Professional Documents
Culture Documents
تلخيص الأحاديث 782-826
تلخيص الأحاديث 782-826
«ع َم ُل َّ
الَ :
ب؟ قَ َ
ب أَطْيَ ُ َِّب ﷺ ُسئِ َل :أ ُّ
َي ال َك ْس ِ َن النِ َّاعةَ بْ ِن َرافِ ٍع ،أ َّ
َ ] - ۷۸۲/۱ع ْن ِرفَ َ
ص َّح َحهُ ا ْْلَاكِ ُم.
بَ ْي ِع َم ْْبُوٍرَ .رَواهُ البَ َّز ُارَ ،و َ
درجة اْلديث:
اختلف يف هذا احلديث على وائل بن داود ،فرواه الثوري ،عن وائل ،عن سعید ابن عمري ،عن عمه به
متصالً ،أخرجه احلاكم ،ورواه الثوري أيضاً ،عن وائل ،عـن سعید بن عمري به مرسالً.
واحلديث قد أعله كبار احملدثني ،لكن له شاهد من حديث ابن عمر له عند الطرباين ،وسنده ال أبس به.
مسألة اْلديث:
احلديث دلیل على أن التكسب والسعي يف طلب الرزق احلالل ال ينايف التوكل على هللا تعاىل ،بل هو من
فعل األسباب املأمور هبا شرعاً ،ألن الرسول ﷺ أقر السائل ن أطیب الكسب وأجابه عن سؤاله فأرشده إىل أطیب
املكاسب.
مسألة اْلديث:
.1احلديث دلیل على حترمي بیع اخلمر وعملها وشرهبا ملا فیها من املفاسد وضیاع العقل ،ولنجاستها على قول
اجلمهور ،كما تقدم يف الطهارة.
.2احلديث دلیل على حترمي بیع اخلنزير وحلمه وشحمه وجلده ومجیع أجزائه ،ألن عینه جنسة ،وفیه مضار عظیمة.
.3حترمي بیع املیتة جبمیع أجزائها ،ويكون هذا احلديث خمصصاً احلديث (إمنا َح ُرَم أكلها)،
فإنه يدل مبفهومه على أن ما عدا األكل حالل.
مسألة :اختلف العلماء يف حكم االنتفاع بشحوم املیتة ،وسبب اخلالف مرجع الضمري يف قوله( :هو حرام)
هل يعود على البیع أو على االنتفاع ؟
فالقول األول :أنه ال جيوز االنتفاع بشحوم املیتة ،وعزاه النووي إىل اجلمهور ،قالوا :ألن الضمري يعود على
االنتفاع ألنه أقرب مذكور ،وألن إابحة االنتفاع ذريعة إىل اقتناء الشحوم وبیعها ،واختار هذا الشیخ عبد العزيز
بن ابز.
والقول الثاين :جيوز االنتفاع بشحوم املیتة فیما ال يباشره اإلنسان ،كطلي السفن واالستصباح ،وحنو ذلك،
وهذا قول الشافعي ،ورواية عن أمحد ،اختارها ابن تیمیة وتلمیذه ابن القیم واستدلوا بقول النيب ﷺ( :إمنا َح َّرَم
من امليتة أكلها) ،وألن الرسول ﷺ ثبت عنه الصحابة ف عن االستسقاء من آابر مثود وأابح هلم أن يطعموا
ما عجنوا من تلك أنه هنىاآلابر للبهائم.
وهذا قول قوي ،ألن االنتفاع ابلشحوم يف غري األكل انتفاع حمض ال مفسدة فیه ،فیجوز االنتفاع هبا يف مثل
ذلك دون بیعها ،وقد ذكر ابن القیم أن ابب االنتفاع أوسع من ابب البیع ،فلیس كل ما حرم بیعه حرم االنتفاع
به ،إذ ال تالزم بینهما ،فال يؤخذ حترمي االنتفاع من حترمي البیع.
.4احلديث فیه حترمي احلیل ،ألن الرسول ﷺ هنى عنها ولعن فاعلها ،وعن أيب هريرة ه قال :قال رسول هللا ﷺ:
((َل ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا حمارم هللا أبدن اْليل)).
طرق احلديث عند أصحاب السنن وأمحد فیها مقال ،لكن كما قال البیهقي( :إذا مجع بینها صار احلديث
بذلك قوايً وقال ابن عبد اهلادي( :الذي يظهر أن حديث ابن مسعود يف هذا الباب مبجموع طرقه له ،أصل ،بل
هو حديث حسن حيتج به ،لكن يف لفظه اختالف).
وتصحیح احلاكم فیه نظر؛ فإن ابن القطان قد أعل هذا احلديث ابجلهالة يف عبد الرمحن وأبیه وجده ذكر
ذلك يف بیانه ،ونقله عنه احلافظ يف «التلخیص».
مسألة اْلديث:
احلديث دلیل على أنه إذا حصل خالف بني البائع واملشرتي ،ولیس لدى أحدمها بینة فإن القول قول
البائع ،ومن صور االختالف االختالف يف قدر الثمن .وظاهر احلديث أن القول قول البائع بدون ميینه ،وهذا قول
الشعِب ،وحكاه ابن املنذر عن اإلمام أمحد كما قال ابن قدامة .وذلك ألن السلعة كانت للبائع ،واألصل بقاء
ملكه علیها.
والقول الثاين :أهنما يتحالفان ،لقوله( :البینة على املدعي ،والیمني على من أنكر) وكل منهما مدع
ومنكر ،وهذا قول أيب حنیفة والشافعي ومالك يف رواية ،وهو املشهور من مذهب اإلمام أمحد.
والقول األول أرجح ،وهو اختیار شیخ اإلسالم ابن تیمیة ،ألنه مؤيد بظاهر احلديث وألن البائع غارم.
ان ال َك ِ
ْب ،وم ْه ِر الْبغِ ُّي ،وحلْو ِ - ٧٨٥و َعن أَِِب مسع ٍ
اه ِن ُمتَّ َف ٌق ول هللا ﷺ ََنَى َع ْن ََثَ ِن ال َكل ِ َ َ َ َ ُ َ ود له :أ َّ
َن َر ُس َ َ ْ َ ُْ
َعلَْي ِه.
مسألة اْلديث:
فاجلمهور ،ومنهم :أمحد والشافعي ومالك -يف قول -على حترمي بیعه مطلقاً ،ال فرق بني املعلم وغريه ،وال
بني ما جيوز اقتناؤه ككلب الزرع واملاشیة أو ال جيوز واستدلوا بعموم هذا احلديث ،فإن األصل يف النهي التحرمي
والنهي عن مثن الكلب هني عن البیع بطريق اللزوم.
والقول الثاين :أنه جيوز بیع الكالب كلها ،وهذا قول أيب حنیفة ،وعنه رواية يف الكلب العقور أنه ال جيوز
بیعه ،وإمنا جيوز بیع كلب الصید أو الكلب الذي فیه منفعة ،ودلیله:
- ۱حديث جابر رضي هللا عنه أن النيب صلى هللا علیه وسلم هنى عن مثن الكلب والسنور إال كلب صید.
-2أنه يباح االنتفاع به ،ويصح نقل الید فیه ابملرياث والوصیة واهلبة ،فصح بیعه كالبغل واحلمار
والقول األول هو الراجح لقوة دليله ،فإن احلديث نص واضح يف التحرمي ،ومل يثبت استثناء شيء ،فتعني
العمل بعموم احلديث.
وأما حديث جابر ابستثناء كلب الصید ،فهو حديث ضعیف ،كما سیأيت إن شاء هللا .
وأما إابحة االنتفاع فال يلزم منه جواز بیعه ،ألن ابب االنتفاع أوسع من ابب البیع ،فلیس كل ما حرم بیعه
حرم االنتفاع به
.2احلديث دلیل على حترمي البغاء ،وحترمي ما يؤخذ علیه سواء كان من حرة أو أمة ،فهو مال حرام ،ألنه يف مقابل
ما حرم هللا علیها من الزان ،فلیس هلا أكله أو االنتفاع به ،ويرى ابن القیم أنه جيب التصدق به ولو قال خترجه
بنیة التخلص منه.
َِّب ﷺ ال :فَ لَ ِح َق ِن النِ ُّ سيِبَهُ .قَ َ َ - ٧٨٦و َع ْن َجابِ ِر بْن َعْب ِد هللا :أَنَّهُ َكا َن يَ ِسريُ َعلَى ََجَل لَهُ أَ ْعيَا ،فَأ ََر َ
اد أَ ْن يُ َ
ال« :بِ ْعنِ ِيه» فَبِ ْعتُهُ بِ ُوقِيَّ ٍة،ْتََ :لُُ .ثَّ قَ َ ال« :بِ ْعنِ ِيه بِ ُوقِيَّ ٍة» قُل ُ ريا ََلْ يَ ِس ْر ِمثْ لَهُ ،قَ َ ار َس ْ ً
سَ ض َربَهُ ،فَ َ فَ َد َعا ِِلَ ،و َ
ال :أَتَ ر ِ
ان ت فَأ َْر َس َل ِيف أَثَ ِري .فَ َق َ َ ت ُمحْ ََلنَهُ إِ ََل أ َْهلِي ،فَ لَ َّما بَلَغْ ُ
ت أَتَ ْي تُهُ َِبجلَ َم ِل ،فَ نَ َق َد ِن ََثَنَهُُُ ،ثَّ َر َج ْع ُ َتطَ ُ
َوا ْش ََ
السيَا ُق ُم ْسلِ ٍم.
َك»ُ .متَّ َف ٌق َعلَْي ِهَ ،و َه َذا َّ ِ
ك فَ ُه َو ل َ ك َو َد َراِهَ َ ك؟ ُخ ْذ ََجَلَ َ ك ِأل ُخ َذ ََجَلَ َ َما َك ْستُ َ
مسألة اْلديث :احلديث فیه جواز املماكسة يف البیع قبل استقرار العقد.
اختلف العلماء هل جيوز للبائع أن يشرتط نفعا معلوما يف البیع ،كركوب الدابة ‘ىل موضع كذا ،أو سكىن
الدار مدة معلومة ،وحنو ذلك؟
القول األول :أنه ال يصح ا العقد ،وال يصح الشرط ،ألن هذا الشرط ينايف مقتضى العقد ،فأشبه ما لو
شرط أال يسلمه املبیع ،وذلك ألنه شرط أتخري تسلیم املبیع إىل أن يستويف البائع املنفعة ،وهذا مذهب اجلمهور،
ومنهم األئمة الثالثة أبو حنیفة ومالك والشافعي ،إال أن مالكاً أجاز شرط محل الدابة إىل املكان القريب لقصر
الزمن ،كثالثة أايم ،ولعله أيخذ هبذا احلديث ،لقصر املدة بني مكان العقد واملدينة.
والقول الثاين :أنه جيوز اشرتاط شرط واحد فقط ،وهو مذهب اإلمام أمحد ،ووافقه على ذلك إسحاق
وابن املنذر واألوزاعي ،فإن مجع بني شرطني بطل البیع ،واستدلوا حبديث عمرو بن شعیب املتقدم« :ال حيل سلف
وبیع ،وال شرطان يف بیع ،وال تبع ما لیس عندك».
والقول الثالث :يصح البیع مع كل شرط عائد للبائع أو املشرتي مبنافع معلومة ،وهذا رواية عن اإلمام
أمحد ،اختارها شیخ اإلسالم ابن تیمیة وتلمیذه ابن القیم ،والشیخ عبد الرمحن السعدي ،واستدلوا مبا يلي:
- ۱حديث جابر هذا ،فإن الرسول اال هللا أقر جابراً على اشرتاط منفعة اجلمل ،قال البخاري( :ابب إذا
اشرتط البائع ظهر الدابة إىل مكان مسمى جاز) مث أورد احلديث ،قال احلافظ :وهكذا جزم هبذا احلكم لصحة
دلیله عنده).
- 2حديث كثري بن عبد هللا بن عمرو بن عون املزين ،عن أبیه ،عن جده أن رسول هللا ﷺ قال:
«املسلمون على شروطهم ،إال شرطاً حرم حالالً أو أحل حراماً وسیأيت الكالم علیه إن شاء هللا .
وهذا هو القول الراجح -إن شاء هللا -لقوة دلیله ،وألن هذه الشروط ال حمذور فیها من راب أو ظلم أو
غرر أو ضرر ،فكیف تكون حمرمة مفسدة للعقد ،وكما أهنا ال مفسدة فیها فلیست -أيضاً -وسیلة إىل مفسدة.
اعهُ ُمتَّ َف ٌق َعلَْي ِه. ال :أَ ْعتَ َق َر ُج ٌل ِمنَّا َع ْب ًدا لَهُ َع ْن ُدبُ ٍر ََلْ يَ ُك ْن لَهُ َم ٌ
ال غَ ْريُهُ .فَ َد َعا بِ ِه النِ ُّ
َِّب فَ بَ َ َ - ٧٨٧و َع ْنهُ قَ َ
مسألة اْلديث :احلديث دلیل على جواز بیع املدبر ،واملدبر :بزنة اسم املفعول ،هو الرقیق الذي علق عتقه مبوت
مالكه ،أبن يقول السید :لرقیقه أنت حر بعد مويت مسي بذلك ألن عتقه جعل دبر حیاة سیده ،واملوت دبر احلیاة.
