You are on page 1of 51

‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬

‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫القواعد المتعلقة بوسائل وأساليب القتال‬


‫أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية‬

‫كلية القانون ‪/‬جامعة بابل‬ ‫د‪ .‬حيدر كاظم عبد علي‬


‫‪Haideer1973@yahoo.com‬‬
‫كلية القانون ‪/‬جامعة بابل‬ ‫مالك عباس جيثوم‬

‫الملخص‬
‫تعد النزاعات المسلحة غير الدولية من النزاعات القديمة التي عرفها القانون الدولي‪ ,‬فقد تميزت‬
‫ه ذه النزاع ات بالط ابع المأس اوي نتيج ة انتش ار العن ف واألس لحة فيه ا واالنتهاك ات الخط يرة للمب ادئ‬
‫األساس ية للق انون ال دولي اإلنس اني‪ ,‬وم ع ذل ك ج اء ه ذا األخ ير بتنظيم مح دود وقاص ر ال يكفي لض مان‬

‫‪151‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫الحماية القانونية الدولية الالزمة والمساعدة اإلنسانية لضحايا هذا النوع من النزاعات ‪,‬خصوص ًا إذا ما‬
‫نظرنا إلى التنظيم الدولي الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالقواعد المتعلقة بوسائل القتال وأساليبه ‪,‬نجد ان القانون الدولي اإلنساني قد نظم‬
‫بش كل واض ح وص ريح معظم القواع د المتعلق ة بوس ائل القت ال وأس اليبه أثن اء النزاع ات المس لحة غ ير‬
‫الدولية‪ ,‬على الرغم من خلو المادة الثالثة المشتركة التفاقيات جنيف األربع لعام ‪ 1949‬والبروتوكول‬
‫اإلض افي الث اني لع ام ‪ 1977‬من األحك ام ال تي تتعل ق بوس ائل القت ال وأس اليبه ‪,‬إال ان المش رع ال دولي‬
‫ت دارك ه ذا النقص عام ‪ 1990‬عن دما أص در اإلعالن المتعل ق بتس يير األعم ال العدائي ة أثن اء النزاعات‬
‫المس لحة غ ير الدولي ة ‪,‬فق د احت وى ه ذا األخ ير على العدي د من المب ادئ ذات األهمي ة من أبرزه ا مب دأ‬
‫التمييز بين المدنيين والمقاتلين ‪,‬كما تضمن جانب من القواعد المتعلقة بحظر بعض األسلحة أو تقيدها‬
‫أثناء القتال‪.‬‬
‫في حين بقي البعض اآلخ ر كقاع دة عرفي ة آم رة تس ري أثن اء نش وب ه ذا الن وع من النزاع ات‬
‫المسلحة وتلتزم أطراف النزاع المسلح باحترامها ‪,‬فالتحديات التي تواجه النزاعات المسلحة غير الدولية‬
‫والتي تفرضها بعض وسائل القتال وأساليبه تسري أيضا على النزاعات المسلحة الدولية نتيجة لوجود‬
‫بعض الغم وض في تنظيم ه ذه الوس ائل الس يما في م ا يتعل ق باس تخدام بعض األس لحة وخصوص ا‬
‫األسلحة التقليدية ‪,‬كاألسلحة النووية مثًال‪.‬‬

‫المقدمة‬

‫يتضمن القانون الدولي اإلنساني بعض االتفاقيات الدولية التي تهدف إلى تنظيم األعمال العدائية‬
‫‪ ,‬واستخدام أدوات ووسائل القتال (قانون الهاي)‪ ,‬حيث توجد العديد من القواعد الدولية التي تحكم سير‬
‫وإ دارة العمليات العدائية ‪ ,‬فهناك بعض األحكام التي تحد من استخدام وسائل وأساليب معينة أثناء‬

‫‪152‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫النزاعات المسلحة ‪ ,‬سواء كان ذلك بحظر اللجوء إلى أساليب محددة في القتال أو حظر أو تقييد‬
‫استخدام أنواع معينة من األسلحة ‪ ,‬ويأتي تكريس هذه القواعد في قانون النزاعات المسلحة تطبيقًا لمبدأ‬
‫قانون الحرب الذي يقيد من سلطة أطراف النزاع في اختيار وسائل األضرار بالعدو‪.‬‬
‫وتهدف القواعد المتعلقة بالحد من وسائل القتال وأساليبه ‪ ,‬إلى تنظيم سير األعمال العدائية‬
‫ومراعاة مقتضيات الضرورات العسكرية في المقام األول ‪ ,‬وإ ذا كانت هذه القواعد تجد أساسها‬
‫القانوني بشكل مباشر في اتفاقيات الهاي ‪ ,‬إال إن قانون جنيف أخذ بالعديد من هذه القواعد خصوصا‬
‫في نطاق البروتوكولين اإلضافيين لعام ‪ ,1977‬فبعد اتساع دائرة المحظورات والقيود التي يفرضها‬
‫قانون النزاعات المسلحة على حق أطراف النزاع المسلح واختيار وسائل القتال وأساليبه ‪ ,‬أصبح مجال‬
‫تطبيق هذه القواعد التي تتضمن تلك القيود والمحظورات من المجاالت األساسية للقانون الدولي‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫وقد أوردت األحكام المتعلقة بالنزاعات المسلحة الدولية ‪ ,‬القواعد التي تلزم أطراف النزاع‬
‫المسلح بضرورة اتخاذ جميع االحتياطات الالزمة عند اختيار وسائل القتال وأساليبه (المادة ‪ )57‬من‬
‫البروتوكول اإلضافي األول لعام ‪ , 1977‬وعلى العكس من ذلك بالنسبة لألحكام المنظمة للنزاعات‬
‫المسلحة غير الدولية ‪ ,‬إذ لم تتضمن األحكام المنظمة لهذا النوع من النزاعات أي إشارة صريحة‬
‫لواجب اتخاذ االحتياطات الالزمة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من االهتمام المحدود بالنزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬وضيق التنظيم القانوني‬
‫الدولي لها مقارنًة بالنزاعات المسلحة الدولية ‪ ,‬إال إن معظم القواعد المتعلقة بالحد من وسائل القتال‬
‫وأساليبه هي في األصل قواعد عرفية ‪ ,‬وعادة ما تتميز هذه األخيرة بأنها قواعد عامة ومرنة تطبق‬
‫على جميع النزاعات المسلحة‪.‬‬
‫وتعد مسألة تنظيم الحد من وسائل القتال وأساليبه من المواضيع المهمة ‪ ,‬فإذا كان القانون الدولي‬
‫اإلنساني جاء لغرض الحماية اإلنسانية بالدرجة األولى ‪ ,‬فيجب أن يقيد حق أطراف النزاع المسلح من‬
‫خالل تحريم استخدام الوسائل واألساليب التي تخلف آثارًا تخرج عن إطار اإلنسانية ‪ ,‬أي بتعبير أخر‬
‫أن تكون أحكام هذا القانون ذات طبيعة وقائية تهدف إلى حماية اإلنسان وتجنبه مخاطر العمليات‬
‫العدائية التي ال يمكن تداركها ومعالجتها فيما لو وقعت‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫ولتسليط الضوء على القواعد واألحكام المتعلقة بوسائل القتال وأساليبه أثناء النزاعات المسلحة‬
‫غير الدولية ‪ ,‬سنتناول هذا الموضوع من خالل مبحثين وكاالتي‪-:‬‬
‫المبحث األول ‪ -:‬النزاعات المسلحة غير الدولية والمبادئ األساسية في القتال‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -:‬أساليب القتال وقواعد الحظر والتقييد لألسلحة المستخدمة‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫النزاعات المسلحة غير الدولية والمبادئ األساسية في القتال‬

‫من المعلوم ان المبادئ األساسية التي تنظم قواعد القتال وسلوكه تسري على أي نزاع مسلح ‪,‬‬
‫وبغض النظ ر عن طبيع ة ذل ك ال نزاع المس لح س واء ك ان دولي أم غ ير دولي ‪ ,‬وس نحاول دراس ة ه ذا‬
‫المبحث من خالل مطلبين ‪ ,‬نتناول في المطلب األول مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬ون بين في‬
‫المطلب الثاني المبادئ األساسية المتعلقة بقواعد القتال وسلوكه‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية‬

‫إن البحث في مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬يتضمن الكثير من التفاصيل واألمور التي‬
‫تحتاج إلى بحث مطول ‪ ,‬خصوصًا إذا ما تطرقنا إلى موقف الفقه والقضاء الدوليين من هذا‬

‫‪154‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫الموضوع ‪ ,‬وسنحاول بيان مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية في ضوء ما ورد في االتفاقيات‬
‫الدولية فقط ‪ ,‬إذ توجد ثالث مفاهيم محددة للنزاع المسلح غير الدولي وردت في االتفاقيات الدولية ‪ ,‬لذا‬
‫سنقسم هذا المطلب إلى ثالثة فروع ‪ ,‬نتناول في الفرع األول مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية في‬
‫ظل المادة الثالثة المشتركة التفاقيات جنيف األربع لعام ‪ ,1949‬ونتطرق في الفرع الثاني إلى مفهوم‬
‫النزاعات المسلحة غير الدولية طبقًا للبروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ , 1977‬ونكرس الفرع الثالث‬
‫لبيان مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية وفقًا لنظام روما األساسي لعام ‪.1998‬‬

‫الفرع األول‬
‫مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية في ظل المادة الثالثة المشتركة‬

