Professional Documents
Culture Documents
مجلة الباحث - العدد 23 أكتوبر 2020 - المدير المسؤول ذ. محمد القاسمي
مجلة الباحث - العدد 23 أكتوبر 2020 - المدير المسؤول ذ. محمد القاسمي
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
جملة الباحث
للدراسات واألحباث القانونية والقضائية
جملة علمية فصلية حمكمة تعىن بنشر املقاالت واألحباث القانونية والقضائية
رئيس التحرير :ذ ج عفر القامسي * **** امل دير امل سؤول :ذ حممد القامسي
اإلشعار باإلفراغ بني احلق وااللتزام يف ضوء القانون رقم ............................................................67.12اشرف ركراكيـ
ميزانية النوع االجتماعي بني واقع التحديات واآلفاق املسقبلية ..................................................فاطمة الزهراء أخانة
الضمانات احلمائية للحقوق واحلريات يف ظل الظروف االستثنائية........................................................ازويني مجيلة
قراءة نقدية ملشروع القانون 22-20املتعلق باستعمال شبكات التواصل االجتماعي....................................رضوان سند
املدارس الفكرية التي أسست لعلم العقاب احلديث........................................................................ابراهيم الدريفـ
""www.justicemaroc.com
وكذا العديد من املواقع القانونية األخرى املغربية
والعربية املشهود هلا بالكفاءة واألمانة العلمية
* كل املواقف واآلراء الواردة يف اجمللة ال تعرب سوى عن آراء كاتبيها وال تعرب عن رأي اجمللة *
فهرس العدد
08 كلمة افتتاحية للعدد.......................................................................................
ذ .محمد القاسمي
الحماية القانونية للعمال املنزليين على ضوء التشريع املغربي والفرنس ي169 ......................
بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي وفقا لقانون املسطرة الجنائية املغربية196 ...........
األستاذ محمد القاسمي
حجية عقود التفويت املجردة من أصل التملك في إثبات امللكية العقارية252 ..............
365 ميزانية النوع االجتماعي بين و اقع التحديات واآلفاق املسقبلية ..........................
* افتتاحية العدد *
املدير املسؤول:
األستاذ حممد القا مسي
بسم هلل الكريم ،وبه نستعني ،وبفضله منضي ونغدو يف طريقنا حتى نبلغ مقام اليقني ،والصالة
والسالم على أشرف املرسلني ،نهر اهلدى وحبر الندى وعلى آله وصحبه أمجعني ،رب اشرح لي صدري ويسر
لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي...أما بعد:
تتمة للمسار الذي بدأناه مند سنوات خلت يف جمال النشر العلمي والبحث األكادميي ،فإنه ملن دواعي
السرور أن نقص شريط عدد جديد من أعداد جملتنا ،ويتعلق األمر بالعدد 23أكتوبر ،2020هذا األخري
جاء بعد اصدار ثلة من امللفات اخلاصة اليت قرر طاقم اجمللة أن خيصصها للمواضيع املتعلقة جبائحة
كورونا وحالة الطوارئ الصحية ،قبل أن يقرر نفس الطاقم العودة لنشر املقاالت القانونية ذات املواضيع
املتنوعة...
فالعدد الثالث والعشرون من هذا الصرح غين مبقاالت وأحباث ،ألفها قضاة وأساتذة ودكاترة
وباحثني يف اجملال القانوني والقضائي ،ستشكل بال شك أو ريب إضافة للخزانة القانونية الرقمية.
فالشكر اجلزيل لكل من ساهم من قريب أو بعيد يف تأليف بنيان هذا العدد ،يف انتظار العدد 24
نونرب ،2020تفضلوا بقبول أمسى عبارات التقدير واالحرتام .والسالم...
مقدمة:
تنقسم عقود الشغل إلى تقسيمات متعددة ،و حسب املدة الزمنية تنقسم إلى
عقود شغل محددة املدة و عقود شغل غير محددة املدة .و تترتب على هذا التقسيم
و قد كانت عقود الشغل محددة املدة هي املفضلة عند األجراء ،لكونها تضمن
لهم و لو مؤقتا منصب شغل يقيهم من الفقر و الفاقة ،بعيدا عن عقود الشغل غير
محددة املدة التي كانت تتعرض لإلنهاء باإلرادة املنفردة للمشغل .إال أن التطورالذي
عرفه تشريع الشغل وما أضفاه من حماية كبيرة على عقود الشغل غيرمحددة املدة،
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 10
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
و إذا كانت بصفة عامة تنتهي عقود الشغل املحددة املدة بانتهاء مدتها أو بانتهاء
العمل املخصص لها أو في الحاالت املحددة لها بمقتض ى مدونة الشغل 1فإن عقود
الشغل غير محدد املدة ال تنتهي إال وفق ضوابط محددة تلزم الخارق لها بمجموعة
من التعويضات ،و هذا إن دل على ش يء فإنما يدل على ضمان هذا النوع من العقود
الستقرارالتعاقد .و في هذا الصدد نتساءل عن مدى استقرارهذه العقود رغم تغيير
املركزالقانوني للمشغل.
وعليه سنناول هذا املوضوع وفق التصميم اآلتي :املبحث األول :شروط
تطبيق قاعدة استقرار عقود الشغل في حالة تغيير املركز القانوني للمشغل .املبحث
إن قواعد القانون املدني لم تعد تخدم بتاتا مصلحة األجير ،بل و تتعارض كليا
مع الطابع الحمائي لقانون الشغل ،2لذا تدخل املشرع في جل التشريعات املقارنة 3و
أقر مبدأ مواصلة عقود الشغل بالرغم من تغيير املركز القانوني للمشغل ،و في هذا
تجاوز للمبادئ املنصوص عليها في القانون املدني التي تقر بحرية التعاقد التي تعني
أن لكل طرف من طرفي العالقة الشغلية كامل الحرية في اختيار الشخص الذي
سوف يعمل معه و في تحديد بنود العقد بكامل الحرية ،و هو ما يصطلح عليه في
القانون املدني باالعتبار الشخص ي في التعاقد ،كما أن فيه تجاوز لألثر النسبي
للعقود الذي ينص عليه الفصل 4 228من قانون االلتزامات والعقود والذي مفاده
أن العقد ال يكون ملزما إال بالنسبة لألطراف التي أبرمته سواء بأشخاصهم أو بمن
يمثلونهم..
وبالرجوع إلى النص التشريعي املنظم للموضوع نجد املادة 19من مدونة
الشغل تنص على أنه « :إذا طرأ تغيير على الوضعية القانونية للمشغل ،أو على
2دنيا مباركة ،ضمانات حقوق أجراء المقاولة المخوصصة .مجلة رسالة الدفاع .ع . 2س . 2001ص.42
3سواء التشريع الفرنسي أو المصري أو اللبناني أو األردني أو اإلماراتي.
-و في هذا اإلطار تنص المادة 36من قانون العمل الفرنسي على ما يلي «:أن عقود العمل سارية المفعول يوم تغيير
المركز القانوني للمشغل تظل قائمة بين رب العمل الجديد و العمال بالمؤسسة»
Article 36 (2) : « le transfert de l’entreprise résultant notamment d’une cession
conventionnelle ou d’une fusion ne constitue pas en lui-même un motif de licenciement
pour le crédit ou le cessionnaire. Si le contrat est résilié du fait que le transfert entraîne une
modification substantielle des conditions de travail au détriment du salaire, la résiliation du
» contrat est considéré comme intervenue du fait de l’employeur
4ينص الفصل 288من ق ل ع على ما يلي »:االلتزامات ال تلزم إال من كان طرفا في العقد فهي ال تضر الغير و ال
تنفعهم إال في الحاالت المذكورة في القانون
الطبيعة القانونية للمقاولة ،و على األخص بسبب اإلرث ،أو البيع ،أو اإلدماج ،أو
الخوصصة ،فإن جميع العقود التي كانت سارية املفعول حتى تاريخ التغيير ،تظل
قائمة بين األجراء و بين املشغل الجديد ،الذي يخلف املشغل السابق في االلتزامات
الواجبة لألجراء ،و خاصة فيما يتعلق بمبلغ األجور ،و التعويضات عن الفصل من
يحتفظ األجير املرتبط بعقد شغل غير محدد املدة و الذي يتم نقله في إطار
القابضة ،بنفس الحقوق و املكاسب الناشئة عن عقد شغله و ذلك بغض النظرعن
املصلحة أو الفرع أو املؤسسة التي يتم تعيينه بها ،و عن املهام املسندة إليه ما لم
و باالعتماد على هذا النص القانوني و ما أقره القضاء يمكن استخالص شروط
و مفاد هذا الشرط أنه كيفما كانت أسباب تغيير الوضعية القانونية للمشغل
أو للمؤسسة املشغلة ،أي سواء تعلق األمر باإلرث أو التفويت أو اإلدماج أو
الخوصصة أو غيرها فإن جميع عقود الشغل التي كانت سارية املفعول حتى تاريخ
التغيير تظل قائمة بين األجراء واملشغل الجديد الذي يخلف املشغل السابق في
يعتبرهذا الشرط عاما يسري على جميع عقود الشغل بغض النظرعن نوعها،
كما يسري على جميع النشاطات االقتصادية بحيث يكفي أن تكون عقود الشغل
قد يوحي هذا الشرط بأن استمرار عقود الشغل مرتبط بضرورة احتفاظ
املشغل الجديد بنفس نشاط املقاولة و بعبارة أخرى فهل استمرار عقود الشغل
لقد تدخل القضاء لتفسير هذا الشرط ،بحيث إن القضاء املغربي ممثال في
محكمة النقض يكتفي للتصريح بوحدة نشاط املقاولة وجود تماثل أو تشابه أو
ارتباط بين النشاط القديم و النشاط الجديد للمقاولة ،و نسوق كمثال على ذلك
قرار محكمة النقض 5الذي اعتبر أن « :انتقال ملكية األصل التجاري الذي كان في
األصل يشتغل كمقهى و مرقص إلى مالك جديد استعمله كمقهى و مطعم ،ال يعتبر
تغييرا وبالتالي فإن إثبات األجيراشتغاله لدى املشغل األصلي من خالل بطاقة العمل
- 5قرار محكمة النقض المغربية ع 168بتاريخ .1988/02/06أورده عبد اللطيف خالفي في مؤلفه االجتهاد القضائي
في المادة االجتماعية (رصد لمبادئ ولقرارات المجلس األعلى ومحاكم االستئناف )1998-1968م س .ص 251وما
يليها.
6وعلى غرار ذلك سارت الغرفة االجتماعية بمحكمة النقض في الملف رقم 2247بتاريخ 1990/09/24في الملف
االجتماعي ع .89/9750منشور بقضاء المجلس األعلى ع 46.نونبر .1992ص.90
أما التشريع الفرنس ي فإنه لم يستقر على موقف واحد .ففي البداية كانت
محكمة النقض الفرنسية تشترط لتطبيق املادة 36من قانون العمل ،وجوب
استمرارنفس نشاط املؤسسة ،وطبقا لنفس الشروط التي كان يمارس فيها من قبل،
بل إن محكمة النقض مددت تطبيق املادة املذكورة حتى في الحالة التي تنتفي فيها
أية رابطة قانونية مباشرة بين املشغلين املتعاقبين .7لكن محكمة النقض الفرنسية
تخلت عن هذا املوقف حيث أكدت أن املادة ( L122-12AL2التي تقابلها املادة 36
من قانون العمل)« :تفترض وجود رابطة قانونية بين أرباب العمل املتعاقبين»،8
ونظرا لعدم انسجام هذا القرارمع التوجهات األوربية ،عدلت هذه املحكمة عن هذا
القرار فأصدرت أيضا بهيآتها مجتمعة أن« :املادة L122-12AL2تطبق في غياب أية
رابطة قانونية تجمع أصحاب األعمال املتعاقبين ،و أن نطاق تطبيقها يمتد إلى كل
تنازل عن وحدة اقتصادية 9متى ظلت محتفظة بذاتيتها 10في مزاولة نشاطها أو
استأنفته».11
7ومثال ذلك :إذا تعهدت مؤسسة ما بمهام التنظيف إلى مقاولة متخصصة ،غير أنها لم ترق الخدمة إلى المستوى
المطلوب ،فتخلت عن خدماتها وعهدت بها إلى مقاولة أخرى ،فإن هذه األخيرة تكون مجبرة على االحتفاظ بأجراء هذه
األخيرة.
أوردته فاطمة حداد .اإلعفاء ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغالق المقاوالت .أطروحة لنيل الدكتوراه في
ق .خ .جامعة الحسن الثاني عين الشق/كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية الدار
البيضاء.س.ج.2005/2004ص 81و ما يليها.
8هذا القرار الذي تبنته محكمة النقض الفرنسية ،يتعارض مع التوجهات الصادرة في 1977/02/14عن مجلس
المجموعة االقتصادية األوربية ،كما أن محكمة العدل األوربية C.J.C.Eأصبحت منذ العام ،1988تنص على ضرورة
اإلبقاء على العقود حتى في حالة غياب أية رابطة قانونية بين أرباب العمل المتعاقبين .أشارت إلى ذلك فاطمة حداد .م
س .ص .83-82
9إن مفهوم الوحدة االقتصادية يعني :أن يتعلق األمر بقطاع يستعمل وسائله الخاصة ،ويهدف إلى تحقيق نتائج محددة
تندرج ضمن األهداف االقتصادية للمؤسسة.
)4( 10نشاط يحتفظ بذاتيته يعني« :أن الوحدة االقتصادية المتنازل عنها قد احتفظت بذاتيتها واستمرت في مزاولة
نشاطها .و في هذا ورد قرار محكمة النقض الفرنسية اآلتي« :بالرغم من التغييرات الشكلية التي قد وقعت ،فإن المؤسسة
استمرت في مزاولة نفس النشاط السابق بنفس العمال ،نفس الزبائن ،و كذا نفس اإلنتاج» .فاطمة حداد .م.س .ص.84
11لتطبيق قاعدة استمرارية عقود الشغل ،يجب أن تستمر المؤسسة أو المقاولة ،وأن تباشر نفس النشاط السابق ،ومن
تم فإن تغيير المؤسسة لنشاطها يوقف تطبيق هذه القاعدة ،وكذا الحماية القانونية المصاحبة لها.
لهذه املسألة ،أي استمرار عقود الشــغل بالرغم من عدم وجود أية عالقة و رابطة
بين املشغلين املتعاقبين ،و لكنها أيضا تكون أعطت معايير تطبيق املادة L122-
و بمفهوم املخالفة لهذا القرار ،فإنه إذا تغيرت طبيعة النشاط ،فإن هذا يكون
موجبا إلنهاء عالقة الشغل بين املشغل الجديد و أجراء املقاولة السابقين.
كما حاول القضاء الفرنس ي ،توضيح مفهوم هذه القاعدة و إزالة الغموض
عنها ،هكذا أكد أن مقتضيات املادة 36من قانون العمل من النظام العام .و عليه
فأي اتفاق يقع بين املشغلين املتعاقدين ال يمكن أن يؤثرعلى استمرارية عقود شغل
األجراء ،و من تم فإن العقود الجارية تنتقل بمقتض ى القانون إلى املشغل الجديد،
و إذا كانت هذه القاعدة جذابة بالنسبة لألجراء لكونها ال تعيرأي اهتمام لذاتية
املشغل ،إال أنها قد تصطدم بالو اقع العملي النابع من التقلبات االقتصادية التي
تعرفها املؤسسة أحيانا .وهذا النص القانوني لم يلزم املشغل باالحتفاظ بنفس
نشاط املقاولة ،و بالتالي فإن التغيير الجوهري لنشاطها التجاري أو الصناعي يعني
تغيير املركز القانوني للمشغل والفصل في هذه الحالة يعتبر مبررا يخول لألجير
األجيرللخطإ الجسيم.
لهذه الو اقعة و أوجدت لها الحلول القانونية املالئمة ،و أن االجتهاد القضائي بدوره
أبلى البالء الحسن في إيجاد التقنيات القانونية الالزمة لحل كافة املعضالت
واإلشكاليات التي تطرح أمامه ،وأن الفقه قد أيد هذه الحلول التشريعية
والقضائية.12
إذا كان ال تأثيرعلى عقود شغل األجراء إثرانتقال املؤسسة أواملقاولة إلى الغير،
فإن بعض العناصر قد تؤدي إلى إبراز املشكل عند انتقال املؤسسة« ،كأجل
نفس األمريسري على «املنح» التي تؤدى بنسبة الجزء من السنة في نهاية السنة .لهذا
فالتدخل لصالح املبدأ و تليينه حسب الحاالت ،قد يطرح أزمة الثقة في هذا النص
القانوني (أي املادة 1/19من مدونة الشغل) ،بل وضد القضاء نفسه ،ألن مبدأ
استقرارالشغل الذي توخاه املشرع سيكون استقرارا وهميا أوظاهريا فقط ،ال يرمي
إلى الحل الذي يضمن الشغل القار .و في هذا اإلطار يجب على القضاء أن ينتبه إلى
التحايل و التدليس الذي يمكن أن يتم بين املشغل القديم و املشغل الجديد على
حساب األجراء ،و ذلك بفصلهم قبل انتقال املؤسسة أو املقاولة إلى املشغل الجديد،
حتى يتخلص هذا األخير من األعباء املالية الناتجة عن أقدمية األجراء في الشغل،
فالقضاء يجب أن يكون واعيا باإلشكالية و الحلول الواجبة كــلها ،رعيــا للمرونة التي
ينبغي أن تؤخذ بعين االعتبار لتكييف هذا النص القانوني ،كما يجب عليه أن يأخذ
بعين االعتبار وضعية املؤسسة في التكيف مع ضرورات التدبير الجديد الذي يؤدي
إلى التقليل من عدد األجراء و إدماجهم وفق شروط جديدة تتطلب مهارات كبيرة من
األجراء.
كذلك يطرح التساؤل حول إشكالية «تنازع القوانين» على إثر تفويت املقاولة
إلى الغير و أثره على األجراء السابقين .و بعبارة أكثر وضوحا ،ما الحكم في حالة تغيير
القانون الواجب التطبيق على األجير الذي انتقل على إثر تفويت أو بيع املقاولة من
أحكام القانون الخاص إلى القانون العام أو العكس؟ هل سيطبق عليه القانون
العام أوالخاص؟ أم ستسري عليه أحكام أخرى مشتركة باعتبارها األصلح لوضعية
األجير 13؟.
13محمد سعيد بناني .اإلعفاءات االقتصادية ووسائل اإلبراء .الندوة الثانية للقضاء االجتماعي .منشورات جمعية تنمية
البحوت والدراسات القضائية .الرباط 26-25فبراير 1992الموافق ل 21-20شعبان .1412ص.27-26
في نظرنا أنه انطالقا من الوضعية الجديدة التي أصبح يخضع لها األجيرإثرتغيير
املركز القانوني للمشغل ،فإن القانون الواجب التطبيق عليه هو القانون الجديد،
الذي أصبحت تخضع له املقاولة بعد التفويت .فمثال لو انتقلت املقاولة من إطار
والعكس صحيح ،أما إذا لم يحدث تغييرفي القانون ،أي بقاء املقاولة خاضعة لنفس
أيضا نتساءل عن مدى مشروعية الفصل الحاصل قبل تفويت املؤسسة أو
املقاولة؟.
في هذا الصدد أقرت محكمة النقض الفرنسية 14شرعية الفصل الو اقع قبل
تفويت املقاولة أو املؤسسة ،حيث ورد في قرارها ما يلي« :بأن الفصل L122-12AL2
(الذي تقابله املادة 36من قانون العمل) ال يتعارض مع الفصل ( L22-4الذي يعطي
الحرية لألطراف في إنهاء عقد العمل غيرمحدد املدة) فاملشغل الذي يفوت مؤسسته
ال يفقد حق إعفاء أجرائه – هذا الحق الذي يبقى يتمتع به إلى أن يتم التفويت
للفصل ،لكن كل ذلك مشروط بانتفاء إرادة التحايل على الفصل »L122-12AL2
14باستثناء قرارين فريدين لمحكمة النقض الفرنسية تقر فيهما بعدم شرعية الفصل قبل التفويت وهما الصادران
سنة .1974
و ما يستنتج من هذا القرار ،أن الفصل قبل التفويت ،ليس في حد ذاته غير
مشروع ،و إنما يصبح كذلك بالنظـر إلى بعض املالبسات التي تكون مصاحبة له،15
و إذا كنا قد تجاوزنا اإلشكال حول مدى مشروعية الفصل الناتج قبل تفويت
املقاولة أواملؤسسة .فإن التساؤل ما يزال عالقا حول مشروعية الفصل الو اقع بعد
ذلك بشكل سلبي على عقود شغل األجراء ،فاستمرارعالقات الشغل في حالة تعديل
الهيكل القانوني للمؤسسة ال يزيل سلطة املشغل في إنهاء عقود الشغل غيـرمـحددة
ففي املرحلة األولى ،و قبل التأثر بالتوجهات األروبية ،كانت محكمة النقض
الفرنسية تعتبر بأنه يمكن اللجوء إلى الفصل قبل تفويت املقاولة ،إذ كانت ترتكز
على أسباب اقتصادية أو تقنية تؤدي إلى حذف بعض الوظائف ،على أال يكون
قانون العمل) .و مثال ذلك إعادة تنظيم مصالح املؤسسة مما يضمن حسن سيرها.
املشغل بإقامة الدليل على كون الفصل الذي أقدم عليه هو ضروري لحسن سير
املؤسسة.
عملية إعادة التنظيم أو الصعوبات االقتصادية التي تعترض نشاطهم ،19و لكن
و من اإلشكاليات التي تطرح كذلك في هذا الصدد تلك التي تتعلق بتحديد نطاق
هل تنتقل وفق الشروط التي تعاقد بها األجراء مع املشغل القديم ،أم وفق الشروط
نرى أن األجراء سيستفيدون من الحقوق التي تعطيهم مزايا أفضل ،بحيث إنه
إذا كانت الحقوق التي يعطيها املشغل الجديد هي األفضل بالنسبة لألجراء فتستمر
19صدر في قرار لمحكمة النقض الفرنسية« :أن إعفاء أجير – احتفظ بعقد عمله أثناء التفويت – يمكن أن يجد تبريرا
له في إعادة الهيكلة التي قام المؤاجر الجديد و ليس من الضروري أن يكون اإلعفاء في هذه الحالة تعسفيا»
أوردته فاطمة حداد .م.س .ص.90
20كذلك من اإلشكاليات التي يمكن طرحها في هذا المجال ،نتساءل عن حاالت إثارة المسؤولية التضامنية للمشغلين
المتعاقبين عند القيام بالفصل قبل التفويت؟.
إن هذه المسؤولية يمكن إثارتها في حالتين اثنتين :أولهما ،عند التواطؤ بين المشغل األول والمشغل الثاني .وثانيهما،
عند انتماء المشغلين لنفس المجموعة.
21عبد الرحمان اللمتوني .حماية األجراء من آثار اندماج الشركات في ظل مدونة الشغل .المجلة المغربية لقانون األعمال
و المقاوالت ع.5س .2005ص.73
في السريان و العكس صحيح ،أي إذا كانت الحقوق التي التزم بها املشغل القديم هي
األفضل فهي الواجبة التطبيق على األجراء ،خاصة إذا كانت متضمنة في اتفاقية
هذه األخيرة في حياة الشركة ،ليس فقط فيما يخص حياتها االجتماعية التي تهم
أساسا األجراء ،و إنما أيضا في حياتها االقتصادية املرتبطة بسياستها اإلنتاجية و
مستوى مردوديتها .لذلك يبقى التساؤل مطروحا حول مآل االلتزامات املتبادلة
أما املشرع الفرنس ي فقد نص في املادة L132-8على مايلي « :إذا لم يكن املشغل
املقررة في االتفاقية الجماعية التي كانت تربطهم باملشغل السابق ،و ذلك ملدة ال
تتجاوز سنة و ثالثة أشهر على األكثر على أساس التفاوض من جديد مع املشغل
الجديد بمجرد انتهاء املدة املذكورة ،و ذلك قصد إبرام اتفاقية جديدة ،و إذا لــم تبرم
الجماعية املنتهية».
تغيير املركز القانوني للمشغل امللتزم ببنودها ،حيث يعفي املشغل الجديد من
و نرى في هذا اإلطار ،أن املادة 131من مدونة الشغل املغربية كانت أكثرحمائية
من املادة 8/123من قانون العمل الفرنسية ،حينما لم تقيد مفعول سريان
وفي األخير نتساءل عن أثر عدم تنفيذ املفوت إليه لاللتزامات الناشئة عن
مخطط التفويت؟
هناك أثران :أثرخاص ،يكون نتيجة عدم أداء مقابل التفويت فقط ،و في هذه
خاصا ،un Administrateur Spécialو تقوم بتحديد مهمة و مدة هذا األخير ،التي
ال يجوز أن تتجاوز ثالثة أشهر .و هناك أيضا أثر عام ،يترتب عند اإلخالل بالتزامات
)1994/06/10فرنسية إلى أنه يترتب عن تنفيذ املفوت إليه اللتزاماته فسخ مخطط
لقد أثيرالتساؤل حول ما إذا كان الفسخ يترتب عن اإلخالل بااللتزام بأداء الثمن
أم يشمل سائر االلتزامات املالية و غير املالية ،كااللتزام باستقرار الشغل و الحفاظ
ففي املرحلة األولى ،ساراالجتهاد القضائي الفرنس ي في اتجاه شمول الفسخ عدم
االلتزام بأداء الثمن فقط دون غيره من االلتزامات األخرى و سواء كانت ذات طبيعة
مالية أو غير مالية ،مما يستشف منه استثناء عقود الشغل ،و هكذا ورد في حكم
املحكمة التجارية بباريس 23ما يلي« :ال يمكن التصريح بفسخ املخطط لإلخالل
بالتعهدات غيرتلك املتعلقة بعدم أداء الثمن لعدم وجود مقتضيات قانونية صريحة
في املوضوع».24
22أحمد شكري السباعي .الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها .ج.2
نشر دار المعرفة الرباط .1998.ص 500و ما يليها.
23قرار مؤرخ في . 1987/07/30أشار إلى ذلك أحمد شكري السباعي .الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي
تعترض المقاولة ومساطر معالجتها .ج . 2م.س .ص .502
24و قد أكدت نفس المحكمة على ذلك المقتضى في الحكم المؤرخ في 1988/12/19الذي ورد فيه « :و ال يشكل في
أي حال من األحوال تسريح العمال إخالال بعدم أداء الثمن المنصوص عليه في المادة . »90وارد في مؤلف أحمد شكري
السباعي .الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها .ج . 2م.س .ص 340
وما يليها.
و في هذا الصدد يذهب األستاذ «إيف شارتيي» ...« :25إلى أن عدم أداء ثمن
التفويت يرتب فسخ املخطط و التصريح بالتصفية القضائية» و تساءل أيضا حول
ما إذا كان جزاء الفسخ يقع كذلك عند إخالل املفوت إليه باحترام تعهداته املتعلقة
باستمرارالشغل ومناصبه؟ فكان جوابه بالنفي ،ألن هذه التعهدات أو االلتزامات في
رأيه غيرتعاقدية ،26حيث تقررها املحكمة استجابة للصالح العام .إضافة إلى ذلك،
فاإلخالل بهذه املقتضيات و فصل األجراء يحمل املفوت إليه بأداء التعويضات
لألجراء .و نفس اإلتجاه سارعليه األستاذ «ميشيل جانتان» 27الذي ذهب إلى القول:
«أن املادة 90من قانون 1985-01-25ال تطبق 28عندما يتعلق عدم التنفيذ
بالتعهدات أوااللتزامات غير تلك املتعلقة بالثمن ،أي أن هذه املادة ال تسري على
فصل األجراء الذي يتم خرقا ملخطط التفويت ،إال أن املفوت إليه يسأل طبقا
لقواعد القانون العادي (أي قانون الشغل و القانون املدني) ،عن األهداف الناشئة
25أشار إلى ذلك أحمد شكري السباعي .الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر
معالجتها .ج . 2م.س .ص .502
26خالفا لاللتزام بأداء الثمن.
27أشار إليه األستاذ أحمد شكري السباعي .الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر
معالجتها .ج . 2م.س ص .503
28كان هذا قبل إضافة الفقرة األخيرة من المادة 89بمقتضى تعديل .1994/06/10
وبرمان» 29أن « :الفقرة 4الجديدة من املادة 89تعني " "Viseأي عدم تنفيذ سائر
تعهدات التزامات املفوت إليه ،30و ليس فقط االلتزامات املتعلقة بأداء الثمن».
وبخصوص املغرب ،فإنه لم يعرف مثل ذلك الخالف الفقهي الذي ساد في نظيره
الفرنس ي ،فهو تبنى تعديل 1994/06/10في الفقرة األولى من املادة 613من مدونة
التجارة ،حيث تنص هذه املادة األخيرة على ما يلي ...« :و إن لم يف املفوت إليه
بالتزاماته أمكن للمحكمة تلقائيا أن تقض ي بفسخ املخطط أو بناء على طلب
و في هذا يرى األستاذ أحمد شكري السباعي «: 31أن املشرع املغربي أعطى أهمية
بالغة الستمرار الشغل ومناصب العمل ،تفوق األهمية املعطاة لتصفية الخصوم و
أداء مستحقات الدائنين املرتبطة بثمن التفويت ،الذي قد يكون في ظروف سيئة،
و على العموم فإنه إذا ما تم فسخ مخطط التفويت ،فالتشريع املغربي نص على
بيع أموال املقاولة ،وفقا ألشكال التصفية القضائية حيث يخصص عائدها لدفع
29أحمد شكري السباعي .الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها .ج.2
م.س .ص .503
30بما فيها االلتزام بالحفاظ على استمرارية عقود الشغل.
31أحمد شكري السباعي .الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها .ج.2
م.س .ص .504
32المادة 2/613من م.ت.
القضائية ضد املفوت إليه املخل بالتزاماته ،بمجرد فسخ املخطط لعدم أداء ثمن
التشريعات املقارنة – ألزم املفوت إليه ،أي املشغل الجديد ،بتنفيذ التزامات
مخطط التفويت ،بما فيها االلتزام بالحفاظ على استمرارية عقود الشغل ،إال في
حاالت استثنائية اقتضتها الضرورات العملية ،و منها «تغيير طبيعية نشاط املقاولة
أو املؤسسة» ،حيث في هذه الحالة األخيرة يأتي مسلسل فصل األجراء أو بعضهم و
بالتالي انتهاء عقود شغلهم ،إذا كان تكوينهم ال يتالءم والنشاط الجديد للمقاولة،
33ورد في حكم المحكمة التجارية ألورليان« :إذا أدى عدم أداء الثمن إلى فسخ المخطط و العدول عن تفويت المقاولة
من طرف المحكمة ،فإن إعداد مخطط جديد للتفويت لفائدة شخص آخر ،ال يمكن استبعاده » حكم مؤرخ في .1987/02/11
و قضت محكمة النقض الفرنسية في 1993/06/22بأن «:فسخ مخطط التفويت ال يرتب بقوة القانون فسخ العقود
والتصرفات التي تم إبرامها إلنجازه».
أشار إلى ذلك أحمد شكري السباعي .الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها
.ج . 2.م.س .ص .504
= و الحظ أن إبرام عقود الشغل بعد فتح مسطرة التسوية القضائية يعد باطال في مدونة التجارة تطبيقا لنص المادة 682
من م.ت ،حيث يمارس السنديك دعوى البطالن طبقا للمادة 685من م.ت ،و إن تقرير البطالن مرده إلى منع إلحاق
الضرر بالدائنين ،فيكون إبرام تلك العقود بدافع المحاباة ليس إال ،لهذا يجب الحكم ببطالنه ،و هو ما قررته محكمة النقض
الفرنسية ،لما الحظت عدم توازن التزامات الطرفين كما حددها عقد الشغل التي صرحت ببطالنه ،و ذلك بناء على نص
المادة 107من القانون الفرنسي المؤرخ في 1985/01/25المتعلق بالتسوية و التصفية القضائية.
إدريس فجر .بطالن عقد العمل في ضوء القانون التجاري .الحدث القانوني .ع . 1س دجنبر . 1997ص .6-5
34أي الفقرة األخيرة من المادة 592من م.ت التي تنص على ما يلي ...«:إن هذه القرارات المصاحبة لالستمرارية
المذكورة أعاله ،إذا كانت ستؤدي إلى فسخ عقود العمل ،فإنه يجب تطبيق القواعد المنصوص عليها في مدونة الشغل»
35وإحالة المادة 592من م ت على مدونة الشغل يعد إفراغا للدور العالجي للمحكمة من أي محتوى ،حيث يسند لجهاز
إداري خارج أجهزة مسطرة المعالجة سلطة منح اإلذن باإلعفاءات من عدمه ،وبذلك تبقى المحكمة مكتوفة األيد طيلة مدة
قد تصل إلى ثالثة أشهر لتتخذ بعدها القرار المصاحب لالستمرارية في ضوء ما ينبئ به إذن السلطة اإلدارية.
محمد منعزل .أثر التسوية القضائية على إنهاء عقود العمل (مقارنة بين القانون الفرنسي والقانون المغربي) مجلة
المنتدى .ع .3س . 2002ص .156
مقدمة:
ً ً
يلعب القرار اإلداري دورا هاما في نشاط اإلدارة ،حيث يعتبر قوام عمل اإلدارة
ونشاطها ،ويعرف بأنه " التصرف القانوني الذي تتخذه اإلدارة املختصة بإرادتها
املنفردة وامللزمة قصد إحداث أثر قانوني مبتغية في ذلك إنشاء مركز قانوني جديد،
أو تعديل ،أو إلغاء مركز قانوني قائم"( ،)36وقد اعتبرت املحكمة اإلدارية العليا
املصرية القرار اإلداري بأنهظك" إفصاح اإلدارة املختصة في الشكل الذي يتطلبه
القانون عن إرادتها امللزمة ،بما لها من سلطة عامة بمقتض ى القوانين ،واللوائح
َ َ ً
وذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين ،يكون ممكنا وجائزا قانونا ابتغاء مصلحة
- 36محمد الصغير بعلي ،القرارات اإلدارية ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،الجزائر ،2005 ،ص.8 :
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 28
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
عامة" ( ،) 37وبناء عليه يشترط لصحة القرار اإلداري أن تتو افر فيه العديد من
األركان الشكلية واملوضوعية ويندرج ضمن نطاق األركان املوضوعية املتطلبة لصحة
القرار اإلداري ركن املحل ونظرا ألهمية هذا الركن فإنه يستحيل في النشاط اإلداري
أن يكون هناك قرار إداري بدون محل ،وإذا خال القرار اإلداري من ركن املحل فإنه
ً
يكون باطال.
مشكلة الدراسة:
تدورمشكلة البحث الرئيسية حول " الدورالذي يلعبه ركن املحل في مشروعية
ً
القرار اإلداري " .ويتفرع عن مشكلة البحث الرئيسية األسئلة الفرعية التالية :أوال ـ
ً
ما املقصود بركن املحل في القرار اإلداري؟ ثانياـ ما شروط ركن املحل في القرار
َ
اإلداري؟ ثالثاـ ما مظاهرعيب ركن املحل في القراراإلداري؟
الشروط الواجب توفرها لصحة ركن املحل في القرار اإلداري .تسليط الضوء على
- 37مشار إليه عند سليمان محمد الطماوي ،الوجيز في القانون اإلداري ،1967 ،دون ناشر ،ص .508
منهج الدراسة:
تعتمد الدراسة على املنهج النظري املقارن للنصوص القانونية على ضوء آراء
حدود الدراسة:
تقتصر حدود الدراسة من الناحية املوضوعية على الدور الذي يلعبه ركن
خطة الدراسة:
تتكون هذه الدراسة من مقدمة ومبحثين وخاتمة .على النحو التالي :املبحث
األول :تعريف ركن املحل في القرار اإلداري وشروط صحته .املبحث الثاني :مظاهر
وعليه فإن تناولنا لهذا املوضوع سيكون من خالل املطلب األول الذي ندرس
فيه املقصود بركن املحل في القراراإلداري .أما في املطلب الثاني فنسلط الضوء على
يقصد بمحل القرار اإلداري موضوع القرار ،أو األثر القانوني الذي ينشأ عنه،
ً
وذلك حسب طبيعة القرار وفيما إذا كانت الئحية أو فردية( ،)38فمثال محل القرار
اإلداري الصادر بفصل املوظف هو قطع العالقة بينه وبين اإلدارة ،ومحل القرار
اإلداري الصادربمنع السيرفي شوارع معينة هو التزام يقع على أصحاب الشأن بعدم
السير( ،)39ويعتبر محل القرار اإلداري جوهره ومادته وهذا ما يميز القرار اإلداري
ً ً
كعمل قانوني عن العمل املادي الذي يكون محله متمثال بنتيجة من الو اقع ،ونظرا
- 38ماجد راغب الحلو ،القرارات اإلدارية ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،2009 ،ص.78
- 39حسيييييين عثميييييان محميييييد عثميييييان ،قيييييانون القضييييياء اإلداري ،منشيييييورات الحلبيييييي الحقوقيييييية ،بييييييروت ،ط،1
،2006ص .506
ً
ألهمية محل القرار فغالبا ما يسمى القرار بمحله فيقال قرار تعيين ،أو قرار منح
ً
رخصة ملزاولة مهنة معينة ( ،)40ووفقا للمحكمة اإلدارية العليا املصرية فإن محل
القرار هو " املركز القانوني الذي تتجه إرادة مصدر القرار إلى إحداثه واألثر القانوني
الذي يترتب عليه مباشرة وفي الحال وهذا األثر هو إنشاء حالة قانونية جديدة ،أو
تعديل مركز قانوني قائم أو إلغاءه ( ،) 41وعلى الرغم من أن عيب املحل في القرار
اإلداري يستوعب جميع العيوب التي تصيب القرارات اإلدارية وتجعلها باطلة ألن
استعمال السلطة واالنحراف بها عن هدفها تعتبرفي جميع األحوال مخالفة للقانون
باملعنى الواسع غير أن فقه القانون العام والقضاء اإلداري درجا على قصر دراسة
ونخلص مما تقدم إلى أن محل القرار اإلداري يكمن في موضوعه ،أو األثر
القانوني الناش ئ عنه واملتمثل بإنشاء حالة قانونية جديدة ،أو تعديل مركز قانوني
- 40قهيييار حسييين شيييريف ،الرقابييية القضيييائية عليييى ركييين المحيييل فيييي القيييرار اإلداري ،دراسييية مقارنييية ،بحيييث مقيييدم
إليييى مجليييس القضييياء فيييي إقلييييم كردسيييتان العيييراق ،وهيييو جيييزء مييين متطلبيييات الترقيييية مييين الصييينف الثاليييث إليييى
الصنف الثاني من أصناف اإلدعاء العام ،2017 ،ص 4وما بعدها.
- 41قييييرار المحكميييية اإلدارييييية العليييييا المصييييرية فييييي الطعيييين رقييييم 4358لسيييينة 37ق جلسيييية 1972/5/3مشييييار
إلييييه عنيييد رزايقيييية عبيييد اللطييييف ،الرقابييية القضيييائية عليييى مشيييروعية القيييرارات اإلداريييية فيييي التشيييريع الجزائيييري،
رسالة ماجستير ،جامعة الوادي ،كلية الحقوق ،الجزائر ،2013 ،ص .136
- 42أحميييد هنيييية ،عييييوب القيييرار اإلداري (حييياالت تجييياوز السيييلطة) مجلييية المنتيييدى القيييانوني ،العيييدد الخيييامس ،قسيييم
الكفاءة المهنية للمحاماة ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،الجزائر ،ص.53
ً
يشترط لصحة ركن املحل في القرار اإلداري أن يكون تنفيذه ممكنا من جهة،
ً َ
وأن يكون جائزا قانونا من جهة أخرى ،والقرارالذي ال يحتوي هذين الشرطين يكون
ً
معيبا في محله(.)43
ً ا
أوال :أن يكون حمل القرار اإلداري ممكنا:
َ
يكون محل القراراإلداري ممكنا إذا كانت هناك إمكانية لتنفيذه من الناحيتين
الو اقعية و القانونية ومن األمثلة على القرارات اإلدارية التي يستحيل تنفيذها من
ّ
الناحية الو اقعية القراراإلداري الصادربإزالة منزل ايل للسقوط ثم يتضح أن هذا
املنزل قد سقط بالفعل ففي هذه الحالة يستحيل تنفيذ محل القراروهوالهدم حيث
ً
يصبح منعدما( ،)44ومن األمثلة على القرارات اإلدارية التي يستحيل تنفيذها من
الناحية القانونية القرار اإلداري الصادر بترقية موظف على درجة مالية غير مدرجة
في امليزانية( ،)45وأن القرارات اإلدارية التي يستحيل ترتيب أثارها من الناحيتين
القانونية والو اقعية تعد بمثابة أعمال إدارية تنحدر إلى درجة االنعدام كما تسري
عليها أحكام القضاء في أي وقت مع جواز الطعن بها أمام القضاء دون تحديد مدة
َ
زمنية معينة إضافة إلى عدم جواز تنفيذها جبرا بالقوة حيث أنها ال تعتبر في حكم
- 43عبييييد العزيييييز عبييييد الميييينعم خليفيييية ،دعييييوى إلغيييياء القييييرار اإلداري ،األسييييباب والشييييروط ،منشييييأة المعييييارف،
اإلسكندرية ،2008 ،ص.163
- 44عمييييار بوضييييياف ،دعييييوى اإللغيييياء فييييي اإلجييييراءات المدنييييية واإلدارييييية دراسيييية تشييييريعية وقضييييائية وفقهييييية،
ط ،1دار الجسور للنشر ،الجزائر ص 196وما بعدها.
- 45قهار حسن شريف ،المرجع السابق ،ص.8
القانون قرارات إدارية و إنما تأخذ حكم العدم الذي ال يرتب أثر على حقوق األفراد
وال يؤثرفي مراكزهم القانونية( ،)46وإن استحالة تحقيق محل القرارقد تكون سابقة
على صدور القرار وقد تكون الحقة عليه ،ففي الحالة األولى تؤثر في صحة القرار
وتعدمه حيث ذهبت املحكمة اإلدارية العليا املصرية بتاريخ 1958/11/23إلى القول
" متى كانت مدة خدمة املطعون عليه قد انتهت بالقرارالصادرمن مجلس الوزراء في
7يناير 1954باملو افقة على اعتزاله من الخدمة فإن القرارالصادربترقيته بعد ذلك
ً ً
في 19ينايرسنة 1954يكون معدوما إذا لم يصادف محال يقبله ويقع عليه حيث لم
ً ً
يعد املدعى عليه موظفا قابال للترقية" أما في الحالة الثانية فال تؤثرعلى صحة القرار
من الناحية القانونية و إنما يقتصر أثرها على تنفيذه من الناحية العملية حيث
ً
يصبح هذا التنفيذ مستحيال(.)47
السارية ،أو أي مبدأ من املبادئ القانونية كمبدأ احترام الحريات العامة ،أو مبدأ
املساواة بين املواطنين في الحقوق والواجبات العامة ألن ذلك يعني أن محل القرار
ً ً
يستحيل تحققه قانونا وبالتالي يصبح القرار اإلداري املعيب بعيب املحل جديرا
ً
باإللغاء( ،)48وقد يحصل أن يكون محل القرار اإلداري ممكنا ولكنه غير مشروع
ومخالف لقاعدة قانونية معينة وسواء أكانت املخالفة تتعلق بقاعدة قانونية
ً ً َ
مستمدة من القانون أيا كان مصدرها سواء كان هذا املصدر نصا دستوريا أم
ً َ َ َ
تشريعيا صادرا من السلطة التشريعية أم قرارا تنظيميا صادرا من السلطة
روح التشريع العام وتكون لها مرتبة وقوة التشريع العادي( ،)50كمبدأ املساواة حيث
ذهبت املحكمة اإلدارية العليا السورية إلى القول " إن اإلخالل بمبدأ املساواة بين
املتماثلين في األوضاع والتفاوت في الضو ابط واملعاييرفي صدد الوقائع الواحدة يعد
ً
نأيا عن الوزن بالقسط املستقيم الذي هو عنوان العدالة ومثلها األعلى وهو أمرغير
مقبول في القانون أو املنطق التشريعي"( ،)51أو من العرف اإلداري الذي يفرض على
اإلدارة أن تسير على نحو معين في مواجهة حالة معينة بحيث تصبح القاعدة التي
تلتزمها بمثابة القانون املكتوب( ،)52أو من األحكام القضائية ،أو القرارات اإلدارية
السابقة التي يترتب عليها مراكز قانونية ذاتية أو حقوق مكتسبة ال تملك اإلدارة
املساس بها بقرارات الحقة( ،)53فإن عدم مشروعية املحل ال تعني انعدام القرار
اإلداري و إنما تؤدي إلى قابلية اإلبطال فبإمكان صاحب املصلحة الطعن فيه
ً
باإللغاء أمام القضاء اإلداري على أن يتم ذلك في املواعيد املقررة قانونا وإال تحصن
- 49حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية بتاريخ ،1958/7/12مجموعة أحكام السنة الثانية ،ص .166
- 50منييييى بشييييير أحمييييد محمييييد ،عيييييوب القييييرار اإلداري فييييي القييييانون السييييوداني ،بحييييث تكميلييييي مقييييدم إلييييى كلييييية
الدراسات العليا ،جامعة الخرطوم لنيل درجة الماجستير في القانون ،مايو ،2010ص 83وما بعدها.
- 51مجموعة المبادئ القانونية السورية لعام 1990حكم في القضية رقم 813في الطعن رقم .2196
- 52حكييييم مجلييييس الدوليييية المصييييري الصييييادر فييييي ،1953/6/23السيييينة السييييابعة ،ص ،1781مشييييار إليييييه عنييييد
منى بشير أحمد محمد ،المرجع السابق ،ص .84
- 53منى بشير أحمد محمد ،نفس المرجع السابق ،ذات الصفحة.
ً ً
واعتبرمشروعا( .)54وينبغي ملحل القراراإلداري لكي يكون مشروعا أيضا أن ال يخالف
النظام العام أو اآلداب العامة مع مالحظة أن األمر يختلف في حالة الضرورة أو
على تو افرظرف استثنائي تطبيق مبادئ املشروعية غيرالعادية التي بموجبها تصبح
ويحكم القاض ي اإلداري بعدم إلغائها وعلى هذا استقرقضاء مجلس الدولة الفرنس ي
في حكمه الصادر في 3نوفمبر 1923حيث اقر املجلس بمشروعية القرارات اإلدارية
القاضية باالمتناع عن تنفيذ األحكام القضائية إذا ما كان تنفيذها يؤدي إلى اإلخالل
باألمن والنظام(.)55
نستنتج مما تقدم أنه يشترط لصحة ركن املحل في القرار اإلداري أن يكون
ً ً ً
ممكنا من الناحيتين الو اقعية ،والقانونية ،وإال كان معدوما ،وأن يكون مشروعا
ً
ومنسجما مع القواعد القانونية املتمثلة بالدستور والقانون واألنظمة اإلدارية
السابقة ،والنظام العام واآلداب العامة .غيرأن عدم مشروعية املحل ال تجعل القرار
ً ً
معدوما ،بل قابال لإلبطال من قبل محكمة القضاء اإلداري عن طريق دعوى اإللغاء.
- 54سيييعيداني ياسيييين ،ركييين الشيييكل واإلجيييراءات فيييي القيييرار اإلداري ،رسيييالة ماجسيييتير ،جامعييية زييييان عاشيييور،
كلية الحقوق والعلوم السياسية2016 ،ـ ،2017ص.28
- 55فهد الدغير رقابة القضاء على قرارات اإلدارة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1988،ص.287 :
َ
وفقا للمادة الثامنة من قانون مجلس الدولة السوري رقم 55لسنة 1959فإن
محكمة القضاء اإلداري تختص بالفصل في القرارات اإلدارية ويكون لها والية
القضاء كاملة على أن يكون مرجع الطعن مخالفة القوانين أو اللوائح ،أو الخطأ في
تطبيقها وتأويلها(.)56
وعليه فإن تناولنا لهذا املوضوع سيكون من خالل املطلب األول الذي ندرس
فيه مخالفة القرار اإلداري للقانون بصورة مباشرة .أما في املطلب الثاني فنبحث في
َ
يكون القرار اإلداري مشوبا بعيب املخالفة املباشرة للقانون عندما تتجاهل
ً ً ً
اإلدارة القاعدة القانونية تجاهال كليا أو جزئيا ،وذلك بقيامها بعمل من األعمال
املحرمة بموجب هذه القاعدة ،أو االمتناع عن القيام بعمل يلزمه( ،)57وعليه فإن
1ـ املخالفة االيجابية للقانون :وتكون بقيام اإلدارة بإصدار قرار إداري يتضمن
مخالفة لقاعدة قانونية مستقرة وثابتة كقاعدة عدم رجعية القرارات اإلدارية،
ً
وتطبيقا ملا تقدم ذهبت الغرفة اإلدارية باملحكمة العليا في الجزائر إلى إلغاء قرار
- 56ويقابل هذه المادة ،نص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة المصري رقم 47لسنة .1972
- 57رزايقية عبد اللطيف ،المرجع السابق ،ص 138وما بعدها.
ً
إداري استنادا إلى املبادئ املعمول بها والتي تقض ي بأن القرارات الفردية الضارة
باألفراد ال تطبق في حقهم بأثررجعي و إنما تطبق ابتداء من تاريخ تبليغ قرارالتصريح
ً
بالعقوبات ومن ثم فإن القرار اإلداري الذي يقض ي بعقوبة تأديبية خالفا ملا ورد في
ً
أحكام هذا املبدأ يعد مخالفا للقانون( .)58كما يمكن للمخالفة اإليجابية للقانون أن
تكون بخروج اإلدارة على مبدأ تدرج القواعد القانونية والذي يوجب احترام القرار
اإلداري للقاعدة القانونية األعلى منه( ،)59ومن األمثلة على ذلك قيام اإلدارة بإصدار
قرار تسليم أحد الالجئين السياسيين باملخالفة للنص الدستوري الذي يحظر
ذلك(.)60
2ـ املخالفة السلبية للقانون :وتكون في حالة امتناع اإلدارة عن تطبيق القاعدة
القانونية أو رفض تنفيذ ما تفرضه عليها من التزامات ويتحقق ذلك عندما تكون
ً ً
ملزمة بإصدارقرارمعين ،أو إجراء تصرف محدد فإذا اتخذت موقفا سلبيا إزاء هذا
ً ً
االلتزام فإنها تكون قد ارتكبت مخالفة للقانون تجعل قرارها معيبا وقابال
لإللغاء( .)61حيث نصت املادة الثامنة من قانون مجلس الدولة السوري على أنه يعتبر
في حكم القرارات اإلدارية التي تقبل الطعن باإللغاء رفض السلطات اإلدارية أو
َ
امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح(.)62
- 58قيييرار المحكمييية العلييييا الصيييادر بتييياريخ ،1982/6/26عييين الغرفييية اإلداريييية رقيييم ،165مليييف رقيييم ،28223
مشار إليه عند أحمد هنية ،المرجع السابق ،ص .54
- 59رزايقية عبد اللطيف ،المرجع السابق ،ص .139
- 60قهار حسن شريف ،المرجع السابق ،ص19
- 61قهار حسن شريف ،نفس المرجع السابق ،ص.18
- 62أنظر المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة المصري النافذ.
ومن األمثلة على ذلك رفض اإلدارة منح ترخيص ألحد األفراد رغم استيفائه جميع
ً
الشروط القانونية الالزمة لذلك( .)63وتطبيقا ملا تقدم ذهبت محكمة القضاء
اإلداري السورية إلى إلغاء قراراإلدارة رفض إعطاء املستدعي الرخصة النهائية للبناء
في القطع العقارية التي آلت إليه نتيجة اإلفرازوالتقسيم وذلك بعد أن منحته اإلدارة
نخلص مما تقدم إلى أن مخالفة القرار اإلداري للقانون بصورة مباشرة قد
تكون إيجابية وقد تكون سلبية ،وتتحقق املخالفة اإليجابية عندما تتجاهل اإلدارة
ً ً ً
القاعدة القانونية تجاهال كليا أو جزئيا ،وذلك بقيامها بعمل من األعمال املحرمة
بموجب هذه القاعدة ،أما املخالفة السلبية فتتحقق بامتناع اإلدارة عن القيام بما
ً
أوال ـ اخلطأ يف تفسري القاعدة القانونية :ويتجلى يف صورتني:
1ـ الخطأ غير املقصود في التفسير :ويكون نتيجة للغموض الذي يكتنف
القاعدة القانونية وعدم وضوحها وتأويلها وتفسيرها بطريقة خاطئة ينتج عنه
إعطاءها معنى غير املعنى الذي أراده املشرع ويعتبر الخطأ في هذه الحالة غير عمدي
ووقع بحسن نية( ،)65ومن األمثلة على ذلك حكم مجلس الدولة الفرنس ي بتاريخ
ً
1934/6/29وتتلخص وقائع هذه القضية في أن املشرع الفرنس ي أصدر قانونا يجيز
متجنسين بالجنسية الفرنسية فأراد أحد أطباء األسنان الذي يحمل الجنسية
الفرنسية بامليالد أن يستفيد من تطبيق هذا القانون لتو افرشروطه بالنسبة له إال
أن اإلدارة رفضت طلبه على أساس أن القانون ينطبق فقط على املتجنس بالجنسية
الفرنسية دون الفرنسيين األصليين فقام مجلس الدولة الفرنس ي بإلغاء القرار
ً ً
معتبرا أن اإلدارة فسرت القرار تفسيرا خاطئا إذ من غير املعقول أن يكون املشرع
القاعدة التي خالفها القرار واضحة ال تحتمل الخطأ في التفسيرولكن اإلدارة تتعمد
التفسير الخاطئ للتحايل على القانون ومن األمثلة على الخطأ املقصود في التفسير
قيام اإلدارة بإصدار قرار بأثر رجعي معلنة أنه قرار تفسيري لقرار آخر سبق صدوره
وهذا تحايل واضح من جانبها على قاعدة عدم رجعية القرارات اإلدارية( ،)67كما أنه
يتعين على اإلدارة االلتزام باملبادئ العامة لتفسيرالنصوص التشريعية ومنها قاعدة
التشريع الالحق ينسخ التشريع السابق مع حمل ألفاظ النص على ما يقتض ي به
االصطالح القانوني وأن تبحث عن أغراض التشريع في نصوصه أوال قبل التماسها في
َ
األعمال التحضيرية ويترتب على مخالفة ذلك أن أي قرار تصدره اإلدارة استنادا إلى
َ
التفسير الخاطئ يكون مشوبا بعيب مخالفة القانون( ،)68وملواجهة الخطأ املقصود
في التفسير من قبل اإلدارة ذهب مجلس الدولة املصري إلى وضع قاعدة عامة
مفادها " أنه ال وجه للتفسيرإال حيث يكون ثمة غموض موجود في القانون"(.)69
ً
ثانيا ـ اخلطأ يف تطبيق القاعدة القانونية على الواقعة:
إن تطبيق القانون مرهون بتحقق حالة و اقعية معينة وأن تتو افر في هذه
الحالة الو اقعية الشروط التي يتطلبها املشرع فإذا قامت اإلدارة بإصدار قراراتها
دون تحقق الحالة الو اقعية املعينة ،أو لم تتو افر فيها الشروط املعنية فإن هذه
ً
واستنادا ملا تقدم فإن الخطأ في تطبيق القانون على الو اقعة يكون في الحالتين
التاليتين:
يتجلى الخطأ في هذه الصورة بصدور القرار على غير أساس من الو اقع املادي
وتنتصب رقابة القضاء اإلداري في هذه الصورة على حدوث الوقائع التي استندت
إليها اإلدارة في إصدار القرار اإلداري فإذا اتضح له أنه لم يستند إلى وقائع مادية
ً
معينة فإنه يكون مخالفا للقانون النعدام األساس القانوني الذي يقوم عليه(،)71
ومن األمثلة على ذلك أن تكون الوقائع املنسوبة للموظف ذات وجود مادي لكنها ال
َ
تشكل خطأ تأديبيا وال تدخل ضمن فئة األخطاء التأديبية ،فإذا تأكد القاض ي
ً
اإلداري من أن املوظف لم يرتكب فعال الخطأ املنهي املنسوب إليه فإنه يلغي قرار
ً
الفصل لعدم مشروعية السبب نظرا النعدام الو اقعة القانونية التي تسمح لإلدارة
اتخاذ قرار الفصل( ،)72كما يتعين على املحكمة مر اقبة صحة الوقائع املادية التي
انبنى عليها القرار وثبوت وجودها وقت صدور القرار ألن العبرة في تقدير مشروعية
ً
القرارات اإلدارية هي بوقت صدورها( ،)73وتطبيقا ملا تقدم ذهبت محكمة القضاء
اإلداري املصرية في أحد أحكامها إلى القول " أن و اقعة الزواج العرفي ال تتضمن
ً َ
إخالال بواجبات الوظيفة ومقتضياتها وبالتالي ال تعتبر ذنبا يستوجب العقاب.
واستندت املحكمة إلى أن كل ما يرتبه القانون على الزواج غيرالثابت بوثيقة رسمية
هو عدم سماع دعوى الزوجة عند اإلنكاروال يستفاد من ذلك حظرالزواج العرفي أو
ً ً
اعتباره غيرقائما شرعا وليس في ما أقدم عليه املدعي مخالفة للقوانين واللوائح وال
ً
مخالفة ألحكام الشرع أو النظام العام ،كما ال يعتبر ذلك إخالال من املدعي بواجبات
وظيفته أو سلوكه الوظيفي حتى يصدق على تصرفه ما ورد في القرار التأديبي في
وصف هذه الو اقعة ذلك أن املدعي لم يكن يباشر عند زواجه عمله الرسمي و إنما
ً ً
كان مثله مثل أي فرد عادي ال حرج عليه في أن يتزوج زواجا عرفيا دون أن يوثقه"(.)74
ال يكفي أن تكون الوقائع التي استندت إليها اإلدارة في إصدارقراراتها سليمة في
ذاتها ،و إنما يجب أن تكون مستوفية للشروط القانونية التي تجعلها مبررة
ً ً
للقرار( ،)75ولكي يكون القرار اإلداري مشروعا ومنتجا آلثاره القانونية يجب أن ال
يغلط مصدر القرار في الوصف القانوني للوقائع التي أخذها بعين االعتبار أي أن
ً ً
طبيعة تلك الوقائع يجب أن تبرر قانونيا القرار اإلداري( ،)76وتطبيقا ملا تقدم ذهبت
املحكمة اإلدارية العليا املصرية إلى القول " ومن حيث أن القرار اإلداري يجب أن
يقوم على سبب يبرره في الو اقع وفي القانون وذلك كركن من أركان انعقاده باعتباره
ً ً
تصرفا قانونيا إذ ال يقوم أي تصرف قانوني بغيرسبب وملا كان القراراملطعون فيه ال
- 74حكيييم محكمييية القضييياء اإلداري المصيييرية فيييي ،1975/6/5السييينة الثانيييية ،ص ،315مشيييار إلييييه عنيييد منيييى
بشير أحمد محمد ،المرجع السابق ،ص.89
- 75أحمد هنية ،المرجع السابق ،ص.55
- 76رزايقية عبد اللطيف ،المرجع السابق ،ص.151
ً
يقوم على سبب يبرره فإنه يكون قد صدر مخالفا للقانون ويتعين إلغاؤه"( .)77وإن
مالئمة القرار اإلداري للوقائع تفيد في معرفة مدى التناسب بين الوقائع والقرار
اإلداري حيث ذهبت املحكمة اإلدارية العليا املصرية في الطعن رقم 4555لسنة 44
اإلدارة لسلطتها مما يصيب قرارها التأديبي بعدم املشروعية ويجعله واجب اإللغاء
وهذا ما ذهبت إليه في إلغاء قرارمجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة األزهر
فيما تضمنه من توقيع عقوبة اللوم مع تأخير العالوة ملدة عامين على أعضاء هيئة
التدريس حيث استبدلت هذه العقوبة بعقوبة التنبيه بعدما استبان أن تلك
بصورتين الصورة األولى وتتمثل في الخطأ في تفسير القاعدة القانونية وهذا الخطأ
ً
قد يكون مقصودا وقد يكون غير مقصودا ،والصورة الثانية وتتمثل في الخطأ في
تطبيق حكم القاعدة القانونية على الو اقعة ،وذلك من خالل عدم تحقق الو اقعة
التي استند إليها القرار اإلداري ،وأن ال يتو افر في الو اقعة الشروط القانونية املبررة
إلصدارالقراراإلداري.
- 77قيييرار المحكمييية اإلداريييية العلييييا المصيييرية بتييياريخ 18ديسيييمبر 1971مشيييار إلييييه عنيييد راغيييب ماجيييد الحليييو،
القضاء اإلداري ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،1985 ،ص.434
- 78عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،المرجع السابق ،ص 266وما بعدها.
اخلامتة:
ً
أوال ـ النتائج:
يقصد بمحل القرار اإلداري موضوعه ،أو األثر القانوني الناش ئ عنه واملتمثل
بإنشاء حالة قانونية جديدة ،أو تعديل مركزقانوني قائم ،أو إلغائه .ويشترط لصحة
ً
ركن املحل في القرار اإلداري أن يكون ممكنا من الناحيتين الو اقعية ،والقانونية،
ً ً ً
وإال كان معدوما ،وأن يكون مشروعا ومنسجما مع القواعد القانونية تحت طائلة
إن مخالفة القرار اإلداري للقانون قد تكون بصورة مباشرة ،أو بصورة غير
مباشرة ،وتتحقق املخالفة املباشرة للقانون بإتيان اإلدارة بفعل إيجابي يتمثل
بقيامها بعمل من األعمال املحرمة بموجب قاعدة قانونية .أو بفعل سلبي يتمثل
بامتناع اإلدارة عن القيام بما هو واجب عليها .أما املخالفة غير املباشرة للقانون
في تطبيق حكم القاعدة القانونية على الو اقعة ،وذلك من خالل عدم تحقق
الو اقعة التي استند إليها القرار اإلداري ،وأن ال يتو افر في الو اقعة الشروط
ً
ثانيا ـ التوصيات:
1ـ توص ي الدراسة بالتركيز على دراسة ركن املحل بصفة مستقلة عن باقي أركان
2ـ توص ي الدراسة بتزويد صانع القرار اإلداري بالخبرة القانونية الالزمة عبر
ملخص البحث:
يقدم هذا البحث دراسة مختصرة ملوضوع؛ ما جرى به العمل في الفقه املالكي،
بغرض الوقوف على أهم آثاره في النهوض بالقضاء في هذا املذهب الفقهي الذي يعتبر
وقد أظهر البحث أن ما جرى به العمل يتجلى أثره في القضاء في املذهب املالكي
من خالل ثالثة جوانب ،وهي:
-تخليص القاض ي املالكي من وهدة الجمود على تركة املذهب ،والتعصب
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 47
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
-إمداد القاض ي بآلة االجتهاد املآلي من خالل املوازنة بين املصالح واملفاسد
وتقديم درء املفسدة على جلب املصلحة.
-تطوير املذهب الفقهي الذي يدين به القاض ي نفسه ،عن طريق تأصيل
فقهي عملي يعتد بتغيرات الو اقع ،ويراعي أعراف الناس ،ويلتفت إلى مآالت األمور.
مقدمة.
وبعد؛ يروم هذا البحث دراسة موضوع آثار ما جرى به العمل في النهوض
بالقضاء في املذهب املالكي ،باعتبار أن ما جرى به العمل يعد أحد أهم املوضوعات
التي نالت من الفقهاء املالكية في الغرب اإلسالمي قسطا كبيرا وحظا و افرا من
العناية واالهتمام ،فعملوا على إمعان النظر فيها ،وبذلوا جهودا جلى في جمعها
وتدوينها حتى يسهل تناولها واالستفادة منها والرجوع إليها من طرف الفقهاء والقضاة
لتكون مرجعا وعونا لهم في استنباط األحكام وتنزيلها على ما يعرض عليهم من نوازل
وقضايا.79
إثباته.
-79تبصير األكياس بالتقعيد الفقهي لمسائل جرى بها عمل فاس ،لألستاذ إبراهيم والعيز .ط1438 .1 /هـ2017 /م.
آنفو-برانت-فاس .ص.5 /
ويتكون البحث من مقدمة ،وثالثة مباحث ،وخاتمة ،وبيان ذلك على الوجه
اآلتي :املبحث األول :تحديد مفاهيم ومصطلحات البحث ،وهي :ما جرى به العمل،
والقضاء ،واملذهب املالكي .املبحث الثاني :ما جرى به العمل؛ أقسامه ،وأسباب
ظهوره ،وشروط إثباته .املبحث الثالث :أثر ما جرى به العمل في النهوض بالقضاء في
املذهب املالكي.
وقبل توضيح وبيان بعض آثار ما جرى به العمل في النهوض بالقضاء في
املذهب املالكي ،يفرض علينا املنهج أن نقوم بتحديد داللة مصطلحات البحث ،وهي:
-1-ما جرى به العمل؛ لقد تعددت تعريفات مالكية الغرب اإلسالمي ملا جرى به
العمل ،فعرفوه بتعاريف متقاربة املبنى واملعنى ،ويستفاد منها جميعا أن ما جرى به
العمل هو" :العدول عن القول الراجح أو املشهور إلى القول الضعيف في بعض
املسائل رعيا ملصلحة مجتلبة ،أو مفسدة مدفوعة ،أو عرف جار ،مع استقرار
-80انظــر؛ * نظرية األخذ بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي ،لألستاذ عبد السالم العسري .طبعة
وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية للمملكة المغربية 1417 .هـ1997 /م .ص.102 /
* تحفة أكياس الناس بشرح عمليات فاس ،للمهدي الوزاني .طبعة وزارة األوقاف المغربية1422 .هـ2001 /م.
ج .1 /ص.43 /
* مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها ،لألستاذ عالل الفاسي .مكتبة الوحدة العربية -الدار البيضاء ،دون ذكر
الطبعة وتاريخ الطبع .ص.153 /
ويفهم من هذا أن إجراء العمل بناء على القول الضعيف أوالشاذ إذا تعلقت
به مصلحة شرعية معتبرة أمر اجتهادي ال يقوم به إال من كان أهال لالجتهاد ،وتوفرت
فيه شروطه؛ من العلم بأصول الفقه ،واإلحاطة بمقاصد الشريعة ،والفهم الشامل
لو اقع األمة ،و"ما تقتضيه حالتهما االجتماعية" ،81مع أخذ املآل بعين االعتبارحين
قصد تنزيل الحكم أو الفتوى على النازلة؛ ذلك فإن فتح الذرائع من أجل تحصيل
املصالح واالستزادة منها ،يتطلب املوازنة بين املصالح واملفاسد حين تزاحمها ،كما
يتطلب ترجيح بعضها على اآلخر بناء على قواعد وآليات أصلها علماء األصول،
واستحضار هذه اآلليات والقواعد حين إجراء العمل هو عين االجتهاد .قال محمد
بن الحسن الحجوي" :وعليه فالعمل ال يعتمد إال إذا جرى بقول راجح ،أو من قاض
مجتهد الفتوى بين وجه ترجيح ما عمل به ،ألن املجتهد هو الذي يقدرعلى تمييزما هو
مصلحة وما هو مفسدة ،أو ذريعة إليها ويميز ما هو في رتبة الضرورات أو الحاجيات،
وما هو في رتبة التحسينات ،...وعلى كل حال ال يقدرعلى نقد مثل هذا إال من بلغ رتبة
االجتهاد املذهبي ،أما من لم يبلغها فليس له رخصة في أن يترك املشهور إلى الشاذ في
ويفهم من تعريف ما جرى به العمل أيضا ،أن العمل أيا كان داعيه فهو مبني
على مذهب اإلمام مالك ،فإذا كان ملتفتا فيه إلى جلب املصالح فهو على أصله في
-81مباحث في المذهب المالكي بالمغرب ،للدكتور عمر الجيدي .ط1993 .1 /م .دون ذكر مكان الطبع .ص.181 /
-82الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي ،للعالمة محمد بن الحسن الحجوي .بعناية؛ هيثم خليفة طعيمي .ط.1 /
1427هـ2006 /م .المكتبة العصرية-لبنان .ج .2 /ص.710-709 /
االستصالح ،وإذا كان منظورا فيه إلى درء املفسدة فهو على أصله في سد الذرائع،
وإذا كان مستنده العرف فهو على أصله في مراعاة العوائد واألخذ باألعراف ،وهذا
ما قصده العالمة عبد هللا بن بيه بقوله" :العمل ال بد له من قول يعتمد عليه ،فهو
على سبيل اإللزام" ،84والقاض ي "هو النائب عن اإلمام في تنفيذ األحكام" ،85ويكون
القضاء بهذا املعنى جزءا من أجزاء اإلمامة الكبرى إلى جانب الفتيا ،ولذلك اشترط
مثله مثل سائر العمال الذين والهم اإلمام لينوبوا عنه في بعض الكلف واألشغال
التي عليه أن يقوم بها للمسلمين ،وله الحق في عزلهم متى شاء ،كما هو الشأن فيمن
الفاضل بن عاشور" :فكان ظهورمالك بن أنس رض ي هللا عنه ،لم يحدث أمرا جديدا
-83صناعة الفتوى وفقه األقليات ،للشيخ عبد بن بيه .ط2007 .1 /م .دار المنهاج-بيروت .ص.120 /
-84تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام ،البن فرحون .تحقيق؛ الشيخ جمال مرعشلي .طبعة؛ 1423هـ/
2003م .دار عالم الكتب-الرياض .ج .1 /ص.9 /
-85البهجة في شرح التحفة ،ألبي الحسن علي بن عبد السالم التسولي .طبعة؛ 1412هـ1991 /م .دار الفكر-بيروت.
ج .1 /ص.34 /
-86اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام وتصرفات القاضي واإلمام ،لشهاب الدين القرافي .تحقيق؛ أخمد فريد المزيدي.
ط1425 .1 /هـ2004 /م .دار الكتب العلمية-بيروت .ص.14 /
-87شرح ميارة ا لفاسي على تحفة الحكام في نكت العقود واألحكام البن عاصم األندلسي ،ألبي عبد محمد بن أحمد
ميارة .تحقيق؛ عبد اللطيف حسن عبد الرحمن .ط1420 .1 /هـ2000 /م .دار الكتب العلمية-بيروت .ج .1 /ص.18 /
-88أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي ،للدكتور محمد رياض .ط1416 .1 /هـ1996 /م .مطبعة النجاح
الجديدة-الدار البيضاء .ص.99 /
في هذا الفقه الذي استمر متسلسال من عصر فقهاء الصحابة إلى فقهاء التابعين
حتى تلقاه مالك بن أنس لم يحدث فيه شيئا جديدا ،إال أنه درج على الطريقة أو
املنهج الفقهي الذي وجد الناس متعاقدين عليه من قبله ،ثم إنه زاد على ذلك أن
استقرأ من األمر الو اقعي العملي بتتبع فروع الفتاوي وجزئيات األحكام الشرعية
التفصيلية التي اجتهد فيها هو واجتهد فيها من قبله من فقهاء الصحابة وفقهاء
التي ينبغي ..فيما يرى هو وفيما يدرك من سيرة الفقهاء الذين اقتدى بهم وتكون
بتخرجه بهم من قبل ..أن يكون السيرعليها في استنباط األحكام الفرعية التفصيلية
من أصولها اإلجمالية ،فكان ظهوراألصول لتلك البيئة الفقهية املدنية على يد مالك
بن أنس ،ولذلك اشتهرهذا املذهب باإلضافة إلى اسمه ،فقيل :املذهب املالكي".89
-أ -العمل املطلق؛ وهو العمل الذي ال يختص ببلدة واحدة ،ألنه في الغالب ال
يرتبط بالعرف الخاص بل يكون أساسه؛ إما العرف العام ،أوتبدل املصالح والعلل،
-89المحاضرات المغربيات ،للشيخ الفاضل بن عاشور .دون الطبعة والتاريخ .الدار التونسية للنشر-تونس .ص.73 /
وقد ألف الشيخ السجلماس ي 90كتابا يعرف بالعمل املطلق ،91قصد به جمع األحكام
التي وصفت باملعمول بها ،أو إنه قد عمل بها دون مراعاة شروط العمل الخاص،
ويدخل في دائرة العمل املطلق؛ تلك األحكام الواردة في مختصر الشيخ خليل،92
-ب -العمل املقيد وهوالعمل الخاص؛ وهوالذي يجري في بلد معين ،وتراعى فيه
البيئة املكانية ،فال يطبق إال في البلدة التي جرى فيها ذلك العرف الذي استندت إليه
األحكام الجاري فيها العمل ،وبهذا يكون العمل املقيد ال يتعدى بلده إلى بلدان أخر،
وذلك مثل؛ العمل القرطبي ،والعمل الفاس ي ،والعمل السوس ي ،والعمل املراكش ي،
والعمل التطواني...
وملا كان هذا النوع من العمل خاصا غير متعد ،فقد نص العالمة الزقاق 93في
الميته على ذكر البلدة فاس حينما استعرض املسائل التي جرى بها العمل في فاس،
فقال:
وفي البلدة الغراء فاس وربن ـ ـ ــا***يقي أهلها من كل داء تفض ـ ـال
محمد بن أبي القاسم السجلماسي ثم الرباطي ،صاحب شرح العمل الفاسي الذي انكب القضاة -90هو أبو عبد
والمفتون عليه ،كان فقيها محررا نقادا ،وكتبه تدل على واسع اطالعه ،توفي بأبي الجعد بالوباء يوم السبت 11شوال
من سنة؛ 1214هـ .الفكر السامي .ج .2 /ص.625 /
-91نظرية األخذ بما جرى به العمل .ص.114 /
-92الفكر السامي .ج .2 /ص.710 /
-93هو أبو الحسن علي بن قاسم محمد التجيبي الشهير بالزقاق الفاسي ،نظم المنهج المنتخب في أصول المذهب ،وله
الالمية الشهيرة ضمنها أحكاما فقهية في مسائل جرى بها العمل في فاس يكثر حدوثها ويحتاج القضاة لمعرفتها .توفي
عن سن عالية سنة؛ 912هـ .جذوة االقتباس في ذكر من حل من األعالم مدينة فاس ،ألحمد بن القاضي المكناسي .طبعة؛
1973م .دار المنصور للطباعة والوراقة-الرباط-المغرب .ج .2 /ص.477-476 /
* نظم الشيخ عبد الرحمن الفاس ي "ت ــ؛ 1096ه" بالنسبة لفاس وأهم املدن
املغربية.
إن ما جرى به العمل نشأ وترعرع على ما يبدو من املراجع التي اعتنت باملوضوع
في حواضر الغرب اإلسالمي ،وكانت بداياته األولى في ديار األندلس التي ازدانت
حواضرها بفقهاء كباركان لهم من سعة األفق ووفورالعلم ما أسعفهم على النهوض
ونقررهنا؛ أنه من غيراملتاح الوقوف على التاريخ الدقيق لبدايات ظهورما جرى
به العمل في حواضر الغرب اإلسالمي خاصة واملعلومات قليلة في هذا الباب،
واملصادر املهتمة بهذا اللون الفقهي ساكتة عن القول الفصل في هذا املوضوع ،إال
أن ما يلوح في األفق في هذا السياق من خالل بعض الدراسات املعاصرة املهتمة
-94فتح العليم الخالق في شرح المية الزقاق ،للشيخ ميارة الفاسي .ص.445 /
ببحث فقه ما جرى به العمل؛ أن األخذ به في الحاضرة األندلسية كان جاريا في
أما في املغرب األقص ى فإن تحديد بداية األخذ بفقه العمل صعب وعسيرجدا،
غيرأن القرائن ناهضة على أن الفقهاء ركنوا إليه في غضون القرن الثامن الهجري،
حيث كان العمل بشهادة اللفيف 96جاريا آنذاك ،ويدل على ذلك جواب أبي الحسن
الصغير97؛ حين سئل عن رسم شهد فيه أحد وثالثون رجال ،يكتفى فيه بهذا العدد
أما الدواعي واألسباب التي جعلت الفقهاء والقضاة في الغرب اإلسالمي يأخذون
بهذا اللون الفقهي الجديد ،رغم علمهم بكونه مخالفا للمشهور والراجح،
فيستعص ي على الباحث استقراؤها باملرة ،لكن يمكن اإلشارة إلى البعض منها ولو
-أ -تطور الحياة وتبدل األعراف والتقاليد وعجز النصوص الفقهية التي كانت
-95الفكر السامي .ج .2 /ص ،711-708 /وتحفة أكياس الناس .ج .1 /ص.13-10 /
-96وصورتها" :أن يأتي المشهود له باثني عشر رجال كيفما اتفق من اجتماع أو افتراق إلى عدل منتصب للشهادة
فيؤدون شهادتهم عنده ،فيكتب رسم االسترعاء على حسب شهادتهم ويضع أسماءهم عقب تاريخه ،ثم يكتب رسما آخر
أسفل الرسم نفسه ،ثم يضع عدالن أسماءهما في أسفل الرسم الثاني" .وسميت بشهادة اللفيف الجتماع من يصلح للشهادة
فيها ومن ال يصلح مع اختالط الناس فكأنما لف بعضهم إلى بعض .فتح العليم الخالق في شرح المية الزقاق ،لإلمام أبي
محمد ميارة الفاسي .تحقيق؛ رشيد البكاري .ط1429 .1 /هـ2008 /م .المكتبة العصرية-بيروت .ص-283 / عبد
.284
-97أبو الحسن علي بن عبد الحق الزرويلي الشهير بالصغير ،ولي القضاء بتازة ثم بفاس ،فأقام الحق على الكبير
والصغير حتى أمراء بني مرين ،له شرح على التهذيب للبرداعي .توفي سنة؛ 719هـ .جذوة االقتباس ،البن القاضي.
ج .2 /ص.472 /
-98نظرية األخذ بما جرى به العمل في المغرب .ص.338 /
وتغطيتها ،مما فرض إعادة النظر في األقوال االجتهادية ،وخصوصا ما كان مدركه
منها العرف والعادة على ضوء تلك التغيرات الطارئة باستمرار؛ ألن "كل ما في
الشريعة يتبع العوائد ،يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة
املتجددة".99
فيوجدوا مخارج شرعية لكل ما ال يتنافى منها مع أصل الشرع ،ويردوا ما ال يقبله منها
وال يسعه ،وال عيب على الفقهاء في األخذ بما كان مهجورا إن دعت الضرورة لذلك؛
-ب -فتح باب املرونة التي تو افق طبيعة البيئة املحلية ،وهذا السبب في
املندمجة في عموم الشريعة اإلسالمية ،ولعله من هذا الجانب كان فقهاء املغرب
يقدمون ما جرى به العمل على القول املشهور من آراء كبار الفقهاء ،وهذا منتهى
والتو افق مع البيئات املحلية في بالد املغارب على وجه العموم ،بل سارعوا إلى
املناداة "بتوجه اجتهادي خاص ال يتعارض مع أصول املذهب املالكي ويفتح باب
-99شريعة اإلسالم؛ خلودها وصالحها للتطبيق ،للدكتور يوسف القرضاوي .طبعة؛ .1983المكتب اإلسالمي-بيروت.
