You are on page 1of 458

‫الـــعــدد ‪ ֎ 23‬أكتوبر ֎ ‪2020‬‬

‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫جملة الباحث‬
‫للدراسات واألحباث القانونية والقضائية‬
‫جملة علمية فصلية حمكمة تعىن بنشر املقاالت واألحباث القانونية والقضائية‬

‫رئيس التحرير‪ :‬ذ ج عفر القامسي‬ ‫* ****‬ ‫امل دير امل سؤول‪ :‬ذ حممد القامسي‬

‫دراسات وأحباث قانونية وقضائية باللغة العربية‬


‫‪ ‬تغيري املركز القانوني للمشغل وأثره على استقرار عقود الشغل‪..........................................................‬أمينة رضوانـ‬
‫‪ ‬ركن احملل يف القرار اإلداري ‪ -‬دراسة مقارنة ‪...........................................................................-‬زهري مصطفى صاحلـ‬
‫‪ ‬ما جرى به العمل وأثره يف النهوض بالقضاء يف املذهب املالكي‪.........................................................‬إبراهيم والعيز‬
‫‪ ‬شروط اختصاص قاضي املستعجالت يف املادة الضريبية يف ضوء العمل القضائي‪................................‬عبد الغني مستور‬
‫‪ ‬اإلثبات يف املرض املهني وإشكاليته‪..............................................................................................‬فاطنة النوحيـ‬
‫‪ ‬جرائم العنف اجلنسي يف ضوء احملكمة اجلنائية الدولية‪...................................................................‬بلملياني أمساء‬
‫‪ ‬احلماية القانونية للعمال املنزليني على ضوء التشريع املغربي والفرنسي‪........................................‬هاجر أهل الدويرة‬
‫‪ ‬بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي وفقا لقانون املسطرة اجلنائية املغربية‪................................................‬حممد القامسيـ‬
‫‪ ‬مدى مالئمة النظام القانوني للدولة يف عقود استثمار النفط‪.............................................‬عمر عباس خضري العبيديـ‬
‫‪ ‬قراءة يف قانون ‪ 12.66‬املتعلق مبراقبة وزجر املخالفات يف جمال التعمري والبناء‪.........................................‬وائل العياطـ‬
‫‪ ‬حجية عقود التفويت اجملردة من أصل التملك يف إثبات امللكية العقارية‪...............................................‬رضوان الريشيـ‬
‫‪ ‬مؤسسة الفسخ يف التشريع املغربي‪........ ...................................................................‬جاد املصطفى وخدجية خليليـ‬
‫‪.‬‬

‫‪ ‬اإلشعار باإلفراغ بني احلق وااللتزام يف ضوء القانون رقم ‪............................................................67.12‬اشرف ركراكيـ‬
‫‪ ‬ميزانية النوع االجتماعي بني واقع التحديات واآلفاق املسقبلية ‪..................................................‬فاطمة الزهراء أخانة‬
‫‪ ‬الضمانات احلمائية للحقوق واحلريات يف ظل الظروف االستثنائية‪........................................................‬ازويني مجيلة‬
‫‪ ‬قراءة نقدية ملشروع القانون ‪ 22-20‬املتعلق باستعمال شبكات التواصل االجتماعي‪....................................‬رضوان سند‬
‫‪ ‬املدارس الفكرية التي أسست لعلم العقاب احلديث‪........................................................................‬ابراهيم الدريفـ‬

‫تقارير قانونية لورشات علمية وحبوث أكادميية معمقة‬


‫‪ ‬من أجل منظومة جنائية تقضي على التمييز والعنف ضد النساء وتؤصل ملقاربة النوع‪.............................‬أنس سعدونـ‬
‫‪ ‬احلماية اجلنائية للوثيقة االلكرتونية – دراسة مقارنة ‪...............................................................-‬حليمة عبد الرومىـ‬

‫ردمد ‪ISSN: 2550 – 603X :‬‬


‫®‬ ‫مجيع حقوق النشر حمفوظة لسنة ‪ 2017‬م‬
‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P1‬‬
‫‪Majalatlbahit2017@gmail.com‬‬ ‫‪FB- majalatlbahit‬‬ ‫‪www.justicemaroc.com‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫صدق اهلل العظيم‬


‫اآليتين ‪ 156 - 155‬من سورة البقرة‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P2‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية‬


‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة تعىن بنشر املقاالت واألحباث القانونية والفقهية والقضائية‬

‫رئـيس التحرير‪:‬‬ ‫املدير املسؤول‪:‬‬


‫ذ جعفر القامسي ـ ـ‬ ‫ذ حممد القامسي ـ ـ‬
‫اللجنة العلمية‪:‬‬
‫دة‪ .‬أمينة رضوان‪...................................... .........................................................‬دكتورة وقاضيةـ‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬أنس سعدون‪..................................................................................................‬دكتور وقاضيـــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬فريد خري الدين‪...............................................................................................‬دكتور وقاضيـــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬املصطفى الطايل‪...................... ..................................................................‬أستاذ التعليم العاليــــ‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫دة‪ .‬نوال جمدوب‪.........................................................................................‬أستاذة التعليم العاليــ‬ ‫‪‬‬
‫دة‪ .‬نصرية لوني‪...........................................................................................‬أستاذة للتعليم العاليــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬عبد العزيز خنفوسي‪....................................................................................‬أستاذ التعليم العاليـــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬ابراهيم أشويعر‪............................................................................................‬دكتور يف احلقوقـ‬ ‫‪‬‬
‫دة‪ .‬سهام صربي‪.............................................................................................‬دكتورة يف احلقوقــ‬ ‫‪‬‬
‫دة‪ .‬مجيلة بوستاوق‪..........................................................................................‬دكتورة يف احلقوقــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬هشام أزوكار‪...............................................................................................‬دكتور يف احلقوقــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬عبد الواحد الدايف‪..........................................................................................‬دكتور يف احلقوقــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬رضوان العنيب‪.............................................................................................‬دكتور يف احلقوقـــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬لعوميري قاسم‪.............................................................................................‬دكتور يف احلقوقـ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬موحى اسيدي اعمر‪........................................................................................‬دكتور يف احلقوقـــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬ميثم منفي كاظم العميدي‪.................................... ...............................................‬دكتور يف احلقوقـ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬بدر بوخلوف‪..............................................................................................‬دكتور يف احلقوقـــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬خالد احلمدوني‪............................................................................................‬دكتور يف احلقوقــ‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬همام القوصي‪..............................................................................................‬دكتور يف احلقوقــ‬ ‫‪‬‬
‫ذ‪ .‬زكرياء القامسي‪.................................................. .............................................‬حمافظ عقاريــ‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫جلنة التنسيقـ والتتبع‪:‬‬


‫ذة‪ .‬ليلى الضالع‪.................. .....................................................................‬باحثة يف سلك الدكتوراه‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ذة‪ .‬حليمة عبد الرمى‪..................................................................................‬باحثة يف القانون اخلاصـــ‬ ‫‪‬‬
‫ذ‪ .‬عدنان الزرزوري‪.............................. .....................................................‬باحث يف سلك الدكتوراه‬
‫‪..‬‬ ‫‪‬‬
‫ذ‪ .‬حممد أمني امساعيلي‪...............................................................................‬باحث يف القانون اخلاصـ‬ ‫‪‬‬
‫ذ‪ .‬ياسني الصبار‪................................................... ..................................‬باحث يف سلك الدكتوراه‬
‫‪..‬‬ ‫‪‬‬
‫ذة‪ .‬اب تسام الشرقاوي‪...................................................................................‬باحثة يف القانون اخلاصـــ‬ ‫‪‬‬
‫ذ‪ .‬خياطي مصطفى ‪......................................................................................‬باحث بسلك الدكتوراه‬ ‫‪‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P3‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية‬


‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة تعىن بنشر املقاالت واألحباث‬
‫القانونية والفقهية والقضائية‬
‫تصدر كمبدأ عام كل شهرين على املوقع اإللكرتوني‬

‫"‪"www.justicemaroc.com‬‬
‫وكذا العديد من املواقع القانونية األخرى املغربية‬
‫والعربية املشهود هلا بالكفاءة واألمانة العلمية‬

‫* كل املواقف واآلراء الواردة يف اجمللة ال تعرب سوى عن آراء كاتبيها وال تعرب عن رأي اجمللة *‬

‫شروط وقواعد النشر يف جملة الباحث‬


‫أن ينصب موضوع املقال على اجملال القانوني أو القضائي حسب األحوال‪..........................................‬‬ ‫‪‬‬
‫أن يكون البحث أو املقال حمرتما لشروط وأجبديات البحوث العلمية الدقيقة‪.......................................‬‬ ‫‪‬‬
‫احرتام األمانة العلمية‪ ،‬وتوثيق املعلومات‪ ،‬وتفادي األخطاء املادية واملنهجية‪.......................................‬‬ ‫‪‬‬
‫أن يكون البحث أو املقال قد أجاب عن اإلشكالية اليت يطرحها يف جمملها‪...........................................‬‬ ‫‪‬‬
‫يتحمل كاتب كل مقال منشور باجمللة ما به من سرقات ومغالطات عليمة‪.........................................‬‬ ‫‪‬‬
‫يرفض كل مقال ال يتوفر على احلد األدنى من الشروط السالفة الذكر أعاله ‪.........................................‬‬ ‫‪‬‬
‫إرسال املقال بصيغة )‪ (word‬إىل الربيد اإللكرتوني (‪.................)majalatlbahit2017@gmail.com‬‬ ‫‪‬‬
‫يرفق املقال وجوبا ببطاقة تعريفية للكاتب تتضمن (امسه ودرجته العلمية وصفته املهنية) ‪.................. ...........‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تعمل اجمللة على إخبار كاتب كل مقال بالعدد الذي سينشر فيه مقاله‪..............................................‬‬ ‫‪‬‬
‫تسلم شهادة النشر للراغب فيها تتضمن تقييما شامال للمقال وهي مؤدى عنها‪......................................‬‬ ‫‪‬‬
‫تنشر اجمللة على أوسع نطاق‪ ،‬وذلك يف مواقع إلكرتونية مغربية وعربية‪............................................‬‬ ‫‪‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P4‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فهرس العدد‬
‫‪08‬‬ ‫كلمة افتتاحية للعدد‪.......................................................................................‬‬
‫ذ‪ .‬محمد القاسمي‬

‫مقاالت وأحباث قانونية باللغة العربية‬

‫‪10‬‬ ‫تغييراملركزالقانوني للمشغل و أثره على استقرارعقود الشغل‪............................‬‬

‫الدكتورة أمينة رضوان‬

‫‪28‬‬ ‫ركن املحل في القراراإلداري ‪ -‬دراسة مقارنة ‪......................................................-‬‬

‫الدكتور زهير مصطفى صالح‬

‫‪47‬‬ ‫ما جرى به العمل و أثره في النهوض بالقضاء في املذهب املالكي‪..............................‬‬

‫الدكتور إبراهيم والعيز‬

‫‪69‬‬ ‫شروط اختصاص قاض ي املستعجالت في املادة الضريبية في ضوء‪........................‬‬

‫األستاذ مستور عبد الغني‬

‫‪117‬‬ ‫اإلثبات في املرض املنهي وإشكاليته‪.....................................................................‬‬

‫األستاذة فاطنة النوحي‬

‫جرائم العنف الجنس ي في ضوء املحكمة الجنائية الدولية‪138 ...................................‬‬


‫األستاذة‪ .‬بلملياني أ سماء‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P5‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الحماية القانونية للعمال املنزليين على ضوء التشريع املغربي والفرنس ي‪169 ......................‬‬

‫األستاذة هاجر أهل الدويرة‬

‫بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي وفقا لقانون املسطرة الجنائية املغربية‪196 ...........‬‬
‫األستاذ محمد القاسمي‬

‫مدى مالئمة النظام القانوني للدولة في عقود استثمارالنفط‪209 ...............................‬‬


‫األستاذ عمر عباس خضير العبيدي‬

‫قراءة في قانون ‪ 12.66‬املتعلق بمر اقبة وزجراملخالفات في مجال التعميروالبناء‪235 .....‬‬

‫الباحث و ائل العياط‬

‫حجية عقود التفويت املجردة من أصل التملك في إثبات امللكية العقارية‪252 ..............‬‬

‫الباحث رضوان الريش ي‬

‫‪286‬‬ ‫مؤسسة الفسخ في التشريع املغربي‪...................................................................‬‬

‫السيد جاد املصطفى و السيدة خديجة خليلي‬

‫اإلشعارباإلفراغ بين الحق وااللتزام في ضوء القانون رقم ‪328 ...........................67.12‬‬

‫األستاذ اشرف ركراكي‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P6‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪365‬‬ ‫ميزانية النوع االجتماعي بين و اقع التحديات واآلفاق املسقبلية ‪..........................‬‬

‫األستاذ فاطمة الزهراء أخانة‬

‫‪380‬‬ ‫الضمانات الحمائية للحقوق والحريات في ظل الظروف االستثنائية‪.....................‬‬

‫الباحثة ازويني جميلة‬

‫‪406‬‬ ‫قراءة نقدية ملشروع القانون ‪ 22-20‬املتعلق بشبكات التواصل االجتماعي‪.............‬‬

‫الباحث رضوان سند‬

‫‪415‬‬ ‫املدارس الفكرية التي أسست لعلم العقاب الحديث‪...........................................‬‬

‫األستاذ ابراهيم ال دريف‬

‫تقارير قانونية لورشات علمية وحبوث أكادميية معمقة‬

‫ورشة تكوينية لفائدة املتمرنات واملتمرنين في خطة العدالة‪427 ..................................‬‬


‫الدكتور أنس سعدون‬

‫الحماية الجنائية للوثيقة اإللكترونية – دراسة مقارنة ‪439 ......................................-‬‬


‫الباحثة حليمة عبد الرومى‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P7‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫* افتتاحية العدد *‬

‫املدير املسؤول‪:‬‬
‫األستاذ حممد القا مسي‬
‫بسم هلل الكريم‪ ،‬وبه نستعني‪ ،‬وبفضله منضي ونغدو يف طريقنا حتى نبلغ مقام اليقني‪ ،‬والصالة‬
‫والسالم على أشرف املرسلني‪ ،‬نهر اهلدى وحبر الندى وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬رب اشرح لي صدري ويسر‬
‫لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي‪...‬أما بعد‪:‬‬

‫تتمة للمسار الذي بدأناه مند سنوات خلت يف جمال النشر العلمي والبحث األكادميي‪ ،‬فإنه ملن دواعي‬
‫السرور أن نقص شريط عدد جديد من أعداد جملتنا‪ ،‬ويتعلق األمر بالعدد ‪ 23‬أكتوبر ‪ ،2020‬هذا األخري‬
‫جاء بعد اصدار ثلة من امللفات اخلاصة اليت قرر طاقم اجمللة أن خيصصها للمواضيع املتعلقة جبائحة‬
‫كورونا وحالة الطوارئ الصحية‪ ،‬قبل أن يقرر نفس الطاقم العودة لنشر املقاالت القانونية ذات املواضيع‬
‫املتنوعة‪...‬‬

‫فالعدد الثالث والعشرون من هذا الصرح غين مبقاالت وأحباث‪ ،‬ألفها قضاة وأساتذة ودكاترة‬
‫وباحثني يف اجملال القانوني والقضائي‪ ،‬ستشكل بال شك أو ريب إضافة للخزانة القانونية الرقمية‪.‬‬

‫فالشكر اجلزيل لكل من ساهم من قريب أو بعيد يف تأليف بنيان هذا العدد‪ ،‬يف انتظار العدد ‪24‬‬
‫نونرب ‪ ،2020‬تفضلوا بقبول أمسى عبارات التقدير واالحرتام‪ .‬والسالم‪...‬‬

‫حرر مبراكش– اململكة املغربية يف ‪2020/09/29‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P8‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫مق االت وأبحاث‬


‫ق انونية وقضائية‬
‫باللغة العربية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P9‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الدكتورة أمينة رضوان‬


‫حاصلة على الدكتوراه يف احلقوق‬
‫قاضية باحملكمة االجتماعية بالدار البيضاء‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫تنقسم عقود الشغل إلى تقسيمات متعددة‪ ،‬و حسب املدة الزمنية تنقسم إلى‬

‫عقود شغل محددة املدة و عقود شغل غير محددة املدة‪ .‬و تترتب على هذا التقسيم‬

‫نتيجة بالنسبة لوصف األجير‪ :‬األجيراملؤقت و األجيرالرسمي‪.‬‬

‫و قد كانت عقود الشغل محددة املدة هي املفضلة عند األجراء‪ ،‬لكونها تضمن‬

‫لهم و لو مؤقتا منصب شغل يقيهم من الفقر و الفاقة‪ ،‬بعيدا عن عقود الشغل غير‬

‫محددة املدة التي كانت تتعرض لإلنهاء باإلرادة املنفردة للمشغل‪ .‬إال أن التطورالذي‬

‫عرفه تشريع الشغل وما أضفاه من حماية كبيرة على عقود الشغل غيرمحددة املدة‪،‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 10‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫خاصة في إحاطتها بمجموعة من الضمانات التي ّ‬


‫تكبل يد املشغل في إنهائها بدون مبرر‬

‫جعلها تحظى بقبول كل األجراء‪.‬‬

‫و إذا كانت بصفة عامة تنتهي عقود الشغل املحددة املدة بانتهاء مدتها أو بانتهاء‬

‫العمل املخصص لها أو في الحاالت املحددة لها بمقتض ى مدونة الشغل‪ 1‬فإن عقود‬

‫الشغل غير محدد املدة ال تنتهي إال وفق ضوابط محددة تلزم الخارق لها بمجموعة‬

‫من التعويضات‪ ،‬و هذا إن دل على ش يء فإنما يدل على ضمان هذا النوع من العقود‬

‫الستقرارالتعاقد‪ .‬و في هذا الصدد نتساءل عن مدى استقرارهذه العقود رغم تغيير‬

‫املركزالقانوني للمشغل‪.‬‬

‫وعليه سنناول هذا املوضوع وفق التصميم اآلتي‪ :‬املبحث األول‪ :‬شروط‬

‫تطبيق قاعدة استقرار عقود الشغل في حالة تغيير املركز القانوني للمشغل‪ .‬املبحث‬

‫الثاني‪:‬بعض اإلشكاليات التي تطرح أثناء تغييراملركزالقانوني للمشغل‪.‬‬

‫‪ 1‬أنظر في هذا الصدد المادة ‪ 16‬وما يليها من م‪ .‬ش‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 11‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬شروط تطبيق قاعدة استقرار عقود الشغل يف حالة‬


‫تغيري املركز القانوني للمشغل‬

‫إن قواعد القانون املدني لم تعد تخدم بتاتا مصلحة األجير‪ ،‬بل و تتعارض كليا‬

‫مع الطابع الحمائي لقانون الشغل‪ ،2‬لذا تدخل املشرع في جل التشريعات املقارنة‪ 3‬و‬

‫أقر مبدأ مواصلة عقود الشغل بالرغم من تغيير املركز القانوني للمشغل‪ ،‬و في هذا‬

‫تجاوز للمبادئ املنصوص عليها في القانون املدني التي تقر بحرية التعاقد التي تعني‬

‫أن لكل طرف من طرفي العالقة الشغلية كامل الحرية في اختيار الشخص الذي‬

‫سوف يعمل معه و في تحديد بنود العقد بكامل الحرية‪ ،‬و هو ما يصطلح عليه في‬

‫القانون املدني باالعتبار الشخص ي في التعاقد ‪ ،‬كما أن فيه تجاوز لألثر النسبي‬

‫للعقود الذي ينص عليه الفصل ‪4 228‬من قانون االلتزامات والعقود والذي مفاده‬

‫أن العقد ال يكون ملزما إال بالنسبة لألطراف التي أبرمته سواء بأشخاصهم أو بمن‬

‫يمثلونهم‪..‬‬

‫وبالرجوع إلى النص التشريعي املنظم للموضوع نجد املادة ‪ 19‬من مدونة‬

‫الشغل تنص على أنه‪ « :‬إذا طرأ تغيير على الوضعية القانونية للمشغل‪ ،‬أو على‬

‫‪ 2‬دنيا مباركة‪ ،‬ضمانات حقوق أجراء المقاولة المخوصصة‪ .‬مجلة رسالة الدفاع ‪ .‬ع‪ . 2‬س ‪ . 2001‬ص‪.42‬‬
‫‪ 3‬سواء التشريع الفرنسي أو المصري أو اللبناني أو األردني أو اإلماراتي‪.‬‬
‫‪ -‬و في هذا اإلطار تنص المادة ‪ 36‬من قانون العمل الفرنسي على ما يلي ‪«:‬أن عقود العمل سارية المفعول يوم تغيير‬
‫المركز القانوني للمشغل تظل قائمة بين رب العمل الجديد و العمال بالمؤسسة»‬
‫‪Article 36 (2) : « le transfert de l’entreprise résultant notamment d’une cession‬‬
‫‪conventionnelle ou d’une fusion ne constitue pas en lui-même un motif de licenciement‬‬
‫‪pour le crédit ou le cessionnaire. Si le contrat est résilié du fait que le transfert entraîne une‬‬
‫‪modification substantielle des conditions de travail au détriment du salaire, la résiliation du‬‬
‫» ‪contrat est considéré comme intervenue du fait de l’employeur‬‬
‫‪ 4‬ينص الفصل ‪ 288‬من ق ل ع على ما يلي‪ »:‬االلتزامات ال تلزم إال من كان طرفا في العقد فهي ال تضر الغير و ال‬
‫تنفعهم إال في الحاالت المذكورة في القانون‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 12‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الطبيعة القانونية للمقاولة‪ ،‬و على األخص بسبب اإلرث‪ ،‬أو البيع‪ ،‬أو اإلدماج‪ ،‬أو‬

‫الخوصصة‪ ،‬فإن جميع العقود التي كانت سارية املفعول حتى تاريخ التغيير‪ ،‬تظل‬

‫قائمة بين األجراء و بين املشغل الجديد‪ ،‬الذي يخلف املشغل السابق في االلتزامات‬

‫الواجبة لألجراء‪ ،‬و خاصة فيما يتعلق بمبلغ األجور‪ ،‬و التعويضات عن الفصل من‬

‫الشغل‪ ،‬و العطلة املؤدى عنها‪.‬‬

‫يحتفظ األجير املرتبط بعقد شغل غير محدد املدة و الذي يتم نقله في إطار‬

‫الحركة الداخلية داخل املؤسسة أو املقاولة أو مجموعة املقاوالت كالشركات‬

‫القابضة‪ ،‬بنفس الحقوق و املكاسب الناشئة عن عقد شغله و ذلك بغض النظرعن‬

‫املصلحة أو الفرع أو املؤسسة التي يتم تعيينه بها ‪ ،‬و عن املهام املسندة إليه ما لم‬

‫يتفق الطرفان على مزايا أكثرفائدة لألجير »‬

‫و باالعتماد على هذا النص القانوني و ما أقره القضاء يمكن استخالص شروط‬

‫تطبيق مبدأ استقرارعقود الشغل رغم تغييراملركزالقانوني للمشغل‪.‬‬

‫الشرط األول‪ :‬حدوث تغيري يف املركز القانوني للمشغل‬

‫و مفاد هذا الشرط أنه كيفما كانت أسباب تغيير الوضعية القانونية للمشغل‬

‫أو للمؤسسة املشغلة‪ ،‬أي سواء تعلق األمر باإلرث أو التفويت أو اإلدماج أو‬

‫الخوصصة أو غيرها فإن جميع عقود الشغل التي كانت سارية املفعول حتى تاريخ‬

‫التغيير تظل قائمة بين األجراء واملشغل الجديد الذي يخلف املشغل السابق في‬

‫االلتزامات الواجبة لألجراء‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 13‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الشرط الثاني‪ :‬ضرورة سريان عقود الشغل وقت تغيري املشغل‬

‫يعتبرهذا الشرط عاما يسري على جميع عقود الشغل بغض النظرعن نوعها‪،‬‬

‫كما يسري على جميع النشاطات االقتصادية بحيث يكفي أن تكون عقود الشغل‬

‫سارية املفعول أثناء تغييراملركزالقانوني للمشغل‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬ضرورة استمرار نشاط املؤسسة املشغلة‬

‫قد يوحي هذا الشرط بأن استمرار عقود الشغل مرتبط بضرورة احتفاظ‬

‫املشغل الجديد بنفس نشاط املقاولة و بعبارة أخرى فهل استمرار عقود الشغل‬

‫رهين بعدم تغييراملشغل الجديد لنشاط املقاولة؟‬

‫لقد تدخل القضاء لتفسير هذا الشرط‪ ،‬بحيث إن القضاء املغربي ممثال في‬

‫محكمة النقض يكتفي للتصريح بوحدة نشاط املقاولة وجود تماثل أو تشابه أو‬

‫ارتباط بين النشاط القديم و النشاط الجديد للمقاولة‪ ،‬و نسوق كمثال على ذلك‬

‫قرار محكمة النقض‪ 5‬الذي اعتبر أن ‪« :‬انتقال ملكية األصل التجاري الذي كان في‬

‫األصل يشتغل كمقهى و مرقص إلى مالك جديد استعمله كمقهى و مطعم‪ ،‬ال يعتبر‬

‫تغييرا وبالتالي فإن إثبات األجيراشتغاله لدى املشغل األصلي من خالل بطاقة العمل‬

‫الغيراملطعون فيها‪ ،‬يجعل استمراره لدى املشغل الجديد مبررا»‪.6‬‬

‫‪ - 5‬قرار محكمة النقض المغربية ع ‪ 168‬بتاريخ ‪.1988/02/06‬أورده عبد اللطيف خالفي في مؤلفه االجتهاد القضائي‬
‫في المادة االجتماعية (رصد لمبادئ ولقرارات المجلس األعلى ومحاكم االستئناف ‪ )1998-1968‬م س‪ .‬ص ‪ 251‬وما‬
‫يليها‪.‬‬
‫‪ 6‬وعلى غرار ذلك سارت الغرفة االجتماعية بمحكمة النقض في الملف رقم ‪ 2247‬بتاريخ ‪ 1990/09/24‬في الملف‬
‫االجتماعي ع ‪ .89/9750‬منشور بقضاء المجلس األعلى ع‪ 46.‬نونبر ‪ .1992‬ص‪.90‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 14‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أما التشريع الفرنس ي فإنه لم يستقر على موقف واحد‪ .‬ففي البداية كانت‬

‫محكمة النقض الفرنسية تشترط لتطبيق املادة ‪ 36‬من قانون العمل‪ ،‬وجوب‬

‫استمرارنفس نشاط املؤسسة‪ ،‬وطبقا لنفس الشروط التي كان يمارس فيها من قبل‪،‬‬

‫بل إن محكمة النقض مددت تطبيق املادة املذكورة حتى في الحالة التي تنتفي فيها‬

‫أية رابطة قانونية مباشرة بين املشغلين املتعاقبين‪ .7‬لكن محكمة النقض الفرنسية‬

‫تخلت عن هذا املوقف حيث أكدت أن املادة ‪( L122-12AL2‬التي تقابلها املادة ‪36‬‬

‫من قانون العمل)‪« :‬تفترض وجود رابطة قانونية بين أرباب العمل املتعاقبين»‪،8‬‬

‫ونظرا لعدم انسجام هذا القرارمع التوجهات األوربية‪ ،‬عدلت هذه املحكمة عن هذا‬

‫القرار فأصدرت أيضا بهيآتها مجتمعة أن‪« :‬املادة ‪ L122-12AL2‬تطبق في غياب أية‬

‫رابطة قانونية تجمع أصحاب األعمال املتعاقبين‪ ،‬و أن نطاق تطبيقها يمتد إلى كل‬

‫تنازل عن وحدة اقتصادية‪ 9‬متى ظلت محتفظة بذاتيتها‪ 10‬في مزاولة نشاطها أو‬

‫استأنفته»‪.11‬‬

‫‪ 7‬ومثال ذلك‪ :‬إذا تعهدت مؤسسة ما بمهام التنظيف إلى مقاولة متخصصة‪ ،‬غير أنها لم ترق الخدمة إلى المستوى‬
‫المطلوب‪ ،‬فتخلت عن خدماتها وعهدت بها إلى مقاولة أخرى‪ ،‬فإن هذه األخيرة تكون مجبرة على االحتفاظ بأجراء هذه‬
‫األخيرة‪.‬‬
‫أوردته فاطمة حداد‪ .‬اإلعفاء ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغالق المقاوالت‪ .‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫ق‪ .‬خ‪ .‬جامعة الحسن الثاني عين الشق‪/‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية الدار‬
‫البيضاء‪.‬س‪.‬ج‪.2005/2004‬ص ‪ 81‬و ما يليها‪.‬‬
‫‪ 8‬هذا القرار الذي تبنته محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬يتعارض مع التوجهات الصادرة في ‪ 1977/02/14‬عن مجلس‬
‫المجموعة االقتصادية األوربية‪ ،‬كما أن محكمة العدل األوربية ‪ C.J.C.E‬أصبحت منذ العام ‪ ،1988‬تنص على ضرورة‬
‫اإلبقاء على العقود حتى في حالة غياب أية رابطة قانونية بين أرباب العمل المتعاقبين‪ .‬أشارت إلى ذلك فاطمة حداد ‪ .‬م‬
‫س ‪ .‬ص ‪.83-82‬‬
‫‪ 9‬إن مفهوم الوحدة االقتصادية يعني‪ :‬أن يتعلق األمر بقطاع يستعمل وسائله الخاصة‪ ،‬ويهدف إلى تحقيق نتائج محددة‬
‫تندرج ضمن األهداف االقتصادية للمؤسسة‪.‬‬
‫‪ )4( 10‬نشاط يحتفظ بذاتيته يعني‪« :‬أن الوحدة االقتصادية المتنازل عنها قد احتفظت بذاتيتها واستمرت في مزاولة‬
‫نشاطها‪ .‬و في هذا ورد قرار محكمة النقض الفرنسية اآلتي‪« :‬بالرغم من التغييرات الشكلية التي قد وقعت‪ ،‬فإن المؤسسة‬
‫استمرت في مزاولة نفس النشاط السابق بنفس العمال‪ ،‬نفس الزبائن‪ ،‬و كذا نفس اإلنتاج»‪ .‬فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س‪ .‬ص‪.84‬‬
‫‪ 11‬لتطبيق قاعدة استمرارية عقود الشغل‪ ،‬يجب أن تستمر المؤسسة أو المقاولة‪ ،‬وأن تباشر نفس النشاط السابق‪ ،‬ومن‬
‫تم فإن تغيير المؤسسة لنشاطها يوقف تطبيق هذه القاعدة‪ ،‬وكذا الحماية القانونية المصاحبة لها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 15‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و بهذا القرارال تكون محكمة النقض الفرنسية أعطت القرارالحاسم و الوجيه‬

‫لهذه املسألة‪ ،‬أي استمرار عقود الشــغل بالرغم من عدم وجود أية عالقة و رابطة‬

‫بين املشغلين املتعاقبين‪ ،‬و لكنها أيضا تكون أعطت معايير تطبيق املادة ‪L122-‬‬

‫‪ 12AL2‬من قانون العمل‪ ،‬و هي اآلتية ‪:‬‬

‫‪ -‬إنتقال وحدة اقتصادية ‪La transfert d’une entité économique‬‬

‫‪ -‬نشاط يحتفظ بذاتيته ‪Une activité conservant son identité‬‬

‫‪ -‬استمرارالنشاط أو استئنافه ‪Une activité poursuivie ou reprise‬‬

‫و بمفهوم املخالفة لهذا القرار‪ ،‬فإنه إذا تغيرت طبيعة النشاط‪ ،‬فإن هذا يكون‬

‫موجبا إلنهاء عالقة الشغل بين املشغل الجديد و أجراء املقاولة السابقين‪.‬‬

‫كما حاول القضاء الفرنس ي‪ ،‬توضيح مفهوم هذه القاعدة و إزالة الغموض‬

‫عنها‪ ،‬هكذا أكد أن مقتضيات املادة ‪ 36‬من قانون العمل من النظام العام ‪ .‬و عليه‬

‫فأي اتفاق يقع بين املشغلين املتعاقدين ال يمكن أن يؤثرعلى استمرارية عقود شغل‬

‫األجراء‪ ،‬و من تم فإن العقود الجارية تنتقل بمقتض ى القانون إلى املشغل الجديد‪،‬‬

‫سواء أكانت محددة املدة أو غيرمحددة املدة‪.‬‬

‫و إذا كانت هذه القاعدة جذابة بالنسبة لألجراء لكونها ال تعيرأي اهتمام لذاتية‬

‫املشغل‪ ،‬إال أنها قد تصطدم بالو اقع العملي النابع من التقلبات االقتصادية التي‬

‫تعرفها املؤسسة أحيانا‪ .‬وهذا النص القانوني لم يلزم املشغل باالحتفاظ بنفس‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 16‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫نشاط املقاولة‪ ،‬و بالتالي فإن التغيير الجوهري لنشاطها التجاري أو الصناعي يعني‬

‫تغيير املركز القانوني للمشغل والفصل في هذه الحالة يعتبر مبررا يخول لألجير‬

‫املفصول التعويض عن اإلخطار والضرر فقط‪ ،‬دون التعويض عن الفصل‬

‫التعسفي‪ ،‬باعتبار أن التعويضين األوليين يمنحان في كل الحاالت‪ ،‬إال عند ارتكاب‬

‫األجيرللخطإ الجسيم‪.‬‬

‫وفي نظرنا فتغييراملركزالقانوني للمشغل هوأمرو اقع‪ ،‬وأن التشريعات تصدت‬

‫لهذه الو اقعة و أوجدت لها الحلول القانونية املالئمة‪ ،‬و أن االجتهاد القضائي بدوره‬

‫أبلى البالء الحسن في إيجاد التقنيات القانونية الالزمة لحل كافة املعضالت‬

‫واإلشكاليات التي تطرح أمامه‪ ،‬وأن الفقه قد أيد هذه الحلول التشريعية‬
‫والقضائية‪.12‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬بعض اإلشكاليات التي تطرح أثناء تغيري املركز‬


‫القانوني للمشغل‬

‫إذا كان ال تأثيرعلى عقود شغل األجراء إثرانتقال املؤسسة أواملقاولة إلى الغير‪،‬‬

‫فإن بعض العناصر قد تؤدي إلى إبراز املشكل عند انتقال املؤسسة‪« ،‬كأجل‬

‫اإلخطار»‪ ،‬الذي يبدؤه األجير في ظل املشغل القديم و ينهيه في ظل املشغل الجديد‪.‬‬

‫نفس األمريسري على «املنح» التي تؤدى بنسبة الجزء من السنة في نهاية السنة‪ .‬لهذا‬

‫فالتدخل لصالح املبدأ و تليينه حسب الحاالت‪ ،‬قد يطرح أزمة الثقة في هذا النص‬

‫‪ 12‬أنظر في هذا الصدد‪:‬‬


‫أحمد شكري السباعي‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ‪ .‬ص‪.499‬‬
‫عبد الرحيم السلماني وضعية األجراء في ظل نظام صعوبات المقاولة ‪ .‬مجلة كتابة الضبط ع‪ . 8‬س ‪ . 2001‬ص‪ 154‬و ما يليها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 17‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫القانوني (أي املادة ‪ 1/19‬من مدونة الشغل)‪ ،‬بل وضد القضاء نفسه‪ ،‬ألن مبدأ‬

‫استقرارالشغل الذي توخاه املشرع سيكون استقرارا وهميا أوظاهريا فقط ‪ ،‬ال يرمي‬

‫إلى الحل الذي يضمن الشغل القار‪ .‬و في هذا اإلطار يجب على القضاء أن ينتبه إلى‬

‫التحايل و التدليس الذي يمكن أن يتم بين املشغل القديم و املشغل الجديد على‬

‫حساب األجراء‪ ،‬و ذلك بفصلهم قبل انتقال املؤسسة أو املقاولة إلى املشغل الجديد‪،‬‬

‫حتى يتخلص هذا األخير من األعباء املالية الناتجة عن أقدمية األجراء في الشغل‪،‬‬

‫فالقضاء يجب أن يكون واعيا باإلشكالية و الحلول الواجبة كــلها‪ ،‬رعيــا للمرونة التي‬

‫ينبغي أن تؤخذ بعين االعتبار لتكييف هذا النص القانوني‪ ،‬كما يجب عليه أن يأخذ‬

‫بعين االعتبار وضعية املؤسسة في التكيف مع ضرورات التدبير الجديد الذي يؤدي‬

‫إلى التقليل من عدد األجراء و إدماجهم وفق شروط جديدة تتطلب مهارات كبيرة من‬

‫األجراء‪.‬‬

‫كذلك يطرح التساؤل حول إشكالية «تنازع القوانين» على إثر تفويت املقاولة‬

‫إلى الغير و أثره على األجراء السابقين‪ .‬و بعبارة أكثر وضوحا‪ ،‬ما الحكم في حالة تغيير‬

‫القانون الواجب التطبيق على األجير الذي انتقل على إثر تفويت أو بيع املقاولة من‬

‫أحكام القانون الخاص إلى القانون العام أو العكس؟ هل سيطبق عليه القانون‬

‫العام أوالخاص؟ أم ستسري عليه أحكام أخرى مشتركة باعتبارها األصلح لوضعية‬

‫األجير ‪13‬؟‪.‬‬

‫‪ 13‬محمد سعيد بناني‪ .‬اإلعفاءات االقتصادية ووسائل اإلبراء‪ .‬الندوة الثانية للقضاء االجتماعي‪ .‬منشورات جمعية تنمية‬
‫البحوت والدراسات القضائية‪ .‬الرباط ‪ 26-25‬فبراير ‪ 1992‬الموافق ل‪ 21-20‬شعبان ‪ .1412‬ص‪.27-26‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 18‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫في نظرنا أنه انطالقا من الوضعية الجديدة التي أصبح يخضع لها األجيرإثرتغيير‬

‫املركز القانوني للمشغل‪ ،‬فإن القانون الواجب التطبيق عليه هو القانون الجديد‪،‬‬

‫الذي أصبحت تخضع له املقاولة بعد التفويت‪ .‬فمثال لو انتقلت املقاولة من إطار‬

‫القانون الخاص إلى العام‪ ،‬فمقتضيات القانون العام هي الواجبة التطبيق‪،‬‬

‫والعكس صحيح‪ ،‬أما إذا لم يحدث تغييرفي القانون‪ ،‬أي بقاء املقاولة خاضعة لنفس‬

‫القانون‪ ،‬فال إشكال‪.‬‬

‫أيضا نتساءل عن مدى مشروعية الفصل الحاصل قبل تفويت املؤسسة أو‬

‫املقاولة؟‪.‬‬

‫في هذا الصدد أقرت محكمة النقض الفرنسية‪ 14‬شرعية الفصل الو اقع قبل‬

‫تفويت املقاولة أو املؤسسة‪ ،‬حيث ورد في قرارها ما يلي‪« :‬بأن الفصل ‪L122-12AL2‬‬

‫(الذي تقابله املادة ‪ 36‬من قانون العمل) ال يتعارض مع الفصل ‪( L22-4‬الذي يعطي‬

‫الحرية لألطراف في إنهاء عقد العمل غيرمحدد املدة) فاملشغل الذي يفوت مؤسسته‬

‫ال يفقد حق إعفاء أجرائه – هذا الحق الذي يبقى يتمتع به إلى أن يتم التفويت‬

‫الفعلي للمؤسسة – إذ يمكنه أن يدفع بالخطأ‪ ،‬أو السبب االقتصادي كمبرر‬

‫للفصل‪ ،‬لكن كل ذلك مشروط بانتفاء إرادة التحايل على الفصل ‪»L122-12AL2‬‬

‫‪ 14‬باستثناء قرارين فريدين لمحكمة النقض الفرنسية تقر فيهما بعدم شرعية الفصل قبل التفويت وهما الصادران‬
‫سنة ‪.1974‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 19‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و ما يستنتج من هذا القرار‪ ،‬أن الفصل قبل التفويت‪ ،‬ليس في حد ذاته غير‬

‫مشروع‪ ،‬و إنما يصبح كذلك بالنظـر إلى بعض املالبسات التي تكون مصاحبة له‪،15‬‬

‫كسوء نية املشغل‪ ،16‬و الفصل املبرربإعادة تنظيم املؤسسة أو املقاولة‪.17‬‬

‫و إذا كنا قد تجاوزنا اإلشكال حول مدى مشروعية الفصل الناتج قبل تفويت‬

‫املقاولة أواملؤسسة‪ .‬فإن التساؤل ما يزال عالقا حول مشروعية الفصل الو اقع بعد‬

‫تفويت املقاولة أواملؤسسة؟‪.‬‬

‫إنه من حق املشغل الجديد إعادة تنظيم مؤسسته أو مقاولته‪ ،‬و إن انعكس‬

‫ذلك بشكل سلبي على عقود شغل األجراء‪ ،‬فاستمرارعالقات الشغل في حالة تعديل‬

‫الهيكل القانوني للمؤسسة ال يزيل سلطة املشغل في إنهاء عقود الشغل غيـرمـحددة‬

‫املدة‪ 18‬كإجراء تقتضيه‪.‬‬

‫ففي املرحلة األولى‪ ،‬و قبل التأثر بالتوجهات األروبية‪ ،‬كانت محكمة النقض‬

‫الفرنسية تعتبر بأنه يمكن اللجوء إلى الفصل قبل تفويت املقاولة‪ ،‬إذ كانت ترتكز‬

‫على أسباب اقتصادية أو تقنية تؤدي إلى حذف بعض الوظائف‪ ،‬على أال يكون‬

‫‪ 15‬فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.266‬‬


‫‪ 16‬اشترط القضاء الفرنسي شرعية الفصل قبل التفويت بانعدام سوء نية المشغل السابق ألسباب نقابية أو غيرها‪.‬‬
‫‪ 17‬في هذا الصدد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية بأن المشغل الذي يفوت مؤسسته أو مقاولته‪ ،‬له كامل الحرية‪ ،‬في‬
‫القيام بإعادته تنطيم مؤسسته‪ ،‬من غير تحريض من المفوت له‪ ،‬حتى يتسلم المؤسسة خالية من األعباء‪ ،‬و في هذا الصدد‬
‫يمكن القول بأن موقف محكمة النقض الفرنسية مر بمرحلتين هما‪ :‬مرحلة ما قبل ‪ 1990‬و مرحلة ما بعد ‪.1990‬‬
‫فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س ‪ .‬ص‪ 88‬و ما يليها‪.‬‬
‫‪ 18‬فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س ‪ .‬ص‪.90‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 20‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الغرض من الفصل التحايل على الفصل ‪( L122-12AL2‬املقابل للمادة ‪ 36‬من‬

‫قانون العمل)‪ .‬و مثال ذلك إعادة تنظيم مصالح املؤسسة مما يضمن حسن سيرها‪.‬‬

‫أما في املرحلة الثانية أي بعد سنة ‪ ،1990‬فقد حاولت محكمة النقض‬

‫الفرنسية أن تكون قراراتها منسجمة مع التوجهات األوربية‪ ،‬هكذا أصبحت تلزم‬

‫املشغل بإقامة الدليل على كون الفصل الذي أقدم عليه هو ضروري لحسن سير‬

‫املؤسسة‪.‬‬

‫عملية إعادة التنظيم أو الصعوبات االقتصادية التي تعترض نشاطهم‪ ،19‬و لكن‬

‫وفق إجراءات قانونية محددة في مدونة الشغل‪.20‬‬

‫و من اإلشكاليات التي تطرح كذلك في هذا الصدد تلك التي تتعلق بتحديد نطاق‬

‫الحقوق التي ستنتقل أوتستمربها عقود الشغل إثرتغييراملركزالقانوني للمشغل‪،21‬‬

‫هل تنتقل وفق الشروط التي تعاقد بها األجراء مع املشغل القديم‪ ،‬أم وفق الشروط‬

‫التي يلتزم بها املشغل الجديد؟‪.‬‬

‫نرى أن األجراء سيستفيدون من الحقوق التي تعطيهم مزايا أفضل‪ ،‬بحيث إنه‬

‫إذا كانت الحقوق التي يعطيها املشغل الجديد هي األفضل بالنسبة لألجراء فتستمر‬

‫‪ 19‬صدر في قرار لمحكمة النقض الفرنسية‪« :‬أن إعفاء أجير – احتفظ بعقد عمله أثناء التفويت – يمكن أن يجد تبريرا‬
‫له في إعادة الهيكلة التي قام المؤاجر الجديد و ليس من الضروري أن يكون اإلعفاء في هذه الحالة تعسفيا»‬
‫أوردته فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س ‪ .‬ص‪.90‬‬
‫‪ 20‬كذلك من اإلشكاليات التي يمكن طرحها في هذا المجال‪ ،‬نتساءل عن حاالت إثارة المسؤولية التضامنية للمشغلين‬
‫المتعاقبين عند القيام بالفصل قبل التفويت؟‪.‬‬
‫إن هذه المسؤولية يمكن إثارتها في حالتين اثنتين‪ :‬أولهما‪ ،‬عند التواطؤ بين المشغل األول والمشغل الثاني‪ .‬وثانيهما‪،‬‬
‫عند انتماء المشغلين لنفس المجموعة‪.‬‬
‫‪21‬عبد الرحمان اللمتوني ‪ .‬حماية األجراء من آثار اندماج الشركات في ظل مدونة الشغل‪ .‬المجلة المغربية لقانون األعمال‬
‫و المقاوالت ع‪.5‬س‪ .2005‬ص‪.73‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 21‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫في السريان و العكس صحيح‪ ،‬أي إذا كانت الحقوق التي التزم بها املشغل القديم هي‬

‫األفضل فهي الواجبة التطبيق على األجراء‪ ،‬خاصة إذا كانت متضمنة في اتفاقية‬

‫جماعية‪ ،‬حيث ال يخفى ما ألهمية ‪.‬‬

‫هذه األخيرة في حياة الشركة‪ ،‬ليس فقط فيما يخص حياتها االجتماعية التي تهم‬

‫أساسا األجراء‪ ،‬و إنما أيضا في حياتها االقتصادية املرتبطة بسياستها اإلنتاجية و‬

‫مستوى مردوديتها‪ .‬لذلك يبقى التساؤل مطروحا حول مآل االلتزامات املتبادلة‬

‫املقررة في االتفاقيات الجماعية؟ ‪.‬‬

‫بالنسبة للمشرع املغربي فإنه لم يقيد مفعول االتفاقية املبرمة في ظل املشرع‬

‫القديم بأجل ما استنادا على املادة ‪ 131‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫أما املشرع الفرنس ي فقد نص في املادة ‪ L132-8‬على مايلي‪ « :‬إذا لم يكن املشغل‬

‫الجديد مرتبطا باتفاقية جماعية فإن األجراء سيستمرون في التمتع بحقوقهم‬

‫املقررة في االتفاقية الجماعية التي كانت تربطهم باملشغل السابق‪ ،‬و ذلك ملدة ال‬

‫تتجاوز سنة و ثالثة أشهر على األكثر على أساس التفاوض من جديد مع املشغل‬

‫الجديد بمجرد انتهاء املدة املذكورة‪ ،‬و ذلك قصد إبرام اتفاقية جديدة‪ ،‬و إذا لــم تبرم‬

‫اتفاقية جديدة يحتفظ األجراء بنفس االمتيازات املكتسبة بمقتض ى االتفاقية‬

‫الجماعية املنتهية»‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 22‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وبخصوص القضاء الفرنس ي‪ ،‬فهويرفض استمرارية االتفاقيات الجماعية بعد‬

‫تغيير املركز القانوني للمشغل امللتزم ببنودها‪ ،‬حيث يعفي املشغل الجديد من‬

‫التحمل باتفاقية جماعية لم يكن طرفا فيها‪.‬‬

‫و نرى في هذا اإلطار‪ ،‬أن املادة ‪ 131‬من مدونة الشغل املغربية كانت أكثرحمائية‬

‫من املادة ‪ 8/123‬من قانون العمل الفرنسية‪ ،‬حينما لم تقيد مفعول سريان‬

‫االتفاقية املبرمة في ظل املشغل القديم بأجل ما‪.‬‬

‫وفي األخير نتساءل عن أثر عدم تنفيذ املفوت إليه لاللتزامات الناشئة عن‬

‫مخطط التفويت؟‬

‫هناك أثران‪ :‬أثرخاص‪ ،‬يكون نتيجة عدم أداء مقابل التفويت فقط ‪ ،‬و في هذه‬

‫الحالة تعين املحكمة تلقائيا أو بطلب من السنديك أو من كل ذي مصلحة متصرفا‬

‫خاصا ‪ ،un Administrateur Spécial‬و تقوم بتحديد مهمة و مدة هذا األخير‪ ،‬التي‬

‫ال يجوز أن تتجاوز ثالثة أشهر‪ .‬و هناك أيضا أثر عام‪ ،‬يترتب عند اإلخالل بالتزامات‬

‫مخطط التفويت املالية و غيراملالية‪ ،‬و ال يهمنا إال هذا األثراألخير‪.‬‬

‫و في هذا اإلطار تنص املادة ‪( 89‬املعدلة بموجب القانون املؤرخ في‬

‫‪ )1994/06/10‬فرنسية إلى أنه يترتب عن تنفيذ املفوت إليه اللتزاماته فسخ مخطط‬

‫التفويت ‪ ،La résolution du plan‬من قبل املحكمة و وكيل مر اقب التنفيذ‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 23‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ ،Commissaire à l’exécution du plan‬و كل دائن و وكيل الجمهورية (النيابة‬

‫العامة)‪ .‬فما هو نطاق تطبيق املادة أعاله؟‬

‫لقد أثيرالتساؤل حول ما إذا كان الفسخ يترتب عن اإلخالل بااللتزام بأداء الثمن‬

‫أم يشمل سائر االلتزامات املالية و غير املالية‪ ،‬كااللتزام باستقرار الشغل و الحفاظ‬

‫على عقود الشغل و استمرارالنشاط؟‬

‫واإلجابة عن هذا اإلشكال أوالتساؤل تقتض ي التمييزبين مرحلتين‪ :‬مرحلة قبل‬

‫التعديل الفرنس ي (‪ )1994/06/10‬و مرحلة ما بعد هذا التعديل‪.22‬‬

‫ففي املرحلة األولى‪ ،‬ساراالجتهاد القضائي الفرنس ي في اتجاه شمول الفسخ عدم‬

‫االلتزام بأداء الثمن فقط دون غيره من االلتزامات األخرى و سواء كانت ذات طبيعة‬

‫مالية أو غير مالية‪ ،‬مما يستشف منه استثناء عقود الشغل‪ ،‬و هكذا ورد في حكم‬

‫املحكمة التجارية بباريس‪ 23‬ما يلي‪« :‬ال يمكن التصريح بفسخ املخطط لإلخالل‬

‫بالتعهدات غيرتلك املتعلقة بعدم أداء الثمن لعدم وجود مقتضيات قانونية صريحة‬

‫في املوضوع»‪.24‬‬

‫أما الفقه الفرنس ي فقد سارعلى صدى هذه األحكام القضائية‬

‫‪ 22‬أحمد شكري السباعي‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها ‪ .‬ج‪.2‬‬
‫نشر دار المعرفة الرباط‪ .1998.‬ص ‪ 500‬و ما يليها‪.‬‬
‫‪ 23‬قرار مؤرخ في ‪ . 1987/07/30‬أشار إلى ذلك أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي‬
‫تعترض المقاولة ومساطر معالجتها ‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.502‬‬
‫‪ 24‬و قد أكدت نفس المحكمة على ذلك المقتضى في الحكم المؤرخ في ‪ 1988/12/19‬الذي ورد فيه ‪ « :‬و ال يشكل في‬
‫أي حال من األحوال تسريح العمال إخالال بعدم أداء الثمن المنصوص عليه في المادة ‪ . »90‬وارد في مؤلف أحمد شكري‬
‫السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها ‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪340‬‬
‫وما يليها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 24‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و في هذا الصدد يذهب األستاذ «إيف شارتيي»‪ ...« :25‬إلى أن عدم أداء ثمن‬

‫التفويت يرتب فسخ املخطط و التصريح بالتصفية القضائية» و تساءل أيضا حول‬

‫ما إذا كان جزاء الفسخ يقع كذلك عند إخالل املفوت إليه باحترام تعهداته املتعلقة‬

‫باستمرارالشغل ومناصبه؟ فكان جوابه بالنفي‪ ،‬ألن هذه التعهدات أو االلتزامات في‬

‫رأيه غيرتعاقدية ‪ ،26‬حيث تقررها املحكمة استجابة للصالح العام‪ .‬إضافة إلى ذلك‪،‬‬

‫فاإلخالل بهذه املقتضيات و فصل األجراء يحمل املفوت إليه بأداء التعويضات‬

‫لألجراء‪ .‬و نفس اإلتجاه سارعليه األستاذ «ميشيل جانتان»‪ 27‬الذي ذهب إلى القول‪:‬‬

‫«أن املادة ‪ 90‬من قانون ‪ 1985-01-25‬ال تطبق‪ 28‬عندما يتعلق عدم التنفيذ‬

‫بالتعهدات أوااللتزامات غير تلك املتعلقة بالثمن‪ ،‬أي أن هذه املادة ال تسري على‬

‫فصل األجراء الذي يتم خرقا ملخطط التفويت‪ ،‬إال أن املفوت إليه يسأل طبقا‬

‫لقواعد القانون العادي (أي قانون الشغل و القانون املدني)‪ ،‬عن األهداف الناشئة‬

‫تجاه األغيارعند عدم تنفيذ االلتزامات‪.»...‬‬

‫‪ 25‬أشار إلى ذلك أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر‬
‫معالجتها ‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.502‬‬
‫‪ 26‬خالفا لاللتزام بأداء الثمن‪.‬‬
‫‪ 27‬أشار إليه األستاذ أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر‬
‫معالجتها ‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ص ‪.503‬‬
‫‪ 28‬كان هذا قبل إضافة الفقرة األخيرة من المادة ‪ 89‬بمقتضى تعديل ‪.1994/06/10‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 25‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أما في املرحلة الثانية‪ ،‬أي بعد تعديل ‪ ،1994/06/10‬فاعتبراألستاذان «ديلبيك‬

‫وبرمان»‪ 29‬أن ‪« :‬الفقرة ‪ 4‬الجديدة من املادة ‪ 89‬تعني "‪ "Vise‬أي عدم تنفيذ سائر‬

‫تعهدات التزامات املفوت إليه‪ ،30‬و ليس فقط االلتزامات املتعلقة بأداء الثمن»‪.‬‬

‫وبخصوص املغرب‪ ،‬فإنه لم يعرف مثل ذلك الخالف الفقهي الذي ساد في نظيره‬

‫الفرنس ي‪ ،‬فهو تبنى تعديل ‪ 1994/06/10‬في الفقرة األولى من املادة ‪ 613‬من مدونة‬

‫التجارة‪ ،‬حيث تنص هذه املادة األخيرة على ما يلي‪ ...« :‬و إن لم يف املفوت إليه‬

‫بالتزاماته أمكن للمحكمة تلقائيا أن تقض ي بفسخ املخطط أو بناء على طلب‬

‫السنديك أو أحد الدائنين‪.»...‬‬

‫و في هذا يرى األستاذ أحمد شكري السباعي‪ «: 31‬أن املشرع املغربي أعطى أهمية‬

‫بالغة الستمرار الشغل ومناصب العمل‪ ،‬تفوق األهمية املعطاة لتصفية الخصوم و‬

‫أداء مستحقات الدائنين املرتبطة بثمن التفويت‪ ،‬الذي قد يكون في ظروف سيئة‪،‬‬

‫زهيدا أو غيركاف ألداء ديون الدائنين‪»...‬‬

‫و على العموم فإنه إذا ما تم فسخ مخطط التفويت‪ ،‬فالتشريع املغربي نص على‬

‫بيع أموال املقاولة‪ ،‬وفقا ألشكال التصفية القضائية حيث يخصص عائدها لدفع‬

‫مستحقات الدائنين املقبولين‪.32‬‬

‫‪ 29‬أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها ‪ .‬ج‪.2‬‬
‫م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.503‬‬
‫‪ 30‬بما فيها االلتزام بالحفاظ على استمرارية عقود الشغل‪.‬‬
‫‪ 31‬أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها ‪ .‬ج‪.2‬‬
‫م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.504‬‬
‫‪ 32‬المادة ‪ 2/613‬من م‪.‬ت‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 26‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أما القضاء الفرنس ي‪ ،‬فإنه يجيز التصريح بالتصحيح القضائي أو التصفية‬

‫القضائية ضد املفوت إليه املخل بالتزاماته‪ ،‬بمجرد فسخ املخطط لعدم أداء ثمن‬

‫التفويت‪ ،‬باعتباره متوقفا عن الدفع‪.33‬‬

‫ومجمل القول نرى أن التشريع املغربي – كما هو الشأن بالنسبة ألغلب‬

‫التشريعات املقارنة – ألزم املفوت إليه‪ ،‬أي املشغل الجديد‪ ،‬بتنفيذ التزامات‬

‫مخطط التفويت ‪ ،‬بما فيها االلتزام بالحفاظ على استمرارية عقود الشغل‪ ،‬إال في‬

‫حاالت استثنائية اقتضتها الضرورات العملية‪ ،‬و منها «تغيير طبيعية نشاط املقاولة‬

‫أو املؤسسة»‪ ،‬حيث في هذه الحالة األخيرة يأتي مسلسل فصل األجراء أو بعضهم و‬

‫بالتالي انتهاء عقود شغلهم‪ ،‬إذا كان تكوينهم ال يتالءم والنشاط الجديد للمقاولة‪،‬‬

‫ولكن وفق إجراءات قانونية مسطرة في مدونة الشغل‪.35-34‬‬

‫‪ 33‬ورد في حكم المحكمة التجارية ألورليان‪« :‬إذا أدى عدم أداء الثمن إلى فسخ المخطط و العدول عن تفويت المقاولة‬
‫من طرف المحكمة‪ ،‬فإن إعداد مخطط جديد للتفويت لفائدة شخص آخر‪ ،‬ال يمكن استبعاده » حكم مؤرخ في ‪.1987/02/11‬‬
‫و قضت محكمة النقض الفرنسية في ‪1993/06/22‬بأن ‪ «:‬فسخ مخطط التفويت ال يرتب بقوة القانون فسخ العقود‬
‫والتصرفات التي تم إبرامها إلنجازه»‪.‬‬
‫أشار إلى ذلك أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها‬
‫‪ .‬ج‪ . 2.‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.504‬‬
‫= و الحظ أن إبرام عقود الشغل بعد فتح مسطرة التسوية القضائية يعد باطال في مدونة التجارة تطبيقا لنص المادة ‪682‬‬
‫من م‪.‬ت‪ ،‬حيث يمارس السنديك دعوى البطالن طبقا للمادة ‪ 685‬من م‪.‬ت‪ ،‬و إن تقرير البطالن مرده إلى منع إلحاق‬
‫الضرر بالدائنين‪ ،‬فيكون إبرام تلك العقود بدافع المحاباة ليس إال‪ ،‬لهذا يجب الحكم ببطالنه‪ ،‬و هو ما قررته محكمة النقض‬
‫الفرنسية‪ ،‬لما الحظت عدم توازن التزامات الطرفين كما حددها عقد الشغل التي صرحت ببطالنه‪ ،‬و ذلك بناء على نص‬
‫المادة ‪ 107‬من القانون الفرنسي المؤرخ في ‪ 1985/01/25‬المتعلق بالتسوية و التصفية القضائية‪.‬‬
‫إدريس فجر ‪ .‬بطالن عقد العمل في ضوء القانون التجاري ‪ .‬الحدث القانوني ‪ .‬ع ‪ . 1‬س دجنبر ‪ . 1997‬ص ‪.6-5‬‬
‫‪ 34‬أي الفقرة األخيرة من المادة ‪ 592‬من م‪.‬ت التي تنص على ما يلي‪ ...«:‬إن هذه القرارات المصاحبة لالستمرارية‬
‫المذكورة أعاله‪ ،‬إذا كانت ستؤدي إلى فسخ عقود العمل‪ ،‬فإنه يجب تطبيق القواعد المنصوص عليها في مدونة الشغل»‬
‫‪ 35‬وإحالة المادة ‪ 592‬من م ت على مدونة الشغل يعد إفراغا للدور العالجي للمحكمة من أي محتوى‪ ،‬حيث يسند لجهاز‬
‫إداري خارج أجهزة مسطرة المعالجة سلطة منح اإلذن باإلعفاءات من عدمه‪ ،‬وبذلك تبقى المحكمة مكتوفة األيد طيلة مدة‬
‫قد تصل إلى ثالثة أشهر لتتخذ بعدها القرار المصاحب لالستمرارية في ضوء ما ينبئ به إذن السلطة اإلدارية‪.‬‬
‫محمد منعزل‪ .‬أثر التسوية القضائية على إنهاء عقود العمل (مقارنة بين القانون الفرنسي والقانون المغربي) مجلة‬
‫المنتدى‪ .‬ع ‪.3‬س‪ . 2002‬ص ‪.156‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 27‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الدكتور زهري مصطفى صاحل‬


‫حاصل على الدكتوراه يف احلقوق‬
‫حمام‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ً ً‬
‫يلعب القرار اإلداري دورا هاما في نشاط اإلدارة‪ ،‬حيث يعتبر قوام عمل اإلدارة‬

‫ونشاطها‪ ،‬ويعرف بأنه " التصرف القانوني الذي تتخذه اإلدارة املختصة بإرادتها‬

‫املنفردة وامللزمة قصد إحداث أثر قانوني مبتغية في ذلك إنشاء مركز قانوني جديد‪،‬‬

‫أو تعديل‪ ،‬أو إلغاء مركز قانوني قائم"(‪ ،)36‬وقد اعتبرت املحكمة اإلدارية العليا‬

‫املصرية القرار اإلداري بأنهظك" إفصاح اإلدارة املختصة في الشكل الذي يتطلبه‬

‫القانون عن إرادتها امللزمة‪ ،‬بما لها من سلطة عامة بمقتض ى القوانين‪ ،‬واللوائح‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫وذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين‪ ،‬يكون ممكنا وجائزا قانونا ابتغاء مصلحة‬

‫‪ - 36‬محمد الصغير بعلي‪ ،‬القرارات اإلدارية‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2005 ،‬ص‪.8 :‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 28‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫عامة" (‪ ،) 37‬وبناء عليه يشترط لصحة القرار اإلداري أن تتو افر فيه العديد من‬

‫األركان الشكلية واملوضوعية ويندرج ضمن نطاق األركان املوضوعية املتطلبة لصحة‬

‫القرار اإلداري ركن املحل ونظرا ألهمية هذا الركن فإنه يستحيل في النشاط اإلداري‬

‫أن يكون هناك قرار إداري بدون محل‪ ،‬وإذا خال القرار اإلداري من ركن املحل فإنه‬
‫ً‬
‫يكون باطال‪.‬‬

‫مشكلة الدراسة‪:‬‬

‫تدورمشكلة البحث الرئيسية حول " الدورالذي يلعبه ركن املحل في مشروعية‬
‫ً‬
‫القرار اإلداري "‪ .‬ويتفرع عن مشكلة البحث الرئيسية األسئلة الفرعية التالية‪ :‬أوال ـ‬
‫ً‬
‫ما املقصود بركن املحل في القرار اإلداري؟ ثانياـ ما شروط ركن املحل في القرار‬
‫َ‬
‫اإلداري؟ ثالثاـ ما مظاهرعيب ركن املحل في القراراإلداري؟‬

‫أهمية الدراسة‪ :‬تحديد املقصود بركن املحل في القرار اإلداري‪ .‬حديد‬

‫الشروط الواجب توفرها لصحة ركن املحل في القرار اإلداري‪ .‬تسليط الضوء على‬

‫مظاهرعيب ركن املحل في القراراإلداري‪.‬‬

‫‪ - 37‬مشار إليه عند سليمان محمد الطماوي‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،1967 ،‬دون ناشر‪ ،‬ص ‪.508‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 29‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬

‫تعتمد الدراسة على املنهج النظري املقارن للنصوص القانونية على ضوء آراء‬

‫الفقه‪ ،‬وأحكام القضاء‪ ،‬واالستفادة من أحكام التشريعات املختلفة بالقدر الذي‬

‫يحقق أهداف الدراسة‪.‬‬

‫حدود الدراسة‪:‬‬

‫تقتصر حدود الدراسة من الناحية املوضوعية على الدور الذي يلعبه ركن‬

‫املحل في مشروعية القراراإلداري في القانون السوري واملقارن‪.‬‬

‫خطة الدراسة‪:‬‬

‫تتكون هذه الدراسة من مقدمة ومبحثين وخاتمة‪ .‬على النحو التالي‪ :‬املبحث‬

‫األول‪ :‬تعريف ركن املحل في القرار اإلداري وشروط صحته‪ .‬املبحث الثاني‪ :‬مظاهر‬

‫عيب ركن املحل في القراراإلداري‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 30‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬تعريف ركن احملل يف القرار اإلداري وشروط صحته‬

‫يعتبرركن املحل حجراألساس في القراراإلداري‪ ،‬ويتوقف على وجوده صحة هذا‬


‫ً‬
‫القرار‪ ،‬ونظرا للدورالهام الذي يلعبه ركن املحل في القراراإلداري فقد عمل القضاء‬
‫ً‬
‫اإلداري وسانده الفقه على تأصيل هذا الركن منعا لتداخله مع األركان األخرى‬

‫املتطلبة لصحة القراراإلداري‪.‬‬

‫وعليه فإن تناولنا لهذا املوضوع سيكون من خالل املطلب األول الذي ندرس‬

‫فيه املقصود بركن املحل في القراراإلداري‪ .‬أما في املطلب الثاني فنسلط الضوء على‬

‫شروط صحة ركن املحل في القراراإلداري‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املقصود بركن احملل يف القرار اإلداري‬

‫يقصد بمحل القرار اإلداري موضوع القرار‪ ،‬أو األثر القانوني الذي ينشأ عنه‪،‬‬
‫ً‬
‫وذلك حسب طبيعة القرار وفيما إذا كانت الئحية أو فردية(‪ ،)38‬فمثال محل القرار‬

‫اإلداري الصادر بفصل املوظف هو قطع العالقة بينه وبين اإلدارة‪ ،‬ومحل القرار‬

‫اإلداري الصادربمنع السيرفي شوارع معينة هو التزام يقع على أصحاب الشأن بعدم‬

‫السير(‪ ،)39‬ويعتبر محل القرار اإلداري جوهره ومادته وهذا ما يميز القرار اإلداري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كعمل قانوني عن العمل املادي الذي يكون محله متمثال بنتيجة من الو اقع‪ ،‬ونظرا‬

‫‪ - 38‬ماجد راغب الحلو‪ ،‬القرارات اإلدارية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2009 ،‬ص‪.78‬‬
‫‪ - 39‬حسيييييين عثميييييان محميييييد عثميييييان‪ ،‬قيييييانون القضييييياء اإلداري‪ ،‬منشيييييورات الحلبيييييي الحقوقيييييية‪ ،‬بييييييروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2006‬ص ‪.506‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 31‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ً‬
‫ألهمية محل القرار فغالبا ما يسمى القرار بمحله فيقال قرار تعيين‪ ،‬أو قرار منح‬
‫ً‬
‫رخصة ملزاولة مهنة معينة (‪ ،)40‬ووفقا للمحكمة اإلدارية العليا املصرية فإن محل‬

‫القرار هو " املركز القانوني الذي تتجه إرادة مصدر القرار إلى إحداثه واألثر القانوني‬

‫الذي يترتب عليه مباشرة وفي الحال وهذا األثر هو إنشاء حالة قانونية جديدة‪ ،‬أو‬

‫تعديل مركز قانوني قائم أو إلغاءه (‪ ،) 41‬وعلى الرغم من أن عيب املحل في القرار‬

‫اإلداري يستوعب جميع العيوب التي تصيب القرارات اإلدارية وتجعلها باطلة ألن‬

‫مخالفة االختصاص املحدد بالقانون أو الخروج عن األشكال املقررة أو إساءة‬

‫استعمال السلطة واالنحراف بها عن هدفها تعتبرفي جميع األحوال مخالفة للقانون‬

‫باملعنى الواسع غير أن فقه القانون العام والقضاء اإلداري درجا على قصر دراسة‬

‫عيب املحل على مخالفة القانون مع دراسة كل عيب بشكل مستقل(‪.)42‬‬

‫ونخلص مما تقدم إلى أن محل القرار اإلداري يكمن في موضوعه‪ ،‬أو األثر‬

‫القانوني الناش ئ عنه واملتمثل بإنشاء حالة قانونية جديدة‪ ،‬أو تعديل مركز قانوني‬

‫قائم‪ ،‬أو إلغاءه‪.‬‬

‫‪ - 40‬قهيييار حسييين شيييريف‪ ،‬الرقابييية القضيييائية عليييى ركييين المحيييل فيييي القيييرار اإلداري‪ ،‬دراسييية مقارنييية‪ ،‬بحيييث مقيييدم‬
‫إليييى مجليييس القضييياء فيييي إقلييييم كردسيييتان العيييراق‪ ،‬وهيييو جيييزء مييين متطلبيييات الترقيييية مييين الصييينف الثاليييث إليييى‬
‫الصنف الثاني من أصناف اإلدعاء العام‪ ،2017 ،‬ص‪ 4‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 41‬قييييرار المحكميييية اإلدارييييية العليييييا المصييييرية فييييي الطعيييين رقييييم ‪ 4358‬لسيييينة ‪ 37‬ق جلسيييية ‪ 1972/5/3‬مشييييار‬
‫إلييييه عنيييد رزايقيييية عبيييد اللطييييف‪ ،‬الرقابييية القضيييائية عليييى مشيييروعية القيييرارات اإلداريييية فيييي التشيييريع الجزائيييري‪،‬‬
‫رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة الوادي‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬الجزائر‪ ،2013 ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪ - 42‬أحميييد هنيييية‪ ،‬عييييوب القيييرار اإلداري (حييياالت تجييياوز السيييلطة) مجلييية المنتيييدى القيييانوني‪ ،‬العيييدد الخيييامس‪ ،‬قسيييم‬
‫الكفاءة المهنية للمحاماة‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.53‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 32‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬شروط صحة ركن احملل يف القرار اإلداري‬

‫ً‬
‫يشترط لصحة ركن املحل في القرار اإلداري أن يكون تنفيذه ممكنا من جهة‪،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وأن يكون جائزا قانونا من جهة أخرى‪ ،‬والقرارالذي ال يحتوي هذين الشرطين يكون‬
‫ً‬
‫معيبا في محله(‪.)43‬‬

‫ً‬ ‫ا‬
‫أوال‪ :‬أن يكون حمل القرار اإلداري ممكنا‪:‬‬

‫َ‬
‫يكون محل القراراإلداري ممكنا إذا كانت هناك إمكانية لتنفيذه من الناحيتين‬

‫الو اقعية و القانونية ومن األمثلة على القرارات اإلدارية التي يستحيل تنفيذها من‬
‫ّ‬
‫الناحية الو اقعية القراراإلداري الصادربإزالة منزل ايل للسقوط ثم يتضح أن هذا‬

‫املنزل قد سقط بالفعل ففي هذه الحالة يستحيل تنفيذ محل القراروهوالهدم حيث‬
‫ً‬
‫يصبح منعدما(‪ ،)44‬ومن األمثلة على القرارات اإلدارية التي يستحيل تنفيذها من‬

‫الناحية القانونية القرار اإلداري الصادر بترقية موظف على درجة مالية غير مدرجة‬

‫في امليزانية(‪ ،)45‬وأن القرارات اإلدارية التي يستحيل ترتيب أثارها من الناحيتين‬

‫القانونية والو اقعية تعد بمثابة أعمال إدارية تنحدر إلى درجة االنعدام كما تسري‬

‫عليها أحكام القضاء في أي وقت مع جواز الطعن بها أمام القضاء دون تحديد مدة‬
‫َ‬
‫زمنية معينة إضافة إلى عدم جواز تنفيذها جبرا بالقوة حيث أنها ال تعتبر في حكم‬

‫‪ - 43‬عبييييد العزيييييز عبييييد الميييينعم خليفيييية‪ ،‬دعييييوى إلغيييياء القييييرار اإلداري‪ ،‬األسييييباب والشييييروط‪ ،‬منشييييأة المعييييارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،2008 ،‬ص‪.163‬‬
‫‪ - 44‬عمييييار بوضييييياف‪ ،‬دعييييوى اإللغيييياء فييييي اإلجييييراءات المدنييييية واإلدارييييية دراسيييية تشييييريعية وقضييييائية وفقهييييية‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الجسور للنشر‪ ،‬الجزائر ص ‪ 196‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 45‬قهار حسن شريف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.8‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 33‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫القانون قرارات إدارية و إنما تأخذ حكم العدم الذي ال يرتب أثر على حقوق األفراد‬

‫وال يؤثرفي مراكزهم القانونية(‪ ،)46‬وإن استحالة تحقيق محل القرارقد تكون سابقة‬

‫على صدور القرار وقد تكون الحقة عليه‪ ،‬ففي الحالة األولى تؤثر في صحة القرار‬

‫وتعدمه حيث ذهبت املحكمة اإلدارية العليا املصرية بتاريخ ‪ 1958/11/23‬إلى القول‬

‫" متى كانت مدة خدمة املطعون عليه قد انتهت بالقرارالصادرمن مجلس الوزراء في‬

‫‪ 7‬يناير‪ 1954‬باملو افقة على اعتزاله من الخدمة فإن القرارالصادربترقيته بعد ذلك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في ‪ 19‬ينايرسنة ‪ 1954‬يكون معدوما إذا لم يصادف محال يقبله ويقع عليه حيث لم‬
‫ً ً‬
‫يعد املدعى عليه موظفا قابال للترقية" أما في الحالة الثانية فال تؤثرعلى صحة القرار‬

‫من الناحية القانونية و إنما يقتصر أثرها على تنفيذه من الناحية العملية حيث‬
‫ً‬
‫يصبح هذا التنفيذ مستحيال(‪.)47‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫ثانيا‪ :‬أن يكون احملل يف القرار اإلداري مشروعا وجائزا ً‪:‬‬

‫ويقصد بمشروعية محل القرار اإلداري عدم تعارضه مع القواعد القانونية‬

‫السارية‪ ،‬أو أي مبدأ من املبادئ القانونية كمبدأ احترام الحريات العامة‪ ،‬أو مبدأ‬

‫املساواة بين املواطنين في الحقوق والواجبات العامة ألن ذلك يعني أن محل القرار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يستحيل تحققه قانونا وبالتالي يصبح القرار اإلداري املعيب بعيب املحل جديرا‬
‫ً‬
‫باإللغاء(‪ ،)48‬وقد يحصل أن يكون محل القرار اإلداري ممكنا ولكنه غير مشروع‬

‫‪ - 46‬رزايقية عبد اللطيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.137‬‬


‫‪ - 47‬قهار حسن شريف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ - 48‬عبييييد الغنييييي بسيييييوني عبييييد ‪ ،‬القضيييياء اإلداري اللبنيييياني‪ ،‬من شييييورات الحلبييييي الحقوقييييية‪ ،‬بيييييروت‪،2001 ،‬‬
‫ص ‪.534‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 34‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومخالف لقاعدة قانونية معينة وسواء أكانت املخالفة تتعلق بقاعدة قانونية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مستمدة من القانون أيا كان مصدرها سواء كان هذا املصدر نصا دستوريا أم‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تشريعيا صادرا من السلطة التشريعية أم قرارا تنظيميا صادرا من السلطة‬

‫التنفيذية(‪ ، )49‬أومستمدة من املبادئ القانونية العامة التي يستخلصها القاض ي من‬

‫روح التشريع العام وتكون لها مرتبة وقوة التشريع العادي(‪ ،)50‬كمبدأ املساواة حيث‬

‫ذهبت املحكمة اإلدارية العليا السورية إلى القول " إن اإلخالل بمبدأ املساواة بين‬

‫املتماثلين في األوضاع والتفاوت في الضو ابط واملعاييرفي صدد الوقائع الواحدة يعد‬
‫ً‬
‫نأيا عن الوزن بالقسط املستقيم الذي هو عنوان العدالة ومثلها األعلى وهو أمرغير‬

‫مقبول في القانون أو املنطق التشريعي"(‪ ،)51‬أو من العرف اإلداري الذي يفرض على‬

‫اإلدارة أن تسير على نحو معين في مواجهة حالة معينة بحيث تصبح القاعدة التي‬

‫تلتزمها بمثابة القانون املكتوب(‪ ،)52‬أو من األحكام القضائية‪ ،‬أو القرارات اإلدارية‬

‫السابقة التي يترتب عليها مراكز قانونية ذاتية أو حقوق مكتسبة ال تملك اإلدارة‬

‫املساس بها بقرارات الحقة(‪ ،)53‬فإن عدم مشروعية املحل ال تعني انعدام القرار‬

‫اإلداري و إنما تؤدي إلى قابلية اإلبطال فبإمكان صاحب املصلحة الطعن فيه‬
‫ً‬
‫باإللغاء أمام القضاء اإلداري على أن يتم ذلك في املواعيد املقررة قانونا وإال تحصن‬

‫‪ - 49‬حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية بتاريخ ‪ ،1958/7/12‬مجموعة أحكام السنة الثانية‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪ - 50‬منييييى بشييييير أحمييييد محمييييد‪ ،‬عيييييوب القييييرار اإلداري فييييي القييييانون السييييوداني‪ ،‬بحييييث تكميلييييي مقييييدم إلييييى كلييييية‬
‫الدراسات العليا‪ ،‬جامعة الخرطوم لنيل درجة الماجستير في القانون‪ ،‬مايو ‪ ،2010‬ص‪ 83‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 51‬مجموعة المبادئ القانونية السورية لعام ‪ 1990‬حكم في القضية رقم ‪ 813‬في الطعن رقم ‪.2196‬‬
‫‪ - 52‬حكييييم مجلييييس الدوليييية المصييييري الصييييادر فييييي ‪ ،1953/6/23‬السيييينة السييييابعة‪ ،‬ص ‪ ،1781‬مشييييار إليييييه عنييييد‬
‫منى بشير أحمد محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪ - 53‬منى بشير أحمد محمد‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ذات الصفحة‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 35‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫واعتبرمشروعا(‪ .)54‬وينبغي ملحل القراراإلداري لكي يكون مشروعا أيضا أن ال يخالف‬

‫النظام العام أو اآلداب العامة مع مالحظة أن األمر يختلف في حالة الضرورة أو‬

‫الظروف االستثنائية إذ تحل مشروعية استثنائية محل املشروعية العادية فيترتب‬

‫على تو افرظرف استثنائي تطبيق مبادئ املشروعية غيرالعادية التي بموجبها تصبح‬

‫القرارات غيراملشروعة في ظل الظروف العادية مشروعة في ظل الظروف االستثنائية‬

‫ويحكم القاض ي اإلداري بعدم إلغائها وعلى هذا استقرقضاء مجلس الدولة الفرنس ي‬

‫في حكمه الصادر في ‪ 3‬نوفمبر ‪ 1923‬حيث اقر املجلس بمشروعية القرارات اإلدارية‬

‫القاضية باالمتناع عن تنفيذ األحكام القضائية إذا ما كان تنفيذها يؤدي إلى اإلخالل‬

‫باألمن والنظام(‪.)55‬‬

‫نستنتج مما تقدم أنه يشترط لصحة ركن املحل في القرار اإلداري أن يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ممكنا من الناحيتين الو اقعية‪ ،‬والقانونية‪ ،‬وإال كان معدوما ‪ ،‬وأن يكون مشروعا‬
‫ً‬
‫ومنسجما مع القواعد القانونية املتمثلة بالدستور والقانون واألنظمة اإلدارية‬

‫واملبادئ العامة للقانون واألحكام القضائية واألعراف اإلدارية‪ ،‬والقرارات اإلدارية‬

‫السابقة‪ ،‬والنظام العام واآلداب العامة‪ .‬غيرأن عدم مشروعية املحل ال تجعل القرار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معدوما‪ ،‬بل قابال لإلبطال من قبل محكمة القضاء اإلداري عن طريق دعوى اإللغاء‪.‬‬

‫‪ - 54‬سيييعيداني ياسيييين‪ ،‬ركييين الشيييكل واإلجيييراءات فيييي القيييرار اإلداري‪ ،‬رسيييالة ماجسيييتير‪ ،‬جامعييية زييييان عاشيييور‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‪2016 ،‬ـ ‪ ،2017‬ص‪.28‬‬
‫‪ - 55‬فهد الدغير رقابة القضاء على قرارات اإلدارة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1988،‬ص‪.287 :‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 36‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املبحث الثاني‪ :‬مظاهر عيب ركن احملل يف القرار اإلداري‬

‫َ‬
‫وفقا للمادة الثامنة من قانون مجلس الدولة السوري رقم ‪ 55‬لسنة ‪ 1959‬فإن‬

‫محكمة القضاء اإلداري تختص بالفصل في القرارات اإلدارية ويكون لها والية‬

‫القضاء كاملة على أن يكون مرجع الطعن مخالفة القوانين أو اللوائح‪ ،‬أو الخطأ في‬

‫تطبيقها وتأويلها(‪.)56‬‬

‫وعليه فإن تناولنا لهذا املوضوع سيكون من خالل املطلب األول الذي ندرس‬

‫فيه مخالفة القرار اإلداري للقانون بصورة مباشرة‪ .‬أما في املطلب الثاني فنبحث في‬

‫مخالفة القراراإلداري للقانون بصورة غيرمباشرة‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬خمالفة القرار اإلداري للقانون بصورة مباشرة‬

‫َ‬
‫يكون القرار اإلداري مشوبا بعيب املخالفة املباشرة للقانون عندما تتجاهل‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫اإلدارة القاعدة القانونية تجاهال كليا أو جزئيا‪ ،‬وذلك بقيامها بعمل من األعمال‬

‫املحرمة بموجب هذه القاعدة‪ ،‬أو االمتناع عن القيام بعمل يلزمه(‪ ،)57‬وعليه فإن‬

‫املخالفة املباشرة للقانون قد تكون بعمل إيجابي أو سلبي‪.‬‬

‫‪1‬ـ املخالفة االيجابية للقانون‪ :‬وتكون بقيام اإلدارة بإصدار قرار إداري يتضمن‬

‫مخالفة لقاعدة قانونية مستقرة وثابتة كقاعدة عدم رجعية القرارات اإلدارية‪،‬‬
‫ً‬
‫وتطبيقا ملا تقدم ذهبت الغرفة اإلدارية باملحكمة العليا في الجزائر إلى إلغاء قرار‬

‫‪ - 56‬ويقابل هذه المادة‪ ،‬نص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة المصري رقم ‪ 47‬لسنة ‪.1972‬‬
‫‪ - 57‬رزايقية عبد اللطيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 138‬وما بعدها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 37‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ً‬
‫إداري استنادا إلى املبادئ املعمول بها والتي تقض ي بأن القرارات الفردية الضارة‬

‫باألفراد ال تطبق في حقهم بأثررجعي و إنما تطبق ابتداء من تاريخ تبليغ قرارالتصريح‬
‫ً‬
‫بالعقوبات ومن ثم فإن القرار اإلداري الذي يقض ي بعقوبة تأديبية خالفا ملا ورد في‬
‫ً‬
‫أحكام هذا املبدأ يعد مخالفا للقانون(‪ .)58‬كما يمكن للمخالفة اإليجابية للقانون أن‬

‫تكون بخروج اإلدارة على مبدأ تدرج القواعد القانونية والذي يوجب احترام القرار‬

‫اإلداري للقاعدة القانونية األعلى منه(‪ ،)59‬ومن األمثلة على ذلك قيام اإلدارة بإصدار‬

‫قرار تسليم أحد الالجئين السياسيين باملخالفة للنص الدستوري الذي يحظر‬

‫ذلك(‪.)60‬‬

‫‪2‬ـ املخالفة السلبية للقانون‪ :‬وتكون في حالة امتناع اإلدارة عن تطبيق القاعدة‬

‫القانونية أو رفض تنفيذ ما تفرضه عليها من التزامات ويتحقق ذلك عندما تكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ملزمة بإصدارقرارمعين ‪ ،‬أو إجراء تصرف محدد فإذا اتخذت موقفا سلبيا إزاء هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االلتزام فإنها تكون قد ارتكبت مخالفة للقانون تجعل قرارها معيبا وقابال‬

‫لإللغاء(‪ .)61‬حيث نصت املادة الثامنة من قانون مجلس الدولة السوري على أنه يعتبر‬

‫في حكم القرارات اإلدارية التي تقبل الطعن باإللغاء رفض السلطات اإلدارية أو‬
‫َ‬
‫امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح(‪.)62‬‬

‫‪ - 58‬قيييرار المحكمييية العلييييا الصيييادر بتييياريخ ‪ ،1982/6/26‬عييين الغرفييية اإلداريييية رقيييم ‪ ،165‬مليييف رقيييم ‪،28223‬‬
‫مشار إليه عند أحمد هنية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 59‬رزايقية عبد اللطيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ - 60‬قهار حسن شريف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪19‬‬
‫‪ - 61‬قهار حسن شريف‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ - 62‬أنظر المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة المصري النافذ‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 38‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومن األمثلة على ذلك رفض اإلدارة منح ترخيص ألحد األفراد رغم استيفائه جميع‬
‫ً‬
‫الشروط القانونية الالزمة لذلك(‪ .)63‬وتطبيقا ملا تقدم ذهبت محكمة القضاء‬

‫اإلداري السورية إلى إلغاء قراراإلدارة رفض إعطاء املستدعي الرخصة النهائية للبناء‬

‫في القطع العقارية التي آلت إليه نتيجة اإلفرازوالتقسيم وذلك بعد أن منحته اإلدارة‬

‫رخصة مبدئية لحفراألساسات فيه(‪.)64‬‬

‫نخلص مما تقدم إلى أن مخالفة القرار اإلداري للقانون بصورة مباشرة قد‬

‫تكون إيجابية وقد تكون سلبية‪ ،‬وتتحقق املخالفة اإليجابية عندما تتجاهل اإلدارة‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫القاعدة القانونية تجاهال كليا أو جزئيا‪ ،‬وذلك بقيامها بعمل من األعمال املحرمة‬

‫بموجب هذه القاعدة‪ ،‬أما املخالفة السلبية فتتحقق بامتناع اإلدارة عن القيام بما‬

‫هو واجب عليها‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬خمالفة القرار اإلداري للقانون بصورة غري مباشرة‬

‫تتجسد املخالفة غير املباشرة للقانون بالخطأ في تفسير القاعدة القانونية‪،‬‬

‫والخطأ في تطبيق حكم القاعدة القانونية على الو اقعة‪.‬‬

‫‪ - 63‬رزايقية عبد اللطيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.140‬‬


‫‪ - 64‬حكم محكمة القضاء اإلداري السورية رقم ‪ 171‬في القضية رقم ‪ 119‬لعام ‪ ،1974‬المجموعة لعام ‪ 1974‬ص‬
‫‪.136‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 39‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ً‬
‫أوال ـ اخلطأ يف تفسري القاعدة القانونية‪ :‬ويتجلى يف صورتني‪:‬‬

‫‪1‬ـ الخطأ غير املقصود في التفسير‪ :‬ويكون نتيجة للغموض الذي يكتنف‬

‫القاعدة القانونية وعدم وضوحها وتأويلها وتفسيرها بطريقة خاطئة ينتج عنه‬

‫إعطاءها معنى غير املعنى الذي أراده املشرع ويعتبر الخطأ في هذه الحالة غير عمدي‬

‫ووقع بحسن نية(‪ ،)65‬ومن األمثلة على ذلك حكم مجلس الدولة الفرنس ي بتاريخ‬
‫ً‬
‫‪ 1934/6/29‬وتتلخص وقائع هذه القضية في أن املشرع الفرنس ي أصدر قانونا يجيز‬

‫ألطباء األسنان غيرالحاصلين على دبلوم من املعاهد الفرنسية واملقيمين في األلزاس‬

‫واللورين قبل سنة ‪ 1918‬مباشرة املهنة في أي مكان من فرنسة شريطة أن يكونوا‬

‫متجنسين بالجنسية الفرنسية فأراد أحد أطباء األسنان الذي يحمل الجنسية‬

‫الفرنسية بامليالد أن يستفيد من تطبيق هذا القانون لتو افرشروطه بالنسبة له إال‬

‫أن اإلدارة رفضت طلبه على أساس أن القانون ينطبق فقط على املتجنس بالجنسية‬

‫الفرنسية دون الفرنسيين األصليين فقام مجلس الدولة الفرنس ي بإلغاء القرار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معتبرا أن اإلدارة فسرت القرار تفسيرا خاطئا إذ من غير املعقول أن يكون املشرع‬

‫قصد تفضيل األجنبي املتجنس بالجنسية الفرنسية على الفرنس ي األصلي(‪.)66‬‬


‫َ‬
‫‪2‬ـ الخطأ املقصود في التفسير‪ :‬يكون الخطأ في التفسير مقصودا حينما تكون‬

‫القاعدة التي خالفها القرار واضحة ال تحتمل الخطأ في التفسيرولكن اإلدارة تتعمد‬

‫‪ - 65‬منى بشير أحمد محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.87‬‬


‫‪ - 66‬حكيييم مجليييس الدولييية الفرنسيييي بتييياريخ ‪ 1934/6/29‬مشيييار إلييييه عنيييد قهيييار حسييين شيييريف‪ ،‬المرجيييع السيييابق‪،‬‬
‫ص ‪.22‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 40‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التفسير الخاطئ للتحايل على القانون ومن األمثلة على الخطأ املقصود في التفسير‬

‫قيام اإلدارة بإصدار قرار بأثر رجعي معلنة أنه قرار تفسيري لقرار آخر سبق صدوره‬

‫وهذا تحايل واضح من جانبها على قاعدة عدم رجعية القرارات اإلدارية(‪ ،)67‬كما أنه‬

‫يتعين على اإلدارة االلتزام باملبادئ العامة لتفسيرالنصوص التشريعية ومنها قاعدة‬

‫التشريع الالحق ينسخ التشريع السابق مع حمل ألفاظ النص على ما يقتض ي به‬

‫االصطالح القانوني وأن تبحث عن أغراض التشريع في نصوصه أوال قبل التماسها في‬
‫َ‬
‫األعمال التحضيرية ويترتب على مخالفة ذلك أن أي قرار تصدره اإلدارة استنادا إلى‬
‫َ‬
‫التفسير الخاطئ يكون مشوبا بعيب مخالفة القانون(‪ ،)68‬وملواجهة الخطأ املقصود‬

‫في التفسير من قبل اإلدارة ذهب مجلس الدولة املصري إلى وضع قاعدة عامة‬

‫مفادها " أنه ال وجه للتفسيرإال حيث يكون ثمة غموض موجود في القانون"(‪.)69‬‬

‫ً‬
‫ثانيا ـ اخلطأ يف تطبيق القاعدة القانونية على الواقعة‪:‬‬

‫إن تطبيق القانون مرهون بتحقق حالة و اقعية معينة وأن تتو افر في هذه‬

‫الحالة الو اقعية الشروط التي يتطلبها املشرع فإذا قامت اإلدارة بإصدار قراراتها‬

‫دون تحقق الحالة الو اقعية املعينة‪ ،‬أو لم تتو افر فيها الشروط املعنية فإن هذه‬

‫القرارات يشوبها عيب مخالفة القانون(‪.)70‬‬

‫‪ - 67‬أحمد هنية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬


‫‪ - 68‬قهار حسن شريف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ - 69‬حكييييييم محكميييييية القضيييييياء اإلداري المصييييييرية فييييييي الييييييدعوى رقييييييم ‪ 117‬لسيييييينة ‪ 1‬بتيييييياريخ ‪1947/10/21‬‬
‫المجموعة الثانية ص ‪ 17‬مشار اليه عند منى بشير أحمد محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ - 70‬قهار حسن شريف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.23 :‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 41‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ً‬
‫واستنادا ملا تقدم فإن الخطأ في تطبيق القانون على الو اقعة يكون في الحالتين‬

‫التاليتين‪:‬‬

‫‪1‬ـ عدم تحقق الو اقعة التي استند إليها القراراإلداري‪:‬‬

‫يتجلى الخطأ في هذه الصورة بصدور القرار على غير أساس من الو اقع املادي‬

‫وتنتصب رقابة القضاء اإلداري في هذه الصورة على حدوث الوقائع التي استندت‬

‫إليها اإلدارة في إصدار القرار اإلداري فإذا اتضح له أنه لم يستند إلى وقائع مادية‬
‫ً‬
‫معينة فإنه يكون مخالفا للقانون النعدام األساس القانوني الذي يقوم عليه(‪،)71‬‬

‫ومن األمثلة على ذلك أن تكون الوقائع املنسوبة للموظف ذات وجود مادي لكنها ال‬
‫َ‬
‫تشكل خطأ تأديبيا وال تدخل ضمن فئة األخطاء التأديبية‪ ،‬فإذا تأكد القاض ي‬
‫ً‬
‫اإلداري من أن املوظف لم يرتكب فعال الخطأ املنهي املنسوب إليه فإنه يلغي قرار‬
‫ً‬
‫الفصل لعدم مشروعية السبب نظرا النعدام الو اقعة القانونية التي تسمح لإلدارة‬

‫اتخاذ قرار الفصل(‪ ،)72‬كما يتعين على املحكمة مر اقبة صحة الوقائع املادية التي‬

‫انبنى عليها القرار وثبوت وجودها وقت صدور القرار ألن العبرة في تقدير مشروعية‬
‫ً‬
‫القرارات اإلدارية هي بوقت صدورها(‪ ،)73‬وتطبيقا ملا تقدم ذهبت محكمة القضاء‬

‫اإلداري املصرية في أحد أحكامها إلى القول " أن و اقعة الزواج العرفي ال تتضمن‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫إخالال بواجبات الوظيفة ومقتضياتها وبالتالي ال تعتبر ذنبا يستوجب العقاب‪.‬‬

‫‪ - 71‬أحمد هنية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.55 :‬‬


‫‪ - 72‬رزايقية عبد اللطيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫‪ - 73‬محمييييود عيييياطف البنييييا‪ ،‬الوسيييييط فييييي القضيييياء اإلداري‪ ،‬تنظيييييم رقابيييية القضيييياء اإلداري‪ ،‬الييييدعاوى اإلدارييييية‪،‬‬
‫مطبعة دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة ‪ ،1990‬ص‪.267‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 42‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫واستندت املحكمة إلى أن كل ما يرتبه القانون على الزواج غيرالثابت بوثيقة رسمية‬

‫هو عدم سماع دعوى الزوجة عند اإلنكاروال يستفاد من ذلك حظرالزواج العرفي أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اعتباره غيرقائما شرعا وليس في ما أقدم عليه املدعي مخالفة للقوانين واللوائح وال‬
‫ً‬
‫مخالفة ألحكام الشرع أو النظام العام‪ ،‬كما ال يعتبر ذلك إخالال من املدعي بواجبات‬

‫وظيفته أو سلوكه الوظيفي حتى يصدق على تصرفه ما ورد في القرار التأديبي في‬

‫وصف هذه الو اقعة ذلك أن املدعي لم يكن يباشر عند زواجه عمله الرسمي و إنما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كان مثله مثل أي فرد عادي ال حرج عليه في أن يتزوج زواجا عرفيا دون أن يوثقه"(‪.)74‬‬

‫‪2‬ـ أن ال يتو افرفي الو اقعة الشروط القانونية املبررة إلصدارالقراراإلداري‪:‬‬

‫ال يكفي أن تكون الوقائع التي استندت إليها اإلدارة في إصدارقراراتها سليمة في‬

‫ذاتها‪ ،‬و إنما يجب أن تكون مستوفية للشروط القانونية التي تجعلها مبررة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫للقرار(‪ ،)75‬ولكي يكون القرار اإلداري مشروعا ومنتجا آلثاره القانونية يجب أن ال‬

‫يغلط مصدر القرار في الوصف القانوني للوقائع التي أخذها بعين االعتبار أي أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طبيعة تلك الوقائع يجب أن تبرر قانونيا القرار اإلداري(‪ ،)76‬وتطبيقا ملا تقدم ذهبت‬

‫املحكمة اإلدارية العليا املصرية إلى القول " ومن حيث أن القرار اإلداري يجب أن‬

‫يقوم على سبب يبرره في الو اقع وفي القانون وذلك كركن من أركان انعقاده باعتباره‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تصرفا قانونيا إذ ال يقوم أي تصرف قانوني بغيرسبب وملا كان القراراملطعون فيه ال‬

‫‪ - 74‬حكيييم محكمييية القضييياء اإلداري المصيييرية فيييي ‪ ،1975/6/5‬السييينة الثانيييية‪ ،‬ص ‪ ،315‬مشيييار إلييييه عنيييد منيييى‬
‫بشير أحمد محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪ - 75‬أحمد هنية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ - 76‬رزايقية عبد اللطيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.151‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 43‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ً‬
‫يقوم على سبب يبرره فإنه يكون قد صدر مخالفا للقانون ويتعين إلغاؤه"(‪ .)77‬وإن‬

‫مالئمة القرار اإلداري للوقائع تفيد في معرفة مدى التناسب بين الوقائع والقرار‬

‫اإلداري حيث ذهبت املحكمة اإلدارية العليا املصرية في الطعن رقم ‪ 4555‬لسنة ‪44‬‬

‫ق جلسة ‪ 1999/5/2‬إلى اعتبار أن العلو في تقدير الجزاء بمثابة إساءة استعمال‬

‫اإلدارة لسلطتها مما يصيب قرارها التأديبي بعدم املشروعية ويجعله واجب اإللغاء‬

‫وهذا ما ذهبت إليه في إلغاء قرارمجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة األزهر‬

‫فيما تضمنه من توقيع عقوبة اللوم مع تأخير العالوة ملدة عامين على أعضاء هيئة‬

‫التدريس حيث استبدلت هذه العقوبة بعقوبة التنبيه بعدما استبان أن تلك‬

‫العقوبة هي املناسبة ملا ارتكبه املحال ملجلس التأديب من مخالفات(‪.)78‬‬

‫نستنتج مما تقدم أن مخالفة القراراإلداري للقانون بصورة غيرمباشرة تكون‬

‫بصورتين الصورة األولى وتتمثل في الخطأ في تفسير القاعدة القانونية وهذا الخطأ‬
‫ً‬
‫قد يكون مقصودا وقد يكون غير مقصودا‪ ،‬والصورة الثانية وتتمثل في الخطأ في‬

‫تطبيق حكم القاعدة القانونية على الو اقعة‪ ،‬وذلك من خالل عدم تحقق الو اقعة‬

‫التي استند إليها القرار اإلداري‪ ،‬وأن ال يتو افر في الو اقعة الشروط القانونية املبررة‬

‫إلصدارالقراراإلداري‪.‬‬

‫‪ - 77‬قيييرار المحكمييية اإلداريييية العلييييا المصيييرية بتييياريخ ‪ 18‬ديسيييمبر ‪ 1971‬مشيييار إلييييه عنيييد راغيييب ماجيييد الحليييو‪،‬‬
‫القضاء اإلداري‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1985 ،‬ص‪.434‬‬
‫‪ - 78‬عبد العزيز عبد المنعم خليفة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 266‬وما بعدها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 44‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اخلامتة‪:‬‬

‫ً‬
‫أوال ـ النتائج‪:‬‬

‫يقصد بمحل القرار اإلداري موضوعه‪ ،‬أو األثر القانوني الناش ئ عنه واملتمثل‬

‫بإنشاء حالة قانونية جديدة‪ ،‬أو تعديل مركزقانوني قائم‪ ،‬أو إلغائه‪ .‬ويشترط لصحة‬
‫ً‬
‫ركن املحل في القرار اإلداري أن يكون ممكنا من الناحيتين الو اقعية‪ ،‬والقانونية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وإال كان معدوما ‪ ،‬وأن يكون مشروعا ومنسجما مع القواعد القانونية تحت طائلة‬

‫إبطاله من قبل محكمة القضاء اإلداري عن طريق دعوى اإللغاء‪.‬‬

‫إن مخالفة القرار اإلداري للقانون قد تكون بصورة مباشرة‪ ،‬أو بصورة غير‬

‫مباشرة‪ ،‬وتتحقق املخالفة املباشرة للقانون بإتيان اإلدارة بفعل إيجابي يتمثل‬

‫بقيامها بعمل من األعمال املحرمة بموجب قاعدة قانونية‪ .‬أو بفعل سلبي يتمثل‬

‫بامتناع اإلدارة عن القيام بما هو واجب عليها‪ .‬أما املخالفة غير املباشرة للقانون‬

‫فتتحقق بصورتين الصورة األولى وتتمثل في الخطأ في تفسيرالقاعدة القانونية وهذا‬


‫َ‬ ‫ً‬
‫الخطأ قد يكون مقصودا وقد يكون غيرمقصودا‪ ،‬والصورة الثانية وتتمثل في الخطأ‬

‫في تطبيق حكم القاعدة القانونية على الو اقعة‪ ،‬وذلك من خالل عدم تحقق‬

‫الو اقعة التي استند إليها القرار اإلداري‪ ،‬وأن ال يتو افر في الو اقعة الشروط‬

‫القانونية املبررة إلصدارالقراراإلداري‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 45‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ً‬
‫ثانيا ـ التوصيات‪:‬‬

‫‪1‬ـ توص ي الدراسة بالتركيز على دراسة ركن املحل بصفة مستقلة عن باقي أركان‬

‫القراراإلداري باعتباره ينصب على مخالفة القانون‪.‬‬

‫‪2‬ـ توص ي الدراسة بتزويد صانع القرار اإلداري بالخبرة القانونية الالزمة عبر‬

‫الدورات التدريبية والتأهيل والتثقيف القانوني للتخفيف من صدور القرارات‬

‫اإلدارية املخالفة للقانون ملا له من أثرسلبي على األفراد والهيئات اإلدارية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 46‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الدكتور إبراهيم والعيز‬


‫حاصل على الدكتوراه يف الفقه‬
‫اإلسالمي‬

‫ملخص البحث‪:‬‬

‫يقدم هذا البحث دراسة مختصرة ملوضوع؛ ما جرى به العمل في الفقه املالكي‪،‬‬

‫بغرض الوقوف على أهم آثاره في النهوض بالقضاء في هذا املذهب الفقهي الذي يعتبر‬

‫واحدا من أهم املذاهب الفقهية السنية املتبعة في العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫وقد أظهر البحث أن ما جرى به العمل يتجلى أثره في القضاء في املذهب املالكي‬
‫من خالل ثالثة جوانب‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬تخليص القاض ي املالكي من وهدة الجمود على تركة املذهب‪ ،‬والتعصب‬

‫للمشهوراملسطورفيه‪ ،‬رغم بعد مالئمته لحاجات الوقت وظروف العصر‪.‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 47‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -‬إمداد القاض ي بآلة االجتهاد املآلي من خالل املوازنة بين املصالح واملفاسد‬
‫وتقديم درء املفسدة على جلب املصلحة‪.‬‬
‫‪ -‬تطوير املذهب الفقهي الذي يدين به القاض ي نفسه‪ ،‬عن طريق تأصيل‬

‫فقهي عملي يعتد بتغيرات الو اقع‪ ،‬ويراعي أعراف الناس‪ ،‬ويلتفت إلى مآالت األمور‪.‬‬

‫مقدمة‪.‬‬

‫بسم هللا الرحمان الرحيم‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف املرسلين‪.‬‬

‫وبعد؛ يروم هذا البحث دراسة موضوع آثار ما جرى به العمل في النهوض‬

‫بالقضاء في املذهب املالكي‪ ،‬باعتبار أن ما جرى به العمل يعد أحد أهم املوضوعات‬

‫التي نالت من الفقهاء املالكية في الغرب اإلسالمي قسطا كبيرا وحظا و افرا من‬

‫العناية واالهتمام‪ ،‬فعملوا على إمعان النظر فيها‪ ،‬وبذلوا جهودا جلى في جمعها‬

‫وتدوينها حتى يسهل تناولها واالستفادة منها والرجوع إليها من طرف الفقهاء والقضاة‬

‫لتكون مرجعا وعونا لهم في استنباط األحكام وتنزيلها على ما يعرض عليهم من نوازل‬

‫وقضايا‪.79‬‬

‫وتتجلى أهمية البحث في هذا املوضوع في ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1-‬تعرف مفهوم ما جرى به العمل‪ ،‬و أقسامه‪ ،‬وأسباب ظهوره‪ ،‬وشروط‬

‫إثباته‪.‬‬

‫‪ -79‬تبصير األكياس بالتقعيد الفقهي لمسائل جرى بها عمل فاس‪ ،‬لألستاذ إبراهيم والعيز‪ .‬ط‪1438 .1 /‬هـ‪2017 /‬م‪.‬‬
‫آنفو‪-‬برانت‪-‬فاس‪ .‬ص‪.5 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 48‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -2-‬إبرازأثرما جرى به العمل في النهوض بالقضاء في املذهب املالكي‪.‬‬

‫ويتكون البحث من مقدمة‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخاتمة‪ ،‬وبيان ذلك على الوجه‬

‫اآلتي‪ :‬املبحث األول‪ :‬تحديد مفاهيم ومصطلحات البحث‪ ،‬وهي‪ :‬ما جرى به العمل‪،‬‬

‫والقضاء‪ ،‬واملذهب املالكي‪ .‬املبحث الثاني‪ :‬ما جرى به العمل؛ أقسامه‪ ،‬وأسباب‬

‫ظهوره‪ ،‬وشروط إثباته‪ .‬املبحث الثالث‪ :‬أثر ما جرى به العمل في النهوض بالقضاء في‬

‫املذهب املالكي‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬حتديد مفاهيم ومصطلحات البحث‪.‬‬

‫وقبل توضيح وبيان بعض آثار ما جرى به العمل في النهوض بالقضاء في‬

‫املذهب املالكي‪ ،‬يفرض علينا املنهج أن نقوم بتحديد داللة مصطلحات البحث‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫ما جرى به العمل‪ ،‬والقضاء‪ ،‬واملذهب املالكي‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1-‬ما جرى به العمل؛ لقد تعددت تعريفات مالكية الغرب اإلسالمي ملا جرى به‬

‫العمل‪ ،‬فعرفوه بتعاريف متقاربة املبنى واملعنى‪ ،‬ويستفاد منها جميعا أن ما جرى به‬

‫العمل هو‪" :‬العدول عن القول الراجح أو املشهور إلى القول الضعيف في بعض‬

‫املسائل رعيا ملصلحة مجتلبة‪ ،‬أو مفسدة مدفوعة‪ ،‬أو عرف جار‪ ،‬مع استقرار‬

‫القضاء عليه‪ ،‬وعمل القضاة به"‪.80‬‬

‫‪ -80‬انظــر؛ * نظرية األخذ بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي‪ ،‬لألستاذ عبد السالم العسري‪ .‬طبعة‬
‫وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية للمملكة المغربية‪ 1417 .‬هـ‪1997 /‬م‪ .‬ص‪.102 /‬‬
‫* تحفة أكياس الناس بشرح عمليات فاس‪ ،‬للمهدي الوزاني‪ .‬طبعة وزارة األوقاف المغربية‪1422 .‬هـ‪2001 /‬م‪.‬‬
‫ج‪ .1 /‬ص‪.43 /‬‬
‫* مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪ ،‬لألستاذ عالل الفاسي‪ .‬مكتبة الوحدة العربية‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬دون ذكر‬
‫الطبعة وتاريخ الطبع‪ .‬ص‪.153 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 49‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ويفهم من هذا أن إجراء العمل بناء على القول الضعيف أوالشاذ إذا تعلقت‬

‫به مصلحة شرعية معتبرة أمر اجتهادي ال يقوم به إال من كان أهال لالجتهاد‪ ،‬وتوفرت‬

‫فيه شروطه؛ من العلم بأصول الفقه‪ ،‬واإلحاطة بمقاصد الشريعة‪ ،‬والفهم الشامل‬

‫لو اقع األمة‪ ،‬و"ما تقتضيه حالتهما االجتماعية"‪ ،81‬مع أخذ املآل بعين االعتبارحين‬

‫قصد تنزيل الحكم أو الفتوى على النازلة؛ ذلك فإن فتح الذرائع من أجل تحصيل‬

‫املصالح واالستزادة منها‪ ،‬يتطلب املوازنة بين املصالح واملفاسد حين تزاحمها‪ ،‬كما‬

‫يتطلب ترجيح بعضها على اآلخر بناء على قواعد وآليات أصلها علماء األصول‪،‬‬

‫واستحضار هذه اآلليات والقواعد حين إجراء العمل هو عين االجتهاد‪ .‬قال محمد‬

‫بن الحسن الحجوي‪" :‬وعليه فالعمل ال يعتمد إال إذا جرى بقول راجح‪ ،‬أو من قاض‬

‫مجتهد الفتوى بين وجه ترجيح ما عمل به‪ ،‬ألن املجتهد هو الذي يقدرعلى تمييزما هو‬

‫مصلحة وما هو مفسدة‪ ،‬أو ذريعة إليها ويميز ما هو في رتبة الضرورات أو الحاجيات‪،‬‬

‫وما هو في رتبة التحسينات‪ ،...‬وعلى كل حال ال يقدرعلى نقد مثل هذا إال من بلغ رتبة‬

‫االجتهاد املذهبي‪ ،‬أما من لم يبلغها فليس له رخصة في أن يترك املشهور إلى الشاذ في‬

‫الفتوى والحكم أصال‪ ،‬فالباب دونه مسدود"‪.82‬‬

‫ويفهم من تعريف ما جرى به العمل أيضا‪ ،‬أن العمل أيا كان داعيه فهو مبني‬

‫على مذهب اإلمام مالك‪ ،‬فإذا كان ملتفتا فيه إلى جلب املصالح فهو على أصله في‬

‫‪ -81‬مباحث في المذهب المالكي بالمغرب‪ ،‬للدكتور عمر الجيدي‪ .‬ط‪1993 .1 /‬م‪ .‬دون ذكر مكان الطبع‪ .‬ص‪.181 /‬‬
‫‪ -82‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬للعالمة محمد بن الحسن الحجوي‪ .‬بعناية؛ هيثم خليفة طعيمي‪ .‬ط‪.1 /‬‬
‫‪1427‬هـ‪2006 /‬م‪ .‬المكتبة العصرية‪-‬لبنان‪ .‬ج‪ .2 /‬ص‪.710-709 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 50‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫االستصالح‪ ،‬وإذا كان منظورا فيه إلى درء املفسدة فهو على أصله في سد الذرائع‪،‬‬

‫وإذا كان مستنده العرف فهو على أصله في مراعاة العوائد واألخذ باألعراف‪ ،‬وهذا‬

‫ما قصده العالمة عبد هللا بن بيه بقوله‪" :‬العمل ال بد له من قول يعتمد عليه‪ ،‬فهو‬

‫ترجيح من الخالف‪ ،‬وليس إنشاء لرأي جديد مستقل"‪.83‬‬

‫‪ -2-‬القضاء؛ جاء في تبصرة الحكام‪" :‬حقيقة القضاء اإلخبارعن حكم شرعي‬

‫على سبيل اإللزام"‪ ،84‬والقاض ي "هو النائب عن اإلمام في تنفيذ األحكام"‪ ،85‬ويكون‬

‫القضاء بهذا املعنى جزءا من أجزاء اإلمامة الكبرى إلى جانب الفتيا‪ ،‬ولذلك اشترط‬

‫الفقهاء في اإلمام من الشروط ما لم يشترطوه في القضاة واملفتين‪ ،86‬ألن القاض ي‬

‫مثله مثل سائر العمال الذين والهم اإلمام لينوبوا عنه في بعض الكلف واألشغال‬

‫التي عليه أن يقوم بها للمسلمين‪ ،‬وله الحق في عزلهم متى شاء‪ ،‬كما هو الشأن فيمن‬

‫استناب غيره ووكله على أمربدا له فله عزله‪.87‬‬

‫‪ -3-‬املذهب املالكي؛ هو "عبارة عما ذهب إليه اإلمام مالك من األحكام‬

‫االجتهادية‪ ،‬مراعيا في ذلك أصوال معلومة‪ ،‬وأخرى مخصوصة"‪ .88‬قال العالمة‬

‫الفاضل بن عاشور‪" :‬فكان ظهورمالك بن أنس رض ي هللا عنه‪ ،‬لم يحدث أمرا جديدا‬

‫‪ -83‬صناعة الفتوى وفقه األقليات‪ ،‬للشيخ عبد بن بيه‪ .‬ط‪2007 .1 /‬م‪ .‬دار المنهاج‪-‬بيروت‪ .‬ص‪.120 /‬‬
‫‪ -84‬تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام‪ ،‬البن فرحون‪ .‬تحقيق؛ الشيخ جمال مرعشلي‪ .‬طبعة؛ ‪1423‬هـ‪/‬‬
‫‪2003‬م‪ .‬دار عالم الكتب‪-‬الرياض‪ .‬ج‪ .1 /‬ص‪.9 /‬‬
‫‪ -85‬البهجة في شرح التحفة‪ ،‬ألبي الحسن علي بن عبد السالم التسولي‪ .‬طبعة؛ ‪1412‬هـ‪1991 /‬م‪ .‬دار الفكر‪-‬بيروت‪.‬‬
‫ج‪ .1 /‬ص‪.34 /‬‬
‫‪ -86‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام وتصرفات القاضي واإلمام‪ ،‬لشهاب الدين القرافي‪ .‬تحقيق؛ أخمد فريد المزيدي‪.‬‬
‫ط‪1425 .1 /‬هـ‪2004 /‬م‪ .‬دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪ .‬ص‪.14 /‬‬
‫‪ -87‬شرح ميارة ا لفاسي على تحفة الحكام في نكت العقود واألحكام البن عاصم األندلسي‪ ،‬ألبي عبد محمد بن أحمد‬
‫ميارة‪ .‬تحقيق؛ عبد اللطيف حسن عبد الرحمن‪ .‬ط‪1420 .1 /‬هـ‪2000 /‬م‪ .‬دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪ .‬ج‪ .1 /‬ص‪.18 /‬‬
‫‪ -88‬أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي‪ ،‬للدكتور محمد رياض‪ .‬ط‪1416 .1 /‬هـ‪1996 /‬م‪ .‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪-‬الدار البيضاء‪ .‬ص‪.99 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 51‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫في هذا الفقه الذي استمر متسلسال من عصر فقهاء الصحابة إلى فقهاء التابعين‬

‫حتى تلقاه مالك بن أنس لم يحدث فيه شيئا جديدا‪ ،‬إال أنه درج على الطريقة أو‬

‫املنهج الفقهي الذي وجد الناس متعاقدين عليه من قبله‪ ،‬ثم إنه زاد على ذلك أن‬

‫استقرأ من األمر الو اقعي العملي بتتبع فروع الفتاوي وجزئيات األحكام الشرعية‬

‫التفصيلية التي اجتهد فيها هو واجتهد فيها من قبله من فقهاء الصحابة وفقهاء‬

‫التابعين‪ ،‬فاستخرج من استقرائها أصوال تتعلق بالطرائق االستداللية االستنتاجية‬

‫التي ينبغي ‪ ..‬فيما يرى هو وفيما يدرك من سيرة الفقهاء الذين اقتدى بهم وتكون‬

‫بتخرجه بهم من قبل ‪ ..‬أن يكون السيرعليها في استنباط األحكام الفرعية التفصيلية‬

‫من أصولها اإلجمالية‪ ،‬فكان ظهوراألصول لتلك البيئة الفقهية املدنية على يد مالك‬

‫بن أنس‪ ،‬ولذلك اشتهرهذا املذهب باإلضافة إلى اسمه‪ ،‬فقيل‪ :‬املذهب املالكي"‪.89‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬أقسام ما جرى به العمل‪ ،‬وأسباب ظهوره‪ ،‬وشروط‬


‫إثباته‪.‬‬

‫‪ -1-‬أقسام ما جرى به العمل‪.‬‬

‫ينقسم ما جرى به العمل إلى قسمين اثنين هما؛‬

‫‪-‬أ‪ -‬العمل املطلق؛ وهو العمل الذي ال يختص ببلدة واحدة‪ ،‬ألنه في الغالب ال‬

‫يرتبط بالعرف الخاص بل يكون أساسه؛ إما العرف العام‪ ،‬أوتبدل املصالح والعلل‪،‬‬

‫أو فساد الزمان‪ ،‬أو تطوراألوضاع‪.‬‬

‫‪ -89‬المحاضرات المغربيات‪ ،‬للشيخ الفاضل بن عاشور‪ .‬دون الطبعة والتاريخ‪ .‬الدار التونسية للنشر‪-‬تونس‪ .‬ص‪.73 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 52‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومن العمل املطلق؛ العمل األندلس ي‪ ،‬والعمل اإلفريقي‪ ،‬والعمل املغربي‪،....‬‬

‫وقد ألف الشيخ السجلماس ي‪ 90‬كتابا يعرف بالعمل املطلق‪ ،91‬قصد به جمع األحكام‬

‫التي وصفت باملعمول بها‪ ،‬أو إنه قد عمل بها دون مراعاة شروط العمل الخاص‪،‬‬

‫ويدخل في دائرة العمل املطلق؛ تلك األحكام الواردة في مختصر الشيخ خليل‪،92‬‬

‫وتحفة الحكام البن عاصم األندلس ي‪.‬‬

‫‪-‬ب‪ -‬العمل املقيد وهوالعمل الخاص؛ وهوالذي يجري في بلد معين‪ ،‬وتراعى فيه‬

‫البيئة املكانية‪ ،‬فال يطبق إال في البلدة التي جرى فيها ذلك العرف الذي استندت إليه‬

‫األحكام الجاري فيها العمل‪ ،‬وبهذا يكون العمل املقيد ال يتعدى بلده إلى بلدان أخر‪،‬‬

‫وذلك مثل؛ العمل القرطبي‪ ،‬والعمل الفاس ي‪ ،‬والعمل السوس ي‪ ،‬والعمل املراكش ي‪،‬‬

‫والعمل التطواني‪...‬‬

‫وملا كان هذا النوع من العمل خاصا غير متعد‪ ،‬فقد نص العالمة الزقاق‪ 93‬في‬

‫الميته على ذكر البلدة فاس حينما استعرض املسائل التي جرى بها العمل في فاس‪،‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫وفي البلدة الغراء فاس وربن ـ ـ ــا***يقي أهلها من كل داء تفض ـ ـال‬

‫محمد بن أبي القاسم السجلماسي ثم الرباطي‪ ،‬صاحب شرح العمل الفاسي الذي انكب القضاة‬ ‫‪ -90‬هو أبو عبد‬
‫والمفتون عليه‪ ،‬كان فقيها محررا نقادا‪ ،‬وكتبه تدل على واسع اطالعه‪ ،‬توفي بأبي الجعد بالوباء يوم السبت ‪ 11‬شوال‬
‫من سنة؛ ‪1214‬هـ‪ .‬الفكر السامي‪ .‬ج‪ .2 /‬ص‪.625 /‬‬
‫‪ -91‬نظرية األخذ بما جرى به العمل‪ .‬ص‪.114 /‬‬
‫‪ -92‬الفكر السامي‪ .‬ج‪ .2 /‬ص‪.710 /‬‬
‫‪ -93‬هو أبو الحسن علي بن قاسم محمد التجيبي الشهير بالزقاق الفاسي‪ ،‬نظم المنهج المنتخب في أصول المذهب‪ ،‬وله‬
‫الالمية الشهيرة ضمنها أحكاما فقهية في مسائل جرى بها العمل في فاس يكثر حدوثها ويحتاج القضاة لمعرفتها‪ .‬توفي‬
‫عن سن عالية سنة؛ ‪912‬هـ‪ .‬جذوة االقتباس في ذكر من حل من األعالم مدينة فاس‪ ،‬ألحمد بن القاضي المكناسي‪ .‬طبعة؛‬
‫‪1973‬م‪ .‬دار المنصور للطباعة والوراقة‪-‬الرباط‪-‬المغرب‪ .‬ج‪ .2 /‬ص‪.477-476 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 53‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ج ــرى عمل بالالئي تاتي كما جرى***بأندلس بالبعض منها فأصال‪94‬‬

‫ومن أشهرالكتب التي تضمنت العمل الخاص؛‬

‫* نظم الشيخ عبد الرحمن الفاس ي "ت ــ؛ ‪1096‬ه" بالنسبة لفاس وأهم املدن‬

‫املغربية‪.‬‬

‫* ونوازل العلمي "ق؛ ‪12‬ه" بالنسبة ملناطق اجبالة‪.‬‬

‫* ونوازل العباس ي السماللي "ت ــ؛ ‪1152‬هـ" بالنسبة ملناطق سوس‪.‬‬

‫‪ -2-‬أسباب ظهورما جرى به العمل‪.‬‬

‫إن ما جرى به العمل نشأ وترعرع على ما يبدو من املراجع التي اعتنت باملوضوع‬

‫في حواضر الغرب اإلسالمي‪ ،‬وكانت بداياته األولى في ديار األندلس التي ازدانت‬

‫حواضرها بفقهاء كباركان لهم من سعة األفق ووفورالعلم ما أسعفهم على النهوض‬

‫بفقه القضاء ومواجهة النوازل بفكرثاقب وقاد‪.‬‬

‫ونقررهنا؛ أنه من غيراملتاح الوقوف على التاريخ الدقيق لبدايات ظهورما جرى‬

‫به العمل في حواضر الغرب اإلسالمي خاصة واملعلومات قليلة في هذا الباب‪،‬‬

‫واملصادر املهتمة بهذا اللون الفقهي ساكتة عن القول الفصل في هذا املوضوع‪ ،‬إال‬

‫أن ما يلوح في األفق في هذا السياق من خالل بعض الدراسات املعاصرة املهتمة‬

‫‪ -94‬فتح العليم الخالق في شرح المية الزقاق‪ ،‬للشيخ ميارة الفاسي‪ .‬ص‪.445 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 54‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ببحث فقه ما جرى به العمل؛ أن األخذ به في الحاضرة األندلسية كان جاريا في‬

‫القرنين الرابع والخامس الهجريين‪.95‬‬

‫أما في املغرب األقص ى فإن تحديد بداية األخذ بفقه العمل صعب وعسيرجدا‪،‬‬

‫غيرأن القرائن ناهضة على أن الفقهاء ركنوا إليه في غضون القرن الثامن الهجري‪،‬‬

‫حيث كان العمل بشهادة اللفيف‪ 96‬جاريا آنذاك‪ ،‬ويدل على ذلك جواب أبي الحسن‬

‫الصغير‪97‬؛ حين سئل عن رسم شهد فيه أحد وثالثون رجال‪ ،‬يكتفى فيه بهذا العدد‬

‫أم ال بد من عدلين؟ فأجاب‪" :‬ال بد من عدلين أو ينتهي إلى حد التواتر"‪.98‬‬

‫أما الدواعي واألسباب التي جعلت الفقهاء والقضاة في الغرب اإلسالمي يأخذون‬

‫بهذا اللون الفقهي الجديد‪ ،‬رغم علمهم بكونه مخالفا للمشهور والراجح‪،‬‬

‫فيستعص ي على الباحث استقراؤها باملرة‪ ،‬لكن يمكن اإلشارة إلى البعض منها ولو‬

‫على وجه اإلجمال واالختصار‪ ،‬وأذكرمنها‪:‬‬

‫‪-‬أ‪ -‬تطور الحياة وتبدل األعراف والتقاليد وعجز النصوص الفقهية التي كانت‬

‫رائجة في غيبة فقه ما جرى به العمل عن استيعاب تلك التطورات والتغيرات‬

‫‪ -95‬الفكر السامي‪ .‬ج‪ .2 /‬ص‪ ،711-708 /‬وتحفة أكياس الناس‪ .‬ج‪ .1 /‬ص‪.13-10 /‬‬
‫‪ -96‬وصورتها‪" :‬أن يأتي المشهود له باثني عشر رجال كيفما اتفق من اجتماع أو افتراق إلى عدل منتصب للشهادة‬
‫فيؤدون شهادتهم عنده‪ ،‬فيكتب رسم االسترعاء على حسب شهادتهم ويضع أسماءهم عقب تاريخه‪ ،‬ثم يكتب رسما آخر‬
‫أسفل الرسم نفسه‪ ،‬ثم يضع عدالن أسماءهما في أسفل الرسم الثاني"‪ .‬وسميت بشهادة اللفيف الجتماع من يصلح للشهادة‬
‫فيها ومن ال يصلح مع اختالط الناس فكأنما لف بعضهم إلى بعض‪ .‬فتح العليم الخالق في شرح المية الزقاق‪ ،‬لإلمام أبي‬
‫محمد ميارة الفاسي‪ .‬تحقيق؛ رشيد البكاري‪ .‬ط‪1429 .1 /‬هـ‪2008 /‬م‪ .‬المكتبة العصرية‪-‬بيروت‪ .‬ص‪-283 /‬‬ ‫عبد‬
‫‪.284‬‬
‫‪ -97‬أبو الحسن علي بن عبد الحق الزرويلي الشهير بالصغير‪ ،‬ولي القضاء بتازة ثم بفاس‪ ،‬فأقام الحق على الكبير‬
‫والصغير حتى أمراء بني مرين‪ ،‬له شرح على التهذيب للبرداعي‪ .‬توفي سنة؛ ‪ 719‬هـ‪ .‬جذوة االقتباس‪ ،‬البن القاضي‪.‬‬
‫ج‪ .2 /‬ص‪.472 /‬‬
‫‪ -98‬نظرية األخذ بما جرى به العمل في المغرب‪ .‬ص‪.338 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 55‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وتغطيتها‪ ،‬مما فرض إعادة النظر في األقوال االجتهادية‪ ،‬وخصوصا ما كان مدركه‬

‫منها العرف والعادة على ضوء تلك التغيرات الطارئة باستمرار؛ ألن "كل ما في‬

‫الشريعة يتبع العوائد‪ ،‬يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة‬

‫املتجددة"‪.99‬‬

‫ومعنى هذا؛ أنه ال بد للفقهاء في كل زمان من أن يواجهوا األسباب الظرفية‬

‫فيوجدوا مخارج شرعية لكل ما ال يتنافى منها مع أصل الشرع‪ ،‬ويردوا ما ال يقبله منها‬

‫وال يسعه‪ ،‬وال عيب على الفقهاء في األخذ بما كان مهجورا إن دعت الضرورة لذلك؛‬

‫ألن ما كان صالحا في زمان أو مكان قد ال يكون كذلك عند تبدلهما‪.‬‬

‫‪-‬ب‪ -‬فتح باب املرونة التي تو افق طبيعة البيئة املحلية‪ ،‬وهذا السبب في‬

‫الحقيقة يمكن اعتباره من الخصوصيات التي حافظت للمغرب على محليته‬

‫املندمجة في عموم الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ولعله من هذا الجانب كان فقهاء املغرب‬

