " ،الطرق الحكمية" ،دار
البيان ،بيروت.
ابن فرحون ( " ،)9111تبصرة الحكام" ،طبعة مصطفة الحلبي ،بيروت.
محمد عطية راغب " :النظرية العامة لإلثبات في التشريع الجنائي
احمد نشات " :رسالة اإلثبات" ،الجزء األول ،الطبعة السابعة ،دار
علي الحديدي " ،الخبرة في المسائل المدنية والتجارية" ،دار النهضة
زعيم إبراهيم " :رقابة القضاة على أعمال الخبراء " .مجلة املحامي .عدد
.34
روبيو يسعد ،يايا فرحات" ،الخبرة القضائية ودورها في اإلثبات"( ،
رسالة شهادة ماستر مهن قضائية وقانونية) ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة
الدكتور جواد أمهمول " ،الوجيز في المسطرة المدنية" .دار اآلفاق
للنشروالتوزيع .2191
معــاج ــم:
1921.
37 à 48.
171.
magistrature en France.
2019
1988.
les moyens d'ordre public en procédures ". Dalloz 1986 Chron 59.
droit civil "Tome II, 1er Volume, Obligations théorie générale, Montchrestien,
édition 2002.
2002 .
statuts et des comportements ", chapitre 4 pages 43-53, 2003, press universitaire
de Rennes.
مقاالت وأبحاث
قانونية وقضائية
باللغة الفرنسية
LE PARTICULARISME DE L’ABUS DE
DEPENDENCE ECONOMIQUE
THE PARTICULARISM OF THE ABUS OF ECONOMIC DEPENDENCE
Résumé :
ABSTRACT
The situation of economic dependence is a lawful situation
which does not entail any legal consequence. Nevertheless,
competition law condemns the abuse of this situation and adopts a
different definition which it considers both as an anti-competitive
practice and as an abusive practice likely to create an imbalance in
commercial relations.
However, Law 104-12 relating to freedom of prices and
competition qualifies a situation of abuse of economic dependence
only when three conditions are simultaneously met: the existence
of economic dependence, the abuse of this situation and the
absence of an alternative solution.
Key words : Competition, dependence, alternative solution,
abuse, anti-competitive practice.
INTRODUCTION
De plus en plus de personnes font le choix du travail
indépendant, ce qui les contraint à rechercher activement des
clients. Dans certaines hypothèses, une partie importante voire
prépondérante du chiffre d’affaires est réalisée avec un ou deux
clients755. Cette situation appelée dépendance économique est
particulièrement dangereuse du fait de la fragilité des liens
d’affaires.
Cependant, ce phénomène peut avoir plusieurs causes qui
résident en premier lieu dans l’insuffisance du démarchage
755
Droit de la concurrence, Frison-Roche, Marie-Anne, Editeur : Dalloz, Publication : 2006, p : 145.
756
La concurrence dans un régime de la transition, Mihaylova,Stefka, Editeur : Gestion 2000, Publication :
2000, p : 78.
757
Dahir n°1-14-116 du 2 Ramadan 1435 portant promulgation de la loi n°104-12 relative a la liberté des
prix et de la concurrence, Bulletin Officiel n° 6280 du 10 chaoual 1435, p : 3731.
758
Mémento concurrence consommation, Bonnier, Marine,coursiére-Pluntz, Editeur : édition Francis
lefebvre, Publication : 2017, p : 99.
759
Dahir n°1-14-116 du 2 Ramadan 1435 portant promulgation de la loi n°104-12 relative a la liberté des
prix et de la concurrence, Bulletin Officiel n° 6280 du 10 chaoual 1435, p : 3731.
760
http://www.theses.fr/1999MON10035
761
G. Caniv et et M.-CI. Boutard-Labarde, op.cit, n° 109.
762
Dominique Legeais, Droit commercial et des affaires,18éme édition,2009
763
https://www.l-expert-comptable.com/a/532027-qu-est-ce-que-la-dependance-economique.html
764
http://www.toupie.org/Dictionnaire/Abus.htm
765
https://www.dictionnaire-juridique.com/definition/abus.php
766
D.ALAMI MACHICHI, Concurrence droit et obligation des entreprises au Maroc, édition Eddif, 2001,
p. 95.