وظاهر اْلديث أن النيب له ابع هذا املدبر ملا علم أن صاحبه ال ميلك شیئاً غريه ،ملا ورد يف رواية للبخاري
:أن رجالً أعتق غالماً له عن دبر ،فاحتاج ...ويف رواية أخرى« :مل يكن له مال غريه» ،والقول أبنه ال يباع إال
حلاجة من دين أو نفقة رواية عن اإلمام أمحد ،وهـو اختیار ابن دقیق العید.
والقول الثاين :جواز بیعه مطلقاً ،سواء ابعه حلاجة أم ال ،وهذا قول الشافعي واملشهور من مذهب اإلمام
أمحد ،قالوا :إنه ملا جاز بیعه يف صورة من صور البیع جاز يف كل صورة وألنه شبیه ابلوصیة اليت جيوز الرجوع عنها
ما دام املوصي يف حال احلیاة.
حكم السمن تقع فيه الفأرة
-٦49عن ميمونة -رضي هللا عنها -زوج النِب -صلى هللا عليه وسلم -أن فارة وقعت يف َسن ،فماتت
فيه ،فسئل النِب -صلى هللا عليه وسلم -عنها فقال" :ألفوها وما حوهلا وكلوه" ،رواه البخاري ،وزاد أمحد،
والنسائي :يف َسن جامد.
-٦٥0وعن أِب هريرة -رضي هللا عنه -قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم " :-إذا وقعت الفأرة
يف السمن ،فإن كان جامدا فألقوها وما حوهلا ،وإن كان مايعا فَل تقربوه" ،رواه أمحد ،وأبو داود ،وقد حكم
عليه البخاري وأبو حامت َبلوهم.
-أما حديث میمونة -رضي هللا عنها -فقد أخرجه البخاري يف مواضع من "صحیحه".
وأخرجه النسائي ( )1٧٨ /٧من طريق عبد الرمحن بن مهدي ،عن مالك هبذا اإلسناد ،ولفظه( :أن النيب -صلى
هللا علیه وسلم -سئل عن فارة وقعت يف مسن جامد … ) ومع أن إسنادها صحیح إال أن فیها نظرا -كما يقول
ابن عبد اهلادي.
وجاءت عند أمحد يف إحدى رواايته ( )3٨٧ /44من طريق حممد بن مصعب ،عن األوزاعي ،عن الزهري ،به،
ولفظه( :عن میمونة زوج النيب -صلى هللا علیه وسلم -أهنا استفتت رسول هللا -صلى هللا علیه وسلم -يف فأرة
سقطت يف مسن هلم جامد … ) احلديث .بني ابن عبد اهلادي أبن هذه الزايدة من كیس حممد بن مصعب
القرقساين ،وقد ضعفه حيىي بن معني ومجاعة .وخلص احلافظ حاله أبنه صدوق كثري الغلط.
-حديث أيب هريرة :ومنت هذا احلديث صحیح ،ورجال إسناده ثقات ،رجال الشیخني ،إال أنه كما قال البخاري
وأبو حامت والرتمذي والدارقطين وغريهم :إن معمر بن راشد قد أخطأ يف إسناده.
وظن طائفة من العلماء أن حديث معمر حمفوظ ،فعملوا به ،وممن أثبته حممد بن حيىي الذهلي ،فیما مجعه من
أحاديث الزهري ،وكذا احتج به أمحد ملا أفىت ابلفرق بني اجلامد واملائع ،وكان أمحد حيتج أحیاان أبحاديث مث يتبني
له أهنا معلولة.
°الوجه الثاين:
-القول األول :حديث میمونة السابق -رضي هللا عنها -دلیل على أن الفأرة إذا وقعت يف السمن وماتت فیه
جنست ما حوهلا مما وقعت فیه ،فیجب إلقاؤها وإلقاء ما حوهلا ،وحيكم على البقیة أبنه طاهر ،وظاهر احلديث أنه
ال فرق بني اجلامد واملائع.
وحد اجلامد :ما إذا أخذ منه شيء مل يرتاد من الباقي مكانه ،وال يسیل إذا كسر إانؤه ،وأما املائع ،فهو عكسه:
فإنه يرتاد عند األخذ منه ،ويسیل إذا كسر إانؤه ،وهذا قول بعض أهل احلديث كالبخاري وهو رواية عند احلنابلة،
وهو اختیار شیخ اإلسالم ابن تیمیة.
-والقول الثاين :التفريق بني اجلامد واملائع ،وأن اجلامد حيكم فیه بنجاسة ما جاور النجاسة وبطهارة الباقي ،بل
حكى ابن عبد الرب االتفاق على ذلك ،وأما املائع فكله ينجس مبالقاة النجاسة ،قل أم كثر ،تغري أم مل يتغري ،وهذا
مذهب اجلمهور ،مستندين إىل الزايدة املذكورة يف رواية معمر.
والقول األول أرجح ،وهو عدم تنجس املائعات إال ابلتغري ،لقوة دلیله ،وقد أفىت بذلك عدد من الصحابة ،كابن
عباس وابن مسعود وغريمها -رضي هللا عنهم -وهو اختیار الشیخ عبد العزيز بن ابز.
°الوجه الثالث:
أن اْلكم بطهارة السمن وحنوه ،مشروط أبَل يتغري َبلنجاسة اليت تظهر فيه رحيه أو طعمه أو لونه ،فإن تغري
بشيء من ذلك فإنه يكون جنسا ،فال جيوز استعماله.
°الوجه الرابع:
دل اْلديث ِبفهومه على أن الفأرة لو وقعت يف السمن ُث خرجت وهي حية أن السمن َل ينجس ،ولذا جعل
الفقهاء اهلرة وما دوهنا يف اخللقة طاهرا يف حال احلیاة.
°الوجه السادس:
اعلم أن الكالم يف مسألة السمن املائع الذي وقعت فیه الفارة إمنا هو ابعتبار أنه حيل أو ال حيل ،لكن لو كرهه
اإلنسان فال أبس إبراقته ألن اجلمهور يقولون بتحرميه ،كما تقدم.
فإن كان جامدا وكرهه فاألوىل عدم إراقته ،بل يعطیه أو يتصدق به ،لئال تكون إراقته من ابب إضاعة املال ،وال
يلزم أن يبني ما وقع فیه ،وهللا تعاىل أعلم.
-٦٥1عن أِب الزبري قال :سألت جابرا عن َثن السنور والكلب فقال :زجر النِب -صلى هللا عليه وسلم
-عن ذلك .رواه مسلم ،والنسائي وزاد :إَل كلب صيد.
فقد أخرجه مسلم يف كتاب "املساقاة" ابب "حترمي مثن الكلب … والنهي عن بیع السنور" (.)1569
وأخرجه النسائي ( )309 ،190 /٧من طريق محاد بن سلمة ،عن أيب الزبري ابلزايدة املذكورة ،وقال النسائي( :لیس
هو بصحیح) .واملراد تضعيف هذه الزَيدة ،وإَل فاْلديث صحيح بدون هذا اَلستثناء.
°الوجه الثاين:
تقدم أن هذا احلديث من أدلة القائلني جبواز بیع الكلب ،ومبا أن هذه الزايدة غري صحیحة ،فإن االستدالل ال يتم.
°الوجه الثالث:
اْلديث دليل على حترمي َثن السنور ،وهو بكسر املهملة وتشديد النون :القط واهلر ،وحترمي مثنه يدل ابللزوم على
حترمي بیعه؛ ألنه جنس العني ،وال ينتفع به إال حلاجة كأكل الفأر واحلشرات ،وحنو ذلك ،والقول مبنع بیع السنور قد
أفىت به جابر بن عبد هللا ،وأبو هريرة -رضي هللا عنهما ،-وهو قول طاووس وجماهد ،وهو رواية عن اإلمام أمحد،
اختارها أبو بكر عبد العزيز ،وابن القیم وصححها ابن رجب.
وذهب اجلمهور من أهل العلم إَل جواز بيعه ،وهو املذهب عند احلنابلة ،وعلیه مشى اخلرقي يف "خمتصره"،
واستدلوا أبن فیه منفعة كما تقدم.
-٦٥2عن عائشة -رضي هللا عنها -قالت :جاءتن بريرة فقالت :كاتبت أهلي على تسع أواق ،يف كل
عام أوقية ،فأعينين ،فقلت :إن أحب أهلك أن أعدها هلم ويكون وَلؤك ِل فعلت ،فذهبت بريرة إَل أهلها،
فقالت هلم؛ فأبوا عليها ،فجاءت من عندهم ورسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -جالس ،فقالت :إين قد
عرضت ذلك عليهم فأبوا إَل أن يكون الوَلء هلم ،فسمع النِب -صلى هللا عليه وسلم ،-فأخْبت عائشة
النِب -صلى هللا عليه وسلم .-فقال" :خذيها واشَتطي هلم الوَلء ،فإمنا الوَلء ملن أعتق" ،ففعلت عائشة،
ُث قام رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -يف الناس خطيبا فحمد هللا وأثىن عليهُ ،ث قال" :أما بعد ،ما َبل
رجال يشَتطون شروطا ليست يف كتاب هللا عز وجل؟ ما كان من شرط ليس يف كتاب هللا فهو َبطل ،وإن
كان مائة شرط ،قضاء هللا أحق ،وشرط هللا أوثق ،وإمنا الوَلء ملن أعتق" ،متفق عليه ،واللفظ للبخاري .وعند
مسلم فقال" :اشَتيها ،وأعتقيها ،واشَتطي هلم الوَلء".
وأخرجه مسلم يف كتاب "العتق" ،ابب "بیان أمنا الوالء ملن أعتق" ( )1504من عدة طرق.
وهذا احلديث حديث عظیم ،جلیل القدر ،كثري الفوائد ،استنبط منه احلافظ ابن حجر قريبا من مائة وعشرين
فائدة ،وذكر يف "اإلصابة" أن بعض األئمة مجع فوائده يف مصنف مستقل ،فزادت على الثالمثائة.
-قوله( :جاءتين بريرة) هي موالة عائشة -رضي هللا عنها ،-اشرتهتا وأعتقتها.
-قوله( :كاتبت أهلي) الكتابة :شراء العبد نفسه من سیده ،وذلك أبن يقع عقد بني الرقیق وبني سیده على أن
يدفع له مبلغا من املال منجما -أي :أقساطا حمددة -لیصري بذلك حرا ،واملراد بقوهلا( :أهلي) موالیها ،وهم انس
من األنصار.
-قوله( :على تسع أواق) مجع أوقیة ،وتقدم أهنا يف ذلك الوقت أربعون درمها ،وأواق أصلها :أواقي :بتشديد الیاء،
وجيوز ختفیفها حبذفها.
-قوله( :أن أعدها هلم) أي :أدفعها هلم معدودة دفعة واحدة.
-قوله( :والؤك يل) أي :والء عتقك يكون يل ،ووالء العتق :أن يرث املعتق أو ورثته العتیق إذا مل يكن له وارث
من عصبته .واملراد هنا والء العتاقة.
-قوله( :إمنا الوالء ملن أعتق) أي :إن شرطهم هذا ال قیمة له؛ ألن الوالء ملن أعتق ال ملن ابع ،ومقتضى احلصر بـ
(إمنا) أن إثبات الوالء ملن أعتق يلزم منه نفیه عمن مل يعتق.
-قوله( :ما ابل رجال) جواب (أما) واألصل أن يكون ابلفاء ،وحذفها هنا اندر ،كما ذكر ابن هشام ،ومثل هبذا
احلديث .ومعىن" :ما ابل" ما شأن وما حال رجال ،وقوله" :رجال" ال مفهوم له.
-قوله( :لیست يف كتاب هللا) أي :لیست يف شرع هللا وقضائه ،يف كتابه أو سنة رسوله -صلى هللا علیه وسلم.
ولیس املراد بكتاب هللا :القرآن؛ ألن أكثر الشروط الصحیحة لیست يف القرآن ،وإمنا علمت من السنة.
-قوله( :قضاء هللا أحق) أي :شرع هللا تعاىل وحكمه أوىل ابالتباع من الشروط املخالفة للحق.
-قوله( :وشرط هللا أوثق) أي :أقوى وأشد إحكاما .فاملعىن :أن قضاء هللا هو احلق ،وشرطه هو القوي.
°الوجه الثالث:
اْلديث دليل على مشروعية مكاتبة الرقيق .وهذا يدل على حرص اإلسالم على العتق.
°الوجه الرابع:
أن الكتابة يكون دينها مؤجَل حيل قسطا قسطا .لكن ليس التأجيل شرطا ،فیجوز العبد إذا كان قواي وله صنعة
يستطیع هبا أن جيمع الثمن يف جنم واحد.
°الوجه اخلامس:
اْلديث دليل على جواز بيع العبد املكاتب بشرط العتق .وإذا بیع املكاتب أدى جنوم الكتابة إىل مشرتيه ،فإن
أدى إلیه عتق ،ووالؤه له ،وإن عجز عاد قنا له.
