You are on page 1of 20

‫قراءة في مسرحية ‪-‬مغامرة رأس المملوك جابر‪ -‬لسعد اهلل ونوس‬

‫كمال التاغوتي‬

‫‪ ‬‬
‫الحوار المتمدن‪-‬العدد‪03:48 - 14 / 5 / 2020 - 6563 :‬‬
‫المحور‪ :‬االدب والفن‬
‫‪    ‬‬

‫تص‪00‬دير‪ :‬زب‪00‬ون‪ ... :3‬تل‪00‬ك حكاي‪00‬ة تمأل ال‪00‬دماغ فعال‪( .‬المس‪00‬رحية ص‪)246.‬‬

‫‪0‬اهد قطب‬ ‫‪0‬ون المش‪0‬‬


‫‪0‬ا يك‪0‬‬‫للعرض المسرحي استراتيجياته‪ ،‬له هو اآلخر أفق انتظار غالبا م‪0‬‬
‫الرحى فيه‪ .‬إن الفاعلين المسرحيين يَصدرون عن صور ونماذج ج‪00‬اهزة لمتلقي الع‪00‬رض؛‬
‫وتظل غايتهم األساسية تشكيل جمهور‪ ،‬أي إدماج الكثرة المتنوعة في واح‪00‬د يحاف‪00‬ظ على‬
‫وحدته مدَةّ العرض‪ .‬والشكل الموروث عن المسرح اإلغريقي ينبئ بمجموع‪00‬ة من األف‪00‬راد‬
‫تتعقد في كتلة تنقاد لجهاز يتدفق عالمات تدفقا موجّها‪ .‬والصمت – أعني صمت األف‪00‬راد –‬
‫شرط أساسي للمشاهدة واستيعاب ما يدور على المنصة المنتصبة في شموخ أم‪00‬ام األعين‪.‬‬
‫وما إن ينطلق العرض حتى تشرع في التبرّج واإلغراء وتفعيل طاقاتها للهيمن‪00‬ة على تل‪00‬ك‬
‫‪0‬اد‬
‫‪0‬دها بأوت‪0‬‬
‫العيون الشاخصة واآلذان المصغية واألجساد المتصلبة؛ فهي مشدودة إلى مقاع‪0‬‬
‫القداسة‪ ،‬قداسة المكان المنفصل عن المتواليات الهندسية‪ ،‬ومشدودة إلى الركح بأمراس غير‬
‫مرئية لذاك التدفق المتواتر‪ .‬طبعا ليس لهذا الرسم البياني صلة بالواقع الفعلي‪ ،‬وإن يتحقق‬
‫فإنه ال يجاوز بضعة دقائق‪ .‬ألن العالقة بين المشاهد والعرض قائمة على توتر متصل تتغير‬
‫‪0‬ذا‬
‫درجاته ويسير عبر منحنيات فال ينقطع‪ ،‬حتى بعد انتهاء العرض ومغادرة المكان‪ .‬يظل ه‪0‬‬
‫التوتر قائما ضمن لحظة استرجاعية (العبارة يستخدمها ريفاتير ضمن تحليله الس‪00‬يميائي)‪.‬‬
‫ثمة دائما تشويش صوتي أو مرئي يشق عالم التهيؤ ذاك؛ والتشويش يبدأ مع التعرف على‬
‫اسم المسرحية إذ تنطلق أصوات وتتفجر صور في ذهن كل متلق تُـــفقد الع‪00‬رض اآلتي‬
‫طهره ونقاءه‪ .‬فالمشاهد يستبق ذهنيا العرض المباشر‪ ،‬ويخلق أفق انتظار نظير ما رتب له‬
‫صاحب العرض‪ ،‬لتكون القاعة ميدان مواجهة بين األفقين‪ ،‬فتتشابك الصور والنص‪00‬وص أو‬
‫‪0‬وت‬ ‫تتنافر ليتولد صراع قد يكون مكتوما‪ ،‬ولكنه في أغلب األحيان يترجمه المشاهدون بالص‪0‬‬
‫والحركة‪ .‬إن التشويش أو التطفل على المشاهد أقواال وأفعاال يس‪00‬اهم من جه‪00‬ة في بن‪00‬اء‬
‫الداللة وتشييد معمار عالمي جديد‪ ،‬لكنه من جهة أخرى يعطّل مسار العرض ويدخل الض‪00‬يم‬
‫على الرسالة بما يحدثه فيها من نتوءات تفقد بموجبها سالستها‪ .‬فالمسرح الحالم بمشاهدين‬
‫على رؤوسهم الطير إنما يستبطن رؤية الهوتية متعالية عن "أتباعه‪00‬ا"‪ ،‬ت‪00‬رى في ه‪00‬ؤالء‬
‫المتفرجين السلبيين كتلة متجانسة أو هي بصدد التجانس‪ .‬ذاك ما يهزه التشويش ويخلخ‪00‬ل‬
‫أركانه‪ ،‬فعبر التشويش يذكِّر الجمهور أنه ما يزال متعددا مختلفا متناقضا‪ ،‬ويحمل المش‪00‬هد‬
‫على البوح بثغراته وفجواته وتناقضاته هو اآلخر‪ .‬وقديما دفعت سلبية المشاهدين المزعومة‬
‫أفالطون إلى مهاجمة المسرح معتبرا فن المحاكاة تضليال وتجهيال‪ ،‬بما أن العرض المق‪00‬دم‬
‫إنما يصدر عن شاعر مقلد "يبث في الفرد نفسه حكما فاسدا‪ ،‬إذ يتملق الجزء الالعاقل‪ ،‬الذي‬
‫ال يميز الفاضل من الرديء ويعدّ األشياء ذاتها أفضل تارة وأردأ تارة أخرى؛ ويخلق أشباحا‬
‫ويقف دائما بعيدا كل البعد عن الحقيقة‪( .".‬الجمهورية‪ ،‬الكتاب الرابع ص‪ .)458.‬وبذلك فإن‬
‫أفالطون يحجَرحس سانلا يقي ىتح ‪،‬ةلضافلا هتنيدم ايديجارتلا ءارعش لوخد رّ هم وتلبيسهم‬
‫عليهم‪ .‬يتكرر األمر نفسه مع الرومنطيقيين عندما سعوا إلى جعل المسرح دستورا جمالي‪00‬ا‬
‫يغير المُشاهد وينتشله من آلية القوانين وأجهزة الدولة‪( .‬جاك رانسيير‪ ،‬المتفرّج المتح‪00‬رر‬
‫ص‪ )12.‬ومع برتولت بريخت في تجربته المسرحية عندما سعى إلى جعل المسرح برلمان‪00‬ا‬
‫يغادر فيه الجمهور إيهاب المشاهد ليصير مالحظا ناقدا‪ ،‬ومع أنطونين أرتو وهو من س‪00‬عى‬
‫إلى استعادة المسرح جوهره االحتفالي الجماعي ليصير بذلك طقسا مطهرا أو تجمعا يش‪00‬رع‬
‫في تملك طاقاته الخاصة‪ .‬كل هذه المساعي وغيرها تنطلق من تصور يلغي التش‪00‬ويش من‬
‫حسابه‪ ،‬ويسبغ على العرض المسرحي خصائص المحراب التعبدي‪ .‬لكن رواد المس‪00‬رح من‬
‫أجل المشاهد‪ ،‬ال المشاهدة ‪ /‬الفرجة‪ ،‬إنما يوسعون دون قصد من دائرة التش‪00‬ويش ذاته‪00‬ا‬
‫بوصفها المضاد لإليهام واالغتراب‪ ،‬فيضحي بذلك من صميم بنية النص المسرحي بم‪00‬ا أن‬
‫‪0‬رض‬ ‫‪0‬داد ع‪0‬‬
‫‪0‬يعمل على إع‪0‬‬ ‫‪0‬رج س‪0‬‬ ‫منشئه سيعمل على نسج نص يغلب عليه البياض‪ ،‬ومخ‪0‬‬
‫مساحات الصمت الخصب تزاداد اتساعا على حساب مساحات الكالم‪ .‬وعلى هذا النحو يتحقق‬
‫االنسجام بين "المنظم سلفا" والمشوش‪ ،‬بين األصيل والطفيلي الدخيل‪ ،‬بين المركز والهامش؛‬
‫ليتالحم العرض والمشاهدة (الفاعلة) في بؤرة واحدة من العالم‪00‬ات تش‪00‬وّش على النظ‪00‬ام‬
‫ال‪0000‬وهمي الق‪0000‬ائم وترب‪0000‬ك الطبق‪0000‬ات العامل‪0000‬ة على تأبي‪0000‬ده‪.‬‬
‫في هذا المضمار ينتهج سعد اهلل ونوس – مقتفيا خطى ب‪00‬ريخت – س‪00‬بيال بي‪00‬داغوجيا في‬
‫‪0‬ل‬‫‪0‬رض‪ ،‬ويلغي الفواص‪0‬‬ ‫‪0‬ة الع‪0‬‬
‫تأليفه؛ إذ يسعى إلى مسرح يوحد بين قاعة المشاهدة ومنص‪0‬‬
‫الوهمية (الجدار الرابع) ويستضيف الجمهور ليمارس نشاطا فكريا تأويليا على المس‪00‬رحية‬
‫نصا وعرضا‪ .‬لذلك يجتهد ونوس في إضفاء األلفة على نصه "مغامرة رأس المملوك ج‪00‬ابر"‬
‫باستدعاء موروث المتلقي‪ ،‬ويوظف – كي يضمن االسترخاء لضيفه – عناصر معهودة لديه‬
‫‪0‬ا‬
‫‪0‬كال أدبي‪0‬‬
‫‪0‬رد‪/‬الحكي ش‪0‬‬ ‫كالمقهى بأثاثها ومناخها واألغاني المشهورة‪ ...‬الخ ويلجأ إلى الس‪0‬‬
‫‪0‬ة‬‫‪0‬ة ثاني‪0‬‬
‫يتحيف النص الدرامي ويوجهه من خالل صوت الحكواتي الشعبي الراوي من درج‪0‬‬
‫وصوت الديناري الراوي من درجة أولى‪ .‬وقد سبق لبريخت أن وضح القصد من المس‪00‬رح‬
‫الملحمي القائم على السرد أساسا‪ ،‬إذ يرى أن هذه الطريقة تيسر تفكي‪00‬ك الواق‪00‬ع وإع‪00‬ادة‬
‫تنظيمه من أجل فهمه في مرحلة أولى والعمل على تغييره في مرحل‪00‬ة ثاني‪00‬ة‪ .‬وس‪00‬عد اهلل‬
‫ونوس يستثمر مقطعا من سيرة الظاهر بيبرس ليعيد تشكيله وف‪00‬ق رؤي‪00‬ة جدي‪00‬دة؛ ف‪00‬إذا‬
‫‪0‬ات‬ ‫‪0‬ه الفراغ‪0‬‬
‫‪0‬ه‪ ،‬تحكم‪0‬‬ ‫‪0‬اهر في‪0‬‬
‫‪0‬جام ظ‪0‬‬ ‫‪0‬رض مش‪0‬وّش ال انس‪0‬‬ ‫بالجمهور يجد نفسه أمام ع‪0‬‬
‫والتصدعات‪ ،‬عليه أن يشحذ العزم لملئها وسدها‪ .‬فإذا كان فهم الواق‪0‬ع يحت‪0‬اج إلى تفكي‪0‬ك‬
‫‪0‬ف عن‬ ‫وإعادة تنظيم‪ ،‬فاألوْلى إذن أن نخوض هذه المغامرة التفكيكية بأدوات تس‪0‬مح بالكش‪0‬‬
‫‪0‬ذا‬‫‪0‬مت ينتهج ه‪0‬‬ ‫بنية النص وإيقاع الداللة فيه لنساهم في إنتاج بعض معانيه‪ .‬على هذا الس‪0‬‬
‫البحث تقسيما اصطناعيا لمسرحية مغامرة رأس المملوك جابر (مجلة المعرفة‪ ،‬العدد ‪،105‬‬
‫نوفمبر ‪ 1970‬من الصفحة ‪ 185‬إلى الصفحة ‪ .)283‬ولما كان نص المسرحية يخل‪00‬و من‬
‫‪0‬تغال‬ ‫‪0‬ات اش‪0‬‬‫‪0‬تئناس بآلي‪0‬‬‫العناوين داخل المشاهد والفصول؟ كما يخلو من الترقيم‪ ،‬فإن االس‪0‬‬
‫النص المسرحي قد يساعد على تبين مفاصله‪ .‬فباعتماد الزمان معي‪00‬ارا ينقس‪00‬م النص إلى‬
‫مسرحيتين إحداهما مولدة لألخرى‪ :‬أما األولى فتدور في الزمن الراهن بعيد هزيم‪00‬ة ‪1967‬‬
‫وفضاؤها مقهى شعبي‪ ،‬وأما الثانية فتدور في عصر غابر تومئ إش‪00‬اراته ومؤش‪00‬راته إلى‬
‫‪0‬ة‬‫زمن سقوط الخالفة العباسية في العصر الوسيط وفضاؤها األساسي بغداد‪ .‬وبما أن الحكاي‪0‬‬
‫‪0‬رحي‬ ‫‪0‬ل المس‪0‬‬ ‫(أو األمثولة كما يحلو للبعض تسميتها ترجمة لكلمة ‪ ) fable‬هي مركز العم‪0‬‬
‫الماثل بين أيدينا فقد اتجه البحث إلى مسار يعكس مسار التلقي – قراءةً أو مش‪00‬اهدةً ‪ ،-‬إذ‬
‫ينطلق من الداخل (المسرحية المضمنة‪ /‬الداخلية) ليرجع القهقرى إلى الخارج (المس‪00‬رحية‬
‫اإلطار‪ /‬الخارجية) والهدف من ذلك‪ ،‬كما أسلفت من القول‪ ،‬إعادة تركيب النص بعد تفكيك‪00‬ه‬
‫لإلحاطة بداللته الكلية شكالً ومحتوىً (وفق مفهوم هايمساليف)‪ .‬إن المسرحية الثانية سليلة‬
‫السرد‪ ،‬فحضورها استعاري‪ .‬وهي موزعة بين مشاهد (مصطلح المشهد يستعمله س‪00‬عد اهلل‬
‫ونوس في أكثر من إشارة ركحيّة‪ ،‬يقول‪" :‬يمكن هنا وفي المشاهد التالي‪00‬ة االستعاض‪00‬ة عن‬
‫قطع الديكور بلوحات مرسومة " المسرحية ص‪ 199 .‬ويقول‪ :‬يستمر المشهد ‪ ...‬ص‪.278 .‬‬
‫ويقول‪ :‬يتجمد المشهد على صوت الحكواتي‪ .‬ص‪ 273.‬في حين يستعمل مصطلح المقط‪00‬ع‬
‫لتعيين السرد‪ ،‬يقول‪« :‬تتم رواية هذا المقطع على صوت خبب الخيول وص‪00‬ليل الس‪00‬يوف"‪.‬‬
‫ص‪ )281.‬تختلف باختالف الشخصيات‪ :‬فأهل بغداد يظهرون في مكان عام ض‪00‬من أربع‪00‬ة‬
‫مشاهد‪ :‬األول ‪ 198-196‬والثاني ‪ 220-207‬والثالث ‪ 271-268‬والرابع ‪،281-280‬‬
‫‪0‬اع‬ ‫‪0‬ددها إيق‪0‬‬
‫‪0‬ف يح‪0‬‬ ‫‪0‬ها من مواق‪0‬‬‫وتتنوع هذه المشاهد في مستوى تركيبها‪ ،‬إذ يتشكل بعض‪0‬‬
‫الشخصيات بين الظهور والغياب‪ ،‬ففي المشهد الثاني مثال يتبدل الموقف بدخول الرجل الرابع‬
‫ثم بدخول الحارسين‪ .‬ويظهر أهل بغداد في مكان مغلق خاص في مشهد واحد يصور موقف‬
‫أسرة صغيرة‪ .255-252 :‬أما جابر فيظهر في سبعة مشاهد ينتقل خاللها في المكان‪ ،‬وفق‬
‫‪0‬وزير‬ ‫‪0‬ر ال‪0‬‬
‫تناوب بين المفتوح والمغلق‪ ،‬والخاص والعام‪ .‬إذ يظهر في رواق من أروقة قص‪0‬‬
‫‪0‬وزير‬ ‫‪0‬حبة ال‪0‬‬
‫‪0‬ر ص‪0‬‬ ‫‪0‬ل القص‪0‬‬
‫‪0‬ة داخ‪0‬‬ ‫صحبة رفيقه منصور والمملوك ياسر‪ ،‬ليتحول إلى قاع‪0‬‬
‫والحالق‪ ،‬فغرفة أشبه بالزنزانة تزوره فيها زمرد‪ .‬وعلى النحو ذاته يتدرج المملوك ج‪00‬ابر‬
‫‪0‬ة‬‫في الرجوع من الغرفة إلى القاعة فالبيداء‪ .‬وهي على التوالي الصفحات ‪ 206-198‬رفق‪0‬‬
‫منصور‪ ،‬الصفحات ‪ 226-221‬رفقة منصور وياسر‪ ،‬الصفحات ‪ 243-232‬رفقة ال‪00‬وزير‬
‫في موقف أول ثم رفقة الوزير والحالق وصبيته في موقف ث‪00‬ان‪ ،‬الص‪00‬فحات ‪260-256‬‬
‫رفقة زمرد‪ ،‬الصفحات ‪ 263-261‬رفقة الوزير‪ ،‬الصفحات ‪ 267-266‬في طريق الرحل‪00‬ة‬
‫منفردا‪ ،‬الصفحات ‪ 278-271‬رفقة ملك العجم في موقف أول ثم في غرفة الجالّد لهب في‬
‫‪0‬الوزير‬ ‫‪0‬د؛ ف‪0‬‬
‫‪0‬هد واح‪0‬‬ ‫موقف ثان‪ .‬وال تظهر الشخصيات األخرى – دون جابر – إال في مش‪0‬‬
‫صحبة عبد اللطيف الصفحات ‪ ،232-227‬والخليفة صحبة عبد اهلل الصفحات ‪251-248‬‬
