You are on page 1of 5

‫الثانية ) ‪.

‬‬

‫الفترة األول ‪ :‬تكريس النظام العام العائلي‬

‫تتميز مؤسسة الزواج بشروط و أركان خاصة حددها المشرع و قننها بنصوص يغلب عليها‬
‫الطابع اآلمر و االرتباط الوثيق بالنظام العام‪ ،‬سنحاول بداية تحديد مفهوم النظام العام العائلي‬
‫( أ ) ثم سوف نتعرض إلى تطبيقات هذا المفهوم في الحقوق المالية للزوجة ( ب ) ‪.‬‬

‫أ ‪ -‬مفهومه‬

‫لقد تعرض المشرع لمفهوم النظام العام في عديد المناسبات صلب مجلة االلتزامات و العقود‬
‫من بينها ما جاء بالفصل ‪ 67‬منها أن " االلتزام المبني على غير سبب أو على‬

‫سبب غير جائز ال عمل عليه‪ .‬و السبب غير الجائز عبارة عما يخالف القانون أو األخالق‬

‫الحميدة أو النظام العام "‪.‬‬

‫يمكن تعريف النظام العام بكونه مجموع المبادئ األساسية التي يرتكز عليها تنظيم‬

‫المجتمع والدولة‪ ،‬و التي من شانها الحد من حرية األفراد لغايتي التنظيم و تحقيق‬

‫المصلحة العامة ‪.1‬‬

‫و فكرة النظام العام فكرة نسبية و مرنة تعّبر بصفة عامة عن األسس االقتصادية‬

‫و االجتماعية و األخالقية التي يقوم عليها نظام المجتمع‪ ،‬و هذه األسس قد تتغير بتغير‬
‫عواملها و تتطور بتطور المجتمعات لذلك فإن فكرة النظام العام تختلف باختالف الزمان‬

‫و المكان ‪ . 2‬فالنظام العام يعتبر انعكاسا للوضع القانوني للدولة الذي يقوم على أساس نظم و‬
‫قواعد معينة و متصلة في السلوك بحيث أن أي مساس بها يمكن أن يشكل إخالال بالنظام‬
‫العام‪ ،‬لذلك نجد أن النظام العام يتجه نحو ضبط نشاط األفراد و تصرفاتهم اجتماعيا فهو يرسم‬
‫السلوك االجتماعي الذي ال يجوز لألفراد خرقه أو انتهاكه و مما سبق ذكره نجد أن ما يضفي‬
‫على فكرة النظام العام صبغتها اآلمرة هو أنها تضع حلوال للمنازعات في اتجاه الحفاظ على‬
‫كيان المجتمع وذلك عن طريق التوفيق بين إرادة األفراد و رغباتهم و بين المصلحة العامة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫محمد الحبيب الشريف النظام العام العائلي‪ ،‬التجليات مركز النشر الجامعي ‪ ،2006‬ص ‪ 55‬و ما بعده‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الزين النظرية العامة لاللتزامات العقد طبعة ثانية سبتمبر ‪ ،1997‬ص ‪. 165‬‬
‫و تنتمي فكرة النظام العام إلى نطاق التفسير القضائي‪ ،‬ذلك أن القاضي باعتباره‬

‫عضو في جماعة معينة يتوافر له اإلدراك بالخصائص السياسية لفكرة القانون و بعبارة أخرى‬
‫يعني الضمير الكامن للقانون في بلده فاألمر يتعلق بفكرة اجتماعية يجب على القاضي أن‬
‫يحميها فهو يكاد يكون مشرعا في هذا المجال المرن و المتعلق بآداب و نظم مجتمعه األساسية‬
‫و مصلحته العامة‪ ،‬فللقاضي السلطة التقديرية عند النظر في المنازعات المعروضة أمامه في‬
‫تحديد مضمون النظام العام غير أنه ال يضع معايير جامدة في هذا التحديد يمكن أن تقيده‬
‫مستقبال و على العموم يمكن أن تنحصر عناصر النظام العام كما حددها الفقهاء التقليديون في‬
‫ثالث عناصر هي األمن العام‪ ،‬الصحة العامة و السكينة العامة‪.‬‬

‫و يقصد بالنظام العام العائلي إعمال إرادة الدولة في كل المسائل المتصلة بتنظيم‬

‫و تحديد حقوق أفرادها و التزاماتهم و ما ينجر حتما عن كل ذلك من آثار قانونية ‪.3‬‬