‫يقدمون ما جرى به العمل على القول املشهور من آراء كبار الفقهاء‪ ،‬وهذا منتهى‬

‫املرونة التي أعطت لتطبيق الشريعة اإلسالمية في املجتمع املغربي حق االنتشار‬

‫والتو افق مع البيئات املحلية في بالد املغارب على وجه العموم‪ ،‬بل سارعوا إلى‬

‫املناداة "بتوجه اجتهادي خاص ال يتعارض مع أصول املذهب املالكي ويفتح باب‬

‫املرونة التي تو افق طبيعة البيئة املحلية"‪.100‬‬

‫‪ -99‬شريعة اإلسالم؛ خلودها وصالحها للتطبيق‪ ،‬للدكتور يوسف القرضاوي‪ .‬طبعة؛ ‪ .1983‬المكتب اإلسالمي‪-‬بيروت‪.‬‬
‫ص‪.80 /‬‬
‫‪ -100‬تحفة أكياس الناس‪ .‬ج‪ .1 /‬ص‪.11 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 56‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪-‬ج‪ -‬تحقيق املصالح ودرء املفاسد؛ ذلك أن ما جرى به العمل ال يعني معاندة‬

‫األصول الكلية‪ ،‬أو هدم القواعد الشرعية‪ ،‬أو عدم مراعاتها في مقاصدها السامية‪،‬‬

‫و إنما تزاحم الوقائع واألحداث والتفاعالت االجتماعية والتحوالت الطارئة في حياة‬

‫املجتمع اإلسالمي الخاصة والعامة جعل املهتمين من كبار الفقهاء وخبراء اإلفتاء‬

‫يقدمون الضعيف على املشهورفي املذهب إن وجد ما يشهد له من أدلة الشرع‪ ،‬جلبا‬

‫للمصلحة ودرءا للمفسدة‪ ،‬وتوخيا للحفاظ على سالمة املجتمع اإلسالمي‪ ،‬وكسبا‬

‫لنسق املجتمع السليم الذي بناه القرآن الكريم والسنة املطهرة وأصله علماء‬

‫الشريعة وفقهاؤها‪ ،‬بدءا بصحابة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وفقهاء دارالهجرة‬

‫بما فيهم إمامنا مالك رض ي هللا عنه‪.‬‬

‫والفقهاء املتقدمون ملا قرروا تشهير قول من األقوال‪ ،‬ال شك أنهم الحظوا أن‬

‫ذلك القول في ذلك الزمن هو الذي كان يحقق مصالح العباد‪ ،‬فلما جاء الفقهاء‬

‫املتأخرون وجدوا أن ذلك املشهور لم يعد في بعض األزمان وفي بعض األمكنة يحقق‬

‫ذلك الغرض‪ ،101‬فأجروا العمل بالضعيف ملا فيه من تحقيق مصالح العباد‪ .‬يقول‬

‫الدكتور عمر الجيدي‪" :‬وأصل ابتداء العمل بالشاذ وترك املشهور االستناد‬

‫الختيارات شيوخ املذهب لبعض الروايات‪ ،‬وترجيحهم لبعض األقوال عدلوا فيها‬

‫‪ -101‬نظرية األخذ بما جرى به العمل في المغرب‪ .‬ص‪.69 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 57‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫عن املشهور‪ ،‬ووجب باختيارهم العمل بها ملا اقتضته املصلحة‪ ،‬ومستندهم في ذلك‬

‫قول عمربن عبد العزيز‪ :‬تحدث للناس أقضية بقدرما أحدثوا من فجور"‪.102‬‬

‫‪-‬د‪ -‬رفع الخالف الناتج عن تعدد الروايات واألقوال في املذهب‪ ،‬لقد اقتدى‬

‫فقهاء املالكية في هذا الباب باإلمام مالك رض ي هللا عنه‪ ،‬الذي كان إن تعددت األدلة‬

‫لديه وتعارضت فيما بينها لجأ إلى الترجيح بينها بعمل أهل املدينة‪ ،‬مقررا في ذلك‬

‫قاعدة أساسية‪ ،‬وهي "أن الدليل الذي يصحبه عمل أهل املدينة يكون أرجح من‬

‫غيره"‪ .103‬قال ابن شهاب الزهري رحمه هللا‪" :104‬أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا‬

‫حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ناسخه ومنسوخه وكان مالك ملا قدم العمل‬

‫وترك ما سواه انضبط له الناسخ من املنسوخ"‪.105‬‬

‫إن تميز املالكية في االعتماد على ما جرى به العمل في االستنباط‪ ،‬هو جوهر‬

‫عملية االجتهاد التي تقوم على الترجيح بين األدلة وفق تصور أصولي مسبق‪ .‬قال‬

‫العالمة مصطفى بنحمزة‪" :‬وإذا كان املجتهد قد رجح نصا على آخر‪ ،‬وأهمل نصا‬

‫وألغى آخر‪ ،‬فليس في ذلك ش يء مما يمكن أن يقال عنه بأنه إهمال للسنة‪ ،‬و إنما‬

‫األمر توفيق وعمل بترجيح األقوى ال غير"‪ ،106‬وقال الدكتور الجيدي‪" :‬ويعزي بعض‬

‫‪ -102‬مباحث في تاريخ المذهب المالكي بالمغرب‪ .‬ص‪.181 /‬‬


‫‪ -103‬نظرية األخذ بما جرى به العمل في المغرب‪ .‬ص‪.19 /‬‬
‫‪ -104‬محمد بن مسلم بن عبيد بن شهاب الزهري‪ ،‬أبو بكر المدني أحد األئمة األعالم وعالم الحجاز والشام‪ .‬قال عنه‬
‫مالك‪" :‬ما له في الناس نظير"‪ ،‬وهو معدود من صغار التابعين‪ ،‬وهو كذلك من علماء الدين والسياسة معا‪ .‬توفي رحمه‬
‫سنة؛ ‪ 124‬هـ‪ .‬الوافي بالوفيات‪ ،‬لصالح الدين خليل بن أيبك الصفدي‪ .‬تحقيق واعتناء؛ أحمد األرناؤوط‪ ،‬وتركي‬
‫مصطفى‪ .‬ط‪1420 .1 /‬هـ‪2000 /‬م‪ .‬دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع‪-‬بيروت‪-‬لبنان‪ .‬ج‪ .5/‬ص‪-17 /‬‬
‫‪.19‬‬
‫‪ -105‬شخصية الفقه المالكي‪ ،‬فهم عميق للكتاب والسنة وحماية لعقيدة األمة‪ ،‬للدكتور مصطفى بنحمزة‪ .‬ط‪1425 .1 /‬هـ‪/‬‬
‫‪2004‬م‪ .‬مكتبة الطالب‪-‬وجدة‪ .‬ص‪.61 /‬‬
‫‪ -106‬شخصية الفقه المالكي‪ .‬ص‪.65 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 58‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫العلماء السبب في قيام العمل إلى أن فقهاء املالكية ملا سجنوا أنفسهم داخل مذهب‬

‫واحد ال يتعدونه واجهتهم مشكلة تعدد األقوال في املذهب الواحد‪ ،‬فحاولوا التغلب‬

‫عليها باعتماد القول الراجح واملشهور‪ ،‬ولكن هذا الراجح واملشهورقد يعارضه مرجح‬

‫آخر‪ ،‬كأن يكون فيه حرج ومشقة على الناس‪ ،‬أو يخالف أعر افهم أو ما اعتادوه‪،‬‬

‫فيلجأ الفقهاء ملخالفة املشهور أو الراجح‪ ،‬ويستندون إلى قول آخر ضعيف فيصبح‬

‫بجريان العمل به أقوى من الراجح أو املشهور‪ ،‬وهي حيلة بارعة لجأوا إليها للتخفيف‬

‫من وطأة كثرة تضارب اآلراء الفقهية في مسائل الفروع"‪.107‬‬

‫‪ -3-‬شروط إثبات ما جرى به العمل‪.‬‬

‫ملا كان األخذ بما جرى به العمل من األمور املختلف فيها بين علماء الشريعة‪،‬‬

‫وكانت الكفة الغالبة هي كفة القائلين بضرورة األخذ به‪ ،‬نظرا لحاجة الناس إليه‪،‬‬

‫خصوصا ملا تعقدت مشاكل الحياة‪ ،‬وظهرت مسائل ونوازل لم تكن معهودة من قبل‪،‬‬

‫وخوفا من وقوع االنزالق في أحكام الشريعة اإلسالمية بدعوى ما جرى به العمل‪،‬‬

‫فإن علماء الشريعة األجالء اشترطوا شروطا دقيقة لقبول األخذ بالعمل في القضاء‬

‫واإلفتاء‪ ،‬ومن تلك الشروط‪:108‬‬

‫‪-‬أ‪ -‬التأكد من صدور العمل عن صاحبه‪ ،‬وذلك سدا لألبواب على كل أفاك‬

‫كذاب‪ ،‬أو مغرض متالعب بشرع هللا‪ ،‬ال سيما وأن العمل أضحى في بعض األحيان‬

‫‪ -107‬مباحث في المذهب المالكي بالمغرب‪ .‬ص‪.182-181 /‬‬


‫‪ -108‬ي نظر ذلك إجماال في؛ تحفة أكياس الناس‪ ،‬وما جرى به العمل‪ ،‬نموذج من تراثنا القضائي‪ ،‬دس حسني‪ ،‬للدكتور‬
‫عبد الكبير العلوي المدغري‪ .‬رمضان ‪1416‬هـ‪1996 /‬م‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 59‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫سالحا يضرب به في صدر األدلة‪ ،‬فمتى حصل شك في ذلك قدم العمل بالراجح أو‬

‫املشهور‪.109‬‬

‫‪-‬ب‪ -‬أن يكون صادرا من األئمة املقتدى بهم‪ ،‬إن العمل ملا كان فرعا عن شجرة‬

‫االجتهاد اشترط الفقهاء في إثباته؛ أن يكون صادرا عن أئمة مقتدى بهم في العلم‬

‫والحال‪ ،‬ومن قصر عن مدارك االختيار و افتقر إلى آلة الترجيح فباب العمل دونه‬

‫مسدود‪ ،‬وهو عنه بمعزل‪ ،‬إذ ال يتاح تقديم العمل على املشهورأو الراجح إال بموجب‬

‫شرعي يرجع تقديره إلى املجتهد‪ ،‬ذلك أنه ملا كان تقديم الضعيف أوالشاذ على الراجح‬

‫أواملشهورعملية اجتهادية تقوم على تحقيق مصلحة ما‪ ،‬أودرء مفسدة ما‪ ،‬أوإعمال‬

‫دليل ما‪ ،‬اشترط علماء املالكية أن يكون من يقوم بهذا العمل من مجتهدي الفتوى‬

‫والترجيح على األقل‪.110‬‬

‫‪-‬ج‪ -‬معرفة زمان العمل ومكانه‪ ،‬ألن ما ثبت جريان العمل به‪ ،‬ربما يكون‬

‫مقصورا على زمان ومكان معينين‪ ،‬لخصوصية استوجبت ذلك فيهما‪ ،‬لذا اشترطت‬

‫معرفة السبب الذي أوجب ذلك‪ ،‬ألنه األساس الذي يقوم عليه العمل‪ ،‬بحيث إذا‬

‫انعدم السبب انعدم معه العمل ال محالة‪ ،‬وما يالئم الناس في زمان ومكان معين قد‬

‫ال يالئمهم في غيره‪ ،‬يقول الدكتورقطب سانو‪" :‬فإنه من الواجب املحتوم على املفتي‬

‫أن يراعي العادات والتقاليد واألعراف الصحيحة السائدة عند إرادته اإلفتاء في‬

‫‪ -109‬يراجع تفصيل ذلك في؛ رفع العتاب والمالم عمن قال العمل بالضعيف اختيار حرام‪ ،‬للشريف محمد بن قاسم القادري‬
‫الفاسي‪ .‬ط‪ ،1 /‬دون تاريخ‪ .‬ص‪.8 /‬‬
‫‪ -110‬صناعة الفتوى وفقه األقليات‪ .‬ص‪.119 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 60‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املسائل ذات الصلة والعالقة بهذا الجانب‪ ،‬وال يجوزتجاهلها‪ ،‬أوتغافلها‪ ،‬كما ال يليق‬

‫به االستخفاف بها‪ ،‬أو القفزعليها"‪.111‬‬

‫‪-‬د‪ -‬أن يكون العمل جاريا على قواعد الشرع‪ ،‬إن العمل وإن كان ناكبا عن سنن‬

‫الراجح أواملشهوروعليهما املعول في الحكم والفتيا‪ ،‬فمن الشروط املرعية في إعماله؛‬

‫الجري على قواعد الشرع‪ ،‬واملراد بذلك؛ القواعد الشرعية الكلية‪ ،‬وأصول‬

‫االستنباط‪ ،112‬وقد نص على ذلك جمع غفير من العلماء‪ ،‬منهم الشيخ ميارة‪ 113‬في‬

‫شرحه لالمية الزقاق‪ ،114‬ومرادهم أن يكون العمل مبنيا على جلب مصلحة‪ ،‬أو دفع‬

‫مفسدة‪ ،‬أو مراعاة ضرورة‪ ،‬ذلك أن العمل ال يقدم على املشهور عند التزاحم إال‬

‫بااللتفات إلى املدرك الذي تقوى به‪ ،‬وإال كان زورا من القول وضربا من الهوى‬

‫والتشهي‪ .‬قال الدكتور العسري‪" :‬إال أن الفقهاء الذين بحثوا في شروط العمل لم‬

‫يوجبوا أن يكون الدليل املستند إليه في العمل دليال معينا خاصا‪ ،‬بل اكتفوا بالدليل‬

‫العام‪ ،‬وروح الشريعة اإلسالمية ومقاصدها"‪.115‬‬

‫‪-‬هـ‪ -‬معرفة موجب العدول عن املشهور‪ ،‬هل هو املصلحة الراجحة أو الضرورة‬

‫امللجئة أم حسم وسائل الفساد؟‪ ،‬وذلك حتى إذا زال املوجب عاد الحكم إلى أصله‪،‬‬

‫ألن العلة تدورمع املعلول وجودا وعدما كما قرراألصوليون‪ .‬يقول العالمة الحجوي‪:‬‬

‫‪ -111‬صناعة الفتوى المعاصرة؛ قراءة هادئة في أدواتها‪ ،‬وآدابها‪ ،‬وضوابطها‪ ،‬وتنظيمها في ضوء الواقع المعاصر‪،‬‬
‫لألستاذ قطب مصطفى سانو‪ .‬ط‪1434 .1 /‬هـ‪2013 /‬م‪ .‬دون مكان الطبع‪ .‬ص‪.129 /‬‬
‫‪ -112‬صناعة الفتوى وفقه األقليات‪ .‬ص‪.118 /‬‬
‫‪ -113‬هو أبو عبد محمد بن أحمد الشهير بميارة‪ ،‬الفاسي دارا وقرارا‪ ،‬ألف كتبا مفيدة كشرحيه على المرشد المعين‪،‬‬
‫وشرح التحفة البن عاصم‪ ،‬والمية الزقاق‪ ،‬واختصار شرح الحطاب على المختصر‪ .‬وتآليفه محررة سهلة مقبولة لدى‬
‫الفكر العام وغيره‪ .‬توفي رحمه سنة؛ ‪1072‬هـ‪ .‬الفكر السامي‪ ،‬للحجوي‪ .‬ج‪ .2 /‬ص‪.611 /‬‬
‫‪ -114‬المسمى فتح العليم الخالق في شرح المية الزقاق‪ .‬ص‪.446 /‬‬
‫‪ - 115‬نظرية األخذ بما جرى به العمل‪ .‬ص‪.177 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 61‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫"فعلم أن القاض ي أو املفتي ال يجوزله االسترسال في اإلفتاء بما به العمل‪ ،‬ويظن أنه‬

‫مؤبد‪ ،‬بل هو مؤقت ما دامت املصلحة أو املفسدة التي ألجلها خولف املشهور‪ ،‬فإذا‬

‫ذهبت رجع الحكم باملشهور‪ ،‬ألنه واجب واالنتقال عنه رخصة للضرورة‪ ،‬فإذا زالت‬

‫الضرورة ذهبت الرخصة كالتيمم لعدم املاء"‪.116‬‬

‫ومعرفة املوجب تراعى كذلك حتى نعرف مستند القول الذي جرى به العمل‪،‬‬

‫هل يقوى إلى مرتبة إجراء العمل أم ال؟‪ ،‬ألن العمل إذا كان مستنده شديد الضعف‬

‫ال عبرة به‪ ،‬وذلك مثل؛ جريان العمل بترك اللعان وحرمان الزوج منه‪ ،‬مع العلم أن‬

‫النص القرآني صريح في اللعان والعمل به‪.‬‬

‫‪-‬و‪ -‬أن يتابع القضاة واملفتون املشهود لهم بالكفاءة والعلم هذا القاض ي أو‬

‫املفتي على الحكم الذي أجرى فيه العمل‪ ،‬إن الذي يجري العمل ملا تعرض عليه‬

‫مسألة أو نازلة‪ ،‬ال يخلو أمره من حالين‪:‬‬

‫* إما أن يكون من أهل الترجيح والعلم والنظرواالختياربين األقوال املتعارضة‪.‬‬

‫* وإما أن يكون مقلدا ال قدرة له على الترجيح وال على االختيار بين األقوال‬

‫املتعارضة‪.‬‬

‫‪ - 116‬الفكر السامي‪ .‬ج‪ .2 /‬ص‪.712 /‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 62‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وإذا كان من أهل الترجيح ومن لهم أهلية االختيار‪ ،‬واختارللخروج من اإلشكال‬

‫الذي وقع فيه أن يعمل بالقول الضعيف ويترك القول املشهورالراجح‪ ،‬فإن حاله ال‬

‫يخلو من أمرين‪:‬‬

‫* إما أن يرفض القضاة واملفتون متابعته على هذا الحكم‪ ،‬ويبقى حكمه فرديا‬

‫ال عبرة به‪.‬‬

‫* وإما أن يختاروا متابعته عليه‪ ،‬فيتواردون على نفس االجتهاد الذي قام به‬

‫وعلى ترك املشهور والراجح واألخذ بالقول الضعيف‪ ،‬وهنا ينشأ األصل املعتبر لدى‬

‫متأخري املالكية في حواضرالغرب اإلسالمي‪ ،‬أال وهو ما جرى به العمل‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أثر ما جرى به العمل يف النهوض بالقضاء يف‬


‫املذهب املالكي‪.‬‬
‫إن ما جرى به العمل نظرية تزخربإمكانات اجتهادية قمينة باالستثمار‪ ،‬وقد كان‬

‫لها أثر واضح في النهوض بفقه القضاء عموما‪ ،‬وبفقه القضاء في املذهب املالكي‬

‫خصوصا‪ ،‬ألن لها صلة وثقى بمدارك االجتهاد وتطويرها‪ ،‬وفتح باب إعمالها‪ ،‬وبذلك‬

‫يتضح أن اإلنكار على ما جرى به العمل‪ ،‬بأنه ال يجوز االحتجاج بالقول الضعيف أو‬

‫الشاذ في أي حال من األحوال غير مسلم‪ ،‬ألن إجراء العمل ال يكون اعتدادا بالقول‬

‫نفسه‪ ،‬و إنما باملدارك التي اعتضد بها كاملصلحة‪ ،‬أو العرف‪ ،‬أو الحاجة‪ ،‬وهي كلها‬

‫أصول وقواعد محكمة في مذاهب الفقهاء وفتاوى العلماء بما ال يحتاج إلى تقرير‪،‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 63‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فضال عن نصب برهان‪ ،‬ومن تم يترقى القول الضعيف املفتى به من رتبة الرد إلى رتبة‬

‫االحتجاج‪ ،‬التفاتا إلى املدرك الصحيح الذي جبرالوهن وقوى الضعيف‪.‬‬

‫وال شك أن استفادة القاض ي املالكي من فقه ما جرى به العمل‪ ،‬مع التقيد‬

‫بالضوابط الشرعية املشارإليها في هذا البحث‪ ،‬يعود على القضاء في املذهب املالكي‬

‫–كما قال الدكتورقطب الريسوني‪ -‬بعوائد الخيرمن ثالثة وجوه‪:117‬‬

‫‪ -1-‬ارتياد القاض ي املالكي آلفاق البحث والنظر‪ ،‬وتمرسه على طرائق املوازنة‬

‫والترجيح والتغليب‪ ،‬وخروجه أو تخلصه من وهدة الجمود على تركة املذهب‪،‬‬

‫والتعصب للمشهوراملسطورفيه‪ ،‬رغم بعد مالئمته لحاجات الوقت وظروف العصر‪.‬‬

‫‪ -2-‬إمداد القاض ي بآلة االجتهاد املآلي؛ ذلك أن حياده عن املشهور قد يكون في‬

‫بعض األحيان التفاتا إلى خصوصية الزمان‪ ،‬وخصوصية املكان‪ ،‬باعتبارهما وعاءين‬

‫مؤثرين في الحكم املراد تنزيله على الو اقع‪ ،‬واعتدادا بثمرة هذا الحكم الذي ال بد أ‬

‫ن يثمرمقصده عند التنزيل‪ ،‬بعيدا عن أسباب التعطيل واالنطماس‪ ،‬و أكثرما يتجلى‬

‫هذا النظر املآلي الراشد في تلكم املواضع التي يجري فيها األخذ بالعمل درءا ملفسدة‬

‫راجحة‪.‬‬

‫‪ -117‬ما جرى به العمل في الفقه المالكي "نظرية في الميزان"‪ ،‬للدكتور قطب الريسوني‪ .‬مجلة العدل‪ .‬العدد‪ .43 /‬رجب‬
‫‪1430‬هـ‪ .‬ص‪ ،44 /‬وما بعدها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 64‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -3-‬تطوير املذهب الفقهي الذي يدين به القاض ي نفسه‪ ،‬عن طريق تأصيل‬

‫فقهي عملي يعتد بتغيرات الو اقع‪ ،‬ويراعي أعراف الناس‪ ،‬ويلتفت إلى مآالت األمور‪،‬‬

‫وهذا كله صنيع اجتهادي محمود جارعلى مقاصد الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫والحقيقة فإن القاض ي املجتهد في إطار فقه العمل‪ ،‬املوازن بين كفتي املصالح‬

‫واملفاسد‪ ،‬يتعاطى صنعة االجتهاد من جهتين؛‬

‫* األولى فهم املراد اإللهي من الوحي أحكاما ومقاصد استهداء بأدوات االستنباط‬

‫ومناهج االستدالل‪.‬‬

‫* والثانية‪ ،‬فهم مواز للفهم األول‪ ،‬وهو الفقه في الو اقع اإلنساني املتغير املنزل‬

‫عليه‪ ،‬وإدراك عالئقه املتشابكة‪ ،‬وسماته املعقدة‪ ،‬و أبعاده الغنية‪.‬‬

‫وبالفقهين معا؛ فقه النص‪ ،‬وفقه الو اقع تتمتن عرى الوصل‪ ،‬ووشائج القربى‪،‬‬

‫بين وحي السماء وو اقع األرض‪ ،‬فتغدو حياة الناس منفعلة بتعاليم الوحي‪ ،‬ومتشربة‬

‫ملقاصده‪ ،‬ويشق الوحي مجراه نحو الحضور الفعلي في الو اقع‪ ،‬بقصد تكييفه وفق‬

‫إلزاماته املتمحضة للخيرفي العاجل واآلجل‪.‬‬

‫وغير خاف على ذي بصيرة أن باب االجتهاد ملا أوصد بدعوى فقدان آلته وتعذر‬

‫شروطه‪ ،‬وسد ذريعة التطاول عليه‪ ،‬فتح الفقهاء املالكية بابا آخر هو ما جرى به‬

‫العمل‪ ،‬لتتأتى للفقيه مدارجة مستجدات عصره‪ ،‬والتدلي إلى أسباب و اقعه‪ ،‬وكان‬

‫الخيار األنسب في معترك املتغيرات؛ تقوية األقوال الضعيفة املهجورة بمدارك‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 65‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ناهضة ليصبح لها حظ من النظر واالعتبار‪ ،‬ويبقى العمل مستمرا وجاريا بهذه‬

‫األقوال ما دام موجبها قائما ومدركها ناهضا‪ ،‬فإن زال لعارض جديد عاد الحكم إلى‬

‫الراجح أو املشهورلدوران الحكم مع علته‪ ،‬وارتباط املصلحة بموجبها‪.‬‬

‫خامتة‪.‬‬

‫وبعد ختام هذا البحث الذي ناقش موضوع؛ ما جرى به العمل و أثره في‬

‫النهوض بالقضاء في املذهب املالكي‪ ،‬يطيب لي أن أختمه بالنتائج التالية‪:‬‬

‫‪ -1-‬إن من دواعي تجديد فقه القضاء‪ ،‬والرقي به إلى مدارج الرشد؛ فتح باب‬

‫االجتهاد فيه على نحو يساير املستجدات ويفقه النوازل ويعرف و اقع الناس‬

‫ومعاشهم‪ ،‬فضال عما يترتب على ذلك في العاجل واآلجل من صيانة الحقوق‬

‫واستقرار حبل العدالة وحماية بيضة الدين‪ ،‬وما انحط قضاء إال بانحطاط رجاله‪،‬‬

‫فكان أمرها في ذهاب وإدبار‪ ،‬وإذا كان هذا االنحطاط يعزى إلى بواعث شتى فإن‬

‫أكثرها تسلطا على النفس‪ ،‬وتصرفا في الفكر؛ اإلغراق في التقليد والجمود على‬

‫مسطور املذهب وإن قامت الحجج الناهضة على مجافاته ملقتض ى الشرع وتنكبه‬

‫عن جادة السنة‪.‬‬

‫‪ -2-‬فقهاء املالكية في الغرب اإلسالمي "األندلس واملغرب األقص ى" لهم يد‬

‫صالحة و أثرحسن في تجديد وتطويرفقه القضاء والنهوض به‪ ،‬بالرغم مما اتسم به‬

‫بعضهم من تعصب وضرب في صور األدلة بآراء واجتهادات قد ال يكون لها سند‬

‫صحيح من صريح النصوص وصحيحها‪ ،‬غير أن الفئة املتبصرة املنصفة منهم كانت‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 66‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫حريصة أشد الحرص و أقواه على أن يكون فقهها موصوال بر افد التجديد وممدودا‬

‫بسبب النماء‪.‬‬

‫‪ -3-‬يعد فقه ما جرى به العمل من املالمح االجتهادية التي تسترعي النظر في‬

‫فقه القضاء املالكي‪ ،‬ومقتضاه؛ العدول عن مشهور املذهب التفاتا إلى مصلحة‬

‫مجتلبة‪ ،‬أو مفسدة مدفوعة أو عرف جار‪ ،‬أو ضرورة ملجئة‪.‬‬

‫‪ -4-‬وبغض النظر عن بعض االنتقادات التي وجهت إلى هذا اللون الفقهي‬

‫"فقه ما جرى به العمل"‪ ،‬فإنه يبقى مع ذلك مجهودا مشكورا في مضمار االجتهاد‬

‫واالستنباط‪ ،‬ومحاولة إيجاد األحكام الشرعية املناسبة للقضايا النازلة بالناس‪ ،‬ألن‬

‫الفقهاء برهنوا من خالله على أنهم قادرون على مجابهة املستجدات واملشكالت‬

‫الو اقعة أو املتوقعة‪ ،‬وأعطوا حلوال للنوازل والقضايا والحقوا من خالله التطور‬

‫البشري والتغير الزماني‪ ،‬كما دللوا في ذات الوقت على أن الفقه املالكي فقه خصب‬

‫وقابل للتطور‪ ،‬نظرا ملرونته وقوة قابليته لالستمرار والبقاء‪ ،‬واستيعابه لكل ما يجد‬

‫على ساحة املعامالت‪ ،‬فهو فقه يعتد بالو اقع‪ ،‬ويأخذ بالعرف والعادات‪ ،‬ويستند إلى‬

‫املصالح املرسلة‪ ،‬وكلها قواعد أساسية في هذا الباب‪ ،‬جعلت هذا اللون من الفقه‬

‫صفة ضرورية وحاجة الزمة للمجتمع ومادة اجتماعية تتأثربما يتأثربه هذا األخير‪.‬‬
‫ً ً‬
‫لعب القرار اإلداري دورا هاما في نشاط اإلدارة‪ ،‬حيث يعتبر قوام عمل اإلدارة‬

‫ونشاطها‪ ،‬ويعرف بأنه " التصرف القانوني الذي تتخذه اإلدارة املختصة بإرادتها‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 67‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املنفردة وامللزمة قصد إحداث أثر قانوني مبتغية في ذلك إنشاء مركز قانوني جديد‪،‬‬

‫أو تعديل‪ ،‬أو إلغاء مركزقانوني قائم‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 68‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األستاذ عبد الغين مستور‬


‫باحث يف قانون األعمال خريج ماسرت‬
‫قانون األعمال ‪ -‬مراكش‬

‫ـ اجلزء األول‪ :‬االستعجال وعدم املساس باجلوهر ـ‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫نظرا لخطورة املهمة امللقاة على كاهل الجهة املكلفة بتحصيل الديون‬

‫الضريبية‪ ،‬فقد خولها املشرع املغربي سلطات واسعة من أجل ضمان تحصيل‬

‫الضرائب واإليرادات الالزمة للنفقات العامة‪ ،‬وبالتالي فإن كل تقاعس عن الدفع‬

‫من طرف الخاضع للضريبة يترتب عنه تعرض حقوق الدولة للخطر املتمثل في‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 69‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تعطيل تنفيذ برامجها التنموية‪ ،118‬وعليه فان مختلف التشريعات تعتبر الدين‬

‫الضريبي واجب األداء الفوري في مقر مصلحة القباضات وفروعها املختلفة‪ ،‬على‬

‫اعتبار أن الدين الضريبي كدين عمومي‪ ،‬على خالف الديون الخاصة‪ ،‬يعتبر دينا‬

‫محموال ال مطلوبا‪.119‬‬

‫غيرأنه قد تقوم منازعات ضريبية بين املدينين الخاضعين للضريبة وبين اإلدارة‬

‫الضريبية بمناسبة قيام هذه األخيرة بإحدى العمليات املتعاقبة التي تشارك في‬

‫تحصيل الضريبة‪ ،‬فمن املعلوم أنه للوصول إلى استخالص ضريبة معينة‪ ،‬البد أوال‬

‫من ربطها وذلك عن طريق توفر الو اقعة املنشئة لها‪ ،‬وتقدير وعائها وتطبيق السعر‬

‫املناسب املنصوص عليه قانونا‪ ،‬وصوال إلى عملية تحصيلها سواء باألداء الطوعي لها‬

‫أو عن طريق األداء الجبري‪ ،‬ذلك أنه في حالة تخلف املدينين عن أداء الضريبة‬

‫املستحقة فإن اإلدارة الضريبية تقوم والحالة هاته باتباع إجراءات املتابعة والتنفيذ‬

‫على أموال املدينين املتخلفين عن األداء بمقتض ى طرق خاصة منصوص عليها‬

‫قانونا‪ ،120‬وبالتالي فإن تنفيذ املحاسبين املكلفين بالتحصيل ملهامهم املختلفة قد‬

‫يؤدي الى خلق منازعات تكون أطر افها اإلدارة من جهة واملدينين الخاضعين‬
‫للضريبة من جهة ثانية‪121.‬‬

‫‪118‬محمد شكيري‪ ،‬قانون رقم ‪ 97-15‬المتعلق بتحصيل الضرائب والديون العمومية – قراءة أولية‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة‬
‫المحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،37‬مارس – ابريل ‪ ،2009‬ص ‪.21‬‬
‫‪119‬الصديق جعوان‪ ،‬إشكالية التهرب الضريبي بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في قانون االعمال‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية – الرباط _ اكدال‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2009/2008‬ص ‪.241‬‬
‫‪120‬وهذه الطرق هي الوارد النص عليها ضمن المادة ‪ 39‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬ويتعلق االمر بكل من اإلنذار والحجز‬
‫والبيع واالكراه البدني‪.‬‬
‫‪121‬حسن العفوي‪ ،‬المنازعات الضريبية امام القضاء بين التأسيس والتحصيل‪ ،‬مقال منشور بمجلة المعيار‪ ،‬العدد ‪ ،36‬دجنبر ‪،2006‬‬
‫ص ‪.85-84‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 70‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وفي هذا اإلطار فإن املدين الخاضع للضريبة ينتابه إحساس بضعف موقفه‬

‫اتجاه اإلدارة الضريبية‪ ،‬ليصبح في وضع املشتكي أو املتظلم أو املدعي املطالب برفع‬

‫الضرر عنه‪ ،‬وتصحيح وضعيته الضريبية‪ ،‬الش يء الذي تبقى معه إشكالية البحث‬

‫عن التوازن بين الحقوق املالية للدولة وحقوق الخاضعين للضريبة مطروحة سواء‬

‫على مستوى مشروع القانون الضريبي‪ ،‬أو على مستوى القضاء بمناسبة نظره في‬

‫املنازعات الناشئة بين اإلدارة الضريبية والخاضع للضريبة‪ .‬وقد خول املشرع املغربي‬

‫في هذا الشأن للمدينين لإلدارة الضريبية بعرض نزاعاتهم أمام اللجان املحلية لتقدير‬

‫الضريبة واللجنة الوطنية للنظر في الطعون املتعلقة بالضريبة وكذا أمام القضاء‪،‬‬

‫وهو األمر الذي يفتح املجال أمامهم من اجل اللجوء إلى قاض ي األمور املستعجلة‬

‫الستصدارأمريقض ي باإليقاف املؤقت إلجراءات استخالص الديون الضريبية‪.‬‬

‫ويعتبر نظام القضاء االستعجالي بصفة عامة – والقضاء االستعجالي اإلداري‬

‫بصفة خاصة – "من األنظمة القضائية األساسية التي وقع بها االهتمام من طرف‬

‫املشرع والقضاء والفقه على حد سواء‪ ،‬فهوموضوع من املواضيع الهامة التي اعتنت‬

‫بها قوانين اإلجراءات ملختلف الدول‪ ،‬ومرتع خصب لرجال الفقه فتدفقت فيه‬

‫اقالمهم بغزارة وسخاء‪ ،‬وكان موضوع مساجالت حادة أمام منصات القضاء‪ ،‬فدارت‬

‫حوله مر افعات املحامين‪ ،‬وتناولته أحكام القضاة بالتحليل املستفيض‪ ،‬فكان‬

‫محط اختالف شديد من هذا البلد إلى ذاك‪ ،‬فهو ال يقل أهمية من القضاء العادي‬

‫إن لم يكن أكثر أهمية منه‪ ،‬وجاءت قواعده أكثر صعوبة وخطورة من قواعد هذا‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 71‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫القضاء‪ ،‬فضال عن دقته‪ ،‬ودقته تكمن في امللكة القانونية الهائلة التي يجب أن تتوفر‬

‫في القاض ي الذي يسند اليه الفصل في القضايا االستعجالية‪ ،‬فيمكن القول‪ ،‬عن‬

‫صواب‪ ،‬إن القضاء املستعجل بمثابة اإلسعافات األولية التي تقدم للمريض والذي‬

‫يوجد في حالة خطيرة جدا‪ ،‬قبل ممارسة الفحوص الطبية عليه أو إجراء عملية‬
‫جراحية عليه"‪122 .‬‬

‫ووعيا منه بما للقضاء االستعجالي من اهمية في هذا اإلطار‪ ،‬فإن املشرع املغربي‬

‫وكباقي مشرعي الدول األخرى‪ ،‬أفرد لهذا النظام قسما خاصا وهو القسم الرابع من‬

‫قانون املسطرة املدنية باإلضافة إلى املادة ‪19‬من القانون رقم ‪ 90-41‬املحدث‬

‫للمحاكم اإلدارية والتي تمنح هذا االختصاص لرؤسائها لتطبيق القواعد العامة‬

‫املتعلقة بقضاء األمور املستعجلة وذلك بمقتض ى اإلحالة الواردة في املادة السابعة‬

‫من نفس القانون‪ ،‬وال ننس ى كذلك املادة السادسة من القانون رقم ‪ 03-80‬املحدثة‬

‫بموجبه محاكم استئناف إدارية والتي تمنح هذا االختصاص للرؤساء االولين لهذه‬

‫املحاكم‪.‬‬

‫ومادامت املنازعة الضريبية تدخل في صميم والية القضاء الشامل للمحاكم‬

‫اإلدارية‪ ،‬فإن رئيس املحكمة اإلدارية بصفته قاضيا للمستعجالت يكون مختصا‬

‫‪ 122‬عبد هللا درميش‪ ،‬موقع القضاء المستعجل من القضاء بصفة عامة‪ .‬مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،41‬يناير – فبراير‬
‫‪ ،1986‬ص ‪.10‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 72‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫للنظرفي جميع الطلبات الوقتية والتحفظية التي ترفع في شأنها بناء على احكام املادة‬

‫‪ 19‬آنفة الذكر‪.‬‬

‫فبالرجوع إلى القانون رقم ‪ 90-41‬املحدثة بموجبه محاكم إدارية نجده يسند في‬

‫املادة ‪ 19‬منه االختصاص لرئيس املحكمة اإلدارية باعتباره قاضيا لألموراملستعجلة‬

‫واألوامر القضائية للبت في الطلبات الوقتية والتحفظية‪ ،‬دون أن يشير ال من قريب‬

‫وال من بعيد للشروط التي يتعين تو افرها في الطلب لكي ينعقد االختصاص لقاض ي‬

‫املستعجالت‪ ،‬غير أن هذا النقص الذي اعترى الفصل ‪ 19‬أعاله‪ ،‬قد تداركه املشرع‬

‫املغربي في نص سابق وذلك عندما أحال بمقتض ى املادة السابعة من نفس القانون‬

‫على مقتضيات قانون املسطرة املدنية والتي تكون هي الواجبة التطبيق أمام املحاكم‬

‫اإلدارية ما لم يوجد مقتض ى مخالف‪.‬‬

‫وبرجوعنا إلى قانون املسطرة املدنية املحال عليه بمقتض ى القانون ‪90-41‬‬

‫أعاله‪ ،‬نجده ينص في الفقرة األولى من الفصل ‪ 149‬منه على أن رئيس املحكمة‬

‫االبتدائية يختص وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجالت كلما تو افر عنصر‬

‫االستعجال في الصعوبات املتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو األمر‬

‫بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل‬

‫على املحكمة أم ال‪ ،‬باإلضافة إلى الحاالت املشار إليها في الفصل ‪ 148‬من نفس‬

‫القانون والتي يمكن لرئيس املحكمة االبتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 73‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫للمستعجالت‪ .‬كما ينص الفصل ‪ 152‬من نفس القانون على أن األوامراالستعجالية‬

‫ال تبت إال في اإلجراءات الوقتية وال تمس بما يمكن أن يقض ى به في الجوهر‪.‬‬

‫فمن خالل الفصلين ‪ 149‬و‪ 152‬اعاله‪ ،‬يتضح بأن قاض ي األمور املستعجلة في‬

‫املادة الضريبية ال ينعقد له االختصاص إال بتو افر شرطين جوهريين‪ ،‬ويتعلق األمر‬

‫بكل من شرط االستعجال وشرط عدم املساس بأصل الحق‪ ،‬وعليه سنتولى من‬

‫خالل هذا العمل املتواضع الحديث أوال على عنصر االستعجال في (املبحث األول)‪،‬‬

‫وذلك قبل ان نعرض لشرط عدم املساس بالجوهرفي (املبحث الثاني)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬عنصر االستعجال‬

‫يعتبرعنصراالستعجال من الشروط األساسية لقبول طلب الخاضع للضريبة‬

‫املتعلق بوقف تنفيذ إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي أمام قاض ي األمور‬

‫املستعجلة‪ ،‬وذلك بالنظر للخطر الحقيقي الذي يحدق بالحق املراد املحافظة عليه‬

‫إذا ما بوشرت إجراءات التحصيل الجبري في حق الخاضع للضريبة من قبل‬

‫املحاسب املكلف بالتحصيل‪.‬‬

‫وعليه ال يستقيم اختصاص قاض ي األموراملستعجلة للنظرفي الطلبات الوقتية‬

‫إال بتو افر هذا الشرط‪ ،‬ذلك أن املشرع املغربي قد أشار إلى شرط االستعجال هذا‬

‫بمقتض ى الفصل ‪ 149‬من قانون املسطرة املدنية الذي ينص في فقرته األولى على أنه‬

‫"يختص رئيس املحكمة االبتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجالت كلما‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 74‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫توفر عنصر االستعجال في الصعوبات املتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو‬

‫األمر بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد‬

‫أحيل على املحكمة أم ال‪ ،‬باإلضافة إلى الحاالت املشار إليها في الفصل السابق والتي‬

‫يمكن لرئيس املحكمة االبتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا للمستعجالت‪."...‬‬

‫وقد أحالت املادة السابعة من القانون املحدث للمحاكم اإلدارية بصفة‬

‫صريحة على مقتضيات الفصل ‪ 149‬أعاله‪ ،‬وذلك حينما نصت على انه "تطبق أمام‬

‫املحاكم اإلدارية القواعد املقررة في قانون املسطرة املدنية ما لم ينص قانون على‬

‫خالف ذلك"‪.‬‬

‫ولن تستقيم دراسة عنصر االستعجال إال بعد تناول مفهومه والقيام بتمييزه‬

‫عن املفاهيم األخرى املشابهة له (املطلب االول)‪ ،‬هذا باإلضافة إلى محاولة الوقوف‬

‫على طبيعة االستعجال املنصوص عليه في الفصل ‪ 149‬سالف الذكر مع تحديد‬

‫شروطه (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم االستعجال ومتييزه عما يشبهه‬

‫سنتولى من خالل هذا املطلب تحديد مفهوم االستعجال باعتباره مناط‬

‫اختصاص قاض ي األمور املستعجلة في املادة الضريبية (الفقرة االولى)‪ ،‬وذلك قبل‬

‫محاولتنا التمييزبين هذا املفهوم وباقي املفاهيم األخرى املشابهة له (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 75‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقرة االوىل‪ :‬مفهوم االستعجال‬

‫أوال‪ :‬تعريف االستعجال‬

‫لم يعن املشرع املغربي بإعطاء تعريف لعنصر االستعجال او حتى تبيان املعايير‬

‫التي تمكن من تحديده‪ ،‬بل اكتفى باإلشارة إلى هذا العنصر في الفصول من ‪ 149‬الى‬

‫‪ 153‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،‬كما اشارإليه كذلك بصيغة غيرصريحة في القانون‬

‫رقم ‪ 95-53‬املحدث للمحاكم التجارية‪ ،‬والذي تنص املادة ‪ 21‬منه على ما يلي‪:‬‬

‫"يمكن لرئيس املحكمة التجارية بصفته قاضيا لألمور املستعجلة وفي حدود‬

‫اختصاص املحكمة ان يأمربكل التدابير التي ال تمس أية منازعة جدية‪.‬‬

‫إذا كان النزاع معروضا على محكمة االستئناف التجارية‪ ،‬مارس هذه املهام‬

‫رئيسها األول‪.‬‬

‫يمكن لرئيس املحكمة التجارية ضمن نفس النطاق – رغم وجود منازعة جدية‬

‫– ان يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال‬

‫او لوضع حد الضطراب ثبت جليا أنه غير مشروع"‪ .‬أما على مستوى املادة االدارية‬

‫فقد منحت املادة ‪ 19‬من القانون رقم ‪ 90-41‬املحدث للمحاكم اإلدارية لرئيس‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 76‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املحكمة اإلدارية صالحيات للبت في الطلبات الوقتية والتحفظية كلما كانت املحكمة‬

‫اإلدارية مختصة بالنظرفي اصل النزاع‪.123‬‬

‫وعلى خالف املشرع املغربي‪ ،‬فقد فضلت بعض التشريعات املقارنة تعريف‬

‫عنصر االستعجال‪ ،‬كاملشرع الفرنس ي الذي عرفه في املادة ‪ 484‬من قانون املسطرة‬

‫املدنية الفرنس ي‪ ،‬واملشرع السوري الذي عرفه في املادة ‪ 7/78‬من اصول املحاكمات‬

‫السورية‪ ،‬إضافة إلى التشريع املصري الذي عرف االستعجال في املادة ‪ 45‬من قانون‬

‫املر افعات املدنية والتجارية املصري لسنة ‪ 1968‬والتي جاء فيها ما يلي‪" :‬ينتدب في‬

‫مقراملحكمة االبتدائية قاض من قضاتها ليحكم بصفة مؤقتة وعدم املساس بالحق‬

‫في املسائل املستعجلة التي يخش ى عليها من فوات الوقت"‪.‬‬

‫وأمام عدم وجود تعريف تشريعي لعنصر االستعجال في القانون املغربي‪ ،‬فقد‬

‫تولى الفقه هذه املهمة‪ ،‬إذ عرفه أحد الفقهاء بأنه "الحالة التي يخش ى فيها من ضياع‬

‫الوقت في مسألة تتصف بصفة االستعجال معروضة أمام القضاء"‪ ،124‬في حين‬

‫عرفه آخربأنه "حالة من الحاالت تقتض ي تدبيرا فوريا يخش ى إن لم يتخذ هذا التدبير‬

‫حدوث ضرر ال يمكن تداركه في املستقبل"‪ ،125‬بل هناك من عرفه بكونه "قيام خطر‬

‫حقيقي يخش ى فوات الوقت وحدوث ضرر ال يمكن تالفيه إذا رجع املدعي لدرئه إلى‬

‫‪ 123‬حلمي نفطاطة وسمير نور‪ ،‬ايقاف تنفيذ اجراءات التحصيل على ضوء العمل القضائي والتشريع الضريبي‪ ،‬مقال منشور بدفاتر‬
‫المجلس االعلى‪ ،‬عدد ‪ ،16‬سنة ‪ ،2011‬اعمال الندوة الوطنية حول موضوع "االشكاالت القانونية والعملية في المجال الضريبي"‪ ،‬ص‬
‫‪.346‬‬
‫‪ 124‬يونس معاطا‪ ،‬المنازعات في تحصيل الديون الضريبية بالمغرب‪ ،‬السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية‪ ،‬العدد االول‪ ،‬يناير‬
‫‪ ،2012‬الطبعة االولى ‪ ،2012‬طوب بريس الرباط‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ 125‬عبد هللا الشرقاوي‪ ،‬صعوبة تنفيذ االحكام والقرارات‪ ،‬مقال منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ 17 ،128‬يوليوز ‪ ،1978‬ص ‪-30‬‬
‫‪.31‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 77‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫القضاء العادي‪ ،‬وطبقت لذلك املسطرة العادية من استدعاء الخصوم أمام‬

‫املحكمة والتحقيق وإصدار األحكام وسلوك طرق الطعن العادية بشأنها"‪ .126‬ويكاد‬

‫الفقه يجمع على تعريف موحد لعنصر االستعجال وهو أن املقصود منه هو ذلك‬

‫الخطرالحقيقي الذي يحدق بالحق املراد حمايته واملحافظة عليه‪ ،‬هذا الخطرالذي‬

‫يلزم درؤه عنه بسرعة ال تكون عادة أمام القضاء العادي ولو قصرت مدد التقاض ي‬

‫أمامه‪.127‬‬

‫وفي إطارتحديدها ملفهوم القضاء املستعجل بصفة عامة‪ ،‬جاء في منشورلوزارة‬

‫بأن القضاء املستعجل هو مسطرة مختصرة تمكن األطراف في حالة‬ ‫العدل‪128‬‬

‫االستعجال من الحصول على قرارقضائي في حين معجل التنفيذ في نوع من القضايا‬

‫ال يسمح بتأخيرالبت فيها دون أن تسبب ضررا محققا‪.‬‬

‫وعلى مستوى املادة الجبائية‪ ،‬يقصد بمفهوم االستعجال " الحالة التي يرى فيها‬

‫طالب اإليقاف أن مباشرة إجراءات الضريبة في مواجهته من شأنه أن يتسبب له أو‬

‫ملقاولته في أضراروخيمة قد يصعب تدارك نتائجها في املستقبل"‪.129‬‬

‫‪ 126‬عبد اللطيف هداية هللا‪ ،‬القضاء المستعجل في القانون المغربي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،1998‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 127‬عبد الكريم الطالب‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية‪ ،‬طبعة ابريل ‪ ،2013‬ص ‪102‬؛‬
‫كريم لحرش‪ ،‬المنازعات الضريبية في القانون المغربي‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،2013‬مطبعة طوب بريس‪-‬الرباط ‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫محمد منقار بنيس‪ ،‬القضاء االستعجالي‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪-‬الرباط‪ ،‬طبعة ‪ ،1998‬ص ‪51-50‬؛‬
‫سعيد العمري‪ ،‬إيقاف تنفيذ الديون العمومية امام القضاء اإلداري االستعجالي‪ ،‬دار نشر المعرفة –الرباط‪-‬المغرب‪ ،‬مطبعة المعارف‬
‫الجديدة‪-‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2013‬ص ‪73‬؛‬
‫علي احنين‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫‪ 128‬منشور رقم ‪ 283‬بتاريخ ‪ ،1966/3/2‬منشور بمجلة الملحق القضائي عدد ‪ ،8-7‬بتاريخ فبراير ‪.1983‬‬
‫‪ 129‬حسن العفوي‪ ،‬المنازعة الضريبية امام القضاء بين التأسيس والتحصيل‪ ،‬مقال منشور بمجلة المعيار‪ ،‬العدد ‪ ،36‬دجنبر ‪ ،2006‬ص‬
‫‪.120‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 78‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وقد جاء في حيثيات أمرصادرعن رئيس املحكمة اإلدارية بالدارالبيضاء ما يلي‪:‬‬

‫" وحيث إنه وبعد االطالع على ظاهروثائق امللف تبين لنا تخلف شرط جوهري ينعقد‬

‫بمقتضاه االختصاص للقاض ي االستعجالي للبت في الطلب وهوضرورة تو افرعنصر‬

‫االستعجال املعرف بكونه (الخطر الحقيقي املحدق بالحق املراد املحافظة عليه‬

‫والذي يلزم درؤه عنه بسرعة) ويبقى التحقق من تو افره أمر تقديري متروك‬

‫للقاض ي"‪ ،130‬كما عرفه أمر آخر عندما ذهب إلى أن عنصر االستعجال يتجلى في‬

‫مفهوم الضررالذي يصعب تدارك نتائجه بعد التنفيذ‪ ،131‬وهو نفس التعريف الذي‬

‫تواترت عليه االوامرالقضائية‪ .132‬ونقرأ في أمرآخرصادرعن رئيس املحكمة اإلدارية‬

‫بمراكش "وحيث ان االستجابة لطلبات إيقاف تنفيذ إجراءات االستخالص الجبري‬

‫رهينة بقيام حالة االستعجال بمفهوم الضرر الذي يصعب تداركه او تقويم نتائجه‬

‫بعد التنفيذ"‪.133‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإنه من الصعوبة بمكان ايجاد تعريف دقيق وواضح‬

‫لعنصراالستعجال‪ ،‬لذا وبالرجوع الى التعاريف التي أوردناها اعاله – سواء الفقهية‬

‫منها او القضائية – يتضح أن اغلبها يستفيد في تحديد عنصر االستعجال الى معيار‬

‫الخطر الذي يحدق بالحق املراد املحافظة عليه‪ ،‬وهو معياروإن كان ذا أهمية بالغة‬

‫‪ 130‬امر صادر بتاريخ ‪ ،2003/01/24‬في الملف عدد ‪ ،2002/823‬منشور في كتاب عبد العتاق فكير‪ ،‬المادة االستعجالية في القضاء‬
‫االداري‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،2013‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 131‬امر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة االدارية بالرباط‪ ،‬عدد ‪ ،111‬بتاريخ ‪ ،2010/02/17‬في الملف رقم ‪ ،2009/1/1127‬غير‬
‫منشور‪.‬‬
‫‪ 132‬من ذلك مثال‪ :‬االمر االستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة االدارية بالرباط‪ ،‬عدد ‪ ،57‬بتاريخ ‪ ،2010/01/27‬في الملف رقم‬
‫‪ ، 2009/1/1115‬غير منشور‪ .‬واالمر االستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة االدارية بالرباط‪ ،‬عدد ‪ ،25‬بتاريخ ‪ ،2007/01/29‬في‬
‫الملف عدد ‪ 2007/8‬س‪ ،‬غير منشور‪.‬‬
‫‪133‬امر عدد ‪ ،248‬مؤرخ في ‪ 05‬ذي الحجة ‪ 1437‬موافق ‪ 07‬شتنبر ‪ ،2016‬في الملف عدد ‪ ،2016/7101/206‬غير منشور‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 79‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫في تحديد عنصراالستعجال فإنه غيركاف‪ ،‬لذا تبقى مسالة التحقق من توفرعنصر‬

‫االستعجال امرتقديري موكول الى القاض ي‪ ،‬يصل اليه عن طريق ظروف ومالبسات‬

‫كل قضية على حدة‪ ،‬ويستشفه من مناقشة الطرفين بالجلسة كما يستنبطه من‬

‫عناصر امللف‪ ،‬ذلك أن االستعجال ال يمكن ان يكون من مجرد رغبة احد الطرفين‬

‫في الحصول على حكم في الدعوى بأسرع ما يمكن‪ ،134‬وهو ما استقر عليه كل من‬

‫الفقه‪ 135‬والقضاء‪.136‬‬

‫بل ذهب القضاء االستعجالي االداري – في املادة الجبائية – الى اكثر من ذلك‬

‫حينما اعتبر أن عنصر االستعجال يكون مفترضا في كل الطلبات املتعلقة باإليقاف‬

‫املؤقت إلجراءات تحصيل الديون العمومية وال ش يء في القانون ينفي عنه هذه‬

‫الصفة‪ ،137‬ومن ذلك ما ذهبت إليه املحكمة اإلدارية بمراكش‪ ،‬حيث جاء في أمر‬

‫صادر عن رئيسها ما يلي‪" :‬وحيث انه بغض النظر عن كون حالة االستعجال تكون‬

‫مفترضة في كل الطلبات الرامية الى ايقاف تنفيذ اجراءات التحصيل الجبري‪ ،‬فانه‬

‫‪ 134‬كريم لحرش‪ ،‬المنازعات الضريبية في القانون المغربي‪ ،‬م س ‪ ،‬ص ‪.134‬‬


‫‪ 135‬محمد منقار بنيس‪ ،‬القضاء االستعجالي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪50‬؛‬
‫عبد الكريم الطالب‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪98‬؛‬
‫عبد هللا درميش‪ ،‬موقع القضاء المستعجل من القضاء بصفة عامة‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،41‬يناير‪-‬فبراير ‪،1986‬‬
‫ص ‪19‬؛‬
‫علي احنين‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫‪ 136‬وذلك في العديد من االوامر القضائية المستعجلة من قبيل‪:‬‬
‫االمر الصادر عن رئيس المحكمة االدارية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ ،2003/01/24‬في الملف عدد ‪ ،2002/823‬منشور بكتاب عبد العتاق‬
‫فكير‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪31‬؛‬
‫االمر االستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء‪ ،‬عدد ‪ ،485‬بتاريخ ‪ ،2011/04/4‬في الملف عدد ‪ ،1/11/54‬غير‬
‫منشور‪.‬‬
‫‪ 137‬ويتضح ذلك من خالل حيثيات العديد من االوامر االستعجالية التي تمكنا من االطالع عليها‪ ،‬من اهمها‪:‬‬
‫االمر االستعجالي الصادر عن رئيس ادارية الدار البيضاء‪ ،‬عدد ‪ ،384‬بتاريخ ‪ ،2011/02/14‬في الملف عدد ‪ ،1/10/1479‬غير منشور؛‬
‫االمر االستعجالي الصادر عن رئيس ادارية الرباط عدد ‪ ،485‬بتاريخ ‪ ،2011/04/4‬في الملف عدد ‪ ،1/11/54‬غير منشور؛‬
‫االمر الصادر عن رئيس ادارية الدار البيضاء بتاريخ ‪ ،2003/04/29‬في الملف عدد ‪ ،2003/141‬منشور بكتاب عبد العتاق فكير‪ ،‬م‬
‫س‪ ،‬ص ‪290‬؛‬
‫االمر الصادر عن رئيس ادارية الدار البيضاء‪ ،‬بتاريخ ‪ ،2005/01/27‬في الملف عدد ‪ ،2005/3‬منشور بكتاب عبد العتاق فكير‪ ،‬م س‪،‬‬
‫ص ‪.298‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 80‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫من خالل االطالع على ظاهر دعوى املوضوع املؤسسة على تقادم الدين الضريبي‬

‫املطلوب تحصيله‪ ،‬وجواب مديرية الضرائب وظاهر الوثائق التي ادلت به إلثبات‬

‫قيامها بإجراءات متعددة قاطعة للتقادم‪ ،‬يتبين ان املنازعة ال تتسم بالجدية‬

‫املطلوبة لالستجابة للطلب"‪.138‬‬

‫ومفاد هذا املوقف أنه كلما عرضت على القضاء االستعجالي دعوى رامية الى‬

‫إيقاف اجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية‪ ،‬من قبيل ايقاف اجراءات‬

‫الحجز والبيع التي يمكن ان تنصب على املنقوالت او العقارات او األصول التجارية‪،‬‬

‫او إيقاف اإلكراه البدني‪ ،‬فإنه من املفترض انها دعوى استعجالية تدخل ضمن‬

‫اختصاص قاض ي األمور املستعجلة‪ ،‬فهل هذا يعني أن القاض ي غير ملزم بالتحقق‬

‫من تو افرعنصراالستعجال من عدمه؟‪ ،‬والحال أن االستعجال يقتض ي وجود خطر‬

‫يتهدد مصالح الخاضع للضريبة‪ ،‬مما يستلزم التدخل بسرعة لدرء هذا الخطر‪ .‬مع‬

‫اإلشارة الى ان موقف اإلدارة الجبائية مخالف تماما ملوقف القضاء االستعجالي‬

‫اإلداري‪ ،‬حيث دأبت اإلدارة الجبائية على التمسك في غالب األحوال بكون تحصيل‬

‫الدين الضريبي الذي يكون محل نزاع امام القضاء ال يمكن ان يؤدي الى نتائج‬

‫يصعب تداركها‪ ،‬ما دامت إمكانية استرداد الخاضع للضريبة ما أداه قائمة متى أثبت‬

‫صحة ادعائه‪ ،139‬ومفاد ذلك حسب ما تتمسك به اإلدارة الضريبية ان عنصر‬

‫‪ 138‬امر رقم ‪ 40‬صادر بتاريخ ‪ 07‬ربيع الثاني ‪ )2015/01/28( 1436‬في الملف رقم ‪ ،2014/7101/256‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ 139‬سعيد العمري‪ ،‬ايقاف تنفيذ الديون العمومية امام القضاء االستعجالي االداري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 81‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫االستعجال ال يتوفر في جميع األحوال عكس ما قال به القضاء االستعجالي من‬

‫افتراض االستعجال كلما تعلق األمربطلب إيقاف إجراءات التحصيل الجبري‪.‬‬

‫لذا ال يمكن القول بانعقاد االختصاص للقضاء االستعجالي اإلداري اال‬

‫باستجماع كافة الشروط‪ - ،‬من استعجال وجدية وعدم املساس بالجوهر‪ ،-‬ذلك انه‬

‫متى انتفى أحدها سقط عن القاض ي اختصاصه‪ ،‬كونها شروط متالزمة‪ .‬فعلى فرض‬

‫ان املدين ينازع في تأسيس الدين العمومي ويستند في ذلك الى الخروقات الواضحة‬

‫التي شابت مسطرة تأسيس الدين والتي ترجح احتمال الغائه على مستوى املوضوع‪،‬‬

‫لكنه لم يواجه بعد باي أجراء من إجراءات التحصيل الجبري‪ ،‬فان طلبه يكون‬

‫والحالة هذه مفتقرا لعنصر االستعجال‪ ،‬مما يتعين التصريح بعدم قبوله‪ .140‬وفي‬

‫هذا اإلطار جاء في أمر صادر عن قاض ي املستعجالت بإدارية الدار البيضاء ما يلي‪:‬‬

‫"وحيث انه ال يوجد بامللف ما يفيد مواجهة املدعية بإجراءات التحصيل الجبري‪،‬‬

‫مما يكون معه عنصر االستعجال غير ثابت ويتعين من اجل ذلك التصريح بعدم‬

‫قبول الدعوى"‪.141‬‬

‫يتضح إذا من خالل ما سبق ان كال من القضاء االستعجالي واإلدارة الضريبية‬

‫يتخذان من عنصر االستعجال موقفين متعارضين‪ ،‬ففي الوقت الذي يجعل فيه‬

‫القضاء من االستعجال عنصرا مفترضا عندما يتعلق األمربطلبات ايقاف التحصيل‬

‫‪ 140‬سعيد العمري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.76‬‬


‫‪ 141‬امر رقم ‪ ،2010/30‬بتاريخ ‪ ،2010/03/9‬في الملف رقم ‪ ،2010/06‬غير منشور‪.‬‬
‫ومن االمثلة على عدم توفر عنصر االستعجال نذكر‪ :‬الج الة التي يتم فيها حجز وبيع سيارة من السيارات المتعددة للمدين‪ ،‬او اقامة من‬
‫اقاماته الثانوية المتعددة‪ ،‬او في الحالة التي يتم فيها حرمانه من جزء يسير من رصيده البنكي الضخم‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 82‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الجبري‪ ،‬تكاد اإلدارة الضريبية تنفي بشكل تام هذا العنصر عن إجراءات التحصيل‬

‫التي تكون محل نزاع‪ .‬اال اننا نتخذ في هذا الشأن موقفا وسطا‪ ،‬بحيث ال يمكننا ان‬

‫نسلم بافتراض عنصر االستعجال في كافة األحوال‪ ،‬ذلك ان عنصر الخطر الذي‬

‫اتخذناه كمعيار لتحديد االستعجال قد يتحقق وقد ال يتحقق كما اسلفنا في املثال‬

‫أعاله‪ ،‬كما ال نتفق مع اإلدارة الضريبية فيما ذهبت اليه من فكرة ان اجراءات‬

‫تحصيل الديون العمومية ال يمكن ان تؤدي الى نتائج يصعب تداركها‪ ،142‬ألنه ولو‬

‫كان بإمكان الخاضع للضريبة استرجاع ما دفعه فان من شأن طول إجراءات هذا‬

‫االسترجاع ان تلحق به أضرارا قد يصعب تدارك نتائجها في املستقبل وهو االمرالذي‬

‫قد يدفع به الى اللجوء لقاض ي املستعجالت من اجل األمر بإيقاف اجراءات‬

‫التحصيل الجبري‪ .‬لذا نقول بانه على قاض ي املستعجالت ان يتعامل مع كل قضية‬

‫على حدة‪ ،‬من خالل العمل على التحقق من توفرعنصراالستعجال من عدمه – في‬

‫كل نازلة على حدة ‪ ،-‬بناء على املعطيات والوثائق التي تقدم اليه‪ ،‬وان ال يكتفي‬

‫بافتراض هذا العنصر‪.‬‬

‫وإذا كان عنصراالستعجال يقوم على اساس الخطرالحقيقي الذي يتهدد الحق‬

‫املراد املحافظة عليه‪ ،‬فانه يتمتع إضافة الى ذلك بمجموعة من الخصائص غاية في‬

‫األهمية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص االستعجال‬

‫هذا االمر استخلصناه من خالل اطالعنا على العديد من االوامر االستعجالية الصادرة في هذا الشأن‪.‬‬ ‫‪142‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 83‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يتمتع عنصراالستعجال بصفة عامة بمجموعة من الخصائص‪ ،‬لعل اهمها‪:‬‬

‫‪ – 1‬ان عنصر االستعجال يتسم بالطابع اآلني‪ :‬واملقصود من ذلك حسب احد‬

‫الفقهاء "ان صفة االستعجال يجب ان ينظر اليها وقت الحكم في النزاع"‪ ،143‬ومفاد‬

‫ذلك انه قد يطرح النزاع امام قاض ي األموراملستعجلة مجردا من عنصراالستعجال‬

‫اال ان ذلك ال يمنع القاض ي من نظر الدعوى او تجريده من االختصاص في نظرها‪،‬‬

‫الن االستعجال حسب نفس الفقيه يتعين ان يتوفر وقت إصدار األمر االستعجالي‬

‫وليس بالضرورة وقت رفع الدعوى‪ ،‬خاصة اذا ظهرت وقائع جديدة اثناء نظر‬

‫الدعوى يستلهم فيها القاض ي توفر الخطر املحدق بالحق املطلوب حمايته‪ .‬لكن ألى‬

‫اي حد يعتبر هذا الطرح صائبا؟‪ ،‬او بعبارة اخرى‪ ،‬متى يجب ان تتوفر حالة‬

‫االستعجال؟‬

‫بعد تفحصنا للنصوص القانونية املنظمة لألموراملستعجلة لم نتوصل الى أية‬

‫إجابة تشريعية عن اإلشكال املطروح أعاله‪ ،‬مما جعل الفقه ينقسم في هذا اإلطارالى‬

‫اتجاهين اثنين‪:‬‬

‫ـ فاتجاه يذهب الى كون عنصر االستعجال "يجب ان يستمر من وقت رفع‬

‫الدعوى الى حين صدور األمر فيها‪ ،‬فاذا زال االستعجال قبل صدور األمر ولو كان‬

‫‪ 143‬عبد هللا درميش‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 84‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫متوفرا وقت رفع الدعوى أصبح قاض ي املستعجالت غير مختص النتفاء عنصر‬
‫االستعجال وقت البت في القضية"؛‪144‬‬

‫ـ و اتجاه ثان يذهب الى ان تو افر عنصر االستعجال أثناء رفع الدعوى يكون‬

‫كافيا النعقاد االختصاص لقاض ي األمور املستعجلة‪ ،‬للنظر في الدعوى على ضوء‬
‫الوقائع الثابتة وقت رفعها؛‪145‬‬

‫ويذهب احد الفقهاء الى أبعد من ذلك‪ ،‬حيث اعتبر ان استلزام تو افر عنصر‬

‫االستعجال منذ رفع الدعوى االستعجالية الى حين البت فيها بموجب أمر يمتد من‬

‫محكمة اولى درجة إلى محكمة ثاني درجة‪ ،‬ذلك ان زوال هذا العنصر أمام محكمة‬

‫الدرجة الثانية يؤدي بالتبعية الى زوال اختصاص الرئيس األول لهذه املحكمة‬
‫ي لألمور املستعجلة‪ ،‬ولو كان متوفرا أمام محكمة الدرجة األولى‪146.‬‬ ‫كقاض‬

‫وفي هذا اإلطار جاء في أمر لرئيس املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء أنه " وحيث‬

‫ان الثابت من ظاهر وثائق امللف كون عملية تفويت الحصص املتعرض عليها‪،‬‬

‫وعملية التعرض نفسها قد تمت منذ مدة زمنية طويلة األمر الذي يجعل شرط‬

‫االستعجال مندثرا‪ ،‬فيكون الطلب الحالي غير مؤسس قانونا ويتعين الحكم برفضه‬

‫مع إبقاء الصائر على الطرف املدعي"‪ .147‬وفي أمر آخر صادر عن نفس املحكمة جاء‬

‫‪ 144‬محمد علي راتب ومن معه‪ ،‬قضاء االمور المستعجلة‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ 145‬محمادي لمعكشاوي‪ ،‬الوجيز في المساطر الخاصة باالستعجال في ضوء قانون المسطرة المدنية‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،2011‬ص ‪.26‬‬
‫‪ 146‬مصطفى مجدي هرجة‪ ،‬الجديد في القضاء المستعجل‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ 147‬امر صادر بتاريخ ‪ 23( 2010/04/8‬ربيع الثاني ‪1431‬ه)‪ ،‬في الملف عدد ‪ ،2010/1/113‬منشور بكتاب عبد العتاق فكير‪ ،‬م س‪،‬‬
‫ص ‪.21‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 85‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فيه ما يلي "وحيث انه وبعد االطالع على ظاهروثائق امللف تبين ان موجبات االيقاف‬

‫املؤقت إلجراءات التحصيل غيرقائمة فيتعين الحكم برفض الطلب مع ابقاء الصائر‬

‫على الطرف الطالب"‪ .148‬كما جاء في أمر آخر أنه "وحيث فيما يتعلق بشرط‬

‫االستعجال‪ ،‬فالثابت كون اإلشعار للغير الحائز هو حجز يستتبعه التسليم الفوري‬

‫للمبالغ املحجوزة‪ ،‬اي خروجها من الذمة املالية للمحجوز عليه‪ ،‬ومن ثمة فالشرط‬

‫املذكوريعتبرقائما ربطا بجدية املنازعة في اإلشعارنفسه"‪.149‬‬

‫الظاهراذا من خالل ما اوردناه من أوامرقضائية ان القضاء ينحومنحى االتجاه‬

‫الفقهي القائل بأن األساس في عنصر االستعجال ان يتوفر أثناء نظر قاض ي‬

‫املستعجالت في الطلب املعروض أمامه وليس بالضرورة وقت رفع الدعوى‪ ،‬وهو‬

‫االتجاه الذي نؤيده من جهتنا‪ ،‬ذلك ان القاض ي غيرملزم من التأكد من تحقق عنصر‬

‫االستعجال من عدمه بمجرد عرض الطلب الرامي الى إيقاف إجراءات التحصيل‬

‫الجبري أمامه‪ ،‬غيرانه يكون ملزما بالقيام بهذه العملية قبل إصدارامره في الدعوى‪،‬‬

‫حيث اذا تبين له بعد دراسته لوثائق امللف وهو بصدد إصدار امره بان عنصر‬

‫االستعجال قد اندثر فعليه ان يقض ي بعدم االختصاص‪ ،‬ذلك اننا نكون امام‬

‫فرضيتين‪ ،‬الفرضية األولى ان عنصر االستعجال قد توفر وقت رفع الدعوى اال انه‬

‫قد اندثر وقت اصداراألمراالستعجالي‪ ،‬والفرضية الثانية هي ان عنصر االستعجال‬

‫‪ 148‬امر صادر عن رئيس المحكمة االدارية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ ،2010/05/18‬في الملف عدد ‪ ،2010/1/259‬منشور بكتاب عبد‬
‫العتاق فكير‪ ،‬ص ‪.377‬‬
‫‪ 149‬امر صادر عن رئيس المحكمة االدارية بالدار البيضاء‪ ،‬بتاريخ ‪ ،2010/06/8‬في الملف عدد ‪ ،2010/1/274‬منشور بكتاب عبد‬
‫العتاق فكير‪ ،‬ص ‪.380‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 86‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫لم يكن متاحا اثناء رفع الدعوى اال انه قد توفر وقت إصدار األمر االستعجالي‪ ،‬ففي‬

‫الفرضية األولى يتعين على قاض ي املستعجالت التصريح بعدم االختصاص‪ ،‬اما في‬

‫الفرضية الثانية فيتعين عليه االستجابة للطلب اذا توفرت شروطه األخرى‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ خصيصة املرونة‪ :‬فاملقصود من مرونة عنصر االستعجال انه حالة تتغير‬

‫بتغيرظروف الو اقعة في الزمان واملكان وتتالزم مع التطوراالجتماعي واالقتصادي في‬

‫االوساط واالزمنة املختلفة‪" ،150‬فما ليس استعجاال في زمن ما قد يكون كذلك في‬

‫زمن اخر‪ ،‬وما ال يعتبر استعجاال في بيئتنا قد يعتبر كذلك في بيئة اخرى‪ ،‬كما ان‬

‫االستعجال قد يتوفر في حالة محيطة بظروف خاصة دون ان يتوفر في الحالة ذاتها‬

‫املحيطة بظروف مغايرة"‪.151‬‬

‫وتكمن مرونة االستعجال كذلك في االستغناء عن إجراءات املسطرة الكتابية‬

‫أثناء عرض الدعوى أمام القضاء االستعجالي‪ ،‬بالرغم من أهميتها في حماية حقوق‬

‫الدفاع‪ ،‬وفي هذا اإلطار يقول األستاذ محمد منقار بنيس ان بطء املسطرة الكتابية‬

‫"يتنافى مع طبيعة القضاء املستعجل والسرعة املتوخاة من اللجوء اليه الستصدار‬

‫اوامر وقتية‪ ،‬لدرء الخطر املحدق بحقوق ومصالح الناس‪ ،‬لذلك تخلى عنها املشرع‬

‫املغربي‪ ،‬في القضايا التي خول البت فيها لقاض ي منفرد‪ ،‬وعلى الخصوص في التقاض ي‬

‫امام قاض ي االموراملستعجلة"‪.152‬‬

‫‪ 150‬عبد اللطيف هداية هللا‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.75‬‬


‫‪ 151‬عبد هللا درميش‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 152‬محمد منقار بنيس‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 87‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اال انه على املستوى العملي يتبين سلوك املتقاضين للمسطرة الكتابية أمام‬

‫القضاء االستعجالي‪ ،‬خاصة على مستوى املنازعات الضريبية املتعلقة بطلبات‬

‫إيقاف إجراءات التحصيل الجبري‪ ،‬ألن طبيعة هذه املنازعات وما تقتضيه من‬

‫معلومات تفرض ضرورة سلوك الطالب للمسطرة الكتابية أمام قاض ي‬

‫املستعجالت‪ .153‬مما من شانه ان يجرد عنصر االستعجال من مرونته على مستوى‬

‫املسطرة‪.‬‬

‫ومن مظاهر املرونة كذلك في القضايا االستعجالية‪ ،‬انه ال يشترط لقبول‬

‫الدعوى املستعجلة ان تتوفر لدى الخصوم االهلية التامة للتقاض ي‪ ،‬خالفا لعنصر‬
‫الصفة واملصلحة‪154.‬‬

‫‪ 3‬ـ تكمن الخصيصة الثالثة لعنصراالستعجال في كونه يضفي صبغة السرعة‬

‫على البت في النزاع املعروض على قاض ي املستعجالت‪ :‬وتتجلى سرعة البت في‬

‫الدعاوى االستعجالية في اآلتي‪:‬‬

‫ـ جوازبت قاض ي االموراملستعجلة في الطلبات االستعجالية حتى في ايام اآلحاد‬

‫واألعياد وغيرها من العطل‪ ،‬اذا تو افرت من طبيعة الحال حالة االستعجال‬

‫القصوى وهوما نص عليه الفصل ‪ 150‬من قانون املسطرة املدنية والذي قض ى بأنه‬

‫"يمكن ان يقدم الطلب في غير األيام والساعات املعينة للقضاء املستعجل في حالة‬

‫‪ 153‬لقد تبين لنا ذلك من خالل ما اطلعنا عليه من اوامر استعجالية في هذا الشأن‪.‬‬
‫‪ 154‬عبد هللا درميش‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪،69‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 88‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫االستعجال القصوى سواء الى قاض ي املستعجالت أو إلى مقراملحكمة وقبل التقييد‬

‫في سجل كتابة الضبط او لو بموطنه‪ ،‬ويعين القاض ي فورا اليوم والساعة التي ينظر‬

‫فيها الطلب‪.‬‬

‫يمكن له ان يبت حتى في أيام اآلحاد و أيام العطل"؛‬

‫ـ كما أجاز املشرع كذلك لقاض ي املستعجالت البت في حالة االستعجال‬

‫القصوى حتى ولو كان متواجدا بمنزله؛‬

‫ـ لم يحدد املشرع املغربي كذلك للخصوم اجال لحضور الجلسة في القضايا‬

‫االستعجالية‪ ،‬بل ترك األمرللسلطة التقديرية لقاض ي االموراملستعجلة‪ ،‬وذلك على‬

‫خالف املشرع املصري الذي حدد لذلك اجل اربعة وعشرين (‪ )24‬ساعة في املادة ‪66‬‬
‫من قانون املر افعات املصري؛‪155‬‬

‫ـ كذلك في حالة االستعجال القصوى خول املشرع لقاض ي املستعجالت الحق‬

‫في عدم استدعاء الخصم‪ ،‬وذلك حينما قض ى الفصل ‪ 151‬من قانون املسطرة‬

‫املدنية بما يلي‪" :‬يأمر القاض ي باستدعاء الطرف املدعى عليه طبقا للشروط‬

‫املنصوص عليها في الفصول ‪ 39،38،37‬عدا إذا كانت هناك حالة االستعجال‬

‫القصوى"‪.‬‬

‫‪ 155‬محمد منقار بنيس‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 89‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تتجلى كذلك هذه السرعة في كون املشرع املغربي قد جعل األوامراالستعجالية‬

‫مشمولة بالنفاذ املعجل بقوة القانون مع إمكانية تقييد التنفيذ بتقديم كفالة‪ ،‬كما‬

‫اتاح لقاض ي األموراملستعجلة في حالة الضرورة القصوى ان يأمربالتنفيذ على أصل‬

‫األمر‪ ،‬اضافة الى منع الطعن بالتعرض في األوامر االستعجالية وتقصير امد الطعن‬

‫فيها باالستئناف‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ إضافة الى الخصائص السالفة الذكرفان عنصراالستعجال ذا طابع نسبي‪:‬‬

‫أي أن تفسيرمفهومه يكون واسعا أوضيقا حسب الحاالت وحسبما تكون اإلجراءات‬

‫أمام املحاكم سريعة أو بطيئة وذلك بالنسبة لكل محكمة‪ ،156‬وهو ما يقتض ي منا‬

‫تمييزه عن املفاهيم األخرى املشابهة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬متييز االستعجال عن املفاهيم املشابهة له‬

‫أوال‪ :‬تمييزه عن الطلب املؤقت‬

‫أشار املشرع املغربي إلى مفهومي االستعجال والطلب الوقتي في العديد من‬

‫فصول قانون املسطرة املدنية من قبيل الفصل ‪ 149‬والفصل ‪ 152‬الذي ينص على‬

‫ما يلي‪" :‬ال تبت االوامر االستعجالية إال في اإلجراءات الوقتية وال تمس بما يمكن أن‬

‫يقض ي به في الجوهر"‪ .‬والواضح من خالل هذا الفصل أن املشرع قد ربط بين الطلب‬

‫‪ 156‬عبد هللا فال‪ ،‬القضاء االستعجالي االداري بين القواعد العامة والنصوص الخاصة (احكامه ومجاالات تطبيقاته في التشريع والقضاء‬
‫المغربيين)‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القوانين االجرائية المدنية‪ ،‬جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2011/2010‬ص ‪.24‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 90‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املستعجل والطلب الوقتي‪ ،‬غير أن هناك فرقا جوهريا ودقيقا بينهما يصعب في‬

‫أحيان كثيرة تحديده‪.‬‬

‫فحسب بعض الفقه إذا كان الطلب املستعجل دائما عبارة عن إجراء وقتي‪،‬‬

‫فإن الطلب الوقتي ال يتو افر فيه عنصر االستعجال‪ ،‬ألن وقتية اإلجراء ش يء‬

‫واالستعجال ش يء آخر‪ ،‬ذلك أن كل طلب مستعجل من الضروري أن يكون طلبا‬

‫راميا إلى استصدارأمربإجراء وقتي‪ ،‬غيرأن الطلب الوقتي ليس من الضرورة أن يكون‬

‫استعجاليا حيث من اإلمكان تقديمه أمام محكمة املوضوع والتي يمنع عليها‬

‫التصريح بعدم االختصاص‪ ،‬على اعتبارأنه من اإلجراءات الوقتية ما يتطلب البحث‬

‫في جوهرالحق الذي يمنع على قاض ي املستعجالت املساس به‪.157‬‬

‫ونتيجة لذلك فإن الطلبات االستعجالية تقتض ي دائما السرعة في البت مع‬

‫عدم املساس بما يمكن أن يقض ى به في الجوهر‪ ،‬لذلك كان البد من أن ينعقد‬

‫االختصاص بشأنها دائما لقاض ي األمور املستعجلة‪ ،‬أما الطلبات أو اإلجراءات‬

‫الوقتية فال تتطلب دائما السرعة في البت وإن كانت تتسم بالطابع الوقتي على اعتبار‬

‫أنه يرتبط بمدة زمنية مؤقتة‪ ،‬لذلك قد ينعقد االختصاص بشأنها إما لقضاء‬

‫املوضوع أو لقاض ي املستعجالت‪ ،‬بحسب ما إذا كانت ستمس بالجوهر أم ال‪ .‬ونمثل‬

‫لذلك بالطلب الذي يرمي إلى استرداد الحيازة والذي يعتبر طلبا وقتيا لكنه غير‬

‫‪ 157‬محمد منقار بنيس‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 91‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫مستعجل‪ .‬وعلى هذا األساس يمكننا القول بأن كل طلب استعجالي فهو يرتبط‬

‫بإجراء وقتي‪ ،‬وكل طلب وقتي ال يرتبط بالضرورة بإجراء استعجالي‪.‬‬

‫لكن ما تجدر اإلشارة إليه هو أنه كلما تو افر عنصر االستعجال في الطلب إال‬

‫و انعقد االختصاص لقاض ي األمور املستعجلة‪ ،‬األمر الذي من شأنه أن يثير إشكاال‬

‫غاية في األهمية‪ ،‬ويتعلق األمر بالحالة التي يتوفر فيها عنصر االستعجال في إجراء‬

‫وقتي ما وفي نفس اآلن من شأن هذا اإلجراء املساس بما يمكن أن يقض ى به في‬

‫الجوهر‪.‬‬

‫الواضح أن املشرع املغربي قد أوجد حال لهذا اإلشكال عندما يتعلق األمرباملادة‬

‫التجارية وذلك بموجب املادة ‪ 21‬من القانون رقم ‪ 95- 53‬املحدث للمحاكم التجارية‬

‫والتي بمقتضاها سمح لرئيس املحكمة التجارية أن يبت في الطلب رغم وجود منازعة‬

‫جدية‪ ،‬حيث تنص املادة ‪ 21‬أعاله في فقرتها األخيرة على ما يلي‪:‬‬

‫"‪...‬‬

‫يمكن لرئيس املحكمة التجارية ضمن نفس النطاق – رغم وجود منازعة جدية‬

‫– أن يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال‬

‫أو لوضع حد الضطراب ثبت جليبا إنه غير مشروع"‪ .‬وهو األمر الذي لم نجد له مثيال‬

‫ال في قانون املسطرة املدنية وال في القانون املحدث للمحاكم اإلدارية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 92‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومن وجهة نظرنا‪ ،‬يتعين إسناد النظرفي مثل هذه الطلبات لقاض ي املستعجالت‬

‫رغم أنها تتعلق بجوهر الحق مع السماح له بالقيام بجميع إجراءات البحث املخولة‬

‫لقضاء املوضوع‪ ،‬على اعتبارأن عنصراالستعجال متوفرفي الطلب والذي هو مناط‬

‫اختصاص قاض ي املستعجالت سواء في املادة الضريبية أو غيرها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تمييزه عن البت بصفة مستعجلة‬

‫بالرجوع إلى قانون املسطرة املدنية فإن املشرع قد أشار مرة أخرى إلى مفهوم‬

‫قد يبدو منذ الوهلة األولى أنه يتشابه مع عنصراالستعجال‪ ،‬لكن الحقيقة أن هناك‬

‫فرقا بينهما‪ ،‬ويتعلق األمر بـ "البت في الدعوى باستعجال"‪ ،‬أو باألحرى نظر الدعوى‬

‫على وجه السرعة‪ .‬ولعل من بين النصوص التي أشارت إلى هذا املفهوم نذكرالفصل‬

‫‪ 46‬من قانون املسطرة املدنية والذي يقض ي بأنه "يفصل في القضية فورا أو تؤجل‬

‫الى جلسة مقبلة يمكن تعيين تاريخها حاال لألطراف مع اإلشارة إلى ذلك في سجل‬

‫الجلسات‪ ،‬وذلك مع مراعاة آجال البت املنصوص عليها في هذا القانون أو في قوانين‬

‫خاصة"‪ ،‬إضافة إلى الفصول ‪ 153‬و‪ 179‬مكررو‪ 203‬من نفس القانون‪.‬‬

‫وعليه فإن االستعجال كشرط من شروط اختصاص قاض ي املستعجالت‪،‬‬

‫يقتض ي دائما تو افرعنصرالخطراملحدق بالحق أو بالحقوق املراد حفظها‪ ،‬في حين‬

‫أن نظر الدعوى على وجه السرعة يقتض ي تقصير آجال البت فيها أمام قضاء‬

‫املوضوع‪ ،‬ذلك أن السرعة مفترضة دائما في جميع الدعاوى‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 93‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫إن الفرق بين االستعجال ونظر الدعوى على وجه السرعة يبدو واضحا من‬

‫خالل عدة جوانب‪ ،‬وذلك كاآلتي‪:‬‬

‫ـ من حيث طبيعة اإلجراءات‪:‬‬

‫فاالختصاص في املادة االستعجالية يمنح قاض ي املستعجالت الحق في اتخاذ‬

‫اإلجراءات والتدابير الوقتية القمينة بعدم املساس بموضوع النزاع‪ ،‬في الحين الذي‬

‫يمنح فيه البت في الدعوى على وجه السرعة للقاض ي نفس الصالحيات التي تمنح‬

‫لقضاة املوضوع‪ ،‬غيرأن ما في األمرأن القانون يأمرالقاض ي بالبت في موضوع النزاع‬

‫وذلك على وجه السرعة نظرا لطبيعة النزاع أو الدعوى‪.‬‬

‫ـ من حيث الجهة املختصة‪:‬‬

‫بالرجوع إلى مقتضيات قانون املسطرة املدنية والقانون رقم ‪ 90-41‬املحدث‬

‫للمحاكم اإلدارية‪ ،‬فإن االختصاص في القضايا االستعجالية ينعقد لرئيس املحكمة‬

‫باعتباره قاض ي لألموراملستعجلة‪ ،‬أما القضايا التي يأمرالقانون بالبت فيها على وجه‬

‫السرعة كما هو األمر في الفصول ‪ 46‬و ‪ 179‬مكرر و‪ 203‬من ق م م‪ ،‬فإن االختصاص‬

‫ينعقد لقضاة املوضوع‪ ،‬غيرأنهم يستفيدون من مزايا املسطرة االستعجالية‪.‬‬

‫ـ من حيث طرق الطعن‪:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 94‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ينص الفصل ‪ 153‬من ق م م على ما يلي‪" :‬تكون األوامر االستعجالية مشمولة‬

‫بالتنفيذ املعجل بقوة القانون ويمكن للقاض ي مع ذلك أن يقيد التنفيذ بتقديم‬

‫كفالة‪.‬‬

‫يمكن للقاض ي في حالة الضرورة أن يأمربالتنفيذ على أصل األمر‪.‬‬

‫ال يطعن في هذه األوامربالتعرض‪.‬‬

‫يجب تقديم االستئناف داخل خمسة عشريوما من تبليغ األمرعدا في الحاالت‬

‫التي يقررفيها القانون خالف ذلك‪ ،‬ويفصل في االستئناف بصفة استعجالية‪.‬‬

‫يقع التبليغ طبقا ملقتضيات الفصل ‪ 54‬غير أنه إذا حضر األطراف وقت صدور‬

‫األمركان التبليغ الو اقع في ذلك الحين صحيحا ويشارفي األمرإلى حضورهم ومعاينة‬

‫هذا التبليغ"‪ .‬يتضح إذا من مقتضيات هذا الفصل أن األوامر االستعجالية ال تقبل‬

‫الطعن بالتعرض‪ ،‬غيرأنها تكون قابلة لالستئناف داخل أجل خمسة عشر(‪ )15‬يوما‬

‫من تاريخ التبليغ‪ ،‬وذلك على العكس من األحكام التي تصدر على وجه السرعة حيث‬

‫تبقى خاضعة لطرق الطعن العادية منها وغيرالعادية حسب ما يقرره القانون‪.‬‬

‫ـ من حيث التنفيذ‪:‬‬

‫تكون األوامر الصادرة في املادة االستعجالية مشمولة بالتنفيذ املعجل بقوة‬

‫القانون‪ ،‬بينما تكون األحكام الصادرة في القضايا التي يتعين البت فيها على وجه‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 95‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫السرعة خاضعة لألحكام العامة للتنفيذ الوارد النص عليها في الفصول من ‪ 428‬الى‬

‫‪ 451‬من ق م م‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن األوامر االستعجالية في إطار املنازعات الضريبية قد تكون‬

‫قابلة لطرق الطعن بنوعيها العادية وغيرالعادية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬طبيعة االستعجال وشروطه‬

‫يكتس ي عنصر االستعجال أهمية قصوى للقول بانعقاد االختصاص لقاض ي‬

‫األمور املستعجلة في مادة االستعجال بصفة عامة‪ ،‬وفي املادة الضريبية على وجه‬

‫الخصوص‪ ،‬في إطار طلبات إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل الجبري للديون‬

‫الضريبية‪ ،‬األمر الذي يقتض ي منا الوقوف على مختلف الشروط املتطلبة في هذا‬

‫العنصر (الفقرة االولى)‪ ،‬قبل تحديدنا للطبيعة القانونية التي يتسم بها (الفقرة‬

‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة االوىل‪ :‬طبيعة عنصر االستعجال وأهميته‬

‫أوال‪ :‬طبيعة عنصراالستعجال‬

‫خالل عرضنا ملختلف التعريفات املتعلقة بعنصر االستعجال وقفنا على‬

‫الطبيعة املتغيرة لهذا الشرط حسب طبيعة موضوع الدعوى الواجب إحاطتها‬

‫بالحماية املؤقتة وفق الظروف التي تحيط بتلك الدعوى‪ ،‬فعنصراالستعجال إما أن‬

‫املشرع يتكلف بالتنصيص على وجوده أو يترك لقاض ي األموراملستعجلة استخالصه‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 96‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫حسب الحالة املعروضة عليه‪ ،‬حيث يتأكد هذا األخير من مدى تو افر الضرر‬

‫املقصود والخطر املحدق على مصالح األطراف‪ ،‬واللذان ال يمكن تفادي وقوعهما‬

‫باتباع إجراءات التقاض ي العادية‪.‬‬

‫وإذا كان الفصل ‪ 149‬من قانون املسطرة املدنية وكذا املادة ‪ 19‬من القانون رقم‬

‫‪ 41-90‬املحدثة بموجبه محاكم إدارية قد جعل مسألة تقدير حالة االستعجال‬

‫اختصاصا أصيال لقاض ي املستعجالت‪ ،‬فإنه بالتالي قد جعل هذا االختصاص من‬

‫النظام العام‪ ،‬إذ ال يحق للخصوم أن يسبغوا متى شاءوا على دعواهم صفة‬
‫االستعجال رغبة منهم في الحصول على حكم سريع‪158.‬‬

‫وباملقابل فإنه ليس للخصوم أن ينزعوا عن الدعوى حالة االستعجال طاملا هي‬

‫ظاهرة وتشيراألوراق واملستندات إلى قيامها بغية إخراج املنازعة من دائرة اختصاص‬

‫قاض ي األمور املستعجلة‪ ،159‬إال أن ظاهر األوراق واملستندات في بعض األحيان قد ال‬

‫يسعف قاض ي املستعجالت في التحقق من تو افر شرط االستعجال من عدمه وفي‬

‫هذه الحالة ال يسعه إال أن يلجا إلى إجراء خبرة أو معاينة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أهمية عنصراالستعجال‬

‫تتمثل أهمية القضاء املستعجل بصفة عامة في كونه يرد العدوان البادي ألول‬

‫وهلة من ظاهر املستندات بإجراءات وقتية تتغير كلما جد جديد في ظروف النزاع‬

‫‪158‬عبد هللا فال‪ ،‬القضاء االستعجالي اإلداري بين القواعد العامة والنصوص الخاصة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القوانين اإلجرائية‬
‫المدنية‪ ،‬جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2011/2010‬ص ‪.28‬‬
‫‪159‬مصطفى مجدي هرجه‪ ،‬الجديد في القضاء المستعجل‪ ،‬دار الثقافة للطباعة والنشر القاهرة ‪ ،1981‬ص ‪.15‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 97‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وتتميز بالبساطة واملرونة وقلة النفقات‪ ،‬مع االقتصاد في الوقت واختصار في‬

‫اإلجراءات‪ ،‬وبذلك يكون القضاء املستعجل عامل توفيق بين األناة الالزمة لحسن‬
‫سير العدالة وبين نتائج هذه األناة التي قد تعصف أحيانا بحقوق الخصوم‪160.‬‬

‫وتتجلى أهمية عنصر االستعجال كشرط جوهري الختصاص قاض ي األمور‬

‫املستعجلة في إطار دعوى إيقاف تنفيذ الدين الضريبي‪ ،‬في كونه يحمي بالدرجة‬

‫األساسية مصالح الخاضع للضريبة‪ ،‬التي تتعارض طبعا مع مصالح اإلدارة‬

‫الضريبية‪.‬‬

‫فباستقراء مقتضيات املادة ‪ 39‬من مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬يتضح‬

‫أن مسطرة االستخالص يمكن أن تكون لها آثارجانبية على الخاضع للضريبة بصفة‬

‫خاصة وعلى املقاولة بصفة عامة‪ ،‬إذا ما الحظنا حجم تأثير كل من الحجز والبيع‬

‫واإلشعارللغيرالحائزعلى مسارومستقبل املقاولة‪ ،161‬مما قد يصل بها إلى سد أبواب‬

‫التمويل بالسيولة في وجهها أو توقف نشاطها‪ .‬وهنا يظهر بشكل واضح على أن‬

‫إجراءات التحصيل الجبري تشكل في كنهها خطرا محدقا ملصالح الخاضع للضريبة‪،‬‬

‫مما تتولد عنها حالة االستعجال التي تستدعي تدخال عاجال من قاض ي املستعجالت‬

‫لتفادي ما قد ينجم عن مباشرتها في مواجهة املدعي من أضرار من الصعب‬

‫تداركها‪.162‬‬

‫‪160‬عبد هللا درميش‪ ،‬موقع القضاء المستعجل من القضاء بصفة عامة‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 161‬احمد حنين‪ ،‬مفهوم المنازعة الجدية في طلب إيقاف تحصيل االمر باالستخالص‪ ،‬العمل القضائي والمنازعات الضريبية‪ ،‬اشغال‬
‫اليومين الدراسيين ‪ 28‬و ‪ 29‬مارس ‪ ،2005‬دفاتر المجلس األعلى عدد ‪ ،2005/8‬ص ‪.287‬‬
‫‪162‬سعيد العمري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.75‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 98‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وفي هذا اإلطارفإن الدعوى الضريبية التي تنصب على املصالح املادية للخاضع‬

‫للضريبة يتوفر فيها عنصر االستعجال‪ ،‬نظرا لجسامة األضرار التي قد تلحق‬

‫بالخاضع للضريبة إذا ما طبقت في مواجهته إجراءات التحصيل الجبري‪ ،‬مع أن إدارة‬

‫التحصيل ترفض هذا الطرح في دفوعاتها‪ ،‬على اعتبار أن التنفيذ على أموال املدين‬

‫ال يؤدي في جميع الحاالت إلى نتائج يصعب تداركها ألن املدين بإمكانه استرداد ما أداه‬

‫إذا ثبت فيما بعد صحة ما يدعيه وفقا لقواعد االسترداد املعمول بها في هذا‬
‫الصدد‪163.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط االستعجال‬

‫أوال‪ :‬وجود حقوق أو مصالح مهددة‬

‫نكون أمام حقوق أو مصالح مهددة إذا كانت هذه األخيرة في وضعية يحتمل‬

‫معها أن تتعرض لخطر عاجل يهددها‪ ،‬إن لم تتخذ اإلجراءات االحتياطية املتطلبة‪،‬‬

‫وعندها يكون تدخل قاض ي األموراملستعجلة ملنع حصول الضررناجعا وفيه حماية‬
‫للمصالح أو الحقوق املهددة‪164.‬‬

‫مثاال لهذه الحالة‪ .‬وهكذا يعتبر عنصر‬ ‫بنيس‪165‬‬ ‫وقد صاغ األستاذ منقار‬

‫االستعجال متو افرا إذا كانت املحاصيل الزراعية أو الفالحية مثال موضوع نزاع بين‬

‫‪163‬محمد شكري‪ ،‬القانون الضريبي المغربي – دراسة تحليلية ونقدية‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة مؤلفات‬
‫واعمال جامعية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2003‬ص ‪.241‬‬
‫‪164‬محمد منقار بنيس‪ ،‬القضاء االستعجالي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪165‬محمد منقار بنيس‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.48-47‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 99‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الشركاء‪ ،‬ويقبل قاض ي املستعجالت طلب بيعها و إيداع ثمنها إلى حين البت في النزاع‬

‫حول ملكية تلك املحاصيل‪ ،‬أو نسبة توزيعها‪ ،‬ألنها لو تركت على األرض أوفي األشجار‬

‫لتعرضت للتلف قبل صدور الحكم في املوضوع‪ ،‬وفي هذه الحالة يكمن االستعجال‬

‫في الخطر املحدق باملحاصيل الزراعية أو الفالحية إن لم تجن ولم تباع في الوقت‬

‫املناسب‪ ،‬فالخطرالوشيك الوقوع أي االحتمال األكيد لتلف املحاصيل الزراعية هو‬

‫الذي يبرر تدخل قاض ي املستعجالت لالستجابة لطلب البيع و إيداع الثمن‪ ،‬وإال‬

‫ضاعت املحاصيل قبل البت في موضوع النزاع‪.‬‬

‫ونقرأ في حيثيات أمرصادرعن رئيس إدارية مراكش ما يلي‪" :‬وحيث إنه باطالعنا‬

‫على ظاهر وثائق امللف‪ ،‬وخاصة دعوى املوضوع املفتوح لها امللف رقم‬

‫‪ 2016/7109/604‬يتبين بان طلب الطالبة يتوفر على عنصر االستعجال نظرا ملا‬

‫ينطوي عليه االشعار للغير الحائز من غل يد هذه األخيرة (الطالبة) في التصرف في‬

‫أموالها املودعة بالبنك املذكور"‪ ،166‬كما جاء في امرصادرعن نفس املحكمة " وحيث‬

‫انه بالنسبة ملدى توفر عنصراالستعجال‪ ،‬فالثابت من ظاهروثائق امللف ان قابض‬

‫اإلدارة الجبائية بمراكش قد اصدر اشعارا للغير الحائز الى مصرف املغرب مراكش‬

‫كليزمطالبا إياه بدفع مبلغ ‪...‬‬

‫‪166‬امر عدد ‪ ،238‬مؤرخ في ‪ 27‬ذو القعدة ‪ 1437‬موافق ‪ 31‬غشت ‪ ،2016‬في الملف عدد ‪ ،2016/7101/208‬غير منشور‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 100‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وحيث انه وتبعا لذلك ومادامت املبالغ ستخرج حتما من الذمة املالية‬

‫للطالب‪.167"...‬‬

‫ثانيا‪ :‬احتمال حصول خطريتعذرتداركه وإصالحه‬

‫ويعني ذلك أن الضرر املحتمل من النوع الذي ليس من املمكن تالفيه وإرجاع‬

‫الحالة إلى ما كانت عليه قبل حدوثه‪ ،‬فمن جهة ليس من الضروري أن يكون الضرر‬

‫أكيد الوقوع‪ ،‬ويكفي أن يكون احتماليا‪ .‬ومن جهة أخرى يتعين أن يكون من املتعذر‬
‫تدارك ذلك الضرر وإصالح النتائج املترتبة عنه‪168.‬‬

‫وما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد ان الخاضع للضريبة اثناء رفعه للدعوى‬

‫أمام القضاء املختص يكون في غنى عن إثبات حالة االستعجال مادام ان القضاء‬

‫يعتمد قرينة شبه قاطعة مؤداها ان متابعة املدين بإجراءات التحصيل الجبري‬

‫يمكن ان يمتد في أي وقت الى التنفيذ عليه اوعلى أمواله‪ ،‬مما قد يتسبب له في أضرار‬

‫يصعب تداركها مستقبال وهو ما يشكل حالة االستعجال‪ ،‬وبالتالي فإنه يكفي للمدين‬

‫هنا ان يثبت فقط أنه متابع في إطار إجراءات التحصيل الجبري‪ ،169‬ومن ثم فان‬

‫قاض ي األموراملستعجلة يتدخل لوقف إجراءات املتابعة ضد املدين املتابع كلما توفر‬

‫عنصر االستعجال العتباره شرطا أساسيا للنظر في الدعوى‪ ،‬سعيا وحفاظا على‬

‫‪167‬امر عدد ‪ ،28‬مؤرخ في ‪ 9‬ربيع الثاني ‪ 1437‬موافق ‪ 20‬يناير ‪ ،2016‬في الملف عدد ‪ ،2015/7101/442‬غير منشور‪.‬‬
‫‪168‬م س‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 169‬عبد الرحمان ابليال‪ ،‬االثبات في المادة الضريبية بين القواعد العامة وخصوصيات المادة (على ضوء الممارسة واالجتهاد القضائي)‪،‬‬
‫مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،2013 ،‬ص ‪.226‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 101‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املشروعية والتوازن الواجب تحقيقه بين مصالح الخزينة العامة للمملكة وحقوق‬

‫الخاضعين للضريبة‪.170‬‬

‫وعندما نتحدث عن الحماية القضائية ألطراف العالقة الجبائية التي يسهرعلى‬

‫توفيرها قاض ي املستعجالت‪ ،‬فان هذا األخير يوجد في وضعية صعبة بالنظر الى‬

‫جسامة وصعوبة التوفيق بين موقف الخاضع للضريبة الذي يدعي ان مباشرة‬

‫التحصيل الجبري في حقه سينتج عنه أضرارجسيمة قد يصعب جبرها في املستقبل‪،‬‬

‫وبين وضعية الخزينة العامة التي تسعى الى تحصيل الديون الضريبية‪ ،171‬نظرا‬

‫لاللتزامات املالية التي تواجهها بغض النظر على ان عملية التحصيل اهم وضعية‬

‫تقوم بها هذه املؤسسة‪ ،172‬حيث تروم دائما الى استخالص قدر كبير من الديون‬

‫املستحقة وضخها في ميزانية مصادق عليها من طرف البرملان لتمويل النفقات‬

‫العامة وتحقيق التنمية املنشودة‪ ،173‬بحيث ان عدم استيفاء الديون الضريبية من‬

‫شأنه ان يعرقل العملية االقتصادية ويحدث اختالال في التوازنات املالية‪.‬‬

‫وإذا كانت إدارة التحصيل تسعى دائما الى الحفاظ على مصالحها‪ ،‬فإنها في‬

‫املقابل ترفض طرح الخاضع للضريبة الذي يتأسس على كون مصالحه مهددة إثر‬

‫متابعته بإجراءات التحصيل الجبري‪ .‬في حين يتمسك القضاء االستعجالي بخالف‬

‫‪ 170‬عبد اللطيف العمراني‪ ،‬إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية في ضوء االجتهادات القضائية – مقارنة مفهوم جدية المنازعة‬
‫الجبائية نموذجا‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ 65‬نونبر – دجنبر ‪ ،2005‬ص ‪.68‬‬
‫‪171‬محمد شكري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪302‬‬
‫‪ 172‬فاروق الهاشمي‪ ،‬نشاط الخزينة العامة في مصادر تحصيل الضرائب والرسوم‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية‬
‫والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،100-90‬يوليوز – أكتوبر ‪ ،2011‬ص ‪.72‬‬
‫‪ 173‬مريم خلد‪ ،‬الملزم واإلدارة الضريبية اية عالقة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية مكناس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2009/2008‬ص ‪.22‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 102‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ذلك‪ ،‬بدعوى ان الخزينة ومن باب حسن سيرالعدالة لن يلحقها أي ضررحين وقف‬
‫إجراءات التحصيل الجبري اذا ما انتظرت البت في دعوى املوضوع‪174.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬عدم املساس باجلوهر‬

‫يعتبر القضاء االستعجالي قضاء متميزا ومستقال عن قضاء املوضوع من حيث‬

‫اختصاصه بالدعاوى املستعجلة‪ ،‬كما يستقل عنه بإجراءاته املتميزة واحكامه‬

‫الخاصة‪ ،‬وال شك ان أهم ما يميزهذا القضاء هي شروطه التي ينعقد بها اختصاصه‬
‫بنظر الدعاوى املستعجلة‪175.‬‬

‫فإلى جانب عنصر االستعجال كشرط أساس ي لقبول طلب إيقاف تنفيذ‬

‫إجراءات التحصيل الجبري‪ ،‬فان املشرع أضاف شرط عدم املساس بأصل الحق‬

‫كمحدد رئيس ي النعقاد اختصاص قاض ي املستعجالت للبت في دعوى إيقاف‬

‫التنفيذ‪ ،‬وهو الشرط الذي تولى املشرع املغربي تناوله في الفصل ‪ 152‬من قانون‬

‫املسطرة املدنية واملحال عليه بمقتض ى القانون املحدث للمحاكم اإلدارية‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬سوف نتولى دراسة شرط عدم املساس بالجوهر من خالل‬

‫فقرتين أساسيتين‪ ،‬بحيث نعرض في (املطلب االول) ملفهوم عدم املساس بالجوهر‬

‫وذلك من خالل تعريفه والوقوف على عالقته بالنظام العام‪ ،‬وذلك قبل ان نعرض‬

‫من خالل (املطلب الثاني) لشروطه‪.‬‬

‫‪174‬زايد بوزكري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.63‬‬


‫‪175‬سعيد العمري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.96‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 103‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب االول‪ :‬تعريف عدم املساس باجلوهر وعالقته بالنظام العام‬

‫من املعلوم ان القضاء االستعجالي عبارة عن نظام إسعاف قانوني مكمل‬

‫للقضاء العادي ان صح التعبير‪ ،‬وال ينبغي ان يحل محله بتناول البت في النزاعات‬

‫التي يرجع االختصاص بالبت فيها الى قضاء املوضوع على ان شرط عدم املساس‬

‫بالجوهر من أهم الشروط التي ينبغي تو افرها النعقاد اختصاص قاض ي األمور‬

‫املستعجلة‪.‬‬

‫ورغم ان املشرع املغربي أشارالى هذا الشرط في قانون املسطرة املدنية‪ ،‬فإنه لم‬

‫يضع أي تعريف للحد من التأويالت الفقهية والقضائية حوله‪ .‬ونحن في إطار هذه‬

‫النقطة سنتولى إعطاء تعريف لشرط عدم املساس بأصل الحق (الفقرة االولى)‪ ،‬الى‬

‫جانب الوقوف على عالقة هذا الشرط بالنظام العام (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة االوىل‪ :‬تعريف مبدأ عدم املساس باجلوهر‬

‫لم يتول املشرع املغربي تعريف شرط عدم املساس بجوهر الحق شانه في ذلك‬

‫شأن عنصر االستعجال‪ ،‬و إنما اكتفى فقط بالتنصيص عليه وذلك بمقتض ى‬

‫الفصل ‪ 152‬من قانون املسطرة املدنية والذي جاء فيه ما يلي‪" :‬ال تبت األوامر‬

‫االستعجالية اال في اإلجراءات الوقتية وال تمس بما يمكن ان يقض ى به في الجوهر"‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 104‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ويذهب بعض الفقه‪ 176‬الى ان املقصود من عدم املساس بجوهرالحق ان يمنع‬

‫على قاض ي األمور املستعجلة البت في اصل الحق ذاته‪ ،‬ال إيجابيا وال سلبيا فيما‬

‫يمكن ان يتخذه من أوامر‪ ،‬وبعبارة أخرى عدم تجاوز االختصاص املوكول إليه‬

‫باتخاذ األوامر التي تهدف الى حماية الحقوق‪ .‬كما عرفه آخر‪ 177‬بأنه كل ما يتعلق‬

‫بموضوع الدعوى ويرتبط بها وجودا وعدما‪ ،‬ويندرج فيه كل ما يمس صحته او يؤثر‬

‫فيه سلبا او إيجابا او يغيرمن معامله وكذا من آثاره القانونية‪.‬‬

‫في الحين الذي عرف جانب آخر من الفقه‪ 178‬شرط عدم املساس بالجوهر بأنه‬

‫"اال ينظرقاض ي األموراملستعجلة في موضوع الدعوى وال في اصل الحق‪ ،‬على ان هذا‬

‫ال يمنع من ان يتفحص موضوع الدعوى بشكل عرض ي بالقدر الذي يكفي لتكوين‬

‫قناعاته"‪.‬‬

‫وان كنا نتفق مع ما ذهبت إليه االتجاهات الفقهية من ان اختصاص قاض ي‬

‫األمور املستعجلة ال يسمح لهذا األخير باملساس بما يمكن ان يقض ى به في املوضوع‪،‬‬

‫فان عدم املساس بأصل الحق ال يتنافى مع فحص الحق ذاته وجوهره بشكل عرض ي‬

‫من اجل الوصول الى الحقيقة‪ ،‬والتي تتمثل في قيام خطر محدق بالحق املراد‬

‫املحافظة عليه وحقيقة وجود نزاع جدي‪ .‬وهو ما سارت عليه الغرفة اإلدارية لدى‬

‫محكمة النقض (املجلس األعلى سابقا) في قرارها املؤرخ في ‪ 2001/10/26‬والذي نقرأ‬

‫‪176‬منقار بنيس‪ ،‬القضاء االستعجالي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.52‬‬


‫‪177‬رضوان اعميمي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪178‬عبد الكريم الطالب‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.107‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 105‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فيه ما يلي‪ " :‬ان قاض ي املستعجالت ليس ممنوعا من مناقشة ظاهر ما هو معروض‬

‫عليه للتأكد من جدية طلب إيقاف التنفيذ‪ ،‬واستخالصه من ظاهر معطيات النزاع‬

‫ما يفيد هذه الجدية ال يشكل مساسا بجوهرالنزاع"‪.179‬‬

‫وعليه فان قاض ي املستعجالت وان كانت له صالحية فحص ظاهر األوراق‬

‫واملستندات فان ذلك مشروط بعدم تعمقه في جوهرها‪ ،‬وذلك حفاظا على الحق في‬

‫جوهره‪ ،‬حيث يكتفي بوضع ملساته الخفيفة على ظاهرها فقط‪ ،‬كما ال يمكنه ان‬
‫ي بتحديد مراكز أطراف النزاع‪180.‬‬ ‫يصدرحكما قد يقض‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة مبدأ عدم املساس باجلوهر بالنظام العام‬

‫يثار التساؤل هنا حول ما إذا كان شرط عدم املساس بأصل الحق ذا عالقة‬

‫بالنظام العام ام ال؟ وبمعنى آخر هل يمكن لقاض ي األمور املستعجلة وهو يبت في‬

‫طلب إيقاف إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي ان يمس بما يمكن ان يقض ى‬

‫به في املوضوع وبالتالي يأثر بأمره على املراكز القانونية ألطراف الدعوى‪ ،‬ام يتعين‬

‫عليه ان يقض ي برفض الطلب كلما تبين له ان تدخله من شأنه املساس بالجوهر؟‬

‫ولعل ما دفعنا الى تناول موضوع عالقة مبدا عدم املساس بالجوهر بأصل‬

‫الحق وبالتالي طرحنا للتساؤل أعاله‪ ،‬هو ما ذهب اليه املشرع املغربي في القانون‬

‫املحدث للمحاكم التجارية من السماح استثناء لقاض ي املستعجالت في املساس بما‬

‫‪179‬قرار عدد ‪ ،107‬المؤرخ في ‪ ،2001/10/26‬في الملف عدد ‪ ،2000/4/1/1407‬منشور بمجلة دفاتر المجلس األعلى عدد ‪.2005/9‬‬
‫‪180‬زايد بوزكري‪ ،‬القضاء االستعجالي في المادة الضريبية‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.66‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 106‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يمكن ان يقض ى به في املوضوع‪ ،‬وذلك عندما نصت املادة ‪ 21‬من القانون املحدث‬

‫للمحاكم التجارية في فقرتها األخيرة بانه "يمكن لرئيس املحكمة التجارية ضمن نفس‬

‫النطاق – رغم وجود منازعة جدية – ان يأمر بكل التدابير التحفظية او بإرجاع‬

‫الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال او لوضع حد الضطراب ثبت جليا انه غير‬

‫مشروع‪ ،".‬وذلك استثناء من مقتضيات الفقرة األولى من نفس املادة والتي تقض ي‬

‫بانه "يمكن لرئيس املحكمة التجارية بصفته قاضيا لألمور املستعجلة وفي حدود‬

‫اختصاص املحكمة ان يأمربكل التدابير التي ال تمس اية منازعة جدية"‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يرى احد الفقهاء‪ 181‬ان عدم املساس بأصل الحق عند النظر في‬

‫الطلبات املستعجلة في دعاوى القضاء الشامل – والتي تعتبر الدعوى الضريبية‬

‫واحدة منها – ال يعني عدم احتمال وقوع ضررملصلحة أحد طرفي الدعوى الن وقوع‬

‫الضرر ليس أثرا من آثار املساس بأصل الحق‪ ،‬و إنما قد يقع ضرر من الحكم الوقتي‬

‫الذي ينشا حلوال وقتية لحفظ الحقوق املتنازع عليها حتى يفصل فيها‪ ،‬وهذه الحلول‬

‫الوقتية التي تحمي صاحب الطلب املستعجل قد تحدث ضررا ملصلحة الخصم‬

‫اآلخر‪ ،‬ولكن يجب ان ال تؤدي الى التأثيرفي موضوع الدعوى فليس للمحكمة ان تبني‬

‫حكمها املؤقت على اعتبارات تتصل بأصل الحق‪.‬‬

‫‪ 181‬محمد االعرج‪ ،‬النظر في الطلبات المستعجلة والفصل فيها‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية – سلسلة مواضيع‬
‫الساعة ‪ ،-‬العدد ‪ – 50‬سنة ‪ ،2005‬ص ‪.38‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 107‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ويرى أحد الباحثين‪ 182‬كذلك ان احتمال وقوع الضرر على هذا النحو يعني ان‬

‫أصل الحق واملوضوع ليس معناه الضرر الذي يلحق بحقوق الخصوم او بحقوق‬

‫بعضهم من القرارات الوقتية املستعجلة التي تصدر في حدود القانون والذي قد‬

‫يتعذر تالفيه او إصالحه بعد ذلك حين تحكم محكمة املوضوع‪ ،‬فقد يترتب على‬

‫الحكم بوقف استمرار تنفيذ العقد ضررا بليغا بحقوق احد الخصوم ال يمكن‬

‫تعويضه بعد ذلك حتى ولو طرح النزاع أمام محكمة املوضوع وقضت بإلغاء األمر‬

‫املستعجل الصادر بشأنه‪ ،‬ومع ذلك فإن الفصل في جميع هذه املنازعات يدخل في‬

‫اختصاص القضاء املستعجل بالرغم من ذلك لكونها ال تخرج على أنها إجراءات‬

‫وقتية تحفظية ال تمت إلى أصل الحق بصلة‪ ،‬فإذا تو افر االستعجال وكان الطلب‬

‫وقتيا اختص قاض ي املستعجالت بالفصل فيه ولو كان من شأن الحكم فيه اإلضرار‬

‫بمركز احد الخصوم ودون ان يعتبر ذلك خروجا على قاعدة عدم املساس بأصل‬

‫الحق‪ ،‬والقول بغير ذلك مؤداه ان يصبح اختصاص قاض ي األمور املستعجلة في‬

‫حدود ضيقة ال تتعدى مجرد توفيق بين الحقوق املتنازع عليها توفيقا اقرب الى‬

‫الصلح منه الى الفصل في الدعوى‪.‬‬

‫نستشف إذا من خالل هذين املوقفين ان عدم املساس بالجوهرشرط أساس ي‬

‫النعقاد اختصاص قاض ي األموراملستعجلة‪ ،‬وبالتالي ال يمكن لهذا األخيرأن يمس به‬

‫باي وجه من األوجه‪ ،‬وحتى لو اضطرالى الحاق ضرربأحد أطراف الدعوى من خالل‬

‫‪182‬عبد هللا فال‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.42-41‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 108‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األمر الذي يصدره في طلب وقف التنفيذ‪ .‬وهذا املوقف نزكيه من جهتنا أيضا‪،‬‬

‫فباإلضافة الى ما تمت اإلشارة إليه آنفا‪ ،‬فإنه بالرجوع الى قانون املسطرة املدنية‬

‫املحال عليه بموجب القانون املحدث للمحاكم اإلدارية‪ ،‬نجد الفصل ‪ 152‬منه‬

‫يقض ي بان األوامر االستعجالية ال تبت اال في اإلجراءات الوقتية وال تمس بما يمكن‬

‫ان يقض ى به في الجوهر‪ .‬وهي نفس املقتضيات التي تطبق أمام قاض ي املستعجالت‬

‫اإلداري في إطار دعوى وقف تنفيذ الدين الضريبي‪ ،‬ذلك ان املشرع املغربي لم يورد‬

‫أي استثناء على هذه القاعدة في قانون املسطرة املدنية كما فعل في القانون املحدث‬

‫للمحاكم التجارية‪ .‬ومن هنا يمكن ان نستنتج بأن شرط عدم املساس بالجوهر في‬

‫إطار دعوى إيقاف إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي يرتبط بالنظام العام‬

‫وال يمكن بالتالي لقاض ي املستعجالت ان يخرقه واال عد بذلك متجاوزا لحدود‬

‫اختصاصه‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬شروط مبدأ عدم املساس باجلوهر‬

‫ان مبدا عدم املساس بالجوهر كشرط النعقاد اختصاص قاض ي املستعجالت‬

‫هواالخرشانه في ذلك شأن عنصراالستعجال‪ ،‬لن يستقيم اال بتو افرشروطه‪ ،‬والتي‬

‫حددها الفقه كذلك في وجوب كون اإلجراء وقتيا (الفقرة األولى) إضافة الى وجوب‬

‫تقيد قاض ي األموراملستعجلة بالبحث في ظاهراألوراق واملستندات (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 109‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقرة االوىل‪ :‬وجوب كون اإلجراء وقتيا‬

‫لعل األمر الذي شجع القضاء االستعجالي اإلداري إلقرار نظام إيقاف تنفيذ‬

‫الدين الضريبي هو اكتساء الطلبات املتعلقة به طابعا وقتيا‪ ،‬مما يجعله من زمرة‬
‫الطلبات االستعجالية والوقتية التي تعتبر من صميم اختصاص هذا القضاء‪183.‬‬

‫وعليه يمكن اعتبار الطابع الوقتي الذي تتسم به طلبات إيقاف التنفيذ أقوى‬

‫مبرر على منح االختصاص بشأنها لقاض ي األمور املستعجلة‪ ،‬ال سيما وان القواعد‬

‫العامة املنظمة لالستعجال سواء تلك الواردة في القانون ‪ 90-41‬او تلك الواردة في‬

‫قانون املسطرة املدنية‪ ،‬بإمكانها استيعاب مجموعة من الحاالت واألوضاع القانونية‬

‫التي قد تطرا في املستقبل‪ ،‬والتي ال يمكن للتشريع ان يتنبأ لها جميعا او يتناولها‬
‫بالتنظيم والتفصيل‪184.‬‬

‫ويطرح السؤال هنا حول املقصود من اإلجراء او الطابع الوقتي؟ ومتى يتحلى‬

‫الطلب القضائي بهذه الصفة؟‬

‫يذهب أحد الفقهاء الى ان اإلجراء الوقتي هو الذي يرمي الى حماية حق يخش ى‬

‫عليه من فوات األوان‪ ،‬او الذي يقصد منه إبعاد خطر محقق الوقوع‪ ،‬او املحافظة‬
‫على حالة فعلية مشروعة او صيانة مركز قانوني قائم‪185.‬‬

‫‪ 183‬محمد قصري‪ ،‬إيقاف تنفيذ الدين العمومي امام القضاء االستعجالي‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحاكم اإلدارية‪ ،‬منشورات جمعية نشر‬
‫المعلومة القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪ 3‬ماي ‪ ،2008‬ص ‪.34‬‬
‫‪184‬سعيد العمري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪185‬محمد عبد اللطيف‪ ،‬القضاء المستعجل‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،1977‬ص ‪ ،83‬أشار اليه عبد الكريم الطالب‪،‬‬
‫م س‪ ،‬ص ‪.110‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 110‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وميز األستاذ عبد الكريم الطالب بين كل من االجراء الوقتي واإلجراء العادي‬

‫واإلجراء املستعجل على الشكل التالي‪:186‬‬

‫ـ فاإلجراء العادي "هو الذي تتبع فيه املسطرة العادية في رفع الدعوى‪ ،‬والحكم‬

‫فيها‪ ،‬والطعن في هذا الحكم‪ ،‬واألصل في اإلجراءات انها عادية ما لم يقض القانون‬

‫بخالف ذلك‪ ،‬ويعود االختصاص فيها لقاض ي املوضوع"؛‬

‫ـ واإلجراء الوقتي "هو الذي يتميز بعدم تقييده لقاض ي األمور املستعجلة او‬

‫قاض ي املوضوع‪ ،‬وبإمكانية العدول عنه دون حدوث ضرريصعب تالفيه ‪"...‬؛‬

‫ـ أما االجراء املستعجل "فهو الذي يكون مقرونا بعنصر االستعجال ويخضع‬

‫ملسطرة خاصة غير املسطرة املنصوص عليها في الحاالت العادية‪ ،‬وهي املنصوص‬

‫عليها من طرف املشرع املغربي في الفصول ‪ 149‬الى ‪ 154‬من قانون املسطرة املدنية"‪.‬‬

‫بناء على ذلك‪ ،‬يتضح بان إيقاف التنفيذ تنطبق عليه خصائص اإلجراء الوقتي‪،‬‬

‫فهو إجراء وقتي لكونه ال يقيد قاض ي األمور املستعجلة‪ ،‬إذ يمكنه العدول عنه دون‬

‫حدوث ضرر يصعب تالفيه‪ ،‬ألنه في أصله ال يمس بجوهر الحقوق وال يغير في املراكز‬

‫القانونية لألطراف‪ .‬وكما أنه ال يقيد قاض ي املستعجالت‪ ،‬فهو ال يقيد قاض ي‬

‫املوضوع أيضا‪ ،‬اذ يمكن أن يبني قاض ي املستعجالت منح األمر بإيقاف تنفيذ الدين‬

‫الضريبي على احتمال إلغاء هذا الدين من قبل قاض ي املوضوع‪ ،‬لكن هذا االحتمال‬

‫‪186‬عبد الكريم الطالب‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.111-110‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 111‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ال يقيد قاض ي املوضوع وال يؤثر حتى على مسار البت في جوهر النزاع‪ ،‬ومتى تم تأكيد‬

‫وجود الدين العمومي على مستوى املوضوع زالت بذلك حجية األمربإيقاف التنفيذ‬
‫وال يبقى له اثر‪187.‬‬

‫وفي هذا اإلطار نقرأ في حيثيات األمرين االستعجاليين الصادرين عن رئيس‬

‫املحكمة اإلدارية بمراكش ما يلي‪" :‬لكن حيث يبقى الدفع املستمد من عدم‬

‫اختصاصنا للبت في الطلب الحالي غير ذي أساس‪ ،‬ذلك أنه فضال عن كون طلبات‬

‫إيقاف التنفيذ حسب ما استقر عليه االجتهاد القضائي في املادة اإلدارية تكون‬

‫مفترضة بحالة االستعجال‪ ،...‬فإن الطلب الحالي يندرج ضمن الطلبات الوقتية التي‬

‫ال تمس باملوضوع والداخلة في اختصاص رئيس املحكمة اإلدارية بصفته قاضيا‬

‫للمستعجالت طبقا للمادة ‪ 19‬من القانون رقم ‪ 90/41‬املحدث للمحاكم‬

‫اإلدارية‪ ،188"...‬وجاء في األمر الثاني "لكن حيث أنه من جهة فمادامت الطالبة غير‬

‫مدينة ملديرية الضرائب بمراكش بأي دين ضريبي كما ان أي إجراء من إجراءات‬

‫التحصيل الجبري لم تقم باتخاذه في مواجهتها قباضة اإلدارة الجبائية فإن طلبها‬

‫الحالي الرامي الى رفع التعرض عن ناقالتها انما يدخل في زمرة الطلبات الرامية الى‬

‫اتخاذ التدابيرالوقتية واإلجراءات التحفظية التي تقتضيها حالة االستعجال املتمثلة‬

‫في الخطراملحدق بناقالتها‪.189"...‬‬

‫‪187‬سعيد العمري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.69‬‬


‫‪188‬امر عدد ‪ ،139‬مؤرخ في ‪ 11‬شعبان ‪ 1437‬موافق ‪ 18‬ماي ‪ ،2016‬في الملف عدد ‪ ،2016/7101/91‬غير منشور‪.‬‬
‫‪189‬امر عدد ‪ ،147‬مؤرخ في ‪ ،2015/5/13‬في الملف عدد ‪ ،2015/7101/30‬غير منشور‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 112‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬وجوب البحث يف ظاهر األوراق واملستندات‬

‫يتعين على قاض ي األمور املستعجلة وهو بصدد البت في طلب إيقاف إجراءات‬

‫التحصيل الجبري‪ ،‬وحتى ال يمس بما يمكن ان يقض ى به في الجوهر‪ - ،‬يتعين عليه –‬

‫ان يلتزم بالبحث في ظاهر األوراق واملستندات التي يدلي بها طالب اإليقاف تعزيزا‬

‫لطلبه‪ ،‬او التي تدلي بها اإلدارة الضريبية دفاعا عن مصالحها‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك حسب األستاذ إدريس العلوي العبدالوي‪ ،‬ان قاض ي األمور‬

‫املستعجلة يتعين عليه ان ال يتعمق في فحص جوهروكنه املستندات‪ ،‬و إنما عليه ان‬

‫يكتفي بوضع ملساته الخفيفة على ظاهرها دون البحث في تفسيرها او تأويلها‪ ،‬فهو‬

‫يفحص فقط وجهها ليحمي من يبدو ألول وهلة أنه أجدر بالحماية‪ ،‬و ال يمكنه ان‬

‫يجري تحقيقات او أبحاث او معاينات إلثبات او نفي الحق وان كان له ان يقوم بذلك‬
‫من أجل اثبات الخطر الذي هو كنه عنصر االستعجال‪190.‬‬

‫وهذا األمر هو ما تمكنا من استخالصه من خالل اطالعنا على مجموعة من‬

‫األوامرالصادرة عن قاض ي املستعجالت لدى املحكمة اإلدارية بمراكش والتي وجدنا‬

‫بها جميعها عبارة "وحيث ان البادي من ظاهر مستندات امللف" وكذا عبارة "وحيث‬

‫انه‪ ،‬وبعد االطالع على ظاهر وثائق امللف‪ ،‬وخاصة دعوى املوضوع املفتوحة بهذه‬

‫املحكمة تحت رقم ‪ ،"...‬ونذكرمنها على سبيل املثال ال الحصراألمر‪ 191‬عدد ‪ 50‬املؤرخ‬