767
HESS-FALLON Brigitte et SIMON Anne-Marie, Droit des affaires, Dalloz, Paris, 14 e édition, 2001,
P66.
768
CORNU Gérard, vocabulaire juridique, droit et science politique, Paris, 11eme édition, 2016.
769
DEKEUWER-DEFOSSEZ François, Droit commercial, Montchrestien, Paris, 10eme édition, 2010
P.452
770
HESS-FALLON Brigitte et SIMON Anne-Marie, Droit des affaires, Dalloz, Paris, 14 e édition, 2001,
P67.
771
Op.cit, P66.
772
PIRONON Valérie, Droit de la concurrence, master pro, Paris, Gualino édition, 2009, P90.
773
PEDAMON Michel et KANFACK Hugues, Droit commercial, Dalloz, Paris, 4 eme édition, 2015,
P537
774
Ibid.
775
PIRONON Valérie, droit de la concurrence, op.cit, P91.
776
HESS-FALLON Brigitte et SIMON Anne-Marie, Droit des affaires, Dalloz, Paris, 14 e édition, 2001,
P62.
777
Op.cit, P63.
778
PEDAMON Michel et KANFACK Hugues, Droit commercial, Dalloz, Paris, 4eme édition, 2015, P
543.
779
PIRONON Valérie, Droit de la concurrence, master pro, Paris, Gualino édition, 2009, P27.
Bibliographie
Résumé :
La déconcentration administrative est un système
d’organisation administrative qui permet au pouvoir central une
gestion plus efficace de son action. A ce titre, la mise en place de
la charte nationale de la déconcentration administrative au Maroc
a permis d’établir de nouvelles relations entre l’Etat, les services
déconcentrés et les régions.
L’objectif de cet article est donc d’identifier, sur la base d’une
approche analytique, le rôle de la déconcentration dans la
répartition efficace des compétences. Il permet également
d'analyser les défis et opportunités liés à cette approche, tels que la
coordination et le financement. Il s’agit donc de résoudre les
dysfonctionnements liés aux ressources humaines et à la gestion
budgétaire. Il s’agit également de mettre en place de nouveaux
rapports entre les services déconcentrés et les régions. La
780
De Bellescize, R. (2018). « L’essentiel du Droit administratif général : Intègre le projet de loi de
programmation 2018-2022 et de réforme pour la Justice Ed. 5 ». Gualino. P. 56.
781
Décret n° 2-17-618 portant Charte Nationale de la Déconcentration Administrative. BO n° 6740- 26
rabii II 1440 (3 janvier 2019).
782
Laamrani, A. (2016). « Le rôle du gouverneur au Maroc ». L'Harmattan. P. 346.
783
Zahir, T. (2014). « Les incidences de la réforme régionale sur l’administration déconcentrée de l’Etat
». Dans A. d. (REJMA) (Éd.), « la régionalisation dans les Etats du Maghreb : quelles perspectives ». Rabat.
P. 34.
784
Bourqia, R. (2011). « Culture politique au Maroc, à l’épreuve des mutations ». L’Harmattan, Logiques
sociales. P. 34.
785
Article 3 du Décret n° 2-17-618. Précité.
786
Article 5 du décret n° 2.17.618. Précité.
787
La loi n° 45-08 relative à l'organisation des finances des collectivités locales et de leurs
groupements, promulguée par Dahir n° 1-09-02 du 22 safar 1430. B.O. n° 5714 du 5 mars 2009.
