Professional Documents
Culture Documents
عيد عبداحلليم
متثل جتربة الشاعر الراحل صالح عبد الصبور واحدة من أهم التجارب
الشعرية فى العالم العربي خالل القرن العشرين ،فهو أحد املجددين الكبار
يف بنية اخلطاب الشعري ،مع نازك املالئكة وبدر شاكر السياب وأحمد عبد
املعطي حجازي.
وحين أسمعته قصيدة من ديواني "ظل كان ديوانه األول "الناس في بالدي" أول
العائلة" قال لي :لماذا ال تكتب مسرحيات ديوان من الشعر الحر(شعر التفعيلة) في
شعرية مثل صالح عبد الصبور؟ فعندك مصر عام .1957
دراما داخل القصيدة؟ ويعد عبد الصبور من أكثر الشعراء تأثيرا
كانت هذه الجملة بمثابة الحافز لي ،وبدأت على األجيال الالحقة له ،بما تتميز به لغته
بكتابة أول مسرحية شعرية لي وهي مسرحية الشعرية من عمق فلسفي ومحاورة – متعددة
"الجرافة" ،وكانت المفاجأة بأنني حصلت الداللة -مع التراث.
بها على "جائزة توفيق الحكيم" من المركز
القومي للمسرح ،وكانت لجنة التحكيم كما قدم"عبد الصبور" تجربة مهمة في
برئاسة الناقدة الراحلة د.نهاد صليحة. المسرح الشعري ،بل إن تجربته تعد هي
كل ذلك حفزني على كتابة أربع مسرحيات األهم في العالم العربي في هذا المجال ،بما
شعرية حتى اآلن ،وهذا جعلني أكثر أبناء فيها من مساحات واسعة للرؤية الجمالية
جيلي من شعراء قصيدة النثر في مصر للحياة ،وبما فيها من مزاوجة بين جوهر
اهتماما بهذا الجانب. اإلبداع والعمق الفلسفي.
وبالنسبة لصالح عبد الصبور فقد أحببت و أتذكر أنه ذات يوم – منذ خمسة عشر
كثيرا مسرحيته "األميرة تنتظر" والتي عاما – طلب مني الشاعر الكبير الراحل
أعتبرها من أنضج تجاربه المسرحية. أحمد فؤاد نجم أن أقرأ له إحدى قصائدي،
5
تعبر عنها الشخصيات ،وال الكلمات التي باإلضافة إلى مسرحياته "مأساة الحالج" و
يجب أن يؤلفها لتعبيراتها ،وبهذا المعنى ، "مسافر ليل" و"ليلى والمجنون" و"بعد أن
تعتبر الحبكة األساس األول للبناء ،وبمعنى يموت الملك".
آخر تعد الحبكة الغاية التي يجاهد الشاعر ـ و"األميرة تنتظر " هي المسرحية الشعرية
نشاطه الخالق ـ أن يصوغها " ( )2 الثالثة في تجربة صالح عبد الصبور بعد "
اعتمد صالح عبد الصبور في مأسأة الحالج " و" مسافر ليل " ،وتنتمي
" األميرة تنتظر " على شكل مسرحي وهو هذه المسرحية إلى مسرحية الفصل الواحد
" المسرح داخل المسرح " وهذا الشكل ،ومسرحية الفصل الواحد هي " تمثيلية
الذي يعرفه د .إبراهيم حمادة قائال " :هو قصيرة الطول ـ في العادة ـ وتتميز بحبكة
عرض مسرحي يقدم ـ جزئيا ً أو كليا ً ـ داخل فردية ،أو حوادث مركزة ،وبتفاصيل قليلة،
المسرحية المعروضة ،إنه مسرح تجري وحوار حي ،وشخصيات محدودة العدد
أحداثه داخل المسرح ،والمثال على ذلك ،وذروة قريبة من نقطة النهاية ،وعندما
وارد في مسرحية هاملت لوليم شكسبير يخرج نص التمثيلية ذات الفصل الواحد في
،حيث نجد في المنظر الثاني ،بالفصل المسرح ،ال يحتاج إلى استراحة ،أو تغير
الثالث ،فرقة مسرحية تؤدي مشهداً تمثيليا ً كثير من الديكور ،كما يتميز النص ـ وهذا
مقصوراً ،كما ان مسألة المسرح يمكن أن شئ هام ـ بوحدة األثر العام ،وخصائص
تتمثل في ثالثية لويجي برانديللو المسرحية المسرحية ذات الفصل الواحد بالنسبة
":ست شخصيات تبحث عن مؤلف ـ ، 1921 للمسرحية الطويلة ،أشبه بخصائص القصة