‫لعل من أبرز ما ورّد في اتفاقيات جنيف لعام ‪ , 1949‬هو إخضاع النزاعات المسلحة غير‬
‫الدولية للقانون الدولي بشكل رسمي ‪ ,‬وذلك بموجب المادة الثالثة المشتركة لتلك االتفاقيات(‪ .)1‬فقد شكل‬
‫المؤتمر الدبلوماسي لعام ‪ 1949‬الخطوة األولى للدول في مجال معالجة مشكلة النزاعات المسلحة غير‬
‫الدولية ‪ ,‬من خالل وضع تشريع دولي قابل للتطبيق على هذه النزاعات ‪ ,‬إال إن هذه المادة لم تبين‬
‫صراحًة المقصود بالنزاعات المسلحة غير الدولية لكي تنطبق عليها أحكامها‪.‬‬
‫و يالحظ على هذه المادة بأنها لم تأخذ بالمصطلحات المستخدمة في ظل القانون الدولي التقليدي‬
‫‪ ,‬للتعبير عن النزاعات المسلحة الداخلية ‪ ,‬كالحرب األهلية ‪ ,‬والثورة‪ ,‬والتمرد ‪ ,‬وإ نما جاءت بمصطلح‬
‫جديد لتطبق أحكامها عليه وهو مصطلح "النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي" ‪ ,‬من دون أن‬
‫تضع له تعريفًا واضحًا ومحددًا ‪ ,‬وإ نما اكتفت بذكر صفته غير الدولية ‪ ,‬والدائر في أراضي أحد‬
‫األطراف السامية المتعاقدة(‪ , )2‬إذ تنص المادة المذكورة على أنه (في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع‬
‫دولي ‪ ,‬في أراضي احد اإلطراف السامية المتعاقدة ‪ ,‬يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى‬
‫األحكام التالية‪.)......‬‬
‫‪ )?(1‬يقصد بتعبير المادة الثالثة المشتركة أنها وردت في كل اتفاقيات جنيف األربع المبرمة في عام ‪1949‬‬
‫إذ وردت في االتفاقية األولى والثانية والثالثة والرابعة وبنفس الشكل والمضمون‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫ويرى البعض ‪ ,‬إن المؤتمرين في جنيف عندما ذهبوا إلى تبني مصطلح النزاعات المسلحة‬
‫غير الدولية ‪ ,‬كانوا يقصدون بذلك الحرب األهلية بمعناها الفني الدقيق ‪ ,‬التي بمناسبتها يبلغ التمرد‬
‫أقصى ذروته ومنتهاه من جهة تفتيت الوحدة الوطنية داخل الدولة التي أندلع فيها التمرد ‪ ,‬مما يعني إن‬
‫التنظيم الدولي بموجب المادة الثالثة المشتركة ‪ ,‬أنصرف إلى الحرب األهلية دون غيرها من صور‬
‫النزاعات المسلحة غير الدولية األخرى(‪.)3‬‬
‫وقد اقترحت اللجنة الدولية للصليب األحمر ‪ ,‬بعض المعايير الموضوعية في محاولة منها‬
‫إليجاد تعريف محدد للنزاع المسلح غير الدولي ‪ ,‬يمكن أن تنطبق عليه اتفاقيات جنيف األربع لعام‬
‫‪ 1949‬وتتلخص هذه المعايير باالتي‪-:‬‬
‫أ‪ -‬أن يملك الطرف المتمرد قوة عسكرية منظمة ‪ ,‬وسلطة مسئولة عن أعمالها ‪ ,‬تعمل على جزء من‬
‫اإلقليم ولديها القدرة على احترام أحكام اتفاقيات جنيف األربع‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن تكون الحكومة الشرعية مضطرة الستدعاء جيشها المنظم لمحاربة المتمردين‪.‬‬
‫ت‪ -‬أن تكون قد اعترفت للمتمردين بصفة المحاربين ‪ ,‬وأن تدعي أنها في حالة حرب‪.‬‬
‫ث‪ -‬إذا كان النزاع قد أدرج في جدول أعمال مجلس األمن أو الجمعية العامة لألمم المتحدة ‪ ,‬على انه‬
‫يهدد السلم واألمن الدوليين ‪ ,‬أو يشكل حالة العدوان‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يكون للمتمردين نظام تتوافر فيه بعض خصائص الدولة(‪ , )4‬إال إن المؤتمر الدبلوماسي لم يتمكن‬
‫من وضع تعريف مقبول للنزاع المسلح غير الدولي(‪.)5‬‬
‫وفي ظل غياب تعريف النزاعات المسلحة غير الدولية بموجب المادة الثالثة المشتركة ‪ ,‬بسبب‬
‫عدم اتفاق أعضاء المؤتمر الدبلوماسي لعام ‪ 1949‬على ذلك ‪ ,‬أصبح هذا األمر موضع اهتمام اللجان‬
‫والمؤتمرات الدولية ‪ ,‬لذلك أعيد النظر في موضوع النزاعات المسلحة غير الدولية من جديد في‬
‫المؤتمر الدبلوماسي المنعقد من عام ‪ ,1977-1974‬الذي انتهى إلى وضع البروتوكولين اإلضافيين‬
‫األول والثاني لعام ‪ 1977‬وما يهمنا ضمن موضوع البحث اإلشارة إلى البروتوكول اإلضافي الثاني(‪.)6‬‬

‫د‪ .‬حازم محمد عتلم ‪,‬قانون النزاعات المسلحة الدولية ‪,‬المدخل‪ -‬النطاق الزماني‪ ,‬دار النهضة العربية ‪,‬الطبعة الثانية‬ ‫‪))3‬‬

‫‪,‬القاهرة ‪ , 2002,‬ص‪.166‬‬
‫شريف عتلم ‪ ,‬محاضرات في القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬اللجنة الدولية للصلب األحمر ‪,‬الطبعة ‪,‬الخامسة‬ ‫‪)?(2‬‬

‫‪ , 2005,‬ص‪ , 38‬وينظر أيضا احمد غازي فخري الهرمزي ‪ ,‬المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسالفيا‬
‫السابقة ‪ ,‬رسالة ماجستير ‪ ,‬كلية القانون ‪ ,‬جامعة بابل ‪ , 1997 ,‬ص‪.55‬‬

‫‪156‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫الفرع الثاني‬
‫مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية طبقًا للبروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪1977‬‬

‫حاول المؤتمر الدبلوماسي لعام ‪ ,1977-1974‬أن يعالج النقص الوارد في المادة الثالثة‬
‫المشتركة ‪ ,‬والمتمثل بغياب تعريف النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬لذلك جاء البروتوكول اإلضافي‬
‫الثاني الذي يتمم ويكمل المادة الثالثة المشتركة بوصفه نتاجًا لسعًي جاد للتعريف بهذا النوع من‬
‫النزاعات المسلحة ‪ ,‬وقد نص بشكل صريح على تعريف النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬بأنها‬
‫(النزاعات التي تدور على إقليم احد األطراف السامية المتعاقدة ‪ ,‬بين قواته المسلحة وقوات مسلحة‬
‫منشقة ‪ ,‬أو جماعات نظامية مسلحة أخرى ‪ ,‬وتمارس تحت قيادة مسئولة على جزء من اإلقليم من‬
‫السيطرة ‪ ,‬ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة ‪ ,‬وتستطيع تنفيذ هذا البروتوكول)(‪.)7‬‬
‫ويالحظ إن البروتوكول المذكور‪ ,‬قد عرف النزاعات المسلحة غير الدولية من ناحية ايجابية ‪,‬‬
‫بأنها ليست نزاعات دولية أو بين الدول ‪ ,‬وأنها نزاعات مسلحة تدور في إقليم احد األطراف المتعاقدة‬
‫(‪.)8‬‬
‫والحقيقة أن البروتوكول اإلضافي الثاني ‪ ,‬قد ضيق من مفهوم النزاع المسلح غير الدولي‬
‫مقارنة مع المفهوم الوارد في المادة الثالثة المشتركة ‪ ,‬خصوصًا عندما أشترط عنصر الرقابة‬
‫اإلقليمية ‪ ,‬إلى جانب اشتراطِه كون الدولة طرفًا في ذلك النزاع ‪ ,‬وهي الشروط الكالسيكية نفسها التي‬
‫أخذ بها القانون الدولي التقليدي(‪ ,)9‬مما يعني أنه أقتصر على تنظيم صورة واحدة من صور النزاعات‬
‫المسلحة غير الدولية ‪ ,‬وهي الحرب األهلية بمعناها الفني الدقيق ‪ ,‬وبالتالي فأن النزاعات التي تدور‬
‫بين مجموعتين أو أكثر من الجماعات المتمردة ‪ ,‬ال تعد على وفق هذا البروتوكول نزاعات مسلحة‬
‫غير دولية ‪ ,‬حتى وان استوفت العناصر المذكورة في أعاله(‪.)10‬‬
‫وعلى الرغم من أهمية هذا التعريف ‪ ,‬إال انه لم يعالج جميع المشاكل التي أثارتها المادة‬
‫الثالثة ‪ ,‬المشتركة لألسباب التي ذكرناها ‪ ,‬وهي(السيطرة على جزء من اإلقليم ‪ ,‬وكون الحكومة القائمة‬
‫طرف في النزاع) ‪ ,‬لذلك لم يكن هذا التعريف محل اتفاق بين كثير من الدول التي ساهمت في وضع‬
‫هذا البروتوكول ‪ ,‬كما انه يعد السبب في عزوف العديد من الدول عن القبول بوصفها أطرافًا في هذا‬
‫البروتوكول ‪ ,‬والتزمت فقط بأحكام المادة الثالثة المشتركة التفاقيات جنيف األربع لعام ‪ ,1949‬وهذا ما‬

‫‪157‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫أكدته بعض الوفود المشاركة في المؤتمر الدبلوماسي ‪ , 1977-1974‬ومنها الوفد التركي الذي قال‬
‫بأن هذا البروتوكول ‪ ,‬وأن كان يطور ويكمل المادة الثالثة المشتركة ‪ ,‬ويعطي وصفًا دقيقًا للنزاع‬
‫المسلح غير الدولي ‪ ,‬إال أنه مع ذلك ال يغطي جميع األشكال التي تتخذها النزاعات المسلحة غير‬
‫الدولية(‪.)11‬‬
‫وفي ضوء ما سبق ‪ ,‬يتضح لنا أن مصطلح النزاعات المسلحة غير الدولية الوارد في المادة (‬
‫‪ )1/1‬من البروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ ,1977‬مرادف لمصطلح الحرب األهلية بمعناها الفني‬
‫الدقيق ‪ ,‬لذا فهو مصطلح ضيق جدا‪.‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫مفهوم النزاعات المسلحة غير الدولية وفقا لنظام روما األساسي لعام ‪1998‬‬

‫عند إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما األساسي ‪ ,‬واجهت الدول األطراف في‬
‫هذا النظام مشكلة تحديد مفهوم النزاع المسلح غير الدولي ‪ ,‬وقد ابتعدت األطراف المشاركة في معاهدة‬
‫روما كثيرًا عن المفهوم الذي جاء به البروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ , 1977‬وتبنت مفهوم أخر‬
‫‪ ,‬وذلك في المادة (‪/8/2‬و)‬ ‫مشابه للتعريف الذي وضعته المحكمة الجنائية الدولية ليوغسالفيا السابقة‬
‫(‪)12‬‬

‫من النظام األساسي لمحكمة روما بنصها (‪ ....‬المنازعات المسلحة التي تقع في إقليم دولة عندما يوجد‬
‫صراع مسلح متطاول األجل بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة منظمة ‪ ,‬أو فيما بين هذه‬
‫الجماعات)(‪.)13‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫المبادئ األساسية المتعلقة بقواعد القتال وسلوكه‬

‫‪158‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫كان القانون الدولي التقليدي الذي يسلم بحق الدولة المطلق في شن الحرب يقوم على أساس إن‬
‫‪,‬أقتضى ضرورة تقييد‬ ‫(‪)14‬‬
‫"الضرورة العسكرية ترجح قواعد الحرب" ‪ ,‬إال إن تطور أساليب القتال‬
‫حرية المتحاربين في اختيار وسائل إلحاق األذى ‪ ,‬بالخصم عن طريق وضع قيود عديدة على سلوك‬
‫أطراف النزاع أثناء العمليات القتالية ‪ ,‬من أجل تخفيف المعاناة واآلالم التي تخلفها النزاعات المسلحة‬
‫سواء كانت دولية أم غير دولية ‪ ,‬التي يعاني منها المدنيين والعسكريين على حٍد سواء(‪.)15‬‬
‫وتعد اتفاقيتي الهاي لعامي ‪ 1899‬و‪ , 1907‬أول محاولة لوضع قانون ملزم يقيد حرية أطراف‬
‫النزاع المسلح في اختيار وسائل القتال وأساليبه ‪ ,‬فقد أوردت المادة (‪ )22‬من اتفاقية الهاي لعام‬
‫‪ 1907‬المبدأ الذي يقيد حرية المحاربين في اختيار وسائل األضرار بالخصم بنصها (ليس للمتحاربين‬
‫حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو)‪ ,‬كما ورد هذا المبدأ في البروتوكول اإلضافي‬
‫األول لعام ‪ 1977‬وتحديدا في المادة (‪ )35/1‬منه(‪.)16‬‬
‫وتشكل هذه القواعد بمجموعها سواء كانت عرفية أم اتفاقية ‪ ,‬المبادئ األساسية التي يقوم عليها‬
‫القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬وهي في الحقيقة نتاج تسويَة بين مبدأين متعارضين وهما مبدأ اإلنسانية‬
‫ومبدأ الضرورة العسكرية ‪ ,‬ويحكم هذين المبدأين مبدأ ثالث يعمل على التوفيق بين تلك االعتبارات‬
‫اإلنسانية والضرورة العسكرية وهو مبدأ التناسب ‪ ,‬وهذا ما سنحاول بيانه من خالل ثالثة فروع‬
‫كاآلتي‪:‬‬