ص.80 /
-100تحفة أكياس الناس .ج .1 /ص.11 /
-ج -تحقيق املصالح ودرء املفاسد؛ ذلك أن ما جرى به العمل ال يعني معاندة
األصول الكلية ،أو هدم القواعد الشرعية ،أو عدم مراعاتها في مقاصدها السامية،
املجتمع اإلسالمي الخاصة والعامة جعل املهتمين من كبار الفقهاء وخبراء اإلفتاء
يقدمون الضعيف على املشهورفي املذهب إن وجد ما يشهد له من أدلة الشرع ،جلبا
للمصلحة ودرءا للمفسدة ،وتوخيا للحفاظ على سالمة املجتمع اإلسالمي ،وكسبا
لنسق املجتمع السليم الذي بناه القرآن الكريم والسنة املطهرة وأصله علماء
الشريعة وفقهاؤها ،بدءا بصحابة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وفقهاء دارالهجرة
والفقهاء املتقدمون ملا قرروا تشهير قول من األقوال ،ال شك أنهم الحظوا أن
ذلك القول في ذلك الزمن هو الذي كان يحقق مصالح العباد ،فلما جاء الفقهاء
املتأخرون وجدوا أن ذلك املشهور لم يعد في بعض األزمان وفي بعض األمكنة يحقق
ذلك الغرض ،101فأجروا العمل بالضعيف ملا فيه من تحقيق مصالح العباد .يقول
الدكتور عمر الجيدي" :وأصل ابتداء العمل بالشاذ وترك املشهور االستناد
الختيارات شيوخ املذهب لبعض الروايات ،وترجيحهم لبعض األقوال عدلوا فيها
عن املشهور ،ووجب باختيارهم العمل بها ملا اقتضته املصلحة ،ومستندهم في ذلك
قول عمربن عبد العزيز :تحدث للناس أقضية بقدرما أحدثوا من فجور".102
-د -رفع الخالف الناتج عن تعدد الروايات واألقوال في املذهب ،لقد اقتدى
فقهاء املالكية في هذا الباب باإلمام مالك رض ي هللا عنه ،الذي كان إن تعددت األدلة
لديه وتعارضت فيما بينها لجأ إلى الترجيح بينها بعمل أهل املدينة ،مقررا في ذلك
قاعدة أساسية ،وهي "أن الدليل الذي يصحبه عمل أهل املدينة يكون أرجح من
غيره" .103قال ابن شهاب الزهري رحمه هللا" :104أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا
حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ناسخه ومنسوخه وكان مالك ملا قدم العمل
إن تميز املالكية في االعتماد على ما جرى به العمل في االستنباط ،هو جوهر
عملية االجتهاد التي تقوم على الترجيح بين األدلة وفق تصور أصولي مسبق .قال
العالمة مصطفى بنحمزة" :وإذا كان املجتهد قد رجح نصا على آخر ،وأهمل نصا
وألغى آخر ،فليس في ذلك ش يء مما يمكن أن يقال عنه بأنه إهمال للسنة ،و إنما
األمر توفيق وعمل بترجيح األقوى ال غير" ،106وقال الدكتور الجيدي" :ويعزي بعض
العلماء السبب في قيام العمل إلى أن فقهاء املالكية ملا سجنوا أنفسهم داخل مذهب
واحد ال يتعدونه واجهتهم مشكلة تعدد األقوال في املذهب الواحد ،فحاولوا التغلب
عليها باعتماد القول الراجح واملشهور ،ولكن هذا الراجح واملشهورقد يعارضه مرجح
آخر ،كأن يكون فيه حرج ومشقة على الناس ،أو يخالف أعر افهم أو ما اعتادوه،
فيلجأ الفقهاء ملخالفة املشهور أو الراجح ،ويستندون إلى قول آخر ضعيف فيصبح
بجريان العمل به أقوى من الراجح أو املشهور ،وهي حيلة بارعة لجأوا إليها للتخفيف
ملا كان األخذ بما جرى به العمل من األمور املختلف فيها بين علماء الشريعة،
وكانت الكفة الغالبة هي كفة القائلين بضرورة األخذ به ،نظرا لحاجة الناس إليه،
خصوصا ملا تعقدت مشاكل الحياة ،وظهرت مسائل ونوازل لم تكن معهودة من قبل،
فإن علماء الشريعة األجالء اشترطوا شروطا دقيقة لقبول األخذ بالعمل في القضاء
-أ -التأكد من صدور العمل عن صاحبه ،وذلك سدا لألبواب على كل أفاك
كذاب ،أو مغرض متالعب بشرع هللا ،ال سيما وأن العمل أضحى في بعض األحيان
سالحا يضرب به في صدر األدلة ،فمتى حصل شك في ذلك قدم العمل بالراجح أو
املشهور.109
-ب -أن يكون صادرا من األئمة املقتدى بهم ،إن العمل ملا كان فرعا عن شجرة
االجتهاد اشترط الفقهاء في إثباته؛ أن يكون صادرا عن أئمة مقتدى بهم في العلم
والحال ،ومن قصر عن مدارك االختيار و افتقر إلى آلة الترجيح فباب العمل دونه
مسدود ،وهو عنه بمعزل ،إذ ال يتاح تقديم العمل على املشهورأو الراجح إال بموجب
شرعي يرجع تقديره إلى املجتهد ،ذلك أنه ملا كان تقديم الضعيف أوالشاذ على الراجح
أواملشهورعملية اجتهادية تقوم على تحقيق مصلحة ما ،أودرء مفسدة ما ،أوإعمال
دليل ما ،اشترط علماء املالكية أن يكون من يقوم بهذا العمل من مجتهدي الفتوى
-ج -معرفة زمان العمل ومكانه ،ألن ما ثبت جريان العمل به ،ربما يكون
مقصورا على زمان ومكان معينين ،لخصوصية استوجبت ذلك فيهما ،لذا اشترطت
معرفة السبب الذي أوجب ذلك ،ألنه األساس الذي يقوم عليه العمل ،بحيث إذا
انعدم السبب انعدم معه العمل ال محالة ،وما يالئم الناس في زمان ومكان معين قد
ال يالئمهم في غيره ،يقول الدكتورقطب سانو" :فإنه من الواجب املحتوم على املفتي
أن يراعي العادات والتقاليد واألعراف الصحيحة السائدة عند إرادته اإلفتاء في
-109يراجع تفصيل ذلك في؛ رفع العتاب والمالم عمن قال العمل بالضعيف اختيار حرام ،للشريف محمد بن قاسم القادري
الفاسي .ط ،1 /دون تاريخ .ص.8 /
-110صناعة الفتوى وفقه األقليات .ص.119 /
املسائل ذات الصلة والعالقة بهذا الجانب ،وال يجوزتجاهلها ،أوتغافلها ،كما ال يليق
-د -أن يكون العمل جاريا على قواعد الشرع ،إن العمل وإن كان ناكبا عن سنن
الجري على قواعد الشرع ،واملراد بذلك؛ القواعد الشرعية الكلية ،وأصول
االستنباط ،112وقد نص على ذلك جمع غفير من العلماء ،منهم الشيخ ميارة 113في
شرحه لالمية الزقاق ،114ومرادهم أن يكون العمل مبنيا على جلب مصلحة ،أو دفع
مفسدة ،أو مراعاة ضرورة ،ذلك أن العمل ال يقدم على املشهور عند التزاحم إال
بااللتفات إلى املدرك الذي تقوى به ،وإال كان زورا من القول وضربا من الهوى
والتشهي .قال الدكتور العسري" :إال أن الفقهاء الذين بحثوا في شروط العمل لم
يوجبوا أن يكون الدليل املستند إليه في العمل دليال معينا خاصا ،بل اكتفوا بالدليل
امللجئة أم حسم وسائل الفساد؟ ،وذلك حتى إذا زال املوجب عاد الحكم إلى أصله،
ألن العلة تدورمع املعلول وجودا وعدما كما قرراألصوليون .يقول العالمة الحجوي:
-111صناعة الفتوى المعاصرة؛ قراءة هادئة في أدواتها ،وآدابها ،وضوابطها ،وتنظيمها في ضوء الواقع المعاصر،
لألستاذ قطب مصطفى سانو .ط1434 .1 /هـ2013 /م .دون مكان الطبع .ص.129 /
-112صناعة الفتوى وفقه األقليات .ص.118 /
-113هو أبو عبد محمد بن أحمد الشهير بميارة ،الفاسي دارا وقرارا ،ألف كتبا مفيدة كشرحيه على المرشد المعين،
وشرح التحفة البن عاصم ،والمية الزقاق ،واختصار شرح الحطاب على المختصر .وتآليفه محررة سهلة مقبولة لدى
الفكر العام وغيره .توفي رحمه سنة؛ 1072هـ .الفكر السامي ،للحجوي .ج .2 /ص.611 /
-114المسمى فتح العليم الخالق في شرح المية الزقاق .ص.446 /
- 115نظرية األخذ بما جرى به العمل .ص.177 /
"فعلم أن القاض ي أو املفتي ال يجوزله االسترسال في اإلفتاء بما به العمل ،ويظن أنه
مؤبد ،بل هو مؤقت ما دامت املصلحة أو املفسدة التي ألجلها خولف املشهور ،فإذا
ذهبت رجع الحكم باملشهور ،ألنه واجب واالنتقال عنه رخصة للضرورة ،فإذا زالت
ومعرفة املوجب تراعى كذلك حتى نعرف مستند القول الذي جرى به العمل،
هل يقوى إلى مرتبة إجراء العمل أم ال؟ ،ألن العمل إذا كان مستنده شديد الضعف
ال عبرة به ،وذلك مثل؛ جريان العمل بترك اللعان وحرمان الزوج منه ،مع العلم أن
-و -أن يتابع القضاة واملفتون املشهود لهم بالكفاءة والعلم هذا القاض ي أو
املفتي على الحكم الذي أجرى فيه العمل ،إن الذي يجري العمل ملا تعرض عليه
* وإما أن يكون مقلدا ال قدرة له على الترجيح وال على االختيار بين األقوال
املتعارضة.
وإذا كان من أهل الترجيح ومن لهم أهلية االختيار ،واختارللخروج من اإلشكال
الذي وقع فيه أن يعمل بالقول الضعيف ويترك القول املشهورالراجح ،فإن حاله ال
يخلو من أمرين:
* إما أن يرفض القضاة واملفتون متابعته على هذا الحكم ،ويبقى حكمه فرديا
* وإما أن يختاروا متابعته عليه ،فيتواردون على نفس االجتهاد الذي قام به
وعلى ترك املشهور والراجح واألخذ بالقول الضعيف ،وهنا ينشأ األصل املعتبر لدى
لها أثر واضح في النهوض بفقه القضاء عموما ،وبفقه القضاء في املذهب املالكي
خصوصا ،ألن لها صلة وثقى بمدارك االجتهاد وتطويرها ،وفتح باب إعمالها ،وبذلك
يتضح أن اإلنكار على ما جرى به العمل ،بأنه ال يجوز االحتجاج بالقول الضعيف أو
الشاذ في أي حال من األحوال غير مسلم ،ألن إجراء العمل ال يكون اعتدادا بالقول
نفسه ،و إنما باملدارك التي اعتضد بها كاملصلحة ،أو العرف ،أو الحاجة ،وهي كلها
أصول وقواعد محكمة في مذاهب الفقهاء وفتاوى العلماء بما ال يحتاج إلى تقرير،
فضال عن نصب برهان ،ومن تم يترقى القول الضعيف املفتى به من رتبة الرد إلى رتبة
بالضوابط الشرعية املشارإليها في هذا البحث ،يعود على القضاء في املذهب املالكي
-1-ارتياد القاض ي املالكي آلفاق البحث والنظر ،وتمرسه على طرائق املوازنة
-2-إمداد القاض ي بآلة االجتهاد املآلي؛ ذلك أن حياده عن املشهور قد يكون في
بعض األحيان التفاتا إلى خصوصية الزمان ،وخصوصية املكان ،باعتبارهما وعاءين
مؤثرين في الحكم املراد تنزيله على الو اقع ،واعتدادا بثمرة هذا الحكم الذي ال بد أ
ن يثمرمقصده عند التنزيل ،بعيدا عن أسباب التعطيل واالنطماس ،و أكثرما يتجلى
هذا النظر املآلي الراشد في تلكم املواضع التي يجري فيها األخذ بالعمل درءا ملفسدة
راجحة.
-117ما جرى به العمل في الفقه المالكي "نظرية في الميزان" ،للدكتور قطب الريسوني .مجلة العدل .العدد .43 /رجب
1430هـ .ص ،44 /وما بعدها.
-3-تطوير املذهب الفقهي الذي يدين به القاض ي نفسه ،عن طريق تأصيل
فقهي عملي يعتد بتغيرات الو اقع ،ويراعي أعراف الناس ،ويلتفت إلى مآالت األمور،
والحقيقة فإن القاض ي املجتهد في إطار فقه العمل ،املوازن بين كفتي املصالح
* األولى فهم املراد اإللهي من الوحي أحكاما ومقاصد استهداء بأدوات االستنباط
ومناهج االستدالل.
* والثانية ،فهم مواز للفهم األول ،وهو الفقه في الو اقع اإلنساني املتغير املنزل
وبالفقهين معا؛ فقه النص ،وفقه الو اقع تتمتن عرى الوصل ،ووشائج القربى،
بين وحي السماء وو اقع األرض ،فتغدو حياة الناس منفعلة بتعاليم الوحي ،ومتشربة
ملقاصده ،ويشق الوحي مجراه نحو الحضور الفعلي في الو اقع ،بقصد تكييفه وفق
وغير خاف على ذي بصيرة أن باب االجتهاد ملا أوصد بدعوى فقدان آلته وتعذر
شروطه ،وسد ذريعة التطاول عليه ،فتح الفقهاء املالكية بابا آخر هو ما جرى به
العمل ،لتتأتى للفقيه مدارجة مستجدات عصره ،والتدلي إلى أسباب و اقعه ،وكان
ناهضة ليصبح لها حظ من النظر واالعتبار ،ويبقى العمل مستمرا وجاريا بهذه
األقوال ما دام موجبها قائما ومدركها ناهضا ،فإن زال لعارض جديد عاد الحكم إلى
خامتة.
وبعد ختام هذا البحث الذي ناقش موضوع؛ ما جرى به العمل و أثره في
-1-إن من دواعي تجديد فقه القضاء ،والرقي به إلى مدارج الرشد؛ فتح باب
االجتهاد فيه على نحو يساير املستجدات ويفقه النوازل ويعرف و اقع الناس
ومعاشهم ،فضال عما يترتب على ذلك في العاجل واآلجل من صيانة الحقوق
واستقرار حبل العدالة وحماية بيضة الدين ،وما انحط قضاء إال بانحطاط رجاله،
فكان أمرها في ذهاب وإدبار ،وإذا كان هذا االنحطاط يعزى إلى بواعث شتى فإن
أكثرها تسلطا على النفس ،وتصرفا في الفكر؛ اإلغراق في التقليد والجمود على
مسطور املذهب وإن قامت الحجج الناهضة على مجافاته ملقتض ى الشرع وتنكبه
-2-فقهاء املالكية في الغرب اإلسالمي "األندلس واملغرب األقص ى" لهم يد
صالحة و أثرحسن في تجديد وتطويرفقه القضاء والنهوض به ،بالرغم مما اتسم به
بعضهم من تعصب وضرب في صور األدلة بآراء واجتهادات قد ال يكون لها سند
صحيح من صريح النصوص وصحيحها ،غير أن الفئة املتبصرة املنصفة منهم كانت
حريصة أشد الحرص و أقواه على أن يكون فقهها موصوال بر افد التجديد وممدودا
بسبب النماء.
-3-يعد فقه ما جرى به العمل من املالمح االجتهادية التي تسترعي النظر في
فقه القضاء املالكي ،ومقتضاه؛ العدول عن مشهور املذهب التفاتا إلى مصلحة
-4-وبغض النظر عن بعض االنتقادات التي وجهت إلى هذا اللون الفقهي
"فقه ما جرى به العمل" ،فإنه يبقى مع ذلك مجهودا مشكورا في مضمار االجتهاد
واالستنباط ،ومحاولة إيجاد األحكام الشرعية املناسبة للقضايا النازلة بالناس ،ألن
الفقهاء برهنوا من خالله على أنهم قادرون على مجابهة املستجدات واملشكالت
الو اقعة أو املتوقعة ،وأعطوا حلوال للنوازل والقضايا والحقوا من خالله التطور
البشري والتغير الزماني ،كما دللوا في ذات الوقت على أن الفقه املالكي فقه خصب
وقابل للتطور ،نظرا ملرونته وقوة قابليته لالستمرار والبقاء ،واستيعابه لكل ما يجد
على ساحة املعامالت ،فهو فقه يعتد بالو اقع ،ويأخذ بالعرف والعادات ،ويستند إلى
املصالح املرسلة ،وكلها قواعد أساسية في هذا الباب ،جعلت هذا اللون من الفقه
صفة ضرورية وحاجة الزمة للمجتمع ومادة اجتماعية تتأثربما يتأثربه هذا األخير.
ً ً
لعب القرار اإلداري دورا هاما في نشاط اإلدارة ،حيث يعتبر قوام عمل اإلدارة
ونشاطها ،ويعرف بأنه " التصرف القانوني الذي تتخذه اإلدارة املختصة بإرادتها
املنفردة وامللزمة قصد إحداث أثر قانوني مبتغية في ذلك إنشاء مركز قانوني جديد،
مقدمة:
نظرا لخطورة املهمة امللقاة على كاهل الجهة املكلفة بتحصيل الديون
الضريبية ،فقد خولها املشرع املغربي سلطات واسعة من أجل ضمان تحصيل
من طرف الخاضع للضريبة يترتب عنه تعرض حقوق الدولة للخطر املتمثل في
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 69
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
تعطيل تنفيذ برامجها التنموية ،118وعليه فان مختلف التشريعات تعتبر الدين
الضريبي واجب األداء الفوري في مقر مصلحة القباضات وفروعها املختلفة ،على
اعتبار أن الدين الضريبي كدين عمومي ،على خالف الديون الخاصة ،يعتبر دينا
محموال ال مطلوبا.119
غيرأنه قد تقوم منازعات ضريبية بين املدينين الخاضعين للضريبة وبين اإلدارة
الضريبية بمناسبة قيام هذه األخيرة بإحدى العمليات املتعاقبة التي تشارك في
تحصيل الضريبة ،فمن املعلوم أنه للوصول إلى استخالص ضريبة معينة ،البد أوال
من ربطها وذلك عن طريق توفر الو اقعة املنشئة لها ،وتقدير وعائها وتطبيق السعر
املناسب املنصوص عليه قانونا ،وصوال إلى عملية تحصيلها سواء باألداء الطوعي لها
أو عن طريق األداء الجبري ،ذلك أنه في حالة تخلف املدينين عن أداء الضريبة
املستحقة فإن اإلدارة الضريبية تقوم والحالة هاته باتباع إجراءات املتابعة والتنفيذ
على أموال املدينين املتخلفين عن األداء بمقتض ى طرق خاصة منصوص عليها
قانونا ،120وبالتالي فإن تنفيذ املحاسبين املكلفين بالتحصيل ملهامهم املختلفة قد
يؤدي الى خلق منازعات تكون أطر افها اإلدارة من جهة واملدينين الخاضعين
للضريبة من جهة ثانية121.
118محمد شكيري ،قانون رقم 97-15المتعلق بتحصيل الضرائب والديون العمومية – قراءة أولية ،مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،العدد ،37مارس – ابريل ،2009ص .21
119الصديق جعوان ،إشكالية التهرب الضريبي بالمغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في قانون االعمال ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية – الرباط _ اكدال ،السنة الجامعية ،2009/2008ص .241
120وهذه الطرق هي الوارد النص عليها ضمن المادة 39من مدونة تحصيل الديون العمومية ،ويتعلق االمر بكل من اإلنذار والحجز
والبيع واالكراه البدني.
121حسن العفوي ،المنازعات الضريبية امام القضاء بين التأسيس والتحصيل ،مقال منشور بمجلة المعيار ،العدد ،36دجنبر ،2006
ص .85-84
وفي هذا اإلطار فإن املدين الخاضع للضريبة ينتابه إحساس بضعف موقفه
اتجاه اإلدارة الضريبية ،ليصبح في وضع املشتكي أو املتظلم أو املدعي املطالب برفع
الضرر عنه ،وتصحيح وضعيته الضريبية ،الش يء الذي تبقى معه إشكالية البحث
عن التوازن بين الحقوق املالية للدولة وحقوق الخاضعين للضريبة مطروحة سواء
على مستوى مشروع القانون الضريبي ،أو على مستوى القضاء بمناسبة نظره في
املنازعات الناشئة بين اإلدارة الضريبية والخاضع للضريبة .وقد خول املشرع املغربي
في هذا الشأن للمدينين لإلدارة الضريبية بعرض نزاعاتهم أمام اللجان املحلية لتقدير
الضريبة واللجنة الوطنية للنظر في الطعون املتعلقة بالضريبة وكذا أمام القضاء،
وهو األمر الذي يفتح املجال أمامهم من اجل اللجوء إلى قاض ي األمور املستعجلة
بصفة خاصة – "من األنظمة القضائية األساسية التي وقع بها االهتمام من طرف
املشرع والقضاء والفقه على حد سواء ،فهوموضوع من املواضيع الهامة التي اعتنت
بها قوانين اإلجراءات ملختلف الدول ،ومرتع خصب لرجال الفقه فتدفقت فيه
اقالمهم بغزارة وسخاء ،وكان موضوع مساجالت حادة أمام منصات القضاء ،فدارت
محط اختالف شديد من هذا البلد إلى ذاك ،فهو ال يقل أهمية من القضاء العادي
إن لم يكن أكثر أهمية منه ،وجاءت قواعده أكثر صعوبة وخطورة من قواعد هذا
القضاء ،فضال عن دقته ،ودقته تكمن في امللكة القانونية الهائلة التي يجب أن تتوفر
في القاض ي الذي يسند اليه الفصل في القضايا االستعجالية ،فيمكن القول ،عن
صواب ،إن القضاء املستعجل بمثابة اإلسعافات األولية التي تقدم للمريض والذي
يوجد في حالة خطيرة جدا ،قبل ممارسة الفحوص الطبية عليه أو إجراء عملية
جراحية عليه"122 .
ووعيا منه بما للقضاء االستعجالي من اهمية في هذا اإلطار ،فإن املشرع املغربي
وكباقي مشرعي الدول األخرى ،أفرد لهذا النظام قسما خاصا وهو القسم الرابع من
قانون املسطرة املدنية باإلضافة إلى املادة 19من القانون رقم 90-41املحدث
للمحاكم اإلدارية والتي تمنح هذا االختصاص لرؤسائها لتطبيق القواعد العامة
املتعلقة بقضاء األمور املستعجلة وذلك بمقتض ى اإلحالة الواردة في املادة السابعة
من نفس القانون ،وال ننس ى كذلك املادة السادسة من القانون رقم 03-80املحدثة
بموجبه محاكم استئناف إدارية والتي تمنح هذا االختصاص للرؤساء االولين لهذه
املحاكم.
اإلدارية ،فإن رئيس املحكمة اإلدارية بصفته قاضيا للمستعجالت يكون مختصا
122عبد هللا درميش ،موقع القضاء المستعجل من القضاء بصفة عامة .مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية ،العدد ،41يناير – فبراير
،1986ص .10
للنظرفي جميع الطلبات الوقتية والتحفظية التي ترفع في شأنها بناء على احكام املادة
19آنفة الذكر.
فبالرجوع إلى القانون رقم 90-41املحدثة بموجبه محاكم إدارية نجده يسند في
وال من بعيد للشروط التي يتعين تو افرها في الطلب لكي ينعقد االختصاص لقاض ي
املستعجالت ،غير أن هذا النقص الذي اعترى الفصل 19أعاله ،قد تداركه املشرع
املغربي في نص سابق وذلك عندما أحال بمقتض ى املادة السابعة من نفس القانون
على مقتضيات قانون املسطرة املدنية والتي تكون هي الواجبة التطبيق أمام املحاكم
وبرجوعنا إلى قانون املسطرة املدنية املحال عليه بمقتض ى القانون 90-41
أعاله ،نجده ينص في الفقرة األولى من الفصل 149منه على أن رئيس املحكمة
االبتدائية يختص وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجالت كلما تو افر عنصر
بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل
على املحكمة أم ال ،باإلضافة إلى الحاالت املشار إليها في الفصل 148من نفس
القانون والتي يمكن لرئيس املحكمة االبتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا
ال تبت إال في اإلجراءات الوقتية وال تمس بما يمكن أن يقض ى به في الجوهر.
فمن خالل الفصلين 149و 152اعاله ،يتضح بأن قاض ي األمور املستعجلة في
املادة الضريبية ال ينعقد له االختصاص إال بتو افر شرطين جوهريين ،ويتعلق األمر
بكل من شرط االستعجال وشرط عدم املساس بأصل الحق ،وعليه سنتولى من
خالل هذا العمل املتواضع الحديث أوال على عنصر االستعجال في (املبحث األول)،
املتعلق بوقف تنفيذ إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي أمام قاض ي األمور
املستعجلة ،وذلك بالنظر للخطر الحقيقي الذي يحدق بالحق املراد املحافظة عليه
إال بتو افر هذا الشرط ،ذلك أن املشرع املغربي قد أشار إلى شرط االستعجال هذا
بمقتض ى الفصل 149من قانون املسطرة املدنية الذي ينص في فقرته األولى على أنه
"يختص رئيس املحكمة االبتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجالت كلما
توفر عنصر االستعجال في الصعوبات املتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو
األمر بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد
أحيل على املحكمة أم ال ،باإلضافة إلى الحاالت املشار إليها في الفصل السابق والتي
صريحة على مقتضيات الفصل 149أعاله ،وذلك حينما نصت على انه "تطبق أمام
املحاكم اإلدارية القواعد املقررة في قانون املسطرة املدنية ما لم ينص قانون على
خالف ذلك".
ولن تستقيم دراسة عنصر االستعجال إال بعد تناول مفهومه والقيام بتمييزه
عن املفاهيم األخرى املشابهة له (املطلب االول) ،هذا باإلضافة إلى محاولة الوقوف
اختصاص قاض ي األمور املستعجلة في املادة الضريبية (الفقرة االولى) ،وذلك قبل
محاولتنا التمييزبين هذا املفهوم وباقي املفاهيم األخرى املشابهة له (الفقرة الثانية).
لم يعن املشرع املغربي بإعطاء تعريف لعنصر االستعجال او حتى تبيان املعايير
التي تمكن من تحديده ،بل اكتفى باإلشارة إلى هذا العنصر في الفصول من 149الى
153من قانون املسطرة املدنية ،كما اشارإليه كذلك بصيغة غيرصريحة في القانون
رقم 95-53املحدث للمحاكم التجارية ،والذي تنص املادة 21منه على ما يلي:
"يمكن لرئيس املحكمة التجارية بصفته قاضيا لألمور املستعجلة وفي حدود
إذا كان النزاع معروضا على محكمة االستئناف التجارية ،مارس هذه املهام
رئيسها األول.
يمكن لرئيس املحكمة التجارية ضمن نفس النطاق – رغم وجود منازعة جدية
– ان يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال
او لوضع حد الضطراب ثبت جليا أنه غير مشروع" .أما على مستوى املادة االدارية
فقد منحت املادة 19من القانون رقم 90-41املحدث للمحاكم اإلدارية لرئيس
املحكمة اإلدارية صالحيات للبت في الطلبات الوقتية والتحفظية كلما كانت املحكمة
وعلى خالف املشرع املغربي ،فقد فضلت بعض التشريعات املقارنة تعريف
عنصر االستعجال ،كاملشرع الفرنس ي الذي عرفه في املادة 484من قانون املسطرة
املدنية الفرنس ي ،واملشرع السوري الذي عرفه في املادة 7/78من اصول املحاكمات
السورية ،إضافة إلى التشريع املصري الذي عرف االستعجال في املادة 45من قانون
املر افعات املدنية والتجارية املصري لسنة 1968والتي جاء فيها ما يلي" :ينتدب في
مقراملحكمة االبتدائية قاض من قضاتها ليحكم بصفة مؤقتة وعدم املساس بالحق
وأمام عدم وجود تعريف تشريعي لعنصر االستعجال في القانون املغربي ،فقد
تولى الفقه هذه املهمة ،إذ عرفه أحد الفقهاء بأنه "الحالة التي يخش ى فيها من ضياع
الوقت في مسألة تتصف بصفة االستعجال معروضة أمام القضاء" ،124في حين
عرفه آخربأنه "حالة من الحاالت تقتض ي تدبيرا فوريا يخش ى إن لم يتخذ هذا التدبير
حدوث ضرر ال يمكن تداركه في املستقبل" ،125بل هناك من عرفه بكونه "قيام خطر
حقيقي يخش ى فوات الوقت وحدوث ضرر ال يمكن تالفيه إذا رجع املدعي لدرئه إلى
123حلمي نفطاطة وسمير نور ،ايقاف تنفيذ اجراءات التحصيل على ضوء العمل القضائي والتشريع الضريبي ،مقال منشور بدفاتر
المجلس االعلى ،عدد ،16سنة ،2011اعمال الندوة الوطنية حول موضوع "االشكاالت القانونية والعملية في المجال الضريبي" ،ص
.346
124يونس معاطا ،المنازعات في تحصيل الديون الضريبية بالمغرب ،السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية ،العدد االول ،يناير
،2012الطبعة االولى ،2012طوب بريس الرباط ،ص .130
125عبد هللا الشرقاوي ،صعوبة تنفيذ االحكام والقرارات ،مقال منشور بمجلة القضاء والقانون ،عدد 17 ،128يوليوز ،1978ص -30
.31
املحكمة والتحقيق وإصدار األحكام وسلوك طرق الطعن العادية بشأنها" .126ويكاد
الفقه يجمع على تعريف موحد لعنصر االستعجال وهو أن املقصود منه هو ذلك
الخطرالحقيقي الذي يحدق بالحق املراد حمايته واملحافظة عليه ،هذا الخطرالذي
يلزم درؤه عنه بسرعة ال تكون عادة أمام القضاء العادي ولو قصرت مدد التقاض ي
أمامه.127
وعلى مستوى املادة الجبائية ،يقصد بمفهوم االستعجال " الحالة التي يرى فيها
126عبد اللطيف هداية هللا ،القضاء المستعجل في القانون المغربي ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة االولى ،1998ص .12
127عبد الكريم الطالب ،الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ،طبعة ابريل ،2013ص 102؛
كريم لحرش ،المنازعات الضريبية في القانون المغربي ،الطبعة االولى ،2013مطبعة طوب بريس-الرباط ،ص .134
محمد منقار بنيس ،القضاء االستعجالي ،مطبعة المعارف الجديدة-الرباط ،طبعة ،1998ص 51-50؛
سعيد العمري ،إيقاف تنفيذ الديون العمومية امام القضاء اإلداري االستعجالي ،دار نشر المعرفة –الرباط-المغرب ،مطبعة المعارف
الجديدة-الرباط ،الطبعة األولى ،2013ص 73؛
علي احنين ،م س ،ص .150
128منشور رقم 283بتاريخ ،1966/3/2منشور بمجلة الملحق القضائي عدد ،8-7بتاريخ فبراير .1983
129حسن العفوي ،المنازعة الضريبية امام القضاء بين التأسيس والتحصيل ،مقال منشور بمجلة المعيار ،العدد ،36دجنبر ،2006ص
.120
" وحيث إنه وبعد االطالع على ظاهروثائق امللف تبين لنا تخلف شرط جوهري ينعقد
االستعجال املعرف بكونه (الخطر الحقيقي املحدق بالحق املراد املحافظة عليه
والذي يلزم درؤه عنه بسرعة) ويبقى التحقق من تو افره أمر تقديري متروك
للقاض ي" ،130كما عرفه أمر آخر عندما ذهب إلى أن عنصر االستعجال يتجلى في
مفهوم الضررالذي يصعب تدارك نتائجه بعد التنفيذ ،131وهو نفس التعريف الذي
رهينة بقيام حالة االستعجال بمفهوم الضرر الذي يصعب تداركه او تقويم نتائجه
بعد التنفيذ".133
ومهما يكن من أمر ،فإنه من الصعوبة بمكان ايجاد تعريف دقيق وواضح
لعنصراالستعجال ،لذا وبالرجوع الى التعاريف التي أوردناها اعاله – سواء الفقهية
منها او القضائية – يتضح أن اغلبها يستفيد في تحديد عنصر االستعجال الى معيار
الخطر الذي يحدق بالحق املراد املحافظة عليه ،وهو معياروإن كان ذا أهمية بالغة
130امر صادر بتاريخ ،2003/01/24في الملف عدد ،2002/823منشور في كتاب عبد العتاق فكير ،المادة االستعجالية في القضاء
االداري ،الطبعة االولى ،2013مطبعة النجاح الجديدة ،ص .32
131امر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة االدارية بالرباط ،عدد ،111بتاريخ ،2010/02/17في الملف رقم ،2009/1/1127غير
منشور.
132من ذلك مثال :االمر االستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة االدارية بالرباط ،عدد ،57بتاريخ ،2010/01/27في الملف رقم
، 2009/1/1115غير منشور .واالمر االستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة االدارية بالرباط ،عدد ،25بتاريخ ،2007/01/29في
الملف عدد 2007/8س ،غير منشور.
133امر عدد ،248مؤرخ في 05ذي الحجة 1437موافق 07شتنبر ،2016في الملف عدد ،2016/7101/206غير منشور.
في تحديد عنصراالستعجال فإنه غيركاف ،لذا تبقى مسالة التحقق من توفرعنصر
االستعجال امرتقديري موكول الى القاض ي ،يصل اليه عن طريق ظروف ومالبسات
كل قضية على حدة ،ويستشفه من مناقشة الطرفين بالجلسة كما يستنبطه من
عناصر امللف ،ذلك أن االستعجال ال يمكن ان يكون من مجرد رغبة احد الطرفين
في الحصول على حكم في الدعوى بأسرع ما يمكن ،134وهو ما استقر عليه كل من
الفقه 135والقضاء.136
بل ذهب القضاء االستعجالي االداري – في املادة الجبائية – الى اكثر من ذلك
املؤقت إلجراءات تحصيل الديون العمومية وال ش يء في القانون ينفي عنه هذه
الصفة ،137ومن ذلك ما ذهبت إليه املحكمة اإلدارية بمراكش ،حيث جاء في أمر
صادر عن رئيسها ما يلي" :وحيث انه بغض النظر عن كون حالة االستعجال تكون
مفترضة في كل الطلبات الرامية الى ايقاف تنفيذ اجراءات التحصيل الجبري ،فانه
من خالل االطالع على ظاهر دعوى املوضوع املؤسسة على تقادم الدين الضريبي
املطلوب تحصيله ،وجواب مديرية الضرائب وظاهر الوثائق التي ادلت به إلثبات
ومفاد هذا املوقف أنه كلما عرضت على القضاء االستعجالي دعوى رامية الى
إيقاف اجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية ،من قبيل ايقاف اجراءات
الحجز والبيع التي يمكن ان تنصب على املنقوالت او العقارات او األصول التجارية،
او إيقاف اإلكراه البدني ،فإنه من املفترض انها دعوى استعجالية تدخل ضمن
اختصاص قاض ي األمور املستعجلة ،فهل هذا يعني أن القاض ي غير ملزم بالتحقق
يتهدد مصالح الخاضع للضريبة ،مما يستلزم التدخل بسرعة لدرء هذا الخطر .مع
اإلشارة الى ان موقف اإلدارة الجبائية مخالف تماما ملوقف القضاء االستعجالي
اإلداري ،حيث دأبت اإلدارة الجبائية على التمسك في غالب األحوال بكون تحصيل
الدين الضريبي الذي يكون محل نزاع امام القضاء ال يمكن ان يؤدي الى نتائج
يصعب تداركها ،ما دامت إمكانية استرداد الخاضع للضريبة ما أداه قائمة متى أثبت
138امر رقم 40صادر بتاريخ 07ربيع الثاني )2015/01/28( 1436في الملف رقم ،2014/7101/256غير منشور.
139سعيد العمري ،ايقاف تنفيذ الديون العمومية امام القضاء االستعجالي االداري ،م س ،ص .70
باستجماع كافة الشروط - ،من استعجال وجدية وعدم املساس بالجوهر ،-ذلك انه
متى انتفى أحدها سقط عن القاض ي اختصاصه ،كونها شروط متالزمة .فعلى فرض
ان املدين ينازع في تأسيس الدين العمومي ويستند في ذلك الى الخروقات الواضحة
التي شابت مسطرة تأسيس الدين والتي ترجح احتمال الغائه على مستوى املوضوع،
لكنه لم يواجه بعد باي أجراء من إجراءات التحصيل الجبري ،فان طلبه يكون
والحالة هذه مفتقرا لعنصر االستعجال ،مما يتعين التصريح بعدم قبوله .140وفي
هذا اإلطار جاء في أمر صادر عن قاض ي املستعجالت بإدارية الدار البيضاء ما يلي:
"وحيث انه ال يوجد بامللف ما يفيد مواجهة املدعية بإجراءات التحصيل الجبري،
مما يكون معه عنصر االستعجال غير ثابت ويتعين من اجل ذلك التصريح بعدم
قبول الدعوى".141
يتخذان من عنصر االستعجال موقفين متعارضين ،ففي الوقت الذي يجعل فيه
الجبري ،تكاد اإلدارة الضريبية تنفي بشكل تام هذا العنصر عن إجراءات التحصيل
التي تكون محل نزاع .اال اننا نتخذ في هذا الشأن موقفا وسطا ،بحيث ال يمكننا ان
نسلم بافتراض عنصر االستعجال في كافة األحوال ،ذلك ان عنصر الخطر الذي
اتخذناه كمعيار لتحديد االستعجال قد يتحقق وقد ال يتحقق كما اسلفنا في املثال
أعاله ،كما ال نتفق مع اإلدارة الضريبية فيما ذهبت اليه من فكرة ان اجراءات
تحصيل الديون العمومية ال يمكن ان تؤدي الى نتائج يصعب تداركها ،142ألنه ولو
كان بإمكان الخاضع للضريبة استرجاع ما دفعه فان من شأن طول إجراءات هذا
قد يدفع به الى اللجوء لقاض ي املستعجالت من اجل األمر بإيقاف اجراءات
التحصيل الجبري .لذا نقول بانه على قاض ي املستعجالت ان يتعامل مع كل قضية
على حدة ،من خالل العمل على التحقق من توفرعنصراالستعجال من عدمه – في
كل نازلة على حدة ،-بناء على املعطيات والوثائق التي تقدم اليه ،وان ال يكتفي
وإذا كان عنصراالستعجال يقوم على اساس الخطرالحقيقي الذي يتهدد الحق
املراد املحافظة عليه ،فانه يتمتع إضافة الى ذلك بمجموعة من الخصائص غاية في
األهمية.
هذا االمر استخلصناه من خالل اطالعنا على العديد من االوامر االستعجالية الصادرة في هذا الشأن. 142
– 1ان عنصر االستعجال يتسم بالطابع اآلني :واملقصود من ذلك حسب احد
الفقهاء "ان صفة االستعجال يجب ان ينظر اليها وقت الحكم في النزاع" ،143ومفاد
الن االستعجال حسب نفس الفقيه يتعين ان يتوفر وقت إصدار األمر االستعجالي
وليس بالضرورة وقت رفع الدعوى ،خاصة اذا ظهرت وقائع جديدة اثناء نظر
الدعوى يستلهم فيها القاض ي توفر الخطر املحدق بالحق املطلوب حمايته .لكن ألى
اي حد يعتبر هذا الطرح صائبا؟ ،او بعبارة اخرى ،متى يجب ان تتوفر حالة
االستعجال؟
إجابة تشريعية عن اإلشكال املطروح أعاله ،مما جعل الفقه ينقسم في هذا اإلطارالى
اتجاهين اثنين:
ـ فاتجاه يذهب الى كون عنصر االستعجال "يجب ان يستمر من وقت رفع
الدعوى الى حين صدور األمر فيها ،فاذا زال االستعجال قبل صدور األمر ولو كان
متوفرا وقت رفع الدعوى أصبح قاض ي املستعجالت غير مختص النتفاء عنصر
االستعجال وقت البت في القضية"؛144
ـ و اتجاه ثان يذهب الى ان تو افر عنصر االستعجال أثناء رفع الدعوى يكون
كافيا النعقاد االختصاص لقاض ي األمور املستعجلة ،للنظر في الدعوى على ضوء
الوقائع الثابتة وقت رفعها؛145
ويذهب احد الفقهاء الى أبعد من ذلك ،حيث اعتبر ان استلزام تو افر عنصر
االستعجال منذ رفع الدعوى االستعجالية الى حين البت فيها بموجب أمر يمتد من
محكمة اولى درجة إلى محكمة ثاني درجة ،ذلك ان زوال هذا العنصر أمام محكمة
الدرجة الثانية يؤدي بالتبعية الى زوال اختصاص الرئيس األول لهذه املحكمة
ي لألمور املستعجلة ،ولو كان متوفرا أمام محكمة الدرجة األولى146. كقاض
وفي هذا اإلطار جاء في أمر لرئيس املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء أنه " وحيث
ان الثابت من ظاهر وثائق امللف كون عملية تفويت الحصص املتعرض عليها،
وعملية التعرض نفسها قد تمت منذ مدة زمنية طويلة األمر الذي يجعل شرط
االستعجال مندثرا ،فيكون الطلب الحالي غير مؤسس قانونا ويتعين الحكم برفضه
مع إبقاء الصائر على الطرف املدعي" .147وفي أمر آخر صادر عن نفس املحكمة جاء
144محمد علي راتب ومن معه ،قضاء االمور المستعجلة ،الجزء االول ،عالم الكتب ،الطبعة السادسة ،ص .33
145محمادي لمعكشاوي ،الوجيز في المساطر الخاصة باالستعجال في ضوء قانون المسطرة المدنية ،الطبعة االولى ،2011ص .26
146مصطفى مجدي هرجة ،الجديد في القضاء المستعجل ،م س ،ص .56
147امر صادر بتاريخ 23( 2010/04/8ربيع الثاني 1431ه) ،في الملف عدد ،2010/1/113منشور بكتاب عبد العتاق فكير ،م س،
ص .21
فيه ما يلي "وحيث انه وبعد االطالع على ظاهروثائق امللف تبين ان موجبات االيقاف
املؤقت إلجراءات التحصيل غيرقائمة فيتعين الحكم برفض الطلب مع ابقاء الصائر
على الطرف الطالب" .148كما جاء في أمر آخر أنه "وحيث فيما يتعلق بشرط
االستعجال ،فالثابت كون اإلشعار للغير الحائز هو حجز يستتبعه التسليم الفوري
للمبالغ املحجوزة ،اي خروجها من الذمة املالية للمحجوز عليه ،ومن ثمة فالشرط
الفقهي القائل بأن األساس في عنصر االستعجال ان يتوفر أثناء نظر قاض ي
املستعجالت في الطلب املعروض أمامه وليس بالضرورة وقت رفع الدعوى ،وهو
االتجاه الذي نؤيده من جهتنا ،ذلك ان القاض ي غيرملزم من التأكد من تحقق عنصر
االستعجال من عدمه بمجرد عرض الطلب الرامي الى إيقاف إجراءات التحصيل
الجبري أمامه ،غيرانه يكون ملزما بالقيام بهذه العملية قبل إصدارامره في الدعوى،
حيث اذا تبين له بعد دراسته لوثائق امللف وهو بصدد إصدار امره بان عنصر
االستعجال قد اندثر فعليه ان يقض ي بعدم االختصاص ،ذلك اننا نكون امام
فرضيتين ،الفرضية األولى ان عنصر االستعجال قد توفر وقت رفع الدعوى اال انه
148امر صادر عن رئيس المحكمة االدارية بالدار البيضاء بتاريخ ،2010/05/18في الملف عدد ،2010/1/259منشور بكتاب عبد
العتاق فكير ،ص .377
149امر صادر عن رئيس المحكمة االدارية بالدار البيضاء ،بتاريخ ،2010/06/8في الملف عدد ،2010/1/274منشور بكتاب عبد
العتاق فكير ،ص .380
لم يكن متاحا اثناء رفع الدعوى اال انه قد توفر وقت إصدار األمر االستعجالي ،ففي
الفرضية األولى يتعين على قاض ي املستعجالت التصريح بعدم االختصاص ،اما في
الفرضية الثانية فيتعين عليه االستجابة للطلب اذا توفرت شروطه األخرى.
2ـ خصيصة املرونة :فاملقصود من مرونة عنصر االستعجال انه حالة تتغير
االوساط واالزمنة املختلفة" ،150فما ليس استعجاال في زمن ما قد يكون كذلك في
زمن اخر ،وما ال يعتبر استعجاال في بيئتنا قد يعتبر كذلك في بيئة اخرى ،كما ان
االستعجال قد يتوفر في حالة محيطة بظروف خاصة دون ان يتوفر في الحالة ذاتها
أثناء عرض الدعوى أمام القضاء االستعجالي ،بالرغم من أهميتها في حماية حقوق
الدفاع ،وفي هذا اإلطار يقول األستاذ محمد منقار بنيس ان بطء املسطرة الكتابية
اوامر وقتية ،لدرء الخطر املحدق بحقوق ومصالح الناس ،لذلك تخلى عنها املشرع
املغربي ،في القضايا التي خول البت فيها لقاض ي منفرد ،وعلى الخصوص في التقاض ي
اال انه على املستوى العملي يتبين سلوك املتقاضين للمسطرة الكتابية أمام
إيقاف إجراءات التحصيل الجبري ،ألن طبيعة هذه املنازعات وما تقتضيه من
املسطرة.
الدعوى املستعجلة ان تتوفر لدى الخصوم االهلية التامة للتقاض ي ،خالفا لعنصر
الصفة واملصلحة154.
على البت في النزاع املعروض على قاض ي املستعجالت :وتتجلى سرعة البت في
القصوى وهوما نص عليه الفصل 150من قانون املسطرة املدنية والذي قض ى بأنه
"يمكن ان يقدم الطلب في غير األيام والساعات املعينة للقضاء املستعجل في حالة
153لقد تبين لنا ذلك من خالل ما اطلعنا عليه من اوامر استعجالية في هذا الشأن.
154عبد هللا درميش ،م س ،ص ،69
االستعجال القصوى سواء الى قاض ي املستعجالت أو إلى مقراملحكمة وقبل التقييد
في سجل كتابة الضبط او لو بموطنه ،ويعين القاض ي فورا اليوم والساعة التي ينظر
فيها الطلب.
خالف املشرع املصري الذي حدد لذلك اجل اربعة وعشرين ( )24ساعة في املادة 66
من قانون املر افعات املصري؛155
في عدم استدعاء الخصم ،وذلك حينما قض ى الفصل 151من قانون املسطرة
املدنية بما يلي" :يأمر القاض ي باستدعاء الطرف املدعى عليه طبقا للشروط
القصوى".
مشمولة بالنفاذ املعجل بقوة القانون مع إمكانية تقييد التنفيذ بتقديم كفالة ،كما
األمر ،اضافة الى منع الطعن بالتعرض في األوامر االستعجالية وتقصير امد الطعن
فيها باالستئناف.
أي أن تفسيرمفهومه يكون واسعا أوضيقا حسب الحاالت وحسبما تكون اإلجراءات
أمام املحاكم سريعة أو بطيئة وذلك بالنسبة لكل محكمة ،156وهو ما يقتض ي منا
أشار املشرع املغربي إلى مفهومي االستعجال والطلب الوقتي في العديد من
فصول قانون املسطرة املدنية من قبيل الفصل 149والفصل 152الذي ينص على
ما يلي" :ال تبت االوامر االستعجالية إال في اإلجراءات الوقتية وال تمس بما يمكن أن
يقض ي به في الجوهر" .والواضح من خالل هذا الفصل أن املشرع قد ربط بين الطلب
156عبد هللا فال ،القضاء االستعجالي االداري بين القواعد العامة والنصوص الخاصة (احكامه ومجاالات تطبيقاته في التشريع والقضاء
المغربيين) ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القوانين االجرائية المدنية ،جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية
مراكش ،السنة الجامعية ،2011/2010ص .24
املستعجل والطلب الوقتي ،غير أن هناك فرقا جوهريا ودقيقا بينهما يصعب في
فحسب بعض الفقه إذا كان الطلب املستعجل دائما عبارة عن إجراء وقتي،
فإن الطلب الوقتي ال يتو افر فيه عنصر االستعجال ،ألن وقتية اإلجراء ش يء
راميا إلى استصدارأمربإجراء وقتي ،غيرأن الطلب الوقتي ليس من الضرورة أن يكون
استعجاليا حيث من اإلمكان تقديمه أمام محكمة املوضوع والتي يمنع عليها
ونتيجة لذلك فإن الطلبات االستعجالية تقتض ي دائما السرعة في البت مع
عدم املساس بما يمكن أن يقض ى به في الجوهر ،لذلك كان البد من أن ينعقد
الوقتية فال تتطلب دائما السرعة في البت وإن كانت تتسم بالطابع الوقتي على اعتبار
أنه يرتبط بمدة زمنية مؤقتة ،لذلك قد ينعقد االختصاص بشأنها إما لقضاء
املوضوع أو لقاض ي املستعجالت ،بحسب ما إذا كانت ستمس بالجوهر أم ال .ونمثل
لذلك بالطلب الذي يرمي إلى استرداد الحيازة والذي يعتبر طلبا وقتيا لكنه غير
مستعجل .وعلى هذا األساس يمكننا القول بأن كل طلب استعجالي فهو يرتبط
لكن ما تجدر اإلشارة إليه هو أنه كلما تو افر عنصر االستعجال في الطلب إال
و انعقد االختصاص لقاض ي األمور املستعجلة ،األمر الذي من شأنه أن يثير إشكاال
غاية في األهمية ،ويتعلق األمر بالحالة التي يتوفر فيها عنصر االستعجال في إجراء
وقتي ما وفي نفس اآلن من شأن هذا اإلجراء املساس بما يمكن أن يقض ى به في
الجوهر.
الواضح أن املشرع املغربي قد أوجد حال لهذا اإلشكال عندما يتعلق األمرباملادة
التجارية وذلك بموجب املادة 21من القانون رقم 95- 53املحدث للمحاكم التجارية
والتي بمقتضاها سمح لرئيس املحكمة التجارية أن يبت في الطلب رغم وجود منازعة
"...
يمكن لرئيس املحكمة التجارية ضمن نفس النطاق – رغم وجود منازعة جدية
– أن يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال
أو لوضع حد الضطراب ثبت جليبا إنه غير مشروع" .وهو األمر الذي لم نجد له مثيال
ومن وجهة نظرنا ،يتعين إسناد النظرفي مثل هذه الطلبات لقاض ي املستعجالت
رغم أنها تتعلق بجوهر الحق مع السماح له بالقيام بجميع إجراءات البحث املخولة
بالرجوع إلى قانون املسطرة املدنية فإن املشرع قد أشار مرة أخرى إلى مفهوم
قد يبدو منذ الوهلة األولى أنه يتشابه مع عنصراالستعجال ،لكن الحقيقة أن هناك
فرقا بينهما ،ويتعلق األمر بـ "البت في الدعوى باستعجال" ،أو باألحرى نظر الدعوى
على وجه السرعة .ولعل من بين النصوص التي أشارت إلى هذا املفهوم نذكرالفصل
46من قانون املسطرة املدنية والذي يقض ي بأنه "يفصل في القضية فورا أو تؤجل
الى جلسة مقبلة يمكن تعيين تاريخها حاال لألطراف مع اإلشارة إلى ذلك في سجل
الجلسات ،وذلك مع مراعاة آجال البت املنصوص عليها في هذا القانون أو في قوانين
أن نظر الدعوى على وجه السرعة يقتض ي تقصير آجال البت فيها أمام قضاء
إن الفرق بين االستعجال ونظر الدعوى على وجه السرعة يبدو واضحا من
اإلجراءات والتدابير الوقتية القمينة بعدم املساس بموضوع النزاع ،في الحين الذي
يمنح فيه البت في الدعوى على وجه السرعة للقاض ي نفس الصالحيات التي تمنح
باعتباره قاض ي لألموراملستعجلة ،أما القضايا التي يأمرالقانون بالبت فيها على وجه
بالتنفيذ املعجل بقوة القانون ويمكن للقاض ي مع ذلك أن يقيد التنفيذ بتقديم
كفالة.
يقع التبليغ طبقا ملقتضيات الفصل 54غير أنه إذا حضر األطراف وقت صدور
األمركان التبليغ الو اقع في ذلك الحين صحيحا ويشارفي األمرإلى حضورهم ومعاينة
هذا التبليغ" .يتضح إذا من مقتضيات هذا الفصل أن األوامر االستعجالية ال تقبل
الطعن بالتعرض ،غيرأنها تكون قابلة لالستئناف داخل أجل خمسة عشر( )15يوما
من تاريخ التبليغ ،وذلك على العكس من األحكام التي تصدر على وجه السرعة حيث
تبقى خاضعة لطرق الطعن العادية منها وغيرالعادية حسب ما يقرره القانون.
ـ من حيث التنفيذ:
القانون ،بينما تكون األحكام الصادرة في القضايا التي يتعين البت فيها على وجه
السرعة خاضعة لألحكام العامة للتنفيذ الوارد النص عليها في الفصول من 428الى
451من ق م م.
األمور املستعجلة في مادة االستعجال بصفة عامة ،وفي املادة الضريبية على وجه
الخصوص ،في إطار طلبات إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل الجبري للديون
الضريبية ،األمر الذي يقتض ي منا الوقوف على مختلف الشروط املتطلبة في هذا
العنصر (الفقرة االولى) ،قبل تحديدنا للطبيعة القانونية التي يتسم بها (الفقرة
الثانية).
الطبيعة املتغيرة لهذا الشرط حسب طبيعة موضوع الدعوى الواجب إحاطتها
بالحماية املؤقتة وفق الظروف التي تحيط بتلك الدعوى ،فعنصراالستعجال إما أن
حسب الحالة املعروضة عليه ،حيث يتأكد هذا األخير من مدى تو افر الضرر
املقصود والخطر املحدق على مصالح األطراف ،واللذان ال يمكن تفادي وقوعهما
وإذا كان الفصل 149من قانون املسطرة املدنية وكذا املادة 19من القانون رقم
اختصاصا أصيال لقاض ي املستعجالت ،فإنه بالتالي قد جعل هذا االختصاص من
النظام العام ،إذ ال يحق للخصوم أن يسبغوا متى شاءوا على دعواهم صفة
االستعجال رغبة منهم في الحصول على حكم سريع158.
وباملقابل فإنه ليس للخصوم أن ينزعوا عن الدعوى حالة االستعجال طاملا هي
ظاهرة وتشيراألوراق واملستندات إلى قيامها بغية إخراج املنازعة من دائرة اختصاص
قاض ي األمور املستعجلة ،159إال أن ظاهر األوراق واملستندات في بعض األحيان قد ال
تتمثل أهمية القضاء املستعجل بصفة عامة في كونه يرد العدوان البادي ألول
وهلة من ظاهر املستندات بإجراءات وقتية تتغير كلما جد جديد في ظروف النزاع
158عبد هللا فال ،القضاء االستعجالي اإلداري بين القواعد العامة والنصوص الخاصة ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القوانين اإلجرائية
المدنية ،جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش ،السنة الجامعية ،2011/2010ص .28
159مصطفى مجدي هرجه ،الجديد في القضاء المستعجل ،دار الثقافة للطباعة والنشر القاهرة ،1981ص .15
وتتميز بالبساطة واملرونة وقلة النفقات ،مع االقتصاد في الوقت واختصار في
اإلجراءات ،وبذلك يكون القضاء املستعجل عامل توفيق بين األناة الالزمة لحسن
سير العدالة وبين نتائج هذه األناة التي قد تعصف أحيانا بحقوق الخصوم160.
املستعجلة في إطار دعوى إيقاف تنفيذ الدين الضريبي ،في كونه يحمي بالدرجة
الضريبية.
أن مسطرة االستخالص يمكن أن تكون لها آثارجانبية على الخاضع للضريبة بصفة
خاصة وعلى املقاولة بصفة عامة ،إذا ما الحظنا حجم تأثير كل من الحجز والبيع
التمويل بالسيولة في وجهها أو توقف نشاطها .وهنا يظهر بشكل واضح على أن
إجراءات التحصيل الجبري تشكل في كنهها خطرا محدقا ملصالح الخاضع للضريبة،
مما تتولد عنها حالة االستعجال التي تستدعي تدخال عاجال من قاض ي املستعجالت
تداركها.162
160عبد هللا درميش ،موقع القضاء المستعجل من القضاء بصفة عامة ،م س ،ص .13
161احمد حنين ،مفهوم المنازعة الجدية في طلب إيقاف تحصيل االمر باالستخالص ،العمل القضائي والمنازعات الضريبية ،اشغال
اليومين الدراسيين 28و 29مارس ،2005دفاتر المجلس األعلى عدد ،2005/8ص .287
162سعيد العمري ،م س ،ص .75
وفي هذا اإلطارفإن الدعوى الضريبية التي تنصب على املصالح املادية للخاضع
للضريبة يتوفر فيها عنصر االستعجال ،نظرا لجسامة األضرار التي قد تلحق
بالخاضع للضريبة إذا ما طبقت في مواجهته إجراءات التحصيل الجبري ،مع أن إدارة
التحصيل ترفض هذا الطرح في دفوعاتها ،على اعتبار أن التنفيذ على أموال املدين
ال يؤدي في جميع الحاالت إلى نتائج يصعب تداركها ألن املدين بإمكانه استرداد ما أداه
إذا ثبت فيما بعد صحة ما يدعيه وفقا لقواعد االسترداد املعمول بها في هذا
الصدد163.
نكون أمام حقوق أو مصالح مهددة إذا كانت هذه األخيرة في وضعية يحتمل
معها أن تتعرض لخطر عاجل يهددها ،إن لم تتخذ اإلجراءات االحتياطية املتطلبة،
وعندها يكون تدخل قاض ي األموراملستعجلة ملنع حصول الضررناجعا وفيه حماية
للمصالح أو الحقوق املهددة164.
مثاال لهذه الحالة .وهكذا يعتبر عنصر بنيس165 وقد صاغ األستاذ منقار
االستعجال متو افرا إذا كانت املحاصيل الزراعية أو الفالحية مثال موضوع نزاع بين
163محمد شكري ،القانون الضريبي المغربي – دراسة تحليلية ونقدية ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة مؤلفات
واعمال جامعية ،الطبعة األولى ،2003ص .241
164محمد منقار بنيس ،القضاء االستعجالي ،م س ،ص .47
165محمد منقار بنيس ،م س ،ص .48-47
الشركاء ،ويقبل قاض ي املستعجالت طلب بيعها و إيداع ثمنها إلى حين البت في النزاع
حول ملكية تلك املحاصيل ،أو نسبة توزيعها ،ألنها لو تركت على األرض أوفي األشجار
لتعرضت للتلف قبل صدور الحكم في املوضوع ،وفي هذه الحالة يكمن االستعجال
في الخطر املحدق باملحاصيل الزراعية أو الفالحية إن لم تجن ولم تباع في الوقت
الذي يبرر تدخل قاض ي املستعجالت لالستجابة لطلب البيع و إيداع الثمن ،وإال
ونقرأ في حيثيات أمرصادرعن رئيس إدارية مراكش ما يلي" :وحيث إنه باطالعنا
على ظاهر وثائق امللف ،وخاصة دعوى املوضوع املفتوح لها امللف رقم
2016/7109/604يتبين بان طلب الطالبة يتوفر على عنصر االستعجال نظرا ملا
ينطوي عليه االشعار للغير الحائز من غل يد هذه األخيرة (الطالبة) في التصرف في
أموالها املودعة بالبنك املذكور" ،166كما جاء في امرصادرعن نفس املحكمة " وحيث
اإلدارة الجبائية بمراكش قد اصدر اشعارا للغير الحائز الى مصرف املغرب مراكش
166امر عدد ،238مؤرخ في 27ذو القعدة 1437موافق 31غشت ،2016في الملف عدد ،2016/7101/208غير منشور.
وحيث انه وتبعا لذلك ومادامت املبالغ ستخرج حتما من الذمة املالية
للطالب.167"...
ويعني ذلك أن الضرر املحتمل من النوع الذي ليس من املمكن تالفيه وإرجاع
الحالة إلى ما كانت عليه قبل حدوثه ،فمن جهة ليس من الضروري أن يكون الضرر
أكيد الوقوع ،ويكفي أن يكون احتماليا .ومن جهة أخرى يتعين أن يكون من املتعذر
تدارك ذلك الضرر وإصالح النتائج املترتبة عنه168.
وما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد ان الخاضع للضريبة اثناء رفعه للدعوى
أمام القضاء املختص يكون في غنى عن إثبات حالة االستعجال مادام ان القضاء
يعتمد قرينة شبه قاطعة مؤداها ان متابعة املدين بإجراءات التحصيل الجبري
يمكن ان يمتد في أي وقت الى التنفيذ عليه اوعلى أمواله ،مما قد يتسبب له في أضرار
يصعب تداركها مستقبال وهو ما يشكل حالة االستعجال ،وبالتالي فإنه يكفي للمدين
هنا ان يثبت فقط أنه متابع في إطار إجراءات التحصيل الجبري ،169ومن ثم فان
قاض ي األموراملستعجلة يتدخل لوقف إجراءات املتابعة ضد املدين املتابع كلما توفر
عنصر االستعجال العتباره شرطا أساسيا للنظر في الدعوى ،سعيا وحفاظا على
167امر عدد ،28مؤرخ في 9ربيع الثاني 1437موافق 20يناير ،2016في الملف عدد ،2015/7101/442غير منشور.
168م س ،ص .48
169عبد الرحمان ابليال ،االثبات في المادة الضريبية بين القواعد العامة وخصوصيات المادة (على ضوء الممارسة واالجتهاد القضائي)،
مطبعة األمنية ،الرباط ،2013 ،ص .226
املشروعية والتوازن الواجب تحقيقه بين مصالح الخزينة العامة للمملكة وحقوق
الخاضعين للضريبة.170
توفيرها قاض ي املستعجالت ،فان هذا األخير يوجد في وضعية صعبة بالنظر الى
جسامة وصعوبة التوفيق بين موقف الخاضع للضريبة الذي يدعي ان مباشرة
وبين وضعية الخزينة العامة التي تسعى الى تحصيل الديون الضريبية ،171نظرا
لاللتزامات املالية التي تواجهها بغض النظر على ان عملية التحصيل اهم وضعية
تقوم بها هذه املؤسسة ،172حيث تروم دائما الى استخالص قدر كبير من الديون
العامة وتحقيق التنمية املنشودة ،173بحيث ان عدم استيفاء الديون الضريبية من
وإذا كانت إدارة التحصيل تسعى دائما الى الحفاظ على مصالحها ،فإنها في
املقابل ترفض طرح الخاضع للضريبة الذي يتأسس على كون مصالحه مهددة إثر
متابعته بإجراءات التحصيل الجبري .في حين يتمسك القضاء االستعجالي بخالف
170عبد اللطيف العمراني ،إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية في ضوء االجتهادات القضائية – مقارنة مفهوم جدية المنازعة
الجبائية نموذجا ،مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد 65نونبر – دجنبر ،2005ص .68
171محمد شكري ،م س ،ص 302
172فاروق الهاشمي ،نشاط الخزينة العامة في مصادر تحصيل الضرائب والرسوم ،مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية
والتنمية ،العدد ،100-90يوليوز – أكتوبر ،2011ص .72
173مريم خلد ،الملزم واإلدارة الضريبية اية عالقة ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية مكناس ،السنة الجامعية ،2009/2008ص .22
ذلك ،بدعوى ان الخزينة ومن باب حسن سيرالعدالة لن يلحقها أي ضررحين وقف
إجراءات التحصيل الجبري اذا ما انتظرت البت في دعوى املوضوع174.
الخاصة ،وال شك ان أهم ما يميزهذا القضاء هي شروطه التي ينعقد بها اختصاصه
بنظر الدعاوى املستعجلة175.
فإلى جانب عنصر االستعجال كشرط أساس ي لقبول طلب إيقاف تنفيذ
إجراءات التحصيل الجبري ،فان املشرع أضاف شرط عدم املساس بأصل الحق
التنفيذ ،وهو الشرط الذي تولى املشرع املغربي تناوله في الفصل 152من قانون
وعلى هذا األساس ،سوف نتولى دراسة شرط عدم املساس بالجوهر من خالل
فقرتين أساسيتين ،بحيث نعرض في (املطلب االول) ملفهوم عدم املساس بالجوهر
وذلك من خالل تعريفه والوقوف على عالقته بالنظام العام ،وذلك قبل ان نعرض
للقضاء العادي ان صح التعبير ،وال ينبغي ان يحل محله بتناول البت في النزاعات
التي يرجع االختصاص بالبت فيها الى قضاء املوضوع على ان شرط عدم املساس
بالجوهر من أهم الشروط التي ينبغي تو افرها النعقاد اختصاص قاض ي األمور
املستعجلة.
ورغم ان املشرع املغربي أشارالى هذا الشرط في قانون املسطرة املدنية ،فإنه لم
يضع أي تعريف للحد من التأويالت الفقهية والقضائية حوله .ونحن في إطار هذه
النقطة سنتولى إعطاء تعريف لشرط عدم املساس بأصل الحق (الفقرة االولى) ،الى
جانب الوقوف على عالقة هذا الشرط بالنظام العام (الفقرة الثانية).
لم يتول املشرع املغربي تعريف شرط عدم املساس بجوهر الحق شانه في ذلك
شأن عنصر االستعجال ،و إنما اكتفى فقط بالتنصيص عليه وذلك بمقتض ى
الفصل 152من قانون املسطرة املدنية والذي جاء فيه ما يلي" :ال تبت األوامر
االستعجالية اال في اإلجراءات الوقتية وال تمس بما يمكن ان يقض ى به في الجوهر".
على قاض ي األمور املستعجلة البت في اصل الحق ذاته ،ال إيجابيا وال سلبيا فيما
يمكن ان يتخذه من أوامر ،وبعبارة أخرى عدم تجاوز االختصاص املوكول إليه
باتخاذ األوامر التي تهدف الى حماية الحقوق .كما عرفه آخر 177بأنه كل ما يتعلق
بموضوع الدعوى ويرتبط بها وجودا وعدما ،ويندرج فيه كل ما يمس صحته او يؤثر
في الحين الذي عرف جانب آخر من الفقه 178شرط عدم املساس بالجوهر بأنه
"اال ينظرقاض ي األموراملستعجلة في موضوع الدعوى وال في اصل الحق ،على ان هذا
ال يمنع من ان يتفحص موضوع الدعوى بشكل عرض ي بالقدر الذي يكفي لتكوين
قناعاته".
األمور املستعجلة ال يسمح لهذا األخير باملساس بما يمكن ان يقض ى به في املوضوع،
فان عدم املساس بأصل الحق ال يتنافى مع فحص الحق ذاته وجوهره بشكل عرض ي
من اجل الوصول الى الحقيقة ،والتي تتمثل في قيام خطر محدق بالحق املراد
املحافظة عليه وحقيقة وجود نزاع جدي .وهو ما سارت عليه الغرفة اإلدارية لدى
فيه ما يلي " :ان قاض ي املستعجالت ليس ممنوعا من مناقشة ظاهر ما هو معروض
عليه للتأكد من جدية طلب إيقاف التنفيذ ،واستخالصه من ظاهر معطيات النزاع
وعليه فان قاض ي املستعجالت وان كانت له صالحية فحص ظاهر األوراق
واملستندات فان ذلك مشروط بعدم تعمقه في جوهرها ،وذلك حفاظا على الحق في
جوهره ،حيث يكتفي بوضع ملساته الخفيفة على ظاهرها فقط ،كما ال يمكنه ان
ي بتحديد مراكز أطراف النزاع180. يصدرحكما قد يقض
يثار التساؤل هنا حول ما إذا كان شرط عدم املساس بأصل الحق ذا عالقة
بالنظام العام ام ال؟ وبمعنى آخر هل يمكن لقاض ي األمور املستعجلة وهو يبت في
طلب إيقاف إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي ان يمس بما يمكن ان يقض ى
به في املوضوع وبالتالي يأثر بأمره على املراكز القانونية ألطراف الدعوى ،ام يتعين
عليه ان يقض ي برفض الطلب كلما تبين له ان تدخله من شأنه املساس بالجوهر؟
ولعل ما دفعنا الى تناول موضوع عالقة مبدا عدم املساس بالجوهر بأصل
الحق وبالتالي طرحنا للتساؤل أعاله ،هو ما ذهب اليه املشرع املغربي في القانون
179قرار عدد ،107المؤرخ في ،2001/10/26في الملف عدد ،2000/4/1/1407منشور بمجلة دفاتر المجلس األعلى عدد .2005/9
180زايد بوزكري ،القضاء االستعجالي في المادة الضريبية ،م س ،ص .66
يمكن ان يقض ى به في املوضوع ،وذلك عندما نصت املادة 21من القانون املحدث
للمحاكم التجارية في فقرتها األخيرة بانه "يمكن لرئيس املحكمة التجارية ضمن نفس
النطاق – رغم وجود منازعة جدية – ان يأمر بكل التدابير التحفظية او بإرجاع
الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال او لوضع حد الضطراب ثبت جليا انه غير
مشروع ،".وذلك استثناء من مقتضيات الفقرة األولى من نفس املادة والتي تقض ي
بانه "يمكن لرئيس املحكمة التجارية بصفته قاضيا لألمور املستعجلة وفي حدود
وفي هذا اإلطار يرى احد الفقهاء 181ان عدم املساس بأصل الحق عند النظر في
واحدة منها – ال يعني عدم احتمال وقوع ضررملصلحة أحد طرفي الدعوى الن وقوع
الضرر ليس أثرا من آثار املساس بأصل الحق ،و إنما قد يقع ضرر من الحكم الوقتي
الذي ينشا حلوال وقتية لحفظ الحقوق املتنازع عليها حتى يفصل فيها ،وهذه الحلول
الوقتية التي تحمي صاحب الطلب املستعجل قد تحدث ضررا ملصلحة الخصم
اآلخر ،ولكن يجب ان ال تؤدي الى التأثيرفي موضوع الدعوى فليس للمحكمة ان تبني
181محمد االعرج ،النظر في الطلبات المستعجلة والفصل فيها ،مقال منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية – سلسلة مواضيع
الساعة ،-العدد – 50سنة ،2005ص .38
ويرى أحد الباحثين 182كذلك ان احتمال وقوع الضرر على هذا النحو يعني ان
أصل الحق واملوضوع ليس معناه الضرر الذي يلحق بحقوق الخصوم او بحقوق
بعضهم من القرارات الوقتية املستعجلة التي تصدر في حدود القانون والذي قد
يتعذر تالفيه او إصالحه بعد ذلك حين تحكم محكمة املوضوع ،فقد يترتب على
الحكم بوقف استمرار تنفيذ العقد ضررا بليغا بحقوق احد الخصوم ال يمكن
تعويضه بعد ذلك حتى ولو طرح النزاع أمام محكمة املوضوع وقضت بإلغاء األمر
املستعجل الصادر بشأنه ،ومع ذلك فإن الفصل في جميع هذه املنازعات يدخل في
اختصاص القضاء املستعجل بالرغم من ذلك لكونها ال تخرج على أنها إجراءات
وقتية تحفظية ال تمت إلى أصل الحق بصلة ،فإذا تو افر االستعجال وكان الطلب
وقتيا اختص قاض ي املستعجالت بالفصل فيه ولو كان من شأن الحكم فيه اإلضرار
بمركز احد الخصوم ودون ان يعتبر ذلك خروجا على قاعدة عدم املساس بأصل
الحق ،والقول بغير ذلك مؤداه ان يصبح اختصاص قاض ي األمور املستعجلة في
حدود ضيقة ال تتعدى مجرد توفيق بين الحقوق املتنازع عليها توفيقا اقرب الى
النعقاد اختصاص قاض ي األموراملستعجلة ،وبالتالي ال يمكن لهذا األخيرأن يمس به
باي وجه من األوجه ،وحتى لو اضطرالى الحاق ضرربأحد أطراف الدعوى من خالل
األمر الذي يصدره في طلب وقف التنفيذ .وهذا املوقف نزكيه من جهتنا أيضا،
فباإلضافة الى ما تمت اإلشارة إليه آنفا ،فإنه بالرجوع الى قانون املسطرة املدنية
املحال عليه بموجب القانون املحدث للمحاكم اإلدارية ،نجد الفصل 152منه
يقض ي بان األوامر االستعجالية ال تبت اال في اإلجراءات الوقتية وال تمس بما يمكن
ان يقض ى به في الجوهر .وهي نفس املقتضيات التي تطبق أمام قاض ي املستعجالت
اإلداري في إطار دعوى وقف تنفيذ الدين الضريبي ،ذلك ان املشرع املغربي لم يورد
أي استثناء على هذه القاعدة في قانون املسطرة املدنية كما فعل في القانون املحدث
للمحاكم التجارية .ومن هنا يمكن ان نستنتج بأن شرط عدم املساس بالجوهر في
إطار دعوى إيقاف إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي يرتبط بالنظام العام
وال يمكن بالتالي لقاض ي املستعجالت ان يخرقه واال عد بذلك متجاوزا لحدود
اختصاصه.
ان مبدا عدم املساس بالجوهر كشرط النعقاد اختصاص قاض ي املستعجالت
هواالخرشانه في ذلك شأن عنصراالستعجال ،لن يستقيم اال بتو افرشروطه ،والتي
حددها الفقه كذلك في وجوب كون اإلجراء وقتيا (الفقرة األولى) إضافة الى وجوب
لعل األمر الذي شجع القضاء االستعجالي اإلداري إلقرار نظام إيقاف تنفيذ
الدين الضريبي هو اكتساء الطلبات املتعلقة به طابعا وقتيا ،مما يجعله من زمرة
الطلبات االستعجالية والوقتية التي تعتبر من صميم اختصاص هذا القضاء183.
وعليه يمكن اعتبار الطابع الوقتي الذي تتسم به طلبات إيقاف التنفيذ أقوى
مبرر على منح االختصاص بشأنها لقاض ي األمور املستعجلة ،ال سيما وان القواعد
العامة املنظمة لالستعجال سواء تلك الواردة في القانون 90-41او تلك الواردة في
التي قد تطرا في املستقبل ،والتي ال يمكن للتشريع ان يتنبأ لها جميعا او يتناولها
بالتنظيم والتفصيل184.
ويطرح السؤال هنا حول املقصود من اإلجراء او الطابع الوقتي؟ ومتى يتحلى
يذهب أحد الفقهاء الى ان اإلجراء الوقتي هو الذي يرمي الى حماية حق يخش ى
عليه من فوات األوان ،او الذي يقصد منه إبعاد خطر محقق الوقوع ،او املحافظة
على حالة فعلية مشروعة او صيانة مركز قانوني قائم185.
183محمد قصري ،إيقاف تنفيذ الدين العمومي امام القضاء االستعجالي ،مقال منشور بمجلة المحاكم اإلدارية ،منشورات جمعية نشر
المعلومة القانونية والقضائية ،العدد 3ماي ،2008ص .34
184سعيد العمري ،م س ،ص .68
185محمد عبد اللطيف ،القضاء المستعجل ،دار النهضة العربية ،مصر ،الطبعة الرابعة ،1977ص ،83أشار اليه عبد الكريم الطالب،
م س ،ص .110
وميز األستاذ عبد الكريم الطالب بين كل من االجراء الوقتي واإلجراء العادي
ـ فاإلجراء العادي "هو الذي تتبع فيه املسطرة العادية في رفع الدعوى ،والحكم
فيها ،والطعن في هذا الحكم ،واألصل في اإلجراءات انها عادية ما لم يقض القانون
ـ واإلجراء الوقتي "هو الذي يتميز بعدم تقييده لقاض ي األمور املستعجلة او
قاض ي املوضوع ،وبإمكانية العدول عنه دون حدوث ضرريصعب تالفيه "...؛
ـ أما االجراء املستعجل "فهو الذي يكون مقرونا بعنصر االستعجال ويخضع
ملسطرة خاصة غير املسطرة املنصوص عليها في الحاالت العادية ،وهي املنصوص
عليها من طرف املشرع املغربي في الفصول 149الى 154من قانون املسطرة املدنية".
بناء على ذلك ،يتضح بان إيقاف التنفيذ تنطبق عليه خصائص اإلجراء الوقتي،
فهو إجراء وقتي لكونه ال يقيد قاض ي األمور املستعجلة ،إذ يمكنه العدول عنه دون
حدوث ضرر يصعب تالفيه ،ألنه في أصله ال يمس بجوهر الحقوق وال يغير في املراكز
القانونية لألطراف .وكما أنه ال يقيد قاض ي املستعجالت ،فهو ال يقيد قاض ي
املوضوع أيضا ،اذ يمكن أن يبني قاض ي املستعجالت منح األمر بإيقاف تنفيذ الدين
الضريبي على احتمال إلغاء هذا الدين من قبل قاض ي املوضوع ،لكن هذا االحتمال
ال يقيد قاض ي املوضوع وال يؤثر حتى على مسار البت في جوهر النزاع ،ومتى تم تأكيد
وجود الدين العمومي على مستوى املوضوع زالت بذلك حجية األمربإيقاف التنفيذ
وال يبقى له اثر187.
املحكمة اإلدارية بمراكش ما يلي" :لكن حيث يبقى الدفع املستمد من عدم
اختصاصنا للبت في الطلب الحالي غير ذي أساس ،ذلك أنه فضال عن كون طلبات
إيقاف التنفيذ حسب ما استقر عليه االجتهاد القضائي في املادة اإلدارية تكون
مفترضة بحالة االستعجال ،...فإن الطلب الحالي يندرج ضمن الطلبات الوقتية التي
ال تمس باملوضوع والداخلة في اختصاص رئيس املحكمة اإلدارية بصفته قاضيا
اإلدارية ،188"...وجاء في األمر الثاني "لكن حيث أنه من جهة فمادامت الطالبة غير
مدينة ملديرية الضرائب بمراكش بأي دين ضريبي كما ان أي إجراء من إجراءات
التحصيل الجبري لم تقم باتخاذه في مواجهتها قباضة اإلدارة الجبائية فإن طلبها
الحالي الرامي الى رفع التعرض عن ناقالتها انما يدخل في زمرة الطلبات الرامية الى
يتعين على قاض ي األمور املستعجلة وهو بصدد البت في طلب إيقاف إجراءات
التحصيل الجبري ،وحتى ال يمس بما يمكن ان يقض ى به في الجوهر - ،يتعين عليه –
ان يلتزم بالبحث في ظاهر األوراق واملستندات التي يدلي بها طالب اإليقاف تعزيزا
ويترتب على ذلك حسب األستاذ إدريس العلوي العبدالوي ،ان قاض ي األمور
املستعجلة يتعين عليه ان ال يتعمق في فحص جوهروكنه املستندات ،و إنما عليه ان
يكتفي بوضع ملساته الخفيفة على ظاهرها دون البحث في تفسيرها او تأويلها ،فهو
يفحص فقط وجهها ليحمي من يبدو ألول وهلة أنه أجدر بالحماية ،و ال يمكنه ان
يجري تحقيقات او أبحاث او معاينات إلثبات او نفي الحق وان كان له ان يقوم بذلك
من أجل اثبات الخطر الذي هو كنه عنصر االستعجال190.
بها جميعها عبارة "وحيث ان البادي من ظاهر مستندات امللف" وكذا عبارة "وحيث
انه ،وبعد االطالع على ظاهر وثائق امللف ،وخاصة دعوى املوضوع املفتوحة بهذه
املحكمة تحت رقم ،"...ونذكرمنها على سبيل املثال ال الحصراألمر 191عدد 50املؤرخ
190ادريس العلوي العبدالوي ،قضاء األمور المستعجلة في التشريع المغربي ،المجلة المغربية للقانون المقارن ،العدد الثاني ،1983ص
.25
191امر استعجالي غير منشور.
