You are on page 1of 162

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التـعليم العــالي والبـحث العـلمي‬

‫جــامعة ‪ 8‬مــاي ‪ 5491‬قـــالمــــة‬

‫قسم اللغة واألدب العربي‬ ‫كليـــــــــة اآلداب واللغــــــــــــات‬

‫مطبوعة بيداغوجية في مقياس‪:‬‬

‫النص المسرحي الجزائري ( محاضرات وتطبيقات)‬


‫موجهة إلى طلبة السنة األولى ماستير تخصص‪:‬أدب جزائري‬

‫إعداد الدكتورة‪ :‬نادية موات‬

‫الموسم الجامعي ‪7102/7102‬‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‬
‫المقد‬

‫‪2‬‬
‫على الرغم من أن الفن املسرحي اجلزائري جمال خصب يغري بالتأمل والدراسة إال أنه عاىن‬
‫كثريا من التهميش‪ ،‬سواء يف احلياة االجتماعية – حيث تغيب ثقافة الفرجة من برامج األسر اجلزائرية‬
‫الثقافية – أو يف احلياة العلمية اليت تسقط مؤسساهتا‪ ،‬عن وعي أو عن غري وعي‪ ،‬االهتمام‬
‫باألعمال املسرحية (بداية باملرحلة االبتدائية وانتهاء باجلامعية) ؛ فال تدرجها ضمن العملية التعليمية‪،‬‬
‫إال فيما ندر‪ ،‬وهو ما جعل املسرح مؤسسة معزولة‪ ،‬وشكلية ال دور هلا يف جمتمع ال يعرتف بأمهيتها‬
‫الفنية والرتبوية اليت ال تقل شأنا عن باقي املؤسسات الثقافية والعلمية األخرى‪.‬‬

‫وإميانا بدور املسرحية يف بناء الفرد الواعي والقادر على التغيري‪ ،‬وحرصا على مد جسور التواصل‬
‫بني مؤسستني على قدر كبري من األمهية يف اجملتمع اجلزائري مها املؤسسة اجلامعية‪ ،‬ونظريهتا املسرحية‪،‬‬
‫واستجابة لطموح علمي يسعى إىل سد فراغ معريف مرده نقص النتاج العلمي يف هذا اجملال جاءت‬
‫السنة‬
‫هذه املطبوعة البيداغوجية املوسومة بـ ـ ـ ـ‪" :‬محاضرات في المسرحيّة الجزائريّة" املقدمة لطلبة ّ‬
‫تخصص‪ :‬أدب جزائري" للموسم اجلامعي ‪ ،7102/7102‬لتحقق أهدافا علمية‬
‫األولى ماستر‪ّ ،‬‬
‫كثرية منها‪:‬‬

‫‪ -‬تعريف الطلبة باملسرحية اجلزائرية‪ ،‬نشأهتا وأعالمها‪ ،‬وأهم مواضيعها وقضاياها‪ ،‬وأبرز اّتاهاهتا‪،‬‬
‫ولفت نظرهم إىل نصوص أو عروض حملية فرضت نفسها على املستوى العرب والعاملي‪ ،‬على‬
‫الرغم من أّنا مقصية من الساحة األكادميية اجلزائرية‪.‬‬
‫‪ -‬تعميق معارف الطلبة حول كيفية التعامل مع املسرحية اجلزائرية تعامال علميا يضع بعني االعتبار‬
‫خصوصيتها ذات الطبيعة املزدوجة اليت وإن استثمرت املنجز اللسان‪ ،‬فإّنا تتجاوزه إىل منجزات‬
‫مسعية وبصرية ومشية‪...‬أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬ربط املؤسسة اجلامعية مبؤسسة أخرى ال تقل أمهية عنها هي مؤسسة املسرح الشرتاكهما يف‬
‫الدور الرتبوي والتعليمي نفسه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مفردات المقياس‪:‬‬
‫المحاضرة األولى‪ :‬في الجهاز المفاهيمي‪( :‬يف مفهوم املسرح‪ ،‬مكونات املسرح‪ ،‬ثنائية‬
‫النص‪/‬العرض)‬

‫المحاضرة الثانية‪ :‬نشأة المسرحيّة الجزائريّة‪:‬‬

‫المحاضرة الثّالثة‪ :‬مراحل تطور المسرحيّة الجزائريّة‪:‬‬

‫الرابعة‪ :‬أعالم المسرحيّة الجزائريّة وخصائصها‪.‬‬


‫المحاضرة ّ‬
‫المحاضرة الخامسة‪ :‬توظيف التراث في المسرحية الجزائرية‪.‬‬

‫السادسة‪ :‬أثر التجربتين المسرحيتين العربية والغربية على المسرحية الجزائرية‪.‬‬


‫المحاضرة ّ‬
‫المحاضرة السابعة‪ :‬اتّجاهات المسرحيّة الجزائريّة‪:‬‬

‫‪ -1‬االّتاه الشعب‪.‬‬

‫‪ -2‬االّتاه اإلصالحي‪.‬‬

‫المحاضرة الثامنة‪ :‬موضوعات المسرحية الجزائرية‪:‬‬

‫‪-1‬موضوعات ما قبل االستقالل‪.‬‬

‫‪-2‬موضوعات ما بعد االستقالل‪.‬‬

‫المحاضرة التاسعة‪ :‬المسرحية الجزائرية اإلشكاالت والرهانات‪:‬‬

‫‪ -1‬إشكالية اللغة‪.‬‬

‫‪ -2‬إشكالية التأليف‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ج‪ -‬إشكالية الرتمجة‪.‬‬

‫المحاضرة العاشرة‪ :‬النقد المسرحي الجزائري‪:‬‬

‫‪ -1‬النقد املسرحي اجلزائري‪ :‬أسسه وضوابطه‪.‬‬

‫‪ -2‬النقد املسرحي اجلزائري وإشكاالته‪.‬‬

‫المحاضرة الحادية عشر‪ :‬المسرحية الجزائرية والمنهج‪:‬‬

‫‪ -1‬املسرحية اجلزائرية واملنهج التارخيي‪.‬‬

‫‪ -2‬املسرحية اجلزائرية واملنهج السيميائي‪.‬‬

‫‪ -3‬املسرحية اجلزائرية واملنهج التداول‪.‬‬

‫شعريّة الجزائريّة‪:‬‬
‫المحاضرة الثانية عشر‪ :‬المسرحيّة ال ّ‬

‫‪ -1‬املسرحية الشعرية الثورية‪.‬‬

‫‪ -2‬املسرحية الشعرية االجتماعية‪.‬‬

‫المحاضرة الثالثة عشر‪ :‬المسرحية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪ -1‬أعالمها‪.‬‬

‫‪ -2‬موضوعاهتا‪.‬‬

‫المحاضرة الرابعة عشر‪ :‬المسرحيّة الجزائريّة والمؤثّرات الخارجيّة‪:‬‬

‫‪ -1‬أثر "برخيث" يف املسرحية اجلزائرية‪ :‬ثالثية عبد القادر علولة ( األجواد – األقوال – اللثام)‬
‫أمنوذجا‬

‫‪5‬‬
‫المحاضرة األولى‬

‫في الجـ ـهـ ـ ـاز االصـ ـ ـط ـ ـالحـ ـ ـ ـ ّي‬

‫(يف مفهوم املسرح‪ ،‬مكونات املسرح‪ ،‬ثنائية النص‬


‫والعرض)‬

‫‪6‬‬
‫تمهيد‪ :‬يستدعي احلديث عن املسرحية اجلزائريةمواضيعها‪ ،‬اّتاهاهتا وخصائصها احلديث عن مجلة من‬
‫املصطلحات واملفاهيم املنتمية للحقل املسرحي‪ ،‬اليت قد جيهل الطالب حديث العهد هبذا اجملال‬
‫معانيها‪ ،‬أو قد يستعمل الشائع منها على خطئه‪ ،‬وعليه ارتأينا التطرق‪ ،‬بادئ ذي بدء‪ ،‬إىل مفهوم‬
‫املسرحية‪ ،‬مكوناهتا‪ ،‬وثنائية النص والعرض‪.‬‬

‫‪-0‬مفهوم المسرحيّة‪ :‬نعتمد يف حتديد مفهوم املسرحية على منهلني أحدمها لغوي واآلخر‬
‫اصطالحي‪.‬‬

‫غوي‪:‬‬
‫‪-0‬أ – الح ّد اللّ ّ‬

‫درج الدارسون على استعمال لفظة "مسرح" للداللة على نتاج فين ذو طبيعة مزدوجة ّتمع بني‬
‫اللسان وغري اللسان‪ ،‬يقوم على األداء ويشرتط حضور أطراف ثالثة بالضرورة هم‪ :‬النص– اخلشبة‬
‫– اجلمهور‪،‬غري أن رد اللفظة إىل معانيها املعجمية املستمدة من القرآن الكرمي‪ ،‬واملعاجم اللغوية يبني‬
‫داللة مادية تتناىف والداللة املتعارف عليها‪.‬‬

‫فقد وردت هذه اللفظة يف القرآن الكرمي يف موضعني خمتلفني؛ األول يف سياق احلديث عن نعم الله‬
‫على اإلنسان يف األرض يقول جل وعلى‪﴿ :‬ولكم فيها جمال حين تريحون وحين‬
‫تسرحون﴾(‪)1‬أي خترجوّنا إىل املرعى بالغداة‪ ،‬والثان يف معرض احلديث عن الطالق يقول عز وجل‪:‬‬
‫حكن سراحا جميال﴾(‪)2‬أي أطلقكن طالقا عن رضا وقناعة‪ .‬واملالحظ أن‬
‫وأسر ّ‬
‫عكن ّ‬
‫﴿فتعالين أمتّ ّ‬
‫توظيف اللفظة يف املوضعني قد اقرتن باملعان اإلجيابية كالراحة‪ ،‬واحلرية‪ ،‬واإلطالق من كل قيد‪ ،‬وهي‬
‫املعان نفسها اليت يناشدها الفعل التمثيلي عرب كافة العصور حني جيمع بني املتعة والفائدة والقدرة‬
‫على التغيري‪.‬‬

‫‪ -)1‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬


‫‪ -)2‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬

‫‪7‬‬
‫وإذا رجعنا إىل املعاجم اللغوية العربية وجدناها ترسخ الداللة املادية للفظة "مسرح" حني ّتعلها اسم‬
‫مكان؛ فقد ورد يف لسان العرب‪ ،‬مثال‪« ،‬املسرح بفتح امليم مرعى السرح‪ ،‬ومجعه املسارح ‪...‬وهو‬
‫املوضع الذي تسرح إليه املاشية بالغداة للرعي»(‪)1‬ومثله القاموس احمليط الذي ورد فيه ما نصه‪:‬‬
‫«املسرح بالفتح املرعى»(‪ )2‬أمامعجم "تاج العروس"فردها إىل اسم الفاعل يقول‪ « :‬املسرح لفظة‬
‫مأخوذة من السارح‪ ،‬الذي هو اسم للراعي الذي يسرح اإلبل‪ .)3(»...‬وال تتناىف هذه الداللة‪ ،‬عند‬
‫بعض الدارسني‪ ،‬حىت بالنظرإىل األصل اإلغريقي الذي تنحدر منه اللفظة‪ ،‬والذي يعود إىل كلمة‬
‫"ثياثرو"ومعناها‪ « :‬مكان الرؤية أو املشاهدة‪ ،‬وصارت تدل فيما بعد على شكل العمارة»(‪ .)4‬وعليه‬
‫فاصطالح "مسرح" ال يتطابق ومفهوم هذا الفن باعتباره نتاجا أدائيا إال جمازا‪ ،‬واألصح تبين‬
‫مصطلحاتأخرىأقرب إىل الصواب على النحو اآليت‪:‬‬

‫داللته‬ ‫المصطلح‬
‫شكل من أشكال الكتابة يقوم على احلوار‪ ،‬ويكتب هبدف التمثيل‪.‬‬ ‫النص املسرحي‬
‫النص املكتوب قبل أن ميثل‪.‬‬ ‫النص الدرامي‬
‫حقيقة فيزيقية‪ ،‬موضوع مادي يقبل التلقي بشكل حي ومباشر‪ ،‬إنه موضوع‬ ‫العرض املسرحي‬
‫(‪)5‬‬
‫ملموس وامربيقي‪ ،‬حمدد زمانيا ومكانيا‪ ،‬وهو وقيت وزائل‬
‫ظاهرة شعبية تقوم على توافر عناصر مهمة هي‪ :‬املرسل والعرض واجلهور‪،‬‬ ‫الفرجة املسرحية‬
‫و«يعترب فرجويا كل ما يعرض للمشاهدة(‪[ )...‬والفرجة هي]النوع الشامل‬
‫(‪)6‬‬
‫لكل األصناف اليت مبوجبها يكون العامل مرئيا»‬

‫‪ -)1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬تح‪ :‬عبد اهلل علي الكبري وآخرون‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬مج‪.122/2‬‬
‫‪ -)2‬الفريوزبادي‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬مجع‪ :‬اهلرويين‪ ،‬مكتبة النوري‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪.222/2‬‬
‫‪-)3‬حممد مرتضى الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪.102/2‬‬
‫‪ -)4‬ماري إلياس وحنان قصاب حسن‪ ،‬املعجم املسرحي –مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون العرض‪(-‬عرب‪ -‬إجنليزي‪-‬‬
‫فرنسي)‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2002 ،2‬ص‪.424‬‬
‫‪ -)5‬باسم األعسم‪ ،‬الثابت واملتحول يف اخلطاب املسرحي‪ ،‬متوز طباعة – نشر – توزيع‪ ،‬دمشق – سوريا‪ ،‬ط‪2611 ،1‬م‪،‬‬
‫ص‪( 113‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -)6‬أمحد بلخريي‪ ،‬معجم املصطلحات املسرحية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪( 2‬مزيدة)‪،2660 ،‬‬
‫ص‪.121‬‬

‫‪8‬‬
‫ومن املفاهيم اخلاطئة‪ ،‬أيضا‪ ،‬يف هذا اجملال اعتبار املسرحية نوعا أدبيا‪ ،‬حيث اعتاد طلبتنا على‬
‫االعتقاد بأن األدب يتوزع على جنسني مها‪ :‬الشعر والنثر‪ ،‬وينقسم النثر‪ ،‬بدوره‪ ،‬إىل أنواع هي‪:‬‬
‫القصة واألقصوصة والرواية واملسرحية واخلطب والرسائل وغريها‪ ،‬وهو اعتقاد جمحف ألنه يطال نوعا‬
‫مسرحيا واحدا هو النص املسرحي الذهين الذي يكتب ليقرأ ال ليمثل‪ ،‬يف حني تقوم املسرحية بشكل‬
‫عام على عنصر األداء‪ ،‬وتستدعي مفهوم الفرجة ضرورة‪.‬‬

‫االصطالحي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪-0‬ب‪ -‬الح ّد‬

‫نظرا لطبيعة املسرحية املزدوجة اليت ّتمع نسقني خيتلفان من حيث الطبيعة واملكونات مها "النص‬
‫والعرض" أقر العديد من الدارسني صعوبة وضع تعريف اصطالحي للمسرحية‪ ،‬فتباينت اآلراء بني من‬
‫عرف املسرحية انطالقا من النص املكتوب فقط‪ ،‬وبني من عرفها انطالقا من العرض‪ ،‬واختلفت‬
‫سياقات استخدام هذا املصطلح فتارة يعين «وصف شكل من أشكال الكتابة يقوم على عرض‬
‫املتخيل عرب الكلمة»(‪)1‬وهو تعريف يقتصر‪ ،‬يف اعتقادي‪ ،‬على وصف النص املسرحي فقط‪ ،‬وتارة‬
‫يقصد منه«جممل األعمال اليت تنتمي إىل عصر معني أو مدرسة حمددة‪ ،‬فيقال املسرح الكالسيكي‪،‬‬
‫واملسرح الشعب»(‪ )2‬وهو تعريف عام ال يقف عند اخلصائص النصية أو التقنيات اإلخراجية التني‬
‫ميكن اعتبارمها لب املسرحية وجوهرها‪.‬‬

‫ومما ّتدر اإلشارة إليه هو أن مدلول هذا املصطلح اختلف من عصر إىل آخر حسب نظرة النقاد إىل‬
‫النص والعرض «ففي احلضارة اليونانية اعترب فنا من فنون الشعر‪ ،‬وعند الرومان هو نص مكتوب‬
‫يؤديه ممثلون‪ ،‬وأطلقت كلمة اللعبة أو التمثيلية (‪ )Jeu‬على مسرحية القرون الوسطى وهو االستعمال‬
‫الرائج يف إجنلرتا‪ ،‬أما يف عصر النهضة فصارت املسرحية تسمى حسب النوع‪ :‬تراجيديا‪،‬‬

‫‪-)1‬ماري إلياس وحنان قصاب حسن‪ ،‬املعجم املسرحي‪ ،‬ص ‪.422‬‬


‫‪ -)2‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫كوميديا‪...‬واعتبارا من ق‪ 12‬استخدمت كلمة دراما للداللة على النص مقابل العرض‪ ،‬أما كلمة‬
‫(‪)1‬‬
‫مسرح فصارت تستخدم مبعىن مشول للداللة على املسرح كنوع وكعرض وكمكان»‬

‫‪ -2‬مك ّونات المسرحيّة‪ :‬تعد املسرحية تركيبة معقدة تتضافر‪ ،‬يف تكوينها‪ ،‬مجلة من العناصر أو‬
‫األنساق وميكن تقسيمها إىل قسمني مها‪ :‬األنساق النصية‪ ،‬واألنساق التقنية (الفنية)‪.‬‬

‫المكونات النّصيّة‪:‬وتسمى‪ ،‬أيضا‪ ،‬املكونات األدبية وتتعلق باللغة‪ ،‬وباحلوار‪ ،‬وبالشخصيات‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪-7‬أ‪-‬‬
‫وبالزمان‪ ،‬وباملكان‪ ،‬وباحلبكة وغريها من التقنيات السردية اليت يقرتب‪ ،‬انطالقا منها‪ ،‬النص املسرحي‬
‫من الرواية أو القصة‪ ،‬لدرجة جعلت العديد من النقاد)‪)2‬يقرتحون‪ ،‬عند دراسة النص املسرحي‪ ،‬تطبيق‬
‫وس ُل هبا لقراءة النص السردي (الرواية أو القصة)‪.‬‬
‫اإلجراءات النقدية ذاهتا اليت يـُتَ َّ‬

‫المتفرج"موقفني بشأن هذه القضية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫وقد استعرضت الناقدة "آن أوبرسفيلد"‪ ،‬يف كتاهبا "مدرسة‬
‫أقرت‪ ،‬يف األول منهما‪ ،‬أنه باإلمكان قراءة نص مسرحي ما كما لو كان رواية ملا يتضمنه من نزعة‬
‫"سرديّة"ميكن إخضاعها‪ ،‬عند التحليل‪ ،‬إىل املستويات السردية املعروفة كالبنية العاملية‪ ،‬واملنظورات‬
‫السردية وغريها‪ ،‬وّتاوزت‪ ،‬يف املوقف الثان‪ ،‬هذا الرأي املدرسي –حسبها‪ -‬لتؤكد على الطبيعة غري‬
‫النصية املكونة للعمل املسرحي‪ ،‬واليت يصبح العمل املسرحي مبوجبها فنا مزدوجا يتكون من عنصر‬
‫نصي لغوي وعناصر مسعية وبصرية غري لغوية وهو ما جيعل قراءته تتجاوز حتليل العناصر النصية إىل‬
‫حتليل العناصر التقنية ‪/‬الفنية األخرى(‪.)3‬‬

‫المكونات التقنيّة‪:‬وتسمى أيضا املكونات الفنيةوهياليت تتجاوز مبوجبها املسرحية مؤسسة‬


‫ّ‬ ‫‪-7‬ب‪-‬‬
‫األدب لتدخل مؤسسة الفنون‪ ،‬وتتميز بطبيعتها غري اللفظية ألن العالمة فيها ذات طبيعة مسعية‬

‫‪-)1‬املرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.221-223‬‬


‫‪ -)2‬للتوسع يف هذه الفكرة ينظر‪ :‬عبد اجمليد شكري‪ ،‬عناصر الرتكيب اجلمال يف العرض املسرحي املغرب – قراءة يف بعض عروض‬
‫مسرح اهلواة‪ -‬خمطوط دكتوراه‪ ،‬جامعة احلسن الثان‪ ،‬احملمدية‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬بنمسيك‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫‪2662‬م ‪2663-‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪(- Anne Ubersfeld , L’école du Spectateur - lire le théâtre 2, Editions sociales paris, 1981, P31-36.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪10‬‬
‫وبصرية ومشية‪ ،‬وتشكل املكونات الفنية بنية العرض الكربى الذي يتكون‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬من «جمموعة‬
‫نصوص صغرى هي‪ :‬نص املمثل‪( :‬كالما منطوقا‪ ،‬وأداء‪ ،‬وحركة‪ ،‬وإمياءة‪ ،‬ولباسا‪ ،‬وإكسسوارا) ونص‬
‫الديكور ونص املوسيقى‪ ،‬ونص اإلضاءة‪ ،‬وكلها "أجرومات" تشكل أنظمة سيميائية دالة‪ ،‬تستقل‬
‫بطبيعتها ومساهتا‪ ،‬ومنتجيها‪ ،‬وتتحد يف وظائفها وسياقاهتا العامة‪ ،‬لتسبح يف فلك واحد هو العرض‬
‫(‪)1‬‬
‫املسرحي‪».‬‬

‫النص والعرض‪:‬‬
‫‪ -3‬ثنائيّة ّ‬

‫يتميز املسرح دون غريه من الفنون بطبيعته املزدوجة‪ ،‬فهو من جهة فن قول‪ ،‬يعتمد الكلمة سبيال‬
‫لتحقيق وجوده‪ ،‬وهو من جهة ثانية فن الفعل مادام يتطلب حركة‪ ،‬وأداء واقعيني‪.‬‬

‫ولعل هذه االزدواجية هي اليت جعلته يتأرجح بني نسقني على قدر من اخلصوصية والتعقيد مها‪:‬‬
‫النسق النصي والنسق الفرجوي‪ ،‬الذين خيتلفان من حيث شروط إنتاجهما وتلقيهما ما جعل جداال‬
‫كبريا يثور بشأّنما بني النقاد والدارسني‪ ،‬وانتهى هذا اجلدال إىل طرح مجلة من اإلشكاالت نصوغها‬
‫كالتال‪:‬‬

‫‪ )1‬هل العرض املسرحي رجع لصدى النص؟ وما طبيعة العالقة بينهما؟‬
‫‪ )2‬هل ميكن لسيميائيات املسرح أن تدرس اخلطاب املسرحي يف كليته (نصا وعرضا) مع ما هبما‬
‫من اختالف ‪.‬‬

‫وكان أرسطو أول من خاض مسألة استقراء نصوص أرباب املسرح اليونان"اسخلوس""سوفركليس"‬
‫و"يوريدس " وانتهت ّتربته النقدية إىل مفاضلة خارجية بني املسرح وامللحمة‪ ،‬وأخرى داخلية بني‬
‫النص والفرجة (العرض) يقول يف هذا الشأن‪ «:‬أما املنظر املسرحي فعلى الرغم من قدرته على إغراء‬

‫‪ -)1‬نادية موات‪ ،‬العالمة املسرحية بني النسق اللفظي والنشق البصري (االقتباس وفاعلية التحول) الشهداء يعودون هذا األسبوع‬
‫وعروضها أمنوذجا‪ ،‬مذكرة دكتوراه (خمطوط)‪ ،‬إشراف‪ :‬الطاهر رواينية‪ ،‬قسم اللغة واألدب العرب‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬جامعة باجي خمتار –عنابة‪ ،2612/2610 -‬ص‪.22‬‬

‫‪11‬‬
‫اجلمهور‪ ،‬فهو أبعد األشياء عن الفنون‪ ،‬وأقلها اختصاصا بصناعة الشعر ألن قوة املأساة تظل حىت‬
‫من غري مشاهدة ومن غري ممثلني‪)1(»....‬وهبذا يكون النص الدرامي عنصرا قائما بذاته يف الشعرية‬
‫األرسطية‪ ،‬وما التمثيل واملشاهدة‪ ،‬الذين يتعلقان أكثر ما يتعلقان بالعرض‪ ،‬إال شيئيني عرضيني‬
‫ميكن االستغناء عنهما دون أن تتأثر قيمة املأساة (املسرحية ككل)‪.‬‬

‫شعر" هذه الرؤية يف تاريخ النقد املسرحي حىت صارت من‬ ‫فن ال ّ‬
‫وقد رسخت كتب شروح " ّ‬
‫البديهيات‪ ،‬وكانت أوىل نتائجها تقديس النص‪ ،‬ومنح األولوية والسلطة املطلقة لكاتبه‪ ،‬وكان من‬
‫نتائجها‪ ،‬أيضا‪ ،‬أن أحلحق النص املسرحي مبلكية األدب كيف ال؟ وهو لب فكر صاحبه‪ ،‬الذي ال‬
‫مكان فيه لالرّتال أو االبتذال‪ ،‬مث إن تلقيه يتم قراءة‪ ،‬وال خيفي ما للقراءة من دور يف التأمل وإعمال‬
‫الفكر‪ ،‬عكس املشاهدة اليت تعتمد اإلدراك احلسي‪ ،‬وشتان بني اإلدراك احلسي و اإلدراك التجريدي‬
‫(حسب املنتصرين هلذا املوقف) ‪.‬‬

‫وبناء على هذا‪ ،‬كان العرض رجع صدى النص‪ ،‬وعلى املخرج أن يلتزم تبعا لذلك بكل معطيات‬
‫الكاتب وال حييد عنه بكلمة(*) وهو األمر الذي جعل فريقا آخر يثور ضد هذا الوالء الصارم للنص‪،‬‬
‫وقد قاد هذا الفريق جمموعة من املخرجني(‪)2‬الذين متلملوا من تدخل الكتاب يف توجيه اإلخراج‪ ،‬فرأوا‬
‫أن املسرح حني ال يعدو أن يكون نصا أدبيا يفقد خصوصيته فيصبح مثيال للقصيدة أو الرواية أو‬
‫غريها من الفنون اليت تعتمد على الكلمة‪ ،‬يف حني تكمن مزية العرض حسب هؤالء يف كونه ينزل‬
‫النص املسرحي من سرابيته األدبية ليتجسد واقعيا‪ ،‬ومينحه احلياة مع كل عرض‪ ،‬وقد بالغ هؤالء يف‬
‫موقفهم لدرجة أن نادوا مبسرح دون نص‪.‬‬

‫‪ -)1‬أرسطو‪ ،‬فن الشعر‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪ -)2‬أبرز من تعاطي في هذه القضية كان المخرج ‪ A. Artaud:‬كتابه ‪le théâtre et son double – in - oewres :‬‬
‫‪. complètes – ed - ollimard, N.R.F. Paris,1978.‬‬

‫‪12‬‬
‫واحلق أن هذه اخلصومة (بني الكتاب واملخرجني ) كانت خصومة ملكية وفرض سلطة أكثر منها‬
‫خصومة فنية‪ ،‬ذلك أن نظرة موضوعية إىل هذه اإلشكالية تقتضي اعتبار النص والعرض وجهني لعملة‬
‫واحدة يف تكاملها تكمن كلية العمل املسرحي ووحدته ويف انفصاهلما تفكك هلذه الكلية وتشتت‬
‫هلا‪،‬فحىت وإن أشبع النص املسرحي مجاليا‪،‬فإن ميزته األساسية تكمن أوال وأخريا يف كونه«نصا‬
‫مثقوبا»(‪un texte troue )1‬على حد تعبري «آن أوبرسفيلد» حيث يتضمن إىل جانب العالمات‬
‫اللفظية إرشادات تشري إىل عالمات غري لفظية تتناغم مع األوىل يف عالقة تكاملية خالل العرض‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪(-Anne Ubersfeld , lire le théâtre, Editions sociales ,paris, 1978, p 17.‬‬

‫‪13‬‬
‫المحاضرة الثّانية‬

‫نشأة المسرحيّة الجزائريّة‪:‬‬


‫‪ -0‬األصول التارخيية للمسرحية اجلزائرية‪.‬‬

‫‪ -2‬عوامل ظهور الفن املسرحي يف اجلزائر‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫تمهيد‪ :‬تضاربت آراء النقاد والدارسني حول نشأة الفن املسرحي يف اجلزائر وتأرجحت بني موقفني‪:‬‬
‫أحدمها يرى أن هذا الفن حديث نسبيا يعود ميالده إىل الربع األول من القرن العشرين‪ ،‬يف حني يرده‬
‫اآلخر إىل أقدم من ذلك بكثري‪ ،‬وعليه كان البد من الوقوف على األصول التارخيية لنشأة املسرحية‬
‫اجلزائرية‪ ،‬مسلطني الضوء على مجلة العوامل اليت ساعدت على ظهور هذا الفن يف بالدنا ‪.‬‬

‫‪ -0‬األصول التّاريخيّة للمسرحيّة الجزائريّة‪ :‬جيمع العديد من النقاد أن اجلزائر‪ ،‬خباصة والبلدان‬
‫العربية بعامة‪ ،‬مل تعرف الفن املسرحي مبفهومه احلديث إال يف الربع األول من القرن العشرين(‪ )1‬غري أن‬
‫لفيفا من النقاد سعى إىل تأكيد تغلغل هذا الفن يف اجلزائر مستدلني على ذلك بأدلة كثرية نذكر‬
‫منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬وجود هياكل عمرانية تعود إىل العهد الرومان حيث «كانت سياسة الرومان يف كل البالد اليت‬
‫حيتلوّنا ملا عرف عنهم من حب للمسرح وميل للتسلية والرتفيه واللهو‪ ،‬ولذلك سرعان ما يبادرون‬
‫ببناء هياكل لذلك‪)2(»...‬وتتوزع على مدن كثرية حيددها "صالحلمباركيّة" ب ـ ـ ـ شرشال‪ -‬قاملة‪ -‬مجيلة‬
‫– أمداوروش – تيمقاد‪ -‬مخيسة وغريها‪ ،‬وقد كان هلذه اهلياكل دور كبري يف تعريف اجلزائريني هبذا‬
‫الفن‪.‬‬

‫ب – وجود أشكال فرجوية شعبية قدمية حيث «تتميز اجلزائر مبظاهر فرجة شعبية متميزة سواء على‬
‫مستوى ممارسات الطقوس الدينية‪ ،‬أو االجتماعية يف األعراس واملناسبات املختلفة‪ ،‬وتشمل أنواعا‬
‫متعددة من الرقص الفلكلوري‪ ،‬واأللعاب الشعبية‪ ،‬وختتلف هذه العناصر يف امتدادها يف الشمال‬
‫اإلفريقي‪ ،‬كما ختتلف يف اجلماعات العربية عن نظريهتا األمازيغية‪...‬كما عرفت اجلزائر فنون الفرجة‬

‫‪ -)1‬العيد مرياث‪ ،‬األصول التارخيية لنشأة املسرح اجلزائري‪ ،‬دراسة يف األشكال الرتاثية‪ ،‬جملة إنسانيات‪ ،‬ع‪ ،12‬ديسمرب ‪،2666‬‬
‫مج‪ ،3‬ص‪.60‬‬
‫‪ -)2‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر‪ -‬النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪ -1022‬عرض وتوثيق‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬عني مليلة‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،2664 ،‬ص‪.11‬‬

‫‪15‬‬
‫الشعبية األخرى اليت شاعت يف خمتلف البلدان العربية مثل القارقوز وخيال الظل»(‪ )1‬واملداح والقوال‬
‫وغريها من األشكال الرتاثية اليت تتوفر على عنصر الفرجة‪ ،‬واليت انتشرت يف ظل احلكم العثمان‬
‫واستطاعت أن تؤسس لنفسها موقعا مهما ضمن أشكال الثقافة الشعبية األخرى‪.‬‬

‫ويعد فن القاراقوز أقدم هذه األشكال الرتاثية وأكثرها تأثريا يف العامة وليس خيال الظل إال امتداد له‪،‬‬
‫كما يذهب إىل ذلك بعض الباحثني(‪)2‬غري أنه مل يكن جملرد املتعة والتسلية بل كان له دور كبري يف‬
‫نقد الواقع االجتماعي والسياسي بأسلوب ساخر‪ ،‬وبطريقة إحيائية تقول "نعيم عتاب" يف هذا‪« :‬كان‬
‫خيااللظل الكراكوزي مسرحا انتقاديا اجتماعيا سياسيا معاصرا بكل معىن الكلمة‪ ،‬وكان له تأثري‬
‫كبريعلى نفوس العامة‪ ،‬فقد كان يستمد موضوعاته من األوضاع احمللية‪ ،‬ومواكبة األحداث اليومية‬
‫املعيشة‪ ،‬مما جعله متنفسا للتعبري عن كره الناس للظلم ومعارضة النظام‪)3(».‬وهلذا اكتسب شهرة‬
‫واسعة وأمهية قصوى يف البالد العربية بعامة ويف اجلزائر خباصة إبان الفرتة العثمانية‪.‬‬

‫وال خيتلف شكل املداح أو القوال‪ ،‬يف توفره على عناصر الفرجة اليت ّتعل منه شكال تراثيا متهيديا‬
‫للفن املسرحي يف بالدنا‪ ،‬عن فن القراقوز؛ فللمداح مواصفات جسدية وأدائية تقرتب كثريا من‬
‫مواصفات املمثل املسرحي؛ إذ ينبغي له أن يتكيف مع طبيعة احلكاية‪ ،‬وأن يكون حفاظا للقرآن‬
‫واألشعار‪ ،‬قادرا على احلركة والغناء والرقص أحيانا‪ ،‬متمكنا من نفس متلقيه‪ ،‬عارفا مبستحباته‬
‫ومنفراته‪ ،‬بارعا يف التشخيص واإلمياء وغريها من الصفاتاليت ّتعله يراهن على «إمكانات خياله‬
‫اإلبداعية‪ ،‬وقدراته على األداء الدرامي‪ ،‬فيتقمص شخوص القصة‪ ،‬ليخلق مشاهددرامية منسجمة‬

‫‪ -)1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪( 13-12‬بتصرف)‪.‬‬


‫‪ -)2‬للتوسع يف هذه الفكرة ينظر‪ :‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬إشراف‪ :‬حممد العيد تاورتة‪،‬‬
‫قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪2660 ،‬م‪2616 -‬م‪ ،‬ص‪..106-120‬‬
‫‪ -)3‬مسرح الدمى واستخداماته ‪ ،‬جريدة شرفات‪ ،‬العدد ‪ 43، 12‬مارس ‪ ،2660‬منشورات وزارة الثقافة – دمشق‪ -‬سوريا‪،‬‬
‫ص‪ ،20‬نقال عن املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.122-122‬‬
‫‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫مستخدما احلركة‪ ،‬واحلوار‪ ،‬باإلضافة إىل كونه راوية‪ ،‬ومعلقا على أحداث القصة‪ ،‬معتمدا يف ذلكعلى‬
‫(‪)1‬‬
‫السرد الذي يتضمن حتما التشخيص‪».‬‬

‫ومن شروط املداح أو القوال احللقة اليت تعد شكال فرجويا بامتياز‪ ،‬بلهي «أقدم الفنون األدائية يف‬
‫مناطق املغرب العرب الكبري‪ ،‬إذ تعترب فرجة شعبية شاملة للتمثيل‪ ،‬رقص‪ ،‬غناء‪ ،‬مواعظ وحكم‬
‫يتوسطها ما يعرف باحلكوايت أو الراوي أو القوال أو املداح وسط مجع غفري من الناس على شكل‬
‫دائرة‪ ،‬إذ يقوم املداح أو احلاليقي حبركات جسدية تتسم باخلفة واحلركة والتنقل السريع»(‪)2‬وقد كانت‬
‫احللقة منتشرة يف أسواق اجلزائر األسبوعية منذ زمن بعيد‪ ،‬ولذلك اعتربها العديد من النقاد البدايات‬
‫األوىل للفن املسرحي يف بالدنا‪ ،‬وعدها "عبدالقادر علولة" إحدى وسائل تأصيل املسرحية اجلزائرية‪.‬‬

‫ولعل العنصر القار الذي جيمع بني هذه األشكال ومثيالهتا يف الثقافة الشعبية اجلزائرية هو الفرجة‪،‬‬
‫غري أّنا فرجة فطرية تلقائية ذات صبغة شعبية أو اجتماعية يف الغالب‪ ،‬بينما تتميز الفرجة املسرحية‬
‫عنها بكوّنا فرجة اصطناعية واعية ومقصودة‪ ،‬وذات صبغة فنية هتدف إىل االمتاع والرتفيه إىل جانب‬
‫التعليم والتوجيه‪.‬‬

‫وإذا كانت هذه األشكال يف اجلزائر وغريها من البلدان العربية جمرد ممارسات شعبية تقرتب من‬
‫املمارسة املسرحية إىل حد ما‪ ،‬فإن أول حماولة جادة ميكن االعتداد هبا يف التأريخ للكتابة املسرحية يف‬
‫بالدنا تعود إىل سنة ‪1212‬م‪،‬وترتبط مبيالد أول نص مسرحي مكتوب باللغة العربية وهو "نزهة‬
‫وغصة العشاق في الترياق في العراق" ل ـ ـ ـ"إبراهيم دانينوس" « وهيمسرحية غراميةاختذت‬
‫المشتاق ّ‬
‫من العشق موضوعا هلا‪ ،‬وقد اعتمد الكاتب فيها على أسلوب املوشحات‪ ،‬ولغتها ترتاوح بني‬
‫الفصحى والعامية‪ ،‬وجاءت األشعار على أمناط ونسق أشعار ألف ليلة وليلة‪)3( »...‬وعلى الرغم من‬

‫‪-)1‬نصر الدين صبيان‪ ،‬اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر ‪ ،1026-1014‬خمطوط رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬قسم اللغة‬
‫العربية وآداهبا‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،1024-1021 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ -)2‬حسن البحراوي‪ :‬املسرح املغرب‪ ،‬حبث األصول السوسيو ثقافية‪ ،‬املركز الثقايف العرب‪ ،‬ط‪ 1001،1‬ص‪10‬و‪.12‬‬
‫‪ -)3‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.22-20‬‬

‫‪17‬‬
‫بساطة قصة هذا النص‪ ،‬ووضوح فكرته‪ ،‬وسهولة لغته‪ ،‬إال أنه عد مسرحية «رائدة يف باب‬
‫املسرحيات العربية‪ ،‬ومل تؤلف قبلها سوى البخيل ملارون النقاش‪ ،‬ورمبا تكون (نزهة املشتاق) سابقة‬
‫للبخيل»(‪.)1‬‬

‫نستنتج مما سبق أن هناك ممارسات شعبية فرجوية قدمية مهدت مليالد الفن املسرحي يف اجلزائر كفن‬
‫القارقوز‪ ،‬وخيال الظل‪ ،‬واملداح والقوال‪ ،‬واحللقة وغريها‪ ،‬وقد توجت هذه اإلرهاصات مبيالد أول نص‬
‫مسرحي مكتوب باللغة العربية سنة ‪ 1212‬وهو ما جيعل هذا الفن متأصل يف ثقافتنا منذ القدمي‪،‬‬
‫غري أن ظهوره مبفهومه األورب يعود إىل العشرينيات من القرن ‪10‬م وهو ما جييز لنا أن نتساءل عن‬
‫مجلة العوامل اليت ساعدت على ظهوره يف تلك الفرتة حتديدا‪.‬‬

‫المسرحي في الجزائر‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الفن‬
‫‪ -2‬عوامل ظهور ّ‬
‫يستدعي احلديث عن نشأة املسرحية اجلزائرية احلديث عن احلراك الثقايف‪ ،‬والظروف التارخيية اليت‬
‫غدت ظهور هذا الفن‪ ،‬مبفهومه األورب‪ ،‬يف اجلزائر واليت ميكن أن جنملها يف ما يأيت‪:‬‬

‫أ‪-‬ظهور العديد من اجلمعيات والنوادي اليت «لعبت دورا هاما يف ظهور النشاط املسرحي باجلزائر إذ‬
‫أّنا ستوظف املسرح خلدمة القضية الوطنية وطرح انشغاالت ومهوم الشعب اجلزائري»‪ 2‬وعلى رأسها‬
‫مجعية املطربية للموسيقى‪ ،‬ومجعية اآلداب والتمثيل‪ ...‬وغريها‪.‬‬

‫ب‪ -‬دور مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني(‪ )1031‬يف حتفيز أعضائها على االهتمام بالكتابة‬
‫املسرحية‪ ،‬وبت الوعي فيهم بأمهية املسرح حلفظ املقومات الوطنية‪ ،‬وغرسها يف النشء‪.‬‬

‫ج‪ -‬زيارة الفرق املسرحية للجزائر وتقدمي نشاط مسرحي هدفه تعريف الشعب اجلزائري هبذا الفن‬
‫ومن هذه الفرق‪ :‬الفرقة املسرحية التونسية‪ ،‬وفرقة التمثيل املصري جلورج األبيض سنة ‪ ،1021‬وفرقة‬

‫‪ -)1‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬تاريخ اجلزائر الثقايف‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1002 ،1‬ج‪ ،2‬ص‪.122‬‬
‫‪ -)2‬أمحد بن داود‪ ،‬دور املسرح اجلزائري يف املقاومة الثقافية لالستعمار الفرنسي ‪ ،1041-1020‬مذكرة ماجستري‪ ،‬إشراف‪:‬‬
‫شيخ بوشيحي‪ ،‬قسم التاريخ وآلثار‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واحلضارة اإلسالمية‪ ،2660-2662 ،‬ص‪.13‬‬

‫‪18‬‬
‫عز الدين املصرية سنة‪ ،1022‬والفرقة املصرية للتمثيل واملوسيقى بقيادة الفنان يوسف وهب ومرافقة‬
‫(‪)1‬‬
‫كل من‪ :‬زكي طليمات‪ ،‬عباس فارس‪ ،‬أمحد عالم‪ ،‬أمينة رزق‪...‬‬

‫د‪-‬بروز شخصيات ثقافية كان هلا عظيم األثر كشخصية األمري خالد يف اجلزائر‪ ،‬الذي أدرك «حبكم‬
‫تكوينه اإلسالمي واطالعه الواسع على الثقافة الفرنسية‪ )...( ،‬أمهية فن املسرح يف توعية األمة‪،‬‬
‫فطلب من املمثل املصري جورج األبيض حني التقى به يف باريس سنة ‪1016‬م أن يبعث له ببعض‬
‫املسرحيات لتمثيلها يف اجلزائر‪ ،‬وعندما عاد جورج إىل القاهرة أرسل لألمري خالد عدة نصوص‬
‫مسرحية سنة ‪1011‬م‪ ،‬منها "ماكبث" لشكسبريتعريب حممد عـ ـ ــفت املصـ ــري‪ ،‬واملروءة والوف ـ ــاء"‬
‫خلليـ ــل اليازجي‪ ،‬و" شهي ـ ــد بي ـ ـ ــروت" للشاع ـ ــر حافـ ــظ ابراهيـ ـ ـ ــم‪ ،‬وأسس يف السنة نفسها ثالث‬
‫مجعيات فنية يف العاصمة والبليدة واملدية»(‪)2‬وظل يناضل من أجل ّنضة البالد ثقافيا‪ ،‬مسخرا ما‬
‫أتيح له من وسائل مادية وبشرية ألجل ذلك‪.‬‬

‫ه‪ -‬التأثر بالفن املسرحي الفرنسي‪ :‬فقد سعت السياسة الفرنسية إىل غرس ثقافتها يف أوساط اجملتمع‬
‫اجلزائري‪ ،‬وعملت على رعاية مستوطنيها واحتوائهم‪ ،‬ليس فقط على املستوى السياسيأو االجتماعي‬
‫أو االقتصادي‪ ،‬وإمنا أيضا على املستوى الفكري والثقايف‪ ،‬فجلبت ثقافة باريس معها‪ ،‬وبرجمت عروضا‬
‫مسرحية وأوبريية كثرية كان هلا عظيم األثر يف نفوس بعض اجلزائريني الذين اطلعوا عليها حبكم صلتهم‬
‫بالفرنسيني يقول "ساللي علي" يف هذا‪«:‬إننا مدينون للمسرح الفرنسي بالكثري‪ ،‬وقد استفدنا من‬
‫تقنياته خللق مسرح وطين جزائري بكل معىن الكلمة»(‪)3‬وعلى الرغم من أن هذا التأثري مل يكن شعبيا‬
‫حبكم تفشي الفقر واجلهل واحلرمان‪ ،‬والعزوف عن تقبل ثقافة املستعمر وكل ما ميت حلضارته بصلة‪،‬‬

‫‪ -)1‬حممد الطاهر فضالء‪ ،‬املسرح تارخيا ونضاال‪ ،‬ط‪ ،2660 ،1‬ج‪ ،2‬ص‪.12‬‬
‫‪ -)2‬حممد حمبوب اسطنبول‪ ،‬أضواء على تاريخ املسرح يف اجلزائر‪ ،‬جملة آمال‪ ،‬السنة الثامنة‪ ،‬ع‪ ،34‬سبتمرب‪/‬أكتوبر ‪،1020‬‬
‫ص‪.00-02‬‬
‫‪ -)3‬سالل علي‪ ،‬شروق املسرح اجلزائري‪ ،‬تر‪ :‬أمحد منور‪ ،‬منشورات التبيني اجلاحظية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2661 ،‬ص‪.22‬‬

‫‪19‬‬
‫إال أن "سالل علي" وغريه من رجال الفن املسرحي يف اجلزائر متكنوا من تقريب هذا الفن من‬
‫اجلماهري العريضة عن طريق تقدمي عروض قصرية تالئم طبيعة اجملتمع اجلزائري‪ ،‬وتستجيب لذائقته‪.‬‬

‫و‪-‬دور املدارس العربية اليت انتشرت بعد احلرب العاملية الثانية يف تفعيل احلركة املسرحية يف اجلزائر‪،‬‬
‫حيث رأى القائمون عليها أن املسرحية حقل خصب لتمرير نشاطها الرتبوي واالصالحي‪ ،‬والوطين‪،‬‬
‫فانتهزوا الفرص لتقدمي عروض مسرحية مناسباتية تزامنت مع األعياد الدينية أو حفالت ّناية السنة‪،‬‬
‫وكان موضوعها‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬مستمد من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬أو اجلزائري القدمي‪ ،‬وتسعى إىل تسليط‬
‫الضوء على شخصيات فاعلة يف احلياة الدينية‪ ،‬أو السياسية‪ ،‬أو األدبية‪ ،‬بغية تربية النشء‪ ،‬وترسيخ‬
‫مقومات اهلوية الوطنية فيهم‪ ،‬وإحياء الرتاث‪.‬‬

‫خنلص مما سبق إىل أن هذه العوامل جمتمعة قد أدت إىل ظهور الفن املسرحي يف بالدنا‪ ،‬غري أن تطوره‬
‫وانتشاره سيكون مسارا نضاليا يستدعي تكاتف اجلهود‪ ،‬ويتطلب مراحل عديدة يكون بعضها مشرق‬
‫منتعش‪ ،‬وبعضها اآلخر راكد متأزم‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫المـ ـ ـ ـح ـ ــاضـ ــرة الثّـ ــال ـ ـث ــة‪:‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـراحـ ـ ــل ت ـ ـ ـ ـطـ ـ ّـور الـ ــمسـ ـ ــرحـ ـ ــيّـ ــة الـ ـج ـ ـزائ ـ ـريّـ ــة‪:‬‬

‫الجزائري قبل الثّورة التّحريريّة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫المرحلة األولى‪ :‬المسرح‬ ‫‪-‬‬
‫الجزائري إبّان الثّورة التّحريريّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬المرحلة الثانية‪ :‬المسرح‬

‫الجزائري بعد الثّورة التّحريريّة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬المرحلة الثّالثة‪ :‬المسرح‬

‫‪21‬‬
‫تمهيد‪:‬مر الفن املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬منذ نشوئه إىل أن استوى فنا قائما بذاته‪ ،‬مبراحل عديدة جنملها‬
‫يف ما يأيت‪:‬‬

‫الجزائري قبل الثّورة التّحريريّة‪ :‬تعد الفرتة السابقة للثورة التحريرية فرتة‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬المرحلة األولى‪ :‬المسرح‬
‫ركود سياسي واقتصادي واجتماعي يف اجلزائر‪ ،‬حيث عاىن الشعب اجلزائري جراء السياسة‬
‫االستعمارية القاهرة ويالت الفقر واحلرمان‪ ،‬غري أن هذه األوضاع سرعان ما تنبلج عن حراك فكري‬
‫وثقايف فعل النشاط املسرحي يف بالدنا بداية من العشرينيات من القرن ‪10‬م‪ ،‬وميكن أن منيز يف هذه‬
‫املرحلة بني فرتتني مهمتني يف مسار املسرحية اجلزائرية مها‪:‬‬

‫أ‪ -‬الفترة الممت ّدة من ‪ :0232 -0270‬وفيها نشأ الفن املسرحي يف بالدنا متأثرا بالتجربة‬
‫املشرقية؛ حيث جيمع العديد من الدارسني أن بدايتهكانت إثرزيارة الفرق املسرحية والفنيةإىل اجلزائر‬
‫وعلى رأسها فرقة "جورج األبيض"عام ‪1021‬م وما نتج عن هذه الزيارة من اتصال حقيقي للشعب‬
‫اجلزائري بالفن املسرحي‪ ،‬وعلى الرغم من الفشل الذي منيت به عروضهذه الفرقة(‪ )1‬إال أن فضلها‬
‫يكمن يف كوّنا كانت عامال من بني العوامل الكثرية اليت أدت إىل احلراك املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬حيث‬
‫شهدت السنة نفسها تأسيس فرقة مجعية اآلداب والتمثيل العرب اليت قدمت ثالث مسرحيات ذات‬
‫شفاء بعد‬
‫طابع أخالقي اجتماعي من تأليف "الطاهر الشريف" هي‪" :‬خديعة الغرام"‪ ،‬و"ال ّ‬
‫العناء"‪ ،‬و"قاضي الغرام"‪ ،‬أمامجعية املوسيقى املطربية فقدمت سنة ‪ 1022‬مسرحية "في سبيل‬
‫محمد رضا المنصالي" عن املسرح الرتكي‪.‬‬
‫الوطن" اليت اقتبسها " ّ‬

‫غري أن النشأة الفعلية للمسرحية اجلزائرية تعزى إىل مسرحية "جحا"اليت قدمها الثنائي"ساللي علي"‬
‫املعروف بـ ـ ـ ـ ـ "عاللو" و"دمحون" وعرضت يوم األربعاء ‪ 12‬أفريل ‪ 1020‬بقاعة "الكورسال" باجلزائر‬
‫العاصمة و« بسبب النجاح الذي حققته املسرحية لدى اجلمهور‪ ،‬فقد أعيد عرضها ثالث مرات‬

‫‪ -)1‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪22‬‬
‫أخرى»(‪ )1‬وتروي املسرحية‪ ،‬بلغة عامية مفهومة ويف ثالثة فصول‪ ،‬مقالب "جحا" الذي وقع ضحية‬
‫مؤامرة انتقامية دبرهتا له زوجته "حيلة" جعلت منه طبيبا ينبغي له معاجلة ابن السلطان‪ ،‬الذي انطوى‬
‫على نفسه نتيجة معارضة والده تزوجيه جبارية وقع يف حبها‪.‬‬
‫وقد دفع النجاح الباهر الذي حققته هذه املسرحية عجلة الفن املسرحي يف اجلزائر قدما إىل األمام‬
‫وحفز "عاللو" على تأليف مسرحية "أبي الحسن المغ ّفل" اليت تعد منوذجا ناضجا يف التعامل مع‬
‫الرتاث العرب (كون أحداثها مستلهمة من قصص ألف ليلة وليلة)‪.‬‬

‫كما فعلت هذه املرحلة بفضل جهود ثلة من اهلواة الذين جنحوا ملمارسة الفن املسرحي (تأليف‬
‫ومتثيال وإخراجا) إىل جانب وظائفهم االجتماعية؛ فإىل جانب "عاللو"قدم كل من"محيالدين‬
‫باشطارزي" و"رشيد القسنطيني"نشاطا مسرحيا ذا طابع ترفيهي اجتماعي هادف‪ ،‬حيث «كانت‬
‫أغلبية رواد املسرح اجلزائري باللغة العامية ابتداء من سنة ‪ ،1020‬حىت غداة احلرب العاملية الثانية‪،‬‬
‫وهم يف وقت واحد مؤلفني وممثلني‪ ،‬وجرت عاداهتم على اخرتاع شخصية يتقمصوّنا بأنفسهم على‬
‫اخلشبة يف مغامرات وأحداث يفصلوّنا حسب رغبتهم وبأسلوب شخصي جدا يكون فيه االخرتاع‬
‫التلقائي والتمثيل واملمثل مرتبطني ببعضهما إىل درجة يكون معها املؤلف يف غالب األحيان هو‬
‫الشخص الوحيد القادر على متثيل الدور الذي اختاره»(‪)2‬وقد منحهم ذلك حرية أكرب يف التعامل مع‬
‫الفن املسرحي مما أدى إىل ظهور املسرحيات كثرية نذكر منها‪" :‬زواج بوعقلني لعاللو وتعاجل قضية أو‬
‫مشكلة الزواج لبوعقلني‪ ،‬قدمت املسرحية يـ ـ ــوم ‪ 20‬أكتوبر ‪ ،1020‬على مس ـ ــرح (كورسال)‪ ،‬وباب ـ ــا‬
‫ق ـ ــدور الط ـ ــماع لرشيـ ــد القسنطيين‪ ،‬تعاجل قضية الطمع وتبني مساوئ هذا السلوك‪ ،‬وفاقو حملي الدين‬
‫(‪)3‬‬
‫بشطارزي سنة ‪ ،1031‬وهي مسرحية يدعو فيها الشعب إىل اليقظة ويدفعه إىل حتمل مسؤولياته‬

‫‪ -)1‬سعد اهلل بن الشنب‪ ،‬املسرح العرب ملدينة اجلزائر‪ ،‬تر ‪ :‬عائشة مخار‪ ،‬جملة الثقافة‪ ،‬اجلزائر‪ ،1026 ،‬السنة العاشرة‪ ،‬ع‪،44‬‬
‫ص‪ ،34‬وينظر أيضا‪ :‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ -)2‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ -)3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪( 22-21‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ولعل أهم ما مييز هذه الفرتة هو أن الفن املسرحي أخذ منحىن اجتماعيا أخالقيا يدعو إىل حماربة‬
‫اآلفات االجتماعية كاملخدرات والبطالة والطمع وغريها من األمراض اليت خنرت جسد البالد‪،‬‬
‫بأسلوب فكاهي طريف‪ ،‬وباللهجة العامية املفهومة لدى كافة شرائح الشعب اجلزائري‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫ذلك السعي احلثيث من أجل إجياد فن مسرحي يتالءم وطبيعة املتفرج اجلزائري‪ ،‬ويلب طموحه لغة‬
‫وشكال ومضمونا‪.‬وقد أدى التصاق الفن املسرحي يف هذه املرحلة بالطبقة املسحوقة من الشعب‬
‫اجلزائري إىل اإلميان بدور هذه املؤسسة الثقافية يف التصدي لالستعمار الفرنسي‪ ،‬فظهرت مسرحيات‬
‫تتخذ من التلميحات السياسية واإلحياءات الوطنية سبيال لتوعية الشعب خبطورة مطامع السياسة‬
‫الفرنسية حنو مسرحييت "فاقو" و"اخلداعني" لباشتارزي(‪.)1‬‬

‫ب‪ -‬الفترة الممت ّدة من ‪:0214-0232‬وتعترب هذه الفرتة منعرجا حامسا يف تاريخ الفن املسرحي‬
‫يف اجلزائر‪ ،‬وميكن النظر للنشاط املسرحي يف هذه الفرتة من زاويتني إحدامها إجيابية واألخرى سلبية؛‬
‫أما الزاوية األوىل‪ ،‬وعلى الرغم من السياسة الفرنسية اليت تسعى إىل تعطيل عجلة الثقافة بشكل عام‬
‫واملسرح بشكل خاص‪ ،‬إال أن النشاط املسرحي عرف تنوعا وقدرة على التحدي‪ ،‬واستطاع أن‬
‫يواكب األحداث الراهنة‪ ،‬وأن يرفع شعار املقاومة يف وجه أساليب املستعمر اليت هتدف إىل طمس‬
‫اهلوية اجلزائرية؛ فقد عاىن املسرح من الرقابة االستعمارية نظرا لنضجه الوطين‪ ،‬واندماجه يف املسار‬
‫النضال للحركة الوطنية‪،‬وتبنيه ملطالبها(‪ )2‬ومن نتائج ذلك أن ظهرت نصوص مسرحية كثرية ملصطفى‬
‫كاتب‪ ،‬وأمحد عياد‪ ،‬وحممد التوري وغريهم من األمساء اليت طبعت هذه الفرتة ببصمة متفردة‪.‬‬