‫‪ 190‬ادريس العلوي العبدالوي‪ ،‬قضاء األمور المستعجلة في التشريع المغربي‪ ،‬المجلة المغربية للقانون المقارن‪ ،‬العدد الثاني ‪ ،1983‬ص‬
‫‪.25‬‬
‫‪191‬امر استعجالي غير منشور‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 113‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫في ‪ 02‬مارس ‪ 2016‬في امللف االستعجالي عدد ‪ ،2015/7101/411‬واألمر‪ 192‬عدد ‪318‬‬

‫املؤرخ في ‪ 2016/11/09‬في امللف عدد ‪.2016/7101/270‬‬

‫وفي إطار التزام قاض ي األمور املستعجلة بشرط البحث في ظاهر األوراق‬

‫واملستندات‪ ،‬نقرأ في حيثيات األمر الصادر عن رئيس إدارية مراكش‪ 193‬ما مفاده‬

‫"وحيث ان البت في الطلب الحالي يشكل منازعة موضوعية على اعتبار ان البت فيه‬

‫يقتض ي فحص الحجج واملستندات وليس االطالع على ظاهرها فقط للتأكد من‬

‫مشروعية الرهن املطلوب رفعه والحسم في انتفاء املديونية‪."...‬‬

‫أما عن اعتبار مبدا عدم املساس بما يمكن ان يقض ى به في الجوهر أو ما‬

‫يصطلح عليه كذلك بعدم املساس بأصل الحق شرطا الزما النعقاد االختصاص‬

‫لقاض ي املستعجالت اإلداري فقد جاء في أمر صادر عن رئيس املحكمة اإلدارية‬

‫بمراكش‪ 194‬ما يلي‪" :‬لكن حيث ان مناط اختصاص قاض ي املستعجالت إنما ينحصر‬

‫في اتخاذ جميع التدابير الوقتية واإلجراءات التحفظية التي تقتضيها حالة‬

‫‪192‬امر استعجالي غير منشور‪.‬‬


‫‪193‬امر عدد ‪ ،85‬مؤرخ في ‪ 06‬رجب ‪ 1437‬موافق ‪ 13‬ابريل ‪ ،2016‬في الملف عدد ‪ ،2016/7101/88‬غير منشور‪.‬‬
‫‪194‬امر رقم ‪ ،94‬مؤرخ في ‪ ،2015/4/15‬في الملف عدد ‪ ،2015/7101/44‬غير منشور‪.‬‬
‫وفي نفس الصدد جاء في امر اخر صادر عن قاضي المستعجالت لدى إدارية مراكش ما يلي‪ " :‬وحيث انه‪ ،‬حقا‪ ،‬فطالما ان الطلب‬
‫األصلي وكذا مقال التدخل االختياري في الدعوى يهدفان الى رفع الحجز عن مبلغ اتعاب األساتذة (‪ )...‬في اطار الملف التنفيذي رقم‬
‫‪ ...‬الموقع من طرف اإلدارة الجبائية‪ ،‬فهو طلب يشكل منازعة جوهرية تقتضي النظر في مدى مشروعية االجراء المطلوب‪ ،‬ال سيما‬
‫امام المنازعة المثارة بين األطراف‪ ،‬ف ضال عما يقتضي ذلك من فحص الحجج والمستندات المدلى بها كل طرف وليس االطالع على‬
‫ظاهرها فقط‪ ،‬االمر الذي من شانه المساس بجوهر الحق ويخرج بالتالي عن نطاق اختصاص قاضي المستعجالت الذي ينحصر في‬
‫اتخاذ اإلجراءات الوقتية والتحفظية‪ ،‬ويتعين معه بالتالي التصريح بعدم اختصاصنا للبت في الطلبين وإبقاء الصائر على رافعهما"‪ ،‬امر‬
‫عدد ‪ 57‬المؤرخ في ‪ 09‬مارس ‪ ،2016‬في الملف عدد ‪ ،2016/7101/16‬غير منشور‪.‬‬
‫وجاء كذلك في االمر السابق اإلشارة اليه عدد ‪ 85‬في الملف عدد ‪ 2016/7101/88‬ما يلي‪" :‬وحيث يختص قاضي المستعجالت‬
‫بالمحكمة اإلدارية بالنظر ف ي الطلبات الوقتية والتحفظية‪ ،‬ويشترط النعقاد اختصاصه توفر عنصر االستعجال وعدم المساس بما يما‬
‫يمكن ان يقضى به في الجوهر عمال بأحكام الفصل ‪ 152‬من قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب المادة ‪ 7‬من القانون رقم ‪-41‬‬
‫‪ 90‬المحدث للمحاكم اإلدارية‪.‬‬
‫وحيث ان البت في ا لطلب الحالي يشكل منازعة موضوعية على اعتبار ان البت فيه يقتضي فحص الحجج والمستندات وليس االطالع‬
‫على ظاهرها فقط للتأكد منى مشروعية الرهن المطلوب رفعه والحسم في انتفاء المديونية‪ ،‬االمر الذي من شانه المساس بجوهر الحق‬
‫ويخرج بالتالي عن نطاق اختصاص قاضي المستعجالت الذي ينحصر في اتخاذ اإلجراءات الوقتية والتحفظية"‪ .‬امر غير منشور‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 114‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫االستعجال وال يمكنه اتخاذ أي إجراء من شأنه املساس بما يمكن أن يقض ى به في‬

‫الجوهر‪ ،‬كما ان حالة االستعجال وعدم املساس بأصل الحق يعتبران شرطان‬

‫الزمان الختصاص قاض ي املستعجالت بحيث ان اختصاص هذا اال خير يبقى رهين‬

‫بتحقق الشرطين املذكورين معا‪.‬‬

‫وحيث في نازلة الحال فان البت في طلب استرجاع املبالغ املالية املشارإليها أعاله‬

‫يقتض ي التأكد من الو اقعة املنشئة للضرائب املفروضة على املدعي ومن مدى‬

‫مشروعية اإلجراءات التي اتخذها السيد القابض في سبيل استخالص املبالغ التي‬

‫ترتبت عنها تلك الضرائب وذلك عن طريق فحص وتمحيص الوثائق واملستندات‬

‫وهوما من شانه املساس بأصل الحق مهما كان عنصراالستعجال حاضرا األمرالذي‬

‫يخرج عن نطاق اختصاص قاض ي األموراملستعجلة‪".‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫يتضح اذا من خالل ما فصلناه بخصوص شرطي االستعجال وعدم املساس‬

‫بالجوهرما لهذين األخيرين من أهمية كبيرة للقول بانعقاد االختصاص لقاض ي األمور‬

‫املستعجلة لدى املحكمة اإلدارية وذلك للبت في طلبات إيقاف إجراءات التحصيل‬

‫الجبري للديون الضريبية‪ .‬غير ان ما تجدر اإلشارة اليه في ختام هذا املقال‪ ،‬هو ان‬

‫االمر ال يتطلب فقط مجرد تو افر الشرطين سالفي الذكر حتى ينعقد االختصاص‬

‫للقضاء االستعجالي في املادة الضريبية‪ ،‬بل يتعين إضافة الى ذلك ان يتوفر شرطين‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 115‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اخرين ال يقالن أهمية عن الشروط األخرى‪ ،‬ويتعلق االمر بعنصر الجدية وتوفر‬

‫الضمانات عند اللزوم‪ ،‬وهو ما سيكون موضوعا ملقال الحق باذن هللا‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 116‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األستاذ فاطنة النوحي‬


‫باحثة بسلك الدكتوراه بكلية احلقوق‬
‫أكدال ‪ -‬الرباط‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن املخاطراملهنية ال تقتصرعلى حادثة الشغل أوحادثة الطريق‪ ،‬و إنما تتعداه‬

‫إلى إصابة العامل بمرض منهي‪ ،‬بفعل اشتغاله في أماكن و ظروف غير صحية‪ ،‬مما‬

‫يؤدي إلى اعتالل في صحته دون وقوع حادث مفاجئ له‪ .‬ووعيا بذلك تدخل املشرع‬

‫املغربي وأصدرظهير‪ 31‬ماي ‪ ،1943‬الذي دخلت عليه عدة تعديالت فيما بعد‪ ،‬ومدد‬

‫بموجبه مقتضيات ظهير ‪ 25‬يونيو ‪ 1927‬املغير من حيث الشكل بظهير ‪6‬‬

‫فبراير‪ 1951963‬هذا األخير عرف بدوره تعديالت توجت بإخراج قانون رقم ‪12.18‬‬

‫املتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل‪ ،‬الذي حل محل ظهير‪ 6‬فبراير‪.1963‬‬

‫‪ - 195‬بالرجوع إلى هذا الظهير يمكن إجمال هذه المقتضيات الخاصة في ثالث حاالت‪:‬‬
‫‪ -‬الحالة األولى‪ :‬تتعلق بتحديد األمراض المهنية وبالشروط الواجب توفرها من أجل المطالبة بالتعويض عنها‪.‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 117‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وكان الهدف من هذا التدخل التشريعي‪ ،‬هو إقرار املزيد من الحماية للفئات‬

‫العمالية‪ ،‬وذلك تحقيقا لطابع الحمائي لقانون الشغل‪ ،‬حيث خول لألجراء املصابين‬

‫بأمراض مهنية بموجب ظهير‪ 31‬ماي ‪ 1943‬حق االستفادة من نفس التعويضات التي‬

‫ينص عليها ظهير حوادث الشغل‪ ،‬بعد إثباتهم للمرض املنهي‪ ،‬بعدما لم يكن في‬

‫استطاعة األجير املصاب في ما مض ى أن يحصل على أي تعويض من مشغله إال إذا‬

‫أثبت أركان املسؤولية التقصيرية طبقا للقواعد العامة‪ .196‬ولفهم قضية إثبات‬

‫املرض املنهي و إشكاليته‪ ،‬سيتم تقسيم هذا املوضوع إلى محورين نعالج في أولهما‬

‫املرض املنهي‪ ،‬و نتطرق في ثانيهما إلى إشكالية إثبات املرض املنهي‪.‬‬

‫احملور األول‪ :‬املرض املهني‬

‫إن ظهير ‪ 31‬ماي ‪ 1943‬باإلضافة إلى مختلف النصوص األخرى املتممة أو‬

‫املعدلة له‪ ،197‬أو تلك التي تبين كيفية تطبيقه‪ ،198‬هو الذي يحدد الوقائع التي تعد‬

‫أمراضا مهنية وتخول املصاب بها نيل مختلف التعويضات التي يقررها ظهير‪ 6‬فبراير‬

‫‪ -‬الحالة الثانية‪ :‬تتعلق بكيفية إسناد مسؤولية هذه األمراض إلى المؤاجر أو المؤاجرين في حالة تعددهم‪.‬‬
‫‪ -‬الحالة الثالثة‪ :‬فتتعلق بالتصريح عن هذه األمراض‪.‬‬
‫‪ -196‬بالل العشيري‪ ،‬حوادث الشغل واألمراض المهنية‪-‬دراسة نظرية وتطبيقية‪ ،‬دار أبي رقراق للطباعة والنشر الرباط‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪.2011‬ص‪.45:‬‬
‫‪ - 197‬ومن هذه الظهائر نذكر‪:‬‬
‫‪ -‬ظهير ‪ 18‬أكتوبر ‪ ،1945‬جريدة رسمية عدد ‪.1727‬‬
‫‪ -‬ظهير ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1947‬جريدة رسمية عدد ‪.1831‬‬
‫‪ -‬ظهير ‪ 29‬أكتوبر ‪ 1952‬جريدة رسمية عدد ‪.2088‬‬
‫‪ -‬ظهير ‪ 18‬ماي ‪ 1959‬جريدة رسمية عدد ‪.2331‬‬
‫‪ -198‬وقد أشار إلى أهمها األستاذ برادة غزيول في مؤلفه حول األمراض المهنية في التشريع المغربي‪ ،‬دراسة وتطبيق‪،‬‬
‫مكتبة األمنية بالرباط‪ ،1991،‬ص‪ 896:‬وما بعدها الخاصة بالمالحق‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 118‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ .1963‬ولفهم هذا النوع من املخاطر‪ ،‬سنتطرق في هذا املبحث ملفهوم املرض املنهي‬

‫و أنواعه "املطلب األول"‪ ،‬ثم نتعرض لشروط املرض املنهي وطبيعته "املطلب الثاني"‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم املرض املهني و أنواعه‬

‫لتناول هذا املطلب نتعرض أوال لتحديد مفهوم املرض املنهي املوجب للتعويض‬

‫في إطار ظهير حوادث الشغل و األمراض املهنية‪ ،‬ثم نتطرق ثانيا ملعرفة أنواعه كما‬

‫حددها املشرع املغربي بعد أن أوضح األعمال أو املواد التي قد تتسبب في ظهورها‬

‫خالل مدة زمنية‪.‬‬

‫أ‪ :‬مفهوم املرض املهني‬

‫رغم الصعوبة التي طرحت بصدد تعريف املرض املنهي بحكم عدم خضوعه‬

‫لقاعدة علمية أو معيار قانوني‪ ،199‬وكذا لكونه ظاهرة متعددة األسباب متنوعة‬

‫األوجه واألعراض‪ ،200‬فإنه من الناحية الطبية ليس من السهل وضع حدود فاصلة‬

‫بين املرض املنهي واملرض العادي‪ ،‬وذلك لصعوبة إثبات عالقة املرض بطبيعة العمل‬

‫املنجز من قبل األجير‪ ،‬نظرا الختالف فترة التعرض ملخاطر املهنة و مدى مزاولتها‪،‬‬

‫فضال عن اختالف األجراء أنفسهم من ناحية االستعداد لتقبل املرض إيجابا أو‬

‫سلبا‪ ،201‬الختالف الحالة البيولوجية من شخص ألخر‪ .‬إال أن هذا األمر لم يشكل‬

‫عائقا أمام املحاوالت الجادة في املوضوع حيث نجد منظمة العمل الدولية تأتي في‬

‫‪ - 199‬آمال جالل‪ ،‬مسؤولية المؤاجر عن حوادث واألمراض المهنية في التشريع المغربي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫البيضاء ‪ ،1977‬ص‪.876:‬‬
‫‪ -200‬محمد الكشبور‪ ،‬حوادث الشغل واألمراض المهنية المسؤولية والتعويض‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،1955‬ص‪.90:‬‬
‫‪ - 201‬رجب سيد حميدة عبد ‪ :‬اتجاهات الضمان االجتماعي في القانون المصري‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬‬
‫جامعة القاهرة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،1993 ،‬ص‪.322:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 119‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫إحدى توصياتها لتقدم ضمن الفقرة الثالثة من املادة ‪ 16‬تعريفا للمرض املنهي على‬

‫النحو التالي ‪" :‬كل مرض ال يصاب به عادة إال األشخاص الذين يعملون في مهن‬

‫معينة‪ ،‬أو تسمم يحدث بسبب املواد املستعملة في مهن معينة‪ ،‬يجب اعتباره بمثابة‬

‫مرض منهي يستوجب التعويض عنه وذلك إذا كان الشخص ممن يعملون في تلك‬

‫املهن"‪ ،202‬أما التشريعات فمنها من حاولت إعطاء تعريف للمرض املنهي‪ ،‬ومنها من‬

‫أحجم عن إعطاء أي تعريف‪.‬‬

‫فمن التشريعات التي عرفت املرض املنهي‪ ،‬نجد املشرع التونس ي في قانون ‪،1994‬‬

‫حيث جاء في الفقرة الثالثة من الفصل الثالث ‪ " :‬يعتبرمرضا مهنيا كل ظاهرة اعتالل‬

‫و كل تعفن جرثومي أو إصابة يكون مصدرها بالقرينة ناشئا عن النشاط املنهي"‪،‬‬

‫أيضا نجد املشرع السوري الذي عرفه بأنه‪" :‬كل مرض يصاب به العامل من جراء‬

‫عمله‪ ،‬في املواد واألعمال املسببة له" ‪ ،‬أما التشريعات التي أحجمت عن إعطاء أي‬

‫تعريف للمرض املنهي‪ ،‬نجد من بينها املشرع الفرنس ي‪ 203‬وكذا املشرع املغربي‪ ،‬و إنما‬

‫قد أشار في الفصل الثاني من ظهير ‪ ، 1943‬إلى ما يلي‪ " :‬تعتبر كأمراض مهنية حسب‬

‫معنى ظهيرنا هذا كل العلل املؤملة‪ ،‬و األمراض املتسببة عن الجراثيم املتعفنة‪،‬‬

‫وكذلك األمراض املبينة في قرار وزير الشغل و الشؤون االجتماعية املتخذ بعد‬

‫‪ - 202‬منظمة العمل الدولية في توصيتها رقم ‪ 67‬الصادرة سنة ‪.1944‬‬


‫‪V : Francis Lefebvre, accident du travail, maladies professionnelles, Maury - 203‬‬
‫‪1993. page : 395‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 120‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫استشارة وزير الصحة العمومية‪ ،‬و يشمل هذا القرار جداول يبين فيها دقة ووضوح‬

‫ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ -‬مظاهر أمراض التسمم الحادة أو املزمنة‪ :‬التي تتجلى في العملة املعرضين‬

‫عادة لعوامل مواد سامة بسبب إنجاز أشغال تتطلب ممارسة أو استخدام عناصر‬

‫سامة‪ ،‬يشارفي القرارإلى أهمها على سبيل اإلرشاد‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬األعمال املتسببة عن الجراثيم التعفنية‪ :‬والتي تداهم من يشتغل عادة‬

‫باألعمال املبينة في الجداول املشارإليها‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬األعمال الناتجة عن الوسط الذي يوجد فيه العامل‪ ،‬أو عن الوضعيات‬

‫امللزم اتخاذها إلنجازشغل من األشغال املبينة بنفس الجداول املذكورة‪.‬‬

‫وتتضمن هذه الجداول زيادة على ذلك‪ ،‬اآلجال التي يبقى املؤاجرخاللها مسؤوال‬

‫ضمن حدود الشروط املنصوص عليها في الفصل الثالث اآلتي بعده‪ ،‬و إذا وقع تتميم‬

‫الجداول املذكورة أو أعيد النظرفيها‪ ،‬فيجوزلوزيرالشغل و الشؤون االجتماعية أن‬

‫يبين في قراره األجل التي تصبح بعض انقضائه نافذة التغييرات و الزيادات املدخلة‬

‫على هاته الجداول " ‪.‬‬

‫والذي يمكن استنتاجه من خالل مقتضيات هذا النص التشريعي هو أن كل‬

‫مرض يصاب به األجير أثناء قيامه بعمله ال يمكن اعتباره مرضا مهنيا يخضع‬

‫ملقتضيات ظهير ‪ 6‬فبراير ‪ ،1963‬إال إذا تحققت بشأنه الشروط التي قررها املشرع‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 121‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫من خالل الفصل الثاني أعاله‪ ،‬ألن املشرع املغربي أخذ بمبدأ تحديد األمراض املهنية‬

‫على سبيل الحصر‪ .‬فاألمراض املهنية منصوص عليها في قوائم‪ ،204‬و سبب اندالعها‬

‫ومدة املسؤولية منصوص عليها في لوائح‪ ،‬وبالتالي فإنه ملطالبة األجير أو ذوو حقوقه‬

‫في حالة وفاته بالتعويض عن أي مرض يرون أنه منهي‪ ،‬البد من إثبات الشروط‬

‫املتطلبة فيه‪ ،‬وذلك حسب نوع املرض املنهي‪ ،‬مع إعفاء األجيروذوو حقوقه من إثبات‬

‫العالقة السببية بين املرض و العمل الذي يقوم‪.205‬‬

‫ب‪ :‬أنواع املرض املهني‬

‫لم يكلف املشرع املغربي األجير الذي يصاب بمرض منهي إثبات العالقة السببية‬

‫بين املرض و الشغل الذي يقوم به‪ ،‬و إنما جعل فئة من األمراض تعتبرمهنية‪ ،‬بحيث‬

‫ال يحتاج املصاب إلى إثبات هذه العالقة متى كان يقوم باألعمال التي تؤدي إلى‬

‫ظهورها‪ ،‬واملنصوص عليها بنصوص تشريعية أو التنظيمية‪ ،‬و األمراض التي جعلها‬

‫املشرع مهنية‪ ،‬هي مصنفة على سبيل الحصر‪ ،206‬في قوائم ملحقة بظهير ‪ 31‬ماي‬

‫‪.2071943‬‬

‫‪ - 204‬كما يستفاد من قرار وزير الشغل والشؤون االجتماعية بتاريخ ‪ 20‬ماي ‪ 1967‬توجد ‪ 35‬قائمة لألمراض المهنية‬
‫بعد أن كان عددها مجددا في ‪ 18‬قائمة قبل هذا التاريخ وبحسب قرار وزير التنمية االجتماعية والتضامن و التشغيل و‬
‫التكوين المهني المؤرخ في ‪ 23‬دسمبر ‪ 1999‬أصبح عدد هذه القوائم ‪ 86‬قائمة يقدر ب ‪ 18‬قائمة قبل إدخال تعديالت‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ - 205‬آمال جالل‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.277 :‬‬
‫‪ - 206‬آمال جالل‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.277 :‬‬
‫‪ - 207‬أنظر قرار وزير الشغل والشؤون االجتماعية الصادر بتاريخ ‪ 20‬ماي ‪ ،1967‬والمعدل بقرار الوزير رقم ‪-27‬‬
‫‪ 855‬بتاريخ ‪ 19‬شتنبر ‪،1972‬أنظر أيضا قرار وزير التنمية االجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني بتاريخ‬
‫‪ 13‬دجنبر ‪ 1999‬المتعلق بمراجعة قائمة األمراض المهنية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 122‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وجدير باملالحظة أن ظهير ‪ 31‬ماي ‪ 1943‬كما وقع تغييره وتتميمه‪ ،‬قد وضع‬

‫تصنيفا ثالثيا لألمراض املهنية " الفصل ‪ 2‬من الظهيراملذكور"‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬أمراض التسمم الحادة أو املزمنة‪ :‬والتي تظهرلدى العمال الذين يستخدمون‬

‫خالل نشاطهم املنهي مواد سامة‪ ،‬ورد النص عليها على سبيل املثال ال الحصر‪ ،‬بدليل‬

‫أن املشرع يستعمل العبارة اآلتية ‪:‬‬

‫" الئحة بيانية ألهم األشغال التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور هذه األمراض"‪،‬‬

‫وبالنسبة لهذا التصنيف فإن األجيراملصاب ال يستفيد من اعتباركون مرضه مهنيا‪،‬‬

‫إال إذا كان معرضا بكيفية منتظمة ملفعول املواد أو املركبات الوارد تعدادها في‬

‫القوائم امللحقة بالظهير‪ ،‬ومن هذه املواد نذكر الرصاص الزئبق و مركباته البترول‬

‫ومشتقاته و الفوسفورومشتقاته‪...‬‬

‫فهذا النوع من األمراض املهنية أوجد املشرع بخصوصه قائمة تنقسم إلى‬

‫الئحتين‪ 208‬الئحة بأسماء األمراض وهي واردة على سبيل الحصر‪ ،‬و الئحة بأسماء‬

‫األشغال التي من شأنها أن تسبب املرض املنهي وهي أشغال واردة على سبيل املثال‬

‫فقط‪ ،‬ويؤكد هذا أن القائمة البيانية الواردة في امللحق األول لقرار وزير الشغل‬

‫والشؤون االجتماعية بتاريخ ‪ 20‬ماي ‪ ،1967‬تضمنت فقط أهم األشغال التي من‬

‫‪ - 208‬أنظر الجدول الملحق بقرار وزير الشغل والشؤون االجتماعية عدد ‪ 68-100‬المؤرخ في ‪ 20‬ماي ‪ 1967‬بتنفيذ‬
‫ظهير ‪ 31‬ماي ‪ ،1943‬الممتدة بموجبه إلى األمراض المهنية‪ ،‬مقتضيات ظهير ‪ 25‬يونيو ‪( 1927‬الملحق رقم ‪)1‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 123‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫شأنها أن تسبب هذا النوع من األمراض املهنية‪ ،‬مما يفيد بإمكانية االعتداد بأخرى‬

‫طاملا نجم عنها مرض منهي منصوص عليه قانونا‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أمراض التعفن الناتجة عن بعض الجراثيم‪ :‬ومن ذلك مثال الكزاز املنهي و‬

‫الجمرة الخبيثة والتيتانوس‪...‬وال تعتبركل اإلصابات الناتجة عن مثل هذه االلتهابات‬

‫امليكروبية أمراضا مهنية‪ ،‬إال إذا كان املصاب يقوم باألشغال التي تسببها بانتظام في‬

‫األعمال التي تسببها‪ ،‬مع مالحظة أن األشغال التي تسببها واردة على سبيل الحصرفي‬

‫هذا النوع من األمراض املهنية وليس على سبيل املثال كما في النوع األول‪ ،‬بمعنى أن‬

‫األجيرعليه أن يثبت أنه مصاب بمرض منصوص عليه قانونا‪ ،‬وأن يثبت اشتغاله في‬

‫العمل املسبب لهذا املرض وبكيفية منتظمة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬األمراض الناتجة عن الوسط أو املحيط الذي يشتغل فيه املصاب أو عن‬

‫وضع معين‪ :‬كوجود العامل في باطن األرض أو االشتغال في مكان كثير الضجيج مما‬

‫يؤدي إلى قصورسمعي‪ ،‬أومكان قوي أوضعيف اإلضاءة مما يؤدي إلى ضعف بصره‪،‬‬

‫أو اشتغاله في مكان شديد الرطوبة فيصاب بالروماتزم ‪ ،‬و بالنسبة لهذا التصنيف‬

‫فإنه ال يطلب من األجير املصاب أن يكون إحتك باستمرار أو قام بانتظام باألعمال‬

‫التي تسبب في ظهور هذا املرض‪ ،‬غير أن الئحة األشغال التي تعرض ملثل هذه‬

‫اإلصابات واردة بدورها على سبيل الحصر‪.‬‬

‫ومن خالل تلك األنواع الثالثة لألمراض املهنية‪ ،‬يتبين أن املشرع قد نص و‬

‫بكيفية حصرية على األمراض املهنية‪ ،‬وعلى األعمال التي من شأنها أن تسببها‪ ،‬كذلك‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 124‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يالحظ أن امللحق رقم ‪ 4‬تضمن كذلك الئحة باألمراض التي من املفترض أنها قد تصير‬

‫مهنية كذلك‪ ،‬والتي يتعين على األطباء التصريح بها استنادا ملقتضيات الفصل ‪ 9‬من‬

‫ظهير ‪ 31‬ماي ‪ 2091943‬وهي أمراض كما يذهب إلى ذلك جانب من الفقه‪ 210‬ال تعتبر‬

‫مهنية‪ ،‬و إنما وضعت إلمكانية تمديد قائمة األمراض املهنية مستقبال من جهة‪،‬‬

‫والتخاذ التدابيرالوقائية الالزمة لها من جهة ثانية‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة في األخير أن األجير لكي يتمكن من املطالبة بالتعويضات‬

‫املنصوص عليها في ظهير‪ 6‬فبراير‪ 1963‬فال يكفيه أن يكون مصابا بأي مرض‪ ،‬بل البد‬

‫أن تتوفرفي هذا األخيرالشروط املنصوص عليها في ظهير‪ 31‬ماي ‪ 1943‬كما وقع تغييره‬

‫أوتتميمه‪ ،‬مما يفيد وجود تمييزبينه وبين املرض العادي‪ ،‬كما أنه رغم خضوع املرض‬

‫املنهي مع حادثة الشغل إلى نفس مقتضيات ظهير‪ 6‬فبراير ‪ ،1963‬إال أنهما يختلفان‬

‫في عدة أوجه ‪ ،‬وهذا ما سنتناوله في املطلب املوالي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬شروط املرض املهني و طبيعته‬

‫بناء على طبيعة األمراض املهنية‪ ،‬يتبين أنه ليس كل مرض يعد كذلك إال إذا ورد‬

‫ضمن الجداول املنصوص عليها قانونا حتى ال يختلط باملرض العادي‪ ،‬من جهة و‬

‫يخول من جهة أخرى األجير املريض االستفادة من الحماية املنصوص عليها في ظهير‬

‫‪ -209‬تنص مقتضيات الفقرة األولى من الفصل التاسع من ظهير ‪ 31‬ماي ‪ 1943‬المعدل بظهير ‪ 29‬شتنبر ‪1952‬‬
‫أنه‪ ":‬يتعين على كل طبيب مزاول لمهنة الطب أن يقدم تصريحا بالمرض المهني‪ ،‬المظنون أنه مهني‪ ،‬الذي شاهده في‬
‫أحد العملة‪ ،‬سواء كان ذلك المرض مبينا أو غير مبين في الالئحة التي ستعين في قرار وزير الشغل والشؤون االجتماعية‪".‬‬
‫‪ - 210‬آمال جالل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.279 :‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 125‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ 6‬فبراير‪ .1963‬و للوصول إلى هذا التمييزمن خالل الوقوف على الطبيعة القانونية‬

‫للمرض املنهي يجب أوال معرفة شروطه القانونية‪.‬‬

‫أ‪ :‬شروط املرض املهني‬

‫العتبار املرض الذي يلحق األجير مرضا مهنيا يخول له حق االستفادة من‬

‫الحماية املقررة بموجب ظهير حوادث الشغل‪ ،‬البد من أن تتوفر في هذا األخير‬

‫الشروط املنصوص عليها في ظهير‪ 31‬ماي ‪ 1943‬كما وقع تغييره أو تتميمه‪.‬‬

‫وتتمحور هذه الشروط حول اإلصابة بمرض منصوص عليه قانونا‪ ،‬وثبوت‬

‫اشتغال األجير املصاب في األشغال املسببة للمرض‪ ،‬وأن تظهر هذه األمراض خالل‬

‫مدة املسؤولية ‪.‬‬

‫‪-1‬اإلصابة بمرض منصوص عليه قانونا‬

‫لحصول األجيراملصاب على مختلف التعويضات و األداءات املنصوص عليها في‬

‫ظهير ‪ 6‬فبراير ‪ ،1963‬عن مرض يبدو بأنه منهي‪ ،‬البد وأن يثبت بواسطة شهادة طبية‬

‫مضافة إلى التصريح باملرض‪ ،‬أنه مصاب بإحدى األمراض املهنية الوارد تعدادها في‬

‫اللوائح امللحقة بظهير‪ 31‬ماي ‪ 1943‬املغيرأو املتمم‪.‬‬

‫‪ -2‬االشتغال في العمل املسبب للمرض املنهي‬

‫على األجيراملصاب بمرض منهي أن يثبت أنه عمل بانتظام في الشغل أو األشغال‬

‫التي حددها املشرع كأسباب لهذا املرض‪ ،‬أو في األعمال التي يمكن أن تؤدي إلى‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 126‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ظهوره‪ ،‬و ذلك بالنسبة للتصنيف األول و الثاني التي رأيناها أعاله‪ .‬و يعود لقضاء‬

‫املوضوع في إطار سلطته التقديرية تحديد ما إذا كان األجير املصاب قد اشتغل‬

‫بانتظام أو ال‪ .211‬و بالنسبة ألمراض التصنيف الثالث الناجمة عن الوسط املنهي أي‬

‫املحيط أو البيئة أو الظروف التي يتم فيها إنجاز الشغل‪ ،‬أو عن الوضع املعين الذي‬

‫يوجد عليه في العمل‪ ،‬فإن املشرع املغربي ال يشترط مزاولتها بكيفية منتظمة‪ ،‬و إنما‬

‫يكفي أن يكون األجير املصاب اشتغل ولو بكيفية عرضية في أحد األعمال التي من‬

‫شأنها أن تسبب مرضا مهنيا منتميا لهذا النوع‪.‬‬

‫‪ -3‬مدة املسؤولية عن املرض املنهي‬

‫هذا الشرط يفرض على العامل أن ال تكون مدة املسؤولية قد انتهت ابتداء من‬

‫تاريخ مغادرته للعمل أو األعمال التي تعرض لإلصابة باملرض املنهي من خالل‬

‫ممارستها‪ ،‬التي يكون خاللها املشغل مسؤوال عن املرض الذي أصيب به العامل‪. 212‬‬

‫وذلك سواء ظل األجير يعمل بنفس املؤسسة أو غادرها للعمل عند مشغل أخر‪. 213‬‬

‫وقد وضع املشرع املغربي لكل مرض منهي مهلة كافية لظهوره تدعى مدة املسؤولية‪،‬‬

‫هذه األخيرة تختلف باختالف األمراض املهنية‪ ،‬حيث خصص لها ضلعا بالجداول‬

‫املتعلقة بكل مرض‪ ،‬وهي مدة تتراوح بين عدة أيام و ‪ 15‬سنة بل تصبح مدة قد تصل‬

‫‪ 30‬أو ‪ 40‬سنة كما في اإلصابات السرطانية الناتجة عن االشعاع النووي‪ ،‬تبدأ من‬

‫‪ - 211‬أنظر قرار المجلس األعلى بتاريخ ‪ 27‬يونيو ‪ ،1961‬المنشور بالمجلة المغربية للقانون ‪ 1961‬ص ‪834‬‬
‫‪ - 212‬عبد الكريم غالي‪ ،‬في القانون االجتماعي المغربي الرباط ‪ ،2010‬ص ‪285‬‬
‫‪ - 213‬آمال جالل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.280 :‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 127‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التاريخ الذي ال يبقى فيه األجير عرضة للمواد السامة أو امللوثة‪ ،214‬أو من التاريخ‬

‫الذي لم يعد فيه األجيريقوم باألعمال الضارة املنصوص عليها في الفقرة املعنونة ب‬

‫" ثانيا " ‪ ،‬أو من التاريخ الذي يتقطع فيه عن مباشرة الشغل في الوسط أو حسب‬

‫الوضعيات الخاصة‪.215‬‬

‫من خالل ما تقدم يتضح أنه البد من اجتماع العناصرالثالثة املشارإليها أعاله‬

‫العتباراملرض مهنيا‪ ،‬حتى يستفيد األجيرالذي يصاب به من مقتضيات ظهير‪ 6‬فبراير‬

‫‪ ،1963‬في حين أنه إذا تخلف شرط من تلك الشروط فإنه ال يعوض عن ضرره وفقا‬

‫ملقتضيات الظهير أعاله‪ ،‬و إنما يبقى له حق الرجوع على املشغل طبقا للقواعد‬

‫العامة للمسؤولية املدنية‪.216‬‬

‫ب‪ :‬طبيعة املرض املهني‬

‫إذا كان كل مرض يصاب به األجير ال يعتبر مرضا مهنيا إال بتو افر الشروط‬

‫السابقة التوضيح‪ ،‬فالبد من وجود تمييز بين املرض العادي و املرض املنهي كما البد‬

‫من تمييزهذا املرض عن حادثة الشغل‪.‬‬

‫‪ -1‬تمييزاملرض املنهي عن املرض العادي‬

‫‪ - 214‬أنظر الفصل الثاني من ظهير ‪ 31‬ماي ‪1943‬‬


‫‪ -215‬أنظر الفصل الثاني من ظهير ‪ 31‬ماي ‪1943‬‬
‫‪ - 216‬أنظر آمال جالل‪ ،‬مرجع سابق ص ‪281‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 128‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األجير في حياته املهنية مهدد باإلصابة بأمراض تتفاوت خطورتها و نتائجها‬

‫املترتبة عبر السنين‪ ،‬و املرض الذي قد يصاب به قد يكون إما ناتجا عن اشتغاله في‬

‫أماكن أوظروف غيرصحية‪ ،‬وقد يكون باملقابل مرضا عاديا ‪ ،‬ولهذا كيف يمكن إبراز‬

‫الحدود بين املرضين ؟‬

‫إن املرض العادي‪ :‬هو كل اعتالل يصيب كل إنسان سواء كان أجيرا أو شخصا‬

‫عاديا فهو مرض ال صلة له بالنشاط املنهي لألجير‪ ،‬بل بظروف الحياة لكل إنسان و‬

‫سنه‪...‬فقد يكون هذا املرض مجرد حساسية أو حمى أو يولد مع اإلنسان‬

‫بالوراثة‪ ،217‬كأمراض اللوزتين أو الحلق‪...‬‬

‫أما األمراض املهنية‪ :‬فهي التي لها صلة بالعمل و محيط إنجازه‪ ،‬بمعنى آخر أن‬

‫املرض يكون نتيجة اشتغال األجيرفي ظل ظروف وبيئة وأوضاع غيرصحية‪ ،‬أونتيجة‬

‫االحتكاك بمواد سامة مضرة بصحة اإلنسان‪ ،‬أو نتيجة اإلصابة داخل املؤسسات‬

‫املشغلة بالتهابات ميكروبية‪.218‬‬

‫كما يمكن التمييزبين املرض العادي و املرض املنهي من حيث عنصراملسؤولية‪،‬‬

‫فاملشغل ال يسأل عن املرض العادي الذي يعوض عنه األجير في إطار التعويضات‬

‫اليومية عن املرض املمنوحة من طرف الصندوق الوطني لضمان االجتماعي‪،219‬‬

‫‪ - 217‬لتفصيل في ذلك أنظر آمال جالل‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 191‬و ‪192‬‬


‫‪ - 218‬عبد اللطيف خالفي حوادث الشغل واألمراض المهنية‪ ،‬دراسة نظرية وتطبيقية في ضوء تعديالت ظهير ‪23‬‬
‫يوليوز ‪ ،2002‬ص ‪120‬‬
‫‪ - 219‬أنظر الفصل األول من ظهير ‪ 27‬يوليوز ‪ 1972‬والمعدل بظهير ‪ 9‬أبريل ‪ 1993‬الخاص بالصندوق الوطني‬
‫للضمان االجتماعي‪ ،‬أنظر في نفس الموضوع الحاج الكوري‪ ،‬في قانون الضمان االجتماعي المغربي‪ ،‬مطبعة الحرف‬
‫المعتدل‪ ،‬طبعة ‪ ،1999‬ص ‪ 151‬وما بعدها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 129‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫باملقابل نجد املشغل يكون مسؤوال عن املرض املنهي " بصرف النظرعن اقتر افه ألي‬

‫خطا "‪ ،‬ومسؤوليته في تعويض األجيريلزم بها أيضا في مواجهة الورثة متى كان املرض‬

‫املنهي الذي تعرض له األجيرسببا مباشرا في حدوث وفاته‪.220‬‬

‫‪ :2‬تمييزاملرض املنهي عن حادثة الشغل‬

‫إذا كان كل من املرض املنهي و حادثة الشغل يخضعان لظهير ‪ 6‬فبراير ‪،1963‬‬

‫فإن هناك اختالفا في طبيعة كل منهما‪:‬‬

‫حادثة الشغل تكون مباغثة و مفاجئة‪ ،221‬بحيث يعرف وقت ومكان حدوثها‬

‫والضررالناجم عنها بعد حصول اإلصابة ‪ ،‬وعنصرالفجأة أكد عليه بعض الفقه‪،222‬‬

‫بقوله‪ " :‬ظاهرة الفجأة في الفعل الضار تتميز بكونها تبقى ثابتة في جميع الحاالت‪،‬‬

‫بحيث كلما وجدت حادثة شغل إال ووجدت معها الفجأة أوالبغثة‪ ،‬إذ أن هذا العنصر‬

‫يالزم وقوع الحادثة‪ ،‬وبدون تحققه ال يمكن أن يكتس ي الفعل الضارصبغة حادثة "‪،‬‬

‫و ذلك على خالف املرض املنهي التي تكون اإلصابة فيه بطيئة‪ ، 223‬وتتطورتدريجيا وال‬

‫تظهر إال بعد حين هذا من جهة‪ ،224‬ومن جهة ثانية فإن أية إصابة تلحق األجير أثناء‬

‫العمل أو بسببه تعتبر حادثة شغل كيفما كان سببها‪ ،‬حتى و لو كانت ناتجة عن قوة‬

‫‪ - 220‬راجع الحاج الكوري‪ ،‬قانون الضمان االجتماعي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة الحرف المعتدل ‪.1999‬‬
‫ص ‪ 155‬وما بعدها‬
‫‪ - 221‬قد سبق تعريف حادثة الشغل‪ " :‬بكونها كل إصابة يتعرض لها األجير أثناء إنجازه للعمل أو بسببه‪ ،‬وتحدث له‬
‫ضررا بجسمه بشكل مباغث أيا كان سببها"‪.‬‬
‫‪ - 222‬آمال جالل مرجع سابق ص ‪ 194‬فقرة ‪162‬‬
‫‪ - 223‬محمد الكشبور مرجع سابق ص ‪ ،119‬وعبد اللطيف خالفي مرجع سابق‪ ،‬صفحة‪.121:‬‬
‫‪ - 224‬أنظر الفصل الثالث من ظهير ‪ 6‬فبراير ‪.1963‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 130‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫قاهرة‪ ،225‬في حين أن إصابة األجير بسبب نشاطه املنهي بمرض ما‪ ،‬فإن هذا األخير ال‬

‫يوصف باملرض املنهي إال إذا توفرت شروطه املتطلبة قانونا‪.‬‬

‫احملورالثاني‪ :‬إشكالية إثبات املرض املهني‬

‫لبحث إشكالية إثبات املرض املنهي نقسم هذا املبحث إلى مطلبين‪ :‬نتطرق في‬

‫أولهما إلى إثبات املرض املنهي‪ ،‬ونعالج في ثانيهما إشكالية تكييف طبيعة املرض غير‬

‫الوارد في جداول األمراض املهنية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إثبات املرض املهني‬

‫لكي يحصل األجير املصاب بمرض منهي أو ذوو حقوقه في حالة وفاته على‬

‫التعويضات املنصوص عليها في ظهير‪ 6‬فبراير‪ ،1963‬يتعين عليه أن يثبت أن املرض‬

‫الذي أصابه منصوص عليه قانونا " كمرض منهي "‪ ،‬ويتم ذلك بواسطة الشهادة‬

‫الطبية املرفقة‪ ،‬مع التصريح باملرض‪ ،‬و أنه يقوم بالعمل أو األعمال املؤدية إلى‬

‫ظهوره أثناء مدة املسؤولية‪.‬‬

‫وهكذا إذا أثبت األجيراملصاب أو ذوو حقوقه في حالة وفاته أن املرض منصوص‬

‫عليه قانونا‪ ،‬و أثبت ممارسته للعمل أو األعمال التي تسببه‪ ،‬فإن املرض يعتبرمهنيا‪،‬‬

‫ويستفيد األجيرأو ذوو حقوقه في حالة وفاته من التعويض املنصوص عليه في ظهير‪6‬‬

‫فبراير ‪ ،1963‬دون أن يكلف بإثبات العالقة السببية بين املرض و العمل‪ ،‬ما دام‬

‫‪ - 225‬محمد العروصي‪ ،‬المختصر في الحماية االجتماعية‪ ،‬المختصر في الحماية االجتماعية‪ ،‬منشور عن مختبر األبحاث‬
‫والدراسات حول قانون األعمال والمقاوالت‪ ،‬الطبعة األولى ص‪ 77 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 131‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املرض ظهر أثناء مدة املسؤولية التي قد تقصر أو تطول بحسب األحوال و كما بيناه‬

‫أعاله‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إشكالية تكييف طبيعة املرض غري الوارد يف جداول األمراض‬

‫املهنية‬

‫قد يصاب األجير في بعض األحيان بإحدى األمراض غير املصنفة ضمن التعداد‬

‫الذي أورده املشرع لألمراض املهنية‪ ،‬ففي هذه الحالة يطرح تساؤل بخصوص هذه‬

‫املسألة ‪ :‬يتمثل في كون هل هذه األمراض مهنية أم ال؟‬

‫قد يساير إلى الذهن أن املشرع املغربي لم يبين بكيفية صريحة أو ضمنية أن‬

‫األمراض املهنية التي تخضع في تحديدها ملقتضيات ظهير ‪ 6‬فبراير ‪1963‬املعدل‬

‫بقانون ‪ 12.18‬وباقي النصوص األخرى املكملة قد وردت على سبيل املثال أو على‬

‫سبيل الحصر‪ ،‬مما قد يؤدي إلى اختالف املو اقف بالنسبة لالجتهادات القضائية أو‬

‫اآلراء الفقهية‪ ،‬حيث نجد اختالفا في مو اقفها بخصوص هذا املوضوع‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد يذهب بعض الفقه‪ 226‬إلى أنه إذا لم يكن مرض األجير مصنفا‬

‫ضمن الئحة األمراض املهنية فإن هذا األجير ال يمكنه املطالبة بمقتضيات ظهير ‪6‬‬

‫فبراير‪ 1963‬املعدل بقانون ‪ ،12.18‬ألنه ال يعتبر مرضا مهنيا لعدم ذكره في قائمة‬

‫‪ - 226‬آمال جالل‪،‬مرجع سابق ص ‪ 279‬و ‪.280‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 132‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األمراض املهنية‪ ،‬إال إذا اكتس ى ضرره حادثة الشغل‪ ،‬وهذا هو موقف االجتهاد‬

‫القضائي املغربي سابقا‪.227‬‬

‫في حين نجد موقفا آخر للمجلس األعلى لم يتبنى هذا الرأي الفقهي‪ ،‬و إنما قد‬

‫قررفي أحد قراراته‪ ،228‬أن األمراض املهنية واردة على سبيل املثال وقد جاء في قراره‬

‫ما يلي ‪ " :‬لكن حيث أن األمراض املهنية موضوع ظهير ‪ 31‬ماي ‪ 1943‬و قرار ‪ 20‬ماي‬

‫‪ 1967‬إنما هي واردة على سبيل اإلرشاد‪ ،‬وعلى الطبيب املزاول ملهنة الطب أن يقدم‬

‫تصريحا باملرض املنهي أو املضنون أنه كذلك الذي شاهده في أحد العمال‪ ،‬سواء كان‬

‫ذلك املرض مبينا أو غير مبين في الجداول‪ ،‬وحيث أنه وإن كان مرض عرق النسا‬

‫املصاب به املطلوب في النقض غير وارد في جداول األمراض املهنية‪ ،229‬فإن ذلك ال‬

‫يمنعه من إثبات العالقة السببية بين ذلك املرض والعمل الذي يقوم به "‪ .‬كذلك‬

‫يذهب بعض الفقه إلى أن األمراض الواردة في القوائم إنما وردت على سبيل املثال ال‬

‫الحصر وفي ذلك حماية لألجير و مسايرة للمستجدات الطبية حيث يقول‪ " :‬ففي‬

‫اعتقادنا فإن األمراض املهنية املنصوص عليها في القوائم املضمنة في قرار ‪ 20‬ماي‬

‫‪ 1967‬تعد أمراضا مهنية بنص في القانون‪ ،‬أما في ما يخص أمراضا أخرى غيرها‬

‫فيكفي العامل املصاب بإحداها أن يثبت بواسطة خبرة طبية متخصصة عالقة هذا‬

‫املرض بالنشاط املسند إليه داخل املؤسسة‪ ،‬لكي يستفيد من مقتضيات ظهير‪6‬‬

‫‪ - 227‬آمال جالل مرجع سابق ص ‪ ،281‬ومحمد الكشبور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103 :‬‬
‫‪ -228‬المتمم بالقرار الوزاري رقم ‪ 72-855‬بتاريخ ‪ 19‬شتنبر ‪ ،1972‬وبقرار وزير التنمية االجتماعية والتضامن‬
‫والتشغيل والتكوين المهني بتاريخ ‪ 23‬دجنبر ‪.1999‬‬
‫‪ -229‬المتمم بالقرار الوزاري رقم ‪ 72-855‬بتاريخ ‪ 19‬شتنبر ‪ ،1972‬وبقرار وزير التنمية االجتماعية والتضامن‬
‫والتشغيل والتكوين المهني بتاريخ ‪ 23‬دجنبر ‪.1999‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 133‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فبراير‪ ،1963‬و بتبنينا لهذا املوقف نكون قد سايرنا ما يعرفه الطب من تطورسريع‬

‫في هذا امليدان ونكون في ذات الوقت قد وقفنا إلى جانب العامل وحققنا بالتالي لظهير‬

‫‪ 6‬فبراير‪ 1963‬املعدل بقانون ‪ 12.18‬طابعه االجتماعي‪.230‬‬

‫وفي فرنسا نجد أن موقف القضاء الفرنس ي سابقا قبل قانون ‪ 27‬يناير ‪1993‬‬

‫بخصوص هذا املوضوع هو اعتبارهذا املرض مرض غيرمنهي ألنه غيرمصنف ضمن‬

‫الئحة األمراض املهنية‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فإنه ينتهي في بعض األحيان إلى إضفاء‬

‫صفة حادثة الشغل على بعض األمراض املهنية انطالقا من كونها قد ظهرت فجأة في‬

‫مكان العمل‪ ،‬كما نجد قرارا ملحكمة النقض الفرنسية قررت فيه ‪" :‬أن العلة املرضية‬

‫التي لم ترد بجدول األمراض املهنية ال يترتب عليها الحق في التعويض طبقا لتشريع‬

‫حوادث الشغل‪ ،‬إال إذا وجدت مصدرها في إصابة ظهرت بغثة في وقت ومكان‬

‫العمل‪ 231".‬ونجد حكما للمحكمة االبتدائية بالرباط‪ 232‬سابقا يسير في نفس منحى‬

‫القضاء الفرنس ي بخصوص هذه املسألة‪.‬‬

‫لكن املشرع الفرنس ي تدخل وحسم في هذه املسألة لوضع حد ألي جدال قانوني‬

‫لتمييز املرض املنهي عن غيره‪ ،‬ملا نص في املادة ‪ ، 461‬من قانون الضمان االجتماعي‬

‫بمقتض ى قانون ‪ 27‬يناير ‪ 1993‬على شموله لألمراض املهنية الواردة في الجداول و‬

‫أيضا األمراض املهنية األخرى‪ 233‬التي لها عالقة بنشاط العامل في املؤسسة بشرط‬

‫‪ - 230‬محمد الكشبور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪،115:‬‬


‫‪ -231‬أنظر‬
‫‪Arrêt de la cour de Cass, ch réunies 8 Juin 1990, Dalloz, page 1991.‬‬
‫‪ - 232‬أنظر حكم المحكمة االبتدائية بالرباط‪ ،‬حكم عدد ‪ 234‬بتاريخ ‪ 07/03/26‬غير منشور‬
‫‪ -233‬لتوسع في معرفة المقصود بالنظام المختلط كأسلوب لتحديد األمراض المهنية أنظر عبد اللطيف خالفي مرجع‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 134‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أن تكون متسببة فيه مما يتعين مسايرته‪ ،‬وهذا يبين أن املشرع الفرنس ي تبنى أسلوب‬

‫النظام املختلط في تحديد األمراض املهنية‪.234‬‬

‫واملالحظ أنه أمام هذا االختالف في مو اقف االجتهاد القضائي املغربي و اآلراء‬

‫الفقهية من املوضوع‪ ،‬فإنه تبقى مطروحة إشكالية تكييف طبيعة املرض غيرالوارد‬

‫في جداول األمراض املهنية‪.‬‬

‫ففي اعتقادنا أن األمراض املهنية املنصوص عليها في ظهير ‪ 6‬فبراير ‪ 1963‬هي‬

‫واردة على سبيل الحصر‪ ،‬وليس على سبيل اإلرشاد‪ ،‬ولحل إشكالية تكييف طبيعة‬

‫املرض غير الوارد في جداول األمراض املهنية‪ ،‬فإنه يتوجب على املشرع املغربي أن‬

‫يتدخل لحلها عن طريق األخذ بنظام الجدول املفتوح في تحديد املرض املنهي‪ ،‬حيث‬

‫تتحقق املرونة في ظل األخذ بهذا النظام عن طريق تدخل السلطة املختصة وإضافتها‬

‫أمراضا أو أنشطة إلى جداول األمراض املهنية‪ ،235‬لتصبح بدورها موجبة لتعويض في‬

‫إطار القواعد الخاصة بحوادث الشغل و األمراض املهنية وهذا هو ما يذهب إليه‬

‫األستاذ آمال جالل الذي يرى بأن قرار املجلس األعلى باعتبار مرض عرق النسا‬

‫كمرض منهي وإن كان غيرمذكورفي الئحة األمراض املهنية‪ ،‬قد ال يكون ملزما للمحاكم‬

‫الدنيا ألن محكمة النقض (املجلس األعلى سابقا) ليست بمشرع خالفا لتمديد‬

‫سابق ‪ ،‬ص‪ 126:‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪Francis Lefevre, accident du travail, page 396 n°56280. - 234‬‬
‫‪ - 235‬أنظر سهام الحيلي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بعنوان ‪" :‬دور الخطأ في تحديد التعويض عن‬
‫حوادث الشغل بين التشريع والقضاء "‪،‬السنة الجامعية ‪ ،2008-2007‬ص‪.186:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 135‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األمراض املهنية بلوائح إضافية وهو عمل تشريعي (نص تنظيمي) حيث تكون‬

‫محاكم املوضوع ملزمة بتطبيقه‪.‬‬

‫ولذلك يرى أستاذنا أنه كان على املجلس األعلى في هذه املسألة أن يعتبرإصابة‬

‫األجير(وهوسائق شاحنة) بمرض عرق النسا هي نتيجة عن حادثة شغل نتيجة حركة‬

‫قام بها السائق بكيفية مسرعة للسيطرة على مقود الشاحنة مما أدى الى احتكاك‬

‫غظرف في عموده الفقري بعرق النسا فجأة‪.‬‬

‫وما دام األجيراملصاب يحصل على نفس التعويضات املنصوص عليها في ظهير‪6‬‬

‫فبراير‪ 1963‬فكان من األفضل اعتباراإلصابة حادثة شغل وليس مرضا مهنيا‪.‬‬

‫وبتبنينا لهذا املوقف األخيرنكون قد أدخلنا األمراض املهنية املستجدة في دائرة‬

‫الحماية وسايرنا تطور الطب في هذا امليدان‪ ،‬ونكون في نفس الوقت قد وقفنا إلى‬

‫جانب العامل‪ ،‬وذلك كله من أجل تحقيق الطابع الحمائي الذي يسعى إليه القانون‬

‫االجتماعي‪ ،‬و الذي يستهدف إفراز املزيد من الحقوق و االمتيازات لفئات األجراء‬

‫وتوسيع نطاق الحماية من األمراض املهنية ‪.‬‬

‫‪ -‬و في نهاية هذا املوضوع سوف نحاول أن نخرج ببعض االستنتاجات و‬

‫املقترحات التي نأمل أن تلقى استحسانا من طرف املهتمين بهذا املوضوع نجملها في‬

‫ما يلي‪:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 136‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -‬عدم تكليف األجير املصاب بمرض منهي بإثبات العالقة السببية بين املرض و‬

‫املهنة في حين يبقى عليه إثبات تحقق شروط املرض املنهي املنصوص عليها قانونا‬

‫الستحقاق التعويض املنصوص عليه في الظهير الخاص بالتعويض عن حوادث‬

‫الشغل و األمراض املهنية‪.‬‬

‫‪ -‬ما زالت إشكالية تكييف طبيعة املرض غير الوارد في جداول األمراض املهنية‬

‫مطروحة لعدم وجود أراء فقهية أواجتهادات قضائية موحدة بخصوص هذه املسألة‬

‫مما يقتض ي ضرورة تدخل املشرع املغربي كذلك لحل إشكالية تكييف طبيعة املرض‬

‫غير الوارد في جداول األمراض املهنية عن طريق أخذه بنظام الجداول املفتوح في‬

‫تحديد األمراض املهنية و ذلك بإضافته أمراض مهنية جديدة إلى جداول األمراض‬

‫املهنية ملسايرة املستجدات الطبية و تطور الطب في هذا املجال لضمان حماية أكثر‬

‫لألجيراملصاب بمرض منهي وهذا ما وقع في دسمبر‪ 1999‬حيث ارتفعت هذه الجداول‬

‫من ‪ 36‬الى ‪ 86‬الئحة‪.‬‬

‫تم بحمد هلل‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 137‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األستاذة بلملياني أمساء‬


‫باحثة بسلك الدكتوراه بكلية احلقوق‬
‫جامعة وهران ‪ 2‬حممد بن أمحد‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر العنف الجنس ي من أشد وأخطر الجرائم الدولية املرتكبة ضد اإلنسان‬

‫ألنها تمس بحقوقه و إنسانيته‪ .‬وقد عرفت هذه الجرائم ارتكابا واسعا خالل القرون‬

‫املاضية وباألخص أثناء النزاعات املسلحة‪ ،‬أين كانت تنتهك حقوق اإلنسان وتهدر‬

‫كرامته‪ ،‬وتمارس االعتداءات الجنسية بصورة جسيمة وخطيرة وباألخص في حق‬

‫النساء‪ ،‬لذلك كثف املجتمع الدولي من جهوده الرامية إلى الحد من هذه الجرائم‪،‬‬

‫فعمل على تجريمها والنص على ضرورة معاقبة مرتكبيها ضمن مختلف األنظمة‬

‫القضائية للمحاكم الجنائية الدولية السابقة‪ ،‬كمحكمتي النورمبورغ وطوكيو‪،‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 138‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومحكمة يوغسالفيا السابقة ورو اندا‪ .‬وصوال إلى املحكمة الجنائية الدولية الدائمة‪.‬‬

‫فقد عرفت هذه الجرائم تطورا ملحوظا في ظل النظام األساس ي لهذه املحكمة الذي‬

‫تناول ألول مرة أفعال جديدة ومستحدثة‪ ،‬لم تكن محل تجريم في األنظمة القضائية‬

‫السابقة كاالسترقاق الجنس ي‪ ،‬اإلكراه على البغاء والحمل القسري‪.‬‬

‫فإلى أي مدى ساهمت املحكمة الجنائية الدولية في تطويرمفهوم جرائم العنف‬

‫الجنس ي؟ وما هي أهم املبادئ التي كفلتها ألجل التصدي ملرتكبي هذه الجرائم ومنع‬

‫إفالتهم من العقاب؟‬

‫املبحث األول‪ :‬احملكمة اجلنائية الدولية آلية قضائية ملكافحة جرائم‬

‫العنف اجلنسي‬

‫تعتبراملحكمة الجنائية الدولية من بين أهم اآلليات القضائية الدولية الكفيلة‬

‫بالتصدي للجرائم الدولية الخطيرة‪ ،‬والتي من بينها جرائم العنف الجنس ي‪ .‬من‬

‫خالل مالحقة وتتبع مرتكبيها ومساءلتهم عن هذه الجرائم‪ ،‬بغض النظر عن صفتهم‬

‫الرسمية أو الوظيفة التي يشغلونها‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعريف باحملكمة اجلنائية الدولية وطبيعة اختصاصها‬

‫بالنظرللعديد من االنتقادات التي وجهت إلى محاكمات الحرب العاملية الثانية‪،‬‬

‫عمل املجتمع الدولي على تكثيف جهوده بغية إنشاء قضاء جنائي دولي دائم‪ ،‬تسند‬

‫له مهمة النظرفي الجرائم الدولية الخطيرة ومساءلة مرتكبيها‪ .‬األمرالذي تحقق سنة‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 139‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ 1998‬من خالل مؤتمر روما الذي تمخض عنه اعتماد النظام األساس ي للمحكمة‬

‫الجنائية الدولية‪ ،‬املتضمن ديباجة و‪ 128‬مادة موزعة على ‪ 13‬بابا‪.236‬‬

‫وفقا ملحتوى النظام األساس ي املنش ئ للمحكمة الجنائية الدولية الذي دخل‬

‫حيزالنفاذ بتاريخ الفاتح من شهرجويلية سنة ‪ ،2002‬فإن املحكمة الجنائية الدولية‬

‫باعتبارها هيئة قضائية دائمة‪ ،‬فإنها تختص بمساءلة ومعاقبة األشخاص‬

‫الطبيعيين الذين يرتكبون أشد الجرائم الدولية خطورة وجسامة‪.237‬‬

‫يقع مقر املحكمة في الهاي بهولندا أو في أي مكان عندما ترى املحكمة ذلك‬

‫مناسبا استنادا ملقتض ى املادة ‪ 21‬من النظام األساس ي‪ ،‬وتتمتع املحكمة بالشخصية‬

‫القانونية الدولية‪ ،‬واألهلية الالزمة ملمارسة وأداء وظائفها وتحقيق أهدافها‪.238‬‬

‫يعتبرإنشاء املحكمة الجنائية الدولية ضرورة ملحة ملنع إفالت مرتكبي الجرائم‬

‫الدولية الخطيرة من املساءلة والعقاب‪ .‬وباألخص الجرائم التي تشكل خرقا لحقوق‬

‫اإلنسان وتمس كرامته و إنسانيته‪.‬‬

‫تختص املحكمة الجنائية الدولية بنظر الجرائم الدولية الخطيرة التي تمس‬

‫بحياة الجماعات البشرية وتهدد السلم واألمن الدوليين‪ .‬تتمثل هذه الجرائم في‬

‫جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬الجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬جرائم الحرب وجريمة العدوان‪.‬‬

‫‪ - 236‬رفيق بوهراوة‪ ،‬اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة‪ ،‬مذكرة ماجستير في القانون العام‪ ،‬جامعة اإلخوة‬
‫منتوري‪ ،‬قسنطينة‪ ،2009 ،‬ص ‪27‬‬
‫‪ - 237‬بدر الدين محمد شبل‪ ،‬الحماية الدولية الجنائية لحقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2011 ،‬ص ‪323‬‬
‫‪ - 238‬أنظر المادة الرابعة من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 140‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أوال‪ :‬جرمية اإلبادة اجلماعية‬

‫نظرا النتشار جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬وارتكابها على نطاق واسع في أوقات‬

‫السلم وحتى في ظل النزاعات املسلحة‪ ،‬سواء الدولية أو غيرالدولية‪ ،‬حرص املجتمع‬

‫الدولي على جعل هذه الجريمة ضمن أكثروأشد الجرائم الدولية خطورة‪ ،‬وهذا ألجل‬

‫القضاء عليها أو التخفيف من أثارها‪ ،‬خاصة وأن هذه الجريمة تستهدف تصفية‬

‫جماعات بأكملها أو القضاء عليها‪ ،‬وهو األمر ذاته الذي جعل النظام األساس ي‬

‫للمحكمة الجنائية الدولية يضع هذه الجريمة في مقدمة الجرائم التي تدخل ضمن‬

‫اختصاص املحكمة‪.239‬‬

‫تتمثل جريمة اإلبادة الجماعية أو إبادة الجنس البشري في مجموع األفعال التي‬

‫تستهدف القضاء على الجنس البشري واستئصاله لدو افع عرقية أو دينية أو إثنية‬

‫أو قومية‪ ،‬وتعتبر من أشد الجرائم الدولية خطورة‪ ،‬جاء النص عليها ضمن املادة‬

‫السادسة من النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،240‬وتتحقق هذه الجريمة‬

‫عن طريق ارتكاب مجموعة من األفعال التي تؤدي إلى تدميركل أو جزء من جماعة ما‬

‫لدو افع عرقية أو دينية أو إثنية أو قومية‪.‬‬

‫تتشكل جريمة اإلبادة الجماعية من مجموعة أفعال‪ ،‬التي بتحققها كلها أو‬

‫إحداها تقع هذه الجريمة‪ ،‬وتتمثل هذه الصور في‪ :‬قتل أفراد الجماعة‪ ،‬إلحاق ضرر‬

‫‪ - 239‬محمد رضوان‪ ،‬المبادئ العامة للقانون الدولي اإلنساني والعدالة الدولية‪ ،‬المغرب‪ ،‬مطابع إفريقيا الشرق‪،2010 ،‬‬
‫ص ‪.371‬‬
‫‪ - 240‬بدر الدين محمد شبل‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪371‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 141‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫جسدي أو عقلي خطير بأفراد الجماعة‪ ،‬إخضاع الجماعة عمدا ألحوال معيشية‬

‫يقصد بها إهالكها الفعلي كليا أو جزئيا‪ ،‬فرض تدابير تستهدف منع اإلنجاب داخل‬

‫الجماعة‪ ،‬نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى‪.‬‬

‫بالرجوع إلى النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية املعتمد سنة ‪،1998‬‬

‫نجد أن األفعال السالف ذكرها‪ ،‬والتي تشكل الصور املكونة لجريمة اإلبادة‬

‫الجماعية ليست واردة على سبيل الحصر‪ ،‬و إنما هي مذكورة على سبيل االسترشاد‬

‫واملثال فقط‪ ،‬ومن تم يمكن وقوع جريمة اإلبادة الجماعية بأفعال أخرى غير تلك‬

‫املنصوص عليها‪ ،‬والتي تؤدي إلى تدمير جماعات قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية‬
‫بصفتها هذه تدميرا كليا أو جزئيا‪241.‬‬

‫إن جرائم العنف الجنس ي يمكن أن تقع في صورة إبادة جماعية في حال ما إذا‬

‫ارتكبت بهدف القضاء الكلي أو الجزئي على جماعة قومية أوإثنية أو عرقية أو دينية‪،‬‬

‫بصفتها هذه‪ ،‬وتشمل أفعال العنف الجنس ي الو اقعة في صورة إبادة جماعية في‬

‫االغتصاب‪ ،‬استئصال األعضاء التناسلية أو الجنسية‪ ،‬االستعباد الجنس ي وغيرها‬

‫من أفعال العنف الجنس ي األخرى‪.242‬‬

‫‪ -241‬علي عبد القادر قهوجي‪ ،‬القانون الدولي الجنائي‪ ،‬لبنان‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،2001 ،‬ص ‪133‬‬
‫‪ - 242‬نصيرة مازري‪ ،‬أمينة طالبي‪ ،‬جرائم العنف الجنسي ضد المرأة كجريمة ضد اإلنسانية‪ ،‬مذكرة ماستر‪ ،‬تخصص‬
‫القانون الدولي اإلنساني وحقوق اإلنسان‪ ،‬جامعة عبد الرحمان ميرة‪ ،‬بجاية‪ ،2013 ،‬ص ‪21‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 142‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ثانيا‪:‬اجلرائم ضد اإلنسانية‬

‫نتج عن الجهود املبذولة في إطار مؤتمرروما‪ ،‬اعتماد املادة السابعة من النظام‬

‫األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬التي جاءت بتعريف عام للجرائم ضد‬

‫اإلنسانية مشمول بقائمة مطولة من األفعال املشكلة لهذه الجرائم‪ ،‬متبوعة‬

‫بتفسيروتوضيح لكل صورة من صورهذه الجرائم‪.243‬‬

‫احتوت املادة السابعة من نظام روما األساس ي على جميع املستجدات‬

‫والتطورات التي لحقت بالجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬األمر الذي جعل صياغتها تختلف‬

‫تماما عن صياغة األنظمة القضائية الجنائية الدولية السابقة املتضمنة للجرائم‬

‫ضد اإلنسانية‪ ،‬وهذا طبعا بخالف جريمة اإلبادة الجماعية التي جاء تعريفها والصور‬

‫التي تشمل عليها متطابقة مع مختلف نصوص األنظمة القضائية الدولية السابقة‬

‫التي تناولت هذه الجريمة‪.244‬‬

‫فاملادة السابعة من نظام روما األساس ي‪ ،‬جعلت من الجرائم ضد اإلنسانية‪،‬‬

‫جرائم دولية‪ ،‬يشترط لوقوعها ضرورة ارتكابها ضمن سياسة تتبعها الدولة أوإحدى‬

‫املنظمات التابعة لها‪ ،‬أو وقوعها على نحو يستهدف املدنيين بشكل واسع‪ ،‬أي بمعنى‬

‫‪ - 243‬بدر الدين محمد شبل‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.138‬‬


‫‪ - 244‬نصر الدين بوسماحة‪ ،‬المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬شرح اتفاقية روما مادة مادة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار هومه‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،2008 ،‬ص ‪.31‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 143‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أنه ولتحقق األفعال املشكلة للجرائم ضد اإلنسانية البد من وقوعها في إطارالهجوم‬


‫املنهجي أو الواسع النطاق‪245.‬‬

‫نصت املادة السابعة على ما يمكن تسميته بجرائم العنف الجنس ي حيث‬

‫تضمنت" االغتصاب أو االستبعاد الجنس ي‪ ،‬أو اإلكراه على البغاء أو الحمل القسري‬

‫أوالتعقيم القسري أوأي شكل أخرمن أشكال العنف الجنس ي على مثل هذه الدرجة‬

‫من الخطورة"‪. 246‬‬

‫وقد قام نظام روما األساس ي‪ ،‬بتوسيع هذه األفعال املشكلة للجرائم ضد‬

‫اإلنسانية‪ ،‬بأن جعلها تقع على املرأة والرجل معا‪ ،‬خالفا ملا جرى العمل به في األنظمة‬

‫القضائية الجنائية الدولية السابقة‪ ،‬فجعل هذه األفعال جرائم ضد اإلنسانية‪،‬‬

‫بمجرد وقوعها ضمن الهجوم الواسع النطاق أو املنهجي‪ ،‬بغض النظر عن كونها تقع‬

‫ضد املرأة أو الرجل‪ ،‬وعلى ذلك يعتبر االغتصاب وجرائم العنف الجنس ي األخرى‬

‫جرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬ولكنها قد تصبح جرائم حرب حال وقوعها ضمن نزاع مسلح‬

‫دولي أوغيردولي‪ ،‬ويكون ذلك مثال عندما يتم اغتصاب النساء املدنيات الالتي ينتمين‬

‫لدولة طرف في النزاع‪ ،‬من طرف مقاتلي دولة أخرى طرف في هذا النزاع‪.247‬‬

‫‪ - 5‬بدر الدين محمد شبل‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪138‬‬


‫‪ - 246‬الفقرة ‪/2‬ز من المادة السابعة من نظام روما األساسي‬
‫‪ - 247‬خالد رمزي البزايعة‪ ،‬جرائم الحرب في الفقه اإلسالمي والقانون الدولي‪ ،‬األردن‪ ،‬دار النفائس للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،2007 ،‬ص ‪189‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 144‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ثالثا‪ :‬جرائم احلرب‬

‫يمكن تعريف جرائم الحرب‪ ،‬على أنها األفعال الو اقعة خرقا للقواعد‬

‫واألعراف املنظمة للنزاعات املسلحة‪ ،‬والصور املشكلة لهذه الجرائم يمكن إيجادها‬

‫ضمن العديد من الوثائق الدولية كمؤتمر السالم األول والثاني في الهاي عام ‪1899‬‬

‫و‪ ،1977‬اتفاقيات جنيف األربع لعام ‪ 1949‬والبرتوكولين امللحقين بها لعام ‪.1977‬‬

‫تضمنت املادة الثامنة من نظام روما األساس ي قائمة واسعة من األفعال‬

‫املشكلة لجرائم الحرب التي ترتكب في إطار النزاعات املسلحة الدولية وغير الدولية‪.‬‬

‫ويرجع ذلك إلى ضرورة حماية األشخاص غيراملشاركين في املجهود الحربي من النساء‬

‫واألطفال والجرحى واملرض ى واألسرى وغيرهم‪.‬‬

‫توصل نظام روما األساس ي عند تعريفه لجرائم الحرب‪ ،‬إلى الجمع بين الحلول‬

‫الوسط من جهة‪ ،‬وتطوير القانون الدولي من جهة أخرى‪ ،‬فوسع في تعريف هذه‬

‫الجرائم واألفعال املشكلة لها بصورة أفضل مما كانت عليه في التعاريف التقليدية‬

‫السابقة‪ ،‬واشتمل على أفعال جديدة لم يسبق تكيفها كجرائم حرب‪ ،‬إضافة الى‬

‫مسايرته للتطورات الحديثة للقضاء الدولي‪ ،‬من خالل تجريمه لألفعال املشكلة‬

‫لجرائم الحرب الو اقعة خالل النزاعات املسلحة غيرالدولية‪.248‬‬

‫‪ - 248‬محمد فهد الشاللدة‪ ،‬القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬توزيع منشأة المعارف‪ ،2005 ،‬ص ‪405‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 145‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فنظام روما األساس ي نص على اختصاص املحكمة الجنائية الدولية بنظر‬

‫الجرائم الدولية الشديدة الخطورة‪ ،‬والتي من بينها جرائم الحرب‪ ،‬هذه األخيرة التي‬

‫عالجها ضمن املادة الثامنة منه‪ ،‬والتي جاء في فقرتها األولى "يكون للمحكمة‬

‫اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب وال سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو‬

‫سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم"‪ ،‬بينما جاءت‬

‫الفقرة الثانية لتوضح املقصود بجرائم الحرب فأحصت األفعال املكونة لها‪.‬‬

‫قسمت جرائم الحرب حسب نظام روما األساس ي إلى فئتين جرائم الحرب‬

‫املرتكبة خالل النزاعات املسلحة الدولية و جرائم الحرب املرتكبة خالل النزاعات‬

‫املسلحة غير الدولية‪ .‬وقد شملت هذه الجرائم عددا كبيرا من االنتهاكات التي تقع‬

‫خرقا للقانون املنظم للنزاعات املسلحة‪ ،‬منها ما يقع على األشخاص كأفعال القتل‬

‫واإلبادة والتعذيب والحرمان من الحرية‪ ،‬ومنها ما يقع على األعيان واملمتلكات‬

‫كضرب األهداف املدنية وتوجيه الهجمات ضد األشياء واألعيان التي ال غنى عنها‬

‫لبقاء السكان املدنين على قيد الحياة أو استهداف املو اقع التي ال عالقة لها بالنزاع‪،‬‬

‫ومنها ما يتعلق بأساليب ووسائل القتال كاللجوء للغدرواستعمال األسلحة املحظورة‬

‫دوليا‪.249‬‬

‫‪ - 249‬أنظر الفقرة الثانية من المادة الثامنة من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 146‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يمكن أن تقع جرائم الحرب في صورة عنف جنس ي في حال إرتكاب األفعال‬

‫املشكلة لها كاالغتصاب واالستعباد والتعقيم القسري واإلكراه على البغاء وغيرها‪،‬‬

‫في أوقات النزاعات املسلحة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬جرمية العدوان‬

‫إعتبرتعريف جريمة العدوان من أهم اإلشكاالت التي واجهت مؤتمرروما املنش ئ‬

‫للمحكمة الجنائية الدولية بسبب االختالف القائم حول وضع تعريف محدد‬

‫للجريمة‪ ،‬وقد توصل املؤتمرون في نهاية األمر إلى إدراج جريمة العدوان ضمن‬

‫اختصاص املحكمة الجنائية الدولية وتأجيل وضع تعريف لهذه الجريمة إلى حين‬

‫انعقاد املؤتمر االستعراض ي الذي تم االتفاق على عقده بعد مرور سبع سنوات من‬

‫دخول النظام األساس ي حيزالنفاذ‪.250‬‬

‫استنادا للمادة ‪ 123‬من النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية‪ 251،‬تم‬

‫عقد مؤتمركمباال االستعراض ي في الفترة ما بين ‪ 31‬ماي و‪ 11‬جويلية ‪ 2010‬بأوغندا‪،‬‬

‫جاء هذا املؤتمر بتعديالت هامة خاصة فيما يتعلق بجريمة العدوان من حيث‬

‫تعريفها و انعقاد االختصاص بشأنها للمحكمة الجنائية الدولية وأركانها‪.‬‬

‫‪ - 250‬منى غبولي "التوصل إلى تعريف جريمة العدوان‪ ،‬قراءة على ضوء نتائج المؤتمر االستعراضي للنظام األساسي‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية كمباال ‪ "2010‬المجلة األكاديمية للبحث القانوني‪ ،‬جامعة عبد الرحمان ميرة‪ ،‬بجاية‪ ،‬المجلد‬
‫الخامس‪ ،‬العدد األول‪ ،2014 ،‬ص ‪224‬‬
‫‪ - 251‬تنص الفقرة األولى من المادة ‪ 123‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنه "بعد انقضاء سبع‬
‫سنوات على بدء نفاذ هذا النظام األساسي‪ ،‬يعقد األمين العام لألمم المتحدة مؤتمرا استعراضيا للدول األطراف للنظر في‬
‫أي تعديالت على هذا النظام األساسي‪ .‬ويجوز أن يشمل االستعراض قائمة الجرائم الواردة في المادة ‪ 5‬دون أن يقتصر‬
‫عليها‪ .‬ويكون هذا المؤتمر مفتوحا للمشاركين في جمعية الدول األطراف وبنفس الشروط"‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 147‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بموجب املؤتمر االستعراض ي لعام ‪ 2010‬تم حذف الفقرة الثانية من املادة‬

‫الخامسة من النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية والتوصل إلى وضع تعريف‬

‫لجريمة العدوان ضمن املادة الثامنة مكررالتي تنص‪" :‬ألغراض هذا النظام األساس ي‬

‫تعني جريمة العدوان‪ :‬قيام شخص ما‪ ،‬له وضع يمكنه من التحكم في العمل‬

‫السياس ي أو العسكري للدولة‪ ،‬أو من توجيه هذا العمل بتخطيط أو إعداد أو بدء أو‬

‫تنفيذ عمل عدو اني يشكل بحكم طابعه وخطورته ونطاقه انتهاكا واضحا مليثاق األمم‬

‫املتحدة"‬

‫باستقراء التعريف املدرج ضمن املادة الثامنة مكرر من النظام األساس ي‬

‫للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬نجد جاء مستمدا من القرار الذي اعتمدته الجمعية‬

‫العامة بشأن تعريف العدوان بموجب قرارها الصادر بتاريخ ‪ 14‬ديسمبر‪ 1974‬تحت‬

‫رقم ‪ .3314‬كما أن من أهم ما يميزه أنه تو افقي مختلط‪ ،‬يجمع بين التعريف العام‬

‫لجريمة العدوان والتعريف الحصري‪ .‬ومن ثم فهو تعريف استرشادي أعطى معنى‬

‫عام لجريمة العدوان ثم عدد بعض األفعال املشكلة للجريمة على سبيل املثال‬

‫والتوضيح‪.‬‬

‫إن العدوان باعتباره جريمة دولية خطيرة يقع من خالل االستخدام غيراملشروع‬

‫للقوة املسلحة من طرف دولة ما في مواجهة دولة أخرى وهو يتخذ عدة صور تتمثل‬

‫في‪ :‬الغزو أو الهجوم املسلح‪ ،‬القنبلة‪ ،‬حصارالشواطئ واملوانئ‪ ،‬الهجوم ضد القوات‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 148‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املسلحة في البر أو البحرأو الجو‪ ،‬استخدام إقليم الدولة على غير ما هو متفق عليه‪،‬‬

‫قيام الدولة بوضع إقليمها بتصرف دولة أخرى للعدوان‪ ،‬إرسال العصابات‪.252‬‬

‫العدوان في حد ذاته ال يشكل جريمة من جرائم العنف الجنس ي التي تختص‬

‫املحكمة الجنائية الدولية بنظرها‪ ،‬إال أنه وفي حال وقوع فعل العدوان يمكن أن‬

‫يترتب عنه وقوع جرائم حرب و انتهاكات خطيرة قد تشكل أفعال عنف جنس ي تدخل‬

‫ضمن اختصاص املحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬دور احملكمة اجلنائية الدولية يف احلماية من جرائم‬

‫العنف اجلنسي‬

‫لم تكن تعتبر جرائم العنف الجنس ي في القرون املاضية جرائم دولية وال حتى‬

‫وطنية‪ ،‬إال أنه ومع تطور األنظمة القانونية والقضائية‪ ،‬الدولية منها والوطنية‪،‬‬

‫أصبحت أفعال العنف الجنس ي تشكل جرائم بمقتض ى التشريعات الوطنية‬

‫والدولية‪ ،‬فأصبحت تعتبر من بين أشد الجرائم الدولية خطورة والتي قد تكون في‬

‫صورة جريمة إبادة جماعية‪ ،‬جرائم ضد اإلنسانية أو جرائم حرب‪.‬‬

‫تعتبر جرائم العنف الجنس ي من أشد الجرائم الدولية خطورة وجسامة‪،‬‬

‫ترتكب في حق النساء وحتى الرجال واألطفال‪ ،‬كوسيلة للتهديد والتعذيب واالبتزاز‬

‫واإلهانة واإلذالل‪.253‬‬

‫‪ - 252‬أنظر المادة الثامنة مكرر من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬


‫‪ - 253‬قاسم حمزة ماضي "الحماية الدولية لضحايا العنف الجنسي في النزاعات المسلحة" مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬المجلد‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 149‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يتعرض األشخاص الذين يقعون ضحية لجرائم العنف الجنس ي إلى تبعات‬

‫وخيمة لذلك‪ ،‬كوصمة العارالتي تلحق بهم جراء أعمال العنف الجنس ي‪ ،‬إضافة إلى‬

‫اإلذالل النفس ي واألمراض الجنسية املعدية التي قد تنتقل إلى الضحية بسبب‬

‫ممارسة الجنس كاإليدزمثال‪.254‬‬

‫تعتبر املحكمة الجنائية الدولية من أهم وأكثر اآلليات القضائية الدولية التي‬

‫اعتنت بقضايا العنف الجنس ي‪ .‬فتضمن النظام األساس ي املنش ئ لها قائمة موسعة‬

‫من الصوراملشكلة لهذه الجرائم والتي من املمكن أن ترتكب في أوقات السلم أو زمن‬

‫النزاعات املسلحة‪ .‬ونص على تجريمها والعقاب على ارتكابها‪.‬‬

‫من بين قضايا العنف الجنس ي املرفوعة أمام املحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬قضية‬

‫توماس لوبانغا املتعلقة بجمهورية الكونغو الديمقراطية‪ ،‬وقضية روتو وآخرون‬

‫املتعلقة بكينيا‪ ،‬إال أن هذه القضايا لم تصل إلى مرحلة التحقيق بسبب عدم وجود‬

‫الدالئل الكافية التي تثبث وقوعها‪.255‬‬

‫يعتبر العنف الجنس ي جريمة دولية تدخل ضمن اختصاص املحكمة الجنائية‬

‫الدولية في حال تو افرأركانه وشروطه‪ .‬ومن أمثلة أفعال العنف الجنس ي التي تشكل‬

‫انتهاكات دولية خطيرة‪ ،‬ما ارتكب في هايتي ما بين سنة ‪ 1991‬و‪ ،2004‬حيث كان‬

‫النظام العسكري يستعمل االغتصاب كوسيلة لترهيب وتخويف الضحية‪ .‬من‬

‫‪ ،25‬العدد الرابع‪ ،‬ديسمبر‪ ،2018 ،‬ص ‪.3‬‬


‫‪ - 254‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 255‬نصيرة مازري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 150‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أعمال العنف الجنس ي أيضا التي يعتبر جريمة دولية أيضا جرائم االغتصاب‬

‫املرتكبة على نطاق واسع خالل النزاع املسلح القائم شرق جمهورية الكونغو‬

‫الديمقراطية خالل الفترة من ‪ 1996‬إلى ‪.2562003‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬جرائم العنف اجلنسي موضوع اختصاص احملكمة‬

‫اجلنائية الدولية‬

‫لقد جاء النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية بقائمة موسعة من‬

‫جرائم العنف الجنس ي‪ ،‬تتمثل في االغتصاب‪ ،‬االستعباد الجنس ي‪ ،‬اإلكراه على‬

‫البغاء‪ ،‬الحمل القسري‪ ،‬التعقيم القسري‪ ،‬كما أنه جعل قائمة هذه الجرائم‬

‫مفتوحة الحتمال وقوع جرائم أخرى تنطوي على عنف جنس ي وذلك بإدراجه عبارة‬

‫جرائم العنف الجنس ي األخرى‪.‬‬

‫أوال‪ :‬االغتصاب يمكن تعريف االغتصاب على أنه إيالج أي ش يء بما في ذلك‬

‫العضو الجنس ي‪ ،‬بصفة جبرية وتحت اإلكراه‪ ،‬في أي جزء من جسد الضحية‪ ،‬الذي‬

‫قد يكون ذكرا أو أنثى‪.257‬‬

‫يقع االغتصاب من خالل إرغام الشخص على اتصال جنس ي دون مو افقته‪،‬‬

‫باستعمال القوة أو العنف أو التهديد‪ ،‬ويمكن أن يقع بين أشخاص من نفس الجنس‬

‫‪ - 256‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.3‬‬


‫‪ - 257‬نصر الدين بوسماحة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 151‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫كما يحدث أيضا بين جنسين مختلفين وهو يشكل مساس بالسالمة الجسدية‬

‫والحرية الجنسية للضحية‪.258‬‬

‫ثانيا‪ :‬االستعباد الجنس ي يقع االستعباد الجنس ي من خالل ممارسة جميع‬

‫السلطات املتعلقة بحق امللكية كالشراء أو البيع أو اإلعارة أو املقايضة على املجني‬

‫عليه ودفعه إلى القيام بأفعال ذات طابع جنس ي‪.259‬‬

‫من أكثر األمثلة شيوعا على ممارسة االستعباد الجنس ي ما ارتكبه الجيش‬

‫الياباني في حق النساء اللواتي كان يطلق عليهن اسم "نساء الراحة" فكن ينتقلن مع‬

‫الجيش الياباني إلى مناطق االحتالل من أجل إمتاع الجنود والترفيه عنهم جنسيا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اإلكراه على البغاء تقع هذه الجريمة بإجبار املجني عليه على ممارسة‬

‫أفعال ذات طبيعة جنسية باستعمال القوة أو وسائل التهديد املادية أو املعنوية‪ ،‬مع‬

‫إمكانية الحصول على مقابل جراء القيام بهذه األفعال‪ .260‬وقد ارتكبت جريمة‬

‫اإلكراه على البغاء بشكل واسع خالل النزاع القائم في يوغسالفيا السابقة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الحمل القسري تقع جريمة الحمل القسري من خالل إجبار املرأة على‬

‫الحمل بطريقة غير مشروعة وبصفة جبرية مع استعمال وسائل التهديد‪ ،261‬ويكون‬

‫‪ - 258‬خديجة جعفر "جرائم العنف الجنسي في نظام المحكمة الجنائية الدولية" مجلة دراسات وأبحاث‪ ،‬المجلد الرابع‪،‬‬
‫العدد السابع‪ ،‬جامعة زيان عاشور‪ ،‬الجلفة‪ ،2012 ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 259‬عبد القادر البقيرات‪ ،‬مفهوم الجرائم ضد اإلنسانية على ضوء القانون الدولي الجنائي والقوانين الوطنية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،2011 ،‬ص ‪.109 ،108‬‬
‫‪ - 260‬نصر الدين بوسماحة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ - 261‬سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬جرائم اإلبادة الجماعية والجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬موسوعة القانون الدولي الجنائي ‪،1‬‬
‫األردن‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2011 ،‬ص‪.245‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 152‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ذلك من خالل حجزامرأة أو مجموعة من النساء وإجبارهن على الحمل رغما عنهن‪،‬‬

‫بغية الـتأثيرفي التكوين العرقي للجماعة التي تنتمي إليها تلك النساء‪ .262‬كما هوالحال‬

‫بالنسبة لتنظيم داعش‪ ،‬الذي كان أفراد قواته يغتصبون النساء بغرض تعزيز‬

‫وإدامة تواجدهم‪ ،‬من خالل نقل إيديولوجيتهم إلى جيل جديد يحمل نفس صفاتهم‪،‬‬

‫فكانت تستعمل أجساد النساء وكأنها أسلحة بيولوجية لتغيير البنية الديمغر افية‬

‫ملنطقة ما‪.263‬‬

‫خامسا‪ :‬التعقيم القسري تتحقق هذه الجريمة بإعطاء مواد تسبب العقم‬

‫للمرأة أو الرجل‪ ،‬أو بأي عمل أخرمن شأنه التأثيرفي القدرة على اإلنجاب‪ ،264‬من غير‬

‫مو افقة الضحية أو إذنها ودون وجود أي أسباب أو دواعي طبية تستدعي ذلك‪.265‬‬

‫وقد تم اللجوء إلى ارتكاب هذه الجريمة أثناء الحرب العاملية الثانية أين قام هتلر‬

‫بسن قانون خاص يبيح التعقيم الوقائي في حق األشخاص املصابين بأمراض‬

‫وراثية‪.266‬‬

‫سادسا‪ :‬جرائم العنف الجنس ي األخرى يدخل ضمن مفهوم هذه الجريمة كافة‬

‫األفعال ذات الطبيعة الجنسية التي من املمكن أن يتم ارتكابها في حق األشخاص‬

‫‪ - 262‬نصر الدين بوسماحة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬


‫‪ - 263‬قاسم حمزة ماضي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 264‬سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫‪ - 265‬نصر الدين بوسماحة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.35 ،34‬‬
‫‪ - 266‬سوسن تمرخان بكة‪ ،‬الجرائم ضد اإلنسانية في ضوء أحكام النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2006 ،‬ص ‪.387‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 153‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫باستعمال العنف أو القوة أو التهديد‪ 267،‬والتي ال يمكن العقاب عليها بمقتض ى‬

‫حاالت العنف الجنس ي املذكورة سابقا‪.‬‬

‫لم يفرق النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بجرائم‬

‫العنف الجنس ي بين الجنسين إال في بعض املواد فقط‪ ،‬فقد أعطى نظام املحكمة‬

‫عناية خاصة لإلنسان‪ ،‬فنص على تجريم كافة االنتهاكات املرتكبة في حقه‪ ،‬وذلك‬

‫ألجل حمايته من كافة أعمال العنف واالعتداء التي يمكن أن يتعرض لها‪.268‬‬

‫إن األفعال املنصوص عليها أعاله واملشكلة لجرائم العنف الجنس ي يمكن أن‬

‫تكون في صورة جرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬كما يمكن أن تكون في صورة جرائم حرب‪،‬‬

‫ففي كال الحالتين تشكل هذه األفعال جرائم عنف جنس ي تدخل ضمن نطاق‬

‫اختصاص املحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وقد جرمت هذه األفعال وتم النص على‬

‫عقاب مرتكبيها ألجل حماية النساء من االعتداءات الجنسية التي قد يتعرضون لها‪،‬‬

‫وباألخص أثناء النزاعات املسلحة‪.269‬‬

‫أفعال العنف الجنس ي يمكن أن تقع أيضا في صورة إبادة جماعية‪ ،‬لدو افع‬

‫عرقية أو دينية أو قومية أو جنسية‪ .‬فقد نص النظام األساس ي للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية في املادة السادسة منه على أن جريمة اإلبادة الجماعية يمكن أن تتحقق من‬

‫خالل فرض التدابير املؤدية الى منع اإلنجاب داخل الجماعة‪ .‬إذ يعتبر هذا الفعل‬

‫‪ - 267‬نصر الدين بوسماحة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪ - 268‬قاسم ماضي حمزة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ - 269‬أنظر المادة السابعة والثامنة من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 154‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫نوعا من أنواع العنف الجنس ي ألنه يهدف إلى منع االستمرار الطبيعي ألفراد‬

‫الجماعة‪ ،‬عن طريق منع التوالد فيما بينها‪ ،‬وقد يتم بعدة صور‪ ،‬كفصل رجال‬

‫جماعة ما عن نسائها أو منع التزاوج فيما بينها أو إجهاض نساء الجماعة‪ ،‬أو التسبب‬

‫بالعقم للرجال والنساء من أفراد الجماعة‪ ،‬إما ببتر العضو الجنس ي لدى رجالها أو‬

‫إجبار نسائها على تناول العقاقير املسببة للعقم‪ ،270.‬وقد أطلق على هذا النوع من‬

‫اإلبادة مصطلح اإلبادة البيولوجية‪ ،‬ألنه يهدف إلى إعاقة أو منع نمو وتزايد أفراد‬

‫الجماعة القومية أو االثنية أو العرقية أو الدينية‪.271‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬أسس اختصاص احملكمة اجلنائية الدولية جبرائم‬

‫العنف اجلنسي‬

‫ينعقد اختصاص املحكمة الجنائية الدولية بنظر الجرائم الدولية الخطيرة‬

‫التي تشكل جرائم عنف جنس ي ترتكب في حق اإلنسان وتمس بحقوقه‪ ،‬استنادا‬

‫ملجموعة من األسس واملبادئ تتمثل في االختصاص التكميلي‪ ،‬املسؤولية الجنائية‬

‫الدولية الفردية‪ ،‬ومبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية‪.‬‬

‫‪ - 270‬لندة معمر يشوي المحكمة الجنائية الدولية الدائمة واختصاصها‪ ،‬األردن‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،2008 ،‬ص‪.189‬‬
‫‪ -271‬منتصر سعيد حمودة حقوق اإلنسان أثناء النزاعات المسلحة‪ ،‬دراسة فقهية في ضوء أحكام القانون اإلنساني‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2008 ،‬ص ‪.184‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 155‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬االختصاص التكميلي‬

‫يتمثل الدور األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية في مساءلة ومحاكمة‬

‫األشخاص الطبيعيين عن األفعال اإلجرامية املرتكبة من جانبهم‪ ،‬وبذلك فإن‬

‫املحكمة تعتبر هيئة قضائية دولية تقف في وجه الجرائم الدولية الخطيرة وتحول‬

‫دون إفالت مرتكبيها من العقاب‪ ،‬خاصة إذا ما تعلق األمر بتلك االنتهاكات الخطيرة‬

‫التي تشكل جرائم عنف جنس ي‪.‬‬

‫إال أن هذه الهيئة القضائية الدولية ال تنفرد أوتستأثروحدها باختصاص النظر‬

‫في الجرائم الدولية الخطيرة ومعاقبة مرتكبيها‪ ،‬و إنما تلعب دورا مكمال لالختصاص‬

‫القضائي الوطني‪ ،‬هذا األخيرالذي تبقى له أسبقية النظرفي جرائم العنف الجنس ي‬

‫ومعاقبة مرتكبيها‪.272‬‬

‫هذا االختصاص املسبق أو األولي للقضاء الوطني والذي تكمله املحكمة‬

‫الجنائية الدولية يسمى بمبدأ التكامل‪ ،‬ويقصد به تلك الصياغة التوفيقية التي‬

‫تعتمدها الجماعة الدولية ألجل حمل الدول وحثها على مالحقة ومتابعة األشخاص‬

‫الطبيعيين الذين يرتكبون الجرائم الدولية الشديدة الخطورة على املجتمع الدولي‪،‬‬

‫وهذا االختصاص األولي للمحاكم الوطنية تكمله املحكمة الجنائية الدولية في حال‬

‫عدم رغبة القضاء الوطني أو عدم جديته في محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية‪ ،‬أو‬

‫‪ - 272‬أنظر المادة ‪ 17‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 156‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫عدم قدرته على ذلك‪ ،‬نظرا لعدم اختصاصه بنظر هذه الجرائم أو النهيار هياكله‬
‫القضائية املختصة بذلك‪273.‬‬

‫يستمد االختصاص التكميلي أساسه وقوته من إرادة الدول األطراف في النظام‬

‫األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬والتي و افقت على أن تختص املحكمة‬

‫الجنائية بالنظر في الجرائم الدولية املعروضة على محاكمها الوطنية‪ ،‬حال عدم‬

‫قدرتها على االختصاص بالنظرفي هذه الجرائم بسبب انهيارهياكلها القضائية‪ ،‬أو في‬

‫حال عدم رغبتها أو عدم استعدادها أو ال مباالتها أصال بنظر هذه الجرائم ومعاقبة‬

‫مرتكبيها‪ ،‬أو بسبب عدم تو افر شرط اختصاصها املوضوعي للنظر في هذه الجرائم‬
‫نظرا لعدم وجود نص ضمن قوانينها الوطنية يجرم الفعل املرتكب ويعاقب عليه‪274.‬‬

‫يكمن الهدف األساس ي من اعتماد مبدأ االختصاص التكميلي وتكريسه ضمن‬

‫نظام روما األساس ي‪ ،‬في تأكيد مبدأ السيادة التي تملكها الدول على إقليمها وعلى ما‬

‫يرتكبه رعاياها من أفعال إجرامية تخضع لالختصاص املوضوعي للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية‪ ،‬وهو األمر الذي جعل مبدأ االختصاص التكميلي محل ترحيب وتأييد من‬
‫ي ومو افقتها عليه‪275.‬‬ ‫طرف غالبية الدول املشاركة في مؤتمرروما األساس‬

‫‪ - 273‬وداد محزم سايغي‪" ،‬مبدأ التكامل في ظل النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية"‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬جامعة اإلخوة‬
‫منتوري‪ ،‬مذكرة نيل شهادة الماجستير‪ ،2007 ،2006 ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -274‬عالوة الطيب‪" ،‬المحكمة الجنائية الدولية اختصاص أصيل أم تكميلي" المجلة الجزائرية للعلوم‬
‫القانونية‪،‬االقتصادية و السياسة‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2011‬ص ‪.522‬‬
‫‪ - 275‬محمد عزيز شكري‪ ،‬القانون الدولي اإلنساني والمحكمة الجنائية الدولية"‪ ،‬القانون الدولي اإلنساني‪ -‬أفاق‬
‫وتحديات‪ -‬مؤلف جماعي‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬لبنان‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2005 ،‬ص ‪.130‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 157‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫إن مبدأ التكامل الذي يحكم نشاط املحكمة الجنائية الدولية يصب في مصلحة‬

‫حماية اإلنسان وباألخص املرأة من االعتداءات الجنسية والحفاظ على حقوقها‪،‬‬

‫بحيث أن جرائم العنف الجنس ي ينعقد اختصاص املساءلة واملعاقبة عنها للقضاء‬

‫الوطني بالدرجة األولى‪ ،‬وفي حال عدم قدرة هذا األخير أو عدم رغبته في ذلك ينعقد‬

‫االختصاص للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬ومن ثم فإن مرتكبي جرائم العنف الجنس ي‬

‫لن يفلتوا من العقاب‪ ،‬وسوف يكونون محل متابعة سواء بموجب القضاء الوطني‬

‫أو القضاء الدولي‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬املسؤولية اجلنائية الدولية الفردية‬

‫لقد اعتمد نظام روما املنش ئ للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬قواعد ومبادئ‬

‫املسؤولية الجنائية الفردية ملرتكبي الجرائم الدولية األشد خطورة‪ .‬إذ جاء في‬

‫ديباجة هذا النظام التأكيد على ضرورة مالحقة ومعاقبة املجرمين الدوليين الذين‬

‫يرتكبون الجرائم الدولية الخطيرة الو اقعة ضمن االختصاص املوضوعي للمحكمة‬

‫الجنائية الدولية‪ ،‬والتي تهدد الكيان البشري وتثير قلق املجتمع الدولي ككل‪ ،‬كما تم‬

‫التأكيد على وجوب وضع حد لظاهرة الالعقاب التي أصبحت متفشية ومنتشرة على‬

‫الصعيد الدولي‪ ،‬وضرورة العمل على إرساء أسس السلم واألمن الدوليين وإضفاء‬

‫املبادئ والقيم اإلنسانية على العالقات الدولية‪.276‬‬

‫‪ -276‬قصي مصطفى عبد الكريم تيم‪" ،‬مدى فاعلية القانون الدولي اإلنساني في النزاعات المسلحة الدولية وغير‬
‫الدولية"‪ ،‬فلسطين‪ ،‬نابلس‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير‪ ،‬ص ‪.132‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 158‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أوال‪ :‬مسؤولية األشخاص الطبيعيني‬

‫إن الجرائم الدولية الخطيرة التي تهدد كيان املجتمع البشري ال يمكن السكوت‬

‫عنها أو التغاض ي عن عدم معاقبة مرتكبيها‪ ،‬لذلك تم إقرار مبدأ املسؤولية الجنائية‬

‫الفردية لألشخاص الطبيعيين عن الجرائم الدولية األشد خطورة املرتكبة من‬

‫جانبهم‪ ،‬وذلك بموجب قواعد القانون الدولي سواء املستمدة من العرف الدولي أو‬

‫تلك املتفق عليها بموجب معاهدات دولية‪ ،‬فاملسؤولية عن ارتكاب ووقوع الجرائم‬

‫الدولية لم تعد قائمة في حق الدولة فقط بل أن الفرد أصبح أيضا مسئوال مسؤولية‬

‫جنائية فردية على املستوى الدولي‪.‬‬

‫وقد تم تأكيد وتكريس مبدأ املسؤولية الجنائية الدولية الفردية ضمن العديد‬

‫من الوثائق الدولية‪ ،‬منها معاهدة فرساي التي أقرت ضمن املادة ‪ 227‬منها‪ ،‬مبدأ‬

‫املسؤولية الجنائية الفردية إلمبراطور أملانيا في ذلك الوقت غيلوم الثاني‪ ،‬إلى جانب‬

‫ذلك فان محكمة النورمبورغ أكدت ضمن نظامها األساس ي على هذا املبدأ‪ .‬وتأكد‬

‫املبدأ بعدها ضمن اتفاقيات جنيف األربع لعام ‪ 1949‬والتي نصت على إقراره في حق‬

‫األشخاص الطبيعيين الذين يرتكبون االنتهاكات الجسيمة املنصوص عليها في هذه‬

‫االتفاقيات‪ .277‬كما أن مختلف األنظمة القضائية التي جاءت بعد هذه الهيئة أكدت‬

‫على هذا املبدأ و أقرته ضمن أنظمتها القضائية‪.‬‬

‫‪ -277‬عمر محمود المخزومي‪ ،‬القانون الدولي اإلنساني في ضوء المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬األردن‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2008 ،‬ص ‪.259‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 159‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫إن نظام روما األساس ي يتميز بكونه يتماش ى ويتو افق مع مكافحة ومحاربة‬

‫ظاهرة الالعقاب التي كانت سائدة لعقود طويلة من الزمن‪ ،‬إذ أن هذا النظام أنشأ‬

‫خصيصا ملحاربة هذه الظاهرة‪ ،‬واستنادا لذلك جاء بمبدأ أساس ي يتمثل في إقرار‬

‫املسؤولية الجنائية لألفراد الطبيعيين‪ ،278‬إذ اعتمد مبدأ االختصاص الشخص ي‬

‫الذي ينطبق على األشخاص الطبيعيين دون أن يمتد إلى األشخاص املعنوية‪ ،‬األمر‬

‫الذي يستدعي تحميل األفراد الطبيعيين املسؤولية الجنائية الفردية عن األفعال‬

‫املجرمة املرتكبة من طرفهم‪.279‬‬

‫فاملادة ‪ 25‬من نظام روما األساس ي أكدت على مبدأ املسؤولية الجنائية الفردية‬

‫الذي يقض ي بمساءلة ومعاقبة األشخاص الطبيعيين فقط عن الجرائم الدولية‬

‫الخطيرة التي يرتكبونها والتي تدخل ضمن االختصاص املوضوعي للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية‪.‬‬

‫تضمنت املادة ‪ 25‬التي أقرت مبدأ املسؤولية الجنائية الدولية الفردية‪،‬‬

‫الشروط الواجب تو افرها لقيام هذه املسؤولية‪ ،‬فنصت على أنها مسؤولية‬

‫شخصية وفردية يتحملها الشخص الذي ارتكب إحدى الجرائم الداخلة في‬

‫اختصاص املحكمة‪ ،‬سواء بنفسه أو كان شريكا مع أخريين أو كان متدخال في وقوع‬

‫‪1- Joël Andriantsimbazovina, Héléne Gaudin, Jeane- Pieere Marguénaud,‬‬


‫‪Stéphane Rials, frédéric Sudre, Dictionnaire des droits de l’homme, France,‬‬
‫‪presse université France, 1er édition, octobre, 2008, p 589.‬‬
‫‪ -2‬علي جعفر محمد‪ ،‬االتجاهات الحديثة في القانون الدولي الجزائي‪ ،‬لبنان‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2007 ،‬ص ‪.88‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 160‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫هذه الجريمة أو محرضا على ارتكابها أو حتى أمرا أو مغريا‪ ،‬كما تتحقق هذه‬
‫املسؤولية‪ ،‬سواء بوقوع الجريمة كاملة أو ملجرد الشروع في ارتكابها فقط‪280.‬‬

‫فيما يتعلق بمسؤولية األشخاص الطبيعيين دائما‪ ،‬أقر نظام روما األساس ي‬

‫حكما أخريتعلق بهذه املسؤولية ضمن املادة ‪ 26‬منه‪ ،‬يقض ي بأن ال يمتد اختصاص‬

‫املحكمة الجنائية الدولية ملحاكمة األشخاص الطبيعيين الذين لم يبلغوا سن ‪18‬‬

‫سنة‪ ،‬وقت ارتكابهم للفعل املجرم الذي يدخل ضمن االختصاص املوضوعي‬

‫للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬أي أن األشخاص الطبيعيين الذين تقل أعمارهم عن‬

‫‪ 18‬سنة ال يكونون محل مساءلة أمام املحكمة الجنائية الدولية‪ ،281‬إال أن ذلك ال‬

‫يمنع من مساءلتهم أمام املحاكم الجنائية الوطنية التابعة للدولة التي وقعت فيها‬

‫الجريمة‪ ،‬أو الدولة التي ينتمي اليها املجني عليهم‪.282‬‬

‫إن املسؤولية الجنائية الفردية يتحملها الفرد في حال ارتكابه إلحدى الجرائم‬

‫الدولية املنصوص عليها ضمن النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬بما فيها‬

‫جرائم العنف الجنس ي فهذه األخيرة يعاقب على ارتكابها األشخاص الطبيعيين‬

‫ويسألون مسؤولية جنائية فردية‪ ،‬وتطبق عليهم كافة األحكام العامة املتعلقة‬

‫‪2- Louis Fernando Alvarez Londono, « La cour pénale internationale et le droit‬‬


‫خطأ! مرجع ‪international humanitaire, un vision globale de la justice », sur le cite‬‬
‫‪ 14.‬االرتباط التشعبي غير صحيح‪.‬‬
‫‪1- Francoise Bouchet Soulnier, Dictionnaire pratique du droit humanitaire,‬‬
‫‪France, éditions la découverte, édition actualisée et enrichie, 3eme édition,‬‬
‫‪2006.،p 133‬‬
‫‪ -282‬لندة معمر يشوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 161‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫باملسؤولية الجنائية املنصوص عليها ضمن النظام األساس ي للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عدم االعتداد بالصفة الرمسية‬

‫استنادا للمبدأ القائم على حسن سير العالقات الدولية و ضرورات املصلحة‬

‫العامة‪ ،‬يتم إعفاء بعض األشخاص الذين يتقلدون وظائف سامية في الدولة من‬

‫املتابعة والعقاب عن الجرائم الدولية التي يرتكبونها‪ ،‬سواء أمام املحاكم الوطنية‬

‫للدول التي يتبعونها والتي تختص بنظرهذه الجرائم‪ ،‬أوأمام محاكم الدول األجنبية‪،‬‬

‫و هذا استنادا للحصانات و االمتيازات التي تمنح لهم بموجب اتفاقية فينا لعام‬

‫‪1961‬‬

‫كانت هذه الحصانة التي يتمتع بها األشخاص الطبيعيين ولوقت طويل تحول‬

‫دون مساءلتهم وعقابهم عن الجرائم الدولية الخطيرة املرتكبة من طرفهم‪ ،‬األمر‬

‫الذي كان يحد من فعالية األحكام والنصوص التي تجرم وتعاقب على ارتكاب هذه‬

‫الجرائم‪ ،‬ومن تم انتشار وتفش ي ظاهرة اإلفالت من العقاب بسبب العجز عن‬
‫التصدي لهذه الجرائم ‪283.‬‬

‫ألجل تفادي كل ذلك‪ ،‬جاء نظام روما األساس ي مؤكدا ضمن مادته ‪ 27‬على مبدأ‬

‫عدم االعتداد بالصفة الرسمية التي يتمتع بها األشخاص الذين يرتكبون جرائم‬

‫‪ -283‬وفاء دريدي‪ ،‬المحكمة الجنائية الدولية ودورها في تنفيذ قواعد القانون الدولي اإلنساني"‪ ،‬باتنة‪ ،‬جامعة الحاج‬
‫لخضر‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير ‪ ،2009 /2008‬ص ‪.81‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 162‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫دولية خطيرة تدخل ضمن االختصاص املوضوعي للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬اذ أن‬

‫نصوص النظام األساس ي وأحكامه تطبق على كافة األشخاص املتهمين بغض النظر‬

‫عن الصفة الرسمية أو الوظيفية التي يتقلدها هؤالء املتهمين‪ ،‬فالشخص يسأل‬

‫ويعاقب بموجب نظام روما األساس ي بمجرد ارتكابه لفعل مجرم بموجب هذا‬

‫النظام‪ ،‬مهما كانت صفته أو وظيفته‪ ،‬سواء رئيس دولة أو عضو في برملان أو ممثال‬

‫منتخبا‪ ،‬فكل هذه الرسميات ال تعتبر ظرفا معفيا أو مخففا من إقرار املسؤولية‬

‫الجنائية الفردية عن األفعال املجرمة التي يرتكبها هؤالء األشخاص‪.‬‬

‫إن جرائم العنف الجنس ي التي تختص املحكمة الجنائية الدولية بنظرها تسري‬

‫عليها أيضا هذه األحكام‪ ،‬إذ يعاقب األشخاص املسئولون عن ارتكاب هذه الجرائم‬

‫أو اآلمرين بارتكابها بغض النظر عن صفتهم الرسمية أو الوظيفة التي يشغلونها حتى‬

‫ولو كان املتهم رئيس دولة أو قائد عسكري أو ذو منصب سامي في الدولة‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬عدم تقادم اجلرائم الدولية‬

‫مبدأ التقادم معترف به ضمن أغلب التشريعات الوطنية التي تقر إعماله من‬

‫أجل منح فرصة للمتهم ومساعدته على االندماج واالنخراط في املجتمع بصفة‬

‫طبيعية‪ .‬إال أنه وبالنظرلخطورة وجسامة الجرائم الدولية‪ ،‬فإن هذا املبدأ ال يسري‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 163‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫عليها وال يطبق بشأنها‪ .‬فالجرائم الدولية الخطيرة ال تسقط بالتقادم مهما مر عليها‬

‫من الزمن‪.284‬‬

‫يقصد بالتقادم مرور مدة من الوقت بعد صدور حكم يقض ي بتسليط عقوبة‬

‫على املتهم‪ ،‬ولكن ال ينفذ الحكم خالل هذه املدة‪ .‬فيسقط عندئذ حق املجتمع في‬

‫تنفيذ العقوبة على مرتكب الجريمة‪.‬‬

‫وهذا التقادم يمس العقوبة‪ .‬أما تقادم الدعوى العمومية فهو يعني مرور مدة‬

‫زمنية معينة على تاريخ ارتكاب الجريمة أو اتخاذ إجراء من إجراءات الدعوى بشأنها‪،‬‬

‫فيسقط الحق في استعمال إجراءات املتابعة أو إعادة مباشرتها ضد املتهم‪.285‬‬

‫إن التقادم بنوعيه‪ ،‬سواء تقادم العقوبة أو تقادم الدعوى العمومية يسمح‬

‫ويساهم في إفالت مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة من العقاب‪ ،‬وذلك إما من خالل‬

‫سقوط الحق في املالحقة واملتابعة القضائية أو سقوط الحق في توقيع العقاب على‬
‫مرتكبي الجرائم‪286.‬‬

‫إن مبدأ التقادم املنصوص عليه ضمن القوانين الوطنية ال يمكن إعماله على‬

‫املستوى الدولي ألن طبيعة الجريمة الدولية التي تتميز بالخطورة والجسامة تجعل‬

‫‪ - 284‬أحمد بشارة موسى‪ ،‬المسؤولية الجنائية الدولية للفرد‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع‪،2009 ،‬‬
‫ص ‪.222‬‬
‫‪ -285‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪ - 286‬مونية بن عبد ‪ ،‬المركز القانوني لضحايا الجرائم الدولية‪ ،‬عمان‪ ،‬دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.68‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 164‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تطبيقه غيرممكن‪ ،‬وهو ما يفسرخلو النصوص الدولية واملواثيق الرسمية املتعلقة‬

‫بالجرائم الدولية من اإلشارة إلى مدة زمنية تتعلق بتقادم هذه الجرائم‪.287‬‬

‫أولت الجمعية العامة لألمم املتحدة اهتماما كبيرا بموضوع عدم تقادم‬

‫الجرائم الدولية الخطيرة‪ ،‬خاصة في ظل خلوجل املواثيق واالتفاقيات الدولية ذات‬

‫الصلة من نص يقض ي بعدم سريان مبدأ التقادم على الجرائم الدولية الخطيرة‪.‬‬

‫فعمدت إلى إصدار اتفاقية دولية خاصة بعدم تقادم الجرائم ضد اإلنسانية‬

‫وجرائم الحرب سنة ‪ ،1968‬أكدت ضمن املادة األولى منها على عدم سريان التقادم‬

‫على هذه الجرائم بغض النظرعن زمن ارتكابها‪.288‬‬

‫كما تقرر مبدأ عدم التقادم أيضا ضمن االتفاقية األوروبية املتعلقة بعدم‬

‫تقادم الجرائم ضد اإلنسانية وجرائم الحرب املوقعة بتاريخ ‪ 25‬جانفي ‪،1974‬‬

‫وإعالن الجمعية العامة لألمم املتحدة املتعلق بحماية جميع األشخاص من االختفاء‬

‫القسري الصادر بتاريخ ‪ 18‬ديسمبر ‪ ،1992‬كما تم تكريس املبدأ ضمن األنظمة‬

‫األساسية للمحاكم الجنائية الدولية الخاصة وبعدها في نظام روما األساس ي املنش ئ‬

‫للمحكمة الجنائية الدولية‪.289‬‬

‫‪ - 287‬أحمد بشارة موسى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.223‬‬


‫‪ - 288‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫‪ - 289‬ن صر الدين بوسماحة‪ ،‬حقوق ضحايا الجرائم الدولية على ضوء أحكام القانون الدولي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجامعي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2007 ،‬ص ‪.96‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 165‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أكد النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية على مبدأ عدم تقادم الجرائم‬

‫الدولية الخطيرة املدرجة ضمن بنوده‪ ،‬واملتمثلة أساسا في جريمة اإلبادة الجماعية‪،‬‬

‫الجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬جرائم الحرب وجريمة العدوان‪ .‬فنص على أنه "ال تسقط‬
‫الجرائم التي تدخل في اختصاص املحكمة بالتقادم أيا كانت أحكامه"‪290‬‬

‫يسري التقادم املقررضمن أحكام النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية‬

‫على كافة الجرائم املنصوص عليها ضمنه بما فيها جرائم العنف الجنس ي‪ ،‬وبذلك‬

‫فإن مرتكبي هذه الجرائم ال يمكن أن يفلتوا من العقاب بمرور الزمن‪ .‬فجرائم‬

‫العنف الجنس ي تتميز بخطورة جسيمة تستدعي إقرار مبدأ التقادم بشأنها‪ ،‬خاصة‬

‫وأنها تمس بالسالمة الجسدية والنفسية للضحية وتلحق أضرارا ال يمكن تداركها‪.‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫إن املحكمة الجنائية الدولية تختص بنظرالجرائم الدولية الخطيرة‪ ،‬والتي من‬

‫بينها جرائم العنف الجنس ي‪ ،‬فتسعى إلى مالحقة ومتابعة مرتكبيها وتوقيع العقاب‬

‫عليهم‪ .‬وبالرغم من القائمة املطولة التي جاء بها النظام األساس ي للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية والتي تشمل تجريم وحظر ارتكاب أفعال العنف الجنس ي بمختلف أنواعها‪،‬‬

‫كاالغتصاب واالستعباد الجنس ي واإلكراه على البغاء وغيرها‪ ،‬إال أن هذه الجرائم‬

‫الزالت ترتكب بصورة مستمرة‪ ،‬باألخص في أوقات النزاعات املسلحة‪ ،‬األمر الذي‬

‫يؤكد على أن النص على جرائم العنف الجنس ي وإدراجها ضمن النظام األساس ي‬

‫‪ - 290‬أنظر المادة ‪ 29‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 166‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جرائم دولية خطيرة‪ ،‬ال يكفي وحده بل ال بد‬

‫من ردع وجزروقمع مرتكبيها وتسليط أشد العقوبات عليهم لتفادي وقوعها مستقبال‪.‬‬

‫من خالل دراسة موضوع جرائم العنف الجنس ي في ضوء املحكمة الجنائية‬

‫الدولية نتوصل للنتائج التالية‪:‬‬

‫‪ -‬أن املحكمة الجنائية الدولية عملت على تطوير مفهوم جرائم العنف‬

‫الجنس ي‬

‫‪ -‬أن النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية تضمن قائمة موسعة من‬

‫األفعال املشكلة لجرائم العنف الجنس ي وستحث أفعال جديدة لم تكن‬

‫موحل تجريم بموجب األنظمة القضائية السابق‬

‫‪ -‬أن جرائم العنف الجنس ي املنصوص عليها ضمن النظام األساس ي‬

‫للمحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تقع في حق النساء كما تقع أيضا في‬

‫حق الرجال واألطفال‬

‫‪ -‬أن االختصاص األصيل واألولي بنظر جرائم العنف الجنس ي يرجع للقضاء‬

‫الوطني وفي حال عجزه أو عدم رغبته يؤول االختصاص للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 167‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -‬أن نظام املحكمة الجنائية الدولية أقر املسؤولية الجنائية الفردية في حق‬

‫مرتكبي جرائم العنف الجنس ي‬

‫‪ -‬أن جرائم العنف الجنس ي ال تسقط بالتقادم باعتبارها تدخل ضمن أشد‬

‫لجرائم الدولية خطورة‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 168‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األستاذة هاجر أهل الدويرة‬


‫باحثة بسلك الدكتوراه بكلية احلقوق‬
‫جامعة احلسن الثاني‪ -‬الدار البيضاء‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر العمل املنزلي ظاهرة عاملية‪ ،‬تختلف من مجتمع إلى أخر تبعا لألوضاع‬

‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وتمثل شريحة العمال املنزليين نسبة كبيرة من القوى‬

‫العاملة السيما في البلدان النامية‪ ،‬وقد افتقر هذا العمل في املغرب للتنظيم‬

‫والحماية القانونية واالجتماعية لفترة طويلة‪ ،‬عانت على إثره العامالت والعمال‬

‫املنزليين الحرمان من الحقوق األساسية وهزالة األجور وطول ساعات العمل‬

‫واملعاملة غيرالالئقة‪.‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 169‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وقد أولت منظمة العمل الدولية أهمية قصوى للعمل والعمال املنزليين‪،‬‬

‫برزت من خالل إصدارها لالتفاقية الدولية رقم ‪ 189‬والتوصية رقم ‪ 201‬بشأن‬

‫العمل الالئق بالعمال املنزليين سنة ‪ ،2011‬والتي أكدت من خاللها على أن هذا‬

‫العمل يحتاج إلى قوانين تحقق العمل الالئق والحماية االجتماعية‪.‬‬

‫وقد كان أول تنظيم قانوني لعمل العمال املنزليين باملغرب بمقتض ى قانون‬

‫االلتزامات والعقود‪ ،‬في إطار أحكام إجارة الخدمة‪ ،‬وبعد ذلك صدرت نصوص‬

‫قانونية شكلت قانون الشغل‪ ،‬لكن هذه القوانين لم تنص على خضوع العمال‬

‫املنزليين ملقتضياتها‪ ،‬إلى ان صدرت مدونة الشغل ونصت بشكل صريح من خالل‬

‫املادة ‪ 2914‬على استبعاد العمال املنازل"خدم البيوت"من نطاق تطبيقها‪ ،‬مع اإلحالة‬

‫على صدور نص خاص ينظم هذه العالقة‪ ،‬وبعد طول انتظار صدر القانون رقم‬

‫‪ 19.12‬املتعلق بشروط تشغيل العمال املنزليين بتاريخ ‪ 10‬غشت ‪ 2016‬ودخل حيز‬

‫التنفيذ في أكتوبر‪.2922018‬‬

‫أما بالنسبة للمشرع الفرنس ي فقد نظم هذا العمل من خالل نظام أساس ي‬

‫وهو االتفاق الجماعي الوطني‪ convention collective national‬الصادربتاريخ ‪24‬‬

‫نونبر‪ ،1999‬وهذا ال يعني انه أقص ى العمال املنزليين من أحكام مدونة الشغل‪ ،‬بحيث‬

‫‪291‬المادة ‪ 4‬من م‪.‬ش‪ " :‬يحدد قانون خاص شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم عالقة شغل بصاحب‬
‫البيت "‪.‬‬
‫‪ 292‬تنص المادة ‪ 27‬من قانون ‪ 19.12‬على ما يلي‪" :‬تدخل أحكام هذا القانون حيز التنفيذ بعد انصرام أجل سنة ابتداء من‬
‫التاريخ الذي تنشر فيه بالجريدة الرسمية النصوص الالزمة لتطبيقه التام"‪ .‬بمعنى أن قانون ‪ 19.12‬قد صدر بتاريخ ‪10‬‬
‫غشت ‪ ،2016‬ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 22‬غشت ‪ .2016‬إال أن نصوصه التنظيمية لم تصدر إلى غاية ‪ 31‬غشت‬
‫‪(2017‬بالنسبة لنموذج عقد العمل المنزلي) وبتاريخ ‪ 27‬سبتمبر ‪(2017‬بالنسبة لالئحة األشغال الممنوعة على العمال‬
‫المنزليين الذين تتراوح أعمارهم ما بين‪ 16‬و‪ 18‬سنة) ونشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 2‬أكتوبر ‪ ،2017‬ولهذه األسباب‬
‫دخل حيز التنفيذ في أكتوبر‪.2018‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 170‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يحيل من خالل االتفاق على أحكام مدونة الشغل الفرنسية‪ ،‬عالوة على استفادتهم‬

‫من نظام الضمان االجتماعي ونظام حوادث الشغل واألمراض املهنية‪.‬‬

‫وقد عرف املشرع املغربي العمال املنزليين بأنهم‪ ":‬العاملة أو العامل الذي‬

‫يقوم بصفة دائمة واعتيادية‪ ،‬مقابل أجر‪ ،‬بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو األسرة‪،‬‬

‫سواء عند مشغل واحد أو أكثر"‪ ،293‬وعرف العمل املنزلي بأنه‪" :‬العمل املنجز لدى‬

‫أسرة أو عدة أسر"‪ .294‬أما املشرع الفرنس ي فقد عرف العمال املنزليين بأنهم كل‬

‫شخص يعمل بدوام كامل أو جزئي‪ 295‬ويؤدي كل أو جزء من واجبات األسرة أو منزل‬

‫األسرة‪.296‬‬

‫وفي إطارالتنظيم القانوني الحديث لعمل العمال املنزليين في القانون املغربي‪،‬‬

‫كان من الضروري الوقوف على مظاهرالحماية املخولة لهذه الشريحة ورصد مظاهر‬

‫الضعف والقصورفيها‪ ،‬وذلك من خالل مقارنتها بالنظام القانوني الفرنس ي باعتباره‬

‫نظام حمائي متميز من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى لتصحيح الفكرة املغلوطة التي سادت‬

‫‪293‬المادة ‪ 1‬الفقرة األولى من قانون‪ ،19.12‬ظهير شريف رقم ‪ 1.16.121‬صادر بتاريخ ‪ 10‬غشت ‪ ،2016‬بتنفيذ قانون‬
‫رقم ‪ ،19.12‬ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ 6493‬بتاريخ ‪ 22‬غشت ‪ ،2016‬ص‪.6175:‬‬
‫‪294‬المادة األولى الفقرة الثالثة من قانون ‪19.12‬‬
‫‪295‬تميز المشرع الفرنسي على المشرع المغربي في هذه النقطة عندما خول هذه الحماية للعمال المنزليين المؤقتين‪،‬‬
‫خالفا للمشرع المغربي والذي أقصى العمال المنزليين المؤقتين من الحماية المكفولة لهذه الشريحة من خالل قانون ‪19.12‬‬
‫عندما اشترط من خالل المادة األولى منه عنصر الديمومة واالستمرارية‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن هذا الطرح تبنته منظمة‬
‫العمل الدولية من خالل االتفاقية المتعلقة بالعمل الالئق بالعمال المنزليين رقم ‪ 189‬الصادرة سنة ‪ 2011‬عندما نصت من‬
‫خالل المادة األولى حين اعتبرت أن أي شخص يؤدي عمال منزليا من حين إلى أخر أو على نحو متقطع فقط وليس على‬
‫أساس مهني ليس عامال منزليا‪.‬‬
‫‪est salarié, toute personne, à temps plein ou partiel, qui effectue tout ou "Art 1 c.c.n : 296‬‬
‫‪."partie des tâches de la maison à caractère familial ou ménager‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 171‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بعض البحوث التي اعتبرت الحماية القانونية للعمال املنزليين في فرنسا تقتصرعلى‬

‫مدونة الشغل فقط‪.‬‬

‫فإلى أي حد تمكن كل من املشرع املغربي والفرنس ي من توفير حماية قانونية‬

‫الئقة للعمال املنزليين؟‬

‫لإلجابة على هذه اإلشكالية سنعتمد التقسيم التالي‪ :‬املبحث األول‪ :‬الحماية‬

‫القانونية للعمال املنزليين من خالل مدونة الشغل واألنظمة األساسية‪ .‬املبحث‬

‫الثاني‪ :‬الحماية القانونية للعمال املنزليين من خالل نظام الضمان االجتماعي‬

‫وحوادث الشغل واألمراض املهنية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 172‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬احلماية القانونية للعمال املنزليني من خالل مدونة‬


‫الشغل واألنظمة األساسية‬

‫يختلف التنظيم القانوني لعمل العمال املنزليين من دولة ألخرى‪ ،‬فبعضها‬

‫ينهج طريق التنظيم املزدوج بين مدونة الشغل إضافة إلى نظام أساس ي‬

‫كفرنسا‪ ،‬ودول أخرى استثنتهم من قانون عملها‪ ،‬وأخضعتهم لنظام خاص‪ ،‬كما هو‬

‫الحال بالنسبة لتونس املغرب‪ ،‬دول أخرى استثنتهم من قانون عملها‪ ،‬مع إحالتهم‬

‫على صدور نظام خاص بهم لم يصدر إلى يومنا هذا‪ ،‬بحيث يخضعون للقوانين‬

‫املدنية‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة اإلمارات ولبنان‪ .‬وبغض النظر عن ذلك فإن دراسة‬

‫الحماية القانونية في هذا الصدد تستدعي الوقوف على مظاهرها قبل الدخول إلى‬

‫العمل(املطلب األول)‪ ،‬وكذا عند تنفيذ عقد الشغل وإنهاءه(املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬احلماية القانونية للعمال املنزليني قبل الدخول للعمل‬

‫تتجلى أهم مظاهرالحماية القانونية القبلية للعمال املنزليين في تحديد الحد‬

‫األدنى لسن التشغيل‪ ،‬وقد حدد املشرع املغربي الحد األدنى لسن التشغيل باملنازل‬

‫في ‪ 18‬سنة‪ ،‬إال أنه واستثناءا يمكن تشغيل عمال منزليين تتراوح أعمارهم ما بين ‪16‬‬

‫إلى ‪ 18‬سنة خالل فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا‬

‫القانون حيزالتنفيذ‪ ،‬شريطة الحصول من أولياء أمورهم على إذن مكتوب ومصادق‬

‫على صحة إمضائه‪ .297‬وذلك تماشيا مع االتفاقية رقم ‪ 189‬بشأن العمل الالئق‬

‫‪ 297‬المادة ‪ 6‬من قانون ‪.19.12‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 173‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫للعمال املنزليين والتي حددته في ‪ 18‬سنة‪ .298‬أما املشرع الفرنس ي فقد سمح بتشغيل‬

‫عمال منزليين أحداث تتراوح أعمارهم بين ‪ 14‬و‪ 16‬سنة في أعمال خفيفة خالل‬

‫نصف العطلة املدرسية فقط‪ ،‬شريطة توقيع عقودهم من طرف ممثلهم القانوني‪،‬‬

‫كما سمح بتشغيل عمال تتراوح أعمارهم بين ‪ 16‬و‪ 18‬سنة شريطة الحصول على إذن‬

‫ممثلهم القانوني‪.299‬‬

‫وفيما يتعلق بشروط التشغيل فنجد املشرع املغربي متع العمال املنزليين‬

‫األحداث بمقتضيات حمائية عديدة وذلك لخصوصية الطبيعة الفيزيولوجية التي‬

‫تفرض تمتيعهم بضمانات حمائية أقوى‪ ،300‬فمنع تشغيل العمال املنزليين املتراوحة‬

‫أعمارهم بين ‪ 16‬و‪ 18‬سنة ليال‪ ،301‬أو في أماكن مرتفعة‪ ،‬أو في حمل األثقال‪ ،‬أو‬

‫استعمال مواد أو أدوات خطيرة‪ ،‬وعموما كل األشغال التي من شأنها أن تعرضهم‬

‫للخطر أو تهدد سالمتهم أو صحتهم أو سلوكهم األخالقي‪ .302‬وفي هذا اإلطار أصدر‬

‫املشرع املغربي نص تنظيمي منع من خالله مجموعة من األشغال على العمال‬

‫‪ 298‬المادة ‪ 4‬الفقرة ‪ 2‬االتفاقية رقم ‪ 189‬بشأن العمل الالئق للعمال المنزليين‪.‬‬


‫‪299 Art 24 c.c.n : " a) Âge d'admission au travail: Les adolescents de 14 à 16 ans ne‬‬
‫‪pourront être embauchés que pendant la moitié de leurs vacances scolaires, uniquement‬‬
‫‪pour‬‬ ‫‪des‬‬ ‫‪travaux‬‬ ‫‪légers.‬‬
‫‪b) Conclusion du contrat:Le contrat de travail des jeunes de moins de 16 ans devra être‬‬
‫‪signé par leur représentant légal, après acceptation des termes par le mineur. Celui des‬‬
‫‪jeunes de 16 à 18 ans peut être signé par le jeune avec autorisation de son représentant‬‬
‫‪légal ".‬‬
‫‪ 300‬دنيا مباركة‪ ،‬الموجز في القانون االجتماعي المغربي‪ ،‬طبعة ‪ ،2016-2015‬مطبعة جسور‪-‬وجدة‪ ،‬ص‪.33-32:‬‬
‫‪ 301‬من المعلوم أن تشغيل األحداث ليال‪ ،‬من شأنه تعريضهم ألضرار صحية ويؤثر على سالمتهم وتكوينهم‪ ،‬ونظرا لهذه‬
‫الخطورة اهتمت بهذه المسألة منظمة العمل الدولية من خالل اعتمادها مجموعة من االتفاقيات من بينها‪ :‬االتفاقية رقم ‪6‬‬
‫بشأن تشغيل األحداث ليال في المجال الصناعي سنة ‪ ،1919‬التوصية رقم ‪ 14‬بشأن عمل األطفال ليال في الزراعة سنة‬
‫‪ ،1921‬االتفاقية رقم ‪ 79‬بشأن عمل األطفال في المهن غير الصناعية سنة ‪ ،1946‬االتفاقية رقم ‪ 90‬بشأن العمل الليلي‬
‫لألطفال المشتغلين في الصناعة سنة ‪.1948‬‬
‫وفي نفس االتجاه عملت منظمة العمل العربية على منع العمل الليلي على األحداث‪ ،‬فأصدرت االتفاقية رقم ‪ 18‬لسنة ‪1996‬‬
‫المتعلقة بتشغيل األحداث‪.‬‬
‫‪ 302‬المادة ‪ 6‬الفقرة ‪ 4‬من قانون ‪.19.12‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 174‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املنزليين املتراوحة أعمارهم ما بين ‪ 16‬و‪ 18‬سنة‪ ،‬كاستعمال مواد التطهير والغسيل‬

‫التي تحتوي على مواد كيماوية خطيرة‪ ،‬استخدام األدوات واآلالت الكهربائية أو‬

‫الحادة‪ ،‬استعمال املواد الكيماوية واملبيدات السامة والخطيرة‪ ،‬تنظيف سخانات‬

‫املاء واملداخن والحنفيات البخارية‪ ،‬أشغال صيانة البئر أو املسبح الذي يتعدى‬

‫عمقه متر واحد‪ ،‬استخدام آالت جز العشب واملناشير‪ ،‬تنظيف سخانات املاء‪.303...‬‬

‫أما املشرع الفرنس ي فقد منع تشغيل عمال منزليين أحداث دون ‪ 18‬سنة‪ ،‬في العمل‬

‫اإلضافي‪ ،‬أو القيام بأشغال شاقة تتجاوز قواهم أو العمل في منتجات تشكل خطورة‬

‫على صحتهم وسالمتهم‪ ،‬كما حظر تشغيلهم ليال‪ ،‬مع تحديد العمل الليلي بأنه كل‬

‫عمل قد يؤدى بين الساعة ‪ 10‬مساء و‪ 6‬صباحا‪.304‬‬

‫كما ألزم املشرع املغربي املشغل الذي يشغل عمال منزليين تتراوح أعمارهم ما‬

‫بين ‪ 16‬و‪ 18‬سنة‪ ،‬بإجراء فحص طبي كل ستة أشهر على نفقته‪ .305‬أما املشرع‬

‫الفرنس ي وأن لم ينص على مقتضيات خاصة بالفحص الطبي للعمال دون ‪ 18‬سنة‪،‬‬

‫فإنه نص على العموم على إلزامية إجراء فحص طبي للعمال طبقا ألحكام مدونة‬

‫الشغل الفرنسية‪ ،‬وذلك بإجراء فحص طبي عند التشغيل‪ ،‬وفحص طبي دوري‪ ،‬كما‬

‫‪ 303‬المادة ‪ 2‬من مرسوم رقم ‪ 2.17.356‬الصادر بتاريخ ‪ 27‬سبتمبر ‪ 2017‬بشأن األعمال الممنوعة على العمال المنزليين‬
‫المتراوحة أعمارهم بين ‪ 16‬و‪ 18‬سنة‪ ،‬ج ر ع ‪ 6609‬بتاريخ ‪ 2‬أكتوبر ‪ ،2017‬ص‪.5541:‬‬
‫‪304 Art 24 c.c.n : "La durée du travail hebdomadaire est la même que celle prévue pour‬‬
‫‪les adultes à l'article 15 ; toutefois, il ne pourra effectuer des heures supplémentaires.Il‬‬
‫‪est interdit d'employer des jeunes de moins de 18 ans à des travaux pénibles excédant‬‬
‫‪leurs forces, ainsi qu'à la manipulation des produits dangereux.‬‬
‫‪Le travail de nuit est interdit pour les jeunes travailleurs âgés de moins de 18 ans.‬‬
‫‪Tout travail entre 22 heures et 6 heures est considéré comme travail de nuit ".‬‬
‫المادة ‪ 6‬الفقرة ‪ 3‬من قانون ‪305 .19.12‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 175‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ألزم املشغل بإجراء هذا الفحص بعد غياب العامل ألكثر من ثالثة أسابيع بسبب‬

‫املرض‪ ،‬أو عند العودة من إجازة األمومة‪ ،‬وبعد الغياب ‪ 8‬أيام على األقل بسبب‬

‫حادث شغل‪.306‬‬

‫وفيما يتعلق بشكليات إبرام عقد العمل املنزلي نص املشرع املغربي على أنه‬

‫يتم تشغيل العمال املنزليين بمقتض ى عقد محدد املدة أو غير محدد املدة يعده‬

‫املشغل وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي‪ .307‬ويوقع من طرف املشغل والعامل‪،‬‬

‫شريطة أن تراعى عند التوقيع الشروط املتعلقة بتراض ي الطرفين وأهليتهما للتعاقد‬

‫وبمحل العقد وسببه‪ ،‬كما حددها ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬ويحرر العقد في ثالثة نظائر يصادق على‬

‫صحة إمضائهما من قبل السلطة املختصة‪ ،‬ويسلم لكل من املشغل والعامل نظير‪،‬‬

‫مع حفظ الثالث لدى مفتشية الشغل املختصة مقابل وصل‪ .308‬أما بالنسبة للعمال‬

‫املنزليين األقل من ‪ 18‬سنة فعالوة على الشروط الشكلية أعاله‪ ،‬يجب الحصول من‬

‫أولياء أمورهم على إذن مكتوب ومصادق على صحة إمضائه‪ .‬أما املشرع الفرنس ي‬

‫فقد نص على أن تشغيل عمال منزليين أحداث تتراوح أعمارهم بين ‪ 14‬و‪ 16‬سنة‬

‫يستوجب توقيع املمثل القانوني بعد قبول الحدث بشروط العقد‪ ،‬أما العمال‬

‫‪306 Art 22c.c.n :" Les dispositions du Code du travail concernant la surveillance‬‬
‫‪médicale sont obligatoirement‬‬
‫‪applicables aux salariés du particulier employeur employés à temps complet :‬‬
‫‪- un examen médical d'embauche,‬‬
‫‪- une visite médicale périodique obligatoire,‬‬
‫‪- une visite médicale de reprise après absence de plus de trois semaines pour cause de‬‬
‫‪maladie, au retour de congé de maternité, et après une absence d'au moins huit jours‬‬
‫‪pour cause d'accident du travail ".‬‬
‫‪ 307‬مرسوم رقم ‪ 2.17.355‬الصادر في ‪ 31‬غشت ‪ ،2017‬المتعلق بتحديد نموذج عقد العمل الخاص بالعامالت والعمال‬
‫المنزليين‪ ،‬ج ر ع ‪ 6609‬بتاريخ ‪ 2‬أكتوبر ‪ ،2017‬ص‪.5537:‬‬
‫‪ 308‬المادة ‪ 3‬من قانون ‪.19.12‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 176‬‬
‫م‬2020 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر‬23 ‫العدد‬

‫سنة فيمكنهم توقيع عقود شغلهم وحدهم وبإذن من‬18‫ و‬16 ‫املتراوحة أعمارهم بين‬

.310‫ كما اشترط في العقد املنزلي أن يكون مكتوبا‬.309‫املمثل القانوني‬

‫ احلماية القانونية للعمال املنزليني عند تنفيذ العقد‬:‫املطلب الثاني‬


‫وإنهاءه‬

‫تتجلى الحماية القانونية للعمال املنزليين عند تنفيذ عقد العمل في تحديد‬

‫ والتي ميز فيها املشرع املغربي بين العمال املنزليين البالغين‬،‫املدة القانونية للعمل‬

‫ ساعة في األسبوع توزع‬48 ‫ بحيث حددها في‬،‫ سنة‬18‫ و‬16 ‫واملتراوحة أعمارهم ما بين‬

‫ ساعة في األسبوع بالنسبة للعمال‬40 ‫ وحددها في‬،‫باتفاق الطرفين بالنسبة للبالغين‬

‫ على خالف املشرع الفرنس ي الذي حدد ساعات العمل‬.311‫ سنة‬18 ‫املنزليين أقل من‬

‫ كما نص على أن ساعات العمل اإلضافية هي جميع‬،‫ ساعة في األسبوع‬40 ‫العادية في‬

،‫ ساعة‬40 ‫ساعات العمل الفعلية التي تتجاوز ساعات العمل األسبوعية التي تبلغ‬

.312‫ فيتم على شكل أجرأوإجازة‬،‫أما بالنسبة للتعويض عن ساعات العمل اإلضافية‬

309 Art 24 c.c.n : " b) Conclusion du contrat


Le contrat de travail des jeunes de moins de 16 ans devra être signé par leur représentant
légal, après acceptation des termes par le mineur. Celui des jeunes de 16 à 18 ans peut
être signé par le jeune avec autorisation de son représentant légal ".
310 Art 7 c.c.n :" L'accord entre l'employeur et le salarié est établi par un contrat écrit.
Il est rédigé soit à l'embauche soit à la fin de la période d'essai au plus tard ".
311 .19.12 ‫ من قانون‬13 ‫المادة‬
312 Article 15 c.c.n :" La durée conventionnelle du travail effectif est de 40 heures
hebdomadaires pour un salarié à temps plein. Les heures supplémentaires sont celles
effectivement travaillées effectuées au-delà de l'horaire hebdomadaire de 40 heures de
travail effectif. Les heures supplémentaires telles que calculées aux paragraphes
précédents sont rémunérées, ou récupérées dans les douze mois, suivant accord entre les
parties.
Elles ne pourront excéder une moyenne de 8 heures par semaine calculée sur une période
quelconque de 12 semaines consécutives sans dépasser 10 heures au cours de la même
semaine.

