Professional Documents
Culture Documents
1
المقدمة
المقد
2
على الرغم من أن الفن املسرحي اجلزائري جمال خصب يغري بالتأمل والدراسة إال أنه عاىن
كثريا من التهميش ،سواء يف احلياة االجتماعية – حيث تغيب ثقافة الفرجة من برامج األسر اجلزائرية
الثقافية – أو يف احلياة العلمية اليت تسقط مؤسساهتا ،عن وعي أو عن غري وعي ،االهتمام
باألعمال املسرحية (بداية باملرحلة االبتدائية وانتهاء باجلامعية) ؛ فال تدرجها ضمن العملية التعليمية،
إال فيما ندر ،وهو ما جعل املسرح مؤسسة معزولة ،وشكلية ال دور هلا يف جمتمع ال يعرتف بأمهيتها
الفنية والرتبوية اليت ال تقل شأنا عن باقي املؤسسات الثقافية والعلمية األخرى.
وإميانا بدور املسرحية يف بناء الفرد الواعي والقادر على التغيري ،وحرصا على مد جسور التواصل
بني مؤسستني على قدر كبري من األمهية يف اجملتمع اجلزائري مها املؤسسة اجلامعية ،ونظريهتا املسرحية،
واستجابة لطموح علمي يسعى إىل سد فراغ معريف مرده نقص النتاج العلمي يف هذا اجملال جاءت
السنة
هذه املطبوعة البيداغوجية املوسومة بـ ـ ـ ـ" :محاضرات في المسرحيّة الجزائريّة" املقدمة لطلبة ّ
تخصص :أدب جزائري" للموسم اجلامعي ،7102/7102لتحقق أهدافا علمية
األولى ماسترّ ،
كثرية منها:
-تعريف الطلبة باملسرحية اجلزائرية ،نشأهتا وأعالمها ،وأهم مواضيعها وقضاياها ،وأبرز اّتاهاهتا،
ولفت نظرهم إىل نصوص أو عروض حملية فرضت نفسها على املستوى العرب والعاملي ،على
الرغم من أّنا مقصية من الساحة األكادميية اجلزائرية.
-تعميق معارف الطلبة حول كيفية التعامل مع املسرحية اجلزائرية تعامال علميا يضع بعني االعتبار
خصوصيتها ذات الطبيعة املزدوجة اليت وإن استثمرت املنجز اللسان ،فإّنا تتجاوزه إىل منجزات
مسعية وبصرية ومشية...أخرى.
-ربط املؤسسة اجلامعية مبؤسسة أخرى ال تقل أمهية عنها هي مؤسسة املسرح الشرتاكهما يف
الدور الرتبوي والتعليمي نفسه.
3
مفردات المقياس:
المحاضرة األولى :في الجهاز المفاهيمي( :يف مفهوم املسرح ،مكونات املسرح ،ثنائية
النص/العرض)
-1االّتاه الشعب.
-2االّتاه اإلصالحي.
-1إشكالية اللغة.
-2إشكالية التأليف.
4
ج -إشكالية الرتمجة.
شعريّة الجزائريّة:
المحاضرة الثانية عشر :المسرحيّة ال ّ
-1أعالمها.
-2موضوعاهتا.
-1أثر "برخيث" يف املسرحية اجلزائرية :ثالثية عبد القادر علولة ( األجواد – األقوال – اللثام)
أمنوذجا
5
المحاضرة األولى
6
تمهيد :يستدعي احلديث عن املسرحية اجلزائريةمواضيعها ،اّتاهاهتا وخصائصها احلديث عن مجلة من
املصطلحات واملفاهيم املنتمية للحقل املسرحي ،اليت قد جيهل الطالب حديث العهد هبذا اجملال
معانيها ،أو قد يستعمل الشائع منها على خطئه ،وعليه ارتأينا التطرق ،بادئ ذي بدء ،إىل مفهوم
املسرحية ،مكوناهتا ،وثنائية النص والعرض.
-0مفهوم المسرحيّة :نعتمد يف حتديد مفهوم املسرحية على منهلني أحدمها لغوي واآلخر
اصطالحي.
غوي:
-0أ – الح ّد اللّ ّ
درج الدارسون على استعمال لفظة "مسرح" للداللة على نتاج فين ذو طبيعة مزدوجة ّتمع بني
اللسان وغري اللسان ،يقوم على األداء ويشرتط حضور أطراف ثالثة بالضرورة هم :النص– اخلشبة
– اجلمهور،غري أن رد اللفظة إىل معانيها املعجمية املستمدة من القرآن الكرمي ،واملعاجم اللغوية يبني
داللة مادية تتناىف والداللة املتعارف عليها.
فقد وردت هذه اللفظة يف القرآن الكرمي يف موضعني خمتلفني؛ األول يف سياق احلديث عن نعم الله
على اإلنسان يف األرض يقول جل وعلى﴿ :ولكم فيها جمال حين تريحون وحين
تسرحون﴾()1أي خترجوّنا إىل املرعى بالغداة ،والثان يف معرض احلديث عن الطالق يقول عز وجل:
حكن سراحا جميال﴾()2أي أطلقكن طالقا عن رضا وقناعة .واملالحظ أن
وأسر ّ
عكن ّ
﴿فتعالين أمتّ ّ
توظيف اللفظة يف املوضعني قد اقرتن باملعان اإلجيابية كالراحة ،واحلرية ،واإلطالق من كل قيد ،وهي
املعان نفسها اليت يناشدها الفعل التمثيلي عرب كافة العصور حني جيمع بني املتعة والفائدة والقدرة
على التغيري.
7
وإذا رجعنا إىل املعاجم اللغوية العربية وجدناها ترسخ الداللة املادية للفظة "مسرح" حني ّتعلها اسم
مكان؛ فقد ورد يف لسان العرب ،مثال« ،املسرح بفتح امليم مرعى السرح ،ومجعه املسارح ...وهو
املوضع الذي تسرح إليه املاشية بالغداة للرعي»()1ومثله القاموس احمليط الذي ورد فيه ما نصه:
«املسرح بالفتح املرعى»( )2أمامعجم "تاج العروس"فردها إىل اسم الفاعل يقول « :املسرح لفظة
مأخوذة من السارح ،الذي هو اسم للراعي الذي يسرح اإلبل .)3(»...وال تتناىف هذه الداللة ،عند
بعض الدارسني ،حىت بالنظرإىل األصل اإلغريقي الذي تنحدر منه اللفظة ،والذي يعود إىل كلمة
"ثياثرو"ومعناها « :مكان الرؤية أو املشاهدة ،وصارت تدل فيما بعد على شكل العمارة»( .)4وعليه
فاصطالح "مسرح" ال يتطابق ومفهوم هذا الفن باعتباره نتاجا أدائيا إال جمازا ،واألصح تبين
مصطلحاتأخرىأقرب إىل الصواب على النحو اآليت:
داللته المصطلح
شكل من أشكال الكتابة يقوم على احلوار ،ويكتب هبدف التمثيل. النص املسرحي
النص املكتوب قبل أن ميثل. النص الدرامي
حقيقة فيزيقية ،موضوع مادي يقبل التلقي بشكل حي ومباشر ،إنه موضوع العرض املسرحي
()5
ملموس وامربيقي ،حمدد زمانيا ومكانيا ،وهو وقيت وزائل
ظاهرة شعبية تقوم على توافر عناصر مهمة هي :املرسل والعرض واجلهور، الفرجة املسرحية
و«يعترب فرجويا كل ما يعرض للمشاهدة([ )...والفرجة هي]النوع الشامل
()6
لكل األصناف اليت مبوجبها يكون العامل مرئيا»
-)1ابن منظور ،لسان العرب ،تح :عبد اهلل علي الكبري وآخرون ،دار املعارف ،مصر ،مج.122/2
-)2الفريوزبادي ،القاموس احمليط ،مجع :اهلرويين ،مكتبة النوري ،دمشق ،سوريا( ،د.ط)( ،د.ت) ،ج.222/2
-)3حممد مرتضى الزبيدي ،تاج العروس ،دار صادر ،بريوت ،لبنان( ،د.ط)( ،د.ت) ،ج.102/2
-)4ماري إلياس وحنان قصاب حسن ،املعجم املسرحي –مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون العرض(-عرب -إجنليزي-
فرنسي) ،مكتبة لبنان ناشرون ،لبنان ،ط ،2002 ،2ص.424
-)5باسم األعسم ،الثابت واملتحول يف اخلطاب املسرحي ،متوز طباعة – نشر – توزيع ،دمشق – سوريا ،ط2611 ،1م،
ص( 113بتصرف).
-)6أمحد بلخريي ،معجم املصطلحات املسرحية ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،ط( 2مزيدة)،2660 ،
ص.121
8
ومن املفاهيم اخلاطئة ،أيضا ،يف هذا اجملال اعتبار املسرحية نوعا أدبيا ،حيث اعتاد طلبتنا على
االعتقاد بأن األدب يتوزع على جنسني مها :الشعر والنثر ،وينقسم النثر ،بدوره ،إىل أنواع هي:
القصة واألقصوصة والرواية واملسرحية واخلطب والرسائل وغريها ،وهو اعتقاد جمحف ألنه يطال نوعا
مسرحيا واحدا هو النص املسرحي الذهين الذي يكتب ليقرأ ال ليمثل ،يف حني تقوم املسرحية بشكل
عام على عنصر األداء ،وتستدعي مفهوم الفرجة ضرورة.
االصطالحي:
ّ -0ب -الح ّد
نظرا لطبيعة املسرحية املزدوجة اليت ّتمع نسقني خيتلفان من حيث الطبيعة واملكونات مها "النص
والعرض" أقر العديد من الدارسني صعوبة وضع تعريف اصطالحي للمسرحية ،فتباينت اآلراء بني من
عرف املسرحية انطالقا من النص املكتوب فقط ،وبني من عرفها انطالقا من العرض ،واختلفت
سياقات استخدام هذا املصطلح فتارة يعين «وصف شكل من أشكال الكتابة يقوم على عرض
املتخيل عرب الكلمة»()1وهو تعريف يقتصر ،يف اعتقادي ،على وصف النص املسرحي فقط ،وتارة
يقصد منه«جممل األعمال اليت تنتمي إىل عصر معني أو مدرسة حمددة ،فيقال املسرح الكالسيكي،
واملسرح الشعب»( )2وهو تعريف عام ال يقف عند اخلصائص النصية أو التقنيات اإلخراجية التني
ميكن اعتبارمها لب املسرحية وجوهرها.
ومما ّتدر اإلشارة إليه هو أن مدلول هذا املصطلح اختلف من عصر إىل آخر حسب نظرة النقاد إىل
النص والعرض «ففي احلضارة اليونانية اعترب فنا من فنون الشعر ،وعند الرومان هو نص مكتوب
يؤديه ممثلون ،وأطلقت كلمة اللعبة أو التمثيلية ( )Jeuعلى مسرحية القرون الوسطى وهو االستعمال
الرائج يف إجنلرتا ،أما يف عصر النهضة فصارت املسرحية تسمى حسب النوع :تراجيديا،
9
كوميديا...واعتبارا من ق 12استخدمت كلمة دراما للداللة على النص مقابل العرض ،أما كلمة
()1
مسرح فصارت تستخدم مبعىن مشول للداللة على املسرح كنوع وكعرض وكمكان»
-2مك ّونات المسرحيّة :تعد املسرحية تركيبة معقدة تتضافر ،يف تكوينها ،مجلة من العناصر أو
األنساق وميكن تقسيمها إىل قسمني مها :األنساق النصية ،واألنساق التقنية (الفنية).
10
وبصرية ومشية ،وتشكل املكونات الفنية بنية العرض الكربى الذي يتكون ،هو اآلخر ،من «جمموعة
نصوص صغرى هي :نص املمثل( :كالما منطوقا ،وأداء ،وحركة ،وإمياءة ،ولباسا ،وإكسسوارا) ونص
الديكور ونص املوسيقى ،ونص اإلضاءة ،وكلها "أجرومات" تشكل أنظمة سيميائية دالة ،تستقل
بطبيعتها ومساهتا ،ومنتجيها ،وتتحد يف وظائفها وسياقاهتا العامة ،لتسبح يف فلك واحد هو العرض
()1
املسرحي».
النص والعرض:
-3ثنائيّة ّ
يتميز املسرح دون غريه من الفنون بطبيعته املزدوجة ،فهو من جهة فن قول ،يعتمد الكلمة سبيال
لتحقيق وجوده ،وهو من جهة ثانية فن الفعل مادام يتطلب حركة ،وأداء واقعيني.
ولعل هذه االزدواجية هي اليت جعلته يتأرجح بني نسقني على قدر من اخلصوصية والتعقيد مها:
النسق النصي والنسق الفرجوي ،الذين خيتلفان من حيث شروط إنتاجهما وتلقيهما ما جعل جداال
كبريا يثور بشأّنما بني النقاد والدارسني ،وانتهى هذا اجلدال إىل طرح مجلة من اإلشكاالت نصوغها
كالتال:
)1هل العرض املسرحي رجع لصدى النص؟ وما طبيعة العالقة بينهما؟
)2هل ميكن لسيميائيات املسرح أن تدرس اخلطاب املسرحي يف كليته (نصا وعرضا) مع ما هبما
من اختالف .
وكان أرسطو أول من خاض مسألة استقراء نصوص أرباب املسرح اليونان"اسخلوس""سوفركليس"
و"يوريدس " وانتهت ّتربته النقدية إىل مفاضلة خارجية بني املسرح وامللحمة ،وأخرى داخلية بني
النص والفرجة (العرض) يقول يف هذا الشأن «:أما املنظر املسرحي فعلى الرغم من قدرته على إغراء
-)1نادية موات ،العالمة املسرحية بني النسق اللفظي والنشق البصري (االقتباس وفاعلية التحول) الشهداء يعودون هذا األسبوع
وعروضها أمنوذجا ،مذكرة دكتوراه (خمطوط) ،إشراف :الطاهر رواينية ،قسم اللغة واألدب العرب ،كلية العلوم اإلنسانية
واالجتماعية ،جامعة باجي خمتار –عنابة ،2612/2610 -ص.22
11
اجلمهور ،فهو أبعد األشياء عن الفنون ،وأقلها اختصاصا بصناعة الشعر ألن قوة املأساة تظل حىت
من غري مشاهدة ومن غري ممثلني)1(»....وهبذا يكون النص الدرامي عنصرا قائما بذاته يف الشعرية
األرسطية ،وما التمثيل واملشاهدة ،الذين يتعلقان أكثر ما يتعلقان بالعرض ،إال شيئيني عرضيني
ميكن االستغناء عنهما دون أن تتأثر قيمة املأساة (املسرحية ككل).
شعر" هذه الرؤية يف تاريخ النقد املسرحي حىت صارت من فن ال ّ
وقد رسخت كتب شروح " ّ
البديهيات ،وكانت أوىل نتائجها تقديس النص ،ومنح األولوية والسلطة املطلقة لكاتبه ،وكان من
نتائجها ،أيضا ،أن أحلحق النص املسرحي مبلكية األدب كيف ال؟ وهو لب فكر صاحبه ،الذي ال
مكان فيه لالرّتال أو االبتذال ،مث إن تلقيه يتم قراءة ،وال خيفي ما للقراءة من دور يف التأمل وإعمال
الفكر ،عكس املشاهدة اليت تعتمد اإلدراك احلسي ،وشتان بني اإلدراك احلسي و اإلدراك التجريدي
(حسب املنتصرين هلذا املوقف) .
وبناء على هذا ،كان العرض رجع صدى النص ،وعلى املخرج أن يلتزم تبعا لذلك بكل معطيات
الكاتب وال حييد عنه بكلمة(*) وهو األمر الذي جعل فريقا آخر يثور ضد هذا الوالء الصارم للنص،
وقد قاد هذا الفريق جمموعة من املخرجني()2الذين متلملوا من تدخل الكتاب يف توجيه اإلخراج ،فرأوا
أن املسرح حني ال يعدو أن يكون نصا أدبيا يفقد خصوصيته فيصبح مثيال للقصيدة أو الرواية أو
غريها من الفنون اليت تعتمد على الكلمة ،يف حني تكمن مزية العرض حسب هؤالء يف كونه ينزل
النص املسرحي من سرابيته األدبية ليتجسد واقعيا ،ومينحه احلياة مع كل عرض ،وقد بالغ هؤالء يف
موقفهم لدرجة أن نادوا مبسرح دون نص.
-)1أرسطو ،فن الشعر ،تر :عبد الرمحن بدوي ،دار الثقافة ،بريوت -لبنان ،ص .22
-)2أبرز من تعاطي في هذه القضية كان المخرج A. Artaud:كتابه le théâtre et son double – in - oewres :
. complètes – ed - ollimard, N.R.F. Paris,1978.
12
واحلق أن هذه اخلصومة (بني الكتاب واملخرجني ) كانت خصومة ملكية وفرض سلطة أكثر منها
خصومة فنية ،ذلك أن نظرة موضوعية إىل هذه اإلشكالية تقتضي اعتبار النص والعرض وجهني لعملة
واحدة يف تكاملها تكمن كلية العمل املسرحي ووحدته ويف انفصاهلما تفكك هلذه الكلية وتشتت
هلا،فحىت وإن أشبع النص املسرحي مجاليا،فإن ميزته األساسية تكمن أوال وأخريا يف كونه«نصا
مثقوبا»(un texte troue )1على حد تعبري «آن أوبرسفيلد» حيث يتضمن إىل جانب العالمات
اللفظية إرشادات تشري إىل عالمات غري لفظية تتناغم مع األوىل يف عالقة تكاملية خالل العرض.
1
(-Anne Ubersfeld , lire le théâtre, Editions sociales ,paris, 1978, p 17.
13
المحاضرة الثّانية
14
تمهيد :تضاربت آراء النقاد والدارسني حول نشأة الفن املسرحي يف اجلزائر وتأرجحت بني موقفني:
أحدمها يرى أن هذا الفن حديث نسبيا يعود ميالده إىل الربع األول من القرن العشرين ،يف حني يرده
اآلخر إىل أقدم من ذلك بكثري ،وعليه كان البد من الوقوف على األصول التارخيية لنشأة املسرحية
اجلزائرية ،مسلطني الضوء على مجلة العوامل اليت ساعدت على ظهور هذا الفن يف بالدنا .
-0األصول التّاريخيّة للمسرحيّة الجزائريّة :جيمع العديد من النقاد أن اجلزائر ،خباصة والبلدان
العربية بعامة ،مل تعرف الفن املسرحي مبفهومه احلديث إال يف الربع األول من القرن العشرين( )1غري أن
لفيفا من النقاد سعى إىل تأكيد تغلغل هذا الفن يف اجلزائر مستدلني على ذلك بأدلة كثرية نذكر
منها:
أ -وجود هياكل عمرانية تعود إىل العهد الرومان حيث «كانت سياسة الرومان يف كل البالد اليت
حيتلوّنا ملا عرف عنهم من حب للمسرح وميل للتسلية والرتفيه واللهو ،ولذلك سرعان ما يبادرون
ببناء هياكل لذلك)2(»...وتتوزع على مدن كثرية حيددها "صالحلمباركيّة" ب ـ ـ ـ شرشال -قاملة -مجيلة
– أمداوروش – تيمقاد -مخيسة وغريها ،وقد كان هلذه اهلياكل دور كبري يف تعريف اجلزائريني هبذا
الفن.
ب – وجود أشكال فرجوية شعبية قدمية حيث «تتميز اجلزائر مبظاهر فرجة شعبية متميزة سواء على
مستوى ممارسات الطقوس الدينية ،أو االجتماعية يف األعراس واملناسبات املختلفة ،وتشمل أنواعا
متعددة من الرقص الفلكلوري ،واأللعاب الشعبية ،وختتلف هذه العناصر يف امتدادها يف الشمال
اإلفريقي ،كما ختتلف يف اجلماعات العربية عن نظريهتا األمازيغية...كما عرفت اجلزائر فنون الفرجة
-)1العيد مرياث ،األصول التارخيية لنشأة املسرح اجلزائري ،دراسة يف األشكال الرتاثية ،جملة إنسانيات ،ع ،12ديسمرب ،2666
مج ،3ص.60
-)2صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر -النشأة والرواد والنصوص حىت سنة -1022عرض وتوثيق ،دار اهلدى ،عني مليلة،
اجلزائر ،2664 ،ص.11
15
الشعبية األخرى اليت شاعت يف خمتلف البلدان العربية مثل القارقوز وخيال الظل»( )1واملداح والقوال
وغريها من األشكال الرتاثية اليت تتوفر على عنصر الفرجة ،واليت انتشرت يف ظل احلكم العثمان
واستطاعت أن تؤسس لنفسها موقعا مهما ضمن أشكال الثقافة الشعبية األخرى.
ويعد فن القاراقوز أقدم هذه األشكال الرتاثية وأكثرها تأثريا يف العامة وليس خيال الظل إال امتداد له،
كما يذهب إىل ذلك بعض الباحثني()2غري أنه مل يكن جملرد املتعة والتسلية بل كان له دور كبري يف
نقد الواقع االجتماعي والسياسي بأسلوب ساخر ،وبطريقة إحيائية تقول "نعيم عتاب" يف هذا« :كان
خيااللظل الكراكوزي مسرحا انتقاديا اجتماعيا سياسيا معاصرا بكل معىن الكلمة ،وكان له تأثري
كبريعلى نفوس العامة ،فقد كان يستمد موضوعاته من األوضاع احمللية ،ومواكبة األحداث اليومية
املعيشة ،مما جعله متنفسا للتعبري عن كره الناس للظلم ومعارضة النظام)3(».وهلذا اكتسب شهرة
واسعة وأمهية قصوى يف البالد العربية بعامة ويف اجلزائر خباصة إبان الفرتة العثمانية.
وال خيتلف شكل املداح أو القوال ،يف توفره على عناصر الفرجة اليت ّتعل منه شكال تراثيا متهيديا
للفن املسرحي يف بالدنا ،عن فن القراقوز؛ فللمداح مواصفات جسدية وأدائية تقرتب كثريا من
مواصفات املمثل املسرحي؛ إذ ينبغي له أن يتكيف مع طبيعة احلكاية ،وأن يكون حفاظا للقرآن
واألشعار ،قادرا على احلركة والغناء والرقص أحيانا ،متمكنا من نفس متلقيه ،عارفا مبستحباته
ومنفراته ،بارعا يف التشخيص واإلمياء وغريها من الصفاتاليت ّتعله يراهن على «إمكانات خياله
اإلبداعية ،وقدراته على األداء الدرامي ،فيتقمص شخوص القصة ،ليخلق مشاهددرامية منسجمة
16
مستخدما احلركة ،واحلوار ،باإلضافة إىل كونه راوية ،ومعلقا على أحداث القصة ،معتمدا يف ذلكعلى
()1
السرد الذي يتضمن حتما التشخيص».
ومن شروط املداح أو القوال احللقة اليت تعد شكال فرجويا بامتياز ،بلهي «أقدم الفنون األدائية يف
مناطق املغرب العرب الكبري ،إذ تعترب فرجة شعبية شاملة للتمثيل ،رقص ،غناء ،مواعظ وحكم
يتوسطها ما يعرف باحلكوايت أو الراوي أو القوال أو املداح وسط مجع غفري من الناس على شكل
دائرة ،إذ يقوم املداح أو احلاليقي حبركات جسدية تتسم باخلفة واحلركة والتنقل السريع»()2وقد كانت
احللقة منتشرة يف أسواق اجلزائر األسبوعية منذ زمن بعيد ،ولذلك اعتربها العديد من النقاد البدايات
األوىل للفن املسرحي يف بالدنا ،وعدها "عبدالقادر علولة" إحدى وسائل تأصيل املسرحية اجلزائرية.
ولعل العنصر القار الذي جيمع بني هذه األشكال ومثيالهتا يف الثقافة الشعبية اجلزائرية هو الفرجة،
غري أّنا فرجة فطرية تلقائية ذات صبغة شعبية أو اجتماعية يف الغالب ،بينما تتميز الفرجة املسرحية
عنها بكوّنا فرجة اصطناعية واعية ومقصودة ،وذات صبغة فنية هتدف إىل االمتاع والرتفيه إىل جانب
التعليم والتوجيه.
وإذا كانت هذه األشكال يف اجلزائر وغريها من البلدان العربية جمرد ممارسات شعبية تقرتب من
املمارسة املسرحية إىل حد ما ،فإن أول حماولة جادة ميكن االعتداد هبا يف التأريخ للكتابة املسرحية يف
بالدنا تعود إىل سنة 1212م،وترتبط مبيالد أول نص مسرحي مكتوب باللغة العربية وهو "نزهة
وغصة العشاق في الترياق في العراق" ل ـ ـ ـ"إبراهيم دانينوس" « وهيمسرحية غراميةاختذت
المشتاق ّ
من العشق موضوعا هلا ،وقد اعتمد الكاتب فيها على أسلوب املوشحات ،ولغتها ترتاوح بني
الفصحى والعامية ،وجاءت األشعار على أمناط ونسق أشعار ألف ليلة وليلة)3( »...وعلى الرغم من
-)1نصر الدين صبيان ،اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر ،1026-1014خمطوط رسالة ماجستري ،كلية اآلداب ،قسم اللغة
العربية وآداهبا ،جامعة دمشق ،1024-1021 ،ص.11
-)2حسن البحراوي :املسرح املغرب ،حبث األصول السوسيو ثقافية ،املركز الثقايف العرب ،ط 1001،1ص10و.12
-)3صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر ،ص.22-20
17
بساطة قصة هذا النص ،ووضوح فكرته ،وسهولة لغته ،إال أنه عد مسرحية «رائدة يف باب
املسرحيات العربية ،ومل تؤلف قبلها سوى البخيل ملارون النقاش ،ورمبا تكون (نزهة املشتاق) سابقة
للبخيل»(.)1
نستنتج مما سبق أن هناك ممارسات شعبية فرجوية قدمية مهدت مليالد الفن املسرحي يف اجلزائر كفن
القارقوز ،وخيال الظل ،واملداح والقوال ،واحللقة وغريها ،وقد توجت هذه اإلرهاصات مبيالد أول نص
مسرحي مكتوب باللغة العربية سنة 1212وهو ما جيعل هذا الفن متأصل يف ثقافتنا منذ القدمي،
غري أن ظهوره مبفهومه األورب يعود إىل العشرينيات من القرن 10م وهو ما جييز لنا أن نتساءل عن
مجلة العوامل اليت ساعدت على ظهوره يف تلك الفرتة حتديدا.
المسرحي في الجزائر:
ّ الفن
-2عوامل ظهور ّ
يستدعي احلديث عن نشأة املسرحية اجلزائرية احلديث عن احلراك الثقايف ،والظروف التارخيية اليت
غدت ظهور هذا الفن ،مبفهومه األورب ،يف اجلزائر واليت ميكن أن جنملها يف ما يأيت:
أ-ظهور العديد من اجلمعيات والنوادي اليت «لعبت دورا هاما يف ظهور النشاط املسرحي باجلزائر إذ
أّنا ستوظف املسرح خلدمة القضية الوطنية وطرح انشغاالت ومهوم الشعب اجلزائري» 2وعلى رأسها
مجعية املطربية للموسيقى ،ومجعية اآلداب والتمثيل ...وغريها.
ب -دور مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني( )1031يف حتفيز أعضائها على االهتمام بالكتابة
املسرحية ،وبت الوعي فيهم بأمهية املسرح حلفظ املقومات الوطنية ،وغرسها يف النشء.
ج -زيارة الفرق املسرحية للجزائر وتقدمي نشاط مسرحي هدفه تعريف الشعب اجلزائري هبذا الفن
ومن هذه الفرق :الفرقة املسرحية التونسية ،وفرقة التمثيل املصري جلورج األبيض سنة ،1021وفرقة
-)1أبو القاسم سعد اهلل ،تاريخ اجلزائر الثقايف ،دار الغرب اإلسالمي ،بريوت -لبنان ،ط ،1002 ،1ج ،2ص.122
-)2أمحد بن داود ،دور املسرح اجلزائري يف املقاومة الثقافية لالستعمار الفرنسي ،1041-1020مذكرة ماجستري ،إشراف:
شيخ بوشيحي ،قسم التاريخ وآلثار ،كلية العلوم اإلنسانية واحلضارة اإلسالمية ،2660-2662 ،ص.13
18
عز الدين املصرية سنة ،1022والفرقة املصرية للتمثيل واملوسيقى بقيادة الفنان يوسف وهب ومرافقة
()1
كل من :زكي طليمات ،عباس فارس ،أمحد عالم ،أمينة رزق...
د-بروز شخصيات ثقافية كان هلا عظيم األثر كشخصية األمري خالد يف اجلزائر ،الذي أدرك «حبكم
تكوينه اإلسالمي واطالعه الواسع على الثقافة الفرنسية )...( ،أمهية فن املسرح يف توعية األمة،
فطلب من املمثل املصري جورج األبيض حني التقى به يف باريس سنة 1016م أن يبعث له ببعض
املسرحيات لتمثيلها يف اجلزائر ،وعندما عاد جورج إىل القاهرة أرسل لألمري خالد عدة نصوص
مسرحية سنة 1011م ،منها "ماكبث" لشكسبريتعريب حممد عـ ـ ــفت املصـ ــري ،واملروءة والوف ـ ــاء"
خلليـ ــل اليازجي ،و" شهي ـ ــد بي ـ ـ ــروت" للشاع ـ ــر حافـ ــظ ابراهيـ ـ ـ ــم ،وأسس يف السنة نفسها ثالث
مجعيات فنية يف العاصمة والبليدة واملدية»()2وظل يناضل من أجل ّنضة البالد ثقافيا ،مسخرا ما
أتيح له من وسائل مادية وبشرية ألجل ذلك.
ه -التأثر بالفن املسرحي الفرنسي :فقد سعت السياسة الفرنسية إىل غرس ثقافتها يف أوساط اجملتمع
اجلزائري ،وعملت على رعاية مستوطنيها واحتوائهم ،ليس فقط على املستوى السياسيأو االجتماعي
أو االقتصادي ،وإمنا أيضا على املستوى الفكري والثقايف ،فجلبت ثقافة باريس معها ،وبرجمت عروضا
مسرحية وأوبريية كثرية كان هلا عظيم األثر يف نفوس بعض اجلزائريني الذين اطلعوا عليها حبكم صلتهم
بالفرنسيني يقول "ساللي علي" يف هذا«:إننا مدينون للمسرح الفرنسي بالكثري ،وقد استفدنا من
تقنياته خللق مسرح وطين جزائري بكل معىن الكلمة»()3وعلى الرغم من أن هذا التأثري مل يكن شعبيا
حبكم تفشي الفقر واجلهل واحلرمان ،والعزوف عن تقبل ثقافة املستعمر وكل ما ميت حلضارته بصلة،
-)1حممد الطاهر فضالء ،املسرح تارخيا ونضاال ،ط ،2660 ،1ج ،2ص.12
-)2حممد حمبوب اسطنبول ،أضواء على تاريخ املسرح يف اجلزائر ،جملة آمال ،السنة الثامنة ،ع ،34سبتمرب/أكتوبر ،1020
ص.00-02
-)3سالل علي ،شروق املسرح اجلزائري ،تر :أمحد منور ،منشورات التبيني اجلاحظية ،اجلزائر ،2661 ،ص.22
19
إال أن "سالل علي" وغريه من رجال الفن املسرحي يف اجلزائر متكنوا من تقريب هذا الفن من
اجلماهري العريضة عن طريق تقدمي عروض قصرية تالئم طبيعة اجملتمع اجلزائري ،وتستجيب لذائقته.
و-دور املدارس العربية اليت انتشرت بعد احلرب العاملية الثانية يف تفعيل احلركة املسرحية يف اجلزائر،
حيث رأى القائمون عليها أن املسرحية حقل خصب لتمرير نشاطها الرتبوي واالصالحي ،والوطين،
فانتهزوا الفرص لتقدمي عروض مسرحية مناسباتية تزامنت مع األعياد الدينية أو حفالت ّناية السنة،
وكان موضوعها ،يف الغالب ،مستمد من التاريخ اإلسالمي ،أو اجلزائري القدمي ،وتسعى إىل تسليط
الضوء على شخصيات فاعلة يف احلياة الدينية ،أو السياسية ،أو األدبية ،بغية تربية النشء ،وترسيخ
مقومات اهلوية الوطنية فيهم ،وإحياء الرتاث.
خنلص مما سبق إىل أن هذه العوامل جمتمعة قد أدت إىل ظهور الفن املسرحي يف بالدنا ،غري أن تطوره
وانتشاره سيكون مسارا نضاليا يستدعي تكاتف اجلهود ،ويتطلب مراحل عديدة يكون بعضها مشرق
منتعش ،وبعضها اآلخر راكد متأزم.
20
المـ ـ ـ ـح ـ ــاضـ ــرة الثّـ ــال ـ ـث ــة:
مـ ـ ـ ـ ـراحـ ـ ــل ت ـ ـ ـ ـطـ ـ ّـور الـ ــمسـ ـ ــرحـ ـ ــيّـ ــة الـ ـج ـ ـزائ ـ ـريّـ ــة:
21
تمهيد:مر الفن املسرحي يف اجلزائر ،منذ نشوئه إىل أن استوى فنا قائما بذاته ،مبراحل عديدة جنملها
يف ما يأيت:
الجزائري قبل الثّورة التّحريريّة :تعد الفرتة السابقة للثورة التحريرية فرتة
ّ -المرحلة األولى :المسرح
ركود سياسي واقتصادي واجتماعي يف اجلزائر ،حيث عاىن الشعب اجلزائري جراء السياسة
االستعمارية القاهرة ويالت الفقر واحلرمان ،غري أن هذه األوضاع سرعان ما تنبلج عن حراك فكري
وثقايف فعل النشاط املسرحي يف بالدنا بداية من العشرينيات من القرن 10م ،وميكن أن منيز يف هذه
املرحلة بني فرتتني مهمتني يف مسار املسرحية اجلزائرية مها:
أ -الفترة الممت ّدة من :0232 -0270وفيها نشأ الفن املسرحي يف بالدنا متأثرا بالتجربة
املشرقية؛ حيث جيمع العديد من الدارسني أن بدايتهكانت إثرزيارة الفرق املسرحية والفنيةإىل اجلزائر
وعلى رأسها فرقة "جورج األبيض"عام 1021م وما نتج عن هذه الزيارة من اتصال حقيقي للشعب
اجلزائري بالفن املسرحي ،وعلى الرغم من الفشل الذي منيت به عروضهذه الفرقة( )1إال أن فضلها
يكمن يف كوّنا كانت عامال من بني العوامل الكثرية اليت أدت إىل احلراك املسرحي يف اجلزائر ،حيث
شهدت السنة نفسها تأسيس فرقة مجعية اآلداب والتمثيل العرب اليت قدمت ثالث مسرحيات ذات
شفاء بعد
طابع أخالقي اجتماعي من تأليف "الطاهر الشريف" هي" :خديعة الغرام" ،و"ال ّ
العناء" ،و"قاضي الغرام" ،أمامجعية املوسيقى املطربية فقدمت سنة 1022مسرحية "في سبيل
محمد رضا المنصالي" عن املسرح الرتكي.
الوطن" اليت اقتبسها " ّ
غري أن النشأة الفعلية للمسرحية اجلزائرية تعزى إىل مسرحية "جحا"اليت قدمها الثنائي"ساللي علي"
املعروف بـ ـ ـ ـ ـ "عاللو" و"دمحون" وعرضت يوم األربعاء 12أفريل 1020بقاعة "الكورسال" باجلزائر
العاصمة و« بسبب النجاح الذي حققته املسرحية لدى اجلمهور ،فقد أعيد عرضها ثالث مرات
22
أخرى»( )1وتروي املسرحية ،بلغة عامية مفهومة ويف ثالثة فصول ،مقالب "جحا" الذي وقع ضحية
مؤامرة انتقامية دبرهتا له زوجته "حيلة" جعلت منه طبيبا ينبغي له معاجلة ابن السلطان ،الذي انطوى
على نفسه نتيجة معارضة والده تزوجيه جبارية وقع يف حبها.
وقد دفع النجاح الباهر الذي حققته هذه املسرحية عجلة الفن املسرحي يف اجلزائر قدما إىل األمام
وحفز "عاللو" على تأليف مسرحية "أبي الحسن المغ ّفل" اليت تعد منوذجا ناضجا يف التعامل مع
الرتاث العرب (كون أحداثها مستلهمة من قصص ألف ليلة وليلة).
كما فعلت هذه املرحلة بفضل جهود ثلة من اهلواة الذين جنحوا ملمارسة الفن املسرحي (تأليف
ومتثيال وإخراجا) إىل جانب وظائفهم االجتماعية؛ فإىل جانب "عاللو"قدم كل من"محيالدين
باشطارزي" و"رشيد القسنطيني"نشاطا مسرحيا ذا طابع ترفيهي اجتماعي هادف ،حيث «كانت
أغلبية رواد املسرح اجلزائري باللغة العامية ابتداء من سنة ،1020حىت غداة احلرب العاملية الثانية،
وهم يف وقت واحد مؤلفني وممثلني ،وجرت عاداهتم على اخرتاع شخصية يتقمصوّنا بأنفسهم على
اخلشبة يف مغامرات وأحداث يفصلوّنا حسب رغبتهم وبأسلوب شخصي جدا يكون فيه االخرتاع
التلقائي والتمثيل واملمثل مرتبطني ببعضهما إىل درجة يكون معها املؤلف يف غالب األحيان هو
الشخص الوحيد القادر على متثيل الدور الذي اختاره»()2وقد منحهم ذلك حرية أكرب يف التعامل مع
الفن املسرحي مما أدى إىل ظهور املسرحيات كثرية نذكر منها" :زواج بوعقلني لعاللو وتعاجل قضية أو
مشكلة الزواج لبوعقلني ،قدمت املسرحية يـ ـ ــوم 20أكتوبر ،1020على مس ـ ــرح (كورسال) ،وباب ـ ــا
ق ـ ــدور الط ـ ــماع لرشيـ ــد القسنطيين ،تعاجل قضية الطمع وتبني مساوئ هذا السلوك ،وفاقو حملي الدين
()3
بشطارزي سنة ،1031وهي مسرحية يدعو فيها الشعب إىل اليقظة ويدفعه إىل حتمل مسؤولياته
-)1سعد اهلل بن الشنب ،املسرح العرب ملدينة اجلزائر ،تر :عائشة مخار ،جملة الثقافة ،اجلزائر ،1026 ،السنة العاشرة ،ع،44
ص ،34وينظر أيضا :أحسن تليالن ،توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري ،ص.11
-)2صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر ،ص.26
-)3املرجع السابق ،ص( 22-21بتصرف).
23
ولعل أهم ما مييز هذه الفرتة هو أن الفن املسرحي أخذ منحىن اجتماعيا أخالقيا يدعو إىل حماربة
اآلفات االجتماعية كاملخدرات والبطالة والطمع وغريها من األمراض اليت خنرت جسد البالد،
بأسلوب فكاهي طريف ،وباللهجة العامية املفهومة لدى كافة شرائح الشعب اجلزائري ،باإلضافة إىل
ذلك السعي احلثيث من أجل إجياد فن مسرحي يتالءم وطبيعة املتفرج اجلزائري ،ويلب طموحه لغة
وشكال ومضمونا.وقد أدى التصاق الفن املسرحي يف هذه املرحلة بالطبقة املسحوقة من الشعب
اجلزائري إىل اإلميان بدور هذه املؤسسة الثقافية يف التصدي لالستعمار الفرنسي ،فظهرت مسرحيات
تتخذ من التلميحات السياسية واإلحياءات الوطنية سبيال لتوعية الشعب خبطورة مطامع السياسة
الفرنسية حنو مسرحييت "فاقو" و"اخلداعني" لباشتارزي(.)1
ب -الفترة الممت ّدة من :0214-0232وتعترب هذه الفرتة منعرجا حامسا يف تاريخ الفن املسرحي
يف اجلزائر ،وميكن النظر للنشاط املسرحي يف هذه الفرتة من زاويتني إحدامها إجيابية واألخرى سلبية؛
أما الزاوية األوىل ،وعلى الرغم من السياسة الفرنسية اليت تسعى إىل تعطيل عجلة الثقافة بشكل عام
واملسرح بشكل خاص ،إال أن النشاط املسرحي عرف تنوعا وقدرة على التحدي ،واستطاع أن
يواكب األحداث الراهنة ،وأن يرفع شعار املقاومة يف وجه أساليب املستعمر اليت هتدف إىل طمس
اهلوية اجلزائرية؛ فقد عاىن املسرح من الرقابة االستعمارية نظرا لنضجه الوطين ،واندماجه يف املسار
النضال للحركة الوطنية،وتبنيه ملطالبها( )2ومن نتائج ذلك أن ظهرت نصوص مسرحية كثرية ملصطفى
كاتب ،وأمحد عياد ،وحممد التوري وغريهم من األمساء اليت طبعت هذه الفرتة ببصمة متفردة.
وأما الزاوية األخرى فاتسمت بالسلبية نتيجة فقدان «املسرح اجلزائري للعديد من رجاالته ،حيث تويف
كل من سعد اهلل إبراهيم املعروف بدمحون سنة ،1012ورشيد القسنطيين سنة ،1011وحممد رضا
منصال سنة ،1014وبن شوبان سنة )3(» ...1013وكان لذلك أثر على النشاط املسرحي الذي
-)1أمحد بيوض ،املسرح اجلزائري،نشأته وتطوره ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،اجلزائر2611 ،م ،ص( 40بتصرف).
-)2أمحد بن داود ،دور املسرح اجلزائري يف املقاومة الثقافية لالستعمار الفرنسي ،1041-1020ص( 12بتصرف).
