You are on page 1of 53

‫الر ُج ِل بِيَ ِدهِ‪َ ،‬وُك ُّل‬

‫«ع َم ُل َّ‬
‫ال‪َ :‬‬
‫ب؟ قَ َ‬
‫ب أَطْيَ ُ‬ ‫َِّب ﷺ ُسئِ َل ‪ :‬أ ُّ‬
‫َي ال َك ْس ِ‬ ‫َن النِ َّ‬‫اعةَ بْ ِن َرافِ ٍع ‪ ،‬أ َّ‬
‫‪َ ] - ۷۸۲/۱‬ع ْن ِرفَ َ‬
‫ص َّح َحهُ ا ْْلَاكِ ُم‪.‬‬
‫بَ ْي ِع َم ْْبُوٍر‪َ .‬رَواهُ البَ َّز ُار‪َ ،‬و َ‬

‫درجة اْلديث‪:‬‬

‫اختلف يف هذا احلديث على وائل بن داود‪ ،‬فرواه الثوري‪ ،‬عن وائل‪ ،‬عن سعید ابن عمري‪ ،‬عن عمه به‬
‫متصالً‪ ،‬أخرجه احلاكم‪ ،‬ورواه الثوري أيضاً‪ ،‬عن وائل‪ ،‬عـن سعید بن عمري به مرسالً‪.‬‬

‫واحلديث قد أعله كبار احملدثني‪ ،‬لكن له شاهد من حديث ابن عمر له عند الطرباين‪ ،‬وسنده ال أبس به‪.‬‬

‫مسألة اْلديث‪:‬‬

‫احلديث دلیل على أن التكسب والسعي يف طلب الرزق احلالل ال ينايف التوكل على هللا تعاىل‪ ،‬بل هو من‬
‫فعل األسباب املأمور هبا شرعاً‪ ،‬ألن الرسول ﷺ أقر السائل ن أطیب الكسب وأجابه عن سؤاله فأرشده إىل أطیب‬
‫املكاسب‪.‬‬

‫ام ال َف ْت ِح‪َ ،‬و ُه َو ِِبَ َّكةَ ‪« :‬إِ َّن َّ‬


‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ َح َّرَم‬ ‫ول َِّ‬ ‫‪ - ۷۸۳‬و َعن جابِ ِر ب ِن َعب ِد َِّ‬
‫اَّلل ‪ :‬أَنَّهُ ََِس َع َر ُس َ‬
‫ول َع َ‬
‫اَّلل ﷺ يَ ُق ُ‬ ‫َ ْ َ ْ ْ‬
‫َصنَ ِام"‪.‬‬ ‫بَ ْي َع اخلَ ْم ِر‪َ ،‬واملَْي تَ ِة‪َ ،‬واخلِْن ِزي ِر‪َ ،‬واأل ْ‬
‫َّاس ؟‬ ‫ود‪ ،‬ويستَ ْ ِ ِ‬
‫صب ُح ِبَا الن ُ‬
‫ِ‬ ‫وم املَْي تَ ِة‪ ،‬فَِإنَّهُ تُطْلَى ِِبَا ُّ‬
‫الس ُف ُن‪َ ،‬وتُ ْد َه ُن ِبَا اجلُلُ ُ َ َ ْ‬ ‫ت ُش ُح َ‬ ‫ول هللا أ ََرأَيْ َ‬
‫يل ‪ََ :‬ي َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫فَق َ‬
‫ود ‪ ،‬إِ َّن هللاَ َل َح َّرَم َعلَْي ِه ْم ُش ُح َ‬
‫وم َها‬ ‫ك‪« :‬قَاتَ َل َّ‬
‫اَّللُ اليَ ُه َ‬ ‫اَّلل ﷺ ِعْن َد ذَلِ َ‬ ‫ول َِّ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫«َل‪ُ ،‬ه َو َح َر ٌام»‪ُُ ،‬ثَّ قَ َ‬‫ال‪َ :‬‬ ‫فَ َق َ‬
‫َجلُوهُ‪ُُ ،‬ثَّ ََب ُعوهُ‪ ،‬فَأَ َكلُوا ََثَنَةَ»‪ُ .‬متَّ َف ٌق َعلَْي ِه‪.‬‬

‫مسألة اْلديث‪:‬‬
‫‪ .1‬احلديث دلیل على حترمي بیع اخلمر وعملها وشرهبا ملا فیها من املفاسد وضیاع العقل‪ ،‬ولنجاستها على قول‬
‫اجلمهور‪ ،‬كما تقدم يف الطهارة‪.‬‬
‫‪ .2‬احلديث دلیل على حترمي بیع اخلنزير وحلمه وشحمه وجلده ومجیع أجزائه‪ ،‬ألن عینه جنسة‪ ،‬وفیه مضار عظیمة‪.‬‬
‫‪ .3‬حترمي بیع املیتة جبمیع أجزائها‪ ،‬ويكون هذا احلديث خمصصاً احلديث (إمنا َح ُرَم أكلها)‪،‬‬
‫فإنه يدل مبفهومه على أن ما عدا األكل حالل‪.‬‬

‫مسألة‪ :‬اختلف العلماء يف حكم االنتفاع بشحوم املیتة‪ ،‬وسبب اخلالف مرجع الضمري يف قوله‪( :‬هو حرام)‬
‫هل يعود على البیع أو على االنتفاع ؟‬

‫فالقول األول ‪ :‬أنه ال جيوز االنتفاع بشحوم املیتة‪ ،‬وعزاه النووي إىل اجلمهور‪ ،‬قالوا‪ :‬ألن الضمري يعود على‬
‫االنتفاع ألنه أقرب مذكور‪ ،‬وألن إابحة االنتفاع ذريعة إىل اقتناء الشحوم وبیعها‪ ،‬واختار هذا الشیخ عبد العزيز‬
‫بن ابز‪.‬‬

‫والقول الثاين ‪ :‬جيوز االنتفاع بشحوم املیتة فیما ال يباشره اإلنسان‪ ،‬كطلي السفن واالستصباح‪ ،‬وحنو ذلك‪،‬‬
‫وهذا قول الشافعي‪ ،‬ورواية عن أمحد‪ ،‬اختارها ابن تیمیة وتلمیذه ابن القیم واستدلوا بقول النيب ﷺ‪( :‬إمنا َح َّرَم‬
‫من امليتة أكلها)‪ ،‬وألن الرسول ﷺ ثبت عنه الصحابة ف عن االستسقاء من آابر مثود وأابح هلم أن يطعموا‬
‫ما عجنوا من تلك أنه هنىاآلابر للبهائم‪.‬‬

‫وهذا قول قوي‪ ،‬ألن االنتفاع ابلشحوم يف غري األكل انتفاع حمض ال مفسدة فیه‪ ،‬فیجوز االنتفاع هبا يف مثل‬
‫ذلك دون بیعها‪ ،‬وقد ذكر ابن القیم أن ابب االنتفاع أوسع من ابب البیع‪ ،‬فلیس كل ما حرم بیعه حرم االنتفاع‬
‫به‪ ،‬إذ ال تالزم بینهما‪ ،‬فال يؤخذ حترمي االنتفاع من حترمي البیع‪.‬‬

‫‪ .4‬احلديث فیه حترمي احلیل‪ ،‬ألن الرسول ﷺ هنى عنها ولعن فاعلها‪ ،‬وعن أيب هريرة ه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪:‬‬
‫((َل ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا حمارم هللا أبدن اْليل))‪.‬‬

‫س بَ ْي نَ ُهما بَ ْي نَةٌ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫هللا ﷺ يَ ُق ُ ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫ال‪ََِ :‬س ْع ُ‬ ‫‪ - ٧٨4‬و َع ِن اب ِن مسع ٍ‬


‫ول‪« :‬إذَا اختلف املتباي َعان ل َْي َ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ود له قَ َ‬ ‫َ ْ َ ُْ‬
‫ص َّح َح ُهاْلَاكِ ُم‪.‬‬
‫سةُ‪َ ،‬و َ‬
‫اخلَ ْم َ‬
‫السلْع ِة أَو ي تَ تَارَك ِ‬
‫ان»‪َ .‬رَواهُ ْ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫ب ِ‬ ‫ول َر ُّ‬
‫فَال َق ْو ُل َما يَ ُق ُ‬
‫درجة اْلديث‪:‬‬

‫طرق احلديث عند أصحاب السنن وأمحد فیها مقال‪ ،‬لكن كما قال البیهقي‪( :‬إذا مجع بینها صار احلديث‬
‫بذلك قوايً وقال ابن عبد اهلادي‪( :‬الذي يظهر أن حديث ابن مسعود يف هذا الباب مبجموع طرقه له‪ ،‬أصل‪ ،‬بل‬
‫هو حديث حسن حيتج به‪ ،‬لكن يف لفظه اختالف)‪.‬‬

‫وتصحیح احلاكم فیه نظر؛ فإن ابن القطان قد أعل هذا احلديث ابجلهالة يف عبد الرمحن وأبیه وجده ذكر‬
‫ذلك يف بیانه‪ ،‬ونقله عنه احلافظ يف «التلخیص»‪.‬‬

‫مسألة اْلديث‪:‬‬

‫احلديث دلیل على أنه إذا حصل خالف بني البائع واملشرتي‪ ،‬ولیس لدى أحدمها بینة فإن القول قول‬
‫البائع‪ ،‬ومن صور االختالف االختالف يف قدر الثمن‪ .‬وظاهر احلديث أن القول قول البائع بدون ميینه‪ ،‬وهذا قول‬
‫الشعِب‪ ،‬وحكاه ابن املنذر عن اإلمام أمحد كما قال ابن قدامة‪ .‬وذلك ألن السلعة كانت للبائع‪ ،‬واألصل بقاء‬
‫ملكه علیها‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أهنما يتحالفان‪ ،‬لقوله‪( :‬البینة على املدعي‪ ،‬والیمني على من أنكر) وكل منهما مدع‬
‫ومنكر‪ ،‬وهذا قول أيب حنیفة والشافعي ومالك يف رواية‪ ،‬وهو املشهور من مذهب اإلمام أمحد‪.‬‬

‫والقول األول أرجح ‪ ،‬وهو اختیار شیخ اإلسالم ابن تیمیة‪ ،‬ألنه مؤيد بظاهر احلديث وألن البائع غارم‪.‬‬

‫ان ال َك ِ‬
‫ْب‪ ،‬وم ْه ِر الْبغِ ُّي‪ ،‬وحلْو ِ‬ ‫‪ - ٧٨٥‬و َعن أَِِب مسع ٍ‬
‫اه ِن ُمتَّ َف ٌق‬ ‫ول هللا ﷺ ََنَى َع ْن ََثَ ِن ال َكل ِ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ود له‪ :‬أ َّ‬
‫َن َر ُس َ‬ ‫َ ْ َ ُْ‬
‫َعلَْي ِه‪.‬‬

‫مسألة اْلديث‪:‬‬

‫‪ .1‬احلديث دلیل على النهي عن بیع الكلب وحترمي مثنه‪.‬‬


‫وقد اختلف العلماء يف هذه املسألة‪:‬‬

‫فاجلمهور‪ ،‬ومنهم‪ :‬أمحد والشافعي ومالك ‪ -‬يف قول ‪ -‬على حترمي بیعه مطلقاً‪ ،‬ال فرق بني املعلم وغريه‪ ،‬وال‬
‫بني ما جيوز اقتناؤه ككلب الزرع واملاشیة أو ال جيوز واستدلوا بعموم هذا احلديث‪ ،‬فإن األصل يف النهي التحرمي‬
‫والنهي عن مثن الكلب هني عن البیع بطريق اللزوم‪.‬‬

‫والقول الثاين ‪ :‬أنه جيوز بیع الكالب كلها‪ ،‬وهذا قول أيب حنیفة‪ ،‬وعنه رواية يف الكلب العقور أنه ال جيوز‬
‫بیعه‪ ،‬وإمنا جيوز بیع كلب الصید أو الكلب الذي فیه منفعة‪ ،‬ودلیله‪:‬‬

‫‪ - ۱‬حديث جابر رضي هللا عنه أن النيب صلى هللا علیه وسلم هنى عن مثن الكلب والسنور إال كلب صید‪.‬‬

‫‪ -2‬أنه يباح االنتفاع به‪ ،‬ويصح نقل الید فیه ابملرياث والوصیة واهلبة‪ ،‬فصح بیعه كالبغل واحلمار‬

‫والقول األول هو الراجح لقوة دليله ‪ ،‬فإن احلديث نص واضح يف التحرمي‪ ،‬ومل يثبت استثناء شيء‪ ،‬فتعني‬
‫العمل بعموم احلديث‪.‬‬

‫وأما حديث جابر ابستثناء كلب الصید‪ ،‬فهو حديث ضعیف‪ ،‬كما سیأيت إن شاء هللا ‪.‬‬

‫وأما إابحة االنتفاع فال يلزم منه جواز بیعه‪ ،‬ألن ابب االنتفاع أوسع من ابب البیع‪ ،‬فلیس كل ما حرم بیعه‬
‫حرم االنتفاع به‬

‫‪ .2‬احلديث دلیل على حترمي البغاء‪ ،‬وحترمي ما يؤخذ علیه سواء كان من حرة أو أمة‪ ،‬فهو مال حرام‪ ،‬ألنه يف مقابل‬
‫ما حرم هللا علیها من الزان‪ ،‬فلیس هلا أكله أو االنتفاع به‪ ،‬ويرى ابن القیم أنه جيب التصدق به ولو قال خترجه‬
‫بنیة التخلص منه‪.‬‬
‫َِّب ﷺ‬ ‫ال‪ :‬فَ لَ ِح َق ِن النِ ُّ‬ ‫سيِبَهُ‪ .‬قَ َ‬ ‫‪َ - ٧٨٦‬و َع ْن َجابِ ِر بْن َعْب ِد هللا ‪ :‬أَنَّهُ َكا َن يَ ِسريُ َعلَى ََجَل لَهُ أَ ْعيَا‪ ،‬فَأ ََر َ‬
‫اد أَ ْن يُ َ‬
‫ال‪« :‬بِ ْعنِ ِيه» فَبِ ْعتُهُ بِ ُوقِيَّ ٍة‪،‬‬‫ْت‪ََ :‬ل‪ُُ .‬ثَّ قَ َ‬ ‫ال‪« :‬بِ ْعنِ ِيه بِ ُوقِيَّ ٍة» قُل ُ‬ ‫ريا ََلْ يَ ِس ْر ِمثْ لَهُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ار َس ْ ً‬
‫سَ‬ ‫ض َربَهُ‪ ،‬فَ َ‬ ‫فَ َد َعا ِِل‪َ ،‬و َ‬
‫ال ‪ :‬أَتَ ر ِ‬
‫ان‬ ‫ت فَأ َْر َس َل ِيف أَثَ ِري‪ .‬فَ َق َ َ‬ ‫ت ُمحْ ََلنَهُ إِ ََل أ َْهلِي‪ ،‬فَ لَ َّما بَلَغْ ُ‬
‫ت أَتَ ْي تُهُ َِبجلَ َم ِل‪ ،‬فَ نَ َق َد ِن ََثَنَهُ‪ُُ ،‬ثَّ َر َج ْع ُ‬ ‫َتطَ ُ‬
‫َوا ْش ََ‬
‫السيَا ُق ُم ْسلِ ٍم‪.‬‬
‫َك»‪ُ .‬متَّ َف ٌق َعلَْي ِه‪َ ،‬و َه َذا َّ‬ ‫ِ‬
‫ك فَ ُه َو ل َ‬ ‫ك َو َد َراِهَ َ‬ ‫ك؟ ُخ ْذ ََجَلَ َ‬ ‫ك ِأل ُخ َذ ََجَلَ َ‬ ‫َما َك ْستُ َ‬

‫مسألة اْلديث‪ :‬احلديث فیه جواز املماكسة يف البیع قبل استقرار العقد‪.‬‬

‫اختلف العلماء هل جيوز للبائع أن يشرتط نفعا معلوما يف البیع‪ ،‬كركوب الدابة ‘ىل موضع كذا‪ ،‬أو سكىن‬
‫الدار مدة معلومة‪ ،‬وحنو ذلك؟‬

‫على ثَلثة أقوال‪:‬‬

‫القول األول ‪ :‬أنه ال يصح ا العقد‪ ،‬وال يصح الشرط ‪ ،‬ألن هذا الشرط ينايف مقتضى العقد‪ ،‬فأشبه ما لو‬
‫شرط أال يسلمه املبیع‪ ،‬وذلك ألنه شرط أتخري تسلیم املبیع إىل أن يستويف البائع املنفعة‪ ،‬وهذا مذهب اجلمهور‪،‬‬
‫ومنهم األئمة الثالثة أبو حنیفة ومالك والشافعي‪ ،‬إال أن مالكاً أجاز شرط محل الدابة إىل املكان القريب لقصر‬
‫الزمن ‪ ،‬كثالثة أايم‪ ،‬ولعله أيخذ هبذا احلديث‪ ،‬لقصر املدة بني مكان العقد واملدينة‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أنه جيوز اشرتاط شرط واحد فقط‪ ،‬وهو مذهب اإلمام أمحد‪ ،‬ووافقه على ذلك إسحاق‬
‫وابن املنذر واألوزاعي‪ ،‬فإن مجع بني شرطني بطل البیع‪ ،‬واستدلوا حبديث عمرو بن شعیب املتقدم‪« :‬ال حيل سلف‬
‫وبیع‪ ،‬وال شرطان يف بیع‪ ،‬وال تبع ما لیس عندك»‪.‬‬

‫والقول الثالث‪ :‬يصح البیع مع كل شرط عائد للبائع أو املشرتي مبنافع معلومة‪ ،‬وهذا رواية عن اإلمام‬
‫أمحد‪ ،‬اختارها شیخ اإلسالم ابن تیمیة وتلمیذه ابن القیم‪ ،‬والشیخ عبد الرمحن السعدي‪ ،‬واستدلوا مبا يلي‪:‬‬

‫‪ - ۱‬حديث جابر هذا‪ ،‬فإن الرسول اال هللا أقر جابراً على اشرتاط منفعة اجلمل‪ ،‬قال البخاري‪( :‬ابب إذا‬
‫اشرتط البائع ظهر الدابة إىل مكان مسمى جاز) مث أورد احلديث‪ ،‬قال احلافظ ‪ :‬وهكذا جزم هبذا احلكم لصحة‬
‫دلیله عنده)‪.‬‬

‫‪ - 2‬حديث كثري بن عبد هللا بن عمرو بن عون املزين‪ ،‬عن أبیه‪ ،‬عن جده أن رسول هللا ﷺ قال‪:‬‬
‫«املسلمون على شروطهم‪ ،‬إال شرطاً حرم حالالً أو أحل حراماً وسیأيت الكالم علیه إن شاء هللا ‪.‬‬
‫وهذا هو القول الراجح ‪ -‬إن شاء هللا ‪ -‬لقوة دلیله‪ ،‬وألن هذه الشروط ال حمذور فیها من راب أو ظلم أو‬
‫غرر أو ضرر ‪ ،‬فكیف تكون حمرمة مفسدة للعقد‪ ،‬وكما أهنا ال مفسدة فیها فلیست ‪ -‬أيضاً ‪ -‬وسیلة إىل مفسدة‪.‬‬

‫اعهُ ُمتَّ َف ٌق َعلَْي ِه‪.‬‬ ‫ال‪ :‬أَ ْعتَ َق َر ُج ٌل ِمنَّا َع ْب ًدا لَهُ َع ْن ُدبُ ٍر ََلْ يَ ُك ْن لَهُ َم ٌ‬
‫ال غَ ْريُهُ‪ .‬فَ َد َعا بِ ِه النِ ُّ‬
‫َِّب فَ بَ َ‬ ‫‪َ - ٧٨٧‬و َع ْنهُ قَ َ‬

