You are on page 1of 2

‫تعلم لغات اقتصاديات الدول الرائدة حتى يكون بإمكاننا عقد شراكة‬ ‫تعلم اللغات األجنبية ليس ترفًا

اللغات األجنبية ليس ترفًا بل ضرورة عصرية‬


‫اقتصادية‪ ،‬ونقل تجارب ومشاريع اقتصادية ناجحة‪ ،‬وتكوين فهم أفضل‬
‫للتجارة العالمية‪ ،‬وفتح مجاالت استثمارية تسهم عوائدها في رفاهية‬ ‫د‪ .‬خالد بن محمد الصغير‬
‫مواطنينا‪ ،‬وتعزيز قدرة اقتصادنا الوطني‪.‬‬
‫كان موضوع تعلم اللغات األجنبية محور نقاش طرحته مجلة الجزيرة‬
‫ال‪ ،‬ليست عملية تعلم اللغات األجنبية ترفًا‪ ،‬بل لها مردود إيجابي‬ ‫على أصدقاء منتدى الهاتف مستشرفة رؤاهم حول ما إذا كانوا يرون‬
‫اجتماعي يتمثل في تمكين وتعريف المجتمع بعادات وتقاليد شعوب‬ ‫في تعلم اللغات األجنبية ضرورة أو أنهم يضعونها في خانة الترف الذي‬
‫العالم‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى خلق مجتمع منفتح‪ ،‬واسع األفق‪ ،‬متقبل ومتفهم‬ ‫ال ضير من عدم إتقانه ومعرفته‪ ،‬وأحببت في هذه المقالة أن أدلي بدلوي‬
‫ألنماط وعادات وتقاليد اجتماعية مختلفة عما لدينا‪ ،‬ومحاوًال استقطاب‬ ‫حول هذه القضية مستندًا في طرحي إلى جملة حقائق علمية‪ ،‬ومن خالل‬
‫وتبني المفيد من تلك العادات والتقاليد‪ ،‬وأكثر قدرة على مقاومة غير‬ ‫رصد تجارب عالمية‪ ،‬ومستأنسًا بتجارب شخصية عديدة‪ ،‬وسيكون‬
‫الحسن منها‪ ،‬والتسلح بأسلحة مناسبة طاردة لغير المفيد منها‪ ،‬كما أن‬ ‫التركيز على إبراز النواحي اإليجابية من جراء تعلم اللغات األجنبية‬
‫المعرفة باللغات األجنبية تيسر للمجتمع سبل التفاهم مع العالم‪ ،‬وتمنحه‬ ‫دون اإلتيان على المرحلة العمرية التي يجب إقرار تعلمها فيها‪،‬‬
‫القدرة على االندماج فيه‪ ،‬واالستفادة من إنجازاته‪.‬‬ ‫ومحاولة التأكيد على أن عملية تعلم اللغات األجنبية يجب أال ينظر لها‬
‫ال‪ ،‬ليست عملية تعلم اللغات األجنبية ترفًا‪ ،‬بل لها إلى جانب هذه الفوائد‬ ‫من منظور الترف االجتماعي‪ ،‬وإ نما هي فعل حضاري في غاية‬
‫اإلستراتيجية العليا بأبعادها السياسية واالقتصادية واالجتماعية فوائد‬ ‫األهمية في عصر العولمة‪ ،‬والتقنية‪ ،‬واالنفجار المعرفي العالمي‪،‬‬
‫جمة على العملية التربوية والتعليمية‪ ،‬فتعلم اللغات األجنبية ينظر له‬ ‫والتحوالت السياسة المتسارعة‪ ،‬والعالقات االقتصادية الدولية‬
‫التربويون أو على األقل البعض منهم على أنه وسيلة لخلق إدراك علمي‬ ‫المتنامية‪ ،‬وبخاصة أن تلك األهمية تنطوي على فوائد إستراتيجية عليا‬
‫أعمق‪ ،‬وفهم أسرع للتراكيب اللغوية التي يعجز الطالب عن استيعابها‬ ‫وأخرى تربوية تعليمية‪.‬‬
‫بيسر وسهولة خالل تعلمه للغته األم؛ ألنه يقوم أثناء عملية تعلمه للغات‬
