You are on page 1of 19

‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫الثابت والمتحول السينوغرافي في مسرحية "نوستالجيا"‪:‬‬


‫لعبد المجيد الهواس‬

‫د‪ .‬لخضر منصوري‬


‫‪ -‬قسم الفنوف‪ -‬جامعة وىراف ‪1‬‬
‫‪theatredupoint@yahoo.fr‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫يذىب ادلخرج ادلسرحي عبد اجمليد اذلواس إىل أبعد من ذلك من خالؿ حبثو يف جوىر النص ادلسرحي‪ ،‬ويف جوىر اإلنساف (حدود‬
‫التجربة اإلنسانية والتجربة اإلبداعية) والذىاب أيضا إىل عمق الوعي دبكونات العمل النفسية و الفلسفية والسياسية للمجتمع‪.‬‬
‫لقد ذبلى االشتغاؿ اجلمايل يف صبلة من األعماؿ ادلسرحية ادلغربية‪ ،‬ديكن رصدىا أساسا على مستوى مكوف الفضاء ادلسرحي‪،‬‬
‫وعلى مستوى االشتغاؿ التقٍت‪ ،‬وعلى مستوى لعب ادلمثل‪ ،‬مث على مستوى الكتابة الدرامية‪ .‬وديكن رصد ىذه ادلستويات اجلمالية‬
‫من خالؿ ذبارب متميزة تنتمي إىل حقل مسرح اذلواة و احملًتؼ‪ ،‬الذي اعترب السؤاؿ اجلمايل من أىم قضاياه‪ ،‬خاصة ضمن أسئلة‬
‫التجريب وخوض ادلشروع ادلسرحي احلديث بادلغرب‪ .‬وسنقف عند مسرحية "نوستاجليا" اليت اقتبسها "عبد اجمليد اذلواس عن نص‬
‫للكاتب الروماين "ماتيٍت فيزنياؾ" عنواهنا األصلي "قصة دببة الباندا يرويها عازؼ الساكسفوف لو خليلة بفرنكفورت" و اليت‬
‫ستكوف زلور دراستنا التطبيقية حوؿ التجربة اإلخراجية بادلغرب‪،‬و ألف مسرحية "نوستاجليا" –يف رأينا‪ -‬ربمل الكثَت من ادلفاىيم و‬
‫األساليب اإلخراجية اليت ذلا صلة بالبحث األكادديي ادلميز‪ ،‬كما أهنا تعترب من ادلسرحيات ادلهمة يف الريربتوار ادلسرحي ادلغريب‬
‫احلديث‪.‬‬

‫الكلمات ادلفتاحية‪:‬‬
‫مسرح ; االخراج ادلسرحي ; الفضاء ادلسرحي ; اجلمالية ; الكتابة اإلخراجية ; االدب ادلغاريب ; التمثيل ; لعب ادلمثل ; ادلستويات‬
‫اجلمالية ; التجريب ; نوستاجليا ; عبد اجمليد اذلواس ; مسرح ادلغريب ; النص ادلسرحي‬

‫‪Résumé :‬‬

‫‪L'article s'articule sur l'expérience du metteur en scène marocain‬‬


‫‪Abdelmajid El Hawass, qui par sa création théâtrale "Nostalgia " se faufile au fin‬‬
‫‪fond du texte théâtral, et par là vers l'homme et l'humanisme tout en éclairant les‬‬
‫‪abimes de l'expérience humaine a travers les temps.‬‬
‫‪le travail théâtral de notre metteur en scène repose toujours les même‬‬
‫‪questionnement sur la condition humaine, par une esthétique qui vise a montrer‬‬
‫‪un visuel de l'espace scénique, et par des technique de scène emprunter aux arts‬‬
‫‪visuels et aux différents courant moderne. La pièce théâtrale Nostalgie de son‬‬
‫‪auteur roumain Matei Visniec, un sujet que Abdelmajid el hawass, traduit a la‬‬

‫‪179‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫‪langue arabe, avec une certaine poésie, et qui démasque les maux d'une société‬‬
‫‪arabe déchiqueté par les courant de la mondialisation, et grâce a cela; notre‬‬
‫‪metteur en scène prouve encore une fois que le théâtre académique porte en lui‬‬
‫‪l'espoir, d'un nouveau théâtre maghrébin contemporain.‬‬

‫تأسست فرقة "أفروديت" سنة ‪ 1999‬لتطعم ادلشهد ادلسرحي ادلغريب بتجربة تقودىا رلموعة من‬
‫خرجيي ادلعهد العايل للفن ادلسرحي والتنشيط الثقايف ذلم وجهة نظر و قراءة مغايرة للمسرح‪ ،‬انطالقا من قناعتهم‬
‫بأف ادلسرح يبٌت دبفاىيم علمية ويتأسس يف دائرة ورشة تتضافر فيها جهود التخصصات ادلختلفة(كتاب و سلرجوف‬
‫وسينوغرافيوف وشلثلوف) وعلى طاقم فٍت وتقٍت قار الذي من مهامو تطوير مفهوـ العمل ادلسرحي يف جوانبو اجلمالية‬
‫والتقنية‪.‬‬
‫رمست فرقة "أفروديت" معامل مسرح مغريب جديد‪ ،‬انطالقا من مشروعها الفٍت دبسرحية "قصة حديقة‬
‫احليواف" قبل ذلك سنة ‪ 1998‬أخرج "عبد اجمليد اذلواس" مسرحية "شكوف طرز ادلا" منطلقا من نصوص قددية‪،‬‬
‫شكلت أرضية النص يف توظيفها ألزجاؿ أضبد دلسيح‪ ،‬بدعم من وزارة الشؤوف الثقافية و برعاية ادلعهد الوطٍت‬
‫للموسيقى والرقص‪.‬‬
‫‪moyen de‬‬ ‫ال تنفصل أعماؿ فرقة "أفروديت" يف زلتوياهتا عن جعل ادلسرح أداة للمتعة "‬
‫‪ ،"plaisir‬لتشكل إطارا قانونيا خيوؿ ذلا أف تنظر إىل ادلسرح خارج مستوياتو النظرية‪ ،‬بل أبعد من ذلك كورشة‬
‫للعمل ادلسرحي اإلبداعي يكوف برنارلها االشتغاؿ على النصوص و اإلخراج السينوغرايف والتشخيص و ادلوسيقى‬
‫و اإلدارة الفنية‪.‬‬
‫ينطلق فريق "أفروديت" على مستوى النص‪ ،‬من التجربة الفردية للشخصيات‪ ،‬ليشمل ما ىو إنساين‪،‬‬
‫مسائال بذلك حقيقة الكائن و اجملتمع اليت ال تنفصل قضاياه عما ىو كوين و إنساين فمثال حُت اقتباس و إخراج‬
‫مسرحية "إدوارد أليب" (قصة حديقة احليواف ‪)the zoo story‬من لدف "بوحسُت مسعود" اليت حاوؿ تقريبها‬
‫من اجملتمع ادلغريب من خالؿ معاجلتو و تأويل و ربديد القيم واألبعاد اإلنسانية يف عمق ارتباطها بقضايا وجودية‬
‫هتم اإلنساف العريب كافة و ادلغريب على وجو اخلصوص‪.‬‬
‫قدـ "مسرح أفروديت يف سنو ‪ ،2000‬مسرحية "لعب الدراري" إقتباس "بوحسُت مسعود" وإخراج‬
‫"عبد العاطي مباركي"‪ ،‬عن نص لػ"غريغوري غابور" مث يف سنة ‪ 2001‬قدموا عمال دراماتورجيا عن أشعار "فروغ‬
‫فرخزاد" قاـ بإخراجو "عبد اجمليد اذلواس" ناؿ اجلائزة الكربى للمهرجاف الدويل للمسرح اجلامعي بالدار البيضاء عاـ‬

