Professional Documents
Culture Documents
جذاذة تتناول كلّ فنّ لوحده
جذاذة تتناول كلّ فنّ لوحده
املدرس :إبراهيم ّ
– ّ -اإلعداديّة النموذجيّة بسليانة.
السنة الدراسيّة.2016/2015 :
– ّ السنوات التّاسعة أساسيًّا.
ّ -
األمر ٍ
منفردةً مبعزل عن نظرياهتا .ويتعلّق ُ ممارسة إبداعيّة مجاليّ ٍة ِّ
ٍ
نتطرق به إىل ِّّ
كل معَّي ّ جيب أن يكون لنا زا ٌد ن ُ
الفن املطروح للحجاج. ِّ
وحّت التّعابري واألساليب ،فإّنّا تتأثّر هبُويّة ّ
شواهد واألمثلةّ ، ابألفكار واملعجم ،وال ّ
التطرق إىل ِّ
املنطق ،ليس ُّ ذات خصائص اخلوض يف موضوع املوسيقى ،وبِّذات سم بِّ ِّ
الر ِّ
احلديث عن ّ
ُ فليس
مناذج ِّ بنفس ّنْ ِّج ِّ
السينما ِّ
تناول األدب...وهكذا جتري األموُر ابلنّسبة إىل سائر تلك األنشطة اإلبداعيّة .وهذه ُ
احملرر ،وهو يواجه فنّا من الفنون.
الصعوابت يف طريق ّ او ُل تذليل ّ عمليّةٌ ُُت ِّ
ٍ ومثلما تلتقي الفنون ،يف ِّ
ومتاسا وتداخالً ،فإ ّن
العام ،عند جمموعة من احلجج الّيت جتعل بينها تقاطعا ّ تناوِلا ِّّ
ُ
األطروحتَّي :املدحوضة واملدعومة.
ْ ختص ك نل ٍّ
فن لوحده ،وذلك ابلنّسبة إىل حججا ًّ ي يطرح
تناوَِلا األُحاد ن
ُ
والرسم واملسرح والسينما واألدب( :ابلنّسبة إىل ٍ
سنتدرج عرب أشهر مخسة منها ،وهي :الغناء واملوسيقى ّ
ّ وِلذا
األدب سيقع اُستكمالُه الح ًقا)
فن ِّ
الغناء: ّأوالُّ :
ٍ
موجب. صياح يف غري ما مربٍّر أو س وقاره ،مبا هي *] الغناء ممارسةٌ ُُملّةٌ أبدب ِّ
ٌ املرء ،تُذهب مهابتَه ومتََ ّ
ْ
ِّ ِّ
صوِّر اِلدوء ّ
والرصانة والرجحان يف اإلنسان ُمقرتنةٌ منذ األزل مبا يصنعه لنفسه من َ ومعروف أ ّن مسات احلكمة ّ
ٌ
وانظر ِّ السائر" :من عُرف ابل ِّ ِّ
وقار نُظر إليه ابالحرتام"ْ . واالتّزان يف احلركات والتّعبري ابلكلمات ،عمال ابملثل ّ
تعلم أّنّم عُرفوا دوما ابمليل ِّ ِّ
حيظون ابلتّبجيل واملهابةْ ،
ما شاع عن طباع احلكماء والفالسفة ورجال ال ّدين ممّ ْن ْ
ت ِلجتهم ،وعليه ،إذا اخنرط ابن آدم يف ِّ
الغناء ُ َ اعتدلت نربهتُم وخفتَ ْ ُْ والسكوت ،فإذا تكلّموا الصمت ّ إىل ّ
ليحذو ِّ
العقالء، سم ٍ ٍ الص ِّ
َ مي ُ وسجاحة هي ْ رجاحة فات من شبهات ،وحاد عن حممود ّ ألقى بنفسه يف َمثالب ال ّ
املسامع النقيّةُ عواء وصياحا ،وتُعلن عن رغائبها ّنيقا ونباحا ،ممّا متَُ ُّجه ِّ
ُ عرب ً والسوائم ،تُ ّ
الدواب ّ
ّ ْو
حذ َ
1
حّت
ببّ ، العليّةُ .وِلذا َك ِّره األولياء واملُربّون ألبنائهم أن يرفعوا أصواهتم مهما كان ّ
الس ُ املدارك َ
ُ وتستهجنه
ترفع صوتَك ،إ ّن أنكر األصو ِّ
ات بين ال ْ
َ هندّي قدميًا خاطب أحد أبنائه ،وقد رآه يرفع صوتَهّ" :ي ّ أ ّن حكيما ّ
ِّ
احلمري". َصوت
ل ُ
العقل ال ِّ
صوت اِلوى*** إ ّن ال ـه ــوى لَــضاللةٌ ال تُــتبَ ـ ُـع ِّ
لصوت ِّ ت واُ ِّ
نص ْ
وفجرهم (اعتربهم فُ ّج ًارا) ،بل وك ّفرهم واضح صريح من الغناء واملُغننَّي ،فقد ح ّقرهم ّ ٌ *] موقف اإلسالم
الضراء ،يبثّون ِّ
صحاب البالء وجاليب ّ َ معتربا أهل الغناء أ
وتو ّعدهم بسوء املآب وشديد العقاب ،أليس دينُنا ً
واّللُ تعاىل ينهى عنهما بقوله" :إ ّن هللاَ ينهى عن الفحشاء واملنكر والبَـغْ ِّي"
يف اجملتمع مظاهر الفساد والبغْيّ ،
إنصات ملغنَّّي
ٌ يامَّي ما أُثر عنهم
والرسول األكرم وصحابته املَ ُ تبغ الفساد يف األرض"ّ ، أو قوله تعاىل" :وال ِّ
شرور يُلهي عن اجلا ّدة القومية مبا تستوجبه من وان وعبثًا ،فالغناء من أكرب ال ّ
إملام مبجالسهم املشبوهة ُجم ً أو ٌ
ُّسك والعبادات .ولنا آيةٌ معلومة تستنكر عمل الغناء ِّ ِّ ٍ ٍ ِّ
انشغال ابجل ّد وال َك ّد ،ابلعمل والبذْل ،اباللتفات إىل الن ُ
كرمه ابلعقل والوعي" :واقصد يف مشيك، جل وعال ُماطبا عبده الّذي ّ وتستهجنه وتستقبحه ،حَّي قال ّ
ِّ
جل الثّقافات تقريبا عند لتقاء ِّّ
واغضض من صوتك إ ّن أنكر األصوات لصوت احلمري" ،ولنا أن نالحظ ا َ ْ
والرتغيب عنه ،ال فيه (قولة احلكيم اِلندي +اآلية القرآنيّة املذكورة من اإلسالم +أفالطون يف
ْنبذ الغناء ّ
2
شهرية"( :ال ب ّد من طرد الفنّانَّي
الثّقافة اإلغريقيّة العريقة أقصى الفنّانَّي مجيعا من مدينته الفاضلة ،بقولته ال ّ
مجيعا خارج أسوار املدينة الفاضلة")
عداك
ـت قـليب على َمن َ عرفت هواكا *** وأغلق ُ ُ عرفت اِلوى م ْذ
ُ
ـك ّي َمــن تـ ـ ـ ـ ـرى *** خــفاي ـ ـ ـ ـا الق ـ ـل ــوب ولـسنا نراك
ـت أُانجي ـ َ
وقمـ ُ
األمة وسائسيها
*] ما ضيّ َع جمدان التّلي َد وما أتلف ماضينا العتيد إالّ بدعةُ الغناء ابخلصوص ،فقد شغلت ُرعا َة ّ
عن أمور ال ّدين الّيت هبا صالح البالد والعباد ،فرتكوا سبُل اجلا ّدة وعكفوا يف قصورهم وجمالسهم على فتنة
الزمان قد انصرم من بَّي أيديهم يف ِّ
حبل ّكل األوقات ،غري عابئَّي أب ّن َ املغنَّّي واملغنّيات يصرفون حياِلم ّ
أجمادها ،فبتنا س أضاعوا حضارتَنا َ الرِّج ِّ
س ّ س النّ ِّج ِّاللّهو والعبث ،ونتيجةً الستهتارهم يف ذلك ال ّدرب ال ّدنِّ ِّ
يف هذه الدنيا عند أوضع مراتبها بعد أن كنّا أسيادها وقُـوادها .ولو لذان ابلتّاريخ شو ِّ
اهده وحوادثِّه َحل ّدثَنا ّ
دوهن لتدوين األحاديث أو للتّصنيف خلفاء اجتمعت يف قصورهم اجلواري ابآلالف ،فهل تُراهم َح َش ّ َ عن
شهوات والنّزوات ،والغناء فاُتةُ تلك املوبقات ،فغالبا ما يقرتن
والتّأليف !! ،كالّ ما كان ذلك إالّ إشباعا لل ّ
غرو يف أ ّن أغلب الفقهاء صنّفوه يف ابب
شرور ،وال َ
كل ألوان ال ّ
ابحتساء اخلمور وتعاطي سائر الفواحش و ّ
كل ٍ
بدعة ضاللةٌ، والف ََت واملُح َداثت ،ومعلوم يف ديننا أ ّن" :شر األمور حمداثهتا ،وكل ٍ
حمدثة بدعةٌ ،و ُّ البِّ َدع ِّ
ّ ّ
كل ضاللة يف النّار". و ّ
3
واحملافل الص ِّ اجملالس احلاشدةِّ
ِّ
اخبة رافعةً ّإّيه على ِّ ّ جهرها به يف
ص َوب ُ العادي ،عورًة ،فكيف يُ ْستَ ْ
ّ الكالم
والزنْ َد دت اخل ند و ْ
كشفت اجليد ّ ور ْ وطبعا ،ال نستغرب أن تُضيف إىل ذلك مزي ًدا من إاثرةٍ ِّ
للفَت ،وقد ّ املَإلً .
املنع أدعى
شجون ،أال يغدو حينها ُ كت سواكن ال ّفحر ْ
وأرسلت سهام العيون ّْ دت الق ند
وأو ْ
اخلصر ّ
َ وهزت
ّ
صح يف ديننا أ ّن صوت املرأة عورة ال جيوز ِلا رفعُه يف حمضر ْبعلِّها ويف َخلواهتا
والزجر أعّت وأقوى؟ وِلذا ّّ
فأّن ِلا أن تصدح به يف سفور وغرور بَّي احلشود واجلماعات. مع ذَويها وأهلهاّ ،
علمت ،من
َ ذهبت إليه من اِّ ِّ
عتبار الغناء ممارسةً عبثيّةً عشوائيّةً ،وإ ّمنا هو ،لو َ اي يف ما
الر َ
*] أان ال أشاطرك ّ
البشري ،نشاطا ثقافيّا
ّ بتطور الوعي
نكر ْن جاح ٌد أنّه قد غداّ ، أرقى املمارسات البشريّة وأمساها وأنبلها ،وال يُ َ
ات.
اجلامعات واألكادمييّ ُ
ُ املؤسسات الرتبويّة ،بل وتُن َشأ له املعاه ُد العليا وتُشاد ألجله
معرفيّا يُد نرس يف ّ
سرت
الفعال ،ولو َ زعمت أنّه مضيعةٌ للوقت يف تَوافه األعمال وصغائر ِّ الصواب حَّي
َ جانبت ّ
َ *] وأراك قد
كسب له ،فأيّهما أفضل -بربّك -أن نُالزم املقاهي ونرابط يف املالهي
للزمن و ٌ
نم ّ
َقلت إنّه غُ ٌ
يف مناكب احل ّق ل َ
قة نستمرئوحفلة شي ٍ
ٍ ذهبا، أغنية ر ٍ
اقية نَ ْس ْتع ُ وثلب ،أم أن نعكف على ٍسادرين يف لغ ٍو وثرثرة ،يف منيمة ٍ
ّ
أصوات فنّانيها؟
4
الرسول ،كما اشتهرتاحلديث والسنّة النبويّة كثريا من اإلشارات إىل غناء النّسوة من آل البيت يف مسكن ّ
وعزة امليالء
هات الكتب يف متوّنا ،كسريين أخت مارّي القبطيّة ّ
هبن ّأم ُ يف عصره أمساء مغني ٍ
لت ّ ات ح َف ْ ُ ّ
ومجيلة ،والشيماء أخت الرسول من الرضاعة...
5
ضيق لِّطول
السآمة وال ّ
شبح ّ والصناعات منذ القدمي إذا ساورهم ُ فانظر أهل احلَِّرف ّ ِّ
الرأي ووجاهتهْ ، هذا ّ
طربة ،فإذا هبم يستأنسون مبا أغان ومقطوعات ُم ِّ أوقات العمل وثَِّقلِّها ،اِّخنرطوا عفوّي يف دنْ َدنَِّة ٍ
أحلان وترنيم ٍ
ّ
واستخرب
ْ الراهن فَ َس ْل هواتفنا
فعلوا ،فيطردون عنهم أطياف القلق وجحافل القتامة واالنزعاجّ .أما يف عصران ّ
آذانَنا عن سر ذلك ِّ
السماعة يَصلُ
األول (اِلاتف) والثّانية (األذن)عرب خيط ّ اليومي العجيب بَّي ّ
ّ االرتباط ّ
شغف ومباعث اثك عن أسرار ال ّ بينهما آانء النّهار وأطراف اللّيل يف ِّعشرة ال تنفصم عُراها ،سلْهما ُحي ّد َ
ِّ
الكليلة واألرواح ال ّذابلة سرةً للنّفوس ِّ ِّ
األلفة وال َكلَف ،ويُنبئاك أبنّه ليس كاألغاين العذاب واللّحون الطّراب َم ّ
كل متعلّقات احلياة الثّابتة
أتملنا حميطَنا الّذي هو إطار معاشنا لَوج ْدان الغناء يكاد حيضر يف ّ
العليلة .ولو ّ
واملتحركة معنا .فالغناء يُالزمنا يف املذّيع والتّلفاز ويف السيّارة ويف اِلاتف واحلاسوب ويف املقهى
ّ منها
واملطعم واملسرح واملهرجان واألعراس واحلفالت ...حياتنا كلّها تنطق فنّا غنائيّا يعاشران كظلّنا ويالزمنا يف
سرة وراحة للنّفوس قبل ِّ
وم ّ
ترحالنا ويف حلّنا ،وما كان لذلك أن يكون لوال ما ألْفيناه يف عوامله من متعة َ
أحاديث .بل إنّنا يف هذا العصر قد نبدوَ الرتويح واملتعة ٍ
آّيت أو رود مرابِّع ّ
األبدان .ودينُنا ال يَـ ْز ُجر عن ُو َ
ُتف مبعاشنا ُّ
ومتت االنفعال والتوتّر ّشّت ،وعوامل ِّ ضواغط ّ أحوج ما نكون إىل الغناء واألصوات احلسنة ،فال ّ َ
الصالت متّا. بكل ّ
له ّ
ِّ
معتدلة اجلوارح نقيّة املدارك اّلل حبّب إىل النّفس البشريّة السويِّّة
*] التّوقيع والتّنغيم من طبائع النّفوسّ :
ِّ
وتنغيم أبحلان األصوات
ٌ ك نل ما انتهى إليها ُمنغنما موزوان موقنعا ،وتلك هي خصائص الغناء ٌ
توقيع ابلكلمات
ذات الرنّة البليغة واملوسيقيّة األ ّخاذة البديعةْ ،تع ُرب من املسامع الظّاهرة إىل جمامع القلوب املضمرة ،فتأسر
ولعل من أسرار ِّح َك ِّمه البليغة أن جعل قرآنه أفصح النّصوص بابّ ، األلباب وتثري يف النّفس اجلوهر اللُّ َ
والرتغيب ،الوعد والوعيد )...إذا الرتهيب ّ تزداد معانيه ابلقلوب علوقًا (الثّواب والعقابّ ، وأبلغ األقوال ُ
ِّ
الشجي الرّان ُن .وممّا يرويه
ّ وت
الص ُ
سحرها الفتّان إالّ ّ وج ِّّود جتويدا ،وال َمينح اآلّيت القرآنيّةَ َ
ُرتّل ترتيالُ ،
جهوري مؤثّر ،فبكى وخشع واراتع ،وملّا ُسئلِّ" :لَ َ
بكيت ّ
ٍ
بصوت اجلاحظ أ ّن أعجميّا مسع ترتيال للقرآن
الصوت
شجا" مبعىن نغمةُ ّ ضاد شيئا؟" أجاب ابختصا ٍر" :إ ّمنا أبكاين ال ّ األعجمي ال تفقه من لغة ال ّ
ّ وأنت
الرخيمةُ اجلميلةُ .فإذا كان اخلالق ،وهو األدرى خبلقه ،قد أراد لكالمه أن يزدان ِّحبلية األنغام وسحر األحلان، ّ
استلطاف األنفس لألصوات احلسان واألحلان العذاب، ُ معتربةٌ أساسها
فال ب ّد أن يكون يف اختياره حكمةٌ َ
وُتاوَرا ملا فيه خريُ النّفس البشريّة.