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


P 177
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أما فيما يتعلق بالحماية القانونية لألجر‪ ،‬فنجد املشرع املغربي يميزبين األجر‬

‫النقدي والعيني‪ ،‬فبالنسبة لألجر النقدي فقد حدده في ‪ 60‬باملائة من الحد األدنى‬

‫القانوني لألجر املطبق في قطاعات الصناعة والتجارة واملهن الحرة‪ ،‬مع أداء هذه‬

‫األجور كل شهر‪ ،‬ما لم يتفق الطرفان على خالف ذلك‪ ،313‬وإذا كان املشرع ال يعتبر‬

‫مزايا اإلطعام والسكن تدخل في إطاراألجرالنقدي فهي ضمنيا تدخل في نطاق األجر‬

‫العيني املقدر بنسبة ‪ 40‬باملائة‪ ،‬ونرى في هذا املجال أن هذا التحديد فيه إجحاف في‬

‫حق العمال املنزليين‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن املشرع الفرنس ي نص على أنه ال يمكن‬

‫اعتبارإقامة العاملين أجرا عينيا‪.314‬‬

‫كما عمل املشرع املغربي على منحهم راحة أسبوعية ال تقل عن ‪ 24‬ساعة‬

‫متصلة‪ ،‬مع إمكانية تأجيل االستفادة منها وتعويضها في أجل ال يتعدى ثالثة أشهر‪.315‬‬

‫أما املشرع الفرنس ي فقد متعهم براحة أسبوعية ال تقل عن ‪ 24‬ساعة‪ ،316‬إال انه وفي‬

‫نقطة متميزة نص على أن الراحة األسبوعية للعمال املنزليين دون ‪ 18‬سنة تخضع‬

‫‪Elles donneront lieu en rémunération ou en récupération à une majoration de 25 % (pour‬‬


‫‪les 8 premières heures) et à une majoration de 50 % (pour les heures supplémentaires au-‬‬
‫‪delà de 8 heures).‬‬
‫المادة ‪ 19‬من قانون ‪313 .19.12‬‬
‫‪314 Art 6 c.c.n " Si le salarié est tenu de dormir sur place, sans contrainte horaire, le‬‬
‫‪logement ne sera pas déduit du salaire net ".‬‬
‫المادة ‪ 14‬من قانون ‪315 .19.12‬‬
‫‪316 Art 15 c.c.n : " Le repos hebdomadaire doit avoir une durée minimale de 24 heures‬‬
‫‪consécutives et être donné de préférence le dimanche. A ces 24 heures, s'ajoutera une‬‬
‫‪demi-journée dans le cadre de l'aménagement de l'horaire de travail".‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 178‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ألحكام الراحة املطبقة على العمال الراشدين‪ ،‬إال أنهم يستفيدون منها يوم األحد‪،‬‬

‫إضافة إلى نصف يوم أخريضاف إلى هذه الراحة‪.317‬‬

‫وفيما يتعلق بالعطلة السنوية‪ ،‬نص املشرع املغربي على الحق في االستفادة‬

‫من عطلة سنوية مدفوعة األجر‪ ،‬بعد قضاء ستة أشهر متصلة في العمل‪ ،‬والتي ال‬

‫تقل مدتها عن يوم ونصف عن كل شهر عمل‪ ،‬مع إمكانية تجزئتها أو الجمع بين‬

‫أجزائها باتفاق الطرفين على مدى سنتين متتاليتين‪ .318‬ويالحظ أن املشرع لم يميزفي‬

‫مدة العطلة السنوية بين العمال البالغين واألحداث‪ ،‬كما هو األمرفي مدونة الشغل‪،‬‬

‫التي حدد مدة هذه العطلة في يوم ونصف لألجراء البالغين ويومان لألحداث عن كل‬

‫شهر عمل‪ ،319‬وفي نفس االتجاه ذهب املشرع الفرنس ي من خالل مدونة الشغل التي‬

‫حددت العطلة السنوية لألحداث األقل من ‪ 21‬سنة في عطلة إجمالية قدرها ثالثين‬

‫يوما في السنة‪ ،320‬أما في االتفاق الجماعي الوطني فقد منح العمال املنزليين عموما‬

‫إجازة سنوية مدفوعة األجر بغض النظر عن العمال العاملين بدوام كامل أو جزئي‪،‬‬

‫وتحتسب هذه اإلجازة على أساس يومين ونصف عن كل شهر من العمل أو أربعة‬

‫‪317 Art 24 c.c.n :" Les jeunes ont droit au minimum à un jour de repos de 24 heures‬‬
‫‪consécutives par semaine donné le dimanche, plus une demi-journée dans le cadre de‬‬
‫‪l'aménagement de l'horaire de travail".‬‬
‫‪ 318‬المادة ‪ 16‬من قانون ‪.19.12‬‬
‫‪ 319‬المادة ‪ 231‬م‪.‬ش‪.‬‬
‫‪320 Art L 3164-9 code du travail:" les salaries de moins de 21 ans au 30 avril de l’année‬‬
‫"…‪précédente ont droit s’ils demandent à un congé de 30 jours‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 179‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أسابيع أو‪ 24‬يوما‪ ،‬أما بالنسبة لألجرفيدفع وقت االستفادة منها‪ ،‬ويساوي هذا األخير‬

‫األجراإلجمالي املستحق عن فترة العمل‪.321‬‬

‫وفي هذا اإلطار أيضا نص املشرع املغربي على استفادة العمال املنزليين من‬

‫راحة مؤدى عنها خالل أيام األعياد الدينية والوطنية والتي حددها املشرع بمقتض ى‬

‫نص تنظيمي‪ ،322‬مع إمكانية تأجيل االستفادة منها إلى تاريخ الحق يحدد باتفاق‬

‫الطرفين‪ ،‬ويكون املشرع من خالل هذه املقتضيات ساوى بين األجراء عموما‬

‫والعمال املنزليين‪ ،‬إال أن تنصيصه على إمكانية تشغيلهم في هذه األعياد كان يقتض ي‬

‫من املشرع تعزيز الحماية‪ ،‬عن طريق النص على استحقاقهم عالوة على أجورهم‬

‫تعويضا نسبته ‪ 100‬باملائة عن األجر على غرار مقتضيات مدونة الشغل‪ .323‬أما‬

‫املشرع الفرنس ي فقد اعتبر فاتح ماي وحده بمثابة عطلة مدفوعة األجر‪ ،‬والتي ال‬

‫‪321 Art 16 c.c.n : " Le droit aux congés payés annuels est acquis au salarié (à temps‬‬
‫‪complet ou partiel) qui, au cours de l'année de référence (du 1er juin de l'année‬‬
‫‪précédente au 31 mai de l'année en cours), justifie avoir été employé chez le même‬‬
‫‪employeur pendant un temps équivalent à un minimum d'un mois de présence au travail‬‬
‫‪La durée du congé payé annuel est de deux jours et demi ouvrables par mois (ou période‬‬
‫‪de quatre semaines ou périodes équivalentes à 24 jours) de présence au travail, quel que‬‬
‫‪soit l'horaire habituel de travail Les congés sont rémunérés au moment où ils sont pris.‬‬
‫‪La rémunération brute des congés ne peut être inférieure: ni à la rémunération totale‬‬
‫‪brute qui serait due au moment du règlement de la rémunération pour un temps de travail‬‬
‫‪égal à celui du congé ".‬‬
‫‪ 322‬مرسوم رقم ‪ 2.04.426‬صادر في ‪ 29‬ديسمبر ‪ ،2004‬يتعلق بتحديد الئحة أيام األعياد المؤذاة عنها األجور‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع‬
‫‪ 5279‬بتاريخ ‪ 3‬يناير ‪ ،2005‬وهي كالتالي‪ 11 :‬يناير (ذكرى تقديم وثيقة االستقالل)‪ ،‬فاتح ماي (عيد الشغل)‪ 30 ،‬يوليو‬
‫(عيد العرش)‪ 14 ،‬غشت (يوم وادي الذهب)‪ 20 ،‬غشت (ذكرى ثورة الملك والشعب)‪ 21 ،‬غشت (عيد الشباب)‪ 6 ،‬نوفمبر‬
‫(عيد المسيرة الخضراء)‪ 18 ،‬نوفمبر (عيد االستقالل)‪ ،‬عيد الفطر وعيد األضحى وفاتح محرم وعيد المولد النبوي‪.‬‬
‫‪ 323‬المادة ‪ 226‬م‪.‬ش ‪":‬إذا شغل المشغل‪ ،‬أجراءه كلهم أو بعضهم خالفا للمادة ‪ ،217‬وجب عليه أن يؤدي لهم‪ ،‬إضافة‬
‫إلى األجر المستحق لهم عن ذلك اليوم‪ ،‬تعويضا نسبته ‪ 100‬بالمائة من هذا األجر"‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 180‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يمكن أن تكون سببا في تخفيض األجر‪ ،‬وان أداء العمل بهذه العطلة يمنح العمال‬

‫إضافة إلى أجرهم مكافأة بنسبة ‪ 100‬باملائة‪.324‬‬

‫وفيما يخص رخص التغيبات منح املشرع املغربي للعمال املنزليين رخصا‬

‫للتغيب عن العمل ألسباب عائلية‪ ،‬من بينها‪ ،‬زواج العاملة أو العامل بحيث‬

‫يستفيدون من رخصة تغيب لسبعة أيام مدفوعة األجر‪ ،‬وعن زواج أبنائهم أو ربائبهم‬

‫يومان‪ ،‬وفي حالة وفاة زوج أو أبناء أو أحفاد أو أصول أو أبناء زوجه من زواج سابق‬

‫فيستفيد من رخصة ثالثة أيام‪ ،‬وفي حالة وفاة أحد إخوة العامل أو إخوة أو أصول‬

‫زوجه فيستفيدون من رخصة يومان‪ ،‬أما في حالة إجراء عملية جراحية لزوج العاملة‬

‫أوالعامل أوأحد أبنائه فيستفيد من رخصة يومان‪ ،‬ويوم واحد عن إجراء ختان ألحد‬

‫أبنائه‪ .‬ويستفيدون من إجازة مدتها ثالثة أيام بمناسبة كل والدة‪ .325‬وتجدر اإلشارة‬

‫إلى أن جميع هذه التغيبات تكون مدفوعة األجر‪ .326‬أما املشرع الفرنس ي فقد نص‬

‫على أن جميع التغيبات يجب أن تكون معللة‪ ،327‬ثم عاد من خالل املادة ‪ 17‬من‬

‫االتفاق الجماعي الوطني ونص على مجموعة من الرخص املبررة من بينها‪ :‬زواج‬

‫العامل برخصة أربع أيام‪ ،‬زواج أبناءه يوم واحد‪ ،‬وفاة أحد أبناءه ثالث أيام‪ ،‬وفاة‬

‫أصوله يوم واحد‪ ،‬ثالث أيام بمناسبة الوالدة أو التبني‪ ،‬ومع أقدميه ‪ 3‬أشهريستفيد‬

‫‪324 Art 18 c.c.n :"Seul le 1er mai est un jour férié chômé et payé, s'il tombe un jour‬‬
‫‪habituellement travaillé.‬‬
‫‪Le chômage du 1er mai ne peut être la cause d'une réduction de la rémunération.‬‬
‫‪Le travail effectué le 1er mai ouvre droit à une rémunération majorée de 100 %".‬‬
‫‪ 325‬المادة ‪ 18‬من قانون ‪.19.12‬‬
‫‪ 326‬المادة ‪ 18‬الفقرة ‪ 10‬من قانون ‪.19.12‬‬
‫‪327 Art 10 c.c.n : "toute absence doit être justifiée".‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 181‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫من رخصة يوم واحد في حالة وفاة أخ أو أخت العامل‪ ،‬مع أداء األجر عن كل هذه‬

‫التغيبات‪.328‬‬

‫أما فيما يتعلق بالحماية القانونية عند إنهاء العقد‪ ،‬فقد أغفل املشرع املغربي‬

‫من خالل قانون ‪ 19.12‬تنظيم أحكام إنهاء عقد العمل املنزلي ومسطرته‪ ،‬أما املشرع‬

‫الفرنس ي فقد نظم إنهاء عقد العمل غيرمحدد املدة‪ 329‬بمبادرة من العامل بمقتض ى‬

‫املادة ‪ ،11‬واإلنهاء بمبادرة من املشغل بمقتض ى املادة ‪ ،12‬في حين نظم اإلنهاء الراجع‬

‫لوفاة املشغل باملادة ‪ 13‬من االتفاق الجماعي الوطني‪.‬‬

‫حيث نص في املادة ‪ 11‬على أنه يمكن إنهاء هذا العقد عن طريق استقالة‬

‫العامل‪ ،‬على أن تنجم هذه األخيرة عن إرادة جادة‪ ،‬ومعرب عنها كتابة‪ ،‬وقد حدد‬

‫املشرع الفرنس ي مدة اإلخطارأواإلشعارفي هذه الحالة كما يلي‪ - :‬أسبوع واحد للعامل‬

‫الذي تقل مدة عمله عن ‪ 6‬أشهر مع نفس املشغل;‪ 2 -‬أسابيع للعامل الذي اشتغل‬

‫من ‪ 6‬أشهر إلى أقل من سنتين مع نفس املشغل;‪ -‬شهر واحد للعامل الذي اشتغل‬

‫‪328 Art 17 c.c.n :"Les salariés bénéficieront, sur justification, à l'occasion de certains‬‬
‫‪événements, d'une autorisation d'absence exceptionnelle accordée dans les conditions‬‬
‫‪suivantes :‬‬
‫‪sans condition d'ancienneté :- mariage du salarié : 4 jours ouvrables,- mariage d'un enfant‬‬
‫‪: 1 jour ouvrable,- décès du conjoint ou d'un enfant : 3 jours ouvrables,- décès du père ou‬‬
‫‪de la mère : 1 jour ouvrable,- naissance ou adoption : 3 jours ouvrables.‬‬
‫‪avec condition d'ancienneté de trois mois chez l'employeur :- décès du beau-père ou belle-‬‬
‫‪mère (c'est-à-dire père ou mère de l'époux(se)) : 1 jour ouvrable,- décès d'un frère ou‬‬
‫‪sœur : 1 jour ouvrable,- présélection militaire : dans la limite de 3 jours ouvrables".‬‬
‫‪ 329‬أما بالنسبة إلنهاء عقد العمل المنزلي محدد المدة‪ ،‬فإن المشرع الفرنسي أحال على مدونة الشغل‪ ،‬وبالرجوع لهذه‬
‫األخيرة نجدها تنص من خالل المادة ‪ 1-1243‬على أنه ينتهي بانتهاء مدته‪ ،‬إال في حالة الخطأ الجسيم أو القوة القاهرة أو‬
‫العجز‪ .‬وأ ن اإلنهاء المبكر من طرف المشغل بطرف النظر عن الحاالت السابقة يخول للعامل تعويضا بمبلغ يساوي على‬
‫األقل األجر الذي كان سيحصل عليه حتى نهاية العقد طبقا للمادة‪ .L1243-4‬كما يؤدي اإلنهاء المبكر لهذا العقد بمبادرة‬
‫من العامل طبقا للمادة ‪ L1243-3‬منح المشغل تعويضا نتيجة الخسارة التي لحقته‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 182‬‬
‫م‬2020 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر‬23 ‫العدد‬

‫ فيجب أداء‬،‫سنتين أو أكثر مع نفس املشغل; وفي حالة عدم التقيد بأحكام اإلخطار‬

.330‫تعويض للطرف األخريساوي مبلغ املكافأة الذي يقابل مدة فترة اإلخطار‬

‫ فقد نص املشرع الفرنس ي على إمكانية إنهاء العقد‬،‫أما في حالة تقاعد العامل‬

‫ سنة أو أكثرشريطة إخباراملشغل باعتزامه‬60‫من طرف العامل الذي يبلغ من العمر‬

‫ وتكون مدة اإلخطارالتي يوجهها العامل هي نفس‬،‫التوقف عن العمل في هذه الحالة‬

‫ وفي حالة عدم احترام هذه‬،‫ أدناه‬2 ‫ الفقرة‬12 ‫املدة املنصوص عليها باملادة‬

‫ فيلتزم الطرف املسؤول بأداء تعويض للطرف األخرمساويا ملبلغ املكافأة‬،‫املقتضيات‬

.331‫الذي يقابل فترة اإلخطار‬

‫أما بالنسبة للمشغل فيمكنه فصل العامل ألي سبب يشكل سببا حقيقيا‬

‫ وهو ما أكدته‬.332‫ أدناه‬13 ‫ باستثناء حالة وفاة املشغل فتخضع ألحكام املادة‬،‫وجديا‬

‫ والذي جاء فيه أن فصل‬،2017‫ يوليوز‬5 ‫محكمة النقض الفرنسية في قرارلها بتاريخ‬

330 Art 11 c.c.n :" a) - Démission du salarié


Le contrat de travail peut être rompu par la démission du salarié. La démission doit
résulter d'une volonté sérieuse et non équivoque, exprimée clairement par écrit. La
durée du préavis à effectuer par le salarié est fixée à :
- 1 semaine pour le salarié ayant moins de six mois d'ancienneté de services continus
chez le même employeur;- 2 semaines pour le salarié ayant de six mois à moins de deux
ans d'ancienneté de services continus chez le même employeur ;- 1 mois pour le salarié
ayant deux ans ou plus d'ancienneté de services continus chez le même employeur. En
cas d'inobservation du préavis, la partie responsable de son inexécution devra verser à
l'autre partie une indemnité égale au montant de la rémunération correspondant à la
durée du préavis".
331 Art 11 c.c.n :"b) - Départ volontaire à la retraite du salarié Le contrat de travail
peut être rompu par le salarié âgé de 60 ans au moins qui fait part à l'employeur de sa
volonté de cesser son activité pour prendre sa retraite. La durée du préavis à effectuer
par le salarié est celle due en cas de licenciement : voir article 12 a) paragraphe 2".
332 Art 12 c.cn :"Le contrat de travail peut être rompu par l'employeur pour tout motif
constituant une cause réelle et sérieuse. La rupture consécutive au décès de l'employeur
fait l'objet de l'article 13".

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


P 183
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫العاملة املنزلية دون سبب حقيقي وجدي يترتب عنه أداء التعويض عن األقدمية‬

‫ومكافأة نهاية الخدمة والعطلة السنوية والتعويض عن أجل اإلخطاروالضرر‪.333‬‬

‫أما بالنسبة إلجراءات الفصل‪ ،‬فقد نص املشرع الفرنس ي على أنه مادام‬

‫املشغل ليس بشركة وأن مكان العمل هو منزله الخاص‪ ،‬فإن القواعد اإلجرائية‬

‫الخاصة بالفصل ألسباب اقتصادية و اإلجراءات املتعلقة بمؤزرة العامل ال تنطبق‬

‫على العامل املنزلي‪ ،‬وأن املشغل أيا كان سبب الفصل منه‪ ،‬باستثناء حالة الوفاة‬

‫ملزم باإلجراءات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬استدعاء العامل من أجل عقد مقابلة أولية بواسطة رسالة مضمونة أو‬

‫بمناولة الرسالة يدويا‪ ،‬يشير من خاللها املشغل إلى الغرض من املقابلة "الفصل‬

‫املحتمل"‪ .‬وعند مقابلة العامل يشير املشغل إلى أسباب القرار ويسمع تفسيرات‬

‫العامل‪ .‬ثم اإلخطار بالفصل‪ ،‬بحيث إذا قرر املشغل فصل العامل‪ ،‬فعليه إخطار‬

‫األخير بالفصل بواسطة رسالة مسجلة مضمونة الوصول‪ ،‬ويجب أن يحدد املشغل‬

‫في رسالة الفصل بوضوح أسباب الفصل‪.334‬‬

‫‪333 Cour de cassation chambre social 16/10/541, arrêt no 1228 du 5 juillet 2017,‬‬
‫تاريخ اإلطالع ‪ 2017/12/1‬على الساعة ‪www.courdecassation.fr 15:14‬‬
‫‪334 Art 12 c.c.n :" Rupture du contrat à durée indéterminée à l'initiative de l'employeur‬‬
‫‪a) - Licenciement du salarié‬‬
‫‪Le contrat de travail peut être rompu par l'employeur pour tout motif constituant une‬‬
‫‪cause réelle et sérieuse.‬‬
‫‪La rupture consécutive au décès de l'employeur fait l'objet de l'article 13 .‬‬
‫‪1 - Procédure de licenciement:Le particulier employeur n'étant pas une entreprise et le‬‬
‫‪lieu de travail étant son domicile privé, les règles de procédure spécifiques au‬‬
‫‪licenciement économique et celles relatives à l'assistance du salarié par un conseiller lors‬‬
‫‪de l'entretien préalable ne sont pas applicables.‬‬
‫‪En conséquence, l'employeur, quel que soit le motif du licenciement, à l'exception du‬‬
‫‪décès de l'employeur, est tenu d'observer la procédure suivante :‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 184‬‬
‫م‬2020 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر‬23 ‫العدد‬

‫وتحدد فترة اإلخطار الواجب مراعاته في حالة الفصل ألسباب غير الخطأ‬

:‫الجسيم أو الثقيل على النحو التالي‬

-; ‫ أشهر عند نفس املشغل‬6 ‫ أسبوع واحد للعامل الذي تقل مدة عمله عن‬-

‫ أشهر و أقل من سنتين عند نفس‬6 ‫شهر واحد للعامل الذي تتراوح مدة عمله بين‬

‫ وفي‬،‫ أشهر للعامل الذي اشتغل مدة سنتين أو أكثر عند نفس املشغل‬2 -; ‫املشغل‬

‫ فيلتزم الطرف املسؤول بأداء تعويض للطرف‬،‫حالة عدم احترام هذه املقتضيات‬

.335‫األخرمساويا ملبلغ املكافأة الذي يقابل فترة اإلخطار‬

‫ تحدد مدتها‬،‫ويمنح العامل خالل فترة اإلخطار فترات للبحث عن عمل جديد‬

‫بالنسبة للعامل الذي قض ى أقل من سنتين في العمل لدى املشغل يمنح ساعتان في‬

- Convocation à un entretien préalable par lettre recommandée ou par lettre remise en


main propre contre décharge.
Cette convocation indique l'objet de l'entretien : éventuel licenciement.
- Entretien avec le salarié : l'employeur indique le ou les motifs de la décision envisagée
et recueille les explications du salarié.
- Notification de licenciement : s'il décide de licencier le salarié, l'employeur doit notifier
à l'intéressé le licenciement par lettre recommandée avec demande d'avis de réception.
La lettre de licenciement doit préciser clairement le ou les motifs de licenciement.
335 Art 12 c.c.n :" 2- Préavis
Le préavis doit être exécuté dans les conditions de travail prévues au contrat.
La durée du préavis à effectuer en cas de licenciement pour motif autre que faute grave
ou lourde
(note 2) est fixée à :
- une semaine pour le salarié ayant moins de six mois d'ancienneté de services continus
chez le même employeur ;
- un mois pour le salarié ayant de six mois à moins de deux ans d'ancienneté de services
continus chez le même employeur ;
- deux mois pour le salarié ayant deux ans ou plus d'ancienneté de services continus
chez le même employeur.
En cas d'inobservation du préavis, la partie responsable de son inexécution devra verser
à l'autre partie une indemnité égale au montant de la rémunération correspondant à la
durée du préavis".

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


P 185
‫م‬2020 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر‬23 ‫العدد‬

‫ وبالنسبة للعامل الذي قض ى أكثرمن سنتين في العمل لدى املشغل‬،‫ أيام‬6 ‫اليوم ملدة‬

.336‫ أيام‬10 ‫يمنح ساعتان في اليوم ملدة‬

‫ فيجوز للمشغل إنهاء عقد العمل عن طريق‬،‫أما بالنسبة لحالة التقاعد‬

‫تقاعد العامل إذا استفاد من معاش تقاعدي كامل من نظام الضمان االجتماعي‬

‫ بحيث على املشغل تبليغ‬،‫ وإذا بلغ السن املنصوص عليه في التأمين االجتماعي‬،‫العام‬

.337‫ مع احترام قواعد اإلخطار املنصوص عليها في حالة الفصل أعاله‬،‫العامل بقراره‬

‫كما يمكن للمشغل أن ينهي عقد العمل إذا تبث عجزالعامل جزئيا أو كليا عن طريق‬

‫ وفي نقطة متميزة نص هذا املشرع على إلزامية‬،‫ في غضون شهر واحد‬،‫طبيب منهي‬

‫ أما املادة‬.338‫إعادة تصنيف العامل الذي تبث عجزه في عمل مناسب له قبل فصله‬

‫ والتي نص‬،‫ من االتفاق الجماعي الوطني فقد تناولت اإلنهاء الراجع لوفاة املشغل‬13

،‫فيها املشرع الفرنس ي على أن وفاة املشغل تؤدي بحكم الو اقع إلى إنهاء عقد العمل‬

‫ وفي هذه الحالة يستحق العامل األجر‬،‫وأن العقد ال يستمر تلقائيا مع ورثة املشغل‬

336 Art 12 c.c.n :"Heures de liberté pendant le temps de préavis


Pour la recherche d'un nouvel emploi, les salariés à temps complet auront droit, sans
diminution de salaire :
- s'ils ont moins de deux ans d'ancienneté chez le même employeur, à 2 heures par jour
pendant 6 jours ouvrables,
- s'ils ont plus de deux ans d'ancienneté chez le même employeur, à 2 heures par jour
pendant 10 jours ouvrables".
337 Art 12 c.c.n :"L'employeur peut mettre fin au contrat de travail par la mise à la
retraite du salarié si celui-ci peut bénéficier d'une pension à taux plein du régime de la
sécurité sociale et s'il a atteint l'âge minimum prévu par le régime d'assurance vieillesse.
Lorsque l'employeur peut procéder à la mise à la retraite :
- il informe le salarié de sa décision ;
- les règles en matière de préavis sont celles définies en cas de licenciement" .
338 Art 12 c.c.n :" Lorsque le salarié est reconnu inapte partiellement ou totalement par
la médecine du travail, l'employeur, qui ne peut reclasser le salarié dans un emploi
différent pour lequel il serait apte, doit mettre fin par licenciement au contrat de travail
dans le délai d'un mois".

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


P 186
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املستحق وتعويضات اإلخطار والفصل التي يدعي العامل أنها تراعي أقدميته عند‬

‫وفاة مشغله والتعويضات املستحقة عن العطل‪ ،339‬وهو ما كرسته محكمة النقض‬

‫الفرنسية من خالل قرار صادر عنها بتاريخ ‪ 30‬يونيو ‪ ،2011‬والذي جاء فيه أن وفاة‬

‫صاحب العمل تنهي تلقائيا عقد عمل العامل املنزلي‪.340‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬احلماية القانونية للعمال املنزليني من خالل نظام‬


‫الضمان االجتماعي وحوادث الشغل واألمراض املهنية‬

‫الضمان االجتماعي حقا من حقوق اإلنسان‪ ،341‬تروم الدول من خالله إلى‬

‫الحماية االقتصادية واالجتماعية لساكنتها‪ ،‬مما جعله يحتل مكانة رئيسية في‬

‫اهتمامات كافة املجتمعات املعاصرة التي عملت على تأطيره بنظام يحدد املنافع التي‬

‫يحتويها‪ ،‬واألشخاص املستفيدين منه‪(342‬املطلب األول)‪ ،‬إلى جانب نظام التعويض‬

‫عن حوادث الشغل واألمراض املهنية(املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬احلماية القانونية من خالل نظام الضمان االجتماعي‬

‫‪339 Art 13 c.c.n :" Le décès de l'employeur met fin ipso facto au contrat de travail qui le‬‬
‫‪liait à son salarié.‬‬
‫‪Le contrat ne se poursuit pas automatiquement avec les héritiers.‬‬
‫‪La date du décès de l'employeur fixe le départ du préavis.‬‬
‫‪Sont dus au salarié :‬‬
‫; ‪- le dernier salaire‬‬
‫‪- les indemnités de préavis et de licenciement auxquelles le salarié peut prétendre‬‬
‫; ‪compte tenu de son ancienneté lorsque l'employeur décède‬‬
‫‪- l'indemnité de congés payés" .‬‬
‫‪340 "le décès de l’employeur met automatiquement fin au contrat de travail de ses‬‬
‫"‪employés de maison‬‬
‫تاريخ االطالع ‪ 1/12/2017‬على الساعة ‪www.LeParticulierFIGARO.fr 14:00‬‬
‫‪ 341‬المادة ‪ 22‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪" :‬لكل شخص عضو في المجتمع‪ ،‬حق في الضمان االجتماعي‪."...‬‬
‫‪ 342‬محمد بنحساين‪ ،‬الضمان االجتماعي للعمال المغاربة بأوروبا‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2006‬مطبعة طوب بريس‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫ص‪.5:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 187‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫نصت املادة ‪ 14‬من االتفاقية الدولية رقم ‪ 189‬بشأن العمل الالئق للعمال‬

‫املنزليين‪ ،‬على ضرورة اتخاذ التدابير املناسبة التي تضمن تمتع العمال املنزليين‬

‫بظروف ال تقل عن تلك املطبقة على العمال عموما فيما يتعلق بحماية الضمان‬

‫االجتماعي‪.‬‬

‫ويعتبر ظهير ‪ 27‬يوليو ‪ 1972‬القانون األساس ي لنظام الضمان االجتماعي‬

‫باملغرب‪ ،343‬وقد حدد الفصل ‪ 2‬منه نطاق التطبيق‪ ،‬والذي جاء فيه ما يلي‪":‬تحدد‬

‫بمراسيم شروط تطبيق نظام الضمان االجتماعي على ‪ ...‬األعوان املستخدمون‬

‫باملنازل"‪ .‬وبالتالي فاستفادة العمال املنزليين من الضمان االجتماعي معلقة على‬

‫صدور مرسوم لم يرى النور بعد‪ .‬والذي يزيد الطين بلة‪ ،‬أن هذه املسافة الزمنية‬

‫الطويلة‪ ،‬قد شهدت حركية تعديلية‪ ،‬تدخل فيها املشرع لتغيير مقتضيات هذا‬

‫النظام القانوني بموجب عدد من الظهائر واملراسيم التي صدرت متتابعة لتوسيع‬

‫مجال تطبيقه تارة‪ ،‬ولتعزيزه بتدابير تنظيمية وحمائية تارة أخرى‪ ،‬باستثناء شريحة‬

‫األعوان املستخدمين باملنازل‪ ،‬التي ظلت وضعيتها عالقة‪ ،‬دون أن تحظى بأدنى‬

‫التفاتة إجرائية في هذا السياق‪.‬‬

‫وبالتالي فرغم صدور القانون الخاص املتعلق بشروط شغل وتشغيل عمال‬

‫املنازل‪ ،‬وكذا صدور نصوصه التنظيمية‪ ،‬إال أن املرسوم املتعلق بتنظيم شروط‬

‫تطبيق نظام الضمان االجتماعي على العمال املنزليين‪-‬أو األعوان املستخدمون‬

‫‪ 343‬ظهير شريف بمثابة قانون رقم ‪ ،1.72.184‬صادر بتاريخ ‪ 15‬جمادى الثانية ‪ 27( 1392‬يوليوز ‪ ،)1972‬ج‪.‬ر‪.‬ع‬
‫‪ ،3121‬بتاريخ (‪ 23‬غشت ‪ ،)1972‬ص‪.2178:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 188‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫باملنازل‪ -‬املنصوص عليهم بالفصل ‪ 2‬من قانون الضمان االجتماعي لم يصدر بعد‪،‬‬

‫وبالتالي موضوع االستفادة من الضمان االجتماعي لم يحسم بعد لعدم صدور‬

‫املرسوم املنشود‪.‬‬

‫وقد اعتبر جانب من الفقه‪ 344‬أن تمديد نظام الضمان االجتماعي إلى أصناف‬

‫أخرى تعترضه مجموعة من الصعوبات التي تعود في مجملها إلى ضئالة األجور‪،‬‬

‫الش يء الذي ال يمكن إغفاله إذا ما اريد الحفاظ على التوازن املالي للصندوق الوطني‬

‫للضمان االجتماعي‪ ،‬إال ان هذا التوازن ال يعني بالضرورة بأن موارد الصندوق املالية‬

‫البد أن تأتي من واجبات االشتراكات املفروضة على كل من العمال وأرباب العمل‪ ،‬بل‬

‫يمكن التفكير في هذا التوازن بخلق نظام مالي خاص يساهم في تغطية النفقات التي‬

‫ستنتج عن توسيع دائرة املستفيدين من الضمان االجتماعي‪ ،‬بحيث يمكن تشطير‬

‫املساهمة بين كل من األسرة املشغلة والدولة التي تدفع جزءا هاما من األقساط‪،‬‬

‫بوصفها راعية الحماية االجتماعية للطبقة العاملة‪ .‬وتجدراإلشارة في هذا املجال إلى‬

‫أن توصية العمل الالئق للعمال املنزليين رقم ‪ 201‬قد نصت من خالل املادة ‪ 20‬على‬

‫مسؤولية الدول في البحث عن وسائل لتسهيل دفع اشتراكات الضمان االجتماعي‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمشرع التونس ي فقد مدد الحماية االجتماعية املكفولة‬

‫بمقتض ى قانون الضمان االجتماعي لعمال املنازل‪ 345‬وذلك بمقتض ى قانون خاص‬

‫‪ 344‬أمال جالل‪ ،‬مالحظات حول اقتراحات بشأن إصالح نظام الضمان االجتماعي المغربي‪ ،‬المجلة المغربية للقانون‬
‫والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪ ،4‬يونيو ‪ ،1978‬ص‪.79:‬‬
‫‪ 345‬قانـون عدد ‪ 32‬لسنة ‪ 2002‬مؤرخ في ‪ 12‬مارس ‪ ،2002‬يتعلق بنظام الضمان االجتماعي لبعض األصناف من العملة‬
‫في القطاعين الفالحي وغير الفالحي‪ .‬وينص الفصل األول منه على ما يلي‪ ":‬يحدث نظام خاص للضمان االجتماعي يشمل‬
‫إسداء منافع العالج وجرايات الشيخوخة والعجز والباقين على قيد الحياة بعد وفاة المنتفع بجراية وذلك حسب الشروط‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 189‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫مستقل عن قانون الضمان االجتماعي التونس ي‪ ،‬ويكون املشرع التونس ي بذلك أكمل‬

‫تدريجيا الضمانات االجتماعية لعمالة املنازل‪ ،346‬وقد ألزمت املادة ‪ 6‬من هذا‬

‫القانون املشغل بتسجيل عامله املنزلي لدى الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‪،‬‬

‫في حين حددت املادة ‪ 7‬االشتراكات في هذا املجال على أساس ثلثي األجراألدنى‪.‬‬

‫وفي نفس االتجاه ذهب املشرع الفرنس ي من خالل مدونة الحماية االجتماعية‬

‫الفرنسية التي جعلت االستفادة من الضمان االجتماعي عامة بدون استثناء‪ ،‬بحيث‬

‫يستفيد من هذه الحماية جميع األجراء العاملين بأي صفة أو مكان‪ ،‬بصرف النظر‬

‫عن سنهم أو جنسيتهم وكيفما كانت طبيعة العمل املأجور ونوع عقد العمل ومدته‪،‬‬

‫وكيفما كان مبلغ األجرة‪.347‬‬

‫وهو نفس النهج الذي تبناه املشرع الجزائري فقد أخضعهم للضمان‬

‫االجتماعي بمقتض ى قانون التأمينات االجتماعية‪ ،348‬عندما نص على استفادة‬

‫جميع العمال من هذا القانون‪ ،‬سواء أكانوا أجراء أم ملحقين باألجراء أيا كان قطاع‬

‫النشاط الذي ينتمون إليه‪ ،‬والنظام الذي يسري عليهم‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن تطبيق‬

‫المبينة بهذا القانون‪ .‬ينطبق هذا النظام على األصناف التالية‪ :‬أ ـ عملة المنازل المرتبطين بخدمة المنزل كيفما كانت طريقة‬
‫خالص أجرتهم ودوريتهم والمستخدمين في األعمال المنزلية بصفة عادية لدى مؤجر أو عدة مؤجرين ال يقصدون من‬
‫وراء هذا األعمال غايات كسبيّة‪"...‬‬
‫‪ 346‬قطر الندى‪ ،‬الوضعية القانونية لعامالت المنازل‪ :‬توسيع التغطية االجتماعية لهذه الفئة وتفعيل حقوقها‪ ،‬مجلة‬
‫الكريديف‪ ،‬العدد ‪ ،29-27‬السنة ‪،2003-2002‬ص‪.40-39 :‬‬
‫‪347 Article L 311-2 du code de sécurité sociale: « Sont affiliées obligatoirement aux‬‬
‫‪assurances sociales du régime général, quel que soit leur âge et même si elles sont titulaires‬‬
‫‪d'une pension, toutes les personnes quelle que soit leur nationalité, de l'un ou de l'autre‬‬
‫‪sexe, salariées ou travaillant à quelque titre ou en quelque lieu que ce soit, pour un ou‬‬
‫‪plusieurs employeurs et quels que soient le montant et la nature de leur rémunération, la‬‬
‫‪forme, la nature ou la validité de leur contrat ».‬‬
‫‪ 348‬قانون رقم ‪ 11.83‬المؤرخ في ‪ 2‬يوليو ‪ 1983‬المتعلق بالتأمينات االجتماعية‪ ،‬بتاريخ ‪ 24‬رمضان ‪.1403‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 190‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التنفيذي‪350‬‬ ‫هذه املادة سيتم بموجب مرسوم‪ .349‬وفي هذا اإلطار صدر املرسوم‬

‫لينص في مادته ‪ 1‬على ما يلي‪" :‬تطبيقا للمادة ‪ 3‬من قانون رقم ‪ 11.83‬يعد عماال‬

‫مشبهين باألجراء قصد االستفادة من خدمات الضمان االجتماعي العمال األتي‬

‫بيانهم‪-2 :‬األشخاص الذين يستخدمهم الخواص‪ ،‬ال سيما خدم البيوت"‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬احلماية القانونية بنظام التعويض عن حوادث الشغل‬


‫واألمراض املهنية‬

‫يتميز هذا النظام بقيام مسؤولية املشغل عن حوادث الشغل واألمراض‬

‫املهنية التي قد يتعرض لها أجراءه دون خطأ‪ ،‬فهي مسؤولية تقوم على أساس عنصر‬

‫واحد وهو الضرر الناتج عن أداء الشغل أو بسببه‪ .‬خالفا لقواعد القانون املدني‬

‫والتي تستوجب توفرالخطأ والضرروالعالقة السببية‪.‬‬

‫وقد أصدر املشرع املغربي أول نص خاص بحوادث الشغل بمقتض ى ظهير‪25‬‬

‫يونيو‪ ،1927‬والذي كان يطبق على املقاوالت الصناعية فقط‪ ،‬إلى غاية صدور ظهير‬

‫‪ 6‬فبراير‪ 1963‬الذي وسع من دائرة املستفيدين من التعويض عن حوادث الشغل‪،‬‬

‫إال أنه أقص ى العمال املنزليين من نطاق تطبيقه‪ ،‬فكان على العمال املنزليين في حالة‬

‫تعرضهم لحادثة شغل أن يثيروا مسؤولية مشغلهم حسب القواعد العامة‬

‫‪ 349‬المادة ‪ 3‬من قانون ‪.11.83‬‬


‫‪ 350‬المرسوم رقم ‪ 33.85‬المؤرخ في ‪ 9‬فبراير ‪ ،1985‬المتعلق بتحديد قائمة العمال المشبهين باألجراء في مجال الضمان‬
‫االجتماعي‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ 9‬بتاريخ ‪ 24‬فبراير ‪ ،1985‬ص‪.210 :‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 191‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫للمسؤولية‪ ،‬وبالتالي إثبات خطأ املشغل‪ ،‬في حين يمكن لألخير دفع املسؤولية عنه‬

‫بإثبات خطأ العامل أو القوة قاهرة أو الحادث الفجائي‪.‬‬

‫كما أن املشرع املغربي من خالل ظهير ‪ 1963‬ميز بين عمال املنازل أنفسهم‪،‬‬

‫بحيث أخضع ملقتضياته عمال املنازل التي تنحصر مهمتهم في سياقة السيارة وحرم‬

‫باقي العمال املنزليين من هذه املقتضيات والتي تظل أرحم من القواعد العامة‬

‫للمسؤولية‪ ،‬ففي هذه الحالة‪ ،‬إذا وقعت حادثة شغل للعامل املنزلي السائق نتيجة‬

‫انقالب سيارة كان يقودها وكان بالسيارة عامل أخر مرتبط بنفس املشغل كالطباخ‬

‫مثال‪ ،‬فإن السائق يستفيد من مقتضيات ظهير ‪ 6‬فبراير ‪ ،1963‬بينما ال يحصل‬

‫الطباخ على أي تعويض‪ ،‬إذا ما كان انقالب السيارة يعود لقوة قاهرة‪ ،‬وهو ما دفع‬

‫جانب من الفقه املغربي في هذا الصدد لدعوة املشرع من أجل رفع هذا التمييز‬

‫وتعميم الحماية لجميع من ينجزشغال لفائدة مشغل لقاء أجر‪.351‬‬

‫وفي خطوة ايجابية عمد املشرع املغربي إلى تعديل املقتضيات الخاصة‬

‫بالتعويض عن حوادث الشغل‪ ،‬من خالل قانون ‪ 35218.12‬الذي أصبح يشمل في‬

‫نطاق تطبيقه العمال املنزليين دون تمييز‪ .‬وقد نص املشرع من خالله على أنه "تعتبر‬

‫حادثة شغل كل حادثة‪ ،‬كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر‪ ،‬للمستفيد من أحكام هذا‬

‫القانون‪ ،‬سواء كان أجيرأو يعمل بأية صفة تبعية كانت وفي أي محل كان إما لحساب‬

‫‪ 351‬أمال جالل‪ ،‬مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل واألمراض المهنية في التشريع المغربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة ‪ ،1977‬ص‪.179-178:‬‬
‫‪ 352‬ظهير شريف رقم ‪ 1.14.190‬صادر بتاريخ ‪ 6‬ربيع األول ‪ 29(1436‬ديسمبر ‪ ،)2014‬بتنفيذ قانون رقم ‪18.12‬‬
‫المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ 6328‬الصادر بتاريخ ‪ 22‬يناير ‪ ،2015‬ص‪.489:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 192‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫مشغل واحد أو عدة مشغلين‪ ،‬وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به‪ ،‬ولو‬

‫كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أوكانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول‬

‫هذه القوة أو زادت في خطورتها إال إذا أثبت املشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة‬

‫للقانون أن مرض املصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة"‪.353‬‬

‫فاملالحظ من خالل هذه املادة أن املشرع اعتمد أسلوب التعميم‪ ،‬ثم عاد‬

‫لينص بشكل خاص من خالل املادة ‪ 6‬على استفادة العمال املنزليين من أحكامه‪،‬‬

‫األمر الذي لقي استحسانا واسعا عند الفقه املغربي‪ .354‬وبالتالي يمكن القول أن‬

‫مشرعنا توفق في تجاوز عيوب ظهير ‪ 6‬فبراير ‪ 1963‬من خالل توسيع دائرة‬

‫املستفيدين من هذا القانون لتشمل العمال املنزليين صراحة‪ ،‬وبالتالي وضع حدا‬

‫ألي احتمال قد يؤدي إلى استبعادهم من الحماية‪.355‬‬

‫وبالرجوع للتشريع الفرنس ي نجد ان قانون ‪ 9‬ابريل ‪ 1898‬املتعلق بحوادث‬

‫الشغل لم يشمل العمال املنزليين‪ ،‬إال أن املشرع الفرنس ي عمل تدريجيا على توسيع‬

‫نطاق تطبيق هذا القانون‪ ،356‬فأصدرقانون خاص يقض ي باستفادة العمال املنزليين‬

‫من قانون التعويض عن حوادث الشغل واألمراض املهنية بتاريخ ‪ 2‬غشت ‪.3571923‬‬

‫‪ 353‬المادة ‪ 3‬من قانون ‪.18.12‬‬


‫‪- 354‬محمد بنحساين‪ ،‬التعويض عن حوادث الشغل‪ -‬دراسة ألحكام القانون الجديد رقم ‪ 18.12‬المتعلق بالتعويض عن‬
‫حوادث الشغل‪ ،-‬طبعة ‪ ،2016‬مطبعة طوب بريس‪-‬الرباط‪ ،‬ص‪.19:‬‬
‫‪ 355‬محمد بنحساين‪ ،‬التعويض عن حوادث الشغل‪ -‬دراسة ألحكام القانون الجديد رقم ‪ 18.12‬المتعلق بالتعويض عن‬
‫حوادث الشغل‪ ،-‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.20-19-:‬‬
‫‪ 356‬شمل هذا التوسيع في نطاق تطبيق قانون ‪ 9‬أبريل ‪ 1898‬األوراش التجارية سنة ‪ ،1906‬وعمال المناجم سنة ‪.1912‬‬
‫‪357 Francis Kessher, qui est couvert le champ d’application personnel de la législation‬‬
‫‪accident du travail, Revue Regards, no 51, juin 2017, p :63-64.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 193‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫خامتة‪:‬‬

‫ان درجة تقدم أي بلد تقاس بمستوى الحماية القانونية واالجتماعية‬

‫للمواطن بشكل عام ولألجراء على وجه الخصوص‪ ،‬وال يسعنا القول في موضوع‬

‫الحماية القانونية للعمال املنزليين في التشريع املغربي إال أن قانون ‪ 19.12‬على عالته‬

‫يظل أفضل من الفراغ التشريعي الذي عانت منها هذه الشريحة لفترة طويلة‪.‬‬

‫وسواء تعلق األمر باملقتضيات القانونية أو االجتماعية كحد أدنى من‬

‫الحقوق‪ ،‬أو بكيفية تعامل القضاء معها مستقبال‪ ،‬أو مواكبتها من خالل مختلف‬

‫الفاعلين االجتماعيين باملر اقبة والتتبع‪ ،‬فإن التطبيق العملي لهذه املقتضيات‬

‫وتنزيلها على أرض الو اقع كفيل بتبيان مدى صالحيتها‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد ندلي ببعض التوصيات واملقترحات التي من شأنها أن تساهم‬

‫في تحسين وضعية العمال املنزليين‪ ،‬ويأتي في أولها مصادقة اململكة املغربية على‬

‫االتفاقية الدولية رقم ‪ 189‬بشأن العمل الالئق للعمال املنزليين‪ ،‬ثم إصدار املرسوم‬

‫املعلن عنه في ظهير ‪ 27‬يوليوز ‪ 1972‬بخصوص تمديد نظام الضمان االجتماعي‬

‫للعمال املنزليين‪ ،‬مع إدخال الدولة كرب عمل منتسب إلى الصندوق قصد دعمه‬

‫ماليا‪ ،‬وتخفيف الشروط القاسية لالستفادة من التعويضات االجتماعية التي‬

‫يخولها الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‪ ،‬ووضع إجراءات تحفيزية لكل من‬

‫يصرح بعماله املنزليين في الضمان االجتماعي كالتخفيض من الضريبة على الدخل‪،‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 194‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫مكافحة وزجر ظاهرة السمسرة في مجال تشغيل العمال املنزليين خاصة األطفال‬

‫والتي تعد صورة من صوراالتجاربالبشر‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 195‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األستاذ حممد القامسي‬


‫عضو نادي قضاة املغرب‪ -‬باحث يف القانون اخلاص‬
‫رئيس جملة الباحث ‪ -‬مدير سلسلة األحباث املعمقة‬
‫عـــضو بـــمركز مــسارات فــي األحباث والــدراسات الـــقانونية‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ملا كانت الحرية من املسائل الجوهرية لكينونة اإلنسان ووجوده والتي ال يمكن‬

‫ألي كان النيل منها إال في إطار ما تسمح به النصوص القانوني‪ ،‬وفي نطاق مسطرة‬

‫وإجراءات كفيلة بصيانتها احتراما للمبدأ القائل أن البراءة هي األصل‪ ،‬وهو ما يظهر‬

‫جليا من خالل سعي املشرع في قانون املسطرة الجنائية‪ 358‬لحماية الحرية الفردية في‬

‫جميع مراحل وإجراءات الدعوى العمومية‪.‬‬

‫‪ 358‬ظهير شريف رقم ‪ 1.02.255‬صادر في ‪ 25‬من رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪ )2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 22.01‬المتعلق‬
‫بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5078‬بتاريخ ‪ 27‬ذي القعدة ‪ 30( 1423‬يناير‪ ،)2003‬ص ‪.315‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 196‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وفي هذا الخصوص نقصر الحديث على مرحلة التحقيق اإلعدادي بالنظر‬

‫للسلطات الواسعة التي مكن القانون قاض ي التحقيق منها‪ ،‬وذلك باتخاذه‬

‫لإلجراءات وإصداراألوامرالتي يراها كفيلة للوصول إلى الحقيقة‪ ،‬ولكن؛ مع مراعات‬

‫العديد من الضوابط التي ال محيد عنها تحقيقا للمحاكمة العادلة في أبهى تجلياتها‪.‬‬

‫فاملشرع حدد عند سنه للقانون الجنائي اإلجرائي جملة من القواعد الشكلية‬

‫واملوضوعية في القسم الثالث من الكتاب األول‪ ،‬وألزم قاض ي التحقيق اتباعها‬

‫توفيرا للضمانات الفردية التي تناشد املحاكمة العادلة أينما كانت‪ .‬ورتب على أي‬

‫مخالفة ألحكامها جزاء ثقيال أال وهو البطالن‪ ،‬وهذا األخير ال يبطل اإلجراء وحده‬

‫فقط‪ ،‬بل قد يمتد لإلجراءات التي تليه‪ .‬كما وسع من دائرة الجهات التي تملك الحق‬

‫في الطعن بالبطالن في هذه اإلجراءات‪ ،‬وحدد مسطرة دقيقة يجب اتباعها قبل‬

‫املصادقة على هذا الجزاء إذا كان مبررا‪.‬‬

‫انطالقا مما تقدم‪ ،‬يمكن أن نطرح التساؤالت التي تنطوي في كليتها على ما يلي‪:‬‬

‫ما أهم الحاالت التي رتب فيها القانون بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي‪ ،‬وما‬

‫الجهات املخول لها حق إثارته؟ وما أهم اإلجراءات املسطرية املتبعة ألجل التصديق‬

‫عليه؟ والجهة املؤهلة للبت في صحة الطعن بالبطالن من عدمه؟‬

‫وألجل إعطاء مقترب جواب عن كل هذه التساؤالت‪ ،‬فسوف نعمد إلى اعمال‬

‫تقسيم منهجي ثنائي‪ ،‬نخصص فيه املطلب األول للحديث عن أهم حاالت البطالن‬

‫والجهات املخول لها حق إثارته‪ ،‬فيما نتطرق في املطلب الثاني ملناقشة أهم اإلجراءات‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 197‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املسطرية املتبعة إلقرار بطالن إجراءات التحقيق والجهة املخول لها حق البت في‬

‫الطلب‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي‪ ،‬حاالته واجلهات‬


‫املخول هلا حق إثارته‬

‫نظرا ألهمية هذه النقطة وضرورة تبيان أهم األمور املتعلقة بها ولو بإيجاز‪،‬‬

‫فسوف نقسم على ضوئها تفاصيل هذا املطلب لفرتين‪ ،‬نخصص الفقرة األولى‬

‫للحديث عن أهم الحاالت التي يترتب فيها بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي‪ ،‬على‬

‫أن نرجئ الحديث بالدراسة والتحليل في الفقرة الثانية ملسألة الجهات املخول لها‬

‫تشريعا حق إثارة البطالن كجزاء قانوني في مواجهة هذه اإلجراءات‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬احلاالت املقرر فيها قانونا بطالن إجراءات التحقيق‬


‫اإلعدادي‬

‫استنادا إلى منطوق املادتين ‪ 359210‬و‪ 360212‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬حدد‬

‫املشرع املغربي املقتضيات القانونية املتعلقة بالتحقيق اإلعدادي التي ترتب البطالن‬

‫جراء مخالفتها‪.‬‬

‫‪ 359‬تنص المادة ‪ 210‬من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي‪ ":‬يجب مراعاة مقتضيات المادتين ‪ 134‬و‪ 135‬من هذا‬
‫القانون المنظمتين للحضور األول لالستنطاق والمادة ‪ 139‬المتعلقة بحضور المحامي أثناء االستنطاقات والمواجهات‪،‬‬
‫والمواد ‪ 59‬و‪ 60‬و‪ 62‬و‪ 101‬المنظمة للتفتيشات‪ ،‬وذلك تحت طائلة بطالن اإلجراء المعيب واإلجراءات الموالية له‪ ،‬مع‬
‫مراعاة تقدير مدى هذا البطالن وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة ‪".211‬‬
‫‪ 360‬جاء في المادة ‪ 212‬من قانون المسطرة الجنائية ما يلي‪ ":‬يترتب كذلك البطالن عن خرق المقتضيات الجوهرية‬
‫للمسطرة إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من األطراف‪ .‬يمكن لكل متهم أو طرف مدني أن يتنازل عن‬
‫ادعاء البطالن المقرر لفائدته‪ ،‬ويجب أن يكون هذا التنازل صريحا‪ .‬وال يقبل تنازل المتهم إال بحضور محاميه أو بعد‬
‫استدعائه قانونياً‪ .‬يعرض التنازل على الغرفة الجنحية وفقا ً للمادة السابقة‪.".‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 198‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫والبطالن كجزاء يلحق بعض إجراءات التحقيق املعيبة يمكن تقسيمه إلى‬

‫بطالن قانوني‪ ،‬حيث حددت املادة ‪ 210‬من نفس القانون ثالث فئات من اإلجراءات‬

‫الشكلية واملوضوعية التي يترتب عن خرقها بطالن اإلجراءات املعيبة وكذا اإلجراءات‬

‫التي تليها‪ ،‬مع مراعاة بطبيعة الحال تقدير نطاق هذا البطالن من طرف الغرفة‬

‫الجنحية‪ ،‬التي لها الصالحية أن تبت في ما إذا كان يجب أن يقتصر البطالن على‬

‫اإلجراء املطعون فيه وحده أو يمتد كال أو بعضا لإلجراءات املوالية له‪.361‬‬

‫وقد يكون هذا البطالن قضائي كما نصت على ذلك املادة ‪ 212‬من نفس‬

‫القانون‪ ،‬وذلك إذا ترتب عن اإلجراء املتخذ من قبل السيد قاض ي التحقيق خرق‬

‫للمقتضيات الجوهرية للمسطرة‪ ،‬أدت إلى املساس بحقوق الدفاع لكل طرف من‬

‫أطراف الدعوى العمومية واملدنية التابعة على حد سواء‪.‬‬

‫فحاالت البطالن القانوني يمكن تصورها في ثالثة أساسية وهي‪:‬‬

‫‪ - 361‬تنص الفقرة الثالثة من المادة ‪ 211‬من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي‪ ...":‬تقرر هذه الغرفة ما إذا كان يجب‬
‫أن يقتصر البطالن على اإلجراء المقصود أو يمتد كال أو بعضا لإلجراءات الالحقة‪.".‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 199‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪362134‬‬ ‫‪ -‬الحالة األولى‪ :‬البطالن الناتج عن مخالفة مقتضيات املادتين‬

‫و‪ 363135‬من قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪ -‬الحالة الثانية‪ :‬مخالفة مقتضيات املادة ‪ 139‬من قانون املسطرة الجنائية‬

‫املتعلقة بحضور املحامي لجلسة االستماع للمتهم أو الطرف املدني أو عند‬

‫مواجهتهم بحضوردفاعهم إال إذا تنازال عن ذلك‪ ،‬أو لم يحضراملحامي رغم‬

‫استدعائه بيومين كاملين على األقل قبل عقد جلسة االستنطاق أو‬

‫املواجهة‪ ،‬أو لم يتم وضع ملف النازلة رهن إشارة الدفاع بيوم واحد على‬

‫األقل قبل إجراء االستنطاق أو املواجهة‪.364‬‬

‫‪ -‬الحالة الثالثة‪ :‬مخالفة املقتضيات الواردة في املواد ‪ 59‬و‪ 60‬و‪ 62‬و‪101‬‬

‫املنظمة للتفتيشات التي يأمر السيد قاض ي التحقيق بإجراءها‪ ،‬خصوصا‬

‫‪ - 362‬رتب المشرع المغربي جزاء البطالن في حالة ما لم يحترم قاضي التحقيق مقتضيات المادة ‪ 134‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية التي تنضم إجراءات االستنطاق االبتدائي‪ ،‬حيث نصت هذه األخيرة على ما يلي‪ ":‬يطلب قاضي التحقيق من المتهم‬
‫بمجرد مثوله األول أمامه بيان اسمه العائلي والشخصي ونسبه وتاريخ ومكان والدته وحالته العائلية ومهنته ومكان‬
‫إقامته وسوابقه القضائية‪ .‬وله عند االقتضاء أن يأمر بكل التحريات للتحقق من هوية المتهم‪ ،‬بما في ذلك عرضه على‬
‫مصلحة التشخيص القضائي أو إخضاعه للفحص الطبي‪ .‬يشعر القاضي المتهم فورا بحقه في اختيار محام‪ ،‬فإن لم يستعمل‬
‫حقه في االختيار عين له قاضي التحقيق بناء على طلبه محاميا ليؤازره‪ ،‬وينص على ذلك في المحضر‪ .‬يحق للمحامي أن‬
‫يحضر االستنطاق المتعلق بالتحقيق في هوية المتهم‪ .‬يبين قاضي التحقيق للمتهم األفعال المنسوبة إليه ويشعره بأنه حر‬
‫في عدم اإلدالء بأي تصريح‪ ،‬ويشار إلى ذلك في المحضر‪.‬‬
‫ً‬
‫يجب على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية أو لطلب دفاعه الرامي إلى‬
‫إخضاعه لفحص طبي‪ ،‬ويتعين عليه أن يأمر به تلقائيا إذا الحظ على المتهم عالمات تبرر إجراءه‪ ،‬ويعين لهذه الغاية خبيرا‬
‫في الطب‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ينبه القاضي المتهم إلى وجوب إخباره بكل تغيير في عنوانه‪ ،‬ويمكن للمتهم أن يختار محال‬
‫للمخابرة معه في دائرة نفوذ المحكمة‪ .‬إذا طالبت النيابة العامة في ملتمسها بفتح التحقيق بإصدار أمر بإيداع المتهم في‬
‫السجن‪ ،‬وارتأى قاضي التحقيق أن ال داعي لالستجابة لهذا الطلب‪ ،‬فإنه يجب عليه إصدار أمر بذلك داخل أربع وعشرين‬
‫ساعة‪ ،‬يبلغه فورا ً إلى النيابة العامة‪".‬‬
‫‪ - 363‬تنص المادة ‪ 135‬من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي‪ ":‬يجوز لقاضي التحقيق بالرغم من مقتضيات المادة‬
‫السابقة‪ ،‬أن يقوم فورا ً بإجراء أي استجواب أو مواجهة إذا دعت لذلك حالة االستعجال الناتجة إما عن ظروف شاهد يهدده‬
‫خطر الموت‪ ،‬وإما ألن عالمات موجودة أصبحت على وشك االندثار‪.‬‬
‫يجب أن ينص في المحضر على أسباب االستعجال‪.".‬‬
‫‪ - 364‬أحمد قيلش – السعدية مجيدي – محمد زنون‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫طبعة ‪ ،2015‬ص‪.197 :‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 200‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تلك املتعلقة باحترام الوقت القانوني للتفتيش‪ ،‬وإجراءات حجز أدلة‬

‫اإلقناع باختالفها‪...‬الخ‪.‬‬

‫وبخصوص البطالن القضائي املقرر في مواجهة إجراءات التحقيق املعيبة‪،‬‬

‫فقد جاء في املادة ‪ 212‬من قانون املسطرة الجنائية ما يلي‪ ":‬يترتب كذلك البطالن‬

‫عن خرق املقتضيات الجوهرية للمسطرة إذا كانت نتيجتها املساس بحقوق الدفاع‬

‫لكل طرف من األطراف‪ .‬يمكن لكل متهم أو طرف مدني أن يتنازل عن ادعاء البطالن‬

‫املقرر لفائدته‪ ،‬ويجب أن يكون هذا التنازل صريحا‪ .‬وال يقبل تنازل املتهم إال بحضور‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محاميه أو بعد استدعائه قانونيا‪ .‬يعرض التنازل على الغرفة الجنحية وفقا للمادة‬

‫السابقة‪.".‬‬

‫فالبطالن القضائي الذي يمكن أن يلحق بعض من إجراءات التحقيق يتعلق‬

‫باألساس باإلجراءات املاسة بحقوق الدفاع ألطراف الدعوى العمومية واملدنية‬

‫التابعة على حد سواء؛ ولإلشارة فقد خول املشرع للمتهم أو الطرف املدني أن يتنازل‬

‫عن ادعاء البطالن املقرر لفائدته‪ ،‬لكن تنازل هذين األخيرين ال يقبل إال بحضور‬

‫محاميهما أو بعد استدعائه قانونا‪ ،‬ويتعين أن يكون التنازل سواء كان من قبل املتهم‬

‫أو الطرف املدني صريحا‪ ،‬ويعرض هذا التنازل على الغرفة الجنحية طبقا لإلجراءات‬

‫املحدد في املادة ‪ 211‬من قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 201‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اجلهات املخول هلا قانونا حق طلب بطالن إجراء من‬
‫إجراءات التحقيق‬

‫استنادا إلى مقتضيات املادة ‪ 211‬من قانون املسطرة الجنائية‪ 365‬نجد املشرع‬

‫خول من خاللها لكل من جهاز النيابة العامة واملتهم والطرف املدني وحتى لقاض ي‬

‫إمكانية الطعن ببطالن إجراء أو أكثر من إجراءات‬ ‫نفسه‪366‬‬ ‫التحقيق من تلقاء‬

‫التحقيق التي سلف وأن بيناها أعاله‪.‬‬

‫فإذا ما ظهر لوكيل امللك أو نوابه أو الوكيل العام أو نوابه أو املتهم أو للطرف‬

‫املدني أن إجراء مشوبا بالبطالن قد اتخذه قاض ي التحقيق فلهم أن يطلبوا من هذا‬

‫األخير أن يحيل ملف الدعوى إلى النيابة العامة املختصة لتقوم بدورها بإحالته إلى‬

‫الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف التي يمارس فيها قاض ي التحقيق اختصاصاته‬

‫رفقة الطلب الذي يبينون فيه أسباب البطالن وذلك خالل الخمس أيام املوالية من‬

‫اثارته؛ حيث تقررالغرفة الجنحية في الطلب املحال عليها ما إذا كان يجب أن يقتصر‬

‫التصريح بالبطالن على اإلجراء املقصود أو يمتد كال أو بعضا لإلجراءات الالحقة‪ ،‬أو‬

‫حتى التصريح بعدم جدية الطلب وإرجاع امللف لقاض ي التحقيق قصد اكمال باقي‬

‫اإلجراءات‪.‬‬

‫‪ - 365‬وهو خالف ما كان عليه األمر وفقا لمقتضيات الفصل ‪ 191‬من قانون المسطرة الجنائية المنسوخ‪ ،‬والذي حدد‬
‫الجهات التي لها حق طلب تقرير بطالن إجراء من إجراءات التحقيق في كل من قاضي التحقيق نفسه والنيابة العامة حصرا‪.‬‬
‫‪ 366‬إن السيد قاضي التحقيق ال يلجأ إلى طلب تصريح الغرفة الجنحية بالبطالن إال إذا تنازل عنه من هو مقرر لمصلحته‪،‬‬
‫شريطة أن يكون هذا التنازل صريحا من قبل المتهم أو المطالب بالحق المدني وبحضور محاميه أو بعد استدعائه قانونا‬
‫وهذا التنازل يجب عرضة على الغرفة الجنحية لتقرر صحته من عدمه‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 202‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الغرفة اجلنحية وصالحيتها يف إقرار بطالن إجراء من‬


‫إجراءات التحقيق وشكلياته املسطرية‬

‫في هذا املطلب‪ ،‬سوف نتطرق باألساس في فقرته األولى ألدوار الغرفة الجنحية‬

‫وصالحياتها القانونية للبت في طلبات بطالن إجراءات التحقيق‪ ،‬على أن نرجئ البت‬

‫في فقرته الثانية ملناقشة أهم الشكليات املسطرية املتبعة ألجل التصريح ببطالن هذا‬

‫اإلجراء من عدمه‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬أهم الصالحيات املخولة للغرفة اجلنحة لدى حماكم‬


‫االستئناف‬

‫تعتبر الغرفة الجنحية من ضمن أهم الغرف التي تشمل عليها محاكم‬

‫االستئناف باململكة تعنى بدور مركزي في جملة من القضايا واإلختصاصات حددتها‬

‫املادة ‪ 231‬من قانون املسطرة الجنائية‪ 367‬ومنها‪ :‬البت في طلبات اإلفراج املقدمة إليها‬

‫مباشرة‪ ،‬حيث تنص الفقرة الخامسة من املادة ‪ 179‬من نفس القانون على ما يلي‪...":‬‬

‫يمكن للمتهم إذا لم يبت قاض ي التحقيق في طلب اإلفراج املؤقت خالل أجل خمسة‬

‫أيام املحددة في الفقرة السابقة‪ ،‬أن يرفع طلبه مباشرة إلى الغرفة الجنحية بمحكمة‬

‫االستئناف التي تبت فيه داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوما‪ ،‬وذلك بعد أن تقدم‬

‫‪ - 367‬تنص المادة ‪ 231‬من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي‪ ":‬تنظر الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف وهي مكونة‬
‫من الرئيس األول أو من ينوب عنه ومن مستشارين اثنين بحضور ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط‪:‬‬
‫أوال‪ :‬في طلبات اإلفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة طبقا لمقتضيات الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة ‪ ،179‬وفي‬
‫تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة ‪160‬؛‬
‫ثانيا‪ :‬في طلبات بطالن إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المواد ‪ 210‬إلى ‪213‬؛‬
‫ثالثاً‪ :‬في االستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة ‪ 222‬وما يليها؛‬
‫رابعاً‪ :‬في كل إخالل منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خالل مزاولته لمهامه طبقا ً لما هو منصوص عليه في‬
‫المواد من ‪ 29‬إلى ‪ 35‬من هذا القانون‪." .‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 203‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫لها النيابة العامة ملتمسات كتابية معللة وإال فيقع مباشرة اإلفراج املؤقت عن‬

‫املتهم‪ ،‬ما لم يكن هناك إجراء إضافي للتحقيق"‪ ،‬كما تختص الغرفة الجنحية كذلك‬

‫في البت في طلبات بطالن إجراءات التحقيق طبقا للمواد من ‪ 210‬إلى ‪ - 213‬وهوالذي‬

‫يهمنا في هذا املقال ‪ ،-‬وتبت كذلك في الطعون باالستئناف املقدمة ضد مختلف‬

‫األوامر التي يتخذها السيد قاض ي التحقيق في النوازل املعروضة عليه طبقا للمواد‬

‫‪ 222‬وما يليها‪.‬‬

‫كما يعود لها االختصاص كذلك للبت في كل إخالل منسوب ألحد ضباط‬

‫الشرطة القضائية أثناء تأديتهم ملهامهم‪ ،‬واملقصود بضباط الشرطة القضائية وفق‬

‫منطوق هذا البند أالئك املنصوص عليهم من البند األول إلى البند الرابع من املادة‬

‫‪ 19‬من قانون املسطرة الجنائية‪.368‬‬

‫وتتألف الغرفة الجنحية من تشكيلة مكونة من الرئيس األول ملحكمة‬

‫االستئناف أومن ينوب عنه بصفته رئيسا للغرفة‪ ،‬باإلضافة إلى مستشارين له‪ ،‬وكذا‬

‫الوكيل العام أو أحد نوابه باعتبارهم ممثلي للنيابة العامة‪ ،‬باإلضافة إلى كاتب‬

‫للضبط‪.‬‬

‫وتناقش الغرفة ملفاتها في جلسات سرية بغرفة املشورة‪ ،‬وتصدر مقرراتها في‬

‫جلسات علنية‪.‬‬

‫‪ - 368‬تم استثناء ضباط الشرطة القضائية السامون من إمكانية بت الغرفة الجنحية في االخالالت المنسوبة إليهم بخصوص‬
‫أدائهم لمهام الشرطة القضائية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 204‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلجراءات املسطرية املتبعة إلقرار بطالن إجراء من‬


‫إجراءات التحقيق‬

‫تختلف مسطرة إثارة البطالن بحسب طبيعة الجهة التي أثارته‪ ،‬فيما إذا كان‬

‫تلقائيا من طرف قاض ي التحقيق والغرفة الجنحية‪ ،369‬أو املتهم أو املطالب بالحق‬

‫املدني أو نائبيهما‪ ،‬والنيابة العامة‪.370‬‬

‫لقد أعطى املشرع املغربي لكل من جهاز النيابة العامة واملتهم والطرف املدني‪،‬‬

‫وبمجرد ما تتحقق إحدى الحاالت الواردة في املادة ‪ 210‬من قانون املسطرة الجنائية‪،‬‬

‫إمكانية مطالبة قاض ي التحقيق الذي يبت في ملف النازلة بأن يوجهه إلى النيابة‬

‫العامة لتقوم بإحالته إلى الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف عن طريق النيابة‬

‫العامة لدى هذه األخيرة رفقة طلب يوضح فيها الطاعن بالبطالن أسباب طعنه وذلك‬

‫خالل خمسة أيام من الطعن به‪ ،‬كما خول كذلك القانون لقاض ي التحقيق من تلقاء‬

‫نفسه أن يحيل ملف النازلة لنفس الغرفة بعد استشارة النيابة العامة واخبار كل‬

‫من املتهم واملطالب بالحق املدني‪ ،‬وذلك إذا تحققت املقتضيات الواردة في املادة ‪211‬‬

‫من نفس القانون‪.‬‬

‫وبمجرد ما يحال امللف املطعون في أحد إجراءاته بالبطالن على الغرفة‬

‫الجنحية بمحكمة االستئناف‪ ،‬يتولى الوكيل العام أو أحد نوابه تجهيز القضية‬

‫‪ - 369‬رغم عدم التنصيص بصريح النص على إمكانية إثارة الغرفة الجنحية لبطالن إجراء من إجراءات التحقيق تلقائيا‪،‬‬
‫فهذا األمر ممكن‪ ،‬حيث يمكنها وفي معرض بتها في الملف المعروض عليها إذا اطلعت على إجراء مشوب بعيب البطالن‬
‫أن تصرح بهذا األخير‪ ،‬وذلك في إطار ممارستها لصالحياتها القضائية الرقابية على أعمال قضاة التحقيق‪.‬‬
‫‪ - 370‬أحمد قيلش – السعدية مجيدي – محمد زنون‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص‪.199 :‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 205‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ويضمنه ملتمسه قبل رفعه‪ ،‬وتجري مناقشات الغرفة بخصوص امللف املطعون فيه‬

‫ببطالن أحد إجراءات التحقيق فيه بصفة سرية‪ ،‬حيث وبعد إعداد املستشار املقرر‬

‫في امللف لتقريره ودراسة امللتمسات الكتابية للوكيل العام للملك ومذكرات أطراف‬

‫الدعوى العمومية واملدنية التابعة في حالة وجودها‪ ،‬إذ ذاك تصدرالغرفة قرارها في‬

‫جلسة علنية‪.‬‬

‫ويكون قرار الغرفة الجنحية إما بطالن اإلجراء املعيب وحده‪ ،‬وقد تقرر بطالن‬

‫اإلجراءات الالحقة به كذلك‪ ،‬حيث نصت املادة ‪ 239‬من قانون املسطرة الجنائية‬

‫على ما يلي‪ ":‬إذا أحيل إلى الغرفة الجنحية طلب بإبطال إجراء من إجراءات‬

‫التحقيق‪ ،‬فإنها تصرح‪ ،‬إذا كان لذلك موجب‪ ،‬ببطالن اإلجراء املعيب‪ ،‬وإن اقتض ى‬

‫الحال ببطالن اإلجراءات التي تليه كال أو بعضا‪ ،‬طبقا ملا هو منصوص عليه في‬

‫الفقرة الثالثة من املادة ‪ 211‬أعاله‪.‬‬

‫إذا اقتصرت الغرفة على إبطال جزء من اإلجراءات‪ ،‬فيمكنها أن تأمرإما بإجراء‬

‫تحقيق تكميلي طبق الشروط املنصوص عليها في املادة ‪ 238‬أعاله‪ ،‬وإما بإحالة امللف‬

‫إلى القاض ي املكلف بالتحقيق أو إلى أحد قضاة التحقيق ملتابعة إجراءات البحث‪.‬‬

‫إذا تبين من اإلبطال الكلي للمسطرة‪ ،‬أن هذه األخيرة كانت معيبة من بدايتها‪،‬‬

‫فإن الغرفة الجنحية تحيل املسطرة إلى النيابة العامة لتتخذ في شأنها ما تراه‬
‫ً‬
‫مناسبا‪ ،‬وتبت في شأن االعتقال االحتياطي أو املر اقبة القضائية‪.".‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 206‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وفي حالة إقرار الغرفة الجنحية لبطالن إجراء من إجراءات التحقيق‪ ،‬فيبلغ‬

‫مقررها هذا لألطراف ودفاعهم داخل أجل ‪ 24‬ساعة من صدوره‪ ،371‬وتسحب من‬

‫ملف التحقيق الوثائق واإلجراءات التي أبطلت وتحفظ بكتابة ضبط محكمة‬

‫االستئناف ويمنع الرجوع إليها الستخالص أي دليل منها ضد األطراف تحت طائلة‬

‫املتابعة التأديبية‪.372‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫عطفا على كل ما تقدم ذكره‪ ،‬يمكن أن نخلص للعديد من الخالصات لعل‬

‫أهمها‪:‬‬

‫إن بطالن إجراءات التحقيق ينقسم إلى بطالن قانوني حدد املشرع حاالته في‬

‫ثالثة كما هي مدرجة في املادة ‪ 210‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬وإلى بطالن قضائي‬

‫يثار من قبل املتهم أو نائبه أو املطالب بالحق املدني أو نائبه إذا كان هناك مساس‬

‫بحقوق الدفاع‪ ،‬وخول املشرع لهذين األخيرين إمكانية التنازل عن ادعاء البطالن‪،‬‬

‫وال يتم تنازل املتهم إال بحضور دفاعه‪ ،‬فيما تتكلف الغرفة الجنحية بالبت في مدى‬

‫صحة التنازل واملصادقة عليه من عدمه‪.‬‬

‫‪ - 371‬تنص المادة ‪ 247‬من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي‪ ":‬تبلغ قرارات الغرفة الجنحية إلى األطراف ومحاميهم‬
‫في ظرف األربع والعشرين ساعة من صدورها بواسطة رسالة مضمونة طبقا ً للشروط المنصوص عليها في الفصول ‪37‬‬
‫و‪ 38‬و‪ 39‬من قانون المسطرة المدنية "‪.‬‬
‫‪ - 372‬تنص المادة ‪ 213‬من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي‪ ":‬تسحب من ملف التحقيق وثائق اإلجراءات التي‬
‫أبطلت وتحفظ في كتابة الضبط بمحكمة االستئناف‪ ،‬ويمنع الرجوع إليها الستخالص أدلة ضد األطراف في الدعوى‪ ،‬تحت‬
‫طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة والمحامين‪".‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 207‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫لقد خول املشرع للعديد من الجهات إمكانية الطعن ببطالن إجراء أو أكثر من‬

‫إجراءات التحقيق‪ ،‬ومن هذه الجهات نجد النيابة العامة واملتهم واملطالب بالحق‬

‫املدني أودفاعهما‪ ،‬تم قاض ي التحقيق من تلقاء نفسه‪ ،‬وكذا الغرفة الجنحية تلقائيا‬

‫إذا ما اطلعت على أحد موجبات البطالن وهي تنظر في ملف النازلة املعروض عليها‬

‫لسبب آخر‪.‬‬

‫خول املشرع املغربي للغرفة الجنحية لدى محكمة االستئناف صالحية البت في‬

‫الطعون بالبطالن املوجهة ضد إجراءات التحقيق االعدادي‪ ،‬وهي متألفة من رئيس‬

‫املحكمة أو من ينوب عنه والوكيل العام للملك أو من ينوب عنه باإلضافة إلى السيد‬

‫كاتب الضبط‪ ،‬وذلك باتباعها جملة من اإلجراءات املسطرية‪ ،‬تنهي إما باملصادقة‬

‫على البطالن وسحب الوثائق واإلجراءات الباطلة من امللف ويمنع الرجوع إليها تحت‬

‫طائلة التأديب‪ ،‬أو األمربإنجازتحقيق تكميلي‪ ،‬أو برفض طلب البطالن واحالة امللف‬

‫إلى السيد قاض ي التحقيق ليكمل باقي إجراءات البحث والتحري‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 208‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األستاذ عمر عباس خضري العبيدي‬


‫مدرس مساعد‬
‫ماجستري قانون عام كلية احلقوق‪-‬جامعة تكريت‬

‫املستخلص‪:‬‬

‫من أهم السمات التي أضحت تميزاالقتصاد العاملي هوتهافت جميع الدول نحو‬

‫جذب االستثمارات األجنبية الخاصة‪ ،‬وذلك لألهمية القصوى التي تلعبها تلك‬

‫االستثمارات في تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية ومنها االستثمار النفطي‪،‬‬

‫وعلى أن االستثمارات بإعتبارها القناة الرئيسية التي تسمح بتدفق رؤوس األموال‬

‫والخبرات العلمية والفنية والتكنولوجية إلى الدولة‪ ،‬إذ من املعلوم أن العقد الدولي‬

‫هو األداة الشائعة التي تنفذ بها عمليات االستثماربين الدول واملشروعات األجنبية‪،‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 209‬‬
‫م‬2020 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر‬23 ‫العدد‬

‫ ويسمح لهم بإشباع حاجاتهم وفقا‬،‫ألنه يعبر عن اإلرادة املشتركة ألطر افه من جهة‬

.‫ملا تقتضيه مصالحهم من جهة ثانية‬

Abstract:

One of the most important features that have characterized the

global economy is the rush of all countries to attract foreign private

investments, because of the importance of these investments in the

achievement of economic and social development, including oil

investment, and that investments as the main channel that allows the

flow of capital and scientific expertise, It is known that the

international contract is the common tool in which investment

operations are carried out between foreign countries and projects,

because it reflects the common will of the parties on the one hand and

allows them to satisfy their needs according to the requirements of the

Second hand.

:‫أهمية البحث‬

‫تكمن أهمية البحث في تحديد القانون الواجب التطبيق على منازعات‬

‫االستثمار من أهم املوضوعات التي يحرص أطراف العقد الدولي لالستثمار على‬

‫ وإذا كان األصل طبقا‬،‫ ملا لذلك من أثرعلى حقوق وواجبات كل طرف‬،‫االتفاق عليها‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


P 210
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ملا هو متعارف عليه هو خضوع العقد الدولي لقانون اإلرادة‪ ،‬أي للقانون الذي يتفق‬

‫عليه األطراف‪ ،‬إال أن تضارب مصالح هؤالء قد تؤدي إلى اختالف موقف كل طرف‪،‬‬

‫إذ وبينما تسعى الدولة إلى إخضاع العقد لقانونها طاملا أن هدفها هو تحقيق التنمية‬

‫االقتصادية‪ ،‬فإن املستثمراألجنبي قد يرى في ذلك إضراربمصالحه‪ ،‬وأن تحقق هذه‬

‫األخيرة لن يكون إال في ظل االبتعاد عن قانون الدولة وتدويل النظام القانوني لعقد‬

‫االستثمار‪ ،‬خاصة في ظل معاناة منهج التنازع الذي يحيل إلى القانون الوطني من‬

‫أزمة حقيقية في ظل األوضاع االقتصادية العاملية الجديدة‪.‬‬

‫إشكالية البحث‪:‬‬

‫إن موضوع البحث يواجه إشكالية أساسية تتمثل في التساؤل عن مدى‬

‫استجابة التنظيم الوضعي للعقود الدولية لالستثمار النفطي وملقتضيات التعامل‬

‫الدولي الحديث بعد التحوالت التي شهدها االقتصاد العاملي‪ ،‬وحول ما إذا كان‬
‫النظام القانوني للدولة كافيا في ّ‬
‫حد ذاته وقادرا على تقديم الحلول القانونية‬

‫الو افية للمشاكل التي تثيرها هذه العقود‪ ،‬ومن جهة ثانية فإن اللجوء إلى تدويل‬

‫النظام القانوني لعقد االستثمارالنفطي قد ال يتماش ى مع مصالح الدول املتعاقدة‪،‬‬

‫وهو ما يدعونا إلى التساؤل عن مدى تأثير ذلك التدويل على تلك املصالح‪ ،‬وحول ما‬

‫إذا كان إخضاع عقد االستثمار للقواعد عبر الدولية يمثل فعال الصيغة السحرية‬

‫القادرة على إيجاد الحلول ملجمل املشاكل الناجمة عن إبرام وتنفيذ تلك العقود‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 211‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫منهجية البحث‪:‬‬

‫بالنظر للخصوصية التي يتميز بها بحث عقود استثمار النفط واالهتمام الذي‬

‫يحظى به هذا املوضوع من قبل املجتمع الدولي‪ ،‬حيث ستعتمد الدراسة في معالجتها‬

‫لهذا املوضوع على املنهج التحليلي واالستقرائي باعتبارهما األنسب بحكم التطرق‬

‫الى مختلف نصوص االتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية باالستثمار النفطي‬

‫املعالجة لها‪ ،‬وشرح مضمونها وتقييمها‪.‬‬

‫أهداف البحث‪:‬‬

‫يهدف البحث في موضوع مالئمة النظام القانوني للدولة في عقود استثمار‬

‫النفط الى تسليط الضوء على مفهوم عقود استثمار النفط بعد التحوالت التي‬

‫شهدها االقتصاد العاملي‪ ،‬وضرورة إخضاع عقود االستثمار الدولية ومنها العقود‬

‫النفطية له نظام عبردولي ال تنتمي قواعده ال للقانون الوطني وال للقانون الدولي‪.‬‬

‫هيكلية البحث‪:‬‬

‫ولبيان املعاني السابقة وجالء مضمونها سنقسم هذا البحث على مبحثين‪ ،‬وهي‬

‫ما يأتي‪:‬املبحث األول‪ :‬ماهية عقود استثمار النفط‪ .‬املبحث الثاني‪ :‬تدويل النظام‬

‫القانوني لعقد االستثمارالنفطي و أثره على مصالح الدول املتعاقدة‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 212‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬ماهية عقود استثمار النفط‬

‫لكون العقد هو تو افق إرادتين على احداث اثر قانوني معين لذا كان البد من‬

‫توفر ثالثة أركان النعقاده‪ ،‬إذ ال ينعقد العقد من دون اجتماعها‪ ،‬وهي التراض ي أي‬

‫اتجاه األرادة نحو أمر قانوني معين ومحدد أي انعقاد العزم على أجراء العملية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القانونية محل العقد‪ ،‬والتراض ي يجب أن يكون موجودا وصحيحا وال يشوبه أي‬

‫عيب من عيوب الرضا وعوارض وموانع األهلية‪ ،‬أما الركن الثاني في العقد هو املحل‬

‫ويراد به ما ينصب عليه العقد‪ ،‬أو العملية القانونية التي يراد تحقيقها من وراء‬

‫العقد‪ ،‬أي األداء الذي يقوم به املدين لصالح الدائن‪ ،‬ويشترط في املحل أن يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫موجودا أو ممكن الوجود‪ ،‬ويجب أن يكون معينا أو قابال للتعيين‪ ،‬وأخيرا يجب أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون املحل مشروعا‪ ،‬أما الركن الثالث واألخير للعقد فهو السبب والذي يعد ركنا‬
‫ً‬
‫جوهريا ال ينعقد العقد بدونه‪ ،‬وهو الباعث الدافع على التعاقد‪ ،‬والسبب يجب أن‬
‫ً‬
‫يكون موجود عند التعاقد إبتداء وأن يظل قائما الى وقت تنفيذ العقد‪ ،‬فاذ لم يوجد‬
‫ً‬
‫إبتداء أو اذا تخلف أصبح العقد باطال‪ ،‬وأن يكون السبب مشروعا أي ال يتعارض مع‬

‫نص قانوني صريح وأن ال يخالف النظام العام واآلداب العامة‪ .‬إذ إن مدلول هذا‬

‫العقد يسري على موضوع هذه الدراسة فاإليجاب يمكن ان يصدر من احد طرفي‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 213‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫عقد االستثمارالنفطي ويرتبط باإليجاب الصادرمن الطرف اآلخر‪ ،‬بحيث تترتب آثار‬

‫ذلك اإلرتباط في املعقود عليه املتمثل بعملية االستثمارالنفطي(‪.)373‬‬

‫وألجل الوقوف بشكل جلي على مفهوم عقد االستثمار النفطي تمهيدا للوقوف‬

‫على تدويل النظام القانوني لعقد االستثمار النفطي و أثره على مصالح الدول‬

‫املتعاقدة سيتم تقسيم دراسة هذا املبحث على مطلبين‪ ،‬وهما ما يأتي‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم عقود االستثمار النفطية‪ .‬املطلب الثاني‪ :‬مدى املالئمة‬

‫بين مبدأ سيادة الدولة الدائمة على الثروة النفطية وعقود استثمارالنفط‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم عقود االستثمار النفطية‬

‫الثمر لغة أنواع املال‪ ،‬وجمع الثمر ثمار‪ ،‬وثمر جمع الجمع‪ ،‬وقد يكون الثمر‬

‫جمع ثمرة‪ ،‬الثمر املال املثمر(‪ ،)374‬و أثمر الرجل إذا كثر ماله‪ ،‬واالستثمار هو االنفاق‬

‫في وجه من الوجوه لتحقيق ربح في املستقبل البعيد أو القريب(‪ ،)375‬وهو ما يستفاد‬
‫َ ُ َ ُ َ ُُ ََ َ ْ َُ َ ً َ‬ ‫ََ َ َُ ٌََ ََ‬
‫نك َماال َوأ َع ُّز‬ ‫اح ِب ِه وهو يح ِاوره أنا أكثر ِم‬‫ص‬
‫ِ ِ‬
‫ال ل َ‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫من قوله تعالى (وكان له ثمر ف‬
‫ََ‬
‫نف ًرا)(‪.)376‬‬

‫(‪ (373‬د‪ .‬ياسين محمد الجبوري‪ 2008 ،‬الوجيز في شرح القانون المدني األردني‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ص‪ 154‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )374‬أبو الفضل جمال بن محمد بن مكرم بن منظور‪ 1414،‬ه‪ ،1994 ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،3‬دار صادر بيروت‪،‬‬
‫ص‪.297‬‬
‫إسماعيل بن حماد الجوهري‪ ،1974،‬الصحاح‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬دار الحضارة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.161‬‬ ‫(‪(375‬‬

‫(‪ (376‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية (‪.)34‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 214‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وقد عرف قانون االستثمار العراقي رقم (‪ )13‬لسنة ‪ 2006‬املعدل بالقانون رقم‬
‫ً‬
‫(‪ )50‬لسنة ‪ 2015‬االستثمار في الفقرة (سادسا) من املادة (‪ )1‬بانه (توظيف املال في‬

‫أي نشاط أو مشروع اقتصادي يعود باملنفعة املشروعة على البلد)‪ ،‬وبطبيعة الحال‬

‫فان املستثمرقد يكون عر اقيا أوان يكون مستثمرا أجنبيا وذلك وفقا ملا نصت عليه‬
‫ً‬
‫الفقرة (تاسعا) من نفس املادة التي عرفت املستثمر العراقي بانه (الذي يحمل‬

‫الجنسية العر اقية في حالة الشخص الحقيقي ومسجل في العراق اذا كان شخصا‬
‫ً‬
‫معنويا أو حقيقيا) والفقرة (عاشرا) من ذات املادة التي عرفت املستثمراألجنبي بانه‬

‫(هو الذي ال يحمل الجنسية العر اقية في حالة الشخص الحقيقي ومسجل في بلد‬

‫اجنبي اذا كان شخصا معنويا أو حقيقيا)‪ .‬ويقسم االستثمار حسب معيار الجنسية‬

‫الى االستثمارات الداخلية (الوطنية) وفي هذه الحالة يكون املستثمروطني واملشروع‬

‫االستثماري وطني يتم داخل البلد وال ينتقل عبرالحدود(‪ ،)377‬واالستثمارات األجنبية‬

‫ويقصد بها تلك التدفقات الرأسمالية سواء في شكل أصول مالية أم إنتاجية‬

‫ملموسة أم غيرملموسة والتي يكون مصدرها من خارج الدولة املضيفة التي توظف‬

‫في مشاريع استثمارية مستقلة أم مشتركة تدارعلى أسس تجارية(‪.)378‬‬

‫وتعد مساهمة أو مشاركة االستثمار األجنبي إحدى أهم العالقات االقتصادية‬

‫الدولية‪ ،‬حيث تنتقل من خاللها املوارد االقتصادية بصورة عامة أو عناصر اإلنتاج‬

‫(‪ (377‬د‪ .‬عبد العزيز عبد الكريم عبد هللا‪ ،2010 ،‬ضمانات االستثمار في الدول العربية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ص‪ 19‬وما بعدها‪.‬‬
‫المؤسسة العربية لضمان االستثمار‪ ،1987،‬تقرير مناخ االستثمار في الدول العربية‪ ،‬الكويت‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫(‪(378‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 215‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املختلفة بغرض املساهمة في اإلنتاج وعمليات التنمية االقتصادية وذلك عن طريق‬

‫استخدام املوارد االقتصادية بكفاءة عالية مستخدمة في ذلك أحدث التطورات‬

‫التقنية والفنية في اإلنتاج(‪ ،)379‬وتوضح العالقات االقتصادية الدولية املعاصرة أنه‬


‫ً‬
‫مع زيادة التبادل التجاري بين دولتين‪ ،‬تتحرك االستثمارات بينهما أيضا‪ ،‬كما توضح‬

‫أن استثمارات الدول الصناعية فيما بينها أكبر بكثير من استثماراتها مع دول أخرى‬
‫ً‬
‫أقل نموا‪ ،‬ذلك أن حجم التجارة بين هذه الدول أكبر‪ ،‬فعندما يزداد الطلب املحلي‬

‫على منتجات شركة دولية ما‪ ،‬بحيث يصبح اكبر من مثيلها في دول أخرى تسارع تلك‬

‫الشركة في إقامة مشروعات استثمارية إنتاجية إضافية تلبية لتلك الزيادة في‬

‫الطلب‪ ،‬فالتجارة الدولية تعد بمثابة القاطرة التي تجر من ورائها االستثمار األجنبي‪،‬‬

‫وفي هذا اإلطار نجد أن منطقتي شمال أفريقيا والشرق األوسط في مجملهما تعد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سوقا موحدا من وجهة نظر الشركات الدولية‪ ،‬بسبب صغر الطاقة االستيعابية‬

‫لتلك األسواق املجزأة املكونة لهذه املنطقة‪ ،‬وبسبب ذلك ولضخامة االستثمارات‬
‫ً‬
‫األجنبية في الوقت الحالي نجد أن الشركات الدولية دائما ما تتمركز في أحدى هذه‬
‫ً‬
‫الدول‪ ،‬متخذة من تلك الدولة منطلقا لها للتعامل مع هذه املنطقة أو هذا السوق‬

‫بصورة عامة(‪.)380‬‬

‫(‪ (379‬د‪ .‬هشــام فاروق‪ ،‬للفترة من ‪ 8 – 5‬كانون األول ‪ ،2004‬االستثمارات العربية‪ ،‬واقـعها وآفاقها فـي ظــل النظــام‬
‫العـالـمي الـجديـد‪ ،‬مؤتمر تطوير اإلدارة العربية لجذب االستثمار‪ ،‬مصر شرم الشيخ‪ ،‬ص‪ 37‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ (380‬سالم احمد الفرجاني‪ ،2005 ،‬المساهمة األجنبية في االستثمار المحلي األهمية والمحاذير‪ ،‬ورقة بحثية مقدمة‬
‫في أعمال المؤتمر السنوي للتمويل واالستثمار والتمويل الخارجي المباشر ‪ ،FDI‬مصر‪ ،‬شرم الشيخ‪ ،‬ص‪.2‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 216‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومن مزايا مساهمة االستثمار األجنبي في االستثمار داخل الدولة خلق فرص‬

‫عمل كبيرة والذي يساهم في حل مشكلة البطالة وتحسين مستوى املعيشة وضخامة‬

‫رؤوس األموال التي تمتلكها االستثمارات األجنبية واستخدام املوارد االقتصادية‬

‫املحلية االستخدام الكفء وتشغيل العاطل منها وامتالكها لألساليب اإلدارية‬

‫املتطورة‪ ،‬السيما في مجال تصفية النفط الخام ملا تحتاج اليه هذه العملية من‬

‫رؤوس أموال كبيرة وخبرة فنية متقدمة وهي في الغالب ال تتوفر لدى الدول النامية‬

‫ومن ضمنها العراق لذلك جاء قانون االستثمار الخاص في تصفية النفط الخام‬

‫العراقي ليبين آلية إبرام مثل تلك العقود إذ ان استغالل هذه املوارد ال يمكن ان يكون‬

‫إال من خالل عقد يبين التزامات وحقوق كل من اإلدارة واملستثمر سواء أكان ذلك‬

‫املستثمروطنيا أم أجنبيا(‪.)381‬‬

‫ويتميزالنفط الخام باحتوائه على مواد عديدة يمكن فصل بعضها عن البعض‬

‫اآلخر بواسطة التصفية وهي تمثل مصادر متنوعة للطاقة كما وتشكل مشتقاته‬

‫اآلخرى مواد أولية مهمة في الصناعات البتروكيمياوية‪ ،‬كما يتميز باحتوائه على‬

‫كميات كبيرة من الغاز الطبيعي ويتميز كذلك بسهولة نقله الى مسافات بعيدة سواء‬

‫بالنقل على اليابسة بواسطة األنابيب أو بواسطة الناقالت البحرية باإلضافة الى‬

‫)‪ (381‬د‪ .‬بيرك فارس حسين‪ ،‬محمد موسى خلف‪ ،2012،‬عقد االستثمار في تصفية النفط الخام وطبيعته القانونية‪،‬‬
‫دراسة تحليلية في التشريعات العراقية‪ ،‬بحث منشور في مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية‪ ،‬مج ‪،4‬‬
‫السنة‪ ،4‬ع‪ ،14‬العراق‪ ،‬ص‪.172‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 217‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫سهولة خزنه‪ ،‬كما يتميزبانخفاض كلفة إنتاجه وتكريره نسبيا قياسا الى بقية مصادر‬

‫الطاقة اآلخرى(‪.)382‬‬

‫إذ يتضح مما تقدم يمكننا تعريف عقد االستثمار النفطي بانه (عقد يبرم بين‬

‫الحكومة من جهة واملستثمر من جهة أخرى سواء أكان املستثمر وطنيا أم أجنبيا‬

‫يقوم على توظيف املال ألجل استثماره في مجال البحث عن النفط والتصفية وذلك‬
‫ً‬
‫بتحويل النفط الخام الى مشتقات نفطية قابلة لالستهالك)‪ ،‬وذلك استنادا الى‬

‫الفقرة (رابعا) من املادة (‪ )17‬من قانون االستثمار الخاص في تصفية النفط الخام‬

‫العراقي النافذ‪ ،‬فهذا العقد تتمثل أطر افه بالجهة املستفيدة من االستثماروالتي هي‬

‫الحكومة مالكة الثروة النفطية‪ ،‬والطرف اآلخر وهو املستثمر الوطني أو األجنبي أما‬

‫محل هذ العقد فيتكون من شقين األول من جهة املستثمر يتمثل بتوظيف أمواله‬

‫املستثمرة لتحقيق مكاسب تعود عليه‪ ،‬والشق اآلخرمن املحل هو من جهة الحكومة‬

‫يكون النفط الخام الذي يراد تحويله الى مشتقات النفط العديدة لكي يكون قابال‬

‫لالنتفاع به واستهالكه بصورة افضل مما يحقق املنفعة للحكومة مالكة الثروة‬

‫(‪ (382‬د‪ .‬جابر شنشول جمالي‪ ،1981،‬تكنولوجيا الوقود‪ ،‬المكتبة الوطنية‪ ،‬الجامعة التكنولوجية‪ ،‬بغداد‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫ويعد عقد االستثمار النفطي من اهم أنواع عقود االستثمارات األجنبية ويعرف بأنه‪" - :‬ذلك العقد الذي تمنح الدولة‬
‫بمقتضاه الشركة األجنبية الحق المطلق في البحث‪ ،‬أو التنقيب عن الموارد النفطية الكامنة في أقليمها أو جزء منه‪،‬‬
‫والحق في استغالل هذه الموارد والتصرف فيها‪ ،‬وذلك خالل فترة زمنية معينة مقابل حصول هذه الدولة على ف ارئض‬
‫معينه"‪ ،‬وهناك من يعرفه على أنه "العقد الذي بواسطته تمنح الدولة مشروعا أجنبيا حقا مطلقا له في البحث في‬
‫أقليمها عن النفط واستخراجه واستغالله‪ ،‬وذلك خالل فترة زمنية محددة "‪ .‬لمزيد من التفاصيل راجع حفيظه السيد‬
‫حداد‪ ،2003 ،‬العقود المبرمة بين الدولة واألشخاص األجنبية – تحديد ماهيتها والنظام القانوني الذي يحكمها‪،‬‬
‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.175‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 218‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وبذلك تلتقي مصلحة طرفي عقد االستثمار في تصفية النفط الخام ويحققها ذلك‬

‫العقد وهذا ما أعطاه أهمية ومركزا متميزين بين العقود اآلخرى‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مدى املالئمة بني مبدأ سيادة الدولة الدائمة على‬
‫الثروة النفطية وعقود استثمار النفط‬

‫إن السيادة على املصادرالطبيعية ذات مضاعفات إقتصادية وسياسية واسعة‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫النطاق باإلضافة إلى كونها مفهوما قانونيا‪ ،‬ويصح هذا على األخص في سياق توفير‬
‫ً‬
‫الرأسمال األجنبي لألقطار األقل تطورا‪ ،‬الذي قد يؤدي إلى املس بالسيادة الوطنية‪.‬‬

‫وإن التنمية اإلقتصادية ال تتحقق بدون األموال سواء أكانت محلية أم أجنبية وبما‬

‫أن معظم األقطار النامية ال قبل لها بتلبية حاجاتها املالية من مصادر محلية فإنها‬

‫تسعى بالضرورة للحصول على األموال األجنبية من الخارج‪ .‬وإال أن لجوء البلدان‬

‫النامية إلى الرأسمال األجنبي ال يمربسالم إذ قد تتبعه تأثيرات في التطوراإلقتصادي‬

‫والسياس ي ال يحمد عقباها‪ ،‬وذلك أن الشروط التي تفرضها الشركات األجنبية‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫املستثمرة من املمكن أن تسبب مساسا بسيادة البلدان النامية وحريتها‪ ،‬وتغييرا في‬

‫ظروفها االجتماعية(‪.)383‬‬

‫خالل وضع املبادئ الخاصة بتقرير املصير كأساس ملسودة ميثاق حقوق‬

‫اإلنسان‪ ،‬ظهر مفهوم السيادة الدائمة على املصادر الطبيعة كتعبير عن مبدأ تقرير‬

‫كاوان إسماعيل إبراهيم‪ ،2009 ،‬عقود التنقيب عن النفط وإنتاجه‪ ،‬دراسة قانونية تحليلية مقارنة‪ ،‬أطروحة‬ ‫(‪(383‬‬

‫دكتوراه‪ ،‬كلية القانون والسياسة‪ ،‬جامعة صالح الدين‪ ،‬العراق‪ ،‬ص‪.35‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 219‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املصير اإلقتصادي وكان السبب الرئيس في ذلك هو الصلة التي تصورها الكثيرون‬

‫بين مفهوم السيادة الدائمة والتأريخ اإلستعماري وسنوات اإلعتماد على الغير‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهكذا غدت السيادة الدائمة مطلبا رئيسا للدول حديثة اإلستقالل و أفصحت عنه‬

‫على شكل املطالبة بتقريراملصيراإلقتصادي‪ ،‬وبعد أن حصلت املستعمرات السابقة‬

‫على إستقاللها السياس ي‪ ،‬فإنها ظلت في حاالت متعددة تشعرباإلحباط ألن مصادرها‬

‫الطبيعية لم تزل يستغلها املستثمرون األجانب بطرق كانت تنظراليها الدول الحديثة‬

‫على أنها ال تخدم مصالحها و إنما تخدم مصالح العالم املتطور‪ ،‬وقد أصرت األقطار‬
‫ً‬
‫املستقلة حديثا على السيطرة على مصادرها الطبيعية وعلى املشاركة الفعالة في‬

‫تطويرها على أساس أن اإلستقالل السياس ي سيظل عديم املعنى ما دام املستثمرون‬

‫األجانب يسيطرون على مصادرها الطبيعية(‪.)384‬‬

‫لقد ساد مبدأ (العقد شريعة املتعاقدين) في العالقات القانونية و إتفاقيات‬

‫اإلمتياز املبرمة بين الدول املنتجة مع الشركات األجنبية‪ ،‬بحيث لم تكن األقطار‬

‫املنتجة قادرة على التخلص من اآلثار غير املنصفة للعقود التي أبرمت في ظروف غير‬

‫متكافئة بين الدول املنتجة وبين الشركات األجنبية بمشاركة شركات النفط األجنبية‬

‫في إتخاذ القرارات بشأن حجم اإلنتاج أو إدارة املشروع أو تحديد أسعار النفط‪ ،‬أو‬

‫رسم السياسة النفطية الدولية مثال‪ ،‬مما أدى ذلك إلى أن تشعرالشعوب أن حماية‬

‫د‪ .‬أحمد عبد الر ازق خليفة السعيدان‪ ،1997 ،‬القانون والسيادة وإمتيازات النفط (مقارنة بالشريعة اإلسالمية)‪،‬‬ ‫(‪)384‬‬

‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.143‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 220‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ً‬
‫مصالحها وإن لم تكن بصورة كلية‪ ،‬تكون من خالل املشاركة فضال عن تنميتها‬
‫ً‬
‫وتطويرها‪ ،‬إذ إن اإلتفاقيات القديمة املحكومة باملبدأ املذكور‪ ،‬تعد إكراها مسلطا‬

‫عليها‪ ،‬ال سيما وأن هذه االمتيازات قد منحت في ظروف لم تكن لدى البلدان املنتجة‬

‫القدرات اإلقتصادية والفنية وكذلك القوة التفاوضية لغرض عدم وقوعها تحت‬

‫هيمنة الشركات األجنبية‪ .‬اال أنه بعد أن تم إقرارمبدأ السيادة الدائمة قبلت شركات‬

‫النفط األجنبية و أقرت بمبدأ الحق في املشاركة "على األقل فيما يتعلق باملشاركة في‬

‫العائدات"‪ ،‬ومما ساعد معظم األقطار املنتجة في دعوتها إلى إعادة عملية‬

‫املفاوضات باإلضافة إلى مبدأ السيادة‪ ،‬نظرية تغيير الظروف‪ ،‬وهي نظرية ثابتة في‬

‫القانون الدولي‪ ،‬وقد نجحوا في ذلك‪ ،‬فعلى سبيل املثال وقعت الحكومة السعودية‬

‫في ‪ 30‬كانون األول ‪1949‬م إتفاقية مع شركة آرامكو‪ ،‬و افقت فيها الشركة على‬

‫الخضوع لقانون ضريبة الدخل الذي صدر قبل هذا التاريخ ببضعة أيام‪ ،‬على أن ال‬

‫يزيد مجموع الضرائب والريوع واإليجارات وإستحقاقات الحكومة في أيه سنة عن‬

‫‪ %50‬من صافي أرباح الشركة‪ ،‬وذلك إبتداء من كانون الثاني ‪1950‬م‪ .‬وكذلك تم‬

‫اإلتفاق بين الحكومة العر اقية وشركة نفط العراق في آب من عام ‪1951‬م على أن‬

‫تكون حصة العراق ‪ %50‬من أرباح الشركات الثالث‪ ،‬شركة نفط العراق وشركة‬

‫نفط املوصل‪ ،‬وشركة نفط البصرة(‪.)385‬‬

‫د‪ .‬راشد البراوي‪ ،1962 ،‬حرب البترول في الشرق األوسط‪ ،‬مطبعة المعرفة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.264‬‬ ‫(‪)385‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 221‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املبحث الثاني‪ :‬تدويل النظام القانوني لعقد االستثمار النفطي وأثره‬


‫على مصاحل الدول املتعاقدة‬

‫إن السبيل الوحيد للمستثمر األجنبي من أجل التخلص من العوائق والقيود‬

‫التي تقرها النظم القانونية الوطنية يكمن في ضرورة االنعتاق من النظم القانونية‬

‫الوطنية‪ ،‬أو على األقل تحجيم اآلثار املترتبة عنها‪ ،‬وذلك باللجوء لقضاء التحكيم‬

‫الذي يسمح ألطراف العقد الدولي باختيار القواعد القانونية التي تخدم مصالح‬
‫الدولة واملتعامل األجنبي على ّ‬
‫حد السواء‪ ،‬وال شك أن تلك القواعد هي القواعد عبر‬

‫الدولية‪ ،‬وعليه سنتناول دراسة هذا املبحث على مطلبين‪ ،‬وهما ما يأتي‪ :‬املطلب‬

‫األول‪ :‬تدويل النظام القانوني لعقد االستثمار النفطي‪ .‬املطلب الثاني‪ :‬أثر تدويل‬

‫عقود االستثمارالنفطية على مصالح الدول‬

‫املطلب األول‪ :‬تدويل النظام القانوني لعقد االستثمار النفطي‬

‫يؤكد جانب كبير من الفقه على أن القواعد القانونية التي نشأت بعيدة عن‬

‫سلطان الدولة والتي تحكم العالقات االقتصادية الدولية بما فيها العالقات القائمة‬

‫بين الدول من جهة واملشروعات األجنبية من جهة ثانية هي ظاهرة قد فرضت نفسها‬

‫في ظل املعطيات االقتصادية الحديثة‪ .‬وبالتالي فالبد من خضوع عقود االستثمار‬

‫الدولية ومنها العقود النفطية لنظام قانوني مستقل عن كل األنظمة القانونية‪،‬‬

‫سواء كانت قوانين الدولة املتعاقدة أو قوانين وطنية محايدة‪ ،‬فاألطراف في هذا‬

‫النوع من العقود يتواجدون في مراكز قانونية غير متكافئة‪ ،‬مما يعني أن إخضاعها‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 222‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ألحد تلك األنظمة سيهدد ذاتيتها طاملا أن القوانين الوطنية وضعت أساسا ملواجهة‬

‫العالقات الناشئة عن أطراف يتساوون في مراكزهم(‪.)386‬‬

‫وال ريب أن الفشل في حكم العقود املبرمة بين الدولة واملستثمرين األجانب ال‬

‫يقتصر على النظم القانونية الوطنية‪ ،‬بل يشمل أيضا قواعد القانون الدولي العام‬

‫التي ال تقدرهي األخرى على تقديم الحلول املالئمة لهذا النوع من العقود‪ ،‬على اعتبار‬

‫أنها قواعد جاءت لتنظيم العالقات القائمة بين الدول فيما بينها‪ ،‬وملا كان املشروع‬

‫األجنبي املتعامل مع الدولة من أشخاص القانون الخاص‪ ،‬فمن غير املعقول إعمال‬
‫ً‬
‫تلك القواعد بشأن العالقات التي يبرمها هذا املتعامل حتى وإن كان متفوقا من حيث‬

‫مركزه االقتصادي‪ ،‬لعدم تمتعه بوصف الدولة‪ .‬إذ نكون أمام قصور وعجز وعدم‬

‫مالءمة كل من القوانين الوطنية والقانون الدولي العام لحكم هذه العقود‪ ،‬كان‬
‫ً‬
‫لزاما البحث عن نظام قانوني آخر مستقل عن النظامين السابقين ليتولى تنظيمها‬
‫ّ‬
‫وحل النزاعات الناشئة بين أطر افها‪ ،‬وذلك على نحو يحقق التوازن بينها‪ ،‬وبدون‬
‫ّ‬
‫اإلضراربمصالح أي طرف‪ .‬وعليه فقد اتجه الفقه الغربي إلى التأكيد على أن النظام‬

‫القانوني الذي يتعين إخضاع عقود االستثمارالدولية ومنها العقود النفطية له نظام‬

‫عبر دولي ال تنتمي قواعده ال للقانون الوطني وال للقانون الدولي‪ ،‬ويجد مصدره في‬

‫األعراف التجارية واملبادئ العامة عبر الدولية بوصفها األكثر مالءمة واستجابة‬

‫ملتطلبات العالقات عبرالدولية‪ ،‬وهذا الحل هو الوحيد الذي بإمكانه تجسيد وتأكيد‬

‫حفيظة السيد الحداد‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.740‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 223‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫االستقرار واليقين في املعامالت الدولية العابرة للحدود‪ ،‬ألنه يمثل اإلطار الطبيعي‬

‫لها(‪.)387‬‬

‫فإذا لم تقم األطراف باالختيارالصريح لقانون معين‪ ،‬فهذا مسلك يجب تفسيره‬
‫على أنه يفيد غبتهم في استبعاد هذا القانون‪ ،‬وبما أن القانون الدولي ال يصلح في ّ‬
‫حد‬ ‫ر‬

‫ذاته كقانون يحكم عقود االستثمارالنفطية‪ ،‬فإن الحل األمثل هو إخضاعها لنظام‬

‫ال ينتمي ال للدول املتعاقدة وال للقانون الدولي العام(‪.)388‬‬

‫وعلى الرغم من إقراره بالطبيعة الخاصة لعقود الدولة عموما وعقود‬

‫االستثمار على وجه الخصوص‪ ،‬يتجه الفقه املناصر لفكرة تدويل عقد االستثمار‬
‫ّ‬
‫النفطية إلى أن تلك الطبيعة ال تتعارض مع منهج هذه القواعد‪ ،‬على األقل عند‬

‫االتفاق على تطبيقها‪ ،‬أو لجوء املحكم إلى ذلك عند السكوت املطلق لألطراف عن‬

‫اختيارالقواعد القانونية واجبة التطبيق على رابطتهم العقدية(‪.)389‬‬

‫ويشير هذا االتجاه إلى أن املمارسات التعاقدية الدولية بين الدولة واملتعاملين‬

‫األجانب قد أضافت قواعد أخرى أثرت النظام القانوني عبرالدولي‪ ،‬كما أن التدخل‬

‫أحمد عبد الحميد عشوش‪ ،2003 ،‬قانون النفط‪ ،‬االتجاهات الحديثة في تحديد القانون الذي يحكم اتفاقيات‬ ‫(‪)1‬‬

‫التنمية االقتصادية الدولية‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪ 153‬وما يليها‪ ،‬وانظر كذلك في هذا الرأي طالب‬
‫حسن موسى‪ ،2010 ،‬قانون التجارة الدولية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫د‪ .‬حفيظة السيد الحداد‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.754‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫د‪ .‬نادر محمد إبراهيم‪ ،2002 ،‬مركز القواعد عبر الدولية أمام التحكيم االقتصادي الدولي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر‬ ‫(‪)3‬‬

‫الجامعي‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.472‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 224‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املتزايد لهؤالء في إطار العالقات االقتصادية الدولية لم يقيد من نطاق استقاللية‬

‫هذا النظام بل ساعد على ازدهاره وتطوره‪.‬‬

‫ولقد أكد الو اقع العملي أن غالبية العقود املبرمة في مجال التنقيب عن‬

‫البترول واستغالله تتضمن اتفاق األطراف صراحة على تطبيق أفضل املمارسات‬
‫ً‬ ‫املتبعة عامة في هذا املجال‪ ،‬وملا كان "قانون البترول ّ‬
‫يعد جزءا من القانون التجاري‬

‫الدولي الذي تشكل من العادات العابرة للدولة واملتبعة على نحو عاملي في املجال‬

‫الخاص بالبترول"‪ ،‬فإن هذا يعني ارتضاء األطراف صراحة بإعمال القواعد عبر‬

‫الدولية على عقدهم(‪.)390‬‬

‫واملالحظ أيضا في مجال عقود االستثمار النفطية الدولية عدم تركيز األطراف‬

‫لشرط اختيار القانون‪ ،‬وذلك باستخدامهم لصيغ يعبرون بها عن رغبتهم في عدم‬

‫تطبيق أي قانون داخلي على روابطهم العقدية‪ ،‬وهي صياغة يرى فيها املحكم أحيانا‬
‫ً‬
‫اتفاقا على إخضاع ذلك العقد للقواعد عبر الدولية‪ .‬ومن أمثلة الشروط التي‬

‫يدرجها أطراف هذه العقود في اتفاقاتهم‪ ،‬شرط االتفاق على "املبادئ العامة املعتادة‬
‫في األمم املتمدينة"‪" ،‬مبادئ قانون التجارة الدولي"‪" ،‬مبادئ ّ‬
‫الود وحسن النية"‪،‬‬

‫و"األخذ بعين االعتبار الصفة غير الدولية لعالقات األطراف ومبادئ القانون‬

‫د‪ .‬حفيظة السيد الحداد‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.757‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 225‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫والعادات السائدة في العالم املتقدم"‪ ،‬وغيرها من العبارات التي تصب في نفس‬

‫املعنى(‪.)391‬‬

‫هذا ويتضح مما تقدم أن تدويل النظام القانوني لعقود االستثمار النفطية‬
‫ً‬
‫الدولية أضحى و اقعا البد منه في ظل الظروف االقتصادية الراهنة‪ ،‬سواء في حالة‬