°الوجه السادس:
اْلديث دليل على أن الوَلء ملن أعتق الرقيق َل ملن َبعه ،واشَتاطه من قبل البائع َبطل ،وَل يؤثر يف صحة
العقد ،بل يبطل الشرط وحده ،ويصح العقد.
°الوجه السابع:
اْلديث دليل على أن الشروط اليت على خَلف مقتضى العقد شروط فاسدة بنفسها ،غري مفسدة للعقد،
وهي شروط حمرمة ال جيوز اشرتاطها.
°الوجه الثامن:
اختلف العلماء يف قوله" :اشَتطي هلم الوَلء" حیث دل بظاهره أنه -صلى هللا علیه وسلم -أذن يف البیع على
شرط فاسد ،فكیف أيذن هلم يف وقوع البیع بناء على شرط سیتم إبطاله؟ .وللعلماء يف اجلواب عن ذلك مسلكان:
األول :إبطال هذه اللفظة وأهنا مل تثبت ،ألنه تفرد هبا مالك.
الثاين :أن يقال :إهنم قد علموا فساد الشرط .وكأنه صلى هللا علیه وسلم قال :اشرتطي أو ال تشرتطي فذلك ال
يفیدهم؛ ألن وجوده كعدمه.
°الوجه التاسع:
يف اْلديث دليل على جواز بيع التقسيط .وصورته :أن يبیع بضاعة إىل أجل ،ويزيد يف سعرها مقابل األجل.
وهو جائز يف قول عامة أهل العلم ،بل حكى احلافظ ابن حجر اإلمجاع على جوازه.
حكم بيع أمهات األوَلد
-٦٥3عن ابن عمر -رضي هللا عنهما -قالَ :نى عمر عن بيع أمهات األوَلد ،فقالَ :ل تباع ،وَل
توهب ،وَل تورث ،ليستمتع ِبا ما بدا له ،فإذا مات فهي حرة .رواه مالك ،والبيهقي ،وقال :رفعه بعض الرواة
فوهم.
-٦٥4وعن جابر بن عبد هللا -رضي هللا عنهما -قال :كنا نبيع سرارينا؛ أمهات األوَلد ،والنِب -صلى
هللا عليه وسلم -حيَ ،ل نرى بذلك أبسا ،رواه النسائي ،وابن ماجه ،والدارقطن ،وصححه ابن حبان.
-أما حديث ابن عمر -رضي هللا عنهما ،-فقد أخرجه مالك يف "املوطأ" يف كتاب "العتق والوالء" ،ابب "عتق
أمهات األوالد" (،)٧٧6 /2
قال البیهقي( :وغلط فیه بعض الرواة … فرفعه إىل النيب -صلى هللا علیه وسلم ،-وهو وهم ال حيل ذكره)،
وسبقه إىل هذا الدارقطين فقال عن وقفه :إنه هو الصواب.
-أما حديث جابر -رضي هللا عنه ،-فقد أخرجه النسائي يف "السنن الكربى" ( )5021( )56 /5يف كتاب
"العتق" ،ابب "يف أم الولد" ،وابن ماجه ( ،)251٧والدارقطين ( ،)135 /4وابن حبان (.)165 /10
°الوجه الثاين:
أثر عمر -رضي هللا عنه -فيه دليل على حترمي بيع أمهات األوَلد ،واملراد هبن :اإلماء الالئي ولدن من سادهتن،
وقد وافق عمر -رضي هللا عنه -على ذلك املهاجرون واألنصار؛ ألن يف بیعهن تفريقا بینهن وبني أوالدهن
وتعريضا ألوالدهن األحرار لالسرتقاق واألذى.
وإمنا منع بیعها ألهنا استحقت أن تعتق مبوت سیدها ،وبیعها مينع ذلك.
°الوجه الثالث:
دل حديث جابر -رضي هللا عنه -على جواز بيع أمهات األوَلد وأن النِب -صلى هللا عليه وسلم -كان
يعلم ذلك ويقرهم عليه ،وهذا القول روي عن علي وابن عباس وابن الزبري -رضي هللا عنهم ،-وهو رواية عن
اإلمام أمحد ،اختارها ابن عقیل ،وشیخ اإلسالم ابن تیمیة ،وبه قال داود الظاهري ،وقتادة ،ومجاعة آخرين.
وذكر بعض العلماء أن حديث جابر -رضي هللا عنه -غري انهض على اَلستدَلل به على اجلواز ألمرين:
األول :أن احلافظ البیهقي قال( :لیس يف شيء من هذه األحاديث أن النيب -صلى هللا علیه وسلم -علم بذلك
وأقرهم علیه) ،وهذا فیه نظر؛ ملا تقدم.
الثاين :أن قوله( :ال نرى بذلك أبسا) قد ثبت ابلنون اليت للجماعة ،ولو كان ابلیاء التحتیة (ال يرى) لكان فیه
داللة على التقرير.
وقال الشوكاين( :األحوط اجتناب البيع؛ ألن أقل أحواله أن يكون من األمور املشتبهة ،واملؤمنون وقافون عندها،
كما أخربان بذلك الصادق املصدوق -صلى هللا علیه وسلم ،-وهللا أعلم).
-٦٥٥عن جابر بن عبد هللا -رضي هللا عنهما -قالَ :نى رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -عن بيع
فضل املاء ،رواه مسلم ،وزاد يف رواية :وعن بيع ضراب اجلمل.
-٦٥٦وعن ابن عمر -رضي هللا عنهما -قالَ :نى رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -عن عسب
الفحل ،رواه البخاري.
* الكالم علیهما من وجوه:
-أما حديث جابر -رضي هللا عنه -فقد أخرجه مسلم يف كتاب "املساقاة" ،ابب "حترمي بیع فضل املاء الذي
يكون ابلفالة وحيتاج إلیه لرعي الكأل ،وحترمي منع بذله وحترمي بیع ضراب الفحل" (.)1565
-وأما حديث ابن عمر -رضي هللا عنهما ،-فقد أخرجه البخاري يف كتاب "اإلجارة" ،ابب "عسب الفحل"
(.)22٨4
قوله( :فضل املاء) املراد به :املاء الزائد عن كفاية صاحبه ،وهو املاء الذي يف الفالة ،وحيتاج إلیه لرعي الكأل.
قوله( :ضراب اجلمل) بكسر الضاد املعجمة ،وهو نزوه على الناقة.
قوله( :عسب الفحل) الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل ،يقال( :عسبت الرجل عسبا :أعطیته الكراء على
الضراب).
و(الفحل) :هو الذكر من كل حیوان ،مجال كان أو خروفا أو تیسا أو فرسا أو غري ذلك.
°الوجه الثالث:
اْلديث دليل على حترمي بيع فضل املاء ،وأن الواجب بذل الزائد منه حملتاجه ،أما إذا كان املاء بقدر حاجته فله
منعه.
أما املياه اليت حازها صاحبها يف بركة أو خزان أو قربة أو إانء فهي مياه مملوكة جيوز بيعها ،وال حيل أخذها إال
إبذن صاحبها ،وال جيب على صاحبه بذله إال ملضطر.
°الوجه الرابع:
اْلديث دليل على النهي عن بيع ضراب الفحل وأخذ األجرة عليه ،ووجوب بذله جماان ،وهذا مذهب اجلمهور.
قال ابن القیم( :إن النهي عن بیع عسب الفحل من حماسن الشريعة وكماهلا ،فإن مقابلة ماء الفحل ابألمثان وجعله
حمال لعقود املعاوضات مما هو مستقبح ومستهجن عند العقالء) .وهللا تعاىل أعلم.
من البيوع املنهي عنها
ألفاظ اْلديث( :حبل احلبلة) بفتح احلاء والباء فیهما ،واحلبل :مصدر ،أريـد بـه اجلنني املوجود يف بطن أمه حني
العقد ،واحلبلة :مجع حابل ،مثل كاتب وكتبة ،واهلاء للمبالغة ،وقیل :لإلشعار ابألنوثة ،واألكثر استعمال احلبل
للنساء خاصة ،واحلمل هلن ولغريهن من إانث احلیوان.
وقد فسره َبْلديث أبنه من بيوع اجلاهلية ،ومعناه :أن يشرتي الناقة ويؤجل مثنها إىل أن تلد الناقة ما يف بطنها
مث حتمل اليت نتجتها ،وهذا التفسري مروي عن ابن عمر له ،كما جاء صرحياً يف رواية مسلم املذكورة.
والتفسري الثاين :البیع بثمن مؤجل إىل أن تلد الناقة ما يف بطنها ،مث تلد اليت ولدهتا ،وهذا تفسري البن عمر -
أيضاً -عند البخاري ،كما يف حديث الباب.
والتفسري الثالث :البیع بثمن مؤجل إىل أن تلد الناقة ما يف بطنها ،وهذا تفسري انفع ،كما أخرجه البخاري.
(يبتاع اجلزور) أي :يشرتيها ،واجلزور :بفتح اجلیم ،البعري ذكراًكان أم أنثى( .تنتج الناقة) أي :تلد( .مث تنتج اليت يف
بطنها) أي تلد اليت يف بطن الناقة اليت وقع علیها العقد ،مبعىن :تعیش املولودة حىت تكرب مث تلد.
مسألة اْلديث :احلديث دلیل على النهي عن بیع حبل احلبلة ،وهذا النهي للتحرمي ويفید فساد العقد ،ألنه على
التفاسري الثالثة ِ
األول بیع إىل أجل جمهول ،ألن أجل الثمن غري معلوم ،واألجل له وقع يف الثمن يف طوله وقصره،
ِ َّ ِ
ين ءَ َامنُوا إِذَا تَ َدايَنتُم ب َديْ ِن إِ َىل أ َ
َج ٍل ُم َس ًّمى فَأَ ْكتُـبُوهُ) (البقرة )۲۸۲ :فدلت اآلية على اشرتاط قال تعاىل( :يـَتَأَيـُّ َها الذ َ
كون األجل معلوماً فیما كان أبجل ،وألن جهالة األجل تفضي إىل اخلصام والنزاع بني املتعاقدين ،وهذا أمر ال
يرضاه اإلسالم.
النهي عن بيع الوَلء وعن هبته
مسألة اْلديث :احلديث دلیل على النهي عن بیع والء العتق ،وهو التنازل عنه بثمن لشخص آخر ،والنهي عن
هبته ،وهو التنازل عنه بغري مثن لشخص آخر ،وذلك ألن الوالء عصوبة حتصل لإلنسان بسبب العتق فال تباع وال
توهب ألهنا أمر معنوي ،كالنسب الذي ال يتأتى انتقاله.
النهي عن بيع الغرر
ألفاظ اْلديث( :عن بیع احلصاة) وهو البیع الذي استعملت فیه احلصاة ،ولـه صـور ذكرها ابن القیم ،ومنها:
- 1أن يقول البائع للمشرتي :إذا نبذت إلیك ابحلصاة فقد وجب البیع فیما بیين وبینك ،وهذا تفسري احملدثني،
ذكره الرتمذي.
- 2أن يقول البائع للمشرتي ارم هذه احلصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا.
- 4أن يعرتض القطیع من الغنم فیأخذ حصاة ،ويقول :أي شاة أصابتها فهي ال لك بكذا.
( وعن بیع الغرر) والغرر بفتحتني ،هو اخلطر ،ويف اصطالح الفقهاء :ما كان مستور العاقبة ،مبعىن أنه البیع القائم
على اجلهل ،حبیث ال تُعرف أوصافه وال يُدرى هل حيصل أو ال؟
والغرر قد يكون يف العني ،وقد يكون يف الثمن ،وقد يكون يف األجل ،فالعني كبیع احلصاة واجلمل الشارد وبیع ما
مل يتم ملك البائع علیه ،والثمن كأن يبیع ا السلعة بقیمتها أو برقمها واملشرتي ال يعرفه عند العقد ،أو مبا ينقطع به
السعر ،أو مبا يُعطى فیها ،وحنو ذلك .واألجل كأن يكون جمهوالً ،مثل :إىل میسرة أو إىل أن أبیع كذا.
مسألة اْلديث :اْلديث دليل على النهي عن بيع اْلصاة ،وفساد العقد ،ألنه مقتضى النهي ،وقد اتفق الفقهاء
على العمل مبوجب هذا احلديث ،ولكنهم اختلفوا يف تفسريه .املراد ابلغرر هنا ما كثر فیه الغرر وغلب علیه حىت
صار يوصف ببیع الغرر ،فهذا ال خالف يف منعه.
وأما يسري الغرر وما يتسامح فيه عادة أو يشق اَلحَتاز عنه فإنه َل يؤثر يف فساد العقد.
النهي عن بيع الطعام قبل قبضه
«م ِن ا ْش َرتَى طَ َع ًاما فَ َال يَبِ ْعهُ َح َّىت يَكْتَالَهَُ .رَواهُ ُم ْسلِ ٌم. ول هللاِ ﷺ قَ َ
الَ : [َ - ]۷۹۹/۱۸و َعنْهُ :أ َّ
َن َر ُس َ
مسألة اْلديث :احلديث دلیل على هني من اشرتى طعاماً أن يبیعه قبل قبضه ،وعرب ابلكیل عن القبض ،وذلك
أبن يكتاله ويستوفیه ألن قبض املكیل ال حيصل إال ابلكیل ،وهذا النهي للتحرمي.