‫مسألة اْلديث‪ :‬احلديث دلیل على جواز بیع املدبر‪ ،‬واملدبر‪ :‬بزنة اسم املفعول‪ ،‬هو الرقیق الذي علق عتقه مبوت‬
‫مالكه‪ ،‬أبن يقول السید‪ :‬لرقیقه أنت حر بعد مويت مسي بذلك ألن عتقه جعل دبر حیاة سیده‪ ،‬واملوت دبر احلیاة‪.‬‬

‫وظاهر اْلديث أن النيب له ابع هذا املدبر ملا علم أن صاحبه ال ميلك شیئاً غريه‪ ،‬ملا ورد يف رواية للبخاري‬
‫‪ :‬أن رجالً أعتق غالماً له عن دبر‪ ،‬فاحتاج ‪ ...‬ويف رواية أخرى‪« :‬مل يكن له مال غريه»‪ ،‬والقول أبنه ال يباع إال‬
‫حلاجة من دين أو نفقة رواية عن اإلمام أمحد‪ ،‬وهـو اختیار ابن دقیق العید‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬جواز بیعه مطلقاً‪ ،‬سواء ابعه حلاجة أم ال‪ ،‬وهذا قول الشافعي واملشهور من مذهب اإلمام‬
‫أمحد‪ ،‬قالوا‪ :‬إنه ملا جاز بیعه يف صورة من صور البیع جاز يف كل صورة وألنه شبیه ابلوصیة اليت جيوز الرجوع عنها‬
‫ما دام املوصي يف حال احلیاة‪.‬‬
‫حكم السمن تقع فيه الفأرة‬

‫‪ -٦49‬عن ميمونة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬زوج النِب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أن فارة وقعت يف َسن‪ ،‬فماتت‬
‫فيه‪ ،‬فسئل النِب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عنها فقال‪" :‬ألفوها وما حوهلا وكلوه"‪ ،‬رواه البخاري‪ ،‬وزاد أمحد‪،‬‬
‫والنسائي‪ :‬يف َسن جامد‪.‬‬

‫‪ -٦٥0‬وعن أِب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪" :-‬إذا وقعت الفأرة‬
‫يف السمن‪ ،‬فإن كان جامدا فألقوها وما حوهلا‪ ،‬وإن كان مايعا فَل تقربوه"‪ ،‬رواه أمحد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬وقد حكم‬
‫عليه البخاري وأبو حامت َبلوهم‪.‬‬

‫* الكالم علیهما من وجوه‪:‬‬

‫‪ °‬الوجه األول‪ :‬يف خترجيهما‪:‬‬

‫‪ -‬أما حديث میمونة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬فقد أخرجه البخاري يف مواضع من "صحیحه"‪.‬‬

‫وأخرجه النسائي (‪ )1٧٨ /٧‬من طريق عبد الرمحن بن مهدي‪ ،‬عن مالك هبذا اإلسناد‪ ،‬ولفظه‪( :‬أن النيب ‪ -‬صلى‬
‫هللا علیه وسلم ‪ -‬سئل عن فارة وقعت يف مسن جامد … ) ومع أن إسنادها صحیح إال أن فیها نظرا ‪-‬كما يقول‬
‫ابن عبد اهلادي‪.‬‬

‫وجاءت عند أمحد يف إحدى رواايته (‪ )3٨٧ /44‬من طريق حممد بن مصعب‪ ،‬عن األوزاعي‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬به‪،‬‬
‫ولفظه‪( :‬عن میمونة زوج النيب ‪ -‬صلى هللا علیه وسلم ‪ -‬أهنا استفتت رسول هللا ‪ -‬صلى هللا علیه وسلم ‪ -‬يف فأرة‬
‫سقطت يف مسن هلم جامد … ) احلديث‪ .‬بني ابن عبد اهلادي أبن هذه الزايدة من كیس حممد بن مصعب‬
‫القرقساين‪ ،‬وقد ضعفه حيىي بن معني ومجاعة‪ .‬وخلص احلافظ حاله أبنه صدوق كثري الغلط‪.‬‬

‫‪ -‬حديث أيب هريرة‪ :‬ومنت هذا احلديث صحیح‪ ،‬ورجال إسناده ثقات‪ ،‬رجال الشیخني‪ ،‬إال أنه كما قال البخاري‬
‫وأبو حامت والرتمذي والدارقطين وغريهم‪ :‬إن معمر بن راشد قد أخطأ يف إسناده‪.‬‬
‫وظن طائفة من العلماء أن حديث معمر حمفوظ‪ ،‬فعملوا به‪ ،‬وممن أثبته حممد بن حيىي الذهلي‪ ،‬فیما مجعه من‬
‫أحاديث الزهري‪ ،‬وكذا احتج به أمحد ملا أفىت ابلفرق بني اجلامد واملائع‪ ،‬وكان أمحد حيتج أحیاان أبحاديث مث يتبني‬
‫له أهنا معلولة‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثاين‪:‬‬

‫‪ -‬القول األول‪ :‬حديث میمونة السابق ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬دلیل على أن الفأرة إذا وقعت يف السمن وماتت فیه‬
‫جنست ما حوهلا مما وقعت فیه‪ ،‬فیجب إلقاؤها وإلقاء ما حوهلا‪ ،‬وحيكم على البقیة أبنه طاهر‪ ،‬وظاهر احلديث أنه‬
‫ال فرق بني اجلامد واملائع‪.‬‬

‫وحد اجلامد‪ :‬ما إذا أخذ منه شيء مل يرتاد من الباقي مكانه‪ ،‬وال يسیل إذا كسر إانؤه‪ ،‬وأما املائع‪ ،‬فهو عكسه‪:‬‬
‫فإنه يرتاد عند األخذ منه‪ ،‬ويسیل إذا كسر إانؤه‪ ،‬وهذا قول بعض أهل احلديث كالبخاري وهو رواية عند احلنابلة‪،‬‬
‫وهو اختیار شیخ اإلسالم ابن تیمیة‪.‬‬

‫‪ -‬والقول الثاين‪ :‬التفريق بني اجلامد واملائع‪ ،‬وأن اجلامد حيكم فیه بنجاسة ما جاور النجاسة وبطهارة الباقي‪ ،‬بل‬
‫حكى ابن عبد الرب االتفاق على ذلك‪ ،‬وأما املائع فكله ينجس مبالقاة النجاسة‪ ،‬قل أم كثر‪ ،‬تغري أم مل يتغري‪ ،‬وهذا‬
‫مذهب اجلمهور‪ ،‬مستندين إىل الزايدة املذكورة يف رواية معمر‪.‬‬

‫والقول األول أرجح ‪ ،‬وهو عدم تنجس املائعات إال ابلتغري‪ ،‬لقوة دلیله‪ ،‬وقد أفىت بذلك عدد من الصحابة‪ ،‬كابن‬
‫عباس وابن مسعود وغريمها ‪ -‬رضي هللا عنهم ‪ -‬وهو اختیار الشیخ عبد العزيز بن ابز‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثالث‪:‬‬

‫أن اْلكم بطهارة السمن وحنوه‪ ،‬مشروط أبَل يتغري َبلنجاسة اليت تظهر فيه رحيه أو طعمه أو لونه‪ ،‬فإن تغري‬
‫بشيء من ذلك فإنه يكون جنسا‪ ،‬فال جيوز استعماله‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الرابع‪:‬‬

‫يلحق َبلسمن غريه من املائعات كالزيت والعسل واللنب وحنوها‪.‬‬


‫‪ °‬الوجه اخلامس‪:‬‬

‫دل اْلديث ِبفهومه على أن الفأرة لو وقعت يف السمن ُث خرجت وهي حية أن السمن َل ينجس‪ ،‬ولذا جعل‬
‫الفقهاء اهلرة وما دوهنا يف اخللقة طاهرا يف حال احلیاة‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه السادس‪:‬‬

‫اعلم أن الكالم يف مسألة السمن املائع الذي وقعت فیه الفارة إمنا هو ابعتبار أنه حيل أو ال حيل‪ ،‬لكن لو كرهه‬
‫اإلنسان فال أبس إبراقته ألن اجلمهور يقولون بتحرميه‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬

‫فإن كان جامدا وكرهه فاألوىل عدم إراقته‪ ،‬بل يعطیه أو يتصدق به‪ ،‬لئال تكون إراقته من ابب إضاعة املال‪ ،‬وال‬
‫يلزم أن يبني ما وقع فیه‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬

‫حكم بيع الكلب والسنور‬

‫‪ -٦٥1‬عن أِب الزبري قال‪ :‬سألت جابرا عن َثن السنور والكلب فقال‪ :‬زجر النِب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ -‬عن ذلك‪ .‬رواه مسلم‪ ،‬والنسائي وزاد‪ :‬إَل كلب صيد‪.‬‬

‫* الكالم علیه من وجوه‪:‬‬

‫‪ °‬الوجه األول‪ :‬يف خترجيه‪:‬‬

‫فقد أخرجه مسلم يف كتاب "املساقاة" ابب "حترمي مثن الكلب … والنهي عن بیع السنور" (‪.)1569‬‬
‫وأخرجه النسائي (‪ )309 ،190 /٧‬من طريق محاد بن سلمة‪ ،‬عن أيب الزبري ابلزايدة املذكورة‪ ،‬وقال النسائي‪( :‬لیس‬
‫هو بصحیح)‪ .‬واملراد تضعيف هذه الزَيدة‪ ،‬وإَل فاْلديث صحيح بدون هذا اَلستثناء‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثاين‪:‬‬

‫تقدم أن هذا احلديث من أدلة القائلني جبواز بیع الكلب‪ ،‬ومبا أن هذه الزايدة غري صحیحة‪ ،‬فإن االستدالل ال يتم‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثالث‪:‬‬

‫اْلديث دليل على حترمي َثن السنور‪ ،‬وهو بكسر املهملة وتشديد النون‪ :‬القط واهلر‪ ،‬وحترمي مثنه يدل ابللزوم على‬
‫حترمي بیعه؛ ألنه جنس العني‪ ،‬وال ينتفع به إال حلاجة كأكل الفأر واحلشرات‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬والقول مبنع بیع السنور قد‬
‫أفىت به جابر بن عبد هللا‪ ،‬وأبو هريرة ‪-‬رضي هللا عنهما‪ ،-‬وهو قول طاووس وجماهد‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أمحد‪،‬‬
‫اختارها أبو بكر عبد العزيز‪ ،‬وابن القیم وصححها ابن رجب‪.‬‬

‫وذهب اجلمهور من أهل العلم إَل جواز بيعه ‪ ،‬وهو املذهب عند احلنابلة‪ ،‬وعلیه مشى اخلرقي يف "خمتصره"‪،‬‬
‫واستدلوا أبن فیه منفعة كما تقدم‪.‬‬

‫والصواب األول؛ لصحة احلديث بذلك‪ ،‬وعدم ما يعارضه وهللا أعلم‪.‬‬

‫صحة الشروط املشروعة وبطَلن غريها‬

‫‪ -٦٥2‬عن عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬قالت‪ :‬جاءتن بريرة فقالت‪ :‬كاتبت أهلي على تسع أواق‪ ،‬يف كل‬
‫عام أوقية‪ ،‬فأعينين‪ ،‬فقلت‪ :‬إن أحب أهلك أن أعدها هلم ويكون وَلؤك ِل فعلت‪ ،‬فذهبت بريرة إَل أهلها‪،‬‬
‫فقالت هلم؛ فأبوا عليها‪ ،‬فجاءت من عندهم ورسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬جالس‪ ،‬فقالت‪ :‬إين قد‬
‫عرضت ذلك عليهم فأبوا إَل أن يكون الوَلء هلم‪ ،‬فسمع النِب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬فأخْبت عائشة‬
‫النِب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ .-‬فقال‪" :‬خذيها واشَتطي هلم الوَلء‪ ،‬فإمنا الوَلء ملن أعتق"‪ ،‬ففعلت عائشة‪،‬‬
‫ُث قام رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يف الناس خطيبا فحمد هللا وأثىن عليه‪ُ ،‬ث قال‪" :‬أما بعد‪ ،‬ما َبل‬
‫رجال يشَتطون شروطا ليست يف كتاب هللا عز وجل؟ ما كان من شرط ليس يف كتاب هللا فهو َبطل‪ ،‬وإن‬
‫كان مائة شرط‪ ،‬قضاء هللا أحق‪ ،‬وشرط هللا أوثق‪ ،‬وإمنا الوَلء ملن أعتق"‪ ،‬متفق عليه‪ ،‬واللفظ للبخاري‪ .‬وعند‬
‫مسلم فقال‪" :‬اشَتيها‪ ،‬وأعتقيها‪ ،‬واشَتطي هلم الوَلء"‪.‬‬

‫* الكالم علیه من وجوه‪:‬‬

‫‪ °‬الوجه األول‪ :‬يف خترجيه‪:‬‬

‫فقد أخرجه البخاري يف أربعة وعشرين موضعا من "صحیحه"‪.‬‬

‫وأخرجه مسلم يف كتاب "العتق"‪ ،‬ابب "بیان أمنا الوالء ملن أعتق" (‪ )1504‬من عدة طرق‪.‬‬

‫وهذا احلديث حديث عظیم‪ ،‬جلیل القدر‪ ،‬كثري الفوائد‪ ،‬استنبط منه احلافظ ابن حجر قريبا من مائة وعشرين‬
‫فائدة‪ ،‬وذكر يف "اإلصابة" أن بعض األئمة مجع فوائده يف مصنف مستقل‪ ،‬فزادت على الثالمثائة‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثاين‪ :‬يف شرح ألفاظه‪:‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬جاءتين بريرة) هي موالة عائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪ ،-‬اشرتهتا وأعتقتها‪.‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬كاتبت أهلي) الكتابة‪ :‬شراء العبد نفسه من سیده‪ ،‬وذلك أبن يقع عقد بني الرقیق وبني سیده على أن‬
‫يدفع له مبلغا من املال منجما ‪-‬أي‪ :‬أقساطا حمددة‪ -‬لیصري بذلك حرا‪ ،‬واملراد بقوهلا‪( :‬أهلي) موالیها‪ ،‬وهم انس‬
‫من األنصار‪.‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬على تسع أواق) مجع أوقیة‪ ،‬وتقدم أهنا يف ذلك الوقت أربعون درمها‪ ،‬وأواق أصلها‪ :‬أواقي‪ :‬بتشديد الیاء‪،‬‬
‫وجيوز ختفیفها حبذفها‪.‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬أن أعدها هلم) أي‪ :‬أدفعها هلم معدودة دفعة واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬قوله‪( :‬والؤك يل) أي‪ :‬والء عتقك يكون يل‪ ،‬ووالء العتق‪ :‬أن يرث املعتق أو ورثته العتیق إذا مل يكن له وارث‬
‫من عصبته‪ .‬واملراد هنا والء العتاقة‪.‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬إمنا الوالء ملن أعتق) أي‪ :‬إن شرطهم هذا ال قیمة له؛ ألن الوالء ملن أعتق ال ملن ابع‪ ،‬ومقتضى احلصر بـ‬
‫(إمنا) أن إثبات الوالء ملن أعتق يلزم منه نفیه عمن مل يعتق‪.‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬ما ابل رجال) جواب (أما) واألصل أن يكون ابلفاء‪ ،‬وحذفها هنا اندر‪ ،‬كما ذكر ابن هشام‪ ،‬ومثل هبذا‬
‫احلديث‪ .‬ومعىن‪" :‬ما ابل" ما شأن وما حال رجال‪ ،‬وقوله‪" :‬رجال" ال مفهوم له‪.‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬لیست يف كتاب هللا) أي‪ :‬لیست يف شرع هللا وقضائه‪ ،‬يف كتابه أو سنة رسوله ‪ -‬صلى هللا علیه وسلم‪.‬‬
‫ولیس املراد بكتاب هللا‪ :‬القرآن؛ ألن أكثر الشروط الصحیحة لیست يف القرآن‪ ،‬وإمنا علمت من السنة‪.‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬فهو ابطل) الباطل‪ :‬ضد الصحیح‪.‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬قضاء هللا أحق) أي‪ :‬شرع هللا تعاىل وحكمه أوىل ابالتباع من الشروط املخالفة للحق‪.‬‬

‫‪ -‬قوله‪( :‬وشرط هللا أوثق) أي‪ :‬أقوى وأشد إحكاما‪ .‬فاملعىن‪ :‬أن قضاء هللا هو احلق‪ ،‬وشرطه هو القوي‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثالث‪:‬‬

‫اْلديث دليل على مشروعية مكاتبة الرقيق‪ .‬وهذا يدل على حرص اإلسالم على العتق‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الرابع‪:‬‬

‫أن الكتابة يكون دينها مؤجَل حيل قسطا قسطا‪ .‬لكن ليس التأجيل شرطا‪ ،‬فیجوز العبد إذا كان قواي وله صنعة‬
‫يستطیع هبا أن جيمع الثمن يف جنم واحد‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه اخلامس‪:‬‬

‫اْلديث دليل على جواز بيع العبد املكاتب بشرط العتق‪ .‬وإذا بیع املكاتب أدى جنوم الكتابة إىل مشرتيه‪ ،‬فإن‬
‫أدى إلیه عتق‪ ،‬ووالؤه له‪ ،‬وإن عجز عاد قنا له‪.‬‬
‫‪ °‬الوجه السادس‪:‬‬

‫اْلديث دليل على أن الوَلء ملن أعتق الرقيق َل ملن َبعه‪ ،‬واشَتاطه من قبل البائع َبطل‪ ،‬وَل يؤثر يف صحة‬
‫العقد‪ ،‬بل يبطل الشرط وحده‪ ،‬ويصح العقد‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه السابع‪:‬‬

‫اْلديث دليل على أن الشروط اليت على خَلف مقتضى العقد شروط فاسدة بنفسها‪ ،‬غري مفسدة للعقد‪،‬‬
‫وهي شروط حمرمة ال جيوز اشرتاطها‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثامن‪:‬‬

‫اختلف العلماء يف قوله‪" :‬اشَتطي هلم الوَلء" حیث دل بظاهره أنه ‪ -‬صلى هللا علیه وسلم ‪ -‬أذن يف البیع على‬
‫شرط فاسد‪ ،‬فكیف أيذن هلم يف وقوع البیع بناء على شرط سیتم إبطاله؟‪ .‬وللعلماء يف اجلواب عن ذلك مسلكان‪:‬‬

‫األول‪ :‬إبطال هذه اللفظة وأهنا مل تثبت‪ ،‬ألنه تفرد هبا مالك‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬أن يقال‪ :‬إهنم قد علموا فساد الشرط‪ .‬وكأنه صلى هللا علیه وسلم قال‪ :‬اشرتطي أو ال تشرتطي فذلك ال‬
‫يفیدهم؛ ألن وجوده كعدمه‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه التاسع‪:‬‬

‫يف اْلديث دليل على جواز بيع التقسيط‪ .‬وصورته‪ :‬أن يبیع بضاعة إىل أجل‪ ،‬ويزيد يف سعرها مقابل األجل‪.‬‬
‫وهو جائز يف قول عامة أهل العلم‪ ،‬بل حكى احلافظ ابن حجر اإلمجاع على جوازه‪.‬‬
‫حكم بيع أمهات األوَلد‬

‫‪ -٦٥3‬عن ابن عمر ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬قال‪َ :‬نى عمر عن بيع أمهات األوَلد‪ ،‬فقال‪َ :‬ل تباع‪ ،‬وَل‬
‫توهب‪ ،‬وَل تورث‪ ،‬ليستمتع ِبا ما بدا له‪ ،‬فإذا مات فهي حرة‪ .‬رواه مالك‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وقال‪ :‬رفعه بعض الرواة‬
‫فوهم‪.‬‬