788
Les Centres Régionaux d'Investissement (CRI) ont été créés depuis 2002, suite à la Lettre adressée par
Sa Majesté au premier Ministre, relative à la gestion déconcentrée de l'investissement. Ces Centres ont
pour objectifs d'encourager l'investissement au niveau régional et de contribuer à promouvoir le
potentiel des territoires régionaux. Available at :
http://www.pncl.gov.ma/fr/Gestionterritoriale/Partenaires/Pages/centreRegional.aspx (consulté le 30
octobre 2018)
789
Article 83 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
790
Article 88 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
791
Article 229 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
792
Article 230 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
793
Ce comité est chargé : - du diagnostic du déficit enregistré à l’intérieur de la région dans les domaines
mentionnés à l’article 229 de la loi organique n° 111-14 ; - de l’élaboration de programmes de mise à
niveau sociale prenant en considération les priorités entre les secteurs et à l’intérieur de chaque secteur.
Le comité technique se réunit, sur invitation de son président, deux fois au moins par an et chaque fois
qu’il est nécessaire.
794
A raison d’un (1) représentant pour cinq communes. Voir article 232 de la loi organique n° 111-14.
Précitée.
795
Article 232 de la loi organique n° 111-14. Précitée.
796
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 356.
797
Sous réserve des exceptions annoncées par l’article 46 du décret n° 2-17-618 portant Charte
Nationale de la Déconcentration Administrative, certains secteurs ministériels ne sont pas concernés par
la déconcentration. Il s’agit des ministères de la Justice, des Habous et des Affaires islamiques, de la
Défense nationale, des administrations chargées de la sûreté interne ainsi que tous les secteurs
ministériels qui ne disposent pas de services déconcentrés.
798
Dahir portant loi n° 1-75-168 du 25 safar 1397 (15 février 1977) relatif aux attributions du gouverneur.
BO n° : 3359 du 16/03/1977.
799
Décret n° 2-93-625 du 20 octobre 1993 relatif à la déconcentration administrative. BO n° 4227 du
03/11/1993.
800
Article 1 du Décret n° 2-93-625. Précité.
801
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 339.
802
Rousset, M. (1969, Paris). « Le rôle du ministère de l’Intérieur et sa place au sein de l’administration
Marocaine ». Annuaire de l'Afrique du Nord. Centre national de la recherche scientifique. Centre de
recherches et d’études sur les sociétés méditerranéennes CRESM éds. , pp. 91-106. P.92
803
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 350.
804
Dans la constitution de 1996, « les services déconcentrés » ont été désignés dans l’article 102 par
l’expression « services locaux des administrations centrales ».
805
Article 14 du décret n° 2.17.618. Précité.
806
Article 15 du décret n° 2.17.618. Précité.
807
Gérard, M. (2002). « II. Bilan et avenir de la déconcentrationé ». Annuaire des collectivités locales.
L'organisation territoriale de la France, demain. Tome 22, pp. 25-49. P. 25.
808
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 330.
809
Gérard, M. (2002). Op. cit. P. 31.
810
Ibidem. P. 46.
811
Laamrani, A. (2016). Op. cit. P. 566.
812
L’article 37 du décret n° 2.17.618. Précité.
813
Vulbeau, A. (2010). « Contrepoint - Subsidiarité et décentralisation ». Informations sociales (n° 162),
pp. 85-85. P. 85.
814
Barroche, J. (2008). « La subsidiarité. Le principe et l'application ». Études 2008/6 (Tome 408), pp.
777-788. P. 778.
815
Brisson, J. (2003, mars). « Les nouvelles clefs constitutionnelles de répartition matérielle des
compétences entre l’Etat et les collectivités locales ». AJDA. P.529.
816
Vulbeau, A. (2010). Op. cit. P. 85.
817
Gaudin, J. (2004). « XVII. La contractualisation des rapports entre l'État et les collectivités territoriales
». Dans Annuaire des collectivités locales. T. 24, Réforme de la décentralisation, réforme de l'État (pp.
215-234). Régions et villes en Europe. P.224.
818
Madiot, Y. (1996). « Les techniques de correction de la répartition des compétences entre collectivités
locales ». Revue française de droit administratif, pp. 964-972. P. 969.
819
Vulbeau, A. (2010). Op. cit. P. 85.
820
Barroche, J (2008). Op. cit. P.785.
821
Vulbeau, A. (2010). Ibidem. P. 85.
=