‫‪180‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫‪ . 2002‬حينها دخلت الفرقة يف ذبربة قيمة عن قضية هتم اجملتمع ادلغريب وىي سلسلة االعتقاالت السياسية اليت‬
‫شهدىا ادلغرب يف سنوات السبعينات وعنواهنا " ‪ 2004‬شجر ادلر" درماتورجيا و إخراج "عبد اجمليد اذلواس" ويف‬
‫عاـ ‪ 2005‬قدمت الفرقة مسرحية ذبريبية كاف لنص الشاعر العريب زلمود الدروش "شتاء ريتا الطويل" أساسا لو‪،‬‬
‫ضبل شعرية الرجل إىل ادلسرح بكثَت من احلرفية و اجلمالية مث مسرحية "فيولنسُت ‪ "violonscene‬عن نص‬
‫ادلسرحي يهدؼ إيصاؿ أصوات األمهات العازيات‬ ‫"ألمل عيوش" وإخراج "عبد اجمليد اذلواس" فكاف العمل‬
‫دبعاجلتها دلوضوع مل يكن من السهل احلديث عنو يف السابق ‪.‬‬
‫أما على مستوى اإلخراج و الذي يتجاوز الكليشيهات ادلعروفة اليت زبص حدود إدارة مكونات العرض‬
‫(من إدارة ادلمثلُت و التشكيل احلركي السينوغرافيا و ادلوسيقى) فإف الفرقة تذىب إىل أبعد من ذلك من خالؿ‬
‫حبثها يف جوىر النص ادلسرحي‪ ،‬و يف جوىر اإلنساف (حدود التجربة اإلنسانية والتجربة اإلبداعية) و الذىاب‬
‫أيضا إىل عمق الوعي دبكونات العمل النفسية و الفلسفية والسياسية للمجتمع‪.‬‬
‫عبد اجمليد اذلواس بُت االحًتافية والتخصص‪:‬‬

‫يعد "عبد اجمليد اذلواس" من األمساء ادلسرحية اجلادة يف ادلشهد ادلسرحي بادلغرب احلديث إذ ديتاز بتعدد‬
‫االىتمامات‪ ،‬فهو فناف تشكيلي وسينوغرايف ومتخصص يف فنوف اخلشبة وادلسرح‪.‬‬

‫منجذبا إىل كتابة‬ ‫شكل "عبد اجمليد اذلواس" استثناءا يكاد يكوف فيو ‪ -‬حالة خاصة ‪ ، -‬لكنو يظل‬
‫القصة باستمرار‪ ،‬حيث صدرت لو عدة نصوص قصصية نشرىا يف بعض اجلرائد واجملالت ادلغربية والعربية‪ ،‬وىي‬
‫نصوص تتميز بنوع من مراودة اللغة األدبية على نفسها والدفع هبا إىل ارتياد عادلو التشكيلي مستندا يف ذلك إىل‬
‫يكسر رتابة النثر وعاتقة‬ ‫حس مرىف يستنطق الواقع ‪ .‬إف نصوص "اذلواس" مهووسة بالوصف الشعري الذي‬
‫اللغة ففي ىذا اجملاؿ يقوؿ عن الكتابة بشكل عاـ‪":‬أكتب كي ال تتعطل الرئتاف عن عب اذلواء‪ ،‬الكتابة نسغ‬
‫العارمة اليت تنافس الشغب‬ ‫يرمم أعطاب الروح كلما تقاطر النهار عليها بأحجار ثقيلة‪ .‬اكتب لًتتيب الفوضى‬
‫اللذيذ يف مغازلة احلياة‪ .‬الكتابة حذاء القدمُت احلافيتُت وأنا أكتب ألربايل على الفصوؿ ‪ ،‬وكلما تعطل الربيع‬
‫أينعت شقائق النعماف من دـ النوستاجليا*"‬

‫‪.1‬‬

‫‪181‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫‪،1984‬‬ ‫ولد عبد اجمليد اذلواس سنة ‪ 1964‬يف مدينة تازة ‪ ،‬وقد درس دبسقط رأسو إىل حدود سنة‬
‫حيث حصل على شهادة البكالوريا ( آداب عصرية مزدوجة )‪ ،‬والتحق للدراسة بادلعهد العايل للفنوف ادلسرحية‬
‫والتنشيط الثقايف )‪ ، ( I.S.A.D.A.C‬وناؿ دبلوـ التخصص يف السينوغرافيا سنة ‪ 1990‬بعد أربع سنوات‬
‫ليشتعل أستاذا يف نفس ادلعهد منذ زبرجو كأستاذ دلقياس السينوغرافيا وفنوف العرض‪.‬‬

‫‪ -3‬مسرحية "نوستاجليا " يف سطور‪:‬‬

‫يستيقظ السيد"بيلهوؿ" يف غرفة تعمها الفوضى على جسد إمرأة ترقد جبانبو‪ ،‬ال يعرؼ من أين أتت‪،‬‬
‫لكنها تذكره بسهرة كاف يعزؼ فيها السكسفوف ويقرأ ذلا نصوص الشاعر الفرنسي "بودلَت"‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬ففي‬
‫استيقاظو يبدأ العامل كما لو كاف سَتتب من أولو‪ ،‬فتبدو ادلرأة مستعجلة يف أف تنصرؼ‪ ،‬لكنها ال تغادر إال بعد‬
‫أف تعده بأف تقضي وإياه تسع ليايل‪.‬‬

‫ىكذا تبدأ "قصة دببة الباندا اليت يرويها عازؼ السكسفوف والذي لو خليلة بفرنكفورت" حكاية‬
‫أبطاذلا أصوات يف شريط تسجيل اذلاتف‪ ،‬سكاف عمارة ال نراىم إال عرب أصواهتم‪ ،‬عصافَت ومهية تتوالد من لذة‬
‫الضوء مثل الفطر‪ ،‬و حكايات عن األبناء الذين رحلوا و ظلت األشجار تدؿ عليهم ‪ ..‬و تتسرب احلكايات‪،‬‬
‫عرب تردد ادلرأة اليت ال ربمل اسم على سيد "بيلهوؿ " كل مساء‪ ،‬لينمو من خالؿ ذلك دؼء غامض يف حياة‬
‫الرجل‪..‬لنتسائل يف النهاية يأيت فريق من الشرطة بصحبة جَتانو دلعاينتو إف كاف حيا فبعد تكسَت باب شقتو صلده‬
‫ميتا مند مدة‪.‬‬

‫نتساءؿ إذف ىل كاف حيلم احتضاره مقيدا دبحبة امرأة ىطلت عليو؟ أـ أف القصة ال أحد منا يعلم‬
‫تفاصيلها؟‬

‫‪ -‬الكتابة يف مسرح عبد اجمليد اذلواس‪:‬‬

‫مستوى‬ ‫لقد ذبلى االشتغاؿ اجلمايل يف صبلة من األعماؿ ادلسرحية ادلغربية‪ ،‬ديكن رصدىا أساسا على‬
‫ادلمثل‪ ،‬مث على مستوى الكتابة‬ ‫مكوف الفضاء ادلسرحي‪ ،‬وعلى مستوى االشتغاؿ التقٍت‪ ،‬وعلى مستوى لعب‬

‫‪182‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫الدرامية‪ .‬وديكن رصد ىذه ادلستويات اجلمالية من خالؿ ذبارب متميزة تنتمي إىل حقل مسرح اذلواة و احملًتؼ‪،‬‬
‫احلديث‬ ‫الذي اعترب السؤاؿ اجلمايل من أىم قضاياه‪ ،‬خاصة ضمن أسئلة التجريب وخوض ادلشروع ادلسرحي‬
‫بادلغرب‪ .‬وسنقف عند مسرحية "نوستاجليا" اليت اقتبسها "عبد اجمليد اذلواس عن نص للكاتب الروماين "ماتيٍت‬
‫فيزنياؾ" عنواهنا األصلي "قصة دببة الباندا يرويها عازؼ سكسفوف لو خليلة بفرنكفورت" و اليت ستكوف زلور‬
‫دراستنا التطبيقية حوؿ التجربة اإلخراجية بادلغرب‪ ،‬معرجُت على بعض التجارب ادلماثلة يف ىذه الديباجة‪ ،‬و ألف‬
‫مسرحية "نوستاجليا" –يف رأينا‪ -‬ربمل الكثَت من ادلفاىيم و األساليب اإلخراجية اليت ذلا صلة بالبحث األكادديي‬
‫ادلميز‪ ،‬كما أهنا تعترب من ادلسرحيات ادلهمة يف الريربتوار ادلسرحي ادلغريب احلديث ويف ىذا السياؽ؛ سنحاوؿ قراءة‬
‫للنص ادلسرحي ادلغريب يف أبعاده و عالماتو وإضافاتو النوعية للكتابة الدرامية خاصة ماتعلق بالكتابة باللغة‬
‫الفصحى و اليت ربمل يف رأينا أبعادا ال زاؿ ادلسرح ادلغاريب جيهلها‪.‬‬