‫‪ -٦٥4‬وعن جابر بن عبد هللا ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬قال‪ :‬كنا نبيع سرارينا؛ أمهات األوَلد‪ ،‬والنِب ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ -‬حي‪َ ،‬ل نرى بذلك أبسا‪ ،‬رواه النسائي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬والدارقطن‪ ،‬وصححه ابن حبان‪.‬‬

‫* الكالم علیهما من وجوه‪:‬‬

‫‪ °‬الوجه األول‪ :‬يف خترجيهما‪:‬‬

‫‪ -‬أما حديث ابن عمر ‪-‬رضي هللا عنهما‪ ،-‬فقد أخرجه مالك يف "املوطأ" يف كتاب "العتق والوالء"‪ ،‬ابب "عتق‬
‫أمهات األوالد" (‪،)٧٧6 /2‬‬

‫قال البیهقي‪( :‬وغلط فیه بعض الرواة … فرفعه إىل النيب ‪ -‬صلى هللا علیه وسلم ‪ ،-‬وهو وهم ال حيل ذكره)‪،‬‬
‫وسبقه إىل هذا الدارقطين فقال عن وقفه‪ :‬إنه هو الصواب‪.‬‬

‫‪ -‬أما حديث جابر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ ،-‬فقد أخرجه النسائي يف "السنن الكربى" (‪ )5021( )56 /5‬يف كتاب‬
‫"العتق"‪ ،‬ابب "يف أم الولد"‪ ،‬وابن ماجه (‪ ،)251٧‬والدارقطين (‪ ،)135 /4‬وابن حبان (‪.)165 /10‬‬

‫وإسناده صحيح على شرط مسلم‪ ،‬وصححه النووي‪ ،‬واأللباين‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثاين‪:‬‬

‫أثر عمر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬فيه دليل على حترمي بيع أمهات األوَلد‪ ،‬واملراد هبن‪ :‬اإلماء الالئي ولدن من سادهتن‪،‬‬
‫وقد وافق عمر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬على ذلك املهاجرون واألنصار؛ ألن يف بیعهن تفريقا بینهن وبني أوالدهن‬
‫وتعريضا ألوالدهن األحرار لالسرتقاق واألذى‪.‬‬
‫وإمنا منع بیعها ألهنا استحقت أن تعتق مبوت سیدها‪ ،‬وبیعها مينع ذلك‪.‬‬

‫وهذا قول اجلمهور من أهل العلم‪ ،‬وحكاه بعضهم إمجاعا‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثالث‪:‬‬

‫دل حديث جابر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬على جواز بيع أمهات األوَلد وأن النِب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬كان‬
‫يعلم ذلك ويقرهم عليه‪ ،‬وهذا القول روي عن علي وابن عباس وابن الزبري ‪ -‬رضي هللا عنهم ‪ ،-‬وهو رواية عن‬
‫اإلمام أمحد‪ ،‬اختارها ابن عقیل‪ ،‬وشیخ اإلسالم ابن تیمیة‪ ،‬وبه قال داود الظاهري‪ ،‬وقتادة‪ ،‬ومجاعة آخرين‪.‬‬

‫وذكر بعض العلماء أن حديث جابر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬غري انهض على اَلستدَلل به على اجلواز ألمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن احلافظ البیهقي قال‪( :‬لیس يف شيء من هذه األحاديث أن النيب ‪ -‬صلى هللا علیه وسلم ‪ -‬علم بذلك‬
‫وأقرهم علیه)‪ ،‬وهذا فیه نظر؛ ملا تقدم‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬أن قوله‪( :‬ال نرى بذلك أبسا) قد ثبت ابلنون اليت للجماعة‪ ،‬ولو كان ابلیاء التحتیة (ال يرى) لكان فیه‬
‫داللة على التقرير‪.‬‬

‫وقال الشوكاين‪( :‬األحوط اجتناب البيع؛ ألن أقل أحواله أن يكون من األمور املشتبهة‪ ،‬واملؤمنون وقافون عندها‪،‬‬
‫كما أخربان بذلك الصادق املصدوق ‪ -‬صلى هللا علیه وسلم ‪ ،-‬وهللا أعلم)‪.‬‬

‫النهي عن بيع فضل املاء وَثن عسب الفحل‬

‫‪ -٦٥٥‬عن جابر بن عبد هللا ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬قال‪َ :‬نى رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عن بيع‬
‫فضل املاء‪ ،‬رواه مسلم‪ ،‬وزاد يف رواية‪ :‬وعن بيع ضراب اجلمل‪.‬‬

‫‪ -٦٥٦‬وعن ابن عمر ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬قال‪َ :‬نى رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عن عسب‬
‫الفحل‪ ،‬رواه البخاري‪.‬‬
‫* الكالم علیهما من وجوه‪:‬‬

‫‪ °‬الوجه األول‪ :‬يف خترجيهما‪:‬‬

‫‪ -‬أما حديث جابر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬فقد أخرجه مسلم يف كتاب "املساقاة"‪ ،‬ابب "حترمي بیع فضل املاء الذي‬
‫يكون ابلفالة وحيتاج إلیه لرعي الكأل‪ ،‬وحترمي منع بذله وحترمي بیع ضراب الفحل" (‪.)1565‬‬

‫‪ -‬وأما حديث ابن عمر ‪-‬رضي هللا عنهما‪ ،-‬فقد أخرجه البخاري يف كتاب "اإلجارة"‪ ،‬ابب "عسب الفحل"‬
‫(‪.)22٨4‬‬

‫‪ °‬الوجه الثاين‪ :‬يف شرح ألفاظهما‪:‬‬

‫قوله‪( :‬فضل املاء) املراد به‪ :‬املاء الزائد عن كفاية صاحبه‪ ،‬وهو املاء الذي يف الفالة‪ ،‬وحيتاج إلیه لرعي الكأل‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ضراب اجلمل) بكسر الضاد املعجمة‪ ،‬وهو نزوه على الناقة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عسب الفحل) الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل‪ ،‬يقال‪( :‬عسبت الرجل عسبا‪ :‬أعطیته الكراء على‬
‫الضراب)‪.‬‬

‫و(الفحل)‪ :‬هو الذكر من كل حیوان‪ ،‬مجال كان أو خروفا أو تیسا أو فرسا أو غري ذلك‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الثالث‪:‬‬

‫اْلديث دليل على حترمي بيع فضل املاء‪ ،‬وأن الواجب بذل الزائد منه حملتاجه‪ ،‬أما إذا كان املاء بقدر حاجته فله‬
‫منعه‪.‬‬

‫أما املياه اليت حازها صاحبها يف بركة أو خزان أو قربة أو إانء فهي مياه مملوكة جيوز بيعها‪ ،‬وال حيل أخذها إال‬
‫إبذن صاحبها‪ ،‬وال جيب على صاحبه بذله إال ملضطر‪.‬‬

‫‪ °‬الوجه الرابع‪:‬‬
‫اْلديث دليل على النهي عن بيع ضراب الفحل وأخذ األجرة عليه‪ ،‬ووجوب بذله جماان‪ ،‬وهذا مذهب اجلمهور‪.‬‬

‫قال ابن القیم‪( :‬إن النهي عن بیع عسب الفحل من حماسن الشريعة وكماهلا‪ ،‬فإن مقابلة ماء الفحل ابألمثان وجعله‬
‫حمال لعقود املعاوضات مما هو مستقبح ومستهجن عند العقالء)‪ .‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫من البيوع املنهي عنها‬

‫اهلِیَّ ِة‪َ :‬كا َن َّ‬


‫الر ُج ُل‬ ‫ول هللاِ ﷺ َهنَى عن بـی ِع حب ِل ا ْحلبـلَ ِة‪ ،‬وَكا َن بـیـعا يـتـبايـعه أَهل ا ْجل ِ‬
‫َ ْ َْ َ َ ََ َ َْ ً ََ َ َ ُ ُ ْ ُ َ‬ ‫َن َر ُس َ‬ ‫[‪َ - ]٧9٦/1٥‬و َعنْهُ؛ أ َّ‬
‫ظ لِلْبُ َخا ِري‪.‬‬
‫ور إِ َىل أَ ْن تـُْنـتَ َج النَّاقَةُ‪ُ ،‬مثَّ تـُْنـتَ ُج الَِّيت ِيف بَطْنِ َها‪ُ .‬متَّ َف ٌق َعلَْي ِه‪َ ،‬واللَّ ْف ُ‬
‫يـَْبـتَاعُ ا ْجلَُز َ‬

‫ألفاظ اْلديث‪( :‬حبل احلبلة) بفتح احلاء والباء فیهما‪ ،‬واحلبل‪ :‬مصدر‪ ،‬أريـد بـه اجلنني املوجود يف بطن أمه حني‬
‫العقد‪ ،‬واحلبلة‪ :‬مجع حابل‪ ،‬مثل كاتب وكتبة‪ ،‬واهلاء للمبالغة‪ ،‬وقیل‪ :‬لإلشعار ابألنوثة‪ ،‬واألكثر استعمال احلبل‬
‫للنساء خاصة‪ ،‬واحلمل هلن ولغريهن من إانث احلیوان‪.‬‬

‫وقد فسره َبْلديث أبنه من بيوع اجلاهلية ‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن يشرتي الناقة ويؤجل مثنها إىل أن تلد الناقة ما يف بطنها‬
‫مث حتمل اليت نتجتها‪ ،‬وهذا التفسري مروي عن ابن عمر له ‪ ،‬كما جاء صرحياً يف رواية مسلم املذكورة‪.‬‬

‫والتفسري الثاين ‪ :‬البیع بثمن مؤجل إىل أن تلد الناقة ما يف بطنها‪ ،‬مث تلد اليت ولدهتا‪ ،‬وهذا تفسري البن عمر ‪-‬‬
‫أيضاً ‪ -‬عند البخاري‪ ،‬كما يف حديث الباب‪.‬‬

‫والتفسري الثالث ‪ :‬البیع بثمن مؤجل إىل أن تلد الناقة ما يف بطنها‪ ،‬وهذا تفسري انفع‪ ،‬كما أخرجه البخاري‪.‬‬

‫(يبتاع اجلزور) أي‪ :‬يشرتيها‪ ،‬واجلزور‪ :‬بفتح اجلیم‪ ،‬البعري ذكراًكان أم أنثى‪( .‬تنتج الناقة) أي‪ :‬تلد‪( .‬مث تنتج اليت يف‬
‫بطنها) أي تلد اليت يف بطن الناقة اليت وقع علیها العقد‪ ،‬مبعىن‪ :‬تعیش املولودة حىت تكرب مث تلد‪.‬‬

‫مسألة اْلديث‪ :‬احلديث دلیل على النهي عن بیع حبل احلبلة‪ ،‬وهذا النهي للتحرمي ويفید فساد العقد‪ ،‬ألنه على‬
‫التفاسري الثالثة ِ‬
‫األول بیع إىل أجل جمهول‪ ،‬ألن أجل الثمن غري معلوم‪ ،‬واألجل له وقع يف الثمن يف طوله وقصره‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ءَ َامنُوا إِذَا تَ َدايَنتُم ب َديْ ِن إِ َىل أ َ‬
‫َج ٍل ُم َس ًّمى فَأَ ْكتُـبُوهُ) (البقرة‪ )۲۸۲ :‬فدلت اآلية على اشرتاط‬ ‫قال تعاىل‪( :‬يـَتَأَيـُّ َها الذ َ‬
‫كون األجل معلوماً فیما كان أبجل‪ ،‬وألن جهالة األجل تفضي إىل اخلصام والنزاع بني املتعاقدين‪ ،‬وهذا أمر ال‬
‫يرضاه اإلسالم‪.‬‬
‫النهي عن بيع الوَلء وعن هبته‬

‫الوَال ِء‪َ ،‬و َع ْن ِهبَتِ ِه‪ُ .‬متَّ َف ٌق َعلَْي ِه‪.‬‬ ‫َن رس َ ِ‬


‫ول هللا ﷺ َهنَى َع ْن بـَْی ِع َ‬ ‫[ ‪َ - ]٧9٧/16‬و َعنْهُ؛ أ َّ َ ُ‬

‫مسألة اْلديث‪ :‬احلديث دلیل على النهي عن بیع والء العتق‪ ،‬وهو التنازل عنه بثمن لشخص آخر‪ ،‬والنهي عن‬
‫هبته‪ ،‬وهو التنازل عنه بغري مثن لشخص آخر‪ ،‬وذلك ألن الوالء عصوبة حتصل لإلنسان بسبب العتق فال تباع وال‬
‫توهب ألهنا أمر معنوي‪ ،‬كالنسب الذي ال يتأتى انتقاله‪.‬‬
‫النهي عن بيع الغرر‬

‫صاةِ‪َ ،‬و َع ْن بـَْی ِع الغََرِر‪َ .‬رَواهُ ُم ْسلِ ٌم‪.‬‬ ‫ول َِّ‬


‫اَّلل ﷺ َع ْن بـَْی ِع احلَ َ‬ ‫[‪َ - ]۷۹۸/۱۷‬و َع ْن أَِيب ُهَريْـَرةَ عنه قَ َ‬
‫ال‪َ :‬هنَى َر ُس ُ‬

‫ألفاظ اْلديث‪( :‬عن بیع احلصاة) وهو البیع الذي استعملت فیه احلصاة‪ ،‬ولـه صـور ذكرها ابن القیم‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪ - 1‬أن يقول البائع للمشرتي ‪ :‬إذا نبذت إلیك ابحلصاة فقد وجب البیع فیما بیين وبینك‪ ،‬وهذا تفسري احملدثني‪،‬‬
‫ذكره الرتمذي‪.‬‬

‫‪ - 2‬أن يقول البائع للمشرتي ارم هذه احلصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يبیعه من أرضه قدر ما انتهت إلیه رمیة احلصاة‪.‬‬

‫‪ - 4‬أن يعرتض القطیع من الغنم فیأخذ حصاة‪ ،‬ويقول‪ :‬أي شاة أصابتها فهي ال لك بكذا‪.‬‬

‫( وعن بیع الغرر) والغرر بفتحتني‪ ،‬هو اخلطر‪ ،‬ويف اصطالح الفقهاء‪ :‬ما كان مستور العاقبة‪ ،‬مبعىن أنه البیع القائم‬
‫على اجلهل‪ ،‬حبیث ال تُعرف أوصافه وال يُدرى هل حيصل أو ال؟‬

‫والغرر قد يكون يف العني‪ ،‬وقد يكون يف الثمن‪ ،‬وقد يكون يف األجل‪ ،‬فالعني كبیع احلصاة واجلمل الشارد وبیع ما‬
‫مل يتم ملك البائع علیه‪ ،‬والثمن كأن يبیع ا السلعة بقیمتها أو برقمها واملشرتي ال يعرفه عند العقد‪ ،‬أو مبا ينقطع به‬
‫السعر‪ ،‬أو مبا يُعطى فیها‪ ،‬وحنو ذلك‪ .‬واألجل كأن يكون جمهوالً‪ ،‬مثل‪ :‬إىل میسرة أو إىل أن أبیع كذا‪.‬‬

‫مسألة اْلديث‪ :‬اْلديث دليل على النهي عن بيع اْلصاة‪ ،‬وفساد العقد‪ ،‬ألنه مقتضى النهي‪ ،‬وقد اتفق الفقهاء‬
‫على العمل مبوجب هذا احلديث‪ ،‬ولكنهم اختلفوا يف تفسريه‪ .‬املراد ابلغرر هنا ما كثر فیه الغرر وغلب علیه حىت‬
‫صار يوصف ببیع الغرر‪ ،‬فهذا ال خالف يف منعه‪.‬‬

‫وأما يسري الغرر وما يتسامح فيه عادة أو يشق اَلحَتاز عنه فإنه َل يؤثر يف فساد العقد‪.‬‬
‫النهي عن بيع الطعام قبل قبضه‬

‫«م ِن ا ْش َرتَى طَ َع ًاما فَ َال يَبِ ْعهُ َح َّىت يَكْتَالَهُ‪َ .‬رَواهُ ُم ْسلِ ٌم‪.‬‬ ‫ول هللاِ ﷺ قَ َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫[‪َ - ]۷۹۹/۱۸‬و َعنْهُ‪ :‬أ َّ‬
‫َن َر ُس َ‬

‫مسألة اْلديث‪ :‬احلديث دلیل على هني من اشرتى طعاماً أن يبیعه قبل قبضه‪ ،‬وعرب ابلكیل عن القبض‪ ،‬وذلك‬
‫أبن يكتاله ويستوفیه ألن قبض املكیل ال حيصل إال ابلكیل‪ ،‬وهذا النهي للتحرمي‪.‬‬

‫• ظاهر احلديث أن املنع من بیع الطعام قبل قبضه عام يف كل طعام بیع كیالً أو بیع جزافاً‪ ،‬وهذا مذهب اجلمهور‪،‬‬
‫ورواية عن اإلمام أمحد اختارها شیخ اإلسالم ابن تیمیة‪ ،‬وابن القیم‪.‬‬

‫كما استدلوا بعموم األدلة اليت تفید النهي عن بیع املشرتى قبل قبضه مطلقاً‪ ،‬فیدخل يف عمومها بیع الطعام سواء‬
‫كان مقدراً أو جزافاً‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أن الطعام إذا بيع جزافاً جاز بيعه قبل قبضه‪ ،‬وإذا كان مقدراً بكيل أو حنوه َل جيز بيعه قبل‬
‫قبضه‪ ،‬وهذا هو املشهور من مذهب اإلمام أمحد‪ .‬واستدلوا بدليلني‪:‬‬

‫‪ - ۱‬حديث ابن عمر انه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ :‬من اشرتى طعاماً بكیل أو وزن فال يبعه حىت يقبضه» قالوا‪:‬‬
‫فتخصیص الطعام ابلكیل والوزن دلیل على أن ما بیع جزافاً ال يشرتط فیه قبض‪.‬‬
‫‪ -۲‬قول ابن عمر‪( :‬ما أ َْدرَك ِ‬
‫ت الصفقة حیاً جمموعاً فهو من املبتاع)‪.‬‬ ‫َ‬

‫والقول األول أرجح لقوة دليله‪ ،‬وهو أنه ال بد من القبض‪ ،‬سواء بیع مقدراً أو جزافاً‪.‬‬
‫حكم البيعتني يف بيعة‬

‫الَتِم ِذ ُّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ص ْح َحهُ َّْ‬
‫َمحَ ُد‪ ،‬والن ِ‬ ‫ٍ‬
‫ني ِيف بَ ْي َعة‪َ .‬رَواهُ أ ْ َ َ‬
‫َّسائ ُّي‪َ ،‬و َ‬
‫ول َِّ‬
‫اَّلل ﷺ َع ْن بَ ْي َعتَ ْ ِ‬ ‫ال‪ََ :‬نَى َر ُس ُ‬
‫[ ‪َ -]۸۰۰/۱۹‬و َع ْنهُ قَ َ‬
‫َوابْ ُن ِحبَّا َن‪.‬‬

‫درجة اْلديث ‪ :‬إسناده حسن‪ ،‬ألنه من رواية حممد بن عمرو بن علقمة بن وقاص اللیثي‪ ،‬وفـیـه كــالم يسري يف‬
‫حفظه‪ ،‬قال يف التقريب»‪( :‬صدوق لـه أوهام) وقد روى لـه البخاري مقروانً‪ ،‬ومسلم يف املتابعات‪.‬‬

‫ٍ‬
‫س ُه َما‪ ،‬أ َْو ِ‬
‫الرََب»‪.‬‬ ‫ع بَ ْي َعتَ ْ ِ‬
‫ني ِيف بَ ْي َعة فَ لَهُ أ ََوَك ُ‬ ‫َوِألَِِب َد ُاو َد‪َ :‬‬
‫«م ْن ََب َ‬
‫درجة اْلديث ‪ :‬قال احلاكم‪( :‬صحیح على شرط مسلم ووافقه الذهيب‪ ،‬وصححه ابن حزم‪ ،‬لكن تعقبه األلباين أبن‬
‫احلديث حسن ملا تقدم يف حممد بن عمرو‪ ،‬وأن حديثه ال يرقى إىل درجة الصحیح‪.‬‬