• ظاهر احلديث أن املنع من بیع الطعام قبل قبضه عام يف كل طعام بیع كیالً أو بیع جزافاً ،وهذا مذهب اجلمهور،
ورواية عن اإلمام أمحد اختارها شیخ اإلسالم ابن تیمیة ،وابن القیم.
كما استدلوا بعموم األدلة اليت تفید النهي عن بیع املشرتى قبل قبضه مطلقاً ،فیدخل يف عمومها بیع الطعام سواء
كان مقدراً أو جزافاً.
والقول الثاين :أن الطعام إذا بيع جزافاً جاز بيعه قبل قبضه ،وإذا كان مقدراً بكيل أو حنوه َل جيز بيعه قبل
قبضه ،وهذا هو املشهور من مذهب اإلمام أمحد .واستدلوا بدليلني:
- ۱حديث ابن عمر انه قال :قال رسول هللا ﷺ :من اشرتى طعاماً بكیل أو وزن فال يبعه حىت يقبضه» قالوا:
فتخصیص الطعام ابلكیل والوزن دلیل على أن ما بیع جزافاً ال يشرتط فیه قبض.
-۲قول ابن عمر( :ما أ َْدرَك ِ
ت الصفقة حیاً جمموعاً فهو من املبتاع). َ
والقول األول أرجح لقوة دليله ،وهو أنه ال بد من القبض ،سواء بیع مقدراً أو جزافاً.
حكم البيعتني يف بيعة
الَتِم ِذ ُّ
ي، ص ْح َحهُ َّْ
َمحَ ُد ،والن ِ ٍ
ني ِيف بَ ْي َعةَ .رَواهُ أ ْ َ َ
َّسائ ُّيَ ،و َ
ول َِّ
اَّلل ﷺ َع ْن بَ ْي َعتَ ْ ِ الََ :نَى َر ُس ُ
[ َ -]۸۰۰/۱۹و َع ْنهُ قَ َ
َوابْ ُن ِحبَّا َن.
درجة اْلديث :إسناده حسن ،ألنه من رواية حممد بن عمرو بن علقمة بن وقاص اللیثي ،وفـیـه كــالم يسري يف
حفظه ،قال يف التقريب»( :صدوق لـه أوهام) وقد روى لـه البخاري مقروانً ،ومسلم يف املتابعات.
ٍ
س ُه َما ،أ َْو ِ
الرََب». ع بَ ْي َعتَ ْ ِ
ني ِيف بَ ْي َعة فَ لَهُ أ ََوَك ُ َوِألَِِب َد ُاو َدَ :
«م ْن ََب َ
درجة اْلديث :قال احلاكم( :صحیح على شرط مسلم ووافقه الذهيب ،وصححه ابن حزم ،لكن تعقبه األلباين أبن
احلديث حسن ملا تقدم يف حممد بن عمرو ،وأن حديثه ال يرقى إىل درجة الصحیح.
ألفاظ اْلديث( :بیعتني يف بیعة البیعة :هي صفقة البیع واملراد :عقدان يف عقد واحد.
األول :أن يقول :أبیعك هذا الثوب نقداً بعشرة أو نسیئة بعشرين ،وهذا تفسري مساك بن حرب راوي حديث ابن
مسعود :هنى رسول هللا ﷺ عن صفقتني يف صفقة واحدة».
الثاين :أن يشرتط أحد ملتعاقدين على اآلخر عقداً آخر ،كسلف ،أو بیع ،أو اجارة ،أو شركة ،وحنو ذلك كأن
يقول البائع أبیعك هذه السیارة بكذا على أن تبیعين سیارتك بكذا ،أو تؤجرين بیتك ،وهذا تفسري احلنابلة.
الثالث :أن يبیعه سلعة مبائة إىل أجل مث يشرتيها منه حاالً أبقل ،وهذه مسألة العینة ،كما سیأيت ،ألن البیع مبائة
عقد ،والشراء بثمانني عقد آخر ،وهذا هو الذي تدل علیه رواية أيب داود ،وقد اختار هذا التفسري ابن تیمیة وابن
القیم حیث قال :هذا معىن احلديث الذي ال معىن له غريه).
(فله أو كسهما أو الراب) قال يف «اللسان» (الوكس :النقص) .واملعىن :أن من َبع سيارة -مثَلً ِ -بائة ألف
مؤجلةُ ،ث اشَتاها بثمانني نقداً ،فَل خيلو من أمرين:
أ -إما أن ميضي العقد وهذا هو الراب ،ألن حقیقة األمر أنه أعطاه مثانني مبائة ،وجعل السلعة واسطة ،حیلة على
الراب.
ب -وإما أن أيخذ األقل وهي الثمانون ،ويسلم من الراب ،وهذا هو األوكس ،مبعىن األنقص.
مسألة اْلديث :احلديث دلیل على النهي عن بیعتني يف بیعة ،وهذا يقتضي حترمي العقد فساده ،وقد اتفق الفقهاء
على القول مبوجب أحاديث النهي عن بیعتني يف بیعة ،ولكنهم اختلفوا يف تفسريه ذلك ،كما تقدم.
من مسائل البيع
درجة اْلديث :سنده حسن ،بناءً على الراجح من أقوال أهل العلم يف أحاديث عمرو بن شعیب ،عن أبیه ،عن
جده ،وقد صححه الرتمذي وابن خزمية واحلاكم ،قال ابن القیم( :هذا احلديث أصل من أصول املعامالت ،وهو
نص يف حترمي احلیل الربوية).
مسألة اْلديث :اْلديث دليل على أنه َل جيوز اجلمع بني سلف وبيع ،واملراد َبلسلف القرض ،كأن يقول:
أبیعك هذه السیارة على أن تقرضين كذا ،وقد فسره اإلمام مالك هبذا املعىن ،أو أقرضك كذا على أن تبیعين
سیارتك ،فهذا ال جيوز ،وقد حكى ابن عبد الرب وابن هبرية وابن رشد اتفاق العلماء على ذلك .وقال ابن قدامة:
(ال أعلم فیه خالفاً).
ووجه املنع أن البيع صار وسيلة للقرض ،فيكون قرضاً جر منفعة ،ألنه مل يقرضه إال من أجل هذا البیع ،والقرض
جيب أن يكون إرفاقاً حمضاً ،ال يقصد به حاجة أخرى.
• اْلديث دليل على أنه َل جيوز اجلمع بني شرطني يف عقد البيع ،وقد اختلف العلماء يف تفسري ذلك ،فمن
أهل العلم من محله على ظاهره وفسره أبن يشرتط املشرتي على البائع شرطني ،كأن يشرتي احلطب ويشرتط على
البائع محله إىل منزله وتكسريه ،أو يشرتي الثوب ويشرتط تفصیله وخیاطته ،وحنو ذلك ،فهذا ال يصح ،وقد عزا
هذا التفسري ابن املنذر إىل اإلمام أمحد وإسحاق ،ونقل ابن قدامة عن أمحد أنه قال( :الشرط الواحد ال أبس به،
إمنا هني عن الشرطني) .واختار هذا الشیخ عبد العزيز بن ابز ،ووجه النهي أن اشرتاط شرطني يفضي إىل النزاع،
خبالف اشرتاط شرط واحد فإن احلاجة تدعو إلیه ،ولیس سبباً للنزاع.
والقول الثاين :أن املراد ابلشرطني :أن يقول البائع :خذ هذه السلعة بعشرة نقداً وآخذها منك بعشرين نسیئة،
وهي مسألة العینة .وهذا قول ابن القیم معلالً لذلك أبن الشرط يطلق على العقد نفسه ،ألهنما تشارطا على الوفاء
به ،فهو مشروط.
• اْلديث دليل على أنه َل جيوز لإلنسان أن يربح يف شيء َل يقبضه ،وهو أن يبیع السلعة املشرتاة قبل قبضها
من البائع ويربح فیها ،وذلك ألن السلعة قبل قبضها لیست من ضمان املشرتي ،وإمنا هي من ضمان البائع.
• اْلديث دليل على أنه َل جيوز لإلنسان أن يبيع ما ليس عنده أ ه ،أي :ما لیس يف ملكه وحتت تصرفه،
وذلك أبن يبیع ما ال ميلكه وقت العقد ،على أن ميضي إىل السوق فیشرتيه ويسلمه للمشرتي ،وقد دل على ذلك
حديث حكیم بن حزامه قال :أتیت رسول هللا ﷺ فقلت :أيتیين الرجل يسألين من البیع ما لیس عندي ابتاع له
من السوق ،مث أبیعه ،قال« :ال تبع ما لیس عندك قال ابن قدامة( :وال نعلم فیه خالفاً).
وعلة املنع هي الغرر الناشئ عن عدم القدرة على تسليم املبيع وقت العقد ،وما يَتتب على ذلك من النزاع،
فإن البائع قد ال جيد املبیع يف السوق ،ولو كان البائع يثق بوجوده فقد يقع أمور خبالف ذلك.
وقد محل العلماء ،ومنهم :فقهاء احلنابلة وغريهم كاإلمام اخلطايب والبغوي هذا النهي على بيع األعيان اليت َل
ْيلكها البائع حال العقد ،أما لو ابع شیئاً موصوفاً يف الذمة فإن البیع يصح ،وهذا هو السلم الذي هو بیع
موصوف يف الذمة ،وهو بیع ما لیس عند البائع ،فتشرتط له شروطه ،ومنها :قبض الثمن يف جملس العقد ،فإذا
قُبِ َ
ض الثمن وأُجل املثمن صار ديناً كسائر الديون.
حكم بيع العربون
درجة اْلديث :إسناده ضعیف إلهبام الثقة الذي رواه عنه مالك ،قال ابن عدي (ويقال :إن مالكاً مسع هذا
احلديث من ابن هلیعة عن عمرو بن شعیب ،ومل يسمه لضعفه ،واحلديث عن ابن هلیعة ،عن عمرو بن شعیب
مشهور) .ونقل ابن القیم أن اإلمام أمحد سئل عن هذا احلديث ،فقال( :لیس بشيء).
ألفاظ اْلديث( :بیع العرابن) أصله يف اللغة التسلیف والتقدمي ،يقال :عربنه :أعطا العربون.
ب ِ
وعند الفقهاء :أن يشرتي الرجل شیئاً أو يستأجره ،ويدفع جزءاً من الثمن أو األجرة ،على أنه إن مت العقد ُحس َ
املبلغ املدفوع من مثن املبیع أو قیمة اإلجارة ،وإال فهو ملك للطرف الثاين ،وهو البائع أو املؤجر.
مسألة اْلديث :اْلديث دليل على النهي عن بيع العرَبن والنهي يقتضي ا الفساد ،وهذا مذهب اجلمهور من
اْلنفية واملالكية والشافعية ،وهو رواية عن اإلمام أمحد ،اختارها أبو اخلطاب .قالوا :وألنه من ابب الغرر واملخاطرة،
وفیه أكل املال بغري عوض وال مقابل.
والقول الثاين :جواز بيع العربون ،وهذا هو املشهور من مذهب اْلنابلة ،وهـو مـن مفردات املذهب ،وهو مروي
عن عمر بن اخلطاب وابنه عبد هللا هللا ،كما روي عن بعض السلف كابن سريين وجماهد ،واستدلوا مبا يلي:
- 1ما أخرجه ابن أيب شیبة عن زيد بن أسلم أن النيب ﷺ أحل العرابن يف البیع.
-۲ما رواه سفیان بن عیینة ،عن عمرو بن دينار ،عن عبد الرمحن بن فروخ ،عن انفع بن احلارث – عامل عمر
على مكة -أنه اشرتى من صفوان بن أمیة داراً لعمر بن اخلطاب مولفه أبربعة آالف درهم ،واشرتط علیه انفع إن
رضي عمر فالبیع له ،وإن مل يرض فلصفوان أربعمائة درهم.
وقد أخذ اإلمام أمحد بظاهر هذه الرواية ،قال األثرم :قلت ألمحد :تذهب إلیه؟ ،قال« :أي شيء أقول؟ هذا عمر
طه) يعين هذا عمر له أخذ به وذهب إلیه.
-3ما علقه البخاري عن ابن سريين قال :قال رجل لكريه :أدخل ركابك فإن مل أرحل معك يف يوم كـ يوم كذا
وكذا فلك مائة درهم ،فلم خيرج فقال شريح شرط على نفسه طائعاً غري مكره فهو علیه.
والقول َبجلواز فيه وجاهة ،وهو اختیار الشیخ عبد العزيز بن ابز ،بشرط أن يقید االشرتاط بزمن معني ملا يرتتب
على اإلطالق من ضرر ،ألنه يبقى بیع معلق ،وألنه يؤخذ ابالشرتاط يف خیار الشرط.
