You are on page 1of 13

‫الباب األول‬

‫اإلسالم‬
‫و‬
‫تحدي الحرية‬

‫‪pg. 6‬‬
‫مفھوم الحرية لغة ً واصطالحا ً‬ ‫‪‬‬
‫مفھوم المنھج لغة واصطالحا ً‬ ‫‪‬‬
‫مفھوم الحرية في المنھج اإلسالمي‬ ‫‪‬‬
‫ضوابط الحرية وحدودھا في المنھج اإلسالمي‬ ‫‪‬‬
‫أنواع الحرية‬ ‫‪‬‬
‫مفھوم العالم اإلسالمي‬ ‫‪‬‬
‫واقع الحرية في العالم اإلسالمي‬ ‫‪‬‬
‫كيف نفعل الحرية في اإلسالم‬ ‫‪‬‬

‫‪pg. 7‬‬
‫مفهوم الحرية‬
‫تعريف الحرية لغة‪:‬‬
‫‪ " ‬الحر ‪ ،‬بالضم ‪ :‬نقيض العبد " ( ابن منظور ‪ 1410 ،‬هـ ‪ ،‬جـ ‪ ، 4‬ص‪.)181‬‬

‫‪ " ‬والحرة ‪ :‬نقيض األمة ‪ ،‬والجمع حرائر " ( ابن منظور ‪ 1410 ،‬هـ ‪ ،‬جـ ‪ ، 4‬ص‪.)181‬‬

‫‪ " ‬وتحرير الولد ‪ :‬أن يفرده لطاعة هللا عز وجل وخدمة المسجد ‪ ،‬وقوله تعالى ‪(:‬إِ ْذ‬
‫ب إِنِّي نَذَ ْرتُ لَكَ َما فِي بَ ْ‬
‫طنِي ُم َح َّر ًرا فَتَقَبَّ ْل ِمنِّي إِنَّكَ أ َ ْنتَ الس َِّمي ُع ْالعَ ِليم‬ ‫ت ا ْم َرأَتُ ِع ْم َرانَ َر ّ ِ‬
‫قَالَ ِ‬
‫( سورة آل عمرآن (‪" ))35‬‬

‫‪ " ‬والحر من الناس ‪ :‬أخيارھم وأفضالھم ‪ .‬وحرية العرب ‪ :‬أشرافھم " ( ابن منظور ‪1410 ،‬‬
‫هـ ‪ ،‬جـ ‪ ، 4‬ص‪.)182‬‬

‫‪ " ‬والحرة ‪ :‬الكريمة من النساء ( ابن منظور ‪ 1410 ،‬هـ ‪ ،‬جـ ‪ ، 4‬ص‪.)182‬‬

‫‪ " ‬الحرية ‪ :‬األرض اللينة الرملية " ( الفيروز بادي ‪1993،‬م) ‪.‬‬

‫تعريف الحرية اصطالحا ً ‪:‬‬


‫يمكن تعريف الحرية اصطالحا ً بعدة تعاريف منھا ‪:‬‬

‫‪( -1‬انعدام القيود)‬

‫‪(-2‬عبارة عن قدرة المرء على فعل ما يريده)‬

‫‪( -3‬إطالق العنان للناس ليحققوا خيرھم بالطريقة التي يرونھا طالما كانوا ال يحاولون حرمان‬
‫الغير من مصالحھم‪ )...‬إلى غيرھا من التعاريف التي ال مجال لذكرھا في المقام‪.‬‬

‫‪pg. 8‬‬
‫ولكن بعد التأمل الدقيق ـ نجد ـ أن مرجع جميع ھذه التعاريف إلى جامع واحد وحقيقة مشتركة‬
‫واحدة ـ ھي القدرة على الفعل واالختيار ـ دلت عليھا ألفاظ متعددة‪ ،‬وبصور مختلفة‪ ...‬ولذا لم‬
‫يتحصل لدى االنتقال من تعريف آلخر أمر آخر يضيف على التعريف األول شيئا ً يذكر سوى‬
‫التبسيط‪ ،‬والتوضيح ‪ ( " .‬حسين ‪١٤٢١ ،‬هـ‪ ،‬ص‪) ٤٤‬‬