‫والمملوكان ياسر ومنصور الصفحات ‪ 266-263‬في حين لن تظهر زم‪00‬رد إال في نهاي‪00‬ة‬
‫المسرحية الصفحة ‪ .282‬كل هذه المشاهد المتجاورة تخترقها المسرحية اإلطار الحاض‪00‬نة‬
‫وتحدّ من استرسالها‪ .‬فزبائن المقهى والحكواتي رغم ظه‪00‬ورهم في مش‪00‬اهد خلص‪00‬ت لهم‬
‫‪ )283-282 0‬إال أنهم ينتشرون في أغلب المواضع‪.‬‬ ‫‪،247-243 0‬‬ ‫(الصفحات ‪،196-190‬‬
‫إن رحلة الحكاية الشعبية من سيرة الظاهر بيبرس إلى الركح قد أكس‪00‬بتها مالمح مغ‪00‬ايرة‪،‬‬
‫وأجبرتها على التدفق بدالالت لم يدر بخلد الراوي التعبير عنها‪ ،‬وفعّلت في ثناياها قيم‪00‬ا لم‬
‫‪0‬د‬
‫تكن الرواية الشعبية على استعداد للترويج لها‪ .‬إنه الفن المسرحي وقد صهر الحكاية ليعي‪0‬‬
‫خلقه‪00000000000000‬ا خلق‪00000000000000‬ا جدي‪00000000000000‬دا‪.‬‬

‫‪0‬ه‬ ‫‪0‬المؤلف – رغم أن‪0‬‬ ‫تشهد الحكاية في مسرحية سعد اهلل ونوس ضروبا من التح‪00‬والت‪ ،‬ف‪0‬‬
‫يحافظ على جملة من األركان كالزمان والمكان وبعض األعالم واألحداث األساسية – إال أنه‬
‫‪0‬اته‬‫‪0‬ع بتناقض‪0‬‬ ‫‪0‬ا في الواق‪0‬‬‫‪0‬يزج به‪0‬‬‫يتنزع نص السيرة الشعبية من مجالها الخرافي المائع ل‪0‬‬
‫وفجواته العديدة‪ .‬فمرحلة العرض تمتد من الصفحة ‪ 196‬إلى الصفحة ‪ ،206‬وتتك‪00‬ون من‬
‫ثالثة مشاهد تتوزع على مكانين‪ :‬سوق بغداد حيث يلتئم شمل العامة من الن‪00‬اس فتتف‪00‬اوت‬
‫‪0‬ابر‬‫‪0‬وكيْن ج‪0‬‬ ‫‪0‬ع بين ممل‪0‬‬ ‫الخطابات كمّا وكيفا؛ وقصر الوزير محمد العبدلي‪ ،‬رواق منه يجم‪0‬‬
‫ومنصور المنشغلين بما يستجد من أحداث‪-‬وهي تصور واقعا متأزما ملؤه التوتر والتش‪00‬نج‬
‫‪0‬راوي‪:‬‬ ‫‪0‬ول ال‪0‬‬‫‪0‬ر باهلل‪ ،‬يق‪0‬‬
‫‪0‬ة المنتص‪0‬‬ ‫بعد ذيوع نبأ الخالف بين الوزير المذكور وبين الخليف‪0‬‬
‫‪0‬ا إلى‬‫‪0‬ل منه‪0‬‬ ‫" في البداية كان الخالف سرا‪ ،‬ثم انفجر‪ ،‬وبدأ يشيع في ردهات القصور وينتق‪0‬‬
‫المدين‪00000000000‬ة وأس‪00000000000‬ماع الن‪00000000000‬اس"ص‪.198.‬‬
‫إن إقحام الرعية ‪ /‬العامة في النزاع بين ذوي الشوكة يُعد من أهم التحوالت الطارئ‪00‬ة على‬
‫نص الحكاية؛ إذ في سيرة الظاهر بيبرس يتجاهل الراوي العامة في مستهل روايته‪ ،‬ويقصُرُ‬
‫‪0‬ه‬‫‪0‬رحي بفتح‪0‬‬ ‫أمر الصراع على الخليفة ووزيره وأتباعهما من الخدم والحشم‪ .‬والنص المس‪0‬‬
‫البوابة أمام أهالي بغداد وجعلهم طرفا في الخالف رغم أنوفهم ي‪00‬رُدُّ درامي‪00‬ا على تص‪00‬ور‬
‫سياسي مضمَر في الحكاية الخرافية‪ .‬تعلن عامة بغداد كلُّها جهلها بأسباب الخالف‪ ،‬وإن تكن‬
‫تحدس عواقبه الوخيمة؛ فحتى "الرجل الرابع" وقد بدا أوسع أفقا وأشدَّ حرصا على التيق‪00‬ظ‪،‬‬
‫‪0‬ول‪:‬‬ ‫‪0‬ي‪ .‬يق‪0‬‬ ‫‪0‬أن السياس‪0‬‬ ‫‪0‬وض في الش‪0‬‬ ‫‪0‬ين الخ‪0‬‬‫‪0‬ه الرافض‪0‬‬‫‪0‬ررة من نظرائ‪0‬‬‫‪0‬خة مك‪0‬‬ ‫يظل نس‪0‬‬
‫‪0‬وتر‬ ‫‪0‬بب الخالف أو ت‪0‬‬ ‫‪0‬رف س‪0‬‬ ‫الرجل الرابع‪ :‬ما جهله كثير‪ .‬كنت أسأل إن كان بينكم من يع‪0‬‬
‫األوض‪000000000000000000000000000000000000000‬اع؟ ص‪.212‬‬
‫ويض‪000000000000‬يف في موض‪000000000000‬ع آخ‪000000000000‬ر‪:‬‬
‫اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺮاﺑﻊ‪ :‬وﺣﻖ اﷲ أﺧﺎﻓﻬﻢ ﻣﺜﻠﻜﻢ ‪ ...‬وﺷﻌﺮت ﻗﻠﺒﻲ ﯾﻜﺎد أن ﯾﺘﻮﻗﻒ ﻟﻜﻦ أﻧﻈﻞ‬
‫ﻛﺎﻟﻌﻤﯿﺎن‪ 0‬ﻻ ﻧﻌﺮف‪ 0‬إﻟﻰ أﯾﺔ ﻣﻬﺎو‪ 0‬ﺗﺪﻓﻌﻨﺎ اﻷﺣﺪاث‪. 0‬ص‪215 .‬‬
‫‪0‬ة‬‫‪0‬ه في المعرف‪0‬‬ ‫إن تجربة السجن لم تُضِفْ إلى صاحبها شيئا‪ ،‬لكنه يختلف عن البقية برغبت‪0‬‬
‫واالطالع على ما يجري داخل القصور‪ ،‬فالمعرفة لديه هي موضوع القيمة‪ .‬يعمد ونوس إلى‬
‫تعليل راوي السيرة الشعبية للنزاع القائم بين رأسي السلطة فيحذفه رغم أنه يرد في بداي‪00‬ة‬
‫الحكاية‪ .‬والراوي – أعني الراوي في الخرافة – إنما يسعى إلى إضفاء منطق ما على نسقه‬
‫السردي؛ فحسبه مبررا يمأل به مفاصل الحكاية وليس مُهِمّا لديه أن يكون ذاك التعليل علميا‬
‫‪0‬ذلك‬‫‪0‬داولي‪ ،‬ل‪0‬‬ ‫أو معقوال‪ .‬ويدرك متلقي السيرة الشعبية هذا األمر جيدا‪ ،‬فهو ضمن العقد الت‪0‬‬
‫تراه ينزل عن شروط العقل بما أن الراوي يتعهد بتحقيق المتعة واللذة‪ .‬بيد أن األمر مختلف‬
‫‪0‬ة‬‫‪0‬وزير والخليف‪0‬‬ ‫في المسرحية‪ ،‬بل إن الحكواتي يسكت سكوتا تاما عن سبب الخالف بين ال‪0‬‬
‫ودواعيه‪ ،‬جاعال السؤال عنه والتفكير فيه قضية من قضايا المسرحية األساسية‪ .‬ومن ثم‪00‬ة‬
‫فإن النص الدرامي يناهض مسلمات تضمِرها الحكاية الموروث‪00‬ة والمش‪00‬حونة بتص‪00‬ورات‬
‫‪0‬تبداد‬
‫‪0‬رس االس‪0‬‬ ‫قُدُسو اهتامسق تّبكت مَعارضها على يد وعاظ السلطان منذ عهود خلت لتك‪0‬‬
‫وتعمق االنفصام بين العامة‪ /‬الرعية وبين مؤسسات في جوهرها اجتماعية من صنع البشر‪.‬‬
‫تُـ بْنى تلكم المسلمات غالبا على "براءة الرعية" وعدم مسؤوليتها عما يدور في "القصور" –‬
‫بوصف القصر رمزا ماديا للسلطة –لتتحمل الخاصة – وهو المصطلح السياسي الماث‪00‬ل في‬
‫أغلب المؤلفات القديمة – مسؤولية تدبير ذاك المجال بما أنها ملمة بكل أس‪00‬راره‪ .‬تواج‪00‬ه‬
‫المسرحية هذه المسلمات المضمرة في الحكاية التراثية بتنزيل السر السلطوي في ش‪00‬وارع‬
‫بغداد وأسواقها عبر اإلصغاء للناس ومنحهم فضاء يعبرون فيه وب‪00‬ه عن آرائهم؛ فالعم‪00‬ل‬
‫الدرامي يتحول بالشأن السياسي من الخاص المغلق إلى العام المفتوح ليؤسس بذلك لتداول‬
‫‪0‬ا‬
‫‪0‬ر فيه‪0‬‬ ‫عمومي خارقا جدران الصمت‪ .‬ذاك ما يفسر في رأيي تخصيص أربعة مشاهد تظه‪0‬‬
‫‪0‬عيد‬‫‪0‬ة التص‪0‬‬‫‪0‬داد في مرحل‪0‬‬ ‫عامة بغداد‪ :‬فإلى جانب مرحلة العرض‪ ،‬يلتقي الجمهور بأهل بغ‪0‬‬
‫وتنامي الفعل الدرامي ضمن فضاءين‪ ،‬واحد منهما مفتوح يتمثل في سوق بغداد (أمام فران)‬
‫وشوارعها وثانيهما مغلق يتمثل في بيت األسرة الصغيرة المعدمة‪ .‬يعقِد هذا الحضور الصلة‬
‫بين الطبقة المسيطرة وبين غالبية الناس‪ ،‬صلة قد ال ترى بالعين المجردة‪ ،‬إال أنها متينة بما‬
‫‪0‬ر‬‫أن العالقة عضوية نتيجة التبعية لنظام سياسي واحد‪ .‬والمؤلف في المشاهد األربعة يقتص‪0‬‬
‫على عدد قليل من الممثلين رجاال ونساء ألداء دور الرعية؛ ذلك أنه ينتهج سبيل التك‪00‬ثيف‬
‫‪0‬ا‬
‫‪0‬ة وم‪0‬‬ ‫‪0‬ف المختلف‪0‬‬ ‫‪0‬يم المواق‪0‬‬
‫على طريقة التجريديين‪ ،‬ومن ثمة يسعى الممثلون إلى تجس‪0‬‬
‫يصاحبها من انفعاالت وردود فعل تتراوح بين القلق والفضول وبين اليأس والتسليم لما هو‬
‫‪0‬دركها‬‫‪0‬ا ي‪0‬‬
‫‪0‬و ذروته‪0‬‬ ‫‪0‬ا نح‪0‬‬
‫قائم‪ .‬إن عملية التصعيد وما يرافقها من تعقيد األزمة في طريقه‪0‬‬
‫‪0‬ق‬‫الجمهور في هذه المشاهد‪ ،‬ليس من خالل الحوار المسرحي وحسب‪ ،‬بل من خالل ما تنط‪0‬‬
‫به أحوال الناس نفسيا وجسديا واجتماعيا‪ .‬والشأن ذاته ينطب‪00‬ق على الكارث‪00‬ة في نهاي‪00‬ة‬
‫المسرحية‪ .‬أما الحوار الدرامي فتتنوع سبله وتتغير وتيرته‪ ،‬فمنه الج‪00‬دالي الحج‪00‬اجي من‬
‫خالله يعرض النص وجهتي نظر من تعقد األزمة السياسية‪ :‬أما األولى فتتمث‪00‬ل في موق‪00‬ف‬
‫‪0‬أن‬‫‪0‬وض في الش‪0‬‬ ‫‪0‬ر على الخ‪0‬‬ ‫‪0‬احبه يص‪0‬‬‫الرجل الرابع‪ ،‬وهو موقف إيجابي نسبيا بما أن ص‪0‬‬
‫السياس‪000‬ي على ال‪000‬رغم من الحض‪000‬ور الض‪00‬اغط لح‪000‬راس الخليف‪000‬ة‪ ،‬يق‪000‬ول‪:‬‬
‫اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ‪ :‬وﺣﻖ اﷲ وأﻧﺎ ﻣﺜﻠﻜﻢ ﻻ أﺣﺐ اﻟﺴﺠﻦ ‪ ،‬وﻻ أﺗﻤﻨﻰ أن أتذكره ‪ ...‬إﻻ أﻧﻲ ﻻ‬
‫أﺣﺐ أﯾﻀًﺎ ﻋﯿﺸﺔ اﻟﻜﻼب اﻟﺘﻲ أﻋﯿﺸﻬﺎ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻻ أﺣﺐ أن أدﻓﻊ رأﺳﻲ ﺛﻤﻨﺎ ﻻﺿﻄﺮاب ﻻ‬
‫رأي ﻟﻲ ﻓﯿﻪ ‪217.‬‬
‫معبرا عن وعيه بالواقع وإدراكه أن الرعية أولى ضحايا صراع لم تشارك في صنعه ظاهريا‪.‬‬
‫يق‪0000‬ول في ثق‪0000‬ة تل‪0000‬وح في التردي‪0000‬د والجم‪0000‬ل االس‪0000‬مية‪:‬‬
‫اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ‪ :‬ﻓﻮق رؤوﺳﻨﺎ ﯾﺘﻌﺎرﻛﺎن ﻓﻮق ه‪00000‬ذه اﻟﺮؤوس اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﺳﺘﻨﺰل أﻗﺴﻰ‬
‫اﻟﻀﺮﺑﺎت ‪ ،‬إﻧﻨﺎ ﻧﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ رؤوﺳﻨﺎ ‪ .‬ﻧﺴﻠﻤﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﻼدﯾﻦ ‪ ،‬وأﺳﻮأ ﻣﻦ اﻟﺠﻼدﯾﻦ‬
‫‪218‬‬
‫وعلى هذا السمت يظل يقاوم القناعة الراسخة في األذهان معتمدا الترهيب من مغبة السُّدور‬
‫واالنكفاء على الذات‪ ،‬منذرا بمآل الرؤوس استنادا إلى معطيات واقعية ملموسة‪( .‬رأس جابر‬
‫إذن محكومة بتناقضات الواقع فهي مجرد عيّنة)‪ .‬أما الثانية فتتمثل في موقف األغلبية‪ ،‬وقد‬
‫‪0‬ذلك‬‫‪0‬لمها‪ .‬ل‪0‬‬‫‪0‬رق وأس‪0‬‬ ‫اختارت إعادة إنتاج واقعها وعجزها عن تغييره معتبرة ذلك آمن الط‪0‬‬
‫يتوحد الزبائن – رجاال ونساء – في صوت واحد أشبه ما يكون بالجوقة‪ ،‬ليعلنوا استكانتهم‬
‫المبني‪00000000‬ة على نزع‪00000000‬ة انتهازي‪00000000‬ة أناني‪00000000‬ة؛‬
‫‪ 00:‬ﻣﻮﻻﻧﺎ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ عنده‪ 00‬ﺣﺮاﺳﻪ وﻗﻮاﺗﻪ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ‬
‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ‪ : 2‬وﺳﯿﺪﻧﺎ اﻟﻮزﯾﺮ ﻟﻪ ﺣﺮاﺳﻪ وﻗﻮاﺗﻪ ‪.‬‬
‫‪ 00:‬ﻗﺪ ﯾﻘﻊ اﻟﺼﺪام‪ 00‬ﺑﯿﻦ ﻟﺤﻈﺔ وﻟﺤﻈﺔ ‪.‬‬ ‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ‪1‬‬
‫‪ 00:‬ﻓﻠﻤﺎذا‪ 00‬ﻧﺮﻣﻲ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﻬﻠﻜﺔ !‪. 00‬‬ ‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ‪2‬‬
‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ‪ : 1‬اﻟﺨﻼف ﺑﯿﻦ وزﯾﺮ وﺧﻠﯿﻔﺔ ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫وﺧﻄﺔ‬ ‫ﻗﺼﺪ‬ ‫ﻣﻨﻬﻤﺎ‬ ‫ﻟﻜﻞ‬ ‫‪000:‬‬ ‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ‪2‬‬
‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ‪ : 1‬أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻼ ﻧﺎﻗﺔ ﻟﻨﺎ وﻻ ﺟﻤﻞ ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‬ ‫وﻧﺮﻗﺐ‬ ‫ﻧﻨﺘﻈﺮ‬ ‫‪000:‬‬ ‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ‪2‬‬
‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ‪ : 1‬وﻣﻦ ﯾﺘﺰوج أﻣﻨﺎ ﻧﻨﺎدﯾﻪ ﻋﻤﻨﺎ ‪.‬ص‪218-217.‬‬
‫إن توزع الزبائن – أعني زبائن الفرن ‪-‬على مجموعتين ال يعني االختالف‪ ،‬إنم‪00‬ا التماث‪00‬ل‬
‫الكلي بين الصوت والصدى؛ والتعبير العفوي القائم على الجمل االسمية وصيغة المض‪00‬ارع‬
‫‪0‬وهم‬ ‫‪0‬ا ي‪0‬‬
‫‪0‬ة‪ .‬وذاك م‪0‬‬ ‫يجعل المعاني قواعد عامة راسخة في األذهان والوجدان‪ ،‬ألنها متوارث‪0‬‬