النهي عن بيع السلعة قبل قبضها
ِ ِ .٨03عن اب ِن عمر قَال :ابـتَـعت زيتًا يف ُّ ِ
ت أَ ْن أعطَ ِاين بِه ِرْحبًا َح َسنًا ،فَ َأرْد ُ
استَـ ْو َجْبـتُهُ ،لَقیَیين َر ُجل فَ ْ
السوق ،فَـلَ َّما ْ ْْ ُ َ ْ ْ ُ ََ
ت ،فَـ َقال :ال تَبِ ْعهُ َح ُ
یث ابْـتَـ ْعتَهُ
يد بن ََثبِ ٍ ِ ِ ِ الر ُج ِل ،فَ َب َعلَى يَ ِد َّ َض ِر َ
ذراعي ،فَالْتَـ َفت ،فَإذَا ُه َو ز ُ ْ ُ أخ َذ َرجل م ْن َخلْفي ب َ أْ
ِِ حىت َحتوزه َإىل رحلِك ،فَإن رس َ ِ
ُّج ُار إِ َىل ِر َحاهل ْمَ .رَواهُ
وزَها الت َّیث تـُْبـتَاعُ ،حىت َحيُ َ
السلَ ُع َح ُ اع ّ ول هللا ﷺ َهنَى أَ ْن تـُبَ َ َُ َّ ُ َُ َ ْ َ
ص ّح َحهُ ابْ ُن ِحبّا َنَ ،وا ْحلَاكِ ُم.
ظ لَهَُ ،و َ
َمحَ ُدَ ،وأبو َد ُاوَد واللّ ْف ُ
أْ
تلخيص األحكام :احلديث دلیل على أنه ال جيوز للمشرتي أن يبیع ما اشرتاه قبل أن يقبضه وحيوزه إىل مكانه،
طعاما أو غريه من املنقوالت ،كاألمتعة ،والكتب ،واملواد الغذائیة،
وظاهر احلديث أنه عام يف كل مبیع ،سواء كان ً
واحلیواانت ،وغري ذلك.
القول ِبنع بيع املنقوَلت حىت تقبض ،هو قول اجلمهور من اْلنفية والشافعية والظاهرية ،ورواية عن اإلمام
عقارا ال خيشى
أيضا -العقار؛ ألن القبض شرط يف كل مبیع ،إال عند احلنفیة فإنه إذا كان املبیع ً
أمحد ،وأضافوا ً -
هالكه جاز بیعه قبل قبضه.
منقوال فإنه خيتلف ابختالف املقبوض ،فاملكیل وما يشاهبه ابلكیل ،والصربة واجلزاف أو ما
وكیفیة القبض إن كان ً
ينقل عادة كاألمتعة والكتب واملواد الغذائیة واألخشاب وحنوها يكون بنقلها وحتويلها إىل مكان ال اختصاص للبائع
به.
وإن كان مما يتناول ابلید كاحللي واجلواهر وحنوها فقبضه بتناوله ،وما عدا ذلك يرجع فیه إىل العرف.
وأما قبض العقار كاألراضي واملساكن واحملالت التجارية ،وكذا بیع الثمر على الشجر ،فمانه يكون ابلتخلیة بینه
وبني مشرتيه يتصرف فیه ،بال مانع وال حائل ،وذلك بتسلیم املفاتیح إن وجدت؛ ألن قبض العقار ال يتصور إال
بذلك فهو قبض له يف العرف.
ويلحق ابلعقار األشیاء الثقیلة ،كوسائل الري املعروفة اآلن ،أو البضائع الكثرية يف املواين ،وحنو ذلك مما يرتتب على
نقله وحتويله من مكان إىل آخر تبعات مالیة عظیمة ،فالظاهر أن قبضها حيصل ابلتخلیة ،وهللا تعاىل أعلم.
ِ
الذهب فضةً ِ
اقتضاء حكم
ُ
َّر ِاه ِم آخ ُذ ال ّدر ِاهم ،وأَبِ ُ ِ
یع ابلد َ َّاننري َو ُ َ َ َ
یع ِابلد َ ِ ِِ ِ
اإلبل ِابلْبِقیع ،فَأب ُ
یع َ
ت :اي رس َ ِ ِ ِ
ول هللا! إ ّين أَب ُ َ .٨04ع ْن ابْ ِن عُ َمَر قَال :قُـ ْل ُ َ َ ُ
س أَ ْن َأت ُخ َذ َها بِ ِس ْع ِر يـَ ْوِم َها هذهِ ،وأُع ِطي هذهِ ِمن ه َذا؛ فَـ َقال رس ُ ِ َّاننِري ،آخذ ه َذا ِمن ِ
ول هللا ﷺَ« :ال َأب َ َُ ْ َْ ْ وآخ ُذ الد َ َ ُ ُ
صح َحهُ ا ْحلَاكِ ُم.
فرقَا َوبَینَ ُك َما َشيء»َ ،رَواهُ ا ْخلَ ْم َسةَُ ،و ّ
َما َملْ تَـتَ ّ
درجة اْلديث :هذا إسناد ضعیف وله طريق آخر من أيب هاشم وحسنه األلباين.
والقول الثاين :أنه ال يشرتط بل جيوز بسعر يومها وأغلى وأرخص ،وهو قول أيب حنیفة والشافعي ،ومال إلیه
الصنعاين.
واستدلوا بعموم قوله« :إذا اختلفت هذه األصناف فبیعوا كیف شئتم» ،لكن قال األولون :إن هذا حديث عام،
وحديث الباب خاص ،فیبىن العام على اخلاص ،وخيصص به ،وهللا تعاىل أعلم.
النهي عن النجش
تلخيص األحكام :احلديث دلیل على حترمي النجش ،للنهي عنه ،وهو عند اإلطالق للتحرمي ،وقد ورد ً -
أيضا -يف
حديث أيب هريرة« :وال تناجشوا» .قال ابن بطال( :أمجع العلماء على أن الناجش ٍ
عاص بفعله) .ملا يف النجش
من الغش والغنب واخلديعة ملن يرغب يف شراء السلعة؛ ألنه يرى من يزايد يف السلعة فیندفع معهم إىل املزايدة حىت
يقف علیه السوم اببتعادهم ،فیقع علیه البیع بثمن مرتفع لیس قیمة للسلعة يف واقع األمر.
اتفق العلماء على حترمي النجش إذا كانت الزايدة فوق مثن املثل لظهور اخلديعة ،والنيب ﷺ يقول« :املكر واخلديعة
يف النار».
القول األول :التحرمي وأن النجش حكمه واحد ،سواء أراد رفع مثن السلعة أو نقصها أو الوصول هبا إىل مثن
نظائرها .وهو قول بعض املالكیة وبعض الشافعیة ،واستدلوا حبديث الباب.
والقول الثاين :اجلواز ،بل قال بعضهم :إنه مأجور ومثاب على فعله هذا ،وبه قال احلنفیة ،وأكثر املالكیة ،وبعض
الشافعیة ،واستدلوا حبديث« :الدين النصیحة» ،والناجش يف هذه احلالة إمنا أراد نصح أخیه املسلم ونفعه من غري
إضرار بغريه.
األول :أن البیع فاسد ،وإلیه ذهب من التابعني عمر بن عبد العزيز ،وهو مذهب الظاهرية ،ورواية عن مالك ،ورواية
عن أمحد ،ودلیلهم هني النيب ﷺ عن النجش ،والنهي يقتضي الفساد ،ونوقش ذلك أبن النهي ال يعود إىل ذات
البیع وال إىل شرطه ،بل إىل أمر خارج عنه ،وهو النجش ،وهذا ال يقتضي الفساد ،كالتصرية ،والبیع مع الغش
وحنومها.
والقول الثاين :أن العقد صحیح ،وال خیار للمشرتي؛ ألن البیع قد مت أبركانه وشروطه ،فلم يرجع إلیه النجش،
وإمنا عاد إىل الناجش ،وما حصل فهو تفريط من املشرتي حیث مل يتأمل ومل يراجع أهل اخلربة ،وهذا مذهب
احلنفیة ،واألصح عن الشافعیة.
وهذا مردود أبن استشارة أهل اخلربة يف كل سلعة أمر ابلغ الصعوبة ال أتت الشريعة مبثله ،والشريعة جاءت برفع
الضرر يف مثل هذه احلالة ،ولذا ثبت اخلیار يف التصرية ،وتلقي الركبان وحنومها.
والقول الثالث :أن العقد صحیح وللمشرتي اخلیار ،وهذا مذهب املالكیة واحلنابلة ،لكن قالت املالكیة :إن النجش
كالعیب فاملشرتي ابخلیار ،وقالت احلنابلة :ال خیار إال إذا غنب غبنًا يزيد عن العادة بزايدة الناجش ،واستدلوا هبذا
احلديث الذي ورد فیه النهي عن النجش ،وقالوا :النهي يعود إىل الناجش ال إىل العاقد ،فلم يؤثر يف صحة البیع،
وحیث إن النهي حلق آدمي معني ميكن تداركه كالبیع مع الغش وتلقي الركبان ،فإنه يثبت اخلیار.
وهذا القول هو أظهر األقوال ،وفیه مجع بني األدلة ،وعمل ابلقاعدة الشرعیة« :الضرر يزال» ،وألن الرضا شرط
من شروط العقد ،والعاقد املتضرر ابلنجش قد شاب رضاه شائبة ،وال ميكن تعويضه إال إبعطائه حق اخلیار ،وهللا
تعاىل أعلم.
تلخيص األحكام :يف هذين احلديثني سبع صور من صور املعامالت اجلاهلیة ،ذكر هذا علماء احلديث والفقه،
فجاء اإلسالم وأبطلها؛ ألهنا مبنیة على الغرر واجلهالة واملخاطرة ،وكل هذا يفضي إىل النزاع.
يف احلديث األول دليل على النهي عن احملاقلة ،وهي بیع احلنطة بسنبلها حبنطة ،ووجه النهي عنها أهنا مجعت
حمذورين :اجلهالة ،والراب؛ أما اجلهالة فألن احلب يف سنبله مستور أبوراقه وتبنه ،فهو جمهول ال يعرف مقداره ،وال
تعرف جودته ورداءته ،وأما الراب فألن اجلهل أبحد العوضني يوقع يف راب الفضل؛ ألن اجلهل ابلتساوي كالعلم
احلكم.
ابلتفاضل يف َ
احلديث دليل على النهي عن املزابنة اليت هي بیع املعلوم ابجملهول من جنسه ،كأن يبیع مثر خنله بتمر ً
كیال ،أو
كیال ،أو يبیع زرعه بكیل طعام من جنسه ،ووجه النهي يف الربوايت كالتمر واحلنطة الغرر يبیع العنب بزبیب ً
والتفاضل؛ ألن فیها اجلهل بتساوي العوضني ،وهذا يفضي إىل الراب ملا تقدم ،وأما يف غري الربوايت فلما فیها من
الغرر الناشئ عن عدم حتقق قدر املبیع.
احلديث دليل على النهي عن املخابرة ،واملراد هبا املزارعة القائمة على حتديد جانب معني من الزرع لصاحب
األرض وللمزارع جانب آخر ،ووجه النهي هو اجلهالة والغرر واملخاطرة ،فإن هذا من أبواب املیسر ،إذ ال يعلم عاقبة
األمر ،فرمبا صلح هذا اجلانب وتلف اآلخر.
احلديث دليل على أنه َل جيوز استثناء شيء من املبيع إَل إذا عني ،فال يقول :أبیعك هذا القطیع من الغنم إال
عشرا ،وهي غري معینة ،فإذا عینها بوصف أو إشارة وحنو ذلك جاز؛ ألن عدم التعیني نوع من الغرر ،جلهالة
ً
املستثىن ،وهذا يفضي إىل النزاع للتفاوت بني شاة وأخرى.
حديث أنس دلیل على النهي عن املخاضرة ،وهي بیع الزرع األخضر والثمر األخضر؛ ألنه إذا ابعه على شرط
البقاء فهو عرضة لآلفات ،فیكون وجه النهي ما فیه من الغرر واخلطر ،وهلذا جاء النهي عن بیع الثمار حىت يبدو
صالحها ،كما سیأيت إن شاء هللا .أما إذا ابعه بشرط حصاده يف احلال فال أبس إذا كان ينتفع به عل ًفا للبهائم.
يف احلديث دليل على النهي عن بيع املَلمسة واملنابذة ،ملا فیهما من اجلهالة املفضیة إىل اخلصام ،وهللا تعاىل
أعلم.
تلخيص األحكام :احلديث دلیل على النهي عن تلقي القادمني لبیع سلعهم والشراء منهم قبل أن يصلوا إىل السوق،
والنهي للتحرمي عند اجلمهور؛ ألنه مقتضى النهي عند االطالق.
األول :أن البیع مردود؛ ألنه بیع منهي عنه ،والنهي يقتضي الفساد مطل ًقا ،وقد جزم بذلك البخاري ،فقال( :ابب
النهي عن تلقي الركبان ،وأن بیعه مردود؛ ألن صاحبه عاص آمث إذا كان به عاملا ،وهو خداع يف البیع ،واخلداع ال
ً
جيوز) ،وذكره ابن قدامة رواية عن أمحد .ونسبه الشوكاين إىل بعض املالكیة وبعض احلنابلة ،قال الصنعاين( :وهو
األقرب).