‫ألفاظ اْلديث‪( :‬بیعتني يف بیعة البیعة‪ :‬هي صفقة البیع واملراد‪ :‬عقدان يف عقد واحد‪.‬‬

‫وقد اختلف العلماء يف تفسري ذلك على أقوال‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يقول‪ :‬أبیعك هذا الثوب نقداً بعشرة أو نسیئة بعشرين‪ ،‬وهذا تفسري مساك بن حرب راوي حديث ابن‬
‫مسعود‪ :‬هنى رسول هللا ﷺ عن صفقتني يف صفقة واحدة»‪.‬‬

‫وهو تفسري اإلمام مالك‪ ،‬كما يف «املوطأ»‪ ،‬وهو تفسري النسائي‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أن يشرتط أحد ملتعاقدين على اآلخر عقداً آخر‪ ،‬كسلف‪ ،‬أو بیع‪ ،‬أو اجارة‪ ،‬أو شركة‪ ،‬وحنو ذلك كأن‬
‫يقول البائع أبیعك هذه السیارة بكذا على أن تبیعين سیارتك بكذا‪ ،‬أو تؤجرين بیتك‪ ،‬وهذا تفسري احلنابلة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن يبیعه سلعة مبائة إىل أجل مث يشرتيها منه حاالً أبقل‪ ،‬وهذه مسألة العینة‪ ،‬كما سیأيت‪ ،‬ألن البیع مبائة‬
‫عقد‪ ،‬والشراء بثمانني عقد آخر‪ ،‬وهذا هو الذي تدل علیه رواية أيب داود‪ ،‬وقد اختار هذا التفسري ابن تیمیة وابن‬
‫القیم حیث قال‪ :‬هذا معىن احلديث الذي ال معىن له غريه)‪.‬‬
‫(فله أو كسهما أو الراب) قال يف «اللسان» (الوكس‪ :‬النقص)‪ .‬واملعىن‪ :‬أن من َبع سيارة ‪ -‬مثَلً ‪ِ -‬بائة ألف‬
‫مؤجلة‪ُ ،‬ث اشَتاها بثمانني نقداً‪ ،‬فَل خيلو من أمرين‪:‬‬

‫أ‪ -‬إما أن ميضي العقد وهذا هو الراب‪ ،‬ألن حقیقة األمر أنه أعطاه مثانني مبائة‪ ،‬وجعل السلعة واسطة‪ ،‬حیلة على‬
‫الراب‪.‬‬

‫ب‪ -‬وإما أن أيخذ األقل وهي الثمانون‪ ،‬ويسلم من الراب‪ ،‬وهذا هو األوكس‪ ،‬مبعىن األنقص‪.‬‬

‫مسألة اْلديث‪ :‬احلديث دلیل على النهي عن بیعتني يف بیعة‪ ،‬وهذا يقتضي حترمي العقد فساده‪ ،‬وقد اتفق الفقهاء‬
‫على القول مبوجب أحاديث النهي عن بیعتني يف بیعة‪ ،‬ولكنهم اختلفوا يف تفسريه ذلك‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫من مسائل البيع‬

‫«َل َِحي ُّل َسلَ ٌ‬


‫ف َوبَ ْي ٌع‬ ‫اَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫ول َِّ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ب‪َ ،‬ع ْن أَبِ ِيه‪َ ،‬ع ْن َج ِدهِ قَ َ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫[‪َ - ]۸۰۱/۲۰‬و َع ْن َع ْم ِرو بْ ِن ُش َع ْي ٍ‬
‫ي‪َ ،‬وابْ ُن‬ ‫الَتِم ِذ ُّ‬
‫ص ْح َحهُ َّْ‬
‫سةُ‪َ ،‬و َ‬ ‫س ِع ْن َد َك»‪َ .‬رَواهُ ْ‬
‫اخلَ ْم َ‬ ‫ان ِيف بَ ْي ِع‪َ ،‬وََل ِربْ ُح َما ََلْ يُ ْ‬
‫ض َم ْن‪َ ،‬وََل بَ ْي ُع َما ل َْي َ‬
‫وََل َشرطَ ِ‬
‫َ ْ‬
‫ُخ َزْْيَةَ‪َ ،‬وا ْْلَاكِ ُم‪.‬‬

‫درجة اْلديث‪ :‬سنده حسن‪ ،‬بناءً على الراجح من أقوال أهل العلم يف أحاديث عمرو بن شعیب‪ ،‬عن أبیه‪ ،‬عن‬
‫جده‪ ،‬وقد صححه الرتمذي وابن خزمية واحلاكم‪ ،‬قال ابن القیم‪( :‬هذا احلديث أصل من أصول املعامالت‪ ،‬وهو‬
‫نص يف حترمي احلیل الربوية)‪.‬‬

‫الو ْج ِه‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬


‫َوأَ ْخ َر َجهُ ِيف عُلُوم ا ْْلَديث م ْن ِرَوايَة أَِِب َحني َفةَ‪َ ،‬ع ْن َع ْم ٍرو املَ ْذ ُكوِر بلَ ْفظ ‪ََ :‬نَى َع ْن بَ ْي ِع َو َش ْرط َوم ْن َه َذا َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ْب ِاينُّ ِيف ْاأل َْو َسط» َو ُه َو غَ ِر ٌ‬
‫يب‪.‬‬ ‫أَ ْخ َر َجهُ الط ََ‬
‫درجة اْلديث‪ :‬إسناده واه‪ ،‬ألن فیه عبد هللا بن أيوب الضرير القريب‪.‬‬

‫مسألة اْلديث‪ :‬اْلديث دليل على أنه َل جيوز اجلمع بني سلف وبيع‪ ،‬واملراد َبلسلف القرض‪ ،‬كأن يقول‪:‬‬
‫أبیعك هذه السیارة على أن تقرضين كذا‪ ،‬وقد فسره اإلمام مالك هبذا املعىن‪ ،‬أو أقرضك كذا على أن تبیعين‬
‫سیارتك‪ ،‬فهذا ال جيوز ‪ ،‬وقد حكى ابن عبد الرب وابن هبرية وابن رشد اتفاق العلماء على ذلك‪ .‬وقال ابن قدامة‪:‬‬
‫(ال أعلم فیه خالفاً)‪.‬‬

‫ووجه املنع أن البيع صار وسيلة للقرض‪ ،‬فيكون قرضاً جر منفعة‪ ،‬ألنه مل يقرضه إال من أجل هذا البیع‪ ،‬والقرض‬
‫جيب أن يكون إرفاقاً حمضاً‪ ،‬ال يقصد به حاجة أخرى‪.‬‬

‫• اْلديث دليل على أنه َل جيوز اجلمع بني شرطني يف عقد البيع‪ ،‬وقد اختلف العلماء يف تفسري ذلك‪ ،‬فمن‬
‫أهل العلم من محله على ظاهره وفسره أبن يشرتط املشرتي على البائع شرطني‪ ،‬كأن يشرتي احلطب ويشرتط على‬
‫البائع محله إىل منزله وتكسريه‪ ،‬أو يشرتي الثوب ويشرتط تفصیله وخیاطته‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬فهذا ال يصح‪ ،‬وقد عزا‬
‫هذا التفسري ابن املنذر إىل اإلمام أمحد وإسحاق‪ ،‬ونقل ابن قدامة عن أمحد أنه قال‪( :‬الشرط الواحد ال أبس به‪،‬‬
‫إمنا هني عن الشرطني)‪ .‬واختار هذا الشیخ عبد العزيز بن ابز‪ ،‬ووجه النهي أن اشرتاط شرطني يفضي إىل النزاع‪،‬‬
‫خبالف اشرتاط شرط واحد فإن احلاجة تدعو إلیه‪ ،‬ولیس سبباً للنزاع‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أن املراد ابلشرطني‪ :‬أن يقول البائع‪ :‬خذ هذه السلعة بعشرة نقداً وآخذها منك بعشرين نسیئة‪،‬‬
‫وهي مسألة العینة‪ .‬وهذا قول ابن القیم معلالً لذلك أبن الشرط يطلق على العقد نفسه‪ ،‬ألهنما تشارطا على الوفاء‬
‫به‪ ،‬فهو مشروط‪.‬‬

‫• اْلديث دليل على أنه َل جيوز لإلنسان أن يربح يف شيء َل يقبضه‪ ،‬وهو أن يبیع السلعة املشرتاة قبل قبضها‬
‫من البائع ويربح فیها‪ ،‬وذلك ألن السلعة قبل قبضها لیست من ضمان املشرتي‪ ،‬وإمنا هي من ضمان البائع‪.‬‬

‫• اْلديث دليل على أنه َل جيوز لإلنسان أن يبيع ما ليس عنده أ ه‪ ،‬أي‪ :‬ما لیس يف ملكه وحتت تصرفه‪،‬‬
‫وذلك أبن يبیع ما ال ميلكه وقت العقد‪ ،‬على أن ميضي إىل السوق فیشرتيه ويسلمه للمشرتي‪ ،‬وقد دل على ذلك‬
‫حديث حكیم بن حزامه قال‪ :‬أتیت رسول هللا ﷺ فقلت‪ :‬أيتیين الرجل يسألين من البیع ما لیس عندي ابتاع له‬
‫من السوق‪ ،‬مث أبیعه‪ ،‬قال‪« :‬ال تبع ما لیس عندك قال ابن قدامة‪( :‬وال نعلم فیه خالفاً)‪.‬‬

‫وعلة املنع هي الغرر الناشئ عن عدم القدرة على تسليم املبيع وقت العقد‪ ،‬وما يَتتب على ذلك من النزاع‪،‬‬
‫فإن البائع قد ال جيد املبیع يف السوق‪ ،‬ولو كان البائع يثق بوجوده فقد يقع أمور خبالف ذلك‪.‬‬

‫وقد محل العلماء‪ ،‬ومنهم‪ :‬فقهاء احلنابلة وغريهم كاإلمام اخلطايب والبغوي هذا النهي على بيع األعيان اليت َل‬
‫ْيلكها البائع حال العقد‪ ،‬أما لو ابع شیئاً موصوفاً يف الذمة فإن البیع يصح‪ ،‬وهذا هو السلم الذي هو بیع‬
‫موصوف يف الذمة‪ ،‬وهو بیع ما لیس عند البائع‪ ،‬فتشرتط له شروطه‪ ،‬ومنها‪ :‬قبض الثمن يف جملس العقد‪ ،‬فإذا‬
‫قُبِ َ‬
‫ض الثمن وأُجل املثمن صار ديناً كسائر الديون‪.‬‬
‫حكم بيع العربون‬

‫ال‪ :‬بَلَغَِن َع ْن عمرو بن ُش َع ْي ٍ‬


‫ب‪،‬‬ ‫هللا ﷺ َع ْن بَ ْي ِع العُ ْرََب ِن‪َ .‬رَواهُ َمالِ ٌ‬
‫ك‪ ،‬قَ َ‬ ‫ول ِ‬ ‫ال‪ََ :‬نَى َر ُس ُ‬
‫[‪َ - ]۸۰۲/۲۱‬و َعْنهُ قَ َ‬
‫به‪.‬‬

‫درجة اْلديث‪ :‬إسناده ضعیف إلهبام الثقة الذي رواه عنه مالك‪ ،‬قال ابن عدي (ويقال‪ :‬إن مالكاً مسع هذا‬
‫احلديث من ابن هلیعة عن عمرو بن شعیب‪ ،‬ومل يسمه لضعفه‪ ،‬واحلديث عن ابن هلیعة‪ ،‬عن عمرو بن شعیب‬
‫مشهور)‪ .‬ونقل ابن القیم أن اإلمام أمحد سئل عن هذا احلديث‪ ،‬فقال‪( :‬لیس بشيء)‪.‬‬

‫ألفاظ اْلديث‪( :‬بیع العرابن) أصله يف اللغة التسلیف والتقدمي‪ ،‬يقال‪ :‬عربنه‪ :‬أعطا العربون‪.‬‬

‫ب‬ ‫ِ‬
‫وعند الفقهاء‪ :‬أن يشرتي الرجل شیئاً أو يستأجره‪ ،‬ويدفع جزءاً من الثمن أو األجرة‪ ،‬على أنه إن مت العقد ُحس َ‬
‫املبلغ املدفوع من مثن املبیع أو قیمة اإلجارة‪ ،‬وإال فهو ملك للطرف الثاين‪ ،‬وهو البائع أو املؤجر‪.‬‬

‫مسألة اْلديث‪ :‬اْلديث دليل على النهي عن بيع العرَبن والنهي يقتضي ا الفساد‪ ،‬وهذا مذهب اجلمهور من‬
‫اْلنفية واملالكية والشافعية ‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أمحد‪ ،‬اختارها أبو اخلطاب‪ .‬قالوا‪ :‬وألنه من ابب الغرر واملخاطرة‪،‬‬
‫وفیه أكل املال بغري عوض وال مقابل‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬جواز بيع العربون‪ ،‬وهذا هو املشهور من مذهب اْلنابلة‪ ،‬وهـو مـن مفردات املذهب‪ ،‬وهو مروي‬
‫عن عمر بن اخلطاب وابنه عبد هللا هللا‪ ،‬كما روي عن بعض السلف كابن سريين وجماهد‪ ،‬واستدلوا مبا يلي‪:‬‬

‫‪ - 1‬ما أخرجه ابن أيب شیبة عن زيد بن أسلم أن النيب ﷺ أحل العرابن يف البیع‪.‬‬

‫‪ -۲‬ما رواه سفیان بن عیینة‪ ،‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن عبد الرمحن بن فروخ‪ ،‬عن انفع بن احلارث – عامل عمر‬
‫على مكة ‪ -‬أنه اشرتى من صفوان بن أمیة داراً لعمر بن اخلطاب مولفه أبربعة آالف درهم‪ ،‬واشرتط علیه انفع إن‬
‫رضي عمر فالبیع له‪ ،‬وإن مل يرض فلصفوان أربعمائة درهم‪.‬‬

‫وقد أخذ اإلمام أمحد بظاهر هذه الرواية‪ ،‬قال األثرم‪ :‬قلت ألمحد‪ :‬تذهب إلیه؟‪ ،‬قال‪« :‬أي شيء أقول؟ هذا عمر‬
‫طه) يعين هذا عمر له أخذ به وذهب إلیه‪.‬‬
‫‪ -3‬ما علقه البخاري عن ابن سريين قال‪ :‬قال رجل لكريه‪ :‬أدخل ركابك فإن مل أرحل معك يف يوم كـ يوم كذا‬
‫وكذا فلك مائة درهم‪ ،‬فلم خيرج فقال شريح شرط على نفسه طائعاً غري مكره فهو علیه‪.‬‬

‫والقول َبجلواز فيه وجاهة ‪ ،‬وهو اختیار الشیخ عبد العزيز بن ابز‪ ،‬بشرط أن يقید االشرتاط بزمن معني ملا يرتتب‬
‫على اإلطالق من ضرر‪ ،‬ألنه يبقى بیع معلق‪ ،‬وألنه يؤخذ ابالشرتاط يف خیار الشرط‪.‬‬
‫النهي عن بيع السلعة قبل قبضها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ .٨03‬عن اب ِن عمر قَال‪ :‬ابـتَـعت زيتًا يف ُّ ِ‬
‫ت أَ ْن‬ ‫أعطَ ِاين بِه ِرْحبًا َح َسنًا‪ ،‬فَ َأرْد ُ‬
‫استَـ ْو َجْبـتُهُ‪ ،‬لَقیَیين َر ُجل فَ ْ‬
‫السوق‪ ،‬فَـلَ َّما ْ‬ ‫ْْ ُ‬ ‫َ ْ ْ ُ ََ‬
‫ت‪ ،‬فَـ َقال‪ :‬ال تَبِ ْعهُ َح ُ‬
‫یث ابْـتَـ ْعتَهُ‬
‫يد بن ََثبِ ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫الر ُج ِل‪ ،‬فَ َ‬‫ب َعلَى يَ ِد َّ‬ ‫َض ِر َ‬
‫ذراعي‪ ،‬فَالْتَـ َفت‪ ،‬فَإذَا ُه َو ز ُ ْ ُ‬ ‫أخ َذ َرجل م ْن َخلْفي ب َ‬ ‫أْ‬
‫ِِ‬ ‫حىت َحتوزه َإىل رحلِك‪ ،‬فَإن رس َ ِ‬
‫ُّج ُار إِ َىل ِر َحاهل ْم‪َ .‬رَواهُ‬
‫وزَها الت َّ‬‫یث تـُْبـتَاعُ‪ ،‬حىت َحيُ َ‬
‫السلَ ُع َح ُ‬ ‫اع ّ‬ ‫ول هللا ﷺ َهنَى أَ ْن تـُبَ َ‬ ‫َُ‬ ‫َّ ُ َُ َ ْ َ‬
‫ص ّح َحهُ ابْ ُن ِحبّا َن‪َ ،‬وا ْحلَاكِ ُم‪.‬‬
‫ظ لَهُ‪َ ،‬و َ‬
‫َمحَ ُد‪َ ،‬وأبو َد ُاوَد واللّ ْف ُ‬
‫أْ‬

‫درجة اْلديث‪ :‬هذا احلديث حسن‪.‬‬

‫تلخيص األحكام‪ :‬احلديث دلیل على أنه ال جيوز للمشرتي أن يبیع ما اشرتاه قبل أن يقبضه وحيوزه إىل مكانه‪،‬‬
‫طعاما أو غريه من املنقوالت‪ ،‬كاألمتعة‪ ،‬والكتب‪ ،‬واملواد الغذائیة‪،‬‬
‫وظاهر احلديث أنه عام يف كل مبیع‪ ،‬سواء كان ً‬
‫واحلیواانت‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬

‫القول ِبنع بيع املنقوَلت حىت تقبض‪ ،‬هو قول اجلمهور من اْلنفية والشافعية والظاهرية‪ ،‬ورواية عن اإلمام‬
‫عقارا ال خيشى‬
‫أيضا‪ -‬العقار؛ ألن القبض شرط يف كل مبیع‪ ،‬إال عند احلنفیة فإنه إذا كان املبیع ً‬
‫أمحد‪ ،‬وأضافوا ‪ً -‬‬
‫هالكه جاز بیعه قبل قبضه‪.‬‬

‫منقوال فإنه خيتلف ابختالف املقبوض‪ ،‬فاملكیل وما يشاهبه ابلكیل‪ ،‬والصربة واجلزاف أو ما‬
‫وكیفیة القبض إن كان ً‬
‫ينقل عادة كاألمتعة والكتب واملواد الغذائیة واألخشاب وحنوها يكون بنقلها وحتويلها إىل مكان ال اختصاص للبائع‬
‫به‪.‬‬

‫وإن كان مما يتناول ابلید كاحللي واجلواهر وحنوها فقبضه بتناوله‪ ،‬وما عدا ذلك يرجع فیه إىل العرف‪.‬‬

‫وأما قبض العقار كاألراضي واملساكن واحملالت التجارية‪ ،‬وكذا بیع الثمر على الشجر‪ ،‬فمانه يكون ابلتخلیة بینه‬
‫وبني مشرتيه يتصرف فیه‪ ،‬بال مانع وال حائل‪ ،‬وذلك بتسلیم املفاتیح إن وجدت؛ ألن قبض العقار ال يتصور إال‬
‫بذلك فهو قبض له يف العرف‪.‬‬