‫‪pg. 9‬‬
‫مفهوم الحرية في المنهج اإلسالمي‬

‫أوال ً ‪ :‬مفهوم المنهج المنهج في اللغة ‪:‬‬

‫نهج‬
‫واض ٌح‪ ،‬وھو النَّ ْھج ‪ ،‬والـجمع نَھجات ونُ ُھج ونُھوج‬ ‫ٌ‬
‫طريق ن ْھ َج‪ُ :‬‬
‫بين ِ‬ ‫‪:‬‬
‫والـمنھاج ‪ :‬كالـ َم ْن َھج ‪ .‬وفـي التنزيل‪ ( :‬لّ ِك ُل َج َعلنا َ ِم ْن ُك ْم ِش ْر َعةً‬
‫ِ‬ ‫ض ُحه‪.‬‬
‫ق‪:‬و َ‬ ‫و َم ْن َھج الطري ِ‬
‫َو ِم ْن َھاجا ً (سورة المائدة‪:‬اآلية‪))٤٨‬‬

‫الواضح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الطريق‬ ‫والـمنھاج ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫واضحا ً بَـ ِيّنا ً ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ض َح وا ْستَبانَ وصار َن ْھجا‬‫وأَن َھج الطريقَ ‪:‬و َ‬
‫صار نَ ْھجا ( ابن منظور ‪١٤١٠ ،‬هـ ‪ ،‬ج‪ ، ٢‬ص‪)383‬‬ ‫ُ‬
‫الطريق ‪َ :‬‬ ‫وا ُ ْست َ ْن َھج‬

‫المنهج في االصطالح ‪:‬‬

‫‪ " ‬الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة ‪،‬‬
‫تھيمن على سير العقل ‪ ،‬وتحدد عملياته ‪ ،‬حتى يصل إلى نتيجة معلومة " ( العساف ‪،‬‬
‫‪ ١٤٢٤‬هـ ‪ ،‬ص ‪) ١٦٩‬‬

‫‪ " ‬فن التنظيم الصحيح لسلسلة من األفكار العديدة ‪ ،‬من أجل الكشف عن الحقيقة " ( أبو‬
‫سليمان ‪١٤١٦ ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪) ٦٠‬‬

‫‪ " ‬طريق كسب المعرفة ‪ ،‬أوھو الطريقة التي يتبعھا الباحث في دراسة المشكلة الكتشاف‬
‫الحقيقة ‪ ،‬أو ھو الخطوات المنظمة التي يتبعھا الباحث في معالجة الموضوعات التي يقوم‬
‫بدراستھا " ( الدغيمي ‪١٤١٧ ،‬هـ ‪،‬ص ‪. ) ٣٣‬‬

‫" كان ظھور الطريقة العلمية نتيجة للجھود المختلفة التي بذلھا المھتمون خالل عصور طويلة ‪،‬‬
‫لكن أول مالمح ھذه الطريقة ظھرت على يد فرنسيس بيكون في نھاية القرن السادس عشر‬
‫وبداية القرن السابع عشر حين اقترح بناء النتائج على أساس مجموعة كبيرة من الوقائع‬
‫والمالحظات التي يمكن جمعھا ‪ ،‬ثم تطور هذا المنهج نتيجة لجھود وأفكار نيوتن وجاليلو فظهر‬

‫‪pg. 10‬‬
‫المنهج العلمي ‪ ،‬أو الطريقة العلمية التي تجمع بين األسلوب االستقرائي واألسلوب االستنتاجي‬
‫القياسي ‪ ،‬أو جمع بين الفكر الذي يمثله األسلوب القياسي وبين أسلوب المالحظة الذي يمثله‬
‫األسلوب االستقرائي‪.‬‬
‫فاألسلوب العلمي أو الطريقة العلمية ھي طريقة تجمع بين الفكر والمالحظة وبين القياس‬
‫واالستقراء "(عبيدات ‪ ١٤٢٤ ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪) ٤٤‬‬