‫لقد انتعشت الكتابة الدرامية يف كتابات "عبد اجمليد اذلواس" منطلقة من رفض ىذا ادلسرح الذي يهادف‬
‫اإليديولوجية الرمسية‪ 1‬حىت صارت ‪-‬أي الكتابة الدرامية‪ -‬عبارة عن نصوص مسرحية فاعلة تكسر أشكاؿ الكتابة‬
‫التقليدية وتقدـ صياغة درامية تضع نصب أعينها اخلشبة بكل خصائصها وخصوصياهتا‪ ،‬فكانت النتيجة أف‬
‫أتاحت ىذه األساليب الدرامية "ابتداع مسرح تركييب صبع بُت الكلمة واحلركة‪ ،‬واإلنارة وادلوسيقى‪ ،‬كما أنو يقوـ‬
‫على احلدث ادلسرحي ضمن منظومات صبالية تأخذ شكل لوحات وتركيبات إحيائية وىذا ما جعل نصوص‬
‫"اذلواس" تفيض بشىت الرموز‪ ،‬وينحو إىل التجديد ادلطلق أحيانا"(‪.)2‬‬

‫يعتمد "عبد اجمليد اذلواس" يف نصو "نوستاجليا" على اكتشاؼ مرجعيات فنية عديدة‪ ،‬مند البدء يف‬
‫عملية اإلعداد الدراماتورجي‪ ،‬فيتبٌت يف ىذه العملية على الذىاب وخباصة إىل األعماؿ التشكيلية‪ ،‬تتقدمها أعماؿ‬
‫الرساـ البلجيكي"روين ماغَتت" الذي أشتهر داخل اجملموعة السريالية بلوحة "ىذا ليس غليونا"‪ ،‬وكذا ببساطة و‬
‫عمق التجربة الواقعية عند "جوف فرنسوا ميلي"الذي أغوت أعمالو الرساـ الشهَت "سلفادور دايل" فاستلهمها يف‬
‫عدد من أعمالو الفنية‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫حيرص"عبد اجمليد اذلواس" على التكامل بُت صباليات النص ادلسرحي وضرورة ادلتعة البصرية وعرب ذلك‬
‫ذبتمع لديو عناصر العرض(مستلزمات العرض انطالقا من إرشادات ادلؤلف) اليت حيتويها النص يف غالب األحياف‪.‬‬
‫إف وظيفة اللوحة التشكيلية داخل العرض ادلسرحي عنده‪ ،‬ليست رىانا تزينيا بل تصَت ربمل دالالت ووظائف‬
‫متعددة‪ ،‬فيمسي النص مشبعا بذات العناصر التشكيلية أو بعض منها‪ ،‬فنص "ماتيٍت فيزنياؾ" ينطلق من التأثر‬
‫‪ 01‬و ‪ ،)02‬فكل األشياء اليت صلدىا يف النص‬ ‫(أنظر الصورة رقم‬
‫الكبَت و ادلعرفة ادلسبقة "لروين مارغريت" نقصد لوحاتو‬
‫ادلسرحي ىي لوحات مشهورة ومعروفة للفناف التشكيلي (فاكهة التفاح والسكسفوف و الطيور الومهية واألقفاص)‬
‫واخلفة اليت تتمتع هبا شخصية ادلرأة يف ادلسرحية‪ ،‬صلدىا واقعيا عند شريكة الرساـ "روين مارغريت"‪ ،‬فالعالقة‬
‫السلسة يف حياهتما واليت تنم عن حب استثنائي تتناسل من داخل أعماؿ الرساـ و تتجانس بالعناصر ادلركبة‬
‫لقصة "فيزنياؾ" ادلسرحية ‪.‬‬

‫أحاط "اذلواس" عملو النصي بكثَت من الشاعرية يف ربويل النص إىل اللغة الفصحى‪ ،‬زلمال إياه الكثَت‬
‫من الشعرية و احلوارات القصَتة اليت تبدو ك ػ "مسرح العبث" و لو أف ىذا النص ال ينتمي إطالقا ذلذا االذباه الفٍت‬
‫يف تركيبتو الدراماتورجية و ال يف صياغتو لألحداث و ادلواقف الدرامية‪.‬‬

‫يتأسس نص "نوستاجليا" على حوارية ثنائية مابُت شخصيتُت "ىو" و"ىي" و ال يقف عند حدود البعد‬
‫ادلعريف ذلذه الشخصيات و إمنا يتجاوز ذلك إىل أبعاد التعبَت عن لواعج الشخصية وأحاسيسها العميقة؛ آىاهتا‬
‫حصرهتا ‪ ...‬بأحرؼ من األجبدية ذبعل ادلتلقي يتأوه معها حُت القراءة فيعيش بذلك ما تعيشو الشخصيات و ردبا‬
‫يتطهر من أدراهنا كما يذىب إىل ذلك "أرسطو" (‪ . )3‬ولعل ىذا ادلقطع من مشهد "الليلة الثامنة" يفصح عن‬
‫ذلك‪:‬‬

‫ىي‪ :‬قل ‪A‬‬


‫ىو‪ :‬أ‬
‫ىي‪:‬برقة أكرب"أ"‪.‬‬
‫ىو‪ :‬أ‪.‬‬
‫ىي‪ :‬بصوت خفيض"أ"‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫ىو‪ :‬أ‪.‬‬
‫ىي‪:‬أريد "أ" رخيمة‪.‬‬
‫ىو‪ :‬أ‪.‬‬
‫ىي‪ :‬قل "أ" كما لو كنت تقوؿ يل أحبك‪.‬‬
‫ىو‪" :‬أ"‬
‫ىي‪ :‬قل "أ" كما لو كنت تقوؿ يل أنك أبداً لن تنساين‪.‬‬
‫ىو‪ :‬أ‪.‬‬
‫ىي‪ :‬قل "أ" كما لو كنت تقوؿ يل أنك مغفل‪.‬‬
‫ىو‪ :‬أ‪.‬‬
‫ىي‪ :‬قل "أ" كما لو كنت تقوؿ يل"إبقي"‬
‫ىو‪ :‬أ‪.‬‬
‫ىي‪ :‬قل "أ" كما لو كنت تقوؿ تسالٍت دلاذا تأخرت‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ىو‪ :‬أ‪.‬‬

‫ال تكمن جرأة الكتابة ‪ /‬االقتباس عند "عبد اجمليد اذلواس" فقط على ادلستوى اجلمايل النفسي‪ ،‬بل‬
‫تتعداه يف تناوذلا للمكبوت وادلمنوع؛ حيث يشتغل على ادلوضوعات اليت سبس العالقات اإلنسانية واجلنس واجلسد‬
‫وكل العوامل اليت يعيشها الرجل وادلرأة من وجهة نظر مغايرة‪ ،‬يف تأسيسها جلملة من احملطات النفسية اليت قد‬
‫تصيب العقل العريب من جهة و الفناف من جهة أخرى‪ .‬يتجزأ النص إىل وحدات تتكوف من إحدى عشر‬
‫مشهدا‪ ،‬ذو بعد زمٍت متعدد )*( فتقضي وإياه تسع ليايل إضافة إىل االستهالؿ و النهاية اليت تأيت يف الصباح‪ ،‬مث أف‬
‫لكل مشهد تفاصيل عن صفات ادلكاف من خالؿ إرشادات ادلؤلف" ‪ "Didascalie‬اليت تؤسس لإلخراج لدى‬
‫"اذلواس" وكأنو ال يقوـ دبعاجلة النص‪ ،‬ألنو ىو الذي اقتبسو عن النص األوؿ لػ ػ" ماتيٍت فيزنياؾ" وبالتايل النص‬
‫مقتبسا مسبقا لإلخراج‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫أما عن الشخصيات ادلسرحية‪ ،‬فهي شخصيات تشبهنا‪ ،‬تتأسس بدوف مساحيق إضافية والعالقة فيما‬
‫بينها وادلواقف اليت ربياىا ىي اليت زبلق الغرابة أحياناُ‪ ،‬و قد تبدو "عبثية" أو "طبيعية" أو لعلها دوف ذلك‪ ،‬فهي‬
‫شخصيات متخيلة من لدف الكاتب األصلي حىت و إف كانت شخصيات حقيقية "ربمل يف طياهتا سَتة احلياة"‬
‫(‪ ، )5‬تنطق لغة قريبة من اجملتمع أحيانا و مبتعدة عنو أحيانا آخر‪ ،‬والبد من اإلشارة أف ىذه الشخصيات ضامرة‬
‫بفعل الوجود‪ ،‬وىو ثراؤىا الوحيد سبنح منو يف صمتو تناـ‪ ،‬و ال أحد منا يعلم من أين أتت ؟ و ال أحد يستهويو‬
‫أين ستمضي؟‬