‫و لعل تبرير تدخل الدولة في الكثير من الروابط تحقيق المصلحة العامة إذ أن‬

‫جّل روابط األحوال الشخصية تهم النظام العام وال يجوز للزوجين االتفاق مبدئيا على‬

‫تعديلها و يدخل في هذا اإلطار بعض الحقوق المالية البحتة كالواجب المحمول على الزوج‬

‫في اإلنفاق على زوجته‪.‬‬

‫و رغم أن المشرع لم يستعمل مفهوم النظام العام العائلي إال أننا نالحظه في عدة‬

‫جوانب متصلة عموما بالعائلة كشروط الزواج و أحكام النسب‪ ...‬لكن لنا أن نتساءل حول‬

‫مدى تكريس المشرع التونسي للنظام العام في الحقوق المالية للمرأة كقواعد اإلرث‬

‫وأحكام النفقة ‪...‬‬

‫ب – تطبيقاته في عالقة بالحقوق المالية للمرأة‬

‫تم تكريس النظام العام العائلي صلب مجلة األحوال الشخصية و إن كان حضوره في‬

‫الحقوق الشخصية الناتجة عن الزوجية و القرابة أبرز إال أن الحقوق المالية‬

‫حظيت كذلك ببعض مظاهره و تظهر مالمح ذلك في العديد من العالقات المالية الرابطة‬
‫‪3‬‬
‫محمد الحبيب الشريف المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫بين الزوجين إذ أن الفصل ‪ 23‬من مجلة األحوال الشخصية المنظم للعالقات الشخصية‬

‫و المالية للزوجين جاء بصيغة آمرة شكال و مضمونا و يمكن تصنيفه ضمن قواعد النظام‬

‫العائلي العام‪.‬‬

‫نص المشرع صلب الفصل ‪ 24‬من مجلة األحوال الشخصية أّنه " ال والية للزوج‬

‫على أموال زوجته " وهو ما يجعل تلك القاعدة تندرج في إطار النظام العام العائلي و بالتالي‬
‫فال والية آلية أو ضمنية للزوج على أموال زوجته كما كان مكرسا بالفقه اإلسالمي فمثال االلتزام‬
‫‪4‬‬
‫بالتفويت الصادر عن زوج صاحبة العقار دون توكيل منها‪ ،‬ال يلزمها طالما لم تصادق عليه‪.‬‬

‫كما أوجب المشرع التونسي في خصوص المهر مثال تسمية مهر للزوجة في عقد الزواج و إال‬
‫رتب البطالن المطلق على ذلك العقد وكذلك ما جاء بالفصل ‪ 4‬من قانون ‪ 1998‬المتعلق‬
‫باألمالك المشتركة بين الزوجين إذ جاء به أن المهر ال يدخل في األمالك المشتركة و يبقى‬
‫خاصا بالزوجة و هو ما تتجلى منه الصبغة اآلمرة لهذه األحكام‪.‬‬

‫و تستنتج كذلك الصبغة اآلمرة بخصوص النفقة من أحكام الفصول الواردة بالكتاب‬

‫الرابع من مجلة األحوال الشخصية إذ أن هذه الصيغة مردها الصبغة المعيشية الواضحة‬

‫للنفقة و آثارها على حفظ حياة األفراد و السلم االجتماعية فكان لزاما على المشرع إحاطتها‬

‫ببعض األحكام التي ال يمكن للزوجين مخالفتها فجعل منها التزاما يحمل على الزوج ‪.‬‬

‫كما أن نفقة الزوجة على معنى الفصل ‪ 42‬من مجلة األحوال الشخصية ال تسقط بمرور‬
‫الزمن‪.‬‬

‫و قد كّر س المشرع بعض الضمانات المدنية فتتمثل أوال في التنفيذ اآللي بمجرد صدور حكم‬
‫الطالق على معنى الفصل ‪ 32‬م أ ش في فقرته األخيرة الذي اقتضى " تنفذ رغما من‬

‫االستئناف والتعقيب أجزاء الحكم المتعلقة بالحضانة والنفقة والجراية والسكنى وحق الزيارة "‬
‫بغاية ضمان العيش الكريم للمطلقة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 12024‬مؤرخ في ‪ 20‬جويلية ‪ 1976‬ن م ت لسنة ‪ ،1976‬ص ‪ ، 225‬ذكره محمد الشريف الجبالي في المرجع السابق‬
‫ص ‪.271‬‬
‫أّم ا الضمانة الثانية فتتمثل في عدم قابلية مبلغ التعويض ( جراية الطالق ) للتنفيذ عليه على‬
‫معنى الفصل ‪ 378‬م إ ع الذي اقتضى "ال تجوز المقاصة في أحوال ‪ :‬أّو لها إذا كان سبب‬
‫أحد الدينين نفقة أو شيء آخر مما ال يجوز حجزه"‬