‫الفرع األول‬
‫مبدأ اإلنسانية‬
‫يقتضي هذا المبدأ توفير حماية خاصة لإلنسان ‪ ,‬فيلزم إطراف النزاع المسلح بالكف عن كل ما‬
‫هو دون الضرورة العسكرية ‪ ,‬ويدعو إلى تجنب أعمال القسوة والوحشية في القتال ‪ ,‬خصوصا إذا كان‬
‫استعمال هذه األساليب ال تجدي في تحقيق الهدف من الحرب وهو تحقيق النصر وهزيمة العدو ‪ ,‬فقتل‬
‫الجرحى أو األسرى أو االعتداء على النساء واألطفال أو على المدنيين غير المشاركين في األعمال‬
‫القتالية بوجه عام كلها أمور تخرج عن إطار أهداف الحرب ‪ ,‬ومن ثم تعد أعمال غير إنسانية(‪.)17‬‬
‫وعادة ما يميز هذا المبدأ قانون حماية ضحايا النزاعات المسلحة ‪ ,‬وذلك الن مبدأ الضرورة‬
‫العسكرية ‪ ,‬ال يمكن أن يسوغ القضاء على من لم يعد قادرا على حمل السالح ومواصلة القتال ‪ ,‬أو من‬
‫ال يشارك فيه أصال(‪ ,)18‬وقد قامت اتفاقيات جنيف لعام ‪1949‬على أساس االلتزام بتوفير المعاملة‬

‫‪159‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫اإلنسانية لألشخاص المحميين ‪ ,‬وأوجبت أن يحكم هذا المبدأ أطراف النزاع المسلح بوصف ذلك حدًا‬
‫أدنى من جهة سلوك القتال والوسائل المستخدمة فيه ‪ ,‬وهذا ما أخذ به البروتوكول اإلضافي األول لعام‬
‫‪.)19(1977‬‬
‫كما أخذ قانون النزاعات المسلحة غير الدولية بهذا المبدأ و أكده ‪ ,‬إذ ألزم أطراف النزاع المسلح‬
‫غير الدولي أن يعاملوا األشخاص المحميين في جميع األحوال معاملة إنسانية من دون أي تمييز‬
‫مجحف يقوم على أساس العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي‬
‫معيار مماثل أخر(‪.)20‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫مبدأ الضرورة العسكرية‬

‫يعد هذا المبدأ ‪ ,‬من أهم المبادئ األساسية التي قام عليها القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬ويقصد‬
‫بمبدأ الضرورة العسكرية بشكل عام ‪ ,‬هو التزام أطراف النزاع المسلح باستخدام القوة الضرورية‬
‫لتحقيق هدف القتال الذي يتمثل بشل قوة الخصم واالنتصار عليه ‪ ,‬ومن ثم فإن كل استخدام للقوة‬
‫المسلحة يتجاوز تحقيق الهدف من القتال يصبح دون مسوغ من مسوغات الضرورة العسكرية ‪ ,‬ومن‬
‫‪ ,‬فهذا المبدأ يدور في إطار فكرة تتمثل في إن استخدام أساليب القوة‬ ‫(‪)21‬‬
‫ثم يعد عمال غير مشروع‬
‫والعنف والخداع في الحرب ‪ ,‬تقف عند قهر العدو وتحقيق الهدف من الحرب وهو االنتصار على‬
‫العدو‪ ,‬وال يجوز للطرف المنتصر االستمرار والتمادي في مواصلة األعمال العدائية ضد الطرف‬
‫األخر(‪.)22‬‬
‫وال يمكن األخذ بهذا المبدأ بشكل مطلق ‪ ,‬فقد وضع القانون الدولي اإلنساني حدودًا له ‪ ,‬إذ لم‬
‫ُي جز الدفع بوجود ضرورة عسكرية لتسويغ القيام بفعل محظور ‪ ,‬كتدمير األعيان والمواد التي ال غنى‬

‫عنها لبقاء السكان المدنيين أو مهاجمة األهداف التي تحتوي على قوى خطرة حتى إذا كانت هدفًا‬
‫عسكريًا في بعض األحيان(‪.)23‬‬

‫‪160‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫ويدخل هذا األمر في ضمن واجبات القادة العسكريين في الميدان ‪ ,‬فهم ُم لزمون بالعمل على‬
‫منع انتهاك القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬ومما ال شك فيه إن تجاوز حالة الضرورة العسكرية يشكل‬
‫انتهاكًا لهذا القانون ‪ ,‬فإذا كان عمل القادة العسكريين في الميدان يقتصر بشكل أساسي على هزيمة‬
‫العدو واالنتصار عليه ‪ ,‬إال إن هذا العمل مقيد بعدم تجاوز الحدود التي ال يقرها القانون الدولي‬
‫اإلنساني ومن ثم فهم ملزمون باتخاذ االحتياطات الالزمة لحصر الخسائر واإلضرار التي تلحق‬
‫بالمدنيين واألعيان المدنية في أضيق نطاق ممكن(‪.)24‬‬
‫وعلى الرغم من تباين أراء الفقهاء حول مشروعية العمليات العسكرية الحربية أو عدم‬
‫مشروعيتها تلك التي تقع في ظل قيام حالة الضرورة (‪ ,)25‬إال إننا نتفق مع االتجاه الذي يذهب إلى أنها‬
‫من المبادئ المهمة التي اخذ بها القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬ولكن يجب أن تقدر هذه الضرورة بقدرها‬
‫فال يجوز أن تتخذ ذريعًة لخرق قوانين الحرب و أعرافها ‪ ,‬ففي هذه الحالة تنتفي الغاية من وجودها‬
‫وتخرج من إطار األعمال المشروعة وتصبح عمال محظورًا‪.‬‬
‫فمبدأ الضرورة يعني عدم تجاوز مقتضيات الحرب ‪ ,‬وهي تحقيق النصر وإ ضعاف قدرة العدو‬
‫بالطرق و األساليب التي ال تخالف أي حكم من قوانين الحرب ‪ ,‬سواء كان هذا الحكم قد تقرر بموجب‬
‫قاعدة عرفية أو اتفاقية ‪ ,‬فمثال ال يجوز مهاجمة األهداف المدنية حتى لو كانت خالية من السكان‬
‫المدنيين لعدم وجود ضرورة تسوغ ذلك (‪.)26‬‬
‫وقد أخذت اتفاقيات جنيف لعام ‪ 1949‬بفكرة الضرورة العسكرية التي قد تمليها ظروف القتال‬
‫‪ ,‬وجعلت منها مسوغًا لبعض االنتهاكات الجسيمة ألحكامها ‪ ,‬فقد أشارت هذه االتفاقيات إلى أن تدمير‬
‫الممتلكات أو االستيالء عليها على نطاق واسع ُيعد انتهاكا جسيما لهذه االتفاقيات ما لم تبرره‬
‫الضرورات الحربية (‪.)27‬‬
‫كما أخذ قانون النزاعات المسلحة غير الدولية بمبدأ الضرورة العسكرية ‪ ,‬فقد أشارت المادة (‬
‫‪ )15‬من البروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ ,1977‬إلى حظر مهاجمة المنشآت المحتوية على قوى‬
‫خطرة حتى لو كانت أهدافًا عسكرية ‪ ,‬إذا كان من شان ذلك أن يلحق خسائر فادحة بالسكان المدنيين ‪,‬‬
‫كما حظرت المادة (‪ )17‬من البروتوكول ذاته الترحيل القسري للمدنيين ‪ ,‬ما لم تبرره الضرورات‬
‫العسكرية الملحة‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫وأخذ بهذا المبدأ أيضا اإلعالن المتعلق بتسيير األعمال العدائية أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية‬
‫لعام ‪ 1990‬في الفقرة (‪ )8‬منه ‪ ,‬التي تلزم أطراف النزاع باتخاذ تدابير احتياطية عند شن أي هجوم‪.‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫مبــــــــدأ التناسب‬
‫يعد مبدأ التناسب ‪ ,‬أحد المبادئ الجوهرية التي يجب تطبيقها أثناء النزاعات المسلحة سواء‬
‫كانت دولية أم غير دولية ‪ ,‬ألنه يهدف إلى الحد أو التقليل من الخسائر و أوجه المعاناة المترتبة على‬
‫العمليات العسكرية سواء بالنسبة لألشخاص أو األشياء(‪.)28‬‬
‫ويعد هذا المبدأ من المسائل الدقيقة التي يصعب تحقيقها في بعض األحيان أثناء القتال وإ دارة‬
‫‪,‬إذ يحظر القانون الدولي اإلنساني الهجمات غير المتناسبة من أجل إنقاذ المدنيين‬ ‫(‪)29‬‬
‫العمليات الحربية‬
‫واألعيان المدنية من آثار الحرب بقدر اإلمكان‪.‬‬
‫ويقصد بالهجوم غير المتناسب ‪ ,‬بأنه (الهجوم الذي يتوقع منه أن يسبب خسائر في أرواح‬
‫المدنيين أو أصابتهم ‪ ,‬أو يلحق أضرارا باألعيان المدنية ‪ ,‬أو أن يجمع بين هذه الخسائر واألضرار‬
‫بشكل يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة)‪.‬‬
‫(‪)30‬‬

‫ويعتمد مبدأ التناسب على تحقيق التوازن بين أمرين جوهريين ‪ ,‬هما الميزة العسكرية المتوقعة‬
‫من أعمال القتال من جانب ‪ ,‬والخسائر التي تلحقها هذه العمليات بالمدنيين واألعيان المدنية من جانب‬
‫أخر‪ ,‬ويشترط في الميزة العسكرية أن تكون متوقعة ‪ ,‬وتتحقق عادة من خالل السيطرة على جزء من‬
‫اإلقليم أو تدمير القوات العسكرية للعدو أو أضعافها ‪ ,‬كما يشترط فيها أن تكون "ملموسة ومباشرة" وقد‬
‫أشار النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام ‪ ,1998‬إلى هذه الشروط بنصه (‪....‬بالقياس إلى‬
‫‪,‬بمعنى أن تكون هذه الميزة كبيرة‬ ‫مجمل الميزات العسكرية المتوقعة والملموسة والمباشرة)‬
‫(‪)31‬‬

‫ومباشرة نسبيًا ‪ ,‬وال يجوز أن تكون محتملة الوقوع في المدى البعيد ‪ ,‬وبخالف ذلك نكون أمام مشكلة‬
‫عدم التناسب بين الخسائر واألضرار المدنية الواقعة من جانب والميزة العسكرية المتوقعة من جانب‬
‫آخر‪ ,‬وهو ما يشكل انتهاكًا صارخا لمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬وفي حالة‬
‫حصول شك أو تردد في مسألة تحقق مبدأ التناسب أو عدم تحققه ‪ ,‬فيجب أن يفسر هذا الشك لمصلحة‬