‫نلمح فيها صدى "صامويل بيكت"‪ ،‬و أحيانا عبث "يوجُت يونسكو" و أحيانا ال نستقر إال يف ىوؿ‬
‫"آراباؿ"‪ ،‬ألف أبطاؿ ادلسرحية ىم ادلواقف ذاهتا اليت ربياىا الشخصيات‪ ،‬تلك اليت تتصرؼ بعمق واقعي كي تفرز‬
‫عرب مسامعنا عبث الوجود‪.‬‬

‫شخصية ادلرأة؛ عنيدة ورقيقة ربمل صفات ادلرأة الفرنسية ادلتحررة من كل القيود االجتماعية واألخالقية‬
‫التقليدية‪ ،‬تبدو يف ادلسرحية و كأهنا خياؿ يسبح يف ذاكرة الرجل‪ ،‬دومنا إزعاج تدللػو وترعاه طواؿ الليايل اليت بقت‬
‫إىل جانبو‪ ،‬وىذا ادلقطع من النص يفضي عن ذلك‪:‬‬

‫ىو‪ :‬مل أكن أصدؽ بأنك سوؼ تعودين‪.‬‬


‫ىي‪ :‬لقد أعطيتك كلميت‪.‬‬
‫ىو‪ :‬عند منتصف الليل عزفت لك والسكسفوف ‪.‬‬
‫ىي‪ :‬كنت أصغي إليك‪.‬‬
‫ىو‪ :‬لردبا كنت اجلارة اجلديدة اليت تقطن يف األسفل‪.‬‬
‫ىي‪ :‬كال إنٍت أعيش وإياؾ‪.‬‬
‫ىو‪ :‬لتسع لياؿ‪ .‬أجل‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ىي‪ :‬و لردبا احلياة تسع مرات‪.‬‬
‫أما شخصية الرجل (السيد بيهوؿ)‪ ،‬فيبدو من خالؿ النص‪ ،‬أنو فناف يعزؼ والسكسفوف ويعيش يف‬
‫عمارة ال يعرؼ عن جَتانو إال أصواهتم‪ ،‬و حىت زليطو الفٍت ال نعرفو إال من خالؿ األصوات ادلسجلة على آلة‬

‫‪186‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫التسجيل ىاتف بيتو‪ ،‬لنكتشف أف ىذه الشخصية زلاطة دبجموعة أصوات ال نلمحها يف النص‪ ،‬فهو جد قلق‬
‫يعيش يف شبو عزلة عن الناس نظراً لذاتيتو ادلفرطة "‪ ،"egocentrisme‬وكأنو يشبو شخصية اللوحة اليت رمسها‬
‫"روين مارغريت" (أنظر الصورة رقم‪ ) 01‬يف توحدىا و انشغاذلا هبمومها اليومية دوف التواصل احلقيقي مع الكائنات احمليطة‬
‫هبا ذىنيا‪ ،‬شخصيات ال تبدو للعياف لكنها حاضرة يف دىنو كأهنا تقامسو اذلموـ و زبفف عنو عناء الغياب‪.‬‬

‫يتشكل النص من حوار بُت الشخصيتُت و بُت أصواهتم فال نرى يف ادلشهد األخَت وما قبلو إال أصوات‬
‫تتحدث لتبلغنا عن كثَت من حيثيات النص و راىن شخصياتو‪ .‬ليقوـ ادلخرج أثناء العرض‪ ،‬بتتبع مضموهنا مقتفيا‬
‫أثر نفس العملية اإلخراجية لتلك الكلمات عرب أصوات مسجلة تاركا الصورة الديكورية تتحدث موازاة مع ىذه‬
‫األصوات بفعل تشكيلي‪.‬‬

‫ترؽ إىل حدود االقتباس –كما ىو معروؼ‪ -‬بل كاف‬


‫إف ادلعاجلة الدرامية لنص "عبد اجمليد اذلواس" مل َ‬
‫رلرد ترصبة للنص األوؿ‪ ،‬مث ترصبة بصرية عرب التشكيل احلركي‪ُ ،‬زل َملة بالتأثَتات التشكيلية لػ"روين مارغريت"‪ ،‬إذ‬
‫إنو مل يستطع ذباوز النص األصلي ويف ادلقابل أستطاع أف يعيد تشكيلو من خالؿ الصورة البصرية يف عملية‬
‫اإلخراج و اليت من خالذلا خلق رلموعة من االفًتاضات اليت ذبمع رلموعة من العناصر تربطها عالقات دالة تعرب‬
‫عن روح شاعرية بلغة سريالية تصنع عادلا سلسا و جذابا لعامل واقعي عبثي‪ ،‬وقد برر ادلخرج ىذه اخليارات الفنية‬
‫واجلمالية حُت يقوؿ‪ ":‬إف معاجلتنا ذلذا العمل ال ينحو ضلو مغربتو و ال يهاب الصدامات النقدية اليت قد تطرح‬
‫من خالؿ ىذا التناوؿ‪ ،‬اختيارنا إرادية تندرج يف سياؽ تقدمي ذبربة مسرحية رائدة لكاتب ينحت دوف إدعاء امسو‬
‫يف رخاـ ادلسرح يف عامل متعنت يتملص من العمق اإلنساين الذي تزخر بو الثقافات ويصبو إىل تضييق اخلناؽ‬
‫( ‪)7‬‬
‫على التعدد و االختالؼ رامسا حدوده الومهيةػ تلك اليت تقزـ اإلنساف يف ثرائو و شساعتو"‬

‫إف النص عند "عبد اجمليد اذلواس" يتأسس على تعريف القارئ العريب‪ ،‬على كاتب لو صيت كبَت يف‬
‫اآلداب األجنبية و يعلل ذلك الباحث حكيم عنكر بقولو ‪ ":‬نقرأ ذبربة يف احللم اإلنساين‪ ،‬ونتعرؼ عن ىذا‬
‫(‪)8‬‬
‫و كذا رغبة منو كسينوغراؼ ادلزاوجة مابُت‬ ‫الكاتب الذي ال نعرؼ عنو إال الشيء القليل يف العامل العريب‪".‬‬
‫اإلخراج ادلسرحي و الفنوف التشكيلية‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫ينطلق التشكيل احلركي يف مسرحية "نوستاجليا" من استهواء ادلخرج كثَتا دبرجعيات تشكيلية فنية عدة‪،‬‬
‫ففي خضم عملية اإلعداد اإلخراجي تبٌت ووجو "عبد اجمليد اذلواس" رؤيتو انطالقا من رلموعة من األعماؿ‬
‫التشكيلية تتقدمها أعماؿ الرساـ البلجيكي "روين مارغريت" اليت تتالقى وتتقارب مشهديا يف تلحقها بالفن‬
‫(أنظر الصورة رقم ‪ 03‬و ‪04‬‬
‫التشكيلي‪ ،‬إذ نالحظ حضور اللوحة التشكيلية ضمن ديكور ادلسرحية‪ ،‬حاضرة وبارزة للعياف‬
‫)‬