‫وأما الزاوية األخرى فاتسمت بالسلبية نتيجة فقدان «املسرح اجلزائري للعديد من رجاالته‪ ،‬حيث تويف‬
‫كل من سعد اهلل إبراهيم املعروف بدمحون سنة ‪ ،1012‬ورشيد القسنطيين سنة ‪ ،1011‬وحممد رضا‬
‫منصال سنة ‪ ،1014‬وبن شوبان سنة ‪)3(» ...1013‬وكان لذلك أثر على النشاط املسرحي الذي‬

‫‪ -)1‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪،‬نشأته وتطوره‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪2611 ،‬م‪ ،‬ص‪( 40‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -)2‬أمحد بن داود‪ ،‬دور املسرح اجلزائري يف املقاومة الثقافية لالستعمار الفرنسي ‪ ،1041-1020‬ص‪( 12‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -)3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.46‬‬

‫‪24‬‬
‫عرف نوعا من الركود والتقهقر‪ .‬باإلضافة إىل تعرض النشاط املسرحي ملضايقات السلطات السلطات‬
‫الفرنسية اليت تراوحت بني منع بعض العروض اليت تشكل هتديدا لوجودها على أرض اجلزائر حنو منع‬
‫عرض مسرحية "فاقو" حملي الدين باتارزي‪ ،‬وبني التشويش على العروض عن طريق قطع التيار‬
‫الكهربائي‪ ،‬وفرض غرامات مالية على املمثلني وتعريضهم للسجن‪ ،‬وفرض الرقابة على الفرق‬
‫املسرحية‪)1(،‬وغريها من األساليب القمعية اليت هتدف إىل عرقلة النشاط املسرحي يف اجلزائر الذي رأت‬
‫أنه أصبح خطرا يهدد مصاحلها يف املنطقة‪.‬‬

‫‪ -‬المرحلة الثانية‪ :‬المسرحيّة الجزائريّة إبّان الثّورة التحريريّة‪ :‬يف هذه املرحلة محل الفن املسرحي‬
‫لواء الدعاية للقضية اجلزائرية خارج البالد وتعبئة اجلماهري لدعمها؛وبعد انطالق حرب التحرير سنة‬
‫‪ 1041‬م انتقل «نشاط فرقة "مصطفى كاتب" إىل فرنسا‪ ،‬حيث شاركت يف عدد من املهرجانات‬
‫نذكر منها مهرجان الشبيبة العاملية الذي انعقد يف برلني عام ‪ 1041‬م ومهرجان فارصوفيا عام‬

‫‪1044‬م‪ ،‬وبعد عودهتا من مهرجان فارصوفيا كانت الثورة اجلزائرية يف عز تأججها فاستقرت يف‬
‫فرنسا‪ ،‬وبقيت هناك تنشط يف أوساط املهاجرين اجلزائريني وقدمت عروضا يف عدد من املدن‬
‫الفرنسية‪ ،‬واستمرت يف مزاولة نشاطها املسرحي حىت سنة ‪1042‬م»(‪)2‬ومل تستطع حتقيق التأثري‬
‫اإلجياب لدعم الثورة بسبب الرقابة الفرنسية‪ ،‬اليت مل تسمح بالنشاط املسرحي املرتبط بالعمل‬
‫السياسي‪ ،‬وأمام هذه الصعوبات« انتقل املسرحيون اجلزائريون لتونس عام ‪1042‬م‪ ،‬وأسسوا الفرقة‬
‫الوطنية يف شه ـ ــر أفريل م ـ ـ ــن نفس العام‪ ،‬واستفادوا من قربـ ــهم اجلغـ ـ ـرايف بالوط ـ ــن لدعـ ــم حركـ ــة‬
‫التجديد‪ ،‬واستمروا يعملون بتونس حىت عام ‪1002‬م»(‪)3‬وكان من نتاج هذه املرحلة مسرحية "أبناء‬
‫القصبة" لعبد احلليم رايس وهي صورة صادقة ملا جرى يف البالد يف هذه احلقبة العصيبة وتصوير دقيق‬
‫لوقائع بطلها الشعب اجلزائري األعزل مع القوات الفرنسية‪ ،‬ومسرحية دم األحرار «وهي مسرحية‬

‫‪ -)1‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،،‬ص‪.30-32-32‬‬


‫‪ -)2‬مباركة مسعودي‪ ،‬املسرح اجلزائري التأسيس والريادة‪ ،‬جملة البدر‪ ،‬مج ‪ ،60‬ع‪ ،12‬سنة ‪ ،2612‬ص‪.16‬‬
‫‪ -)3‬أمحد ابراهيم‪ ،‬الدراما والفرجة املسرحية‪ ،‬دار الرفاء لدنيا الطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،2660 ،1‬ص ‪.310‬‬

‫‪25‬‬
‫تسجيلية ألحداث الثورة اليت وقعت يف املدن اجلزائرية وجباهلا‪ ،‬وقد صورت حياة الفدائيني ويومياهتم‬
‫يف املدن وداخل أغوار اجلبال»(‪ )1‬ومما ّتدر اإلشارة إليه هو أن الفن املسرحيفي هذه الفرتة قدواكب‬
‫الثورة‪ ،‬وناضل من أجل احلرية؛ حيث جلأ الكثري من الكتاب إىل حث الشعب اجلزائري على‬
‫االلتفاف حول الثورة املباركة‪ ،‬ودعمها والصمود والتضحية من أجل االستقالل‪.‬‬

‫‪ -‬المرحلة الثالثة‪ :‬المسرحيّة الجزائريّة بعد الثّورة التحريريّة‪ :‬عرف الفن املسرحي اجلزائري بعد‬
‫االستقالل انتعاشا معتربا موازنة بالفرتات السابقة؛ فعلى الرغم من أن جدوة الثورة املباركة‪،‬باعتبارها‬
‫احملرك اإلبداعي للفن املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬قد خبت إال أن رياح االستقالل وضعت رجال املسرح أمام‬
‫حتدي تطويره‪ ،‬وتفعيل نشاطه‪ ،‬واستجابت هذه التحديات لطموح السياسة اجلزائرية‪ ،‬آنذاك‪ ،‬الرامية‬
‫إىل التنمية الوطنية واليت جعلت أول خطوة لتفعيل الفن املسرحي اجلزائري تأميمه حسب ما يقتضيه‬
‫املرسوم رقم‪ 03-12 :‬املؤرخ سنة ‪ 1003‬الذي جاء فيه‪« :‬إن النهضة املنوطة باملسرح ذات أمهية‬
‫بالغة لشعبنا‪ ،‬وهو ما يستوجب وضع املسرح يف خدمة الشعب‪ ،‬وال يعقل أن نسمح بأن يكون‬
‫املسرح بني يدي املؤسسات اخلاصةسواء تعلق األمر باملسرح داخل البالد أو املسرح الذي‬
‫نصدره»(‪)2‬وعليه توزعت مثار التغيري على مستويات عديدة كان هلا أثرها الفعال يف التعريف بالنشاط‬
‫املسرحي يف اجلزائر على املستوى العرب والعاملي‪.‬‬

‫فعلى مستوى التكوين مت إنشاء املعهد الوطين للفنون الدرامية بربج الكيفان سنة ‪ 1001‬مهمته تكوين‬
‫إطارات املسرح الوطين فقامبتخريج ثالث دفعات يف فرع التمثيل تضم حوال ثالثني ممثال موزعون‬
‫اليوم بني املسرح الوطين واملسارح اجلهوي‪ ،‬كما متإشرف املسرح الوطين على تنظيم مهرجان املسرح‬
‫الوطين للهوا ة سنة ‪ 1021‬شار كت فيه العديد منالفرق اهلاوية‪ ،‬وشهدت سنوات ما بعداالستقالل‪،‬‬

‫‪-)1‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر‪ ،‬ص ‪.161-163‬‬


‫‪ -)2‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪26‬‬
‫أيضا‪ ،‬إخراج املسرح اجلزائري من احليز احمللي الضيق إىل الدائرة اإلقليمية ورحاب العاملية من خالل‬
‫املشار كةيف العديد من املهرجانات العربية والدولية(‪)1‬مت على إثرها نيل جوائز عديدة‪.‬‬

‫وعلى مستوى االنتاج متيزت هذه الفرتة بوفرة النصوص وتنوع املوضوعات بفضل جهود ثلة من‬
‫الكتاب وعلى رأسهم‪ :‬مصطفى كاتب‪ ،‬عبد احلليم رايس‪ ،‬ولد عبد الرمحان كاكي‪ ،‬أمحد عياد‪ ،‬عبد‬
‫القادر السفريي‪ ،‬عبد القادر علولة وغريهم من كتاب املسرحية الناطقة بالعربية‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫مسامهات كل من كاتب ياسني‪ ،‬وآسيا جبار يف جمال املسرحية اجلزائرية الناطقة باللغة الفرنسية‪ ،‬وقد‬
‫وصف"أمحد بيوض" هذه الفرتة (‪ )1002-1003‬ب ـ ـ ـ"الفترة ال ّذهبيّة"؛ حيث مت عرض «‪26‬‬
‫مسرحية كما سجل ‪ 110‬عرضا مسرحيا فيما بني شهري أفريل وديسمرب ‪1003‬مثانية منهامت عرضها‬
‫باجلزائر العاصمة وتابعها ‪ 30163‬مشاهدا»(‪)2‬وتراوحت هذه النصوص بني التأليف والرتمجة‬
‫واالقتباس‪.‬‬

‫أما من حيث املوضوعات فانكبت املسرحية اجلزائرية بعد االستقالل على معاجلة قضايا الواقع املعيش‬
‫بتفاصيله املختلفة‪ ،‬جمسدة ما طال اجملتمع اجلزائري من تغريات سياسية واجتماعية وثقافية؛ فاحتل‬
‫موضوع الثورة حمل الصدارة عند عدد من الكتاب ك ـ ـ" أمحد عياد" يف مسرحية "حسان طريو" سنة‬
‫‪ ،1001‬وكاتب ياسني يف "اجلثة املطوقة سنة ‪ 1000‬وغريها من النصوص اليت جمدت الثورة التحريرية‬
‫بعد االستقالل‪.‬‬

‫وبرزت مواضيع أخرى حاول الكتاب من خالهلا مواكبة التغريات االجتماعية للجزائر املستقلة‬
‫مسلطني الضوء على بعض اآلفات اليت خنرت جسد البالد والعباد يف تلك الفرتة‪ ،‬فندد "أحمد‬
‫عياد"‪ ،‬مثال‪ ،‬باالنتهازية والبريوقراطية يف‪" :‬الغولة" وطرح مشاكل فئة اجتماعية بسيطة ومهمشة يف‬

‫‪ -)1‬خدجية جليلي‪ ،‬املتعاليات النصية يف املسرح اجلزائري‪ ،‬مسرحية "الشهداء يعودون هذا األسبوع" أمنوذجا‪ ،‬خمطوط رسالة‬
‫ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬حممد خلضر زبادية‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كلية األدب والعلوم اإلنسانية ‪ ،‬جامعة احلاج حممد خلضر‪-‬‬
‫باتنة‪2660 -‬م‪2616-‬م‪ ،‬ص‪( 111‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -)2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪27‬‬
‫"البوابون"وحاربعبد الرحمان ولد كاكياإلميان بالعادات والتقاليد البالية يف "القرابوالصالحين"‪،‬‬
‫و"كل واحد وحكمو" و"الشيوخ" وغريها‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أنالفرتة املمتدة ما بني‪ 1022-1022 :‬كانت فرتة ركود املسرح اجلزائري بسبب‬
‫سياسة الالمركزية اليت انتهجتها الدولة بغية توسيع نشاط املؤسسة املسرحية خارج اجلزائر العاصمة‬
‫(حيث مت إنشاء مسارح جهوية مبدن خمتلفة من الوطن) وما جنم عن ذلك من انعكاسات سلبية‬
‫أبرزها تشتيتقدرات املسرح الوطين البشرية واملادية بتوزيعها على املسارح اجلهوية األخرى « ولتغطية‬
‫[عدم القدرة على تأليف نصوص مسرحية ] جلأت تلك املسارح إىل ظاهرة االقتباس‪ ،‬كما اعتمدتعلى‬
‫أسلوب "التأليف اجلماعي" الذي أفرز قلة نادرة من األعمال املسرحية االستثنائية ونذكرمنها‪":‬هذا‬
‫جييب هذا"(‪ ،) 1020‬و"ريح السمسار"(‪ ،)1022‬و"ناس احلومة"(‪)1026‬عنمسرح قسنطينة‪،‬‬
‫و"املائدة"( ‪) 1022‬عن مسرح وهران‪)1(».‬باإلضافة إىل آلييت االقتباس والتأليف اجلماعي جلأ رجال‬
‫املسرح يف هذه الفرتة إىل الرتمجة وإعادة عرض مسرحيات كانت قد قدمت يف فرتات سابقة‪.‬‬

‫تعد فرتة الثمانينيات فرتة انتعاش الفن املسرحي اجلزائري بعد الركود‪ ،‬حيث شهدت اجلزائر ححَرا ًكا‬
‫مسرحيا منقطع النظري على يد ثلة من املسرحيني مثل‪":‬عبد القادر علولة" يف ثالثية‪" :‬األقوال‪،‬‬
‫األجواد‪ ،‬اللثام" اليت أبرزت قدرات فنية عالية على مستوىالكتابة والتمثيل واإلخراج‪ ،‬وعز‬
‫الدينمجوبي‪ ،‬محمد بن قطاف‪ ،‬زياني الشريف عياد‪ ،‬باإلضافة إىل بروز املرأة على الساحة‬
‫املسرحية من خالل نشاط الشقيقتني "حميدة وفوزيّة آيت الحاج" ‪.‬‬

‫وقد ظل املسرح اجلزائري بداية من التسعينيات إىل يومنا هذا يناضل من أجل البقاء يف هرم املشهد‬
‫الثقايف اجلزرائري أوال‪ ،‬مث العرب فالعاملي ثانيا‪ ،‬معتمدا على ما توفر له من إمكانات مادية وبشرية‪،‬‬
‫ومستغال‪،‬من أجل فرض ذاته‪ ،‬ما أتيح له من فرص كاملهرجانات‪ ،‬واملسابقات الدرامية‪ ،‬والتظاهرات‬

‫‪ -)1‬صورية غجايت‪ ،‬النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬خمطوط دكتوراه‪ ،‬إشراف‪ :‬عبد اهلل محادي‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫واللغات‪ ،‬جامعة منتوري‪-‬قسنطينة‪2612 -‬م‪2613-‬م‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪28‬‬
‫الثقافية اليت من شأّنا حتفيز النشاط املسرحي كتابة ومتثيال وإخراجا‪ ،‬ودفع املهتمني هبذا الفن إىل‬
‫وضع اسرتاتيجيات واضحة هتدف إىل نشره وتطويره‪ ،‬السيما وأن املسرح اجلزائري قد احتل‪ ،‬يف اآلونة‬
‫األخرية‪ ،‬مكانة متميزة إبداعا ونقدا‪.‬‬

‫ـقي‪:‬مسـ ـ ـ ـ ـ ــرحيّة جح ـ ـ ـ ــا لعـ ـ ـ ــاللو – ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرض وتحلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪:‬‬


‫‪ ‬النـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـوذج التّ ـ ـ ـطـ ـ ـبي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫تمهيد ‪ :‬تعد مسرحية "جحا" لـ "سالل علي" املعروف ب ـ ـ ـ "عاللو" منوذجا رائدا يف جمال‬
‫االقتباس عن الرتاث الشعب‪ ،‬واألدب‪ ،‬يعول عليها العديد من النـقاد يف التأريخ للبداية الفعلية‬
‫للمسرحية اجلزائرية‪ ،‬ويقرون باستحقاق "عاللو" لقب "أب املسرح اجلزائري" بسببها(‪ .)1‬ومت‬
‫عرضها ألول مرة بقاعة "الكورسال" بباب الوادي‪ ،‬باجلزائر يف ‪ 12‬أفريل سنة ‪1020‬م‪ .‬وقد‬
‫جاءت هذه املسرحية استجابة لتحد وقع بني مقتبسها والشيخ "مصطفى بن عبد احلفيظ" نتيجة‬
‫فشل مشروع مسرحية كان "عاللو" ينوي تقدميها مبعية أحد الدراميني التونسيني الذي قدمه‬
‫الشيخ لكل من "عاللو" و"باشطارزي" و"إبراهيم دمحون" و"عبد العزيز لكحل"(‪ )2‬فعكف على‬
‫تأليفها‪ ،‬بلغة عامية مفهومة‪ ،‬يف ثالثة فصول لرتوي مقالب جحا الذي وقع ضحية مؤامرة انتقامية‬
‫دبرهتا له زوجته "حيلة" جعلت منه طبيبا ينبغي له معاجلة ابن السلطان‪.‬‬

‫أما عن مصادر املسرحية‪ ،‬اليت ادعى بعض النـقاد أّنا مأخوذة عن إحدى مسرحييت "موليري" "مريض‬
‫الوهم" وخاصة "طبيب رغم أنفه"‪ ،‬فينفي عاللو نفسه ذلك مؤكدا أن التشابه يرجع إىل كون‬
‫املسرحيتني مأخوذتني عن أصل واحد هو «حكاية يف القرون الوسطى حتمل عنوان ‪"Le‬‬
‫‪[ Vilainmire‬يقول عاللو] وأضيف مصدر آخر وهو قمر الزمان‪-‬من حكايات ألف ليلة وليلة‪.‬‬
‫وقد أضفت‪ ،‬لعملي هذا‪ ،‬باإلضافة إىل العمل الدرامي‪ ،‬اسم وأسلوب وشخصية جحا املعروفة‬

‫‪ -)1‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪( 34‬بتصرف)‪.‬‬


‫‪ -)2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪29‬‬
‫جباذبيتها يف األوساط الشعبية‪ )1(».‬وعليه فقد امتزج يف هذه املسرحية الرتاث األورب بالرتاث العرب‪،‬‬
‫بالرتاث احمللي‪ ،‬فكانت فسيفساء من الثقافات صيغت بطريقة كوميدية بسيطة‪ ،‬ومت انتقاؤها حبدق‬
‫لتقنع اجلمهور اجلزائري وتؤثر فيه‪.‬‬

‫لقد كان "عاللو" يف مسرحية "جحا" يعي أن االقتباس ليس اجرتارا للنص األصلي‪ ،‬بل كان مقتنعا‬
‫أنه عمل فين تتحكم فيه العبقرية واإلبداع‪ ،‬ويهدف إىل تطويع التقين والفين يف النص األصلي قبل‬
‫املوضوعايت‪ ،‬ولذلك مل يكتف يف هذه املسرحية بنص واحد‪ ،‬بل عمل على دمج نصوص كثرية‬
‫وصهرها لصياغة عمل متفرد يف النهاية‪ ،‬سبيله إىل ذلك اعتماد مبدأ االنتقاء واملالءمة‪ ،‬وتغيري أمساء‬
‫الشخصيات وصفاهتا‪ ،‬أو بعض األحداث‪ ،‬مبا يتناسب والبيئة احمللية(‪ .)2‬ففي هذه املسرحية نشم‬
‫عبق "ألف ليلة وليلة" انطالقا من أمساء الشخصيات اليت أعطت للمسرحية سحرا شرقيا‪ ،‬ومن أدب‬
‫العصور الوسطى تطل فكرة تورط الشخصية الرئيسية "جحا" يف دور الطبيب رغما عنها‪ ،‬ومن الرتاث‬
‫الشعب احمللي تشع شخصية "جحا" مبغامراهتا‪ ،‬وسذاجتها وفكاهتها‪ ،‬وقد أعطى "عاللو" لكل‬
‫جانب من هذه اجلوانب نصيبا من العناية الفنية‪ ،‬دون أن ينسى طبيعة اجلمهور التـواق إىل املرح‪،‬‬
‫والفكاهة‪ ،‬فكتب له باللغة اليت يفهمها‪ ،‬مما جعل هذه املسرحية تلقى جناحا باهرا‪ ،‬وتنتصب عالمة‬
‫مميزة يف تاريخ املسرحية اجلزائرية‪.‬‬

‫اتسمت مسرحية "حجا" بسمات فنية كثرية كانت سببا لنجاحها‪ ،‬وعامال مهم من عوامل استقطاب‬
‫اجلمهور هلذا الفن الوافد‪ ،‬وتعلقه بعروض عاللو‪ ،‬ولعلنا جنمل اخلصائص الفنية للنص موضوع الدراسة‬
‫فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬استحضار الشخصيات الرتاثية‪ :‬وعلى رأسها شخصية "جحا" مبا تتمتع به من شعبية وقصص‬
‫طريفة‪ ،‬إّنا شخصية متأصلة يف الالوعي اجلمعي اجلزائري‪ ،‬يعرفها العامة واخلاصة‪ ،‬الصغري والكبري‪،‬‬

‫‪ -)1‬أمحد توفيق املدن‪ ،‬كتاب اجلزائر‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪1021 ،2‬م‪ ،‬ص‪ .42‬وأيضا‪ :‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح‬
‫اجلزائري‪ ، ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪ .10‬وأيضا‪ :‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪2‬‬
‫‪(-Ahmed Cheniki , Vérités du théâtre En Algérie, Edition Dar El Gharb, Oran Algérie, 2006, P15.‬‬

‫‪30‬‬
‫وقد وجد عاللو فيها ضالته كوّنا شخصية واضحة املعامل يف املأثرة الشعبية‪ ،‬منفتحة على ما ينسجه‬
‫املخيال الشعب من قصص و"مقالب" مضحكة‪.‬‬

‫‪ -2‬االعتماد على فلسفة الضحك أسلوبا ملعاجلة الواقع؛ فقد أدرك "عاللو" أن الشعب اجلزائري‬
‫حمب لألسلوب الفكاهي‪ ،‬شعب يعيش البؤس واحلرمان يف ظل السياسة االستعمارية‪ ،‬ويتوق إىل‬
‫الرتويح عن نفسه‪ ،‬والتخفيف من مهومه فانتقى ما يتالءم ومجهوره‪.‬‬

‫‪ -3‬اعتماد اللهجة العامية اليت تفهمها كل شرائح اجملتمع‪.‬‬

‫ميكن القول يف النهاية إن جناح مسرحية "جحا" لـ ـ ـ ـ ـ "سالل علي" مل يكن بسبب استدعائها‬
‫لشخصية تراثية طريفة‪ ،‬أو اعتمادها على فلسفة الضحك‪ ،‬واألسلوب الطرب املرح الذي كان الشعب‬
‫اجلزائري يف أمس احلاجة إليه‪ ،‬أو بسبب لغتها العامية أو‪ ...‬بل كان الجتماع هذه العناصر كلها يف‬
‫عمل واحد‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الرابع ــة‪:‬‬
‫المح ـ ـ ـ ــاض ــرة ّ‬

‫أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم المسرحيّ ـ ـ ـ ـ ــة الجزائريّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وخصائصها‪:‬‬


‫ّأوال‪ :‬األعالم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الخصائص‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫تمهيد ‪:‬ارتبط الفن املسرحي يف اجلزائر بأمساء كثرية كان هلا الفضل يف إرساء دعائمه كتابة ومتثيال‬
‫وإخراجا‪ ،‬على الرغم من أن الكثري منهم ظل‪ ،‬ولفرتة زمنية معتربة‪ ،‬مغمورا فال نكاد نعثر على سري‬
‫حياهتم‪ ،‬أو إسهاماهتم يف تطوير املسرحية اجلزائرية إال فيما ندر‪ ،‬يف ظل غياب معاجم أعالم توثق‬
‫سري شخصيات فاعلة يف تاريخ املسرحي اجلزائري أو حىت املغارب (فيما نعلم)‪ ،‬اللهم تلك اجلهود‬
‫الفردية اليت أسهمت يف إزالة الغبار عن سري بعض رجال ونساء هذا الفن يف بالدنا‪ ،‬على حنو ما جند‬
‫عند أمحد بيوض يف كتابه‪ :‬املسرح اجلزائري نشأته وتطوره من ‪ ،......‬وكتاب صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح‬
‫يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪ ،-‬ورسالة الدكتوراه اليت تقدم هبا‬
‫احسن تليالن بعنوان‪ :‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري وغريها من األحباث اليت أىب أصحاهبا إال أن‬
‫يضمنوها تعريفات بأعالم املسرحية اجلزائرية وعرضا لعناوين نصوصهم‪ ،‬إما على شكل فصول أو‬
‫مالحق‪ ،‬كما متيزت املسرحية اجلزائرية جبملة من اخلصائص اليت ومست هذا الفن بطابع حملي نابع من‬
‫خصوصية البيئة اجلزائرية‪ :‬ظروفها التارخيية وعاداهتا وثقافتها‪.‬‬

‫ّأوال‪ :‬أعالم المسرحيّة الجزائريّة‪:‬‬

‫ال حناول يف هذه احملاضرة أن ندعي اإلملام جبميع هؤالء األعالم‪ ،‬فهذا مطلب عزيز نظرا لكثرهتم أوال‪،‬‬
‫لعوز الدراسات التارخيية ألعمال بعضهم والسيما أوالئك الذين تعرضت نصوصهمللضياع‪ ،‬لذلك‬
‫و َ‬
‫سنختار منوذجا‪ /‬مناذج من كل مرحلة‪ ،‬مع نص تطبيقي‪.‬‬

‫‪ -1‬الطاهر علي الشريف‪ :‬ال جند امسه يرتدد عند الكثري من النقاد‪ ،‬وإن ذُكحر فباقتضاب شديد‬
‫حيث يوجز صاحل ملباركية احلديث عنه إجيازا ملحوظا دون ذكر تاريخ ميالده أو وفاته‪ ،‬ارتبط اسم‬
‫"الطاهر علي الشريف" جبمعية املهذبية اليت أسسها سنة ‪ ،1021‬وقدم ثالث مسرحيات(‪ )1‬ذات‬
‫طابع أخالقي اجتماعي يف كنفها هي‪ :‬الشفاء بعد العناء‪ ،‬وخديعة الغرام‪ ،‬وبديع‪.‬‬

‫‪ -)1‬تتضمن مسرحية الشفاء بعد العناء فصال واحدا كتبت بالنثر الفصيح تتخللها بعض األغنيات وعرضت بإحدى ثانويات اجلزائر‬
‫العاصمة سنة ‪ ،1021‬أما مسرحية خديعة الغرام فتقع يف أربعة فصول وعرضت بدار األوبرا باجلزائر العاصمة سنة ‪،1023‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ -7‬ساللي علي"عاللو" ( ‪ :)0227-0217‬سامهت عوامل عديدة يف صقل ّتربة ابن حي‬
‫القصبة العتيق املسرحية منها حبه للفن بشكل عام وللمسرح بشكل خاص‪ ،‬واحتكاكه ببعض‬
‫الفرنسيني وتأثره بثقافتهم‪ ،‬وموهبته الفطرية اليت دفعته إىل اغتنام فرصة إحياء سهرات غنائية لصاحل‬
‫جرحى احلرب العاملية األوىل إلدخال بعض السكاتشات واملونولوجات ما بني سنيت‪-1012 :‬‬
‫‪1021‬يقول‪ « :‬وخالل هذه السهرات خطرت ل فكرة أن أبث يف تلك احلفالت املوسيقية شيئا‬
‫من املدح بتقدمي نوع من املهازل العسكرية عن فريق الرماة اجلزائريني‪ ،‬غناء ومونولوجات‪ ،‬كما أنين‬
‫ألفت مسرحيات ذات فصل واحد‪ ،‬كنت أمثلها مع صديقي عزيز لكحل‪ ،‬وإبراهيم دمحون‪ ،‬وكانت‬
‫هذه املسرحيات القصرية املكتوبة باللغة الدارجة‪ ،‬تعاجل موضوعات هزلية ذات طابع شعب‪ ،‬او مستقاة‬
‫من الواقع اليومي‪ ،‬فكانت تلقى جناحا عظيما»(‪ )1‬وسرعان ما طور "عاللو" فكرته لتَ ح‬
‫ثمر‪ ،‬بعد‬
‫تأسيس فرقة الزاهية سنة ‪ ،1020‬عن مسرحية "جحا" اليت تعد فاحتة مسرحيات فكاهية اجتماعية‬
‫كثرية‪ ،‬غري أن نشاطه يف املسرح ال يتوقف عند التأليف أو التمثيل بل يتعداه إىل التأريخ للفن‬
‫املسرحي يف اجلزائر حني تعوز الكتب التارخيية‪ ،‬حيث ميكن اعتبار مذكرات "عاللو" واحدة من أهم‬
‫مصادر املسرحية اجلزائرية اليت كان فيها متبعا ومؤرخا ملسرية الفن املسرحي يف اجلزائر‪.‬‬

‫‪ -‬أعماله(‪:)2‬أثر عن "سالل علي" مسرحيات عديدةوردت يف كتب كل من سعد اهلل بن شنب‪،‬‬


‫وأمحد بيوض‪ ،‬وصاحل ملباركية وأحسن تليالن‪ ،‬وانفردت مذكرات "باشطارزي" بإيراد عنوان مسرحيتني‬
‫فكاهيتني ذات طابع أخالقي‪/‬اجتماعي مها‪" :‬املشحاح وخدميو" و"نسيب حلمق"‬

‫سعد اهلل بن الشنب‪ ،‬املسرح‬ ‫وتتضمن مسرحية بديع ثالثة فصول ومت عرضها بقاعة الكورسال سنة ‪،1021‬‬
‫العرب ملدينة اجلزائر‪ ،‬ص‪.31‬‬

‫‪ -)1‬سالل علي‪ ،‬شروق املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.22‬‬


‫‪ -)2‬أفدنا يف هذه النقطة من‪ :‬سعد اهلل بن الشنب‪ ،‬املسرح العرب ملدينة اجلزائر‪ ،‬ص‪ .31‬وأمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ :‬نشأته‬
‫وتطوره‪ ،‬ص‪ 24-21‬وصاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬ص‪.22-21‬‬
‫وأحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.222-222-220‬‬

‫‪34‬‬
‫موضوعها‬ ‫تاريخ عرضها‬ ‫عنوان‬
‫المسرحيّة‬
‫تقع هذه الكوميديا يف ثالثة فصول وأربعة لوحات‪ ،‬تروي مغامرات جحا بعد أن وقع ضحية مؤامرة‬ ‫‪-61-12‬‬ ‫جحا‬
‫زوجته(حيلة) ليجد نفسه طبيبا ينبغي أن يداوي (ميمون) ابن امللك (قارون) وإال لقي حتفه‪ .‬أما‬ ‫‪1020‬‬
‫عن مصادر املسرحية فهي متعددة ّتمع بني الرتاث الشعب ممثال يف شخصية حجا‪ ،‬وحكايات‬
‫"ألف ليلة وليلة" اليت استلهم منها األمساء وبعض األحداث‪ ،‬كما استوحى فكرهتا من مسرحية‬
‫"طبيب رغم أنفه" لـ ـ "موليري"‪.‬‬
‫تعاجل هذه الكوميديا يف ثالثة فصول زواج "بوعقلني" من امرأة تصغره سنا‪ ،‬وما نتج عن ذلك من‬ ‫‪-16-20‬‬ ‫زواج‬
‫مواقف طريفة أساسها غريته املفرطة على زوجته‪ ،‬وقد استلهم "عاللو" فكرة هذه املسرحية مبشاركة‬ ‫‪1020‬‬ ‫بوعقلني‬
‫"دمحون" من احلياة اجلزائرية البسيطة‪.‬‬
‫مسرحية غنائية مؤلفة من أربعة فصول وست لوحات‪ ،‬حتكي قصة رجل من بغداد يصري ذات يوم‬ ‫أبو احلسن ‪-63-23‬‬
‫"خليفة" بفضل خدعة من "هارون الرشيد" الذي أراد أن يتسلى وتنتهي املسرحية مبكافأة هارون‬ ‫‪1022‬‬ ‫املغفل‬
‫الرشيد للرجل البغدادي‪ ،‬وقد أخذ "عاللو" فكرة املسرحية من قصص ألف ليلة وليلة‪.‬‬
‫مسرحية كوميدية غنائية تنقلنا إىل أجواء "ألف ليلة وليلة" الساحرة لتحكي ‪ -‬يف أربعة فصول‬ ‫‪-61-10‬‬ ‫الصياد‬
‫ومخسة لوحات‪ -‬قصة "خري الدين" الذي يقوم مبغامرات‪ ،‬مع صديقيه‪" :‬سعدون" القرصان‬ ‫‪1022‬‬ ‫والعفريت‬
‫السابق‪ ،‬و"منري" الصياد املاهر للبحث عن حبيبته ابنة امللك‪.‬‬
‫تعاجل هذه الكوميديا يف ثالثة فصول ومخس لوحات مضار تدخني احلشيش الذي دفع بـ ـ ـ "عنرت"‬ ‫‪-62-24‬‬ ‫عنرت‬
‫إىل مغامرات طريفة تكون ّنايتها مأساوية‪.‬‬ ‫‪1036‬‬ ‫احلشايشي‬
‫تسرتجع هذه امللهاة الغنائية‪ ،‬يف مخسة فصول‪ ،‬إحدى قصص "ألف ليلة وليلة" من خالل‬ ‫‪-61-60‬‬ ‫اخلليفة‬
‫شخصية "خليفة" وهو صياد يستطيع إرجاع "قوت القلوب" حبيبة "هارون الرشيد" بعد أن دبرت‬ ‫‪1031‬‬ ‫والصياد‬
‫زوجته "زبيدة" مؤامرة للتخلص منها بسجنها يف صندوق ورميها يف البحر‪.‬‬
‫ّتري أحداث هذه امللهاة يف األندلس لرتوي يف ثالثة فصول وأربعة لوحات مغامرات عاطفية لبطل‬ ‫‪-64-64‬‬ ‫حالق‬
‫أندلسي امسه "فيغارو"‪.‬‬ ‫‪1031‬‬ ‫غرناطة‬
‫تصور هذه املسرحية يف ثالثة فصول وأربعة لوحات مغامرات األخوين عاشور‪ ،‬وما يواجهانه يف‬ ‫‪-60-64‬‬ ‫األخوان‬
‫رحلة حبثهما عن قوهتما اليومي‪.‬‬ ‫‪1020‬‬ ‫عاشور‬
‫‪ –3‬محي الدين باشطارزي‪:‬‬
‫مغن‪ ،‬وممثل ومؤلف مسرحي [عاش ما بني (‪8117‬م‪8812-‬م)] حبي القصبة باجلزائر العاصمة‬ ‫ٍّ‬
‫(‪ )...‬بدأ نشاطه املسرحي يف مجعية املطربية عام ‪8888‬م‪ ،‬ليصبح مديرا هلا عام ‪8821‬م«أسندت‬
‫له أدوار خاصة بوصالت غنائية‪ ،‬وحقق بذلك جناحا كبريا كما حدث يف مسرحية "الصياد‬
‫والعفريت" اليت ألفها عاللو سنة‪ ،8821‬ومل يباشر (اش تارزي) مهمة التأليف إال بعد سنة‬

‫‪35‬‬
‫‪)1(»8832‬عُ نني عام ‪8847‬م مديرا لفرقة املسرح العرب بقاعة األوبرا بالعاصمة إىل غاية موسم عام‬
‫‪8811‬م‪8812-‬م مثل يف العديد من األفالم مثل "كينزي" و"الوصية" و"حسان طريو"‪ .‬وابتداء‬
‫من الثمانينيات دون مذكراته اليت تشمل مسرية املسرح اجلزائري من عام ‪8888‬م إىل عام ‪8874‬‬
‫يف ثالثة أجزاء صدرت تباعا خالل أعوام ‪8828‬م‪8814 ،‬م و‪8812‬م‪ ،‬اختذ من السخرية أسلوبا‬
‫ملعاجلة اآلفات االجتماعية ووسيلة لتعرية السياسة االستعمارية وهو ما جعله يقع حتت وطأة‬
‫املضايقات الفرنسية اليت حظرت نشاطه املسرحي يف الفرتة ما بني سنيت ‪8838-8837‬كما منعت‬
‫بعض مسرحياته من العرض كمسرحية اخلداعني مثال(‪ )2‬وعلى الرغم من كل ذلك عدت إسهامات‬
‫باش تارزي لبنة أساسية يف مسرية الفن املسرحي يف اجلزائر‪.‬‬
‫‪ -‬أعماله‪ :‬تنـوعت أعمال هذا املسرحيعلى النحو اآليت(‪:)3‬‬
‫موضوعها‬ ‫تاريخ عرضها‬ ‫عنوان المسرحيّة‬

‫مسرحية ذات طابع اجتماعي هزل كتبت باللغة الفصحى‪ ،‬وهتدف إىل حماربة بعض‬ ‫‪1021‬‬ ‫اجلهالء املدعون‬
‫الظواهر السلبية يف اليت عرفها اجملتمع اجلزائري والسيما الطرقية والشعوذة ‪.‬‬ ‫العلم‬
‫تعاجل هذه الكوميديا مبشاركة "رشيد القسنطيين" موضوع الفقر ونتائجه السلبية‪.‬‬ ‫‪-61-62‬‬ ‫الفقري‬
‫‪1031‬‬
‫كوميديا بالعامية تصور مغامرات شاب من ناحية بوزريعة إحدى ضواحي اجلزائر العاصمة‬ ‫‪1031‬‬ ‫البوزريعي يف‬
‫أثناء تأدية واجب اخلدمة العسكرية يف ظل احلكومة الفرنسية‪ ،‬وقد ألفها مع صديقه‬ ‫العسكرية‬
‫الفرنسي لويس شابرو‪.‬‬
‫كوميديا تضمر خطابا سياسيا‪ ،‬كتبت بالعامية حاول الكاتب فيها‪ ،‬وبأسلوب فكاهي‪ ،‬أن‬ ‫‪1031‬‬ ‫فاقو‬
‫يدعو الشعب اجلزائري إىل اليقضة واحلذر من األساليب االستعمارية املخادعة‬
‫مسرحية اجتماعية تسعى إىل حماربة ظاهرة تفشت يف اجملتمع اجلزائري يف تلك‬ ‫‪1031‬‬ ‫على النيف‬
‫الفرتة وهي الزواج املختلط حفاظا على األسرة اجلزائرية ‪.‬‬
‫‪ -11-22‬كوميديا يف ثالثة فصول كتبت باللغة العامية‪ ،‬تسلط الضوء على فئة من‬ ‫بين وي وي‬
‫الشعب اجلزائري الذين يعملون لصاحل فرنسا‪ ،‬ويعدون أذنابا لنظامها‪ ،‬تابعني‬ ‫‪1034‬‬

‫‪ -)1‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬ص‪.04‬‬
‫‪ -)2‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪(27‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -)3‬فيما يتعلق بأعمال حمي الدين باش تارزي أفدنا من‪ :‬سالل علي‪ ،‬شروق املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪(40-14‬بتصرف) وأمحد‬
‫بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ :‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪(02-02-00-04-01-03-02‬بتصرف) وصاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر –‬
‫النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬ص‪(20-22-22‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫حلكومتها‪.‬‬
‫كوميديا موسيقية راقصة تعاجل يف أربعة فصول‪ ،‬باللهجة العامية موضوع املرأة اجلزائرية وما‬ ‫؟؟‪-63-‬‬ ‫حب النساء‬
‫تتعرض له من هتميش‪ ،‬ويطرح موضوع الزواج باألجنبيات‪.‬‬ ‫‪1030‬‬
‫كوميديا يف ثالثة فصول تضمر خطابا سياسيا وتسعى إىل توعية الشعب اجلزائري ببعض‬ ‫؟؟‪-61-‬‬ ‫اخلداعني‬
‫الفئات اليت تستخدم أساليب املراوغة خدمة ملصاحلها اخلاصة كالنواب اجلزائريني يف الربملان‬ ‫‪1030‬‬
‫الفرنسي وغريهم‪.‬‬
‫كوميديا اجتماعية تسعى إىل املهادنة مع احلكومة الفرنسية والسيما بعد الضغوطات اليت‬ ‫‪-16-24‬‬ ‫النساء‬
‫تعرض هلا الكاتب نتيجة إحساس السلطات الفرنسية بالعداء املضمر يف مسرحيات‪ :‬فاقو‪،‬‬ ‫‪1032‬‬
‫وبين وي وي‪ ،‬واخلداعني‪ ،‬وفيها يطرح باش تارزي موضوع الزواج باألجنبيات من وجهة‬
‫نظر إجيابية متخذا منه وسيلة للتعايش السلمي بني الشعوب‪.‬‬
‫باإلضافة إىل مسرحيات أخرى أورد عناوينها "صاحل ملباركية" دون اخلوض يف تفاصيل موضوعاهتا‬
‫ونذكر منها(‪" :)1‬بعد السكرة" سنة ‪" ،1030‬مششون اجلزائري" سنة ‪" ،1032‬زيد عيط" سنة‬
‫‪" ،1032‬الكذابني" ‪" ،1032‬طبيب الصقلي" ‪" ،1030‬سحار بالسيف" ‪" ،1030‬ما ينفع غري‬
‫الصح" ‪" ،1030‬هي وإال أنا" ‪" ،1030‬بوشن شانة" ‪" ،1030‬قد ما ّتري" ‪1030‬واملرجح أّنا‬
‫باللهجة العامية‪ ،‬وذات طابع اجتماعي‪.‬‬

‫‪ -4‬أحمد توفيق المدني(‪ )1023-1042( :)2‬صحفي وسياسي جزائري ولد بتونس وتتلمذ‬
‫مبدارسها‪ ،‬أتقن اللغتني العربية والفرنسية‪ ،‬يف سنة ‪ 1024‬دخل اجلزائر وكانت له نشاطات عديدة‬
‫حيث شغل منصب الكاتب العام جلمعية العلماء املسلمني خلفا للبشري اإلبراهيمي الذي سافر‬
‫للمشرق‪ ،‬كما اشتغل كاتب حترير جلريدة "البصائر"‪ ،‬شغل مناصب دبلوماسية أثناء الثورة؛ حيث مثل‬
‫جبهة التحرير الوطين سنة ‪ 1040‬يف القاهرة‪ ،‬وعني‪ ،‬بعد االستقالل‪ ،‬وزيرا لألوقاف الدينية‪ ،‬وسفريا‬
‫يف عدة بلدان عربية‪ ،‬وعضوا مبجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬كما كان نتاجه العلمي غزيرا وخباصة يف‬
‫جمال التاريخ اجلزائري واإلصالح السياسي حنو‪ :‬كتاب اجلزائر‪ ،‬تقومي املنصور‪ ،‬حياة وكفاح(مذكرات)‪.‬‬

‫‪ -)1‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص‪ ،‬ص‪(20-22-‬بتصرف)‪.‬‬


‫‪ -)2‬ينظر‪ :‬رابح خدوسي وآخرون‪ ،‬موسوعة العلماء واألدباء اجلزائريني‪ ،‬دار احلضارة‪ ،‬بئر التوتة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪،2663 ،1‬ص‪.00‬‬
‫وأيضا‪ :‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.231-236‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -‬أعماله‪ :‬أثر عن "أحمد توفيق المدني" مسرحيتني مها مسرحية "عطيل" وهي اقتباس ملسرحية‬
‫شكسبري احلملة العنوان نفسه‪ ،‬ومسرحية "حنبعل"وهيمسرحية تارخييةألفت وعرضت يوم ‪2‬‬
‫أفريل ‪ 0242‬وتستمد أحداثها من حياة البطل القرطاجي "حنبعل" ومواقفه الثورية اخلالدة‬
‫لتعرب عن مواقف الكاتب نفسه من الراهن اجلزائري‪ ،‬واملستعمر الفرنسي‪ ،‬وّتعل من شخصية‬
‫"حنبعل" رمزا للبطل اجلزائري يف كفاحه من أجل احلرية(‪.)1‬‬
‫‪ -1‬عبد الحليم رايس‪ :)0222-0274( :‬مغن وممثل وكاتب مسرحي ولد بوهران وانتقل إىل‬
‫العاصمة‪ ،‬بدأ نشاطه املسرحي سنة ‪ 1012‬حني انضم إىل فرقة املسرح العرب‪ ،‬وألف يف ظلها‬
‫أوىل نصوصه املسرحية ذات الطابع االجتماعي بعنوان‪" :‬بني نارين‪ ،‬هذه هي الدنيا"‪ ،‬كان عضوا‬
‫بارزا يف "الفرقة الفنية جلبهة التحرير الوطين" سنة ‪ ،1042‬أسهم يف دعم الثورة التحريرية‬
‫بنصوص مسرحية كثرية تناولت قضايا احلرية والكفاح وغريها‪.‬‬
‫‪-‬أعماله(‪:)2‬يعد "عبد احلليم رايس" كاتب الثورة اجلزائرية بامتياز؛ حيث عاجلت نصوصه‬
‫موضوع الثورة انطالقا من زوايا خمتلفة على النحو اآليت‪:‬‬
‫موضوعها‬ ‫تاريخ تأليفها‬ ‫عنوان‬
‫المسرحية‬
‫تعاجل املسرحية‪ ،‬اليت قدمتها الفرقة الفنية جلبهة التحرير الوطين يف تونس‪ ،‬موضوع‬ ‫‪1040‬‬ ‫أوالد‬
‫الثورة داخل املدن‪ ،‬من خالل عائلة جزائرية يشرتك أبناؤها الثالثة يف الثورة كل انطالقا‬ ‫القصبة‬
‫من مبادئه ووجهة نظره‪.‬‬
‫تعاجل قيم التضحية وااللتزام باملبادئ الثورية‪ ،‬من خالل جمموعة من اجملاهدين الذين‬ ‫العهد‬
‫يقررون بعد حماصرة اجليش الفرنسي هلم‪ ،‬إعدام الطفل خوفا من أن يفشي أسرار‬
‫الثورة‪ ،‬وهتدف إىل إبراز دور خمتلف فئات الشعب اجلزائري يف الثورة والتفافهم حوهلا‪.‬‬
‫تصور املسرحية معاناة اجملاهدين أثناء قيامهم مبهمة جلب األسلحة من احلدود‬ ‫‪1006‬‬ ‫اخلالدون‬
‫التونسية‪ ،‬وتربز ما يتحلون به من وطنية وروح قتالية عالية‪.‬‬

‫‪ -)1‬ينظر‪ :‬أمحد توفيق املدن‪ ،‬حنبعل‪ ،‬املطبعة العربية باجلزائر‪ .1046 ،‬وصاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد‬
‫والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬ص‪( 01-03-‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -)2‬خملوف بوكروح‪ ،‬املسرح واجلمهور‪ ،‬دراسة يف سوسيولوجية املسرح اجلزائري ومصادره‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪ 24‬و‪22-22‬‬
‫(بتصرف)‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫مسرحية نضالية تسلط الضوء يف ثالثة فصول على العمل الفدائي‪ ،‬وتربز‬ ‫‪1001‬‬ ‫دم‬
‫تعاطف بعض الفرنسيني مع الثورة التحريرية من خالل شخصية "فرانسوا"‬ ‫األحرار‬
‫الذي يشارك يف العمل الفدائي وخيفي الفدائيني الثالثة‪ :‬مراد‪ ،‬ورزقي ومرمي‬
‫يف بيته(‪.)1‬‬
‫‪ -0‬أحمد رضا حوحو‪ )1040 -1016(:‬ولد األديب الصحفي الشهيد يف ‪-112-14‬‬
‫‪ 2616‬بسيدي عقبة والية بسكرة لعائلة مرموقة(‪ ،)2‬تلقى تعليمه األول مبدينة سكيكدة‪ ،‬أتقن‬
‫اللغتني العربية والفرنسية‪ ،‬عني مبسقط رأسه موظفا يف مصلحة الربيد واهلاتف‪ ،‬سنة ‪ 1031‬انضم إىل‬
‫مجعية العقب الثقافية‪ ،‬سنة ‪ 1034‬هاجر إىل احلجاز‪ ،‬وبعد عودته إىل اجلزائر(‪ )1010‬استقر‬
‫بقسنطينة‪،‬سنة‪ 1012‬أصبح كاتبا عاما يف معهد عبد احلميد بن باديس‪ ،‬أنشأسنة ‪1012‬مجعية‬
‫املزهر للموسيقى واملسرح بقسنطينة(‪ ،)3‬ويف سنة‪ 1010‬أسس جريدة الشعلة‪ ،‬أعدم يف ‪ 20‬مارس‬
‫‪ 1040‬على يد السلطات الفرنسية(‪.)4‬‬

‫حفلت مسرية "أمحد رضا حوحو" بنشاط أدب ومسرحي معترب‪ ،‬مجع نتاجه بني الطابع االجتماعي‬
‫والتارخيي‪ ،‬ومتيز بأسلوب نقدي ساخر‪ ،‬مكنه اتقانه للغة الفرنسية من االطالع على أدب اآلخر‬
‫ومواكبته ترمجة واقتباسا خاصة منه أدب "فيكتور هوغو")‪(Victor Hugo‬وموليري‪ ،‬تراوح نتاجه‬
‫املسرحي بني التأليف واالقتباس(‪.)5‬‬

‫‪ -)1‬عبد احلليم رايس‪ ،‬أبناء القصبة‪ -‬دم األحرار‪ ،‬جملة املعهد الوطين العال للفنون املسرحية‪ ،‬ع‪ ،2‬اجلزائر‪.2666 ،‬‬
‫‪ -)2‬أمحد منور‪ ،‬مسرح الفرجة والنضال يف اجلزائر‪ ،‬دراسة يف أعمال أمحد رضا حوحو‪ ،‬دار هومة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،2664 ،1‬ص‪20‬‬
‫(بتصرف)‪.‬‬
‫‪-)3‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬ص‪( 21‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -)4‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪ -)5‬أفدنا‪ ،‬عند احلديث عن أعمال أمحد رضا حوحو املسرحية ‪ ،‬من‪ :‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص‬
‫حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬ص‪( 161-00‬بتصرف)‪ .‬وأمحد منور‪ ،‬مسرح أمحد رضا حوحو‪ -‬دراسة أدبية حتليلية مقارنة‪-‬‬
‫رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،1020،‬ص‪( 124-111‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫موضوعها‬ ‫مصدرها‬ ‫عنوان املسرحية‬
‫مسرحية تارخيية تسلط الضوء يف ثالثة فصول على حياة‬ ‫التاريخ العرب اإلسالمي إبان‬ ‫صنيعة الربامكة‬
‫املسلمني يف بغداد إبان حكم اخلليفة املأمون‪ ،‬وتسرد قصة‬ ‫الفرتة العباسية‪ ،‬وهتدف إىل‬
‫"املنذر مب املغرية" ووفائه ألسرة الربامكة اليت كان عامال لديها‬ ‫إحياء الرتاث اإلسالمي اجمليد‪.‬‬
‫حىت بعد زوال نفوذها‪.‬‬
‫اقتبس الكاتب هذه املسرحية من تروي هذه الكوميديا قصة أب احلسن الذي يستقبل ضيوفه‬ ‫هارون الرشيد أو أبو‬
‫الغرباء كل مساء‪ ،‬وما حيدث له من مغامرات بعد أن حيل‬ ‫قصص "ألف ليلة وليلة"‪.‬‬ ‫احلسن التميمي‬
‫"هارون الرشيد" ووزيره "جعفر الربمكي" ضيفان عليه‪،‬‬
‫ويتحول هو إىل خليفة مكان "هارون الرشيد‪.‬‬
‫كوميديا تصور يف فصلني جانبا هزليا من احلياة األدبية من‬ ‫مسرحية فكاهية مستمدة من‬ ‫أدباء املظهر‬
‫خالل شخصية األستاذ "خليل" الذي يضطر‪ ،‬يف ظل كثرة‬ ‫الواقع املعيش‪.‬‬
‫تظاهر من حوله بالعلم واألدب وشدة شهرهتم بني الناس‪ ،‬إىل‬
‫االدعاء بقدرته على تعليم وتكوين أدباء يف مدة ساعتني‪.‬‬
‫مقتبسة من مسرحية "البورجوازي تصور هذه الكوميديا يف فصلني ما أصاب حياة التاجر‬ ‫األستاذ أو الواهم‬
‫البسيط "عبد احلق" من تغري ليصبح‪ ،‬بعد أن ورث أمواال عن‬ ‫النبيل" ل ـ ـ موليري"‬
‫أحد أقاربه‪ ،‬شخصية مرموقة يف اجملتمع‪ ،‬ما جعل بعض‬
‫الطماعني يلتفون حوله‪ ،‬ويطلقون عليه لقب األستاذ‪ ،‬فيتوهم‬
‫أنه كذلك بالفعل حىت يتدخل أحد أقاربه ليفند ومهه هذا‪.‬‬
‫سي شعبان أو البخيل مقتبسة من مسرحية "البخيل" ل ـ ـ كوميديا كتبت بالعامية عرضت سنة ‪،1042‬تعاجل قصة‬
‫رجل غين ولكنه خبيل‪ ،‬يقوم بدفن أمواله يف حديقته‪ ،‬ويضع‬ ‫"موليري"‬
‫خططا ملستقبل ومستقبل عائله تقتضي زواجه من حسناء‬
‫احلي‪ ،‬وزواج ابنه من أرملة ثرية غري أن سرقة أمواله تفسد‬
‫خططه‪ ،‬وقد حافظ الكاتب على مضمون املسرحية األصلية‬
‫وأجرى تغيريات بسيطة كتغيري األمساء‪ ،‬وواملالبس والديكور‬
‫ليناسب البيئة احمللية‪.‬‬
‫مسرحية تارخيية يف ثالثة فصول عرضت سنة ‪ 1046‬تدور‬ ‫مسرحية مقتبسة عن مسرحية‬ ‫عنبسة أو ملكة‬
‫أحداثها يف األندلس وتسلط الضوء على ما يدور يف قصر‬ ‫"روي بالس"‪(Ruy Blas‬‬ ‫غرناطة‬
‫غرناطة من مؤامرات ّتعل عنبسة يتقرب من امللكة بأمر من‬ ‫لفيكتور هيجو‬
‫سيده "ابن حفصون" بدافع االنتقام غري أن ما يقع بينهما من‬
‫حب صادق يغري جمرى األحداث‪.‬‬
‫مسرحية اجتماعية عاطفية كتبت بالفصحى يف مخسة فصول‬ ‫مسرحية مقتبسة عن رواية‬ ‫بائعة الورد‬
‫وعرضت سنة ‪ 1041‬تقص حكاية أرملة تأثر الوفاء لزوجها‬ ‫"حاملة اخلبز" ‪La‬‬
‫على حب مهندس يعمل يف املعمل الذي تشتغل فيه ما‬ ‫‪ Porteuse De Pain‬لـ‬

‫‪40‬‬
‫يدفعه لالنتقام منها‪ ،‬فيتدبر أمر حرق املعمل وقتل صاحبه‬ ‫"كازافيه دي منتديان" ‪De‬‬
‫قصد اهتامها‪ ،‬وتنتهي املسرحية باكتشاف احلقيقة وانتحار‬ ‫‪Xavier Monterpin‬‬
‫املهندس إثر ذلك‪ .‬ولعل ما شاب املسرحية من نزعة‬
‫حتررية تتناىف وأخالق املرأة اجلزائرية خباصة والعربية‬
‫بعامة جعلتها‪ ،‬يف نظر أمحد منور‪ ،‬من أضعف‬
‫(‪)1‬‬
‫مسرحيات "أمحد رضا حوحو" املقتبسة‬
‫كوميديا كتبت يف ثالثة فصول بالعامية ألفت سنة‬ ‫مسرحية مقتبسة عن‬ ‫عاشور والتمدن‬
‫مسرحية "الثري النبيل" ‪1041 Le‬وتنحو منحى تربوي إصالحي حني حتذر من‬
‫خماطر االنسالخ والذوبان يف ثقافة اآلخر‪ ،‬وختلي‬ ‫‪Bourgeois Gentil‬‬
‫اجلزائري عن مبادئه وقيمه من خالل شخصية "سي‬ ‫‪ Homme‬ل ـ "موليري"‬
‫عاشور" الريفي البسيط الذي حيل باملدينة فينبهر‬
‫مبظاهرها‪ ،‬ويقضي حياته مقلدا أهلها‪.‬‬

‫‪ -2‬أحمد عياد(‪ :)1000-1021( )2‬ولد املمثل والكاتب املسرحي أمحد عياد املعروف ب ـ ـ‬
‫"روشد" حبي القصبة باجلزائر العاصمة‪ ،‬بدأ حياته رياضيا مث سرعان ما انتقل إىل الفن املسرحي حيث‬
‫انضم إىل فرقة املسرح العرب بقاعة األوبرا سنة ‪ ،1012‬مث إىل فرقة الرازي‪ ،‬ويف سنة ‪ 1042‬سجن‬
‫يف سجن السركاجي لتحديه السلطات االستعمارية‪ ،‬واصل بعد االستقالل نشاطه املسرحي حيث‬
‫ألف نصوصا مسرحية ذات طابع اجتماعي هادف‪ ،‬شارك يف متثيل بعض األدوار يف أفالم سينمائية‬
‫يف الثمانينيات من القرن املاضي‪.‬‬