‫ويلحق ابلعقار األشیاء الثقیلة‪ ،‬كوسائل الري املعروفة اآلن‪ ،‬أو البضائع الكثرية يف املواين‪ ،‬وحنو ذلك مما يرتتب على‬
‫نقله وحتويله من مكان إىل آخر تبعات مالیة عظیمة‪ ،‬فالظاهر أن قبضها حيصل ابلتخلیة‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫ِ‬
‫الذهب فضةً‬ ‫ِ‬
‫اقتضاء‬ ‫حكم‬
‫ُ‬
‫َّر ِاه ِم‬ ‫آخ ُذ ال ّدر ِاهم‪ ،‬وأَبِ ُ ِ‬
‫یع ابلد َ‬ ‫َّاننري َو ُ َ َ َ‬
‫یع ِابلد َ ِ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلبل ِابلْبِقیع‪ ،‬فَأب ُ‬
‫یع َ‬
‫ت‪ :‬اي رس َ ِ ِ ِ‬
‫ول هللا! إ ّين أَب ُ‬ ‫‪َ .٨04‬ع ْن ابْ ِن عُ َمَر قَال‪ :‬قُـ ْل ُ َ َ ُ‬
‫س أَ ْن َأت ُخ َذ َها بِ ِس ْع ِر يـَ ْوِم َها‬ ‫هذهِ‪ ،‬وأُع ِطي هذهِ ِمن ه َذا؛ فَـ َقال رس ُ ِ‬ ‫َّاننِري‪ ،‬آخذ ه َذا ِمن ِ‬
‫ول هللا ﷺ‪َ« :‬ال َأب َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫وآخ ُذ الد َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫صح َحهُ ا ْحلَاكِ ُم‪.‬‬
‫فرقَا َوبَینَ ُك َما َشيء»‪َ ،‬رَواهُ ا ْخلَ ْم َسةُ‪َ ،‬و ّ‬
‫َما َملْ تَـتَ ّ‬

‫درجة اْلديث‪ :‬هذا إسناد ضعیف وله طريق آخر من أيب هاشم وحسنه األلباين‪.‬‬

‫تلخيص األحكام‪ :‬احلديث دلیل على أنه جيوز أن يـُ ْق َ‬


‫ضى عن الذهب فضة‪ ،‬وعن الفضة ذهبًا‪ ،‬فإذا استقر يف ذمة‬
‫املشرتي عند املبايعة ذهبًا فدفعها فضة أو ابلعكس ورضي البائع جاز‪ ،‬بشرط أن يتقابضا قبل التفرق من جملس‬
‫العقد‪ ،‬فإذا اختل هذا الشرط مل تصح املعاملة‪ ،‬وتصري داخلة يف راب النسیئة؛ ألن الذهب والفضة ماالن ربواين‪ ،‬فال‬
‫جيوز بیع أحدمها ابآلخر إال بشرط التقابض إبمجاع أهل العلم‪ ،‬فإن مل يقبض شیئًا بطل العقد كله‪ ،‬وإن قبض البعض‬
‫ض لوجود شرطه‪ ،‬وبطل فیما مل يقبض لفوات شرطه‪.‬‬ ‫صح العقد فیما قبِ َ‬
‫ظاهر قوله‪( :‬ال أبس أن أتخذ بسعر يومها) أن هذا شرط‪ ،‬فیكون اقتضاء الذهب فضة والعكس له شرطان‪ ،‬وهذا‬
‫قول اإلمام أمحد‪ ،‬واختیار اخلطايب والشوكاين والشیخ عبد العزيز بن ابز‪ .‬واشرتاط سعر الوقت لئال يربح فیما مل‬
‫يدخل يف ضمانه‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أنه ال يشرتط بل جيوز بسعر يومها وأغلى وأرخص‪ ،‬وهو قول أيب حنیفة والشافعي‪ ،‬ومال إلیه‬
‫الصنعاين‪.‬‬

‫واستدلوا بعموم قوله‪« :‬إذا اختلفت هذه األصناف فبیعوا كیف شئتم»‪ ،‬لكن قال األولون‪ :‬إن هذا حديث عام‪،‬‬
‫وحديث الباب خاص‪ ،‬فیبىن العام على اخلاص‪ ،‬وخيصص به‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫النهي عن النجش‬

‫ش‪ُ ،‬متَّـ َفق َعلَ ِیه‪.‬‬


‫َّج ِ‬ ‫‪ .٨05‬عن اب ِن عمر قَال‪َ :‬هنَى رس ُ ِ‬
‫ول هللا ﷺ َع ِن الن ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ ْ َُ‬

‫درجة اْلديث‪ :‬صحیح أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تلخيص األحكام‪ :‬احلديث دلیل على حترمي النجش‪ ،‬للنهي عنه‪ ،‬وهو عند اإلطالق للتحرمي‪ ،‬وقد ورد ‪ً -‬‬
‫أيضا‪ -‬يف‬
‫حديث أيب هريرة‪« :‬وال تناجشوا»‪ .‬قال ابن بطال‪( :‬أمجع العلماء على أن الناجش ٍ‬
‫عاص بفعله)‪ .‬ملا يف النجش‬
‫من الغش والغنب واخلديعة ملن يرغب يف شراء السلعة؛ ألنه يرى من يزايد يف السلعة فیندفع معهم إىل املزايدة حىت‬
‫يقف علیه السوم اببتعادهم‪ ،‬فیقع علیه البیع بثمن مرتفع لیس قیمة للسلعة يف واقع األمر‪.‬‬

‫اتفق العلماء على حترمي النجش إذا كانت الزايدة فوق مثن املثل لظهور اخلديعة‪ ،‬والنيب ﷺ يقول‪« :‬املكر واخلديعة‬
‫يف النار»‪.‬‬

‫أما الزَيدة لتصل السلعة إَل َثن مثلها‪ ،‬ففيها قوَلن‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬التحرمي وأن النجش حكمه واحد‪ ،‬سواء أراد رفع مثن السلعة أو نقصها أو الوصول هبا إىل مثن‬
‫نظائرها‪ .‬وهو قول بعض املالكیة وبعض الشافعیة‪ ،‬واستدلوا حبديث الباب‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬اجلواز‪ ،‬بل قال بعضهم‪ :‬إنه مأجور ومثاب على فعله هذا‪ ،‬وبه قال احلنفیة‪ ،‬وأكثر املالكیة‪ ،‬وبعض‬
‫الشافعیة‪ ،‬واستدلوا حبديث‪« :‬الدين النصیحة»‪ ،‬والناجش يف هذه احلالة إمنا أراد نصح أخیه املسلم ونفعه من غري‬
‫إضرار بغريه‪.‬‬

‫والقول األول أرجح لقوة دليله‪.‬‬

‫اختلف العلماء يف أثر النجش على العقد على ثَلثة أقوال‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن البیع فاسد‪ ،‬وإلیه ذهب من التابعني عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وهو مذهب الظاهرية‪ ،‬ورواية عن مالك‪ ،‬ورواية‬
‫عن أمحد‪ ،‬ودلیلهم هني النيب ﷺ عن النجش‪ ،‬والنهي يقتضي الفساد‪ ،‬ونوقش ذلك أبن النهي ال يعود إىل ذات‬
‫البیع وال إىل شرطه‪ ،‬بل إىل أمر خارج عنه‪ ،‬وهو النجش‪ ،‬وهذا ال يقتضي الفساد‪ ،‬كالتصرية‪ ،‬والبیع مع الغش‬
‫وحنومها‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أن العقد صحیح‪ ،‬وال خیار للمشرتي؛ ألن البیع قد مت أبركانه وشروطه‪ ،‬فلم يرجع إلیه النجش‪،‬‬
‫وإمنا عاد إىل الناجش‪ ،‬وما حصل فهو تفريط من املشرتي حیث مل يتأمل ومل يراجع أهل اخلربة‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫احلنفیة‪ ،‬واألصح عن الشافعیة‪.‬‬

‫وهذا مردود أبن استشارة أهل اخلربة يف كل سلعة أمر ابلغ الصعوبة ال أتت الشريعة مبثله‪ ،‬والشريعة جاءت برفع‬
‫الضرر يف مثل هذه احلالة‪ ،‬ولذا ثبت اخلیار يف التصرية‪ ،‬وتلقي الركبان وحنومها‪.‬‬

‫والقول الثالث‪ :‬أن العقد صحیح وللمشرتي اخلیار‪ ،‬وهذا مذهب املالكیة واحلنابلة‪ ،‬لكن قالت املالكیة‪ :‬إن النجش‬
‫كالعیب فاملشرتي ابخلیار‪ ،‬وقالت احلنابلة‪ :‬ال خیار إال إذا غنب غبنًا يزيد عن العادة بزايدة الناجش‪ ،‬واستدلوا هبذا‬
‫احلديث الذي ورد فیه النهي عن النجش‪ ،‬وقالوا‪ :‬النهي يعود إىل الناجش ال إىل العاقد‪ ،‬فلم يؤثر يف صحة البیع‪،‬‬
‫وحیث إن النهي حلق آدمي معني ميكن تداركه كالبیع مع الغش وتلقي الركبان‪ ،‬فإنه يثبت اخلیار‪.‬‬

‫وهذا القول هو أظهر األقوال‪ ،‬وفیه مجع بني األدلة‪ ،‬وعمل ابلقاعدة الشرعیة‪« :‬الضرر يزال»‪ ،‬وألن الرضا شرط‬
‫من شروط العقد‪ ،‬والعاقد املتضرر ابلنجش قد شاب رضاه شائبة‪ ،‬وال ميكن تعويضه إال إبعطائه حق اخلیار‪ ،‬وهللا‬
‫تعاىل أعلم‪.‬‬

‫النهي عن بعض املعامَلت‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عن الْ ُم َحاقَـلَة‪َ ،‬والْ ُمَزابـَنَة‪َ ،‬والْ ُم َخابـََرةِ‪َ ،‬و َع ِن الثْنیا‪ ،‬إَِّال أَ ْن تـُ ْعلَ َم‪َ .‬رَواهُ‬
‫‪َ - ٨06‬ع ْن َجاب ِر بْ ِن َعْبد هللا أَن النَّيب ﷺ هني ْ‬
‫الرتِم ِذ ُّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ص َّح َحهُ ّ ْ‬ ‫ا ْخلَ ْم َسةُ إَِّال ابْ َن َم َ‬
‫اج ْه‪َ ،‬و َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول هللاِ ﷺ ع ِن الْمحاقَـلَ ِة‪ ،‬والْمخاضرةِ‪ ،‬والْم ِ‬ ‫وع ْن ٍ‬
‫الم َسة‪َ ،‬والْ ُمنَابَ َذة‪َ ،‬والْ ُمَزابـَنَة‪َ ،‬رَواهُ‬
‫َ ُ َ ََ َ ُ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫أنس قَال‪َ :‬هنَى َر ُس ُ‬ ‫‪َ ٨0٧‬‬
‫الْبُ َخا ِر ُّ‬
‫ي‪.‬‬

‫درجة حديث جابر‪ :‬قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحیح‪.‬‬


‫درجة حديث أنس‪ :‬صحیح أخرجه البخاري‪.‬‬

‫تلخيص األحكام‪ :‬يف هذين احلديثني سبع صور من صور املعامالت اجلاهلیة‪ ،‬ذكر هذا علماء احلديث والفقه‪،‬‬
‫فجاء اإلسالم وأبطلها؛ ألهنا مبنیة على الغرر واجلهالة واملخاطرة‪ ،‬وكل هذا يفضي إىل النزاع‪.‬‬

‫يف احلديث األول دليل على النهي عن احملاقلة‪ ،‬وهي بیع احلنطة بسنبلها حبنطة‪ ،‬ووجه النهي عنها أهنا مجعت‬
‫حمذورين‪ :‬اجلهالة‪ ،‬والراب؛ أما اجلهالة فألن احلب يف سنبله مستور أبوراقه وتبنه‪ ،‬فهو جمهول ال يعرف مقداره‪ ،‬وال‬
‫تعرف جودته ورداءته‪ ،‬وأما الراب فألن اجلهل أبحد العوضني يوقع يف راب الفضل؛ ألن اجلهل ابلتساوي كالعلم‬
‫احلكم‪.‬‬
‫ابلتفاضل يف َ‬
‫احلديث دليل على النهي عن املزابنة اليت هي بیع املعلوم ابجملهول من جنسه‪ ،‬كأن يبیع مثر خنله بتمر ً‬
‫كیال‪ ،‬أو‬
‫كیال‪ ،‬أو يبیع زرعه بكیل طعام من جنسه‪ ،‬ووجه النهي يف الربوايت كالتمر واحلنطة الغرر‬ ‫يبیع العنب بزبیب ً‬
‫والتفاضل؛ ألن فیها اجلهل بتساوي العوضني‪ ،‬وهذا يفضي إىل الراب ملا تقدم‪ ،‬وأما يف غري الربوايت فلما فیها من‬
‫الغرر الناشئ عن عدم حتقق قدر املبیع‪.‬‬

‫احلديث دليل على النهي عن املخابرة‪ ،‬واملراد هبا املزارعة القائمة على حتديد جانب معني من الزرع لصاحب‬
‫األرض وللمزارع جانب آخر‪ ،‬ووجه النهي هو اجلهالة والغرر واملخاطرة‪ ،‬فإن هذا من أبواب املیسر‪ ،‬إذ ال يعلم عاقبة‬
‫األمر‪ ،‬فرمبا صلح هذا اجلانب وتلف اآلخر‪.‬‬

‫مثال‪ -‬جاز لیشرتكا يف الغنم والغرم ويسلما من اجلهالة‪،‬‬


‫فإن كان لصاحب األرض جزء مشاع معلوم كالنصف ‪ً -‬‬
‫وسیأيت لذلك مزيد بیان ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬يف ابب «املساقاة»‪.‬‬

‫احلديث دليل على أنه َل جيوز استثناء شيء من املبيع إَل إذا عني‪ ،‬فال يقول‪ :‬أبیعك هذا القطیع من الغنم إال‬
‫عشرا‪ ،‬وهي غري معینة‪ ،‬فإذا عینها بوصف أو إشارة وحنو ذلك جاز؛ ألن عدم التعیني نوع من الغرر‪ ،‬جلهالة‬
‫ً‬
‫املستثىن‪ ،‬وهذا يفضي إىل النزاع للتفاوت بني شاة وأخرى‪.‬‬

‫حديث أنس دلیل على النهي عن املخاضرة‪ ،‬وهي بیع الزرع األخضر والثمر األخضر؛ ألنه إذا ابعه على شرط‬
‫البقاء فهو عرضة لآلفات‪ ،‬فیكون وجه النهي ما فیه من الغرر واخلطر‪ ،‬وهلذا جاء النهي عن بیع الثمار حىت يبدو‬
‫صالحها‪ ،‬كما سیأيت إن شاء هللا‪ .‬أما إذا ابعه بشرط حصاده يف احلال فال أبس إذا كان ينتفع به عل ًفا للبهائم‪.‬‬
‫يف احلديث دليل على النهي عن بيع املَلمسة واملنابذة‪ ،‬ملا فیهما من اجلهالة املفضیة إىل اخلصام‪ ،‬وهللا تعاىل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫النهي عن تلقي الركبان وبيع اْلاضر للبادي‬


‫ِ ِ ٍ‬ ‫ول هللاِ ﷺ‪»:‬ال تَـلَ َّقوا ُّ‬
‫ت البْ ِن‬
‫یع َحاضر لبَاد«‪ ،‬قـُلْ ُ‬ ‫الرْكبَا َن‪َ ،‬وَال يَبِ ُ‬ ‫اس قَال‪ :‬قَال َر ُس ُ‬‫اوس‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبّ ٍ‬
‫‪َ .٨0٨‬ع ْن طَ ٍ‬
‫اضر لِب ٍاد؟‪ ،‬قَال‪ :‬ال ي ُكو ُن لَه ِمسسارا‪ .‬متَّـ َفق علَ ِیه‪ ،‬واللَّ ْف ُ ِ‬
‫اس‪ :‬ما قَـولُه‪»:‬وَال يبِیع ح ِ‬
‫ظ للْبُ َخا ِر ِّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ُ ًَْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َعبّ ٍ َ ْ ُ َ َ ُ َ‬
‫ي ِمْنهُ‪ ،‬فَإذَا أتى سیِّ ُدهُ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وق‬
‫الس َ‬ ‫ول هللا ﷺ‪« :‬ال تَـلَ َّقوا ا ْجلَلَ َ‬
‫ب‪ ،‬فَ َم ْن تـُلُّق َي فَا ْش ُرت َ‬ ‫وع ْن أَيب ُهَر َيرةَ قَال‪ :‬قَال َر ُس ُ‬
‫‪َ .٨09‬‬
‫فَـ ُه َو ِاب ْخلِیَا ِر»‪َ ،‬رَواهُ ُم ْسلِم‪.‬‬

‫درجة اْلديث‪ :‬كال احلديثني صحیحان‪.‬‬

‫تلخيص األحكام‪ :‬احلديث دلیل على النهي عن تلقي القادمني لبیع سلعهم والشراء منهم قبل أن يصلوا إىل السوق‪،‬‬
‫والنهي للتحرمي عند اجلمهور؛ ألنه مقتضى النهي عند االطالق‪.‬‬

‫اختلف العلماء يف حكم شراء متلقي الركبان على قولني‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن البیع مردود؛ ألنه بیع منهي عنه‪ ،‬والنهي يقتضي الفساد مطل ًقا‪ ،‬وقد جزم بذلك البخاري‪ ،‬فقال‪( :‬ابب‬
‫النهي عن تلقي الركبان‪ ،‬وأن بیعه مردود؛ ألن صاحبه عاص آمث إذا كان به عاملا‪ ،‬وهو خداع يف البیع‪ ،‬واخلداع ال‬
‫ً‬
‫جيوز)‪ ،‬وذكره ابن قدامة رواية عن أمحد‪ .‬ونسبه الشوكاين إىل بعض املالكیة وبعض احلنابلة‪ ،‬قال الصنعاين‪( :‬وهو‬
‫األقرب)‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أن البیع صحیح وللبائع اخلیار‪ ،‬وهو مذهب األئمة الثالثة‪ ،‬ومال إلیه احلافظ‪ ،‬واختاره الشوكاين‪،‬‬
‫واستدلوا بدليلني‪:‬‬

‫األول‪ :‬حديث أيب هريرة املذكور‪ ،‬فإنه يدل على انعقاد البیع وصحته‪ ،‬ولو كان ً‬
‫فاسدا مل جيعل للبائع اخلیار‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن النهي يف حديث الباب ال يعود إىل ذات العقد وال إىل شرطه‪ ،‬وإمنا يعود إىل أمر خارج عن املنهي عنه‪،‬‬
‫وهو اإلضرار ابلركبان‪ ،‬وهذا ال يقتضي الفساد‪.‬‬

‫َل نزاع يف ثبوت اخليار للبائع مع الغنب‪ ،‬حكى ذلك ابن القیم‪ .‬وأما ثبوته بال غنب أبن يشرتي منه مبثل سعر البلد‬
‫أو أكثر‪ ،‬ففیه روايتان عن أمحد‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬أنه يثبت‪ ،‬وهو قول الشافعي‪ ،‬واختاره الشوكاين‪ .‬لظاهر قوله‪« :‬فإذا أتى صیده السوق فهو ابخلیار»‪ ،‬فأطلق‬
‫له ﷺ اخلیار ومل يقیده‪.‬‬

‫نظرا النتفاء املعىن‪ ،‬وهو الغرر والضرر‪.‬‬


‫الثانیة‪ :‬أنه ال يثبت له اخلیار‪ ،‬وهو وجه للشافعیة‪ ،‬وقول احلنفیة‪ً ،‬‬
‫اْلديث دليل على َني بيع اْلاضر للبادي‪ ،‬وصورة ذلك أن أييت إىل البلد من يريد بیع سلعته فیتوىل بیعها له‬
‫أحد املقیمني يف البلد‪ ،‬وعموم احلديث يدل على أنه ال فرق بني أن يكون البادي قريبًا للحاضر أو أجنبیًّا‪ ،‬وسواء‬
‫كانت السلعة حيتاجها أهل البلد أم ال‪ ،‬وقد ورد عن أنس أنه قال‪( :‬هنینا أن يبیع حاضر لباد وإن كان أخاه أو‬
‫أابه)‪.‬‬