‫يبدأ ادلشهد األوؿ بتشكيل حركي بسيط إذ بعد رفع الستار صلد غرفة تعمها الفوضى ورجل نائم على‬
‫سرير‪ ،‬يفيق بدىشة وجود امرأة جبانبو يف الفراش‪ ،‬ويبدأ ادلخرج يف تشويق ادلتلقي حوؿ من أين أتت؟ كيف‬
‫وصلت لغرفتو ؟ و يبدأ حييك يف قصة ادلشهد األوؿ عرب سَت الرجل يف خطوط مستقيمة مث يدخل احلماـ ادلوجود‬
‫يف اجلهة اليمٌت للغرفة‪ ،‬وادلرأة باقية يف مكاهنا على السرير تكلمو بكل رومانسية عن رليئها وكيف التقت بو‪ ،‬و‬
‫ىو يكثر عليها يف األسئلة كي يعرؼ حقيقة وجودىا يف بيتو‪ ،‬تبدو ادلرأة مستعجلة يف أف تنصرؼ‪ ،‬وحينما تريد‬
‫اخلروج ال يرغب يف ذلك فيًتجاىا أف تبقى معو وبعد برىة‪ ،‬تعده بأف تعود تسعة لياؿ و ينتهي ادلشهد بسماع‬
‫صوت مسجل على اذلاتف لصديقة أخرى لو ‪،‬تدعوه يف الرسالة الصوتية أف يتصل هبا‪.‬‬

‫بذلك يبدأ ادلخرج يف توصيل رؤاه اإلخراجية يف جو سبأله األسئلة عن الوجود‪ ،‬عن الفرد‪ ،‬من خالؿ‬
‫تسعة ليايل تعود فيها ادلرأة كل ليلة بفستاف جديد‪،‬لتسرب احلكايات عربر ترددىا ولتعيد ترتيب حكاية رجل فقد‬
‫ذاكرتو وماضيو وبقي وحيدا يف شقتو بعمارة ال نعرؼ عن سكاهنا إال حضور أصواهتم ‪ ،‬فينمو لديو ذاؾ الدؼء‬
‫الغامض‪.‬‬

‫يتميز التشكيل احلركي عند "عبد اجمليد اذلواس" يف تقليص احلركة‪ ،‬إذ صلده يستغرقها يف النص ويوحد‬
‫بينهما من خالؿ الوضعيات اجلسمانية اليت تفصح عن مكنوف األفكار اإلخراجية‪ ،‬مستعينا يف ذلك بأسلوب‬
‫)*( من خالؿ إلباس‬ ‫ادلنهجية النفسية "لستانيسالفسكي" يف أداء ادلمثل‪ ،‬و كذا تعاليم "إدوارد كوردف كريج"‬
‫ادلشهد حلة ادلعاصرة ‪ ،‬أضفى عليها مظاىر العصر احلديث وذلك من خالؿ تنوع الرؤى يف معاجلاتو اإلخراجية ‪،‬‬
‫اليت اتسمت باجلدة و اجلرأة‪ ،‬حيث ضلس بالعمل ادلخربي الذي دعا إليو "كريج" من خالؿ ادلنحوتات اليت قدـ‬
‫هبا مسرحية "ىاملت" على سبيل ادلثاؿ‪ ،‬فنفس الشئ نلمسو عند "اذلواس" يف حضور اللوحة التشكيلية داخل‬

‫‪188‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫فضاءه ادلسرحي‪ ،‬والذي يعترب دبثابة تأثَت مباشر و جلي ذلذا ادلنهج على رؤيتو‪ ،‬كما أف ادلخرج نفسو يذكر ذلك‬
‫حينما يقوؿ‪..":‬إذ تنتفي اللوحة كحضور مادي لتصبح ادلشهد ادلسرحي ذاتو‪ ،‬بأبعاده الثالثة اليت تقودنا إىل‬
‫التجسيم و الذي ىو خاصية النحت"(‪.)9‬‬

‫إف جل اخلطوط اليت يستعينها ادلخرج يف تشكيلو احلركي تنبع من وعيو دبستويات الفضاء ادلسرحي‪،‬‬
‫كما أف جل التحركات تتأسس وفق معرفتو ادلسبقة للنص من جهة‪ ،‬و معرفتو لعمق شخصياتو ادلسرحية من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬ألف آلية ادليزنسُت يف العرض ادلسرحي تشتغل على ثالثة قوائم ‪ ،‬أوذلا اإلنساف (ادلمثل) وثانيها ادلكاف‬
‫(الفضاء ادلسرحي ) وثالثها الصورة (ادلوضوع)‪ ،‬فقد عمد ادلخرج على ادلزج بُت العناصر الثالثة بتجانس زلكم‪،‬‬
‫لتمرير خطاب السينوغرافيا (ألنو سينوغراؼ قبل كل شيء) وخطاب النص الذي ديتزج بقضايا نفسية يتمحور‬
‫حوذلا موضوع ادلسرحية‪.‬‬

‫إف اخلطوط يف مسرحية "نوستاجليا" تتمتع خباصية التزاوج مع الفضاء السينوغرايف خاصة منو الديكور‪،‬‬
‫حيث أف كل حركات ادلمثلُت تسَت وفق منطق واحد ىو إبراز عالمات ادلوجودة يف الديكور‪ " ،‬فاحلركة اليت ىي‬
‫أكثر دالئل احلياة وضوحا " (‪ )10‬ونلمح ذلك جليا يف كثَت من ادلشاىد خاصة مشهد الليلة الرابعة حينما تأتيو‬
‫هبدية متمثلة يف قفص طائر مدثر بغطاء أسود‪ ،‬لنجد الرجل يف عمق الفضاء جبانب اللوحة‪ ،‬وكأنو ظلها‪،‬حياوؿ‬
‫من خالؿ حركة الوقوؼ تقليد ىذا العمل الفٍت ادلتمثل يف اللوحتُت لنفس الفناف –روين مارغريت‬

‫بالنسبة للكتل اعتمد ادلخرج يف حركتو الدائمة مند بدء ادلشهد األوؿ‪ ،‬عدـ السقوط يف االختالؿ‪،‬‬
‫باعتباره سينوغرافياً من جهة‪ ،‬وكذا ربكمو يف كل أدوات عرضو ادلسرحي‪ ،‬من مفردات ديكورية وإكسسوارات و‬
‫حىت أجساـ ادلمثلُت اليت شكلت جزءا من السينوغرافيا ككل‪ .‬اعتبارا من كوف جل الكتل اليت استخدمها يف‬
‫شقها ادلتحرؾ أو الثابت صممت يف إطار التشكيل احلركي وفق منظور ادلشاىد كي ال تعيق الفرجة‪ ،‬و تسمح‬
‫بتبياف كل جزئية أرادىا ادلخرج‪ ،‬فاإلخراج يف نظرنا يبٌت على اجلزئيات الصغَتة" ألف احلركة ادلعربة رلردة دوف‬
‫كلمات ىي لغة عادلية" (‪ )11‬على حد تعبَت أبو احلسن سالـ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫حاوؿ ادلخرج عرب توزيعو أف جيعل جلميع الكتل دالالت تتحوؿ و تتغَت وفق ادلشهد من خالؿ اإلنارة‬
‫اليت لعبت دوراً يف منحنا التباين مابُت الضوء و الظالـ و كذا الظالؿ اليت كانت مفتاح رؤيتو اإلخراجية‪ ،‬إذ من‬
‫خالؿ اللعب على تغيَت اإلنارة تتحوؿ ىذه الكتل –خاصة منها ادلتحركة‪ -‬وتعمق األجواء العامة للمشهد‬
‫ادلسرحي يف حركتها أو حىت يف سكوهنا‪.‬‬