‫‪162‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫السكان المدنيين والقول بعدم تحقيق التناسب ‪ ,‬ألن القانون الدولي اإلنساني يشترط دائما إعطاء‬
‫األولوية في االهتمام لمصلحة السكان المدنيين واألعيان المدنية ‪ ,‬وذلك ألنه حتى في الهجمات التي قد‬
‫تكون مشروعة وتستند إلى قاعدة التناسب وغيرها من المبادئ القانونية األخرى تتسبب في معاناة‬
‫رهيبة للمدنيين(‪. )32‬‬
‫وجدير بنا أن نذكر بأن مبدأ التناسب لم يرد في األحكام المنظمة للنزاعات المسلحة غير الدولية‬
‫بشكل صريح ‪ ,‬ال في المادة الثالثة المشتركة التفاقيات جنيف األربع لعام ‪ ,1949‬وال في البروتوكول‬
‫اإلضافي الثاني لعام ‪1977‬وانما ورد بشكل ضمني ‪ ,‬غير انه تم دمجه في نصوص أخرى تنطبق على‬
‫النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬إذ ورد المبدأ المذكور في الفقرة (‪ )8‬من اإلعالن المتعلقة بتسيير‬
‫اإلعمال العدائية في النزاعات المسلحة غير الدولية الصادر عام ‪.)33(1990‬‬
‫كما أخذ به النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ‪ ,‬الذي عد إن "تدمير ممتلكات العدو أو‬
‫االستيالء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو االستيالء ما تحتمه ضرورات الحرب ‪ ,‬في ضمن‬
‫االنتهاكات الجسيمة التي تعد من جرائم الحرب ‪ ,‬إذ يشير هذا النص إلى مفهوم الضرورة العسكرية‬
‫والى مبدأ التناسب التي ال يجوز الخروج عليها في النزاعات المسلحة غير الدولية(‪.)34‬‬
‫فضال عن ذلك ‪ ,‬ورد مبدأ التناسب في القانون الدولي العرفي الذي يطبق في النزاعات‬
‫المسلحة الدولية وغير الدولية (‪ ,)35‬لذا يمكن القول إن مبدأ التناسب يعد قاعدة عرفية تواتر على‬
‫تطبيقها أطراف النزاعات المسلحة ‪ ,‬واستقرت في ضمير الجماعة الدولية منذ القدم ‪ ,‬وهذا بحد ذاته‬
‫كفيل على توفير الحماية الدولية للمدنيين واألعيان المدنية ضد أخطار النزاعات المسلحة ‪ ,‬كما أشار‬
‫قانون الهاي إلى هذا المبدأ في نصوص عديدة ‪ ,‬فعلى سبيل المثال ورد مبدأ التناسب في البروتوكول‬
‫الثاني بشأن حظر أو تقييد استعمال األلغام واإلشراك والنبائط األخرى لعام ‪ ,1980‬حيث نصت‬
‫المادة (‪ )3/3‬منه على أن (يحظر استعمال العشوائي لألسلحة التي تنطبق عليها هذه المادة ‪ ,‬ويعد‬
‫استعماال عشوائيا أي نصت لمثل هذه األسلحة‪ ,.......‬ج‪ -‬يمكن أن يتوقع منه أن يودي عرضًا إلى‬
‫قتل مدنيين أو جرحهم أو إتالف أعيان مدنية أو إلى مزيج من ذلك على وجه يكون مفرطًا بالقياس‬
‫إلى الفائدة العسكرية الملموسة والمباشرة المنتظرة منه)‪.‬‬
‫كما أخذ دليل سان ريمو بشأن القانون الدولي المنطق في النزاعات المسلحة في البحار الذي‬
‫أعد في المدة من عام (‪ )1994-1988‬بمبدأ التناسب إذ نص البند (‪/46‬ج) منه على انه (يجب‬

‫‪163‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫االمتناع عن شن أي هجوم إن كان من المتوقع أن يسبب خسائر أو أضرار عرضية مفرطة ‪ ,‬مقارنة‬
‫مع الفائدة العسكرية المباشرة والملموسة التي يرتقب جنيها)‬
‫وخالصة القول نرى انه يجب على األطراف في أي نزاع مسلح ‪ ,‬أن يلتزموا بقاعدة التوازن‬
‫بين االعتبارات اإلنسانية والضرورة العسكرية ‪ ,‬فإذا كانت األعمال العسكرية مشروعة من الناحية‬
‫القانونية من اجل إلحاق الهزيمة بالعدو وتحقيق النصر ‪ ,‬فإن هذه اإلعمال مقيدة بحدود معينة يجب أن‬
‫ال تتجاوزها بما يؤدي إلى إلحاق األذى بالمدنيين أو األضرار بهم ‪ ,‬فهذه األمور تعد محظورة بموجب‬
‫القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬لذلك فعلى األطراف المتحاربة أن ال يحدثوا من األذى على الخصم بما ال‬
‫يتناسب مع هدف القتال‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫أساليب القتال وقواعد الحظر والتقييد لألسلحة المستخدمة‬

‫نظم القانون الدولي اإلنساني القواعد المتعلقة بوسائل القتال وأساليبه ‪ ,‬وأورد عليها بعض القيود‬
‫التي يتعلق بعضها بأساليب القتال ويرد البعض اآلخر على األسلحة المستخدمة فيه ‪ ,‬ولبيان هذا‬
‫الموضوع وجدنا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين ‪ ,‬نتناول في المطلب األول القيود المفروضة على‬
‫أساليب القتال ‪ ,‬ونتطرق في المطلب الثاني إلى القواعد المتعلقة بحظر أو تقييد بعض األسلحة أثناء‬
‫القتال‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫القيود المفروضة على أساليب القتال‬

‫‪164‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫إذا كان تنظيم وسائل القتال وأساليبه قد ورد بشكل أساسي في اتفاقيات الهاي لعامي (‪-1899‬‬
‫‪ ,)1907‬فإن هذه األخيرة تتضمن قواعد قليلة تتعلق بتنظيم أساليب الحرب ‪ ,‬مقارنة بالتطور الالحق‬
‫على اعتماد هذه االتفاقيات في مجال وسائل الحرب وطرق استخدامها ‪ ,‬لذلك ظهرت الحاجة إلى وضع‬
‫قواعد جديدة تتماشى مع التطور الحاصل في أساليب القتال ‪ ,‬وقد تضمنت اتفاقيات جنيف األربع لعام‬
‫‪ 1949‬والبروتوكوالن اإلضافيان لعام ‪ 1977‬األحكام التي تتعلق بتنظيم بعض وسائل القتال وأساليبه‪.‬‬
‫وسنحاول بيان القيود المفروضة على وسائل القتال وأساليبه الواردة في القواعد المنظمة‬
‫للنزاعات المسلحة غير الدولية‪ ,‬بوصفها داخله في نطاق بحثنا‪ ,‬وذلك من خالل أربعة فروع على النحو‬
‫األتي‪:‬‬

‫الفرع األول‬
‫التمييز بين المحاربين واألشخاص المدنيين‬
‫يعد مبدأ التمييز بين المحاربين والمدنيين ‪ ,‬من أهم القيود الواردة على وسائل القتال وأساليبه‬
‫المطبقة على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية ‪ ,‬ويلعب هذا المبدأ دورا أساسيا في الحد من آثار‬
‫النزاع المسلح العتبارات إنسانية (‪ ,)36‬وقد ورد هذا المبدأ ألول مرة في إعالن سان بطرسبرغ ‪ ,‬الذي‬
‫نص على إن الهدف المشروع الوحيد الذي يجب على الدول أن تسعى إلى تحقيقه أثناء الحرب ‪ ,‬هو‬
‫إضعاف القوات العسكرية (‪ ,)37‬كما ورد بشكل ضمني في الئحة الهاي لعام ‪.)38(1907‬‬
‫وقد واجه تطبيق هذا المبدأ صعوبات كبيرة ‪ ,‬على الرغم من إن المادة (‪ )48‬من البروتوكول‬
‫اإلضافي األول لعام ‪ ,1977‬بينت أهمية التزام أطراف النزاع المسلح بهذه القاعدة من أجل تأمين‬
‫احترام السكان المدنيين واألعيان المدنية وحمايتهم من آثار القتال ‪ ,‬بسبب الغموض الذي يكتنفه‬
‫خصوصا عندما أصبحت الشعوب أطرافا في النزاعات الحديثة ‪ ,‬كما إن هنالك عوامل أخرى ساعدت‬
‫على انهيار هذا المبدأ ‪ ,‬منها على سبيل المثال زيادة عدد المقاتلين ‪ ,‬وتطور أساليب الحرب وفنونها ‪,‬‬
‫واستخدام الحرب االقتصادية ‪ ,‬وتزايد النزاعات لمسلحة (‪.)39‬‬
‫وإ ذا كان األمر كذلك فإن النزاعات المسلحة غير الدولية تمثل التحدي األكبر أمام تطبيق هذا‬
‫المبدأ ‪ ,‬وذلك بحكم طبيعة هذه النزاعات التي تدور بين طرفين احدهما على األقل ليس من أفراد‬

‫‪165‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫القوات المسلحة ‪ ,‬وال يرتدي زيا عسكريا لغرض التمييز ‪ ,‬كما في النزاعات المسلحة الدولية هذا من‬
‫جانب(‪ ,)40‬ومن جانب آخر إن البروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ ,1977‬لم ينص صراحة على مبدأ‬
‫التمييز بين المقاتلين والمدنيين ‪ ,‬كما هو الحال بالنسبة للبروتوكول اإلضافي األول لعام ‪ ,1977‬إال إن‬
‫بعض مواد البروتوكول الثاني لعام ‪ 1977‬أشارت ضمنا إلى هذا المبدأ ‪ ,‬فمثال تحظر المادة (‪)13/2‬‬
‫من هذا البروتوكول جعل السكان المدنيين وكذلك األفراد المدنيين محال للهجوم ‪ ,‬كما تشير الفقرة‬
‫الثالثة من المادة ذاتها من البروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ , 1977‬وكذلك المادة الثالثة المشتركة‬
‫التفاقيات جنيف األربع لعام ‪ 1949‬إلى "حماية األشخاص الذين ال يشاركون مباشرة في األعمال‬
‫العدائية"‪.‬‬
‫وهذا يعني إن شرط التمييز بين المقاتلين والمدنيين يسري على النزاعات المسلحة غير الدولية ‪,‬‬
‫وقد أكد اإلعالن الصادر عن المعهد الدولي للقانون الدولي اإلنساني عام ‪ 1990‬هذا المبدأ بشكل‬
‫صريح فقد جاء في ديباجته على "أن القواعد التالية تعتبر من قواعد القانون الدولي الوضعي الذي هو‬
‫في طور التكوين" وقد أشارت الفقرة األولى إلى إن "االلتزام بالتميز بين المحاربين واألشخاص‬
‫المدنيين ‪ ,‬هو قاعدة عامة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي ‪ ,‬وتحظر بخاصة الهجمات‬
‫العشوائية"(‪.)41‬‬
‫كما جاء النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام ‪ 1998‬ببعض األحكام القانونية التي تتعلق‬
‫بالنزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬وقد أكد بعضها على وجوب التمييز بين المدنيين والمقاتلين(‪.)42‬‬
‫ولكن مع ذلك توجد بعض التحديات التي تواجه تطبيق مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين في‬
‫النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬ومن أهمها هو كيفية التميز بينهما ‪ ,‬ففي النزاعات المسلحة الدولية‬
‫عادة ما يعرف المقاتلون من جهة مشروعية مشاركتهم في القتال من خالل كونهم أعضاء في القوات‬
‫المسلحة ‪ ,‬ويرتدون الزي العسكري للطرف الذي ينتمون إليه ‪ ,‬ولكن الوضع يختلف تمامًا بالنسبة‬
‫للنزاعات المسلحة الداخلية ألن أحد أطراف النزاع أو كالهما ال ينتمون إلى القوات المسلحة النظامية ‪,‬‬
‫وال يرتدون زيًا محددًا ‪ ,‬فما هو معيار التمييز إذًا بين المدنيين والمقاتلين؟‬
‫في الحقيقة يرى بعض الفقهاء إن معيار التمييز بين المقاتلين والمدنيين في النزاعات المسلحة‬
‫غير الدولية ‪ ,‬يتحدد من خالل المشاركة بصورة مباشرة في العمليات العدائية ‪ ,‬فالمقاتلون هم فقط‬
‫األشخاص الذين يكون لهم دور مباشر في العمليات القتالية ‪ ,‬ومن ثم يفقد المدنيون صفتهم هذه‬