‫ثانيا ‪ :‬مفهوم الحرية في المنهج اإلسالمي‬

‫"خص المولى تبارك وتعالى "اإلنسان" بالعقل واإلدراك والتمييز ‪ ،‬وأمر بحفظ حقه في حرية‬
‫التفكير والتعبير مادام ذلك في حدود الشرع ومصلحة الجماعة ‪ ،‬ال يقھر على أمر ‪ ،‬وال يقسر‬
‫على رأي ‪ ،‬وال يمنع من إبداء الرأي واالجتھاد فيه‪ ،‬ألن ھذا قوام ‪":‬نموه العقلي" واتساع‬
‫مداركه وشحذ تفكيره ‪ ،‬ومبادئه اإليجابية في بناء حياته الخاصة وفلسفته ونظرته للحياة ‪،‬‬
‫وتحقيق طموحاته المستقلة ‪ ،‬ومساھمته الفعالة في بناء حياة الجماعة وتطوير نظمھا وتراثھا‬
‫الفكري والعلمي والحضاري ‪،‬وتمكينھا من بلوغ أھدافھا المرجوة لخير جميع أفرادھا ‪.‬‬

‫وألن في الحفاظ على حرية "اإلنسان" في فكره وتعبيره ‪ ،‬صونا "آلدميته" المكرمة من هللا‬
‫تعالى ‪،‬ودعما لكيانه المستقل والمتميز عن غيره ‪ ،‬وتنمية لشخصيته لتكون قوية متماسكة‬
‫‪،‬وتعزيزا العتداده بذاته وثقته بنفسه ‪ ،‬وراحة وسعادة له في حياته ‪ ،‬وإعطاء ھذه الحياة معاني‬
‫الكرامة وأسباب الھناء‪.‬‬

‫والمولى سبحانه وتعالى ‪ ،‬وھو يضرب لعباده المثل ‪ ،‬وله وحده المثل األعلى ‪ ،‬أقر لإلنسان‬
‫حريته حتى فيما يتعلق بأمور اإليمان والعقيدة والتوحيد ‪ ،‬وھي أسمى األمور ‪ ،‬وحمله مسؤولية‬
‫حريته في إيمانه وكفره ‪ ،‬وھذا ھو العدل التام ‪ ،‬وأقام عليه الحجة بما أعطاه من حرية قوامھا‬
‫اإلرادة واالختيار والعقل " (الزنتالي ‪١٩٩٣ ،‬م ‪ ،‬ص‪. ) ١٩٦‬‬

‫َارا أ َ َحا َ‬
‫ط ِب ِھ ْم‬ ‫قال تعالى ‪َ ﴿ :‬وقُ ِل ْال َح ُّق ِم ْن َر ِبّ ُك ْم فَ َم ْن شَا َء فَ ْليُؤْ ِم ْن َو َم ْن شَا َء فَ ْليَ ْكفُ ْر إِنَّا أ َ ْعت َ ْدنَا ِل َّ‬
‫لظا ِل ِمينَ ن ً‬
‫ت ُم ْرتَفَقًا (سورة الكهف‪ :‬اآلية‬ ‫سا َء ْ‬
‫اب َو َ‬ ‫ش َر ُ‬ ‫س ال َّ‬‫س َرا ِدقُ َھا َو ِإ ْن يَ ْست َ ِغيثُوا يُغَاثُوا بِ َماء َك ْال ُم ْھ ِل يَ ْش ِوي ْال ُو ُجوهَ بِئْ َ‬
‫ُ‬
‫(‪﴾ ))29‬‬

‫‪pg. 11‬‬
‫ت َويُؤْ ِم ْن بِ َّ ِ‬
‫اَّلل فَقَ ِد ا ْست َ ْم َ‬
‫سكَ‬ ‫ي فَ َم ْن يَ ْكفُ ْر بِ َّ‬
‫الطا ُ‬
‫غو ِ‬ ‫الر ْش ُد ِمنَ ْالغَ ِّ‬ ‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬ال ِإ ْك َراهَ فِي ال ِد ِ‬
‫ّين قَ ْد تَبَيَّنَ ُّ‬
‫ص َام لَ َھا َو ََّّللاُ َس ِمي ٌع َع ِلي ٌم (سورة البقرة ‪ :‬اآلية (‪﴾ ))256‬‬ ‫بِ ْالعُ ْر َوةِ ْال ُوثْقَى َال ا ْن ِف َ‬

‫ض ُكلُّ ُھ ْم َج ِميعًا أَفَأ َ ْنتَ ت ُ ْك ِرهُ النَّ َ‬


‫اس َحتَّى يَ ُكونُوا ُمؤْ ِمنِينَ‬ ‫َولَ ْو شَا َء َربُّكَ َآل َمنَ َم ْن فِي ْاأل َ ْر ِ‬ ‫وقال تعالى ‪﴿ :‬‬
‫(سورة يونس‪ :‬اآلية (‪﴾ ))99‬‬