‫استطاع ادلخرج أف ديأل فضاءه ادلسرحي لكل مناطق التمثيل من خالؿ تقنية التنوع‪ ،‬إال أننا الحظنا‬
‫تكرار يف بعض التشكيالت احلركية خاصة أثناء عبور ادلمثلُت من منطقة إىل أخرى وكانت تبدو رلرد زخرفة ال‬
‫تنبع من عمق الفعل ادلسرحي يف بعض األحياف‪ ،‬بذريعة رسم تنويعات ولردبا السبب يف ذلك ىو أف العرض نفسو‬
‫متكوف من شخصيتُت‪ ،‬ومن الصعب التنويع يف مثل ىذا النوع من التوزيع خاصة و أف الديكور ديأل نسبة كبَتة‬
‫من الفضاء ادلسرحي‪ .‬كما أنو من الصعب تشكيل ادلثلث حىت ولو أف ادلخرج يستعُت بقطع ديكورية أو‬
‫إكسسوارات حىت خيلق التوازف يف فضاءه ادلسرحي‪.‬‬

‫ودبا أف ادلخرج ىو الشخص الوحيد ادلسؤوؿ عن تنظيم عمليات الدخوؿ واخلروج يف تصميم ادلنصة من‬
‫جهة‪ ،‬وإشراؾ ادلشاىد يف منطق الرؤية اإلخراجية من جهة أخرى‪ ،‬فإف طريقة الدخوؿ واخلروج ذلما أمهيتهما يف‬
‫إنتاج ادلعاين والقيم الدرامية واجلمالية ادلطلوبة‪ ،‬لذا ففضاء "نوستاجليا" تكوف من غرفة ذلا ثالثة سلارج األوؿ عبارة‬
‫عن مدخل للحماـ والثاين مدخل ادلطبخ و الثالث باب للخروج‪ ،‬كما يوجد شرفة يف أعلى اليمُت و يتوسط‬
‫الفضاء يف أعاله لوحة تشكيلية (أنظر الرسم التشكيلي التايل)‬

‫‪190‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫هدخل الوطبخ في أعلى‬


‫اليسار‬

‫هنطقت الخروج ( أسفل‬


‫هنطقت الخروج إلى الحوام ( أسفل‬ ‫اليسار)‬
‫اليوين)‬

‫الصورة رقن ‪ 01‬توثل فضاء اللعب في هجوله‬

‫‪191‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫‪ -6‬الثابت و ادلتحوؿ السينوغرايف يف مسرحية "نوستاجليا"‪:‬‬

‫يندرج الفضاء السينوغرايف يف مسرحية"نوستاجليا" ظاىريا إىل مكاف واقعي(غرفة كبَتة) حيدد رلاؿ اللعب‬
‫"‪ "air de jeu‬وىو زلايد و مغاير شكليا من حيث اإليهاـ الذي حييل عليو‪ ،‬والذي ديأل عمقو من مضامُت‬
‫يصبو ادلخرج إليها‪ .‬فالفضاء سندا للموقف الدرامي ادلعاش (خالؿ تسعة لياؿ) داخل العرض ادلسرحي‪ ،‬وانسيايب‬
‫متحلل داخل ىذا ادلزج والتقابل بُت ىذه االختيارات اجلمالية والدالالت ادلستنبتة من ادلقاربة التشكيلية للعمل‪،‬‬
‫ففي عمق اخلشبة –كما سبق ذكره يف العنصر السابق – نافدة يف أعلى اليمُت حياذيها يف أعلى الوسط بقليل من‬
‫العمق لوحة زيتية للفناف "روين مارغريت" و من اجلهة اليسرى بابُت األوؿ ديثل مدخل ادلطبخ و الثاين باب اخلروج‬
‫يتوسطهما طاولة صغَتة وضع عليها اذلاتف‪،‬مث كرسي متأرجح موجود يف أسفل اليسار‪ ،‬أما يف اجلهة وسط اليمُت‬
‫ديتد فراش على شكل سرير‪ ،‬و يف أسفل اليسار طاولة زلاطة بكرسيُت من اخلشب‪.‬إضافة إىل الفضاءات الدرامية‬
‫ادلتعددة ادلوجودة يف ىذا ادلكاف فال شيء فيها يدفعنا إىل الًتميز أو التشفَت فهي ديكورات واقعية واضحة و بينة‪.‬‬

‫لكن شبة إضافات مهمة يفًتضها التشكيل احلركي(ادليزانسُت) و الرؤية اإلخراجية من ذبسيد لفضاءات‬
‫خارجية مثل احلديقة و السطح ادلفتوح على مساء مقمرة و ىي ذاهتا العناصر السينوغرافية اليت تستمد وجودىا و‬
‫حضورىا من عوامل الفناف التشكيلي"روين مارغريت"‪.‬‬

‫ىذا التداخل‪ ،‬ىو يف احلقيقة الذي دينح رؤية ادلخرج و فضاءه السينوغرايف سحرا‪ ،‬تستلهم منو‬
‫السينوغرافيا البساطة من حيث ذبانس الفضاء بأمكنة متعددة عادة ما تكوف منفصلة يف حياتنا الواقعية وألف‬
‫فلسفة اللوحة التشكيلية تفرض حضورىا الرمزي و الواقعي يف الوقت نفسو‪.‬‬

‫ديكن القوؿ إ ّف فضاء"عبد اجمليد اذلواس" ىو فضاء اسًتجاعي (‪ ،)12‬ثابت و متحوؿ‪ ،‬ترتسم داخلو‬
‫شخصيتا ادلرأة والرجل‪ ،‬اللذاف يرسم ذلما اللباس خصوصيات إضافية تعمق ذائقتهما كشخصُت ويكشف من‬
‫خالؿ بساطتو طينة شخصيات ادلسرحية‪ .‬لتتحد صبيعها وتصب يف ىدؼ واحد ىو إنتاج ( لغة الصورة ) دينامية‬
‫الصورة يف تواصل مستمر‪ ،‬وىي تشكل سلسلة من الصور تشَت إىل أفكار ٍ‬
‫ومعاف‪ ،‬وتقرأ بادلستوى الفكري‬
‫والنفسي وبالتايل؛ فإف زلاولة القراءة ىذه ىي الوقوؼ على مكونات الصورة ومسح عن معادلها ما ىو ال منتمي‬
‫ومشوش‪ ،‬وبأكثر دقة ما ال يقرأ أو ليس لو معٌت‪ .‬يبحث ادلتفرج دائماً عن اذلدؼ وادلعٌت من‬
‫منها وما ىو غامض ّ‬

‫‪192‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫خالؿ الصور‪ ،‬ومن خالؿ التشكيل احلركي للمشهد‪" .‬فهنالك ثالثة عناصر مهمة فقط يف العرض ادلسرحي ىي‬
‫(‪)13‬‬
‫ادلناظر ادلسرحية واإلضاءة واإلكسسوارات"‬

‫إف عملية ربويل و تغَت الديكور معتمدة يف مسرحية "نوستاجليا" بسيطة بسبب أف الفضاء ال حيتمل‬
‫تغَتات جوىرية خالؿ صَتورة العرض ادلسرحي باستثناء التدرج من مشهد إىل أخر أو عرب تغَتات بسيطة يف‬
‫الفضاءات ادلتخيلة من طرؼ شخصية الرجل‪ ،‬أو حينما هتديو ادلرأة قفص‪ ،‬سبأل الغرفة يف ادلشهد الذي يليو‪،‬‬
‫دبجموعة من األقفاص‪ ،‬و كأف ذاؾ الكائن الذي أىدتو قد توالد‪ .‬كما يتم التغَت على مستوى أعلى ادلنصة‪،‬‬
‫حينما تظهر لوحة جديدة يف الفضاء ادلسرحي متمثلة يف منظر لغابة يف األفق‪ ،‬مث يف مشهد آخر تنزاح اللوحة‬
‫الزيتية ليأيت مكاهنا منظر للسماء ليلية يعلوىا ىالؿ (اعتربنا أف ىذا التداخل مابُت اللوحة اليت رمسها "روين‬
‫مارغريت" و ادلشهد الواقعي ىو دبثابة إعادة تشكيلية لنفس اللوحة و دينح السينوغرافيا ذاؾ الطابع‬
‫(‪ ( )14‬انظر سلسلة الصور اليت تدؿ على التغَتات اليت طرأت على ديكور ادلسرحية‪.).‬‬
‫)‪.‬‬ ‫السحري‬