وفي إطار التزام قاض ي األمور املستعجلة بشرط البحث في ظاهر األوراق
واملستندات ،نقرأ في حيثيات األمر الصادر عن رئيس إدارية مراكش 193ما مفاده
"وحيث ان البت في الطلب الحالي يشكل منازعة موضوعية على اعتبار ان البت فيه
يقتض ي فحص الحجج واملستندات وليس االطالع على ظاهرها فقط للتأكد من
أما عن اعتبار مبدا عدم املساس بما يمكن ان يقض ى به في الجوهر أو ما
يصطلح عليه كذلك بعدم املساس بأصل الحق شرطا الزما النعقاد االختصاص
لقاض ي املستعجالت اإلداري فقد جاء في أمر صادر عن رئيس املحكمة اإلدارية
بمراكش 194ما يلي" :لكن حيث ان مناط اختصاص قاض ي املستعجالت إنما ينحصر
في اتخاذ جميع التدابير الوقتية واإلجراءات التحفظية التي تقتضيها حالة
االستعجال وال يمكنه اتخاذ أي إجراء من شأنه املساس بما يمكن أن يقض ى به في
الجوهر ،كما ان حالة االستعجال وعدم املساس بأصل الحق يعتبران شرطان
الزمان الختصاص قاض ي املستعجالت بحيث ان اختصاص هذا اال خير يبقى رهين
وحيث في نازلة الحال فان البت في طلب استرجاع املبالغ املالية املشارإليها أعاله
يقتض ي التأكد من الو اقعة املنشئة للضرائب املفروضة على املدعي ومن مدى
مشروعية اإلجراءات التي اتخذها السيد القابض في سبيل استخالص املبالغ التي
ترتبت عنها تلك الضرائب وذلك عن طريق فحص وتمحيص الوثائق واملستندات
وهوما من شانه املساس بأصل الحق مهما كان عنصراالستعجال حاضرا األمرالذي
خامتة:
بالجوهرما لهذين األخيرين من أهمية كبيرة للقول بانعقاد االختصاص لقاض ي األمور
املستعجلة لدى املحكمة اإلدارية وذلك للبت في طلبات إيقاف إجراءات التحصيل
الجبري للديون الضريبية .غير ان ما تجدر اإلشارة اليه في ختام هذا املقال ،هو ان
االمر ال يتطلب فقط مجرد تو افر الشرطين سالفي الذكر حتى ينعقد االختصاص
للقضاء االستعجالي في املادة الضريبية ،بل يتعين إضافة الى ذلك ان يتوفر شرطين
اخرين ال يقالن أهمية عن الشروط األخرى ،ويتعلق االمر بعنصر الجدية وتوفر
الضمانات عند اللزوم ،وهو ما سيكون موضوعا ملقال الحق باذن هللا.
مقدمة:
إن املخاطراملهنية ال تقتصرعلى حادثة الشغل أوحادثة الطريق ،و إنما تتعداه
إلى إصابة العامل بمرض منهي ،بفعل اشتغاله في أماكن و ظروف غير صحية ،مما
يؤدي إلى اعتالل في صحته دون وقوع حادث مفاجئ له .ووعيا بذلك تدخل املشرع
املغربي وأصدرظهير 31ماي ،1943الذي دخلت عليه عدة تعديالت فيما بعد ،ومدد
فبراير 1951963هذا األخير عرف بدوره تعديالت توجت بإخراج قانون رقم 12.18
- 195بالرجوع إلى هذا الظهير يمكن إجمال هذه المقتضيات الخاصة في ثالث حاالت:
-الحالة األولى :تتعلق بتحديد األمراض المهنية وبالشروط الواجب توفرها من أجل المطالبة بالتعويض عنها.
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 117
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
وكان الهدف من هذا التدخل التشريعي ،هو إقرار املزيد من الحماية للفئات
العمالية ،وذلك تحقيقا لطابع الحمائي لقانون الشغل ،حيث خول لألجراء املصابين
بأمراض مهنية بموجب ظهير 31ماي 1943حق االستفادة من نفس التعويضات التي
ينص عليها ظهير حوادث الشغل ،بعد إثباتهم للمرض املنهي ،بعدما لم يكن في
أثبت أركان املسؤولية التقصيرية طبقا للقواعد العامة .196ولفهم قضية إثبات
املرض املنهي و إشكاليته ،سيتم تقسيم هذا املوضوع إلى محورين نعالج في أولهما
املرض املنهي ،و نتطرق في ثانيهما إلى إشكالية إثبات املرض املنهي.
إن ظهير 31ماي 1943باإلضافة إلى مختلف النصوص األخرى املتممة أو
املعدلة له ،197أو تلك التي تبين كيفية تطبيقه ،198هو الذي يحدد الوقائع التي تعد
أمراضا مهنية وتخول املصاب بها نيل مختلف التعويضات التي يقررها ظهير 6فبراير
-الحالة الثانية :تتعلق بكيفية إسناد مسؤولية هذه األمراض إلى المؤاجر أو المؤاجرين في حالة تعددهم.
-الحالة الثالثة :فتتعلق بالتصريح عن هذه األمراض.
-196بالل العشيري ،حوادث الشغل واألمراض المهنية-دراسة نظرية وتطبيقية ،دار أبي رقراق للطباعة والنشر الرباط،
الطبعة الثانية .2011ص.45:
- 197ومن هذه الظهائر نذكر:
-ظهير 18أكتوبر ،1945جريدة رسمية عدد .1727
-ظهير 16أكتوبر 1947جريدة رسمية عدد .1831
-ظهير 29أكتوبر 1952جريدة رسمية عدد .2088
-ظهير 18ماي 1959جريدة رسمية عدد .2331
-198وقد أشار إلى أهمها األستاذ برادة غزيول في مؤلفه حول األمراض المهنية في التشريع المغربي ،دراسة وتطبيق،
مكتبة األمنية بالرباط ،1991،ص 896:وما بعدها الخاصة بالمالحق.
.1963ولفهم هذا النوع من املخاطر ،سنتطرق في هذا املبحث ملفهوم املرض املنهي
و أنواعه "املطلب األول" ،ثم نتعرض لشروط املرض املنهي وطبيعته "املطلب الثاني".
لتناول هذا املطلب نتعرض أوال لتحديد مفهوم املرض املنهي املوجب للتعويض
في إطار ظهير حوادث الشغل و األمراض املهنية ،ثم نتطرق ثانيا ملعرفة أنواعه كما
حددها املشرع املغربي بعد أن أوضح األعمال أو املواد التي قد تتسبب في ظهورها
رغم الصعوبة التي طرحت بصدد تعريف املرض املنهي بحكم عدم خضوعه
لقاعدة علمية أو معيار قانوني ،199وكذا لكونه ظاهرة متعددة األسباب متنوعة
األوجه واألعراض ،200فإنه من الناحية الطبية ليس من السهل وضع حدود فاصلة
بين املرض املنهي واملرض العادي ،وذلك لصعوبة إثبات عالقة املرض بطبيعة العمل
املنجز من قبل األجير ،نظرا الختالف فترة التعرض ملخاطر املهنة و مدى مزاولتها،
فضال عن اختالف األجراء أنفسهم من ناحية االستعداد لتقبل املرض إيجابا أو
سلبا ،201الختالف الحالة البيولوجية من شخص ألخر .إال أن هذا األمر لم يشكل
عائقا أمام املحاوالت الجادة في املوضوع حيث نجد منظمة العمل الدولية تأتي في
- 199آمال جالل ،مسؤولية المؤاجر عن حوادث واألمراض المهنية في التشريع المغربي ،مطبعة النجاح الجديدة،
البيضاء ،1977ص.876:
-200محمد الكشبور ،حوادث الشغل واألمراض المهنية المسؤولية والتعويض ،مطبعة النجاح الجديدة ،1955ص.90:
- 201رجب سيد حميدة عبد :اتجاهات الضمان االجتماعي في القانون المصري ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراه،
جامعة القاهرة ،كلية الحقوق ،1993 ،ص.322:
إحدى توصياتها لتقدم ضمن الفقرة الثالثة من املادة 16تعريفا للمرض املنهي على
النحو التالي " :كل مرض ال يصاب به عادة إال األشخاص الذين يعملون في مهن
معينة ،أو تسمم يحدث بسبب املواد املستعملة في مهن معينة ،يجب اعتباره بمثابة
مرض منهي يستوجب التعويض عنه وذلك إذا كان الشخص ممن يعملون في تلك
املهن" ،202أما التشريعات فمنها من حاولت إعطاء تعريف للمرض املنهي ،ومنها من
فمن التشريعات التي عرفت املرض املنهي ،نجد املشرع التونس ي في قانون ،1994
حيث جاء في الفقرة الثالثة من الفصل الثالث " :يعتبرمرضا مهنيا كل ظاهرة اعتالل
أيضا نجد املشرع السوري الذي عرفه بأنه" :كل مرض يصاب به العامل من جراء
عمله ،في املواد واألعمال املسببة له" ،أما التشريعات التي أحجمت عن إعطاء أي
تعريف للمرض املنهي ،نجد من بينها املشرع الفرنس ي 203وكذا املشرع املغربي ،و إنما
قد أشار في الفصل الثاني من ظهير ، 1943إلى ما يلي " :تعتبر كأمراض مهنية حسب
معنى ظهيرنا هذا كل العلل املؤملة ،و األمراض املتسببة عن الجراثيم املتعفنة،
وكذلك األمراض املبينة في قرار وزير الشغل و الشؤون االجتماعية املتخذ بعد
استشارة وزير الصحة العمومية ،و يشمل هذا القرار جداول يبين فيها دقة ووضوح
ما يلي:
أوال -مظاهر أمراض التسمم الحادة أو املزمنة :التي تتجلى في العملة املعرضين
عادة لعوامل مواد سامة بسبب إنجاز أشغال تتطلب ممارسة أو استخدام عناصر
ثالثا -األعمال الناتجة عن الوسط الذي يوجد فيه العامل ،أو عن الوضعيات
وتتضمن هذه الجداول زيادة على ذلك ،اآلجال التي يبقى املؤاجرخاللها مسؤوال
ضمن حدود الشروط املنصوص عليها في الفصل الثالث اآلتي بعده ،و إذا وقع تتميم
يبين في قراره األجل التي تصبح بعض انقضائه نافذة التغييرات و الزيادات املدخلة
مرض يصاب به األجير أثناء قيامه بعمله ال يمكن اعتباره مرضا مهنيا يخضع
ملقتضيات ظهير 6فبراير ،1963إال إذا تحققت بشأنه الشروط التي قررها املشرع
من خالل الفصل الثاني أعاله ،ألن املشرع املغربي أخذ بمبدأ تحديد األمراض املهنية
على سبيل الحصر .فاألمراض املهنية منصوص عليها في قوائم ،204و سبب اندالعها
ومدة املسؤولية منصوص عليها في لوائح ،وبالتالي فإنه ملطالبة األجير أو ذوو حقوقه
في حالة وفاته بالتعويض عن أي مرض يرون أنه منهي ،البد من إثبات الشروط
املتطلبة فيه ،وذلك حسب نوع املرض املنهي ،مع إعفاء األجيروذوو حقوقه من إثبات
لم يكلف املشرع املغربي األجير الذي يصاب بمرض منهي إثبات العالقة السببية
بين املرض و الشغل الذي يقوم به ،و إنما جعل فئة من األمراض تعتبرمهنية ،بحيث
ال يحتاج املصاب إلى إثبات هذه العالقة متى كان يقوم باألعمال التي تؤدي إلى
ظهورها ،واملنصوص عليها بنصوص تشريعية أو التنظيمية ،و األمراض التي جعلها
املشرع مهنية ،هي مصنفة على سبيل الحصر ،206في قوائم ملحقة بظهير 31ماي
.2071943
- 204كما يستفاد من قرار وزير الشغل والشؤون االجتماعية بتاريخ 20ماي 1967توجد 35قائمة لألمراض المهنية
بعد أن كان عددها مجددا في 18قائمة قبل هذا التاريخ وبحسب قرار وزير التنمية االجتماعية والتضامن و التشغيل و
التكوين المهني المؤرخ في 23دسمبر 1999أصبح عدد هذه القوائم 86قائمة يقدر ب 18قائمة قبل إدخال تعديالت
عليها.
- 205آمال جالل ،مرجع سابق،ص.277 :
- 206آمال جالل ،مرجع سابق،ص.277 :
- 207أنظر قرار وزير الشغل والشؤون االجتماعية الصادر بتاريخ 20ماي ،1967والمعدل بقرار الوزير رقم -27
855بتاريخ 19شتنبر ،1972أنظر أيضا قرار وزير التنمية االجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني بتاريخ
13دجنبر 1999المتعلق بمراجعة قائمة األمراض المهنية.
وجدير باملالحظة أن ظهير 31ماي 1943كما وقع تغييره وتتميمه ،قد وضع
تصنيفا ثالثيا لألمراض املهنية " الفصل 2من الظهيراملذكور" ،وهي كاآلتي:
أ -أمراض التسمم الحادة أو املزمنة :والتي تظهرلدى العمال الذين يستخدمون
خالل نشاطهم املنهي مواد سامة ،ورد النص عليها على سبيل املثال ال الحصر ،بدليل
" الئحة بيانية ألهم األشغال التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور هذه األمراض"،
إال إذا كان معرضا بكيفية منتظمة ملفعول املواد أو املركبات الوارد تعدادها في
القوائم امللحقة بالظهير ،ومن هذه املواد نذكر الرصاص الزئبق و مركباته البترول
ومشتقاته و الفوسفورومشتقاته...
فهذا النوع من األمراض املهنية أوجد املشرع بخصوصه قائمة تنقسم إلى
الئحتين 208الئحة بأسماء األمراض وهي واردة على سبيل الحصر ،و الئحة بأسماء
األشغال التي من شأنها أن تسبب املرض املنهي وهي أشغال واردة على سبيل املثال
فقط ،ويؤكد هذا أن القائمة البيانية الواردة في امللحق األول لقرار وزير الشغل
والشؤون االجتماعية بتاريخ 20ماي ،1967تضمنت فقط أهم األشغال التي من
- 208أنظر الجدول الملحق بقرار وزير الشغل والشؤون االجتماعية عدد 68-100المؤرخ في 20ماي 1967بتنفيذ
ظهير 31ماي ،1943الممتدة بموجبه إلى األمراض المهنية ،مقتضيات ظهير 25يونيو ( 1927الملحق رقم )1
شأنها أن تسبب هذا النوع من األمراض املهنية ،مما يفيد بإمكانية االعتداد بأخرى
ب -أمراض التعفن الناتجة عن بعض الجراثيم :ومن ذلك مثال الكزاز املنهي و
امليكروبية أمراضا مهنية ،إال إذا كان املصاب يقوم باألشغال التي تسببها بانتظام في
األعمال التي تسببها ،مع مالحظة أن األشغال التي تسببها واردة على سبيل الحصرفي
هذا النوع من األمراض املهنية وليس على سبيل املثال كما في النوع األول ،بمعنى أن
األجيرعليه أن يثبت أنه مصاب بمرض منصوص عليه قانونا ،وأن يثبت اشتغاله في
وضع معين :كوجود العامل في باطن األرض أو االشتغال في مكان كثير الضجيج مما
يؤدي إلى قصورسمعي ،أومكان قوي أوضعيف اإلضاءة مما يؤدي إلى ضعف بصره،
أو اشتغاله في مكان شديد الرطوبة فيصاب بالروماتزم ،و بالنسبة لهذا التصنيف
فإنه ال يطلب من األجير املصاب أن يكون إحتك باستمرار أو قام بانتظام باألعمال
التي تسبب في ظهور هذا املرض ،غير أن الئحة األشغال التي تعرض ملثل هذه
بكيفية حصرية على األمراض املهنية ،وعلى األعمال التي من شأنها أن تسببها ،كذلك
يالحظ أن امللحق رقم 4تضمن كذلك الئحة باألمراض التي من املفترض أنها قد تصير
مهنية كذلك ،والتي يتعين على األطباء التصريح بها استنادا ملقتضيات الفصل 9من
ظهير 31ماي 2091943وهي أمراض كما يذهب إلى ذلك جانب من الفقه 210ال تعتبر
مهنية ،و إنما وضعت إلمكانية تمديد قائمة األمراض املهنية مستقبال من جهة،
املنصوص عليها في ظهير 6فبراير 1963فال يكفيه أن يكون مصابا بأي مرض ،بل البد
أن تتوفرفي هذا األخيرالشروط املنصوص عليها في ظهير 31ماي 1943كما وقع تغييره
أوتتميمه ،مما يفيد وجود تمييزبينه وبين املرض العادي ،كما أنه رغم خضوع املرض
املنهي مع حادثة الشغل إلى نفس مقتضيات ظهير 6فبراير ،1963إال أنهما يختلفان
بناء على طبيعة األمراض املهنية ،يتبين أنه ليس كل مرض يعد كذلك إال إذا ورد
ضمن الجداول املنصوص عليها قانونا حتى ال يختلط باملرض العادي ،من جهة و
يخول من جهة أخرى األجير املريض االستفادة من الحماية املنصوص عليها في ظهير
-209تنص مقتضيات الفقرة األولى من الفصل التاسع من ظهير 31ماي 1943المعدل بظهير 29شتنبر 1952
أنه ":يتعين على كل طبيب مزاول لمهنة الطب أن يقدم تصريحا بالمرض المهني ،المظنون أنه مهني ،الذي شاهده في
أحد العملة ،سواء كان ذلك المرض مبينا أو غير مبين في الالئحة التي ستعين في قرار وزير الشغل والشؤون االجتماعية".
- 210آمال جالل ،مرجع سابق ،ص.279 :
6فبراير .1963و للوصول إلى هذا التمييزمن خالل الوقوف على الطبيعة القانونية
العتبار املرض الذي يلحق األجير مرضا مهنيا يخول له حق االستفادة من
الحماية املقررة بموجب ظهير حوادث الشغل ،البد من أن تتوفر في هذا األخير
وتتمحور هذه الشروط حول اإلصابة بمرض منصوص عليه قانونا ،وثبوت
اشتغال األجير املصاب في األشغال املسببة للمرض ،وأن تظهر هذه األمراض خالل
ظهير 6فبراير ،1963عن مرض يبدو بأنه منهي ،البد وأن يثبت بواسطة شهادة طبية
مضافة إلى التصريح باملرض ،أنه مصاب بإحدى األمراض املهنية الوارد تعدادها في
على األجيراملصاب بمرض منهي أن يثبت أنه عمل بانتظام في الشغل أو األشغال
التي حددها املشرع كأسباب لهذا املرض ،أو في األعمال التي يمكن أن تؤدي إلى
ظهوره ،و ذلك بالنسبة للتصنيف األول و الثاني التي رأيناها أعاله .و يعود لقضاء
املوضوع في إطار سلطته التقديرية تحديد ما إذا كان األجير املصاب قد اشتغل
بانتظام أو ال .211و بالنسبة ألمراض التصنيف الثالث الناجمة عن الوسط املنهي أي
املحيط أو البيئة أو الظروف التي يتم فيها إنجاز الشغل ،أو عن الوضع املعين الذي
يوجد عليه في العمل ،فإن املشرع املغربي ال يشترط مزاولتها بكيفية منتظمة ،و إنما
يكفي أن يكون األجير املصاب اشتغل ولو بكيفية عرضية في أحد األعمال التي من
هذا الشرط يفرض على العامل أن ال تكون مدة املسؤولية قد انتهت ابتداء من
تاريخ مغادرته للعمل أو األعمال التي تعرض لإلصابة باملرض املنهي من خالل
ممارستها ،التي يكون خاللها املشغل مسؤوال عن املرض الذي أصيب به العامل. 212
وذلك سواء ظل األجير يعمل بنفس املؤسسة أو غادرها للعمل عند مشغل أخر. 213
وقد وضع املشرع املغربي لكل مرض منهي مهلة كافية لظهوره تدعى مدة املسؤولية،
هذه األخيرة تختلف باختالف األمراض املهنية ،حيث خصص لها ضلعا بالجداول
املتعلقة بكل مرض ،وهي مدة تتراوح بين عدة أيام و 15سنة بل تصبح مدة قد تصل
30أو 40سنة كما في اإلصابات السرطانية الناتجة عن االشعاع النووي ،تبدأ من
- 211أنظر قرار المجلس األعلى بتاريخ 27يونيو ،1961المنشور بالمجلة المغربية للقانون 1961ص 834
- 212عبد الكريم غالي ،في القانون االجتماعي المغربي الرباط ،2010ص 285
- 213آمال جالل ،مرجع سابق ،ص.280 :
التاريخ الذي ال يبقى فيه األجير عرضة للمواد السامة أو امللوثة ،214أو من التاريخ
الذي لم يعد فيه األجيريقوم باألعمال الضارة املنصوص عليها في الفقرة املعنونة ب
" ثانيا " ،أو من التاريخ الذي يتقطع فيه عن مباشرة الشغل في الوسط أو حسب
الوضعيات الخاصة.215
من خالل ما تقدم يتضح أنه البد من اجتماع العناصرالثالثة املشارإليها أعاله
،1963في حين أنه إذا تخلف شرط من تلك الشروط فإنه ال يعوض عن ضرره وفقا
ملقتضيات الظهير أعاله ،و إنما يبقى له حق الرجوع على املشغل طبقا للقواعد
إذا كان كل مرض يصاب به األجير ال يعتبر مرضا مهنيا إال بتو افر الشروط
السابقة التوضيح ،فالبد من وجود تمييز بين املرض العادي و املرض املنهي كما البد
املترتبة عبر السنين ،و املرض الذي قد يصاب به قد يكون إما ناتجا عن اشتغاله في
أماكن أوظروف غيرصحية ،وقد يكون باملقابل مرضا عاديا ،ولهذا كيف يمكن إبراز
إن املرض العادي :هو كل اعتالل يصيب كل إنسان سواء كان أجيرا أو شخصا
عاديا فهو مرض ال صلة له بالنشاط املنهي لألجير ،بل بظروف الحياة لكل إنسان و
أما األمراض املهنية :فهي التي لها صلة بالعمل و محيط إنجازه ،بمعنى آخر أن
املرض يكون نتيجة اشتغال األجيرفي ظل ظروف وبيئة وأوضاع غيرصحية ،أونتيجة
االحتكاك بمواد سامة مضرة بصحة اإلنسان ،أو نتيجة اإلصابة داخل املؤسسات
فاملشغل ال يسأل عن املرض العادي الذي يعوض عنه األجير في إطار التعويضات
باملقابل نجد املشغل يكون مسؤوال عن املرض املنهي " بصرف النظرعن اقتر افه ألي
خطا " ،ومسؤوليته في تعويض األجيريلزم بها أيضا في مواجهة الورثة متى كان املرض
إذا كان كل من املرض املنهي و حادثة الشغل يخضعان لظهير 6فبراير ،1963
حادثة الشغل تكون مباغثة و مفاجئة ،221بحيث يعرف وقت ومكان حدوثها
والضررالناجم عنها بعد حصول اإلصابة ،وعنصرالفجأة أكد عليه بعض الفقه،222
بقوله " :ظاهرة الفجأة في الفعل الضار تتميز بكونها تبقى ثابتة في جميع الحاالت،
بحيث كلما وجدت حادثة شغل إال ووجدت معها الفجأة أوالبغثة ،إذ أن هذا العنصر
يالزم وقوع الحادثة ،وبدون تحققه ال يمكن أن يكتس ي الفعل الضارصبغة حادثة "،
و ذلك على خالف املرض املنهي التي تكون اإلصابة فيه بطيئة ، 223وتتطورتدريجيا وال
تظهر إال بعد حين هذا من جهة ،224ومن جهة ثانية فإن أية إصابة تلحق األجير أثناء
العمل أو بسببه تعتبر حادثة شغل كيفما كان سببها ،حتى و لو كانت ناتجة عن قوة
- 220راجع الحاج الكوري ،قانون الضمان االجتماعي ،الطبعة األولى ،مطبعة الحرف المعتدل .1999
ص 155وما بعدها
- 221قد سبق تعريف حادثة الشغل " :بكونها كل إصابة يتعرض لها األجير أثناء إنجازه للعمل أو بسببه ،وتحدث له
ضررا بجسمه بشكل مباغث أيا كان سببها".
- 222آمال جالل مرجع سابق ص 194فقرة 162
- 223محمد الكشبور مرجع سابق ص ،119وعبد اللطيف خالفي مرجع سابق ،صفحة.121:
- 224أنظر الفصل الثالث من ظهير 6فبراير .1963
قاهرة ،225في حين أن إصابة األجير بسبب نشاطه املنهي بمرض ما ،فإن هذا األخير ال
لبحث إشكالية إثبات املرض املنهي نقسم هذا املبحث إلى مطلبين :نتطرق في
أولهما إلى إثبات املرض املنهي ،ونعالج في ثانيهما إشكالية تكييف طبيعة املرض غير
لكي يحصل األجير املصاب بمرض منهي أو ذوو حقوقه في حالة وفاته على
الذي أصابه منصوص عليه قانونا " كمرض منهي " ،ويتم ذلك بواسطة الشهادة
الطبية املرفقة ،مع التصريح باملرض ،و أنه يقوم بالعمل أو األعمال املؤدية إلى
وهكذا إذا أثبت األجيراملصاب أو ذوو حقوقه في حالة وفاته أن املرض منصوص
عليه قانونا ،و أثبت ممارسته للعمل أو األعمال التي تسببه ،فإن املرض يعتبرمهنيا،
ويستفيد األجيرأو ذوو حقوقه في حالة وفاته من التعويض املنصوص عليه في ظهير6
فبراير ،1963دون أن يكلف بإثبات العالقة السببية بين املرض و العمل ،ما دام
- 225محمد العروصي ،المختصر في الحماية االجتماعية ،المختصر في الحماية االجتماعية ،منشور عن مختبر األبحاث
والدراسات حول قانون األعمال والمقاوالت ،الطبعة األولى ص 77 :وما بعدها.
املرض ظهر أثناء مدة املسؤولية التي قد تقصر أو تطول بحسب األحوال و كما بيناه
أعاله.
املهنية
قد يصاب األجير في بعض األحيان بإحدى األمراض غير املصنفة ضمن التعداد
الذي أورده املشرع لألمراض املهنية ،ففي هذه الحالة يطرح تساؤل بخصوص هذه
قد يساير إلى الذهن أن املشرع املغربي لم يبين بكيفية صريحة أو ضمنية أن
بقانون 12.18وباقي النصوص األخرى املكملة قد وردت على سبيل املثال أو على
سبيل الحصر ،مما قد يؤدي إلى اختالف املو اقف بالنسبة لالجتهادات القضائية أو
وفي هذا الصدد يذهب بعض الفقه 226إلى أنه إذا لم يكن مرض األجير مصنفا
ضمن الئحة األمراض املهنية فإن هذا األجير ال يمكنه املطالبة بمقتضيات ظهير 6
فبراير 1963املعدل بقانون ،12.18ألنه ال يعتبر مرضا مهنيا لعدم ذكره في قائمة
األمراض املهنية ،إال إذا اكتس ى ضرره حادثة الشغل ،وهذا هو موقف االجتهاد
في حين نجد موقفا آخر للمجلس األعلى لم يتبنى هذا الرأي الفقهي ،و إنما قد
قررفي أحد قراراته ،228أن األمراض املهنية واردة على سبيل املثال وقد جاء في قراره
ما يلي " :لكن حيث أن األمراض املهنية موضوع ظهير 31ماي 1943و قرار 20ماي
1967إنما هي واردة على سبيل اإلرشاد ،وعلى الطبيب املزاول ملهنة الطب أن يقدم
تصريحا باملرض املنهي أو املضنون أنه كذلك الذي شاهده في أحد العمال ،سواء كان
ذلك املرض مبينا أو غير مبين في الجداول ،وحيث أنه وإن كان مرض عرق النسا
املصاب به املطلوب في النقض غير وارد في جداول األمراض املهنية ،229فإن ذلك ال
يمنعه من إثبات العالقة السببية بين ذلك املرض والعمل الذي يقوم به " .كذلك
يذهب بعض الفقه إلى أن األمراض الواردة في القوائم إنما وردت على سبيل املثال ال
الحصر وفي ذلك حماية لألجير و مسايرة للمستجدات الطبية حيث يقول " :ففي
اعتقادنا فإن األمراض املهنية املنصوص عليها في القوائم املضمنة في قرار 20ماي
1967تعد أمراضا مهنية بنص في القانون ،أما في ما يخص أمراضا أخرى غيرها
فيكفي العامل املصاب بإحداها أن يثبت بواسطة خبرة طبية متخصصة عالقة هذا
املرض بالنشاط املسند إليه داخل املؤسسة ،لكي يستفيد من مقتضيات ظهير6
- 227آمال جالل مرجع سابق ص ،281ومحمد الكشبور ،مرجع سابق ،ص.103 :
-228المتمم بالقرار الوزاري رقم 72-855بتاريخ 19شتنبر ،1972وبقرار وزير التنمية االجتماعية والتضامن
والتشغيل والتكوين المهني بتاريخ 23دجنبر .1999
-229المتمم بالقرار الوزاري رقم 72-855بتاريخ 19شتنبر ،1972وبقرار وزير التنمية االجتماعية والتضامن
والتشغيل والتكوين المهني بتاريخ 23دجنبر .1999
فبراير ،1963و بتبنينا لهذا املوقف نكون قد سايرنا ما يعرفه الطب من تطورسريع
في هذا امليدان ونكون في ذات الوقت قد وقفنا إلى جانب العامل وحققنا بالتالي لظهير
وفي فرنسا نجد أن موقف القضاء الفرنس ي سابقا قبل قانون 27يناير 1993
بخصوص هذا املوضوع هو اعتبارهذا املرض مرض غيرمنهي ألنه غيرمصنف ضمن
الئحة األمراض املهنية ،وعلى الرغم من ذلك فإنه ينتهي في بعض األحيان إلى إضفاء
صفة حادثة الشغل على بعض األمراض املهنية انطالقا من كونها قد ظهرت فجأة في
مكان العمل ،كما نجد قرارا ملحكمة النقض الفرنسية قررت فيه " :أن العلة املرضية
التي لم ترد بجدول األمراض املهنية ال يترتب عليها الحق في التعويض طبقا لتشريع
حوادث الشغل ،إال إذا وجدت مصدرها في إصابة ظهرت بغثة في وقت ومكان
العمل 231".ونجد حكما للمحكمة االبتدائية بالرباط 232سابقا يسير في نفس منحى
لكن املشرع الفرنس ي تدخل وحسم في هذه املسألة لوضع حد ألي جدال قانوني
لتمييز املرض املنهي عن غيره ،ملا نص في املادة ، 461من قانون الضمان االجتماعي
أيضا األمراض املهنية األخرى 233التي لها عالقة بنشاط العامل في املؤسسة بشرط
أن تكون متسببة فيه مما يتعين مسايرته ،وهذا يبين أن املشرع الفرنس ي تبنى أسلوب
واملالحظ أنه أمام هذا االختالف في مو اقف االجتهاد القضائي املغربي و اآلراء
الفقهية من املوضوع ،فإنه تبقى مطروحة إشكالية تكييف طبيعة املرض غيرالوارد
واردة على سبيل الحصر ،وليس على سبيل اإلرشاد ،ولحل إشكالية تكييف طبيعة
املرض غير الوارد في جداول األمراض املهنية ،فإنه يتوجب على املشرع املغربي أن
يتدخل لحلها عن طريق األخذ بنظام الجدول املفتوح في تحديد املرض املنهي ،حيث
تتحقق املرونة في ظل األخذ بهذا النظام عن طريق تدخل السلطة املختصة وإضافتها
أمراضا أو أنشطة إلى جداول األمراض املهنية ،235لتصبح بدورها موجبة لتعويض في
إطار القواعد الخاصة بحوادث الشغل و األمراض املهنية وهذا هو ما يذهب إليه
األستاذ آمال جالل الذي يرى بأن قرار املجلس األعلى باعتبار مرض عرق النسا
كمرض منهي وإن كان غيرمذكورفي الئحة األمراض املهنية ،قد ال يكون ملزما للمحاكم
الدنيا ألن محكمة النقض (املجلس األعلى سابقا) ليست بمشرع خالفا لتمديد
األمراض املهنية بلوائح إضافية وهو عمل تشريعي (نص تنظيمي) حيث تكون
ولذلك يرى أستاذنا أنه كان على املجلس األعلى في هذه املسألة أن يعتبرإصابة
األجير(وهوسائق شاحنة) بمرض عرق النسا هي نتيجة عن حادثة شغل نتيجة حركة
قام بها السائق بكيفية مسرعة للسيطرة على مقود الشاحنة مما أدى الى احتكاك
وما دام األجيراملصاب يحصل على نفس التعويضات املنصوص عليها في ظهير6
الحماية وسايرنا تطور الطب في هذا امليدان ،ونكون في نفس الوقت قد وقفنا إلى
جانب العامل ،وذلك كله من أجل تحقيق الطابع الحمائي الذي يسعى إليه القانون
االجتماعي ،و الذي يستهدف إفراز املزيد من الحقوق و االمتيازات لفئات األجراء
املقترحات التي نأمل أن تلقى استحسانا من طرف املهتمين بهذا املوضوع نجملها في
ما يلي:
-عدم تكليف األجير املصاب بمرض منهي بإثبات العالقة السببية بين املرض و
املهنة في حين يبقى عليه إثبات تحقق شروط املرض املنهي املنصوص عليها قانونا
-ما زالت إشكالية تكييف طبيعة املرض غير الوارد في جداول األمراض املهنية
مطروحة لعدم وجود أراء فقهية أواجتهادات قضائية موحدة بخصوص هذه املسألة
مما يقتض ي ضرورة تدخل املشرع املغربي كذلك لحل إشكالية تكييف طبيعة املرض
غير الوارد في جداول األمراض املهنية عن طريق أخذه بنظام الجداول املفتوح في
تحديد األمراض املهنية و ذلك بإضافته أمراض مهنية جديدة إلى جداول األمراض
املهنية ملسايرة املستجدات الطبية و تطور الطب في هذا املجال لضمان حماية أكثر
لألجيراملصاب بمرض منهي وهذا ما وقع في دسمبر 1999حيث ارتفعت هذه الجداول
مقدمة:
ألنها تمس بحقوقه و إنسانيته .وقد عرفت هذه الجرائم ارتكابا واسعا خالل القرون
املاضية وباألخص أثناء النزاعات املسلحة ،أين كانت تنتهك حقوق اإلنسان وتهدر
النساء ،لذلك كثف املجتمع الدولي من جهوده الرامية إلى الحد من هذه الجرائم،
فعمل على تجريمها والنص على ضرورة معاقبة مرتكبيها ضمن مختلف األنظمة
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 138
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
ومحكمة يوغسالفيا السابقة ورو اندا .وصوال إلى املحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
فقد عرفت هذه الجرائم تطورا ملحوظا في ظل النظام األساس ي لهذه املحكمة الذي
تناول ألول مرة أفعال جديدة ومستحدثة ،لم تكن محل تجريم في األنظمة القضائية
الجنس ي؟ وما هي أهم املبادئ التي كفلتها ألجل التصدي ملرتكبي هذه الجرائم ومنع
إفالتهم من العقاب؟
العنف اجلنسي
بالتصدي للجرائم الدولية الخطيرة ،والتي من بينها جرائم العنف الجنس ي .من
خالل مالحقة وتتبع مرتكبيها ومساءلتهم عن هذه الجرائم ،بغض النظر عن صفتهم
عمل املجتمع الدولي على تكثيف جهوده بغية إنشاء قضاء جنائي دولي دائم ،تسند
له مهمة النظرفي الجرائم الدولية الخطيرة ومساءلة مرتكبيها .األمرالذي تحقق سنة
1998من خالل مؤتمر روما الذي تمخض عنه اعتماد النظام األساس ي للمحكمة
وفقا ملحتوى النظام األساس ي املنش ئ للمحكمة الجنائية الدولية الذي دخل
يقع مقر املحكمة في الهاي بهولندا أو في أي مكان عندما ترى املحكمة ذلك
مناسبا استنادا ملقتض ى املادة 21من النظام األساس ي ،وتتمتع املحكمة بالشخصية
يعتبرإنشاء املحكمة الجنائية الدولية ضرورة ملحة ملنع إفالت مرتكبي الجرائم
الدولية الخطيرة من املساءلة والعقاب .وباألخص الجرائم التي تشكل خرقا لحقوق
تختص املحكمة الجنائية الدولية بنظر الجرائم الدولية الخطيرة التي تمس
بحياة الجماعات البشرية وتهدد السلم واألمن الدوليين .تتمثل هذه الجرائم في
- 236رفيق بوهراوة ،اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ،مذكرة ماجستير في القانون العام ،جامعة اإلخوة
منتوري ،قسنطينة ،2009 ،ص 27
- 237بدر الدين محمد شبل ،الحماية الدولية الجنائية لحقوق اإلنسان وحرياته األساسية ،الجزائر ،دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،الطبعة األولى ،2011 ،ص 323
- 238أنظر المادة الرابعة من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية
نظرا النتشار جريمة اإلبادة الجماعية ،وارتكابها على نطاق واسع في أوقات
الدولي على جعل هذه الجريمة ضمن أكثروأشد الجرائم الدولية خطورة ،وهذا ألجل
القضاء عليها أو التخفيف من أثارها ،خاصة وأن هذه الجريمة تستهدف تصفية
جماعات بأكملها أو القضاء عليها ،وهو األمر ذاته الذي جعل النظام األساس ي
للمحكمة الجنائية الدولية يضع هذه الجريمة في مقدمة الجرائم التي تدخل ضمن
اختصاص املحكمة.239
تتمثل جريمة اإلبادة الجماعية أو إبادة الجنس البشري في مجموع األفعال التي
تستهدف القضاء على الجنس البشري واستئصاله لدو افع عرقية أو دينية أو إثنية
أو قومية ،وتعتبر من أشد الجرائم الدولية خطورة ،جاء النص عليها ضمن املادة
عن طريق ارتكاب مجموعة من األفعال التي تؤدي إلى تدميركل أو جزء من جماعة ما
تتشكل جريمة اإلبادة الجماعية من مجموعة أفعال ،التي بتحققها كلها أو
إحداها تقع هذه الجريمة ،وتتمثل هذه الصور في :قتل أفراد الجماعة ،إلحاق ضرر
- 239محمد رضوان ،المبادئ العامة للقانون الدولي اإلنساني والعدالة الدولية ،المغرب ،مطابع إفريقيا الشرق،2010 ،
ص .371
- 240بدر الدين محمد شبل ،المرجع السابق ،ص 371
جسدي أو عقلي خطير بأفراد الجماعة ،إخضاع الجماعة عمدا ألحوال معيشية
يقصد بها إهالكها الفعلي كليا أو جزئيا ،فرض تدابير تستهدف منع اإلنجاب داخل
بالرجوع إلى النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية املعتمد سنة ،1998
نجد أن األفعال السالف ذكرها ،والتي تشكل الصور املكونة لجريمة اإلبادة
الجماعية ليست واردة على سبيل الحصر ،و إنما هي مذكورة على سبيل االسترشاد
واملثال فقط ،ومن تم يمكن وقوع جريمة اإلبادة الجماعية بأفعال أخرى غير تلك
املنصوص عليها ،والتي تؤدي إلى تدمير جماعات قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية
بصفتها هذه تدميرا كليا أو جزئيا241.
إن جرائم العنف الجنس ي يمكن أن تقع في صورة إبادة جماعية في حال ما إذا
ارتكبت بهدف القضاء الكلي أو الجزئي على جماعة قومية أوإثنية أو عرقية أو دينية،
بصفتها هذه ،وتشمل أفعال العنف الجنس ي الو اقعة في صورة إبادة جماعية في
-241علي عبد القادر قهوجي ،القانون الدولي الجنائي ،لبنان ،منشورات الحلبي الحقوقية ،2001 ،ص 133
- 242نصيرة مازري ،أمينة طالبي ،جرائم العنف الجنسي ضد المرأة كجريمة ضد اإلنسانية ،مذكرة ماستر ،تخصص
القانون الدولي اإلنساني وحقوق اإلنسان ،جامعة عبد الرحمان ميرة ،بجاية ،2013 ،ص 21
ثانيا:اجلرائم ضد اإلنسانية
األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية ،التي جاءت بتعريف عام للجرائم ضد
والتطورات التي لحقت بالجرائم ضد اإلنسانية ،األمر الذي جعل صياغتها تختلف
ضد اإلنسانية ،وهذا طبعا بخالف جريمة اإلبادة الجماعية التي جاء تعريفها والصور
التي تشمل عليها متطابقة مع مختلف نصوص األنظمة القضائية الدولية السابقة
جرائم دولية ،يشترط لوقوعها ضرورة ارتكابها ضمن سياسة تتبعها الدولة أوإحدى
املنظمات التابعة لها ،أو وقوعها على نحو يستهدف املدنيين بشكل واسع ،أي بمعنى
نصت املادة السابعة على ما يمكن تسميته بجرائم العنف الجنس ي حيث
تضمنت" االغتصاب أو االستبعاد الجنس ي ،أو اإلكراه على البغاء أو الحمل القسري
أوالتعقيم القسري أوأي شكل أخرمن أشكال العنف الجنس ي على مثل هذه الدرجة
وقد قام نظام روما األساس ي ،بتوسيع هذه األفعال املشكلة للجرائم ضد
اإلنسانية ،بأن جعلها تقع على املرأة والرجل معا ،خالفا ملا جرى العمل به في األنظمة
بمجرد وقوعها ضمن الهجوم الواسع النطاق أو املنهجي ،بغض النظر عن كونها تقع
ضد املرأة أو الرجل ،وعلى ذلك يعتبر االغتصاب وجرائم العنف الجنس ي األخرى
جرائم ضد اإلنسانية ،ولكنها قد تصبح جرائم حرب حال وقوعها ضمن نزاع مسلح
دولي أوغيردولي ،ويكون ذلك مثال عندما يتم اغتصاب النساء املدنيات الالتي ينتمين
لدولة طرف في النزاع ،من طرف مقاتلي دولة أخرى طرف في هذا النزاع.247
يمكن تعريف جرائم الحرب ،على أنها األفعال الو اقعة خرقا للقواعد
واألعراف املنظمة للنزاعات املسلحة ،والصور املشكلة لهذه الجرائم يمكن إيجادها
ضمن العديد من الوثائق الدولية كمؤتمر السالم األول والثاني في الهاي عام 1899
و ،1977اتفاقيات جنيف األربع لعام 1949والبرتوكولين امللحقين بها لعام .1977
املشكلة لجرائم الحرب التي ترتكب في إطار النزاعات املسلحة الدولية وغير الدولية.
ويرجع ذلك إلى ضرورة حماية األشخاص غيراملشاركين في املجهود الحربي من النساء
توصل نظام روما األساس ي عند تعريفه لجرائم الحرب ،إلى الجمع بين الحلول
الوسط من جهة ،وتطوير القانون الدولي من جهة أخرى ،فوسع في تعريف هذه
الجرائم واألفعال املشكلة لها بصورة أفضل مما كانت عليه في التعاريف التقليدية
السابقة ،واشتمل على أفعال جديدة لم يسبق تكيفها كجرائم حرب ،إضافة الى
مسايرته للتطورات الحديثة للقضاء الدولي ،من خالل تجريمه لألفعال املشكلة
- 248محمد فهد الشاللدة ،القانون الدولي اإلنساني ،اإلسكندرية ،توزيع منشأة المعارف ،2005 ،ص 405
الجرائم الدولية الشديدة الخطورة ،والتي من بينها جرائم الحرب ،هذه األخيرة التي
عالجها ضمن املادة الثامنة منه ،والتي جاء في فقرتها األولى "يكون للمحكمة
اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب وال سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو
سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم" ،بينما جاءت
الفقرة الثانية لتوضح املقصود بجرائم الحرب فأحصت األفعال املكونة لها.
قسمت جرائم الحرب حسب نظام روما األساس ي إلى فئتين جرائم الحرب
املرتكبة خالل النزاعات املسلحة الدولية و جرائم الحرب املرتكبة خالل النزاعات
املسلحة غير الدولية .وقد شملت هذه الجرائم عددا كبيرا من االنتهاكات التي تقع
خرقا للقانون املنظم للنزاعات املسلحة ،منها ما يقع على األشخاص كأفعال القتل
كضرب األهداف املدنية وتوجيه الهجمات ضد األشياء واألعيان التي ال غنى عنها
لبقاء السكان املدنين على قيد الحياة أو استهداف املو اقع التي ال عالقة لها بالنزاع،
دوليا.249
- 249أنظر الفقرة الثانية من المادة الثامنة من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية
يمكن أن تقع جرائم الحرب في صورة عنف جنس ي في حال إرتكاب األفعال
املشكلة لها كاالغتصاب واالستعباد والتعقيم القسري واإلكراه على البغاء وغيرها،
للمحكمة الجنائية الدولية بسبب االختالف القائم حول وضع تعريف محدد
للجريمة ،وقد توصل املؤتمرون في نهاية األمر إلى إدراج جريمة العدوان ضمن
اختصاص املحكمة الجنائية الدولية وتأجيل وضع تعريف لهذه الجريمة إلى حين
انعقاد املؤتمر االستعراض ي الذي تم االتفاق على عقده بعد مرور سبع سنوات من
جاء هذا املؤتمر بتعديالت هامة خاصة فيما يتعلق بجريمة العدوان من حيث
- 250منى غبولي "التوصل إلى تعريف جريمة العدوان ،قراءة على ضوء نتائج المؤتمر االستعراضي للنظام األساسي
للمحكمة الجنائية الدولية كمباال "2010المجلة األكاديمية للبحث القانوني ،جامعة عبد الرحمان ميرة ،بجاية ،المجلد
الخامس ،العدد األول ،2014 ،ص 224
- 251تنص الفقرة األولى من المادة 123من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنه "بعد انقضاء سبع
سنوات على بدء نفاذ هذا النظام األساسي ،يعقد األمين العام لألمم المتحدة مؤتمرا استعراضيا للدول األطراف للنظر في
أي تعديالت على هذا النظام األساسي .ويجوز أن يشمل االستعراض قائمة الجرائم الواردة في المادة 5دون أن يقتصر
عليها .ويكون هذا المؤتمر مفتوحا للمشاركين في جمعية الدول األطراف وبنفس الشروط"
الخامسة من النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية والتوصل إلى وضع تعريف
لجريمة العدوان ضمن املادة الثامنة مكررالتي تنص" :ألغراض هذا النظام األساس ي
تعني جريمة العدوان :قيام شخص ما ،له وضع يمكنه من التحكم في العمل
السياس ي أو العسكري للدولة ،أو من توجيه هذا العمل بتخطيط أو إعداد أو بدء أو
تنفيذ عمل عدو اني يشكل بحكم طابعه وخطورته ونطاقه انتهاكا واضحا مليثاق األمم
املتحدة"
للمحكمة الجنائية الدولية ،نجد جاء مستمدا من القرار الذي اعتمدته الجمعية
العامة بشأن تعريف العدوان بموجب قرارها الصادر بتاريخ 14ديسمبر 1974تحت
رقم .3314كما أن من أهم ما يميزه أنه تو افقي مختلط ،يجمع بين التعريف العام
لجريمة العدوان والتعريف الحصري .ومن ثم فهو تعريف استرشادي أعطى معنى
عام لجريمة العدوان ثم عدد بعض األفعال املشكلة للجريمة على سبيل املثال
والتوضيح.
إن العدوان باعتباره جريمة دولية خطيرة يقع من خالل االستخدام غيراملشروع
للقوة املسلحة من طرف دولة ما في مواجهة دولة أخرى وهو يتخذ عدة صور تتمثل
املسلحة في البر أو البحرأو الجو ،استخدام إقليم الدولة على غير ما هو متفق عليه،
قيام الدولة بوضع إقليمها بتصرف دولة أخرى للعدوان ،إرسال العصابات.252
املحكمة الجنائية الدولية بنظرها ،إال أنه وفي حال وقوع فعل العدوان يمكن أن
يترتب عنه وقوع جرائم حرب و انتهاكات خطيرة قد تشكل أفعال عنف جنس ي تدخل
العنف اجلنسي
لم تكن تعتبر جرائم العنف الجنس ي في القرون املاضية جرائم دولية وال حتى
وطنية ،إال أنه ومع تطور األنظمة القانونية والقضائية ،الدولية منها والوطنية،
والدولية ،فأصبحت تعتبر من بين أشد الجرائم الدولية خطورة والتي قد تكون في
واإلهانة واإلذالل.253
يتعرض األشخاص الذين يقعون ضحية لجرائم العنف الجنس ي إلى تبعات
وخيمة لذلك ،كوصمة العارالتي تلحق بهم جراء أعمال العنف الجنس ي ،إضافة إلى
اإلذالل النفس ي واألمراض الجنسية املعدية التي قد تنتقل إلى الضحية بسبب
تعتبر املحكمة الجنائية الدولية من أهم وأكثر اآلليات القضائية الدولية التي
اعتنت بقضايا العنف الجنس ي .فتضمن النظام األساس ي املنش ئ لها قائمة موسعة
من الصوراملشكلة لهذه الجرائم والتي من املمكن أن ترتكب في أوقات السلم أو زمن
من بين قضايا العنف الجنس ي املرفوعة أمام املحكمة الجنائية الدولية ،قضية
املتعلقة بكينيا ،إال أن هذه القضايا لم تصل إلى مرحلة التحقيق بسبب عدم وجود
يعتبر العنف الجنس ي جريمة دولية تدخل ضمن اختصاص املحكمة الجنائية
الدولية في حال تو افرأركانه وشروطه .ومن أمثلة أفعال العنف الجنس ي التي تشكل
انتهاكات دولية خطيرة ،ما ارتكب في هايتي ما بين سنة 1991و ،2004حيث كان
أعمال العنف الجنس ي أيضا التي يعتبر جريمة دولية أيضا جرائم االغتصاب
املرتكبة على نطاق واسع خالل النزاع املسلح القائم شرق جمهورية الكونغو
اجلنائية الدولية
لقد جاء النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية بقائمة موسعة من
البغاء ،الحمل القسري ،التعقيم القسري ،كما أنه جعل قائمة هذه الجرائم
مفتوحة الحتمال وقوع جرائم أخرى تنطوي على عنف جنس ي وذلك بإدراجه عبارة
أوال :االغتصاب يمكن تعريف االغتصاب على أنه إيالج أي ش يء بما في ذلك
العضو الجنس ي ،بصفة جبرية وتحت اإلكراه ،في أي جزء من جسد الضحية ،الذي
يقع االغتصاب من خالل إرغام الشخص على اتصال جنس ي دون مو افقته،
باستعمال القوة أو العنف أو التهديد ،ويمكن أن يقع بين أشخاص من نفس الجنس
كما يحدث أيضا بين جنسين مختلفين وهو يشكل مساس بالسالمة الجسدية
السلطات املتعلقة بحق امللكية كالشراء أو البيع أو اإلعارة أو املقايضة على املجني
من أكثر األمثلة شيوعا على ممارسة االستعباد الجنس ي ما ارتكبه الجيش
الياباني في حق النساء اللواتي كان يطلق عليهن اسم "نساء الراحة" فكن ينتقلن مع
الجيش الياباني إلى مناطق االحتالل من أجل إمتاع الجنود والترفيه عنهم جنسيا.
ثالثا :اإلكراه على البغاء تقع هذه الجريمة بإجبار املجني عليه على ممارسة
أفعال ذات طبيعة جنسية باستعمال القوة أو وسائل التهديد املادية أو املعنوية ،مع
إمكانية الحصول على مقابل جراء القيام بهذه األفعال .260وقد ارتكبت جريمة
اإلكراه على البغاء بشكل واسع خالل النزاع القائم في يوغسالفيا السابقة.
رابعا :الحمل القسري تقع جريمة الحمل القسري من خالل إجبار املرأة على
الحمل بطريقة غير مشروعة وبصفة جبرية مع استعمال وسائل التهديد ،261ويكون
- 258خديجة جعفر "جرائم العنف الجنسي في نظام المحكمة الجنائية الدولية" مجلة دراسات وأبحاث ،المجلد الرابع،
العدد السابع ،جامعة زيان عاشور ،الجلفة ،2012 ،ص .3
- 259عبد القادر البقيرات ،مفهوم الجرائم ضد اإلنسانية على ضوء القانون الدولي الجنائي والقوانين الوطنية ،الجزائر،
ديوان المطبوعات الجامعية ،2011 ،ص .109 ،108
- 260نصر الدين بوسماحة ،المرجع السابق ،ص .34
- 261سهيل حسين الفتالوي ،جرائم اإلبادة الجماعية والجرائم ضد اإلنسانية ،موسوعة القانون الدولي الجنائي ،1
األردن ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،الطبعة األولى ،2011 ،ص.245
ذلك من خالل حجزامرأة أو مجموعة من النساء وإجبارهن على الحمل رغما عنهن،
بغية الـتأثيرفي التكوين العرقي للجماعة التي تنتمي إليها تلك النساء .262كما هوالحال
بالنسبة لتنظيم داعش ،الذي كان أفراد قواته يغتصبون النساء بغرض تعزيز
وإدامة تواجدهم ،من خالل نقل إيديولوجيتهم إلى جيل جديد يحمل نفس صفاتهم،
فكانت تستعمل أجساد النساء وكأنها أسلحة بيولوجية لتغيير البنية الديمغر افية
ملنطقة ما.263
خامسا :التعقيم القسري تتحقق هذه الجريمة بإعطاء مواد تسبب العقم
للمرأة أو الرجل ،أو بأي عمل أخرمن شأنه التأثيرفي القدرة على اإلنجاب ،264من غير
مو افقة الضحية أو إذنها ودون وجود أي أسباب أو دواعي طبية تستدعي ذلك.265
وقد تم اللجوء إلى ارتكاب هذه الجريمة أثناء الحرب العاملية الثانية أين قام هتلر
وراثية.266
سادسا :جرائم العنف الجنس ي األخرى يدخل ضمن مفهوم هذه الجريمة كافة
لم يفرق النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بجرائم
العنف الجنس ي بين الجنسين إال في بعض املواد فقط ،فقد أعطى نظام املحكمة
عناية خاصة لإلنسان ،فنص على تجريم كافة االنتهاكات املرتكبة في حقه ،وذلك
ألجل حمايته من كافة أعمال العنف واالعتداء التي يمكن أن يتعرض لها.268
إن األفعال املنصوص عليها أعاله واملشكلة لجرائم العنف الجنس ي يمكن أن
تكون في صورة جرائم ضد اإلنسانية ،كما يمكن أن تكون في صورة جرائم حرب،
ففي كال الحالتين تشكل هذه األفعال جرائم عنف جنس ي تدخل ضمن نطاق
اختصاص املحكمة الجنائية الدولية ،وقد جرمت هذه األفعال وتم النص على
عقاب مرتكبيها ألجل حماية النساء من االعتداءات الجنسية التي قد يتعرضون لها،
أفعال العنف الجنس ي يمكن أن تقع أيضا في صورة إبادة جماعية ،لدو افع
الدولية في املادة السادسة منه على أن جريمة اإلبادة الجماعية يمكن أن تتحقق من
خالل فرض التدابير املؤدية الى منع اإلنجاب داخل الجماعة .إذ يعتبر هذا الفعل
نوعا من أنواع العنف الجنس ي ألنه يهدف إلى منع االستمرار الطبيعي ألفراد
الجماعة ،عن طريق منع التوالد فيما بينها ،وقد يتم بعدة صور ،كفصل رجال
جماعة ما عن نسائها أو منع التزاوج فيما بينها أو إجهاض نساء الجماعة ،أو التسبب
بالعقم للرجال والنساء من أفراد الجماعة ،إما ببتر العضو الجنس ي لدى رجالها أو
إجبار نسائها على تناول العقاقير املسببة للعقم ،270.وقد أطلق على هذا النوع من
اإلبادة مصطلح اإلبادة البيولوجية ،ألنه يهدف إلى إعاقة أو منع نمو وتزايد أفراد
العنف اجلنسي
التي تشكل جرائم عنف جنس ي ترتكب في حق اإلنسان وتمس بحقوقه ،استنادا
- 270لندة معمر يشوي المحكمة الجنائية الدولية الدائمة واختصاصها ،األردن ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،الطبعة
األولى ،2008 ،ص.189
-271منتصر سعيد حمودة حقوق اإلنسان أثناء النزاعات المسلحة ،دراسة فقهية في ضوء أحكام القانون اإلنساني،
اإلسكندرية ،دار الجامعة الجديدة ،الطبعة األولى ،2008 ،ص .184
املحكمة تعتبر هيئة قضائية دولية تقف في وجه الجرائم الدولية الخطيرة وتحول
دون إفالت مرتكبيها من العقاب ،خاصة إذا ما تعلق األمر بتلك االنتهاكات الخطيرة
في الجرائم الدولية الخطيرة ومعاقبة مرتكبيها ،و إنما تلعب دورا مكمال لالختصاص
القضائي الوطني ،هذا األخيرالذي تبقى له أسبقية النظرفي جرائم العنف الجنس ي
ومعاقبة مرتكبيها.272
الجنائية الدولية يسمى بمبدأ التكامل ،ويقصد به تلك الصياغة التوفيقية التي
تعتمدها الجماعة الدولية ألجل حمل الدول وحثها على مالحقة ومتابعة األشخاص
الطبيعيين الذين يرتكبون الجرائم الدولية الشديدة الخطورة على املجتمع الدولي،
وهذا االختصاص األولي للمحاكم الوطنية تكمله املحكمة الجنائية الدولية في حال
عدم رغبة القضاء الوطني أو عدم جديته في محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ،أو
عدم قدرته على ذلك ،نظرا لعدم اختصاصه بنظر هذه الجرائم أو النهيار هياكله
القضائية املختصة بذلك273.
الجنائية بالنظر في الجرائم الدولية املعروضة على محاكمها الوطنية ،حال عدم
قدرتها على االختصاص بالنظرفي هذه الجرائم بسبب انهيارهياكلها القضائية ،أو في
حال عدم رغبتها أو عدم استعدادها أو ال مباالتها أصال بنظر هذه الجرائم ومعاقبة
مرتكبيها ،أو بسبب عدم تو افر شرط اختصاصها املوضوعي للنظر في هذه الجرائم
نظرا لعدم وجود نص ضمن قوانينها الوطنية يجرم الفعل املرتكب ويعاقب عليه274.
نظام روما األساس ي ،في تأكيد مبدأ السيادة التي تملكها الدول على إقليمها وعلى ما
الدولية ،وهو األمر الذي جعل مبدأ االختصاص التكميلي محل ترحيب وتأييد من
ي ومو افقتها عليه275. طرف غالبية الدول املشاركة في مؤتمرروما األساس
- 273وداد محزم سايغي" ،مبدأ التكامل في ظل النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية" ،قسنطينة ،جامعة اإلخوة
منتوري ،مذكرة نيل شهادة الماجستير ،2007 ،2006 ،ص .10
-274عالوة الطيب" ،المحكمة الجنائية الدولية اختصاص أصيل أم تكميلي" المجلة الجزائرية للعلوم
القانونية،االقتصادية و السياسة ،جامعة الجزائر ،كلية الحقوق ،العدد الرابع ،ديسمبر ،2011ص .522
- 275محمد عزيز شكري ،القانون الدولي اإلنساني والمحكمة الجنائية الدولية" ،القانون الدولي اإلنساني -أفاق
وتحديات -مؤلف جماعي ،الجزء الثالث ،لبنان ،منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة األولى ،2005 ،ص .130
إن مبدأ التكامل الذي يحكم نشاط املحكمة الجنائية الدولية يصب في مصلحة
بحيث أن جرائم العنف الجنس ي ينعقد اختصاص املساءلة واملعاقبة عنها للقضاء
الوطني بالدرجة األولى ،وفي حال عدم قدرة هذا األخير أو عدم رغبته في ذلك ينعقد
االختصاص للمحكمة الجنائية الدولية ،ومن ثم فإن مرتكبي جرائم العنف الجنس ي
لن يفلتوا من العقاب ،وسوف يكونون محل متابعة سواء بموجب القضاء الوطني
لقد اعتمد نظام روما املنش ئ للمحكمة الجنائية الدولية ،قواعد ومبادئ
املسؤولية الجنائية الفردية ملرتكبي الجرائم الدولية األشد خطورة .إذ جاء في
ديباجة هذا النظام التأكيد على ضرورة مالحقة ومعاقبة املجرمين الدوليين الذين
يرتكبون الجرائم الدولية الخطيرة الو اقعة ضمن االختصاص املوضوعي للمحكمة
الجنائية الدولية ،والتي تهدد الكيان البشري وتثير قلق املجتمع الدولي ككل ،كما تم
التأكيد على وجوب وضع حد لظاهرة الالعقاب التي أصبحت متفشية ومنتشرة على
الصعيد الدولي ،وضرورة العمل على إرساء أسس السلم واألمن الدوليين وإضفاء
-276قصي مصطفى عبد الكريم تيم" ،مدى فاعلية القانون الدولي اإلنساني في النزاعات المسلحة الدولية وغير
الدولية" ،فلسطين ،نابلس ،جامعة النجاح الوطنية ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير ،ص .132
إن الجرائم الدولية الخطيرة التي تهدد كيان املجتمع البشري ال يمكن السكوت
عنها أو التغاض ي عن عدم معاقبة مرتكبيها ،لذلك تم إقرار مبدأ املسؤولية الجنائية
جانبهم ،وذلك بموجب قواعد القانون الدولي سواء املستمدة من العرف الدولي أو
تلك املتفق عليها بموجب معاهدات دولية ،فاملسؤولية عن ارتكاب ووقوع الجرائم
الدولية لم تعد قائمة في حق الدولة فقط بل أن الفرد أصبح أيضا مسئوال مسؤولية
وقد تم تأكيد وتكريس مبدأ املسؤولية الجنائية الدولية الفردية ضمن العديد
من الوثائق الدولية ،منها معاهدة فرساي التي أقرت ضمن املادة 227منها ،مبدأ
املسؤولية الجنائية الفردية إلمبراطور أملانيا في ذلك الوقت غيلوم الثاني ،إلى جانب
ذلك فان محكمة النورمبورغ أكدت ضمن نظامها األساس ي على هذا املبدأ .وتأكد
املبدأ بعدها ضمن اتفاقيات جنيف األربع لعام 1949والتي نصت على إقراره في حق
االتفاقيات .277كما أن مختلف األنظمة القضائية التي جاءت بعد هذه الهيئة أكدت
-277عمر محمود المخزومي ،القانون الدولي اإلنساني في ضوء المحكمة الجنائية الدولية ،األردن ،دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،الطبعة األولى ،2008 ،ص .259
إن نظام روما األساس ي يتميز بكونه يتماش ى ويتو افق مع مكافحة ومحاربة
ظاهرة الالعقاب التي كانت سائدة لعقود طويلة من الزمن ،إذ أن هذا النظام أنشأ
خصيصا ملحاربة هذه الظاهرة ،واستنادا لذلك جاء بمبدأ أساس ي يتمثل في إقرار
الذي ينطبق على األشخاص الطبيعيين دون أن يمتد إلى األشخاص املعنوية ،األمر
فاملادة 25من نظام روما األساس ي أكدت على مبدأ املسؤولية الجنائية الفردية
الخطيرة التي يرتكبونها والتي تدخل ضمن االختصاص املوضوعي للمحكمة الجنائية
الدولية.
الشروط الواجب تو افرها لقيام هذه املسؤولية ،فنصت على أنها مسؤولية
شخصية وفردية يتحملها الشخص الذي ارتكب إحدى الجرائم الداخلة في
اختصاص املحكمة ،سواء بنفسه أو كان شريكا مع أخريين أو كان متدخال في وقوع
هذه الجريمة أو محرضا على ارتكابها أو حتى أمرا أو مغريا ،كما تتحقق هذه
املسؤولية ،سواء بوقوع الجريمة كاملة أو ملجرد الشروع في ارتكابها فقط280.
فيما يتعلق بمسؤولية األشخاص الطبيعيين دائما ،أقر نظام روما األساس ي
حكما أخريتعلق بهذه املسؤولية ضمن املادة 26منه ،يقض ي بأن ال يمتد اختصاص
سنة ،وقت ارتكابهم للفعل املجرم الذي يدخل ضمن االختصاص املوضوعي
للمحكمة الجنائية الدولية ،أي أن األشخاص الطبيعيين الذين تقل أعمارهم عن
18سنة ال يكونون محل مساءلة أمام املحكمة الجنائية الدولية ،281إال أن ذلك ال
يمنع من مساءلتهم أمام املحاكم الجنائية الوطنية التابعة للدولة التي وقعت فيها
إن املسؤولية الجنائية الفردية يتحملها الفرد في حال ارتكابه إلحدى الجرائم
الدولية املنصوص عليها ضمن النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية ،بما فيها
جرائم العنف الجنس ي فهذه األخيرة يعاقب على ارتكابها األشخاص الطبيعيين
ويسألون مسؤولية جنائية فردية ،وتطبق عليهم كافة األحكام العامة املتعلقة
الدولية.
استنادا للمبدأ القائم على حسن سير العالقات الدولية و ضرورات املصلحة
العامة ،يتم إعفاء بعض األشخاص الذين يتقلدون وظائف سامية في الدولة من
املتابعة والعقاب عن الجرائم الدولية التي يرتكبونها ،سواء أمام املحاكم الوطنية
للدول التي يتبعونها والتي تختص بنظرهذه الجرائم ،أوأمام محاكم الدول األجنبية،
و هذا استنادا للحصانات و االمتيازات التي تمنح لهم بموجب اتفاقية فينا لعام
1961
كانت هذه الحصانة التي يتمتع بها األشخاص الطبيعيين ولوقت طويل تحول
الذي كان يحد من فعالية األحكام والنصوص التي تجرم وتعاقب على ارتكاب هذه
الجرائم ،ومن تم انتشار وتفش ي ظاهرة اإلفالت من العقاب بسبب العجز عن
التصدي لهذه الجرائم 283.
ألجل تفادي كل ذلك ،جاء نظام روما األساس ي مؤكدا ضمن مادته 27على مبدأ
عدم االعتداد بالصفة الرسمية التي يتمتع بها األشخاص الذين يرتكبون جرائم
-283وفاء دريدي ،المحكمة الجنائية الدولية ودورها في تنفيذ قواعد القانون الدولي اإلنساني" ،باتنة ،جامعة الحاج
لخضر ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير ،2009 /2008ص .81
دولية خطيرة تدخل ضمن االختصاص املوضوعي للمحكمة الجنائية الدولية ،اذ أن
نصوص النظام األساس ي وأحكامه تطبق على كافة األشخاص املتهمين بغض النظر
عن الصفة الرسمية أو الوظيفية التي يتقلدها هؤالء املتهمين ،فالشخص يسأل
ويعاقب بموجب نظام روما األساس ي بمجرد ارتكابه لفعل مجرم بموجب هذا
النظام ،مهما كانت صفته أو وظيفته ،سواء رئيس دولة أو عضو في برملان أو ممثال
منتخبا ،فكل هذه الرسميات ال تعتبر ظرفا معفيا أو مخففا من إقرار املسؤولية
إن جرائم العنف الجنس ي التي تختص املحكمة الجنائية الدولية بنظرها تسري
عليها أيضا هذه األحكام ،إذ يعاقب األشخاص املسئولون عن ارتكاب هذه الجرائم
أو اآلمرين بارتكابها بغض النظر عن صفتهم الرسمية أو الوظيفة التي يشغلونها حتى
ولو كان املتهم رئيس دولة أو قائد عسكري أو ذو منصب سامي في الدولة.
مبدأ التقادم معترف به ضمن أغلب التشريعات الوطنية التي تقر إعماله من
أجل منح فرصة للمتهم ومساعدته على االندماج واالنخراط في املجتمع بصفة
طبيعية .إال أنه وبالنظرلخطورة وجسامة الجرائم الدولية ،فإن هذا املبدأ ال يسري
عليها وال يطبق بشأنها .فالجرائم الدولية الخطيرة ال تسقط بالتقادم مهما مر عليها
من الزمن.284
يقصد بالتقادم مرور مدة من الوقت بعد صدور حكم يقض ي بتسليط عقوبة
على املتهم ،ولكن ال ينفذ الحكم خالل هذه املدة .فيسقط عندئذ حق املجتمع في
وهذا التقادم يمس العقوبة .أما تقادم الدعوى العمومية فهو يعني مرور مدة
زمنية معينة على تاريخ ارتكاب الجريمة أو اتخاذ إجراء من إجراءات الدعوى بشأنها،
إن التقادم بنوعيه ،سواء تقادم العقوبة أو تقادم الدعوى العمومية يسمح
ويساهم في إفالت مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة من العقاب ،وذلك إما من خالل
سقوط الحق في املالحقة واملتابعة القضائية أو سقوط الحق في توقيع العقاب على
مرتكبي الجرائم286.
إن مبدأ التقادم املنصوص عليه ضمن القوانين الوطنية ال يمكن إعماله على
املستوى الدولي ألن طبيعة الجريمة الدولية التي تتميز بالخطورة والجسامة تجعل
- 284أحمد بشارة موسى ،المسؤولية الجنائية الدولية للفرد ،الجزائر ،دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع،2009 ،
ص .222
-285نفس المرجع ،ص .222
- 286مونية بن عبد ،المركز القانوني لضحايا الجرائم الدولية ،عمان ،دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع،
،2014ص .68
بالجرائم الدولية من اإلشارة إلى مدة زمنية تتعلق بتقادم هذه الجرائم.287
أولت الجمعية العامة لألمم املتحدة اهتماما كبيرا بموضوع عدم تقادم
الصلة من نص يقض ي بعدم سريان مبدأ التقادم على الجرائم الدولية الخطيرة.
فعمدت إلى إصدار اتفاقية دولية خاصة بعدم تقادم الجرائم ضد اإلنسانية
وجرائم الحرب سنة ،1968أكدت ضمن املادة األولى منها على عدم سريان التقادم
كما تقرر مبدأ عدم التقادم أيضا ضمن االتفاقية األوروبية املتعلقة بعدم
وإعالن الجمعية العامة لألمم املتحدة املتعلق بحماية جميع األشخاص من االختفاء
األساسية للمحاكم الجنائية الدولية الخاصة وبعدها في نظام روما األساس ي املنش ئ
أكد النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية على مبدأ عدم تقادم الجرائم
الدولية الخطيرة املدرجة ضمن بنوده ،واملتمثلة أساسا في جريمة اإلبادة الجماعية،
الجرائم ضد اإلنسانية ،جرائم الحرب وجريمة العدوان .فنص على أنه "ال تسقط
الجرائم التي تدخل في اختصاص املحكمة بالتقادم أيا كانت أحكامه"290
على كافة الجرائم املنصوص عليها ضمنه بما فيها جرائم العنف الجنس ي ،وبذلك
فإن مرتكبي هذه الجرائم ال يمكن أن يفلتوا من العقاب بمرور الزمن .فجرائم
العنف الجنس ي تتميز بخطورة جسيمة تستدعي إقرار مبدأ التقادم بشأنها ،خاصة
وأنها تمس بالسالمة الجسدية والنفسية للضحية وتلحق أضرارا ال يمكن تداركها.
خامتة:
إن املحكمة الجنائية الدولية تختص بنظرالجرائم الدولية الخطيرة ،والتي من
بينها جرائم العنف الجنس ي ،فتسعى إلى مالحقة ومتابعة مرتكبيها وتوقيع العقاب
عليهم .وبالرغم من القائمة املطولة التي جاء بها النظام األساس ي للمحكمة الجنائية
الدولية والتي تشمل تجريم وحظر ارتكاب أفعال العنف الجنس ي بمختلف أنواعها،
كاالغتصاب واالستعباد الجنس ي واإلكراه على البغاء وغيرها ،إال أن هذه الجرائم
الزالت ترتكب بصورة مستمرة ،باألخص في أوقات النزاعات املسلحة ،األمر الذي
يؤكد على أن النص على جرائم العنف الجنس ي وإدراجها ضمن النظام األساس ي
للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جرائم دولية خطيرة ،ال يكفي وحده بل ال بد
من ردع وجزروقمع مرتكبيها وتسليط أشد العقوبات عليهم لتفادي وقوعها مستقبال.
من خالل دراسة موضوع جرائم العنف الجنس ي في ضوء املحكمة الجنائية
-أن املحكمة الجنائية الدولية عملت على تطوير مفهوم جرائم العنف
الجنس ي
-أن النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية تضمن قائمة موسعة من
للمحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تقع في حق النساء كما تقع أيضا في
-أن االختصاص األصيل واألولي بنظر جرائم العنف الجنس ي يرجع للقضاء
الوطني وفي حال عجزه أو عدم رغبته يؤول االختصاص للمحكمة الجنائية
الدولية
-أن نظام املحكمة الجنائية الدولية أقر املسؤولية الجنائية الفردية في حق
-أن جرائم العنف الجنس ي ال تسقط بالتقادم باعتبارها تدخل ضمن أشد
مقدمة:
يعتبر العمل املنزلي ظاهرة عاملية ،تختلف من مجتمع إلى أخر تبعا لألوضاع
العاملة السيما في البلدان النامية ،وقد افتقر هذا العمل في املغرب للتنظيم
والحماية القانونية واالجتماعية لفترة طويلة ،عانت على إثره العامالت والعمال
واملعاملة غيرالالئقة.
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 169
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
وقد أولت منظمة العمل الدولية أهمية قصوى للعمل والعمال املنزليين،
العمل الالئق بالعمال املنزليين سنة ،2011والتي أكدت من خاللها على أن هذا
وقد كان أول تنظيم قانوني لعمل العمال املنزليين باملغرب بمقتض ى قانون
االلتزامات والعقود ،في إطار أحكام إجارة الخدمة ،وبعد ذلك صدرت نصوص
قانونية شكلت قانون الشغل ،لكن هذه القوانين لم تنص على خضوع العمال
املنزليين ملقتضياتها ،إلى ان صدرت مدونة الشغل ونصت بشكل صريح من خالل
املادة 2914على استبعاد العمال املنازل"خدم البيوت"من نطاق تطبيقها ،مع اإلحالة
على صدور نص خاص ينظم هذه العالقة ،وبعد طول انتظار صدر القانون رقم
التنفيذ في أكتوبر.2922018
أما بالنسبة للمشرع الفرنس ي فقد نظم هذا العمل من خالل نظام أساس ي
نونبر ،1999وهذا ال يعني انه أقص ى العمال املنزليين من أحكام مدونة الشغل ،بحيث
291المادة 4من م.ش " :يحدد قانون خاص شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم عالقة شغل بصاحب
البيت ".
292تنص المادة 27من قانون 19.12على ما يلي" :تدخل أحكام هذا القانون حيز التنفيذ بعد انصرام أجل سنة ابتداء من
التاريخ الذي تنشر فيه بالجريدة الرسمية النصوص الالزمة لتطبيقه التام" .بمعنى أن قانون 19.12قد صدر بتاريخ 10
غشت ،2016ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 22غشت .2016إال أن نصوصه التنظيمية لم تصدر إلى غاية 31غشت
(2017بالنسبة لنموذج عقد العمل المنزلي) وبتاريخ 27سبتمبر (2017بالنسبة لالئحة األشغال الممنوعة على العمال
المنزليين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16و 18سنة) ونشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 2أكتوبر ،2017ولهذه األسباب
دخل حيز التنفيذ في أكتوبر.2018
يحيل من خالل االتفاق على أحكام مدونة الشغل الفرنسية ،عالوة على استفادتهم
وقد عرف املشرع املغربي العمال املنزليين بأنهم ":العاملة أو العامل الذي
يقوم بصفة دائمة واعتيادية ،مقابل أجر ،بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو األسرة،
سواء عند مشغل واحد أو أكثر" ،293وعرف العمل املنزلي بأنه" :العمل املنجز لدى
أسرة أو عدة أسر" .294أما املشرع الفرنس ي فقد عرف العمال املنزليين بأنهم كل
شخص يعمل بدوام كامل أو جزئي 295ويؤدي كل أو جزء من واجبات األسرة أو منزل
األسرة.296
كان من الضروري الوقوف على مظاهرالحماية املخولة لهذه الشريحة ورصد مظاهر
نظام حمائي متميز من جهة ،ومن جهة أخرى لتصحيح الفكرة املغلوطة التي سادت
293المادة 1الفقرة األولى من قانون ،19.12ظهير شريف رقم 1.16.121صادر بتاريخ 10غشت ،2016بتنفيذ قانون
رقم ،19.12ج.ر.ع 6493بتاريخ 22غشت ،2016ص.6175:
294المادة األولى الفقرة الثالثة من قانون 19.12
295تميز المشرع الفرنسي على المشرع المغربي في هذه النقطة عندما خول هذه الحماية للعمال المنزليين المؤقتين،
خالفا للمشرع المغربي والذي أقصى العمال المنزليين المؤقتين من الحماية المكفولة لهذه الشريحة من خالل قانون 19.12
عندما اشترط من خالل المادة األولى منه عنصر الديمومة واالستمرارية .وتجدر اإلشارة إلى أن هذا الطرح تبنته منظمة
العمل الدولية من خالل االتفاقية المتعلقة بالعمل الالئق بالعمال المنزليين رقم 189الصادرة سنة 2011عندما نصت من
خالل المادة األولى حين اعتبرت أن أي شخص يؤدي عمال منزليا من حين إلى أخر أو على نحو متقطع فقط وليس على
أساس مهني ليس عامال منزليا.
est salarié, toute personne, à temps plein ou partiel, qui effectue tout ou "Art 1 c.c.n : 296
."partie des tâches de la maison à caractère familial ou ménager
بعض البحوث التي اعتبرت الحماية القانونية للعمال املنزليين في فرنسا تقتصرعلى
لإلجابة على هذه اإلشكالية سنعتمد التقسيم التالي :املبحث األول :الحماية
ينهج طريق التنظيم املزدوج بين مدونة الشغل إضافة إلى نظام أساس ي
كفرنسا ،ودول أخرى استثنتهم من قانون عملها ،وأخضعتهم لنظام خاص ،كما هو
الحال بالنسبة لتونس املغرب ،دول أخرى استثنتهم من قانون عملها ،مع إحالتهم
على صدور نظام خاص بهم لم يصدر إلى يومنا هذا ،بحيث يخضعون للقوانين
املدنية ،كما هو الحال بالنسبة اإلمارات ولبنان .وبغض النظر عن ذلك فإن دراسة
الحماية القانونية في هذا الصدد تستدعي الوقوف على مظاهرها قبل الدخول إلى
األدنى لسن التشغيل ،وقد حدد املشرع املغربي الحد األدنى لسن التشغيل باملنازل
في 18سنة ،إال أنه واستثناءا يمكن تشغيل عمال منزليين تتراوح أعمارهم ما بين 16
إلى 18سنة خالل فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا
القانون حيزالتنفيذ ،شريطة الحصول من أولياء أمورهم على إذن مكتوب ومصادق
على صحة إمضائه .297وذلك تماشيا مع االتفاقية رقم 189بشأن العمل الالئق
للعمال املنزليين والتي حددته في 18سنة .298أما املشرع الفرنس ي فقد سمح بتشغيل
عمال منزليين أحداث تتراوح أعمارهم بين 14و 16سنة في أعمال خفيفة خالل
نصف العطلة املدرسية فقط ،شريطة توقيع عقودهم من طرف ممثلهم القانوني،
كما سمح بتشغيل عمال تتراوح أعمارهم بين 16و 18سنة شريطة الحصول على إذن
ممثلهم القانوني.299
وفيما يتعلق بشروط التشغيل فنجد املشرع املغربي متع العمال املنزليين
تفرض تمتيعهم بضمانات حمائية أقوى ،300فمنع تشغيل العمال املنزليين املتراوحة
أعمارهم بين 16و 18سنة ليال ،301أو في أماكن مرتفعة ،أو في حمل األثقال ،أو
للخطر أو تهدد سالمتهم أو صحتهم أو سلوكهم األخالقي .302وفي هذا اإلطار أصدر
املنزليين املتراوحة أعمارهم ما بين 16و 18سنة ،كاستعمال مواد التطهير والغسيل
التي تحتوي على مواد كيماوية خطيرة ،استخدام األدوات واآلالت الكهربائية أو
املاء واملداخن والحنفيات البخارية ،أشغال صيانة البئر أو املسبح الذي يتعدى
عمقه متر واحد ،استخدام آالت جز العشب واملناشير ،تنظيف سخانات املاء.303...
