Professional Documents
Culture Documents
النظام العام العائلي
النظام العام العائلي
تتميز مؤسسة الزواج بشروط و أركان خاصة حددها المشرع و قننها بنصوص يغلب عليها
الطابع اآلمر و االرتباط الوثيق بالنظام العام ،سنحاول بداية تحديد مفهوم النظام العام العائلي
( أ ) ثم سوف نتعرض إلى تطبيقات هذا المفهوم في الحقوق المالية للزوجة ( ب ) .
أ -مفهومه
لقد تعرض المشرع لمفهوم النظام العام في عديد المناسبات صلب مجلة االلتزامات و العقود
من بينها ما جاء بالفصل 67منها أن " االلتزام المبني على غير سبب أو على
سبب غير جائز ال عمل عليه .و السبب غير الجائز عبارة عما يخالف القانون أو األخالق
يمكن تعريف النظام العام بكونه مجموع المبادئ األساسية التي يرتكز عليها تنظيم
المجتمع والدولة ،و التي من شانها الحد من حرية األفراد لغايتي التنظيم و تحقيق
و فكرة النظام العام فكرة نسبية و مرنة تعّبر بصفة عامة عن األسس االقتصادية
و االجتماعية و األخالقية التي يقوم عليها نظام المجتمع ،و هذه األسس قد تتغير بتغير
عواملها و تتطور بتطور المجتمعات لذلك فإن فكرة النظام العام تختلف باختالف الزمان
و المكان . 2فالنظام العام يعتبر انعكاسا للوضع القانوني للدولة الذي يقوم على أساس نظم و
قواعد معينة و متصلة في السلوك بحيث أن أي مساس بها يمكن أن يشكل إخالال بالنظام
العام ،لذلك نجد أن النظام العام يتجه نحو ضبط نشاط األفراد و تصرفاتهم اجتماعيا فهو يرسم
السلوك االجتماعي الذي ال يجوز لألفراد خرقه أو انتهاكه و مما سبق ذكره نجد أن ما يضفي
على فكرة النظام العام صبغتها اآلمرة هو أنها تضع حلوال للمنازعات في اتجاه الحفاظ على
كيان المجتمع وذلك عن طريق التوفيق بين إرادة األفراد و رغباتهم و بين المصلحة العامة.
1
محمد الحبيب الشريف النظام العام العائلي ،التجليات مركز النشر الجامعي ،2006ص 55و ما بعده.
2
محمد الزين النظرية العامة لاللتزامات العقد طبعة ثانية سبتمبر ،1997ص . 165
و تنتمي فكرة النظام العام إلى نطاق التفسير القضائي ،ذلك أن القاضي باعتباره
عضو في جماعة معينة يتوافر له اإلدراك بالخصائص السياسية لفكرة القانون و بعبارة أخرى
يعني الضمير الكامن للقانون في بلده فاألمر يتعلق بفكرة اجتماعية يجب على القاضي أن
يحميها فهو يكاد يكون مشرعا في هذا المجال المرن و المتعلق بآداب و نظم مجتمعه األساسية
و مصلحته العامة ،فللقاضي السلطة التقديرية عند النظر في المنازعات المعروضة أمامه في
تحديد مضمون النظام العام غير أنه ال يضع معايير جامدة في هذا التحديد يمكن أن تقيده
مستقبال و على العموم يمكن أن تنحصر عناصر النظام العام كما حددها الفقهاء التقليديون في
ثالث عناصر هي األمن العام ،الصحة العامة و السكينة العامة.
و يقصد بالنظام العام العائلي إعمال إرادة الدولة في كل المسائل المتصلة بتنظيم
و تحديد حقوق أفرادها و التزاماتهم و ما ينجر حتما عن كل ذلك من آثار قانونية .3
و لعل تبرير تدخل الدولة في الكثير من الروابط تحقيق المصلحة العامة إذ أن
جّل روابط األحوال الشخصية تهم النظام العام وال يجوز للزوجين االتفاق مبدئيا على
تعديلها و يدخل في هذا اإلطار بعض الحقوق المالية البحتة كالواجب المحمول على الزوج
و رغم أن المشرع لم يستعمل مفهوم النظام العام العائلي إال أننا نالحظه في عدة
جوانب متصلة عموما بالعائلة كشروط الزواج و أحكام النسب ...لكن لنا أن نتساءل حول
مدى تكريس المشرع التونسي للنظام العام في الحقوق المالية للمرأة كقواعد اإلرث
تم تكريس النظام العام العائلي صلب مجلة األحوال الشخصية و إن كان حضوره في
حظيت كذلك ببعض مظاهره و تظهر مالمح ذلك في العديد من العالقات المالية الرابطة
3
محمد الحبيب الشريف المرجع السابق ،ص .83
بين الزوجين إذ أن الفصل 23من مجلة األحوال الشخصية المنظم للعالقات الشخصية
و المالية للزوجين جاء بصيغة آمرة شكال و مضمونا و يمكن تصنيفه ضمن قواعد النظام
العائلي العام.