-)3املرجع السابق ،ص.46
24
عرف نوعا من الركود والتقهقر .باإلضافة إىل تعرض النشاط املسرحي ملضايقات السلطات السلطات
الفرنسية اليت تراوحت بني منع بعض العروض اليت تشكل هتديدا لوجودها على أرض اجلزائر حنو منع
عرض مسرحية "فاقو" حملي الدين باتارزي ،وبني التشويش على العروض عن طريق قطع التيار
الكهربائي ،وفرض غرامات مالية على املمثلني وتعريضهم للسجن ،وفرض الرقابة على الفرق
املسرحية)1(،وغريها من األساليب القمعية اليت هتدف إىل عرقلة النشاط املسرحي يف اجلزائر الذي رأت
أنه أصبح خطرا يهدد مصاحلها يف املنطقة.
-المرحلة الثانية :المسرحيّة الجزائريّة إبّان الثّورة التحريريّة :يف هذه املرحلة محل الفن املسرحي
لواء الدعاية للقضية اجلزائرية خارج البالد وتعبئة اجلماهري لدعمها؛وبعد انطالق حرب التحرير سنة
1041م انتقل «نشاط فرقة "مصطفى كاتب" إىل فرنسا ،حيث شاركت يف عدد من املهرجانات
نذكر منها مهرجان الشبيبة العاملية الذي انعقد يف برلني عام 1041م ومهرجان فارصوفيا عام
1044م ،وبعد عودهتا من مهرجان فارصوفيا كانت الثورة اجلزائرية يف عز تأججها فاستقرت يف
فرنسا ،وبقيت هناك تنشط يف أوساط املهاجرين اجلزائريني وقدمت عروضا يف عدد من املدن
الفرنسية ،واستمرت يف مزاولة نشاطها املسرحي حىت سنة 1042م»()2ومل تستطع حتقيق التأثري
اإلجياب لدعم الثورة بسبب الرقابة الفرنسية ،اليت مل تسمح بالنشاط املسرحي املرتبط بالعمل
السياسي ،وأمام هذه الصعوبات« انتقل املسرحيون اجلزائريون لتونس عام 1042م ،وأسسوا الفرقة
الوطنية يف شه ـ ــر أفريل م ـ ـ ــن نفس العام ،واستفادوا من قربـ ــهم اجلغـ ـ ـرايف بالوط ـ ــن لدعـ ــم حركـ ــة
التجديد ،واستمروا يعملون بتونس حىت عام 1002م»()3وكان من نتاج هذه املرحلة مسرحية "أبناء
القصبة" لعبد احلليم رايس وهي صورة صادقة ملا جرى يف البالد يف هذه احلقبة العصيبة وتصوير دقيق
لوقائع بطلها الشعب اجلزائري األعزل مع القوات الفرنسية ،ومسرحية دم األحرار «وهي مسرحية
25
تسجيلية ألحداث الثورة اليت وقعت يف املدن اجلزائرية وجباهلا ،وقد صورت حياة الفدائيني ويومياهتم
يف املدن وداخل أغوار اجلبال»( )1ومما ّتدر اإلشارة إليه هو أن الفن املسرحيفي هذه الفرتة قدواكب
الثورة ،وناضل من أجل احلرية؛ حيث جلأ الكثري من الكتاب إىل حث الشعب اجلزائري على
االلتفاف حول الثورة املباركة ،ودعمها والصمود والتضحية من أجل االستقالل.
-المرحلة الثالثة :المسرحيّة الجزائريّة بعد الثّورة التحريريّة :عرف الفن املسرحي اجلزائري بعد
االستقالل انتعاشا معتربا موازنة بالفرتات السابقة؛ فعلى الرغم من أن جدوة الثورة املباركة،باعتبارها
احملرك اإلبداعي للفن املسرحي يف اجلزائر ،قد خبت إال أن رياح االستقالل وضعت رجال املسرح أمام
حتدي تطويره ،وتفعيل نشاطه ،واستجابت هذه التحديات لطموح السياسة اجلزائرية ،آنذاك ،الرامية
إىل التنمية الوطنية واليت جعلت أول خطوة لتفعيل الفن املسرحي اجلزائري تأميمه حسب ما يقتضيه
املرسوم رقم 03-12 :املؤرخ سنة 1003الذي جاء فيه« :إن النهضة املنوطة باملسرح ذات أمهية
بالغة لشعبنا ،وهو ما يستوجب وضع املسرح يف خدمة الشعب ،وال يعقل أن نسمح بأن يكون
املسرح بني يدي املؤسسات اخلاصةسواء تعلق األمر باملسرح داخل البالد أو املسرح الذي
نصدره»()2وعليه توزعت مثار التغيري على مستويات عديدة كان هلا أثرها الفعال يف التعريف بالنشاط
املسرحي يف اجلزائر على املستوى العرب والعاملي.
فعلى مستوى التكوين مت إنشاء املعهد الوطين للفنون الدرامية بربج الكيفان سنة 1001مهمته تكوين
إطارات املسرح الوطين فقامبتخريج ثالث دفعات يف فرع التمثيل تضم حوال ثالثني ممثال موزعون
اليوم بني املسرح الوطين واملسارح اجلهوي ،كما متإشرف املسرح الوطين على تنظيم مهرجان املسرح
الوطين للهوا ة سنة 1021شار كت فيه العديد منالفرق اهلاوية ،وشهدت سنوات ما بعداالستقالل،
26
أيضا ،إخراج املسرح اجلزائري من احليز احمللي الضيق إىل الدائرة اإلقليمية ورحاب العاملية من خالل
املشار كةيف العديد من املهرجانات العربية والدولية()1مت على إثرها نيل جوائز عديدة.
وعلى مستوى االنتاج متيزت هذه الفرتة بوفرة النصوص وتنوع املوضوعات بفضل جهود ثلة من
الكتاب وعلى رأسهم :مصطفى كاتب ،عبد احلليم رايس ،ولد عبد الرمحان كاكي ،أمحد عياد ،عبد
القادر السفريي ،عبد القادر علولة وغريهم من كتاب املسرحية الناطقة بالعربية ،باإلضافة إىل
مسامهات كل من كاتب ياسني ،وآسيا جبار يف جمال املسرحية اجلزائرية الناطقة باللغة الفرنسية ،وقد
وصف"أمحد بيوض" هذه الفرتة ( )1002-1003ب ـ ـ ـ"الفترة ال ّذهبيّة"؛ حيث مت عرض «26
مسرحية كما سجل 110عرضا مسرحيا فيما بني شهري أفريل وديسمرب 1003مثانية منهامت عرضها
باجلزائر العاصمة وتابعها 30163مشاهدا»()2وتراوحت هذه النصوص بني التأليف والرتمجة
واالقتباس.
أما من حيث املوضوعات فانكبت املسرحية اجلزائرية بعد االستقالل على معاجلة قضايا الواقع املعيش
بتفاصيله املختلفة ،جمسدة ما طال اجملتمع اجلزائري من تغريات سياسية واجتماعية وثقافية؛ فاحتل
موضوع الثورة حمل الصدارة عند عدد من الكتاب ك ـ ـ" أمحد عياد" يف مسرحية "حسان طريو" سنة
،1001وكاتب ياسني يف "اجلثة املطوقة سنة 1000وغريها من النصوص اليت جمدت الثورة التحريرية
بعد االستقالل.
وبرزت مواضيع أخرى حاول الكتاب من خالهلا مواكبة التغريات االجتماعية للجزائر املستقلة
مسلطني الضوء على بعض اآلفات اليت خنرت جسد البالد والعباد يف تلك الفرتة ،فندد "أحمد
عياد" ،مثال ،باالنتهازية والبريوقراطية يف" :الغولة" وطرح مشاكل فئة اجتماعية بسيطة ومهمشة يف
-)1خدجية جليلي ،املتعاليات النصية يف املسرح اجلزائري ،مسرحية "الشهداء يعودون هذا األسبوع" أمنوذجا ،خمطوط رسالة
ماجستري ،إشراف :حممد خلضر زبادية ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية األدب والعلوم اإلنسانية ،جامعة احلاج حممد خلضر-
باتنة2660 -م2616-م ،ص( 111بتصرف).
-)2املرجع السابق ،ص.122
27
"البوابون"وحاربعبد الرحمان ولد كاكياإلميان بالعادات والتقاليد البالية يف "القرابوالصالحين"،
و"كل واحد وحكمو" و"الشيوخ" وغريها.
وعلى الرغم من أنالفرتة املمتدة ما بني 1022-1022 :كانت فرتة ركود املسرح اجلزائري بسبب
سياسة الالمركزية اليت انتهجتها الدولة بغية توسيع نشاط املؤسسة املسرحية خارج اجلزائر العاصمة
(حيث مت إنشاء مسارح جهوية مبدن خمتلفة من الوطن) وما جنم عن ذلك من انعكاسات سلبية
أبرزها تشتيتقدرات املسرح الوطين البشرية واملادية بتوزيعها على املسارح اجلهوية األخرى « ولتغطية
[عدم القدرة على تأليف نصوص مسرحية ] جلأت تلك املسارح إىل ظاهرة االقتباس ،كما اعتمدتعلى
أسلوب "التأليف اجلماعي" الذي أفرز قلة نادرة من األعمال املسرحية االستثنائية ونذكرمنها":هذا
جييب هذا"( ،) 1020و"ريح السمسار"( ،)1022و"ناس احلومة"()1026عنمسرح قسنطينة،
و"املائدة"( ) 1022عن مسرح وهران)1(».باإلضافة إىل آلييت االقتباس والتأليف اجلماعي جلأ رجال
املسرح يف هذه الفرتة إىل الرتمجة وإعادة عرض مسرحيات كانت قد قدمت يف فرتات سابقة.
تعد فرتة الثمانينيات فرتة انتعاش الفن املسرحي اجلزائري بعد الركود ،حيث شهدت اجلزائر ححَرا ًكا
مسرحيا منقطع النظري على يد ثلة من املسرحيني مثل":عبد القادر علولة" يف ثالثية" :األقوال،
األجواد ،اللثام" اليت أبرزت قدرات فنية عالية على مستوىالكتابة والتمثيل واإلخراج ،وعز
الدينمجوبي ،محمد بن قطاف ،زياني الشريف عياد ،باإلضافة إىل بروز املرأة على الساحة
املسرحية من خالل نشاط الشقيقتني "حميدة وفوزيّة آيت الحاج" .
وقد ظل املسرح اجلزائري بداية من التسعينيات إىل يومنا هذا يناضل من أجل البقاء يف هرم املشهد
الثقايف اجلزرائري أوال ،مث العرب فالعاملي ثانيا ،معتمدا على ما توفر له من إمكانات مادية وبشرية،
ومستغال،من أجل فرض ذاته ،ما أتيح له من فرص كاملهرجانات ،واملسابقات الدرامية ،والتظاهرات
-)1صورية غجايت ،النقد املسرحي يف اجلزائر ،خمطوط دكتوراه ،إشراف :عبد اهلل محادي ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية اآلداب
واللغات ،جامعة منتوري-قسنطينة2612 -م2613-م ،ص .12
28
الثقافية اليت من شأّنا حتفيز النشاط املسرحي كتابة ومتثيال وإخراجا ،ودفع املهتمني هبذا الفن إىل
وضع اسرتاتيجيات واضحة هتدف إىل نشره وتطويره ،السيما وأن املسرح اجلزائري قد احتل ،يف اآلونة
األخرية ،مكانة متميزة إبداعا ونقدا.
أما عن مصادر املسرحية ،اليت ادعى بعض النـقاد أّنا مأخوذة عن إحدى مسرحييت "موليري" "مريض
الوهم" وخاصة "طبيب رغم أنفه" ،فينفي عاللو نفسه ذلك مؤكدا أن التشابه يرجع إىل كون
املسرحيتني مأخوذتني عن أصل واحد هو «حكاية يف القرون الوسطى حتمل عنوان "Le
[ Vilainmireيقول عاللو] وأضيف مصدر آخر وهو قمر الزمان-من حكايات ألف ليلة وليلة.
وقد أضفت ،لعملي هذا ،باإلضافة إىل العمل الدرامي ،اسم وأسلوب وشخصية جحا املعروفة
29
جباذبيتها يف األوساط الشعبية )1(».وعليه فقد امتزج يف هذه املسرحية الرتاث األورب بالرتاث العرب،
بالرتاث احمللي ،فكانت فسيفساء من الثقافات صيغت بطريقة كوميدية بسيطة ،ومت انتقاؤها حبدق
لتقنع اجلمهور اجلزائري وتؤثر فيه.
لقد كان "عاللو" يف مسرحية "جحا" يعي أن االقتباس ليس اجرتارا للنص األصلي ،بل كان مقتنعا
أنه عمل فين تتحكم فيه العبقرية واإلبداع ،ويهدف إىل تطويع التقين والفين يف النص األصلي قبل
املوضوعايت ،ولذلك مل يكتف يف هذه املسرحية بنص واحد ،بل عمل على دمج نصوص كثرية
وصهرها لصياغة عمل متفرد يف النهاية ،سبيله إىل ذلك اعتماد مبدأ االنتقاء واملالءمة ،وتغيري أمساء
الشخصيات وصفاهتا ،أو بعض األحداث ،مبا يتناسب والبيئة احمللية( .)2ففي هذه املسرحية نشم
عبق "ألف ليلة وليلة" انطالقا من أمساء الشخصيات اليت أعطت للمسرحية سحرا شرقيا ،ومن أدب
العصور الوسطى تطل فكرة تورط الشخصية الرئيسية "جحا" يف دور الطبيب رغما عنها ،ومن الرتاث
الشعب احمللي تشع شخصية "جحا" مبغامراهتا ،وسذاجتها وفكاهتها ،وقد أعطى "عاللو" لكل
جانب من هذه اجلوانب نصيبا من العناية الفنية ،دون أن ينسى طبيعة اجلمهور التـواق إىل املرح،
والفكاهة ،فكتب له باللغة اليت يفهمها ،مما جعل هذه املسرحية تلقى جناحا باهرا ،وتنتصب عالمة
مميزة يف تاريخ املسرحية اجلزائرية.
اتسمت مسرحية "حجا" بسمات فنية كثرية كانت سببا لنجاحها ،وعامال مهم من عوامل استقطاب
اجلمهور هلذا الفن الوافد ،وتعلقه بعروض عاللو ،ولعلنا جنمل اخلصائص الفنية للنص موضوع الدراسة
فيما يلي:
-1استحضار الشخصيات الرتاثية :وعلى رأسها شخصية "جحا" مبا تتمتع به من شعبية وقصص
طريفة ،إّنا شخصية متأصلة يف الالوعي اجلمعي اجلزائري ،يعرفها العامة واخلاصة ،الصغري والكبري،
-)1أمحد توفيق املدن ،كتاب اجلزائر ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،اجلزائر ،ط1021 ،2م ،ص .42وأيضا :أمحد بيوض ،املسرح
اجلزائري ، ،نشأته وتطوره ،ص .10وأيضا :أحسن تليالن ،توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري ،ص.34
2
(-Ahmed Cheniki , Vérités du théâtre En Algérie, Edition Dar El Gharb, Oran Algérie, 2006, P15.
30
وقد وجد عاللو فيها ضالته كوّنا شخصية واضحة املعامل يف املأثرة الشعبية ،منفتحة على ما ينسجه
املخيال الشعب من قصص و"مقالب" مضحكة.
-2االعتماد على فلسفة الضحك أسلوبا ملعاجلة الواقع؛ فقد أدرك "عاللو" أن الشعب اجلزائري
حمب لألسلوب الفكاهي ،شعب يعيش البؤس واحلرمان يف ظل السياسة االستعمارية ،ويتوق إىل
الرتويح عن نفسه ،والتخفيف من مهومه فانتقى ما يتالءم ومجهوره.
ميكن القول يف النهاية إن جناح مسرحية "جحا" لـ ـ ـ ـ ـ "سالل علي" مل يكن بسبب استدعائها
لشخصية تراثية طريفة ،أو اعتمادها على فلسفة الضحك ،واألسلوب الطرب املرح الذي كان الشعب
اجلزائري يف أمس احلاجة إليه ،أو بسبب لغتها العامية أو ...بل كان الجتماع هذه العناصر كلها يف
عمل واحد.
31
الرابع ــة:
المح ـ ـ ـ ــاض ــرة ّ
ثانيا :الخصائص.
32
تمهيد :ارتبط الفن املسرحي يف اجلزائر بأمساء كثرية كان هلا الفضل يف إرساء دعائمه كتابة ومتثيال
وإخراجا ،على الرغم من أن الكثري منهم ظل ،ولفرتة زمنية معتربة ،مغمورا فال نكاد نعثر على سري
حياهتم ،أو إسهاماهتم يف تطوير املسرحية اجلزائرية إال فيما ندر ،يف ظل غياب معاجم أعالم توثق
سري شخصيات فاعلة يف تاريخ املسرحي اجلزائري أو حىت املغارب (فيما نعلم) ،اللهم تلك اجلهود
الفردية اليت أسهمت يف إزالة الغبار عن سري بعض رجال ونساء هذا الفن يف بالدنا ،على حنو ما جند
عند أمحد بيوض يف كتابه :املسرح اجلزائري نشأته وتطوره من ،......وكتاب صاحل ملباركية ،املسرح
يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق ،-ورسالة الدكتوراه اليت تقدم هبا
احسن تليالن بعنوان :توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري وغريها من األحباث اليت أىب أصحاهبا إال أن
يضمنوها تعريفات بأعالم املسرحية اجلزائرية وعرضا لعناوين نصوصهم ،إما على شكل فصول أو
مالحق ،كما متيزت املسرحية اجلزائرية جبملة من اخلصائص اليت ومست هذا الفن بطابع حملي نابع من
خصوصية البيئة اجلزائرية :ظروفها التارخيية وعاداهتا وثقافتها.
ال حناول يف هذه احملاضرة أن ندعي اإلملام جبميع هؤالء األعالم ،فهذا مطلب عزيز نظرا لكثرهتم أوال،
لعوز الدراسات التارخيية ألعمال بعضهم والسيما أوالئك الذين تعرضت نصوصهمللضياع ،لذلك
و َ
سنختار منوذجا /مناذج من كل مرحلة ،مع نص تطبيقي.
-1الطاهر علي الشريف :ال جند امسه يرتدد عند الكثري من النقاد ،وإن ذُكحر فباقتضاب شديد
حيث يوجز صاحل ملباركية احلديث عنه إجيازا ملحوظا دون ذكر تاريخ ميالده أو وفاته ،ارتبط اسم
"الطاهر علي الشريف" جبمعية املهذبية اليت أسسها سنة ،1021وقدم ثالث مسرحيات( )1ذات
طابع أخالقي اجتماعي يف كنفها هي :الشفاء بعد العناء ،وخديعة الغرام ،وبديع.
-)1تتضمن مسرحية الشفاء بعد العناء فصال واحدا كتبت بالنثر الفصيح تتخللها بعض األغنيات وعرضت بإحدى ثانويات اجلزائر
العاصمة سنة ،1021أما مسرحية خديعة الغرام فتقع يف أربعة فصول وعرضت بدار األوبرا باجلزائر العاصمة سنة ،1023
33
-7ساللي علي"عاللو" ( :)0227-0217سامهت عوامل عديدة يف صقل ّتربة ابن حي
القصبة العتيق املسرحية منها حبه للفن بشكل عام وللمسرح بشكل خاص ،واحتكاكه ببعض
الفرنسيني وتأثره بثقافتهم ،وموهبته الفطرية اليت دفعته إىل اغتنام فرصة إحياء سهرات غنائية لصاحل
جرحى احلرب العاملية األوىل إلدخال بعض السكاتشات واملونولوجات ما بني سنيت-1012 :
1021يقول « :وخالل هذه السهرات خطرت ل فكرة أن أبث يف تلك احلفالت املوسيقية شيئا
من املدح بتقدمي نوع من املهازل العسكرية عن فريق الرماة اجلزائريني ،غناء ومونولوجات ،كما أنين
ألفت مسرحيات ذات فصل واحد ،كنت أمثلها مع صديقي عزيز لكحل ،وإبراهيم دمحون ،وكانت
هذه املسرحيات القصرية املكتوبة باللغة الدارجة ،تعاجل موضوعات هزلية ذات طابع شعب ،او مستقاة
من الواقع اليومي ،فكانت تلقى جناحا عظيما»( )1وسرعان ما طور "عاللو" فكرته لتَ ح
ثمر ،بعد
تأسيس فرقة الزاهية سنة ،1020عن مسرحية "جحا" اليت تعد فاحتة مسرحيات فكاهية اجتماعية
كثرية ،غري أن نشاطه يف املسرح ال يتوقف عند التأليف أو التمثيل بل يتعداه إىل التأريخ للفن
املسرحي يف اجلزائر حني تعوز الكتب التارخيية ،حيث ميكن اعتبار مذكرات "عاللو" واحدة من أهم
مصادر املسرحية اجلزائرية اليت كان فيها متبعا ومؤرخا ملسرية الفن املسرحي يف اجلزائر.
سعد اهلل بن الشنب ،املسرح وتتضمن مسرحية بديع ثالثة فصول ومت عرضها بقاعة الكورسال سنة ،1021
العرب ملدينة اجلزائر ،ص.31
34
موضوعها تاريخ عرضها عنوان
المسرحيّة
تقع هذه الكوميديا يف ثالثة فصول وأربعة لوحات ،تروي مغامرات جحا بعد أن وقع ضحية مؤامرة -61-12 جحا
زوجته(حيلة) ليجد نفسه طبيبا ينبغي أن يداوي (ميمون) ابن امللك (قارون) وإال لقي حتفه .أما 1020
عن مصادر املسرحية فهي متعددة ّتمع بني الرتاث الشعب ممثال يف شخصية حجا ،وحكايات
"ألف ليلة وليلة" اليت استلهم منها األمساء وبعض األحداث ،كما استوحى فكرهتا من مسرحية
"طبيب رغم أنفه" لـ ـ "موليري".
تعاجل هذه الكوميديا يف ثالثة فصول زواج "بوعقلني" من امرأة تصغره سنا ،وما نتج عن ذلك من -16-20 زواج
مواقف طريفة أساسها غريته املفرطة على زوجته ،وقد استلهم "عاللو" فكرة هذه املسرحية مبشاركة 1020 بوعقلني
"دمحون" من احلياة اجلزائرية البسيطة.
مسرحية غنائية مؤلفة من أربعة فصول وست لوحات ،حتكي قصة رجل من بغداد يصري ذات يوم أبو احلسن -63-23
"خليفة" بفضل خدعة من "هارون الرشيد" الذي أراد أن يتسلى وتنتهي املسرحية مبكافأة هارون 1022 املغفل
الرشيد للرجل البغدادي ،وقد أخذ "عاللو" فكرة املسرحية من قصص ألف ليلة وليلة.
مسرحية كوميدية غنائية تنقلنا إىل أجواء "ألف ليلة وليلة" الساحرة لتحكي -يف أربعة فصول -61-10 الصياد
ومخسة لوحات -قصة "خري الدين" الذي يقوم مبغامرات ،مع صديقيه" :سعدون" القرصان 1022 والعفريت
السابق ،و"منري" الصياد املاهر للبحث عن حبيبته ابنة امللك.
تعاجل هذه الكوميديا يف ثالثة فصول ومخس لوحات مضار تدخني احلشيش الذي دفع بـ ـ ـ "عنرت" -62-24 عنرت
إىل مغامرات طريفة تكون ّنايتها مأساوية. 1036 احلشايشي
تسرتجع هذه امللهاة الغنائية ،يف مخسة فصول ،إحدى قصص "ألف ليلة وليلة" من خالل -61-60 اخلليفة
شخصية "خليفة" وهو صياد يستطيع إرجاع "قوت القلوب" حبيبة "هارون الرشيد" بعد أن دبرت 1031 والصياد
زوجته "زبيدة" مؤامرة للتخلص منها بسجنها يف صندوق ورميها يف البحر.
ّتري أحداث هذه امللهاة يف األندلس لرتوي يف ثالثة فصول وأربعة لوحات مغامرات عاطفية لبطل -64-64 حالق
أندلسي امسه "فيغارو". 1031 غرناطة
تصور هذه املسرحية يف ثالثة فصول وأربعة لوحات مغامرات األخوين عاشور ،وما يواجهانه يف -60-64 األخوان
رحلة حبثهما عن قوهتما اليومي. 1020 عاشور
–3محي الدين باشطارزي:
مغن ،وممثل ومؤلف مسرحي [عاش ما بني (8117م8812-م)] حبي القصبة باجلزائر العاصمة ٍّ
( )...بدأ نشاطه املسرحي يف مجعية املطربية عام 8888م ،ليصبح مديرا هلا عام 8821م«أسندت
له أدوار خاصة بوصالت غنائية ،وحقق بذلك جناحا كبريا كما حدث يف مسرحية "الصياد
والعفريت" اليت ألفها عاللو سنة ،8821ومل يباشر (اش تارزي) مهمة التأليف إال بعد سنة
35
)1(»8832عُ نني عام 8847م مديرا لفرقة املسرح العرب بقاعة األوبرا بالعاصمة إىل غاية موسم عام
8811م8812-م مثل يف العديد من األفالم مثل "كينزي" و"الوصية" و"حسان طريو" .وابتداء
من الثمانينيات دون مذكراته اليت تشمل مسرية املسرح اجلزائري من عام 8888م إىل عام 8874
يف ثالثة أجزاء صدرت تباعا خالل أعوام 8828م8814 ،م و8812م ،اختذ من السخرية أسلوبا
ملعاجلة اآلفات االجتماعية ووسيلة لتعرية السياسة االستعمارية وهو ما جعله يقع حتت وطأة
املضايقات الفرنسية اليت حظرت نشاطه املسرحي يف الفرتة ما بني سنيت 8838-8837كما منعت
بعض مسرحياته من العرض كمسرحية اخلداعني مثال( )2وعلى الرغم من كل ذلك عدت إسهامات
باش تارزي لبنة أساسية يف مسرية الفن املسرحي يف اجلزائر.
-أعماله :تنـوعت أعمال هذا املسرحيعلى النحو اآليت(:)3
موضوعها تاريخ عرضها عنوان المسرحيّة
مسرحية ذات طابع اجتماعي هزل كتبت باللغة الفصحى ،وهتدف إىل حماربة بعض 1021 اجلهالء املدعون
الظواهر السلبية يف اليت عرفها اجملتمع اجلزائري والسيما الطرقية والشعوذة . العلم
تعاجل هذه الكوميديا مبشاركة "رشيد القسنطيين" موضوع الفقر ونتائجه السلبية. -61-62 الفقري
1031
كوميديا بالعامية تصور مغامرات شاب من ناحية بوزريعة إحدى ضواحي اجلزائر العاصمة 1031 البوزريعي يف
أثناء تأدية واجب اخلدمة العسكرية يف ظل احلكومة الفرنسية ،وقد ألفها مع صديقه العسكرية
الفرنسي لويس شابرو.
كوميديا تضمر خطابا سياسيا ،كتبت بالعامية حاول الكاتب فيها ،وبأسلوب فكاهي ،أن 1031 فاقو
يدعو الشعب اجلزائري إىل اليقضة واحلذر من األساليب االستعمارية املخادعة
مسرحية اجتماعية تسعى إىل حماربة ظاهرة تفشت يف اجملتمع اجلزائري يف تلك 1031 على النيف
الفرتة وهي الزواج املختلط حفاظا على األسرة اجلزائرية .
-11-22كوميديا يف ثالثة فصول كتبت باللغة العامية ،تسلط الضوء على فئة من بين وي وي
الشعب اجلزائري الذين يعملون لصاحل فرنسا ،ويعدون أذنابا لنظامها ،تابعني 1034
-)1صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق-ص.04
-)2أمحد بيوض ،املسرح اجلزائري ،نشأته وتطوره ،ص(27بتصرف).
-)3فيما يتعلق بأعمال حمي الدين باش تارزي أفدنا من :سالل علي ،شروق املسرح اجلزائري ،ص(40-14بتصرف) وأمحد
بيوض ،املسرح اجلزائري :نشأته وتطوره ،ص(02-02-00-04-01-03-02بتصرف) وصاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر –
النشأة والرواد والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق-ص(20-22-22بتصرف).
36
حلكومتها.
كوميديا موسيقية راقصة تعاجل يف أربعة فصول ،باللهجة العامية موضوع املرأة اجلزائرية وما ؟؟-63- حب النساء
تتعرض له من هتميش ،ويطرح موضوع الزواج باألجنبيات. 1030
كوميديا يف ثالثة فصول تضمر خطابا سياسيا وتسعى إىل توعية الشعب اجلزائري ببعض ؟؟-61- اخلداعني
الفئات اليت تستخدم أساليب املراوغة خدمة ملصاحلها اخلاصة كالنواب اجلزائريني يف الربملان 1030
الفرنسي وغريهم.
كوميديا اجتماعية تسعى إىل املهادنة مع احلكومة الفرنسية والسيما بعد الضغوطات اليت -16-24 النساء
تعرض هلا الكاتب نتيجة إحساس السلطات الفرنسية بالعداء املضمر يف مسرحيات :فاقو، 1032
وبين وي وي ،واخلداعني ،وفيها يطرح باش تارزي موضوع الزواج باألجنبيات من وجهة
نظر إجيابية متخذا منه وسيلة للتعايش السلمي بني الشعوب.
باإلضافة إىل مسرحيات أخرى أورد عناوينها "صاحل ملباركية" دون اخلوض يف تفاصيل موضوعاهتا
ونذكر منها(" :)1بعد السكرة" سنة " ،1030مششون اجلزائري" سنة " ،1032زيد عيط" سنة
" ،1032الكذابني" " ،1032طبيب الصقلي" " ،1030سحار بالسيف" " ،1030ما ينفع غري
الصح" " ،1030هي وإال أنا" " ،1030بوشن شانة" " ،1030قد ما ّتري" 1030واملرجح أّنا
باللهجة العامية ،وذات طابع اجتماعي.
-4أحمد توفيق المدني( )1023-1042( :)2صحفي وسياسي جزائري ولد بتونس وتتلمذ
مبدارسها ،أتقن اللغتني العربية والفرنسية ،يف سنة 1024دخل اجلزائر وكانت له نشاطات عديدة
حيث شغل منصب الكاتب العام جلمعية العلماء املسلمني خلفا للبشري اإلبراهيمي الذي سافر
للمشرق ،كما اشتغل كاتب حترير جلريدة "البصائر" ،شغل مناصب دبلوماسية أثناء الثورة؛ حيث مثل
جبهة التحرير الوطين سنة 1040يف القاهرة ،وعني ،بعد االستقالل ،وزيرا لألوقاف الدينية ،وسفريا
يف عدة بلدان عربية ،وعضوا مبجمع اللغة العربية بالقاهرة ،كما كان نتاجه العلمي غزيرا وخباصة يف
جمال التاريخ اجلزائري واإلصالح السياسي حنو :كتاب اجلزائر ،تقومي املنصور ،حياة وكفاح(مذكرات).
37
-أعماله :أثر عن "أحمد توفيق المدني" مسرحيتني مها مسرحية "عطيل" وهي اقتباس ملسرحية
شكسبري احلملة العنوان نفسه ،ومسرحية "حنبعل"وهيمسرحية تارخييةألفت وعرضت يوم 2
أفريل 0242وتستمد أحداثها من حياة البطل القرطاجي "حنبعل" ومواقفه الثورية اخلالدة
لتعرب عن مواقف الكاتب نفسه من الراهن اجلزائري ،واملستعمر الفرنسي ،وّتعل من شخصية
"حنبعل" رمزا للبطل اجلزائري يف كفاحه من أجل احلرية(.)1
-1عبد الحليم رايس :)0222-0274( :مغن وممثل وكاتب مسرحي ولد بوهران وانتقل إىل
العاصمة ،بدأ نشاطه املسرحي سنة 1012حني انضم إىل فرقة املسرح العرب ،وألف يف ظلها
أوىل نصوصه املسرحية ذات الطابع االجتماعي بعنوان" :بني نارين ،هذه هي الدنيا" ،كان عضوا
بارزا يف "الفرقة الفنية جلبهة التحرير الوطين" سنة ،1042أسهم يف دعم الثورة التحريرية
بنصوص مسرحية كثرية تناولت قضايا احلرية والكفاح وغريها.
-أعماله(:)2يعد "عبد احلليم رايس" كاتب الثورة اجلزائرية بامتياز؛ حيث عاجلت نصوصه
موضوع الثورة انطالقا من زوايا خمتلفة على النحو اآليت:
موضوعها تاريخ تأليفها عنوان
المسرحية
تعاجل املسرحية ،اليت قدمتها الفرقة الفنية جلبهة التحرير الوطين يف تونس ،موضوع 1040 أوالد
الثورة داخل املدن ،من خالل عائلة جزائرية يشرتك أبناؤها الثالثة يف الثورة كل انطالقا القصبة
من مبادئه ووجهة نظره.
تعاجل قيم التضحية وااللتزام باملبادئ الثورية ،من خالل جمموعة من اجملاهدين الذين العهد
يقررون بعد حماصرة اجليش الفرنسي هلم ،إعدام الطفل خوفا من أن يفشي أسرار
الثورة ،وهتدف إىل إبراز دور خمتلف فئات الشعب اجلزائري يف الثورة والتفافهم حوهلا.
تصور املسرحية معاناة اجملاهدين أثناء قيامهم مبهمة جلب األسلحة من احلدود 1006 اخلالدون
التونسية ،وتربز ما يتحلون به من وطنية وروح قتالية عالية.
-)1ينظر :أمحد توفيق املدن ،حنبعل ،املطبعة العربية باجلزائر .1046 ،وصاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد
والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق-ص( 01-03-بتصرف).
-)2خملوف بوكروح ،املسرح واجلمهور ،دراسة يف سوسيولوجية املسرح اجلزائري ومصادره ،د.ط ،د.ت ،ص 24و22-22
(بتصرف).
38
مسرحية نضالية تسلط الضوء يف ثالثة فصول على العمل الفدائي ،وتربز 1001 دم
تعاطف بعض الفرنسيني مع الثورة التحريرية من خالل شخصية "فرانسوا" األحرار
الذي يشارك يف العمل الفدائي وخيفي الفدائيني الثالثة :مراد ،ورزقي ومرمي
يف بيته(.)1
-0أحمد رضا حوحو )1040 -1016(:ولد األديب الصحفي الشهيد يف -112-14
2616بسيدي عقبة والية بسكرة لعائلة مرموقة( ،)2تلقى تعليمه األول مبدينة سكيكدة ،أتقن
اللغتني العربية والفرنسية ،عني مبسقط رأسه موظفا يف مصلحة الربيد واهلاتف ،سنة 1031انضم إىل
مجعية العقب الثقافية ،سنة 1034هاجر إىل احلجاز ،وبعد عودته إىل اجلزائر( )1010استقر
بقسنطينة،سنة 1012أصبح كاتبا عاما يف معهد عبد احلميد بن باديس ،أنشأسنة 1012مجعية
املزهر للموسيقى واملسرح بقسنطينة( ،)3ويف سنة 1010أسس جريدة الشعلة ،أعدم يف 20مارس
1040على يد السلطات الفرنسية(.)4
حفلت مسرية "أمحد رضا حوحو" بنشاط أدب ومسرحي معترب ،مجع نتاجه بني الطابع االجتماعي
والتارخيي ،ومتيز بأسلوب نقدي ساخر ،مكنه اتقانه للغة الفرنسية من االطالع على أدب اآلخر
ومواكبته ترمجة واقتباسا خاصة منه أدب "فيكتور هوغو")(Victor Hugoوموليري ،تراوح نتاجه
املسرحي بني التأليف واالقتباس(.)5
-)1عبد احلليم رايس ،أبناء القصبة -دم األحرار ،جملة املعهد الوطين العال للفنون املسرحية ،ع ،2اجلزائر.2666 ،
-)2أمحد منور ،مسرح الفرجة والنضال يف اجلزائر ،دراسة يف أعمال أمحد رضا حوحو ،دار هومة ،اجلزائر ،ط ،2664 ،1ص20
(بتصرف).
-)3صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق-ص( 21بتصرف).
-)4املرجع السابق ،ص.30
-)5أفدنا ،عند احلديث عن أعمال أمحد رضا حوحو املسرحية ،من :صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص
حىت سنة 1022عرض وتوثيق-ص( 161-00بتصرف) .وأمحد منور ،مسرح أمحد رضا حوحو -دراسة أدبية حتليلية مقارنة-
رسالة ماجستري ،جامعة اجلزائر ،1020،ص( 124-111بتصرف).
39
موضوعها مصدرها عنوان املسرحية
مسرحية تارخيية تسلط الضوء يف ثالثة فصول على حياة التاريخ العرب اإلسالمي إبان صنيعة الربامكة
املسلمني يف بغداد إبان حكم اخلليفة املأمون ،وتسرد قصة الفرتة العباسية ،وهتدف إىل
"املنذر مب املغرية" ووفائه ألسرة الربامكة اليت كان عامال لديها إحياء الرتاث اإلسالمي اجمليد.
حىت بعد زوال نفوذها.
اقتبس الكاتب هذه املسرحية من تروي هذه الكوميديا قصة أب احلسن الذي يستقبل ضيوفه هارون الرشيد أو أبو
الغرباء كل مساء ،وما حيدث له من مغامرات بعد أن حيل قصص "ألف ليلة وليلة". احلسن التميمي
"هارون الرشيد" ووزيره "جعفر الربمكي" ضيفان عليه،
ويتحول هو إىل خليفة مكان "هارون الرشيد.
كوميديا تصور يف فصلني جانبا هزليا من احلياة األدبية من مسرحية فكاهية مستمدة من أدباء املظهر
خالل شخصية األستاذ "خليل" الذي يضطر ،يف ظل كثرة الواقع املعيش.
تظاهر من حوله بالعلم واألدب وشدة شهرهتم بني الناس ،إىل
االدعاء بقدرته على تعليم وتكوين أدباء يف مدة ساعتني.
مقتبسة من مسرحية "البورجوازي تصور هذه الكوميديا يف فصلني ما أصاب حياة التاجر األستاذ أو الواهم
البسيط "عبد احلق" من تغري ليصبح ،بعد أن ورث أمواال عن النبيل" ل ـ ـ موليري"
أحد أقاربه ،شخصية مرموقة يف اجملتمع ،ما جعل بعض
الطماعني يلتفون حوله ،ويطلقون عليه لقب األستاذ ،فيتوهم
أنه كذلك بالفعل حىت يتدخل أحد أقاربه ليفند ومهه هذا.
سي شعبان أو البخيل مقتبسة من مسرحية "البخيل" ل ـ ـ كوميديا كتبت بالعامية عرضت سنة ،1042تعاجل قصة
رجل غين ولكنه خبيل ،يقوم بدفن أمواله يف حديقته ،ويضع "موليري"
خططا ملستقبل ومستقبل عائله تقتضي زواجه من حسناء
احلي ،وزواج ابنه من أرملة ثرية غري أن سرقة أمواله تفسد
خططه ،وقد حافظ الكاتب على مضمون املسرحية األصلية
وأجرى تغيريات بسيطة كتغيري األمساء ،وواملالبس والديكور
ليناسب البيئة احمللية.
مسرحية تارخيية يف ثالثة فصول عرضت سنة 1046تدور مسرحية مقتبسة عن مسرحية عنبسة أو ملكة
أحداثها يف األندلس وتسلط الضوء على ما يدور يف قصر "روي بالس"(Ruy Blas غرناطة
غرناطة من مؤامرات ّتعل عنبسة يتقرب من امللكة بأمر من لفيكتور هيجو
سيده "ابن حفصون" بدافع االنتقام غري أن ما يقع بينهما من
حب صادق يغري جمرى األحداث.
مسرحية اجتماعية عاطفية كتبت بالفصحى يف مخسة فصول مسرحية مقتبسة عن رواية بائعة الورد
وعرضت سنة 1041تقص حكاية أرملة تأثر الوفاء لزوجها "حاملة اخلبز" La
على حب مهندس يعمل يف املعمل الذي تشتغل فيه ما Porteuse De Painلـ
40
يدفعه لالنتقام منها ،فيتدبر أمر حرق املعمل وقتل صاحبه "كازافيه دي منتديان" De
قصد اهتامها ،وتنتهي املسرحية باكتشاف احلقيقة وانتحار Xavier Monterpin
املهندس إثر ذلك .ولعل ما شاب املسرحية من نزعة
حتررية تتناىف وأخالق املرأة اجلزائرية خباصة والعربية
بعامة جعلتها ،يف نظر أمحد منور ،من أضعف
()1
مسرحيات "أمحد رضا حوحو" املقتبسة
كوميديا كتبت يف ثالثة فصول بالعامية ألفت سنة مسرحية مقتبسة عن عاشور والتمدن
مسرحية "الثري النبيل" 1041 Leوتنحو منحى تربوي إصالحي حني حتذر من
خماطر االنسالخ والذوبان يف ثقافة اآلخر ،وختلي Bourgeois Gentil
اجلزائري عن مبادئه وقيمه من خالل شخصية "سي Hommeل ـ "موليري"
عاشور" الريفي البسيط الذي حيل باملدينة فينبهر
مبظاهرها ،ويقضي حياته مقلدا أهلها.
-2أحمد عياد( :)1000-1021( )2ولد املمثل والكاتب املسرحي أمحد عياد املعروف ب ـ ـ
"روشد" حبي القصبة باجلزائر العاصمة ،بدأ حياته رياضيا مث سرعان ما انتقل إىل الفن املسرحي حيث
انضم إىل فرقة املسرح العرب بقاعة األوبرا سنة ،1012مث إىل فرقة الرازي ،ويف سنة 1042سجن
يف سجن السركاجي لتحديه السلطات االستعمارية ،واصل بعد االستقالل نشاطه املسرحي حيث
ألف نصوصا مسرحية ذات طابع اجتماعي هادف ،شارك يف متثيل بعض األدوار يف أفالم سينمائية
يف الثمانينيات من القرن املاضي.