‫‪166‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫ويصبحون مقاتلين أو محاربين عندما يقومون بدور مباشر في العمليات القتالية ‪ ,‬ويفقدون الحماية‬
‫الدولية الممنوحة لهم ‪ ,‬وذلك أستناد إلى المادة الثالثة المشتركة التفاقيات جنيف األربع لعام ‪1949‬‬
‫والبروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ 1977‬المادة (‪ ,)13/3‬إذ يعدان األشخاص الذين ال يشاركون‬
‫مباشرة في األعمال العدائية ‪ ,‬من طائفة المدنيين الذين يجب أن يتمتعوا بالحماية العامة من خطر‬
‫األعمال العدائية(‪.)43‬‬
‫وهذا يعني إن أطراف النزاع المسلح غير الدولي ملزمون بتطبيق هذا المبدأ ‪ ,‬وقد أكد القضاء‬
‫في نيجيريا ذلك في قضية رفعت أمام محكمة نيجيريا العليا ‪ ,‬وقررت بأنُه ال يجوز للمتمردين التظاهر‬
‫بأنهم مدنيون أثناء اشتراكهم في العمليات القتالية (‪.)44‬‬
‫ونقترح أن أفضل سبيل لهذا التمييز ‪ ,‬هو سلوك االتجاه نفسه الذي اخذ به البروتوكول اإلضافي‬
‫األول لعام ‪ 1977‬بالنسبة لمقاتلي حروب التحرير الوطني ‪ ,‬إذ اشترط "العالمة المميزة ‪ ,‬وحمل‬
‫السالح بشكل ظاهر" بوصفهما شرطين أساسين لتمييز المقاتلين ‪ ,‬بل نقترح إن يكون توافر أحد هذين‬
‫الشرطين يكفي لتمييز المقاتلين في النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬وعلى األخص الشرط الثاني‬
‫المتمثل بحمل السالح بشكل ظاهر‪.‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫حظر اللجوء إلى الغدر إثناء القتال مع جواز الحيل الحربية‬
‫لقد فرق القانون الدولي اإلنساني بين الغدر والحيل الحربية من جهة مشروعية كّل منهما أثناء‬
‫القتال ‪ ,‬فقد حظر األول وأجاز الثاني بوصفه وسيلة من وسائل القتال(‪.)45‬‬
‫والواقع أن هذه القاعدة الراسخة في قانون النزاعات المسلحة ليست قاعدة حديثة ‪ ,‬بل هي قاعدة‬
‫‪,‬إذ عدت‬ ‫(‪)46‬‬
‫قديمة العهد ‪ ,‬تستمد أصولها من قوانين الحرب وأعرافها قبل تجسيدها في الئحة الهاي‬
‫هذه األخيرة ‪ ,‬أن من بين المحظورات الواردة فيها على األخص "قتل أو جرح أفراد الدولة المعادية أو‬
‫الجيش المعادي باللجوء إلى الغدر"(‪ ,)47‬وقد نص البروتوكول اإلضافي األول لعام ‪ 1977‬على حظر‬
‫الغدر بوصفه أسلوبًا من أساليب القتال ‪ ,‬وذلك في المادة (‪ )37/1‬التي عرفت الغدر بأنه (األفعال التي‬
‫تستثير ثقة الخصم مع تعمد خيانة هذه الثقة ‪ ,‬وتدفع الخصم إلى االعتقاد بأن له الحق في الحماية ‪ ,‬وأن‬
‫عليه التزامًا بمنح الحماية طبقا لقواعد القانون الدولي المنطبقة في النزاعات المسلحة)(‪.)48‬‬

‫‪167‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫ولم يرد في المادة الثالثة المشتركة وال في البروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ 1977‬نص صريح‬
‫يحرم اللجوء إلى الغدر أثناء القتال ‪ ,‬ولكن حرم إعالن المعهد الدولي للقانون اإلنساني لعام‬
‫‪1990‬الغدر بشكل صريح في الفقرة (‪ )4‬التي نصت على "حظر قتل أي شخص أو إصابته بجروح أو‬
‫اعتقاله باللجوء إلى الغدر هو قاعدة عامة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي‪.".....‬‬
‫هذا على خالف الحيل الحربية أو ما يسمى بالخداع أثناء الحرب ‪ ,‬فهي ليست محظورة وال تعد‬
‫من أفعال الغدر‪ ,‬وقد أشار البعض إلى أن الحيل الحربية تعد من المبادئ المشتركة التي وردت في‬
‫ألنها ال تثير ثقة الخصم بقصد خيانته(‪.)50‬‬ ‫قانون الهاي وقانون جنيف‪.‬‬
‫(‪)49‬‬

‫‪,‬أو هي‬ ‫ويعرف البعض الخدع الحربية ‪ ,‬بأنها (األفعال التي يقصد بها تظليل العدو)‬
‫(‪)51‬‬

‫(األعمال التي تستهدف إيقاع الخصم بالخطأ ‪ ,‬أو جعله يقوم بأفعال ليست حذرة ‪ ,‬ولكن بدون أن تخرق‬
‫أي قاعدة من قواعد القانون الدولي المنطبق في النزاعات المسلحة)(‪.)52‬‬
‫وُتمثل الخدع الحربية بوصفها أسلوبًا مباحًا في أثناء النزاعات المسلحة بأعمال عديدة ‪ ,‬مثل‬
‫"استخدام التمويه أو التظليل ‪ ,‬أو اإليهام أو الترويج لمعلومات خاطئة ‪ ,‬أو استخدام عنصر المفاجأة أو‬
‫الكمائن ‪ ,‬أو إصدار إشارات غير صحيحة للطائرات المعادية التي تهبط في إقليم العدو ‪ ,‬و غيرها من‬
‫األساليب األخرى"(‪.)53‬‬
‫وعلى الرغم من خلو البروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ 1977‬من أي حكم ينص صراحة على‬
‫إباحة الخدع الحربية بوصفها أسلوبًا من أساليب القتال ‪ ,‬إال إن هذه القاعدة وردت في كتيبات الدليل‬
‫العسكري التي تنطبق أو جرى تطبيقها في النزاعات المسلحة غير الدولية(‪ ,)54‬وقد أقرت المحكمة‬
‫الدستورية في كولومبيا ضمنا بإمكانية تطبيق الخدع الحربية في النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬وذلك‬
‫في الحكم الذي أصدرته عام ‪ , 1997‬عندما أشارت إلى أن استخدام التكتيك العسكري والخدع الحربية‬
‫‪ ,‬يجب أن يكون على وفق القواعد الدستورية(‪.)55‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫حظر األمر بعدم إبقاء احد على قيد الحياة‬

‫يحظر القانون الدولي اإلنساني إدارة العمليات العدائية على أساس أعطاء األمر بعدم إبقاء احد‬
‫على قيد الحياة أو تهديد الخصم بذلك ‪ ,‬فهذا القانون وان كان يبيح استخدام الوسائل واألساليب‬

‫‪168‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫الضرورية لتحقيق الهدف من القتال في إطار مبدأ التناسب ‪ ,‬بما في ذلك قتل مقاتلي الطرف الخصم‬
‫طالما ظلوا قادرين على مواصلة القتال ‪ ,‬إال انه يحظر قتل األفراد (المقاتلين) الذين يعلنون عن نيتهم‬
‫باالستسالم بعد أن يلقوا السالح ويصبحون عاجزين عن القتال ‪ ,‬ومن ثم ال يجوز أن يكونوا هدفًا للقتال‬
‫‪ ,‬فهذه القاعدة تستهدف حماية المقاتلين العاجزين عن القتال ‪ ,‬بسبب استسالمهم و إلقائهم السالح‬
‫ووقوعهم في قبضة الخصم فعليا(‪.)56‬‬
‫فهذه القاعدة تعني أن الطرف الذي يصدر األمر بعدم إبقاء احد على قيد الحياة يعلن صراحة‬
‫انتهاكه للقواعد القانونية المتعلقة بأسرى الحرب ‪ ,‬التي ُتعد من أهم المبادئ التي أكدها القانون الدولي‬
‫اإلنساني(‪ ,)57‬ومنعت أكثر القوانين واالتفاقيات الدولية األمر بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة ‪ ,‬فقد ورد‬
‫‪,‬كما تم حظره في دليل سان ريمو‬ ‫(‪)58‬‬
‫عليه الحظر في قانون ليبر وإ عالن بروكسل ودليل أكسد فورد‬
‫بشان القانون الدولي المطبق على النزاعات المسلحة في البحار(‪.)59‬‬
‫كما وردت هذه القاعدة في بعض االتفاقيات الحديثة للقانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬منها مثال‬
‫البروتوكول اإلضافي األول لعام ‪ 1977‬الذي نص في المادة (‪ )40‬بشكل صريح على "حظر األمر‬
‫بعدم إبقاء احد على قيد الحياة أو تهديد الخصم بذلك ‪ ,‬أو أدارة العمليات العدائية على هذا األساس"(‪.)60‬‬
‫وعلى قدر ما يتعلق األمر بالنزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬أشار البروتوكول اإلضافي الثاني‬
‫لعام ‪, 1977‬إلى حظر مبدأ إعطاء األمر بعدم إبقاء احد على قيد الحياة ‪ ,‬فقد نصت على ذلك المادة (‬
‫‪ ) 4/1‬التي جاءت تحت عنوان "الضمانات األساسية" بنصها (‪.....‬ويحظر األمر بعدم إبقاء احد على‬
‫قيد الحياة) ‪ ,‬كما اعتبر النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن "إعالن انه لن يبقى احد على قيد‬
‫الحياة" يعد من االنتهاكات الجسيمة التي تشكل جريمة حرب أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية(‪.)61‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك تتضمن كتيبات الدليل العسكري المنطبقة أو التي جرى تطبيقها في النزاعات‬
‫فهذا العمل يشكل انتهاكا‬ ‫المسلحة غير الدولية ‪ ,‬حظر إعطاء أمر بعدم إبقاء احد على قيد الحياة‪.‬‬
‫(‪)62‬‬

‫جسيما لجميع األحكام المنظمة للنزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬ألنه يؤدي إلى قتل األشخاص‬
‫العاجزين عن القتال(‪. )63‬‬
‫وقد أشارت اللجنة الدولية للصليب األحمر إلى مبدأ حظر األمر بعدم إبقاء احد على قيد الحياة ‪,‬‬
‫ففي أثناء النزاع المسلح الداخلي الذي وقع في انغوال عام‪ 1992‬أطراف النزاع (‪ .....‬بوجوب‬
‫االمتناع دائما عن األمر بقتل جميع الباقين على قيد الحياة ‪.)64().....‬‬

‫‪169‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫الفرع الرابع‬
‫حظر األعمال االنتقامية واآلالم التي ال مبرر لها‬

‫أكد القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬ضرورة تجنب األعمال االنتقامية في النزاعات المسلحة ‪ ,‬لذلك‬
‫استقر مبدأ حظر األعمال االنتقامية ضد األشخاص المحميين في القانون الدولي العرفي والتشريعي ‪,‬‬
‫وتعد األعمال االنتقامية التي تتخذ أثناء النزاع المسلح إجراءات استثنائية وغير مشروعة في ذاتها ‪,‬‬
‫يطبقها طرف في النزاع إلجبار الطرف األخر على احترام قانون النزاعات المسلحة(‪.)65‬‬
‫ويقصد باألعمال االنتقامية ‪ ,‬بأنها (إجراءات أكراه ‪ ,‬مخالفة للقواعد العادية للقانون الدولي ‪,‬‬
‫تتخذها دولة ما اثر أعمال غير مشروعة ارتكبتها ضدها دولة أخرى ‪ ,‬وتهدف إلى إجبار هذه األخيرة‬
‫بواسطة الضرر على احترام القانون الدولي)(‪.)66‬‬
‫وجاءت اتفاقيات جنيف األربع لعام ‪ 1949‬بأحكام تحرم األعمال االنتقامية بوصفها أسلوبًا من‬
‫‪,‬وقد حظر البروتوكول اإلضافي األول لعام ‪ 1977‬األعمال االنتقامية بشكل صريح‬ ‫(‪)67‬‬
‫أساليب القتال‬
‫في مواضع عديدة(‪ ,)68‬ولم يرد البروتوكول اإلضافي الثاني لعام ‪ 1977‬ذكر األعمال االنتقامية بشكل‬
‫صريح ‪ ,‬إال أنه يمكن االستدالل على هذا المبدأ بشكل ضمني في الفقرة الثانية من اإلعالن المتعلق‬
‫بتسيير األعمال العدائية في النزاعات المسلحة غير الدولية لعام ‪ ,1990‬التي جاءت بحكم عام تحت‬
‫عنوان "حصانة السكان المدنيين"(‪.)69‬‬
‫أما مبدأ حظر اآلالم التي ال مبرر لها ‪ ,‬فُيعد من أبرز القيود التي ترد على حق األطراف‬
‫المتنازعة في اختيار وسائل القتال وأساليبه ‪ ,‬ويتمثل هذا المبدأ أساسَا في التزام األطراف المتحاربة‬
‫عند استخدامها أي وسائل أو أساليب قتالية ‪ ,‬باتخاذ العناية الواجبة واالحتياطات الالزمة من أجل‬
‫‪,‬‬ ‫حماية السكان المدنيين واألعيان المدنية من اآلثار الضارة والمدمرة لهذه الوسائل أو تلك األساليب‬
‫(‪)70‬‬