نص المشرع صلب الفصل 24من مجلة األحوال الشخصية أّنه " ال والية للزوج
على أموال زوجته " وهو ما يجعل تلك القاعدة تندرج في إطار النظام العام العائلي و بالتالي
فال والية آلية أو ضمنية للزوج على أموال زوجته كما كان مكرسا بالفقه اإلسالمي فمثال االلتزام
4
بالتفويت الصادر عن زوج صاحبة العقار دون توكيل منها ،ال يلزمها طالما لم تصادق عليه.
كما أوجب المشرع التونسي في خصوص المهر مثال تسمية مهر للزوجة في عقد الزواج و إال
رتب البطالن المطلق على ذلك العقد وكذلك ما جاء بالفصل 4من قانون 1998المتعلق
باألمالك المشتركة بين الزوجين إذ جاء به أن المهر ال يدخل في األمالك المشتركة و يبقى
خاصا بالزوجة و هو ما تتجلى منه الصبغة اآلمرة لهذه األحكام.
و تستنتج كذلك الصبغة اآلمرة بخصوص النفقة من أحكام الفصول الواردة بالكتاب
الرابع من مجلة األحوال الشخصية إذ أن هذه الصيغة مردها الصبغة المعيشية الواضحة
للنفقة و آثارها على حفظ حياة األفراد و السلم االجتماعية فكان لزاما على المشرع إحاطتها
ببعض األحكام التي ال يمكن للزوجين مخالفتها فجعل منها التزاما يحمل على الزوج .
كما أن نفقة الزوجة على معنى الفصل 42من مجلة األحوال الشخصية ال تسقط بمرور
الزمن.
و قد كّر س المشرع بعض الضمانات المدنية فتتمثل أوال في التنفيذ اآللي بمجرد صدور حكم
الطالق على معنى الفصل 32م أ ش في فقرته األخيرة الذي اقتضى " تنفذ رغما من
االستئناف والتعقيب أجزاء الحكم المتعلقة بالحضانة والنفقة والجراية والسكنى وحق الزيارة "
بغاية ضمان العيش الكريم للمطلقة.
4
قرار تعقيبي مدني عدد 12024مؤرخ في 20جويلية 1976ن م ت لسنة ،1976ص ، 225ذكره محمد الشريف الجبالي في المرجع السابق
ص .271
أّم ا الضمانة الثانية فتتمثل في عدم قابلية مبلغ التعويض ( جراية الطالق ) للتنفيذ عليه على
معنى الفصل 378م إ ع الذي اقتضى "ال تجوز المقاصة في أحوال :أّو لها إذا كان سبب
أحد الدينين نفقة أو شيء آخر مما ال يجوز حجزه"
إضافة لما أوردته بعض أحكام مجلة المرافعات المدنية و التجارية بالفصل 331الذي اقتضى
أنه ال تقبل العقلة التوقيفية النفقة إذا صدر بها حكم
و كذا الشأن بالنسبة للفصل 1464من مجلة االلتزامات و العقود الذي اقتضى أّنه " ال يجوز
الصلح على النفقة و إنما يجوز في كيفية دفعها أو فيما تأخر دفعه منها " و في تطبيقها لهذا
الفصل اعتبرت محكمة التعقيب في قرارها عدد 30368المؤرخ في 03مارس 1992أن
عبارة هذا النص عامة و مطلقة تشمل الصلح في كيفية دفع النفقة ال في إسقاط حق النفقة و
باألحرى إسقاط الحق .5
كما أّن تمظهرات النظام العام العائلي في خصوص النفقة أو جراية الطالق يبرز
في إحالل صندوق ضمان النفقة و جراية الطالق محل المحكوم عليه في دفع المبالغ
المحكوم بها عليه ،و لعل أبرز تكريس للصبغة اآلمرة للنفقة التلويح بعقاب جزائي لكل
باإلضافة إلى ذلك كرس المشرع التونسي حماية غير مباشرة للحاضنة وهي عادة
الزوجة بأن منحها حق البقاء في المسكن الذي على ملك األب إن لم يكن لها مسكن
أو إلزامه بأداء منحة سكن للحاضنة و محضونها و هذا الحق يهم النظام العام و يترتب عن
أّم ا في خصوص الميراث فإن قواعده تتصل بالنظام العام العائلي بما أن أحكامه
بمجلة األحوال الشخصية جاءت آمرة و قطعية بأن جعلت نصيب الزوجة عند وفاة
6
زوجها محددا بالنص و بالتالي ال سبيل إطالقا لمخالفتها أو التفصي منها.