جاوَر القرآ ُن والغناءُ َ
فتَ َ
ومسوا ابملدارك
هتذيب لل ّذوق :املمارسة الغنائيّة من أرقى التّعبريات اإلنسانيّة هتذيبا لألذواق ّ
ٌ *] الغناء
الرذيلة
والتصرفات ،ينأى ابلفرد عن ّ
ّ واألخالق ،ذلك أّنّا ارتفاعٌ عن صغائر املمارسات ومرذول األعمال
6
وحيثّه على الفضيلة ،ولوال ذلك ملا قال يف شأنه أبو الفرج األصفهاينّ يف كتابه "األغاين" " :إ ّن الغناء من
شهواتُ ،حييِّي القلب ويزيد يف العقل" .فهو ٌ
أدب ابإلصغاء وأسر للنّفوس من مجيع ال ّ
أكرب الل ّذاتُّ ،
ابلفهم واالستيعاب، ُّب ْ
خ إىل بديع األحلان وراقي الكلمات واألوزان ،وهو أتد ٌ واإلنصات ،يعلّمك كيف تُصي ُ
نستغرب بعد هذا أ ْن واملغازي ،وتقف على ما وراء األلفاظ من املقاصد واملرامي .أَفَهل رب ِّ
ُ َ حَّي تفقه الع َ
املغين ب "األديب" ملا يبثّه ِلم يف ثناّي صوته العذب اجلميل من املعاين اللّطيفة يصطلح أسالفُنا على ّ َ
ومسو أبرواحهم .فإذا كان الغناء راقيا مه نذاب رغّب يف احل ّق واخلري
هتذيب لنفوسهم ٌٌّ واملقاصد احلكيمة ،مبا فيه
كل واجلمال ،ون ّفر من الباطل والشر وسيء ِّ
طرف يف ّ اإلبشيهي يف كتابه القيّم" :املستَ َ
ّ الفعال .ولقد ُت ّدث ّ ّ
توصل ابألصوات ٍ ٍ
مستظرف" عن هذه الوظيفة اجلليلة للغناء املتكامل صوات وكلمات بقوله" :وقد يُ ّ َ فن
ّ
صل ِّ ِّ
خري ْي ال ّدنيا واآلخرة ،فمن ذلك أّنّا تبعث على مكارم األخالق :من اصطناع املعروف وو ْ احلسان إىل َ
وأتم ْل مواضيع الغناء الفاضل املعتدل جت ْد والذب عن األعراض والتجاوز عن الزالّت وال ّذنوب"ّ ، ّ األرحام
السليمة والطّبائع القومية ال العقيمة ،من قبيل :األمومة ِّ
الراقية املُحبّبة إىل النّفوس ّ
أّنّا تدور يف فَـلَك املعاين ّ
أيت مغنّيا
والصداقة ...ومّت ر َ والوطن واحملبّة أمسى املشاعر البشريّة ،والغربة والفراق والغدر واخليانة والتّوبة ّ
فعل ل ولن تص نح فيه صفةُ فنّان ،أل ّن ٍ ٍ
ومروق؟! ،فإ ْن َ حيض على احنراف ُ
حيث على َمعصية أو فسوق أو ّ ّ
ض َعةٌ ،على حنو ما نراه يف بعض موجات الغناء املعاصرة اجلاحنة عن أصل الوظيفة مسو ورفعة ،ال تَ َد ٍّن و َ الفن ٌّ
ّ
للرتبية
وال ّدور ،فذاك شذوذ ،والشاذّ ُحيفظ وال يُقاس عليه ،خالصة القول يف هذه الفائدة أ ّن الغناء أداة ّ
واإلصالح.
والرتّن ابألحلان والكلمات استجابةٌ *] الغناء حماكاة ملصادر اجلمال يف الطّبيعة والكون :تنغيم األصوات ّ
أنصت إىل خرير املياه
َ من اإلنسان فطريّةٌ ألصل اخللق والتكوين فيه ،فقد َه َدتْه إليه الطّبيعةُ حبدس اجلِّبِّلّة،
وسجع احلمائم وزقزقة العصافري ،فاستعذبه واستحسنه ،فأنشأ يقلّده، ُ فرتّن حياكيه ،وتناهى إليه هديل البالبل
ّ
ٍ
تنغيمات ّأوليّةً عفويّةً استمرأهتا ذائقتُه ،وما فتئ منشغال بتلك املوهبة ومن حيث يدري أو ال يدري مارس
كتسب ابخلربة يُضي ُفه إىل ْ ِّ
يف املُ َ
الفين الثّقا ن
تاجه ن أمست ن َ حّت
يطورها ويصقلها عرب العصور وال ّدهورّ ، اجلديدة ّ
مذهب لطيف عن للفالسفة يف هذا ّ
االجتاه ّبيعي الص ِّ
ٌ وجوده ترقّيا وارتفاعا .وقد ّ
رف ،فيزداد ُ بُعده اآلخر الط ِّّ ّ
يقدر ابن آدم على وتنغيمها بقيّةٌ من النّطق وفضلة من الكالم ل ْ
َ فاده أ ّن ترجيع األصوات
يفَ ،م ُ
ومنزع ظر ٌ
والرتّن ابلكلمات املوزونة املُوقّعة تَتِّ نمةً
انتباهه إىل تنغيم األصوات ُّ
استكماله بوسائل ختاطبه اليوميّة ،فجاء ُ
اإلبشيهي يف نفس املصدر" :وزعمت الفالسفة أ ّن النّغم ّ لبقيّ ٍة من لُغته وفضلة من كالمه ،ويف ذلك قال
الرتجيع والتّقطيع، فضل بقي من النّطق ل يقدر اللّسان على استخراجه ،فاستخرجته الطبيعة ابألحلان على ّ
ٌ
7
مكوانت األصل واِلويّة يف
مكوان من ّ
فلما ظهر عشقته النّفس وحنّت إليه اجلوارح" ،فيكون بذلك الغناءُ ّ
ّ
مصطنعة متكلَّفة من هذا الكائن.
َ البعض ممارسةً مفتعلَة
ُ اإلنسان ،وليس كما يزعم
فس البشريّةُ تتميّز بتقلُّب املزاج ،وتب ّدل األحوال ،وِلذا ُتتاج شكال
*] الغناء انعكاس حلاالت النّفس :النّ ُ
فس البشريّةَ ،ممّا مينحها توازّنا الفريد ،واستقرارها تعبريّي يتجانس مع ُمتلف اِليئات الّيت تعرتي تلك النّ َ
ّ
وضع منكل ٍ ت ِلا يف ُمزون الغناء ما يالئم ّ وتغايرت وتضاربت وج َد ْ
ْ تلونت انفعاالتُنا
الفقيد .فمهما ّ
ّناران عل حن ٍو أوضاعها .وِلذا نُلفي أنفسنا قد دأبنا على نغمات وكلمات تُوائم فَ َرت ِّ
نستهل هبا َ
ّ الصباح
ات ّ َ
استقر يف ذائقتنا العربيّة أ ّن تباشري النّهار وطالئع
السياق أغاين فريوز ،فقد ّ ٍ
طروب ،ولنا أن نذكر يف هذا ّ مر ٍِّح
السكون على الكون جن اللّيلُ وخيّم ّ اليوم اجلديد ال تُستقبَل إالّ ابإلصغاء إىل ترنيماهتا وبديع كلماهتا ،فإذا ّ
الرهيب ِّ ِّ
ب أصواهتم ونرباهتم مع هذا اإلطار ّ ناس َ
وهاجت أشجانُنا وأحزانُنا َس َكنّا إىل ُمغنَّّي آخرين نستشعر تَ ُ
حممد
شرق ّأم كلثوم والعندليب األمسر عبد احلليم حافظ ،أو موسيقار األجيال ّ املَهيب ،من قبيل كوكب ال ّ
والرتاتيل
روعة ّ ِّ
عبد الوهابّ ....أما إذا دامه ْتنا املنيّةُ وختطّفت عزيزا علينا ،فإنّنا نلوذ ابألغاين ال ّدينيّة املُوقّرة املُ ّ
السحر يف التّخفيف من لواعج األسى الصادمة مفعول ّ جو َدة ،فيكون لتلك اإليقاعات الرّاننة ّ الرخيمة املُ ّ
ّ
شجن واحلَزن .ويف ذات اإلطار ،لنا نغمات ألويْقات األصيل ،وأخرى لساعات االنفراد واملقيل، وأ ّانت ال ّ
ِّ
وجوهره ،وحمر َار وغريها لزمن اإلمطار ِّ
واالّنمار ...أال يكون الغناء ،هبذا النّحو ،ص َدى ابطن اإلنسان
وتطوره؟
ُتسسه ملعاين الكون يف حركته ّ
ُّ
متَت معجمك
للزاد وتعمري للفؤاد ،فلك فيه القصائد العربيّة الفصيحة البليغة ّ
*] الغناء تثقيف لألفراد وإثراء ّ
شفوّي كان أم مكتواب ابلفصيح اجلزل من املفردات ،وكم من قصيدة رائعة وترصع خطابك ّ وتنصع أساليبك ّ ّ
حممد عبد الوهاب"/ ٍ
الصغري غنّاها ّ
كلمات ألغنية فزانتها ورفعتها ("جفنُه علّم الغزل" قصيدة األخطل ّ كانت
شاعر غنّتها فريوز /قصيدة امرئ القيس "تعلّق قليب طفلة عربيّة" غنّتها هيام ّي عاقد احلاجبَّي" لذات ال ّ
لألصمعي غُنّيت أبصوات كثرية /قصيدةُ "ّنج الربدة" ألمحد
ّ يونس /قصيدة "صوت صفري البلبل" املعجزة
حّت وإن كان يف غري العربيّة الفصيحةشوقي كذلك ،قصائد أمحد رامي غنّتها ّأم كلثوم)...كما أ ّن الغناء ّ
يوسع من زاد املستمع يف جمال اللّهجات واللّكنات ،وال ينكر أحد ما كان النتشار األصوات العربيّة بفضل
ّ
ففن "الراي"
البث واالتّصال من دور يف تقريب اِلُّوة بَّي ِلجات العرب من احمليط إىل اخلليجّ ،تطور وسائل ّ ّ
اخلليجَّي زادت من ِّ
فقهنا للهجات أهل شبه اجلزيرة العربيّة...فإذا ّ عرف ابللّهجة اجلزائريّة ،وأصوات املغنَّّيّ
أعم
خرجنا من إطار لغتنا العربيّة إىل لغات أخرى كالفرنسيّة واالنكليزيّة والرتكيّة واِلنديّة كانت الفائدة ّ
8
ِّ
كلمات تلك هم ير ّددون
وانظر املُقبلَّي على األغاين األجنبيّة أطفاال كانوا أم شبّاان أو كهوالَ ،تر ْ
ْ وأمشل،
األغاين األجنبيّة يف يس ٍر وسالسة وكأّنّم من أبناء تلك اللّغة.
الزمانقهر ّ
*] الغناءُ يضمن لإلنسان مطلب اخللود :إ ْذ كانت رغبة اإلنسان األكثر إحلاحا منذ األزل هي ُ
ومتسكا ابل ّدميومة والبقاء ألطول م ًدى ممكن ،فقد يكون الغناءُ مطيّـتَه ِّ ِّ ِّ
قاء للفناء ّصولته وال ّدهر جولته اتّ ً
األجنع لبلوغ ذلك املطلب .ولنا أن ننظر إىل مراحل متق ّدمة من اتريخ هذا اإلنسان لنقف على هذه احلقيقة َ
عياان ال حيتاج برهاان ،فمنذ احلضارة اإلغريقيّة البعيدة متّ ختليد صوت اإلنسان عرب الغناء من خالل "املالحم"
كملحميت" :اإللياذة"
َْ ومجاعي،
ّ فردي
ّ ند غنائيّا يف إطار
وقصص األبطال تُكتَب يف األصل شعرا ،مثّ تُرد ُ
وحّت يف الثّقافة الرومانية نشأ هذا الفن الغنائي ّ ِّ
يرتّن بِّس َري األبطال والعظماءْ .
وانظر ّ ّ ّ ّ و"األوديسة" ِلومريوسّ .