‫(سورة الغاشية‪ :‬اآليات (‪﴾))22،21‬‬ ‫وقال تعالى ‪﴿ :‬فَذَ ِ ّك ْر إِنَّ َما أ َ ْنتَ ُمذَ ِ ّك ٌر * لَسْتَ َ‬
‫علَ ْي ِھ ْم بِ ُم َ‬
‫صي ِْطر‬

‫ومن أسرار الشريعة اإلسالمية حرصھا على تعميم الحرية في اإلسالم بكيفية منتظمة ‪ّ ،‬‬
‫فإن هللا‬
‫ل ّما بعث رسوله بدين اإلسالم كانت العبودية متفشيّة في البشر‪ ،‬وأقيمت عليھا ثروات كثيرة‪،‬‬
‫وكانت أسبابھا كثيرة‪ :‬وھي األسر في الحروب‪ ،‬والخطف في الغارات‪ ،‬وبيع اآلباء واأل ّمھات‬
‫أبناء ُھ ْم‪ ،‬والرھائن في الخوف‪ ،‬والتداين‪ .‬فأبطل اإلسالم جميع أسبابھا عدا األسر ‪.‬‬

‫‪pg. 12‬‬
‫ضوابط الحرية‬

‫" على أن الحرية في التربية اإلسالمية ليست سائبة ‪،‬وال مطلقة العنان حتى تھوي بصاحبھا إلى‬
‫قاع الضالل الروحي ودرك االنحطاط األخالقي ‪،‬بل ھي حرية واعية منضبطة ‪،‬فإذا خرج بھا‬
‫اإلنسان عن أحكام الدين ونطاق العقل وحدود األخالق وصلحة الجماعة ‪ ،‬تمت مساءلته‬
‫ومحاسبته وإيقافه عند حده ورده عن غيه ‪ ،‬منعا لضرر الفرد والجماعة‪ ،‬وفساد الدين والدنيا‪".‬‬
‫(الزنتالي ‪١٩٩٣ ،‬م ‪ ،‬ص‪)٤٥٩‬‬

‫التصرف بالملك بدون عدوان على النفس أو الغير‪ ،‬سواء أكان الملك‬
‫ّ‬ ‫ومن تعاريف ال ُحرية أنھا‬
‫حسيا ً أو معنويا ً ‪.‬‬

‫فال يُعتبر االعتداء على النفس أو الملك الشخصي حرية لإلنسان‪ ،‬لذلك حرم " دين اإلسالم "‬
‫االنتحار أو اإلضرار بشيء من الجسد أو الملك في غير مصلحة صحيحة مبنية على مكارم‬
‫األخالق‪ ،‬وكذلك فإن الناس يمنعون األفراد الذين يريدون االنتحار أو اإلضرار بأمالكھم من‬
‫ذلك‪.‬‬

‫كما ال يُعتبر االعتداء على الغير سواء باللسان ( كالسَّبّ ِ ) أو األركان ( كالضرب ) من الحرية‬
‫‪ ،‬فمن فعل ذلك فھو من األشرار ال األحرار‪.‬‬