41
-أعماله :باإلضافة إىل التمثيل ألف "رويشد" مسرحيات تعاجل الواقع السياسي واالجتماعي يف
اجلزائر ،متخذا من أسلوب السخرية والواقعية وسيلة لتسليط الضوء على بعض هنات جزائر ما بعد
االستقالل.
-1ظهر املسرح اجلزائري من خالل العرض الشعب ،مرتبطا بذوق اجلماهري الشعبية غري املثقفة،
ليعرب عن أحالمها وطموحاهتا ،وينقل معاناهتا وآالمها ،وكان عبارة عن اسكتشات تقدم يف مقاهي
األحياء الشعبية املزدمحة بالسكان.
42
-2ارتبط املسرح اجلزائري بالغناء ،وجاء بلغة شعبية خفيفة قادرة على توصيل الفكرة ،لغة تصل إىل
أعماق اجلماهري كافة ،وتالئم ذوقها البسيط.
ّ -3نض الطابع الفكاهي الذي غلب على نصوصه بوظائف متعددة ،فكان أوال وسيلة من وسائل
جذب اجلمهور واستقطابه ،وأداة للتخفيف من مهومه يف ظل سياسة استعمارية قاهرة ،وكان ثانيا
قناعا ينفلت بواسطته رجال املسرح من الرقابة االستعمارية ،ليمرروا خطابا سياسيا يرفض االستعمار،
ويسعى إىل نشر الوعي بني أفراد الشعب.
-1غلبت على نصوصه صفة االرّتالية ،حيث كانت العروض ترتكز على مهارات املمثل وفطنته،
وموهبته ،وقدرته على ارّتال الدور.
-4اضطلع املمثلون أنفسهم بكتابة وإعداد النصوص املسرحية ،فكانت بعض تلك النصوص توضع
شفويا ،وتؤدى وجيري كتابتها يف وقت الحق ،ألن أغلب املمثلني مل يكونوا مثقفني ،أو خرجيي
مدارس ،بل كانوا يزاولون التمثيل إىل جانب مهن اجتماعية أخرى.
غري أن هذه السمات ال ترتبط ،يف اعتقادي ،إال بفرتة معينة من تاريخ الفن املسرحي يف اجلزائر وهي
فرتة النشأة ،وهناك مسات أخرى مل يأت ذكرها جنملها يف ما يأيت:
-1تنوعت مصادر املسرحية اجلزائرية بني الرتاث الشعب اجلزائري ،والتاريخ واألسطورة ،والرتاث
العاملي األورب واليونان وغريه.
-2عاجلت املسرحية اجلزائرية موضوعات عديدة يندرج بعضها ضمن املوضوعات اإلنسانية ويندرج
بعضها اآلخر ضمن املوضوعات االجتماعي (الزواج ،األسرة ،السكن )...ويندرج بعضها ضمن
املوضوعات السياسية (جور األنظمة السياسية ،عالقة الفرد بالسلطة ،عالقة احلاكم باحملكوم)...
واملوضوعات األخالقية ( معاجلة سلوكات غري أخالقية كالبخل ،وآفات اجتماعية كاخلمر واحلشيش
وغريها.
43
-3مل يكن هدف الفن املسرحي اجلزائري الرتفيه فقط ،بل مجع إىل جانب املتعة خدمة اجملتمع،
ومعاجلة ما يؤرق الفرد من مشاغل؛ عمل على دعم الثورة التحريرية وساهم يف نشر رسالتها إبان
الفرتة االستعمارية ،والتفت إىل فساد اجلهاز اإلداري ،وسلط الضوء على ما أصاب البالد من أمراض
كاالنتهازية والبريوقراطية ،محل على كاهله حلم وطموح الطبقة العاملة ،فكان لسان حاهلا بعد
االستقالل.
ميكن القول يف األخري إن الفن املسرحي يف اجلزائر مل يكن ليستوي فنا قائما بذاته لوال جهود رجال
كثريين سخروا أنفسهم وأمواهلم يف سبيل تطويره ،والتعريف به عربيا وعامليا وسيلتهم –من أجل حتقيق
ذلك -سحر الكلمة ،وقوة احلركة ،وحسن البديهة ،وحضور روح الدعابة وغريها من السمات ال
ميزت املسرحية اجلزائرية (نصا وعرضا).
44
المح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاضرة الخامسة:
ـحلي.
-0الـ ــتراث الم ـ ـ ّ
يخي.
-7الـ ــتراثال ـ ـ ـتار ّ
ديني.
-3ال ـ ــتراثال ـ ـ ـ ّ
45
تمهيد :يالحظ املستقرئ للنصوص املسرحية اجلزائرية تنوع املصادر اليت يستمد منها الكاتب
املسرحي مادته ،فبحكم بيئته اجلزائرية كان املصدر احمللي حاضرا يف الكتابة الدرامية اجلزائرية،
مستدعيا ما يزخر به الرتاث اجلزائري احمللي من قصص وحكايات ،وعاكسا ما يتميز به الواقع املعيش
من أحداث ،وملا كان الكاتب اجلزائري ينتمي إىل الوطن العرب كان للراهن العرب حضورا متميزا يف
التجربة املسرحية اجلزائرية ،ومل يكن هذا الكاتب ليعيش مبعزل عن التجربة اإلبداعية الغربية فكان تأثره
هبا واضحا يف نصوص كثرية.
تنوعت املصادر الرتاثية اليت استقى املسرحيون اجلزائريون مادهتم منها وتراوحت بني املصادر الرتاثية
احمللية ،واملصادر التارخيية ،والدينية ،واملصادر الرتاثية العربية ،واألجنبية.
المحليّ :تسدت املصادر احمللية يف نصوص مسرحية جزائرية اختذت مادهتا من
ّ -0التّراث
الرتاث الشعب احمللي ،أو من الواقع املعيش ،وحاولت تطويع هذا الفن الوافد خلدمة الشعب
اجلزائري بكل ما تتمتع به بيئته من خصوصية ،وعليه كان استلهام الرتاث أحد مرتكزات املسرحية
اجلزائرية منذ نشأهتا ،فقد «شعر [الكتاب] بضرورة تلقيح هذا الفن اجلديد مبصل من الرتاث
الشعب حىت يغدو مناسبا لذوق اجلمهور العرب ولثقافته وتقاليده الفنية العريقة ،فكانوا يتوقفون
عند املصادر الرتاثية الشعبية ،حماولني استنطاقها واإلفادة منها خللق مسرح متوازن يلب حاجات
اجلمهور من الثقافة واالمتاع ،ضمن اّتاه شعب مرح يسعى إىل إجياد األشكال واملضامني
املناسبة ،للوصول إىل قلوب اجلماهري اليت مازالت تنفر من األشكال الغربية الطارئة»(.)1
وقد مر توظيف الكتاب املسرحيني للرتاث بثالثة مراحل هي :مرحلة البحث عن الذات ،ومرحلة
النضج الفين ،ومرحلة التأصيل.
-)1نصر الدين صبيان ،اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر ( ،)1026-014رسالة ماجستري(خمطوط) ،إشراف :عزيزة مريدن،
كلية اآلداب ،مجعة دمشق -سوريا ،1024-1021 -ص360
46
أ -مرحلة البحث عن ال ّذات :ترتبط هذه املرحلة بتلك النصوص األوىل اليت حاول فيها الكتاب
املسرحيون بصم أعماهلم املسرحية ببصمة حملية تقرهبا من اجلمهور ،وميكن أن منثل هلذه املرحلة
مبسرحية "جحا" ل ـ ـ ــعاللو سنة ،1020اليت كانت العودة فيها إىل الرتاث الشعب تذكية لروح
التضامن والتآلف بني أفراد الشعب اجلزائري الذين ّتمعهم روابط اجتماعية وتارخيية ونفسية وثقافية
واحدة ،وإعرابا عن رفض السياسة االستعمارية اليت تسعى إىل طمس معامل الشخصية الوطنية.
وعن أهداف توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري فيلخصها الباحث "أحسن تليالن" فيما يأيت(:)1
-جلب املتفرجني والتأثري عليهم باستغالل ما يكتسيه الرتاث من حضور حي يف وجدان األمة.
-الفخر مبآثر املاضي التليد تعويضا عن ضعف االمة يف حاضرها ،آنذاك بسبب طغيان االستعمار
عليها.
واملالحظ أن توظيف الرتاث بعامة والرتاث الشعب خباصة قد لّب طموح رواد الفناملسرحي اجلزائري
األوائل يف خلق نوع من التواصل مع متفرج يعترب هذا الفن دخيال على ثقافته ،من خالل تقدمي مناذج
مسرحية مألوفة لديه ،راسخة يف ذاكرته ،ناطقة بلسانه ،ومعربة عن قضاياه وأحالمه.
ب -مرحلة النّضج :إذا كانت العودة إىل الرتاث ،يف املرحلة السابقة ،حاجة ضرورية من أجل إثبات
الذات ،وتبين مبدأ الرفض لسياسة املستعمر ،فإّنا يف هذه املرحلة تنم عن وعي فين وفكري بقدرة
الرتاث على إلغاء الفواصل الزمانية واملكانية وتقدمي الرموز والعرب قصد استئصال ما خنر جسد اجملتمع
اجلزائري من علل ،ودفع عجلة الركب احلضاري قدما إىل األمام ،يقول "سلوم توفيق"يف هذا
السياق«إذا كان التمسك بالرتاث واحلرص عليه يف مرحلة النضال من أجل االستقالل الوطين قد
ارتبط بالرد على احملاوالت االستعمارية الرامية إىل حمو الشخصية الوطنية ،فإن هذا التمسك يف
47
النصف الثان من القرن العشرين يتجه من أجل احلفاظ على اهلوية الثقافية واألصالة
احلضارية)1(»...ويتقعد حلقة واصلة بني املاضي واحلاضر ،ووسيلة تستدعي الذاكرة ،وتراهن على
املخزون اجلماعي للكشف عن الواقع.
وقد أدرك الكتاب املسرحيون اجلزائريون بعد االستقالل ما مينحهم الرتاث من طاقات تعبريية
وإحيائية ،فوظفوه تلبية حلاجات فنية ونفسية واجتماعية ،واعتربوه مادة خاما ،ووعاء مرنا يستوعب كل
معطيات الراهن ،ويعرب بفنية تبتعد عن املباشرة والتقريرية ،معتمدين -من أجل حتقيق اهلدف املنشود-
على مبدأي االنتقاء واالسقاط ،وموائمني بني املنجز املسرحي الغرب ،واملوروث العرب األصيل ،ولعلنا
الرحمان"و"عبد القادر علولة" اللتني بلغتا شأوا
منثل هلذه املرحلة بتجربتيكل من "كاكي ولد عبد ّ
عظيما يف التعامل مع الرتاث.
فقد انفتحت ّتربة "كاكي ولد عبد الرحمان"( )1004-1031املسرحية على األشكال الرتاثية
املختلفة ،إن على مستوى تقنيات السرد؛ من خالل استدعاء األغنية ،واحلكاية الشعبية ،واألسطورة،
وتفعيل دور القوال وجعله شخصية أساسية يف لعمل املسرحي ،أو على مستوى اللغة اليت اقرتب فيها
كاكي من لغة املأثورات الشعبية؛ فهي لغة بسيطة تتميز بسحر خاص ،نابع مما تزخر به من أشكال
التنميق اللغوي ،وختتزل ّتارب السلف من خالل توظيف األمثال واحلكم .أمامن حيث املضمون فال
يتواىن الكاتب عن طرح أكثر القضايا حساسية كنبذ الشعوذة ،واإلميان باألولياء الصاحلني وغريها من
املوضوعات امللتصقة بالعقلية الشعبية اجلزائرية ،وهبذا متكن يف نصوص كثرية مثل" :القراب
والصالحين" ،و"ابن كلبون"" ،كلواحد وحكمو"" ،القراقوز" وغريها « ( )...من حتقيق التضامن
الذي استمده من تراث األجداد ،يف شكل مسرحي يواكب املسرح املعاصر ،يتخذ من هذا األسلوب
-)1حنو رؤية ماركسية للرتاث ،دار الفكر اجلديد /بريوت ،لبنان ،1022 ،ص.32
48
سبيال لتمرير خطابه الواعي )1(»...الذي يهدف إىل إصالح حال اجملتمع عن طريق حماربة املعتقدات
الشعبية البائدة.
وال ختتلف ّتربة "عبد القادر علولة" ( )0224-0232عن ّتربة"كاكي" وإن كانت أكثر نضجا
وحتكما يف استلهام الرتاث واإلفادة منه ،وعلى الرغم من أن نظرية املسرح امللحمي لربخيث قد
شكلت نقطة االنطالق بالنسبة إىل رؤية "علولة" الفنية إال أنه سرعان ما التفت إىل «الرتاث احلي،
ذلك الذي يشكله رجال [بلده] ،الذين يشيدون يوميا احلاضر واملستقبل ،وهبذا املعىن [يقول علولة]
فأنا أضطلع بكل املوروث بصفة واعية ونقدية ( )...وهلذا السبب فأنا أكن مودة خاصة للرتاث
()2
الشعب بكل عناصره املكونة ،ويف هذا امليدان بالذات هتتز مشاعري أكثر وأكون أشد التحاما»
وتعبريا عن الطبقة الشعبية البسيطة اليت عول عليها يف انتقاء شخصياته ومواضيعه ،وأفكاره.
فمن حيث املواضيع كان هم عبد القادر علولة ،بداية من الثمانينيات من القرن العشرين ،هو تصوير
واقع الطبقة الكادحة وما تعانيه من ظلم وحرمان ،وما تتخبط فيه من معاناة ،فكانت االنتهازية،
والبريوقراطية ،وتسلط اجلهاز اإلداري ،الرشوة ،وخيانة األمانة وغريها من اآلفات االجتماعية حمرك
عجلة االبداع لديه واليت جسدهتا نصوص مسرحية مهمة يف مساره الفين حنو :مسرحية "محق سليم"
املقتبسة عن مسرحية "مذكرات أمحق" لغوغول وتتناول تسلط اجلهاز اإلداري ،وثالثية "األقوال"سنة
"–1024األجواد"سنة " -1020اللثام"سنة 1022اليت تستمد مواضيع جدارياهتا من يوميات
الطبقة الكادحة ،كما أنه كان خيتار شخصياته من واقع احلياة اليومية ،مناذج ميكن أن نصادفها كل
يوم يف مقاهي وهران وأحيائه البسيطة.
وقد انتدب علولة ،لتصوير معاناة الطبقة الكادحة والتعبري عن آالمها ،وسائل فنية تراثية تالئم يف
بساطتها وأصالتها بساطة الشرحية العظمى من اجملتمع وأصالتها ،و«تساهم يف بروز مسرح جزائري
-)1عبد احلميد بورايو ،األدب اجلزائري ،دار القصبة للنشر ،اجلزائر ،2662 ،ص.126
-)2عبدالقادر علولة ،الظواهر األرسطية يف املسرح اجلزائري ،تر :مجال بن عرب ،من مسرحيات علولة ،موفم للنشر ،املؤسسة
الوطنية للفنون املطبعية ،اجلزائر ،1002 ،ص.210-214
49
يرتبط بعمق الرتاث الشعب والثقايف»()1ويعرب عن هوية الشعب اجلزائري ،فكان القوال واحللقة شكلني
تراثيني استمد منهما عبد القادر علولة قوته لتعرية واقع جزائر الثمانينيات ،وكانت اللغة الرتاثية أداة
فعالة إليصال الفن املسرحي ألعماق املتفرج اجلزائري البسيط.
وعلى الرغم من تأثره باملسرح امللحمي إال أن علولة سعى إىل املوائمة بني طروحات "برخيث" وبني
طبيعة املتفرج اجلزائري ،فكان توظيف احللقة نابع من إحساسه بعقم التصور األرسطي للمسرح،
ونتيجة اندماجه والفئات الشعبية البسيطة ،يقول هبذا الصدد « :يف كل يوم من أيام األسبوع ،تقوم
يف بالدنا سوق أسبوعية أين يلتقي نفر ومجوع الناس لقضاء حوائجهم( )...وكانت تقام حلقات
على شكل دائري تُروى فيها قصص األبطال وسريهم ،وما تركه هؤالء من أمور عظيمة ،فكان هلذه
احلكايات صدى عميق وأمهية بالغة لدى اجلماهري ،فهي عامل يرتكز على الذاكرة الشعبية ،وخيال
()2
اإلبداع يف القول والفعل واحلركة يعتمد على الفرجة واملتعة ،ختلط فيه احلقيقة باخليال واجلد باهلزل»
ومن هذه األسواق استمد تصورا خاصا ملسرحه الذي طبقه يف ثالثية األقوال ،األجواد ،اللثام ،وهي
النصوص اليت متثله مرحلة الوعي بتوظيف الرتاث.
ومن املصادر احمللية ،أيضا ،اليت استقت منها املسرحية اجلزائرية مادهتا السرد اجلزائري الذي ّنم
الكتاب املسرحيون منه ّتارب عديدة عملوا على مسرحتها ،ووجدوا فيها ذلك النص اجلاهز الذي
يقدم بدائل تعبريية أخرى قوامها األنساق البصرية والسمعية ،ومن أمثلة هذه املصادر نذكر :مسرحية
"الشهداء هذا األسبوع" تأليف الروائي "الطاهر وطار" اقتباس "حممد بن قطاف" إخراج "زيان
الشريف عياد" سنة ،1020وقصة "احلوات والقصر للمؤلف نفسه ،اليت اقتبسها مسرح قسنطينة
-)1رجاء علولة ،ذكرى اغتيال عبد القادر علولة ( :أن تكون فنانا فذلك العمر كله) ،تر :أمحد عياد ،جريدة اليوم ،ع ،34س،
دار الصحافة ،اجلزائر ،1000-63-16 ،ص.10
-)2عبد القادر علولة ،من مسرحيات علولة ،تر :إنعام بيوض ،موفم للنشر ،املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية ،اجلزائر،1002 ،
ص.211
50
اجلهوي ،وقدمها على ركحه سنة ،2662وكذا رواية "سيدة املقام"لواسيين األعرج اليت اقتبسها
املسرحي "مراد سنوسي" بعنوان "امرأة من ورق" وقدمها على ركح مسرح "سيدي بلعباس" اجلهوي.
التاريخي :يعد التاريخ مصدرا مهما من مصادر املسرحية اجلزائرية ،يستمد منه الكاتب
ّ -7التراث
موضوعه وشخصياته للتعبري عن ّتربة نفسية ،أو فكرية ،أو سياسية ،يصبح التاريخ يف ظلها قناعا
ورمزا يتخفى الكاتب وراءه ليلفت نظر متلقيه إىل قضية دون أخرى من خالل صياغة فنية تنطلق من
احلقيقة وتتغذى باخليال ،لتكون حلقة واصلة بني املاضي واحلاضر.
ولقد انتبه الكتاب اجلزائريون إىل دور التاريخ يف التعبري عن الواقع املعيش ،وقدرته على تصوير
املعطيات الراهنة اعتمادا على وقائع وأحداث مهمة تقبع يف الذاكرة اجلماعية ،وتعتمل يف ذهن
الكاتب املبدع ،ليحرك خيوطها ،ويعمل خياله يف نسج عامل إبداعي يقرتب منها تارة ،ويبتعد عنها
تارة أخرى فاسحا اجملال لقدرات املتفرج /املتلقي اإلدراكية على تفكيكها وإعادة تركيبها ،دجمها
وإسقاطها على واقعه املعيش.
ولعل اهتمام املسرحيون اجلزائريون باملواضيع التارخيية يعكس مدى وعيهم بأمهية التاريخ بالنسبة إىل
الشعوب ،لذلك وظفوه من أجل توعية الشعب اجلزائري ،ألن املسرحية التارخيية "تنشأ عادة يف
الظروف اليت يشتد فيها الصراع بني القوميات املتعددة أو بني الشعـ ــوب املضطه ــدة وبيـ ــن احملتــلني
األجانب ،وكذلـ ـ ــك تبحث الشعوب ع ــن جذورها وانتمائها ،وتسعى إىل إثارة النهضة القومية يف
نفوس أبنائها فتعود إىل ماضيها تستلهم وتكشف عن الفرتات املضيئة فيها ،تستهدف من ذلك إثارة
احلمية يف النفوس وبعث الشعور القومي الكائن يف أعماق الناس"(.)1
وتعد فرتة األربعينيات إىل اخلمسينيات من القرن العشرين فرتة املسرحية التارخيية بامتيازيف اجلزائر،
حيث انربى الكتاب املسرحيون والسيما أعضاء مجعية العلماء املسلمني يستقون من التاريخ
- )1أمحد بن داود ،دور املسرح اجلزائري يف املقاومة الثقافية لالستعمار الفرنسي ،1041-1020مذكرة ماجيسرت ،جامعة
وهران ،2660-2662 ،ص.13 :
51
موضوعات نصوصهم ،ساعني من خالل ذلك إىل إذكاء الروح القومية يف متلقيهم ،والتصدي
لألساليب االستعمارية اهلادفة إىل طمس اهلوية اجلزائرية ،متخذين ،من أجل حتقيق ذلك ،من
الشخصيات التارخيية وسيلة فعالة لتمرير خطاب تعليمي تربوي بريء يف الظاهر سيسي حترضي يف
الباطن.
واملستقرئ للنصوص املسرحية اجلزائرية يالحظ أن الكتاب كانوا ينطلقون من مبدأ احلرية يف التعامل
مع التاريخ ،وهو املبدأ الذي جعل كل كاتب ينفرد برؤية خاصة للوقائع أو الشخصية التارخيية،
فيوظفها تبعا ألفكاره ومراميه ،وتصدر عن وعي تام بظروف املتلقي السياسية واالجتماعية؛ ف ـ "أحمد
توفيق المدني" مثال ال ينفك خيتار من التاريخ املغرب القدمي شخصية القائد القرطاجين "حنبعل" إال
ليربز صراع الشعب اجلزائري مع االحتالل الفرنسي ،ولكنه يعمد إىل مبدئي العزل واالنتقاء؛ فال يهتم
بسرية هذا البطل كاملة ،وال حيتفل بانتصاراته اليت كادت تقضي على روما ،بقدر ما يعىن بلحظات
اّنزامه ،وتعرضه للخيانة ،لتكون هذه اللحظات عربة للشعب اجلزائري الذي مير ،يف ظل السياسة
االستعمارية ،بلحظات النكسة والنكبة ،ويبني له أن النجاح والعظمة إمنا يظهران يف أوقات الضيق ال
الفرج ،فكانت هذه املسرحية ،حبق «،دعوة الستلهام قيم املقاومة من احملطات التارخيية ،اليت
تناوهلا[الكاتب] يف شخصية "حنبعل" وسريته البطولية»()1واسقاطها على واقع الشعب اجلزائري
املضطهد.
وإذا كان توظيف التاريخ يف املسرحية اجلزائرية قد حقق أهدافا عديدة متثلت يف:
52
-احملافظة على اللغة العربية السيما وأن أغلب املسرحيات كتبت بالفصحى ونشرت يف أعمدة
اجلرائد.
وهي أهداف ظاهرة تبنتها "مجعية العلماء املسلمني" ،وسخرت أقالم أعضائها لتحقيقها ،فإن اهلدف
املضمر هو توحيد الشعب اجلزائري أوال ،وتنظيم الصفوف املغاربية ،والتحريض على الثورة ،والتضحية
بالنفس والنفيس من أجل حرية الوطن؛ وهو ما عربت عنه مسرحية "يوغرطة" للكاتب "أمحد
ماضوي" حني ذكرت املتلقي اجلزائري بأن ما حدث يف املاضي إبان الفرتة النوميدية حيدث اآلن إبان
الفرتة االستعمارية؛ فاملقاومة وجدت يف عهد يوغرطة ويف العهد الفرنسي« واإلطار التارخيي ملقامة
يوغرطة للرومان صاحل( )...ألن يشكل إطارا فنيا ملقاومة الشعب اجلزائري للفرنسيني»()1والتاريخ
يعيد نفسه إن مل نستفد منه.
إن توظيف التاريخ يف املسرح ليس حكرا على فرتة زمنية واحدة ،فإذا كان هؤالء الكتاب قد وظفوه
يف اخلمسينيات من القرن 26م ،فإن التاريخ مازال حيظى باألولوية يف عصرنا احلاضر ،وقد كان مادة
طيعة يف يد الكاتب املعاصر الذي أبرز قدرته على العطاء وعلى تصوير الواقع الراهن فكان سالحا
فعاال لتعرية األنظمة السياسية ،وحلقة واصلة بني املاضي واحلاضر.
يني :يعد املصدر الديين من أهم مصادر املسرحية العربية بعامة ،واجلزائرية خباصة نظرا
-3التراث ال ّد ّ
لكونه الكتاب املقدس األكثر تأثريا يف فكر املبدع اجلزائري ،واألشد تغلغال يف وجدان املتلقي مهما
كان مستواه الثقايف ،ولعل هذه املكانة اليت حيظى هبا الدين يف النفوس هي اليت جعلته مطلبا عزيزا
يسعى كل كاتب إىل االستشهاد بألفاظه ومعانيه ،وحوادثه وشخصياته ،ويروم تدبيج نصه مبا يزخر به
من مجاليات وفنيات.
غري أن توظيف البعد الديين ،مع كل ما يوفره من طاقات فنية وتعبريية مكثفة ،يظل مسلكا حساسا
بالنسبة إىل أغلب الكتاب املسرحيني الذين يشعرون ،عادة« ،ببعض التحرج أمام األحداث الدينية
53
األساسية ( )...فالكاتب املسرحي يهرب من توظيف هذه الشخصيات خشية الوقوع يف
تأويلها»()1وهو ما يضيق مساحات التصرف واإلبداع عند توظيفه.
وقد ارتبط توظيف البعد الديين يف املسرحية اجلزائرية ،شأنه يف ذلك شأن توظيف التاريخ ،بفرتة
اخلمسينيات من القرن العشرين ،ويرجع ذلك إىل عوامل عديدة نذكر منها:
أ -مقاومة السياسة االستعمارية اهلادفة إىل طمس اهلوية الدينية يف وجدان الشعب اجلزائري ،ما جعل
جهود الطبقة املثقفة ،آنذاك ،ينصب على بعث الوازع الديين يف وجدان الشعب عن طريق مسرحيات
ذات طابع ديين تقدم عروضها يف املناسبات الدينية املختلفة.
ب -تفشي اجلهل واألمية واخلرافات والعادات البالية يف أوساط الشرحية العظمى من الشعب ،األمر
الذي جعل توظيف اجلانب الديين ذا بعد تعليمي تربوي يف املقام األول.
ج – الدور الفعال الذي ّنض أعضاء مجعية العلماء املسلمني به ،ذوو الثقافة الدينية األصيلة،
هبدف احلفاظ على مقومات األمة اجلزائرية.
د -املوقف الدفاعي الذي تبناه أعضاء اجلمعية ضد االّتاه املسرحي الشعب الذي بدأ يلقى رواجا
معتربا يف تلك الفرتة ،وإحساسهم مبخاطر تفشي اللهجة العامية ،واملواضيع الفكاهية اليت ميزت
نصوص ذلك االّتاه يف مقابل احنصار اللغة العربية ،واملرجعية الدينية.
ه -زرع األمل يف نفوس اجلزائريني ،وتقدمي النموذج والبطل ممثال يف شخصيات إسالمية متسكت
بتعاليم الدين ،وتصدت ألبشع صور التنكيل والتعذيب من قبل الكفار يف سبيل مبادئها.
وميكن التمييز ،عند احلديث عن توظيف البعد الديين يف املسرحية اجلزائرية ،بني توظيف أحداث دينية
مهمة حنو اهلجرة النبوية الشريفة اليت كانت مصدر إهلام الكاتب "محمد الصالحرمضان" يف مسرحية
-)1إمساعيل سيد علي ،أثر الرتاث يف املسرح املعاصر ،دار قباء للطباعة والنشر و التوزيع ،القاهرة ،مصر ،دار املرجاح (الكويت)
سنة ،2666ص .124
54
"النّاشئة المهاجرة" سنة ،0242أو سرية النب صلى اهلل عليه وسلم اليت جذبت الكاتب "عز
الدين جالوجي" فألف مسرحية "رحلة فداء" يصف سرية النب والصحابة الكرام ،وحيفظ مآثرهم ،أو
املولد النبوي الشريف الذي كان موضوعا خصبا بالنسبة إىل "عبد الرحمان جياللي"(يف مسرحية
المولد سنة )1010لتجسيد الصراع بني احلق والباطل ،أو اخلري والشر من خالل عرض مولد سيد
اخللق حممد صلى الله عليه وسلم ،ومواقف اليهود والنصارى العدائية الرتباط ميالد النب من العرب
وليس منهم ،ولعل اهلدف األول من تأليف هذه املسرحية كان التعبري عن «سخط املفكرين اجلزائريني
إزاء نشاط االستعمار من أجل متسيح الشباب اجلزائري ،وضرب احلضارة اإلسالمية ،ففي هذه
الظروف التارخيية الصعبة كان اجملتمع اجلزائري يف أمس احلاجة إىل إحياء تارخيه )1(»...اإلسالمي،
وتعليم النشء عظمة مولد خامت األنبياء واملرسلني.
فضال عن توظيف األحداث الدينية املهمة حتضر شخصيات إسالمية كان هلا وقع شديد يف التاريخ
اإلسالمي حنو شخصية "بالل بن رباح" يف املسرحية احلاملة العنوان نفسه حملمد العيد آل خليفة سنة
1032اليت ّتعل هذا الصحاب رمزا للصرب ،والثبات على مبادئ الدين اإلسالمي ،أو شخصية
النجاشي يف مسرحية تغريبة جعفر الطيار ليوسف وغليسي حيث يطل علينا التاريخ اإلسالمي من
خالل هذا امللك العادل الذي أسلم هلل تعاىل بالفطرة ،وكان رمزا للحق والعدل ،والسالم.
ومن خالل ما تقدم ،نستنتج أنتعامل الكتاب املسرحيني اجلزائريني مع البعد الديين أحداثا
وشخصيات كان تعامال واعيا هدف إىل حتقيق مساع وطنية ،وتعليمية حتث على التمسك بالدين
اإلسالمي حملاربة السياسة االستعمارية ،والفنت السياسية.
-)1العيد مرياث ،أدب املسرحية العربية يف اجلزائر ،نشأته وتطوره ،رسالة ماجستري ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،جامعة القاهرة،
،1022ص.132
55
السـ ــادس ـ ــة:
الم ـ ـ ـحـ ــاضـ ــرة ّ
أث ــر التّجـ ـربتين المسرحيّتين العربــيّة واألج ــنبيّ ــة على
المــسرح ــيّة الج ــزائـ ــريّـ ــة:
56
تمهيد :استطاع املسرحيون اجلزائريون ،بفضل االرتكاز على الرتاث الشعب والديين والتارخيي ،صقل
ّتربتهم اإلبداعية على املستويني الفكري والفين ،غري أن انفتاحهم على التجربة املسرحية العربية
واألجنبية ،منذ نشأة املسرحية اجلزائرية إىل يومنا هذا ،مكنهم من استحداث قوالب وصيغ مسرحية
جديدة ،وغدى طموحهم يف املضي قدما إىل األمام ،ومواكبة الراهن املسرحي العرب والغرب ،مما كان
له أثر يف هذا الفن يف بالدنا.
ّأوال-أثر التّجربة المسرحيّة العربيّة على المسرحيّة الجزائريّة :إىل جانب الرتاث الشعب تستمد
املسرحية اجلزائرية موضوعاهتا ،أيضا ،من مصادر عربية ،سواء تعلق األمر باملؤلفات الرتاثية أو بالتجربة
املسرحية املشرقية ،اليت التفت الكتاب املسرحيون اجلزائريون إليها ،ساعني إىل توظيف ما تزخر به من
حكايات وشخصيات وفنيات للتعبري عن واقعهم النفسي واالجتماعي والثقايف.
ويعود اتصال الفن املسرحي اجلزائري باملصادر العربية إىل البدايات األوىل اليت تعرف رجال املسرح
فيها على هذا الفن ،وذلك من خالل زيارات فرق مسرحية وفنية عربية كثرية يف مطلع العشرينيات من
القرن املاضي ،وعلى رأسها فرقة املمثل املصري "جورج أبيض" الذي ،وبطلب من األمري خالد ،قدم
عرضني مسرحيني :األول بعنوان املروءة والوفاء خلليل اليازجي ،والثان بعنوان شهيد بريوت للشاعر
"حافظ إبراهيم" ،وعلى الرغم من الفشل الذريع الذي منيت به هذه الزيارة بسبب اعتمادها اللغة
العربية اجملهولة عند الشرحية العظمى من الشعب اجلزائري آنذاك ،ونتيجة موضوعها القومي الذي كان
الشعب اجلزائري منشغال عنه بقضاياه اليومية البسيطة يف ظل السياسة االستعمارية القاهرة ،إال أن
فضل هذه الفرقة كان التعريف بالتجربة املسرحية املشرقية اليت بلغت آنذاك شأوا عظيما موازنة
بالتجربة املغاربية عموما ،واجلزائرية خصوصا.
واملالحظ أن املسرحية اجلزائرية انفتحت ،منذ نشأهتا إىل يومنا هذا ،على مصادر عربية خمتلفة أمهها :
أ -قصص "ألف ليلة وليلة :يعد كتاب "ألف ليلة وليلة" رافدا مهما من روافد املسرحية اجلزائرية،
وجد املسرحيون اجلزائريون يف سحر لياليها ،وعذوبة لغتها ضالتهم ،فانكبوا عليها يستلهمون
57
نصوصهم من شخصياهتا ،وقصصها ،ويعربون ،من خالل مغامراهتا ،عن تطلعاهتم الفنية والنفسية،
باصمني املسرح اجلزائري ببصمة عربية متميزة.
وقد اقرتنت العودة إىل "ألف ليلة وليلة" واستلهام النص املسرحي من قصصها مبسرحية جزائرية ارتبط
التأريخ لبداية هذا الفن يف اجلزائر هبا وهي مسرحية "جحا" لـ ـ "سالل علي" الذي أكد ،هو نفسه
ردا على النقاد الذين رجحوا أّنا جمرد اقتباس ملسرحية موليري املوسومة بـ ـ" طبيب رغم أنفه" ،أن من
مصادرها :حكاية "القن" ،وقصة" قمر الزمان" املأخوذتني من روائع"ألف ليلة وليلة".
وميكن أن جنمل النصوص اليت استلهمها أصحاهبا من قصص ألف ليلة وليلة على النحو اآليت(:)1
-)1أفدنا يف هذه النقطة من :أمحد بيوض ،املسرح اجلزائري :نشأته وتطوره ،ص.122-120-124-112
58
-7التّجربة المسرحيّة المشرقيّة الحديثة :لفتت التجربة املشرقية احلديثة نظر املسرحيني اجلزائريني
نظرا لريادهتا يف جمال الفن بعامة واألدب خباصة ،فسعوا إىل اإلفادة منها ،متجاوزين احلدود اجلغرافية،
وهادفني إىل النهوض بالفن املسرحي اجلزائري ،وااللتحاق بالتجربة األدبية العربية يف مصر وسوريا
ولبنان وغريها من األمصار العربية.
ومل يكن املسرحيون اجلزائريون يفرقون ،يف تعاملهم مع اإلبداع العرب املشرقي ،بني االقتباس عن
نصوص مسرحية أو نصوص أدبية روائية كانت أو قصصية ،بل كانوا يبحثون عن اجلودة الفنية،
والطرح الفكري املالئم لواقعهم املعيش ،واضعني نصب أعينهم إثراء التجربة املسرحية الفتية موازنة
بنظريهتا املشرقية ،ولعلنا نكشف من خالل هذا الرصد( )1عن املصادر املشرقية اليت القت صدى يف
نفوس كتابنا فاقتبسوها ،وقدموها يف املسرح الوطين أو يف مسارح اجلهوية:
-)1أفدنا يف هذه النقطة من :أمحد بيوض ،املسرح اجلزائري ،نشأته وتطوره ،ص 122-122و 212 -210و 222و
( 201-212بتصرف).
59
كاتب
اقتباس بن قطاف وجموب ،إخراج :زيان الشريف 1024 إحسان عبد حافلة تسري
عياد القدوس
1020 اقتباس :عبد احلفيظ زايدي ،إخراج :مصطفى سعد اهلل بايع راسو يف
كاتب ونوس قرطاسو
1003 توفيق احلكيم اقتباس و إخراج :العرب زكال مشس النهار
2666 اقتباس:أمحد رزاق ،إخراج :نبيلة حممدي إحسان عبد الزعيم
القدوس
1001 عصام حمفوظ اقتباس وإخراج :حممد آدار والطيب رمضان اجلنرال
ومن خالل هذا الرصد حلضور التجربة العربية يف املسرحية اجلزائرية نقف على بعض املالحظات منها:
-أن الكتاب املسرحيني اجلزائريني كانوا يعتمدون مبدأ االنتقاء الواعي للنص املصدر انطالقا مما يتسم
به من خصائص فنية ومجالية.
-أما من حيث املضمون فقد ركزوا على املواضيع االجتماعية اليت تسلط الضوء على االنتهازية،
وتضارب املصاحل يف "حوت يأكل حوت لتوفيق احلكيم" ،و "حافلة تسري" إلحسان عبد القدوس،
واملهرج للماغوط .كما تفاعلوا مع النصوص ذات املغزى السياسي اليت تسعى إىل تعرية األنظمة
العربية مثل مسرحية" :بايع راسو يف قرطاسو" املقتبسة عن مغامرة رأس اململوك جابر لسعد اهلل
ونوس ،الزعيم إلحسان عبد القدوس ،السلطان احلائر لتوفيق احلكيم وغريها.
-أن االقتباس عندهم كان إبداعا ثانيا للنص األصل ،حيث كانوا يأخذون الفكرة أو مضمون
النص ،ويتصرفون يف البناء مبا يتالءم والبيئة اجلزائرية.
60
ثانيا-أثر التّجربة المسرحيّة األجنبيّة على المسرحيّة الجزائريّة :انفتحت التجربة املسرحية يف
اجلزائر ،بفعل االقتباس والرتمجة ،على املصادر األجنبية ممثلة يف نصوص مسرحية بلغت العاملية،
وجذبت مبواضيعها اإلنسانية اخلالدة ،وبشخصياهتا ذات األبعاد النفسية واالجتماعية والفكرية
املتكاملة ،الكتاب املسرحيني اجلزائريني فسعوا إىل إعادة صياغتها ،وتقدميها للجمهور اجلزائري يف حلة
جديدة.
واحلق أن االتصال باملصدر األجنب يعود إىل فرتة الثالثينيات من القرن العشرين ،حيث عول الرواد
األوائل" :سالل علي"و"حمي الدين باشطارزي" و" رشيد القسنطيين" ،من أجل دفع عجلة املسرحية
اجلزائرية قدما إىل األمام ،على ما توفر هلم من نصوص املسرح الفرنسي والسيما مسرح "موليري" الذي
كان له حضور مكثف يف أعماهلم نظرا ملا يتميز به من بساطة وفكاهة وما يطرحه من مواضيع
اجتماعية ،وقد أطلق لفيف من النقاد على ّتربة انفتاح الفن املسرحي اجلزائري على اآلخر وصف
"السري على املنوال" ،أو "االقتداء بالنماذج السابقة"( ،)1وهي خطوة ضرورية ،يف نظر هؤالء النقاد،
حىت يتقن الكتاب اجلزائريون دروب الكتابة الدرامية وأفانينها ،فكان االنفتاح على الربرثوار األورب
ضرورة ملحة فرضتها الظروف السياسية والثقافية اليت عرفتها اجلزائر يف تلك الفرتة.
وميكن القول إن انفتاح الفن املسرحي على التجربة الغربية قد متيز جبملة من املميزات نذكر منها:
-1تنوع املصادر الغربية اليت ّنل املسرحيون اجلزائريون مادهتم منها؛ حيث تراوحت ،وبنسب
متفاوتة ،بني املسرح الفرنسي ،واملسرح اإليطال واإلجنليزي ،واألملان ،والروسي وغريه ،يقول نصر
الدين صبيان يف هذا «:لقد ارتبط املسرح اجلزائري باإلعداد واالقتباس من املسرح األوروب خاصة
الفرنسي منه ،حبكماالحتكاك املستمر واملتبادل بني الفرنسيني واجلزائريني ،أثناء االحتالل»()2فكان
-)1مثارا ألكساندروفينا بوتيتسيفا ،ألف عام وعام على املسرح العرب ،تر :توفيق املؤذن ،دار الفراب ،بريوت ،لبنان ،ط،1
1021م ،ص.22
-)2نصر الدين صبيان :اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر ( ،) 1026-1014رسالة ماجستري ،إشراف :عزيزة مريدن ،كلية
اآلداب ،جامعة دمشق،1024-1021 ،ص360
61
لرجال املسرح اجلزائري احلرية يف اختيار مواضيع نصوصهم من التجربة الغربية ،ال حتدهم حدود لغوية
أو جغرافية يف ذلك.
واملالحظ أن املسرح الفرنسي حيظى ،بفعل االرتباطات التارخيية والثقافية ،مبيل املسرحيني اجلزائريني؛
حيث نلفي اقتباسهم لنصوص مسرحية؛ فقد عكف الرعيل األول على تقدمي نصوص موليريللجمهور
اجلزائري ،وولع "أمحد رضا حوحو" بنصوص كل من موليري و"فيكتور هوغو" وغريمها(*)،أما كاكي ولد
عبد الرمحان فاختار من املسرح اإليطال مسرحية "ديوان القارقوز"للكاتب ،...واختار عبد القادر
علولة من األدب الروسي قصة "مذكرات جمنون" للكاتب "نيكوالي غوغول".