‫‪ -)1‬أمحد منور‪ ،‬مسرح أمحد رضا حوحو‪ ،‬ص‪.111‬‬


‫‪ -)2‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪(321‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪-‬أعماله‪ :‬باإلضافة إىل التمثيل ألف "رويشد" مسرحيات تعاجل الواقع السياسي واالجتماعي يف‬
‫اجلزائر‪ ،‬متخذا من أسلوب السخرية والواقعية وسيلة لتسليط الضوء على بعض هنات جزائر ما بعد‬
‫االستقالل‪.‬‬

‫موضوعها‬ ‫تاريخ تأليفها‬ ‫عنوان‬


‫املسرحية‬
‫مسرحية ثورية تعاجل قضية النضال داخل املدن‪ ،‬من خالل شخصية شعبية‬ ‫حسان ‪1001‬‬
‫بسيطة(حسان) الذي يأوي "أمحد الفدائي" فيتغرض ملضايقات العسكر‬ ‫طريو‬
‫الفرنسي‪.1‬‬
‫مسرحية اجتماعية الللهجة العامية تسلط الضوء على ما آلت إليه جزائر ما‬ ‫‪1000‬‬ ‫الغولة‬
‫بعد االستقالل‪ ،‬وتطرح قضايا االنتهازية وحب املصلحة اخلاصة‪.‬‬
‫مسرحية اجتماعية تصور حلظات خاطفة من البيت والشارع‪ ،‬وتسلط الضوء‬ ‫البوابون ‪1022‬‬
‫على حياة املتسكعني والفقراء الذين يصارعون احلياة لكسب قوهتم‪.‬‬
‫‪1022‬‬ ‫أه يا‬
‫حسان‬
‫ـزائري‪:‬يقف الباحث يف خصائص املسرح‬
‫ـرحي الجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫ثانيا‪ -‬خص ـ ـ ـ ــائص الف ـ ـ ـ ـ ـ ّـن المس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫اجلزائري على مسات كثرية استنبطها النقاد من النصوص املسرحية األوىل‪ ،‬وتداولوها يف كتبهم النقدية‬
‫وميكن أن جنملها يف النقاط اآلتية(‪:)2‬‬

‫‪ -1‬ظهر املسرح اجلزائري من خالل العرض الشعب‪ ،‬مرتبطا بذوق اجلماهري الشعبية غري املثقفة‪،‬‬
‫ليعرب عن أحالمها وطموحاهتا‪ ،‬وينقل معاناهتا وآالمها‪ ،‬وكان عبارة عن اسكتشات تقدم يف مقاهي‬
‫األحياء الشعبية املزدمحة بالسكان‪.‬‬

‫‪ -)1‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ ،‬نشأـه وتطوره‪ ،‬ص‪.120‬‬


‫‪ -)2‬ينظر‪ :‬علي الراعي‪ ،‬املسرح يف الوطن العرب‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ ،1006 ،2‬ع‪،24‬‬
‫ص‪ ،106‬وأيضا‪ :‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬ص‪10-14‬‬
‫(بتصرف)‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ -2‬ارتبط املسرح اجلزائري بالغناء‪ ،‬وجاء بلغة شعبية خفيفة قادرة على توصيل الفكرة‪ ،‬لغة تصل إىل‬
‫أعماق اجلماهري كافة‪ ،‬وتالئم ذوقها البسيط‪.‬‬

‫‪ّ -3‬نض الطابع الفكاهي الذي غلب على نصوصه بوظائف متعددة‪ ،‬فكان أوال وسيلة من وسائل‬
‫جذب اجلمهور واستقطابه‪ ،‬وأداة للتخفيف من مهومه يف ظل سياسة استعمارية قاهرة‪ ،‬وكان ثانيا‬
‫قناعا ينفلت بواسطته رجال املسرح من الرقابة االستعمارية‪ ،‬ليمرروا خطابا سياسيا يرفض االستعمار‪،‬‬
‫ويسعى إىل نشر الوعي بني أفراد الشعب‪.‬‬

‫‪ -1‬غلبت على نصوصه صفة االرّتالية‪ ،‬حيث كانت العروض ترتكز على مهارات املمثل وفطنته‪،‬‬
‫وموهبته‪ ،‬وقدرته على ارّتال الدور‪.‬‬

‫‪ -4‬اضطلع املمثلون أنفسهم بكتابة وإعداد النصوص املسرحية‪ ،‬فكانت بعض تلك النصوص توضع‬
‫شفويا‪ ،‬وتؤدى وجيري كتابتها يف وقت الحق‪ ،‬ألن أغلب املمثلني مل يكونوا مثقفني‪ ،‬أو خرجيي‬
‫مدارس‪ ،‬بل كانوا يزاولون التمثيل إىل جانب مهن اجتماعية أخرى‪.‬‬

‫غري أن هذه السمات ال ترتبط‪ ،‬يف اعتقادي‪ ،‬إال بفرتة معينة من تاريخ الفن املسرحي يف اجلزائر وهي‬
‫فرتة النشأة‪ ،‬وهناك مسات أخرى مل يأت ذكرها جنملها يف ما يأيت‪:‬‬

‫‪ -1‬تنوعت مصادر املسرحية اجلزائرية بني الرتاث الشعب اجلزائري‪ ،‬والتاريخ واألسطورة‪ ،‬والرتاث‬
‫العاملي األورب واليونان وغريه‪.‬‬

‫‪ -2‬عاجلت املسرحية اجلزائرية موضوعات عديدة يندرج بعضها ضمن املوضوعات اإلنسانية ويندرج‬
‫بعضها اآلخر ضمن املوضوعات االجتماعي (الزواج‪ ،‬األسرة‪ ،‬السكن‪ )...‬ويندرج بعضها ضمن‬
‫املوضوعات السياسية (جور األنظمة السياسية‪ ،‬عالقة الفرد بالسلطة‪ ،‬عالقة احلاكم باحملكوم‪)...‬‬
‫واملوضوعات األخالقية ( معاجلة سلوكات غري أخالقية كالبخل‪ ،‬وآفات اجتماعية كاخلمر واحلشيش‬
‫وغريها‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ -3‬مل يكن هدف الفن املسرحي اجلزائري الرتفيه فقط‪ ،‬بل مجع إىل جانب املتعة خدمة اجملتمع‪،‬‬
‫ومعاجلة ما يؤرق الفرد من مشاغل؛ عمل على دعم الثورة التحريرية وساهم يف نشر رسالتها إبان‬
‫الفرتة االستعمارية‪ ،‬والتفت إىل فساد اجلهاز اإلداري‪ ،‬وسلط الضوء على ما أصاب البالد من أمراض‬
‫كاالنتهازية والبريوقراطية‪ ،‬محل على كاهله حلم وطموح الطبقة العاملة‪ ،‬فكان لسان حاهلا بعد‬
‫االستقالل‪.‬‬

‫ميكن القول يف األخري إن الفن املسرحي يف اجلزائر مل يكن ليستوي فنا قائما بذاته لوال جهود رجال‬
‫كثريين سخروا أنفسهم وأمواهلم يف سبيل تطويره‪ ،‬والتعريف به عربيا وعامليا وسيلتهم –من أجل حتقيق‬
‫ذلك‪ -‬سحر الكلمة‪ ،‬وقوة احلركة‪ ،‬وحسن البديهة‪ ،‬وحضور روح الدعابة وغريها من السمات ال‬
‫ميزت املسرحية اجلزائرية (نصا وعرضا)‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫المح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاضرة الخامسة‪:‬‬

‫توظيف التراث في المس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرحيّة الج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزائريّة‪:‬‬

‫ـحلي‪.‬‬
‫‪ -0‬الـ ــتراث الم ـ ـ ّ‬
‫يخي‪.‬‬
‫‪ -7‬الـ ــتراثال ـ ـ ـتار ّ‬
‫ديني‪.‬‬
‫‪ -3‬ال ـ ــتراثال ـ ـ ـ ّ‬

‫‪45‬‬
‫تمهيد‪ :‬يالحظ املستقرئ للنصوص املسرحية اجلزائرية تنوع املصادر اليت يستمد منها الكاتب‬
‫املسرحي مادته‪ ،‬فبحكم بيئته اجلزائرية كان املصدر احمللي حاضرا يف الكتابة الدرامية اجلزائرية‪،‬‬
‫مستدعيا ما يزخر به الرتاث اجلزائري احمللي من قصص وحكايات‪ ،‬وعاكسا ما يتميز به الواقع املعيش‬
‫من أحداث‪ ،‬وملا كان الكاتب اجلزائري ينتمي إىل الوطن العرب كان للراهن العرب حضورا متميزا يف‬
‫التجربة املسرحية اجلزائرية‪ ،‬ومل يكن هذا الكاتب ليعيش مبعزل عن التجربة اإلبداعية الغربية فكان تأثره‬
‫هبا واضحا يف نصوص كثرية‪.‬‬

‫تنوعت املصادر الرتاثية اليت استقى املسرحيون اجلزائريون مادهتم منها وتراوحت بني املصادر الرتاثية‬
‫احمللية‪ ،‬واملصادر التارخيية‪ ،‬والدينية‪ ،‬واملصادر الرتاثية العربية‪ ،‬واألجنبية‪.‬‬

‫المحلي‪ّ :‬تسدت املصادر احمللية يف نصوص مسرحية جزائرية اختذت مادهتا من‬
‫ّ‬ ‫‪ -0‬التّراث‬
‫الرتاث الشعب احمللي‪ ،‬أو من الواقع املعيش‪ ،‬وحاولت تطويع هذا الفن الوافد خلدمة الشعب‬
‫اجلزائري بكل ما تتمتع به بيئته من خصوصية‪ ،‬وعليه كان استلهام الرتاث أحد مرتكزات املسرحية‬
‫اجلزائرية منذ نشأهتا‪ ،‬فقد «شعر [الكتاب] بضرورة تلقيح هذا الفن اجلديد مبصل من الرتاث‬
‫الشعب حىت يغدو مناسبا لذوق اجلمهور العرب ولثقافته وتقاليده الفنية العريقة‪ ،‬فكانوا يتوقفون‬
‫عند املصادر الرتاثية الشعبية‪ ،‬حماولني استنطاقها واإلفادة منها خللق مسرح متوازن يلب حاجات‬
‫اجلمهور من الثقافة واالمتاع‪ ،‬ضمن اّتاه شعب مرح يسعى إىل إجياد األشكال واملضامني‬
‫املناسبة‪ ،‬للوصول إىل قلوب اجلماهري اليت مازالت تنفر من األشكال الغربية الطارئة»(‪.)1‬‬

‫وقد مر توظيف الكتاب املسرحيني للرتاث بثالثة مراحل هي‪ :‬مرحلة البحث عن الذات‪ ،‬ومرحلة‬
‫النضج الفين‪ ،‬ومرحلة التأصيل‪.‬‬

‫‪ -)1‬نصر الدين صبيان‪ ،‬اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر (‪ ،)1026-014‬رسالة ماجستري(خمطوط)‪ ،‬إشراف‪ :‬عزيزة مريدن‪،‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬مجعة دمشق‪ -‬سوريا‪ ،1024-1021 -‬ص‪360‬‬

‫‪46‬‬
‫أ‪ -‬مرحلة البحث عن ال ّذات‪ :‬ترتبط هذه املرحلة بتلك النصوص األوىل اليت حاول فيها الكتاب‬
‫املسرحيون بصم أعماهلم املسرحية ببصمة حملية تقرهبا من اجلمهور‪ ،‬وميكن أن منثل هلذه املرحلة‬
‫مبسرحية "جحا" ل ـ ـ ــعاللو سنة ‪ ،1020‬اليت كانت العودة فيها إىل الرتاث الشعب تذكية لروح‬
‫التضامن والتآلف بني أفراد الشعب اجلزائري الذين ّتمعهم روابط اجتماعية وتارخيية ونفسية وثقافية‬
‫واحدة‪ ،‬وإعرابا عن رفض السياسة االستعمارية اليت تسعى إىل طمس معامل الشخصية الوطنية‪.‬‬

‫وعن أهداف توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري فيلخصها الباحث "أحسن تليالن" فيما يأيت(‪:)1‬‬

‫‪ -‬إحياء الشخصية القومية اليت حاول االستعمار طمسها والقضاء عليها‪.‬‬

‫‪ -‬جلب املتفرجني والتأثري عليهم باستغالل ما يكتسيه الرتاث من حضور حي يف وجدان األمة‪.‬‬

‫‪ -‬الفخر مبآثر املاضي التليد تعويضا عن ضعف االمة يف حاضرها‪ ،‬آنذاك بسبب طغيان االستعمار‬
‫عليها‪.‬‬

‫واملالحظ أن توظيف الرتاث بعامة والرتاث الشعب خباصة قد لّب طموح رواد الفناملسرحي اجلزائري‬
‫األوائل يف خلق نوع من التواصل مع متفرج يعترب هذا الفن دخيال على ثقافته‪ ،‬من خالل تقدمي مناذج‬
‫مسرحية مألوفة لديه‪ ،‬راسخة يف ذاكرته‪ ،‬ناطقة بلسانه‪ ،‬ومعربة عن قضاياه وأحالمه‪.‬‬

‫ب‪ -‬مرحلة النّضج‪ :‬إذا كانت العودة إىل الرتاث‪ ،‬يف املرحلة السابقة‪ ،‬حاجة ضرورية من أجل إثبات‬
‫الذات‪ ،‬وتبين مبدأ الرفض لسياسة املستعمر‪ ،‬فإّنا يف هذه املرحلة تنم عن وعي فين وفكري بقدرة‬
‫الرتاث على إلغاء الفواصل الزمانية واملكانية وتقدمي الرموز والعرب قصد استئصال ما خنر جسد اجملتمع‬
‫اجلزائري من علل‪ ،‬ودفع عجلة الركب احلضاري قدما إىل األمام‪ ،‬يقول "سلوم توفيق"يف هذا‬
‫السياق«إذا كان التمسك بالرتاث واحلرص عليه يف مرحلة النضال من أجل االستقالل الوطين قد‬
‫ارتبط بالرد على احملاوالت االستعمارية الرامية إىل حمو الشخصية الوطنية‪ ،‬فإن هذا التمسك يف‬

‫‪ -)1‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪47‬‬
‫النصف الثان من القرن العشرين يتجه من أجل احلفاظ على اهلوية الثقافية واألصالة‬
‫احلضارية‪)1(»...‬ويتقعد حلقة واصلة بني املاضي واحلاضر‪ ،‬ووسيلة تستدعي الذاكرة‪ ،‬وتراهن على‬
‫املخزون اجلماعي للكشف عن الواقع‪.‬‬

‫وقد أدرك الكتاب املسرحيون اجلزائريون بعد االستقالل ما مينحهم الرتاث من طاقات تعبريية‬
‫وإحيائية‪ ،‬فوظفوه تلبية حلاجات فنية ونفسية واجتماعية‪ ،‬واعتربوه مادة خاما‪ ،‬ووعاء مرنا يستوعب كل‬
‫معطيات الراهن‪ ،‬ويعرب بفنية تبتعد عن املباشرة والتقريرية‪ ،‬معتمدين‪ -‬من أجل حتقيق اهلدف املنشود‪-‬‬
‫على مبدأي االنتقاء واالسقاط‪ ،‬وموائمني بني املنجز املسرحي الغرب‪ ،‬واملوروث العرب األصيل‪ ،‬ولعلنا‬
‫الرحمان"و"عبد القادر علولة" اللتني بلغتا شأوا‬
‫منثل هلذه املرحلة بتجربتيكل من "كاكي ولد عبد ّ‬
‫عظيما يف التعامل مع الرتاث‪.‬‬

‫فقد انفتحت ّتربة "كاكي ولد عبد الرحمان"(‪ )1004-1031‬املسرحية على األشكال الرتاثية‬
‫املختلفة‪ ،‬إن على مستوى تقنيات السرد؛ من خالل استدعاء األغنية‪ ،‬واحلكاية الشعبية‪ ،‬واألسطورة‪،‬‬
‫وتفعيل دور القوال وجعله شخصية أساسية يف لعمل املسرحي‪ ،‬أو على مستوى اللغة اليت اقرتب فيها‬
‫كاكي من لغة املأثورات الشعبية؛ فهي لغة بسيطة تتميز بسحر خاص‪ ،‬نابع مما تزخر به من أشكال‬
‫التنميق اللغوي‪ ،‬وختتزل ّتارب السلف من خالل توظيف األمثال واحلكم‪ .‬أمامن حيث املضمون فال‬
‫يتواىن الكاتب عن طرح أكثر القضايا حساسية كنبذ الشعوذة‪ ،‬واإلميان باألولياء الصاحلني وغريها من‬
‫املوضوعات امللتصقة بالعقلية الشعبية اجلزائرية‪ ،‬وهبذا متكن يف نصوص كثرية مثل‪" :‬القراب‬
‫والصالحين"‪ ،‬و"ابن كلبون"‪" ،‬كلواحد وحكمو"‪" ،‬القراقوز" وغريها « (‪ )...‬من حتقيق التضامن‬
‫الذي استمده من تراث األجداد‪ ،‬يف شكل مسرحي يواكب املسرح املعاصر‪ ،‬يتخذ من هذا األسلوب‬

‫‪ -)1‬حنو رؤية ماركسية للرتاث‪ ،‬دار الفكر اجلديد‪ /‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،1022 ،‬ص‪.32‬‬

‫‪48‬‬
‫سبيال لتمرير خطابه الواعي‪ )1(»...‬الذي يهدف إىل إصالح حال اجملتمع عن طريق حماربة املعتقدات‬
‫الشعبية البائدة‪.‬‬

‫وال ختتلف ّتربة "عبد القادر علولة" (‪ )0224-0232‬عن ّتربة"كاكي" وإن كانت أكثر نضجا‬
‫وحتكما يف استلهام الرتاث واإلفادة منه‪ ،‬وعلى الرغم من أن نظرية املسرح امللحمي لربخيث قد‬
‫شكلت نقطة االنطالق بالنسبة إىل رؤية "علولة" الفنية إال أنه سرعان ما التفت إىل «الرتاث احلي‪،‬‬
‫ذلك الذي يشكله رجال [بلده]‪ ،‬الذين يشيدون يوميا احلاضر واملستقبل‪ ،‬وهبذا املعىن [يقول علولة]‬
‫فأنا أضطلع بكل املوروث بصفة واعية ونقدية (‪ )...‬وهلذا السبب فأنا أكن مودة خاصة للرتاث‬
‫(‪)2‬‬
‫الشعب بكل عناصره املكونة‪ ،‬ويف هذا امليدان بالذات هتتز مشاعري أكثر وأكون أشد التحاما»‬
‫وتعبريا عن الطبقة الشعبية البسيطة اليت عول عليها يف انتقاء شخصياته ومواضيعه‪ ،‬وأفكاره‪.‬‬

‫فمن حيث املواضيع كان هم عبد القادر علولة‪ ،‬بداية من الثمانينيات من القرن العشرين‪ ،‬هو تصوير‬
‫واقع الطبقة الكادحة وما تعانيه من ظلم وحرمان‪ ،‬وما تتخبط فيه من معاناة‪ ،‬فكانت االنتهازية‪،‬‬
‫والبريوقراطية‪ ،‬وتسلط اجلهاز اإلداري‪ ،‬الرشوة‪ ،‬وخيانة األمانة وغريها من اآلفات االجتماعية حمرك‬
‫عجلة االبداع لديه واليت جسدهتا نصوص مسرحية مهمة يف مساره الفين حنو‪ :‬مسرحية "محق سليم"‬
‫املقتبسة عن مسرحية "مذكرات أمحق" لغوغول وتتناول تسلط اجلهاز اإلداري‪ ،‬وثالثية "األقوال"سنة‬
‫‪"–1024‬األجواد"سنة ‪" -1020‬اللثام"سنة ‪ 1022‬اليت تستمد مواضيع جدارياهتا من يوميات‬
‫الطبقة الكادحة‪ ،‬كما أنه كان خيتار شخصياته من واقع احلياة اليومية‪ ،‬مناذج ميكن أن نصادفها كل‬
‫يوم يف مقاهي وهران وأحيائه البسيطة‪.‬‬

‫وقد انتدب علولة‪ ،‬لتصوير معاناة الطبقة الكادحة والتعبري عن آالمها‪ ،‬وسائل فنية تراثية تالئم يف‬
‫بساطتها وأصالتها بساطة الشرحية العظمى من اجملتمع وأصالتها‪ ،‬و«تساهم يف بروز مسرح جزائري‬

‫‪ -)1‬عبد احلميد بورايو‪ ،‬األدب اجلزائري‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،2662 ،‬ص‪.126‬‬
‫‪ -)2‬عبدالقادر علولة‪ ،‬الظواهر األرسطية يف املسرح اجلزائري‪ ،‬تر‪ :‬مجال بن عرب‪ ،‬من مسرحيات علولة‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬املؤسسة‬
‫الوطنية للفنون املطبعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1002 ،‬ص‪.210-214‬‬

‫‪49‬‬
‫يرتبط بعمق الرتاث الشعب والثقايف»(‪)1‬ويعرب عن هوية الشعب اجلزائري‪ ،‬فكان القوال واحللقة شكلني‬
‫تراثيني استمد منهما عبد القادر علولة قوته لتعرية واقع جزائر الثمانينيات‪ ،‬وكانت اللغة الرتاثية أداة‬
‫فعالة إليصال الفن املسرحي ألعماق املتفرج اجلزائري البسيط‪.‬‬

‫وعلى الرغم من تأثره باملسرح امللحمي إال أن علولة سعى إىل املوائمة بني طروحات "برخيث" وبني‬
‫طبيعة املتفرج اجلزائري‪ ،‬فكان توظيف احللقة نابع من إحساسه بعقم التصور األرسطي للمسرح‪،‬‬
‫ونتيجة اندماجه والفئات الشعبية البسيطة‪ ،‬يقول هبذا الصدد‪ « :‬يف كل يوم من أيام األسبوع‪ ،‬تقوم‬
‫يف بالدنا سوق أسبوعية أين يلتقي نفر ومجوع الناس لقضاء حوائجهم(‪ )...‬وكانت تقام حلقات‬
‫على شكل دائري تُروى فيها قصص األبطال وسريهم‪ ،‬وما تركه هؤالء من أمور عظيمة‪ ،‬فكان هلذه‬
‫احلكايات صدى عميق وأمهية بالغة لدى اجلماهري‪ ،‬فهي عامل يرتكز على الذاكرة الشعبية‪ ،‬وخيال‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلبداع يف القول والفعل واحلركة يعتمد على الفرجة واملتعة‪ ،‬ختلط فيه احلقيقة باخليال واجلد باهلزل»‬
‫ومن هذه األسواق استمد تصورا خاصا ملسرحه الذي طبقه يف ثالثية األقوال‪ ،‬األجواد‪ ،‬اللثام‪ ،‬وهي‬
‫النصوص اليت متثله مرحلة الوعي بتوظيف الرتاث‪.‬‬

‫ومن املصادر احمللية‪ ،‬أيضا‪ ،‬اليت استقت منها املسرحية اجلزائرية مادهتا السرد اجلزائري الذي ّنم‬
‫الكتاب املسرحيون منه ّتارب عديدة عملوا على مسرحتها‪ ،‬ووجدوا فيها ذلك النص اجلاهز الذي‬
‫يقدم بدائل تعبريية أخرى قوامها األنساق البصرية والسمعية‪ ،‬ومن أمثلة هذه املصادر نذكر‪ :‬مسرحية‬
‫"الشهداء هذا األسبوع" تأليف الروائي "الطاهر وطار" اقتباس "حممد بن قطاف" إخراج "زيان‬
‫الشريف عياد" سنة ‪ ،1020‬وقصة "احلوات والقصر للمؤلف نفسه‪ ،‬اليت اقتبسها مسرح قسنطينة‬

‫‪ -)1‬رجاء علولة‪ ،‬ذكرى اغتيال عبد القادر علولة ‪( :‬أن تكون فنانا فذلك العمر كله)‪ ،‬تر‪ :‬أمحد عياد‪ ،‬جريدة اليوم‪ ،‬ع‪ ،34‬س‪،‬‬
‫دار الصحافة‪ ،‬اجلزائر‪ ،1000-63-16 ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ -)2‬عبد القادر علولة‪ ،‬من مسرحيات علولة‪ ،‬تر‪ :‬إنعام بيوض‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية‪ ،‬اجلزائر‪،1002 ،‬‬
‫ص‪.211‬‬

‫‪50‬‬
‫اجلهوي‪ ،‬وقدمها على ركحه سنة ‪ ،2662‬وكذا رواية "سيدة املقام"لواسيين األعرج اليت اقتبسها‬
‫املسرحي "مراد سنوسي" بعنوان "امرأة من ورق" وقدمها على ركح مسرح "سيدي بلعباس" اجلهوي‪.‬‬

‫التاريخي‪ :‬يعد التاريخ مصدرا مهما من مصادر املسرحية اجلزائرية‪ ،‬يستمد منه الكاتب‬
‫ّ‬ ‫‪ -7‬التراث‬
‫موضوعه وشخصياته للتعبري عن ّتربة نفسية‪ ،‬أو فكرية‪ ،‬أو سياسية‪ ،‬يصبح التاريخ يف ظلها قناعا‬
‫ورمزا يتخفى الكاتب وراءه ليلفت نظر متلقيه إىل قضية دون أخرى من خالل صياغة فنية تنطلق من‬
‫احلقيقة وتتغذى باخليال‪ ،‬لتكون حلقة واصلة بني املاضي واحلاضر‪.‬‬

‫ولقد انتبه الكتاب اجلزائريون إىل دور التاريخ يف التعبري عن الواقع املعيش‪ ،‬وقدرته على تصوير‬
‫املعطيات الراهنة اعتمادا على وقائع وأحداث مهمة تقبع يف الذاكرة اجلماعية‪ ،‬وتعتمل يف ذهن‬
‫الكاتب املبدع‪ ،‬ليحرك خيوطها‪ ،‬ويعمل خياله يف نسج عامل إبداعي يقرتب منها تارة‪ ،‬ويبتعد عنها‬
‫تارة أخرى فاسحا اجملال لقدرات املتفرج‪ /‬املتلقي اإلدراكية على تفكيكها وإعادة تركيبها‪ ،‬دجمها‬
‫وإسقاطها على واقعه املعيش‪.‬‬

‫ولعل اهتمام املسرحيون اجلزائريون باملواضيع التارخيية يعكس مدى وعيهم بأمهية التاريخ بالنسبة إىل‬
‫الشعوب‪ ،‬لذلك وظفوه من أجل توعية الشعب اجلزائري‪ ،‬ألن املسرحية التارخيية "تنشأ عادة يف‬
‫الظروف اليت يشتد فيها الصراع بني القوميات املتعددة أو بني الشعـ ــوب املضطه ــدة وبيـ ــن احملتــلني‬
‫األجانب‪ ،‬وكذلـ ـ ــك تبحث الشعوب ع ــن جذورها وانتمائها‪ ،‬وتسعى إىل إثارة النهضة القومية يف‬
‫نفوس أبنائها فتعود إىل ماضيها تستلهم وتكشف عن الفرتات املضيئة فيها‪ ،‬تستهدف من ذلك إثارة‬
‫احلمية يف النفوس وبعث الشعور القومي الكائن يف أعماق الناس"(‪.)1‬‬

‫وتعد فرتة األربعينيات إىل اخلمسينيات من القرن العشرين فرتة املسرحية التارخيية بامتيازيف اجلزائر‪،‬‬
‫حيث انربى الكتاب املسرحيون والسيما أعضاء مجعية العلماء املسلمني يستقون من التاريخ‬

‫‪ - )1‬أمحد بن داود ‪ ،‬دور املسرح اجلزائري يف املقاومة الثقافية لالستعمار الفرنسي ‪ ،1041-1020‬مذكرة ماجيسرت‪ ،‬جامعة‬
‫وهران‪ ،2660-2662 ،‬ص‪.13 :‬‬

‫‪51‬‬
‫موضوعات نصوصهم‪ ،‬ساعني من خالل ذلك إىل إذكاء الروح القومية يف متلقيهم‪ ،‬والتصدي‬
‫لألساليب االستعمارية اهلادفة إىل طمس اهلوية اجلزائرية‪ ،‬متخذين‪ ،‬من أجل حتقيق ذلك‪ ،‬من‬
‫الشخصيات التارخيية وسيلة فعالة لتمرير خطاب تعليمي تربوي بريء يف الظاهر سيسي حترضي يف‬
‫الباطن‪.‬‬

‫واملستقرئ للنصوص املسرحية اجلزائرية يالحظ أن الكتاب كانوا ينطلقون من مبدأ احلرية يف التعامل‬
‫مع التاريخ‪ ،‬وهو املبدأ الذي جعل كل كاتب ينفرد برؤية خاصة للوقائع أو الشخصية التارخيية‪،‬‬
‫فيوظفها تبعا ألفكاره ومراميه‪ ،‬وتصدر عن وعي تام بظروف املتلقي السياسية واالجتماعية؛ ف ـ "أحمد‬
‫توفيق المدني" مثال ال ينفك خيتار من التاريخ املغرب القدمي شخصية القائد القرطاجين "حنبعل" إال‬
‫ليربز صراع الشعب اجلزائري مع االحتالل الفرنسي‪ ،‬ولكنه يعمد إىل مبدئي العزل واالنتقاء؛ فال يهتم‬
‫بسرية هذا البطل كاملة‪ ،‬وال حيتفل بانتصاراته اليت كادت تقضي على روما‪ ،‬بقدر ما يعىن بلحظات‬
‫اّنزامه‪ ،‬وتعرضه للخيانة‪ ،‬لتكون هذه اللحظات عربة للشعب اجلزائري الذي مير‪ ،‬يف ظل السياسة‬
‫االستعمارية‪ ،‬بلحظات النكسة والنكبة‪ ،‬ويبني له أن النجاح والعظمة إمنا يظهران يف أوقات الضيق ال‬
‫الفرج‪ ،‬فكانت هذه املسرحية‪ ،‬حبق‪ «،‬دعوة الستلهام قيم املقاومة من احملطات التارخيية‪ ،‬اليت‬
‫تناوهلا[الكاتب] يف شخصية "حنبعل" وسريته البطولية»(‪)1‬واسقاطها على واقع الشعب اجلزائري‬
‫املضطهد‪.‬‬

‫وإذا كان توظيف التاريخ يف املسرحية اجلزائرية قد حقق أهدافا عديدة متثلت يف‪:‬‬

‫‪ -‬إذكاء الروح القومية‪ ،‬واحملافظة على اهلوية الوطنية‪.‬‬

‫‪ -‬إحياء الرتاث ونشر صفحاته املشرقة بني النشء ‪.‬‬

‫‪ -)1‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.40‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬احملافظة على اللغة العربية السيما وأن أغلب املسرحيات كتبت بالفصحى ونشرت يف أعمدة‬
‫اجلرائد‪.‬‬

‫وهي أهداف ظاهرة تبنتها "مجعية العلماء املسلمني"‪ ،‬وسخرت أقالم أعضائها لتحقيقها‪ ،‬فإن اهلدف‬
‫املضمر هو توحيد الشعب اجلزائري أوال‪ ،‬وتنظيم الصفوف املغاربية‪ ،‬والتحريض على الثورة‪ ،‬والتضحية‬
‫بالنفس والنفيس من أجل حرية الوطن؛ وهو ما عربت عنه مسرحية "يوغرطة" للكاتب "أمحد‬
‫ماضوي" حني ذكرت املتلقي اجلزائري بأن ما حدث يف املاضي إبان الفرتة النوميدية حيدث اآلن إبان‬
‫الفرتة االستعمارية؛ فاملقاومة وجدت يف عهد يوغرطة ويف العهد الفرنسي« واإلطار التارخيي ملقامة‬
‫يوغرطة للرومان صاحل(‪ )...‬ألن يشكل إطارا فنيا ملقاومة الشعب اجلزائري للفرنسيني»(‪)1‬والتاريخ‬
‫يعيد نفسه إن مل نستفد منه‪.‬‬

‫إن توظيف التاريخ يف املسرح ليس حكرا على فرتة زمنية واحدة‪ ،‬فإذا كان هؤالء الكتاب قد وظفوه‬
‫يف اخلمسينيات من القرن ‪26‬م‪ ،‬فإن التاريخ مازال حيظى باألولوية يف عصرنا احلاضر‪ ،‬وقد كان مادة‬
‫طيعة يف يد الكاتب املعاصر الذي أبرز قدرته على العطاء وعلى تصوير الواقع الراهن فكان سالحا‬
‫فعاال لتعرية األنظمة السياسية‪ ،‬وحلقة واصلة بني املاضي واحلاضر‪.‬‬

‫يني‪ :‬يعد املصدر الديين من أهم مصادر املسرحية العربية بعامة‪ ،‬واجلزائرية خباصة نظرا‬
‫‪ -3‬التراث ال ّد ّ‬
‫لكونه الكتاب املقدس األكثر تأثريا يف فكر املبدع اجلزائري‪ ،‬واألشد تغلغال يف وجدان املتلقي مهما‬
‫كان مستواه الثقايف‪ ،‬ولعل هذه املكانة اليت حيظى هبا الدين يف النفوس هي اليت جعلته مطلبا عزيزا‬
‫يسعى كل كاتب إىل االستشهاد بألفاظه ومعانيه‪ ،‬وحوادثه وشخصياته‪ ،‬ويروم تدبيج نصه مبا يزخر به‬
‫من مجاليات وفنيات‪.‬‬

‫غري أن توظيف البعد الديين‪ ،‬مع كل ما يوفره من طاقات فنية وتعبريية مكثفة‪ ،‬يظل مسلكا حساسا‬
‫بالنسبة إىل أغلب الكتاب املسرحيني الذين يشعرون‪ ،‬عادة‪« ،‬ببعض التحرج أمام األحداث الدينية‬

‫‪ -)1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.06‬‬

‫‪53‬‬
‫األساسية (‪ )...‬فالكاتب املسرحي يهرب من توظيف هذه الشخصيات خشية الوقوع يف‬
‫تأويلها»(‪)1‬وهو ما يضيق مساحات التصرف واإلبداع عند توظيفه‪.‬‬

‫وقد ارتبط توظيف البعد الديين يف املسرحية اجلزائرية‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن توظيف التاريخ‪ ،‬بفرتة‬
‫اخلمسينيات من القرن العشرين‪ ،‬ويرجع ذلك إىل عوامل عديدة نذكر منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬مقاومة السياسة االستعمارية اهلادفة إىل طمس اهلوية الدينية يف وجدان الشعب اجلزائري‪ ،‬ما جعل‬
‫جهود الطبقة املثقفة‪ ،‬آنذاك‪ ،‬ينصب على بعث الوازع الديين يف وجدان الشعب عن طريق مسرحيات‬
‫ذات طابع ديين تقدم عروضها يف املناسبات الدينية املختلفة‪.‬‬

‫ب‪ -‬تفشي اجلهل واألمية واخلرافات والعادات البالية يف أوساط الشرحية العظمى من الشعب‪ ،‬األمر‬
‫الذي جعل توظيف اجلانب الديين ذا بعد تعليمي تربوي يف املقام األول‪.‬‬

‫ج – الدور الفعال الذي ّنض أعضاء مجعية العلماء املسلمني به‪ ،‬ذوو الثقافة الدينية األصيلة‪،‬‬
‫هبدف احلفاظ على مقومات األمة اجلزائرية‪.‬‬

‫د‪ -‬املوقف الدفاعي الذي تبناه أعضاء اجلمعية ضد االّتاه املسرحي الشعب الذي بدأ يلقى رواجا‬
‫معتربا يف تلك الفرتة‪ ،‬وإحساسهم مبخاطر تفشي اللهجة العامية‪ ،‬واملواضيع الفكاهية اليت ميزت‬
‫نصوص ذلك االّتاه يف مقابل احنصار اللغة العربية‪ ،‬واملرجعية الدينية‪.‬‬

‫ه‪ -‬زرع األمل يف نفوس اجلزائريني‪ ،‬وتقدمي النموذج والبطل ممثال يف شخصيات إسالمية متسكت‬
‫بتعاليم الدين‪ ،‬وتصدت ألبشع صور التنكيل والتعذيب من قبل الكفار يف سبيل مبادئها‪.‬‬

‫وميكن التمييز‪ ،‬عند احلديث عن توظيف البعد الديين يف املسرحية اجلزائرية‪ ،‬بني توظيف أحداث دينية‬
‫مهمة حنو اهلجرة النبوية الشريفة اليت كانت مصدر إهلام الكاتب "محمد الصالحرمضان" يف مسرحية‬

‫‪ -)1‬إمساعيل سيد علي‪ ،‬أثر الرتاث يف املسرح املعاصر‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر و التوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬دار املرجاح (الكويت)‬
‫سنة ‪ ،2666‬ص ‪.124‬‬

‫‪54‬‬
‫"النّاشئة المهاجرة" سنة ‪ ،0242‬أو سرية النب صلى اهلل عليه وسلم اليت جذبت الكاتب "عز‬
‫الدين جالوجي" فألف مسرحية "رحلة فداء" يصف سرية النب والصحابة الكرام‪ ،‬وحيفظ مآثرهم‪ ،‬أو‬
‫املولد النبوي الشريف الذي كان موضوعا خصبا بالنسبة إىل "عبد الرحمان جياللي"(يف مسرحية‬
‫المولد سنة ‪ )1010‬لتجسيد الصراع بني احلق والباطل‪ ،‬أو اخلري والشر من خالل عرض مولد سيد‬
‫اخللق حممد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومواقف اليهود والنصارى العدائية الرتباط ميالد النب من العرب‬
‫وليس منهم‪ ،‬ولعل اهلدف األول من تأليف هذه املسرحية كان التعبري عن «سخط املفكرين اجلزائريني‬
‫إزاء نشاط االستعمار من أجل متسيح الشباب اجلزائري‪ ،‬وضرب احلضارة اإلسالمية‪ ،‬ففي هذه‬
‫الظروف التارخيية الصعبة كان اجملتمع اجلزائري يف أمس احلاجة إىل إحياء تارخيه‪ )1(»...‬اإلسالمي‪،‬‬
‫وتعليم النشء عظمة مولد خامت األنبياء واملرسلني‪.‬‬

‫فضال عن توظيف األحداث الدينية املهمة حتضر شخصيات إسالمية كان هلا وقع شديد يف التاريخ‬
‫اإلسالمي حنو شخصية "بالل بن رباح" يف املسرحية احلاملة العنوان نفسه حملمد العيد آل خليفة سنة‬
‫‪ 1032‬اليت ّتعل هذا الصحاب رمزا للصرب‪ ،‬والثبات على مبادئ الدين اإلسالمي‪ ،‬أو شخصية‬
‫النجاشي يف مسرحية تغريبة جعفر الطيار ليوسف وغليسي حيث يطل علينا التاريخ اإلسالمي من‬
‫خالل هذا امللك العادل الذي أسلم هلل تعاىل بالفطرة‪ ،‬وكان رمزا للحق والعدل‪ ،‬والسالم‪.‬‬

‫ومن خالل ما تقدم‪ ،‬نستنتج أنتعامل الكتاب املسرحيني اجلزائريني مع البعد الديين أحداثا‬
‫وشخصيات كان تعامال واعيا هدف إىل حتقيق مساع وطنية‪ ،‬وتعليمية حتث على التمسك بالدين‬
‫اإلسالمي حملاربة السياسة االستعمارية‪ ،‬والفنت السياسية‪.‬‬

‫‪ -)1‬العيد مرياث‪ ،‬أدب املسرحية العربية يف اجلزائر‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬جامعة القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1022‬ص‪.132‬‬

‫‪55‬‬
‫السـ ــادس ـ ــة‪:‬‬
‫الم ـ ـ ـحـ ــاضـ ــرة ّ‬

‫أث ــر التّجـ ـربتين المسرحيّتين العربــيّة واألج ــنبيّ ــة على‬
‫المــسرح ــيّة الج ــزائـ ــريّـ ــة‪:‬‬

‫ّأوال‪ :‬أثر التّجربة المسرحيّة العربيّة على المسرحيّة الجزائريّة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أثر التّجربة المسرحيّة األجنبيّة على المسرحيّة الجزائريّة‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫تمهيد‪ :‬استطاع املسرحيون اجلزائريون‪ ،‬بفضل االرتكاز على الرتاث الشعب والديين والتارخيي‪ ،‬صقل‬
‫ّتربتهم اإلبداعية على املستويني الفكري والفين‪ ،‬غري أن انفتاحهم على التجربة املسرحية العربية‬
‫واألجنبية‪ ،‬منذ نشأة املسرحية اجلزائرية إىل يومنا هذا‪ ،‬مكنهم من استحداث قوالب وصيغ مسرحية‬
‫جديدة‪ ،‬وغدى طموحهم يف املضي قدما إىل األمام‪ ،‬ومواكبة الراهن املسرحي العرب والغرب‪ ،‬مما كان‬
‫له أثر يف هذا الفن يف بالدنا‪.‬‬

‫ّأوال‪-‬أثر التّجربة المسرحيّة العربيّة على المسرحيّة الجزائريّة‪ :‬إىل جانب الرتاث الشعب تستمد‬
‫املسرحية اجلزائرية موضوعاهتا‪ ،‬أيضا‪ ،‬من مصادر عربية‪ ،‬سواء تعلق األمر باملؤلفات الرتاثية أو بالتجربة‬
‫املسرحية املشرقية‪ ،‬اليت التفت الكتاب املسرحيون اجلزائريون إليها‪ ،‬ساعني إىل توظيف ما تزخر به من‬
‫حكايات وشخصيات وفنيات للتعبري عن واقعهم النفسي واالجتماعي والثقايف‪.‬‬

‫ويعود اتصال الفن املسرحي اجلزائري باملصادر العربية إىل البدايات األوىل اليت تعرف رجال املسرح‬
‫فيها على هذا الفن‪ ،‬وذلك من خالل زيارات فرق مسرحية وفنية عربية كثرية يف مطلع العشرينيات من‬
‫القرن املاضي‪ ،‬وعلى رأسها فرقة املمثل املصري "جورج أبيض" الذي‪ ،‬وبطلب من األمري خالد‪ ،‬قدم‬
‫عرضني مسرحيني‪ :‬األول بعنوان املروءة والوفاء خلليل اليازجي‪ ،‬والثان بعنوان شهيد بريوت للشاعر‬
‫"حافظ إبراهيم"‪ ،‬وعلى الرغم من الفشل الذريع الذي منيت به هذه الزيارة بسبب اعتمادها اللغة‬
‫العربية اجملهولة عند الشرحية العظمى من الشعب اجلزائري آنذاك‪ ،‬ونتيجة موضوعها القومي الذي كان‬
‫الشعب اجلزائري منشغال عنه بقضاياه اليومية البسيطة يف ظل السياسة االستعمارية القاهرة‪ ،‬إال أن‬
‫فضل هذه الفرقة كان التعريف بالتجربة املسرحية املشرقية اليت بلغت آنذاك شأوا عظيما موازنة‬
‫بالتجربة املغاربية عموما‪ ،‬واجلزائرية خصوصا‪.‬‬

‫واملالحظ أن املسرحية اجلزائرية انفتحت‪ ،‬منذ نشأهتا إىل يومنا هذا‪ ،‬على مصادر عربية خمتلفة أمهها ‪:‬‬

‫أ‪ -‬قصص "ألف ليلة وليلة‪ :‬يعد كتاب "ألف ليلة وليلة" رافدا مهما من روافد املسرحية اجلزائرية‪،‬‬
‫وجد املسرحيون اجلزائريون يف سحر لياليها‪ ،‬وعذوبة لغتها ضالتهم‪ ،‬فانكبوا عليها يستلهمون‬

‫‪57‬‬
‫نصوصهم من شخصياهتا‪ ،‬وقصصها‪ ،‬ويعربون‪ ،‬من خالل مغامراهتا‪ ،‬عن تطلعاهتم الفنية والنفسية‪،‬‬
‫باصمني املسرح اجلزائري ببصمة عربية متميزة‪.‬‬

‫وقد اقرتنت العودة إىل "ألف ليلة وليلة" واستلهام النص املسرحي من قصصها مبسرحية جزائرية ارتبط‬
‫التأريخ لبداية هذا الفن يف اجلزائر هبا وهي مسرحية "جحا" لـ ـ "سالل علي" الذي أكد‪ ،‬هو نفسه‬
‫ردا على النقاد الذين رجحوا أّنا جمرد اقتباس ملسرحية موليري املوسومة بـ ـ" طبيب رغم أنفه"‪ ،‬أن من‬
‫مصادرها‪ :‬حكاية "القن"‪ ،‬وقصة" قمر الزمان" املأخوذتني من روائع"ألف ليلة وليلة‪".‬‬

‫وميكن أن جنمل النصوص اليت استلهمها أصحاهبا من قصص ألف ليلة وليلة على النحو اآليت(‪:)1‬‬

‫تاريخ تأليفها‬ ‫عنوان املسرحية‬ ‫اسم املؤلف‬


‫‪1022‬‬ ‫أبو احلسن املغفل‬ ‫سالل علي‬
‫‪1022‬‬ ‫الصياد والعفريت‬ ‫سالل علي‬
‫‪1031‬‬ ‫اخلليفة والصياد‬ ‫سالل علي‬
‫‪/‬‬ ‫هارون الرشيد أو أبو احلسن التميمي‬ ‫أمحد رضا حوحو‬
‫‪1003‬‬ ‫علي بابا‬ ‫بوبكر خموخ‬
‫وعلى العموم‪ ،‬ميكن إمجال العوامل اليت دفعت الكتاب املسرحيون اجلزائريون إىل استلهام نصوصهم‬
‫من قصص "ألف ليلة وليلة" فيما يأيت‬

‫أ‪ -‬ما تتمتع به القصص من فنيات ومجاليات‪.‬‬

‫ب‪ -‬سهولة متثيل شخوصها وأحداثها‪.‬‬

‫ج‪ -‬ما تزخر به من بعد تربوي وتعليمي‬

‫‪ -)1‬أفدنا يف هذه النقطة من‪ :‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ :‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪.122-120-124-112‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ -7‬التّجربة المسرحيّة المشرقيّة الحديثة‪ :‬لفتت التجربة املشرقية احلديثة نظر املسرحيني اجلزائريني‬
‫نظرا لريادهتا يف جمال الفن بعامة واألدب خباصة‪ ،‬فسعوا إىل اإلفادة منها‪ ،‬متجاوزين احلدود اجلغرافية‪،‬‬
‫وهادفني إىل النهوض بالفن املسرحي اجلزائري‪ ،‬وااللتحاق بالتجربة األدبية العربية يف مصر وسوريا‬
‫ولبنان وغريها من األمصار العربية‪.‬‬

‫ومل يكن املسرحيون اجلزائريون يفرقون‪ ،‬يف تعاملهم مع اإلبداع العرب املشرقي‪ ،‬بني االقتباس عن‬
‫نصوص مسرحية أو نصوص أدبية روائية كانت أو قصصية‪ ،‬بل كانوا يبحثون عن اجلودة الفنية‪،‬‬
‫والطرح الفكري املالئم لواقعهم املعيش‪ ،‬واضعني نصب أعينهم إثراء التجربة املسرحية الفتية موازنة‬
‫بنظريهتا املشرقية‪ ،‬ولعلنا نكشف من خالل هذا الرصد(‪ )1‬عن املصادر املشرقية اليت القت صدى يف‬
‫نفوس كتابنا فاقتبسوها‪ ،‬وقدموها يف املسرح الوطين أو يف مسارح اجلهوية‪:‬‬

‫تارخيها‬ ‫مقتبسها‬ ‫عنوان السرحية مصدرها‬


‫توفيق احلكيم اقتباس‪ :‬حممد الصغري‪ ،‬إخراج‪ :‬عبد القادر علولة ‪1000‬‬ ‫السلطان‬
‫احلائر‬
‫‪1000‬‬ ‫اقتباس‪ :‬مصطفى كاتب‪ ،‬إخراج‪ :‬عالل احملب‬ ‫أنت اليت قتلت علي سامل‬
‫الوحش‬
‫‪1024‬‬ ‫توفيق احلكيم اقتباس وإخراج‪ :‬عبد القادر علولة‬ ‫حوت يأكل‬
‫حوت‬
‫‪1022‬‬ ‫اقتباس‪ :‬حممد بن قطاف‪ ،‬إخراج‪ :‬حممد بن‬ ‫علي سامل‬ ‫عفريت وهفوة‬
‫قطاف‬
‫‪1023‬‬ ‫حممد املاغوط اقتباس‪ :‬جموب وزيان الشريف‪ ،‬إخراج‪ :‬زيان‬ ‫قالوا العرب‬
‫الشريف‬ ‫قالوا‬
‫‪1026‬‬ ‫حممد املاغوط اقتباس‪:‬جموبيوزيان الشريف‪ ،‬إخراج‪ :‬زيان‬ ‫جحا والناس‬
‫الشريف‬
‫‪1021‬‬ ‫اقتباس‪ :‬حممد بن قطاف‪ ،‬إخراج‪ :‬مصطفى‬ ‫جحا باع محاره نبيل بدران‬

‫‪ -)1‬أفدنا يف هذه النقطة من‪ :‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪ 122-122‬و‪ 212 -210‬و‪ 222‬و‬
‫‪( 201-212‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫كاتب‬
‫اقتباس بن قطاف وجموب‪ ،‬إخراج‪ :‬زيان الشريف ‪1024‬‬ ‫إحسان عبد‬ ‫حافلة تسري‬
‫عياد‬ ‫القدوس‬
‫‪1020‬‬ ‫اقتباس‪ :‬عبد احلفيظ زايدي‪ ،‬إخراج‪ :‬مصطفى‬ ‫سعد اهلل‬ ‫بايع راسو يف‬
‫كاتب‬ ‫ونوس‬ ‫قرطاسو‬
‫‪1003‬‬ ‫توفيق احلكيم اقتباس و إخراج‪ :‬العرب زكال‬ ‫مشس النهار‬
‫‪2666‬‬ ‫اقتباس‪:‬أمحد رزاق ‪ ،‬إخراج‪ :‬نبيلة حممدي‬ ‫إحسان عبد‬ ‫الزعيم‬
‫القدوس‬
‫‪1001‬‬ ‫عصام حمفوظ اقتباس وإخراج‪ :‬حممد آدار والطيب رمضان‬ ‫اجلنرال‬

‫ومن خالل هذا الرصد حلضور التجربة العربية يف املسرحية اجلزائرية نقف على بعض املالحظات منها‪:‬‬

‫‪ -‬أن الكتاب املسرحيني اجلزائريني كانوا يعتمدون مبدأ االنتقاء الواعي للنص املصدر انطالقا مما يتسم‬
‫به من خصائص فنية ومجالية‪.‬‬

‫‪-‬أما من حيث املضمون فقد ركزوا على املواضيع االجتماعية اليت تسلط الضوء على االنتهازية‪،‬‬
‫وتضارب املصاحل يف "حوت يأكل حوت لتوفيق احلكيم"‪ ،‬و "حافلة تسري" إلحسان عبد القدوس‪،‬‬
‫واملهرج للماغوط‪ .‬كما تفاعلوا مع النصوص ذات املغزى السياسي اليت تسعى إىل تعرية األنظمة‬
‫العربية مثل مسرحية‪" :‬بايع راسو يف قرطاسو" املقتبسة عن مغامرة رأس اململوك جابر لسعد اهلل‬
‫ونوس‪ ،‬الزعيم إلحسان عبد القدوس‪ ،‬السلطان احلائر لتوفيق احلكيم وغريها‪.‬‬

‫‪ -‬أن االقتباس عندهم كان إبداعا ثانيا للنص األصل‪ ،‬حيث كانوا يأخذون الفكرة أو مضمون‬
‫النص‪ ،‬ويتصرفون يف البناء مبا يتالءم والبيئة اجلزائرية‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ثانيا‪-‬أثر التّجربة المسرحيّة األجنبيّة على المسرحيّة الجزائريّة‪ :‬انفتحت التجربة املسرحية يف‬
‫اجلزائر‪ ،‬بفعل االقتباس والرتمجة‪ ،‬على املصادر األجنبية ممثلة يف نصوص مسرحية بلغت العاملية‪،‬‬
‫وجذبت مبواضيعها اإلنسانية اخلالدة‪ ،‬وبشخصياهتا ذات األبعاد النفسية واالجتماعية والفكرية‬
‫املتكاملة‪ ،‬الكتاب املسرحيني اجلزائريني فسعوا إىل إعادة صياغتها‪ ،‬وتقدميها للجمهور اجلزائري يف حلة‬
‫جديدة‪.‬‬

‫واحلق أن االتصال باملصدر األجنب يعود إىل فرتة الثالثينيات من القرن العشرين‪ ،‬حيث عول الرواد‬
‫األوائل‪" :‬سالل علي"و"حمي الدين باشطارزي" و" رشيد القسنطيين"‪ ،‬من أجل دفع عجلة املسرحية‬
‫اجلزائرية قدما إىل األمام‪ ،‬على ما توفر هلم من نصوص املسرح الفرنسي والسيما مسرح "موليري" الذي‬
‫كان له حضور مكثف يف أعماهلم نظرا ملا يتميز به من بساطة وفكاهة وما يطرحه من مواضيع‬
‫اجتماعية‪ ،‬وقد أطلق لفيف من النقاد على ّتربة انفتاح الفن املسرحي اجلزائري على اآلخر وصف‬
‫"السري على املنوال"‪ ،‬أو "االقتداء بالنماذج السابقة"(‪ ،)1‬وهي خطوة ضرورية‪ ،‬يف نظر هؤالء النقاد‪،‬‬
‫حىت يتقن الكتاب اجلزائريون دروب الكتابة الدرامية وأفانينها‪ ،‬فكان االنفتاح على الربرثوار األورب‬
‫ضرورة ملحة فرضتها الظروف السياسية والثقافية اليت عرفتها اجلزائر يف تلك الفرتة‪.‬‬

‫وميكن القول إن انفتاح الفن املسرحي على التجربة الغربية قد متيز جبملة من املميزات نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -1‬تنوع املصادر الغربية اليت ّنل املسرحيون اجلزائريون مادهتم منها؛ حيث تراوحت‪ ،‬وبنسب‬
‫متفاوتة‪ ،‬بني املسرح الفرنسي‪ ،‬واملسرح اإليطال واإلجنليزي‪ ،‬واألملان‪ ،‬والروسي وغريه‪ ،‬يقول نصر‬
‫الدين صبيان يف هذا‪ «:‬لقد ارتبط املسرح اجلزائري باإلعداد واالقتباس من املسرح األوروب خاصة‬
‫الفرنسي منه‪ ،‬حبكماالحتكاك املستمر واملتبادل بني الفرنسيني واجلزائريني‪ ،‬أثناء االحتالل»(‪)2‬فكان‬

‫‪ -)1‬مثارا ألكساندروفينا بوتيتسيفا‪ ،‬ألف عام وعام على املسرح العرب‪ ،‬تر‪ :‬توفيق املؤذن‪ ،‬دار الفراب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1021‬م‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ -)2‬نصر الدين صبيان‪ :‬اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر ( ‪ ،) 1026-1014‬رسالة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬عزيزة مريدن‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب‪ ،‬جامعة دمشق‪،1024-1021 ،‬ص‪360‬‬

‫‪61‬‬
‫لرجال املسرح اجلزائري احلرية يف اختيار مواضيع نصوصهم من التجربة الغربية‪ ،‬ال حتدهم حدود لغوية‬
‫أو جغرافية يف ذلك‪.‬‬

‫واملالحظ أن املسرح الفرنسي حيظى‪ ،‬بفعل االرتباطات التارخيية والثقافية‪ ،‬مبيل املسرحيني اجلزائريني؛‬
‫حيث نلفي اقتباسهم لنصوص مسرحية؛ فقد عكف الرعيل األول على تقدمي نصوص موليريللجمهور‬
‫اجلزائري‪ ،‬وولع "أمحد رضا حوحو" بنصوص كل من موليري و"فيكتور هوغو" وغريمها(*)‪،‬أما كاكي ولد‬
‫عبد الرمحان فاختار من املسرح اإليطال مسرحية "ديوان القارقوز"للكاتب ‪ ،...‬واختار عبد القادر‬
‫علولة من األدب الروسي قصة "مذكرات جمنون" للكاتب "نيكوالي غوغول"‪.‬‬