‫سى أ َ ْن يَ ُكونُوا َخي ًْرا‬ ‫ومن حدود الحرية‪ :‬قول هللا تعالى ‪﴿ :‬يَا أَيُّ َھا الَّذِينَ آ َمنُوا َال يَ ْسخ َْر قَ ْو ٌم ِم ْن قَ ْوم َ‬
‫ع َ‬
‫س ِاال ْس ُم‬ ‫ب بِئْ َ‬ ‫س ُك ْم َو َال تَنَابَ ُزوا بِ ْاأل َ ْلقَا ِ‬ ‫سى أ َ ْن يَ ُك َّن َخي ًْرا ِم ْن ُھ َّن َو َال ت َْل ِم ُزوا أ َ ْنفُ َ‬ ‫ع َ‬‫ساء َ‬ ‫سا ٌء ِم ْن نِ َ‬ ‫ِم ْن ُھ ْم َو َال نِ َ‬
‫يرا ِمنَ َّ‬
‫الظ ِّن إِ َّن‬ ‫الظا ِل ُمونَ * يَا أَيُّ َھا الَّذِينَ آ َمنُوا اجْ تَنِبُوا َكثِ ً‬ ‫ان َو َم ْن لَ ْم يَتُبْ فَأُولَئِكَ ُھ ُم َّ‬ ‫اإلي َم ِ‬‫وق بَ ْع َد ْ ِ‬‫س ُ‬ ‫ْالفُ ُ‬
‫ضا أَي ُِحبُّ أ َ َح ُد ُك ْم أ َ ْن يَأ ْ ُك َل لَحْ َم أ َ ِخي ِه َم ْيتًا فَ َك ِر ْھت ُ ُموهُ َواتَّقُوا‬
‫ض ُك ْم بَ ْع ً‬
‫سوا َو َال يَ ْغتَبْ بَ ْع ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ض َّ‬
‫الظ ِّن ِإثْ ٌم َو َال ت َ َج َّ‬ ‫بَ ْع َ‬
‫ارفُوا إِ َّن‬‫شعُوبًا َوقَبَائِ َل ِلتَعَ َ‬ ‫اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َكر َوأ ُ ْنثَى َو َجعَ ْلنَا ُك ْم ُ‬ ‫َّللا ت ََّوابٌ َر ِحي ٌم * يَا أَيُّ َھا النَّ ُ‬ ‫َّللا إِ َّن َّ َ‬
‫َّ َ‬
‫َّللا َع ِلي ٌم َخ ِبير (سورة الحجرات‪ :‬اآليات ‪﴾ )11،13‬‬
‫َّللا أَتْقَا ُك ْم ِإ َّن َّ َ‬
‫أ َ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد َّ ِ‬

‫‪pg. 13‬‬
‫أنواع الحرية‬

‫" من أھم الخصائص التي تتميز بھا التربية اإلسالمية عن غيرھا من أنواع التربية القديمة‬
‫والحديثة ‪ ،‬وتسجل بھا قصب السبق ع ليھا ‪ ،‬ھي خاصية الحرية ‪ ،‬حرية التفكير وحرية التعلم‬
‫وحرية السعي ‪ ،‬بما يعزز الشخصية اإلنسانية ويدعم استقاللھا واعتدادھا بذاتھا في حدود الشرع‬
‫واألخالق " (الزنتالي ‪١٩٩٣ ،‬م ‪،‬ص ‪. ) ٤٥٦‬‬

‫"ويمكن تقسيم الحريات إلى ‪:‬‬

‫‪ -١‬الحريات الشخصية أو المدنية‪ :‬ومن أمثلة ھذا الصنف‪ :‬حرية السكن وحرمته‪ ،‬وحرية‬
‫المراسالت‪ .‬كما تدخل فيھا الحريات العائلية)‪.‬‬

‫‪-٢‬الحريات االقتصادية‪ :‬وتشمل‪ :‬حق الملكية‪ ،‬وحرية العمل‪ ،‬وحرية التجارة والصناعة‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫‪ -٣‬الحريات الفكرية‪ :‬وتشمل‪ :‬الحريات الفلسفية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والفنية‪ ،‬واألدبية‪(".‬حسين‪١٤٢١ ،‬هـ ‪،‬‬
‫ص‪) ٤٤‬‬

‫ويندرج تحت التقسيمات السابقة عدة أنواع من الحقوق والحريات كحق اإلنسان في الحياة ‪،‬‬
‫وحقه في تولي الوظائف العامة ‪ ،‬وحقه في إنشاء األسرة والرضا في الزواج ‪ ،‬وحق المرأة في‬
‫الموافقة على الزواج أو رفضه ‪ ،‬وحرية التنقل والسفر ‪.....‬الخ ‪.‬‬

‫‪pg. 14‬‬
‫واقع الحرية في العالم اإلسالمي‬

‫أوالً ‪ :‬مفهوم العالم اإلسالمي‬

‫" يقصد بالعالم اإلسالمي الدول التي تزيد فيھا نسبة المسلمين عن ‪ %٥٠‬من سكانھا ‪ ،‬أو يمثل‬
‫المسلمون فيھا األغلبية " ( الجاسر ‪١٤٢٧ ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪.") ١٢‬‬