ِّ ٍ
ين واندثر وتالشى ،بيد أ ّن غناءه ما يفصلنا من ح َقب مديدة وعصور طويلة عن عهود ذلك اإلنسان الّذي فَِّ َ
ِّ
ور ذاتُه متواصال يف عصوران احلديثة، ظل حافظا ل ِّذ ْكره يتح ّدى صولةَ ّ
الزمن وجولةَ ال ّدهر .وما زال هذا ال ّد ُ ّ
الصايف وهيام يونس لتطور التّقنية ووسائل التّسجيل ،فصباح فخري ،ووديع ّ نظرا ُّ
ولو أبشكال أكثر جناعةًً ،
هدهتا (أصواهتم) إيداعهم ألصواهتم متو َن الغناء ،وإانطَتَهم عُ َالردى ووافَتهم املَنيّةُ ،غري أ ّن َ أشخاص طواهم ّ
ٌ
روحهم اخل ّفاقة إىل األبد.وظل الغناءُ َ ِّ
مبحمله املتَّي ح ّقق ِلم اخللود ،فزالت أجسادهم ّ
9
الراقية املمتعة فيعود لذلك اجلنَّي هدوُؤه وسكينتُه .كما أ ّن للغناء اتّصاال ٍ
التّعايش مع حميط حافل ابألغاين ّ
السماكَّي يف نواحي العراق كانواوصيْده وترويضه وتدجينه ،فاجلاحظ أثبت قدميا أ ّن ّ مبجاالت تربية احليوان َ
ينصبون شباكهم ،وينطلقون قُرهبا يف الغناء أبصوات مجيلة شجيّة جتتمع ِّحلَالوهتا األمساك لتقع يف ال ن
ش َرك.
مقاطع غنائيّة هادئةً مجيلةً قبل عمليّة
َ تدر أكثر حليبا إذا متّ إمساعها
العلم أ ّن البقرة ّ
ّأما حديثا فقد أثبت ُ
السرك تتد ّعم استجابتُه لسائسه وينصاع أكثر على نغمات األحلان واألغاين... احللْب بدقائق ،واحلصان يف ّ
سحري خللْق االنسجام واألُلفة والوائم بَّي أبناء اجملتمع الواحد ،بعيدا عن مظاهر ال ُفرقة ٌّ لسم
*] الغناء بَ ٌ
وجتلّياتليتساوْوا يف الوعي َ
َ الفن ألفراد اجملتمعوالتف ّكك والتّنافر والنّشاز ،فهو "شهادة" معنويّة يُسنِّدها ُّ
ِّ
السر يف سريهم
درك ّ وانظر ّأمة الغرب ممن ْن بلغوا من ّ
التطور شأوا تُ ْ اخلارجي وامللمحْ ،
ّ وحّت املظهر
السلوك ّّ
للزمن وانضباط يف تقديس ٍّ ورنـُ ّوهم ال ّدائم ُجتاه املراقي ،مبا تراهم عليه ِّمن ِّ
اجلماعي املُتناغم حنو املعايلُ ،
ّ
ٍ
وإعالء لِّ ِّقيَم احلريّة وال ّدميقراطيّة والعدالة .إّنّا َمزيّةُ الفنون أخذوا ص عل نظافة بلداّنم وأبداّنم وحر ٍ
العمل ْ
ت عقليّاهتُم .تشبّعوا من روح الغناء ومس ْ
تقت أذواقُهم َ بب وق ّدموها على مأكلهم ومشرهبم ،فار ْ منها بس ٍ
وآخر خصوصا وسائر الفنون عموما فنهضوا حيث تقهقران حنن ،سادرين يف ٍ
شق حيلّلها ُ فرغة مدارها ٌّ دوامة ُم َ
ّ
يت ُدور الغناء ومرابع احلفالت ضباب لندن ألل َف َ لت يف عاصمة األنوار ابريس أو مدينة ال ّ ُحي ّرمها .ولو ُج َ
كل حدب وصوب، والعامة تشيع يف كل ُم ٍ
نعطف ورك ٍن ،يَـ ُؤّمها النّاس صغريُهم قبل ِّ
كبريهم من ّ ّ ّ اخلاصة
ّ
عشر،
اسع َ حّت أ ّن مف ّكرا عربيّا زارهم يف القرن التّ َ
املشاعر والطّباعّ ،
َ فتَص ُقل منهم املواهب و ُهت ِّّذب فيهم
األمة لَوجدتَه كامنًا يف
رقي هذه ّ
السر يف ّ لت ّ أتم َالرقي أبذواقهم فأنشأ يقول" :ولو ّ
وأشار إىل َد ْور الغناء يف ّ
توقريهم للفنون وإعالئهم من شأّنا يُق ّدموّنا على مطعمهم ومشرهبم ومنامهم".
10
للتحرر
من املغرب) .ولنا كذلك يف ثورتنا التّونسيّة خري برهان ودليل على دور الغناء يف ش ّد أزر اجلماهري ّ
ات مغنَّّي ومغنّيات تشحذ مهمهم
والساحات أصو ُ
شوارع ّ هتاف احلُشود يف ال ّ
من نَ ْري األغالل ،فقد رافق َ
غاصب
ٌ خارجي
ّ عدو
والتعسف ،وإذا تسلّط على اجملتمع ّ
ّ املضي قُ ُد ًما لكسر قيود الظّلم
ّ وُت ّفزهم على
ُ
استعمر الوطن كان له املغنّون ابملرصاد يكشفون مقاصده ويهتفون يف أفراد اجملتمع أ ْن هبّوا يف وجهه ،وال
صدحا هبا من دور:السياق أن نذكر مغنَّّي مثل مارسال خليفة وفريوز ،وما كان ألغاين شهرية َ يفوت يف هذا ّ
فلسطيين نذر غناءه
ّ (أغنية فريوز :سنرجع يوما -أغنية مارسيل خليفة :منتصب القامة أمشي -هناك ٍّ
مغن
وري املُح ّفز) لقد كلنه لقضيّة وطنه وامسه أبو عرب ،فإذا أصخنا إىل أغانيه ّ
تلمسنا ابلفعل ذلك النّفس الثّ ّ
وحّت
السابق للثّورة ّ ٍ
الراقدة واألنفس اخلاملة .ففي العهد ّ
وري املُنبّه للعقول ّ
ور الثّ ّ
ظل للغناء منذ أمد هذا ال ّد ُ
ّ
ذاك الّذي كان قبله ،تص ّدى املغنّون فُرادى وفرقا مجاعيّة ألصفاد القهر وقيود الظّلم يكسروّنا ويتح ّدوّنا،
املوسيقي وفرقة احلمائم البيض ...ن ّددت بظلم احلاكم
ّ الصدد فرقة املناجم وفرقة البحث ونذكر يف هذا ّ
مصري كثري
َ عذيب دائما
والقمع والتّ ُ
ُ جن
الس ُ
ودعت إىل االنتفاضة يف وجهه ،وال نستغرب أ ْن كان ّ
ْ الطّاغية
من هؤالء املغنَّّي ،وهي ضريبة ابهضة الثّمن قد تكلّفهم حيواهتم يف كثري من األحايَّي ،ولكنّهم يظلّون مأتى
اإلصالحي يساهم يف ّنضة اجملتمعات.
ّ فَ َخا ٍر واعتزا ٍز ِلذا ال ّدور
11
ملقومات حضارهتا والتّعريف خبصائص سفري ِّ
األمم واجملتمعات للتّعريف برتاثها والتّسويق ّ يظل الغناءُ َ*] ّ
فت جبزء
عر ْ
املالحم الغنائيّة قناةً ّ
ُ يقي القدمي كانت
معارفها وهويّة قومها وخصال ثقافتها .ومنذ العهد اإلغر ّ
أشعار "هومريوس" يف أهازيج َ وافر من ثقافة اليواننيَّّي يف تلك العهود .فلقد ر ّددت ّأمة اإلغريق كلُّها
متجد مآثر أبطاِلم ّإابن حروب طروادة ،وكانت تلك األانشيد امللحميّة وترنيمات أخذت شكل الغناء ّ
اخلالدة سبيل األثينيَّّي يف االنفتاح على الثّقافات اإلنسانيّة املغايِّرة والتّفاعل معها ،ليرت ّدد صداها لدى ثقافة
وحّت العرب .ويف عصور متأ ّخرة من اتريخ البشريّة واصل الغناءُ رسالته يف ُتقيق تفاعل
الروم وفارس ّ
أهل ّ
اإلسالمي ألواان من األنغام ال ّدخيلة واألحلان الوافدة عن
ّ الثّقافات وتالقحها ،كاستقبال العرب بعد الفتح
الغنائي وتُعايِّشه يف قصور اخللفاء واألمراء ،كما أ ّن طابع غنائنا
ّ اور منتوجنا
والروم والبيزنطيَّّي ُُت ُ
ّأمة الفرس ّ
بسمات العريب قد فرض نفسه على أصحاب الثّقافات الّيت حلّت هبا مشس اإلسالم وهلّت .فكلِّف أهلُها ِّ
ّ
العريب ومازجوا فنّهم به وه ّذبوه وصقلوه.
الغناء ّ
ماثل للعيان ال خيتلف فيه اثنان.
شعوب ٌ فدور الغناء يف خلق التواصل بَّي األمم وال ّ
ّأما يف عصوران احلديثة ْ
كل موسم وفصل (مهرجان قرطاج ببالدان ،مهرجان موازين
فاملهرجاانت الغنائيّة واحلفالت الفنيّة الّيت تُقام يف ّ
كل أصقاعابملغرب ،وجرش ابألردن ...واملهرجاانت الغربيّة األروبيّة)...كلّها مناسبات لتالقي املغنَّّي من ّ
ِّ
فن جمتمعاهتم ،فيكون الغناءُ سفري األمم للتّعريف برتاثها وثقافتها ،وانظر كثريا من األرض وبِّقاعها ل ْ
عرض ِّّ
قليدي وصدحوا ِّ
ابلزي التّ ّ
املغنَّّي التونسيَّّي إذا سافروا إىل حفالت غنائيّة خارج حدود الوطن اتّشحوا ّ
الرسالةُ ِّ
كل ذلك يف إطار التّعريف بثقافتنا .وهي -لعمري -ن ْع َم ّ اخلاصة هبويّتنا ،و ّ
ابلكلمات احملليّة واألحلان ّ
فن الغناء.
النّبيلةُ يضطلع هبا ّ
مدونتنا إىل اليوم
األندلسي الفريد ،ممّا أثرى ّ
ّ التونسي مع ذاك اللّون
ّ الغنائي
ّ ولنا أن نذكر أيضا تفاعل فنّنا
الغنائي ال ّدخيل ماثال يف "املالوف" و"املو ّشحات" و"األزجال" .ولقد أعلى ابن خلدون من
ّ بذلك الطّابع
مقوماهتا ،ورأى أ ّن ّأول بوادردور الفنون عموما والغناء خصوصا يف حفظ توازن الثّقافات ومتاسك ّ
فن الغناء ،إ ْذ قال حم ّذراّ " :أو ُل ما ينقطع يف األمم
كامن يف انقطاع ّ
اضمحالل احلضارات وخراب العمران ٌ
عند انقطاع العمران صناعة الغناء" .ومن العالمات البارزة يف عصران اليوم على دور الغناء يف االضطالع
اط أكرب نسبة من مستعملي "اإلنرتنيت" على مواقع األغاين يُقبلونمبهمة تفاعل الثّقافات ،ما نراه من اخنر ِّ
ّ
أي برامج إلكرتونيّة أخرى ،دون أن ُميثّل اختالف اللّغة أو اللّهجة عائقا يف التواصل مع
عليها أكثر من ّ
والرتكيّة
يب يُنصت إىل األغاين الفرنسيّة واألجنليزيّة ّ هويّة تلك األغاين مهما كانت جنسيّة ُمغنّيها .فرتى العر ن
العريب فيُقبلون عليها بنفس ما
ّ واِلنديّة...ويف املقابل كثري من أهل تلك الثّقافات يستحسنون ألوان الغناء
قايف عرب ّبوابة الغناء. نرى شبابنا يُقبل به على منتوجهم ،ويف ذلك أجلى ِّ
صور التّفاعل الثّ ّ
12
الر ِّ
سم: فن ّ -اثنياُّ :
ين .وهذاسم ُمروقًا عن ال ّد ِّ الر ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
األمر حتما إىل اعتبار ّ
وتبعا حل ّجة إضاعة الوقت وإفساد األخالق ،يؤول ُ *] ً
إالهه ِّ ِّ
آدم َ
بن َ يرونه ممارسةً يتح ّدى هبا ا ُ أكثر املمارسات اإلبداعيّة الّيت تُثريُ حفيظةَ املتش ّددين دينيًّا ،إ ْذ ْالفن ُ ُّ
صوُر الباري اخلالِّ ُق" للكائنات وسائر املوجودات .فإذا َر َسم اإلنسا ُن لق ،فهو الوحي ُد" :املُ ِّّ يف ِّ
صفة اخلَ ِّ
إين
وات" البشريّة واحليوانيّة ،أو املناظر الطبيعيّة ،فإنّه بذلك يتح ّدى خال َقه ،وكأ ّمنا يروم أن يقول ّ "ال ّذ َ
يظل أمام ّوحة بدوره واقع يف ال ِّّ ِّ
الوضع أ ّن املتأمل لل ِّ فة .وما يزي ُد من ِّ أُضاهيك يف هذه الص ِّ
ش ْرك ،إ ْذ ّ ٌ َّ ِّ فتة ّ
أعظم الكبائر .وانطالقا من لق ،فيقع بدوره يف ِّ إبداع و َخ ٍ
آّيت ٍ ّوحة منبهرا ُممج ًدا مادحا مغ ِّظّما ما يراه ِّ الل ِّ
ً ُ ً ّ
الصور يف البيوت مهما كان نوعُها ولو كانت فوتوغرافيّة ٍ
ألب حرَم أولئك املتش ّددون تعليق ّ فه ِّمّ ،هذا ال ْ
ٍ ُم ًّ
صحيح ،فحواه أ ّن املالئكةَ ال تدخل ٍ أي عزي ٍز فقدانه ،ويستندون إىل حديث قد يكون َ
غري توًّف أو ّأم أو ّ
13
ِّ
وحنن نُعي ُده اخلالق الّذي اختار أن يُغيِّّ َ
ب عبده ابملوتُ ، نتحدى َكلب ،ومذهبُهم يف ذلك أنّنا ّ بيتًا به صورةٌ أو ٌ
خنرق حتميّة الفناء. الص ِّ
ور ،وكأ ّمنا ُ للوجود بتلك ّ
ص وحكاي ٍة أدب ُجني ُد فنون القول ،من قَ ٍّ األصيلة ،فنحن ّأمةُ ٍ ِّ الرسم ليس من خصائص ثقافتنا العربيّة *] ّ
النارِّ .ملّةُ الغرب هي اليت اِّ ْ
بتلت البشريّةَ كل ضاللة مآِلا ُ شعر) ،وإذَا كان بدعةً ،فهو ضاللةٌ ،و ّ يض (ال ّوقر ٍ
"النحت" تلك املمارسةُ ُ التصوير لعنةً أخرى هيِّ شبْـ َه ِّة اللّوحات واملعارض ،بل َو ُه ْم َمن اِّست نل ِّمن َرِّح ِّم بُ
حولون ِّ ِّ ومروقًا عن الدينِّ ،مبا هي
تشكيل لل ّذوات البشرية واحليوانيّة من موا ند طبيعيّة خلقا هللاُ .فيُ ّ ٌ فرا ُ
األكثر ُك ً
هيئات غريبة مريبة ما ٍ خام وصلصال من صورهتا األصلية كما أرادها ِلا هللاُ إىل خشب وحج ٍر ور ٍِّ نَِّع َمه من
ط معهم يف اجلمهور ساق ٌ يتبجحون أبّنّم قد أبدعوا ،وخلقوا ! والعجيب أ ّن ٍ ِّ
َ أنزل الرمحا ُن هبا من سلطان ،مثّ ّ
كفرا ِّمن ِّ ِّ ٍ ِّّ
وهل أَبْـلَ ُغ ً
املديح والثناءْ . ِّ نبهار ،ويَكيلُ ألولئك املشعوذين ألو ًاان من األعمال ،حَّي يُبدي اال َ شر
لق" ،فناظروا املخلو َق إبداع و َخ ٍ "آّيت ٍِّ والنحاتون
الرسامون ّ رف ّ أس َ أ ْن يرى املُحلّلون وال ّدارسو َن فيما ْ
ِّ
ابخلالق ،وماثَلوه به.