‫استدل هبذا احلديث من قال ببطالن بیع احلاضر للبادي‪ ،‬وهم املالكیة واحلنابلة يف املشهور عندهم‪ ،‬وهو قول‬
‫الظاهرية‪.‬‬

‫ووجه االستدالل‪ :‬أن النيب ﷺ هنى أن يبیع احلاضر للبادي‪ ،‬والنهي يقتضي فساد املنهي عنه‪ ،‬وعلیه فیكون البیع‬
‫ابطال؛ ألنه بیع حمرم من ٍ‬
‫إنسان منهي عنه‪.‬‬ ‫ً‬
‫وذهبت احلنفیة والشافعیة وبعض املالكیة إىل صحة بیع احلاضر للبادي‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أمحد‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن‬
‫النهي يعود إىل معىن يف غري البیع‪ ،‬وهو اإلضرار أبهل البلد‪ ،‬والنهي إذا عاد إىل غري املنهي عنه فإنه ال يوجب‬
‫بطالن العقد‪.‬‬

‫واستدلوا بقوله ﷺ يف حق املسلم على أخیه‪« :‬وإذا استنصحك فانصح له»‪ .‬قالوا‪ :‬هذا حديث عام‪ ،‬انسخ‬
‫ألحاديث النهي عن بیع احلاضر للبادي؛ ألن النهي إمنا كان أول اإلسالم؛ ملا كانوا علیه من الضیق يف ذلك‪.‬‬

‫يف اْلديث دليل على تقدمي املصال العامة على املصال اخلاصة‪ ،‬فاإلسالم مينع مصلحة فرد واحد يتلقى الركبان؛‬
‫مجیعا من الشراء من اجلالب مباشرة‪ ،‬ويف بیع احلاضر للبادي‬
‫ألجل مصلحة أهل البلد الذين هلم احلق يف أن ينتفعوا ً‬
‫هو املستفید‪ ،‬لكن اإلسالم منع ذلك لینتفع أهل البلد بشرائهم السلعة رخیصة‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫النهي عن البيع على بيع أخيه أو سومه على سومه‬

‫َخ ِیه‪،‬‬
‫الرجل علَى بی ِع أ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫‪ .٨10‬عن أَِيب هريرة قَال‪َ :‬هنَى رس ُ ِ‬
‫یع َّ ُ ُ َ َ‬‫اج ُشوا‪َ ،‬وال يَبِ ُ‬ ‫یع َحاضر لبَاد‪َ ،‬وَال تَـنَ َ‬ ‫ول هللا ﷺ أَ ْن يَبِ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ َُ َ‬
‫ُختِ َها لِتَ ْك َفأَ ما يف إِ َانئِ َها‪ُ ،‬متَّـ َفق َعلَ ِیه‪.‬‬ ‫ب َعلَى ِخطْبَ ِة أ َِخ ِیه‪َ ،‬وال تَ ْسأ َُل الْ َم ْرأَةُ طَ َ‬
‫الق أ ْ‬ ‫َوال َخيْطُ ُ‬
‫َولِ ُم ْسلِم‪« :‬ال يَ ُس ِم الْ ُم ْسلِ ُم َعلَى َس ْوم الْ ُم ْسلِِم»‪.‬‬

‫درجة اْلديث‪ :‬صحیح أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تلخيص األحكام‪ :‬احلديث دلیل على أنَّه ال جيوز للرجل أن يبیع على بیع أخیه‪ ،‬وذلك أبن يقول ملن اشرتى سلعة‬
‫سداد ِ‬
‫طويلة األجل‪ ،‬والغالب أن يقول‪:‬‬ ‫بعشرة‪ :‬أان أعطیك مثلها بتسعة أو أعطیك خريا منها بثمنها‪ ،‬أو يغريه مبدة ٍ‬
‫ً‬
‫ذلك قبل لزوم العقد‪ ،‬مثل أن يكوان يف اجمللس أو يكون يف العقد خیار شرط‪.‬‬

‫بیعا فیدخل يف النهي‪،‬‬


‫ومثل ذلك الشراء على شراء أخیه‪ ،‬فهو حمرم؛ ألنه يف معىن املنهي عنه‪ ،‬وألن الشراء يسمى ً‬
‫وذلك أبن يقول ملن ابع سلعة بتسعة‪ :‬أان أشرتيها منك بعشرة‪.‬‬

‫ووجه النهي أن بیعه على بیع أخیه من أسباب العداوة والبغضاء والتقاطع بني املسلمني‪ ،‬حیث تعدى على حق‬
‫أخیه‪ ،‬وأفسد املعاملة اليت بینهما‪.‬‬

‫وظاهر اْلديث حترمي بيعه على بيع أخيه مطل ًقا‪ ،‬سواء كان ذلك يف زمن اخلیارين‪ :‬خیار الشرط وخیار اجمللس‪،‬‬
‫أو بعد انقضاء زمنهما‪ ،‬لعموم احلديث‪ ،‬وألنه لو ابع على بیع أخیه بعد انقضائهما لرمبا حتیل املشرتي أبي سبب‬
‫من األسباب‪ ،‬كان يدعي عیبًا أو ما شابه ذلك مما ميكنه من الفسخ‪ ،‬وألنه يورث العداوة بني البائع األول واملشرتي‬
‫ويدعي أنَّه غبنه‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أن حمل النهي هو زمن اخلیارين؛ ألن هذا هو الغالب يف مسألة البیع على بیع أخیه‪ ،‬فإذا انقضى‬
‫زمنهما جاز بیعه على بیع أخیه‪ ،‬وعللوا لذلك أبن عقد البیع قد متَّ‪ ،‬فوجود البیع على بیعه أو الشراء على شرائه‬
‫وعدمه سواء‪ .‬والقول األول هو الصواب‪ ،‬ملا تقدم من بیان حكمة النهي‪.‬‬
‫احلديث دلیل على النهي عن اخلطبة على خطبة أخیه‪ ،‬أبن يتقدم لطلب زواج امرأة بعد أن تقدم إلیها غريه‪ ،‬ووجه‬
‫النهي أن هذا التصرف من أسباب الشحناء والعداوة‪ ،‬وألنه ظلم ألخیك وتع ٍّد علیه فإنه قد سبق إىل ذلك‪ ،‬ويف‬
‫حديث عقبة بن عامر أن رسول هللا ﷺ قال‪« :‬املؤمن أخو املؤمن‪ ،‬فال حيل للمؤمن أن يبتاع على بیع أخیه‪ ،‬وال‬
‫حىت يذر»‪.‬‬
‫خيطب على خطبة أخیه َّ‬

‫حىت‬
‫وقد جاء تقیید ذلك يف حديث ابن عمر ﵄ قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪« :‬ال خيطب بعضكم على خطبة أخیه‪َّ ،‬‬
‫يرتك اخلاطب قبله أو أيذن له اخلاطب»‪.‬‬

‫اْلديث دليل على َني املرأة أن تسعى عند زوجها يف طَلق أختها‪ ،‬وقد فسره النووي أبن تسأل املرأة األجنبیة‬
‫رجال أن يطلق زوجته ويتزوجها مكاهنا‪ ،‬حبیث يكون هلا من نفقته ومعروفه ومعاشرته وحنوها ما كان للمطلقة‪ ،‬فعرب‬
‫ً‬
‫جمازا‪.‬‬
‫عن ذلك إبكفاء ما يف الصحفة ً‬

‫اْلديث دليل على َني املسلم أن يسوم على سوم أخيه‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن يتفق البائع واملشرتي على البیع‪ ،‬ومل يعقداه‪،‬‬
‫خريا منه بثمنه‪ ،‬أو‬
‫فیأيت إنسان ويقول للبائع‪ :‬اسرتده‪ ،‬وأان اشرتيه منك أبكثر‪ ،‬أو يقول‪ :‬للمستام‪ :‬رده‪ ،‬وأان أبیعك ً‬
‫مثله أبرخص‪.‬‬

‫والفرق بني بیعه على بیعه وسومه على سومه‪ ،‬أن األول مت العقد َّإال أن بینهما خیار شرط أو جملس‪ ،‬أما يف السوم‬
‫على سومه فهذا بعد االتفاق متام وقبل العقد‪.‬‬

‫والسوم على السوم إمنا حيرم إذا كانت السلعة معروضة بغري طريق املزايدة واستقر الثمن ابلرتاضي بني املتعاقدين‪ ،‬أما‬
‫إذا كانت معروضة بطريق املزايدة فال أبس بذلك ابتفاق أهل العلم؛ ألن البائع يطلب املزايدة؛ لكونه مل يركن إىل‬
‫أحد‪.‬‬

‫ومعىن بیع املزايدة‪ :‬أن يعرض البائع سلعته يف السوق‪ ،‬ويتزايد املشرتون فیها‪ ،‬فتباع ملن يدفع األكثر‪ ،‬وهو املعروف‬
‫بـ (بیع املزاد العلين)‪.‬‬

‫وعلى هذا فالفرق بني بیع املزايدة وسوم املسلم على سوم أخیه أنَّه يف بیع املزايدة مل يقع ركون وال تقارب مع أحد‬
‫يكف املنادي على السلعة عن طلب ِّ‬
‫الزايدة من احلاضرين‪ ،‬وهذا خبالف السوم على‬ ‫من املشرتين‪ ،‬وعالمة ذلك أال َّ‬
‫سوم أخیه فإن ِّ‬
‫الزايدة حتصل من الطرف الثالث بعد الكف عن املناداة والركون إىل التعاقد مع الراغب يف السلعة‪.‬‬
‫واجلمهور من أهل العلم على جواز بیع املزايدة إذا خال من الغش والتدلیس واالحتیال‪ ،‬قال ابن قدامة بعد أن ذكر‬
‫أيضا‪ -‬إمجاع املسلمني‪ ،‬يبیعون يف أسواقهم ابملزايدة)‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫جوازه واستدل له من السنة‪( :‬وهذا ‪ً -‬‬
‫النهي عن التفريق بني األقارب يف البيع‬

‫ني َوالِ َدةٍ َوَولَ ِد َها‪ ،‬فَـَّر َق‬


‫«م ْن فَـَّر َق بَْ َ‬ ‫اَّللِ ﷺ يـَ ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬‬ ‫ول َّ‬‫ت َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫صا ِر ِّ‬
‫ي رضي هللا عنه َمس ْع ُ‬ ‫[‪َ – ]٨11‬و َع ْن أَِيب أَيُّ َ‬
‫وب ْاألَنْ َ‬
‫ي‪ ،‬وا ْحلاكِم‪ ،‬ولَكِن ِيف إِسن ِادهِ م َقال‪ ،‬ولَه َش ِ‬
‫اهد‪.‬‬ ‫َمح ُد‪ ،‬وص َّححه ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اَّلل بـیـنَه وب ِ ِ ِ‬
‫َُ‬ ‫َْ َ‬ ‫الرتمذ ُّ َ َ ُ َ ْ‬ ‫ني أَحبَّته يـَ ْوَم الْقیَ َامة»‪َ .‬رَواهُ أ ْ َ َ َ َ ُ ّ ْ‬ ‫َُّ َْ ُ َ َْ َ‬
‫درجة اْلديث‪ :‬احلديث رجاله ثقات غري حیي بن عبد هللا املعافري فقد اختلـف فیـه‪ ،‬واألكثرون على تضعیفه وهو‬
‫مراد احلافظ بقوله ‪ ( :‬ولكن يف إسناده مقال)‪ .‬وقد حسنه الرتمذي‪ ،‬وهو الذي نقله عنه املزي‪ ،‬وأما قول احلافظ‪:‬‬
‫( وصححه الرتمذي) فـلـم أقـف عـلـیـه يف «جامعه»‪.‬‬

‫یع غُ َال َم ْ ِ‬
‫ني‬ ‫ِ‬
‫اَّلل صلى هللا علیه وسلم أَ ْن أَب َ‬
‫ول َِّ‬‫ال‪ :‬أ ََم َرِين َر ُس ُ‬
‫ب رضي هللا عنه قَ َ‬ ‫[‪ - ]۸۱۲‬و َع ْن َعلِ ِي بْ ِن أَِيب طَالِ ٍ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ال‪« :‬أ َْد ِرْك ُه َما‪ ،‬فَ ْارَِت ْع ُه َما‪َ ،‬وَال تَبِ ْع ُه َما‬ ‫أَخوي ِن‪ ،‬فَبِعتـهما‪ ،‬فَـ َفَّرقْت بـیـنـهما‪ ،‬فَ َذ َكرت ذَلِ ِ‬
‫َّيب صلى هللا علیه وسلم فَـ َق َ‬ ‫ك للنِ ِّ‬
‫ُْ َ‬ ‫ُ َْ َ ُ َ‬ ‫َ َ ْ ُْ ُ َ‬
‫ود‪َ ،‬وابْ ُن ِحبَّا َن‪َ ،‬واحلَاكِ ُم‪َ ،‬والطَََّرب ِاينُّ‪َ ،‬وابْ ُن‬ ‫َمح ُد‪ ،‬وِرجالُه ثَِقات‪ ،‬وقَ ْد صححه ابن خزْميَةَ‪ ،‬وابن اجلار ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ ُ ْ ُ َُ َ ْ ُ َ ُ‬ ‫إَِّال َمج ًیعا»‪َ .‬رَواهُ أ ْ َ َ َ ُ‬
‫ال َقطَّ ِ‬
‫ان‪.‬‬

‫درجة اْلديث‪ :‬اإلسناد رجاله ثقات ‪ -‬كما قال احلافظ ‪ -‬إال أنه منقطع‪ ،‬فإن سعید بن أيب عروبة مل يسمع من‬
‫احلكم شیئاً‪ ،‬كما قال ذلك أمحد والبزار والنسائي‪.‬‬

‫فقه اْلديث‪ :‬حديث أيب أيوب له دلیل على حترمي التفريق بني الوالدة وولدها يف البیع‪ ،‬وحنوه كاهلبة‪ ،‬والقسمة‬
‫وغريمها‪ ،‬وأن األرقاء ال يفرق بینهم‪ ،‬بل يباعون مجیعاً أو يبقون مجیعاً‪ ،‬وحديث الباب فیه وعید شديد‪ ،‬وهو يدل‬
‫على حترمي ذلك‪ ،‬وال فرق بني البیع وغريه‪ ،‬ألن احلديث عام يف التفريق أبي وجه من الوجوه لقوله‪« :‬من فرق»‪.‬‬
‫وظاهر احلديث أنه ال فرق بني حالة البلوغ وما قبلها‪ ،‬ولو صح حديث عبادة ‪ -‬حىت يبلغ الغالم وحتیض اجلارية‬
‫‪ -‬لكان صاحلاً لتقیید اإلطالق يف حديث أيب أيوب له‪ ،‬ويكون النهي خاصاً مبا قبل البلوغ‪ ،‬وهذا رواية عن اإلمام‬
‫أمحد‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬جواز التفريق بعد البلوغ ‪ ،‬وهي الرواية الصحیحة عن اإلمام أمحد‪ ،‬وهو قول الشافعي‪ ،‬ملا روي أن‬
‫سلمة بن األكوع أتى أاب بكر ابمرأة وابنتها‪ ،‬فنقله أبو بكر ابنتها‪ ...‬احلديث‪ .‬قال النووي‪( :‬فیه جواز التفريق بني‬
‫األم وولدها البالغ‪ ،‬وال خالف يف جوازه عندان ‪.)...‬‬
‫حك م التسع ري‬

‫ول هللاِ صلى هللا علیه وسلم‬ ‫الس ْعر ابمل ِدينَ ِة َعلَى َع ْه ِد رس ِ‬ ‫ال‪ :‬غَ َال َّ‬ ‫ك رضي هللا عنه قَ َ‬ ‫س ب ِن مالِ ٍ‬ ‫[‪َ - ]۸۱۳‬و َع ْن أَنَ ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ا‬ ‫ق‬‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫عر‬ ‫س‬ ‫م‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫اَّلل‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫وسلم‬ ‫علیه‬ ‫هللا‬ ‫صلى‬ ‫اَّللِ‬
‫ول َّ‬ ‫الس ْع ُر‪ ،‬فَ َس ّعِْر لَنَا‪ ،‬فَـ َق َ‬
‫ال َر ُس ُ‬ ‫ول هللا َغ َال َّ‬ ‫َّاس ‪َ :‬اي َر ُس َ‬
‫َ َُ ُ َ ُ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ال الن ُ‬
‫فَـ َق َ‬
‫َحد ِمْن ُك ْم يَطْلُبُِين ِمبَظْلِ َم ٍة ِيف َدِم َوَال َم ِال»‪َ .‬رَواهُ اخلَ ْم َسةُ إَِّال‬‫سأَ‬ ‫اىل‪َ ،‬ولَْی َ‬ ‫الرا ِز ُق‪َ ،‬وإِِّين َأل َْر ُجو أَ ْن ال َقى َّ‬
‫اَّللَ تَـ َع َ‬ ‫ط‪َّ ،‬‬ ‫الب ِ‬
‫اس ُ‬ ‫َ‬
‫ص َّح َحهُ ابْ ُن ِحبَّا َن‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫َّسائي‪َ ،‬و َ‬
‫َ‬
‫درجة اْلديث‪ :‬قال الرتمذي‪( :‬حسن صحیح) وقال احلافظ‪( :‬إسناده صحیح على شرط مسلم)‪.‬‬

‫ألفاظ اْلديث‪( :‬سعر لنا) بتشديد العني‪ ،‬ومصدره التسعري‪ ،‬وهو حتديد أمثان األشیاء‪ .‬واملراد به أن أيمر السلطان‬
‫أو انئبه أهل السوق أن ال يبیعوا أمتعتهم إال بسعر كذا‪ ،‬فیمنع من الزايدة علیه أو النقصان منه ملصلحة‪.‬‬

‫(إن هللا هو املسعر) قال ابن األثري‪( :‬أي أنه هو الذي يُرخص األشیاء ويغلیها‪ ،‬فـال اعرتاض ألحد‪ ،‬ولذلك ال جيوز‬
‫التسعري)‪.‬‬

‫فقه اْلديث‪ :‬اجلمهور من أهل العلم ومنهم األئمة األربعة على أن التسعري ال جيوز يف األحوال العادية اليت ال غال‬
‫فیها ‪ ،‬وذلك ألن الرسول صلى هللا علیه وسلم مل يسعر وقت غال السعر‪ ،‬فمن ابب أوىل أن ال يكون تسعري يف‬
‫األحوال العادية‪.‬‬

‫مسألة‪ :‬اختلف العلماء يف حكم التسعري يف حالة الغَلء على قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أنه ال جيوز التسعري‪ ،‬وبه قال كثري من املالكیة والشافعیة واحلنابلة‪ ،‬واختاره الشوكاين‪ ،‬واستدلوا حبديث‬
‫الباب ووجه الداللة من وجهني‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬أن النيب صلى هللا علیه وسلم مل يسعر‪ ،‬وقد سألوه ذلك‪ ،‬ولو كان التسعري جائزاً ألجاهبم إلیه‪.‬‬

‫‪ -‬الثاين‪ :‬أنه صلى هللا علیه وسلم علل امتناعه بكونه مظلمة‪ ،‬ألن الناس مسلطون على أمواهلم‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه جيوز التسعري عند احلاجة وذلك إذا غلت األسعار‪ ،‬وهذا قول احلنفیة‪ ،‬وبعض املالكیة‪ ،‬واختاره‬
‫شیخ اإلسالم ابن تیمیة وتلمیذه ابن القیم‪.‬‬