‫ويغطي العالم اإلسالمي مساحة كبيرة تقدر بأكثر من ‪ ٣٢‬مليون كم‪ ٢‬أي ما يعادل خمس‬
‫مساحة اليابسة ‪ ،‬ويزيد عدد المسلمين حاليا ً عن أكثر من ‪ ١٣٠٠‬مليون مسلم يعيشون في ‪٥٦‬‬
‫دولة إسالمية تقريبا ً ونسبة منھم يعيشون كأقليات إسالمية في دول غير إسالمية ‪ ،‬وھذا يعني أن‬
‫عدد المسلمين يقارب ربع سكان العالم البالغ ‪ ٦‬مليارات نسمة تقريبا ً " ( الجاسر ‪١٤٢٧ ،‬هـ ‪ ،‬ص‬
‫‪) ١٢‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬واقع الحرية في العالم اإلسالمي ‪:‬‬


‫"مازال الحوار يرتفع ويثور حول الكثير من المفردات التي تدخل ضمن نطاق حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫فحرية الفكر والعقيدة وحق التنظيم واإلعدام خارج القضاء وحاالت االختفاء والعزل السياسي‬
‫والحق ف ي محاكمة عادلة واالمتناع عن التعذيب‪ ،‬كلھا مصطلحات لھا دالالت مختلفة بالنسبة‬
‫للحكومات واأليديولوجيات والسياسات‪ .‬ومشكالت مثل المجاعة والبطالة وتلوث البيئة ونتائج‬
‫الحروب والوجود العسكري األجنبي‪ ،‬تشغل حيزا ً غير قليل من فكرة حقوق اإلنسان‪ ،‬مثلما ھي‬
‫قضايا حق تقري ر المصير والسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية‪ ،‬إضافة إلى قضايا حقوق‬
‫المرأة والعنصرية والتطرف وحقوق األقليات‪ ،‬يقابلھا المشاركة واالنتخابات‪ ،‬دون إھمال‬
‫لحرمة المنازل وسرية الرسالة والھاتف واالتصاالت والحقوق الفردية األخرى‪.‬‬

‫وإذا كانت تلك المفردات قد وجدت طريقھا إلى التقنين الدولي في إطار حقوق اإلنسان‪ ،‬فأنا‬
‫عالمنا العربي ما زال يعاني الكثير من النقص والقصور إزاء تناول ھذه المشكالت "( شعبان ‪،‬‬
‫‪٢٠٠١‬م ‪ ،‬ص ‪. ) ٣‬‬

‫‪pg. 15‬‬
‫ويمكن القول إن مستوى الحرية في العالم اإلسالمي بصفة عامة ما زال منخفضا ً ‪ ،‬وذلك‬
‫بالنظر إلى أصغر مؤسسات الدولة كأنموذج يُنقل الحكم منه إلى غيره من مؤسسات المجتمع‬
‫وأنظمته ‪ ،‬ويمثل تلك المؤسسة المدرسة ‪ ،‬حيث يمكن مالحظة النظام المركزي في إدارة‬
‫المدرسة من قبل مديرھا من حيث التسلط ‪ ،‬والتعسف اإلداري ‪ ،‬ومحاباة بعض المعلمين على‬
‫حساب غيرھم ‪ ،‬وإلزام المعلم بما يكلفه به مدير المدرسة دون نقاش واستطالع لرأيه‪،‬‬
‫والتصرف في جدول المعلمين بما يرضي مدير المدرسة دون النظر إلى رغبات المعلمين ‪،‬‬
‫وينتقل ذلك إلى تصرفات المعلمين مع الطالب ومنعھم من الكالم والحركة ‪ ،‬واستخدام طرق‬
‫التدريس التي ال تساعد على الحوار وإبداء الرأي والتشجيع على التفكير ‪ ،‬وكل ذلك يسفر عن‬
‫قلة الوعي ‪ ،‬والتقليد األعمى ألصحاب المناصب األعلى ‪ ،‬وعدم التنبه لنتائج كبت الحريات ؛‬
‫كالتمرد على األنظمة ‪ ،‬وضعف اإلنتاج ‪ ،‬والتخلف الفكري واالجتماعي ؛ نسأل هللا السالمة‬
‫والعافية ‪.‬‬