اف
الطائلة .أليس يف هذا إسر ٌ ِّ ِّ
اللوحات تُباعُ ابألموال وبعض اف ،كيف ال، أبواب اإلسر ِّ
سم أكرب ِّ
ُ الر ُ*] ّ
وجل عن ذلك ،واعترب املسرفَّي إخوان الشياطَّي ،بقوله تعاىل" :وكلوا واشربوا ،وال
عز ّوتبذير ،وقد ّناان ّ
ٌ
حيب املسرفَّي" (األعراف ،اآلية ،)31 :وبقوله أيضا" :إ ّن املب ّذرين كانوا إخوان الشياطَّي"
تُسرفوا ،إنّه ال ّ
(اإلسراء ،اآلية)27 :
14
"العليم" ،كما العزةِّ ،أال وهي ِّ
العلم ،ألنّه هو رب ّ خيتص هبا ُّ العلم ،ألنّه سيكون ًّ ِّ ٍ ب ِّ
ُ ُتدّي لصفة ّ بين الب َشر طَلَ ُ
للركوب ،هات ًفا للتواصل ...فهو، ال جيب عليه أيضا أن يصنع أو يبتكر أ ن ٍ ِّ
ي شيء :ملعقةً لألكل ،سيّارةً ّ َ
نع... الص ِّ الرأي املُ ِّش ِّّ
ط املغايلَُ ،تَ ٍّد للخالق يف خاصيّة ُّ قياسا على هذا ّ
15
الرسم املذكورة ،وفضاء ِّ ِّ وال نغفل عن ِّ
النفسي البليغ العميق :فاملُتشبّ ُع من معاشرة أدوات ّ ّ االنعكاس ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ
متجاوزا لع ِّ ِّ ّوحة ،يكون يف ِّ الل ِّ
واجبة اإلخفاء اجتنااب الباطنة قده النفسيّة ،وأزماته ِّ ُ األحيان إنساان غالب
لنزعة التصادم مع الواقع (مواضيع اجلنس وال ّدين والسياسة ابخلصوص) ،وهنا تكون قدرة الفنّان يف
آلت غالبا إىل َُتَ ُّك ٍم يف النّوازع ال ّد ِّ
فينة، ِّ
السيطرة على عال اللّوحة ،وتَـ َو ُّجه األدوات على أدميها ،قد ْ ً إحكام ّ
حسان املاحل أ ّن: ِّ
النفسي ّ
ُّ الطبيب
ُ عترب
السبب ا َوتصرفاته .ولعلّه ِلذا ّسوّي يف سلوكه ّ مبا مينحنا إنساان ّ
ٍ
وظيفة الفن عموما ذا ِّ ِّ
األول فرويد الّذي يرى ّ منحى عال النّفس ّالصدد ينحو َ شفاء" ،وهو يف هذا ّسم ٌ الر َ" ّ
الرسام ِّ
إعالء وتصعي ٌد" ( ،)sublimationكما أ ّن ّ نفسيّة ابلغة األمهيّة ابلنسبة إىل الفرد ،إ ْذ هوٌ " :
نفسك". َ صداك ير ّد ُد
َ للرسم ،حَّي قال" :التصوير اِلام ّ
النفسي ّ
ّ التوجه
التونسي ز ّبري الرتكي له قولةٌ يف هذا ّ
ّ
ِّ
طات الواقع كثيفةٌ ثقيلةُ الوطْء (ضغوط نفسيّة جنسيّة ودينيّة ،وماديّة وسياسيّة واجتماعيّة )...وال ضاغ ُ فَ ِّ
ابلريشة وسيلةً للتّنفيس عن املكبواتت ِّ ٍ
سبيل إىل ضمان ح ّد مقبول من التكيّف مع الواقع إالّ بشغْل النفس ّ
نزوع ِّ
بعض فسر َ ِّ
أفلتت من اإلنسان (تلك املكبواتت) غ َدا كاحليوان .وهو ما يُ ّ ْ واملمنوعات ،فإّنّا إذا
ِّ جسد املرأةِّ يف تفاصيله األكثر محيميّةً ،فكأنّه املدارس الغربية إىل رسم ِّ
لكل من نفسي ٍّ ّ نفعايل
تنفسي ا ّ ّ ّ
سميه صادم يُ ّحولناها من موضوٍع حم نرٍم ٍ ُوار هذه الغريزة ،وقد ّ
تأ ُ الباث ،واجلمهور املتل ّقي ،فيخ ُف ُالرسام ّ ّ
ٍ ٍ
الرسم قد أحدث مصاحلةً علماء النّفس "الطن ْوطَ ُم" ( ،)le tabouإىل حالة فنيّة مجاليّة .وبذلك يكون ّ
بَّي اإلنسان وواقعه.
الرسم يساهم يف وظيفة التّطهري من ال ّداخل :لوحة مثل" :الطّفل الباكي" جليوفاين براغولَّي ال ميكن إالّ
ّ
شفقةالرمحة وال ّ
مشاعر الكره والبغضاء واحلقد واإلساءة ،وتزرع حملّها مشاعر ّ
َ تكتسح من جوف اإلنسان
احلتمي مبشهد الطفولة الربيئة النّاصعة وهي تبكي ،وتَذرف واحملبّة واللَّّي والعطف ،من خالل ِّ
االنفعال
ّ
العربات على الوجنتَّي.
اإلفالت من ِّ
لغة التعبري ِّ تباط ابحلجة السابقة ،يكون الرسم ضمانةَ احلرية ِّ
للفرد .فبواسطته ميكنه *] ويف اِّر ٍ
ّ ّ ُ ّ ّ
مباشرةٌ ومعناها يف ظاهر ِّ
لفظها ،بينما إذا رسم اإلنسا ُن مينكه أن املآزق ،ألّنّا ِّ
وقعة يف ِّ طة املُ ِّ
اليومية املُوِّر ِّ
ّ َّ
أي موضوع مهما كانت خطورتُه .كما فعل بيكاسو ،حَّي مت ّكن من ن ْقد الرمز واخليال إىل ّ ِّ
يتطرق بلُغة ّ ّ
ِّ
جرمية الديكتاتور فرانكو الذي قصف مدينةً إسبانيةً امسها "غارنيكا الباسك" بَِّوحشيّة ،فقتل آالف ِّ
األبرّيء .فكانت لوحتُه املُعنْـ َونة ابسم املدينة":غارنيكا" سبيال فنيا ذكيّا لنقد ظلمه واستبداده ،بعيدا عن
طابع اخلطاب اليومي املباشر الصريح.
16
انفك يُراوده ويستب ّد به ،أال وهو مقاومةُ الفناء و ِّ
العدم، مطمحا دفينا أزليّا ما ّ ً الرسم مينح اإلنسان
*] ّ
الرسم أفضل ٍ
سبيل لتحقيق ذلك سدةً يف ّ األزيل .فقد تكون أعمالُه اإلبداعيّةُ ُجم ن وضمان أسباب البقاء ّ
وتظل لوحاتُه ُختلِّّد ِّذ ْك َره :هل اِّندثر ِّذ ْك ُر بيكاسو أو ليوانر دي فانشي أو كارينو،
الرسامُ ّ
املطلب ،إ ْذ يفىن ّ
مر العصور. أو سلفدور دايل ....فلوحاهتم هي اليت خل ْ ِّ
كرهم على ّ ّدت ذ َ
17
الرسم ابلنّسبة إىل اجملتمع:
❖ أمهيّة ّ
تظل ذات املزاّي املذكورة ابلنّسبة إىل سائر الفنون ساريةً (قدرتُه على خلق الرتابط والتواصل بَّي أفراد
ّ
والتفو َق ،أسوةً بقولة شكسبري ،حيث جنعلها" :أعطين رمسا،
ُّ منح اجملتمعات التميُّـ َز
اجملتمع ،قدرتُه على ِّ
ك شعبا عظيما" /قدرته على التخفيف من وطأة اآلفات واملشاكل :العنف ،اإلرهاب ،اجلنوح، أ ِّ
ُعط َ
التعصب)...
ّ
ابلرسم دون سواه: ِّ ِّ
طعم هذا الوجهَ ِّ
خاصةٌ مباشرةٌ ّ
جتماعي دوما مبا له عالقةٌ ّ
ن اال ولكنّا نُ ّ
اخلاصة :هو يف ّناية األمر ممارسةٌ إنسانيّة معاجلة قضاّي اجملتمعات بطريقتهِّ سم له قدرةٌ فريدة على
ّ الر ُ
*] ّ
تعاملنا مع اللّوحة املاثلة أمامناانجع إذا توقّف ُلبيب فَ ِّط ٍن ٍ
هادفةٌ قصديّةٌ ،وال نكو ُن ذوي منظا ٍر ٍ لتزمة ِّ ُم ِّ
عرب عن وع ٍي من ال ّد ِّ
رجة ال ّدنيا ،فال نرى يف اللوحة إالّ طحي ،ألنّنا حينها نُ ّ ِّ عند َجتَلِّّيها الظ ِّ
الس ِّّ
ّاهر البسيط ّ
مجيلة .بل ال ب ّد من العبور إىل شاكلة ٍ
ٍ ط على لت فيها اخلطو ُ تعاشقت فيها األلوا ُن ،وتدا َخ ْ
ْ مهارةً يدويّةً
نعقدت من أجلها طاقات الفنّان املخياليّة والنفسيّة ْ الباطن املُح نجب اخلفي ،وهو الغايةُ األساسية الّيت اِّ
ّ ّ
ٍ
شهرية:
تطبيقي حنلّل فيه بعض اللوحات العامليّة ال ّ
ّ لي
عم ّوالعاطفيّة .وهنا نكون يف حاجة إىل طوٍر َ
18
ِّ
اللوحة ،مبا للثّور يف الثّقافة احملليّة اإلسبانيّة من هامة يف
ويبقى رأس الثّور ذي القرنَّي عالمة ّ
ومعروف ما ِلذا احليوان أيضا من رمزيٍّة
ٌ يوجهها ويتح ّكم فيها، القوة اجلسديّة دون ٍ
عقل ّ دالالت ّ
معيّ ٍنة تُذ ّكِّر ابهتياجه ملنظر احلمرة القانية ،من خالل حلبات مصارعة الثّريان .وهو ما محل مقاصد
شهداء، اإلهانة لفرانكو ،حيث اِّعتربه بيكاسو ال يعدو الثّور املندفع يهتاج ملنظر احلمرة يف دماء ال ّ
السري يف إثْر بيكاسو لقتله ،لوال
ّ بوليسه
فما يزداد إالّ َهيجاان .ويُروى أ ّن الديكتاتور قد أرسل َ
فراره إىل فرنسا.
19
ِّ
قوّي ين ّدد بوحشيّة أعماله .ومن أشهر اإلسرائيلي من أنّه اغتاله بسببِّها ،وقد وجد فيها ً
صوات ّ
سياسات ضربتْه دونه ال قضبان ٍ
قفص َ ِّ خلف
الفلسطيين يقف َ السجَّي
ُ ّ لوحاته الرمزيّة اِلادفة :لوحة ّ
العرب ،بل وتواطُئهم يف عالقة ابلقضيّة ِّ نقد لِّ ِّ
صمت العربية ،ال آلة القمع الصهيونية .يف ٍ
ّ ّ ّ
الفلسطينيّة .وكذلك لوحة املعادالت الرّيضيّة اخلاطئة ( )5=2+2 /3=2+2وفيها مسؤوالن
اتفه ،وحقائق مزينفة .ولوحة البندقيّة عربيان ينشغالن عن القضية الفلسطينية ،ويتجادالن يف أمر ٍ
ّ ّ ّ
تتحول من سالح لدفْع العدوان عن األخ ،إىل مكنسة ال قيمةَ ِلا.
العربيّة ّ
جتماعي ،من خالل أتمل لوحات عامليّة أخرى وحماولة الوقوف على دور الرسم ِّ
اال (دعوة التالميذ إىل ّ
ّ ّ
التونسي
ّ الساحرة ،ولوحة هدى
معاجلة القضاّي ،من أجل تطوير الواقع :كلوحة العشاء األخري ،ولوحة ّ
بلحاج" :النّظرة احملتشمة للمرأة")...