‫ولعل مسرح "برتولد بريخث" األملان كان رافدا مهما من روافد املسرحية اجلزائرية؛ ويرجع ذلك إىل‬
‫«ما يتصل مبكانة برخيث يف املسرح العاملي‪ ،‬ومنها ما يتصل هبويته السياسية والفكرية‪ ،‬ومنها شيوع‬
‫االعتقاد بأن إضفاء صفة امللحمية على عمل مسرحي ما يعفياملؤلف من التقيد بأصول احلبكة‬
‫الدرامية‪ ،‬كما يعفي املخرج واملمثل من مشقة بناء العرضاملسرحي املرتابط املقنع»(‪)1‬حيث تأثر به‬
‫لفيف من املسرحيني اجلزائريني إن على مستوى الكتابة أو التمثيل أو اإلخراج وعلى رأسهم "كاكي‬
‫ولد عبد الرمحان"‪ ،‬و"زيان الشريف عياد"‪ ،‬و"حممد بن قطاف"‪ ،‬و"عبد القادر علولة" وغريهم‪.‬‬

‫‪ -2‬تراوحت وسائل اإلفادة من التجربة املسرحية الغربية بني االقتباس والرتمجة؛ غري أنه ميكن أن‬
‫نسجل‪ ،‬انطالقا من تعامل الكتاب مع االقتباس والرتمجة‪ ،‬مالحظتني‪ ،‬تتعلق األوىل باحلرية اليت يتمتع‬
‫هبا املقتبس يف تعامله مع النص األصل فهما وتأويال؛ حيث يغدو االقتباس والرتمجة إبداعا ثانيا يراعي‬
‫خصوصية البيئة اجلزائرية‪ ،‬وتتعلق األخرى بطرق االقتباس أو الرتمجة؛ حيث كان لكل مسرحي اسلوبه‬
‫يف التعامل مع النص األصلي‪ ،‬ال يتقد بشروط‪ ،‬وال خيضع لضوابط‪.‬‬

‫*)‪ -‬أوردنا بعض النصوص املستقاة من املسرح الفرنسي لسالل علي وأمحد رضا حوحو يف احملاضرة الرابعة من املطبوعة‪ ،‬ص‪34‬‬
‫و‪.12-11-16‬‬
‫‪ -)1‬رشيد ياسني‪ :‬دعوة إىل وعي الذات‪ ،‬فصول يف نظرية الدراما والنقد املسرحي‪ ،‬منشورات‪ ،‬دمشق‪ ،2666 ،‬ص ‪.131‬‬

‫‪62‬‬
‫نستنتج مما سبق أن االنفتاح على التجربتني املسرحيتني العربية والغربية كان لضرورات تارخيية وفنية‬
‫وفكرية‪ ،‬وأّنأكسب النتاج املسرحي نضجا فنيا وفكريا‪ ،‬كما كان له نتائجه على املستوى الكمي‪ ،‬ومل‬
‫يكن هذا االنفتاح بدافع التقليد بقدر ما كان تأثرا يهدف إىل هدم فكرة التقوقع على الذات‪ ،‬ويدعو‬
‫إىل جماراة الركب الفين واإلبداعي‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪:‬‬
‫المـ ـح ـ ــاضـ ـ ــرة ّ‬

‫اتّـ ـ ـ ـ ـج ـ ــاهـ ـ ــات المـ ــسرحـ ــيّـ ــة الجـ ـ ـزائـ ـريّـ ــة‪:‬‬

‫عبي‪.‬‬
‫ش ّ‬ ‫‪ -0‬االتّجاه ال ّ‬

‫االصالحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -7‬االتّجاه‬

‫‪64‬‬
‫تمهيد‪ :‬يكاد جيمع العديد من الدارسني أن الفن املسرحي اجلزائري يتأرجحبني اّتاهني لكل منهما‬
‫خصائصه‪ ،‬وأعالمه‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬وقضاياه‪ ،‬وتتحكم يف كل اّتاه منهما ظروف نشأة خاصة‪ ،‬ومها‬
‫االّتاه الشعب‪ ،‬واالّتاه االصالحي‪ ،‬وعلى الرغم مما مييز هذين االّتاهني من اختالفات إال أنه ال‬
‫ميكن إنكار فضلهما يف إرساء دعائم الفن املسرحي يف اجلزائر ‪.‬‬

‫عبي‪ :‬يعد االّتاه األسبق إىل الظهور موازنة بنظريه االصالحي‪ ،‬حيث انبثق‪ -‬بصورة‬
‫ش ّ‬ ‫‪ -1‬االتّجاه ال ّ‬
‫تلقائية‪ -‬من لدن الشعب يف العشرينيات من القرن العشرين‪ ،‬مل يكن رواده من الطبقة املثقفة‪ ،‬بل‬
‫كانوا هواة ميارسون الفن املسرحي تأليفا ومتثيال وإخراجا إىل جانب مهن اجتماعية خمتلفة؛ حيث‬
‫اشتغل "ساللي علي" مثال مساعدا يف خمرب بصيدلية‪ ،‬أما "رشيدالقسنطيني" فعمل جنارا‪ ،‬وبدأ‬
‫"محي الدين باشطارزي" حياته كحزاب باجلامع احلنفي بالعاصمة(‪)1‬ولكن مهنهم هذه مل متنعهم من‬
‫خوض التجربة املسرحية اليت لطاملا شغفوا هبا‪ ،‬ولقد كان هذا االّتاه أشد التصاقا باجلماهري العريضة‪،‬‬
‫يسعى إىل التعبري عن قضاياها‪ ،‬وأحالمها‪ ،‬ويكتب هلا وعنها بأسلوب بسيط‪ ،‬ووعي عميق بقدرة‬
‫املسرح على تغيري الفرد واجملتمع ومن مثة اختذ تسمية املسرح الشعب‪.‬‬

‫واجلدير بالذكر هو أن رواد االّتاه الشعب قد أدركوا حقيقة املسرح الذي يتجاوز مؤسسة‬
‫األدب لينتمي إىل مؤسسة أعم وأمشل هي مؤسسة الفن‪ ،‬فكان النص بالنسبة إليهم مشروع ال‬
‫يكتمل إال بالعرض‪ ،‬وهلذا مل يُعنوا بتنميقنصوصهم املسرحية‪ ،‬ومل يهتمواجبودة أبنيتها األسلوبية بقدر‬
‫عنايتهم بنجاح العرض‪ ،‬ومبهارات التمثيل واالرّتال اليت عولوا عليها الستقطاب اجلمهور‪.‬‬

‫أعطى أصحاب االّتاه الشعب مكانة مهمة للجمهور‪ ،‬وسعوا إىل املوائمة بني املسرح باعتباره‬
‫فنا دخيال وبني طبيعة اجلمهور اجلزائري ومزاجه‪ ،‬وسعوا إىل تأصيل الفن املسرحي حبيث يقرتب من‬
‫الشعب البسيط ويالمس وجدانه‪ ،‬ويتغلغل إىل ثقافته ومن أجل حتقيق ذلك تبنوا اسرتاتيجية مسرحية‬
‫حمكمة قوامها‪:‬‬

‫‪ -)1‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬ص‪( 04-03-02‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫أ‪ -‬تقدمي العروض القصرية اليت ال تبعث على امللل مراعاة لنفسية اجلمهور اليت مل تعتد اجللوس لفرتة‬
‫زمنية طويلة ملشاهدة عرض مسرحي‪.‬‬

‫ب‪ -‬يتخلل كل عرض مقاطع غنائية طربية تكسر أحادية اخلطاب‪ ،‬وتعمل على جذب اجلمهور‪،‬‬
‫وتقلص ما قد يشوب العرض من نزعة خطابية‪.‬‬

‫ج‪ -‬تقدمي العروض يف املقاهي واألحياء الشعبية لضمان إيصاهلا إىل الشرحية العظمى من اجملتمع‬
‫اجلزائري‪.‬‬

‫د‪ -‬اعتماد اللهجة العامية وسيلة تعبريية راهن أصحاب هذا االّتاه على ما توفره من طاقات تداولية‬
‫لتقريب هذا الفن من الطبقة العامة اليت ال يفهم‪ ،‬أغلب أفرادها‪ ،‬اللغة العربية بسبب تفشي اجلهل‬
‫واألمية يف أوساطها يف ظل السياسة االستعمارية‪ ،‬ولذلك وقع االختيار على «اللغة الدارجة املفهومة‬
‫(‪)1‬‬
‫من اجلميع(‪ )...‬لغة الشارع والسوق واملقهى»‬

‫ه‪ -‬راهن أصحاب هذا االّتاه على األسلوب الكوميدي جلذب اجلمهور‪ ،‬ودفعه إىل التعلق‬
‫بالعروض املسرحية املقدمة يقول عبد القادر جغلول معلقا على سر جناح مسرحية "جحا" لعاللو‬
‫«يعود جناح مسرحيات عاللو لدى اجلمهور إىل أن هذا األخري هو موضوع تلك املسرحيات (‪)...‬‬
‫ومما ال شك فيه‪ ،‬أن هذا املسرح ال ينتج شكال ثقافيا كامال‪ ،‬بل يفسح اجملال للضحك‪ ،‬ولو مبستوى‬
‫بدائي قصد التعرف على الذات»(‪)2‬وقد أحس رواد االّتاه الشعب ميل اجلمهور اجلزائري لكل ما هو‬
‫طرب ترفيهي‪ ،‬وحاجتهم للرتويح على النفس ملواجهة سياسة القهر املفروضة عليهم‪ ،‬فاعتمدوا على‬
‫ذلك يف إرساء دعائم هذا الفن‪.‬‬

‫و‪ -‬انكب أصحاب هذا االّتاه على الواقع يستمدون مواضيعهم منه‪ ،‬فعاجلوا قضايا الشعب اليومية‪:‬‬
‫اخلمر وأضرارها‪ ،‬الزواج باألجنبيات الفقر‪ ،‬السحر والشعوذة وغريها‪.‬‬

‫‪ -)1‬سالل علي‪ ،‬شروق املسرح اجلزائري‪ ،‬تر‪ :‬أمحد منور‪ ،‬منشورات التبيني اجلاحظية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2661 ،‬ص‪.62‬‬
‫‪ -)2‬االستعمار والصراعات الثقافية يف اجلزائر‪ ،‬تر‪ :‬سليم قسطون‪ ،‬دار احلداثة‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،1021 ،‬ص‪.111‬‬

‫‪66‬‬
‫ز‪ -‬سعى رواد االّتاه الشعب إىل نشر الوعي السياسي يف أوساط الشرحية العظمى من اجملتمع‪ ،‬فكان‬
‫خطابه كوميديا ساخرا يف الظاهر ‪ ،‬يتخذ موقفا عدائيا من فرنسا وأتباعها يف الباطن على حنو ما جند‬
‫يف مسرحية "بين وي وي" ‪ ،1034‬الكذابني‪ ،1032‬اخلداعني‪ ،1032‬ما يتفع غري‬
‫الصح‪1030‬لـ ـ ـ "حمي الدين باشطارزي‪ ،‬ومسرحية "فاقو" ‪ 1032‬لعاللو‬

‫وعلى الرغم من جناح أصحاب هذا االّتاه يف استقطاب اجلمهور إال أنه لقي بعض االنتقادات منها‪:‬‬
‫‪ -‬أنه عمق مشكلة اهلوية اللغوية حيث كرس ملسرح شعب عامي اللغة‪ ،‬وهو ما أوجد قطيعة بني اللغة‬
‫العربية احملاصرة من قبل االستعمار الفرنسي‪ ،‬وواجلماهري الشعبية القابعة حتت نري اجلهل واألمية‪.‬‬

‫‪ -‬وضع هذا االّتاه البنية الثقافية يف اجلزائر على احملك حني أوجد طبقية ثقافية أصبحت النخبة‬
‫املثقفة الناطقة بالعربية معزولة يف برجها العاجي‪ ،‬يبقى أدهبا حكرا على أفرادها‪ ،‬يف حني يتوجه‬
‫أصحاب االّتاه الشعب إىل اجملتمع ككل‪.‬‬

‫االصالحي‪ :‬يتسم هذا االّتاه باألصالة والعراقة والرزانة‪ ،‬وهو سليل "مجعية العلماء‬
‫ّ‬ ‫‪ -7‬االتّجاه‬
‫املسلمني"واملرتجم ألفكارها يف املسرح‪ ،‬ينضوي معظم رواده من كتاب وشعراء حتت لوائها‪ ،‬وينشطون‬
‫يف فرق ونواد فنية وأدبية منبثقة عنها‪.‬‬

‫وقد اكتسب هذا االّتاه شهرة عربية نتيجة عالقات أعضائه بأدباء ومثقفني عرب من سوريا ولبنان‬
‫ومصر كون أغلبهم عاشوا يف هذه الدول ردحا من الزمن كأمحد رضا حوحو الذي قضى فرتة زمنية‬
‫معتربة يف مكة املكرمة‪ ،‬وهو ما جعل تأثرها بالتجربة املسرحية املشرقية واضحا يف كتاباهتم‪ ،‬ويف‬
‫اختياراهتم للمواضيع نفسها‪.‬‬

‫استطاع رواد هذا االّتاه أن يكثفوا نشاطاهتم اعتمادا على وسائل منها‪ - :‬نشر نصوصهم املسرحية‬
‫يف الصحف واجلرائد وعلى رأسها جريديت الشهابوالبصائراليت كان للبشري اإلبراهيمي نشاط فكري‬

‫‪67‬‬
‫وأدب يف أعمدهتما‪ ،‬وكذلكبعض اجملالت كاملنهل اليت نشر فيها أمحد رضا حوحو مسرحية األستاذ‬
‫سنة ‪.)1(1016‬‬

‫‪ -‬تقدمي عروضهم يف املناسبات الدينية كاألعياد واملولد النبوي الشريف‪.‬‬

‫‪ -‬تقدمي عروضهم يف إطار النشاطات الرتبوية والسيما يف الثانويات حىت يستفيد التالميذ منها‪.‬‬

‫كان هدف االّتاه االصالحي هو التصدي للسياسة االستعمارية الرامية إىل طمس اهلوية اجلزائرية‬
‫العربية األصيلة‪ ،‬وتدنيس الدين االسالمي‪ ،‬وحمو اللغة العربية لتحل حملها اللغة الفرنسية‪ ،‬ومن مثة رأى‬
‫أصحابه يف التمثيل «(‪ )...‬عمال يدعم جمهود العلماء ويثري العربية ويدعم وجودها‪ ،‬وحيافظ على‬
‫الشخصية العربية اإلسالمية‪)2(»...‬وانتدبوا‪ ،‬من أجل احلفاظ على الشخصية اجلزائرية‪ ،‬آليات كثرية‬
‫منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬الرتكيز على املواضيع التارخيية‪ ،‬واستنطاق رموزها ووقائعها قصد شحذ اهلمم وحتريك النفوس على‬
‫التمرد والثورة على االستعمار الغاشم؛ ذلك أن استدعاء الشخصيات التارخيية ينم عن «الرغبة يف‬
‫خلق جيل مماثل إىل القيم واملثل السامية اليت تتحلى هبا تلك الشخصيات(‪ )3(»)...‬وقد كان كتاب‬
‫اجلمعية من احلدق والذكاء حبيث ينتقون من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬أو املغارب‪ ،‬أو اجلزائري القدمي ما يلب‬
‫طموحاهتم الفكرية املناهضة لالستعمار الفرنسي‪ ،‬وما يتناسب وظروف الشعب اجلزائري ويبعث‬
‫األمل يف نفوس اجليل الناشئ؛ فاختيار "أمحد توفيق املدن" لشخصية البطل القرطاجي يف مسرحية‬
‫"حنبعل" يدعو إىل أخذ العربة من سريته البطولية اليت ال تستسيغ الذل واهلوان‪ ،‬كما أن مسرحية‬
‫"يوغرطة"(‪ )1042‬ل ـ ـ "عبد الرمحان ماضوي" تعكس الظروف السياسية يف اجلزائر إبان فرتة تأليفها‬

‫‪ -)1‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬ص‪( 110‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -)2‬إدريس قرقوة‪ ،‬الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ -‬دراسة يف األشكال واملضامني‪ -‬مكتبة الرشاد للطباعة والنشر‪ ،‬اجلزائر‪،2660 ،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.21‬‬
‫‪ -)3‬عبد اهلل البوصريي‪ ،‬حول فاعلية املسرح العرب احلديث وامتداده اجلماهريي‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ط‪ ،1021 ،1‬ص‪.01-03‬‬

‫‪68‬‬
‫من حيث انقسام الطبقة السياسية إىل دعاة إدماج ودعاة الكفاح املسلح وهي الظروف نفسها اليت‬
‫عاشها القائد النوميدي "يوغرطة" حني انقسم قادة جيشه إىل مؤيد لالستسالم لروما ومعارض له(‪.)1‬‬

‫ب‪ -‬تسليط الضوء على املواضيع الدينية اليت هتدف إىل ترسيخ قيم وتعاليم الدين اإلسالمي يف‬
‫نفوس الناشئة‪ ،‬وتدعو إىل التمسك بالعقيدة اإلسالمية‪ ،‬وأخذ العربة من شخصيات فاعلة يف التاريخ‬
‫اإلسالمي كشخصية "بالل بن رباح" يف املسرحية احلاملة العنوان ذاته ل ـ ـ "حممد العيد آل خليفة"‬
‫‪ 1032‬اليت جعلت من مؤذن اإلسالم «قناعا للتعبري عن ثبات الذات اجلزائرية املتمسكة بدينها‪،‬‬
‫الطاحمة إىل احلرية واالنعتاق من العبودية»(‪)2‬أو التذكري بوقائع تارخيية إسالمية مهمة كمولد سيد اخللق‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلم يف مسرحية املولد ل ـ ـ "عبد الرمحان اجليالل" سنة ‪.1010‬‬

‫ج‪ -‬صدرت جل مسرحيات هذا االّتاه عن نزعة اصالحية هتدف إىل تربية النفوس وهتديب الطباع‪،‬‬
‫وبعث األمل‪ ،‬والدعوة إىل التأمل يف التاريخ قصد أخذ العرب من حمطاته املختلفة‪ ،‬كما سعت إىل‬
‫حماربة ألوان الشعوذة واخلرافات وغريها‪.‬‬

‫د‪ -‬ال ختلو نصوص هذا االّتاه من البعد الرتبوي والتعليمي حيث أدرج الكتاب ضمن أهدافهم‬
‫التعريف ببعض األحداث أو الشخصيات اإلسالمية‪ ،‬مع استحضار اآليات القرآنية واألحاديث‬
‫النبوية الشريفة‪ ،‬واألشعار وغريها‪.‬‬

‫ه‪ -‬اختذ هذا االّتاه من اللغة العربية رمزا للهوية العربية واإلسالمية‪ ،‬فوظفوها يف نصوصهم‪ ،‬وسعوا‬
‫إىل احملافظة عليها‪ ،‬نشرها بني العامة واخلاصة‪.‬‬

‫‪ -)1‬ينظر‪ :‬عبد الرمحان ماضوي‪ ،‬مسرحية يوغرطة‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،1020 ،2‬ص‪.21-23-22‬‬
‫وأيضا‪ :‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.06‬‬
‫‪ -)2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.160‬‬

‫‪69‬‬
‫وعلى الرغم من جهود رواد االّتاه االصالحي يف نشر الوعي وإصالح حال اجملتمع‪ ،‬والتصدي‬
‫للسياسة االستعمارية‪ ،‬واالستماتة يف الدفاع عن الشخصية اجلزائرية إال أنه تعرض لبعض االنتقادات‬
‫نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -1‬أن نصوصهم املسرحية كانت خنبوية يف أغلب األحيان‪ ،‬فعلى الرغم من أن العامة تتابع عروضهم‬
‫إال أن حاجز اللغة العربية البعيدة عن الشرحية العظمى من اجملتمع حال دون أن تلقى هذه العروض‬
‫إقباال مجاهرييا واسعا موازنة مع االّتاه الشعب اللصيق بالشعب البسيط‪.‬‬

‫‪ -2‬النزعة اخلطابية اليت طغت على نصوصهم نتيجة االهتمام باملضمون على حساب اجلوانب الفنية‬
‫وهو ما جعل مسرحياهتم‪ ،‬يف نظر بعض النقاد‪ ،‬منربا تعليميا بالدرجة األوىل‪.‬‬

‫‪ -3‬كانت مواضيع نصوص االّتاه االصالحي مواضيع تارخيية أو دينية بعيدة عن واقع الشعب‬
‫اجلزائري اليومي‪ ،‬ولذلك كانت مسرحياهتم تتقوقع يف برجها العاجي دون أن تتلمس معاناة الطبقة‬
‫البسيطة من اجملتمع اجلزائري‪ ،‬ودون أن تعرب عن انشغاالهتا‪.‬‬

‫وعلى العموم كان لكل اّتاه من هذين االّتاهني دوره يف تطوير املسرحية اجلزائرية‪ ،‬ووسيلته يف‬
‫التعبري عن حاجات اجملتمع النفسية والثقافية والسياسية‪ ،‬ومساته اليت متيزه عن االّتاه اآلخر‪،‬‬
‫وتبصم النصوص املسرحية اجلزائرية ببصمة متفردة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫طبيقي‪ :‬مسرحيّة يوغرطة لعبد الرحمان ماضوي‪:‬‬
‫‪ - ‬النّموذج التّ ّ‬
‫تعد مسرحية "يوغرطة" لعبد الرمحان ماضوي منوذجا رائدا للمسرحية التارخيية ذات املغزى االصالحي‪،‬‬
‫ألفت سنة ‪ 1042‬مستوحية أحداثها من التاريخ اجلزائري القدمي يف ظل حكم الدولة النوميدية‪،‬‬
‫ومتخذة من سرية القائد العظيم "يوغرطة" وكفاحه ضد االمرباطورية الرومانية موضوعا هلا‪.‬‬

‫ولعل عبقرية الكاتب تظهرأوال يف اختياره للشخصية التارخيية "يوغرطة" اليت يسعى من خالهلا إىل‬
‫اصالح حال اجملتمع اجلزائري إبان الفرتة االستعمارية‪ ،‬فرتتكز املسرحية على بعد نفسي يهدف إىل‬
‫بعث األمل يف نفوس اجلزائريني اليت أضناها قهر االستعمار ‪ ،‬ورسم صورة البطل اليت افتقدهتا عيوّنم‪،‬‬
‫وإحياء تاريخ جميد يلتفون حوله‪ ،‬ويعززون ثقتهم بأنفسهم من خالل بطوالته‪ ،‬وبالتال «فإن املسرحية‬
‫ال تقدم سردا تارخييا –جمانيا‪ -‬حلياة يوغرطة‪ ،‬بقدر ما تقدم رؤية سياسية يف الواقع اجلزائري قبيل‬
‫اندالع ثورة نوفمرب ‪1041‬من خالل اختيار مالمح وحمطات تارخيية بعينها يف حياة يوغرطة منسوجة‬
‫نسجا فنيا مسرحيا»(‪ّ )1‬تعل القارئ يتأمل ويفكر ويفعل (يثور) بدل السكون إىل الذل واهلوان‪.‬‬

‫وتتخذ املسرحية شرعيتها من خالل ذلك التشابه بني املاضي واحلاضر‪ ،‬فالتاريخ فيها يعيد نفسه‪ ،‬وما‬
‫حدث للجزائر يف عهد يوغرطة حيدث هلا إبان زمن االستعمار «موقف الشعب اجلزائري من‬
‫االحتالل الفرنسي‪...‬نفس األسلوب التعسفي استعمل تقريبا من طرف الرومان والفرنسيني معا‪،‬‬
‫ونفس املوقف اختذه الشعب اجلزائري من االحتاللني معا وهو موقف املقاومة والصمود‪ ،‬وهناك شبه‬
‫آخر ال يقل عن السابق‪ ،‬وهو أن الشعب اجلزائري انقسم على نفسه يف العهدين‪ ،‬فكان منه الثوريون‬
‫(‪)2‬‬
‫املتطرفون‪ ،‬وكان منه املعتدلون االّنزاميون‪»...‬‬

‫‪ -)1‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.06‬‬


‫‪ -)2‬حممد مصايف‪ ،‬دراسات يف النقد واألدب‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪ ،122‬وينظر أيضا ‪ :‬املرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.01‬‬

‫‪71‬‬
‫على حنو ما هو مبني يف املقطع الدائر بني يوغرطة وأمازيغ حول تقاعس كبري األعيان‬
‫فرانسكين‪ -«:‬يوغرطة‪ :‬وما مربراته يف عدم مالئمة الوقت؟ ‪ -‬مازيغ‪ :‬إنه يرى أن الشعب غري‬
‫مستعد للمقاومة‪ – .‬يوغرطة‪:‬طبعا ‪ ...‬كيف يستعد الشعب إذا كان أربابه غري مستعدين؟ ‪-‬‬
‫مازيغ‪ :‬وبناء على رأيه فهو يرى أن من األحسن مماطلة روما والتعلق بصداقتها‪ – .‬يوغرطة‪( :‬بقوة)‬
‫صداقة روما ؟ األبله يعتمد على صداقة روما (‪ )...‬روما تعرب لنا عن صداقتها باالستيالء على‬
‫أراضينا (‪ )1(»)...‬مما يبني موقف الكاتب نفسه من دعاة االدماج‪ ،‬واعرتاضه على احلل السلمي الذي‬
‫ال طائل منه‪ ،‬يف نظره‪ ،‬ألن ما أخذ بالقوة البد أن يسرتد بالقوة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن املسرحية تقرتب كثريا من التاريخ إال أن الكاتب ال ينفك يضمر خطابا سياسيا‬
‫حتذيريا يسعى‪ ،‬من خالله‪ ،‬الستنهاض مهة الشعب اجلزائري‪ ،‬وحتريضه على الثورة ضد املستعمر‬
‫يتجلى ذلك يف حرصه على تضمني عتبة كل فصل من فصول نصه بآيات قرآنية أو أقوال مأثورة‬
‫توجه عملية التلقي‪ ،‬وتضع املسرحية يف حركية الراهن؛ الحظ اقتباسه مثال لقوله تعاىل‪﴿ :‬فقاتل يف‬
‫سبيل اهلل ال تكلف إال نفسك وحرض املؤمنني‪ ،‬عسى اهلل أن يكف بأس الذين كفروا واهلل أشد بأسا‬
‫وأشد تنكيال﴾(‪ )2‬تقدميا للفصل الرابع وستتبني أن الكاتب توسل هبذه العتبة وغريها لتقوية عزمية‬
‫الشعب اجلزائري‪ ،‬وحثه على اجلهاد واملقاومة وتبشريه بالنصر(‪)3‬وقس على ذلك اقتباسات عتبات‬
‫باقي الفصول‪.‬‬

‫ولعل ما يلفت النظر يف املسرحية هو التنويه بدور املرأة اجلزائرية يف الثورة‪ ،‬والسعي إىل رسم صورة‬
‫إجيابية هلا؛ حيث نالحظ أن الكاتب جلأ‪ ،‬إىل جانب الرتكيز على صورة البطل يوغرطة‪ ،‬إىل تصوير‬
‫زوجته "رنيدة" باعتبارها امرأة واعية تتفاعل مع احلدث السياسي‪ ،‬وتدفع زوجها إىل حسم قراره بشأن‬
‫الثورة‪ ،‬وتعرض عليه املساعدة يف إقناع الدها بالتحالف معه ضد روما تقول حماورة يوغرطة‪« :‬إن‬

‫‪ -)1‬عبد الرمحان ماضوي‪ ،‬مسرحية يوغرطة‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1020 ،2‬ص‪.22‬‬
‫‪ -)2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ -)3‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪( 02‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫إفريقيا ال ترضى االستعباد أبدا‪ ،‬إن روحها جذوة ميكن أن خيمد نورها‪ ،‬ولكن نارها ال تنطفئ‬
‫أبدا‪...‬انفض هذا التشاؤم واستلئم للجهاد ودعين أذهب ألب ألمحله على مساعدتنا‪ 1»...‬بل وتتمتع‬
‫بالقوة اليت ّتعلها‪ ،‬حني تدرك تآمر والدها وقادة جيش زوجها مع الرومان ضد زوجها يوغرطة‪ ،‬تقرر‬
‫شرب السم لتبني وفاءها لزوجها الذي ساوره الشك يف تورطها يف املؤامرة‪ -« :‬رنيدة (تتكلم ويداها‬
‫على بطنها)‪ :‬أعرف ‪..‬أّنا مسمومة‪ ،‬وشربتها لئال تقول‪ :‬إن نفرت من جنمك اآلفل (تسقط على‬
‫األرض)»(‪)2‬وهبذه الصورة اإلجيابية حث "عبد الرمحان ماضوي" املرأة اجلزائرية إبان الفرتة االستعمارية‬
‫على االقتداء مبا كانت تتمتع به املرأة اجلزائرية يف الفرتة النوميدية من عزة ومشوخ وإباء‪.‬‬

‫خنلص مما تقدم أن مسرحية يوغرطة لعبد الرمحان ماضوي كانت حلقة وصل بني املاضي واحلاضر‪،‬‬
‫ومحلت الكثري من القيم الثورية بأسلوب فين مشوق‪ ،‬مستنهضة مهة الشعب اجلزائري‪ ،‬متخفية من‬
‫الرقابة االستعمارية بقناع التاريخ‪.‬‬

‫‪ -)1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.110‬‬


‫‪ -)2‬املصدر نفسه‪.132 ،‬‬

‫‪73‬‬
‫المحاضرة الثّامنة‪:‬‬

‫مـ ــوضــوعات ال ــمسرحية ال ـ ــجزائ ـ ـري ـ ــة‪:‬‬

‫‪ -1‬موضوعات ما قبل االستقالل‪.‬‬

‫‪ -2‬موضوعات ما بعد االستقالل‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫تمهيد‪ :‬عرفت املسرحية اجلزائرية‪ ،‬منذ نشأهتا إىل يومنا هذا‪ ،‬تنوعا ملحوظا يف املواضيع املطروحة‪،‬‬
‫وانفتحت على كل ما يتعلق باإلنسان من قضايا سواء أكانت سياسية‪ ،‬أو أخالقية‪ ،‬أو اجتماعية‪ ،‬أو‬
‫ت‪ ،‬من خالل مضامينها‪ ،‬احلدود احمللية إىل العربية واإلنسانية‪ ،‬وكما تعددت موضوعاهتا‬
‫وعبَـَر ْ‬
‫ثقافية‪َ ،‬‬
‫تعددت‪ ،‬أيضا‪ ،‬األساليب والتقنيات الفنية املعتمدة يف التعبري عن هذه املوضوعات؛ حيث كان لكل‬
‫كاتب مسرحي رؤية فنية متفردة يصوغ من خالهلا نصه‪ ،‬ويقدمه ملتلقي قارئا أو متفرجا‪.‬‬

‫وميكن أن منيز‪ ،‬عند احلديث عن موضوعات املسرحية اجلزائرية‪ ،‬بني موضوعات ما قبل‬
‫االستقالل وموضوعات ما بعد االستقالل‪ ،‬وهلذا التمييز ما يربره السيما وأن الكتاب املسرحيون‬
‫اختاروا من املوضوعات ما يتناسب وكل مرحلة حبسب ما متليه عليهم ظروفها السياسية واالجتماعية‬
‫والثقافية‪.‬‬

‫‪ -1‬موضوعات ما قبل االستقالل‪:‬تنوعت موضوعات املسرحية اجلزائرية يف هذه الفرتة وتراوحت‬


‫بني‪:‬‬

‫أ‪ -‬الموضوعات االجتماعيّة‪ :‬وقد هيمنت هذه املوضوعات على النصوص املسرحية اجلزائرية األوىل؛‬
‫حيث غاص الكتاب املسرحيون اجلزائريون يف أعماق اجملتمع يستمدون مواضيعهم منه‪ ،‬ساعني إىل‬
‫تقريب هذا الفن من فئاته املختلفة‪ ،‬وراغبني يف تسليط الضوء على بعض القضايا اليت تنخر جسد‬
‫اجملتمع اجلزائري‪.‬‬

‫ولعل االّتاه الشعب يف املسرح اجلزائري كان سباقا يف معاجلة املواضيع االجتماعية لقربه من الشعب‪،‬‬
‫والتصاقه بالشرحية العظمى من شرائحه‪ ،‬فكان خيتار مناذج حية من اجملتمع اجلزائري ليسلط الضوء‬
‫على بعض املشاكل االجتماعية بلغة عامية بسيطة‪ ،‬وكانت هذه النماذج تلقى قبوال حسنا لدى‬
‫اجلمهور ألنه حيس أّنا مناذج لشخصيات واقعية يصادفها يف حياته اليومية‪.‬‬

‫أما املواضيع االجتماعية املطروحة يف العشرينيات إىل الثالثينيات من القرن املاضي فسلطت الضوء‬
‫على بعض اآلفات االجتماعية كتعاطي اخلمر‪ ،‬وإدمان احلشيش‪ ،‬و الزواج باألجنبيات الذي تفشى‬

‫‪75‬‬
‫يف أوساط اجملتمع اجلزائري آنذاك مهددا أصالة األسرة اجلزائرية وعاداهتا‪ ،‬حيث شعت األعمال‬
‫املسرحية إىل حماربة العادات والفاسدة‪ ،‬والشعوذة واألمراض االجتماعية‪ ،‬وانتشار األمية لدى املرأة‬
‫اجلزائرية ونقص تعليمها‪ ،‬وأحيانا تأثرها باملرأة الفرنسية ‪ ،‬وكانت هذه املواضيع تعاجل بأسلوب كوميدي‬
‫ساخر يهدف إىل تصوير القيمة االجتماعية السلبية بطريقة منفرة وجعل الشخصية اليت متثلها‬
‫أضحوكة ‪.‬‬

‫ومل يغفل كتاب املسرحية اجلزائرية الناطقة باللغة العربية الفصيحة اهلم االجتماعي‪ ،‬بل كان من‬
‫املوضوعات احملببة لديهم؛ فطرحوا قضايا اجتماعية شائكة عاجلتها نصوص مسرحية مثل‪" :‬الشفاء‬
‫بعد العناء" حملمد الطاهر فضالء اليت تعاجل موضوع اخلمر وأضرارها‪ ،‬وزوجة األب لـ ـ "أمحد بن ذياب"‬
‫سنة ‪ ،1042‬وغريها‪ ،‬وقد منا احلس االجتماعي يف املسرحية اجلزائرية‪ ،‬بفضل هؤالء الكتاب وغريهم‪،‬‬
‫نتيجة اعتمادهم اللغة العربية وسيلة تعبريية وتصويرهم الصادق للبيئة اجلزائرية بأسلوب فين ر ٍاق‪،‬‬

‫ب‪ -‬الموضوعات األخالقيّة‪:‬شغل املوضوع األخالقي بال كتاب املسرحية اجلزائرية يف فرتة ما قبل‬
‫االستقالل فحاولوا‪ ،‬من خالل نصوصهم‪ ،‬إصالح حال اجملتمع اجلزائري‪ ،‬والسيما بعد تفشي بعض‬
‫السلوكات الالأخالقية نتيجة انتشار اجلهل واألمية بني فئاته‪ ،‬وغياب الوازع الديين يف ظل قمع‬
‫السلطات الفرنسية للمدارس والزوايا وغريها‪.‬‬

‫ويف اإلطار األخالقي عاجل النص املسرحي اجلزائري موضوع البخل‪ ،‬حيث سعى الكتاب إىل الكشف‬
‫عن مسبباته‪ ،‬ونتائجه على الفرد واجملتمع‪ ،‬مصورين شخصية البخيل بطريقة فكاهية ساخرة حنو‬
‫البخيل حملمد التوري‪ ،‬البخالء للبشري اإلبراهيمي‪ ،‬سي شعبان (أو البخيل) ألمحد رضا حوحو‪،‬‬
‫وسلط رشيد القسنطيين الضوء على العديد من القضايا الالأخالقية كالطمع يف مسرحية بابا قدور‬
‫الطماع‪ ،‬والكذب يف "الكذابني" ‪ ،‬النفاق والعمالة لفرنسا يف "اخلداعني" وغريها من القضايا اليت كان‬
‫الفن املسرحي فيها منربا للنقد واإلصالح‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫اريخي‪ :‬ارتبط املوضوع التارخيي باالّتاه اإلصالحي حيث تبىن أغلب كتاب مجعية‬
‫ج‪ -‬الموضوع التّ ّ‬
‫العلماء املسلمني سياسة الدفاع عن اهلوية اجلزائرية‪ ،‬سالحهم يف ذلك توظيف التاريخ‪ :‬شخصياته‬
‫وأحداثه قصد استلهام العرب من املاضي‪ ،‬وشحذ مهم النشء بأجماد السلف‪.‬‬

‫وقد انفتح كتاب املسرحية اجلزائرية على خمتلف احلقب التارخيية بداية بالتاريخ اإلسالمي الذي حيضر‬
‫من خالل نصوص كثرية منها‪ :‬مسرحية "بالل بن رباح"ل ـ ـ ـ "حممد العيد آل خليفة" سنة ‪،1032‬‬
‫واملولد سنة ‪ ،1012‬واهلجرة لعبد الرمحان اجليالل‪ ،‬الناشئة املهاجرة سنة ‪1012‬و اخلنساء سنة‬
‫‪ 1046‬حملمد الصاحل رمضان‪ ،‬صنيعة الربامكة‪ ،‬وعنبسة ألمحد رضا حوحووغريها من النصوص اليت‬
‫اختذت من التاريخ اإلسالمي اجمليد مادة هلا‪ ،‬واستمدت قحيَ َمها الفكرية من فرتاته الزاهية‪.‬‬

‫ومل يكن التاريخ املغارب القدمي غائبا عن ذهن الكاتب املسرحي اجلزائري‪ ،‬بل رأى يف أبطاله مثاال‬
‫للمقاومة والتضحية يف سبيل احلرية‪ ،‬ومنوذجا للوطنية واالعتزاز بالنفس‪ ،‬ولذلك محل "أمحد توفيق‬
‫املدن" شخصية القائد القرطاجي "حنبعل" أمل الشعب اجلزائري بغد أفضل‪ ،‬ورجع "عبد الرمحان‬
‫ماضوي" إىل التاريخ اجلزائري يف الفرتة النوميدية ليستدعي فكرة املخلص واملنقذ يف سرية "يوغرطة"‪،‬‬
‫حماورا حاضر اجلزائر يف ظل السياسة االستعمارية مباضي بالد املغرب العرب اجمليد‪.‬‬

‫وقد حققت املوضوعات التارخيية يف املسرحية اجلزائرية ثالثة أبعاد‪ :‬بعد سياسي «فأغلب املسرحيات‬
‫التارخيية إمنا تقنعت بالتاريخ ملقاومة االستعمار الفرنسي»(‪ )1‬وكانت جل املسرحيات ذات نزعة‬
‫حتريضية تتنبأ بالثورة املباركة قبل ميالدها‪ ،‬وتشحذ اهلمم للمقاومة ورفع الغنب عن اجلزائر‪ ،‬وبعد‬
‫تعليمي كان املسرحيات فيه درسا يستمد من التاريخ مادته‪ ،‬ويعلم النشء ماضيه وتراثه‪ ،‬وبعد نفسي‬
‫كان التاريخ فيه تعويضا سيكولوجيا عن حالة السكون العاطفي يف ظل السياسة االستعمارية القاهرة‪.‬‬

‫وري‪ّ:‬نض الفن املسرحي يف اجلزائر بدور نضال فعال ضد االستعمار الفرنسي‪،‬‬


‫د‪ -‬الموضوع الثّ ّ‬
‫والتزم بالقضايا الوطنية‪ ،‬متصديا‪ ،‬إىل جانب هيئات ثقافية أخرى كاجلمعيات والنوادي واملساجد‬

‫‪ -)1‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف التاريخ يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.02‬‬

‫‪77‬‬
‫والزوايا والصحافة املكتوبة واملسموعة‪ ،‬للسياسة االستعمارية اهلادفة إىل طمس اهلوية اجلزائرية‪ ،‬ومتخذا‬
‫من الكلمة وسيلة لنشر الوعي السياسي بني أفراد الشعب اجلزائري‪ ،‬متقنعا بالتاريخ تارة‪ ،‬وبالنقد‬
‫الساخر تارة أخرى‪ ،‬وقد لفت هذا املسار النضال للمسرح اجلزائري نظر السلطات الفرنسية اليت‬
‫فرضت عليه الرقابة‪ ،‬وأوقفت عرض نصوص كثرية‪.‬‬

‫واحلقيقة أن املوضوع الثوري فرض نفسه على الكتاب املسرحيني قبل اندالع الثورة بوقت مبكر من‬
‫خالل تلك التلميحات السياسية اليت ّتلت يف نصوص"حمي الدين باش تارزي" حنو‪ :‬مسرحية‬
‫"فاقو"‪ ،1031‬و"بين وي وي"‪ ،1034‬واخلداعني ‪ 1032‬وكلها مسرحيات اختذت من الفكاهة‬
‫وسيلة لتوعية الشعب اجلزائري‪ ،‬وإيقاظ حسه الوطين‪.‬‬

‫ومع اندالع الثورة املباركة سعى الفن املسرحي إىل دعم قضيتها‪ ،‬وااللتزام مببادئها‪ ،‬ورفع راية الكفاح‬
‫حتت لوائها يقول عبد احلليم رايس يف هذا‪« :‬إن املسرح بالنسبة لنا ميثل إطارا للكفاح؛ ألن املسرح‬
‫اجلزائري مسرح ملتزم يعمل يف صميم الثورة‪ ،‬وإننا منثل مسرحا شعبيا يعيش يف حالة حرب‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي بالنسبة لنا كفنانني أن نفكر وأن نفعل كمناضلني‪ ،‬ويف هذه املرحلة من الكفاح الوطين‪ ،‬فإن‬
‫مسرحنا الواقعي جيب أن يكون مسرح جبهة التحرير الوطين‪ ،‬إننا نرتجم عربه واقع الشعب‬
‫اجلزائري»(‪ )1‬و«وجهت فرقة "جبهة التحرير الوطين" يف شهر نوفمرب سنة ‪ 1042‬نداء إىل مجيع‬
‫الفنانني اجلزائريينداعية إياهم إىل تكوين فرقة فنية تعمل على رد املزاعم الفرنسية‪،‬ونشر مبادئ الثورة‬
‫التحريرية»(‪ )2‬فتأسست الفرقة يف أفريل ‪ 1042‬و قدمت الكثري من املسرحيات‪ ،‬وكانت لسان حال‬
‫الكتاب املسرحيني‪ ،‬والناطق الفين باسم الثورة اجلزائرية‪ ،‬ووسيلة فعالة للتعريف هبا خارج الوطن‪.‬‬

‫واملالحظ أن تعامل الكتاب املسرحيني مع موضوع الثورة مل يكن واحدا‪ ،‬بل نسجل اختالف زاوية‬
‫نظر كل كاتب إليها‪ ،‬وتفرد كل نص بتسليط الضوء على قضية معينة؛ فقد تناول عبد احلليم رايس‬

‫‪ -)1‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر‪ -‬دراسة موضوعاتية فنية‪ -‬دار اهلدى للنشر والتوزيع‪ ،‬عني مليلة‪ ،‬اجلزائر‪ ،2664 ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ -)2‬ينظر‪ :‬مجيلة جرار‪ :‬املسرح الثورة التحريرية‪ ،‬جملة األصل‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬نوفمرب ‪ ،1023‬ع ‪،2‬ص ‪.22‬‬

‫‪78‬‬
‫الثورة من نواح متعددة حيث عاجل‪ ،‬من خالل مسرحية "أوالد القصبة ‪ ،1040‬مشاركة األسرة‬
‫اجلزائرية يف الثورة داخل املدن‪ ،‬ومن خالل مسرحييت "العهد" و"اخلالدون" ‪1006‬يطرح معاناة‬
‫اجملاهدين وتضحيتهم يف سبيل الوطن‪ ،‬وحياة الفدائيني وأسرارهم يف مسرحية "دم األحرار" ‪،1001‬‬
‫أما "أبو العيد دودو" فيربز قيم الوطنية والتضحية يف "مسرحية الرتاب" ‪.)1(1041‬‬

‫‪ -2‬موضوعات ما بعد االستقالل‪ :‬واكبت املسرحية اجلزائرية بعد االستقالل التغريات السياسية‬
‫واالجتماعية والثقافية اليت عرفتها اجلزائر‪ ،‬وسعت إىل التعبري عن الراهن من خالل أعمال مسرحية‬
‫كثرية حافظ بعضها على موضوعات طُحرقَ ْ‬
‫ت يف الفرتات السابقة‪ ،‬وّتاوز بعضها اآلخر تلك‬
‫املوضوعات ليسلط الضوء على أمراض عديدة تفشت يف اجملتمع اجلزائري غداة االستقالل‪ ،‬ووضعت‬
‫عالقة الفرد باألبنية االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية على احملك‪.‬‬

‫فمن املواضيع اليت ظلت حتظى باهتمام الكتاب املسرحيني بعد االستقالل موضوع الثورة الذي وفر‬
‫مادة إبداعية لنصوص كثرية‪...« ،‬كما توجه املسرح الوطين‪ ،‬بعد إنشائه‪ ،‬إىل تقدمي مسرحيات عن‬
‫الثورة التحريرية‪ ،‬بعضها كانت قد قدمته فرقة جبهة التحرير يف تونس‪ ،‬ويعزو "مصطفى كاتب" اهلدف‬
‫من إعادة تقدمي هذه املسرحيات إىل إعطاء حملة عن املهمة اليت قام هبا املسرح اجلزائري يف اخلارج‪،‬‬
‫فضال عن إعطاء اجلمهور اجلزائري صورة عن املقاومة الثقافية ودور املسرح يف الثورة»(‪ )2‬فمن‬
‫املسرحيات اليت جمدت الثورة بعد االستقالل نذكر مسرحية "‪ 132‬سنة" لعبد القادر ولد عبد الرمحان‬
‫كاكي اليت حنا فيها منحى تسجيليا ليلخص من خالهلا تاريخ اجلزائر مع االستعمار يف ‪ 132‬سنة‬
‫(‪)3‬‬
‫انطالقا من « نظرة األسرة اجلزائرية‪ ،‬بعاداهتا وتقاليدها وشخصيتها احلضارية إىل هذا االستعمار»‬

‫‪ -)1‬للتوسع يف هذه األعمال ينظر‪ :‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬‬
‫ص ‪ 161-162‬وخملوف بوكروح‪ ،‬املسرح واجلمهور‪ ،‬دراسة يف سوسيولوجية املسرح اجلزائري ومصادره‪ ،‬د‪.‬دار نشر‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص‪.20-21‬‬
‫‪ -)2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.24-21‬‬
‫‪ -)3‬نصر الدين صبيان‪ ،‬اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.311‬‬

‫‪79‬‬
‫أما أمحد عياد (رويشد) فسعى إىل إبراز املشاركة الواسعة ملختلف فئات اجملتمع اجلزائري يف مسرحية‬
‫"حسان طريو" ‪ 1001‬وغريها‪.‬‬

‫كما سامهت املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية يف دعم الثورة اجلزائرية والتعريف هبا خارج‬
‫الوطن‪ ،‬فسجل "كاتب ياسني" أحداث ‪ 2‬ماي ‪ 1014‬يف مسرحية "اجلثة املطوقة" مربزا‪ ،‬من‬
‫خالهلا‪ ،‬وحشية االستعمار الفرنسي‪ ،‬وعاجلت "آسيا جبار" موضوع مشاركة األسرة اجلزائرية يف الثورة‪،‬‬
‫مثنية على دور املرأة فيها‪ ،‬وتنبأ "مولود معمري" بالثورة والتغيري يف مسرحية "الريح"(‪.)1‬‬

‫وقد أملت التغريات السياسية واالجتماعية واالقتصادية والفكرية اليت عرفتها اجلزائر بعد االستقالل‬
‫مواضيع أخرى شكلت رؤية مغايرة لوظيفة الفن املسرحي وملضمونه‪ ،‬فطُرحت مواضيع خمتلفة اصطلح‬
‫الناقد "خملوف بوكروح"‪ ،‬يف كتابه املوسوم بـ ـ ـ "املسرح واجلمهور‪ ،‬دراسة يف سوسيولوجية املسرح‬
‫اجلزائري ومصادره" عليها املسرحيات املواكبة للتغيري االجتماعي واليت ميكن أن حنددها زمنيا بالفرتة‬
‫التقريبية املمتدة من ‪.1026-1006‬‬

‫االجتماعي‪ :‬سعت هذه املسرحيات إىل تسليط الضوء على بعض‬ ‫ّ‬ ‫المسرحيّات المواكبة للتّغيير‬
‫الظواهر اليت برزت يف جمتمع جزائر الستينيات؛ فعاجلت مواضيع االنتهازية والبريوقراطية واحملسوبية‪،‬‬
‫وتسلط اجلهاز اإلداري‪ ،‬النزوح الريفي‪ ،‬أزمة السكن‪ ،‬البطالة‪ ،‬والتمسك بالعادات والتقاليد البالية‬
‫وغريها من اآلفات اليت خنرت جسد البالد يف فرتة انتقالية حساسة‪ ،‬فمن املسرحيات اليت جسدت‬
‫االنتهازية مسرحية "الغولة" ‪1001‬اليت سلط‪ ،‬من خالهلا "رويشد" الضوء على املناضل املزيف الذي‬
‫يتخذ من مبادئ الثورة وسيلة حلماية مصاحله اخلاصة‪ ،‬كاشفا النوايا احلقيقية ملسؤول نظام التسيري‬
‫الذايت الذين حيتكرون السلطة لصاحلهم‪ ،‬ومن النصوص اليت عاجلت مشكلة تسلط اجلهاز اإلداري‬
‫مسرحية " محق سليم" لـ ـ "عبد القادر علولة" املقتبسة عن مذكرات أمحق لغوغوالليت يعمل فيها‬
‫خطاب اجلنون على لسان الشخصية الرئيسية "سليم" على تشريح واقع جزائر ما بعد االستقالل مربزا‬

‫‪ -)1‬ينظر‪ :‬خملوف بوكروح‪ ،‬املسرح واجلمهور‪ ،‬ص ‪.20-22‬‬

‫‪80‬‬
‫علل اجلهاز اإلداري الذي ال ينفك يقهر العامل البسيط بشىت الطرق لدرجة حرمانه من أبسط‬
‫حقوقه وهي احللم‪ ،‬ومن املسرحيات ال طرحت مشكلة النزوح الريفي مسرحية "غرفتني‬
‫ومطبخ"‪ 1004‬لعبد القادر السفريي الذي يربز من خالل شخصية «ممرض يرتك عمله وبيته يف‬
‫الريف ليلتحق باملدينة أمال يف العثور عن اجلنة على حد تعبريه‪ ،‬ولكنه يصطدم بالواقع وجيابه مشاكل‬
‫كبرية تؤدي به يف النهاية إىل الندم والعدول عن رأيه ‪)1(»...‬ومن املسرحيات اليت حاربت العادات‬
‫والتقاليد البالية‪ ،‬وسعت إىل نشر الوعي يف األوساط الشعبية مسرحية "القراب والصاحلني" اليت‬
‫اقتبسها عبد الرمحان كاكي عن مسرحية "اإلنسان الطيب من ستشوان" لربخيث‪.‬‬

‫وتعد فرتة الثمانينيات من القرن العشرين فرتة املسرحية الواقعية احلادة بامتياز جسدهتا أعمال "عبد‬
‫القادر علولة" اليت تقوم أساسا على تصوير مناذج اجتماعية بسيطة‪ ،‬وتتخذ من الطبقة العاملة‬
‫ومهومها أرضية لتعرية الواقع اجلزائري‪ ،‬فقد آمن علولة بقدرة املسرحية على تغيري الفرد وإصالح حال‬
‫اجملتمع‪ ،‬فاختذها وسيلة إلبراز تناقضات جزائر الثمانينيات‪ ،‬وكشف تالعبات األنظمة السياسية‪،‬‬
‫واإلدارية يف البالد‪ ،‬ساعيا‪ ،‬من خالل شخصياته املسرحية‪ ،‬إىل إيقاض ذهن املتلقي وحثه على إعمال‬
‫فكره يف واقعه املعيش‪ ،‬حتليال وتعليال ونقدا‪.‬‬

‫‪ -)1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫‪81‬‬
‫طبيقي‪ :‬حمق سليم لعبد القادر علولة‪:‬‬
‫‪ ‬النّموذج التّ ّ‬
‫تعد مسرحية "محق سليم" لعبد القادر علولة املقتبسة سنة ‪1022‬عن مسرحية "مذكرات جمنون"‬
‫لألديب الروسي نيكوالي غوغول منوذجا رائعا عن املسرحيات املواكبة للتغريات االجتماعي‬
‫واالقتصادية والسياسية اليت عرفتها جزائر ما بعد االستقالل‪ ،‬واليت حاول الكاتب من خالهلا نقد واقع‬
‫البالد‪ ،‬وتعرية ما عصف باجلهاز اإلداري خاصة من علل‪ ،‬وتشريح سلوكات بعض املسؤولني الذين‬
‫تدفعهم الرغبة يف محاية مصاحلهم إىل ممارسة أساليب القهر والتسلط على الطبقة الكادحة‪.‬‬

‫وقد وجد "عبد القادر علولة" يف مسرحية "مذكرات جمنون" لـ ـ "غوغول" ما يستجيب لرؤيته لواقع‬
‫اجلزائر بعد االستقالل‪ ،‬فهي تصور يوميات عامل بسيط يقوده القهر اإلداري املسلط عليه من طرف‬
‫مسؤوليه إىل اجلنون‪ ،‬فيطلق العنان‪ ،‬عبثا‪ ،‬لنفسه ليحلم ويتخيل فرص احلياة الكرمية اليت كان بإمكانه‬
‫أن يعيشها يف كنف مؤسسة يعرتف مديرها ونائبه بكفاءته‪ ،‬ويعيدان االعتبار للعامل البسيط فيها‬
‫دون أخذ الفروق االجتماعية‪ ،‬واإلدارية بعني االعتبار‪ .‬ومن أجل ذلك حافظ الكاتب على بنية‬
‫النص األصلي‪ ،‬وعلى طبيعة املسرحية القائمة على صراع الشخصية الواحدة مع اجلهاز اإلداري‬
‫بشخصياته املختلفة‪ ،‬وغري فقط يف بعض املواضع كأمساء الشخصيات اليت جعلها تالءم البيئة‬
‫اجلزائرية‪ ،‬واختار أن يتحول البطل الرئيسي (سليم)‪ ،‬عن طريق احللم‪ ،‬إىل ملك إلمرباطورية البريوقراطية‬
‫املزعومة‪ ،‬بدل أن يصبح ملك اسبانيا كما تنص عليه مسرحية "مذكرات جمنون" األصلية‪.‬‬

‫ولئن كانت هذه املسرحية هتدف إىل تعرية الراهن اجلزائري يف السبعينيات من القرن املاضي وتكشف‬
‫عما أصاب جهازه اإلداري من آفات كالبريوقراطية واحملسوبية وغريها‪ ،‬فإن النص ارتكز على وسائل‬
‫فنية كثرية لتصوير عدم انسجام الفرد مع الواقع املرتدي نذكر منها‪:‬‬

‫الفكاهي‪ :‬مل يكن الطابع الفكاهي يف نص "محق سليم" جملرد التسلية و إثارة‬
‫ّ‬ ‫‪ -0‬األسلوب‬
‫الضحك‪ ،‬بل كان نقدا الذعا للراهن اجلزائري يف فرتة السبعينيات من القرن املاضي‪ ،‬حيث سعى‬
‫عبد القادر علولة إىل لفت االنتباه إىل شيوع ظاهرة البريوقراطية‪ « :‬نصف النهار هذا عديته كله يف‬

‫‪82‬‬
‫القراية‪ ..‬قريت اجلرائد كلها وجمالت‪ ...‬واجلرائد كلها صبحت تتكلم على البريوقراطية‪ ..‬اجلرائد كلها‬
‫صبحت تتكلمعلى الفكر البريوقراطي واحلركة البريوقراطية والنشاط البريوقراطي‪ ..‬والعالقات اللي‬
‫تربطها البريوقراطية مع الطبقة الربجوازية والتدخالألجنب يف الشؤون الوطنية بواسطة البريوقراطيني‬
‫واهلجوم البريوقراطيضد الشعب اخلدام‪ ...‬الصحافيني فتحوا ملف البريوقراطية‪ ...‬منظمني عربالوطن‬
‫كله حماضرات وخطابات يف تفسري البلية‪ ...‬والصحافة نشرترساالت املواطنني يف نقد‬
‫البريوقراطية‪)1(»...‬فقد بني أّنا أصبحت الشغل الشاغل للمجتمع اجلزائري مبختلف فئاته‪ ،‬لدرجة أن‬
‫اعتربت فيها الشخصية الرئيسية "سليم" هذه الظاهرة حتمية ال مفر منها‪.‬‬