والقول الثاين :أن البیع صحیح وللبائع اخلیار ،وهو مذهب األئمة الثالثة ،ومال إلیه احلافظ ،واختاره الشوكاين،
واستدلوا بدليلني:
األول :حديث أيب هريرة املذكور ،فإنه يدل على انعقاد البیع وصحته ،ولو كان ً
فاسدا مل جيعل للبائع اخلیار.
الثاين :أن النهي يف حديث الباب ال يعود إىل ذات العقد وال إىل شرطه ،وإمنا يعود إىل أمر خارج عن املنهي عنه،
وهو اإلضرار ابلركبان ،وهذا ال يقتضي الفساد.
َل نزاع يف ثبوت اخليار للبائع مع الغنب ،حكى ذلك ابن القیم .وأما ثبوته بال غنب أبن يشرتي منه مبثل سعر البلد
أو أكثر ،ففیه روايتان عن أمحد:
األوىل :أنه يثبت ،وهو قول الشافعي ،واختاره الشوكاين .لظاهر قوله« :فإذا أتى صیده السوق فهو ابخلیار» ،فأطلق
له ﷺ اخلیار ومل يقیده.
استدل هبذا احلديث من قال ببطالن بیع احلاضر للبادي ،وهم املالكیة واحلنابلة يف املشهور عندهم ،وهو قول
الظاهرية.
ووجه االستدالل :أن النيب ﷺ هنى أن يبیع احلاضر للبادي ،والنهي يقتضي فساد املنهي عنه ،وعلیه فیكون البیع
ابطال؛ ألنه بیع حمرم من ٍ
إنسان منهي عنه. ً
وذهبت احلنفیة والشافعیة وبعض املالكیة إىل صحة بیع احلاضر للبادي ،وهو رواية عن اإلمام أمحد ،وقالوا :إن
النهي يعود إىل معىن يف غري البیع ،وهو اإلضرار أبهل البلد ،والنهي إذا عاد إىل غري املنهي عنه فإنه ال يوجب
بطالن العقد.
واستدلوا بقوله ﷺ يف حق املسلم على أخیه« :وإذا استنصحك فانصح له» .قالوا :هذا حديث عام ،انسخ
ألحاديث النهي عن بیع احلاضر للبادي؛ ألن النهي إمنا كان أول اإلسالم؛ ملا كانوا علیه من الضیق يف ذلك.
يف اْلديث دليل على تقدمي املصال العامة على املصال اخلاصة ،فاإلسالم مينع مصلحة فرد واحد يتلقى الركبان؛
مجیعا من الشراء من اجلالب مباشرة ،ويف بیع احلاضر للبادي
ألجل مصلحة أهل البلد الذين هلم احلق يف أن ينتفعوا ً
هو املستفید ،لكن اإلسالم منع ذلك لینتفع أهل البلد بشرائهم السلعة رخیصة ،وهللا تعاىل أعلم.
النهي عن البيع على بيع أخيه أو سومه على سومه
َخ ِیه،
الرجل علَى بی ِع أ ِ ِ ِ ٍ .٨10عن أَِيب هريرة قَالَ :هنَى رس ُ ِ
یع َّ ُ ُ َ َاج ُشواَ ،وال يَبِ ُ یع َحاضر لبَادَ ،وَال تَـنَ َ ول هللا ﷺ أَ ْن يَبِ َ َُ َ ْ َُ َ
ُختِ َها لِتَ ْك َفأَ ما يف إِ َانئِ َهاُ ،متَّـ َفق َعلَ ِیه. ب َعلَى ِخطْبَ ِة أ َِخ ِیهَ ،وال تَ ْسأ َُل الْ َم ْرأَةُ طَ َ
الق أ ْ َوال َخيْطُ ُ
َولِ ُم ْسلِم« :ال يَ ُس ِم الْ ُم ْسلِ ُم َعلَى َس ْوم الْ ُم ْسلِِم».
تلخيص األحكام :احلديث دلیل على أنَّه ال جيوز للرجل أن يبیع على بیع أخیه ،وذلك أبن يقول ملن اشرتى سلعة
سداد ِ
طويلة األجل ،والغالب أن يقول: بعشرة :أان أعطیك مثلها بتسعة أو أعطیك خريا منها بثمنها ،أو يغريه مبدة ٍ
ً
ذلك قبل لزوم العقد ،مثل أن يكوان يف اجمللس أو يكون يف العقد خیار شرط.
ووجه النهي أن بیعه على بیع أخیه من أسباب العداوة والبغضاء والتقاطع بني املسلمني ،حیث تعدى على حق
أخیه ،وأفسد املعاملة اليت بینهما.
وظاهر اْلديث حترمي بيعه على بيع أخيه مطل ًقا ،سواء كان ذلك يف زمن اخلیارين :خیار الشرط وخیار اجمللس،
أو بعد انقضاء زمنهما ،لعموم احلديث ،وألنه لو ابع على بیع أخیه بعد انقضائهما لرمبا حتیل املشرتي أبي سبب
من األسباب ،كان يدعي عیبًا أو ما شابه ذلك مما ميكنه من الفسخ ،وألنه يورث العداوة بني البائع األول واملشرتي
ويدعي أنَّه غبنه.
والقول الثاين :أن حمل النهي هو زمن اخلیارين؛ ألن هذا هو الغالب يف مسألة البیع على بیع أخیه ،فإذا انقضى
زمنهما جاز بیعه على بیع أخیه ،وعللوا لذلك أبن عقد البیع قد متَّ ،فوجود البیع على بیعه أو الشراء على شرائه
وعدمه سواء .والقول األول هو الصواب ،ملا تقدم من بیان حكمة النهي.
احلديث دلیل على النهي عن اخلطبة على خطبة أخیه ،أبن يتقدم لطلب زواج امرأة بعد أن تقدم إلیها غريه ،ووجه
النهي أن هذا التصرف من أسباب الشحناء والعداوة ،وألنه ظلم ألخیك وتع ٍّد علیه فإنه قد سبق إىل ذلك ،ويف
حديث عقبة بن عامر أن رسول هللا ﷺ قال« :املؤمن أخو املؤمن ،فال حيل للمؤمن أن يبتاع على بیع أخیه ،وال
حىت يذر».
خيطب على خطبة أخیه َّ
حىت
وقد جاء تقیید ذلك يف حديث ابن عمر ﵄ قال :قال رسول هللا ﷺ« :ال خيطب بعضكم على خطبة أخیهَّ ،
يرتك اخلاطب قبله أو أيذن له اخلاطب».
اْلديث دليل على َني املرأة أن تسعى عند زوجها يف طَلق أختها ،وقد فسره النووي أبن تسأل املرأة األجنبیة
رجال أن يطلق زوجته ويتزوجها مكاهنا ،حبیث يكون هلا من نفقته ومعروفه ومعاشرته وحنوها ما كان للمطلقة ،فعرب
ً
جمازا.
عن ذلك إبكفاء ما يف الصحفة ً
اْلديث دليل على َني املسلم أن يسوم على سوم أخيه ،ومعناه :أن يتفق البائع واملشرتي على البیع ،ومل يعقداه،
خريا منه بثمنه ،أو
فیأيت إنسان ويقول للبائع :اسرتده ،وأان اشرتيه منك أبكثر ،أو يقول :للمستام :رده ،وأان أبیعك ً
مثله أبرخص.
والفرق بني بیعه على بیعه وسومه على سومه ،أن األول مت العقد َّإال أن بینهما خیار شرط أو جملس ،أما يف السوم
على سومه فهذا بعد االتفاق متام وقبل العقد.
والسوم على السوم إمنا حيرم إذا كانت السلعة معروضة بغري طريق املزايدة واستقر الثمن ابلرتاضي بني املتعاقدين ،أما
إذا كانت معروضة بطريق املزايدة فال أبس بذلك ابتفاق أهل العلم؛ ألن البائع يطلب املزايدة؛ لكونه مل يركن إىل
أحد.
ومعىن بیع املزايدة :أن يعرض البائع سلعته يف السوق ،ويتزايد املشرتون فیها ،فتباع ملن يدفع األكثر ،وهو املعروف
بـ (بیع املزاد العلين).
وعلى هذا فالفرق بني بیع املزايدة وسوم املسلم على سوم أخیه أنَّه يف بیع املزايدة مل يقع ركون وال تقارب مع أحد
يكف املنادي على السلعة عن طلب ِّ
الزايدة من احلاضرين ،وهذا خبالف السوم على من املشرتين ،وعالمة ذلك أال َّ
سوم أخیه فإن ِّ
الزايدة حتصل من الطرف الثالث بعد الكف عن املناداة والركون إىل التعاقد مع الراغب يف السلعة.
واجلمهور من أهل العلم على جواز بیع املزايدة إذا خال من الغش والتدلیس واالحتیال ،قال ابن قدامة بعد أن ذكر
أيضا -إمجاع املسلمني ،يبیعون يف أسواقهم ابملزايدة) ،وهللا تعاىل أعلم.
جوازه واستدل له من السنة( :وهذا ً -
النهي عن التفريق بني األقارب يف البيع
یع غُ َال َم ْ ِ
ني ِ
اَّلل صلى هللا علیه وسلم أَ ْن أَب َ
ول َِّال :أ ََم َرِين َر ُس ُ
ب رضي هللا عنه قَ َ [ - ]۸۱۲و َع ْن َعلِ ِي بْ ِن أَِيب طَالِ ٍ
ّ َ
ال« :أ َْد ِرْك ُه َما ،فَ ْارَِت ْع ُه َماَ ،وَال تَبِ ْع ُه َما أَخوي ِن ،فَبِعتـهما ،فَـ َفَّرقْت بـیـنـهما ،فَ َذ َكرت ذَلِ ِ
َّيب صلى هللا علیه وسلم فَـ َق َ ك للنِ ِّ
ُْ َ ُ َْ َ ُ َ َ َ ْ ُْ ُ َ
ودَ ،وابْ ُن ِحبَّا َنَ ،واحلَاكِ ُمَ ،والطَََّرب ِاينَُّ ،وابْ ُن َمح ُد ،وِرجالُه ثَِقات ،وقَ ْد صححه ابن خزْميَةَ ،وابن اجلار ِ ِ
َ َ َ َ ُ ْ ُ َُ َ ْ ُ َ ُ إَِّال َمج ًیعا»َ .رَواهُ أ ْ َ َ َ ُ
ال َقطَّ ِ
ان.
درجة اْلديث :اإلسناد رجاله ثقات -كما قال احلافظ -إال أنه منقطع ،فإن سعید بن أيب عروبة مل يسمع من
احلكم شیئاً ،كما قال ذلك أمحد والبزار والنسائي.
فقه اْلديث :حديث أيب أيوب له دلیل على حترمي التفريق بني الوالدة وولدها يف البیع ،وحنوه كاهلبة ،والقسمة
وغريمها ،وأن األرقاء ال يفرق بینهم ،بل يباعون مجیعاً أو يبقون مجیعاً ،وحديث الباب فیه وعید شديد ،وهو يدل
على حترمي ذلك ،وال فرق بني البیع وغريه ،ألن احلديث عام يف التفريق أبي وجه من الوجوه لقوله« :من فرق».
وظاهر احلديث أنه ال فرق بني حالة البلوغ وما قبلها ،ولو صح حديث عبادة -حىت يبلغ الغالم وحتیض اجلارية
-لكان صاحلاً لتقیید اإلطالق يف حديث أيب أيوب له ،ويكون النهي خاصاً مبا قبل البلوغ ،وهذا رواية عن اإلمام
أمحد.
والقول الثاين :جواز التفريق بعد البلوغ ،وهي الرواية الصحیحة عن اإلمام أمحد ،وهو قول الشافعي ،ملا روي أن
سلمة بن األكوع أتى أاب بكر ابمرأة وابنتها ،فنقله أبو بكر ابنتها ...احلديث .قال النووي( :فیه جواز التفريق بني
األم وولدها البالغ ،وال خالف يف جوازه عندان .)...
حك م التسع ري
ول هللاِ صلى هللا علیه وسلم الس ْعر ابمل ِدينَ ِة َعلَى َع ْه ِد رس ِ ال :غَ َال َّ ك رضي هللا عنه قَ َ س ب ِن مالِ ٍ [َ - ]۸۱۳و َع ْن أَنَ ِ
َُ َ ُ َ ْ
ض، ِ
ب ا قال ، عر س مل ا و ه اَّلل نَّ ِ
إ وسلم علیه هللا صلى اَّللِ
ول َّ الس ْع ُر ،فَ َس ّعِْر لَنَا ،فَـ َق َ
ال َر ُس ُ ول هللا َغ َال َّ َّاس َ :اي َر ُس َ
َ َُ ُ َ ُ َ ُ ْ َّ ال الن ُ
فَـ َق َ
َحد ِمْن ُك ْم يَطْلُبُِين ِمبَظْلِ َم ٍة ِيف َدِم َوَال َم ِال»َ .رَواهُ اخلَ ْم َسةُ إَِّالسأَ اىلَ ،ولَْی َ الرا ِز ُقَ ،وإِِّين َأل َْر ُجو أَ ْن ال َقى َّ
اَّللَ تَـ َع َ طَّ ، الب ِ
اس ُ َ
ص َّح َحهُ ابْ ُن ِحبَّا َن. الن ِ
َّسائيَ ،و َ
َ
درجة اْلديث :قال الرتمذي( :حسن صحیح) وقال احلافظ( :إسناده صحیح على شرط مسلم).