أما املشرع الفرنس ي فقد منع تشغيل عمال منزليين أحداث دون 18سنة ،في العمل
اإلضافي ،أو القيام بأشغال شاقة تتجاوز قواهم أو العمل في منتجات تشكل خطورة
على صحتهم وسالمتهم ،كما حظر تشغيلهم ليال ،مع تحديد العمل الليلي بأنه كل
كما ألزم املشرع املغربي املشغل الذي يشغل عمال منزليين تتراوح أعمارهم ما
بين 16و 18سنة ،بإجراء فحص طبي كل ستة أشهر على نفقته .305أما املشرع
الفرنس ي وأن لم ينص على مقتضيات خاصة بالفحص الطبي للعمال دون 18سنة،
فإنه نص على العموم على إلزامية إجراء فحص طبي للعمال طبقا ألحكام مدونة
الشغل الفرنسية ،وذلك بإجراء فحص طبي عند التشغيل ،وفحص طبي دوري ،كما
303المادة 2من مرسوم رقم 2.17.356الصادر بتاريخ 27سبتمبر 2017بشأن األعمال الممنوعة على العمال المنزليين
المتراوحة أعمارهم بين 16و 18سنة ،ج ر ع 6609بتاريخ 2أكتوبر ،2017ص.5541:
304 Art 24 c.c.n : "La durée du travail hebdomadaire est la même que celle prévue pour
les adultes à l'article 15 ; toutefois, il ne pourra effectuer des heures supplémentaires.Il
est interdit d'employer des jeunes de moins de 18 ans à des travaux pénibles excédant
leurs forces, ainsi qu'à la manipulation des produits dangereux.
Le travail de nuit est interdit pour les jeunes travailleurs âgés de moins de 18 ans.
Tout travail entre 22 heures et 6 heures est considéré comme travail de nuit ".
المادة 6الفقرة 3من قانون 305 .19.12
ألزم املشغل بإجراء هذا الفحص بعد غياب العامل ألكثر من ثالثة أسابيع بسبب
املرض ،أو عند العودة من إجازة األمومة ،وبعد الغياب 8أيام على األقل بسبب
حادث شغل.306
وفيما يتعلق بشكليات إبرام عقد العمل املنزلي نص املشرع املغربي على أنه
يتم تشغيل العمال املنزليين بمقتض ى عقد محدد املدة أو غير محدد املدة يعده
املشغل وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي .307ويوقع من طرف املشغل والعامل،
شريطة أن تراعى عند التوقيع الشروط املتعلقة بتراض ي الطرفين وأهليتهما للتعاقد
وبمحل العقد وسببه ،كما حددها ق.ل.ع ،ويحرر العقد في ثالثة نظائر يصادق على
صحة إمضائهما من قبل السلطة املختصة ،ويسلم لكل من املشغل والعامل نظير،
مع حفظ الثالث لدى مفتشية الشغل املختصة مقابل وصل .308أما بالنسبة للعمال
املنزليين األقل من 18سنة فعالوة على الشروط الشكلية أعاله ،يجب الحصول من
أولياء أمورهم على إذن مكتوب ومصادق على صحة إمضائه .أما املشرع الفرنس ي
فقد نص على أن تشغيل عمال منزليين أحداث تتراوح أعمارهم بين 14و 16سنة
يستوجب توقيع املمثل القانوني بعد قبول الحدث بشروط العقد ،أما العمال
306 Art 22c.c.n :" Les dispositions du Code du travail concernant la surveillance
médicale sont obligatoirement
applicables aux salariés du particulier employeur employés à temps complet :
- un examen médical d'embauche,
- une visite médicale périodique obligatoire,
- une visite médicale de reprise après absence de plus de trois semaines pour cause de
maladie, au retour de congé de maternité, et après une absence d'au moins huit jours
pour cause d'accident du travail ".
307مرسوم رقم 2.17.355الصادر في 31غشت ،2017المتعلق بتحديد نموذج عقد العمل الخاص بالعامالت والعمال
المنزليين ،ج ر ع 6609بتاريخ 2أكتوبر ،2017ص.5537:
308المادة 3من قانون .19.12
سنة فيمكنهم توقيع عقود شغلهم وحدهم وبإذن من18 و16 املتراوحة أعمارهم بين
تتجلى الحماية القانونية للعمال املنزليين عند تنفيذ عقد العمل في تحديد
والتي ميز فيها املشرع املغربي بين العمال املنزليين البالغين،املدة القانونية للعمل
ساعة في األسبوع توزع48 بحيث حددها في، سنة18 و16 واملتراوحة أعمارهم ما بين
على خالف املشرع الفرنس ي الذي حدد ساعات العمل.311 سنة18 املنزليين أقل من
كما نص على أن ساعات العمل اإلضافية هي جميع، ساعة في األسبوع40 العادية في
، ساعة40 ساعات العمل الفعلية التي تتجاوز ساعات العمل األسبوعية التي تبلغ
.312 فيتم على شكل أجرأوإجازة،أما بالنسبة للتعويض عن ساعات العمل اإلضافية
أما فيما يتعلق بالحماية القانونية لألجر ،فنجد املشرع املغربي يميزبين األجر
النقدي والعيني ،فبالنسبة لألجر النقدي فقد حدده في 60باملائة من الحد األدنى
القانوني لألجر املطبق في قطاعات الصناعة والتجارة واملهن الحرة ،مع أداء هذه
األجور كل شهر ،ما لم يتفق الطرفان على خالف ذلك ،313وإذا كان املشرع ال يعتبر
مزايا اإلطعام والسكن تدخل في إطاراألجرالنقدي فهي ضمنيا تدخل في نطاق األجر
العيني املقدر بنسبة 40باملائة ،ونرى في هذا املجال أن هذا التحديد فيه إجحاف في
حق العمال املنزليين ،خاصة إذا علمنا أن املشرع الفرنس ي نص على أنه ال يمكن
كما عمل املشرع املغربي على منحهم راحة أسبوعية ال تقل عن 24ساعة
متصلة ،مع إمكانية تأجيل االستفادة منها وتعويضها في أجل ال يتعدى ثالثة أشهر.315
أما املشرع الفرنس ي فقد متعهم براحة أسبوعية ال تقل عن 24ساعة ،316إال انه وفي
نقطة متميزة نص على أن الراحة األسبوعية للعمال املنزليين دون 18سنة تخضع
ألحكام الراحة املطبقة على العمال الراشدين ،إال أنهم يستفيدون منها يوم األحد،
وفيما يتعلق بالعطلة السنوية ،نص املشرع املغربي على الحق في االستفادة
من عطلة سنوية مدفوعة األجر ،بعد قضاء ستة أشهر متصلة في العمل ،والتي ال
تقل مدتها عن يوم ونصف عن كل شهر عمل ،مع إمكانية تجزئتها أو الجمع بين
أجزائها باتفاق الطرفين على مدى سنتين متتاليتين .318ويالحظ أن املشرع لم يميزفي
مدة العطلة السنوية بين العمال البالغين واألحداث ،كما هو األمرفي مدونة الشغل،
التي حدد مدة هذه العطلة في يوم ونصف لألجراء البالغين ويومان لألحداث عن كل
شهر عمل ،319وفي نفس االتجاه ذهب املشرع الفرنس ي من خالل مدونة الشغل التي
حددت العطلة السنوية لألحداث األقل من 21سنة في عطلة إجمالية قدرها ثالثين
يوما في السنة ،320أما في االتفاق الجماعي الوطني فقد منح العمال املنزليين عموما
إجازة سنوية مدفوعة األجر بغض النظر عن العمال العاملين بدوام كامل أو جزئي،
وتحتسب هذه اإلجازة على أساس يومين ونصف عن كل شهر من العمل أو أربعة
317 Art 24 c.c.n :" Les jeunes ont droit au minimum à un jour de repos de 24 heures
consécutives par semaine donné le dimanche, plus une demi-journée dans le cadre de
l'aménagement de l'horaire de travail".
318المادة 16من قانون .19.12
319المادة 231م.ش.
320 Art L 3164-9 code du travail:" les salaries de moins de 21 ans au 30 avril de l’année
"…précédente ont droit s’ils demandent à un congé de 30 jours
أسابيع أو 24يوما ،أما بالنسبة لألجرفيدفع وقت االستفادة منها ،ويساوي هذا األخير
وفي هذا اإلطار أيضا نص املشرع املغربي على استفادة العمال املنزليين من
راحة مؤدى عنها خالل أيام األعياد الدينية والوطنية والتي حددها املشرع بمقتض ى
نص تنظيمي ،322مع إمكانية تأجيل االستفادة منها إلى تاريخ الحق يحدد باتفاق
الطرفين ،ويكون املشرع من خالل هذه املقتضيات ساوى بين األجراء عموما
والعمال املنزليين ،إال أن تنصيصه على إمكانية تشغيلهم في هذه األعياد كان يقتض ي
من املشرع تعزيز الحماية ،عن طريق النص على استحقاقهم عالوة على أجورهم
تعويضا نسبته 100باملائة عن األجر على غرار مقتضيات مدونة الشغل .323أما
املشرع الفرنس ي فقد اعتبر فاتح ماي وحده بمثابة عطلة مدفوعة األجر ،والتي ال
321 Art 16 c.c.n : " Le droit aux congés payés annuels est acquis au salarié (à temps
complet ou partiel) qui, au cours de l'année de référence (du 1er juin de l'année
précédente au 31 mai de l'année en cours), justifie avoir été employé chez le même
employeur pendant un temps équivalent à un minimum d'un mois de présence au travail
La durée du congé payé annuel est de deux jours et demi ouvrables par mois (ou période
de quatre semaines ou périodes équivalentes à 24 jours) de présence au travail, quel que
soit l'horaire habituel de travail Les congés sont rémunérés au moment où ils sont pris.
La rémunération brute des congés ne peut être inférieure: ni à la rémunération totale
brute qui serait due au moment du règlement de la rémunération pour un temps de travail
égal à celui du congé ".
322مرسوم رقم 2.04.426صادر في 29ديسمبر ،2004يتعلق بتحديد الئحة أيام األعياد المؤذاة عنها األجور ،ج.ر.ع
5279بتاريخ 3يناير ،2005وهي كالتالي 11 :يناير (ذكرى تقديم وثيقة االستقالل) ،فاتح ماي (عيد الشغل) 30 ،يوليو
(عيد العرش) 14 ،غشت (يوم وادي الذهب) 20 ،غشت (ذكرى ثورة الملك والشعب) 21 ،غشت (عيد الشباب) 6 ،نوفمبر
(عيد المسيرة الخضراء) 18 ،نوفمبر (عيد االستقالل) ،عيد الفطر وعيد األضحى وفاتح محرم وعيد المولد النبوي.
323المادة 226م.ش ":إذا شغل المشغل ،أجراءه كلهم أو بعضهم خالفا للمادة ،217وجب عليه أن يؤدي لهم ،إضافة
إلى األجر المستحق لهم عن ذلك اليوم ،تعويضا نسبته 100بالمائة من هذا األجر".
يمكن أن تكون سببا في تخفيض األجر ،وان أداء العمل بهذه العطلة يمنح العمال
وفيما يخص رخص التغيبات منح املشرع املغربي للعمال املنزليين رخصا
للتغيب عن العمل ألسباب عائلية ،من بينها ،زواج العاملة أو العامل بحيث
يستفيدون من رخصة تغيب لسبعة أيام مدفوعة األجر ،وعن زواج أبنائهم أو ربائبهم
يومان ،وفي حالة وفاة زوج أو أبناء أو أحفاد أو أصول أو أبناء زوجه من زواج سابق
فيستفيد من رخصة ثالثة أيام ،وفي حالة وفاة أحد إخوة العامل أو إخوة أو أصول
زوجه فيستفيدون من رخصة يومان ،أما في حالة إجراء عملية جراحية لزوج العاملة
أوالعامل أوأحد أبنائه فيستفيد من رخصة يومان ،ويوم واحد عن إجراء ختان ألحد
أبنائه .ويستفيدون من إجازة مدتها ثالثة أيام بمناسبة كل والدة .325وتجدر اإلشارة
إلى أن جميع هذه التغيبات تكون مدفوعة األجر .326أما املشرع الفرنس ي فقد نص
على أن جميع التغيبات يجب أن تكون معللة ،327ثم عاد من خالل املادة 17من
االتفاق الجماعي الوطني ونص على مجموعة من الرخص املبررة من بينها :زواج
العامل برخصة أربع أيام ،زواج أبناءه يوم واحد ،وفاة أحد أبناءه ثالث أيام ،وفاة
أصوله يوم واحد ،ثالث أيام بمناسبة الوالدة أو التبني ،ومع أقدميه 3أشهريستفيد
324 Art 18 c.c.n :"Seul le 1er mai est un jour férié chômé et payé, s'il tombe un jour
habituellement travaillé.
Le chômage du 1er mai ne peut être la cause d'une réduction de la rémunération.
Le travail effectué le 1er mai ouvre droit à une rémunération majorée de 100 %".
325المادة 18من قانون .19.12
326المادة 18الفقرة 10من قانون .19.12
327 Art 10 c.c.n : "toute absence doit être justifiée".
من رخصة يوم واحد في حالة وفاة أخ أو أخت العامل ،مع أداء األجر عن كل هذه
التغيبات.328
أما فيما يتعلق بالحماية القانونية عند إنهاء العقد ،فقد أغفل املشرع املغربي
من خالل قانون 19.12تنظيم أحكام إنهاء عقد العمل املنزلي ومسطرته ،أما املشرع
الفرنس ي فقد نظم إنهاء عقد العمل غيرمحدد املدة 329بمبادرة من العامل بمقتض ى
املادة ،11واإلنهاء بمبادرة من املشغل بمقتض ى املادة ،12في حين نظم اإلنهاء الراجع
حيث نص في املادة 11على أنه يمكن إنهاء هذا العقد عن طريق استقالة
العامل ،على أن تنجم هذه األخيرة عن إرادة جادة ،ومعرب عنها كتابة ،وقد حدد
املشرع الفرنس ي مدة اإلخطارأواإلشعارفي هذه الحالة كما يلي - :أسبوع واحد للعامل
الذي تقل مدة عمله عن 6أشهر مع نفس املشغل; 2 -أسابيع للعامل الذي اشتغل
من 6أشهر إلى أقل من سنتين مع نفس املشغل; -شهر واحد للعامل الذي اشتغل
328 Art 17 c.c.n :"Les salariés bénéficieront, sur justification, à l'occasion de certains
événements, d'une autorisation d'absence exceptionnelle accordée dans les conditions
suivantes :
sans condition d'ancienneté :- mariage du salarié : 4 jours ouvrables,- mariage d'un enfant
: 1 jour ouvrable,- décès du conjoint ou d'un enfant : 3 jours ouvrables,- décès du père ou
de la mère : 1 jour ouvrable,- naissance ou adoption : 3 jours ouvrables.
avec condition d'ancienneté de trois mois chez l'employeur :- décès du beau-père ou belle-
mère (c'est-à-dire père ou mère de l'époux(se)) : 1 jour ouvrable,- décès d'un frère ou
sœur : 1 jour ouvrable,- présélection militaire : dans la limite de 3 jours ouvrables".
329أما بالنسبة إلنهاء عقد العمل المنزلي محدد المدة ،فإن المشرع الفرنسي أحال على مدونة الشغل ،وبالرجوع لهذه
األخيرة نجدها تنص من خالل المادة 1-1243على أنه ينتهي بانتهاء مدته ،إال في حالة الخطأ الجسيم أو القوة القاهرة أو
العجز .وأ ن اإلنهاء المبكر من طرف المشغل بطرف النظر عن الحاالت السابقة يخول للعامل تعويضا بمبلغ يساوي على
األقل األجر الذي كان سيحصل عليه حتى نهاية العقد طبقا للمادة .L1243-4كما يؤدي اإلنهاء المبكر لهذا العقد بمبادرة
من العامل طبقا للمادة L1243-3منح المشغل تعويضا نتيجة الخسارة التي لحقته.
فيجب أداء،سنتين أو أكثر مع نفس املشغل; وفي حالة عدم التقيد بأحكام اإلخطار
.330تعويض للطرف األخريساوي مبلغ املكافأة الذي يقابل مدة فترة اإلخطار
فقد نص املشرع الفرنس ي على إمكانية إنهاء العقد،أما في حالة تقاعد العامل
وفي حالة عدم احترام هذه، أدناه2 الفقرة12 املدة املنصوص عليها باملادة
أما بالنسبة للمشغل فيمكنه فصل العامل ألي سبب يشكل سببا حقيقيا
وهو ما أكدته.332 أدناه13 باستثناء حالة وفاة املشغل فتخضع ألحكام املادة،وجديا
والذي جاء فيه أن فصل،2017 يوليوز5 محكمة النقض الفرنسية في قرارلها بتاريخ
العاملة املنزلية دون سبب حقيقي وجدي يترتب عنه أداء التعويض عن األقدمية
أما بالنسبة إلجراءات الفصل ،فقد نص املشرع الفرنس ي على أنه مادام
املشغل ليس بشركة وأن مكان العمل هو منزله الخاص ،فإن القواعد اإلجرائية
على العامل املنزلي ،وأن املشغل أيا كان سبب الفصل منه ،باستثناء حالة الوفاة
-استدعاء العامل من أجل عقد مقابلة أولية بواسطة رسالة مضمونة أو
بمناولة الرسالة يدويا ،يشير من خاللها املشغل إلى الغرض من املقابلة "الفصل
املحتمل" .وعند مقابلة العامل يشير املشغل إلى أسباب القرار ويسمع تفسيرات
العامل .ثم اإلخطار بالفصل ،بحيث إذا قرر املشغل فصل العامل ،فعليه إخطار
األخير بالفصل بواسطة رسالة مسجلة مضمونة الوصول ،ويجب أن يحدد املشغل
333 Cour de cassation chambre social 16/10/541, arrêt no 1228 du 5 juillet 2017,
تاريخ اإلطالع 2017/12/1على الساعة www.courdecassation.fr 15:14
334 Art 12 c.c.n :" Rupture du contrat à durée indéterminée à l'initiative de l'employeur
a) - Licenciement du salarié
Le contrat de travail peut être rompu par l'employeur pour tout motif constituant une
cause réelle et sérieuse.
La rupture consécutive au décès de l'employeur fait l'objet de l'article 13 .
1 - Procédure de licenciement:Le particulier employeur n'étant pas une entreprise et le
lieu de travail étant son domicile privé, les règles de procédure spécifiques au
licenciement économique et celles relatives à l'assistance du salarié par un conseiller lors
de l'entretien préalable ne sont pas applicables.
En conséquence, l'employeur, quel que soit le motif du licenciement, à l'exception du
décès de l'employeur, est tenu d'observer la procédure suivante :
وتحدد فترة اإلخطار الواجب مراعاته في حالة الفصل ألسباب غير الخطأ
-; أشهر عند نفس املشغل6 أسبوع واحد للعامل الذي تقل مدة عمله عن-
أشهر و أقل من سنتين عند نفس6 شهر واحد للعامل الذي تتراوح مدة عمله بين
وفي، أشهر للعامل الذي اشتغل مدة سنتين أو أكثر عند نفس املشغل2 -; املشغل
فيلتزم الطرف املسؤول بأداء تعويض للطرف،حالة عدم احترام هذه املقتضيات
تحدد مدتها،ويمنح العامل خالل فترة اإلخطار فترات للبحث عن عمل جديد
بالنسبة للعامل الذي قض ى أقل من سنتين في العمل لدى املشغل يمنح ساعتان في
وبالنسبة للعامل الذي قض ى أكثرمن سنتين في العمل لدى املشغل، أيام6 اليوم ملدة
تقاعد العامل إذا استفاد من معاش تقاعدي كامل من نظام الضمان االجتماعي
بحيث على املشغل تبليغ، وإذا بلغ السن املنصوص عليه في التأمين االجتماعي،العام
.337 مع احترام قواعد اإلخطار املنصوص عليها في حالة الفصل أعاله،العامل بقراره
كما يمكن للمشغل أن ينهي عقد العمل إذا تبث عجزالعامل جزئيا أو كليا عن طريق
وفي نقطة متميزة نص هذا املشرع على إلزامية، في غضون شهر واحد،طبيب منهي
أما املادة.338إعادة تصنيف العامل الذي تبث عجزه في عمل مناسب له قبل فصله
والتي نص، من االتفاق الجماعي الوطني فقد تناولت اإلنهاء الراجع لوفاة املشغل13
،فيها املشرع الفرنس ي على أن وفاة املشغل تؤدي بحكم الو اقع إلى إنهاء عقد العمل
وفي هذه الحالة يستحق العامل األجر،وأن العقد ال يستمر تلقائيا مع ورثة املشغل
املستحق وتعويضات اإلخطار والفصل التي يدعي العامل أنها تراعي أقدميته عند
الفرنسية من خالل قرار صادر عنها بتاريخ 30يونيو ،2011والذي جاء فيه أن وفاة
الحماية االقتصادية واالجتماعية لساكنتها ،مما جعله يحتل مكانة رئيسية في
اهتمامات كافة املجتمعات املعاصرة التي عملت على تأطيره بنظام يحدد املنافع التي
339 Art 13 c.c.n :" Le décès de l'employeur met fin ipso facto au contrat de travail qui le
liait à son salarié.
Le contrat ne se poursuit pas automatiquement avec les héritiers.
La date du décès de l'employeur fixe le départ du préavis.
Sont dus au salarié :
; - le dernier salaire
- les indemnités de préavis et de licenciement auxquelles le salarié peut prétendre
; compte tenu de son ancienneté lorsque l'employeur décède
- l'indemnité de congés payés" .
340 "le décès de l’employeur met automatiquement fin au contrat de travail de ses
"employés de maison
تاريخ االطالع 1/12/2017على الساعة www.LeParticulierFIGARO.fr 14:00
341المادة 22من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان" :لكل شخص عضو في المجتمع ،حق في الضمان االجتماعي."...
342محمد بنحساين ،الضمان االجتماعي للعمال المغاربة بأوروبا ،الطبعة األولى ،2006مطبعة طوب بريس ،الرباط،
ص.5:
نصت املادة 14من االتفاقية الدولية رقم 189بشأن العمل الالئق للعمال
املنزليين ،على ضرورة اتخاذ التدابير املناسبة التي تضمن تمتع العمال املنزليين
بظروف ال تقل عن تلك املطبقة على العمال عموما فيما يتعلق بحماية الضمان
االجتماعي.
باملغرب ،343وقد حدد الفصل 2منه نطاق التطبيق ،والذي جاء فيه ما يلي":تحدد
صدور مرسوم لم يرى النور بعد .والذي يزيد الطين بلة ،أن هذه املسافة الزمنية
الطويلة ،قد شهدت حركية تعديلية ،تدخل فيها املشرع لتغيير مقتضيات هذا
النظام القانوني بموجب عدد من الظهائر واملراسيم التي صدرت متتابعة لتوسيع
مجال تطبيقه تارة ،ولتعزيزه بتدابير تنظيمية وحمائية تارة أخرى ،باستثناء شريحة
األعوان املستخدمين باملنازل ،التي ظلت وضعيتها عالقة ،دون أن تحظى بأدنى
وبالتالي فرغم صدور القانون الخاص املتعلق بشروط شغل وتشغيل عمال
املنازل ،وكذا صدور نصوصه التنظيمية ،إال أن املرسوم املتعلق بتنظيم شروط
343ظهير شريف بمثابة قانون رقم ،1.72.184صادر بتاريخ 15جمادى الثانية 27( 1392يوليوز ،)1972ج.ر.ع
،3121بتاريخ ( 23غشت ،)1972ص.2178:
باملنازل -املنصوص عليهم بالفصل 2من قانون الضمان االجتماعي لم يصدر بعد،
املرسوم املنشود.
وقد اعتبر جانب من الفقه 344أن تمديد نظام الضمان االجتماعي إلى أصناف
أخرى تعترضه مجموعة من الصعوبات التي تعود في مجملها إلى ضئالة األجور،
الش يء الذي ال يمكن إغفاله إذا ما اريد الحفاظ على التوازن املالي للصندوق الوطني
للضمان االجتماعي ،إال ان هذا التوازن ال يعني بالضرورة بأن موارد الصندوق املالية
البد أن تأتي من واجبات االشتراكات املفروضة على كل من العمال وأرباب العمل ،بل
يمكن التفكير في هذا التوازن بخلق نظام مالي خاص يساهم في تغطية النفقات التي
املساهمة بين كل من األسرة املشغلة والدولة التي تدفع جزءا هاما من األقساط،
بوصفها راعية الحماية االجتماعية للطبقة العاملة .وتجدراإلشارة في هذا املجال إلى
أن توصية العمل الالئق للعمال املنزليين رقم 201قد نصت من خالل املادة 20على
بمقتض ى قانون الضمان االجتماعي لعمال املنازل 345وذلك بمقتض ى قانون خاص
344أمال جالل ،مالحظات حول اقتراحات بشأن إصالح نظام الضمان االجتماعي المغربي ،المجلة المغربية للقانون
والسياسة واالقتصاد ،العدد ،4يونيو ،1978ص.79:
345قانـون عدد 32لسنة 2002مؤرخ في 12مارس ،2002يتعلق بنظام الضمان االجتماعي لبعض األصناف من العملة
في القطاعين الفالحي وغير الفالحي .وينص الفصل األول منه على ما يلي ":يحدث نظام خاص للضمان االجتماعي يشمل
إسداء منافع العالج وجرايات الشيخوخة والعجز والباقين على قيد الحياة بعد وفاة المنتفع بجراية وذلك حسب الشروط
مستقل عن قانون الضمان االجتماعي التونس ي ،ويكون املشرع التونس ي بذلك أكمل
تدريجيا الضمانات االجتماعية لعمالة املنازل ،346وقد ألزمت املادة 6من هذا
القانون املشغل بتسجيل عامله املنزلي لدى الصندوق الوطني للضمان االجتماعي،
في حين حددت املادة 7االشتراكات في هذا املجال على أساس ثلثي األجراألدنى.
وفي نفس االتجاه ذهب املشرع الفرنس ي من خالل مدونة الحماية االجتماعية
الفرنسية التي جعلت االستفادة من الضمان االجتماعي عامة بدون استثناء ،بحيث
يستفيد من هذه الحماية جميع األجراء العاملين بأي صفة أو مكان ،بصرف النظر
عن سنهم أو جنسيتهم وكيفما كانت طبيعة العمل املأجور ونوع عقد العمل ومدته،
وهو نفس النهج الذي تبناه املشرع الجزائري فقد أخضعهم للضمان
جميع العمال من هذا القانون ،سواء أكانوا أجراء أم ملحقين باألجراء أيا كان قطاع
النشاط الذي ينتمون إليه ،والنظام الذي يسري عليهم ،مع اإلشارة إلى أن تطبيق
المبينة بهذا القانون .ينطبق هذا النظام على األصناف التالية :أ ـ عملة المنازل المرتبطين بخدمة المنزل كيفما كانت طريقة
خالص أجرتهم ودوريتهم والمستخدمين في األعمال المنزلية بصفة عادية لدى مؤجر أو عدة مؤجرين ال يقصدون من
وراء هذا األعمال غايات كسبيّة"...
346قطر الندى ،الوضعية القانونية لعامالت المنازل :توسيع التغطية االجتماعية لهذه الفئة وتفعيل حقوقها ،مجلة
الكريديف ،العدد ،29-27السنة ،2003-2002ص.40-39 :
347 Article L 311-2 du code de sécurité sociale: « Sont affiliées obligatoirement aux
assurances sociales du régime général, quel que soit leur âge et même si elles sont titulaires
d'une pension, toutes les personnes quelle que soit leur nationalité, de l'un ou de l'autre
sexe, salariées ou travaillant à quelque titre ou en quelque lieu que ce soit, pour un ou
plusieurs employeurs et quels que soient le montant et la nature de leur rémunération, la
forme, la nature ou la validité de leur contrat ».
348قانون رقم 11.83المؤرخ في 2يوليو 1983المتعلق بالتأمينات االجتماعية ،بتاريخ 24رمضان .1403
التنفيذي350 هذه املادة سيتم بموجب مرسوم .349وفي هذا اإلطار صدر املرسوم
لينص في مادته 1على ما يلي" :تطبيقا للمادة 3من قانون رقم 11.83يعد عماال
املهنية التي قد يتعرض لها أجراءه دون خطأ ،فهي مسؤولية تقوم على أساس عنصر
واحد وهو الضرر الناتج عن أداء الشغل أو بسببه .خالفا لقواعد القانون املدني
وقد أصدر املشرع املغربي أول نص خاص بحوادث الشغل بمقتض ى ظهير25
يونيو ،1927والذي كان يطبق على املقاوالت الصناعية فقط ،إلى غاية صدور ظهير
إال أنه أقص ى العمال املنزليين من نطاق تطبيقه ،فكان على العمال املنزليين في حالة
للمسؤولية ،وبالتالي إثبات خطأ املشغل ،في حين يمكن لألخير دفع املسؤولية عنه
كما أن املشرع املغربي من خالل ظهير 1963ميز بين عمال املنازل أنفسهم،
بحيث أخضع ملقتضياته عمال املنازل التي تنحصر مهمتهم في سياقة السيارة وحرم
باقي العمال املنزليين من هذه املقتضيات والتي تظل أرحم من القواعد العامة
للمسؤولية ،ففي هذه الحالة ،إذا وقعت حادثة شغل للعامل املنزلي السائق نتيجة
انقالب سيارة كان يقودها وكان بالسيارة عامل أخر مرتبط بنفس املشغل كالطباخ
الطباخ على أي تعويض ،إذا ما كان انقالب السيارة يعود لقوة قاهرة ،وهو ما دفع
جانب من الفقه املغربي في هذا الصدد لدعوة املشرع من أجل رفع هذا التمييز
وفي خطوة ايجابية عمد املشرع املغربي إلى تعديل املقتضيات الخاصة
بالتعويض عن حوادث الشغل ،من خالل قانون 35218.12الذي أصبح يشمل في
نطاق تطبيقه العمال املنزليين دون تمييز .وقد نص املشرع من خالله على أنه "تعتبر
حادثة شغل كل حادثة ،كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر ،للمستفيد من أحكام هذا
القانون ،سواء كان أجيرأو يعمل بأية صفة تبعية كانت وفي أي محل كان إما لحساب
351أمال جالل ،مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل واألمراض المهنية في التشريع المغربي ،الطبعة األولى ،مطبعة
النجاح الجديدة ،1977ص.179-178:
352ظهير شريف رقم 1.14.190صادر بتاريخ 6ربيع األول 29(1436ديسمبر ،)2014بتنفيذ قانون رقم 18.12
المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل ،ج.ر.ع 6328الصادر بتاريخ 22يناير ،2015ص.489:
مشغل واحد أو عدة مشغلين ،وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به ،ولو
كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أوكانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول
هذه القوة أو زادت في خطورتها إال إذا أثبت املشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة
فاملالحظ من خالل هذه املادة أن املشرع اعتمد أسلوب التعميم ،ثم عاد
لينص بشكل خاص من خالل املادة 6على استفادة العمال املنزليين من أحكامه،
األمر الذي لقي استحسانا واسعا عند الفقه املغربي .354وبالتالي يمكن القول أن
مشرعنا توفق في تجاوز عيوب ظهير 6فبراير 1963من خالل توسيع دائرة
املستفيدين من هذا القانون لتشمل العمال املنزليين صراحة ،وبالتالي وضع حدا
الشغل لم يشمل العمال املنزليين ،إال أن املشرع الفرنس ي عمل تدريجيا على توسيع
نطاق تطبيق هذا القانون ،356فأصدرقانون خاص يقض ي باستفادة العمال املنزليين
من قانون التعويض عن حوادث الشغل واألمراض املهنية بتاريخ 2غشت .3571923
خامتة:
للمواطن بشكل عام ولألجراء على وجه الخصوص ،وال يسعنا القول في موضوع
الحماية القانونية للعمال املنزليين في التشريع املغربي إال أن قانون 19.12على عالته
يظل أفضل من الفراغ التشريعي الذي عانت منها هذه الشريحة لفترة طويلة.
الحقوق ،أو بكيفية تعامل القضاء معها مستقبال ،أو مواكبتها من خالل مختلف
الفاعلين االجتماعيين باملر اقبة والتتبع ،فإن التطبيق العملي لهذه املقتضيات
وفي هذا الصدد ندلي ببعض التوصيات واملقترحات التي من شأنها أن تساهم
في تحسين وضعية العمال املنزليين ،ويأتي في أولها مصادقة اململكة املغربية على
االتفاقية الدولية رقم 189بشأن العمل الالئق للعمال املنزليين ،ثم إصدار املرسوم
للعمال املنزليين ،مع إدخال الدولة كرب عمل منتسب إلى الصندوق قصد دعمه
يخولها الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،ووضع إجراءات تحفيزية لكل من
مكافحة وزجر ظاهرة السمسرة في مجال تشغيل العمال املنزليين خاصة األطفال
مقدمة:
ملا كانت الحرية من املسائل الجوهرية لكينونة اإلنسان ووجوده والتي ال يمكن
ألي كان النيل منها إال في إطار ما تسمح به النصوص القانوني ،وفي نطاق مسطرة
وإجراءات كفيلة بصيانتها احتراما للمبدأ القائل أن البراءة هي األصل ،وهو ما يظهر
جليا من خالل سعي املشرع في قانون املسطرة الجنائية 358لحماية الحرية الفردية في
358ظهير شريف رقم 1.02.255صادر في 25من رجب 3( 1423أكتوبر )2002بتنفيذ القانون رقم 22.01المتعلق
بالمسطرة الجنائية ،الجريدة الرسمية عدد 5078بتاريخ 27ذي القعدة 30( 1423يناير ،)2003ص .315
وفي هذا الخصوص نقصر الحديث على مرحلة التحقيق اإلعدادي بالنظر
للسلطات الواسعة التي مكن القانون قاض ي التحقيق منها ،وذلك باتخاذه
العديد من الضوابط التي ال محيد عنها تحقيقا للمحاكمة العادلة في أبهى تجلياتها.
فاملشرع حدد عند سنه للقانون الجنائي اإلجرائي جملة من القواعد الشكلية
توفيرا للضمانات الفردية التي تناشد املحاكمة العادلة أينما كانت .ورتب على أي
مخالفة ألحكامها جزاء ثقيال أال وهو البطالن ،وهذا األخير ال يبطل اإلجراء وحده
فقط ،بل قد يمتد لإلجراءات التي تليه .كما وسع من دائرة الجهات التي تملك الحق
في الطعن بالبطالن في هذه اإلجراءات ،وحدد مسطرة دقيقة يجب اتباعها قبل
انطالقا مما تقدم ،يمكن أن نطرح التساؤالت التي تنطوي في كليتها على ما يلي:
ما أهم الحاالت التي رتب فيها القانون بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي ،وما
الجهات املخول لها حق إثارته؟ وما أهم اإلجراءات املسطرية املتبعة ألجل التصديق
وألجل إعطاء مقترب جواب عن كل هذه التساؤالت ،فسوف نعمد إلى اعمال
تقسيم منهجي ثنائي ،نخصص فيه املطلب األول للحديث عن أهم حاالت البطالن
والجهات املخول لها حق إثارته ،فيما نتطرق في املطلب الثاني ملناقشة أهم اإلجراءات
املسطرية املتبعة إلقرار بطالن إجراءات التحقيق والجهة املخول لها حق البت في
الطلب.
نظرا ألهمية هذه النقطة وضرورة تبيان أهم األمور املتعلقة بها ولو بإيجاز،
فسوف نقسم على ضوئها تفاصيل هذا املطلب لفرتين ،نخصص الفقرة األولى
للحديث عن أهم الحاالت التي يترتب فيها بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي ،على
أن نرجئ الحديث بالدراسة والتحليل في الفقرة الثانية ملسألة الجهات املخول لها
استنادا إلى منطوق املادتين 359210و 360212من قانون املسطرة الجنائية ،حدد
املشرع املغربي املقتضيات القانونية املتعلقة بالتحقيق اإلعدادي التي ترتب البطالن
جراء مخالفتها.
359تنص المادة 210من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي ":يجب مراعاة مقتضيات المادتين 134و 135من هذا
القانون المنظمتين للحضور األول لالستنطاق والمادة 139المتعلقة بحضور المحامي أثناء االستنطاقات والمواجهات،
والمواد 59و 60و 62و 101المنظمة للتفتيشات ،وذلك تحت طائلة بطالن اإلجراء المعيب واإلجراءات الموالية له ،مع
مراعاة تقدير مدى هذا البطالن وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة ".211
360جاء في المادة 212من قانون المسطرة الجنائية ما يلي ":يترتب كذلك البطالن عن خرق المقتضيات الجوهرية
للمسطرة إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من األطراف .يمكن لكل متهم أو طرف مدني أن يتنازل عن
ادعاء البطالن المقرر لفائدته ،ويجب أن يكون هذا التنازل صريحا .وال يقبل تنازل المتهم إال بحضور محاميه أو بعد
استدعائه قانونياً .يعرض التنازل على الغرفة الجنحية وفقا ً للمادة السابقة.".
والبطالن كجزاء يلحق بعض إجراءات التحقيق املعيبة يمكن تقسيمه إلى
بطالن قانوني ،حيث حددت املادة 210من نفس القانون ثالث فئات من اإلجراءات
الشكلية واملوضوعية التي يترتب عن خرقها بطالن اإلجراءات املعيبة وكذا اإلجراءات
التي تليها ،مع مراعاة بطبيعة الحال تقدير نطاق هذا البطالن من طرف الغرفة
الجنحية ،التي لها الصالحية أن تبت في ما إذا كان يجب أن يقتصر البطالن على
اإلجراء املطعون فيه وحده أو يمتد كال أو بعضا لإلجراءات املوالية له.361
وقد يكون هذا البطالن قضائي كما نصت على ذلك املادة 212من نفس
القانون ،وذلك إذا ترتب عن اإلجراء املتخذ من قبل السيد قاض ي التحقيق خرق
للمقتضيات الجوهرية للمسطرة ،أدت إلى املساس بحقوق الدفاع لكل طرف من
- 361تنص الفقرة الثالثة من المادة 211من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي ...":تقرر هذه الغرفة ما إذا كان يجب
أن يقتصر البطالن على اإلجراء المقصود أو يمتد كال أو بعضا لإلجراءات الالحقة.".
استدعائه بيومين كاملين على األقل قبل عقد جلسة االستنطاق أو
املواجهة ،أو لم يتم وضع ملف النازلة رهن إشارة الدفاع بيوم واحد على
- 362رتب المشرع المغربي جزاء البطالن في حالة ما لم يحترم قاضي التحقيق مقتضيات المادة 134من قانون المسطرة
الجنائية التي تنضم إجراءات االستنطاق االبتدائي ،حيث نصت هذه األخيرة على ما يلي ":يطلب قاضي التحقيق من المتهم
بمجرد مثوله األول أمامه بيان اسمه العائلي والشخصي ونسبه وتاريخ ومكان والدته وحالته العائلية ومهنته ومكان
إقامته وسوابقه القضائية .وله عند االقتضاء أن يأمر بكل التحريات للتحقق من هوية المتهم ،بما في ذلك عرضه على
مصلحة التشخيص القضائي أو إخضاعه للفحص الطبي .يشعر القاضي المتهم فورا بحقه في اختيار محام ،فإن لم يستعمل
حقه في االختيار عين له قاضي التحقيق بناء على طلبه محاميا ليؤازره ،وينص على ذلك في المحضر .يحق للمحامي أن
يحضر االستنطاق المتعلق بالتحقيق في هوية المتهم .يبين قاضي التحقيق للمتهم األفعال المنسوبة إليه ويشعره بأنه حر
في عدم اإلدالء بأي تصريح ،ويشار إلى ذلك في المحضر.
ً
يجب على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية أو لطلب دفاعه الرامي إلى
إخضاعه لفحص طبي ،ويتعين عليه أن يأمر به تلقائيا إذا الحظ على المتهم عالمات تبرر إجراءه ،ويعين لهذه الغاية خبيرا
في الطب .عالوة على ذلك ،ينبه القاضي المتهم إلى وجوب إخباره بكل تغيير في عنوانه ،ويمكن للمتهم أن يختار محال
للمخابرة معه في دائرة نفوذ المحكمة .إذا طالبت النيابة العامة في ملتمسها بفتح التحقيق بإصدار أمر بإيداع المتهم في
السجن ،وارتأى قاضي التحقيق أن ال داعي لالستجابة لهذا الطلب ،فإنه يجب عليه إصدار أمر بذلك داخل أربع وعشرين
ساعة ،يبلغه فورا ً إلى النيابة العامة".
- 363تنص المادة 135من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي ":يجوز لقاضي التحقيق بالرغم من مقتضيات المادة
السابقة ،أن يقوم فورا ً بإجراء أي استجواب أو مواجهة إذا دعت لذلك حالة االستعجال الناتجة إما عن ظروف شاهد يهدده
خطر الموت ،وإما ألن عالمات موجودة أصبحت على وشك االندثار.
يجب أن ينص في المحضر على أسباب االستعجال.".
- 364أحمد قيلش – السعدية مجيدي – محمد زنون ،الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية ،مطبعة األمنية ،الرباط،
طبعة ،2015ص.197 :
اإلقناع باختالفها...الخ.
فقد جاء في املادة 212من قانون املسطرة الجنائية ما يلي ":يترتب كذلك البطالن
عن خرق املقتضيات الجوهرية للمسطرة إذا كانت نتيجتها املساس بحقوق الدفاع
لكل طرف من األطراف .يمكن لكل متهم أو طرف مدني أن يتنازل عن ادعاء البطالن
املقرر لفائدته ،ويجب أن يكون هذا التنازل صريحا .وال يقبل تنازل املتهم إال بحضور
ً ً
محاميه أو بعد استدعائه قانونيا .يعرض التنازل على الغرفة الجنحية وفقا للمادة
السابقة.".
التابعة على حد سواء؛ ولإلشارة فقد خول املشرع للمتهم أو الطرف املدني أن يتنازل
عن ادعاء البطالن املقرر لفائدته ،لكن تنازل هذين األخيرين ال يقبل إال بحضور
محاميهما أو بعد استدعائه قانونا ،ويتعين أن يكون التنازل سواء كان من قبل املتهم
أو الطرف املدني صريحا ،ويعرض هذا التنازل على الغرفة الجنحية طبقا لإلجراءات
الفقرة الثانية :اجلهات املخول هلا قانونا حق طلب بطالن إجراء من
إجراءات التحقيق
استنادا إلى مقتضيات املادة 211من قانون املسطرة الجنائية 365نجد املشرع
خول من خاللها لكل من جهاز النيابة العامة واملتهم والطرف املدني وحتى لقاض ي
فإذا ما ظهر لوكيل امللك أو نوابه أو الوكيل العام أو نوابه أو املتهم أو للطرف
املدني أن إجراء مشوبا بالبطالن قد اتخذه قاض ي التحقيق فلهم أن يطلبوا من هذا
األخير أن يحيل ملف الدعوى إلى النيابة العامة املختصة لتقوم بدورها بإحالته إلى
الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف التي يمارس فيها قاض ي التحقيق اختصاصاته
رفقة الطلب الذي يبينون فيه أسباب البطالن وذلك خالل الخمس أيام املوالية من
اثارته؛ حيث تقررالغرفة الجنحية في الطلب املحال عليها ما إذا كان يجب أن يقتصر
التصريح بالبطالن على اإلجراء املقصود أو يمتد كال أو بعضا لإلجراءات الالحقة ،أو
حتى التصريح بعدم جدية الطلب وإرجاع امللف لقاض ي التحقيق قصد اكمال باقي
اإلجراءات.
- 365وهو خالف ما كان عليه األمر وفقا لمقتضيات الفصل 191من قانون المسطرة الجنائية المنسوخ ،والذي حدد
الجهات التي لها حق طلب تقرير بطالن إجراء من إجراءات التحقيق في كل من قاضي التحقيق نفسه والنيابة العامة حصرا.
366إن السيد قاضي التحقيق ال يلجأ إلى طلب تصريح الغرفة الجنحية بالبطالن إال إذا تنازل عنه من هو مقرر لمصلحته،
شريطة أن يكون هذا التنازل صريحا من قبل المتهم أو المطالب بالحق المدني وبحضور محاميه أو بعد استدعائه قانونا
وهذا التنازل يجب عرضة على الغرفة الجنحية لتقرر صحته من عدمه.
في هذا املطلب ،سوف نتطرق باألساس في فقرته األولى ألدوار الغرفة الجنحية
وصالحياتها القانونية للبت في طلبات بطالن إجراءات التحقيق ،على أن نرجئ البت
في فقرته الثانية ملناقشة أهم الشكليات املسطرية املتبعة ألجل التصريح ببطالن هذا
اإلجراء من عدمه.
تعتبر الغرفة الجنحية من ضمن أهم الغرف التي تشمل عليها محاكم
املادة 231من قانون املسطرة الجنائية 367ومنها :البت في طلبات اإلفراج املقدمة إليها
مباشرة ،حيث تنص الفقرة الخامسة من املادة 179من نفس القانون على ما يلي...":
يمكن للمتهم إذا لم يبت قاض ي التحقيق في طلب اإلفراج املؤقت خالل أجل خمسة
أيام املحددة في الفقرة السابقة ،أن يرفع طلبه مباشرة إلى الغرفة الجنحية بمحكمة
االستئناف التي تبت فيه داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوما ،وذلك بعد أن تقدم
- 367تنص المادة 231من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي ":تنظر الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف وهي مكونة
من الرئيس األول أو من ينوب عنه ومن مستشارين اثنين بحضور ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط:
أوال :في طلبات اإلفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة طبقا لمقتضيات الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة ،179وفي
تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة 160؛
ثانيا :في طلبات بطالن إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المواد 210إلى 213؛
ثالثاً :في االستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة 222وما يليها؛
رابعاً :في كل إخالل منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خالل مزاولته لمهامه طبقا ً لما هو منصوص عليه في
المواد من 29إلى 35من هذا القانون." .
لها النيابة العامة ملتمسات كتابية معللة وإال فيقع مباشرة اإلفراج املؤقت عن
املتهم ،ما لم يكن هناك إجراء إضافي للتحقيق" ،كما تختص الغرفة الجنحية كذلك
في البت في طلبات بطالن إجراءات التحقيق طبقا للمواد من 210إلى - 213وهوالذي
األوامر التي يتخذها السيد قاض ي التحقيق في النوازل املعروضة عليه طبقا للمواد
222وما يليها.
كما يعود لها االختصاص كذلك للبت في كل إخالل منسوب ألحد ضباط
الشرطة القضائية أثناء تأديتهم ملهامهم ،واملقصود بضباط الشرطة القضائية وفق
منطوق هذا البند أالئك املنصوص عليهم من البند األول إلى البند الرابع من املادة
االستئناف أومن ينوب عنه بصفته رئيسا للغرفة ،باإلضافة إلى مستشارين له ،وكذا
الوكيل العام أو أحد نوابه باعتبارهم ممثلي للنيابة العامة ،باإلضافة إلى كاتب
للضبط.
وتناقش الغرفة ملفاتها في جلسات سرية بغرفة املشورة ،وتصدر مقرراتها في
جلسات علنية.
- 368تم استثناء ضباط الشرطة القضائية السامون من إمكانية بت الغرفة الجنحية في االخالالت المنسوبة إليهم بخصوص
أدائهم لمهام الشرطة القضائية.
تختلف مسطرة إثارة البطالن بحسب طبيعة الجهة التي أثارته ،فيما إذا كان
تلقائيا من طرف قاض ي التحقيق والغرفة الجنحية ،369أو املتهم أو املطالب بالحق
لقد أعطى املشرع املغربي لكل من جهاز النيابة العامة واملتهم والطرف املدني،
وبمجرد ما تتحقق إحدى الحاالت الواردة في املادة 210من قانون املسطرة الجنائية،
إمكانية مطالبة قاض ي التحقيق الذي يبت في ملف النازلة بأن يوجهه إلى النيابة
العامة لتقوم بإحالته إلى الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف عن طريق النيابة
العامة لدى هذه األخيرة رفقة طلب يوضح فيها الطاعن بالبطالن أسباب طعنه وذلك
خالل خمسة أيام من الطعن به ،كما خول كذلك القانون لقاض ي التحقيق من تلقاء
نفسه أن يحيل ملف النازلة لنفس الغرفة بعد استشارة النيابة العامة واخبار كل
من املتهم واملطالب بالحق املدني ،وذلك إذا تحققت املقتضيات الواردة في املادة 211
الجنحية بمحكمة االستئناف ،يتولى الوكيل العام أو أحد نوابه تجهيز القضية
- 369رغم عدم التنصيص بصريح النص على إمكانية إثارة الغرفة الجنحية لبطالن إجراء من إجراءات التحقيق تلقائيا،
فهذا األمر ممكن ،حيث يمكنها وفي معرض بتها في الملف المعروض عليها إذا اطلعت على إجراء مشوب بعيب البطالن
أن تصرح بهذا األخير ،وذلك في إطار ممارستها لصالحياتها القضائية الرقابية على أعمال قضاة التحقيق.
- 370أحمد قيلش – السعدية مجيدي – محمد زنون ،الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية ،م .س ،ص.199 :
ويضمنه ملتمسه قبل رفعه ،وتجري مناقشات الغرفة بخصوص امللف املطعون فيه
ببطالن أحد إجراءات التحقيق فيه بصفة سرية ،حيث وبعد إعداد املستشار املقرر
في امللف لتقريره ودراسة امللتمسات الكتابية للوكيل العام للملك ومذكرات أطراف
الدعوى العمومية واملدنية التابعة في حالة وجودها ،إذ ذاك تصدرالغرفة قرارها في
جلسة علنية.
ويكون قرار الغرفة الجنحية إما بطالن اإلجراء املعيب وحده ،وقد تقرر بطالن
اإلجراءات الالحقة به كذلك ،حيث نصت املادة 239من قانون املسطرة الجنائية
على ما يلي ":إذا أحيل إلى الغرفة الجنحية طلب بإبطال إجراء من إجراءات
التحقيق ،فإنها تصرح ،إذا كان لذلك موجب ،ببطالن اإلجراء املعيب ،وإن اقتض ى
الحال ببطالن اإلجراءات التي تليه كال أو بعضا ،طبقا ملا هو منصوص عليه في
إذا اقتصرت الغرفة على إبطال جزء من اإلجراءات ،فيمكنها أن تأمرإما بإجراء
تحقيق تكميلي طبق الشروط املنصوص عليها في املادة 238أعاله ،وإما بإحالة امللف
إلى القاض ي املكلف بالتحقيق أو إلى أحد قضاة التحقيق ملتابعة إجراءات البحث.
إذا تبين من اإلبطال الكلي للمسطرة ،أن هذه األخيرة كانت معيبة من بدايتها،
فإن الغرفة الجنحية تحيل املسطرة إلى النيابة العامة لتتخذ في شأنها ما تراه
ً
مناسبا ،وتبت في شأن االعتقال االحتياطي أو املر اقبة القضائية.".
وفي حالة إقرار الغرفة الجنحية لبطالن إجراء من إجراءات التحقيق ،فيبلغ
مقررها هذا لألطراف ودفاعهم داخل أجل 24ساعة من صدوره ،371وتسحب من
ملف التحقيق الوثائق واإلجراءات التي أبطلت وتحفظ بكتابة ضبط محكمة
االستئناف ويمنع الرجوع إليها الستخالص أي دليل منها ضد األطراف تحت طائلة
املتابعة التأديبية.372
خامتة:
أهمها:
إن بطالن إجراءات التحقيق ينقسم إلى بطالن قانوني حدد املشرع حاالته في
ثالثة كما هي مدرجة في املادة 210من قانون املسطرة الجنائية ،وإلى بطالن قضائي
يثار من قبل املتهم أو نائبه أو املطالب بالحق املدني أو نائبه إذا كان هناك مساس
بحقوق الدفاع ،وخول املشرع لهذين األخيرين إمكانية التنازل عن ادعاء البطالن،
وال يتم تنازل املتهم إال بحضور دفاعه ،فيما تتكلف الغرفة الجنحية بالبت في مدى
- 371تنص المادة 247من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي ":تبلغ قرارات الغرفة الجنحية إلى األطراف ومحاميهم
في ظرف األربع والعشرين ساعة من صدورها بواسطة رسالة مضمونة طبقا ً للشروط المنصوص عليها في الفصول 37
و 38و 39من قانون المسطرة المدنية ".
- 372تنص المادة 213من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي ":تسحب من ملف التحقيق وثائق اإلجراءات التي
أبطلت وتحفظ في كتابة الضبط بمحكمة االستئناف ،ويمنع الرجوع إليها الستخالص أدلة ضد األطراف في الدعوى ،تحت
طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة والمحامين".
لقد خول املشرع للعديد من الجهات إمكانية الطعن ببطالن إجراء أو أكثر من
إجراءات التحقيق ،ومن هذه الجهات نجد النيابة العامة واملتهم واملطالب بالحق
املدني أودفاعهما ،تم قاض ي التحقيق من تلقاء نفسه ،وكذا الغرفة الجنحية تلقائيا
إذا ما اطلعت على أحد موجبات البطالن وهي تنظر في ملف النازلة املعروض عليها
لسبب آخر.
خول املشرع املغربي للغرفة الجنحية لدى محكمة االستئناف صالحية البت في
املحكمة أو من ينوب عنه والوكيل العام للملك أو من ينوب عنه باإلضافة إلى السيد
كاتب الضبط ،وذلك باتباعها جملة من اإلجراءات املسطرية ،تنهي إما باملصادقة
على البطالن وسحب الوثائق واإلجراءات الباطلة من امللف ويمنع الرجوع إليها تحت
طائلة التأديب ،أو األمربإنجازتحقيق تكميلي ،أو برفض طلب البطالن واحالة امللف
املستخلص:
من أهم السمات التي أضحت تميزاالقتصاد العاملي هوتهافت جميع الدول نحو
جذب االستثمارات األجنبية الخاصة ،وذلك لألهمية القصوى التي تلعبها تلك
وعلى أن االستثمارات بإعتبارها القناة الرئيسية التي تسمح بتدفق رؤوس األموال
والخبرات العلمية والفنية والتكنولوجية إلى الدولة ،إذ من املعلوم أن العقد الدولي
هو األداة الشائعة التي تنفذ بها عمليات االستثماربين الدول واملشروعات األجنبية،
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 209
م2020 من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر23 العدد
ويسمح لهم بإشباع حاجاتهم وفقا،ألنه يعبر عن اإلرادة املشتركة ألطر افه من جهة
Abstract:
investment, and that investments as the main channel that allows the
because it reflects the common will of the parties on the one hand and
Second hand.
:أهمية البحث
االستثمار من أهم املوضوعات التي يحرص أطراف العقد الدولي لالستثمار على
وإذا كان األصل طبقا، ملا لذلك من أثرعلى حقوق وواجبات كل طرف،االتفاق عليها
ملا هو متعارف عليه هو خضوع العقد الدولي لقانون اإلرادة ،أي للقانون الذي يتفق
عليه األطراف ،إال أن تضارب مصالح هؤالء قد تؤدي إلى اختالف موقف كل طرف،
إذ وبينما تسعى الدولة إلى إخضاع العقد لقانونها طاملا أن هدفها هو تحقيق التنمية
األخيرة لن يكون إال في ظل االبتعاد عن قانون الدولة وتدويل النظام القانوني لعقد
االستثمار ،خاصة في ظل معاناة منهج التنازع الذي يحيل إلى القانون الوطني من
إشكالية البحث:
الدولي الحديث بعد التحوالت التي شهدها االقتصاد العاملي ،وحول ما إذا كان
النظام القانوني للدولة كافيا في ّ
حد ذاته وقادرا على تقديم الحلول القانونية
الو افية للمشاكل التي تثيرها هذه العقود ،ومن جهة ثانية فإن اللجوء إلى تدويل
وهو ما يدعونا إلى التساؤل عن مدى تأثير ذلك التدويل على تلك املصالح ،وحول ما
إذا كان إخضاع عقد االستثمار للقواعد عبر الدولية يمثل فعال الصيغة السحرية
القادرة على إيجاد الحلول ملجمل املشاكل الناجمة عن إبرام وتنفيذ تلك العقود.
منهجية البحث:
بالنظر للخصوصية التي يتميز بها بحث عقود استثمار النفط واالهتمام الذي
يحظى به هذا املوضوع من قبل املجتمع الدولي ،حيث ستعتمد الدراسة في معالجتها
لهذا املوضوع على املنهج التحليلي واالستقرائي باعتبارهما األنسب بحكم التطرق
أهداف البحث:
النفط الى تسليط الضوء على مفهوم عقود استثمار النفط بعد التحوالت التي
شهدها االقتصاد العاملي ،وضرورة إخضاع عقود االستثمار الدولية ومنها العقود
النفطية له نظام عبردولي ال تنتمي قواعده ال للقانون الوطني وال للقانون الدولي.
هيكلية البحث:
ولبيان املعاني السابقة وجالء مضمونها سنقسم هذا البحث على مبحثين ،وهي
ما يأتي:املبحث األول :ماهية عقود استثمار النفط .املبحث الثاني :تدويل النظام
لكون العقد هو تو افق إرادتين على احداث اثر قانوني معين لذا كان البد من
توفر ثالثة أركان النعقاده ،إذ ال ينعقد العقد من دون اجتماعها ،وهي التراض ي أي
اتجاه األرادة نحو أمر قانوني معين ومحدد أي انعقاد العزم على أجراء العملية
ً ً
القانونية محل العقد ،والتراض ي يجب أن يكون موجودا وصحيحا وال يشوبه أي
عيب من عيوب الرضا وعوارض وموانع األهلية ،أما الركن الثاني في العقد هو املحل
ويراد به ما ينصب عليه العقد ،أو العملية القانونية التي يراد تحقيقها من وراء
العقد ،أي األداء الذي يقوم به املدين لصالح الدائن ،ويشترط في املحل أن يكون
ً ً ً ً
موجودا أو ممكن الوجود ،ويجب أن يكون معينا أو قابال للتعيين ،وأخيرا يجب أن
ً ً
يكون املحل مشروعا ،أما الركن الثالث واألخير للعقد فهو السبب والذي يعد ركنا
ً
جوهريا ال ينعقد العقد بدونه ،وهو الباعث الدافع على التعاقد ،والسبب يجب أن
ً
يكون موجود عند التعاقد إبتداء وأن يظل قائما الى وقت تنفيذ العقد ،فاذ لم يوجد
ً
إبتداء أو اذا تخلف أصبح العقد باطال ،وأن يكون السبب مشروعا أي ال يتعارض مع
نص قانوني صريح وأن ال يخالف النظام العام واآلداب العامة .إذ إن مدلول هذا
العقد يسري على موضوع هذه الدراسة فاإليجاب يمكن ان يصدر من احد طرفي
عقد االستثمارالنفطي ويرتبط باإليجاب الصادرمن الطرف اآلخر ،بحيث تترتب آثار
وألجل الوقوف بشكل جلي على مفهوم عقد االستثمار النفطي تمهيدا للوقوف
على تدويل النظام القانوني لعقد االستثمار النفطي و أثره على مصالح الدول
املتعاقدة سيتم تقسيم دراسة هذا املبحث على مطلبين ،وهما ما يأتي:
املطلب األول :مفهوم عقود االستثمار النفطية .املطلب الثاني :مدى املالئمة
بين مبدأ سيادة الدولة الدائمة على الثروة النفطية وعقود استثمارالنفط.
الثمر لغة أنواع املال ،وجمع الثمر ثمار ،وثمر جمع الجمع ،وقد يكون الثمر
جمع ثمرة ،الثمر املال املثمر( ،)374و أثمر الرجل إذا كثر ماله ،واالستثمار هو االنفاق
في وجه من الوجوه لتحقيق ربح في املستقبل البعيد أو القريب( ،)375وهو ما يستفاد
َ ُ َ ُ َ ُُ ََ َ ْ َُ َ ً َ ََ َ َُ ٌََ ََ
نك َماال َوأ َع ُّز اح ِب ِه وهو يح ِاوره أنا أكثر ِمص
ِ ِ
ال ل َ
َ ق من قوله تعالى (وكان له ثمر ف
ََ
نف ًرا)(.)376
( (373د .ياسين محمد الجبوري 2008 ،الوجيز في شرح القانون المدني األردني ،ج ،1دار الثقافة للنشر والتوزيع،
عمان ،ص 154وما بعدها.
( )374أبو الفضل جمال بن محمد بن مكرم بن منظور 1414،ه ،1994 ،لسان العرب ،ج ،3دار صادر بيروت،
ص.297
إسماعيل بن حماد الجوهري ،1974،الصحاح ،ج ،1ط ،1دار الحضارة العربية ،بيروت ،ص.161 ((375
وقد عرف قانون االستثمار العراقي رقم ( )13لسنة 2006املعدل بالقانون رقم
ً
( )50لسنة 2015االستثمار في الفقرة (سادسا) من املادة ( )1بانه (توظيف املال في
أي نشاط أو مشروع اقتصادي يعود باملنفعة املشروعة على البلد) ،وبطبيعة الحال
فان املستثمرقد يكون عر اقيا أوان يكون مستثمرا أجنبيا وذلك وفقا ملا نصت عليه
ً
الفقرة (تاسعا) من نفس املادة التي عرفت املستثمر العراقي بانه (الذي يحمل
الجنسية العر اقية في حالة الشخص الحقيقي ومسجل في العراق اذا كان شخصا
ً
معنويا أو حقيقيا) والفقرة (عاشرا) من ذات املادة التي عرفت املستثمراألجنبي بانه
(هو الذي ال يحمل الجنسية العر اقية في حالة الشخص الحقيقي ومسجل في بلد
اجنبي اذا كان شخصا معنويا أو حقيقيا) .ويقسم االستثمار حسب معيار الجنسية
الى االستثمارات الداخلية (الوطنية) وفي هذه الحالة يكون املستثمروطني واملشروع
االستثماري وطني يتم داخل البلد وال ينتقل عبرالحدود( ،)377واالستثمارات األجنبية
ويقصد بها تلك التدفقات الرأسمالية سواء في شكل أصول مالية أم إنتاجية
ملموسة أم غيرملموسة والتي يكون مصدرها من خارج الدولة املضيفة التي توظف
الدولية ،حيث تنتقل من خاللها املوارد االقتصادية بصورة عامة أو عناصر اإلنتاج
( (377د .عبد العزيز عبد الكريم عبد هللا ،2010 ،ضمانات االستثمار في الدول العربية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
عمان ،ص 19وما بعدها.
المؤسسة العربية لضمان االستثمار ،1987،تقرير مناخ االستثمار في الدول العربية ،الكويت ،ص.14 ((378
أن استثمارات الدول الصناعية فيما بينها أكبر بكثير من استثماراتها مع دول أخرى
ً
أقل نموا ،ذلك أن حجم التجارة بين هذه الدول أكبر ،فعندما يزداد الطلب املحلي
على منتجات شركة دولية ما ،بحيث يصبح اكبر من مثيلها في دول أخرى تسارع تلك
الشركة في إقامة مشروعات استثمارية إنتاجية إضافية تلبية لتلك الزيادة في
الطلب ،فالتجارة الدولية تعد بمثابة القاطرة التي تجر من ورائها االستثمار األجنبي،
وفي هذا اإلطار نجد أن منطقتي شمال أفريقيا والشرق األوسط في مجملهما تعد
ً ً
سوقا موحدا من وجهة نظر الشركات الدولية ،بسبب صغر الطاقة االستيعابية
لتلك األسواق املجزأة املكونة لهذه املنطقة ،وبسبب ذلك ولضخامة االستثمارات
ً
األجنبية في الوقت الحالي نجد أن الشركات الدولية دائما ما تتمركز في أحدى هذه
ً
الدول ،متخذة من تلك الدولة منطلقا لها للتعامل مع هذه املنطقة أو هذا السوق
بصورة عامة(.)380
( (379د .هشــام فاروق ،للفترة من 8 – 5كانون األول ،2004االستثمارات العربية ،واقـعها وآفاقها فـي ظــل النظــام
العـالـمي الـجديـد ،مؤتمر تطوير اإلدارة العربية لجذب االستثمار ،مصر شرم الشيخ ،ص 37وما بعدها.
( (380سالم احمد الفرجاني ،2005 ،المساهمة األجنبية في االستثمار المحلي األهمية والمحاذير ،ورقة بحثية مقدمة
في أعمال المؤتمر السنوي للتمويل واالستثمار والتمويل الخارجي المباشر ،FDIمصر ،شرم الشيخ ،ص.2
ومن مزايا مساهمة االستثمار األجنبي في االستثمار داخل الدولة خلق فرص
عمل كبيرة والذي يساهم في حل مشكلة البطالة وتحسين مستوى املعيشة وضخامة
املتطورة ،السيما في مجال تصفية النفط الخام ملا تحتاج اليه هذه العملية من
رؤوس أموال كبيرة وخبرة فنية متقدمة وهي في الغالب ال تتوفر لدى الدول النامية
ومن ضمنها العراق لذلك جاء قانون االستثمار الخاص في تصفية النفط الخام
العراقي ليبين آلية إبرام مثل تلك العقود إذ ان استغالل هذه املوارد ال يمكن ان يكون
إال من خالل عقد يبين التزامات وحقوق كل من اإلدارة واملستثمر سواء أكان ذلك
املستثمروطنيا أم أجنبيا(.)381
ويتميزالنفط الخام باحتوائه على مواد عديدة يمكن فصل بعضها عن البعض
اآلخر بواسطة التصفية وهي تمثل مصادر متنوعة للطاقة كما وتشكل مشتقاته
اآلخرى مواد أولية مهمة في الصناعات البتروكيمياوية ،كما يتميز باحتوائه على
كميات كبيرة من الغاز الطبيعي ويتميز كذلك بسهولة نقله الى مسافات بعيدة سواء
بالنقل على اليابسة بواسطة األنابيب أو بواسطة الناقالت البحرية باإلضافة الى
) (381د .بيرك فارس حسين ،محمد موسى خلف ،2012،عقد االستثمار في تصفية النفط الخام وطبيعته القانونية،
دراسة تحليلية في التشريعات العراقية ،بحث منشور في مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية ،مج ،4
السنة ،4ع ،14العراق ،ص.172
سهولة خزنه ،كما يتميزبانخفاض كلفة إنتاجه وتكريره نسبيا قياسا الى بقية مصادر
الطاقة اآلخرى(.)382
إذ يتضح مما تقدم يمكننا تعريف عقد االستثمار النفطي بانه (عقد يبرم بين
الحكومة من جهة واملستثمر من جهة أخرى سواء أكان املستثمر وطنيا أم أجنبيا
يقوم على توظيف املال ألجل استثماره في مجال البحث عن النفط والتصفية وذلك
ً
بتحويل النفط الخام الى مشتقات نفطية قابلة لالستهالك) ،وذلك استنادا الى
الفقرة (رابعا) من املادة ( )17من قانون االستثمار الخاص في تصفية النفط الخام
العراقي النافذ ،فهذا العقد تتمثل أطر افه بالجهة املستفيدة من االستثماروالتي هي
الحكومة مالكة الثروة النفطية ،والطرف اآلخر وهو املستثمر الوطني أو األجنبي أما
محل هذ العقد فيتكون من شقين األول من جهة املستثمر يتمثل بتوظيف أمواله
املستثمرة لتحقيق مكاسب تعود عليه ،والشق اآلخرمن املحل هو من جهة الحكومة
يكون النفط الخام الذي يراد تحويله الى مشتقات النفط العديدة لكي يكون قابال
لالنتفاع به واستهالكه بصورة افضل مما يحقق املنفعة للحكومة مالكة الثروة
( (382د .جابر شنشول جمالي ،1981،تكنولوجيا الوقود ،المكتبة الوطنية ،الجامعة التكنولوجية ،بغداد ،ص.60
ويعد عقد االستثمار النفطي من اهم أنواع عقود االستثمارات األجنبية ويعرف بأنه" - :ذلك العقد الذي تمنح الدولة
بمقتضاه الشركة األجنبية الحق المطلق في البحث ،أو التنقيب عن الموارد النفطية الكامنة في أقليمها أو جزء منه،
والحق في استغالل هذه الموارد والتصرف فيها ،وذلك خالل فترة زمنية معينة مقابل حصول هذه الدولة على ف ارئض
معينه" ،وهناك من يعرفه على أنه "العقد الذي بواسطته تمنح الدولة مشروعا أجنبيا حقا مطلقا له في البحث في
أقليمها عن النفط واستخراجه واستغالله ،وذلك خالل فترة زمنية محددة " .لمزيد من التفاصيل راجع حفيظه السيد
حداد ،2003 ،العقود المبرمة بين الدولة واألشخاص األجنبية – تحديد ماهيتها والنظام القانوني الذي يحكمها،
منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،ص.175
وبذلك تلتقي مصلحة طرفي عقد االستثمار في تصفية النفط الخام ويحققها ذلك
املطلب الثاني :مدى املالئمة بني مبدأ سيادة الدولة الدائمة على
الثروة النفطية وعقود استثمار النفط
وإن التنمية اإلقتصادية ال تتحقق بدون األموال سواء أكانت محلية أم أجنبية وبما
أن معظم األقطار النامية ال قبل لها بتلبية حاجاتها املالية من مصادر محلية فإنها
تسعى بالضرورة للحصول على األموال األجنبية من الخارج .وإال أن لجوء البلدان
ظروفها االجتماعية(.)383
خالل وضع املبادئ الخاصة بتقرير املصير كأساس ملسودة ميثاق حقوق
اإلنسان ،ظهر مفهوم السيادة الدائمة على املصادر الطبيعة كتعبير عن مبدأ تقرير
كاوان إسماعيل إبراهيم ،2009 ،عقود التنقيب عن النفط وإنتاجه ،دراسة قانونية تحليلية مقارنة ،أطروحة ((383
املصير اإلقتصادي وكان السبب الرئيس في ذلك هو الصلة التي تصورها الكثيرون
بين مفهوم السيادة الدائمة والتأريخ اإلستعماري وسنوات اإلعتماد على الغير،
ً ً
وهكذا غدت السيادة الدائمة مطلبا رئيسا للدول حديثة اإلستقالل و أفصحت عنه
على إستقاللها السياس ي ،فإنها ظلت في حاالت متعددة تشعرباإلحباط ألن مصادرها
الطبيعية لم تزل يستغلها املستثمرون األجانب بطرق كانت تنظراليها الدول الحديثة
على أنها ال تخدم مصالحها و إنما تخدم مصالح العالم املتطور ،وقد أصرت األقطار
ً
املستقلة حديثا على السيطرة على مصادرها الطبيعية وعلى املشاركة الفعالة في
تطويرها على أساس أن اإلستقالل السياس ي سيظل عديم املعنى ما دام املستثمرون
اإلمتياز املبرمة بين الدول املنتجة مع الشركات األجنبية ،بحيث لم تكن األقطار
املنتجة قادرة على التخلص من اآلثار غير املنصفة للعقود التي أبرمت في ظروف غير
متكافئة بين الدول املنتجة وبين الشركات األجنبية بمشاركة شركات النفط األجنبية
في إتخاذ القرارات بشأن حجم اإلنتاج أو إدارة املشروع أو تحديد أسعار النفط ،أو
رسم السياسة النفطية الدولية مثال ،مما أدى ذلك إلى أن تشعرالشعوب أن حماية
د .أحمد عبد الر ازق خليفة السعيدان ،1997 ،القانون والسيادة وإمتيازات النفط (مقارنة بالشريعة اإلسالمية)، ()384
ً
مصالحها وإن لم تكن بصورة كلية ،تكون من خالل املشاركة فضال عن تنميتها
ً
وتطويرها ،إذ إن اإلتفاقيات القديمة املحكومة باملبدأ املذكور ،تعد إكراها مسلطا
عليها ،ال سيما وأن هذه االمتيازات قد منحت في ظروف لم تكن لدى البلدان املنتجة
القدرات اإلقتصادية والفنية وكذلك القوة التفاوضية لغرض عدم وقوعها تحت
هيمنة الشركات األجنبية .اال أنه بعد أن تم إقرارمبدأ السيادة الدائمة قبلت شركات
النفط األجنبية و أقرت بمبدأ الحق في املشاركة "على األقل فيما يتعلق باملشاركة في
العائدات" ،ومما ساعد معظم األقطار املنتجة في دعوتها إلى إعادة عملية
املفاوضات باإلضافة إلى مبدأ السيادة ،نظرية تغيير الظروف ،وهي نظرية ثابتة في
القانون الدولي ،وقد نجحوا في ذلك ،فعلى سبيل املثال وقعت الحكومة السعودية
في 30كانون األول 1949م إتفاقية مع شركة آرامكو ،و افقت فيها الشركة على
الخضوع لقانون ضريبة الدخل الذي صدر قبل هذا التاريخ ببضعة أيام ،على أن ال
يزيد مجموع الضرائب والريوع واإليجارات وإستحقاقات الحكومة في أيه سنة عن
%50من صافي أرباح الشركة ،وذلك إبتداء من كانون الثاني 1950م .وكذلك تم
اإلتفاق بين الحكومة العر اقية وشركة نفط العراق في آب من عام 1951م على أن
تكون حصة العراق %50من أرباح الشركات الثالث ،شركة نفط العراق وشركة
د .راشد البراوي ،1962 ،حرب البترول في الشرق األوسط ،مطبعة المعرفة ،القاهرة ،ص.264 ()385
التي تقرها النظم القانونية الوطنية يكمن في ضرورة االنعتاق من النظم القانونية
الوطنية ،أو على األقل تحجيم اآلثار املترتبة عنها ،وذلك باللجوء لقضاء التحكيم
الذي يسمح ألطراف العقد الدولي باختيار القواعد القانونية التي تخدم مصالح
الدولة واملتعامل األجنبي على ّ
حد السواء ،وال شك أن تلك القواعد هي القواعد عبر
الدولية ،وعليه سنتناول دراسة هذا املبحث على مطلبين ،وهما ما يأتي :املطلب
األول :تدويل النظام القانوني لعقد االستثمار النفطي .املطلب الثاني :أثر تدويل
يؤكد جانب كبير من الفقه على أن القواعد القانونية التي نشأت بعيدة عن
سلطان الدولة والتي تحكم العالقات االقتصادية الدولية بما فيها العالقات القائمة
بين الدول من جهة واملشروعات األجنبية من جهة ثانية هي ظاهرة قد فرضت نفسها
سواء كانت قوانين الدولة املتعاقدة أو قوانين وطنية محايدة ،فاألطراف في هذا
النوع من العقود يتواجدون في مراكز قانونية غير متكافئة ،مما يعني أن إخضاعها
ألحد تلك األنظمة سيهدد ذاتيتها طاملا أن القوانين الوطنية وضعت أساسا ملواجهة
وال ريب أن الفشل في حكم العقود املبرمة بين الدولة واملستثمرين األجانب ال
يقتصر على النظم القانونية الوطنية ،بل يشمل أيضا قواعد القانون الدولي العام
التي ال تقدرهي األخرى على تقديم الحلول املالئمة لهذا النوع من العقود ،على اعتبار
أنها قواعد جاءت لتنظيم العالقات القائمة بين الدول فيما بينها ،وملا كان املشروع
األجنبي املتعامل مع الدولة من أشخاص القانون الخاص ،فمن غير املعقول إعمال
ً
تلك القواعد بشأن العالقات التي يبرمها هذا املتعامل حتى وإن كان متفوقا من حيث
مركزه االقتصادي ،لعدم تمتعه بوصف الدولة .إذ نكون أمام قصور وعجز وعدم
مالءمة كل من القوانين الوطنية والقانون الدولي العام لحكم هذه العقود ،كان
ً
لزاما البحث عن نظام قانوني آخر مستقل عن النظامين السابقين ليتولى تنظيمها
ّ
وحل النزاعات الناشئة بين أطر افها ،وذلك على نحو يحقق التوازن بينها ،وبدون
ّ
اإلضراربمصالح أي طرف .وعليه فقد اتجه الفقه الغربي إلى التأكيد على أن النظام
القانوني الذي يتعين إخضاع عقود االستثمارالدولية ومنها العقود النفطية له نظام
عبر دولي ال تنتمي قواعده ال للقانون الوطني وال للقانون الدولي ،ويجد مصدره في
األعراف التجارية واملبادئ العامة عبر الدولية بوصفها األكثر مالءمة واستجابة
ملتطلبات العالقات عبرالدولية ،وهذا الحل هو الوحيد الذي بإمكانه تجسيد وتأكيد
االستقرار واليقين في املعامالت الدولية العابرة للحدود ،ألنه يمثل اإلطار الطبيعي
لها(.)387
فإذا لم تقم األطراف باالختيارالصريح لقانون معين ،فهذا مسلك يجب تفسيره
على أنه يفيد غبتهم في استبعاد هذا القانون ،وبما أن القانون الدولي ال يصلح في ّ
حد ر
ذاته كقانون يحكم عقود االستثمارالنفطية ،فإن الحل األمثل هو إخضاعها لنظام
االستثمار على وجه الخصوص ،يتجه الفقه املناصر لفكرة تدويل عقد االستثمار
ّ
النفطية إلى أن تلك الطبيعة ال تتعارض مع منهج هذه القواعد ،على األقل عند
االتفاق على تطبيقها ،أو لجوء املحكم إلى ذلك عند السكوت املطلق لألطراف عن
ويشير هذا االتجاه إلى أن املمارسات التعاقدية الدولية بين الدولة واملتعاملين
األجانب قد أضافت قواعد أخرى أثرت النظام القانوني عبرالدولي ،كما أن التدخل
أحمد عبد الحميد عشوش ،2003 ،قانون النفط ،االتجاهات الحديثة في تحديد القانون الذي يحكم اتفاقيات ()1
التنمية االقتصادية الدولية ،مؤسسة شباب الجامعة ،مصر ،ص 153وما يليها ،وانظر كذلك في هذا الرأي طالب
حسن موسى ،2010 ،قانون التجارة الدولية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،ص .29
د .حفيظة السيد الحداد :مصدر سابق ،ص.754 ()2
د .نادر محمد إبراهيم ،2002 ،مركز القواعد عبر الدولية أمام التحكيم االقتصادي الدولي ،ط ،2دار الفكر ()3
ولقد أكد الو اقع العملي أن غالبية العقود املبرمة في مجال التنقيب عن
البترول واستغالله تتضمن اتفاق األطراف صراحة على تطبيق أفضل املمارسات
ً املتبعة عامة في هذا املجال ،وملا كان "قانون البترول ّ
يعد جزءا من القانون التجاري
الدولي الذي تشكل من العادات العابرة للدولة واملتبعة على نحو عاملي في املجال
الخاص بالبترول" ،فإن هذا يعني ارتضاء األطراف صراحة بإعمال القواعد عبر
واملالحظ أيضا في مجال عقود االستثمار النفطية الدولية عدم تركيز األطراف
لشرط اختيار القانون ،وذلك باستخدامهم لصيغ يعبرون بها عن رغبتهم في عدم
تطبيق أي قانون داخلي على روابطهم العقدية ،وهي صياغة يرى فيها املحكم أحيانا
ً
اتفاقا على إخضاع ذلك العقد للقواعد عبر الدولية .ومن أمثلة الشروط التي
يدرجها أطراف هذه العقود في اتفاقاتهم ،شرط االتفاق على "املبادئ العامة املعتادة
في األمم املتمدينة"" ،مبادئ قانون التجارة الدولي"" ،مبادئ ّ
الود وحسن النية"،
و"األخذ بعين االعتبار الصفة غير الدولية لعالقات األطراف ومبادئ القانون
املعنى(.)391
هذا ويتضح مما تقدم أن تدويل النظام القانوني لعقود االستثمار النفطية
ً
الدولية أضحى و اقعا البد منه في ظل الظروف االقتصادية الراهنة ،سواء في حالة
اتفاق األطراف املتعاقدة على اختيارقواعد قانونية غيروطنية لتنطبق عليها ،أوحتى
عند تخلف اتفاق هؤالء حول القانون واجب التطبيق ،إذ يجوز لهيئة التحكيم أن
تقوم باختيار القواعد املعمول بها في مجال التبادل الدولي باالعتماد على األعراف
املطلب الثاني :أثر تدويل عقود االستثمار النفطية على مصاحل الدول
إنه وعلى الرغم من تمتع العقود املبرمة بين الدولة واألشخاص األجنبية
هدف الدولة من وراء إبرام هذه العقود هو تحقيق مصلحة اقتصادية أو اجتماعية،
فإن هذا ال يحول دون إمكانية تطبيق قواعد غير وطنية بشأن منازعاتها ،خاصة في
حالة اتفاق األطراف على اختيارها لتحكم عقدهم ،والقول بخالف هذا معناه تقييد
حرية األطراف في مجال اختيار قانون العقد ،وهذا أمر يتعارض بشكل صريح مع
األصول الثابتة والقواعد العامة التي تترك لهم سلطة ومكنة ذلك االختيار،
للقانون الوطني للدولة املتعاقدة ،وذلك حتى في الحاالت التي تتفق فيها الدولة
ً
املتعاقدة مع الطرف األجنبي على اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي أوال ،ثم اختيار
ً
القواعد عبر الدولية لتحكم العقد املبرم ثانيا ،وبالتالي ال ضرر على الدولة من ذلك
ألنه هي من ارتض ى تطبيقها ،السيما أنه يوجد صمام أمان لحماية النظام العام
الوطني ،حيث تقض ي القواعد العامة في القانون الدولي الخاص بعدم سريان أية
قاعدة قانونية إذا كانت تتعارض مع النظام العام واآلداب في الدولة املتعاقدة.