‫ومل يكتف الكاتب بتسليط الضوء على هذه الظاهرة بل عدد أشكاهلا على لسان "سليم" املنشغل‬
‫بالتفكري فيها يقول‪« :‬كاين املواطن اللي يقول بالليالبريوقراطي هو هذاك اللي يستعمل الوظيف‬
‫متاعه ألغراض ّتارية واال شخصية رشوة وتدبري وإخل‪ ...‬كاين اللي يقول باللي البريوقراطيهذاك اللي‬
‫يف راحة‪ ،‬ناعس يف الوظيف متاعه‪ ،‬مدرق على روحهبالقانونوخملي احلالة ماشية معوجة‪ .‬كاين اللي‬
‫قال باللي اإلسالم هواللي يقضي ّنائيا على البريوقراطية وكاين اللي‪ ...‬وكاين اللي‪ ...‬وكايناللي‪...‬‬
‫عندهم ما قالوا يف هذا الباب‪ ...‬واللي عجبين بالقوة هو هذاكاللي يف التعبري متاعه اتكلم على‬
‫اململكة البريوقراطية‪ ...‬اململكةالبريوقراطية»(‪)2‬وقد يبدو وصف البريوقراطية كما جاء على لسان‬
‫الشخصية الرئيسية عاديا ال يثري السخرية‪ ،‬وال يرتبط بالفكاهة إال حني تتحول البريوقراطية إىل‬
‫امرباطورية حتتاج ملكا ينظم شؤوّنا‪« :‬اليوم راه أكرب يوم البريوقراطيني‪ ...‬اململكة البريوقراطية وجدت‬
‫ملكهاوامللك ذاك هو أنا‪ ...‬امللك ذاك هو أنا‪)3(»...‬بل وجيعل هلذه اإلمرباطورية مبادئ وشعارات ال‬
‫تقوم دوّنا وهي الطاعة واالخالص؛ إن هذا الطرح يتيح للقارئ أن يتأمل واقعه ويتخذ موقفا نقديا‬
‫من هذا الواقع؛ فالبريوقراطية‪ ،‬يف نظر علولة‪ ،‬ال تتضخم وال تتحول إىل امرباطورية إال إذا حلت حمل‬

‫‪ -)1‬عبد القادر علولة‪ ،‬مسرحية محق سليم‪ ،‬املسرح الوطين اجلزائري‪ ،‬سنة ‪ ،1022‬ص‪.44‬‬
‫‪ -)2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪ -)3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.03‬‬

‫‪83‬‬
‫النظام‪ ،‬وألغت القانون‪ ،‬والبريوقراطي ال يكونبريوقراطيا إال إذا خضع الفرد لطاعته‪ ،‬وأخلص يف كتم‬
‫ّتاوزاته‪ ،‬وتفاىن يف التسرت على أخطائه‪.‬‬

‫‪ -7‬ما وراء خطاب الجنون‪:‬أدى عدم الصراع النفسي الذي احتدم داخل الشخصية الرئيسية‪ ،‬يف‬
‫النص موضوع الدراسة‪ ،‬والناتج عن عدم قدرهتا على االنسجام مع الواقع االجتماعي واإلداري يف‬
‫املؤسسة اليت تعمل هبا إىل إصابتها باجلنون‪ ،‬فلم تعد تصرفاهتا وأقواهلا خاضعة للرقابة العقلية‪ ،‬أو‬
‫القوانني اليت سنها جمتمع املؤسسة‪ ،‬بقدر ما أطلقت العنان لنفسها لتقلب األدوار‪ ،‬وحتقق‪ ،‬عن طريق‬
‫أحالم اليقظة‪ ،‬ما عجزت عن حتقيقه يف الواقع حني تربز ذلك العداء الدفني يف نفس "سليم" ّتاه‬
‫رموز السلطة (املكتب والكرسي) يقول‪«:‬من بعد‪ ،‬دخلت يف حبر األحالم و بقيت انوم يف روحي‬
‫مدير علىمديرنا‪...‬أول ما درت‪،‬جنرت له املكتب‪ ،‬ما خليت له غري النصف منه‪،‬بدلت له الكراسى‬
‫وما خليت له غري تليفون واحد‪)1(»...‬فإذا كان حلم اليقظة عملية نفسية باطنية فإن آثارها اخلارجية‬
‫ّتعل اآلخر حيك على الشخص احلامل باجلنون‪ ،‬غري أن احللم واجلنون‪ ،‬يف نظر عبد القادر علولة‪،‬‬
‫سيان ألّنما وسيلة العامل البسيط "سليم" لالنفالت من الرقابة االجتماعية‪ ،‬وقول املسكوت عنه يف‬
‫الواقع‪ ،‬إّنما أقدم الوسائل وأكثرها جرأة على كسر الطابوهات وفضح املستور وهلذا منع انتشار‬
‫خطاب اجملنومننذ القرون الوسطى ألن خطابه حيمل سلطة ذات تأثريات غريبة تتمثل يف قول احلقائق‬
‫(‪)2‬‬
‫املخفية‬

‫وقد استغل الكاتب ما تبيحه سلطيت اجملنون واحلامل يف شخصية بطله "سليم" ليقلب املوازين ويعيد‬
‫االعتبار للفرد البسيط الذي مهشته الفوارق االجتماعية‪« :‬مشيت لإلدارة باش نضحك شوية‪ ،‬حني‬
‫ما دخلت رئيس القسم متاعناكان يستىن فيا نروح نطلب منه السماح‪ ،‬نبكي له شوية و إخل‪...‬‬
‫ضربتفيه خزرة وحشية وفت‪ ...‬اخنلع‪ ،‬ناض من كرسيه‪ ،‬بغري ما نوقف آمرهتقلت له‪ :‬أقعد‪ ،‬ريح‪،‬‬

‫‪ -)1‬املصدرالسابق ‪ ،‬ص ‪.21‬‬


‫‪ -)2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.33‬‬

‫‪84‬‬
‫أرقد‪ ،‬انبطح‪ ...‬ومشيت نقعد يف كرسيا كاللي ما صار شيء»‪ 1‬فكان يستمد القوة من جنونه‬
‫ليتجاوز حدود املعقول ويضرب مببدأي اللياقة واالحرتام عرض احلائط تنفيسا عن الكبت الذي عاشه‬
‫يف ظل مسؤولني ال يعريونه أدىن اهتمام ال لشيء إال لكونه أدىن وظيفة منهم وهو ما جعله يطيح من‬
‫شأن الكاتب العام عى حنو ما يظهر يف املقطع اآليت‪« :‬جاء الكاتب العام وجابلي ورقة باش‬
‫نسجلهاونديها للمدير ميضي عليها‪ ...‬حكمتها عليه بصبعتني وبغري ما نقراها‪،‬مضيت عليها وحتت‬
‫اإلمضاء كتبت‪ :‬صاحب السمو‪...‬سليم األول‪ ...‬ملكالبريوقراطيني‪ ...‬ورجعتها له‪ ...‬اقراها بسرعة‪،‬‬
‫خبط رأسه بيديه‪ ،‬نضتباش ما نلزمش عليه خيضع ويطلب مين السماح و إخل‪ ،‬قلت له‪ :‬عظمتناتغفر‬
‫لك‪ ...‬فرات‪ ...‬ونأمروك باش تبشر أعضاء الشركة باألمر‪...‬وخرجت جنري‪ ...‬جاء مسكني جيري‬
‫ورايا باش يطلب مين شيء‪ ،‬بغريما نوقف درت له وقلت له‪ّ :‬نار آخر‪ّ ...‬نار آخر‪ ...‬اليوم راه‬
‫(‪)2‬‬
‫عندنا اجتماع هام»‬
‫*‬
‫‪ -3‬تقنية المسرح داخل المسرح ‪ :‬استجابة ملقتضيات النص األصل الفنية وظف "عبد القادر‬
‫علولة" تقنية املسرح داخل املسرح؛ حيث دمج يف نصه قصتني إحدامها رئيسية متثل حاضر بطل‬
‫املسرحية "سليم" الذي يعان‪ ،‬إىل جانب إحساسه بالدونية واألمل جراء القهر واحلرمان املسلطني عليه‬
‫من قبل املسؤولني يف املؤسسة اليت يعمل هبا‪ ،‬أمل حرمانه من حب ابنة مدير املؤسسة نتيجة الفوارق‬
‫الطبقية‪ ،‬والثانية هي قصة حب خيالية بني كلبني مها عتيق ولوبانة حيث يتجاوز فيها الكاتب‬
‫املعقول ويبيح لشخصيته الرئيسية "سليم" فهم وتكلم لغة الكالب‪،‬معوال على قدرة املتلقي الذهنية يف‬
‫الربط بني القصتني‪ ،‬واستخالص العربة منهما‪.‬‬

‫‪ -)1‬عبد القادر علولة‪ ،‬مسرحية محق سليم‪ ،‬املسرح الوطين اجلزائري‪ ،‬سنة ‪ ،1022‬ص‪.20‬‬
‫‪ -)2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫*)‪ -‬تعين هذه التقنية‪« :‬إدخال مسرحية داخل مسرحية أخرى بغض النظر عن حجم أي من املسرحيتني‪ ،‬وبغض النظر عن طبيعة‬
‫العالقة بينهما‪».‬ماري إلياس وحنان قصاب حسن‪ ،‬املعجم املسرحي‪– ،‬مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون العرض‪(-‬عرب‪-‬‬
‫إجنليزي‪-‬فرنسي)‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.134 ،2660 ،2‬‬

‫‪85‬‬
‫إن عتيق هو املقابل املوضوعي ل ـ ـ"سليم" الشخصية الرئيسية يف النص‪ ،‬موضوع الدراسة‪ ،‬فهو كلب‬
‫شارع ال قيمة له يف نظر جمتمع الكالب بعامة ويف نظر "لوبانة" كلبة "رجاء" ابنة املدير خباصة‪ ،‬ألن‬
‫كالمها ينتمي لعامل خمتلف متاما عن عامل اآلخر‪ ،‬فعتيق يعيش حياة التشرد والضياع‪ ،‬خالفا ل ـ ـ‬
‫"لومانة" اليت تعيش حياة الدالل والرفاهية يقول سليم‪« :‬إذنلزيت للكالب حىت نسمع يف لوبانة‬
‫تتكلم وتقول‪ ":‬عالش‪ ،‬عالش بيك يا عتيق منايفين هبذا الصفة‪،‬كتبت لك شحال من مرة ما زرتين‪،‬‬
‫ما جاوبت عليا" آه‪ ...‬يا لطيف‪ ،‬ياللعجب‪ ...‬هذا الشيء عمره ما صار‪ ...‬الكالب يتكلموا ؟‪...‬‬
‫جاوب عليهاالكلب ذاك يف صوت خشني كاللي بايت سهران يشرب‪ ":‬عالقتنا ما بقاتلها معىن‪،‬‬
‫اجلو اللي عايشة فيه أنت برجوازي واحلي متاعكم ما بقيتشندور بيه‪ ،‬رواحيه يدوخون‪)1(»...‬غري أننا‬
‫نالحظ أن الكاتب يسعى‪ ،‬من خالل قصة عتيق ولوبانة‪ ،‬إىل االنتقام للعامل البسيط "سليم" ورد‬
‫االعتبار له حني يعلي من شأن "عتيق" وجيعله قوي الشخصية حبيث ال خيضع لتوسالت "لوبانة" بل‬
‫يهجرها لعلمه باستحالة عالقتهما بسبب الفوارق االجتماعية بينهما‪ ،‬فكأن "سليم" حيقق ما عجزعن‬
‫القيام به يف الواقع مع رجاء على لسان "عتيق"‪.‬فتوظيف تقنية املسرح داخل املسرح هنا «يفرز شكال‬
‫عبثيًامضح ًكا يف الظاهر وحمزنًا ضمنيًا بينموقفينمتعارضني ومتكاملني يف نفس الوقت‪ ،‬إن عتيقالكلب‬
‫املتشردمنسجم مع موقعه (البسيط) وال يطمح إىل التقرب من الطبقةالعليا عرب لبانة وال حىت شَّم‬
‫رائحتها‪ ،‬ونراهيتسم بشيء من (التعال)‪ ،‬أماسليم املوظف اإلنسان يطمح إىل ذلك بأيَ مثن ولو كان‬
‫يف ذلكهالكهوضياعقيمه وكرامته بل وإنسانيته»(‪.)2‬‬

‫وقد استطاع "عبد القادر علولة" أن يفضح عامل األثرياء وما يعيشونه من بذخ وترف على حساب‬
‫الفقراء على لسان لومانة‪ ،‬فكانت يف رسائلها لعتيق تصف سلوكات املدير وابنته "رجاء"تقول مثال يف‬
‫وصف حياة "رجاء" املاجنة‪« :‬الوقت ال ران نكتب لكفيه‪ ،‬رجاء راهي توجد يف روحها باش تروح‬

‫‪ -)1‬عبد القادر علولة‪ ،‬مسرحية محق سليم‪ ،‬املسرح الوطين اجلزائري‪ ،‬سنة ‪ ،1022‬ص‪.2‬‬
‫‪ -)2‬عبد الكرمي غريب‪ ،‬الفكاهة عند عبد القادر علولة بني اإلبداع واالقتباس –دراسة أربعة مناذج‪ -‬رسالة ماجستري‪ ،‬إشراف‪:‬‬
‫شعيب مقنونيف‪ ،‬قسم الثقافة الشعبية‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية والعلوم االجتماعية‪ ،‬جامعة أب بكر بلقايد تلمسان‪-2611 -‬‬
‫‪ ،2612‬ص‪.120‬‬

‫‪86‬‬
‫تشطح‪ ( ...‬تشطح!) " هيفرحانة‪ ،‬متشط وتزوق يف روحها‪ ..‬تلبس لباس وتقلعه‪ ،‬وتلبس آخروتقلعه‬
‫وتقيس لباس ثالث ويف النهاية ترجع للباس األول‪( "...‬ما عندهاراي‪ ")...‬والحظت داميا منني حتب‬
‫تروح تشطح تقوم بنفس العمل‪ ،‬الليالحظته ثان وهو دائما منني ترجع من الشطيح على الستة‬
‫متاعالصباح‪( "...‬الستة!) " تدخل صفرة كالقارص‪ ( "...‬صفرة !) " لباسهامعكرش وعينيها‬
‫خارجني‪( ...‬خارجني‪)1(»! ..‬فهو يستعري شكال أدبيا قدميا هو القصة على لسان احليوان ليصور‬
‫راهنه املعيش بكل زيفه وتناقضاته متجنبا بذلك املباشرة واملواجهة‪ ،‬ومتخفيا وراء اإلحيائية والرمز‬
‫والتلميح‪ ،‬جاعال من عتيق قناعا ميرر من خالله خطابا فكاهي يف الظاهر‪ ،‬نقدي يف الباطن‪.‬‬

‫نستنتج مما سبق أن الكاتب "عبد القادر علولة" حاور نصا أجنبيا هو "مذكرات جمنون" لغوغول‬
‫حوارا مبنيا على التأمل‪ ،‬واملفارقة واملوائمة فأبدع مسرحية "محق سليم" لتناسب البيئة اجلزائرية‪ ،‬وتعاجل‬
‫واقع جزائر السبعينيات وما يعانيه اجلهاز اإلداري من علل كالبريوقراطية واحملسوبية والفوارق الطبقية‪،‬‬
‫موظفا‪ ،‬من أجل التعبري عن رؤاه‪ ،‬تقنيات متعددة كالسخرية‪ ،‬وما وراء خطاب اجلنون‪ ،‬واملسرح داخل‬
‫املسرح‪ ،‬واللهجة العامية‪ ،‬وهي تقنيات ومست اخلطاب الدرامي جبمالية ّتمع بني األصالة واحلداثة‪،‬‬
‫وتؤمن بأن الفن املسرحي هو مساءلة دؤوبة للواقع بوسائل متجددة ومتفردة‪.‬‬

‫‪ -)1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.10-14‬‬

‫‪87‬‬
‫المح ـ ـ ــاضـ ـ ـ ــرة التّاسعة‪:‬‬

‫والرهـ ــان ـ ــات‪:‬‬


‫الم ـ ــسرحـ ــيّة الجـ ـ ـزائـ ـ ـريّة‪ :‬اإلشـ ـك ـ ــاالت ّ‬
‫المسرحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -0‬ندرة النص‬

‫‪ -7‬إشكاليّة االقتباس‪.‬‬

‫‪ -3‬إشكاليّة اللّغة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫تمهيد‪ :‬استطاع الفن املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬منذ نشأته‪ ،‬أن يفرض وجوده على املستوى العرب من‬
‫خالل أعمال كثرية نالت جوائز عربية‪ ،‬أن يسمع صوت اجلزائري إىل العامل من خالل نشاط الفرق‬
‫املسرحية يف دول غربية خمتلفة‪ ،‬غري أن عوائق كثرية مسريته الفنية‪ ،‬وحالت دون ارتقائه املكانة املناسبة‬
‫ضمن مؤسسة الفنون اجلميلة‪ ،‬وميكن أن نلخص هذه العوائق يف املشاكل املادية‪ -‬ندرة النص‬
‫املسرحي‪ -‬االقتباس والرتمجة‪ ،‬املشكلة اللغوية‪ ،‬وقد كرست املؤسسات املسرحية الوطنية واجلهوية‬
‫جهودا معتربة للتخفيف من حدهتا وعلى الرغم من ذلك ظل النشاط املسرحي اجلزائري يراوح اخلطى‬
‫ويتأرجح بني مشاكل خارجية‪ ،‬وشواغل داخلية‪.‬‬

‫المسرحي‪ :‬يعد النص نواة كل عرض مسرحي‪ ،‬ومن مثة يكون غيابه أو ندرة تأليفه‬
‫ّ‬ ‫النص‬
‫‪ -1‬ندرة ّ‬
‫أخطر املشكالت اليت واجهت الفن املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬وقد أرجع الناقد "حفناوي بعلي" أسباب‬
‫(‪)1‬‬
‫اريخي املتمثل أوال يف سياسة اجلهل واألمية‬
‫ّ‬ ‫الت‬
‫ّ‬ ‫العامل‬ ‫‪-‬‬ ‫‪:‬‬ ‫هذه املشكلة إىل عوامل كثرية نذكر منها‬
‫اليت فرضتها السلطات االستعمارية حني جعلت التعليم حكرا على أبناء املعمرين الفرنسيني وأبناء‬
‫طبقة حمدودة من الشعب اجلزائري‪ ،‬واملتمثل ثانيا يف القطيعة بني املشرق واملغرب بسبب الظروف‬
‫االستعمارية اليت حالت دون استفادة اجلزائر من التجربة املسرحية املصرية والسورية واللبنانية ‪.‬‬

‫المادي‪ :‬واملتمثل يف صعوبة النشر‪ ،‬وعدم اهتمام القائمني على املؤسسات املسرحية هبذه‬
‫ّ‬ ‫أ‪-‬العامل‬
‫املشكلة‪ ،‬وعدم توفر اهلياكل املادية املؤطرة هلذه العملية كاملطابع‪ ،‬ودور النشر وغريها‪ ،‬حىت أصبح‬
‫الكتاب املسرحيون يكتبون هبدف العرض فقط تلبية حلاجة معينة‪ ،‬وقد كان هلذا األمر أن يكون مربرا‬
‫يف زمن االستعمار نظرا للخناق املفروض على الثقافة اجلزائرية ككل لكن «استمرار هذه الظاهرة بعد‬
‫فسر بعدم العناية بالنص املسرحي‪ ،‬ولتوضيح ذلك نذكر على سبيل املثال أن املسرح‬
‫االستقالل تُ َّ‬
‫الوطين اجلزائري قدم خالل ثالثني سنة مثانني مسرحية تضمنت ثالثة أصناف‪ ،‬منها واحد وثالثون‬
‫مسرحية جزائرية‪ ،‬نشرت أربع مسرحيات فقط اثنتان لكاتب ياسني وواحدة ملولود معمري‪ ،‬وواحدة‬

‫‪ -)1‬حفناوي بعلي‪ ،‬أربعون عاما على خشبة مسرح اهلواة يف اجلزائر‪ ،‬منشورات احتاد الكتاب اجلزائريني‪ ،‬ط‪ ،2662 ،1‬اجلزائر‪،‬‬
‫ص‪( 200‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫آلسيا جبار‪ ،‬ويبدو أن سبب نشر هذه املسرحيات يعود إىل أن البعض منها نشر قبل أن يعرض فوق‬
‫املنصة فضال عن أن كتاهبا هم أدباء هلم مسعة يف الساحة األدبية اجلزائرية والعاملية أما باقي النصوص‬
‫املسرحية فلم تنشر‪ ،‬وقد كتبها فنانون مهنيون ليسوا من حمرتيف الكتابة األدبية»(‪ )1‬وهو ما جعل‬
‫الطابع الشعب يغلب على املسرح اجلزائري‪ ،‬فيتصف مبا يسم األدب الشعب ككل من شفوية وبعد‬
‫عن التدوين‪.‬‬

‫ب‪ -‬أزمة التكوين‪ :‬ونقص اهلياكل القادرة على تكوين متخصصني يف اجملال املسرحي سواء من‬
‫حيث التأليف والتمثيل واإلخراج؛ فما عدا معهد "برج الكيفان" وقسم "الفنون الدرامية" جبامعة‬
‫السانيا – وهران‪ ،‬وبعض املراكز األخرى اليت تعد على األصابع‪ ،‬تبقى فرص التكوين ضئيلة جدا‬
‫مقارنة بباقي الدول العربية‪ ،‬فظال على ذلك فإن األطوار التعليمية مبختلف مستوياهتا ال تتبىن النتاج‬
‫املسرحي‪ ،‬وال تُدرحج نصوصه ضمن براجمها حىت تنمي تذوق هذا الفن لدى املتعلمني‪.‬‬

‫ج‪-‬نقص التّحفيزات‪ :‬اليت من شأّنا أن تُـ َف نعل احلركة املسرحية يف اجلزائر‪ ،‬باإلضافة إىل الوضعية‬
‫املزرية اليت يعيشها املمثل والكاتب على حد سواء‪ ،‬واليت تنتهي إىل التهميش يف الغالب‪ ،‬وقد حاول‬
‫بعض املنشغلني باملسرح ّتاوز هذه األزمة بتنظيم دورات حتفيزية هدفها اكتشاف املواهب اجلديدة يف‬
‫جمال الكتابة املسرحية على حنو ما فعل عمر قابوش مدير املسرح اجلهوي بقاملة حني نظم دورة حتت‬
‫عنوان أيام الكتابة الدرامية هبدف اختيار أحسن نص مسرحي‪ ،‬وكذا "زيان الشريف عياد" الذي نظم‬
‫دورة الكتابة الدرامية يف أفريل ‪ 2614‬وغريها ‪.‬‬

‫وميكن أن نضيف إىل كل هذه العوامل سببني آخرين مها‪ :‬صعوبة الكتابة الدرامية اليت ختتلف عن‬
‫الكتابة الروائية أو القصصية يف عنصر التجسيد البصري والسمعي وهو ما يتطلب مهارة عالية‪،‬‬
‫واستسهال عملييت االقتباس والرتمجة اللتني توفران قوالب نصية جاهزة يستطيع املسرحي االرتكاز‬
‫عليها مللء ثغرة عدم القدرة على التأليف‪.‬‬

‫‪ -)1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.200‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ -2‬إشكالية االقتباس‪:‬اختلف الدارسون‪ ،‬والنقاد يف الوطن العرب حول ظاهرة االقتباس بني مؤيد‪،‬‬
‫ومعارض‪ .‬وراح كل فريق يقدم حججه تعزيزا ملوقفه(‪ ،)1‬أما املعارضون فاعتربوه دليل ضعف‪ ،‬وعالمة‬
‫افتقار للخلق الفين‪ ،‬ورأوا فيه تسرتا وراء إبداع اآلخر‪ ،‬ومن مث جعلوه حماولة حمكوما عليها بعدم‬
‫االكتمال‪ ،‬ألّنا ال تَـ ْر َق إىل مستوى التأليف‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬أقر فريق آخر بشرعيته‪ ،‬معتربا أنه إبداع ثان‬
‫للنص األصلي (خباصة إذا كان هذا األخري قصة أو رواية)‪ ،‬ورأى أنه عمل مستقل يستحق التقدير‬
‫واإلجالل‪ ،‬والسيما أنه عامل مهم للربط بني األجناس‪ ،‬وتقريب الرؤى واألفكار‪.‬‬

‫ومل يكن النقد املسرحي يف اجلزائر مبنأى عن هذا النقاش‪ ،‬بل تداول رجاله مشكلة االقتباس يف‬
‫التجربة اجلزائرية يف كتب عديدة‪ ،‬ويف مقاالت متنوعة‪ ،‬مراهنني على قدرهتا يف إثراء املسرحية اجلزائرية‬
‫بنصوص خمتلفة‪ ،‬ومنوهني جبهود كتاهبا يف مراعاة البيئة احمللية عند حتويل نص أجنب ما إليها‪ .‬وإذا‬
‫كانت جل آراء النقاد قد أمجعت على تقبل شرعية هذه اآللية‪ ،‬وشجعت‪ ،‬إىل حد ما الكتاب‬
‫عليها‪ ،‬فإن هذا املوقف كان رهني املوافقة املشروطة يف أغلب األحيان؛ فقد تفهم النقاد حاجة‬
‫املسرحية اجلزائرية إىل االقتباس‪ ،‬وردوها إىل أسباب خمتلفة تنطلق من رؤيتني‪ :‬إحدامها إجيابية أوجزها‬
‫"أمحد بيوض" يف ما يأيت ‪:‬‬

‫«‪-‬التأكيد على التعاطي مع ظاهرة التثاقف بدون عقدة نقص أو خوف أو ذوبان يف اآلخر‪.‬‬

‫‪-‬تنويع التجربة املسرحية اجلزائرية وإثراؤها بتجارب فنية عاملية‪.‬‬


‫) ‪(2‬‬
‫‪-‬البحث عن فضاءات جديدة كلما ضاق هبم جمال اإلبداع أو اإلنتاج الوطين‪».‬‬

‫واألخرى سلبية ّتعل منه سدا لثغرة ضعف التأليف‪ ،‬وحال لتجاوز ندرة النص املسرحي‪ .‬ولكنهم يف‬
‫احلالتني‪ ،‬اشرتطوا مجلة من الشروط لتسويغ هذه الظاهرة‪ ،‬وتقنينها حىت ال تكون عبئا يـُثْ حقل كاهل‬

‫‪ -)1‬للتوسع يف هذه النقطة ينظر‪ :‬حممد الكغاط‪ ،‬بنية التأليف املسرحي باملغرب من البداية إىل الثمانينات‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪1020 ،1‬م‪ ،‬ص‪.41-46-10‬‬
‫‪ -)2‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪.322‬‬

‫‪91‬‬
‫املسرحية اجلزائرية‪ .‬وقد وضع هذا الناقد جدوال بأهم مصادر االقتباس يف املسرح اجلزائري وآخر‬
‫يشتمل على قائمة بعناوين املسرحيات املقتبسة‪ ،‬وأمساء املقتبسني اجلزائريني( ) يف حماولة لرصد هذه‬
‫الظاهرة اليت عدها ّتربة رائدة يف املسرحية العربية‪.‬‬

‫فمن النقاد األوائل الذين أقروا شرعية االقتباس جند "مصطفى كاتب" الذي رأى أن كل املسارح‬
‫العاملية تعتمد هذه التقنية حىت أعرق املسارح كاملسرح اليونان‪ ،‬والرومان وغريمها‪ ،‬مؤكدا عاملية‬
‫وإنسانية هذه الظاهرة‪ ،‬ونافيا صفيت النقص والضعف عنها‪ ،‬بل رأى أّنا ظاهرة صحية وحل ناجع‬
‫لتفادي النص املسرحي‪ ،‬ولذلك فاالقتباس ّتاوز‪ ،‬عنده‪ ،‬كونه فعال اختياريا إىل كونه فعال اضراريا‬
‫«فنحن مضطرون لالقتباس أو غريه حىت ال يتوقف النبض‪ ،‬وتستمر احلياة»(‪ )1‬وهي ضرورة ميليها واقع‬
‫املسرحية اجلزائرية اليت يغيب فيها النص املسرحي املؤلف‪ ،‬فيتحول االقباس إىل حمرك فاعل حيول دون‬
‫مجود الفن املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬وتوقف عجلته‪.‬‬

‫وغري بعيد عن هذا املوقف يرى الناقد "خملوف بوكرح" يف االقتباس حال مثمرا لتجاوز مشكلة ندرة‬
‫النص املسرحي اجلزائري؛ فهو‪ ،‬يف نظره‪ ،‬عامل مهم إلثراء التجربة املسرحية احمللية وآلية يعول عليها يف‬
‫التأسيس لألعراف الفنية املسرحية لكن «‪...‬هذا ال يعين االستمرار يف عملية االقتباس دون البحث‬
‫خللق نصوص مسرحية وطنية من أجل قيام حركة مسرحية يف بالدنا»(‪ )2‬فالناقد‪ ،‬وإن أجاز هذه‬
‫العملية‪ ،‬فباعتبارها حال مؤقتا جيب أال نستكني إليه‪ ،‬ونكتفي به‪ ،‬بل يتعني على الكتاب‪ ،‬حسب‬
‫"خملوف بوكروح"‪ ،‬اعتباره مطية لبلوغ مرحلة أعمق ال تقوم احلركة املسرحية اجلزائرية دوّنا‪ ،‬وهي مرحلة‬
‫التأليف‪.‬‬

‫واالقتباس عند الناقد "حفناوي بعلي" ليس فعال عشوائيا يتأتى لكل كاتب‪ ،‬وإمنا هو عملية واعية‬
‫ومشروطة «تتطلب ثقافة عالية شاملة ّتمع املاضي القدمي باحلاضر الشاسع‪ ،‬وهي وضعية متكن‬

‫‪ -)1‬حوار أجراه "الشريف عمران" مع "مصطفى كاتب"‪ ،‬جملة اجليش‪ ،‬شهرية عسكرية سياسية ثقافية تصدرها اإلدارة املركزية‬
‫للمحافظة السياسية للجيش الوطين الشعب)‪ ،‬ع‪ ،232‬س‪ ،26‬جانفي ‪1021‬م‪ ،‬ص‪.01‬‬
‫‪ -)2‬خملوف بوكروح‪ ،‬رأي يف املسرح‪ ،‬جملة اجليش‪ ،‬ع‪ ،102‬س‪ ،12‬مارس ‪ ،1026‬ص‪.43‬‬

‫‪92‬‬
‫املقتبس من إجياد قواسم مشرتكة بني ما كان وما هو كائن‪ ،‬فاالقتباس يكاد يكون بذلك عمال‬
‫تركيبيا‪ ،‬يسعى إىل حتليل أحداث وتركيبها»(‪ )1‬وفق اسرتاتيجية إبداعية حمكمة تستحضر خمزون املقتبس‬
‫الثقايف‪ ،‬وخياله النابض‪ ،‬وكفاءته اللغوية الثاقبة وغريها من املعايري اليت ّتعل االقتباس عملية على قدر‬
‫من الصعوبة واحلساسية‪ ،‬ألّنا هتدف إىل نقل نص من بيئته األصلية إىل بيئة مغايرة له‪ ،‬وتسعى إىل‬
‫حث مجهور آخر‪ ،‬قد ال ينتمي فكريا وثقافيا إىل ذلك النص‪ ،‬على تقبله‪ ،‬وهلذا فالناقد «ال [يرى]‬
‫مانعا من أن تقدم أعماال مسرحية عاملية على سبيل االقتباس شريطة أن توظف تلك األعمال وحتقن‬
‫برؤى مالئمة لواقعنا املعاش»(‪ )2‬وإال كان النص نشازا مقحما يف بيئة ينفر مجهوره منها ألن بنيته‬
‫الفكرية والفنية غريبة عنه‪ ،‬ال تستجيب لتوقعاته‪ .‬وهو الرأي نفسه الذي جنده عند الناقد "أمحد‬
‫شنيقي" الذي يرى أن عملية االقتباس ليست عملية سهلة ألّنا تتطلب معرفة عميقة بالنص‬
‫األصلي‪ ،‬كما تتيح للمقتبس قدرا معتربا من احلرية‪ ،‬تصل‪ ،‬أحيانا إىل درجة من التحويل اجلدري(‪،)3‬‬
‫وهي السمة الغالبة على ّتارب االقتباس يف املسرحية اجلزائرية‪.‬‬

‫ميكن القول إذا‪ ،‬إن تعامل النقد املسرحي اجلزائري مع مشكلة االقتباس كان‪ ،‬رغم حتفظه‪ ،‬تعامال‬
‫واعيا حيث اعتربه العديد من النـقاد ضربا من ضروب التثاقف‪ ،‬والتواصل احلضاري‪ ،‬فأشادوا بتجارب‬
‫الكتاب يف جمال اقتباس النصوص املختلفة‪ ،‬واستحسنوا من االقتباسات تلك االقتباسات احلرة اليت‬
‫عدوها إبداعا ثانيا للنص األصلي كما هو احلال عند "كاكي ولد عبد الرمحان" وغريه‪ .‬ومل يفتهم أن‬
‫حيذروا الكتاب من مطبات استسهال االقتباس‪ ،‬واالستسالم له‪ ،‬ألن يف ذلك إجهاضا للحركة‬
‫املسرحية اجلزائرية‪ ،‬فما االقتباس‪ ،‬حسب أغلبهم‪ ،‬إال مرحلة ينبغي أن تردف بالتأليف خللق النص‬
‫املسرحي اجلزائري األصيل‪.‬‬

‫‪ -)1‬حفناوي بعلي‪ ،‬أربعون عاما على خشبة مسرح اهلواة يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.362‬‬
‫‪ -)2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.363‬‬
‫‪3‬‬
‫‪)- Ahmed Cheniki , Vérites du théâtre En Algérie, Edition Dar El Gharb,Oran Algérie, 2006,‬‬
‫‪P29.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ -3‬المشكلة اللّغويّة‪ :‬شغلت املشكلة اللغوية بال املهتمني بالفن املسرحي يف اجلزائر سواء أكانوا‬
‫كتابا أم نقادا‪ ،‬فتعاملوا معها من منطلقات خمتلفة تراوحت بني الرؤية اإليديولوجية اليت ّتعل اللغة‬
‫رمزا للهوية اجلزائرية‪ ،‬ومن مثة فالتمسك هبا يعين التمسك باهلوية وعدم االنسالخ يف ثقافة اآلخر‪،‬‬
‫وبني الرؤية النفعية اليت ال ترى يف اللغة إال وسيطا تعبرييا‪ ،‬ووسيلة للتواصل مع الشرحية العظمى من‬
‫اجملتمع‪.‬‬

‫وتتجسد املشكلة اللغوية يف ذلك التعدد اللغوي الذي ميز النصوص املسرحية اجلزائرية‪ ،‬وجعل‬
‫الكتاب خيتلفون يف توظيفهم للغة بني موظف للغة العربية الفصحى‪ ،‬وموظف للعامية‪ ،‬أو للغة‬
‫الفرنسية‪ ،‬أو للغة األمازيغية‪ ،‬مما خلق أربعة مستويات لغوية‪ ،‬ينبثق كل مستوى منها من ظروف‬
‫تارخيية حمددة‪ ،‬وينفرد خبصوصيات فنية مميزة‪ ،‬ولكل مستوى مؤيدون ومعارضون‪.‬‬

‫أما توظيف اللغة العربية الفصحى فقد كان السالح الذي أشهره كتاب مجعية العلماء املسلمني دفاعا‬
‫عن املقومات اجلزائرية األصيلة ضد السياسة الفرنسية اليت تسعى إىل طمس معاملها‪ ،‬وتوحيدا لصفوف‬
‫الشعب اجلزائري‪ ،‬ومن مثة دعا "حممد مصايف" «أن تكون اللغة القومية لغة املسرح لتشكيلها أحد‬
‫العناصر األساسية لشخصيتنا‪ ،‬مث ألّنا الوسيلة الوحيدة الطبيعية اليت متكننا‪ ،‬يف ظرف قصري‪ ،‬من‬
‫تكوين هذا الروح اجلماعي الذي بدونه لن يكتب جناح أي مسعى من مساعينا الوطنية‪ )1(»...‬لذلك‬
‫ارتبطت اللغة الفصحى باملسرحيات التارخيية والدينية اليت هتدف إىل شحذ اهلمم‪ ،‬وإذكاء الروح‬
‫الوطنية لدى أفراد العامة من الشعب‪ ،‬ولقد كان أصحاب االّتاه اإلصالحي يتخذون موقفا رافضا‬
‫لالّتاه الشعب الذي يوظف الدارجة وسيلة تعبريية خشية استفحال هذه األخرية يف اجملال‬
‫املسرحيفينحصر توظيف اللغة العربية الفصحى‪ ،‬وتسقط يف شرك اإلمهال‪ ،‬والسيما يف ظل انتشار‬
‫اجلهل واألمية بني أفراد الشعب اجلزائري‪.‬‬

‫‪ -)1‬حممد مصايف‪ ،‬فصول يف النقد األدب اجلزائري احلديث‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،1020 ،‬ص‪.21-26‬‬

‫‪94‬‬
‫وأما توظيف الدارجة فنما يف ظل االّتاه الشعب الذي نظر إىل الفن املسرحي من زاوية اجلمهور‪،‬‬
‫وجعل خماطبته باللغة اليت يفهمها إحدى أولوياته القصوى؛ فقد أدرك كل من "عاللو"‪ ،‬و"رشيد‬
‫القسنطيين"‪ ،‬و"حمي الدين باشتارزي" أنه لكي يعرب الفن املسرحي عن انشغاالت الطبقة الشعبية‬
‫ينبغي أن يتغلغل يف واقعها اليومي‪ ،‬وأن جيسد هذا الواقع يف مضمون العمل املسرحي ولغته‪ ،‬لغة تشبه‬
‫لغة األثر الشعب من حيث ارتكازها على اإليقاع وختريها اللفظ‪ ،‬يقول "عاللو يف ذلك‪« :‬كنت‬
‫أكتب باللغة الدارجة املفهومة من طرف اجلميع‪ ،‬وال أقصد اللغة السوقية الرديئة‪ ،‬فهي لغة عربية‬
‫ملحونة ومنتقاة»(‪ )1‬واستطاع‪ ،‬بفضل هذا اخليار الواعي‪ ،‬استقطاب شرحية عظمى من الشعب‪،‬‬
‫وجعل املسرحية أداة فعالة لنشر الوعي السياسي واالجتماعي والثقايف ‪.‬‬

‫وأما توظيف اللغة الفرنسية فكان حتمية فرضتها السياسة االستعمارية حني حاصرت اللغة العربية‬
‫الفصحى ومنعت تعليمها‪ ،‬مما جعل بعض الكتاب املسرحيني الذين يتقنون اللغة الفرنسية يوظفوّنا‬
‫للتعبري عن أفكارهم‪ ،‬وإيصال صورة اجلزائر إىل اخلارج وعلى رأس هؤالء‪ :‬كاتب ياسني‪ ،‬آسيا جبار‪،‬‬
‫مولود معمري‪ ،‬مولود فرعون وغريهم ‪.‬‬

‫وقد وضع توظيف اللغة الفرنسية هؤالء الكتاب يف مأزق إيديولوجي مرده تشكيك بعض األدباء‬
‫احملافظني يف وطنيتهم نتيجة تبنيهم لغة املستعمر وسيلة للتعبري‪ ،‬فاعتربوا أدهبم الناطق بالفرنسية أدبا‬
‫مواليا لفرنسا خادما لنظامها‪ ،‬وظلت كتاباهتم طي التهميش واإلمهال ردحا من الزمن‪ ،‬غري أن املتأمل‬
‫لنصوص هؤالء الكتاب يلحظ أن اللغة‪ ،‬يف نظرهم‪ ،‬مل تكن إال وسيطا تعبرييا ينقل أفكارا تعرب عن‬
‫البيئة اجلزائرية القحة يف ظل الرقابة املفروضة على اللغة العربية‪ ،‬يقول كاتب ياسني‪« :‬بسبب الوضع‬
‫يف اجلزائر‪ ،‬ويف الوقت الذي بدأت فيه كتابة الشعر‪ ،‬مل يكن مبقدوري أن أكون نافعا إال بالتعبري‬

‫‪ -)1‬عاللو‪ ،‬شروق املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.2‬‬

‫‪95‬‬
‫بالفرنسية‪ ،‬اللغة الفرنسية كانت الوسيلة لتعريف الفرنسيني أننا لسنا فرنسيني‪ ،‬فكان ذلك عمال‬
‫سياسيا مهما»(‪ )1‬فكان اللجوء إليها اسرتاتيجية سياسية وفكرية نضالية بالدرجة األوىل‪.‬‬

‫وأما توظيف اللغة األمازيغية فكان حكرا على سكان منطقة القبائل‪ ،‬وظل النتاج املسرحي‪ ،‬شأنه‬
‫شأن النتاج األدب بشكل عام‪ ،‬جمهوال بسبب العائق اللغوي‪ ،‬كون انتشار اللغة األمازيغية حمدودا‬
‫مبنطقة جغرافية ضيقة‪ ،‬وهو ما يفتح باب التساؤل‪ :‬هل هناك مسرح أمازيغي‪ ،‬وما هي خصائصه‬
‫املوضوعاتية والفنية (إن وجد)‪.‬‬

‫‪ -)1‬أمينة حسان‪ ،‬مصادر الكتابة يف مسرح كاتب ياسني‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬جازية فرقان‪ ،‬قسم الفنون الدرامية‪ ،‬كلية‬
‫اللغات والفنون‪ ،‬جامعة وهران ‪ ،2613/2612‬ص‪.11-13‬‬

‫‪96‬‬
‫‪- ‬نموذج تطبيق ّي‪":‬كاكي ولد عبد الرحمان" نموذج عن التّجربة االقتباسيّة‪:‬‬

‫متيزت ّتربة"كاكي االقتباسية بالتنوع والثراء‪ ،‬إذ اقتبس العديد من املسرحيات العاملية مضفيا‬
‫عليها البصمة اجلزائرية األصيلة‪ ،‬وساعيا إىل خلق نص حملي الروح بقالب أجنب مستحضرا مقولة‬
‫أستاذه الفرنسي الذي ينصحه ذات يوم قائال‪«:‬اذهبوا إىل شعبكم وخذوا عنه الفن الصحيح‪،‬‬
‫ليس لدي كفرنسي ما أعطيه لكم سوى التقنية‪ ،‬أما الفن اجلزائري فهو بينكم»(‪ )1‬ولعل "كاكي"‬
‫كان من النجابة وحسن اإلصغاء حبيث استطاع قولبة املسرحيات العاملية‪ ،‬وإخضاعها ملتطلبات‬
‫البيئة اجلزائرية لغتها‪ ،‬وشخصياهتا‪ ،‬وأحداثها‪ ،‬هدفه من ذلك البحث عن طريقة خاصة للتعبري‬
‫عن الواقع املعيش‪ ،‬حىت غدا االقتباس –عنده‪ -‬إبداعا فريدا ومتميزا يقول‪ ،‬واصفا ّتربته يف‬
‫اقتباس مسرحية "ديوان القراقوز" سنة ‪1000‬م‪« :‬نتيجة إلحساسنا بضرورة احلفاظ على الذات‪،‬‬
‫والبحث عن طريقتنا اخلاصة بنا يف التعبري‪ ،‬قررنا القيام برحلة شبه خيالية‪ ،‬فتوجهنا إىل فينيسيا‪،‬‬
‫حيث اكتشفنا هناك مسرحية للكاتب كارلو غوسيت الذي كان يكتب ملسرح الكوميديا "ديل‬
‫آريت"‪ .‬اسم املسرحية "الطائر األخضر"‪ .‬لقد عاش السينيور غوسيت يف عصر القراصنة‪ ،‬وحكايته‬
‫عن الطائر األخضر ال تعدو عن كوّنا إحدى حكايات ألف ليلة وليلة‪ .‬إن القرن العشرين يسمح‬
‫لنا بإعادة النظر يف أفكار املاضي‪ ،‬متاما كما مسح القرن الثامن عشر لذلك الفينيسي بنقل هذه‬
‫احلكاية العربية إىل الرتبة احمللية ووضعها يف الشكل الدرامي املطلوب حسب احلاجة‪ .‬وحنن بدورنا‬
‫أخذناها منه مرة أخرى ووضعناها يف قالب درامي جزائري‪ .‬وحنن يف الواقع مل نأخذ منه احلكاية‬
‫فقط‪ ،‬ولكن أخذنا الفكرة الدرامية كذلك‪ .‬لص يسرق من لص وتنتصر العدالة‪ .‬هبذه الطريقة‬
‫كتبنا "مسرح الكراكوز" إّنا مسرحية وليست ترمجة‪ ،‬بل وليست اقتباسا أيضا»(‪ )2‬ولعل إيراد هذ‬
‫النص‪ ،‬على طوله‪ ،‬يكشف رؤية هذا املسرحي الثاقبة لالقتباس‪ ،‬رؤية تنم عن خمزون معريف عرب‪،‬‬

‫‪ -)1‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح اجلزائري‪-‬دراسة موضوعاتية وفنية‪ ،‬ص‪.16‬‬


‫‪ -)2‬حممد عزيزة‪ ،‬نظرات يف املسرح العرب احلديث‪ ،‬تونس‪ ،1026 ،‬ص‪ .22‬نقال عن‪ :‬مثارا ألكساندروفينا بوتيتسيفا‪ ،‬ألف عام‬
‫وعام على املسرح العرب‪ ،،‬تر‪ :‬توفيق املؤذن‪ ،‬دار الفراب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1021 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫‪97‬‬
‫وأجنب وافر ميكنه من رد مسرحية "الطائر األخضر" اإليطالية القالب إىل أصوهلا الرتاثية العربية‬
‫(ألف كليلة وليلة)‪ .‬وتعرتف مبرونة الرتاث وقدرته على مسايرة العصر؛ حبيث يستطيع هو أن يعيد‬
‫قراءة هذا النص يف القرن الـ ـ ـ‪26‬م كما استطاع الكاتب "كارلو غوسيت" أن يقرأه يف القرن‬
‫الـ‪12‬م‪ ،‬ولكنها قراءة تتجاوز جمرد االستهالك‪ ،‬واالجرتار إىل أخذ الفكرة الدرامية‪ ،‬وسبكها يف‬
‫قالب جزائري‪ ،‬حىت تتحول هذه العملية إىل إبداع حقيقي ‪.‬‬

‫وال ختتلف طريقة اقتباس هذه املسرحية عن باقي اقتباسات "كاكي ولد عبد الرمحان" والسيما‬
‫مسرحية "القراب والصاحلني" اليت اقتبسها عن مسرحية "اإلنسان الطيب لستشوان" سنة ‪1000‬م‬
‫واملستوحاة‪ ،‬يف األصل‪ ،‬من أسطورة صينية‪ ،‬حيث استطاع أن يكيفها مع املقومات اإلسالمية املناسبة‬
‫للروح اجلزائرية‪ ،‬مستبدال اآلهلة يف احلكاية األصلية باألولياء الصاحلني‪ ،‬حماوال احلد من الشعوذة‬
‫واخلرافات املنتشرة يف األوساط الشعبية‪ .‬وهي طريقة أثبتت مهارة هذا الكاتب يف االقتباس‪ ،‬وقدرته‬
‫على سبك النصوص األجنبية بقالب حملي‪ ،‬فأشاد بعبقريته العديد من النقاد‪ ،‬ألّنا «ّتاوزت حد‬
‫االقتباس بإعادة النظر يف اهليكل الكلي للمسرحية وإعادة كتابتها من جديد حىت تظهر وكأّنا‬
‫(‪)1‬‬
‫مسرحيات جزائرية شكال ومضمونا»‬

‫ميكن القول‪ ،‬إذا‪ ،‬إن االقتباس عند "كاكي ولد عبد الرمحان" مل يكن جمرد اجرتار للنص األصلي‪ ،‬أو‬
‫أجوف يغين عن بدل اجلهد‪ ،‬أو إعمال الفكر‪ ،‬وإمنا كان حوارا إبداعيا‪ ،‬وانفتاحا على عوامل‬
‫َ‬ ‫تقليد‬
‫التجديد‪ ،‬ورغبة يف التواصل الثقايف خباصة واحلضاري بعامة‪.‬‬

‫‪ -)1‬خملوف بوكروح‪ ،‬املسرح واجلمهور‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪98‬‬
‫الم ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــاض ـ ـ ـ ــرةالعاشرة‪:‬‬

‫ـري‪:‬‬
‫ـرحي الجـ ـ ـ ـزائـ ـ ـ ّ‬
‫النـ ـ ـ ــقد المـ ـ ـ ـس ـ ّ‬
‫المسرحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -0‬تعريف النقد‬

‫المسرحي في الجزائر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -7‬بدايات النقد‬

‫المسرحي في الجزائر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬أنواع النقد‬

‫‪99‬‬
‫تمهيد‪ :‬يعد الفن املسرحي جماال خصبا للممارسات النقدية منذ أرسطو‪ ،‬الذي يعترب أول من تعامل‬
‫مع الظاهر املسرحية تعامال نقديا واعيا‪ ،‬إىل يومنا هذا‪ ،‬غري أن متيزه بالزخم العالمي جيعل العملية‬
‫النقدية مطلبا عزيزا يستدعي‪ّ ،‬تاوزا ملهارات النقد األدب‪ ،‬مهارات متعددة ّتمع بني املهارة اللغوية‪،‬‬
‫والتأويلية‪ ،‬والتقنية؛ ذلك أن الناقد املسرحي ينبغي أن يكون ناقدا لغويا‪ ،‬وسيميائيا‪ ،‬وفنانا حيسن فهم‬
‫لغة اإلضاءة والديكور‪ ،‬واألزياء وغريها‪.‬‬

‫المسرحي‪ :‬يعد مصطلح النقد املسرحي مصطلحا فضفاضا يتسع ليشمل‬


‫ّ‬ ‫‪ -0‬تعريف النقد‬
‫ممارسات نقدية خمتلفة تقف بعضها عند حدود شرح وحتليل النص املسرحي‪ ،‬ويتجاوز بعضها اآلخر‬
‫املستوى النصي لتشمل عمليات اإلخراج‪ ،‬والعرض‪ ،‬وعليه أصبح هذا املصطلح «تسمية عامة تشمل‬
‫جماالت متعددة‪ ،‬منها الكتابات اليت تنصب على احلركة املسرحية من نصوص وعروض‪ ،‬ومنها‬
‫الدراسات اليت تعرف بالكتاب ونصوصهم وباملخرجني واملمثلني‪ ،‬وبالعروض املقدمة‪ ،‬وبتاريخ املسرح‪.‬‬
‫ومنها األحباث النظرية حول املفاهيم املسرحية وطرق حتليل النص والعرض‪ .‬هذه الكتابات ميكن أن‬
‫وتبث عرب وسائل اإلعالم املرئية‬
‫تصدر يف كتب وجمالت خمتصة‪ ،‬أو تأخذ منحى إعالميا ُّ‬
‫واملسموعة‪)1(».‬وقد نتج عن تعدد جماالت النقد املسرحي تعددا اصطالحيا بني الباحثني‪ ،‬فاستعمل‬
‫بعضهم مصطلح "النقد الدرامي" ليصف املمارسة النقدية اليت «يقوم هباالصحافيون [ويكون] هدفها‬
‫هو االستجابة الفورية إلخراج مسرحي يف الصحافة والوسائط السمعية البصرية‪)2(».‬وتتحدد وظيفتها‬
‫باإلخبار عن عمل مسرحي ما‪ ،‬والتشهري له‪ ،‬ووصفه مضمونا وممثلني وإخراجا‪ .‬ويفرق "إبراهيم‬
‫محادة" بني مصطلح "العرض النقدي السريع" ومصطلح النقد املسرحي بأن األوهلو «مالحظات أو‬
‫تعليقات نقدية خمتصرة يبديها كاتب على عرض مسرحي‪ ،‬وينشرها يف جملة أو صحيفة‪ ،‬أما النقد‬

‫‪ -)1‬ماري إلياس وحنان قصاب حسن‪ ،‬املعجم املسرحي –مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون العرض‪(-‬عرب‪ -‬إجنليزي‪-‬‬
‫فرنسي)‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2660 ،2‬ص‪.461‬‬
‫‪ -)2‬أمحد بلخريي‪ ،‬معجم املصطلحات الدرامية واملسرحية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪( 2‬مزيدة) ‪2660‬‬
‫ص‪.122‬‬

‫‪100‬‬
‫املسرحي فهو التعليق التحليلي األكثر جدية ومنهجية»(‪ )1‬دون أن حيدد‪ ،‬على حنو ما جند عند نقاد‬
‫آخرين‪ ،‬ما إذا كان النوع األول يصدر عن الصحفيني‪ ،‬يف حني يصدر النوع الثان عن أكادمييني‬
‫متخصصني‪.‬‬

‫المسرحي في الجزائر‪ :‬على الرغم من تأخر ظهور النقد املسرحي املنهجي يف‬
‫ّ‬ ‫‪ -7‬بدايات النّقد‬
‫اجلزائر ألسباب كثرية منها ما يتعلق بالظروف االستعمارية اليت شغلت بال النخبة املثقفة يف بالدنا‬
‫مبواضيع السيادة الوطنية‪ ،‬وأحدثت قطيعة مع املشرق العرب‪ ،‬وبطئ عجلة اإلبداع املسرحي نفسه‬
‫كونه فنا وافدا ظل يناضل من أجل فرض ذاته يف الساحة الثقافية احمللية‪ ،‬إال أن بعض الدارسني‬
‫يرجعون بداية تشكل القيم النقدية املسرحية األوىل إىل فرتة الثالثينيات واألربعينيات من القرن ال ـ ـ‬
‫‪ ،26‬وهي الفرتة اليت شهدت البدايات اجلنينية للكتابة املسرحية اجلزائرية بفضل مجعية العلماء‬
‫املسلمني‪ ،‬الذين إىل جانب إبداعهم لنصوص مسرحية تارخيية ودينية‪ ،‬كان أعضاؤها يصدرون‬
‫تعليقات بسيطة‪ ،‬يف أعمدة صحف وجمالت خمتلفة كاملنتقد‪ ،‬والبصائر‪ ،‬والشهاب وغريها‪،‬‬
‫وانطباعات شخصية هدفها تشجيع الفن املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬والتعريف القراء بنصوصه‪.‬‬

‫الجزائري‪ :‬تتوزع املمارسة النقدية املسرحية يف اجلزائر على مستويات‬


‫ّ‬ ‫المسرحي‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬أنواع النّقد‬
‫عديدة حسب ثقافة منتجيها وانتماءاهتم املهنية؛ فمنها املمارسات الصادرة عن نقاد األدب‪ ،‬ومنها‬
‫الصادرة عن الصحفيني‪ ،‬ومنها الصادرة عن رجال املسرح أنفسهم سواء أكانوا ممثلني أم خمرجني‪،‬‬
‫ومنها الصادرة عن باحثني أكادمييني على النحو اآليت‪:‬‬

‫الصادرة عن نقاد األدب الذين يدرجون اخلطاب املسرحي ضمن مؤسسة‬


‫أ‪ -‬الممارسة النّقديّة ّ‬
‫النصي مع تغييب كامل لش نق العرض‪ ،‬ومن‬
‫ن‬ ‫األدب فينصبون على دراسته باالعتماد على شقه‬
‫أمثلتهم‪ :‬عبد اهلل الركيب‪ ،‬حممد مصايف‪ ،‬عبد امللك مرتاض وغريهم من النقاد األدب الذين عملت‬
‫جهودهم على سد ثغرة غياب النقد املسرحي املتخصص يف بالدنا‪.‬‬

‫‪ -)1‬معجم املصطلحات الدرامية واملسرحية‪ ،‬مكتبة األجنلو مصرية‪ ،‬ط‪.122 ،1001 ،3‬‬

‫‪101‬‬
‫اتسم هذا النوع من النقد املسرحي بسمات عديدة كالرتكيز على املضمون دون االلتفات إىل اجلوانب‬
‫الفنية وأثرها يف تشكيل مجالية اخلطاب املسرحي‪ ،‬فقد كان هذا النوع من النقد يسعى إىل اإلجابة‬
‫عن سؤال‪ :‬ماذا يقول النص؟ مغفال سؤال‪ :‬كيف يقول النص مضمونه؟‪ .‬فضال على أن أصحابه‬
‫كانوا ينظرون إىل العمل املسرحي يف مستواه النصي فقط‪ ،‬ويغفلون مستوى العرض الذي ميثل‬
‫خصوصية بالغة األمهية‪ ،‬إىل جانب االبتعاد عن الرؤية العلمية الدقيقة ألن معظم التعليقات الصادرة‬
‫عن أصحابه ال تعدو أن تكون انطباعات قائمة على البعد التأثري الذي ال يرقى إىل مستوى املوقف‬
‫النقدي‪.‬‬