الرسم يف
وهنا خنرج من دائرة اجملتمع الواحد ،إىل دائرة اجملتمعات اإلنسانيّة كونيّا ،لنقف على دور ّ
ش ِّ
عوب يف التعريف بثقافاهتا. سفري األمم وال ّ
كسر احلدود اجلغرافيّة واحلواجز املكانيّة والزمانيّة ،ليكون َ
التنوع
الرسم يساهم يف تعزيز احلوار بَّي الثّقافات ...والقبول مبدإ ّ يقول الدّكتور حمسن عطيّة" :إ ّن ّ
للتوصل إىل قدر مناسب من التفاهم" .وهو يرى اللّوحة الفنيّة أحسن سف ٍري لألمم يف املعارض
ّ الثقايف
ّ
الرسام
الدوليّة واألروقة العامليّة للتعريف مبكنون ثقافتنا ،من أبسط مظاهرها إىل أكثرها تركيبا :مثال ّ
القطري سلمان املالك جعل من لوحاته فضاء فنيّا للتّعريف ابللّباس احمللّي القطري ،ممَُثّال يف "العباءة"/
فضاء لتصوير خصائص
الساحلي وجنيب بلخوجة جعال من لوحاهتما ً
الرسامان التونسيّان عبد الرّزاق ّ
ّ
التقليدي ،ممّا منح مدينتنا العتيقة بعدا عامليّا جعل السيّاح أيتون
ّ التونسي يف وجهه العتيق
ّ املعمار
يصور العادات والتقاليد التونسيّة،
هاما من لوحاته ّلتأملهاّ /أما علي بن سال فقد جعل جزءا ّ
خصيصا ّ ّ
تقليدي يف اِلواء"ّ /أما جالل
ّ وطين ،وعنوان اللوحة" :عرسيدي ّ
لت إىل طابع بر ّ ُتو ْ
حّت أ ّن إحداها ّ
ّ
هام من ثقافة بالدان يف مستوى احلياة ِّ
االجتماعيّة اليوميّة، فخصص لوحاته للتعريف جبانب ّ
بن عبد هللا ّ
تونسي وأوا ٍن وأاثث كاد يندثر...
ّ لي
وح ّ
بَّي مشاهد معماريّة ومالبس تقليديّة ُ
للرسامَّي حضره ممثّلون ألكثر من مخس عشرة
فين ّ وقد أُقيم يف مصر ابألُقصر يف سنة ،2019ملت ًقى ّ
ِّ
األفكار وتقريب وجهات النّظر الفنيّة ،ولكن أيضا طارح
وأجنيب .فكان مناسبةً لتَ ُ
ّ عريب
دولةً بَّي ّ
سم على عاتقه ِّ ِّ
الر ُ
االجتماعيّة والثّقافيّة وال ّدينيّة ،على اختالف اللّغات واللّهجات ...وبذلك محَل ّ
20
الصراعات الكونيّة ،فكان ابلفعل وسيلةً للتّآخي
شعوب ،والتخفيف من ح ّدة ّ
وظيفة التقريب بَّي ال ّ
والتحابُب.
املسرح:
ِّ فن
اثلثًاّ :
اض على سائر الفنون األخرى ساريةً مناسبةً ألولئك العام ِّة املذكورةِّ ساب ًقا يف ِّ
االعرت ِّ احلجج ّ
ِّ ذات
تظل ُُّ
س هذه املمارسةَ يف ماهيّتها
اهَّي" أخرى متَ ُّ
ممارسة إبداعيّة ،ولكن يكون لديهم أيضا "بر ٍُ كل
املعرتضَّي على ّ
اخلاصة.
ّ
ِّ ِّ
احلقيقة ،ويُزيّف لآل ِّ در ِّ كل ٍ يح بَِّّ ٌ ُ ِّ
حرَم
خر وجهَ واقعه ،فقد ّ ب إنساينّ َحيي ُد عن ْ
ٍ عمل َّي من ِّّ موقف ديننا صر ٌ *]
وحي ّذ َر ِّ
ابلعقول ،فكان بديهيّا أ ْن يَ ُذ ّم أهلَهاُ ، ٍ
وتالعب ٍ
واحتيال ٍ
وتضليل ٍ
ُمادعة أشكال املغالطَ ِّة ،ورآها ْ
فع َل َ
اّللُ ك نل
األرض ،ولعن ِّّ فاعتربهم مفسدين يفَ السحرةِّ واملَ َكرة من املشعوذين. ِّ
شبيهة أبعمال ّ
من أعماِلم ال ّ ِّ
األابطيل واألحابيل ،والغايةُ خسيسةٌ دنيئةٌ ِّ ير ض ٍ
عيفة لتمر ِّ ِّ
العقول ال ّ أصحاب يستدرج حمتال ماك ٍر ٍ
ُمتال ٍ
َ ُ
موقف صارم من املنافقَّي واملخادعَّيِّ .ألجل عمل املكر ٌ منتهاها سلْبُهم أمواِلَم وعقوِلَم .ولنا يف ديننا
نفس ما قاله يف ِّ
لقال فيها خال ُقنا َ العرب القدامى املسلمَّي وقتها بدعةُ املسرحَ ، واخلداع ولو كان لدى
شعر والغناء.
شأن ال ّ
21
الص ِّ
وت دون مربٍّر ِّ ِّ
ْع ّحتقار .فرف ُ
اظر إليهم ال ميكن إالّ أ ْن يُك ّن ِلم اال َ
والوقار ،والنّ ُ
َ عنهم املروء َة واِليبةَ
ض من صوتك ،إ ّن
ض ْك ،واغ ُعز وجلن" :واقص ْد يف ِّمشيِّ َ ستهج ٌن يف أعرافِّنا وثقافتِّنا ودينِّنا ،أسوةً ِّ
أبمره ّ ُم َ
ِّ
احلمري". َصوت
ات ل ُ أنكر األصو ِّ
َ
22
/2حجج تُ ِّ
ناسب األطروحةَ املدعومةَ: ٌ
حجج املوقف اخلاطئ ،متهيدا لتقدمي األدلّة الكافية على أمهيّة أهم ِّ هدم ِّّأ /مرحلة اِلدم :نعم ُد ّأوالً إىل ِّ
املسرح ابلنّسبة إىل الفرد ،مثّ اجملتمع.
رّيضي جيب التعاطي معه ٍ
مبنطق ِّ
ّ إبداعي ال ُ
ٌّ مذهب مردو ٌد ،فالتّمثيلُ عمل ٌ خداعا
املسرح ً َ عتباره
✓ا ُ
فعل ٍ ٍ
ففجرها من خالل ْ واع منح ْته الطبيعةُ قدرات جسديّةً وذهنيّةّ ، كائن ٍصارم ،وإ ّمنا اإلنسان ٌ
أمر قدمي منذ أرسطو وعهود اإلغريق اجمليدة الزاهية .إذًا فالتّمثيل قدرةٌ ِّ
االقتباس واحملاكاة ،وهو ٌ
عارف هبا ُملِّ ٌّم.
يفقهها إالّ ٌ تعبرييّة راقيةٌ ال ُ
املسرحي عاد ًة ما ومالمح ان واحليويّة،املسرح جيب أن تتميـ َز ابلعن ُفو ِّ كح
حركيّةُ املمثّلَّي على ر ِّ
ِّّ ُ ّ ُ َ ِّ ✓ َ
الباث إىل املتل ّقي ،وليس للممثّل فيه مؤثّرات مونتاجيّة مباشر من ّ يغلب عليها ِّ
فن ٌ نفعال ،ألنّه ّ
اال ُ
السينما على سبيل املثال (املؤثّرات الصوتيّة واخلدعُ التصويريّة) ،وِلذا ليس متطورة مثل ّ وتقنيات ِّّ
له سوى تعبرييّة اجلسد واملالمح للنّفاذ إىل وجدان اجلمهور.
احلضاري،
ّ قايف وحتميّة التالقح
املعارف واإلجنازات يف إطار قانون التفاعل الثّ ّ
َ كل األمم تتبادل
✓ ّ
والرقي ابجملتمع .وقد قال
ّ وليس عيبا أن أنخذ عن ّأم ٍة أخرى فنًّا له القدرة على النّهوض ابلفرد
أّن وجدها". رسولنا الكرمي" :احلكمةُ ضالّةُ املؤمن أيخذها ّ
وري الّذي ِّ
الس ّ
ط يف األحكام املطلقة ،واألفكار املسب َقة ،فما أقدم عليه املمثّل ّ ✓ ال جيب أن نسق َ
اخلاص
ّ ذكرت حالة شاذّة اندرة ،و"الشاذّ ُحي َفظ وال يُقاس عليه" .وميكن لنا أن منتلك مسرحنا
َ
ات ثقافتنا (لكم دينكم ،ويل ديين). املتالئم وخصوصي ِّ
ّ
النفسي:
ّ *] ال ّدور
أسباب التوتّر تكاثرت
ْ ِّ
اإلنسان ،ال سيما يف هذا العصر الّذي أجنع الفنون يف الرتويح عن
املسرح من ِّ
ُ
سر عنف وتدخَّي ومخر ونفاق اِّ
وميْ ٌ
جتماعي َ
ّ شواغل كثرية (فرديّةٌ :النفسي فيه .فقد ابتت ال ّ
ّ والتأ ّزم
ات /...إنسانيّة :حروب وإرهاب ،وأمراض مستعصية ،وجماعات ووسائل إعالم ساحرة ماكرة،)...
وُم ّدر ٌ
كوميدي قِّوامه ْ
اِلز ُل الباعث على ّ عرض
األجنع ملواجهتها ومكافحتها ،مبا هو ٌ
َ بيل
الس َ
الفن ّ
وقد يكون هذا ّ
23
احك ِّ
املبتس ُم. ض ُ خيتص هبا اإلنسا ُن دون سائر الكائنات ،إ ْذ هو املوجود الوحيد ال ّ ِّ
اإلضحاك ،وهي ر ّدة ٍ
فعل ّ
ضروري لتحريك عضلة معيّنة يف القلب ُتافظ على سالمته عضوي عمل فعل ال ّ ِّ
ٌّ ّ ضحك ٌ العلم أ ّن ْ
وقد أثبت ُ
فعل أخرى لدى اإلنسان قادرة على ذلك. وفاعليّته .وليس هناك أيّة ر ّدة ٍ
ووحشة اإلحساس ابلراتبة، املرء ،وتنزاح حجافلُ الكلل وامللل ِّ وخالل فعل الضحك تسرتخي أعصاب ِّ
والسرور والنّشوة واحلبور. ِّ
تح ّل حملّها حملات الفرح ّ
كما يتخلّص من مشاعر األسى واحلزن والكمد واللّوعة ،ل ُ
اِلموم عمل يرسم ِّ
االبتسامةَ على شفتيه ،فيُنسيه وهل هناك غايةٌ لإلنسان يف هذا العصر املُ ِّ
حتدِّم أَ ْوىل من ٍ
َ
املسرحي وبعده ،فكأ ّمنا بُعث
ّ وانظر ذلك التباعد بَّي حال اإلنسان قبل دخول العرض والكلومْ .
َ اجع
واملو َ
وعربوا عنه ابلوظيفة
التنفيسي للمسرحّ ،
ّ التصعيدي
ّ من جديد .ولقد أحلّ علماء النّفس على هذا ال ّدور
ٍ ٍ
الروح والكيان من ال ّداخل
جي فقط يف حاجة إىل طهارة ،بل إ ّن ّ التطهرييّة ،فليست األبدان يف مظهرها اخلا ِّر ّ
حيث على ِّ
تلبية احلاجة النفسيّة لألبدان الراهن .ودينُنا ّ
وخباصة يف عصران ّ
ٍ
ّ قد تكون أش ّد اِّحتياجا إىل ذلك،
وجَّي
الز ْأمات وأحيا ،وأنّه خلق ّ
ابلنص القرآينّ أو ابألحاديث .قال تعاىل" :وأنّه أضحك وأبكى ،وأنّه هو َ ّ
ك يف مقابل ض ِّح َ
عز وجلن ال ّ
اخلالق ّ
ُ ال ّذ َكر واألنثى" (اآلّيت 43و44و 45من سورة النّجم) ،فقد جعل
ليه ويُب ّدده .كما يشري قولهُ تعاىل إىل أنّه حالةٌ طبيعيّة يف اإلنسان هبا توازنُه وجي ِّ
شبحه ُْ
البكاء ،ألنّه يطرد َ
اّللُ تَواز َن الكون ابملوت واحلياة ،وابل ّذ َكر واألنثى.
واعتدال مزاجه ،مثلما جعل ّ
ُ
*] الوظيفة التثقيفيّة :املسرح من أكثر املمارسات اإلنسانيّة تكامالً وثر ًاء .فهو جيمع يف إهابه سائر الفنون
فنحن ظافرون يف َحومتِّه ابملوسيقى والعناء ،من منطلق العرض إىل منتهاهُ ،وال ننسى أ ّن فِّ َرق األخرى تقريبًاُ .
خاصة هبا ،مرافقة ِلا .واملمثّلون أنفسهم أثناء الفصول كثريا ما يغنّون ِّ
املسرح احملرتفة ِلا فرقة موسيقيّة ّ
رف بصوته اجلميل يف املسرح) زّين عُ َاملسرحي املصري :سيّد ّ
ّ (املمثّل
رقص لطيف ُمرفِّّه (الفنّانة شريهان وفيفي عبدو ِّ
وأغاين املق ّدمة أو النهاية يف املسرحيّة غالبا ما يرافقها ٌ
والرقص ِّ ِّ
املسرح قو ُامه الغناء ّ لوان معيّنا من
هناك ً
الرقص) ،كما أ ّن َ املصريّتان غلبت على أعماِلما املسرحيّة ّ
الغنائي ،واألوبريا.
ّ سمى املسرح
شعر ،ويُ ّ وال ّ
ّوحات الفنيّةَ التشكيليّةَ ُتضر يف ديكور املنازل أوولو أتملنا ما يزينن به الركح أتثيثا للمشاهد ،لَوجدان الل ِّ
ّ ُ ُ ّ
كل هذه الفنون متعاشقةً يف رحاب املسرح تضمن حظّا أوفر من الرسم ....و ّ فن ّ
الدكاكَّي أو ،...مبا ُحيضر ّ
كل ٍ ِّ
واحد من تلك الفنون مع املسرح. الرتفيه ،بيد أّنّا أيضا تضمن امليزةَ التثقيفيّةَ لتضافُر مزاّي ِّّ
ابملسرح أحا َط أبعالمه ممثّلَّي وُمرجَّي،
ِّ ضا ،أل ّن َمن كلِّف
التثقيفي بصفة عفويّة غري قصديّة أي ً
ّ الدور
ويتح ّقق ُ
مؤسس املسرح الوطين علي بن عيّاد املمثّل واملخرج ،وجليلة احملليَّّي الوطنيَّّي أو العامليَّّي( :يعرف من تونس ّ
24
وحممد صبحي،ب ّكار ،واملنصف السويسي ،وتوفيق اجلبايلّ /أما عربيّا فيعرف زعيم املسرح العريب عادل إمامّ ،
وحممد ِّجنم ،ومسري غاّن ،وسهري البابليّ /أما غربيّا فيعرف املمثّل الفرنسي العاملي والكاتب املسرحي موليري).