ولعل مسرح "برتولد بريخث" األملان كان رافدا مهما من روافد املسرحية اجلزائرية؛ ويرجع ذلك إىل
«ما يتصل مبكانة برخيث يف املسرح العاملي ،ومنها ما يتصل هبويته السياسية والفكرية ،ومنها شيوع
االعتقاد بأن إضفاء صفة امللحمية على عمل مسرحي ما يعفياملؤلف من التقيد بأصول احلبكة
الدرامية ،كما يعفي املخرج واملمثل من مشقة بناء العرضاملسرحي املرتابط املقنع»()1حيث تأثر به
لفيف من املسرحيني اجلزائريني إن على مستوى الكتابة أو التمثيل أو اإلخراج وعلى رأسهم "كاكي
ولد عبد الرمحان" ،و"زيان الشريف عياد" ،و"حممد بن قطاف" ،و"عبد القادر علولة" وغريهم.
-2تراوحت وسائل اإلفادة من التجربة املسرحية الغربية بني االقتباس والرتمجة؛ غري أنه ميكن أن
نسجل ،انطالقا من تعامل الكتاب مع االقتباس والرتمجة ،مالحظتني ،تتعلق األوىل باحلرية اليت يتمتع
هبا املقتبس يف تعامله مع النص األصل فهما وتأويال؛ حيث يغدو االقتباس والرتمجة إبداعا ثانيا يراعي
خصوصية البيئة اجلزائرية ،وتتعلق األخرى بطرق االقتباس أو الرتمجة؛ حيث كان لكل مسرحي اسلوبه
يف التعامل مع النص األصلي ،ال يتقد بشروط ،وال خيضع لضوابط.
*) -أوردنا بعض النصوص املستقاة من املسرح الفرنسي لسالل علي وأمحد رضا حوحو يف احملاضرة الرابعة من املطبوعة ،ص34
و.12-11-16
-)1رشيد ياسني :دعوة إىل وعي الذات ،فصول يف نظرية الدراما والنقد املسرحي ،منشورات ،دمشق ،2666 ،ص .131
62
نستنتج مما سبق أن االنفتاح على التجربتني املسرحيتني العربية والغربية كان لضرورات تارخيية وفنية
وفكرية ،وأّنأكسب النتاج املسرحي نضجا فنيا وفكريا ،كما كان له نتائجه على املستوى الكمي ،ومل
يكن هذا االنفتاح بدافع التقليد بقدر ما كان تأثرا يهدف إىل هدم فكرة التقوقع على الذات ،ويدعو
إىل جماراة الركب الفين واإلبداعي.
63
السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة:
المـ ـح ـ ــاضـ ـ ــرة ّ
اتّـ ـ ـ ـ ـج ـ ــاهـ ـ ــات المـ ــسرحـ ــيّـ ــة الجـ ـ ـزائـ ـريّـ ــة:
عبي.
ش ّ -0االتّجاه ال ّ
االصالحي.
ّ -7االتّجاه
64
تمهيد :يكاد جيمع العديد من الدارسني أن الفن املسرحي اجلزائري يتأرجحبني اّتاهني لكل منهما
خصائصه ،وأعالمه ،وأهدافه ،وقضاياه ،وتتحكم يف كل اّتاه منهما ظروف نشأة خاصة ،ومها
االّتاه الشعب ،واالّتاه االصالحي ،وعلى الرغم مما مييز هذين االّتاهني من اختالفات إال أنه ال
ميكن إنكار فضلهما يف إرساء دعائم الفن املسرحي يف اجلزائر .
عبي :يعد االّتاه األسبق إىل الظهور موازنة بنظريه االصالحي ،حيث انبثق -بصورة
ش ّ -1االتّجاه ال ّ
تلقائية -من لدن الشعب يف العشرينيات من القرن العشرين ،مل يكن رواده من الطبقة املثقفة ،بل
كانوا هواة ميارسون الفن املسرحي تأليفا ومتثيال وإخراجا إىل جانب مهن اجتماعية خمتلفة؛ حيث
اشتغل "ساللي علي" مثال مساعدا يف خمرب بصيدلية ،أما "رشيدالقسنطيني" فعمل جنارا ،وبدأ
"محي الدين باشطارزي" حياته كحزاب باجلامع احلنفي بالعاصمة()1ولكن مهنهم هذه مل متنعهم من
خوض التجربة املسرحية اليت لطاملا شغفوا هبا ،ولقد كان هذا االّتاه أشد التصاقا باجلماهري العريضة،
يسعى إىل التعبري عن قضاياها ،وأحالمها ،ويكتب هلا وعنها بأسلوب بسيط ،ووعي عميق بقدرة
املسرح على تغيري الفرد واجملتمع ومن مثة اختذ تسمية املسرح الشعب.
واجلدير بالذكر هو أن رواد االّتاه الشعب قد أدركوا حقيقة املسرح الذي يتجاوز مؤسسة
األدب لينتمي إىل مؤسسة أعم وأمشل هي مؤسسة الفن ،فكان النص بالنسبة إليهم مشروع ال
يكتمل إال بالعرض ،وهلذا مل يُعنوا بتنميقنصوصهم املسرحية ،ومل يهتمواجبودة أبنيتها األسلوبية بقدر
عنايتهم بنجاح العرض ،ومبهارات التمثيل واالرّتال اليت عولوا عليها الستقطاب اجلمهور.
أعطى أصحاب االّتاه الشعب مكانة مهمة للجمهور ،وسعوا إىل املوائمة بني املسرح باعتباره
فنا دخيال وبني طبيعة اجلمهور اجلزائري ومزاجه ،وسعوا إىل تأصيل الفن املسرحي حبيث يقرتب من
الشعب البسيط ويالمس وجدانه ،ويتغلغل إىل ثقافته ومن أجل حتقيق ذلك تبنوا اسرتاتيجية مسرحية
حمكمة قوامها:
-)1صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق-ص( 04-03-02بتصرف).
65
أ -تقدمي العروض القصرية اليت ال تبعث على امللل مراعاة لنفسية اجلمهور اليت مل تعتد اجللوس لفرتة
زمنية طويلة ملشاهدة عرض مسرحي.
ب -يتخلل كل عرض مقاطع غنائية طربية تكسر أحادية اخلطاب ،وتعمل على جذب اجلمهور،
وتقلص ما قد يشوب العرض من نزعة خطابية.
ج -تقدمي العروض يف املقاهي واألحياء الشعبية لضمان إيصاهلا إىل الشرحية العظمى من اجملتمع
اجلزائري.
د -اعتماد اللهجة العامية وسيلة تعبريية راهن أصحاب هذا االّتاه على ما توفره من طاقات تداولية
لتقريب هذا الفن من الطبقة العامة اليت ال يفهم ،أغلب أفرادها ،اللغة العربية بسبب تفشي اجلهل
واألمية يف أوساطها يف ظل السياسة االستعمارية ،ولذلك وقع االختيار على «اللغة الدارجة املفهومة
()1
من اجلميع( )...لغة الشارع والسوق واملقهى»
ه -راهن أصحاب هذا االّتاه على األسلوب الكوميدي جلذب اجلمهور ،ودفعه إىل التعلق
بالعروض املسرحية املقدمة يقول عبد القادر جغلول معلقا على سر جناح مسرحية "جحا" لعاللو
«يعود جناح مسرحيات عاللو لدى اجلمهور إىل أن هذا األخري هو موضوع تلك املسرحيات ()...
ومما ال شك فيه ،أن هذا املسرح ال ينتج شكال ثقافيا كامال ،بل يفسح اجملال للضحك ،ولو مبستوى
بدائي قصد التعرف على الذات»()2وقد أحس رواد االّتاه الشعب ميل اجلمهور اجلزائري لكل ما هو
طرب ترفيهي ،وحاجتهم للرتويح على النفس ملواجهة سياسة القهر املفروضة عليهم ،فاعتمدوا على
ذلك يف إرساء دعائم هذا الفن.
و -انكب أصحاب هذا االّتاه على الواقع يستمدون مواضيعهم منه ،فعاجلوا قضايا الشعب اليومية:
اخلمر وأضرارها ،الزواج باألجنبيات الفقر ،السحر والشعوذة وغريها.
-)1سالل علي ،شروق املسرح اجلزائري ،تر :أمحد منور ،منشورات التبيني اجلاحظية ،اجلزائر ،2661 ،ص.62
-)2االستعمار والصراعات الثقافية يف اجلزائر ،تر :سليم قسطون ،دار احلداثة ،بريوت -لبنان ،1021 ،ص.111
66
ز -سعى رواد االّتاه الشعب إىل نشر الوعي السياسي يف أوساط الشرحية العظمى من اجملتمع ،فكان
خطابه كوميديا ساخرا يف الظاهر ،يتخذ موقفا عدائيا من فرنسا وأتباعها يف الباطن على حنو ما جند
يف مسرحية "بين وي وي" ،1034الكذابني ،1032اخلداعني ،1032ما يتفع غري
الصح1030لـ ـ ـ "حمي الدين باشطارزي ،ومسرحية "فاقو" 1032لعاللو
وعلى الرغم من جناح أصحاب هذا االّتاه يف استقطاب اجلمهور إال أنه لقي بعض االنتقادات منها:
-أنه عمق مشكلة اهلوية اللغوية حيث كرس ملسرح شعب عامي اللغة ،وهو ما أوجد قطيعة بني اللغة
العربية احملاصرة من قبل االستعمار الفرنسي ،وواجلماهري الشعبية القابعة حتت نري اجلهل واألمية.
-وضع هذا االّتاه البنية الثقافية يف اجلزائر على احملك حني أوجد طبقية ثقافية أصبحت النخبة
املثقفة الناطقة بالعربية معزولة يف برجها العاجي ،يبقى أدهبا حكرا على أفرادها ،يف حني يتوجه
أصحاب االّتاه الشعب إىل اجملتمع ككل.
االصالحي :يتسم هذا االّتاه باألصالة والعراقة والرزانة ،وهو سليل "مجعية العلماء
ّ -7االتّجاه
املسلمني"واملرتجم ألفكارها يف املسرح ،ينضوي معظم رواده من كتاب وشعراء حتت لوائها ،وينشطون
يف فرق ونواد فنية وأدبية منبثقة عنها.
وقد اكتسب هذا االّتاه شهرة عربية نتيجة عالقات أعضائه بأدباء ومثقفني عرب من سوريا ولبنان
ومصر كون أغلبهم عاشوا يف هذه الدول ردحا من الزمن كأمحد رضا حوحو الذي قضى فرتة زمنية
معتربة يف مكة املكرمة ،وهو ما جعل تأثرها بالتجربة املسرحية املشرقية واضحا يف كتاباهتم ،ويف
اختياراهتم للمواضيع نفسها.
استطاع رواد هذا االّتاه أن يكثفوا نشاطاهتم اعتمادا على وسائل منها - :نشر نصوصهم املسرحية
يف الصحف واجلرائد وعلى رأسها جريديت الشهابوالبصائراليت كان للبشري اإلبراهيمي نشاط فكري
67
وأدب يف أعمدهتما ،وكذلكبعض اجملالت كاملنهل اليت نشر فيها أمحد رضا حوحو مسرحية األستاذ
سنة .)1(1016
-تقدمي عروضهم يف إطار النشاطات الرتبوية والسيما يف الثانويات حىت يستفيد التالميذ منها.
كان هدف االّتاه االصالحي هو التصدي للسياسة االستعمارية الرامية إىل طمس اهلوية اجلزائرية
العربية األصيلة ،وتدنيس الدين االسالمي ،وحمو اللغة العربية لتحل حملها اللغة الفرنسية ،ومن مثة رأى
أصحابه يف التمثيل «( )...عمال يدعم جمهود العلماء ويثري العربية ويدعم وجودها ،وحيافظ على
الشخصية العربية اإلسالمية)2(»...وانتدبوا ،من أجل احلفاظ على الشخصية اجلزائرية ،آليات كثرية
منها:
أ -الرتكيز على املواضيع التارخيية ،واستنطاق رموزها ووقائعها قصد شحذ اهلمم وحتريك النفوس على
التمرد والثورة على االستعمار الغاشم؛ ذلك أن استدعاء الشخصيات التارخيية ينم عن «الرغبة يف
خلق جيل مماثل إىل القيم واملثل السامية اليت تتحلى هبا تلك الشخصيات( )3(»)...وقد كان كتاب
اجلمعية من احلدق والذكاء حبيث ينتقون من التاريخ اإلسالمي ،أو املغارب ،أو اجلزائري القدمي ما يلب
طموحاهتم الفكرية املناهضة لالستعمار الفرنسي ،وما يتناسب وظروف الشعب اجلزائري ويبعث
األمل يف نفوس اجليل الناشئ؛ فاختيار "أمحد توفيق املدن" لشخصية البطل القرطاجي يف مسرحية
"حنبعل" يدعو إىل أخذ العربة من سريته البطولية اليت ال تستسيغ الذل واهلوان ،كما أن مسرحية
"يوغرطة"( )1042ل ـ ـ "عبد الرمحان ماضوي" تعكس الظروف السياسية يف اجلزائر إبان فرتة تأليفها
-)1صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق-ص( 110بتصرف).
-)2إدريس قرقوة ،الرتاث يف املسرح اجلزائري -دراسة يف األشكال واملضامني -مكتبة الرشاد للطباعة والنشر ،اجلزائر،2660 ،
ج ،1ص.21
-)3عبد اهلل البوصريي ،حول فاعلية املسرح العرب احلديث وامتداده اجلماهريي ،طرابلس ،ط ،1021 ،1ص.01-03
68
من حيث انقسام الطبقة السياسية إىل دعاة إدماج ودعاة الكفاح املسلح وهي الظروف نفسها اليت
عاشها القائد النوميدي "يوغرطة" حني انقسم قادة جيشه إىل مؤيد لالستسالم لروما ومعارض له(.)1
ب -تسليط الضوء على املواضيع الدينية اليت هتدف إىل ترسيخ قيم وتعاليم الدين اإلسالمي يف
نفوس الناشئة ،وتدعو إىل التمسك بالعقيدة اإلسالمية ،وأخذ العربة من شخصيات فاعلة يف التاريخ
اإلسالمي كشخصية "بالل بن رباح" يف املسرحية احلاملة العنوان ذاته ل ـ ـ "حممد العيد آل خليفة"
1032اليت جعلت من مؤذن اإلسالم «قناعا للتعبري عن ثبات الذات اجلزائرية املتمسكة بدينها،
الطاحمة إىل احلرية واالنعتاق من العبودية»()2أو التذكري بوقائع تارخيية إسالمية مهمة كمولد سيد اخللق
حممد صلى اهلل عليه وسلم يف مسرحية املولد ل ـ ـ "عبد الرمحان اجليالل" سنة .1010
ج -صدرت جل مسرحيات هذا االّتاه عن نزعة اصالحية هتدف إىل تربية النفوس وهتديب الطباع،
وبعث األمل ،والدعوة إىل التأمل يف التاريخ قصد أخذ العرب من حمطاته املختلفة ،كما سعت إىل
حماربة ألوان الشعوذة واخلرافات وغريها.
د -ال ختلو نصوص هذا االّتاه من البعد الرتبوي والتعليمي حيث أدرج الكتاب ضمن أهدافهم
التعريف ببعض األحداث أو الشخصيات اإلسالمية ،مع استحضار اآليات القرآنية واألحاديث
النبوية الشريفة ،واألشعار وغريها.
ه -اختذ هذا االّتاه من اللغة العربية رمزا للهوية العربية واإلسالمية ،فوظفوها يف نصوصهم ،وسعوا
إىل احملافظة عليها ،نشرها بني العامة واخلاصة.
-)1ينظر :عبد الرمحان ماضوي ،مسرحية يوغرطة ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،ط ،1020 ،2ص.21-23-22
وأيضا :أحسن تليالن ،توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري ،ص.06
-)2املرجع السابق ،ص.160
69
وعلى الرغم من جهود رواد االّتاه االصالحي يف نشر الوعي وإصالح حال اجملتمع ،والتصدي
للسياسة االستعمارية ،واالستماتة يف الدفاع عن الشخصية اجلزائرية إال أنه تعرض لبعض االنتقادات
نذكر منها:
-1أن نصوصهم املسرحية كانت خنبوية يف أغلب األحيان ،فعلى الرغم من أن العامة تتابع عروضهم
إال أن حاجز اللغة العربية البعيدة عن الشرحية العظمى من اجملتمع حال دون أن تلقى هذه العروض
إقباال مجاهرييا واسعا موازنة مع االّتاه الشعب اللصيق بالشعب البسيط.
-2النزعة اخلطابية اليت طغت على نصوصهم نتيجة االهتمام باملضمون على حساب اجلوانب الفنية
وهو ما جعل مسرحياهتم ،يف نظر بعض النقاد ،منربا تعليميا بالدرجة األوىل.
-3كانت مواضيع نصوص االّتاه االصالحي مواضيع تارخيية أو دينية بعيدة عن واقع الشعب
اجلزائري اليومي ،ولذلك كانت مسرحياهتم تتقوقع يف برجها العاجي دون أن تتلمس معاناة الطبقة
البسيطة من اجملتمع اجلزائري ،ودون أن تعرب عن انشغاالهتا.
وعلى العموم كان لكل اّتاه من هذين االّتاهني دوره يف تطوير املسرحية اجلزائرية ،ووسيلته يف
التعبري عن حاجات اجملتمع النفسية والثقافية والسياسية ،ومساته اليت متيزه عن االّتاه اآلخر،
وتبصم النصوص املسرحية اجلزائرية ببصمة متفردة.
70
طبيقي :مسرحيّة يوغرطة لعبد الرحمان ماضوي:
- النّموذج التّ ّ
تعد مسرحية "يوغرطة" لعبد الرمحان ماضوي منوذجا رائدا للمسرحية التارخيية ذات املغزى االصالحي،
ألفت سنة 1042مستوحية أحداثها من التاريخ اجلزائري القدمي يف ظل حكم الدولة النوميدية،
ومتخذة من سرية القائد العظيم "يوغرطة" وكفاحه ضد االمرباطورية الرومانية موضوعا هلا.
ولعل عبقرية الكاتب تظهرأوال يف اختياره للشخصية التارخيية "يوغرطة" اليت يسعى من خالهلا إىل
اصالح حال اجملتمع اجلزائري إبان الفرتة االستعمارية ،فرتتكز املسرحية على بعد نفسي يهدف إىل
بعث األمل يف نفوس اجلزائريني اليت أضناها قهر االستعمار ،ورسم صورة البطل اليت افتقدهتا عيوّنم،
وإحياء تاريخ جميد يلتفون حوله ،ويعززون ثقتهم بأنفسهم من خالل بطوالته ،وبالتال «فإن املسرحية
ال تقدم سردا تارخييا –جمانيا -حلياة يوغرطة ،بقدر ما تقدم رؤية سياسية يف الواقع اجلزائري قبيل
اندالع ثورة نوفمرب 1041من خالل اختيار مالمح وحمطات تارخيية بعينها يف حياة يوغرطة منسوجة
نسجا فنيا مسرحيا»(ّ )1تعل القارئ يتأمل ويفكر ويفعل (يثور) بدل السكون إىل الذل واهلوان.
وتتخذ املسرحية شرعيتها من خالل ذلك التشابه بني املاضي واحلاضر ،فالتاريخ فيها يعيد نفسه ،وما
حدث للجزائر يف عهد يوغرطة حيدث هلا إبان زمن االستعمار «موقف الشعب اجلزائري من
االحتالل الفرنسي...نفس األسلوب التعسفي استعمل تقريبا من طرف الرومان والفرنسيني معا،
ونفس املوقف اختذه الشعب اجلزائري من االحتاللني معا وهو موقف املقاومة والصمود ،وهناك شبه
آخر ال يقل عن السابق ،وهو أن الشعب اجلزائري انقسم على نفسه يف العهدين ،فكان منه الثوريون
()2
املتطرفون ،وكان منه املعتدلون االّنزاميون»...
71
على حنو ما هو مبني يف املقطع الدائر بني يوغرطة وأمازيغ حول تقاعس كبري األعيان
فرانسكين -«:يوغرطة :وما مربراته يف عدم مالئمة الوقت؟ -مازيغ :إنه يرى أن الشعب غري
مستعد للمقاومة – .يوغرطة:طبعا ...كيف يستعد الشعب إذا كان أربابه غري مستعدين؟ -
مازيغ :وبناء على رأيه فهو يرى أن من األحسن مماطلة روما والتعلق بصداقتها – .يوغرطة( :بقوة)
صداقة روما ؟ األبله يعتمد على صداقة روما ( )...روما تعرب لنا عن صداقتها باالستيالء على
أراضينا ( )1(»)...مما يبني موقف الكاتب نفسه من دعاة االدماج ،واعرتاضه على احلل السلمي الذي
ال طائل منه ،يف نظره ،ألن ما أخذ بالقوة البد أن يسرتد بالقوة.
وعلى الرغم من أن املسرحية تقرتب كثريا من التاريخ إال أن الكاتب ال ينفك يضمر خطابا سياسيا
حتذيريا يسعى ،من خالله ،الستنهاض مهة الشعب اجلزائري ،وحتريضه على الثورة ضد املستعمر
يتجلى ذلك يف حرصه على تضمني عتبة كل فصل من فصول نصه بآيات قرآنية أو أقوال مأثورة
توجه عملية التلقي ،وتضع املسرحية يف حركية الراهن؛ الحظ اقتباسه مثال لقوله تعاىل﴿ :فقاتل يف
سبيل اهلل ال تكلف إال نفسك وحرض املؤمنني ،عسى اهلل أن يكف بأس الذين كفروا واهلل أشد بأسا
وأشد تنكيال﴾( )2تقدميا للفصل الرابع وستتبني أن الكاتب توسل هبذه العتبة وغريها لتقوية عزمية
الشعب اجلزائري ،وحثه على اجلهاد واملقاومة وتبشريه بالنصر()3وقس على ذلك اقتباسات عتبات
باقي الفصول.
ولعل ما يلفت النظر يف املسرحية هو التنويه بدور املرأة اجلزائرية يف الثورة ،والسعي إىل رسم صورة
إجيابية هلا؛ حيث نالحظ أن الكاتب جلأ ،إىل جانب الرتكيز على صورة البطل يوغرطة ،إىل تصوير
زوجته "رنيدة" باعتبارها امرأة واعية تتفاعل مع احلدث السياسي ،وتدفع زوجها إىل حسم قراره بشأن
الثورة ،وتعرض عليه املساعدة يف إقناع الدها بالتحالف معه ضد روما تقول حماورة يوغرطة« :إن
-)1عبد الرمحان ماضوي ،مسرحية يوغرطة ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،ط ،1020 ،2ص.22
-)2املصدر نفسه ،ص.24
-)3أحسن تليالن ،توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري ،ص( 02بتصرف).
72
إفريقيا ال ترضى االستعباد أبدا ،إن روحها جذوة ميكن أن خيمد نورها ،ولكن نارها ال تنطفئ
أبدا...انفض هذا التشاؤم واستلئم للجهاد ودعين أذهب ألب ألمحله على مساعدتنا 1»...بل وتتمتع
بالقوة اليت ّتعلها ،حني تدرك تآمر والدها وقادة جيش زوجها مع الرومان ضد زوجها يوغرطة ،تقرر
شرب السم لتبني وفاءها لزوجها الذي ساوره الشك يف تورطها يف املؤامرة -« :رنيدة (تتكلم ويداها
على بطنها) :أعرف ..أّنا مسمومة ،وشربتها لئال تقول :إن نفرت من جنمك اآلفل (تسقط على
األرض)»()2وهبذه الصورة اإلجيابية حث "عبد الرمحان ماضوي" املرأة اجلزائرية إبان الفرتة االستعمارية
على االقتداء مبا كانت تتمتع به املرأة اجلزائرية يف الفرتة النوميدية من عزة ومشوخ وإباء.
خنلص مما تقدم أن مسرحية يوغرطة لعبد الرمحان ماضوي كانت حلقة وصل بني املاضي واحلاضر،
ومحلت الكثري من القيم الثورية بأسلوب فين مشوق ،مستنهضة مهة الشعب اجلزائري ،متخفية من
الرقابة االستعمارية بقناع التاريخ.
73
المحاضرة الثّامنة:
74
تمهيد :عرفت املسرحية اجلزائرية ،منذ نشأهتا إىل يومنا هذا ،تنوعا ملحوظا يف املواضيع املطروحة،
وانفتحت على كل ما يتعلق باإلنسان من قضايا سواء أكانت سياسية ،أو أخالقية ،أو اجتماعية ،أو
ت ،من خالل مضامينها ،احلدود احمللية إىل العربية واإلنسانية ،وكما تعددت موضوعاهتا
وعبَـَر ْ
ثقافيةَ ،
تعددت ،أيضا ،األساليب والتقنيات الفنية املعتمدة يف التعبري عن هذه املوضوعات؛ حيث كان لكل
كاتب مسرحي رؤية فنية متفردة يصوغ من خالهلا نصه ،ويقدمه ملتلقي قارئا أو متفرجا.
وميكن أن منيز ،عند احلديث عن موضوعات املسرحية اجلزائرية ،بني موضوعات ما قبل
االستقالل وموضوعات ما بعد االستقالل ،وهلذا التمييز ما يربره السيما وأن الكتاب املسرحيون
اختاروا من املوضوعات ما يتناسب وكل مرحلة حبسب ما متليه عليهم ظروفها السياسية واالجتماعية
والثقافية.
أ -الموضوعات االجتماعيّة :وقد هيمنت هذه املوضوعات على النصوص املسرحية اجلزائرية األوىل؛
حيث غاص الكتاب املسرحيون اجلزائريون يف أعماق اجملتمع يستمدون مواضيعهم منه ،ساعني إىل
تقريب هذا الفن من فئاته املختلفة ،وراغبني يف تسليط الضوء على بعض القضايا اليت تنخر جسد
اجملتمع اجلزائري.
ولعل االّتاه الشعب يف املسرح اجلزائري كان سباقا يف معاجلة املواضيع االجتماعية لقربه من الشعب،
والتصاقه بالشرحية العظمى من شرائحه ،فكان خيتار مناذج حية من اجملتمع اجلزائري ليسلط الضوء
على بعض املشاكل االجتماعية بلغة عامية بسيطة ،وكانت هذه النماذج تلقى قبوال حسنا لدى
اجلمهور ألنه حيس أّنا مناذج لشخصيات واقعية يصادفها يف حياته اليومية.
أما املواضيع االجتماعية املطروحة يف العشرينيات إىل الثالثينيات من القرن املاضي فسلطت الضوء
على بعض اآلفات االجتماعية كتعاطي اخلمر ،وإدمان احلشيش ،و الزواج باألجنبيات الذي تفشى
75
يف أوساط اجملتمع اجلزائري آنذاك مهددا أصالة األسرة اجلزائرية وعاداهتا ،حيث شعت األعمال
املسرحية إىل حماربة العادات والفاسدة ،والشعوذة واألمراض االجتماعية ،وانتشار األمية لدى املرأة
اجلزائرية ونقص تعليمها ،وأحيانا تأثرها باملرأة الفرنسية ،وكانت هذه املواضيع تعاجل بأسلوب كوميدي
ساخر يهدف إىل تصوير القيمة االجتماعية السلبية بطريقة منفرة وجعل الشخصية اليت متثلها
أضحوكة .
ومل يغفل كتاب املسرحية اجلزائرية الناطقة باللغة العربية الفصيحة اهلم االجتماعي ،بل كان من
املوضوعات احملببة لديهم؛ فطرحوا قضايا اجتماعية شائكة عاجلتها نصوص مسرحية مثل" :الشفاء
بعد العناء" حملمد الطاهر فضالء اليت تعاجل موضوع اخلمر وأضرارها ،وزوجة األب لـ ـ "أمحد بن ذياب"
سنة ،1042وغريها ،وقد منا احلس االجتماعي يف املسرحية اجلزائرية ،بفضل هؤالء الكتاب وغريهم،
نتيجة اعتمادهم اللغة العربية وسيلة تعبريية وتصويرهم الصادق للبيئة اجلزائرية بأسلوب فين ر ٍاق،
ب -الموضوعات األخالقيّة:شغل املوضوع األخالقي بال كتاب املسرحية اجلزائرية يف فرتة ما قبل
االستقالل فحاولوا ،من خالل نصوصهم ،إصالح حال اجملتمع اجلزائري ،والسيما بعد تفشي بعض
السلوكات الالأخالقية نتيجة انتشار اجلهل واألمية بني فئاته ،وغياب الوازع الديين يف ظل قمع
السلطات الفرنسية للمدارس والزوايا وغريها.
ويف اإلطار األخالقي عاجل النص املسرحي اجلزائري موضوع البخل ،حيث سعى الكتاب إىل الكشف
عن مسبباته ،ونتائجه على الفرد واجملتمع ،مصورين شخصية البخيل بطريقة فكاهية ساخرة حنو
البخيل حملمد التوري ،البخالء للبشري اإلبراهيمي ،سي شعبان (أو البخيل) ألمحد رضا حوحو،
وسلط رشيد القسنطيين الضوء على العديد من القضايا الالأخالقية كالطمع يف مسرحية بابا قدور
الطماع ،والكذب يف "الكذابني" ،النفاق والعمالة لفرنسا يف "اخلداعني" وغريها من القضايا اليت كان
الفن املسرحي فيها منربا للنقد واإلصالح.
76
اريخي :ارتبط املوضوع التارخيي باالّتاه اإلصالحي حيث تبىن أغلب كتاب مجعية
ج -الموضوع التّ ّ
العلماء املسلمني سياسة الدفاع عن اهلوية اجلزائرية ،سالحهم يف ذلك توظيف التاريخ :شخصياته
وأحداثه قصد استلهام العرب من املاضي ،وشحذ مهم النشء بأجماد السلف.
وقد انفتح كتاب املسرحية اجلزائرية على خمتلف احلقب التارخيية بداية بالتاريخ اإلسالمي الذي حيضر
من خالل نصوص كثرية منها :مسرحية "بالل بن رباح"ل ـ ـ ـ "حممد العيد آل خليفة" سنة ،1032
واملولد سنة ،1012واهلجرة لعبد الرمحان اجليالل ،الناشئة املهاجرة سنة 1012و اخلنساء سنة
1046حملمد الصاحل رمضان ،صنيعة الربامكة ،وعنبسة ألمحد رضا حوحووغريها من النصوص اليت
اختذت من التاريخ اإلسالمي اجمليد مادة هلا ،واستمدت قحيَ َمها الفكرية من فرتاته الزاهية.
ومل يكن التاريخ املغارب القدمي غائبا عن ذهن الكاتب املسرحي اجلزائري ،بل رأى يف أبطاله مثاال
للمقاومة والتضحية يف سبيل احلرية ،ومنوذجا للوطنية واالعتزاز بالنفس ،ولذلك محل "أمحد توفيق
املدن" شخصية القائد القرطاجي "حنبعل" أمل الشعب اجلزائري بغد أفضل ،ورجع "عبد الرمحان
ماضوي" إىل التاريخ اجلزائري يف الفرتة النوميدية ليستدعي فكرة املخلص واملنقذ يف سرية "يوغرطة"،
حماورا حاضر اجلزائر يف ظل السياسة االستعمارية مباضي بالد املغرب العرب اجمليد.
وقد حققت املوضوعات التارخيية يف املسرحية اجلزائرية ثالثة أبعاد :بعد سياسي «فأغلب املسرحيات
التارخيية إمنا تقنعت بالتاريخ ملقاومة االستعمار الفرنسي»( )1وكانت جل املسرحيات ذات نزعة
حتريضية تتنبأ بالثورة املباركة قبل ميالدها ،وتشحذ اهلمم للمقاومة ورفع الغنب عن اجلزائر ،وبعد
تعليمي كان املسرحيات فيه درسا يستمد من التاريخ مادته ،ويعلم النشء ماضيه وتراثه ،وبعد نفسي
كان التاريخ فيه تعويضا سيكولوجيا عن حالة السكون العاطفي يف ظل السياسة االستعمارية القاهرة.
77
والزوايا والصحافة املكتوبة واملسموعة ،للسياسة االستعمارية اهلادفة إىل طمس اهلوية اجلزائرية ،ومتخذا
من الكلمة وسيلة لنشر الوعي السياسي بني أفراد الشعب اجلزائري ،متقنعا بالتاريخ تارة ،وبالنقد
الساخر تارة أخرى ،وقد لفت هذا املسار النضال للمسرح اجلزائري نظر السلطات الفرنسية اليت
فرضت عليه الرقابة ،وأوقفت عرض نصوص كثرية.
واحلقيقة أن املوضوع الثوري فرض نفسه على الكتاب املسرحيني قبل اندالع الثورة بوقت مبكر من
خالل تلك التلميحات السياسية اليت ّتلت يف نصوص"حمي الدين باش تارزي" حنو :مسرحية
"فاقو" ،1031و"بين وي وي" ،1034واخلداعني 1032وكلها مسرحيات اختذت من الفكاهة
وسيلة لتوعية الشعب اجلزائري ،وإيقاظ حسه الوطين.
ومع اندالع الثورة املباركة سعى الفن املسرحي إىل دعم قضيتها ،وااللتزام مببادئها ،ورفع راية الكفاح
حتت لوائها يقول عبد احلليم رايس يف هذا« :إن املسرح بالنسبة لنا ميثل إطارا للكفاح؛ ألن املسرح
اجلزائري مسرح ملتزم يعمل يف صميم الثورة ،وإننا منثل مسرحا شعبيا يعيش يف حالة حرب ،ومن
الطبيعي بالنسبة لنا كفنانني أن نفكر وأن نفعل كمناضلني ،ويف هذه املرحلة من الكفاح الوطين ،فإن
مسرحنا الواقعي جيب أن يكون مسرح جبهة التحرير الوطين ،إننا نرتجم عربه واقع الشعب
اجلزائري»( )1و«وجهت فرقة "جبهة التحرير الوطين" يف شهر نوفمرب سنة 1042نداء إىل مجيع
الفنانني اجلزائريينداعية إياهم إىل تكوين فرقة فنية تعمل على رد املزاعم الفرنسية،ونشر مبادئ الثورة
التحريرية»( )2فتأسست الفرقة يف أفريل 1042و قدمت الكثري من املسرحيات ،وكانت لسان حال
الكتاب املسرحيني ،والناطق الفين باسم الثورة اجلزائرية ،ووسيلة فعالة للتعريف هبا خارج الوطن.
واملالحظ أن تعامل الكتاب املسرحيني مع موضوع الثورة مل يكن واحدا ،بل نسجل اختالف زاوية
نظر كل كاتب إليها ،وتفرد كل نص بتسليط الضوء على قضية معينة؛ فقد تناول عبد احلليم رايس
-)1صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر -دراسة موضوعاتية فنية -دار اهلدى للنشر والتوزيع ،عني مليلة ،اجلزائر ،2664 ،ص.22
-)2ينظر :مجيلة جرار :املسرح الثورة التحريرية ،جملة األصل ،اجلزائر ،نوفمرب ،1023ع ،2ص .22
78
الثورة من نواح متعددة حيث عاجل ،من خالل مسرحية "أوالد القصبة ،1040مشاركة األسرة
اجلزائرية يف الثورة داخل املدن ،ومن خالل مسرحييت "العهد" و"اخلالدون" 1006يطرح معاناة
اجملاهدين وتضحيتهم يف سبيل الوطن ،وحياة الفدائيني وأسرارهم يف مسرحية "دم األحرار" ،1001
أما "أبو العيد دودو" فيربز قيم الوطنية والتضحية يف "مسرحية الرتاب" .)1(1041
-2موضوعات ما بعد االستقالل :واكبت املسرحية اجلزائرية بعد االستقالل التغريات السياسية
واالجتماعية والثقافية اليت عرفتها اجلزائر ،وسعت إىل التعبري عن الراهن من خالل أعمال مسرحية
كثرية حافظ بعضها على موضوعات طُحرقَ ْ
ت يف الفرتات السابقة ،وّتاوز بعضها اآلخر تلك
املوضوعات ليسلط الضوء على أمراض عديدة تفشت يف اجملتمع اجلزائري غداة االستقالل ،ووضعت
عالقة الفرد باألبنية االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية على احملك.
فمن املواضيع اليت ظلت حتظى باهتمام الكتاب املسرحيني بعد االستقالل موضوع الثورة الذي وفر
مادة إبداعية لنصوص كثرية...« ،كما توجه املسرح الوطين ،بعد إنشائه ،إىل تقدمي مسرحيات عن
الثورة التحريرية ،بعضها كانت قد قدمته فرقة جبهة التحرير يف تونس ،ويعزو "مصطفى كاتب" اهلدف
من إعادة تقدمي هذه املسرحيات إىل إعطاء حملة عن املهمة اليت قام هبا املسرح اجلزائري يف اخلارج،
فضال عن إعطاء اجلمهور اجلزائري صورة عن املقاومة الثقافية ودور املسرح يف الثورة»( )2فمن
املسرحيات اليت جمدت الثورة بعد االستقالل نذكر مسرحية " 132سنة" لعبد القادر ولد عبد الرمحان
كاكي اليت حنا فيها منحى تسجيليا ليلخص من خالهلا تاريخ اجلزائر مع االستعمار يف 132سنة
()3
انطالقا من « نظرة األسرة اجلزائرية ،بعاداهتا وتقاليدها وشخصيتها احلضارية إىل هذا االستعمار»
-)1للتوسع يف هذه األعمال ينظر :صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق-
ص 161-162وخملوف بوكروح ،املسرح واجلمهور ،دراسة يف سوسيولوجية املسرح اجلزائري ومصادره ،د.دار نشر ،د.ط،د.ت،
ص.20-21
-)2املرجع السابق ،ص.24-21
-)3نصر الدين صبيان ،اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر ،ص.311
79
أما أمحد عياد (رويشد) فسعى إىل إبراز املشاركة الواسعة ملختلف فئات اجملتمع اجلزائري يف مسرحية
"حسان طريو" 1001وغريها.
كما سامهت املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية يف دعم الثورة اجلزائرية والتعريف هبا خارج
الوطن ،فسجل "كاتب ياسني" أحداث 2ماي 1014يف مسرحية "اجلثة املطوقة" مربزا ،من
خالهلا ،وحشية االستعمار الفرنسي ،وعاجلت "آسيا جبار" موضوع مشاركة األسرة اجلزائرية يف الثورة،
مثنية على دور املرأة فيها ،وتنبأ "مولود معمري" بالثورة والتغيري يف مسرحية "الريح"(.)1
وقد أملت التغريات السياسية واالجتماعية واالقتصادية والفكرية اليت عرفتها اجلزائر بعد االستقالل
مواضيع أخرى شكلت رؤية مغايرة لوظيفة الفن املسرحي وملضمونه ،فطُرحت مواضيع خمتلفة اصطلح
الناقد "خملوف بوكروح" ،يف كتابه املوسوم بـ ـ ـ "املسرح واجلمهور ،دراسة يف سوسيولوجية املسرح
اجلزائري ومصادره" عليها املسرحيات املواكبة للتغيري االجتماعي واليت ميكن أن حنددها زمنيا بالفرتة
التقريبية املمتدة من .1026-1006
االجتماعي :سعت هذه املسرحيات إىل تسليط الضوء على بعض ّ المسرحيّات المواكبة للتّغيير
الظواهر اليت برزت يف جمتمع جزائر الستينيات؛ فعاجلت مواضيع االنتهازية والبريوقراطية واحملسوبية،
وتسلط اجلهاز اإلداري ،النزوح الريفي ،أزمة السكن ،البطالة ،والتمسك بالعادات والتقاليد البالية
وغريها من اآلفات اليت خنرت جسد البالد يف فرتة انتقالية حساسة ،فمن املسرحيات اليت جسدت
االنتهازية مسرحية "الغولة" 1001اليت سلط ،من خالهلا "رويشد" الضوء على املناضل املزيف الذي
يتخذ من مبادئ الثورة وسيلة حلماية مصاحله اخلاصة ،كاشفا النوايا احلقيقية ملسؤول نظام التسيري
الذايت الذين حيتكرون السلطة لصاحلهم ،ومن النصوص اليت عاجلت مشكلة تسلط اجلهاز اإلداري
مسرحية " محق سليم" لـ ـ "عبد القادر علولة" املقتبسة عن مذكرات أمحق لغوغوالليت يعمل فيها
خطاب اجلنون على لسان الشخصية الرئيسية "سليم" على تشريح واقع جزائر ما بعد االستقالل مربزا
80
علل اجلهاز اإلداري الذي ال ينفك يقهر العامل البسيط بشىت الطرق لدرجة حرمانه من أبسط
حقوقه وهي احللم ،ومن املسرحيات ال طرحت مشكلة النزوح الريفي مسرحية "غرفتني
ومطبخ" 1004لعبد القادر السفريي الذي يربز من خالل شخصية «ممرض يرتك عمله وبيته يف
الريف ليلتحق باملدينة أمال يف العثور عن اجلنة على حد تعبريه ،ولكنه يصطدم بالواقع وجيابه مشاكل
كبرية تؤدي به يف النهاية إىل الندم والعدول عن رأيه )1(»...ومن املسرحيات اليت حاربت العادات
والتقاليد البالية ،وسعت إىل نشر الوعي يف األوساط الشعبية مسرحية "القراب والصاحلني" اليت
اقتبسها عبد الرمحان كاكي عن مسرحية "اإلنسان الطيب من ستشوان" لربخيث.