" وكل على طريقته " ، 1924و" الليلة نرتجل القصيرة بالنسبة للرواية الطويلة " ( . )1
التمثيل " )3 ( " 1929 وقد وصلت الكتابة المسرحية لدى
" صالح عبد الصبور " في هذه المسرحية
وتعد تيمة " المسرح داخل المسرح إلى حالة من النضج الفني ،على مستوى
" الميتاتياترو " جزءاً مهما ً من نظرية المسرح الكتابة ،وعلى مستوى الرؤية ،وتأتي أهمية
الحديث ،حيث تعتمد على تكوين صورة فنية هذه المسرحية في كونها شديدة الرمزية ،
درامية من خالل تقديم عرض مسرحي عبر كتابه مكثفة ،ربما ال تبوح بداللتها ألول
جديد داخل العرض المسرحي األساسي . وهلة ،بل تحتاج إلى أكثر من قراءة ،لسبر
وقد أراد صالح عبد الصبور أغوار الشخصيات الموجودة بها .
باستخدامه لتلك التقنية الفنية أن يكشف كما تتميز هذه المسرحية بحبكتها
عيوب وأخطاء األميرة ،بحبها وعشقها الدرامية " ،والحبكة هي العنصر المعماري
للسمندل قاتل والدها " الملك " . العام للدراما ،إنها عبارة عن ترتيب
بإيراد مشاهد من حادثة اغتيال األساس وتنظيمه ،وبدونها ال يعرف الكاتب
األب من قبل " السمندل " تقوم بهذه المسرحي ماهو المطلوب من الشخصيات
المشاهد الوصيفات " بإرتدائهن ألقنعة تمثل لمسرحيته ،وال يعرف األفكار التي يجب أن
6
األميرة :وياله أقتلت أبي وجوه " السمندل " و" األب " حتى تقع االميرة
وسلبت الخاتم ،حتى ترفعه في وجه الناس .. " على الحقيقة المريرة ،وهي أنها وقعت في
وتحكم به غرام قاتل ومجرم محترف طامع في السلطة
أنت حبيبي وعمادي ،وقتلت أبي وعمادي ،أناني ال يري إال نفسه ،وال يبحث في الحياة
أشير إليك ،وأدعو : إال عن إشباع رغباته السلطوية والجنسية ،
هذا قاتل موالي وليس عاشقا ً حقيقياً.
أم أطوي كفي ،أغرق سري في دمعة المكتوم
احكم أم أصمت وهنا تبرز سمة أساسية من سمات
أوجع من هذا كله " المسرح داخل المسرح " وهي " أنه إذا كان
أ أحبك . اإلنسان ال يعي أفعاله فيمكن لهذا المسرح
أم أبغضك . أن يكشف عيوبه ويخلع عنه األقنعة التي
بعد ذلك نجد المسرحية تعود إلى يخفي تحتها مظهره الحقيقي ،والشخصي ذو
إطارها الواقعي ،حيث يجئ " السمندل " النفس المراوغة ال تجد نفسه الحقيقة إال في
بشخصيته الحقيقية ،المراوغة ،فلم يأت به عيون اآلخرين ،وعلى حد تعبير " بيراندللو"
الحب الذي يدعيه ـ دائما ً ـ ليبرر جرائمه. فإن اإلنسان يؤدي عدة أدوار في الحياة ،
بل جاء ليأخذ االميرة ،بعد أن ثار فالشخص يبني شخصيته من عدة أنواع من
ضده الشعب الذي عانى من الظلم والقهر األدوار ٌيطلب منه أن يلعبها" (. ) 4
والتسلط الذي مارسه ضد أفراده ،فاألميرة وفي مشهد دال نجد األميرة
هي الوحيدة التي تملك " حق شرعية الحكم" تحاول أن تزيح األقنعة عن حياتها السابقة
،جاء " السمندل " ليردد نفس العبارات ـ التي عاشتها قبل خمسة عشر عاما ً ،حين
السابقة ،التي أغواها بها في الماضي ،لكنها كانت " صبية " في مقتبل الحياة وأغراها
ـ بعد هذا الزمن الطويل ،ترى أن الكلمات ال أحد الحراس " فوقعت في غرامة ،من خالل
تحمل أي معنى للحب : استخدامه المعسول الكالم ،وبعد أن يقتل
األميرة :هذا ما أعددت من األب ،ويستولي ،هذا العاشق الغاصب على
الكلمات لتلقاني السلطة ،تخرج " األميرة " مع وصيفاتها
تنفخ في كلماتك كالفقاعات لتعيش في كوخ صغير فقير على أطراف
حتى تصير فارغة براقة المملكة .