ألفاظ اْلديث( :سعر لنا) بتشديد العني ،ومصدره التسعري ،وهو حتديد أمثان األشیاء .واملراد به أن أيمر السلطان
أو انئبه أهل السوق أن ال يبیعوا أمتعتهم إال بسعر كذا ،فیمنع من الزايدة علیه أو النقصان منه ملصلحة.
(إن هللا هو املسعر) قال ابن األثري( :أي أنه هو الذي يُرخص األشیاء ويغلیها ،فـال اعرتاض ألحد ،ولذلك ال جيوز
التسعري).
فقه اْلديث :اجلمهور من أهل العلم ومنهم األئمة األربعة على أن التسعري ال جيوز يف األحوال العادية اليت ال غال
فیها ،وذلك ألن الرسول صلى هللا علیه وسلم مل يسعر وقت غال السعر ،فمن ابب أوىل أن ال يكون تسعري يف
األحوال العادية.
القول األول :أنه ال جيوز التسعري ،وبه قال كثري من املالكیة والشافعیة واحلنابلة ،واختاره الشوكاين ،واستدلوا حبديث
الباب ووجه الداللة من وجهني:
-األول :أن النيب صلى هللا علیه وسلم مل يسعر ،وقد سألوه ذلك ،ولو كان التسعري جائزاً ألجاهبم إلیه.
-الثاين :أنه صلى هللا علیه وسلم علل امتناعه بكونه مظلمة ،ألن الناس مسلطون على أمواهلم.
القول الثاين :أنه جيوز التسعري عند احلاجة وذلك إذا غلت األسعار ،وهذا قول احلنفیة ،وبعض املالكیة ،واختاره
شیخ اإلسالم ابن تیمیة وتلمیذه ابن القیم.
واستدلوا حبديث ابن عمر رضي هللا عنهما أن النيب صلى هللا علیه قال" :من اعتق شركاً له يف عبـد وكـان لـه من
املال ما يبلغ مثن العبد ،قوم علیه قیمة عدل ،فأ َْعطَى شركاءه حصصهم ،وعـتـق عـلـیـه العبد ،وإال فقد عتق منه ما
عتق".
ووجه االستدالل :أن جعل العبد على هوى صاحبه يتحكم يف قیمته إضرار ابملعتق.
وهذا القول هو الراجح ،وقد فصل شیخ اإلسالم ابن تیمیة وتلمیذه ابن القیم يف التسعري تفصیالً وافیاً ،وهذه
خالصته:
(التسعري منه ما هو ظلم ،ومنه ما هو عدل جائز ،فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغري حق على البیع بثمن ال
يرضونه فهو حرام ،وإذا تضمن العدل بني الناس ،مثل إكراههم على ما جيب علیهم من املعاوضة بثمن املثل ومنعهم
ما حيرم علیهم من أخذ الزايدة على عوض املثل ،فهذا جائز بل واجب).
وهذا ال يعارض حديث الباب ،ألنه لیس لفظاً عاماً ،بل جاء يف قضیة معینة هـي غـالء السعر يف املدينة لقلة
اجللب إلیها ،قال ابن العريب( :وما قاله النيب صلى هللا علیه وسلم حق ،وما فعله حكم ،لكن على قوم صح ثباهتم،
واستسلموا لرهبم ،وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضییق علیهم ،فباب هللا أوسع ،وحكمه أمضى).
ألفاظ اْلديث( :ال حيتكر) االحتكار يف اللغة مصدر احتكر حيتكر ،وأصـل معنـاه :اجلمع واإلمساك.
ويف اصطالح الفقهاء :حبس الطعام طلب غالئه ،أو حبس ما حيتاج إلیـه النـاس مـن السلع واملنافع حىت يغلو سعره
أو ينقطع عن السوق.
فقه اْلديث :احلديث دلیل على حترمي االحتكار ،وإمث احملتكر ،ووجه الداللة :التصريح أبن احملتكر خاطئ ،واخلاطئ:
هو العاصي اآلمث.
القول األول :أن االحتكار حمرم يف كل شيء ،سواء كان قواتً أم إداماً ،أم لباساً ،أم غري ذلك من السلع اليت يلحق
الناس حببسها ضرر ،وهذا قول مالك والثوري وأيب يوسف من احلنفیة ،وهو ظاهر قول ابن حزم ،واختاره الصنعاين
والشوكاين ،وهو قول علماء االقتصاد .واستدلوا حبديث الباب .ووجه االستدالل :أنه نص مطلق مل يقید االحتكار
بشيء معني فیتناول كل ما حيتكر ،ألن املطلق يعمل به على إطالقه ،كما يف األصول.
والقول الثاين :أن االحتكار خاص ابألقوات سواء كان قوت اآلدمیني ،أم قوت البهائم ،كاحلنطة والشعري والتنب
والربسیم .وهذا قول احلنفیة والشافعیة ،وقد أحلق بعض الشافعیة ابلقوت كل ما يعني علیه كاللحم والفواكه .واستدلوا
يب:
ص الطعام
حبديث أيب أمامه «هنى رسول هللا صلى هللا علیه وسلم أن حيتكر الطعام» قالوا :فلما ُخ َّ -1
ابلنهي عن احتكاره – وهو شامل للقوتني :قوت اآلدمي وقوت البهائم – دل على أن غريه جيوز.
أن غري األقوات ال ضرر يف احتكاره غالباً ،لعدم عموم احلاجة إلیه. -2
والقول الثالث :أن االحتكار خاص يف قوت اآلدمي دون غريه ،وهذا هو الصحیح من مذهب احلنابلة ،وقول
بعض احلنفیة ،وهو قول سعید بن املسیب.
واستدلوا مبا جاء يف تتمة حديث الباب فقیل لسعید فإنك حتتكر ،قال سعید :إن معمراً الذي كان حيدث هذا
احلديث كان حيتكر قال أبو داود( :كان سعید بن املسیب حيتكر النوى واخلبط والبزر).
والقول األول هو الراجح ،وهو أن االحتكار يكون يف كل شيء مـن أقـوات اآلدمیني والبهائم وسائر السلع اليت
حيتاجها الناس .ووجه الرتجیح عموم الدلیل الذي ينـهـي عـن االحتكار ،وألن القول ابلعموم هو الذي يتفق مع
العلة اليت من أجلها هني عن االحتكار.
وأما ما ورد عن احتكار معمر وسعید ،فالظاهر كما قال احلافظ البیهقي وغريه أنه حممول على احتكار ال ضرر
فیه ،فال يكون حمرماً ،وإمنا هو من قبیل االحتكار للتوسعة على الناس وقت احلاجة ،فإنه ال جيوز على سعید بن
املسیب يف علمه وفضله أن يــوي حـديثاً عن النيب صلى هللا علیه وسلم مث خيالفه.
(ال مسراء) السمراء :هي احلنطة الشامیة ،وذكر العیين أهنا أغلى مثناً من الرب احلجازي ،ومعىن نفیها أنه ال يلزم أن
يعطي احلنطة ،ألهنا أغلى من التمر يف احلجاز ،وإمنا يكفي الطعام الذي هو غالب قوت البلد ،وهو التمر.
(حمفلة) يقال :حفل اللنب يف الضرع اجتمع ،وضرع حافل :أي :عظیم.
فقه اْلديث :احلديث دلیل على النهي عن تصرية اللنب يف ضروع هبیمة األنعام عنـد إرادة بیعها ،وقد ورد التقیید
بذلك يف حديث أيب هريرة له عند النسائي« :إذا ابع أحدكم الشاة أو اللقحة فال حيفلها».
أما التصرية َل للبيع وإمنا ليجتمع اْلليب للولد أو لعياله أو لضيف ،فأجازه قوم ،ومنعه آخرون ،فمن منعه
علل ذلك مبا فیه من إيذاء احلیوان ،ومن أجازه عمل ابلنص املذكور آنفاً فإنه يقتضي أن التحرمي خمتص حبالة البیع،
فیجوز فیما عداها.
واحلكمة من حترمي التصرية ما فیها من التدلیس والتغرير ابملشرتي حیث يظن أن هذا اللنب عادة هلا ،فهو من الغش
والكذب وأكل أموال الناس ابلباطل.
-احلديث دلیل على صحة بیع املصراة ،وهذا جممع علیه ،وذلك لقوله« :إن رضیها أمسكها» ألن الباطل
ال يقره الشرع ،فلما أقر الشرع البیع دل على صحته.
-احلديث دلیل على ثبوت اخلیار ملن اشرتى هبیمة مصراة بني إمساكها وردها ،وذلك إذا علم ابلتصرية،
سواء علم قبل احللب أو بعده ،وإمنا ذكر احللب قید يف قوله« :بعد أن حيلبها» ألن التصرية ال تعرف غالباً
إال بعد احللب ،ولو علم قبل احللب بطريق أخرى كشهادة عدل أو اعرتاف البائع ،خري املشرتي بني
اإلمساك والرد ولو مل حيلبها .وخیاره ميتد ثالثة أايم منذ علم ابلتصرية ،وهذا مذهب اجلمهور مستدلني
برواية مسلم.
النه ي عن الغ ش
ِ ول هللاِ صلى هللا علیه وسلم مَّر علَى ِ
َصابِعُهُ
تأ َ ص ْربَة طَ َع ٍام ،فَأ َْد َخ َل يَ َدهُ ف َیها ،فَـنَالَ ْ
َ َ ُ [َ -]٨1٧و َع ْن أَِيب ُهَريْـَرةَ أ َّ
َن َر ُس َ
ال« :أَفَ َال َج َع ْلتَهُ فَـ ْو َق الطَّ َع ِام َك ْيول هللا ،فَـ َق َالس َماءُ َاي َر ُس َ
َصابـَْتهُ َّ ب الطَّ َع ِام؟» قَ َ ال« :ما ه َذا اي ِ
ال :أ َ صاح َ بـَلَ ًال ،فَـ َق َ َ َ َ َ
س ِم ِّين»َ .رَواهُ ُم ْسلِم. ش فَـلَْی َ َّاس َم ْن َغ َّ
يـََراهُ الن ُ
ألفاظ اْلديث( :فلیس مين) أي :لیس ممن اهتدى هبديي ،واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقيت.
ويف الرواية األخرى :فلیس منا أي لیس على هدينا ومن أهل طريقتنا.
فقه اْلديث :احلديث دلیل على حترمي الغش يف البیع والشراء ،وأن الواجب عـلى مـن يتعاطى البیع والشراء أن يتقي
هللا ،وأن ينصح يف املعاملة ،وأن حيذر اخلیانة والغش ،فالغش جممع على حترميه شرعاً ،ومذموم فاعله عقالً.
ول هللاِ ﷺ« :من حبس الْعِنب أ ََّايم الْقطَ ِ
افَ ،حىت يدةَ ،عن أ ِ
َبیه ﵄ قَال :قَال َر ُس ُ ِ ِ
َ َ َ ْ ََ َ َ - 3٧ /٨1٨ع ْن َعْبد هللا بن بـَُر َ َ ْ
سط» إبِ ْسنَ ٍاد َح َس ٍن.
صريةٍ» ،رواه الطَّرباينُّ يف «األَو ِ
ِ ي ِ ِ
ْ َّار َعلَى بَ َ َ َ ُ ََ بیعهُ مم َّْن يـَتَّخ ُذهُ َخًَْرا ،فَق ْد تَـ َق َّح َم الن َ
َ َ
درجة اْلديث:
وهذا احلديث ضعیف جدًّا ،بل قال أَبو حامت( :حديث كذب ابطل) ( .)1وقال ابن حبان( :هذا احلديث منكر)
أما حتسني احلافظ هلذا احلديث فهو وهم فاحش من مثله ﵄ ،وقد سكت عنه يف «التلخیص» (.)1
احلديث دلیل على حترمي أتخري قطف العنب عن وقت استوائه إىل أن يصري زبیبًا من أجل بیعه على من يتخذه
َخرا ،والبیع ابطل؛ ألنه َع َق َد على عیين ملعصیة هللا فیها ،فلم يصح البیع،
ً
بخا ِر ُّ
ي ،وأَبُو ول هللاِ ﷺ« :ا ْخلراج ابلضَّم ِ ِ
وضعَّ َفهُ الْ َ
ان»َ ،رَواهُ ا ْخلَ ْم َسةَُ ، َ َُ قالت :قَال َر ُس ُ َ - 3٨ /٨19ع ْن َعائ َشةَ ﵄ ْ
ان. َ ُ ُْ
ِ
ود ،وابن ِحبَّا َن ،وا ْحلاكِم ،وابن الْ َقطَّ ِ الرتِم ِذ ُّ
يَ ،وابْ ُن ُخَزميَةََ ،وابْ ُن ا ْجلَ ُار ْ ُ
ِ
ص ّح َحهُ ّ ْ
َد ُاوَدَ ،و َ
درجة اْلديث:
ولعل احلديث هبذه املتابعات وغريها يصل إىل درجة احلسن ،وال سیما أن أهل العلم تلقوا هذا احلديث ابلقبول -
كما يقول الطحاوي ( - )3وعملوا به ،ومقتضى النظر الفقهي يقوي معناه.