ّ
ِّ
عمار بو ْز ِّوّرّ ،
غسالة النوادر ،كالم عمارّ ،
أبهم األعمال املسرحيّة احملليّة (املاريشال ّ
كما ُميسي على اطّالع ّ
و"رّي وسكينة"
(الزعيم ،و"الواد سيّد الشغّال" و"شاهد ما شافشي حاجة" لعادل إمامّ ، الليل) والعربيّةّ :
(هاملت ،البخيل)
ْ حملمد صبحي )...والغربيّة:ألمحد بدير وسهري البابلي ،ووجهة نظر ّ
كما تتجلّى الوظيفةُ التثقيفيّة يف اإلحاطة أبمساء الكتّاب املسرحيَّّي املشاهري من قبيل شكسبري اإلنكليزي
وموليري الفرنسي.
الفن يف توسيع آفاقنا إبحاطتنا بتارخيه ،ومدارسه ّ
واجتاهاته... شغَف هبذا ّ نغفل عن دور ال ّ
وليس لنا أن َ
ّسان وفصاحة يف ِّ
البيان ،سيما من ٍ
طالقة يف الل ِّ إبداعا أو مشاه َد ًة من
املسرح ً عما مينحه
ُ دون أن نغفل ّ
ٍ
فصيحة. خالل تلك العروض املكتوبة بلغة عربيّة
25
أوفر من احلريّة التعبرييّة عن قضاّيه وأفكاره وهواجسه، ظ َ املسرحي متمتِّّ ٌع حب ٍّ
ّ *] الوظيفة التعبرييّة :املمثّل
يتسرت ِّ ِّ
يتجرأ على ما يشاء من الساخر الالّذع يف كثري من األحيان .فهو ّ ضحك ّ بقناع فنّه وبِّ ْ
تمويه ال ّ ألنّه ُّ
أحياان (موضوع اجلنسحمرمةٌ ً للعادي من النّاس يف لغتنا اليوميّة البسيطة ممنوعةً ،بل ّ ّ املواضيع الّيت تلوح
يرتك ض ّد نفسه دليل ٍ
إدانة واضحا وال ّدين والسياسة يف أنظمة القمع) فرتاه يقول ك نل شيء ،دون أن َ
مكشوفا .فهو أكثر حريّةً من سائر البشر اآلخرين .ولنا أن نتذ ّك َر ما متيّز به ممثّلون تونسيّون أو غري تونسيَّّي
النهدي مثال ممثّل
ّ وصلَ ِّفها :األمَّي
نت يف جربوهتا َ من جرأة على نقد أنظمة قمعيّة قد تعمد إىل القتل إ ْن طُِّع ْ
ضحك، متسرتا بقناع املسرح ،وقناع ال ّالسابقَّي (نظام بورقيبة ،ونظام بن علي) ّ ّاملَّي ّ
ظامَّي الظ ْ مسرحي نقد النّ ْ
ّ
السجن .ورغم ذلك ترى املبدعَّي املسرحيَّّي ِّ
القناع قد انكشف أحياان ،فكانت النّتيجةُ َز ًّجا به يف ّ َ رغم أ ّن
فرطون فيه أبدا ،فهو ،ابلنّسبة إليهم ،ضمانةُ التعبري واحلريّة الّيت ال تُضاهى .وتزداد ال يرتكون فننهم وال يُ ّ
الرواج هذه
الرجل الواحد" الّذي أصبح كثري ّ
املسرحي من نوع "عرض ّ
ّ الوظيفة التعبرييّة َجتَلّيًا إذا كان اللّون
األّيم .فعلى املمثّل أن يكون هو يف ح ّد ذاته فرقةً بكاملها ،وذلك ابلتعويل على قدرته يف تعديد األصوات،
ّ
شخصيّات .وكلّها طاقات إبداعيّة فريدة.
وتنويع مالمح ال ّ
فلسفي املطلق .فهو منذ عهوده اإلغريقيّة األوىل كان فضاء
ّ اإلنساينّ ال
ِّ وال ننسى وظيفتَه التعبرييّةَ يف بُعدها
لطر ِّح قضاّي الوجود ،من خالله تساءل عن علّة ذلك الوجود وغاّيته .كما طرح به أسئلةً عن اإلنسان ْ
صوت و ْعيِّه األجلى األظهر.
ُ والشر .فكأنّه
ّ ِّ
املصري ،وثنائيّة البقاء والفناء ،واخلري
نفسه منه ٍ
بسبب، ّقت ُفم ْن تعل ْ املسرحَ .
ٍ والرسم ُمنطبِّ ٌق على
*] وظيفة التخليد :نفس ما قلناه يف شأن الغناء ّ
ظل ماثلةً ُختلّد ِّذ ْكره ،سواء أكان ممثّال أو
الردى ،بيد أ ّن أعماله املسرحيّة ت ّ
فأبدع أعماال يف جماله ،يطويه ّ
ضي أكثر ِّ ِّ
مسرحي خلّده فنُّه /موليري كاتب وممثّل بق َي امسه خالداً رغم ُم ّ
ّ ُمرجا أو كاتبا( ...شكسبري كاتب
ثالث مائة سنة على وفاته /نفس األمر ابلنّسبة إىل علي بن عيّاد ،واملنصف السويسي من تونس/ من ِّ
حممد ِّجنم ،وعبد املنعم مدبويل من مصر)...
وكذلك ّ
ُعطك شعبا
مسرحا أ َ املسرحي األشهر عامليّا :وليام شكسبري" :أعطين العبث أن يقول الكاتبِّ ليس من
ً ّ
عظيما" .فقد جعله األداةَ األجنع يف النّ ِّ
هضة هبا .فما هي ُمتلف مزاّيه ابلنّسبة إىل اجملتمع؟ َ
26
األصلح األكفإ ،مبا
ِّ االجتماعيّ ِّة الزْمرةِّ ِّ وظيفة اِّ ِّ
نتخاب ُّ ِّ السابقة يف
املسرح إىل سائر الفنون ّ َ نضم
*] هنا ُّ
سيج بِّ ُرّمته.
اجملتمع ،وبِّ ُرقيِّّه يرقى هذا النّ ُ
ِّ ربه من وع ٍي وذكاء وحريّة وثقافة ،...والفردُ هو نواة كسبُه الفرد َع َ
يَ َ
اخلاص ِّة به:
ّ االجتماعيّ ِّة
مثّ َمنُر إىل أدواره ِّ
ّ
27
الركن املقابل جبهة اجلنوب فقد
القار ابلكاف منذ أكثر من مخسَّي سنة على يد املنصف السويسيّ .أما يف ّ
ّ
تاحا للجهات ،على تَواضع
نشأت فرقة مسرح اجلنوب بقفصة ...واألمثلة كثرية على دور املسرح فنًّا ُم ً
وجنواب.
ً اإلمكانيّات ،على ِّّ
بث األنشطة التثقيفيّة يف ربوع البالد شرقا وغراب ،مشاال
ِّ
واألخالف. الثقايف بَّي األسالف
ّ شعوب ،وامتداد التواصل املسرح من أقدر الفنون على ِّح ْف ِّظ تراث ال ّ
ُ *]
وزمن معين ْنَّي قد تكون األجيال اجلديدة على غري در ٍ
اية اقع ِّاملسرحي يتناول القضاّي يف عالقة بو ٍ فالعمل
ّ
أثرا يف كثري من املسرحيّات التونسيّة، ِّ
هبما :مثال قضيّة االستعمار وما سبقه من بقاّي احلقبة العثمانيّة جند له ً
شاهد ليعرف اتريخ بالده، وظيفة تسجيلية هامة يتك ّفل هبا املسرح .فتُعيد إحياءه على املُ ِّ ٍ تُوثِّّق له من خال
ّ ّ
التونسي أبنظمة
ّ اجلندي
ّ عمار :تشري إىل أتثّرمرت به من مراحل هي جزء من هويّته (مسرحيّة املاريشال ّ وما ّ
تطرح قضيّة فئة فاسدة من جمتمع بالدان ورُ : ابلز ْ
عمار ّ اجليش الفرنسي يف تفكريه وِلجته ولباسه/مسرحيّة ّ
تتطرق يف جزء من مضموّنا إىل عهد ِّ
تواطأت مع االستعمار ض ّد أبناء الوطن /مسرحيّة "جواب مسوقر" ّ
الباّيت البائد اجلائر ،وما كان أهلُ البالد يعانونه من ظلمهم واستبدادهم)...
التلقائي للعرض ،فاملمثّلون عادة ما حياولون العفوي اثن تكمن وظيفة حفظ الرتاث يف الوجه ومن ٍ
وجه ٍ
ّ ّ
التقليدي للرجل أو للمرأة
ّ األحداث معها :الظّهور ابللّباس
ُ الظّهور يف ملبس يتوافق مع الفرتة الّيت تتزامن
أو للطفل له قدرة على إحياء الرتاث .وكذلك ِلجة الكالم البدويّة والريفيّة تُذ ّكر أبّنّا جزء من تراثنا وهويّتنا
التطرق إىل ألوان املأكلالنهدي يف مسرحيّة امل ّكي وزكيّة مثال) دون أن نغفل عن ّ ّ (وهي ما اِّستعمله األمَّي
واملشرب واألاثث والعادات والتقاليد الّيت كانت ُمتيّز أجدادان ،وأصبحنا اليوم نتنّكر ِلا.
الرتويج للثّقافة احملليّة ،والتّسويق ِلا على النّطاق الكوين .ممثّلون مثل األمَّي
*]املسرح له القدرة على ّ
هدي ،ورؤوف بن يغالن و...و ...قاموا بتقدمي عروض مسرحيّة خارج نطاق الوطن (يف فرنسا وكندا النّ ّ
ابلفهم
الوطين ،من أجل تعزيزه وتدعيمه ،فيحظى ْ
ّ قايف
ابلرصيد الثّ ّ
وأمريكا )...ممّا يساهم يف التعريف ّ
ِّ
واالحرتام والتقدير.
*] املسرح من أكفإ الفنون قدرًة على جتسيد ذلك املطلب اإلنساينّ الكوينّ ،أال وهو تفاعل الثّقافات
وتالقح احلضارات .فقد تواصلت بفضله العصور احلديثة الراهنة مع ٍ
عهود تفصلنا عنها آالف القرون. ّ
فبفضل املسرح تفاعلنا مع ثقافة اإلغريق الغابرة .فكان لنا فكرة جليّة عن منط التفكري ،ومعتقدات اإلنسان
أساطريه ،أو ما تبِّعه
َ مالمح معت َق ٍد يوانينّ قدمي و
َ تستلهم
ُ الت
ولعل أشهر األعمال العامليّة اليوم ما ز ْ
وقتهاّ .
"فهاملت" و"سيزيف" وكليوابترا"
ْ شخصيّات. حّت ال ّ
من حضارات الحقة ،يف مستوى املضمون أو ّ
28
مسرحي كوينّ. ٍ
سحيقة ،ولكنّنا أبقينا عليها يف إطار تفاعل ثقايف و"كارمن" ...أمساء لشخصيّات من ِّح ٍ
قب
ّ
ومواضيع "الرتاجيدّي" و"الكوميدّي" و"امللهاة" و"املأساة" ما كان ِلا أن ُختلند وتشيع لوال فضلُ هذا ّ
الفن.
فن املوسيقى:
ابعاّ :
رً
السارية عند مجيع الفنون :من القول أب ّن املوسيقى ممارسةٌ عبثيّةٌ احلجج ِّ
العامة ّ
ِّ ّ دوما من ذاتنظل منطلقَّي ً ُّ
ِّ ِّ
عماد حياة اإلنسان :العملُ
الثي الّذي عليه ُ للمحور الثّ ّ تعطيل
ٌ عشوائيّة ال فائد َة تُرجتى منها ،وابلتّايل هي
والعلم والعبادة .ولكنّا نعتمد كذلك ما يلي:
ُ
29
ِّ
خلفاء بين العبّاس مثال كانت تتأنّس ابلعازفَّي واملغنَّّي أكثر جمالس الصالن ِّح املَيامَّي .والتّاريخ يذكر أ ّن
َ من ُ
ِّ
من َأتنُّسها ابلعلماء واملف ّكرين واحلكماء .فال نُل َدغَ ْن من ذات اجلحر ّ
مر ْتَّي.
ِّ
العجم من غري صٍ
لة ،وإ ّمنا هي بدعةٌ وافدةٌ عن أهل ت إىل أصالتنا وحضارتنا بِّ ِّ
كل اآلالت املوسيقيّة ال متَُ ُّ
*] ّ
ص ّد ًّي محايةً خلصوصيّة ثقافتنا ،وهويّة
ضا ،ونتص ّدى ِلا تَ َ
العرب واملسلمَّي ،وابلتّايل علينا أ ْن نُعرض عنها إعرا ً
كل ضاللة يف النار)
كل بدعةٌ ضاللة و ّ حضارتنا .املوسيقى بدعة و ّ
والتوسع:
ّ ب /مرحلة البناء
احلس
رهف ُّ املشاعر ،ويُ َ
ُ ضمائر .هبا تسموالسجاّي وال ّ
السرائر ونقاء ّ
وح وشفاء ّالر ِّ
*] نفسيّا :املوسيقى غذاء ّ
اإلسالمي
ّ الرازي الطبيب
أدل على ذلك من أ ّن أاب بكر ّ
اهب ،وتَربأُ األسقامُ وختفت اآلالمُ .وليس ّ
وتُص َقل املو ُ
30
ِّ
اإلنسان نغمة موسيقيّ ٍة ص ًدى لصورةٍ ُمعيّ ٍنة من ابطن
كل ٍ قد اِّعتمدها يف عالج املرضى قدميا .وتكاد تكون ُّ
يف تقلُّ ِّ
غمات الشجيّةُ ،وِلذا قال الفيلسوف اليوانينّفلحظات احلُزن واألسى تُالئمها النّ ُ
ُ لوانته.
اج وتَ ُّ
بات املز ِّ
قصة طريفة يف بيان أثر النّغمة الشجيّةْيسمع األصوات احلسنةَ" .كما أ ّن اجلاحظ له ّ حزن فل ْ أفالطونَ " :من ِّ
ّحن للقرآن فبكى .وحَّي ُسئل :كيف تبكي احلزينة يف اإلنسان .فقد روى أن أعجميّا مسع ترتيال ع ْذب الل ِّ
شجا" ،أي اللحن احلزين ،وقد كان حينها وأنت ال تفقهُ معاين الكلمات العربيّة ،أجاب ابختصا ٍر" :أبكاين ال ّ
يف حالة ٍ
حزن.