وتعد فرتة الثمانينيات من القرن العشرين فرتة املسرحية الواقعية احلادة بامتياز جسدهتا أعمال "عبد
القادر علولة" اليت تقوم أساسا على تصوير مناذج اجتماعية بسيطة ،وتتخذ من الطبقة العاملة
ومهومها أرضية لتعرية الواقع اجلزائري ،فقد آمن علولة بقدرة املسرحية على تغيري الفرد وإصالح حال
اجملتمع ،فاختذها وسيلة إلبراز تناقضات جزائر الثمانينيات ،وكشف تالعبات األنظمة السياسية،
واإلدارية يف البالد ،ساعيا ،من خالل شخصياته املسرحية ،إىل إيقاض ذهن املتلقي وحثه على إعمال
فكره يف واقعه املعيش ،حتليال وتعليال ونقدا.
81
طبيقي :حمق سليم لعبد القادر علولة:
النّموذج التّ ّ
تعد مسرحية "محق سليم" لعبد القادر علولة املقتبسة سنة 1022عن مسرحية "مذكرات جمنون"
لألديب الروسي نيكوالي غوغول منوذجا رائعا عن املسرحيات املواكبة للتغريات االجتماعي
واالقتصادية والسياسية اليت عرفتها جزائر ما بعد االستقالل ،واليت حاول الكاتب من خالهلا نقد واقع
البالد ،وتعرية ما عصف باجلهاز اإلداري خاصة من علل ،وتشريح سلوكات بعض املسؤولني الذين
تدفعهم الرغبة يف محاية مصاحلهم إىل ممارسة أساليب القهر والتسلط على الطبقة الكادحة.
وقد وجد "عبد القادر علولة" يف مسرحية "مذكرات جمنون" لـ ـ "غوغول" ما يستجيب لرؤيته لواقع
اجلزائر بعد االستقالل ،فهي تصور يوميات عامل بسيط يقوده القهر اإلداري املسلط عليه من طرف
مسؤوليه إىل اجلنون ،فيطلق العنان ،عبثا ،لنفسه ليحلم ويتخيل فرص احلياة الكرمية اليت كان بإمكانه
أن يعيشها يف كنف مؤسسة يعرتف مديرها ونائبه بكفاءته ،ويعيدان االعتبار للعامل البسيط فيها
دون أخذ الفروق االجتماعية ،واإلدارية بعني االعتبار .ومن أجل ذلك حافظ الكاتب على بنية
النص األصلي ،وعلى طبيعة املسرحية القائمة على صراع الشخصية الواحدة مع اجلهاز اإلداري
بشخصياته املختلفة ،وغري فقط يف بعض املواضع كأمساء الشخصيات اليت جعلها تالءم البيئة
اجلزائرية ،واختار أن يتحول البطل الرئيسي (سليم) ،عن طريق احللم ،إىل ملك إلمرباطورية البريوقراطية
املزعومة ،بدل أن يصبح ملك اسبانيا كما تنص عليه مسرحية "مذكرات جمنون" األصلية.
ولئن كانت هذه املسرحية هتدف إىل تعرية الراهن اجلزائري يف السبعينيات من القرن املاضي وتكشف
عما أصاب جهازه اإلداري من آفات كالبريوقراطية واحملسوبية وغريها ،فإن النص ارتكز على وسائل
فنية كثرية لتصوير عدم انسجام الفرد مع الواقع املرتدي نذكر منها:
الفكاهي :مل يكن الطابع الفكاهي يف نص "محق سليم" جملرد التسلية و إثارة
ّ -0األسلوب
الضحك ،بل كان نقدا الذعا للراهن اجلزائري يف فرتة السبعينيات من القرن املاضي ،حيث سعى
عبد القادر علولة إىل لفت االنتباه إىل شيوع ظاهرة البريوقراطية « :نصف النهار هذا عديته كله يف
82
القراية ..قريت اجلرائد كلها وجمالت ...واجلرائد كلها صبحت تتكلم على البريوقراطية ..اجلرائد كلها
صبحت تتكلمعلى الفكر البريوقراطي واحلركة البريوقراطية والنشاط البريوقراطي ..والعالقات اللي
تربطها البريوقراطية مع الطبقة الربجوازية والتدخالألجنب يف الشؤون الوطنية بواسطة البريوقراطيني
واهلجوم البريوقراطيضد الشعب اخلدام ...الصحافيني فتحوا ملف البريوقراطية ...منظمني عربالوطن
كله حماضرات وخطابات يف تفسري البلية ...والصحافة نشرترساالت املواطنني يف نقد
البريوقراطية)1(»...فقد بني أّنا أصبحت الشغل الشاغل للمجتمع اجلزائري مبختلف فئاته ،لدرجة أن
اعتربت فيها الشخصية الرئيسية "سليم" هذه الظاهرة حتمية ال مفر منها.
ومل يكتف الكاتب بتسليط الضوء على هذه الظاهرة بل عدد أشكاهلا على لسان "سليم" املنشغل
بالتفكري فيها يقول« :كاين املواطن اللي يقول بالليالبريوقراطي هو هذاك اللي يستعمل الوظيف
متاعه ألغراض ّتارية واال شخصية رشوة وتدبري وإخل ...كاين اللي يقول باللي البريوقراطيهذاك اللي
يف راحة ،ناعس يف الوظيف متاعه ،مدرق على روحهبالقانونوخملي احلالة ماشية معوجة .كاين اللي
قال باللي اإلسالم هواللي يقضي ّنائيا على البريوقراطية وكاين اللي ...وكاين اللي ...وكايناللي...
عندهم ما قالوا يف هذا الباب ...واللي عجبين بالقوة هو هذاكاللي يف التعبري متاعه اتكلم على
اململكة البريوقراطية ...اململكةالبريوقراطية»()2وقد يبدو وصف البريوقراطية كما جاء على لسان
الشخصية الرئيسية عاديا ال يثري السخرية ،وال يرتبط بالفكاهة إال حني تتحول البريوقراطية إىل
امرباطورية حتتاج ملكا ينظم شؤوّنا« :اليوم راه أكرب يوم البريوقراطيني ...اململكة البريوقراطية وجدت
ملكهاوامللك ذاك هو أنا ...امللك ذاك هو أنا)3(»...بل وجيعل هلذه اإلمرباطورية مبادئ وشعارات ال
تقوم دوّنا وهي الطاعة واالخالص؛ إن هذا الطرح يتيح للقارئ أن يتأمل واقعه ويتخذ موقفا نقديا
من هذا الواقع؛ فالبريوقراطية ،يف نظر علولة ،ال تتضخم وال تتحول إىل امرباطورية إال إذا حلت حمل
-)1عبد القادر علولة ،مسرحية محق سليم ،املسرح الوطين اجلزائري ،سنة ،1022ص.44
-)2املصدر نفسه ،ص.40
-)3املصدر نفسه ،ص .03
83
النظام ،وألغت القانون ،والبريوقراطي ال يكونبريوقراطيا إال إذا خضع الفرد لطاعته ،وأخلص يف كتم
ّتاوزاته ،وتفاىن يف التسرت على أخطائه.
-7ما وراء خطاب الجنون:أدى عدم الصراع النفسي الذي احتدم داخل الشخصية الرئيسية ،يف
النص موضوع الدراسة ،والناتج عن عدم قدرهتا على االنسجام مع الواقع االجتماعي واإلداري يف
املؤسسة اليت تعمل هبا إىل إصابتها باجلنون ،فلم تعد تصرفاهتا وأقواهلا خاضعة للرقابة العقلية ،أو
القوانني اليت سنها جمتمع املؤسسة ،بقدر ما أطلقت العنان لنفسها لتقلب األدوار ،وحتقق ،عن طريق
أحالم اليقظة ،ما عجزت عن حتقيقه يف الواقع حني تربز ذلك العداء الدفني يف نفس "سليم" ّتاه
رموز السلطة (املكتب والكرسي) يقول«:من بعد ،دخلت يف حبر األحالم و بقيت انوم يف روحي
مدير علىمديرنا...أول ما درت،جنرت له املكتب ،ما خليت له غري النصف منه،بدلت له الكراسى
وما خليت له غري تليفون واحد)1(»...فإذا كان حلم اليقظة عملية نفسية باطنية فإن آثارها اخلارجية
ّتعل اآلخر حيك على الشخص احلامل باجلنون ،غري أن احللم واجلنون ،يف نظر عبد القادر علولة،
سيان ألّنما وسيلة العامل البسيط "سليم" لالنفالت من الرقابة االجتماعية ،وقول املسكوت عنه يف
الواقع ،إّنما أقدم الوسائل وأكثرها جرأة على كسر الطابوهات وفضح املستور وهلذا منع انتشار
خطاب اجملنومننذ القرون الوسطى ألن خطابه حيمل سلطة ذات تأثريات غريبة تتمثل يف قول احلقائق
()2
املخفية
وقد استغل الكاتب ما تبيحه سلطيت اجملنون واحلامل يف شخصية بطله "سليم" ليقلب املوازين ويعيد
االعتبار للفرد البسيط الذي مهشته الفوارق االجتماعية« :مشيت لإلدارة باش نضحك شوية ،حني
ما دخلت رئيس القسم متاعناكان يستىن فيا نروح نطلب منه السماح ،نبكي له شوية و إخل...
ضربتفيه خزرة وحشية وفت ...اخنلع ،ناض من كرسيه ،بغري ما نوقف آمرهتقلت له :أقعد ،ريح،
84
أرقد ،انبطح ...ومشيت نقعد يف كرسيا كاللي ما صار شيء» 1فكان يستمد القوة من جنونه
ليتجاوز حدود املعقول ويضرب مببدأي اللياقة واالحرتام عرض احلائط تنفيسا عن الكبت الذي عاشه
يف ظل مسؤولني ال يعريونه أدىن اهتمام ال لشيء إال لكونه أدىن وظيفة منهم وهو ما جعله يطيح من
شأن الكاتب العام عى حنو ما يظهر يف املقطع اآليت« :جاء الكاتب العام وجابلي ورقة باش
نسجلهاونديها للمدير ميضي عليها ...حكمتها عليه بصبعتني وبغري ما نقراها،مضيت عليها وحتت
اإلمضاء كتبت :صاحب السمو...سليم األول ...ملكالبريوقراطيني ...ورجعتها له ...اقراها بسرعة،
خبط رأسه بيديه ،نضتباش ما نلزمش عليه خيضع ويطلب مين السماح و إخل ،قلت له :عظمتناتغفر
لك ...فرات ...ونأمروك باش تبشر أعضاء الشركة باألمر...وخرجت جنري ...جاء مسكني جيري
ورايا باش يطلب مين شيء ،بغريما نوقف درت له وقلت لهّ :نار آخرّ ...نار آخر ...اليوم راه
()2
عندنا اجتماع هام»
*
-3تقنية المسرح داخل المسرح :استجابة ملقتضيات النص األصل الفنية وظف "عبد القادر
علولة" تقنية املسرح داخل املسرح؛ حيث دمج يف نصه قصتني إحدامها رئيسية متثل حاضر بطل
املسرحية "سليم" الذي يعان ،إىل جانب إحساسه بالدونية واألمل جراء القهر واحلرمان املسلطني عليه
من قبل املسؤولني يف املؤسسة اليت يعمل هبا ،أمل حرمانه من حب ابنة مدير املؤسسة نتيجة الفوارق
الطبقية ،والثانية هي قصة حب خيالية بني كلبني مها عتيق ولوبانة حيث يتجاوز فيها الكاتب
املعقول ويبيح لشخصيته الرئيسية "سليم" فهم وتكلم لغة الكالب،معوال على قدرة املتلقي الذهنية يف
الربط بني القصتني ،واستخالص العربة منهما.
-)1عبد القادر علولة ،مسرحية محق سليم ،املسرح الوطين اجلزائري ،سنة ،1022ص.20
-)2املصدر نفسه ،ص.02
*) -تعين هذه التقنية« :إدخال مسرحية داخل مسرحية أخرى بغض النظر عن حجم أي من املسرحيتني ،وبغض النظر عن طبيعة
العالقة بينهما».ماري إلياس وحنان قصاب حسن ،املعجم املسرحي– ،مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون العرض(-عرب-
إجنليزي-فرنسي) ،مكتبة لبنان ناشرون ،لبنان ،ط.134 ،2660 ،2
85
إن عتيق هو املقابل املوضوعي ل ـ ـ"سليم" الشخصية الرئيسية يف النص ،موضوع الدراسة ،فهو كلب
شارع ال قيمة له يف نظر جمتمع الكالب بعامة ويف نظر "لوبانة" كلبة "رجاء" ابنة املدير خباصة ،ألن
كالمها ينتمي لعامل خمتلف متاما عن عامل اآلخر ،فعتيق يعيش حياة التشرد والضياع ،خالفا ل ـ ـ
"لومانة" اليت تعيش حياة الدالل والرفاهية يقول سليم« :إذنلزيت للكالب حىت نسمع يف لوبانة
تتكلم وتقول ":عالش ،عالش بيك يا عتيق منايفين هبذا الصفة،كتبت لك شحال من مرة ما زرتين،
ما جاوبت عليا" آه ...يا لطيف ،ياللعجب ...هذا الشيء عمره ما صار ...الكالب يتكلموا ؟...
جاوب عليهاالكلب ذاك يف صوت خشني كاللي بايت سهران يشرب ":عالقتنا ما بقاتلها معىن،
اجلو اللي عايشة فيه أنت برجوازي واحلي متاعكم ما بقيتشندور بيه ،رواحيه يدوخون)1(»...غري أننا
نالحظ أن الكاتب يسعى ،من خالل قصة عتيق ولوبانة ،إىل االنتقام للعامل البسيط "سليم" ورد
االعتبار له حني يعلي من شأن "عتيق" وجيعله قوي الشخصية حبيث ال خيضع لتوسالت "لوبانة" بل
يهجرها لعلمه باستحالة عالقتهما بسبب الفوارق االجتماعية بينهما ،فكأن "سليم" حيقق ما عجزعن
القيام به يف الواقع مع رجاء على لسان "عتيق".فتوظيف تقنية املسرح داخل املسرح هنا «يفرز شكال
عبثيًامضح ًكا يف الظاهر وحمزنًا ضمنيًا بينموقفينمتعارضني ومتكاملني يف نفس الوقت ،إن عتيقالكلب
املتشردمنسجم مع موقعه (البسيط) وال يطمح إىل التقرب من الطبقةالعليا عرب لبانة وال حىت شَّم
رائحتها ،ونراهيتسم بشيء من (التعال) ،أماسليم املوظف اإلنسان يطمح إىل ذلك بأيَ مثن ولو كان
يف ذلكهالكهوضياعقيمه وكرامته بل وإنسانيته»(.)2
وقد استطاع "عبد القادر علولة" أن يفضح عامل األثرياء وما يعيشونه من بذخ وترف على حساب
الفقراء على لسان لومانة ،فكانت يف رسائلها لعتيق تصف سلوكات املدير وابنته "رجاء"تقول مثال يف
وصف حياة "رجاء" املاجنة« :الوقت ال ران نكتب لكفيه ،رجاء راهي توجد يف روحها باش تروح
-)1عبد القادر علولة ،مسرحية محق سليم ،املسرح الوطين اجلزائري ،سنة ،1022ص.2
-)2عبد الكرمي غريب ،الفكاهة عند عبد القادر علولة بني اإلبداع واالقتباس –دراسة أربعة مناذج -رسالة ماجستري ،إشراف:
شعيب مقنونيف ،قسم الثقافة الشعبية ،كلية العلوم اإلنسانية والعلوم االجتماعية ،جامعة أب بكر بلقايد تلمسان-2611 -
،2612ص.120
86
تشطح ( ...تشطح!) " هيفرحانة ،متشط وتزوق يف روحها ..تلبس لباس وتقلعه ،وتلبس آخروتقلعه
وتقيس لباس ثالث ويف النهاية ترجع للباس األول( "...ما عندهاراي ")...والحظت داميا منني حتب
تروح تشطح تقوم بنفس العمل ،الليالحظته ثان وهو دائما منني ترجع من الشطيح على الستة
متاعالصباح( "...الستة!) " تدخل صفرة كالقارص ( "...صفرة !) " لباسهامعكرش وعينيها
خارجني( ...خارجني)1(»! ..فهو يستعري شكال أدبيا قدميا هو القصة على لسان احليوان ليصور
راهنه املعيش بكل زيفه وتناقضاته متجنبا بذلك املباشرة واملواجهة ،ومتخفيا وراء اإلحيائية والرمز
والتلميح ،جاعال من عتيق قناعا ميرر من خالله خطابا فكاهي يف الظاهر ،نقدي يف الباطن.
نستنتج مما سبق أن الكاتب "عبد القادر علولة" حاور نصا أجنبيا هو "مذكرات جمنون" لغوغول
حوارا مبنيا على التأمل ،واملفارقة واملوائمة فأبدع مسرحية "محق سليم" لتناسب البيئة اجلزائرية ،وتعاجل
واقع جزائر السبعينيات وما يعانيه اجلهاز اإلداري من علل كالبريوقراطية واحملسوبية والفوارق الطبقية،
موظفا ،من أجل التعبري عن رؤاه ،تقنيات متعددة كالسخرية ،وما وراء خطاب اجلنون ،واملسرح داخل
املسرح ،واللهجة العامية ،وهي تقنيات ومست اخلطاب الدرامي جبمالية ّتمع بني األصالة واحلداثة،
وتؤمن بأن الفن املسرحي هو مساءلة دؤوبة للواقع بوسائل متجددة ومتفردة.
87
المح ـ ـ ــاضـ ـ ـ ــرة التّاسعة:
-7إشكاليّة االقتباس.
-3إشكاليّة اللّغة.
88
تمهيد :استطاع الفن املسرحي يف اجلزائر ،منذ نشأته ،أن يفرض وجوده على املستوى العرب من
خالل أعمال كثرية نالت جوائز عربية ،أن يسمع صوت اجلزائري إىل العامل من خالل نشاط الفرق
املسرحية يف دول غربية خمتلفة ،غري أن عوائق كثرية مسريته الفنية ،وحالت دون ارتقائه املكانة املناسبة
ضمن مؤسسة الفنون اجلميلة ،وميكن أن نلخص هذه العوائق يف املشاكل املادية -ندرة النص
املسرحي -االقتباس والرتمجة ،املشكلة اللغوية ،وقد كرست املؤسسات املسرحية الوطنية واجلهوية
جهودا معتربة للتخفيف من حدهتا وعلى الرغم من ذلك ظل النشاط املسرحي اجلزائري يراوح اخلطى
ويتأرجح بني مشاكل خارجية ،وشواغل داخلية.
المسرحي :يعد النص نواة كل عرض مسرحي ،ومن مثة يكون غيابه أو ندرة تأليفه
ّ النص
-1ندرة ّ
أخطر املشكالت اليت واجهت الفن املسرحي يف اجلزائر ،وقد أرجع الناقد "حفناوي بعلي" أسباب
()1
اريخي املتمثل أوال يف سياسة اجلهل واألمية
ّ الت
ّ العامل - : هذه املشكلة إىل عوامل كثرية نذكر منها
اليت فرضتها السلطات االستعمارية حني جعلت التعليم حكرا على أبناء املعمرين الفرنسيني وأبناء
طبقة حمدودة من الشعب اجلزائري ،واملتمثل ثانيا يف القطيعة بني املشرق واملغرب بسبب الظروف
االستعمارية اليت حالت دون استفادة اجلزائر من التجربة املسرحية املصرية والسورية واللبنانية .
المادي :واملتمثل يف صعوبة النشر ،وعدم اهتمام القائمني على املؤسسات املسرحية هبذه
ّ أ-العامل
املشكلة ،وعدم توفر اهلياكل املادية املؤطرة هلذه العملية كاملطابع ،ودور النشر وغريها ،حىت أصبح
الكتاب املسرحيون يكتبون هبدف العرض فقط تلبية حلاجة معينة ،وقد كان هلذا األمر أن يكون مربرا
يف زمن االستعمار نظرا للخناق املفروض على الثقافة اجلزائرية ككل لكن «استمرار هذه الظاهرة بعد
فسر بعدم العناية بالنص املسرحي ،ولتوضيح ذلك نذكر على سبيل املثال أن املسرح
االستقالل تُ َّ
الوطين اجلزائري قدم خالل ثالثني سنة مثانني مسرحية تضمنت ثالثة أصناف ،منها واحد وثالثون
مسرحية جزائرية ،نشرت أربع مسرحيات فقط اثنتان لكاتب ياسني وواحدة ملولود معمري ،وواحدة
-)1حفناوي بعلي ،أربعون عاما على خشبة مسرح اهلواة يف اجلزائر ،منشورات احتاد الكتاب اجلزائريني ،ط ،2662 ،1اجلزائر،
ص( 200بتصرف).
89
آلسيا جبار ،ويبدو أن سبب نشر هذه املسرحيات يعود إىل أن البعض منها نشر قبل أن يعرض فوق
املنصة فضال عن أن كتاهبا هم أدباء هلم مسعة يف الساحة األدبية اجلزائرية والعاملية أما باقي النصوص
املسرحية فلم تنشر ،وقد كتبها فنانون مهنيون ليسوا من حمرتيف الكتابة األدبية»( )1وهو ما جعل
الطابع الشعب يغلب على املسرح اجلزائري ،فيتصف مبا يسم األدب الشعب ككل من شفوية وبعد
عن التدوين.
ب -أزمة التكوين :ونقص اهلياكل القادرة على تكوين متخصصني يف اجملال املسرحي سواء من
حيث التأليف والتمثيل واإلخراج؛ فما عدا معهد "برج الكيفان" وقسم "الفنون الدرامية" جبامعة
السانيا – وهران ،وبعض املراكز األخرى اليت تعد على األصابع ،تبقى فرص التكوين ضئيلة جدا
مقارنة بباقي الدول العربية ،فظال على ذلك فإن األطوار التعليمية مبختلف مستوياهتا ال تتبىن النتاج
املسرحي ،وال تُدرحج نصوصه ضمن براجمها حىت تنمي تذوق هذا الفن لدى املتعلمني.
ج-نقص التّحفيزات :اليت من شأّنا أن تُـ َف نعل احلركة املسرحية يف اجلزائر ،باإلضافة إىل الوضعية
املزرية اليت يعيشها املمثل والكاتب على حد سواء ،واليت تنتهي إىل التهميش يف الغالب ،وقد حاول
بعض املنشغلني باملسرح ّتاوز هذه األزمة بتنظيم دورات حتفيزية هدفها اكتشاف املواهب اجلديدة يف
جمال الكتابة املسرحية على حنو ما فعل عمر قابوش مدير املسرح اجلهوي بقاملة حني نظم دورة حتت
عنوان أيام الكتابة الدرامية هبدف اختيار أحسن نص مسرحي ،وكذا "زيان الشريف عياد" الذي نظم
دورة الكتابة الدرامية يف أفريل 2614وغريها .
وميكن أن نضيف إىل كل هذه العوامل سببني آخرين مها :صعوبة الكتابة الدرامية اليت ختتلف عن
الكتابة الروائية أو القصصية يف عنصر التجسيد البصري والسمعي وهو ما يتطلب مهارة عالية،
واستسهال عملييت االقتباس والرتمجة اللتني توفران قوالب نصية جاهزة يستطيع املسرحي االرتكاز
عليها مللء ثغرة عدم القدرة على التأليف.
90
-2إشكالية االقتباس:اختلف الدارسون ،والنقاد يف الوطن العرب حول ظاهرة االقتباس بني مؤيد،
ومعارض .وراح كل فريق يقدم حججه تعزيزا ملوقفه( ،)1أما املعارضون فاعتربوه دليل ضعف ،وعالمة
افتقار للخلق الفين ،ورأوا فيه تسرتا وراء إبداع اآلخر ،ومن مث جعلوه حماولة حمكوما عليها بعدم
االكتمال ،ألّنا ال تَـ ْر َق إىل مستوى التأليف .ويف املقابل ،أقر فريق آخر بشرعيته ،معتربا أنه إبداع ثان
للنص األصلي (خباصة إذا كان هذا األخري قصة أو رواية) ،ورأى أنه عمل مستقل يستحق التقدير
واإلجالل ،والسيما أنه عامل مهم للربط بني األجناس ،وتقريب الرؤى واألفكار.
ومل يكن النقد املسرحي يف اجلزائر مبنأى عن هذا النقاش ،بل تداول رجاله مشكلة االقتباس يف
التجربة اجلزائرية يف كتب عديدة ،ويف مقاالت متنوعة ،مراهنني على قدرهتا يف إثراء املسرحية اجلزائرية
بنصوص خمتلفة ،ومنوهني جبهود كتاهبا يف مراعاة البيئة احمللية عند حتويل نص أجنب ما إليها .وإذا
كانت جل آراء النقاد قد أمجعت على تقبل شرعية هذه اآللية ،وشجعت ،إىل حد ما الكتاب
عليها ،فإن هذا املوقف كان رهني املوافقة املشروطة يف أغلب األحيان؛ فقد تفهم النقاد حاجة
املسرحية اجلزائرية إىل االقتباس ،وردوها إىل أسباب خمتلفة تنطلق من رؤيتني :إحدامها إجيابية أوجزها
"أمحد بيوض" يف ما يأيت :
«-التأكيد على التعاطي مع ظاهرة التثاقف بدون عقدة نقص أو خوف أو ذوبان يف اآلخر.
واألخرى سلبية ّتعل منه سدا لثغرة ضعف التأليف ،وحال لتجاوز ندرة النص املسرحي .ولكنهم يف
احلالتني ،اشرتطوا مجلة من الشروط لتسويغ هذه الظاهرة ،وتقنينها حىت ال تكون عبئا يـُثْ حقل كاهل
-)1للتوسع يف هذه النقطة ينظر :حممد الكغاط ،بنية التأليف املسرحي باملغرب من البداية إىل الثمانينات ،دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،الدار البيضاء ،املغرب ،ط1020 ،1م ،ص.41-46-10
-)2أمحد بيوض ،املسرح اجلزائري ،نشأته وتطوره ،ص.322
91
املسرحية اجلزائرية .وقد وضع هذا الناقد جدوال بأهم مصادر االقتباس يف املسرح اجلزائري وآخر
يشتمل على قائمة بعناوين املسرحيات املقتبسة ،وأمساء املقتبسني اجلزائريني( ) يف حماولة لرصد هذه
الظاهرة اليت عدها ّتربة رائدة يف املسرحية العربية.
فمن النقاد األوائل الذين أقروا شرعية االقتباس جند "مصطفى كاتب" الذي رأى أن كل املسارح
العاملية تعتمد هذه التقنية حىت أعرق املسارح كاملسرح اليونان ،والرومان وغريمها ،مؤكدا عاملية
وإنسانية هذه الظاهرة ،ونافيا صفيت النقص والضعف عنها ،بل رأى أّنا ظاهرة صحية وحل ناجع
لتفادي النص املسرحي ،ولذلك فاالقتباس ّتاوز ،عنده ،كونه فعال اختياريا إىل كونه فعال اضراريا
«فنحن مضطرون لالقتباس أو غريه حىت ال يتوقف النبض ،وتستمر احلياة»( )1وهي ضرورة ميليها واقع
املسرحية اجلزائرية اليت يغيب فيها النص املسرحي املؤلف ،فيتحول االقباس إىل حمرك فاعل حيول دون
مجود الفن املسرحي يف اجلزائر ،وتوقف عجلته.
وغري بعيد عن هذا املوقف يرى الناقد "خملوف بوكرح" يف االقتباس حال مثمرا لتجاوز مشكلة ندرة
النص املسرحي اجلزائري؛ فهو ،يف نظره ،عامل مهم إلثراء التجربة املسرحية احمللية وآلية يعول عليها يف
التأسيس لألعراف الفنية املسرحية لكن «...هذا ال يعين االستمرار يف عملية االقتباس دون البحث
خللق نصوص مسرحية وطنية من أجل قيام حركة مسرحية يف بالدنا»( )2فالناقد ،وإن أجاز هذه
العملية ،فباعتبارها حال مؤقتا جيب أال نستكني إليه ،ونكتفي به ،بل يتعني على الكتاب ،حسب
"خملوف بوكروح" ،اعتباره مطية لبلوغ مرحلة أعمق ال تقوم احلركة املسرحية اجلزائرية دوّنا ،وهي مرحلة
التأليف.
واالقتباس عند الناقد "حفناوي بعلي" ليس فعال عشوائيا يتأتى لكل كاتب ،وإمنا هو عملية واعية
ومشروطة «تتطلب ثقافة عالية شاملة ّتمع املاضي القدمي باحلاضر الشاسع ،وهي وضعية متكن
-)1حوار أجراه "الشريف عمران" مع "مصطفى كاتب" ،جملة اجليش ،شهرية عسكرية سياسية ثقافية تصدرها اإلدارة املركزية
للمحافظة السياسية للجيش الوطين الشعب) ،ع ،232س ،26جانفي 1021م ،ص.01
-)2خملوف بوكروح ،رأي يف املسرح ،جملة اجليش ،ع ،102س ،12مارس ،1026ص.43
92
املقتبس من إجياد قواسم مشرتكة بني ما كان وما هو كائن ،فاالقتباس يكاد يكون بذلك عمال
تركيبيا ،يسعى إىل حتليل أحداث وتركيبها»( )1وفق اسرتاتيجية إبداعية حمكمة تستحضر خمزون املقتبس
الثقايف ،وخياله النابض ،وكفاءته اللغوية الثاقبة وغريها من املعايري اليت ّتعل االقتباس عملية على قدر
من الصعوبة واحلساسية ،ألّنا هتدف إىل نقل نص من بيئته األصلية إىل بيئة مغايرة له ،وتسعى إىل
حث مجهور آخر ،قد ال ينتمي فكريا وثقافيا إىل ذلك النص ،على تقبله ،وهلذا فالناقد «ال [يرى]
مانعا من أن تقدم أعماال مسرحية عاملية على سبيل االقتباس شريطة أن توظف تلك األعمال وحتقن
برؤى مالئمة لواقعنا املعاش»( )2وإال كان النص نشازا مقحما يف بيئة ينفر مجهوره منها ألن بنيته
الفكرية والفنية غريبة عنه ،ال تستجيب لتوقعاته .وهو الرأي نفسه الذي جنده عند الناقد "أمحد
شنيقي" الذي يرى أن عملية االقتباس ليست عملية سهلة ألّنا تتطلب معرفة عميقة بالنص
األصلي ،كما تتيح للمقتبس قدرا معتربا من احلرية ،تصل ،أحيانا إىل درجة من التحويل اجلدري(،)3
وهي السمة الغالبة على ّتارب االقتباس يف املسرحية اجلزائرية.
ميكن القول إذا ،إن تعامل النقد املسرحي اجلزائري مع مشكلة االقتباس كان ،رغم حتفظه ،تعامال
واعيا حيث اعتربه العديد من النـقاد ضربا من ضروب التثاقف ،والتواصل احلضاري ،فأشادوا بتجارب
الكتاب يف جمال اقتباس النصوص املختلفة ،واستحسنوا من االقتباسات تلك االقتباسات احلرة اليت
عدوها إبداعا ثانيا للنص األصلي كما هو احلال عند "كاكي ولد عبد الرمحان" وغريه .ومل يفتهم أن
حيذروا الكتاب من مطبات استسهال االقتباس ،واالستسالم له ،ألن يف ذلك إجهاضا للحركة
املسرحية اجلزائرية ،فما االقتباس ،حسب أغلبهم ،إال مرحلة ينبغي أن تردف بالتأليف خللق النص
املسرحي اجلزائري األصيل.
-)1حفناوي بعلي ،أربعون عاما على خشبة مسرح اهلواة يف اجلزائر ،ص.362
-)2املرجع السابق ،ص.363
3
)- Ahmed Cheniki , Vérites du théâtre En Algérie, Edition Dar El Gharb,Oran Algérie, 2006,
P29.
93
-3المشكلة اللّغويّة :شغلت املشكلة اللغوية بال املهتمني بالفن املسرحي يف اجلزائر سواء أكانوا
كتابا أم نقادا ،فتعاملوا معها من منطلقات خمتلفة تراوحت بني الرؤية اإليديولوجية اليت ّتعل اللغة
رمزا للهوية اجلزائرية ،ومن مثة فالتمسك هبا يعين التمسك باهلوية وعدم االنسالخ يف ثقافة اآلخر،
وبني الرؤية النفعية اليت ال ترى يف اللغة إال وسيطا تعبرييا ،ووسيلة للتواصل مع الشرحية العظمى من
اجملتمع.
وتتجسد املشكلة اللغوية يف ذلك التعدد اللغوي الذي ميز النصوص املسرحية اجلزائرية ،وجعل
الكتاب خيتلفون يف توظيفهم للغة بني موظف للغة العربية الفصحى ،وموظف للعامية ،أو للغة
الفرنسية ،أو للغة األمازيغية ،مما خلق أربعة مستويات لغوية ،ينبثق كل مستوى منها من ظروف
تارخيية حمددة ،وينفرد خبصوصيات فنية مميزة ،ولكل مستوى مؤيدون ومعارضون.
أما توظيف اللغة العربية الفصحى فقد كان السالح الذي أشهره كتاب مجعية العلماء املسلمني دفاعا
عن املقومات اجلزائرية األصيلة ضد السياسة الفرنسية اليت تسعى إىل طمس معاملها ،وتوحيدا لصفوف
الشعب اجلزائري ،ومن مثة دعا "حممد مصايف" «أن تكون اللغة القومية لغة املسرح لتشكيلها أحد
العناصر األساسية لشخصيتنا ،مث ألّنا الوسيلة الوحيدة الطبيعية اليت متكننا ،يف ظرف قصري ،من
تكوين هذا الروح اجلماعي الذي بدونه لن يكتب جناح أي مسعى من مساعينا الوطنية )1(»...لذلك
ارتبطت اللغة الفصحى باملسرحيات التارخيية والدينية اليت هتدف إىل شحذ اهلمم ،وإذكاء الروح
الوطنية لدى أفراد العامة من الشعب ،ولقد كان أصحاب االّتاه اإلصالحي يتخذون موقفا رافضا
لالّتاه الشعب الذي يوظف الدارجة وسيلة تعبريية خشية استفحال هذه األخرية يف اجملال
املسرحيفينحصر توظيف اللغة العربية الفصحى ،وتسقط يف شرك اإلمهال ،والسيما يف ظل انتشار
اجلهل واألمية بني أفراد الشعب اجلزائري.
-)1حممد مصايف ،فصول يف النقد األدب اجلزائري احلديث ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،1020 ،ص.21-26
94
وأما توظيف الدارجة فنما يف ظل االّتاه الشعب الذي نظر إىل الفن املسرحي من زاوية اجلمهور،
وجعل خماطبته باللغة اليت يفهمها إحدى أولوياته القصوى؛ فقد أدرك كل من "عاللو" ،و"رشيد
القسنطيين" ،و"حمي الدين باشتارزي" أنه لكي يعرب الفن املسرحي عن انشغاالت الطبقة الشعبية
ينبغي أن يتغلغل يف واقعها اليومي ،وأن جيسد هذا الواقع يف مضمون العمل املسرحي ولغته ،لغة تشبه
لغة األثر الشعب من حيث ارتكازها على اإليقاع وختريها اللفظ ،يقول "عاللو يف ذلك« :كنت
أكتب باللغة الدارجة املفهومة من طرف اجلميع ،وال أقصد اللغة السوقية الرديئة ،فهي لغة عربية
ملحونة ومنتقاة»( )1واستطاع ،بفضل هذا اخليار الواعي ،استقطاب شرحية عظمى من الشعب،
وجعل املسرحية أداة فعالة لنشر الوعي السياسي واالجتماعي والثقايف .
وأما توظيف اللغة الفرنسية فكان حتمية فرضتها السياسة االستعمارية حني حاصرت اللغة العربية
الفصحى ومنعت تعليمها ،مما جعل بعض الكتاب املسرحيني الذين يتقنون اللغة الفرنسية يوظفوّنا
للتعبري عن أفكارهم ،وإيصال صورة اجلزائر إىل اخلارج وعلى رأس هؤالء :كاتب ياسني ،آسيا جبار،
مولود معمري ،مولود فرعون وغريهم .
وقد وضع توظيف اللغة الفرنسية هؤالء الكتاب يف مأزق إيديولوجي مرده تشكيك بعض األدباء
احملافظني يف وطنيتهم نتيجة تبنيهم لغة املستعمر وسيلة للتعبري ،فاعتربوا أدهبم الناطق بالفرنسية أدبا
مواليا لفرنسا خادما لنظامها ،وظلت كتاباهتم طي التهميش واإلمهال ردحا من الزمن ،غري أن املتأمل
لنصوص هؤالء الكتاب يلحظ أن اللغة ،يف نظرهم ،مل تكن إال وسيطا تعبرييا ينقل أفكارا تعرب عن
البيئة اجلزائرية القحة يف ظل الرقابة املفروضة على اللغة العربية ،يقول كاتب ياسني« :بسبب الوضع
يف اجلزائر ،ويف الوقت الذي بدأت فيه كتابة الشعر ،مل يكن مبقدوري أن أكون نافعا إال بالتعبري
95
بالفرنسية ،اللغة الفرنسية كانت الوسيلة لتعريف الفرنسيني أننا لسنا فرنسيني ،فكان ذلك عمال
سياسيا مهما»( )1فكان اللجوء إليها اسرتاتيجية سياسية وفكرية نضالية بالدرجة األوىل.
وأما توظيف اللغة األمازيغية فكان حكرا على سكان منطقة القبائل ،وظل النتاج املسرحي ،شأنه
شأن النتاج األدب بشكل عام ،جمهوال بسبب العائق اللغوي ،كون انتشار اللغة األمازيغية حمدودا
مبنطقة جغرافية ضيقة ،وهو ما يفتح باب التساؤل :هل هناك مسرح أمازيغي ،وما هي خصائصه
املوضوعاتية والفنية (إن وجد).
-)1أمينة حسان ،مصادر الكتابة يف مسرح كاتب ياسني ،مذكرة ماجستري ،إشراف :جازية فرقان ،قسم الفنون الدرامية ،كلية
اللغات والفنون ،جامعة وهران ،2613/2612ص.11-13
96
- نموذج تطبيق ّي":كاكي ولد عبد الرحمان" نموذج عن التّجربة االقتباسيّة:
متيزت ّتربة"كاكي االقتباسية بالتنوع والثراء ،إذ اقتبس العديد من املسرحيات العاملية مضفيا
عليها البصمة اجلزائرية األصيلة ،وساعيا إىل خلق نص حملي الروح بقالب أجنب مستحضرا مقولة
أستاذه الفرنسي الذي ينصحه ذات يوم قائال«:اذهبوا إىل شعبكم وخذوا عنه الفن الصحيح،
ليس لدي كفرنسي ما أعطيه لكم سوى التقنية ،أما الفن اجلزائري فهو بينكم»( )1ولعل "كاكي"
كان من النجابة وحسن اإلصغاء حبيث استطاع قولبة املسرحيات العاملية ،وإخضاعها ملتطلبات
البيئة اجلزائرية لغتها ،وشخصياهتا ،وأحداثها ،هدفه من ذلك البحث عن طريقة خاصة للتعبري
عن الواقع املعيش ،حىت غدا االقتباس –عنده -إبداعا فريدا ومتميزا يقول ،واصفا ّتربته يف
اقتباس مسرحية "ديوان القراقوز" سنة 1000م« :نتيجة إلحساسنا بضرورة احلفاظ على الذات،
والبحث عن طريقتنا اخلاصة بنا يف التعبري ،قررنا القيام برحلة شبه خيالية ،فتوجهنا إىل فينيسيا،
حيث اكتشفنا هناك مسرحية للكاتب كارلو غوسيت الذي كان يكتب ملسرح الكوميديا "ديل
آريت" .اسم املسرحية "الطائر األخضر" .لقد عاش السينيور غوسيت يف عصر القراصنة ،وحكايته
عن الطائر األخضر ال تعدو عن كوّنا إحدى حكايات ألف ليلة وليلة .إن القرن العشرين يسمح
لنا بإعادة النظر يف أفكار املاضي ،متاما كما مسح القرن الثامن عشر لذلك الفينيسي بنقل هذه
احلكاية العربية إىل الرتبة احمللية ووضعها يف الشكل الدرامي املطلوب حسب احلاجة .وحنن بدورنا
أخذناها منه مرة أخرى ووضعناها يف قالب درامي جزائري .وحنن يف الواقع مل نأخذ منه احلكاية
فقط ،ولكن أخذنا الفكرة الدرامية كذلك .لص يسرق من لص وتنتصر العدالة .هبذه الطريقة
كتبنا "مسرح الكراكوز" إّنا مسرحية وليست ترمجة ،بل وليست اقتباسا أيضا»( )2ولعل إيراد هذ
النص ،على طوله ،يكشف رؤية هذا املسرحي الثاقبة لالقتباس ،رؤية تنم عن خمزون معريف عرب،
97
وأجنب وافر ميكنه من رد مسرحية "الطائر األخضر" اإليطالية القالب إىل أصوهلا الرتاثية العربية
(ألف كليلة وليلة) .وتعرتف مبرونة الرتاث وقدرته على مسايرة العصر؛ حبيث يستطيع هو أن يعيد
قراءة هذا النص يف القرن الـ ـ ـ26م كما استطاع الكاتب "كارلو غوسيت" أن يقرأه يف القرن
الـ12م ،ولكنها قراءة تتجاوز جمرد االستهالك ،واالجرتار إىل أخذ الفكرة الدرامية ،وسبكها يف
قالب جزائري ،حىت تتحول هذه العملية إىل إبداع حقيقي .