‫اتفاق األطراف املتعاقدة على اختيارقواعد قانونية غيروطنية لتنطبق عليها‪ ،‬أوحتى‬

‫عند تخلف اتفاق هؤالء حول القانون واجب التطبيق‪ ،‬إذ يجوز لهيئة التحكيم أن‬

‫تقوم باختيار القواعد املعمول بها في مجال التبادل الدولي باالعتماد على األعراف‬

‫والعادات السائدة فيها‪ ،‬وكذالك املبادئ العامة املعتمدة بشأنها‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أثر تدويل عقود االستثمار النفطية على مصاحل الدول‬

‫إنه وعلى الرغم من تمتع العقود املبرمة بين الدولة واألشخاص األجنبية‬

‫الخاصة بخصوصيات تميزها عن العقود املبرمة في نطاق العالقات االقتصادية‬


‫ّ‬
‫والتجارية الدولية‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع من إمكانية إخضاعها للقواعد عبر الدولية‬
‫ً‬
‫التي خلقت وجاءت أصال لتحكم العالقات الناشئة في ذلك النطاق‪ .‬فحتى وإن كان‬

‫هدف الدولة من وراء إبرام هذه العقود هو تحقيق مصلحة اقتصادية أو اجتماعية‪،‬‬

‫فإن هذا ال يحول دون إمكانية تطبيق قواعد غير وطنية بشأن منازعاتها‪ ،‬خاصة في‬

‫حالة اتفاق األطراف على اختيارها لتحكم عقدهم‪ ،‬والقول بخالف هذا معناه تقييد‬

‫حرية األطراف في مجال اختيار قانون العقد‪ ،‬وهذا أمر يتعارض بشكل صريح مع‬

‫د‪ .‬نادر محمد إبراهيم‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.360-359‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 226‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األصول الثابتة والقواعد العامة التي تترك لهم سلطة ومكنة ذلك االختيار‪،‬‬

‫والقاعدة العامة في مجال عقود املبادالت االقتصادية الدولية أن للمتعاقدين‬


‫الحرية في اختيار القواعد القانونية واجبة التطبيق على عقدهم‪ّ ،‬‬
‫ويعد من املغاالة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫غير املقبولة تقييد تلك الحرية بإسناد الروابط العقدية إسنادا جامدا ومسبقا‬

‫للقانون الوطني للدولة املتعاقدة‪ ،‬وذلك حتى في الحاالت التي تتفق فيها الدولة‬
‫ً‬
‫املتعاقدة مع الطرف األجنبي على اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي أوال‪ ،‬ثم اختيار‬
‫ً‬
‫القواعد عبر الدولية لتحكم العقد املبرم ثانيا‪ ،‬وبالتالي ال ضرر على الدولة من ذلك‬

‫ألنه هي من ارتض ى تطبيقها‪ ،‬السيما أنه يوجد صمام أمان لحماية النظام العام‬

‫الوطني‪ ،‬حيث تقض ي القواعد العامة في القانون الدولي الخاص بعدم سريان أية‬

‫قاعدة قانونية إذا كانت تتعارض مع النظام العام واآلداب في الدولة املتعاقدة‪.‬‬

‫وعليه وجب احترام اتفاق األطراف وإعمال القواعد القانونية التي اختارها هؤالء‬

‫لحكم عقدهم‪ ،‬وال مجال لالدعاء بأن خصوصية عقود االستثمار النفطية الدولية‬

‫تستتبع بالضرورة خضوعها للقانون الوطني للدولة املتعاقدة‪ ،‬ألن إعمال هذا‬
‫ً‬
‫القانون بشكل دائم قد يضر بمصالح املتعاقدين معا‪ ،‬وذلك لتخلف أحكامه عن‬

‫مجاراة ما جرى عليه العمل في نطاق املبادالت االقتصادية الدولية على وجه العموم‪.‬‬

‫وحتى في الحالة التي يتفق فيها األطراف على تطبيق قانون الدولة املتعاقدة فإن هذا‬

‫ال يمنع هيئة التحكيم من تطبيق املبادئ واألعراف عبر الدولية السائدة‪ ،‬وذلك‬

‫عندما يتضح لها وجود نقص في القانون املختار‪ ،‬أو لتفسير النصوص التشريعية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 227‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ّ‬
‫الغامضة فيه‪ ،‬خاصة وأن النظم الداخلية تعاني عادة من قصورفي األحكام الخاصة‬

‫بتنظيم موضوعات عقود التنمية واالستثمار‪ ،‬وبهذا فقط تتحقق الحكمة من لجوء‬

‫األطراف إلى قضاء التحكيم فتحسم جميع املنازعات الناشئة عن عالقتهم العقدية‬

‫من جهة‪ ،‬وتحفظ توقعاتهم املشروعة من جهة ثانية‪ ،‬وتجنب املحكمين الوقوع تحت‬

‫طائلة إنكارالعدالة من جهة ثالثة(‪.)392‬‬

‫وعالوة على هذا فإن الخروج عن املفاهيم السائدة في مجال العقود النفطية‬
‫ً‬ ‫الدولية‪ ،‬والتي تقدس مبدأ سلطان اإل ادة ّ‬
‫يعد في نظر الطرف األجنبي عائقا من‬ ‫ر‬

‫معوقات االستثمار‪ ،‬وذلك ألنه يقيد حريته في اختيارالقواعد القانونية التي يطمئن‬

‫إليها ويثق فيها‪ ،‬مما يعني في املقام األخير حدوث آثار سلبية تضر بمصلحة الدولة‬

‫املتعاقدة‪ ،‬طاملا أن ذلك الطرف يتواجد دوما في مركز قوة اقتصادية‪ ،‬فيرفض‬

‫االستجابة لشرط خضوع العقد للقانون الوطني‪ ،‬فيكون اقتصاد الدولة هوالخاسر‬

‫األكبر‪ ،‬وبدال من أن يحقق إسناد عقود االستثمار للقانون الوطني نتائج إيجابية‬

‫للدولة املتعاقدة‪ ،‬فإنه سيلحق بها أضرارا جسيمة‪ .‬ويجب لفت نظر االتجاه‬

‫الر افض لخضوع عقود االستثمار النفطية للقواعد عبر الدولية إلى ضرورة عدم‬

‫الخلط بين هذه األخيرة وقرارات التحكيم الصادرة بعد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬والتي‬

‫كانت تستبعد تطبيق القوانين الوطنية للدول املتعاقدة بحجة التخلف واللجوء‬

‫د‪ .‬مصطفى الجمال‪ ،‬د‪ .‬عكاشة عبد العال‪ ،1998 ،‬التحكيم في العالقات الخاصة الدولية والداخلية‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫(‪(392‬‬

‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.664‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 228‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫إلعمال املبادئ العامة بدال منها‪ ،‬وذلك للوصول إلى أهداف تحقق مصلحة املتعاقد‬

‫األجنبي على حساب مصالح الدول النامية‪" ،‬فالقواعد عبر الدولية في العصر‬

‫الحديث لم تعد تخلق من منطلق سياسة مسبقة الحكم أوعن رغبة لتغليب مصالح‬

‫فوق أخرى بقدرتلبية حاجات معينة عن طريق منهج برجماتي"(‪.)393‬‬

‫وأما في حالة عدم اتفاق األطراف على اختيار القواعد القانونية واجبة‬

‫التطبيق‪ ،‬وجب على املحكم في هذه الحالة البحث عن أكثرالقوانين ارتباطا بالعقد‪،‬‬

‫مما يعني إمكانية تطبيق األحكام الواردة في قانون الدولة املتعاقدة‪ ،‬وليس هناك أي‬

‫مجال للقول بأن اللجوء إلى التحكيم يعني ارتضاء األطراف باستبعاد النظم‬

‫القانونية الوطنية لحل نزاعاتهم‪ ،‬وإخضاعها بدال من ذلك لألعراف الدولية(‪،)394‬‬


‫ّ‬
‫انصب هنا على الجانب اإلجرائي فقط‪ ،‬وليس له أية عالقة‬ ‫وذلك ألن التدويل‬

‫بالتدويل املوضوعي للعقد‪ ،‬لذا يتعين على املحكم الوقوف عند هذا املقصد وعدم‬

‫تجاوزه واعتبار تبني األطراف لشرط التحكيم دليل على رغبتهم الضمنية في إخضاع‬
‫ً‬
‫عقدهم للقواعد عبر الدولية‪ ،‬إال إذا كانت إرادتهم صريحة في اختيارها حسما‬

‫ملنازعاتهم‪ .‬على أن تطبيق القانون الوطني للدولة املتعاقدة على عقودها املبرمة مع‬

‫الطرف األجنبي عند سكوتهما املطلق عن االختيار‪ ،‬ال يحول أيضا دون إمكانية‬

‫د‪ .‬نادر محمد إبراهيم‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.236‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫بأن‪" :‬تطبيق قواعد قانون التجارة الدولية يصبح واجبا بمجرد اللجوء إلى‬
‫حيث يذهب بعض الفقه إلى القول ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬وعلى نحو أكثر دقة بمجرد تضمين العقد الدولي شرط التحكيم‪ ...‬وهكذا يبدو التحكيم‬
‫وكأنه المخاطب األصيل بقواعد قانون التجارة الدولية والمنوط به تطبيقها"‪ .‬د‪ .‬هشام خالد‪ ،2005 ،‬جدوى اللجوء‪،‬‬
‫إلى التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.342‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 229‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫استعانة املحكم بالقواعد عبر الدولية لتكملة النقص الذي قد يشوب قواعد‬

‫القانون الداخلي أو إذا ظهر له عدم مالءمة هذه األخيرة لحكم العقد‪ ،‬وأن القاعدة‬

‫عبرالدولية هي األكثرتحقيقا لتلك املالءمة‪ ،‬إذ من املعلوم أن قانون الدولة الطرف‪،‬‬


‫ً‬
‫وإن كان أكثرالقوانين ارتباطا بالعقد‪ ،‬فإن هذا ال يعني دوما أنه األكثرمالءمة لحماية‬

‫مصالحها(‪.)395‬‬

‫وفي نزاع بين شركة "‪ ،)396("CDSE‬وحكومة كوستاريكا مسجل بتاريخ‬

‫‪ 1996/3/22‬أمام هيئة التحكيم التابعة للمركزالدولي لتسوية منازعات االستثمار‪،‬‬

‫طالبت كوستاريكا بتطبيق قواعد ومبادئ القانون الدولي فقط‪ ،‬كقانون واجب‬

‫التطبيق على العقد‪ ،‬ورأت بأنه حتى وإن كان اتفاق الطرفين غيرمكتوب وغير واضح‬

‫بصورة كافية‪ ،‬إال أنه يمكن استنتاجه من طلب التحكيم‪ ،‬ومن مو افقة الحكومة‬

‫على اختصاص املركز بنظر النزاع(‪ ،)397‬والشك أن حكومة كوستاريكا قد رأت في‬

‫تطبيق القواعد عبرالدولية تحقيقا ملصلحتها‪ ،‬لذلك أقرت باختصاصها االستئثاري‬

‫في حكم النزاع‪ ،‬وهذا دليل آخرعلى أن مضمون تلك القواعد وأحكامها قد تكون أكثر‬

‫مالئمة للدولة املتعاقدة مقارنة بقانونها الوطني‪.‬‬

‫د‪ .‬نادر محمد إبراهيم‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.484‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬اختصا ار لـ‪.Compania Del Desarrollo de santa Elena :‬‬


‫وكان النزاع قد ثار بين الطرفين على إثر إقدام حكومة كوس ـ ــتاريكا على تأميم بعض ممتلكات ش ـ ــركة ‪CDSE‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫فيهــا‪ ،‬وانتهــت هيلــة التحكيم إلى إص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار قرارهــا بتــاريخ ‪ ،2000/02/17‬والــذي انتهــت إيــه إلى تطبيق قــانون‬
‫كوســتاريكا بما في ذلك قواعده في تنازع القوانين‪ ،‬وكذا مبادل القانون الدولي‪ ،‬وذلك وفقا لنل المادة ‪ 01/42‬من‬
‫اتفاقية واش ــنطن‪ .‬حس ــين أحمد الجندي‪ ،2006 ،‬النظام القانون لتســـوية منازعات االس ــتثمار األجنبية على ضـــوء‬
‫اتفاقية واشنطن الموقعة عام ‪ ،1965‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص‪.229‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 230‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وما يدعم موقفنا في جوازيه اإلعمال املزدوج لكل من قانون الدولة املتعاقدة‬

‫والقواعد عبر الدولية على عقود الدولة عند تخلف األطراف عن االختيار الصريح‬

‫للقانون الواجب التطبيق‪ ،‬هو اتجاه اتفاقية واشنطن املوقعة عام ‪ 1965‬واملتعلقة‬

‫بتسوية منازعات االستثمار األجنبية‪ ،‬حيث قضت املادة ‪ 1/42‬بأنه ‪" :‬تفصل‬

‫املحكمة في النزاع وفقا للقواعد القانونية التي اتفق عليها األطراف‪ ،‬وفي حالة عدم‬

‫وجود مثل هذا االتفاق تطبق املحكمة قانون الدولة املتعاقدة الطرف في النزاع بما‬

‫في ذلك قواعده في تنازع القوانين ومبادئ القانون الدولي الواجبة التطبيق"‪.‬‬

‫وتطبيقا منها لنص املادة ‪ 1/42‬املذكورة أعاله‪ ،‬ذهبت هيئات التحكيم بالفعل إلى‬

‫التطبيق الجامع لكل من قانون الدولة املتعاقدة والقواعد عبرالدولية عند سكوت‬

‫األطراف عن اختيارقانون العقد على النزاعات التي ثارت أمامها‪ .‬ففي نزاع بين شركة‬

‫"‪ "Amco Asia‬وآخرين مع حكومة إندونيسيا‪ ،‬قررت هيئة التحكيم أنها لم تجد في‬

‫اتفاق األطراف ما يشير إلى اختيارهم لقانون معين ليكون هو القانون الواجب‬

‫التطبيق‪ ،‬وعليه انتهت إلى التزامها بتطبيق القانون اإلندونيس ي ومبادئ القانون‬

‫الدولي واجبة التطبيق(‪.)398‬‬

‫هذا وقد تواترالقضاء الدولي على رفض فكرة تدويل العقود املبرمة بين الدولة‬

‫واألشخاص األجنبية الخاصة في العديد من أحكامه‪ ،‬بحيث لم يذهب أي من قرارات‬

‫(‪ )4‬حسين أحمد الجندي‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.222‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 231‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التحكيم املعروفة في القضايا النفطية الى إضفاء صفة املعاهدة الدولية على‬

‫إتفاقيات البترول(‪.)399‬‬

‫فقد أوضحت املحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية مافروماتيس عام ‪1925‬‬
‫ً‬
‫إن اإلتفاق ال يعدو أن يكون عقدا من القانون الداخلي ومن ثم فإن مسؤولية‬

‫اإلخالل به ال تخضع ألحكام القانون الدولي‪ ،‬وال تترتب مسؤولية دولية على عاتق‬

‫الدولة التي خرجت عن مقتضيات التعاقد(‪.)400‬‬

‫كما رفضت محكمة العدل الدولية في قرارها حول تأميم شركة النفط األنجلو‬

‫إيرانية عام ‪ 1952‬وجهة نظراململكة املتحدة من أن" اإلتفاقية املوقعة بين الحكومة‬

‫اإليرانية والشركة األنجلو اإليرانية عام ‪1933‬م لها طبيعة مزدوجة"‪ ،‬فكانت‬

‫اململكة املتحدة تدعي بأن إتفاقية اإلمتياز تعد من جهة عقد إمتياز بين الحكومة‬

‫اإليرانية والشركة‪ ،‬وهي من جهة أخرى معاهدة بين الحكومتين البريطانية‬

‫واإليرانية(‪.)401‬‬

‫د‪ .‬محمد يوس ـ ـ ــف علوان‪ ،1982 ،‬النظام القانوني إلس ـ ـ ــتغالل النفط في األقطار العربية (د ارس ـ ـ ــة في العقود‬ ‫(‪)399‬‬

‫االقتصادية الدولية)‪ ،‬مطبعة جامعة الكويت‪ ،‬الكويت‪ ،‬ص‪.301‬‬


‫د‪ .‬عمر أبوبكر باخشب‪ ،1999 ،‬النظام القانوني لعقود اإلمتياز‪ ،‬مجلة القانون واإلقتصاد‪ ،‬البحوث القانونية‬ ‫(‪)400‬‬

‫واإلقتصادية‪ ،‬ع‪ ،99‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.26‬‬


‫د‪ .‬محمد يوسف علوان‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.301‬‬ ‫(‪)401‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 232‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اخلامتة‬

‫االستنتاجات‪:‬‬

‫‪ -1‬يتم إبرام عقد االستثمار في تصفية النفط الخام بين طرفين‪ ،‬يتمثل الطرف‬

‫األول بالدولة املضيفة لالستثمار‪ ،‬ويمثلها في ذلك احد املؤسسات التابعة لها‬

‫وهي في الغالب وزارة النفط‪ ،‬كذلك يجوز لألقاليم واملحافظات غير املنتظمة‬
‫ً‬
‫في إقليم منح تراخيص إلنشاء املصافي ضمن حدودها اإلدارية وذلك استنادا‬

‫الى الفقرة (رابعا) من املادة (‪ )17‬من قانون االستثمار الخاص في تصفية‬

‫النفط الخام العراقي النافذ‪ ،‬ويعرف عقد االستثمار الخاص في تصفية‬

‫النفط الخام بانه (عقد يبرم بين الحكومة من جهة واملستثمرمن جهة أخرى‬

‫سواء أكان املستثمر وطنيا أم أجنبيا يقوم على توظيف املال ألجل استثماره‬

‫في مجال التصفية وذلك بتحويل النفط الخام الى مشتقات نفطية قابلة‬

‫لالستهالك)‪.‬‬

‫‪ -2‬ان حداثة مصطلح االستثمار وأهميته قد أدت الى تعدد التعريفات الخاصة‬

‫به و أتساعها في كل من الفكراالقتصادي والقانوني‪.‬‬


‫ً‬
‫‪ -3‬أن تدويل النظام القانوني لعقود االستثمار النفطية الدولية أضحى و اقعا‬

‫البد منه في ظل الظروف االقتصادية الراهنة‪ ،‬سواء في حالة اتفاق األطراف‬

‫املتعاقدة على اختيار قواعد قانونية غير وطنية لتنطبق عليها‪ ،‬أو حتى عند‬

‫تخلف اتفاق هؤالء حول القانون واجب التطبيق‪ ،‬إذ يجوزلهيئة التحكيم أن‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 233‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تقوم باختيار القواعد املعمول بها في مجال التبادل الدولي باالعتماد على‬

‫األعراف والعادات السائدة فيها‪ ،‬وكذالك املبادئ العامة املعتمدة بشأنها‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬‬

‫‪ -1‬ضرورة إخضاع عقود االستثمار الدولية ومنها العقود النفطية له نظام عبر‬

‫دولي ال تنتمي قواعده ال للقانون الوطني وال للقانون الدولي‪ ،‬ويجد مصدره في‬

‫األعراف التجارية واملبادئ العامة عبر الدولية بوصفها األكثر مالءمة‬

‫واستجابة ملتطلبات العالقات عبر الدولية‪ ،‬وهذا الحل هو الوحيد الذي‬

‫بإمكانه تجسيد وتأكيد االستقرار واليقين في املعامالت الدولية العابرة‬

‫للحدود‪ ،‬ألنه يمثل اإلطارالطبيعي لها‪.‬‬

‫‪ -2‬تحديد وسيلة حل املنازعات التي تنشأ عن تفسير أو تنفيذ عقد االستثمار في‬

‫تصفية النفط الخام وذلك من خالل النص عليها‪.‬‬

‫‪ -3‬ال مجال لالدعاء بأن خصوصية عقود االستثمار النفطية الدولية تستتبع‬

‫بالضرورة خضوعها للقانون الوطني للدولة املتعاقدة‪ ،‬ألن إعمال هذا‬


‫ً‬
‫القانون بشكل دائم قد يضربمصالح املتعاقدين معا‪ ،‬وذلك لتخلف أحكامه‬

‫عن مجاراة ما جرى عليه العمل في نطاق املبادالت االقتصادية الدولية على‬

‫وجه العموم‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 234‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫السيد وائل العياط‬


‫خريج ماسرت العقار والتعمري الرباط‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن مجال التعمير مجال شاسع ترتبط به مختلف القطاعات‪ ،‬االجتماعية‬

‫واالقتصادية والسياسية‪ ،‬كما تتدخل فيع العديد من األجهزة‪ ،‬من سلطات محلية‬

‫وهيآة منتخبة وسلطات قضائية‪ ،‬فنجده قطاعا منظما عبر مجموعة من القوانين‬

‫الخاصة كما هو الحال بالنسبة لقانون ‪ 12.90‬املتعلق بالتعمير وقانون ‪25.90‬‬

‫املتعلق بالتجزئات العقارية واملجموعات السكنية وتقسيم العقارات‪ ،‬وقواعد‬

‫أخرى عامة من أهمها القانون التنظيمي ‪ 113.14‬املتعلق بالجماعات واملقاطعات‪،‬‬

‫والذي يبين بوضوح اختصاصات الجماعات الحضرية والقروية في مجال التعمير‪،‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 235‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫عبر مختلف نصوصه‬ ‫الجنائية‪403‬‬ ‫وكذا القانون الجنائي‪ ،402‬وقانون املسطرة‬

‫املوضوعية منها واإلجرائية التي تسهل عملية التدخل القضائي بهذا امليدان‪.‬‬

‫لكن يبقى أهم نص قانوني ينظم مجال التعمير من حيث الضوابط التي‬

‫حددتها قوانين التعمير أعاله‪ ،‬نجد قانون ‪ 66.12‬املتعلق بمر اقبة وزجر املخالفات‬

‫في مجال التعمير والبناء‪ ،‬والذي يعتبر من مستجدات القوانين التي تهتم بمجال‬

‫التعمير خصوصا في الشق املرتبط بزجر املخالفات التي يعرفها هذا القطاع‪ ،‬وفي‬

‫قراءة متأنية في مقتضياته نجد على أن املشرع حاول وضع عدة آليات ووسائل‬

‫وإجراءات يتم من خاللها ضبط كل املخالفات والخروقات القانونية في مجال البناء‬

‫والتعمير‪ ،‬مع تحديد الجهات املكلفة بضبطها ومتابعتها‪ ،‬واملسطرة املعتمدة في ذلك‪،‬‬

‫كما أن املشرع خصص لكل املخالفات عقوبات يختلف نوعها‪ ،‬تصل لحد سن‬

‫عقوبات مالية وأخرى سالبة للحرية‪.‬‬

‫وهذا ما يجعلنا نطرح التساؤل حول أهم مستجدات قانون ‪ 66.12‬؟ وما هي‬

‫الخطوط العريضة التي جاء بها‪ ،‬والضمانات التي وضعها من أجل الحد من‬

‫الخروقات بمجال التعمير والبناء؟‬

‫‪ -402‬ظهير رقم ‪ 1.59.413‬الصادر في ‪ 26‬نونبر ‪ 1962‬يقضي بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي‪،‬‬
‫منشور بالجريدة الرسمية في ‪ 5‬يونيو ‪.1963‬‬
‫‪ -403‬ظهير رقم ‪ 1.02.255‬صادر في ‪ 3‬اكتوبر ‪ 2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 01.22‬المتعلق بالمسطرة الجنائية‪،‬‬
‫منشور بالجريدة الرسمية في ‪ 30‬يناير ‪.2003‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 236‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومحاولة منا في هذه القراءة السريعة لقانون ‪ 66.12‬ونظرا ألهميته‪ ،‬أن نتطرق‬

‫في هذا الجزء للطبيعة القانونية التي يمكن إعطائها ملخالفات التعمير في نطاق هذا‬

‫النص‪ ،‬واملسطرة القانونية التي يتم من خاللها ضبط هذه املخالفات‪ .‬املطلب األول‪:‬‬

‫الطبيعة القانونية ملخالفات التعمير‪ .‬املطلب الثاني‪ :‬مسطرة ضبط مخالفات‬

‫التعميربين قانون ‪ 12.90‬املتعلق بالتعميروقانون ‪ 25.90‬املتعلق بالتجزئات العقارية‬

‫واملجموعات السكنية وتقسيم العقارات‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الطبيعة القانونية ملخالفات التعمري‬

‫يمكن تحديد الطبيعة القانونية لجرائم البناء والتعمير املنصوص عليها في‬

‫قانون ‪ 12.66‬املتعلق بمر اقبة وزجر املخالفات في مجال التعمير والبناء‪ ،‬وذلك من‬

‫خالل دراسة مجموعة من الخصائص التي يتميز بها هذا النوع من الجرائم‪ ،‬كونها‬

‫من الجرائم املتتالية (الفقرة األولى)‪ ،‬باإلضافة أنها من الجرائم املبنية على شكوى‬

‫(الفقرة الثانية)‪ ،‬كذلك بأنها من صنف الجرائم الشكلية (الفقرة الثالثة)‪ ،‬وتتسم‬

‫بخاصية عدم اشتراط الركن املعنوي لقيامها (الفقرة الرابعة)‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬جرائم التعمري من صنف اجلرائم املتتالية‬

‫كما هو معلوم فإن الجرائم عادة تنقسم إلى جرائم وقتية وجرائم مستمرة‪،‬‬

‫تبعا للوضع الذي يتخذه الركن املادي من حيث التوقيت أو االستمرار‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 237‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وجرائم التعمير ومن ضمنها جريمة البناء بدون رخصة تعتبر من الجرائم‬

‫املستمرة املتتابعة أو املتتالية األفعال‪ ،‬ذلك أن هذه الجرائم وإن استغرقت زمنا‬

‫طويال إال أن الركن املعنوي فيها ال يمتد خالل الزمن‪.404‬‬

‫ويترتب على اعتبارجرائم التعميرمن الجرائم املستمرة أمران هما‪:‬‬

‫‪ -1‬احتساب التقادم‬

‫يكون من يوم وقوع الجريمة سواء علم بها أم لم يعلم وال يتم احتساب اليوم‬

‫الذي وقعت فيه الجريمة ضمن مدة التقادم‪ ،‬و إنما تبدأ من اليوم املوالي لوقوعها‪،‬‬

‫وهو تاريخ تمامها وتكامل عناصرها مجتمعة‪ ،‬وتمام الفعل في جرائم التعمير يكون‬

‫هو تاريخ ارتكاب آخرفعل من أفعال التتابع‪.405‬‬

‫‪ -2‬أثرقوة الش يء املقض ي به‪.‬‬

‫في جريمة البناء بدون رخصة وغيره من جرائم التعميريكون جزاء لكافة أفعال‬

‫التتابع ويقبل الدفع بسبقية البت فيها كما أن الحكم البات ال تمتد حجيته إلى‬

‫األفعال الالحقة على صدوره ولو كانت امتداد لها‪.406‬‬

‫‪ -404‬أسامة بلعمرية‪ ،‬النظام الزجري في ميدان التعمير والتجزئات العقارية‪ ،‬دراسة في ضوء القانون ‪ 12.90‬المتعلق‬
‫بالتعمير و‪ 25.90‬المتعلق بالتجزئات العقارية وتقسيم العقارات‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‬
‫جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مراكش‪ ،2014/2013 ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ -405‬الشريف البقالي‪ ،‬شرطة التعمير بين القانون والممارسة‪ ،‬دراسة عملية ونقدية على ضوء اجتهاد القضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬مطبعة دار القلم‪ ،‬الطبعة األلى ‪ ،2012‬ص ‪.358‬‬
‫‪ -406‬نور الدين العسري‪ ،‬المقتضى الزجري في تشريع التعمير والتجزئات أية حماية للمجال الحضري‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫دبلوم الدراسات العليا المعمقة‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية الحقوق أكدال‪ ،2003_2002 ،‬ص ‪.22‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 238‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وفي هذا الصدد نجد حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بفاس في قضية انهيار‬

‫عمارة تتكون من خمس طوابق باملنطقة الثانية بفاس بتاريخ ‪ 08‬دجنبر‪ ،1999‬والتي‬

‫أسفرت وفاة حوالي ‪ 46‬شخصا وإصابة ‪ 42‬آخرين بجروح‪.‬‬

‫رغم اعتراف املتهم بأنه بتشييد العمارة دون مراعاة الضوابط القانونية‬

‫والتقنية إال أن هذه األفعال قام بها منذ سنة ‪ 1986‬وإلى غاية سنة ‪ 1988‬وحادثة‬

‫االنهيار لم تقع إال سنة ‪ ،1999‬وقد طالب دفاع الظنين بسقوط الدعوى العمومية‬

‫سواء فيما يتعلق بجنحة البناء بدون رخصة أوالجرح أو القتل الخطأ‪ ،‬وقد صرحت‬

‫املحكمة املذكورة بسقوط الدعوى العمومية للتقادم فيما يتعلق بجريمة البناء‬

‫بدون ترخيص لسقوطها بالتقادم‪ ،‬في حين أخذت املتهم من أجل جنحة الجرح‬

‫والقتل الخطأ وإدانته من أجل املنسوب إليه‪.407‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬جرائم التعمري من اجلرائم املبنية على شكوى‬

‫تعتبر جرائم التعمير من الجرائم املعلقة على تقديم شكوى من طرف نفس‬

‫الجهة املوكول إليها قانونا هذه الصالحية‪ ،‬وبالرجوع إلى مقتضيات املادة ‪ 66‬من‬

‫قانون ‪ 66.12‬املعدل لقانون ‪ 12.90‬نجدها من بين ما تنص عليه "يزاول املر اقب‬

‫مهامه من تلقاء نفسه او بطلب من السلطة اإلدارية املحلية او من رئيس املجلس‬

‫‪ -407‬حكم المحكمة االبتدائية بفاس صادر بتاريخ ‪ 2009/03/08‬في الملف الجنحي التلبسي عدد ‪10834/90‬‬
‫أورده نور الدين العسري‪ ،‬المقتضى الزجري في تشريع التعمير والتجزئات العقارية أي حماية للمجال الحضري‪،‬‬
‫م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.23‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 239‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الجماعي او من مدير الوكالة الحضرية‪ ،‬بناء على ابالغ باملخالفة من طرف األعوان‬

‫التابعين لهم املكلفين بهذه املهمة او بناء على طلب كل شخص تقدم بشكاية‪.‬‬

‫يمكن لضابط الشرطة القضائية او املر اقب معاينة املخالفة املرتكبة داخل‬

‫املحالت املعتمرة بناء على إدن كتابي للنيابة العامة املختصة وذلك داخل أجل ال‬

‫يتعدى ثالثة أيام‪ ،‬يقوم املر اقب الذي عاين مخالفة من املخالفات املشار اليها في‬

‫املادة ‪ 64‬من قانون ‪ 66.12‬بتحرير محضر بذلك طبقا ألحكام املادة ‪ 24‬من قانون‬

‫املسطرة الجنائية يوجه اصله الى وكيل امللك في أجل أقصاه ثالثة أيام من تاريخ‬

‫معاينة املخالفة مرفقا بنسختين منه مشهود بمطابقتهما لألصل وكذا بجميع‬

‫الوثائق واملستندات املتعلقة باملخالفات"‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬جرائم التعمري من صنف اجلرائم الشكلية‬

‫تنقسم الجرائم إلى جرائم شكلية وجرائم نتيجة‪ ،‬فأما جرائم الشكل فهي التي‬

‫تستكمل شروط قيامها بمجرد اقتراف فعلها املادي‪ ،‬ودون حاجة إلى حصوله نتيجة‬

‫سلبية في جانب املجني عليه‪ ،‬أما جرائم النتيجة أو جرائم الضرر فهي التي يشترط‬

‫املشرع لقيامها استكمال عنصرالنتيجة كركن ينضاف إلى عنصري العالقة السببية‬

‫والفعل املادي‪.408‬‬

‫‪ -408‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجنائي المغربي‪ ،‬ص ‪.306‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 240‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وتعتبر جرائم التعمير من صنف الجرائم الشكلية التي ال يشترط لقيامها‬

‫حصول عنصرالنتيجة‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬جرائم التعمري من اجلرائم التي ال يشرتط فيها الركن‬


‫املعنوي‬

‫إن الركن املعنوي هو مناط إعمال أحكام املسؤولية الجنائية فيكون الجرم إما‬

‫متعمد أو غير متعمد‪ .‬فالركن املعنوي هو ذلك النشاط الذهني الذي يصدر عن‬

‫الجاني ويتخذ مظهرا خارجيا ويتدخل القانون بتقرير العقاب لكونه يتم عن إرادة‬
‫آثمة‪409.‬‬

‫واملشرع املغربي اعتمد نظرية املذهب املوضوعي في تجريم البناء بدون ترخيص‬

‫والجرائم امللحقة بها‪ ،‬بحيث يصبح القصد الجنائي في مثل هذه الجرائم مفترضا‪،‬‬

‫ويكون العقاب في ظل هذا االتجاه مبنيا على نظام عقالني للضبط االجتماعي يغفل‬

‫الحالة الذهنية التي كان عليها املخالف وقت ارتكاب الجريمة‪ ،‬فبمجرد التحقق من‬

‫قيام عناصرجريمة البناء بدون ترخيص يكفي إلخضاع مرتكبها للتدابيرالزجرية دون‬

‫النظرإلى الركن املعنوي لها‪.410‬‬

‫‪ -409‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.306 :‬‬


‫‪ -410‬حول افتراض القصد الجنائي في جرائم التعمير‪ ،‬أنظر محمد المنجي‪ ،‬جرائم المباني‪ ،‬توزيع منشأ المعارف‬
‫باإلسكندرية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 241‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫لكن هناك من يذهب خالف ذلك‪ ،411‬حيث يجب أن تنصرف إرادة املتهم إلى‬

‫وضع عناصر الجريمة‪ ،‬فإذا انتفى لدى املتهم أحد عنصري القصد الجنائي (العلم‬

‫واإلرادة) انعدام الركن املعنوي للجريمة وبالتالي لن تقوم الجريمة في حقه إذ يجوز‬

‫للمخالف أن يدفع بانتقاء علمه باستلزام القانون استصدارترخيص بتلك األعمال‬

‫وأن يدفع بانتفاء علة انطباق وصف البناء على ما قام به من أعمال‪.412‬‬

‫ونرى أن هذا الرأي رأي مردود عليه على اعتبارأنه يتنافى مع القاعدة القانونية‬

‫"ال يعذر أحد بجهله للقانون"‪ ،413‬وبالتالي تجب مسؤوليته سواء علم بذلك أم ال‬

‫خاصة في مجال البناء‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مسطرة ضبط خمالفات التعمري بني قانون ‪12.90‬‬


‫املتعلق بالتعمري وقانون ‪ 25.90‬املتعلق بالتجزئات العقارية واجملموعات‬
‫السكنية وتقسيم العقارات‬

‫مما ال شك فيه أن مجال التعمير باملغرب هو مجال مهم‪ ،‬وال يمكن الحديث‬

‫عن نسق عمراني منظم يرقى للمستوى املطلوب إال بوجود قواعد مضبوطة تنظمه‪،‬‬

‫وذلك بمقتض ى قوانين التي تضع محددات هذا املجال وأساليب الضبط التي منحها‬

‫املشرع للجهات املعنية لدرء أي خروج عن هذه القواعد‪ ،‬وبذلك نجد قانون ‪66.12‬‬

‫قد حدد لنا مسطرة ضبط املخالفات املرتبطة بمجال التعميروالبناء على مستوى‬

‫‪ -411‬نور الدين العسري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫‪ -412‬الشريف البقالي‪ ،‬شرطة التعمير بين القانون والممارسة‪ ،‬دراسة عملية ونقدية على ضوء اجتهاد القضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬مطبعة دار القلم‪ ،‬الطبعة األلى ‪ ،2012‬ص ‪.363‬‬
‫‪ -413‬الفصل ‪ 2‬من القانون الجنائي‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 242‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫قانون ‪ 12.90‬املتعلق بالتعمير (الفقرة األولى) وكذلك قانون ‪ 25.90‬املتعلق‬

‫بالتجزئات العقارية واملجموعات السكنية وتقسيم العقارات (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬مسطرة ضبط املخالفات وفق قانون ‪ 12.90‬املتعلق‬


‫بالتعمري‬

‫تعتبرمسطرة ضبط مخالفات التعميرمن خالل القانون ‪ 12.90‬مسطرة إدارية‪،‬‬

‫تبتدئ بضبط مخالفات التعمير من قبل األعوان املكلفين بذلك‪ ،‬فضبط هذه‬

‫املخالفات يكون إما بناء على زيارات ميدانية تقوم على املعاينة املباشرة وفي عين‬

‫املكان من قبل العون املكلف بذلك إذ يقف على و اقعة إنجاز األشغال‪ ،‬وقد يكون‬

‫ضبط هذه املخالفات استنادا إلى شكاية املتضرراملجاورللبناء‪.‬‬

‫وبعد ذلك ينتقل العون املكلف بضبط املخالفة إلى تحرير محضر املعاينة‬

‫طبقا ألحكام املادة ‪ 24‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬ويوجه أصله إلى وكيل امللك في‬

‫أجل أقصاه ‪ 3‬أيام من تاريخ معاينة املخالفة مرفقا بنسختين منه‪ ،‬مشهود بمطابقتها‬

‫لألصل وكذا بجميع الوثائق واملستندات املتعلقة باملخالفة‪ ،‬كما توجه نسخة من‬

‫محضرمعاينة املخالفة إلى كل من‪:414‬‬

‫‪ ‬السلطة اإلدارية املحلية‬

‫‪ ‬ورئيس املجلس الجماعي‬

‫ــ راجع المادة ‪ 66‬من القانون رقم ‪ 66.12‬المتعلق بمراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء‪.‬‬ ‫‪414‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 243‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ ‬ومديرالوكالة الحضرية وكذا إلى املخالف‪.‬‬

‫إذن من خالل مقتضيات املادة ‪ 66‬من قانون رقم ‪ 66.12‬املتعلق بمر اقبة‬

‫وزجر مخالفات التعمير والبناء يضح لنا أن ضبط املخالفة لن يكون إال بواسطة‬

‫محضر كتابي مما يجعلنا نستبعد من أن يكون محضر املعاينة شفويا‪.،‬إذ يعتبر هذا‬

‫املحضربمثابة وثيقة إثبات أمام القضاء عندما يعرض النزاع أمامه ما لم يتم إجراء‬

‫خبرةمضادة‪.415‬‬

‫واملالحظ أن ما يقوم به رئيس املجلس الجماعي الذي وقعت املخالفة في دائرة‬

‫نفوذه وبالطبع بعد توصله بمحضر املعاينة من قبل العون املكلف قانونا بذلك‪،‬‬

‫يقوم بفحص املحضر بالوقوف على نوع املخالفة املرتكبة وتقدير جسامتها‪ ،‬من‬

‫خالل عملية التكييف التي يقوم بها ليصل إلى مدى فاعلية املخالفة ويحدد مدى‬

‫خطورتها وهل من املمكن تداركها أم ال؟‪ ،‬أو هل هي من املخالفات الخطيرة؟ ونتائج‬

‫التكيف هي التي تحدد املسطرة التي يجب إتباعها‪.416‬‬

‫فإذا كانت املخالفة بسيطة ويمكن تداركها فإن املسطرة تتخذ الشكل التالي‪:417‬‬

‫‪ -‬يتخذ املر اقب مباشرة بعد معاينة املخالفة أمرا بإيقاف األشغال في‬

‫الحال إذا كانت أشغال البناء املكونة للمخالفة ما زالت في طوراالنجاز‪.‬‬

‫‪ 415‬ــ زهور أبو الخير اختصاص القضاء في حل منازعات التعمير رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام جامعة‬
‫محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة ‪.2004 – 2003‬‬
‫‪ 416‬ــ زهور أبو الخير‪ ،‬اختصاص القضاء في حل منازعات التعمير و اإلسكان‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون‬
‫العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط سنة ‪ ،2004 -2003‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 417‬ــ راجع المادة رقم ‪ 67‬من القانون رقم ‪ 66.12‬المتعلق بزجر ومراقبة مخالفات التعمير والبناء‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 244‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -‬أما إذا لم ينفذ املخالف األمر املبلغ إليه بإيقاف األشغال في الحال‬

‫يمكن للمر اقب‪ ،‬حجز املعدات واألدوات ومواد البناء وكذا إغالق‬

‫الورش ووضع األختام عليه‪ ،‬ويحرر محضرا تفصيليا بذلك‪ ،‬يوجهه إلى‬

‫وكيل امللك‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى نص املادة ‪ 68‬من القانون الجديد ‪ 66.12‬املتعلق بمر اقبة وزجر‬

‫املخالفات في مجال التعمير والبناء‪ ،‬نجد أنه عند صدور عن املر اقب الذي عاين‬

‫املخالفة أمرا إلى املخالف باتخاذ التدابيرالالزمة إلنهاء املخالفة في أجل ال يمكن أن‬

‫يقل عن ‪ 10‬أيام وال يتجاوز شهرا واحدا إذا كانت األفعال املكونة للمخالفة يمكن‬

‫تداركها لكونها ال تمثل إخالال خطيرا بضوابط التعمير والبناء التي تم خرقها ويبلغ‬

‫بذلك كال من السلطة اإلدارية املحلية ورئيس املجلس الجماعي ومدير الوكالة‬

‫الحضرية‪.‬‬

‫أما إذا كانت املخالفة املرتكبة خطيرة فإن السلطة اإلدارية املحلية تقوم‬

‫بإصدارأمربإنهاء األشغال املخالفة‪ ،‬إذا لوحظ عند انتهاء األجل املشاراليه في الفقرة‬

‫األولى أعاله أن املخالف لم ينفذ األوامراملبلغة إليه ‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 245‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ويبلغ األمر بالهدم إلى املخالف ويحدد فيه األجل املضروب له إلنجاز أشغال‬

‫الهدم ‪ ،‬وإذا لم ينجز الهدم في األجل املضروب لذلك تولت لجنة إدارية‪ 418‬القيام‬

‫بذلك داخل أجل ال يتعدى ‪ 48‬ساعة ‪ ،‬وعلى نفقة املخالف‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬مسطرة ضبط املخالفات وفق قانون ‪ 25.90‬املتعلق‬


‫بالتجزئات العقارية واجملموعات وتقسيم‬

‫يعتبر قانون رقم ‪ 25.90‬املتعلق بتنظيم التجزئات العقارية واملجموعات‬

‫السكنية‪ ،‬وكما هومعلوم بالنسبة ملخالفات التعميرفي هذا امليدان تجري عليها نفس‬

‫مسطرة املعاينة املطبقة في قانون ‪ ،12.90‬إذ أنه في حالة ضبط املخالفة من لدن‬

‫العون املكلف فإنه يحرر محضرا بذلك‪ ،‬وتوجه اإلدارة املعاينة محضر إلى كل من‬

‫السلطة اإلدارية املحلية إلى رئيس املجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية كما‬

‫ترسل نسخة من هذا املحضرإلى املخالف حسب مقتضيات املادة ‪ 63/2‬من القانون‬
‫‪419.66.12‬‬

‫و دراستنا ملقتضيات املادة ‪ 3/63‬من القانون ‪ 66.12‬نجدها تنص على أن "‪...‬‬

‫مباشرة بعد معاينة املخالف أمرا بإيقاف األشغال في الحال‪ ،‬إذا كانت أشغال‬

‫التجهيزوالبناء مازالت في طوراإلنجاز‪ ...‬إذا لم ينفذ املخالف األمراملبلغ إليه بإيقاف‬

‫األشغال في الحال يمكن للمر اقب حجزاملعدات واألدوات ومواد البناء‪ ،‬وكذا إغالق‬

‫الورش ووضع األختام عليه ويحررمحضرا تفصيليا بذلك يوجه إلى وكيل امللك‪،‬‬

‫‪ 418‬ــ راجع المادة ‪ 68‬من القانون رقم ‪ 66.12‬المتعلق بمراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء‪.‬‬
‫‪ 419‬ــ راجع المادة ‪ 2.63‬من القانون رقم ‪ 66.12‬المتعلق بمراقبة زجر ومخالفة التعمير والبناء‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 246‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يمكن للمر اقب أيضا أن يعين املخالف حارسا على األشياء أو يأمر بنقلها إلى‬
‫مستودع خاص‪420.‬‬

‫ويعتبر هذا اإلجراء األخير واملتعلق باعتبار املخالف حارسا على األشياء‬

‫املحجوزة‪ ،‬وفي حالة عدم وجود أي إمكانية لذلك أن يأمربنقلها إلى مستودع خاص‪،‬‬

‫يعتبر من الخصوصيات التي تتميز بها مسطرة ضبط املخالفات في مجال التجزئات‬

‫العقارية واملجموعات الكنسة وتقسيم العقارات‪.‬‬

‫باإلضافة لذلك يمكن للمخالف أن يطلب من الجهة القضائية املختصة إعادة‬

‫فتح الورش ورفع الحج عن املعدات واألدوات ومواد البناء سواء في حالة تسوية‬

‫املخالف أو في حالة صدور القرار من املحكمة اإلدارية بإلغاء اإلجراءات الصادرة في‬

‫حق املعني باألمر‪.‬‬

‫عند صدور املر اقب الذي عاين املخالفة أمرا إلى املخالف باتخاذ التدابير‬

‫الالزمة إلنهاء املخالفة في أجل ال يمكن أن يقل عن ‪ 10‬أيام وال يتجاوزشهرا واحد إذا‬

‫كانت األفعال املكونة للمخالفة يمكن تداركها لكونها ال تمثل إخالال خطيرا بضوابط‬

‫التعمير والبناء التي تم خرقها ويبلغ بذلك كال من السلطة اإلدارية املحلية ورئيس‬
‫املجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية‪421.‬‬

‫‪ 420‬ــ راجع المادة ‪ 3.63‬من القانون رقم ‪66.12‬‬


‫‪ 421‬ــ راجع المادة ‪ 4.63‬من القانون رقم ‪66.12‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 247‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أما إذا كانت املخالفة املرتكبة خطيرة فإن السلطة اإلدارية املحلية تقوم‬

‫بإصدارأمربإنهاء األشغال أواألبنية املخالفة‪ ،‬إذا لوحظ عند انتهاء األجل املشارإليه‬

‫في الفقرة األولى أعاله أن املخالف لم ينفذ األوامراملبلغة إليه‪.‬‬

‫ويبلغ األمر بالهدم إلى املخالف ويحدد فيه األجل املضروب له بإنجاز أشغال‬

‫الهدم وإذا لم ينجر الهدم في األجل املضروب له‪ ،‬تتولى اللجنة اإلدارية القيام بذلك‬

‫داخل األجل ‪ 48‬ساعة وعلى نفقة املخالف‪.‬‬

‫‪.‬وبالتالي نجد أن املشرع قد حدد الجهات التي منحها حق إيقاف األشغال في‬

‫مجال تجهيزالعقارات و املتمثلة في ‪:‬‬

‫ـ ـ والي الجهة أو عامل العمالة أو اإلقليم أو من يمثله بصفته رئيسا‬

‫ـ ـ رئيس املجلس الجماعي أو من يمثله‪.‬‬

‫و تجدر اإلشارة إلى أنه ال بد من منح أجل للمخالف من أجل تنفيذ األشغال‬

‫املأموربتحقيقها كما تنص على ذلك مقتضيات املادة ‪ 4/63‬من القانون رقم ‪.66.12‬‬

‫والجدير بالذكر أن السلطات اإلدارية ال تتدخل مباشرة بالهدم أو بإيقاف‬

‫األشغال إال في حالة تجهيز التجزئات العقارية أو في حالة إقامة مجموعة سكنية أو‬

‫أكثردون إذن مسبق‪ .422‬وهذا واضح من مقتضيات املادة ‪ 4/63‬من نفس القانون‪.‬‬

‫‪ 422‬ـ زهور أبو الخير م ‪ ،‬س ‪ ،‬ص ‪.17 ،‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 248‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فبالرغم من إيقاف األشغال أو الهدم فإن مرتكب املخالفة لن يسلم من تحريك‬

‫املتابعة ضده‪ ،‬كما تصت على ذلك مقتضيات الفقرة األخيرة من املادة ‪ 5/63‬من‬

‫القانون ‪.42366.12‬‬

‫وأخيرا وعالقة بنطاق تطبيق قانون ‪ 66.12‬على مستوى التجزئات العقارية‪،‬‬

‫سنقوم بتلخيص ألهم املستجدات التي جاء بها املشرع املغربي في هذا اإلطار حماية‬

‫منه لهذا املجال املهم وضبط التجزئات العقارية غيراملؤهلة قانونا الستيعاب حاجة‬

‫الفرد في السكن أو غير ذلك كما هو مبين في املادة األولى من هذا القانون و التي‬

‫تتلخص فيما يلي‪:‬‬

‫* الرفع من مهنية القطاع بتعزيزصالحيات مختلف أصناف املهنيين في املر اقبة‬

‫التقنية وكذا مر اقبة معاييرالجودة‪ ،‬بغرض حماية أرواح املواطنين وممتلكاتهم‪.‬‬

‫* اعتماد دفترللورش وتعزيزعملية تتبع األوراش املرخصة بإلزام رئيس املجلس‬

‫الجماعي بتوجيه نسخ من الرخص واألذون والشواهد املمنوحة إلى السلطة اإلدارية‬

‫املحلية‪.‬‬

‫* تنظيم تدابير افتتاح وإغالق األوراش وغرض إلزامية فتح ومسك دفتر للورش‬

‫بتضمين جميع املعلومات والبيانات التي من شأنها تمكين املهنيين على الخصوص‬

‫من ضمان وتتبع ومر اقبة هذه األوراش‪.‬‬

‫‪ 423‬ـ راجع المادة الفقرة األخيرة من المادة ‪ 4.63‬من القانون رقم ‪66.12‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 249‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫* تعزيز املشروع للجانب الردعي للعقوبات من خالل إقرار عقوبات سالبة‬

‫للحرية‬

‫تتجلى في الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬إحداث تجزئات عقارية أو مجموعات سكنية في منطقة غير مسموح بها‬

‫بموجب األنظمة والقوانين الجاري بها العمل؛‬

‫‪ -2‬في حالة البيع أو اإليجار أو قسمة أو عرض ذلك للبيع أو اإليجار لبقع من‬

‫تجزئة‪ ،‬أو مسكن من مجموعة سكنية‪ ،‬إذا كانت التجزئة أو املجموعة السكنية لم‬

‫يرخص في إحداثهما أو لم تكونا محل تسلم مؤقت لألشغال‪ ،‬وهو ما يعرف بالتجزيئ‬

‫السري؛‬

‫‪ -3‬في حالة العود من جديد؛‬

‫* الرفع من قيمة الغرامات املعمول بها في القوانين الجاري بها العمل‪.‬‬

‫* اعتماد عقوبة الهدم كعقوبة ردعية وسيطة بين العقوبات املالية والعقوبات‬

‫السالبة للحرية‪.‬‬

‫* تقنين عملية هدم البناء القانوني بإحداث لجنة إدارية مكلفة بالهدم وتنظيم‬

‫مسطرة خاصة بذلك‪.‬‬

‫وهكذا فإنه يمكن اعتبار قانون ‪ 66.12‬املتعلق بمر اقبة وزجر املخالفات في‬

‫مجال التعميروالبناء‪ ،‬يعتبرإضافة مهمة ملجال التعميروضبط مجاله وكذا الحد من‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 250‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫خروقات البناء التي تمس بأحكام قانون ‪ 12.90‬املتعلق بالتعمير وقانون ‪25.90‬‬

‫املتعلق بالتجزئات العقارية واملجموعة السكنية وتقسيم العقارات‪ ،‬خاصة ما‬

‫يعرفه هذا املجال من خطورة على حياة األفراد واملتعاملين‪.‬‬

‫وهذا ما دفعنا إلى أن نتطرق أوال للطبيعة القانونية ملخالفات التعميروتحديد‬

‫خصوصياتها‪ ،‬ثم لنوضح املسطرة التي يتم بها ضبط هذه املخالفات واإلجراءات‬

‫املتخذة في ذلك‪ ،‬على أن نخصص القراءة الثانية ألهم املستجدات األخرى التي جاء‬

‫بها قانون ‪ 66.12‬واملميزات القانونية التي يتميزبها فيما يتعلق بمجال التعميروالبناء‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 251‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫السيد رضوان الريشي‬


‫ماسرت العقار والتعمري جامعة احلسن‬
‫الثاني الدار البيضاء – عني الشق‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر حق امللكية من أهم الحقوق العينية‪ ،‬حيث قامت جل دساتير العالم‬

‫بالتنصيص عليه في دساتيرها و جعلته حقا مقدسا ال يجوزالترامي عليه أو نزعه من‬

‫مالكه إال إذا كان بواسطة القانون‪ ،‬فامللكية العقارية أم للحقوق العينية أصلية‬

‫كانت أوتبعية‪ ،‬لذلك خصها املشرع املغربي بترسانة قانونية تكفل تنظيمها وحمايتها‪،‬‬

‫وجعل دعوى االستحقاق وسيلة يباشرها أصحاب األمالك العقارية لحماية‬

‫حقوقهم من ترامي األغيار ‪ ،‬و ذلك ال يتم إال بإثبات امللكية العقارية بوسائل اإلثبات‬

‫القانونية‪.‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 252‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وكانت الرسوم العدلية من أهم الوثائق التي كان يستند إليها املالك في إثبات‬

‫حقوقهم‪ ،‬و كانت تشكل وحدها مستند إثبات امللكية ‪ ،424‬فعقود التفويت من بيع و‬

‫هبة و معاوضة و غيرها ‪ ،‬كانت هي املستند و الركيزة األساسية إلثبات حقوق املالك‬

‫أثناء املنازعات التي تطرح أمام القضاء ‪ ،‬و كانت أور اقا خصوصية تحتفظ بها عادة‬

‫كل أسرة من أسر مختلف الطبقات ‪ ،‬و كانت تتكون من عقود البيوع و رسوم ملكية‬

‫األرض و الرهان و البيوع ‪ ،‬و جرائد التركات ‪ ،‬وضوابط عدد من املعامالت املتعددة‬

‫الوجوه كشركات القراض ‪ ،‬والسلم ‪ ،‬والسلف ‪ ،‬وغيرها ‪425 .‬وقد أكد على ذلك جاك‬
‫بيرك ‪ ،‬والحظ مدى حرص ناس األطلس على كتابة معامالتهم ‪426.‬‬

‫إال أن العقارات باملغرب كانت تنتهك بطرق غير شرعية بسبب الثغرات‬

‫والعوائق التي كانت تكتنف توثيق امللكيات ‪ ،‬و قبول شهادة الشهود دون التيقن من‬

‫صحة شهادتهم أو عدلهم‪ ،‬حتى أضحى توثيق امللكيات عن طريق الشهادات أمرا‬

‫رائجا في املناطق املغربية ‪ ،‬وصار مهنة ملن اعتادها و مورد من ال مورد له‪ ،‬فضاعت‬

‫بذلك حقوق املالك ‪ ،‬حتى أنه فش ى ذلك بكثرة في عهد السلطان محمد بن عبد هللا‬

‫فأمر بأن يكتب في سماط‪ 427‬العدول بالخط العريض حيث يرى ذلك كل الناس هذا‬

‫البيت ‪:‬‬

‫‪ 424‬عبد العزيز بنعبد ‪ :‬معلمة الفقه المالكي‪ ،‬مطبعة المتوسط – بيروت – لبنان الطبعة األولى ‪ 1983‬ص ‪320‬‬
‫‪ 425‬أحمد التوفيق‪ :‬المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر )إينولتان ‪ ) 1912-1850‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‬
‫‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 2011‬ص ‪. 31‬‬
‫‪426‬‬
‫‪Jean Berque : "structure sociales du haut Atlas" Paris , 1954 " Notes sur l'histoire des‬‬
‫‪échanges dans le haut-atlas , 1953 , pp . Page 289-314‬‬
‫‪ 427‬األزقة التي يوجد بها مكاتب العدول‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 253‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أبهتا تريد أن فنودا‬ ‫لقد طلبت هينا موجودا‬

‫و شدد على العدول في تحرير الشهادات و التحري فيها ما أمكن ‪ ،‬و أمر بعدم‬

‫األخذ بشهاداتهم في كثير من املسائل التي تلوح عليها إمارات البطالن و يحوم حولها‬

‫الشك إال أن تكون تلقيت بمحضر القاض ي ( املكلف بالتوثيق ) و مو افقته‪ ،‬ملا كان‬

‫إضافة إلى كثرة‬ ‫يظهر على الشهود من االستهتار بحقوق الناس و املقايضة عليها ‪428‬‬

‫شهادة الزور و الرشاوي و تزوير الخطوط ‪ ،‬وعدم من يميزما اختلف من ذلك لكثرة‬
‫الجهل‪429.‬‬

‫بل األمر لم يقف عند ذلك أو ذاك‪ ،‬بل حتى النهج التي كانت توثق بها عقود‬

‫التفويت من طرف العدل كانت منشأ لكثير من املنازعات ‪ ،‬حيث أن البيوع و غيرها‬

‫من التفويتات املتعلقة بعدة أمالك ال يجمعها في الغالب رسم واحد ‪ ،‬بل نجدها‬

‫متفرقة على الرسوم الشاهدة بها دون أي ربط بالرسم األصلي إن كان له وجود ‪ ،‬مما‬

‫ال يبعث أبدا على االطمئنان على مثل هذه التصرفات و ال على الرسوم التي تضمنتها‬

‫ألنها ال تكشف عن حقيقة العقار القانونية‪ ،430‬و يبرر ذلك عدم وجود أي سجل‬

‫‪ 428‬عبد كنون ‪:‬ذكريات مشاهير رجال المغرب ‪ ،‬دار ابن حزم للطباعة والنشر و التوزيع – بيروت – لبنان الطبعة‬
‫األولى ‪ 2010‬ج‪ 3‬ص ‪1325‬‬
‫‪ 429‬محمد بن عبد الكيكي‪ :‬مواهب ذي الجالل في نوازل البالد السائبة والجبال‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ ،1997‬ص‪.79 :‬‬
‫‪ 430‬عبد العزيز بنعبد ‪ :‬من محاضرة له حول " مظاهر الشرع اإلسالمي في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب "‪ ،‬ألقاها‬
‫بالمدرسة اإلدارية في منتصف الستينات على القضاة و الحكام المفوضين‪ ،‬أشار أليها أحمد دريوش‪ :‬الثقافة و القانون‪،‬‬
‫الجزء األول ‪ ،‬مطبعة األمنية الرباط ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2014‬ص‪. 165 :‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 254‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫رسمي يسمح بتتبع وضعية العقارات ومعرفة مالكيها املتعاقبين‪ ،‬ولم يكن من املمكن‬
‫أيضا معرفة الحقوق العينية و التحمالت العقارية التي تثقل هذه العقارات ‪431.‬‬

‫فقد أتى على املغرب حين من الدهر كانت الرسوم العدلية هي الوسيلة‬

‫الوحيدة إلثبات امللك وضمان الحقوق الراجعة إليه ‪ ،‬ورغم تأسيس الشرع الحنيف‬

‫األوضاع العقارية الصالحة‪ ،‬و تحري القضاة و العدول في إقامة الوثائق و تحريرها ‪،‬‬

‫كانت تحدث أقضية تؤدي إلى نزاعات نظرا إلى أن بعض األمالك لم تكن تحدد أحيانا‬

‫بمنتهى الدقة املطلوبة‪ ،‬إذ ال يتعدى التحديد في الغالب أسماء الجواربكيفية ال تخلو‬

‫أحيانا من غموض‪ ،‬أو بيان عالمات سرعان ما يعفي الدهر عليها حتى أصبحت‬

‫الخصومات شيئا عاديا في البوادي‪ ،‬فكانت املنازعات على الحدود بالضرورة ‪ ،‬مما‬

‫اليظهرأن هناك اعتناء بامللكية ‪ ،432‬أضف إلى هذا أن هذه األمالك لم تكن لها أسماء‬

‫قارة تتميزبها‪ ،‬ولم تكن مساحتها تبين بمنتهى الدقة لعدم استنادها إلى فن الهندسة‬

‫املساحية‪ ،‬و كثيرا ما يعبر عن هذه املساحات بمقاييس محلية تختلف باختالف‬

‫الزمان و املكان ‪ ،433‬فنجد في منطقة الشاوية يعتمدون على مقاييس معتمدة‬

‫كالخدام‪ ،‬و في منطقة الشمال التحويلة‪ ،‬و هناك مقاييس أخرى كزوجة الحرث أو‬

‫مرجع أو مطيرة و تعبر كلها عن املساحة التي تحرث بالدوار ليوم كامل‪ ،434‬واختالف‬

‫‪ 431‬محمد خيري ‪ :‬العقار و قضايا التحفيظ العقاري ‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة ‪ ،‬الطبعة الثامنة ص ‪106‬‬
‫‪ 432‬محمد فتحة ‪ :‬النوازل الفقهية و المجتمع ‪ ،‬أبحاث في تاريخ الغرب اإلسالمي )من القرن ‪ 6‬الى القرن ‪ 9‬هجري ‪12 /‬‬
‫– ‪ 15‬م ) ‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1999‬ص ‪340‬‬
‫‪ 433‬عبد العزيز بنعبد ‪ :‬مقال سابق في مرجع سابق ص ‪165‬‬
‫‪ 434‬محمد خيري ‪ :‬مرجع سابق ص‪ 213‬و ما يليها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 255‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫هذه املقاييس يثير بال شك العديد من املنازعات ‪ .‬لذلك عدم النص على املساحات‬
‫أو تعدد املقاييس بشأنها يقلل من قيمتها ‪435.‬‬

‫ويتجلى من كل ما ذكرأن نشوب املنازعات املتعلقة بملكية العقارات كان مردها‬

‫األساس ي هي عقود التفويت التي يشوبها الكثيرمن الشوائب ‪ ،‬سواء بكيفية توثيقها‬

‫من طرف العدول ‪ ،‬أو من بيانات الوثيقة التي تسفر عن عديد من املشاكل ‪ .‬إال أن‬

‫األمرال يقتصرعلى ذلك ‪ ،‬بل قد تكون رسوم التفويت مشتملة على جميع الجوانب‬

‫الجوهرية و القواعد األساسية ‪ ،‬إال أنها ال تستند على مايثبت ملكية املفوت ‪ ،‬وهذا‬

‫ما كان يسهل اغتصاب حقوق املالك‪ ،‬و اصطناع وثائق تفيد التفويت استنادا إلى‬

‫شهادة شهود يحضرهم املفوت‪ ،‬كشاهدين على أنه املالك الحقيقي للعقار إال أن‬

‫الو اقع خالف ذلك‪ .‬فيقوم املشتري أثناء نشوب النزاع باالعتماد على هذه العقود‬

‫كدليل على إثبات تملكه للعقار‪ ،‬فيرفض له القضاء ذلك ‪ .‬بعلة أن املفوت يمكن أن‬

‫ال يكون املالك الحقيقي للعقار ‪ ،‬لذلك يتطلب األمر إثبات مستندات تملك املفوت‬

‫العقارسواء كان بائعا أو واهبا أو معاوضا أو مغارسا‪...‬‬

‫وقد أثارت هذه الحالة اهتمام فقهاء املالكية‪ ،‬فخصصوا لها حيزا من‬

‫مؤلفاتهم‪ ،‬و اهتموا بتنظيم أحكامها متفقين على قاعدة جوهرية ال نزاع فيها بينهم‪،‬‬

‫وهي كون عقود التفويت املجردة من أصل التملك ال تفيد امللك و ال تثبته‪ .‬حيث‬

‫يقول عبد الرحمان الفاس ي في نظمه العمل الفاس ي ‪:‬‬

‫أحمد التوفيق‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.33 :‬‬ ‫‪435‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 256‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بل ترفع النزاع عند التسوية ‪436‬‬ ‫ال توجب امللك عقود األشرية‬

‫و إن هذه القاعدة التي وضعها الفقهاء تدفعنا إلى التساؤل عن ماهي حجية‬

‫عقود التفويت املجردة من أصل التملك في إثبات امللكية العقارية ؟ و كيف تعامل‬

‫معها القضاء املغربي؟‬

‫لإلجابة على اإلشكال املطروح أعاله‪ ،‬فإننا ينقسم املوضوع إلى مبحثين على‬

‫النهج املوالي‪ :‬املبحث األول ‪ :‬اإلطارالعام ألصل التملك و موجبات اشتراطه في عقود‬

‫التفويت‪ .‬املبحث الثاني ‪ :‬موقف الفقه و القضاء من حجية عقود التفويت املجردة‬

‫املبحث األول ‪ :‬اإلطار العام ألصل التملك و موجبات اشرتاطه يف عقود‬


‫التفويت‬

‫إن أصل التملك كمفهوم تتداخل فيه مجموعة من املفاهيم ‪ ،‬كان لزاما أن‬

‫نتعرف على املفهوم الدقيق له ‪ ،‬فهو ليس وجه املدخل ‪ ،‬ذلك أن هذا املفهوم األخير‬

‫يرتبط بالحيازة ‪ ،‬و الفقهاء ال يذكرون وجه املدخل إال مرتبطا بالحيازة ‪ ،‬في حين أن‬

‫أصل التملك يرتبط بعقود التفويت و بوجه أدق بمستندات ملكية املفوت الذي‬

‫يمكن أن يكون البائع أوالواهب أواملعاوض ‪ ،....‬خصوصا وأن املشرع املغربي نفسه‬

‫ميز في مدونة الحقوق العينية بين أصل التملك و ربطه بعقود التفويت في املادة ‪3‬‬

‫منه‪ ،‬في حين ربط وجه املدخل بالحيازة وذلك تحديدا في املادة ‪ 242‬من نفس املدونة‬

‫‪ 436‬عبد الرحمان الفاسي‪ :‬نظم العمل الفاسي نقال عن أبي عيسى المهدي الوزاني‪ :‬تحفة أكياس الناس بشرح عمليات‬
‫فاس ‪ ،‬طبعة وزارة األوقاف و الشؤون اإلسالمية الطبعة األولى ‪ 2001 ،‬ص ‪34‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 257‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و ملعرفة مفهوم أصل التملك أكثر و تحديد ماهيته‪ ،‬سنقوم بدراستها وفق‬

‫املطلبين التاليين ‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬ماهية أصل التملك‬

‫إن أصل التملك مفهوم فقهي بامتياز ‪ ،‬و قاعدة جوهرية أنشأها الفقه و أقرها‬

‫القضاء املغربي حماية امللكية العقارية‪ ،‬و إضفاء صبغة الشرعية على عقود‬

‫التفويت التي تعتبرسببا من أسباب ملكية العقار‪ ،‬و لتدعيم مركزاملفوت إليه أثناء‬

‫املنازعة العقارية‪ ،‬واستطاعته االحتجاج بتملكه العقاربهذا العقد الذي يعتبرسندا‬

‫للملكية ‪ ،‬لذلك تقتض ي طبيعة الدراسة التطرق ملفهوم أصل التملك ( فقرة أولى )‬

‫و موجبات اشتراطه في عقود التفويت ( الفقرة الثانية )‪.‬‬

‫الفقرة األوىل ‪ :‬مفهوم أصل التملك‬

‫تعتبر عبارة أصل التملك من العبارات الدقيقة التي تحتاج إلى تفصيل و بيان‬

‫كي ال تختلط باملفاهيم املتشابهة لعل أهمها ما سبق بيانه ‪ ،‬فأصل التملك مفهوم‬

‫يتكون من عبارتين ‪ ( ،‬أصل ) و معناها أساس الش يء كما يقول ابن فارس‪ ، 437‬ويقول‬

‫ابن منظور صاحب لسان العرب ‪ ،‬األصل ‪ :‬أسفل كل ش يء و جمعه أصول ‪ ،‬ويقال‬

‫استأصلت هذه الشجرة أي ثبت أصلها ‪ ،‬وقولهم ال أصل له وال فصل ‪ ،‬األصل‬
‫الحسب‪438.‬‬

‫‪ 437‬أحمد بن فارس بن زكريا ‪ :‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،‬الجزء االول ‪ ،‬دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع ‪ ،‬ط‪ 1‬ص ‪109‬‬
‫‪ 438‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬الجزء االول ‪ ،‬دار المعارف للنشر و الطباعة و التوزيع ‪ ،‬ص ‪89‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 258‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ففي اللغة تدل على احتواء الش يء‪ ،‬وملكه يملكه ملكا احتواه قادرا على‬

‫االستبداد به و اصطالحا " هو اختصاص بالش يء يمنع الغيرعنه و يمكن صاحبه من‬

‫التصرف فيه ابتداء إال ملانع شرعي"‪ ،439 .‬أما التعريف التركيبي ألصل التملك‬

‫فبالرجوع إلى الكتب الفقهية املنظمة الشتراط أصل التملك في عقود التفويت‪ ،‬ال‬

‫نجد تعريفا فقهيا ثابتا ‪ ،‬بقدرما نجد تحديد لعناصرأصل التملك فقط‪ ،‬ومن خالل‬

‫هذه العناصر و املحددات التي ذكرها الفقهاء ‪ ،‬يمكن تعريفه بأنه" مجموعة من‬

‫املستندات والوثائق واملراجع التي تثبت ملكية املفوت للعقارمحل التفويت " ويذكر‬

‫الدكتور عبد الرحمان بلعكيد‪ 440‬هذه املستندات و الوثائق سواء تعلقت بالعقار أو‬

‫املنقول بكونها مختلف الوثائق الرسمية والعرفية والفواتيروالسندات واملراسالت‬

‫و الشهادات و غيرها ‪ ، ...‬التي تثبت بها امللكية ثبوتا ال شك فيه ‪.‬‬

‫أما إن أردنا تحديد هذه املستندات في مجال العقار فيكون التحديد ضيق‬

‫النطاق ‪ ،‬وذلك انسجاما مع قواعد التوثيق في ميدان العقار‪ ،‬فاملستندات و الوثائق‬

‫التي تعتبر كأصل ملكية في التفويتات العقارية هي " مختلف الوثائق الرسمية أو‬

‫الوثائق املحررة من محام مقبول لدى محكمة النقض او وثائق محررة عرفيا قبل‬

‫صدورمدونة الحقوق العينية ‪ ،‬سواء كانت هذه الوثائق والسندات اتفاقية ( كعقود‬

‫البيع و رسوم الهبات ) أو قضائية ( كاألحكام القضائية التي تقرحقا ) " ‪.‬‬

‫‪ 439‬أبي إسحاق الغرناطي ‪ :‬الوثائق المختصرة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2011‬ص ‪136‬‬


‫‪ 440‬عبد الرحمان بلعكيد ‪ :‬وثيقة البيع بين النظر و العمل ‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪2014‬‬
‫ص ‪177‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 259‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫إذن فأصل التملك هو كل ما يفيد ثبوت ملكية البائع للعقار ‪ ،‬و تتعدد صوره ‪،‬‬

‫فيمكن أن يكون أصل تملك البائع لعقاره رسم هبة أو أن يكون محضر إرساء‬

‫املزايدة العلنية ‪ ،‬و يمكن أن يكون حكما قضائيا فاصل في النزاع حيث يعتبربمثابة‬

‫عقد لألطراف ‪441‬يمكن أن يستند إليه البائع و املشتري كأصل لثبوت ملكية البائع ‪.‬‬

‫بل قد يكون أصل تملك املفوت ( البائع مثال ) رسم امللكية الدال على الحيازة‬

‫إذا ما توفرت شروطها القانونية ‪ 442.‬إال أنه في جميع هذه األحوال يجب أن تكون‬

‫مستندات تملك املفوت صحيحة من مفوت إلى ٱخر ‪ ،‬و إال كان الرسم املستشهد به‬

‫باطل ال يعتد به في اإلثبات‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موجبات اشرتاط أصل التملك يف عقود التفويت‬

‫إن اشتراط الفقهاء والقضاء املغربي واملشرع املغربي في مدونة الحقوق العينية‬

‫في املادة الثالثة منه‪ ،443‬لوجوب توفر عقود التفويت على أصل التملك ‪ ،‬يرجع إلى‬

‫قاعدة أساسية و هي حماية مصالح الناس و حقوقهم و عدم ضياعها ‪ ،‬فالقاعدة هي‬

‫‪ 441‬نذكر على سبيل المثال و االستدالل الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 618-19‬من قانون االلتزامات و العقود الذي نص‬
‫على أنه " يقوم الحكم النهائي الصادر بإتمام البيع مقام عقد البيع النهائي ‪."...‬‬
‫و يمكن أن يكون الحكم الجنحي أيضا بمثابة عقد نهائي إذا فصل في النزاع التبعي ‪ ،‬حيث جاء ضمن حيثيات قرار لمحكمة‬
‫النقض عدد ‪ 24/7‬مؤرخ في ‪ 2014/1/21‬في الملف المدني عدد ‪ 2012/7/1/4488‬جاء ضمن حيثياته " إن استصدار‬
‫المستأنفين كمشترين لحكم بصحة العقد و نفاده في مواجه المستأنف عليه البائع في حدود ما هو نضمن بمنطوق الحكم‬
‫الجنائي في شقه المدني ‪ ،‬يجعله بعد أن أضحى باتا غير منازع فيه يقوم مقام العقد‪ "...،‬ذكره أحمد أجعون في مؤلف "‬
‫المستحدثة في قضاء الغرفة المدنية بمحكمة النقض العقارية " مطبعة األمنية الرباط ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2019‬ص ‪89‬‬
‫‪ 442‬من وضع يد و تصرف نسبة و مدة قدرها عشر سنوات أو أربعين حسب األحوال بدون منازع و عدم تفويت يقوم‬
‫بها مغربي الجنسية ‪.‬‬
‫‪ 443‬المادة ‪ 3‬من مدونة الحقوق العينية رقم ‪ 39.08‬جاء في الفقرة الثانية منها " ال تفيد عقود التفويت ملكية العقارات‬
‫غير المحفظة إال إذا استندت إلى أصل التملك و حاز المفوت له العقار حيازة متوفرة على الشروط القانونية "‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 260‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫" ال ضراروال ضرار"‪ ،‬والقاعدة أن اإلنسان ال يحرم من ملكه إال إذا كانت هناك‬

‫طرقا قانونية تخول ذلك كنزع امللكية ‪ ،‬أما غيرذلك فمحظورشرعا و قانونا‪.‬‬

‫و يمكننا إجمال أسباب اشتراط أصول التملك في عقود التفويت في الحاالت‬

‫التالية ‪:‬‬

‫أوال ) حماربة ظاهرة االستيالء على عقارات الغري‬

‫إن هذه الظاهرة ليست حديثة العهد ‪ ،‬بل هي متجذرة في التاريخ املغربي منذ‬

‫قرون حيث كان االستيالء على العقارات شائعا وسط املجتمع املغربي وكان سببها‬

‫األصلي هو عدم احتياط العدول بضرورة إرفاق البائع ملستندات تملكه العقار‬

‫املفوت أثناء تفويت العقار ‪ ،‬و عدم إلزامية إحضارها ‪ ،‬حتى جاء عصر السلطان‬

‫سيدي محمد بن عبد هللا فأصدر ظهيرا شريفا ينص في فصله السابع على وجوب‬

‫قيام القاض ي (املكلف بالتوثيق ) في خصوص تفويت األمالك بإحضار رب الدار و‬

‫سؤاله عن وجه تملكه و إحضارالرسوم ليو افق على الشراء ‪،444‬‬

‫و في عهد السلطان الحسن األول ‪ ،‬وجه ضابطا عدليا لقاض ي مكناس أحمد بن‬

‫سودة ‪ ،‬يحثه فيه على ضرورة تثبت العدل من توثيق البيوع العقارية ‪،‬و نص فيه‬

‫على ضرورة " التثبت في األصول و املبيعات العقارية ‪ ...‬إذ يتنافس الناس في اقتنائها‬

‫و تتشوف النفوس لتملكها و االستيالء عليها بما يمكن و لو بأنواع الحيلة و حيث‬

‫السريرة ‪ ....‬فصرفنا نظرنا للبحث عن موجب ذلك الهائل ‪ ،‬فألفيناه غالبا ينشأ عن‬

‫‪ :‬معلمة الفقه المالكي ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪320‬‬ ‫عبد العزيز بنعبد‬ ‫‪444‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 261‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تساهل عدول أهل البادية في كيفية كتب بيعها أو رهنها ‪ ،‬يتولى ذلك منهم الجاهل‬

‫فالجاهل ‪ ،‬حتى انعدمت بينهم في رسومها مسطرة التوثيق و اإلتقان ‪ ، ....‬فنأمرك أن‬

‫تستعمل ما يجب شرعا في ذلك ‪ ،...‬و أن يحضر البائع للمشتري امللكية املستجمعة‬
‫لألشراط من يد و نسبة و طول و عدم منازع و تفويت بالبيع ‪445"...‬‬

‫و إن التأمل في نص هذا الظهيريجد أن من أهم أسباب تساهل العدول في توثيق‬

‫امللكيات هو عدم استحضار أصول امللكية أثناء البيع ‪ ،‬لذلك أوجب عليهم ذلك‪،‬‬

‫وأرسل أيضا إلى القاض ي أحمد بن سودة كتابا ( رسالة ) أخرى يحثه فيها على‬

‫مجموعة من املبادئ التوثيقية املتعلقة بالعقارات التي يجب أن يستحضرها‬

‫العدول من بينها " أنهم ال يكتبون وثيقة بيع األصول إال بعد ثبوت امللك لبائعه و كذا‬
‫التحبيس و العتق‪446"...‬‬

‫ثانيا‪ :‬تفادي بيع ملك الغري‬

‫إن رسوم األشرية يمكن أن تكون من البائع و غيره ‪ ،447‬لذلك وجب على البائع‬

‫أن يكون مالكا للمبيع ملكية شرعية تامة‪ ،‬حتى يتمكن من نقلها بأمان إلى‬

‫‪ 445‬ضابط عدلي وجهه السلطان الحسن األول إلى قاضي مكناس أحمد بن سودة في ‪ 3‬جمادى األولى عام ‪ 1299‬هجرية‬
‫‪،‬أشار إليه عبد الرحمان ب ن زيدان ‪ :‬العز و الصولة في معالم نظم أهل الدولة ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬المطبعة الملكية الرباط‬
‫‪ 1962‬ص ‪46‬‬
‫‪ 446‬ضابط عدلي ٱخر وجهه السلطان الحسن األول للقاضي أحمد بن سودة في ‪ 20‬حجة الحرام عام ‪ 1306‬هجرية ‪ ،‬أشار‬
‫إليه عبد الرحمان بن زيدان في مرجع سابق ص ‪49‬‬
‫‪ 447‬أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي ‪ :‬التدريب على تحرير الوثائق العدلية ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬مطبعة األمنية الرباط ‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ 1995‬ص ‪171‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 262‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املشتري‪ ،448‬لقصد ضبطها و إثبات صحة التملك و التعاقد عند االحتياج إلى‬
‫يء ال يملكه ‪450.‬‬ ‫اإلثبات‪ ، 449‬و إال ما جازله أن يظهربصورة املالك و ال أن يلتزم ببيع ش‬

‫ذلك أن البيع يجب أن يكون صادرا من مالكه أومن فوض له ذلك ‪ ،‬أوإذا نصت‬

‫عليه أحكام خاصة كبيع الصفقة‪ 451‬بحيث إنه في هذه الصورة يمكن للشريك أن‬

‫أما ما عدا ذلك فال يجوز ألي‬ ‫يبيع ماال يملكه ‪ ،‬و أن يبيع ملك غيره من غير إذنه‪452‬‬

‫أحد أن يبيع ملك الغير‪.‬‬

‫ثالثا ) تسلسل انتقال امللكية العقارية عرب عقود التفويت‬

‫إن انتقال امللكية العقارية عبرالعقود يجب أن يكون من مالك إلى خلف خاص‬

‫إلى أن يقع امللك بيد املفوت له األخير ‪ ،‬وبذلك يتم التثبت من شرعية انتقال امللكية‬

‫العقارية ‪ ،‬و صحة ملكية األشخاص الذين تواتروا على تملك ذلك العقار ‪ ،‬و لعل‬

‫هذا النظام شبيه بتسلسل التقييدات في ظل نظام التحفيظ العقاري‪ ،‬حيث أن‬

‫ملكية العقارية التي تنتقل من مالك إلى ٱخر يجب أن تقيد بترتيب العقود و ال يتم‬

‫تسلم العقد إال من ٱخرمن اسمه مقيد بالرسم العقاري ‪.‬‬

‫ويختلف نظام تسلسل التقييدات على الرسوم العقارية عن تسلسل مستندات‬

‫تملك املفوتين في العقود العقارية الناقلة للملكية ‪ ،‬فهذا النظام األخيرال يكفل حقا‬

‫‪ 448‬عبد الرحمان بلعكيد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪177‬‬


‫‪ 449‬أحمد إدريس عبده ‪ :‬فقه المعامالت على مذهب اإلمام مالك مع المقارنة بالمذاهب األخرى في أصول المسائل و عيونها‬
‫‪ ،‬شركة دار الهدى للنشر و الطباعة و التوزيع ‪ ،‬عين مليلية ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪ 2000‬ص ‪31‬‬
‫‪ 450‬عبد الرحمان بلعكيد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪177‬‬
‫‪ 451‬بشرط إمضاء الشركاء للبيع ‪ ،‬و عدم رد البيع من أساسه ‪.‬‬
‫‪ 452‬ابن معجوز ‪ :‬الحقوق العينية ص ‪246‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 263‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫للغيرحسن النية الذي تسلم العقاربعقود لحقها التزويرأو غيرمتوفرة على شروطها‬

‫القانونية ‪ ،‬حيث يجرد عقده من كل قيمة إثباتيه إذا كانت أحد التفويتات السابقة‬

‫تمت بشكل غيرصحيح ‪ ،‬فقد جاء في حكم ملجلس االستئناف الشرعي ‪:‬‬

‫" ادعى بمقال مؤرخ في ‪ 23‬صفر‪ 1337‬الجاللي بن محمد السحيمي الرباطي قائال‬

‫إن له بلدا رملية تعرف بكدية سيدي محمد ابن منصور‪ ،‬حدودها باملقابل ‪ ،‬و هي في‬

‫حوزه و ملكه يتصرف فيها بالحرث و االنتفاع و املنع و العطاء هذه مدة ‪ ،‬تملكها‬

‫بالشراء الصحيح إلى أن ترامى عليها بلعباس محمد املنصوري بن التهامي و من معه‬

‫زاعمين أن لهم الثلث في البلدة املذكورة و يطلب رفع اليد عنها أو يبينوا سبب تراميهم‬

‫عليها ‪ ،‬و أجاب بلعباس املدعى عليه بأن البلدة املذكورة حوزهم و ملكهم و هم‬

‫يتصرفون فيها بما ذكر‪ ،‬و أدلى املدعي بشراءه البلدة املذكورة من سيدي العسال بن‬

‫يحيى املنصوري العسالي و شراء العسال املذكور مبني على تملك املرأة زهراء بنت‬

‫موالي أحمد بن الفقيه السيد الجياللي املنصوري لألرض املذكورة ‪ ،‬صيرها له في‬

‫صداقها سيدي محمد بن جافي املنصوري و الزوج املذكور شهد له بتملكه لها مدة‬

‫من أربعين عاما لفيف ‪ 12‬مستفسر ‪ ،‬غير أن الشهود بامللكية لم يؤدوا شهادتهم ‪ ،‬ال‬

‫عند القاض ي في وقته وال عند نائبه وأعتذراملدعى عليهم في امللكية املذكورة وما انبنى‬

‫عليها من التصييرو األشربة ‪ ،‬فأدلى بفتويين في الخدش في امللكية من حيث عدم أداء‬

‫شهودها و عدم اإلشهاد في التسييرللمصير‪. ......‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 264‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و حيث كانت امللكية التي أدلى بها املدعي في هذه القضية املبني عليها شراء من‬

‫اشترى من عنده مخدوشا فيها بعدم أداء شهودها لشهادتهم ومعلوم أن روح الشهادة‬

‫هوأداؤها ‪ ،‬ومتى لم ترد فهي كالعدم ‪ ،...‬وبقي بيده الشراء مجردا ‪ ،‬ومن املقرراملعلوم‬

‫أن رسوم األشرية ال تفيد املستظهر بها في باب االستحقاق إذا كان الشراء من غير‬
‫املقوم عليه ‪453".‬‬

‫و يتجلى من مقتضيات الحكم أعاله أنه لم يعترف القضاء برسم شراء استند‬

‫إلى تصيير مخدوش في أداء شهودها ‪ ،‬بما ضاع به حق صاحب رسم الشراء و لو كان‬

‫غير حسن النية ‪ ،‬حيث إنه ال حماية للمتملك لعقار غير محفظ بواسطة العقود‬

‫الناقلة امللكية إذا كان أحدهما مشوبا بعيوب ‪ ،‬أما تسلسل التقييدات في نظام‬

‫العقار املحفظ فقد كفل املشرع حماية املقيد حسن النية ‪ ،‬بمقتض ى الفصل ‪66‬‬

‫من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص على أن كل حق عيني متعلق بعقار محفظ‬

‫يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إال بتقييده في الرسم العقاري و ابتداء من يوم‬

‫التسجيل ‪ ،‬و أضاف في فقرته بأنه ال يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد‬

‫في مواجه الغيراملقيد عن حسن نية ‪.‬‬

‫‪ 453‬حكم مجلس االستئناف الشرعي عدد ‪ 8‬بتاريخ ‪ 27‬ربيع الثاني ‪ 1339‬هجرية في القضية رقم ‪267‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 265‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وهذه الفقرة تفيد بأنه إذا كانت األولوية تعطى لألسبق تقييدا فإنه يشترط أن‬

‫يكون املشتري الذي بادر الى تقييد حقه حسن النية أي جاهال بالتصرف السابق‬
‫التقييد و غير متواطئ مع املتصرف ‪454.‬‬

‫رابعا ) ضمان إجراء التصرفات القانونية و املساطر اإلدارية‬

‫إن ما ينبغي التأكيد عليه أن املالك الراغب في التفويت سواء كان التفويت كليا‬

‫لحق امللكية أو جزئيا فقط كما هو الشأن بخصوص تفويت حق الرقبة دون حق‬

‫االنتفاع أو العكس ‪ ،‬سواء تم ذلك التفويت على وجه البيع أو املعاوضة أو التصيير‬

‫‪ ...‬إلخ ‪ ،‬فإنه يشترط فيه أن يكون متوفرا على مستندات التملك كالشراء أو الهبة ‪،‬‬

‫و إال لن يستفيد من سلطات الحق العيني التي تمنحها له حق امللكية العقارية املثبت‬

‫بواسطة الرسم املذكور‪ ،‬ألنه يؤثربشكل مهم في عمليات التعاقد في امليدان العقاري‬

‫و ذلك بالنظر إلى التدخل التشريعي في مجال التصرفات العقارية و جعلها تصرفات‬

‫شكلية بامتياز‪ ،‬وذلك بإلزام البيانات الخاصة بأصول الوثائق واملستندات التي تبنى‬
‫عليها العملية التعاقدية في املجال العقاري ‪455.‬‬

‫بل إن صاحب العقد املجرد من أصل التملك ال يمكنه إجراء بعض املساطر‬

‫اإلدارية كالتحفيظ العقاري دون إرفاق مستندات التملك بها وعليه فال يمكنه أن‬

‫‪ 454‬محمد خيري ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪620‬‬


‫‪ 455‬سليمان أدخول ‪ :‬التوثيق العدلي و أثره على حق الملكية العقارية من خالل رسم رسم إثبات الملكية ‪ ،‬دار السالم‬
‫للطباعة و النشر و التوزيع ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2018‬ص ‪ 167‬وما يليها‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 266‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يطلب تحفيظ العقار دون أن تكون مستندة إلى أصول التملك ‪ ،‬وهذا ما نالحظه‬

‫عند أغلب املحافظين العقارية ‪ ،456‬الذي يحتاطون في هذه املسألة ‪.‬‬

‫وال يتصور فتح مطلب للتحفيظ دون وثائق أو حجج تؤيد املطلب ‪ ،‬وعلى طالب‬

‫التحفيظ أن يعززطلبه بجميع الوثائق و سندات التمليك التي تؤيد طلبه ‪ ،‬و ذلك في‬

‫حالة وجودها أما في حالة عدم وجودها أو كانت توجد في حوزة شخص ٱخر فيكتفي‬

‫طالب التحفيظ باإلشارة الى ذلك مع بيان سبب تملكه ‪ ،‬و عند االقتضاء اإلشارة إلى‬
‫الشخص الذي توجد في حوزته الوثائق أو املستندات ‪457.‬‬

‫إن التوجه التشريعي نحو فرض إرفاق طلبات التحفيظ بالوثائق و املستندات‬

‫املؤيدة و املثبتة للملك أو للحق العيني العقاري املزمع تحفيظه هو توجه محمود و‬

‫ينطوي على جانب مهم من االحتراز و اإليجابية ‪ ،‬غير أنه في مقابل ذلك غالبا ما‬

‫تصطدم الرغبة في تحفيظ العقارات بإشكالية أصل التملك الذي يفتقر إليه عادة‬

‫أغلب األشخاص الراغبين في سلوك مسطرة التحفيظ ‪ ،‬و إن كانوا مالكا حقيقيين ‪،‬‬

‫فكثيرة هي العقارات العارية منها و املبنية التي يتصرف فيها أصحابها و تتو افر لديهم‬

‫كافة الشروط املوضوعية املتعلقة بالحيازة ‪ ،‬توارثها أب عن جد بدون سند يثبت‬


‫تملكهم لها مما يتعذر عليهم تقديم طلبات التحفيظ ‪458.‬‬

‫‪ 456‬من حوار أجريناه مع المحافظ اعلى األمالك العقارية بمدينة برشيد سنة ‪ 2017‬في محاضرة خاصة ألقاها على طلبة‬
‫اإلجازة بكلية الحقوق بسطات في مادة التحفيظ العقاري ‪.‬‬
‫‪ 457‬محمد خيري ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪179‬‬
‫‪ 458‬سليمان أدخول ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪207‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 267‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬املقاربة القانونية الستحضار أصل التملك يف عقود‬


‫التفويت‬

‫أوجب املشرع املغربي في عقود التفويت أن تكون مصحوبة بمراجع أصل‬

‫التملك ‪ ،‬و بذكر املستندات التي على أساسها تملك املفوت للعقار من يده ‪ ،‬لذلك‬

‫سنتحدث عن إلزامية استحضارأصل التملك أثناء تفويت العقار( الفقرة األولى ) ‪،‬‬

‫و موقف القانون املغربي من عقود التفويت املجردة من أصل التملك ( الفقرة‬

‫الثانية ) ‪.‬‬

‫الفقرة األوىل ‪ :‬إلزامية استحضار أصل التملك أثناء تفويت العقار‬

‫تعتبر عملية التعاقد بين املفوت و املفوت إليه ‪ ،‬مرحلة مهمة بالنسبة لكل من‬

‫الطرفين ‪ ،‬ألن ٱثارها ال تنحصرفي اٱلثاراملباشرة للعقد ‪ ،‬بل إن ٱثارها تمتد إلى مرحلة‬

‫املنازعة العقارية حول امللك ‪ ،‬فإما أن يكون العقد مستكمال لشروطه القانونية‬

‫‪،‬فيكون أداة و وسيلة لإلثبات يظفرعن طريقها من يتمسك بملكيته ‪ ،‬وإما أن يخسر‬

‫دعواه فتضيع بذلك حقوقه ‪ ،‬و أهم الشروط القانونية الستكمال العقد حجيته في‬

‫اإلثبات هو تو افره على مستندات تملك البائع ‪.‬‬

‫لذلك جعل املشرع املغربي من التزامات البائع في قانون االلتزامات و العقود أن‬

‫يسلم للمشتري الحجج و الوثائق املتعلقة بامللكية ‪ ،‬فقد جاء في الفصل ‪519‬من‬

‫قانون االلتزامات و العقود أنه‪:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 268‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫"يشمل بيع العقار كذلك الخرائط و تقدير املصروفات و الحجج و الوثائق‬

‫املتعلقة بملكيته ‪ ،‬و إذا تعلقت حجج امللكية باملبيع و بغيره من األشياء التي تدخل في‬

‫البيع‪ ،‬لم يكن البائع ملتزما إال بأن يسلم نسخة رسمية للجزء املتعلق منها بالعين‬

‫املبيعة "‪.‬‬

‫يظهر من خالل هذا النص أن تسليم العقار املبيع يشمل أيضا توابعه ‪ ،‬و من‬

‫توابعه حجج امللكية املتعلقة بالعقار ‪ ،‬حيث يجب على البائع تسليم نسخة عقد‬

‫التملك السابق للمشتري للحاجة إليها عند التنازع‪ ،‬و ظهور أصحاب الحقوق‬

‫املحتملين مستقبال ‪ ،459‬حيث يقول أبي الشتاء الغازي الصنهاجي بأنه كان العمل عند‬

‫املتقدمين أنه يجب على البائع أن يدفع جميع رسوم املبيع إلى املشتري إن لم تبق له‬

‫فيها منفعة و إال أعطاه نسخة منها ‪ ،‬فإذا امتنع البائع من ذلك أجبره القاض ي‬
‫عليه‪460.‬‬

‫و قد جرى العمل أن يأخذ املشتري نسخة من شراء البائع أو ملكيتها له إن لم‬

‫يشتره لتكون له حجة على بائعه و غيره إن قام عليه فيه ‪ ،‬حيث يقول صاحب العمل‬

‫الفاس ي‪:‬‬

‫ملشتر شفع في التنازع ‪461‬‬ ‫و نسخة خذ من شراء البائع‬

‫‪ 459‬محمد سكحال المجاجي‪ :‬أحكام عقد البيع في الفقه اإلسالمي المالكي‪ ،‬دار ابن حزم للطباعة و النشر و التوزيع ‪،‬بيروت‬
‫– لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 2001‬ص ‪307‬‬
‫‪ 460‬أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪171‬‬
‫‪ 461‬المهدي الوزاني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪333‬و ما يليها‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 269‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وإذا ادعى البائع عدم حيازته ألصول امللكية ‪ ،‬كأن يدفع بضياعها منه ‪،‬أو تٱكلها‬

‫بفعل الزمن ‪ ،‬فإنه يقوم بإنجاز وثيقة استمرار امللك التي تثبت امللكية في العقار غير‬

‫املحفظ عن طريق الحيازة العلنية الهادئة املستمرة ‪ ،462‬بشرط أن يرض ى به املشتري‬

‫‪ ،‬أما إن لم يعلم بذلك املشتري إال بعد العقد و لم يرض به لم يلزمه البيع‪ ، 463‬و يعلل‬

‫ذلك أبي الشتاء الصنهاجي بكون الرسوم أقوى من استمرارامللك وحده ‪.‬‬

‫و ال يقل دور العدول أهمية في إلزام البائع و املفوت عموما الستحضار أصول‬

‫ومستندات تملكه للمبيع ‪ ،‬فالعدل و املوثق يقوم بدور مهم في ذلك إال أن قوانين‬

‫التوثيق قبل التعديالت الحديثة كانت ال تلزم املوثقين بذلك‪ ،‬حيث كان ينص‬

‫الفصل ‪ 21‬من ظهير‪ 7‬فبراير‪ 1944‬على ما يلي ‪:‬‬

‫" فإن اختار املتعاقدان االقتصار على اإلشهاد عليهما من غير إطالع على رسوم‬

‫امللك ‪ ،‬فإن القاض ي يأذن العدول لتلقي شهادة البيع أو غيره ‪ ،‬و يجب على العدول‬

‫في هذه الصورة أن ينصوا على أن الرسم وقع تحريره على الكيفية التي هوعليها بطلب‬

‫من املتعاقدين " ‪.‬‬

‫وتتلخص مقتضيات هذا الفصل في منح األطراف الحق في إبرام البيع دون‬

‫اإلدالء بما يثبت ملكية البائع حيث يقوم العدل هنا بتلقي تصريحات األطراف و‬

‫‪ 462‬عبد الرحمان بلعكيد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪180‬‬


‫‪ 463‬أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪171‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 270‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اإلشارة في متن العقد إلى أن التعاقد تم طبقا للفصل الواحد و العشرين بناء على‬

‫إرادة األطراف‪.‬‬

‫ذلك أن املشرع جعل األطراف مخيرين أثناء تحرير العقد بين سلوك مسطرة‬

‫هذا الفصل التي ال تحتم على األطراف تحريرعقودهم استحضارملكية البائع ‪ ،‬وبين‬

‫مقتضيات الفصل عشرين من نفس الظهير التي كانت تنص على الطريقة العادية‬

‫لتوثيق عقود العقارات ‪ ،‬و هي استحضار البائع ألصل التملك ‪ ،‬لذلك كان املشرع‬

‫يعفي العدول من أخطرالتزام يقع على عاتقهم ‪ ،‬وهو الوقوف على صحة الرسوم‬

‫و التأكد من أصل امللكية ‪464.‬‬

‫إال أن املشرع أثناء التعديالت التي أجراها على قوانين التوثيق ‪ ،‬ألزم العدول‬

‫و املوثقين باستحضارأصول التملك أثناء تحريرالعقود العقارية ‪ ،‬فقد جاء في‬

‫الفقرة السابعة من املادة ‪ 19‬من مرسوم تطبيق خطة العدالة أن العدل " ينص في‬

‫الشهادة على املستندات الالزمة طبقا القواعد املعمول بها مع ذكر رقمها و تاريخها‬

‫والدائرة التي أقيمت فيها و مراجع التسجيل"‪ ،‬و نص على ذلك أيضا قانون مهنة‬

‫التوثيق رقم ‪ 32.09‬في املادة ‪ 46‬منه ‪ ،‬ورد فيها" يجب أن تلحق بالعقد الوثائق التي‬

‫استند عليها املوثقين البرامه للعقد"‪.‬‬

‫محمد الربيعي ‪ :‬األحكام الخاصة ب الموثقين و المحررات الصادرة عنهم ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 2017‬ص ‪129‬‬ ‫‪464‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 271‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موقف القانون املغربي من عقود التفويت اجملردة من‬


‫أصل التملك‬

‫إن موقف املشرع املغربي من حجية عقود التفويت املجردة من مستندات تملك‬

‫البائع ‪ ،‬يظهر جليا من إقراره عدم ترتيبها أي أثر في إثبات امللكية العقارية ‪ ،‬حيث‬

‫جعلها املشرع مجردة من أي قيمة في اإلثبات‪ ،‬فقد جاء في الفقرة الثانية من املادة‬

‫الثالثة من مدونة الحقوق العينية على ما يلي ‪:‬‬

‫" ال تفيد عقود التفويت ملكية العقارات غير املحفظة إال إذا استندت على‬

‫أصل التملك‬

‫و حازاملفوت له العقارحيازة متوفرة على الشروط القانونية " ‪.‬‬

‫إن هذه املادة تعتبر قاعدة أساسية و جوهرية في ترتيب أخطر أثر من ٱثارعقود‬

‫التفويت التي ال تستند على أصول التملك‪ ،‬إذ أن املتمسك ال يستطيع أن يثبت ملكية‬

‫عقاره رغم اعتبارها سببا من أسباب امللكية‪ ،‬بل هي أهم أداة الكتساب امللكية‬

‫العقارية ‪ ،465‬إذ أن صاحبها سواء كان مدعي أو مدعى عليه في دعوى االستحقاق‬

‫وحب عليه أن يدلي بما يفيد تملكه للعقار ‪ ،‬إال أن العقد الذي يتمسك به و املجرد‬

‫من أصل التملك ال يفيده في اإلثبات ‪.‬‬

‫‪ 465‬علي كحلون‪ ،‬القانون العقاري الخاص ‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 2010‬ص ‪319‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 272‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫لذلك ألزم املشرع املغربي في الفصل ‪ 18‬من املرسوم التطبيقي لقانون خطة‬

‫العدالة رقم ‪ 16.03‬العدول باستحضار املستندات الالزمة ‪ ،‬و كذلك املوثقين في‬

‫املادة ‪ 37‬من القانون ‪ 32.09‬بمطابقة الوثائق املدلى بها للقانون ‪.‬‬

‫و يستفاد من املادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية أن وجوب استحضار‬

‫أصل التملك محصورنطاقه على العقارات غيراملحفظة ‪ ،‬ألن الرسم العقاري يشهد‬

‫على املالك األخير‪ ،‬و يطهرالعقارمن أي ادعاء غيرمقيد ‪ ،‬و يغني عن اإلدالء باألصول‬

‫السابقة ‪،‬و يكتفي العدل أو املوثق بتدوين ملخص األصل الذي تملك به البائع و‬

‫بياناته و مراجع التسجيل فيه و رقم الرسم العقاري إلثبات األصل و مر اقبة‬
‫الجبايات ‪ 466.‬وبذلك يكتفي املوثق بذكررقم الرسم العقاري في السجل العقاري ‪467،‬‬

‫ذلك أنه من مزايا نظام السجل العقاري أن العقار الذي قيد بصفة نظامية يؤمن‬

‫عليه من عوارض االفتعال في رسمه املسجل طبق االصل و لو ضاعت النسخة التي‬
‫بيد صاحب الحق لتقررالرجوع إلى السجل العقاري ‪468.‬‬

‫و قد يختلط هذا األمر بإلزامية املشرع في ظهير التحفيظ العقاري الذي صدر‬

‫بتنفيذه القانون ‪ ، 14.07‬و الذي ألزم من بين بيانات طلب التقييد بان أصل التملك‬

‫و نوع و تاريخ العقد الذي يثبته ‪ ،‬حيث جاء في الفصل ‪ 69‬من القانون املذكورما يلي‪:‬‬

‫‪ 466‬عبد الرحمان بلعكيد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪179‬‬


‫‪ 467‬زنطار األمراني الحسن‪ :‬محاضرات في فقه الوثيقة‪ ،‬ألقيت على طلبة ماستر الدراسات العقارية‪ ،‬السداسي الثاني‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪ ، 2012 – 2011‬كلية الحقوق بسطات ‪ .‬منشورة صوتيا على موقع الحسن األمراني زنطار باليوتيوب‪.‬‬
‫‪ 468‬أحمد دريوش ‪ :‬الثقافة و القانون ‪ ،‬دراسات حول دور العامل الثقافي في تلقي القوانين المدنية العصرية المقتبسة ‪،‬‬
‫الجزء األول ‪ ،‬مطبعة األمنية الرباط ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2014‬ص ‪159‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 273‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫"يجب على كل شخص يطلب تقييدا أوبيانا أوتقييدا احتياطيا بالرسم العقاري‬

‫أن يقدم للمحافظ على األمالك العقارية طلبا مؤرخا و موقعا من طرفه أو من طرف‬

‫املحافظ في حالة جهله أو عجزه عن التوقيع ‪ ،‬يجب أن يتضمن هذا الطلب بيان و‬

‫تعيين ما يلي ‪:‬‬

‫‪ – 1‬العقارالذي يعنيه التقييد و ذلك ببيان رسمه العقاري‬

‫‪ – 2‬نوع الحق املطلوب تقييده‬

‫‪ – 3‬أصل التملك و كذا نوع و تاريخ العقد الذي يثبته‪."...‬‬

‫حيث يالحظ أن املشرع ألزم ذكربيان أصل التملك ‪ ،‬إال أن املشرع هنا لم يقصد‬

‫أصل تملك البائع أو مستندات تملك املفوت عموما ‪ ،‬بل قصد به أصل السند املدلى‬

‫به لتأييد التسجيل أو نسخة منه‪ ،469‬بمعنى الرسم الذي يستند إليه املفوت إليه‬

‫لتقييد حقه ‪ ،‬الذي تملكه إما عن طريق الشراء أو الهبة أو غيرذلك ‪.‬‬

‫و بالرجوع إلى املادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية ‪ ،‬نجد أن املشرع لم‬

‫يكتف بإلزامية اقتران عقود التفويت بأصول التملك حتى تصير حجة في اإلثبات ‪،‬‬

‫بل ألزم كذلك أن يتوفر في صاحبها شروط الحيازة القانونية ‪ ،‬قد يظهر أن األمر‬

‫مرهقا لصعوبة أن يكون صاحب عقد التفويت حائزا بشروط الحيازة القانونية التي‬

‫يطول أمدها ‪ .‬إال أن هذا ليس مقصود املشرع في جميع عقود التفويت‪ ،‬بل يقصد‬

‫‪ 469‬محمد بن أحمد بونبات ‪ :‬نظام التحفيظ العقاري في المغرب تونس و الجزائر ‪ ،‬المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش ‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 2009‬ص ‪69‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 274‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫من ذلك العقود التي تكون بغير عوض ‪ ،‬كعقود الهبات و الصدقات‪ ،...‬التي يستلزم‬

‫فيها املشرع الحوز القانوني ‪ .‬ألن عقود التفويت املبنية على عوض يكتفي صاحبها‬

‫على العقد و تقييده بالرسم العقاري إن كان محفظا لتنتقل إليه امللكية ‪.‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬موقف الفقه و القضاء من حجية عقود التفويت اجملردة‬


‫إن قاعدة عدم إفادة عقود التفويت املجردة من أصول التملك في الدعوى‬

‫العقارية املتعلقة باالستحقاق ‪ ،‬هي من إبداع فقهاء املالكية ‪ ،‬وطورها القضاء في‬

‫أحكامه و قراراته ‪ ،‬بشكل يسهل حسم املنازعة أثناء وقوعها ‪ ،‬و باملقابل فإن القضاء‬

‫املغربي يعترف بإنتاج عقود التفويت املستندة إلى أصل التملك في الدعوى ‪ ،‬و يعتبر‬

‫البيت الشهير الذي وضعه عبد الرحمان الفاس ي الذي ذكرناه سابقا و الذي يفيد‬

‫بأنه ال توجب امللك عقود األشربة بل ترفع النزاع عند التسوية ‪ ،‬يكون بذلك قد شق‬

‫الطريق للفقهاء كي يفصلوا في هذه املسألة ‪ ،‬لذلك نجد كثيرا من كتب الفقهاء تتناول‬

‫جانبا من هذه املسألة في باب االستحقاق لذلك سنتحدث عن موقف الفقه من‬

‫حجية عقود التفويت املجردة من أصل التملك ( املطلب األول ) ‪ ،‬لنتحدث إثر ذلك‬

‫عن موقف القضاء من حجية عقود التفويت املجردة من أصل التملك ( املطلب‬

‫الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬موقف الفقه من حجية عقود التفويت اجملردة‬

‫اتفق الفقهاء املالكية على أن عقد التفويت املجرد من أصل التملك ال يفيد‬

‫عقود التفويت و ال يوجبه ‪ ،‬و يعللون ذلك يكون امللك يمكن أن يكون املالك أو غيره‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 275‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ ،‬لذلك وجب النص في عقود التفويت على مستندات و مراجع ملكية البائع في عقد‬

‫التفويت‪ ،‬لذلك سنتحدث عن التعليل الفقهي الشتراط أصل التملك في عقود‬

‫التفويت ( الفقرة األولى ) و االشتراطات الفقهية لصحة أصل التملك ( الفقرة‬

‫الثانية ) ‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬التعليل الفقهي الشرتاط أصل التملك يف عقود التفويت‬

‫إن الفقهاء قد اتفقوا على قاعدة في ميدان اإلثبات ‪ ،‬و هي أن رسوم األشرية و‬

‫الهبات و غيرها من العقود الناقلة للملكية ال تثبت امللك و ال تفيده ‪ ،‬حيث إن‬

‫التعامل استنادا إلى الوثائق قد يشوبه تحايل و تدليس من طرف بعض األشخاص ‪،‬‬

‫فال يتورع عن التصرف في امللك الواحد أكثرمن مرة ‪ ،‬وفي كل مرة يستند فيها إلى شكل‬

‫معين من الرسوم املذكورة لذلك يقول الطاهرالسنوس ي أنه " ال يتورع عن بيع ملك‬

‫غيره إذا وجد من يشتري منه بالذكر ‪ ،‬يوجد من املظللين من يدعي ضياع الصك‬

‫(الرسم) ويقيم وثيقة وربما عددها ويبيع ملن يرض ى بذلك ‪ ،‬وربما جرى هذا التصرف‬

‫في أحباس أخفيت صكوك حبيستها ووقع فيها التصرف بالوثيقة أو رسم الذكر ثم‬
‫مع املدلسين فتلفت بسبب ذلك أموال املساهمين و املشترين " ‪470.‬‬ ‫ظهرت‬

‫‪ 470‬الطاهر السنوسي ‪" :‬مطلع الدراري بتوجيه النظر الشرعي الى القانون العقاري " ‪ ،‬المطبعة الرسمية التونسية ‪،‬‬
‫‪ 1887‬ص ‪28‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 276‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و يقول أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي أن عقد التفويت " ال يكتب‬

‫مجردا عنها ألن الشراء املجرد ال يثبت به امللك للمشتري ‪ ،‬وسببه أن الشراء يكون من‬
‫املالك و غيره فالشهادة به ال توجب امللك للمشتري " ‪471.‬‬

‫و يقول املهدي الوزاني أن " عقود األشرية ال تفيد امللك و ال تدل عليه لكونه‬

‫أعم و األعم ال يشعر باألخص ‪ ،‬فمن ادعى ملكية ش يء و كلف بها فأتى برسم الشراء‬

‫فال يفيده الحتمال أن هذا الشراء من غير مالكه ‪ ...‬و كون املبيع بيده وقت البيع ال‬
‫يدل على أنه ملكه ألن كون بيده أعم من كونه ملكا له و األعم ال يشعر باألخص "‪472‬‬

‫إن املدقق بالنظرفي هذه التعليالت التي ذكرها الفقهاء أعاله ‪ ،‬يتبين أن من أهم‬

‫مسببات اشتراطهم ألصول التملك في عقود التفويت ‪ ،‬يعزى إلى سببين ‪ ،‬السبب‬

‫األول هو كون العقار يمكن أن يباع من املالك أو من الغير ‪ ،‬و في ذلك ثغرة كبيرة‬

‫يستغلها الغير في االستيالء على العقار و تسهيل تفويته ‪ ،‬و السبب الثاني هو كون‬

‫عقد التفويت الذي ال ينص فيه على مستندات تملك البائع هي أعم من كونه ملكا‬

‫له ‪ ،‬فهي ال تخص بكون امللك العقاري لفالن ابن فالن ‪ ،‬وال تحدده تحديدا كافيا ‪.‬‬

‫فكثيرة هي النوازل التي تثير موضوع الغصب و االستحقاق ‪ ،‬ذلك أن بعض‬

‫األمالك كانت تسقط في يد غيرمالكيها بالقهرو الغلبة أحيانا ‪ ،‬و بوضع اليد و الحيازة‬

‫أحيانا أخرى و قد تنتقل بعد ذلك إلى ٱخرين بالبيع و هذا ما يعقد األمورمن الناحية‬

‫‪ 471‬أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪171‬‬


‫‪ 472‬المهدي الوزاني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪332‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 277‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الشرعية‪ 473.‬حتى أن بعض الفقهاء ألزموا كاتبوا الوثائق أن يتثبتوا من هوية البائع‬

‫و صحة مستنداته حتى ال يفوت عقارات غيره ‪ ،‬حيث يقول صاحب كتاب املنهج‬

‫الفائق " و ينبغي املوثق إذا أتاه رجل ال يعرفه يزعم أن اسمه كذا و يسأله أن يكتب‬

‫عليه لفالن ‪ ،‬أن يتوقف فإنه قد يتسمى له باسم غيره ‪ ،‬ثم بعد مض ي زمان يخرج‬

‫املكتوب و يدعي به على صاحب االسم ‪ ،‬ولعل الكاتب قد نسيه ‪ ،‬أو مات الشهود‬

‫فيثبت ذلك بخطه ‪ ،‬فيحكم على ذلك املدعو باسمه و هو بريء ‪ ،‬فال يكتب إال ملن‬
‫عرف اسمه و عينه معرفة تامة ‪ ،‬و كذلك الحكم في كل مبايعة أو تمليك ‪474 " ....‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الشروط املوضوعة من قبل الفقهاء لصحة أصل التملك‬


‫إن أصل التملك ليس على نمط واحد بل يتخذ صورا متعددة‪ ،‬فيمكن أن يكون‬

‫أصل التملك رسم ملكية أو شراء و لكل منها وضع الفقهاء شروطا تحملها كاٱلتي ‪.‬‬

‫أوال ) شروط رسم امللكية كأصل للتملك‬

‫يشترط الفقهاء باعتبار رسوم امللكية املبنية على الحيازة ‪ ،‬حتى تكون من‬

‫مستندا لثبوت ملكية البائع أن يقبلها املشتري ‪ ،‬حيث يقول أبي الشتاء الصنهاجي أن‬

‫امللكية وحدها غير كافية إال إذا قبلها املشتري ‪ ،‬فإذا امتنع البائع أجبره القاض ي على‬

‫ذلك ‪ ...‬قال ابن عرضون ‪ ،‬الذي جرى عليه العمل بفاس أن تنسخ رسوم األصول‬

‫فوق عقد الشراء فإن لم تكن رسوم لألصول فاستمرارامللك و يكتب في ذلك ما نصه‬

‫‪ 473‬محمد فتحة ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪341‬‬


‫‪ 474‬أحمد بن يحيى الونشريسي ‪ :‬المنهج الفائق و المنهل الرائق و المعنى الالئق بٱداب الموثق و أحكام الوثائق ‪ ،‬ص‬
‫‪ 168‬و ما يليها‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 278‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ " :‬و بأن علم املشتري أن ال أصول إال استمرارامللك فدخل على ذلك " ثم قال ولو لم‬

‫يعلم بذلك املشتري إال بعد العقد و لم يرض به لم يلزمه البيع ‪ ،‬فالرسوم على هذا‬
‫أقوى من استمرار امللك وحده ‪475.‬‬

‫و يتبين من ذلك أن من شروط استنادا البائع الى رسم امللكية التي يقدمها على‬
‫ى بها و إال فال لزوم عليه ‪476.‬‬ ‫أساس الحيازة و االستمرار‪ ،‬أن يقبلها البائع و يرض‬

‫ثانيا ) شروط رسوم الشراء و اهلبات كأصل للتملك‬

‫يقول أبي الشتاء الصنهاجي " والذي جرى عليه العمل بفاس منذ أواسط القرن‬

‫الحادي عشر الهجري حتى اٱلن هو االكتفاء بثالث شراءات لألصل املبيع ليطالب‬

‫البائع بدفعها للمشتري أو إعطائه نسخة منها مسجلة على القاض ي ‪ ،‬وقال ابن‬

‫حمدون بناني في جواب له ما نصه ‪ :‬و الذي جرى به العرف أنه ال بد في األصول من‬

‫ثالث شراءات أو ما يقوم مقامه من كون ذلك األصل معلوم البائع لسنين متطاولة و‬
‫أنه ورثه من أسالفه و أسالف أسالفه و معلوم لهم و منسوب إليهم " ‪477.‬‬

‫ويتبين من ذلك أن االعتماد على رسم شراء واحد ال يثبت به امللك ‪ ، 478‬بل ال بد‬

‫من وجود على األقل ثالث شراءات حتى تقوم مقام أصل التملك ‪ ،‬وهو عرف جعل‬

‫الفقهاء شرطا ‪ ،‬و معلوم أن املعروف عرفا كاملشروط شرطا ‪.‬‬

‫‪ 475‬أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪171‬‬


‫‪ 476‬عبد الرحمان للعديد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪180‬‬
‫‪ 477‬أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪172‬‬
‫‪ 478‬جاء ضمن حيثيات قرار لمحكمة النقض " إن عقد الشراء مؤسس على عقد شراء البائع و القائم على مجرد رسم‬
‫مخارجة ال يفيد الملك و ال ينتزع هذا األخير من حائزه " قرار محكمة النقض عدد ‪ 818‬مؤرخ في ‪07 / 03 / 2007 :‬‬
‫ملف مدني عدد ‪2267/1/1/2006‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 279‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و يعارض بعض الفقهاء هذا الشرط ‪ ،‬حيث يقول اإلمام األبار أن كالم العلماء‬

‫الذين تعرضوا للنازلة صريح في أن املشتري للملك له مطالبة البائع بعقد شراءه‬

‫فقط و لم يؤيدوا على هذا شيئا و عللوا ذلك بترتب العهدة باالستحقاق إذا البائع‬

‫الثاني رجع على املشتري األول ‪ ،‬ألن غريم الغريم غريم ثم قال و أما العرف الجاري‬

‫على األلسنة من اشتراط ثالث بيوعات فلم أعثر فيه على مستند من نص أو جريان‬
‫عمل ‪479.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬موقف القضاء من حجية عقود التفويت اجملردة‬

‫إن القضاء املغربي لم يحد في أحكامه و قراراته عن املبدأ الذي سار عليه‬

‫الفقهاء سواء محكمة النقض أو محاكم املوضوع ‪ ،‬لذلك سنتحدث اجتهاد محكمة‬

‫النقض في مركزية عقود التفويت املجردة من أصل التملك ( الفقرة األولى )‪ ،‬واجتهاد‬

‫محاكم املوضوع في مركزية عقود التفويت املجردة من أصل التملك في اإلثبات (‬

‫الفقرة الثانية )‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬اجتهاد حمكمة النقض يف مركزية عقود التفويت اجملردة‬


‫يف اإلثبات‬

‫باطالعنا على قرارات محكمة النقض ‪ ،‬سواء في ظل املجلس األعلى سابقا أو في‬

‫محكمة النقض حاليا ‪ ،‬استقر على ما سار عليه الفقهاء و أقروه ‪ ،‬فقد جاء في قرار‬

‫‪ 479‬عبد الرحمان بلعكيد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪336‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 280‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املجلس االعلى ( محكمة النقض حاليا )‪ " : 480‬إن األشرية املستدل بها من طرف‬

‫املستأنف عليه لتعزيز تعرضه عالوة على كونها جاءت مجملة و غير محددة للبيع‬

‫موضوعا بشكل يرفع عنها الجهالة ‪ ،‬وأنها غيرمستندة الى ما يثبت أصل امللك لبائعين‬

‫بها ‪ ،‬و من ثم ال تلزم املستأنفين في ش يء لكونهما غيرطرف فيها ‪،‬لقول صاحب العمل‬

‫الفاس ي ال تفيد امللك رسوم األشرية ‪ ،‬بل ترفع النزاع عند التسوية " ‪.‬‬

‫و يفيد هذا القرار الصادر عن املجلس االعلى أن عقود التفويت املجردة من‬

‫أصل التملك ال تنتج أثرا في الدعوى ‪ ،‬و ال تفيد شيئا في ذلك ‪ ،‬و هو نفس ما أشارإليه‬

‫املشرع في مدونة الحقوق العينية في املادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية ‪،‬‬

‫و اعتبرت أيضا في إحدى قراراتها أن رسم الشراء إذا كان نفسه يستند بائع امللك‬

‫فيه على رسم الشراء فهو غيركاف إلثبات امللك حيث جاء في قراراملجلس االعلى‪:481‬‬

‫" وأنه يتجلى من مستندات امللف أن حجة الطاعنين إنما هي مجرد عقدي شراء‬

‫مؤسس على عقد شراء البائع و ثانيهما مؤسس على مجرد رسم املخارجة و كل ذلك‬

‫ال يفيد امللك و ال ينتزع هذا األخيرمن حائزه " ‪.‬‬

‫و بالتدقيق ضمن حيثية هذا القرار فإن محكمة النقض تسير مع االتجاه‬

‫الفقهي القائل بكون رسم الشراء املستند إلى رسم شراء واحد ال يفيد التملك إذا لم‬

‫‪ 480‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 434 :‬المؤرخ في ‪ 2010/01/27‬ملف مدني عدد ‪ 1-1-2008-3666 :‬مجلة المحاكم‬
‫المغربية العدد المزدوج ‪ 136-135‬ط ‪ 2012‬ص ‪248‬‬
‫‪ 481‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 818‬المؤرخ في ‪ 2007-03-07‬ملف مدني عدد ‪ 2006-1-1-2267‬مجلة محكمة النقض‬
‫المغربية نفس المرجع السابق ص ‪276‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 281‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يكن ثالث شراءات فأكثر‪ ،‬و أيضا أقرت بأن عقود التفويت املجردة من أصل التملك‬

‫ال ينتزع بها من يد الحائز ‪ ،‬إذ أن األصل هو الحيازة ‪ .‬ومن قواعدها أيضا أن رسوم‬

‫األشرية إذا كان مشار فيها ألصل التملك ‪ ،‬فإن املحاكم ال يجب أن تستبعدها إال‬

‫بمقبول ‪ ،‬فقد جاء في قرارلها‪: 482‬‬

‫"‪ ...‬في حين أن رسوم األشرية املؤسسة على ملكية البائع و املشارإليها بمراجعها‬

‫في الرسوم املذكورة تعد حجة على امللك و مستندة إلى أصل امللك و ال يمكن استبعاد‬

‫الرسم املذكورإال بعد إنذاراملحكمة للطاعن لإلدالء بامللكية املذكورة أو بنسخة منها‬

‫و عدم االدالء بها و إن انطباق رسوم الطرفين على املدعى فيه ال يتأتى إال بوقوف‬

‫املحكمة على عين املكان و ال يكفي االستبعاد الرسم املذكور القول بأنها مجردة من‬

‫أصل امللك باألمر الذي يكون معه القرار ناقص التعليل املنزل منزلة انعدامه و غير‬

‫مرتكزة على أساس قانوني و معرضا النقض " ‪.‬‬

‫لذلك فإن املحكمة يمكن أن تمهل الطرف ليدخل البائع الذي يستند على أصل‬

‫تملكه في الدعوى ‪ ،483‬و ينضم إلى جهة املشتري لتدعيمه و تعزيز إثباته ‪ .‬إذا كان‬

‫العقار غير محفظا ‪ ،484‬أما إن كان في طور التحفيظ أو محفظا فال يجوز إدخاله في‬

‫الدعوى بل إن املحكمة تنذره ليحضرأصل تملك البائع منه ‪.‬‬

‫‪ 482‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 4380 :‬المؤرخ في ‪ 2004-10-19‬ملف مدني عدد ‪ 2008-1-1-2739‬مجلة محكمة‬
‫النقض مرجع سابق ص ‪184‬‬
‫‪ 483‬الفصل ‪ 103‬من قانون المسطرة المدنية‬
‫‪ 484‬جاء في قرار لمحكمة النقض " ‪ ...‬إن التدخل االرادي غير جائز في مسطرة التحفيظ العقاري ‪" ....‬قرار عدد ‪432‬‬
‫مؤرخ في ‪ 2010-01-27‬ملف مدني عدد ‪ 2008-1-1-3873‬مجلة محكمة النقض المشار إليها سابقا‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 282‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬اجتهاد حماكم املوضوع يف مركزية عقود التفويت‬


‫اجملردة يف اإلثبات‬

‫إن محاكم املوضوع سارت على هدي الفقه و اجتهادات محكمة التقض ‪ ،‬حيث‬

‫اعتبرت كذلك أن عقود التفويت املجردة من أصل امللك ال تفيد التفويت ‪ ،‬حيث‬

‫جاء في حكم صادر عن املحكمة االبتدائية لبوملان‪ 485‬قضت فيه أن " عقد الشراء‬

‫املجرد عن أصل التملك ال يفيد امللك و ال ينهض حجة كافية فيه ملا جرى عليه الفقه‬

‫عمال بقول صاحب العمل ال توجب امللك عقود األشرية ‪ ،‬إذ البيع قد يعقد ممن‬

‫ليس مالكا "‪.‬‬

‫ونرى هنا مدى تشبت املحكمة بالتعليل الفقهي الذي ذكره واضعو هذه‬

‫القاعدة من أن علة اشتراط أصل التملك في عقد التفويت هو احتمال أن يكون من‬

‫البائع و غيره‪ ،‬وجاء ضمن قرار ملحكمة االستئناف بالرباط بأن " عقد البيع ال تكون‬
‫له أي قيمة من وجهة إثبات حق امللكية إذا لم يكن يتضمن أصل ملك البائع " ‪486.‬‬

‫ونفس األمر في إحدى قرارات محكمة االستئناف بمراكش جاء في إحدى‬

‫حيثياته ‪:‬‬

‫" وحيث إنه باستقراء الرسم املذكور يتضح أنه ال تتو افر فيه كافة الشروط‬

‫املتطابقة فقها و قضاء إلثبات امللكية لكونه ‪:‬‬

‫‪ 485‬المحكمة االبتدائية ببولمان ملف رقم ‪ ، 03.82‬حكم رقم ‪ 2003-168‬بتاريخ ‪ 2003/7/9‬منشور بمجلة المعيار العدد‬
‫السادس و الثالثون ‪ ،‬دجنبر ‪ 2006‬ص ‪338‬‬
‫‪ 486‬قرار محكمة االستئناف بالرباط صادر بتاريخ ‪ 28‬ابريل ‪ 1925‬منشور بمجموعة قرارات محكمة االستئناف بالرباط‬
‫لسنة ‪ ، 1925‬ص ‪174‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 283‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ – 1‬غيرمعرف به‬

‫‪ – 2‬ال يشيرإلى املساحة الحقيقية التي يشملها ثلث جنان تغراست و ال حدودها‬

‫و ال موقعها‬

‫‪ – 3‬ال يتضمن أصل تملك البائع‬

‫وحيث إنه و اعتبارا ملا تقدم تكون محكمة الدرجة األولى حينما اعتمدت الرسم‬

‫املذكورعلى عالته للقول بثبوت صفة املدعين قد جانبت الصواب و هو ما يستوجب‬


‫إلغاء الحكم بعدم قبول الدعوى ‪487 ".‬‬

‫‪ 487‬قرار محكمة استئناف مراكش رقم ‪ 189‬صدر بتاريخ ‪ 2008-04-23‬ملف عدد ‪ 2004 / 368‬منشور بالموقع‬
‫اإللكتروني " موقع الشؤون القانونية المنازعات " ‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 284‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫خامتة‪:‬‬

‫يمكننا القول أن قاعدة عدم إفادة عقود التفويت املجردة من أصل التملك و‬

‫عدم ترتيبها أي أثرفي الدعوى ‪ ،‬قاعدة أساسية من قواعد ترسيخ مصداقية العقود‬

‫العقارية ‪ ،‬و إزالة الثغرات التي يستغلها من تسول له نفسه االستيالء على عقارات‬

‫الغير‪ ،‬لكن كي ال تضيع حقوق املالك االصليين الذين لم يستطيعوا أن يتوفروا على‬

‫أصول التملك ألشريتهم و هباتهم قبل صدور قوانين التوثيق التي تلزم ذلك أثناء‬

‫تحرير العقود ‪ ،‬أن يبادروا إلى إقامة رسوم االستمرار أو رسوم امللكية إذا استكملوا‬