‫إضافة لما أوردته بعض أحكام مجلة المرافعات المدنية و التجارية بالفصل ‪ 331‬الذي اقتضى‬
‫أنه ال تقبل العقلة التوقيفية النفقة إذا صدر بها حكم‬

‫و كذا الشأن بالنسبة للفصل ‪ 1464‬من مجلة االلتزامات و العقود الذي اقتضى أّنه " ال يجوز‬
‫الصلح على النفقة و إنما يجوز في كيفية دفعها أو فيما تأخر دفعه منها " و في تطبيقها لهذا‬
‫الفصل اعتبرت محكمة التعقيب في قرارها عدد ‪ 30368‬المؤرخ في ‪ 03‬مارس ‪ 1992‬أن‬
‫عبارة هذا النص عامة و مطلقة تشمل الصلح في كيفية دفع النفقة ال في إسقاط حق النفقة و‬
‫باألحرى إسقاط الحق ‪.5‬‬

‫كما أّن تمظهرات النظام العام العائلي في خصوص النفقة أو جراية الطالق يبرز‬

‫في إحالل صندوق ضمان النفقة و جراية الطالق محل المحكوم عليه في دفع المبالغ‬

‫المحكوم بها عليه‪ ،‬و لعل أبرز تكريس للصبغة اآلمرة للنفقة التلويح بعقاب جزائي لكل‬

‫متخلف عن أدائها في آجالها وهو ما سنتعرض له في المبحث الثاني ‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك كرس المشرع التونسي حماية غير مباشرة للحاضنة وهي عادة‬

‫الزوجة بأن منحها حق البقاء في المسكن الذي على ملك األب إن لم يكن لها مسكن‬

‫أو إلزامه بأداء منحة سكن للحاضنة و محضونها و هذا الحق يهم النظام العام و يترتب عن‬

‫مجاوزته عقاب جزائي‪.‬‬

‫أّم ا في خصوص الميراث فإن قواعده تتصل بالنظام العام العائلي بما أن أحكامه‬

‫بمجلة األحوال الشخصية جاءت آمرة و قطعية بأن جعلت نصيب الزوجة عند وفاة‬
‫‪6‬‬
‫زوجها محددا بالنص و بالتالي ال سبيل إطالقا لمخالفتها أو التفصي منها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 30368‬مؤرخ في ‪ 03‬مارس ‪ ، 1992،‬ن م ت لسنة ‪ ،1992‬ص ‪. 174-170‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد الحبيب الشريف النظام العام العائلي التجليات‪ ،‬ص ‪.286‬‬
‫كما رتب عن بطالن الزواج عدة اثار وال فرق بين الزواج الفاسد و الزواج الباطللقد استوجب‬
‫المشرع التونسي توفر جملة من الشروط الشكلية‪ 7‬واألصلية‪ 8‬رتب عن اإلخالل ببعضها بطالن‬
‫الزواج‪ .‬ورغم أنه قد يتبادر للذهن في بادئ األمر أن المشرع التونسي ُيفّر ق بين الزواج الفاسد‬
‫والزواج الباطل‪ ،‬إال أّن ه يبدو واضحا أنه لم يأخذ بنظرية المذهب الحنفي التي تفرق بين الزواج‬
‫الباطل والزواج الفاسد‪ 9‬حيث أّن ه يستعمل عبارتي "فاسد" و "باطل" للتعبير عن نفس المعنى‬
‫اقتداءا بالفقه المالكي والشافعي الذي ال ُيفرق بينهما‪. 10‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يرى األستاذ ساسي بن حليمة " أّن المشرع يستعمل كلمة الزواج الفاسد وهي‬
‫كلمة فقهية حال أّن العبارة التي يستعملها القانون الوضعي هي عبارة الزواج الباطل وأّنه ال‬
‫فرق بين الزواج الفاسد و الزواج الباطل "‪.11‬‬