وعليه وجب احترام اتفاق األطراف وإعمال القواعد القانونية التي اختارها هؤالء
لحكم عقدهم ،وال مجال لالدعاء بأن خصوصية عقود االستثمار النفطية الدولية
تستتبع بالضرورة خضوعها للقانون الوطني للدولة املتعاقدة ،ألن إعمال هذا
ً
القانون بشكل دائم قد يضر بمصالح املتعاقدين معا ،وذلك لتخلف أحكامه عن
مجاراة ما جرى عليه العمل في نطاق املبادالت االقتصادية الدولية على وجه العموم.
وحتى في الحالة التي يتفق فيها األطراف على تطبيق قانون الدولة املتعاقدة فإن هذا
ال يمنع هيئة التحكيم من تطبيق املبادئ واألعراف عبر الدولية السائدة ،وذلك
عندما يتضح لها وجود نقص في القانون املختار ،أو لتفسير النصوص التشريعية
ّ
الغامضة فيه ،خاصة وأن النظم الداخلية تعاني عادة من قصورفي األحكام الخاصة
بتنظيم موضوعات عقود التنمية واالستثمار ،وبهذا فقط تتحقق الحكمة من لجوء
األطراف إلى قضاء التحكيم فتحسم جميع املنازعات الناشئة عن عالقتهم العقدية
من جهة ،وتحفظ توقعاتهم املشروعة من جهة ثانية ،وتجنب املحكمين الوقوع تحت
وعالوة على هذا فإن الخروج عن املفاهيم السائدة في مجال العقود النفطية
ً الدولية ،والتي تقدس مبدأ سلطان اإل ادة ّ
يعد في نظر الطرف األجنبي عائقا من ر
معوقات االستثمار ،وذلك ألنه يقيد حريته في اختيارالقواعد القانونية التي يطمئن
إليها ويثق فيها ،مما يعني في املقام األخير حدوث آثار سلبية تضر بمصلحة الدولة
املتعاقدة ،طاملا أن ذلك الطرف يتواجد دوما في مركز قوة اقتصادية ،فيرفض
االستجابة لشرط خضوع العقد للقانون الوطني ،فيكون اقتصاد الدولة هوالخاسر
األكبر ،وبدال من أن يحقق إسناد عقود االستثمار للقانون الوطني نتائج إيجابية
للدولة املتعاقدة ،فإنه سيلحق بها أضرارا جسيمة .ويجب لفت نظر االتجاه
الر افض لخضوع عقود االستثمار النفطية للقواعد عبر الدولية إلى ضرورة عدم
الخلط بين هذه األخيرة وقرارات التحكيم الصادرة بعد الحرب العاملية الثانية ،والتي
كانت تستبعد تطبيق القوانين الوطنية للدول املتعاقدة بحجة التخلف واللجوء
د .مصطفى الجمال ،د .عكاشة عبد العال ،1998 ،التحكيم في العالقات الخاصة الدولية والداخلية ،ط،1 ((392
إلعمال املبادئ العامة بدال منها ،وذلك للوصول إلى أهداف تحقق مصلحة املتعاقد
األجنبي على حساب مصالح الدول النامية" ،فالقواعد عبر الدولية في العصر
الحديث لم تعد تخلق من منطلق سياسة مسبقة الحكم أوعن رغبة لتغليب مصالح
وأما في حالة عدم اتفاق األطراف على اختيار القواعد القانونية واجبة
التطبيق ،وجب على املحكم في هذه الحالة البحث عن أكثرالقوانين ارتباطا بالعقد،
مما يعني إمكانية تطبيق األحكام الواردة في قانون الدولة املتعاقدة ،وليس هناك أي
مجال للقول بأن اللجوء إلى التحكيم يعني ارتضاء األطراف باستبعاد النظم
بالتدويل املوضوعي للعقد ،لذا يتعين على املحكم الوقوف عند هذا املقصد وعدم
تجاوزه واعتبار تبني األطراف لشرط التحكيم دليل على رغبتهم الضمنية في إخضاع
ً
عقدهم للقواعد عبر الدولية ،إال إذا كانت إرادتهم صريحة في اختيارها حسما
ملنازعاتهم .على أن تطبيق القانون الوطني للدولة املتعاقدة على عقودها املبرمة مع
الطرف األجنبي عند سكوتهما املطلق عن االختيار ،ال يحول أيضا دون إمكانية
بأن" :تطبيق قواعد قانون التجارة الدولية يصبح واجبا بمجرد اللجوء إلى
حيث يذهب بعض الفقه إلى القول ّ
()3
التحكيم التجاري الدولي ،وعلى نحو أكثر دقة بمجرد تضمين العقد الدولي شرط التحكيم ...وهكذا يبدو التحكيم
وكأنه المخاطب األصيل بقواعد قانون التجارة الدولية والمنوط به تطبيقها" .د .هشام خالد ،2005 ،جدوى اللجوء،
إلى التحكيم التجاري الدولي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،ص .342
استعانة املحكم بالقواعد عبر الدولية لتكملة النقص الذي قد يشوب قواعد
القانون الداخلي أو إذا ظهر له عدم مالءمة هذه األخيرة لحكم العقد ،وأن القاعدة
مصالحها(.)395
طالبت كوستاريكا بتطبيق قواعد ومبادئ القانون الدولي فقط ،كقانون واجب
التطبيق على العقد ،ورأت بأنه حتى وإن كان اتفاق الطرفين غيرمكتوب وغير واضح
بصورة كافية ،إال أنه يمكن استنتاجه من طلب التحكيم ،ومن مو افقة الحكومة
على اختصاص املركز بنظر النزاع( ،)397والشك أن حكومة كوستاريكا قد رأت في
في حكم النزاع ،وهذا دليل آخرعلى أن مضمون تلك القواعد وأحكامها قد تكون أكثر
فيهــا ،وانتهــت هيلــة التحكيم إلى إص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار قرارهــا بتــاريخ ،2000/02/17والــذي انتهــت إيــه إلى تطبيق قــانون
كوســتاريكا بما في ذلك قواعده في تنازع القوانين ،وكذا مبادل القانون الدولي ،وذلك وفقا لنل المادة 01/42من
اتفاقية واش ــنطن .حس ــين أحمد الجندي ،2006 ،النظام القانون لتســـوية منازعات االس ــتثمار األجنبية على ضـــوء
اتفاقية واشنطن الموقعة عام ،1965دار النهضة العربية ،ص.229
وما يدعم موقفنا في جوازيه اإلعمال املزدوج لكل من قانون الدولة املتعاقدة
والقواعد عبر الدولية على عقود الدولة عند تخلف األطراف عن االختيار الصريح
للقانون الواجب التطبيق ،هو اتجاه اتفاقية واشنطن املوقعة عام 1965واملتعلقة
بتسوية منازعات االستثمار األجنبية ،حيث قضت املادة 1/42بأنه " :تفصل
املحكمة في النزاع وفقا للقواعد القانونية التي اتفق عليها األطراف ،وفي حالة عدم
وجود مثل هذا االتفاق تطبق املحكمة قانون الدولة املتعاقدة الطرف في النزاع بما
في ذلك قواعده في تنازع القوانين ومبادئ القانون الدولي الواجبة التطبيق".
وتطبيقا منها لنص املادة 1/42املذكورة أعاله ،ذهبت هيئات التحكيم بالفعل إلى
التطبيق الجامع لكل من قانون الدولة املتعاقدة والقواعد عبرالدولية عند سكوت
األطراف عن اختيارقانون العقد على النزاعات التي ثارت أمامها .ففي نزاع بين شركة
" "Amco Asiaوآخرين مع حكومة إندونيسيا ،قررت هيئة التحكيم أنها لم تجد في
اتفاق األطراف ما يشير إلى اختيارهم لقانون معين ليكون هو القانون الواجب
التطبيق ،وعليه انتهت إلى التزامها بتطبيق القانون اإلندونيس ي ومبادئ القانون
هذا وقد تواترالقضاء الدولي على رفض فكرة تدويل العقود املبرمة بين الدولة
التحكيم املعروفة في القضايا النفطية الى إضفاء صفة املعاهدة الدولية على
إتفاقيات البترول(.)399
فقد أوضحت املحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية مافروماتيس عام 1925
ً
إن اإلتفاق ال يعدو أن يكون عقدا من القانون الداخلي ومن ثم فإن مسؤولية
اإلخالل به ال تخضع ألحكام القانون الدولي ،وال تترتب مسؤولية دولية على عاتق
كما رفضت محكمة العدل الدولية في قرارها حول تأميم شركة النفط األنجلو
إيرانية عام 1952وجهة نظراململكة املتحدة من أن" اإلتفاقية املوقعة بين الحكومة
اإليرانية والشركة األنجلو اإليرانية عام 1933م لها طبيعة مزدوجة" ،فكانت
اململكة املتحدة تدعي بأن إتفاقية اإلمتياز تعد من جهة عقد إمتياز بين الحكومة
واإليرانية(.)401
د .محمد يوس ـ ـ ــف علوان ،1982 ،النظام القانوني إلس ـ ـ ــتغالل النفط في األقطار العربية (د ارس ـ ـ ــة في العقود ()399
اخلامتة
االستنتاجات:
-1يتم إبرام عقد االستثمار في تصفية النفط الخام بين طرفين ،يتمثل الطرف
األول بالدولة املضيفة لالستثمار ،ويمثلها في ذلك احد املؤسسات التابعة لها
وهي في الغالب وزارة النفط ،كذلك يجوز لألقاليم واملحافظات غير املنتظمة
ً
في إقليم منح تراخيص إلنشاء املصافي ضمن حدودها اإلدارية وذلك استنادا
النفط الخام بانه (عقد يبرم بين الحكومة من جهة واملستثمرمن جهة أخرى
سواء أكان املستثمر وطنيا أم أجنبيا يقوم على توظيف املال ألجل استثماره
في مجال التصفية وذلك بتحويل النفط الخام الى مشتقات نفطية قابلة
لالستهالك).
-2ان حداثة مصطلح االستثمار وأهميته قد أدت الى تعدد التعريفات الخاصة
املتعاقدة على اختيار قواعد قانونية غير وطنية لتنطبق عليها ،أو حتى عند
تخلف اتفاق هؤالء حول القانون واجب التطبيق ،إذ يجوزلهيئة التحكيم أن
تقوم باختيار القواعد املعمول بها في مجال التبادل الدولي باالعتماد على
التوصيات:
-1ضرورة إخضاع عقود االستثمار الدولية ومنها العقود النفطية له نظام عبر
دولي ال تنتمي قواعده ال للقانون الوطني وال للقانون الدولي ،ويجد مصدره في
-2تحديد وسيلة حل املنازعات التي تنشأ عن تفسير أو تنفيذ عقد االستثمار في
-3ال مجال لالدعاء بأن خصوصية عقود االستثمار النفطية الدولية تستتبع
عن مجاراة ما جرى عليه العمل في نطاق املبادالت االقتصادية الدولية على
وجه العموم.
مقدمة:
واالقتصادية والسياسية ،كما تتدخل فيع العديد من األجهزة ،من سلطات محلية
وهيآة منتخبة وسلطات قضائية ،فنجده قطاعا منظما عبر مجموعة من القوانين
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 235
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
املوضوعية منها واإلجرائية التي تسهل عملية التدخل القضائي بهذا امليدان.
لكن يبقى أهم نص قانوني ينظم مجال التعمير من حيث الضوابط التي
حددتها قوانين التعمير أعاله ،نجد قانون 66.12املتعلق بمر اقبة وزجر املخالفات
في مجال التعمير والبناء ،والذي يعتبر من مستجدات القوانين التي تهتم بمجال
التعمير خصوصا في الشق املرتبط بزجر املخالفات التي يعرفها هذا القطاع ،وفي
قراءة متأنية في مقتضياته نجد على أن املشرع حاول وضع عدة آليات ووسائل
والتعمير ،مع تحديد الجهات املكلفة بضبطها ومتابعتها ،واملسطرة املعتمدة في ذلك،
كما أن املشرع خصص لكل املخالفات عقوبات يختلف نوعها ،تصل لحد سن
وهذا ما يجعلنا نطرح التساؤل حول أهم مستجدات قانون 66.12؟ وما هي
الخطوط العريضة التي جاء بها ،والضمانات التي وضعها من أجل الحد من
-402ظهير رقم 1.59.413الصادر في 26نونبر 1962يقضي بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي،
منشور بالجريدة الرسمية في 5يونيو .1963
-403ظهير رقم 1.02.255صادر في 3اكتوبر 2002بتنفيذ القانون رقم 01.22المتعلق بالمسطرة الجنائية،
منشور بالجريدة الرسمية في 30يناير .2003
ومحاولة منا في هذه القراءة السريعة لقانون 66.12ونظرا ألهميته ،أن نتطرق
في هذا الجزء للطبيعة القانونية التي يمكن إعطائها ملخالفات التعمير في نطاق هذا
النص ،واملسطرة القانونية التي يتم من خاللها ضبط هذه املخالفات .املطلب األول:
يمكن تحديد الطبيعة القانونية لجرائم البناء والتعمير املنصوص عليها في
قانون 12.66املتعلق بمر اقبة وزجر املخالفات في مجال التعمير والبناء ،وذلك من
خالل دراسة مجموعة من الخصائص التي يتميز بها هذا النوع من الجرائم ،كونها
من الجرائم املتتالية (الفقرة األولى) ،باإلضافة أنها من الجرائم املبنية على شكوى
(الفقرة الثانية) ،كذلك بأنها من صنف الجرائم الشكلية (الفقرة الثالثة) ،وتتسم
كما هو معلوم فإن الجرائم عادة تنقسم إلى جرائم وقتية وجرائم مستمرة،
وجرائم التعمير ومن ضمنها جريمة البناء بدون رخصة تعتبر من الجرائم
املستمرة املتتابعة أو املتتالية األفعال ،ذلك أن هذه الجرائم وإن استغرقت زمنا
-1احتساب التقادم
يكون من يوم وقوع الجريمة سواء علم بها أم لم يعلم وال يتم احتساب اليوم
الذي وقعت فيه الجريمة ضمن مدة التقادم ،و إنما تبدأ من اليوم املوالي لوقوعها،
وهو تاريخ تمامها وتكامل عناصرها مجتمعة ،وتمام الفعل في جرائم التعمير يكون
في جريمة البناء بدون رخصة وغيره من جرائم التعميريكون جزاء لكافة أفعال
التتابع ويقبل الدفع بسبقية البت فيها كما أن الحكم البات ال تمتد حجيته إلى
-404أسامة بلعمرية ،النظام الزجري في ميدان التعمير والتجزئات العقارية ،دراسة في ضوء القانون 12.90المتعلق
بالتعمير و 25.90المتعلق بالتجزئات العقارية وتقسيم العقارات ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص
جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،2014/2013 ،ص .34
-405الشريف البقالي ،شرطة التعمير بين القانون والممارسة ،دراسة عملية ونقدية على ضوء اجتهاد القضاء
اإلداري ،مطبعة دار القلم ،الطبعة األلى ،2012ص .358
-406نور الدين العسري ،المقتضى الزجري في تشريع التعمير والتجزئات أية حماية للمجال الحضري ،رسالة لنيل
دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،جامعة محمد الخامس ،كلية الحقوق أكدال ،2003_2002 ،ص .22
وفي هذا الصدد نجد حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بفاس في قضية انهيار
عمارة تتكون من خمس طوابق باملنطقة الثانية بفاس بتاريخ 08دجنبر ،1999والتي
رغم اعتراف املتهم بأنه بتشييد العمارة دون مراعاة الضوابط القانونية
والتقنية إال أن هذه األفعال قام بها منذ سنة 1986وإلى غاية سنة 1988وحادثة
االنهيار لم تقع إال سنة ،1999وقد طالب دفاع الظنين بسقوط الدعوى العمومية
سواء فيما يتعلق بجنحة البناء بدون رخصة أوالجرح أو القتل الخطأ ،وقد صرحت
املحكمة املذكورة بسقوط الدعوى العمومية للتقادم فيما يتعلق بجريمة البناء
بدون ترخيص لسقوطها بالتقادم ،في حين أخذت املتهم من أجل جنحة الجرح
تعتبر جرائم التعمير من الجرائم املعلقة على تقديم شكوى من طرف نفس
الجهة املوكول إليها قانونا هذه الصالحية ،وبالرجوع إلى مقتضيات املادة 66من
قانون 66.12املعدل لقانون 12.90نجدها من بين ما تنص عليه "يزاول املر اقب
-407حكم المحكمة االبتدائية بفاس صادر بتاريخ 2009/03/08في الملف الجنحي التلبسي عدد 10834/90
أورده نور الدين العسري ،المقتضى الزجري في تشريع التعمير والتجزئات العقارية أي حماية للمجال الحضري،
م.س ،ص .23
الجماعي او من مدير الوكالة الحضرية ،بناء على ابالغ باملخالفة من طرف األعوان
التابعين لهم املكلفين بهذه املهمة او بناء على طلب كل شخص تقدم بشكاية.
يمكن لضابط الشرطة القضائية او املر اقب معاينة املخالفة املرتكبة داخل
املحالت املعتمرة بناء على إدن كتابي للنيابة العامة املختصة وذلك داخل أجل ال
يتعدى ثالثة أيام ،يقوم املر اقب الذي عاين مخالفة من املخالفات املشار اليها في
املادة 64من قانون 66.12بتحرير محضر بذلك طبقا ألحكام املادة 24من قانون
املسطرة الجنائية يوجه اصله الى وكيل امللك في أجل أقصاه ثالثة أيام من تاريخ
معاينة املخالفة مرفقا بنسختين منه مشهود بمطابقتهما لألصل وكذا بجميع
تنقسم الجرائم إلى جرائم شكلية وجرائم نتيجة ،فأما جرائم الشكل فهي التي
تستكمل شروط قيامها بمجرد اقتراف فعلها املادي ،ودون حاجة إلى حصوله نتيجة
سلبية في جانب املجني عليه ،أما جرائم النتيجة أو جرائم الضرر فهي التي يشترط
املشرع لقيامها استكمال عنصرالنتيجة كركن ينضاف إلى عنصري العالقة السببية
والفعل املادي.408
حصول عنصرالنتيجة.
إن الركن املعنوي هو مناط إعمال أحكام املسؤولية الجنائية فيكون الجرم إما
متعمد أو غير متعمد .فالركن املعنوي هو ذلك النشاط الذهني الذي يصدر عن
الجاني ويتخذ مظهرا خارجيا ويتدخل القانون بتقرير العقاب لكونه يتم عن إرادة
آثمة409.
واملشرع املغربي اعتمد نظرية املذهب املوضوعي في تجريم البناء بدون ترخيص
والجرائم امللحقة بها ،بحيث يصبح القصد الجنائي في مثل هذه الجرائم مفترضا،
ويكون العقاب في ظل هذا االتجاه مبنيا على نظام عقالني للضبط االجتماعي يغفل
الحالة الذهنية التي كان عليها املخالف وقت ارتكاب الجريمة ،فبمجرد التحقق من
قيام عناصرجريمة البناء بدون ترخيص يكفي إلخضاع مرتكبها للتدابيرالزجرية دون
لكن هناك من يذهب خالف ذلك ،411حيث يجب أن تنصرف إرادة املتهم إلى
وضع عناصر الجريمة ،فإذا انتفى لدى املتهم أحد عنصري القصد الجنائي (العلم
واإلرادة) انعدام الركن املعنوي للجريمة وبالتالي لن تقوم الجريمة في حقه إذ يجوز
وأن يدفع بانتفاء علة انطباق وصف البناء على ما قام به من أعمال.412
ونرى أن هذا الرأي رأي مردود عليه على اعتبارأنه يتنافى مع القاعدة القانونية
"ال يعذر أحد بجهله للقانون" ،413وبالتالي تجب مسؤوليته سواء علم بذلك أم ال
مما ال شك فيه أن مجال التعمير باملغرب هو مجال مهم ،وال يمكن الحديث
عن نسق عمراني منظم يرقى للمستوى املطلوب إال بوجود قواعد مضبوطة تنظمه،
وذلك بمقتض ى قوانين التي تضع محددات هذا املجال وأساليب الضبط التي منحها
املشرع للجهات املعنية لدرء أي خروج عن هذه القواعد ،وبذلك نجد قانون 66.12
قد حدد لنا مسطرة ضبط املخالفات املرتبطة بمجال التعميروالبناء على مستوى
تبتدئ بضبط مخالفات التعمير من قبل األعوان املكلفين بذلك ،فضبط هذه
املخالفات يكون إما بناء على زيارات ميدانية تقوم على املعاينة املباشرة وفي عين
املكان من قبل العون املكلف بذلك إذ يقف على و اقعة إنجاز األشغال ،وقد يكون
وبعد ذلك ينتقل العون املكلف بضبط املخالفة إلى تحرير محضر املعاينة
طبقا ألحكام املادة 24من قانون املسطرة الجنائية ،ويوجه أصله إلى وكيل امللك في
أجل أقصاه 3أيام من تاريخ معاينة املخالفة مرفقا بنسختين منه ،مشهود بمطابقتها
لألصل وكذا بجميع الوثائق واملستندات املتعلقة باملخالفة ،كما توجه نسخة من
ــ راجع المادة 66من القانون رقم 66.12المتعلق بمراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء. 414
إذن من خالل مقتضيات املادة 66من قانون رقم 66.12املتعلق بمر اقبة
وزجر مخالفات التعمير والبناء يضح لنا أن ضبط املخالفة لن يكون إال بواسطة
محضر كتابي مما يجعلنا نستبعد من أن يكون محضر املعاينة شفويا.،إذ يعتبر هذا
املحضربمثابة وثيقة إثبات أمام القضاء عندما يعرض النزاع أمامه ما لم يتم إجراء
خبرةمضادة.415
نفوذه وبالطبع بعد توصله بمحضر املعاينة من قبل العون املكلف قانونا بذلك،
يقوم بفحص املحضر بالوقوف على نوع املخالفة املرتكبة وتقدير جسامتها ،من
خالل عملية التكييف التي يقوم بها ليصل إلى مدى فاعلية املخالفة ويحدد مدى
فإذا كانت املخالفة بسيطة ويمكن تداركها فإن املسطرة تتخذ الشكل التالي:417
-يتخذ املر اقب مباشرة بعد معاينة املخالفة أمرا بإيقاف األشغال في
415ــ زهور أبو الخير اختصاص القضاء في حل منازعات التعمير رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام جامعة
محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال ،الرباط ،السنة .2004 – 2003
416ــ زهور أبو الخير ،اختصاص القضاء في حل منازعات التعمير و اإلسكان ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون
العام ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،أكدال ،الرباط سنة ،2004 -2003ص .11
417ــ راجع المادة رقم 67من القانون رقم 66.12المتعلق بزجر ومراقبة مخالفات التعمير والبناء.
-أما إذا لم ينفذ املخالف األمر املبلغ إليه بإيقاف األشغال في الحال
يمكن للمر اقب ،حجز املعدات واألدوات ومواد البناء وكذا إغالق
الورش ووضع األختام عليه ،ويحرر محضرا تفصيليا بذلك ،يوجهه إلى
وكيل امللك.
وبالرجوع إلى نص املادة 68من القانون الجديد 66.12املتعلق بمر اقبة وزجر
املخالفات في مجال التعمير والبناء ،نجد أنه عند صدور عن املر اقب الذي عاين
املخالفة أمرا إلى املخالف باتخاذ التدابيرالالزمة إلنهاء املخالفة في أجل ال يمكن أن
يقل عن 10أيام وال يتجاوز شهرا واحدا إذا كانت األفعال املكونة للمخالفة يمكن
تداركها لكونها ال تمثل إخالال خطيرا بضوابط التعمير والبناء التي تم خرقها ويبلغ
بذلك كال من السلطة اإلدارية املحلية ورئيس املجلس الجماعي ومدير الوكالة
الحضرية.
أما إذا كانت املخالفة املرتكبة خطيرة فإن السلطة اإلدارية املحلية تقوم
بإصدارأمربإنهاء األشغال املخالفة ،إذا لوحظ عند انتهاء األجل املشاراليه في الفقرة
ويبلغ األمر بالهدم إلى املخالف ويحدد فيه األجل املضروب له إلنجاز أشغال
الهدم ،وإذا لم ينجز الهدم في األجل املضروب لذلك تولت لجنة إدارية 418القيام
السكنية ،وكما هومعلوم بالنسبة ملخالفات التعميرفي هذا امليدان تجري عليها نفس
مسطرة املعاينة املطبقة في قانون ،12.90إذ أنه في حالة ضبط املخالفة من لدن
العون املكلف فإنه يحرر محضرا بذلك ،وتوجه اإلدارة املعاينة محضر إلى كل من
السلطة اإلدارية املحلية إلى رئيس املجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية كما
ترسل نسخة من هذا املحضرإلى املخالف حسب مقتضيات املادة 63/2من القانون
419.66.12
مباشرة بعد معاينة املخالف أمرا بإيقاف األشغال في الحال ،إذا كانت أشغال
األشغال في الحال يمكن للمر اقب حجزاملعدات واألدوات ومواد البناء ،وكذا إغالق
الورش ووضع األختام عليه ويحررمحضرا تفصيليا بذلك يوجه إلى وكيل امللك،
418ــ راجع المادة 68من القانون رقم 66.12المتعلق بمراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء.
419ــ راجع المادة 2.63من القانون رقم 66.12المتعلق بمراقبة زجر ومخالفة التعمير والبناء.
يمكن للمر اقب أيضا أن يعين املخالف حارسا على األشياء أو يأمر بنقلها إلى
مستودع خاص420.
ويعتبر هذا اإلجراء األخير واملتعلق باعتبار املخالف حارسا على األشياء
املحجوزة ،وفي حالة عدم وجود أي إمكانية لذلك أن يأمربنقلها إلى مستودع خاص،
يعتبر من الخصوصيات التي تتميز بها مسطرة ضبط املخالفات في مجال التجزئات
فتح الورش ورفع الحج عن املعدات واألدوات ومواد البناء سواء في حالة تسوية
املخالف أو في حالة صدور القرار من املحكمة اإلدارية بإلغاء اإلجراءات الصادرة في
عند صدور املر اقب الذي عاين املخالفة أمرا إلى املخالف باتخاذ التدابير
الالزمة إلنهاء املخالفة في أجل ال يمكن أن يقل عن 10أيام وال يتجاوزشهرا واحد إذا
كانت األفعال املكونة للمخالفة يمكن تداركها لكونها ال تمثل إخالال خطيرا بضوابط
التعمير والبناء التي تم خرقها ويبلغ بذلك كال من السلطة اإلدارية املحلية ورئيس
املجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية421.
أما إذا كانت املخالفة املرتكبة خطيرة فإن السلطة اإلدارية املحلية تقوم
بإصدارأمربإنهاء األشغال أواألبنية املخالفة ،إذا لوحظ عند انتهاء األجل املشارإليه
ويبلغ األمر بالهدم إلى املخالف ويحدد فيه األجل املضروب له بإنجاز أشغال
الهدم وإذا لم ينجر الهدم في األجل املضروب له ،تتولى اللجنة اإلدارية القيام بذلك
.وبالتالي نجد أن املشرع قد حدد الجهات التي منحها حق إيقاف األشغال في
و تجدر اإلشارة إلى أنه ال بد من منح أجل للمخالف من أجل تنفيذ األشغال
املأموربتحقيقها كما تنص على ذلك مقتضيات املادة 4/63من القانون رقم .66.12
األشغال إال في حالة تجهيز التجزئات العقارية أو في حالة إقامة مجموعة سكنية أو
أكثردون إذن مسبق .422وهذا واضح من مقتضيات املادة 4/63من نفس القانون.
املتابعة ضده ،كما تصت على ذلك مقتضيات الفقرة األخيرة من املادة 5/63من
القانون .42366.12
سنقوم بتلخيص ألهم املستجدات التي جاء بها املشرع املغربي في هذا اإلطار حماية
منه لهذا املجال املهم وضبط التجزئات العقارية غيراملؤهلة قانونا الستيعاب حاجة
الفرد في السكن أو غير ذلك كما هو مبين في املادة األولى من هذا القانون و التي
الجماعي بتوجيه نسخ من الرخص واألذون والشواهد املمنوحة إلى السلطة اإلدارية
املحلية.
* تنظيم تدابير افتتاح وإغالق األوراش وغرض إلزامية فتح ومسك دفتر للورش
بتضمين جميع املعلومات والبيانات التي من شأنها تمكين املهنيين على الخصوص
423ـ راجع المادة الفقرة األخيرة من المادة 4.63من القانون رقم 66.12
للحرية
-2في حالة البيع أو اإليجار أو قسمة أو عرض ذلك للبيع أو اإليجار لبقع من
تجزئة ،أو مسكن من مجموعة سكنية ،إذا كانت التجزئة أو املجموعة السكنية لم
يرخص في إحداثهما أو لم تكونا محل تسلم مؤقت لألشغال ،وهو ما يعرف بالتجزيئ
السري؛
* اعتماد عقوبة الهدم كعقوبة ردعية وسيطة بين العقوبات املالية والعقوبات
السالبة للحرية.
* تقنين عملية هدم البناء القانوني بإحداث لجنة إدارية مكلفة بالهدم وتنظيم
وهكذا فإنه يمكن اعتبار قانون 66.12املتعلق بمر اقبة وزجر املخالفات في
مجال التعميروالبناء ،يعتبرإضافة مهمة ملجال التعميروضبط مجاله وكذا الحد من
خروقات البناء التي تمس بأحكام قانون 12.90املتعلق بالتعمير وقانون 25.90
خصوصياتها ،ثم لنوضح املسطرة التي يتم بها ضبط هذه املخالفات واإلجراءات
املتخذة في ذلك ،على أن نخصص القراءة الثانية ألهم املستجدات األخرى التي جاء
بها قانون 66.12واملميزات القانونية التي يتميزبها فيما يتعلق بمجال التعميروالبناء.
مقدمة:
بالتنصيص عليه في دساتيرها و جعلته حقا مقدسا ال يجوزالترامي عليه أو نزعه من
مالكه إال إذا كان بواسطة القانون ،فامللكية العقارية أم للحقوق العينية أصلية
كانت أوتبعية ،لذلك خصها املشرع املغربي بترسانة قانونية تكفل تنظيمها وحمايتها،
حقوقهم من ترامي األغيار ،و ذلك ال يتم إال بإثبات امللكية العقارية بوسائل اإلثبات
القانونية.
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 252
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
وكانت الرسوم العدلية من أهم الوثائق التي كان يستند إليها املالك في إثبات
حقوقهم ،و كانت تشكل وحدها مستند إثبات امللكية ،424فعقود التفويت من بيع و
هبة و معاوضة و غيرها ،كانت هي املستند و الركيزة األساسية إلثبات حقوق املالك
أثناء املنازعات التي تطرح أمام القضاء ،و كانت أور اقا خصوصية تحتفظ بها عادة
كل أسرة من أسر مختلف الطبقات ،و كانت تتكون من عقود البيوع و رسوم ملكية
األرض و الرهان و البيوع ،و جرائد التركات ،وضوابط عدد من املعامالت املتعددة
الوجوه كشركات القراض ،والسلم ،والسلف ،وغيرها 425 .وقد أكد على ذلك جاك
بيرك ،والحظ مدى حرص ناس األطلس على كتابة معامالتهم 426.
إال أن العقارات باملغرب كانت تنتهك بطرق غير شرعية بسبب الثغرات
والعوائق التي كانت تكتنف توثيق امللكيات ،و قبول شهادة الشهود دون التيقن من
صحة شهادتهم أو عدلهم ،حتى أضحى توثيق امللكيات عن طريق الشهادات أمرا
رائجا في املناطق املغربية ،وصار مهنة ملن اعتادها و مورد من ال مورد له ،فضاعت
بذلك حقوق املالك ،حتى أنه فش ى ذلك بكثرة في عهد السلطان محمد بن عبد هللا
فأمر بأن يكتب في سماط 427العدول بالخط العريض حيث يرى ذلك كل الناس هذا
البيت :
424عبد العزيز بنعبد :معلمة الفقه المالكي ،مطبعة المتوسط – بيروت – لبنان الطبعة األولى 1983ص 320
425أحمد التوفيق :المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر )إينولتان ) 1912-1850مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء
،الطبعة الثالثة 2011ص . 31
426
Jean Berque : "structure sociales du haut Atlas" Paris , 1954 " Notes sur l'histoire des
échanges dans le haut-atlas , 1953 , pp . Page 289-314
427األزقة التي يوجد بها مكاتب العدول
و شدد على العدول في تحرير الشهادات و التحري فيها ما أمكن ،و أمر بعدم
األخذ بشهاداتهم في كثير من املسائل التي تلوح عليها إمارات البطالن و يحوم حولها
الشك إال أن تكون تلقيت بمحضر القاض ي ( املكلف بالتوثيق ) و مو افقته ،ملا كان
إضافة إلى كثرة يظهر على الشهود من االستهتار بحقوق الناس و املقايضة عليها 428
شهادة الزور و الرشاوي و تزوير الخطوط ،وعدم من يميزما اختلف من ذلك لكثرة
الجهل429.
بل األمر لم يقف عند ذلك أو ذاك ،بل حتى النهج التي كانت توثق بها عقود
التفويت من طرف العدل كانت منشأ لكثير من املنازعات ،حيث أن البيوع و غيرها
من التفويتات املتعلقة بعدة أمالك ال يجمعها في الغالب رسم واحد ،بل نجدها
متفرقة على الرسوم الشاهدة بها دون أي ربط بالرسم األصلي إن كان له وجود ،مما
ال يبعث أبدا على االطمئنان على مثل هذه التصرفات و ال على الرسوم التي تضمنتها
ألنها ال تكشف عن حقيقة العقار القانونية ،430و يبرر ذلك عدم وجود أي سجل
428عبد كنون :ذكريات مشاهير رجال المغرب ،دار ابن حزم للطباعة والنشر و التوزيع – بيروت – لبنان الطبعة
األولى 2010ج 3ص 1325
429محمد بن عبد الكيكي :مواهب ذي الجالل في نوازل البالد السائبة والجبال ،دار الغرب اإلسالمي ،الطبعة األولى
،1997ص.79 :
430عبد العزيز بنعبد :من محاضرة له حول " مظاهر الشرع اإلسالمي في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب " ،ألقاها
بالمدرسة اإلدارية في منتصف الستينات على القضاة و الحكام المفوضين ،أشار أليها أحمد دريوش :الثقافة و القانون،
الجزء األول ،مطبعة األمنية الرباط ،الطبعة األولى 2014ص. 165 :
رسمي يسمح بتتبع وضعية العقارات ومعرفة مالكيها املتعاقبين ،ولم يكن من املمكن
أيضا معرفة الحقوق العينية و التحمالت العقارية التي تثقل هذه العقارات 431.
فقد أتى على املغرب حين من الدهر كانت الرسوم العدلية هي الوسيلة
الوحيدة إلثبات امللك وضمان الحقوق الراجعة إليه ،ورغم تأسيس الشرع الحنيف
األوضاع العقارية الصالحة ،و تحري القضاة و العدول في إقامة الوثائق و تحريرها ،
كانت تحدث أقضية تؤدي إلى نزاعات نظرا إلى أن بعض األمالك لم تكن تحدد أحيانا
بمنتهى الدقة املطلوبة ،إذ ال يتعدى التحديد في الغالب أسماء الجواربكيفية ال تخلو
أحيانا من غموض ،أو بيان عالمات سرعان ما يعفي الدهر عليها حتى أصبحت
الخصومات شيئا عاديا في البوادي ،فكانت املنازعات على الحدود بالضرورة ،مما
اليظهرأن هناك اعتناء بامللكية ،432أضف إلى هذا أن هذه األمالك لم تكن لها أسماء
قارة تتميزبها ،ولم تكن مساحتها تبين بمنتهى الدقة لعدم استنادها إلى فن الهندسة
املساحية ،و كثيرا ما يعبر عن هذه املساحات بمقاييس محلية تختلف باختالف
كالخدام ،و في منطقة الشمال التحويلة ،و هناك مقاييس أخرى كزوجة الحرث أو
مرجع أو مطيرة و تعبر كلها عن املساحة التي تحرث بالدوار ليوم كامل ،434واختالف
431محمد خيري :العقار و قضايا التحفيظ العقاري ،مطبعة المعارف الجديدة ،الطبعة الثامنة ص 106
432محمد فتحة :النوازل الفقهية و المجتمع ،أبحاث في تاريخ الغرب اإلسالمي )من القرن 6الى القرن 9هجري 12 /
– 15م ) ،مطبعة المعارف الجديدة ،الطبعة األولى ، 1999ص 340
433عبد العزيز بنعبد :مقال سابق في مرجع سابق ص 165
434محمد خيري :مرجع سابق ص 213و ما يليها.
هذه املقاييس يثير بال شك العديد من املنازعات .لذلك عدم النص على املساحات
أو تعدد املقاييس بشأنها يقلل من قيمتها 435.
األساس ي هي عقود التفويت التي يشوبها الكثيرمن الشوائب ،سواء بكيفية توثيقها
من طرف العدول ،أو من بيانات الوثيقة التي تسفر عن عديد من املشاكل .إال أن
األمرال يقتصرعلى ذلك ،بل قد تكون رسوم التفويت مشتملة على جميع الجوانب
الجوهرية و القواعد األساسية ،إال أنها ال تستند على مايثبت ملكية املفوت ،وهذا
ما كان يسهل اغتصاب حقوق املالك ،و اصطناع وثائق تفيد التفويت استنادا إلى
شهادة شهود يحضرهم املفوت ،كشاهدين على أنه املالك الحقيقي للعقار إال أن
الو اقع خالف ذلك .فيقوم املشتري أثناء نشوب النزاع باالعتماد على هذه العقود
كدليل على إثبات تملكه للعقار ،فيرفض له القضاء ذلك .بعلة أن املفوت يمكن أن
ال يكون املالك الحقيقي للعقار ،لذلك يتطلب األمر إثبات مستندات تملك املفوت
وقد أثارت هذه الحالة اهتمام فقهاء املالكية ،فخصصوا لها حيزا من
مؤلفاتهم ،و اهتموا بتنظيم أحكامها متفقين على قاعدة جوهرية ال نزاع فيها بينهم،
وهي كون عقود التفويت املجردة من أصل التملك ال تفيد امللك و ال تثبته .حيث
بل ترفع النزاع عند التسوية 436 ال توجب امللك عقود األشرية
و إن هذه القاعدة التي وضعها الفقهاء تدفعنا إلى التساؤل عن ماهي حجية
عقود التفويت املجردة من أصل التملك في إثبات امللكية العقارية ؟ و كيف تعامل
لإلجابة على اإلشكال املطروح أعاله ،فإننا ينقسم املوضوع إلى مبحثين على
النهج املوالي :املبحث األول :اإلطارالعام ألصل التملك و موجبات اشتراطه في عقود
التفويت .املبحث الثاني :موقف الفقه و القضاء من حجية عقود التفويت املجردة
إن أصل التملك كمفهوم تتداخل فيه مجموعة من املفاهيم ،كان لزاما أن
نتعرف على املفهوم الدقيق له ،فهو ليس وجه املدخل ،ذلك أن هذا املفهوم األخير
يرتبط بالحيازة ،و الفقهاء ال يذكرون وجه املدخل إال مرتبطا بالحيازة ،في حين أن
أصل التملك يرتبط بعقود التفويت و بوجه أدق بمستندات ملكية املفوت الذي
يمكن أن يكون البائع أوالواهب أواملعاوض ،....خصوصا وأن املشرع املغربي نفسه
ميز في مدونة الحقوق العينية بين أصل التملك و ربطه بعقود التفويت في املادة 3
منه ،في حين ربط وجه املدخل بالحيازة وذلك تحديدا في املادة 242من نفس املدونة
436عبد الرحمان الفاسي :نظم العمل الفاسي نقال عن أبي عيسى المهدي الوزاني :تحفة أكياس الناس بشرح عمليات
فاس ،طبعة وزارة األوقاف و الشؤون اإلسالمية الطبعة األولى 2001 ،ص 34
و ملعرفة مفهوم أصل التملك أكثر و تحديد ماهيته ،سنقوم بدراستها وفق
إن أصل التملك مفهوم فقهي بامتياز ،و قاعدة جوهرية أنشأها الفقه و أقرها
القضاء املغربي حماية امللكية العقارية ،و إضفاء صبغة الشرعية على عقود
التفويت التي تعتبرسببا من أسباب ملكية العقار ،و لتدعيم مركزاملفوت إليه أثناء
للملكية ،لذلك تقتض ي طبيعة الدراسة التطرق ملفهوم أصل التملك ( فقرة أولى )
تعتبر عبارة أصل التملك من العبارات الدقيقة التي تحتاج إلى تفصيل و بيان
كي ال تختلط باملفاهيم املتشابهة لعل أهمها ما سبق بيانه ،فأصل التملك مفهوم
يتكون من عبارتين ( ،أصل ) و معناها أساس الش يء كما يقول ابن فارس ، 437ويقول
ابن منظور صاحب لسان العرب ،األصل :أسفل كل ش يء و جمعه أصول ،ويقال
استأصلت هذه الشجرة أي ثبت أصلها ،وقولهم ال أصل له وال فصل ،األصل
الحسب438.
437أحمد بن فارس بن زكريا :معجم مقاييس اللغة ،الجزء االول ،دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع ،ط 1ص 109
438ابن منظور :لسان العرب ،الجزء االول ،دار المعارف للنشر و الطباعة و التوزيع ،ص 89
ففي اللغة تدل على احتواء الش يء ،وملكه يملكه ملكا احتواه قادرا على
االستبداد به و اصطالحا " هو اختصاص بالش يء يمنع الغيرعنه و يمكن صاحبه من
التصرف فيه ابتداء إال ملانع شرعي" ،439 .أما التعريف التركيبي ألصل التملك
فبالرجوع إلى الكتب الفقهية املنظمة الشتراط أصل التملك في عقود التفويت ،ال
نجد تعريفا فقهيا ثابتا ،بقدرما نجد تحديد لعناصرأصل التملك فقط ،ومن خالل
هذه العناصر و املحددات التي ذكرها الفقهاء ،يمكن تعريفه بأنه" مجموعة من
املستندات والوثائق واملراجع التي تثبت ملكية املفوت للعقارمحل التفويت " ويذكر
الدكتور عبد الرحمان بلعكيد 440هذه املستندات و الوثائق سواء تعلقت بالعقار أو
أما إن أردنا تحديد هذه املستندات في مجال العقار فيكون التحديد ضيق
التي تعتبر كأصل ملكية في التفويتات العقارية هي " مختلف الوثائق الرسمية أو
الوثائق املحررة من محام مقبول لدى محكمة النقض او وثائق محررة عرفيا قبل
صدورمدونة الحقوق العينية ،سواء كانت هذه الوثائق والسندات اتفاقية ( كعقود
البيع و رسوم الهبات ) أو قضائية ( كاألحكام القضائية التي تقرحقا ) " .
إذن فأصل التملك هو كل ما يفيد ثبوت ملكية البائع للعقار ،و تتعدد صوره ،
فيمكن أن يكون أصل تملك البائع لعقاره رسم هبة أو أن يكون محضر إرساء
املزايدة العلنية ،و يمكن أن يكون حكما قضائيا فاصل في النزاع حيث يعتبربمثابة
عقد لألطراف 441يمكن أن يستند إليه البائع و املشتري كأصل لثبوت ملكية البائع .
بل قد يكون أصل تملك املفوت ( البائع مثال ) رسم امللكية الدال على الحيازة
إذا ما توفرت شروطها القانونية 442.إال أنه في جميع هذه األحوال يجب أن تكون
مستندات تملك املفوت صحيحة من مفوت إلى ٱخر ،و إال كان الرسم املستشهد به
إن اشتراط الفقهاء والقضاء املغربي واملشرع املغربي في مدونة الحقوق العينية
في املادة الثالثة منه ،443لوجوب توفر عقود التفويت على أصل التملك ،يرجع إلى
قاعدة أساسية و هي حماية مصالح الناس و حقوقهم و عدم ضياعها ،فالقاعدة هي
441نذكر على سبيل المثال و االستدالل الفقرة األخيرة من الفصل 618-19من قانون االلتزامات و العقود الذي نص
على أنه " يقوم الحكم النهائي الصادر بإتمام البيع مقام عقد البيع النهائي ."...
و يمكن أن يكون الحكم الجنحي أيضا بمثابة عقد نهائي إذا فصل في النزاع التبعي ،حيث جاء ضمن حيثيات قرار لمحكمة
النقض عدد 24/7مؤرخ في 2014/1/21في الملف المدني عدد 2012/7/1/4488جاء ضمن حيثياته " إن استصدار
المستأنفين كمشترين لحكم بصحة العقد و نفاده في مواجه المستأنف عليه البائع في حدود ما هو نضمن بمنطوق الحكم
الجنائي في شقه المدني ،يجعله بعد أن أضحى باتا غير منازع فيه يقوم مقام العقد "...،ذكره أحمد أجعون في مؤلف "
المستحدثة في قضاء الغرفة المدنية بمحكمة النقض العقارية " مطبعة األمنية الرباط ،الطبعة األولى 2019ص 89
442من وضع يد و تصرف نسبة و مدة قدرها عشر سنوات أو أربعين حسب األحوال بدون منازع و عدم تفويت يقوم
بها مغربي الجنسية .
443المادة 3من مدونة الحقوق العينية رقم 39.08جاء في الفقرة الثانية منها " ال تفيد عقود التفويت ملكية العقارات
غير المحفظة إال إذا استندت إلى أصل التملك و حاز المفوت له العقار حيازة متوفرة على الشروط القانونية ".
" ال ضراروال ضرار" ،والقاعدة أن اإلنسان ال يحرم من ملكه إال إذا كانت هناك
طرقا قانونية تخول ذلك كنزع امللكية ،أما غيرذلك فمحظورشرعا و قانونا.
التالية :
إن هذه الظاهرة ليست حديثة العهد ،بل هي متجذرة في التاريخ املغربي منذ
قرون حيث كان االستيالء على العقارات شائعا وسط املجتمع املغربي وكان سببها
األصلي هو عدم احتياط العدول بضرورة إرفاق البائع ملستندات تملكه العقار
املفوت أثناء تفويت العقار ،و عدم إلزامية إحضارها ،حتى جاء عصر السلطان
سيدي محمد بن عبد هللا فأصدر ظهيرا شريفا ينص في فصله السابع على وجوب
و في عهد السلطان الحسن األول ،وجه ضابطا عدليا لقاض ي مكناس أحمد بن
سودة ،يحثه فيه على ضرورة تثبت العدل من توثيق البيوع العقارية ،و نص فيه
على ضرورة " التثبت في األصول و املبيعات العقارية ...إذ يتنافس الناس في اقتنائها
و تتشوف النفوس لتملكها و االستيالء عليها بما يمكن و لو بأنواع الحيلة و حيث
السريرة ....فصرفنا نظرنا للبحث عن موجب ذلك الهائل ،فألفيناه غالبا ينشأ عن
:معلمة الفقه المالكي ،مرجع سابق ص 320 عبد العزيز بنعبد 444
تساهل عدول أهل البادية في كيفية كتب بيعها أو رهنها ،يتولى ذلك منهم الجاهل
فالجاهل ،حتى انعدمت بينهم في رسومها مسطرة التوثيق و اإلتقان ، ....فنأمرك أن
تستعمل ما يجب شرعا في ذلك ،...و أن يحضر البائع للمشتري امللكية املستجمعة
لألشراط من يد و نسبة و طول و عدم منازع و تفويت بالبيع 445"...
امللكيات هو عدم استحضار أصول امللكية أثناء البيع ،لذلك أوجب عليهم ذلك،
وأرسل أيضا إلى القاض ي أحمد بن سودة كتابا ( رسالة ) أخرى يحثه فيها على
العدول من بينها " أنهم ال يكتبون وثيقة بيع األصول إال بعد ثبوت امللك لبائعه و كذا
التحبيس و العتق446"...
إن رسوم األشرية يمكن أن تكون من البائع و غيره ،447لذلك وجب على البائع
أن يكون مالكا للمبيع ملكية شرعية تامة ،حتى يتمكن من نقلها بأمان إلى
445ضابط عدلي وجهه السلطان الحسن األول إلى قاضي مكناس أحمد بن سودة في 3جمادى األولى عام 1299هجرية
،أشار إليه عبد الرحمان ب ن زيدان :العز و الصولة في معالم نظم أهل الدولة ،الجزء الثاني ،المطبعة الملكية الرباط
1962ص 46
446ضابط عدلي ٱخر وجهه السلطان الحسن األول للقاضي أحمد بن سودة في 20حجة الحرام عام 1306هجرية ،أشار
إليه عبد الرحمان بن زيدان في مرجع سابق ص 49
447أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي :التدريب على تحرير الوثائق العدلية ،الجزء األول ،مطبعة األمنية الرباط ،
الطبعة الثانية 1995ص 171
املشتري ،448لقصد ضبطها و إثبات صحة التملك و التعاقد عند االحتياج إلى
يء ال يملكه 450. اإلثبات ، 449و إال ما جازله أن يظهربصورة املالك و ال أن يلتزم ببيع ش
ذلك أن البيع يجب أن يكون صادرا من مالكه أومن فوض له ذلك ،أوإذا نصت
عليه أحكام خاصة كبيع الصفقة 451بحيث إنه في هذه الصورة يمكن للشريك أن
أما ما عدا ذلك فال يجوز ألي يبيع ماال يملكه ،و أن يبيع ملك غيره من غير إذنه452
إن انتقال امللكية العقارية عبرالعقود يجب أن يكون من مالك إلى خلف خاص
إلى أن يقع امللك بيد املفوت له األخير ،وبذلك يتم التثبت من شرعية انتقال امللكية
العقارية ،و صحة ملكية األشخاص الذين تواتروا على تملك ذلك العقار ،و لعل
هذا النظام شبيه بتسلسل التقييدات في ظل نظام التحفيظ العقاري ،حيث أن
ملكية العقارية التي تنتقل من مالك إلى ٱخر يجب أن تقيد بترتيب العقود و ال يتم
تملك املفوتين في العقود العقارية الناقلة للملكية ،فهذا النظام األخيرال يكفل حقا
للغيرحسن النية الذي تسلم العقاربعقود لحقها التزويرأو غيرمتوفرة على شروطها
القانونية ،حيث يجرد عقده من كل قيمة إثباتيه إذا كانت أحد التفويتات السابقة
تمت بشكل غيرصحيح ،فقد جاء في حكم ملجلس االستئناف الشرعي :
" ادعى بمقال مؤرخ في 23صفر 1337الجاللي بن محمد السحيمي الرباطي قائال
إن له بلدا رملية تعرف بكدية سيدي محمد ابن منصور ،حدودها باملقابل ،و هي في
حوزه و ملكه يتصرف فيها بالحرث و االنتفاع و املنع و العطاء هذه مدة ،تملكها
بالشراء الصحيح إلى أن ترامى عليها بلعباس محمد املنصوري بن التهامي و من معه
زاعمين أن لهم الثلث في البلدة املذكورة و يطلب رفع اليد عنها أو يبينوا سبب تراميهم
عليها ،و أجاب بلعباس املدعى عليه بأن البلدة املذكورة حوزهم و ملكهم و هم
يتصرفون فيها بما ذكر ،و أدلى املدعي بشراءه البلدة املذكورة من سيدي العسال بن
يحيى املنصوري العسالي و شراء العسال املذكور مبني على تملك املرأة زهراء بنت
موالي أحمد بن الفقيه السيد الجياللي املنصوري لألرض املذكورة ،صيرها له في
صداقها سيدي محمد بن جافي املنصوري و الزوج املذكور شهد له بتملكه لها مدة
من أربعين عاما لفيف 12مستفسر ،غير أن الشهود بامللكية لم يؤدوا شهادتهم ،ال
عند القاض ي في وقته وال عند نائبه وأعتذراملدعى عليهم في امللكية املذكورة وما انبنى
عليها من التصييرو األشربة ،فأدلى بفتويين في الخدش في امللكية من حيث عدم أداء
و حيث كانت امللكية التي أدلى بها املدعي في هذه القضية املبني عليها شراء من
اشترى من عنده مخدوشا فيها بعدم أداء شهودها لشهادتهم ومعلوم أن روح الشهادة
هوأداؤها ،ومتى لم ترد فهي كالعدم ،...وبقي بيده الشراء مجردا ،ومن املقرراملعلوم
أن رسوم األشرية ال تفيد املستظهر بها في باب االستحقاق إذا كان الشراء من غير
املقوم عليه 453".
و يتجلى من مقتضيات الحكم أعاله أنه لم يعترف القضاء برسم شراء استند
إلى تصيير مخدوش في أداء شهودها ،بما ضاع به حق صاحب رسم الشراء و لو كان
غير حسن النية ،حيث إنه ال حماية للمتملك لعقار غير محفظ بواسطة العقود
الناقلة امللكية إذا كان أحدهما مشوبا بعيوب ،أما تسلسل التقييدات في نظام
العقار املحفظ فقد كفل املشرع حماية املقيد حسن النية ،بمقتض ى الفصل 66
من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص على أن كل حق عيني متعلق بعقار محفظ
يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إال بتقييده في الرسم العقاري و ابتداء من يوم
التسجيل ،و أضاف في فقرته بأنه ال يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد
453حكم مجلس االستئناف الشرعي عدد 8بتاريخ 27ربيع الثاني 1339هجرية في القضية رقم 267
وهذه الفقرة تفيد بأنه إذا كانت األولوية تعطى لألسبق تقييدا فإنه يشترط أن
يكون املشتري الذي بادر الى تقييد حقه حسن النية أي جاهال بالتصرف السابق
التقييد و غير متواطئ مع املتصرف 454.
إن ما ينبغي التأكيد عليه أن املالك الراغب في التفويت سواء كان التفويت كليا
لحق امللكية أو جزئيا فقط كما هو الشأن بخصوص تفويت حق الرقبة دون حق
االنتفاع أو العكس ،سواء تم ذلك التفويت على وجه البيع أو املعاوضة أو التصيير
...إلخ ،فإنه يشترط فيه أن يكون متوفرا على مستندات التملك كالشراء أو الهبة ،
و إال لن يستفيد من سلطات الحق العيني التي تمنحها له حق امللكية العقارية املثبت
بواسطة الرسم املذكور ،ألنه يؤثربشكل مهم في عمليات التعاقد في امليدان العقاري
و ذلك بالنظر إلى التدخل التشريعي في مجال التصرفات العقارية و جعلها تصرفات
شكلية بامتياز ،وذلك بإلزام البيانات الخاصة بأصول الوثائق واملستندات التي تبنى
عليها العملية التعاقدية في املجال العقاري 455.
بل إن صاحب العقد املجرد من أصل التملك ال يمكنه إجراء بعض املساطر
اإلدارية كالتحفيظ العقاري دون إرفاق مستندات التملك بها وعليه فال يمكنه أن
يطلب تحفيظ العقار دون أن تكون مستندة إلى أصول التملك ،وهذا ما نالحظه
وال يتصور فتح مطلب للتحفيظ دون وثائق أو حجج تؤيد املطلب ،وعلى طالب
التحفيظ أن يعززطلبه بجميع الوثائق و سندات التمليك التي تؤيد طلبه ،و ذلك في
حالة وجودها أما في حالة عدم وجودها أو كانت توجد في حوزة شخص ٱخر فيكتفي
طالب التحفيظ باإلشارة الى ذلك مع بيان سبب تملكه ،و عند االقتضاء اإلشارة إلى
الشخص الذي توجد في حوزته الوثائق أو املستندات 457.
إن التوجه التشريعي نحو فرض إرفاق طلبات التحفيظ بالوثائق و املستندات
املؤيدة و املثبتة للملك أو للحق العيني العقاري املزمع تحفيظه هو توجه محمود و
ينطوي على جانب مهم من االحتراز و اإليجابية ،غير أنه في مقابل ذلك غالبا ما
تصطدم الرغبة في تحفيظ العقارات بإشكالية أصل التملك الذي يفتقر إليه عادة
أغلب األشخاص الراغبين في سلوك مسطرة التحفيظ ،و إن كانوا مالكا حقيقيين ،
فكثيرة هي العقارات العارية منها و املبنية التي يتصرف فيها أصحابها و تتو افر لديهم
456من حوار أجريناه مع المحافظ اعلى األمالك العقارية بمدينة برشيد سنة 2017في محاضرة خاصة ألقاها على طلبة
اإلجازة بكلية الحقوق بسطات في مادة التحفيظ العقاري .
457محمد خيري :مرجع سابق ،ص 179
458سليمان أدخول :مرجع سابق ،ص 207
التملك ،و بذكر املستندات التي على أساسها تملك املفوت للعقار من يده ،لذلك
سنتحدث عن إلزامية استحضارأصل التملك أثناء تفويت العقار( الفقرة األولى ) ،
الثانية ) .
تعتبر عملية التعاقد بين املفوت و املفوت إليه ،مرحلة مهمة بالنسبة لكل من
الطرفين ،ألن ٱثارها ال تنحصرفي اٱلثاراملباشرة للعقد ،بل إن ٱثارها تمتد إلى مرحلة
املنازعة العقارية حول امللك ،فإما أن يكون العقد مستكمال لشروطه القانونية
،فيكون أداة و وسيلة لإلثبات يظفرعن طريقها من يتمسك بملكيته ،وإما أن يخسر
دعواه فتضيع بذلك حقوقه ،و أهم الشروط القانونية الستكمال العقد حجيته في
لذلك جعل املشرع املغربي من التزامات البائع في قانون االلتزامات و العقود أن
يسلم للمشتري الحجج و الوثائق املتعلقة بامللكية ،فقد جاء في الفصل 519من
املتعلقة بملكيته ،و إذا تعلقت حجج امللكية باملبيع و بغيره من األشياء التي تدخل في
البيع ،لم يكن البائع ملتزما إال بأن يسلم نسخة رسمية للجزء املتعلق منها بالعين
املبيعة ".
يظهر من خالل هذا النص أن تسليم العقار املبيع يشمل أيضا توابعه ،و من
توابعه حجج امللكية املتعلقة بالعقار ،حيث يجب على البائع تسليم نسخة عقد
التملك السابق للمشتري للحاجة إليها عند التنازع ،و ظهور أصحاب الحقوق
املحتملين مستقبال ،459حيث يقول أبي الشتاء الغازي الصنهاجي بأنه كان العمل عند
املتقدمين أنه يجب على البائع أن يدفع جميع رسوم املبيع إلى املشتري إن لم تبق له
فيها منفعة و إال أعطاه نسخة منها ،فإذا امتنع البائع من ذلك أجبره القاض ي
عليه460.
يشتره لتكون له حجة على بائعه و غيره إن قام عليه فيه ،حيث يقول صاحب العمل
الفاس ي:
459محمد سكحال المجاجي :أحكام عقد البيع في الفقه اإلسالمي المالكي ،دار ابن حزم للطباعة و النشر و التوزيع ،بيروت
– لبنان ،الطبعة األولى ، 2001ص 307
460أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي :مرجع سابق ،ص 171
461المهدي الوزاني :مرجع سابق ،ص 333و ما يليها
وإذا ادعى البائع عدم حيازته ألصول امللكية ،كأن يدفع بضياعها منه ،أو تٱكلها
بفعل الزمن ،فإنه يقوم بإنجاز وثيقة استمرار امللك التي تثبت امللكية في العقار غير
،أما إن لم يعلم بذلك املشتري إال بعد العقد و لم يرض به لم يلزمه البيع ، 463و يعلل
ذلك أبي الشتاء الصنهاجي بكون الرسوم أقوى من استمرارامللك وحده .
و ال يقل دور العدول أهمية في إلزام البائع و املفوت عموما الستحضار أصول
ومستندات تملكه للمبيع ،فالعدل و املوثق يقوم بدور مهم في ذلك إال أن قوانين
التوثيق قبل التعديالت الحديثة كانت ال تلزم املوثقين بذلك ،حيث كان ينص
" فإن اختار املتعاقدان االقتصار على اإلشهاد عليهما من غير إطالع على رسوم
امللك ،فإن القاض ي يأذن العدول لتلقي شهادة البيع أو غيره ،و يجب على العدول
في هذه الصورة أن ينصوا على أن الرسم وقع تحريره على الكيفية التي هوعليها بطلب
وتتلخص مقتضيات هذا الفصل في منح األطراف الحق في إبرام البيع دون
اإلدالء بما يثبت ملكية البائع حيث يقوم العدل هنا بتلقي تصريحات األطراف و
اإلشارة في متن العقد إلى أن التعاقد تم طبقا للفصل الواحد و العشرين بناء على
إرادة األطراف.
ذلك أن املشرع جعل األطراف مخيرين أثناء تحرير العقد بين سلوك مسطرة
هذا الفصل التي ال تحتم على األطراف تحريرعقودهم استحضارملكية البائع ،وبين
مقتضيات الفصل عشرين من نفس الظهير التي كانت تنص على الطريقة العادية
لتوثيق عقود العقارات ،و هي استحضار البائع ألصل التملك ،لذلك كان املشرع
يعفي العدول من أخطرالتزام يقع على عاتقهم ،وهو الوقوف على صحة الرسوم
إال أن املشرع أثناء التعديالت التي أجراها على قوانين التوثيق ،ألزم العدول
الفقرة السابعة من املادة 19من مرسوم تطبيق خطة العدالة أن العدل " ينص في
الشهادة على املستندات الالزمة طبقا القواعد املعمول بها مع ذكر رقمها و تاريخها
والدائرة التي أقيمت فيها و مراجع التسجيل" ،و نص على ذلك أيضا قانون مهنة
التوثيق رقم 32.09في املادة 46منه ،ورد فيها" يجب أن تلحق بالعقد الوثائق التي
محمد الربيعي :األحكام الخاصة ب الموثقين و المحررات الصادرة عنهم ،الطبعة الثالثة 2017ص 129 464
إن موقف املشرع املغربي من حجية عقود التفويت املجردة من مستندات تملك
البائع ،يظهر جليا من إقراره عدم ترتيبها أي أثر في إثبات امللكية العقارية ،حيث
جعلها املشرع مجردة من أي قيمة في اإلثبات ،فقد جاء في الفقرة الثانية من املادة
" ال تفيد عقود التفويت ملكية العقارات غير املحفظة إال إذا استندت على
أصل التملك
إن هذه املادة تعتبر قاعدة أساسية و جوهرية في ترتيب أخطر أثر من ٱثارعقود
التفويت التي ال تستند على أصول التملك ،إذ أن املتمسك ال يستطيع أن يثبت ملكية
عقاره رغم اعتبارها سببا من أسباب امللكية ،بل هي أهم أداة الكتساب امللكية
العقارية ،465إذ أن صاحبها سواء كان مدعي أو مدعى عليه في دعوى االستحقاق
وحب عليه أن يدلي بما يفيد تملكه للعقار ،إال أن العقد الذي يتمسك به و املجرد
465علي كحلون ،القانون العقاري الخاص ،مجمع األطرش للكتاب المختص ،الطبعة الثانية 2010ص 319
لذلك ألزم املشرع املغربي في الفصل 18من املرسوم التطبيقي لقانون خطة
العدالة رقم 16.03العدول باستحضار املستندات الالزمة ،و كذلك املوثقين في
أصل التملك محصورنطاقه على العقارات غيراملحفظة ،ألن الرسم العقاري يشهد
على املالك األخير ،و يطهرالعقارمن أي ادعاء غيرمقيد ،و يغني عن اإلدالء باألصول
السابقة ،و يكتفي العدل أو املوثق بتدوين ملخص األصل الذي تملك به البائع و
بياناته و مراجع التسجيل فيه و رقم الرسم العقاري إلثبات األصل و مر اقبة
الجبايات 466.وبذلك يكتفي املوثق بذكررقم الرسم العقاري في السجل العقاري 467،
ذلك أنه من مزايا نظام السجل العقاري أن العقار الذي قيد بصفة نظامية يؤمن
عليه من عوارض االفتعال في رسمه املسجل طبق االصل و لو ضاعت النسخة التي
بيد صاحب الحق لتقررالرجوع إلى السجل العقاري 468.
و قد يختلط هذا األمر بإلزامية املشرع في ظهير التحفيظ العقاري الذي صدر
بتنفيذه القانون ، 14.07و الذي ألزم من بين بيانات طلب التقييد بان أصل التملك
و نوع و تاريخ العقد الذي يثبته ،حيث جاء في الفصل 69من القانون املذكورما يلي:
"يجب على كل شخص يطلب تقييدا أوبيانا أوتقييدا احتياطيا بالرسم العقاري
أن يقدم للمحافظ على األمالك العقارية طلبا مؤرخا و موقعا من طرفه أو من طرف
املحافظ في حالة جهله أو عجزه عن التوقيع ،يجب أن يتضمن هذا الطلب بيان و
حيث يالحظ أن املشرع ألزم ذكربيان أصل التملك ،إال أن املشرع هنا لم يقصد
أصل تملك البائع أو مستندات تملك املفوت عموما ،بل قصد به أصل السند املدلى
به لتأييد التسجيل أو نسخة منه ،469بمعنى الرسم الذي يستند إليه املفوت إليه
لتقييد حقه ،الذي تملكه إما عن طريق الشراء أو الهبة أو غيرذلك .
و بالرجوع إلى املادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية ،نجد أن املشرع لم
يكتف بإلزامية اقتران عقود التفويت بأصول التملك حتى تصير حجة في اإلثبات ،
بل ألزم كذلك أن يتوفر في صاحبها شروط الحيازة القانونية ،قد يظهر أن األمر
مرهقا لصعوبة أن يكون صاحب عقد التفويت حائزا بشروط الحيازة القانونية التي
يطول أمدها .إال أن هذا ليس مقصود املشرع في جميع عقود التفويت ،بل يقصد
469محمد بن أحمد بونبات :نظام التحفيظ العقاري في المغرب تونس و الجزائر ،المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش ،
الطبعة األولى 2009ص 69
من ذلك العقود التي تكون بغير عوض ،كعقود الهبات و الصدقات ،...التي يستلزم
فيها املشرع الحوز القانوني .ألن عقود التفويت املبنية على عوض يكتفي صاحبها
على العقد و تقييده بالرسم العقاري إن كان محفظا لتنتقل إليه امللكية .
العقارية املتعلقة باالستحقاق ،هي من إبداع فقهاء املالكية ،وطورها القضاء في
أحكامه و قراراته ،بشكل يسهل حسم املنازعة أثناء وقوعها ،و باملقابل فإن القضاء
املغربي يعترف بإنتاج عقود التفويت املستندة إلى أصل التملك في الدعوى ،و يعتبر
البيت الشهير الذي وضعه عبد الرحمان الفاس ي الذي ذكرناه سابقا و الذي يفيد
بأنه ال توجب امللك عقود األشربة بل ترفع النزاع عند التسوية ،يكون بذلك قد شق
الطريق للفقهاء كي يفصلوا في هذه املسألة ،لذلك نجد كثيرا من كتب الفقهاء تتناول
جانبا من هذه املسألة في باب االستحقاق لذلك سنتحدث عن موقف الفقه من
حجية عقود التفويت املجردة من أصل التملك ( املطلب األول ) ،لنتحدث إثر ذلك
عن موقف القضاء من حجية عقود التفويت املجردة من أصل التملك ( املطلب
الثاني).
اتفق الفقهاء املالكية على أن عقد التفويت املجرد من أصل التملك ال يفيد
عقود التفويت و ال يوجبه ،و يعللون ذلك يكون امللك يمكن أن يكون املالك أو غيره
،لذلك وجب النص في عقود التفويت على مستندات و مراجع ملكية البائع في عقد
الثانية ) .
إن الفقهاء قد اتفقوا على قاعدة في ميدان اإلثبات ،و هي أن رسوم األشرية و
الهبات و غيرها من العقود الناقلة للملكية ال تثبت امللك و ال تفيده ،حيث إن
التعامل استنادا إلى الوثائق قد يشوبه تحايل و تدليس من طرف بعض األشخاص ،
فال يتورع عن التصرف في امللك الواحد أكثرمن مرة ،وفي كل مرة يستند فيها إلى شكل
معين من الرسوم املذكورة لذلك يقول الطاهرالسنوس ي أنه " ال يتورع عن بيع ملك
غيره إذا وجد من يشتري منه بالذكر ،يوجد من املظللين من يدعي ضياع الصك
(الرسم) ويقيم وثيقة وربما عددها ويبيع ملن يرض ى بذلك ،وربما جرى هذا التصرف
في أحباس أخفيت صكوك حبيستها ووقع فيها التصرف بالوثيقة أو رسم الذكر ثم
مع املدلسين فتلفت بسبب ذلك أموال املساهمين و املشترين " 470. ظهرت
470الطاهر السنوسي " :مطلع الدراري بتوجيه النظر الشرعي الى القانون العقاري " ،المطبعة الرسمية التونسية ،
1887ص 28
و يقول أبي الشتاء الغازي الحسيني الصنهاجي أن عقد التفويت " ال يكتب
مجردا عنها ألن الشراء املجرد ال يثبت به امللك للمشتري ،وسببه أن الشراء يكون من
املالك و غيره فالشهادة به ال توجب امللك للمشتري " 471.
و يقول املهدي الوزاني أن " عقود األشرية ال تفيد امللك و ال تدل عليه لكونه
أعم و األعم ال يشعر باألخص ،فمن ادعى ملكية ش يء و كلف بها فأتى برسم الشراء
فال يفيده الحتمال أن هذا الشراء من غير مالكه ...و كون املبيع بيده وقت البيع ال
يدل على أنه ملكه ألن كون بيده أعم من كونه ملكا له و األعم ال يشعر باألخص "472
إن املدقق بالنظرفي هذه التعليالت التي ذكرها الفقهاء أعاله ،يتبين أن من أهم
مسببات اشتراطهم ألصول التملك في عقود التفويت ،يعزى إلى سببين ،السبب
األول هو كون العقار يمكن أن يباع من املالك أو من الغير ،و في ذلك ثغرة كبيرة
يستغلها الغير في االستيالء على العقار و تسهيل تفويته ،و السبب الثاني هو كون
عقد التفويت الذي ال ينص فيه على مستندات تملك البائع هي أعم من كونه ملكا
له ،فهي ال تخص بكون امللك العقاري لفالن ابن فالن ،وال تحدده تحديدا كافيا .
األمالك كانت تسقط في يد غيرمالكيها بالقهرو الغلبة أحيانا ،و بوضع اليد و الحيازة
أحيانا أخرى و قد تنتقل بعد ذلك إلى ٱخرين بالبيع و هذا ما يعقد األمورمن الناحية
الشرعية 473.حتى أن بعض الفقهاء ألزموا كاتبوا الوثائق أن يتثبتوا من هوية البائع
و صحة مستنداته حتى ال يفوت عقارات غيره ،حيث يقول صاحب كتاب املنهج
الفائق " و ينبغي املوثق إذا أتاه رجل ال يعرفه يزعم أن اسمه كذا و يسأله أن يكتب
عليه لفالن ،أن يتوقف فإنه قد يتسمى له باسم غيره ،ثم بعد مض ي زمان يخرج
املكتوب و يدعي به على صاحب االسم ،ولعل الكاتب قد نسيه ،أو مات الشهود
فيثبت ذلك بخطه ،فيحكم على ذلك املدعو باسمه و هو بريء ،فال يكتب إال ملن
عرف اسمه و عينه معرفة تامة ،و كذلك الحكم في كل مبايعة أو تمليك 474 " ....
أصل التملك رسم ملكية أو شراء و لكل منها وضع الفقهاء شروطا تحملها كاٱلتي .
يشترط الفقهاء باعتبار رسوم امللكية املبنية على الحيازة ،حتى تكون من
مستندا لثبوت ملكية البائع أن يقبلها املشتري ،حيث يقول أبي الشتاء الصنهاجي أن
امللكية وحدها غير كافية إال إذا قبلها املشتري ،فإذا امتنع البائع أجبره القاض ي على
ذلك ...قال ابن عرضون ،الذي جرى عليه العمل بفاس أن تنسخ رسوم األصول
فوق عقد الشراء فإن لم تكن رسوم لألصول فاستمرارامللك و يكتب في ذلك ما نصه
" :و بأن علم املشتري أن ال أصول إال استمرارامللك فدخل على ذلك " ثم قال ولو لم
يعلم بذلك املشتري إال بعد العقد و لم يرض به لم يلزمه البيع ،فالرسوم على هذا
أقوى من استمرار امللك وحده 475.
و يتبين من ذلك أن من شروط استنادا البائع الى رسم امللكية التي يقدمها على
ى بها و إال فال لزوم عليه 476. أساس الحيازة و االستمرار ،أن يقبلها البائع و يرض
يقول أبي الشتاء الصنهاجي " والذي جرى عليه العمل بفاس منذ أواسط القرن
الحادي عشر الهجري حتى اٱلن هو االكتفاء بثالث شراءات لألصل املبيع ليطالب
البائع بدفعها للمشتري أو إعطائه نسخة منها مسجلة على القاض ي ،وقال ابن
حمدون بناني في جواب له ما نصه :و الذي جرى به العرف أنه ال بد في األصول من
ثالث شراءات أو ما يقوم مقامه من كون ذلك األصل معلوم البائع لسنين متطاولة و
أنه ورثه من أسالفه و أسالف أسالفه و معلوم لهم و منسوب إليهم " 477.
ويتبين من ذلك أن االعتماد على رسم شراء واحد ال يثبت به امللك ، 478بل ال بد
من وجود على األقل ثالث شراءات حتى تقوم مقام أصل التملك ،وهو عرف جعل
و يعارض بعض الفقهاء هذا الشرط ،حيث يقول اإلمام األبار أن كالم العلماء
الذين تعرضوا للنازلة صريح في أن املشتري للملك له مطالبة البائع بعقد شراءه
فقط و لم يؤيدوا على هذا شيئا و عللوا ذلك بترتب العهدة باالستحقاق إذا البائع
الثاني رجع على املشتري األول ،ألن غريم الغريم غريم ثم قال و أما العرف الجاري
على األلسنة من اشتراط ثالث بيوعات فلم أعثر فيه على مستند من نص أو جريان
عمل 479.
إن القضاء املغربي لم يحد في أحكامه و قراراته عن املبدأ الذي سار عليه
الفقهاء سواء محكمة النقض أو محاكم املوضوع ،لذلك سنتحدث اجتهاد محكمة
النقض في مركزية عقود التفويت املجردة من أصل التملك ( الفقرة األولى ) ،واجتهاد
باطالعنا على قرارات محكمة النقض ،سواء في ظل املجلس األعلى سابقا أو في
محكمة النقض حاليا ،استقر على ما سار عليه الفقهاء و أقروه ،فقد جاء في قرار
املجلس االعلى ( محكمة النقض حاليا ) " : 480إن األشرية املستدل بها من طرف
املستأنف عليه لتعزيز تعرضه عالوة على كونها جاءت مجملة و غير محددة للبيع
موضوعا بشكل يرفع عنها الجهالة ،وأنها غيرمستندة الى ما يثبت أصل امللك لبائعين
بها ،و من ثم ال تلزم املستأنفين في ش يء لكونهما غيرطرف فيها ،لقول صاحب العمل
الفاس ي ال تفيد امللك رسوم األشرية ،بل ترفع النزاع عند التسوية " .
و يفيد هذا القرار الصادر عن املجلس االعلى أن عقود التفويت املجردة من
أصل التملك ال تنتج أثرا في الدعوى ،و ال تفيد شيئا في ذلك ،و هو نفس ما أشارإليه
املشرع في مدونة الحقوق العينية في املادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية ،
و اعتبرت أيضا في إحدى قراراتها أن رسم الشراء إذا كان نفسه يستند بائع امللك
فيه على رسم الشراء فهو غيركاف إلثبات امللك حيث جاء في قراراملجلس االعلى:481
" وأنه يتجلى من مستندات امللف أن حجة الطاعنين إنما هي مجرد عقدي شراء
مؤسس على عقد شراء البائع و ثانيهما مؤسس على مجرد رسم املخارجة و كل ذلك
و بالتدقيق ضمن حيثية هذا القرار فإن محكمة النقض تسير مع االتجاه
الفقهي القائل بكون رسم الشراء املستند إلى رسم شراء واحد ال يفيد التملك إذا لم
480قرار محكمة النقض عدد 434 :المؤرخ في 2010/01/27ملف مدني عدد 1-1-2008-3666 :مجلة المحاكم
المغربية العدد المزدوج 136-135ط 2012ص 248
481قرار محكمة النقض عدد 818المؤرخ في 2007-03-07ملف مدني عدد 2006-1-1-2267مجلة محكمة النقض
المغربية نفس المرجع السابق ص 276
يكن ثالث شراءات فأكثر ،و أيضا أقرت بأن عقود التفويت املجردة من أصل التملك
ال ينتزع بها من يد الحائز ،إذ أن األصل هو الحيازة .ومن قواعدها أيضا أن رسوم
األشرية إذا كان مشار فيها ألصل التملك ،فإن املحاكم ال يجب أن تستبعدها إال
" ...في حين أن رسوم األشرية املؤسسة على ملكية البائع و املشارإليها بمراجعها
في الرسوم املذكورة تعد حجة على امللك و مستندة إلى أصل امللك و ال يمكن استبعاد
الرسم املذكورإال بعد إنذاراملحكمة للطاعن لإلدالء بامللكية املذكورة أو بنسخة منها
و عدم االدالء بها و إن انطباق رسوم الطرفين على املدعى فيه ال يتأتى إال بوقوف
املحكمة على عين املكان و ال يكفي االستبعاد الرسم املذكور القول بأنها مجردة من
أصل امللك باألمر الذي يكون معه القرار ناقص التعليل املنزل منزلة انعدامه و غير
لذلك فإن املحكمة يمكن أن تمهل الطرف ليدخل البائع الذي يستند على أصل
تملكه في الدعوى ،483و ينضم إلى جهة املشتري لتدعيمه و تعزيز إثباته .إذا كان
العقار غير محفظا ،484أما إن كان في طور التحفيظ أو محفظا فال يجوز إدخاله في
482قرار محكمة النقض عدد 4380 :المؤرخ في 2004-10-19ملف مدني عدد 2008-1-1-2739مجلة محكمة
النقض مرجع سابق ص 184
483الفصل 103من قانون المسطرة المدنية
484جاء في قرار لمحكمة النقض " ...إن التدخل االرادي غير جائز في مسطرة التحفيظ العقاري " ....قرار عدد 432
مؤرخ في 2010-01-27ملف مدني عدد 2008-1-1-3873مجلة محكمة النقض المشار إليها سابقا
إن محاكم املوضوع سارت على هدي الفقه و اجتهادات محكمة التقض ،حيث
اعتبرت كذلك أن عقود التفويت املجردة من أصل امللك ال تفيد التفويت ،حيث
جاء في حكم صادر عن املحكمة االبتدائية لبوملان 485قضت فيه أن " عقد الشراء
املجرد عن أصل التملك ال يفيد امللك و ال ينهض حجة كافية فيه ملا جرى عليه الفقه
عمال بقول صاحب العمل ال توجب امللك عقود األشرية ،إذ البيع قد يعقد ممن
ونرى هنا مدى تشبت املحكمة بالتعليل الفقهي الذي ذكره واضعو هذه
القاعدة من أن علة اشتراط أصل التملك في عقد التفويت هو احتمال أن يكون من
البائع و غيره ،وجاء ضمن قرار ملحكمة االستئناف بالرباط بأن " عقد البيع ال تكون
له أي قيمة من وجهة إثبات حق امللكية إذا لم يكن يتضمن أصل ملك البائع " 486.