‫الشك بأف التجربة الفنية لعبد اجمليد اذلواس‪ ،‬بكل رلاالهتا (كتابة القصة القصَت‪ -‬فنوف تشكيلية‪-‬و‬
‫السينوغرافيا)باتت تثبت بأف احلالة اإلبداعية تتمخض عنها أسس وقواعد معرفية اليت من خالذلا ضلدد الصفة‬
‫اإلبداعية ادلبتكرة‪ ،‬فمن خالؿ التجارب اليت عرفت يف ادلاضي واستنباط النتائج ادلثمرة‪ ،‬قد أفادت احلاضر كثَتاً‪،‬‬
‫ومهدت السبل الكتشافات جديدة يف تقدـ و بلورة مفاىيمو للمسرح‪ " .‬وديكننا أف صلد يف العروض ادلسرحية‬
‫ادلعاصرة تأثَتات واضحة لكل من ستانسالفسكي ومايرىولد وبرخيت وذلك من خالؿ أحباثهم ودراستهم الفنية‬
‫(‪)15‬‬
‫ومتطورة خالؿ‬
‫ّ‬ ‫لقد أنتج ادلسرح عروضاً مهمة‬ ‫لتحقيق الوحدة ما بُت خشبة ادلسرح وصالة ادلتفرجُت"‬
‫السنوات األخَتة يفوؽ ما أنتجو طواؿ عمره الطويل‪ ،‬على مستوى العرض وليس على مستوى النص‪ .‬فما من‬
‫شك أف (شكسبَت) خَت من كتب للمسرح بعبقرية فذة ال مثيل ذلا لكن العروض يف زمنو ال ترتقي إىل نصوصو‪،‬‬
‫فالتطور الذي حصل للمسرح يف العصر احلديث ىو من‬
‫ّ‬ ‫ويف عصرنا احلديث قدموا عروضاً لنصوصو تفوؽ اخلياؿ‪،‬‬
‫تطور استخدامات التكنولوجيا‪ ،‬والوسائل الفنية األخرى واستخدامات عناصر السينوغرافيا بشكل جيد‬
‫خالؿ ّ‬
‫على ادلستوى العلمي والفٍت يف آف واحد ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫لعبت الصورة يف مسرحية "نوستاجليا" الدور األساسي يف تأكيد صبالية الشكل‪ ،‬وما يثَته ىذا الشكل‬
‫من ذبليات يف نفس(ادلتلقي)‪ .‬إف معرفة الصورة ادلسرحية يأيت من خالؿ اإلدراؾ‪ ،‬وىو االنطباع الذي تكونت من‬
‫خاللو معادلها داخل النفس‪ ،‬وترسخت فيها‪ ،‬وهبذا خيرج تفسَتنا عنها إما سليب أو إجيايب تبعاً حلاالت النفس‪،‬‬
‫كل العصور‪ ،‬فهي يف ظاىرىا‬
‫خاصة يف ّ‬
‫وىي اليت ربدد تفسَتاتنا للصورة وإطالؽ أحكامنا عنها‪ ،‬فالصورة " سلطة ّ‬
‫رلرد وسيط‪ ،‬ويف جوىرىا ّقوة تتجاوز الوسيط لتتملك ادلشاىد‪ ،‬ومن ىنا يأيت خطرىا إهنا أشبو بالعصا اليت‬
‫ّ‬
‫(‪)16‬‬
‫ومادة صوغها وطرؽ عرضها‪".‬‬
‫تستحيل إىل أفعى يف صيغة إعجازيّة مهما تعددت أشكاذلا ّ‬

‫فتأثَت العناصر السينوغرافية على بعضها البعض‪ ،‬من أجل تكوين فضاء العرض وإنتاج صور مؤثرة تنحو‬
‫إىل قوة االرتباط بادلخيلة وبالواقع يف الوقت نفسو‪،‬فالعرض يثَت فينا قوة ىذا االرتباط ويشدنا ضلو أحداثو اليت‬
‫صنعها ادلخرج عرب رؤيتو اإلخراجية‪ ،‬وىذا يؤكد لنا على أف مفاىيم كثَتة عززت ارتباطنا بالصورة وادلفهوـ البصري‬
‫" ‪ " info- média‬أي االتصاؿ بالصورة‪" .‬فإف‬ ‫يف عصرنا احلايل الذي يسمى حبق عصر اإلنفو ‪-‬ميديا‪،‬‬
‫وزف الكلمات ال يساوي صدمة الصور وكما يؤكد خرباء علم االتصاؿ‪ :‬عندما تكوف الصورة قوية ومؤثرة تطمس‬
‫الصوت وتتغلب العُت على األذف ‪.)17("...‬‬

‫إف ىدؼ الفضاء السينوغرايف يف مسرحية "نوستاجليا" ىو انصهار صبيع العناصر‪ ،‬لتصب يف اذباه واحد‬
‫من أجل ربقيق رؤية ادلخرج؛ فاألزياء واإلضاءة زبلق حالة من التوافق مع الديكور ليتكوف فضاءا منسقا مكانياً‬
‫وتشكيلياً‪ .‬كل ما حيقق الصورة ادلسرحية بكاملها أماـ ادلتفرج وبعكسو ستصبح السينوغرافيا ناقصة بغياب واحدة‬
‫من مكوناهتا‪ ،‬وعليو فإف السينوغرافيا ىي‪" :‬الفن الذي يرسم التصورات من أجل إضفاء معٌت على الفضاء "‬
‫(‪ .)18‬وإضفاء ادلعٌت يف وصوؿ الفكرة لن يًتؾ مكوناً من ادلكونات اليت ربقق تشكيل الفضاء وتنسيقو إال‬
‫استخدمتها ‪.‬إذف "ىي العملية األىم يف عمل ادلخرج على إعداد العرض ادلسرحي من أجل الوصوؿ إىل التكامل‬
‫(‪)19‬‬
‫الفٍت يف العرض ادلسرحي"‬

‫‪194‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫لقد قدـ لنا "عبد اجمليد اذلواس" لوحة تشكيلية متحولة من خالؿ الفضاء السينوغرايف‬
‫دلسرحية"نوستاجليا" معتمدا على مهاراتو التشكيلية يف تداخلها مع التشكيل احلركي وإضفاء صبالية خاصة نابعة‬
‫من خياراتو الفنية‪ ،‬هبدؼ ربقيق الفرضيات اليت رغب يف الوصوؿ إليها من خالؿ تفكيك الفضاء و ذبزيئو وانتقاء‬
‫ما جيلب ادلتعة ادلرجوة للمشاىد‪ ،‬فجمع جل العناصر السينوغرافية لتكوف وحدة متكاملة ‪،‬وألف حضور كل‬
‫عنصر من العناصر حيقق أمهيتو يف العرض‪ ،‬فالديكور مهم سواء يف النص‪ ،‬أو يف العرض‪ ،‬فالكاتب ادلسرحي‬
‫الديكن أف يكتب نصو ما مل يضع يف سليلتو شكل الديكور وتفصيالتو‪ ،‬ففي النص ىنالك ديكور مرسوـ بدقة‪،‬‬
‫"ىناؾ ثالثة أنواع رئيسة للديكور‪ :‬الواقعي والتعبَتي واخلشبة العارية‪ ،‬وبالرغم من أنو ليس ىناؾ خطوط واضحة‬
‫تفصل بُت ىذه األنواع الثالثة إال أف لكل منها خصائصو اليت ال يشاركو فيها النوعاف اآلخراف واألىم من ذلك‬
‫(‪)20‬‬
‫ىو أف لكل منها ميزاتو ومساوئو"‬