‫شروط الحيازة القانونية ‪.‬‬

‫وكذلك من أراد تفويت عقاره و ال يحوز أصول تملكه للعقار إما لضياعها أو‬

‫صارت بالية قد محى مدادها طول الدهر ‪ ،‬أن يبادروا أيضا إلى إقامة رسوم ثبوت‬

‫امللكية املستجمعة لشروط الحيازة القانونية ‪ .‬فهذا األخير يعوض عدم توفر أي‬

‫أصل من أصول تملك صاحب العقار ‪ ،‬و يعتبر مدخل إلدماج العقار في نظام‬

‫التحفيظ العقاري ‪ ،‬ليعتبر الرسم العقاري هي الحجة الحاسمة النزاع ملا تتمتع به‬

‫من قوة ثبوتية تجاه األطراف و االغيار‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 285‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫السيدة خدجية خليلي‬ ‫السيد جاد املصطفى‬


‫باحثة مباسرت املنازعات القانونية‬ ‫باحث مباسرت املنازعات القانونية‬
‫والقضائية‬ ‫والقضائية‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر العقد الركيزة األساسية التي تقوم عليها جل املعامالت بين الناس‪ ،‬وهو‬

‫مؤسسة قانونية تهدف إلى استقراراملعامالت وتنظيم العالقات التعاقدية‪ .‬فإذا نشأ‬

‫العقد صحيحا‪ ،‬ومستجمعا لكافة أركانه وشروطه‪ ،‬تترتب عنه آثار‪ ،‬وأهمها القوة‬

‫امللزمة للعقد‪ ،‬وهي التي عبر عنها بعض الفقهاء بقولهم‪" :‬من قال عقدا قال عدال"‪.‬‬

‫وبمقتض ى هذا املبدأ‪ ،‬يصبح كل طرف ملزم بتنفيذ االلتزامات امللقاة على عاتقه‪ .‬غير‬

‫أنه في بعض الحاالت قد يتماطل ويخل أحد املتعاقدين بتنفيذ االلتزام‪ ،‬إما من تلقاء‬

‫نفسه‪ ،‬أو نتيجة ظروف تجعل التزامه بالتنفيذ أمرا مستحيال‪ ،‬مما يستعص ي على‬

‫الطرف اآلخراالستمرارفي العقد‪ .‬فيلجأ الدائن إلى بعض اآلليات لدفع املدين لتنفيذ‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 286‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التزامه‪ ،‬كالدفع بعدم التنفيذ باعتباره وسيلة دفاعية للضغط على املدين لتنفيذ‬

‫التزامه‪ .‬وقد ال تنتج هذه اآللية آثارها املرجوة مما يدفع بالدائن الى اعتماد وسيلة‬

‫أخرى املتمثلة في مؤسسة الفسخ‪ ،‬هذه األخيرة تعتبرمؤسسة قانونية هجومية تهدف‬

‫إلى حل العالقة العقدية‪،‬‬

‫ويعتبر الفسخ مؤسسة عريقة أقرتها كل القوانين املدنية املقارنة‪ ،‬وهو ثمرة‬

‫تطورطويل‪ ،‬فالقانون الروماني لم يأخذ بها إال في مراحل متأخرة عندما فتح الباب‬

‫أمام العقود الرضائية‪ ،‬وفي الفقه االسالمي أعطى الشارع للبائع خيار النقد كشرط‬

‫لفسخ البيع إذا لم يستوف الثمن‪ .‬وكذلك سار القانون الفرنس ي على هذا الدرب‪،‬‬

‫فقالوا بجواز الفسخ حتى لو لم يوجد شرط صريح‪ ،‬ولكن الفسخ ال يتم إال بحكم‬

‫قضائي‪ .‬وقد تبلورالفسخ جيدا في القانون الكنس ي‪ 488‬باعتباره يولي أهمية كبرى ملبدأ‬

‫الرضائية‪ ،‬إلى أن اكتسب أساسه القانوني في العقود امللزمة لجانبين في القرن ‪.19‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن املشرع املغربي لم ينص على نظرية عامة للفسخ عكس‬

‫بعض التشريعات األخرى‪ ،‬و انما أورد تطبيقات لهذا النظام القانوني في فصول‬

‫متفرقة من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فقد نظمه املشرع في باب تنفيذ االلتزامات‪،‬‬

‫كما تحدث عنه في آثارالبيع بوجه عام حينما تحدث عن عيوب الش يء املبيع‪.‬‬

‫الت تعتمدها السلطة‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الكنس‪ :‬هو النظام‬ ‫ن‬ ‫‪488‬‬
‫القانون لمجموعة القواني واألنظمة الصادرة أو ي‬
‫ي‬ ‫األساس‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫القانون‬
‫ي‬
‫ن‬
‫والت تخضع‬
‫ي‬ ‫وه عبارة عن قواني تحكم عالقات األفراد ومعامالتهم‬ ‫الكنسية والمنظمات المسيحية وأعضائها‪ .‬ي‬
‫للمصادر الكنسية المسيحية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 287‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وتكمن أهمية مؤسسة الفسخ في صيانة حقوق الدائن الذي يستطيع بموجبها‬

‫التحلل من االلتزامات املترتبة عليه بموجب العقد‪ ،‬عند عدم تنفيذ املدين اللتزامه‪.‬‬

‫وتمكن أيضا في كون مؤسسة الفسخ من أهم اآلليات التي قررها املشرع تحقيقا ملبدأ‬

‫التوازن العقدي‪.‬‬

‫على هذا األساس تطفو مجموعة من اإلشكاالت على السطح‪ ،‬ومن أهمها‪ :‬كيف‬

‫نظم املشرع املغربي املقتضيات املتعلقة بالفسخ في ظهيرااللتزامات والعقود؟ وكيف‬

‫ساهمت التطورات االقتصادية واالجتماعية في ابراز خصوصية الفسخ في املجال‬

‫التجاري بخالف الفسخ في العالقات املدنية؟‬

‫من أجل بسط هذا املوضوع‪ ،‬وسبر أغواره‪ ،‬ارتأينا معالجته وفق التقسيم‬

‫التالي‪ :‬املبحث األول‪ :‬األحكام العامة للفسخ‪ .‬املبحث الثاني‪ :‬خصوصية الفسخ بين‬

‫املادة املدنية واملادة التجارية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 288‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬األحكام العامة للفسخ‬

‫تعتبر االلتزامات التبادلية على رأس االلتزامات التي تربط األفراد في معامالتهم‬

‫مع غيرهم‪ ،‬فإذا وقعت صحيحة مستجمعه لكافة أركانها وشروطها ‪ ،‬وجب على طرفي‬

‫العقد االلتزام بتنفيذها طبقا لقاعدة العقد شريعة املتعاقدين ‪ ،‬لكن في حالة‬

‫االخالل بتنفيذ االلتزامات التعاقدية‪ ،‬من قبل أحد أطراف العقد‪ ،‬خول املشرع‬

‫للطرف اآلخر إمكانية التحلل من التزامه عن طريق الفسخ‪ ،‬وهذا األخير باعتباره‬

‫طريقا من طرق انقضاء االلتزام كان لزاما علينا الوقوف عليه بالدراسة وذلك بتبيان‬

‫ماهيته وتعداد أنواعه (املطلب األول) ‪ ،‬مع التطرق لآلثار التي ترتب على الفسخ‬

‫(املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬ماهية الفسخ وأنواعه‬

‫يعتبر الفسخ من أهم اآلليات التي قررها املشرع النـحالل الرابطة التعاقدية‪،‬‬

‫فهو استثناء على القوة امللزمة التي أحاط بها املشرع العقد‪ ،‬وملا للفسخ من أهمية‪،‬‬

‫فالبد لنا من معرفة ماهيته من خالل الوقوف على أساسه وشروطه وكذا أنواعه‬

‫‪،‬وكذا الوقوف على أنواع الفسخ‪ .‬وهو من أعرق املؤسسات القانونية و أكثرها‬

‫استعماال عندما يتعلق األمربانحالل الرابطة العقدية‪ ،‬لذلك فالبد لنا من الوقوف‬

‫على حقيقة هذا املفهوم وأساسه‪ .‬فال شك أن تحديد املفهوم في أي قضية يتبوأ‬

‫مكانة هامة‪ ،‬إذ يعتبر بمثابة األساس من البناء‪ .‬فال يتصور مناقشة إشكاالت دون‬

‫تحديد وضبط املفهوم‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 289‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫والفسخ لغة هو النقض‪ ،‬فقد قال ابن منظور ‪ ،‬فسخ الش يء يفسخه فسخا‬
‫فانفسخ‪َ :‬نق َ‬
‫ضه فانتقض‪ ،‬وتفاسخت األقاويل‪ :‬تناقضت ‪ .489‬وعلى مستوى‬

‫االصطالح‪ ،‬فقد تعددت الزوايا التي تم من خاللها معالجة الفسخ وتعريفه‪ ،‬فهناك‬

‫من نظراليه من زاوية كونه نظاما‪ ،‬فعرفه بأنه نظام قانوني استثنائي قائم الى جانب‬

‫نظام التنفيذ‪ ،‬وهناك من نظر اليه من زاوية كونه جزاء‪ ،‬فعرفه بأنه جزاء قانوني‬

‫يترتب عند االخالل بواجب تنفيذ العقد‪ ،‬وقد ذهب مع هذا االتجاه األستاذ عبد‬

‫القادر العرعاري بتعريفه للفسخ بكونه "جزاء مدني يهدف الى وضع حد للعالقة‬

‫التعاقدية عندما يحصل االخالل بمقتضيات االتفاق الرابط بين املتعاقدين"‪.490‬‬

‫وهناك أيضا اتجاه أخرنظراليه من زاوية أنه طريق‪ ،‬فعرفه بأنه طريق من طرق حل‬

‫الرابطة العقدية وازالتها‪.491‬‬

‫غيرأن هناك اتجاه آخردون هؤالء عرف الفسخ بكونه حق‪ ،‬بحيث عرفه الفسخ‬

‫بأنه "حق املتعاقد في العقد امللزم للجانبين‪ ،‬إذا لم يوف املتعاقد اآلخر بالتزاماته‬

‫الناش ئ عن العقد‪ ،‬أن يطلب بحل الرابطة العقدية كي يتحلل هو من التزاماته"‪.492‬‬

‫‪ 489‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب (‪،‬دار صادر‪ ،‬سنة النشر ‪ ،)2003‬الجزء‪.11‬‬


‫‪ 490‬العرعاري عبد القادر‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬نظرية العقد‪( ،‬ط ‪ ، 6‬سنة ‪ )2018‬ص ‪ 398‬فقرة ‪.478‬‬
‫‪ 491‬حنيت عمار‪" ،‬التعسف في استعمال حق الفسخ" (رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة الجزائر‪-1‬‬
‫بن يوسف بن خدة‪ ،‬كلية الحقوق سعيد حمدين) ص ‪ 9‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 492‬موسوعة الفقه والقضاء والتشريع في القانون المدني الجديد‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ص ‪.214‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 290‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وبهذا فالفسخ حق قانوني يخول صاحبه إمكانية حل الرابطة التعاقدية متى‬

‫أخل املدين بواجب التنفيذ‪ ،‬بمعنى أن حق الفسخ مقترن وجودا وعدما بعدم تنفيذ‬

‫املدين‪ .‬وبما ان الفسخ حق قانوني‪ ،‬البد لكل حق من أساس يقوم عليه‪.‬‬

‫و لقد دب الخالف بين الفقهاء حول األساس الذي يقوم عليه الفسخ‪ ،‬وتعددت‬

‫النظريات التي تأسس لهذا الحق‪ .‬فمن ذهب إلى أن الفسخ أسس على فكرة وجود‬

‫شرط فاسخ ضمني‪ .‬وهي فكرة وجدت أساسها في القانون الكنس ي‪ ،‬لكنها تبلورت الى‬

‫أن استقرت في القانون الفرنس ي القديم في مادته ‪ 1184‬والتي تقض ي ب "أن جميع‬

‫العقود امللزمة للجانبين يجوز فسخها عندما يتخلف أحد املتعاقدين عن تنفيذ‬

‫التزمه على أساس وجود شرط فاسخ مفترض محله عدم التنفيذ‪ ،‬فإذا تحقق‬

‫الشرط بأن تخلف أحد املتعاقدين عن التنفيذ كان للمتعاقد اآلخر أن يطلب فسخ‬

‫العقد"‪ .493‬ولقد أثارت فكرة الشرط الفاسخ الضمني خالفا فقهيا‪ ،‬ولقد أقر بعض‬

‫الفقهاء بعدم جدواها‪ ،‬وعلى رأسهم الفقيه عبد الرزاق السنهوري حيث يقول‪ " :‬لو‬

‫صح هذا (أي التأسيس للفسخ على الشرط الفاسخ الضمني) لترتب عليه أنه بمجرد‬

‫عدم قيام املدين بالتزاماته يتحقق الشرط فينفسخ العقد من تلقاء نفسه‪ .‬وهذا غير‬

‫صحيح ألن الفسخ ال يكون إال بحكم قضائي أو باتفاق‪ ،‬وللقاض ي حق التقدير‬

‫فيجيب طلب الفسخ أو يرفضه‪ ،‬وللمدين أن يقوم بتنفيذ العقد فيتوقى الحكم‬

‫‪ 493‬أورده حنيت عمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 291‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بالفسخ‪ ،‬وللدائن أن يعدل عن املطالبة بفسخ العقد الى املطالبة بتنفيذه"‪.494‬‬

‫وهناك من الفقهاء من ذهب إلى أن أصل الفسخ مبني على أساس السبب ‪،495‬‬

‫واحتج أنصار هذا الطرح بأن "السبب يعتبر عنصرا فنيا في االلتزام ؛ والسبب الفني‬

‫يؤدي وظيفتين‪ ،‬فهو عنصرفي نشوء االلتزام وهو بهذا الوصف يجب أن يتو افروقت‬

‫نشوء االلتزام وإال كان باطال‪ ،‬وهو كذلك عنصرا في نفاذ االلتزام وهو بهذا الوصف‬

‫يجب أن يتو افر وقت تنفيذ االلتزام‪ ،‬فإن لم ينفذ االلتزام يجب أن يفسخ العقد‬

‫املنش ئ لذلك االلتزام ويزول االلتزام تبعا لذلك"‪ .496‬ولقد تعرضت فكرة السبب‬

‫هذه لكثير من االنتقادات منها أن انعدام السبب في االلتزامات املتقابلة يؤدي الى‬

‫بطالن العقد وليس قابليته للفسخ لكون أن السبب يرتبط أساسا بمرحلة تكوين‬

‫العقد وليس بمرحلة تنفيذه‪ .497‬وهناك من الفقه من أسس الفسخ على فكرة‬

‫االرتباط بين االلتزامات‪ ،‬ومن بين القائلين بها العالمة السنهوري في كتابه الوسيط ‪،‬‬

‫إذ قال‪...":‬نؤثر‪..‬أن نجعل نظرية الفسخ مبنية على فكرة االرتباط ما بين االلتزامات‬

‫املتقابلة في العقود امللزمة للجانبين‪ ،‬إذ أن طبيعة هذه العقود تقتض ي أن يكون‬

‫التزام أحد املتعاقدين مرتبطا بالتزام املتعاقد اآلخر‪ ،‬فيبدو أمرا طبيعيا عادال أنه إذا‬

‫لم يقم أحد املتعاقدين بالتزامه ‪ ،‬جاز للمتعاقد اآلخر أن يوقف هو من جانبه تنفيذ‬

‫‪ 494‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر‬
‫االلتزام‪ ،‬ص ‪.700‬‬
‫‪ 495‬المقصود بالسبب كأساس لحق الفسخ ويعني الغاية المباشرة التي يتوخاها كل متعاقد من إبرامه العقد‪ ،‬وليس السبب‬
‫الباعث أو الدافع الذي يختلف من متعاقد إلى آخر‪.‬‬
‫‪ 496‬حنيت عمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 497‬العرعاري عبد القادر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 400‬فقرة ‪.476‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 292‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ما في ذمته من التزام‪ ،‬وهو الدفع بعدم التنفيذ‪ ،‬أو أن يتحلل نهائيا من هذا االلتزام‪،‬‬

‫وهذا هو الفسخ‪.498‬‬

‫والذي يبدو أن تأسيس الفسخ على أساس االلتزامات التبادلية أقرب إلى‬

‫الصواب منه من غيره من النظريات‪ ،‬ذلك أن إخالل أحد املتعاقدين بالتزامه هو‬

‫الذي يدفع املتعاقد اآلخرإلى فسخ هذا العقد‪.‬‬

‫‪ - 1‬متييز الفسخ عن املؤسسات املشابهة‬

‫كثيرا ما تختلط بعض املفاهيم مع بعضها البعض‪ ،‬اما لتشابها من حيث أساس‬

‫قيامها أو أركانها أو آثارها‪ ،‬ونفس األمربالنسبة للفسخ فهو يشابه الكثيرمن املفاهيم‬

‫من حيث الغاية املتوخاة من هذه املؤسسة‪ ،‬أال وهي حماية القوة امللزمة للعقد‪ ،‬وملا‬

‫كان الفسخ ليس هو الوحيد لحل الرابطة التعاقدية ألنه توجد أنظمة أخرى تؤدي‬

‫نفس إلى نفس الطريق‪ ،‬لذلك ارتأينا تمييز الفسخ عن باقي األنظمة املشابهة مثل‬

‫البطالن‪ ،‬والدفع بعدم التنفيذ‪ ،‬واملسؤولية العقدية ‪ ،‬درء ألي خلط بين هذه‬

‫املفاهيم‪.‬‬

‫تمييزالفسخ عن البطالن‪ :‬يجب التمييزبين البطالن والفسخ لكونهما يتفقان في‬

‫األثراملترتب على كل منهما‪ ،‬واملتمثل في انعدام الرابطة التعاقدية‪ ،‬بل إن زوال العقد‬

‫الباطل والعقد القابل للفسخ يتم بأثر جعي‪ .‬غير أن هناك اختالف واضح بينهما‪،‬‬

‫‪ 498‬السنهوري عبد الرزاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.696‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 293‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫حيث إن البطالن هو بمثابة جزاء قانوني نتيجة عدم توفرأحد أركان العقد أو شرط‬

‫من شروط الصحة؛ في حين أن الفسخ هو جزاء عدم تنفيذ أحد املتعاقدين‬

‫اللتزاماته املحددة في العقد القائم بينهما‪ .‬ومن جهة ثانية‪ ،‬فإن هناك فارق مهم بين‬

‫البطالن والفسخ‪ ،‬وذلك على مستوى نطاق كل منهما؛ فإذا كان يتصور تحقق‬

‫البطالن سواء تعلق األمر بالعقود امللزمة لجانب واحد أو العقود امللزمة لجانبين‪،‬‬

‫فإن جزاء الفسخ ال يمكن املطالبة به إال في نطاق العقود امللزمة لجانبين‪ .499‬ويتميز‬

‫البطالن عن الفسخ في كون األول يرجع إلى خلل في تكوين العقد‪ ،‬بينما الفسخ ينشأ‬

‫العقد سليما مستوفيا ألركان انعقاده‪ ،‬ثم يحصل أن يخل أحد املتعاقدين بتنفيذ‬

‫التزامه‪ ،‬فيلجأ الطرف اآلخر إلى طلب فسخ العقد ليتحلل هو أيضا من االلتزام‬

‫املترتب عليه‪.500‬‬

‫تمييز الفسخ عن الدفع بعدم التنفيذ‪ :‬يتمثل الدفع بعدم التنفيذ‪ 501‬في أن‬

‫املتعاقد له الحق في االمتناع عن تنفيذ التزاماته تجاه الطرف اآلخر حتى يقوم هذا‬

‫األخير بتنفيذ ما التزم به إزاء الطرف األول‪ .‬في العقود امللزمة لجانبين‪.502‬نميز بين‬

‫نظام الدفع بعدم التنفيذ والفسخ من حيث الغاية‪ ،‬فهذا األخير يهدف إلى إزالة‬

‫الرابطة التعاقدية من الوجود‪ ،‬وإرجاع األطراف الى حالة ما قبل التعاقد على‬

‫‪ 499‬الشرقاوي عبد الرحمان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 203‬فقرة ‪ 379‬و ‪. 380‬‬


‫‪ 500‬الكزبري مأمون‪ :‬نظرية االلتزامات ‪ ،‬المجلد األول مصادر االلتزامات ‪ ،‬ص ‪ 196‬فقرة ‪.155‬‬
‫‪ 501‬نص المشرع على هذا المبدأ في الفصل ‪ 235‬من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي جاء فيه‪" :‬في العقود الملزمة للطرفين يجوز لكل‬
‫متعاقد منهما أن يمتنع عن أداء التزامه إلى أن يؤدي المتعاقد اآلخر التزامه المقابل‪ ،‬وذلك مالم يكن أحدهما ملتزما حسب‬
‫االتفاق أو العرف بأن ينفذ نصيبه من االلتزام أوال‪."...‬‬
‫‪ 502‬العرعاري عبد القادر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 388‬فقرة ‪.461‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 294‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫العكس من هذا فنظام الدفع بعدم التنفيذ هووسيلة لحث املتعاقد اآلخرعلى إتمام‬

‫العقد‪ ،‬بمعنى أن هدفه هو ضمان تنفيذ العقد‪ .‬كما نميز بينهم من حيث اإلجراءات‬

‫فنظام الدفع بعدم التنفيذ تتم إثارته من غير الحاجة الى التقيد باإلجراءات‬

‫التمهيدية التي تسبق دعوى الفسخ كاإلنذاروغيرها‪.‬‬

‫تمييزالفسخ عن املسؤولية العقدية‪ :‬هناك تشابه بين نظام الفسخ واملسؤولية‬

‫العقدية من حيث أن كل منها جزاء لعدم قيام املدين بتنفيذ التزامه التعاقدي‪ ،‬لكن‬

‫هناك فوارق تفصل بينهما؛ فاملسؤولية العقدية تترتب عن االخالل بااللتزامات‬

‫التعاقدية عامة يستوي في ذلك أن يكون التصرف ملزما لجانبين أو ملزم لجانب‬

‫واحد‪ ،‬في حين أن الفسخ ال يمكن تصوره إال في التصرفات التبادلية‪ ،‬كما أن هناك‬

‫فارق آخر يتجلى في التعويض املستحق للطرف املضرور في إطار قواعد املسؤولية‬

‫العقدية قد يتحقق في غير الحاالت التي يتقرر فيها الفسخ‪ ،‬ثم إن الفسخ يهدف إلى‬

‫إزالة الرابطة التعاقدية وحلها‪ ،‬أما التعويض املستحق في إطار املسؤولية العقدية‬

‫فهويهدف إلى جبرالضررالناش ئ عن االخالل بااللتزامات العقدية مع احتفاظ العقد‬


‫بوجوده من الناحية القانونية‪.503‬‬

‫‪ 503‬العرعاري عبد القادر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ 398 ،‬فقرة ‪.473‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 295‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ - 2‬شروط الفسخ‬

‫يلز م للحديث عن الفسخ‪ ،‬تو افر الشروط التي وضعها املشرع لقيام الفسخ‪،‬‬

‫وهي التي ذكرها املشرع املغربي في الفصل‪ 559‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬

‫أن مجال الفسخ ينحصر في العقود التبادلية‪ :‬مجال الفسخ في العقود‬

‫التبادلية‪ ،‬بما فيها العقود امللزمة لجانب واحد إذا كانت بمقابل كما هو الشأن‬

‫بالنسبة للقرض والعارية و أيضا الهبة بعوض‪ ..‬وبهذا تخرج تصرفات اإلرادة املنفردة‬

‫والعقود امللزمة لجانب واحد‪ ،‬ما لم تكن مثقلة بالتزامات‪ ،‬فال يمكن أن تكون قابلة‬

‫للفسخ‪ .‬فااللتزامات في العقود التبادلية تقوم على ارتباط االلتزامات املتقابلة بشكل‬

‫ال يتصور معه قيام أحدهما دون قيام اآلخر‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى أنه إذا لم ينفذ‬

‫أحد األطراف التزاماته‪ ،‬فإنه يكون من مصلحة الطرف اآلخرإما طلب التنفيذ الذي‬

‫كان سبب في إبرامه للعقد‪ ،‬وإما طلب الفسخ إلنهائه العقد وإعادة الوضع إلى الحالة‬

‫التي كان عليها قبل ابرامه‪.504‬‬

‫أن يخل أحد املتعاقدين بتنفيذ التزاماته‪ :‬يشترط أن يخل املدين بالتزامه‬

‫التعاقدي شريطة أن يكون االخالل راجع لخطأ املدين ذاته‪ ،‬أما إذا كان عدم التنفيذ‬

‫راجعا لسبب أجنبي‪ ،‬وأدى ذلك الستحالة التنفيذ‪ ،‬فإن التزام املدين ينقض ي‬

‫وينقض ي معه التزام الدائن‪ .‬واالخالل بالتنفيذ في ميدان العقود يتخذ أكثرمن مظهر‬

‫‪ 504‬الشرقاوي عبد الرحمان ‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬التصرف القانوني‪ ( ،‬ط ‪ 5‬مطبعة المعرف الجديدة‪،‬‬
‫الرباط) ‪ ،‬ص ‪.316‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 296‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫قانوني‪ ،‬فهو قد يكون إيجابيا أو سلبيا وقد يكون كليا أو جزئيا‪ ،‬ويعتبر مجرد التأخر‬

‫في تنفيذ االلتزام سببا كافيا للفسخ‪.505‬‬

‫عدم تقصيرطالب الفسخ في تنفيذ التزاماته‪ :‬يشترط أن يكون طالب الفسخ قد‬

‫نفذ التزامه أو مستعدا لتنفيذه‪ ،‬فإن هو لم ينفذه وليس له استعداد‪ ،‬فال يحق له‬

‫املطالبة بفسخ العقد لعدم قيام الطرف اآلخربتنفيذ ما في ذمته من التزام‪ ،‬إذا ليس‬

‫من العدل أن يخل هو بالتزامه ثم يطالب بالفسخ بسبب اخالل الطرف اآلخر‬

‫بالتزامه‪.506‬‬

‫أن يكون طالب الفسخ قادرا على ارجاع الحال الى ما كانت عليه قبل التعاقد‪:‬‬

‫ومعناه أن تكون للمدين االمكانية للعودة الى الحالة ما قبل التعاقد عن طريق ارجاع‬

‫الحال الى ما كانت عليه‪ .‬فإن تعذر الوصول إلى هذه الوضعية بسبب من األسباب‬

‫التي تعوق ارجاع األطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد إن أمكن ذلك‪ .‬كهالك املعقود‬

‫عليه أوتعيبه أوصعوبة رده إلى صاحبه‪ ،‬فان املحكمة لها من الحلول في إطارسلطتها‬

‫التقديرية ما يمكنها من إعادة التوازن للمراكز االقتصادية ألطراف العقد كالحكم‬

‫بالتعويض‪.507‬‬

‫‪ 505‬العرعاري عبد القادر ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 403‬فقرة ‪.481‬‬


‫‪ 506‬حنيت عمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ 507‬العرعاري عبد القادر ‪ ،‬مرجع سايق‪ ،‬ص ‪ 415‬فقرة ‪.493‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 297‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وال تعدو أن تكون هذه الشروط شروطا موضوعية فقط‪ ،‬وهي ال تختلف بين‬

‫أنواع الفسخ كافة‪ ،‬وتوجد الى جانبها شروط إجرائية تتمثل في ضرورة االعذار‬

‫وصدورحكم قضائي في الفسخ القضائي‪ ،‬وتمسك الدائن بالفسخ في الفسخ االتفاقي‪.‬‬

‫‪ -3‬أنواع الفسخ‬

‫يتخذ فسخ العقد من الناحية العملية أحد املظاهرالتالية‪ ،‬وهو ثالثة أنواع‪:‬‬

‫الفسخ القضائي‪ :‬وهو الذي توقعه املحكمة إذا توفرت شروطه‪ ،‬ومن أهم‬

‫شروطه‪ :‬أن يتعلق األمربعقد ملزم بجانبين وأن يحصل اإلخالل أو التماطل في تنفيذ‬

‫االلتزامات املتقابلة كما أسلفنا سابقا فيما يتعلق بشروط الفسخ‪ 508‬باإلضافة‬

‫لضرورة توفرشرط مهم وهو‪:‬‬

‫‪ ‬ضرورة التقيد باإلنذارالالزم لتحقق املطل‪:‬‬

‫يشترط لقبول دعوى املطالبة بالفسخ‪ ،‬أن تسبق باإلخطار الالزم لجعل املدين‬

‫أو الدائن في حالة مطل‪ .‬وتظهر أهمية هذا اإلنذار في األحوال التي يكون فيها االلتزام‬

‫غير محدد املدة‪ 509 .‬وهو ما أشار إليه املشرع املغربي في الفصل ‪ 255‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬إذ‬

‫قال‪ ":‬يصبح املدين في حالة مطل بمجرد حلول األجل املقررفي السند املنش ئ لاللتزام‪.‬‬

‫‪ 508‬أنظر رشوط الفسخ ص ‪.7‬‬


‫‪- 509‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬ص‪.381‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 298‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فإن لم يعين لاللتزام أجل‪ ،‬لم يعتبر املدين في حالة مطل‪ ،‬إال بعد أن يوجه إليه أو‬

‫نائبه القانوني إنذارصريح بوفاء املدين‪ ،‬ويجب أن يتضمن هذا االنذار‪:‬‬

‫‪ -‬طلبا موجها إلى املدين بتنفيذ التزامه في أجل معقول‬

‫‪ -‬تصريحا بأنه إذا انقض ى هذا األجل‪ ،‬فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه‬

‫مناسبا إزاء املدين‪.‬‬

‫ويجب أن يحصل هذا االنذار كتابة‪ ،‬ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة‬

‫مضمونة أو باملطالبة القضائية ولو رفعت من قاض ي غيرمختص‪".‬‬

‫وتجدراإلشارة إلى مجموعة من املالحظات‪:‬‬

‫‪ -‬أولها‪ :‬أن اإلنذار املشار له في املادة ‪ 255‬من ق‪.‬ل‪.‬ع يشكل القاعدة العامة في‬

‫ميدان املداينات وااللتزامات الشخصية التي لم يحدد أجال للوفاء بها‪ ،‬أما‬

‫بالنسبة لاللتزامات املحددة األجل‪ ،‬فإن مجرد انتهاء املدة دليل على ثبوت املطل‬
‫في جانب الطرف الذي يتعين عليه املبادرة بالتنفيذ أوال‪510 .‬‬

‫‪ -‬أن مضمون اإلنذار الوارد النص عليه في الفصل ‪ 255‬من ق‪.‬ل‪.‬ع قد ال يكون‬

‫صالحا للتطبيق في بعض امليادين الخاصة التي تستوجب إنذارا من نوع خاص‪،‬‬

‫وهذا ما ينطبق مثال على إشعار اإلفراغ الالزم في ميدان الكراء املدني حيث إن‬

‫الفصل ‪ 9‬من ظهير ‪ 1980/12/25‬ينص على أنه يجب أن يتضمن االشعار‬

‫ن‬
‫االلتامات‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬ص‪.384‬‬ ‫‪- 510‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مصادر‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 299‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫باإلفراغ تحت طائلة البطالن‪ :‬شموله مجموع املحالت املكراة بكافة مر افقها‪،‬‬

‫بيانه لألسباب املثارة من طرف املكري‪ ،‬اإلشارة إلى أجل ثالثة أشهرعلى األقل‪.‬‬

‫وما قيل عن اإلفراغ في ميدان الكراء املدني يقال عن اإلفراغ في ميدان املحالت‬

‫التجارية والحرفية‪ ،‬إذ أن الفصل ‪ 6‬من ظهير ‪ 1955‬يؤكد على أن اإلنذار باإلفراغ‬

‫يتعين فيه أن يكون مستجمعا لشكليات من نوع خاص‪ ،‬تحت طائلة البطالن ومن‬

‫خالل االطالع على مقتضيات الفصل ‪ 27‬من الظهير‪ ،‬يتبين أن الشكليات تتمثل في‬

‫أن يتم توجيه اإلنذار من املكري إلى املكتري قبل انقضاء العقدة بستة أشهر على‬

‫األقل‪ ،‬وأن يتضمن اإلعالم عبارة تشيرإلى األسباب املوجبة لإلفراغ‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬الفسخ القانوني‪ :‬يتحقق الفسخ بقوة القانون أو االنفساخ عند‬

‫ثبوت األسباب املوجبة له‪ ،‬ومن أهم األسباب هواستحالة تنفيذ االلتزام بفعل سبب‬

‫أجنبي ال يد للمدين فيه كالقوة القاهرة أو خطأ صادر عن الدائن أو الغير‪ 511 .‬ومن‬

‫ذلك ما دل عليه الفصل‪ 659‬من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي ورد فيه‪ ":‬إذا هلكت العين املكتراة أو‬

‫تعيبت أوتغيرت كليا أوجزئيا بحيث أصبحت غيرصالحة لالستعمال في الغرض الذي‬

‫اكتريت من أجله وذلك دون خطأ أي واحد من املتعاقدين‪ ،‬فإن عقد الكراء ينفسخ‬

‫من غير أن يكون ألحدهما على اآلخر أي حق في التعويض وال يلزم املكتري من الكراء‬

‫إال بقدرانتفاعه"‪.‬‬

‫‪- 511‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.384‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 300‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومن خالل التمعن في صيغة الفصل‪ ،‬يتبين أنه يتضمن اإلشارة إلى بعض‬

‫األسباب املوجبة النفساخ عقد الكراء‪ ،‬وهي هالك العين املكتراة بآفة سماوية‬

‫كالزلزال أو بتدخل من اإلنسان كالحريق‪ ،‬وكذلك تعيب العين املكتراة أو تغيرشكلها‪،‬‬

‫فهذه األسباب الثالثة إذا جعلت العقار غير صالح لالستعمال املتفق عليه بين‬

‫األطراف‪ ،‬فإن عقدة الكراء تنفسخ بقوة القانون‪ .‬وهو ما اتضح من خالل الحكم‬

‫الذي صدر عن محكمة االستئناف‪ ،‬فقد اعتبرت تهدم العين املكتراة نتيجة الندالع‬

‫الحريق سببا إلقرار انفساخ العقد‪ ،‬وبموجب ذلك فإنه يتعين على املكتري االمتناع‬
‫عن أداء وجيبة الكراء للمالك‪512.‬‬

‫ومما سبق اتضح أن االنفساخ جزاء قانوني يقرره القانون بسبب تعذر الوفاء‬

‫بااللتزامات املتقابلة‪ ،‬ويشترط النفساخ العقد بقوة القانون تو افرالشروط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬أن يتعلق األمر بعقد ملزم لجانبين‬

‫‪ -‬أن تصبح التزامات أحد األطراف مستحيلة استحالة مطلقة كهالك موضوع‬

‫االلتزام أو تعيبه نتيجة لفعل طارئ جعله غير صالح ملا أعد له بحسب طبيعته‬

‫أو بمقتض ى العقد‪.‬‬

‫‪ -‬أن تكون االستحالة ناشئة بعد إبرام العقد أو على األقل أثناء تنفيذه كهالك‬
‫يء أو تعيبه بالشكل الذي يحول دون الحصول على منفعته‪513 .‬‬ ‫الش‬

‫‪ - 512‬قرار محكمة االستئناف بالرباط بتاري خ ‪ ،1926/4/21‬منشور بمجلة المحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪ ،225‬ص ‪476‬‬
‫‪ - 513‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.390‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 301‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -‬يتوجب أن تكون االستحالة راجعة لسبب أجنبي ال يد للمدين فيه‪ 514 ،‬ويتحقق‬

‫ذلك في حالة القوة القاهرة واالستحالة التي يتسبب فيها الدائن أو الغير‪ ،‬أو‬

‫االستحالة التي يتسبب فيها الدائن ال تؤدي إلى االنفساخ‪ ،‬و إنما إلى يتعين‬

‫استصدار حكم الفسخ القضائي‪ ،‬وقد يلجأ القاض ي إلى إرغام املدين على‬

‫الوفاء متى كان ذلك ممكنا‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬الفسخ االتفاقي‪ :‬يتقرر هذا الفسخ بناء على اتفاق األطراف على‬

‫إدراج شرط فاسخ صريح في العقد‪ 515،‬ولقد أشارقانون االلتزامات والعقود املغربي‬

‫إلى جواز مثل هذا االتفاق في الفصل ‪ 260‬الذي جاء فيه‪ ":‬إذا اتفق املتعاقدان على‬

‫أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون بمجرد‬

‫عدم الوفاء"‪.‬‬

‫ومن تطبيقات هذه القاعدة في ميدان عقد البيع‪ ،‬نجد حالة ما نص عليه‬

‫ق‪.‬ل‪.‬ع الذي جاء فيه بأنه إذا اشترط بمقتض ى العقد أو العرف املحلي أن البيع‬

‫يفسخ إذا لم يؤد الثمن‪ ،‬فإن العقد ينفسخ بقوة القانون بمجرد عدم أداء الثمن في‬

‫األجل املتفق عليه"‪.516‬‬

‫ن‬
‫االلتام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيال استحالة طبيعية أو‬ ‫ن‬
‫"ينقض‬ ‫‪ - 514‬ينص الفصل ‪ 335‬من ق‪ .‬ل‪.‬ع عىل أنه‪:‬‬
‫ن ي‬
‫قانونية‪ ،‬بغت فعل المدين أو خطأه‪ ،‬وقبل أن يصت يف حالة مطل‪".‬‬
‫‪ - 515‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.391‬‬
‫ن‬
‫االلتامات والعقود‪.‬‬ ‫‪ - 516‬الفصل ‪ 581‬من قانون‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 302‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬آثار مؤسسة الفسخ‬

‫مما ال شك فيه أن فسخ العقد يؤدي حتما إلى زواله‪ ،‬سواء تعلق األمر بالفسخ‬

‫القضائي أو القانوني أو االتفاقي‪ ،‬وذلك بأثر رجعي أي إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‬

‫من قبل‪ ،‬بمعنى أن العقد من الناحية القانونية يعتبر كأنه لم يكن‪ ،‬وذلك ألن‬

‫الرابطة التعاقدية بين األطراف لم تعد قائمة‪ ،‬إال أن اإلشكال املطروح هنا هو أنه‪:‬‬

‫هل أثرالفسخ واحد في جميع العقود؟‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬آثار الفسخ بالنسبة ألطراف العالقة التعاقدية‬

‫يترتب على فسخ العقد بين املتعاقدين انحالل العقد واعتباره كأن لم يكن من‬

‫قبل‪ ،‬إال أنه يجب التمييز بين العقود الفورية والعقود الزمنية‪ .‬ففي العقود الفورية‬

‫يكون الفسخ بأثر رجعي‪ ،‬فيزول العقد في املستقبل وفي املاض ي‪ .‬وهذا هو األثر‬

‫الحقيقي للفسخ (أوال)‪ .‬أما في العقود الزمنية فالفسخ ينحصرأثره على محو أثره في‬

‫املستقبل وحده و يبقى العقد بالنسبة للماض ي‪ ،‬و يسمى الفسخ في هذه الحالة إنهاء‬

‫(ثانيا)‪.517‬‬

‫أوال‪ :‬آثار مؤسسة الفسخ في العقود الفورية بالنسبة للمتعاقدين ‪ :‬إذا كان‬

‫العقد الذي تقرر فسخه أو انفساخه من صنف العقود الفورية‪ ،‬فإن أثر الفسخ‬

‫بالنسبة للمتعاقدين ال يسري على املستقبل فحسب‪ ،‬و إنما يمتد إلى املاض ي‬

‫ن‬
‫االلتام‪( ،‬سنة ‪ )1992‬ص ‪.205‬‬ ‫ن‬
‫االلتام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬نظرية‬ ‫‪ 517‬التجمان زيد قدري‪ ،‬مصادر‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 303‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫كذلك‪ .518‬وهذا ما يعرف بمبدأ رجعية آثار الفسخ على أساس زوال العقد‪،‬‬

‫ويستوجب مع هذا إعادة األطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد‪ .‬فإذا استحال ذلك في‬

‫بعض الحاالت‪ ،‬فإن املحكمة تحكم بالتعويض املناسب لقيمة الش يء الذي تعذر‬

‫استرداده‪ ،‬و تتمتع في ذلك بسلطة تقديرية واسعة شرط أن يكون التقدير والتقويم‬

‫مبنيا على العناصر واملواصفات املميزة للش يء أثناء إبرام العقد‪ ،‬و ليس عند إصدار‬

‫الحكم‪ ،519‬كما أن هناك أسباب تجعل االسترداد مستحيال سواء كان إضافة إلى ما‬

‫سبق ثمة عدة قواعد أخرى تطبق نتيجة زوال العقد و انحالله منها‪:‬‬

‫‪ )1‬قاعدة تبعية الفرع لألصل‪ :‬يترتب على فسخ االلتزام األصلي‪ ،‬فسخ االلتزامات‬

‫الفرعية امللحقة به‪ ،‬ومثال ذلك أن فسخ عقد بيع العقار يستتبع زوال الرهن‬

‫الحيازي الذي أبرمه املشتري عليه لضمان الوفاء بدين يلتزم به في مواجهة‬

‫وذلك بمقتض ى الفصل ‪1234‬من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي ينص على‬ ‫الغير‪520،‬‬

‫أنه"‪...‬وينقض ي الرهن بقطع النظرعن انقضاء االلتزام األصلي ‪.521"...‬‬

‫‪ 518‬العرعاري عبد القادر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 416‬فقرة ‪.495‬‬


‫ن‬
‫االلتام ‪ -‬مطل المدين نموذجا‪ -‬سنة‬ ‫ن‬
‫القضائيي‪ ،‬آثار عدم تنفيذ‬ ‫ن‬
‫الملحقي‬ ‫‪ 519‬مالك أيت سعيد‪ ،‬بحث نهاية التكوين‬
‫‪ ،2017 /2015‬ص ‪.34‬‬
‫المدن‪ ،‬الحزء األول‪ ،‬سنة ‪ ،2016‬ص ‪.316‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫‪520‬‬
‫ي‬ ‫الصاف عبد الحق‪ ،‬الوحت يف القانون‬
‫ي‬
‫األصىل‪:‬‬ ‫ينقض الرهن بقطع التظر عن انقضاء اال ن‬
‫لتام‬ ‫ن‬ ‫المغرن عىل أنه ‪ " :‬و‬ ‫‪ 521‬ينص الفصل ‪ 1234‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫أوال‪ -‬بتنازل المرتهن عن الرهن ؛‬
‫السء المرهون هالكا كليا؛‬‫ثانيا ‪ -‬بهالك ر‬
‫ي‬
‫رابعا‪ -‬بفسخ حق الطرف الذي أنشأ الرهن؛‬
‫الشط الفاسخ الذي علق الرهن عليه؛‬ ‫خامسا‪ -‬بانقضاء األجل الذي عقد الرهن إىل نهايته ‪ ،‬أو بتحقق ر‬
‫ن‬
‫سادسا‪ -‬يف حالة حوالة الدين بدون اشتاط الرهن؛‬
‫سابعا‪ -‬ببيع المرهون بيعا صحيحا بناء عىل طلب دائن سابق ن يف التاري خ‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 304‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ )2‬قاعدة ارتباط الفسخ بالتعويض‪ :‬إن الحكم بالفسخ كجزاء لعدم تنفيذ العقد‬

‫امللزم لجانبين قد ينتج عنه إضرار بأحد املتعاقدين‪ ،‬ومثل هذه الفرضيات ال‬

‫يكفي الفسخ فقط‪ ،‬بل يجب أن يكون مصحوبا بالتعويض عن الضرر عندما‬

‫يطلبه الدائن بااللتزام غير املنفذ‪ .‬وبالتالي فإنه نجد املشرع في الفصل ‪ 259‬من‬

‫ق‪.‬ل‪.‬ع خول للدائن إمكانية الحصول على تعويض لجبرالضررالذي لحقه نتيجة‬

‫فسخ العقد‪ .‬وهذا التعويض لن يكون له محل إال إذا توفرت شروطه‪ ،‬وهي‬

‫الخطأ‪ ،‬الضرر ثم العالقة السببية بينهما‪ .‬و في هذا اإلطار للمحكمة سلطتها‬

‫التقديرية في تحديد التعويض حسب حجم الضرر وخطورة الخطأ الصادر عن‬

‫املدين أو تدليسه ولحسن أو سوء نيته دور فعال في الرفع أو التخفيف من مبلغ‬
‫هذا الضرر‪522.‬‬

‫‪ )3‬قاعدة احترام تطبيق الشروط الجزائية‪ :‬إذا كان العقد يتضمن شرطا جزائيا‬

‫يتحمل املدين بمقتضاه أداء تعويض اتفاقي للدائن في حالة اإلخالل بااللتزام أو‬

‫التأخرفي تنفيذه‪ ،‬فهذا الشرط في العقد ال يعني أن املستفيد منه يكون قد تنازل‬

‫عن دعوى الفسخ القضائية‪ ،‬بل من حقه رفع دعوى الفسخ حتى و لو لم يتحقق‬

‫بعد مضمون الشرط الجزائي‪ ،‬و يسوغ للدائن أن يطلب في نفس الوقت فسخ‬
‫ي بها الشرط الجزائي‪523.‬‬ ‫العقد و أداء التعويضات التي يقض‬

‫‪ 522‬العرعاري عبد القادر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.418‬‬


‫ن‬
‫الصاف عبد الحق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.317‬‬ ‫‪523‬‬
‫ي‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 305‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ثانيا‪ :‬أثر الفسخ في العقود املستمرة بالنسبة للمتعاقدين‪ :‬إن امتداد أثر‬

‫الفسخ إلى املاض ي يقتصر نطاقه على العقود الفورية دون العقود الزمنية التي ال‬

‫يترتب عن فسخها أثررجعي‪ ،‬نظرا لتعذرإرجاع املتعاقدين إلى الوضعية السابقة عن‬

‫التعاقد‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لعقد الكراء‪ ،‬الذي تكون فيه األجرة املستحقة عن‬

‫املدة السابقة على الفسخ بمثابة أجرة ال تعويض‪ ،‬أي أنها تعتبركمقابل للمنفعة التي‬

‫حصل عليها املكتري‪ .‬ومن ثم فإن القاض ي ال يملك أي سلطة تقديرية‪ ،‬تسمح له‬

‫بالزيادة في تلك األجرة أو اإلنقاص منها‪ 524.‬و هذا ما نستشفه من الفصل ‪ 659‬من‬

‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬

‫ومن تم فإن أثر الفسخ على العقد الزمني ينحصر في إنهاء العقد أي محو آثاره‬

‫املستقبلية واإلبقاء على الروابط القانونية التي تمت في املاض ي‪ .‬فعقد الكراء مثال‬

‫إذا تقرر فسخه ال يعود املتعاقدان إلى ما كان عليه قبل العقد‪ ،‬بل يزول أثر العقد‬
‫بالنسبة للمستقبل ليس إال و كذلك عقد العمل و العقود الزمنية األخرى‪525.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬آثار الفسخ بالنسبة لألغيار‬

‫ال يقتصر أثر الفسخ املتمثل في انحالل العقد بأثر رجعي على أطر افه‪ ،‬بل يمتد‬

‫إلى الغير مع ما يترتب عن ذلك من ضرورة استرداد األشياء التي انتقلت إليه متى كان‬

‫ذلك ممكنا‪ ،‬ففي عقد البيع على سبيل املثال‪ ،‬فإذا قام املشتري ببيع الش يء الذي‬

‫‪ 524‬ر‬
‫الشقاوي عبد الرحمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.319‬‬
‫‪ 525‬التجمان زيد قدري ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.206‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 306‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اشتراه إلى مشتر آخر أو رتب عليه حقا عينيا معينا‪ ،‬و بعد ذلك حكمت املحكمة‬

‫بالفسخ بناء على إرجاع محل البيع خاليا من جميع الحقوق التي أثقلت به‪. 526‬‬

‫غيرأن سريان آثارالفسخ بأثررجعي على الغيرقد يتعارض في بعض الحاالت مع‬

‫بعض القواعد القانونية التي تقض ي بعدم امتداد هذا األثرإلى الغيرمن قبيل‪:‬‬

‫‪-‬ضرورة مراعاة قاعدة اكتساب الحقوق بحسن النية في مجال املنقول املحكوم‬

‫بقاعدة "الحيازة في املنقول سند للملكية"‪.527‬‬

‫‪-‬الغيرالذي تقررله حق عيني على عقاروشهره وفقا للقانون وبحسن نية ال يؤثر‬

‫فسخ عقد سلفه على حقوقه‪ ،‬ألن الغير في مثل هذه الحالة يعد حسن النية بمجرد‬

‫قيامه بتقييده حقه على الرسم‪.‬‬

‫‪-‬الغير الذي تمسك بالتقادم الطويل‪ ،‬للغير أن يتمسك بالتقادم الطويل‬

‫كالحالة التي يشتري فيها شخص عينا ويبيعها إلى آخر‪ ،‬ويبقى املشتري الثاني واضعا‬

‫يده على العين ‪15‬سنة‪ ،‬وبعد ذلك يطلب البائع فسخ البيع األول لسبب من أسباب‬

‫الفسخ‪ ،‬في هذه الحالة ال يؤثر الفسخ في حق الغير أي املشتري الثاني إذ يستطيع أن‬

‫يتمسك بالتقادم‪.‬‬

‫‪ 526‬ر‬
‫الشقاوي عبد الرحمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 319‬و ‪.320‬‬
‫ن‬
‫المغرن عىل‪ ":‬يفتض يف الحائز بحسن النية شيئا منقوال أو مجموعة من المنقوالت‬
‫ن ي‬ ‫‪ 527‬نص الفصل ‪ 456‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫قانون و عىل وجه صحيح‪ ،‬و عىل من يدىع العكس أن يقيم الدليل عليه‪ .‬وال يفتض‬ ‫السء بطريق‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫أنه قد كسب هذا ي‬
‫السء أن من تلقاه منه لم يكن له حق الترصف‬ ‫ر‬ ‫حسن النية فيمن كان يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم عند تلقيه‬
‫ي‬
‫فيه"‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 307‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وبعد هذه الجولة مع مفهوم الفسخ وأحكامه و آثاره في املجال املدني‪ ،‬والتي‬

‫اتضحت من خاللها أهمية هذه املؤسسة في صيانة حقوق الدائن الذي تضرر‬

‫مصلحته نتيجة عدم وفاء املدين‪ ،‬وهو بذلك يضمن التوازن بين أطراف العقد‪ .‬غير‬

‫أن انتقال هذه املؤسسة إلى املجال التجاري ال شك سيصبغ عليه خصوصيات‪،‬‬

‫تجعلها متميزة بتميزاملجال التجاري‪ ،‬وهو محل الحديث في املبحث املوالي‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬خصوصية الفسخ بني املادة املدنية واملادة التجارية‬

‫نشأت مؤسسة الفسخ في أحضان القانون املدني‪ ،‬ذلك أن ظهير االلتزامات‬

‫والعقود نظمها ضمن الباب املتعلق بتنفيذ االلتزامات و آثاره‪ .‬لكن هذا ال يعني أن‬

‫تبقى هذه املؤسسة حكرا على هذا املجال‪ ،‬و إنما انتقلت إلى مجموعة من القوانين‬

‫خاصة منها املرتبطة بالحياة االقتصادية‪ ،‬وعلى رأسها القانون التجاري بشتى‬

‫فروعه‪ .‬غيرأن انتقال هذه املؤسسة للقانون التجاري جعل لها خصوصية تنفرد بها‬

‫عن املجال املدني‪ .‬وألجل بيان خصوصيات هذه املؤسسة بين املجال املدني‪ ،‬ونظيره‬

‫التجاري‪ ،‬نقتصر على دراسة نموذجين‪ .‬إذ تم تناول فسخ العقود الجارية في إطار‬

‫صعوبات املقاولة كنموذج للفسخ في املادة التجارية (املطلب األول)‪ ،‬وتم تناول‬

‫الفسخ الجزئي الذي يكون محله العقود املدنية (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 308‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬فسخ العقود اجلارية يف إطار املادة التجارية‬

‫نشأ الفسخ بداية في املجال التعاقدي لضمان استقرار املعامالت‪ ،‬وتحقيق‬

‫التوازن العقدي‪ .‬و انتقل إلى القانون التجاري بشتى فروعه‪ .‬فقد نهل هذا األخير‬

‫مقتضيات عديدة من القانون املدني‪ ،‬بل إن املشرع في بعض العقود لم يبين كيفية‬

‫فسخها‪ ،‬ففتح املجال أمام القواعد العامة لتتولى ذلك‪ ،‬وخيرمثال هو عقد التسيير‬

‫الحر‪ ،‬حيث يكون القاض ي ملزما للرجوع للقواعد العامة‪ ،‬وتحديدا الفصول‬

‫املنظمة لفسخ عقد الكراء في قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫ويمثل العقود الجارية في إطار صعوبات املقاولة نموذجا مهما في املجال‬

‫التجاري‪ ،‬دفعت إليه الرغبة في صيانة املصلحة االقتصادية العامة‪ ،‬التي تحاول‬

‫إنقاذ املقاولة من شبح التصفية‪ ،‬والحفاظ على مصالحها‪ ،‬وكذا مصالح مختلف‬

‫املتعاملين معها‪ .‬ويقصد بالعقود الجارية العقود املتعلقة بتقديم خدمة أو توريد أو‬

‫تزويد أو غيرها‪ ،‬والتي تكون سارية التنفيذ عند صدور مقرر حكم فتح مسطرة‬
‫معالجة صعوبات املقاولة‪528.‬‬

‫وال بد من التمييزبين القاعدة العامة التي تمنح للسنديك السلطة التقديرية في‬

‫اتخاذ قرار استمرار العقود الجارية أو عدمه‪( ،‬وهو ما سنعالجه في هذا املطلب)‪،‬‬

‫فاىل‪ ،‬ط ‪(2‬الرباط‪ )2015 ،‬ص ‪.146‬‬


‫‪ -‬مساطر معالجة صعوبات المقاولة‪ ،‬عالل ي‬
‫‪528‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 309‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وبين الحالة التي نظمها املشرع بمقتضيات خاصة‪ ،‬وهي حاالت الكراء وعقد الشغل‬

‫وعقد التأمين‪.‬‬

‫ويقوم هذا التمييز على مستوى أسباب الفسخ‪ ،‬و آثاره وإجراءاته لبيان أثر‬

‫التطورات االقتصادية على مؤسسة الفسخ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬على مستوى أسباب الفسخ‪ :‬يحكم العقد بين األطراف مبدأ القوة امللزمة‬

‫للعقود الذي يجسد الطابع اإلجباري للعقد‪ ،‬ذلك أن كل طرف يلزمه الوفاء بما وعد‬

‫القيام به‪ ،‬وإذا حدثت أسباب تحول دون تطبيق هذا املبدأ‪ ،‬ومن بينها حالة تحقق‬

‫الشرط الفاسخ املتفق عليه مسبقا بين األطراف أو الحالة التي يخل فيها أحد‬

‫املتعاقدين بالتزاماته املتقابلة‪ ،‬يحق للمتعاقد املتضررطلب فسخ العقد‪529.‬‬

‫ولقد عطل املشرع التجاري هذين الفصلين من خالل الباب الخامس من مدونة‬

‫التجارة‪ ،‬واملتعلق بإجراءات الوقاية واملعالجة من صعوبات املقاولة‪ ،‬وتحديدا في‬

‫املادة ‪ 573‬املنظمة للعقود الجارية‪ ،‬وذلك استجابة للمصلحة االقتصادية للمقاولة‬

‫كوحدة داخل االقتصاد الوطني تؤدي تصفيتها إلى إلحاق أضرار بالعديد من‬

‫الفاعلين‪ .‬وحين راهن املشرع على استمرارية املقاولة في أفق إسعافها‪ ،‬كان من‬

‫الطبيعي أن يستند ذلك على ضمان استمرار العقود الجارية التي تربط املقاولة مع‬

‫ن‬
‫االلتامات والعقود‪:‬‬ ‫ن‬ ‫‪ - 529‬نص ر‬
‫المغرن يف الفصل ‪ 259‬من قانون‬
‫ي‬ ‫المشع‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫"إذا كان المدين يف حالة مطل كان للدائن الحق يف إجباره عىل تنفيذ االلتام‪ ،‬ما دام تنفيذه ممكنا‪ .‬فإن لم ممكنا جاز‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫الحالتي‪"....‬‬ ‫للدائن أن يطلب فسخ العقد‪ ،‬وله الحق يف التعويض يف‬
‫ونص الفصل ‪ :260‬إذا اتفق المتعاقدان عىل أن العقد يفسخ عند وفاء أحدهما ن‬
‫بالتاماته وقع الفسخ بقوة القانون‪،‬‬
‫بمجرد عدم الوفاء‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 310‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املتعاقدين معها‪ ،‬إذ أصبح ينظرإلى العقد ليس كرابطة بين إرادتين بل كأحد أموال‬

‫املقاولة‪ ،‬يتعين حمايته وتحصينه وتوظيفه في الحل املرتقب للمقاولة‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى املادة ‪ 573‬نجدها تنص على أنه‪" :‬يجب على املتعاقد أن يفي‬

‫بالتزاماته رغم عدم وفاء املقاولة بالتزاماتها السابقة لفتح املسطرة"‪ .‬وال شك أن هذا‬

‫املقتض ى يشكل قطيعة مع القواعد العامة التي تعتبر إخالل املدين بالتزاماته يعد‬

‫سببا لطلب فسخ الرابطة التعاقدية‪.‬‬

‫وبالرغم من قسوة وحدة ما جاءت به املادة ‪ 573‬فإنها تعتبرمنطقية بشكل جلي‪،‬‬

‫إذ كيف يمكن تسوية املقاولة إذا توقفت العقود الجارية عن تزيدها بالسلع‬

‫والخدمات‪ 530،‬وذلك وهو ما تجسد في قرار عن محكمة االستئناف التجارية بفاس‬

‫أنه‪" :‬طبقا ألحكام الفصل ‪ 573‬من مدونة التجارة‪ ،‬فإنه ال يحق للمتعاقد مع املقاولة‬

‫الخاضعة ملسطرة التسوية القضائية فسخ العقد الذي يربط في حالة عدم الوفاء‬
‫بالتزاماتها إال بعد توجيه إنذار إلى السنديك يظل بدون جواب ملدة تفوق شهرا"‪531‬‬

‫إن تعطيل املادة ‪ 573‬ألسباب الفسخ اعتبر تراجعا ملبدأ القوة امللزمة للعقد‪،‬‬

‫فاملشرع أعفى املقاولة الخاضعة ملسطرة املعالجة من التقيد بمبدأ القوة امللزمة‬

‫ن‬ ‫ن‬ ‫‪- 530‬مؤسسة الفسخ ن‬


‫المدن ومتطلبات الحياة االقتصادية‪ -‬العقود الجارية يف إطار نظام معالجة‬ ‫بي ثوابت القانون‬
‫ن‬ ‫ي أ‬
‫صعوبات المقاولة نموذجا‪ -‬إمان النيس‪ ،‬مجلة األبحاث يف القانون واالقتصاد والتدبت‪ ،‬ع ‪ .2016 ،2‬ص ‪.147‬‬
‫‪ - 531‬قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية بفاس‪ ،‬رقم ‪ 1025‬الصادر بتاري خ ‪ ،2004/09/23‬ملف عدد‬
‫‪ 2004/560‬قرار منشور بقرص مدمج أصدرته وزارة العدل تحت عنوان‪ :‬اجتهادات محاكم االستئناف التجارية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 311‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫للعقد‪ ،‬في الوقت الذي ألزم به الطرف اآلخر املتعاقد معها رغم عدم وفاء املقاولة‬

‫بالتزاماتها السابقة لفتح املسطرة‪.‬‬

‫ولقد انقسمت تفسيرات تجميد أثرالفسخ الوارد في املادة ‪ 573‬إلى طائفتين‪:‬‬

‫الطائفة األولى‪ :‬أعزت تعطيل املادة ‪ 573‬ألسباب الفسخ العامة لكون هذه‬

‫األخيرة تتعارض مع مبدأ استمرار املقاولة‪ ،‬وبالتالي كبح النمو االقتصادي من جهة‪،‬‬

‫ومن جهة أخرى فإن األسباب العامة تتعارض مع ما جاءت به املادة ‪ 653‬من مدونة‬

‫التجارة التي تمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت فتح‬
‫املسطرة ترمي إلى فسخ العقد لعدم أداء مبلغ من املال‪532 .‬‬

‫الطائفة الثانية‪ :‬استند هذا الرأي على بيان طبيعة الفسخ الذي يبقى ذو طابع‬

‫احتياطي بما أن الدائن في األصل يمكنه في حالة تماطل املدين أن يجبره على التنفيذ‪،‬‬

‫ما دام أن الهدف من تعاقده هو الحصول على أداء الطرف اآلخر أي املدين‪ .‬وقد‬

‫عضد هذا التفسير توجهه بما ورد في املادة ‪ 259‬من ق‪.‬ل‪.‬ع التي منحت للدائن‬

‫واملحكمة خيار سلوك الطريق األصلي وهو دعوى التنفيذ أو سلوك الطريق‬
‫االحتياطي الذي يتجسد في الفسخ‪533 .‬‬

‫المدن ومتطلبات الحياة االقتصادية‪ ،-‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.147‬‬ ‫ن‬ ‫بي ثوابت القانون‬‫‪- 532‬مؤسسة الفسخ ن‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫يىل‪ :‬إذا كان المدين يف حالة مطل كان للدائن الحق يف إجباره عىل تنفيذ االلتام‪ ،‬مادام‬ ‫‪533‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫‪ -‬نص الفصل ‪ 259‬عىل ما ي‬
‫ن‬
‫تنفيذه ممكنا‪ .‬فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد‪ ،‬وله الحق يف التعويض يف الحالتي‪:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 312‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وال شك أن هذان التفسيرين يكمالن بعضهما البعض‪ ،‬إذ يشكالن وحدة يمكن‬

‫من خاللها فهم وتفسير الغاية التي كانت وراء تعطيل أسباب الفسخ في املادة ‪.573‬‬

‫واملتمثلة في حماية املصلحة االقتصادية للمقاولة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االختصاص في اتخاذ قرارفسخ العقد‪ :‬تعد مسألة منح اختصاص البت‬

‫في مصيرالعقود الجارية للسنديك ميزة من مميزات الفسخ التجاري‪ ،‬تجعله يتميزعن‬

‫القواعد العامة‪ ،‬فبالرجوع إلى املادة ‪ 573‬من مدونة التجارة‪ ،‬نجدها تمنح صالحية‬

‫االختيار للسنديك وحده‪ ،‬فهو الجهاز الوحيد في نظام معالجة صعوبات املقاولة‬

‫الذي يملك الكلمة الفصل‪ ،‬وذلك بتقريره مواصلة العقد أو فسخه‪ .‬إن السنديك‬

‫عندما يمارس مهامه ال يقاسمه هذه الصالحية ال القاض ي املنتدب وال أي جهاز آخر‬

‫من أجهزة املسطرة الجماعية بل حتى املدين ال يملك سلطة تحديد مصير العقد‬

‫الجاري‪ ،‬فهذه اإلمكانية مخولة للسنديك فقط وال يزاحمه فيها ال املقاول وال الطرف‬

‫املتعاقد‪ .‬فهذه السلطة من النظام العام وال تخضع ألي استثناء اتفاقي أو قضائي أو‬
‫قانوني‪ ،‬ويترتب على تجاوزها البطالن‪534.‬‬

‫ويالحظ أن املشرع أعطى للسنديك هذا الحق نظرا لتفضيل وضعية املقاولة‬

‫على أوضاع أخرى‪ ،‬ألنها في حاجة إلى ضمان استمرارية استغاللها على أمل إنقاذها‬

‫من جهة‪ .‬ومن جهة أخرى يفترض في السنديك‪ ،‬ممثل جهة القضاء‪ ،‬أن يتحلى‬

‫العروص‪ ،‬المجلة‬
‫ي‬ ‫‪ - 534‬مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكتية‪ ،‬محمد‬
‫المغربية لقانون األعمال والمقاوالت‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 313‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بالحياد واملوضوعية األمر الذي يجعله يراعي موقفه من مواصلة تنفيذ العقود من‬
‫عدمه بدرجة أساسية وضعية املقاولة‪535 .‬‬

‫ثالثا‪ :‬على مستوى إجراءات الفسخ‪ :‬لكي يتمكن الدائن من فسخ العقد الذي‬

‫ربطه بمدين مماطل‪ ،‬يتعين عليه إتباع مجموعة من اإلجراءات التي اختلف تنظيمها‬

‫بين القانون املدني والقانون التجاري‪ .‬فأما الفسخ املدني‪ ،‬تختلف إجراءاته بحسب‬

‫نوع الفسخ‪ .‬ففي الفسخ القضائي‪ ،‬فإن إجراءات الفسخ تتمثل في االعذار‪ ،‬وفي طلب‬

‫الفسخ من املحكمة‪ .‬أما عندما يتعلق األمر بالفسخ االتفاقي‪ ،‬فإن إجراءاته تخضع‬

‫باألساس إلرادة األطراف‪ ،‬لكن فيما يخص العقود الجارية نجد أن األمر مختلف‬

‫تماما‪ ،‬حيث يجب أن نميزبين الفسخ الذي يتم بمبادرة من السنديك‪ ،‬والفسخ الذي‬

‫يتم بمبادرة من املتعاقد‪.‬‬

‫‪ -1‬فسخ العقد الجاري بمبادرة من السنديك‪ :‬لم يقيده املشرع املغربي بشكليات أو‬
‫آجال معينة‪536.‬‬

‫‪ -2‬الفسخ الذي يكون بمبادرة من املتعاقد‪ ،‬فقد قيده املشرع بإجراءات وآجال‬

‫محددة يجب احترامها‪ ،‬وعليه فإذا كانت إرادة املتعاقد تنسحب نحو فسخ العقد‬

‫‪ - 535‬رشح أحكام نظام مساطر معالجة صعوبات المقاولة ن يف ضوء القانون ‪ ،73.17‬عبد الرحيم شميعة‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫‪ - 536‬مؤسسة الفسخ ن‬
‫المدن ومتطلبات الحياة االقتصادية‪ -‬العقود الجارية يف إطار نظام معالجة‬
‫ي‬ ‫بي ثوابت القانون‬
‫صعوبات المقاولة نموذجا‪ -‬إمان النيس‪ ،‬ص‪.149‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 314‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الجاري‪ ،‬ففي هذه الحالة يتعين عليه أن يوجه إنذارا إلى السنديك‪ ،‬فإن ظل دون‬
‫جواب ملدة تفوق شهرا فسخ العقد بقوة القانون‪537 .‬‬

‫ولقد أثارت اإلجراءات التي يجب على املتعاقد أن يتبعها من أجل فسخ العقد‬

‫الجاري الذي يجمعه مع املقاولة موضوع الصعوبات مجموعة من اإلشكاالت سواء‬

‫في التشريع املغربي أو الفرنس ي‪ 538 .‬ومن أهم اإلشكاالت ما يتعلق بكيفية احتساب‬

‫أجل الشهراملنصوص عليه في املادة ‪ ، 573‬هل يبدأ احتسابه من تاريخ توجيه اإلنذار‬

‫أو من تاريخ التوصل به من طرف السنديك‪ .‬ولقد اعتبرجانب من الفقه بأن حساب‬

‫األجل يبدأ من تاريخ إرسال اإلنذار‪ .‬في حين يرى جانب آخر من الفقه أن أجل الشهر‬

‫يجب احتسابه من تاريخ التوصل ال من تاريخ اإلرسال‪ ،‬وإن كان التوصل صعب‬

‫اإلثبات‪ ،‬ويعطل املسطرة في بعض األحيان إال أنه يعد أكثر عدالة و إنصافا‪ .‬وقد تم‬

‫تأييد هذا الرأي األخيرالعتبارآخريكمن في كون املشرع املغربي لم ينص على إمكانية‬

‫التمديد‪ ،‬فاألنسب أن يحتسب األجل كامال ال ناقصا‪ ،‬ألن االعتداد بتاريخ اإلرسال‬

‫قد يؤدي إلى التقليص من أجل الشهر حيث أن الفقرة الفاصلة بين تاريخ اإلرسال‬
‫وتاريخ التوصل قد تستغرق بضعة أيام‪539.‬‬

‫إن تنظيم املشرع لكيفية فسخ العقد الجاري قد أثار إشكاال آخر‪ ،‬ففي الحالة‬

‫التي يظل فيها اإلنذار بدون جواب بعد مرور أجل الشهر ‪ ،‬فإن العقد يفسخ بقوة‬

‫فاىل‪ ،‬ص ‪.227‬‬


‫عالل ي‬ ‫‪- 537‬مساطر معالجة صعوبات المقاولة‪،‬‬
‫ن‬
‫المدن ومتطلبات الحياة االقتصادية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.150‬‬ ‫بي ثوابت القانون‬‫‪ - 538‬مؤسسة الفسخ ن‬
‫ني‬
‫المدن ومتطلبات الحياة االقتصادية‪ ،‬ص‪.150‬‬ ‫ن‬
‫‪ - 539‬مؤسسة الفسخ بي ثوابت القانون‬
‫ي‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 315‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫القانون كدليل عن تنازل السنديك على استمرارية العقد الجاري‪ ،540‬إن الخالف‬

‫الذي أثير يتمحور حول قرينة هذا التنازل هل هي قرينة قاطعة أم قرينة بسيطة‪ .‬في‬

‫هذا اإلطار هناك من يرى أن القرينة املقررة في العقود الجارية قرينة بسيطة يمكن‬

‫إثباتها عكسها‪ ،‬بمعنى أن التنازل عن طريق السكوت ال يعتبر قاطعا ينتفي معه‬

‫استمرارالعقد‪ 541.‬إال أن الغرفة التجارية ملحكمة النقض الفرنسية في قرارلها صادر‬

‫بتاريخ ‪ 11‬دجنبر ‪ 1990‬أكدت الخاصية القطعية لقرينة األجل املنصوص عليه في‬

‫املادة ‪ 37‬من قانون املساطر الجماعية (واملطابقة للمادة ‪ 573‬من مدونة التجارة‬

‫املغربية) وأصبحت هذه القاعدة قاعدة موضوع‪ ،‬وقد تم تأييد هذا التوجه على‬

‫اعتبار أن االستناد إلى القرينة البسيطة يحتمل تفسيرين‪ ،‬والحال أن وضعية‬


‫املقاولة تستوجب بيان وضعيتها بشكل قاطع‪542 .‬‬

‫رابعا‪ :‬على مستوى آثار الفسخ‪ :‬يرتب الفسخ في املجال املدني مجموعة من‬

‫اآلثار‪ ،‬وتتمثل أساسا في إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه باإلضافة للتعويض‪ .‬وهو ما‬

‫اتضح من خالل الفقرة األولى من الفصل ‪ 259‬التي جاء فيها‪" :‬إذا كان املدين في حالة‬

‫مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ االلتزام‪ ،‬ما دام تنفيذه ممكنا‪ .‬فإن لم‬

‫يكن ممكنا جازللدائن أن يطلب فسخ العقد‪ ،‬وله الحق في التعويض في الحالتين‪"....‬‬

‫فقد نص املشرع على الحق في التعويض‪ ،‬واعتبره ثابتا في حالة إجبار املدين على‬

‫فاىل‪ ،‬ص ‪.228‬‬


‫‪-‬مساطر معالجة صعوبات المقاولة‪ ،‬عالل ي‬
‫‪540‬‬

‫العروص‪ ،‬المجلة‬
‫ي‬ ‫‪ - 541‬مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكتية‪ ،‬محمد‬
‫المغربية لقانون األعمال والمقاوالت‪ ،‬ع ‪ ،2004 ،4‬ص ‪. 22‬‬
‫‪ - 542‬مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكتية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 316‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تنفيذ العقد‪ ،‬وفي حالة فسخ العقد‪ .‬وال شك أن املشرع في املادة املدنية يراعي‬

‫مصلحة الدائن‪ ،‬ويحيطها بمجموعة من الضمانات‪ ،‬كما أنه يسهم في اإلعالء من‬

‫شأن القوة امللزمة للعقد‪.‬‬

‫ويتميزفسخ العقود الجارية في إطارنظام معالجة صعوبات املقاولة بمجموعة‬

‫من الخصوصيات‪ ،‬فاملادة ‪ 573‬من مدونة التجارة تمنح للمتعاقد الذي ال يختار‬

‫السنديك متابعة تنفيذ عقده‪ ،‬إمكانية رفع دعوى للتعويض عن األضرارالتي لحقت‬

‫به جراء فسخ العقد الذي كان يربطه باملقاولة موضوع املسطرة القضائية‪ ،‬إال أن‬

‫هذا التعويض تطبعه مجموعة من الخصوصيات جعلته يتميز عن ذلك املنظم في‬

‫إطار القواعد العامة‪ ،‬فإذا تأملنا املادة ‪ 573‬من مدونة التجارة نجدها تستعمل‬

‫كلمة" يمكن"‪ ،‬فهذه العبارة ال تسمح بالحسم النهائي في أحقية التعويض الذي قد‬
‫يطالب به املتعاقد املتضرر من جراء عدم مواصلة تنفيذ العقد‪543‬‬

‫تمثل مؤسسة الفسخ في املجال املدني تجسيدا حقيقيا ملبدأ القوة امللزمة الذي‬

‫يحكم العقد‪ ،‬فهي اآللية التي خولها القانون للدائن في مواجهة مطل املدين في إطار‬

‫مبادئ العدالة والتوازن العقدي بين األطراف‪ .‬ولقد لحقتها مجموعة من التغيرات‬

‫في املجال التجاري‪ ،‬ومن أهمها تكسير حدة القوة امللزمة للعقد‪ .‬وال شك أن‬

‫‪ 543‬الفقرة الثالثة من المادة ‪ :573‬عندما ال يختار السنديك متابعة تنفيذ العقد‪ ،‬يمكن أن يؤدي ذلك إىل دعوى‬
‫ن‬ ‫للتعويض عن ن‬
‫األضار يدرج مبلغه يف قائمة الخصوم"‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 317‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫خصوصية املجال التجاري الذي يتسم بديمومة الحركية والتطوركان لها األثرالكبير‬

‫في تميزه عن نظيره املدني‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الفسخ اجلزئي يف العقود املدنية‬

‫ما شرعت العقود إال لتلبية حاجات األفراد وتحقيق غاياتهم‪ ،‬غير انه قد يخل‬

‫أحد املتعاقدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية‪ ،‬كأن يقتصر املدين على تنفيذ العقد في‬

‫جزء منه فقط أو ينفذ العقد تنفيذا معيبا مخالفا للشروط واملواصفات املتفق‬

‫عليها‪ ،‬فيكون من حق الدائن املطالبة بفسخ العقد‪ .‬وإذا كان عدم تنفيذ العقد في‬

‫شموليته‪ ،‬أو مخالفة التزامات جوهرية في العقد‪ ،‬يعد خطأ جسيما يبرر الحكم‬

‫بالفسخ الكلي للعقد‪ ،‬فإن تنفيذ جزء منه يثيرإشكاال حول مصيرالعالقة التعاقدية‪.‬‬

‫ومن أجل إعادة التوازن العقدي لاللتزامات املتقابلة‪ ،‬فتح املجال للقاض ي لبسط‬

‫سلطته التقديرية في إيقاع الفسخ الجزئي للعقد كآلية لضمان مالئمة الجزاء مع‬

‫عدم التنفيذ الجزئي أو التنفيذ املعيب للعقد‪ ،‬كلما تكونت لديه قناعة بعدم جدوى‬

‫محو العالقة التعاقدية كليا‪ ،‬وتو افرت شروط الحكم بفسخ العقد جزئيا‪ .‬ولقد‬

‫تضمن قانون االلتزامات والعقود مقتضيات تخص الفسخ الجزئي في الفصل ‪558‬‬

‫حيث أجاز للمشتري أن يطلب فسخ البيع بالنسبة للجزء املعيب وحده من األشياء‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 318‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التي اشتراها صفقة واحدة وبثمن إجمالي‪ 544،‬وكذا الفصل ‪ 336‬من نفس القانون‬
‫حيث نص على أن الفسخ ال يقع إال في جزء من العقد الذي لم ينفذ ‪.545‬‬

‫وملعالجة إشكالية الفسخ الجزئي كآلية لضمان استمرار العالقة التعاقدية‪،‬‬

‫وضمان استمرار املعامالت‪ ،‬نقسمها إلى نقطتين‪ ،‬يتحدث في األولى عن شرط إيقاع‬

‫الفسخ الجزئي (الفقرة األولى) وفي الثانية عن عدم التنفيذ كو اقعة تبرر الحكم‬

‫بالفسخ الجزئي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬قابلية العقد للتجزئة كشرط إليقاع الفسخ اجلزئي‬

‫يشترط للحديث عن الفسخ الجزئي أن يكون العقد قابال للتجزئة‪ .‬ويطلق عليه‬

‫تسميات أخرى من قبيل قابلية العقد لالنقسام أو قابليته لالنفصال أو ما يطلق‬

‫عليه لدى فقهاء الفقه اإلسالمي بقابلية الصفقة للتفريق أو التبعيض‪ ،‬وترد هذه‬

‫التسميات في إطار معنى واحد أال وهو " الفصل بين شقي العقد‪ ،‬إذا كان العقد في‬

‫ذاته قابال لالنقسام‪ ،‬بحيث يكون صحيحا في الشق املتبقي منه"‪ .546‬وينصب معيار‬

‫القابلية للتجزئة أو عدمها على االلتزامات املكونة للعقد‪ ،‬وهو ما يفسر اقتصار‬

‫االجتهاد القضائي أساسا على العقود التي موضوعها األموال‪ .‬أما في عقد الشغل‬

‫ن‬ ‫ر‬
‫إجماىل‬
‫ي‬ ‫يىل‪ ":‬إذا بيعت عدة أشياء مختلفة صفقة واحدة بثمن‬ ‫‪ -‬نص المشع يف الفصل ‪ 558‬من ق‪.‬ل‪.‬ع عىل ما ي‬
‫‪544‬‬

‫واحد‪ ،‬كان للمشتي ولو بعد التسليم‪ ،‬أن يطلب فسخ البيع بالنسبة إىل الجزء المتعيب وحده من هذه األشياء ورد ما‬
‫يقابله من الثمن‪"...‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ر‬
‫المشع يف الفصل ‪ 336‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪" :‬إذا كانت االستحالة جزئية لم ينقض االلتام إال جزئيا‪ .‬فإذا كان من‬ ‫‪- 545‬نص‬
‫ن‬
‫الجزن وبي أن يفسخ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫طبيعة هذا االلتام أن ال يقبل االنقسام إال مع ضر للدائن‪ ،‬كان له الخيار بي أن يقبل الوفاء‬
‫ي‬
‫االلتام ن يف مجموعه"‪.‬‬‫ن‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫المدن‪،‬‬
‫ي‬ ‫خواص‪ ،‬مجلة القضاء‬
‫ي‬ ‫المغرن والمقارن‪ ،-‬رشيد‬
‫ي‬ ‫الجزن للعقود المدنية‪ -‬دراسة يف ضوء القانون‬‫ي‬ ‫‪ - 546‬الفسخ‬
‫ع ‪ ،2016 ،13‬ص ‪.32‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 319‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الذي ينصب على استثمارعمل األجير‪ ،‬فإن قابلية االلتزام للتجزئة غيرمتاحة دائما‪.‬‬

‫‪ 547‬ويشترط ليكون العقد قابال للتجزئة ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬استقرار الطبيعة القانونية للعقد بعد إنقاصه‪ :‬ويراد بذلك أن يتضمن‬

‫الجزء املتبقي من العقد األركان الالزمة لوجوده‪ ،‬أي يجب أال يؤدي إزالة بعض‬

‫األجزاء من العقد إلى تغيير وصفه القانوني‪ .‬وباملفهوم املخالف‪ ،‬إذا كان العقد بعد‬

‫بتر جزء منه‪ ،‬قد أصبح نموذجا قانونيا آخر غير األول‪ ،‬فعندها نكون أمام تحول‬

‫العقد‪ .‬ذلك أن أحد املتعاقدين قد يرتكب مخالفة للعقد‪ ،‬كأن يمتنع عن تنفيذ جزء‬

‫من العقد أو ينفذ جزءا من العقد لكن على نحو معيب‪ ،‬فإذا حقق تنفيذ العقد‬

‫املنفعة التي قصدها املتعاقد منه‪ ،‬رغم ما اعتراه من قصور‪ ،‬فإن املخالفة املرتكبة‬

‫في هذه الحالة ال تجيز الفسخ الكلي للعقد‪ .‬ومع ذلك قد يسمح بفسخ العقد جزئيا‬

‫بالنسبة للجزء الذي لحقه العيب أو الذي لم يتم تنفيذه وحده‪ ،‬بينما يظل الجزء‬
‫اآلخر منه قائما منتجا آلثاره بين طرفيه‪548 .‬‬

‫ثانيا‪ :‬بقاء الجزء اآلخر من العقد صالحا إلعمال حكمه‪ :‬ال يثير عدم تنفيذ‬

‫العقد بصورة إجمالية أي إشكال‪ ،‬إذ يمكن للمتعاقد اآلخر طلب الفسخ الكلي‬

‫للعقد‪ ،‬فيما يجسد التنفيذ الجزئي للعقد الفرق بين االلتزامات التي تعهد بها املدين‪،‬‬
‫وتلك التي قام بتنفيذها‪549 .‬‬

‫خواص‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫ن‬ ‫‪ - 547‬رشيد‬


‫ن ي‬
‫خواص ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫ي‬ ‫‪ - 548‬رشيد‬
‫خواص‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫المغرن والمقارن‪ ،-‬رشيد‬
‫ي‬ ‫الجزن للعقود المدنية‪ -‬دراسة يف ضوء القانون‬
‫ي‬ ‫‪ - 549‬الفسخ‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 320‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ولقد أورد املشرع املغربي تطبيقات للفسخ الجزئي للعقد وقابلية العقد للتجزئة‬

‫في إطارفصول قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬كالفصل ‪ 558‬الذي تحدث عن حالة ظهور‬

‫عيب في املبيع‪ ،‬حيث يمكن للمشتري أن يفسخ البيع بالنسبة إلى الجزء املعيب‬

‫وحده‪ ،‬ورد ما يقابله من الثمن‪ ،‬إذا كان باإلمكان تجزئة العقد‪ ،‬أوالفسخ الكلي للبيع‪.‬‬

‫وفي نفس اإلطارجاء الفصل ‪ 560‬من نفس القانون ليبين طريقة إنقاص الثمن لعيب‬

‫شاب الش يء املبيع‪ ،‬إذ يتم تقويم هذا األخير عند البيع خاليا من العيب‪ ،‬ثم تقويمه‬

‫على الحالة التي يوجد عليها‪ .‬ويتحدد املقدارالذي ينبغي إنقاصه من خالل الفرق بين‬

‫ثمن املبيع في الحالة األولى‪ ،‬وثمنه في الحالة الثانية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬عدم تنفيذ جزء من العقد أو تعيبه مع إمكانية االستغناء عن ذلك‬

‫الجزء‪ :‬يشترط لتطبيق قابلية التجزئة أن يكون الجزء املتبقي من العقد مما يشكل‬

‫بقاؤه عقدا مستقال‪ ،‬إذ تتو افرفيه أركان وشروط أي عقد‪ ،‬لكن دون أن يتحول بهذه‬
‫األركان لنوع آخر من العقود مغايرا للعقد األصلي‪550 .‬‬

‫ويستند العقد القابل للتجزئة على العديد من األسس‪ ،‬منها ما هو قانوني‪ ،‬ومنها‬

‫ما هو موضوعي‪ ،‬ومنها ما شخص ي‪ .‬أما األساس القانوني‪ ،‬فيراد به تلك النصوص‬

‫القانونية التي يضعها املشرع ويجبر األفراد على احترامها‪ ،‬واملتعلقة بحاالت فصل‬

‫جزء من العقد بصورة حتمية‪ ،‬كآلية لضمان التوازن العقدي وحماية لحقوق‬

‫الدائن‪ ،‬ونذكر من هذه الحاالت ما نص عليه املشرع املغربي في قانون االلتزامات‬

‫خواص‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬ ‫ن‬


‫ي‬ ‫المغرن والمقارن ‪،‬رشيد‬
‫ي‬ ‫الجزن للعقود المدنية‪ -‬دراسة يف ضوء القانون‬
‫ي‬ ‫‪ - 550‬الفسخ‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 321‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫والعقود في الفصل (‪ 551)542‬بخصوص حالة االستحقاق الجزئي الذي يبلغ من‬

‫األهمية حدا بحيث يعيب الش يء املبيع‪ ،‬حيث كفل املشرع للمشتري حقه في الخيار‬

‫بين استرداد الجزء الذي حصل استحقاقه‪ ،‬واالحتفاظ بالعقد بالنسبة للباقي‪ ،‬وبين‬

‫فسخ البيع فسخا كليا واسترداد مجموع الثمن‪ .‬أما إذا كان الجزء املستحق لم يبلغ‬

‫من األهمية الحد الكافي لتبرير الفسخ الكلي لعقد البيع‪ ،‬فإنه ليس للمشتري إال‬

‫إنقاص الثمن بقدر ما استحق‪ ،‬وهو أحد تطبيقات الفسخ الجزئي للعقد‪ .‬أما‬

‫األساس الشخص ي‪ ،‬فيقصد بذلك أن يكون الجزء املتبقي من العقد بعد تجزئته‬

‫مما اتفق عليه األطراف‪ ،‬أي أن هذا الجزء قابل للوجود الذاتي املستقل في نظر‬

‫املتعاقدين‪ ،‬وهذا األمر ال يتحقق إال إذا كان الجزء املنفصل من العقد ال يشكل‬

‫مسألة جوهرية في قصدهما‪ ،‬أوكما يطلق عليه بالشرط أوالشق الدافع إلى التعاقد‪.‬‬

‫فلو تبين أن العقد كان يشكل وحدة متكاملة في نظر أحد املتعاقدين‪ ،‬ملا كان هناك‬

‫إمكانية إعمال فكرة االنتقاص‪ ،‬وهذا ينطبق على العقود املركبة‪ ،‬حيث يتم التعاقد‬

‫على أساس القبول بكافة الجوانب التي تشكل الصفقة‪ 552.‬في حين أن األساس‬

‫املوضوعي يرتكز على طبيعة محل العقد‪ ،‬فإذا كانت األشياء قابلة لالنقسام‬

‫والتجزئة فهو كذلك‪ ،‬وإال فال تتحقق هذه القابلية‪ ،‬وهو ما جاء في الفقرة األولى من‬

‫ن‬ ‫ن‬
‫الجزن الذي يبلغ من األهمية حدا بحيث‬
‫ي‬ ‫‪ - 551‬ينص الفصل ‪ 542‬من ق‪.‬ل‪.‬ع يف فقرته األوىل‪ :‬يف حالة االستحقاق‬
‫الشاء لو علم به‪ ،‬يثبت للمشتي الخيار ن‬
‫بي استداد ثمن‬ ‫السء المبيع‪ ،‬وبحيث أن المشتي كان يمتنع عن ر‬ ‫يعيب ر‬
‫ي‬
‫ن‬
‫الباف‪ ،‬وبي فسخ البيع واستداد كل الثمن‪.‬‬ ‫الجزء الذي حصل استحقاقه واالحتفاظ بالبيع بالنسبة اىل‬
‫ي‬
‫ن‬
‫االلتامات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.309‬‬ ‫‪- 552‬مصادر‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 322‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفصل ‪ 181‬من ق‪.‬ل‪.‬ع حيث يتضح من خالل استقراءها أن عدم القابلية لالنقسام‬
‫أو التجزئة ترجع إلى طبيعة األشياء دون تدخل القانون أو إرادة الطرفين‪553 .‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أثر واقعة عدم التنفيذ اجلزئي يف احلكم بالفسخ‬


‫اجلزئي للعقد‬

‫يشترط لكي يمارس الدائن املتعاقد حقه في طلب الفسخ‪ ،‬توفر و اقعة عدم‬

‫التنفيذ الجزئي‪ .‬ومن أجل النظر في طلب الفسخ‪ ،‬ينبغي على القاض ي تقدير جسامة‬

‫عدم التنفيذ للعقد كأرضية يؤسس عليها حكمه بقبول أو رفض الفسخ‪ .‬ولقد‬

‫اختلف الفقه حول املعيار الذي يطبقه القاض ي لتقدير جسامة اإلخالل بااللتزام‬

‫التعاقدي‪ ،‬فذهب اتجاه إلى اعتماد املعياراملوضوعي في تقديرو اقعة عدم التنفيذ‪،‬‬

‫ذلك أن محور اهتمامهم ينصب على طبيعة االلتزام‪ .‬فاإلخالل بتنفيذ التزام أصلي‬

‫يعد إخالال جسيما ملساسه بجوهر العقد من ناحية‪ ،‬ولتأثيره في توازنه من جهة‬

‫أخرى‪ ،‬الش يء الذي يبرراالستجابة لطلب الفسخ الكلي‪ .‬أما االلتزام التبعي‪ ،‬فال يعد‬

‫عدم تنفيذه جسيما‪ 554 .‬وهوما تجسد من خالل قرارملحكمة النقض الفرنسية صدر‬

‫بتاريخ ‪ ،1976‬والذي بموجبه رفض الحكم بفسخ عقد بيع آلة بعلة أن العيب الذي‬

‫شابها ال يعتبر جسيما وال مؤثرا إذ يمكن تصحيحه‪ .‬ويتضح أن القضاء الفرنس ي قد‬

‫ن‬
‫االلتام غت قابل لالنقسام‪:‬‬ ‫ن‬
‫‪ - 553‬جاء يف الفصل ‪ 181‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ :‬يكون‬
‫ن‬
‫بمقتض طبيعة محله‪ ،‬إذا كان هذا المحل شيئا أو عمال ال يقبل القسمة سواء كانت مادية أو معنوية‪"..،‬‬ ‫‪-‬‬
‫خواص‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫‪554‬‬
‫ي‬ ‫رشيد‬ ‫‪،‬‬ ‫‪-‬‬‫والمقارن‬ ‫المغرن‬
‫ي‬ ‫القانون‬ ‫ضوء‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫اسة‬
‫ر‬ ‫د‬ ‫‪-‬‬‫المدنية‬ ‫للعقود‬ ‫الجزن‬
‫ي‬ ‫الفسخ‬ ‫‪-‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 323‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تبنى معيارا موضوعيا‪ ،‬ذلك أن القاض ي عند نظره في الدعوى‪ ،‬يبحث عما إذا كان‬
‫موضوع العقد الزال قائما أم ال‪555 .‬‬

‫بينما استند اتجاه آخرعلى التقديرالذاتي لجسامة عدم التنفيذ‪ ،‬والذي يرتكز‬

‫على الوقوف عند اإلرادة الحقيقية للطرفين‪ ،‬إذ يمكن أن تتجه إرادة املتعاقدين عند‬

‫إبرام العقد إلى وجوب التنفيذ الكامل للعقد‪ .‬وال يتوقف القاض ي عند هذا الحد‪،‬‬

‫و إنما يهتم بمرحلة تنفيذ العقد‪ ،‬إذ يتوجب عليه أن يقيم سلوكات ونية املخل‬

‫بااللتزام‪ ،‬ذلك أن جسامة عدم التنفيذ تتمثل في الفرق بين اإلرادة املعلنة في العقد‬

‫وحدود ترجمتها إلى أفعال عند التنفيذ‪ .‬فإذا كان الجزء غير املنفذ مما يمكن تجاوزه‬

‫دون أن يؤثرعلى الهدف من العقد‪ ،‬فإنه يمكن إيقاع الفسخ الجزئي‪ ،‬فعلى القاض ي‬

‫إذن التحقق من قدرة األطراف على تحقيق األهداف املنتظرة من إبرام العقد‪،‬‬

‫والفسخ الجزئي ال يمكن إيقاعه إال في حالة نقص في العقد لعيب في التنفيذ أو عدم‬

‫تنفيذ جزئي‪ ،‬مع إمكانية جني األطراف املتعاقدة للفائدة املنتظرة عند إبرام العقد‪.‬‬
‫‪556‬‬

‫ويعتد القاض ي بسلوك الطرفين‪ ،‬فإذا طالب الدائن بفسخ العقد بسبب إخالل‬

‫املدين بالتزامه‪ ،‬فإن القاض ي يعتد بسلوك املدين كوسيلة لتقدير جسامة عدم‬

‫التنفيذ‪ .‬كما أنه ينظر في طلب الدائن بناء على ما توصل إليه من معطيات حول‬

‫جسامة اإلخالل بااللتزام‪ ،‬حيث يستجيب لطلب الفسخ كلما كان املدين مسؤوال عن‬

‫خواص‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫ن‬


‫ي‬ ‫المغرن والمقارن ‪،‬رشيد‬
‫ي‬ ‫الجزن للعقود المدنية‪ ،‬دراسة يف ضوء القانون‬
‫ي‬ ‫‪ - 555‬الفسخ‬
‫خواص ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫المغرن والمقارن‪ ،‬رشيد‬
‫ي‬ ‫الجزن للعقود المدنية‪ ،‬دراسة يف ضوء القانون‬
‫ي‬ ‫‪ - 556‬الفسخ‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 324‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التنفيذ مسؤولية كاملة من أجل إلحاق الضرر بمصلحة الدائن‪ ،‬أي أن املدين س يء‬

‫النية في التنفيذ‪ .‬أما إذا كان سلوك املدين خاليا من أي خطأ‪ ،‬فإن األمر يستدعي‬

‫إعادة التوازن بين االلتزامات العقدية من خالل تشطيراملخاطر‪ ،‬دونما حاجة للجوء‬
‫للفسخ‪557 .‬‬

‫عندما ينظر القاض ي في العقد‪ ،‬و يتبين له أن ما لم ينفذ من العقد قليل‬

‫األهمية باملقارنة بما نفذ‪ ،‬أو أن املدين حسن النية بإمكانه التنفيذ إذا خوله مهلة‪،‬‬

‫فإنه يرفض طلب الفسخ ويقض ي باإلمهال‪ 558،‬وهو ما نص عليه املشرع في الفصل‬

‫‪ 234‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ 559.‬وال شك أن القاض ي وهو ينظر في طلب الفسخ‪ ،‬فإنه يأخذ بعين‬

‫االعتبار كافة العناصر والظروف املتدخلة في املوضوع إلى غاية إصدار الحكم أو‬

‫القرار‪ ،‬وذلك لتقدير مدى جسامة إخالل املدين بالتزاماته العقدية‪ .‬وفي هذا اإلطار‬

‫صدر حكم للمحكمة االبتدائية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 29‬دجنبر ‪ ،2009‬رفضت‬

‫بموجبه املحكمة االستجابة لطلب الفسخ وذلك بعلة أنه‪ ":‬لم يستند على أسباب‬

‫قانونية واضحة‪ ،‬خاصة وأن عقد البيع تام بقبض الثمن بكامله وتسليم املبيع‪ ،‬وأن‬

‫املدعي لم يثبت و اقعة عدم توفر نظير الرسم العقاري ولم يحدد بدقة باقي الوثائق‬

‫األخرى‪ ،‬ويتعين تبعا لذلك التصريح بعدم قبول طلب الفسخ"‪، 560‬وقد تستجيب‬

‫املحكمة لقرار الفسخ‪ ،‬فيتقرر بمقتض ى حكم قضائي صادر عن املحكمة املختصة‪،‬‬

‫خواص‪ ،‬ص ‪.40‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬


‫ي‬ ‫المغرن والمقارن‪ ،-‬رشيد‬
‫ي‬ ‫الجزن للعقود المدنية‪ -‬دراسة يف ضوء القانون‬
‫ي‬ ‫‪ - 557‬الفسخ‬
‫‪ - 558‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.387‬‬
‫‪ - 559‬الفقرة الثانية من الفصل ‪ 243‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ " :‬ومع ذلك يسوغ للقضاة مراعاة منهم لمركز المدين‪ ،‬ومع استعمال‬
‫ن‬
‫هذه السلطة يف نطاق ضيق أن يمنحوه آجاال معتدلة للوفاء وأن يوقفوا إجراءات المطالبة مع إبقاء األشياء عىل حالها"‬
‫‪ - 560‬حكم للمحكمة االبتدائية للدار البيضاء‪ ،‬ملف رقم ‪ 76-21-09‬صادر بتاري خ ‪.2009/12/29‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 325‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وللقاض ي في هذا امليدان سلطة تقديرية واسعة في الحكم بالفسخ أو اإلبقاء على‬

‫العقد‪ 561 .‬ويتوجب عليه أن يقدرإذا كان يقض ي بفسخ العقد كله أم أن يقتصرعلى‬

‫فسخ جزء منه مع بقاء الجزء اآلخر‪.‬‬

‫وعلى العموم يعد الفسخ الجزئي للعقد وسيلة قانونية يلجأ إليها القاض ي‬

‫إليجاد حل إلشكالية التنفيذ الجزئي أوالتنفيذ املعيب‪ .‬ورغم أن الفسخ الجزئي يعتبر‬

‫في نظر البعض خروجا عن مبدأ القوة امللزمة للعقد وخرقا ملبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬إال‬

‫أن الو اقع العملي أثبت مدى استجابته لغايات اقتصادية واجتماعية تتمثل في‬

‫الحفاظ على العالقة التعاقدية وضمان استقرار املعامالت‪ ،‬وذلك من خالل‬

‫تصحيح الخلل الحاصل أثناء تنفيذ العقد وبالتالي إعادة التوازن بين التزامات طرفي‬

‫العقد‪.‬‬

‫‪ - 561‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.387‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 326‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫خامتة‪:‬‬

‫تأسيسا على ما سبق‪ ،‬يعتبر الفسخ جزاء مدنيا للمتعاقد الذي أخل بالتزام من‬

‫التزاماته التعاقدية‪ ،‬وهذا الفسخ تترتب عنه آثار سواء بالنسبة للمتعاقدين أو‬

‫األغيار كما سبق الذكر‪ ،‬غير أن الفسخ كمؤسسة قانونية وظيفتها حل االلتزامات‬

‫التعاقدية في العقود التبادلية لم تبقى لها نفس القوة التي كانت عليها‪ ،‬بحيث أصبح‬

‫التوجه اآلن نحو الفسخ باإلرادة املنفردة وهو ما أقرته مجموعة من التشريعات من‬

‫قبيل القانون األملاني والقانون الصيني وغيرها من القوانين‪ ،‬فإلى أي حد يمكن‬

‫القول بالفسخ باإلرادة املنفرد في التشريع املغربي؟‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 327‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األستاذ اشرف ركراكي‬


‫باحث يف سلك الدكتوراه جبامعة حممد اخلامس‬
‫السويسي الرباط‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر عقد الكراء‪ 562‬من أبرز العقود املسماة التي حظيت باهتمام املشرع‬

‫املغربي‪ ،‬نظرا لألهمية التي يكتسيها في حل أزمة السكن‪ .‬ولعل هذه األخيرة بكل ما لها‬

‫من انعكاسات على الحياة االجتماعية واالقتصادية تعد من أصعب وأدق األزمات‬

‫التي سالت لها مداد الباحتين وخصصت لها نقاشات ودراسات مطولة من قبل‬

‫الهيئات املعنية وغير املعنية‪ .‬ملا تشكله من اهتمام كبير لدى طبقة عريضة من‬

‫املواطنين‪ ،‬فكل فرد يأمل في الحصول على املسكن املالئم وباألجرة املتناسبة‪ ،‬ولذلك‬

‫‪ 562‬ينص الفصل ‪ 627‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬والذي نص على أنه "عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه ألخر منفعة منقول أو عقار‪،‬‬
‫خالل مدة معينة مقابل أجرة محددة يلزم الطرف األخر بدفعها له"‪.‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 328‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫قيل وبحق أن أزمة السكن هي أزمة التي تجعل اإلنسان وهو داخل وطنه بأنه غريب‬

‫عن هذا الوطن‪.‬‬

‫ونظرا ملا أصبح يفرضه و اقع الحال من صعوبة امتالك جميع األشخاص‬

‫ملحل في املكان الذي يجدون أنفسهم مضطرين لسكن فيه أو يرونه مناسبا لتلبية‬

‫احتياجهم‪ ،‬فإنه ال يبقى أما هؤالء بذا من اللجوء إلى إبرام عقد الكراء‪.‬‬

‫ولم يستقر عقد الكراء على تنظيم تشريعي واحد بل تعاقبت على تنظيمه‬

‫مجموعة من القوانين‪563‬عبر فترات زمنية معينة‪ ،‬لكن ما يالحظ على جل هذه‬

‫القوانين أنها تنساق وراء حماية املكتري باعتباره طرفا ضعيفا في العالقة التعاقدية‪.‬‬

‫ورغم أن هذه الفكرة قد عمرت طويال إلى أنها أصبحت متجاوزة بفعل عزوف‬

‫املكرين عن كرات محالتهم خوفا من فقدانها بدعوى أن قانون الكراء‪564‬لم يوفرلهم‬

‫الحماية الالزمة‪ ،‬وهذا األمر قد ترتب عنه مجموعة من املشاكل اقتصادية‬

‫واجتماعية‪ .‬دفعت باملشرع املغربي إلى إصدار قانون رقم‪ 56567.12‬إيمانا منه في‬

‫تخفيف من وطأة هذه املشاكل و إيجاد أكبر قدر من التوازن‪ ،‬وذلك بمنح بعض‬

‫‪ 563‬باإلضافة إلى المقتضيات العامة في قانون االلتزامات والعقود عرف عقد الكراء زخم هائل من النصوص القانونية‬
‫الخاصة التي تعاقبت على تنظيمه بدءا من ظهير‪ 5‬ماي ‪ 1928‬ومرورا بظهير ‪ 25‬دجنبر ‪ 1980‬وإنتهاءا بقانون رقم‬
‫‪.67.12‬‬

‫‪ 564‬المقصود بقانون الكراء هنا هو ظهير ‪ 25‬دجنبر ‪.1980‬‬

‫‪ 565‬يتعلق األمر بالظهير الشريف‪ ،‬رقم ‪ 1.13.111‬الصادر في ‪ 15‬محرم ‪ 1435‬الموافق ل ‪19‬نوفمبر ‪ ،2013‬بتنفيذ‬
‫القانون رقم ‪ 67.12‬المتعلق بتنظيم العالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت المعدة للسكنى أو االستعمال‬
‫المهني‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 329‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الحماية للمكترين السيما في ما يتعلق بتوجيه اإلشعارباإلفراغ‪ ،‬حتى يكونوا على بينة‬

‫من أمرهم أنهم لن يفقدوا محالتهم وذلك من أجل تشجيعهم على كرائها‪.‬‬

‫وبعد طول االنتظار دام لحوالي ‪ 33‬سنة جاء املشرع املغربي بقانون رقم ‪67.12‬‬

‫املنظم للعالقة التعاقدية بين املكري واملكتري لألماكن للسكنى واالستعمال املنهي‪،‬‬

‫والذي تضمن مجموعة من املستجدات همت كل أطوار عقد الكراء أهمها الجانب‬

‫املتعلق بتوجيه اإلشعارباإلفراغ‪ ،‬والذي يعد أبرزمرحلة في عقد الكراء ألنه مهما طال‬

‫إال وينتهي ألنه من عقود املدة‪.‬‬

‫وحتى يمارس املكري هذا الحق األصيل أال وهو توجيه اإلشعار باإلفراغ فالبد‬

‫وأن يسلك مجموعة من اإلجراءات الشكلية التي تعد التزام يلقى على عاتقه‪.‬‬

‫ومن ثم يمكن طرح السؤال التالي ما مدى توقف املشرع املغربي من خالل‬

‫القانون رقم ‪ 67.12‬في توفيرالحماية للمكري من أجل ممارسة الحق وتقيد بااللتزام‬

‫في توجيه الشعار باإلفراغ وذلك من أجل الحد من التخوفات التي كانت تنتابه من‬

‫جراء فقده ملحله املكترى؟‬

‫وسعيا وراء اإلجابة على هذا السؤال ارتأيت تقسيم هذا املوضوع الى مطلبين‪:‬‬

‫املطل ـ ـ ـ ـ ـب األول‪ :‬حق املالك في توجيه اإلشعار باإلفراغ في ضوء القانون رقم ‪67.12‬‬

‫املطل ـ ـ ـ ـب الث ـاني‪ :‬التزام املالك في توجيه اإلشعارباإلفراغ في ضوء القانون رقم ‪67.12‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 330‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬حق املالك يف توجيه اإلشعار باإلفراغ يف ضوء القانون رقم ‪67.12‬‬

‫لقد تناول املشرع املغربي بمقتض ى الباب السابع من القانون رقم ‪ 67.12‬كل ما‬

‫يتعلق بحق املالك في توجيه اإلشعارباإلفراغ‪ ،‬وذلك في املواد من ‪ 44‬إلى ‪ 54‬بحيث أنه‬

‫أكد من خالل املادة ‪ 45‬على ضرورة توجيه إشعار املكتري باإلفراغ بنصه على أنه‬

‫"رغم كل شرط أو مقتض ى مخالف" وهو ما يفيد أن هذه القاعدة أمرة ال يجوز‬

‫االتفاق على مخالفتها لتعلقها بالنظام العام‪.‬‬

‫وقد أردف بمقتض ى املادة ‪ 56648‬من نفس القانون مؤكدا على أسباب اإلفراغ‬

‫التي تتطلب ضرورة توجيه اإلشعارباإلفراغ‪ .‬وما يمكن مالحظته من خالل هذه املادة‬

‫أن املشرع ذكرالتماطل في األداء ضمن األسباب التي تلزم املكري الراغب في اإلفراغ‬

‫بسببها أن يوجه اإلشعار باإلفراغ إلى املكتري‪ ،‬و أكد كذلك على نفس املقتض ى في‬

‫املادة ‪ 56‬هذه األخيرة التي جاءت في الباب املتعلق بفسخ الكراء والتي ال تلزم املكري‬

‫بسلوك مسطرة اإلشعار باإلفراغ‪ ،‬والتي تنص على أنه "يمكن للمكري أن يطلب من‬

‫املحكمة فسخ عقد الكراء و إفراغ املكتري ومن يقوم مقامه‪ ،‬دون توجيه إشعار‬

‫باإلفراغ"‪ ،‬وذلك في الحاالت األتية‪:‬‬

‫‪ 566‬تنص المادة ‪ 45‬من القانون رقم ‪" 67.12‬يجب على المكري الذي يرغب في انهاء عقد الكراء أن يوجه إشعارا باإلفراغ الى المكتري يستند على‬
‫أسباب جدية ومشروعة من قبيل‪:‬‬

‫‪-‬ا سترداد المحل المكترى لسكنه الشخصي أو لسكن زوجه أو أصوله أو فروعه المباشرين من الدرجة األولى أو المستفيدين من الوصية الواجبة‬
‫المؤسسة بمقتضى المادة ‪ 369‬وما يليها من مدونة األسرة أو المكفول المنصوص عليه في القانون رقم ‪ 15.01‬المتعلق بكفالة األطفال المهملين‬
‫الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.02.172‬في فاتح ربيع األخر ‪ 13( 1423‬يونيو ‪.)2002‬‬

‫‪-‬ضرورة هدم المحل المكترى إعادة البناء‪ ،‬أو إدخال إصالحات ضرورية عليه تستوجب اإلفراغ‪،‬‬

‫‪-‬التماطل في األداء"‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 331‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪-‬عدم أداء الوجيبة الكرائية التي حل أجلها رغم توصله بإنذاراألداء"‬

‫من خالل املقارنة بين املادتين ‪45‬و‪ 56‬يتضح أن املشرع وقع في تناقض‪ ،‬ألن عدم‬

‫أداء الوجيبة الكرائية التي حل أجلها رغم توصل املكتري باإلنذار هو ذاته التماطل‬

‫في األداء‪ .567‬وبالتالي وجب حذف التماطل في األداء حتى يكون هناك انسجام بين‬

‫النصوص القانونية‪ .‬ولن تناول التماطل في ضمن األسباب التي تخول للمكري توجيه‬

‫اإلشعارباإلفراغ ألن مكانه هو فسخ عقد الكراء وليس إنهائه‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك هناك تناقض أخرال يقل أهمية عن سابقه ومرده هل أسباب‬

‫توجيه اإلشعار باإلفراغ جاءت في قانون رقم ‪ 67.12‬على سبيل املثال أم على سبيل‬

‫الحصر‪ ،‬وبالرجوع الى الصياغة الواردة بمقتض ى املادة‪ 45‬من نفس القانون وهي‬

‫كتالي "يجب على املكري الذي يرغب في إنهاء عقد الكراء أن يوجه إشعارا باإلفراغ إلى‬

‫املكتري يستند على أسباب جدية ومشروعة من قبيل" والتي توحي ظاهريا أن أسباب‬

‫توجيه اإلشعار باإلفراغ على سبيل املثال وبإمكان اعتماد أسباب أخرى غير واردة في‬

‫هذه املادة‪ ،‬لكن عندما تصل بنا القراءة إلى املادة ‪56848‬سرعان ما يتبدد هذا الفهم‪،‬‬

‫والتي تسيرفي اتجاه املعاكس‪.‬‬

‫‪567‬حياة البراقي‪ :‬االنهاء والفسخ في ظل القانون رقم ‪ ، 67.12‬المنظم للعالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت المعدة للسكنى واالستعمال‬
‫المهني‪ ،‬مقال منشور بالمجلة المغربية في الفقه والقضاء‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬السنة ‪ ،2016‬ص ‪.81‬‬

‫تنص المادة ‪ 48‬من القانون رقم ‪ 67.12‬على أنه" ال يمكن للمحكمة أن تصحح اإلشعار باإلفراغ إال لألسباب الواردة في المادة ‪ 45‬أعاله"‬ ‫‪568‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 332‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وإذا كان املشرع املغربي قد خول للمالك حق في توجيه اإلشعار باإلفراغ وذلك‬

‫من أجل املطالبة باسترداد محله املكترى‪ ،‬فإن هذا االسترداد ال يعدوا أن يكون إما‬

‫استردادا نهائيا (الفقرة األولى) أو استردادا مؤقتا(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقــــــــــــرة األوىل‪ :‬حق املالك يف االسرتداد النهائي لالحتياج‬

‫يمكن القول بداية إلى كلمة االحتياج‪569‬أو الحاجة لم يستعملها املشرع سواء في‬

‫ظل القانون القديم وحتى القانون الجديد رقم ‪ 67.12‬و إنما هي من ابتداع الفقه‬

‫والقضاء‪.570‬‬

‫ويعتبر ما يعرف باالحتياج من األسباب التي يتم االعتماد عليها بشكل كبير في‬

‫دعاوي إنهاء عقود الكراء الواردة على محل سكني أو منهي‪ ،‬ومرد ذلك يرجع إلى أن‬

‫املكري إن لم يتثبت حاجته الشخصية للسكن في املحل املراد استرداده‪ ،‬فكثير ما‬

‫يكون له أحد األقارب ممن لهم بمقتض ى القانون حق االستفادة من املحل يمكن‬

‫إثبات حاجته للسكن فيه‪.‬‬

‫‪ 569‬يقصد االحتياج تلك الحالة التي يكون فيها المالك أو من يعيش في كنفه أحوج إلى المحل المأجور بسبب تغيير ظروفه العائلية أو ممارسته لحق‬
‫من الحقوق الطبيعية كالزواج أو تغيير طبيعة العمل وما يترتب عن ذلك من تحول في الحياة االجتماعية لطالب االحتياج‪.‬‬

‫‪ -‬ع بد القادر العرعاري‪ :‬النظرية العامة للعقود المسماة‪ ،‬عقد الكراء المدني‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مطبعة الكرامة‪ ،‬سنة ‪ ،2013_1434‬ص ‪.166‬‬

‫‪ 570‬حياة البراقي‪ :‬جق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في الظهير ‪25‬دجنبر ‪ ،1980‬وتطبيقاته القضائية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬وحدة القانون المدني المعمق‪ ،‬جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدا الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،2005.2006‬ص ‪.221‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 333‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫إضافة إلى ذلك فهذا السبب يترجم ترجيح كفة املالك على املكتري حين يصبح‬

‫كل منهما في حاجة إلى ذات العقار وذلك انطالقا من أن "صاحب امللك أولى وأحق‬

‫باستعماله من غيره"‪.571‬‬

‫ولم يجعل املشرع املغربي رخصة اإلفراغ لالحتياج حكرا على املكري فحسب بل‬

‫وسع من دائرة املستفيدين من توجيه اإلشعارباإلفراغ لهذا السبب(أوال) وفي املقابل‬

‫ذلك قلص من شروط توجيهه(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬توسيع دائرة املستفيدين من توجيه اإلشعار باإلفراغ لالحتياج‬

‫كان الفصل ‪13‬من ظهير ‪ 23.12.1980‬ينص على أنه يمكن للقاض ي تصحيح‬

‫اإلشعار باإلفراغ إذا كان املقصود سكنى املكري بنفسه باملحل أو أصوله أو فروعه‬

‫املباشرين أو املستفيدين إن كانوا من الوصية املؤسسة بمقتض ى الفصل ‪ 266‬من‬

‫قانون األحوال الشخصية‪ ،‬ولعل أهم مستجد جاء به املشرع في قانون رقم ‪67.12‬‬

‫هو أنه أضاف املكفول املنصوص عليه في القانون رقم ‪ 15.01‬املتعلق بكفالة‬

‫األطفال املهملين‪.‬‬

‫‪-1‬املك ـ ـ ـ ـ ـري‬

‫لقد وقع خالف بادئ األمر حول مفهوم املكري الوارد في النص القديم والذي‬

‫احتفظ به املشرح حتى في النص الجديد وذلك حول ما إذا كان الزما أن يكون هو‬

‫‪ 571‬حياة البراقي‪ :‬االنهاء والفسخ في ظل القانون رقم ‪ ،67.12‬المنظم للعالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت المعدة للسكنى واالستعمال‬
‫المهني‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.166‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 334‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املالك للمحل الذي ينبغي إفراغه أم ال‪ ،‬وبمعنى أخر هل اإلفراغ لالحتياج مرتبط‬

‫بحق امللكية أم بعنصراملنفعة؟‬

‫اختلفت توجهات الفقه في اإلجابة على هذا السؤال بحيث ذهب االتجاه األول‬

‫إلى أن استرداد املحل للسكنى مكفول للمالك ولغيره ممن يكون مكريا كاملنتفع‬

‫واملكري من الباطن‪ .‬ألن إجازة اإلفراغ لالحتياج مرتبطة بحق املنفعة وليس بحق‬

‫امللكية ولذلك فان حرمان املؤجرمن الباطن املالك تحكم ال مبررله‪.572‬‬

‫أما االتجاه الثاني فقد ذهب إلى أن حق اإلفراغ من أجل السكنى مرتبط‬

‫بامللكية‪ ،‬وال صلة له باملكري غير املالك‪ .‬ويقوم هذا على أساس املفاضلة بين حق‬

‫املالك في االنتفاع بملكه وحق املكتري في البقاء في العين إذ يرجح في هذه الحالة حق‬

‫األول على الثاني أما إذا كان املكري غير املالك فال سبيل إلى تغليب مصلحته على‬

‫مصلحة املكتري‪.573‬‬

‫ويبدو أن االتجاه الثاني أقرب إلى الصواب ألن املشرع قصد باملكري "املالك"‬

‫وليس املنتفع وهو ما يفهم من سياق املادة ‪ 49‬من قانون رقم ‪ 67.12‬التي تنص على‬

‫أن "يكون املحل املطلوب إفراغه ملكا للمكتري منذ ‪ 18‬شهرا على األقل من تاريخ‬

‫عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ :‬شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء السادس المجلد‪ ،2 ،‬ص ‪.1173‬‬ ‫‪572‬‬

‫‪ 573‬الحسين بلحساني‪ :‬الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية‪ ،‬موجبات االفراغ‪ ،‬مطبعة األحمدية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫‪ ،1422.2001‬ص ‪.87‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 335‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اإلشعارباإلفراغ"‪ .‬وقد أكدت على ذلك عدة قرارات ملحكمة النقض تؤكد على أحقية‬

‫املالك في استرداد محله ليسكن فيه‪.574‬‬

‫وفي هذا الصدد يمكن القول بأن لفظ املكري الوارد في املادة ‪ 45‬من القانون‬

‫رقم ‪ 67.12‬ينصرف للرجل واملرأة على حد سواء‪ ،‬وال يسوغ تمييز بينهما‪ .575‬وبالتالي‬

‫يحق للمرأة املتزوجة استرداد محلها لسكن به شخصيا رفقة عائلتها‪.‬‬

‫وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض والذي اعتبرت على أنه يحق للمرأة املتزوجة‬

‫املكرية إفراغ املكتري قصد السكنى وهي وزوجها وفروعها‪ ،‬وليس في ذلك أي تعارض‬

‫مع مدونة األسرة التي تلزم الزوج باإلنفاق‪.576‬‬

‫وباعتبار أن االحتياج مسألة و اقعية لذلك فإن إثبات هذا العنصر يلقى في‬

‫األصل على مدعيه أال وهو املكري‪ .577‬مادام أثبت أنه اضطرللمطالبة بإفراغ مسكنه‬

‫‪ 574‬قرار لمحكمة النقض‪ ،‬رقم ‪ 2053‬الصادر بتاريخ ‪ 21.6.2006‬ملف مدني‪ ،‬عدد ‪ ،1980/1/6/2005‬غير منشور‪،‬‬
‫أورده مصطفى لزرق‪ ،‬اإلفراغ للسكن وفقا مقتضيات ظهير ‪ 25‬دجنبر ‪ 1980،‬وتوجهات مجلس األعلى‪ ،‬مقال منشور‬
‫بالندوة الجهوية األولى لمجلس األعلى‪ ،‬حول قضايا كراء األماكن السكنية والمهنية والمحالت التجارية‪ ،‬من خالل اجتهاد‬
‫المجلس األعلى‪ ،‬سنة ‪ ،20007‬ص‪.393‬‬
‫‪ 575‬محمد بونبات‪ :‬تنظيم العالقات بين المكري والمكتري‪( ،‬القانون ‪ 79.6‬المنظم بظهير ‪ ،)1980‬منشورات كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫والجتماعية‪ ،‬سلسلة الكتب‪ ،‬العدد ‪ 16‬مراكش‪ ،‬سنة ‪ ،1998‬ص ‪.88‬‬

‫قرار محكمة النقض عدد ‪ 96‬في الملف عدد ‪ 07.1648:‬تحت عدد ‪ 96‬الصادر بتاريخ ‪.14.01.2009‬‬ ‫‪576‬‬

‫_ وفي قرار أخر لمحكمة النقض "وإن كانت نفقة زوجة على زوجها طبقا لمدونة األحوال الشخصية فإن لها الحق كمالكة مكرية أن تطلب إفراغ‬
‫الم كتري من محلها قصد السكن زوجها وأوالدها وأن سكناها في سكنة إدارية منحت لزوجها ال يسقط حقها المنصوص عليه في الفصل ‪ 13‬من ظهير‬
‫‪ "25.12.1980‬قرار محكمة النقض‪ ،‬عدد ‪ 3462‬الصادر بتاريخ‪ 2005،/12/28 ،‬في الملف المدني‪ ،‬عدد ‪ ،2004/6/1/1/1843‬أورده محمد‬
‫العيادي‪ ،‬بعض توجه ات المجلس األعلى في قضايا االكرية‪ ،‬مقال منشور بملحق بأهم مبادئ قرارات المجلس األعلى‪ ،‬المائدة المستديرة الخامسة حول‬
‫موقف التشريع والقضاء من المنازعات المتعلقة بعقود الكراء‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬سنة ‪ ،2011‬ص‪.45‬‬

‫عبد القادر العرعاري‪ ،‬عقد الكراء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.178‬‬ ‫‪577‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 336‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ويستطيع اإلثبات بشتى الطرق ويدخل في ذلك حتى القرائن ألن األمر يتعلق بإثبات‬

‫و اقعة مادية‪.578‬‬

‫‪ -2‬أق ـ ـارب املكـ ـ ـ ـري‬

‫باإلضافة إلى املكري الذي خول له املشرع املغربي بمقتض ى املادة‪ 45‬من‬

‫القانون رقم ‪ 67.12‬حق توجيه اإلشعار باإلفراغ لالحتياج للسكنى فإنه في بعض‬

‫األحيان قد ال يكون هو املحتاج مما يتطلب منه األمرتضمينه أحد أقاربه‪.‬‬

‫أ‪-‬أصول وفروع املكري‬

‫لقد أكدت املادة ‪ 45‬من القانون رقم ‪ 67.12‬على أن أصول املكري أو فروعه‬

‫املباشرين يعتبرون من بين املستفيدين من رخصة املطالبة باإلفراغ لالحتياج‪.‬‬

‫وقد أثارت كلمة املباشرين الواردة في املادة ‪ 45‬خالف من بين األوساط الباحتين‬

‫حيث جنح رأي األول إلى أن االستفادة من رخصة اإلفراغ محصورة في األصول‬

‫املباشرين أي األبوين دون األجداد‪.579‬أما الرأي الثاني فقد اعتبرأن االستفادة تسري‬

‫على األصول بصفة عامة سواء كانوا أباء أو أجداد ألن صفة املباشرين تنسحب في‬

‫النص على الفروع دون األصول‪.580‬‬

‫‪ 578‬عبد العالي مجبر‪ :‬األسباب المشروعة للحكم بإفراغ المحالت المعدة للسكنى بين النصوص القانونية وموقف المجلس األعلى‪ ،‬مقال منشور بالندوة‬
‫الجهوية األولى للمجلس األعلى‪ ،‬حول موضوع قضايا كراء األماكن السكنية والمهنية والمحالت التجارية من‪22‬و‪ 23‬فبراير‪ 2007 ،‬ص‪.33‬‬

‫‪ 579‬أحمد عاصم‪ :‬الحماية القانونية للكراء السكني والمهني‪ ،‬دراسة تحليلية للنصوص على ضوء أحكام القضاء وقرارات المجلس األعلى‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية‪ ،‬سنة‪ 1996 ،‬ص ‪.117‬‬

‫‪ 580‬ادريس اليعقوبي‪ :‬إشكالية إفراغ محالت السكنى بالمغرب‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا‪ ،‬جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪ ،1989‬ص ‪.85‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 337‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ويعتبر من وجهة نظرنا أن االتجاه الثاني مجانبا للصواب ويقتضيه مبدأ‬

‫العدالة واإلنصاف على اعتبار أن األجداد هما أكبر سنا من أوالدهم وبلوغهم من‬

‫السن عتيا يفرض العناية بهم من جهة وأن املشرع لو كان يقصد األصول والفروع‬

‫الستعمل "واو" العطف بدل "أو" من جهة أخرى‪.‬‬

‫ب‪-‬املستفيديـ ـ ـ ـن من الوصية الواجبة‬

‫الوصية الواجبة هي جزء من التركة يستحقه أبناء االبن و أبناء البنت املتوفى أو‬

‫املتوفاة قبل أبيه أو أبيها أو معه إذا لم يكونوا وارثين‪.581‬‬

‫وقد كانت الوصية الواجبة حق ألوالد االبن دون البنت في قانون األحوال‬

‫الشخصية القديم‪ ،‬لكن مدونة األسرة التي حلت محله قد سوت في استحقاق‬

‫الوصية الواجبة بين األوالد االبن وأوالد البنت إذا توفي أحدهما أوكالهما قبل والده‬

‫أو معه‪ .582‬وبالتالي أصبح من حق ولد البنت املطالبة بتوجيه اإلشعارباإلفراغ إسوة‬

‫بولد االبن‪.‬‬

‫ويبقى االستناد إلى االحتياج ذوي الوصية الواجبة استثناء من قاعدة االعتداد‬

‫باحتياج الفروع املباشرين فقط ألنهم أحفاد وفروع من الدرجة الثانية في نفس‬

‫الوقت‪ ،‬إال أن االستناد على احتياج أبناء البنت املتوفاة قبل والدها يثيربدوره مسألة‬

‫‪ 581‬تنص المادة ‪ 369‬من مدونة األسرة على ما يلي "من توفي وله أوالد ابن أو أوالد بنت ومات االبن أو البنت قبله أو معه وجب على ألحفاده‬
‫هؤالء في ثلت تركته وصية بمقدار و الشروط األتية"‬

‫حياة البراقي‪ :‬جق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في الظهير ‪25‬دجنبر ‪ ،1980‬وتطبيقاته القضائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.136‬‬ ‫‪582‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 338‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التوفيق بين مقتضيات قانون الكراء ومدونة األسرة ألن أحفاد أبناء البنت غير‬

‫الرشداء يقع على والدهم تكليف إسكانهم‪.583‬‬

‫ج‪-‬املكـ ـ ـ ـفول‬

‫فالكفالة عمل إنساني باألساس يرمي الى توفير حياة عادية وسليمة للطفل‬

‫املتخلى عنه سواء كان معروف األبوين أو كان مولود من السفاح‪ .‬وذلك من أجل‬

‫تربيته وتنشئته واإلنفاق عليه كما يفعل األب مع ولده دون أن يترتب على هذه‬

‫الكفالة حق في النسب وال في اإلرث‪.584‬‬

‫ولقد راعى املشرع املغربي وضعية املكفول ر أفة به إليجاد سكت يأويه ولو على‬

‫حساب املكتري ألنه غالبا ما يكون أحوج الى ذلك السيما أنه ليس لديه ما يعينه سوى‬

‫املكري الكفيل‪.‬‬

‫غير أن ما يمكن مالحظته هو أن هذه الرعاية همت األشخاص املكفولين طبقا‬

‫للقانون رقم ‪ 15.01‬املتعلق بكفالة األطفال املهملين دون املكفولين خارج هذا‬

‫القانون‪ ،‬وهذا التمييزلم نجد له أي مبررمن قبل املشرع املغربي‪.‬‬

‫‪ 583‬حساين أعبود‪ :‬قراءة في القانون ‪ 12 .67‬المتعلق بتنظيم العالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت المعدة للسكنى واالستعمال المهني‪،‬‬
‫مقال منشور بمجلة محكمة النقض‪ ،‬العدد ‪ 15‬سنة ‪ .2014‬ص ‪.176‬‬

‫‪ 584‬محمد الشافعي‪ :‬كفالة األطفال المهملين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة الوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬سنة ‪ ،2003‬ص ‪.13‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 339‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ثانيا‪ :‬تلطيف من شروط توجيه اإلشعار اإلفراغ لالحتياج‬

‫لقد نصت املادة ‪ 49‬من القانون رقم ‪ 67.12‬على شروط الالزم توفرها لصحة‬

‫توجيه اإلشعار باإلفراغ بسبب االحتياج لسكن وهما شرط املدة (أ) وعدم شغل‬

‫الغيراملستفيد محال في ملكه وكافيا لحاجياته العادية (ب)‪.‬‬

‫‪-1‬شرط املدة‬

‫من خالل مقتضيات املادة ‪58549‬من القانون رقم ‪ 67.12‬يتضح أنها جاءت‬

‫بمستجد مفاده تخفيض مدة التملك بالنسبة للمالك املحتاج الراغب في توجيه‬

‫اإلشعار باإلفراغ إلى ثمانية عشرة شهرا من تاريخ اإلشعار‪ ،‬بدل ثالثة سنوات التي‬

‫كانت في ظل القانون القديم مخفضا درجة الحرص على مصلحة املكتري بتخفيض‬

‫مدة التملك الى نصفها‪.‬‬

‫ولعل الغاية من اشتراط هذه املدة هو محاربة املضاربات العقارية الكيدية‬

‫الهادفة إلى إخالء املكترين بعد فترات وجيزة من تملك العقاراملأجور‪ ،‬وهذا ما أكدته‬