‫صحافيّين سواء أكانوا هواة أم حمرتفني يتمتعون بقدر ما من‬


‫ةالصادرة عن ال ّ‬
‫ب‪ -‬الممارسات النّقديّ ّ‬
‫الثقافة املسرحية‪ ،‬وهتدف كتاباهتم إما ملتابعة النشاط املسرحي‪ ،‬أو لتحليل عمل ما ومن أمثلتهم‪:‬‬
‫أمحد بيوض‪ ،‬بوزيان بن عاشور وغريهم‪.‬‬

‫فقد أدى النقد الصحفي املكتوب دورا مهما يف الرتويح للنشاط املسرحي يف اجلزائر منذ فرتاته األوىل‪،‬‬
‫حيث قام «بدور الوسيط بني املسرح واملتلقي حىت غداة االستعمار الفرنسي‪ )1(»...‬فكانت اجلرائد‪،‬‬
‫على قلتها‪ ،‬تتكفل بنشر أغلب النصوص املسرحية اليت كتبها أعضاء مجعية العلماء املسلمني كالبشري‬
‫اإلبراهيمي وغريه‪ ،‬وتُس حهم يف اإلعالن عن تواريخ العروض املسرحية يف املدن املختلفة‪ ،‬والتعريف‬
‫مبوضوعاهتا‪ ،‬ونشر الوعي بدور املسرح يف التثقيف وتزكية الروح الوطنية‪.‬‬

‫وعلى الرغم من الدور الفعال الذي أدته هذه الكتابات الصحفية يف مواكبة النشاط املسرحي حىت‬
‫شكلت «اللبنة األساس لصرح الدراسات الالحقة حول املسرح اجلزائري‪ ،‬و[كانت] بذلك املهاد‬
‫الذي انطلق منه النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬بل أكثر من هذا فقد شكلت هذه التغطيات الرحم الذي‬

‫‪ -)1‬صورية غجايت‪ ،‬النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬خمطوط دكتوراه‪ ،‬إشراف‪ :‬عبد اهلل محادي‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫واللغات‪ ،‬جامعة منتوري‪-‬قسنطينة‪2612 -‬م‪2613-‬م‪ ،‬ص ‪.262‬‬

‫‪102‬‬
‫نشأ فيه هذا النقد»(‪ )1‬إال أّنا كانت تتسم بالتعميم‪ ،‬والسطحية يف التحليل‪ ،‬فلم تكن تُـ ْع َىن باجلوانب‬
‫الفنية لألعمال املسرحية‪ ،‬بقدر ما كانت تكتفي باإلعالن عنها‪ ،‬أو تلخيص موضوعاهتا‪ ،‬وإعطاء‬
‫القارئ صورة عامة عنها‪ ،‬مما جعلها تتسم باالنطباعية‪ ،‬والذاتية يف أغلب األحيان وهو ما جعل بعض‬
‫الدارسني يقللون من قيمتها ألّنا‪ ،‬يف رأيهم‪« ،‬سطحية يف الغالب‪ ،‬ال تعدو أن تكون جمرد دعاية‬
‫(‪)2‬‬
‫الجتذاب اجلمهور»‬

‫واحلق أن املمارسة الصحفية املتعلقة بالنشاط املسرحي يف اجلزائر تتوزع على قسمني‪ :‬قسم كان‬
‫يهدف إىل التغطية اإلعالمية فحسب إما بدافع اهلواية أو التكليف املهين‪ ،‬هذا األخري الذي يعد‬
‫«األكثر حضورا وتوافرا يف املشهد الصحفي‪ ،‬فقد خضعت نسبة كبرية من املادة اإلعالمية املوجهة إىل‬
‫املسرح إىل مقاييس ومواضعات التكليف املسرحي من حيث التقيد مبساحة ورقية حمددة‪ ،‬والنزوع حنو‬
‫بساطة األسلوب‪ )3(»...‬وال غرو‪ ،‬واحلال هذه‪ ،‬أن تظهر يف هذه الكتابات مسات االقتضاب‪،‬‬
‫وهنات االستعجال‪ .‬أما القسم الثان فيتميز بالرزانة يف الطرح‪ ،‬واملوضوعية يف املعاجلة ألنه صادر عن‬
‫صحفيني ونقاد متمرسني بدروب الكتابة العلمية‪ ،‬وقوانينها‪ ،‬عارفني بفن املسرح معرفة عميقة ومن‬
‫أمثلة هؤالء النقاد‪ :‬جروة عالوة وهبة‪ ،‬أمحد بيوض‪ ،‬عاشور بوزيان‪ ،‬حفناوي بعلي‪ ،‬أحسن تليالن‪،‬‬
‫كمال بن دميراد‪ ،‬عبد الكرمي سكار‪ ،‬أمحد بن صبان(‪ )4‬وغريهم من النقاد الذين آمنوا باالرتباط الوثيق‬
‫بني الصحافة واملسرح باعتبارها وسيلة خادمة له‪ ،‬تستند يف مادهتا إىل نصوصه‪ ،‬وعروضه‪.‬‬

‫الصادرة عن رجال المسرح ممثلني كانوا أو خمرجني يف شكل "مذكرات"‬


‫ج‪ -‬الممارسات النّقديّة ّ‬
‫تلخص ّتارهبم املعيشة هلذا الفن‪ ،‬وتؤرخ لبعض نشاطاته وعلى رأسها مذكرات "حمي الدين‬

‫‪ -)1‬حممد حتريشي‪( ،‬النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬سؤال يف املكون) جملة عمان‪ ،‬أمانة عمان الكربى‪ ،‬عمان‪ ،‬ع‪ ،132‬تشرين‬
‫الثان‪2660 ،‬م‪ ،‬ص‪ .33‬وينظر أيضا‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.260‬‬
‫‪ -)2‬الرشيد بو شعري‪ ،‬أثر برتولد برخيث يف مسرح املشرق العرب‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬قسم اللغة العربية و آداهبا‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫جامعة دمشق‪1023 ،‬م‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ -)3‬صورية غجايت‪ ،‬النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.261‬‬
‫‪ -)4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪( 212‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫بشطارزي" ومذكرات "عاللو" وغريمها‪ ،‬وتعتربهذه املذكرات «من أهم املراجع اليت اعتمدت عليها‬
‫الدراسات النقدية يف املسرح اجلزائري»(‪ .)1‬ولعل ميزة النقد الصادر عن رجال الفن املسرحي اجلزائري‬
‫هو أنه نقد غري مؤسس على رؤية علمية دقيقة‪ ،‬وال يعىن بالسالمة اللغوية‪ ،‬يغلب عليه العفوية‬
‫واالنفعالية‪ ،‬غري أنه ينبثق من داخل املشهد املسرحي ويتتبع سريورة األعمال املسرحية عن كثب ألنه‬
‫يعايشها‪.‬‬

‫الصادرة عن الباحثين األكاديميّين‪ :‬يف مقابل هذه النشاطات اليت تتباين‬


‫د‪ -‬الممارسات النّقديّة ّ‬
‫اسرتاتيجيات التلقي عندها بني املنبثقة عن مؤسسة األدب‪ ،‬واملنبثقة عن مؤسسة الصحافة‪ ،‬هناك‬
‫النشاط النقدي ذو الطابع األكادميي الذي تنطبق عليه شروط البحث العلمي من صرامة منهجية‪،‬‬
‫ودقة مصطلح‪ ،‬وإحالة إىل اهلوامش‪ ،‬ويتم يف اجلامعات واملعاهد مث يصدر يف رسائل‪ ،‬أو كتب أو‬
‫جمالت خمتصة‪ ،‬وهو ما يطلق عليه مصطلح الدراسات املسرحية ‪ )2(Etudes Théâtrale‬ومن‬
‫رواد هذا النشاط "احسن تليالن"‪ ،‬و"حفناوي بعلي" و"أمحد شنيقي" و"صاحل ملباركية" و"امساعيل‬
‫بن صفية" و"جازية فرقان" وغريهم‪.‬‬

‫متيز هذا النقد جبملة من السمات نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -‬اإلفادة من أنواع النقد املسرحي األخرى حيث استعان أصحابه مبا توفر هلم من نقد صحايف‪ ،‬كما‬
‫اعتربوا مذكرات رجال املسرح مادة هامة يرتكزون عليها يف التنظري للفن املسرحي اجلزائري‪.‬‬

‫‪ -‬االعتماد على تقنيات البحث العلمية الدقيقة ما أمكن إىل ذلك سبيال؛ والسيما فيما يتعلق‬
‫باألمانة العلمية والتوثيق‪ ،‬ومتحيص املعلومات وفحصها‪.‬‬

‫‪ -)1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.110‬‬


‫‪2‬‬
‫‪)- Pavice Pavis, dictionnaire du théâtre, termes et concepts de l’analyse théâtrale, éditions‬‬
‫‪sociales, p456.‬‬
‫وينظر أيضا‪:‬صورية غجايت‪ ،‬النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.126‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ -‬جنح هذا النقد إىل التحليل والتعميم‪ ،‬وابتعد عن األحكام املطلقة‪ ،‬والتعسفية‪ ،‬وسعى أصحابه‬
‫غلى تطبيق املناهج النقدية يف دراسة الظواهر املسرحية‪.‬‬

‫‪ -‬تنوعت موضوعات هذا النقد بني دراسة مسرحيات جزائرية أو عربية أو عاملية‪ ،‬وبني دراسة ظواهر‬
‫مسرحية كظاهرة توظيف الرتاث وغريها‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر فإن النقد املسرحي بكافة أشكاله أسهم مسامهة فعالة يف تطوير الفن املسرحي‬
‫يف اجلزائر‪ ،‬وعلى الرغم من االختالفات الواسعة بني هذه األنواع إال أّنا شكلت مشهدا نقديا‬
‫متكامال كان لكل نوع فيه إجيابيات وسلبيات‪ ،‬وكان انتشاره تلبية خلصائص فرتة زمنية معينة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫المحاضـرة الحادية عاش ـ ــر‪:‬‬

‫المس ـ ــرحـ ـ ــيّة الجـ ـزائ ـ ـ ـريّة وإشــكال ــيّة الم ـ ـ ـن ـهـ ــج‪:‬‬

‫‪ -1‬المقاربات التّاريخيّة‪.‬‬

‫السيميائيّة‪.‬‬
‫‪ -7‬المقاربات ّ‬
‫‪ -3‬المقاربات التّداوليّة‪.‬‬

‫‪ -4‬المسرحيّة الجزائريّة ونظريّة التّلقي‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫تمهيد‪:‬ليس التعامل مع الفن املسرحي تعامال علميا باألمر اهلني بل أصبح يطرح‪ ،‬على السابر‬
‫أغواره‪ ،‬إشكاالت قرائية عديدة أمهها سؤال املنهج؛ أي كيف نقرأ النص املسرحي؟ وما هي أكثر‬
‫املناهج مالئمة هلذا الفن املتميز بطبيعته املزدوجة اليت ّتمع بني مكونني على قدر كبري من األمهية‬
‫واالختالف يف اآلن ذاته مها النص والعرض‪.‬‬

‫ويف إطار اإلجابة على هذا السؤال اختلف تعامل النقد املسرحي اجلزائري مع الظاهرة املسرحية من‬
‫حقبة زمنية إىل أخرى‪ ،‬ومن ناقد إىل آخر حسب الزاد املعريف الذي ميتلكه هذا الناقد أو ذاك‪،‬‬
‫وحسب املنطلقات الفكرية واإليديولوجية والثقافية املهيمنة على النقد يف تلك احلقبة دون احلقبة‬
‫األخرى‪ ،‬فتعددت املناهج وتباينت الرؤى العلمية اليت تتصدى للمسرحية نصها وعرضها بالدراسة‬
‫والتحليل وتراوحت‪ ،‬يف جمملها‪ ،‬بني الدراسات التارخيية‪ ،‬والدراسات املوضوعاتية الفنية‪ ،‬والسيميائية‬
‫والتداولية‪ ،‬وتطبيق إجراءات نظريات القراءة والتلقي‪.‬‬

‫أ‪ -‬المقاربات التّاريخيّة‪ :‬تعترب الدراسات التارخيية أكثر املقاربات رواجا يف النقد املسرحي اجلزائري‪،‬‬
‫حيث سعى لفيف من النقاد إىل التأريخ هلذا الفن الوافد إىل ثقافتنا‪ ،‬معرفني به نشأة وتطورا‪ ،‬منقبني‬
‫عن إرهاصاته األوىل‪ ،‬ولقد اختذت مثل هذه الدراسات مشروعيتها من حداثة هذا الفن‪ ،‬وغياب‬
‫تراكم إبداعي ميكن االرتكاز عليه لبناء تصور نقدي يراعي خصوصيته احمللية ‪.‬‬

‫تتضمن الدراسات التارخيية موضوعات عديدة منها ما يتعلق بالتعريف برواد الفن املسرحي اجلزائري‪،‬‬
‫وترسيخ ثبت بالنصوص األوىل‪ ،‬وهو عمل يتطلب الصرب ودقة التحري‪ ،‬ودراية معتربة باإلرهاصات‬
‫األوىل للحركة املسرحية يف اجلزائر‪ ،‬ومنثل هلذه الدراسات بكتاب "صاحل ملباركية" املوسوم بـ ـ ـ ـ‪" :‬املسرح‬
‫يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪-‬دار اهلدى للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عني مليلة‪ -‬اجلزائر‪ "2664 ،‬حيث سعى الناقد إىل تقدمي مسح لتاريخ الفن املسرحي يف‬
‫اجلزائر بداية بالعهد الرومان‪ ،‬فالعهد العثمان‪ ،‬فالعهد الفرنسي‪ ،‬انتهاء بسنة ‪ 1026‬اليت حددها‬

‫‪107‬‬
‫نقطة ّناية دراسته‪ ،‬وقد أردف دراسته بتقدمي ملخصات عدد معترب من النصوص‪ ،‬وثبت لبعض‬
‫أعالم املسرح اجلزائري‪ ،‬ويعد هذا الكتاب مرجعا مهما للدراسات املسرحية اليت جاءت بعده‪.‬‬

‫ومن الدراسات املهمة يف تاريخ املسرح اجلزائري نذكر كتاب "أمحد بيوض" املوسوم ب ـ ـ‪" :‬املسرح‬
‫اجلزائري‪،‬نشأته وتطوره‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪2611 ،‬م " وهو جمموعة مقاالت‬
‫صحفية مجعها الناقد يف كتاب‪ ،‬وأرخ فيه للظاهرة املسرحية يف اجلزائر منذ نشأهتا‪ ،‬مرورا مبراحل‬
‫تطورها‪ ،‬شافعا دراسته جبداول لعناوين نصوص مسرحية خمتلفة‪ :‬املؤلفة منها واملقتبسة واملرتمجة‪ ،‬وأمساء‬
‫أصحاهبا‪ ،‬ومذيال عمله برتمجة ألعالم املسرحية اجلزائرية تأليفا ومتثيال وإخراجا‪.‬‬

‫وسلط الباحث "حفناوي بعلي" الضوء يف كتابه "أربعون عاما على خشبة مسرح اهلواة يف اجلزائر‪،‬‬
‫منشورات احتاد الكتاب اجلزائريني‪ ،‬دار هومة‪ ،‬ط‪ 1‬اجلزائر‪2662 ،‬م"على مسرية مسرح اهلواة يف‬
‫اجلزائر وخصائصه باعتباره شكال له مميزاته ومواضيعه وتارخيه‪ ،‬فبني الفرق بينه وبني املسرح احملرتف‪،‬‬
‫وقسم أنواعه إىل املسرح املدرسي‪ ،‬واملسرح اجلامعي‪ ،‬ومسرح العمل‪ ،‬واملسرح الشعب‪ ،‬واملسرح اجلوال‪،‬‬
‫واملسرح العسكري‪ ،‬وشفع دراسته برؤية حتليلية لنصوص خمتلفة قدمها مسرح اهلواة يف اجلزائر‪ ،‬كما‬
‫تطرق إىل أكثر القضايا حساسية يف النقد املسرحي كقضية أزمة النص عارضا أسباهبا‪ ،‬ومقرتحا‬
‫احللول والبدائل‪.‬‬

‫وقد أجدت مثل هذه الدراسات نفعا يف مرحلة معينة من مراحل املسرحية اجلزائرية‪ ،‬فأمدت الدارسني‬
‫مبادة علمية خصبة والسيما أّنا كانت مشفوعة بتحليل لبعض النصوص املسرحية‪ ،‬وشرح ظروف‬
‫تأليفها‪ ،‬أو مالبسات عرضها‪ ،‬فكانت مرجعا ثرا للدراسات النقدية بعدها‪ ،‬غري أّنا وقعت يف بعض‬
‫املزالق؛ إذ يلحظ إقبال كبري «حنو التأريخ للظاهرة املسرحية‪ ،‬وقراءهتا مبناهج سياقية‪ ،‬مقابل نفور‬
‫غريب من الدراسات النقدية التطبيقية اليت يعول عليها يف ترسيخ تقاليد فنية مسرحية يف اجلزائر‪ ،‬ورفع‬
‫مستوى اإلبداع املسرحي يف بالدنا‪ )1(»...‬أضف إىل ذلك نزوع مثل هذه الدراسات إىل تتبع الظاهرة‬

‫‪-)1‬صوريا غجايت‪ ،‬النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.212‬‬

‫‪108‬‬
‫املسرحية من اخلارج نص وتغييب كامل للبنية النصية املتميزة بأنساقها املختلفة اللسانية منها والسمعية‬
‫والبصرية وغريها‪.‬‬

‫السيميائيّة‪ :‬تتميز املقاربة السيميائية بأّنا أكثر املقاربات رواجا يف النقد املسرحي‬
‫ب‪ -‬المقاربات ّ‬
‫اجلزائري‪ ،‬ومرد ذلك إىل عاملني‪ :‬يتعلق األول مبا يتميز به الفن املسرحي من طاقات عالمية ّتعله‬
‫«آلة سبريطيقية بامتياز»‪1‬فخالفا لألجناس األدبية اليت هتيمن عليها العالمة اللسانية فقط‪ ،‬ميكن‬
‫اعتبار املسرحية فسيفساء من العالمات ّتمع بني العالمات اللغوية‪ ،‬والبصرية‪ ،‬والسمعية‪ ،‬والشمية‬
‫اخل‪.‬ويتعلق اآلخر بقدرة هذه املقاربة على تتبع وتأويل العالمات املسرحية مهما اختلفت طبيعتها‪،‬‬
‫وتشعبت معانيها‪ ،‬فهي منبثقة عن علم «يسعى ألن يقدم منهجا متكامال لتحليل العمل املسرحي‬
‫(النص والعرض) على اعتبار أن كالًّ منهما يشكل لغة "‪ " Langage‬متكاملة ومستقلة‪ .‬وهي‬
‫تبحث يف املنظومات الداللية اليت تُك نون هذه اللغة‪ ،‬ويف وسائل إنتاج املعىن خالفا للعلوم النقدية‬
‫التقليدية اليت تركز على البحث عن املعىن يف حد ذاته»(‪.)2‬‬

‫ويقف الناظر إىل الدراسات اليت سعت إىل تطبيق إجراءات املقاربة السيميائية على املسرحية اجلزائرية‬
‫على العديد من املالحظات نذكر منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬جنوح هذه الدراسات إىل اجلانب التطبيقي‪ ،‬ووقوف أغلبها‪ ،‬عند التنظري‪ ،‬على السيميائيات‬
‫العامة نشأة وتطورا دون فحص دقيق لطروحات سيميائيات املسرح وإجراءاهتا باعتبارها فراعا جديدا‬
‫من فروع السيميائيات العامة‪.‬‬

‫ب‪ -‬عدم وجود إجراءات حمددة للمقاربة السيميائية ميكن اعتمادها منوذجا حيتذى به يف مثل هذه‬
‫الدراسات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪)- Roland barthes, écrits sur le théâtre, texte réunis et présentés par : jean lout revire éditions du seuil 2002, p‬‬
‫‪19.‬‬
‫‪ -)2‬ماري إلياس وحنان قصاب حسن‪ ،‬املعجم املسرحي‪ ،‬ص‪.241‬‬

‫‪109‬‬
‫ج‪ -‬تعامل أغلب الباحثني مع النص املسرحي باعتباره نص أدبيا تتحدد قراءته سيميائيا بقراءة‬
‫العنوان‪ ،‬الشخصيات الزمان‪ ،‬واملكان‪ ،‬وإغفال أهم خصيصة ينفرد هبا وهي نص اإلرشادات املسرحية‬
‫الذي يفتح أفقا واسعا للتأويل السيميائي‪.‬‬

‫د‪ -‬توزع املقاربة السيميائية يف النقد املسرحي اجلزائري خاصة والعرب بعامة إىل سيميائيات النص‬
‫املسرحي‪ ،‬وسيميائيات العرض املسرحي‪ ،‬مع بروز حبوث ّتمع بني السيميائيتني‪ ،‬وتدرس العمل‬
‫املسرحي باعتباره كال متكامال‪.‬‬

‫ج‪ -‬المقارباتالتّداوليّة‪ :‬يعد الفن املسرحي جماال خصبا للدراسات التداولية لقيامه على بعد تواصلي‬
‫معقد؛ فعلى املستوى األول ميكن رصد هيئات إرسالية متعددة؛ بداية مبؤلف النص‪ ،‬إىل املخرج‪،‬‬
‫فمصمم املالبس‪ ،‬ومصمم الديكور‪ ،‬وتقين اإلضاءة‪ ،‬واملوسيقي‪ ،‬واملمثل؛ حبيث نلحظ تناوباً إرسالياً‬
‫معقداً خالفاً ملا هو معهود بالنسبة لألجناس األدبية املختلفة‪ .‬وهذا التعقيد على مستوى اإلرسال‬
‫يتطلب‪ ،‬بدوره‪ ،‬تعقيداً على مستوى التلقي؛ حيث ميكن اعتبار املؤلف متلقياً أوَل لوقائع نفسية أو‬
‫اجتماعية‪ ،‬أو فكرية‪ ،‬أو سياسية‪ .‬واملخرج متلقياً ثانياً لنص املؤلف‪ ،‬وألنواع الوقائع ذاهتا اليت ميتح‬
‫منها ّتربته الفنية اليت تلخص رؤيته للعامل‪ ،‬وميكن َع ُّد ٍّ‬
‫كل من مصمم األزياء‪ ،‬ومصمم الديكور‪،‬‬
‫وتقين اإلضاءة‪ ،‬ومصمم املوسيقى‪ ،‬واملمثل متلقني لتوجيهات املخرج(‪ )1‬ويف النهاية هناك املتلقي‬
‫األخري‪ ،‬وهو اجلمهور الذي يشاهد العرض‪ ،‬ويتفاعل معه‪ .‬إن هذا التعدد يف املسرحية‪ ،‬نصاً‪،‬‬
‫وعرضاً‪ ،‬ال جند مقابالً له يف الرواية أو الشعر مثال‪ ،‬ملا تتسم به هذه األجناس األدبية من أحادية‬
‫التلقي‪.‬‬

‫‪ -)1‬ينظر‪ :‬عبد اجمليد شكري‪ ،‬عناصر الرتكيب اجلمال يف العرض املسرحي املغرب – قراءة يف بعض عروض مسرح اهلواة‪ -‬خمطوط‬
‫دكتوراه‪ ،‬جامعة احلسن الثان‪ ،‬احملمدية‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬بنمسيك‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ 2662 ،‬م‪2663-‬م‪،‬‬
‫ص‪.121‬‬

‫‪110‬‬
‫وعلى الرغم من أمهية الدراسات التداولية يف هذا اجملال باعتبارها «جزءا من السيميائية اليت تعاجل‬
‫العالقة بني العالمات ومستعملي هذه العالمات»(‪)1‬إال أن حضورها يف البحوث املسرحية اجلزائرية‬
‫ظل حمتشما نظرا لصعوبة مقاربة إجراءاهتا‪ ،‬ناهيك عن تشعب نظرياهتا عند النقاد الغربيني أنفسهم‪.‬‬

‫د‪ -‬المسرحيّة الجزائريّة ونظريّات القراءة والتّلقي‪ :‬يـُ َع ُّد اجلمهور عنصراً حمورياً يف تشكيل الظاهرة‬
‫ب؛ لدرجة أن العديد من التجارب اإلخراجية أثبتت‬‫املسرحية‪ ،‬فهو يرتبط هبا ارتباط السبب باملسبن ح‬
‫ُ‬
‫إمكانية االستغناء عن بعض عناصر العرض بدءاً بالعناصر التقنية من ديكور‪ ،‬وموسيقى‪ ،‬ورقص‪،‬‬
‫وغناء؛ حيث عمد كثري من املخرجني إىل تقليل أو إلغاء توظيفها‪ ،‬إىل العناصر اللغوية اليت‪ ،‬رغم‬
‫أمهيتها‪ ،‬ظهرت دعوات إىل االستغناء عنها يف إطار ما يسمى باملسرح الصامت‪ ،‬إال أن حضور‬
‫مسرحي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫املتفرجني كان وما زال احلدث الذي ال غىن عنه الستكمال شروط كل عرض‬

‫بداعي‬
‫وقد تنامى االهتمام هبذا العنصر الفعال يف العقود األخرية من القرن املاضي‪ ،‬فعلى املستوى اإل ن‬
‫مت اإلصرار على ضرورة تفعيل املخرج لدور املتفرج‪ ،‬من أجل املشاركة يف العرض وعيا منه بأنه احلكم‬
‫ي أخذ اهتمام‬
‫األول واألخري‪ ،‬وعليه يعول جناح العمل املسرحي أو فشله‪ ،‬وعلى املستوى النقد ن‬
‫الباحثني ينصب على املتلقي يف حماولة لرصد استجاباته‪ ،‬وحتليل آفاق توقعاته‪ ،‬من أجل بناء نظرية‬
‫نقدية للتلقي املسرحي على غرار ما مت إجنازه يف جمال التلقي األدب‪.‬‬

‫ي‪ ،‬بل على‬


‫املسرحي اجلزائر ن‬
‫ن‬ ‫ي‬
‫ومل يكن هذا الطرف مبنأى عن املعادلة املسرحية يف االعتبار النقد ن‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬شكل حضوره ركيزة أساسية تعكس البعد التداول احلي‪ ،‬واملباشر املقرتن باخلطاب‬
‫شعب قوامه االرّتالية‪ ،‬واآلنية‪،‬‬
‫املسرحي‪ ،‬وال أدل على ذلك من نشأة املسرحية اجلزائرية يف إطار ٍّ‬
‫ومعياره األول واألخري تفاعل اجلمهور البسيط معها‪ ،‬لدرجة كان رجال املسرح فيها يعتمدون يف‬
‫انتقاء مواضيع عروضهم على الذائقة الشعبية البسيطة‪.‬‬

‫‪ -)1‬النعمان بوقرة‪ ،‬املدارس اللسانية املعاصرة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،2661 ،‬ص‪.100‬‬

‫‪111‬‬
‫البديهي أن ينبثق االهتمام باجلمهور‪ ،‬أوال‪ ،‬عن بوادر فطرية تؤطرها املمارسة املسرحية‬
‫ن‬ ‫وقد كان من‬
‫اجلزائرية‪ ،‬حيث كان املمثلون أنفسهم على قد ٍر كب ٍري من الوعي بأمهية هذا الطرف يف جناح العملية‬
‫التواصلية املسرحية‪ ،‬وكانوا‪ ،‬انطالقا من حخ ْرباهتم‪ ،‬يستشرفون آفاق توقعات اجلمهور ويستجيبون هلا‬
‫بتلقائية شديدة‪ .‬إىل أن بلغ هذا االستشراف مداه مع "عبد القادر علولة" الذي حظي اجلمهور‪ ،‬يف‬
‫الربخيثي‪ٍّ ،‬‬
‫حبظ وافر من االهتمام أرجع‪ ،‬انطالقا منه‪ ،‬الشكل املسرحي‪ ،‬خباصة‪،‬‬ ‫ن‬ ‫مسرحه املتأثر باملنحى‬
‫إىل التقاليد الشعبية الرتاثية‪ ،‬وجعل العرض أشبه ما يكون بورشة فنية يشارك اجلمهور يف صنعها‪،‬‬
‫ويبدي رأيه فيها باملناقشات اليت تَـ ْع ُقب ّناية كل عرض‪ ،‬إميانا منه بأمهية أراء اجلمهور وانطباعاته يف‬
‫مسرحي حمل ٍّي ناجح‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫التأسيس لتصور‬

‫وإذا كان هذا حال املمارسة املسرحية اجلزائرية من العناية باجلمهور‪ ،‬فإن املمارسة النقدية مل َححت ْد كثريا‬
‫عن هذا املنحى‪ ،‬حيث أخذ موضوع اجلمهور وظروف تلقيه للعمل املسرحي يتصدر اهتمامات النقاد‬
‫الذين راحوا يتباحثونه انطالقا من رؤيتني‪:‬‬

‫‪-‬أوال‪ :‬رؤية فكرية‪/‬اجتماعية‪ :‬تتجلى يف شكل تعليقات أو آراء ال حتتكم إىل منهج معني وال هتدف‬
‫إىل الغوص يف طبيعة اجلمهور وخصوصياته‪ ،‬وآليات تلقيه للعمل املسرحي؛ بقدر ما تُناقحش‪ ،‬على حنو‬
‫ما جند عند "عبد اهلل الركيب" يف كتاب فنون النثر اجلزائري‪ ،‬موقفه املتحفنظ من هذا الفن الوافد الذي‬
‫ارتبط يف نظر العامة باملستعمر الفرنسي‪ ،‬وكذا طبيعة اللغة امل ح‬
‫ناسبة ملستوى اجلماهري البسيطة(‪ .)1‬وقد‬
‫ظلت قضية غياب اجلمهور عن العروض يف الفرتات األوىل من نشأة املسرحية اجلزائرية تشغل بال‬
‫النقاد الذين حاولوا أن يوجدوا هلا مسوغات تتعلق‪ ،‬يف معظمها‪ ،‬بالعالقة العدائية بني الشعب‬
‫ميت للمستعمر بصلة‪.‬‬
‫اجلزائري وكل ما ُّ‬

‫واملالحظ أن هذه اآلراء وغريها من الشذرات املتناثرة يف كتب نقدية عديدة ظلت قاصرة عن املعاجلة‬
‫اجلادة ملوضوع مبثل هذه األمهية‪ ،‬إذ كان معظمها يكتفي باإلشارة العابرة على حنو ما جند يف كتاب‬

‫‪ -)1‬عبد اهلل الركيب‪ ،‬تطور النثر اجلزائري احلديث‪ ،‬املؤسسة العربية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪1023 ،1‬م‪ ،‬ص‪.112‬‬

‫‪112‬‬
‫"املسرح اجلزائري‪-‬نشأته وتطوره‪-‬ألمحد بيوض الذي حضر املوضوع عنده يف عنوانني فرعيني يتوزعان‬
‫على فصلني‪ :‬الفصل الثالث حتت عنوان‪ :‬املسرح اجلزائري واجلمهور؛ وكانت املعاجلة فيه ذات طابع‬
‫مستمر‬
‫ٍّ‬ ‫وصفي تعتمد أرقاماً إحصائية(‪ )1‬لتثبت أن مجهور العرض املسرحي يف عام ‪1032‬م يف تزايد‬
‫ٍّ‬
‫مقارنة بأعوٍام مضت‪ .‬ويف موضع آخر من الفصل الرابع وحتت عنوان‪ :‬رد فعل مجهور املسرح‪ :‬حضور‬
‫(‪)2‬‬
‫وفعالية‪ ،‬أكد الباحث فاعلية املسرح يف تعبئة احلس الثوري لدى الشرحية العظمى من اجلماهري‬
‫مهم من العالقة بني اجلمهور والعروض املسرحية هي التفاعلية‪.‬‬
‫ليلفت النظر إىل جانب ٍّ‬

‫اجلاد مبوضوع اجلمهور والتلقي يأخذ منعرجا حامسا يف‬


‫ثانيا‪ :‬رؤية علمية منهجية‪ :‬وقد بدأ االهتمام ُّ‬
‫النقد املسرحي اجلزائري مع دراستني رائدتينلـ ـ "خملوف بوكروح" األوىل املوسومة بـ ـ ـ "املسرح واجلمهور‬
‫دراسة يف سوسيولوجية املسرح اجلزائري ومصادره"‪ ،‬والثانية بعنوان "التلقي واملشاهدة يف املسرح" حاول‬
‫الناقد خالهلما تطبيق إجراءات نظرية التلقي «اليت تقوم الدراسة امليدانية والتجربة العلمية النابعة من‬
‫واقع اجلمهور»(‪.)3‬‬

‫وقد تفعل هذا االهتمام جبهود علمية معتربة تعىن بدراسة الظاهرة املسرحية من زاوية التلقي على غرار‬
‫اعتماد مشروع ماجستري حتت عنوان‪" :‬املسرح اجلزائري من منظور مجالية التلقي" حتت إشراف‬
‫الدكتورة "جازية فرقان" جبامعة وهران‪ ،‬كلية اآلداب واللغات والفنون‪ ،‬قسم الفنون الدرامية للموسم‬
‫اجلامعي ‪ ،2660-2664‬ويهدف إىل اختبار املسرحية اجلزائرية يف ضوء منجزات نظرية التلقي‪.‬‬

‫وضمن املسار نفسه‪ ،‬عاجل قسم الفنون الدرامية جبامعة وهران موضوع مذكرة ماجستري بعنوان‪":‬‬
‫العالقة املسرحية ومجالية التلقي لدى اجلمهور املسرحي اجلزائري‪ ،‬مسرحية "الشهداء يعودون هذا‬
‫األسبوع" أمنوذجا يف إطار مشروع "املسرح اجلزائري من منظور مجالية التلقي"حيث تناولت الباحثة‬
‫"برنامة سنية سامية" موضوعاً على قدر كبري من األمهية هو العالقة بني املسرحية واجلمهور‪ ،‬وهي‬

‫‪ -)1‬ينظر‪ :‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬ص‪.20-24‬‬


‫‪ -)2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.06‬‬
‫‪ -)3‬خملوف بوكروح‪ ،‬املسرح واجلمهور‪ ،‬دراسة يف سوسيولوجية املسرح اجلزائري ومصادره‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.163-162‬‬

‫‪113‬‬
‫عالقة تفاعلية بامتياز‪ .‬وإذا كانت الفصول الثالثة األوىل فصوالً متهيدية استقرأت اجلانب النظري‬
‫للتلقي‪ ،‬راصدة خمتلف عملياته النفسية واإلدراكية منذ كتابات أرسطو‪ ،‬ومتتبعة طبيعة اجلمهور‬
‫املسرحي ودوره من جهة أخرى‪ .‬فإن الفصل الرابع جاء تطبيقيا تناول مسرحية "الشهداء يعودون هذا‬
‫األسبوع" من اجلانب اجلمال للقصة‪ ،‬مث اجلانب اجلمال للنص الدرامي‪ ،‬مث اجلانب اجلمال للعرض‬
‫املسرحي‪ ،‬مربزا أثر كل هذه اجلماليات على اجلمهور الذي استملح أساليب السخرية واحلماقة‪،‬‬
‫وتوظيف الكورس‪ ،‬والرتاث الشعب‪ ،‬واالستعراض الغنائي(‪ )1‬وغريها من األساليب اليت مدت أواصر‬
‫التواصل بني العرض واملتلقي ‪.‬‬

‫نقائص تتعلق يف جمملها بعدم توازن مباحث الفصول النظرية‬


‫َ‬ ‫وعلى الرغم مما يعرتي هذا البحث من‬
‫طبيقي‪ ،‬وعدم التحكم يف مناهج نظريات التلقي‪ ،‬إال أن ما حيسب له هو‬
‫مع مباحث الفصل الت ن‬
‫تضمنه الستبانة تتكون من ‪ 32‬بندا (سؤاال) رصدت الباحثة من خالهلا ردود أفعال متفرجي‬
‫العرض‪-‬موضوع الدراسة‪ -‬وآفاق توقعاهتم‪ ،‬وقد كان «اهلدف العام من هذه االستمارة هو حماولة‬
‫الوصول إىل أدلة مادية نستنتجها من أجوبة اجلمهور ندعم هبا نتائج البحث(‪ )...‬وهذه النتائج هي‬
‫تفسريات وحتليالت إلشكالية البحث اليت فحواها عالقة اجلمهور باملسرح ومجالية التلقي لديه‪،‬‬
‫ولتتوضح لنا أكثر ظروف ومالبسات هذه العالقة‪ ،‬عمدنا إىل التقرب من مناقشة مجلة من املشاكل‬
‫اليت حالت أو اليت حتول بني لقاء اجلمهور بالعرض املسرحي‪ ،‬أو بصيغة أخرى الوصول إىل العناصر‬
‫اليت تتحكم خبلق مجهور لعرض ما»(‪ )2‬وهو ما أكسب هذه الدراسة أمهية باعتبارها إضاءة جلانب‬
‫مهم من جوانب املسرحية اجلزائرية هو اجلمهور‪.‬‬
‫ٍّ‬

‫‪ -)1‬برنامة سنية سامية‪ ،‬العالقة املسرحية ومجالية التلقي لدى اجلمهور املسرحي اجلزائري‪ ،‬مسرحية "الشهداء يعودون هذا‬
‫األسبوع" أمنوذجا‪ ،‬خمطوط رسالة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬جازية فرقان‪ ،‬قسم الفنون الدرامية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬اللغات والفنون‪ ،‬جامعة‬
‫وهران‪2662 ،‬م‪2660-‬م‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ -)2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪114‬‬
‫يف األخري نقول إن هذه الدراسات‪ ،‬على هناهتا‪ ،‬قد نقلت املسرحية اجلزائرية من حيز االنطباع‬
‫والذوق إىل حيز الدرس األكادميي‪ ،‬واستطاعت التعريف بنصوص كثرية‪ ،‬وقدمت إجراءات موضوعية‬
‫ملقاربتها إال أن الفن املسرحي مازال حقال خصبا للدذراسات األكادميية وجب لفت االنتباه إليه‪،‬‬
‫وإزالة الغبار عن نصوصه‪.‬‬

‫‪ ‬نموذج تطبيق ّي‪ :‬تجربة مخلوف بوكروح النّقديّة‪:‬‬

‫تسعى هذه القراءة املوجزة يف ّتربة خملوف بوكروح النقدية إىل تسليط الضوء على جهود هذا الناقد‬
‫يف جمال اإلفادة من منجزات نظريات القراءة والتلقي اليت استأثرت حبيز معترب إسهاماته النقدية‬
‫والسيما أنه خصها بدراستني رائدتني‪ :‬األوىل موسومة بـ "املسرح واجلمهور دراسة يف سوسيولوجية‬
‫املسرح اجلزائري ومصادره" اليت حاول من خالهلا إخضاع اجلمهور اجلزائري للدراسة العلمية باالعتماد‬
‫على املقاربة السوسيولوجية اليت رأى أّنا «تسعى إىل فهم بعض املشكالت املتعلقة بطبيعة التفاعل‬
‫االجتماعي والتغري الثقايف الذي طرأ على البنيات االجتماعية‪ ،‬كما أّنا تسهم يف فهم وتفسري عملية‬
‫االتصال االجتماعي اليت تزداد تطورا مع تطور مع تطور اجملتمعات املعاصرة»(‪ .)1‬ولعل ما حيسب‬
‫هلذه الدراسة‪ ،‬عدا املهاد النظري الذي أرخ فيه صاحبها للمسرحية اجلزائرية موضوعاهتا ومصادرها‪،‬‬
‫اإلحصائي واجلداول يف استقراء إقبال اجلمهور اجلزائري على العروض املسرحية‬
‫ن‬ ‫ارتكازها على اجلانب‬
‫يف فرتة زمنية حمددة بالعقد األول من االستقالل‪ ،‬وباالعتماد على التوزيع الزمين للعروض‪ .‬وتأيت‬
‫الدراسة الثانية املوسومة "التلقي واملشاهدة يف املسرح" لتعزز رغبة هذا الناقد يف فهم وحتليل ظاهرة‬
‫اجلمهور اجلزائري باالعتماد على «استمارة استبيانية مت توزيعها على مجهور ثالثة عروض ملسرحية‬
‫ي على‬‫ح‬
‫ر‬ ‫ُج‬
‫أ‬ ‫تطبيقي‬ ‫كنموذج‬ ‫(‪)2‬‬
‫"حافلة تسري" بقاعة املسرح الوطين اجلزائري‪ ،‬أفريل ‪1001‬م»‬
‫ْ َ‬
‫‪146‬مستجوباً‪ ،‬يكشف ثالثة زوايا‪ :‬تتعلق األوىل برتكيبته االجتماعية ( اجلنس‪ -‬السن‪ -‬املستوى‬
‫التعلمي‪ ،‬واالجتماعي‪ )...‬وتتعلق الثانية بأمناط التفاعل املسرحي بغية كشف حدود العالقة بني‬

‫‪ -)1‬خملوف بوكروح‪ ،‬املسرح واجلمهور‪ ،‬ص‪.2‬‬


‫‪ -)2‬خملوف بوكروح‪ ،‬التلقي واملشاهدة يف املسرح‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫‪115‬‬
‫اجلمهور اجلزائري واملسرح مركزة على العناصر اليت ّتذبه يف العرض أهي العنوان‪ ،‬أم املضمون‪ ،‬أم‬
‫النوع املسرحي (تراجيدي او كوميدي‪ ،‬أو طالئعي‪ ،)...‬أم اللغة‪ ...‬وتتعلق الثالثة بعالقة املؤسسة‬
‫املسرحية باجلمهور وتستهدف الكشف عن وسائل اإلعالم املعتمدة من قبلها( صحافة مكتوبة‪،‬‬
‫التلفزيون‪ ،‬امللصقات‪ ،‬الراديو) وغريها‪ .‬وقد أقر الباحث‪ ،‬رغم اعرتافه بنسبية هذه النتائج‪ ،‬أن اجلمهور‬
‫املسرحي‪ ،‬موضوع الدراسة‪« ،‬مجهور شاب ومتعلم‪ ،‬ومتكون من عنصرين(إناث وذكور) ويهتم‬
‫باملسرح‪ ،‬ويركز على املضمون‪ ،‬أكثر من الشكل‪[ .‬وأكد أنه] يبقى أمام املسرح الوطين اجلزائري أن‬
‫يقيم اتصاال مستمرا مع اجلمهور‪[ ،‬وأن يسعى] إىل معرفة طبيعته‪ ،‬ورغباته‪ ،‬لكن معرفة اجلمهور‬
‫وحدها تظل غري كافية‪ ،‬ما مل تتمكن املؤسسة املسرحية من توثيق االتصال مع اجلمهور بشكل‬
‫(‪)1‬‬
‫مستمر»‬

‫ومما ّتدر اإلشارة إليه هو أن إسهامات "خملوف بوكروح" يف جمال التلقي املسرحي اجلزائري‪ ،‬ودراساته‬
‫عن اجلمهور املسرحي كانت ّتربة نقدية على قد ٍر كب ٍري من األمهية‪ ،‬والتنوع حبيث لفتت جديتها‪،‬‬
‫وجدهتا أنظار الباحثني يف جمال النقد املسرحي؛ ففي حبثها املوسوم بـ "النقد املسرحي يف اجلزائر" ويف‬
‫إطار تناوهلا لظاهرة اجلمهور وموقعها يف أعمال النقاد املسرحيني اجلزائريني‪ ،‬أفاضت الباحثة "صورية‬
‫غجايت" يف عرض وتقدمي جهود هذا الناقد حني خصته مببحث قيم من دراستها‪ ،‬مشرية إىل مواطن‬
‫القوة والضعف يف طرقه ملوضوع التلقي‪ ،‬وعلى الرغم من أن الباحثة انتهت إىل مالحظة‪ ،‬اعتقدت أن‬
‫الناقد "خملوف بوكروح" يتفق معها حوهلا‪ ،‬تتمثل «يف احلكم بعبثية هذا النوع من الدراسات ألنه ال‬
‫ميكنها أن حتقق نتائج ّنائية بالنسبة لقياس سلوك وعادات اجلمهور‪ ،‬ذلك أن أذواق اجلماهري [يف‬
‫(‪)2‬‬
‫اعتقادها] غري ثابتة‪ ،‬فهي تتغري من عام إىل عام آخر‪ ،‬وأن مثة حلظة نفسية لكل مسرحية‪»...‬‬
‫وهي مالحظة قد تنال استحسان بعض النقاد نظرا ملسوغاهتا املوضوعية‪ ،‬إال أن موضوع التلقي‬
‫املسرحي موضوع ال مناص منه لكل حبث مادام اجلمهور جزءا ال يتجزأ من تكوين الظاهرة املسرحية‪.‬‬

‫‪ -)1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.42-41‬‬


‫‪ -)2‬صورية غجايت‪ ،‬النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬ص‪.362‬‬

‫‪116‬‬
‫تبقى ّتربة "خملوف بوكروح" النقدية ّتربة رائدة يف جماهلا‪ ،‬ألّنا ّتمع بني حب الفن املسرحي‪ ،‬ومعرفة‬
‫متطلباته (كونه خمرج مسرحي) وامتالك األدوات اإلجرائية لدراسته ونقده‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫المحـ ـ ـ ــاضرة الثـاني ـ ـ ــة عشـ ـ ــر‪:‬‬

‫شـ ـ ــعريّـ ــة الج ـ ـ ـزائـ ـ ـري ـ ـ ـ ـ ــة‪:‬‬


‫المس ـ ـ ــرحـ ـ ــيّ ـ ــة ال ّ‬
‫شعريّة‪.‬‬
‫‪ -0‬مفهوم المسرحيّة ال ّ‬

‫شعريّة في الجزائر‪.‬‬
‫‪ -7‬نشأة المسرحيّة ال ّ‬

‫شعريّة في الجزائر‪.‬‬
‫‪ -3‬موضوعات المسرحيّة ال ّ‬

‫‪118‬‬
‫تمهيد‪ :‬تعد املسرحية الشعرية نوعا متميزا من أنواع املسرحية‪ ،‬ارتبط ظهوره بظهور الفن املسرحي‬
‫نفسه‪ ،‬وتطور عرب الزمن متخذا مواضيع خمتلفة باختالف احلياة نفسها‪ ،‬مربزا مقدرة الشاعر الفنية‬
‫القائمة على البعد اإليقاعي وما يوفره من دالالت‪ ،‬ومؤكدة ميالد نوع فين طريف ناتج عن تزاوج‬
‫جنسني ينفرد كل جنس منهما خبصوصيات ومجاليات معينة مها املسرحية والشعر‪ ،‬وهو ما جيعلنا‬
‫نتساءل عن مفهوم املسرحية الشعرية‪ ،‬ومدى حضورها يف املسرحية اجلزائرية‪ ،‬وماهية موضوعاهتا؟‬

‫شعريّة‪ :‬ينقسم الفن املسرحي إىل أنواع عديدة يتميز كل نوع منها مبميزات‬
‫‪ -0‬مفهوم المسرحيّة ال ّ‬
‫خاصة‪ ،‬ويرتكز هذا التقسيم يف جممله إىل معيارين‪ :‬أحدمها يتعلق باملضمون‪ ،‬واآلخر بالشكل؛ فأما‬
‫املعيار األول فنتج عن الشعرية األرسطية اليت تنص على أنه إذا كان املضمون ملهاويا فنكون إزاء‬
‫النوع الكوميدي‪ ،‬وإذا كان مأساويا نكون إزاء النوع الرتاجيدي‪ ،‬وأما املعيار الثان فنتج عن عصر‬
‫النهضة حني بدأ التمييز بني املسرحية الشعرية إذا كتبت شعرا واملسرحية النثرية إذا كتبت نثرا(‪.)1‬‬

‫واملسرحية الشعرية يف املفهوم العام «تسمية يقصد هبا املسرحية املكتوبة شعرا أو بلغة نثرية هلا طابع‬
‫شعري‪ ،‬وتستخدم اليوم للتمييز بني املسرح املكتوب شعرا واملسرح املكتوب نثرا‪)2(».‬وحييلنا هذا‬
‫التعريف إىل االرتباط الوثيق بني جنسني خمتلفني من حيث التقنيات الفنية مها الشعر واملسرح‬
‫ومتقاربني من حيث التعبري عن القيم اإلنسانية‪ ،‬فقد « ارتبط الفن الدرامي منذ بداية نشأهتلدى مجيع‬
‫شعوب العامل بالدين من ناحية‪ ،‬وبالشعر من ناحية أخرى‪ ،‬مث انفصل عن الدين بعد فرتة لدى بعض‬
‫الشعوب‪ ،‬غري أنه ظل مرتبطا بالشعر رغم كل التطورات البنائية والفنية اليت طرأت عليه حىت ّناية‬
‫القرن التاسع عشر»(‪)3‬وهلذا االرتباط مربراته يف كل مرحلة من مراحل تطور الشعوب؛ فاملسرح ميكن‬
‫الشعر من اخلروج من غنائيته‪ ،‬وجيعله أكثر التصاقا باجلماهري‪ ،‬كما أن الشعر يوفر للمسرح الدفقة‬
‫الشعرية‪ ،‬والكثافة اإلحيائية اليت ّتعل احلوار املسرحي ينئى عن اللغة التقريرية لصاحل اللغة األدبية‪ ،‬وهو‬

‫‪ -)1‬ماري إلياس وحنان قصاب حسن‪ ،‬املعجم املسرحي‪ ،‬ص‪.222‬‬


‫‪ -)2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.226‬‬
‫‪ -)3‬نعيمة مراد حممد‪ ،‬املسرح الشعري عند صالح عبد الصبور‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،1004 ،‬ص‪.64‬‬

‫‪119‬‬
‫ما جيعل املسرح الشعري « يتحرك يف منطقتني‪ :‬دائرة املسرح ودائرة الشعر‪ ،‬ولكيتنجح املسرحية ال بد‬
‫أن تتفوق يف هاتني املنطقتني»(‪)1‬ومن مثة كان االقرار بصعوبة تأليف هذا النوع من املسرحية‪.‬‬

‫شعريّة في الجزائر‪ :‬ال ريب أن الفن املسرحي يف اجلزائر ارتبط بكل ما هو‬
‫‪ -7‬نشأة المسرحيّة ال ّ‬
‫طرب وغنائي منذ بداياته األوىل‪ ،‬فقد كان اجلو الثقايف العام يف فرتة ما بعد احلرب العاملية األوىل مهيأ‬
‫الحتضان هذا التمازج بني املسرح والغناء؛ حيث «شهدت اجلزائر (‪)...‬فرتة مزدهرة باملوسيقى‬
‫والغناءيف هذه الفرتة‪ ،‬وبدأت تظهر بوادر حركة مسرحية يف املدارس والنوادي‪ ،‬فأقدم بعض اهلواة‬
‫الشباب على تقدمي متثيليات قصرية ممزوجة باألغان واملوسيقى أما طلبة املدارس اإلسالمية فقدموا‬
‫متثيليات باللغة العربية الفصحى»(‪ )2‬وقد أدرك رواده والسيما "عاللو" ورشيد القسنطيين" و"حمي‬
‫الدين باشتارزي" ميل اجلمهور اجلزائري إىل الطرب والغناء فقدموا عروضا فكاهية تتخللها مقاطع‬
‫موسيقية أو غنائية‪ ،‬وتكون مشفوعة بالرقص والضرب على الطبل أحيانا كثرية‪ ،‬والقت هذه العروض‬
‫جناحا وذيوعا منقطع النظري‪.‬‬

‫غري أن البداية الفعلية للمسرحية الشعرية يف اجلزائر تعود إىل الثالثينيات من القرن املاضي وتنبثق من‬
‫لدن بعض أدباء مجعية العلماء املسلمني الذين استطاعوا‪ ،‬بفضل قدراهتم الفكرية ومواهبهم الفنية‪،‬‬
‫إرساء دعائم حركة ثقافية أدبية ونقدية بلسان عرب فصيح يف فرتة زمنية مبكرة‪ ،‬وانكبوا على دعم‬
‫احلركة املسرحية الناشئة آنذاك بنصوص مسرحية كثرية‪ ،‬استدعت الرتاث التارخيي والديين ملواجهة‬
‫ب بعضها‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫ب بعضها نثرا‪ ،‬وُكت َ‬‫السياسة االستعمارية الرامية إىل طمس اهلوية اجلزائرية األصيلة‪ُ ،‬كت َ‬
‫اآلخر شعرا‪ ،‬وميكن أن نقف على نصني ميثالن البداية الفعلية هلذا النوع املسرحي يف تلك الفرتة ومها‬
‫مسرحية "الل بن رباح" حملمد العيد آل خليفة‪ ،‬ومسرحية "رواية الثالثة للبشري اإلبراهيمي‪.‬‬

‫‪ -)1‬أمحد مشس الدين احلجاجي‪ ،‬املسرحية الشعرية يف األدب العرب احلديث‪ ،‬كتاب اهلالل‪ ،‬ع‪ ،432‬أكتوبر ‪ ،1004‬ص‬
‫‪.41‬‬
‫‪ -)2‬نصر الدين صبيان" ظهور احلركة املسرحية يف اجلزائر بني التأثري األجنب الفرنسي و التأثري العرب الشرقي"‪ ،‬جملة الكاتب‬
‫العرب‪ ،‬العدد‪ ،13 :‬سوريا ‪ ،1024‬ص‪.00 :‬‬

‫‪120‬‬
‫تعد مسرحية "بالل بن رباح"باكورة هذا النوع املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬حيث يرى نقاد كثريون وعلى‬
‫رأسهم أحسن تليالن أّنا «أول منوذج للمسرحية الشعرية الناضجة فنيا‪)1(»...‬كتبها الشاعر "محمد‬
‫العيد آل خليفة" سنة ‪0232‬واستوحى مادهتا من التاريخ اإلسالمي ليسلط الضوء على إحدى‬
‫شخصياته اجمليدة وهي شخصية الصحاب اجلليل‪ ،‬ومؤذن اإلسالم "بالل بن رباح"ليتخذ من سريته‬
‫رمزا للصرب على الكفر والظلم‪ ،‬ومثاال على الثبات على العقيدة‪ ،‬وااللتزام مببادئ اإلسالم‪ ،‬وقناعا‬
‫يدعو من خالله الشعب اجلزائري للتمسك باهلوية العربية األصيلة يف مواجهة االستعمار الفرنسي‬
‫الغاشم‪.‬‬

‫ولعل ما يلفت النظر يف هذه املسرحية من الناحية الفنية هو قيامها على التنويع اإليقاعي‪ ،‬فلم تُكتب‬
‫على قافية واحدة‪ ،‬ومل يلتزم الشاعر فيها وزنا عروضيا حمددا بل جنده ينتقل من قافية إىل أخرى ومن‬
‫حبر إىل آخر حسب ما يقتضيه السياق الدرامي‪ ،‬وتتطلبه طبيعة الشخصيات‪ ،‬مؤسسا بذلك لشكل‬
‫فنيجديد مل يكن معروفا يف األعمال األدبية يف تلك الفرتة‪ ،‬قوامه تفاعل الشعري واملسرحي‪.‬‬

‫ومل يكن "محمد العيد آل خليفة" الشاعر الوحيد الذي ألف مسرحية شعرية‪ ،‬بل يطالعنا البشير‬
‫اإلبراهيمي سنة ‪ 1011‬مبسرحية "رواية الثالثة"وهي أرجوزة ألزم فيها الكاتب نفسه مبا مل يلزم‪،‬‬
‫وسعى من خالل أسلوهبا املتأنق‪ ،‬وإيقاعها اخلفيف إىل معاجلة موضوع اجتماعي اصالحي يثري‬
‫حافظة الصداقة واألخوة والوفاء حني يصور جلسة بني ثالثة أساتذة يتدبرون فيها كيفية دفع مثن‬
‫طابع بريد الرسالة اليت ينوون إرساهلا إىل شيخهم(‪ ،)2‬وعمد من خالل هذا املوضوع إىل تعرية باطن‬
‫فئة مهمة من فئات اجملتمع اجلزائري وهي فئة األساتذة‪ ،‬ناقدا بعض السلوكات اليت تعلي قيمة الفرنك‬

‫‪-)1‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬إشراف‪ :‬حممد العيد تاورتة‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪2660،‬م‪2616 -‬م‪ ،‬ص‪.00‬‬
‫‪ -)2‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪1022‬عرض وتوثيق‪ -‬دار اهلدى‪ ،‬عني مليلة‪-‬اجلزائر‪،‬‬
‫ص ‪(04-01‬بتصرف)‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫على حساب املشاعر اإلنسانية‪ ،‬موظفا‪ ،‬للتعبري عن هذه األفكار‪ ،‬أسلوب السخرية على حنو ما هو‬
‫مبني يف املقطع اآليت‪:‬‬

‫صْي َح حيت‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫يح حيت‬ ‫ح‬


‫َو ْاره ُفوا أَ ْمسَ َ‬
‫اع ُك ْم ل َ‬ ‫امسَعُوا نَص َ‬ ‫‪ -‬المدير‪ :‬أَنَا النَّ ُ‬
‫ذير فَ ْ‬