‫األجنبية بالمقارنة مع لغته األم‪ ،‬ومحاولة اكتشاف مواطن التوافق‬ ‫ال‪ ،‬ليست عملية تعلم اللغات األجنبية ترفًا‪ ،‬بل هي حاجة ملحة‪ ،‬ومطلب‬
‫واالختالف بين لغته األم واللغات األجنبية التي يتعلمها‪ ،‬وهذا مصداق‬ ‫أساسي في عصر العولمة‪ ،‬والثورة المعلوماتية‪ ،‬والتقنية‪ ،‬وذلك يعود‬
‫لقول الشاعر األلماني (‪ )Johann Wolfgang‬الذي قال في عام‬ ‫إلى أنها وسيلة مهمة لنقل المعارف والعلوم من أمة إلى أخرى‪ ،‬وأداة‬
‫‪( :1827‬أي أمرئ ال يعرف لغات أجنبية ال يعرف شيئا عن لغته‬ ‫لخلق تالقح ثقافي بين مختلف الثقافات‪ ،‬وبمثابة حلقة وصل لزيادة‬
‫األم)‪ ،‬كما أن تعلم اللغات األجنبية يعطي مرونة فكرية أوسع وأشمل‬ ‫أواصر التواصل بين شعوب العالم‪ ،‬وذلك كله حين تحققه على أرض‬
‫للمتعلم؛ ما يجعله ذا عقلية تتمتع بتنوع أكثر‪ .‬وأشارت بعض الدراسات‬ ‫الواقع يؤدي إلى عمارة صالحة للكون‪.‬‬
‫إلى أن الذين يعرفون لغات أجنبية يكون لديهم قدرات قوية على حل‬ ‫ال‪ ،‬ليست عملية تعلم اللغات األجنبية ترفًا‪ ،‬بل هي ضرورة ال غنى لنا‬
‫المشكالت‪ ،‬وتتشكل لديهم أيضا قدرة على التحليل‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬والمقدرة‬ ‫عنها في المملكة تحديدًا واألمة بعالميها العربي واإلسالمي إن أردنا أن‬
‫على التعبير عن أنفسهم بطرق مختلفة‪ ،‬كما أن الدراية بلغات أجنبية‬ ‫نزيح عن طريقنا عقبات تحول دون لحاقنا بركب الحضارة اإلنسانية‪،‬‬
‫تمنح متعلميها قدرًا أكبر من الثقة بالنفس‪.‬‬ ‫وإ ن أردنا أن يكون لنا إسهام في التقدم العلمي والتقني الذي يشهده‬
‫ال‪ ،‬ليست عملية تعلم اللغات األجنبية ترفًا‪ ،‬بل هي ‪ -‬كما هو اآلن واقع‬ ‫عصرنا الحالي‪ ،‬وذلك لن يتأتى لنا تحقيقه في ظل عزلة وانغالق‬
‫في أمكان متفرقة في العالم ‪ -‬أداة لالنفتاح على الطرف اآلخر‪ ،‬ووسيلة‬ ‫يحوالن بيننا وبين النهل من واالطالع على العلوم والمعارف التي‬
‫لتعزيز التواصل بين الحضارات‪ ،‬وأداة لتبادل التجارب والمعرفة بين‬ ‫يزخر بها العالم من حولنا‪ ،‬تلك المعارف‪ ،‬وبخاصة ذات الصبغة‬
‫األمم‪ ،‬وأداة إلزالة الحواجز والمعوقات بين الشعوب والثقافات‪ ،‬وهذه‬ ‫التطبيقية‪ ،‬منها مكتوبة بلغات أجنبية نحن بأمّس الحاجة إلى تعلمها حتى‬
‫األمور هي ما قادت دوًال لتبني مشروعات لتعلم اللغات األجنبية‪ ،‬ويأتي‬ ‫يتسنى لنا الحقًا نقلها إلى أوطاننا‪ ،‬ومن ثم توطينها‪.‬‬
‫على رأس تلك التجارب ما قامت به مؤخرًا المدارس والجامعات‬
‫الصينية التي وضعت خططًا للمساهمة في تعزيز تدريس اللغات‬ ‫ال‪ ،‬ليست عملية تعلم اللغات األجنبية ترفًا‪ ،‬بل لها فوائد اقتصادية‪ ،‬ففي‬
‫األجنبية‪ ،‬وانبثق منها حركة تعليم اللغات األجنبية التي اختاروا لها‬ ‫ظل وجود مؤشرات وإ رهاصات بظهور قوى وتحالفات اقتصادية‬