‫‪0‬ا‬ ‫بحكمة حاملها قوال وعمال‪ ،‬أي أن األسلوب يبعث على الظن بأن الموقف المُجمع عليه إنم‪0‬‬
‫‪0‬من‬ ‫‪0‬عار "ﻣﻦ ﯾﺘﺰوج أﻣﻨﺎ ﻧﻨﺎدﯾﻪ ﻋﻤﻨﺎ" ض‪0‬‬ ‫يصدر عن العقل؛ في حين ينزِّل النص هذا الش‪0‬‬
‫‪0‬ع‬ ‫‪0‬بريره‪ .‬واق‪0‬‬‫‪0‬ع وت‪0‬‬ ‫‪0‬د الواق‪0‬‬
‫دائرة الخوف واالنفعال‪ .‬إنه وعي زائف‪ ،‬ال يؤدي إال إلى تأبي‪0‬‬
‫االستالب والتهميش‪ .‬ومن خالل المواجهة بين الرجل الرابع‪ ،‬الفرد‪ ،‬وبين الرجال والنس‪00‬اء‬
‫المصطفين أمام الفرن‪ ،‬الجماعة‪ ،‬يصعُتف ‪،‬يماردلا لعفلا صنلا دّغْني المشهدَ حركةٌ نفس‪00‬ية‬
‫‪0‬د في‬ ‫‪0‬ركحي المتجس‪0‬‬ ‫‪0‬اع ال‪0‬‬
‫وجسدية تهبه حيوية توفر للجمهور الفرجة؛ بيان ذلك في اإليق‪0‬‬
‫التناوب بين حضور الحرس وغيابهم‪ ،‬وفي تغير النبرة في أثناء المحادثة بتل‪00‬وين طبق‪00‬ات‬
‫الص‪000‬وت‪ ،‬وفي تن‪000‬وع س‪000‬جالت الق‪000‬ول من ج‪000‬دل وت‪000‬ذكر وحكي مض‪000‬من‪،‬‬
‫تول‬
‫ّ‬
‫د عنه التضايف بين الواقعي والخرافي‪ .‬إن لجوء الرجل الرابع إلى الحكي والسرد ض‪00‬رورة‬
‫‪0‬اء‬ ‫يقتضيها الموقف المتبدل‪ ،‬إذ أنه يستغل الحكاية لتضليل العسس وقد انتشروا في كل أرج‪0‬‬
‫بغداد مداخلِها ومخارجِها وشوارعِها وأسواقِها‪ ،‬وهُمْ عالمة على تصاعد األزمة بين ط‪00‬رفيْ‬
‫النزاع‪ .‬ويبلغ التصعيد ذروة من ذراه في المشهدين اآلخرين‪ ،‬إذ ينقضُّ الخليف‪00‬ة وأعوان‪00‬ه‬
‫على الرعية البتزازها وإثقال كاهلها بضريبة "مقدّسة" تزيد الناس تفقيرا وعجزا يبلغ أش‪00‬ده‬
‫عندما يفكر زوج في استغالل زوجته جنسيا حتى يوفر الطعام والشراب بعد طرده التعس‪00‬في‬
‫من عمل‪00000000000000000000000000000000000000000000‬ه‪.‬‬
‫اﻟﺰوج ‪ ) :‬ﺑﻌﺪ ﺗﺮدد ‪ ..‬ﺑﻠﻬﺠﺔ ﯾﺮﻋﺸﻬﺎ اﻟﺨﺠﻞ واﻟﻐﻀﺐ وﻫﻮ ﻣﻄﺮق اﻟﺮأس ( ﻟﻤﺎذا ﻻ‬
‫‪ 0‬ﺗﺴﺄﻟﯿﻪ ﺷﯿﺌﺎ ﻧﺄﻛﻠﻪ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬ﯾﻤﻜﻨﻚ أن‬‫‪ 0‬ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻪ ﻣﺆوﻧﺔ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﺴﻨﺔ ‪.‬‬ ‫ﺗﺬﻫﺒﯿﻦ إﻟﻰ ﺟﺎرﻧﺎ؟‬
‫اﻟﺰوﺟﺔ ‪ ) :‬ﯾﺘﻐﯿﺮ وﺟﻬﻬﺎ ‪ ..‬ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ ﺗﺘﺄﻣﻠﻪ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﺟﺎﺣﻈﺘﯿﻦ ( أﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ‬
‫ذﻟﻚ ؟‪.‬‬
‫اﻟﺰوج ‪ ) :‬ﻻ ﯾﺰال ﻣﻄﺮﻗﺎ ﻓﻲ اﻷرض ( ﻟﻌﻠﻪ اﻟﺤﻞ اﻟﻮﺣﯿﺪ ‪..‬‬
‫اﻟﺰوﺟﺔ ‪ :‬أأﻧﺖ ﺟﺎد ؟ إﻧﻚ ﺗﻌﺮف ﻣﺎ ﯾﻌﻨﯿﻪ اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻪ ) ﯾﻐﺺ ﺻﻮﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء‬
‫(‪ 0‬ﻻ ‪ 0..‬ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن‪ 0‬ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ ذﻟﻚ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ‪ 0) 0..‬ﺗﻨﻔﺠﺮ دﻣﻮﻋﻬﺎ (‪. 0‬‬
‫اﻟﺰوج ‪ ) :‬ﯾﻨﻔﺠﺮ قه‪00‬ره ( ﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ؟ ﺗﻀﻌﯿﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ وﻛﺄﻧﻲ اﻟﻤﺬﻧﺐ ‪.‬‬
‫أأﻧﺎ اﻟﻤﺴﺆول ﻋﻤﺎ ﯾﺤﺪث ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد أأﻧﺎ ﻣﻦ أوﻗﻊ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ واﻟﻮزﯾﺮ أأﻧﺎ ﻣﻦ‬
‫أﺣﺪث اﻟﻜﺴﺎد ‪ ،‬وأوﻗﻒ اﻷﻋﻤﺎل ﻗﻮﻟﻲ ﻟﻲ ﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ؟ ﻟﺴﺖ ﺳﺎﺣﺮا وﻻ رﺟﻞ ﻣﻌﺠﺰات ‪.‬‬
‫‪ 0‬ﺗﻨﻬﺾ‬ ‫‪ 0‬ﺛﻮرﺗﻪ ‪،‬‬ ‫‪ 0‬ﺧﻼل‬‫‪)0‬‬‫‪ 0‬ﺻﺮاﺧﻪ ﯾﻜﻮﯾﻨﻲ ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎق‬ ‫‪ 0‬وأن‬ ‫‪،0‬‬
‫‪ 0‬ﻗﻠﺒﻲ ﯾﻨﺰف‬ ‫ﺗﻌﺮﻓﯿﻦ أن‬
‫اﻟﻤﺮأة ‪ ،‬وﺗﺠﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮاره ﺛﻢ ﺗﻤﺴﺢ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺮه ( ‪.‬‬
‫اﻟﺰوﺟﺔ ‪ ) :‬ﻣﻊ ﺷﻬﯿﻖ دﻣﻮﻋﻬﺎ ‪ ..‬ﺑﺤﻨﺎن ( أﻋﺮف ‪ ..‬أﻋﺮف ‪ ..‬إﻧﻲ اﻣﺮأة ﻣﻮﺟﻮﻋﺔ‬
‫وﺣﻤﻘﺎء ‪ .‬ﻻ أرﯾﺪ أن ﺗﻐﻀﺐ ‪ .‬اﻟﺠﻮع ﯾﻌﺾ ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺮف ‪254 .‬‬
‫لموضع هذه األسرة البغدادية من سيرورة الحبكة وصيرورتها أهمية‪ ،‬فالمش‪00‬هد واق‪00‬ع بين‬
‫عتبتين تصعيديتين بما أنها تظهر مباشرة بعد مشهد قرار الخليفة فرض الضريبة المقدس‪00‬ة‬
‫‪0‬ر أن‬‫‪0‬ر ينتظ‪0‬‬‫لتمويل حربه ضد الوزير‪ ،‬وقبل مشهد يجمع زمرد بجابر وهو في غرفة القص‪0‬‬
‫ينبت شعره فيغطي الرسالة المرقومة على شواة رأسه ليكون رسول الوزير إلى قوة خارجية‬
‫‪0‬ه ينجح في‬ ‫‪0‬رة فإن‪0‬‬‫‪0‬هد األس‪0‬‬
‫يستعين بها على الفتك بالخليفة‪ .‬وعلى الرغم من اقتضاب مش‪0‬‬
‫تصوير فظاعة الموقف فتنشأ مفارقة بين المشاهد بما هي نتيجة مباشرة للنزاع السياس‪00‬ي؛‬
‫‪0‬ر‪.‬‬
‫‪0‬بب القه‪0‬‬ ‫يرفع هذا المشهد درجة العاطفة من خالل نبرة تفجعية تجسد الحزن العميق بس‪0‬‬
‫‪0‬ف‪ ،‬ينتهج النص‬ ‫‪0‬ه وبين الموق‪0‬‬
‫‪0‬وعية بين‪0‬‬ ‫‪0‬افة الموض‪0‬‬ ‫ومن أجل إبعاد المشاهد وحفظ المس‪0‬‬
‫الدرامي – ضمن آلية التغريب الملحمية – سبيل اإليجاز والتكثيف؛ حتى يق‪00‬ف المتلقي على‬
‫‪0‬أن‬‫‪0‬وض في الش‪0‬‬ ‫‪0‬ها عن الخ‪0‬‬‫‪0‬أت بنفس‪0‬‬ ‫المفارقة المالزمة لكالم العامة وتصوراتها‪ ،‬فكلما ن‪0‬‬
‫السياسي اعتقادا منها أنه أسلم السبل وآمنها‪ ،‬يضيق الخناق عليها وتُستنزف طاقاته‪00‬ا من‬
‫جهة‪ ،‬وتزداد الطبقة المسيطرة تسلطا وتصلبا من جهة أخرى‪ .‬وهذا التالزم بين وهن الرعية‬
‫‪0‬ة‬‫‪0‬ادي الطبق‪0‬‬‫‪0‬ة وبين تم‪0‬‬‫‪ 0‬السياسي باعتباره ملكية خاص‪0‬‬ ‫وإحجامها عن المشاركة في القرار‬
‫المسيطرة في تكتمها وقمعها كل من تسول له نفسه مجاوزة الح‪00‬دود‪ ،‬يرس‪00‬خ في نهاي‪00‬ة‬
‫المطاف صورة الناس لديهم‪ ،‬أقصد أنهم يرون أنفسهم عبئا ثقيال على السلطان وعالة عليه‪.‬‬
‫والواقع يشهد بعكس ذلك تماما‪ .‬وهذا الوهم تمعن السلطة في تعميقه وتثبيت‪00‬ه الس‪00‬يما أن‬
‫طرفيْ الصراع – الخليفة والوزير‪-‬يتفقان على تفاهة العامة وجبنها‪ .‬ذاك م‪00‬ا ينط‪00‬ق ب‪00‬ه‬
‫الح‪000000‬وار ال‪000000‬دائر بين ال‪000000‬وزير وعب‪000000‬د اللطي‪000000‬ف‪:‬‬
‫‪ 0‬داﺋﻤﺎ ﻣﻔﺎﺟﺂت‬ ‫‪ 0‬ﻫﻨﺎك‬
‫‪.0‬‬‫‪ 0‬ﻧﺘﺨﺬ ﺑﻌﺾ اﻻﺣﺘﯿﺎﻃﺎت‬ ‫‪ 0‬وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﯿﺪ أن‬ ‫ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﯿﻒ ‪:‬‬
‫ﻏﯿﺮ ﻣﺤﺴﻮﺑﺔ ‪ .‬وﻣﻦ ﯾﺪري ﻗﺪ ﺗﺴﺘﻐﻞ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف ‪ ،‬ﻓﺘﺸﻌﻞ ﻧﺎر اﻟﺸﻐﺐ ‪ ،‬ﺣﯿﻨﺌﺬ‬
‫‪.‬‬ ‫‪00.‬‬ ‫ﻛﯿﻒ ﯾﺘﺤﻮل‪ 00‬اﻟﻤﻮﻗﻒ‬ ‫ﯾﻌﺮف‪00‬‬ ‫أﺣﺪ‬ ‫ﻻ‬
‫اﻟﻮزﯾﺮ‪ ) :‬ﺑﺎﺣﺘﻘﺎر ( اﻟﻌﺎﻣﺔ ! وﻣﻦ ﯾﺒﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﺔ ؟ ‪..‬ﻻ ﻫﺆﻻء ﻻ ﯾﺜﯿﺮون أﯾﺔ‬
‫ﻣﺨﺎوف ‪ ،‬ﯾﻜﻔﻲ أن ﺗﻠﻮح ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﺼﺎ ﺣﺘﻰ ينمحوا ‪ ،‬وتبتلعم ﻇﻠﻤﺎت ﺑﯿﻮﺗﻬﻢ ‪ .‬ص‪230 .‬‬
‫وعلى الجناح اآلخر يرجّع عبد اهلل شقيق الخليفة ومستشاره الصدى فيقول ردا على مخاوف‬
‫أخي‪00000000000000000000000000000000000000000000000‬ه‪:‬‬
‫‪0‬‬
‫‪ 0‬اﻻزدراء‬ ‫‪ 0‬ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ أﺑﺸﻊ ﻋﻼﻣﺎت‬ ‫‪ 0‬ﺗﻠﻮح‬ ‫‪)0‬‬ ‫‪ 0‬ﺗﺤﺚ ﻓﺘﻨﺔ !‬ ‫‪ 0‬ﻋﺎﻣﺔ ﺑﻐﺪاد‬‫‪ 0‬ﻓﺘﻨﺔ !‬
‫ﻋﺒﺪ اﷲ ‪:‬‬
‫‪ 0‬ﻗﺪ‬‫‪.. 0‬‬
‫‪ 0‬أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺄﻋﺮﻓﻬﻢ ﺟﯿﺪا‬ ‫‪ 0‬رﻋﯿﺘﻚ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬ﺗﻌﺮف‬ ‫‪ 0‬ﯾﻨﻘﺼﻚ ﯾﺎ ﺧﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أن‬ ‫‪.. 0‬‬
‫(‬
‫‪ 0‬ﻣﻊ رﯾﻘﻬﻢ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬ويبلعوه‬
‫‪ 0‬ﺗﺬﻣﺮﻫﻢ ‪،‬‬‫‪ 0‬ﺣﺘﻰ ﯾﻤﻀﻐﻮا‬ ‫‪ 0‬وﺟﻪ ﺣﺎرس‬ ‫‪ 0‬ﯾﺮوا‬
‫‪ 0‬وﻟﻜﻦ ﻣﺎ إن‬ ‫‪،0‬‬
‫ﯾﺘﺬﻣﺮون‬
‫وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﯾﺔ ﯾﻬﺮوﻟﻮن ‪ ،‬ﻟﯿﻨﺒﺸﻮا اﻷرض ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺴﺪﯾﺪ اﻟﻀﺮﯾﺒﺔ ‪.‬ص‪251.‬‬
‫على هذا السمت تكشف المسرحية عن رعية سلبية يختار أغلبها االستكانة ويص‪00‬رون على‬
‫"براءتهم" من جريمة تكبر يوما بعد يوم تحت أعينهم وأسماعهم؛ لذلك يغلب على ح‪0‬واراتهم‬
‫‪0‬ا إال‬
‫سواء أكانت ثنائية أم محادثة االنفعالُ والنمطية‪ ،‬والركون إلى أمثال شعبية ال يذكر منه‪0‬‬
‫ما يبرر الخنوع والتخاذل وادعاء الحياد‪ ،‬فتتلفظ بها الشخصيات تلفظ القابض على الحقيق‪00‬ة‬
‫‪0‬اهم في‬ ‫رغم أنهم يعمهون في اإلشاعات نتيجة التعتيم الذي تمارسه السلطة‪ .‬هذا التعتيم يس‪0‬‬
‫تكريس هالة التقديس حولها‪ ،‬فالممارسة السياسية في عرف العامة شأن "خاص" وحكر على‬
‫‪0‬ا؛ أم‪00‬ا‬
‫أفراد يدبرون األمر في عُلبة سوداء ال يعرف منها المرء إال اآلثار المترتب‪00‬ة عليه‪0‬‬
‫‪0‬ان‪.‬‬‫عملية اإلنتاج ذاتها فبعيدة عن أفق اإلدراك‪ .‬إنه وهم مسيطر وصنمية متجذرة في األذه‪0‬‬
‫يظل سبب الخالف والصراع طي الكتمان إلى نهاية المسرحية‪ ،‬ويظل السؤال معلقا حتى عند‬
‫حلول الكارثة واجتياح الغزاة بغداد؛ لعل ذلك يعود أساسا إلى خطأ في طرح السؤال‪ ،‬أو يعود‬
‫إلى زيفه؛ فليست القضية في السبب المباشر الذي أشعل فتيل النزاع بين الوزير والخليف‪00‬ة؛‬
‫‪0‬دجين‬ ‫‪0‬ة على الت‪0‬‬‫‪0‬ة قائم‪0‬‬‫إنما مدار األمر والغاية التي إليها يجري ذهول الناس نتيجة سياس‪0‬‬
‫والتهميش‪ ،‬وتنمّي األنانية والبحث عن الخالص الف‪00‬ردي إذا أتيحت الفرص‪00‬ة ل‪00‬ذلك‪ ،‬وإال‬
‫فالص‪0000000‬بر وانتظ‪0000000‬ار البط‪0000000‬ل األب‪0000000‬وي المخلص‪.‬‬
‫‪0‬ية‬‫‪0‬عية األساس‪0‬‬‫‪0‬ذه الوض‪0‬‬ ‫هكذا تمثل أمام الجمهور شخصية جابر المغامِرة‪ ،‬لتبادر بتغيير ه‪0‬‬
‫باستغالل الخالف إياه‪ .‬يحافظ سعد اهلل ونوس على األطراف الفاعل‪00‬ة في حكاي‪00‬ة الس‪00‬يرة‬
‫‪0‬ها‬‫‪0‬امرة تنهض على أسس‪0‬‬ ‫الشعبية لكنه يغير هيكلها ورسالتها‪ ،‬فيجعل من حدث عارض مغ‪0‬‬
‫حبكة مسرحية‪ .‬تفصيل ذلك أن المملوك جابر في سيرة الظاهر بيبرس يلقى حتف‪00‬ه بس‪00‬بب‬
‫والئه للوزير الخائن لخليفته والء مطلقا؛ فيحتسب الراوي المملوك جابر ‪-‬وقد قت‪00‬ل غ‪00‬درا‬
‫‪-‬شهيد طاعته لسيده‪ ،‬لتظل السيرة الشعبية محتفظة بأطروحتها المضمرة المتمثلة في براءة‬
‫الرعية وسذاجتها مقابل مكر الساسة ودهائهم‪ .‬ترفض المسرحية أن يُحجز الشأنُ السياس‪0‬ي‬
‫في الغرف المغلقة‪ ،‬فتوسع من دائرته وتفتح أبواب االختيار أمام المملوك جابر ليضحي قوة‬
‫جاذبة لطاقات النص عرضا وتلقيا على مدى سبعة مشاهد يع‪0‬اد خالله‪0‬ا بن‪0‬اء الشخص‪0‬ية‬