‫َوالنَّ ُار الَ تُطْ َفأُ بحاألَقْـ َو حال‬ ‫غس ُل بحاألَبْـ َو حال‬
‫الد ُم َال يُ َ‬
‫َو َ‬

‫شقللة‪:‬‬ ‫‪ -‬الجنّان‪ :‬أًفْ ُ‬


‫ض ال ّ‬
‫ح‬ ‫ح ح ٍ‬
‫احلً ُّق ُس َدى َوالبَـيَا ُن أَ ْحلَ َما‬ ‫ب َكل َمة تُـثْحين ال َفص َ‬
‫يح ُم ْف َح َما‬

‫يب حيف ا حإلقْلحي حم‬


‫صبَةُ التَّـ ْه حذ ح‬
‫َوعُ ْ‬ ‫اعةُ التَّـ ْعلحي حم‬ ‫حح‬
‫أَ ْع حين هب ْم َمجَ َ‬
‫ت حهبَا َج حد ُير‬ ‫ٍ‬
‫حيف ُرتْـبَة أَنْ َ‬ ‫وك أَيـُّ َها امل حد ُير‬
‫ضعُ َ‬
‫قَ ْد َو َ‬
‫ُ‬
‫ص حر ححي َق ْد تَـْبـَرأُ العحلَّةُ بحالتَّ ْش حر ح‬
‫يح‬ ‫صنر ْح أَبح ْن فَاخلَْيـ ُر حيف التَّ ْ‬
‫‪ -‬المدير‪َ :‬‬
‫اطعةَ لحص ح‬
‫اححب ُم حرحيَة‬ ‫ح‬ ‫ص ٍرحيَة‬ ‫ح‬
‫قَ َ َ‬ ‫‪ -‬الجنّان‪ :‬أَقُوُهلاَ فَص َ‬
‫يحة َ‬
‫اس حة‬ ‫ح ح ح‬ ‫أَنْت امرؤ تَصلُح لحلنرئَ ح‬
‫نت أَ ْه ُل احل ْدق َوالكيَ َ‬
‫اسة َوأَ َ‬
‫َ ُْ ْ ُ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫حم ْن أَيْ َن يـُ ْؤَك ُل ال ندماَغُ املصلَي‬ ‫ص حل‬ ‫وأَنْت تَ ْد حري بحال َق ح‬
‫ُ‬ ‫ضاء ال َف ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫نظرا ملا يتمتع به هذا االسلوب من قدرة على تعرية الشخصيات وكشف احلقائق‪ ،‬ونقد الواقع‬
‫بأسلوب طريف خيلو من التجريح واملواجهة‪.‬‬

‫ومع أن املسرحيتني اختلفتا من حيث أسلوهبما بني األسلوب اجلاد يف "حنبعل" وأسلوب السخرية يف‬
‫رواية الثالثة‪ ،‬ومن حيث املوضوع بني املوضوع التارخيي الديين يف النص األول واملوضوع االجتماعي‬

‫‪ -)1‬آثار اإلمام البشري اإلبراهيمي‪ ،‬مجع وتقدمي الدكتور‪ :‬أمحد طالب اإلبراهيمي‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ج ‪،2‬‬
‫‪ ،1002‬ص‪.00-02‬‬

‫‪122‬‬
‫يف النص الثان‪ ،‬إال أّنما يشرتكان يف اهلدف اإلصالحي كل بطريقته‪ ،‬وبنظرته لفكرة اإلصالح‪ ،‬ويف‬
‫كوّنا كانتا ّتربتني رائدتني يف جمال املسرحية الشعرية يف بالدنا‪.‬‬

‫عرفت املسرحية الشعرية‪ ،‬بعد االستقالل‪ ،‬تطورا معتربا مع ثلة من الشعراء أمثال‪ :‬محمد‬
‫األخضر السائحي‪ ،‬بلقاسم خمار‪ ،‬وأحمد حمدي‪ ،‬وسليمان جوادي‪ ،‬وعز الدين ميهوبي‪،‬‬
‫ويوسف وغليسي وغريهم‪ ،‬حيث سعوا إىل البحث عن وسيط تعبريي أكثر فنية وتأثريا‪ ،‬ومالءمة‬
‫لروح العصر اليت تتماهى فيها الفروق بني األجناس األدبية والفنية‪ ،‬فكانت املسرحية الشعرية توق‬
‫دائم إىل املغامرة الفنية‪ ،‬ورغبة ملحة يف التجديد‪ ،‬وهو ما جعلهم يراوحون القلم بني املسرحية ذات‬
‫اإليقاع التقليدي (العمودي)‪ ،‬ونظريهتا ذات اإليقاع احلر‪ ،‬ويعزفون عن البساطة واملباشرة يف الطرح إىل‬
‫اإلحيائية والرمزية يف التعبري‪ ،‬كما نظروا إىل احلياة يف جوانبها املختلفة فتنوعت موضوعات املسرحية‬
‫الشعرية تنوع وثراء ّتربة الشاعر النفسية واالجتماعية والسياسية‪.‬‬

‫شعريّة في الجزائر‪ :‬أطلق كتاب املسرحية الشعرية اجلزائرية العنان‬


‫‪ -3‬موضوعات المسرحيّة ال ّ‬
‫لقرائحهم إلبداع نصوص تعكس الواقع اجلزائري مبختلف جوانبه‪ ،‬فتعددت موضوعاهتا وتباينت‬
‫مضامينها‪ ،‬وتأرجحت بني املوضوع التارخيي‪ ،‬واملوضوع الثوري واملوضوع االجتماعي وغريها‪ ،‬وهي‬
‫تطمح من خالل كل هذه املواضيع إىل إصالح حال الفرد واجملتمع بأساليب فنية متميزة قوامها‬
‫التفاعل بني املسرحي والشعري‪.‬‬

‫اريخي‪ :‬طرق كتاب املسرحية الشعرية موضوع التاريخ يف نصوص خمتلفة تناولت‬
‫أ‪ -‬الموضوع التّ ّ‬
‫أحداثا أو شخصيات أو أمكنة تارخيية‪« ،‬وتتفاوت نظرة الكتاب إىل تلك األحداث القدمية والغرض‬
‫من توظيفها‪ ،‬وإن كانت تصب فيمجملها يف هدف وطين أو قومي‪ ،‬مبعىن إحياء ذلك املاضي التليد‬
‫ومتجيده وربطه باألهداف الوطنيةوالقومية بغية خلق إسقاطات تارخيية من شأّنا أن تساهم فيإحداث‬

‫‪123‬‬
‫اإلصالح والتغيري يف األوضاعاالجتماعية والسياسية املعاصرة‪)1(».‬وتعمل على شحذ اهلمم وبعث‬
‫األمل يف النفوس املهزومة‪ ،‬وإحياء املاضي وبعثه‪ ،‬ونقد احلاضر من خالل رموز التاريخ ووقائعه‪.‬‬

‫ولقد تباينت احملطات التارخيية اليت أهلمت كتاب املسرحية الشعرية وتراوحت بني التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫والتاريخ اجلزائري القدمي واحلديث؛ فمن املسرحيات اليت استدعت التاريخ اإلسالمي نذكر‪ :‬مسرحية‬
‫"تغريبة جعفر الطيّار" للشاعر "يوسف وغليسي" وهي «دراما شعرية قصرية ‪...‬كتبت يف خريف‬
‫‪ )2(»1000‬وسعت إىل إسقاط حادثة معروفة يف كتب التاريخ اإلسالمي ب ـ ـ "يوم احملاورة" على واقع‬
‫اجلزائر يف العشرية السوداء؛ حيث قام الشاعر يف هذا النص « بتوظيف موقف الصحاب (جعفر بن‬
‫أب طالب) املعروف بلقب (جعفر الطيار)‪ ،‬يف حماورته مللك احلبشة (النجاشي) حيثانربى (جعفر)‬
‫للمرافعة عن الدين اجلديد‪ ،‬والدفاع عن أصحابه املهاجرين‪ ،‬وذلك عندما أوفدتقريش سفرييها ومها‬
‫(عمرو بن العاص) و(عبد اهلل بن أب ربيعة) حملاولة إقناع ملك احلبشة بطردأولئك املسلمني‬
‫املهاجرين‪ ،‬لكن (جعفر) برجاحة العقل واملنطق استطاع أن يقنع (النجاشي) بصدق الدعوة‬
‫احملمدية‪،‬وأن يرد بذكائه الوقاد على كيد املشركني‪ ،‬فكان الطرد من نصيبسفريي قريش‪ ،‬يف حني كان‬
‫الرتحاب من نصيب (جعفر) ومن كان معه من املسلمني‪)3(.‬ومن خالل هذا املوقف حبث الشاعر‬
‫عن جناشي يف عصره حيكم بالعدل‪ ،‬ويرد الظلم عن الضعفاء‪ ،‬يسمع أنني الشعب اجلزائري يف ظل‬
‫صراع دموي مقيت أفرزته مئة متعطشة للسلطة حتت غطاء الدين‪ ،‬فكأن الشاعر يقوم بدور "جعفر‬
‫الطيار" وحيمل طموح وآمال شعب جمروح حلاكم عادل هو "القارئ االفرتاضي"‪ ،‬وهلذا جنده يعرب عن‬
‫مأساة اجلزائر إبان التسعينيات من خالل حوار مسرحي أداته الفنية أبيات شعرية يقول مثال‪:‬‬

‫ف ُسْنبُـلَ حة يَـغَالحبُـ َها ال َفنَ ْاء َوفَـ ْوقَـنَا‬


‫«‪ -‬جعفر‪ :‬أَنَا حبَّة حمن أَلْ ح‬
‫َ ْ‬

‫‪ -)1‬سامية بوعالق‪ ،‬فن األوبريت يف املسرح اجلزائري ‪ ،1002-1001‬دراسة يف موضوعاته وبنائه الفين‪ ،‬مذكرة ماجستري‪،‬‬
‫إشراف‪ :‬عبد الرزاق بن السبع‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة احلاج خلضر‪ -‬باتنة‪-2660 -‬‬
‫‪ ،2616‬ص‪.143‬‬
‫‪ -)2‬يوسف وغليسي‪ ،‬تغريبة جعفر الطيار‪ ،‬دار الوفااء الدين للنشر والتوزيع‪ ،‬قسنطينة – اجلزائر‪،‬ط ‪ ،2‬سنة ‪ ،2663‬ص‪.42‬‬
‫‪ -)3‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.112‬‬

‫‪124‬‬
‫ح‬
‫وك‬
‫ك امللُ ْ‬ ‫ص ْقَر حان يَـ ْقتَتحالَ حن يَا َمل َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ان َعلًى َسنَابح حل َح ْقلحنَا!‬ ‫ويـه حوي ح‬
‫ََ ْ َ‬
‫ض ححيَّة َغْيـَرنَا!‬ ‫ح‬
‫ب إحالَ اخلََراب َوالَ َ‬
‫الَ َغال َ‬
‫ان حيف بَـلَ حد األََما ْن‪..‬‬
‫صم ح‬‫خ ح ح‬
‫ص َمان َخيْتَ َ‬
‫َ ْ‬
‫يُ َشنرَد حان َمحَ َامنَا‪..‬‬

‫اح ًكا حم ْن َح ْولحنَا‪،،‬‬


‫وال َكو ُن يـرقُص ض ح‬
‫َ ْ َْ ُ َ‬
‫يم َح ْف َل َزَوالحنَا!‬ ‫ح‬
‫َويُق ُ‬
‫يـزهو علَى أَ ْش َالئحنَا وحجر ح‬
‫احنَا‪،،‬‬‫َ َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫يـ ْلهو ويس َكر‪ ،‬بحاملىن نَ ْشوا َن‪ ،‬خنْب س ُق ح‬
‫وطنَا‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ َ َ ْ ُ َُ َ‬
‫ص حل قحيَ حامنَا! ! !‬ ‫ح‬
‫َو ُس ُقوط أَ ْ‬
‫‪ -‬النجاشي‪َ :‬ش َجن ‪َ ..‬ش َج ْن‬

‫ت بح َذاكحَرةح َّ‬
‫الزَم ْن‬ ‫ح ح‬
‫بَ ْل فْتـنَة نُق َش ْ‬
‫َم ْن ذَا َرأَى‬

‫الوطَ ْن؟!‬ ‫ح‬ ‫حح‬


‫قَـ ْلبَـ ْني يف َج ْوف َ‬
‫احتَـ َها‬ ‫تَـبًّا لح ُك نل ح ُكوم ٍة زرع ح‬
‫ت م َس َ‬‫ُ َ ََ َ ْ‬
‫نت‪. .‬‬ ‫بحأَلْغَ حام التَّـه ُّوحر والتَّج ُّحرب والتَّحُّز ح ح‬
‫ب َوالف َ ْ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫تَـبًّا لح َم ْن‬

‫اح َوَما َج َىن‬‫ع النريَ َ‬


‫َزَر َ‬
‫ف َواملح َح ْن‪. . .‬‬ ‫ح‬
‫الع َواص َ‬ ‫إحَّال َ‬

‫‪125‬‬
‫ت بح َد ْولَتَـ ْ ح‬ ‫ح‬
‫ني‬ ‫‪ -‬جعفر‪َ :‬هالَّ َمس ْع َ‬
‫(‪)1‬‬
‫حيف َد ْولٍَة يَا َسي حدي؟ »‬

‫ولعل الناظر إىل هذه املسرحية الشعرية يقف على مالحظتني‪ :‬األوىل وهي أن "يوسف وغليسي" قد‬
‫جعل التاريخ وعاء خيتمر الراهن اجلزائريداخله‪ ،‬واألخرى هي أن جلوء الشاعر إىل املسرحية الشعرية هو‬
‫دليل عجز األداة الفنية البسيطة عن التعبري عن املأساة الوطنية برتكيبتها املتعددة األطراف‪ ،‬واملتباينة‬
‫اإليديولوجيات واملصاحل‪.‬‬

‫وقد آثر الشاعر "عز الدين ميهوبي" استدعاء تاريخ اجلزائر «ليستعيد بذلك حلظات خاصة من‬
‫شأّنا أن تبث يف اإلنسان إحساسا بالثقة جيعله يتحدى واقعه الفاسدويسعى لبناء مستقبل جديد‪،‬‬
‫وذلك بعد أن حيصل من هذا املاضي على دالالت معاصرة من شأّنا أنتكون نقطة انطالق ملعاجلة‬
‫مشكلة من مشكالت العصر الراهنة»(‪)2‬من خالل مسرحيتني شعريتني(‪ )3‬وضعتا البعدين اإلصالحي‬
‫والتعليمي هدفا هلا‪ :‬رجع يف مسرحية "سيتيفيس" (‪ )1004‬إىل التاريخ اجلزائري القدمي لريوي تاريخ‬
‫مدينة سطيف العريق منذ االحتالل الرومان إىل االستعمار الفرنسي‪ ،‬وما مر هبا من أبطال عظماء كـ ـ‬
‫شمس والجالد"إىل التاريخ اجلزائري احلديث‬
‫"ماسينيسا" و"يوغرطة" وغريمها‪ ،‬ورجع يف مسرحية "ال ّ‬
‫من خالل التغين بسرية الشهيد‪" :‬محمد العربي بن مهيدي" باعتباره أحد رموز الثورة اجلزائرية‬
‫املباركة‪ ،‬وذكر بطوالته ومواقفه اجلريئة ضد االستعمار الفرنسي‪ ،‬ولعل ميزة املسرحيتني هو مراهنتها‬
‫على الصدق الفين سواء من حيث أمساء الشخصيات وسرد األحداث‪.‬‬

‫وري‪ :‬كانت الثورة التحريرية املباركة منبعا خصبا ّنل الكتاب املسرحيون اجلزائريون‬
‫ب‪ -‬الموضوع الثّ ّ‬
‫منه بعد االستقالل‪ ،‬فعربوا عن تعلقهم هبا‪ ، ،‬وتغنوا ببطوالهتا وانتصاراهتا‪ ،‬وخلدوا رموزها وشخصياهتا‬
‫العظيمة‪ ،‬واملالحظ أن تعامل الكتاب املسرحيني مع موضوع الثورة كان يف إطار االحتفال بذكرى‬

‫‪ -)1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.12-10‬‬


‫‪ -)2‬سامية بوعالق‪ ،‬فن األوبريت يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪ -)3‬للتوسع يف هذه الفكرة ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 102-142‬وص‪ 120-102‬على التوال‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫الثورة اجمليدة‪ ،‬أو بذكرى االستقالل‪ ،‬فجاءت النصوص املسرحية متقاربة من حيث املضامني‪ ،‬تتوسل‬
‫بالشعر والغناء للتعبري عن فرحة االستقالل؛فقد نظرعبد القادر بن محمد‪ ،‬يف مسرحية "صوت‬
‫األحرار" إىل ثورة أول نوفمرب‪1041‬باعتبارها خطوة أوىل حنو طموح مشروع هو احلرية ولذلك جاء‬
‫الفصل األول حتت عنوان (اجلهاد يف سبيل الوطن)‪ ،‬غري أن صوت األحرار الذي دعا إىل اجلهاد من‬
‫أجل جزائر حرة مل خيبو باستقالهلا‪ ،‬بل ظل يعلو من أجل بنائها وتعمريهاولذلك جاء الفصل الثان‬
‫بعنوان (اجلهاد يف سبيل تشييدالوطن)‪ ،‬فاجلهاد جهادين يف نظر الشاعر جهاد احلرية وجهاد‬
‫التعمري(‪.)1‬‬

‫والالفت للنظر يف هذا النص هو أن الشاعر مل يورد مقاطع احلوار الشعرية على لسان الشخصيات‪،‬‬
‫فلم يكلف نفسه عناء رسم مالحمها النفسية والفكرية‪ ،‬ومل يعينها باالسم على حنو ما هو مألوف‪ ،‬بل‬
‫جعلها إما جمرد أصوات تتخللها إرشادات مسرحية واصفة هليئات عسكرية واقتصادية وشعبية حنو‬
‫قوله‪ :‬صوت األحرار من اجلبال جلماعة من اجملاهدين‪ ،‬أو قوله‪" :‬أحرار القمم‪ -‬صوت آخر‪ ،‬صدى‬
‫احملتشدات‪ -‬صوت آخر‪ ،‬صولة جيش التحرير الوطين‪ -‬صوت آخر‪ ،‬القوى االشرتاكية‪ -‬مجاعة من‬
‫الفالحني وهم متوجهون إىل املزارع"(‪ )2‬وغريها ‪ ،‬مما يدل على أن الشاعر يرى أن كفاح اجلزائر إبان‬
‫الثورة وبعدها هو مهمة اجلميع وليس مهمة شخص بعينه‪.‬‬

‫السائحي" يف نص "الراعي وحكايةثورة" حيث‬


‫والفكرة نفسها جندها تطغى عند "محمد األخضر ّ‬
‫جيري احلوار بني شخصيتني مها األم وابنتها‪ ،‬فاألم متثل اجلزائر يف املاضي اليت عانت ويالت‬
‫االستعمار‪ ،‬وسارعت لالنتفاضة من أجل نيل حريتها‪ ،‬واالبنة هي اجلزائر الفتية املستقلة اليت حتتفل‬
‫األم يعيدها العاشر‪:‬‬

‫‪ -)1‬سامية بوعالق‪ ،‬فن األوبريت يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص ‪(162-162‬بتصرف)‬


‫‪ -)2‬عبد القادر بن حممد "صوت األحرار"‪ ،‬جملة الثقافة‪ ،‬وزارة الثقافة و السياحة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد‪ 06 :‬السنة اخلامسة‬
‫عشرة‪،‬نوفمرب‪ /‬ديسمرب ‪ ،1024‬ص‪ 126-100-102-100-104-101-103‬على التوال‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫لَو َمل َهتحلني حيف وج ح‬
‫ودي‬ ‫َكيف ميَْ ح‬
‫ضي عُ ْم حري‬
‫ُُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َكيف تَـ ْفتـر ور ح‬
‫ودي‬ ‫ضُّر ُد ُر حوب‬
‫ْ َ ُُ ُُ‬ ‫ف َختْ َ‬
‫َكْي َ‬
‫بـع َد أَ ْن طَ َال هج ح‬
‫ودي‬ ‫ص ُحو‬ ‫ح‬
‫ُُ‬ ‫َْ‬ ‫ف يَ ْ‬
‫َوفُـ َؤادي َكْي َ‬
‫(‪)1‬‬ ‫يد َْجم حدي وخلُ ح‬
‫ودي‬ ‫حع ُ‬ ‫اشر حع ح‬
‫يدي‬ ‫يد حك ح‬ ‫ح‬
‫َُ‬ ‫الع ُ‬
‫عُ َ‬
‫وبطريقة رمزية تتلو األم على ابنتها حكاية ملؤها األسى واألمل‪ ،‬قصة كفاحها ونضاهلا من أجل نيل‬
‫احلرية‪ ،‬ومن أجل ضمان مستقبل زاهر البنتها‪ ،‬وآذان االبنة صاغية هلذه احلكاية اليت ال متثل يف‬
‫حقيقة األمر إال ماضيها‪ ،‬وسبب سعادةحاضرها « إن احلوار الذي يدور بني األم و ابنتها ليس إال‬
‫قالبا اختذه حممد األخضر السائحي ليسرد من خالله قصة اجلزائر مع ليل االستعمار مث مع فجر‬
‫االستقالل بأسلوب يفيض شاعرية‪ ،‬ناقال إلينا معاناة الشعب اجلزائري عن طريق عاطفة هي من أمسى‬
‫العواطف على اإلطالق إّنا عاطفة األمومة خصوصا إذا مل تظفر هبا األم إال بعد ترقب‪)2(».‬وهو‬
‫حال اجلزائر املستعمرة اليت مل تظفر باالستقالل إال بعد تضحيات جسام‪.‬‬

‫ج‪ -‬الموضوع االجتماعي‪ :‬يعد املوضوع االجتماعي من أكثر املوضوعات طرحا عند كتاب‬
‫املسرحية الشعرية؛ حيث وجدوا فيها جماال خصبا ملعاجلة بعض اآلفات اليت تنخر اجملتمع اجلزائري نظرا‬
‫ملا تتميز به من قدرة على الوصول إىل أعماق اجلماهري الشعبية العتمادها على اإليقاع‪ ،‬والغناء وهو‬
‫ما جيعلها سهلة احلفظ والتداول‪.‬‬

‫وتعد مسرحية "حيزيّة‪ -‬غنائيّة امرأة من الجزائر" للشاعر "عز الدين ميهوبي" أفضل منوذج عن‬
‫املسرحية الشعرية ذان املغزى االجتماعي يف اجلزائر‪ ،‬فهذا النص‪ ،‬وغريه من املسرحيات الشعرية‪ ،‬قد‬
‫رفع مستوى الشاعر الفين لدرجة أن اعتربه "عبد الملك مرتاض" «أحسن من كتب املسرحية‬

‫‪ -)1‬حممد بلقاسم مخار‪ :‬األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬ج‪ ،2 :‬الديوان السادس‪ ،‬طبعة خاصة وزارةاجملاهدين‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د ‪.‬ط‪ ،‬د ت‪،‬‬
‫ص ‪.30‬‬
‫‪ -)2‬سامية بوعالق‪ ،‬فن األوبريت يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪128‬‬
‫الشعرية فياجلزائر»(‪)1‬السيما وأنه انطلق من حكاية تراجيديا عاطفية واقعية ليحارب عادات اجملتمع‬
‫اجلزائري وتقاليده البالية اليت حترم "حيزيّة" من عشقها البن عمها "سعيد"وتوقع‪ ،‬بذلك‪ ،‬وثيقة وفاهتا‪.‬‬

‫لقد كشف "ميهوب" من خالل حكاية "حيزية" معاناة املرأة اجلزائرية‪ ،‬خباصة والعربية بعامة‪ ،‬يف ظل‬
‫أنظمة اجتماعية جائرة‪ ،‬تدين بالوالء ملنطق الذكورة‪ ،‬ولعادات سوسيوثقافية بالية حتضر املشاعر‬
‫وتلجم احلريات‪ ،‬ويف ظل أنظمة سياسية ال حتمي قوانينها كرامة اإلنسان وحقوقه املعنوية‪ ،‬لتستحيل‬
‫هذه الشخصية رمزا خالدا للتضحية يف سبيل احلب‪ ،‬ولسطوة العادات والتقاليد البالية على مشاعر‬
‫إنسانية طبيعية وفاضلة كتلك املشاعر اليت مجعت بني فاتنة بسكرة "حيزيّة" و"سعيد"‪.‬‬

‫إن موضوعا مبثل هذه احلساسية واجلرأة يف اآلن ذاته جعل "عز الدين ميهوب" يتقنع وراء قناع الرتاث‬
‫الذي كان ومازال منهال خصبا راهن األدباء‪ ،‬يف عصرنا‪ ،‬عليه للتأسيس لشعرية نصوصهم‪ ،‬حيث‬
‫وجدوا فيه ما حيقق طموحاهتم الفكرية‪ ،‬ويستجيب حلاجاهتم النفسية‪ ،‬ويلب متطلبات عصر متأزم‬
‫تائق إىل أخذ العرب‪ ،‬ومناشد للنموذج الراقي الذي يعول عليه لشحذ اهلمم‪ ،‬ورفع الغنب‪ ،‬وطرح بديل‬
‫مشرق لواقع متخاذل مأزوم‪ ،‬فكان هدف الشاعر من تأليف هذه املسرحية الشعرية هو « الرغبة‬
‫الواعية وامللحة يف إعادة بعث الرتاث الوطين اجلزائري يف أشكال حداثية أصيلة تستمد قوهتا وإبداعها‬
‫من عبقرية الشعب اجلزائري وذاكرته الزاخرة باملواقف والبطوالت والتضحيات‪.)2(»...‬‬

‫غري أن القارئ هلذا النص يدرك أن هذا اهلدف مل يكن سوى أرضية صلبة استغلها الشاعر ملعاجلة‬
‫قضية اجتماعية جوهرية هي تشظي األسرة اجلزائرية نتيجة العادات والتقاليد املوروثة اليت ّتعل األب‬
‫يظلم ابنته وال يعرتف مبشاعرها‪ ،‬بل جيعل ابن األخ ألذ أعدائه ال لشيء إال ألنه أعرب عن حبه البنة‬
‫عمه‪ ،‬ورغب يف الزواج منها يقول "عز الدين ميهوب" يف لوحة "غضب األب"‪:‬‬

‫« ‪ -‬األب‪ :‬ران امسعت كالمكم واعرفت اللي علة الفولة من جنبها وما غلطوش اللي قالوا‬

‫‪ -)1‬معجم الشعراء اجلزائريني يف القرن العشرين‪ ،‬دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع –اجلزائر ‪،2662‬ص ‪.422‬‬
‫‪ -)2‬عز الدين ميهوب‪ ،‬حيزية – غنائية امرأة من اجلزائر‪ -‬منشورات دار األصالة‪ ،‬ط‪ ،1002 ،1‬ص‪.0‬‬

‫‪129‬‬
‫بنت أمحد بن الباي خالفت عرف األجداد وحبت بن عمها اهلل اهلل هذا هو العار‬

‫‪-‬األم‪ :‬يا راجل هذي بنتك وسعيد ولد خوك وإذا زوجتهم سكتوا الناس‬

‫‪ -‬األب‪ :‬هكذا نسكت الناس يا ولية ايقولوا بعدما شاع اخربهم يف البادية وبني الركبان‬

‫زوجوهم أقسم باهلل العظيم ال هي ليه وال هو ليها خيمة أمحد بن الباي ما يدخلها عار وال‬

‫وسواس وال كالم الناس‪.‬‬

‫‪ -‬األم‪:‬احلْ َع ْن الشيطان يا راجل هذي بنتك ما تعاملها بالشني‬

‫‪ -‬األب‪ :‬أمحد بن الباي كلمتو سيف إذا خرج ما يعود وما نقبلش كالم آخر‬

‫‪ -‬حيزية‪ :‬ظلمتين يا والدي‬

‫‪ -‬األب‪ :‬أسكيت يا كلبة‬

‫‪ -‬األم‪ :‬يا راجل ألعن الشيطان‬

‫‪ -‬األب‪ :‬اهلل يلعنو وخيزيه ويلعن هذي الكلبة معاه‬

‫‪ -‬حيزية‪( :‬حتدث نفسها ألّنا ال تقوى على مواجهة والدها)‪ :‬قلب ف كف وبويا ف كف ما نقدر‬
‫(‪)1‬‬
‫نرفع صويت قدام بويا وما نقدر اخنون العهد الليقطعتو مع سعيد »‬

‫فشخصية األب هنا ال متثل أناها الفردي بقدر ما متثل األنا اجلمعي الذي جيعل احلب العذري بني‬
‫"حيزية" و"سعيد" أحد الطابوهات احملرمة‪ ،‬ولذلك نراه يقف حاجزا بني احلبيبني وفق ما متليه العادات‬
‫والتقاليد‪ ،‬بل يتمادى يف جوره لدرة أن يصف ابنته بأبشع الصفات وال يستمع لدفاع والدهتا عليها‪،‬‬
‫غري أن النتيجة املفاجئة هي ندمه بعد موت ابنته "حيزية"‪ ،‬ومن مثة تتجسد « العربة من هذه‬

‫‪ -)1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪130‬‬
‫املسرحية [وهي] إبراز اآلثار السلبية للعادات االجتماعية السيئة علىالفرد واجملتمع‪ ،‬حيث شكلت‬
‫هذه العادات مصدر حزن وأمل ألسرة (أمحد بن الباي) بعد أن أخذمنه املوت فلذة كبده‪.)1(».‬‬

‫نستنتج مما سبق أن املسرحية الشعرية مثلت ّتربة خمتلفة دفعت عجلة الفن املسرحي يف اجلزائر قدما‬
‫حنو األمام‪ ،‬فكانت تعرب عن قضايا اجملتمع اجلزائري وطموحاته بأدوات فنية مكثفة قوامها ختري اللفظ‪،‬‬
‫والتفنن يف اإليقاع‪ ،‬وكان أغلب كتاهبا شعراء تفاعلوا مع املسرح وأدركوا دوره الفعال يف تغيري الفرد‬
‫واجملتمع‪ ،‬فخاضوا مواضيع الراهن اجلزائري معتمدين على ما يوفره الشعر من طاقات إبداعية ومجالية‪.‬‬

‫‪ -)1‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص ‪.121‬‬

‫‪131‬‬
‫المـحـاضــرة الثـ ـّالثــة ع ـشـر‪:‬‬

‫ال ـمـسـرحــيّة الجــزائــريّــة المك ـ ـتــوبــة بـاللّغة الفـرن ـسـيّـ ـ ــة‪:‬‬

‫‪ -0‬الظّروف التّاريخيّة لنشأة المسرحيّة الجزائريّة المكتوبة باللّغة الفرنسيّة‪.‬‬

‫‪ -2‬المسرحيّة الجزائريّة المكتوبة باللّغة الفرنسيّة وإشكاليّة الهويّة‪.‬‬

‫‪ -3‬موضوعات المسرحيّة الجزائريّة المكتوبة باللّغة الفرنسيّة‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫تمهيد‪ :‬تنقسم املسرحية اجلزائرية‪ ،‬حسب الوسيط اللغوي‪ ،‬قسمني‪ :‬املسرحية اجلزائرية الناطقة باللسان‬
‫العرب‪ ،‬واملسرحية اجلزائرية الناطقة باللسان الفرنسي‪ ،‬ولئن كان القسم األول قد نال حظه من الشهرة‬
‫والدراسة وتلقفه النقاد بالشرح والتحليل‪ ،‬فإن القسم الثان ظل‪ ،‬إىل وقت قريب‪ ،‬جمهوال ومهمشا‪،‬‬
‫بعيدا عن الدرس النقدي‪ ،‬على الرغم مما يتسم به من نضج فين وجرأة يف الطرح‪ ،‬وعليه تسعى هذه‬
‫احملاضرة إىل التعريف باملسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية‪ ،‬مركزة على إشكاالهتا ومواضيعها‪.‬‬

‫‪ -0‬الظّروف التّاريخيّة لنشأة المسرحيّة الجزائريّة المكتوبة باللّغة الفرنسيّة‪ :‬مل تكن نشأة‬
‫املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية من العدم‪ ،‬بل كانت نتيجة حتمية للظروف التارخيية اليت‬
‫عرفتها اجلزائر إبان احلقبة االستعمارية حيث عملت السياسة الفرنسية على فرض التعليم بلغتها بغية‬
‫وأد اللغة العربية‪ ،‬وطمس أحد مقومات اهلوية اجلزائرية مما أدى إىل ظهور تيارين مسرحيني أحدمها‬
‫ناطق باللغة العربية‪ ،‬حمافظ على وحدة اجملتمع وأسسه اللغوية والدينية‪ ،‬واآلخر ناطق باللغة الفرنسية‬
‫تقول الباحثة "سعاد محمود خضر" يف هذا‪« :‬إىل جانب تلك املسرحيات اليت كانت تعرض على‬
‫املسرح اجلزائري باللغة العربية العامية كانت هناك مسرحيات على مستوى فين عال مكتوبةباللغة‬
‫الفرنسية مل يقيض هلا أن تُعرض على مسارح اجلزائر لصعوبات مجة أوهلا عدم موافقة السلطات‬
‫احلاكمةوثانيها كوّنا تعرض باللغةالفرنسية مما جعلها بعيدة عن خماطبة العامة وال ختاطب بذلك سوى‬
‫اخلاصة الذينيتكلمون الفرنسية أو أولئك الذين يفهمون الفرنسية بالدرجة اليت تسمح هلم مبتابعة‬
‫أحداث املسرحية‪)1(».‬مما جعل هذا اإلبداع حماصرا بفعل العائق اللغوي يف بالده‪ ،‬فلم يهتم املؤرخون‬
‫والنقاد بنشره أو حتليله ألنه‪ ،‬يف نظرهم‪ ،‬نتاج الفكر االستعماري‪.‬‬

‫وتعد فرتة اخلمسينيات إىل السبعينيات من القرن املاضي فرتة املسرحية اجلزائرية الناطقة باللغة‬
‫الفرنسية؛ فخالفا لنظريهتا الرواية اليت ظهرت منذ وقت مبكر؛ حيث حفلت سنة ‪ 1021‬بأول رواية‬
‫جزائرية للقايد بن الشريف(‪ )1021-1202‬بعنوان "أمحد بن مصطفى القومي" مث أعقبتها روايات‬

‫‪ -)1‬سعاد حممود خضر‪ :‬األدب اجلزائري املعاصر‪ ،‬منشورات املكتبة العصرية‪ ،‬صيدا ‪-‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.06-40‬‬

‫‪133‬‬
‫أخرى كرواية زهرة زوجة املنجمي لعبد القادر حاج محو سنة ‪)1( 1024‬وغريها‪ ،‬تأخر ظهور املسرحية‬
‫الناطقة باللغة الفرنسية إىل مرحلة الثورة اجمليدة؛ فكانت مسرحية "اجلثة املطوقة"اليت نشرت‪ ،‬ألول‬
‫مرة‪ ،‬سنة‪1044‬لكاتب ياسني فاحتةاملسرحية اجلزائرية املكتوبة بلغة فرنسا (فيما نعلم)‪.‬‬

‫وقد أسهمت عوامل كثرية يف نشأة املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية نذكر منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬احلركة االستعمارية اليت عملت على حماصرة اللغة العربية‪ ،‬ويف مقابل ذلك‪ ،‬تشجيع تعلم اللغة‬
‫الفرنسية‪ ،‬واعتبارها اللغة األوىل يف اجلزائر‪ ،‬وقد وضعت هذه السياسة الشعب اجلزائري بني خيارين‪:‬‬
‫أحدمها هو الرضى باجلهل واألمية‪ ،‬وما يرتتب عليها من فقر وحرمان‪ ،‬واآلخر االلتحاق باملدارس‬
‫الفرنسية‪ ،‬وااللتزام برباجمها‪ ،‬واللهج بلغتها يقول أبو القاسم سعد اهلل عن املدرسة الفرنسية‪ « :‬منذ‬
‫سنة ‪ 1026‬أثرت يف عدد من اجلزائريني‪ ،‬فأخرجت منهم جمموعة تعاطت السياسة‪ ،‬ووصلت إىل‬
‫القيادة‪ ،‬ومارست األدب باللغة الفرنسية حىت أصبحوا من أعالمه»(‪)2‬ويعد جل األدباء اجلزائريني‬
‫الناطقني باللسان الفرنسي سواء أكانوا روائيني أم مسرحيني أم شعراء أمثال‪ :‬مالك حداد‪ ،‬ومحمد‬
‫ديب‪ ،‬ومولود فرعون‪ ،‬ومولود معمري‪ ،‬وكاتب ياسين‪ ،‬وآسيا جبارخرجييهذه املدرسة‪.‬‬

‫ب‪ -‬املثاقفة النامجة عن االطالع على األدب الفرنسي والتأثر بأعالمه والسيما أدب "ألبيركامي"‬
‫وغريه من األدباء الفرنسيني خباصة‪ ،‬فظهر لفيف من الكتاب والشعراء كانت كتاباهتم «‪...‬جزائرية‪،‬‬
‫أما وسائلهم واّتاهاهتم فكانت كلها غربية»(‪)3‬فأنتجوا أدبا يعرب عن الواقع اجلزائري بلغة فرنسية‬
‫وبتقنيات فنية عالية اجلودة‪.‬‬

‫‪ -)1‬جبور أم اخلري‪ ،‬الرواية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية –دراسة سوسيونقدية‪-‬مذكرة دكتوراه‪ ،‬إشراف‪ :‬عز الدين املخزومي‪،‬‬
‫قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كليو اآداب واللغات والفنون‪ ،‬جامعة وهران‪ ،2611-2616 ،‬ص‪( 33‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -)2‬الشرق والغرب يف ثقافة اجلزائر احلديثة‪ ،‬جملة الثقافة(دورية ثقافية إبداعية تصدر عن دار الثقافة)‪ ،‬ع‪ ،0‬اجلزائر‪،2662 ،‬‬
‫ص‪.31‬‬
‫‪ -)3‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬دراسات يف األدب اجلزائري احلديث‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬ط‪ ،1022 ،2‬ص‪.23‬‬

‫‪134‬‬
‫ج‪ -‬إحساس هذه الطبقة املثقفة ثقافة فرنسية بالغنب االجتماعي‪ ،‬وبآالم الشعب اجلزائري جراء‬
‫السياسة االستعمارية القاهرة‪ ،‬والسيما بعد جمازر ‪2‬ماي ‪1014‬الرهيبة‪ ،‬واليت أيقظت احلس الوطين‬
‫يف عدد من الكتاب وعلى رأسهم كاتب ياسني‪ ،‬الذي كتب‪ ،‬حتت تأثريها‪ ،‬مسرحية اجلثة املطوقة‪.‬‬

‫‪ -7‬المسرحيّة الجزائريّة المكتوبة باللّغة الفرنسيّة وإشكاليّة الهويّة‪ :‬لعل أبرز اإلشكاالت اليت‬
‫طالت املسرح اجلزائري الناطق باللغة الفرنسية هي إشكالية اهلوية؛ إذ يرتبط هذا النتاج املسرحي‪ ،‬يف‬
‫ت بلغة غري اللغة األم عن هوية‬ ‫ح‬
‫الغالب‪ ،‬بأسئلة كثرية تتمحور حول مدى تعبري نصوص ُكتبَ ْ‬
‫صاحبها‪ ،‬ومدى قدرهتا على التعبري عن طموحات الفئات الشعبية العريضة اليت ال تفهم هذه اللغة‪،‬‬
‫بل تعتربها لغة املستعمر‪ ،‬وهل تتحدد مقروئية هذه النصوص انطالقا من جودهتا الفنية‪ ،‬أم انطالقا مما‬
‫متليه رهاناهتا اللغوية وغريها من األسئلة اليت وضعت املسرحية اجلزائرية الناطقة باللغة الفرنسية يف مأزق‬
‫وطين‪ ،‬وسياسي وإيديولوجي ظل‪ ،‬ولفرتة زمنية طويلة‪ ،‬حيول دون االعرتاف جبودهتا الفنية‪ ،‬وبرباعتها‬
‫اإلبداعية‪.‬‬

‫وقد أدى اختيار الكتاب املسرحيني اجلزائريني اللغة الفرنسية وسيطا تعبرييا إىل شرخ يف املؤسسة‬
‫الثقافية اجلزائرية الفتية‪ ،‬آنذاك‪ ،‬وانقسم املثقفون مبوجب ذلك قسمني‪ :‬احملافظون املنتصرون إىل اللغة‬
‫العربية‪ ،‬الذين يرون يف التعبري باللغة الفرنسية عمالة للمستعمر‪ ،‬وتقويضا ألحد مقومات اهلوية‬
‫الوطنية‪ ،‬فعملوا على ّتاهل هذا النتاج املسرحي واألدب‪ ،‬وهو موقف عدد من النقاد العرب‬
‫مثل"إدريس اخلوري"الذي يرى أن «كل مرحلة استعمارية يف بلد ما تنتج كتاهبا املخلصني هلا‬
‫والقابلني للتدجني وتقدمي القرابني مثل‪... :‬كاتب ياسني‪ ،‬حممد ديب‪ ،‬مولود فرعون‪)1(»...‬فهؤالء‬
‫الكتاب‪ ،‬يف نظر بعض النقاد‪ ،‬تناسوا أصوهلم العربية وانتصروا لفرنسا حني كتبوا بلغتها‪ ،‬وقدموا‬
‫القرابني اإلبداعية هلا‪ ،‬بغض النظر عما عربت عليه كتاباهتم من مضامني جزائرية‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـ « األدب الذي‬
‫يكتبه عرب باللغة الفرنسية‪ ،‬هو يف النهاية‪ ،‬أدب فرنسي أيا كانت احلساسية العميقة الكامنة فيه‪،‬‬

‫‪ -)1‬عز الدين املناصرة‪ ،‬اهلويات والتعددية اللغوية‪ ،‬قراءات يف ضوء النقد الثقايف املقارن‪ ،‬دار جمدالوي للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪ ،2661 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.326‬‬

‫‪135‬‬
‫وأيا كان دوره االجتماعي‪ ،‬وأيا كان مضمونه الذي يعاجل مهوما ومشاكل ومشاهد وشخصيات‬
‫عربية»(‪)1‬وميكن أن نالحظ ما حيمل هذا الرأي من عدائية للنتاج األدب واملسرحي اجلزائري نتيجة‬
‫اعتماد اللغة الفرنسية وسيطا تعبرييا‪ ،‬ورمبا اختلفت ردود فعل النقاد واألدباء املتحاملة على هذا‬
‫اإلبداع‪ ،‬وتراوحتبني االمهال وعدم التعرض له بالتحليل يف الكتب النقدية‪ ،‬وهو ما أدى إىل قلة‬
‫املراجع اليت تُـ ْع َىن بدراسة املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية‪ ،‬وبني إدراج هذا النتاج ضمن‬
‫األدب الفرنسي وعدم التطرق ملا يزخر به من نواح مجالية ومضامني جزائرية‪ ،‬وبني التشكيك يف وطنية‬
‫كتابه‪ ،‬ويف ايديولوجيتهم وعقيدهتم‪...‬‬

‫أما املوقف اآلخر فيضم نقادا كان تعاملهم مع املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية أكثر لينا‬
‫فتقبلوها بعيدا عن احلساسيات اإليديولوجية‪ ،‬واعتربوها نتاجا جزائريا بغض النظر عن اللغة املستعملة‬
‫تقول "عايدة أديب بامية" يف ذلك‪« :‬األدب اجلزائري هو كل عمل أدب مؤلف سواء باللغة العربية‬
‫أو باللغة الفرنسية من قبل أي من سكان اجلزائر األصليني»(‪)2‬وما يقال عن األدب ينطبق على‬
‫املسرحية اليت تتحدد هويتها وانتماؤها حسب جنسية كاتبها وما اللغة إال أداة أو وعاء لنقل األفكار‬
‫وإيصال مواقف املبدع إىل اآلخر‪.‬‬

‫وقد سعى الكتاب الناطقون باللغة الفرنسية أنفسهم إىل تربير جلوؤهم إىل لغة غري لغتهم األم‪،‬‬
‫فصرحوا بأن كتاباهتم تعرب عن هويتهم اجلزائرية وما اللغة إال وسيلة إليصال صوهتم إىل اآلخر‪ ،‬وتبليغ‬
‫رساالهتم الوطنية‪ ،‬والتعريف بقضيتهم الثورية حني تعوزهم اللغة األم بسبب القطيعة املفروضة عليهم‬
‫بينه وبينها من احلكومة الفرنسية‪ ،‬يقول "كاتب ياسني"‪« :‬نعم أكتب بالفرنسية‪ ،‬وفيها أعرب عن روح‬
‫الوطن‪ ،‬بطريقة ليست هلا عالقة بالفرنسية‪ ،)3(»...‬وهو املوقف نفسه الذي جنده عند غريه من‬

‫‪ -)1‬املرجع السابق‪.320 ،‬‬


‫‪ -)2‬تطور األدب القصصي يف اجلزائر‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،1022 ،‬ص‪.41-46‬‬
‫‪3‬‬
‫‪(- Moukhtar chaalal, Kateb Yacine L’homme libre, 2eme édition, casbah édition, Revue et‬‬
‫‪complétée Alger, 2005,P82.‬‬

‫‪136‬‬
‫الكتاب سواء كانوا روائيني أو مسرحيني‪ ،‬وهلذا اختاروا أن يتوجهوا إىل الكتابة باللهجة العامية يف‬
‫مراحل الحقة ملرحلة االستقالل‪.‬‬

‫‪ -3‬موضوعات المسرحيّة الجزائريّة المكتوبة باللّغة الفرنسيّة‪:‬‬

‫على الرغم مما حلق باملسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية من هتم نتيجة اختاذها لغة املستعمر‬
‫وسيلة تعبريية‪ ،‬إال أن كتاهبا برهنوا على وطنيتهم حني طرحوا املوضوع الثوري جبرأة واضحة‪ ،‬وسعوا إىل‬
‫تصوير معاناة الشعب اجلزائري يف ظل االستعمار الفرنسي‪ ،‬ناقلني صورة بالدهم إىل اآلخر‪ ،‬ومعربين‬
‫عن انتمائهم الوطين والقومي بقوة الكلمة‪ ،‬وبسالح القلم‪ ،‬مكافحني ومناضلني من أجل دعم‬
‫قضيتهم بنصوص مسرحية كثرية أدت دورا مهما يف التعريف بالقضية الوطنية يف اخلارج‪ ،‬وإمساع‬
‫صوت اجملاهدين األحرار إىل اآلخر األورب رغبة منهم يف الدفاع عن ذواهتم بسالح عدوهم‪.‬‬

‫فإذا كان "أحمد توفيق المدني" قد اختذ‪ ،‬يف ظل االّتاه اإلصالحي‪ ،‬من الرتاث التارخيي والديين‬
‫أداة لشحذ اهلمم‪ ،‬وإيقاظ النفوس اليت أدماها اجلهل واليأس‪ ،‬فراح يستدعي وقائع وشخصيات متثل‬
‫الوجه املشرق من املاضي اجمليد قصد بعث األمل يف الشعب اجلزائري‪ ،‬وإذا كان "باشتارزي" قد‬
‫عول‪ ،‬يف ظل االّتاه الشعب‪ ،‬على التلميحات السياسية‪ ،‬وقدرة اجلمهور على فهم وتأويل نصوص‬
‫ين االستعمار‪ ،‬فإن "كاتب ياسين" مثال اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبري عن جزائريته‬ ‫ح‬
‫كثرية تُد ُ‬
‫املتمردة والثائرة ضد كل أشكال القهر واحلرمان املفروضني على شعبه؛«فقد جاءت مسرحية "الجثة‬
‫المطوقة" [مثال]لرتسم الواقع املأساوي للشعب اجلزائري إبان فرتة االحتالل‪ ،‬حيث عمد ياسني إىل‬
‫تعرية وكشف اجلانب املظلم من املمارسات الوحشية واالستبدادية للمستعمر‪ ،‬مربزا مشاهد املعاناة‬

‫نقال عن‪ :‬أمينة حسان‪ ،‬مصادر الكتابة يف مسرح كاتب ياسني‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬جازية فرقان‪ ،‬قسم الفنون الدرامية‪،‬‬
‫كلية اللغات والفنون‪ ،‬جامعة وهران ‪ ،2613/2612‬ص‪.14‬‬

‫‪137‬‬
‫واالضطهاد والعنصرية اليت كانت متارسها السلطات الفرنسية آنذاك‪ )1(».‬متخذا من جمازر الثامن ماي‬
‫‪ 1014‬الدموية موضوعا لنصه ليبني من خالله تعاطفه مع املتظاهرين الذين اغتالتهم رصاصات‬
‫فرنسا‪.‬‬

‫وقد ّتاوزت روح التمرد والثورة يف مسرحيات "كاتب ياسين" حدود وطنه اجلزائر‪ ،‬بل قاده توقه إىل‬
‫احلرية إىل تسخري إبداعه لدعم الثورات التحررية يف الوطن العرب ويف العامل‪ ،‬ساعيا إىل تضمني‬
‫نصوصه مبواقفه السياسية الرافضة لكل أشكال االستعمار‪ ،‬ومن مثة جاءت مسرحيته «"األجداد‬
‫يزدادون ضراوة" يف شكل ملحمة تارخيية‪،‬حيث يبدي فيها ياسني موقفا أيديولوجيا خيص قضية‬
‫احلدود مع املغرب والصحراء‪[ ،‬و]يدعو إىل عدم احليادعن الذاكرة اجلماعية‪ ،‬مستحضراواقعة اخليانة‬
‫بني سلطان املغربواألمري عبد القادر‪)2(».‬وال حتيدمسرحية "فلسطين المغدورة" عن املنحى املتمرد‬
‫الثائر الذي وسم كتابات هذا املبدع‪ ،‬فهو بتطرقه للقضية الفلسطينية يؤكدانتمائه العرب‪ ،‬ويؤسس‬
‫لفعل مسرحي نضال يسعى إىل رفع الغنب عن الشعوب املضطهدة‪،‬ويفند االدعاءات املغرضة اليت‬
‫هتدف إىل التشكيك يف انتمائه الوطين والقومي‪.‬‬

‫ولعل هذا اجلدول(‪ )3‬عناوين املسرحيات يوضح املنحى الثوري يف نتاج "كاتب ياسين" املسرحي‪:‬‬

‫المخرج‬ ‫المؤلّف‬ ‫عنوان المسرحيّة‬ ‫السنة‬


‫ّ‬
‫كاتب ياسني‬ ‫كاتب ياسني‬ ‫حممد خذ حقيبتك‬ ‫‪1022‬‬
‫كاتب ياسني‬ ‫كاتب ياسني‬ ‫اجلثة املطوقة‬ ‫‪1020‬‬
‫كاتب ياسني‬ ‫كاتب ياسني‬ ‫صاحب النعل املطاطي‬ ‫‪1020‬‬
‫كاتب ياسني‬ ‫كاتب ياسني‬ ‫فلسطني املخدوعة‬ ‫‪1026‬‬

‫‪ -)1‬إمساعيل براهيمي‪ ،‬الثورة يف مسرح كاتب ياسني‪ ،‬جملة النص ( جملة دورية أكادميية حمكمة يصدرها خمرب النص املسرحي‬
‫اجلزائري‪ -‬مجع ودراسة يف األبعاد الفكرية واجلمالية‪ -‬جامعة جيالل ليابس‪ ،‬سيدي بلعباس‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬مكتبة الرشاد للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬اجلزائر‪،‬ع‪ ،2‬أفريل ‪ ،2614‬ص‪.10‬‬
‫‪ -)2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ -)3‬حسان أمينة‪ ،‬مصادر الكتابة يف مسرح كاتب ياسني‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪138‬‬
‫كاتب ياسني‬ ‫كاتب ياسني‬ ‫حرب ‪ 2666‬سنة‬ ‫‪1026‬‬
‫‪/‬‬ ‫كاتب ياسني‬ ‫األجداد يزدادون ضراوة‬
‫باإلضافة إىل "كاتب ياسين" تَطُْر ُق"آسيا جبار" موضوع الثورة يف مسرحية "احمرار الفجر" لتصور‬
‫هي األخرى وجها آخر من وجوه مشاركة األسرة اجلزائرية يف الكفاح املسلح ضد االستعمار؛ من‬
‫خالل «عائلة جزائرية يشارك ابنها يف املقاومة‪ ،‬مث تلحقه اخته اليت وجدت رفضا من قبل أبويها‪،‬‬
‫وهبذا تربز املسرحية دور املرأة اجلزائرية ومسامهتها يف الثورة‪ ،‬وإىل جانب ذلك تكشف املسرحية عن‬
‫إميان الشعب اجلزائري واحتضانه للثورة معتمدة على شخصيتني رئيسيتني‪...‬مها شخصيتا الشاعر‬
‫واملرشد‪ ،‬رمزا للتقاليد الفنية الشعبية‪ )1(»...‬اليت كان هلا دور فعال يف الثورة اجلزائرية‪.‬‬

‫ختاما ملا سبق‪ ،‬ميكن القول إن املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية قد راهنت على محولتها‬
‫اإليديولوجية لتربهن على هويتها اجلزائرية‪ ،‬فطرحت مواضيع وطنية بلغة اآلخر ساعية إىل التعريف‬
‫بالقضية الوطنية‪ ،‬وحماربة االستعمار بلغته ومؤسساته الثقافية‪.‬‬

‫‪ -)1‬خملوف بوكروح‪ ،‬املسرح واجلمهور‪ ،‬ص‪.22‬‬

‫‪139‬‬
‫الرابعة عـ ـش ــر‪:‬‬
‫الم ـ ـحـ ــاض ــرة ّ‬

‫ال ــمس ــرحـ ــيّة الـ ـمـ ـلـ ـح ـم ــيّ ــة في الـ ـجـ ـزائ ــر‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫استطاعت املسرحية اجلزائرية – رغم حداثة نشأهتا نسبيا – أن تواكب تطورات الربراثوارات العاملية‬
‫مبختلف اّتاهاهتا الفكرية‪ ،‬وبنياهتا اجلمالية؛ فكان رجال املسرح من كتاب وخمرجني يعمدون إىل‬
‫نصوص متباينة االنتماءات اللغوية واجلغرافية‪ ،‬وخيتارون أساليب إخراجية خمتلفة يقدموّنذه النصوص‬
‫يف إطارها معربين عن واقعهم املعيش من خالهلا‪ ،‬مراعني‪ ،‬يف كل ذلك‪ ،‬طبيعة مجهورهم الذي يرحتل‬
‫من خالل أعينهم‪ ،‬وعرب خياالهتم‪ ،‬قاطعا مسافات زمانية‪ ،‬ومكانية متنوعة‪.‬‬

‫وقد لقي مسرح " برتولد بريخت"( ‪ )1060 – 1220‬امللحمي رواجا شديدا يف اجلزائر‪،‬‬
‫فحاول العديد من املسرحيني متثله نظرا لتميزه جبملة من اخلصائص الفنية‪ ،‬والطروحات اإليديولوجية‬
‫اليت تناسب طبيعة اجملتمع اجلزائري يف فرتة من فرتاته‪،‬وتستجيب لطموحات الطبقة العاملة منه‬
‫خباصة‪،‬وهي اليت يوليها "بيرخث" عنايته الفائقة‪ ،‬وجيعل مسرحه ناطقا بلساّنا‪ ،‬على اعتبار أن «هذا‬
‫املسرح يتطلب‪ ،‬باإلضافة إىل مستوىتكنيكي معني‪ ،‬حركة اجتماعية قوية هلا مصلحة يف مناقشة‬
‫القضايا احليوية مناقشة حرة‪ ،‬وحلها حال أفضل حركة تستطيع أن تدافع عن تلك املصلحة ضد مجيع‬
‫االّتاهات املعاكسة»( ‪ )1‬وهو ما وسم مسرحه بالطابع السياسي‪،‬وجعل هدفه‪ ،‬ليس فقط‪ ،‬حتقيق‬
‫املتعة‪ ،‬بل ربط الرتفيه بالفائدة املتمثلة يف البعد التعليمي‪ ،‬والتوجيهي أيضا‪.‬‬

‫وإذا كانت نشأة املسرح امللحمي تعزى‪ ،‬عند كثري من الدارسني‪ ،‬إىل "بريخث" يف بداية القرن‬
‫العشرين‪ ،‬فإن مفهومه أعمق من ذلك بكثري؛ إذ «أنه كان حمصلة لتوجهات مسرحية سابقة له يف‬
‫أوروبا وروسيا هدفت إىل تغيري وظيفة املسرح يف اجملتمع من خالل تغيري املسرح حبد ذاته كشكل‬
‫وكمضمون‪ ،‬من هذه التوجهات نذكر تيارات املسرح الشعب‪ ،‬واملسرح التحريضي‪ ،‬واملسرح‬
‫السياسي»(‪)2‬وكذا املسرح الكالسيكي وغريها‪ ،‬كما أن مصادره نفسها تنوعت بني املصادر الفلسفية‬