حيثياته :
" وحيث إنه باستقراء الرسم املذكور يتضح أنه ال تتو افر فيه كافة الشروط
485المحكمة االبتدائية ببولمان ملف رقم ، 03.82حكم رقم 2003-168بتاريخ 2003/7/9منشور بمجلة المعيار العدد
السادس و الثالثون ،دجنبر 2006ص 338
486قرار محكمة االستئناف بالرباط صادر بتاريخ 28ابريل 1925منشور بمجموعة قرارات محكمة االستئناف بالرباط
لسنة ، 1925ص 174
– 1غيرمعرف به
– 2ال يشيرإلى املساحة الحقيقية التي يشملها ثلث جنان تغراست و ال حدودها
و ال موقعها
وحيث إنه و اعتبارا ملا تقدم تكون محكمة الدرجة األولى حينما اعتمدت الرسم
487قرار محكمة استئناف مراكش رقم 189صدر بتاريخ 2008-04-23ملف عدد 2004 / 368منشور بالموقع
اإللكتروني " موقع الشؤون القانونية المنازعات " .
خامتة:
يمكننا القول أن قاعدة عدم إفادة عقود التفويت املجردة من أصل التملك و
عدم ترتيبها أي أثرفي الدعوى ،قاعدة أساسية من قواعد ترسيخ مصداقية العقود
العقارية ،و إزالة الثغرات التي يستغلها من تسول له نفسه االستيالء على عقارات
الغير ،لكن كي ال تضيع حقوق املالك االصليين الذين لم يستطيعوا أن يتوفروا على
أصول التملك ألشريتهم و هباتهم قبل صدور قوانين التوثيق التي تلزم ذلك أثناء
تحرير العقود ،أن يبادروا إلى إقامة رسوم االستمرار أو رسوم امللكية إذا استكملوا
وكذلك من أراد تفويت عقاره و ال يحوز أصول تملكه للعقار إما لضياعها أو
صارت بالية قد محى مدادها طول الدهر ،أن يبادروا أيضا إلى إقامة رسوم ثبوت
امللكية املستجمعة لشروط الحيازة القانونية .فهذا األخير يعوض عدم توفر أي
أصل من أصول تملك صاحب العقار ،و يعتبر مدخل إلدماج العقار في نظام
التحفيظ العقاري ،ليعتبر الرسم العقاري هي الحجة الحاسمة النزاع ملا تتمتع به
مقدمة:
يعتبر العقد الركيزة األساسية التي تقوم عليها جل املعامالت بين الناس ،وهو
مؤسسة قانونية تهدف إلى استقراراملعامالت وتنظيم العالقات التعاقدية .فإذا نشأ
العقد صحيحا ،ومستجمعا لكافة أركانه وشروطه ،تترتب عنه آثار ،وأهمها القوة
امللزمة للعقد ،وهي التي عبر عنها بعض الفقهاء بقولهم" :من قال عقدا قال عدال".
وبمقتض ى هذا املبدأ ،يصبح كل طرف ملزم بتنفيذ االلتزامات امللقاة على عاتقه .غير
أنه في بعض الحاالت قد يتماطل ويخل أحد املتعاقدين بتنفيذ االلتزام ،إما من تلقاء
نفسه ،أو نتيجة ظروف تجعل التزامه بالتنفيذ أمرا مستحيال ،مما يستعص ي على
الطرف اآلخراالستمرارفي العقد .فيلجأ الدائن إلى بعض اآلليات لدفع املدين لتنفيذ
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 286
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
التزامه ،كالدفع بعدم التنفيذ باعتباره وسيلة دفاعية للضغط على املدين لتنفيذ
التزامه .وقد ال تنتج هذه اآللية آثارها املرجوة مما يدفع بالدائن الى اعتماد وسيلة
أخرى املتمثلة في مؤسسة الفسخ ،هذه األخيرة تعتبرمؤسسة قانونية هجومية تهدف
ويعتبر الفسخ مؤسسة عريقة أقرتها كل القوانين املدنية املقارنة ،وهو ثمرة
تطورطويل ،فالقانون الروماني لم يأخذ بها إال في مراحل متأخرة عندما فتح الباب
أمام العقود الرضائية ،وفي الفقه االسالمي أعطى الشارع للبائع خيار النقد كشرط
لفسخ البيع إذا لم يستوف الثمن .وكذلك سار القانون الفرنس ي على هذا الدرب،
فقالوا بجواز الفسخ حتى لو لم يوجد شرط صريح ،ولكن الفسخ ال يتم إال بحكم
قضائي .وقد تبلورالفسخ جيدا في القانون الكنس ي 488باعتباره يولي أهمية كبرى ملبدأ
الرضائية ،إلى أن اكتسب أساسه القانوني في العقود امللزمة لجانبين في القرن .19
وتجدر اإلشارة إلى أن املشرع املغربي لم ينص على نظرية عامة للفسخ عكس
بعض التشريعات األخرى ،و انما أورد تطبيقات لهذا النظام القانوني في فصول
متفرقة من قانون االلتزامات والعقود ،فقد نظمه املشرع في باب تنفيذ االلتزامات،
كما تحدث عنه في آثارالبيع بوجه عام حينما تحدث عن عيوب الش يء املبيع.
الت تعتمدها السلطة ن ن الكنس :هو النظام ن 488
القانون لمجموعة القواني واألنظمة الصادرة أو ي
ي األساس
ي ي القانون
ي
ن
والت تخضع
ي وه عبارة عن قواني تحكم عالقات األفراد ومعامالتهم الكنسية والمنظمات المسيحية وأعضائها .ي
للمصادر الكنسية المسيحية.
وتكمن أهمية مؤسسة الفسخ في صيانة حقوق الدائن الذي يستطيع بموجبها
التحلل من االلتزامات املترتبة عليه بموجب العقد ،عند عدم تنفيذ املدين اللتزامه.
وتمكن أيضا في كون مؤسسة الفسخ من أهم اآلليات التي قررها املشرع تحقيقا ملبدأ
التوازن العقدي.
على هذا األساس تطفو مجموعة من اإلشكاالت على السطح ،ومن أهمها :كيف
من أجل بسط هذا املوضوع ،وسبر أغواره ،ارتأينا معالجته وفق التقسيم
التالي :املبحث األول :األحكام العامة للفسخ .املبحث الثاني :خصوصية الفسخ بين
تعتبر االلتزامات التبادلية على رأس االلتزامات التي تربط األفراد في معامالتهم
مع غيرهم ،فإذا وقعت صحيحة مستجمعه لكافة أركانها وشروطها ،وجب على طرفي
العقد االلتزام بتنفيذها طبقا لقاعدة العقد شريعة املتعاقدين ،لكن في حالة
االخالل بتنفيذ االلتزامات التعاقدية ،من قبل أحد أطراف العقد ،خول املشرع
للطرف اآلخر إمكانية التحلل من التزامه عن طريق الفسخ ،وهذا األخير باعتباره
طريقا من طرق انقضاء االلتزام كان لزاما علينا الوقوف عليه بالدراسة وذلك بتبيان
ماهيته وتعداد أنواعه (املطلب األول) ،مع التطرق لآلثار التي ترتب على الفسخ
(املطلب الثاني).
يعتبر الفسخ من أهم اآلليات التي قررها املشرع النـحالل الرابطة التعاقدية،
فهو استثناء على القوة امللزمة التي أحاط بها املشرع العقد ،وملا للفسخ من أهمية،
فالبد لنا من معرفة ماهيته من خالل الوقوف على أساسه وشروطه وكذا أنواعه
،وكذا الوقوف على أنواع الفسخ .وهو من أعرق املؤسسات القانونية و أكثرها
استعماال عندما يتعلق األمربانحالل الرابطة العقدية ،لذلك فالبد لنا من الوقوف
على حقيقة هذا املفهوم وأساسه .فال شك أن تحديد املفهوم في أي قضية يتبوأ
مكانة هامة ،إذ يعتبر بمثابة األساس من البناء .فال يتصور مناقشة إشكاالت دون
والفسخ لغة هو النقض ،فقد قال ابن منظور ،فسخ الش يء يفسخه فسخا
فانفسخَ :نق َ
ضه فانتقض ،وتفاسخت األقاويل :تناقضت .489وعلى مستوى
االصطالح ،فقد تعددت الزوايا التي تم من خاللها معالجة الفسخ وتعريفه ،فهناك
من نظراليه من زاوية كونه نظاما ،فعرفه بأنه نظام قانوني استثنائي قائم الى جانب
نظام التنفيذ ،وهناك من نظر اليه من زاوية كونه جزاء ،فعرفه بأنه جزاء قانوني
يترتب عند االخالل بواجب تنفيذ العقد ،وقد ذهب مع هذا االتجاه األستاذ عبد
القادر العرعاري بتعريفه للفسخ بكونه "جزاء مدني يهدف الى وضع حد للعالقة
وهناك أيضا اتجاه أخرنظراليه من زاوية أنه طريق ،فعرفه بأنه طريق من طرق حل
غيرأن هناك اتجاه آخردون هؤالء عرف الفسخ بكونه حق ،بحيث عرفه الفسخ
بأنه "حق املتعاقد في العقد امللزم للجانبين ،إذا لم يوف املتعاقد اآلخر بالتزاماته
أخل املدين بواجب التنفيذ ،بمعنى أن حق الفسخ مقترن وجودا وعدما بعدم تنفيذ
و لقد دب الخالف بين الفقهاء حول األساس الذي يقوم عليه الفسخ ،وتعددت
النظريات التي تأسس لهذا الحق .فمن ذهب إلى أن الفسخ أسس على فكرة وجود
شرط فاسخ ضمني .وهي فكرة وجدت أساسها في القانون الكنس ي ،لكنها تبلورت الى
أن استقرت في القانون الفرنس ي القديم في مادته 1184والتي تقض ي ب "أن جميع
العقود امللزمة للجانبين يجوز فسخها عندما يتخلف أحد املتعاقدين عن تنفيذ
التزمه على أساس وجود شرط فاسخ مفترض محله عدم التنفيذ ،فإذا تحقق
الشرط بأن تخلف أحد املتعاقدين عن التنفيذ كان للمتعاقد اآلخر أن يطلب فسخ
العقد" .493ولقد أثارت فكرة الشرط الفاسخ الضمني خالفا فقهيا ،ولقد أقر بعض
الفقهاء بعدم جدواها ،وعلى رأسهم الفقيه عبد الرزاق السنهوري حيث يقول " :لو
صح هذا (أي التأسيس للفسخ على الشرط الفاسخ الضمني) لترتب عليه أنه بمجرد
عدم قيام املدين بالتزاماته يتحقق الشرط فينفسخ العقد من تلقاء نفسه .وهذا غير
صحيح ألن الفسخ ال يكون إال بحكم قضائي أو باتفاق ،وللقاض ي حق التقدير
فيجيب طلب الفسخ أو يرفضه ،وللمدين أن يقوم بتنفيذ العقد فيتوقى الحكم
وهناك من الفقهاء من ذهب إلى أن أصل الفسخ مبني على أساس السبب ،495
واحتج أنصار هذا الطرح بأن "السبب يعتبر عنصرا فنيا في االلتزام ؛ والسبب الفني
يؤدي وظيفتين ،فهو عنصرفي نشوء االلتزام وهو بهذا الوصف يجب أن يتو افروقت
نشوء االلتزام وإال كان باطال ،وهو كذلك عنصرا في نفاذ االلتزام وهو بهذا الوصف
يجب أن يتو افر وقت تنفيذ االلتزام ،فإن لم ينفذ االلتزام يجب أن يفسخ العقد
املنش ئ لذلك االلتزام ويزول االلتزام تبعا لذلك" .496ولقد تعرضت فكرة السبب
هذه لكثير من االنتقادات منها أن انعدام السبب في االلتزامات املتقابلة يؤدي الى
بطالن العقد وليس قابليته للفسخ لكون أن السبب يرتبط أساسا بمرحلة تكوين
العقد وليس بمرحلة تنفيذه .497وهناك من الفقه من أسس الفسخ على فكرة
االرتباط بين االلتزامات ،ومن بين القائلين بها العالمة السنهوري في كتابه الوسيط ،
إذ قال...":نؤثر..أن نجعل نظرية الفسخ مبنية على فكرة االرتباط ما بين االلتزامات
املتقابلة في العقود امللزمة للجانبين ،إذ أن طبيعة هذه العقود تقتض ي أن يكون
التزام أحد املتعاقدين مرتبطا بالتزام املتعاقد اآلخر ،فيبدو أمرا طبيعيا عادال أنه إذا
لم يقم أحد املتعاقدين بالتزامه ،جاز للمتعاقد اآلخر أن يوقف هو من جانبه تنفيذ
494عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء األول ،نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر
االلتزام ،ص .700
495المقصود بالسبب كأساس لحق الفسخ ويعني الغاية المباشرة التي يتوخاها كل متعاقد من إبرامه العقد ،وليس السبب
الباعث أو الدافع الذي يختلف من متعاقد إلى آخر.
496حنيت عمر ،مرجع سابق ،ص .12
497العرعاري عبد القادر ،مرجع سابق ،ص 400فقرة .476
ما في ذمته من التزام ،وهو الدفع بعدم التنفيذ ،أو أن يتحلل نهائيا من هذا االلتزام،
وهذا هو الفسخ.498
والذي يبدو أن تأسيس الفسخ على أساس االلتزامات التبادلية أقرب إلى
الصواب منه من غيره من النظريات ،ذلك أن إخالل أحد املتعاقدين بالتزامه هو
كثيرا ما تختلط بعض املفاهيم مع بعضها البعض ،اما لتشابها من حيث أساس
قيامها أو أركانها أو آثارها ،ونفس األمربالنسبة للفسخ فهو يشابه الكثيرمن املفاهيم
من حيث الغاية املتوخاة من هذه املؤسسة ،أال وهي حماية القوة امللزمة للعقد ،وملا
كان الفسخ ليس هو الوحيد لحل الرابطة التعاقدية ألنه توجد أنظمة أخرى تؤدي
نفس إلى نفس الطريق ،لذلك ارتأينا تمييز الفسخ عن باقي األنظمة املشابهة مثل
البطالن ،والدفع بعدم التنفيذ ،واملسؤولية العقدية ،درء ألي خلط بين هذه
املفاهيم.
األثراملترتب على كل منهما ،واملتمثل في انعدام الرابطة التعاقدية ،بل إن زوال العقد
الباطل والعقد القابل للفسخ يتم بأثر جعي .غير أن هناك اختالف واضح بينهما،
حيث إن البطالن هو بمثابة جزاء قانوني نتيجة عدم توفرأحد أركان العقد أو شرط
من شروط الصحة؛ في حين أن الفسخ هو جزاء عدم تنفيذ أحد املتعاقدين
اللتزاماته املحددة في العقد القائم بينهما .ومن جهة ثانية ،فإن هناك فارق مهم بين
البطالن والفسخ ،وذلك على مستوى نطاق كل منهما؛ فإذا كان يتصور تحقق
البطالن سواء تعلق األمر بالعقود امللزمة لجانب واحد أو العقود امللزمة لجانبين،
فإن جزاء الفسخ ال يمكن املطالبة به إال في نطاق العقود امللزمة لجانبين .499ويتميز
البطالن عن الفسخ في كون األول يرجع إلى خلل في تكوين العقد ،بينما الفسخ ينشأ
العقد سليما مستوفيا ألركان انعقاده ،ثم يحصل أن يخل أحد املتعاقدين بتنفيذ
التزامه ،فيلجأ الطرف اآلخر إلى طلب فسخ العقد ليتحلل هو أيضا من االلتزام
املترتب عليه.500
تمييز الفسخ عن الدفع بعدم التنفيذ :يتمثل الدفع بعدم التنفيذ 501في أن
املتعاقد له الحق في االمتناع عن تنفيذ التزاماته تجاه الطرف اآلخر حتى يقوم هذا
األخير بتنفيذ ما التزم به إزاء الطرف األول .في العقود امللزمة لجانبين.502نميز بين
نظام الدفع بعدم التنفيذ والفسخ من حيث الغاية ،فهذا األخير يهدف إلى إزالة
الرابطة التعاقدية من الوجود ،وإرجاع األطراف الى حالة ما قبل التعاقد على
العكس من هذا فنظام الدفع بعدم التنفيذ هووسيلة لحث املتعاقد اآلخرعلى إتمام
العقد ،بمعنى أن هدفه هو ضمان تنفيذ العقد .كما نميز بينهم من حيث اإلجراءات
فنظام الدفع بعدم التنفيذ تتم إثارته من غير الحاجة الى التقيد باإلجراءات
العقدية من حيث أن كل منها جزاء لعدم قيام املدين بتنفيذ التزامه التعاقدي ،لكن
التعاقدية عامة يستوي في ذلك أن يكون التصرف ملزما لجانبين أو ملزم لجانب
واحد ،في حين أن الفسخ ال يمكن تصوره إال في التصرفات التبادلية ،كما أن هناك
فارق آخر يتجلى في التعويض املستحق للطرف املضرور في إطار قواعد املسؤولية
العقدية قد يتحقق في غير الحاالت التي يتقرر فيها الفسخ ،ثم إن الفسخ يهدف إلى
إزالة الرابطة التعاقدية وحلها ،أما التعويض املستحق في إطار املسؤولية العقدية
- 2شروط الفسخ
يلز م للحديث عن الفسخ ،تو افر الشروط التي وضعها املشرع لقيام الفسخ،
وهي التي ذكرها املشرع املغربي في الفصل 559من ق.ل.ع ،ومن أهمها:
التبادلية ،بما فيها العقود امللزمة لجانب واحد إذا كانت بمقابل كما هو الشأن
بالنسبة للقرض والعارية و أيضا الهبة بعوض ..وبهذا تخرج تصرفات اإلرادة املنفردة
والعقود امللزمة لجانب واحد ،ما لم تكن مثقلة بالتزامات ،فال يمكن أن تكون قابلة
للفسخ .فااللتزامات في العقود التبادلية تقوم على ارتباط االلتزامات املتقابلة بشكل
ال يتصور معه قيام أحدهما دون قيام اآلخر ،األمر الذي يؤدي إلى أنه إذا لم ينفذ
أحد األطراف التزاماته ،فإنه يكون من مصلحة الطرف اآلخرإما طلب التنفيذ الذي
كان سبب في إبرامه للعقد ،وإما طلب الفسخ إلنهائه العقد وإعادة الوضع إلى الحالة
أن يخل أحد املتعاقدين بتنفيذ التزاماته :يشترط أن يخل املدين بالتزامه
التعاقدي شريطة أن يكون االخالل راجع لخطأ املدين ذاته ،أما إذا كان عدم التنفيذ
راجعا لسبب أجنبي ،وأدى ذلك الستحالة التنفيذ ،فإن التزام املدين ينقض ي
وينقض ي معه التزام الدائن .واالخالل بالتنفيذ في ميدان العقود يتخذ أكثرمن مظهر
504الشرقاوي عبد الرحمان ،القانون المدني ،مصادر االلتزام ،التصرف القانوني ( ،ط 5مطبعة المعرف الجديدة،
الرباط) ،ص .316
قانوني ،فهو قد يكون إيجابيا أو سلبيا وقد يكون كليا أو جزئيا ،ويعتبر مجرد التأخر
عدم تقصيرطالب الفسخ في تنفيذ التزاماته :يشترط أن يكون طالب الفسخ قد
نفذ التزامه أو مستعدا لتنفيذه ،فإن هو لم ينفذه وليس له استعداد ،فال يحق له
املطالبة بفسخ العقد لعدم قيام الطرف اآلخربتنفيذ ما في ذمته من التزام ،إذا ليس
من العدل أن يخل هو بالتزامه ثم يطالب بالفسخ بسبب اخالل الطرف اآلخر
بالتزامه.506
أن يكون طالب الفسخ قادرا على ارجاع الحال الى ما كانت عليه قبل التعاقد:
ومعناه أن تكون للمدين االمكانية للعودة الى الحالة ما قبل التعاقد عن طريق ارجاع
الحال الى ما كانت عليه .فإن تعذر الوصول إلى هذه الوضعية بسبب من األسباب
التي تعوق ارجاع األطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد إن أمكن ذلك .كهالك املعقود
عليه أوتعيبه أوصعوبة رده إلى صاحبه ،فان املحكمة لها من الحلول في إطارسلطتها
بالتعويض.507
وال تعدو أن تكون هذه الشروط شروطا موضوعية فقط ،وهي ال تختلف بين
أنواع الفسخ كافة ،وتوجد الى جانبها شروط إجرائية تتمثل في ضرورة االعذار
-3أنواع الفسخ
يتخذ فسخ العقد من الناحية العملية أحد املظاهرالتالية ،وهو ثالثة أنواع:
الفسخ القضائي :وهو الذي توقعه املحكمة إذا توفرت شروطه ،ومن أهم
شروطه :أن يتعلق األمربعقد ملزم بجانبين وأن يحصل اإلخالل أو التماطل في تنفيذ
االلتزامات املتقابلة كما أسلفنا سابقا فيما يتعلق بشروط الفسخ 508باإلضافة
يشترط لقبول دعوى املطالبة بالفسخ ،أن تسبق باإلخطار الالزم لجعل املدين
أو الدائن في حالة مطل .وتظهر أهمية هذا اإلنذار في األحوال التي يكون فيها االلتزام
غير محدد املدة 509 .وهو ما أشار إليه املشرع املغربي في الفصل 255من ق.ل.ع ،إذ
قال ":يصبح املدين في حالة مطل بمجرد حلول األجل املقررفي السند املنش ئ لاللتزام.
فإن لم يعين لاللتزام أجل ،لم يعتبر املدين في حالة مطل ،إال بعد أن يوجه إليه أو
-تصريحا بأنه إذا انقض ى هذا األجل ،فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه
ويجب أن يحصل هذا االنذار كتابة ،ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة
-أولها :أن اإلنذار املشار له في املادة 255من ق.ل.ع يشكل القاعدة العامة في
ميدان املداينات وااللتزامات الشخصية التي لم يحدد أجال للوفاء بها ،أما
بالنسبة لاللتزامات املحددة األجل ،فإن مجرد انتهاء املدة دليل على ثبوت املطل
في جانب الطرف الذي يتعين عليه املبادرة بالتنفيذ أوال510 .
-أن مضمون اإلنذار الوارد النص عليه في الفصل 255من ق.ل.ع قد ال يكون
صالحا للتطبيق في بعض امليادين الخاصة التي تستوجب إنذارا من نوع خاص،
وهذا ما ينطبق مثال على إشعار اإلفراغ الالزم في ميدان الكراء املدني حيث إن
ن
االلتامات ،نظرية العقد ،ص.384 - 510عبد القادر العرعاري ،مصادر
باإلفراغ تحت طائلة البطالن :شموله مجموع املحالت املكراة بكافة مر افقها،
بيانه لألسباب املثارة من طرف املكري ،اإلشارة إلى أجل ثالثة أشهرعلى األقل.
وما قيل عن اإلفراغ في ميدان الكراء املدني يقال عن اإلفراغ في ميدان املحالت
التجارية والحرفية ،إذ أن الفصل 6من ظهير 1955يؤكد على أن اإلنذار باإلفراغ
يتعين فيه أن يكون مستجمعا لشكليات من نوع خاص ،تحت طائلة البطالن ومن
خالل االطالع على مقتضيات الفصل 27من الظهير ،يتبين أن الشكليات تتمثل في
أن يتم توجيه اإلنذار من املكري إلى املكتري قبل انقضاء العقدة بستة أشهر على
النوع الثاني :الفسخ القانوني :يتحقق الفسخ بقوة القانون أو االنفساخ عند
ثبوت األسباب املوجبة له ،ومن أهم األسباب هواستحالة تنفيذ االلتزام بفعل سبب
أجنبي ال يد للمدين فيه كالقوة القاهرة أو خطأ صادر عن الدائن أو الغير 511 .ومن
ذلك ما دل عليه الفصل 659من ق.ل.ع الذي ورد فيه ":إذا هلكت العين املكتراة أو
تعيبت أوتغيرت كليا أوجزئيا بحيث أصبحت غيرصالحة لالستعمال في الغرض الذي
اكتريت من أجله وذلك دون خطأ أي واحد من املتعاقدين ،فإن عقد الكراء ينفسخ
من غير أن يكون ألحدهما على اآلخر أي حق في التعويض وال يلزم املكتري من الكراء
إال بقدرانتفاعه".
ومن خالل التمعن في صيغة الفصل ،يتبين أنه يتضمن اإلشارة إلى بعض
األسباب املوجبة النفساخ عقد الكراء ،وهي هالك العين املكتراة بآفة سماوية
فهذه األسباب الثالثة إذا جعلت العقار غير صالح لالستعمال املتفق عليه بين
األطراف ،فإن عقدة الكراء تنفسخ بقوة القانون .وهو ما اتضح من خالل الحكم
الذي صدر عن محكمة االستئناف ،فقد اعتبرت تهدم العين املكتراة نتيجة الندالع
الحريق سببا إلقرار انفساخ العقد ،وبموجب ذلك فإنه يتعين على املكتري االمتناع
عن أداء وجيبة الكراء للمالك512.
ومما سبق اتضح أن االنفساخ جزاء قانوني يقرره القانون بسبب تعذر الوفاء
-أن تصبح التزامات أحد األطراف مستحيلة استحالة مطلقة كهالك موضوع
االلتزام أو تعيبه نتيجة لفعل طارئ جعله غير صالح ملا أعد له بحسب طبيعته
-أن تكون االستحالة ناشئة بعد إبرام العقد أو على األقل أثناء تنفيذه كهالك
يء أو تعيبه بالشكل الذي يحول دون الحصول على منفعته513 . الش
- 512قرار محكمة االستئناف بالرباط بتاري خ ،1926/4/21منشور بمجلة المحاكم المغربية ،عدد ،225ص 476
- 513عبد القادر العرعاري ،مرجع سابق ،ص .390
-يتوجب أن تكون االستحالة راجعة لسبب أجنبي ال يد للمدين فيه 514 ،ويتحقق
ذلك في حالة القوة القاهرة واالستحالة التي يتسبب فيها الدائن أو الغير ،أو
االستحالة التي يتسبب فيها الدائن ال تؤدي إلى االنفساخ ،و إنما إلى يتعين
استصدار حكم الفسخ القضائي ،وقد يلجأ القاض ي إلى إرغام املدين على
النوع الثالث :الفسخ االتفاقي :يتقرر هذا الفسخ بناء على اتفاق األطراف على
إدراج شرط فاسخ صريح في العقد 515،ولقد أشارقانون االلتزامات والعقود املغربي
إلى جواز مثل هذا االتفاق في الفصل 260الذي جاء فيه ":إذا اتفق املتعاقدان على
أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون بمجرد
عدم الوفاء".
ومن تطبيقات هذه القاعدة في ميدان عقد البيع ،نجد حالة ما نص عليه
ق.ل.ع الذي جاء فيه بأنه إذا اشترط بمقتض ى العقد أو العرف املحلي أن البيع
يفسخ إذا لم يؤد الثمن ،فإن العقد ينفسخ بقوة القانون بمجرد عدم أداء الثمن في
ن
االلتام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيال استحالة طبيعية أو ن
"ينقض - 514ينص الفصل 335من ق .ل.ع عىل أنه:
ن ي
قانونية ،بغت فعل المدين أو خطأه ،وقبل أن يصت يف حالة مطل".
- 515عبد القادر العرعاري ،مرجع سابق ،ص .391
ن
االلتامات والعقود. - 516الفصل 581من قانون
مما ال شك فيه أن فسخ العقد يؤدي حتما إلى زواله ،سواء تعلق األمر بالفسخ
القضائي أو القانوني أو االتفاقي ،وذلك بأثر رجعي أي إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه
من قبل ،بمعنى أن العقد من الناحية القانونية يعتبر كأنه لم يكن ،وذلك ألن
الرابطة التعاقدية بين األطراف لم تعد قائمة ،إال أن اإلشكال املطروح هنا هو أنه:
يترتب على فسخ العقد بين املتعاقدين انحالل العقد واعتباره كأن لم يكن من
قبل ،إال أنه يجب التمييز بين العقود الفورية والعقود الزمنية .ففي العقود الفورية
يكون الفسخ بأثر رجعي ،فيزول العقد في املستقبل وفي املاض ي .وهذا هو األثر
الحقيقي للفسخ (أوال) .أما في العقود الزمنية فالفسخ ينحصرأثره على محو أثره في
املستقبل وحده و يبقى العقد بالنسبة للماض ي ،و يسمى الفسخ في هذه الحالة إنهاء
(ثانيا).517
أوال :آثار مؤسسة الفسخ في العقود الفورية بالنسبة للمتعاقدين :إذا كان
العقد الذي تقرر فسخه أو انفساخه من صنف العقود الفورية ،فإن أثر الفسخ
بالنسبة للمتعاقدين ال يسري على املستقبل فحسب ،و إنما يمتد إلى املاض ي
ن
االلتام( ،سنة )1992ص .205 ن
االلتام ،الجزء األول ،نظرية 517التجمان زيد قدري ،مصادر
كذلك .518وهذا ما يعرف بمبدأ رجعية آثار الفسخ على أساس زوال العقد،
ويستوجب مع هذا إعادة األطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد .فإذا استحال ذلك في
بعض الحاالت ،فإن املحكمة تحكم بالتعويض املناسب لقيمة الش يء الذي تعذر
استرداده ،و تتمتع في ذلك بسلطة تقديرية واسعة شرط أن يكون التقدير والتقويم
مبنيا على العناصر واملواصفات املميزة للش يء أثناء إبرام العقد ،و ليس عند إصدار
الحكم ،519كما أن هناك أسباب تجعل االسترداد مستحيال سواء كان إضافة إلى ما
سبق ثمة عدة قواعد أخرى تطبق نتيجة زوال العقد و انحالله منها:
)1قاعدة تبعية الفرع لألصل :يترتب على فسخ االلتزام األصلي ،فسخ االلتزامات
الفرعية امللحقة به ،ومثال ذلك أن فسخ عقد بيع العقار يستتبع زوال الرهن
الحيازي الذي أبرمه املشتري عليه لضمان الوفاء بدين يلتزم به في مواجهة
)2قاعدة ارتباط الفسخ بالتعويض :إن الحكم بالفسخ كجزاء لعدم تنفيذ العقد
امللزم لجانبين قد ينتج عنه إضرار بأحد املتعاقدين ،ومثل هذه الفرضيات ال
يكفي الفسخ فقط ،بل يجب أن يكون مصحوبا بالتعويض عن الضرر عندما
يطلبه الدائن بااللتزام غير املنفذ .وبالتالي فإنه نجد املشرع في الفصل 259من
ق.ل.ع خول للدائن إمكانية الحصول على تعويض لجبرالضررالذي لحقه نتيجة
فسخ العقد .وهذا التعويض لن يكون له محل إال إذا توفرت شروطه ،وهي
الخطأ ،الضرر ثم العالقة السببية بينهما .و في هذا اإلطار للمحكمة سلطتها
التقديرية في تحديد التعويض حسب حجم الضرر وخطورة الخطأ الصادر عن
املدين أو تدليسه ولحسن أو سوء نيته دور فعال في الرفع أو التخفيف من مبلغ
هذا الضرر522.
)3قاعدة احترام تطبيق الشروط الجزائية :إذا كان العقد يتضمن شرطا جزائيا
يتحمل املدين بمقتضاه أداء تعويض اتفاقي للدائن في حالة اإلخالل بااللتزام أو
التأخرفي تنفيذه ،فهذا الشرط في العقد ال يعني أن املستفيد منه يكون قد تنازل
عن دعوى الفسخ القضائية ،بل من حقه رفع دعوى الفسخ حتى و لو لم يتحقق
بعد مضمون الشرط الجزائي ،و يسوغ للدائن أن يطلب في نفس الوقت فسخ
ي بها الشرط الجزائي523. العقد و أداء التعويضات التي يقض
ثانيا :أثر الفسخ في العقود املستمرة بالنسبة للمتعاقدين :إن امتداد أثر
الفسخ إلى املاض ي يقتصر نطاقه على العقود الفورية دون العقود الزمنية التي ال
يترتب عن فسخها أثررجعي ،نظرا لتعذرإرجاع املتعاقدين إلى الوضعية السابقة عن
التعاقد ،كما هو الشأن بالنسبة لعقد الكراء ،الذي تكون فيه األجرة املستحقة عن
املدة السابقة على الفسخ بمثابة أجرة ال تعويض ،أي أنها تعتبركمقابل للمنفعة التي
حصل عليها املكتري .ومن ثم فإن القاض ي ال يملك أي سلطة تقديرية ،تسمح له
بالزيادة في تلك األجرة أو اإلنقاص منها 524.و هذا ما نستشفه من الفصل 659من
ق.ل.ع.
ومن تم فإن أثر الفسخ على العقد الزمني ينحصر في إنهاء العقد أي محو آثاره
املستقبلية واإلبقاء على الروابط القانونية التي تمت في املاض ي .فعقد الكراء مثال
إذا تقرر فسخه ال يعود املتعاقدان إلى ما كان عليه قبل العقد ،بل يزول أثر العقد
بالنسبة للمستقبل ليس إال و كذلك عقد العمل و العقود الزمنية األخرى525.
ال يقتصر أثر الفسخ املتمثل في انحالل العقد بأثر رجعي على أطر افه ،بل يمتد
إلى الغير مع ما يترتب عن ذلك من ضرورة استرداد األشياء التي انتقلت إليه متى كان
ذلك ممكنا ،ففي عقد البيع على سبيل املثال ،فإذا قام املشتري ببيع الش يء الذي
524ر
الشقاوي عبد الرحمان ،مرجع سابق ،ص .319
525التجمان زيد قدري ،مرجع سابق ص .206
اشتراه إلى مشتر آخر أو رتب عليه حقا عينيا معينا ،و بعد ذلك حكمت املحكمة
بالفسخ بناء على إرجاع محل البيع خاليا من جميع الحقوق التي أثقلت به. 526
غيرأن سريان آثارالفسخ بأثررجعي على الغيرقد يتعارض في بعض الحاالت مع
بعض القواعد القانونية التي تقض ي بعدم امتداد هذا األثرإلى الغيرمن قبيل:
-ضرورة مراعاة قاعدة اكتساب الحقوق بحسن النية في مجال املنقول املحكوم
-الغيرالذي تقررله حق عيني على عقاروشهره وفقا للقانون وبحسن نية ال يؤثر
فسخ عقد سلفه على حقوقه ،ألن الغير في مثل هذه الحالة يعد حسن النية بمجرد
كالحالة التي يشتري فيها شخص عينا ويبيعها إلى آخر ،ويبقى املشتري الثاني واضعا
يده على العين 15سنة ،وبعد ذلك يطلب البائع فسخ البيع األول لسبب من أسباب
الفسخ ،في هذه الحالة ال يؤثر الفسخ في حق الغير أي املشتري الثاني إذ يستطيع أن
يتمسك بالتقادم.
526ر
الشقاوي عبد الرحمان ،مرجع سابق ،ص 319و .320
ن
المغرن عىل ":يفتض يف الحائز بحسن النية شيئا منقوال أو مجموعة من المنقوالت
ن ي 527نص الفصل 456من ق.ل.ع
قانون و عىل وجه صحيح ،و عىل من يدىع العكس أن يقيم الدليل عليه .وال يفتض السء بطريق ر
ي أنه قد كسب هذا ي
السء أن من تلقاه منه لم يكن له حق الترصف ر حسن النية فيمن كان يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم عند تلقيه
ي
فيه".
وبعد هذه الجولة مع مفهوم الفسخ وأحكامه و آثاره في املجال املدني ،والتي
اتضحت من خاللها أهمية هذه املؤسسة في صيانة حقوق الدائن الذي تضرر
مصلحته نتيجة عدم وفاء املدين ،وهو بذلك يضمن التوازن بين أطراف العقد .غير
أن انتقال هذه املؤسسة إلى املجال التجاري ال شك سيصبغ عليه خصوصيات،
والعقود نظمها ضمن الباب املتعلق بتنفيذ االلتزامات و آثاره .لكن هذا ال يعني أن
تبقى هذه املؤسسة حكرا على هذا املجال ،و إنما انتقلت إلى مجموعة من القوانين
خاصة منها املرتبطة بالحياة االقتصادية ،وعلى رأسها القانون التجاري بشتى
فروعه .غيرأن انتقال هذه املؤسسة للقانون التجاري جعل لها خصوصية تنفرد بها
عن املجال املدني .وألجل بيان خصوصيات هذه املؤسسة بين املجال املدني ،ونظيره
التجاري ،نقتصر على دراسة نموذجين .إذ تم تناول فسخ العقود الجارية في إطار
صعوبات املقاولة كنموذج للفسخ في املادة التجارية (املطلب األول) ،وتم تناول
التوازن العقدي .و انتقل إلى القانون التجاري بشتى فروعه .فقد نهل هذا األخير
مقتضيات عديدة من القانون املدني ،بل إن املشرع في بعض العقود لم يبين كيفية
فسخها ،ففتح املجال أمام القواعد العامة لتتولى ذلك ،وخيرمثال هو عقد التسيير
الحر ،حيث يكون القاض ي ملزما للرجوع للقواعد العامة ،وتحديدا الفصول
التجاري ،دفعت إليه الرغبة في صيانة املصلحة االقتصادية العامة ،التي تحاول
إنقاذ املقاولة من شبح التصفية ،والحفاظ على مصالحها ،وكذا مصالح مختلف
املتعاملين معها .ويقصد بالعقود الجارية العقود املتعلقة بتقديم خدمة أو توريد أو
تزويد أو غيرها ،والتي تكون سارية التنفيذ عند صدور مقرر حكم فتح مسطرة
معالجة صعوبات املقاولة528.
وال بد من التمييزبين القاعدة العامة التي تمنح للسنديك السلطة التقديرية في
اتخاذ قرار استمرار العقود الجارية أو عدمه( ،وهو ما سنعالجه في هذا املطلب)،
وبين الحالة التي نظمها املشرع بمقتضيات خاصة ،وهي حاالت الكراء وعقد الشغل
وعقد التأمين.
ويقوم هذا التمييز على مستوى أسباب الفسخ ،و آثاره وإجراءاته لبيان أثر
أوال :على مستوى أسباب الفسخ :يحكم العقد بين األطراف مبدأ القوة امللزمة
للعقود الذي يجسد الطابع اإلجباري للعقد ،ذلك أن كل طرف يلزمه الوفاء بما وعد
القيام به ،وإذا حدثت أسباب تحول دون تطبيق هذا املبدأ ،ومن بينها حالة تحقق
الشرط الفاسخ املتفق عليه مسبقا بين األطراف أو الحالة التي يخل فيها أحد
ولقد عطل املشرع التجاري هذين الفصلين من خالل الباب الخامس من مدونة
كوحدة داخل االقتصاد الوطني تؤدي تصفيتها إلى إلحاق أضرار بالعديد من
الفاعلين .وحين راهن املشرع على استمرارية املقاولة في أفق إسعافها ،كان من
الطبيعي أن يستند ذلك على ضمان استمرار العقود الجارية التي تربط املقاولة مع
ن
االلتامات والعقود: ن - 529نص ر
المغرن يف الفصل 259من قانون
ي المشع
ن ن ن
"إذا كان المدين يف حالة مطل كان للدائن الحق يف إجباره عىل تنفيذ االلتام ،ما دام تنفيذه ممكنا .فإن لم ممكنا جاز
ن ن ن
الحالتي".... للدائن أن يطلب فسخ العقد ،وله الحق يف التعويض يف
ونص الفصل :260إذا اتفق المتعاقدان عىل أن العقد يفسخ عند وفاء أحدهما ن
بالتاماته وقع الفسخ بقوة القانون،
بمجرد عدم الوفاء.
املتعاقدين معها ،إذ أصبح ينظرإلى العقد ليس كرابطة بين إرادتين بل كأحد أموال
وبالرجوع إلى املادة 573نجدها تنص على أنه" :يجب على املتعاقد أن يفي
بالتزاماته رغم عدم وفاء املقاولة بالتزاماتها السابقة لفتح املسطرة" .وال شك أن هذا
املقتض ى يشكل قطيعة مع القواعد العامة التي تعتبر إخالل املدين بالتزاماته يعد
إذ كيف يمكن تسوية املقاولة إذا توقفت العقود الجارية عن تزيدها بالسلع
أنه" :طبقا ألحكام الفصل 573من مدونة التجارة ،فإنه ال يحق للمتعاقد مع املقاولة
الخاضعة ملسطرة التسوية القضائية فسخ العقد الذي يربط في حالة عدم الوفاء
بالتزاماتها إال بعد توجيه إنذار إلى السنديك يظل بدون جواب ملدة تفوق شهرا"531
إن تعطيل املادة 573ألسباب الفسخ اعتبر تراجعا ملبدأ القوة امللزمة للعقد،
فاملشرع أعفى املقاولة الخاضعة ملسطرة املعالجة من التقيد بمبدأ القوة امللزمة
للعقد ،في الوقت الذي ألزم به الطرف اآلخر املتعاقد معها رغم عدم وفاء املقاولة
الطائفة األولى :أعزت تعطيل املادة 573ألسباب الفسخ العامة لكون هذه
األخيرة تتعارض مع مبدأ استمرار املقاولة ،وبالتالي كبح النمو االقتصادي من جهة،
ومن جهة أخرى فإن األسباب العامة تتعارض مع ما جاءت به املادة 653من مدونة
التجارة التي تمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت فتح
املسطرة ترمي إلى فسخ العقد لعدم أداء مبلغ من املال532 .
الطائفة الثانية :استند هذا الرأي على بيان طبيعة الفسخ الذي يبقى ذو طابع
احتياطي بما أن الدائن في األصل يمكنه في حالة تماطل املدين أن يجبره على التنفيذ،
ما دام أن الهدف من تعاقده هو الحصول على أداء الطرف اآلخر أي املدين .وقد
عضد هذا التفسير توجهه بما ورد في املادة 259من ق.ل.ع التي منحت للدائن
واملحكمة خيار سلوك الطريق األصلي وهو دعوى التنفيذ أو سلوك الطريق
االحتياطي الذي يتجسد في الفسخ533 .
المدن ومتطلبات الحياة االقتصادية ،-مرجع سابق ،ص .147 ن بي ثوابت القانون- 532مؤسسة الفسخ ن
ن ن ي
ن
يىل :إذا كان المدين يف حالة مطل كان للدائن الحق يف إجباره عىل تنفيذ االلتام ،مادام 533
ن ن -نص الفصل 259عىل ما ي
ن
تنفيذه ممكنا .فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد ،وله الحق يف التعويض يف الحالتي:
وال شك أن هذان التفسيرين يكمالن بعضهما البعض ،إذ يشكالن وحدة يمكن
من خاللها فهم وتفسير الغاية التي كانت وراء تعطيل أسباب الفسخ في املادة .573
ثانيا :االختصاص في اتخاذ قرارفسخ العقد :تعد مسألة منح اختصاص البت
في مصيرالعقود الجارية للسنديك ميزة من مميزات الفسخ التجاري ،تجعله يتميزعن
القواعد العامة ،فبالرجوع إلى املادة 573من مدونة التجارة ،نجدها تمنح صالحية
االختيار للسنديك وحده ،فهو الجهاز الوحيد في نظام معالجة صعوبات املقاولة
الذي يملك الكلمة الفصل ،وذلك بتقريره مواصلة العقد أو فسخه .إن السنديك
عندما يمارس مهامه ال يقاسمه هذه الصالحية ال القاض ي املنتدب وال أي جهاز آخر
من أجهزة املسطرة الجماعية بل حتى املدين ال يملك سلطة تحديد مصير العقد
الجاري ،فهذه اإلمكانية مخولة للسنديك فقط وال يزاحمه فيها ال املقاول وال الطرف
املتعاقد .فهذه السلطة من النظام العام وال تخضع ألي استثناء اتفاقي أو قضائي أو
قانوني ،ويترتب على تجاوزها البطالن534.
ويالحظ أن املشرع أعطى للسنديك هذا الحق نظرا لتفضيل وضعية املقاولة
على أوضاع أخرى ،ألنها في حاجة إلى ضمان استمرارية استغاللها على أمل إنقاذها
من جهة .ومن جهة أخرى يفترض في السنديك ،ممثل جهة القضاء ،أن يتحلى
العروص ،المجلة
ي - 534مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكتية ،محمد
المغربية لقانون األعمال والمقاوالت ،ص.21
بالحياد واملوضوعية األمر الذي يجعله يراعي موقفه من مواصلة تنفيذ العقود من
عدمه بدرجة أساسية وضعية املقاولة535 .
ثالثا :على مستوى إجراءات الفسخ :لكي يتمكن الدائن من فسخ العقد الذي
ربطه بمدين مماطل ،يتعين عليه إتباع مجموعة من اإلجراءات التي اختلف تنظيمها
بين القانون املدني والقانون التجاري .فأما الفسخ املدني ،تختلف إجراءاته بحسب
نوع الفسخ .ففي الفسخ القضائي ،فإن إجراءات الفسخ تتمثل في االعذار ،وفي طلب
الفسخ من املحكمة .أما عندما يتعلق األمر بالفسخ االتفاقي ،فإن إجراءاته تخضع
باألساس إلرادة األطراف ،لكن فيما يخص العقود الجارية نجد أن األمر مختلف
تماما ،حيث يجب أن نميزبين الفسخ الذي يتم بمبادرة من السنديك ،والفسخ الذي
-1فسخ العقد الجاري بمبادرة من السنديك :لم يقيده املشرع املغربي بشكليات أو
آجال معينة536.
-2الفسخ الذي يكون بمبادرة من املتعاقد ،فقد قيده املشرع بإجراءات وآجال
محددة يجب احترامها ،وعليه فإذا كانت إرادة املتعاقد تنسحب نحو فسخ العقد
- 535رشح أحكام نظام مساطر معالجة صعوبات المقاولة ن يف ضوء القانون ،73.17عبد الرحيم شميعة ،ص .209
ن ن - 536مؤسسة الفسخ ن
المدن ومتطلبات الحياة االقتصادية -العقود الجارية يف إطار نظام معالجة
ي بي ثوابت القانون
صعوبات المقاولة نموذجا -إمان النيس ،ص.149
الجاري ،ففي هذه الحالة يتعين عليه أن يوجه إنذارا إلى السنديك ،فإن ظل دون
جواب ملدة تفوق شهرا فسخ العقد بقوة القانون537 .
ولقد أثارت اإلجراءات التي يجب على املتعاقد أن يتبعها من أجل فسخ العقد
في التشريع املغربي أو الفرنس ي 538 .ومن أهم اإلشكاالت ما يتعلق بكيفية احتساب
أجل الشهراملنصوص عليه في املادة ، 573هل يبدأ احتسابه من تاريخ توجيه اإلنذار
أو من تاريخ التوصل به من طرف السنديك .ولقد اعتبرجانب من الفقه بأن حساب
األجل يبدأ من تاريخ إرسال اإلنذار .في حين يرى جانب آخر من الفقه أن أجل الشهر
يجب احتسابه من تاريخ التوصل ال من تاريخ اإلرسال ،وإن كان التوصل صعب
اإلثبات ،ويعطل املسطرة في بعض األحيان إال أنه يعد أكثر عدالة و إنصافا .وقد تم
تأييد هذا الرأي األخيرالعتبارآخريكمن في كون املشرع املغربي لم ينص على إمكانية
التمديد ،فاألنسب أن يحتسب األجل كامال ال ناقصا ،ألن االعتداد بتاريخ اإلرسال
قد يؤدي إلى التقليص من أجل الشهر حيث أن الفقرة الفاصلة بين تاريخ اإلرسال
وتاريخ التوصل قد تستغرق بضعة أيام539.
إن تنظيم املشرع لكيفية فسخ العقد الجاري قد أثار إشكاال آخر ،ففي الحالة
التي يظل فيها اإلنذار بدون جواب بعد مرور أجل الشهر ،فإن العقد يفسخ بقوة
القانون كدليل عن تنازل السنديك على استمرارية العقد الجاري ،540إن الخالف
الذي أثير يتمحور حول قرينة هذا التنازل هل هي قرينة قاطعة أم قرينة بسيطة .في
هذا اإلطار هناك من يرى أن القرينة املقررة في العقود الجارية قرينة بسيطة يمكن
إثباتها عكسها ،بمعنى أن التنازل عن طريق السكوت ال يعتبر قاطعا ينتفي معه
بتاريخ 11دجنبر 1990أكدت الخاصية القطعية لقرينة األجل املنصوص عليه في
املادة 37من قانون املساطر الجماعية (واملطابقة للمادة 573من مدونة التجارة
املغربية) وأصبحت هذه القاعدة قاعدة موضوع ،وقد تم تأييد هذا التوجه على
رابعا :على مستوى آثار الفسخ :يرتب الفسخ في املجال املدني مجموعة من
اآلثار ،وتتمثل أساسا في إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه باإلضافة للتعويض .وهو ما
اتضح من خالل الفقرة األولى من الفصل 259التي جاء فيها" :إذا كان املدين في حالة
مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ االلتزام ،ما دام تنفيذه ممكنا .فإن لم
يكن ممكنا جازللدائن أن يطلب فسخ العقد ،وله الحق في التعويض في الحالتين"....
فقد نص املشرع على الحق في التعويض ،واعتبره ثابتا في حالة إجبار املدين على
العروص ،المجلة
ي - 541مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكتية ،محمد
المغربية لقانون األعمال والمقاوالت ،ع ،2004 ،4ص . 22
- 542مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكتية ،مرجع سابق ،ص .22
تنفيذ العقد ،وفي حالة فسخ العقد .وال شك أن املشرع في املادة املدنية يراعي
مصلحة الدائن ،ويحيطها بمجموعة من الضمانات ،كما أنه يسهم في اإلعالء من
من الخصوصيات ،فاملادة 573من مدونة التجارة تمنح للمتعاقد الذي ال يختار
السنديك متابعة تنفيذ عقده ،إمكانية رفع دعوى للتعويض عن األضرارالتي لحقت
به جراء فسخ العقد الذي كان يربطه باملقاولة موضوع املسطرة القضائية ،إال أن
هذا التعويض تطبعه مجموعة من الخصوصيات جعلته يتميز عن ذلك املنظم في
إطار القواعد العامة ،فإذا تأملنا املادة 573من مدونة التجارة نجدها تستعمل
كلمة" يمكن" ،فهذه العبارة ال تسمح بالحسم النهائي في أحقية التعويض الذي قد
يطالب به املتعاقد املتضرر من جراء عدم مواصلة تنفيذ العقد543
تمثل مؤسسة الفسخ في املجال املدني تجسيدا حقيقيا ملبدأ القوة امللزمة الذي
يحكم العقد ،فهي اآللية التي خولها القانون للدائن في مواجهة مطل املدين في إطار
مبادئ العدالة والتوازن العقدي بين األطراف .ولقد لحقتها مجموعة من التغيرات
في املجال التجاري ،ومن أهمها تكسير حدة القوة امللزمة للعقد .وال شك أن
543الفقرة الثالثة من المادة :573عندما ال يختار السنديك متابعة تنفيذ العقد ،يمكن أن يؤدي ذلك إىل دعوى
ن للتعويض عن ن
األضار يدرج مبلغه يف قائمة الخصوم"
خصوصية املجال التجاري الذي يتسم بديمومة الحركية والتطوركان لها األثرالكبير
ما شرعت العقود إال لتلبية حاجات األفراد وتحقيق غاياتهم ،غير انه قد يخل
أحد املتعاقدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية ،كأن يقتصر املدين على تنفيذ العقد في
جزء منه فقط أو ينفذ العقد تنفيذا معيبا مخالفا للشروط واملواصفات املتفق
عليها ،فيكون من حق الدائن املطالبة بفسخ العقد .وإذا كان عدم تنفيذ العقد في
شموليته ،أو مخالفة التزامات جوهرية في العقد ،يعد خطأ جسيما يبرر الحكم
بالفسخ الكلي للعقد ،فإن تنفيذ جزء منه يثيرإشكاال حول مصيرالعالقة التعاقدية.
ومن أجل إعادة التوازن العقدي لاللتزامات املتقابلة ،فتح املجال للقاض ي لبسط
سلطته التقديرية في إيقاع الفسخ الجزئي للعقد كآلية لضمان مالئمة الجزاء مع
عدم التنفيذ الجزئي أو التنفيذ املعيب للعقد ،كلما تكونت لديه قناعة بعدم جدوى
محو العالقة التعاقدية كليا ،وتو افرت شروط الحكم بفسخ العقد جزئيا .ولقد
تضمن قانون االلتزامات والعقود مقتضيات تخص الفسخ الجزئي في الفصل 558
حيث أجاز للمشتري أن يطلب فسخ البيع بالنسبة للجزء املعيب وحده من األشياء
التي اشتراها صفقة واحدة وبثمن إجمالي 544،وكذا الفصل 336من نفس القانون
حيث نص على أن الفسخ ال يقع إال في جزء من العقد الذي لم ينفذ .545
وضمان استمرار املعامالت ،نقسمها إلى نقطتين ،يتحدث في األولى عن شرط إيقاع
الفسخ الجزئي (الفقرة األولى) وفي الثانية عن عدم التنفيذ كو اقعة تبرر الحكم
يشترط للحديث عن الفسخ الجزئي أن يكون العقد قابال للتجزئة .ويطلق عليه
عليه لدى فقهاء الفقه اإلسالمي بقابلية الصفقة للتفريق أو التبعيض ،وترد هذه
التسميات في إطار معنى واحد أال وهو " الفصل بين شقي العقد ،إذا كان العقد في
ذاته قابال لالنقسام ،بحيث يكون صحيحا في الشق املتبقي منه" .546وينصب معيار
القابلية للتجزئة أو عدمها على االلتزامات املكونة للعقد ،وهو ما يفسر اقتصار
االجتهاد القضائي أساسا على العقود التي موضوعها األموال .أما في عقد الشغل
ن ر
إجماىل
ي يىل ":إذا بيعت عدة أشياء مختلفة صفقة واحدة بثمن -نص المشع يف الفصل 558من ق.ل.ع عىل ما ي
544
واحد ،كان للمشتي ولو بعد التسليم ،أن يطلب فسخ البيع بالنسبة إىل الجزء المتعيب وحده من هذه األشياء ورد ما
يقابله من الثمن"...
ن ن ر
المشع يف الفصل 336من ق.ل.ع" :إذا كانت االستحالة جزئية لم ينقض االلتام إال جزئيا .فإذا كان من - 545نص
ن
الجزن وبي أن يفسخ ن ن ن
طبيعة هذا االلتام أن ال يقبل االنقسام إال مع ضر للدائن ،كان له الخيار بي أن يقبل الوفاء
ي
االلتام ن يف مجموعه".ن
ن ن ن
المدن،
ي خواص ،مجلة القضاء
ي المغرن والمقارن ،-رشيد
ي الجزن للعقود المدنية -دراسة يف ضوء القانوني - 546الفسخ
ع ،2016 ،13ص .32
الذي ينصب على استثمارعمل األجير ،فإن قابلية االلتزام للتجزئة غيرمتاحة دائما.
أوال :استقرار الطبيعة القانونية للعقد بعد إنقاصه :ويراد بذلك أن يتضمن
الجزء املتبقي من العقد األركان الالزمة لوجوده ،أي يجب أال يؤدي إزالة بعض
األجزاء من العقد إلى تغيير وصفه القانوني .وباملفهوم املخالف ،إذا كان العقد بعد
بتر جزء منه ،قد أصبح نموذجا قانونيا آخر غير األول ،فعندها نكون أمام تحول
العقد .ذلك أن أحد املتعاقدين قد يرتكب مخالفة للعقد ،كأن يمتنع عن تنفيذ جزء
من العقد أو ينفذ جزءا من العقد لكن على نحو معيب ،فإذا حقق تنفيذ العقد
املنفعة التي قصدها املتعاقد منه ،رغم ما اعتراه من قصور ،فإن املخالفة املرتكبة
في هذه الحالة ال تجيز الفسخ الكلي للعقد .ومع ذلك قد يسمح بفسخ العقد جزئيا
بالنسبة للجزء الذي لحقه العيب أو الذي لم يتم تنفيذه وحده ،بينما يظل الجزء
اآلخر منه قائما منتجا آلثاره بين طرفيه548 .
ثانيا :بقاء الجزء اآلخر من العقد صالحا إلعمال حكمه :ال يثير عدم تنفيذ
العقد بصورة إجمالية أي إشكال ،إذ يمكن للمتعاقد اآلخر طلب الفسخ الكلي
للعقد ،فيما يجسد التنفيذ الجزئي للعقد الفرق بين االلتزامات التي تعهد بها املدين،
وتلك التي قام بتنفيذها549 .
ولقد أورد املشرع املغربي تطبيقات للفسخ الجزئي للعقد وقابلية العقد للتجزئة
في إطارفصول قانون االلتزامات والعقود ،كالفصل 558الذي تحدث عن حالة ظهور
عيب في املبيع ،حيث يمكن للمشتري أن يفسخ البيع بالنسبة إلى الجزء املعيب
وحده ،ورد ما يقابله من الثمن ،إذا كان باإلمكان تجزئة العقد ،أوالفسخ الكلي للبيع.
وفي نفس اإلطارجاء الفصل 560من نفس القانون ليبين طريقة إنقاص الثمن لعيب
شاب الش يء املبيع ،إذ يتم تقويم هذا األخير عند البيع خاليا من العيب ،ثم تقويمه
على الحالة التي يوجد عليها .ويتحدد املقدارالذي ينبغي إنقاصه من خالل الفرق بين
الجزء :يشترط لتطبيق قابلية التجزئة أن يكون الجزء املتبقي من العقد مما يشكل
بقاؤه عقدا مستقال ،إذ تتو افرفيه أركان وشروط أي عقد ،لكن دون أن يتحول بهذه
األركان لنوع آخر من العقود مغايرا للعقد األصلي550 .
ويستند العقد القابل للتجزئة على العديد من األسس ،منها ما هو قانوني ،ومنها
ما هو موضوعي ،ومنها ما شخص ي .أما األساس القانوني ،فيراد به تلك النصوص
القانونية التي يضعها املشرع ويجبر األفراد على احترامها ،واملتعلقة بحاالت فصل
جزء من العقد بصورة حتمية ،كآلية لضمان التوازن العقدي وحماية لحقوق
األهمية حدا بحيث يعيب الش يء املبيع ،حيث كفل املشرع للمشتري حقه في الخيار
بين استرداد الجزء الذي حصل استحقاقه ،واالحتفاظ بالعقد بالنسبة للباقي ،وبين
فسخ البيع فسخا كليا واسترداد مجموع الثمن .أما إذا كان الجزء املستحق لم يبلغ
من األهمية الحد الكافي لتبرير الفسخ الكلي لعقد البيع ،فإنه ليس للمشتري إال
إنقاص الثمن بقدر ما استحق ،وهو أحد تطبيقات الفسخ الجزئي للعقد .أما
األساس الشخص ي ،فيقصد بذلك أن يكون الجزء املتبقي من العقد بعد تجزئته
مما اتفق عليه األطراف ،أي أن هذا الجزء قابل للوجود الذاتي املستقل في نظر
املتعاقدين ،وهذا األمر ال يتحقق إال إذا كان الجزء املنفصل من العقد ال يشكل
مسألة جوهرية في قصدهما ،أوكما يطلق عليه بالشرط أوالشق الدافع إلى التعاقد.
فلو تبين أن العقد كان يشكل وحدة متكاملة في نظر أحد املتعاقدين ،ملا كان هناك
إمكانية إعمال فكرة االنتقاص ،وهذا ينطبق على العقود املركبة ،حيث يتم التعاقد
على أساس القبول بكافة الجوانب التي تشكل الصفقة 552.في حين أن األساس
املوضوعي يرتكز على طبيعة محل العقد ،فإذا كانت األشياء قابلة لالنقسام
والتجزئة فهو كذلك ،وإال فال تتحقق هذه القابلية ،وهو ما جاء في الفقرة األولى من
ن ن
الجزن الذي يبلغ من األهمية حدا بحيث
ي - 551ينص الفصل 542من ق.ل.ع يف فقرته األوىل :يف حالة االستحقاق
الشاء لو علم به ،يثبت للمشتي الخيار ن
بي استداد ثمن السء المبيع ،وبحيث أن المشتي كان يمتنع عن ر يعيب ر
ي
ن
الباف ،وبي فسخ البيع واستداد كل الثمن. الجزء الذي حصل استحقاقه واالحتفاظ بالبيع بالنسبة اىل
ي
ن
االلتامات ،مرجع سابق ،ص .309 - 552مصادر
الفصل 181من ق.ل.ع حيث يتضح من خالل استقراءها أن عدم القابلية لالنقسام
أو التجزئة ترجع إلى طبيعة األشياء دون تدخل القانون أو إرادة الطرفين553 .
يشترط لكي يمارس الدائن املتعاقد حقه في طلب الفسخ ،توفر و اقعة عدم
التنفيذ الجزئي .ومن أجل النظر في طلب الفسخ ،ينبغي على القاض ي تقدير جسامة
عدم التنفيذ للعقد كأرضية يؤسس عليها حكمه بقبول أو رفض الفسخ .ولقد
اختلف الفقه حول املعيار الذي يطبقه القاض ي لتقدير جسامة اإلخالل بااللتزام
التعاقدي ،فذهب اتجاه إلى اعتماد املعياراملوضوعي في تقديرو اقعة عدم التنفيذ،
ذلك أن محور اهتمامهم ينصب على طبيعة االلتزام .فاإلخالل بتنفيذ التزام أصلي
يعد إخالال جسيما ملساسه بجوهر العقد من ناحية ،ولتأثيره في توازنه من جهة
أخرى ،الش يء الذي يبرراالستجابة لطلب الفسخ الكلي .أما االلتزام التبعي ،فال يعد
عدم تنفيذه جسيما 554 .وهوما تجسد من خالل قرارملحكمة النقض الفرنسية صدر
بتاريخ ،1976والذي بموجبه رفض الحكم بفسخ عقد بيع آلة بعلة أن العيب الذي
شابها ال يعتبر جسيما وال مؤثرا إذ يمكن تصحيحه .ويتضح أن القضاء الفرنس ي قد
ن
االلتام غت قابل لالنقسام: ن
- 553جاء يف الفصل 181من ق.ل.ع :يكون
ن
بمقتض طبيعة محله ،إذا كان هذا المحل شيئا أو عمال ال يقبل القسمة سواء كانت مادية أو معنوية"..، -
خواص ،ص .36 ن ن 554
ي رشيد ، -والمقارن المغرن
ي القانون ضوء في اسة
ر د -المدنية للعقود الجزن
ي الفسخ -
تبنى معيارا موضوعيا ،ذلك أن القاض ي عند نظره في الدعوى ،يبحث عما إذا كان
موضوع العقد الزال قائما أم ال555 .
بينما استند اتجاه آخرعلى التقديرالذاتي لجسامة عدم التنفيذ ،والذي يرتكز
على الوقوف عند اإلرادة الحقيقية للطرفين ،إذ يمكن أن تتجه إرادة املتعاقدين عند
إبرام العقد إلى وجوب التنفيذ الكامل للعقد .وال يتوقف القاض ي عند هذا الحد،
و إنما يهتم بمرحلة تنفيذ العقد ،إذ يتوجب عليه أن يقيم سلوكات ونية املخل
بااللتزام ،ذلك أن جسامة عدم التنفيذ تتمثل في الفرق بين اإلرادة املعلنة في العقد
وحدود ترجمتها إلى أفعال عند التنفيذ .فإذا كان الجزء غير املنفذ مما يمكن تجاوزه
دون أن يؤثرعلى الهدف من العقد ،فإنه يمكن إيقاع الفسخ الجزئي ،فعلى القاض ي
إذن التحقق من قدرة األطراف على تحقيق األهداف املنتظرة من إبرام العقد،
والفسخ الجزئي ال يمكن إيقاعه إال في حالة نقص في العقد لعيب في التنفيذ أو عدم
تنفيذ جزئي ،مع إمكانية جني األطراف املتعاقدة للفائدة املنتظرة عند إبرام العقد.
556
ويعتد القاض ي بسلوك الطرفين ،فإذا طالب الدائن بفسخ العقد بسبب إخالل
املدين بالتزامه ،فإن القاض ي يعتد بسلوك املدين كوسيلة لتقدير جسامة عدم
التنفيذ .كما أنه ينظر في طلب الدائن بناء على ما توصل إليه من معطيات حول
جسامة اإلخالل بااللتزام ،حيث يستجيب لطلب الفسخ كلما كان املدين مسؤوال عن
التنفيذ مسؤولية كاملة من أجل إلحاق الضرر بمصلحة الدائن ،أي أن املدين س يء
النية في التنفيذ .أما إذا كان سلوك املدين خاليا من أي خطأ ،فإن األمر يستدعي
إعادة التوازن بين االلتزامات العقدية من خالل تشطيراملخاطر ،دونما حاجة للجوء
للفسخ557 .
األهمية باملقارنة بما نفذ ،أو أن املدين حسن النية بإمكانه التنفيذ إذا خوله مهلة،
فإنه يرفض طلب الفسخ ويقض ي باإلمهال 558،وهو ما نص عليه املشرع في الفصل
234من ق.ل.ع 559.وال شك أن القاض ي وهو ينظر في طلب الفسخ ،فإنه يأخذ بعين
االعتبار كافة العناصر والظروف املتدخلة في املوضوع إلى غاية إصدار الحكم أو
القرار ،وذلك لتقدير مدى جسامة إخالل املدين بالتزاماته العقدية .وفي هذا اإلطار
بموجبه املحكمة االستجابة لطلب الفسخ وذلك بعلة أنه ":لم يستند على أسباب
قانونية واضحة ،خاصة وأن عقد البيع تام بقبض الثمن بكامله وتسليم املبيع ،وأن
املدعي لم يثبت و اقعة عدم توفر نظير الرسم العقاري ولم يحدد بدقة باقي الوثائق
األخرى ،ويتعين تبعا لذلك التصريح بعدم قبول طلب الفسخ"، 560وقد تستجيب
املحكمة لقرار الفسخ ،فيتقرر بمقتض ى حكم قضائي صادر عن املحكمة املختصة،
وللقاض ي في هذا امليدان سلطة تقديرية واسعة في الحكم بالفسخ أو اإلبقاء على
العقد 561 .ويتوجب عليه أن يقدرإذا كان يقض ي بفسخ العقد كله أم أن يقتصرعلى
وعلى العموم يعد الفسخ الجزئي للعقد وسيلة قانونية يلجأ إليها القاض ي
إليجاد حل إلشكالية التنفيذ الجزئي أوالتنفيذ املعيب .ورغم أن الفسخ الجزئي يعتبر
في نظر البعض خروجا عن مبدأ القوة امللزمة للعقد وخرقا ملبدأ سلطان اإلرادة ،إال
أن الو اقع العملي أثبت مدى استجابته لغايات اقتصادية واجتماعية تتمثل في
تصحيح الخلل الحاصل أثناء تنفيذ العقد وبالتالي إعادة التوازن بين التزامات طرفي
العقد.
خامتة:
تأسيسا على ما سبق ،يعتبر الفسخ جزاء مدنيا للمتعاقد الذي أخل بالتزام من
التزاماته التعاقدية ،وهذا الفسخ تترتب عنه آثار سواء بالنسبة للمتعاقدين أو
األغيار كما سبق الذكر ،غير أن الفسخ كمؤسسة قانونية وظيفتها حل االلتزامات
التعاقدية في العقود التبادلية لم تبقى لها نفس القوة التي كانت عليها ،بحيث أصبح
التوجه اآلن نحو الفسخ باإلرادة املنفردة وهو ما أقرته مجموعة من التشريعات من
مقدمة:
يعتبر عقد الكراء 562من أبرز العقود املسماة التي حظيت باهتمام املشرع
املغربي ،نظرا لألهمية التي يكتسيها في حل أزمة السكن .ولعل هذه األخيرة بكل ما لها
من انعكاسات على الحياة االجتماعية واالقتصادية تعد من أصعب وأدق األزمات
التي سالت لها مداد الباحتين وخصصت لها نقاشات ودراسات مطولة من قبل
الهيئات املعنية وغير املعنية .ملا تشكله من اهتمام كبير لدى طبقة عريضة من
املواطنين ،فكل فرد يأمل في الحصول على املسكن املالئم وباألجرة املتناسبة ،ولذلك
562ينص الفصل 627من ق.ل.ع ،والذي نص على أنه "عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه ألخر منفعة منقول أو عقار،
خالل مدة معينة مقابل أجرة محددة يلزم الطرف األخر بدفعها له".
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 328
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
قيل وبحق أن أزمة السكن هي أزمة التي تجعل اإلنسان وهو داخل وطنه بأنه غريب
ونظرا ملا أصبح يفرضه و اقع الحال من صعوبة امتالك جميع األشخاص
ملحل في املكان الذي يجدون أنفسهم مضطرين لسكن فيه أو يرونه مناسبا لتلبية
احتياجهم ،فإنه ال يبقى أما هؤالء بذا من اللجوء إلى إبرام عقد الكراء.
ولم يستقر عقد الكراء على تنظيم تشريعي واحد بل تعاقبت على تنظيمه
القوانين أنها تنساق وراء حماية املكتري باعتباره طرفا ضعيفا في العالقة التعاقدية.
ورغم أن هذه الفكرة قد عمرت طويال إلى أنها أصبحت متجاوزة بفعل عزوف
واجتماعية .دفعت باملشرع املغربي إلى إصدار قانون رقم 56567.12إيمانا منه في
تخفيف من وطأة هذه املشاكل و إيجاد أكبر قدر من التوازن ،وذلك بمنح بعض
563باإلضافة إلى المقتضيات العامة في قانون االلتزامات والعقود عرف عقد الكراء زخم هائل من النصوص القانونية
الخاصة التي تعاقبت على تنظيمه بدءا من ظهير 5ماي 1928ومرورا بظهير 25دجنبر 1980وإنتهاءا بقانون رقم
.67.12
565يتعلق األمر بالظهير الشريف ،رقم 1.13.111الصادر في 15محرم 1435الموافق ل 19نوفمبر ،2013بتنفيذ
القانون رقم 67.12المتعلق بتنظيم العالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت المعدة للسكنى أو االستعمال
المهني.
الحماية للمكترين السيما في ما يتعلق بتوجيه اإلشعارباإلفراغ ،حتى يكونوا على بينة
من أمرهم أنهم لن يفقدوا محالتهم وذلك من أجل تشجيعهم على كرائها.
وبعد طول االنتظار دام لحوالي 33سنة جاء املشرع املغربي بقانون رقم 67.12
املنظم للعالقة التعاقدية بين املكري واملكتري لألماكن للسكنى واالستعمال املنهي،
والذي تضمن مجموعة من املستجدات همت كل أطوار عقد الكراء أهمها الجانب
املتعلق بتوجيه اإلشعارباإلفراغ ،والذي يعد أبرزمرحلة في عقد الكراء ألنه مهما طال
وحتى يمارس املكري هذا الحق األصيل أال وهو توجيه اإلشعار باإلفراغ فالبد
وأن يسلك مجموعة من اإلجراءات الشكلية التي تعد التزام يلقى على عاتقه.
ومن ثم يمكن طرح السؤال التالي ما مدى توقف املشرع املغربي من خالل
القانون رقم 67.12في توفيرالحماية للمكري من أجل ممارسة الحق وتقيد بااللتزام
في توجيه الشعار باإلفراغ وذلك من أجل الحد من التخوفات التي كانت تنتابه من
وسعيا وراء اإلجابة على هذا السؤال ارتأيت تقسيم هذا املوضوع الى مطلبين:
املطل ـ ـ ـ ـ ـب األول :حق املالك في توجيه اإلشعار باإلفراغ في ضوء القانون رقم 67.12
املطل ـ ـ ـ ـب الث ـاني :التزام املالك في توجيه اإلشعارباإلفراغ في ضوء القانون رقم 67.12
املطلب األول :حق املالك يف توجيه اإلشعار باإلفراغ يف ضوء القانون رقم 67.12
لقد تناول املشرع املغربي بمقتض ى الباب السابع من القانون رقم 67.12كل ما
يتعلق بحق املالك في توجيه اإلشعارباإلفراغ ،وذلك في املواد من 44إلى 54بحيث أنه
أكد من خالل املادة 45على ضرورة توجيه إشعار املكتري باإلفراغ بنصه على أنه
"رغم كل شرط أو مقتض ى مخالف" وهو ما يفيد أن هذه القاعدة أمرة ال يجوز
وقد أردف بمقتض ى املادة 56648من نفس القانون مؤكدا على أسباب اإلفراغ
التي تتطلب ضرورة توجيه اإلشعارباإلفراغ .وما يمكن مالحظته من خالل هذه املادة
أن املشرع ذكرالتماطل في األداء ضمن األسباب التي تلزم املكري الراغب في اإلفراغ
بسببها أن يوجه اإلشعار باإلفراغ إلى املكتري ،و أكد كذلك على نفس املقتض ى في
املادة 56هذه األخيرة التي جاءت في الباب املتعلق بفسخ الكراء والتي ال تلزم املكري
بسلوك مسطرة اإلشعار باإلفراغ ،والتي تنص على أنه "يمكن للمكري أن يطلب من
املحكمة فسخ عقد الكراء و إفراغ املكتري ومن يقوم مقامه ،دون توجيه إشعار
566تنص المادة 45من القانون رقم " 67.12يجب على المكري الذي يرغب في انهاء عقد الكراء أن يوجه إشعارا باإلفراغ الى المكتري يستند على
أسباب جدية ومشروعة من قبيل:
-ا سترداد المحل المكترى لسكنه الشخصي أو لسكن زوجه أو أصوله أو فروعه المباشرين من الدرجة األولى أو المستفيدين من الوصية الواجبة
المؤسسة بمقتضى المادة 369وما يليها من مدونة األسرة أو المكفول المنصوص عليه في القانون رقم 15.01المتعلق بكفالة األطفال المهملين
الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.172في فاتح ربيع األخر 13( 1423يونيو .)2002
-ضرورة هدم المحل المكترى إعادة البناء ،أو إدخال إصالحات ضرورية عليه تستوجب اإلفراغ،
-التماطل في األداء".
من خالل املقارنة بين املادتين 45و 56يتضح أن املشرع وقع في تناقض ،ألن عدم
أداء الوجيبة الكرائية التي حل أجلها رغم توصل املكتري باإلنذار هو ذاته التماطل
في األداء .567وبالتالي وجب حذف التماطل في األداء حتى يكون هناك انسجام بين
النصوص القانونية .ولن تناول التماطل في ضمن األسباب التي تخول للمكري توجيه
وعالوة على ذلك هناك تناقض أخرال يقل أهمية عن سابقه ومرده هل أسباب
توجيه اإلشعار باإلفراغ جاءت في قانون رقم 67.12على سبيل املثال أم على سبيل
الحصر ،وبالرجوع الى الصياغة الواردة بمقتض ى املادة 45من نفس القانون وهي
كتالي "يجب على املكري الذي يرغب في إنهاء عقد الكراء أن يوجه إشعارا باإلفراغ إلى
املكتري يستند على أسباب جدية ومشروعة من قبيل" والتي توحي ظاهريا أن أسباب
توجيه اإلشعار باإلفراغ على سبيل املثال وبإمكان اعتماد أسباب أخرى غير واردة في
هذه املادة ،لكن عندما تصل بنا القراءة إلى املادة 56848سرعان ما يتبدد هذا الفهم،
567حياة البراقي :االنهاء والفسخ في ظل القانون رقم ، 67.12المنظم للعالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت المعدة للسكنى واالستعمال
المهني ،مقال منشور بالمجلة المغربية في الفقه والقضاء ،العدد الثالث ،السنة ،2016ص .81
تنص المادة 48من القانون رقم 67.12على أنه" ال يمكن للمحكمة أن تصحح اإلشعار باإلفراغ إال لألسباب الواردة في المادة 45أعاله" 568
وإذا كان املشرع املغربي قد خول للمالك حق في توجيه اإلشعار باإلفراغ وذلك
من أجل املطالبة باسترداد محله املكترى ،فإن هذا االسترداد ال يعدوا أن يكون إما
يمكن القول بداية إلى كلمة االحتياج569أو الحاجة لم يستعملها املشرع سواء في
ظل القانون القديم وحتى القانون الجديد رقم 67.12و إنما هي من ابتداع الفقه
والقضاء.570
ويعتبر ما يعرف باالحتياج من األسباب التي يتم االعتماد عليها بشكل كبير في
دعاوي إنهاء عقود الكراء الواردة على محل سكني أو منهي ،ومرد ذلك يرجع إلى أن
املكري إن لم يتثبت حاجته الشخصية للسكن في املحل املراد استرداده ،فكثير ما
يكون له أحد األقارب ممن لهم بمقتض ى القانون حق االستفادة من املحل يمكن
569يقصد االحتياج تلك الحالة التي يكون فيها المالك أو من يعيش في كنفه أحوج إلى المحل المأجور بسبب تغيير ظروفه العائلية أو ممارسته لحق
من الحقوق الطبيعية كالزواج أو تغيير طبيعة العمل وما يترتب عن ذلك من تحول في الحياة االجتماعية لطالب االحتياج.
-ع بد القادر العرعاري :النظرية العامة للعقود المسماة ،عقد الكراء المدني ،الطبعة الثالثة ،مطبعة الكرامة ،سنة ،2013_1434ص .166
570حياة البراقي :جق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في الظهير 25دجنبر ،1980وتطبيقاته القضائية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص ،وحدة القانون المدني المعمق ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدا الرباط ،السنة الجامعية
،2005.2006ص .221
إضافة إلى ذلك فهذا السبب يترجم ترجيح كفة املالك على املكتري حين يصبح
كل منهما في حاجة إلى ذات العقار وذلك انطالقا من أن "صاحب امللك أولى وأحق
باستعماله من غيره".571
ولم يجعل املشرع املغربي رخصة اإلفراغ لالحتياج حكرا على املكري فحسب بل
كان الفصل 13من ظهير 23.12.1980ينص على أنه يمكن للقاض ي تصحيح
اإلشعار باإلفراغ إذا كان املقصود سكنى املكري بنفسه باملحل أو أصوله أو فروعه
قانون األحوال الشخصية ،ولعل أهم مستجد جاء به املشرع في قانون رقم 67.12
هو أنه أضاف املكفول املنصوص عليه في القانون رقم 15.01املتعلق بكفالة
األطفال املهملين.