‫لتكتسب مقوماتها الجسدية والنفسية واالجتماعية؛ وهي مقومات تهيئها لتك‪00‬ون بطال‪ ،‬وإن‬
‫‪0‬افر‬‫‪0‬دهورة‪ .‬تتظ‪0‬‬ ‫‪0‬ه على قيم مت‪0‬‬ ‫‪0‬لبي ينهض فعل‪0‬‬ ‫يكن مغايرا للبطل التراجيدي‪ ،‬فهو بطل س‪0‬‬
‫‪0‬ه ففي‬ ‫‪0‬ور ركحي ل‪0‬‬ ‫‪0‬ة في أول ظه‪0‬‬ ‫اإلشارات الركحية والحوار الثنائي للنهوض بهذه المهم‪0‬‬
‫المشهد األول يمثل أمام الجمه‪00‬ور ش‪00‬اب «ﺗﺠﺎوز اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ‪ ،‬ﻣﻌﺘﺪل‬
‫اﻟﻘﺎﻣﺔ ‪ ،‬ﺷﺪﯾﺪ‪ .‬اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ ‪ ،‬ﯾﻤﺘﺎز ﺑﻤﻼﻣﺢ دﻗﯿﻘﺔ وذﻛﯿﻪ وﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﯾﺘﺮاءى ﺑﺮﯾﻖ‬
‫‪ 0‬ص‪ ،199.‬يتعين في النص باسمه وصفته‪ .‬فجابر مملوك‬ ‫‪ 0‬ﯾﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﻔﻄﻨﺔ واﻟﺬﻛﺎء"‬ ‫ﻧﻔﺎذ‬
‫‪0‬دا‬
‫‪0‬ك جي‪0‬‬ ‫‪0‬و يعي ذل‪0‬‬ ‫ينتمي إلى طبقة العبيد نشأ على الطاعة والوالء لمن يملك السلطة‪ .‬وه‪0‬‬
‫ويواجه مخاوف رفيقه المملوك منصور من الخالف بين الوزير والخليفة باستخفاف‪ .‬فاألول‬
‫– أع‪000‬ني منص‪000‬ور – يحي‪000‬ط نس‪000‬بيا بخط‪000‬ورة الص‪000‬دام‪ ،‬يق‪000‬ول‪:‬‬
‫‪ 0‬ﻋﻨﯿﻔﺔ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬ﺳﺘﻜﻮن‬ ‫‪ 0‬اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى‬ ‫‪ 0‬ﯾﺤﯿﻂ ﺑﻨﺎ ‪،‬‬ ‫‪ 0‬اﻟﺨﻄﺮ اﻟﺬي‬ ‫‪ 0‬ﻻ ﺗﻘﺪر‬‫‪ 0‬وإذن‬‫‪:0‬‬‫ﻣﻨﺼﻮر‬
‫ﻣﻦ رأى ﺳﯿﺪﻧﺎ اﻟﻮزﯾﺮ ﯾﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻮان أﻣﺲ ‪ ،‬ﺣﺴﺐ أن ﻋﺎﺻﻔﺔ ﺗﻬﺐ ‪ .‬ﻛﺎن ﻗﺎﻧﻲ‬
‫اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ‪ ،‬ﻛﺎﻣﺪ اﻟﻮﺟﻪ ‪ ،‬ﯾﻘﻀﻢ ﺷﺎرﺑﻪ ﺑﺄﺳﻨﺎﻧﻪ ص‪201.‬‬
‫ويض‪00000000‬يف مع‪00000000‬برا عن خوف‪00000000‬ه من المص‪00000000‬ير‪:‬‬
‫ﻟﻮ اﻧﺪﻟﻌﺖ اﻟﻨﺎر ‪ 0 ، 0‬ﻓﺴﻨﻜﻮن ‪ 0‬اﻟﺤﻄﺐ اﻟﺬي ‪ 0‬ﯾﻐﺬﯾﻬﺎ ‪.‬ص‪202.‬‬
‫يمنح المملوك منصور النصَّ طابعا حماسيا من خالل الصور المتعلقة بالنار‪ ،‬فقوله يختل‪00‬ف‬
‫عما سبقه ونظرته السوداوية المتشائمة تجعل له موقفا يشي بانخراطه – رغم أنف‪00‬ه – في‬
‫التحوالت السياسية الجارية وإن يكن ذلك من موقع المنذر بالكارثة ال الفاعل فيها س‪00‬لبا أو‬
‫‪0‬ه وفي‬ ‫‪0‬ر وقاعات‪0‬‬ ‫إيجابا‪ .‬إنه أشبه بالعرّاف أو الكاهن في إصغائه لما يجول في أروقة القص‪0‬‬
‫قراءته العالمات وفك شفرتها ومحاولة تأويلها‪ .‬بيد أنه ال يجرؤ حتى النهاية على مغ‪00‬ادرة‬
‫خلَده يوما االق‪00‬تراب منه‪00‬ا أو‬‫موقعه فما ينفك يحذُدي مل نارين همهتلت نأ ىلإ رذنيو رّر في َ‬
‫هكذا توهُم ةيبلس اهنإ ‪.‬مّطٍعلّ ال تزيده المعرفة والوعي بما يدور حول‪00‬ه إال جبن‪00‬ا‪ .‬يُقاس‪00‬م‬
‫‪0‬إن‬‫‪0‬ية‪ ،‬ف‪0‬‬ ‫منصور جابر المنزلةَ نفسَها‪ ،‬غير أنهما مختلفان في التعاطي مع األزمات السياس‪0‬‬
‫‪0‬رق في‬ ‫يكن األول بنبرته التفجعية ورؤياه الكارثية جادا متصلبا في جديته‪ ،‬فإنّ جابر الهٍ مغ‪0‬‬
‫‪0‬اب‬‫‪0‬ول بالخط‪0‬‬ ‫لهوه لذلك ترى خطابه هزليا يغلب عليه التهكم؛ ويتجلى هذا األمر عندما يتح‪0‬‬
‫‪0‬وزير‪:‬‬ ‫‪0‬ب ال‪0‬‬‫‪0‬أ غض‪0‬‬ ‫‪0‬ا على نب‪0‬‬ ‫‪0‬ول تعليق‪0‬‬ ‫‪0‬ف فيق‪0‬‬‫‪0‬ي الطري‪0‬‬‫من السياسي العنيف إلى الجنس‪0‬‬
‫ﺟﺎﺑﺮ ‪ 0:‬أﻋﺮف‪ 0‬أﻧﻪ ﻣﺘﻜﺪر‪ 0‬اﻟﻤﺰاج‪ 0. 0‬وأن‪ 0‬اﻟﺤﻆ ﯾﺒﺘﺴﻢ ﻟﺠﺎرﯾﺘﻪ ﺷﻤﺲ اﻟﻨﻬﺎر‪. 0‬‬
‫‪ 0‬ﯾﺒﺘﺴﻢ اﻟﺤﻆ ﻟﺠﺎرﯾﺘﻪ ﺷﻤﺲ اﻟﻨﻬﺎر‪ 00‬؟‪.‬‬ ‫‪ 0‬وﻟﻤﺎذا‪0‬‬ ‫ﻣﻨﺼﻮر‪0: 00‬‬
‫ﺟﺎﺑﺮ ‪ ) :‬ﻫﺎﻣﺴﺎ ﻓﻲ أذﻧﻪ ‪ ،‬وﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﺗﺘﺨﺎﯾﻞ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﺨﺒﺚ ‪(.‬ﻷن ﺳﯿﺪﻧﺎ اﻟﻮزﯾﺮ ﻻ‬
‫‪ 0‬ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺴﺘﺼﺒﺢ ﺷﻤﺲ اﻟﻨﻬﺎر‬ ‫‪ 0‬ﻟﻮ اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺤﺎل‬ ‫‪ 0‬ﻣﺰاﺟﻪ ‪.‬‬‫ﯾﺸﺒﻊ ﻣﻦ وﺻﺎﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺘﻜﺪر‬
‫‪.‬ص‪199 .‬‬ ‫اﻟﻘﺼﺮ‬ ‫ﻫﺬا‪000‬‬ ‫ﻓﻲ‬ ‫ﺷﻲء‪000‬‬ ‫ﻛﻞ‬ ‫ﺳﯿﺪة‪000‬‬
‫بل إنه يتمادى في استهتاره باألزمة المطلة برأسها من قصريْ الوزير والخليفة ليختزلها في‬
‫ره‪0000‬ان‪ ،‬يق‪0000‬ول س‪0000‬اعيا إلى إخ‪0000‬راج ص‪0000‬احبه من جديت‪0000‬ه‪:‬‬
‫ﺟﺎﺑﺮ ‪ :‬اﻟﺨﻼﻓﺔ واﻟﻮزارة ﻣﻌﺎ‪ .‬اﻟﻮﺟﻪ اﻷول ﯾﻤﺜﻞ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ‪ ،‬واﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﯾﻤﺜﻞ اﻟﻮزﯾﺮ ‪،‬‬
‫‪ 0‬وﯾﺨﻔﯿﻪ‬ ‫‪ 0‬ﯾﺮﻣﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﻮ ﺛﻢ ﯾﻠﺘﻘﻄﻪ‪،‬‬ ‫‪ 0‬ﻓﻠﻨﺘﺮاﻫﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺳﺐ )‬ ‫‪،0‬‬‫‪ 0‬اﻟﻘﺮش‬‫ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا‬
‫‪ 0‬ﯾﺎ‬ ‫‪ 0‬اﻟﻮزﯾﺮ ؟‬ ‫‪ 0‬اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ أم‬ ‫‪ 0‬اﻟﺜﺎﻧﻲ ؟‬‫‪ 0‬أم‬‫‪ 0‬اﻟﻮﺟﻪ اﻷول‬
‫‪ 0‬أﯾﻬﻤﺎ ﺗﺨﺘﺎر‬ ‫ﺑﯿﻦ راﺣﺘﻰ ﯾﺪﯾﻪ (‬
‫اﷲ ‪ ...‬اﺧﺘﺮ أﺣﺪ اﻟﻮﺟﻬﯿﯿﻦ ﻛﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﺮش ‪ ،‬اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ أم اﻟﻮزﯾﺮ ؟ ‪203‬‬
‫يشحن الحوار واإلشارة الركحية بوظيفتها الحركية النفسية المشهد بنَفَس احتفالي فولكلوري‬
‫يجسد موقف جابر ورؤيته الكرنفالية المفعمة سخرية وترفعا؛ ذلك أنه ال ينظ‪00‬ر إال إلى م‪00‬ا‬
‫يمكن كسبه جرّاء الخالف بين رأسيْ السلطة في بغداد‪ .‬وعلى هذا السمت يمسي اختالفهما‪،‬‬
‫أقصد المملوكيْن‪ ،‬وجها من وجوه االختالف في الطبائع‪ .‬إن جابر مسكون بحلم؛ فهو غ‪00‬ير‬
‫راض عن واقعه يحدوه طموح إلى االرتقاء من منزلته إلى أخرى يكون فيها ذا مال وج‪00‬اه‪.‬‬
‫والسبيل األمثل في نظره للتمكن مما يريده إنما هو قنص الفرص‪ ،‬وإعمال كل وسيلةٍ تُحقق‬
‫غايته‪ .‬إن الممارسة السياسية لديه مجرد مقامرة ال تقتضي من المرء إال الجرأة واالنغماس‬
‫‪0‬تين في‬ ‫‪0‬تين متعارض‪0‬‬ ‫في المغامرة بما فيها من مخاطر‪ .‬هكذا يضع النص المشاهد أمام رؤي‪0‬‬
‫صلتهما بالخالف السياسي‪ :‬رؤية كارثية سكونية وأخرى كرنفالية ساخرة؛ والنص وهو يقدّ‬
‫‪0‬ان إلى‬ ‫‪0‬ة الره‪0‬‬ ‫الفعل الدرامي وينميه يرمي إلى اختبار الرؤيتين عمليا‪ .‬يشير جابر في نهاي‪0‬‬
‫غم‪00‬وض النت‪00‬ائج فيق‪00‬ول منك‪00‬را على ص‪00‬احبه منص‪00‬ور انس‪00‬حابه من المراهن‪00‬ة‪:‬‬
‫‪ 0‬ﻓﯿﻠﺘﻔﺖ ﺟﺎﺑﺮ‬ ‫‪ 0‬وﻻ ﯾﺠﯿﺒﻪ ‪،‬‬ ‫‪ 0‬ﯾﺒﺘﻌﺪ ﻣﻨﺼﻮر‬ ‫‪ 0‬ﻓﻠﻢ ﺗﻔﺴﺪ ﻟﻌﺒﺘﻨﺎ )‬
‫‪ 0‬واﺣﺪ ‪.‬‬‫‪ 0‬ﺑﻘﻲ ﺷﻮط‬ ‫ﺟﺎﺑﺮ ‪:‬‬
‫‪ 0‬ﯾﻨﺸﺐ‬ ‫‪ 0‬ﻓﻘﻂ ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﻌﻨﯿﻪ ﻓﻲ ﺧﻼف‬ ‫‪ 0‬ﻟﻮ أﻋﺮف‬ ‫‪(0‬‬ ‫‪ 0‬ﻟﻼﻧﺴﺤﺎب‬‫ﺻﻮب اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ ﻣﺘﺄﻫﺒﺎ ﺑﺪوره‬
‫‪ 0‬ص‪.206.‬‬ ‫‪ 0‬ﯾﻬﺰ ﻛﺘﻔﯿﻪ وﯾﻤﻀﻰ(‪0‬‬ ‫ﺑﯿﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ واﻟﻮزﯾﺮ )‪0‬‬
‫‪0‬ذين‬ ‫‪0‬رف من ه‪0‬‬ ‫‪0‬ل ط‪0‬‬ ‫والشوط المقصود إنما هو الثالث في القرعة بين الوزير والخليفة‪ ،‬فك‪0‬‬
‫الطرفين ربح شوطا (بميل القرش إليه) فيتحقق حينئذ التوازن‪ ،‬فهما متكافئان في القوة وال‬
‫‪0‬دء‬ ‫‪0‬ك تعلن عن ب‪0‬‬ ‫يمكن أن يحسم النزاع بينهما سوى ميدان المعركة‪ :‬بغداد‪ .‬إشارة جابر تل‪0‬‬
‫الصراع على نحو استعاري‪ ،‬فالقرش – وسيلة الرهان – بوجهيه المتالحمين يكثف الدول‪00‬ة‬
‫‪0‬ومئ إلى‬ ‫‪0‬ه ي‪0‬‬‫‪0‬ه في اآلن نفس‪0‬‬ ‫ويكشف عن التماثل بين طرفي النزاع‪ ،‬الوزير والخليفة‪ ،‬لكن‪0‬‬
‫استحالة الفصل بينهما إال إذا انهارت الدولة انهيارا شامال‪ .‬بعبارة أخرى إن "انتصار" طرف‬
‫هزيمة ألن سقوط أحد المتنازعين على السلطة يؤدي آليا إلى سقوط األخر؛ فالمسألة ال صلة‬
‫‪ 0‬وإنما النظام القائم برمته‪ .‬والمملوك جابر يدرك أنه ليس تابعا لفرد وزيرا كان‬ ‫لها باألفراد‪،‬‬
‫أم خليفة إنما تبعيته لنظام سياسي توهم – مثل جل الشخصيات – أنه جوهر باق وإن تغ‪00‬ير‬
‫‪0‬رطه‬ ‫األشخاص‪ .‬لذلك ال يرى في الكوارث وما تخلفه من فوضى إال سلما للصعود وتغيير ش‪0‬‬
‫‪0‬ذا‬
‫‪0‬رض ه‪0‬‬ ‫‪0‬ر‪ .‬يع‪0‬‬ ‫االجتماعي‪ .‬ذاك ما ينبئ به ظهوره الثاني رفقة المملوكين منصور وياس‪0‬‬
‫المشهد موقف الوزير‪ ،‬الطرف اآلخر في الصراع‪ ،‬ورده على تصعيد الخليف‪00‬ة المتمث‪00‬ل في‬
‫تطويق بغداد وسد منافذها‪ .‬يحمل ياسر أنباء عن مزاج الوزير وبلوغ التشنج أقصاه‪ ،‬ويعلل‬
‫ذل‪00‬ك بعج‪00‬زه عن تحقي‪00‬ق برنامج‪00‬ه أم‪00‬ام حرك‪00‬ة الخليف‪00‬ة االس‪00‬تباقية‪ .‬يق‪00‬ول‪:‬‬
‫‪ 0‬ﻫﻮ أن‬ ‫‪ 0‬ﻛﻞ ﻣﺎ أﺳﺘﻄﯿﻊ تأكيدها‬ ‫‪... 0‬‬
‫‪ 0‬راﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج‬ ‫‪ 0‬رﺳﺎﻟﺔ ﺗﺤﻮم‬ ‫‪ 0‬هﻨﺎك‬
‫‪... 0‬‬‫ﯾﺎﺳﺮ ‪:‬‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻫﺎﻣﺔ وﺧﻄﯿﺮة ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ‪ ،‬ﻛﺎد اﻟﻮزﯾﺮ أن ﯾﺼﺎب ﺑﺎﻟﻔﺎﻟﺞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﺈﺟﺮاءات‬
‫‪ 0‬اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ‪.‬ص‪.‬ص‪.‬‬ ‫‪ 0‬هذه‬
‫‪ 0‬ﺷﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ وﺻﻮل‬ ‫‪ 0‬ﻻ ﺷﻚ أﻧﻪ ﯾﻌﻄﻲ أي‬ ‫ﻣﻮﻻﻧﺎ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ‪،‬‬
‫‪224-223‬‬
‫وعلى الرغم مما يكتنف الرسالة من غموض يرفع درجة التشويق‪ ،‬إال أن إيرادها في ه‪00‬ذه‬
‫‪ 0‬الوزير؛ فإذا‬
‫المرحلة وموقعها من الحبكة الدرامية يبرهنان على أنها تحمل في طياتها قرار‬
‫‪0‬ارج‪.‬‬‫‪0‬ع الخ‪0‬‬‫‪0‬ل م‪0‬‬ ‫كانت أدوات الخليفة أجهزة الدولة وأعوانه‪ ،‬فإن سبيل الوزير هو التواص‪0‬‬
‫‪0‬و‬ ‫‪0‬بيله نح‪0‬‬‫‪0‬ذ س‪0‬‬ ‫وبذلك فإنه يرد على تصعيد بمثله ليشتعل فتيل الصراع بين الطرفين ويأخ‪0‬‬
‫ذروته‪ .‬وما كان له أن يتصاعد لوال تحولٌ يطرأ على شخصية جابر؛ فبعد أن يلتق‪00‬ط النب‪00‬أ‬
‫‪0‬راط في‬ ‫تتيقظ حواسه ومشاعره وتتكثف طاقاته الذهنية ليتخذ قرارا مصيريا يتمثل في االنخ‪0‬‬
‫الص‪0000‬راع‪ ،‬بوص‪0000‬فه عنص‪0000‬را مس‪0000‬اعدا لل‪0000‬وزير وأداة من أدوات‪0000‬ه‪.‬‬
‫‪ 0‬ﻗﺪ ﻧﻘﺒﺾ‬ ‫‪ 0‬أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ ‪..‬‬
‫‪.0‬‬‫‪ 0‬ﺳﺄﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻹﻟﻬﺎم ﯾﺎ ﻣﻨﺼﻮر إﻧﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﯿﻪ اﻵن‬ ‫ﺟﺎﺑﺮ ‪:‬‬
‫‪ 0‬ﻓﻠﻦ ﺗﻀﯿﻊ اﻟﻔﺮﺻﺔ ‪225 .‬‬ ‫‪.. 0‬‬
‫‪ 0‬اﻵن‬‫‪ 0‬ﻛﻤﺎ هي‬ ‫‪ 0‬رأﺳﻲ ملتهبة‬ ‫‪ 0‬ظلت‬‫‪ 0‬إذا‬