وال ختتلف طريقة اقتباس هذه املسرحية عن باقي اقتباسات "كاكي ولد عبد الرمحان" والسيما
مسرحية "القراب والصاحلني" اليت اقتبسها عن مسرحية "اإلنسان الطيب لستشوان" سنة 1000م
واملستوحاة ،يف األصل ،من أسطورة صينية ،حيث استطاع أن يكيفها مع املقومات اإلسالمية املناسبة
للروح اجلزائرية ،مستبدال اآلهلة يف احلكاية األصلية باألولياء الصاحلني ،حماوال احلد من الشعوذة
واخلرافات املنتشرة يف األوساط الشعبية .وهي طريقة أثبتت مهارة هذا الكاتب يف االقتباس ،وقدرته
على سبك النصوص األجنبية بقالب حملي ،فأشاد بعبقريته العديد من النقاد ،ألّنا «ّتاوزت حد
االقتباس بإعادة النظر يف اهليكل الكلي للمسرحية وإعادة كتابتها من جديد حىت تظهر وكأّنا
()1
مسرحيات جزائرية شكال ومضمونا»
ميكن القول ،إذا ،إن االقتباس عند "كاكي ولد عبد الرمحان" مل يكن جمرد اجرتار للنص األصلي ،أو
أجوف يغين عن بدل اجلهد ،أو إعمال الفكر ،وإمنا كان حوارا إبداعيا ،وانفتاحا على عوامل
َ تقليد
التجديد ،ورغبة يف التواصل الثقايف خباصة واحلضاري بعامة.
98
الم ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــاض ـ ـ ـ ــرةالعاشرة:
ـري:
ـرحي الجـ ـ ـ ـزائـ ـ ـ ّ
النـ ـ ـ ــقد المـ ـ ـ ـس ـ ّ
المسرحي.
ّ -0تعريف النقد
المسرحي في الجزائر.
ّ -7بدايات النقد
المسرحي في الجزائر.
ّ -3أنواع النقد
99
تمهيد :يعد الفن املسرحي جماال خصبا للممارسات النقدية منذ أرسطو ،الذي يعترب أول من تعامل
مع الظاهر املسرحية تعامال نقديا واعيا ،إىل يومنا هذا ،غري أن متيزه بالزخم العالمي جيعل العملية
النقدية مطلبا عزيزا يستدعيّ ،تاوزا ملهارات النقد األدب ،مهارات متعددة ّتمع بني املهارة اللغوية،
والتأويلية ،والتقنية؛ ذلك أن الناقد املسرحي ينبغي أن يكون ناقدا لغويا ،وسيميائيا ،وفنانا حيسن فهم
لغة اإلضاءة والديكور ،واألزياء وغريها.
-)1ماري إلياس وحنان قصاب حسن ،املعجم املسرحي –مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون العرض(-عرب -إجنليزي-
فرنسي) ،مكتبة لبنان ناشرون ،لبنان ،ط ،2660 ،2ص.461
-)2أمحد بلخريي ،معجم املصطلحات الدرامية واملسرحية ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،ط( 2مزيدة) 2660
ص.122
100
املسرحي فهو التعليق التحليلي األكثر جدية ومنهجية»( )1دون أن حيدد ،على حنو ما جند عند نقاد
آخرين ،ما إذا كان النوع األول يصدر عن الصحفيني ،يف حني يصدر النوع الثان عن أكادمييني
متخصصني.
المسرحي في الجزائر :على الرغم من تأخر ظهور النقد املسرحي املنهجي يف
ّ -7بدايات النّقد
اجلزائر ألسباب كثرية منها ما يتعلق بالظروف االستعمارية اليت شغلت بال النخبة املثقفة يف بالدنا
مبواضيع السيادة الوطنية ،وأحدثت قطيعة مع املشرق العرب ،وبطئ عجلة اإلبداع املسرحي نفسه
كونه فنا وافدا ظل يناضل من أجل فرض ذاته يف الساحة الثقافية احمللية ،إال أن بعض الدارسني
يرجعون بداية تشكل القيم النقدية املسرحية األوىل إىل فرتة الثالثينيات واألربعينيات من القرن ال ـ ـ
،26وهي الفرتة اليت شهدت البدايات اجلنينية للكتابة املسرحية اجلزائرية بفضل مجعية العلماء
املسلمني ،الذين إىل جانب إبداعهم لنصوص مسرحية تارخيية ودينية ،كان أعضاؤها يصدرون
تعليقات بسيطة ،يف أعمدة صحف وجمالت خمتلفة كاملنتقد ،والبصائر ،والشهاب وغريها،
وانطباعات شخصية هدفها تشجيع الفن املسرحي يف اجلزائر ،والتعريف القراء بنصوصه.
-)1معجم املصطلحات الدرامية واملسرحية ،مكتبة األجنلو مصرية ،ط.122 ،1001 ،3
101
اتسم هذا النوع من النقد املسرحي بسمات عديدة كالرتكيز على املضمون دون االلتفات إىل اجلوانب
الفنية وأثرها يف تشكيل مجالية اخلطاب املسرحي ،فقد كان هذا النوع من النقد يسعى إىل اإلجابة
عن سؤال :ماذا يقول النص؟ مغفال سؤال :كيف يقول النص مضمونه؟ .فضال على أن أصحابه
كانوا ينظرون إىل العمل املسرحي يف مستواه النصي فقط ،ويغفلون مستوى العرض الذي ميثل
خصوصية بالغة األمهية ،إىل جانب االبتعاد عن الرؤية العلمية الدقيقة ألن معظم التعليقات الصادرة
عن أصحابه ال تعدو أن تكون انطباعات قائمة على البعد التأثري الذي ال يرقى إىل مستوى املوقف
النقدي.
فقد أدى النقد الصحفي املكتوب دورا مهما يف الرتويح للنشاط املسرحي يف اجلزائر منذ فرتاته األوىل،
حيث قام «بدور الوسيط بني املسرح واملتلقي حىت غداة االستعمار الفرنسي )1(»...فكانت اجلرائد،
على قلتها ،تتكفل بنشر أغلب النصوص املسرحية اليت كتبها أعضاء مجعية العلماء املسلمني كالبشري
اإلبراهيمي وغريه ،وتُس حهم يف اإلعالن عن تواريخ العروض املسرحية يف املدن املختلفة ،والتعريف
مبوضوعاهتا ،ونشر الوعي بدور املسرح يف التثقيف وتزكية الروح الوطنية.
وعلى الرغم من الدور الفعال الذي أدته هذه الكتابات الصحفية يف مواكبة النشاط املسرحي حىت
شكلت «اللبنة األساس لصرح الدراسات الالحقة حول املسرح اجلزائري ،و[كانت] بذلك املهاد
الذي انطلق منه النقد املسرحي يف اجلزائر ،بل أكثر من هذا فقد شكلت هذه التغطيات الرحم الذي
-)1صورية غجايت ،النقد املسرحي يف اجلزائر ،خمطوط دكتوراه ،إشراف :عبد اهلل محادي ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية اآلداب
واللغات ،جامعة منتوري-قسنطينة2612 -م2613-م ،ص .262
102
نشأ فيه هذا النقد»( )1إال أّنا كانت تتسم بالتعميم ،والسطحية يف التحليل ،فلم تكن تُـ ْع َىن باجلوانب
الفنية لألعمال املسرحية ،بقدر ما كانت تكتفي باإلعالن عنها ،أو تلخيص موضوعاهتا ،وإعطاء
القارئ صورة عامة عنها ،مما جعلها تتسم باالنطباعية ،والذاتية يف أغلب األحيان وهو ما جعل بعض
الدارسني يقللون من قيمتها ألّنا ،يف رأيهم« ،سطحية يف الغالب ،ال تعدو أن تكون جمرد دعاية
()2
الجتذاب اجلمهور»
واحلق أن املمارسة الصحفية املتعلقة بالنشاط املسرحي يف اجلزائر تتوزع على قسمني :قسم كان
يهدف إىل التغطية اإلعالمية فحسب إما بدافع اهلواية أو التكليف املهين ،هذا األخري الذي يعد
«األكثر حضورا وتوافرا يف املشهد الصحفي ،فقد خضعت نسبة كبرية من املادة اإلعالمية املوجهة إىل
املسرح إىل مقاييس ومواضعات التكليف املسرحي من حيث التقيد مبساحة ورقية حمددة ،والنزوع حنو
بساطة األسلوب )3(»...وال غرو ،واحلال هذه ،أن تظهر يف هذه الكتابات مسات االقتضاب،
وهنات االستعجال .أما القسم الثان فيتميز بالرزانة يف الطرح ،واملوضوعية يف املعاجلة ألنه صادر عن
صحفيني ونقاد متمرسني بدروب الكتابة العلمية ،وقوانينها ،عارفني بفن املسرح معرفة عميقة ومن
أمثلة هؤالء النقاد :جروة عالوة وهبة ،أمحد بيوض ،عاشور بوزيان ،حفناوي بعلي ،أحسن تليالن،
كمال بن دميراد ،عبد الكرمي سكار ،أمحد بن صبان( )4وغريهم من النقاد الذين آمنوا باالرتباط الوثيق
بني الصحافة واملسرح باعتبارها وسيلة خادمة له ،تستند يف مادهتا إىل نصوصه ،وعروضه.
-)1حممد حتريشي( ،النقد املسرحي يف اجلزائر ،سؤال يف املكون) جملة عمان ،أمانة عمان الكربى ،عمان ،ع ،132تشرين
الثان2660 ،م ،ص .33وينظر أيضا :املرجع السابق ،ص.260
-)2الرشيد بو شعري ،أثر برتولد برخيث يف مسرح املشرق العرب ،أطروحة دكتوراه ،قسم اللغة العربية و آداهبا ،كلية اآلداب
جامعة دمشق1023 ،م ،ص.3
-)3صورية غجايت ،النقد املسرحي يف اجلزائر ،ص.261
-)4املرجع نفسه ،ص( 212بتصرف).
103
بشطارزي" ومذكرات "عاللو" وغريمها ،وتعتربهذه املذكرات «من أهم املراجع اليت اعتمدت عليها
الدراسات النقدية يف املسرح اجلزائري»( .)1ولعل ميزة النقد الصادر عن رجال الفن املسرحي اجلزائري
هو أنه نقد غري مؤسس على رؤية علمية دقيقة ،وال يعىن بالسالمة اللغوية ،يغلب عليه العفوية
واالنفعالية ،غري أنه ينبثق من داخل املشهد املسرحي ويتتبع سريورة األعمال املسرحية عن كثب ألنه
يعايشها.
-اإلفادة من أنواع النقد املسرحي األخرى حيث استعان أصحابه مبا توفر هلم من نقد صحايف ،كما
اعتربوا مذكرات رجال املسرح مادة هامة يرتكزون عليها يف التنظري للفن املسرحي اجلزائري.
-االعتماد على تقنيات البحث العلمية الدقيقة ما أمكن إىل ذلك سبيال؛ والسيما فيما يتعلق
باألمانة العلمية والتوثيق ،ومتحيص املعلومات وفحصها.
104
-جنح هذا النقد إىل التحليل والتعميم ،وابتعد عن األحكام املطلقة ،والتعسفية ،وسعى أصحابه
غلى تطبيق املناهج النقدية يف دراسة الظواهر املسرحية.
-تنوعت موضوعات هذا النقد بني دراسة مسرحيات جزائرية أو عربية أو عاملية ،وبني دراسة ظواهر
مسرحية كظاهرة توظيف الرتاث وغريها.
ومهما يكن من أمر فإن النقد املسرحي بكافة أشكاله أسهم مسامهة فعالة يف تطوير الفن املسرحي
يف اجلزائر ،وعلى الرغم من االختالفات الواسعة بني هذه األنواع إال أّنا شكلت مشهدا نقديا
متكامال كان لكل نوع فيه إجيابيات وسلبيات ،وكان انتشاره تلبية خلصائص فرتة زمنية معينة.
105
المحاضـرة الحادية عاش ـ ــر:
المس ـ ــرحـ ـ ــيّة الجـ ـزائ ـ ـ ـريّة وإشــكال ــيّة الم ـ ـ ـن ـهـ ــج:
-1المقاربات التّاريخيّة.
السيميائيّة.
-7المقاربات ّ
-3المقاربات التّداوليّة.
106
تمهيد:ليس التعامل مع الفن املسرحي تعامال علميا باألمر اهلني بل أصبح يطرح ،على السابر
أغواره ،إشكاالت قرائية عديدة أمهها سؤال املنهج؛ أي كيف نقرأ النص املسرحي؟ وما هي أكثر
املناهج مالئمة هلذا الفن املتميز بطبيعته املزدوجة اليت ّتمع بني مكونني على قدر كبري من األمهية
واالختالف يف اآلن ذاته مها النص والعرض.
ويف إطار اإلجابة على هذا السؤال اختلف تعامل النقد املسرحي اجلزائري مع الظاهرة املسرحية من
حقبة زمنية إىل أخرى ،ومن ناقد إىل آخر حسب الزاد املعريف الذي ميتلكه هذا الناقد أو ذاك،
وحسب املنطلقات الفكرية واإليديولوجية والثقافية املهيمنة على النقد يف تلك احلقبة دون احلقبة
األخرى ،فتعددت املناهج وتباينت الرؤى العلمية اليت تتصدى للمسرحية نصها وعرضها بالدراسة
والتحليل وتراوحت ،يف جمملها ،بني الدراسات التارخيية ،والدراسات املوضوعاتية الفنية ،والسيميائية
والتداولية ،وتطبيق إجراءات نظريات القراءة والتلقي.
أ -المقاربات التّاريخيّة :تعترب الدراسات التارخيية أكثر املقاربات رواجا يف النقد املسرحي اجلزائري،
حيث سعى لفيف من النقاد إىل التأريخ هلذا الفن الوافد إىل ثقافتنا ،معرفني به نشأة وتطورا ،منقبني
عن إرهاصاته األوىل ،ولقد اختذت مثل هذه الدراسات مشروعيتها من حداثة هذا الفن ،وغياب
تراكم إبداعي ميكن االرتكاز عليه لبناء تصور نقدي يراعي خصوصيته احمللية .
تتضمن الدراسات التارخيية موضوعات عديدة منها ما يتعلق بالتعريف برواد الفن املسرحي اجلزائري،
وترسيخ ثبت بالنصوص األوىل ،وهو عمل يتطلب الصرب ودقة التحري ،ودراية معتربة باإلرهاصات
األوىل للحركة املسرحية يف اجلزائر ،ومنثل هلذه الدراسات بكتاب "صاحل ملباركية" املوسوم بـ ـ ـ ـ" :املسرح
يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق-دار اهلدى للطباعة والنشر
والتوزيع ،عني مليلة -اجلزائر "2664 ،حيث سعى الناقد إىل تقدمي مسح لتاريخ الفن املسرحي يف
اجلزائر بداية بالعهد الرومان ،فالعهد العثمان ،فالعهد الفرنسي ،انتهاء بسنة 1026اليت حددها
107
نقطة ّناية دراسته ،وقد أردف دراسته بتقدمي ملخصات عدد معترب من النصوص ،وثبت لبعض
أعالم املسرح اجلزائري ،ويعد هذا الكتاب مرجعا مهما للدراسات املسرحية اليت جاءت بعده.
ومن الدراسات املهمة يف تاريخ املسرح اجلزائري نذكر كتاب "أمحد بيوض" املوسوم ب ـ ـ" :املسرح
اجلزائري،نشأته وتطوره ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،اجلزائر2611 ،م " وهو جمموعة مقاالت
صحفية مجعها الناقد يف كتاب ،وأرخ فيه للظاهرة املسرحية يف اجلزائر منذ نشأهتا ،مرورا مبراحل
تطورها ،شافعا دراسته جبداول لعناوين نصوص مسرحية خمتلفة :املؤلفة منها واملقتبسة واملرتمجة ،وأمساء
أصحاهبا ،ومذيال عمله برتمجة ألعالم املسرحية اجلزائرية تأليفا ومتثيال وإخراجا.
وسلط الباحث "حفناوي بعلي" الضوء يف كتابه "أربعون عاما على خشبة مسرح اهلواة يف اجلزائر،
منشورات احتاد الكتاب اجلزائريني ،دار هومة ،ط 1اجلزائر2662 ،م"على مسرية مسرح اهلواة يف
اجلزائر وخصائصه باعتباره شكال له مميزاته ومواضيعه وتارخيه ،فبني الفرق بينه وبني املسرح احملرتف،
وقسم أنواعه إىل املسرح املدرسي ،واملسرح اجلامعي ،ومسرح العمل ،واملسرح الشعب ،واملسرح اجلوال،
واملسرح العسكري ،وشفع دراسته برؤية حتليلية لنصوص خمتلفة قدمها مسرح اهلواة يف اجلزائر ،كما
تطرق إىل أكثر القضايا حساسية يف النقد املسرحي كقضية أزمة النص عارضا أسباهبا ،ومقرتحا
احللول والبدائل.
وقد أجدت مثل هذه الدراسات نفعا يف مرحلة معينة من مراحل املسرحية اجلزائرية ،فأمدت الدارسني
مبادة علمية خصبة والسيما أّنا كانت مشفوعة بتحليل لبعض النصوص املسرحية ،وشرح ظروف
تأليفها ،أو مالبسات عرضها ،فكانت مرجعا ثرا للدراسات النقدية بعدها ،غري أّنا وقعت يف بعض
املزالق؛ إذ يلحظ إقبال كبري «حنو التأريخ للظاهرة املسرحية ،وقراءهتا مبناهج سياقية ،مقابل نفور
غريب من الدراسات النقدية التطبيقية اليت يعول عليها يف ترسيخ تقاليد فنية مسرحية يف اجلزائر ،ورفع
مستوى اإلبداع املسرحي يف بالدنا )1(»...أضف إىل ذلك نزوع مثل هذه الدراسات إىل تتبع الظاهرة
108
املسرحية من اخلارج نص وتغييب كامل للبنية النصية املتميزة بأنساقها املختلفة اللسانية منها والسمعية
والبصرية وغريها.
السيميائيّة :تتميز املقاربة السيميائية بأّنا أكثر املقاربات رواجا يف النقد املسرحي
ب -المقاربات ّ
اجلزائري ،ومرد ذلك إىل عاملني :يتعلق األول مبا يتميز به الفن املسرحي من طاقات عالمية ّتعله
«آلة سبريطيقية بامتياز»1فخالفا لألجناس األدبية اليت هتيمن عليها العالمة اللسانية فقط ،ميكن
اعتبار املسرحية فسيفساء من العالمات ّتمع بني العالمات اللغوية ،والبصرية ،والسمعية ،والشمية
اخل.ويتعلق اآلخر بقدرة هذه املقاربة على تتبع وتأويل العالمات املسرحية مهما اختلفت طبيعتها،
وتشعبت معانيها ،فهي منبثقة عن علم «يسعى ألن يقدم منهجا متكامال لتحليل العمل املسرحي
(النص والعرض) على اعتبار أن كالًّ منهما يشكل لغة " " Langageمتكاملة ومستقلة .وهي
تبحث يف املنظومات الداللية اليت تُك نون هذه اللغة ،ويف وسائل إنتاج املعىن خالفا للعلوم النقدية
التقليدية اليت تركز على البحث عن املعىن يف حد ذاته»(.)2
ويقف الناظر إىل الدراسات اليت سعت إىل تطبيق إجراءات املقاربة السيميائية على املسرحية اجلزائرية
على العديد من املالحظات نذكر منها:
أ -جنوح هذه الدراسات إىل اجلانب التطبيقي ،ووقوف أغلبها ،عند التنظري ،على السيميائيات
العامة نشأة وتطورا دون فحص دقيق لطروحات سيميائيات املسرح وإجراءاهتا باعتبارها فراعا جديدا
من فروع السيميائيات العامة.
ب -عدم وجود إجراءات حمددة للمقاربة السيميائية ميكن اعتمادها منوذجا حيتذى به يف مثل هذه
الدراسات.
1
)- Roland barthes, écrits sur le théâtre, texte réunis et présentés par : jean lout revire éditions du seuil 2002, p
19.
-)2ماري إلياس وحنان قصاب حسن ،املعجم املسرحي ،ص.241
109
ج -تعامل أغلب الباحثني مع النص املسرحي باعتباره نص أدبيا تتحدد قراءته سيميائيا بقراءة
العنوان ،الشخصيات الزمان ،واملكان ،وإغفال أهم خصيصة ينفرد هبا وهي نص اإلرشادات املسرحية
الذي يفتح أفقا واسعا للتأويل السيميائي.
د -توزع املقاربة السيميائية يف النقد املسرحي اجلزائري خاصة والعرب بعامة إىل سيميائيات النص
املسرحي ،وسيميائيات العرض املسرحي ،مع بروز حبوث ّتمع بني السيميائيتني ،وتدرس العمل
املسرحي باعتباره كال متكامال.
ج -المقارباتالتّداوليّة :يعد الفن املسرحي جماال خصبا للدراسات التداولية لقيامه على بعد تواصلي
معقد؛ فعلى املستوى األول ميكن رصد هيئات إرسالية متعددة؛ بداية مبؤلف النص ،إىل املخرج،
فمصمم املالبس ،ومصمم الديكور ،وتقين اإلضاءة ،واملوسيقي ،واملمثل؛ حبيث نلحظ تناوباً إرسالياً
معقداً خالفاً ملا هو معهود بالنسبة لألجناس األدبية املختلفة .وهذا التعقيد على مستوى اإلرسال
يتطلب ،بدوره ،تعقيداً على مستوى التلقي؛ حيث ميكن اعتبار املؤلف متلقياً أوَل لوقائع نفسية أو
اجتماعية ،أو فكرية ،أو سياسية .واملخرج متلقياً ثانياً لنص املؤلف ،وألنواع الوقائع ذاهتا اليت ميتح
منها ّتربته الفنية اليت تلخص رؤيته للعامل ،وميكن َع ُّد ٍّ
كل من مصمم األزياء ،ومصمم الديكور،
وتقين اإلضاءة ،ومصمم املوسيقى ،واملمثل متلقني لتوجيهات املخرج( )1ويف النهاية هناك املتلقي
األخري ،وهو اجلمهور الذي يشاهد العرض ،ويتفاعل معه .إن هذا التعدد يف املسرحية ،نصاً،
وعرضاً ،ال جند مقابالً له يف الرواية أو الشعر مثال ،ملا تتسم به هذه األجناس األدبية من أحادية
التلقي.
-)1ينظر :عبد اجمليد شكري ،عناصر الرتكيب اجلمال يف العرض املسرحي املغرب – قراءة يف بعض عروض مسرح اهلواة -خمطوط
دكتوراه ،جامعة احلسن الثان ،احملمدية ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،بنمسيك ،الدار البيضاء ،املغرب 2662 ،م2663-م،
ص.121
110
وعلى الرغم من أمهية الدراسات التداولية يف هذا اجملال باعتبارها «جزءا من السيميائية اليت تعاجل
العالقة بني العالمات ومستعملي هذه العالمات»()1إال أن حضورها يف البحوث املسرحية اجلزائرية
ظل حمتشما نظرا لصعوبة مقاربة إجراءاهتا ،ناهيك عن تشعب نظرياهتا عند النقاد الغربيني أنفسهم.
د -المسرحيّة الجزائريّة ونظريّات القراءة والتّلقي :يـُ َع ُّد اجلمهور عنصراً حمورياً يف تشكيل الظاهرة
ب؛ لدرجة أن العديد من التجارب اإلخراجية أثبتتاملسرحية ،فهو يرتبط هبا ارتباط السبب باملسبن ح
ُ
إمكانية االستغناء عن بعض عناصر العرض بدءاً بالعناصر التقنية من ديكور ،وموسيقى ،ورقص،
وغناء؛ حيث عمد كثري من املخرجني إىل تقليل أو إلغاء توظيفها ،إىل العناصر اللغوية اليت ،رغم
أمهيتها ،ظهرت دعوات إىل االستغناء عنها يف إطار ما يسمى باملسرح الصامت ،إال أن حضور
مسرحي.
ٍّ املتفرجني كان وما زال احلدث الذي ال غىن عنه الستكمال شروط كل عرض
بداعي
وقد تنامى االهتمام هبذا العنصر الفعال يف العقود األخرية من القرن املاضي ،فعلى املستوى اإل ن
مت اإلصرار على ضرورة تفعيل املخرج لدور املتفرج ،من أجل املشاركة يف العرض وعيا منه بأنه احلكم
ي أخذ اهتمام
األول واألخري ،وعليه يعول جناح العمل املسرحي أو فشله ،وعلى املستوى النقد ن
الباحثني ينصب على املتلقي يف حماولة لرصد استجاباته ،وحتليل آفاق توقعاته ،من أجل بناء نظرية
نقدية للتلقي املسرحي على غرار ما مت إجنازه يف جمال التلقي األدب.
-)1النعمان بوقرة ،املدارس اللسانية املعاصرة ،مكتبة اآلداب ،القاهرة -مصر ،د.ط ،2661 ،ص.100
111
البديهي أن ينبثق االهتمام باجلمهور ،أوال ،عن بوادر فطرية تؤطرها املمارسة املسرحية
ن وقد كان من
اجلزائرية ،حيث كان املمثلون أنفسهم على قد ٍر كب ٍري من الوعي بأمهية هذا الطرف يف جناح العملية
التواصلية املسرحية ،وكانوا ،انطالقا من حخ ْرباهتم ،يستشرفون آفاق توقعات اجلمهور ويستجيبون هلا
بتلقائية شديدة .إىل أن بلغ هذا االستشراف مداه مع "عبد القادر علولة" الذي حظي اجلمهور ،يف
الربخيثيٍّ ،
حبظ وافر من االهتمام أرجع ،انطالقا منه ،الشكل املسرحي ،خباصة، ن مسرحه املتأثر باملنحى
إىل التقاليد الشعبية الرتاثية ،وجعل العرض أشبه ما يكون بورشة فنية يشارك اجلمهور يف صنعها،
ويبدي رأيه فيها باملناقشات اليت تَـ ْع ُقب ّناية كل عرض ،إميانا منه بأمهية أراء اجلمهور وانطباعاته يف
مسرحي حمل ٍّي ناجح.
ٍّ التأسيس لتصور
وإذا كان هذا حال املمارسة املسرحية اجلزائرية من العناية باجلمهور ،فإن املمارسة النقدية مل َححت ْد كثريا
عن هذا املنحى ،حيث أخذ موضوع اجلمهور وظروف تلقيه للعمل املسرحي يتصدر اهتمامات النقاد
الذين راحوا يتباحثونه انطالقا من رؤيتني:
-أوال :رؤية فكرية/اجتماعية :تتجلى يف شكل تعليقات أو آراء ال حتتكم إىل منهج معني وال هتدف
إىل الغوص يف طبيعة اجلمهور وخصوصياته ،وآليات تلقيه للعمل املسرحي؛ بقدر ما تُناقحش ،على حنو
ما جند عند "عبد اهلل الركيب" يف كتاب فنون النثر اجلزائري ،موقفه املتحفنظ من هذا الفن الوافد الذي
ارتبط يف نظر العامة باملستعمر الفرنسي ،وكذا طبيعة اللغة امل ح
ناسبة ملستوى اجلماهري البسيطة( .)1وقد
ظلت قضية غياب اجلمهور عن العروض يف الفرتات األوىل من نشأة املسرحية اجلزائرية تشغل بال
النقاد الذين حاولوا أن يوجدوا هلا مسوغات تتعلق ،يف معظمها ،بالعالقة العدائية بني الشعب
ميت للمستعمر بصلة.
اجلزائري وكل ما ُّ
واملالحظ أن هذه اآلراء وغريها من الشذرات املتناثرة يف كتب نقدية عديدة ظلت قاصرة عن املعاجلة
اجلادة ملوضوع مبثل هذه األمهية ،إذ كان معظمها يكتفي باإلشارة العابرة على حنو ما جند يف كتاب
-)1عبد اهلل الركيب ،تطور النثر اجلزائري احلديث ،املؤسسة العربية للكتاب ،اجلزائر ،ط1023 ،1م ،ص.112
112
"املسرح اجلزائري-نشأته وتطوره-ألمحد بيوض الذي حضر املوضوع عنده يف عنوانني فرعيني يتوزعان
على فصلني :الفصل الثالث حتت عنوان :املسرح اجلزائري واجلمهور؛ وكانت املعاجلة فيه ذات طابع
مستمر
ٍّ وصفي تعتمد أرقاماً إحصائية( )1لتثبت أن مجهور العرض املسرحي يف عام 1032م يف تزايد
ٍّ
مقارنة بأعوٍام مضت .ويف موضع آخر من الفصل الرابع وحتت عنوان :رد فعل مجهور املسرح :حضور
()2
وفعالية ،أكد الباحث فاعلية املسرح يف تعبئة احلس الثوري لدى الشرحية العظمى من اجلماهري
مهم من العالقة بني اجلمهور والعروض املسرحية هي التفاعلية.
ليلفت النظر إىل جانب ٍّ
وقد تفعل هذا االهتمام جبهود علمية معتربة تعىن بدراسة الظاهرة املسرحية من زاوية التلقي على غرار
اعتماد مشروع ماجستري حتت عنوان" :املسرح اجلزائري من منظور مجالية التلقي" حتت إشراف
الدكتورة "جازية فرقان" جبامعة وهران ،كلية اآلداب واللغات والفنون ،قسم الفنون الدرامية للموسم
اجلامعي ،2660-2664ويهدف إىل اختبار املسرحية اجلزائرية يف ضوء منجزات نظرية التلقي.
وضمن املسار نفسه ،عاجل قسم الفنون الدرامية جبامعة وهران موضوع مذكرة ماجستري بعنوان":
العالقة املسرحية ومجالية التلقي لدى اجلمهور املسرحي اجلزائري ،مسرحية "الشهداء يعودون هذا
األسبوع" أمنوذجا يف إطار مشروع "املسرح اجلزائري من منظور مجالية التلقي"حيث تناولت الباحثة
"برنامة سنية سامية" موضوعاً على قدر كبري من األمهية هو العالقة بني املسرحية واجلمهور ،وهي
113
عالقة تفاعلية بامتياز .وإذا كانت الفصول الثالثة األوىل فصوالً متهيدية استقرأت اجلانب النظري
للتلقي ،راصدة خمتلف عملياته النفسية واإلدراكية منذ كتابات أرسطو ،ومتتبعة طبيعة اجلمهور
املسرحي ودوره من جهة أخرى .فإن الفصل الرابع جاء تطبيقيا تناول مسرحية "الشهداء يعودون هذا
األسبوع" من اجلانب اجلمال للقصة ،مث اجلانب اجلمال للنص الدرامي ،مث اجلانب اجلمال للعرض
املسرحي ،مربزا أثر كل هذه اجلماليات على اجلمهور الذي استملح أساليب السخرية واحلماقة،
وتوظيف الكورس ،والرتاث الشعب ،واالستعراض الغنائي( )1وغريها من األساليب اليت مدت أواصر
التواصل بني العرض واملتلقي .
-)1برنامة سنية سامية ،العالقة املسرحية ومجالية التلقي لدى اجلمهور املسرحي اجلزائري ،مسرحية "الشهداء يعودون هذا
األسبوع" أمنوذجا ،خمطوط رسالة ماجستري ،إشراف :جازية فرقان ،قسم الفنون الدرامية ،كلية اآلداب ،اللغات والفنون ،جامعة
وهران2662 ،م2660-م ،ص.24
-)2املرجع نفسه ،ص.24
114
يف األخري نقول إن هذه الدراسات ،على هناهتا ،قد نقلت املسرحية اجلزائرية من حيز االنطباع
والذوق إىل حيز الدرس األكادميي ،واستطاعت التعريف بنصوص كثرية ،وقدمت إجراءات موضوعية
ملقاربتها إال أن الفن املسرحي مازال حقال خصبا للدذراسات األكادميية وجب لفت االنتباه إليه،
وإزالة الغبار عن نصوصه.
تسعى هذه القراءة املوجزة يف ّتربة خملوف بوكروح النقدية إىل تسليط الضوء على جهود هذا الناقد
يف جمال اإلفادة من منجزات نظريات القراءة والتلقي اليت استأثرت حبيز معترب إسهاماته النقدية
والسيما أنه خصها بدراستني رائدتني :األوىل موسومة بـ "املسرح واجلمهور دراسة يف سوسيولوجية
املسرح اجلزائري ومصادره" اليت حاول من خالهلا إخضاع اجلمهور اجلزائري للدراسة العلمية باالعتماد
على املقاربة السوسيولوجية اليت رأى أّنا «تسعى إىل فهم بعض املشكالت املتعلقة بطبيعة التفاعل
االجتماعي والتغري الثقايف الذي طرأ على البنيات االجتماعية ،كما أّنا تسهم يف فهم وتفسري عملية
االتصال االجتماعي اليت تزداد تطورا مع تطور مع تطور اجملتمعات املعاصرة»( .)1ولعل ما حيسب
هلذه الدراسة ،عدا املهاد النظري الذي أرخ فيه صاحبها للمسرحية اجلزائرية موضوعاهتا ومصادرها،
اإلحصائي واجلداول يف استقراء إقبال اجلمهور اجلزائري على العروض املسرحية
ن ارتكازها على اجلانب
يف فرتة زمنية حمددة بالعقد األول من االستقالل ،وباالعتماد على التوزيع الزمين للعروض .وتأيت
الدراسة الثانية املوسومة "التلقي واملشاهدة يف املسرح" لتعزز رغبة هذا الناقد يف فهم وحتليل ظاهرة
اجلمهور اجلزائري باالعتماد على «استمارة استبيانية مت توزيعها على مجهور ثالثة عروض ملسرحية
ي علىح
ر ُج
أ تطبيقي كنموذج ()2
"حافلة تسري" بقاعة املسرح الوطين اجلزائري ،أفريل 1001م»
ْ َ
146مستجوباً ،يكشف ثالثة زوايا :تتعلق األوىل برتكيبته االجتماعية ( اجلنس -السن -املستوى
التعلمي ،واالجتماعي )...وتتعلق الثانية بأمناط التفاعل املسرحي بغية كشف حدود العالقة بني
115
اجلمهور اجلزائري واملسرح مركزة على العناصر اليت ّتذبه يف العرض أهي العنوان ،أم املضمون ،أم
النوع املسرحي (تراجيدي او كوميدي ،أو طالئعي ،)...أم اللغة ...وتتعلق الثالثة بعالقة املؤسسة
املسرحية باجلمهور وتستهدف الكشف عن وسائل اإلعالم املعتمدة من قبلها( صحافة مكتوبة،
التلفزيون ،امللصقات ،الراديو) وغريها .وقد أقر الباحث ،رغم اعرتافه بنسبية هذه النتائج ،أن اجلمهور
املسرحي ،موضوع الدراسة« ،مجهور شاب ومتعلم ،ومتكون من عنصرين(إناث وذكور) ويهتم
باملسرح ،ويركز على املضمون ،أكثر من الشكل[ .وأكد أنه] يبقى أمام املسرح الوطين اجلزائري أن
يقيم اتصاال مستمرا مع اجلمهور[ ،وأن يسعى] إىل معرفة طبيعته ،ورغباته ،لكن معرفة اجلمهور
وحدها تظل غري كافية ،ما مل تتمكن املؤسسة املسرحية من توثيق االتصال مع اجلمهور بشكل
()1
مستمر»
ومما ّتدر اإلشارة إليه هو أن إسهامات "خملوف بوكروح" يف جمال التلقي املسرحي اجلزائري ،ودراساته
عن اجلمهور املسرحي كانت ّتربة نقدية على قد ٍر كب ٍري من األمهية ،والتنوع حبيث لفتت جديتها،
وجدهتا أنظار الباحثني يف جمال النقد املسرحي؛ ففي حبثها املوسوم بـ "النقد املسرحي يف اجلزائر" ويف
إطار تناوهلا لظاهرة اجلمهور وموقعها يف أعمال النقاد املسرحيني اجلزائريني ،أفاضت الباحثة "صورية
غجايت" يف عرض وتقدمي جهود هذا الناقد حني خصته مببحث قيم من دراستها ،مشرية إىل مواطن
القوة والضعف يف طرقه ملوضوع التلقي ،وعلى الرغم من أن الباحثة انتهت إىل مالحظة ،اعتقدت أن
الناقد "خملوف بوكروح" يتفق معها حوهلا ،تتمثل «يف احلكم بعبثية هذا النوع من الدراسات ألنه ال
ميكنها أن حتقق نتائج ّنائية بالنسبة لقياس سلوك وعادات اجلمهور ،ذلك أن أذواق اجلماهري [يف
()2
اعتقادها] غري ثابتة ،فهي تتغري من عام إىل عام آخر ،وأن مثة حلظة نفسية لكل مسرحية»...
وهي مالحظة قد تنال استحسان بعض النقاد نظرا ملسوغاهتا املوضوعية ،إال أن موضوع التلقي
املسرحي موضوع ال مناص منه لكل حبث مادام اجلمهور جزءا ال يتجزأ من تكوين الظاهرة املسرحية.
116
تبقى ّتربة "خملوف بوكروح" النقدية ّتربة رائدة يف جماهلا ،ألّنا ّتمع بني حب الفن املسرحي ،ومعرفة
متطلباته (كونه خمرج مسرحي) وامتالك األدوات اإلجرائية لدراسته ونقده.
117
المحـ ـ ـ ــاضرة الثـاني ـ ـ ــة عشـ ـ ــر:
شعريّة في الجزائر.
-7نشأة المسرحيّة ال ّ
شعريّة في الجزائر.
-3موضوعات المسرحيّة ال ّ
118
تمهيد :تعد املسرحية الشعرية نوعا متميزا من أنواع املسرحية ،ارتبط ظهوره بظهور الفن املسرحي
نفسه ،وتطور عرب الزمن متخذا مواضيع خمتلفة باختالف احلياة نفسها ،مربزا مقدرة الشاعر الفنية
القائمة على البعد اإليقاعي وما يوفره من دالالت ،ومؤكدة ميالد نوع فين طريف ناتج عن تزاوج
جنسني ينفرد كل جنس منهما خبصوصيات ومجاليات معينة مها املسرحية والشعر ،وهو ما جيعلنا
نتساءل عن مفهوم املسرحية الشعرية ،ومدى حضورها يف املسرحية اجلزائرية ،وماهية موضوعاهتا؟
شعريّة :ينقسم الفن املسرحي إىل أنواع عديدة يتميز كل نوع منها مبميزات
-0مفهوم المسرحيّة ال ّ
خاصة ،ويرتكز هذا التقسيم يف جممله إىل معيارين :أحدمها يتعلق باملضمون ،واآلخر بالشكل؛ فأما
املعيار األول فنتج عن الشعرية األرسطية اليت تنص على أنه إذا كان املضمون ملهاويا فنكون إزاء
النوع الكوميدي ،وإذا كان مأساويا نكون إزاء النوع الرتاجيدي ،وأما املعيار الثان فنتج عن عصر
النهضة حني بدأ التمييز بني املسرحية الشعرية إذا كتبت شعرا واملسرحية النثرية إذا كتبت نثرا(.)1
واملسرحية الشعرية يف املفهوم العام «تسمية يقصد هبا املسرحية املكتوبة شعرا أو بلغة نثرية هلا طابع
شعري ،وتستخدم اليوم للتمييز بني املسرح املكتوب شعرا واملسرح املكتوب نثرا)2(».وحييلنا هذا
التعريف إىل االرتباط الوثيق بني جنسني خمتلفني من حيث التقنيات الفنية مها الشعر واملسرح
ومتقاربني من حيث التعبري عن القيم اإلنسانية ،فقد « ارتبط الفن الدرامي منذ بداية نشأهتلدى مجيع
شعوب العامل بالدين من ناحية ،وبالشعر من ناحية أخرى ،مث انفصل عن الدين بعد فرتة لدى بعض
الشعوب ،غري أنه ظل مرتبطا بالشعر رغم كل التطورات البنائية والفنية اليت طرأت عليه حىت ّناية
القرن التاسع عشر»()3وهلذا االرتباط مربراته يف كل مرحلة من مراحل تطور الشعوب؛ فاملسرح ميكن
الشعر من اخلروج من غنائيته ،وجيعله أكثر التصاقا باجلماهري ،كما أن الشعر يوفر للمسرح الدفقة
الشعرية ،والكثافة اإلحيائية اليت ّتعل احلوار املسرحي ينئى عن اللغة التقريرية لصاحل اللغة األدبية ،وهو
119
ما جيعل املسرح الشعري « يتحرك يف منطقتني :دائرة املسرح ودائرة الشعر ،ولكيتنجح املسرحية ال بد
أن تتفوق يف هاتني املنطقتني»()1ومن مثة كان االقرار بصعوبة تأليف هذا النوع من املسرحية.
شعريّة في الجزائر :ال ريب أن الفن املسرحي يف اجلزائر ارتبط بكل ما هو
-7نشأة المسرحيّة ال ّ
طرب وغنائي منذ بداياته األوىل ،فقد كان اجلو الثقايف العام يف فرتة ما بعد احلرب العاملية األوىل مهيأ
الحتضان هذا التمازج بني املسرح والغناء؛ حيث «شهدت اجلزائر ()...فرتة مزدهرة باملوسيقى
والغناءيف هذه الفرتة ،وبدأت تظهر بوادر حركة مسرحية يف املدارس والنوادي ،فأقدم بعض اهلواة
الشباب على تقدمي متثيليات قصرية ممزوجة باألغان واملوسيقى أما طلبة املدارس اإلسالمية فقدموا
متثيليات باللغة العربية الفصحى»( )2وقد أدرك رواده والسيما "عاللو" ورشيد القسنطيين" و"حمي
الدين باشتارزي" ميل اجلمهور اجلزائري إىل الطرب والغناء فقدموا عروضا فكاهية تتخللها مقاطع
موسيقية أو غنائية ،وتكون مشفوعة بالرقص والضرب على الطبل أحيانا كثرية ،والقت هذه العروض
جناحا وذيوعا منقطع النظري.