‫وقد عرفت محكمة العدل الدولية اآلالم الغير مبررة ‪ ,‬بأنها (الضرر الذي ال محيد عن أحداثه من أجل‬
‫تحقيق أهداف عسكرية مشروعة)(‪.)71‬‬

‫‪170‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫وإ ذا كانت أكثر االتفاقيات واإلعالنات والقرارات الدولية قد نصت على حظر مبدأ اآلالم التي ال‬
‫مبرر لها ‪ ,‬إال إن هناك بعض الصعوبات الموضوعية التي تعترض تطبيق هذا المبدأ من الناحية‬
‫الواقعية ‪ ,‬و تكمن هذه الصعوبة في تحديد ماهية اآلالم التي ال مبرر لها ‪ ,‬التي يمكن الوصول إليها من‬
‫خالل التمييز بين القدر المتوقع أو المفترض تحمله من اآلالم الناشئة عن أعمال القتال وبين اآلالم التي‬
‫تتجاوز هذا النطاق ‪ ,‬ومن ثم تكون غير مبررة أو زائدة عن الحد المعقول والممكن تحمله‪.‬‬
‫كما أن هناك مشكلة أخرى ‪ ,‬تتمثل في أن أي آالم حتى ولو كانت ضئيلة تعد من وجهة نظر‬
‫الطرف المضار آالم ال مبرر لها ‪ ,‬ولهذا يجب األخذ بنظر االعتبار مبدأ الموازنة بين طبيعة وحجم‬
‫اآلالم التي لحقت بالطرف المعني ‪ ,‬وبين ما تفترضه مقتضيات الضرورة العسكرية ‪ ,‬وفضال عن ذلك‬
‫تؤدي االعتبارات والمصالح السياسية دورًا واسعًا في تحديد ما إذا كانت اآلالم الحاصلة ًتعد من نوع‬
‫اآلالم التي ال مبرر لها أم ال(‪ ,)72‬ومع اختالف اآلراء حول كيفية التحديد فعليًا بأن وسيلًة أو أسلوبًا ما‬
‫يسبب إصابات أو أالما ال مبرر لها ‪ ,‬فإن الدول كافة ‪ ,‬تتفق على أن اآلالم التي ليس لها غرض‬
‫عسكري هي انتهاك لهذه القاعدة ‪ ,‬فهذه األخيرة تتطلب احتساب التوازن بين الضرورة العسكرية من‬
‫جهة واآلالم المتوقعة من جهة أخرى(‪.)73‬‬
‫وينطبق مبدأ حظر اآلالم التي ال مبرر لها في النزاعات المسلحة الدولية على النزاعات المسلحة‬
‫غير الدولية على الرغم من عدم النص عليه في المادة الثالثة المشتركة والبروتوكول اإلضافي الثاني‬
‫لعام ‪ , )74(1977‬وأن قابلية التطبيق في هذا النوع من النزاعات المسلحة مفروض ألسباب إنسانية‬
‫أولية‪.‬‬
‫ومع ذلك ورد حظر هذا المبدأ في اإلعالن المتعلق بتسيير األعمال العدائية في المنازعات‬
‫المسلحة غير الدولية لعام ‪ , 1990‬إذ جاءت الفقرة الثالثة بعنوان "حظر اآلالم التي ال داعي لها"‬
‫بنصها (حظر اآلالم التي ال داعي لها ‪ ,‬هو قاعدة عامة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي ‪,‬‬
‫وتحظر وبخاصة اللجوء إلى وسائل القتال التي تضاعف دون جدوى عذاب األشخاص العاجزين عن‬
‫القتال ‪ ,‬أو التي تجعل موتهم أمرًا محتومًا)‪ ,‬هذا فضًال عن إدراج العديد من الدول هذه القاعدة في‬
‫كتيبات الدليل العسكري المطبقة أو التي جرى تطبيقها في النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬كما‬
‫تضمنتها تشريعات دول عديدة(‪. )75‬‬

‫المطلب الرابع‬

‫‪171‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫حظر أو تقييد استعمال أسلحة معينة أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية‬

‫إن التنظيم القانوني الستخدام بعض األسلحة أثناء النزاعات المسلحة يتضمن نوعين من‬
‫القواعد ‪ ,‬نوع يقيد استخدام بعض األسلحة بينما يحظر النوع األخر بعض األسلحة ‪ ,‬ويستند هذا الحظر‬
‫والتقييد(‪ ,)76‬إلى قواعد القانون الدولي اإلنساني والعرفي ‪ ,‬وذلك بالنظر إلى طبيعة اآلثار التي تترتب‬
‫عليها ‪ ,‬ألن األسلحة تختلف في مدى تأثيرها وما تخلفه من آالم وما تسببه من إصابات تبعا للغرض‬
‫الذي صنعت لتحقيقه ‪ ,‬والهدف الذي خصصت من أجل التعامل معه ‪ ,‬لذلك تم حظر بعضها بينما قيد‬
‫استعمال بعضها األخر‪ ,‬بهدف حصر آثار النزاع المسلح بين المقاتلين واألهداف العسكرية فقط‪.‬‬
‫ويرد األساس القانوني لحظر استخدام بعض األسلحة أو تقييد استخدامها في النزاعات المسلحة‬
‫في قواعد قانونية عديدة ‪ ,‬فقد اخذ القانون الدولي أالتفاقي هذه القاعدة منذ صدور أول وثيقة قانونية‬
‫دولية مدونة ‪ ,‬تتمثل في إعالن "سان بطرسبرج" لعام ‪ 1868‬الذي يتعلق بحظر استعمال بعض القذائف‬
‫‪,‬وأن استخدام أي نوع من أنواع األسلحة لم‬ ‫(‪)77‬‬
‫في زمن الحرب التي ال يقل وزنها عن (‪ )400‬غرام‬
‫يذكر بشكل صريح في االتفاقيات الدولية ‪ ,‬فإنه يبقى خاضعا للمبدأ الذي ينص على أن "يظل المدنيون‬
‫والمقاتلون تحت حماية وسلطة مبادئ القانون الدولي العرفي ‪ ,‬ومبادئ اإلنسانية ‪ ,‬وما يمليه الضمير‬
‫العام " وذلك استنادا إلى شرط مارتنز(‪ ,)78‬الذي أصبح جزًأ أساسيًا في كل من فرعي القانون الدولي‬
‫اإلنساني (قانون الهاي وقانون جنيف)‪ ,‬وهذا يعني ان هذا الشرط األخير له دور مكمل لكل قواعد‬
‫القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬ومنها القواعد التي تحظر بعض األسلحة أو تقيد من استخدامها ‪ ,‬ألنه يندر‬
‫وجود اتفاقية دولية تحرم او تقيد استخدام سالح ما كاملة او غير ناقصة(‪.)79‬‬
‫وفي نطاق الحظر والقيود الواردة على استخدام األسلحة ‪ ,‬ال يوجد أي تمييز بين النزاعات‬
‫المسلحة الدولية وغير الدولية ‪ ,‬فإذا كانت المادة الثالثة المشتركة والبروتوكول اإلضافي الثاني لعام‬
‫‪,1977‬ال يتضمنان أي قاعدة تحظر بعض األسلحة ‪ ,‬إال أنها تكون محظورة بموجب العرف الدولي ‪,‬‬
‫ولكن مع ذلك ورد الحظر أثناء النزاعات المسلحة الداخلية في بعض االتفاقيات والوثائق الدولية التي‬
‫سنأتي على ذكرها ‪ ,‬هذا باإلضافة إلى أن الدول ال تملك عادة منظومة أسلحة عسكرية تختلف في‬
‫النزاعات المسلحة الدولية عنها في النزاعات المسلحة غير الدولية‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫وعدت العديد من الدول أن حظر األسلحة العشوائية(‪ ,)80‬يستند إلى مبدأ وجوب التمييز بين‬
‫‪,‬وهذا مبدأ ورد في جميع االحكام‬ ‫(‪)81‬‬
‫المدنيين والمقاتلين ‪ ,‬وبين األعيان المدنية واألهداف العسكرية‬
‫التي تتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية أيضا ‪.‬‬
‫وسنحاول أن نذكر على سبيل المثال بعض األسلحة العشوائية التي ورد عليها الحظر في‬
‫القواعد المنظمة للنزاعات المسلحة غير الدولية فيما يأتي‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬األسلحة الكيميائية‬


‫تحظر العديد من االتفاقيات الدولية استخدام األسلحة الكيميائية في النزاعات المسلحة ‪ ,‬فقد ورد‬
‫الحظر عليها مع تبني إعالن الهاي الموقع في ‪/22‬تموز‪ 1899/‬بشأن حظر استخدام القذائف التي‬
‫تستهدف نشر الغازات الخانقة ‪ ,‬ويعد هذا اإلعالن أول نص يتعلق بحظر األسلحة الكيميائية ‪ ,‬ثم جاء‬
‫بعد ذلك بروتوكول جنيف لعام ‪ ,1925‬الذي يتعلق بحظر استعمال الغازات الخانقة او السامة او أية‬
‫سوائل أو مواد أو وسائل مشابهه لها من بينها المواد الكيماوية(‪ ,)82‬واستكماًال لهذا البروتوكول ‪ ,‬تم‬
‫حظر األسلحة الكيميائية بشكل مطلق في اتفاقية حظر استحداث وإ نتاج وتخزين واستعمال األسلحة‬
‫الكيميائية وتدميرها والمسماة باختصار "اتفاقية األسلحة الكيميائية"(‪ ,)83‬التي عرفت األسلحة الكيميائية‬
‫في المادة (‪ )2‬منها بنصها (‪ -1‬يقصد بمصطلح األسلحة الكيماوية مايلي مجتمعا او منفردا ‪:‬‬
‫أ‪ -‬المواد الكيميائية السامة وسالئفها فيما عدا المواد المعدة منها إلغراض غير محظورة بموجب‬
‫هذه االتفاقية ‪ ,‬ما دامت األنواع والكميات متفقة مع هذه األغراض‪.‬‬
‫ب‪ -‬الذخائر والنبائط المصممة خصيصا ألحداث الوفاة أو غيرها من االضرار عن طريق ما ينبعث‬
‫نتيجة استخدام مثل هذه الذخائر والنبائط من الخواص السامة للمواد الكيميائية السامة المحددة في الفقرة‬
‫الفرعية (أ)‪.‬‬
‫ج‪ -‬أي معدات مصممة خصيصا الستعمال يتعلق مباشرة باستخدام مثل هذه الذخائر والنبائط المحددة‬
‫في الفقرة الفرعية (ب)‪.‬‬
‫اما نطاق الحظر الوارد على استخدام االسلحة الكيميائية ‪ ,‬فإنه ينطبق في كل النزاعات المسلحة‬
‫الدولية وغير الدولية(‪ ,)84‬كما تضمنت كتيبات عسكرية عديدة تنطبق أو جرى تطبيقها في النزاعات‬
‫المسلحة غير الدولية على حظر استخدام االسلحة الكيميائية ‪ ,‬باإلضافة إلى تشريعات بعض الدول(‪.)85‬‬