5
قرار تعقيبي مدني عدد 30368مؤرخ في 03مارس ، 1992،ن م ت لسنة ،1992ص . 174-170
6
محمد الحبيب الشريف النظام العام العائلي التجليات ،ص .286
كما رتب عن بطالن الزواج عدة اثار وال فرق بين الزواج الفاسد و الزواج الباطللقد استوجب
المشرع التونسي توفر جملة من الشروط الشكلية 7واألصلية 8رتب عن اإلخالل ببعضها بطالن
الزواج .ورغم أنه قد يتبادر للذهن في بادئ األمر أن المشرع التونسي ُيفّر ق بين الزواج الفاسد
والزواج الباطل ،إال أّن ه يبدو واضحا أنه لم يأخذ بنظرية المذهب الحنفي التي تفرق بين الزواج
الباطل والزواج الفاسد 9حيث أّن ه يستعمل عبارتي "فاسد" و "باطل" للتعبير عن نفس المعنى
اقتداءا بالفقه المالكي والشافعي الذي ال ُيفرق بينهما. 10
وفي هذا اإلطار ،يرى األستاذ ساسي بن حليمة " أّن المشرع يستعمل كلمة الزواج الفاسد وهي
كلمة فقهية حال أّن العبارة التي يستعملها القانون الوضعي هي عبارة الزواج الباطل وأّنه ال
فرق بين الزواج الفاسد و الزواج الباطل ".11
أّم ا المشرع الفرنسي ،فإنه يستعمل تعبي ار واحدا وهو الزواج الباطل" "Le mariage nul
12
للتعبير عن الزواج الذي اختل فيه شرطا من شروط الزواج سواًء الجوهرية أو الشكلية.
"ويعتبر تجاوز هذا التمييز دليال على بعض خصائص النظام العام العائلي الذي يبطل العقد
13
كما لو كان البطالن مطلقا ولكّن ه يول عنه آثا ار قانونية كما لو كان البطالن نسبًيا".
7نص الفصل 4م.أ.ش والفصل 31من قانون الحالة المدنية على وجوبية إبرام عقد الزواج بحّج ة رسمية أمام عدلين أو أمام ضابط الحالة المدنية
بمحضر شاهدين من اهل الثقة.
8
نص الفصل 21م.أ.ش على أن الزواج الفاسد هو الذي اقترن بشرط يتنافى مع جوهر العقد أو انعقد بدون مراعاة أحكام الفقرة األولى من الفصل
الثالث والفقرة األولى من الفصل الخامس والفصول 20 + 19 + 18 + 17 + 16+ 15من هذه المجلة" .وبالتالي تتمثل هاته الشروط األصلية في
إبرام عقد الزواج بين ذكر وأنثى يجب ان يكون بالغين السن القانوني وجوب توفر الّر ضاء غير المعيب ،أن يكونا خاليين من الموانع الشرعية المتمثلة
في الموانع المؤيدة (القرابة /المصاهرة /الرضاع /الطالق ثالث) والموانع المؤقتة (تعلق حق الغير بزواج أو عدة ) مع وجوب شهادة طبّية سابقة لعقد
الزواج وتسمية مهر للزوجة .مأخوذ من محاضرات األستاذ محمد الحبيب الشريف في قانون األحوال الشخصية للسنة الثالثة قانون خاص ،كلية الحقوق
والعلوم السياسية واالقتصادية بتونس .1998-1997
ُ 9يمّي ز الفقه الحنفي بين الزواج الباطل وهو الذي فقد شرطا من شروط االنعقاد مما جعله ينشأ مختًال بحيث يكون وجوده وعدمه سواء ما عبر عنه
الحنفيون بأنه " مالم يشرع ال بأصله وال بوصفه" في حين أن الزواج الفاسد هو الذي فقد أحد شروط صحته وعرفه الحنفيون بأنه" ما شرع بأصله ال
بوصفه" أحمد رويس :دراسة مقارنة بين الطالق وبطالن الزواج :رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد األعلى للقضاء السنة القضائية -2002
، 2003ص.4
10
محمد فيصل بن جعفر :الزواج الباطل :مذكرة لإلحراز على شهادة الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية واالقتصادية
بتونس ،1978ص.22
11
األستاذ ساسي بن حليمة :محاضرات مرقونة في قانون األحوال الشخصية كلية الحقوق و العلوم السياسية تونس.
12
انظر الفصول من 180إلى 196من المجلة المدنية الفرنسية وتتمثل حاالت البطالن النسبي للزواج في القانون الفرنسي :في حالة الرضا المعيب
نتيجة غلط أو إكراه /حالة غياب رضا الولي بالنسبة لزواج القاصر أما حاالت البطالن المطلق للزواج تتمثل في حالة الغياب الكلي للرضا وحالة
الزواج بثانية وحالة عدم االختصاص الترابي بالنسبة لضابط الحالة المدنية المبرم للزواج .
Voir Jean Carbonnier: droit civil, la famille, themis Tome 2, édition PUDF 1993, p.133.
13
الدكتور محمد الحبيب الشريف :النظام العام العائلي ،مرجع سابق الذكر ،ص.266