‫‪.0‬‬‫‪ 0‬ندفع‬
‫‪ 0‬ﻣﻦ أن‬‫ﺑﺪال‬
‫يبتني على ذلك أن مدار الحبكة الرئيسية في المسرحية الداخلية هو الص‪00‬راع بين الخليف‪00‬ة‬
‫ووزيره‪ ،‬وما مغامرة المملوك جابر إال برنامجا أداتيا مساعدا؛ ولعل رهان جابر في مرحل‪00‬ة‬
‫‪0‬ل‬‫االستهالل يضيء هذا الجانب‪ ،‬فهو يشير إلى أن القرعة تفتقر إلى شوط ثالث ح‪0‬تى يكتم‪0‬‬
‫الرهان وندرك وإياه مصير النزاع بين الطرفين‪ .‬هذا الشوط الغائب ليس س‪00‬وى المغ‪00‬امرة‬
‫ذاتها؛ فجابر بتورطه في الصراع يساهم في ملء ذاك الفراغ األوّليّ بموجب دوره الحاس‪00‬م‬
‫كما سيتضح في المشاهد الالحقة‪ .‬يحتد التوتر وتتعقد األزمة معلنة احتدام الصراع واتخ‪00‬اذه‬
‫منعرج‪000‬ا خط‪000‬يرا حين يعق‪000‬د الممل‪000‬وك ص‪000‬فقة م‪000‬ع مالك‪000‬ه ال‪000‬وزير‪.‬‬
‫ﺟﺎﺑﺮ ‪ 0:‬أﯾﻤﻦّ‪ 0‬ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪ ﺑﻤﺮﻛﺰ ﯾﺮﻓﻌﻪ ﻣﻦ ﺿﻌﺘﻪ ؟‪. 0‬‬
‫اﻟﻮزﯾﺮ ‪ :‬أﻋﻄﯿﻚ ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪ ﻟﻮ ﺑﻠﻐﺖ رﺳﺎﻟﺘﻲ ‪. ..‬‬
‫ﺟﺎﺑﺮ ‪ 0:‬وﯾﻜﺮﻣﻨﻲ ﻓﯿﺰوﺟﻨﻲ زﻣﺮد‪ 0‬ﺧﺎدﻣﺔ ﺳﯿﺪﺗﻲ ﺷﻤﺲ اﻟﻨﻬﺎر‪ 0‬؟‪. 0‬‬
‫اﻟﻮزﯾﺮ ‪ ) :‬ﻧﺎﻓﺬ اﻟﺼﺒﺮ ( ﻫﻲ ﻟﻚ ‪ ..‬وﻓﻮﻗﻬﺎ ﻣﺎل ﻛﺜﯿﺮ ‪ ،‬وﻟﻜﻦ أرﻧﺎ أوﻻً ﺗﺪﺑﯿﺮك‬
‫ﺟﺎﺑﺮ ‪( :‬ﯾﻨﺤﻨﻲ ﻣﻘﺘﺮﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﻮزﯾﺮ ‪ ..‬ﻟﻬﺠﺔ ﺑﻄﯿﺌﺔ ﻣﻊ ﺗﺸﺪﯾﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻠﻤﺎت ( إﻧﻲ أﻫﺒﻚ‬
‫رأﺳﻲ ﯾﺎ ﻣﻮﻻي ‪235‬‬
‫ثم يبس‪000000000‬ط أمام‪000000000‬ه تفاص‪000000000‬يل الخط‪000000000‬ة‪:‬‬
‫ﺟﺎﺑﺮ ‪ :‬إذن إﻟﯿﻜﻢ اﻟﺘﺪﺑﯿﺮ ‪ ..‬ﻧﻨﺎدي اﻟﺤﻼق ‪ ،‬ﻓﯿﺤﻠﻖ ﺷﻌﺮي ‪ ،‬وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺼﺒﺢ ﺟﻠﺪ اﻟﺮأس‬
‫‪ 0‬ﺛﻢ ﻧﻨﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ‬ ‫‪ 0‬ﯾﻜﺘﺐ ﺳﯿﺪﻧﺎ اﻟﻮزﯾﺮ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻋﻠﯿﻪ ‪.‬‬ ‫ﻧﺎﻋﻤﺎ ﻛﺨﺪ ﺟﺎرﯾﺔ ﺟﻤﯿﻠﺔ ‪،‬‬
‫‪236. 0‬‬ ‫‪ 0‬ﻓﺄﺧﺮج‪ 00‬ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد‪ 00‬ﺑﺴﻼم‪0. 00‬‬ ‫ﯾﻨﻤﻮ اﻟﺸﻌﺮ وﯾﻄﻮل‪0‬‬
‫ليعلن ال‪00000000000000000000‬وزير ف‪00000000000000000000‬وزه‬
‫اﻟﻮزﯾﺮ ‪ :‬ﻛﺴﺒﻮا ﻧﻘﻄﺔ ‪ ..‬رﺑﻤﺎ ‪ ..‬وﻟﻜﻦ ﻫﺎ أﻧﺬا أﻛﺴﺐ اﻟﺠﻮﻟﺔ ‪ .‬ﺗﺴﻠﻤﻨﺎ اﻟﻤﺒﺎدرة ﻣﻨﻬﻢ‪،‬‬
‫وإﻧﻲ أﻣﺴﻚ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ وأﺧﺎه ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻲ ‪ ..‬وﺳﺄﻋﺼﺮﻫﻤﺎ ‪ ) ..‬يش‪00‬د ﻗﺒﻀﺘﻪ ( ﺣﺘﻰ ﯾﺼﺒﺤﺎ‬
‫ﻋﺠﯿﻨﺎ ﻓﺎﺳﺪا‪ 0. 0‬ﺳﺘﻜﻮن‪ 0‬اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة‪ 0‬كبيرة‪ 0‬هذا‪ 0‬المساء‪ 0...‬لنتابع‪ 0‬الخطة‪238 . 0. 0‬‬
‫ويمر فورا إلى اإلنجاز‪ .‬إن وتيرة الفعل الدرامي السريعة والرفع من درجة االنفعال ينبئ‪00‬ان‬
‫بخطورة الرسالة رغم أنها تظل طي الكتمان حتى نهاية جابر؛ وتحول هذا المملوك من طور‬
‫‪0‬عية‬‫‪0‬ف بالوض‪0‬‬ ‫‪0‬ذي يعص‪0‬‬ ‫‪0‬و ال‪0‬‬‫"الحياد" البارد إلى االنحياز الكلي لطرف على حساب آخر ه‪0‬‬
‫‪0‬يري ال‬‫‪0‬راره المص‪0‬‬ ‫‪0‬ابر ق‪0‬‬
‫المتوترة األساسية ليشهد الصراع تصاعدا نحو ذروته‪ .‬واتخاذ ج‪0‬‬
‫يعتبره موقفا سياسيا‪ ،‬بل مجرد فرصة تسمح بصفقة تخلصه من العبودية والفقر والحرمان‪.‬‬
‫‪0‬حيفة‪:‬‬ ‫‪0‬ه – الص‪0‬‬ ‫‪0‬واة رأس‪0‬‬ ‫‪0‬عره على ش‪0‬‬ ‫‪0‬و ش‪0‬‬ ‫ذاك ما يصرح به لزمرد في أثناء انتظار نم‪0‬‬
‫زﻣﺮد ‪ :‬إﻧﻲ ﺧﺎﺋﻔﺔ ﯾﺎ ﺟﺎﺑﺮ ﻻ ﺑﺪ أﻧﻬﺎ ﺧﻄﯿﺮة ‪ ،‬وﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻤﺲ ﻣﻮﻻﻧﺎ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ‪ .‬ﻟﻮ ﻋﻠﻢ‬
‫أﺣﺪ ‪. .‬‬
‫ﺟﺎﺑﺮ ‪ 00:‬وﺗﺸﻐﻠﯿﻦ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺎﻟﺨﻠﯿﻔﺔ واﻟﻮزﯾﺮ !‪ 00‬ﻓﺨﺎر‬
‫‪ 0‬وﺟﺪت‬ ‫‪ 0‬ﻓﺠﺄة‬
‫‪ 0‬ﺗﺼﻮري‬ ‫‪ 0‬ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ أﻫﻢ‪.‬‬
‫ﯾﻜﺴًﻀﯾأ ﻢﻬﻣﻮﻤﻫ ﻞﻤﺤﻧ ﻦﻟ ‪ .‬دﺮﻣز ﺎﯾ ﻪﻀﻌﺑ ﺮّ ﺎ ‪.‬‬
‫أﻣﺎﻣﻲ ﻓﺮﺻﺔ ﻋﻤﺮي ‪ ،‬ﻓﻬﻞ أﺗﺮﻛﻬﺎ ! أﻛﻮن ﻣﺠﻨﻮﻧًﺎ ﻟﻮ ﻟﻢ أﺛﺐ ﻋﻠﯿﻬﺎ ‪ ،‬ﻛﻞ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ‬
‫اﻟﻔﺸﻞ واﻟﻨﺠﺎح ‪ ،‬ﻫﻮ أن ﯾﻌﺮف اﻟﻤﺮء ﻛﯿﻒ ﯾﻨﻘﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮﺻﺔ‪ ..‬ﻻ‪ ..‬ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻲ ‪.‬‬
‫اﻟﻤﻬﻤﺔ ﺳﻬﻠﺔ وﻻ ﻣﺒﺮر ﻟﻠﻘﻠﻖ‪ ..‬ﺳﺄﻋﻮد ‪..‬وﺳﺘﻜﻮن أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻛﻞ اﻷﯾﺎم ‪ ،‬أﯾﺎم ﺣﺎﻓﻠﺔ‬
‫وﺑﻬﯿﺠﻪ ‪. .‬‬
‫زﻣﺮد ‪ :‬أواﺛﻖ ﺣﻘًﺎ أﻧﻪ ﻻ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﯿﻚ ؟‪!.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪000.‬‬ ‫ﻓﻘﻂ‬ ‫واﺣﺪ‬ ‫ﺧﻄﺮ‬ ‫ﻫﻨﺎك‪000‬‬ ‫‪000:‬‬ ‫ﺟﺎﺑﺮ‬
‫زﻣﺮد ‪ ) :‬ﺑﻠﻬﻔﺔ وﺟﺪﯾﺔ ( ﻣﺎ ﻫﻮ ؟ ‪.‬‬
‫‪ 0‬ﻓﺴﯿﻜﺘﺸﻒ‬ ‫‪ 0‬ﻟﻮ ﻓﻌﻠﺖ ‪.‬‬
‫‪ 0‬اﻟﻘﺼﺮ ‪.‬‬
‫‪ 0‬ﺗﺒﺎﻟﻐﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﺜﻨﻲ ﺣﯿﻦ ﺗﺴﯿﺮﯾﻦ ﻓﻲ أرﺟﺎء‬ ‫‪ 0‬أن‬
‫ﺟﺎﺑﺮ ‪:‬‬
‫اﻟﻮزﯾﺮ ﻧﻔﺴﻪ أن ﻟﻚ أﻟﯿﺘﯿﻦ ﺗﺘﻼﺣﻖ ﻟﻬﺎ اﻷﻧﻔﺎس ﻛﺄﻧﻲ أراه ‪ ..‬ﺳﯿﺘﻨﺎول ﻧﺸﻮﻗﻪ ‪،‬‬
‫وﯾﺴﻮﻗﻚ إﻟﻰ ﻣﺨﺪﻋﻪ ‪ ،‬ﺣﯿﻨﺌﺬ ﻟﻦ ﯾﺒﻘﻲ ﻟﻠﻤﺴﻜﯿﻦ ﺟﺎﺑﺮ أن ﯾﻤﻮت ﻛﻤﺪا ‪. .‬‬
‫زﻣﺮد ‪ ) :‬ﺑﺎﺳﻤﺔ ( ﻣﺘﻰ ﺗﺘﻌﻠﻢ اﻟﺤﺸﻤﺔ ! ‪260-259.‬‬

‫‪0‬ع‬‫‪0‬ه إال النف‪0‬‬


‫‪0‬لوكه وعالقات‪0‬‬‫إن جابر كما تلوح صورته في المسرحية ليس له معيار يحدد س‪0‬‬
‫المباشر‪ ،‬فهو ال يخدم الوزير تأييدا أو تعاطفا‪ ،‬كما أنه ال يعين على الخليفة تمردا أو عداوة‪،‬‬
‫‪0‬ية‬
‫‪0‬ا هي عرض‪0‬‬ ‫‪0‬فة بم‪0‬‬
‫إذ هما في عرفه متماثالن في النوع والوظيفة ال يفرقهما سوى الص‪0‬‬
‫‪0‬رر‬‫إضافية‪ .‬إنهما في نهاية المطاف وسيلته لتسلق السُّلَّم االجتماعي من أجل الصعود والتح‪0‬‬
‫‪0‬ل‬‫‪0‬ة الفع‪0‬‬ ‫‪0‬ه فرص‪0‬‬ ‫‪0‬اس أتيحت ل‪0‬‬ ‫من أغالل التفقير والتهميش‪ .‬إن اختيار جابر عينة من الن‪0‬‬
‫والتأثير في الوضع السياسي فخص بها نفسه مستعمال أدوات النظام الفاسد ل‪00‬دليل على أن‬
‫النص الدرامي يعمل على تعرية الواقع بإزالة قشور الخوف والرهبة والوصول إلى جوهره؛‬
‫‪0‬يد‬
‫‪0‬فقة إال تجس‪0‬‬ ‫لقد سبقت اإلشارة إلى الصفقة المبرمة بين المملوك والوزير‪ ،‬وما تلك الص‪0‬‬
‫مادي للعالقة الزبونية ‪ clientélisme‬المتغلغلة في النظام السياسي‪ ،‬وهي ظاهرة لص‪00‬يقة‬
‫بالفساد بما أنها تقوم بين طرفين غير متكافئين فتخلط بين المنفع‪00‬ة الخاص‪00‬ة والمص‪00‬لحة‬
‫العامة‪ .‬وجابر انطالقا من منزلته االجتماعية‪ ،‬كونه مملوكا ال صلة تربطه باألسر والعائالت‬
‫في بغداد‪ ،‬يعتقد أنه في حل من التزاماته نحو المجتمع‪ .‬لذلك يركب هواه ويُعرض صفحا عن‬
‫هموم الناس وشواغلهم ليقدم بطال زائفا سلبيا يخوض مغامرته وهو على يقين من العالق‪00‬ة‬
‫‪ 0‬هكذا تتش‪00‬ابك – في مرحل‪00‬ة‬ ‫اآللية بين نجاحه في المهمة المنوطة به وبين تحقيق أهدافه‪.‬‬
‫التعقيد هذه – الحبكتان‪ :‬الصراع بين الوزير والخليفة‪ ،‬وصراع جابر ضد شرطه االجتماعي؛‬
‫ليرفع النص من درجة التشويق‪ ،‬ويسرّع في وتيرة الفعل دون تراخ بانتقال المملوك ج‪00‬ابر‬
‫من غرفة األحالم بقصر الوزير إلى غرفة اإلعدام بقصر الملك منكتم‪ .‬تزخر المشاهد التالي‪0‬ة‬
‫بالحركة‪ ،‬ويتلون فيها اإليقاع متخذا وتائر مختلفة سواء أكان على المس‪00‬توى الجس‪00‬دي أم‬
‫على المستوى النفسي‪ ،‬وهذا من شأنه أن يمنح العرض ثراء ويوفر للجمهور الفرجة‪ .‬فمن‬
‫‪0‬ذه‬‫‪0‬ور ه‪0‬‬ ‫‪0‬اء ليص‪0‬‬ ‫غرفته يطير جابر على جواد يطوي األرض طيا‪ ،‬ويلجأ ونوس إلى اإليم‪0‬‬
‫الحركة في المكان‪ ،‬حتى يلج قصر ملك العجم ثم غرفة الجالد لهب‪ ،‬وهي مثواه األخير‪ .‬وفي‬
‫األثناء يقف المتلقي عند ذروتين‪ :‬أما األولى فتمثل الصراع األساسي عندما ينجح ج‪00‬ابر في‬
‫‪ 0‬الفوري بمهاجمة بغداد‪ ،‬ومن ثمة يشهد الفعل ال‪00‬درامي‬ ‫إيصال الرسالة‪ ،‬ليتخذ الملك قراره‬
‫‪0‬ل‬‫‪0‬ه والتمثي‪0‬‬‫‪0‬وك بموت‪0‬‬‫‪ 0‬حادا نحو الفاجعة‪ .‬وأما الثانية فتمثل المغامرة وهزيمة الممل‪0‬‬
‫انحدارا‬
‫برأسه‪ ،‬رغم محاولته النجاة؛ وهي محاولة عبثية ألن صاحبها لم يدرك – أو لعل‪00‬ه فهم؟ ‪-‬‬
‫‪0‬ائم على‬ ‫‪0‬ي الق‪0‬‬‫‪0‬ام السياس‪0‬‬‫‪0‬يه النظ‪0‬‬‫أن النجاح في المهمة ال يتم إال بإقصائه‪ :‬ذاك ما يقتض‪0‬‬
‫المقامرة والرهان‪ .‬إن رغبة جابر في تغيير واقعه تصطدم بأطراف أقوى منه؛ فخطؤه يتمثل‬
‫في اختزاله الصفقة بينه وبين الوزير في تبادل المصالح على نط‪00‬اق شخص‪00‬ي‪ ،‬ذاهال عن‬
‫‪0‬ون‬ ‫‪0‬أ لن يك‪0‬‬
‫‪0‬ادية‪ .‬لكن الخط‪0‬‬‫جوهر تلك الصفقة‪ ،‬فهي سياسية وليست مجرد مقايضة اقتص‪0‬‬
‫‪0‬رحية‪.‬‬ ‫‪0‬ة المس‪0‬‬‫الجزاء عنه فرديا‪ ،‬بل شامال‪ .‬وذاك ما يصوره مصير بغداد الكارثي في نهاي‪0‬‬
‫وما استمرار الحكواتي في سرد ما حل ببغداد خالل هجوم األعاجم إال برهان على أن مغامرة‬
‫‪0‬عد اهلل‬
‫‪0‬ظ س‪0‬‬ ‫المملوك جابر برأسه حبكة تابعة‪ ،‬فهي أداة من أدوات الصراع األساسي‪ .‬يحاف‪0‬‬
‫ونوس على نهاية جابر كما أوردتها السيرة الشعبية‪ ،‬بيد أن إعادة بناء الشخصية وإكسابها‬
‫‪0‬المة في‬ ‫‪0‬ان والس‪0‬‬ ‫‪0‬د األم‪0‬‬
‫أبعادا نفسية واجتماعية يحولها من شهيد إلى شاهد على من يج‪0‬‬
‫البحث عن الخالص الفردي فيخطئ في تحالفاته؛ ويغفل عن كون فخار الطبق‪00‬ة المهيمن‪00‬ة‬
‫(الذي يكسّر بعضه) هو من طينة الناس‪ .‬تصور المسرحية صدمة زبائن المقهى‪ ،‬الجمه‪00‬ور‬
‫االفتراضي‪ ،‬وخيبتهم لحظة فصل لهب رأس جابر عن جسده؛ رد الفعل هذا دليل على تعاطف‬
‫الزبائن مع شخصية جابر‪ ،‬وبرهان على أنهم اختلقوا أفق انتظار يعيد إنتاج أبطال الخرافات‬
‫والحكايات الشعبية‪ .‬وال يرون أنّ تحقيق رغبته وإشباع حاجته هما في اآلن نفس‪00‬ه نج‪00‬اح‬
‫‪0‬ور وبين‬ ‫‪0‬دة بين الجمه‪0‬‬ ‫للوزير في سعيه إلى تدمير البالد‪ .‬لذلك يحرص ونوس على المباع‪0‬‬
‫‪0‬ا‬
‫‪0‬ا وتنظيمه‪0‬‬ ‫‪0‬د نظمه‪0‬‬ ‫‪0‬اهد ويعي‪0‬‬‫الشخصية عبر مسافة تحفظ للمتفرج عقال يقظا يفكك المش‪0‬‬
‫ليؤسس وعيا سياسيا يعمق فهمه للواقع ويقنع بضرورة تغييره لصالح الطبقات المض ‪0‬طَهَدة‬
‫‪0‬درامي‬ ‫‪0‬ل ال‪0‬‬‫المحرومة‪ ،‬ذاك ما يصطلح عليه بالتغريب آلية فنية وموقفا إيديولوجيا من الفع‪0‬‬
‫وأدوات‪000000000000000000000000000000000000000000000‬ه‪.‬‬
‫‪0‬ير‬‫‪0‬أثورة عن التنظ‪0‬‬ ‫‪0‬وابطها الم‪0‬‬
‫إن تفعيل آلية التغريب أو المباعدة يعدِل بالمسرحية عن ض‪0‬‬
‫األرسطي‪ ،‬لترد مقطّعة متشظية تسودها انقطاعات تلوح بين الفينة واألخرى‪ ،‬فإذا بحبكته‪00‬ا‬