السمندل :ماهذا صوتي ،بل صوت الحب وحين تقوم الوصيفات " بتمثيل
االميرة :أرجوك ..ال ..ال حادثة قتل األب "
ال تفسدها تتذكر األميرة حيرتها القاتلة ،في
وتؤكد االميرة ـ بعد ذلك ـ على أنه ذلك اليوم المشئوم وكيف أن هذا الحبيب
" كاذب " ومع ذلك تعترف بان العشق مازال القاتل أراد منها أن تنسى أنه قاتل والدها وأن
يتملكها ،رغم ما فعل من جرائم وتطلب منه تبارك استيالئه على السلطة :
7
الزائف والقاتل من ذكراه ،لن يتحقق هذا أن يكون صادقا ً ولو للحظة.
الكتمال إال إذا سمت شخصيتها وتحققت األميرة :هاهو ذا يأتي متشحا ً
فيها عناصر القوة ،فهي األميرة ،التي يجب بالكذب كما اعتاد
أن تكون " سيدة " في كل تصرفاتها. قد عامت في شفتيه األلفاظ
: فنرى القرندل المعة ومراوغة كالزيت
قبل أن يخرج من باب الكوخ يتجه إلى األميرة وا أسفاه مازالت كما أنت
قائالً لها أوه ،أذهب عني ..ال ..ال
آه ال يحمل بي أن أنسى أغفر لك كل خطاياك
هذا تذييل ال تكمل أغنيتي دونه إال أن تفسد لحظة صدق
على الجانب اآلخر " نجد شخصية " القرندل
ياأمرأة وأميرة " ،والذي يجسد شخصية الثائر /أو الوطن
كوني سيدة وأميرة ،الذي يحمل بداخله " أغنية " لم تكتمل بعد
ال تثني ركبتك النورانية في استخذاء ،وهو يبحث عن اكتمالها ،هذه األغنية هي
في حقوق رجل من طين " الحرية " .
أياما كان وشخصية " القرندل " تحمل في
وغدا أو شهما. معناها سمات عامة للمواطنين فحين يسأله
السمندل " ماذا تعمل ،يرد عليه " القرندل "
الهوامش: بعبارة دالة قائالً :
))1د .إبراهيم حمادة :معجم المصطلحات ال أعمل شيئا ً
الدرامية والمسرحية ـ دار المعارف ـ القاهرة أحيانا ً أتأمل في الشمس إلى ان تغرب
1985ـ ص240 أو في الليل إلى أن تشرق
))2د .إبراهيم حمادة :مقاالت في النقد أرقص أحيانا ً في أفراح الخالن
األدبي ـ دار المعارف ـ القاهرة 1982ـ أحيانا أكتب
ص117 السمندل :ماذا تكتب
))3د .إبراهيم حمادة :المصطلحات القرندل :مايحدث
الدرامية والمسرحية ـ دار المعارف 1985 هل تسكن في هذا السمندل :
ص. 233 الكوخ
))4لويجي بيراندللو :ست شخصيات بل عندي عمل سأؤوديه
تبحث عن مؤلف ـ ترجمة محمد إسماعيل فالليلة أنا مدعو أن ألقي أغنيتي
محمد ،ثالثية المسرح داخل المسرح ـ وتكتمل األغنية بان يقتل " القرندل
المجل الوطني للثقافة والفنون ـ الكويت " السمندل " ،لكن هذا االكتمال ألغنية
2012ص ■ 13 الحرية التي ينشدها الشعب ،لن يكتمل إال
إذا تحررت األميرة " نهائيا ً من هذا العشق
8