‫أّم ا المشرع الفرنسي‪ ،‬فإنه يستعمل تعبي ار واحدا وهو الزواج الباطل‪" "Le mariage nul‬‬
‫‪12‬‬
‫للتعبير عن الزواج الذي اختل فيه شرطا من شروط الزواج سواًء الجوهرية أو الشكلية‪.‬‬

‫"ويعتبر تجاوز هذا التمييز دليال على بعض خصائص النظام العام العائلي الذي يبطل العقد‬
‫‪13‬‬
‫كما لو كان البطالن مطلقا ولكّن ه يول عنه آثا ار قانونية كما لو كان البطالن نسبًيا"‪.‬‬

‫‪ 7‬نص الفصل ‪ 4‬م‪.‬أ‪.‬ش والفصل ‪ 31‬من قانون الحالة المدنية على وجوبية إبرام عقد الزواج بحّج ة رسمية أمام عدلين أو أمام ضابط الحالة المدنية‬
‫بمحضر شاهدين من اهل الثقة‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫نص الفصل ‪ 21‬م‪.‬أ‪.‬ش على أن الزواج الفاسد هو الذي اقترن بشرط يتنافى مع جوهر العقد أو انعقد بدون مراعاة أحكام الفقرة األولى من الفصل‬
‫الثالث والفقرة األولى من الفصل الخامس والفصول ‪ 20 + 19 + 18 + 17 + 16+ 15‬من هذه المجلة"‪ .‬وبالتالي تتمثل هاته الشروط األصلية في‬
‫إبرام عقد الزواج بين ذكر وأنثى يجب ان يكون بالغين السن القانوني وجوب توفر الّر ضاء غير المعيب‪ ،‬أن يكونا خاليين من الموانع الشرعية المتمثلة‬
‫في الموانع المؤيدة (القرابة ‪ /‬المصاهرة ‪ /‬الرضاع ‪ /‬الطالق ثالث) والموانع المؤقتة (تعلق حق الغير بزواج أو عدة ) مع وجوب شهادة طبّية سابقة لعقد‬
‫الزواج وتسمية مهر للزوجة‪ .‬مأخوذ من محاضرات األستاذ محمد الحبيب الشريف في قانون األحوال الشخصية للسنة الثالثة قانون خاص‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية واالقتصادية بتونس ‪.1998-1997‬‬
‫‪ُ 9‬يمّي ز الفقه الحنفي بين الزواج الباطل وهو الذي فقد شرطا من شروط االنعقاد مما جعله ينشأ مختًال بحيث يكون وجوده وعدمه سواء ما عبر عنه‬
‫الحنفيون بأنه " مالم يشرع ال بأصله وال بوصفه" في حين أن الزواج الفاسد هو الذي فقد أحد شروط صحته وعرفه الحنفيون بأنه" ما شرع بأصله ال‬
‫بوصفه" أحمد رويس ‪ :‬دراسة مقارنة بين الطالق وبطالن الزواج ‪ :‬رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد األعلى للقضاء السنة القضائية ‪-2002‬‬
‫‪ ، 2003‬ص‪.4‬‬
‫‪10‬‬
‫محمد فيصل بن جعفر ‪ :‬الزواج الباطل ‪ :‬مذكرة لإلحراز على شهادة الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية واالقتصادية‬
‫بتونس ‪ ،1978‬ص‪.22‬‬
‫‪11‬‬
‫األستاذ ساسي بن حليمة ‪ :‬محاضرات مرقونة في قانون األحوال الشخصية كلية الحقوق و العلوم السياسية تونس‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫انظر الفصول من ‪ 180‬إلى ‪ 196‬من المجلة المدنية الفرنسية وتتمثل حاالت البطالن النسبي للزواج في القانون الفرنسي ‪ :‬في حالة الرضا المعيب‬
‫نتيجة غلط أو إكراه ‪ /‬حالة غياب رضا الولي بالنسبة لزواج القاصر أما حاالت البطالن المطلق للزواج تتمثل في حالة الغياب الكلي للرضا وحالة‬
‫الزواج بثانية وحالة عدم االختصاص الترابي بالنسبة لضابط الحالة المدنية المبرم للزواج ‪.‬‬
‫‪Voir Jean Carbonnier: droit civil, la famille, themis Tome 2, édition PUDF 1993, p.133.‬‬
‫‪13‬‬
‫الدكتور محمد الحبيب الشريف ‪ :‬النظام العام العائلي‪ ،‬مرجع سابق الذكر ‪ ،‬ص‪.266‬‬

You might also like