غري أن البداية الفعلية للمسرحية الشعرية يف اجلزائر تعود إىل الثالثينيات من القرن املاضي وتنبثق من
لدن بعض أدباء مجعية العلماء املسلمني الذين استطاعوا ،بفضل قدراهتم الفكرية ومواهبهم الفنية،
إرساء دعائم حركة ثقافية أدبية ونقدية بلسان عرب فصيح يف فرتة زمنية مبكرة ،وانكبوا على دعم
احلركة املسرحية الناشئة آنذاك بنصوص مسرحية كثرية ،استدعت الرتاث التارخيي والديين ملواجهة
ب بعضها ح ح
ب بعضها نثرا ،وُكت َالسياسة االستعمارية الرامية إىل طمس اهلوية اجلزائرية األصيلةُ ،كت َ
اآلخر شعرا ،وميكن أن نقف على نصني ميثالن البداية الفعلية هلذا النوع املسرحي يف تلك الفرتة ومها
مسرحية "الل بن رباح" حملمد العيد آل خليفة ،ومسرحية "رواية الثالثة للبشري اإلبراهيمي.
-)1أمحد مشس الدين احلجاجي ،املسرحية الشعرية يف األدب العرب احلديث ،كتاب اهلالل ،ع ،432أكتوبر ،1004ص
.41
-)2نصر الدين صبيان" ظهور احلركة املسرحية يف اجلزائر بني التأثري األجنب الفرنسي و التأثري العرب الشرقي" ،جملة الكاتب
العرب ،العدد ،13 :سوريا ،1024ص.00 :
120
تعد مسرحية "بالل بن رباح"باكورة هذا النوع املسرحي يف اجلزائر ،حيث يرى نقاد كثريون وعلى
رأسهم أحسن تليالن أّنا «أول منوذج للمسرحية الشعرية الناضجة فنيا)1(»...كتبها الشاعر "محمد
العيد آل خليفة" سنة 0232واستوحى مادهتا من التاريخ اإلسالمي ليسلط الضوء على إحدى
شخصياته اجمليدة وهي شخصية الصحاب اجلليل ،ومؤذن اإلسالم "بالل بن رباح"ليتخذ من سريته
رمزا للصرب على الكفر والظلم ،ومثاال على الثبات على العقيدة ،وااللتزام مببادئ اإلسالم ،وقناعا
يدعو من خالله الشعب اجلزائري للتمسك باهلوية العربية األصيلة يف مواجهة االستعمار الفرنسي
الغاشم.
ولعل ما يلفت النظر يف هذه املسرحية من الناحية الفنية هو قيامها على التنويع اإليقاعي ،فلم تُكتب
على قافية واحدة ،ومل يلتزم الشاعر فيها وزنا عروضيا حمددا بل جنده ينتقل من قافية إىل أخرى ومن
حبر إىل آخر حسب ما يقتضيه السياق الدرامي ،وتتطلبه طبيعة الشخصيات ،مؤسسا بذلك لشكل
فنيجديد مل يكن معروفا يف األعمال األدبية يف تلك الفرتة ،قوامه تفاعل الشعري واملسرحي.
ومل يكن "محمد العيد آل خليفة" الشاعر الوحيد الذي ألف مسرحية شعرية ،بل يطالعنا البشير
اإلبراهيمي سنة 1011مبسرحية "رواية الثالثة"وهي أرجوزة ألزم فيها الكاتب نفسه مبا مل يلزم،
وسعى من خالل أسلوهبا املتأنق ،وإيقاعها اخلفيف إىل معاجلة موضوع اجتماعي اصالحي يثري
حافظة الصداقة واألخوة والوفاء حني يصور جلسة بني ثالثة أساتذة يتدبرون فيها كيفية دفع مثن
طابع بريد الرسالة اليت ينوون إرساهلا إىل شيخهم( ،)2وعمد من خالل هذا املوضوع إىل تعرية باطن
فئة مهمة من فئات اجملتمع اجلزائري وهي فئة األساتذة ،ناقدا بعض السلوكات اليت تعلي قيمة الفرنك
-)1أحسن تليالن ،توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري ،رسالة دكتوراه ،إشراف :حممد العيد تاورتة ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية
اآلداب واللغات ،جامعة منتوري ،قسنطينة2660،م2616 -م ،ص.00
-)2صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر – النشأة والرواد والنصوص حىت سنة 1022عرض وتوثيق -دار اهلدى ،عني مليلة-اجلزائر،
ص (04-01بتصرف).
121
على حساب املشاعر اإلنسانية ،موظفا ،للتعبري عن هذه األفكار ،أسلوب السخرية على حنو ما هو
مبني يف املقطع اآليت:
َوالنَّ ُار الَ تُطْ َفأُ بحاألَقْـ َو حال غس ُل بحاألَبْـ َو حال
الد ُم َال يُ َ
َو َ
ومع أن املسرحيتني اختلفتا من حيث أسلوهبما بني األسلوب اجلاد يف "حنبعل" وأسلوب السخرية يف
رواية الثالثة ،ومن حيث املوضوع بني املوضوع التارخيي الديين يف النص األول واملوضوع االجتماعي
-)1آثار اإلمام البشري اإلبراهيمي ،مجع وتقدمي الدكتور :أمحد طالب اإلبراهيمي ،ط ،1دار الغرب اإلسالمي ،بريوت ،ج ،2
،1002ص.00-02
122
يف النص الثان ،إال أّنما يشرتكان يف اهلدف اإلصالحي كل بطريقته ،وبنظرته لفكرة اإلصالح ،ويف
كوّنا كانتا ّتربتني رائدتني يف جمال املسرحية الشعرية يف بالدنا.
عرفت املسرحية الشعرية ،بعد االستقالل ،تطورا معتربا مع ثلة من الشعراء أمثال :محمد
األخضر السائحي ،بلقاسم خمار ،وأحمد حمدي ،وسليمان جوادي ،وعز الدين ميهوبي،
ويوسف وغليسي وغريهم ،حيث سعوا إىل البحث عن وسيط تعبريي أكثر فنية وتأثريا ،ومالءمة
لروح العصر اليت تتماهى فيها الفروق بني األجناس األدبية والفنية ،فكانت املسرحية الشعرية توق
دائم إىل املغامرة الفنية ،ورغبة ملحة يف التجديد ،وهو ما جعلهم يراوحون القلم بني املسرحية ذات
اإليقاع التقليدي (العمودي) ،ونظريهتا ذات اإليقاع احلر ،ويعزفون عن البساطة واملباشرة يف الطرح إىل
اإلحيائية والرمزية يف التعبري ،كما نظروا إىل احلياة يف جوانبها املختلفة فتنوعت موضوعات املسرحية
الشعرية تنوع وثراء ّتربة الشاعر النفسية واالجتماعية والسياسية.
اريخي :طرق كتاب املسرحية الشعرية موضوع التاريخ يف نصوص خمتلفة تناولت
أ -الموضوع التّ ّ
أحداثا أو شخصيات أو أمكنة تارخيية« ،وتتفاوت نظرة الكتاب إىل تلك األحداث القدمية والغرض
من توظيفها ،وإن كانت تصب فيمجملها يف هدف وطين أو قومي ،مبعىن إحياء ذلك املاضي التليد
ومتجيده وربطه باألهداف الوطنيةوالقومية بغية خلق إسقاطات تارخيية من شأّنا أن تساهم فيإحداث
123
اإلصالح والتغيري يف األوضاعاالجتماعية والسياسية املعاصرة)1(».وتعمل على شحذ اهلمم وبعث
األمل يف النفوس املهزومة ،وإحياء املاضي وبعثه ،ونقد احلاضر من خالل رموز التاريخ ووقائعه.
ولقد تباينت احملطات التارخيية اليت أهلمت كتاب املسرحية الشعرية وتراوحت بني التاريخ اإلسالمي،
والتاريخ اجلزائري القدمي واحلديث؛ فمن املسرحيات اليت استدعت التاريخ اإلسالمي نذكر :مسرحية
"تغريبة جعفر الطيّار" للشاعر "يوسف وغليسي" وهي «دراما شعرية قصرية ...كتبت يف خريف
)2(»1000وسعت إىل إسقاط حادثة معروفة يف كتب التاريخ اإلسالمي ب ـ ـ "يوم احملاورة" على واقع
اجلزائر يف العشرية السوداء؛ حيث قام الشاعر يف هذا النص « بتوظيف موقف الصحاب (جعفر بن
أب طالب) املعروف بلقب (جعفر الطيار) ،يف حماورته مللك احلبشة (النجاشي) حيثانربى (جعفر)
للمرافعة عن الدين اجلديد ،والدفاع عن أصحابه املهاجرين ،وذلك عندما أوفدتقريش سفرييها ومها
(عمرو بن العاص) و(عبد اهلل بن أب ربيعة) حملاولة إقناع ملك احلبشة بطردأولئك املسلمني
املهاجرين ،لكن (جعفر) برجاحة العقل واملنطق استطاع أن يقنع (النجاشي) بصدق الدعوة
احملمدية،وأن يرد بذكائه الوقاد على كيد املشركني ،فكان الطرد من نصيبسفريي قريش ،يف حني كان
الرتحاب من نصيب (جعفر) ومن كان معه من املسلمني)3(.ومن خالل هذا املوقف حبث الشاعر
عن جناشي يف عصره حيكم بالعدل ،ويرد الظلم عن الضعفاء ،يسمع أنني الشعب اجلزائري يف ظل
صراع دموي مقيت أفرزته مئة متعطشة للسلطة حتت غطاء الدين ،فكأن الشاعر يقوم بدور "جعفر
الطيار" وحيمل طموح وآمال شعب جمروح حلاكم عادل هو "القارئ االفرتاضي" ،وهلذا جنده يعرب عن
مأساة اجلزائر إبان التسعينيات من خالل حوار مسرحي أداته الفنية أبيات شعرية يقول مثال:
-)1سامية بوعالق ،فن األوبريت يف املسرح اجلزائري ،1002-1001دراسة يف موضوعاته وبنائه الفين ،مذكرة ماجستري،
إشراف :عبد الرزاق بن السبع ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة احلاج خلضر -باتنة-2660 -
،2616ص.143
-)2يوسف وغليسي ،تغريبة جعفر الطيار ،دار الوفااء الدين للنشر والتوزيع ،قسنطينة – اجلزائر،ط ،2سنة ،2663ص.42
-)3أحسن تليالن ،توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري ،ص.112
124
ح
وك
ك امللُ ْ ص ْقَر حان يَـ ْقتَتحالَ حن يَا َمل َ
َ
ُ
ان َعلًى َسنَابح حل َح ْقلحنَا! ويـه حوي ح
ََ ْ َ
ض ححيَّة َغْيـَرنَا! ح
ب إحالَ اخلََراب َوالَ َ
الَ َغال َ
ان حيف بَـلَ حد األََما ْن..
صم حخ ح ح
ص َمان َخيْتَ َ
َ ْ
يُ َشنرَد حان َمحَ َامنَا..
ت بح َذاكحَرةح َّ
الزَم ْن ح ح
بَ ْل فْتـنَة نُق َش ْ
َم ْن ذَا َرأَى
125
ت بح َد ْولَتَـ ْ ح ح
ني -جعفرَ :هالَّ َمس ْع َ
()1
حيف َد ْولٍَة يَا َسي حدي؟ »
ولعل الناظر إىل هذه املسرحية الشعرية يقف على مالحظتني :األوىل وهي أن "يوسف وغليسي" قد
جعل التاريخ وعاء خيتمر الراهن اجلزائريداخله ،واألخرى هي أن جلوء الشاعر إىل املسرحية الشعرية هو
دليل عجز األداة الفنية البسيطة عن التعبري عن املأساة الوطنية برتكيبتها املتعددة األطراف ،واملتباينة
اإليديولوجيات واملصاحل.
وقد آثر الشاعر "عز الدين ميهوبي" استدعاء تاريخ اجلزائر «ليستعيد بذلك حلظات خاصة من
شأّنا أن تبث يف اإلنسان إحساسا بالثقة جيعله يتحدى واقعه الفاسدويسعى لبناء مستقبل جديد،
وذلك بعد أن حيصل من هذا املاضي على دالالت معاصرة من شأّنا أنتكون نقطة انطالق ملعاجلة
مشكلة من مشكالت العصر الراهنة»()2من خالل مسرحيتني شعريتني( )3وضعتا البعدين اإلصالحي
والتعليمي هدفا هلا :رجع يف مسرحية "سيتيفيس" ( )1004إىل التاريخ اجلزائري القدمي لريوي تاريخ
مدينة سطيف العريق منذ االحتالل الرومان إىل االستعمار الفرنسي ،وما مر هبا من أبطال عظماء كـ ـ
شمس والجالد"إىل التاريخ اجلزائري احلديث
"ماسينيسا" و"يوغرطة" وغريمها ،ورجع يف مسرحية "ال ّ
من خالل التغين بسرية الشهيد" :محمد العربي بن مهيدي" باعتباره أحد رموز الثورة اجلزائرية
املباركة ،وذكر بطوالته ومواقفه اجلريئة ضد االستعمار الفرنسي ،ولعل ميزة املسرحيتني هو مراهنتها
على الصدق الفين سواء من حيث أمساء الشخصيات وسرد األحداث.
وري :كانت الثورة التحريرية املباركة منبعا خصبا ّنل الكتاب املسرحيون اجلزائريون
ب -الموضوع الثّ ّ
منه بعد االستقالل ،فعربوا عن تعلقهم هبا ، ،وتغنوا ببطوالهتا وانتصاراهتا ،وخلدوا رموزها وشخصياهتا
العظيمة ،واملالحظ أن تعامل الكتاب املسرحيني مع موضوع الثورة كان يف إطار االحتفال بذكرى
126
الثورة اجمليدة ،أو بذكرى االستقالل ،فجاءت النصوص املسرحية متقاربة من حيث املضامني ،تتوسل
بالشعر والغناء للتعبري عن فرحة االستقالل؛فقد نظرعبد القادر بن محمد ،يف مسرحية "صوت
األحرار" إىل ثورة أول نوفمرب1041باعتبارها خطوة أوىل حنو طموح مشروع هو احلرية ولذلك جاء
الفصل األول حتت عنوان (اجلهاد يف سبيل الوطن) ،غري أن صوت األحرار الذي دعا إىل اجلهاد من
أجل جزائر حرة مل خيبو باستقالهلا ،بل ظل يعلو من أجل بنائها وتعمريهاولذلك جاء الفصل الثان
بعنوان (اجلهاد يف سبيل تشييدالوطن) ،فاجلهاد جهادين يف نظر الشاعر جهاد احلرية وجهاد
التعمري(.)1
والالفت للنظر يف هذا النص هو أن الشاعر مل يورد مقاطع احلوار الشعرية على لسان الشخصيات،
فلم يكلف نفسه عناء رسم مالحمها النفسية والفكرية ،ومل يعينها باالسم على حنو ما هو مألوف ،بل
جعلها إما جمرد أصوات تتخللها إرشادات مسرحية واصفة هليئات عسكرية واقتصادية وشعبية حنو
قوله :صوت األحرار من اجلبال جلماعة من اجملاهدين ،أو قوله" :أحرار القمم -صوت آخر ،صدى
احملتشدات -صوت آخر ،صولة جيش التحرير الوطين -صوت آخر ،القوى االشرتاكية -مجاعة من
الفالحني وهم متوجهون إىل املزارع"( )2وغريها ،مما يدل على أن الشاعر يرى أن كفاح اجلزائر إبان
الثورة وبعدها هو مهمة اجلميع وليس مهمة شخص بعينه.
127
لَو َمل َهتحلني حيف وج ح
ودي َكيف ميَْ ح
ضي عُ ْم حري
ُُ ْ ْ ْ َ
َكيف تَـ ْفتـر ور ح
ودي ضُّر ُد ُر حوب
ْ َ ُُ ُُ ف َختْ َ
َكْي َ
بـع َد أَ ْن طَ َال هج ح
ودي ص ُحو ح
ُُ َْ ف يَ ْ
َوفُـ َؤادي َكْي َ
()1 يد َْجم حدي وخلُ ح
ودي حع ُ اشر حع ح
يدي يد حك ح ح
َُ الع ُ
عُ َ
وبطريقة رمزية تتلو األم على ابنتها حكاية ملؤها األسى واألمل ،قصة كفاحها ونضاهلا من أجل نيل
احلرية ،ومن أجل ضمان مستقبل زاهر البنتها ،وآذان االبنة صاغية هلذه احلكاية اليت ال متثل يف
حقيقة األمر إال ماضيها ،وسبب سعادةحاضرها « إن احلوار الذي يدور بني األم و ابنتها ليس إال
قالبا اختذه حممد األخضر السائحي ليسرد من خالله قصة اجلزائر مع ليل االستعمار مث مع فجر
االستقالل بأسلوب يفيض شاعرية ،ناقال إلينا معاناة الشعب اجلزائري عن طريق عاطفة هي من أمسى
العواطف على اإلطالق إّنا عاطفة األمومة خصوصا إذا مل تظفر هبا األم إال بعد ترقب)2(».وهو
حال اجلزائر املستعمرة اليت مل تظفر باالستقالل إال بعد تضحيات جسام.
ج -الموضوع االجتماعي :يعد املوضوع االجتماعي من أكثر املوضوعات طرحا عند كتاب
املسرحية الشعرية؛ حيث وجدوا فيها جماال خصبا ملعاجلة بعض اآلفات اليت تنخر اجملتمع اجلزائري نظرا
ملا تتميز به من قدرة على الوصول إىل أعماق اجلماهري الشعبية العتمادها على اإليقاع ،والغناء وهو
ما جيعلها سهلة احلفظ والتداول.
وتعد مسرحية "حيزيّة -غنائيّة امرأة من الجزائر" للشاعر "عز الدين ميهوبي" أفضل منوذج عن
املسرحية الشعرية ذان املغزى االجتماعي يف اجلزائر ،فهذا النص ،وغريه من املسرحيات الشعرية ،قد
رفع مستوى الشاعر الفين لدرجة أن اعتربه "عبد الملك مرتاض" «أحسن من كتب املسرحية
-)1حممد بلقاسم مخار :األعمال الشعرية الكاملة ،ج ،2 :الديوان السادس ،طبعة خاصة وزارةاجملاهدين ،اجلزائر ،د .ط ،د ت،
ص .30
-)2سامية بوعالق ،فن األوبريت يف املسرح اجلزائري ،ص .22
128
الشعرية فياجلزائر»()1السيما وأنه انطلق من حكاية تراجيديا عاطفية واقعية ليحارب عادات اجملتمع
اجلزائري وتقاليده البالية اليت حترم "حيزيّة" من عشقها البن عمها "سعيد"وتوقع ،بذلك ،وثيقة وفاهتا.
لقد كشف "ميهوب" من خالل حكاية "حيزية" معاناة املرأة اجلزائرية ،خباصة والعربية بعامة ،يف ظل
أنظمة اجتماعية جائرة ،تدين بالوالء ملنطق الذكورة ،ولعادات سوسيوثقافية بالية حتضر املشاعر
وتلجم احلريات ،ويف ظل أنظمة سياسية ال حتمي قوانينها كرامة اإلنسان وحقوقه املعنوية ،لتستحيل
هذه الشخصية رمزا خالدا للتضحية يف سبيل احلب ،ولسطوة العادات والتقاليد البالية على مشاعر
إنسانية طبيعية وفاضلة كتلك املشاعر اليت مجعت بني فاتنة بسكرة "حيزيّة" و"سعيد".
إن موضوعا مبثل هذه احلساسية واجلرأة يف اآلن ذاته جعل "عز الدين ميهوب" يتقنع وراء قناع الرتاث
الذي كان ومازال منهال خصبا راهن األدباء ،يف عصرنا ،عليه للتأسيس لشعرية نصوصهم ،حيث
وجدوا فيه ما حيقق طموحاهتم الفكرية ،ويستجيب حلاجاهتم النفسية ،ويلب متطلبات عصر متأزم
تائق إىل أخذ العرب ،ومناشد للنموذج الراقي الذي يعول عليه لشحذ اهلمم ،ورفع الغنب ،وطرح بديل
مشرق لواقع متخاذل مأزوم ،فكان هدف الشاعر من تأليف هذه املسرحية الشعرية هو « الرغبة
الواعية وامللحة يف إعادة بعث الرتاث الوطين اجلزائري يف أشكال حداثية أصيلة تستمد قوهتا وإبداعها
من عبقرية الشعب اجلزائري وذاكرته الزاخرة باملواقف والبطوالت والتضحيات.)2(»...
غري أن القارئ هلذا النص يدرك أن هذا اهلدف مل يكن سوى أرضية صلبة استغلها الشاعر ملعاجلة
قضية اجتماعية جوهرية هي تشظي األسرة اجلزائرية نتيجة العادات والتقاليد املوروثة اليت ّتعل األب
يظلم ابنته وال يعرتف مبشاعرها ،بل جيعل ابن األخ ألذ أعدائه ال لشيء إال ألنه أعرب عن حبه البنة
عمه ،ورغب يف الزواج منها يقول "عز الدين ميهوب" يف لوحة "غضب األب":
« -األب :ران امسعت كالمكم واعرفت اللي علة الفولة من جنبها وما غلطوش اللي قالوا
-)1معجم الشعراء اجلزائريني يف القرن العشرين ،دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع –اجلزائر ،2662ص .422
-)2عز الدين ميهوب ،حيزية – غنائية امرأة من اجلزائر -منشورات دار األصالة ،ط ،1002 ،1ص.0
129
بنت أمحد بن الباي خالفت عرف األجداد وحبت بن عمها اهلل اهلل هذا هو العار
-األم :يا راجل هذي بنتك وسعيد ولد خوك وإذا زوجتهم سكتوا الناس
-األب :هكذا نسكت الناس يا ولية ايقولوا بعدما شاع اخربهم يف البادية وبني الركبان
زوجوهم أقسم باهلل العظيم ال هي ليه وال هو ليها خيمة أمحد بن الباي ما يدخلها عار وال
-األب :أمحد بن الباي كلمتو سيف إذا خرج ما يعود وما نقبلش كالم آخر
-حيزية( :حتدث نفسها ألّنا ال تقوى على مواجهة والدها) :قلب ف كف وبويا ف كف ما نقدر
()1
نرفع صويت قدام بويا وما نقدر اخنون العهد الليقطعتو مع سعيد »
فشخصية األب هنا ال متثل أناها الفردي بقدر ما متثل األنا اجلمعي الذي جيعل احلب العذري بني
"حيزية" و"سعيد" أحد الطابوهات احملرمة ،ولذلك نراه يقف حاجزا بني احلبيبني وفق ما متليه العادات
والتقاليد ،بل يتمادى يف جوره لدرة أن يصف ابنته بأبشع الصفات وال يستمع لدفاع والدهتا عليها،
غري أن النتيجة املفاجئة هي ندمه بعد موت ابنته "حيزية" ،ومن مثة تتجسد « العربة من هذه
130
املسرحية [وهي] إبراز اآلثار السلبية للعادات االجتماعية السيئة علىالفرد واجملتمع ،حيث شكلت
هذه العادات مصدر حزن وأمل ألسرة (أمحد بن الباي) بعد أن أخذمنه املوت فلذة كبده.)1(».
نستنتج مما سبق أن املسرحية الشعرية مثلت ّتربة خمتلفة دفعت عجلة الفن املسرحي يف اجلزائر قدما
حنو األمام ،فكانت تعرب عن قضايا اجملتمع اجلزائري وطموحاته بأدوات فنية مكثفة قوامها ختري اللفظ،
والتفنن يف اإليقاع ،وكان أغلب كتاهبا شعراء تفاعلوا مع املسرح وأدركوا دوره الفعال يف تغيري الفرد
واجملتمع ،فخاضوا مواضيع الراهن اجلزائري معتمدين على ما يوفره الشعر من طاقات إبداعية ومجالية.
131
المـحـاضــرة الثـ ـّالثــة ع ـشـر:
132
تمهيد :تنقسم املسرحية اجلزائرية ،حسب الوسيط اللغوي ،قسمني :املسرحية اجلزائرية الناطقة باللسان
العرب ،واملسرحية اجلزائرية الناطقة باللسان الفرنسي ،ولئن كان القسم األول قد نال حظه من الشهرة
والدراسة وتلقفه النقاد بالشرح والتحليل ،فإن القسم الثان ظل ،إىل وقت قريب ،جمهوال ومهمشا،
بعيدا عن الدرس النقدي ،على الرغم مما يتسم به من نضج فين وجرأة يف الطرح ،وعليه تسعى هذه
احملاضرة إىل التعريف باملسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية ،مركزة على إشكاالهتا ومواضيعها.
-0الظّروف التّاريخيّة لنشأة المسرحيّة الجزائريّة المكتوبة باللّغة الفرنسيّة :مل تكن نشأة
املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية من العدم ،بل كانت نتيجة حتمية للظروف التارخيية اليت
عرفتها اجلزائر إبان احلقبة االستعمارية حيث عملت السياسة الفرنسية على فرض التعليم بلغتها بغية
وأد اللغة العربية ،وطمس أحد مقومات اهلوية اجلزائرية مما أدى إىل ظهور تيارين مسرحيني أحدمها
ناطق باللغة العربية ،حمافظ على وحدة اجملتمع وأسسه اللغوية والدينية ،واآلخر ناطق باللغة الفرنسية
تقول الباحثة "سعاد محمود خضر" يف هذا« :إىل جانب تلك املسرحيات اليت كانت تعرض على
املسرح اجلزائري باللغة العربية العامية كانت هناك مسرحيات على مستوى فين عال مكتوبةباللغة
الفرنسية مل يقيض هلا أن تُعرض على مسارح اجلزائر لصعوبات مجة أوهلا عدم موافقة السلطات
احلاكمةوثانيها كوّنا تعرض باللغةالفرنسية مما جعلها بعيدة عن خماطبة العامة وال ختاطب بذلك سوى
اخلاصة الذينيتكلمون الفرنسية أو أولئك الذين يفهمون الفرنسية بالدرجة اليت تسمح هلم مبتابعة
أحداث املسرحية)1(».مما جعل هذا اإلبداع حماصرا بفعل العائق اللغوي يف بالده ،فلم يهتم املؤرخون
والنقاد بنشره أو حتليله ألنه ،يف نظرهم ،نتاج الفكر االستعماري.
وتعد فرتة اخلمسينيات إىل السبعينيات من القرن املاضي فرتة املسرحية اجلزائرية الناطقة باللغة
الفرنسية؛ فخالفا لنظريهتا الرواية اليت ظهرت منذ وقت مبكر؛ حيث حفلت سنة 1021بأول رواية
جزائرية للقايد بن الشريف( )1021-1202بعنوان "أمحد بن مصطفى القومي" مث أعقبتها روايات
-)1سعاد حممود خضر :األدب اجلزائري املعاصر ،منشورات املكتبة العصرية ،صيدا -بيوت ،لبنان ،د.ت ،د.ط ،ص.06-40
133
أخرى كرواية زهرة زوجة املنجمي لعبد القادر حاج محو سنة )1( 1024وغريها ،تأخر ظهور املسرحية
الناطقة باللغة الفرنسية إىل مرحلة الثورة اجمليدة؛ فكانت مسرحية "اجلثة املطوقة"اليت نشرت ،ألول
مرة ،سنة1044لكاتب ياسني فاحتةاملسرحية اجلزائرية املكتوبة بلغة فرنسا (فيما نعلم).
وقد أسهمت عوامل كثرية يف نشأة املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية نذكر منها:
أ -احلركة االستعمارية اليت عملت على حماصرة اللغة العربية ،ويف مقابل ذلك ،تشجيع تعلم اللغة
الفرنسية ،واعتبارها اللغة األوىل يف اجلزائر ،وقد وضعت هذه السياسة الشعب اجلزائري بني خيارين:
أحدمها هو الرضى باجلهل واألمية ،وما يرتتب عليها من فقر وحرمان ،واآلخر االلتحاق باملدارس
الفرنسية ،وااللتزام برباجمها ،واللهج بلغتها يقول أبو القاسم سعد اهلل عن املدرسة الفرنسية « :منذ
سنة 1026أثرت يف عدد من اجلزائريني ،فأخرجت منهم جمموعة تعاطت السياسة ،ووصلت إىل
القيادة ،ومارست األدب باللغة الفرنسية حىت أصبحوا من أعالمه»()2ويعد جل األدباء اجلزائريني
الناطقني باللسان الفرنسي سواء أكانوا روائيني أم مسرحيني أم شعراء أمثال :مالك حداد ،ومحمد
ديب ،ومولود فرعون ،ومولود معمري ،وكاتب ياسين ،وآسيا جبارخرجييهذه املدرسة.
ب -املثاقفة النامجة عن االطالع على األدب الفرنسي والتأثر بأعالمه والسيما أدب "ألبيركامي"
وغريه من األدباء الفرنسيني خباصة ،فظهر لفيف من الكتاب والشعراء كانت كتاباهتم «...جزائرية،
أما وسائلهم واّتاهاهتم فكانت كلها غربية»()3فأنتجوا أدبا يعرب عن الواقع اجلزائري بلغة فرنسية
وبتقنيات فنية عالية اجلودة.
-)1جبور أم اخلري ،الرواية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية –دراسة سوسيونقدية-مذكرة دكتوراه ،إشراف :عز الدين املخزومي،
قسم اللغة العربية وآداهبا ،كليو اآداب واللغات والفنون ،جامعة وهران ،2611-2616 ،ص( 33بتصرف).
-)2الشرق والغرب يف ثقافة اجلزائر احلديثة ،جملة الثقافة(دورية ثقافية إبداعية تصدر عن دار الثقافة) ،ع ،0اجلزائر،2662 ،
ص.31
-)3أبو القاسم سعد اهلل ،دراسات يف األدب اجلزائري احلديث ،دار اآلداب ،ط ،1022 ،2ص.23
134
ج -إحساس هذه الطبقة املثقفة ثقافة فرنسية بالغنب االجتماعي ،وبآالم الشعب اجلزائري جراء
السياسة االستعمارية القاهرة ،والسيما بعد جمازر 2ماي 1014الرهيبة ،واليت أيقظت احلس الوطين
يف عدد من الكتاب وعلى رأسهم كاتب ياسني ،الذي كتب ،حتت تأثريها ،مسرحية اجلثة املطوقة.
-7المسرحيّة الجزائريّة المكتوبة باللّغة الفرنسيّة وإشكاليّة الهويّة :لعل أبرز اإلشكاالت اليت
طالت املسرح اجلزائري الناطق باللغة الفرنسية هي إشكالية اهلوية؛ إذ يرتبط هذا النتاج املسرحي ،يف
ت بلغة غري اللغة األم عن هوية ح
الغالب ،بأسئلة كثرية تتمحور حول مدى تعبري نصوص ُكتبَ ْ
صاحبها ،ومدى قدرهتا على التعبري عن طموحات الفئات الشعبية العريضة اليت ال تفهم هذه اللغة،
بل تعتربها لغة املستعمر ،وهل تتحدد مقروئية هذه النصوص انطالقا من جودهتا الفنية ،أم انطالقا مما
متليه رهاناهتا اللغوية وغريها من األسئلة اليت وضعت املسرحية اجلزائرية الناطقة باللغة الفرنسية يف مأزق
وطين ،وسياسي وإيديولوجي ظل ،ولفرتة زمنية طويلة ،حيول دون االعرتاف جبودهتا الفنية ،وبرباعتها
اإلبداعية.
وقد أدى اختيار الكتاب املسرحيني اجلزائريني اللغة الفرنسية وسيطا تعبرييا إىل شرخ يف املؤسسة
الثقافية اجلزائرية الفتية ،آنذاك ،وانقسم املثقفون مبوجب ذلك قسمني :احملافظون املنتصرون إىل اللغة
العربية ،الذين يرون يف التعبري باللغة الفرنسية عمالة للمستعمر ،وتقويضا ألحد مقومات اهلوية
الوطنية ،فعملوا على ّتاهل هذا النتاج املسرحي واألدب ،وهو موقف عدد من النقاد العرب
مثل"إدريس اخلوري"الذي يرى أن «كل مرحلة استعمارية يف بلد ما تنتج كتاهبا املخلصني هلا
والقابلني للتدجني وتقدمي القرابني مثل... :كاتب ياسني ،حممد ديب ،مولود فرعون)1(»...فهؤالء
الكتاب ،يف نظر بعض النقاد ،تناسوا أصوهلم العربية وانتصروا لفرنسا حني كتبوا بلغتها ،وقدموا
القرابني اإلبداعية هلا ،بغض النظر عما عربت عليه كتاباهتم من مضامني جزائرية ،ف ـ ـ ـ ـ « األدب الذي
يكتبه عرب باللغة الفرنسية ،هو يف النهاية ،أدب فرنسي أيا كانت احلساسية العميقة الكامنة فيه،
-)1عز الدين املناصرة ،اهلويات والتعددية اللغوية ،قراءات يف ضوء النقد الثقايف املقارن ،دار جمدالوي للنشر والتوزيع ،عمان،
األردن ،2661 ،ط ،1ص.326
135
وأيا كان دوره االجتماعي ،وأيا كان مضمونه الذي يعاجل مهوما ومشاكل ومشاهد وشخصيات
عربية»()1وميكن أن نالحظ ما حيمل هذا الرأي من عدائية للنتاج األدب واملسرحي اجلزائري نتيجة
اعتماد اللغة الفرنسية وسيطا تعبرييا ،ورمبا اختلفت ردود فعل النقاد واألدباء املتحاملة على هذا
اإلبداع ،وتراوحتبني االمهال وعدم التعرض له بالتحليل يف الكتب النقدية ،وهو ما أدى إىل قلة
املراجع اليت تُـ ْع َىن بدراسة املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية ،وبني إدراج هذا النتاج ضمن
األدب الفرنسي وعدم التطرق ملا يزخر به من نواح مجالية ومضامني جزائرية ،وبني التشكيك يف وطنية
كتابه ،ويف ايديولوجيتهم وعقيدهتم...
أما املوقف اآلخر فيضم نقادا كان تعاملهم مع املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية أكثر لينا
فتقبلوها بعيدا عن احلساسيات اإليديولوجية ،واعتربوها نتاجا جزائريا بغض النظر عن اللغة املستعملة
تقول "عايدة أديب بامية" يف ذلك« :األدب اجلزائري هو كل عمل أدب مؤلف سواء باللغة العربية
أو باللغة الفرنسية من قبل أي من سكان اجلزائر األصليني»()2وما يقال عن األدب ينطبق على
املسرحية اليت تتحدد هويتها وانتماؤها حسب جنسية كاتبها وما اللغة إال أداة أو وعاء لنقل األفكار
وإيصال مواقف املبدع إىل اآلخر.
وقد سعى الكتاب الناطقون باللغة الفرنسية أنفسهم إىل تربير جلوؤهم إىل لغة غري لغتهم األم،
فصرحوا بأن كتاباهتم تعرب عن هويتهم اجلزائرية وما اللغة إال وسيلة إليصال صوهتم إىل اآلخر ،وتبليغ
رساالهتم الوطنية ،والتعريف بقضيتهم الثورية حني تعوزهم اللغة األم بسبب القطيعة املفروضة عليهم
بينه وبينها من احلكومة الفرنسية ،يقول "كاتب ياسني"« :نعم أكتب بالفرنسية ،وفيها أعرب عن روح
الوطن ،بطريقة ليست هلا عالقة بالفرنسية ،)3(»...وهو املوقف نفسه الذي جنده عند غريه من
136
الكتاب سواء كانوا روائيني أو مسرحيني ،وهلذا اختاروا أن يتوجهوا إىل الكتابة باللهجة العامية يف
مراحل الحقة ملرحلة االستقالل.
على الرغم مما حلق باملسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية من هتم نتيجة اختاذها لغة املستعمر
وسيلة تعبريية ،إال أن كتاهبا برهنوا على وطنيتهم حني طرحوا املوضوع الثوري جبرأة واضحة ،وسعوا إىل
تصوير معاناة الشعب اجلزائري يف ظل االستعمار الفرنسي ،ناقلني صورة بالدهم إىل اآلخر ،ومعربين
عن انتمائهم الوطين والقومي بقوة الكلمة ،وبسالح القلم ،مكافحني ومناضلني من أجل دعم
قضيتهم بنصوص مسرحية كثرية أدت دورا مهما يف التعريف بالقضية الوطنية يف اخلارج ،وإمساع
صوت اجملاهدين األحرار إىل اآلخر األورب رغبة منهم يف الدفاع عن ذواهتم بسالح عدوهم.
فإذا كان "أحمد توفيق المدني" قد اختذ ،يف ظل االّتاه اإلصالحي ،من الرتاث التارخيي والديين
أداة لشحذ اهلمم ،وإيقاظ النفوس اليت أدماها اجلهل واليأس ،فراح يستدعي وقائع وشخصيات متثل
الوجه املشرق من املاضي اجمليد قصد بعث األمل يف الشعب اجلزائري ،وإذا كان "باشتارزي" قد
عول ،يف ظل االّتاه الشعب ،على التلميحات السياسية ،وقدرة اجلمهور على فهم وتأويل نصوص
ين االستعمار ،فإن "كاتب ياسين" مثال اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبري عن جزائريته ح
كثرية تُد ُ
املتمردة والثائرة ضد كل أشكال القهر واحلرمان املفروضني على شعبه؛«فقد جاءت مسرحية "الجثة
المطوقة" [مثال]لرتسم الواقع املأساوي للشعب اجلزائري إبان فرتة االحتالل ،حيث عمد ياسني إىل
تعرية وكشف اجلانب املظلم من املمارسات الوحشية واالستبدادية للمستعمر ،مربزا مشاهد املعاناة
نقال عن :أمينة حسان ،مصادر الكتابة يف مسرح كاتب ياسني ،مذكرة ماجستري ،إشراف :جازية فرقان ،قسم الفنون الدرامية،
كلية اللغات والفنون ،جامعة وهران ،2613/2612ص.14
137
واالضطهاد والعنصرية اليت كانت متارسها السلطات الفرنسية آنذاك )1(».متخذا من جمازر الثامن ماي
1014الدموية موضوعا لنصه ليبني من خالله تعاطفه مع املتظاهرين الذين اغتالتهم رصاصات
فرنسا.
وقد ّتاوزت روح التمرد والثورة يف مسرحيات "كاتب ياسين" حدود وطنه اجلزائر ،بل قاده توقه إىل
احلرية إىل تسخري إبداعه لدعم الثورات التحررية يف الوطن العرب ويف العامل ،ساعيا إىل تضمني
نصوصه مبواقفه السياسية الرافضة لكل أشكال االستعمار ،ومن مثة جاءت مسرحيته «"األجداد
يزدادون ضراوة" يف شكل ملحمة تارخيية،حيث يبدي فيها ياسني موقفا أيديولوجيا خيص قضية
احلدود مع املغرب والصحراء[ ،و]يدعو إىل عدم احليادعن الذاكرة اجلماعية ،مستحضراواقعة اخليانة
بني سلطان املغربواألمري عبد القادر)2(».وال حتيدمسرحية "فلسطين المغدورة" عن املنحى املتمرد
الثائر الذي وسم كتابات هذا املبدع ،فهو بتطرقه للقضية الفلسطينية يؤكدانتمائه العرب ،ويؤسس
لفعل مسرحي نضال يسعى إىل رفع الغنب عن الشعوب املضطهدة،ويفند االدعاءات املغرضة اليت
هتدف إىل التشكيك يف انتمائه الوطين والقومي.
ولعل هذا اجلدول( )3عناوين املسرحيات يوضح املنحى الثوري يف نتاج "كاتب ياسين" املسرحي:
-)1إمساعيل براهيمي ،الثورة يف مسرح كاتب ياسني ،جملة النص ( جملة دورية أكادميية حمكمة يصدرها خمرب النص املسرحي
اجلزائري -مجع ودراسة يف األبعاد الفكرية واجلمالية -جامعة جيالل ليابس ،سيدي بلعباس ،اجلزائر ،مكتبة الرشاد للطباعة
والنشر ،اجلزائر،ع ،2أفريل ،2614ص.10
-)2املرجع السابق ،ص.12
-)3حسان أمينة ،مصادر الكتابة يف مسرح كاتب ياسني ،ص.21
138
كاتب ياسني كاتب ياسني حرب 2666سنة 1026
/ كاتب ياسني األجداد يزدادون ضراوة
باإلضافة إىل "كاتب ياسين" تَطُْر ُق"آسيا جبار" موضوع الثورة يف مسرحية "احمرار الفجر" لتصور
هي األخرى وجها آخر من وجوه مشاركة األسرة اجلزائرية يف الكفاح املسلح ضد االستعمار؛ من
خالل «عائلة جزائرية يشارك ابنها يف املقاومة ،مث تلحقه اخته اليت وجدت رفضا من قبل أبويها،
وهبذا تربز املسرحية دور املرأة اجلزائرية ومسامهتها يف الثورة ،وإىل جانب ذلك تكشف املسرحية عن
إميان الشعب اجلزائري واحتضانه للثورة معتمدة على شخصيتني رئيسيتني...مها شخصيتا الشاعر
واملرشد ،رمزا للتقاليد الفنية الشعبية )1(»...اليت كان هلا دور فعال يف الثورة اجلزائرية.
ختاما ملا سبق ،ميكن القول إن املسرحية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية قد راهنت على محولتها
اإليديولوجية لتربهن على هويتها اجلزائرية ،فطرحت مواضيع وطنية بلغة اآلخر ساعية إىل التعريف
بالقضية الوطنية ،وحماربة االستعمار بلغته ومؤسساته الثقافية.