‫تحيد عن صراطها المستقيم نحو منحنيات وتعرجات نتيجة تزاحم األصوات وتعددها فيه‪00‬ا‪.‬‬
‫‪0‬ه‬‫‪0‬ط ب‪0‬‬‫ويمكن تقسيم األصوات المتنازعة إلى أربعة‪ :‬أما األول فيتمثل في الحكواتي‪ ،‬وقد أني‪0‬‬
‫توجيه دفة السرد السيما وأنه إطار المسرحية وعنوان الملحمية فيها‪ .‬وأما الثاني فيتمثل في‬
‫المؤلف المسرحي عبر إشاراته الركحية الموجهة للفعل المسرحي‪ .‬وأما الثالث فيتمث‪00‬ل في‬
‫الممثلين وهم بصدد لعب أدوار مختلفة فيقفزون من دور إلى آخر وال ي‪00‬نزعون قناع‪00‬ا إال‬
‫ليرتدوا قناعا مغايرا‪ .‬وأما الرابع فيتمثل في زبائن المقهى‪ ،‬وهم جمهور الحك‪00‬واتي‪ ،‬لكن‪00‬ه‬
‫‪0‬رحية‬ ‫‪0‬ل المس‪0‬‬ ‫جمهور مشاغب مشاكس ال يكف عن التدخل في مسار المغامرة‪ .‬ذاك ما يجع‪0‬‬
‫تتضاعف لتضحي مغامرة جابر مسرحية داخل أخرى دون أن يعني ذلك اس‪00‬تقاللها‪ .‬ف‪00‬إلى‬
‫جانب تحكم العم مؤنس الحكواتي في مفاصل المغامرة ووتيرته‪00‬ا‪ ،‬تقتحم أص‪00‬وات زب‪00‬ائن‬
‫‪0‬اهر‬ ‫‪0‬يرة الظ‪0‬‬‫‪0‬ماع س‪0‬‬ ‫المقهى مشاهد المسرحية كلها أو تكاد؛ بدءا بتعبيرهم عن لهفتهم لس‪0‬‬
‫بيبرس وحاجتهم إليها في هذا الزمن الرديء‪ ،‬وانتهاءً بحكمهم على حكاية جابر بعد تمامها‪.‬‬
‫ففي المشهد األول‪ ،‬الموقف الثاني ‪-‬أعني بعد دخول العم مؤنس المقهى – تجتم‪00‬ع كلم‪00‬ة‬
‫الزبائن حول رغبتهم في حكاية تص‪00‬ور "أﯾﺎم اﻟﺒﻄﻮﻻت واﻻﻧﺘﺼﺎرات " و"أﯾﺎم اﻷﻣﺎن وﻋﺰ‬
‫اﻟﻨﺎس وازدﻫﺎر أﺣﻮاﻟﻬﺎ ‪".‬ص‪ 193.‬لتخفف عنهم وطأة واقعهم‪ .‬ورغم انصياعهم لما أق‪00‬ره‬
‫‪0‬هد‬‫‪0‬برون في المش‪0‬‬ ‫‪0‬ة‪ ،‬ويع‪0‬‬‫الحكواتي وتسليمهم له‪ ،‬فإنهم ال يستسيغون نهاية جابر الدموي‪0‬‬
‫األخير عن خيبتهم ألن الحكاية " ﻗﺎﺗﻤﺔ ﻛﺤﻜﺎﯾﺔ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ‪".‬ص‪ 283.‬لم تثمر في النف‪00‬وس‬
‫سوى االكتئاب والحزن‪ .‬بين هذين الحدين تتسع مساحة ت‪00‬دخالت الزب‪00‬ائن ت‪00‬ارة وتتقلص‬
‫أخرى‪ ،‬وتتنوع األقوال إنشاء وخبرا‪ ،‬ووظائفها التداولية فمنها السجال والتعليق والتوجي‪00‬ه‬
‫والتنظيم والمراهنة والتهكم والحث والتعاطف‪ ...‬تنشئ هذه األقوال فجوات في متن الحكاية‬
‫(المسرحية الداخلية) فتمحو الحدود الفاصلة بين الركح وقاعة المشاهدين فيتحول األول إلى‬
‫منصة والثانية إلى برلمان على حد تعبير بريخت‪ ،‬ليتشكل فضاء مغاير لم‪0‬ا عه‪0‬ده الن‪0‬اس‬
‫‪0‬ر) على‬ ‫‪0‬راهن (المعاص‪0‬‬ ‫‪0‬تراثي) وال‪0‬‬
‫قوامه تداول الكالم وتحفيز الخطاب بجناحيه األثري (ال‪0‬‬
‫تحيين العالمة وتحريرها من قوالب التأويل الجاهزة لتنهض بتفكيك واقع ال ينفك يتغير‪ .‬وإذا‬
‫اختلف هذا الفضاء المسرحي عن الفضاء المعهود فلن يختلف إال في تزكية الجمهور بمنحه‬
‫‪0‬ائن في‬‫‪0‬ة الزب‪0‬‬
‫الثقة في كفاءته التأملية والتأويلية‪ .‬إنه مسرح مضاد لالحتكار‪ .‬تتجلى فاعلي‪0‬‬
‫‪0‬اص‪.‬‬ ‫‪0‬هم الخ‪0‬‬‫‪0‬ه نص‪0‬‬ ‫إجبار النص الدرامي في المسرحية الداخلية على التوقف‪ ،‬ليستبدلوا ب‪0‬‬
‫)‪ 00‬ﻟﻐﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ ‪ 00،‬ﺛﻢ ﯾﺘﻮﺿﺢ (‪. 00‬‬
‫زﺑﻮن ‪ : 2‬اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻊ اﻟﻤﻤﻠﻮك ‪.‬‬
‫ﺑﻌﯿﻨﻪ‬ ‫ﻫﻮ‬ ‫‪0000000:‬‬ ‫زﺑﻮن ‪1‬‬
‫زﺑﻮن ‪ : 3‬وﻣﺎ ﯾﺰال ﯾﺤﻤﻞ اﻟﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮه ‪.‬‬
‫زﺑﻮن ‪ 0) 0: 1‬ﺑﺼﻮت‪ 0‬ﻋﺎل‪ 0( 0‬أﺧﻲ ﻧﺰل‪ 0‬ﻫﺬا‪ 0‬اﻟﺴﻠﻢ ﻋﻦ ﻇﻬﺮك‪. 0‬‬
‫زﺑﻮن ‪ 0: 3‬ﻫﺬه‪ 0‬ﺳﻮﺳﺔ إذا‪ 0‬ﺳﻜﻨﺖ اﻟﺮأي‪ 0‬ﺻﻌﺐ اﻧﺘﺰاﻋﻬﺎ ‪.‬‬
‫اﻟﺤﻜﻮاﺗﻲ ‪ ) :‬ﯾﻌﻠﻮ ﺻﻮﺗﻪ ‪ ،‬ﻟﯿﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﻗﻒ ‪ ،‬ﻓﯿﻤﻨﻊ اﻧﻘﻄﺎع ﺧﯿﻂ اﻟﺤﻜﺎﯾﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﻘﺎش‪ 0( 0‬وﺗﻨﺎول‪ 0‬اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻌﺠﻮز‪ 0‬اﻟﻜﻼم‪ 0، 0‬ﻓﺄورد‪ 0‬ﻣﺎ ﻋﻠﻤﺘﻪ اﻷﯾﺎم‪215 0‬‬
‫‪0‬ة؛‬‫لعل هذا الموقف خير ما يمثل قيمة النص المنجز اآلن وهنا المشتق من مشهد في الحكاي‪0‬‬
‫إن الحوار الدائر بين الرجل الرابع وبين نظرائه في المسرحية ينش‪00‬ط المخ‪00‬زون الثق‪00‬افي‬
‫‪0‬اب‬‫‪0‬الم الخط‪0‬‬‫‪0‬ابحة في ع‪0‬‬ ‫الراسب في أذهان الزبائن ‪ /‬المشاهدين‪ ،‬ويحرض النصوص الس‪0‬‬
‫‪0‬دور بين‬‫‪0‬ا ي‪0‬‬‫المشترك‪ ،‬لتطفو على السطح أمثال شعبية واستعارات تكثّف موقفا سياسيا مم‪0‬‬
‫الممثلين‪.‬‬
‫زﺑﻮن ‪ : 1‬اﻧﺘﺒﻬﻮا ﯾﺤﺮﺿﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻨﺔ ‪.‬‬
‫زﺑﻮن ‪ 0: 3‬ﻧﻮع‪ 0‬ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل‪ 0‬ﯾﺤﺐ إﺛﺎرة‪ 0‬اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ‪ 0،‬ﻟﻜﻲ ﯾﺘﻔﺮج‪ 0‬ﺑﻌﺪﺋﺬ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ‬
‫‪220-2190‬‬ ‫زﺑﻮن ‪ : 2‬أي اﻧﻬﺾ أﺧﻲ ‪ ..‬اﻧﻬﺾ ذﻟﻚ أﻓﻀﻞ ‪.‬ص‪.‬ص‪.‬‬
‫‪0‬لم‪،‬‬
‫‪0‬وس‪( ،‬الس‪0‬‬ ‫‪0‬ذر في النف‪0‬‬ ‫‪0‬ام عن جبن متج‪0‬‬ ‫فالعبارات الواردة في أقوال الزبائن تميط اللث‪0‬‬
‫‪0‬د أن‬‫‪0‬ده‪ .‬بي‪0‬‬
‫سوسة‪ ،‬الفتنة‪ ،‬المشاكل) تحتضنه أشكال في القول وتبرره بل وتعمل على تأبي‪0‬‬
‫‪0‬ه‬‫المسرحية بمنحها الجمهور الحق في الكالم تجبره –أعني الجمهور ‪-‬على الترائي وتورط‪0‬‬
‫في شأن غالبا ما سعى إلى تجنبه‪ .‬ومن ثمة فإن نص المسرحية باستقطابه أش‪00‬كال الق‪00‬ول‬
‫األخرى وتشربه فنونا متغايرة يزج بجمهوره في غابة من العالم‪00‬ات ليت‪00‬دبرها ويتأمله‪00‬ا‬
‫فيقارن ويستدل ويفكك ويركب‪ ...‬بعبارة واحدة المسرحية ملحمية ألنها تحولت إلى مفاع‪00‬ل‬
‫‪0‬اهدا‬
‫فكري في أقصى نشاطه‪ .‬ذلك أن مصير كل من يدور في فلكها سواء أكان ممثال أم مش‪0‬‬
‫التشفير‪ ،‬أعني أن يتحول هو ذاته – حتى أولئك الجالسين في القاعة‪ ،‬جمهور المؤلف – إلى‬
‫عالمة تفتقر إلى فك شفرتها بالفهم والتأويل‪ ،‬فالقارئ – نحن والحكواتي – يصبح مق‪00‬روءا‬
‫والرائي يصبح مرئيا أكثر والمستدل يصبح دليال – لغويا أو غير لغوي – والسامع يص‪00‬بح‬
‫مسموعا‪ ...‬وهلم جرا‪ .‬هكذا يعصف النص المسرحي الملحمي باإليهام بمزجه بين "الواق‪00‬ع"‬
‫و"الخيال" مزجا يلغي الفواصل بين الصورة واألصل؛ إذ أن النص بنأيه عن محاكاة الواق‪00‬ع‬
‫‪0‬ذلك عن‬ ‫إنما يعمل على تجويفه مرآويا ليخرجه من ظلمات التبرير فيقيم في الضوء كاشفا ب‪0‬‬
‫‪0‬ه‬‫‪0‬ترقرق على الوج‪0‬‬ ‫‪0‬جام الم‪0‬‬ ‫‪0‬اوز االنس‪0‬‬
‫جوهره‪ ،‬أعني واقعية الواقع‪ .‬فالمسرحية تروم تج‪0‬‬
‫الخارجي وانتشال المُشاهد من هاوية التعود‪ ،‬فيرى واقعا غريبا عنه يحتاج – ح‪00‬تى يقبض‬
‫على واقعيته فنيا وفكريا – إلى أن يتخلى هو اآلخر عن الفصل بين الصورة واألصل‪ .‬فليست‬
‫الشخصيات في المسرحية صورة عنه‪ ،‬بل الجمهور صورة عن الشخصيات‪ .‬ولما كان زبائن‬
‫المقهى جمهورا "افتراضيا" يضرب مثال على نوعية الجمهور المطلوب‪ ،‬فإن سعد اهلل ونوس‬
‫‪0‬ك أن‬‫يجري آلية التضمين االنعكاسي ‪ mise en abyme‬في أكثر من موضع؛ بيان ذل‪0‬‬
‫‪0‬قط ص‪00‬ورة‬ ‫‪0‬تى أن النص يس‪0‬‬ ‫زبائن المقهى المشاهدين يرون صورتهم في رعية بغداد‪ ،‬ح‪0‬‬
‫الزبون الرابع في المقهى ليتراءى في الرجل الرابع في بغداد‪ ،‬فكالهما يحمل التصور ذات‪00‬ه؛‬
‫ويتكرر هذا التصور في شخصية منصور‪ ،‬ال غرابة إذن أن يلعب الممثل نفس‪00‬ه ال‪00‬دوريْن‪.‬‬
‫‪0‬اعة يتفطن إلى‬ ‫‪0‬ه س‪0‬‬‫األمر نفسه ينسحب على الحكواتي‪ ،‬فهو يتراءى في الرجل الرابع عين‪0‬‬
‫ح‪0000‬رس الخليف‪0000‬ة؛ إذ يتح‪0000‬ول من مناض‪0000‬ل مج‪0000‬ادل إلى راوي‪0000‬ة‪:‬‬
‫اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ‪ ) :‬ﯾﻨﺘﺒﻪ إﻟﻰ اﻗﺘﺮاﺑﻬﻤﺎ ﯾﻐﯿﺮ اﻟﻜﻼم ‪ ،‬وﯾﻮاﺻﻞ دون ﺗﻠﻌﺜﻢ ‪ ...‬ﯾﺘﺎﺑﻌﻪ‬
‫اﻵﺧﺮون ﺑﺨﻮف ودﻫﺸﺔ ( ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻂ اﻟﺤﻤﺎل ﺣﻤﻮﻟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺼﻄﺒﺔ ﻟﯿﺴﺘﺮﯾﺢ ‪ ،‬ﺧﺮج‬
‫‪ 0‬وراﺋﺤﺔ ذﻛﯿﺔ‬ ‫‪ 0‬ﯾﻌﻠﻮ ﺻﻮﺗﻪ (‬ ‫‪ 0‬اﻟﺤﺎرﺳﺎن‬ ‫‪ 0‬ﻧﺴﯿﻢ راﺋﻖ )‬
‫‪ 0‬ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮب‬ ‫ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب‬
‫ﻓﺎﺳﺘﻠﺬ اﻟﺤﻤﺎل ﻟﺬﻟﻚ ‪ ،‬وﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﺼﻄﺒﺔ ‪ ،‬ﻓﺴﻤﻊ ﻧﻐﻤًﺎ وأوﺗﺎرا وﻋﻮدا وأﺻﻮاﺗﺎ‬
‫‪ 0‬دﻓﻊ‬‫‪ 0‬ﯾﺘﺒﻊ اﻟﺼﻮت‪.‬‬ ‫‪ 0‬ﻓﻌﻨﺪﺋﺬ ﺗﻌﺠﺐ وﺗﻘﺪم‬ ‫‪ 0‬اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ (‬
‫‪ 0‬ﻗﺮب‬‫‪ 0‬ﯾﺘﻮﻗﻒ اﻟﺤﺎرﺳﺎن‬ ‫ﻣﻄﺮﺑﺔ )‬
‫اﻟﺒﺎب ودﺧﻞ ‪ ..‬ﻓﻮﺟﺪ أﻣﺎﻣﻪ ﺑﺴﺘﺎﻧﺎ ﻋﻈﯿﻤﺎ‪ ،‬ورأى ﻓﯿﻪ ﻏﻠﻤﺎﻧﺎ وﺧﺪﻣﺎ وﺣﺸﻤﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻫﺒﻄﺖ‬
‫‪ 0‬ﻓﺮﻓﻊ ﻃﺮﻓﻪ إﻟﻰ‬ ‫‪ 0‬اﻟﻄﯿﺐ ‪،‬‬‫‪ 0‬اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ واﻟﺸﺮاب‬ ‫ﻋﻠﯿﻪ راﺋﺤﺔ أﻃﻌﻤﺔ زﻛﯿﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻟﻮان‬
‫اﻟﺴﻤﺎء ‪ ،‬وﻗﺎل ‪ :‬ﻣﺎذا ﻗﺎل ؟ ) ﯾﺘﻮﻗﻒ ﻟﺤﻈﺔ ‪ ،‬وﻛﺄﻧﻪ ﯾﺸﻮق اﻟﺴﺎﻣﻌﯿﻦ ( ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﺣﻜﺎﯾﺎت‪000‬‬ ‫وﯾﺮوون‪000‬‬ ‫‪000،‬‬ ‫ﯾﺘﺴﻠﻮن‪000‬‬ ‫‪000:‬‬ ‫اﻟﺤﺎرس ‪1‬‬
‫اﻟﺤﺎرس ‪ : 2‬أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮع ‪...‬‬
‫الرجل الراب‪00‬ع‪ ) :‬ﯾﻮاﻟﻲ ‪ ...‬ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺒﺘﻌﺪ اﻟﺤﺎرﺳﺎن ( ﻗﺎل ‪ ...‬ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﯾﺎ رب ﯾﺎ ﺧﺎﻟﻖ‬
‫وﻋﻨﺪﻫﺎ ﻟﻤﺢ ﺻﺒﯿﺔ ذات ﺣﺴﻦ وﺑﻬﺎء ‪ ) ...‬ﯾﺨﺘﻔﻲ اﻟﺤﺎرﺳﺎن ‪ ،‬ﻓﯿﺘﻮﻗﻒ اﻟﺮﺟﻞ‬
‫اﻟﺮاﺑﻊ ‪ ،‬ﯾﺘﻨﻬﺪ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﺎرﺗﯿﺎح وﻛﺄﻧﻬﻢ ﺧﺮوﺟﻮا ﻣﻦ ﻣﺤﻨﺔ ‪ ،‬ﺑﻌﻀﻬﻢ ﯾﺠﻔﻒ ﺣﺒﺎت‬
‫‪214(.‬‬ ‫الوجوه‪0000‬‬ ‫ﻣﻦ‬ ‫ﺗﻔﺼﺪت‪0000‬‬ ‫ﻋﺮق‪0000‬‬
‫قد يكون ما يرويه الرجل الرابع ارتجاال‪ ،‬وقد يكون مقطعا من حكاية خرافية؛ لكن المهم في‬
‫ذلك أنه يُري الحكواتي نفسه‪ ،‬يجعله يبصر واقعية واقعه‪ :‬أنه محاصر بالرقاب‪00‬ة من جه‪00‬ة‬
‫‪0‬اني إلى أن‬‫‪0‬ون الث‪0‬‬ ‫‪0‬اه الزب‪0‬‬‫وبجمهور تعوّد على الغرق في األوهام تلذذا واسترخاء‪ .‬إن انتب‪0‬‬
‫دوريْ الرجل الرابع ومنصور يلعبهما شخص واحد يحطم وهم التمثيل‪ ،‬وه‪00‬ذا من أه‪00‬داف‬
‫المسرح الملحمي‪ ،‬لكن أهميته تعود – في رأيي – إلى دعوة ضمنية إلى االنتب‪00‬اه والعناي‪00‬ة‬
‫بهذه الشخصية؛ ال ريب أنها في نهاية المسرحية وحين تتهشم الحدود جميعه‪00‬ا بين المقهى‬
‫الشعبي المعاصر وبين مدينة بغداد الموغلة في القدم تلتح‪00‬ق ب‪00‬الحكواتي لتلتحم الص‪00‬ورة‬