‫‪173‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫وقد ذكرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسالفيا السابقة في قضية تاديش عام ‪ 1995‬بهذا الحظر‬
‫‪ ,‬عندما أشارت إلى أن المجتمع الدولي أدان استخدام العراق لالسلحة الكيميائية ضد األكراد ‪ ,‬كما‬
‫ذكرت هذه المحكمة في نفس القضية أن هناك إجماعا عاما قد نشأ من المجتمع الدولي حول المبدأ الذي‬
‫يفيد بأن استخدام األسلحة الكيميائية محظور أيضا في النزاعات المسلحة الداخلية(‪.)86‬‬
‫كما ذكرت اللجنة الدولية للصليب االحمر اثناء النزاع المسلح في انغوال عام ‪, 1949‬اطراف‬
‫النزاع المسلح بحظر استخدام االسلحة الكيميائية ‪ ,‬على الرغم من ان انغوال لم تكن طرفًا في اتفاقية‬
‫حظر االسلحة الكيميائية(‪.)87‬‬
‫وأشارت اللجنة الدولية للصليب االحمر أيضا ‪ ,‬إلى أن استخدام األسلحة – الكيميائية يشكل‬
‫انتهاكًا للحق في الحياة ‪ ,‬كما نصت عليه المادة (‪ )6‬من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام‬
‫‪ ,1966‬وقد استنكرت هذه اللجنة بشدة استخدام العراق لالسلحة الكيميائية في قرية حلبجة في منطقة‬
‫كردستان العراق في بيان صحفي رقم ‪ 1567‬الصادر في ‪/13‬اذار ‪ 1988‬عندما قالت بأن (استعمال‬
‫األسلحة الكيميائية ضد العسكريين او المدنيين محرم في كل االوقات ألن القانون الدولي يمنعه منعا‬
‫باتا)(‪ ,)88‬وهذا يعني أن هذا السالح محظور في كل النزاعات المسلحة أيًا كان نوعها دولية أم غير‬
‫دولية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬االسلحة البكتريولوجية‬


‫لقد تم حظر استخدام االسلحة البكتريولوجية (الجرثومية) في بروتوكول جنيف لعام ‪1925‬‬
‫"بشان حظر استعمال الغازات السامة والوسائل الجرثومية في الحرب ‪ ,‬وكذلك الوسائل البكتريولوجية"‪.‬‬
‫وقد حاولت االمم المتحدة ان تضع اتفاقية دولية تحرم استخدام هذه االسلحة(‪ ,)89‬وتكللت جهودها‬
‫بالنجاح عندما أبرمت "اتفاقية حظر استحداث وإ نتاج وتخزين األسلحة البكتريولوجية (البيولوجية)‬
‫والتكسينية (السامة) وتدمير هذه االسلحة" المعقودة في (‪/10‬نيسان‪ )1972/‬والتي دخلت حيز التنفيذ في‬
‫(‪/26‬مارس‪ )1975/‬بعدما أودعت (‪ )22‬حكومة موقعة صكوك التصديق عليها ‪ ,‬وكان من بينها‬
‫االتحاد السوفيتي (سابقًا) والمملكة المتحدة والواليات المتحدة التي عينت حكومات وديعة ‪ ,‬وفي عام‬
‫‪ 1997‬أصبحت جميع الدول دائمة العضوية في مجلس األمن أطرافًا في االتفاقية المذكورة (‪. )90‬‬

‫‪174‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫وقد أشارت هذه االتفاقية ‪ ,‬إلى بيان االلتزام االساسي للدول االطراف بنصها (تتعهد كل دولة من‬
‫الدول االطراف في هذه االتفاقية ‪ ,‬بأن ال تتعمد أبدًا في أي ظرف من الظروف الى استحداث او انتاج‬
‫او تخزين ما يأتي ‪,‬أو اقتنائه أو حفظه على أي نحو اخر‪:‬‬
‫‪ .1‬العوامل الجرثومية او العوامل البيولوجية االخرى او التكسينات ايا كان منشؤها او اسلوب إنتاجها ‪,‬‬
‫من األنواع وبالكميات التي ال تكون موجهه ألغراض الوقاية أو الحماية ‪ ,‬أو األغراض السلمية‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ .2‬األسلحة أو المعدات أو وسائل اإليصال الموجهة الستعمال تلك العوامل او التكسينات في األغراض‬
‫العدائية أو المنازعات المسلحة(‪.)91‬‬
‫وقدر تعلق األمر باالتفاقية المذكورة ‪ ,‬يمكن إيراد المالحظات التالية‪:‬‬
‫أوًال ‪ -:‬أنها لم تعرف هذا النوع من األسلحة أو األهداف التي يتعلق بها هذا الحظر ‪ ,‬وإ نما اكتفت‬
‫ببيان تفاصيل الحظر واآلليات التي يتم بها تدمير تلك األسلحة ‪ ,‬ومع ذلك عرف البعض هذا النوع من‬
‫األسلحة بأنها (كل سالح يشتمل على عامل حربي بيولوجي ويقوم بإيصاله وإ سقاطه وتوزيعه ونشره‬
‫على هيئة هباء او جسيمات من مادة سائلة او صلبة مجزأة تجزيئا دقيقا وموزعة من خالل احد‬
‫الغازات او الهواء ‪,‬وقد تستخدم الحشرات او الهواء او المياه الملوثة بالمرض)(‪ ,)92‬كما يوجد تعريف‬
‫آخر للعوامل البيولوجية صدر عن منظمة الصحة العالمية والذي عرفته في تقريرها الصادر في عام‬
‫‪ 1970‬على أنها العوامل التي تتوقف آثارها على قدرتها عن التكاثر في الجسم المستهدف ‪ ,‬وتخصص‬
‫لالستعمال في حالة الحرب بغية إلحاق الموت أو المرض باإلنسان أو الحيوان أو النبات ‪ ,‬ومن‬
‫(‪)93‬‬
‫المحتمل أن تكون األمراض التي تسببها معدية أو غير معدية‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ -:‬أن الحظر الوارد في هذه االتفاقية حظر غير مطلق ‪ ,‬فالحظر ال ينطبق سوى على األنواع‬
‫والكميات التي ال تخصص ألغراض الوقاية أو الحماية أو ألي أغراض سلمية أخرى ‪ ,‬ووفقًا للشروح‬
‫المقدمة وقت المفاوضات ‪ ,‬يشمل مصطلح "الوقاية" األنشطة الطبية كالتشخيص والمعالجة ‪ ,‬في حين‬
‫يشمل مصطلح "الوقاية" استخدام أقنعة ومالبس حامية ‪ ,‬ونظم ترشيح الهواء والماء ‪ ,‬وأدوات الكشف‬
‫واإلنذار‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫ثالثًا ‪ -:‬ال تشمل االتفاقية أعاله على أي حكم يقيد أنشطة البحث في المجال البيولوجي ‪ ,‬وربما‬
‫تمكينه ‪ ,‬ذلك في صعوبة التمييز بين أعمال البحث التي تجري ألغراض مدنية وتلك التي تباشر‬
‫ألغراض عسكرية ذات طابع دفاعي وهجومي على السواء‪.‬‬
‫(‪)94‬‬

‫ويسري الحظر على استخدام هذا النوع من األسلحة في النزاعات المسلحة غير الدولية كما هو‬
‫الحال في النزاعات المسلحة الدولية ‪ ,‬إذ أن الدول ال تملك عادة منظومة أسلحة عسكرية تختلف في‬
‫النزاعات المسلحة الدولية عنها في النزاعات المسلحة غير الدولية(‪.)95‬‬
‫فضًال عن ذلك ورد الحظر على استخدام هذا النوع من األسلحة في النزاعات المسلحة غير‬
‫الدولية في اإلعالن الخاص بقواعد القانون الدولي اإلنساني المتعلق بتسيير االعمال العدائية في‬
‫المنازعات المسلحة غير الدولية لعام ‪ ,1990‬وتحديدا في الفقرة األولى من البند الثاني ‪ ,‬التي جاءت‬
‫بعنوان "األسلحة الكيميائية والبكتريولوجية" وكان نصها كاألتي {ينطبق اثناء أي نزاع مسلح غير دولي‬
‫الحظر العرفي الستعمال األسلحة الكيميائية ‪ ,‬كاألسلحة التي تتكون من عوامل خانقة واستعمال‬
‫األسلحة البكتريولوجيه (البيولوجية )}‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬األسلحة التمددية األثر في جسم اإلنسان‬


‫تعد هذه األسلحة نوعًا من أنواع القذائف والمواد المتفجرة التي تم حظرها بسبب ما تخلفه من‬
‫إصابات او معاناة او آالم ال مبرر لها ‪ ,‬وقد تم حظرها بموجب إعالن سان بطرسبرغ لعام‬
‫‪ ,‬كما تم حظر الرصاص المتفجر الذي ينتشر او يتمدد في جسم اإلنسان بسهولة والمعروف‬ ‫‪1868‬‬
‫(‪)96‬‬

‫برصاص "دم دم" بمقتضى إعالن الهاي الصادر في ‪/29‬تموز ‪.)97(1899‬‬


‫وذهب النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ‪ ,‬إلى أن استعمال هذا السالح يعد من‬
‫االنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي ‪ ,‬باإلضافة إلى كونه يشكل جريمة حرب(‪ ,)98‬ويرد حظر هذا النوع‬
‫‪,‬كما ورد عليه‬ ‫(‪)99‬‬
‫من األسلحة في النزاعات المسلحة غير الدولية وذلك بموجب القانون الدولي العرفي‬
‫الحظر في التشريعات الداخلية للعديد من الدول(‪.)100‬‬
‫وقد نص اإلعالن بشان قواعد القانون الدولي اإلنساني المتعلق بتسيير النزاعات المسلحة غير‬
‫الدولية الصادرة عام ‪ 1990‬على ذلك بنصه ( ينطبق اثناء أي نزاع مسلح غير دولي الحظر العرفي‬
‫الستعمال الرصاصات التي تتمدد أو تنبسط بسهوله في جسم اإلنسان كرصاصات "دم دم")‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫رابعا ‪ :‬األسلحة الحارقة‬


‫لقد أثار استخدام األسلحة المحرقة أثناء النزاعات المسلحة مشكلة دولية ‪ ,‬وقد تسببت اآلثار التي‬
‫خلفتها هذه األسلحة وخصوصا خالل الحرب الفيتنامية في اثارة الجدل حول استخدامها ‪ ,‬إال أن أكثر‬
‫الدول دعت الى ضرورة حظر استخدامها بشكل مطلق ‪ ,‬لذلك حرم القانون الدولي اإلنساني استخدام‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)101‬‬
‫هذه السالح بموجب البروتوكول الثالث الملحق باتفاقية األسلحة التقليدية لعام ‪1980‬‬
‫وقد عرف البروتوكول الثالث لعام ‪ 1980‬األسلحة المحرقة ‪ ,‬بأنها (أي سالح او ذخيرة مصمم‬
‫او مصممة في المقام األول إلشعال النار في األشياء او لتسبيب حروق ألشخاص ‪ ,‬بفعل اللهب او‬
‫الحرارة او مزيج من اللهب والحرارة المتولدين عن تفاعل كيميائي لمادة تطلق على الهدف ‪ ,‬ومن‬
‫أمثلة األسلحة المحرقة األسلحة والذخائر التي تطلق بشكل قاذفات لهب وألغام موجهة لمقذوفات أخرى‬
‫وقذائف وصواريخ وقنابل يدوية وألغام وقنابل وغير ذلك من حاويات المواد المحرقة)(‪.)102‬‬
‫وقد عرف بعض الفقهاء األسلحة الحارقة بأنها (كل سالح يعتبر أثره حدثًا عرضيًا ‪ ,‬أو يقترن‬

‫بآثار اختراق الجسم او النسف او االنشطار )(‪ ,)103‬او هي (أي سالح او ذخائر يقصد بها في المقام‬
‫األول إشعال النار في األعيان ‪ ,‬او إصابة األشخاص بحروق بفعل اللهب او الحرارة او االثنين معا‬