139
الرابعة عـ ـش ــر:
الم ـ ـحـ ــاض ــرة ّ
ال ــمس ــرحـ ــيّة الـ ـمـ ـلـ ـح ـم ــيّ ــة في الـ ـجـ ـزائ ــر:
140
استطاعت املسرحية اجلزائرية – رغم حداثة نشأهتا نسبيا – أن تواكب تطورات الربراثوارات العاملية
مبختلف اّتاهاهتا الفكرية ،وبنياهتا اجلمالية؛ فكان رجال املسرح من كتاب وخمرجني يعمدون إىل
نصوص متباينة االنتماءات اللغوية واجلغرافية ،وخيتارون أساليب إخراجية خمتلفة يقدموّنذه النصوص
يف إطارها معربين عن واقعهم املعيش من خالهلا ،مراعني ،يف كل ذلك ،طبيعة مجهورهم الذي يرحتل
من خالل أعينهم ،وعرب خياالهتم ،قاطعا مسافات زمانية ،ومكانية متنوعة.
وقد لقي مسرح " برتولد بريخت"( )1060 – 1220امللحمي رواجا شديدا يف اجلزائر،
فحاول العديد من املسرحيني متثله نظرا لتميزه جبملة من اخلصائص الفنية ،والطروحات اإليديولوجية
اليت تناسب طبيعة اجملتمع اجلزائري يف فرتة من فرتاته،وتستجيب لطموحات الطبقة العاملة منه
خباصة،وهي اليت يوليها "بيرخث" عنايته الفائقة ،وجيعل مسرحه ناطقا بلساّنا ،على اعتبار أن «هذا
املسرح يتطلب ،باإلضافة إىل مستوىتكنيكي معني ،حركة اجتماعية قوية هلا مصلحة يف مناقشة
القضايا احليوية مناقشة حرة ،وحلها حال أفضل حركة تستطيع أن تدافع عن تلك املصلحة ضد مجيع
االّتاهات املعاكسة»( )1وهو ما وسم مسرحه بالطابع السياسي،وجعل هدفه ،ليس فقط ،حتقيق
املتعة ،بل ربط الرتفيه بالفائدة املتمثلة يف البعد التعليمي ،والتوجيهي أيضا.
وإذا كانت نشأة املسرح امللحمي تعزى ،عند كثري من الدارسني ،إىل "بريخث" يف بداية القرن
العشرين ،فإن مفهومه أعمق من ذلك بكثري؛ إذ «أنه كان حمصلة لتوجهات مسرحية سابقة له يف
أوروبا وروسيا هدفت إىل تغيري وظيفة املسرح يف اجملتمع من خالل تغيري املسرح حبد ذاته كشكل
وكمضمون ،من هذه التوجهات نذكر تيارات املسرح الشعب ،واملسرح التحريضي ،واملسرح
السياسي»()2وكذا املسرح الكالسيكي وغريها ،كما أن مصادره نفسها تنوعت بني املصادر الفلسفية
-)1برتولدبرخيث ،الرؤيا اإلبداعية ،برخيث واملسرح التعليمي ،تر :أسعد حليم ،مكتبة ّنضة مصر ،سلسلة األلف كتاب رقم
( ، )244القاهرة – مصر ،ط ، 1000 ، 1ص.212
-)2ماري إلياس وحنان قصاب ،املعجم املسرحي ،مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون العرض ،مكتبة لبنان ناشرون ،بريوت
– لبنان ،ط.140 ، 2660 ، 2
141
اليت تستفيد من أفكار "هيجل" و"ماركس" وتستثمر طروحات"التاريخانيّة" ،واملصادرالشرقية اليت
تستلهم مسرح "النّو"*اليابان ،وتستعري تقنياته الفنية ،وبني املصادر األملانية املستمدةمن معاصره
املسرحي "أورينبيسكاتور" ) 1893- 1966(E. Piscatorالذي يعد «أول من استعمل تعبري
مسرح ملحمي باملعىن احلديث للكلمة ،واستخدم تقنياته هبدف تعديل وظيفة املسرح،وتأثريه على
املتفرجني([ )...وهو] من أدخل على مسرحه السياسي عناصر ملحمية على مستوى النص،والعرض
مثل تعديل شكل مكان العرض ،وإدخال عروض سينمائية ،وشرائح ضوئية ،وكسر وحدة متاسك
النص الدرامي بإدخال عناصر وصفية تفسريية ،والتوجه للجمهور»( )1وهي التقنيات نفسها اليت
سيعطيها "بريخث" أمهية قصوى يف إطار خلق شكل فين جديد للمسرح األملان.
*)« -كلمة "النو" اليابانية تعين اإلجناز البارع ،ومسرح "النو" مسرح غنائي شعري مؤسلب للغاية ،يندرج يف إطار املسرح
التقليدي اليابان ...وهو جبوهره وشكله مستمد من فلسفة الزن اليت تنادي بالتوازن والرتكيز والتقشف واالنضباط ،وّتاوز الذات
،ولذلك يقوم على مبدأ السيطرة العقلية على ما جيري ،ويبتعد عن الزخرفة واإلهبار » املرجع السابق ،ص.460
-)1املرجع نفسه ،ص.140
-)2ينظرّ :ناد صليحة ،التيارات املسرحية املعاصرة ،هال للنشر والتوزيع ،القاهرة ،مصر ،1000 ،ص.100- 102
142
يوظف املناقشة ،واجلدل ،ومقارعة احلجة يوظف اإلحياء والتلميح.
باحلجة.
خيرج املشاعر الغريزية إىل النور ،ويدفع املشاهد يثري املشاعر الغريزية لدى املشاهد ،وبلعب عليها خفية
إىل إدراكها بوعيه. وبنعومة.
يقف املتفرج فيه خارج األحداث ويدرسها. يشعر املتفرج فيه أنه يف خضم األحداث ،وجزء من التجربة
اإلنسانية املطروحة.
اإلنسان يصبح فيه موضوع حبث ومتحيص، مفهوم اإلنسان ال خيضع فيه
فاإلنسان قابل للتغري ،والتحول ،وقادر على للمناقشة ،والتفسري ،فاإلنسان هو اإلنسان يف كل زمان
إحداث التغيري ،وليس فكرة مطلقة ،أو ومكان ال يتغري.
مفهوما مطلقا.
الرتكيز فيه على مسار األحداث ،وعلى الرتكيز فيه على النهاية اليت تقوم عليها األحداث.
األحداث.
كل مشهد يستقل بنفسه ،وبداللته عن كل مشهد يولد املشهد الذي يليه ،ويتولد من سابقه.
املشاهد األخرى.
العرض ميتد على تكنيك املونتاج ،والقطع، احلدث ينمو يف خط صاعد مرتابط.
والفصل ،ويتطور يف شكل منحنيات.
األحداث تتواىل فيما يشبه القفزات احلدث يتطور وفق منطق احلتمية الدرامية.
يفرتض أن اإلنسان كيان متغري ،أو نقطة غري يفرتض أن اإلنسان كيان ثابت ،أو نقطة ثابتة.
ثابتة.
يفرتض أن الوجود االجتماعي يتحكم يف يفرتض أن الفكر يتحكم يف الوجود ،وحيدد طبيعته ومساره.
الفكر وحيدد طبيعته وتوجهاته.
انتدب "بريخث" ملسرحه مجلة من املفاهيم ،أمهها مفهوم التّغريب الذي يعد حمور التجديد عنده،
على اعتبار أنه « جعل املألوف غريبا ،والتوصل إىل تغريب احلادثة ،أو الشخصية يعين فقداّنا لكل
()1
ما هو بديهي ،ومألوف ،وواضح ،باإلضافة إىل إثارة الدهشة والفضول بسبب احلادثة نفسها»
-)1برثولثربخيث ،نظرية املسرح امللحمي ،تر :نصيف مجيل ،عامل املعرفة ،بريوت -لبنان ،د.ط ،د.ت ،ص.121
143
وهو مفهوم يهدف إىل خلق املتفرج الواعي ،القادر على احلكم مبوضوعية ،وعقالنية على ما يشاهد
أمامه ،إنه مفهوم يناقضاالستيالب العاطفي ،والعقلي ويسعى إىل حترير املتفرج من سلطة االنفعال،
واخلضوع ،ومن مثة يكون قادرا على التغيري ألنه ،واحلال هذه ،ال يكون يف وضعية تلق استهالكي،
بل على العكس من ذلك ،حتفز لديه ملكات الربط ،واملساءلة ،والتحليل ،والتعليل ،ألن غاية املسرح
امللحمي ليست التطهري ،كما هو احلال يف املسرح األرسطي ،وإمنا غايته التغيري.
أما وسائل الفئة األوىل فتتعلق بالبنية النصية املسرحية ،وميكن أن حنصر مظاهرها يف:
أ – تفكيك وحدةاحلكاية؛ حيث ال يسعى"بريخث" إىل تقدمي أجزائها متسلسلة ومرتابطة وهو ما
يشدد عليه أرسطو حني يقدم أحداثها غري مرتابطة ،للحد من تأثر املتفرج هبا ،ومنع انسياقه العاطفي
معها.
ب–إبعاد احلدث زمانا ،ومكانا عن املتفرج؛ عن طريق توظيف السرد ،وتقدمي احلكاية على لسان
راو ،مما خيلق مسافة زمنية ومكانية بني املتفرج واحلكاية ،فيشاهد أحداثها وهو خارج دائرهتا ،ما جيعله
حيكم عليها مبوضوعية ،ويقيم نوعا من التقابالت واإلسقاطات بني عامل املسرحية اخليال ،وواقعه
املعيش.
-)1الرشيد بوشعري ،أثر برتولدبرخيث يف مسرح املشرق العرب ،أطروحة دكتوراه ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة دمشق – سوريا،
،1023ص.13
144
ج–حتييد دور اجلوقة ؛ فإذا كانت اجلوقة عنصرا مهما يف املسرحية القدمية (اليونانية والرومانية خباصة)
تصبح ،يف املسرح امللحمي ،مظهرا من مظاهر العودة للرتاث،فتفرغ من حمتواها ،وتصبح وظيفتها –
فقط– تقدمي الشخصيات ،والتعليق على األحداث ،بل يصبح دورها الرئيس قطع احلدث ،وحماولة
تفكيك السرد ،وتذكري املتفرج – من خالل تدخالهتا – بأن ما يشاهد لعبة فنية ال غري ،وعليه أن
يتخذ موقفا منها دون التورط عاطفيا فيها.
وأما وسائل الفئة الثانية ،فتتعلق بالبنية اإلخراجية؛ حيث جيري تغريب عناصر العرض من ديكور،
ومالبس ،وإضاءة ،وموسيقى .لقد عمل "بريخث" على حتوير وظيفة هذه العناصر عما كانت عليه
سلفا ،فلم تعد وظيفة املخرج اإلشراف على العرض وتوجيه املمثلني ،والتقنيني ،واملصممني بطريقة
ختدم أفكاره ،وأفكار املؤلف ،بل أصبحت له وظيفة إضافية تتمثل يف طرح القضايا الفكرية،
واالجتماعية ،ومطالبة كل من املمثل ،ومصممي املالبس والديكور ،واإلضاءة ،واملوسيقى باختاذ
موقف منها ،وترمجته من خالل هذه الوسائل اليت مل تعد تؤدي وظيفة إيهامية بقدر ما أصبحت
عامال لكسر اإليهام ،ومل يعد النسجامها مع احلكاية أمهية بقدر ما غذت قيمتها يف مدى تنافرها،
ونشازها حبجة أن هذا التنافر ،وذاك اال انسجام يومل تعد براعة املمثل ،يف ظل هذا التصور ،تكمن يف
مدى تقمصه للدور ،بل أصبح جمرد عارض له ،يقدمه جمردا من أي انفعال ،ولتحقيق ذلك يرى
"بريخث" أن على املمثل « أن ينسى كل ما تعلمه عندما كان حياول أن حيقق بواسطة متثيله
االندماج االنفعال للجمهور مع الشخصيات اليت خيلقها ،فإذا كان املمثل ال يهدف إىل الوصول
جبمهوره إىل النشوة والوجد ،عليه من باب أوىل أن ال يقع هو نفسه يف هذه احلالة»( ،)1ولتفادي
تقمصه للشخصية عليه أن يقيم حدودا فاصلة بينها وبني ذاته ،فال ينبغي أن حيس املشاهد بأن هذا
الذي هو واقف على اخلشبة هو الشخصية املسرحية الفالنية ،بل ينبغي أن يرى أيضا املمثل/
اإلنسان فيها .يقظ ذهن املشاهد ،ويدفعه للتأمل.
145
ميكن القول إذا إن نظرية املسرح امللحمي قد كانت ثورة فكرية وفنية يف جمال الفن املسرحي ،سعى
من خالهلا "برخيث" إىل الرتكيز على اجلمهور ،ودفعه إىل التفكري وتغيري واقعه ،وقد القت هذه الرؤى
جناحا باهرا خاصة يف اجلزائر حيث تلقف مسرحيون كثريون طروحات النظرية امللحمية العتبارات
عديدة نذكر منها:
أ -االرتباطات التارخيية بني اجلزائر واملد االشرتاكي الذي متثل نظرية برخيث انعكاسه يف املسرح.
ب -انسجام النظرية امللحمية مع معطيات اجملتمع اجلزائري ،وتالئمها وخصوصياته والسيما من
حيث ميله لتوظيف كل ما هو تراثي كاألمثال واحلكم واألغان.
وقد تأثر بالنظرية امللحمية العديد من املسرحيني وعلى رأسهم "ولد عبد الرحمان كاكي" يف نصوص
كثرية أبرزها "القراب والصالحين"املقتبسة عن مسرحية "اإلنسان الطيب من ستشوان" لبريخث و
"كل واحد وحكموا"املستلهمة من حكاية شعبية جزائريةمتداولة يف منطقة تلمسان ،موظفا يف
كليهما العامية ،والقوال ،واألمثال واحلكم ،واألغان على طريقة برخيث .كما تأثر باملسرحية امللحمية
كل من "عبد القادر علولة" ،و"محمد بن قطاف" وغريهم كثريون.
-)1عبد القادر علولة ،يف لقاء أجراه معه حممد جليد (أستاذ علم اجتماع جبامعة وهران) ،أكتوبر ،1024تر :إنعام بيوض،
ضمن من مسرحيات علولة ( :األقوال-األجواد-اللثام) ،ص.234-231
146
وقد ّتلى أثر املسرح امللحمي يف كتابات "علولة" يف الثمانينيات من القرن املاضي من خالل ثالثيته
الشهرية اليت مثلت مرحلة نضجه الفين :األقوال ،1024األجواد ،1020اللثام 1022
واستطاعت أن تصور الواقع اجلزائري يف تلك احلقبة ،متخذة من الواقعية احلادة وسيلة لتعرية مشاكل
ومهوم الطبقة الكادحة ،ومسلطة الضوء على مناذج بشرية بسيطة تناضل من أجل قوهتا اليومي.
يطال املشروع امللحمي ،يف نظر عبد القادر علولة ،املسرحية مبستوياهتا كافة؛ حيث يربز املستوى
النصي مناهضا للنصية املسرحية األرسطية ،فال تتواىل أحداث احلكاية تباعا بل خيضع نسيجها
للتقطيع املستمر ،ويتقاطع فيه املسرحي والسردي؛ أما مستوى العرض فينفتح على تقنيات حداثية
تدمج الفنون معا وينصهر فيها الرقص بالغناء ،وتصبح اإلضاءة فيها واملؤثرات الصوتية لغة ثانية
ختطب املتلقي وحتثه على إعمال فكره فيما يشاهد ،ويتحول املمثل إىل حقل خصب للتجريب
واالختبار ،وأما اجلمهور فكان القطب األهم يف مسرح علولة حسب مقتضيات املسرحية امللحمية،
ولذلك اعترب أن كل خطوة يف مسرحه ينبغي أن تثريه إثارة عقلية ال عاطفية ،فعالقة علولة جبمهوره
عالقة جدلية حمضة قوامها خرق أفقه ،ودفعهإىل التأمل والنقد مث التغيري.
تقع مسرحية األجواد ضمن ثالثية عبد القاد علولة اليت نذرها لتعرية قضايا جمتمعه ،وسعى من خالهلا
إىل « فضح التناقضات االجتماعية بعد االستقالل؛ حيث استفادت فئة قليلة[منه]وغدا اإلنسان
اجلزائري الذي ضحى بالنفس والنفيس يعان فقرا واستعمارا آخر ،وهلذا كان البد من إجياد وسيلة
لكشف النقاب عن احلقائق الزائفة فالتزم بقضايا شعبه التزاما ،وناضل ضد قوى الظلم وظل يسعى
دائما لفك قيود االستيالب والتغريب املمارس على الشعب»()1وهلذا ركزت املسرحية يف ثالث
جداريات على مناذج بشرية من الطبقة الكادحة لتقدم صورا مقتطفة من حياة شخصيات تشرتك يف
مجلة من السمات؛ فهي أوال شخصيات قد نصادفها كل يوم يف شوارعنا ومقاهينا ،وهي ثانية بسيطة
-)1جازية فرقان ،أفق التوقعات يف مسرح علولة بني اخلطاب اإليديولوجي ومجالية التلقي ،جملة دراسات جزائرية (دورية حمكمة
يصدرها خمترب اخلطاب األدب يف اجلزائر ،جامعة وهران ،ع ،63مارس ،2660ص.211
147
هامشية ال ترتبط بفئة سياسية أو اجتماعية مهمة يف اجملتمع ،وهي ثالثا تتصف بالكرم واجلود يف
خدمة جمتمعها بالوسائل املتاحة لديها يقول "علولة" يف تقدميه للمسرحية« :فيما يتعلق بعنوان
(األجواد) ،إنه يعنيباملعىن األول واحلريف الكرماء .فهو يلخص بالنسبة ل ،إىل حد ما ،الفكرة املركزية،
أي جوهراملسرحية .هذه األخرية هي عبارة عن جدارية متثل احلياة اليومية ،أو باألحرى ،بعض
اللحظامتن حياة اجلماهري الكادحة ،والناس البسطاء .إّنا مناظر إنسانية نصادفها كل يوم .حتكي
هذهاجلدارية وتكشف بدقة كيف يتصف هؤالء الناس املغمورون والبسطاء و(احملقورون) والذين
النكاد نلحظهم باجلود .وكيف يتكلفون ،بتفاؤل كبري وبإنسانية متأصلة ،باملشاكل الكربى للمجتمع
()1
طبعا ضمن حدودهم»...
ي :ويعد أحد أهم آليات التغريب يف املسرح امللحمي ،واخلاصية اليت متيزه عن
السرد ّ
-0الطابع ّ
املسرح األرسطي ،فعن طريقها مينح املتفرج مسافة زمنية تبدو من خالهلا األحداث والشخوص
-)1املصدر السابق ،ص ،234-231وينظر أيضا :أحسن تليالن ،توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري ،ص.263-262
-)2املصدر السابق ،الصفجة السابقة ،واملرجع السابق ،الصفحة السابقة.
148
منفصلة عنه فيتمكن من احلكم عليها بكل موضوعية.وقد أفاد "علولة" من هذه اآللية حيث قدم
مسرحيته على لسان القوال.
-7كسر اإليهام :وهو يف النظرية الربخيثية تقويض للوظيفة التطهريية يف املسرح األرسطي؛ واليت يؤدي فيها توهم
املتفرج أنه مكان البطل ،وانفعاله مع ما يقع له من أحداث إىل تطهره من االنفعاالت السلبية كاخلوف مثال،
ونقيضا لذلك يسعى املسرح امللحمي إىل كسر اإليهام حىت ال ينساق املتفرج مع ما يشاهد عاطفيا ،ويتم ذلك
عن طريق اإلعالن بأن السرد مقصود (إعالن القوال يف بداية النص) ،وهو ما حيول دون تورط املشاهد شعوريا مع
وقائع القصة ومعايشتها ،وإمنا «يسعى إىل فصل تلك الوقائع عن أهواء املشاهدين وإظهارها يف صورة غري
مألوفة»( ،)1وقد عمد "علولة" إىل كسر اإليهام من خالل :تقطيع احلدث بواسطة األغان ،وتعليقات القوال.
-3توظيف التراث :استثمر "علولة" املوروث الشعب مبا يزخر به من أقو ٍال و ٍ
أمثال وأغان شعبية وغريها من
األشكال الفلكلورية الدالة على هوية النص اجلزائري وأصالة الفن املسرحي ،مقدما قراءة واعية للرتاث ،ومنتقيا
عناصر بعينها لتحقيق تلقي مجال فاألغنية مثال « وسيلة مجالية جلأ إليها علولة حلضورها املكثف يف الرتاث
الشعب ولصلتها الوطيدة بذاكرة الشعب ،ولقدرهتا على حتمل عبء املوضوع املطروح ،وجلوانبها اجلمالية اليت
تسهم يف إحداث األثر املرجو» 2وهي إىل جانب كل هذا إحدى أهم وسائل كسر اإليهام ألّنا متنع املتفرج من
االستغراق عاطفيا يف احلدث ،فتوقظه وحتفز قدرته على التفكري والنقد.
باإلضافة إىل توظيف األغنية ،جلأ "علولة" إىل استحضار أحد أهم أشكال الرتاث الشعب وهو القوال
الذي ّنض يف النص ،موضوع الدراسة ،بوظائف عديدة نذكر منها:
-تقدمي الشخصية املسرحية ووصف أبعادها اجلسدية واالجتماعية والنفسية ،على حنو ما هو مبني
يف املقطع اآليت« :الربوحي احلبيب يف املهنة حداد ،خدام يف ورشة من ورشات البلدية .يف السن
يعترب كبريمادام يف عمره حيوط على الستني .يف القامة قصري شوية .السندان واملطرقة خالو فيه املارة.
149
لوّنأمسر بلوطي .وسنيه واقفة جدرهتا تبان وزوج غايبني .شعره أشهب كرد مربوم والشيب ما تركشعرة
()1
» ...
-استعادة احلوادث الكربى اليت يصعب متثيلها على خشبة املسرح ،واالكتفاء بسردها على األمساع،
وهنا يلتقي دور (القوال) مع دور (اجلوقة) يف املسرح اليونان.
-الربط بني احلوادث واملواقف الدرامية لتمتني البناء اهلندسي العام للمسرحية.
-إلقاء األشعار واألغان الشعبية املؤثرة ذات العالقة املباشرة بالشخصية واحلوادث اليت
تواجهها.
-كسر اإليهام وقطع التمثيل عن طريق تدخالت القوال وتعليقاه على األحداث.
العامية الجزائريّة :خالفا للغة الفصحى وظف "علولة" لغة تراثية مشحونة باإلحياءات
-4توظيف ّ
والرموز،وهي اللغة اليت يستعملها "احلاكي" يف األسواق واحللقات الشعبية ،ومثاهلا ما ورد يف تقدمي
شخصية عالل الزبال« :عالل الزبال ناشط ماهر يف املكناس.
باش ميزح بعد الشقاء يهرب شوى للوسواس2».إّنا لغة ملحونة مؤثرة هلا وقع خاص يف نفس
املتفرج،ألّنا قريبة من وجدانه معربة عن أصالته ،والسيما أّنا تعتمد على الشفوية مع ما هلا من
حضور يف الرتاث العرب بعامة ،واجلزائري خباصة ،وحتفز ملكة السمع اليت حتتل مكانة الصدارة يف
150
املرجعية السوسيو ثقافية العربية ،وهو ما جعل النص يفوح باحتفالية نابعة من أعماق املوروث
اجلزائري :من مقاهيه وأسواقه وحلقاته اخل.
نستنتج مما تقدم ،أن جناح مسرحية األجواد لـ ـ"عبد القادر علولة" يرجع إىل قدرته على استدعاء
الرتاث بقوالب جديدة ،ومزاوجته بني الرؤية اجلزائرية الرتاثية ،الفكر الغرب (الربخيثي).
151
مفردات المقياس:
المحاضرة األولى :في الجهاز المفاهيمي( :يف مفهوم املسرح،مكونات املسرح،ثنائية
النص/العرض)..................................................................ص 10
-2االّتاه اإلصالحي..............................................................ص04
.-2إشكالية الرتمجة.............................................................ص22
152
.-3إشكالية اللغة..............................................................ص20
-1أعالمها.
-2موضوعاهتا.
153
-1أثر "برخيث" يف املسرحية اجلزائرية :ثالثية عبد القادر علولة ( األجواد – األقوال – اللثام)
أمنوذجا 043.......................................................................
154
ثبت المصادر والمراجع:
القرآن الكريم
ّأوال-المصادر:
-1سالل علي ،شروق املسرح اجلزائري ،تر :أمحد منور ،منشورات التبيني اجلاحظية ،اجلزائر،
2661
.-2عبد احلليم رايس ،أبناء القصبة -دم األحرار ،جملة املعهد الوطين العال للفنون املسرحية ،ع،2
اجلزائر.2666 ،
-3عبد الرمحان ماضوي ،مسرحية يوغرطة ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،ط.1020 ،2
-1عبد القادر علولة ،مسرحية محق سليم ،املسرح الوطين اجلزائري.1022 ،
-4عبد القادر علولة ،من مسرحيات علولة ،تر :إنعام بيوض ،موفم للنشر ،املؤسسة الوطنية للفنون
املطبعية ،اجلزائر.1002 ،
-0عز الدين ميهوب ،حيزية – غنائية امرأة من اجلزائر -منشورات دار األصالة ،ط1002 ،1
-)2حممد بلقاسم مخار :األعمال الشعرية الكاملة ،ج ،2 :الديوان السادس ،طبعة خاصة وزارة
اجملاهدين ،اجلزائر ،د .ط ،د ت.
-)2يوسف وغليسي ،تغريبة جعفر الطيار ،دار الوفااء الدين للنشر والتوزيع ،قسنطينة – اجلزائر ،ط
،2سنة .2663
155
ثانيا -المراجع:
-1أمحد ابراهيم ،الدراما والفرجة املسرحية ،دار الرفاء لدنيا الطباعة والنشر ،ط.2660 ،1
-2أمحد بيوض ،املسرح اجلزائري ، ،نشأته وتطوره ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،اجلزائر،
2611م.
-3أمحد توفيق املدن ،كتاب اجلزائر ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،اجلزائر ،ط1021 ،2م.
-)1أمحد منور ،مسرح الفرجة والنضال يف اجلزائر ،دراسة يف أعمال أمحد رضا حوحو ،دار هومة،
اجلزائر ،ط.2664 ،1
-)4أرسطو ،فن الشعر ،تر :عبد الرمحن بدوي ،دار الثقافة ،بريوت -لبنان.
-)0إدريس قرقوة ،الرتاث يف املسرح اجلزائري -دراسة يف األشكال واملضامني -مكتبة الرشاد للطباعة
والنشر ،اجلزائر.2660 ،
-)2إمساعيل سيد علي ،أثر الرتاث يف املسرح املعاصر ،دار قباء للطباعة والنشر و التوزيع ،القاهرة،
مصر ،دار املرجاح (الكويت) سنة .2666
-2باسم األعسم ،الثابت واملتحول يف اخلطاب املسرحي ،متوز طباعة – نشر – توزيع ،دمشق –
سوريا ،ط2611 ،1
-)0برتولد برخيث ،الرؤيا اإلبداعية ،برخيث واملسرح التعليمي ،تر :أسعد حليم ،مكتبة ّنضة مصر،
سلسلة األلف كتاب رقم ( ، )244القاهرة – مصر ،ط.1000 ، 1
-)16برثولث برخيث ،نظرية املسرح امللحمي ،تر :نصيف مجيل ،عامل املعرفة ،بريوت -لبنان ،د.ط،
د.ت.
-)11البشري اإلبراهيمي( اآلثار) ،مجع وتقدمي الدكتور :أمحد طالب اإلبراهيمي ،ط ،1دار الغرب
اإلسالمي ،بريوت ،ج .1002 ،2
)-12مثارا ألكساندروفينا بوتيتسيفا ،ألف عام وعام على املسرح العرب ،،تر :توفيق املؤذن ،دار
الفراب ،بريوت ،لبنان ،ط1021 ،1م.
-)13حفناوي بعلي ،أربعون عاما على خشبة مسرح اهلواة يف اجلزائر ،منشورات احتاد الكتاب
اجلزائريني ،ط ،2662 ،1اجلزائر.
156
-)11حسن البحراوي :املسرح املغرب ،حبث األصول السوسيو ثقافية ،املركز الثقايف العرب،ط،1
.1001
-)14رابح خدوسي وآخرون ،موسوعة العلماء واألدباء اجلزائريني ،دار احلضارة ،بئر التوتة ،اجلزائر،
ط.2663 ،1
-)10رشيد ياسني :دعوة إىل وعي الذات ،فصول يف نظرية الدراما والنقد املسرحي ،منشورات،
دمشق ،2666 ،ص .131
-)10سعاد حممود خضر :األدب اجلزائري املعاصر ،منشورات املكتبة العصرية ،صيدا -بيوت،
لبنان ،د.ت ،د.ط.،
-)12سلوم توفيق ،حنو رؤية ماركسية للرتاث ،دار الفكر اجلديد /بريوت ،لبنان1022 ،
-)12صاحل ملباركية ،املسرح يف اجلزائر -النشأة والرواد والنصوص حىت سنة -1022عرض
وتوثيق ،دار اهلدى ،عني مليلة ،اجلزائر.2664 ،
-)10صاحل ملباركية
-)26عايدة أديب بامية ،تطور األدب القصصي يف اجلزائر ،ديوان املطبوعات اجلامعية.1022 ،
-)21عبد اهلل الركيب ،تطور النثر اجلزائري احلديث ،املؤسسة العربية للكتاب ،اجلزائر ،ط،1
1023م.
-)22عبد احلميد بورايو ،األدب اجلزائري ،دار القصبة للنشر ،اجلزائر.2662 ،
-)23عبد القادر جغلول ،االستعمار والصراعات الثقافية يف اجلزائر ،تر :سليم قسطون ،دار
احلداثة ،بريوت -لبنان.1021 ،
-)21عبد القادر علولة ،الظواهر األرسطية يف املسرح اجلزائري ،تر :مجال بن عرب ،من مسرحيات
علولة ،موفم للنشر ،املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية ،اجلزائر،1002 ،
)-24عبد اهلل البوصريي ،حول فاعلية املسرح العرب احلديث وامتداده اجلماهريي ،طرابلس ،ط،1
.1021
-)20عز الدين املناصرة ،اهلويات والتعددية اللغوية ،قراءات يف ضوء النقد الثقايف املقارن ،دار
جمدالوي للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن ،ط.،2661 ،1
-)22علي الراعي ،املسرح يف الوطن العرب ،اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت،
ط.1006 ،2
157
-)22أبو القاسم سعد اهلل ،تاريخ اجلزائر الثقايف ،دار الغرب اإلسالمي ،بريوت -لبنان ،ط،1
.1002
-)20حممد بلقاسم مخار :األعمال الشعرية الكاملة ،ج ،2 :الديوان السادس ،طبعة خاصة وزارة
اجملاهدين ،اجلزائر ،د ط ،د ت.
-)36حممد الطاهر فضالء ،املسرح تارخيا ونضاال ،ط.2660 ،1
-)31حممد عزيزة ،نظرات يف املسرح العرب احلديث ،تونس.1026 ،
-)32خملوف بوكروح ،التلقي واملشاهدة يف املسرح ،مطبعة مؤسسة فنون وثقافة ،اجلزائر2661 ،م،
-)33خملوف بوكروح ،املسرح واجلمهور ،دراسة يف سوسيولوجية املسرح اجلزائري ومصادره ،د.ط،
د.ت.
-)31حممد الكغاط ،بنية التأليف املسرحي باملغرب من البداية إىل الثمانينات ،دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،الدار البيضاء ،املغرب ،ط1020 ،1م.
-)34حممد مصايف ،دراسات يف النقد واألدب ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،د.ت.
-)30النعمان بوقرة ،املدارس اللسانية املعاصرة ،مكتبة اآلداب ،القاهرة -مصر ،د.ط.2661 ،
ّ -)32ناد صليحة ،التيارات املسرحية املعاصرة ،هال للنشر والتوزيع ،القاهرة ،مصر.1000 ،
-)32نعيمة مراد حممد ،املسرح الشعري عند صالح عبد الصبور ،اهليئة املصرية العامة للكتاب،
مصر.1004 ،
ب -المراجع باللّغة األجنبيّة:
1(-Ahmed Cheniki , Vérités du théâtre En Algérie, Edition Dar El Gharb, Oran
Algérie, 2006.
2)Artaud le théâtre et son double – in - oewres complètes – ed - ollimard,
N.R.F. Paris,1978 .
3) Anne Ubersfeld , lire le théâtre, Editions sociales ,paris, 1978.
4) Pavice Pavis, dictionnaire du théâtre, termes et concepts de l’analyse
théâtrale, éditions sociales.
5)- Moukhtar chaalal, Kateb Yacine L’homme libre, 2eme édition, casbah
édition, Revue et complétée Alger, 2005.
158
6)- Roland barthes, écrits sur le théâtre, texte réunis et présentés par : jean
lout revire éditions du seuil 2002.
ثالثا-الرسائل األكاديميّة:
-)1أحسن تليالن ،توظيف الرتاث يف املسرح اجلزائري ،رسالة دكتوراه ،إشراف :حممد العيد تاورتة،
قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة منتوري ،قسنطينة2660،م2616 -م.
-)2أمحد بن داود ،دور املسرح اجلزائري يف املقاومة الثقافية لالستعمار الفرنسي ،1041-1020
مذكرة ماجستري ،إشراف -:شيخ بوشيحي ،قسم التاريخ وآلثار ،كلية العلوم اإلنسانية واحلضارة
اإلسالمية.2660-2662 ،
-)3أمينة حسان ،مصادر الكتابة يف مسرح كاتب ياسني ،مذكرة ماجستري ،إشراف :جازية فرقان،
قسم الفنون الدرامية ،كلية اللغات والفنون ،جامعة وهران .2613/2612
-)1برنامة سنية سامية ،العالقة املسرحية ومجالية التلقي لدى اجلمهور املسرحي اجلزائري ،مسرحية
"الشهداء يعودون هذا األسبوع" أمنوذجا ،خمطوط رسالة ماجستري ،إشراف :جازية فرقان ،قسم
الفنون الدرامية ،كلية اآلداب ،اللغات والفنون ،جامعة وهران2662 ،م2660-م.
-)4جبور أم اخلري ،الرواية اجلزائرية املكتوبة باللغة الفرنسية –دراسة سوسيونقدية-مذكرة دكتوراه،
إشراف :عز الدين املخزومي ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،كليو اآداب واللغات والفنون ،جامعة وهران،
.2611-2616
-)0خدجية جليلي ،املتعاليات النصية يف املسرح اجلزائري ،مسرحية "الشهداء يعودون هذا األسبوع"
أمنوذجا ،خمطوط رسالة ماجستري ،إشراف :حممد خلضر زبادية ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية األدب
والعلوم اإلنسانية ،جامعة احلاج حممد خلضر-باتنة2660 -م2616-م
-)2الرشيد بوشعري ،أثر برتولد برخيث يف مسرح املشرق العرب ،أطروحة دكتوراه ،كلية اآلداب
واللغات ،جامعة دمشق – سوريا.1023 ،
-)2سامية بوعالق ،فن األوبريت يف املسرح اجلزائري ،1002-1001دراسة يف موضوعاته وبنائه
الفين ،مذكرة ماجستري ،إشراف :عبد الرزاق بن السبع ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،كلية اآلداب
والعلوم اإلنسانية ،جامعة احلاج خلضر -باتنة.2616-2660 -
159
-)2صورية غجايت ،النقد املسرحي يف اجلزائر ،خمطوط دكتوراه ،إشراف :عبد اهلل محادي ،قسم اللغة
العربية وآداهبا ،كلية اآلداب واللغات ،جامعة منتوري-قسنطينة2612 -م2613-م.
-)0عبد الكرمي غريب ،الفكاهة عند عبد القادر علولة بني اإلبداع واالقتباس –دراسة أربعة مناذج-
رسالة ماجستري ،إشراف :شعيب مقنونيف ،قسم الثقافة الشعبية ،كلية العلوم اإلنسانية والعلوم
االجتماعية ،جامعة أب بكر بلقايد تلمسان.2612-2611 -
-)16عبد اجمليد شكري ،عناصر الرتكيب اجلمال يف العرض املسرحي املغرب – قراءة يف بعض
عروض مسرح اهلواة -خمطوط دكتوراه ،جامعة احلسن الثان ،احملمدية ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية،
بنمسيك ،الدار البيضاء ،املغرب 2662 ،م2663-م.
-)11العيد مرياث ،أدب املسرحية العربية يف اجلزائر ،نشأته وتطوره ،رسالة ماجستري ،قسم اللغة
العربية وآداهبا ،جامعة القاهرة.1022 ،
-)12نادية موات ،العالمة املسرحية بني النسق اللفظي والنشق البصري (االقتباس وفاعلية التحول)
الشهداء يعودون هذا األسبوع وعروضها أمنوذجا ،مذكرة دكتوراه ،قسم اللغة واألدب العرب ،كلية
العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جامعة باجي خمتار –عنابة،2612/2610 -
-)13نصر الدين صبيان ،اّتاهات املسرح العرب يف اجلزائر ،1026-1014رسالة ماجستري،
كلية اآلداب ،قسم اللغة العربية وآداهبا ،جامعة دمشق.1024-1021 ،
رابعا-المعاجم:
-)1إبراهيم محادة ،معجم املصطلحات الدرامية واملسرحية ،مكتبة األجنلو مصرية ،ط.1001 ،3
-)2أمحد بلخريي ،معجم املصطلحات الدرامية واملسرحية ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضاء،
املغرب ،ط( 2مزيدة) 2660.
-)3عبد املالك مرتاض ،معجم الشعراء اجلزائريني يف القرن العشرين ،دار هومه للطباعة والنشر
والتوزيع –اجلزائر .2662
-)1الفريوزبادي ،القاموس احمليط ،مجع :اهلرويين ،مكتبة النوري ،دمشق ،سوريا( ،د.ط)( ،د.ت).
-)4ماري إلياس وحنان قصاب حسن ،املعجم املسرحي –مفاهيم ومصطلحات املسرح وفنون
العرض(-عرب -إجنليزي-فرنسي) ،مكتبة لبنان ناشرون ،لبنان ،ط.2660 ،2
-)0حممد مرتضى الزبيدي ،تاج العروس ،دار صادر ،بريوت ،لبنان( ،د.ط)( ،د.ت).
160
-)2ابن منظور ،لسان العرب ،تح :عبد اهلل علي الكبري وآخرون ،دار املعارف ،مصر.
-)1أمحد مشس الدين احلجاجي ،املسرحية الشعرية يف األدب العرب احلديث ،كتاب اهلالل،
ع ،432أكتوبر .1004
-)2إمساعيل براهيمي ،الثورة يف مسرح كاتب ياسني ،جملة النص ( جملة دورية أكادميية حمكمة
يصدرها خمرب النص املسرحي اجلزائري -مجع ودراسة يف األبعاد الفكرية واجلمالية -جامعة جيالل
ليابس ،سيدي بلعباس ،اجلزائر ،مكتبة الرشاد للطباعة والنشر ،اجلزائر،ع ،2أفريل .2614
-)3مجيلة جرار :املسرح الثورة التحريرية ،جملة األصل ،اجلزائر ،نوفمرب .1023
-)1رجاء علولة ،ذكرى اغتيال عبد القادر علولة ( :أن تكون فنانا فذلك العمر كله) ،تر :أمحد
عياد ،جريدة اليوم ،ع ،34س ،دار الصحافة ،اجلزائر.1000-63-16 ،
-)4سعد اهلل بن الشنب ،املسرح العرب ملدينة اجلزائر ،تر :عائشة مخار ،جملة الثقافة ،اجلزائر،
.1026
-)0الشريف عمران ،حوار مع "مصطفى كاتب" ،جملة اجليش ،شهرية عسكرية سياسية ثقافية
تصدرها اإلدارة املركزية للمحافظة السياسية للجيش الوطين الشعب) ،ع ،232س ،26جانفي
.1021
-)2عبد القادر بن حممد "صوت األحرار" ،جملة الثقافة ،وزارة الثقافة و السياحة ،اجلزائر ،العدد:
06السنة اخلامسة عشرة ،نوفمرب /ديسمرب .1024
-)2أبو القاسم سعد اهلل ،الشرق والغرب يف ثقافة اجلزائر احلديثة ،جملة الثقافة (دورية ثقافية إبداعية
تصدر عن دار الثقافة) ،ع ،0اجلزائر.2662 ،
-)0العيد مرياث ،األصول التارخيية لنشأة املسرح اجلزائري ،دراسة يف األشكال الرتاثية ،جملة
إنسانيات ،ع ،12ديسمرب .2666
-)16مباركة مسعودي ،املسرح اجلزائري التأسيس والريادة ،جملة البدر ،مج ،60ع ،12سنة
.2612
-)11حممد حتريشي( ،النقد املسرحي يف اجلزائر ،سؤال يف املكون) جملة عمان ،أمانة عمان الكربى،
عمان ،ع ،132تشرين الثان2660 ،م
161
-)12حممد حمبوب اسطنبول ،أضواء على تاريخ املسرح يف اجلزائر ،جملة آمال ،السنة الثامنة ،ع،34
سبتمرب/أكتوبر 1020
-)13نصر الدين صبيان ،ظهور احلركة املسرحية يف اجلزائر بني التأثري األجنب الفرنسي و التأثري
العرب الشرقي" ،جملة الكاتب العرب ،العدد ،13 :سوريا.1024 ،
-)14نعيم عتاب ،مسرح الدمى واستخداماته ،جريدة شرفات،ع ،12منشورات وزارة الثقافة –
دمشق -سوريا ،مارس .2660
162