‫‪0‬ل فينمحي االختالف‪) .‬ﯾﻌﻢ اﻟﺼﻤﺖ ﻓﺘﺮة ﻣﺪﯾﺪة ‪ ،‬ﺛﻢ ﯾﻨﻬﺾ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ‬ ‫باألص‪0‬‬
‫اﻟﻘﺘﻠﻰ ‪ ،‬وﯾﻘﻒ ﻗﺮب اﻟﺤﻜﻮاﺗﻲ)‪ 282-281‬ويستخدم ونوس آلية التض‪00‬مين االنعكاس‪00‬ي‬
‫‪0‬وال‬‫‪0‬ج على من‪0‬‬ ‫ليعقد الصلة بين زبائن المقهى وبين رعية بغداد‪ ،‬فها هو الزبون األول ينس‪0‬‬
‫ج‪00000000‬ابر ل‪00000000‬يراهن على نهاي‪00000000‬ة المغ‪00000000‬امرة‪:‬‬
‫اﻟﺤﻜﻮاﺗﻲ ‪ :‬اﺻﺒﺮوا ‪ ..‬اﺻﺒﺮوا ﻫﻲ دﻗﺎﺋﻖ وﺗﻌﺮﻓﻮن ﺑﻘﯿﺔ اﻟﺤﻜﺎﯾﺔ ‪..‬‬
‫‪ 0‬؟‪.‬‬
‫‪ 0‬وﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﺗﺮاﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻗﻮل‬ ‫‪ 0‬ﯾﺠﯿﺐ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬اﻟﻌﻢ ﻣﻮﻧﺲ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ أن‬ ‫‪ 0‬ﻃﯿﺐ ‪..‬‬ ‫زﺑﻮن ‪: 1‬‬
‫زﺑﻮن ‪ : 2‬وأﻧﺎ أﻧﺰل ﻣﻌﻚ ﺑﺎﻟﺮﻫﺎن ‪.‬‬
‫‪ 0‬اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺴﻠﯿﻢ ﻫﻮ أﻻ ﯾﺼﺢ ﻣﺎ‬ ‫‪ 0‬إﻻ أن‬‫‪، 0‬‬‫‪ 0‬ﻗﺪ ﯾﺼﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮل‬ ‫‪ 0‬ﻻ أراﻫﻦ ‪..‬‬ ‫زﺑﻮن ‪: 4‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﺗﻘﻮل‪00000000000000000000000‬‬
‫زﺑﻮن ‪ : 1‬ه‪000000‬ذه ﻓﺬﻟﻜﺔ ‪ .‬ﻧﺤﻦ ﻧﻌﺮف اﻟﺪﻧﯿﺎ ‪ ،‬وﻧﺮى ﻛﯿﻒ ﯾﺴﯿﺮ دوﻻﺑﻬﺎ ‪245.‬‬
‫على هذا السمت تستوي مشاهد المسرحية مرايا مقعّ‪0‬رة ومحدّب‪0‬ة تنعكس عليه‪0‬ا الص‪0‬ور‬
‫فتتضخم أو تتقلص ويتداخل الجميل والقبيح لتذوب الفوارق على مشارف النهاية وتنص‪00‬هر‬
‫األمكنة واألزمنة وتتكثف في نقطة واحدة ذات قوة جذب داللية هائلة‪ ،‬ففيها تنحل الحبكت‪00‬ان‬
‫الرئيسية والثانوية وتتفكك المشاهد وتتفسخ الهيئات لتنحل كلها في سديم أوّلي( ﺗﺘﻢ رواﯾﺔ‬
‫‪ 0‬اﻟﺮﻋﺐ ﺑﯿﻦ‬ ‫‪ 0‬وﺻﯿﺤﺎت‬ ‫‪،0‬‬‫‪ 0‬وﺻﻠﯿﻞ اﻟﺴﯿﻮف‬ ‫‪،0‬‬‫‪ 0‬ﺧﺒﺐ اﻟﺨﯿﻮل‬ ‫‪ 0‬ﻋﻠﻰ ﺻﻮت‬ ‫‪ 0‬اﻟﻤﻘﻄﻊ ‪،‬‬
‫ﻫﺬا‬
‫‪ 0‬اﻟﺮﺟﻞ‬ ‫‪ 0‬ﺳﻮاﻫﻢ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬أو‬‫‪ 0‬ﻋﺎﻣﺔ ﺑﻐﺪاد‬ ‫ﺣﯿﻦ وآﺧﺮ ﯾﻨﺪﻓﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺬﯾﻦ ﻧﻌﺮﻓﻬﻢ ﻣﻤﻦ ﻣﺜﻠﻮا‬
‫اﻷول ‪ ،‬اﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ ،‬اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪ ،‬اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻤﺮأة اﻷوﻟﻰ ‪ ،‬اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ‪ ،‬ﯾﺎﺳﺮ ‪ ،‬أﺣﺪ اﻟﺤﺮاس ‪ ..‬ﻛﻠﻬﻢ‬
‫‪ 0‬اﻟﻤﺮأة‬‫‪،0‬‬‫‪ 0‬ﻫﺘﻚ اﻟﻌﺮض‬ ‫‪ 0‬أو‬‫‪،0‬‬‫‪ 0‬إﯾﻤﺎﺋﯿﺎ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻄﻌﻨﺎت‬ ‫‪ 0‬وﯾﻤﺜﻠﻮن‬ ‫‪،0‬‬‫‪ 0‬وﻫﻢ ﯾﺼﺮﺧﻮن‬ ‫ﯾﺪﺧﻠﻮن‬
‫اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﻬﺘﻚ ‪ ،‬وﺗﺴﻘﻂ ﻣﻤﺰﻗﺔ اﻟﺜﯿﺎب ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ اﻟﺴﺎﻗﯿﻦ ‪ ..‬ﯾﺘﻜﻮﻣﻮن‬
‫‪ 0‬اﻟﺤﻜﻮاﺗﻲ وﻫﻮ ﯾﺮوي‬ ‫‪ 0‬ﻣﻬﺘﻮﻛﺔ ﯾﻐﺎدر‬ ‫‪ 0‬ﺟﺜﺜﺎ وأﺟﺴﺎدا‬‫‪ 0‬اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ ‪،‬‬
‫‪ 0‬ﺑﻌﺾ أﻣﺎم‬ ‫ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻮق‬
‫‪ 281 .( 0‬يختم سعد اهلل ونوس‬ ‫‪ 0‬اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﺪس‬ ‫‪ 0‬ﺑﯿﻦ اﻷﺟﺴﺎد‬ ‫‪ 0‬وﯾﺠﻮل‬ ‫‪ 0‬اﻟﻤﻘﺎﻃﻊ ﻛﺮﺳﯿﻪ ‪،‬‬ ‫ﻫﺬه‬
‫نصه بأطروحة فكرية يضعها على لسان شخصيات يصطفيها من المس‪00‬رحيتين لتتوح‪00‬د في‬
‫أداء رسالة واحدة يندمج خاللها الراوي بالمروي والرائي بالمرئي‪ ،‬ليكش‪00‬ف المؤل‪00‬ف عن‬
‫‪0‬ور‬‫‪0‬ائن المقهى (الجمه‪0‬‬ ‫المغزى التعليمي والمقصد السياسي من نصه‪ .‬فالكالم يوجه إلى زب‪0‬‬
‫‪0‬فر‬‫‪0‬ذكر بس‪0‬‬ ‫‪0‬وي ي‪0‬‬ ‫االفتراضي) وزبائن القاعة (الجمهور الواقعي) ويرد في شكل نبوي رؤي‪0‬‬
‫‪0‬ذكير‪.‬‬‫‪0‬د وت‪0‬‬‫‪0‬د ووعي‪0‬‬ ‫‪0‬ه من تردي‪0‬‬ ‫‪0‬ا في‪0‬‬‫‪0‬ان بم‪0‬‬‫‪0‬ذير الكه‪0‬‬
‫‪0‬عبه أو بن‪0‬‬
‫أشعياء وهو يق ‪0‬رّع ش‪0‬‬
‫اﻟﺠﻤﯿﻊ ‪ ) :‬ﻣﻌﺎ إﻟﻰ اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ واﻟﺠﻤﻬﻮر ‪ (.‬ﻣﻦ دﻟﯿﻞ ﺑﻐﺪاد اﻟﻌﻤﯿﻖ ﻧﺤﺪﺛﻜﻢ ‪ .‬ﻣﻦ ﻟﯿﻞ‬
‫اﻟﻮﯾﻞ واﻟﻤﻮت واﻟﺠﺜﺚ ﻧﺤﺪﺛﻜﻢ ‪ .‬ﺗﻘﻮﻟﻮن ‪ ..‬ﻓﺨﺎر ﯾﻜﺴﺮ ﺑﻌﻀﻪ ‪ ..‬وﻣﻦ ﯾﺘﺰوج أﻣﻨﺎ‬
‫‪ 0‬ﻟﻜﻞ واﺣﺪ رأي‬ ‫‪ 0‬ذﻟﻚ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬ﺗﻘﻮﻟﻮا‬ ‫‪ 0‬ﯾﻤﻨﻌﻜﻢ ﻣﻦ أن‬ ‫‪ 0‬ﻻ أﺣﺪ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن‬ ‫ﻧﻨﺎدﯾﻪ ﻋﻤﻨﺎ ‪..‬‬
‫وﺗﻘﻮﻟﻮن ‪ ..‬ﻫﺬا رأﯾﻨﺎ ﻻ أﺣﺪ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻤﻨﻌﻜﻢ ﻣﻦ أن ﺗﻘﻮﻟﻮا ﻫﺬا رأﯾﻨﺎ ‪ .‬ﻟﻜﻦ إذا‬
‫اﻟﺘﻔﺘﻢ ﯾﻮﻣﺎ ‪ ،‬ووﺟﺪﺗﻢ أﻧﻔﺴﻜﻢ ﻏﺮﺑﺎء ﻓﻲ ﺑﯿﻮﺗﻜﻢ ‪. .‬‬
‫اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ‪ :‬إذا ﻋﻀﻜﻢ اﻟﺠﻮع ووﺟﺪﺗﻢ أﻧﻔﺴﻜﻢ ﺑﻼ ﺑﯿﻮت ‪. .‬‬
‫زﻣﺮد ‪ :‬إذا ﺗﺪﺣﺮﺟﺖ اﻟﺮؤوس ‪ .‬واﺳﺘﻘﺒﻠﻜﻢ اﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ ﺻﺒﺢ ﻛﺌﯿﺐ ‪.‬‬
‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ‪ :‬إذا ﻫﺒﻂ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻟﯿﻞ ﺛﻘﯿﻞ وﻣﻠﺊ ﺑﺎﻟﻮﯾﻞ ﻻ ﺗﻨﺴﻮا أﻧﻜﻢ ﻗﻠﺘﻢ ﯾﻮﻣﺎ ‪ .‬ﻓﺨﺎر‬
‫‪ 0‬ﻣﻦ‬ ‫‪ 0‬اﻟﻌﻤﯿﻖ ﻧﺤﺪﺛﻜﻢ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬أﻣﻨﺎ ﻧﻨﺎدﯾﻪ ﻋﻤﻨﺎ ﻣﻦ ﻟﯿﻞ ﺑﻐﺪاد‬ ‫‪ 0‬وﻣﻦ ﯾﺘﺰوج‬ ‫ﯾﻜﺴﺮ ﺑﻌﻀﻪ ‪..‬‬
‫‪.‬‬ ‫ﻧﺤﺪﺛﻜﻢ‬ ‫واﻟﺠﺜﺚ‬ ‫واﻟﻤﻮت‪000‬‬ ‫اﻟﻮﯾﻞ‬ ‫ﻟﯿﻞ‬
‫)‪ 0‬ﯾﻨﻬﺾ اﻟﻤﻤﺜﻠﻮن‪ 0‬اﻟﻤﻜﺪﺳﻮن‪ 0‬ﻋﻠﻰ اﻷرض‪ 0، 0‬ﺛﻢ ﯾﻨﺴﺤﺐ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت‪ 0‬ﻣﻦ‬
‫اﻟﺼﻤﺖ‪282. ( ..‬‬
‫من خالل هذا الحوار المفرد ‪ monologue‬يصوغ س‪0‬عد اهلل ون‪0‬وس أطروحت‪0‬ه ص‪0‬ياغة‬
‫القاعدة العامة والحكمة العابرة للسياقات‪ :‬حريتك في تحمل مسؤولية مواقفك؛ فال بريء بين‬
‫الجموع الحاضرة والغائبة أمام السقوط المريع‪ .‬وهكذا ينتقل ونوس بالحكاية الخرافي‪00‬ة من‬
‫‪0‬ه‬‫‪0‬واتي) بوظيفت‪0‬‬ ‫‪0‬راوي (الحك‪0‬‬ ‫مجال التخييل إلى فضاء التحليل والتأمل والتفكير‪ ،‬لينهض ال‪0‬‬
‫‪0‬ز‬‫‪0‬و مرك‪0‬‬ ‫‪0‬ة)‪ .‬فه‪0‬‬ ‫‪0‬لية والتداولي‪0‬‬
‫اإليديولوجية إلى جانب وظائفه األخرى (السردية والتواص‪0‬‬
‫المسرحية ومحورها‪ ،‬فوّضه المؤلف مهمة الرواية ‪ /‬الحكي‪ ،‬فإذا به يستوي الراوي‪-‬الممثل‬
‫‪ le narracteur‬يغير مواقع الرؤية فتعدد طرق التبئير؛ إذ يكون المنطلق بالدرجة صفر من‬
‫‪ 0‬ومجموعات‬ ‫التبئير حيث يكون الراوي عليما‪ .‬ويلوح ذلك جليا في وصف الشخصيات أفرادا‬
‫وص‪00‬فا باطني‪00‬ا يكش‪00‬ف عم‪00‬ا يج‪00‬ول بالص‪00‬دور وي‪00‬دور باألذه‪00‬ان‪ .‬يق‪00‬ول‪:‬‬
‫‪...‬وﻛﺎن اﻟﻌﺼﺮ ﻛﺎﻟﺒﺤﺮ اﻟﻬﺎﺋﺞ ﻻ ﯾﺴﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ وﺿﻊ ‪ .‬واﻟﻨﺎس ﻓﯿﻪ ﯾﺒﺪون وﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺘﯿﻪ ‪ .‬ﯾﺒﯿﺘﻮن ﻋﻠﻰ ﺣﺎل وﯾﺴﺘﯿﻘﻈﻮن ﻋﻠﻰ ﺣﺎل ‪ .‬ﺗﻌﺒﻮا ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪوا ﻣﻦ‬
‫‪ 0‬ﻟﻤﺎذا‬‫‪ 0‬ﻓﻼ ﯾﻌﺮﻓﻮن‬ ‫‪ 0‬ﺗﻨﻔﺠﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ اﻷوﺿﺎع‬ ‫‪.0‬‬ ‫‪ 0‬وﻣﺎ ﺗﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﯿﻬﻢ ﻣﻦ أﺣﺪاث‬ ‫‪،0‬‬‫ﺗﻘﻠﺒﺎت‬
‫اﻧﻔﺠﺮت ﺛﻢ ﺗﻬﺪأ ﺣﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﻓﻼ ﯾﻌﺮﻓﻮن ﻟﻤﺎذا ﻫﺪأت ‪ .‬ﯾﺘﻔﺮﺟﻮن ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻬﺪأ ﺣﯿﻨﺎ‬
‫‪ 0‬ﻓﯿﻤﺎ‬ ‫‪ 0‬ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﯾﺘﺪﺧﻠﻮن‬ ‫‪،0‬‬ ‫‪ 0‬ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺠﺮي‬ ‫‪ 0‬ﯾﺘﻔﺮﺟﻮن‬ ‫‪.0‬‬‫‪ 0‬ﻫﺪأت‬ ‫‪ 0‬ﻟﻤﺎذا‬
‫ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﻓﻼ ﯾﻌﺮﻓﻮن‬
‫‪ 0‬ﺑﻤﺎ‬ ‫‪ 0‬ﻓﻘﻨﻌﻮا‬
‫‪،0‬‬ ‫‪ 0‬اﻟﺰﻣﺎن‬‫‪ 0‬ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا‬ ‫‪ 0‬ﺳﺮ اﻷﻣﺎن‬‫‪ 0‬أﻧﻬﻢ اﻛﺘﺸﻔﻮا‬ ‫‪ 0‬اﻋﺘﻘﺪوا‬‫‪ 0‬وﻣﻊ اﻷﯾﺎم‬
‫‪.0‬‬ ‫ﯾﺠﺮي‬
‫اﻛﺘﺸﻔﻮا ‪ ،‬ورﺗﺒﻮا ﺣﯿﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣﺎ اﻋﺘﻘﺪوه أﺳﻠﻢ اﻟﻄﺮق إﻟﻰ اﻷﻣﺎن ‪196.‬‬
‫وفي موطن آخر يصور شخص‪00‬ية ج‪00‬ابر‪ :‬ﯾﺆﻣﻦ أن اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻗﺪ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺮﺗﯿﻦ ‪ .‬وﺳﺮ‬
‫اﻟﻔﻄﻨﺔ أﻻ ﺗﺤﺘﺎج اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻣﺮﺗﯿﻦ ‪ .‬وإن أﺳﻌﻔﻪ اﻟﺨﯿﺎل ‪ ،‬ﺻﺎرت اﻷﻣﺎﻧﻲ ﺳﻬﻠﺔ اﻟﻤﻨﺎل ‪.‬‬
‫ﻣﺎذا‪ 0‬ﯾﻌﻨﯿﻪ ﻣﺎ ﯾﺠﺮي‪ 0‬ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد‪ 0‬ﻣﺎ دام‪ 0‬ﻫﻮ اﻟﺮاﺑﺢ ﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم‪ 0‬؟‪226 0‬‬
‫‪0‬ه‬‫يتعمد الحكواتي في موطن مغاير تبديل هذه الرؤية بتبئير داخلي‪ ،‬فال ي‪0‬درك إال م‪0‬ا تدرك‪0‬‬
‫الشخص‪00000000000000000000‬ية‪ .‬يق‪00000000000000000000‬ول‪:‬‬
‫وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﯾﻌﺮف ﻣﻦ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﯾﻤﺴﻜﻪ ﺑﻘﺒﻀﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺪ ‪ ،‬وﯾﺠﺮه وراءه‬
‫‪ 0‬ﺣﺘﻰ وﺻﻞ ﺑﻪ إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﺪت‬ ‫‪ 0‬وﻣﻦ دﻫﻠﯿﺰ إﻟﻰ دﻫﻠﯿﺰ ‪،‬‬ ‫‪ 0‬ﻗﻠﻘﻠﻪ ‪.‬‬‫ﻏﯿﺮ ﻋﺎﺑﺊ ﺑﺬﻫﻮﻟﻪ أو‬
‫‪ 0‬ﻣﻨﻪ راﺋﺤﺔ‬ ‫‪ 0‬ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻔﻮح‬ ‫‪ 0‬ﻟﻬﺐ "‬‫‪"0‬‬‫‪ 0‬وﻛﺎن‬‫‪.0‬‬‫‪ 0‬واﻟﺴﻼﺳﻞ واﻟﺒﻠﻄﺎت‬ ‫ﻏﺮﯾﺒﺔ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎﻟﺴﯿﺎط‬
‫ﺷﺒﯿﻬﺔ ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ ‪ .‬وﻛﻠﻤﺎ ﺳﺮق ﺟﺎﺑﺮ ﻧﻈﺮه إﻟﻰ وﺟﻬﻪ اﻟﻤﻌﺪﻧﻲ ‪ ،‬أو ﺗﻄﻠﻊ ﻓﻲ اﻟﻐﺮﻓﺔ‬
‫‪ 0‬واﻟﺨﻮف‬ ‫‪ 0‬واﻟﺼﻤﺖ ﺛﻘﯿﻞ ﯾﺰﯾﺪ اﻟﻐﻢ ﻏﻤﺎ ‪،‬‬ ‫‪ 0‬ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻪ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬ﺷﻌﺮ ﻗﻠﺒﻪ ﯾﻐﻮص‬ ‫ﺣﻮﻟﻪ ‪،‬‬
‫‪ 0‬ﻣﺮاﻓﻘﺔ ﺗﻠﯿﻦ‬ ‫‪ 0‬ﯾﺘﻜﻠﻢ آﻣﻼ أن ﯾﺠﻌﻞ ﻗﺴﻮة‬ ‫‪ 0‬رﻫﺒﺔ اﻟﺠﻮ ‪ ،‬ﻓﺮاح‬ ‫ﺧﻮﻓﺎ ‪ .‬وﺣﺎول ﺟﺎﺑﺮ أن ﯾﺒﺪد‬
‫‪ ،‬أو ﻟﻌﻠﻪ ﯾﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻟﻪ ‪276-275‬‬
‫بل إنه يستخدم تبئيرا خارجيا ليعلم أقل مما تعلمه شخصياته؛ وذلك جلي في نص الرس‪00‬الة‬
‫المخطوطة على رأس جابر‪ ،‬وال يدركها الراوي – ومن ثمة المتلقي – إال بع‪00‬د أن تقص‪00‬ل‬
‫‪ 0‬م‪0000‬ا س‪0000‬طر على جل‪0000‬دها‪.‬‬ ‫ال‪0000‬رأس فيتس‪0000‬نى للحك‪0000‬واتي ق‪0000‬راءة‬
‫اﻟﺤﻜﻮاﺗﻲ ‪ ) :‬ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺮأس وﯾﻘﺮأ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺨﻄﻮط ﻋﻠﯿﻪ ( ﯾﻘﻮل وزﯾﺮ ﺑﻐﺪاد ﻓﻲ‬