-1املك ـ ـ ـ ـ ـري
لقد وقع خالف بادئ األمر حول مفهوم املكري الوارد في النص القديم والذي
احتفظ به املشرح حتى في النص الجديد وذلك حول ما إذا كان الزما أن يكون هو
571حياة البراقي :االنهاء والفسخ في ظل القانون رقم ،67.12المنظم للعالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت المعدة للسكنى واالستعمال
المهني ،مرجع سابق ،ص .166
املالك للمحل الذي ينبغي إفراغه أم ال ،وبمعنى أخر هل اإلفراغ لالحتياج مرتبط
اختلفت توجهات الفقه في اإلجابة على هذا السؤال بحيث ذهب االتجاه األول
إلى أن استرداد املحل للسكنى مكفول للمالك ولغيره ممن يكون مكريا كاملنتفع
واملكري من الباطن .ألن إجازة اإلفراغ لالحتياج مرتبطة بحق املنفعة وليس بحق
أما االتجاه الثاني فقد ذهب إلى أن حق اإلفراغ من أجل السكنى مرتبط
بامللكية ،وال صلة له باملكري غير املالك .ويقوم هذا على أساس املفاضلة بين حق
املالك في االنتفاع بملكه وحق املكتري في البقاء في العين إذ يرجح في هذه الحالة حق
األول على الثاني أما إذا كان املكري غير املالك فال سبيل إلى تغليب مصلحته على
مصلحة املكتري.573
ويبدو أن االتجاه الثاني أقرب إلى الصواب ألن املشرع قصد باملكري "املالك"
وليس املنتفع وهو ما يفهم من سياق املادة 49من قانون رقم 67.12التي تنص على
أن "يكون املحل املطلوب إفراغه ملكا للمكتري منذ 18شهرا على األقل من تاريخ
عبد الرزاق أحمد السنهوري :شرح القانون المدني ،الجزء السادس المجلد ،2 ،ص .1173 572
573الحسين بلحساني :الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية ،موجبات االفراغ ،مطبعة األحمدية ،الطبعة الثالثة،
،1422.2001ص .87
اإلشعارباإلفراغ" .وقد أكدت على ذلك عدة قرارات ملحكمة النقض تؤكد على أحقية
وفي هذا الصدد يمكن القول بأن لفظ املكري الوارد في املادة 45من القانون
رقم 67.12ينصرف للرجل واملرأة على حد سواء ،وال يسوغ تمييز بينهما .575وبالتالي
وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض والذي اعتبرت على أنه يحق للمرأة املتزوجة
املكرية إفراغ املكتري قصد السكنى وهي وزوجها وفروعها ،وليس في ذلك أي تعارض
وباعتبار أن االحتياج مسألة و اقعية لذلك فإن إثبات هذا العنصر يلقى في
األصل على مدعيه أال وهو املكري .577مادام أثبت أنه اضطرللمطالبة بإفراغ مسكنه
574قرار لمحكمة النقض ،رقم 2053الصادر بتاريخ 21.6.2006ملف مدني ،عدد ،1980/1/6/2005غير منشور،
أورده مصطفى لزرق ،اإلفراغ للسكن وفقا مقتضيات ظهير 25دجنبر 1980،وتوجهات مجلس األعلى ،مقال منشور
بالندوة الجهوية األولى لمجلس األعلى ،حول قضايا كراء األماكن السكنية والمهنية والمحالت التجارية ،من خالل اجتهاد
المجلس األعلى ،سنة ،20007ص.393
575محمد بونبات :تنظيم العالقات بين المكري والمكتري( ،القانون 79.6المنظم بظهير ،)1980منشورات كلية العلوم القانونية واالقتصادية
والجتماعية ،سلسلة الكتب ،العدد 16مراكش ،سنة ،1998ص .88
قرار محكمة النقض عدد 96في الملف عدد 07.1648:تحت عدد 96الصادر بتاريخ .14.01.2009 576
_ وفي قرار أخر لمحكمة النقض "وإن كانت نفقة زوجة على زوجها طبقا لمدونة األحوال الشخصية فإن لها الحق كمالكة مكرية أن تطلب إفراغ
الم كتري من محلها قصد السكن زوجها وأوالدها وأن سكناها في سكنة إدارية منحت لزوجها ال يسقط حقها المنصوص عليه في الفصل 13من ظهير
"25.12.1980قرار محكمة النقض ،عدد 3462الصادر بتاريخ 2005،/12/28 ،في الملف المدني ،عدد ،2004/6/1/1/1843أورده محمد
العيادي ،بعض توجه ات المجلس األعلى في قضايا االكرية ،مقال منشور بملحق بأهم مبادئ قرارات المجلس األعلى ،المائدة المستديرة الخامسة حول
موقف التشريع والقضاء من المنازعات المتعلقة بعقود الكراء ،العدد الخامس ،سنة ،2011ص.45
عبد القادر العرعاري ،عقد الكراء ،مرجع سابق ،ص .178 577
ويستطيع اإلثبات بشتى الطرق ويدخل في ذلك حتى القرائن ألن األمر يتعلق بإثبات
و اقعة مادية.578
باإلضافة إلى املكري الذي خول له املشرع املغربي بمقتض ى املادة 45من
القانون رقم 67.12حق توجيه اإلشعار باإلفراغ لالحتياج للسكنى فإنه في بعض
لقد أكدت املادة 45من القانون رقم 67.12على أن أصول املكري أو فروعه
وقد أثارت كلمة املباشرين الواردة في املادة 45خالف من بين األوساط الباحتين
حيث جنح رأي األول إلى أن االستفادة من رخصة اإلفراغ محصورة في األصول
املباشرين أي األبوين دون األجداد.579أما الرأي الثاني فقد اعتبرأن االستفادة تسري
على األصول بصفة عامة سواء كانوا أباء أو أجداد ألن صفة املباشرين تنسحب في
578عبد العالي مجبر :األسباب المشروعة للحكم بإفراغ المحالت المعدة للسكنى بين النصوص القانونية وموقف المجلس األعلى ،مقال منشور بالندوة
الجهوية األولى للمجلس األعلى ،حول موضوع قضايا كراء األماكن السكنية والمهنية والمحالت التجارية من22و 23فبراير 2007 ،ص.33
579أحمد عاصم :الحماية القانونية للكراء السكني والمهني ،دراسة تحليلية للنصوص على ضوء أحكام القضاء وقرارات المجلس األعلى ،الطبعة
األولى ،مطبعة دار النشر المغربية ،سنة 1996 ،ص .117
580ادريس اليعقوبي :إشكالية إفراغ محالت السكنى بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،الرباط ،سنة ،1989ص .85
العدالة واإلنصاف على اعتبار أن األجداد هما أكبر سنا من أوالدهم وبلوغهم من
السن عتيا يفرض العناية بهم من جهة وأن املشرع لو كان يقصد األصول والفروع
الوصية الواجبة هي جزء من التركة يستحقه أبناء االبن و أبناء البنت املتوفى أو
وقد كانت الوصية الواجبة حق ألوالد االبن دون البنت في قانون األحوال
الشخصية القديم ،لكن مدونة األسرة التي حلت محله قد سوت في استحقاق
الوصية الواجبة بين األوالد االبن وأوالد البنت إذا توفي أحدهما أوكالهما قبل والده
أو معه .582وبالتالي أصبح من حق ولد البنت املطالبة بتوجيه اإلشعارباإلفراغ إسوة
بولد االبن.
ويبقى االستناد إلى االحتياج ذوي الوصية الواجبة استثناء من قاعدة االعتداد
باحتياج الفروع املباشرين فقط ألنهم أحفاد وفروع من الدرجة الثانية في نفس
الوقت ،إال أن االستناد على احتياج أبناء البنت املتوفاة قبل والدها يثيربدوره مسألة
581تنص المادة 369من مدونة األسرة على ما يلي "من توفي وله أوالد ابن أو أوالد بنت ومات االبن أو البنت قبله أو معه وجب على ألحفاده
هؤالء في ثلت تركته وصية بمقدار و الشروط األتية"
حياة البراقي :جق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في الظهير 25دجنبر ،1980وتطبيقاته القضائية ،مرجع سابق ،ص .136 582
التوفيق بين مقتضيات قانون الكراء ومدونة األسرة ألن أحفاد أبناء البنت غير
ج-املكـ ـ ـ ـفول
فالكفالة عمل إنساني باألساس يرمي الى توفير حياة عادية وسليمة للطفل
املتخلى عنه سواء كان معروف األبوين أو كان مولود من السفاح .وذلك من أجل
تربيته وتنشئته واإلنفاق عليه كما يفعل األب مع ولده دون أن يترتب على هذه
ولقد راعى املشرع املغربي وضعية املكفول ر أفة به إليجاد سكت يأويه ولو على
حساب املكتري ألنه غالبا ما يكون أحوج الى ذلك السيما أنه ليس لديه ما يعينه سوى
املكري الكفيل.
للقانون رقم 15.01املتعلق بكفالة األطفال املهملين دون املكفولين خارج هذا
583حساين أعبود :قراءة في القانون 12 .67المتعلق بتنظيم العالقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحالت المعدة للسكنى واالستعمال المهني،
مقال منشور بمجلة محكمة النقض ،العدد 15سنة .2014ص .176
584محمد الشافعي :كفالة األطفال المهملين ،الطبعة األولى ،مطبعة الوراقة الوطنية ،مراكش ،سنة ،2003ص .13
لقد نصت املادة 49من القانون رقم 67.12على شروط الالزم توفرها لصحة
توجيه اإلشعار باإلفراغ بسبب االحتياج لسكن وهما شرط املدة (أ) وعدم شغل
-1شرط املدة
من خالل مقتضيات املادة 58549من القانون رقم 67.12يتضح أنها جاءت
بمستجد مفاده تخفيض مدة التملك بالنسبة للمالك املحتاج الراغب في توجيه
اإلشعار باإلفراغ إلى ثمانية عشرة شهرا من تاريخ اإلشعار ،بدل ثالثة سنوات التي
كانت في ظل القانون القديم مخفضا درجة الحرص على مصلحة املكتري بتخفيض
الهادفة إلى إخالء املكترين بعد فترات وجيزة من تملك العقاراملأجور ،وهذا ما أكدته
محكمة النقض حيث أنها اعتبرت بأن اإلنذارباإلفراغ يكتس ي طابع املضاربة في حالة
585تنص المادة 49من القانون رقم 67.12أنه "ال يقبل طلب تصحيح اإلشعار باإلفراغ لسبب المشار إليه أعاله في البند األول من المادة 45أعاله
إال بتوفر الشرطين التاليين:
-1أن يكون المحل المطلوب إفراغه ملكا للمكري مند 18شهرا من تاريخ اإلشعار باإلفراغ"...
586قرار محكمة االستئناف بالرباط ،بتاريخ 1956/12/3إبراهيم زعيم ومحمد فركت الكراء نصوص واالجتهاد ( ،)1913.1985السلسلة الجديدة
في التشريع المغربي ،الطبعة األولى ،سنة ،1998ص.86
وباإلضافة إلى هذا املستجد أضافت نفس املادة مستجد أخر يتجلى في أنها
يملك خاللها املالك السابق ،وبهذا وضعت حد لإلشكاالت التي كانت تطرح سابقا
حول إمكانية استفادة األشخاص املذكورين أعاله من املدة التي كان يملك خاللها
من القانون رقم 67.12إلى جانب الوارث واملوص ى له ،له ما يبرره ألن الكفالة ال تنقل
أموال الكافل إلى املكفول وذلك خالفا لإلرث والوصية ،فاملكفول ليس خلفا
عاما ،588وبهذا يكون املشرع قد منح للمكفول ما لم يمنحه لباقي املستفيدين من زوج
وأن ذكراملكفول بمقتض ى البند األول من املادة 49من القانون رقم 67.12دون
اإلشارة إلى القانون رقم 15.01املتعلق بكفالة األطفال املهملين عكس ما نص عليه
في املادة 45هل هو سهو من املشرع أم ترك الباب مفتوح على مصراعيه للكفول
587وسيلة حرنان :اإلشكاالت المتعلقة باإلنذار ،في ضوء القانون رقم ،67.12المتعلق بالكراء السكني أو المهني ،مقال منشور بسلسلة الندوات
واأليام الدراسية ،قراءة في مستجدات القانون رقم ،67.12المتعلق بالكراء السكني والمهني ،سنة ،2014ص .7
تنص المادة 2من قانون كفالة األطفال المهملين ،في فقرتها األخيرة على أنه" ال يترتب عن الكفالة حق في النسب وال في اإلرث". 588
حياة البراقي :إنهاء وفسخ عقد الكراء المحالت المعدة للسكنى واالستعمال المهني ،في ظل قانون رقم ،67.12مرجع سابق ،ص.115 589
لقد نصت على هذا الشرط الفقرة الثانية املادة 49من قانون رقم
دون تلك املعدة لالستعمال املنهي على اعتبار أن املادة استعملت مصطلح "سكنا".
وال يجب أن يفهم من وراء ذلك أن توفر املكري على محل في ملكه يعد قرينة قاطعة
على أنه غيرمحتاج ،إذ قد قضت محكمة النقض بنقض قراراستئنافي رفض دعوى
اإلفراغ بعلة أن املكري يسكن في جزء من العقار الذي يملكه وقد اشترى جزء ثاني
فالحاجة إلى التوسع في السكن مثل الحاجة إلى السكن سواء بسواء ،فاملشرع
بإضافته لعبارة كافيا لحاجياتهم العادية يفيد أن املكري أو دويه الذين لهم سكن في
ملكهم ولكن غيركاف لحاجياتهم يعتبرون في حكم من ليس له سكن في ملكه في مجال
االحتياج.592
وقد يدعي طالب اإلفراغ عدم مالئمة السكن الذي يشغله لوضعيته الصحية
إذ أن جعل السكن مناسبا للحالة الصحية هي من أهم الحاجيات العادية التي
يرغب اإلنسان توفرها في املنزل الذي يأويه ،خاصة إذا كان األمر مقرونا بتقرير طبي
590نص الفقرة الثانية من المادة 49من القانون رقم 67.12على ما يلي" ....أن يكون المكري أو زوجه أو أصوله أو فروعه المباشرون من
الدرجة األولى أو المستفيدين من الوصية الواجبة حسب الحاالت أو المكفول طبقا لمقتضيات القانون رقم 15.01المتعلق بكفالة األطفال المهملين ال
يشغلون سكنا في ملكيتهم أو كافيا لحاجياتهم العادية".
قرار محكمة النقض رقم 525بتاريخ 16يوليوز 1982،ملف مدني عدد 84586منشور بمجلة القضاء المجلس األعلى عدد 31ص. 591
أحمد عاصم :الحماية القانونية للكراء السكني والمهني ،مرجع سابق ،ص.118 592
يبرر رغبته في استبدال املحل الذي يشغله بمحل أخر متوفر على مواصفات تالئم
وما تجدرإليه اإلشارة أخيرا أنه ال يشترط توفرهذين الشرطين املشارإليهم أنفا
إذا عرض املكري على املكتري سكنا مماثال للمحل املطلوب إفراغه بنفس املواصفات
ونفس الوجيبة الكرائية ،لكن قد يعترض املكتري على اقتراح املالك للمحل الجديد
بحجة أن املحل ال يراعي الشروط املنصوص عليها في املادة 49هذه الفرضية لم يشر
لها املشرع املغربي وال إلجراءاتها ،وهو ما يعتبر فراغا تشريعيا يجب سده وذلك
باحتكام إلى املنطق الذي يفرض لجوء املكري الى املحكمة لتحسم في النزاع إذا تبين
لها أن الشروط املتطلبة في املادة 49من القانون رقم 67.12متوفرة حكمت باإلفراغ
ألن رفض املكتري في هذه الحالة ال يعدوا أن يكون تعسفا وتعنتا من جانبه.594
593لقد قضت محكمة النفض في قرار لها بأنه "يكون غير مرتكز على أساس ومعرض للنقض واإلبطال القرار الذي اعتبر أن حالة المرض المحتج
بها من طرف طالب المصادقة على اإلشعار باإلفراغ لالحتياج ال يمكن أن تكون سببا للمصادقة عليه دون أن تبحث المحكمة مصدرته في واقعة
االحتياج وتقدرها على ضوء الحالة المرضية للبنت المراد إسكانها السيما وقد تمسك الطاعنون بأنه يتعذر عليها الصعود إلى الطابق الرابع الذي تسكن
فيه معهم بناء تعليمات طبيبها الذي أجرى لها عملية جراحية على القلب"
_قرار رقم 2886بتاريخ 2006-9-6عدد 2004 -6-1 3026أورده مصطفى لزرق ،اإلفراغ للسكن وفقا مقتضيات ظهير 25دجنبر 1980،
وتوجهات مجلس األعلى ،مقال منشور بالندوة الجهوية األولى لمجلس األعلى ،حول قضايا كراء األماكن السكنية والمهنية والمحالت التجارية ،من
خالل اجتهاد المجلس األعلى ،سنة ،2007ص .404
الحسين بلحساني :الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية ،موجبات اإلفراغ ،مرجع سابق ،ص.366 594
لقد منح املشرع املغربي بمقتض ى املادة 59545من قانون رقم 67.12للمكتري
حق في االسترجاع املؤقت ملحله املكترى وذلك لضرورة الهدم وإعادة البناء ،وإدخال
وعكس السبب األول املتعلق باالسترجاع لالحتياج الذي يقوم على االسترجاع
النهائي فإن هذا السبب يقوم على االسترجاع املؤقت ،في حالة توفر حاالته ،وينتهي
هذا الحق بممارسة املكتري لحقه في الرجوع إلى املحل إذا ما تحقق الغرض من
إفراغه.
يقصد بالهدم هو إزالة البناء برمته وتحويله إلى أنقاض بحيث تصبح األرض
مجردة منه كله .596أما إدخال التغييرات فهي كل األعمال واإلصالحات الهادفة إلى
ترميم البناء أو تدعيمه أو توسيعه أو الزيادة فيه ال فرق في ذلك بين اإلصالحات
الضرورية أو تلك التي تمليها ظروف االستعجال القصوى التي ال تحتمل التأخير.597
595تنص المادة 45من القانون رقم 67.12على أنه "يجب على المكري الذي يرغب في إنهاء عقد الكراء أن يوجه إشعار باإلفراغ الى المكتري
يستند على أسباب جدية ومشروعة من قبيل:
-ضرورة الهدم المحل المكترى وإعادة بناء وإدخال إصالحات ضرورية عليه تستوجب اإلفراغ".
596حياة البراقي :حق المطالبة باإلفراغ الضمانات ،والحدود في ظهير 25دجنبر ،1980وتطبيقاته القضائية ،مرجع
سابق ،ص .173
ويعتبر اإلفراغ لضرورة الهدم وإدخال التغييرات على البناء من األسباب التي
أكد عليها املشرع املغربي في إطارالقانونين القديم وكذا الجديد بحيث أكد هذا األخير
في املادة 50منه على أنه" يتعين تصحيح اإلشعار باإلفراغ إذا كان هدم املحل أو
إدخال تغييرات هامة عليه ضروريا ويستوجب إفراغ املكتري من املحل املكترى"
وبمفهوم املخالفة إذا كان الهدم وإدخال التغييرات على املحل ال يستوجب إفراغ
املكتري فال داعي لتصحيح اإلشعارباإلفراغ ،وسيان في ذلك إذا كان الهدم جزئيا .أما
لكن إذا كانت الضرورة شرطا الزما لنشوء حق املكري في طلب االسترجاع
املؤقت ملحله من أجل هدمه أو إدخال تغييرات عليه ،فيتوجب علينا الوقوف على
لقد انقسمت اآلراء حول معنى الضرورة إلى رأيين ،فالرأي األول يحصرمعناها
في نطاق ضيق بحيث أنها تتحقق في حالة ما إذا كان املحل مهددا بالسقوط أواالنهيار
مما يفرض في هذه الحالة أن يتدخل املكري لتفادي هذا الخطر إما بترميم املبنى
وإصالحه وإما بهدمه كليا أو جزئيا بحسب األحوال وما تقتضيه وضعية البناء .598أما
االتجاه الثاني فقد توسع في معنى الضرورة مؤكدا أن املشرع لم يحدد حاالت الهدم
بل اشترط فقط توفر حاالت الضرورة تاركا أمر تقديرها للقضاء ،بحيث تستوعب
سين بلحساني :الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية ،موجبات اإلفراغ ،مرجع سابق ،ص .358 598
كافة الصور التي يكون فيها الهدم ضروريا لدواعي األمن أو الصحة أو للضرورة
ويتضح من خالل الفقرة الثانية من املادة 60150أن املشرع املغربي اعتنق الرأي
الثاني الذي يتوسع في معنى الضرورة .وهوما يكرس في نظرنا حماية األطراف العالقة
التعاقدية وذلك في الحفاظ على املحل املكترى من االنهيار من جهة والحفاظ على
وعالوة على ذلك فإذا كانت معنى الضرورة عرفت اختالف في الرأي فإن حاالتها
لن تخلو بدورها من خالف بحيث أن البعض قد جنح إلى أن حاالت الضرورة جاءت
على سبيل الحصر ألن املشرع املغربي ال يترك مجال العتبار حاالت الضرورة أخرى
غير املنصوص عليها مثل الهدم امتثاال لقرار إداري أو قضائي ال عالقة له بانعدام
الشروط الصحية واألمنية 602
أما االتجاه األخر فقد أكد على أن هذه الحاالت جاءت على سبيل املثال
وسندهم في ذلك أنه يمكن للقضاء الحكم باإلفراغ للهدم وإعادة البناء وإدخال
أحمد عاصم ،الحماية القانونية للكراء السكني والمهني ،مرجع سابق ،ص .70 599
600حيث قضت محكمة النقض إلى أن "الهدم يكون ضروريا لكي يقام بناء جديد مكان بناء المهدم كما يكون ضروريا إذا
اقتضته وضعية البناء النعدام الشروط الصحية أو األمنية لسكانه ".
_ قرار محكمة النقض ،عدد 1978بتاريخ ،1987/9/23في الملف المدني عدد ،83/815قضاء مجلس األعلى ،العدد 41نونبر ،1988ص.29
601تنص الفقرة الثانية من المادة 50من القانون رقم ..." 67.12يكون الهدم وإدخال التغييرات ضروريا إذا اقتضته وضعية البناء النعدام الشروط
الصحية وأمنية به أو إذا رغب المكري في إقامة بناء جديد مكان البناء المهدم أو ظهرت مستجدات بمقتضى وثائق التعمير تسمح ببناءات إضافية من
شأنها ان تثمن العقار".
602حياة البراقي :إنهاء وفسخ عقد كراء المحالت المعدة للسكنى أو االستعمال المهني في ظل قانون رقم ،67.12مرجع سابق ،ص .77
إصالحات متى كان السبب الذي يستند عليه املكري جديا وأدلى رفقة طلبه برخصة
البناء وتصميم مصادق عليه ،603لذلك يمكن إضافة بعض األسباب الجدية األخرى
املبررة للهدم وإعادة البناء من قبيل تنفيذ قرارإداري أو حكم قضائي أمربالهدم.
وفي اعتقادنا املتواضع أن الرأي الثاني يبقى مجانبا للصواب وسندنا في ذلك
صياغة املادة 50من القانون رقم 67.12التي استعملت عبارة " أوظهرت مستجدات
بمقتض ى وثائق التعمير تسمح ببناءات إضافية من شأنها تثمين العقار" وهذه
العبارة توضح بشكل ال يدع مجاال لشك على أنه يمكن أن تظهر في أي وقت وحين
حاالت الهدم بمقتض ى وثائق التعمير وهو ما يجعل حاالت الهدم وإعادة البناء
وتجدر اإلشارة إلى أن الفقرة الرابعة من املادة 50من قانون رقم 67.12قد
منحت للمكتري إمكانية أن يطلب من املحكمة تحديد أجل للمكري يتعين خالله
تنفيذ سبب اإلفراغ .وعلى كل حال ال يسري هذا األجل إال من تاريخ استعادة العين
وبسط املكري يده عليها ال من تاريخ صدورالحكم وصيرورته نهائيا ،إذ يتعذرالشروع
في األشغال وللعين تحث يد املكتري والحتمال تأثير امتناع املكتري املحكوم عليه
وتملصه من التنفيذ بافتعال األعذار كدعوى الصعوبة في التنفيذ مثال ،ومن ناحية
603نزهة الخالدي ،الوجيز في العقود المسماة ،عقد البيع عقد الكراء وفقا للقانون االلتزامات والعقود ،والقوانين المقارنة ،الطبعة الثانية ،مطبعة
تطوان ،سنة ،2016ص .255
أخرى يبقى سريان ذات األجل رهن مشيئة املكري املحكوم له مادام التنفيذ مرتبط
بمبادرته .604
ثانيا :أحقية املكرتي يف الرجوع إىل احملل بعد إصالحه وإعادة بنائه
لقد أكد املشرع املغربي في املادة 50من القانون رقم 67.12في شقها الثاني على
أحقية املكتري للرجوع الى املحل بعد إصالحه أو اإلعادة بناءه بشرط أن يستعمل
هذا الحق داخل الشهرين املوالين لإلشعار الصادر عن املكري وفقا للفقرة املوالية
على 15يوما من تاريخ الحصول على رخصة السكن وشهادة املطابقة بدل شهرين
من نهاية األشغال التي كانت منصوصا عليها في ظل القانون القديم .وكذلك
استعماله لعبارة "اإلشعار الصادر عن املكري وفقا للفقرة املوالية" تمييزا له عن
أبقى املشرع على املدة التي كانت واردة في الفصل 15من القانون القديم وهي شهرين
من تاريخ اإلشعار املوجه له605.
605حياة البراقي :إنهاء وفسخ عقد كراء المحالت المعدة للسكنى أو االستعمال المهني ،في ظل القانون رقم ،67.12
مرج سابق ،ص .78
ومدة شهرين هاته فيها تعطيل لالنتفاع بالعين فاملالك يحرم من الثمار املدنية
وال يستطيع الكراء للغيروال يلتزم املكتري السابق بأداء الوجيبة الكرائية عنها حتى في
حالة تمسكه بأسبقية وعودته فعال الى ذات العين .ألن األمر هنا ال يتعلق باستئناف
للعالقة الكرائية القديمة و إنما بإنشاء عالقة جديدة متفاوض عليها بدليل إنهاء
القانون على أن السومة الكرائية تراعى فيها التغييرات املدخلة على العين
والرأسمال املستثمرفيها.606
ملا كان عقد الكراء وفقا للقواعد العامة عقدا عاديا فإنه كان باإلمكان إنهاء
هذا العقد بمجرد انقضاء املدة طبقا للفصل 687من قانون االلتزامات والعقود.607
غير أن هذا املبدأ عرف تطورا نظرا لعدة مستجدات اجتماعية جعلت إنهاء عقد
الكراء ملجرد انقضاء املدة املتفق عليها ضارا بمصالح املكتري بتعويضه لعدم
االستقرار النفس ي واملادي ،فكان حتما أن يتدخل املشرع لتنظيم إفراغ املكتري
607ينص الفصل 687من قانون االلتزامات والعقود على أنه " كراء ألشياء ينقضي بقوة القانون عند انتهاء المدة التي
حددها له المتعاقدان من غير ضرورة إلعطاء تنبيه باإلخالء ،وذلك ما لم يقض االتفاق بغيره ومع عدم االخالل بالقواعد
الخاصة بكراء األراضي الزراعية".
بضوابط خاصة ،منها واجب إشعاره من طرف املكري باإلفراغ 608وتضمين اإلشعار
وقد عرف الفقه اإلشعار "بأنه تصرف قانوني من جانب واحد يعبر عن طريقه
أحد طرفي العالقة الكرائية عن رغبته في وضع حد لعقد الكراء ،بعد مرور أجل
ويعد اإلشعار باإلفراغ بمثابة قيد شكلي الذي يلقي على عاتق املاك املكري
التزام بسلوك اإلجراءات الشكلية الواردة في الفصل 46من قانون رقم 67.12حتى
يعتد به قانونا.
سليما صحيحا ملجرد توفره على األركان الالزمة لقيام التصرفات الرضائية بصفة
عامة .611عكس ما هوعليه الحال في ظل قانون رقم 67.12الذي يلزم املالك بإفراغه
محمد بونبات :العقود المسمات ،البيع الكراء ،مطبعة الوراقة مراكش ،سنة ،1997ص.98 608
أحمد عاصم ،الحماية القانونية للكراء السكني والمهني ،مرجع سابق ،ص.45 609
610بالرجوع إلى القواعد العامة ،يتضح بأنها ال تشترط في اإلشعار باإلفراغ شكل معين بل تركت األمر الى محض إرادة األطراف ،وبالتالي يمكن
أن يكون كتابيا أو شفويا.
الحسين بلحساني :الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية ،دعوى اإلفراغ ،مرجع سابق ،ص.57 611
وفق الشكل الذي رسمه املشرع في هذا القانون بحيث أصبح شكل اإلشعار ركن
وترتيبا على ذلك نستطيع القول أن املكري مقيد في مطالبته بإفراغ محل سكني
أو منهي بقيد ثالثي الوجوه يحد من حريته في ممارسة هذا الحق ،613ويتجلى في بيان
األسباب التي يستند عليها وشمول اإلشعار ملجموع املحل املكترى بكافة مر افقه تم
فكما هو واضح من خالل املادة 46من القانون رقم 67.12فإن املكري ملزم
بتضمين اإلشعار الذي يوجهه الى املكتري قصد إنهاء العالقة الكرائية التي تربطه
وال شك أن هذا البيان يكتس ي أهمية قصوى ،ذلك أن املحكمة ال يجوز لها أن
إذ أن إلزام املكري ببيان السبب هو شرط الزم وضروري لصحة اإلنذار ،كما
أن عدم تضمين اإلنذارألي سبب يجعله باطال ،وال يعتد به من طرف املحكمة ،وقد
لقد نصت المادة 46من قانون رقم 67.12على شكل اإلشعار باإلفراغ بقولها "يتضمن اإلشعار باإلفراغ تحت طائلة البطالن، 612
حياة البراقي :حق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في ظل ظهير ،1980وتطبيقاته القضائية ،مرجع سابق ،ص .267 613
أحمد عاصم ،الحماية القانونية للكراء السكني والمهني ،مرجع سابق ،ص.38 614
من جدية أحد األسباب فإنها تبحث في السبب الثاني املضمن باإلشعار باإلفراغ.615
وهذا ما صارت عليه محكمة النقض مؤكدة على أنه "حيث أن الثابت من وثائق
امللف املعروضة على القضاة املوضوع خصوصا اإلنذار املوجه للطالبة أنه أسس
على ثالثة أسباب لإلفراغ أولها املطل في أداء واجبات الكراء وثانيهما إحداث تغييرات
بمحل النزاع دون إذن املكرية وثالثها رغبة هذه األخيرة في استرجاع محلها الستغالله
شخصيا ،وملا تبين لها أن السببين األول والثاني غير قائمين كانت على حق ملا بتت في
للمكتري املوجه إليه هذا اإلشعار أن يقرر قبوله أو رفضه وال أن ييهئ دفاعه في حال
عرض النزاع على القضاء إلى على ضوء السبب املبين فيه.618
ويعتبر استلزام بيان األسباب املثارة من املستجدات التي جاء بها ظهير 1980
وتبناها املشرع كذلك في قانون رقم 67.12ذلك أنه في إطار القواعد العامة لم يكن
املكري ملزما بشرح األسباب واملبررات التي استدعت إقدامه على إفراغ املكتري ،إذ
616قرار محكمة النقض ،عدد 181المؤرخ في ،2012/02/16ملف تجاري عدد ،2011/2/3/1242منشور بمجلة الحاكم المغربية ،عدد ،139
الصفحة 21ومايليها.
617محمد الكحل :التطور التشريعي والقضائي لشكلية المطالبة بإفراغ المحالت السكنية والمهنية ،مقال منشور بمجلة البحوث ،العدد المزدوج-12 ،
،13سنة ،2015ص.227
حياة البراقي :حق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في ظل ظهير ،1980وتطبيقاته القضائية ،مرجع سابق ،ص .274 618
كان يكفيه أن يحمل الى املكتري رغبته وعزمه على هذا اإلفراغ ولم يشترط في ذلك
إال أن اإلشكال الذي يطرح في هذا السياق هل أسباب التي يستند عليها املكري
ودون الدخول في االختالف الفقهي يمكن القول بأن أسباب اإلفراغ واردة على
لقد تمخض عن هذا الشرط الذي كان منصوصا عليه في الفصل التاسع من
ظهير 1980امللغى ،الذي تقابله املادة 46من القانون رقم 67.12خالف في أوساط
الفقه والقضاء ،إذ اعتبره البعض بيانا شكليا إلزاميا ،فين حين اعتبره البعض األخر
االتجـاه األول :يتمسك بحرفية النص ويعتقد أن هذا البيان املشترط في اإلشعار
يقتض ي ذكر باعثه لكل أجزاء املحل املكترى ووصفه من حيث املوقع وحصر عدد
الحسين بلحساني :الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية دعوى االفراغ ،م س ،ص .64 619
620لقد أكدته المحكمة االبتدائية "االتفاق الواقع بين المكري والمكتري لمحل سكني على انتهاء عقد الكراء بعد مضي مدة معينة اتفاق صحيح ينهي
الكراء الن أسباب انتهاء عقد كراء المحالت السكنية أو المهنية مذكورة على سبيل المثال ال الحصر"
_ حكم لمحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،بتاريخ 10/1/20تحت عدد ،243في الملف عدد ،09/4600منشور بالمجلة المغربية لدراسات القانونية
والقضائية ،عدد ،3ص 355وما يليها.
غرفه وملحقاته .621وذلك بتعيينه تعيينا نافيا لكل جهالة ،بذكر عدد البيوت،
واملطبخ والحمام ،وما إلى ذلك من ملحقات كالحديقة املحيطة باملنزل مثال ،ذلك أن
هذا اإلشعار له طابع شكلي ويترتب على عدم االلتزام به بشكل حرفي جزاء البطالن
الذي استهل به املشرع صياغته للفصل التاسع املقابل للمادة 49من القانون رقم
.67.12
أما االتجاه الثاني :فيذهب إلى أن هذا البيان موضوعي يستهدف التأكيد على
أن اإلشعارباإلفراغ ينبغي أن يراعى فيه عدم قابليته للتجزئة بحيث يجب أن يرد على
مجموع املحل املكترى وليس فقط على جزء منه حفاظا على وحدة عقد الكراء.622
وذلك أن هذا البيان غيرمتصل مباشرة بمسطرة الفسخ ،و إنما هوتكريس ملبدأ عدم
تجزئة العقد الذي كان معموال به في القانون السابق لظهير ،1980وهو مبدأ عام من
أما محكمة النقض فقد نحت منحى االتجاه املوضوعي حيث أكدت على أن
املكتراة بكافة مر افقها هو ضمان املحافظة على وحدة عقد الكراء إذ أن عبارة
Omar Mounir introduction a l’étude du bail d’habitation au mémoire du diplôme des études supérieurs 621
université Hassan 2 faculté des sciences juridiques économique et sociales Casablanca 1984 p158.
622عبد القادر الرافعي :موضوعية اشتمال اإلشعار باإلفراغ على مجموع المحالت والمرافق أم شكليته؟ مجلة رابطة القضاء ،السنة ،21العدد
،15_14سبتمبر ،1985ص.25
Rachid fillal meknassi remarque a propos de la loi n 6.79 revue juridique politique et n 13_141983p71.c 623
d’économie du Maroc n 13_14 1983 p7.
الواحد كوحدة سكنية ال تقيل التجزئة وأن ما يعنيه املشرع هو تلك املحاالت
العكسية التي تكون فيها تجزئة العقد واردة إما بحكم الطبيعة العقاراملكرى في حالة
اشتمال العقد على أكثرمن املحل الواحد أو بمقتض ى شرط وارد في العقد.624
إن مرد الخالف في الحقيقة األمر يرجع إلى عدم تحري الدقة من قبل املشرع
ظل القانون امللغى ،في استعمال األلفاظ املناسبة واملعبرة بتحديد الغرض املقصود
وألجل وضع حد لكل هذه الخالفات الحادة ولقطع دابر كل فهم خاطئ وتطبيق
منحرف جاء املشرع في املادة 46رقم 67.12بمصطلحات أكثردقة بحيث أنه استبدل
كلمة "املحالت" التي كانت واردة في الفصل التاسع امللغى "باملحل" من أجل تجاوزكل
لقد ألزمت املادة 46من قانون رقم 67.12املالك املكري تضمين اإلشعار
اإلشارة إلى منح املكتري أجل شهرين على األقل ،واملالحظ أن املشرع املغربي قلص
من هذا األجل ليصبح شهرين بدل ثالثة أشهر التي كانت مضمنة في ظل الفصل 9
624قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 2010/08/24أوردته وسيلة حرنان :مرجع سابق ،ص.4-5
ندوة بموضوع ،مستجدات قانون كراء المحالت المعدة للسكنى أو االستعمال المهني ،مرجع سابق ،ص.7 625
وغني عن البيان أن قصد املشرع من اشتراط ضرورة تقيد املكري بهذا األجل،
وإعطائه مهلة كافية يتدبر فيها أمر الكراء626 وهو تفادي مفاجأة املكتري بانتهاء
البحث عن مكان جديد إن رض ي بإفراغ املحل استجابة لرغبة املكري بصورة تلقائية
القتناعه 627بصحة السبب الذي يحتج عليه به املكري دون ضرورة إلقامة الدعوى
ضده 628وإال فإلعداد دفاعه أمام املحكمة التي ستنظر في عوى تصحيح اإلشعار
باإلفراغ.629
وإذا كان اشتراط املشرع اإلشارة إلى أجل شهرين على أقل في اإلشعار باإلفراغ
من قبل املكري ،فقد ال يضمن عمليا املكري هذا األجل باإلشعاروينتظرمرورأجالل
القديم إلى اعتبار أن اإلنذار املتنازع فيه والذي ال يتضمن مدة أجل الثالثة أشهر
على وجوب تضمين اإلشعار باإلفراغ تحت طائلة البطالن اإلشارة إلى أجل الثالثة
627محمد أحمد بونبات :الجديد في كراء األماكن المعدة للسكن واالستعمال المهني ،دراسة شاملة للقوانين ،64/63.99/6.79.94 ،مع ربطها
بالقواعد العامة االمنظمة للكراء ،مطبعة الوراقة الوطنية ،مراكش ،سنة 2001ص.50
628محي الدين سماعيل :نطم الكراء بالمغرب ،مطبعة الساحل ،الرباط سنة ،1989ص.20
حياة البراقي :حق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في ظهير ،1980مرجع سابق ،ص.289 629
أشهر وال يسوغ للمحكمة االستعاضة عن هذا اإلجراء بأي استنتاج أو اجتهاد إذ ال
من خالل هذا القراريتضح أن عدم اإلشارة إلى أجل شهرين على األقل باإلشعار
باإلفراغ يجعله باطال ،وعلى هذا األساس إذا كان املشرع املغربي قد رتب البطالن
عند عدم احترام البيانات الواردة في املادة 46من قانون رقم .67.12لكن هل هذا
البطالن له عالقة بالنظام وبالتالي يحق للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها أم البد أن
لقد أجابت محكمة النقض في ظل القانون السابق حين قضت بأن "اإلشعار
باإلفراغ الذي وأن نظمه القانون رقم 6.79املتعلق بالكراء السكني واملنهي تنظيما
دقيقا ،فهو ليس من النظام العام حتى تكون املحكمة ملزمة بإثارته من تلقاء
نفسها.631
وتجدر اإلشارة في األخير إلى أن أجل اإلشعار املحدد في شهرين هو األجل األدنى
الذي ال يمكن للمكري النزول عنه ،وليس هناك أي مانع في الرفع منه تماشيا مع نية
630قرار محكمة النقض ،الصادر بتاريخ ،2007/04/04تحت عدد 1147في الملف عدد ،05/2826 ،منشور بكتاب
قوانين الكراء والعمل المغربي ،محمد بفقير ،ص ، 212أوردته وسيلة حرنان :مرجع سابق ،ص .114
631قرار محكمة النقض ،بتاريخ 25يناير 1989تحت عدد 190الملف المدني ،عدد ،3238منشور بمجلة قضاء
محكمة النقض ،عدد 42.43نونبر ،1989ص.23
اإلفراغ ،ضرورة توصله باإلشعار بطريقة قانونية .وفي غياب إثبات هذا التوصل،
بخالف ما هوعليه الحال في ظل القواعد العامة فإن قانون رقم 67.12لم يترك
العنان لإلرادة في مجال التبليغ بل تبنى الشكلية التي أصبحت الزمة لتعلقها بالنظام
وتعتبر هذه الشكلية التزام على املكري في ممارسة اإلفراغ ،وذلك باتباع طرق
بعينها إلعالم املكتري بنيته ،حددها املشرع في الفصول 37و38و 39من قانون
املسطرة املدنية (أوال) ورغم حرصه كل الحرص على أن يكون التبليغ اإلشعار
انطالقا من املادة 63246من القانون رقم 67.12يتضح بأن املشرع املغربي قد
أحال على قانون املسطرة املدنية فيما يتعلق بطرق التبليغ .ضمان لحقوق األطراف
632تنص الفقرة األخيرة من المادة 46من القانون رقم 67.12.على ما يلي "يبلغ اإلشعار باإلفراغ بحسب الكيفيات المشار إليها في الفصول
37و38و 39من القانون المسطرة المدنية ".
على اعتبارأن موضوع التبليغ633يكتس ي أهمية بالغة السيما أنه يحدد بداية حساب
إال أن اإلحالة الواردة في املادة 46من قانون رقم 67.12على قانون املسطرة
املدنية ال تعني اتباع املكري لترتيب الوارد في هذا القانون بل له الخيار في توجيه
ورغم التفاتة املشرع إلى موضوع تبليغ اإلشعار ونصه على الطرق التي يجب أن
يتم بها في فصل خاص فإن هذا ال يعني أنه أوجد حال للمشاكل املرتبطة بالتبليغ
بشكل عام.634
واألصلية ،كما يتضح من قراءة أحكام الفصل 37من قانون املسطرة املدنية ،635إال
أنه على مستوى املمارسة العملية ،تثير مجموعة املشاكل ،أهمها البطء وقلة
633ويقصد بالتبليغ إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى علم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط ،أو أحد األعوان القضائيين ،وأو عن طريق
البريد برسالة مضمونة باإلشعار بالتوصل أو بالطريقة اإلدارية والهدف من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه األمر المراد تبليغ.
-عبد ال كريم الطالب" :الشرح العملي القانون المسطرة المدنية" ،طبعة ،2013المطبعة والوراقة الوطنية ،ص .165
634حياة البراقي :حق المطالبة باإلفراغ الضمانات والحدود في ظهير 25دجنبر 1980،مرجع سابق ،ص .291
635تنص المادة 37من قانون المسطرة المدنية على ما يلي "يوجه االستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط ،أو أحد االعوان القضائيين أو عن
طريق البريد برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل أو بالطريقة اإلدارية.
إذا كان المرسل إليه يقي م خارج المغرب ،يوجه االستدعاء بواسطة السلم اإلداري على الطريقة الدبلوماسية أو بواسطة البريد المضمون عدا إذا كانت
مقتضيات االتفاقية الدولية تقضي بغير ذلك".
بالطريقة القانونية الالزمة ،األمر الذي يجعل كثير من التبليغات التي يبلغونها
تتعرض للبطالن.636
هذا ناهيك عن التبليغ بالطرق اإلدارية التي ال تخلو بدورها من مشاكل بحيث
أن غالبا ما ال يتم ملئ شواهد التسليم بالطريقة والدقة اللتين يتطلبهما القانون.
إضافة إلى عدم تحملهم أي مسؤولية في حالة عدم التبليغ وكذلك جهلهم بالقواعد
األساسية لتبليغ وضعف التأطير خاصة بالنسبة للمقدمين والشيوخ وكثرة املهام
فكهذا فإذا كانت طريقة التبليغ برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل تبدوا
الوسيلة األنسب للمكري من الناحية العملية باعتبارها أقل تعقيدا وتكلفة ،فإنها
ومع ذلك ال توفر لديه االطمئنان كافيا الى أن اإلشعار الذي يوجهه سيرتب فعال
أثاره.638
ومرد ذلك يرجع إلى ادعاء املكتري لعدم التوصل أصال بالرسالة الحاملة لإلنذار
باإلفراغ أو ادعاء فراغ الرسالة من اإلشعار في األحوال التي يكون املكتري على علم
جواد أمهمول :الوجيز في المسطرة المدنية ،مطبعة األمنية ،الرباط ،سنة 2015ص.47 637
الحسين بلحساني :الحماية القانونية لمكتري المحالت السكنية دعوى اإلفراغ ،مرجع سابق ،ص .151 638
عبد القادر العرعاري :عقد الكراء ،مرجع سابق ،ص .223 639
ومما تجدر اإلشارة إليه أنه رغم إحالة املشرع على قانون املسطرة املدنية في ما
يتعلق بتبليغ االشعار باإلفراغ اال أنه مازالت تطفوا على السطح مجموعة من
املشاكل .وبالتالي وجب إعادة النظرفي املادة 46من قانون رقم 67.12حتى تستجيب
أكثرملصالح املكري من جهة في استرجاع محله في أقرب وقت واملكري حتى يكون على
يكتس ي التبليغ أهمية بالغة تكمن في عدم جواز احتجاج املكتري بجهله ملا تم
تبليغه به ،قياسا على قاعدة عدم جوازاالعتذاربجهل القانون ،640السيما أن املشرع
في قانون رقم 67.12اعتبر بأن اإلشعار باإلفراغ املوجه من قبل املكري ال يرتب أثاره
القانونية إال من يوم تبليغه 641وهو ما يجعل مسألة اإلثبات ذات أهمية قصوى في
وبما أن املكري هو امللزم بتوجيه اإلشعار باإلفراغ ،فإنه هو امللزم بتحمل عبء
إثبات حصول التبليغ ،وال يكفيه إثبات قيامه باملطلوب من أجل توجيه اإلشعار.642
و إنما عليه باإلضافة الى ذلك أن يبرهن أن اإلشعار قد وصل إلى علم من وجه إليه
حسن البكري :الطبيعة القانونية لشهادة التسليم في االثبات ،مجلة القضاء والقانون العدد ،150السنة ،2002ص.63 640
641قرار لمحكمة النقض ،رقم 219ملف مدني رقم 78354بتاريخ ،1983.02.09 ،منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى ،رقم 32سنة ،200
ص.14
الحسين بلحساني :الحماية القانونية للمكتري المحالت السكنية ،دعوى اإلفراغ ،مرجع سابق ،ص.76 642
فعال .643ألن التزامه ليس التزاما ببدل عناية ،و إنما بتحقيق غاية هي وصول مضمون
وهذه مسألة تثيربعض الصعوبات ،إذ قد يحدث في العمل أال يعمد املكتري إلى
سحب الرسالة من إدارة البريد رغم توصله من لدنها بإشعار يفيد وضعه للرسالة
املتضمنة للتنبيه رهن إشارته ،فتعاد هذه الرسالة إلى الجهة املرسلة وعليها عبارات
لقد درج القضاء املغربي على أن اإلشعارباإلفراغ ليكون قانونيا البد من توصل
املكتري به أو رفضه .644أما إذا أرجعت الرسالة املضمونة مؤشرا عليها بعبارة "غير
مطلوب" فإنه ال يصح اعتبارها بمثابة توصل كما هوالحال بالنسبة لرفض التسليم
ألن عدم سحب التنبيه من إدارة البريد ال يقوم مقام رفض التسليم وال يمكن أن يحل
محل التبليغ.645
وفي حالة وفاة املكتري يتعين توجيه اإلشعار باإلفراغ إلى ورثته دون تعيين إذا
تعذر معرفتهم .646وبمفهوم املخالفة إذا كان يعلم املكري أسماءهم جميعا فإنه
Jean m.la mouette l acte juridique unilatéral essai sur sa notion et sa technique en droit civil thèse –Toulouse 643
1949 d320 n 169 et 181.
قرار محكمة االستئناف ،بالدار البيضاء ،المؤرخ في 30أبريل ،1969مجلة المحاكم المغربية العدد الرابع ،ص.35 644
645قرار لمحكمة النقض ،عدد 29المؤرخ في 17دجنبر ،1978في ملف مدني ،عدد 67701منشور بمجلة المحاماة ،العدد الخامس ،سنة ،1979
ص.35
646لقد أكدت محكمة النقض في قرار لها على أنه "يتعين على المكري أن يوجه اإلنذار الى المكتري وفي حالة وفاته يوجه الى ورثته دون تعيين
إذا تعذر معرفتهم".
-قرار محكمة النقض ،عدد 1699المؤرخ في ،2008/12/31في الملف التجاري ،عدد ،2006/02/03/1026منشور بمجلة منازعات الكراء من
خالل قضاء محكمة النقض ،ص.20
يتعين عليه أن يعدد جميع أسمائهم تحت طائلة بطالن اإلنذار ،إذ في حالة تعدد
الورثة وتعيين أحدهم وتخصيصه باإلنذاريجعل أثاره محصورة فيمن ذكروال يشمل
غيرهم وإال اقتصرفقط إلى اإلشارة إلى ورثة الهالك دون تخصيص.647
أما في حالة وجود محل مكترى مملوك على الشياع من قبل املكرين فهل يتم في
هذه الحالة توجيه اإلشعار باإلفراغ من جميع املالكين أم يكفي أن يوجه من قبل
البعض فحسب؟
جوابا على هذا سؤال نستحضرقرار ملحكمة النقض أكدت فيه إلى أنه ال محل
للدفع بعدم التوجيه اإلنذارمن جميع املالكين على الشياع إذا ما ثبت للمحكمة قيام
خامتة:
للكراء من شأنها أن تحل مجموعة من املشاكل كانت تطفوا على السطح في ظل
القانون امللغى .السيما في ما يتعلق بتوجيه اإلشعار باإلفراغ إيمانا منه في تشجيع
املكترين على كراء محالتهم ،وذلك اعتبارا إلى أن املناداة بحماية هذه الشريحة
648قرار محكمة النقض ،عدد 171المؤرخ في 201/02/16ملف تجاري ،عدد ،234/3/2/2011منشور بمجلة مجلس األعلى ،ص.20
-وفي قرار أخر للمحكمة االبتدائية بالصويرة يصب في نفس االتجاه حيث نحت إلى أنه :إذا كان موجهي اإلنذار ال يتوفرون على األغلبية ،فإنه يكون
لإلنذار أثر في حق الجميع لما يؤدي ذلك إلى جلب النفع للعين المكتراة وكون أن األمر يتعلق بإدارة المال المشاع واالنتفاع به ،وأنه من الحق
الشريك المطالبة بإنهاء لعقد ورفض تجديده تبعا لما يقتضيه الحق المعترف به لكل شريك من الشركاء في المحافظة على المال الشائع ،حتى ولو لم
تكن هناك أغلبية حسب النسبة المقررة قانونا في الفصل 971من القانون االلتزامات والعقود وعلى اعتبار أن هذه القاعدة تنظم فقط العالقة بين
المالكين على الشياع مع بعضهم البعض في الحالة النزاع بينهم في إدارة المال المشاع وال يمكن لغيرهم االستفادة من مقتضياتها أو التمسك بها".
-الحكم لمحكمة االبتدائية ،بالصويرة ملف الكرية ،عدد 202.12بتاريخ ،2013.03.06أوردته وسيلة حرنان :مرجع سابق ،ص.45
أصبحت ضرورة ملحة ،وهذا ما دفع املشرع إلى إقرار قانون رقم 67.12وذلك
لتخفيف من معضلة السكن ،ألنه في ظل القانون املنسوخ كانت نية املشرع منصبة
بالدرجة إلى حماية املكترين وقد ترتب على ذلك عزوف املكترين عن كراء محالتهم مما
ترتب عن هذه الحماية مشاكل اقتصادية اجتماعية عويصة جدا ،جعلت املشرع
يدخل سنة 2013بعد مغاض عسير إلقرار قانون رقم .67.12إال أن هذا األخير وبعد
سبع سنوات من دخوله حيز التطبيق أظهرت املمارسة العملية أنه لم يرقى إلى
مستوى التطلعات ولم يحقق بعد ذلك التوازن املنشود واملطلوب مما قد نتنبأ
مقدمة:
وتشكل في مختلف النظم املالية الحديثة التطبيق العملي للسياسة العامة للبالد،
فهي تلعب دورا كبيرا في الحياة االقتصادية واالجتماعية ،بحيث أنها اإلطار الذي
تنعكس فيه اختيارات الدولة ألهدافها وأداتها إلى تحقيقها ،هي املرآة العاكسة لحالة
االقتصاد ،وللحالة السياسية في دولة من الدول ،وفي فترة زمنية معينة ،ويكفي
للتدليل ،أن نقف على الدور الذي تلعبه كل من االيرادات العامة والنفقات العامة
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 365
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
وذلك باعتبارهما أهم عناصر املالية العامة ،في الكشف عن الظروف االقتصادية
شكلت ميزانية الدولة التي يصدر بربطها قانون مالية السنة ،أداة أساسية
ضبط التوازنات املالية .650بحيث تحظى السياسة املالية بأهمية كبيرة إلى جانب باقي
وقد برز مفهوم ميزانية الجندر أو املبنية على النوع االجتماعي إلبراز تبعات
وعمال على إعادة بناء امليزانية املعتمدة حاليا بعد األخذ بعين االعتبار احتياجات
النوع االجتماعي.651
- 649زهيرة االدريسي ،مقال المالية العمومية المغربية بين هاجس مواجهة وباء كوفيد 19المستجد وواقع األزمة،
مجلة القانون واألعمال.
- 650عسو منصور ،قانون الميزانية العامة ورهان الحكامة المالية الجيدة ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط،
الطبعة األولى أكتوبر 2017ص .7
- 651إبراهيم أوجامع " ،إدماج مقاربة النوع االجتماعي في ميزانية الدولة" ،بحث لنيل الماجيستر في العلوم االقتصادية ،كلية العلوم
االقتصادية والتسيير والعلوم التجارية ،أبي بكر بلقايد (تلمسان الجزائر) 2011-2010 ،ص ،5زيارة الموقع االلكتروني،
الموقع زيارة ،http://dspace.univ-tlemcen.dz/bitstream/112/442/1/OUDJAMAa-IBRAHIM.mag.pdf
05/01/2018على الساعة .14 :57
وتركز امليزانية املستندة للنوع االجتماعي على تقييم آثار تلك املوازنات على
طيلة دورة عمرامليزانية ،بداية من اإلعداد إلى التنفيذ وحتى املر اقبة والختم.652
وتهدف هذه اآللية باألساس إلى بيان الفرق الشاسع بين السياسات العمومية
املقترحة ضمن امليزانيات واملوارد ،التي يتم تخصيصها لتنفيذ املشاريع والخطط
التنموية ،كما تعمل كذلك على ضمان إنفاق املوارد العمومية بشكل يراعي العدالة
من هنا يمكن التساؤل :ما هي التحديات والعر اقيل التي تقف في طريق إدماج
تعتبر مقاربة النوع االجتماعي أداة لتحليل وتخطيط وتقييم املعرفة الدقيقة
للو اقع السوسيو اقتصادي ،وتستهدف تنمية عادلة ،منصفة ومستدامة للرجال
ويأتي إدراج هذه املقاربة في مسلسل وضع وتنفيذ امليزانية في سياق مجموعة من
اإلصالحات واإلنجازات التي عرفها املغرب خالل السنوات األخيرة في اتجاه تكريس
مبدأي اإلنصاف واملساواة بين الجنسين في مجاالت متعددة .654إال أن امليزانية التي
العر اقيل يجب رفع رهانات كبرى لتحقيق الهدف من إدماج النوع االجتماعي،
(الفقرة الثانية).
أهمها:
-1بطء الترسيخ املؤسساتي لبعد النوع االجتماعي :فرغم أن املغرب بلور مبكرا
- 654من هذه اإلجراءات صدور مدونة األسرة ،المصادقة على اتفاقيات دولية في مجال حقوق اإلنسان ،خاصة القضاء على جميع
أشكال التمييز ضذ المرأة ،و اتفاقية حقوق الطفل ،و إصالح مدونة الشغل مع اعتماد مبدأ عدم التمييز بين الجنسين ،و دخول النساء إلى
مجلس النواب ،و تحديد نسبة تمثيلهن في . 100/10
عرف بطء في مساراته على مستوى بعض القطاعات الحكومية .كما يسجل
-2ضعف القدرات البشرية املؤهلة واملوارد املالية الكافية إلدماج النوع في
في تعثرات التنفيذ املرتبطة بغياب أو قلة القدرات البشرية .كما أن بالدنا
أهميته ،ال يصل حجمه إلى املستوى املطلوب ،نظرا لحجم الخصاص
املوجود أمام محدودية املوارد .لذلك ،هناك حاجة لتعزيز قدرات املوارد
البشرية بمختلف اآلليات واملؤسسات الوطنية املعنية بقضايا املرأة ،و أيضا
- 655تقييم عمل بكين " ،20+تقرير المملكة المغربية " ،ص .19
واإلحصاءات حسب النوع أوعدم القدرة على توفيرها بشكل منتظم ،يضعف
وعو اقبها ،ويجعل من الصعب التحكم فيها والقدرة على معالجتها .كما أن
صعوبة القيام بقياسات إحصائية على امتداد فترات زمنية متقاربة (خريطة
فوارق النوع االجتماعي السنوية نموذجا) ،أو على مستويات جغر افية
والتمييز.
فرغم عمودية آلية اشتغال القطاع الحكومي الخاص بقضايا املرأة إال أن
القطاعية الحكومية والتي في بعض األحيان تقوم فيها وزارة التضامن واملرأة
األطراف متو افق عليه ومتفاوض حوله .ويشكل ضعف إطار العمل
حكوميين ومحليين ،مما يؤكد أهمية إحداث انسجام شامل بين املخططات
بعضها ال يزال يشكل تحديا مطروحا ،يراهن على تجاوزه عند انطالق العمل
بميثاق العدالة ،الذي توج مسار ا من املشاورات بين مختلف الفاعلين في
يجب رفع رهانات كبرى لتحقيق إدماج النوع االجتماعي منها :
باعتبار املجال املحلي أصبح اليوم اإلطار األنجع لطرح القضايا األساسية للتنمية،
والسياسية ،حيث تشكل املؤشرات آليات قوية للتشخيص وتحديد املجاالت ذات
األولوية ،وتقييم اتجاهات التطوروالتقدم .مع التأكيد على أهمية املعطيات املحلية
بما يمكن من إعداد تقارير جهوية تمكن من مالءمة السياسات الوطنية مع
الحاجيات املحلية.658
واملجتمع املدني.
أكبرللفعل العمومي.
والبرامج التنموية للنساء األكثر تضررا ،و أيضا للمناطق والجماعات الترابية
-6العمل على تشجيع إشراك الرجال في العمل على تحقيق هدف املساواة بين
الجنسين ،ألن تغيير مو اقف الرجل يساهم في تغيير أوضاع املرأة والقضاء
على حاالت التفاوت بين الجنسين بالضرورة659.
األولى) مما تنفتح معه آفاق جديدة لهذه امليزانية( ،الفقرة الثانية).
إن الدراسة التي أعدتها وزارة املالية بتعاون مع البنك الدولي سنة 2002
ـ تراعي املساهمة املختلفة للرجال والنساء بمختلف الشرائح التي ينتمون إليها
وتقترح حلوال لجعل امليزانية تعترف باالرتباط املوجودة مثال بين االقتصاد املنظم
وغيراملنظم.660
ـ تدرس آثار توزيع املداخيل و النفقات على الرجال و النساء ليس فقط على
- 660وزارة االقتصاد والمالية "،دليل إصالح الميزانية ،المراقبة الجديدة لتدبير الميزانية المرتكزة على النتائج المدمجة لمقاربة النوع
االجتماعي" ،2005 ،ص 22
األوساط تسعى إلى الحد من الفوارق االقتصادية واالجتماعية القائمة بين هذه
ولهذا فقد أصبحت امليزانية املتعلقة بالنوع االجتماعي أداة دائمة لكل
الداعمة للمنهجية التي ترتكز على النتائج في التدبير العمومي ،ألنها تندرج في إطار
تحليل وتقييم دقيقين آلثارامليزانية على جميع السكان ،أي الرجال والنساء واألوالد
إن ميزانية النوع االجتماعي ،تهدف إلى إعادة توظيف أواصر الصلة بين املوارد
قياسها بواسطة مؤشرات أداء رقمية ،فمن املفروض أن تقدم أجوبة واضحة
لسلسلة من األسئلة املتعلقة بوضع هذه السياسات التي تفرضها الحكامة الرشيدة
واإلنصاف واملساواة ،فامليزانية التي تدمج مقاربة النوع هي ميزانية662:
إليها ،وتقترح حلوال لجعل امليزانية تعترف باالرتباط املوجود مثال االقتصاد
املنظم وغيراملنظم.
-2تدرس آثار توزيع املداخل والنفقات على الرجال والنساء ،ليس فقط على
املدى القريب بل على املدى املتوسط والبعيد ،أي على دورة حياتهم بكاملها.
واألوساط.
وللميزانية حسب مقاربة النوع االجتماعي بعد هيكلي استراتيجي لكونها تجمع
إرساء مبادئ املساواة والعدالة .فهذه املقاربة قد تم التأكيد عليها في املبادرة الوطنية
للتنمية البشرية ،التي سلطت الضوء على ضرورة إدماج مختلف فئات املجتمع
وفي هذا اإلطارحقق املغرب قفزة نوعية في مجال التنمية البشرية لتبنيه مقاربة
النوع االجتماعي ،وذلك بعد مجهودات مثمرة بذلت منذ سنة ،2002والتي توجت
بنشر تقرير النوع سنة ،2005ضمن التقرير االقتصادي واملالي املر افق لقانون
املالية.
وهذا مكن مسلسل ميزانية النوع االجتماعي من تحقيق إنجازات مهمة على
مستوى انخراط و اكتساب أدوات وآليات مقاربة النوع االجتماعي ،حيث تمت هذه
االنجازات في إطار مندمجة وتدريجية ترتكز على اإلرادية وتأخذ بعين االعتبار قدرات
الوزارات املنخرطة.
وفي هذا االتجاه ،تم تهييئ تقريرالنوع االجتماعي لسنة 2020بمشاركة مختلف
التقرير إلى تحليل أثر أهم البرامج القطاعية التي تتضمن مجموعة من املكونات
- 663سعيد جعفري وآخرون" ،المبادرة الوطنية للتنمية البشرية :السياق العام ،األسس واآلليات " ،مكتبة الرشاد ،سطات ،طبعة
،2006ص .3
ولإلشارة ،فإن تقييم السياسات العمومية من زاوية النوع االجتماعي ،ثم إغناؤه
بدليل املؤشرات النجاعة سواء على مستوى ميزانية التسيير أو االستثمار ،كما تم
تقديم مقترحات لجندرة املؤشرات من أجل قياس آثار السياسات العمومية على
الساكنة املستهدفة.664
بيد أن هذه املقاربة لن تتمكن من كسب رهان تحقيق طموحاتها ،إال إذا التزمت
بقدراإلمكان بمتطلبات النظرة األفقية بين القطاعات التي توفرأسس التنمية البرية
خامتة:
على الرغم من جميع الفوائد التي جرى ذكرها ،ال ينبغي االستهانة بالعبء التي
تتضمنه املبادرات من هذا النوع والتي عادة ما تالقي ممانعة أو رفضا من األطراف
املختلفة التي تجد فيها تحديدا ملصالحها أو تدخال في شؤونها .كما تتطلب هذه
املبادرات تخصصا وفهما عميقا ملجالي النوع االجتماعي واالقتصاد الكلي ،وهما
مجالن ال يتوفر العديد من املتخصصين فيهما معا :مما يتطلب شراكة من نوع
خاص ،تقوم على الفهم املشترك املجالي التخصص من جهة وبين قطاعات املجتمع
- 664مشروع قانون المالية لسنة ،2011تقرير حول ميزانية النوع االجتماعي ،ص .6
- 665إن النتائج المشجعة التي بلغتها المخططات القطاعية ،ال يعني أن تحجب عنا كونها ستظل محدودة النجاعة ،بدون إزاحة ثالثة
عوائق رئيسية ،وفي مقدمتها ضعف التنافسية ،مؤكدين على ضرو رة التفعيل األمثل لالستراتيجة الوطنية للمناطق اللوجستيكية ،أما
العائق الثاني فيتعلق باختالف تناسق حكامة هذه المخططات ،الذي يجب إزاحته باعتماد اآلليات الالزمة لتفاعلها ،ضمن منظور
استراتيجي مندمج ،ال مجال معه للنظرة القطاعية الضيقة" ،انظر خطاب العرش بتاريخ ."2010/06/30
فميزانية النوع االجتماعي التي ترتكز على أدوات تحليلية وعلى مقاربة نوعية
تحقيق املساواة واإلنصاف التي تشكل ركائز للحداثة والديمقراطية ولتحقيق نتائج
املستقبلية ملشروع إلنجاز ميزانية حساسة بالنوع االجتماعي حيث يتطلب تعزيز
مقاربة امليزانية حسب النوع االجتماعي انخراطا واسعا لكل من القطاعات الوزارية
والبرملانيين والفاعلين املجتمع املدني و كذا األخذ الالزم بعين االعتبار هذا البعد في
أفق بلورة القانون التنظيمي للمالية مع ضرورة مواصلة الجهود و توفير الوسائل
الكفيلة بترسيخ مقاربة النوع ضمن امليزانية في ممارسات إعداد امليزانية للوصول
مقدمة:
ترتكزدولة القانون على مبدأ املشروعية ،الذي يعني خضوع كل من الدولة من
حكام ومحكومين إلى القانون .ما يفرض على اإلدارة أن تلتزم بقواعد القانون في كل
لكن هذه الظروف ال يمكن أن تتميز بالثبات والدوام ،تنعم من خاللها البلدان
بالسالم واألمن واالستقرار على وثيرة واحدة مضطردة ،فقد يتعرض أمن البالد إلى
تهديد ناتج من ظروف استثنائية تضطر معها الدولة إلى تطبيق حالة من الحاالت
الوضع بطريقة حاسمة وسريعة ،تضطرالدولة إلى الخروج عن مبدأ املشروعية عن
طريق تحللها من بعض قواعد القانون العادي إلى قوانين استثنائية تستطيع
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 380
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
بموجبها اتخاذ التدابيرالالزمة للسيطرة على زمام األموروالحفاظ على كيانها وأمنها.
لكن من شأن هذه التدابير االستثنائية تعطيل العمل ببعض ضمانات حقوق
السلطة التنفيذية في مواجهة هذه الظروف على حساب الحقوق والحريات التي يتم
التضييق منها بهدف املحافظة على النظام العام وضمان السير املنتظم ملر افق
الدولة.
وفي سبيل منع االستبداد والتسلط وصيانة حقوق األفراد ،كان البد من توزيع
هذه السلطة بين هيئات متعددة وإلزام كل هيئة حدودها ،وهو ما يعرف بمبدأ
الفصل بين السلطات ،و انطالقا منه كان البد من فرض رقابة مجدية على نشاط
مر اقبة أعمال اإلدارة باعتباره أكثر األجهزة القادرة على حماية مبدأ املشروعية
والدفاع عن حقوق والحريات ،حيث تعتبر الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة
عموما،وفي سبيل ما تصبوا إليه من تحقيق النظام العام على وجه الخصوص
السيما أمام عدم كفاية وفعالية الرقابة اإلدارية الذاتية ،ذلك كونها تعد الوسيلة
فعالة في حماية الحرية األساسية إزاء ما يصدر عن اإلدارة من أعمال ،ألن الغرض
املخالفة للقانون والتي تكون قد سببت ضرارا لألفراد ،والحكم بالتعويض عن
و من هنا نطرح التساؤالت التالية :ما مدى ضمان حماية الحقوق والحريات
معينة ظروف تجعل السلطة التنفيذية مضطرة التخاذ تدابير وإجراءات لحماية
األمن العام ملواطنيها في ظرف استثنائي غيرعادي ،تفرضه الدولة عندما يتهدد أمنها
فحالة الطوارئ تخول الحكومة القيام بأعمال أو فرض سياسات ال يسمح لها
عادة القيام بها في الظروف العادية .وتستطيع الحكومة إعالن هذه الحالة أثناء
الكوارث ،أوحالة العصيان املدني ،وحالة ظهوراألوبئة خطيرة ،بحيث تنبه املواطنين
إلى تغيير سلوكهم الطبيعي وتأمر الجهات الحكومية بتنفيذ خطط الطوارئ .وتحيل
أيضا حاالت الطوارئ على فرض أحكام استثنائية بموجب قانون طوارئ أو قوانين
مؤقتة تتخذها السلطة التنفيذية .وتشمل هذه الحالة فرض قوانين تقيد حرية
وتظل تدابيرالشرطة اإلدارية نظاما وقائيا تتولى فيه اإلدارة حماية املجتمع من
كل ما من شأنه أن يخل بأمنه وسالمته وصحة أفراده وسكينتهم ،بحيث يقتصر دور
السلطات اإلدارية على تنظيم مجموع الحقوق والحريات ،وضبط كيفيات ممارستها
دون أن تصل سلطاتها إلى منعها أو تحريمها .فالقاعدة تظل متمثلة في أن الحرية في
االستثناء .مع ما يترتب عن ذلك من خضوع اإلدارة لرقابة القضاء اإلداري ،إلغاء أو
تعويضا.
نعتقد بأن مفهوم حالة الطوارئ الصحية أصبح من املصطلحات أكثر دقة في
الوضع الحالي من املفاهيم أخرى كمفهوم حالة استثنائية املنصوص عليه في
دستور.
ونظرا لهذه الظروف االستثنائية التي يشهدها بلدنا ،عملت السلطات املتدخلة
في هذه الظروف على توفيرالحماية للحقوق والحريات املكفولة دستوريا ،حيث صدر
اإلعالن عنها ،واملرسوم 2.20.293املتعلق بإعالن حالة الطوارئ الصحية باملغرب في
إال أنه رغم إعالن عن حاالت الطوارئ فالسلطة التقديرية للدولة ليست
مطلقة ،بل تظل مقيدة بالتزامها باحترام بعض الحقوق والحريات األساسية حتى في
حالة الطوارئ .وذلك تكريسا ملا جاء في الدستور" أن الحقوق والحريات املنصوص
بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية لسنة 2011ال نجد التشريع املغربي ينظم لنا
الحاالت االستثنائية املشابهة وهي حالة الحصار املنصوص عليها في الفصلين 49و
74من دستور ،وإلى حالة االستثناء املنصوص عليها في الفصل 59من الدستور.
-مرسومين منشورين بالجريدة الرسمية ،العدد 6867مكرر ،بتاريخ 29من رجب 1441الموافق ل 24مارس .2020 666
والشروط الشكلية ،على رغم من أنها تشترك مع هذه األخيرة في التأثير على الحقوق
وفي غياب نصوص دستورية تنظم لنا حالة الطوارئ الصحية ،يمنح املشرع
للحكومة آليات قانونية يمكن من خاللها التشريع عوض عن البرملان ،من أجل
املحافظة على السيرالعادي ملر افق الدولة التي ال تقبل التوقف مهما كانت الظروف.
إن الحاالت التي تتعلق بحلول الحكومة محل البرملان في ممارسة الوظيفة
تفويض التشريع بمقتض ى القانون أثناء دورات انعقاد البرملان ،وهوما يعرف
إن الفرق بين التفويض في إطار الفصل 70من الدستور ،والتفويض في إطار
الفصل 81من الدستور ،هو أن األول تفويض إرادي بحيث يمكن للبرملان أن يأذن
في حين أن التفويض في إطار الفصل 81هو تفويض بحكم الدستور أثناء عطلة
البرملان.
لذلك استندت الحكومة على الفصل 81من الدستور إلصدار مرسوم بقانون
الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها ،الذي تزامن مع الفترة الفاصلة بين
الدورات.
أن يكون ذلك خالل الفترة الفاصلة بين دورات البرملان ،أي بين دورة أكتوبر
ودورة أبريل؛
أن يتم عرض املراسيم املتخذة على مصادقة البرملان في أقرب دورة عادية؛
فإذا أقرالبرملان هذه املراسيم استمرسريان مفعولها ،أما إذا رفض املصادقة
عليها ،فانه يزول ما كان لها من قوة القانون ،ويتوقف سريان مفعولها ،إال أن هذا
لكي يكون هذا املرسوم مطابق ملبدأ املشروعية وملزما لألفراد ومرضيا لهم ،استندت
الوطني ،في إطاراالحترام الحريات والحقوق األساسية املكفولة للجميع (الفصل 21
من الدستور) ،ما يمكن مالحظته بشأن الفصل 21أنه لم يذكر كلمة "قانون"التي
التصرف فيه.
لكن تجد الحكومة سندها في الفصل 24من الدستور بقراءة الفقرة الرابعة
منه بمفهوم املخالفة للتدخل وفق القانون قصد تقييد حرية التنقل ،عبر التراب
الوطني والخروج منه والعودة إليه ،و ما يترتب عن خرق هذه املقتضيات من تدابير.
و استنادا إلى الفصلين 90و 92من الدستورباإلضافة إلى املرسوم قانون حالة
الطوارئ السالف الذكر ...تم إعالن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب
الوطني ملواجهة تفش ي فيروس كورونا كوفيد 19-بمرسوم رقم 2.20.293بتاريخ 24
مارس .6672020
حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني ملواجهة تفش ي فيروس كورونا
- 667مراد فارسي ،حالة الطوارئ الصحية بالمغرب :التنزيل القانوني واإلجراءات المواكبة ،مقال منشور بالمجلة الباحث ،ملف
خاص 3جائحة كورونا" الطوارئ الصحية" ،العدد -19يونيو ،2020ص .32
ضمن الجريدة الرسمية لتاريخ 24مارس ،2020مع العلم أن بداية تطبيق حالة
الطوارئ بدأ العمل به على اثرصدوربالغ وزيرالداخلية بشأن إعالن" حالة الطوارئ
الصحية" ابتداء من يوم 20مارس 2020على الساعة السادسة مساء .مما يطرح
مدى شرعية التدابيراملتخذة قبل 24مارس ،2020وما يمكن أن يترتب عن ذلك من
وألن املرسوم املذكورلم ينشرفي الجريدة الرسمية إال بعد 24مارس ،2020فان
هذا التاريخ هواملعتد به قانونا لبداية العمل بالتدابيرالتي جاء بها ،رغم أن الحكومة
استندت في سنها لألحكام الطوارئ الصحية على مقتضيات الفصل 81من دستور،
حيث تم اتخاذ املرسوم في الفترة الفاصلة بين الدورتين التشريعيتين .فان تمامه من
الناحية القانونية يتوقف على املصادقة عليه من طرف البرملان خالل دورته العادية
املوالية.
و ابتداء من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية يحق للحكومة ،أن تتخذ جميع
التدابيرالالزمة للحد من تفاقم الحالة الوبائية للمرض ،خاصة تلك املنصوص عليها
في املادة 3من املرسوم رقم 2.20.293املتعلق بإعالن حالة الطوارئ الصحية بسائر
أرجاء التراب الوطني ،والتي تمنع التجمع أو التجمهر أو مجرد االجتماع غير مبرر ،أو
مغادرة األشخاص ملحل سكناهم ،أو تنقلهم خارجه ،باستثناء حاالت الضرورة
القصوى للعمل حينما تقتضيه حيوية املرفق املعني بقرار من السلطة الحكومة
املختصة ،أو التنقل القتناء حاجيات املعيشية اليومية أو التطبيب ،أو ألسباب
عائلية ملحة تستدعي مساعدة أشخاص في وضعية صعبة ،أو في حاجة إلى إغاثة.
فإذا طرأت ظروف غير عادية على الدولة :مثل الحروب األهلية أو الدولية ،أو
األمني أوانتشارمرض أووباء يهدد الصحة العامة للمواطنين ،تجد الدولة نفسها وفي
سبيل املحافظة على النظام العام تتخذ تدابيرعاجلة أوإجراءات استثنائية ال تسمح
بها قواعد القانون املقررة في الظروف العادية،فهي تضطر إلى التحلل من بعض
القواعد املقررة في القوانين املنظمة للحرية لكي تفسح املجال أمام قواعد أخرى أكثر
و بالرجوع ملقتضيات الواردة في الدستور املغربي لسنة 2011ال نجده يقنن لنا
حالة الطوارئ الصحية كما هوالشأن بالنسبة لحالة االستثناء وحالة الحصار ،كما
أشرنا إلى ذلك سابقا .ومع ذلك فان التدابيرواإلجراءات املتخذة من طرف السلطات
املختصة في هذه الحالة ،قد تؤدي إلى املساس بالحقوق والحريات املدنية
- 668مديحة الفحلة ،نظرية الظروف االستثنائية بين مقتضيات الحفاظ على النظام العام والتزام حماية الحقوق والحريات األساسية،
مقال منشور بمجلة الفكر ،العدد الرابع عشر ،ص .222
وعلى اثر اإلعالن عن حالة الطوارئ الصحية باملغرب صدرت مجموعة من
القرارات والتدابير اإلدارية تمس بحقوق وحريات األفراد ،وهي التي غالبا ما يحرص
عليها الفرد ويدافع عنها في كل وقت ورغم كل الظروف املحيطة به ،لكن الظروف التي
يعيشها البالد تفرض على السلطة تقييد ممارسة بعض هذه الحقوق والحريات.
وتتمثل هذه الحريات في :تقييد حرية التنقل ،وحرية التجمع واالجتماع ،وحرية
الرأي والتعبير.
فحرية التنقل من الحقوق األساسية لإلنسان ،بحيث يؤدي ضمانها إلى تمتيع
الفرد بباقي حقوقه وحرياته األخرى والزما ملمارستها ،ولهذا نجد املادة 3من اإلعالن
العاملي لحقوق اإلنسان ،تنص على أن" لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته
داخل حدود كل دولة" ،وتؤكد أيضا أنه "يحق لكل فرد أن يغادر أية بالد بما في ذلك
وباستقرائنا الفصل 21من الدستور املغربي الفقرة الثانية منه نجدها تنص
على أنه "تضمن السلطات العمومية سالمة السكان ،وسالمة التراب الوطني ،في إطار
عبر التراب الوطني واالستقرار فيه ،والخروج منه ،والعودة إليه ،مضمونة للجميع
وفق القانون".
وال شك أن حرية التنقل ليست حرية مطلقة و إنما هي مقيدة ويأتي هذا التقييد
في عدة جوانب يكون هدفها تحقيق التوازن بين املصلحة العامة للمجتمع واملصلحة
الخاصة لألفراد ومن ثم تغليب األولى على الثانية عند تعارضها ،وهذه القيود إما أن
ينص عليها الدستور صراحة أو في أغلب األحيان يحيل في تنظيمها إلى القوانين
العادية.
و بالرجوع إلى تقييد حرية التنقل في املغرب نجد أن السبب في ذلك غايته
الحفاظ على الصحة العامة من خالل الحد من انتشارالفيروس داخل تراب الدولة
خاصة أن هذا االنتشار يكون بطريقة سريعة وغير مكشوفة مما يؤدي إلى تفش ي
العدوى بكثرة ويهدد حياة األشخاص في ظل غياب لقاح أو عالج لهذا الفيروس.669
حالة الطوارئ باملغرب نجدها تنص على ..." :عدم مغادرة األشخاص ملحل سكناهم
مع اتخاذ االحتياطات الوقائية الالزمة ،طبقا لتوجيهات السلطات الصحية ...،منع
أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه ،إال في حاالت الضرورة القصوى ."...مما
يتبين من خالل هذه املادة األثر املباشر لإلجراءات املتخذة أثناء حالة الطوارئ على
حرية التنقل .ويمكن القول أنها جاءت متو افقة إلى حد ما نصت عليه نصوص
- 669إدريس بنشطاب ،الدولة وحقوق اإلنسان في ظل حال ة الطوارئ الصحية بالمغرب ،مقال منشور بمجلة الباحث ،ملف خاص
جائحة كورونا " الطوارئ الصحية" ،العدد -20يوليوز ،2020ص.249
اللوائح الصحية الدولية ،التي سمحت هي األخرى بوضع قيود على هذه الحرية متى
لم تسلم حرية االجتماع والتجمع بدورها من تأثير الظروف االستثنائية على
ممارستها ،فقد أشارت عدة نصوص داخلية ودولية إلى إمكانية فرض القيود على
ممارستها بشكل يجعلها ال تمس بالنظام العام أو الصحة العامة ،أو تعرقل سير
فيجب أن نسلم نتيجة لذلك أن اتساع سلطة الضبط اإلداري أثناء فرض حالة
الطوارئ الصحية تحد بشكل كبير من الحرية ،ومن ذلك حرية االجتماع التي
أصبحت تعطي لها أهمية قصوى في التشريعات املتعلقة بالظروف االستثنائية ،ألن
التساهل أو عدم القدرة على ممارسة هذه الحرية ال شك أنه يهدد النظام العام
والصحة العامة.