‫مسمى (تحيات إلى كل العالم)‪.‬‬ ‫جديدة‪ ،‬وفي ظل التنافس االقتصادي المحموم ليس من سبيل أمامنا إال‬

‫‪1‬‬
‫أن أبناءنا وبناتنا ال يتحدثون العربية‪ ،‬وإ نما يجيدون الحديث بلغات‬ ‫وفي ذات اإلطار نجد أيضا أن ألمانيا ‪ -‬رغبة منها في تشجيع الناس‬
‫أجنبية‪ ،‬ونصدح بأعلى صوتنا أننا نبذل الغالي والنفيس في تعليمهم تلك‬ ‫فيها على تعلم اللغات األجنبية ‪ -‬قد تبنت مشروعًا يسعى إلى تعلم‬
‫اللغات األجنبية على حساب معرفتهم وإ تقانهم للغتهم األم‪ ،‬وقد بلغ األمر‬ ‫اللغات األجنبية أطلق عليه مسمى (تعلم لغة أجنبية في الطريق)‪ ،‬وقد‬
‫مداه حين نلمس مدى الحرج الذي يعتري أبناءنا وبناتنا عند اإلفصاح‬ ‫تبنت المشروع شركة المواصالت العامة التي قامت بوضع الملصقات‬
‫عن عدم معرفتهم لغات أجنبية‪.‬‬ ‫والمنشورات واللوحات اإللكترونية في محطات النقل المركزية‬
‫المختلفة من أجل مساعدة وتشجيع المستخدمين لتلك المواصالت على‬
‫هذا الواقع المحزن ينّم ‪ -‬كما هو الحال في تعاطينا مع كثير من األمور‬ ‫تعلم اللغات األجنبية‪ ،‬وإ لى جانب ذلك نجد مبادرة (التاندم بارتنر) التي‬
‫‪ -‬عن سوء تقدير وتعامل خاطئ‪ ،‬وبخس بحق الوزن أو الثقل‬ ‫تمثل أسلوبًا مبتكرًا تدعمه الجامعة األلمانية من أجل مساعدة الطلبة‬
‫الحضاري للغة العربية‪ ،‬وتلك الممارسة غير الحصيفة يجب أال تحول‬ ‫الذين يرغبون في تعلم اللغات األجنبية‪ ،‬والمبادرة تقوم على أساس‬
‫بيننا وبين التعامل مع ضرورة تقتضيها المرحلة الحالية‪ ،‬فعلى سبيل‬ ‫اشتراك طرفين يتقنان لغات مختلفة في تعليم بعضهما سواء عن طريق‬
‫المثال‪ :‬ماذا نحن فاعلون تجاه معلومات تخص مثًال اللغة اإلنجليزية‬ ‫التواصل المباشر‪ ،‬أو الرسائل العادية‪ ،‬أو االلكترونية‪ ،‬أو حتى بواسطة‬
‫التي تقول األرقام إن متحدثيها كلغة أم بلغوا قرابة الـ‪ 380‬مليونا‪،‬‬ ‫برامج المحادثة المباشرة على شبكة االنترنت‪.‬‬
‫ووصل عدد متحدثيها كلغة ثانية إلى الـ‪ 600‬مليون‪ ،‬وهي اللغة الرسمية‬
‫لـ‪ 52‬دولة‪ ،‬وأن ثلث العالم يتكلم بها أو يفهمها إلى درجة معينة‪ ،‬وأن‬ ‫وبريطانيا التي كانت إلى وقت قريب تمنع تعليم اللغة األجنبية ألبنائها‬
‫أكثر من نصف الدوريات العلمية والمجالت العالمية مكتوبة باللغة‬ ‫قبل سن الحادية عشرة‪ ،‬ويرفع مسؤولوها شعار (تعلم اللغات األجنبية‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬وأن أكثر من ‪ 120‬دولة في األمم المتحدة طلبت أن تكون‬ ‫ليس مهمًا ألن لغتنا اإلنجليزية بحد ذاتها كافية) قامت مؤخرًا ومن‬
‫التعامالت بينها باللغة اإلنجليزية‪ ،‬وأن ‪ %65‬من البرامج اإلذاعية في‬ ‫خالل معهد تمويل التعلم العالي بتبني سياسة أو مبادرة جديدة من أجل‬