‫رﺳﺎﻟﺘﻪ ‪ " :‬ﻣﻦ اﻟﻮزﯾﺮ ﻣﺤﻤﺪ العلقمي إﻟﻰ ﺑﯿﻦ أﯾﺎدي اﻟﻤﻠﻚ ﻣﻨﻜﺘﻢ ‪ ..‬ﻧﻌﻠﻤﻜﻢ أن اﻟﻮﻗﺖ‬
‫‪ 0‬اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ إﻟﯿﻜﻢ‬ ‫‪ 0‬وﺻﻮل‬ ‫‪ 0‬ﺟﯿﻮﺷﻜﻢ ﺣﺎل‬ ‫‪ 0‬ﻓﺠﻬﺰوا‬
‫‪. 0‬‬‫‪ 0‬ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن‬ ‫‪ 0‬ﺻﺎر‬ ‫‪ 0‬وﻓﺘﺢ ﺑﻐﺪاد‬ ‫‪, 0‬‬
‫ﺣﺎن‬
‫وﻟﯿﻜﻦ ﻫﺠﻮﻣﻜﻢ ﺳﺮا ‪ ،‬وﺗﺤﺖ ﺳﺘﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﻤﺎن ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻢ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة ﺑﻔﺘﺢ ﺑﻐﺪاد ‪ .‬وإن‬
‫وﺟﺪﺗﻢ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻋﺴﺎﻛﺮ ﺗﻤﺸﻲ إﻟﯿﻨﺎ ‪ ،‬ﻓﺎﻗﻀﻮا ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ إﻣﺪادت ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ ‪ .‬وﻧﺤﻦ‬
‫‪ 0‬وﻛﻲ ﯾﻈﻞ‬ ‫‪)0‬‬‫‪.. 0‬‬
‫‪ 0‬ﺛﻢ ﯾﻀﯿﻒ اﻟﻮزﯾﺮ ﺣﺎﺷﯿﺔ ﺻﻐﯿﺮة‬ ‫‪"0‬‬‫‪ 0‬وﻓﺘﺢ اﻷﺑﻮاب‬‫ﻫﻨﺎ ﻧﺘﻜﻔﻞ ﺑﺎﻟﻌﻮن‬
‫اﻷﻣﺮ ﺳﺮا ﺑﯿﻨﻨﺎ اﻗﺘﻞ ﺣﺎﻣﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ إﻃﺎﻟﺔ ( ) ﻟﺤﻈﺔ وﯾﻜﺮراﻟﺤﻜﻮاﺗﻲ ( وﻛﻲ‬
‫ﯾﻈﻞ اﻷﻣﺮ ﺳﺮا‪ 0‬ﺑﯿﻨﺎ اﻗﺘﻞ ﺣﺎﻣﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ إﻃﺎﻟﺔ ‪280 . 0.‬‬
‫‪0‬عر‬‫‪0‬و ش‪0‬‬ ‫‪0‬دة نم‪0‬‬‫‪0‬ره – م‪0‬‬ ‫لقد خطت هذه الرسالة بيد الوزير وظلت فترة من الزمان في قص‪0‬‬
‫المملوك جابر‪-‬ولكن الحكواتي ال يميط اللثام عنها إال في النهاية وكأنها طمست في الكت‪00‬اب‬
‫بين يديه وانمحت؛ لتستقر على رأس المملوك بوصفها نصا موازيا‪ .‬إن الح‪00‬دث العج‪00‬ائبي‬
‫‪0‬واتي‬‫‪0‬رأس للحك‪0‬‬ ‫المتمثل في إلقاء السيَسأر بهل فاّ جابر بين يدي الحكواتي (‪ ...‬يرمي ال‪0‬‬
‫فيلتقطه ويضعه بين يديه ‪ )280...‬يجعل المسرحية فضاء تتزاحم فيه النص‪0‬وص وتتناف‪0‬ذ‪،‬‬
‫فيتحول كتاب العم مؤنس إلى طرس يتشابك على سطحه نص حاض‪00‬ر آخ‪00‬ر غ‪00‬ائب‪ ،‬نص‬
‫مرقوم جلي ونص مطموس خفي؛ ليتولد عن هذا التشابك تشويش يربك الدالل‪00‬ة ويفتته‪00‬ا‪.‬‬
‫(إننا أمام ما عبر عنه جاك دريدا باألثر)‪ .‬ال يمكن لمتلقي هذه المسرحية – قراءة وفرجة –‬
‫عن هذا التدافع بين النصوص في تدخالت الحكواتي – إذا قصرنا الحديث عليه ‪-‬فعلى لسانه‬
‫‪0‬ول‬‫‪0‬ة ‪ )...‬يق‪0‬‬ ‫‪0‬الة‪ ،‬أغني‪0‬‬
‫ترد نصوص جامعة تحدد نوع النص أو شكله (حكاية‪ ،‬سيرة‪ ،‬رس‪0‬‬
‫‪0‬ك‪ :‬ﯾﻐﻨﻲ وﻫﻮ ﯾﻘﻄﻊ اﻟﻔﯿﺎﻓﻲ ﻗﺎﺻﺪا ﺑﻼد اﻟﻌﺠﻢ ‪.‬‬ ‫‪0‬ه إلى المل‪0‬‬‫‪0‬ابر في طريق‪0‬‬
‫محدثا عن ج‪0‬‬
‫‪0‬كله‪ :‬ﺛﻢ ﯾﻀﯿﻒ اﻟﻮزﯾﺮ ﺣﺎﺷﯿﺔ‬ ‫‪0‬ع النص وش‪0‬‬ ‫‪0‬ر موض‪0‬‬ ‫‪0‬وطن آخ‪0‬‬ ‫‪0‬ح في م‪0‬‬ ‫‪ ،266‬ويوض‪0‬‬
‫‪ 0‬ﻟﺤﻈﺔ‬ ‫‪)0‬‬‫‪ 0‬ﺑﯿﻨﻨﺎ اﻗﺘﻞ ﺣﺎﻣﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ إﻃﺎﻟﺔ (‬ ‫‪ 0‬وﻛﻲ ﯾﻈﻞ اﻷﻣﺮ ﺳﺮا‬ ‫‪)0‬‬‫ﺻﻐﯿﺮة‪..‬‬
‫وﯾﻜﺮراﻟﺤﻜﻮاﺗﻲ ( وﻛﻲ ﯾﻈﻞ اﻷﻣﺮ ﺳﺮا ﺑﯿﻨﺎ اﻗﺘﻞ ﺣﺎﻣﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ إﻃﺎﻟﺔ ‪. .‬‬
‫‪ 280‬هذه اإلشارات‪ /‬التعريفات تسيج النص وتوجه عملية التلقي‪ .‬كما ترد نصوص واصفة‬
‫‪ Meta texte‬وذلك بيّن في تعليقاته على الحكاية وتعليل سردها دون غيرها اآلن وهن‪00‬ا‪.‬‬
‫يقول ردا على اع‪00‬تراض الزب‪00‬ائن واحتج‪00‬اجهم‪ :‬ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﯾﺎت ﺿﺮوﯾﺔ ‪ ...‬وﯾﻨﺒﻐﻲ أن‬
‫‪ 0‬ﻟﻜﻞ‬‫‪ 0‬اﻟﻤﻔﺮﺣﺔ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬إﻟﻰ زﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﯾﺎت‬‫‪ 0‬ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮد‬‫‪،0‬‬ ‫ﻧﺮوﯾﻬﺎ ‪...‬ﻷﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺴﻠﺴﻞ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫‪ 0‬ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻮا ‪ ..‬ﺳﺘﺄﺗﻲ ﺳﯿﺮة‬ ‫‪ 0‬اﻟﺰﻣﺎن‬
‫‪ 0‬اﻟﻈﺎﻫﺮ دورﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﺼﺺ ﻫﺬا‬ ‫‪ 0‬وﺳﯿﺮة‬ ‫‪،0‬‬
‫‪ 0‬أوان‬‫ﺷﻲء‬
‫اﻟﻈﺎﻫﺮ ‪ ،‬وﺳﺘﺴﻤﻌﻮﻧﻬﺎ ﺧﻼل ﺳﻬﺮات وﺳﻬﺮات ‪ .‬ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺼﺺ ﻣﺮﻫﻮﻧﺔ ﺑﺘﺴﻠﺴﻠﻬﺎ‬
‫وأواﻧﻬﺎ ‪ .‬ﻟﻜﻞ ﻗﺼﺔ أوان ‪195-194‬‬
‫‪0‬ائن وآرائهم –‬ ‫‪0‬ات الزب‪0‬‬‫‪0‬يرة تعليق‪0‬‬
‫يتخذ الحكواتي في هذا الضرب من التعليقات – وهي نظ‪0‬‬
‫‪0‬ة"‬‫‪0‬ير مفرح‪0‬‬ ‫‪0‬ة "غ‪0‬‬‫موقفا نقديا مما يروي‪ ،‬فهو يدرك أنه يخيب انتظار جمهوره بسرد حكاي‪0‬‬
‫ويكشف عن معيار اختياراته القصصية‪ ،‬بما أنه ال يخضع للذوق أو الرغبة أو الهوى وإنما‬
‫لحركة التاريخ ليومئ بذلك إلى تبدل الغاية من الحكاية؛ إنها ال تروى للتخدير بل من أج‪00‬ل‬
‫الحفز على التفكير‪ .‬هكذا تكون حكاية المملوك جابر كما يصوغها الحكواتي نص‪00‬ا متفرع‪00‬ا‬
‫‪ hypertexte‬عن الحكاية الواردة في سيرة الظاهر ببيبرس ألنه ال ينسخ األحداث وال يلتزم‬
‫طريقة إنشائها‪ ،‬بل ينتج الحكاية ذاتها بطريقة أخرى مقيما مع نص السيرة عالق‪00‬ة جدي‪00‬دة‬
‫مغايرة لما عهده المتلقي العادي‪ .‬نحن إذن أمام شاشة تتدفق عليها نص‪00‬وص ص‪00‬ادرة عن‬
‫فضاءات مختلفة للذاكرة األدبية دفعة واحدة‪ .‬وبعض تلك النصوص – كما ذكر آنف‪00‬ا – تكلم‬
‫المتلقي القارئ والمشاهد من خلف حجاب؛ فها هو الراوي يتغنى في مق‪00‬ام أول بشخص‪00‬ية‬
‫جابر "الفذة" ويمجدها‪ :‬وﻛﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﻮزﯾﺮ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻌﺒﺪﻟﻲ ﻣﻤﻠﻮك ﯾﻘﺎل ﻟﻪ ﺟﺎﺑﺮ ‪ .‬وﻟﺪ ذﻛﻲ ‪..‬‬
‫وذﻛﺎؤه وﻗﺎد ‪ 198.‬ثم يضيف‪ :‬واﻟﻤﻤﻠﻮك ﺟﺎﺑﺮ ذﻛﻲ وذﻛﺎؤه وﻗﺎد ‪ .‬ﻟﻤﺢ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﺗﻮاﺗﻲ ‪،‬‬
‫‪ 0‬وﺳﺮ اﻟﻔﻄﻨﺔ أﻻ‬ ‫‪ 0‬اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻗﺪ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺮﺗﯿﻦ ‪.‬‬ ‫‪ 0‬ﯾﺆﻣﻦ أن‬ ‫‪.0‬‬‫ﻓﺎﻧﻘﺾ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺑﻼ ﺗﺮاخ‬
‫‪ 0‬ﻣﺎذا‬
‫‪.0‬‬ ‫‪ 0‬اﻷﻣﺎﻧﻲ ﺳﻬﻠﺔ اﻟﻤﻨﺎل‬ ‫‪ 0‬ﺻﺎرت‬ ‫‪،0‬‬‫‪ 0‬أﺳﻌﻔﻪ اﻟﺨﯿﺎل‬ ‫‪ 0‬وإن‬‫‪ 0‬اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻣﺮﺗﯿﻦ ‪.‬‬ ‫ﺗﺤﺘﺎج‬
‫‪ 0‬ﻣﺎ دام ﻫﻮ اﻟﺮاﺑﺢ ﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم ؟ وﻧﺰل إﻟﻰ أﺑﻮاب اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻣﺮات‬ ‫ﯾﻌﻨﯿﻪ ﻣﺎ ﯾﺠﺮي ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد‬
‫وﻋﺎد ‪ ...‬وأﻋﻤﻞ اﻟﻔﻜﺮ ‪ ،‬وﻧﻘﺐ ﻋﻦ ﺣﯿﻠﺔ أو ﺳﺮ ‪ .‬وﺟﺎﺑﺮ ذﻛﻲ وذﻛﺎؤه وﻗﺎد ‪ .‬إذا أﻛﺪ ذﻫﻨﻪ‬
‫‪ 0‬وﺟﻬﻪ‬ ‫‪ 0‬ﻓﻲ ﺗﻔﻜﯿﺮ ﺣﺘﻰ وﺟﺪ اﻟﺘﺪﺑﯿﺮ ‪ .‬ﻋﻨﺪﺋﺬ أﺷﺮق‬ ‫‪ 0‬وﻟﻢ ﯾﺰل‬
‫‪.. 0‬‬‫ﻓﻬﻮ ﻻ رﯾﺐ ﺑﺎﻟﻎ ﻣﺮاده‬
‫ﺑﺎﻟﺴﺮور‪ 0، 0‬وﻃﻠﺐ ﺑﺎﻟﻌﺠﻞ اﻟﺪﺧﻮل‪ 0‬إﻟﻰ اﻟﻮزﯾﺮ ‪ 227-226 ..‬فالراوي وهو يجبل‬
‫الشخصية يحيطها بكل آيات الحسن معتمدا التكرار والسجع والتكثيف في السرد ليجلوه أمام‬
‫‪0‬ذه‬‫‪0‬ا ينقلب على ه‪0‬‬ ‫‪0‬رعان م‪0‬‬ ‫المتفرج نموذجا متفردا يخلب اللب فيخفق له القلب‪ .‬بيد أنه س‪0‬‬
‫الصورة مؤكدا غباء جابر فيق‪00‬ول‪ :‬وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﯾﻌﺮف ﻣﻦ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﯾﻤﺴﻜﻪ‬
‫‪ 0‬ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺬت‬ ‫‪ 0‬ﻟﻬﺐ "‬‫‪ 0‬ﯾﻨﺎدوﻧﻪ "‬‫‪ 0‬اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي‬
‫‪ 0‬ﻫﺬا‬‫‪ 0‬ﺟﺎﺑﺮ أن‬
‫‪ 0‬وﻟﻢ ﯾﻌﺮف‬ ‫ﺑﻘﺒﻀﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺪ ‪...‬‬
‫‪ 0‬وﻻ‬ ‫‪ 0‬ﺷﯿﺌﺎ ‪،‬‬ ‫‪ 0‬ﻻ ﯾﻬﻤﻠﻮن‬ ‫‪ 0‬داﺋﻤﺎ ﺑﺎﻟﺪﻗﺔ ‪.‬‬
‫‪ 0‬ﯾﺘﺼﻔﻮن‬ ‫‪ 0‬اﻟﻌﺠﻢ اﻟﺴﯿﺎﻓﻮن‬ ‫‪ 0‬ﻣﻠﻚ ﺑﻼد‬ ‫ﺳﯿﺎف‬
‫‪ 0‬اﻟﻤﻌﺪﻧﯿﺔ‬ ‫‪ 0‬ﺣﺘﻰ أﻣﺴﻚ ﻟﻬﺐ ﺑﯿﺪه‬ ‫‪،0‬‬
‫‪ 0‬ﺟﺎﻫﺰة‬ ‫‪ 0‬أﺻﺒﺤﺖ ﻛﻞ اﻷدوات‬ ‫‪ 0‬وﻣﺎ إن‬‫‪.0‬‬‫‪ 0‬اﻟﻜﻼم‬
‫ﯾﺤﺒﻮن‬
‫رأس اﻟﻤﻤﻠﻮك ﺟﺎﺑﺮ ‪ .‬وﺿﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﻤﻠﻄﺨﺔ ﺑﺎﻟﺪم اﻟﯿﺎﺑﺲ ‪ .‬وﺑﻀﺮﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﻠﻄﺘﻪ‬
‫اﻟﻤﺴﻨﻮﻧﺔ ﻓﺼﻞ رأﺳﻪ ﻋﻦ ﺟﺴﺪه ‪ 278.‬وما كان لجابر أن يصير إلى هذا المصير المشؤوم‬
‫إال ألنه "لم يسأل السؤال رغم أن موته كان تحت فروة رأسه ‪/‬ولم يدر ‪ /‬قطع البراري يحمل‬
‫‪0‬روة‪ /‬لكن بين‬ ‫‪0‬ة وث‪0‬‬‫قدَره على رأسه ‪ /‬ولم يدر‪ /‬كان يحلم بالعودة رجال حرا ‪ /‬تنتظره زوج‪0‬‬
‫الموت وهذه العودة ‪ /‬المسافة سؤال ص‪ 279.‬هذا النص الشعري يرد على لساف السياف‪،‬‬
‫ليكثف الراوي المفارقة في شخصية جابر‪ ،‬مفارقة درامية تقوم على جهل الشخصية مقاب‪00‬ل‬
‫معرفة األطراف األخرى‪ .‬تتراءى خلف هذا الموقف قصة طرفة بن العبد الش‪00‬اعر الع‪00‬ربي‬
‫المشهور‪( ،‬تقول الرواية إن الملك عمرو بن هند حمّله رسالة إلى بعض والته وكان طرف‪00‬ة‬
‫‪0‬تين إال‬
‫أميا فلم يدر أن في الرسالة أمرا بقتله)‪ .‬وعلى الرغم من االختالفات بين بطلي القص‪0‬‬
‫أن الجهل قاسم مشترك بينهما وسبب مباشر في موتهما قتال‪ .‬لكنهما ضحية نظام سياس‪00‬ي‬
‫فاسد تـؤمه األهواء ويقوده المزاج الشخصي؛ فالبحث عن الخالص الف‪00‬ردي وإن يع‪00‬رف‬
‫نجاح‪000‬ا أحيان‪000‬ا إال أن‪000‬ه وهم من جمل‪000‬ة األوه‪000‬ام الجاثم‪000‬ة على األلب‪000‬اب‪.‬‬
‫لعل قضية الجهل المخلوط بالكبر والعناد هو الدافع األساسي إلى هذا التغريب في مس‪00‬رحية‬
‫مغامرة رأس المملوك جابر؛ فالنص مراوغ ال تستقر فيه داللة إال ليزيحها نقضيها‪ .‬والمتعة‬
‫الفنية ال يحققها االنغماس والذهول عن الواقع‪ ،‬بقدر ما تحققه المعرفة‪ :‬أي لحظة الكش‪00‬ف‬
‫عن الحقيقة المتوارية خلف ركام العالمات‪ ،‬صورا ونصوصا وشخصيات‪ .‬فسعد اهلل ون‪00‬وس‬
‫يحرص على البعد الجمالي حرصه على البعد العلمي الجدلي‪ ،‬ولعله في هذه المس‪0‬رحية ق‪0‬د‬
‫حقق معادلة يعسر على البعض تحقيقها‪ :‬تجلي الجميل في القض‪00‬ية النبيل‪00‬ة؛ فال تع‪00‬ارض‬
‫بينهما‪ .‬إن التسييس واالحتجاج وتنبيه الغافلين لتحريضهم على س‪00‬لطة س‪00‬رطانية ي‪00‬زداد‬
‫‪0‬ني؛‬‫‪0‬الي ف‪0‬‬‫رسوخا في األذهان والوجدان إذا تحولت آلية التغريب ‪ /‬المباعدة إلى موقف جم‪0‬‬
‫والتجريب في الفن المسرحي يزداد أثره غورا إذا أضحى أفقا مفتوحا ألشكال فني‪00‬ة تع‪00‬الج‬
‫واقعا في حاجة دائمة لمن يفك شيفراته‪ .‬هكذا هي مسرحية سعد اهلل ونوس‪ ،‬استعارة تتحول‬
‫كل مكوناته إلى مجاز يرسخ في الناس رسوخ الوشم الغائر‪.‬‬

You might also like