‫‪pg. 16‬‬
‫كيف نفعل الحرية في االسالم‬

‫"االسالم يؤكد "مفھوم الحرية" وينادي بالحفاظ عليه ‪ ،‬تشريفا لإلنسان وتكريما له وإعالء لشأنه‬
‫وفق ما اقتضته إرادة هللا تعالى بتفضيله على كثير ممن خلق ‪ ،‬سواء فيما يتعلق بأمور الدين أو‬
‫أمور الدنيا " ( الزنتالي ‪١٩٩٣ ،‬م ‪ ،‬ص ‪) ٤٥٦‬‬

‫"وسبيلها في ذلك فتح الباب أمام اإلنسان ليمارس حريته وإرادته واختياره الواعي المسؤول‬
‫دينيا وخلقيا ‪،‬وتمكينه من تكوين شخصيته على نحو متكامل وسوي ومتزن خال من االضطراب‬
‫العقلي والتوتر العصبي والقلق النفسي ‪ ،‬وإتاحة الفرص العادلة المتكافئة أمامه لينمي عقله‬
‫ويصقل قدراته وميوله ومواھبه‪ ،‬وتشجيعه على المبادءات الذاتية والنشاط الذاتي حتى يشارك‬
‫بفعالية في بناء نفسه بنفسه من خالل العملية التربوية والتعليمية‪.‬ووسيلتھا في تكوين اإلنسان‬
‫وتنشئته ‪:‬اإلقناع والحجة والبرھان ‪،‬والدعوة بالتي ھي أقوم والمجادلة بالتي ھي أحسن ‪،‬‬
‫والتذكير الواعي والنصح الرشيد ‪ ،‬وتبصيره بشكل بناء إيجابي يخاطب عقله ‪ ،‬ويستنير ذھنه‬
‫ويقدح تفكيره ‪ ،‬فتكون قناعاته بغير جبر أو إكراه ‪ ،‬ويتحمل مسؤوليات حريته‬
‫واختياره في دنياه وأخراه" ( الزنتالي ‪١٩٩٣ ،‬م ‪ ،‬ص ‪) ٤٥٦‬‬

‫س ُن ِإ َّن َربَّكَ ھ َُو أ َ ْعلَ ُم‬ ‫سنَ ِة َو َجاد ِْل ُھ ْم ِبالَّ ِتي ِھ َ‬
‫ي أَحْ َ‬ ‫ظ ِة ْال َح َ‬
‫س ِبي ِل َربِّكَ بِ ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َم ْو ِع َ‬ ‫قال تعالى‪ ﴿:‬ا ْد ُ‬
‫ع ِإلَى َ‬
‫ض َّل َع ْن َسبِي ِل ِه َوھ َُو أَ ْعلَ ُم بِ ْال ُم ْھتَدِينَ (سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪﴾)12‬‬ ‫بِ َم ْن َ‬

‫َارا‬ ‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وقُ ِل ْال َح ُّق ِم ْن َربِّ ُك ْم فَ َم ْن شَا َء فَ ْليُؤْ ِم ْن َو َم ْن شَا َء فَ ْليَ ْكفُ ْر إِنَّا أ َ ْعت َ ْدنَا ِل َّ‬
‫لظا ِل ِمينَ ن ً‬
‫ت ُم ْرتَفَقًا‬
‫سا َء ْ‬‫اب َو َ‬ ‫ش َر ُ‬ ‫س ال َّ‬ ‫س َرا ِدقُ َھا َوإِ ْن يَ ْست َ ِغيثُوا يُغَاثُوا بِ َماء َك ْال ُم ْھ ِل يَ ْش ِوي ْال ُو ُجوهَ بِئْ َ‬ ‫أ َ َحا َ‬
‫ط بِ ِھ ْم ُ‬
‫(سورة الكهف ‪ :‬اآلية ‪﴾)29‬‬

‫ت َويُؤْ ِم ْن ِب َّ ِ‬
‫اَّلل فَقَ ِد ا ْست َ ْم َ‬
‫سكَ‬ ‫ي فَ َم ْن يَ ْكفُ ْر ِب َّ‬
‫الطا ُ‬
‫غو ِ‬ ‫الر ْش ُد ِمنَ ْالغَ ِّ‬ ‫وقال عز وجل‪﴿ :‬ال إِ ْك َراهَ فِي ال ِد ِ‬
‫ّين قَ ْد تَبَيَّنَ ُّ‬
‫ص َام لَ َھا َو ََّّللاُ َس ِمي ٌع َع ِلي ٌم (سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪﴾)256‬‬ ‫بِ ْالعُ ْر َوةِ ْال ُوثْقَى َال ا ْن ِف َ‬