‫محكمة النقض حيث أنها اعتبرت بأن اإلنذارباإلفراغ يكتس ي طابع املضاربة في حالة‬

‫توجيهه بعد تاريخ الشراء بقليل"‪.586‬‬

‫‪ 585‬تنص المادة ‪ 49‬من القانون رقم ‪ 67.12‬أنه "ال يقبل طلب تصحيح اإلشعار باإلفراغ لسبب المشار إليه أعاله في البند األول من المادة ‪ 45‬أعاله‬
‫إال بتوفر الشرطين التاليين‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون المحل المطلوب إفراغه ملكا للمكري مند ‪ 18‬شهرا من تاريخ اإلشعار باإلفراغ‪"...‬‬

‫‪ 586‬قرار محكمة االستئناف بالرباط‪ ،‬بتاريخ ‪ 1956/12/3‬إبراهيم زعيم ومحمد فركت الكراء نصوص واالجتهاد (‪ ،)1913.1985‬السلسلة الجديدة‬
‫في التشريع المغربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،1998‬ص‪.86‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 340‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وباإلضافة إلى هذا املستجد أضافت نفس املادة مستجد أخر يتجلى في أنها‬

‫سمحت للوارث واملوص ى له واملكفول حق االستفادة من احتساب املدة التي كان‬

‫يملك خاللها املالك السابق‪ ،‬وبهذا وضعت حد لإلشكاالت التي كانت تطرح سابقا‬

‫حول إمكانية استفادة األشخاص املذكورين أعاله من املدة التي كان يملك خاللها‬

‫املكري املحل املكترى‪.587‬‬

‫ويعتبرإقحام املشرع املغربي للمكفول في االستثناء املنصوص عليه في املادة ‪49‬‬

‫من القانون رقم ‪ 67.12‬إلى جانب الوارث واملوص ى له‪ ،‬له ما يبرره ألن الكفالة ال تنقل‬

‫أموال الكافل إلى املكفول وذلك خالفا لإلرث والوصية‪ ،‬فاملكفول ليس خلفا‬

‫عاما‪ ،588‬وبهذا يكون املشرع قد منح للمكفول ما لم يمنحه لباقي املستفيدين من زوج‬

‫وفروع وأصول بأن جعله يتمتع بامتيازات ال يتمتعون بها‪.589‬‬

‫وأن ذكراملكفول بمقتض ى البند األول من املادة ‪ 49‬من القانون رقم ‪ 67.12‬دون‬

‫اإلشارة إلى القانون رقم ‪ 15.01‬املتعلق بكفالة األطفال املهملين عكس ما نص عليه‬

‫في املادة ‪ 45‬هل هو سهو من املشرع أم ترك الباب مفتوح على مصراعيه للكفول‬

‫سواء املهمل أو الغيراملهمل؟‪.‬‬

‫‪-2‬ع ـ ـ ـ ـدم شغ ـل املستفيد محال في ملكه وكافيا لحاجياته العادية‬

‫‪ 587‬وسيلة حرنان‪ :‬اإلشكاالت المتعلقة باإلنذار‪ ،‬في ضوء القانون رقم‪ ،67.12‬المتعلق بالكراء السكني أو المهني‪ ،‬مقال منشور بسلسلة الندوات‬
‫واأليام الدراسية‪ ،‬قراءة في مستجدات القانون رقم ‪ ،67.12‬المتعلق بالكراء السكني والمهني‪ ،‬سنة‪ ،2014‬ص ‪.7‬‬

‫تنص المادة ‪ 2‬من قانون كفالة األطفال المهملين‪ ،‬في فقرتها األخيرة على أنه" ال يترتب عن الكفالة حق في النسب وال في اإلرث"‪.‬‬ ‫‪588‬‬

‫حياة البراقي‪ :‬إنهاء وفسخ عقد الكراء المحالت المعدة للسكنى واالستعمال المهني‪ ،‬في ظل قانون رقم ‪ ،67.12‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.115‬‬ ‫‪589‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 341‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫لقد نصت على هذا الشرط الفقرة الثانية املادة ‪ 49‬من قانون رقم‬

‫‪59067.12‬وعلى ما يبدو من صياغتها أن هذا الشرط يخص األماكن املعدة للسكنى‬

‫دون تلك املعدة لالستعمال املنهي على اعتبار أن املادة استعملت مصطلح "سكنا"‪.‬‬

‫وال يجب أن يفهم من وراء ذلك أن توفر املكري على محل في ملكه يعد قرينة قاطعة‬

‫على أنه غيرمحتاج‪ ،‬إذ قد قضت محكمة النقض بنقض قراراستئنافي رفض دعوى‬

‫اإلفراغ بعلة أن املكري يسكن في جزء من العقار الذي يملكه وقد اشترى جزء ثاني‬

‫وهو مسكون وأن هدفه بالتالي هو التوسع في السكن فقط‪.591‬‬

‫فالحاجة إلى التوسع في السكن مثل الحاجة إلى السكن سواء بسواء ‪ ،‬فاملشرع‬

‫بإضافته لعبارة كافيا لحاجياتهم العادية يفيد أن املكري أو دويه الذين لهم سكن في‬

‫ملكهم ولكن غيركاف لحاجياتهم يعتبرون في حكم من ليس له سكن في ملكه في مجال‬

‫االحتياج‪.592‬‬

‫وقد يدعي طالب اإلفراغ عدم مالئمة السكن الذي يشغله لوضعيته الصحية‬

‫إذ أن جعل السكن مناسبا للحالة الصحية هي من أهم الحاجيات العادية التي‬

‫يرغب اإلنسان توفرها في املنزل الذي يأويه‪ ،‬خاصة إذا كان األمر مقرونا بتقرير طبي‬

‫‪ 590‬نص الفقرة الثانية من المادة ‪ 49‬من القانون رقم ‪ 67.12‬على ما يلي" ‪....‬أن يكون المكري أو زوجه أو أصوله أو فروعه المباشرون من‬
‫الدرجة األولى أو المستفيدين من الوصية الواجبة حسب الحاالت أو المكفول طبقا لمقتضيات القانون رقم ‪ 15.01‬المتعلق بكفالة األطفال المهملين ال‬
‫يشغلون سكنا في ملكيتهم أو كافيا لحاجياتهم العادية"‪.‬‬

‫قرار محكمة النقض رقم ‪ 525‬بتاريخ ‪ 16‬يوليوز ‪ 1982،‬ملف مدني عدد‪ 84586‬منشور بمجلة القضاء المجلس األعلى عدد ‪ 31‬ص‪.‬‬ ‫‪591‬‬

‫أحمد عاصم‪ :‬الحماية القانونية للكراء السكني والمهني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.118‬‬ ‫‪592‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 342‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يبرر رغبته في استبدال املحل الذي يشغله بمحل أخر متوفر على مواصفات تالئم‬

‫حالة الصحية ومتوفرة في سكن يملكه والذي يؤجره للغير‪.593‬‬

‫وما تجدرإليه اإلشارة أخيرا أنه ال يشترط توفرهذين الشرطين املشارإليهم أنفا‬

‫إذا عرض املكري على املكتري سكنا مماثال للمحل املطلوب إفراغه بنفس املواصفات‬

‫ونفس الوجيبة الكرائية‪ ،‬لكن قد يعترض املكتري على اقتراح املالك للمحل الجديد‬

‫بحجة أن املحل ال يراعي الشروط املنصوص عليها في املادة ‪ 49‬هذه الفرضية لم يشر‬

‫لها املشرع املغربي وال إلجراءاتها‪ ،‬وهو ما يعتبر فراغا تشريعيا يجب سده وذلك‬

‫باحتكام إلى املنطق الذي يفرض لجوء املكري الى املحكمة لتحسم في النزاع إذا تبين‬

‫لها أن الشروط املتطلبة في املادة ‪ 49‬من القانون رقم ‪ 67.12‬متوفرة حكمت باإلفراغ‬

‫ألن رفض املكتري في هذه الحالة ال يعدوا أن يكون تعسفا وتعنتا من جانبه‪.594‬‬

‫‪ 593‬لقد قضت محكمة النفض في قرار لها بأنه "يكون غير مرتكز على أساس ومعرض للنقض واإلبطال القرار الذي اعتبر أن حالة المرض المحتج‬
‫بها من طرف طالب المصادقة على اإلشعار باإلفراغ لالحتياج ال يمكن أن تكون سببا للمصادقة عليه دون أن تبحث المحكمة مصدرته في واقعة‬
‫االحتياج وتقدرها على ضوء الحالة المرضية للبنت المراد إسكانها السيما وقد تمسك الطاعنون بأنه يتعذر عليها الصعود إلى الطابق الرابع الذي تسكن‬
‫فيه معهم بناء تعليمات طبيبها الذي أجرى لها عملية جراحية على القلب"‬

‫_قرار رقم ‪ 2886‬بتاريخ ‪ 2006-9-6‬عدد ‪ 2004 -6-1 3026‬أورده مصطفى لزرق‪ ،‬اإلفراغ للسكن وفقا مقتضيات ظهير ‪ 25‬دجنبر ‪1980،‬‬
‫وتوجهات مجلس األعلى‪ ،‬مقال منشور بالندوة الجهوية األولى لمجلس األعلى‪ ،‬حول قضايا كراء األماكن السكنية والمهنية والمحالت التجارية‪ ،‬من‬
‫خالل اجتهاد المجلس األعلى‪ ،‬سنة ‪ ،2007‬ص ‪.404‬‬

‫الحسين بلحساني‪ :‬الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية‪ ،‬موجبات اإلفراغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.366‬‬ ‫‪594‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 343‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقـــــــــرة الثانية‪ :‬حق املالك يف االسرتجاع املؤقت للهدم وإدخال‬

‫التغيري على البناء‬

‫لقد منح املشرع املغربي بمقتض ى املادة ‪59545‬من قانون رقم ‪ 67.12‬للمكتري‬

‫حق في االسترجاع املؤقت ملحله املكترى وذلك لضرورة الهدم وإعادة البناء‪ ،‬وإدخال‬

‫اإلصالحات ضرورية عليه‪.‬‬

‫وعكس السبب األول املتعلق باالسترجاع لالحتياج الذي يقوم على االسترجاع‬

‫النهائي فإن هذا السبب يقوم على االسترجاع املؤقت‪ ،‬في حالة توفر حاالته‪ ،‬وينتهي‬

‫هذا الحق بممارسة املكتري لحقه في الرجوع إلى املحل إذا ما تحقق الغرض من‬

‫إفراغه‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حاالت االسرتجاع املؤقت للهدم وإدخال التغيري على البناء‬

‫يقصد بالهدم هو إزالة البناء برمته وتحويله إلى أنقاض بحيث تصبح األرض‬

‫مجردة منه كله‪ .596‬أما إدخال التغييرات فهي كل األعمال واإلصالحات الهادفة إلى‬

‫ترميم البناء أو تدعيمه أو توسيعه أو الزيادة فيه ال فرق في ذلك بين اإلصالحات‬

‫الضرورية أو تلك التي تمليها ظروف االستعجال القصوى التي ال تحتمل التأخير‪.597‬‬

‫‪ 595‬تنص المادة ‪ 45‬من القانون رقم ‪ 67.12‬على أنه "يجب على المكري الذي يرغب في إنهاء عقد الكراء أن يوجه إشعار باإلفراغ الى المكتري‬
‫يستند على أسباب جدية ومشروعة من قبيل‪:‬‬

‫‪-‬ضرورة الهدم المحل المكترى وإعادة بناء وإدخال إصالحات ضرورية عليه تستوجب اإلفراغ"‪.‬‬

‫‪ 596‬حياة البراقي‪ :‬حق المطالبة باإلفراغ الضمانات‪ ،‬والحدود في ظهير ‪ 25‬دجنبر‪ ،1980‬وتطبيقاته القضائية‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬

‫عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.187‬‬ ‫‪597‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 344‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ويعتبر اإلفراغ لضرورة الهدم وإدخال التغييرات على البناء من األسباب التي‬

‫أكد عليها املشرع املغربي في إطارالقانونين القديم وكذا الجديد بحيث أكد هذا األخير‬

‫في املادة ‪ 50‬منه على أنه" يتعين تصحيح اإلشعار باإلفراغ إذا كان هدم املحل أو‬

‫إدخال تغييرات هامة عليه ضروريا ويستوجب إفراغ املكتري من املحل املكترى"‬

‫وبمفهوم املخالفة إذا كان الهدم وإدخال التغييرات على املحل ال يستوجب إفراغ‬

‫املكتري فال داعي لتصحيح اإلشعارباإلفراغ‪ ،‬وسيان في ذلك إذا كان الهدم جزئيا‪ .‬أما‬

‫إذا كان كليا وتستدعيه الضرورة فال مناص من إفراغ املكتري‪.‬‬

‫لكن إذا كانت الضرورة شرطا الزما لنشوء حق املكري في طلب االسترجاع‬

‫املؤقت ملحله من أجل هدمه أو إدخال تغييرات عليه‪ ،‬فيتوجب علينا الوقوف على‬

‫معناها حتى يزال الغموض وتتضح الصورة بمكان‪.‬‬

‫لقد انقسمت اآلراء حول معنى الضرورة إلى رأيين‪ ،‬فالرأي األول يحصرمعناها‬

‫في نطاق ضيق بحيث أنها تتحقق في حالة ما إذا كان املحل مهددا بالسقوط أواالنهيار‬

‫مما يفرض في هذه الحالة أن يتدخل املكري لتفادي هذا الخطر إما بترميم املبنى‬

‫وإصالحه وإما بهدمه كليا أو جزئيا بحسب األحوال وما تقتضيه وضعية البناء‪ .598‬أما‬

‫االتجاه الثاني فقد توسع في معنى الضرورة مؤكدا أن املشرع لم يحدد حاالت الهدم‬

‫بل اشترط فقط توفر حاالت الضرورة تاركا أمر تقديرها للقضاء‪ ،‬بحيث تستوعب‬

‫سين بلحساني‪ :‬الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية‪ ،‬موجبات اإلفراغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.358‬‬ ‫‪598‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 345‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫كافة الصور التي يكون فيها الهدم ضروريا لدواعي األمن أو الصحة أو للضرورة‬

‫االقتصادية أوالعمرانية‪ . 599‬وما يميزهذا االتجاه هوأنه مؤيد من طرف القضاء‪.600‬‬

‫ويتضح من خالل الفقرة الثانية من املادة ‪60150‬أن املشرع املغربي اعتنق الرأي‬

‫الثاني الذي يتوسع في معنى الضرورة‪ .‬وهوما يكرس في نظرنا حماية األطراف العالقة‬

‫التعاقدية وذلك في الحفاظ على املحل املكترى من االنهيار من جهة والحفاظ على‬

‫املحل املكترى من جهة أخرى‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك فإذا كانت معنى الضرورة عرفت اختالف في الرأي فإن حاالتها‬

‫لن تخلو بدورها من خالف بحيث أن البعض قد جنح إلى أن حاالت الضرورة جاءت‬

‫على سبيل الحصر ألن املشرع املغربي ال يترك مجال العتبار حاالت الضرورة أخرى‬

‫غير املنصوص عليها مثل الهدم امتثاال لقرار إداري أو قضائي ال عالقة له بانعدام‬
‫الشروط الصحية واألمنية ‪602‬‬

‫أما االتجاه األخر فقد أكد على أن هذه الحاالت جاءت على سبيل املثال‬

‫وسندهم في ذلك أنه يمكن للقضاء الحكم باإلفراغ للهدم وإعادة البناء وإدخال‬

‫أحمد عاصم‪ ،‬الحماية القانونية للكراء السكني والمهني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪599‬‬

‫‪ 600‬حيث قضت محكمة النقض إلى أن "الهدم يكون ضروريا لكي يقام بناء جديد مكان بناء المهدم كما يكون ضروريا إذا‬
‫اقتضته وضعية البناء النعدام الشروط الصحية أو األمنية لسكانه "‪.‬‬
‫_ قرار محكمة النقض‪ ،‬عدد ‪ 1978‬بتاريخ ‪ ،1987/9/23‬في الملف المدني عدد ‪ ،83/815‬قضاء مجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪ 41‬نونبر ‪ ،1988‬ص‪.29‬‬

‫‪ 601‬تنص الفقرة الثانية من المادة ‪ 50‬من القانون رقم ‪..." 67.12‬يكون الهدم وإدخال التغييرات ضروريا إذا اقتضته وضعية البناء النعدام الشروط‬
‫الصحية وأمنية به أو إذا رغب المكري في إقامة بناء جديد مكان البناء المهدم أو ظهرت مستجدات بمقتضى وثائق التعمير تسمح ببناءات إضافية من‬
‫شأنها ان تثمن العقار"‪.‬‬

‫‪ 602‬حياة البراقي‪ :‬إنهاء وفسخ عقد كراء المحالت المعدة للسكنى أو االستعمال المهني في ظل قانون رقم ‪ ،67.12‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 346‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫إصالحات متى كان السبب الذي يستند عليه املكري جديا وأدلى رفقة طلبه برخصة‬

‫البناء وتصميم مصادق عليه‪ ،603‬لذلك يمكن إضافة بعض األسباب الجدية األخرى‬

‫املبررة للهدم وإعادة البناء من قبيل تنفيذ قرارإداري أو حكم قضائي أمربالهدم‪.‬‬

‫وفي اعتقادنا املتواضع أن الرأي الثاني يبقى مجانبا للصواب وسندنا في ذلك‬

‫صياغة املادة ‪ 50‬من القانون رقم ‪ 67.12‬التي استعملت عبارة " أوظهرت مستجدات‬

‫بمقتض ى وثائق التعمير تسمح ببناءات إضافية من شأنها تثمين العقار" وهذه‬

‫العبارة توضح بشكل ال يدع مجاال لشك على أنه يمكن أن تظهر في أي وقت وحين‬

‫حاالت الهدم بمقتض ى وثائق التعمير وهو ما يجعل حاالت الهدم وإعادة البناء‬

‫وإدخال اصالحات واردة على سبيل املثال ال الحصر‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن الفقرة الرابعة من املادة ‪ 50‬من قانون رقم ‪ 67.12‬قد‬

‫منحت للمكتري إمكانية أن يطلب من املحكمة تحديد أجل للمكري يتعين خالله‬

‫تنفيذ سبب اإلفراغ‪ .‬وعلى كل حال ال يسري هذا األجل إال من تاريخ استعادة العين‬

‫وبسط املكري يده عليها ال من تاريخ صدورالحكم وصيرورته نهائيا‪ ،‬إذ يتعذرالشروع‬

‫في األشغال وللعين تحث يد املكتري والحتمال تأثير امتناع املكتري املحكوم عليه‬

‫وتملصه من التنفيذ بافتعال األعذار كدعوى الصعوبة في التنفيذ مثال‪ ،‬ومن ناحية‬

‫‪ 603‬نزهة الخالدي‪ ،‬الوجيز في العقود المسماة‪ ،‬عقد البيع عقد الكراء وفقا للقانون االلتزامات والعقود‪ ،‬والقوانين المقارنة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مطبعة‬
‫تطوان‪ ،‬سنة ‪ ،2016‬ص ‪.255‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 347‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أخرى يبقى سريان ذات األجل رهن مشيئة املكري املحكوم له مادام التنفيذ مرتبط‬

‫بمبادرته ‪.604‬‬

‫ثانيا‪ :‬أحقية املكرتي يف الرجوع إىل احملل بعد إصالحه وإعادة بنائه‬

‫لقد أكد املشرع املغربي في املادة ‪ 50‬من القانون رقم ‪ 67.12‬في شقها الثاني على‬

‫أحقية املكتري للرجوع الى املحل بعد إصالحه أو اإلعادة بناءه بشرط أن يستعمل‬

‫هذا الحق داخل الشهرين املوالين لإلشعار الصادر عن املكري وفقا للفقرة املوالية‬

‫وإلى سقط حقه‪.‬‬

‫ويعتبرأبرزمستجد جاء به املشرع هو تقليص مدة إخباراملكتري من قبل املكري‬

‫على ‪ 15‬يوما من تاريخ الحصول على رخصة السكن وشهادة املطابقة بدل شهرين‬

‫من نهاية األشغال التي كانت منصوصا عليها في ظل القانون القديم‪ .‬وكذلك‬

‫استعماله لعبارة "اإلشعار الصادر عن املكري وفقا للفقرة املوالية" تمييزا له عن‬

‫اإلشعارفي حالة االسترجاع املحل املكترى بصفة نهائية‪.‬‬

‫أما ممارسة حق املكتري في األسبقية للرجوع إلى املحل لم يلحقها أي تغييرحيث‬

‫أبقى املشرع على املدة التي كانت واردة في الفصل ‪15‬من القانون القديم وهي شهرين‬
‫من تاريخ اإلشعار املوجه له‪605.‬‬

‫‪ 604‬حساين أعبود‪ .‬مرجع سابق ص ‪.177‬‬

‫‪ 605‬حياة البراقي‪ :‬إنهاء وفسخ عقد كراء المحالت المعدة للسكنى أو االستعمال المهني‪ ،‬في ظل القانون رقم ‪،67.12‬‬
‫مرج سابق‪ ،‬ص ‪.78‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 348‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومدة شهرين هاته فيها تعطيل لالنتفاع بالعين فاملالك يحرم من الثمار املدنية‬

‫وال يستطيع الكراء للغيروال يلتزم املكتري السابق بأداء الوجيبة الكرائية عنها حتى في‬

‫حالة تمسكه بأسبقية وعودته فعال الى ذات العين‪ .‬ألن األمر هنا ال يتعلق باستئناف‬

‫للعالقة الكرائية القديمة و إنما بإنشاء عالقة جديدة متفاوض عليها بدليل إنهاء‬

‫العالقة السابقة بموجب الحكم القضائي املصحح لإلشعار باإلفراغ وتنصيص‬

‫القانون على أن السومة الكرائية تراعى فيها التغييرات املدخلة على العين‬

‫والرأسمال املستثمرفيها‪.606‬‬

‫املطلـــــــــب الثاني‪ :‬التزام املالك يف توجيه اإلشعار باإلفراغ يف ضوء‬


‫القانون رقم ‪67.12‬‬

‫ملا كان عقد الكراء وفقا للقواعد العامة عقدا عاديا فإنه كان باإلمكان إنهاء‬

‫هذا العقد بمجرد انقضاء املدة طبقا للفصل ‪ 687‬من قانون االلتزامات والعقود‪.607‬‬

‫غير أن هذا املبدأ عرف تطورا نظرا لعدة مستجدات اجتماعية جعلت إنهاء عقد‬

‫الكراء ملجرد انقضاء املدة املتفق عليها ضارا بمصالح املكتري بتعويضه لعدم‬

‫االستقرار النفس ي واملادي‪ ،‬فكان حتما أن يتدخل املشرع لتنظيم إفراغ املكتري‬

‫حساين أعبود‪ .‬مرجع سابق ص ‪.178.179‬‬ ‫‪606‬‬

‫‪ 607‬ينص الفصل ‪ 687‬من قانون االلتزامات والعقود على أنه " كراء ألشياء ينقضي بقوة القانون عند انتهاء المدة التي‬
‫حددها له المتعاقدان من غير ضرورة إلعطاء تنبيه باإلخالء‪ ،‬وذلك ما لم يقض االتفاق بغيره ومع عدم االخالل بالقواعد‬
‫الخاصة بكراء األراضي الزراعية"‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 349‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بضوابط خاصة‪ ،‬منها واجب إشعاره من طرف املكري باإلفراغ‪ 608‬وتضمين اإلشعار‬

‫لجميع البيانات وتبليغه و إثباته بصفة قانوني‪.‬‬

‫وقد عرف الفقه اإلشعار "بأنه تصرف قانوني من جانب واحد يعبر عن طريقه‬

‫أحد طرفي العالقة الكرائية عن رغبته في وضع حد لعقد الكراء‪ ،‬بعد مرور أجل‬

‫معين يطلق عليه اإلخطار"‪.609‬‬

‫ويعد اإلشعار باإلفراغ بمثابة قيد شكلي الذي يلقي على عاتق املاك املكري‬

‫التزام بسلوك اإلجراءات الشكلية الواردة في الفصل ‪ 46‬من قانون رقم ‪ 67.12‬حتى‬

‫يعتد به قانونا‪.‬‬

‫الفقــــــــــرة األوىل‪ :‬التزام املالك بتضمني اإلشعار باإلفراغ جلميع‬


‫البيانات‬

‫خالفا للقواعد العامة‪610‬التي تعتبراإلشعارباإلفراغ تصرفا قانونيا رضائيا ينشأ‬

‫سليما صحيحا ملجرد توفره على األركان الالزمة لقيام التصرفات الرضائية بصفة‬

‫عامة‪ .611‬عكس ما هوعليه الحال في ظل قانون رقم ‪ 67.12‬الذي يلزم املالك بإفراغه‬

‫محمد بونبات‪ :‬العقود المسمات‪ ،‬البيع الكراء‪ ،‬مطبعة الوراقة مراكش‪ ،‬سنة ‪ ،1997‬ص‪.98‬‬ ‫‪608‬‬

‫أحمد عاصم‪ ،‬الحماية القانونية للكراء السكني والمهني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.45‬‬ ‫‪609‬‬

‫‪ 610‬بالرجوع إلى القواعد العامة‪ ،‬يتضح بأنها ال تشترط في اإلشعار باإلفراغ شكل معين بل تركت األمر الى محض إرادة األطراف‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫أن يكون كتابيا أو شفويا‪.‬‬

‫الحسين بلحساني‪ :‬الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية‪ ،‬دعوى اإلفراغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.57‬‬ ‫‪611‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 350‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وفق الشكل الذي رسمه املشرع في هذا القانون بحيث أصبح شكل اإلشعار ركن‬

‫صحة ال يرتب أي أثرإال إذا جاء وفق ما هو محدد قانونا‪.612‬‬

‫وترتيبا على ذلك نستطيع القول أن املكري مقيد في مطالبته بإفراغ محل سكني‬

‫أو منهي بقيد ثالثي الوجوه يحد من حريته في ممارسة هذا الحق‪ ،613‬ويتجلى في بيان‬

‫األسباب التي يستند عليها وشمول اإلشعار ملجموع املحل املكترى بكافة مر افقه تم‬

‫تحديده ألجل شهرين على أقل‪.‬‬

‫أوال‪ :‬وجــــــوب بيان األسباب املثارة من قبل املكري‬

‫فكما هو واضح من خالل املادة ‪ 46‬من القانون رقم ‪ 67.12‬فإن املكري ملزم‬

‫بتضمين اإلشعار الذي يوجهه الى املكتري قصد إنهاء العالقة الكرائية التي تربطه‬

‫به‪ ،‬األسباب التي يستند عليها من أجل تبريرطلب اإلفراغ‪.‬‬

‫وال شك أن هذا البيان يكتس ي أهمية قصوى‪ ،‬ذلك أن املحكمة ال يجوز لها أن‬

‫تصحح اشعارا غيرمسبب بأسباب تبرروضع حد لعقد الكراء‪.614‬‬

‫إذ أن إلزام املكري ببيان السبب هو شرط الزم وضروري لصحة اإلنذار‪ ،‬كما‬

‫أن عدم تضمين اإلنذارألي سبب يجعله باطال‪ ،‬وال يعتد به من طرف املحكمة ‪ ،‬وقد‬

‫لقد نصت المادة ‪ 46‬من قانون رقم ‪ 67.12‬على شكل اإلشعار باإلفراغ بقولها "يتضمن اإلشعار باإلفراغ تحت طائلة البطالن‪،‬‬ ‫‪612‬‬

‫‪-‬األسباب التي يستند غليها المكري‪،‬‬

‫‪-‬شموله مجموع المحل المكترى بكافة مرافقه‪،‬‬

‫‪-‬أجل شهرين على األقل"‪.‬‬

‫حياة البراقي‪ :‬حق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في ظل ظهير ‪ ،1980‬وتطبيقاته القضائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.267‬‬ ‫‪613‬‬

‫أحمد عاصم‪ ،‬الحماية القانونية للكراء السكني والمهني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.38‬‬ ‫‪614‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 351‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يتضمن اإلنذارسبب أومجموعة من األسباب‪ ،‬ومن املؤكد أن املحكمة إذا ما تأكدت‬

‫من جدية أحد األسباب فإنها تبحث في السبب الثاني املضمن باإلشعار باإلفراغ‪.615‬‬

‫وهذا ما صارت عليه محكمة النقض مؤكدة على أنه "حيث أن الثابت من وثائق‬

‫امللف املعروضة على القضاة املوضوع خصوصا اإلنذار املوجه للطالبة أنه أسس‬

‫على ثالثة أسباب لإلفراغ أولها املطل في أداء واجبات الكراء وثانيهما إحداث تغييرات‬

‫بمحل النزاع دون إذن املكرية وثالثها رغبة هذه األخيرة في استرجاع محلها الستغالله‬

‫شخصيا‪ ،‬وملا تبين لها أن السببين األول والثاني غير قائمين كانت على حق ملا بتت في‬

‫السبب الثالث املبني على االستعمال الشخص ي"‪.616‬‬

‫يكتس ي أهمية بالغة إذ ال يمكن‬ ‫االشعار باإلفراغ‪617‬‬ ‫والحقيقة أن تسبيب‬

‫للمكتري املوجه إليه هذا اإلشعار أن يقرر قبوله أو رفضه وال أن ييهئ دفاعه في حال‬

‫عرض النزاع على القضاء إلى على ضوء السبب املبين فيه‪.618‬‬

‫ويعتبر استلزام بيان األسباب املثارة من املستجدات التي جاء بها ظهير ‪1980‬‬

‫وتبناها املشرع كذلك في قانون رقم ‪ 67.12‬ذلك أنه في إطار القواعد العامة لم يكن‬

‫املكري ملزما بشرح األسباب واملبررات التي استدعت إقدامه على إفراغ املكتري‪ ،‬إذ‬

‫وسيلة حرنان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.2‬‬ ‫‪615‬‬

‫‪ 616‬قرار محكمة النقض‪ ،‬عدد ‪ 181‬المؤرخ في ‪ ،2012/02/16‬ملف تجاري عدد ‪ ،2011/2/3/1242‬منشور بمجلة الحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪،139‬‬
‫الصفحة ‪ 21‬ومايليها‪.‬‬

‫‪ 617‬محمد الكحل‪ :‬التطور التشريعي والقضائي لشكلية المطالبة بإفراغ المحالت السكنية والمهنية‪ ،‬مقال منشور بمجلة البحوث‪ ،‬العدد المزدوج‪-12 ،‬‬
‫‪ ،13‬سنة‪ ،2015‬ص‪.227‬‬

‫حياة البراقي‪ :‬حق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في ظل ظهير ‪ ،1980‬وتطبيقاته القضائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.274‬‬ ‫‪618‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 352‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫كان يكفيه أن يحمل الى املكتري رغبته وعزمه على هذا اإلفراغ ولم يشترط في ذلك‬

‫سوى أن يعبرعن هذه الرغبة بوضوح أكيد ال يكتنفه أي غموض‪.619‬‬

‫إال أن اإلشكال الذي يطرح في هذا السياق هل أسباب التي يستند عليها املكري‬

‫للمطالبة باإلفراغ واردة على سبيل الحصرأم املثال؟‬

‫ودون الدخول في االختالف الفقهي يمكن القول بأن أسباب اإلفراغ واردة على‬

‫سبيل املثال‪620‬وليس الحصر وسندنا في ذلك فلسفة املشرع املغربي في القانون‬

‫الجديد التي تميل إلى حماية املكري‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬وجوب تضمني اإلشعار باإلفراغ جملموع احملل بكافة مرافقه‬

‫لقد تمخض عن هذا الشرط الذي كان منصوصا عليه في الفصل التاسع من‬

‫ظهير ‪ 1980‬امللغى‪ ،‬الذي تقابله املادة ‪ 46‬من القانون رقم ‪ 67.12‬خالف في أوساط‬

‫الفقه والقضاء‪ ،‬إذ اعتبره البعض بيانا شكليا إلزاميا‪ ،‬فين حين اعتبره البعض األخر‬

‫بيانا موضوعيا منقسمين إلى اتجاهين‪:‬‬

‫االتجـاه األول‪ :‬يتمسك بحرفية النص ويعتقد أن هذا البيان املشترط في اإلشعار‬

‫يقتض ي ذكر باعثه لكل أجزاء املحل املكترى ووصفه من حيث املوقع وحصر عدد‬

‫الحسين بلحساني‪ :‬الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية دعوى االفراغ‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪619‬‬

‫‪ 620‬لقد أكدته المحكمة االبتدائية "االتفاق الواقع بين المكري والمكتري لمحل سكني على انتهاء عقد الكراء بعد مضي مدة معينة اتفاق صحيح ينهي‬
‫الكراء الن أسباب انتهاء عقد كراء المحالت السكنية أو المهنية مذكورة على سبيل المثال ال الحصر"‬

‫_ حكم لمحكمة االبتدائية بالدار البيضاء‪ ،‬بتاريخ ‪ 10/1/20‬تحت عدد ‪ ،243‬في الملف عدد ‪ ،09/4600‬منشور بالمجلة المغربية لدراسات القانونية‬
‫والقضائية‪ ،‬عدد‪ ،3‬ص‪ 355‬وما يليها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 353‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫غرفه وملحقاته‪ .621‬وذلك بتعيينه تعيينا نافيا لكل جهالة‪ ،‬بذكر عدد البيوت‪،‬‬

‫واملطبخ والحمام‪ ،‬وما إلى ذلك من ملحقات كالحديقة املحيطة باملنزل مثال‪ ،‬ذلك أن‬

‫هذا اإلشعار له طابع شكلي ويترتب على عدم االلتزام به بشكل حرفي جزاء البطالن‬

‫الذي استهل به املشرع صياغته للفصل التاسع املقابل للمادة ‪ 49‬من القانون رقم‬

‫‪.67.12‬‬

‫أما االتجاه الثاني‪ :‬فيذهب إلى أن هذا البيان موضوعي يستهدف التأكيد على‬

‫أن اإلشعارباإلفراغ ينبغي أن يراعى فيه عدم قابليته للتجزئة بحيث يجب أن يرد على‬

‫مجموع املحل املكترى وليس فقط على جزء منه حفاظا على وحدة عقد الكراء‪.622‬‬

‫وذلك أن هذا البيان غيرمتصل مباشرة بمسطرة الفسخ‪ ،‬و إنما هوتكريس ملبدأ عدم‬

‫تجزئة العقد الذي كان معموال به في القانون السابق لظهير‪ ،1980‬وهو مبدأ عام من‬

‫املبادئ املنظمة للكراء‪.623‬‬

‫أما محكمة النقض فقد نحت منحى االتجاه املوضوعي حيث أكدت على أن‬

‫الغاية من اشتراط التنصيص في اإلشعارباإلفراغ للعين املؤجرة على مجموع املحالت‬

‫املكتراة بكافة مر افقها هو ضمان املحافظة على وحدة عقد الكراء إذ أن عبارة‬

‫مجموع املحالت بصيغة الجمع ال تعني التنصيص عن كل جزء من أجزاء املحل‬

‫‪Omar Mounir introduction a l’étude du bail d’habitation au mémoire du diplôme des études supérieurs 621‬‬
‫‪université Hassan 2 faculté des sciences juridiques économique et sociales Casablanca 1984 p158.‬‬

‫‪ 622‬عبد القادر الرافعي‪ :‬موضوعية اشتمال اإلشعار باإلفراغ على مجموع المحالت والمرافق أم شكليته؟ مجلة رابطة القضاء‪ ،‬السنة ‪ ،21‬العدد‬
‫‪ ،15_14‬سبتمبر ‪ ،1985‬ص‪.25‬‬

‫‪Rachid fillal meknassi remarque a propos de la loi n 6.79 revue juridique politique et n 13_141983p71.c 623‬‬
‫‪d’économie du Maroc n 13_14 1983 p7.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 354‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الواحد كوحدة سكنية ال تقيل التجزئة وأن ما يعنيه املشرع هو تلك املحاالت‬

‫العكسية التي تكون فيها تجزئة العقد واردة إما بحكم الطبيعة العقاراملكرى في حالة‬

‫اشتمال العقد على أكثرمن املحل الواحد أو بمقتض ى شرط وارد في العقد‪.624‬‬

‫إن مرد الخالف في الحقيقة األمر يرجع إلى عدم تحري الدقة من قبل املشرع‬

‫ظل القانون امللغى‪ ،‬في استعمال األلفاظ املناسبة واملعبرة بتحديد الغرض املقصود‬

‫فال شك أن املشرع كان يقصد امللحقات حين عبرعنها باملر افق‪.‬‬

‫وألجل وضع حد لكل هذه الخالفات الحادة ولقطع دابر كل فهم خاطئ وتطبيق‬

‫منحرف جاء املشرع في املادة ‪ 46‬رقم ‪ 67.12‬بمصطلحات أكثردقة بحيث أنه استبدل‬

‫كلمة "املحالت" التي كانت واردة في الفصل التاسع امللغى "باملحل" من أجل تجاوزكل‬

‫خالف فقهي أو تضارب قضائي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اإلشارة إىل أجل شهرين على األقل‬

‫لقد ألزمت املادة ‪ 46‬من قانون رقم ‪ 67.12‬املالك املكري تضمين اإلشعار‬

‫اإلشارة إلى منح املكتري أجل شهرين على األقل‪ ،‬واملالحظ أن املشرع املغربي قلص‬

‫من هذا األجل ليصبح شهرين بدل ثالثة أشهر التي كانت مضمنة في ظل الفصل ‪9‬‬

‫من القانون ‪ 6.79‬امللغى‪.625‬‬

‫‪ 624‬قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ ‪ 2010/08/24‬أوردته وسيلة حرنان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.4-5‬‬

‫ندوة بموضوع‪ ،‬مستجدات قانون كراء المحالت المعدة للسكنى أو االستعمال المهني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫‪625‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 355‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وغني عن البيان أن قصد املشرع من اشتراط ضرورة تقيد املكري بهذا األجل‪،‬‬

‫وإعطائه مهلة كافية يتدبر فيها أمر‬ ‫الكراء‪626‬‬ ‫وهو تفادي مفاجأة املكتري بانتهاء‬

‫البحث عن مكان جديد إن رض ي بإفراغ املحل استجابة لرغبة املكري بصورة تلقائية‬

‫القتناعه‪ 627‬بصحة السبب الذي يحتج عليه به املكري دون ضرورة إلقامة الدعوى‬

‫ضده‪ 628‬وإال فإلعداد دفاعه أمام املحكمة التي ستنظر في عوى تصحيح اإلشعار‬

‫باإلفراغ‪.629‬‬

‫وإذا كان اشتراط املشرع اإلشارة إلى أجل شهرين على أقل في اإلشعار باإلفراغ‬

‫من قبل املكري‪ ،‬فقد ال يضمن عمليا املكري هذا األجل باإلشعاروينتظرمرورأجالل‬

‫شهرين ثم يتقدم بطلب اإلفراغ فهل يكون اإلشعارهنا صحيحا أم ال؟‬

‫لإلجابة عن هذا السؤال نستدل إلى ما ذهبت محكمة النقض في ظل القانون‬

‫القديم إلى اعتبار أن اإلنذار املتنازع فيه والذي ال يتضمن مدة أجل الثالثة أشهر‬

‫املنصوص عليها في الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 9‬من ظهير ‪ 1980/12/25‬التي تنص‬

‫على وجوب تضمين اإلشعار باإلفراغ تحت طائلة البطالن اإلشارة إلى أجل الثالثة‬

‫‪Filali meknassi (Rachid)op cit p71.626‬‬

‫‪ 627‬محمد أحمد بونبات‪ :‬الجديد في كراء األماكن المعدة للسكن واالستعمال المهني‪ ،‬دراسة شاملة للقوانين‪ ،64/63.99/6.79.94 ،‬مع ربطها‬
‫بالقواعد العامة االمنظمة للكراء‪ ،‬مطبعة الوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬سنة ‪ 2001‬ص‪.50‬‬

‫‪ 628‬محي الدين سماعيل‪ :‬نطم الكراء بالمغرب‪ ،‬مطبعة الساحل‪ ،‬الرباط سنة ‪ ،1989‬ص‪.20‬‬

‫حياة البراقي‪ :‬حق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في ظهير ‪ ،1980‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.289‬‬ ‫‪629‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 356‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أشهر وال يسوغ للمحكمة االستعاضة عن هذا اإلجراء بأي استنتاج أو اجتهاد إذ ال‬

‫اجتهاد مع وجود النص‪.630‬‬

‫من خالل هذا القراريتضح أن عدم اإلشارة إلى أجل شهرين على األقل باإلشعار‬

‫باإلفراغ يجعله باطال‪ ،‬وعلى هذا األساس إذا كان املشرع املغربي قد رتب البطالن‬

‫عند عدم احترام البيانات الواردة في املادة ‪ 46‬من قانون رقم ‪ .67.12‬لكن هل هذا‬

‫البطالن له عالقة بالنظام وبالتالي يحق للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها أم البد أن‬

‫يتيره املكتري لوحده؟‪.‬‬

‫لقد أجابت محكمة النقض في ظل القانون السابق حين قضت بأن "اإلشعار‬

‫باإلفراغ الذي وأن نظمه القانون رقم ‪ 6.79‬املتعلق بالكراء السكني واملنهي تنظيما‬

‫دقيقا‪ ،‬فهو ليس من النظام العام حتى تكون املحكمة ملزمة بإثارته من تلقاء‬

‫نفسها‪.631‬‬

‫وتجدر اإلشارة في األخير إلى أن أجل اإلشعار املحدد في شهرين هو األجل األدنى‬

‫الذي ال يمكن للمكري النزول عنه‪ ،‬وليس هناك أي مانع في الرفع منه تماشيا مع نية‬

‫املشرع في تمتيع املكتري باألجل األطول‪.‬‬

‫‪ 630‬قرار محكمة النقض‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ ،2007/04/04‬تحت عدد ‪ 1147‬في الملف عدد‪ ،05/2826 ،‬منشور بكتاب‬
‫قوانين الكراء والعمل المغربي‪ ،‬محمد بفقير‪ ،‬ص ‪ ، 212‬أوردته وسيلة حرنان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬

‫‪ 631‬قرار محكمة النقض‪ ،‬بتاريخ ‪ 25‬يناير ‪ 1989‬تحت عدد ‪ 190‬الملف المدني‪ ،‬عدد ‪ ،3238‬منشور بمجلة قضاء‬
‫محكمة النقض‪ ،‬عدد ‪ 42.43‬نونبر ‪ ،1989‬ص‪.23‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 357‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التزام املالك بتبليغ اإلشعار باإلفراغ وإثباته‬


‫من الضمانات التي أحاط بها قانون رقم ‪ 67.12‬املكتري حتى ال يفاجأ بدعوى‬

‫اإلفراغ‪ ،‬ضرورة توصله باإلشعار بطريقة قانونية‪ .‬وفي غياب إثبات هذا التوصل‪،‬‬

‫فإن مآل دعوى اإلفراغ عدم القبول‪.‬‬

‫بخالف ما هوعليه الحال في ظل القواعد العامة فإن قانون رقم ‪ 67.12‬لم يترك‬

‫العنان لإلرادة في مجال التبليغ بل تبنى الشكلية التي أصبحت الزمة لتعلقها بالنظام‬

‫العام ويترتب على انتفائها بطالن اإلشعارباإلفراغ‪.‬‬

‫وتعتبر هذه الشكلية التزام على املكري في ممارسة اإلفراغ‪ ،‬وذلك باتباع طرق‬

‫بعينها إلعالم املكتري بنيته‪ ،‬حددها املشرع في الفصول ‪37‬و‪38‬و‪ 39‬من قانون‬

‫املسطرة املدنية (أوال) ورغم حرصه كل الحرص على أن يكون التبليغ اإلشعار‬

‫باإلفراغ صحيحا فإنه مازال يثيرمجموعة من املشاكل في ما يتعلق باإلثباته (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تبليـــغ اإلشعار باإلفراغ‬

‫انطالقا من املادة ‪ 63246‬من القانون رقم ‪ 67.12‬يتضح بأن املشرع املغربي قد‬

‫أحال على قانون املسطرة املدنية فيما يتعلق بطرق التبليغ‪ .‬ضمان لحقوق األطراف‬

‫‪ 632‬تنص الفقرة األخيرة من المادة ‪ 46‬من القانون رقم ‪ 67.12.‬على ما يلي "يبلغ اإلشعار باإلفراغ بحسب الكيفيات المشار إليها في الفصول‬
‫‪37‬و‪38‬و‪ 39‬من القانون المسطرة المدنية "‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 358‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫على اعتبارأن موضوع التبليغ‪633‬يكتس ي أهمية بالغة السيما أنه يحدد بداية حساب‬

‫أجل الشهرين املحدد في اإلشعارباإلفراغ‪.‬‬

‫إال أن اإلحالة الواردة في املادة ‪ 46‬من قانون رقم ‪ 67.12‬على قانون املسطرة‬

‫املدنية ال تعني اتباع املكري لترتيب الوارد في هذا القانون بل له الخيار في توجيه‬

‫اإلشعارباإلفراغ بأي طريقة تبدوا له مالئمة وناجعة‪.‬‬

‫ورغم التفاتة املشرع إلى موضوع تبليغ اإلشعار ونصه على الطرق التي يجب أن‬

‫يتم بها في فصل خاص فإن هذا ال يعني أنه أوجد حال للمشاكل املرتبطة بالتبليغ‬

‫بشكل عام‪.634‬‬

‫فبرغم من أن التبليغ عن طريق أعوان كتابة الضبط يشكل الطريقة األساسية‬

‫واألصلية‪ ،‬كما يتضح من قراءة أحكام الفصل ‪ 37‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،635‬إال‬

‫أنه على مستوى املمارسة العملية‪ ،‬تثير مجموعة املشاكل‪ ،‬أهمها البطء وقلة‬

‫األعوان املكلفين بالتبليغ إذ ال يقومون في الغالب األعم بملء شواهد التسليم‬

‫‪ 633‬ويقصد بالتبليغ إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى علم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط‪ ،‬أو أحد األعوان القضائيين‪ ،‬وأو عن طريق‬
‫البريد برسالة مضمونة باإلشعار بالتوصل أو بالطريقة اإلدارية والهدف من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه األمر المراد تبليغ‪.‬‬

‫‪ -‬عبد ال كريم الطالب‪" :‬الشرح العملي القانون المسطرة المدنية‪" ،‬طبعة ‪ ،2013‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬ص ‪.165‬‬

‫‪634‬حياة البراقي‪ :‬حق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في ظهير ‪25‬دجنبر‪ 1980،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬

‫‪ 635‬تنص المادة‪ 37‬من قانون المسطرة المدنية على ما يلي "يوجه االستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط‪ ،‬أو أحد االعوان القضائيين أو عن‬
‫طريق البريد برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل أو بالطريقة اإلدارية‪.‬‬

‫إذا كان المرسل إليه يقي م خارج المغرب‪ ،‬يوجه االستدعاء بواسطة السلم اإلداري على الطريقة الدبلوماسية أو بواسطة البريد المضمون عدا إذا كانت‬
‫مقتضيات االتفاقية الدولية تقضي بغير ذلك"‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 359‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بالطريقة القانونية الالزمة‪ ،‬األمر الذي يجعل كثير من التبليغات التي يبلغونها‬

‫تتعرض للبطالن‪.636‬‬

‫هذا ناهيك عن التبليغ بالطرق اإلدارية التي ال تخلو بدورها من مشاكل بحيث‬

‫أن غالبا ما ال يتم ملئ شواهد التسليم بالطريقة والدقة اللتين يتطلبهما القانون‪.‬‬

‫إضافة إلى عدم تحملهم أي مسؤولية في حالة عدم التبليغ وكذلك جهلهم بالقواعد‬

‫األساسية لتبليغ وضعف التأطير خاصة بالنسبة للمقدمين والشيوخ وكثرة املهام‬

‫املوكولة إليهم وعدم التنسيق مع السلطات القضائية‪.637‬‬

‫فكهذا فإذا كانت طريقة التبليغ برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل تبدوا‬

‫الوسيلة األنسب للمكري من الناحية العملية باعتبارها أقل تعقيدا وتكلفة‪ ،‬فإنها‬

‫ومع ذلك ال توفر لديه االطمئنان كافيا الى أن اإلشعار الذي يوجهه سيرتب فعال‬

‫أثاره‪.638‬‬

‫ومرد ذلك يرجع إلى ادعاء املكتري لعدم التوصل أصال بالرسالة الحاملة لإلنذار‬

‫باإلفراغ أو ادعاء فراغ الرسالة من اإلشعار في األحوال التي يكون املكتري على علم‬

‫مسبق بالرسالة فإنه قد يراوغ أو يتأخرفي تسلمها‪.639‬‬

‫عبد الكريم الطالب‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬ ‫‪636‬‬

‫جواد أمهمول‪ :‬الوجيز في المسطرة المدنية‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪ 2015‬ص‪.47‬‬ ‫‪637‬‬

‫الحسين بلحساني‪ :‬الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية دعوى اإلفراغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫‪638‬‬

‫عبد القادر العرعاري‪ :‬عقد الكراء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.223‬‬ ‫‪639‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 360‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومما تجدر اإلشارة إليه أنه رغم إحالة املشرع على قانون املسطرة املدنية في ما‬

‫يتعلق بتبليغ االشعار باإلفراغ اال أنه مازالت تطفوا على السطح مجموعة من‬

‫املشاكل‪ .‬وبالتالي وجب إعادة النظرفي املادة ‪ 46‬من قانون رقم ‪ 67.12‬حتى تستجيب‬

‫أكثرملصالح املكري من جهة في استرجاع محله في أقرب وقت واملكري حتى يكون على‬

‫بينة تجعله يتدبرأمره من جهة أخرى‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬إثبات التوصل بإشعار باإلفراغ‬

‫يكتس ي التبليغ أهمية بالغة تكمن في عدم جواز احتجاج املكتري بجهله ملا تم‬

‫تبليغه به‪ ،‬قياسا على قاعدة عدم جوازاالعتذاربجهل القانون‪ ،640‬السيما أن املشرع‬

‫في قانون رقم ‪ 67.12‬اعتبر بأن اإلشعار باإلفراغ املوجه من قبل املكري ال يرتب أثاره‬

‫القانونية إال من يوم تبليغه‪ 641‬وهو ما يجعل مسألة اإلثبات ذات أهمية قصوى في‬

‫هذا املجال ‪.‬‬

‫وبما أن املكري هو امللزم بتوجيه اإلشعار باإلفراغ‪ ،‬فإنه هو امللزم بتحمل عبء‬

‫إثبات حصول التبليغ‪ ،‬وال يكفيه إثبات قيامه باملطلوب من أجل توجيه اإلشعار‪.642‬‬

‫و إنما عليه باإلضافة الى ذلك أن يبرهن أن اإلشعار قد وصل إلى علم من وجه إليه‬

‫حسن البكري‪ :‬الطبيعة القانونية لشهادة التسليم في االثبات‪ ،‬مجلة القضاء والقانون العدد ‪ ،150‬السنة ‪ ،2002‬ص‪.63‬‬ ‫‪640‬‬

‫‪ 641‬قرار لمحكمة النقض‪ ،‬رقم ‪ 219‬ملف مدني رقم ‪ 78354‬بتاريخ‪ ،1983.02.09 ،‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬رقم ‪ 32‬سنة ‪،200‬‬
‫ص‪.14‬‬

‫الحسين بلحساني‪ :‬الحماية القانونية للمكتري المحالت السكنية‪ ،‬دعوى اإلفراغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.76‬‬ ‫‪642‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 361‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فعال‪ .643‬ألن التزامه ليس التزاما ببدل عناية‪ ،‬و إنما بتحقيق غاية هي وصول مضمون‬

‫اإلشعارإلى علم من وجه إليه‪.‬‬

‫وهذه مسألة تثيربعض الصعوبات‪ ،‬إذ قد يحدث في العمل أال يعمد املكتري إلى‬

‫سحب الرسالة من إدارة البريد رغم توصله من لدنها بإشعار يفيد وضعه للرسالة‬

‫املتضمنة للتنبيه رهن إشارته‪ ،‬فتعاد هذه الرسالة إلى الجهة املرسلة وعليها عبارات‬

‫تفيد أن املعني باألمر لم يتقدم إلى سحبها ‪.‬‬

‫لقد درج القضاء املغربي على أن اإلشعارباإلفراغ ليكون قانونيا البد من توصل‬

‫املكتري به أو رفضه‪ .644‬أما إذا أرجعت الرسالة املضمونة مؤشرا عليها بعبارة "غير‬

‫مطلوب" فإنه ال يصح اعتبارها بمثابة توصل كما هوالحال بالنسبة لرفض التسليم‬

‫ألن عدم سحب التنبيه من إدارة البريد ال يقوم مقام رفض التسليم وال يمكن أن يحل‬

‫محل التبليغ‪.645‬‬

‫وفي حالة وفاة املكتري يتعين توجيه اإلشعار باإلفراغ إلى ورثته دون تعيين إذا‬

‫تعذر معرفتهم ‪ .646‬وبمفهوم املخالفة إذا كان يعلم املكري أسماءهم جميعا فإنه‬

‫‪Jean m.la mouette l acte juridique unilatéral essai sur sa notion et sa technique en droit civil thèse –Toulouse 643‬‬
‫‪1949 d320 n 169 et 181.‬‬

‫قرار محكمة االستئناف‪ ،‬بالدار البيضاء‪ ،‬المؤرخ في ‪ 30‬أبريل ‪ ،1969‬مجلة المحاكم المغربية العدد الرابع‪ ،‬ص‪.35‬‬ ‫‪644‬‬

‫‪ 645‬قرار لمحكمة النقض‪ ،‬عدد ‪ 29‬المؤرخ في‪ 17‬دجنبر ‪ ،1978‬في ملف مدني‪ ،‬عدد ‪ 67701‬منشور بمجلة المحاماة‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬سنة ‪،1979‬‬
‫ص‪.35‬‬

‫‪ 646‬لقد أكدت محكمة النقض في قرار لها على أنه "يتعين على المكري أن يوجه اإلنذار الى المكتري وفي حالة وفاته يوجه الى ورثته دون تعيين‬
‫إذا تعذر معرفتهم"‪.‬‬

‫‪ -‬قرار محكمة النقض‪ ،‬عدد ‪ 1699‬المؤرخ في ‪ ،2008/12/31‬في الملف التجاري‪ ،‬عدد ‪ ،2006/02/03/1026‬منشور بمجلة منازعات الكراء من‬
‫خالل قضاء محكمة النقض‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 362‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يتعين عليه أن يعدد جميع أسمائهم تحت طائلة بطالن اإلنذار‪ ،‬إذ في حالة تعدد‬

‫الورثة وتعيين أحدهم وتخصيصه باإلنذاريجعل أثاره محصورة فيمن ذكروال يشمل‬

‫غيرهم وإال اقتصرفقط إلى اإلشارة إلى ورثة الهالك دون تخصيص‪.647‬‬

‫أما في حالة وجود محل مكترى مملوك على الشياع من قبل املكرين فهل يتم في‬

‫هذه الحالة توجيه اإلشعار باإلفراغ من جميع املالكين أم يكفي أن يوجه من قبل‬

‫البعض فحسب؟‬

‫جوابا على هذا سؤال نستحضرقرار ملحكمة النقض أكدت فيه إلى أنه ال محل‬

‫للدفع بعدم التوجيه اإلنذارمن جميع املالكين على الشياع إذا ما ثبت للمحكمة قيام‬

‫العالقة الكرائية بين املكتري وأحد الورثة فقط‪.648‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫صفوة القول أن قانون رقم ‪ 67.12‬يشكل ظفرة نوعية في املنظومة القانونية‬

‫للكراء من شأنها أن تحل مجموعة من املشاكل كانت تطفوا على السطح في ظل‬

‫القانون امللغى‪ .‬السيما في ما يتعلق بتوجيه اإلشعار باإلفراغ إيمانا منه في تشجيع‬

‫املكترين على كراء محالتهم‪ ،‬وذلك اعتبارا إلى أن املناداة بحماية هذه الشريحة‬

‫وسيلة حرنان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.4‬‬ ‫‪647‬‬

‫‪ 648‬قرار محكمة النقض‪ ،‬عدد ‪ 171‬المؤرخ في ‪ 201/02/16‬ملف تجاري‪ ،‬عدد ‪ ،234/3/2/2011‬منشور بمجلة مجلس األعلى‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪ -‬وفي قرار أخر للمحكمة االبتدائية بالصويرة يصب في نفس االتجاه حيث نحت إلى أنه ‪:‬إذا كان موجهي اإلنذار ال يتوفرون على األغلبية‪ ،‬فإنه يكون‬
‫لإلنذار أثر في حق الجميع لما يؤدي ذلك إلى جلب النفع للعين المكتراة وكون أن األمر يتعلق بإدارة المال المشاع واالنتفاع به ‪،‬وأنه من الحق‬
‫الشريك المطالبة بإنهاء لعقد ورفض تجديده تبعا لما يقتضيه الحق المعترف به لكل شريك من الشركاء في المحافظة على المال الشائع‪ ،‬حتى ولو لم‬
‫تكن هناك أغلبية حسب النسبة المقررة قانونا في الفصل ‪ 971‬من القانون االلتزامات والعقود وعلى اعتبار أن هذه القاعدة تنظم فقط العالقة بين‬
‫المالكين على الشياع مع بعضهم البعض في الحالة النزاع بينهم في إدارة المال المشاع وال يمكن لغيرهم االستفادة من مقتضياتها أو التمسك بها"‪.‬‬

‫‪ -‬الحكم لمحكمة االبتدائية‪ ،‬بالصويرة ملف الكرية‪ ،‬عدد ‪ 202.12‬بتاريخ ‪ ،2013.03.06‬أوردته وسيلة حرنان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 363‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أصبحت ضرورة ملحة ‪ ،‬وهذا ما دفع املشرع إلى إقرار قانون رقم ‪ 67.12‬وذلك‬

‫لتخفيف من معضلة السكن‪ ،‬ألنه في ظل القانون املنسوخ كانت نية املشرع منصبة‬

‫بالدرجة إلى حماية املكترين وقد ترتب على ذلك عزوف املكترين عن كراء محالتهم مما‬

‫ترتب عن هذه الحماية مشاكل اقتصادية اجتماعية عويصة جدا‪ ،‬جعلت املشرع‬

‫يدخل سنة ‪ 2013‬بعد مغاض عسير إلقرار قانون رقم ‪ .67.12‬إال أن هذا األخير وبعد‬

‫سبع سنوات من دخوله حيز التطبيق أظهرت املمارسة العملية أنه لم يرقى إلى‬

‫مستوى التطلعات ولم يحقق بعد ذلك التوازن املنشود واملطلوب مما قد نتنبأ‬

‫بتعديل بعض جوانبه في األيام القليلة القادمة‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 364‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األستاذ ة فاطمة الزهراء أخانة‬


‫باحثة بسلك الدكتوراه – كلية العلوم‬
‫القانونية والسياسية‪-‬فاس‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫تعتبر امليزانية الركيزة األساسية للدولة والعمود الفقري في بنائها وتكوينها‬

‫وتشكل في مختلف النظم املالية الحديثة التطبيق العملي للسياسة العامة للبالد‪،‬‬

‫فهي تلعب دورا كبيرا في الحياة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بحيث أنها اإلطار الذي‬

‫تنعكس فيه اختيارات الدولة ألهدافها وأداتها إلى تحقيقها‪ ،‬هي املرآة العاكسة لحالة‬

‫االقتصاد‪ ،‬وللحالة السياسية في دولة من الدول‪ ،‬وفي فترة زمنية معينة‪ ،‬ويكفي‬

‫للتدليل‪ ،‬أن نقف على الدور الذي تلعبه كل من االيرادات العامة والنفقات العامة‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 365‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وذلك باعتبارهما أهم عناصر املالية العامة‪ ،‬في الكشف عن الظروف االقتصادية‬

‫والسياسية لدولة معينة‪.649‬‬

‫شكلت ميزانية الدولة التي يصدر بربطها قانون مالية السنة‪ ،‬أداة أساسية‬

‫لتنفيذ السياسات العمومية وتنزيل االستراتيجيات القطاعية و إنجاز برامج العمل‬

‫الحكومي املوضوعة في سبيل تحقيق التنمية االقتصادية و االجتماعية و املجالية و‬

‫ضبط التوازنات املالية‪ .650‬بحيث تحظى السياسة املالية بأهمية كبيرة إلى جانب باقي‬

‫السياسات العمومية نظرا للدور الذي تلعبه في مجال التنمية االقتصادية و‬

‫االجتماعية التي ينشدها املجتمع وتتطلع إليها فئات واسعة منه‪.‬‬

‫وقد برز مفهوم ميزانية الجندر أو املبنية على النوع االجتماعي إلبراز تبعات‬

‫مختلف القرارات املتعلقة بامليزانية‪ ،‬على كل من الرجال والنساء في مراحل العمر‬

‫املختلفة والفئات االجتماعية املختلفة والتوزيع الجغرافي في مناطق الدولة املختلفة‪،‬‬

‫وعمال على إعادة بناء امليزانية املعتمدة حاليا بعد األخذ بعين االعتبار احتياجات‬

‫النوع االجتماعي‪.651‬‬

‫‪ - 649‬زهيرة االدريسي‪ ،‬مقال المالية العمومية المغربية بين هاجس مواجهة وباء كوفيد ‪ 19‬المستجد وواقع األزمة‪،‬‬
‫مجلة القانون واألعمال‪.‬‬
‫‪ - 650‬عسو منصور‪ ،‬قانون الميزانية العامة ورهان الحكامة المالية الجيدة‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الطبعة األولى أكتوبر ‪ 2017‬ص ‪.7‬‬
‫‪ - 651‬إبراهيم أوجامع‪ " ،‬إدماج مقاربة النوع االجتماعي في ميزانية الدولة"‪ ،‬بحث لنيل الماجيستر في العلوم االقتصادية‪ ،‬كلية العلوم‬
‫االقتصادية والتسيير والعلوم التجارية‪ ،‬أبي بكر بلقايد (تلمسان الجزائر)‪ 2011-2010 ،‬ص ‪ ،5‬زيارة الموقع االلكتروني‪،‬‬
‫الموقع‬ ‫زيارة‬ ‫‪،http://dspace.univ-tlemcen.dz/bitstream/112/442/1/OUDJAMAa-IBRAHIM.mag.pdf‬‬
‫‪ 05/01/2018‬على الساعة ‪.14 :57‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 366‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وتركز امليزانية املستندة للنوع االجتماعي على تقييم آثار تلك املوازنات على‬

‫أوضاع املرأة والرجل والشباب واألشخاص في وضعية إعاقة وظروفهم املعيشية‬

‫طيلة دورة عمرامليزانية‪ ،‬بداية من اإلعداد إلى التنفيذ وحتى املر اقبة والختم‪.652‬‬

‫وتهدف هذه اآللية باألساس إلى بيان الفرق الشاسع بين السياسات العمومية‬

‫املقترحة ضمن امليزانيات واملوارد‪ ،‬التي يتم تخصيصها لتنفيذ املشاريع والخطط‬

‫التنموية‪ ،‬كما تعمل كذلك على ضمان إنفاق املوارد العمومية بشكل يراعي العدالة‬

‫االجتماعية واملساواة حسب النوع االجتماعي‪.653‬‬

‫من هنا يمكن التساؤل ‪ :‬ما هي التحديات والعر اقيل التي تقف في طريق إدماج‬

‫النوع االجتماع في املغرب؟ما هي اآلفاق املفتوحة ملعالجة مختلف هذه التحديات؟‬

‫سنجيب على السؤالين من خالل‪ :‬املطلب األول‪ :‬نجاعة ميزانية النوع‬

‫االجتماعي في املجال املالي العمومي‪ .‬املطلب الثاني‪ :‬اآلفاق املستقبلية للميزانية‬

‫باعتماد مقاربة النوع اإلجتماعي‪.‬‬

‫‪ - 652‬نفس المرجع السابق‪.‬‬


‫‪ - 653‬نفس المرجع السابق‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 367‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬جناعة ميزانية النوع االجتماعي يف اجملال املايل العمومي‪.‬‬

‫تعتبر مقاربة النوع االجتماعي أداة لتحليل وتخطيط وتقييم املعرفة الدقيقة‬

‫للو اقع السوسيو اقتصادي‪ ،‬وتستهدف تنمية عادلة‪ ،‬منصفة ومستدامة للرجال‬

‫والنساء واألوالد والبنات‪ ،‬باعتبارقيمهم اإلنسانية املتساوية واحتياجاتهم املتباينة‪،‬‬

‫ويأتي إدراج هذه املقاربة في مسلسل وضع وتنفيذ امليزانية في سياق مجموعة من‬

‫اإلصالحات واإلنجازات التي عرفها املغرب خالل السنوات األخيرة في اتجاه تكريس‬

‫مبدأي اإلنصاف واملساواة بين الجنسين في مجاالت متعددة‪ .654‬إال أن امليزانية التي‬

‫تدمج مقاربة النوع تواجه مجموعة من الصعوبات(الفقرة األولى)‪ ،‬ولتجاوز هذه‬

‫العر اقيل يجب رفع رهانات كبرى لتحقيق الهدف من إدماج النوع االجتماعي‪،‬‬

‫(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬الصعوبات والتحديات التي تواجه ميزانية النوع االجتماعي‪.‬‬

‫إن ميزانية النوع االجتماعي تعترضها مجموعة من الصعوبات والتحديات‪ ،‬من‬

‫أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬بطء الترسيخ املؤسساتي لبعد النوع االجتماعي‪ :‬فرغم أن املغرب بلور مبكرا‬

‫استراتيجيات ومخططات عمل وطنية للنهوض باملساواة ومحاربة كافة‬

‫أشكال التمييز ضد النساء‪ ،‬إال أن الترسيخ املؤسساتي لبعد النوع االجتماعي‬

‫‪ - 654‬من هذه اإلجراءات صدور مدونة األسرة‪ ،‬المصادقة على اتفاقيات دولية في مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬خاصة القضاء على جميع‬
‫أشكال التمييز ضذ المرأة‪ ،‬و اتفاقية حقوق الطفل‪ ،‬و إصالح مدونة الشغل مع اعتماد مبدأ عدم التمييز بين الجنسين‪ ،‬و دخول النساء إلى‬
‫مجلس النواب‪ ،‬و تحديد نسبة تمثيلهن في ‪. 100/10‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 368‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫عرف بطء في مساراته على مستوى بعض القطاعات الحكومية ‪.‬كما يسجل‬

‫أيضا ضعف اإلدماج العرضاني لبعد النوع االجتماعي في املشاريع‬

‫االقتصادية والتنموية الكبرى‪ ،‬فاملغرب‪ ،‬الذي تميز بإطالق دينامية تنموية‬

‫رائدة‪ ،‬لم يطور آليات ومناهج الستحضار الحاجيات املختلفة للنساء‬

‫والرجال بشكل كاف في هذه املشاريع الكبرى‪.655‬‬

‫‪ -2‬ضعف القدرات البشرية املؤهلة واملوارد املالية الكافية إلدماج النوع في‬

‫السياسات الوطنية‪ :‬حيث تتجاوز عدد املبادرات واإلجراءات الحكومية‬

‫املبرمجة واملرتبطة بإدماج النوع في السياسات الوطنية أحيانا القدرات‬

‫والطاقات البشرية املتخصصة واملؤهلة املتوفرة‪ ،‬مما يصعب معه التحكم‬

‫في تعثرات التنفيذ املرتبطة بغياب أو قلة القدرات البشرية‪ .‬كما أن بالدنا‬

‫بذلت مجهودا مهما من أجل إعادة االعتبار للقطاعات االجتماعية‪،‬‬

‫وخصصت لها موارد مالية مهمة‪ ،‬إال أن ما يصرف من اعتمادات‪ ،‬على‬

‫أهميته‪ ،‬ال يصل حجمه إلى املستوى املطلوب‪ ،‬نظرا لحجم الخصاص‬

‫املوجود أمام محدودية املوارد‪ .‬لذلك‪ ،‬هناك حاجة لتعزيز قدرات املوارد‬

‫البشرية بمختلف اآلليات واملؤسسات الوطنية املعنية بقضايا املرأة‪ ،‬و أيضا‬

‫تخصيص املوارد املالية الكافية‪.‬‬

‫‪ - 655‬تقييم عمل بكين ‪" ،20+‬تقرير المملكة المغربية "‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 369‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -3‬نقص على مستوى توفربعض البيانات واإلحصاءات حسب النوع االجتماعي‬

‫وعدم انتظاميتها ‪ :‬حيث أن غياب أو ضعف توفر بعض األنواع من البيانات‬

‫واإلحصاءات حسب النوع أوعدم القدرة على توفيرها بشكل منتظم‪ ،‬يضعف‬

‫الوعي بالفوارق املنتظمة املوجودة بين الجنسين‪ ،‬والتمكن من فهم أسبابها‬

‫وعو اقبها‪ ،‬ويجعل من الصعب التحكم فيها والقدرة على معالجتها‪ .‬كما أن‬

‫صعوبة القيام بقياسات إحصائية على امتداد فترات زمنية متقاربة (خريطة‬

‫فوارق النوع االجتماعي السنوية نموذجا)‪ ،‬أو على مستويات جغر افية‬

‫مختلفة يؤثر على مستوى تفاعل السياسات الوطنية مع إشكاالت املساواة‬

‫والتمييز‪.‬‬

‫‪ -4‬ضعف آليات التدقيق املؤسساتي في إدماج النوع االجتماعي‪ :‬حيث يسجل‬

‫ضعف على مستوى متابعة وتقييم السياسة الحكومية املرتبطة بالنوع‬

‫االجتماعي‪ ،‬فتغيب آليات التقييم والتدقيق املؤسساتي اتجاه إدماج النوع‬

‫االجتماعي في السياسات العمومية‪ ،‬وتوجد ندرة في ما يخص الكفاءات‬

‫البشرية املتخصصة في تدقيق النوع االجتماعي‪.656‬‬

‫‪ -5‬ضعف االلتقائية في السياسات والبرامج التنموية‪ :‬تشمل السياسات‬

‫الحكومية املرتبطة بالنهوض بأوضاع املرأة جميع جوانب العمل الحكومي‪،‬‬

‫فرغم عمودية آلية اشتغال القطاع الحكومي الخاص بقضايا املرأة إال أن‬

‫‪ - 656‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 370‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التدخالت املرتبط أثرها بالنساء نجدها متضمنة في مختلف االستراتيجيات‬

‫القطاعية الحكومية والتي في بعض األحيان تقوم فيها وزارة التضامن واملرأة‬

‫واألسرة والتنمية االجتماعية بالدور التنسيقي‪ ،‬مرتهنة بتدخل متعدد‬

‫األطراف متو افق عليه ومتفاوض حوله‪ .‬ويشكل ضعف إطار العمل‬

‫الحكومي التنسيقي عائقا أمام تحقيق االلتقائية بين السياسات‪ ،‬وأمام‬

‫تحسين العديد من مؤشرات النوع االجتماعي التي ترتبط بعدة متدخلين‬

‫حكوميين ومحليين‪ ،‬مما يؤكد أهمية إحداث انسجام شامل بين املخططات‬

‫والسياسات التنموية وضمان التقائيتها عند تشخيص الوضع‪ ،‬وعند تحديد‬

‫السياسات وتنفيذها و أيضا تقييمها ‪.657‬‬

‫‪ -6‬ضعف تفعيل بعض اإلصالحات التشريعية‪ :‬فرغم بلورة املغرب لقوانين‬

‫ومقتضيات قانونية مهمة في مجال تعزيزاملساواة بين الجنسين‪ ،‬إال أن تفعيل‬

‫بعضها ال يزال يشكل تحديا مطروحا‪ ،‬يراهن على تجاوزه عند انطالق العمل‬

‫بميثاق العدالة‪ ،‬الذي توج مسار ا من املشاورات بين مختلف الفاعلين في‬

‫موضوع إصالح العدالة ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬رهانات اعتماد مقاربة النوع اإلجتماعي‬

‫يجب رفع رهانات كبرى لتحقيق إدماج النوع االجتماعي منها ‪:‬‬

‫‪ - 657‬نفس المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 371‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ - 1‬تقوية البعد املجالي في وضع وتتريل السياسات العمومية والبرامج التنموية‪،‬‬

‫باعتبار املجال املحلي أصبح اليوم اإلطار األنجع لطرح القضايا األساسية للتنمية‪،‬‬

‫ومجال للتعبيراألمثل عن اإلشكاليات البارزة في عالقاتها مع خصوصية الجهات‪ ،‬بما‬

‫يؤهله ليكون إطارا لبلورة استراتيجية بديلة للتنمية االقتصادية واالجتماعية‬

‫واملجالية في إطار الجهوية املوسعة التي تقلص من التفاوتات الترابية وتدعم‬

‫خدمات القرب ‪.‬‬

‫‪ -2‬تطويراملنظومة اإلحصائية واملعرفية املتعلقة بمختلف مؤشرات النوع‪ ،‬بما‬

‫سيساعد على رصد وضعية املساواة بمختلف مستوياتها االقتصادية واالجتماعية‬

‫والسياسية‪ ،‬حيث تشكل املؤشرات آليات قوية للتشخيص وتحديد املجاالت ذات‬

‫األولوية‪ ،‬وتقييم اتجاهات التطوروالتقدم‪ .‬مع التأكيد على أهمية املعطيات املحلية‬

‫وضرورة تطويراملعلومات اإلحصائية على املستويات الجغر افية املحلية األساسية‪،‬‬

‫بما يمكن من إعداد تقارير جهوية تمكن من مالءمة السياسات الوطنية مع‬

‫الحاجيات املحلية‪.658‬‬

‫‪ -3‬تفعيل املقاربة التشاركية وتوطيد مسار الديمقراطية التشاركية من أجل‬

‫بناء شراكة وطنية ينخرط في تفعيلها كل الشركاء املؤسساتيين والقطاع الخاص‬

‫واملجتمع املدني‪.‬‬

‫‪ - 658‬نفس المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 372‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -4‬تحسين الحكامة ومستوى نجاعة التدبير الحكومي على كل مستويات‬

‫التخطيط وصياغة البرامج وتدبيراملوارد ومحاربة الفساد من أجل فعالية ومردودية‬

‫أكبرللفعل العمومي‪.‬‬

‫‪ -5‬اعتماد املنهج االستهدافي الذي يقوم على إعطاء األولوية في السياسات‬

‫والبرامج التنموية للنساء األكثر تضررا‪ ،‬و أيضا للمناطق والجماعات الترابية‬

‫املهمشة من أجل تقليص الفوارق بين النساء جغر افيا‪.‬‬

‫‪ -6‬العمل على تشجيع إشراك الرجال في العمل على تحقيق هدف املساواة بين‬

‫الجنسين‪ ،‬ألن تغيير مو اقف الرجل يساهم في تغيير أوضاع املرأة والقضاء‬
‫على حاالت التفاوت بين الجنسين بالضرورة‪659.‬‬

‫‪ - 659‬نفس المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 373‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬اآلفاق املستقبلية للميزانية باعتماد مقاربة النوع‬


‫اإلجتماعي‬

‫إن ميزانية النوع االجتماعي لها خصوصية في املجال املالي العمومي‪(،‬الفقرة‬

‫األولى) مما تنفتح معه آفاق جديدة لهذه امليزانية‪( ،‬الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬خصوصيات ميزانية النوع اإلجتماعي‬

‫إن الدراسة التي أعدتها وزارة املالية بتعاون مع البنك الدولي سنة ‪2002‬‬

‫حول "جدوى املنهجية العتماد امليزانية الخاصة بالنوع االجتماعي و الطفولة‬

‫باملغرب" دورمهم في إدماج مقاربة النوع االجتماعي في إعداد و تحليل امليزانيات‪.‬‬

‫ومن خصوصيات امليزانية املدمجة ملقاربة النوع االجتماعي كونها‪:‬‬

‫ـ تراعي املساهمة املختلفة للرجال والنساء بمختلف الشرائح التي ينتمون إليها‬

‫وتقترح حلوال لجعل امليزانية تعترف باالرتباط املوجودة مثال بين االقتصاد املنظم‬

‫وغيراملنظم‪.660‬‬

‫ـ تدرس آثار توزيع املداخيل و النفقات على الرجال و النساء ليس فقط على‬

‫املدى القريب بل على املتوسط و البعيد‪ ،‬أي على دورحياتهم بكاملها‪.‬‬

‫ـ تحرص على استجابة امليزانية بشكل منصف للحاجيات اآلنية واالستراتيجية‬

‫للنساء والرجال و البنات واألوالد من مختلف الشرائح السوسيو اقتصادية و كل‬

‫‪ - 660‬وزارة االقتصاد والمالية‪ "،‬دليل إصالح الميزانية‪ ،‬المراقبة الجديدة لتدبير الميزانية المرتكزة على النتائج المدمجة لمقاربة النوع‬
‫االجتماعي"‪ ،2005 ،‬ص ‪22‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 374‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األوساط تسعى إلى الحد من الفوارق االقتصادية واالجتماعية القائمة بين هذه‬

‫الشرائح ومبدأ اإلنصاف واملساواة‪.‬‬

‫ولهذا فقد أصبحت امليزانية املتعلقة بالنوع االجتماعي أداة دائمة لكل‬

‫ميزانية تعتمد على الفعالية والنجاعة‪ ،‬ويعتبر النوع االجتماعي من الوسائل‬

‫الداعمة للمنهجية التي ترتكز على النتائج في التدبير العمومي‪ ،‬ألنها تندرج في إطار‬

‫تحليل وتقييم دقيقين آلثارامليزانية على جميع السكان‪ ،‬أي الرجال والنساء واألوالد‬

‫و البنات من جميع الشرائح االجتماعية باختالف حاجياتهم‪ .‬فهي تمكن من رصد‬

‫الفوارق بين املواطن والخصاص من أجل توجيه دقيق للتدخل‪.661‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أفق اعتماد مقاربة النوع اإلجتماعي يف امليزانية‬

‫إن ميزانية النوع االجتماعي‪ ،‬تهدف إلى إعادة توظيف أواصر الصلة بين املوارد‬

‫املرصودة وتحقيق األهداف التنموية و االقتصادية و االجتماعية املتوخاة‪ ،‬والتي يتم‬

‫قياسها بواسطة مؤشرات أداء رقمية‪ ،‬فمن املفروض أن تقدم أجوبة واضحة‬

‫لسلسلة من األسئلة املتعلقة بوضع هذه السياسات التي تفرضها الحكامة الرشيدة‬
‫واإلنصاف واملساواة‪ ،‬فامليزانية التي تدمج مقاربة النوع هي ميزانية‪662:‬‬

‫‪ - 661‬التقرير االقتصادي والمالي المصاحب لمشروع قانون المالية لسنة ‪.2007‬‬


‫‪ - 662‬دليل إصالح الميزانية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 375‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -1‬تراعي املساهمة املختلفة للرجال والنساء وبمختلف الشرائح التي ينتمون‬

‫إليها‪ ،‬وتقترح حلوال لجعل امليزانية تعترف باالرتباط املوجود مثال االقتصاد‬

‫املنظم وغيراملنظم‪.‬‬

‫‪ -2‬تدرس آثار توزيع املداخل والنفقات على الرجال والنساء‪ ،‬ليس فقط على‬

‫املدى القريب بل على املدى املتوسط والبعيد‪ ،‬أي على دورة حياتهم بكاملها‪.‬‬

‫‪ -3‬تحرص على االستجابة بشكل منصف للحاجيات اآلنية واالستراتيجية‬

‫للنساء والرجال‪ ،‬والبنات واألوالد من مختلف الشرائح السوسيو اقتصادية‬

‫واألوساط‪.‬‬

‫‪ -4‬تسعى للتخفيف من الفوارق االقتصادية واالجتماعية املتواجدة بين هذه‬

‫الشرائح وتفعيل مبدأي اإلنصاف واملساواة‪.‬‬

‫وللميزانية حسب مقاربة النوع االجتماعي بعد هيكلي استراتيجي لكونها تجمع‬

‫بين أهداف اجتماعية و اقتصادية وسياسية لكون املقاربة‪:‬‬

‫_ من األدوات السياسية لضمان نجاعة وشفافية امليزانية‪.‬‬

‫_ من آليات تحقيق اإلنصاف و املساواة و العدالة االجتماعية‪.‬‬

‫ولهذا‪ ،‬يأتي مقاربة النوع االجتماعي في مسلسل تحضيروتنفيذ امليزانية‪ ،‬تتويجا‬

‫ملجموعة من اإلنجازات واإلصالحات التي شهدها املغرب في السنتين األخيرتين‪ ،‬يهدف‬

‫إرساء مبادئ املساواة والعدالة‪ .‬فهذه املقاربة قد تم التأكيد عليها في املبادرة الوطنية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 376‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫للتنمية البشرية‪ ،‬التي سلطت الضوء على ضرورة إدماج مختلف فئات املجتمع‬

‫كمحوراستراتيجي إلنجازوتحقيق أهداف التنمية البشرية للدولة‪.663‬‬

‫وفي هذا اإلطارحقق املغرب قفزة نوعية في مجال التنمية البشرية لتبنيه مقاربة‬

‫النوع االجتماعي‪ ،‬وذلك بعد مجهودات مثمرة بذلت منذ سنة ‪ ،2002‬والتي توجت‬

‫بنشر تقرير النوع سنة ‪ ،2005‬ضمن التقرير االقتصادي واملالي املر افق لقانون‬

‫املالية‪.‬‬

‫وهذا مكن مسلسل ميزانية النوع االجتماعي من تحقيق إنجازات مهمة على‬

‫مستوى انخراط و اكتساب أدوات وآليات مقاربة النوع االجتماعي‪ ،‬حيث تمت هذه‬

‫االنجازات في إطار مندمجة وتدريجية ترتكز على اإلرادية وتأخذ بعين االعتبار قدرات‬

‫الوزارات املنخرطة‪.‬‬

‫وفي هذا االتجاه‪ ،‬تم تهييئ تقريرالنوع االجتماعي لسنة ‪ 2020‬بمشاركة مختلف‬

‫القطاعات املنخرطة في مسلسل إدماج مقاربة النوع االجتماعي في امليزانية‪ ،‬ويهدف‬

‫التقرير إلى تحليل أثر أهم البرامج القطاعية التي تتضمن مجموعة من املكونات‬

‫املشتركة من أجل استكشاف الكفيلة بضمان تدخالت أنجع للسلطات العمومية‬

‫عند بلورة السياسات العمومية مع األخذ بعين االعتبارمقاربة النوع االجتماعي‪.‬‬

‫‪ - 663‬سعيد جعفري وآخرون‪" ،‬المبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ :‬السياق العام‪ ،‬األسس واآلليات "‪ ،‬مكتبة الرشاد‪ ،‬سطات‪ ،‬طبعة‬
‫‪ ،2006‬ص ‪.3‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 377‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ولإلشارة‪ ،‬فإن تقييم السياسات العمومية من زاوية النوع االجتماعي‪ ،‬ثم إغناؤه‬

‫بدليل املؤشرات النجاعة سواء على مستوى ميزانية التسيير أو االستثمار‪ ،‬كما تم‬

‫تقديم مقترحات لجندرة املؤشرات من أجل قياس آثار السياسات العمومية على‬

‫الساكنة املستهدفة‪.664‬‬

‫بيد أن هذه املقاربة لن تتمكن من كسب رهان تحقيق طموحاتها‪ ،‬إال إذا التزمت‬

‫بقدراإلمكان بمتطلبات النظرة األفقية بين القطاعات التي توفرأسس التنمية البرية‬

‫وتضمن فعالية أكبرو انسجاما أفضل للسياسات العمومية‪.665‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫على الرغم من جميع الفوائد التي جرى ذكرها‪ ،‬ال ينبغي االستهانة بالعبء التي‬

‫تتضمنه املبادرات من هذا النوع والتي عادة ما تالقي ممانعة أو رفضا من األطراف‬

‫املختلفة التي تجد فيها تحديدا ملصالحها أو تدخال في شؤونها‪ .‬كما تتطلب هذه‬

‫املبادرات تخصصا وفهما عميقا ملجالي النوع االجتماعي واالقتصاد الكلي‪ ،‬وهما‬

‫مجالن ال يتوفر العديد من املتخصصين فيهما معا‪ :‬مما يتطلب شراكة من نوع‬

‫خاص‪ ،‬تقوم على الفهم املشترك املجالي التخصص من جهة وبين قطاعات املجتمع‬

‫املختلفة من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ - 664‬مشروع قانون المالية لسنة ‪ ،2011‬تقرير حول ميزانية النوع االجتماعي‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ - 665‬إن النتائج المشجعة التي بلغتها المخططات القطاعية‪ ،‬ال يعني أن تحجب عنا كونها ستظل محدودة النجاعة‪ ،‬بدون إزاحة ثالثة‬
‫عوائق رئيسية‪ ،‬وفي مقدمتها ضعف التنافسية‪ ،‬مؤكدين على ضرو رة التفعيل األمثل لالستراتيجة الوطنية للمناطق اللوجستيكية‪ ،‬أما‬
‫العائق الثاني فيتعلق باختالف تناسق حكامة هذه المخططات‪ ،‬الذي يجب إزاحته باعتماد اآلليات الالزمة لتفاعلها‪ ،‬ضمن منظور‬
‫استراتيجي مندمج‪ ،‬ال مجال معه للنظرة القطاعية الضيقة‪" ،‬انظر خطاب العرش بتاريخ ‪."2010/06/30‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 378‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فميزانية النوع االجتماعي التي ترتكز على أدوات تحليلية وعلى مقاربة نوعية‬

‫لتقويم أثرالسياسات العمومية على الجندر(النوع االجتماعي)‪ ،‬كما يعتبرإدراج بعد‬

‫النوع االجتماعي في امليزانية تمرينا للتقييم األولي للسياسات العمومية من حيث‬

‫تحقيق املساواة واإلنصاف التي تشكل ركائز للحداثة والديمقراطية ولتحقيق نتائج‬

‫مهمة من هذا التمرين ال بد من رفع العديد من التحديات املطروحة أمام اآلفاق‬

‫املستقبلية ملشروع إلنجاز ميزانية حساسة بالنوع االجتماعي حيث يتطلب تعزيز‬

‫مقاربة امليزانية حسب النوع االجتماعي انخراطا واسعا لكل من القطاعات الوزارية‬

‫والبرملانيين والفاعلين املجتمع املدني و كذا األخذ الالزم بعين االعتبار هذا البعد في‬

‫أفق بلورة القانون التنظيمي للمالية مع ضرورة مواصلة الجهود و توفير الوسائل‬

‫الكفيلة بترسيخ مقاربة النوع ضمن امليزانية في ممارسات إعداد امليزانية للوصول‬

‫إلى النتائج املرتقبة‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 379‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫السيدة ازويين مجيلة‬


‫حاصلة على ماسرت قانون األعمال بتطوان‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ترتكزدولة القانون على مبدأ املشروعية‪ ،‬الذي يعني خضوع كل من الدولة من‬

‫حكام ومحكومين إلى القانون‪ .‬ما يفرض على اإلدارة أن تلتزم بقواعد القانون في كل‬

‫تصرفاتها‪ ،‬والذي يعتبرضمانة أساسية للحقوق والحريات في الظروف العادية‪.‬‬

‫لكن هذه الظروف ال يمكن أن تتميز بالثبات والدوام‪ ،‬تنعم من خاللها البلدان‬

‫بالسالم واألمن واالستقرار على وثيرة واحدة مضطردة‪ ،‬فقد يتعرض أمن البالد إلى‬

‫تهديد ناتج من ظروف استثنائية تضطر معها الدولة إلى تطبيق حالة من الحاالت‬

‫االستثناء املنصوص عليها في الدستور كحالة استثناء وحالة الحصار‪ . ...‬وملعالجة‬

‫الوضع بطريقة حاسمة وسريعة‪ ،‬تضطرالدولة إلى الخروج عن مبدأ املشروعية عن‬

‫طريق تحللها من بعض قواعد القانون العادي إلى قوانين استثنائية تستطيع‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 380‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بموجبها اتخاذ التدابيرالالزمة للسيطرة على زمام األموروالحفاظ على كيانها وأمنها‪.‬‬

‫لكن من شأن هذه التدابير االستثنائية تعطيل العمل ببعض ضمانات حقوق‬

‫اإلنسان‪ ،‬حيث ينتج عن تطبيق نظرية الظروف االستثنائية اتساع صالحيات‬

‫السلطة التنفيذية في مواجهة هذه الظروف على حساب الحقوق والحريات التي يتم‬

‫التضييق منها بهدف املحافظة على النظام العام وضمان السير املنتظم ملر افق‬

‫الدولة‪.‬‬

‫وفي سبيل منع االستبداد والتسلط وصيانة حقوق األفراد‪ ،‬كان البد من توزيع‬

‫هذه السلطة بين هيئات متعددة وإلزام كل هيئة حدودها‪ ،‬وهو ما يعرف بمبدأ‬

‫الفصل بين السلطات‪ ،‬و انطالقا منه كان البد من فرض رقابة مجدية على نشاط‬

‫اإلدارة إللزامها باحترام القانون‪ ،‬وعليه خص املؤسس الدستوري القضاء بمهمة‬

‫مر اقبة أعمال اإلدارة باعتباره أكثر األجهزة القادرة على حماية مبدأ املشروعية‬

‫والدفاع عن حقوق والحريات‪ ،‬حيث تعتبر الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة‬

‫واحدة من أقوى وأهم الضمانات الحرية األساسية مقابل ما تقوم به اإلدارة‬

‫عموما‪،‬وفي سبيل ما تصبوا إليه من تحقيق النظام العام على وجه الخصوص‬

‫السيما أمام عدم كفاية وفعالية الرقابة اإلدارية الذاتية‪ ،‬ذلك كونها تعد الوسيلة‬

‫فعالة في حماية الحرية األساسية إزاء ما يصدر عن اإلدارة من أعمال‪ ،‬ألن الغرض‬

‫األساس ي من الرقابة القضائية هو حماية األفراد‪ ،‬وذلك بإلغاء قرارات اإلدارة‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 381‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املخالفة للقانون والتي تكون قد سببت ضرارا لألفراد‪ ،‬والحكم بالتعويض عن‬

‫الضررالذي يمس األفراد من جراء سيراملر افق العامة‪.‬‬

‫و من هنا نطرح التساؤالت التالية‪ :‬ما مدى ضمان حماية الحقوق والحريات‬

‫من قبل السلطات املتدخلة في ظل حالة الطوارئ الصحية؟ ما هو دور القضاء‬

‫اإلداري في حماية الحقوق والحريات األساسية في ظل الظروف االستثنائية؟ ملعالجة‬

‫هذه التساؤالت سوف أقسم املوضوع إلى املطلبين التاليين‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الضمانات التي أقرتها الدولة املغربية حلماية احلقوق‬


‫واحلريات يف ظل حالة الطوارئ الصحية‬

‫تتحقق حالة الطوارئ أو ما يسمى بالظروف االستثنائية إذا ما نشأت في دولة‬

‫معينة ظروف تجعل السلطة التنفيذية مضطرة التخاذ تدابير وإجراءات لحماية‬

‫األمن العام ملواطنيها في ظرف استثنائي غيرعادي‪ ،‬تفرضه الدولة عندما يتهدد أمنها‬

‫ونظامها العام ‪.‬‬

‫فحالة الطوارئ تخول الحكومة القيام بأعمال أو فرض سياسات ال يسمح لها‬

‫عادة القيام بها في الظروف العادية‪ .‬وتستطيع الحكومة إعالن هذه الحالة أثناء‬

‫الكوارث‪ ،‬أوحالة العصيان املدني‪ ،‬وحالة ظهوراألوبئة خطيرة‪ ،‬بحيث تنبه املواطنين‬

‫إلى تغيير سلوكهم الطبيعي وتأمر الجهات الحكومية بتنفيذ خطط الطوارئ‪ .‬وتحيل‬

‫أيضا حاالت الطوارئ على فرض أحكام استثنائية بموجب قانون طوارئ أو قوانين‬

‫مؤقتة تتخذها السلطة التنفيذية‪ .‬وتشمل هذه الحالة فرض قوانين تقيد حرية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 382‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الحركة‪ ،‬وتحد من مجال التمتع بمجموعة من الحقوق والحريات املنصوص عليها‬

‫في الدستور والنصوص التشريعية والتنظيمية‪ ،‬تماشيا مع ما تفرضه الضرورة‬

‫والظروف االستثنائية كما هو الشأن بالنسبة لحالة الطوارئ الصحية باملغرب‪.‬‬

‫وتظل تدابيرالشرطة اإلدارية نظاما وقائيا تتولى فيه اإلدارة حماية املجتمع من‬

‫كل ما من شأنه أن يخل بأمنه وسالمته وصحة أفراده وسكينتهم‪ ،‬بحيث يقتصر دور‬

‫السلطات اإلدارية على تنظيم مجموع الحقوق والحريات‪ ،‬وضبط كيفيات ممارستها‬

‫دون أن تصل سلطاتها إلى منعها أو تحريمها‪ .‬فالقاعدة تظل متمثلة في أن الحرية في‬

‫نطاق الشرطة اإلدارية هي األصل‪ ،‬وتحديدها بإجراءات وقرارات ضبطية هي‬

‫االستثناء‪ .‬مع ما يترتب عن ذلك من خضوع اإلدارة لرقابة القضاء اإلداري‪ ،‬إلغاء أو‬

‫تعويضا‪.‬‬

‫نعتقد بأن مفهوم حالة الطوارئ الصحية أصبح من املصطلحات أكثر دقة في‬

‫الوضع الحالي من املفاهيم أخرى كمفهوم حالة استثنائية املنصوص عليه في‬

‫دستور‪.‬‬

‫ونظرا لهذه الظروف االستثنائية التي يشهدها بلدنا‪ ،‬عملت السلطات املتدخلة‬

‫في هذه الظروف على توفيرالحماية للحقوق والحريات املكفولة دستوريا‪ ،‬حيث صدر‬

‫املرسوم‪ 2.20.292‬املتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية واإلجراءات‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 383‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اإلعالن عنها‪ ،‬واملرسوم ‪ 2.20.293‬املتعلق بإعالن حالة الطوارئ الصحية باملغرب في‬

‫‪ 23‬مارس ‪ 2020‬بسائرأرجاء التراب الوطني ملواجهة تفش ي فيروس كورونا‪.666‬‬

‫إال أنه رغم إعالن عن حاالت الطوارئ فالسلطة التقديرية للدولة ليست‬

‫مطلقة‪ ،‬بل تظل مقيدة بالتزامها باحترام بعض الحقوق والحريات األساسية حتى في‬

‫حالة الطوارئ‪ .‬وذلك تكريسا ملا جاء في الدستور" أن الحقوق والحريات املنصوص‬

‫عليها دستوريا ال يمكن تقييدها إال بقانون "‪.‬‬

‫لذلك فمن واجب على السلطات املتدخلة في ظل الظروف االستثنائية توفير‬

‫مجموعة من الضمانات الدستورية لحماية الحقوق والحريات‪.‬‬

‫ملعالجة هذه النقط نقسم هذا املطلب إلى فقرتين‪:‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬اإلطار القانوني حلالة الطوارئ الصحية باملغرب‬

‫بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية لسنة ‪ 2011‬ال نجد التشريع املغربي ينظم لنا‬

‫"حالة الطوارئ"أو ما يسمى"بحالة الطوارئ الصحية"‪ ،‬ولكن يتطرق لبعض‬

‫الحاالت االستثنائية املشابهة وهي حالة الحصار املنصوص عليها في الفصلين ‪ 49‬و‬

‫‪ 74‬من دستور‪ ،‬وإلى حالة االستثناء املنصوص عليها في الفصل ‪ 59‬من الدستور‪.‬‬

‫وهذه الحاالت تختلف عن حالة الطوارئ الصحية من ناحية الشروط املوضوعية‬

‫‪ -‬مرسومين منشورين بالجريدة الرسمية‪ ،‬العدد ‪ 6867‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪ 29‬من رجب ‪ 1441‬الموافق ل ‪ 24‬مارس ‪.2020‬‬ ‫‪666‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 384‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫والشروط الشكلية‪ ،‬على رغم من أنها تشترك مع هذه األخيرة في التأثير على الحقوق‬

‫والحريات املنصوص عليها دستوريا‪.‬‬

‫وفي غياب نصوص دستورية تنظم لنا حالة الطوارئ الصحية‪ ،‬يمنح املشرع‬

‫للحكومة آليات قانونية يمكن من خاللها التشريع عوض عن البرملان‪ ،‬من أجل‬

‫املحافظة على السيرالعادي ملر افق الدولة التي ال تقبل التوقف مهما كانت الظروف‪.‬‬

‫إن الحاالت التي تتعلق بحلول الحكومة محل البرملان في ممارسة الوظيفة‬

‫التشريعية تكون ناتجة عن‪:‬‬

‫‪ ‬تفويض التشريع بمقتض ى القانون أثناء دورات انعقاد البرملان‪ ،‬وهوما يعرف‬

‫باملراسيم التفويضية ( الفصل ‪ 70‬من الدستور‪.)2011‬‬

‫‪ ‬التشريع في الفترة الفاصلة بين انعقاد الدورات البرملانية‪ ،‬وهو ما يعرف‬

‫بمراسيم الضرورية (الفصل ‪ 81‬من الدستور)‪.‬‬

‫إن الفرق بين التفويض في إطار الفصل ‪ 70‬من الدستور‪ ،‬والتفويض في إطار‬

‫الفصل ‪ 81‬من الدستور‪ ،‬هو أن األول تفويض إرادي بحيث يمكن للبرملان أن يأذن‬

‫للحكومة بالتشريع في مجال من مجاالت القانون‪ ،‬كما يمكن له أن يمتنع عن ذلك‪.‬‬

‫في حين أن التفويض في إطار الفصل ‪ 81‬هو تفويض بحكم الدستور أثناء عطلة‬

‫البرملان‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 385‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫لذلك استندت الحكومة على الفصل ‪ 81‬من الدستور إلصدار مرسوم بقانون‬

‫رقم ‪ 2.20.292‬الصادر في ‪ 23‬مارس ‪ 2020‬الذي يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة‬

‫الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها‪ ،‬الذي تزامن مع الفترة الفاصلة بين‬

‫الدورات‪.‬‬

‫إذ البد من تو افرأربعة شروط إلصدارمثل هذه املراسيم‪:‬‬

‫‪ ‬وجود ضرورة ملحة تفرض إصدارها؛‬

‫‪ ‬أن يكون ذلك خالل الفترة الفاصلة بين دورات البرملان‪ ،‬أي بين دورة أكتوبر‬

‫ودورة أبريل؛‬

‫‪ ‬أن يقع باالتفاق مع اللجنة التي يعينها األمر؛‬

‫‪ ‬أن يتم عرض املراسيم املتخذة على مصادقة البرملان في أقرب دورة عادية؛‬

‫فإذا أقرالبرملان هذه املراسيم استمرسريان مفعولها‪ ،‬أما إذا رفض املصادقة‬

‫عليها‪ ،‬فانه يزول ما كان لها من قوة القانون‪ ،‬ويتوقف سريان مفعولها‪ ،‬إال أن هذا‬

‫الرفض ال يسري بأثر رجعي احتراما للمراكزالقانونية والحقوق املكتسبة‪.‬‬

‫فالفصل ‪ 81‬من الدستوريعتبراإلطارالدستوري إلصدارهذا املرسوم بقانون‪،‬‬

‫لكي يكون هذا املرسوم مطابق ملبدأ املشروعية وملزما لألفراد ومرضيا لهم‪ ،‬استندت‬

‫الحكومة إلى الفصل ‪ 21‬و ‪ 24‬من الدستور‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 386‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫حيث يجب أن تضمن السلطات العمومية سالمة السكان‪ ،‬وسالمة التراب‬

‫الوطني‪ ،‬في إطاراالحترام الحريات والحقوق األساسية املكفولة للجميع (الفصل ‪21‬‬

‫من الدستور)‪ ،‬ما يمكن مالحظته بشأن الفصل ‪ 21‬أنه لم يذكر كلمة "قانون"التي‬

‫يمكن للحكومة أن تعتمده لتقييد حق املواطن في سالمته‪ ،‬فهو حق مطلق ال يمكن‬

‫التصرف فيه‪.‬‬

‫لكن تجد الحكومة سندها في الفصل ‪ 24‬من الدستور بقراءة الفقرة الرابعة‬

‫منه بمفهوم املخالفة للتدخل وفق القانون قصد تقييد حرية التنقل‪ ،‬عبر التراب‬

‫الوطني والخروج منه والعودة إليه‪ ،‬و ما يترتب عن خرق هذه املقتضيات من تدابير‪.‬‬

‫والهدف من إتباع هذه التراتبية القانونية هو إعطاء املشروعية ملرسوم قانون‬

‫حالة الطوارئ الصحية رقم ‪.2.20.292‬‬

‫و استنادا إلى الفصلين ‪ 90‬و ‪ 92‬من الدستورباإلضافة إلى املرسوم قانون حالة‬

‫الطوارئ السالف الذكر‪ ...‬تم إعالن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب‬

‫الوطني ملواجهة تفش ي فيروس كورونا كوفيد‪ 19-‬بمرسوم رقم ‪ 2.20.293‬بتاريخ ‪24‬‬

‫مارس ‪.6672020‬‬

‫وبعد إصدار املرسوم رقم ‪ ،2.20.292‬وكذا املرسوم ‪ 2.20.293‬املتعلق بإعالن‬

‫حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني ملواجهة تفش ي فيروس كورونا‬

‫‪ - 667‬مراد فارسي‪ ،‬حالة الطوارئ الصحية بالمغرب‪ :‬التنزيل القانوني واإلجراءات المواكبة‪ ،‬مقال منشور بالمجلة الباحث‪ ،‬ملف‬
‫خاص ‪ 3‬جائحة كورونا" الطوارئ الصحية"‪ ،‬العدد ‪ -19‬يونيو ‪ ،2020‬ص ‪.32‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 387‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ضمن الجريدة الرسمية لتاريخ ‪ 24‬مارس ‪ ،2020‬مع العلم أن بداية تطبيق حالة‬

‫الطوارئ بدأ العمل به على اثرصدوربالغ وزيرالداخلية بشأن إعالن" حالة الطوارئ‬

‫الصحية" ابتداء من يوم ‪ 20‬مارس ‪ 2020‬على الساعة السادسة مساء‪ .‬مما يطرح‬

‫مدى شرعية التدابيراملتخذة قبل ‪ 24‬مارس ‪ ،2020‬وما يمكن أن يترتب عن ذلك من‬

‫مسؤولية في حالة حصول ضررلألفراد‪.‬‬

‫وألن املرسوم املذكورلم ينشرفي الجريدة الرسمية إال بعد ‪ 24‬مارس ‪ ،2020‬فان‬

‫هذا التاريخ هواملعتد به قانونا لبداية العمل بالتدابيرالتي جاء بها‪ ،‬رغم أن الحكومة‬

‫استندت في سنها لألحكام الطوارئ الصحية على مقتضيات الفصل ‪ 81‬من دستور‪،‬‬

‫حيث تم اتخاذ املرسوم في الفترة الفاصلة بين الدورتين التشريعيتين‪ .‬فان تمامه من‬

‫الناحية القانونية يتوقف على املصادقة عليه من طرف البرملان خالل دورته العادية‬

‫املوالية‪.‬‬

‫و ابتداء من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية يحق للحكومة‪ ،‬أن تتخذ جميع‬

‫التدابيرالالزمة للحد من تفاقم الحالة الوبائية للمرض‪ ،‬خاصة تلك املنصوص عليها‬

‫في املادة ‪ 3‬من املرسوم رقم ‪ 2.20.293‬املتعلق بإعالن حالة الطوارئ الصحية بسائر‬

‫أرجاء التراب الوطني‪ ،‬والتي تمنع التجمع أو التجمهر أو مجرد االجتماع غير مبرر‪ ،‬أو‬

‫مغادرة األشخاص ملحل سكناهم‪ ،‬أو تنقلهم خارجه‪ ،‬باستثناء حاالت الضرورة‬

‫القصوى للعمل حينما تقتضيه حيوية املرفق املعني بقرار من السلطة الحكومة‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 388‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املختصة‪ ،‬أو التنقل القتناء حاجيات املعيشية اليومية أو التطبيب‪ ،‬أو ألسباب‬

‫عائلية ملحة تستدعي مساعدة أشخاص في وضعية صعبة‪ ،‬أو في حاجة إلى إغاثة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬واقع احلقوق واحلريات يف ظل حالة الطوارئ الصحية باملغرب‬

‫فإذا طرأت ظروف غير عادية على الدولة‪ :‬مثل الحروب األهلية أو الدولية‪ ،‬أو‬

‫فيضانات أو الزالزل أو غيرها من الكوارث الطبيعية‪ ،‬أو حاالت االنقالب أو االنقالب‬

‫األمني أوانتشارمرض أووباء يهدد الصحة العامة للمواطنين‪ ،‬تجد الدولة نفسها وفي‬

‫سبيل املحافظة على النظام العام تتخذ تدابيرعاجلة أوإجراءات استثنائية ال تسمح‬

‫بها قواعد القانون املقررة في الظروف العادية‪،‬فهي تضطر إلى التحلل من بعض‬

‫القواعد املقررة في القوانين املنظمة للحرية لكي تفسح املجال أمام قواعد أخرى أكثر‬

‫تقييدا وتضييقا للحرية‪.668‬‬

‫و بالرجوع ملقتضيات الواردة في الدستور املغربي لسنة ‪ 2011‬ال نجده يقنن لنا‬

‫حالة الطوارئ الصحية كما هوالشأن بالنسبة لحالة االستثناء وحالة الحصار‪ ،‬كما‬

‫أشرنا إلى ذلك سابقا‪ .‬ومع ذلك فان التدابيرواإلجراءات املتخذة من طرف السلطات‬

‫املختصة في هذه الحالة‪ ،‬قد تؤدي إلى املساس بالحقوق والحريات املدنية‬

‫والسياسية لألفراد املقررة في الدستور من قبيل تقييد حق التنقل‪ ،‬والتجمع‬

‫والتجمهر‪ ،‬وممارسة الرقابة على حرية التعبيروغيرذلك من الحريات أخرى‪.‬‬

‫‪ - 668‬مديحة الفحلة‪ ،‬نظرية الظروف االستثنائية بين مقتضيات الحفاظ على النظام العام والتزام حماية الحقوق والحريات األساسية‪،‬‬
‫مقال منشور بمجلة الفكر‪ ،‬العدد الرابع عشر‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 389‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وعلى اثر اإلعالن عن حالة الطوارئ الصحية باملغرب صدرت مجموعة من‬

‫القرارات والتدابير اإلدارية تمس بحقوق وحريات األفراد‪ ،‬وهي التي غالبا ما يحرص‬

‫عليها الفرد ويدافع عنها في كل وقت ورغم كل الظروف املحيطة به‪ ،‬لكن الظروف التي‬

‫يعيشها البالد تفرض على السلطة تقييد ممارسة بعض هذه الحقوق والحريات‪.‬‬

‫وتتمثل هذه الحريات في‪ :‬تقييد حرية التنقل‪ ،‬وحرية التجمع واالجتماع‪ ،‬وحرية‬

‫الرأي والتعبير‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تقييد حرية التنقل يف حالة الطوارئ الصحية‬

‫فحرية التنقل من الحقوق األساسية لإلنسان‪ ،‬بحيث يؤدي ضمانها إلى تمتيع‬

‫الفرد بباقي حقوقه وحرياته األخرى والزما ملمارستها‪ ،‬ولهذا نجد املادة ‪ 3‬من اإلعالن‬

‫العاملي لحقوق اإلنسان‪ ،‬تنص على أن" لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته‬

‫داخل حدود كل دولة"‪ ،‬وتؤكد أيضا أنه "يحق لكل فرد أن يغادر أية بالد بما في ذلك‬

‫بلده كما يحق له العودة إليه"‪.‬‬

‫وباستقرائنا الفصل ‪ 21‬من الدستور املغربي الفقرة الثانية منه نجدها تنص‬

‫على أنه "تضمن السلطات العمومية سالمة السكان‪ ،‬وسالمة التراب الوطني‪ ،‬في إطار‬

‫احترام الحريات والحقوق األساسية املكفولة للجميع"‪.‬‬

‫و تماشيا مع الفقرة الرابعة من الفصل ‪ 24‬من الدستورعلى أن "حرية التنقل‬

‫عبر التراب الوطني واالستقرار فيه‪ ،‬والخروج منه‪ ،‬والعودة إليه‪ ،‬مضمونة للجميع‬

‫وفق القانون"‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 390‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وال شك أن حرية التنقل ليست حرية مطلقة و إنما هي مقيدة ويأتي هذا التقييد‬

‫في عدة جوانب يكون هدفها تحقيق التوازن بين املصلحة العامة للمجتمع واملصلحة‬

‫الخاصة لألفراد ومن ثم تغليب األولى على الثانية عند تعارضها‪ ،‬وهذه القيود إما أن‬

‫ينص عليها الدستور صراحة أو في أغلب األحيان يحيل في تنظيمها إلى القوانين‬

‫العادية‪.‬‬

‫و بالرجوع إلى تقييد حرية التنقل في املغرب نجد أن السبب في ذلك غايته‬

‫الحفاظ على الصحة العامة من خالل الحد من انتشارالفيروس داخل تراب الدولة‬

‫خاصة أن هذا االنتشار يكون بطريقة سريعة وغير مكشوفة مما يؤدي إلى تفش ي‬

‫العدوى بكثرة ويهدد حياة األشخاص في ظل غياب لقاح أو عالج لهذا الفيروس‪.669‬‬

‫وهذا التقييد تجلى في املادة الثانية من املرسوم رقم ‪ 2.20.293‬املتعلق بإعالن‬

‫حالة الطوارئ باملغرب نجدها تنص على‪ ..." :‬عدم مغادرة األشخاص ملحل سكناهم‬

‫مع اتخاذ االحتياطات الوقائية الالزمة‪ ،‬طبقا لتوجيهات السلطات الصحية‪ ...،‬منع‬

‫أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه‪ ،‬إال في حاالت الضرورة القصوى‪ ."...‬مما‬

‫يتبين من خالل هذه املادة األثر املباشر لإلجراءات املتخذة أثناء حالة الطوارئ على‬

‫حرية التنقل‪ .‬ويمكن القول أنها جاءت متو افقة إلى حد ما نصت عليه نصوص‬

‫‪ - 669‬إدريس بنشطاب‪ ،‬الدولة وحقوق اإلنسان في ظل حال ة الطوارئ الصحية بالمغرب‪ ،‬مقال منشور بمجلة الباحث‪ ،‬ملف خاص‬
‫جائحة كورونا " الطوارئ الصحية"‪ ،‬العدد ‪-20‬يوليوز ‪ ،2020‬ص‪.249‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 391‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اللوائح الصحية الدولية‪ ،‬التي سمحت هي األخرى بوضع قيود على هذه الحرية متى‬

‫كانت ضرورية لحماية األمن الصحي الوطني والدولي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تقييد حرية االجتماع والتجمع يف حالة الطوارئ الصحية‬

‫لم تسلم حرية االجتماع والتجمع بدورها من تأثير الظروف االستثنائية على‬

‫ممارستها‪ ،‬فقد أشارت عدة نصوص داخلية ودولية إلى إمكانية فرض القيود على‬

‫ممارستها بشكل يجعلها ال تمس بالنظام العام أو الصحة العامة‪ ،‬أو تعرقل سير‬

‫مؤسسات الدولة‪ ،‬وهو استثناء على األصل‪.‬‬

‫فيجب أن نسلم نتيجة لذلك أن اتساع سلطة الضبط اإلداري أثناء فرض حالة‬

‫الطوارئ الصحية تحد بشكل كبير من الحرية‪ ،‬ومن ذلك حرية االجتماع التي‬

‫أصبحت تعطي لها أهمية قصوى في التشريعات املتعلقة بالظروف االستثنائية‪ ،‬ألن‬

‫التساهل أو عدم القدرة على ممارسة هذه الحرية ال شك أنه يهدد النظام العام‬

‫والصحة العامة‪.‬‬

‫و يتمثل تضييق حرية االجتماع والتجمع غالبا في منع التجمعات التي تمس‬

‫بالنظام العام أو الصحة العامة‪ ،‬أو تعرقل سير مؤسسات الدولة الذي على الدولة‬

‫أن تضمنه‪ .‬وبصرف النظرعن مدى هذا القيد فان حرية االجتماع والتجمع لن تلقى‬

‫أثناء حالة الطوارئ ما تلقاه في الظروف العادية من جانب السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫و بالرجوع إلى املادة الثانية من املرسوم رقم ‪ 2.20.293‬نجدها تنص على‪ ":‬في‬

‫إطار حالة الطوارئ الصحية املعلنة طبقا للمادة األولى أعاله‪ ،‬تتخذ السلطات‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 392‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫العمومية املعنية التدابير الالزمة من أجل‪ ..." :‬منع أي تجمع أو تجمهر أو اجتماع‬

‫ملجموعة من األشخاص مهما كانت األسباب الداعية إلى ذلك‪ ،‬ويستثنى من هذا املنع‬

‫االجتماعات التي تعقد ألغراض مهنية مع مراعاة التدابيرالوقائية املقررة"‪.670‬‬

‫نستخلص مما سبق بأن املشرع منع كل تجمع أو تجمهر خالل فترة الحجر‬

‫الصحي بهدف منع انتشار فيروس كورونا‪ ،‬إال أنه استثنى منها التجمعات املهنية مع‬

‫ضرورة التزام بالتدابير الوقائية‪ ،‬وهذا استثناء غايته الحيلولة دون توقف عجلة‬

‫االقتصاد‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تقييد حرية الرأي والتعبري يف حالة الطوارئ الصحية‬

‫باالطالع على املقتضيات الدستورية نجد الفصل ‪ 25‬من الدستور يضمن لنا‬

‫حرية الرأي و التعبيربكل أشكالها‪ ،671‬لذلك تعالت مجموعة من األصوات الحقوقية‬

‫باملغرب‪ ،‬التي نبهت إلى االنزالقات التي تتم بمناسبة هذه الحالة الوبائية‪ ،‬والتي ِتؤدي‬

‫إلى مزيد من التضييق على الحقوق والحريات‪ ،‬ومطالبة الدولة بضرورة احترام‬

‫القانون‪ ،‬الذي يفرض نوعا من تالؤم الحدود‪ ،‬التي تفرضها السلط العمومية على‬

‫ممارسة الحقوق والحريات‪ ،‬مع الظروف واملالبسات التي فرضت تلك التدابير‪،‬‬

‫والغاية التي دفعتها لذلك‪ ،‬أي أن يكون وضع الضوابط التي قد تحد من ممارسة‬

‫الحقوق والحريات‪ ،‬يتسم بنوع من العقالنية بمعنى أن تكون متناسبة مع الظروف‬

‫‪ - 670‬محمد امجاهدي‪ ،‬حالة الطوارئ الصحية بين مقتضيات الحفاظ على الصحة العامة والتزام حقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪،‬‬
‫مقال منشور بمجلة القانون واألعمال الدولية‪ ،‬على الرابط التالي‪ ، www.droitetentreprise.com :‬تاريخ االطالع ‪:‬‬
‫‪ 2020/08/23‬على الساعة ‪. 12:35‬‬
‫‪ - 671‬الفصل ‪ 25‬من الدستور ‪ ":2011‬حرية الرأي والفكر والتعبير مكفولة بكل أشكالها‪. ...‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 393‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫التي فرضت ذلك‪ ،‬خاصة وأن هذه الفقرة شهدت حملة واسعة على املدونين تحت‬

‫طائلة عقوبات مفرطة‪ ،‬مما يعتبرإجهازا على حرية الرأي والتعبير‪ ،‬التي تعرف تراجعا‬

‫كبيرا باملغرب‪.‬‬

‫و ارتباطا بموضوع حرية الرأي والتعبير‪ ،‬التي نص عليها دستور‪ 2011‬من خالل‬

‫الفصل ‪" 25‬حرية الفكروالرأي والتعبيرمكفولة بكل أشكالها"‪ ،‬فان محاكمة العديد‬

‫من املدونين بسبب التعبير عن رأيهم يعتبر مسا بعلوية القواعد الدستورية‪ ،‬التي من‬

‫املفروض احترامها بصيانة حقوق املواطنين مهما كانت الظروف‪ ،‬وإال أصبح‬

‫الدستور مجرد برنامج سياس ي‪ ،‬في أقص ى الحاالت ملزم على املستوى األخالقي أو‬

‫مجرد مجموعة من النصائح التي يتلقاها املشرع‪ ،‬والتي يكون حرا في األخذ أو عدم‬

‫األخذ بها‪.672‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬القضاء اإلداري كضامن للحقوق واحلريات يف ظل حالة‬


‫الطوارئ الصحية‬

‫وفي ظل تطبيق نظرية الظروف االستثنائية فان املشرع منح لإلدارة صالحيات‬

‫واسعة ملواجهة تلك الظروف بما يهدف لحماية النظام العام وتحقيق املصلحة‬

‫العامة في املجتمع‪ ،‬لذلك قد تستخدم اإلدارة وسائل غير عادية قد تضر بالحريات‬

‫العامة‪ ،‬التي ضمنت حمايتها الدساتيرواملواثيق الدولية‪ ،‬خاصة في حالة إعالن حالة‬

‫الحصاروحالة الطوارئ والحالة االستثنائية‪.‬‬

‫‪ - 672‬علي المغراوي‪ ،‬الحقوق والحريات في ظل حالة الطوارئ‪ ،‬مقال منشور في موقع "لكم"‪ ،‬على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪ ،/https://lakome2.com/opinion/179865‬تاريخ االطالع‪ 2020/08/23 :‬على الساعة ‪.13:01‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 394‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وأهم ضمانة لحماية الحريات في هذه الحالة هو مسؤولية اإلدارة عن جميع‬

‫أعمالها‪ ،‬وخضوعها للرقابة القضائية التي تقف في صف حماية هذه الحريات‪.673‬‬

‫بوجود ظرف استثنائي أيا كانت صورته ال يجعل اإلدارة في منأى من رقابة‬

‫القضاء بشكل مطلق‪ ،‬فال يعدو أن يكون األمر توسعا لقواعد املشروعية‪ ،‬فاإلدارة‬

‫تبقى مسؤولة في الظروف االستثنائية على أساس الخطأ الذي وقع منها‪ ،‬غير أن‬

‫الخطى في حالة الظروف االستثنائية يقاس بميزان آخر غير ذلك الذي يقاس به‬

‫الخطأ في الظروف العادية‪.‬‬

‫فاإلشكالية املطروحة في هذا املطلب هي‪:‬ما مدى حدود بسط رقابة القاض ي‬

‫اإلداري على القرارات اإلدارية املتخذة خالل هذه الفترة مع إبرازطبيعتها القانونية؟‬

‫و لإلجابة عن هذه اإلشكالية نقسم هذا املطلب إلى فقرتين أساسيتين‪:‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬الطبيعة القانونية للقرارات اإلدارية املتخذة يف حالة الطوارئ‬


‫الصحية‬

‫ال يخفى أنه قد ينشأ عن بعض القرارات أو األعمال اإلدارية املتخذة تطبيقا‬

‫لقرار اإلعالن عن حالة الطوارئ الصحية إضرار بحق أو مصلحة مشروعة‪ ،‬وتبعا‬

‫لذلك‪ ،‬فهل تكون تلك القرارات واألعمال محصنة من أي رقابة قضائية بعلة أنها‬

‫سيادية؟ وهل وصف "السيادي" ينطبق على جميع القرارات املتخذة بمناسبة‬

‫‪ - 673‬صالح الدين شرقي‪ ،‬حماية الحريات العامة لألفراد في ظل تطبيق نظرية الظروف االستثنائية‪ ،‬مقال منشور في دفاتر السياسة‬
‫والقانون‪ ،‬العدد الرابع عشر جافي ‪ ،2016‬ص ‪.89‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 395‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الطوارئ الصحية‪-‬منها قرار تعليق الرحالت الجوية‪ -‬وما هي حدود الرقابة القضائية‬

‫عليها؟‬

‫قليلة هي املناسبات التي تعرض فيها القضاء املغربي للقرارات السيادية محددا‬

‫إياها بهذه الصفة‪ ،‬وقد شكل القرار الصادر بتاريخ ‪ 26‬مارس ‪ 2020‬عن محكمة‬

‫االستئناف اإلدارية بالرباط واحدا من هذه القلة حيث وصف قرار الحظر الجوي‬

‫بالقرارالسيادي بامتياز‪.‬‬

‫إن وصف قرار ما ب"السيادي" ينبغي أن يؤسس على املفهوم القانوني الدقيق‬

‫له‪ ،‬ال أن يكون وصفا لحال‪ ،‬فكل قرارال شك أنه يعبرعن سيادة الدولة من زاوية أنها‬

‫مالكة لزمام قرارها‪ ،‬مستقلة في تحديد مصلحتها‪ ،‬و اتخاذ ما يجنبها أي ضررويجلب‬

‫لها مصلحة‪ .‬لكن ليس معنى ذلك أن هذا القرار سيادي باملفهوم القانوني لنظرية‬

‫األعمال والقرارات السيادية كما وضع أسسها الفقه والقضاء املقارن‪ ،‬فالقرارات‬

‫اإلدارية التي تصدرعن الدولة بمختلف إدارتها تخضع للرقابة القضائية‪ ،‬وهي قاعدة‬

‫تقرها الدساتير ومنها الدستور املغربي‪ ،‬أما تلك التي تتجاوز الطابع اإلداري‬

‫والتنظيمي‪ .‬و تتصف بالسيادية فهي وحدها مستثناة من هذه الرقابة ولتبسيط‬

‫الفكرة وتقريبها لألذهان يمكن تحديد ماهية القرارات السيادية باعتبارها القرارات‬

‫الصادرة عن السلطات العليا في البالد بوصفها سلطة حكم ال إدارة‪ ،‬في موضوع يهم‬

‫عالقة السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية أو العالقات الدولية‬

‫والدبلوماسية‪ ،‬ومن ذلك قرارالدعوة إلى االنتخاب أو إيداع مشروع قانون بالبرملان‪،‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 396‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أو حل البرملان أو تعيين أعضاء الحكومة أو إقالتهم‪ ،‬وكذا قرار قطع العالقات‬

‫الدبلوماسية مع إحدى الدول‪ ،‬وما إلى ذلك من القرارات التي تعبر فعال عن سيادة‬

‫الدولة فتخرج عن رقابة القضاء اإلداري الذي يحكم مجال تدخله الدستورويقصره‬

‫على رقابة القرارات املتخذة في هذا املجال فقط‪ .‬وهذا النوع من القرارات تم‬

‫استثناؤه‪ ،‬باجتهاد قضائي قار‪ ،‬من الخضوع لرقابة القضاء اإلداري وفق ما كرسه‬

‫قضاء مجلس الدولة الفرنسية الذي استحضر وجود نوع آخر من الرقابة على هذه‬

‫القرارات السيادية هي رقابة السلطة التشريعية ورقابة القضاء الدستوري‪.‬‬

‫وقد استخلص الفقه معاييرلتمييزالقراراإلداري عن القرارالسيادي منها معيار‬

‫الباعث السياس ي‪ ،‬و إن كان القضاء الفرنس ي قد تخلى عنه‪ ،‬في مقابل تطبيق‬

‫املعيارين العضوي و املوضوعي‪.‬‬

‫وسيكون من املناسب لو يتبنى القضاء اإلداري املغربي نظرية القرار املنفصل‪-‬‬

‫القابل للطعن فيه باإللغاء‪ -‬أسوة بنظيره الفرنس ي على مستوى مجلس الدولة‪،‬‬

‫بحيث ال يتردد في تقدير شرعية القرارات اإلدارية املتخذة في إطار قرار الطوارئ‬

‫الصحية املعتبر قرارا سياديا‪ ،‬أي ولو في الظروف االستثنائية‪ ،‬كما تحقق من‬

‫انفصالها عن القرارالسيادي‪ ،‬أي متى كانت رقابته في حال إلغاء القراراملطعون فيه‬

‫ليس من شأنها املساس بالقراراملعلن عن الطوارئ الصحية وسريانه‪.‬‬

‫فمن خالل تفحص "قرار الحظر الجوي" من حيث الجهة املصدرة له‬

‫وموضوعه‪ ،‬يتبين أن األمر يتعلق ببيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 397‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫اإلفريقي واملغاربة املقيمين بالخارج يتضمن اإلعالن عن قرارتعليق الرحالت الجوية‬

‫املتوجهة والقادمة من وإلى عدد من الدول‪ ،‬وكان قرارتعليق الرحالت الجوية (وحتى‬

‫غلق الحدود البحرية مع اسبانيا) قد صدر في ‪ 13‬مارس ‪ 2020‬وعلى إثره تم تعليق‬

‫الرحالت من أربع دول هي الصين و ايطاليا وكوريا الجنوبية واسبانيا‪ ،‬وفي ‪ 14‬مارس‬

‫‪ 2020‬تم تعليق الرحالت مع أملانيا هولندا بلجيكا والبرتغال ومع عدد من الدول‬

‫اإلفريقية والعربية منها تونس‪ .‬وقد أشارالبيان إلى أن هذا اإلجراء الشؤون الخارجية‬

‫والتعاون اإلفريقي واملغاربة املقيمين بالخارج وفق ما هو واضح من بالغها املنشورفي‬

‫موقع الوزارة على االنترنيت‪ ،‬وبالتالي صدرعن سلطة عمومية في إطارتدابيرالضبط‬

‫اإلداري (الشرطة اإلدارية) الذي يمكن للوزارات ممارسته لحفظ النظام العام‬

‫املتمثل في الصحة العامة على اعتبارأن خطرتفش ي الوباء مرتبط بحاالت و افدة من‬

‫الخارج‪.‬‬

‫ثم انه بالتدقيق في تاريخ إصدار قرارات تعليق الرحالت الجوية سيتبين أنها‬

‫سابقة عن تاريخ اتخاذ قراراإلعالن عن الطوارئ الصحية‪ ،‬سواء الذي صدرفي شكل‬

‫بالغ لوزارة الداخلية الصادرة في ‪ 19‬مارس ‪ 2020‬الذي حدد بداية املجال الجوي‬

‫والبحري اتخذ في إطار تدابير إدارية محضة وفق ما تسمح به السلطات الضبط‬

‫اإلداري وليس خالل فترة الطوارئ الصحية‪.‬‬

‫كما أن القانون املنظم للطيران املدني يسمح للدولة‪ ،‬من خالل السلطات‬

‫الجوية إذا كان في األمرمساس بالنظام العام أوتهديد لسالمة املمتلكات واألشخاص‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 398‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومبرر تعليق الرحالت الجوية كان بداعي الحفاظ على الصحة العامة أي سالمة‬