‫‪ -)1‬برتولدبرخيث ‪ ،‬الرؤيا اإلبداعية ‪ ،‬برخيث واملسرح التعليمي ‪ ،‬تر ‪ :‬أسعد حليم ‪ ،‬مكتبة ّنضة مصر ‪ ،‬سلسلة األلف كتاب رقم‬
‫(‪ ، )244‬القاهرة – مصر ‪ ،‬ط‪ ، 1000 ، 1‬ص‪.212‬‬
‫‪ -)2‬ماري إلياس وحنان قصاب ‪ ،‬املعجم املسرحي ‪ ،‬مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون العرض ‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون ‪ ،‬بريوت‬
‫– لبنان‪ ،‬ط‪.140 ، 2660 ، 2‬‬

‫‪141‬‬
‫اليت تستفيد من أفكار "هيجل" و"ماركس" وتستثمر طروحات"التاريخانيّة"‪ ،‬واملصادرالشرقية اليت‬
‫تستلهم مسرح "النّو"*اليابان‪ ،‬وتستعري تقنياته الفنية‪ ،‬وبني املصادر األملانية املستمدةمن معاصره‬
‫املسرحي "أورينبيسكاتور" ‪ ) 1893- 1966(E. Piscator‬الذي يعد «أول من استعمل تعبري‬
‫مسرح ملحمي باملعىن احلديث للكلمة‪ ،‬واستخدم تقنياته هبدف تعديل وظيفة املسرح‪،‬وتأثريه على‬
‫املتفرجني(‪[ )...‬وهو] من أدخل على مسرحه السياسي عناصر ملحمية على مستوى النص‪،‬والعرض‬
‫مثل تعديل شكل مكان العرض‪ ،‬وإدخال عروض سينمائية‪ ،‬وشرائح ضوئية‪ ،‬وكسر وحدة متاسك‬
‫النص الدرامي بإدخال عناصر وصفية تفسريية‪ ،‬والتوجه للجمهور»(‪ )1‬وهي التقنيات نفسها اليت‬
‫سيعطيها "بريخث" أمهية قصوى يف إطار خلق شكل فين جديد للمسرح األملان‪.‬‬

‫انطلق"بيرخث"يف نظرية املسرح امللحمي من البحث يف األصول النظرية للمسرح الدرامي‬


‫األرسط ّي(‪ 322-321‬ق‪.‬م)‪ ،‬املستمدة من كتاب "الشعرية" والتفسريات اليت قدمت له غري أنه‬
‫طرح بدائل عديدة‪ ،‬مما أفرز فروقا جوهرية بني تصوره‪ ،‬والتصور األرسطي يوضحها اجلدول(‪ )2‬اآليت ‪:‬‬

‫المسرح الملحمي‬ ‫المسرح الدرامي األرسطي‬


‫املسرح امللحمي‬ ‫املسرح الدرامي األرسطي‬
‫يعتمد على السرد‪.‬‬ ‫يعتمد على احلبكة‪.‬‬
‫حيول املتفرج إىل مراقب للحدث‪.‬‬ ‫يستغرق املتفرج داخل احلدث الدرامي على خشبة املسرح‪.‬‬
‫يثري قدرة اإلنسان على الفعل‪.‬‬ ‫يستهلك قدرة اإلنسان على الفعل‪.‬‬
‫يدفع املتفرج إىل اختاذ قرارات إزاء ما حيدث‪ ،‬واحلكم‬ ‫يثري استهالك املتفرج ومشاعره‪.‬‬
‫عليه‪.‬‬
‫يقدم للمتفرج صورة يتأملها عقليا‪.‬‬ ‫يقدم للمتفرج ّتربة يعايشها وجدانيا‪.‬‬
‫يسعى إىل مواجهة املتفرج باألحداث مواجهة‬ ‫يسعى إىل حتقيق اخنراط املتفرج‪ ،‬وتورطه يف األحداث‪.‬‬
‫موضوعية‪.‬‬

‫*)‪« -‬كلمة "النو" اليابانية تعين اإلجناز البارع ‪ ،‬ومسرح "النو" مسرح غنائي شعري مؤسلب للغاية ‪ ،‬يندرج يف إطار املسرح‬
‫التقليدي اليابان ‪...‬وهو جبوهره وشكله مستمد من فلسفة الزن اليت تنادي بالتوازن والرتكيز والتقشف واالنضباط ‪ ،‬وّتاوز الذات‬
‫‪ ،‬ولذلك يقوم على مبدأ السيطرة العقلية على ما جيري ‪ ،‬ويبتعد عن الزخرفة واإلهبار » املرجع السابق‪ ،‬ص‪.460‬‬
‫‪ -)1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫‪-)2‬ينظر‪ّ :‬ناد صليحة‪ ،‬التيارات املسرحية املعاصرة‪ ،‬هال للنشر والتوزيع ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1000 ،‬ص‪.100- 102‬‬

‫‪142‬‬
‫يوظف املناقشة‪ ،‬واجلدل‪ ،‬ومقارعة احلجة‬ ‫يوظف اإلحياء والتلميح‪.‬‬
‫باحلجة‪.‬‬
‫خيرج املشاعر الغريزية إىل النور‪ ،‬ويدفع املشاهد‬ ‫يثري املشاعر الغريزية لدى املشاهد‪ ،‬وبلعب عليها خفية‬
‫إىل إدراكها بوعيه‪.‬‬ ‫وبنعومة‪.‬‬
‫يقف املتفرج فيه خارج األحداث ويدرسها‪.‬‬ ‫يشعر املتفرج فيه أنه يف خضم األحداث‪ ،‬وجزء من التجربة‬
‫اإلنسانية املطروحة‪.‬‬
‫اإلنسان يصبح فيه موضوع حبث ومتحيص‪،‬‬ ‫مفهوم اإلنسان ال خيضع فيه‬
‫فاإلنسان قابل للتغري‪ ،‬والتحول‪ ،‬وقادر على‬ ‫للمناقشة‪ ،‬والتفسري‪ ،‬فاإلنسان هو اإلنسان يف كل زمان‬
‫إحداث التغيري‪ ،‬وليس فكرة مطلقة‪ ،‬أو‬ ‫ومكان ال يتغري‪.‬‬
‫مفهوما مطلقا‪.‬‬
‫الرتكيز فيه على مسار األحداث‪ ،‬وعلى‬ ‫الرتكيز فيه على النهاية اليت تقوم عليها األحداث‪.‬‬
‫األحداث‪.‬‬
‫كل مشهد يستقل بنفسه‪ ،‬وبداللته عن‬ ‫كل مشهد يولد املشهد الذي يليه‪ ،‬ويتولد من سابقه‪.‬‬
‫املشاهد األخرى‪.‬‬
‫العرض ميتد على تكنيك املونتاج‪ ،‬والقطع‪،‬‬ ‫احلدث ينمو يف خط صاعد مرتابط‪.‬‬
‫والفصل‪ ،‬ويتطور يف شكل منحنيات‪.‬‬
‫األحداث تتواىل فيما يشبه القفزات‬ ‫احلدث يتطور وفق منطق احلتمية الدرامية‪.‬‬
‫يفرتض أن اإلنسان كيان متغري‪ ،‬أو نقطة غري‬ ‫يفرتض أن اإلنسان كيان ثابت‪ ،‬أو نقطة ثابتة‪.‬‬
‫ثابتة‪.‬‬
‫يفرتض أن الوجود االجتماعي يتحكم يف‬ ‫يفرتض أن الفكر يتحكم يف الوجود‪ ،‬وحيدد طبيعته ومساره‪.‬‬
‫الفكر وحيدد طبيعته وتوجهاته‪.‬‬

‫انتدب "بريخث" ملسرحه مجلة من املفاهيم‪ ،‬أمهها مفهوم التّغريب الذي يعد حمور التجديد عنده‪،‬‬
‫على اعتبار أنه « جعل املألوف غريبا‪ ،‬والتوصل إىل تغريب احلادثة‪ ،‬أو الشخصية يعين فقداّنا لكل‬
‫(‪)1‬‬
‫ما هو بديهي‪ ،‬ومألوف‪ ،‬وواضح‪ ،‬باإلضافة إىل إثارة الدهشة والفضول بسبب احلادثة نفسها»‬

‫‪ -)1‬برثولثربخيث‪ ،‬نظرية املسرح امللحمي‪ ،‬تر‪ :‬نصيف مجيل‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.121‬‬

‫‪143‬‬
‫وهو مفهوم يهدف إىل خلق املتفرج الواعي‪ ،‬القادر على احلكم مبوضوعية‪ ،‬وعقالنية على ما يشاهد‬
‫أمامه‪ ،‬إنه مفهوم يناقضاالستيالب العاطفي‪ ،‬والعقلي ويسعى إىل حترير املتفرج من سلطة االنفعال‪،‬‬
‫واخلضوع‪ ،‬ومن مثة يكون قادرا على التغيري ألنه‪ ،‬واحلال هذه‪ ،‬ال يكون يف وضعية تلق استهالكي‪،‬‬
‫بل على العكس من ذلك‪ ،‬حتفز لديه ملكات الربط‪ ،‬واملساءلة‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والتعليل‪ ،‬ألن غاية املسرح‬
‫امللحمي ليست التطهري‪ ،‬كما هو احلال يف املسرح األرسطي‪ ،‬وإمنا غايته التغيري‪.‬‬

‫الرشيد بوشعير"‪ ،‬على تقسيم وسائاللتّغريب‬


‫وقد أمجع العديد من الدارسني‪ ،‬وعلى رأسهم الناقد" ّ‬
‫لدى "بريخث" إىل فئتني ‪:‬‬

‫أ – فئة الوسائل التّغريبيّة البنائيّة‪.‬‬


‫(‪)1‬‬
‫ب – فئة الوسائل التّغريبيّة الحرفيّة‬

‫أما وسائل الفئة األوىل فتتعلق بالبنية النصية املسرحية‪ ،‬وميكن أن حنصر مظاهرها يف‪:‬‬

‫أ – تفكيك وحدةاحلكاية؛ حيث ال يسعى"بريخث" إىل تقدمي أجزائها متسلسلة ومرتابطة وهو ما‬
‫يشدد عليه أرسطو حني يقدم أحداثها غري مرتابطة‪ ،‬للحد من تأثر املتفرج هبا‪ ،‬ومنع انسياقه العاطفي‬
‫معها‪.‬‬

‫ب–إبعاد احلدث زمانا‪ ،‬ومكانا عن املتفرج؛ عن طريق توظيف السرد‪ ،‬وتقدمي احلكاية على لسان‬
‫راو‪ ،‬مما خيلق مسافة زمنية ومكانية بني املتفرج واحلكاية‪ ،‬فيشاهد أحداثها وهو خارج دائرهتا‪ ،‬ما جيعله‬
‫حيكم عليها مبوضوعية‪ ،‬ويقيم نوعا من التقابالت واإلسقاطات بني عامل املسرحية اخليال‪ ،‬وواقعه‬
‫املعيش‪.‬‬

‫‪ -)1‬الرشيد بوشعري‪ ،‬أثر برتولدبرخيث يف مسرح املشرق العرب ‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة دمشق – سوريا‪،‬‬
‫‪ ،1023‬ص‪.13‬‬

‫‪144‬‬
‫ج–حتييد دور اجلوقة ؛ فإذا كانت اجلوقة عنصرا مهما يف املسرحية القدمية (اليونانية والرومانية خباصة)‬
‫تصبح‪ ،‬يف املسرح امللحمي‪ ،‬مظهرا من مظاهر العودة للرتاث‪،‬فتفرغ من حمتواها‪ ،‬وتصبح وظيفتها –‬
‫فقط– تقدمي الشخصيات‪ ،‬والتعليق على األحداث‪ ،‬بل يصبح دورها الرئيس قطع احلدث‪ ،‬وحماولة‬
‫تفكيك السرد‪ ،‬وتذكري املتفرج – من خالل تدخالهتا – بأن ما يشاهد لعبة فنية ال غري‪ ،‬وعليه أن‬
‫يتخذ موقفا منها دون التورط عاطفيا فيها‪.‬‬

‫وأما وسائل الفئة الثانية‪ ،‬فتتعلق بالبنية اإلخراجية؛ حيث جيري تغريب عناصر العرض من ديكور‪،‬‬
‫ومالبس‪ ،‬وإضاءة‪ ،‬وموسيقى‪ .‬لقد عمل "بريخث" على حتوير وظيفة هذه العناصر عما كانت عليه‬
‫سلفا‪ ،‬فلم تعد وظيفة املخرج اإلشراف على العرض وتوجيه املمثلني‪ ،‬والتقنيني‪ ،‬واملصممني بطريقة‬
‫ختدم أفكاره‪ ،‬وأفكار املؤلف‪ ،‬بل أصبحت له وظيفة إضافية تتمثل يف طرح القضايا الفكرية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ومطالبة كل من املمثل‪ ،‬ومصممي املالبس والديكور‪ ،‬واإلضاءة‪ ،‬واملوسيقى باختاذ‬
‫موقف منها‪ ،‬وترمجته من خالل هذه الوسائل اليت مل تعد تؤدي وظيفة إيهامية بقدر ما أصبحت‬
‫عامال لكسر اإليهام‪ ،‬ومل يعد النسجامها مع احلكاية أمهية بقدر ما غذت قيمتها يف مدى تنافرها‪،‬‬
‫ونشازها حبجة أن هذا التنافر‪ ،‬وذاك اال انسجام يومل تعد براعة املمثل‪ ،‬يف ظل هذا التصور‪ ،‬تكمن يف‬
‫مدى تقمصه للدور‪ ،‬بل أصبح جمرد عارض له‪ ،‬يقدمه جمردا من أي انفعال‪ ،‬ولتحقيق ذلك يرى‬
‫"بريخث" أن على املمثل « أن ينسى كل ما تعلمه عندما كان حياول أن حيقق بواسطة متثيله‬
‫االندماج االنفعال للجمهور مع الشخصيات اليت خيلقها‪ ،‬فإذا كان املمثل ال يهدف إىل الوصول‬
‫جبمهوره إىل النشوة والوجد‪ ،‬عليه من باب أوىل أن ال يقع هو نفسه يف هذه احلالة»(‪ ،)1‬ولتفادي‬
‫تقمصه للشخصية عليه أن يقيم حدودا فاصلة بينها وبني ذاته‪ ،‬فال ينبغي أن حيس املشاهد بأن هذا‬
‫الذي هو واقف على اخلشبة هو الشخصية املسرحية الفالنية‪ ،‬بل ينبغي أن يرى أيضا املمثل‪/‬‬
‫اإلنسان فيها‪ .‬يقظ ذهن املشاهد‪ ،‬ويدفعه للتأمل‪.‬‬

‫‪ -)1‬برتولد برخيث ‪ ،‬نظرية املسرح امللحمي‪ ،‬تر ‪ :‬نصيف مجيل ‪ ،‬ص‪.234‬‬

‫‪145‬‬
‫ميكن القول إذا إن نظرية املسرح امللحمي قد كانت ثورة فكرية وفنية يف جمال الفن املسرحي‪ ،‬سعى‬
‫من خالهلا "برخيث" إىل الرتكيز على اجلمهور‪ ،‬ودفعه إىل التفكري وتغيري واقعه‪ ،‬وقد القت هذه الرؤى‬
‫جناحا باهرا خاصة يف اجلزائر حيث تلقف مسرحيون كثريون طروحات النظرية امللحمية العتبارات‬
‫عديدة نذكر منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬االرتباطات التارخيية بني اجلزائر واملد االشرتاكي الذي متثل نظرية برخيث انعكاسه يف املسرح‪.‬‬

‫ب‪ -‬انسجام النظرية امللحمية مع معطيات اجملتمع اجلزائري‪ ،‬وتالئمها وخصوصياته والسيما من‬
‫حيث ميله لتوظيف كل ما هو تراثي كاألمثال واحلكم واألغان‪.‬‬

‫وقد تأثر بالنظرية امللحمية العديد من املسرحيني وعلى رأسهم "ولد عبد الرحمان كاكي" يف نصوص‬
‫كثرية أبرزها "القراب والصالحين"املقتبسة عن مسرحية "اإلنسان الطيب من ستشوان" لبريخث و‬
‫"كل واحد وحكموا"املستلهمة من حكاية شعبية جزائريةمتداولة يف منطقة تلمسان‪ ،‬موظفا يف‬
‫كليهما العامية‪ ،‬والقوال‪ ،‬واألمثال واحلكم‪ ،‬واألغان على طريقة برخيث‪ .‬كما تأثر باملسرحية امللحمية‬
‫كل من "عبد القادر علولة"‪ ،‬و"محمد بن قطاف" وغريهم كثريون‪.‬‬

‫نص"األجواد" لعبد القادر علولة‪:‬‬


‫طبيقي‪ :‬الرؤية الملحميّة في ّ‬
‫‪ ‬النّموذج التّ ّ‬
‫يعد عبد القادر علولة أبرز من متثل املسرح امللحمي‪ ،‬بل ميكن القول إنه طوع التصور الربخيثي‬
‫ملتطلبات البيئة اجلزائرية إن على مستوى الكتابة‪ ،‬أو على مستوى التمثيل‪ ،‬أو على مستوى اإلخراج‪،‬‬
‫فقد كان "بريخث" بالنسبة إىل "علولة" مصدر إهلامه‪ ،‬يقول يف هذا‪« :‬أعترب أن (برتولد برخيث)‬
‫كان ويبقى من خالل كتاباته النظرية وعمله الفين‪ ،‬مخرية جوهرية يف عملي‪ .‬وتكاد ّتتاحين الرغبة يف‬
‫(‪)1‬‬
‫أن أقول بأن أعتربه أب الروحي‪ ،‬أو خري من ذلك‪ ،‬صديقي ورفيق درب املخلص»‬

‫‪ -)1‬عبد القادر علولة‪ ،‬يف لقاء أجراه معه حممد جليد (أستاذ علم اجتماع جبامعة وهران)‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1024‬تر‪ :‬إنعام بيوض‪،‬‬
‫ضمن من مسرحيات علولة ‪( :‬األقوال‪-‬األجواد‪-‬اللثام)‪ ،‬ص‪.234-231‬‬

‫‪146‬‬
‫وقد ّتلى أثر املسرح امللحمي يف كتابات "علولة" يف الثمانينيات من القرن املاضي من خالل ثالثيته‬
‫الشهرية اليت مثلت مرحلة نضجه الفين‪ :‬األقوال ‪ ،1024‬األجواد ‪ ،1020‬اللثام ‪1022‬‬
‫واستطاعت أن تصور الواقع اجلزائري يف تلك احلقبة‪ ،‬متخذة من الواقعية احلادة وسيلة لتعرية مشاكل‬
‫ومهوم الطبقة الكادحة‪ ،‬ومسلطة الضوء على مناذج بشرية بسيطة تناضل من أجل قوهتا اليومي‪.‬‬

‫يطال املشروع امللحمي‪ ،‬يف نظر عبد القادر علولة‪ ،‬املسرحية مبستوياهتا كافة؛ حيث يربز املستوى‬
‫النصي مناهضا للنصية املسرحية األرسطية‪ ،‬فال تتواىل أحداث احلكاية تباعا بل خيضع نسيجها‬
‫للتقطيع املستمر‪ ،‬ويتقاطع فيه املسرحي والسردي؛ أما مستوى العرض فينفتح على تقنيات حداثية‬
‫تدمج الفنون معا وينصهر فيها الرقص بالغناء‪ ،‬وتصبح اإلضاءة فيها واملؤثرات الصوتية لغة ثانية‬
‫ختطب املتلقي وحتثه على إعمال فكره فيما يشاهد‪ ،‬ويتحول املمثل إىل حقل خصب للتجريب‬
‫واالختبار‪ ،‬وأما اجلمهور فكان القطب األهم يف مسرح علولة حسب مقتضيات املسرحية امللحمية‪،‬‬
‫ولذلك اعترب أن كل خطوة يف مسرحه ينبغي أن تثريه إثارة عقلية ال عاطفية‪ ،‬فعالقة علولة جبمهوره‬
‫عالقة جدلية حمضة قوامها خرق أفقه‪ ،‬ودفعهإىل التأمل والنقد مث التغيري‪.‬‬

‫تقع مسرحية األجواد ضمن ثالثية عبد القاد علولة اليت نذرها لتعرية قضايا جمتمعه‪ ،‬وسعى من خالهلا‬
‫إىل « فضح التناقضات االجتماعية بعد االستقالل؛ حيث استفادت فئة قليلة[منه]وغدا اإلنسان‬
‫اجلزائري الذي ضحى بالنفس والنفيس يعان فقرا واستعمارا آخر‪ ،‬وهلذا كان البد من إجياد وسيلة‬
‫لكشف النقاب عن احلقائق الزائفة فالتزم بقضايا شعبه التزاما‪ ،‬وناضل ضد قوى الظلم وظل يسعى‬
‫دائما لفك قيود االستيالب والتغريب املمارس على الشعب»(‪)1‬وهلذا ركزت املسرحية يف ثالث‬
‫جداريات على مناذج بشرية من الطبقة الكادحة لتقدم صورا مقتطفة من حياة شخصيات تشرتك يف‬
‫مجلة من السمات؛ فهي أوال شخصيات قد نصادفها كل يوم يف شوارعنا ومقاهينا‪ ،‬وهي ثانية بسيطة‬

‫‪ -)1‬جازية فرقان‪ ،‬أفق التوقعات يف مسرح علولة بني اخلطاب اإليديولوجي ومجالية التلقي‪ ،‬جملة دراسات جزائرية (دورية حمكمة‬
‫يصدرها خمترب اخلطاب األدب يف اجلزائر‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬ع‪ ،63‬مارس ‪ ،2660‬ص‪.211‬‬

‫‪147‬‬
‫هامشية ال ترتبط بفئة سياسية أو اجتماعية مهمة يف اجملتمع‪ ،‬وهي ثالثا تتصف بالكرم واجلود يف‬
‫خدمة جمتمعها بالوسائل املتاحة لديها يقول "علولة" يف تقدميه للمسرحية‪« :‬فيما يتعلق بعنوان‬
‫(األجواد)‪ ،‬إنه يعنيباملعىن األول واحلريف الكرماء‪ .‬فهو يلخص بالنسبة ل‪ ،‬إىل حد ما‪ ،‬الفكرة املركزية‪،‬‬
‫أي جوهراملسرحية‪ .‬هذه األخرية هي عبارة عن جدارية متثل احلياة اليومية‪ ،‬أو باألحرى‪ ،‬بعض‬
‫اللحظامتن حياة اجلماهري الكادحة‪ ،‬والناس البسطاء‪ .‬إّنا مناظر إنسانية نصادفها كل يوم‪ .‬حتكي‬
‫هذهاجلدارية وتكشف بدقة كيف يتصف هؤالء الناس املغمورون والبسطاء و(احملقورون) والذين‬
‫النكاد نلحظهم باجلود‪ .‬وكيف يتكلفون‪ ،‬بتفاؤل كبري وبإنسانية متأصلة‪ ،‬باملشاكل الكربى للمجتمع‬
‫(‪)1‬‬
‫طبعا ضمن حدودهم‪»...‬‬

‫نص األجواد‪ :‬تربز الرؤية امللحمية يف النص‪ ،‬موضوع الدراسة‪،‬‬


‫‪ -0‬تجليّات الرؤية الملحميّة في ّ‬
‫من خالل تقنيات عديدة‪ ،‬استعان الكاتب هبا ليعرض واقع احلياة اليومية بكل تناقضاهتا ومهومها‪،‬‬
‫فانتدب اسرتاتيجية إبداعية تطال البنية فنية جاعال املسرحية «تضم ثالثة مواضيعدرامية تستقطعها‬
‫أربع أغنيات‪ .‬ويستقل كل عنصر من عناصر املسرحية بذاته من حيثاملوضوع‪ ،‬يف حني يرتبط الكل مبا‬
‫ميكن أن أمسيه‪( :‬العناصر األساسية للمضمون) عن طريقأنصال خلفية»(‪)2‬وهووصف اختصر فيه‬
‫"علولة" بناء مسرحية األجواد فين املستمد من املسرح الربخيثي الذي دأب على توظيف مثل هذه‬
‫التقنيات‪.‬‬

‫وميكن أن جنمل أثر برخيث يف مسرحية األجواد يف العناصر اآلتية‪:‬‬

‫ي‪ :‬ويعد أحد أهم آليات التغريب يف املسرح امللحمي‪ ،‬واخلاصية اليت متيزه عن‬
‫السرد ّ‬
‫‪ -0‬الطابع ّ‬
‫املسرح األرسطي‪ ،‬فعن طريقها مينح املتفرج مسافة زمنية تبدو من خالهلا األحداث والشخوص‬

‫‪ -)1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪ ،234-231‬وينظر أيضا‪ :‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬ص‪.263-262‬‬
‫‪ -)2‬املصدر السابق‪ ،‬الصفجة السابقة‪ ،‬واملرجع السابق‪ ،‬الصفحة السابقة‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫منفصلة عنه فيتمكن من احلكم عليها بكل موضوعية‪.‬وقد أفاد "علولة" من هذه اآللية حيث قدم‬
‫مسرحيته على لسان القوال‪.‬‬

‫‪-7‬كسر اإليهام ‪ :‬وهو يف النظرية الربخيثية تقويض للوظيفة التطهريية يف املسرح األرسطي؛ واليت يؤدي فيها توهم‬
‫املتفرج أنه مكان البطل‪ ،‬وانفعاله مع ما يقع له من أحداث إىل تطهره من االنفعاالت السلبية كاخلوف مثال‪،‬‬
‫ونقيضا لذلك يسعى املسرح امللحمي إىل كسر اإليهام حىت ال ينساق املتفرج مع ما يشاهد عاطفيا‪ ،‬ويتم ذلك‬
‫عن طريق اإلعالن بأن السرد مقصود (إعالن القوال يف بداية النص)‪ ،‬وهو ما حيول دون تورط املشاهد شعوريا مع‬
‫وقائع القصة ومعايشتها‪ ،‬وإمنا «يسعى إىل فصل تلك الوقائع عن أهواء املشاهدين وإظهارها يف صورة غري‬
‫مألوفة»(‪ ،)1‬وقد عمد "علولة" إىل كسر اإليهام من خالل‪ :‬تقطيع احلدث بواسطة األغان‪ ،‬وتعليقات القوال‪.‬‬

‫‪ -3‬توظيف التراث‪ :‬استثمر "علولة" املوروث الشعب مبا يزخر به من أقو ٍال و ٍ‬
‫أمثال وأغان شعبية وغريها من‬
‫األشكال الفلكلورية الدالة على هوية النص اجلزائري وأصالة الفن املسرحي‪ ،‬مقدما قراءة واعية للرتاث‪ ،‬ومنتقيا‬
‫عناصر بعينها لتحقيق تلقي مجال فاألغنية مثال « وسيلة مجالية جلأ إليها علولة حلضورها املكثف يف الرتاث‬
‫الشعب ولصلتها الوطيدة بذاكرة الشعب‪ ،‬ولقدرهتا على حتمل عبء املوضوع املطروح‪ ،‬وجلوانبها اجلمالية اليت‬
‫تسهم يف إحداث األثر املرجو»‪ 2‬وهي إىل جانب كل هذا إحدى أهم وسائل كسر اإليهام ألّنا متنع املتفرج من‬
‫االستغراق عاطفيا يف احلدث‪ ،‬فتوقظه وحتفز قدرته على التفكري والنقد‪.‬‬

‫باإلضافة إىل توظيف األغنية‪ ،‬جلأ "علولة" إىل استحضار أحد أهم أشكال الرتاث الشعب وهو القوال‬
‫الذي ّنض يف النص‪ ،‬موضوع الدراسة‪ ،‬بوظائف عديدة نذكر منها‪:‬‬

‫‪-‬تقدمي الشخصية املسرحية ووصف أبعادها اجلسدية واالجتماعية والنفسية‪ ،‬على حنو ما هو مبني‬
‫يف املقطع اآليت‪« :‬الربوحي احلبيب يف املهنة حداد‪ ،‬خدام يف ورشة من ورشات البلدية‪ .‬يف السن‬
‫يعترب كبريمادام يف عمره حيوط على الستني‪ .‬يف القامة قصري شوية‪ .‬السندان واملطرقة خالو فيه املارة‪.‬‬

‫‪ -)1‬ماري الياس‪ ،‬وحنان قصاب حسن‪ ،‬املعجم املسرحي‪،‬ص ‪.116‬‬


‫‪ -)2‬جازية فرقان‪ ،‬أفق التوقعات يف مسرح علولة بني اخلطاب اإليديولوجي ومجالية التلقي‪ ،‬ص‪.212‬‬

‫‪149‬‬
‫لوّنأمسر بلوطي‪ .‬وسنيه واقفة جدرهتا تبان وزوج غايبني‪ .‬شعره أشهب كرد مربوم والشيب ما تركشعرة‬
‫(‪)1‬‬
‫‪» ...‬‬

‫‪-‬التعليق على األحداث‪ ،‬واستخالص العرب‪.‬‬

‫‪-‬استعادة احلوادث الكربى اليت يصعب متثيلها على خشبة املسرح‪ ،‬واالكتفاء بسردها على األمساع‪،‬‬
‫وهنا يلتقي دور (القوال) مع دور (اجلوقة) يف املسرح اليونان‪.‬‬

‫‪-‬الربط بني احلوادث واملواقف الدرامية لتمتني البناء اهلندسي العام للمسرحية‪.‬‬

‫‪-‬إلقاء األشعار واألغان الشعبية املؤثرة ذات العالقة املباشرة بالشخصية واحلوادث اليت‬

‫تواجهها‪.‬‬

‫‪-‬كسر اإليهام وقطع التمثيل عن طريق تدخالت القوال وتعليقاه على األحداث‪.‬‬

‫العامية الجزائريّة‪ :‬خالفا للغة الفصحى وظف "علولة" لغة تراثية مشحونة باإلحياءات‬
‫‪ -4‬توظيف ّ‬
‫والرموز‪،‬وهي اللغة اليت يستعملها "احلاكي" يف األسواق واحللقات الشعبية‪ ،‬ومثاهلا ما ورد يف تقدمي‬
‫شخصية عالل الزبال‪« :‬عالل الزبال ناشط ماهر يف املكناس‪.‬‬

‫حني يصلح قسمته ويرفد وسخ الناس‪.‬‬

‫مير على الشارع الكبري زاهي حواس‪.‬‬

‫باش ميزح بعد الشقاء يهرب شوى للوسواس‪2».‬إّنا لغة ملحونة مؤثرة هلا وقع خاص يف نفس‬
‫املتفرج‪،‬ألّنا قريبة من وجدانه معربة عن أصالته‪ ،‬والسيما أّنا تعتمد على الشفوية مع ما هلا من‬
‫حضور يف الرتاث العرب بعامة‪ ،‬واجلزائري خباصة‪ ،‬وحتفز ملكة السمع اليت حتتل مكانة الصدارة يف‬

‫‪ -)1‬عبد القادر علولة‪ ،‬األجواد‪ ،‬ص‪.22‬‬


‫‪ -)2‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪150‬‬
‫املرجعية السوسيو ثقافية العربية‪ ،‬وهو ما جعل النص يفوح باحتفالية نابعة من أعماق املوروث‬
‫اجلزائري‪ :‬من مقاهيه وأسواقه وحلقاته اخل‪.‬‬

‫نستنتج مما تقدم‪ ،‬أن جناح مسرحية األجواد لـ ـ"عبد القادر علولة" يرجع إىل قدرته على استدعاء‬
‫الرتاث بقوالب جديدة‪ ،‬ومزاوجته بني الرؤية اجلزائرية الرتاثية‪ ،‬الفكر الغرب (الربخيثي)‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫مفردات المقياس‪:‬‬
‫المحاضرة األولى‪ :‬في الجهاز المفاهيمي‪( :‬يف مفهوم املسرح‪،‬مكونات املسرح‪،‬ثنائية‬
‫النص‪/‬العرض)‪..................................................................‬ص ‪10‬‬

‫المحاضرة الثانية‪ :‬نشأة المسرحيّة الجزائريّة‪......................................:‬ص ‪04‬‬

‫المحاضرة الثّالثة‪ :‬مراحل تطور المسرحيّة الجزائريّة‪................................:‬ص‪70‬‬

‫الرابعة‪ :‬أعالم المسرحيّة الجزائريّة وخصائصها‪.............................‬ص ‪37‬‬


‫المحاضرة ّ‬
‫المحاضرة الخامسة‪ :‬توظيف التراث في المسرحيّة الجزائريّة‪..........................‬ص‪43‬‬

‫السادسة‪ :‬أثر التّجربتان المسرحيّتان العربيّة واألجنبيّة في المسرحيّة الجزائريّة‪......‬ص ‪40‬‬


‫المحاضرة ّ‬
‫السابعة‪ :‬اتّجاهات المسرحيّة الجزائريّة‪.................................. :‬ص‪00‬‬
‫المحاضرة ّ‬
‫‪ -1‬االّتاه الشعب‪..................................................................‬ص‪07‬‬

‫‪ -2‬االّتاه اإلصالحي‪..............................................................‬ص‪04‬‬

‫المحاضرة الثّامنة‪ :‬موضوعات المسرحية الجزائرية‪................................:‬ص‪20‬‬

‫‪-1‬موضوعات ما قبل االستقالل‪...................................................‬ص‪27‬‬

‫‪-2‬موضوعات ما بعد االستقالل‪..................................................‬ص‪20‬‬

‫المحاضرة التّاسعة‪ :‬المسرحية الجزائرية اإلشكاالت والرهانات‪...................:‬ص‪21‬‬

‫‪-1‬ندرة النص املسرحي‪.........................................................‬ص‪20‬‬

‫‪.-2‬إشكالية الرتمجة‪.............................................................‬ص‪22‬‬

‫‪152‬‬
‫‪.-3‬إشكالية اللغة‪..............................................................‬ص‪20‬‬

‫‪-1‬منوذج تطبيقي‪":‬كاكي ولد عبد الرمحان" منوذج عن التجربة االقتباسية‪............:‬ص‪23‬‬

‫المحاضرة الحادية عشر‪ :‬النقد المسرحي الجزائري‪............................:‬ص ‪21‬‬

‫‪ -1‬النقد املسرحي اجلزائري‪ :‬أسسه وضوابطه‪.‬‬

‫‪ -2‬النقد املسرحي اجلزائري وإشكاالته‪.‬‬

‫المحاضرة الثّانية عشر‪ :‬المسرحية الجزائرية والمنهج‪........................:‬ز‪......‬ص‪017‬‬

‫‪ -1‬املسرحية اجلزائرية واملنهج التارخيي‪.‬‬

‫‪ -2‬املسرحية اجلزائرية واملنهج السيميائي‪.‬‬

‫‪ -3‬املسرحية اجلزائرية واملنهج التداول‪.‬‬

‫شعريّة الجزائريّة‪.............................. :‬ص ‪003‬‬


‫المحاضرة الثّالثة عشر‪ :‬المسرحيّة ال ّ‬

‫‪ -1‬املسرحية الشعرية الثورية‪.‬‬

‫‪ -2‬املسرحية الشعرية االجتماعية‪.‬‬

‫المحاضرة العاشرة‪ :‬المسرحية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية‪ . ................:‬ص‪070‬‬

‫‪ -1‬أعالمها‪.‬‬

‫‪ -2‬موضوعاهتا‪.‬‬

‫المحاضرة ال ّرابعة عشر‪ :‬المسرحيّة الملحمية‪034......................................:‬‬

‫‪153‬‬
‫‪ -1‬أثر "برخيث" يف املسرحية اجلزائرية‪ :‬ثالثية عبد القادر علولة ( األجواد – األقوال – اللثام)‬
‫أمنوذجا ‪043.......................................................................‬‬

‫‪154‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‪:‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫ّأوال‪-‬المصادر‪:‬‬
‫‪-1‬سالل علي‪ ،‬شروق املسرح اجلزائري‪ ،‬تر‪ :‬أمحد منور‪ ،‬منشورات التبيني اجلاحظية‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪2661‬‬

‫‪.-2‬عبد احلليم رايس‪ ،‬أبناء القصبة‪ -‬دم األحرار‪ ،‬جملة املعهد الوطين العال للفنون املسرحية‪ ،‬ع‪،2‬‬
‫اجلزائر‪.2666 ،‬‬

‫‪ -3‬عبد الرمحان ماضوي‪ ،‬مسرحية يوغرطة‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1020 ،2‬‬

‫‪-1‬عبد القادر علولة‪ ،‬مسرحية محق سليم‪ ،‬املسرح الوطين اجلزائري‪.1022 ،‬‬

‫‪ -4‬عبد القادر علولة‪ ،‬من مسرحيات علولة‪ ،‬تر‪ :‬إنعام بيوض‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬املؤسسة الوطنية للفنون‬
‫املطبعية‪ ،‬اجلزائر‪.1002 ،‬‬

‫‪ -0‬عز الدين ميهوب‪ ،‬حيزية – غنائية امرأة من اجلزائر‪ -‬منشورات دار األصالة‪ ،‬ط‪1002 ،1‬‬

‫والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪1020 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -)2‬حممد بلقاسم مخار‪ :‬األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬ج‪ ،2 :‬الديوان السادس‪ ،‬طبعة خاصة وزارة‬
‫اجملاهدين‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د ‪.‬ط‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪-)2‬يوسف وغليسي‪ ،‬تغريبة جعفر الطيار‪ ،‬دار الوفااء الدين للنشر والتوزيع‪ ،‬قسنطينة – اجلزائر‪ ،‬ط‬
‫‪ ،2‬سنة ‪.2663‬‬

‫‪155‬‬
‫ثانيا‪ -‬المراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬أمحد ابراهيم‪ ،‬الدراما والفرجة املسرحية‪ ،‬دار الرفاء لدنيا الطباعة والنشر‪ ،‬ط‪.2660 ،1‬‬
‫‪ -2‬أمحد بيوض‪ ،‬املسرح اجلزائري‪ ، ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪2611‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬أمحد توفيق املدن‪ ،‬كتاب اجلزائر‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪1021 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -)1‬أمحد منور‪ ،‬مسرح الفرجة والنضال يف اجلزائر‪ ،‬دراسة يف أعمال أمحد رضا حوحو‪ ،‬دار هومة‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬ط‪.2664 ،1‬‬
‫‪ -)4‬أرسطو‪ ،‬فن الشعر‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -)0‬إدريس قرقوة‪ ،‬الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ -‬دراسة يف األشكال واملضامني‪ -‬مكتبة الرشاد للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬اجلزائر‪.2660 ،‬‬
‫‪ -)2‬إمساعيل سيد علي‪ ،‬أثر الرتاث يف املسرح املعاصر‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر و التوزيع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬دار املرجاح (الكويت) سنة ‪.2666‬‬
‫‪-2‬باسم األعسم‪ ،‬الثابت واملتحول يف اخلطاب املسرحي‪ ،‬متوز طباعة – نشر – توزيع‪ ،‬دمشق –‬
‫سوريا‪ ،‬ط‪2611 ،1‬‬
‫‪ -)0‬برتولد برخيث‪ ،‬الرؤيا اإلبداعية ‪ ،‬برخيث واملسرح التعليمي‪ ،‬تر‪ :‬أسعد حليم‪ ،‬مكتبة ّنضة مصر‪،‬‬
‫سلسلة األلف كتاب رقم (‪ ، )244‬القاهرة – مصر ‪ ،‬ط‪.1000 ، 1‬‬
‫‪ -)16‬برثولث برخيث‪ ،‬نظرية املسرح امللحمي‪ ،‬تر‪ :‬نصيف مجيل‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -)11‬البشري اإلبراهيمي( اآلثار)‪ ،‬مجع وتقدمي الدكتور‪ :‬أمحد طالب اإلبراهيمي‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ج ‪.1002 ،2‬‬
‫‪ )-12‬مثارا ألكساندروفينا بوتيتسيفا‪ ،‬ألف عام وعام على املسرح العرب‪ ،،‬تر‪ :‬توفيق املؤذن‪ ،‬دار‬
‫الفراب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1021 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -)13‬حفناوي بعلي‪ ،‬أربعون عاما على خشبة مسرح اهلواة يف اجلزائر‪ ،‬منشورات احتاد الكتاب‬
‫اجلزائريني‪ ،‬ط‪ ،2662 ،1‬اجلزائر‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫‪ -)11‬حسن البحراوي‪ :‬املسرح املغرب‪ ،‬حبث األصول السوسيو ثقافية‪ ،‬املركز الثقايف العرب‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1001‬‬
‫‪ -)14‬رابح خدوسي وآخرون‪ ،‬موسوعة العلماء واألدباء اجلزائريني‪ ،‬دار احلضارة‪ ،‬بئر التوتة‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫ط‪.2663 ،1‬‬
‫‪-)10‬رشيد ياسني‪ :‬دعوة إىل وعي الذات‪ ،‬فصول يف نظرية الدراما والنقد املسرحي‪ ،‬منشورات‪،‬‬
‫دمشق‪ ،2666 ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪ -)10‬سعاد حممود خضر‪ :‬األدب اجلزائري املعاصر‪ ،‬منشورات املكتبة العصرية‪ ،‬صيدا ‪-‬بيوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪.،‬‬
‫‪ -)12‬سلوم توفيق ‪ ،‬حنو رؤية ماركسية للرتاث‪ ،‬دار الفكر اجلديد‪ /‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1022 ،‬‬
‫‪ -)12‬صاحل ملباركية‪ ،‬املسرح يف اجلزائر‪ -‬النشأة والرواد والنصوص حىت سنة ‪ -1022‬عرض‬
‫وتوثيق‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬عني مليلة‪ ،‬اجلزائر‪.2664 ،‬‬
‫‪ -)10‬صاحل ملباركية‬
‫‪ -)26‬عايدة أديب بامية‪ ،‬تطور األدب القصصي يف اجلزائر‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪.1022 ،‬‬
‫‪ -)21‬عبد اهلل الركيب‪ ،‬تطور النثر اجلزائري احلديث‪ ،‬املؤسسة العربية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1023‬م‪.‬‬
‫‪ -)22‬عبد احلميد بورايو‪ ،‬األدب اجلزائري‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬اجلزائر‪.2662 ،‬‬
‫‪ -)23‬عبد القادر جغلول‪ ،‬االستعمار والصراعات الثقافية يف اجلزائر‪ ،‬تر‪ :‬سليم قسطون‪ ،‬دار‬
‫احلداثة‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪.1021 ،‬‬
‫‪ -)21‬عبد القادر علولة‪ ،‬الظواهر األرسطية يف املسرح اجلزائري‪ ،‬تر‪ :‬مجال بن عرب‪ ،‬من مسرحيات‬
‫علولة‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية‪ ،‬اجلزائر‪،1002 ،‬‬
‫‪)-24‬عبد اهلل البوصريي‪ ،‬حول فاعلية املسرح العرب احلديث وامتداده اجلماهريي‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1021‬‬
‫‪ -)20‬عز الدين املناصرة‪ ،‬اهلويات والتعددية اللغوية‪ ،‬قراءات يف ضوء النقد الثقايف املقارن‪ ،‬دار‬
‫جمدالوي للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.،2661 ،1‬‬
‫‪ -)22‬علي الراعي‪ ،‬املسرح يف الوطن العرب‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫ط‪.1006 ،2‬‬

‫‪157‬‬
‫‪-)22‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬تاريخ اجلزائر الثقايف‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1002‬‬
‫‪ -)20‬حممد بلقاسم مخار‪ :‬األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬ج‪ ،2 :‬الديوان السادس‪ ،‬طبعة خاصة وزارة‬
‫اجملاهدين‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪-)36‬حممد الطاهر فضالء‪ ،‬املسرح تارخيا ونضاال‪ ،‬ط‪.2660 ،1‬‬
‫‪ -)31‬حممد عزيزة‪ ،‬نظرات يف املسرح العرب احلديث‪ ،‬تونس‪.1026 ،‬‬

‫‪ -)32‬خملوف بوكروح‪ ،‬التلقي واملشاهدة يف املسرح‪ ،‬مطبعة مؤسسة فنون وثقافة‪ ،‬اجلزائر‪2661 ،‬م‪،‬‬
‫‪ -)33‬خملوف بوكروح‪ ،‬املسرح واجلمهور‪ ،‬دراسة يف سوسيولوجية املسرح اجلزائري ومصادره‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪-)31‬حممد الكغاط‪ ،‬بنية التأليف املسرحي باملغرب من البداية إىل الثمانينات‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪1020 ،1‬م‪.‬‬
‫‪-)34‬حممد مصايف‪ ،‬دراسات يف النقد واألدب‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-)30‬النعمان بوقرة‪ ،‬املدارس اللسانية املعاصرة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪.2661 ،‬‬
‫‪ّ -)32‬ناد صليحة‪ ،‬التيارات املسرحية املعاصرة‪ ،‬هال للنشر والتوزيع ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.1000 ،‬‬
‫‪ -)32‬نعيمة مراد حممد‪ ،‬املسرح الشعري عند صالح عبد الصبور‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫مصر‪.1004 ،‬‬
‫ب‪ -‬المراجع باللّغة األجنبيّة‪:‬‬
‫‪1(-Ahmed Cheniki , Vérités du théâtre En Algérie, Edition Dar El Gharb, Oran‬‬
‫‪Algérie, 2006.‬‬
‫‪2)Artaud le théâtre et son double – in - oewres complètes – ed - ollimard,‬‬
‫‪N.R.F. Paris,1978 .‬‬
‫‪3) Anne Ubersfeld , lire le théâtre, Editions sociales ,paris, 1978.‬‬
‫‪4) Pavice Pavis, dictionnaire du théâtre, termes et concepts de l’analyse‬‬
‫‪théâtrale, éditions sociales.‬‬
‫‪5)- Moukhtar chaalal, Kateb Yacine L’homme libre, 2eme édition, casbah‬‬
‫‪édition, Revue et complétée Alger, 2005.‬‬

‫‪158‬‬
‫‪6)- Roland barthes, écrits sur le théâtre, texte réunis et présentés par : jean‬‬
‫‪lout revire éditions du seuil 2002.‬‬
‫ثالثا‪-‬الرسائل األكاديميّة‪:‬‬
‫‪ -)1‬أحسن تليالن‪ ،‬توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬إشراف‪ :‬حممد العيد تاورتة‪،‬‬
‫قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪2660،‬م‪2616 -‬م‪.‬‬
‫‪ -)2‬أمحد بن داود‪ ،‬دور املسرح اجلزائري يف املقاومة الثقافية لالستعمار الفرنسي ‪،1041-1020‬‬
‫مذكرة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ -:‬شيخ بوشيحي‪ ،‬قسم التاريخ وآلثار‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واحلضارة‬
‫اإلسالمية‪.2660-2662 ،‬‬
‫‪ -)3‬أمينة حسان‪ ،‬مصادر الكتابة يف مسرح كاتب ياسني‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬جازية فرقان‪،‬‬
‫قسم الفنون الدرامية‪ ،‬كلية اللغات والفنون‪ ،‬جامعة وهران ‪.2613/2612‬‬
‫‪ -)1‬برنامة سنية سامية‪ ،‬العالقة املسرحية ومجالية التلقي لدى اجلمهور املسرحي اجلزائري‪ ،‬مسرحية‬
‫"الشهداء يعودون هذا األسبوع" أمنوذجا‪ ،‬خمطوط رسالة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬جازية فرقان‪ ،‬قسم‬
‫الفنون الدرامية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬اللغات والفنون‪ ،‬جامعة وهران‪2662 ،‬م‪2660-‬م‪.‬‬
‫‪ -)4‬جبور أم اخلري‪ ،‬الرواية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية –دراسة سوسيونقدية‪-‬مذكرة دكتوراه‪،‬‬
‫إشراف‪ :‬عز الدين املخزومي‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كليو اآداب واللغات والفنون‪ ،‬جامعة وهران‪،‬‬
‫‪.2611-2616‬‬
‫‪ -)0‬خدجية جليلي‪ ،‬املتعاليات النصية يف املسرح اجلزائري‪ ،‬مسرحية "الشهداء يعودون هذا األسبوع"‬
‫أمنوذجا‪ ،‬خمطوط رسالة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬حممد خلضر زبادية‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كلية األدب‬
‫والعلوم اإلنسانية ‪ ،‬جامعة احلاج حممد خلضر‪-‬باتنة‪2660 -‬م‪2616-‬م‬
‫‪ -)2‬الرشيد بوشعري‪ ،‬أثر برتولد برخيث يف مسرح املشرق العرب ‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫واللغات‪ ،‬جامعة دمشق – سوريا‪.1023 ،‬‬
‫‪ -)2‬سامية بوعالق‪ ،‬فن األوبريت يف املسرح اجلزائري ‪ ،1002-1001‬دراسة يف موضوعاته وبنائه‬
‫الفين‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬عبد الرزاق بن السبع‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة احلاج خلضر‪ -‬باتنة‪.2616-2660 -‬‬

‫‪159‬‬
‫‪ -)2‬صورية غجايت‪ ،‬النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬خمطوط دكتوراه‪ ،‬إشراف‪ :‬عبد اهلل محادي‪ ،‬قسم اللغة‬
‫العربية وآداهبا‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة منتوري‪-‬قسنطينة‪2612 -‬م‪2613-‬م‪.‬‬
‫‪ -)0‬عبد الكرمي غريب‪ ،‬الفكاهة عند عبد القادر علولة بني اإلبداع واالقتباس –دراسة أربعة مناذج‪-‬‬
‫رسالة ماجستري‪ ،‬إشراف‪ :‬شعيب مقنونيف‪ ،‬قسم الثقافة الشعبية‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية والعلوم‬
‫االجتماعية‪ ،‬جامعة أب بكر بلقايد تلمسان‪.2612-2611 -‬‬
‫‪ -)16‬عبد اجمليد شكري‪ ،‬عناصر الرتكيب اجلمال يف العرض املسرحي املغرب – قراءة يف بعض‬
‫عروض مسرح اهلواة‪ -‬خمطوط دكتوراه‪ ،‬جامعة احلسن الثان‪ ،‬احملمدية‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫بنمسيك‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ 2662 ،‬م‪2663-‬م‪.‬‬
‫‪ -)11‬العيد مرياث‪ ،‬أدب املسرحية العربية يف اجلزائر‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬قسم اللغة‬
‫العربية وآداهبا‪ ،‬جامعة القاهرة‪.1022 ،‬‬
‫‪ -)12‬نادية موات‪ ،‬العالمة املسرحية بني النسق اللفظي والنشق البصري (االقتباس وفاعلية التحول)‬
‫الشهداء يعودون هذا األسبوع وعروضها أمنوذجا‪ ،‬مذكرة دكتوراه‪ ،‬قسم اللغة واألدب العرب‪ ،‬كلية‬
‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة باجي خمتار –عنابة‪،2612/2610 -‬‬
‫‪ -)13‬نصر الدين صبيان‪ ،‬اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر ‪ ،1026-1014‬رسالة ماجستري‪،‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬جامعة دمشق‪.1024-1021 ،‬‬
‫رابعا‪-‬المعاجم‪:‬‬
‫‪ -)1‬إبراهيم محادة ‪ ،‬معجم املصطلحات الدرامية واملسرحية‪ ،‬مكتبة األجنلو مصرية‪ ،‬ط‪.1001 ،3‬‬
‫‪ -)2‬أمحد بلخريي‪ ،‬معجم املصطلحات الدرامية واملسرحية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬ط‪( 2‬مزيدة) ‪2660.‬‬
‫‪-)3‬عبد املالك مرتاض‪ ،‬معجم الشعراء اجلزائريني يف القرن العشرين‪ ،‬دار هومه للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع –اجلزائر ‪.2662‬‬
‫‪ -)1‬الفريوزبادي‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬مجع‪ :‬اهلرويين‪ ،‬مكتبة النوري‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -)4‬ماري إلياس وحنان قصاب حسن‪ ،‬املعجم املسرحي –مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون‬
‫العرض‪(-‬عرب‪ -‬إجنليزي‪-‬فرنسي)‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2660 ،2‬‬
‫‪-)0‬حممد مرتضى الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ -)2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬تح‪ :‬عبد اهلل علي الكبري وآخرون‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫خامسا‪ -‬الدوريات والجرائد‪:‬‬

‫‪-)1‬أمحد مشس الدين احلجاجي‪ ،‬املسرحية الشعرية يف األدب العرب احلديث‪ ،‬كتاب اهلالل‪،‬‬
‫ع‪ ،432‬أكتوبر ‪.1004‬‬
‫‪ -)2‬إمساعيل براهيمي‪ ،‬الثورة يف مسرح كاتب ياسني‪ ،‬جملة النص ( جملة دورية أكادميية حمكمة‬
‫يصدرها خمرب النص املسرحي اجلزائري‪ -‬مجع ودراسة يف األبعاد الفكرية واجلمالية‪ -‬جامعة جيالل‬
‫ليابس‪ ،‬سيدي بلعباس‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬مكتبة الرشاد للطباعة والنشر‪ ،‬اجلزائر‪،‬ع‪ ،2‬أفريل ‪.2614‬‬
‫‪ -)3‬مجيلة جرار‪ :‬املسرح الثورة التحريرية‪ ،‬جملة األصل‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬نوفمرب ‪.1023‬‬
‫‪ -)1‬رجاء علولة‪ ،‬ذكرى اغتيال عبد القادر علولة ‪( :‬أن تكون فنانا فذلك العمر كله)‪ ،‬تر‪ :‬أمحد‬
‫عياد‪ ،‬جريدة اليوم‪ ،‬ع‪ ،34‬س‪ ،‬دار الصحافة‪ ،‬اجلزائر‪.1000-63-16 ،‬‬
‫‪ -)4‬سعد اهلل بن الشنب‪ ،‬املسرح العرب ملدينة اجلزائر‪ ،‬تر ‪ :‬عائشة مخار‪ ،‬جملة الثقافة‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪.1026‬‬
‫‪-)0‬الشريف عمران‪ ،‬حوار مع "مصطفى كاتب"‪ ،‬جملة اجليش‪ ،‬شهرية عسكرية سياسية ثقافية‬
‫تصدرها اإلدارة املركزية للمحافظة السياسية للجيش الوطين الشعب)‪ ،‬ع‪ ،232‬س‪ ،26‬جانفي‬
‫‪.1021‬‬
‫‪ -)2‬عبد القادر بن حممد "صوت األحرار"‪ ،‬جملة الثقافة‪ ،‬وزارة الثقافة و السياحة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد‪:‬‬
‫‪ 06‬السنة اخلامسة عشرة‪ ،‬نوفمرب‪ /‬ديسمرب ‪.1024‬‬
‫‪ -)2‬أبو القاسم سعد اهلل ‪ ،‬الشرق والغرب يف ثقافة اجلزائر احلديثة‪ ،‬جملة الثقافة (دورية ثقافية إبداعية‬
‫تصدر عن دار الثقافة)‪ ،‬ع‪ ،0‬اجلزائر‪.2662 ،‬‬
‫‪ -)0‬العيد مرياث‪ ،‬األصول التارخيية لنشأة املسرح اجلزائري‪ ،‬دراسة يف األشكال الرتاثية‪ ،‬جملة‬
‫إنسانيات‪ ،‬ع‪ ،12‬ديسمرب ‪.2666‬‬
‫‪-)16‬مباركة مسعودي‪ ،‬املسرح اجلزائري التأسيس والريادة‪ ،‬جملة البدر‪ ،‬مج ‪ ،60‬ع‪ ،12‬سنة‬
‫‪.2612‬‬
‫‪ -)11‬حممد حتريشي‪( ،‬النقد املسرحي يف اجلزائر‪ ،‬سؤال يف املكون) جملة عمان‪ ،‬أمانة عمان الكربى‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ع‪ ،132‬تشرين الثان‪2660 ،‬م‬

‫‪161‬‬
‫‪-)12‬حممد حمبوب اسطنبول‪ ،‬أضواء على تاريخ املسرح يف اجلزائر‪ ،‬جملة آمال‪ ،‬السنة الثامنة‪ ،‬ع‪،34‬‬
‫سبتمرب‪/‬أكتوبر ‪1020‬‬
‫‪ -)13‬نصر الدين صبيان‪ ،‬ظهور احلركة املسرحية يف اجلزائر بني التأثري األجنب الفرنسي و التأثري‬
‫العرب الشرقي"‪ ،‬جملة الكاتب العرب‪ ،‬العدد‪ ،13 :‬سوريا‪.1024 ،‬‬
‫‪ -)14‬نعيم عتاب‪ ،‬مسرح الدمى واستخداماته‪ ،‬جريدة شرفات‪،‬ع ‪ ،12‬منشورات وزارة الثقافة –‬
‫دمشق‪ -‬سوريا‪ ،‬مارس ‪.2660‬‬

‫‪162‬‬

You might also like