نستشعر غضبًا وتوتّرا وانفعاال ،فما لنا والسرور .فإذا كنّا إيقاعات الط ِّ قات ِّ
ُ ّرب ّ ُ والفرح فلها
ِّ اجلذل ّأما أُويْ ُ
در عشرات اآلالت يف ذات عة الص ِّ
ادحة من عُ ِّ سوى اإلنصات إىل األنغام املُرو ِّ
حيث َهت ُ
السنفونيّاتُ ،
مق ّ ّ ّ
فتمتص غضبنا وتُب ّدده وتُشتّـتُه (سنفونيّة "دخول اجلنّة" للعازف العاملي اليوانينّ ّ اآلن واحلَّي رخيمةً هائلةً،
فوجنيليس).
ِّ دور املوسيقى يف الرتويح عن النّفوس .فالتّلميذ يتّخذها نِّ ْع َم
املؤنس لفرتات املراجعة ،وكثريٌ
ُ عاقل َ نكر ٌ وال يُ ُ
منصت إىل
ٌ لذ أوقات عملِّه إالّ وهو اجر )...ال يَستَ ُّ
اد ،التّ ُ
(النجار ،احل ّد ُ
والصناعات ّ
ف ّ ِّ أرابب احلِّر ِّ
من ِّ َ
معزوفات ٍ
مجيلة. ٍ
ت ِّح ّدةُ إرهاقها ابإلنصات تقصر مسافاهتُا الطويلةُ ،وتتذلّلُ مصاعبُها ،وخت ُف ُ اخلاصةُ ُ ّ العامةُ أو
حالت ّ والر ُ ّ
العام ِّة (يف الطريق،
اس مجيعهم اليوم يف األماكن ّ
اب (يف السيارة ،يف احلافلة) .وانظر دأْب النّ ِّ ِّ
ْ َ ّ إىل اللّحون ال ِّطّر ِّ
حّت ينشغلوا عن ضجيج العال اعات اِلواتف موصولةً آبذاّنم ّ يف احملطّة ،يف ابحات اإلدارات )...تر مسّ ِّ
َ
ضيع والطّفل أو
الر ِّ ِّ اخلارجي وص َخبِّه ،وذلك عرب تَ َذ ُّو ِّق األحلان
ابلنسبة إىل ّ
ظ ّ وحّت املنامُ واملُستي َق ُ
احلسنةّ . ّ
الصباح مثال) ٍ ٍ ٍ ِّ
مقطوعات هادئة بديعة (أحلان أغاين فريوز يف ّ إيقاع
الكبري ال يرو ُق وال َْحيلَ ْويل إالّ على ِّ
ِّ
اجلميل ،فيستَميلُه وجيذبُه إليه ،و ُحي ّر ُك َدخيلَتَه، إذا كان احليوا ُن غريُ الواعي بَنوازعه الباطنيّة أينَس إىل الل ِّ
ّحن
الفرس يرقص ِّ
اجلميلة أ ّن ثبت أتثُّر احليو ِّ
ان ابألنغام اآلدمي؟ وممّا يُ ُ أمر اإلنسان العاقل الفقيه
َ ّ فكيف يكون ُ
الزمن إىل األنغام أنصتت م ّدةً من ّ
ْ ِّ
احلليب إذا كما ممن
تدر أكثر ًّ
على إيقاعات الطبل واملزمار ،وأ ّن البقرةَ ُّ
حلون ِّع ٍ
ذاب. بعزف ٍ ِّ
شباكهم ْ األمساك إىل
َ احلسنة ،وقد كان الصيّادون يف نواحي العراق قدميا يستدرجون ِّ
بات بدوره يتأثّر ابإليقاعات املوسيقية الرائقة ،فينمو على نغماهتا على أحسن ٍ
وجه، العلم أ ّن النّ َ
ّ ّ ولقد أثبت ُ
ويف أسرع ٍ
وقت.
ِّ
وحممود ِّ
األعمال والرذائل ،لِّ ُرتغّب يف حماسن
انّي واخلطاّي ّ
ب عن ال ّد َ
الرائعةُ تُرغّ ُ
*] سلوكيًّا :األحلا ُن اِلادئة ّ
ِّ
واجتناب ِّ
املعروف صطناعأدرك أينها أكثر حضًّا (حثا) على اِّ
ومن فَ ِّقهَ ألوا َن املقامات يف املوسيقى َ ِّ
الف ِّ
ِّ ّ َ عالَ .
املكروه الفاسد:
31
باع الر ِّ
صانة ِّ ِّ
والراستِ ...لا قدرة عجيبة على إعادة ط ِّ ّ وحمري سيكا ّ صبا والنّاهواند ّ إيقاعُ مقامات البيّايت وال ن
اثم.ادع عن املعاصي واآل ِّ الر ِّ
ضمري ّ صوت ال ّ
َ ت فيه نوازع الغريزةُِّ ،
وُتيي سك ُواِلدوء والتَـع ُّقل إىل سامعها ،فتُ ِّ
َ
النفس ،وهتفو له ِّ
العروق ،فرتاتح له احلسن جيري يف اجلسم جمرى ال ّدِّم يف وت
الص َظ أ ّنّ " : وقد روى اجلاح ُ
ُ َ
اطقة ابألحلان الشجيّ ِّة احلاثِّّة على فِّ ْعل اخلري واجتناب ِّ
املعازف النّ ِّ أهم
ارح ويصفو له العقلُ" .ومن ّ اجلو ُ
املَكاره:
رمجاان
ات تُ ً الزفر ُ ِّ اي املل نقب ب" :احلزين" ،فهو يُبكي
رسل ّ ات وتُ َالع َرب ُ
نه ُّل َالقلوب ،ويستثريُ املدام َع ،فتَ َ
َ -النّ ُ
فاباب لل َك ّ ٍ ٍ واالنتباهِّ إىل ما أتيناهُ من مريِّ ،ض ِّلِّيَـ َقظَة ال ّ
أعمال فاسدة فيها إساءةٌ إىل اآلخر ،وقد يكون ذلك ً
عة احلزينة على إالنة القلوب املرو ِّ
عنها وجتاوزها وإصالحها .كما ُت ّدث اجلاحظ أيضا عن قدرة األحلان ِّّ
هتذييب
ٌّ بوي
كي تر ٌّ شفقة إليها .وهذا وجهٌ سلو ٌّ سة ،وإعادةِّ طباع الر ِّ
أفة وال ّ املتحجرةِّ ،واألن ُفس املتصلِّّ ِّبة املتكلِّّ ِّ
ِّ
ّ
ابمتيا ٍز.
السلوك ،ابلتّنبيه إىل الزالّت ،والتحذير من التمادي احلس ِّن يف ّ
نفس األثر َ -الكمنجةُ قادرة على إحداث ِّ
ٍ
ِلجات امع
لس ِّ ِّ ِّ ِّ
فتنويع العازف املاهر اإليقاعات واملقامات على أواترها حيملُ إىل ا ّ ُ يف األخطاء والعثرات.
العريب ميخائيل نُعيمة ٍ
األديب ُّ احلساسةُ .وهو ما أشاد به فوس ّمتنوعة ال تفقهها إالّ النّ ُ ُمتلفةً ونربّيت خفيّةً ّ
أحد العازفَّي املََه َرةِّ على التّعامل مع هذه اآللة ،مبا جعل املتل ّق َي ص ِّفه قُدرَة ِّ ِّ
الكمنجة) آانء َو ْ (نص :عازف ّ
ٍ ٍ يفهم من ِّ
عاتب ...وما احت فيها الكمنجةُ تُ ُ لومه" :وبلغ من حلنه فرتًة ر ْ صوت واعظ منبِّّه يُعاتبُه وي ُ َ نغماهتا ُ
ات ِّ ِّ ِّ
والزاجرةُ أصو ُ نقلب عويلُ الكمنجة وعيدا ،مثّ صولةً وجربوات" ،واألصوات الالّئمة واملُعاتبة ّ طال أ ْن ا َ
السبيل. ٍ
صح وإرشاد هتدينا إىل سواء ّ نُ ٍ
32
وابالنكباب على عواملِّها
واسع كالبحرِّ .
شاسع ٌٌ املعريف
ُّ املرِّء ثقافيًّا ،فَ َك ْوّنُا ِّ
وسع من آفاق ْ
*] املوسيقى تُ ّ
نغدو عارفَّي بضروهبا وأنواعها ،بَّي عربيّ ٍة شرقيّ ٍة ،وغربيّة كالسيكيّة .ويف إطار األوىل ُمنسي ُمميّزين بَّي
السيمفونيّة واألوبريا والكونشرتو واجلاز...
فنتعرف إىل ّ
األوركسرتا واملو ّشح والطّقطوقةّ ،...أما يف إطار الثّانية ّ
شهرية (بيتهوفن وسيمفونيّاته اخلامسة والتّاسعة/ السيمفونيّات العامليّة ال ّ
إملام أبمساء ّ وإىل هذا يُصبح لنا ٌ
والسيمفونيّة رقم اِّثنَّي)... والسادسة /سيبيليوس ّ تشايكوفسكي وسيمفونيّاته اخلامسة ّ
مالوف وموسيقى شعبيّة ٍ ف هبا يف توسيع زادان من األحلان احملليّة الوطنيّة:بَّي شغَ ِّ
ض َل ال ّ
وال ننسى ف ْ
أمكن لنا اإلحاطةُ ِّ ِّ
يينَ ، ري وال ّد ّ قايف واحلضا ّوفولكلور ،...وإذا عدان إىل اتريخ األسالف يف عهود االزدهار الثّ ّ
شهري يف زرّيب عازف العود ال ّ َ العريب القدمي ،وهنا نذكر ّ أبمساء عازفَّي َم َهرًة كانوا عالمةً يف اتريخ العزف
نذكر معب ًدا
الصوت .كما ُ طائر غَ ِّرٌد مجيل ّ ابلزرّيب الّذي هو يف األصل ٌ عهد احلضارة العبّاسيّة .وقد لُِّّقب ّ
السامعَّي مناجملالس يستقطبون ّ ِّ املوصلي ...أولئك العازفَّي الّذين كانوا جنومّ يض وابن ُسريْج وإبراهيم والغر َ
نغمات
ُ شعريّة ،قد مازج ْتها ِّ
األبيات ال ّ ائع
عززون زادهم الثّقايفن بر ِّكل حدب وصوب ،فيُشنّفون آذاّنم ،ويُ ّ ّ
شيقة عن أخبار الرائقة ال ّ ِّ
واّيت ّ الر ُ اآلالت املوسيقيّة .ولنا يف كتاب "األغاين" أليب الفرج األصفهاين ن ْع َم ّ
العريب ّأّي َمه اخلَوايل.
شعر يف تراثنا ّ املوسيقى وال ّ
حّت
األزيلّ ، ِّ
قادرا على ُتقيق هذا املطلب اإلنساينّ ّ
الفن ً
يق الفنّان لتخليد ذاته ،وليس كهذا ّ
العزف طر ُ
ُ *]
تغىن جربان خليل جربان ابلناي
وسر اخللود .فقد ّ
صميم الوجود ّ
َ شعراء جعلوا من اآلالت املوسيقيّةأ ّن ال ّ
فأنشدت عنه فريوز:
وعن *** فالغـ ـ ــنا س ـ ّـر اخللو ْد
اي ّأعطين النّ َ
اي يبقـ ــى *** بعد أن يفىن الوجو ْد وأنَّي النّ ِّ
ُ
ِّ
اإلنسان وعيشه األمثل الرصايف أ ْن يُدمج املوسيقى ضمن سائر الفنون الّيت يراها س نر سعادة ينس معروف
ّ ول َ
األكمل:
ِّ
الفنون طري َقا ـك إليـ ــه من
انعما ورقي َقا ****فاسل ـ ـ ـ ْ
مت عي ًشا ً
إ ْن ُر َ
33
شعر **** والتّمثيل والتّصوير واملوسيقى
ضةً ابل ّ
كغ ّ
واجعل حياتَ َ
ْ
اجملتمع:
ِّ ❖ أمهيّة املوسيقى ابلنّسبة إىل
الفرد ِّ
االمتيا َز (توعية وتثقيف والرسم واملسرح من أ ّن املوسيقى متنح َ
ُحنافظ على نفس ما قلناه يف شأن الغناء ّ
اخلاصة
والتطور .ومن احلجج ّ
ّ ضر
وحريّة )...وابلتّايل هي حتما ستجعل من اجملتمع راقيا آخ ًذا أبسباب التح ّ
ابملوسيقى يف هذا الباب:
ٍ
وحروب شواغل الّيت ابتت تعصف اليوم ابإلنسانيّة ،من إرهاب ٍ
وعنف *] أّنّا ُتمي اجملتمعات من اآلفات وال ّ
اجملتمعات أجياِلَا على التشبُّع من روحها
ُ ت
بلسما شافيًا ،إذا ربّ ْ
وبغضاء وشحناء ...وليس كاملوسيقى ً
السلوكيّةُ ِّ فرد فيها إىل الفضيلة واملعايل ،وأنى عن الر ِّ
افية هفا كلُّ ٍ
العذبة الص ِّ
اآلفات ّ
ُ وحّت تلك
واآلاثمّ . ذيلة ّ ّ
تتضاءل من تلقاء نفسها فتتالشى ،أل ّن
ُ ات ،امليسر ،النّفاق والرّيء )...قد
الفرديّة (التدخَّي ،اخلمر ،املخ ّدر ُ
شباب ،املهرجاانت ،برامج وسائل اضع تعاطي املوسيقى (املعاهد واملدارس ،دور ال ّاجملتمع قد خلق ألبنائه مو َ
َ
يظل هناك من مربٍّر قد يدفعهم إىل تلك ِّ
اإلعالم )...فال يبقى للنّاشئة من فر ٍاغ يستشعرونه ،وابلتّايل ال ّ
الرذائل.
ّ
ش ِّ
عوب ومحايةٌ لرتاثها وصيانةٌ ألصالتها .فبالنّسبة إىل جمتمعنا نرى أّنّا تضطلع منذ *] املوسيقى ِّحف ٌ
ظ ملآثر ال ّ
ان موسيقيّة تقليديّة أصيلة .فأداة مثل "املزود" و"الشبّابة" و"املزمار" و"الطّبل"... طويل برتسيخ ألو ٍأمد ٍ ٍ
االنداثر والتالشي .وبفضل شعيب من ِّ ِّ
خاصة برتاثنا ال ّ ّ
ال يف صيانة نغمات معيّنة وأحلان ّ فع ُ
مثال كان ِلا دور ّ
البدوي الطّريف،
ّ والرقص
(الصاحلي ،الركروكي) ّ فظت أيضا فنون أخرى شعبيّة اندرة كالغناء ّ املوسيقى ُح ْ
نعلم إيقاعٌ
شعر كما ُ عيب امللحون (يف جهات القصرين والكاف واجلنوب ابخلصوص) فأساس ال ّ ش ّ شعر ال ّ
وال ّ
موسيقي.