‫األشخاص‪ ،‬وهو التزام دستوري أيضا‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما ذكريكون قرارالحظرالجوي‪ ،‬أو تعليق الرحالت الجوية‪ ،‬قرارا‬

‫إداريا من حيث طبيعته القانونية‪ ،‬وغير متصل بقرار سيادي لصدوره قبل تاريخ‬

‫القرار املعلن عن الطوارئ الصحية بمرسوم‪ ،‬وبالتالي ال يندرج بهذا الشكل ضمن‬

‫القرارات املتخذة تنفيذا لقرار سيادي حتى يمكن اعتباره قرارا متصال به‪ ،‬ألن ذلك‬

‫يقتض ي أن يكون الحقا لصدوره القرار السيادي أي بعده ال قبله‪ ،‬وال يسوغ قانونا‬
‫إضفاء اثر قانوني لقرارإداري على أوضاع قانونية سابقة عنه‪674.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الرقابة القضائية على القرارات اإلدارية يف زمن كورونا‬

‫إن رقابة القضاء على مدى احترام الحقوق والحريات الفردية والعامة تعد أنجع‬

‫وسيلة رقابة على املستوى الوطني‪ ،‬كون أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحقوق‬

‫والحريات‪ .675‬حيث تتنوع أوجه الرقابة على تدابير الشرطة اإلدارية بين رقابة قاض ي‬

‫اإللغاء والقضاء الشامل والقضاء االستعجالي‪ .‬وباعتبارهذا األخير حاميا للحريات‪،‬‬

‫كقضاء اإللغاء والقضاء الشامل‪ ،‬من خالل تخويل املتضرر إمكانية رفع الدعوى‬

‫‪ - 674‬صالح لمزوغي‪ ،‬تأمالت حول بعض إشكاليات القضاء اإلداري في زمن كورونا كوفيد‪ ،19-‬مقال منشور على موقع العلوم‬
‫القانونية‪ ،‬على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪https://www.marocdroit.com/%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AA-‬‬
‫‪%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A8%D8%B9%D8%B6-‬‬
‫‪%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-‬‬
‫‪%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-‬‬
‫‪ ، %D9%83%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%AF-19_a8612.html‬تاريخ االطالع ‪ 2020/08/25‬على الساعة‪.12:24:‬‬
‫‪ - 675‬سمية لعسل‪ ،‬سلطات القاضي اإلداري في حماية الحقوق والحريات األساسية‪ ،‬رسالة ماستر في القانون العام المعمق‪ ،‬جامعة‬
‫أبو بكر بلقايد‪-‬تلمسان‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2016/2015‬ص ‪.27‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 399‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫االستعجالية أمام قاض ي املستعجالت اإلداري على وجه السرعة‪ ،‬فان القاض ي في‬

‫إعماله لهذه اإلجراءات يتوفر على سلطات واسعة‪ ،‬بحيث يمكنه تعليق قرار اإلدارة‬

‫أو يأمره باتخاذ إجراءات محددة‪ .‬ولذلك يتعين عليه أن يثبت‪ ،‬من جهة‪ ،‬أن هناك‬

‫ضرورة ملحة للحكم‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬أن اإلدارة‪-‬من خالل أفعالها أوتقاعسها‪ -‬قد‬

‫انتهكت بشكل غير قانوني حرية أساسية‪ .‬ويقوم القاض ي بتقييمه لهذه النقطة‪،‬‬

‫مراعاة للتدابير التي اتخذتها اإلدارة بالفعل والوسائل املتاحة لها‪ .‬وبالتالي فالقضاء‬

‫االستعجالي غيرمشمول بتعليق العمل باملحاكم إبان حلة الطوارئ بل ينبغي الدفاع‬

‫عن دورالقضاء اإلداري كضامن للحقوق والحريات حتى في الظروف االستثنائية‪ .‬إذ‬

‫ال يقبل أن تتعطل هذه الوظيفة بداعي هذه الظروف فتصبح الدولة ممثلة في‬

‫السلطة التنفيذية في حل من أي رقابة قضائية‪.‬‬

‫إن رقابة قضائية على مشروعية تصرفات اإلدارة يمثل ضمانة مهمة من‬

‫ضمانات حقوق األفراد وحرياتهم ملا في ذلك من تبني لشرعية دولة القانون‪،‬‬

‫والقاض ي هو مفتاح االلتزام بسيادة القانون ويتوقف عليه احترام مضمون القانون‬

‫من حيث وجوب حمايته لحقوق وحريات‪.‬‬

‫وتعد مر اقبة السلطة القضائية لألعمال اإلدارية الصادرة عن السلطة‬

‫التنفيذية أثناء قيامها باملهام املنوطة بها‪ ،‬من أقوى نفوذ مبدأ املشروعية وضمان‬

‫حقوق وحريات األفراد‪ ،‬ألن القضاء هو حصن الحريات وحاميها لذا كانت أنجع‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 400‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وسيلة لرقابة األعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية في حالة الطوارئ‪ ،‬هي رقابة‬

‫القاض ي اإلداري على جميع اإلجراءات والتدابير املتخذة من قبلها‪.‬‬

‫وعليه فان أغلب التشريعات اتفقوا على خضوع اإلجراءات والتدابير املتخذة‬

‫أثناء حالة الظروف االستثنائية لرقابة القضاء اإلداري‪ ،‬حيث استقركل من القضاء‬

‫اإلداري الفرنس ي واملصري في مجموعة من قراراتهما‪ ،‬على أن ما تمارسه السلطة‬

‫التنفيذية من أعمال في ظل حالة الطوارئ املعلن عنها‪ ،‬تعد من قبيل األعمال‬

‫اإلدارية تنبسط عليها رقابة القضاء اإلداري إلغاءا وتعويضا‪.676‬‬

‫و ارتباطا بدراسة املوضوع فقد قضت املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في ‪23‬‬

‫مارس ‪ " 2020‬بأحقية مواطن ليبي قادم من مالطا بالدخول إلى التراب الوطني‪ ،‬بعد‬

‫التأكد من عدم إصابته بفيروس كورونا‪ ،‬وذلك طيلة فترة الحظر الجوي مع تحديد‬

‫مكان إقامته بالدار البيضاء‪ .677‬فوجود هذا املواطن نفسه محبوسا داخل املطار‬

‫منذ ‪ 16‬مارس ‪ 2020‬بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية ومنع الرحالت الجوية‪.‬‬

‫وقد استند القرارإلى أن مقتضيات القانون رقم ‪ 02.03‬املتعلق بدخول و إقامة‬

‫األجانب باململكة املغربية والهجرة غير الشرعية‪ ،‬لم تتطرق لحالة بقاء املسافرين‬

‫األجانب العابرين لتراب اململكة عالقين باملطارات الدولية املغربية نتيجة أي منع‬

‫اضطراري للطيران‪ .‬إال أن ذلك ال يحول دون تدخل قاض ي املستعجالت لرفع أي ضرر‬

‫‪ - 676‬محمد امجاهدي‪ ،‬حالة الطوارئ الصحية بين مقتضيات الحفاظ على الصحة العامة والتزام حقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 677‬المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء‪ ،‬أمر استعجالي رقم ‪ 239‬ملف ‪ 358/7101/2020‬بتاريخ ‪ 23‬مارس ‪.2020‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 401‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫يتظلم منه الشخص العالق باملطار‪ ،‬في إطار تطبيق القواعد العامة ومبادئ‬

‫العدالة‪ ،‬والتي تراعي من طرف قاض ي املستعجالت تحقيق دوره االيجابي في حماية‬

‫الحريات العامة لألفراد ومراكزهم القانونية‪.‬‬

‫واستئنافا لهذا األمرالذي أصدره رئيس املحكمة اإلدارية بالدارالبيضاء قضت‬

‫محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بإلغاء الحكم االبتدائي‪ .‬وعللت املحكمة حكمها‬

‫بكون امللف خال مما يفيد أن املواطن الليبي يتوفر على سند قانوني‪ ،‬في إشارة إلى‬

‫تأشيرة الدخول إلى املغرب‪ .‬وكان الوكيل القضائي للمملكة بصفته نائبا عن وزير‬

‫الخارجية والتعاون الدولي‪ ،‬و املدير العام لألمن الوطني قد أدلى في مذكرته‬

‫االستئنافية‪ ،‬بأن قرار الحظر الجوي الذي تقرر نتيجة الحظر الصحي‪ ،‬قررته‬

‫السلطات العليا للبالد‪ ،‬لتفادي انتشارفيروس كورونا‪ ،‬والذي يندرج ضمن القرارات‬

‫السيادية الواجبة التطبيق‪.‬‬

‫وأوضح الوكيل القضائي أن الحكم االبتدائي خرق قواعد االختصاص على‬

‫اعتبار أن مصدر األمر قض ى باإلذن بالدخول للتراب الوطني‪ ،‬وهو ما ال يندرج ضمن‬

‫اختصاص القضاء‪ ،‬و إنما من اختصاص السلطة التنظيمية‪ ،‬باإلضافة إلى خرق‬

‫مبدأي فصل السلط املكرس دستوريا‪ ،‬وكون القاض ي اإلداري يحكم وال يوجه أوامر‬

‫لإلدارة‪ ،‬فضال على عدم االرتكاز على أساس قانوني‪ ،‬و انعدام التعليل من خالل‬

‫انتفاء حالة االستعجال القصوى‪ ،‬واالستناد إلى وجهة نظر أحادية‪ ،‬وترجيح وثائق‬

‫عن اإلجراءات السيادية التي اتخذتها السلطات العليا‪ .‬و أبرز الوكيل القضائي من‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 402‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫جهة أخرى‪ ،‬أن تنفيذ األمر يقتض ي التأكد من عدم إصابة املستأنف عليه من‬

‫فيروس كورونا‪ ،‬والذي تتواله إدارة أخرى ليست طرفا في الدعوى وهي وزارة الصحة‪،‬‬

‫كما أنه إذا ثبت إصابته بهذا الفيروس تكون املحكمة قد أمرت بإدخال شخص‬

‫مصاب‪ ،‬وهو ما يعد خرقا للحظر الجوي‪ .‬وقد خلصت املحكمة إلى أن القرار املتخذ‬

‫يدخل ضمن أعمال السيادة بامتيازوال يمكن تعليق آثاره القانونية إال في حاالت التي‬

‫يقررها قرارالحظرنفسه أو األعمال الالحقة التي اتخذتها نفس السلطة املختصة‪.‬‬

‫وجاء في أمر صادر عن رئيس املحكمة اإلدارية بالرباط‪ " :678‬أن حالة الحظر‬

‫الجوي والبحري مجرد تدبيرتنظيمي مؤقت ال يخل بمبدأ حرية الدخول والخروج من‬

‫وإلى التراب الوطني كأصل عام‪ ،‬خاصة أن سنده الفصل ‪ 24‬من الدستورالذي يحدد‬

‫ضوابط لتنظيم هذا الحق يؤسسها القانون نفسه"‪.‬‬

‫ويتعلق هذا األمر بقرار رفض طلب مواطن مغربي وزوجته الدخول إلى التراب‬

‫املغربي‪ ،‬بعدما ظل عالقين بميناء الجزيرة الخضراء في اسبانيا‪ ،‬على اثرإعالن حالة‬

‫الطوارئ الصحية‪ .‬وقد عللت السلطات اإلدارية قرارها بإجراءات الحجر الصحي‪،‬‬

‫رغم أن هذه السلطات نظمت عدة رحالت جوية إلجالء رعايا بلدان أجنبية عالقين‬

‫باملغرب‪.‬‬

‫لقد رفض رئيس املحكمة طلب املدعيين باعتباره غيرمؤسس‪ ،‬نظرا إلى أن قرار‬

‫إغالق الحدود الجوية والبحرية تم طبقا لقانون الطوارئ الصحية الذي نشر‬

‫‪ -‬أمر عدد ‪ 955‬ملف رقم ‪ 2020/7101/667‬صادر عن رئيس المحكمة اإلدارية بالنيابة بالرباط بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪.2020‬‬ ‫‪678‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 403‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بالجريدة الرسمية‪،‬معتبرا أنه‪":‬ال يمكن خرق حالة الطوارئ الصحية عن طريق‬

‫اإلذن للطالبين بالدخول إلى التراب الوطني"‪ ،‬خاصة أن ما قامت به السلطات‬

‫املغربية يمثل الشرعية اآلنية في ظل الوضع الحالي‪ ،‬وأن القاض ي يحمي الشرعية في‬

‫كل األحوال‪.‬‬

‫وقد علل رفضه بأن املدعيين وإن كان يحمالن الجنسية املغربية ويقيمان‬

‫باملغرب ولهما حق الخروج والدخول من وإلى التراب الوطني طبقا ألحكام الدستور‪،‬‬

‫غير أن ذلك يبقى في األحوال العادية‪ .‬أما في نازلة الحال فان استمرار وجودهما في‬

‫منطقة العبور بالجريرة الخضراء بعدما كانا قادمين إلى املغرب من اسبانيا‪ ،‬إنما‬

‫يرجع إلى تدابير احترازية سريعة وحاسمة اتخذتها السلطات املغربية بفرض حظر‬

‫جوي وبحري‪ ،‬استنادا إلى السلطة التقديرية الواسعة املمنوحة لها في هذا املجال‬

‫لحماية الصحة العامة‪.679‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫وفي ختام يمكننا القول أن تخويل اإلدارة نوع من التحرر في ظل الظروف‬

‫االستثنائية التي فرضتها حالة الطوارئ الصحية ال تبيح إلى منح سلطة مطلقة‬

‫للسلطات املتدخلة في حاالت الطوارئ الصحية‪ ،‬وتعسف اإلدارة عن طريق املساس‬

‫بحقوق األفراد وحرياتهم تحت شعار اإلجراءات االستثنائية‪ ،‬مما دفع إلى تخويل‬

‫‪ - 679‬حسن صحيب‪ ،‬الشرطة اإلدارية في حاالت الطوارئ‪ :‬الطوارئ الصحية بالمغرب؛ مقال منشور على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪https://participer.ma/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B7%D8%A9-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-‬‬
‫‪%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6-‬‬
‫‪ ، %D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A/‬تاريخ االطالع ‪ 26‬مارس ‪ ،2020‬على الساعة ‪ ،18:15‬ص ‪.355‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 404‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫القضاء حق الرقابة القضائية على القرارات اإلدارية باعتباره الضامن األساس ي‬

‫للحقوق والحريات حتى في ظل الظروف االستثنائية‪.‬‬

‫وباعتبار أن الرقابة القضائية تعد من أهم أنواع الرقابة فاعلية من ناحية‬

‫حماية الحقوق والحريات العامة في الظروف االستثنائية‪ ،‬فهذه الرقابة تعد مسالة‬

‫ضرورية لخلق التوازن املطلوب بين ما للسلطة من امتيازات‪ ،‬وبين ما يصبو إليه‬

‫املواطنين من حقوق وحريات‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 405‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫السيد رضوان سند‬


‫حاصل على شهادة املاسرت يف العلوم اجلنائية‬
‫بكلية احلقوق مراكش‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫في الوقت الذي تسعى فيه الدولة املغربية ‪ -‬في شخص قائدها الهمام و الشعب‬
‫املغربي التواق الى الحرية املهذبة الغيور على وطنه و املكرس ملواطنته االنتاجية‬
‫الفاعلة‪ -‬الى منافسة الركبان ومواصلة الخط التحرري لتكريس دعائم‬
‫الديمقراطية املغربية املنشودة في مختلف امليادين سواء ديمقراطية اجتماعية او‬
‫اقتصادية أو سياسية‪ ،‬سواء من خالل االتفاقيات التي وقعها املغرب‪ ،‬و من خالل‬
‫اللحظة الدستورية التاريخية الحاسمة التي تشكل نقطة تحول مفصلية بين ماض‬
‫قاتم الصورة متقلص فيه هامش الديمقراطية الى حد الغياب‪ ،‬و حاضر يرجى له‬
‫التغيير بعيدا عن تلكم االوضاع املأساوية نحو مستقبل يؤمن باستحضار االنسان‬
‫في جميع املشاريع من حيث حقوقه املدنية والسياسية من جهة وحقوقه االجتماعية‬
‫واالقتصادية والثقافية من جهة أخرى ‪ ،‬بحيث كل خطوة عملية اجرائية اوقانونية‬
‫نظرية يتعين أن تتخذ من هذا االنسان املكرم‪ ،‬منطلقا و منهجا و غاية لها‪.‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 406‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فتبعا لذلك كله ‪ ،‬تفاجؤنا جهات اوأعمال تخطط لهدم تلك املكتسبات‪ ،‬بحيث‬
‫ما يعطيه الدستورباليد اليمنى يؤخذ عبراليات تشريعية باليد اليسرى‪ ،‬تحت ذريعة‬
‫مبررات عرجاء او منقوصة ضمانات اإلقناع‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة ملشروع قانون‬
‫‪ 22-20‬ملارس ‪ ،2020‬الذي أتى املجلس الحكومي ساعيا من خالله إلى احتواء‬
‫األوضاع التي أفرزتها كورونا‪ ،‬عبر توحيد األصوات و التعبيرات بخصوص مكافحتها‬
‫األكيدة املرجوة‪ ،‬ولكن‪ -‬و لألسف‪ -‬على حساب هدم حرية التعبيراملكفولة دستوريا و‬
‫املستمدة من جميع الشرائع واالتفاقيات الدولية واملعاييرالحقوقية املتعارف عليها‬
‫عامليا‪ ،‬باملعاقبة عليها جنائيا‪ ،‬و هنا قد يصدق علينا تنبؤ األمين العام لألمم املتحدة‬
‫أنطونيوغوتيريش‪ ،‬الذي عبرعن تخوفه من التذرع بفيروس كورونا إلضفاء الشرعية‬
‫على وسائل قمعية‪ ،‬وإال فإن حرية التعبيرستكون من ضحايا الكورونا‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬بالرغم من تحفظنا على العقوبات الغليظة جدا باملقارنة مع حجم‬
‫الخطورة االجرامية للمختلفين ‪-‬والذين سماهم القانون قيد الذكر مخالفين ‪ -‬مع‬
‫بعض التوجهات التي قد ال تخدم الصالح العام‪ ،‬أو أنها تشكل خطرا على الصحة‬
‫العامة‪ ،‬مثال املستهلك الذي يتضرر من مشروب غازي معين فيعبر على انه مضرأو‬
‫مدمربعيدا عن أي خلفية سياسية معينة‪ ،‬علما أنه حرفي ذلك‪ ،‬مالم يتعد ضوابط‬
‫الدستوراو التوابث العامة للبالد‪ ،‬فهنا يمكن أن تتقرراملساءلة‪.‬‬
‫لذا سوف أعمل جاهدا على تبيان مالبسات املشروع من خالل نقطتين‬
‫موزعتين على شكل فقرتين كالتالي‪ -:‬الفقرة األولى ‪ :‬مشروع قانون رقم ‪ 20 -22‬املتعلق‬
‫باستعمال شبكات التواصل االجتماعي ‪:‬السياقات والتداعيات‪ - .‬الفقرة‬
‫الثانية‪:‬عيوب تخللت املقتضيات الزجرية ملشروع قانون ‪ 22-20‬املتعلق باستعمال‬
‫شبكات التواصل االجتماعي‬
‫وتبعا ملنهجية التحليل أعاله نورد مايلي ‪:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 407‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬مشروع قانون رقم ‪ 20 -22‬املتعلق باستعمال شبكات التواصل‬


‫االجتماعي ‪:‬السياقات والتداعيات‬

‫لم يكن هذا املشروع قانون جديدا على املجتمع املغربي إذ خاض معظم افراده‬
‫احتجاجا واسعا على مو اقع التواصل االجتماعي اإللكتروني ضد مشروع قانون‬
‫“املدونة الرقمية” الذي طرحته الحكومة املغربية علنا قبل طرحه على البرملان‬
‫للمصادقة عليه‪ ،‬مما دفع الحكومة إلى التراجع عن طرح املدونة‪.‬‬
‫و ذلك بعد مجهودات متواصلية مضنية تحمل عنوانا واحد و هو رفضهم‬
‫القاطع ألية ممارسة رقابية على أنشطتهم داخل الفضاء اإللكتروني‪ ،‬حيث تكثيفهم‬
‫من تعليقاتهم و انتقاداتهم لنصوص املدونة‪ ،‬وإطالقهم لحمالت إلكترونية على غرار‬
‫“املدونة اإللكترونية لن تمر”‪ ،‬والتي دامت طويال رغم اإلعالن عن سحب املدونة‬
‫بشكلها الذي خرجت به‪ ،‬الى األنة األخيرة التي بدت فيها الحمالت االحتجاجية‬
‫الر افضة بصورة باهتة‪.‬‬
‫و من جملة ما تم الكشف عنه من عيوب‪ ،‬و التي هي مناط الرفض‪ ،‬هو أنه في‬
‫نص املدونة جمل فضفاضة وعبارات تحتمل تأويالت عديدة‪ ،‬من قبيل "كل ما من‬
‫شأنه" أو " النظام العام" الذي لطاملا يعيد واضع املشروع تكراره في مواطن عدة على‬
‫امتداد املدونة‪ ،‬دون أن يكلف الساهر على وضع مشروع املدونة نفسه عناء التأطير‬
‫املفاهيمي و تدقيق البمصطلحات الواردة فيها التي تعد كثرة التباساتها أشد وطأة‬
‫على املشهد الديمقراطي و األمن القانوني و القضائي و املحاكمة العادلة‪ ،‬و فتحها‬
‫لالستعمال سلطات تقديرية واسعة من اإلدارة و الخاضعة تماما لتأويالتها‪ .‬و لعلي‬
‫استحضر هنا املادة ‪ 24‬من املدونة االلكترونية التي تشير إلى أنه " ال يمكن أن تقيد‬
‫هذه الحرية إال بما يقتضيه‪ ،‬من جهة احترام كرامة الفرد و حياته الخاصة و حرية‬
‫ملكية الغيرو الطابع التعددي لتيارات الفكرو التعبيرو الرأي ومن جهة أخرى احترام‬
‫الدين االسالمي و الوحدة الترابية و االحترام الواجب لشخص امللك و النظام امللكي‬
‫و النظام العام و لحاجيات الدفاع الوطني و متطلبات املرفق العمومي و لالكراهات‬
‫التقنية املرتبطة بوسائل االتصال الرقمية عبرالخط"‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 408‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فضال عن مصطلحي “املعتقد السياس ي” و”األخالق الحميدة” املضمنين في‬


‫املادة ‪ 73‬من قانون املدونة الرقمية‪.‬‬
‫إلى جانب انتقادهم للعقوبات الزجرية‪ ،‬التي قد تصل املدة السجينة فيها إلى ‪5‬‬
‫سنوات وغرامات مالية قد تبلغ ‪ 100‬ألف درهم‪.‬‬
‫ناهيك‪ ،‬عن أن من أسباب الرفض للمدونة‪ ،‬هو عدم إشراكهم أثناء صياغتها‪،‬‬
‫بالرغم من تبريرالوزارة الوصية لذلك‪ ،‬بكونها لجأت إلى خدمات مكتب فرنس ي‬
‫لالستشارات القانونية‪ ،‬و الذي كان تبريرا غير مقنع للمواطن الشديد الوعي‬
‫بقضاياه‪ ،‬مما دفعه إلى الدعوة الى ضرورة فتح نقاش مجتمعي و خاصة آراء‬
‫مستعملي اإلنترنت‪ ،‬بل و إشراكهم في صياغة املدونة الرقمية‪ ،‬لطاملا و أن هذه‬
‫املدونة تعد بحق موضوعا حساسا ويراهن عليه مستقبل االقتصاد الرقمي في‬
‫املغرب‪ ،‬و ما ر افقه من السعي الحثيث املنشود نحو هيكلة قطاع التجارة الرقمية‬
‫وحماية القاصرين والحد من الجريمة اإللكترونية‪ ،‬على أمل أن يكون إعداد املدونة‬
‫يوازن بين احترام حرية التعبيروحقوق اإلنسان وضمان األمن الداخلي‪.‬‬
‫وبمجيء هذا الوباء العاملي كورونا لسنة ‪ ،2020-2019‬أتانا هذا املشروع‬
‫القانوني الجديد حامال معه عقوبات زجرية بخصوص املخالفين‪ ،‬لكن هذه املرة تم‬
‫إعداده خفية تحت مبررين ‪:‬‬
‫‪ -‬إما حاجة الوضعية الحرجة اليه ذات الطابع االستعجالي بما يفرضه و اقع‬
‫الفراغ التشريعي الحاصل ‪.‬‬
‫‪ -‬و إما لعلة سياسية مفادها التضييق على الحريات و منع املقاطعات‪ ،‬ضمانا‬
‫لنتائج انتخابية محسوبة‪.‬‬
‫و إن املتأمل في مشروع القانون ‪ 22.20‬خاصة في كيفية إعداده ‪ -‬قبل مضمونه‪-‬‬
‫يجد نفسه أمام عمل ينطوي على خرق سافرللدستور‬
‫و ذلك الخرق يأتي متمثال فيمايلي ‪:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 409‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ -‬غياب كلي للنسخة املصادق عليها باملجلس الحكومي – املنعقد في ‪ 24‬رجب‬


‫‪ 1441‬املو افق ل ‪ 19‬مارس ‪ – 2020‬الالزم بثه على الدعامة االلكترونية ملوقع‬
‫األمانة العامة للحكومة ‪ ،‬و هذا الغياب يعكس مايلي‪:‬‬
‫‪ ‬عمل ينافي بشكل واضح مقتضيات الوثيقة الدستورية و السيما الفصل‬
‫‪ 27‬منها على وجه الدقة و الذي ينص على أنه‪“ :‬للمواطنات و املواطنين‬
‫حق الحصول على املعلومات املوجودة بحوزة االدارة العمومية و‬
‫املؤسسات املنتخبة و الهيئات املكلفة بمهام املرفق العام “‪.‬‬
‫‪ ‬كما انه ينافي ما جاءت به املادة ‪ 10‬من القانون رقم ‪ 31.13‬املتعلق بالحق‬
‫في الحصول على املعلومات‪ ،‬التي تنص بوضوح على ضرورة نشر‬
‫املعلومات التي تكون بحوزة املؤسسات و الهيئات املعنية بواسطة جميع‬
‫وسائل النشراملتاحة خاصة االلكترونية منها‪ ،‬بما فيها البوابات الوطنية‬
‫للبيانات العمومية سيما املعلومات املتعلقة بمشاريع القوانين‪.‬‬
‫‪ -‬عدم تخصيص الوقت الكافي لتدارسه بين كافة األطياف املعنية به السيما‬
‫الهيئات الحقوقية و الفئات الشبابية التي تنشط في الوسائط االجتماعية‬
‫لتخرج النسخة سليمة شكال و مضمونا وال يتم التمرد او االنقالب عليها وإنما‬
‫يتم االنضباط لها تمام االنضباط‪.‬‬
‫و مفاد هذا الكالم‪ ،‬هو نهج الساهرين على إخراج القانون قيد الدراسة لكل‬
‫من السرعة و االستعجال غير العاديين اللذان ال يؤديان بهم إال إلى اللخبطة و التردد‬
‫و العشوائية‪ ،‬بحيث فعال لجأت الحكومة الى املصادقة على مشروع القانون الذي‬
‫تزامن و املراحل األولى لحالة الطوارئ الصحية‪ ،‬التي ال زالت مستمرة للحد من‬
‫انتشاروباء كوفيد‪ ، 19-‬إذ ما فتئت أن صدرت مذكرة االمين العام للحكومة إلى وزير‬
‫الدولة والوزراء والوزراء املنتدبين بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪ 2020‬يو افيهم نسخة من مشروع‬
‫القانون رقم ‪ 22.20‬تهيئا لعرضه على مجلس الحكومة في وقت ضيق جدا‪ ،‬أي في‬
‫اليوم املوالي فقط‪ ،‬أي ‪ 19‬مارس ‪، 2020‬و بالفعل تمت املصادقة عليه يوم ‪19‬‬
‫مارس‪ ،‬في سرعة مريبة مادامت كورونا فرصة سانحة الخراج هذا القانون‪ ،‬أضف‬
‫إلى أن الحكومة لها رغبة ملحة في تمرير مشروع القانون ‪ 22.20‬في هذه الظرفية‪،‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 410‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بحضوررؤساء الفرق و املجموعات النيابية أو من ينوب عنهم ‪،‬باإلضافة إلى عضوين‬


‫عن كل فريق ومجموعة نيابية فقط‪ ،‬و الحال أن هذا فيه خرق لشكلية قانونية و‬
‫دستورية و هو ضرورة حضورجميع ممثلي األمة‪.‬‬
‫ومهما بررت في املذكرة التقديمية للقانون رقم ‪ 22.20‬بأنها تستهدف سد الفراغ‬
‫التشريعي التي تعاني منه املنظومة القانونية الوطنية لردع كافة السلوكات املرتكبة‬
‫عبرشبكات التواصل االجتماعي و الشبكات املماثلة‪ ،‬خاصة في هذه الظرفية الحالية‬
‫التي يعرفها العالم و يعيشها املغرب و املرتبطة بتفش ي فيروس كورونا‪،‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثانية‪:‬عيوب ختللت املقتضيات الزجرية ملشروع قانون ‪22-20‬‬


‫املتعلق باستعمال شبكات التواصل االجتماعي‬

‫عندما تأملت املقتضيات التشريعية في مشروع القانون قيد الدراسة تبادر إلى‬
‫ذهني بأن املشروع ليس شاذا في مسارالتشريعات املقارنة وإنما سبقه كال من املشرع‬
‫الروس ي والصيني واإليراني في تنظيم حريات التواصل و التعبير في الوسائط‬
‫االجتماعية بالفضاء االفتراض ي ‪ ،‬وهي دول لم تكن أبدا يوما ما مرجعا للمغرب في‬
‫مجال تنظيم الحقوق والحريات‪ ،‬علما أنها دول اختارت بكل وضوح عزل أنترنت‬
‫بالدها عن العالم‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة إلى التجربة الصينية‪ ،‬التي أغرت روسيا‬
‫بالسيرفي االتجاه نفسه منذ تبنيها قانون «األنترنت السيادي» قبل عام تقريبا‪ ،‬خارج‬
‫كل مرتكزات الصرح الديمقراطي الذي لطاملا لوحت به عبرأجهزتها التمثيلية‪ ،‬و هذا‬
‫العزل االلكتروني له شروطه و ضماناته الكمبيوترية و غيرها‪.‬‬
‫فيما املغرب ال يتوفر‪-‬على ما أعتقد ‪-‬على القدرات التي تسمح له بعزل األنترنت‬
‫عن العالم‪ ،‬فهو ال يملك القدرات التقنية والتكنولوجية الالزمة لذلك‪.‬‬
‫فضال عن أن تنظيم األنترنت يتطلب امتالك القدرة واإلرادة السياسية لكبح‬
‫جماح الشركات‪ ،‬من مزودي خدمات األنترنت‪ ،‬بغرض حماية املصالح الوطنية‬
‫وحماية املواطنين كذلك من شرورها املفترضة‪ ،‬بطريقة عقالنية متوازنة بين الصالح‬
‫العام و الخاص‪ ،‬و هو األمر الذي لم يحدث أن حصل‪ ،‬بحيث انبثق عن مجهود‬
‫أعضاء الحكومة توجها جزئيا ضد مصلحة املواطن‪/‬املستهلك فقط‪ ،‬حامال بين‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 411‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫طياته تضييقا على الحرية االفتراضية املكفولة دستوريا‪ ،‬ال لش يء إال ألنه بات‬
‫املواطن املستهلك قادرا على استخدام األنترنت للدفاع عن حقوقه وحرياته التي‬
‫تهدر‪ ،‬أحيانا‪ ،‬وهذا ال يتالءم و روح الدستورومقتضيات القانون‪.‬‬
‫و من تجليات هذاالتضييق‪ ،‬هو التجريم ألفعال تدخل في أصلها ضمن الحقوق‬
‫املدنية و السياسية و الطبيعية من جهة أو الحقوق االجتماعية و االقتصادية و‬
‫الثقافية من جهة أخرى‪ ،‬بل تخصيصه عقوبات للمخالفين بشكل غير عقالني و ال‬
‫مدروس إثرالعجلة والتسريع في إستصدارالقانون أعاله الذي ال عالقة له باالهداف‬
‫التي وضع من أجلها القانون كما هو في ديباجته ‪ ،‬بحيث نوضح مايلي‪:‬‬
‫‪ -‬عدم انسجام املشروع القانون مع اتفاقية بودابيست املكرسة كماكياج في‬
‫الديباجة ‪:‬‬
‫تشير الديباجة الى اهداف تالث او اربع و يبدو من ضمنها توخي تحقيق أهداف‬
‫اتفاقية بودابست التي صادق عليها املغرب في ‪ 29‬يونيو ‪ 2018‬ملكافحة الجريمة‬
‫اإللكترونية‪ ،‬في حين عند الرجوع إلى مضامين االتفاقية ال يوجد أي منع أوحد لحرية‬
‫التعبيرعبروسائل التواصل االجتماعي ‪،‬بل تخص االتفاقية جرائم التزويرو النصب‬
‫و الصورالفاضحة لألطفال و انتهاكات حقوق امللكية و الحقوق املجاورة فقط‪.‬‬
‫و نود اإلشارة لتعميق التوضيح إلى مايلي‪:‬‬
‫‪ ‬املادة ‪ 14‬من املشروع ‪:‬‬
‫التي تعاقب بالحبس من ‪ 6‬أشهرإلى ثالث سنوات و غرامة من ‪ 5000‬إلى ‪50000‬‬
‫درهم أوبإحدى العقوبتين فقط من قام عمدا عبرشبكات التواصل االجتماعي أوعبر‬
‫شبكات البث املفتوح أو عبرالشبكات املماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض املنتوجات‬
‫أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض عالنية على ذلك‪.‬‬
‫إذ ال يفهم سبب لتمرير هذه املادة بالذات إال ما ناقشناه بمقدمة املقال وهو‬
‫حماية الشركات من حمالت املقاطعة التي أصبحت حمالت ر اقية يعاقب بها‬
‫املواطنون الشركات التي يرون نقصا في خدماتها أو سوءا في منتجاتها أو غالءا في‬
‫أسعارها ‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 412‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ ‬املادة ‪ 18‬من ذات املشروع ‪:‬‬


‫إذ تجرم املادة كل محتوى يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة‬
‫وسالمة بعض املنتوجات و البضائع و تقديمها على أنها تشكل تهديدا و خطرا على‬
‫الصحة العامة واألمن البيئي‪ ،‬مقتض ى يزجر أي محاولة للتعبير عن الرأي في بعض‬
‫املنتجات املعينة ويضع الشخص تحت املتابعة‪.‬‬
‫‪ -‬الخرق لفلسفة الدستوربشأن مساواة الجميع أمام القانون ‪:‬‬
‫وذلك يتجلى في تجريم نفس االفعال بعقوبات مختلفة بين ماجاء من عقوبات‬
‫حبسية باملادة ‪ 17‬من مشروع القانون تتراوح بين سنتين إلى خمس سنوات وغرامة‬
‫من ‪ 2000‬إلى ‪ 20.000‬درهم وبين اإلكتفاء بغرامات مالية فقط في املادة ‪ 72‬من‬
‫القانون ‪ 88.13‬املتعلق بقانون الصحافة والنشر‪ ،‬إذ من غيراملستساغ هذه التفرقة‬
‫ملجرد أنه بالحالة الثانية ينتمي مرتكبها لجسم الصحافة ‪،‬مما يشكل خرقا واضحا‬
‫للنص الدستوري و مبدأ املساواة أمام القانون‪.‬‬
‫‪ -‬عدم تناسب الفعل الجرمي مع العقوبات املقررة ‪:‬‬
‫تعد العقوبات املقررة باملواد ‪ 18-15-14‬غيرمنطقية وفي غيرانسجام مع الفعل‬
‫املرتكب ‪،‬حتى عبرها عنها بعض االساتذة املحامين املهتمين أن العقوبة املقررة‬
‫للتحريض ضد منتوج معين تفوق في حدها األقص ى القذف و السب في حق جاللة‬
‫امللك الوارد بالفصل ‪ 179‬من القانون الجنائي بل تفوق في حدها األقص ى عقوبة‬
‫اهانة العلم الوطني ورموزها الواردة بالفصل ‪ 1-267‬من القانون الجنائي‪ ،‬فأين هي‬
‫املعاييراملعتمدة في تقريرالعقاب املناسب للتجريم‪.‬‬
‫‪ -‬التعارض الصارخ الصريح بين مشروع القانون ‪ 22.20‬املتعلق بوسائط‬
‫التواصل االفتراض ي االجتماعي و معاهدات املغرب الدولية‪ ،‬املصادق عليها و‬
‫املنشورة بالجريدة الرسمية‪:‬‬
‫و نحبذ هنا ذكر الفقرة الثانية من املادة ‪ 19‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق‬
‫املدنية و السياسية‪ ،‬التي تؤكد حرية التعبير في التماس مختلف أنماط املعلومات و‬
‫األفكار و تلقيها ونقلها …‪.‬وبأي وسيلة كانت ‪ ،‬و لكن و لألسف نجد مشروع القانون‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 413‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫قيد التحليل يرمي إلى جعل األفراد تحت طائلة متابعات زجرية ثقيلة ملجرد ابداء‬
‫آرائهم حول منتوج معين‪.‬‬
‫‪ -‬عدم تحري الدقة و انتهاج اللخبطة و اللبس فيما بين بعض املصطلحات التي‬
‫تعرقل سعي الجهات املعنية به نحو ضمان تحقيق األمن االفتراض ي ‪:‬‬
‫و هنا نقدم املواد ‪ 19‬و ‪ 20‬و ‪ 21‬و ‪ 22‬من مشروع القانون‪ ،‬و التي تؤكد على تجريم‬
‫نشر و تقاسم و ترويج محتوى الكتروني يتضمن أخبارا زائفة و معاقب عليها بنفس‬
‫العقوبة ‪،‬دون تمييز بين صانع الخبر املزيف بسوء نية في املقام األول و بين الذي قام‬
‫بتلقيها و تصديقها و أعاد نشرها بحسن نية أو أعاد نشرها فقط عن طريق الخطأ‬
‫ليصبح في نفس خانة صانع الخبرالزائف‪.‬‬
‫‪ -‬التساهل في حصول الشطط بمنح مزود الخدمة سلطة التحقق بعيدا عن‬
‫اختصاص أصيل للقضاء به‬
‫و ذلك أن املادة ‪ 8‬من مشروع القانون قيذ الذكرتعطى ملزود الخدمة سلطة‬
‫التحقق من عدم مشروعية محتوى معين وحذفه أوتوقيفه أوتعطيل الولوجية إليه‬
‫مما يفتح الباب لسلطات واسعة ملزودي الخدمة قد تكون مشوبة بالتعسف و‬
‫الشطط و ال يجب أن تخول لهم باألصل‪ ،‬و انما هي من اختصاص القضاء‪.‬‬
‫‪ -‬و في ختام هاته الورقة‪:‬‬
‫نشيرإلى ان مشروع القانون يضم ‪ 25‬مادة بها ‪ 22‬مادة تخص الجانب الجزائي‬
‫اداريا و عقابيا في ما يخص العقوبات السالبة للحرية الحبسية الضبطية و التأديبية‬
‫و العقوبات املالية القاسية جدا‪ .‬مما يجعل اي متمعن لها يلجأ إلى وصفها بكونها‬
‫مدونة للعقاب ال للتأهيل و التهذيب‪ .‬و هنا يكون مشروع القانون املسرب خارج عن‬
‫األهداف الراهنية للسياسة العقابية الحديثة املرسومة توجهاتها ضمن توصيات‬
‫ميثاق إصالح منظومة العدالة ‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 414‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫األستاذ ابراهيم الدريف‬


‫خريج ماسرت العدالة اجلنائية والعلوم اجلنائية‬
‫بكلية احلقوق بفاس‬

‫تقدم‪:‬‬

‫إذا كانت السياسة العقابية تقوم على حق الدولة في العقاب أي السند الشرعي‬
‫الذي تعتمده السلطة في إنزال العقاب على املجرم‪ ،‬فإن هذا الحق أسست له‬
‫مجموعة من املذاهب الفكرية التي أسست إلى على العقاب الحديث‪ ،‬لكن قبل‬
‫الحديث عن هذه املذاهب البد من الحديث عن السياسة العقابية في الفكرالقديم‪.‬‬
‫ففي املجتمعات البدائية القديمة التي كان يطبعها نظام القبلية كان االنتقام‬
‫وردة الفعل املتمثلة في مقابلة العدوان بالعدوان هو قانون القبائل وأسلوب حياتها‪،‬‬
‫فكان االنتصاردائما للطرف القوي‪ ،‬وفي املجتمع اإلقطاعي تطورمفهوم العقوبة مع‬
‫سيطرة النفوذ الديني مع الكنيسة التي جمع رهبانها بين السلطتين الدينية‬
‫والدنيوية‪ ،‬فكانت الجريمة تعتبر بمثابة خطيئة دينية‪ ،‬فاتسمت العقوبة بالقسوة‬
‫والشدة‪.‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 415‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومع نشوء وتطور الدولة كتنظيم سياس ي خالل القرون الوسطى‪ ،‬حيث انتقل‬
‫نتيجة لذلك حق العقاب إليها‪ ،‬فانفردت به ومارسته نيابة عن الجماعة‪ ،‬إال أن‬
‫ممارستها لهذا الحق اتسم خالل تلك القرون بالظلم واالستبداد والتجاوز في سلطة‬
‫القضاة‪ ،‬وقسوة النظام العقابي الذي كان في مجمله يعتمد على العقوبات البدنية‪،‬‬
‫كالشنق وقطع الرأس واإللقاء من مكان مرتفع وربط أرجل و أيدي الجاني بأربعة‬
‫أحصنة كلها تأخذ اتجاهات مختلفة حتى تقطع أوصاله‪ ،‬وما إلى ذلك من طرق‬
‫التنكيل‪.‬‬
‫وفي ظل الظلم واالستبداد وعدم املساواة بين الجناة في العقوبة‪ ،‬والقسوة في‬
‫العقوبة التي كانت تتسم بعدم التناسب والتالزم بين الجريمة والعقوبة التي كانت‬
‫تحكمها املزاجية وهوى الحاكم الذي كان سائدا في أوروبا‪ ،‬انبثقت ثورة فكرية قادها‬
‫مفكرون مثال "جون جاك روسو" و "فولتير" و"مونتيسكيو" و"جون لوك"‪.‬‬
‫فكما يقول مونتيسكيو في مؤلفه " عن روح القوانين " ‪"l’esprit des lois‬أنه‬
‫من قبيل املبدأ األبدي أن كل إنسان يحوزسلطة يسعى إلى إساءة استخدامها إلى أن‬
‫يجد حدود تحده" وتبعه روسو في كتابه " العقد االجتماعي"‪" contrat social‬مناديا‬
‫بوجوب رد العقوبات إلى الحد األدنى الذي به تتحقق حماية املجتمع من املجرم‬
‫ومنعه من إيذاء غيره‪ ،‬أما فولتير فكان من رأيه أن الغاية من العقاب ليس االنتقام‬
‫من املجرم بل الدفاع عن الصالح العام‪.‬‬
‫و انطالقا من أراء هؤالء الفالسفة‪ ،‬الذين مهدوا الطريق إلى ظهور ثورة فكرية‬
‫أخرى التي حاولت التأسيس والتأصيل للعقوبة خالل القرن الثامن عشر من خالل‬
‫ظهور املدرسة التقليدية أو مدرسة الردع العام )املطلب األول( وظهور مدارس‬
‫اهتمت بشخصية املجرم أو ما سمي باملدارس العلمية )املطلب الثاني( وكذا ظهور‬
‫املدارس التوفيقية التي حاولت التوفيق بين املدارس السابقة )املطلب الثالث(‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مدارس الردع العام‬

‫شكلت مذاهب الردع العام إطارا مرجعيا لعلم العقاب " ‪ ،"la pénologie‬وقد‬
‫جاءت ملواجهة الفكر العقابي السائد في أوربا خالل القرن الثامن والذي تميزبالظلم‬
‫واالستبداد والتجاوز في سلطة القضاة‪ ،‬وقسوة العقوبة‪ ،‬فكانت املدرسة التقليدية‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 416‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫(الفقرة األولى) واملدرسة التقليدية الحديثة (الفقرة الثانية) من أبرزأقطاب مذاهب‬


‫الردع العام القائم على االهتمام بالجريمة‪ ،‬وإهمال شخص املجرم‪ ،‬وفقا ملبدأ‬
‫الشرعية الجنائية‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬املدرسة التقليدية‬

‫ظهرت املدرسة التقليدية على يد مؤسسها " بيكاريا" الذي جاء بمجموعة من‬
‫املبادئ الجوهرية ضمنها في كتابه الشهير " في الجرائم والعقوبات" ‪des délits et‬‬
‫‪"peines‬خالل القرن الثامن عشر و نادى بسلب القضاة تحكمهم في تحديد‬
‫العقوبات وضرورة إسناد ذلك لجهات تشريعية وهو من أسس ملبدأ شرعية الجرائم‬
‫والعقوبات‪ ،‬أي ال جريمة وال عقوبة إال بنص‪.680‬‬
‫وقد قادت نقاشات هذه املدرسة إال أن أساس حق املجتمع في العقاب يقوم‬
‫على فكرتين‪ ،‬تبناهما فريقان‪:‬‬
‫‪ -‬فريق يرى بأن أساس العقاب يقوم على فكرة العقد االجتماعي التي جاء بها‬
‫جون جاك روس‪ ،‬و انطالقا من هذه الفكرة يذهب بيكاريا إلى أن الجريمة‬
‫تمثل خرقا للعقد االجتماعي يجبر الدولة االلتجاء إلى العقاب فأمام تنازل‬
‫األفراد عن حقهم في الدفاع عن أنفسهم وأموالهم‪ ،‬مقابل قيام الدولة بهذه‬
‫املهمة نيابة عنهم‪ ،‬وبالتالي يصبح هدف الدولة في توقيع العقوبة هو تحقيق‬
‫املصلحة االجتماعية‪ ،‬ولهذا يجب أن يتحدد مقدار العقوبة بمقدار جسامة‬
‫الضررالذي أحدثته الجريمة‪.681‬‬
‫‪ -‬في حين يستند فريق آخر إلى املنفعة االجتماعية إال أنهم ال يرجعون ذلك إلى‬
‫فكرة العقد االجتماعي كما هو األمر عند بيكاريا‪ ،‬حيث يرى بنتام أنه ال معنى‬
‫ألي إجراء بدون مصلحة‪ ،‬هذه املصلحة هي التي تحدد العقاب وأسلوبه‪ ،‬فال‬
‫معنى للقسوة حيث ال توجد فيها مصلحة‪ ،‬كما يجد في عقوبة الحبس األكثر‬
‫تجاوبا مع املصلحة االجتماعية‪ ....‬وقد قدم بنتام النموذج األمثل ملا يجب أن‬

‫‪ 680‬اسحق ابراهيم منصور‪ :‬موجز في علم اإلجرام وعلم العقاب‪ ،‬ط ‪ ،2‬ديوان المطبوعات الجزائر ‪ ،1991‬ص‪134‬‬
‫‪ 681‬علي عبد القادر القهوجي‪ ،‬فتوح عبد هللا الشادلي‪ ،‬علم اإلجرام وعلم العقاب‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪،1999،‬ص‪.14‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 417‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تكون عليه هذه املؤسسات‪ ،‬حيث تأخذ شكل دائري يتوسطها مقر مرتفع‬
‫يقيم به املدير مشرف منه على كافة ما يجري في زنزاناتها‪.682‬كما يرى أنه ال‬
‫مانع من تشديد العقوبة متى كان ذلك محققا للمنفعة االجتماعية‪.‬‬
‫رغم الخالف حول أساس العقاب إال أن أنصارهذه املدرسة يتفقون فيما بينهم‬
‫على أن غرض العقوبة هو الردع العام‪ .‬وأن أساس املسؤولية الجنائية هو حرية‬
‫االختياروأن جميع الناس متساوون في قدرهذه الحرية‪ ،‬ومن تم يجب التساوي بينهم‬
‫في قدرهذه العقوبة‪.‬‬
‫‪ ‬فكرة العدالة املطلقة لدى كانط‬
‫في حين ذهب كانط إلى أن غرض العقوبة هوتحقيق العدالة املطلقة وغايتها‬
‫هو إرضاء الشعور بالعدالة وأعطى كانط مثل مشهور أطلق عليه اسم " الجزيرة‬
‫املهجورة" انطلق فيه من فرضية أن جماعة من البشرتعيش على جزيرة اتفقت على‬
‫إنهاء معيشتها املشتركة في تلك الجزيرة فيجب عليها أن تنفذ آخرحكم باإلعدام صدر‬
‫فيها ألن العدالة توجب ذلك بالرغم أن تنفيذ هذا الحكم أصبح عديم الجدوى لهذه‬
‫الجماعة وهي على وشك املغادرة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬املدرسة التقليدية احلديثة‬

‫تعتبر املدرسة التقليدية الحديثة امتدادا للمدرسة التقليدية في تصورها‬


‫للسياسة العقابية فهي تأخذ بمبدأ حرية االختياركأساس للمسؤولية الجنائية‪ ،‬وقد‬
‫أرست هذه املدرسة مبدأ جديد يعتمد تناسب العقوبة مع درجة مسؤولية املجرم‬
‫فنادت على عكس املدرسة التقليدية باملسؤولية املخففة ر افضة مبدأ العقوبة‬
‫املوحدة على جميع الجناة‪ .‬ألن حرية االختيارليست لدى الكافة سواء‪ ،‬إذ من املؤكد‬
‫أن كل إنسان يختلف عن غيره في كثير من الظروف وامليول‪ ،683‬وبذلك حاولت إيجاد‬
‫نوع من التوازن العلمي بين الجبرية والحرية‪.‬‬

‫‪ 682‬رمسيس بهنام‪ ،‬النظرية العامة للمجرم والجزاء‪ ،‬منشأة المعارف اإلسكندرية‪ ،‬دت ص‪.88‬‬
‫‪ 683‬سليمان عبد المنعم سليمان‪ ،‬أصول علم الجزاء الجنائي‪ ،‬نظرية الجزاء الجنائي‪ ،‬فلسفة الجزاء الجنائي‪ ،‬أصول المعاملة العقابية‪،‬‬
‫دار الجامعة الجديدة للنشر اإلسكندرية‪ 2001 ،‬ص ‪.170‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 418‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وكان لهذه املدرسة فضل كبير في انتشار العديد من القواعد الفقهية الجنائية‬
‫العقابية أهمها‪ :‬مبدأ التفريد العقابي‪ ،‬التخفيف العقابي‪ ،‬الظروف القضائية‬
‫املخففة‪ ،‬وقف التنفيذ‪.‬‬
‫إال أنه ما يعاب على هذه املدرسة أنها أغفلت االهتمام بشخص املجرم‪،‬‬
‫وصعوبة قياسها لدرجة حرية االختيار‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مدارس الردع اخلاص‬

‫أمام فشل النظام الجنائي التقليدي املبني على فكرة القانون الطبيعي‪ ،‬فعلى‬
‫الرغم من األفكار التي جاءت بها ظلت معدالت الجريمة وحاالت العود مرتفعة‪،‬‬
‫ظهرت املدرسة الوضعية (الفقرة األولى) وحركة الدفاع االجتماعي (الفقرة الثانية)‬
‫التي ركزت اهتمامها على شخص املجرم واعتبروا أن غرض العقوبة هو الردع‬
‫الخاص‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬املدرسة الوضعية‬

‫ظهرت املدرسة الوضعية بين القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر بفعل‬
‫مجهودات الطبيب الشرعي" سيزار لومبروزو" صاحب كتاب "اإلنسان املجرم"‬
‫‪ " l’homme criminelle‬والعالم االجتماعي انريكو فيري صاحب كتاب‬
‫"السوسيولوجيا الجنائية" ‪ "la sociologie criminelle‬ومن مؤلفاته أيضا " نظرية‬
‫تقييد ورفض حرية االختيار"والقاض ي ر افايل جارو فالو صاحب كتاب "علم‬
‫اإلجرام"‪ .684" la criminologie‬وقد جاءت هذه املدرسة بعد فشل املدرسة‬
‫التقليدية في مكافحة الظاهرة اإلجرامية والعتبارات علمية تتجلى أساسا في القفزة‬
‫الكبرى الذي حدثت في القرن التاسع عشر في األخذ باملنهج العلمي القائم على‬
‫املشاهدة والتجربة ونبذ التفكيرالعقائدي وامليتافيزيقي ملواجهة الظاهرة اإلجرامية‪،‬‬
‫ويقوم فكرها الفلسفي على عدة عناصر أولها استعمال املنهج التجريبي في الظاهرة‬
‫اإلجرامية الذي يقوم على أساس البحث العلمي‪ ،‬ثانيا أن هذه املدرسة رفضت مبدأ‬
‫حرية االختياركأساس للمسؤولية الجنائية واعتناق مبدأ جديد هو مبدأ الحتمية أو‬

‫منصور رحماني ‪ :‬علم اإلجرام والسياسة الجنائية ط‪ 1‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر ‪ 2006‬ص‪158‬‬ ‫‪684‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 419‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الجبرية في التصرف‪ ،‬فلومبروزو يرجع حتمية الجريمة إلى عوامل ترجع إلى التكوين‬
‫العضوي والنفس ي للجاني‪ ،‬حيث خلص من خالل دراسته إلى نماذج من املجرمين‬
‫العتاة أثناء عمله في ثكنات الجنود والسجون واملستشفيات إلى أن أسباب الجريمة‬
‫ذاتية وداخلية ألنها كائنة في شخص املجرم أي في تركيبته العضوية‪ ،‬وقال بأن تو افر‬
‫صفات تكوينية أي خلقية في الشخص تعود به إلى اإلنسان البدائي يصبح حتما‬
‫مجرما وتبعا لذلك يمكن التعرف على الشخص املجرم من خالل التحقق من هذه‬
‫الصفات البدائية وبهذا يكون لومبروزو قد ربط بين سلوك الفرد ومالمحه وصفاته‬
‫العضوية‪ -‬التكوينية أو الخلقية‪ -‬وفسر ارتكاب الجريمة تفسيرا عضويا بأن اعتبر‬
‫وقوع الجريمة يرجع إلى الصفات العضوية التي يتصف بها املجرمون فمن تو افرت‬
‫فيه هذه الصفات سيرتكب حتما جريمة‪.‬‬
‫* أما انريكو فيري وإن كان قد أيد أستاذه لومبروزو في حتمية الجريمة بتو افر‬
‫صفات عضوية ونفسية في املجرمين فإنه يرى أن اإلنسان يكون مدفوعا إلى الجريمة‬
‫تحت وطأة ظروف خارجية‪ ،‬وقد قسم فيري العوامل التي تفسر حتمية الجريمة إلى‬
‫ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ ‬عوامل انتربولوجية تتصل بالتكوين العضوي والجثماني لإلنسان املجرم‬
‫‪ ‬عوامل طبيعية ( املناخ‪+‬الظروف االقتصادية)‬
‫‪ ‬عوامل اجتماعية‪:‬أي أن اإلنسان ككائن اجتماعي يتواجد منذ والدته في‬
‫مجتمع إنساني ويثأتربسلوك من يحيطون به ( املدرسة ‪+‬األسرة)‬
‫وبالتالي فقد نجحت هذه املدرسة في االهتمام بشخصية املجرم وأعطت‬
‫تصورا جديدا للمسؤولية الجنائية بتأسيسها على مفهوم الخطورة اإلجرامية‬
‫وضرورة وضع تدابير جزائية كأساس جديد للعقاب ونادت بوضع خطة للوقاية من‬
‫الجريمة من خالل مكافحة األسباب املؤدية لها كالفقروالجهل واملرض ‪.‬‬
‫ورغم األفكار الجديدة التي جاءت بها هذه املدرسة والتي تمثلت أساسا في‬
‫استخدام منهج علمي وطرح فكرة التدابيرومكافحة العوامل املؤدية لإلجرام‪ ،‬إال أنها‬
‫تعرضت النتقادات عدة خصوصا في الجانب املتعلق بإنكار حرية االختيار والتسليم‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 420‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بالحتمية اإلجرامية‪ ،‬حيث بالغت في ذلك لدرجة أنها اعتبرت أن اإلنسان مجرد آلة‬
‫تتأثر وال تأثر‪.685‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬السياسة العقابية عند حركة الدفاع االجتماعي‪.‬‬

‫ظهرت حركة الدفاع االجتماعي على يد مؤسسها الفقيه االيطالي‬


‫"جراماتيكا" واملستشارالفرنس ي "مارك أنسل" وقد اعتبرجراماتيكا االتجاه املتطرف‬
‫في حركة الدفاع االجتماعي‪ ،‬بحيث نادى بوضع نظام جنائي جديد تختفي منه‬
‫املصطلحات التقليدية من قبيل املجرم‪ ،‬الجريمة‪ ،‬املسؤولية الجنائية‪ ،‬واستبدالها‬
‫بتدابير الدفاع االجتماعي‪ ،‬الفرد املضاد للمجتمع‪ ،‬املسؤولية االجتماعية ‪ ،‬وتدابير‬
‫الدفاع االجتماعي‪.‬‬
‫وقد اعتمد مجموعة من املبادئ والركائز كأساس للدفاع االجتماعي باعتبار‬
‫أن خدمة الفرد وتحقيق صالحه‪ ،‬هو أصل املجتمع وغايته‪ ،‬لذلك يجب تعويض‬
‫املسؤولية الشخصية والخطورة اإلجرامية بمفهوم االنحراف االجتماعي‪. 686‬‬
‫كما يرى جراماتيكا ضرورة بناء سياسة عامة شاملة لإلصالح االجتماعي‪،‬‬
‫تتناول النظام العائلي واالقتصادي والتثقيفي والصحي‪ .‬وأن املجتمع هو املسؤول‬
‫عن سلوك الجاني‪.‬‬
‫وهذا الطابع اإلنساني الخاص جعل أفكار "جراماتيكا" عرضة للنقض‪.‬ألن‬
‫املطالبة بإلغاء القانون الجنائي واالستعاصة عنه بتشريع الدفاع االجتماعي وإلغاء‬
‫مفهوم الجريمة والعقوبة واملسؤولية الجنائية‪ ،‬تعتبر مناهضة ملبدأ الشرعية الذي‬
‫يعد من أهم الضمانات األساسية للحرية الفردية‪ ،‬بدعوى الفعل االجتماعي أو‬
‫املناهض للمجتمع‪.687‬‬
‫أمام هذا االتجاه املتطرف‪ ،‬ظهراتجاه معتدل على يد "أنسل مارك" وهومن‬
‫ساهم في تصحيح مسارحركة الدفاع االجتماعي من خالل كتابه " الدفاع االجتماعي‬

‫‪ 685‬منصور رحماني‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪159‬‬


‫‪J.PINATEL . traité élementaire de science pénitentiaire et de défense sociale.lib.du recueil 686‬‬
‫‪sirey ;1950 p 430‬‬
‫‪ 687‬عبد القادر الكيحل‪ :‬المعاملة العقابية بالمغرب‪ :‬دراسة تحليلية نقدية للقانون ‪ 23.98‬المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية‪.‬‬
‫أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق بفاس‪ ،‬نوقشت سنة ‪ 2014 .2013‬ص ‪197‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 421‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الجديد" ‪" La défense sociale nouvelle 688‬الذي نشرألول مرة سنة ‪ ،1954‬والذي‬
‫تضمن العديد من األفكار أساسها أن القانون الجنائي غايته حماية املجتمع من‬
‫السلوك اإلجرامي‪ ،‬وبذلك فهو خالفا لجراماتيكا ال يرفض أنسل القانون الجنائي وال‬
‫ينكر مبدأ الشرعية وال يلغي املسؤولية الجنائية‪ ،‬ونادى بضرورة تناسب الجزاء مع‬
‫الفعل اإلجرامي مع اتفاقه مع مؤسس هذه املدرسة في أن يكون العقاب هدفه هو‬
‫إصالح الجاني وتأهيله إلعادة إدماجه في املجتمع باعتماد التدابيرالحمائية كوسائل‬
‫عالجية ومناهج تهذيبية أو تربوية‪ ،‬وبالتالي إضفاء الروح االجتماعية السامية على‬
‫القانون الجنائي الحديث‪ ،‬كما أنه يجب على القاض ي أن يكون ملف خاص باملجرم‬
‫تدون فيه نتائج فحص شخصيته حتى يتمكن من تقدير املسؤولية على أسس‬
‫و اقعية ‪.‬‬
‫وبالرغم من االنتقادات املوجهة لحركة الدفاع االجتماعي فقد كان لها‬
‫صدى كبير في التشريعات الجنائية الحديثة‪ ،‬ويعود لها الفضل في العديد من‬
‫اإلصالحات التي عرفتها السياسة العقابية املعاصرة‪ ،‬وخاصة في تنفيذ العقوبة‬
‫كمرحلة من أهم املراحل تأثيرا على حقوق الجاني األساسية‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬املدارس التوفيقية‬

‫تعتبر هذه املدرسة نتاج للجدال الفكري والفلسفي الذي صاحب مختلف‬
‫املدارس الفقهية السابقة‪ ،‬وهي تحاول في كل ذلك إيجاد صيغة توفيقية تجمع بين‬
‫محاسن تلك املدارس بطبيعة الحال‪ ،‬وما يمكن قوله أيضا عن هذه املدرسة أنها‬
‫ولدت من رحم علماء القانون الجنائي وعلم العقاب لذلك حاولت أن ال تهمل شخص‬
‫املجرم وال تغفل الجريمة والعقوبة‪.‬‬
‫‪ -1‬االتجاه الفرنس ي‪ :‬جاء بفكرة أن حرية االختيارأساس المسؤولية الجنائيـة‬
‫وبـذلك اسـتبعد فكـرة الجبرية وأشار إلى وجوب توقيع العقوبـة املالئمة‪ ،‬إال أن‬
‫معيـار التالزم ال يحـدد بحجم الضرر إنما يحدد من خالل شخصية المجـرم‪،‬‬

‫‪V/M ANCEL.la défense sociale nouvelle , un mouvement de politique criminelle humaine, édition 688‬‬
‫‪cujas, paris 1954‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 422‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ووجـوب تفريـد العقـاب لـذلك المعيار‪ ،‬وقد اعتمد رواد ﻫـذا االتجاه علـى أسـلوب‬
‫البحـث العلمـي فـي تحليـل ودراسة أسباب الظواﻫر اإلجرامية‪.689‬‬
‫‪-2‬املدرسة الوضعية االيطالية الثالثة‬
‫أفكار ﻫـذا االتجـاه جـاءت متـأثرة بـالفكر الخـاص الـذي سـاد المدرسة‬
‫الوضعية وفكرة الجبرية في ارتكاب الجريمـة‪ ،‬وبحـث أنصـار ﻫـذا االتجـاه فـي‬
‫أسباب وعوامل السلوك اإلجرامي عن طريـق البحـث العلمـي والتجربـة واعتمـدوا‬
‫كذلك فكرة الحماية والتدابير و إصالح الجاني ‪ ،‬تركـز ﻫـدف العقوبـة لـديﻬم علـى‬
‫فكرة الردع العام‪ ،‬واقترحوا أن توقـع العقوبـة على الجـاني الكامـل األهلية‪ ،‬أمـا‬
‫الجاني الذي لم تكتمل أهليته تتخذ إزاءه التدابير االحترازية التي تحول دون قيامه‬
‫بالفعل‪.690‬‬
‫‪-3‬االتحاد الدولي لقانون العقوبات‬
‫يعتبر االتحاد الدولي لقانون العقوبات من االتجاهات الوسطية التي عملت‬
‫على التوفيق بين أفكارومبادئ املدارس السابقة‪ ،‬وقد تأسس على يد ثالثة من كبار‬
‫أساتذة القانون الجنائي‪ ،‬وهم فون ليست‪ ،‬وفان هامل‪ ،‬وأدولف برنز‪.‬‬
‫وقد تم تكوين ﻫذا االتحاد بﻬدف توجيه السياسـة العقابيـة إلـى الحيـاة‬
‫العمليـة‪ ،‬بغض النظر عن األساس الفلسفي الذي ترتد إليه ﻫذه السياسـية‪ ،‬حيـث‬
‫تبنـوا المـنﻬج التجريبي في البحث واإلحصاء‪ ،‬كما سلموا لكـل مـن العقوبـة‬
‫والتـدابير االحترازية معا بدور معقول في مكافحـة الجريمـة‪ ،‬وبـذلك تـتلخص‬
‫وجﻬـة نظـرﻫم فـي أن العقوبة لﻬا دور أساسـي فـي صـيانة المصـالح التـي قـرر‬
‫المشـرع أن يحميﻬـا بنصوص التجريم ‪ ،‬وبذلك اعترفوا بأن العقوبة كجـزاء جنـائي‬
‫تحقـق وتكفـل الـردع العام ‪ ،‬أما بالنسبة للتدبير فإن قيمته تظهر في الحالة التي‬
‫تكون فيها العقوبة قاصرة أو عاجزة عن تحقيق األغراض املنوطة بها‪.‬‬
‫‪- 4‬الجمعية الدولية للقانون الجنائي‪:‬‬

‫‪ 689‬عماد محمد ربيع‪ ،‬فتحي توفيق الفاعوري‪ ،‬محمد عبد الكريم العفيف‪ ،‬أصول علم اإلجرام والعقاب‪،‬ط ‪ 1‬دار وائل للنشر‬
‫والتوزيع األردن‪ 2010.‬ص ‪180‬‬
‫‪ 690‬عماد محمد ربيع‪ ،‬فتحي توفيق الفاعوري‪ ،‬محمد عبد الكريم العفيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.180‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 423‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫توقف نشاط االتحاد الدولي للقانون الجنـائي بسـبب الحـرب العالميـة‬


‫األولـى وبذلك تم حله بعد وفاة مؤسسيه‪ ،‬وظﻬرت الجمعيـة الدوليـة للقـانون‬
‫الجنـائي لتحـل محله مند عام ‪ ،1924‬وﻫي تعمل لغاية اآلن ومقرﻫـا فـي مدينـة‬
‫سـيراكوزا بإيطاليا‪ ،‬وقد جاءت لترث أنشطة وأفكـار االتحـاد‪ ،‬مـع التركيـز علـى‬
‫فكـرة الجمـع بـين العقوبة والتدابير االحترازية على الجاني لتحقيق الردع العام‬
‫والخاص‪.691‬‬
‫‪ ‬اإلتفاقيات الدولية ‪:‬‬
‫مما الشك فيه أن "علم العقاب"‪ " la pénologie‬كعلم قائم بذاته يستمد‬
‫مصادره األساسية من االتفاقيات الدولية املتخصصة في حماية حقوق اإلنسان‬
‫بصفة عامة‪ ،‬وحماية حقوق السجناء بصفة خاصة ومن هذه االتفاقيات نجد‪:‬‬
‫‪ ‬اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان الذي أصدرته األمم املتحدة سنة ‪.1948‬‬
‫‪ ‬العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية ‪.‬‬
‫‪ ‬اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب املعاملة أو العقوبة القاسية أو‬
‫ألإلنسانية واملهينة املعتمدة من الجمعية العامة لألمم املتحدة سنة ‪.1984‬‬
‫‪ ‬املؤتمر املعتمد من طرف األمم املتحدة األول ملنع الجريمة ومعاملة املجرمين‬
‫املنعقد بجنيف عام ‪.1955‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪181‬‬ ‫‪691‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 424‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫خامتة‪:‬‬

‫من كل ما سبق ذكره يمكن القول بأن أفكار هذه املدارس الفقهية كان لها‬
‫أثر بشكل إيجابي على التشريعات الجنائية املعاصرة وعلى السياسة العقابية في‬
‫مختلف دول العالم ومن بينها التشريع الجنائي املغربي‪ ،‬حيث أحدثت تغييرا جذريا‬
‫في املمارسات العقابية والتجريمية‪ ،‬ولعل فهم أي تشريع عقابي البد أن يمر من‬
‫دراسة الخلفيات التي استند إليها املشرع في وضعه‪ ،‬السيما وقد اتضح لنا جليا تأثير‬
‫هذه االتجاهات الفقهية والفكرية على العديد من التشريعات‪.‬‬

‫ولقد أدى التطورالكبيرفي الفكرالعقابي إلى تغييرالنظرة إلى العقوبة‪ ،‬فبعدما‬


‫كان غرضها إيالم الجاني والقصاص منه‪ ،‬أصبحت تهدف بشكل أساس ي إلى إصالح‬
‫الجاني وإعادة تأهيله‪ ،‬فكان نتيجة لذلك ظهورالعقوبة السالبة للحرية لتحل محل‬
‫العقوبات البدنية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 425‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫تق ارير ق انونية‬


‫لورشات علمية‬
‫وبحوث أكاديمية‬
‫معمقة‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 426‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الدكتور أنس سعدون‬


‫حاصل على الدكتوراه يف احلقوق‬
‫عضو نادي قضاة املغرب‬

‫تقرير تركيبي ألشغال الندوة التي نظمتها فدرالية رابطة حقوق النساء بالرباط‬

‫لتقديم مذكرتها حول مشروع تعديل القانون الجنائي ومسودة مشروع املسطرة‬

‫الجنائية‪ ،‬تحت شعار ‪" :‬من أجل منظومة جنائية تقض ي على التمييز والعنف ضد‬

‫النساء وتؤصل مقاربة النوع االجتماعي"‪.‬‬

‫وسط حضور اعالمي وحقوقي واسع‪ ،‬قدمت فدرالية رابطة حقوق النساء‬

‫صبيحة يوم الجمعة ‪ 19‬يوليوز‪ 2019‬مذكرتها حول مشروع تعديل القانون الجنائي‬

‫ومسودة قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 427‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وقالت لطيفة بوشوى رئيسة الفدرالية أن األمر ال يتعلق بمراجعة شاملة‬

‫وجذرية للقانون الجنائي في شقيه املوضوعي واالجرائي‪ ،‬و انما مجرد تعديل جزئي‬

‫ملقتضيات متفرقة من هذا القانون‪ ،‬ال يربط بينها أي سياق منطقي‪ ،‬وهو ما يبرز في‬

‫هيمنة الطابع االنتقائي للمشروع‪ ،‬وخلوه من أي ديباجة‪.‬‬

‫وأضافت أن املشروع لم يتمكن من اختراق البنية املفاهيمية للقانون الجنائي‬

‫الحالي‪ ،‬حيث حافظ على تكريس نفس الفلسفة الجنائية القائمة على التمييز‬

‫والذكورية املنافية اللتزامات املغرب الدولية بشان حماية الحقوق اإلنسانية للنساء‬

‫سواء على مستوى املقتضيات املوضوعية أو اإلجرائية‪ ،‬و أبقى على نفس اإلطار‬

‫املرجعي في شقه اإليديولوجي والثقافي والقانوني مع اعتماد نفس البنية للقانون‬

‫الجنائي الحالي املحكوم بالهاجس األمني التي تعتبر النظام العام أولوية على حساب‬

‫حقوق املواطنين واملواطنات وحرياتهم الفردية والجماعية وتشرع بخلفية تراعي‬

‫املفهوم التقليدي لألخالق واألسرة واملجتمع على حساب املرأة الفرد وحقوقها‬

‫وحرياتها‪ .‬وهو ما يبرز أيضا على مستوى استمرار نفس التبويب املنتقد ‪ :‬بإدراج‬

‫جريمة االغتصاب وهتك العرض ضمن الجرائم املتعلقة بانتهاك اآلداب واألخالق‬

‫العامة‪ ،‬وإدراج جريمة التمييز بسبب الجنس ضمن جرائم "االستغالل الجنس ي‬

‫و إفساد الشباب"‪ ،‬واالستمرارفي معالجة جرائم العنف القائم على النوع االجتماعي‬

‫ضمن جرائم العنف بصفة عامة‪ ،‬وليس باعتبارها جرائم تستهدف الحقوق‬

‫االنسانية للمرأة‪ ،‬وإغفال تخصيص تبويب مستقل لجرائم النوع مما يعني‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 428‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫االستمرار في تغييب مقاربة النوع االجتماعي بمختلف تجلياتها على مستوى مشروع‬

‫القانون الجديد‪.‬‬

‫من جهة ثانية اعتبرت رئيسة الفدرالية أن مسودة قانون املسطرة الجنائية‪،‬‬

‫تشكل تراجعا عن املكتسبات التي راكمتها الحركة الحقوقية باملغرب منذ عقود‪،‬‬

‫والتي تم اإلعالن عن دسترتها سنة ‪ ،2011‬كما تشكل خرقا للمواثيق واإلتفاقيات‬

‫الدولية التي صادق عليها املغرب؛ وتنكرا للتوصيات الصادرة عن ميثاق إصالح‬

‫العدالة‪ ،‬خاصة املتعلقة منها بنهج سياسة جنائية جديدة تستحضر مقاربة النوع‬

‫اإلجتماعي‪ ،‬وتعزز الحماية القانونية للنساء‪ ،‬حيث جاءت املسودة خالية من أي‬

‫إجراء من إجراءات التمييز اإليجابي‪ ،‬كما هو منصوص عليه في القوانين اإلجرائية‬

‫املقارنة انسجاما مع املادة ‪ 4‬من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييزضد املرأة‪.‬‬

‫وفي قراءته ملضامين املذكرة قال الدكتورأنس سعدون أن املشروع تضمن عددا‬

‫من املقتضيات االيجابية من قبيل إقرارعقوبات بديلة‪ ،‬وتجريم التعذيب‪ ،‬واالختفاء‬

‫القسري‪ ،‬واإلثراء غير املشروع‪ ،‬واإلبادة الجماعية‪ ،‬والجرائم ضد االنسانية‪،‬‬

‫وجرائم الحرب‪ ،‬وذلك استجابة اللتزامات املغرب الدولية‪ ،‬لكن هذا ال يمنع من‬

‫تسجيل عدة مالحظات حول محدودية بعض التعديالت في عالقتها بمطالب الحركة‬

‫النسائية على وجه الخصوص‪.‬‬

‫فبالنسبة للتعاريف اعتبراملتحدت أن املشروع لم يراجع االطاراملفاهيمي لعدد‬

‫من الجرائم وعلى رأسها االغتصاب حيث ما يزال التعريف الوارد في صلب القانون‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 429‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الجنائي بعيدا عن ما تفرضه املعاييرالدولية‪ ،‬من ضرورة أن يكون شامال دون تحديد‬

‫للنوع االجتماعي‪ ،‬ومتضمنا لجميع أشكال االعتداء الجنس ي باالكراه على أي جزء من‬

‫جسد الضحية‪ ،‬بما في ذلك اإليالج باستخدام أدوات‪ ،‬وأن يشمل أيضا االغتصاب‬

‫الزوجي‪ .‬كما أن املشروع لم يتطرق ملفهوم جريمة "هتك العرض" الواردة في القانون‬

‫الجنائي وهو وصف غيردقيق وواسع يتراوح بين مجرد القبلة والعالقة الجنسية التي‬

‫تتم دون اإليالج املهبلي‪ ،‬كما أن املشروع لم يجرم العنف السياس ي‪.‬‬

‫وبخصوص جريمة الرشوة اعتبراملتحدث أنه رغم ما جاء به املشروع من تشديد‬

‫لعقوبة جريمة الرشوة‪ ،‬وذلك بالرفع من عقوبتها السجنية واملالية‪ ،‬فان اإلبقاء على‬

‫الصيغة الحالية للفصل ‪ 248‬من القانون الجنائي‪ ،‬يجعله غير متالئم مع املعايير‬

‫الدولية‪ ،‬والتي تعتمد مفهوم الفائدة أو املزية غير املستحقة كعبارة تستوعب‬

‫مختلف الفوائد أواملزايا املادية أوغيراملادية التي قد يحصل عليها أويطلبها املوظف‬

‫للقيام بعمل أواالمتناع عنه‪ .‬كما أن املشروع أبقى على اعتماد مفهوم ضيق "للفائدة‬

‫األخرى" بحيث ال يستوعب إال الفوائد املادية‪ ،‬ولم ينص بشكل واضح على إمكانية‬

‫تجريم الفوائد غير املادية واملعنوية وعلى رأسها الخدمات الجنسية‪ ،‬التي قد يطلب‬

‫أو يقبل املوظف بها للقيام بعمل أو االمتناع عنه‪ .‬مطالبا في هذا السياق بضرورة‬

‫تجريم الرشوة الجنسية‪ ،‬و افراد نص جديد يعتبرالرشوة التي تقع على امرأة بسبب‬

‫جنسها ظرف تشديد مواكبة لفلسفة قانون العنف ضد النساء؛‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 430‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وبخصوص العقوبات البديلة قال أنس سعدون أن املقتضيات الجديدة‬

‫الواردة في املشروع ورغم أهميتها اال أنها "جاءت محدودة حيث لم تتضمن التنصيص‬

‫على آلية الوضع تحت املر اقبة االلكترونية كإجراء يمكن استعماله في جرائم العنف‬

‫ضد النساء"‪.‬‬

‫في نفس السياق تطرق أنس سعدون لعدة مقترحات تضمنتها مذكرة الفدرالية‬

‫بخصوص مسودة قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬ومن أهمها ‪:‬‬

‫‪ -‬تقوية االشراف القضائي على جهاز الشرطة القضائية من خالل جعلها تابعة‬

‫بشكل مباشر للنيابة العامة وقضاء التحقيق وإلغاء تبعيتها للشرطة اإلدارية‪،‬‬

‫لضمان التفرغ والتخصص‪ ،‬وهو ما ينسجم أيضا مع التأويل الديمقراطي للدستور‬

‫الجديد خاصة الفصل ‪ 128‬منه‪.‬‬

‫‪-‬أن تقوم الشرطة القضائية باالنتقال الفوري في جميع شكاوى العنف ضد‬

‫النساء‪ ،‬وأن تكون لها الصالحية تحت اشراف السلطة القضائية املختصة بتفتيش‬

‫األماكن والدخول الى املباني ومباشرة جميع االجراءات الكفيلة بجمع األدلة وتوثيقها‬

‫في قضايا العنف ضد املرأة‪.‬‬

‫‪-‬التنصيص على أن املسؤولية الرئيسية في مباشرة الدعاوى العمومية في‬

‫قضايا العنف القائم على أساس النوع يقع على عاتق السلطات املكلفة بانفاذ‬

‫القانون؛ وليس على املرأة التي تعرضت للعنف‪ ،‬واعتبار املتابعة تتم بشكل تلقائي‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 431‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بغض النظرعن رغبة الضحية لتجنيبها مختلف الضغوطات التي تتعرض من طرف‬

‫محيطها لحملها على التنازل؛‬

‫‪-‬تخويل ضحايا العنف القائم على اساس النوع فرصة االدالء بشهادتهم دون‬

‫تحميلهم عبء املواجهة مع املشتبه فيهم‪ ،‬و اتاحة تدابير تكفل االدالء بالشهادة مع‬

‫حماية الحياة الخاصة؛‬

‫‪-‬إدراج مقتض ى يقض ي بإلزامية التحقيق في جرائم العنف ضد املرأة‪ ،‬ومن‬

‫شأن ذلك تعميق األبحاث القضائية‪ ،‬وإمكانية استعانة قاض ي التحقيق باملر اقبة‬

‫القضائية في هذا النوع من القضايا‪.‬‬

‫تمديد نطاق قانون حماية الضحايا والشهود والخبراء واملبلغين‪ ،‬ليشمل‬

‫جرائم العنف ضد النساء‪.‬‬

‫‪-‬إدراج مقتض ى يقض ي بتمتيع الضحايا والناجيات من العنف باملساعدة‬

‫القضائية بقوة القانون‪ ،‬بما في ذلك الحق في تنصيب محامي ومجانية مصاريف‬

‫الدعوى والتي تشمل نفقات التبليغ والخبرات التي تأمربها املحكمة‪.‬‬

‫‪-‬إحداث صندوق ائتماني لصرف معونات ومساعدات مالية للضحايا‬

‫والناجيات من العنف اللواتي ال يتوفرن على دخل قارويوجدن في وضعية صعبة‪.‬‬

‫‪-‬التنصيص على مقتض ى يلزم الشرطة بضرورة إشعار الضحايا‪/‬الناجيات من‬

‫العنف بحقوقهن بما فيها الحق في الحصول على محام‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 432‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫من جهته تطرق الناشط الحقوقي علي عمار الى املؤيدات الدستورية والدولية‬

‫للمذكرة وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد املرأة سيداو‪،‬‬

‫فضال عن املالحظات والتعليقات الختامية والتوصيات ذات الصلة بمكافحة العنف‬

‫ضد النساء املوجهة إلى املغرب من طرف اللجنة املعنية بالقضاء على التمييز ضد‬

‫املرأة‪ ،‬اللجنة املعنية بحقوق اإلنسان‪ ،‬لجنة مناهضة التعذيب‪ ،‬لجنة حقوق‬

‫الطفل‪ ،‬اللجنة املعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬مجموعة‬

‫العمل حول التمييزضد املرأة في التشريع واملمارسة‪ ،‬وكذا التوصيات املوجهة في إطار‬

‫االستعراض الدوري الشامل‪.‬‬

‫و تحدث علي عمار‪ ،‬عن أهمية التربية على حقوق اإلنسان‪ ،‬ومناديا بضرورة‬

‫وضع برامج تعليمية تتضمن مبادئ حقوق اإلنسان والتربية عليها منذ الصغر‬

‫"كمبادئ ال يمكن التراجع عنها"‪.‬‬

‫وقال عمار إنه "حينما ال تقوم اآلليات الزجرية بمهامها يتم التمادي"؛ وهو ما‬

‫يؤدي إلى "تعثرالنتائج املتوخاة في التعاطي معها"‪.‬‬

‫من جهتها اعتبرت املحامية فتيحة شتاتو رئيسة شبكة انجاد أن منهجية اعداد‬

‫املشروع لم تحترم املقاربة التشاركية‪ ،‬حيث انفردت الحكومة بوصفها صاحبة‬

‫املبادرة بالقرار التشريعي من خالل استئثارها باختيار املواضيع التي شملتها‬

‫املراجعة‪ ،‬اذ ركزت على مواضيع معينة‪ ،‬و أقصت مواضيع أخرى رغم راهنيتها في‬

‫أجندا الحركة الحقوقية النسائية‪ ،‬و أبعدت عملية اعداد مشروع هذا القانون من‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 433‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫دائرة النقاش العمومي‪ ،‬كما تم التنكرملطالب الحركة الحقوقية النسائية املعبرعنها‬

‫في مناسبات سابقة‪ ،‬وهي ذات املمارسة التي تم نهجها عند اعداد مشروع تعديل‬

‫قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫وأضافت فتيحة شتاتو أن االحصائيات الرسمية تؤكد تزايد حاالت العنف‬

‫ضد النساء بمختلف أنواعه‪ ،‬أمام محدودية تدابير الوقاية والحماية التي أقرها‬

‫القانون‪ ،‬فالنساء "تعاني في صمت"‪ ،‬والقانون يعرف قصورا واضحا‪.‬‬

‫وبخصوص موضوع االجهاض أكدت فتيحة شتاتو على أهمية معالجة هذه‬

‫القضية في إطار مقاربة النوع االجتماعي ومحاربة العنف املبني عليه بما يستحضر‬

‫كرامة املرأة وحريتها واستقاللها ككيان إنساني وإراداتها الحرة في شخصها ومدى‬

‫استعدادها للحمل واألمومة‪ ،‬واستبعاد الصورة النمطية التمييزية والدونية للمرأة‬

‫باعتبارها أداة لإلنجاب‪ .‬وأوصت في نهاية مداخلتها بضرورة التعامل مع صحة‬

‫الحامل بمفهومها الشامل والعميق الجسدي والنفس ي واإلنجابي واستعدادها‬

‫وإمكاناتها وظروفها االجتماعية ككل متكامل غيرقابل للتجزيء والتبعيض‪ .‬مع وضع‬

‫حد للنفاق التشريعي الذي يقوم على منطق حماية الحمل في الرحم والتنكر له بعد‬

‫االزدياد (وتركه هو واألم) للمجهول دون ضمانات او حماية قانونية أو حقوق‪.‬‬

‫أشغال اللقاء عرف مشاركة الرئيسة الشرفية للفدرالية املناضلة فوزية‬

‫العسولي والتي قالت إن "القانون الجنائي‪ ،‬الذي يعود إلى عام ‪ ،1962‬تم وضعه في‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 434‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ظروف تختلف اختالفا تاما عن مغرب اليوم إال أن املشرع ال يزال يتشبث به وال يقوم‬

‫سوى بترقيعه"‪.‬‬

‫وتابعت املتحدثة قائلة‪" :‬اختياراتنا يجب أن تكون واضحة؛ فهدفنا ليس‬

‫التجريم أوالعقوبات‪ ،‬ولكن وضع حد لسلوكات وتغييرها‪ ...‬سلوك ينظرإلى املرأة على‬

‫أنها بضاعة‪ ،‬سواء في البيت أو في الشارع"‪ .‬وفي هذا السياق تطرقت فوزية العسولي‬

‫الى مطلب حظر فحوص العذرية والذي تضمنته مذكرة الفدرالية‪ ،‬مؤكدة أن هذه‬

‫الفحوص ما تزال موجودة على نطاق واسع باملغرب‪ ،‬ورغم أن القانون ال ينظمها‪ ،‬إال‬

‫أنه ال يحظرها‪ ،‬مما يجعلها منتشرة بحكم بعض العادات والتقاليد والذهنيات"‪،‬‬

‫وأضافت أن "فدرالية رابطة حقوق النساء استمعت لشهادات صادمة لنساء‬

‫أجريت لهم فحوص العذرية‪ ،‬وأن هذه املمارسات التي ال يمنعها القانون‪ ،‬تشكل‬

‫انتهاكا لكرامة النساء ولحرمة أجسادهن‪ ،‬ولحقهن في احترام خصوصيتهن‪ ،‬وهي‬

‫انتهاكات تبقى راسخة في أذهانهن وال يستطعن أبدا نسيانها‪ ،‬حيث تسبب أملا ومعاناة‬

‫كبيرين من الناحية الجسدية واملعنوية‪ ،‬كما تشكل انتهاكا الخالقيات املهنة حينما‬

‫تمارس من قبل مهنيين‪ ،‬وقد تشكل بدورها اعتداء جنسيا حينما ترتكب قسرا‪ ،‬كما‬

‫قد يرقى هذا الفعل لدرجة تعذيب أو معاملة قاسية أو الانسانية أو مهينة حينما‬

‫ترتكب قسرا"‪.‬‬

‫واعتبرت فوزية العسولي أن مراجعة القانون الجنائي فرصة لحظر فحوص‬

‫العذرية ومنعها بنص واضح في القانون‪ ،‬ألنها تشكل عنفا يمارس ضد الفتيات وضد‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 435‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫النساء‪ ،‬وآن األوان لوضع حد لهذه املمارسة التي يطبع معها املجتمع وتتغاض ى عنها‬

‫األجهزة املكلفة بانفاذ القانون‪.‬‬

‫وتجدر االشارة في األخير الى أن مذكرة فدرالية رابطة حقوق النساء تضمنت‬

‫عدة توصيات حول مشروع تعديل القانون الجنائي‪ ،‬من بينها ‪:‬‬

‫‪-‬تعريف العنف السياس ي‪ ،‬ليشمل كل تهديد أو فعل أو ممارسة أو هم معا ‪،‬‬

‫يستهدف حرمان أو تقييد و‪/‬أو عرقلة مشاركة النساء وتمثيليتهن في ّمو اقع القرار‬

‫ودو ائر املسؤولية وفي اي نشاط سياس ي أو حزبي أو مؤسساتي او مدني ويكون قائما‬

‫على أساس التمييزبين الجنسين‪.‬‬

‫‪ -‬تجريم أفعال العنف السياس ي ضد النساء باعتبارها تمييزا و انتهاكا للحقوق‬

‫اإلنسانية للنساء‪ ،‬وتعطيال للمساواة واملناصفة الدستوريتين‪ ،‬مع االستناد على‬

‫الفصل ‪ 431‬من القانون الجنائي الذي يجرم التمييزويعرفه في الفقرة األولى "تكون‬

‫تمييزا كل تفرقة بين األشخاص الطبيعيين بسبب األصل الوطني أواألصل االجتماعي‬

‫أو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحية أو اإلعاقة أو الرأي‬

‫السياس ي أو االنتماء النقابي أو بسبب االنتماء أو عدم االنتماء الحقيقي أو املفترض‬

‫لعرق أو ألمة أو لساللة أو لدين معين"‪.‬‬

‫‪-‬مراجعة التعاريف الواردة في القانون الجنائي خاصة تعريف العنف الذي أقره‬

‫قانون العنف ضد النساء‪ ،‬ليشمل االغتصاب الزوجي‪ ،‬واملمارسات الضارة بما فيها‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 436‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الزواج املبكر‪ ،‬وجرائم الشرف وإساءة معاملة األرامل (القانون يضاعف العقوبة‬

‫في حالة العنف ضد األصول لكن مصطلح األصول ال يشمل األرامل زوجات األب)‪.‬‬

‫‪-‬أن يشمل التعريف العنف املمارس ضد املرأة في سياقات محددة خاصة في‬

‫حاالت النزاع‪ ،‬أو الذي تتغاض ى عنه الدولة‪ ،‬بما في ذلك العنف عند االحتجاز لدى‬

‫الشرطة والعنف الذي ترتكبه قوات األمن‪.‬‬

‫‪-‬تجريم تشويه األعضاء التناسلية باعتباره جريمة تشمل جميع املمارسات التي‬

‫تنطوي على اتالف كلي أو جزئي لألعضاء التناسلية أو الحاق ضرر بها لدواعي غير‬

‫طبية‪.‬‬

‫‪-‬إعادة تعريف التحرش الجنس ي باعتباره شكال من أشكال التمييز و انتهاكا‬

‫لحقوق اإلنسان للمرأة‪ ،‬وتعريفه باعتباره سلوكا غيرمقبول تحدده الرغبة الجنسية‬

‫في العالقات األفقية والرأسية بما في ذلك أماكن العمل والتعليم والخدمات‬

‫والترفيه‪ ،‬والنص على أن السلوك غير املقبول ذو الدو افع الجنسية يشمل السلوك‬

‫البدني واإلغراءات الجنسية‪ ،‬وطلب أو التماس مجامالت جنسية‪ ،‬واملالحظات ذات‬

‫الطابع الجنس ي‪ ،‬وعرض صور أو ملصقات أو رسوم أو كتابات صريحة جنسيا‪ ،‬وكل‬

‫سلوك آخر غير مرغوب فيه جسديا أو لفظيا أو غير لفظي ذو طابع جنس ي‪( .‬دليل‬

‫التشريعات املتعلقة بالعنف ضد املرأة)‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 437‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪-‬توسيع نطاق دائرة تجريم العنف االقتصادي الذي تتعرض له املرأة بسبب‬

‫األعراف والتقاليد والنظرة الدونية وال سيما في حاالت حرمان النساء من االرث أو‬

‫التصرف في ممتلكاتهن اململوكة على الشياع وهي ممارسات منتشرة داخل العديد‬

‫من االوساط االجتماعية‪.‬‬

‫‪-‬فرض إلزامية التبليغ على جرائم العنف ضد املرأة‪ ،‬ألن القانون الحالي ال‬

‫يعاقب على عدم التبليغ عن الجريمة إال إذا تعلق األمربجناية‪.‬‬

‫‪-‬إدراج مقتض ى يمنع املحكمة من تمتيع املحكوم عليهم في قضايا االغتصاب من‬

‫ظروف التخفيف خاصة في الحالة التي يتم فيها زواجهم من الضحايا الناجيات من‬

‫العنف‪.‬‬

‫‪-‬تجريم سرقة الوثائق الشخصية باعتبارها من أحد أشكال العنف الجنس ي‬

‫الجندري‪.‬‬

‫تم بحمد هللا‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 438‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الباحثة حليمة عبد الرومى‬


‫خرجية ماسرت العلوم اجلنائية واألمنية‬
‫بكلية احلقوق مراكش‬

‫بسم هلل الكريم‪ ،‬وبه نستعين‪ ،‬وبفضله نمض ي حتى نبلغ اليقين‪ ،‬والصالة‬

‫والسالم على أشرف املرسلين‪ ،‬نهرالهدى وبحرالندى وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫بادئ ذي بدء أود أن أتقدم بالشكرو العرفان وعظيم االمتنان ألستاذي وقدوتي‬

‫في دربي‪ ،‬الدكتور مصطفى مالك‪ ،‬الذي تعهد على اإلشراف على هذا البحث وأوفى‬

‫بذلك بكل ما تحمله الكلمة من معنى‪ ،‬حيث كان دائما ما يفتأ يرشدني بمالحظاته‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 439‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫القويمة وتصويباته السديدة التي أضفت على هذه الرسالة رونقا و اتساقا‪ ،‬فبارك‬

‫هلل في عمره‪.‬‬

‫الشكر والتقدير والعرفان للجنة العلمية املناقشة‪ ،‬املكونة من األساتذة‬

‫الدكتور عبد الرحيم بن بوعيدة والدكتور محمد كرام والدكتور ضياء علي أحمد‬

‫نعمان‪ ،‬اللذين كانوا نبراسا للعلم في الكلية‪ ،‬حيث كثيرا ما يقدمون يد العون للطلبة‬

‫الباحثين دون كلل أو ملل‪ ،‬فامتناني لهم على املجهود الجبار الذي بذلوه في قراءة‬

‫بحثي هذا و إبداء مالحظاتهم القيمة التي بال شك أو ريب ستكون دفعة كبيرة للرقي به‬

‫حتى يكون جديرا بأن ينضاف إلى املكتبة القانونية الزاخرة‪.‬‬

‫كما أغتنم الفرصة في هذا املنبركذلك ألوجه شكري لكل صروح العلم في كليتنا‪،‬‬

‫وباألخص األساتذة الذين أشرفوا على تكويننا في العلوم الجنائية واألمنية‪ ،‬و أنوه‬

‫بكل التضحيات التي تقدموا بها قربانا ألجل الرقي بنا علما وأخالقا‪ .‬و أقر في هذا‬

‫املقام أن جهدهم وهلل الحمد لم يذهب سدا فبارك هلل فيهم جميعا‪.‬‬

‫الشكر واالمتنان ألصدقائي في التكوين‪ ،‬كل باسمه وصفته مع االحتفاظ‬

‫باأللقاب‪.‬‬

‫سيدي الرئيس‪ ،‬السادة أعضاء اللجنة العلمية احملرتمة‬

‫أوال‪ :‬فيما يخص اإلطارالعام للبحث‪:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 440‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فما مما ال شك فيه أن التطور التكنولوجي املعاصر واملتمثل في انتشار التقنية‬

‫العالية من حاسبات آلية‪ ،‬وبرامج متقدمة‪ ،‬وشبكات اتصال‪ ،‬عمل على تقريب‬

‫ماليين البشر بعضهم ببعض‪ ،‬و أتاح طرقا وفرصا جديدة‪ ،‬لالطالع على املعلومات‬

‫وتبادلها حتى وصف عصرنا بعصر املعلومات‪ ،‬إال أن هذه التقنية جلبت معها آثار‬

‫سلبية تمثلت في التحديات املاسة بأغلب قيمنا األساسية‪ ،‬األمر الذي قد يقتض ي‬

‫سن تشريعات جديدة من أجل حماية وصيانة القيم‪.‬‬

‫وتعد شبكة املعلومات ونظم التبادل الرقمي من أهم االستعماالت الحديثة‬

‫للتكنولوجيا املعاصرة‪ ،‬مما أدى إلى ظهور وسائل وتقنيات معاصرة حديثة في مجال‬

‫التعامالت التجارية والقانونية على حد سواء‪ ،‬تقوم في أغلب األحيان محل الوسائل‬

‫التقليدية التي أصبحت متجاوزة في عصر يمكن أن نطلق عليه عصر السرعة‪ ،‬ومن‬

‫أهم هذه الوسائل و أبرزها الوثيقة اإللكترونية‪.‬‬

‫وتعتبر الوثيقة اإللكترونية من بين الوسائل املهمة لتنفيذ فكرة الحكومة‬

‫اإللكترونية التي تقدم خدماتها إلى األفراد واملؤسسات العامة والخاصة بالدولة‪،‬‬

‫لتفادي االنتظار ومشقة االنتقال للمر افق العمومية من أجل توفير وترشيد‬

‫النفقات والوقت واملجهود‪ ،‬والحد من األنظمة البيروقراطية في تسييرشؤون الدولة‬

‫واملواطنين‪.‬‬

‫كما تتجلى أهمية الوثيقة اإللكترونية في كونها وسيلة فعالة‪ ،‬في تحقيق التجارة‬

‫الدولية‪ ،‬نظرا لسهولة ويسر إبرام الصفقات بواسطتها‪ ،‬سواء فيما بين األفراد أو‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 441‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املؤسسات‪ ،‬أو الدول‪ ،‬ناهيك عن دور الوثائق الرقمية في اإلثبات أمام املحاكم‬

‫الزجرية واملدنية‪.‬‬

‫ولهذا كان من الواجب على التشريعات الدولية والوطنية‪ ،‬العمل على سن‬

‫تشريعات وقوانين‪ ،‬تساوي من خاللها الوثائق الرقمية بالوثائق التقليدية‪ ،‬توفرلها‬

‫الحماية الالزمة من كل األفعال التي يمكن أن تمس بسالمتها‪ ،‬بما يكفل لألفراد‬

‫الطمأنينة واالستقرارفي املعامالت‪.‬‬

‫وقد تطرق الفقه إلى أهمية الوثيقة اإللكترونية قبل صدور أي قوانين في هذا‬

‫املجال‪ ،‬وقد كان له الفضل في توجيه التشريعات من أجل وضع قوانين تحمي وتنظم‬

‫هذا النوع من الوثائق املستحدثة‪.‬‬

‫وكان السبق للجنة األمم املتحدة للقانون التجاري الدولي‪ ،‬التي وضعت قانون‬

‫نموذجي للتجارة اإللكترونية يشكل نقطة محورية للتشريعات سواء األجنبية أو‬

‫العربية‪ ،‬في وضع تشريعاتها‪ ،‬واألخذ بنصوصه القانونية‪ ،‬وفي هذا الشأن عرفها‬

‫قانون اليونيسترال الدولي بمقتض ى مادته األولى التي نصت على أن الوثيقة‬

‫اإللكترونية هي‪" :‬املعلومات التي يتم إنشاؤها أو إرسالها أو استالمها أو تخزينها‬

‫بوسائل إلكترونية أو ضوئية أو بوسائل متشابهة‪ ،‬بما في ذلك على سبيل املثال ال‬

‫الحصر تبادل البيانات اإللكترونية‪ ،‬أو البريد اإللكتروني‪ ،‬أو البرق‪ ،‬أو التلكس أو‬

‫النسخ البرقي "‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 442‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫كما عملت هذه املنظمة من خالل هذا القانون على مساواة الوثيقة اإللكترونية‬

‫بالوثيقة الورقية‪ ،‬إذا ما استوفت الشروط الضرورية لتماميتها‪.‬‬

‫ومن أجل حماية زجرية كفيلة بتعزيز ثقة األفراد واملؤسسات بالوثائق‬

‫اإللكترونية سلكت التشريعات املقارنة مسلكين لتحقيق هذه الغاية ‪:‬‬

‫االتجاه األول عمل على سن قوانين خاصة تعاقب على األفعال املاسة بالوثائق‬

‫الرقمية ومن أهم هذه التشريعات‪ ،‬التشريع األمريكي‪ ،‬والتشريعي البلجيكي‪.‬‬

‫االتجاه الثاني اكتفى بتعديل قوانينه القائمة على نحويؤدي إلى استيعاب صور‬

‫الجرائم املاسة بالوثائق اإللكترونية‪ ،‬و من أهم هذه التشريعات‪ ،‬التشريع الفرنس ي‬

‫والتشريع األملاني‪.‬‬

‫هذا فيما يتعلق بالتشريعات األجنبية أما فيما يتعلق بالتشريعات العربية فقد‬

‫قامت مجموعة من الدول العربية بسن قوانين خاصة في هذا الشأن منها‪ ،‬قانون‬

‫املعامالت اإللكترونية األردني رقم ‪ 85‬لسنة ‪ ،2001‬و القانون التونس ي رقم ‪ 13‬لسنة‬

‫‪ 2000‬املتعلق باملبادالت والتجارة اإللكترونية‪ ،‬والقانون املصري رقم ‪ 15‬لسنة ‪2004‬‬

‫والخاص بالتوقيع اإللكتروني‪.‬‬

‫ويعد التشريع املغربي من بين تشريعات الدول املواكبة‪ ،‬للتطور الرقمي‬

‫التكنولوجي ‪ ،‬فقد أصدر هذا األخير مجموعة من القوانين في هذا املجال‪ ،‬وقد كان‬

‫أول قانون يشير إلى اإلجرام الرقمي‪ ،‬هو القانون ‪ 03-03‬املتعلق بمكافحة اإلرهاب‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 443‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وتدخل املشرع املغربي بعد ذلك سنة ‪ 2007‬إلصدار القانون ‪ 07-03‬املتعلق باملس‬

‫بنظم املعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬والذي يشكل النص العام ملكافحة الجرائم‬

‫اإللكترونية عامة‪ ،‬جرم من خالله املشرع مجموعة من األفعال املاسة بسالمة‬

‫الوثيقة اإللكترونية أهمها جريمة تزوير واستعمال وثائق رقمية مزورة مع العلم‬

‫بذلك‪.‬‬

‫باإلضافة إلى مجموعة من القوانين ذات الصلة باملعامالت اإللكترونية أهمها‬

‫القانون‪ 53-05‬و املتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬و القانون ‪09-08‬‬

‫املتعلق بحماية األشخاص الذاتيين اتجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي‪.‬‬

‫وباعتبارقانون املسطرة الجنائية يبقى النص العام اإلجرائي املطبق على جميع‬

‫الجرائم‪ ،‬بما فيها اإللكترونية تدخل املشرع املغربي من خالل مشروع ق‪.‬م‪.‬ج ووضع‬

‫مجموعة من التعديالت الجوهرية التي تنسجم وآليات البحث والتحري في الجرائم‬

‫املرتبطة بالوثيقة اإللكترونية‪ ،‬محاوال قدر اإلمكان االنسجام والتناغم مع‬

‫التشريعات واملواثيق الدولية في هذا املجال‪ ،‬من أجل تكريس حماية جنائية فعالة‬

‫لهذا النوع من الوثائق‪.‬‬

‫أما بخصوص األهمية التي يتمحورحولها املوضوع‬

‫فيكتس ي موضوع الحماية الجنائية للوثيقة اإللكترونية أهمية متزايدة وذلك‬

‫راجع إلى انتشاروتوسع التعامل الرقمي في إطارالتجارة اإللكترونية‪ ،‬والتي تبرم غالبا‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 444‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫عن طريق وثائق إلكترونية‪ ،‬وهو ما استغله مجرمو املعلوماتية في ارتكاب جرائمهم‪،‬‬

‫وعلى الخصوص جرائم املس بسالمة الوثائق اإللكترونية‪ ،‬الش يء الذي يهدد ويزعزع‬

‫ثقة األفراد بهذه الوثائق ويجعلهم ينفرون من استعمالها والتعامل بواسطتها‪.‬‬

‫كما تتمثل أهمية املوضوع في إبراز الجدل والنقاش حول مفهوم الوثيقة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬و أيضا مدى حجيتها في اإلثبات‪ ،‬والقواعد املنظمة لها ومدى اعتبرها‬

‫مساوية للوثائق أو املحررات العادية‪ ،‬ومدى كفاية النصوص الزجرية املوضوعية‬

‫واإلجرائية لحمايتها‪ ،‬كما ال تخفى أهمية موضوعنا سواء من الناحية االجتماعية‬

‫واالقتصادية القانونية أيضا‪.‬‬

‫فمن الناحية االجتماعية‪ ،‬فإن البشرية عرفت الكتابة منذ زمن بعيد‪ ،‬وكانت‬

‫تتم بطرق مختلفة وبسيطة‪ ،‬من أجل حفظ ما ينشأ بين أفرادها من عالقات‬

‫ورو ابط حقوقية‪ ،‬حتى ال يطالها النسيان أو التحريف‪ ،‬وكل ما يمكن أن يغير‬

‫الحقيقة‪.‬‬

‫أما من الناحية االقتصادية‪ ،‬فإن الجرائم التي تقع على الوثيقة اإللكترونية قد‬

‫تخلف خسائرمالية كبيرة سواء بالنسبة لألفراد أواملؤسسات‪ ،‬وهذا ما ينعكس سلبا‬

‫على خزينة الدولة ويضربماليتها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 445‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫ومن الناحية السياسية فتتجلى هذه األهمية في لجوء العصابات اإلجرامية‬

‫اإلرهابية إلى جرائم املس بالوثيقة اإللكترونية‪ ،‬ليتأتى لهم تنفيذ مخططاتهم‬

‫العدو انية في الدول املستهدفة‪.‬‬

‫وأخيرا من الناحية القانونية‪ ،‬فاملشرع املغربي قد أعطى أهمية كبيرة للوثيقة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬ونظمها بموجب مجموعة من القوانين‪ ،‬سواء العامة كالقانوني‬

‫الجنائي أو النصوص ذات الصلة باملعامالت اإللكترونية وذلك حتى يضفي عليها‬

‫الحجية الكاملة‪ ،‬ويكافح األفعال والسلوكات التي من شأنها أن تطالها وتسبب أضرار‬

‫ألصحابها‪.‬‬

‫أما بخصوص الدو افع التي جعلتني اختارهذا املوضوع‪:‬‬

‫اخترنا موضوع الحماية الجنائية للوثيقة اإللكترونية كمحور لهذه الدراسة‬

‫اعتبارا ملا لهذه الوثائق من مكانة متميزة في مجال التجارة اإللكترونية واإلثبات في‬

‫عصرنا الحالي‪ ،‬فهو من مواضيع الساعة املطروحة أمام املنظمات الدولية‬

‫والتشريعات الداخلية بهدف وضع منظومة جديدة من القوانين التي تناسب‬

‫التطورات الحديثة‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ندرة الكتابات التي تناولته خصوصا املغربية منها‪ ،‬ومعظم‬

‫األبحاث املتوفرة لم تتطرق للموضوع بشكل دقيق وكامل‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 446‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أما فيما يتعلق بإشكالية البحث‪:‬‬

‫فحتى وقت قريب كانت جل معامالتنا سواء التجارية أو القضائية تتم عبروثائق‬

‫ورقية كالسيكية ملموسة‪ ،‬تتسم بالوضوح وعدم التعقيد‪ ،‬يسهل الرجوع إليها‬

‫واالطالع على محتواها في كل وقت وحين‪.‬‬

‫أما في وقتنا الراهن ومع بروزالثورة التكنولوجية التي اكتسحت العالم أصبحت‬

‫جل تعامالتها تتم إلكترونيا بواسطة جهاز الحاسوب‪ ،‬والذي آثار معه مجموعة من‬

‫اإلشكاالت خاصة فيما يتعلق بالتعامل بواسطة الوثائق اإللكترونية وعلى وجه‬

‫التحديد الجرائم املاسة بسريتها و محتواها‪.‬‬

‫وإذا كانت الجرائم التي تقع على الوثيقة الورقية العادية أمرا يمكن كشفه‬

‫بسهولة‪ ،‬فإن األمربخالف ذلك فيما يتعلق بالوثائق الرقمية كون الجرائم الو اقعة‬

‫عليها تقع في عالم معنوي افتراض ي يصعب معه ترك األثرعلى وقوعه‪.‬‬

‫ويثير موضوع الحماية الجنائية للوثيقة اإللكترونية إشكالية تطرح نفسها على‬

‫اعتباراألهمية التي أصبحت تحظى بها الوثائق اإللكترونية في وقتنا الحاضر‪ ،‬وبالتالي‬

‫فما هي السياسة التشريعية الجنائية التي اعتمدها املشرع املغربي لحماية الوثيقة‬

‫اإللكترونية؟ ‪.‬‬

‫وتتفرع عن هذه اإلشكالية الرئيسية جملة من التساؤالت الفرعية منها ‪:‬‬

‫ما هي الوثيقة اإللكترونية ؟ وما هي الحماية التي وفرتها لها التشريعات ؟‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 447‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وما هي القيمة القانونية للوثيقة الرقمية ؟‬

‫أليست النصوص التشريعية الحالية غير قادرة على مجابهة الجرائم املاسة‬

‫بالوثيقة اإللكترونية ؟‬

‫وكيف عمل املشرع املغربي على حماية الوثيقة اإللكترونية من خالل النصوص‬

‫ذات الصلة باملعامالت اإللكترونية ؟‬

‫وما هي أهم القواعد اإلجرائية الوطنية والدولية املتبعة في مجال مكافحة‬

‫الجرائم التي تستهدف النيل من سالمة الوثيقة اإللكترونية ؟‬

‫وملعالجة االشكال املطروح أعاله‪ ،‬فكما هو معلوم فهناك العديد من مناهج‬

‫البحث في العلوم االجتماعية عامة‪ ،‬وفيما يتعلق بموضوع الحماية الجنائية للوثيقة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬و انطالقا من اإلشكاالت املطروحة أعاله‪ ،‬ارتأينا في دراسته اعتماد‬

‫املنهج التحليلي املقارن‪ ،‬وذلك لالستفادة من تجارب القوانين الدولية‪ ،‬والوقوف‬

‫عند نقط الضعف واالختالالت في التشريع املغربي مقارنة مع هذه التشريعات‬

‫والقوانين‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق وتبعا للخط املنهجي الذي رسمنا معامله وحددنا إطاره‬

‫و انطالقا من إشكالية املوضوع‪ ،‬سنقسم دراستنا ملوضوع الحماية الجنائية للوثيقة‬

‫اإللكترونية إلى فصلين كما يلي‪:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 448‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الفصل األول‪ :‬مظاهر الحماية املوضوعية للوثيقة اإللكترونية‪ .‬الفرع األول‪:‬‬

‫ماهية الوثيقة اإللكترونية‪ .‬الفرع الثاني‪ :‬تجريم األفعال املاسة بالوثيقة اإللكترونية‬

‫الفصل الثاني‪ :‬اآلليات اإلجرائية املرصودة لحماية الوثيقة اإللكترونية‪ :‬الفرع‬

‫األول‪ :‬اإلطار اإلجرائي الوطني في مجال البحث عن الجرائم املرتبطة بالوثيقة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬الفرع الثاني‪ :‬اآلليات اإلجرائية الدولية لحماية الوثيقة اإللكترونية‪.‬‬

‫وفي ختام هذا البحث‪ ،‬فقد خلصنا للعديد من االستنتاجات واالقتراحات‬

‫لعل أهمها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬االستنتاجات‬

‫‪ ‬إن ظهور الوثيقة اإللكترونية واستخدامها كأداة لتوثيق مختلف املعامالت‬

‫اإللكترونية‪ ،‬أدى إلى إحداث تراجع في مفهوم الوثيقة العادية‪ ،‬وذلك ألن الوثيقة‬

‫اإللكترونية تعد وسيلة حديثة وتؤدي ذات الوظائف التي تؤديها الوثيقة العادية‪،‬‬

‫إال أنها تنشأ عبر وسيط إلكتروني‪ ،‬وذلك استجابة لنوعية املعامالت التي تتم‬

‫إلكترونيا‪.‬‬

‫‪ ‬لقد منح املشرع املغربي الوثيقة اإللكترونية نفس القوة الثبوتية للوثيقة العادية‪،‬‬

‫إال أن هناك مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في الوثيقة اإللكترونية لكي‬

‫يتم منحها قوة ثبوتية معادلة للقوة الثبوتية التي تتمتع بها الوثيقة التقليدية‬

‫وتتجلى هذه الشروط‪:‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 449‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ )1‬كشف هوية الشخص الذي صدرت عنه الوثيقة اإللكترونية بشكل واضح وقاطع‪.‬‬

‫‪ )2‬قراءة بيانات الوثيقة اإللكترونية‪.‬‬

‫‪ )3‬عدم قابلية تعديل البيانات الواردة في الوثيقة اإللكترونية‪.‬‬

‫‪ ‬إمكانية إثبات جميع الجرائم بواسطة الوثائق اإللكترونية‪ ،‬تبعا لخاصية أو قاعدة‬

‫اإلثبات الحرفي املادة الجنائية‪.‬‬

‫‪ ‬تأثير وسائل اإلثبات الجديدة التي أفرزتها التجارة اإللكترونية‪ ،‬على نظرية االلتزام‬

‫ومدى القيمة القانونية لهذه الوسائل‪ ،‬وقصور النصوص القانونية الحالية عن‬

‫استيعاب وسائل اإلثبات الجديدة التي أفرزتها املعامالت املدنية والتجارية‪ ،‬إضافة‬

‫إلى أن هذه الوسائل تواجه مجموعة من الصعوبات والتحديات تكمن في صعوبة‬

‫إضفاء الصفة الثبوتية على بعض الوسائل الحديثة كاملراسالت اإللكترونية‬

‫والتوقيع اإللكتروني حيث تبقى واردة دون وجود دليل على إحداث ذلك‪ ،‬ما يطرح‬

‫تحديات في اعتماد الوسائل الحديثة عامة في إثبات أمام املحكمة‪.‬‬

‫‪ ‬من خالل استقرائنا ملجموعة من النصوص القانونية ومنها القانون ‪ 53-05‬املتعلق‬

‫بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية تبين لنا أن هذه املعامالت والعقود ال‬

‫تختلف في أركانها عن املعامالت والعقود العادية التقليدية غير أن ما يميز تلك‬

‫املعامالت والوثائق الرقمية أنها تبرم دون الحاجة للتواجد املادي لألطراف‪ ،‬كما أن‬

‫تدخل مقدمو املصادقة اإللكترونية في عملية إبرام العقد اإللكتروني‪ ،‬وذلك‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 450‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫إلضفاء الثقة واألمان على املعامالت اإللكترونية يجعل هذا النوع من العقود يتميز‬

‫بخصوصية ال تتوفرعليها العقود التقليدية‪.‬‬

‫‪ ‬استثناء بعض التصرفات من إمكانية التوثيق اإللكتروني ويتعلق األمر بالعقود في‬

‫املادة األسرية على سبيل املثال‪.‬‬

‫‪ ‬عدم نجاعة النصوص الزجرية في اإلحاطة بمختلف الجرائم التي قد تطال الوثيقة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬باإلضافة إلى أن العقوبات الواردة بها تبقى غيركافية لتحقيق الردع في‬

‫هذا املجال‪.‬‬

‫‪ ‬ومن أهم االستنتاجات كذلك‪ ،‬مسايرة جل التشريعات سواء العربية أو األجنبية‬

‫مالئمة قوانينها وفق املواثيق واملعاهدات الدولية من أجل مكافحة اإلجرام الرقمي‬

‫والجرائم التي تمس بسالمة الوثيقة اإللكترونية‪.‬‬

‫‪ ‬كما أن املشرع املغربي عمل على وضع قواعد جنائية من أجل استقرار املعامالت‬

‫اإللكترونية من خالل إقرار وسائل الحماية الجنائية لكل من التوقيع والتشفير‬

‫اإللكتروني‪ ،‬وباإلضافة إلى تقرير مسؤولية مقدمي خدمات واملصادقة اإللكترونية‬

‫عن اإلخالل بااللتزامات امللقاة على عاتقه‪.‬‬

‫‪ ‬هذا وال تنس ى دور القضاء في مواجهة الجرائم املاسة بالوثائق الرقمية‪ ،‬حيث أن‬

‫هذا النوع من الجرائم ال يخلوا من الخصوصية ذات طابع فني والتقني‪ ،‬والذي يوثر‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 451‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫بشكل كبير على السلطة التقديرية للقاض ي من حيث أدلة اإلثبات وغموض بعض‬

‫النصوص لحداثتها‪ ،‬وعدم تخصص القضاة في مجالها‪.‬‬

‫‪ ‬ونظرا لطبيعة الجرائم املرتكبة عبر الوسائط اإللكترونية بصفة عامة والجرائم‬

‫املاسة بالوثيقة اإللكترونية خاصة‪ ،‬كون خاصيتها غير املحسوسة تظهر صعوبة‬

‫مهام السلطات شبه القضائية والسلطات القضائية في أداء دورها للكشف عن‬

‫الجريمة والبحث عن أدلتها ومن بين هذه الصعوبات قلة اآلثار املادية التي تتركها‬

‫وكثرة األشخاص الذين يترددون على مسرحها بين فترة ارتكابها وفترة اكتشافها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اقتراحات‬

‫‪‬وضع قانون خاص بمكافحة جرائم اإلنترنيت والجرائم الو اقعة على الوثيقة‬

‫اإللكترونية على وجه الخصوص‪.‬‬

‫‪‬وضع مدونة خاصة تنظم الوثيقة اإللكترونية وتحيط بجميع جوانبها لفصلها عن‬

‫الوثيقة الورقية التقليدية‪.‬‬

‫‪‬إنشاء جهازمتخصص في املجال املعلوماتي من أجل حماية مستعملي الحاسوب‪.‬‬

‫‪‬استحداث محاكم خاصة بهذا النوع من الجرائم (الجرائم اإللكترونية) وتكون‬

‫محتلة ملرتبة معينة في سلم املحاكم شأنها شأن محاكم الجرائم العادية‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 452‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪‬تكوين القضاة‪ ،‬سواء القضاء الو اقف أو القضاء الجالس‪ ،‬وعناصر الشرطة‬

‫القضائية تكوينا إلكترونيا يمكنهم من مواكبة تطور التقنيات الخاصة بهذه‬

‫الجرائم املستحدثة‪.‬‬

‫‪‬إيجاد طرق معالجة استباقية تمنع من وقوع الجرائم املرتكبة عبر الوسائط‬

‫اإللكترونية‪ ،‬كإلزام مستخدمي مو اقع التواصل االجتماعي بدخول بأسمائهم‬

‫الحقيقية وهوياتهم عند فتح حسابهم على هذه الشبكات‪ ،‬وإلزام مسؤولي املو اقع‬

‫اإللكترونية املستخدمة للبروكسيات لالحتفاظ بالبيانات األساسية والحقيقية‬

‫ملستخدمي مو اقعه على الشبكة‪.‬‬

‫‪‬تشديد العقوبة على مرتكبي جرائم املس بالوثائق اإللكترونية‪ ،‬للحد من هذا النوع‬

‫من الجرائم‪.‬‬

‫‪‬دعوة اآلباء ملر اقبة أبنائهم أثناء استخدام شبكة (اإلنترنيت) ومختلف الوسائط‬

‫اإللكترونية الحديثة‪.‬‬

‫‪‬العمل على نشرالوعي الرقمي في املجتمع املغربي‪ ،‬ونجاعة التوثيق الرقمي‪.‬‬

‫‪‬إضافة مادة في كليات الحقوق لتدريس مادة املعامالت اإللكترونية وصور الجرائم‬

‫الو اقعة عليها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 453‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫انتهى حبمد اهلل وقوته‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 454‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫فهرس العدد‬
‫‪08‬‬ ‫كلمة افتتاحية للعدد‪.......................................................................................‬‬
‫ذ‪ .‬محمد القاسمي‬

‫مقاالت وأحباث قانونية باللغة العربية‬

‫‪10‬‬ ‫تغييراملركزالقانوني للمشغل و أثره على استقرارعقود الشغل‪............................‬‬

‫الدكتورة أمينة رضوان‬

‫‪28‬‬ ‫ركن املحل في القراراإلداري ‪ -‬دراسة مقارنة ‪......................................................-‬‬

‫الدكتور زهير مصطفى صالح‬

‫‪47‬‬ ‫ما جرى به العمل و أثره في النهوض بالقضاء في املذهب املالكي‪..............................‬‬

‫الدكتور إبراهيم والعيز‬

‫‪69‬‬ ‫شروط اختصاص قاض ي املستعجالت في املادة الضريبية في ضوء‪........................‬‬

‫األستاذ مستور عبد الغني‬

‫‪117‬‬ ‫اإلثبات في املرض املنهي وإشكاليته‪.....................................................................‬‬

‫األستاذة فاطنة النوحي‬

‫جرائم العنف الجنس ي في ضوء املحكمة الجنائية الدولية‪138 ...................................‬‬


‫األستاذة‪ .‬بلملياني أسماء‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 455‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الحماية القانونية للعمال املنزليين على ضوء التشريع املغربي والفرنس ي‪169 ......................‬‬

‫األستاذة هاجر أهل الدويرة‬

‫بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي وفقا لقانون املسطرة الجنائية املغربية‪196 ...........‬‬
‫األستاذ محمد القاسمي‬

‫مدى مالئمة النظام القانوني للدولة في عقود استثمارالنفط‪209 ...............................‬‬


‫األستاذ عمر عباس خضير العبيدي‬

‫قراءة في قانون ‪ 12.66‬املتعلق بمر اقبة وزجراملخالفات في مجال التعميروالبناء‪235 .....‬‬

‫الباحث و ائل العياط‬

‫حجية عقود التفويت املجردة من أصل التملك في إثبات امللكية العقارية‪252 ..............‬‬

‫الباحث رضوان الريش ي‬

‫‪286‬‬ ‫مؤسسة الفسخ في التشريع املغربي‪...................................................................‬‬

‫السيد جاد املصطفى و السيدة خديجة خليلي‬

‫اإلشعارباإلفراغ بين الحق وااللتزام في ضوء القانون رقم ‪328 ...........................67.12‬‬

‫األستاذ اشرف ركراكي‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 456‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪365‬‬ ‫ميزانية النوع االجتماعي بين و اقع التحديات واآلفاق املسقبلية ‪..........................‬‬

‫األستاذ فاطمة الزهراء أخانة‬

‫‪380‬‬ ‫الضمانات الحمائية للحقوق والحريات في ظل الظروف االستثنائية‪.....................‬‬

‫الباحثة ازويني جميلة‬

‫‪406‬‬ ‫قراءة نقدية ملشروع القانون ‪ 22-20‬املتعلق بشبكات التواصل االجتماعي‪.............‬‬

‫الباحث رضوان سند‬

‫‪415‬‬ ‫املدارس الفكرية التي أسست لعلم العقاب الحديث‪...........................................‬‬

‫األستاذ ابراهيم الدريف‬

‫تقارير قانونية لورشات علمية وحبوث أكادميية معمقة‬


‫ورشة تكوينية لفائدة املتمرنات واملتمرنين في خطة العدالة‪427 ..................................‬‬
‫الدكتور أنس سعدون‬

‫الحماية الجنائية للوثيقة اإللكترونية – دراسة مقارنة ‪439 ......................................-‬‬


‫الباحثة حليمة عبد الرومى‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 457‬‬
‫الـــعــدد ‪ ֎ 23‬أكتوبر ֎ ‪2020‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫جملة الباحث‬
‫للدراسات واألحباث القانونية والقضائية‬
‫جملة علمية فصلية حمكمة تعىن بنشر املقاالت واألحباث القانونية والقضائية‬

‫رئيس التحرير‪ :‬ذ ج عفر القامسي‬ ‫* ****‬ ‫امل دير امل سؤول‪ :‬ذ حممد القامسي‬

‫دراسات وأحباث قانونية وقضائية باللغة العربية‬


‫‪ ‬تغيري املركز القانوني للمشغل وأثره على استقرار عقود الشغل ‪..........................................................‬أمينة رضوانـ‬
‫‪ ‬ركن احملل يف القرار اإلداري ‪ -‬دراسة مقارنة ‪...........................................................................-‬زهري مصطفى صاحلـ‬
‫‪ ‬ما جرى به العمل وأثره يف النهوض بالقضاء يف املذهب املالكي ‪.........................................................‬إبراهيم والعيز‬
‫‪ ‬شروط اختصاص قاضي املستعجالت يف املادة الضريبية يف ضوء العمل القضائي‪................................‬عبد الغني مستور‬
‫‪ ‬اإلثبات يف املرض املهني وإشكاليته‪..............................................................................................‬فاطنة النوحيـ‬
‫‪ ‬جرائم العنف اجلنسي يف ضوء احملكمة اجلنائية الدولية‪...................................................................‬بلملياني أمساء‬
‫‪ ‬احلماية القانونية للعمال املنزليني على ضوء التشريع املغربي والفرنسي‪........................................‬هاجر أهل الدويرة‬
‫‪ ‬بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي وفقا لقانون املسطرة اجلنائية املغربية‪................................................‬حممد القامسيـ‬
‫‪ ‬مدى مالئمة النظام القانوني للدولة يف عقود استثمار النفط‪.............................................‬عمر عباس خضري العبيديـ‬
‫‪ ‬قراءة يف قانون ‪ 12.66‬املتعلق مبراقبة وزجر املخالفات يف جمال التعمري والبناء‪.........................................‬وائل العياطـ‬
‫‪ ‬حجية عقود التفويت اجملردة من أصل التملك يف إثبات امللكية العقارية‪...............................................‬رضوان الريشيـ‬
‫‪ ‬مؤسسة الفسخ يف التشريع املغربي‪........ ...................................................................‬جاد املصطفى وخدجية خليليـ‬
‫‪.‬‬

‫‪ ‬اإلشعار باإلفراغ بني احلق وااللتزام يف ضوء القانون رقم ‪............................................................67.12‬اشرف ركراكيـ‬
‫‪ ‬ميزانية النوع االجتماعي بني واقع التحديات واآلفاق املسقبلية ‪..................................................‬فاطمة الزهراء أخانة‬
‫‪ ‬الضمانات احلمائية للحقوق واحلريات يف ظل الظروف االستثنائية‪........................................................‬ازويني مجيلة‬
‫‪ ‬قراءة نقدية ملشروع القانون ‪ 22-20‬املتعلق باستعمال شبكات التواصل االجتماعي‪....................................‬رضوان سند‬
‫‪ ‬املدارس الفكرية التي أسست لعلم العقاب احلديث ‪........................................................................‬ابراهيم الدريفـ‬

‫تقارير قانونية لورشات علمية وحبوث أكادميية معمقة‬


‫‪ ‬من أجل منظومة جنائية تقضي على التمييز والعنف ضد النساء وتؤصل ملقاربة النوع‪.............................‬أنس سعدونـ‬
‫‪ ‬احلماية اجلنائية للوثيقة االلكرتونية – دراسة مقارنة ‪............................................................... -‬حليمة عبد الرومىـ‬

‫ردمد ‪ISSN: 2550 – 603X :‬‬


‫®‬ ‫مجيع حقوق النشر حمفوظة لسنة ‪ 2017‬م‬
‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 458‬‬
‫‪Majalatlbahit2017@gmail.com‬‬ ‫‪FB- majalatlbahit‬‬ ‫‪www.justicemaroc.com‬‬

You might also like