‫فضاء "نوستاجليا " ثابت يف ماديتو ومتحوؿ برؤية ادلخرج اليت كانت دبثابة لوحة تشكيلة أخرى تضاؼ‬
‫للوحات اليت يستعُت هبا يف إخراجو للمسرحية‪ ،‬وما نعيب على ادلخرج أثناء العرض تلك ادلسافات الزمنية ادلظلمة‬
‫اليت كانت تعيق أفق توقع ادلتلقي‪ ،‬ففي رأينا كانت تبدو و كأهنا وقفات تعيدنا إىل دواتنا‪ -‬كمشاىدين‪ -‬ومل يوفق‬
‫ادلخرج يف تقليص وقتها ألهنا كانت تشتت تلقى العرض على ٍ‬
‫كل؛ مل يكن ىذا الفضاء متكامال لوال حضور‬
‫ادلفردات األخرى للسينوغرافيا اليت تعترب دبثابة العالمات احملركة لكل ىذه التفاصيل‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ )1‬ىو مصطلح يستخدـ لوصف احلنُت إيل ادلاضي‪ ،‬أصل الكلمة يرجع إيل اللغة اليونانية إذ تشَت إيل األمل الذي يعانيو ادلريض إثر حنينو‬
‫للعودة لبيتو وخوفو من عدـ سبكنو من ذلك لألبد‪.‬مت وصفها علي اهنا حالة مرضية أو شكل من اشكاؿ االكتئاب يف بدايات احلقبة احلديثة‬
‫مث أصبحت بعد ذلك موضوعا ذا امهية بالغة يف فًتة الرومانتيكيو‪ .‬يف الغالب النوستاجليا ىي حب شديد للعصور ادلاضية بشخصياهتا‬
‫وأحداثها‪.‬ينظر ‪http://en.wikipedia.org/wiki/Nostalgia‬‬
‫‪ )2‬ينظر حوار عبد اجمليد اذلواس جبريدة اإلرباد االشًتاكي (يومية مغربية) بتاريخ ‪. 2009-05-05‬‬

‫‪ )3‬ىنا ادلسرح العريب ىنا بعض ذبلياتو‪ ،‬حسن ادلنيعي‪ ،‬منشورات السفَت‪ ،‬مكناس ‪ ،1990‬ص ‪.81‬‬
‫‪ )4‬فن الشعر‪ ،‬ألرسطو طاليس‪ ،‬ترصبة عبد الرضبن بدوي‪، ،‬دار الثقافة‪ ،‬بَتوت(لبناف)‪ ،1973،‬ص ‪. 56‬‬
‫‪ )5‬مسرحية "نوستاجليا"‪ ،‬عبد اجمليد اذلواس‪ ،‬دلسرح أفروديت‪ ،‬منشورات مرايا‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلغرب‪ ، 2006 ،‬ص ‪ 22‬و ‪. 23‬‬
‫‪ - (*) )6‬و كأف عبد اجمليد اذلواس يكسر وحدة الزماف و ادلكاف اليت أقرىا ادلسرح الكالسيكي خاصة تعاليم أرسطو طاليس اليت زبص الشعر‬
‫الدرامي‪.‬‬
‫‪ - )7‬ينظر‪ :‬مسرحية "نوستاجليا"دلسرح أفروديت‪ ،‬منشورات مرايا‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلغرب‪ ، 2006 ،‬ص ‪. 59‬‬
‫‪ )8‬عبد اجمليد اذلواس‪ ،‬ـ ف‪ ،‬ص ‪. 18‬‬
‫‪ )9‬عبد اجمليد اذلواس‪ ،‬ـ ف ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ )10‬حكيم عنكر‪ ،‬مقاؿ جبريدة ادلساء ادلغربية‪ ،‬صدر بتاريخ ‪. 2008- 09- 04‬‬
‫‪ - (*) )11‬إدوارد جودوف كريج )‪ ، EDWARD GORDON CRAIG (1872-1966‬سلرج ومهندس ديكور مسرحي ‪،‬‬
‫إصلليزي ‪ ،‬صاحب تنظَتات يف اإلخراج‪ ،‬ىو الذي استعاض عن ادلمثل احلي بالدمى ادلتحركة‪ ،‬العتقاده بأهنا أكثر صدؽ ومطواعة ‪ ،‬ولن‬
‫تتنازؿ عن أىدافها بسهولة أماـ ديكتاتورية ادلخرج ‪ ،‬اليت دعي إليها كريح ‪.‬‬
‫‪ )12‬عبد اجمليد اذلواس‪ ،‬ـ س ‪،‬ص ‪58‬‬
‫‪ )13‬مسرح التغَت ‪ ،‬برتولد برخيتمقاالت يف منهج برخيت الفٍت‪ ،‬ترصبة‪ :‬قيس الزبيدي ‪ ،‬إصدارات دار ابن رشد‪ ،‬بَتوت ‪ ، 1978‬ص ‪.137‬‬
‫‪ )14‬اإليقاع يف فنوف التمثيل و اإلخراج ادلسرحي‪ ،‬أبو حسن سالـ‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر ‪ ، 2004‬ص ‪181‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ )15‬دور ادلخرج يف ادلسرح ‪ ،‬ماريان جاالوي ‪ :‬ـ ثَت معنوي ‪ :‬وىو حافز غَت مباشر ‪ ،‬يتم نتيجة السًتجاع ما زبزنو الذاكرة من انفعاالت ومن‬
‫سلزوف تارخيي للشخصية ‪ ،‬ىو يرتبط بكياف الشخصية ‪ ،‬من األفكار ‪ ،‬والذكريات ‪ ،‬أو أية انفعاالت نفسية وغَتىا ‪ .‬وىذا يرتبط كليا بقدرة‬
‫ادلمثل عند أداء دوره – وادلخرج عند عملو مع ادلمثل وبقية مكونات العرض إثناء التمرين – وفاعلية سليلتو يف النظر إىل تطور القصة –‬
‫احلكاية – عاطفيا وفكريا ‪ .‬ونقصد بالفاعلية‪ :‬ىي اليت ديكن من خالذلا التعبَت عن العالقات ادلتنوعة وادلتغَتة بفعل األحداث‪ .‬ومنها‬
‫استخداـ األفعاؿ الفيزيقية ووضعياف اجلسم ادلختلفة االذباىات وادلعاين ‪ " ،‬الصورة ال تبقى ثابتة خالؿ الفصل الكامل ‪ ،‬لكنها تتغَت قليال‬
‫بتغَت االنعكاسات العاطفية للشخصيات الرئيسية ‪ ..‬وقد يتغَت معٌت ادلشهد نتيجة لتغَت طفيفا يف الصور‪ .‬ينظر ‪ ، :،‬تر‪ /‬لويس بقطر‪ ،‬اذليئة‬
‫ادلصرية العامة للتأليف والنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ص ‪184‬‬
‫‪ )16‬سينوغرافيا ادلسرح عرب العصور‪ ،‬كماؿ عيد‪ ،‬الدار الثقافية للنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪19‬‬
‫‪ )17‬عبد اجمليد اذلواس‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص‪. 60‬‬
‫‪ )18‬ادلسرح وادلتفرج‪ ،‬راينوفا فيوليتا‪ ،‬تر‪ /‬زلمد عبد الرضبن اجلبوري‪ ،‬دار الشؤوف الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،1991 ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ )19‬معاداة الصورة‪ ،‬يف ادلنظورين الغريب والشرقي‪،‬نزار شقروف‪ ،‬دار االنتشار العريب‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص‪.7‬‬
‫‪ )20‬الصورة وطغياف االتصاؿ‪،‬رامونة‪ ،‬ايناسيو‪ :‬ترصبة‪ ،‬نبيل الدبس‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬اذليئة العامة السورية للكتاب‪ ،‬دمشق‪ ،2009 ،‬ص‪.38‬‬
‫‪P 315. , Dictionnaire du théâtre Patrice Pavis, opcit, )21‬‬

‫‪196‬‬
‫الفضاء المغاربي‪ -‬المجلد الثاني‪ :‬العدد الرابع‬

‫‪ )22‬ماىي السينوغرافيا‪ ،‬باميال ىاورد‪ ،‬عرض زلمود كامل‪ ،‬كتاب صادر عن مهرجاف القاىرة الدويل للمسرح التجرييب الذي تنظمو سنويا وزارة‬
‫الثقافة ادلصرية‪، 2003 ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ )23‬التكنولوجيا يف العرض ادلسرحي‪ ،‬فاضل خليل‪ ،‬ـ س‪ ،‬ص‪.130‬‬

‫‪197‬‬

You might also like