‫واستدلوا حبديث ابن عمر رضي هللا عنهما أن النيب صلى هللا علیه قال‪" :‬من اعتق شركاً له يف عبـد وكـان لـه من‬
‫املال ما يبلغ مثن العبد‪ ،‬قوم علیه قیمة عدل‪ ،‬فأ َْعطَى شركاءه حصصهم‪ ،‬وعـتـق عـلـیـه العبد‪ ،‬وإال فقد عتق منه ما‬
‫عتق"‪.‬‬

‫ووجه االستدالل‪ :‬أن جعل العبد على هوى صاحبه يتحكم يف قیمته إضرار ابملعتق‪.‬‬

‫وهذا القول هو الراجح‪ ،‬وقد فصل شیخ اإلسالم ابن تیمیة وتلمیذه ابن القیم يف التسعري تفصیالً وافیاً‪ ،‬وهذه‬
‫خالصته‪:‬‬

‫(التسعري منه ما هو ظلم‪ ،‬ومنه ما هو عدل جائز ‪ ،‬فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغري حق على البیع بثمن ال‬
‫يرضونه فهو حرام‪ ،‬وإذا تضمن العدل بني الناس‪ ،‬مثل إكراههم على ما جيب علیهم من املعاوضة بثمن املثل ومنعهم‬
‫ما حيرم علیهم من أخذ الزايدة على عوض املثل‪ ،‬فهذا جائز بل واجب)‪.‬‬

‫وهذا ال يعارض حديث الباب‪ ،‬ألنه لیس لفظاً عاماً‪ ،‬بل جاء يف قضیة معینة هـي غـالء السعر يف املدينة لقلة‬
‫اجللب إلیها‪ ،‬قال ابن العريب‪( :‬وما قاله النيب صلى هللا علیه وسلم حق‪ ،‬وما فعله حكم‪ ،‬لكن على قوم صح ثباهتم‪،‬‬
‫واستسلموا لرهبم‪ ،‬وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضییق علیهم‪ ،‬فباب هللا أوسع‪ ،‬وحكمه أمضى)‪.‬‬

‫النه ي عن اَلحتك ار‬


‫«ال َحيتَكِر إَِّال خ ِ‬ ‫اَّللِ صلى هللا علیه وسلم قَ َ‬ ‫اَّلل رضي هللا عنهما َعن رس ِ‬ ‫ِ‬
‫اط ُّي‬ ‫ال‪َ ُ ْ َ :‬‬ ‫ول َّ‬ ‫ْ َُ‬ ‫[‪َ -]٨14‬و َع ْن َم ْع َم ِر بْ ِن َعْبد َُّ‬
‫َرَواهُ ُم ْسلِ ٌم»‪.‬‬

‫ألفاظ اْلديث‪( :‬ال حيتكر) االحتكار يف اللغة مصدر احتكر حيتكر‪ ،‬وأصـل معنـاه‪ :‬اجلمع واإلمساك‪.‬‬

‫ويف اصطالح الفقهاء‪ :‬حبس الطعام طلب غالئه‪ ،‬أو حبس ما حيتاج إلیـه النـاس مـن السلع واملنافع حىت يغلو سعره‬
‫أو ينقطع عن السوق‪.‬‬
‫فقه اْلديث‪ :‬احلديث دلیل على حترمي االحتكار‪ ،‬وإمث احملتكر‪ ،‬ووجه الداللة‪ :‬التصريح أبن احملتكر خاطئ‪ ،‬واخلاطئ‪:‬‬
‫هو العاصي اآلمث‪.‬‬

‫مسألة‪ :‬اختلف العلماء هل اَلحتكار عام يف كل شيء أو أنه خاص َبلطعام؟‬

‫على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أن االحتكار حمرم يف كل شيء‪ ،‬سواء كان قواتً أم إداماً‪ ،‬أم لباساً‪ ،‬أم غري ذلك من السلع اليت يلحق‬
‫الناس حببسها ضرر‪ ،‬وهذا قول مالك والثوري وأيب يوسف من احلنفیة‪ ،‬وهو ظاهر قول ابن حزم‪ ،‬واختاره الصنعاين‬
‫والشوكاين‪ ،‬وهو قول علماء االقتصاد‪ .‬واستدلوا حبديث الباب‪ .‬ووجه االستدالل‪ :‬أنه نص مطلق مل يقید االحتكار‬
‫بشيء معني فیتناول كل ما حيتكر‪ ،‬ألن املطلق يعمل به على إطالقه‪ ،‬كما يف األصول‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أن االحتكار خاص ابألقوات سواء كان قوت اآلدمیني‪ ،‬أم قوت البهائم‪ ،‬كاحلنطة والشعري والتنب‬
‫والربسیم‪ .‬وهذا قول احلنفیة والشافعیة‪ ،‬وقد أحلق بعض الشافعیة ابلقوت كل ما يعني علیه كاللحم والفواكه‪ .‬واستدلوا‬
‫يب‪:‬‬

‫ص الطعام‬
‫حبديث أيب أمامه «هنى رسول هللا صلى هللا علیه وسلم أن حيتكر الطعام» قالوا‪ :‬فلما ُخ َّ‬ ‫‪-1‬‬
‫ابلنهي عن احتكاره – وهو شامل للقوتني‪ :‬قوت اآلدمي وقوت البهائم – دل على أن غريه جيوز‪.‬‬

‫أن غري األقوات ال ضرر يف احتكاره غالباً‪ ،‬لعدم عموم احلاجة إلیه‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫والقول الثالث‪ :‬أن االحتكار خاص يف قوت اآلدمي دون غريه‪ ،‬وهذا هو الصحیح من مذهب احلنابلة‪ ،‬وقول‬
‫بعض احلنفیة‪ ،‬وهو قول سعید بن املسیب‪.‬‬

‫واستدلوا مبا جاء يف تتمة حديث الباب فقیل لسعید فإنك حتتكر‪ ،‬قال سعید‪ :‬إن معمراً الذي كان حيدث هذا‬
‫احلديث كان حيتكر قال أبو داود‪( :‬كان سعید بن املسیب حيتكر النوى واخلبط والبزر)‪.‬‬

‫والقول األول هو الراجح ‪ ،‬وهو أن االحتكار يكون يف كل شيء مـن أقـوات اآلدمیني والبهائم وسائر السلع اليت‬
‫حيتاجها الناس‪ .‬ووجه الرتجیح عموم الدلیل الذي ينـهـي عـن االحتكار‪ ،‬وألن القول ابلعموم هو الذي يتفق مع‬
‫العلة اليت من أجلها هني عن االحتكار‪.‬‬
‫وأما ما ورد عن احتكار معمر وسعید‪ ،‬فالظاهر كما قال احلافظ البیهقي وغريه أنه حممول على احتكار ال ضرر‬
‫فیه‪ ،‬فال يكون حمرماً‪ ،‬وإمنا هو من قبیل االحتكار للتوسعة على الناس وقت احلاجة‪ ،‬فإنه ال جيوز على سعید بن‬
‫املسیب يف علمه وفضله أن يــوي حـديثاً عن النيب صلى هللا علیه وسلم مث خيالفه‪.‬‬

‫َني البيع عن التصرية‬

‫صُّروا ا ِإلبِ َل َوالغَنَ َم‪ ،‬فَ َم ِن ابْـتَ َ‬


‫اع َها بـَ ْع ُد فَإِنَّهُ‬ ‫«ال تَ ُ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫َّيب صلى هللا علیه وسلم قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[‪َ -]٨15‬و َع ْن أَيب ُهَريْـَرةَ هلل َعن النِ ِّ‬
‫اعا ِم ْن َمت ٍر»‪ُ .‬متَّـ َفق َعلَْی ِه‪.‬‬
‫صً‬
‫ِ‬
‫خبَِْري النَّظََريْ ِن بـَ ْع َد أَ ْن َْحيلُبَـ َها‪ ،‬إِ ْن َشاءَ أ َْم َس َك َها‪َ ،‬وإِ ْن َشاءَ َرَّد َها َو َ‬
‫َومل ْسلٍِم‪« :‬فَـ ُه َو ِاب ْخلِیَا ِر ثََالثَةَ أ ََّايٍم»‪.‬‬
‫ُ‬
‫ي‪َ :‬والت َّْم ُر أَ ْكثَـ ُر‪.‬‬ ‫اعا ِم ْن طَ َع ٍام‪َ ،‬ال مسََْراءَ»‪ .‬قَ َ‬
‫ال البُ َخا ِر ُّ‬ ‫صً‬ ‫«رَّد َم َع َها َ‬
‫ي‪َ :‬‬ ‫َوِيف ِرَوايٍَة‪ :‬لَهُ‪َ ،‬علَّ َق َها ‪ -‬البُ َخا ِر ُّ‬

‫اعا‪َ .‬رَواهُ البُ َخا ِر ُّ‬ ‫[‪ -]٨16‬وع ِن اب ِن مسع ٍ‬


‫ي‪.‬‬ ‫صً‬ ‫ال‪َ :‬م ِن ا ْش َرتَى َشاء َح َّفلَةً‪ ،‬فَـَرَّد َها‪ ،‬فَـلْ َريَُّد َم َع َها َ‬
‫ود رضي هللا عنه قَ َ‬‫ََ ْ َ ُْ‬
‫َوَز َاد ا ِإل ْمسَاعِیلِ ُّي‪ِ :‬م ْن َمت ٍر‪.‬‬

‫ألفاظ اْلديث‪( :‬ال تصروا) يقال‪َ :‬‬


‫صَّرى الشاة يصريها تصرية فهي مصراة‪ ،‬واملراد هنا‪ :‬حبس اللنب يف ضروع اإلبل‬
‫والغنم حىت جيتمع‪.‬‬

‫(ال مسراء) السمراء‪ :‬هي احلنطة الشامیة‪ ،‬وذكر العیين أهنا أغلى مثناً من الرب احلجازي‪ ،‬ومعىن نفیها أنه ال يلزم أن‬
‫يعطي احلنطة‪ ،‬ألهنا أغلى من التمر يف احلجاز‪ ،‬وإمنا يكفي الطعام الذي هو غالب قوت البلد‪ ،‬وهو التمر‪.‬‬

‫(حمفلة) يقال‪ :‬حفل اللنب يف الضرع اجتمع‪ ،‬وضرع حافل‪ :‬أي‪ :‬عظیم‪.‬‬

‫فقه اْلديث‪ :‬احلديث دلیل على النهي عن تصرية اللنب يف ضروع هبیمة األنعام عنـد إرادة بیعها‪ ،‬وقد ورد التقیید‬
‫بذلك يف حديث أيب هريرة له عند النسائي‪« :‬إذا ابع أحدكم الشاة أو اللقحة فال حيفلها»‪.‬‬
‫أما التصرية َل للبيع وإمنا ليجتمع اْلليب للولد أو لعياله أو لضيف‪ ،‬فأجازه قوم‪ ،‬ومنعه آخرون‪ ،‬فمن منعه‬
‫علل ذلك مبا فیه من إيذاء احلیوان‪ ،‬ومن أجازه عمل ابلنص املذكور آنفاً فإنه يقتضي أن التحرمي خمتص حبالة البیع‪،‬‬
‫فیجوز فیما عداها‪.‬‬

‫واحلكمة من حترمي التصرية ما فیها من التدلیس والتغرير ابملشرتي حیث يظن أن هذا اللنب عادة هلا‪ ،‬فهو من الغش‬
‫والكذب وأكل أموال الناس ابلباطل‪.‬‬

‫‪ -‬احلديث دلیل على صحة بیع املصراة‪ ،‬وهذا جممع علیه‪ ،‬وذلك لقوله‪« :‬إن رضیها أمسكها» ألن الباطل‬
‫ال يقره الشرع‪ ،‬فلما أقر الشرع البیع دل على صحته‪.‬‬

‫‪ -‬احلديث دلیل على ثبوت اخلیار ملن اشرتى هبیمة مصراة بني إمساكها وردها‪ ،‬وذلك إذا علم ابلتصرية‪،‬‬
‫سواء علم قبل احللب أو بعده‪ ،‬وإمنا ذكر احللب قید يف قوله‪« :‬بعد أن حيلبها» ألن التصرية ال تعرف غالباً‬
‫إال بعد احللب‪ ،‬ولو علم قبل احللب بطريق أخرى كشهادة عدل أو اعرتاف البائع‪ ،‬خري املشرتي بني‬
‫اإلمساك والرد ولو مل حيلبها‪ .‬وخیاره ميتد ثالثة أايم منذ علم ابلتصرية‪ ،‬وهذا مذهب اجلمهور مستدلني‬
‫برواية مسلم‪.‬‬

‫النه ي عن الغ ش‬
‫ِ‬ ‫ول هللاِ صلى هللا علیه وسلم مَّر علَى ِ‬
‫َصابِعُهُ‬
‫تأ َ‬ ‫ص ْربَة طَ َع ٍام‪ ،‬فَأ َْد َخ َل يَ َدهُ ف َیها‪ ،‬فَـنَالَ ْ‬
‫َ َ ُ‬ ‫[‪َ -]٨1٧‬و َع ْن أَِيب ُهَريْـَرةَ أ َّ‬
‫َن َر ُس َ‬
‫ال‪« :‬أَفَ َال َج َع ْلتَهُ فَـ ْو َق الطَّ َع ِام َك ْي‬‫ول هللا‪ ،‬فَـ َق َ‬‫الس َماءُ َاي َر ُس َ‬
‫َصابـَْتهُ َّ‬ ‫ب الطَّ َع ِام؟» قَ َ‬ ‫ال‪« :‬ما ه َذا اي ِ‬
‫ال‪ :‬أ َ‬ ‫صاح َ‬ ‫بـَلَ ًال‪ ،‬فَـ َق َ َ َ َ َ‬
‫س ِم ِّين»‪َ .‬رَواهُ ُم ْسلِم‪.‬‬ ‫ش فَـلَْی َ‬ ‫َّاس َم ْن َغ َّ‬
‫يـََراهُ الن ُ‬
‫ألفاظ اْلديث‪( :‬فلیس مين) أي‪ :‬لیس ممن اهتدى هبديي‪ ،‬واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقيت‪.‬‬

‫ويف الرواية األخرى‪ :‬فلیس منا أي لیس على هدينا ومن أهل طريقتنا‪.‬‬

‫فقه اْلديث‪ :‬احلديث دلیل على حترمي الغش يف البیع والشراء‪ ،‬وأن الواجب عـلى مـن يتعاطى البیع والشراء أن يتقي‬
‫هللا‪ ،‬وأن ينصح يف املعاملة‪ ،‬وأن حيذر اخلیانة والغش‪ ،‬فالغش جممع على حترميه شرعاً‪ ،‬ومذموم فاعله عقالً‪.‬‬
‫ول هللاِ ﷺ‪« :‬من حبس الْعِنب أ ََّايم الْقطَ ِ‬
‫اف‪َ ،‬حىت‬ ‫يدةَ‪ ،‬عن أ ِ‬
‫َبیه ﵄ قَال‪ :‬قَال َر ُس ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ ََ َ‬ ‫‪َ - 3٧ /٨1٨‬ع ْن َعْبد هللا بن بـَُر َ َ ْ‬
‫سط» إبِ ْسنَ ٍاد َح َس ٍن‪.‬‬
‫صريةٍ»‪ ،‬رواه الطَّرباينُّ يف «األَو ِ‬
‫ِ‬ ‫ي ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َّار َعلَى بَ َ َ َ ُ ََ‬ ‫بیعهُ مم َّْن يـَتَّخ ُذهُ َخًَْرا‪ ،‬فَق ْد تَـ َق َّح َم الن َ‬
‫َ َ‬

‫درجة اْلديث‪:‬‬

‫وهذا احلديث ضعیف جدًّا‪ ،‬بل قال أَبو حامت‪( :‬حديث كذب ابطل) (‪ .)1‬وقال ابن حبان‪( :‬هذا احلديث منكر)‬

‫أما حتسني احلافظ هلذا احلديث فهو وهم فاحش من مثله ﵄‪ ،‬وقد سكت عنه يف «التلخیص» (‪.)1‬‬

‫مسائل الفقهية يف هذا اْلديث‪:‬‬

‫احلديث دلیل على حترمي أتخري قطف العنب عن وقت استوائه إىل أن يصري زبیبًا من أجل بیعه على من يتخذه‬
‫َخرا‪ ،‬والبیع ابطل؛ ألنه َع َق َد على عیين ملعصیة هللا فیها‪ ،‬فلم يصح البیع‪،‬‬
‫ً‬

‫واحلديث ضعیف جدًّا كما تقدم‪ ،‬لكن معناه صحیح‪.‬‬

‫حمرما‪ ،‬كاألشرطة الفاسدة‪ ،‬أو اتجريها للحالقة اليت تشمل‬


‫ومنها أتجري احملالت للمصارف الربوية أو ملن يبیع فیها ً‬
‫حلق اللحیة‪ ،‬أو يؤجر منزله أو مسرتاحه من جيعل فیها آالت هلو‪ ،‬كالدشوش‪،‬‬

‫ما جاء يف أن اخلراج َبلضمان‬

‫بخا ِر ُّ‬
‫ي‪ ،‬وأَبُو‬ ‫ول هللاِ ﷺ‪« :‬ا ْخلراج ابلضَّم ِ‬ ‫ِ‬
‫وضعَّ َفهُ الْ َ‬
‫ان»‪َ ،‬رَواهُ ا ْخلَ ْم َسةُ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫قالت‪ :‬قَال َر ُس ُ‬ ‫‪َ - 3٨ /٨19‬ع ْن َعائ َشةَ ﵄ ْ‬
‫ان‪.‬‬ ‫َ ُ ُْ‬
‫ِ‬
‫ود‪ ،‬وابن ِحبَّا َن‪ ،‬وا ْحلاكِم‪ ،‬وابن الْ َقطَّ ِ‬ ‫الرتِم ِذ ُّ‬
‫ي‪َ ،‬وابْ ُن ُخَزميَةَ‪َ ،‬وابْ ُن ا ْجلَ ُار ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ص ّح َحهُ ّ ْ‬
‫َد ُاوَد‪َ ،‬و َ‬
‫درجة اْلديث‪:‬‬

‫الرتِمذي‪( :‬هذا حديث حسن صحیح)‪.‬‬


‫وقال ِّ‬
‫الرتِمذي يف «علله» (‪ )3‬أن البخاري قال‪( :‬هذا حديث منكر) وقال أَبو حامت‪( :‬ولیس هذا إسناد تقوم‬
‫لكن نقل ِّ‬
‫به حجة … غري أين أقول به‪ ،‬ألنه أصلح من آراء الرجال) وساق العقیلي طرق هذا احلديث‪ ،‬مث قال‪( :‬وهذا‬
‫اإلسناد فیه ضعف)‪.‬‬

‫ولعل احلديث هبذه املتابعات وغريها يصل إىل درجة احلسن‪ ،‬وال سیما أن أهل العلم تلقوا هذا احلديث ابلقبول ‪-‬‬
‫كما يقول الطحاوي (‪ - )3‬وعملوا به‪ ،‬ومقتضى النظر الفقهي يقوي معناه‪.‬‬

‫أحكام الفقهية يف هذا اْلديث‪:‬‬

‫أرضا فاستعملها‪ ،‬أو سیارة فركبها أو محل علیها‪ ،‬مث وجد بشيء من ذلك عیبًا فله‬
‫فمن اشرتى ماشیة فحلبها‪ ،‬أو ً‬
‫أن يرد العني املباعة‪ ،‬وأيخذ الثمن‪ ،‬وال شيء علیه فیما انتفع به‪ ،‬بل هو مقابل ضمانه املبیع؛ ألنه لو تلف يف يده‬
‫لكان من ضمانه‪.‬‬

‫وقد َّفرع الفقهاء على هذه القاعدة مسائل كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬


‫ِ‬
‫رد العني املنتفع هبا يف اإلجارة على املؤجر؛ ألن العني املستأجرة مقبوضة ملنفعته أبخذ األجر‪ ،‬وأما‬
‫‪ - 1‬أن مؤنة ّ‬
‫مؤنة رد العارية فهو على املستعري؛ ألن منفعتها له‪.‬‬

‫‪ - 2‬إذا احتاج ملك مشرتك للتعمري‪ ،‬فعلى كل واحد من الشركاء أن يدفع النفقات بنسبة حصته يف ذلك (‪.)2‬‬
‫وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬

‫حكم تصرف الفضوِل‬


‫اع‬
‫ني‪ ،‬فَـبَ َ‬‫ُض ِحیةً‪ ،‬أ َْو َشاة‪ ،‬فَا ْش َرتَى َشاتَ ِ‬ ‫َّيب ﷺ أ َْعطَاهُ ِدينَ ًارا يَ ْش َرتي ِبه أ ْ‬ ‫َن النِ َّ‬‫قي‪ ،‬أ َّ‬‫‪َ - 39 /٨20‬ع ْن عُْرَوةَ الْبَا ِر ِّ‬
‫بشاةٍ َوِدينَا ٍر‪ ،‬فَ َد َعا لَهُ ابلَْربَك ِة يف بَیعِ ِه‪ ،‬فَ َكا َن لَ ْو ا ْش َرتَى تـَُر ًااب لََربِ َح فِ ِیه‪َ .‬رَواهُ ا ْخلَ ْم َسةُ َّإال‬ ‫إح َد ُ ِ‬
‫امهَا بدينَا ٍر‪ ،‬فَأ ََاتهُ َ‬ ‫ْ‬
‫َّسائي‪.‬‬
‫الن َّ‬
‫وقَ ْد أَخرجه الْبخا ِري ِضمن ح ِد ٍ‬
‫يث‪َ ،‬وَملْ يَ ُس ْق لَ ْفظَهُ‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َْ َ ُ ُ َ‬
‫اه ًدا‪ِ :‬من ح ِد ِ‬
‫يث حكی ِم بْ ِن ِحَزِام‪.‬‬ ‫ي َش ِ‬ ‫الرت ِ‬
‫مذ ُّ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫‪َ - 40 /٨21‬وأ َْوَرَد لَهُ ّ ْ‬

‫درجة اْلديث‪:‬‬

‫وإسناده صحیح على شرط البخاري‪،‬‬

‫وقد تكلم بعض العلماء يف صحة إسناد هذا احلديث‪ ،‬وحاولوا تضعیفه بدعوى أن احلي جمهولون‪ ،‬ومن هؤالء‬
‫البیهقي‪ ،‬فقد حكم على هذا اإلسناد ابالنقطاع (‪ ،)1‬وتبعه آخرون‪ .‬والصواب خالف ذلك‪ ،‬فإن رواية احلديث‬
‫عن أهل احلي يدل على أتكید صحته؛‬

‫الرتِمذي (‪)125٧‬‬
‫وأما حديث حكیم بن حزام فقد أخرجه ِّ‬
‫الرتِمذي‪( :‬حبیب بن أيب َثبت مل يسمع عندي من حكیم بن حزام) وهو ثقة‪ ،‬لكنه كثري‬
‫وهذا سند ضعیف‪ ،‬قال ِّ‬
‫اإلرسال والتدلیس‪.‬‬

‫مسائل الفقهية يف هذا اْلديث‪:‬‬

‫احلديث دلیل على جواز تصرف الفضويل إذا رأى املصلحة يف جانب موكله‪ ،‬وإن مل يعني له ذلك‪.‬‬

‫والفضويل عند الفقهاء‪ :‬من يتصرف يف حق الغري بال إذن شرعي‪ ،‬من بیع أو إجارة أو رهن أو هبة وحنو ذلك من‬
‫العقود والتصرفات‪ ،‬وهذا املعىن الشرعي راجع للمعىن اللغوي‪.‬‬
‫فإذا اشرتى شیئًا مل أيذن فیه صاحبه‪ ،‬فإن الشراء صحیح‪ ،‬ويكون موقوفًا على إجازة صاحبه‪ ،‬فإن أمضى التصرف‬
‫وأجازه صح‪ ،‬وإن مل ميضه لزمه هو‪ ،‬وإن مل ميضه لزمه هو؛‬

‫وهذا قول أيب حنیفة وصاحبیه‪ ،‬وهو رواية عن ا ِإلمام مالك‪ ،‬وعن ا ِإلمام أمحد‪ ،‬اختارها الشیخ عبد الرمحن السعدي‬
‫(‪ ،)1‬والشیخ عبد العزيز بن ابز‪.‬‬

‫ِ‬
‫والقول الثاين‪ :‬أن تصرف الفضويل ال يصح؛ ألن املوّكل مل َ‬
‫يرض خبروج نقوده من ملكه على غري الوجه الذي‬
‫يرتضیه‪ ،‬وهذا قول الشَّافعیة‪ ،‬والصحیح من مذهب احلنابلة (‪.)2‬‬

‫واستدلوا حبديث حكیم بن حزام‪« :‬ال تبع ما لیس عندك»‬

‫والقول األول أرجح‪ ،‬فإن حديث الباب نص صريح يف جواز ذلك؛‬

‫اْلديث دليل على أن الربح ليس له حد معني؛ ألنه رزق من هللا تعاىل‪ ،‬وله أتثر بظروف التجارة‪،‬‬

‫ووجه االستدالل من احلديث‪ :‬أن عروة ﵄ ربح يف بیعه الضعف‪ ،‬فإنه اشرتى شاتني بدينار‪ ،‬وابع إحدامها بدينار‬
‫ومل ينكر علیه النيب ﷺ‪ .‬لكن ينبغي للبائع مالحظة اآلداب الشرعیة من الرفق ابلناس‪ ،‬والتیسري علیهم‪ ،‬والرضا‬
‫ابلیسري‪ ،‬والسماحة يف البیع والشراء‬

‫واستدل العلماء هبذا احلديث على أن شراء األضحية ليس تعيينا هلا حبيث َل تبدل؛ ألن الشراء يراد ألمور كثرية‪،‬‬
‫وإمنا تتعني ابللفظ أبن يقول‪ :‬هذه أضحیة ‪ ..‬أو يذحبها بنیة األضحیة وإن مل يتلفظ بذلك‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫من مسائل بيوع الغرر‬

‫‪ - 42 /٨22‬عن أيب سعید اخلدري ﵄‪ ،‬أن النيب ﷺ هنى عن شراء ما يف بطون األنعام حىت تضع‪ ،‬وعن بیع ما‬
‫يف ضروعها‪ ،‬وعن شراء العبد وهو آبق‪ ،‬وعن شراء املغان حىت تقسم‪ ،‬وعن شراء الصدقات حىت تقبض‪ ،‬وعن ضربة‬
‫الغائص‪ .‬رواه ابن ماجة‪ ،‬والبزار‪ ،‬والدارقطين إبسناد ضعیف‪.‬‬

‫‪ - 43 /٨23‬وعن ابن مسعود ﵄‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪»:‬ال تشرتوا السمك يف املاء؛ فإنه غرر‪ ،‬رواه أمحد‪،‬‬
‫وأشار إىل أن الصواب وقفه‪.‬‬

‫درجة اْلديث‪:‬‬

‫وهذا سند ضعیف جدا‪ ،‬ضعفه ابن حزم (‪ ،)1‬والبیهقي‪ ،‬واحلافظ ابن حجر وغريهم؛ ألن حممد بن يزيد العبدي‬
‫جمهول كما يف «التقريب»‪ ،‬وكذا حممد بن إبراهیم الباهلي (‪ ،)2‬وشهر بن حوشب متكلم فیه‪،‬‬

‫ولكن مع ضعف سنده فإن متنه تعضده أحاديث أخر صحیحة‪،‬‬

‫وأما حديث ابن مسعود ﵄‪ ،‬وهذا سند ضعیف‪ ،‬يزيد بن أيب زايد وهو اهلامشي الكويف ضعیف‪ ،‬واملسیب بن رافع‬
‫مل يسمع من ابن مسعود‪.‬‬

‫مسائل الفقهية يف هذا اْلديث‪:‬‬

‫اشتمل احلديثان على سبعة أنواع من بیوع الغرر اليت هنى عنها اإلسالم ملا فیها من أكل أموال الناس ابلباطل‪ ،‬وما‬
‫تفضي إلیه من النزاع الذي يثمر العداوة والبغضاء بني املسلمني‪.‬‬

‫وهذه األنواع هي‪:‬‬

‫األول‪ :‬شراء ما يف بطون األنعام حىت تضع‪ ،‬واملراد بذلك بیع احلمل يف بطن أمه‪ ،‬وهذا هو بیع املالقیح املنهي‬
‫عنه‪ ،‬على تفسري أكثر العلماء‪.‬‬

‫وعلة النهي عنه ما فیه من الغرر من جهتني‪:‬‬


‫األوىل‪ :‬اجلهالة‬

‫الثانیة‪ :‬تعذر تسلیمه يف احلال ‪.‬‬

‫وأحد هذين األمرين يفسد العقد‪،‬‬

‫الثاين‪ :‬بیع ما يف ضروع األنعام‪ ،‬وهو اللنب‪،‬‬

‫وعلة النهي ما فیه من الغرر بسبب جهالة املقدار‪ ،‬كما أن فیه اجلهالة بصفته‪،‬‬

‫أما شراء اللنب وبیعه كیال أو وزان‪ ،‬أبن يتعامل املشرتي مع صاحب أبقار على مقدار معني كل يوم مثل‪ :‬مائة كیلو‪،‬‬
‫فهذا جائز إذ ال غرر يف ذلك من جهة املقدار؛‬

‫الثالث‪ :‬بیع العبد وهو آبق‪،‬‬

‫واآلبق‪ :‬هو العبد اهلارب من سیده‪ ،‬فال جيوز بیع العبد اآلبق وحنوه كاجلمل الشارد‪ ،‬واملال الضائع‪.‬‬

‫وعلة املنع هي عدم القدرة على تسلیمه‪ ،‬وظاهر احلديث أنه ال فرق بني أن يعلم مكانه أو جيهل‪ ،‬ويف املسألة‬
‫خالف بني الفقهاء‪ ،‬فمنهم من أجاز بیعه إذا علم مكانه وكان املشرتي قادرا على رده؛ ألن احلكم يثبت بعلته‬
‫ويزول بزواهلا‪ ،‬ومنهم من منع بیعه مطلقا‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬شراء املغان حىت تقسم‪.‬‬

‫واملغان‪ :‬مجع مغنم‪ ،‬وهو ما استويل علیه قهرا من أموال الكفار احملاربني‪ ،‬فهذا ال جيوز بیعه‪.‬‬

‫وعلة النهي‪ :‬اجلهالة؛ ألن نصیب الغان جمهول املقدار‪ ،‬مث إنه ابع ما ال ميلك‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬شراء الصدقات حىت تقبض‪ ،‬فهذا ال جيوز للجهالة ابملقدار‪ ،‬وألنه ابع ما ال ميلك‪ ،‬كالذي قبله‪.‬‬
‫السادس‪ :‬النهي عن ضربة الغائص‪ ،‬فال جيوز بیعها‪،‬‬

‫ومعناها‪ :‬أن يقول الغواص يف البحر للتاجر‪ :‬أغوص غوصة فما أخرجه من الآليل فهو لك بكذا‪.‬‬

‫وعلة النهي‪ :‬هي الغرر بسبب اجلهالة‪ ،‬فإنه قد حيصل شیئا كثريا وقد حيصل شیئا قلیال‪ ،‬وقد ال حيصل شیئا‪ ،‬وأيضا‬
‫لعدم ملك البائع للمبیع حني العقد‪.‬‬

‫السابع‪ :‬شراء السمك يف املاء‪ ،‬فال جيوز بیع السمك وهو يف املاء‪ ،‬وهذا يشمل بیعه قبل أن يصطاد‪ ،‬وهذا ال جيوز‬
‫ابتفاق العلماء؛ ألنه قبل صیده مال مباح غري مملوك ألحد‪ ،‬فال يكون حمال للبیع‪.‬‬

‫ويشمل بیعه بعد أن ميلك ابلصید أو غريه وهو ال يزال يف املاء‪ ،‬كأن حيوزه يف شبكة وحنوها‪ ،‬فهذا ال جيوز للجهل‬
‫به‪ ،‬فإن السمك يف املاء غري معروف املقدار‪ ،‬ومثل ذلك أن يقول‪ :‬أصید لك مسكة أو مسكتني بكذا‪ ،‬فال جيوز‬
‫للجهالة ابملقدار‪.‬‬

‫وقد استثىن الفقهاء ما إذا كان السمك ِباء حموز كْبكة يسهل أخذه ويعرف حجمه لصفاء املاء‪ ،‬فهذا جيوز‬
‫إلمكان التسليم وانتفاء اجلهالة َبملقدار‪.‬‬

‫ومثل ذلك بيع الطري يف اهلواء‪ ،‬فال جيوز بیع الطري يف اهلواء ‪ -‬مثل احلمام ‪ -‬مطلقا‪ ،‬سواء اعتاد الرجوع إىل مكانه‬
‫أم ال‪ ،‬ملا فیه من الغرر‪ ،‬وألنه ال يوثق برجوعه‪ ،‬فقد يرمى وقد يهلك‪ ،‬فهو غري مقدور على تسلیمه‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫احلنابلة والشافعیة واحلنفیة‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬إن ألف الرجوع صح بیعه‪ ،‬وهو اختیار ابن عقیل احلنبلي وبعض احلنفیة‪ ،‬فإن رجع وإال للمشرتي‬
‫الفسخ‪ ،‬وهذا هو األظهر‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬

‫من مسائل بيوع الغرر أيضا‬

‫‪ - 44 /٨24‬عن ابن عباس ﵄ قال‪ :‬هنى رسول هللا ﷺ أن تباع مثرة حىت تطعم‪ ،‬وال يباع صوف على ظهر‪ ،‬وال‬
‫لنب يف ضرع‪ ،‬رواه الطرباين يف «األوسط»‪ ،‬والدارقطين‪.‬‬
‫وأخرجه أبو داود يف «املراسیل» لعكرمة‪ ،‬وهو الراجح‪.‬‬

‫وأخرجه أيضا موقوفا على ابن عباس إبسناد قوي‪ ،‬ورجحه البیهقي‪.‬‬

‫‪ - 45 /٨25‬وعن أيب هريرة ﵄‪ ،‬أن النيب ﷺ هنى عن بیع املضامني‪ ،‬واملالقیح‪ .‬رواه البزار‪ ،‬ويف إسناده ضعف‪.‬‬

‫درجة اْلديث‪:‬‬

‫احلديثان موقوفان مع كالم العلماء يف إسنادمها‪.‬‬

‫املسائل الفقهية يف هذا اْلديث‪:‬‬

‫يف هذين احلديثني بعض من بيوع الغرر وقد تقدم سبعة منها‪ ،‬وهذه بقیتها‪:‬‬

‫فالثامن‪ :‬النهي عن بیع الثمرة حىت تطعم‪ ،‬أي‪ :‬حىت يبدو صالحها وتصري طعاما يطیب أكلها‪،‬‬

‫فال جيوز بیع الثمار حىت يدخلها الطعم ويبتدئ فیها النضج‪ ،‬وهذا إذا بیعت بشرط تركها‪ ،‬وعلة النهي ما فیه من‬
‫الغرر؛‬

‫التاسع‪ :‬بیع الصوف على الظهر‪ ،‬فال جيوز بیع الصوف ما دام على ظهر لدابة؛ ألنه جمهول‪ ،‬فیفضي إىل الغرر‬
‫واخلصومة والنزاع‬

‫وهذا هو املشهور من مذهب احلنابلة‪ ،‬وهو قول احلنفیة على ما يف ظاهر الرواية‪ ،‬وهو قول الشافعیة هاسحاق وابن‬
‫املنذر‪ ،‬واختاره الشیخ عبد العزيز بن ابز‪ ،‬عمال هبذا احلديث؛ ألن العلة ظاهرة يف املنع‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬جواز بیع الصوف على الظهر بشرط جزه يف احلال‪ .‬ووجه اجلواز أنه معلوم مشاهد ميكن تسلیمه‬
‫يف احلال‪ ،‬وهو قول مالك‪ ،‬ورواية عن أمحد‪ ،‬اختارها شیخ اإلسالم ابن تیمیة‪ ،‬وتلمیذه ابن القیم‪.‬‬

‫والقول األول وجيه يف نظري‪ ،‬لوجود الغرر الذي من شأنه أن يفضي إىل النزاع؛‬
‫العاشر‪ :‬بیع املضامني‪ ،‬وقد فسره أكثر العلماء مبا يف أصالب الفحول‪ ،‬مبعىن أن حيمل البائع الفحل على انقته فما‬
‫أنتجته كان للمشرتي بكذا‪ .‬وفسره بعضهم مبا يف أرحام اإلانث أو ما يف بطون احلوامل‪ ،‬وعلة النهي أن املبیع جمهول‬
‫الصفة‪ ،‬ومتعذر التسلیم‪.‬‬

‫اْلادي عشر‪ :‬بیع املالقیح‪ ،‬وقد فسره أكثر العلماء على أنه ما يف أرحام اإلانث‪ ،‬أو ما يف بطون احلوامل‪ ،‬وفسره‬
‫بعضهم مبا يف أصالب الفحول‪ ،‬وعلة النهي كما تقدم‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫استحباب إقالة النادم يف البيع‬

‫‪ - 1 /٨26‬عن أيب هريرة ﵄ قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪« :‬من أقال مسلما بیعته‪ ،‬أقاله هللا عثرته»‪ .‬رواه أبو داود‪،‬‬
‫وابن ماجة‪ ،‬وصححه ابن حبان‪ ،‬واحلاكم (‪.)1‬‬

‫درجة هذا اْلديث‪ :‬احلديث مرفوع‪.‬‬

‫مسائل الفقهية يف هذا اْلديث‪:‬‬

‫يستدل الفقهاء هبذا احلديث على فضل اإلقالة يف البیع أو غريه‪،‬‬

‫وأما يف حق املستقیل فهي مباحة ال حرج فیها‪ ،‬ولیست من السؤال املذموم؛‬

‫واألصل يف اإلقالة أن تكون ابللفظ‪ ،‬وقد تكون ابلفعل‪.‬‬

‫واختلف العلماء يف اإلقالة هل هي فسخ أو بيع؛ على قولني‪:‬‬


‫األول‪ :‬أهنا فسخ وإلغاء للعقد ولیست بیعا‪ ،‬إذ هي لیست ابتداء عقد‪ ،‬وهذا رواية عن اإلمام أمحد‪ ،‬اختارها اخلرقي‬
‫والقاضي واألكثرون‪ ،‬وهي أصح الروايتني‪ .‬ووجه هذا القول أن اإلقالة هي الرفع واإلزالة‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬وهذا عني‬
‫الفسخ‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أهنا بیع‪ ،‬وهو رواية عن أمحد‪ ،‬ومذهب اإلمام مالك؛ ألن املبیع عاد إىل البائع األول على الصفة اليت خرج‬
‫علیها منه‪ ،‬فكان بیعا كاألول‬

‫وهذا اخلالف له فوائد كثرية‪.‬‬

‫واختلف العلماء يف حكم اإلقالة أبقل أو أكثر من َثن السلعة على قولني‪:‬‬

‫األول‪ :‬أهنا ال توز إال ابلثمن‪ ،‬وقد نقل عن أمحد ما يدل على كراهة الزايدة؛‬

‫والقول الثاين‪ :‬جواز اإلقالة أبقل أو أكثر من الثمن‪ ،‬وقد نقل عن اإلمام أمحد ما يدل على جواز ذلك‪.‬‬

You might also like