‫نتيجة لتفاعل كيماوي لمادة تطلق على الهدف)(‪.)104‬‬


‫وكان الحظر الوارد على استخدام هذا النوع من السالح يقتصر بموجب البروتوكول الثالث لعام‬
‫‪ 1980‬على النزاعات المسلحة الدولية ‪ ,‬ولم يتضمن أي حكم يحرم استخدام هذا السالح في النزاعات‬
‫المسلحة غير الدولية ‪ ,‬إلى ان صدر اإلعالن بشان القانون الدولي اإلنساني المتعلق بتسيير العمليات‬
‫العدائية أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية لعام ‪ , 1990‬الذي نص على حظر األسلحة الحارقة أو‬
‫تحريم استخدامها في الفقرة الخامسة من البند الثاني والتي كان نصها (‪ .....‬يجب أن ال توجه األسلحة‬
‫المحرقة ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه او ضد المدنيين فرادى والممتلكات ذات الطابع المدني ‪ ,‬كما‬
‫يجب االمتناع عن استعمالها بطريقة عشوائية)‪.‬‬
‫ولكن نتيجة للتطورات التي طرأت على القانون الدولي اإلنساني التي تتعلق بتوسيع نطاق‬
‫تطبيق هذا األخير ليشمل النزاعات المسلحة الداخلية ‪ ,‬تم تعديل البروتوكول الثالث لعام ‪ 1980‬في‬

‫‪177‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫كانون األول لعام ‪ 2001‬ليشمل النزاعات المسلحة غير الدولية(‪, )105‬لذلك فإن هذا السالح أصبح‬
‫محظورا في هذه النزاعات أيضا‪.‬‬
‫وفي ضوء ما تقدم يمكن القول ‪ ,‬أن أي وسيلة من وسائل القتال تتعارض مع المبادئ اإلنسانية‬
‫الواردة في القانون الدولي اإلنساني سواء كان ذلك بطبيعتها أم باستخدامها ُتعد محظورة ‪ ,‬ويعد‬
‫استخدامها انتهاكا صريحا ألحكام القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫جديُر بنا أن نذكير بأنه توجد أنواع عديدة من األسلحة ال يسع المجال هنا لبيانها ‪ ,‬واقتصرنا‬
‫على ذكر بعض هذه األسلحة على سبيل المثال ال الحصر ‪ ,‬ووجدنا ان هذه األسلحة محظورة في‬
‫نطاق النزاعات المسلحة غير الدولية أيضا ‪ ,‬بموجب العرف الدولي واالتفاقيات الدولية ‪ ,‬فإذا كانت‬
‫القواعد المتعلقة بتسيير األعمال العدائية اثناء النزاعات المسلحة غير الدولية قد غفلت عن إيراد حكم‬
‫لحظر بعض األسلحة المستخدمة من جانب أطراف النزاع ‪ ,‬فهذا ال يعني ان استخدامه مباح ‪ ,‬وإ نما‬
‫يبقى محرما ويرد عليه الحظر والتجريم في قواعد القانون الدولي العرفي‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫بعد أن انتهينا من هذا البحث ‪ ,‬حاولنا قدر اإلمكان أن نتعرض لمجمل المسائل المتعلقة بدور‬
‫القانون الدولي اإلنساني في الحماية اإلنسانية ‪ ,‬وقد خلصنا من العرض السابق إلى بعض النتائج التي‬
‫ضمناها بعض التوصيات‪:‬‬

‫‪178‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫أوال‪ :‬النتائج‬
‫على الرغم من إيراد تعريف للنزاعات المسلحة غير الدولية في البروتوكول‬ ‫‪.1‬‬
‫اإلضافي الثاني لعام ‪ , 1977‬إال إن هذا التعريف لم يكن محل اتفاق لدى كثير من فقهاء القانون‬
‫الدولي المعاصر ‪ ,‬وكذلك القضاء الدولي ‪ ,‬فقد اشترط هذا األخير لقيام النزاع المسلح غير الدولي‬
‫ضرورة قيام بعض المعايير األساسية التي تتمثل بآالتي ‪:‬‬
‫ا‪ -‬وجود نزاع مسلح ‪ ,‬يصل إلى درجة معينة من العنف والخطورة‪.‬‬
‫ب‪-‬أن يكون هذا النزاع المسلح مطوًال‪ ,‬أي يشترط أن يستمر لمدة زمنية معينة‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن تكون الجماعات المتمردة على درجة كافية من التنظيم داخل صفوفها ‪ ,‬فاألفراد الذين يعملون‬
‫بشكل غير منظم أو منفرد من اجل القيام بأعمال عنف ال يعد نزاعًا مسلحًا غير دولي‪.‬‬

‫أن التنظيم الدولي للنزاعات المسلحة غير الدولية جاء محدودًا وقاصرًا‬ ‫‪.2‬‬
‫مقارنًة بالنزاعات المسلحة الدولية ‪ ,‬وقد انعكس هذا القصور بشكل سلبي على األحكام التي تنظم‬
‫وسائل القتال وأساليبه ‪ ,‬األمر الذي قد يغيب بعض المبادئ اإلنسانية خالل هذه النزاعات‪.‬‬
‫إن القانون الدولي اإلنساني قام على مبدأ اإلنسانية وقيده بمبدأ الضرورة‬ ‫‪.3‬‬
‫العسكرية ‪ ,‬ويعد المبدأ األول من المبادئ العامة بالقانون الدولي اإلنساني ويتعلق بحماية ضحايا‬
‫النزاعات المسلحة ‪ ,‬أما المبدأ الثاني فيمثل مبادئ خاصة يتعلق بظروف النزاعات المسلحة ‪,‬‬
‫ولتحقيق التوازن بين هذين المبدأين أوجد القانون الدولي اإلنساني مبدأ التناسب ‪ ,‬الذي يعد من أهم‬
‫مبادئ القانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬كما أن تحقيق الحماية اإلنسانية أثناء النزاعات المسلحة يتطلب‬
‫ضرورة مراعاة االعتبارات اإلنسانية وتحديد الضرورة العسكرية بشكل دقيق ‪ ,‬وتعتبر هذه األخيرة‬
‫استثناء من األصل العام وهي الحماية اإلنسانية ال يمكن اللجوء إليها في كل الظروف‪.‬‬
‫إن األطراف المتحاربة ملزمة بمراعاة المبادئ األساسية التي تحكم وسائل‬ ‫‪.4‬‬

‫القتال وسلوكه أثناء النزاعات المسلحة ‪ ,‬وذلك من خالل التطبيق الصحيح لهذه المبادئ ‪ ,‬وخصوصًا‬
‫مبدأ التناسب الذي يعمل على التوفيق بين أهمية األهداف العسكرية المراد تدميرها ‪ ,‬واألضرار‬
‫الجانبية التي يمكن أن تترتب على ذلك الهجوم العسكري ‪ ,‬من اجل الحماية اإلنسانية للمدنيين‪.‬‬
‫إن اغلب القواعد المتعلقة بوسائل القتال وأساليبه أثناء النزاعات المسلحة هي‬ ‫‪.5‬‬
‫قواعد عرفية ‪ ,‬وقد منحت الطبيعة العرفية لهذه القواعد سعة في التطبيق في مختلف النزاعات‬

‫‪179‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫المسلحة ‪ ,‬حيث شملت النزاعات المسلحة غير الدولية التي لم تتطرق إليها اغلب قواعد القانون‬
‫الدولي اإلنساني التي اقتصر في العديد من اتفاقياته على النزاعات المسلحة الدولية‪.‬‬
‫أن اإلخالل بمبدأ التناسب يشكل جريمة حرب وفقا للنظام األساسي للمحكمة‬ ‫‪.6‬‬
‫الجنائية الدولية لعام ‪ , 1998‬وهذا يعتبر بحد ذاته تطور كبير في مجال حماية حقوق اإلنسان وإ نفاذ‬
‫القواعد القانونية القائمة عليه‪.‬‬
‫أن القانون الدولي اإلنساني قيد من حرية أطراف النزاع المسلح في استخدام‬ ‫‪.7‬‬
‫ما تريد من وسائل القتال وأساليبه ‪ ,‬من خالل الجزء األكبر من قواعده الذي يسعى إلى تنظيم‬
‫أسلوب استخدام القوة بين أطراف النزاع‪.‬‬
‫أن حظر األسلحة العشوائية في القانون الدولي اإلنساني يجد أساسه في‬ ‫‪.8‬‬
‫الئحة الهاي لعام ‪ ,1907‬التي تقضي بأن حق أطراف النزاع في اختيار وسائل القتال وأساليبه هو‬
‫حق مقيد ‪ ,‬وأن القيود التي أوردها القانون الدولي اإلنساني والخاصة باستخدام األسلحة ُتعد األساس‬
‫القانوني التي يستند أليها في اعتبار األسلحة العشوائية من ابرز األسلحة المحظورة أثناء النزاعات‬
‫المسلحة الدولية وغير الدولية‪.‬‬
‫أن القواعد التي تحكم وسائل القتال وأساليبه أثناء النزاعات المسلحة غير‬ ‫‪.9‬‬
‫الدولية ومن ضمنها القواعد الخاصة بحظر بعض األسلحة ‪ ,‬هي قواعد قائمة من الناحية النظرية‬
‫ولكنها بعيدة عن التطبيق الفعلي ‪,‬بسبب افتقار هذه القواعد إلى الوسيلة الفعالة التي تلزم أطراف‬
‫النزاع المسلح باحترامها وتطبيقها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المقترحات‬
‫‪ .1‬التشديد على أطراف النزاعات المسلحة الداخلية ‪ ,‬بضرورة مراعاة المبادئ اإلنسانية باعتبارها‬
‫قواعد قانونية ملزمة ‪ ,‬والسعي قدر اإلمكان على خلق التوازن بينها وبين الضرورة العسكرية بشكل‬
‫يمكن من خالله تحقيق أكبر قدر ممكن من الحماية اإلنسانية لضحايا هذه النزاعات‪.‬‬
‫‪ .2‬ضرورة إلزام أطراف النزاع المسلح باحترام المبادئ األساسية للقانون الدولي اإلنساني ‪ ,‬ألنها‬
‫تهدف إلى حماية حقوق اإلنسان أثناء النزاعات المسلحة بصورة عامة ‪ ,‬عن طريق بيانها لوسائل‬

‫‪180‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫وأساليب القتال بما ال يتجاوز الضرورة العسكرية ‪ ,‬وإ قرارها أن لإلنسان حرمة مصونة ال يجوز‬
‫خرقها‪.‬‬
‫‪ .3‬نوصي بضرورة وضع اتفاقيات دولية محددة وواضحة تنظم مسألة األعمال العدائية أثناء النزاعات‬
‫المسلحة بشكل عام ‪ ,‬ألن القواعد النافذة حاليًا بحاجة إلى تطوير وإ عادة نظر ‪ ,‬من أجل مواكبة‬
‫التطور الحاصل في مجال األسلحة الحديثة وتوسيع اإلمكانيات العسكرية للدول ‪ ,‬ازدادت معها‬
‫المخاطر التي يتعرض لها ضحايا النزاعات المسلحة‪.‬‬
‫‪ .4‬ضرورة تطبيق قواعد المسؤولية الدولية أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية ‪ ,‬من أجل رصد‬
‫االنتهاكات الجسيمة ألحكام القانون الدولي اإلنساني المطبقة على هذه النزاعات المسلحة ‪ ,‬ونعتقد أن‬
‫أفضل سبيل لتطبق هذا األمر يكون من خالل أعطاء اللجنة الدولية للصليب األحمر الدور الفعال‬
‫في مراقبة تطبيق قواعد القانون الدولي اإلنساني أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية‪.‬‬
‫‪ .5‬ضرورة إيراد الحظر المطلق على استخدام جميع األسلحة التي تترك آثارًا ضارة عند استخدامها ‪,‬‬
‫كاألسلحة العشوائية مثًال ‪ ,‬التي ال تميز بين المقاتلين وغير المقاتلين‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫‪181‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪182‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪183‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪184‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪185‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪186‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪187‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪188‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪189‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪190‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪191‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪192‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪193‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪194‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪195‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪196‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪197‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪198‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪199‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪200‬‬
‫مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‬
‫العدد الثاني ‪ /‬السنة الرابعة‬

‫‪201‬‬

You might also like