و يتمثل تضييق حرية االجتماع والتجمع غالبا في منع التجمعات التي تمس
بالنظام العام أو الصحة العامة ،أو تعرقل سير مؤسسات الدولة الذي على الدولة
أن تضمنه .وبصرف النظرعن مدى هذا القيد فان حرية االجتماع والتجمع لن تلقى
و بالرجوع إلى املادة الثانية من املرسوم رقم 2.20.293نجدها تنص على ":في
إطار حالة الطوارئ الصحية املعلنة طبقا للمادة األولى أعاله ،تتخذ السلطات
العمومية املعنية التدابير الالزمة من أجل ..." :منع أي تجمع أو تجمهر أو اجتماع
ملجموعة من األشخاص مهما كانت األسباب الداعية إلى ذلك ،ويستثنى من هذا املنع
نستخلص مما سبق بأن املشرع منع كل تجمع أو تجمهر خالل فترة الحجر
الصحي بهدف منع انتشار فيروس كورونا ،إال أنه استثنى منها التجمعات املهنية مع
ضرورة التزام بالتدابير الوقائية ،وهذا استثناء غايته الحيلولة دون توقف عجلة
االقتصاد.
باالطالع على املقتضيات الدستورية نجد الفصل 25من الدستور يضمن لنا
باملغرب ،التي نبهت إلى االنزالقات التي تتم بمناسبة هذه الحالة الوبائية ،والتي ِتؤدي
إلى مزيد من التضييق على الحقوق والحريات ،ومطالبة الدولة بضرورة احترام
القانون ،الذي يفرض نوعا من تالؤم الحدود ،التي تفرضها السلط العمومية على
ممارسة الحقوق والحريات ،مع الظروف واملالبسات التي فرضت تلك التدابير،
والغاية التي دفعتها لذلك ،أي أن يكون وضع الضوابط التي قد تحد من ممارسة
- 670محمد امجاهدي ،حالة الطوارئ الصحية بين مقتضيات الحفاظ على الصحة العامة والتزام حقوق اإلنسان وحرياته األساسية،
مقال منشور بمجلة القانون واألعمال الدولية ،على الرابط التالي ، www.droitetentreprise.com :تاريخ االطالع :
2020/08/23على الساعة . 12:35
- 671الفصل 25من الدستور ":2011حرية الرأي والفكر والتعبير مكفولة بكل أشكالها. ...
التي فرضت ذلك ،خاصة وأن هذه الفقرة شهدت حملة واسعة على املدونين تحت
طائلة عقوبات مفرطة ،مما يعتبرإجهازا على حرية الرأي والتعبير ،التي تعرف تراجعا
كبيرا باملغرب.
و ارتباطا بموضوع حرية الرأي والتعبير ،التي نص عليها دستور 2011من خالل
الفصل " 25حرية الفكروالرأي والتعبيرمكفولة بكل أشكالها" ،فان محاكمة العديد
من املدونين بسبب التعبير عن رأيهم يعتبر مسا بعلوية القواعد الدستورية ،التي من
املفروض احترامها بصيانة حقوق املواطنين مهما كانت الظروف ،وإال أصبح
الدستور مجرد برنامج سياس ي ،في أقص ى الحاالت ملزم على املستوى األخالقي أو
مجرد مجموعة من النصائح التي يتلقاها املشرع ،والتي يكون حرا في األخذ أو عدم
األخذ بها.672
وفي ظل تطبيق نظرية الظروف االستثنائية فان املشرع منح لإلدارة صالحيات
واسعة ملواجهة تلك الظروف بما يهدف لحماية النظام العام وتحقيق املصلحة
العامة في املجتمع ،لذلك قد تستخدم اإلدارة وسائل غير عادية قد تضر بالحريات
العامة ،التي ضمنت حمايتها الدساتيرواملواثيق الدولية ،خاصة في حالة إعالن حالة
- 672علي المغراوي ،الحقوق والحريات في ظل حالة الطوارئ ،مقال منشور في موقع "لكم" ،على الرابط التالي:
،/https://lakome2.com/opinion/179865تاريخ االطالع 2020/08/23 :على الساعة .13:01
بوجود ظرف استثنائي أيا كانت صورته ال يجعل اإلدارة في منأى من رقابة
القضاء بشكل مطلق ،فال يعدو أن يكون األمر توسعا لقواعد املشروعية ،فاإلدارة
تبقى مسؤولة في الظروف االستثنائية على أساس الخطأ الذي وقع منها ،غير أن
الخطى في حالة الظروف االستثنائية يقاس بميزان آخر غير ذلك الذي يقاس به
فاإلشكالية املطروحة في هذا املطلب هي:ما مدى حدود بسط رقابة القاض ي
اإلداري على القرارات اإلدارية املتخذة خالل هذه الفترة مع إبرازطبيعتها القانونية؟
ال يخفى أنه قد ينشأ عن بعض القرارات أو األعمال اإلدارية املتخذة تطبيقا
لقرار اإلعالن عن حالة الطوارئ الصحية إضرار بحق أو مصلحة مشروعة ،وتبعا
لذلك ،فهل تكون تلك القرارات واألعمال محصنة من أي رقابة قضائية بعلة أنها
سيادية؟ وهل وصف "السيادي" ينطبق على جميع القرارات املتخذة بمناسبة
- 673صالح الدين شرقي ،حماية الحريات العامة لألفراد في ظل تطبيق نظرية الظروف االستثنائية ،مقال منشور في دفاتر السياسة
والقانون ،العدد الرابع عشر جافي ،2016ص .89
الطوارئ الصحية-منها قرار تعليق الرحالت الجوية -وما هي حدود الرقابة القضائية
عليها؟
قليلة هي املناسبات التي تعرض فيها القضاء املغربي للقرارات السيادية محددا
إياها بهذه الصفة ،وقد شكل القرار الصادر بتاريخ 26مارس 2020عن محكمة
االستئناف اإلدارية بالرباط واحدا من هذه القلة حيث وصف قرار الحظر الجوي
بالقرارالسيادي بامتياز.
إن وصف قرار ما ب"السيادي" ينبغي أن يؤسس على املفهوم القانوني الدقيق
له ،ال أن يكون وصفا لحال ،فكل قرارال شك أنه يعبرعن سيادة الدولة من زاوية أنها
مالكة لزمام قرارها ،مستقلة في تحديد مصلحتها ،و اتخاذ ما يجنبها أي ضررويجلب
لها مصلحة .لكن ليس معنى ذلك أن هذا القرار سيادي باملفهوم القانوني لنظرية
األعمال والقرارات السيادية كما وضع أسسها الفقه والقضاء املقارن ،فالقرارات
اإلدارية التي تصدرعن الدولة بمختلف إدارتها تخضع للرقابة القضائية ،وهي قاعدة
تقرها الدساتير ومنها الدستور املغربي ،أما تلك التي تتجاوز الطابع اإلداري
والتنظيمي .و تتصف بالسيادية فهي وحدها مستثناة من هذه الرقابة ولتبسيط
الفكرة وتقريبها لألذهان يمكن تحديد ماهية القرارات السيادية باعتبارها القرارات
الصادرة عن السلطات العليا في البالد بوصفها سلطة حكم ال إدارة ،في موضوع يهم
والدبلوماسية ،ومن ذلك قرارالدعوة إلى االنتخاب أو إيداع مشروع قانون بالبرملان،
أو حل البرملان أو تعيين أعضاء الحكومة أو إقالتهم ،وكذا قرار قطع العالقات
الدبلوماسية مع إحدى الدول ،وما إلى ذلك من القرارات التي تعبر فعال عن سيادة
الدولة فتخرج عن رقابة القضاء اإلداري الذي يحكم مجال تدخله الدستورويقصره
على رقابة القرارات املتخذة في هذا املجال فقط .وهذا النوع من القرارات تم
استثناؤه ،باجتهاد قضائي قار ،من الخضوع لرقابة القضاء اإلداري وفق ما كرسه
قضاء مجلس الدولة الفرنسية الذي استحضر وجود نوع آخر من الرقابة على هذه
الباعث السياس ي ،و إن كان القضاء الفرنس ي قد تخلى عنه ،في مقابل تطبيق
القابل للطعن فيه باإللغاء -أسوة بنظيره الفرنس ي على مستوى مجلس الدولة،
بحيث ال يتردد في تقدير شرعية القرارات اإلدارية املتخذة في إطار قرار الطوارئ
الصحية املعتبر قرارا سياديا ،أي ولو في الظروف االستثنائية ،كما تحقق من
انفصالها عن القرارالسيادي ،أي متى كانت رقابته في حال إلغاء القراراملطعون فيه
فمن خالل تفحص "قرار الحظر الجوي" من حيث الجهة املصدرة له
وموضوعه ،يتبين أن األمر يتعلق ببيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون
املتوجهة والقادمة من وإلى عدد من الدول ،وكان قرارتعليق الرحالت الجوية (وحتى
الرحالت من أربع دول هي الصين و ايطاليا وكوريا الجنوبية واسبانيا ،وفي 14مارس
2020تم تعليق الرحالت مع أملانيا هولندا بلجيكا والبرتغال ومع عدد من الدول
اإلفريقية والعربية منها تونس .وقد أشارالبيان إلى أن هذا اإلجراء الشؤون الخارجية
اإلداري (الشرطة اإلدارية) الذي يمكن للوزارات ممارسته لحفظ النظام العام
املتمثل في الصحة العامة على اعتبارأن خطرتفش ي الوباء مرتبط بحاالت و افدة من
الخارج.
ثم انه بالتدقيق في تاريخ إصدار قرارات تعليق الرحالت الجوية سيتبين أنها
سابقة عن تاريخ اتخاذ قراراإلعالن عن الطوارئ الصحية ،سواء الذي صدرفي شكل
بالغ لوزارة الداخلية الصادرة في 19مارس 2020الذي حدد بداية املجال الجوي
والبحري اتخذ في إطار تدابير إدارية محضة وفق ما تسمح به السلطات الضبط
كما أن القانون املنظم للطيران املدني يسمح للدولة ،من خالل السلطات
الجوية إذا كان في األمرمساس بالنظام العام أوتهديد لسالمة املمتلكات واألشخاص.
ومبرر تعليق الرحالت الجوية كان بداعي الحفاظ على الصحة العامة أي سالمة
إداريا من حيث طبيعته القانونية ،وغير متصل بقرار سيادي لصدوره قبل تاريخ
القرار املعلن عن الطوارئ الصحية بمرسوم ،وبالتالي ال يندرج بهذا الشكل ضمن
القرارات املتخذة تنفيذا لقرار سيادي حتى يمكن اعتباره قرارا متصال به ،ألن ذلك
يقتض ي أن يكون الحقا لصدوره القرار السيادي أي بعده ال قبله ،وال يسوغ قانونا
إضفاء اثر قانوني لقرارإداري على أوضاع قانونية سابقة عنه674.
إن رقابة القضاء على مدى احترام الحقوق والحريات الفردية والعامة تعد أنجع
وسيلة رقابة على املستوى الوطني ،كون أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحقوق
والحريات .675حيث تتنوع أوجه الرقابة على تدابير الشرطة اإلدارية بين رقابة قاض ي
كقضاء اإللغاء والقضاء الشامل ،من خالل تخويل املتضرر إمكانية رفع الدعوى
- 674صالح لمزوغي ،تأمالت حول بعض إشكاليات القضاء اإلداري في زمن كورونا كوفيد ،19-مقال منشور على موقع العلوم
القانونية ،على الرابط التالي:
https://www.marocdroit.com/%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AA-
%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A8%D8%B9%D8%B6-
%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-
%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-
%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-
%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-
، %D9%83%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%AF-19_a8612.htmlتاريخ االطالع 2020/08/25على الساعة.12:24:
- 675سمية لعسل ،سلطات القاضي اإلداري في حماية الحقوق والحريات األساسية ،رسالة ماستر في القانون العام المعمق ،جامعة
أبو بكر بلقايد-تلمسان ،السنة الجامعية ،2016/2015ص .27
االستعجالية أمام قاض ي املستعجالت اإلداري على وجه السرعة ،فان القاض ي في
إعماله لهذه اإلجراءات يتوفر على سلطات واسعة ،بحيث يمكنه تعليق قرار اإلدارة
أو يأمره باتخاذ إجراءات محددة .ولذلك يتعين عليه أن يثبت ،من جهة ،أن هناك
ضرورة ملحة للحكم .ومن ناحية أخرى ،أن اإلدارة-من خالل أفعالها أوتقاعسها -قد
انتهكت بشكل غير قانوني حرية أساسية .ويقوم القاض ي بتقييمه لهذه النقطة،
مراعاة للتدابير التي اتخذتها اإلدارة بالفعل والوسائل املتاحة لها .وبالتالي فالقضاء
االستعجالي غيرمشمول بتعليق العمل باملحاكم إبان حلة الطوارئ بل ينبغي الدفاع
عن دورالقضاء اإلداري كضامن للحقوق والحريات حتى في الظروف االستثنائية .إذ
ال يقبل أن تتعطل هذه الوظيفة بداعي هذه الظروف فتصبح الدولة ممثلة في
إن رقابة قضائية على مشروعية تصرفات اإلدارة يمثل ضمانة مهمة من
ضمانات حقوق األفراد وحرياتهم ملا في ذلك من تبني لشرعية دولة القانون،
والقاض ي هو مفتاح االلتزام بسيادة القانون ويتوقف عليه احترام مضمون القانون
التنفيذية أثناء قيامها باملهام املنوطة بها ،من أقوى نفوذ مبدأ املشروعية وضمان
حقوق وحريات األفراد ،ألن القضاء هو حصن الحريات وحاميها لذا كانت أنجع
وسيلة لرقابة األعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية في حالة الطوارئ ،هي رقابة
وعليه فان أغلب التشريعات اتفقوا على خضوع اإلجراءات والتدابير املتخذة
أثناء حالة الظروف االستثنائية لرقابة القضاء اإلداري ،حيث استقركل من القضاء
و ارتباطا بدراسة املوضوع فقد قضت املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في 23
مارس " 2020بأحقية مواطن ليبي قادم من مالطا بالدخول إلى التراب الوطني ،بعد
التأكد من عدم إصابته بفيروس كورونا ،وذلك طيلة فترة الحظر الجوي مع تحديد
مكان إقامته بالدار البيضاء .677فوجود هذا املواطن نفسه محبوسا داخل املطار
منذ 16مارس 2020بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية ومنع الرحالت الجوية.
األجانب باململكة املغربية والهجرة غير الشرعية ،لم تتطرق لحالة بقاء املسافرين
األجانب العابرين لتراب اململكة عالقين باملطارات الدولية املغربية نتيجة أي منع
اضطراري للطيران .إال أن ذلك ال يحول دون تدخل قاض ي املستعجالت لرفع أي ضرر
- 676محمد امجاهدي ،حالة الطوارئ الصحية بين مقتضيات الحفاظ على الصحة العامة والتزام حقوق اإلنسان وحرياته األساسية،
مرجع سابق.
- 677المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء ،أمر استعجالي رقم 239ملف 358/7101/2020بتاريخ 23مارس .2020
يتظلم منه الشخص العالق باملطار ،في إطار تطبيق القواعد العامة ومبادئ
العدالة ،والتي تراعي من طرف قاض ي املستعجالت تحقيق دوره االيجابي في حماية
محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط بإلغاء الحكم االبتدائي .وعللت املحكمة حكمها
بكون امللف خال مما يفيد أن املواطن الليبي يتوفر على سند قانوني ،في إشارة إلى
تأشيرة الدخول إلى املغرب .وكان الوكيل القضائي للمملكة بصفته نائبا عن وزير
الخارجية والتعاون الدولي ،و املدير العام لألمن الوطني قد أدلى في مذكرته
االستئنافية ،بأن قرار الحظر الجوي الذي تقرر نتيجة الحظر الصحي ،قررته
السلطات العليا للبالد ،لتفادي انتشارفيروس كورونا ،والذي يندرج ضمن القرارات
اعتبار أن مصدر األمر قض ى باإلذن بالدخول للتراب الوطني ،وهو ما ال يندرج ضمن
اختصاص القضاء ،و إنما من اختصاص السلطة التنظيمية ،باإلضافة إلى خرق
مبدأي فصل السلط املكرس دستوريا ،وكون القاض ي اإلداري يحكم وال يوجه أوامر
لإلدارة ،فضال على عدم االرتكاز على أساس قانوني ،و انعدام التعليل من خالل
انتفاء حالة االستعجال القصوى ،واالستناد إلى وجهة نظر أحادية ،وترجيح وثائق
عن اإلجراءات السيادية التي اتخذتها السلطات العليا .و أبرز الوكيل القضائي من
جهة أخرى ،أن تنفيذ األمر يقتض ي التأكد من عدم إصابة املستأنف عليه من
فيروس كورونا ،والذي تتواله إدارة أخرى ليست طرفا في الدعوى وهي وزارة الصحة،
كما أنه إذا ثبت إصابته بهذا الفيروس تكون املحكمة قد أمرت بإدخال شخص
مصاب ،وهو ما يعد خرقا للحظر الجوي .وقد خلصت املحكمة إلى أن القرار املتخذ
يدخل ضمن أعمال السيادة بامتيازوال يمكن تعليق آثاره القانونية إال في حاالت التي
وجاء في أمر صادر عن رئيس املحكمة اإلدارية بالرباط " :678أن حالة الحظر
الجوي والبحري مجرد تدبيرتنظيمي مؤقت ال يخل بمبدأ حرية الدخول والخروج من
وإلى التراب الوطني كأصل عام ،خاصة أن سنده الفصل 24من الدستورالذي يحدد
ويتعلق هذا األمر بقرار رفض طلب مواطن مغربي وزوجته الدخول إلى التراب
املغربي ،بعدما ظل عالقين بميناء الجزيرة الخضراء في اسبانيا ،على اثرإعالن حالة
الطوارئ الصحية .وقد عللت السلطات اإلدارية قرارها بإجراءات الحجر الصحي،
رغم أن هذه السلطات نظمت عدة رحالت جوية إلجالء رعايا بلدان أجنبية عالقين
باملغرب.
لقد رفض رئيس املحكمة طلب املدعيين باعتباره غيرمؤسس ،نظرا إلى أن قرار
إغالق الحدود الجوية والبحرية تم طبقا لقانون الطوارئ الصحية الذي نشر
-أمر عدد 955ملف رقم 2020/7101/667صادر عن رئيس المحكمة اإلدارية بالنيابة بالرباط بتاريخ 31مارس .2020 678
املغربية يمثل الشرعية اآلنية في ظل الوضع الحالي ،وأن القاض ي يحمي الشرعية في
كل األحوال.
وقد علل رفضه بأن املدعيين وإن كان يحمالن الجنسية املغربية ويقيمان
باملغرب ولهما حق الخروج والدخول من وإلى التراب الوطني طبقا ألحكام الدستور،
غير أن ذلك يبقى في األحوال العادية .أما في نازلة الحال فان استمرار وجودهما في
منطقة العبور بالجريرة الخضراء بعدما كانا قادمين إلى املغرب من اسبانيا ،إنما
يرجع إلى تدابير احترازية سريعة وحاسمة اتخذتها السلطات املغربية بفرض حظر
جوي وبحري ،استنادا إلى السلطة التقديرية الواسعة املمنوحة لها في هذا املجال
خامتة:
االستثنائية التي فرضتها حالة الطوارئ الصحية ال تبيح إلى منح سلطة مطلقة
بحقوق األفراد وحرياتهم تحت شعار اإلجراءات االستثنائية ،مما دفع إلى تخويل
- 679حسن صحيب ،الشرطة اإلدارية في حاالت الطوارئ :الطوارئ الصحية بالمغرب؛ مقال منشور على الرابط التالي:
https://participer.ma/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B7%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-
%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6-
، %D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A/تاريخ االطالع 26مارس ،2020على الساعة ،18:15ص .355
حماية الحقوق والحريات العامة في الظروف االستثنائية ،فهذه الرقابة تعد مسالة
ضرورية لخلق التوازن املطلوب بين ما للسلطة من امتيازات ،وبين ما يصبو إليه
مقدمة:
في الوقت الذي تسعى فيه الدولة املغربية -في شخص قائدها الهمام و الشعب
املغربي التواق الى الحرية املهذبة الغيور على وطنه و املكرس ملواطنته االنتاجية
الفاعلة -الى منافسة الركبان ومواصلة الخط التحرري لتكريس دعائم
الديمقراطية املغربية املنشودة في مختلف امليادين سواء ديمقراطية اجتماعية او
اقتصادية أو سياسية ،سواء من خالل االتفاقيات التي وقعها املغرب ،و من خالل
اللحظة الدستورية التاريخية الحاسمة التي تشكل نقطة تحول مفصلية بين ماض
قاتم الصورة متقلص فيه هامش الديمقراطية الى حد الغياب ،و حاضر يرجى له
التغيير بعيدا عن تلكم االوضاع املأساوية نحو مستقبل يؤمن باستحضار االنسان
في جميع املشاريع من حيث حقوقه املدنية والسياسية من جهة وحقوقه االجتماعية
واالقتصادية والثقافية من جهة أخرى ،بحيث كل خطوة عملية اجرائية اوقانونية
نظرية يتعين أن تتخذ من هذا االنسان املكرم ،منطلقا و منهجا و غاية لها.
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 406
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
فتبعا لذلك كله ،تفاجؤنا جهات اوأعمال تخطط لهدم تلك املكتسبات ،بحيث
ما يعطيه الدستورباليد اليمنى يؤخذ عبراليات تشريعية باليد اليسرى ،تحت ذريعة
مبررات عرجاء او منقوصة ضمانات اإلقناع ،كما هو الشأن بالنسبة ملشروع قانون
22-20ملارس ،2020الذي أتى املجلس الحكومي ساعيا من خالله إلى احتواء
األوضاع التي أفرزتها كورونا ،عبر توحيد األصوات و التعبيرات بخصوص مكافحتها
األكيدة املرجوة ،ولكن -و لألسف -على حساب هدم حرية التعبيراملكفولة دستوريا و
املستمدة من جميع الشرائع واالتفاقيات الدولية واملعاييرالحقوقية املتعارف عليها
عامليا ،باملعاقبة عليها جنائيا ،و هنا قد يصدق علينا تنبؤ األمين العام لألمم املتحدة
أنطونيوغوتيريش ،الذي عبرعن تخوفه من التذرع بفيروس كورونا إلضفاء الشرعية
على وسائل قمعية ،وإال فإن حرية التعبيرستكون من ضحايا الكورونا.
هذا ،بالرغم من تحفظنا على العقوبات الغليظة جدا باملقارنة مع حجم
الخطورة االجرامية للمختلفين -والذين سماهم القانون قيد الذكر مخالفين -مع
بعض التوجهات التي قد ال تخدم الصالح العام ،أو أنها تشكل خطرا على الصحة
العامة ،مثال املستهلك الذي يتضرر من مشروب غازي معين فيعبر على انه مضرأو
مدمربعيدا عن أي خلفية سياسية معينة ،علما أنه حرفي ذلك ،مالم يتعد ضوابط
الدستوراو التوابث العامة للبالد ،فهنا يمكن أن تتقرراملساءلة.
لذا سوف أعمل جاهدا على تبيان مالبسات املشروع من خالل نقطتين
موزعتين على شكل فقرتين كالتالي -:الفقرة األولى :مشروع قانون رقم 20 -22املتعلق
باستعمال شبكات التواصل االجتماعي :السياقات والتداعيات - .الفقرة
الثانية:عيوب تخللت املقتضيات الزجرية ملشروع قانون 22-20املتعلق باستعمال
شبكات التواصل االجتماعي
وتبعا ملنهجية التحليل أعاله نورد مايلي :
لم يكن هذا املشروع قانون جديدا على املجتمع املغربي إذ خاض معظم افراده
احتجاجا واسعا على مو اقع التواصل االجتماعي اإللكتروني ضد مشروع قانون
“املدونة الرقمية” الذي طرحته الحكومة املغربية علنا قبل طرحه على البرملان
للمصادقة عليه ،مما دفع الحكومة إلى التراجع عن طرح املدونة.
و ذلك بعد مجهودات متواصلية مضنية تحمل عنوانا واحد و هو رفضهم
القاطع ألية ممارسة رقابية على أنشطتهم داخل الفضاء اإللكتروني ،حيث تكثيفهم
من تعليقاتهم و انتقاداتهم لنصوص املدونة ،وإطالقهم لحمالت إلكترونية على غرار
“املدونة اإللكترونية لن تمر” ،والتي دامت طويال رغم اإلعالن عن سحب املدونة
بشكلها الذي خرجت به ،الى األنة األخيرة التي بدت فيها الحمالت االحتجاجية
الر افضة بصورة باهتة.
و من جملة ما تم الكشف عنه من عيوب ،و التي هي مناط الرفض ،هو أنه في
نص املدونة جمل فضفاضة وعبارات تحتمل تأويالت عديدة ،من قبيل "كل ما من
شأنه" أو " النظام العام" الذي لطاملا يعيد واضع املشروع تكراره في مواطن عدة على
امتداد املدونة ،دون أن يكلف الساهر على وضع مشروع املدونة نفسه عناء التأطير
املفاهيمي و تدقيق البمصطلحات الواردة فيها التي تعد كثرة التباساتها أشد وطأة
على املشهد الديمقراطي و األمن القانوني و القضائي و املحاكمة العادلة ،و فتحها
لالستعمال سلطات تقديرية واسعة من اإلدارة و الخاضعة تماما لتأويالتها .و لعلي
استحضر هنا املادة 24من املدونة االلكترونية التي تشير إلى أنه " ال يمكن أن تقيد
هذه الحرية إال بما يقتضيه ،من جهة احترام كرامة الفرد و حياته الخاصة و حرية
ملكية الغيرو الطابع التعددي لتيارات الفكرو التعبيرو الرأي ومن جهة أخرى احترام
الدين االسالمي و الوحدة الترابية و االحترام الواجب لشخص امللك و النظام امللكي
و النظام العام و لحاجيات الدفاع الوطني و متطلبات املرفق العمومي و لالكراهات
التقنية املرتبطة بوسائل االتصال الرقمية عبرالخط".
عندما تأملت املقتضيات التشريعية في مشروع القانون قيد الدراسة تبادر إلى
ذهني بأن املشروع ليس شاذا في مسارالتشريعات املقارنة وإنما سبقه كال من املشرع
الروس ي والصيني واإليراني في تنظيم حريات التواصل و التعبير في الوسائط
االجتماعية بالفضاء االفتراض ي ،وهي دول لم تكن أبدا يوما ما مرجعا للمغرب في
مجال تنظيم الحقوق والحريات ،علما أنها دول اختارت بكل وضوح عزل أنترنت
بالدها عن العالم ،كما هو الحال بالنسبة إلى التجربة الصينية ،التي أغرت روسيا
بالسيرفي االتجاه نفسه منذ تبنيها قانون «األنترنت السيادي» قبل عام تقريبا ،خارج
كل مرتكزات الصرح الديمقراطي الذي لطاملا لوحت به عبرأجهزتها التمثيلية ،و هذا
العزل االلكتروني له شروطه و ضماناته الكمبيوترية و غيرها.
فيما املغرب ال يتوفر-على ما أعتقد -على القدرات التي تسمح له بعزل األنترنت
عن العالم ،فهو ال يملك القدرات التقنية والتكنولوجية الالزمة لذلك.
فضال عن أن تنظيم األنترنت يتطلب امتالك القدرة واإلرادة السياسية لكبح
جماح الشركات ،من مزودي خدمات األنترنت ،بغرض حماية املصالح الوطنية
وحماية املواطنين كذلك من شرورها املفترضة ،بطريقة عقالنية متوازنة بين الصالح
العام و الخاص ،و هو األمر الذي لم يحدث أن حصل ،بحيث انبثق عن مجهود
أعضاء الحكومة توجها جزئيا ضد مصلحة املواطن/املستهلك فقط ،حامال بين
طياته تضييقا على الحرية االفتراضية املكفولة دستوريا ،ال لش يء إال ألنه بات
املواطن املستهلك قادرا على استخدام األنترنت للدفاع عن حقوقه وحرياته التي
تهدر ،أحيانا ،وهذا ال يتالءم و روح الدستورومقتضيات القانون.
و من تجليات هذاالتضييق ،هو التجريم ألفعال تدخل في أصلها ضمن الحقوق
املدنية و السياسية و الطبيعية من جهة أو الحقوق االجتماعية و االقتصادية و
الثقافية من جهة أخرى ،بل تخصيصه عقوبات للمخالفين بشكل غير عقالني و ال
مدروس إثرالعجلة والتسريع في إستصدارالقانون أعاله الذي ال عالقة له باالهداف
التي وضع من أجلها القانون كما هو في ديباجته ،بحيث نوضح مايلي:
-عدم انسجام املشروع القانون مع اتفاقية بودابيست املكرسة كماكياج في
الديباجة :
تشير الديباجة الى اهداف تالث او اربع و يبدو من ضمنها توخي تحقيق أهداف
اتفاقية بودابست التي صادق عليها املغرب في 29يونيو 2018ملكافحة الجريمة
اإللكترونية ،في حين عند الرجوع إلى مضامين االتفاقية ال يوجد أي منع أوحد لحرية
التعبيرعبروسائل التواصل االجتماعي ،بل تخص االتفاقية جرائم التزويرو النصب
و الصورالفاضحة لألطفال و انتهاكات حقوق امللكية و الحقوق املجاورة فقط.
و نود اإلشارة لتعميق التوضيح إلى مايلي:
املادة 14من املشروع :
التي تعاقب بالحبس من 6أشهرإلى ثالث سنوات و غرامة من 5000إلى 50000
درهم أوبإحدى العقوبتين فقط من قام عمدا عبرشبكات التواصل االجتماعي أوعبر
شبكات البث املفتوح أو عبرالشبكات املماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض املنتوجات
أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض عالنية على ذلك.
إذ ال يفهم سبب لتمرير هذه املادة بالذات إال ما ناقشناه بمقدمة املقال وهو
حماية الشركات من حمالت املقاطعة التي أصبحت حمالت ر اقية يعاقب بها
املواطنون الشركات التي يرون نقصا في خدماتها أو سوءا في منتجاتها أو غالءا في
أسعارها .
قيد التحليل يرمي إلى جعل األفراد تحت طائلة متابعات زجرية ثقيلة ملجرد ابداء
آرائهم حول منتوج معين.
-عدم تحري الدقة و انتهاج اللخبطة و اللبس فيما بين بعض املصطلحات التي
تعرقل سعي الجهات املعنية به نحو ضمان تحقيق األمن االفتراض ي :
و هنا نقدم املواد 19و 20و 21و 22من مشروع القانون ،و التي تؤكد على تجريم
نشر و تقاسم و ترويج محتوى الكتروني يتضمن أخبارا زائفة و معاقب عليها بنفس
العقوبة ،دون تمييز بين صانع الخبر املزيف بسوء نية في املقام األول و بين الذي قام
بتلقيها و تصديقها و أعاد نشرها بحسن نية أو أعاد نشرها فقط عن طريق الخطأ
ليصبح في نفس خانة صانع الخبرالزائف.
-التساهل في حصول الشطط بمنح مزود الخدمة سلطة التحقق بعيدا عن
اختصاص أصيل للقضاء به
و ذلك أن املادة 8من مشروع القانون قيذ الذكرتعطى ملزود الخدمة سلطة
التحقق من عدم مشروعية محتوى معين وحذفه أوتوقيفه أوتعطيل الولوجية إليه
مما يفتح الباب لسلطات واسعة ملزودي الخدمة قد تكون مشوبة بالتعسف و
الشطط و ال يجب أن تخول لهم باألصل ،و انما هي من اختصاص القضاء.
-و في ختام هاته الورقة:
نشيرإلى ان مشروع القانون يضم 25مادة بها 22مادة تخص الجانب الجزائي
اداريا و عقابيا في ما يخص العقوبات السالبة للحرية الحبسية الضبطية و التأديبية
و العقوبات املالية القاسية جدا .مما يجعل اي متمعن لها يلجأ إلى وصفها بكونها
مدونة للعقاب ال للتأهيل و التهذيب .و هنا يكون مشروع القانون املسرب خارج عن
األهداف الراهنية للسياسة العقابية الحديثة املرسومة توجهاتها ضمن توصيات
ميثاق إصالح منظومة العدالة .
تقدم:
إذا كانت السياسة العقابية تقوم على حق الدولة في العقاب أي السند الشرعي
الذي تعتمده السلطة في إنزال العقاب على املجرم ،فإن هذا الحق أسست له
مجموعة من املذاهب الفكرية التي أسست إلى على العقاب الحديث ،لكن قبل
الحديث عن هذه املذاهب البد من الحديث عن السياسة العقابية في الفكرالقديم.
ففي املجتمعات البدائية القديمة التي كان يطبعها نظام القبلية كان االنتقام
وردة الفعل املتمثلة في مقابلة العدوان بالعدوان هو قانون القبائل وأسلوب حياتها،
فكان االنتصاردائما للطرف القوي ،وفي املجتمع اإلقطاعي تطورمفهوم العقوبة مع
سيطرة النفوذ الديني مع الكنيسة التي جمع رهبانها بين السلطتين الدينية
والدنيوية ،فكانت الجريمة تعتبر بمثابة خطيئة دينية ،فاتسمت العقوبة بالقسوة
والشدة.
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 415
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
ومع نشوء وتطور الدولة كتنظيم سياس ي خالل القرون الوسطى ،حيث انتقل
نتيجة لذلك حق العقاب إليها ،فانفردت به ومارسته نيابة عن الجماعة ،إال أن
ممارستها لهذا الحق اتسم خالل تلك القرون بالظلم واالستبداد والتجاوز في سلطة
القضاة ،وقسوة النظام العقابي الذي كان في مجمله يعتمد على العقوبات البدنية،
كالشنق وقطع الرأس واإللقاء من مكان مرتفع وربط أرجل و أيدي الجاني بأربعة
أحصنة كلها تأخذ اتجاهات مختلفة حتى تقطع أوصاله ،وما إلى ذلك من طرق
التنكيل.
وفي ظل الظلم واالستبداد وعدم املساواة بين الجناة في العقوبة ،والقسوة في
العقوبة التي كانت تتسم بعدم التناسب والتالزم بين الجريمة والعقوبة التي كانت
تحكمها املزاجية وهوى الحاكم الذي كان سائدا في أوروبا ،انبثقت ثورة فكرية قادها
مفكرون مثال "جون جاك روسو" و "فولتير" و"مونتيسكيو" و"جون لوك".
فكما يقول مونتيسكيو في مؤلفه " عن روح القوانين " "l’esprit des loisأنه
من قبيل املبدأ األبدي أن كل إنسان يحوزسلطة يسعى إلى إساءة استخدامها إلى أن
يجد حدود تحده" وتبعه روسو في كتابه " العقد االجتماعي"" contrat socialمناديا
بوجوب رد العقوبات إلى الحد األدنى الذي به تتحقق حماية املجتمع من املجرم
ومنعه من إيذاء غيره ،أما فولتير فكان من رأيه أن الغاية من العقاب ليس االنتقام
من املجرم بل الدفاع عن الصالح العام.
و انطالقا من أراء هؤالء الفالسفة ،الذين مهدوا الطريق إلى ظهور ثورة فكرية
أخرى التي حاولت التأسيس والتأصيل للعقوبة خالل القرن الثامن عشر من خالل
ظهور املدرسة التقليدية أو مدرسة الردع العام )املطلب األول( وظهور مدارس
اهتمت بشخصية املجرم أو ما سمي باملدارس العلمية )املطلب الثاني( وكذا ظهور
املدارس التوفيقية التي حاولت التوفيق بين املدارس السابقة )املطلب الثالث(.
شكلت مذاهب الردع العام إطارا مرجعيا لعلم العقاب " ،"la pénologieوقد
جاءت ملواجهة الفكر العقابي السائد في أوربا خالل القرن الثامن والذي تميزبالظلم
واالستبداد والتجاوز في سلطة القضاة ،وقسوة العقوبة ،فكانت املدرسة التقليدية
ظهرت املدرسة التقليدية على يد مؤسسها " بيكاريا" الذي جاء بمجموعة من
املبادئ الجوهرية ضمنها في كتابه الشهير " في الجرائم والعقوبات" des délits et
"peinesخالل القرن الثامن عشر و نادى بسلب القضاة تحكمهم في تحديد
العقوبات وضرورة إسناد ذلك لجهات تشريعية وهو من أسس ملبدأ شرعية الجرائم
والعقوبات ،أي ال جريمة وال عقوبة إال بنص.680
وقد قادت نقاشات هذه املدرسة إال أن أساس حق املجتمع في العقاب يقوم
على فكرتين ،تبناهما فريقان:
-فريق يرى بأن أساس العقاب يقوم على فكرة العقد االجتماعي التي جاء بها
جون جاك روس ،و انطالقا من هذه الفكرة يذهب بيكاريا إلى أن الجريمة
تمثل خرقا للعقد االجتماعي يجبر الدولة االلتجاء إلى العقاب فأمام تنازل
األفراد عن حقهم في الدفاع عن أنفسهم وأموالهم ،مقابل قيام الدولة بهذه
املهمة نيابة عنهم ،وبالتالي يصبح هدف الدولة في توقيع العقوبة هو تحقيق
املصلحة االجتماعية ،ولهذا يجب أن يتحدد مقدار العقوبة بمقدار جسامة
الضررالذي أحدثته الجريمة.681
-في حين يستند فريق آخر إلى املنفعة االجتماعية إال أنهم ال يرجعون ذلك إلى
فكرة العقد االجتماعي كما هو األمر عند بيكاريا ،حيث يرى بنتام أنه ال معنى
ألي إجراء بدون مصلحة ،هذه املصلحة هي التي تحدد العقاب وأسلوبه ،فال
معنى للقسوة حيث ال توجد فيها مصلحة ،كما يجد في عقوبة الحبس األكثر
تجاوبا مع املصلحة االجتماعية ....وقد قدم بنتام النموذج األمثل ملا يجب أن
680اسحق ابراهيم منصور :موجز في علم اإلجرام وعلم العقاب ،ط ،2ديوان المطبوعات الجزائر ،1991ص134
681علي عبد القادر القهوجي ،فتوح عبد هللا الشادلي ،علم اإلجرام وعلم العقاب ،دار المطبوعات الجامعية،
اإلسكندرية،1999،ص.14
تكون عليه هذه املؤسسات ،حيث تأخذ شكل دائري يتوسطها مقر مرتفع
يقيم به املدير مشرف منه على كافة ما يجري في زنزاناتها.682كما يرى أنه ال
مانع من تشديد العقوبة متى كان ذلك محققا للمنفعة االجتماعية.
رغم الخالف حول أساس العقاب إال أن أنصارهذه املدرسة يتفقون فيما بينهم
على أن غرض العقوبة هو الردع العام .وأن أساس املسؤولية الجنائية هو حرية
االختياروأن جميع الناس متساوون في قدرهذه الحرية ،ومن تم يجب التساوي بينهم
في قدرهذه العقوبة.
فكرة العدالة املطلقة لدى كانط
في حين ذهب كانط إلى أن غرض العقوبة هوتحقيق العدالة املطلقة وغايتها
هو إرضاء الشعور بالعدالة وأعطى كانط مثل مشهور أطلق عليه اسم " الجزيرة
املهجورة" انطلق فيه من فرضية أن جماعة من البشرتعيش على جزيرة اتفقت على
إنهاء معيشتها املشتركة في تلك الجزيرة فيجب عليها أن تنفذ آخرحكم باإلعدام صدر
فيها ألن العدالة توجب ذلك بالرغم أن تنفيذ هذا الحكم أصبح عديم الجدوى لهذه
الجماعة وهي على وشك املغادرة.
682رمسيس بهنام ،النظرية العامة للمجرم والجزاء ،منشأة المعارف اإلسكندرية ،دت ص.88
683سليمان عبد المنعم سليمان ،أصول علم الجزاء الجنائي ،نظرية الجزاء الجنائي ،فلسفة الجزاء الجنائي ،أصول المعاملة العقابية،
دار الجامعة الجديدة للنشر اإلسكندرية 2001 ،ص .170
وكان لهذه املدرسة فضل كبير في انتشار العديد من القواعد الفقهية الجنائية
العقابية أهمها :مبدأ التفريد العقابي ،التخفيف العقابي ،الظروف القضائية
املخففة ،وقف التنفيذ.
إال أنه ما يعاب على هذه املدرسة أنها أغفلت االهتمام بشخص املجرم،
وصعوبة قياسها لدرجة حرية االختيار.
أمام فشل النظام الجنائي التقليدي املبني على فكرة القانون الطبيعي ،فعلى
الرغم من األفكار التي جاءت بها ظلت معدالت الجريمة وحاالت العود مرتفعة،
ظهرت املدرسة الوضعية (الفقرة األولى) وحركة الدفاع االجتماعي (الفقرة الثانية)
التي ركزت اهتمامها على شخص املجرم واعتبروا أن غرض العقوبة هو الردع
الخاص.
ظهرت املدرسة الوضعية بين القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر بفعل
مجهودات الطبيب الشرعي" سيزار لومبروزو" صاحب كتاب "اإلنسان املجرم"
" l’homme criminelleوالعالم االجتماعي انريكو فيري صاحب كتاب
"السوسيولوجيا الجنائية" "la sociologie criminelleومن مؤلفاته أيضا " نظرية
تقييد ورفض حرية االختيار"والقاض ي ر افايل جارو فالو صاحب كتاب "علم
اإلجرام" .684" la criminologieوقد جاءت هذه املدرسة بعد فشل املدرسة
التقليدية في مكافحة الظاهرة اإلجرامية والعتبارات علمية تتجلى أساسا في القفزة
الكبرى الذي حدثت في القرن التاسع عشر في األخذ باملنهج العلمي القائم على
املشاهدة والتجربة ونبذ التفكيرالعقائدي وامليتافيزيقي ملواجهة الظاهرة اإلجرامية،
ويقوم فكرها الفلسفي على عدة عناصر أولها استعمال املنهج التجريبي في الظاهرة
اإلجرامية الذي يقوم على أساس البحث العلمي ،ثانيا أن هذه املدرسة رفضت مبدأ
حرية االختياركأساس للمسؤولية الجنائية واعتناق مبدأ جديد هو مبدأ الحتمية أو
منصور رحماني :علم اإلجرام والسياسة الجنائية ط 1دار العلوم للنشر والتوزيع ،الجزائر 2006ص158 684
الجبرية في التصرف ،فلومبروزو يرجع حتمية الجريمة إلى عوامل ترجع إلى التكوين
العضوي والنفس ي للجاني ،حيث خلص من خالل دراسته إلى نماذج من املجرمين
العتاة أثناء عمله في ثكنات الجنود والسجون واملستشفيات إلى أن أسباب الجريمة
ذاتية وداخلية ألنها كائنة في شخص املجرم أي في تركيبته العضوية ،وقال بأن تو افر
صفات تكوينية أي خلقية في الشخص تعود به إلى اإلنسان البدائي يصبح حتما
مجرما وتبعا لذلك يمكن التعرف على الشخص املجرم من خالل التحقق من هذه
الصفات البدائية وبهذا يكون لومبروزو قد ربط بين سلوك الفرد ومالمحه وصفاته
العضوية -التكوينية أو الخلقية -وفسر ارتكاب الجريمة تفسيرا عضويا بأن اعتبر
وقوع الجريمة يرجع إلى الصفات العضوية التي يتصف بها املجرمون فمن تو افرت
فيه هذه الصفات سيرتكب حتما جريمة.
* أما انريكو فيري وإن كان قد أيد أستاذه لومبروزو في حتمية الجريمة بتو افر
صفات عضوية ونفسية في املجرمين فإنه يرى أن اإلنسان يكون مدفوعا إلى الجريمة
تحت وطأة ظروف خارجية ،وقد قسم فيري العوامل التي تفسر حتمية الجريمة إلى
ثالثة أنواع:
عوامل انتربولوجية تتصل بالتكوين العضوي والجثماني لإلنسان املجرم
عوامل طبيعية ( املناخ+الظروف االقتصادية)
عوامل اجتماعية:أي أن اإلنسان ككائن اجتماعي يتواجد منذ والدته في
مجتمع إنساني ويثأتربسلوك من يحيطون به ( املدرسة +األسرة)
وبالتالي فقد نجحت هذه املدرسة في االهتمام بشخصية املجرم وأعطت
تصورا جديدا للمسؤولية الجنائية بتأسيسها على مفهوم الخطورة اإلجرامية
وضرورة وضع تدابير جزائية كأساس جديد للعقاب ونادت بوضع خطة للوقاية من
الجريمة من خالل مكافحة األسباب املؤدية لها كالفقروالجهل واملرض .
ورغم األفكار الجديدة التي جاءت بها هذه املدرسة والتي تمثلت أساسا في
استخدام منهج علمي وطرح فكرة التدابيرومكافحة العوامل املؤدية لإلجرام ،إال أنها
تعرضت النتقادات عدة خصوصا في الجانب املتعلق بإنكار حرية االختيار والتسليم
بالحتمية اإلجرامية ،حيث بالغت في ذلك لدرجة أنها اعتبرت أن اإلنسان مجرد آلة
تتأثر وال تأثر.685
الجديد" " La défense sociale nouvelle 688الذي نشرألول مرة سنة ،1954والذي
تضمن العديد من األفكار أساسها أن القانون الجنائي غايته حماية املجتمع من
السلوك اإلجرامي ،وبذلك فهو خالفا لجراماتيكا ال يرفض أنسل القانون الجنائي وال
ينكر مبدأ الشرعية وال يلغي املسؤولية الجنائية ،ونادى بضرورة تناسب الجزاء مع
الفعل اإلجرامي مع اتفاقه مع مؤسس هذه املدرسة في أن يكون العقاب هدفه هو
إصالح الجاني وتأهيله إلعادة إدماجه في املجتمع باعتماد التدابيرالحمائية كوسائل
عالجية ومناهج تهذيبية أو تربوية ،وبالتالي إضفاء الروح االجتماعية السامية على
القانون الجنائي الحديث ،كما أنه يجب على القاض ي أن يكون ملف خاص باملجرم
تدون فيه نتائج فحص شخصيته حتى يتمكن من تقدير املسؤولية على أسس
و اقعية .
وبالرغم من االنتقادات املوجهة لحركة الدفاع االجتماعي فقد كان لها
صدى كبير في التشريعات الجنائية الحديثة ،ويعود لها الفضل في العديد من
اإلصالحات التي عرفتها السياسة العقابية املعاصرة ،وخاصة في تنفيذ العقوبة
كمرحلة من أهم املراحل تأثيرا على حقوق الجاني األساسية.
تعتبر هذه املدرسة نتاج للجدال الفكري والفلسفي الذي صاحب مختلف
املدارس الفقهية السابقة ،وهي تحاول في كل ذلك إيجاد صيغة توفيقية تجمع بين
محاسن تلك املدارس بطبيعة الحال ،وما يمكن قوله أيضا عن هذه املدرسة أنها
ولدت من رحم علماء القانون الجنائي وعلم العقاب لذلك حاولت أن ال تهمل شخص
املجرم وال تغفل الجريمة والعقوبة.
-1االتجاه الفرنس ي :جاء بفكرة أن حرية االختيارأساس المسؤولية الجنائيـة
وبـذلك اسـتبعد فكـرة الجبرية وأشار إلى وجوب توقيع العقوبـة املالئمة ،إال أن
معيـار التالزم ال يحـدد بحجم الضرر إنما يحدد من خالل شخصية المجـرم،
V/M ANCEL.la défense sociale nouvelle , un mouvement de politique criminelle humaine, édition 688
cujas, paris 1954
ووجـوب تفريـد العقـاب لـذلك المعيار ،وقد اعتمد رواد ﻫـذا االتجاه علـى أسـلوب
البحـث العلمـي فـي تحليـل ودراسة أسباب الظواﻫر اإلجرامية.689
-2املدرسة الوضعية االيطالية الثالثة
أفكار ﻫـذا االتجـاه جـاءت متـأثرة بـالفكر الخـاص الـذي سـاد المدرسة
الوضعية وفكرة الجبرية في ارتكاب الجريمـة ،وبحـث أنصـار ﻫـذا االتجـاه فـي
أسباب وعوامل السلوك اإلجرامي عن طريـق البحـث العلمـي والتجربـة واعتمـدوا
كذلك فكرة الحماية والتدابير و إصالح الجاني ،تركـز ﻫـدف العقوبـة لـديﻬم علـى
فكرة الردع العام ،واقترحوا أن توقـع العقوبـة على الجـاني الكامـل األهلية ،أمـا
الجاني الذي لم تكتمل أهليته تتخذ إزاءه التدابير االحترازية التي تحول دون قيامه
بالفعل.690
-3االتحاد الدولي لقانون العقوبات
يعتبر االتحاد الدولي لقانون العقوبات من االتجاهات الوسطية التي عملت
على التوفيق بين أفكارومبادئ املدارس السابقة ،وقد تأسس على يد ثالثة من كبار
أساتذة القانون الجنائي ،وهم فون ليست ،وفان هامل ،وأدولف برنز.
وقد تم تكوين ﻫذا االتحاد بﻬدف توجيه السياسـة العقابيـة إلـى الحيـاة
العمليـة ،بغض النظر عن األساس الفلسفي الذي ترتد إليه ﻫذه السياسـية ،حيـث
تبنـوا المـنﻬج التجريبي في البحث واإلحصاء ،كما سلموا لكـل مـن العقوبـة
والتـدابير االحترازية معا بدور معقول في مكافحـة الجريمـة ،وبـذلك تـتلخص
وجﻬـة نظـرﻫم فـي أن العقوبة لﻬا دور أساسـي فـي صـيانة المصـالح التـي قـرر
المشـرع أن يحميﻬـا بنصوص التجريم ،وبذلك اعترفوا بأن العقوبة كجـزاء جنـائي
تحقـق وتكفـل الـردع العام ،أما بالنسبة للتدبير فإن قيمته تظهر في الحالة التي
تكون فيها العقوبة قاصرة أو عاجزة عن تحقيق األغراض املنوطة بها.
- 4الجمعية الدولية للقانون الجنائي:
689عماد محمد ربيع ،فتحي توفيق الفاعوري ،محمد عبد الكريم العفيف ،أصول علم اإلجرام والعقاب،ط 1دار وائل للنشر
والتوزيع األردن 2010.ص 180
690عماد محمد ربيع ،فتحي توفيق الفاعوري ،محمد عبد الكريم العفيف ،المرجع السابق ،ص.180
خامتة:
من كل ما سبق ذكره يمكن القول بأن أفكار هذه املدارس الفقهية كان لها
أثر بشكل إيجابي على التشريعات الجنائية املعاصرة وعلى السياسة العقابية في
مختلف دول العالم ومن بينها التشريع الجنائي املغربي ،حيث أحدثت تغييرا جذريا
في املمارسات العقابية والتجريمية ،ولعل فهم أي تشريع عقابي البد أن يمر من
دراسة الخلفيات التي استند إليها املشرع في وضعه ،السيما وقد اتضح لنا جليا تأثير
هذه االتجاهات الفقهية والفكرية على العديد من التشريعات.
تقرير تركيبي ألشغال الندوة التي نظمتها فدرالية رابطة حقوق النساء بالرباط
لتقديم مذكرتها حول مشروع تعديل القانون الجنائي ومسودة مشروع املسطرة
الجنائية ،تحت شعار " :من أجل منظومة جنائية تقض ي على التمييز والعنف ضد
وسط حضور اعالمي وحقوقي واسع ،قدمت فدرالية رابطة حقوق النساء
صبيحة يوم الجمعة 19يوليوز 2019مذكرتها حول مشروع تعديل القانون الجنائي
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 427
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
وجذرية للقانون الجنائي في شقيه املوضوعي واالجرائي ،و انما مجرد تعديل جزئي
ملقتضيات متفرقة من هذا القانون ،ال يربط بينها أي سياق منطقي ،وهو ما يبرز في
الحالي ،حيث حافظ على تكريس نفس الفلسفة الجنائية القائمة على التمييز
والذكورية املنافية اللتزامات املغرب الدولية بشان حماية الحقوق اإلنسانية للنساء
سواء على مستوى املقتضيات املوضوعية أو اإلجرائية ،و أبقى على نفس اإلطار
الجنائي الحالي املحكوم بالهاجس األمني التي تعتبر النظام العام أولوية على حساب
املفهوم التقليدي لألخالق واألسرة واملجتمع على حساب املرأة الفرد وحقوقها
وحرياتها .وهو ما يبرز أيضا على مستوى استمرار نفس التبويب املنتقد :بإدراج
جريمة االغتصاب وهتك العرض ضمن الجرائم املتعلقة بانتهاك اآلداب واألخالق
العامة ،وإدراج جريمة التمييز بسبب الجنس ضمن جرائم "االستغالل الجنس ي
و إفساد الشباب" ،واالستمرارفي معالجة جرائم العنف القائم على النوع االجتماعي
ضمن جرائم العنف بصفة عامة ،وليس باعتبارها جرائم تستهدف الحقوق
االنسانية للمرأة ،وإغفال تخصيص تبويب مستقل لجرائم النوع مما يعني
االستمرار في تغييب مقاربة النوع االجتماعي بمختلف تجلياتها على مستوى مشروع
القانون الجديد.
من جهة ثانية اعتبرت رئيسة الفدرالية أن مسودة قانون املسطرة الجنائية،
تشكل تراجعا عن املكتسبات التي راكمتها الحركة الحقوقية باملغرب منذ عقود،
الدولية التي صادق عليها املغرب؛ وتنكرا للتوصيات الصادرة عن ميثاق إصالح
العدالة ،خاصة املتعلقة منها بنهج سياسة جنائية جديدة تستحضر مقاربة النوع
اإلجتماعي ،وتعزز الحماية القانونية للنساء ،حيث جاءت املسودة خالية من أي
املقارنة انسجاما مع املادة 4من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييزضد املرأة.
وفي قراءته ملضامين املذكرة قال الدكتورأنس سعدون أن املشروع تضمن عددا
وجرائم الحرب ،وذلك استجابة اللتزامات املغرب الدولية ،لكن هذا ال يمنع من
تسجيل عدة مالحظات حول محدودية بعض التعديالت في عالقتها بمطالب الحركة
من الجرائم وعلى رأسها االغتصاب حيث ما يزال التعريف الوارد في صلب القانون
الجنائي بعيدا عن ما تفرضه املعاييرالدولية ،من ضرورة أن يكون شامال دون تحديد
للنوع االجتماعي ،ومتضمنا لجميع أشكال االعتداء الجنس ي باالكراه على أي جزء من
جسد الضحية ،بما في ذلك اإليالج باستخدام أدوات ،وأن يشمل أيضا االغتصاب
الزوجي .كما أن املشروع لم يتطرق ملفهوم جريمة "هتك العرض" الواردة في القانون
الجنائي وهو وصف غيردقيق وواسع يتراوح بين مجرد القبلة والعالقة الجنسية التي
تتم دون اإليالج املهبلي ،كما أن املشروع لم يجرم العنف السياس ي.
لعقوبة جريمة الرشوة ،وذلك بالرفع من عقوبتها السجنية واملالية ،فان اإلبقاء على
الصيغة الحالية للفصل 248من القانون الجنائي ،يجعله غير متالئم مع املعايير
الدولية ،والتي تعتمد مفهوم الفائدة أو املزية غير املستحقة كعبارة تستوعب
مختلف الفوائد أواملزايا املادية أوغيراملادية التي قد يحصل عليها أويطلبها املوظف
للقيام بعمل أواالمتناع عنه .كما أن املشروع أبقى على اعتماد مفهوم ضيق "للفائدة
األخرى" بحيث ال يستوعب إال الفوائد املادية ،ولم ينص بشكل واضح على إمكانية
تجريم الفوائد غير املادية واملعنوية وعلى رأسها الخدمات الجنسية ،التي قد يطلب
أو يقبل املوظف بها للقيام بعمل أو االمتناع عنه .مطالبا في هذا السياق بضرورة
تجريم الرشوة الجنسية ،و افراد نص جديد يعتبرالرشوة التي تقع على امرأة بسبب
الواردة في املشروع ورغم أهميتها اال أنها "جاءت محدودة حيث لم تتضمن التنصيص
على آلية الوضع تحت املر اقبة االلكترونية كإجراء يمكن استعماله في جرائم العنف
ضد النساء".
في نفس السياق تطرق أنس سعدون لعدة مقترحات تضمنتها مذكرة الفدرالية
-تقوية االشراف القضائي على جهاز الشرطة القضائية من خالل جعلها تابعة
بشكل مباشر للنيابة العامة وقضاء التحقيق وإلغاء تبعيتها للشرطة اإلدارية،
-أن تقوم الشرطة القضائية باالنتقال الفوري في جميع شكاوى العنف ضد
النساء ،وأن تكون لها الصالحية تحت اشراف السلطة القضائية املختصة بتفتيش
األماكن والدخول الى املباني ومباشرة جميع االجراءات الكفيلة بجمع األدلة وتوثيقها
قضايا العنف القائم على أساس النوع يقع على عاتق السلطات املكلفة بانفاذ
القانون؛ وليس على املرأة التي تعرضت للعنف ،واعتبار املتابعة تتم بشكل تلقائي
بغض النظرعن رغبة الضحية لتجنيبها مختلف الضغوطات التي تتعرض من طرف
-تخويل ضحايا العنف القائم على اساس النوع فرصة االدالء بشهادتهم دون
تحميلهم عبء املواجهة مع املشتبه فيهم ،و اتاحة تدابير تكفل االدالء بالشهادة مع
شأن ذلك تعميق األبحاث القضائية ،وإمكانية استعانة قاض ي التحقيق باملر اقبة
القضائية بقوة القانون ،بما في ذلك الحق في تنصيب محامي ومجانية مصاريف
من جهته تطرق الناشط الحقوقي علي عمار الى املؤيدات الدستورية والدولية
للمذكرة وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد املرأة سيداو،
ضد النساء املوجهة إلى املغرب من طرف اللجنة املعنية بالقضاء على التمييز ضد
املرأة ،اللجنة املعنية بحقوق اإلنسان ،لجنة مناهضة التعذيب ،لجنة حقوق
العمل حول التمييزضد املرأة في التشريع واملمارسة ،وكذا التوصيات املوجهة في إطار
و تحدث علي عمار ،عن أهمية التربية على حقوق اإلنسان ،ومناديا بضرورة
وضع برامج تعليمية تتضمن مبادئ حقوق اإلنسان والتربية عليها منذ الصغر
وقال عمار إنه "حينما ال تقوم اآلليات الزجرية بمهامها يتم التمادي"؛ وهو ما
من جهتها اعتبرت املحامية فتيحة شتاتو رئيسة شبكة انجاد أن منهجية اعداد
املراجعة ،اذ ركزت على مواضيع معينة ،و أقصت مواضيع أخرى رغم راهنيتها في
أجندا الحركة الحقوقية النسائية ،و أبعدت عملية اعداد مشروع هذا القانون من
في مناسبات سابقة ،وهي ذات املمارسة التي تم نهجها عند اعداد مشروع تعديل
ضد النساء بمختلف أنواعه ،أمام محدودية تدابير الوقاية والحماية التي أقرها
وبخصوص موضوع االجهاض أكدت فتيحة شتاتو على أهمية معالجة هذه
القضية في إطار مقاربة النوع االجتماعي ومحاربة العنف املبني عليه بما يستحضر
كرامة املرأة وحريتها واستقاللها ككيان إنساني وإراداتها الحرة في شخصها ومدى
وإمكاناتها وظروفها االجتماعية ككل متكامل غيرقابل للتجزيء والتبعيض .مع وضع
حد للنفاق التشريعي الذي يقوم على منطق حماية الحمل في الرحم والتنكر له بعد
العسولي والتي قالت إن "القانون الجنائي ،الذي يعود إلى عام ،1962تم وضعه في
ظروف تختلف اختالفا تاما عن مغرب اليوم إال أن املشرع ال يزال يتشبث به وال يقوم
سوى بترقيعه".
التجريم أوالعقوبات ،ولكن وضع حد لسلوكات وتغييرها ...سلوك ينظرإلى املرأة على
أنها بضاعة ،سواء في البيت أو في الشارع" .وفي هذا السياق تطرقت فوزية العسولي
الى مطلب حظر فحوص العذرية والذي تضمنته مذكرة الفدرالية ،مؤكدة أن هذه
الفحوص ما تزال موجودة على نطاق واسع باملغرب ،ورغم أن القانون ال ينظمها ،إال
أنه ال يحظرها ،مما يجعلها منتشرة بحكم بعض العادات والتقاليد والذهنيات"،
أجريت لهم فحوص العذرية ،وأن هذه املمارسات التي ال يمنعها القانون ،تشكل
انتهاكات تبقى راسخة في أذهانهن وال يستطعن أبدا نسيانها ،حيث تسبب أملا ومعاناة
كبيرين من الناحية الجسدية واملعنوية ،كما تشكل انتهاكا الخالقيات املهنة حينما
تمارس من قبل مهنيين ،وقد تشكل بدورها اعتداء جنسيا حينما ترتكب قسرا ،كما
قد يرقى هذا الفعل لدرجة تعذيب أو معاملة قاسية أو الانسانية أو مهينة حينما
ترتكب قسرا".
العذرية ومنعها بنص واضح في القانون ،ألنها تشكل عنفا يمارس ضد الفتيات وضد
النساء ،وآن األوان لوضع حد لهذه املمارسة التي يطبع معها املجتمع وتتغاض ى عنها
وتجدر االشارة في األخير الى أن مذكرة فدرالية رابطة حقوق النساء تضمنت
عدة توصيات حول مشروع تعديل القانون الجنائي ،من بينها :
يستهدف حرمان أو تقييد و/أو عرقلة مشاركة النساء وتمثيليتهن في ّمو اقع القرار
ودو ائر املسؤولية وفي اي نشاط سياس ي أو حزبي أو مؤسساتي او مدني ويكون قائما
الفصل 431من القانون الجنائي الذي يجرم التمييزويعرفه في الفقرة األولى "تكون
تمييزا كل تفرقة بين األشخاص الطبيعيين بسبب األصل الوطني أواألصل االجتماعي
-مراجعة التعاريف الواردة في القانون الجنائي خاصة تعريف العنف الذي أقره
قانون العنف ضد النساء ،ليشمل االغتصاب الزوجي ،واملمارسات الضارة بما فيها
الزواج املبكر ،وجرائم الشرف وإساءة معاملة األرامل (القانون يضاعف العقوبة
في حالة العنف ضد األصول لكن مصطلح األصول ال يشمل األرامل زوجات األب).
-أن يشمل التعريف العنف املمارس ضد املرأة في سياقات محددة خاصة في
حاالت النزاع ،أو الذي تتغاض ى عنه الدولة ،بما في ذلك العنف عند االحتجاز لدى
-تجريم تشويه األعضاء التناسلية باعتباره جريمة تشمل جميع املمارسات التي
تنطوي على اتالف كلي أو جزئي لألعضاء التناسلية أو الحاق ضرر بها لدواعي غير
طبية.
لحقوق اإلنسان للمرأة ،وتعريفه باعتباره سلوكا غيرمقبول تحدده الرغبة الجنسية
في العالقات األفقية والرأسية بما في ذلك أماكن العمل والتعليم والخدمات
والترفيه ،والنص على أن السلوك غير املقبول ذو الدو افع الجنسية يشمل السلوك
الطابع الجنس ي ،وعرض صور أو ملصقات أو رسوم أو كتابات صريحة جنسيا ،وكل
سلوك آخر غير مرغوب فيه جسديا أو لفظيا أو غير لفظي ذو طابع جنس ي( .دليل
-توسيع نطاق دائرة تجريم العنف االقتصادي الذي تتعرض له املرأة بسبب
األعراف والتقاليد والنظرة الدونية وال سيما في حاالت حرمان النساء من االرث أو
التصرف في ممتلكاتهن اململوكة على الشياع وهي ممارسات منتشرة داخل العديد
-فرض إلزامية التبليغ على جرائم العنف ضد املرأة ،ألن القانون الحالي ال
-إدراج مقتض ى يمنع املحكمة من تمتيع املحكوم عليهم في قضايا االغتصاب من
ظروف التخفيف خاصة في الحالة التي يتم فيها زواجهم من الضحايا الناجيات من
العنف.
الجندري.
بسم هلل الكريم ،وبه نستعين ،وبفضله نمض ي حتى نبلغ اليقين ،والصالة
والسالم على أشرف املرسلين ،نهرالهدى وبحرالندى وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
بادئ ذي بدء أود أن أتقدم بالشكرو العرفان وعظيم االمتنان ألستاذي وقدوتي
في دربي ،الدكتور مصطفى مالك ،الذي تعهد على اإلشراف على هذا البحث وأوفى
بذلك بكل ما تحمله الكلمة من معنى ،حيث كان دائما ما يفتأ يرشدني بمالحظاته
رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي جملة قانونية علمية فصلية حمكمة
P 439
العدد 23من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر 2020م
القويمة وتصويباته السديدة التي أضفت على هذه الرسالة رونقا و اتساقا ،فبارك
هلل في عمره.
الدكتور عبد الرحيم بن بوعيدة والدكتور محمد كرام والدكتور ضياء علي أحمد
نعمان ،اللذين كانوا نبراسا للعلم في الكلية ،حيث كثيرا ما يقدمون يد العون للطلبة
الباحثين دون كلل أو ملل ،فامتناني لهم على املجهود الجبار الذي بذلوه في قراءة
بحثي هذا و إبداء مالحظاتهم القيمة التي بال شك أو ريب ستكون دفعة كبيرة للرقي به
كما أغتنم الفرصة في هذا املنبركذلك ألوجه شكري لكل صروح العلم في كليتنا،
وباألخص األساتذة الذين أشرفوا على تكويننا في العلوم الجنائية واألمنية ،و أنوه
بكل التضحيات التي تقدموا بها قربانا ألجل الرقي بنا علما وأخالقا .و أقر في هذا
املقام أن جهدهم وهلل الحمد لم يذهب سدا فبارك هلل فيهم جميعا.
باأللقاب.
العالية من حاسبات آلية ،وبرامج متقدمة ،وشبكات اتصال ،عمل على تقريب
ماليين البشر بعضهم ببعض ،و أتاح طرقا وفرصا جديدة ،لالطالع على املعلومات
وتبادلها حتى وصف عصرنا بعصر املعلومات ،إال أن هذه التقنية جلبت معها آثار
سلبية تمثلت في التحديات املاسة بأغلب قيمنا األساسية ،األمر الذي قد يقتض ي
للتكنولوجيا املعاصرة ،مما أدى إلى ظهور وسائل وتقنيات معاصرة حديثة في مجال
التعامالت التجارية والقانونية على حد سواء ،تقوم في أغلب األحيان محل الوسائل
التقليدية التي أصبحت متجاوزة في عصر يمكن أن نطلق عليه عصر السرعة ،ومن
اإللكترونية التي تقدم خدماتها إلى األفراد واملؤسسات العامة والخاصة بالدولة،
لتفادي االنتظار ومشقة االنتقال للمر افق العمومية من أجل توفير وترشيد
واملواطنين.
كما تتجلى أهمية الوثيقة اإللكترونية في كونها وسيلة فعالة ،في تحقيق التجارة
الدولية ،نظرا لسهولة ويسر إبرام الصفقات بواسطتها ،سواء فيما بين األفراد أو
املؤسسات ،أو الدول ،ناهيك عن دور الوثائق الرقمية في اإلثبات أمام املحاكم
الزجرية واملدنية.
ولهذا كان من الواجب على التشريعات الدولية والوطنية ،العمل على سن
الحماية الالزمة من كل األفعال التي يمكن أن تمس بسالمتها ،بما يكفل لألفراد
وقد تطرق الفقه إلى أهمية الوثيقة اإللكترونية قبل صدور أي قوانين في هذا
املجال ،وقد كان له الفضل في توجيه التشريعات من أجل وضع قوانين تحمي وتنظم
وكان السبق للجنة األمم املتحدة للقانون التجاري الدولي ،التي وضعت قانون
نموذجي للتجارة اإللكترونية يشكل نقطة محورية للتشريعات سواء األجنبية أو
العربية ،في وضع تشريعاتها ،واألخذ بنصوصه القانونية ،وفي هذا الشأن عرفها
قانون اليونيسترال الدولي بمقتض ى مادته األولى التي نصت على أن الوثيقة
بوسائل إلكترونية أو ضوئية أو بوسائل متشابهة ،بما في ذلك على سبيل املثال ال
الحصر تبادل البيانات اإللكترونية ،أو البريد اإللكتروني ،أو البرق ،أو التلكس أو
كما عملت هذه املنظمة من خالل هذا القانون على مساواة الوثيقة اإللكترونية
ومن أجل حماية زجرية كفيلة بتعزيز ثقة األفراد واملؤسسات بالوثائق
االتجاه األول عمل على سن قوانين خاصة تعاقب على األفعال املاسة بالوثائق
االتجاه الثاني اكتفى بتعديل قوانينه القائمة على نحويؤدي إلى استيعاب صور
الجرائم املاسة بالوثائق اإللكترونية ،و من أهم هذه التشريعات ،التشريع الفرنس ي
والتشريع األملاني.
هذا فيما يتعلق بالتشريعات األجنبية أما فيما يتعلق بالتشريعات العربية فقد
قامت مجموعة من الدول العربية بسن قوانين خاصة في هذا الشأن منها ،قانون
املعامالت اإللكترونية األردني رقم 85لسنة ،2001و القانون التونس ي رقم 13لسنة
التكنولوجي ،فقد أصدر هذا األخير مجموعة من القوانين في هذا املجال ،وقد كان
أول قانون يشير إلى اإلجرام الرقمي ،هو القانون 03-03املتعلق بمكافحة اإلرهاب
وتدخل املشرع املغربي بعد ذلك سنة 2007إلصدار القانون 07-03املتعلق باملس
بنظم املعالجة اآللية للمعطيات ،والذي يشكل النص العام ملكافحة الجرائم
الوثيقة اإللكترونية أهمها جريمة تزوير واستعمال وثائق رقمية مزورة مع العلم
بذلك.
القانون 53-05و املتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية ،و القانون 09-08
املتعلق بحماية األشخاص الذاتيين اتجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي.
وباعتبارقانون املسطرة الجنائية يبقى النص العام اإلجرائي املطبق على جميع
الجرائم ،بما فيها اإللكترونية تدخل املشرع املغربي من خالل مشروع ق.م.ج ووضع
التشريعات واملواثيق الدولية في هذا املجال ،من أجل تكريس حماية جنائية فعالة
راجع إلى انتشاروتوسع التعامل الرقمي في إطارالتجارة اإللكترونية ،والتي تبرم غالبا
عن طريق وثائق إلكترونية ،وهو ما استغله مجرمو املعلوماتية في ارتكاب جرائمهم،
وعلى الخصوص جرائم املس بسالمة الوثائق اإللكترونية ،الش يء الذي يهدد ويزعزع
كما تتمثل أهمية املوضوع في إبراز الجدل والنقاش حول مفهوم الوثيقة
اإللكترونية ،و أيضا مدى حجيتها في اإلثبات ،والقواعد املنظمة لها ومدى اعتبرها
فمن الناحية االجتماعية ،فإن البشرية عرفت الكتابة منذ زمن بعيد ،وكانت
تتم بطرق مختلفة وبسيطة ،من أجل حفظ ما ينشأ بين أفرادها من عالقات
ورو ابط حقوقية ،حتى ال يطالها النسيان أو التحريف ،وكل ما يمكن أن يغير
الحقيقة.
أما من الناحية االقتصادية ،فإن الجرائم التي تقع على الوثيقة اإللكترونية قد
تخلف خسائرمالية كبيرة سواء بالنسبة لألفراد أواملؤسسات ،وهذا ما ينعكس سلبا
اإلرهابية إلى جرائم املس بالوثيقة اإللكترونية ،ليتأتى لهم تنفيذ مخططاتهم
الجنائي أو النصوص ذات الصلة باملعامالت اإللكترونية وذلك حتى يضفي عليها
الحجية الكاملة ،ويكافح األفعال والسلوكات التي من شأنها أن تطالها وتسبب أضرار
ألصحابها.
اعتبارا ملا لهذه الوثائق من مكانة متميزة في مجال التجارة اإللكترونية واإلثبات في
التطورات الحديثة.
باإلضافة إلى ندرة الكتابات التي تناولته خصوصا املغربية منها ،ومعظم
فحتى وقت قريب كانت جل معامالتنا سواء التجارية أو القضائية تتم عبروثائق
ورقية كالسيكية ملموسة ،تتسم بالوضوح وعدم التعقيد ،يسهل الرجوع إليها
أما في وقتنا الراهن ومع بروزالثورة التكنولوجية التي اكتسحت العالم أصبحت
جل تعامالتها تتم إلكترونيا بواسطة جهاز الحاسوب ،والذي آثار معه مجموعة من
اإلشكاالت خاصة فيما يتعلق بالتعامل بواسطة الوثائق اإللكترونية وعلى وجه
وإذا كانت الجرائم التي تقع على الوثيقة الورقية العادية أمرا يمكن كشفه
بسهولة ،فإن األمربخالف ذلك فيما يتعلق بالوثائق الرقمية كون الجرائم الو اقعة
عليها تقع في عالم معنوي افتراض ي يصعب معه ترك األثرعلى وقوعه.
ويثير موضوع الحماية الجنائية للوثيقة اإللكترونية إشكالية تطرح نفسها على
اعتباراألهمية التي أصبحت تحظى بها الوثائق اإللكترونية في وقتنا الحاضر ،وبالتالي
فما هي السياسة التشريعية الجنائية التي اعتمدها املشرع املغربي لحماية الوثيقة
اإللكترونية؟ .
أليست النصوص التشريعية الحالية غير قادرة على مجابهة الجرائم املاسة
بالوثيقة اإللكترونية ؟
وكيف عمل املشرع املغربي على حماية الوثيقة اإللكترونية من خالل النصوص
البحث في العلوم االجتماعية عامة ،وفيما يتعلق بموضوع الحماية الجنائية للوثيقة
والقوانين.
وبناء على ما سبق وتبعا للخط املنهجي الذي رسمنا معامله وحددنا إطاره
ماهية الوثيقة اإللكترونية .الفرع الثاني :تجريم األفعال املاسة بالوثيقة اإللكترونية
لعل أهمها:
أوال :االستنتاجات
اإللكترونية ،أدى إلى إحداث تراجع في مفهوم الوثيقة العادية ،وذلك ألن الوثيقة
اإللكترونية تعد وسيلة حديثة وتؤدي ذات الوظائف التي تؤديها الوثيقة العادية،
إال أنها تنشأ عبر وسيط إلكتروني ،وذلك استجابة لنوعية املعامالت التي تتم
إلكترونيا.
لقد منح املشرع املغربي الوثيقة اإللكترونية نفس القوة الثبوتية للوثيقة العادية،
إال أن هناك مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في الوثيقة اإللكترونية لكي
يتم منحها قوة ثبوتية معادلة للقوة الثبوتية التي تتمتع بها الوثيقة التقليدية
)1كشف هوية الشخص الذي صدرت عنه الوثيقة اإللكترونية بشكل واضح وقاطع.
إمكانية إثبات جميع الجرائم بواسطة الوثائق اإللكترونية ،تبعا لخاصية أو قاعدة
تأثير وسائل اإلثبات الجديدة التي أفرزتها التجارة اإللكترونية ،على نظرية االلتزام
ومدى القيمة القانونية لهذه الوسائل ،وقصور النصوص القانونية الحالية عن
استيعاب وسائل اإلثبات الجديدة التي أفرزتها املعامالت املدنية والتجارية ،إضافة
والتوقيع اإللكتروني حيث تبقى واردة دون وجود دليل على إحداث ذلك ،ما يطرح
بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية تبين لنا أن هذه املعامالت والعقود ال
املعامالت والوثائق الرقمية أنها تبرم دون الحاجة للتواجد املادي لألطراف ،كما أن
إلضفاء الثقة واألمان على املعامالت اإللكترونية يجعل هذا النوع من العقود يتميز
استثناء بعض التصرفات من إمكانية التوثيق اإللكتروني ويتعلق األمر بالعقود في
عدم نجاعة النصوص الزجرية في اإلحاطة بمختلف الجرائم التي قد تطال الوثيقة
اإللكترونية ،باإلضافة إلى أن العقوبات الواردة بها تبقى غيركافية لتحقيق الردع في
هذا املجال.
مالئمة قوانينها وفق املواثيق واملعاهدات الدولية من أجل مكافحة اإلجرام الرقمي
كما أن املشرع املغربي عمل على وضع قواعد جنائية من أجل استقرار املعامالت
هذا وال تنس ى دور القضاء في مواجهة الجرائم املاسة بالوثائق الرقمية ،حيث أن
هذا النوع من الجرائم ال يخلوا من الخصوصية ذات طابع فني والتقني ،والذي يوثر
بشكل كبير على السلطة التقديرية للقاض ي من حيث أدلة اإلثبات وغموض بعض
ونظرا لطبيعة الجرائم املرتكبة عبر الوسائط اإللكترونية بصفة عامة والجرائم
املاسة بالوثيقة اإللكترونية خاصة ،كون خاصيتها غير املحسوسة تظهر صعوبة
مهام السلطات شبه القضائية والسلطات القضائية في أداء دورها للكشف عن
الجريمة والبحث عن أدلتها ومن بين هذه الصعوبات قلة اآلثار املادية التي تتركها
وكثرة األشخاص الذين يترددون على مسرحها بين فترة ارتكابها وفترة اكتشافها.
ثانيا :اقتراحات
وضع قانون خاص بمكافحة جرائم اإلنترنيت والجرائم الو اقعة على الوثيقة
وضع مدونة خاصة تنظم الوثيقة اإللكترونية وتحيط بجميع جوانبها لفصلها عن
محتلة ملرتبة معينة في سلم املحاكم شأنها شأن محاكم الجرائم العادية.
تكوين القضاة ،سواء القضاء الو اقف أو القضاء الجالس ،وعناصر الشرطة
الجرائم املستحدثة.
إيجاد طرق معالجة استباقية تمنع من وقوع الجرائم املرتكبة عبر الوسائط
الحقيقية وهوياتهم عند فتح حسابهم على هذه الشبكات ،وإلزام مسؤولي املو اقع
تشديد العقوبة على مرتكبي جرائم املس بالوثائق اإللكترونية ،للحد من هذا النوع
من الجرائم.
دعوة اآلباء ملر اقبة أبنائهم أثناء استخدام شبكة (اإلنترنيت) ومختلف الوسائط
اإللكترونية الحديثة.
إضافة مادة في كليات الحقوق لتدريس مادة املعامالت اإللكترونية وصور الجرائم
فهرس العدد
08 كلمة افتتاحية للعدد.......................................................................................
ذ .محمد القاسمي
الحماية القانونية للعمال املنزليين على ضوء التشريع املغربي والفرنس ي169 ......................
بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي وفقا لقانون املسطرة الجنائية املغربية196 ...........
األستاذ محمد القاسمي
حجية عقود التفويت املجردة من أصل التملك في إثبات امللكية العقارية252 ..............
365 ميزانية النوع االجتماعي بين و اقع التحديات واآلفاق املسقبلية ..........................
جملة الباحث
للدراسات واألحباث القانونية والقضائية
جملة علمية فصلية حمكمة تعىن بنشر املقاالت واألحباث القانونية والقضائية
رئيس التحرير :ذ ج عفر القامسي * **** امل دير امل سؤول :ذ حممد القامسي
اإلشعار باإلفراغ بني احلق وااللتزام يف ضوء القانون رقم ............................................................67.12اشرف ركراكيـ
ميزانية النوع االجتماعي بني واقع التحديات واآلفاق املسقبلية ..................................................فاطمة الزهراء أخانة
الضمانات احلمائية للحقوق واحلريات يف ظل الظروف االستثنائية........................................................ازويني مجيلة
قراءة نقدية ملشروع القانون 22-20املتعلق باستعمال شبكات التواصل االجتماعي....................................رضوان سند
املدارس الفكرية التي أسست لعلم العقاب احلديث ........................................................................ابراهيم الدريفـ