‫‪pg. 17‬‬
‫"وقد عزز الرسول صلى هللا عليھ وسلم في سنته المطھرة وسيرته العطرة ‪ ،‬مبدأ "الحرية"‬
‫سواء في التفكير أم في التعبير أم في إعمال الرأي واالجتھاد في أمور الدين والدنيا ‪ ،‬حرصا منه‬
‫على تكوين الشخصية المستقلة المتماسكة القوية لدى المسلم ‪.‬‬

‫فأثناء االستعداد لمعركة "بدر الكبرى" والتخطيط لھا ‪ ،‬قال الصحابي الجليل "الحباب بن المنذر" رضي هللا‬
‫عن ‪":‬يا رسول هللا ‪ ،‬إن ھذا المكان الذي أنت فيه ليس بمنزل‪ ،‬فانطلق بنا إلى أدنى ماء إلى القوم ‪ ،‬فإني‬
‫عالم بھا وبقلبھا ‪ ،‬بھا قليب قد عرفت عذوبة ماءه ال ينزح ‪ ،‬ثم نبني عليھ حوضا فنشرب ونقاتل ‪ .‬ونغور‬
‫ماسواه من القلب فنزل جبريل عليه السالم على رسول صلى هللا عليھ وسلم فقال‪" :‬الرأي ما أشار به الحباب‬
‫"‪.1‬فنھض رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ففعل ذلك ‪.‬‬

‫ولما أراد الرسول صلى هللا عليه وسلم أن يبعث الصحابي الفقيه "معاذ بن جبل" رضي هللا عنه إلى اليمن‬
‫‪،‬ليعلم الذين دخلوا إلى اإلسالم ويفقھھم ‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم ‪":‬كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟"قال‬
‫أقضي بكتاب هللا قال "فإن لم تجد في كتاب هللا " قال فبسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬قال فإن لم تجد‬
‫في سنة رسول هللا وال في كتاب هللا ؟"قال‪ :‬أجتھد برأي وال آلو‪.‬فضرب رسول هللا صلى هللا عليھ وسلم صدره‬
‫‪،‬فقال‪":‬الحمد الذي وفق رسول رسول هللا إلى مايرضي رسول هللا"‪ 2‬وعن عائشة وعن أنس بن ثابت رضي‬
‫هللا عنھما ‪،‬أن النبي صلى هللا عليھ وسلم قال‪":‬أنتم أعلم بأمور دنياكم"‪( 3‬الزنتالي ‪١٩٩٣ ،‬م ‪ ،‬ص‪)٤٥٨‬‬

‫ف‬‫اضي ِد َم ْشقَ ‪ ،‬قا َل َكي َ‬ ‫ي هللاَّ ُ عنه َقا َل ِل َر ُجل‪َ :‬من أ َ ْنتَ ؟ َقا َل‪ :‬أنَا َق ِ‬ ‫ض َ‬‫ع َم َر َر ِ‬ ‫عن محارب بن " ِدثَار أ َ َّن ُ‬
‫‪،‬فف ِقَا َل‪:‬فأذا‬
‫سو ِل هللا َِّ َ‬‫سنَّ ِة َر ُ‬
‫ضي ِب ُ‬
‫ب هللا قال ‪:‬أق َ‬ ‫ْس في ِكت َا ِ‬ ‫ب هللا َِّ‪ ،‬قَإ َل‪ :‬فأ َذا َجا َء َما لَي َ‬
‫ضي ِب ِكت َا ِ‬‫ت َ ْقضي ِ ؟أ َ ْقال أق َ‬
‫س ْنتَ "( السيوطي ‪،‬‬ ‫ع َمر‪ :‬أَح َ‬ ‫سائيِ‪ ،‬فَقَا َل لَھه ُ‬ ‫ْ‬
‫سو ِل هللاَ قال ‪ :‬أجتھد برأي َوأ ُ َؤ ِام ُر ُجل َ‬ ‫سنَّ ِة َر ُ‬
‫ْس في ُ‬‫َجا َء َما لَي َ‬
‫‪١٩٩٤‬م ‪ ،‬جـ‪ ، ١٣‬ص ‪) ٤٧٢‬‬

‫‪pg. 18‬‬

You might also like