أرضا فاستعملها ،أو سیارة فركبها أو محل علیها ،مث وجد بشيء من ذلك عیبًا فله
فمن اشرتى ماشیة فحلبها ،أو ً
أن يرد العني املباعة ،وأيخذ الثمن ،وال شيء علیه فیما انتفع به ،بل هو مقابل ضمانه املبیع؛ ألنه لو تلف يف يده
لكان من ضمانه.
- 2إذا احتاج ملك مشرتك للتعمري ،فعلى كل واحد من الشركاء أن يدفع النفقات بنسبة حصته يف ذلك (.)2
وهللا تعاىل أعلم.
درجة اْلديث:
وقد تكلم بعض العلماء يف صحة إسناد هذا احلديث ،وحاولوا تضعیفه بدعوى أن احلي جمهولون ،ومن هؤالء
البیهقي ،فقد حكم على هذا اإلسناد ابالنقطاع ( ،)1وتبعه آخرون .والصواب خالف ذلك ،فإن رواية احلديث
عن أهل احلي يدل على أتكید صحته؛
الرتِمذي ()125٧
وأما حديث حكیم بن حزام فقد أخرجه ِّ
الرتِمذي( :حبیب بن أيب َثبت مل يسمع عندي من حكیم بن حزام) وهو ثقة ،لكنه كثري
وهذا سند ضعیف ،قال ِّ
اإلرسال والتدلیس.
احلديث دلیل على جواز تصرف الفضويل إذا رأى املصلحة يف جانب موكله ،وإن مل يعني له ذلك.
والفضويل عند الفقهاء :من يتصرف يف حق الغري بال إذن شرعي ،من بیع أو إجارة أو رهن أو هبة وحنو ذلك من
العقود والتصرفات ،وهذا املعىن الشرعي راجع للمعىن اللغوي.
فإذا اشرتى شیئًا مل أيذن فیه صاحبه ،فإن الشراء صحیح ،ويكون موقوفًا على إجازة صاحبه ،فإن أمضى التصرف
وأجازه صح ،وإن مل ميضه لزمه هو ،وإن مل ميضه لزمه هو؛
وهذا قول أيب حنیفة وصاحبیه ،وهو رواية عن ا ِإلمام مالك ،وعن ا ِإلمام أمحد ،اختارها الشیخ عبد الرمحن السعدي
( ،)1والشیخ عبد العزيز بن ابز.
ِ
والقول الثاين :أن تصرف الفضويل ال يصح؛ ألن املوّكل مل َ
يرض خبروج نقوده من ملكه على غري الوجه الذي
يرتضیه ،وهذا قول الشَّافعیة ،والصحیح من مذهب احلنابلة (.)2
اْلديث دليل على أن الربح ليس له حد معني؛ ألنه رزق من هللا تعاىل ،وله أتثر بظروف التجارة،
ووجه االستدالل من احلديث :أن عروة ﵄ ربح يف بیعه الضعف ،فإنه اشرتى شاتني بدينار ،وابع إحدامها بدينار
ومل ينكر علیه النيب ﷺ .لكن ينبغي للبائع مالحظة اآلداب الشرعیة من الرفق ابلناس ،والتیسري علیهم ،والرضا
ابلیسري ،والسماحة يف البیع والشراء
واستدل العلماء هبذا احلديث على أن شراء األضحية ليس تعيينا هلا حبيث َل تبدل؛ ألن الشراء يراد ألمور كثرية،
وإمنا تتعني ابللفظ أبن يقول :هذه أضحیة ..أو يذحبها بنیة األضحیة وإن مل يتلفظ بذلك ،وهللا تعاىل أعلم.
من مسائل بيوع الغرر
- 42 /٨22عن أيب سعید اخلدري ﵄ ،أن النيب ﷺ هنى عن شراء ما يف بطون األنعام حىت تضع ،وعن بیع ما
يف ضروعها ،وعن شراء العبد وهو آبق ،وعن شراء املغان حىت تقسم ،وعن شراء الصدقات حىت تقبض ،وعن ضربة
الغائص .رواه ابن ماجة ،والبزار ،والدارقطين إبسناد ضعیف.
- 43 /٨23وعن ابن مسعود ﵄ ،قال :قال رسول هللا ﷺ»:ال تشرتوا السمك يف املاء؛ فإنه غرر ،رواه أمحد،
وأشار إىل أن الصواب وقفه.
درجة اْلديث:
وهذا سند ضعیف جدا ،ضعفه ابن حزم ( ،)1والبیهقي ،واحلافظ ابن حجر وغريهم؛ ألن حممد بن يزيد العبدي
جمهول كما يف «التقريب» ،وكذا حممد بن إبراهیم الباهلي ( ،)2وشهر بن حوشب متكلم فیه،
وأما حديث ابن مسعود ﵄ ،وهذا سند ضعیف ،يزيد بن أيب زايد وهو اهلامشي الكويف ضعیف ،واملسیب بن رافع
مل يسمع من ابن مسعود.
اشتمل احلديثان على سبعة أنواع من بیوع الغرر اليت هنى عنها اإلسالم ملا فیها من أكل أموال الناس ابلباطل ،وما
تفضي إلیه من النزاع الذي يثمر العداوة والبغضاء بني املسلمني.
األول :شراء ما يف بطون األنعام حىت تضع ،واملراد بذلك بیع احلمل يف بطن أمه ،وهذا هو بیع املالقیح املنهي
عنه ،على تفسري أكثر العلماء.
وعلة النهي ما فیه من الغرر بسبب جهالة املقدار ،كما أن فیه اجلهالة بصفته،
أما شراء اللنب وبیعه كیال أو وزان ،أبن يتعامل املشرتي مع صاحب أبقار على مقدار معني كل يوم مثل :مائة كیلو،
فهذا جائز إذ ال غرر يف ذلك من جهة املقدار؛
واآلبق :هو العبد اهلارب من سیده ،فال جيوز بیع العبد اآلبق وحنوه كاجلمل الشارد ،واملال الضائع.
وعلة املنع هي عدم القدرة على تسلیمه ،وظاهر احلديث أنه ال فرق بني أن يعلم مكانه أو جيهل ،ويف املسألة
خالف بني الفقهاء ،فمنهم من أجاز بیعه إذا علم مكانه وكان املشرتي قادرا على رده؛ ألن احلكم يثبت بعلته
ويزول بزواهلا ،ومنهم من منع بیعه مطلقا.
واملغان :مجع مغنم ،وهو ما استويل علیه قهرا من أموال الكفار احملاربني ،فهذا ال جيوز بیعه.
وعلة النهي :اجلهالة؛ ألن نصیب الغان جمهول املقدار ،مث إنه ابع ما ال ميلك.
اخلامس :شراء الصدقات حىت تقبض ،فهذا ال جيوز للجهالة ابملقدار ،وألنه ابع ما ال ميلك ،كالذي قبله.
السادس :النهي عن ضربة الغائص ،فال جيوز بیعها،
ومعناها :أن يقول الغواص يف البحر للتاجر :أغوص غوصة فما أخرجه من الآليل فهو لك بكذا.
وعلة النهي :هي الغرر بسبب اجلهالة ،فإنه قد حيصل شیئا كثريا وقد حيصل شیئا قلیال ،وقد ال حيصل شیئا ،وأيضا
لعدم ملك البائع للمبیع حني العقد.
السابع :شراء السمك يف املاء ،فال جيوز بیع السمك وهو يف املاء ،وهذا يشمل بیعه قبل أن يصطاد ،وهذا ال جيوز
ابتفاق العلماء؛ ألنه قبل صیده مال مباح غري مملوك ألحد ،فال يكون حمال للبیع.
ويشمل بیعه بعد أن ميلك ابلصید أو غريه وهو ال يزال يف املاء ،كأن حيوزه يف شبكة وحنوها ،فهذا ال جيوز للجهل
به ،فإن السمك يف املاء غري معروف املقدار ،ومثل ذلك أن يقول :أصید لك مسكة أو مسكتني بكذا ،فال جيوز
للجهالة ابملقدار.
وقد استثىن الفقهاء ما إذا كان السمك ِباء حموز كْبكة يسهل أخذه ويعرف حجمه لصفاء املاء ،فهذا جيوز
إلمكان التسليم وانتفاء اجلهالة َبملقدار.
ومثل ذلك بيع الطري يف اهلواء ،فال جيوز بیع الطري يف اهلواء -مثل احلمام -مطلقا ،سواء اعتاد الرجوع إىل مكانه
أم ال ،ملا فیه من الغرر ،وألنه ال يوثق برجوعه ،فقد يرمى وقد يهلك ،فهو غري مقدور على تسلیمه ،وهذا مذهب
احلنابلة والشافعیة واحلنفیة.
والقول الثاين :إن ألف الرجوع صح بیعه ،وهو اختیار ابن عقیل احلنبلي وبعض احلنفیة ،فإن رجع وإال للمشرتي
الفسخ ،وهذا هو األظهر ،وهللا تعاىل أعلم.
- 44 /٨24عن ابن عباس ﵄ قال :هنى رسول هللا ﷺ أن تباع مثرة حىت تطعم ،وال يباع صوف على ظهر ،وال
لنب يف ضرع ،رواه الطرباين يف «األوسط» ،والدارقطين.
وأخرجه أبو داود يف «املراسیل» لعكرمة ،وهو الراجح.
وأخرجه أيضا موقوفا على ابن عباس إبسناد قوي ،ورجحه البیهقي.
- 45 /٨25وعن أيب هريرة ﵄ ،أن النيب ﷺ هنى عن بیع املضامني ،واملالقیح .رواه البزار ،ويف إسناده ضعف.
درجة اْلديث:
يف هذين احلديثني بعض من بيوع الغرر وقد تقدم سبعة منها ،وهذه بقیتها:
فالثامن :النهي عن بیع الثمرة حىت تطعم ،أي :حىت يبدو صالحها وتصري طعاما يطیب أكلها،
فال جيوز بیع الثمار حىت يدخلها الطعم ويبتدئ فیها النضج ،وهذا إذا بیعت بشرط تركها ،وعلة النهي ما فیه من
الغرر؛
التاسع :بیع الصوف على الظهر ،فال جيوز بیع الصوف ما دام على ظهر لدابة؛ ألنه جمهول ،فیفضي إىل الغرر
واخلصومة والنزاع
وهذا هو املشهور من مذهب احلنابلة ،وهو قول احلنفیة على ما يف ظاهر الرواية ،وهو قول الشافعیة هاسحاق وابن
املنذر ،واختاره الشیخ عبد العزيز بن ابز ،عمال هبذا احلديث؛ ألن العلة ظاهرة يف املنع.
والقول الثاين :جواز بیع الصوف على الظهر بشرط جزه يف احلال .ووجه اجلواز أنه معلوم مشاهد ميكن تسلیمه
يف احلال ،وهو قول مالك ،ورواية عن أمحد ،اختارها شیخ اإلسالم ابن تیمیة ،وتلمیذه ابن القیم.
والقول األول وجيه يف نظري ،لوجود الغرر الذي من شأنه أن يفضي إىل النزاع؛
العاشر :بیع املضامني ،وقد فسره أكثر العلماء مبا يف أصالب الفحول ،مبعىن أن حيمل البائع الفحل على انقته فما
أنتجته كان للمشرتي بكذا .وفسره بعضهم مبا يف أرحام اإلانث أو ما يف بطون احلوامل ،وعلة النهي أن املبیع جمهول
الصفة ،ومتعذر التسلیم.
اْلادي عشر :بیع املالقیح ،وقد فسره أكثر العلماء على أنه ما يف أرحام اإلانث ،أو ما يف بطون احلوامل ،وفسره
بعضهم مبا يف أصالب الفحول ،وعلة النهي كما تقدم ،وهللا أعلم.
- 1 /٨26عن أيب هريرة ﵄ قال :قال رسول هللا ﷺ« :من أقال مسلما بیعته ،أقاله هللا عثرته» .رواه أبو داود،
وابن ماجة ،وصححه ابن حبان ،واحلاكم (.)1
الثاين :أهنا بیع ،وهو رواية عن أمحد ،ومذهب اإلمام مالك؛ ألن املبیع عاد إىل البائع األول على الصفة اليت خرج
علیها منه ،فكان بیعا كاألول
واختلف العلماء يف حكم اإلقالة أبقل أو أكثر من َثن السلعة على قولني:
األول :أهنا ال توز إال ابلثمن ،وقد نقل عن أمحد ما يدل على كراهة الزايدة؛
والقول الثاين :جواز اإلقالة أبقل أو أكثر من الثمن ،وقد نقل عن اإلمام أمحد ما يدل على جواز ذلك.