‫العالم تذاع باللغة اإلنجليزية‪ ،‬وأن ‪ %70‬من األفالم ناطقة باللغة‬ ‫تشجيع البريطانيين على تعلم اللغات األجنبية‪ ،‬وقد رصد المعهد مبالغ‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬وكذلك ‪ %90‬مما هو منشور على شبكة اإلنترنت هو‬ ‫مالية من أجل تشجيع الجامعات بالعمل مع مدارس التعليم العام للقيام‬
‫باللغة اإلنجليزية‪ ،‬وأن ثالثة أرباع الرسائل البريدية المتبادلة حول‬ ‫بدورات توعية تبرز أهمية تعلم اللغات األجنبية‪ ،‬وهذا أيضا يسري‬
‫العالم مكتوبة باللغة اإلنجليزية‪ ،‬وأن أكثر من ‪ %65‬من التواصل‬ ‫على بقية دول المجموعة األوروبية التي فرضت منذ عام ‪ 2000‬على‬
‫اإللكتروني من خالل شبكة االنترنت يتم من خالل استخدام اللغة‬ ‫المتخرجين في المدارس العليا أال يتمكنوا من التخرج إال بعد إجادة‬
‫اإلنجليزية؟‪ ..‬أعتقد أن هذه األرقام تستدعي منا إعادة النظر في كيفية‬ ‫لغتين أجنبيتين‪ ،‬ولن أتوقف عند التجربة األمريكية الممثلة بمبادرة‬
‫التعامل مع تعلم اللغات األجنبية‪ ،‬وأرى أن الوقت حان ألخذ األمر‬ ‫الرئيس األمريكي (لتعلم اللغات المهمة) التي تقدمت إدارته بطلب ‪114‬‬
‫بمزيد من الجدية‪ ،‬والرغبة الصادقة في إيجاد البرامج المعنية بتعلم‬ ‫مليون دوالر لتعلم تلك اللغات األجنبية‪ ،‬والتي أيضا ستقوم وزارة‬
‫اللغات األجنبية الحية الرائدة عالميًا‪.‬‬ ‫الدفاع خالل أربع سنوات بإنفاق ‪ 750‬مليون دوالر إضافيًا على‬
‫البرامج المتصلة بتلك المبادرة؛ ألن لها ُبعدًا أمنيًا قوميًا أكثر من أي‬
‫إن كان لي من أمنية في ختام هذه المقالة فهي أال نطيل الوقوف عند‬ ‫شيء آخر‪ ،‬هذا فضًال عن أكثر من ‪ 22‬مليون دوالر دفعتها وزارة‬
‫قضية مسَّلمة‪ ،‬وإ نما علينا أن نتجاوز في طرحنا لها اإلطار الضيق‬ ‫التربية األمريكية في مطلع عام ‪ 2006‬للمدارس األمريكية العامة‬
‫المتمثل ب(مع أو ضد) إلى نظرة أوسع‪ ،‬وموقف أجدى‪ ،‬وأعني بذلك‬ ‫لتدريس اللغات العربية‪ ،‬والصينية‪ ،‬والهندية‪ ،‬وغيرها من اللغات‬
‫ماذا ينبغي لنا عمله حتى نجعل من مشروع تعلم اللغات األجنبية تجربة‬ ‫األجنبية‪.‬‬
‫ذات كفاءة ومردود إيجابي عالي القيمة؟‬
‫وهذه ليست دعوة إلقصاء لغتنا األم‪ ،‬وتوطين اللغات األجنبية في‬
‫بالدنا‪ ،‬وإ نما هي دعوة للتعاطي بواقعية مع مستحقات الفترة الراهنة‬
‫التي نعيشها‪ ،‬وفي الوقت نفسه نحن بحاجة إلى التعاطي مع بوادر أو‬
‫مؤشرات أولية لظاهرة بغيضة أطلت علينا برأسها مؤخرًا والمتمثلة في‬
‫جعل اللغات األجنبية لغات نلجأ لها في تعامالتنا في الشارع‪ ،‬وفي‬
‫مؤسساتنا التعليمية‪ ،‬وفي داخل أروقة أماكن أعمالنا‪ ،‬ونعلن بزهو وفخر‬

‫‪2‬‬

You might also like