ّ وجرس
ٌ وحلن
ٌ
34
يفي بتونس ،مهرجان موازين ابملغرب ،جرش ابألردن)...
الص ّ
املهرجاانت املوسيقيّة الكونيّة (مهرجان قرطاج ّ
جمتمع.
لكل ٍ ٍ
يف توفري فرصة تالق للعازفَّي والفنّانَّي من أجل التعريف خبصوصيّات األحلان احملليّة ّ
ُتتاج وسيطا أو
جوابةً لألقطار ،فال ُ
طوافةً لألمصار ّ
تظل ّ
ّأما عن املرور والعبور ،فإ ّن املقطوعةَ املوسيقيّة ّ
والفارسي ...وانظر واألعجمي العريب ِّ ِّ ِّ
ّ ّ مرتمجًا لتل َج إىل القلوب واألعماق .وإ ّمنا هي لغةٌ إنسانيّة كونيّة يفقهها ّ
امع
الس ُ
صقع ،فيتفاعل معها ّ
صقع إىل ٍ األحلان اِلنديّة واألمريكيّة واألوروبيّة واإلفريقيّة ....متضي من ٍ
ابلوجدان واملشاعر والكيان قبل العقل واملنطق واللّغة والرتمجة .وقد صدق من قال" :املوسيقى لغةٌ كونيّة".
السينما:
فن ّخامساّ :
ً
35
اليوم على ٍ ابب إلتالف األمو ِّال يف غري ما ٍ
طائل أو منفعة .واملبالغ اخلياليّة الّيت تُن َفق َ السينمائيّة ٌ
*] األفالم ّ
ٍ
مقاومة جوٍع تشغيل واستثما ٍر ،يف
ٍ وصح ٍة ،يف إنتاجها قد يكون من ابب أوىل وأحرى أن نُنف َقها يف ٍ
تعليم ّ
واخلالق يلعن املب ّذرينِّ ،أبن قال فيهم" :إ ّن تبذير، ٍ ِّ ٍ
ُ وت َش ُّرد ،يف مساندة منكوبَّي بكوارث طبيعيّة ....فهذا ٌ
شياطَّي".
املب ّذرين كانوا إخوان ال ّ
تدفع ابملرأة للمروق عن تقاليدها وعاداهتا ودينها .يُنسيها أ ّن مالمح أكرب اجملاالت الّيت ُ الفن من ِّ
*] هذا ُّ
املشاهدين ،بل العدسات ،لِّتظهر أمام ِّ
آالف ِّ سح ُر األمو ِّال ،وبر ُ
يق وجهها ونربَة ِّ ِّ
َ َ صوهتا عورةٌ ،فيُغريها ْ
وتِّ ،ابس ِّم ِّ ِّ
آخر، واألغرب واألنكى أّنّا قد ُمتثّل زوجةً ٍ
لرجل َ ُ آداء ال ّد ْور. الص ِّ ْ َماليينِّهم مكشوفةَ الوجه عاليةَ ّ
بية وعماد األخالقبصلة ...واملرأة يف ثقافتنا وديننا أصل الرت ِّ
ُ
ميت ِلا ٍ ألبناء غري أبنائها ،وأُختًا لِّ َمن ال ّ
وأما َ ّ
أعددهتا ،)...وأبعد من
َ األم مدرسة إذا ِّ ِّ
برمته (بيت حافظ إبراهيمّ : والتنـنْشئة ،ويف فسادها فسا ٌد للمجتمع ّ
ذلك أّنّا تُؤ ّدي مشاهد اإلغواء واإلاثرة ،مدعيّةً أّنّا ال تفعل شيئا سوى أ ّّنا تُبدع...
36
والتوسع:
ّ حجج البناء
ُ ب/
ِّ
واملاللة .فهي وطردا لشبح الكاللةالسينما تروحيا عن النّفسْ ، *] نفسيّا :ليس هناك يف عصران أكثر من ّ
للمشاهد عوال مشرقةً ٍ ٍ
فن الرتكيب ....تصنع ُ فن اإلخراجّ ، فن التصويرّ ، مبا تقوم عليه من تقنيات مدروسةّ :
دوما خبياله ،وما يفتأ يرسم ِلا صورا من خالل عال القصص واخلرافات .وها هو اليوم بديعةً كان يتوق إليها ً
أصبح إبمكانه أن يراها رؤيةَ ِّ
العيان (فيلم "سيّد اخلوامت" متيّز بتقنيات تصوير رائعة ،قد ال نبالغ إ ْن قلنا أّنّا
حّت
اخليال) وخالل تلك املَشاهد الفريدة الفقيدة يسبح املُشاه ُد يف عوال من اخليال املمتع اللّذيذّ ، تفوق َ
الصادمة كلّهاومشاهد الغرق اجلماعيّة ّ ِّ
اجه َ
حبره وأمو ُالساعات متضي ،وال يشعر هبا (فيلم تيتانيك مثالُ : أ ّن ّ
حقيقي مرتامي األطراف ليس له ضفاف). تقنيات التّصوير واإلخراج إىل حب ٍر حولتها ٍ ٍ
ّ ُ كانت يف بركة صغرية ّ
ْ
السينما ليست انبعةً من فنون اإلخراج والتصوير والرتكيب واملونتاج فقط ،...وإ ّمنا من ِّ
مصادر املتعة يف ّ
أفالم رومنسيّة عاطفيّةنسيك خالفَه :فهذه ٌ يكاد يُ َ جنس ُ تَعدُّد أمناط األشرطة السينمائيّة وضروهبا ،وكلُّ ٍ
خيال علميٍ ،بسحر هتْوميِّها وبر ِّ
اعة بسموها ونُبلها وشرفها ،وتلك أفالمُ ٍ
ّ احلب ّ ُترك املشاعر النبيلة كعاطفة ّ ّ
ان غري أكواننا .ولك أيضا أفالم اإلاثرة واحلركة (ُ )actionتكي اِّستِّباقها لزمننا وحاضران لتُحلّق يف أكو ٍ
أوروابّ ،أما عن اِلزليّة الكوميديّة
أفالم اترخييّة عن عهود الفروسيّة والنّبالء يف ّ ِّ
األبطال ...وهذه ٌ قصص
شفاه ،وأحياان تُرسل فحدث وال حرج يف خصوص الوظيفة النفسيّة الرتفيهيّة .فهي الّيت ترسم البسمةَ على ال ّ ّ
قتلت فينا كل حس للفكاهة وال ّد ِّ
عابة (ولنا ِّ
لطيف بعد أن خلنا ضغوط الواقع اليوم قد ْ متعال ٍضحك ٍ ٍ بنا يف
ّ ّ
الرائعة تَـ ُروج من املشرق إىل املغرب)...
شاشة الكبرية العربيّة عادل إمام الكوميديّة ّ
أن نذكر أفالم زعيم ال ّ
وبَّي هذا وذاك تظل ساحبا يف أجواء من ِّ
املتعة ال ميكنك أن تظفر هبا يف أيّة وسيلة أخرى .ولو نظران يف ّ
نسبة من اإلقبال ،ملا جتده فيها كل ٍ
شرحية املواقع اإللكرتونية اليوم َأللفينا مواقع األفالم هي الّيت ُتظى أبكرب ٍ
ّ ّ
املتحركة لألطفال ،األفالم الرومنسيّة وأفالم الرسوم ٍ
ّ عمريّة من أشرطة تناسب س نها ومرحلتَها :أفالم ّ ُ
والشاابت ،األفالم الكالسيكيّة ابلنسبة إىل الكهول.
ّ املغامرات ابلنّسبة للشبّان
ٍ
مزدوجة للمشاهد ،فهو َك َمن يُصيب خدمة مرّكبَ ٍة
ٍ السينما من
*] الوظيفة التثقيفيّة :ال مراء فيما تُسديه ّ
ٍ
شّت: عصفوريْن حبج ٍر واحد .ألنّه أثناء نُشدانه للوظيفة الرتفيهيّة ّ
يتشرب بوع ٍي أو دونَه فوائد تثقيفيّة ّ
الشر .وإنّك واج ٌد
ومعركة قُوى اخلري ض ّد قُوى ّ ِّ
الباطلَ ، فيقتنص ِّعربةً بليغةً مفيدةً من نتائج صراع احل ّق ض ّد
شهامة
شجاعة واإلقدام وال ّ
شريط على الثّانية ،من خالل التحلّي ابل ّ
دوما األوىل منتصرةً يف ّناية ال ّ
37
جبهد ومش ّق ٍة إىل أن نغرسها يف النّاشئة ،غري أ ّن السينما بعواملها
وصفات نبيلةٌ نسعى ٍ والفضيلة ...وكلّها قِّيم ِّ
ٌَ
ٍ
وسهولة ،من خالل إهبارها وإغرائها وترغيبها .إ ّّنا تعلّمهم النّظريةِّ الفاتنة املشرقة املثرية تنحتها فيهم بيُس ٍر
وهم يلعبون أو قل يستمتعون.
ُ
للمشاهد ،فإنّه جيد عرب
اللغوي ُ
ّ عما تساهم فيه األشرطة األجنبيّة من تعزي ٍز ّ
للرصيد نغفل ّ
وهل لنا أن َ
بكل اللّغات :األنكليزيّة ابخلصوص ،والفرنسيّة ٍ
اإلنرتنيت على سبيل املثال أضخم مكتبة كونيّة لألفالم و ّ
األعمال ويُثرىه،
ُ نطقت هبا تلك
ْ غىن رصي ُده من اللّغات الّيت
واِلنديّة والرتكيّة ....وخالل متعة املشاهدة يُ َ
وكثريا ما ُتضر الرتمجة الكتابيّة الظاهرة أسفل الشاشة أو وسطها ،واملُزامنة ملخاطبات املمثّلَّي ،فتساعد
واالقتدار على التكلّم هبا.على فهم اللغات األجنبيّة ِّ
ٍ
األشرطةُ السينمائيّة ُتكي قصصا مقتبسةً عن آاث ٍر أدبيّة عامليّة ،ولوال ذلك التعلُّق هبذا ّ
الفن ما كنّا لنعرف
سينمائي كدعاء
ّ الكاتب أو األديب (طه حسَّي مثال له كثري من األعمال اِّقتُ ْ
بست فكرة لشريط َ ذلك
لهمت ثالثيّـتُه لتكون شريطا رائعا)... واألّيم ،وجنيب حمفوظ بدوره اِّستُ ِّ
الكروان ّ
شعوب ،وتقاليد األمم ،ويف ذلك ٌّ
حظ نتعرف على عادات ال ّ وحنن كذلك أثناء مشاهدة األشرطة السينمائيّة ّ
غريُ ّ ٍ
هَّي من التثقيف.
ِّ
اخللود للمبدع يف جمالهُ ،مرجا كان أم منح
السينما أجلى الفنون قدرًة على ِّ
*] الوظيفة اإلنسانيّة األزليّةّ :
مصورا ....شريط مثل "تيتانيك" فاز املشاركون فيه ،ممّ ْن ذكران مبختلف ممثّال ،أم كاتب سيناريو أم ّ
التمثيلي ،والتصوير )...وهو ما مينح أصحابه اخللود
ّ مسامهاهتم ،جبوائز أوسكار عامليّة (يف اإلخراج ،واآلداء
ألزمنة ٍ
طويلة. ٍ واجملد
38
شرقاوي ،وإخراج يوسف شاهَّي يُعاجلُ قضيّةشهري عبد الرمحان ال ّ
ونذكر كذلك فيلم "األرض" للكاتب ال ّ
واللبيب يفهم جيّدا ما يرومُ هذا العمل
ُ يضح َي من أجلها بدمه،
التعلّق ابألرض ،واستعداد اإلنسان ألن ّ
ينمائي إيصالَه له.
الس ّ ّ
*] يبقى أن نشري أخريا إىل دور السينما يف ُتقيق مطلب تفاعل الثقافات وتالقُح احلضارات .وهي أجنع
قوةٍ متثيل وتدبري وأتث ٍري .فهي القائمةُ على أيقونة الفنون اِّ
متاح ِلا من ّ
ضطالعا هبذا ال ّدور ،ابلنّظر إىل ما هو ٌ
ً
الركن
شريط يصدر اليوم هناك يف ذلك ّ املتحركة بسحرها ونفاذها وسرعة رواجها وانتشارها .فال ّ
الصورة احليّة ّ
ّ
عوب من ال َقصي من املعمورة ،لِّيطوق اآلفاق ،وجيوب البلدان واألمصار يف طر ِّ
فة ع ٍ
ش ُ األمم وال ّ
َّي ،لرتى ُ ْ ُ ّ ّ
ِّ
اآلخر ،واألخذ عنه والعطاء له. الفضول ،ويزيد من اإلغراء ِّ
ابالنفتاح على َ عادات بعضها البعض ما يُثري
السينمائي) مناسبةً
ّ السينمائي ،مهرجان كان
ّ الفن (مهرجان قرطاج
السنويّة الدوليّة ِلذا ّ
تظل املهرجاانت ّ كما ّ
اللتقاء الفنّانَّي (ممثّلَّي وُمرجَّي وكتّاب )...ملشاهدة آخر اإلنتاجات السينمائيّة من هذه ال ّدولة أو تلك،
قرب بَّي تفاعل كبريٌ بَّي الثّقافات واحلضارات ،ما من شأنه أن يُ ّ
ٌ باد ِّل اآلر ِّاء ،ويف ذلك ِّ
األفكار وتَ ُ طار ِّح
وتَ ُ
والصراع .وهي-لعمري -وظيفةٌ ساميةٌ نبيلةٌ ابتت تُعلِّّقها اإلنسانيّةُ الشقاق ّ شعوب ،ويُقلّل من عوامل ِّّ ال ّ
مجعت ُتت إهاهبا سائر الفنون األخرى :فهي ْ السينما الّيت
اليوم على رائدة الفنون وسيّدة اإلبداعاتّ :
والرواج. ِّ ِّ
املتطورةُ ك نل قدرة على االنتشار والعبور ّ
ات ّ قص ...متنحها التقنيّ ُ
والر ُ
واألدب والغناءُ ّ
ُ واملسرح
ُ سم
الر ُ
ّ
"السابع" ،فكأ ّمنا ٍ
الفن "الثّامن" اجلديد الّذي ميكنه أن يتجاوز هذا الفن ّ وها حنن منذ قرون ال جن ُد ذلك ّ
وقفت عند ُختومه كأعلى درجات الوعي ِّ
واالبتكار اإلنساينّ. ْ البشري حدود اإلبداع
ّ
39