You are on page 1of 4

‫األنباء عن كتاب اإلحياء من أقوال العلماء في كتاب اإلحياء لإلمام الغزالي‬

‫سألني كثير من اإلخوان أن انشر مقالة ابحث عن كتاب األحياء لألمام الغزالي وبما هي القيمة العلمية لكتاب‬
‫إحياء علوم الدين‪،‬‬
‫وما حقيقة القول المنسوب للعلماء بان إحياء علوم الدين كله كفر وضالل وحقيق أن يسمى أمانة علوم الدين‬
‫●●●●□□□□□●●●●□□□□□‬
‫وبعُد ‪:‬‬
‫فهذه ُنقوٌل استللتها من الكتاب الكبير "نزهة العيون في شرح مقدمة ابن خلدون"‬
‫عسى هللا أن ينفع بها‪...‬‬
‫قال ابن َخ لدون (انطق هذا االسم بفتح الخاء ال غير) من كالمه على علم التصوف‪:‬‬
‫((‪ ...‬فلما ُك تبت العلوم ودونت‪ ،‬وألف الفقهاء في الفقه وأصوله والكالم والتفسير وغير ذلك‪ ،‬كتب رجال من‬
‫أهل هذه الطريقة في طريقتهم‪ .‬فمنهم من كتب في الورع ومحاسبة النفس على االقتداء في األخذ والترك‪ ،‬كما‬
‫فعله اْلُمَح اِس ِبُّي في كتاب "الرعاية"‬
‫له‪ ،‬ومنهم من كتب في آداب الطريقة وأذواق أهلها ومواجدهم في األحوال كما فعله الُقَشْيِرُّي في كتاب‬
‫"الرسالة"‪ ،‬والُّسْهَر َو ْر ِد ُّي في كتاب "عوارف المعارف"‪ ،‬وأمثالهم‪.‬‬
‫وجمع الغزالي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬بين األمرين في كتاب "اإلحياء"‪،‬‬
‫فدون فيه أحكام الورع واالقتداء‪ ،‬ثم بَّين آداب القوم وسننهم وشرح اصطالحاتهم في عباراتهم‪ .‬وصار علم‬
‫التصوف في الملة علًم ا مدوًنا‪ ،‬بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط‪ ،‬وكانت أحكامها إنما تتلقى من صدور‬
‫الرجال‪ ،‬كما وقع في سائر العلوم التي دونت بالكتاب من التفسير والحديث والفقه واألصول وغير ذلك))‬
‫انتهى‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫ًة‬
‫ذكر أهل العلم أن في "اإلحياء" آفاٍت كثير ‪ ،‬وفيه فوائد أكثر‪ ،‬والناس فيه بين مفرط ومفّرط‪ ،‬والحق بينهما‪،‬‬
‫وإن أردته فاستمع لما ُيتلى عليك‪ ،‬فأنا ذاكٌر لك من كالم أهل اإلنصاف ما َيقفك‬
‫عليه إن شاء هللا‪ ،‬من باب قول الرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬الدين النصيحة))‪.‬‬
‫قال العالمة أبو الفرج ابُن الجوزي في خطبة كتابه "منهاج القاصدين"‪ ،‬وهو اختصار لكتاب "اإلحياء"‪:‬‬
‫((اعلم أن في "اإلحياء" آفاٍت ال يعلمها إال العلماء‪ ،‬وأقلها األحاديث الباطلة الموضوعة‪ ،‬والموقوفة وقد جعلها‬
‫مرفوعة‪ ،‬وإنما نقلها كما اقتراها‪ ،‬ال أنه افتراها‪.‬‬
‫وال ينبغي التعبد بحديث موضوع‪ ،‬واالغترار بلفظ مصنوع‪.‬‬
‫وكيف أرتضي لك أن تصلي صلوات األيام ولياليها وليس فيها كلمة قالها رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬؟!‬
‫وكيف أوثر أن يطرق سمعك من كالم المتصوفة الذي جمعه وندب إلى العمل به ما ال حاصل له من الكالم في‬
‫الفناء والبقاء‪ ،‬واألمر بشدة الجوع‪ ،‬والخروج إلى السياحة في غير حاجة‪ ،‬والدخول في الفالة بغير زاد‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك مما قد كشفت عن َُع َو اره في كتابي المسمى بـ"تلبيس إبليس")) انتهى‪.‬‬
‫وقد ذكر ابُن الجوزي في "المنتظم في تاريخ األمم والملوك" (‪ )17/125‬ط‪ /‬دار الكتب العلمية‪ ،‬أن له تصنيًفا‬
‫أسماه "إعالم األحياء بأغالط اإلحياء"‪.‬‬
‫وأقول‪:‬‬
‫إن وجود األحاديث الضعيفة والموضوعة في "اإلحياء" أمر ال ينكره ذو عينين‪ ،‬ومن أبين الدالئل على ذلك‬
‫كتاب الحافظ العراقي المترجم‬
‫بـ"المغني عن حمل األسفار في األسفار في تخريج ما في اإلحياء من األخبار"‪ ،‬وهو مطبوع بحاشية‬
‫"اإلحياء"‪ ،‬فكم من األحاديث التي جزم اإلمام الغزالي بنسبتها إلى النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ويقول فيها‬
‫الحافظ العراقي‪(( :‬ال أصل له ))‪،‬‬
‫و‪(( :‬لم أجد له أصًال))‪ ،‬فضًال عن الضعيف المعل‪ ،‬والمكذوب المفترى[‪ ،]3‬حتى قال اإلمام أبو بكٍر‬
‫الُّطرطوشُّي ‪(( :‬شحن أبو حامد "اإلحياء" بالكذب على رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬فال أعلم كتاًبا على‬
‫بسيط األرض أكثَر كذًبا منه))!‬
‫ولكَّنا نقول ما قال ابُن الجوزي‪:‬‬
‫إن اإلمام الغزالي لم يتعمد الكذب على رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬حاشاه من ذلك‪ ،‬ولكنه نقل‬
‫األحاديث ((كما اقتراها‪ ،‬ال أنه افتراها))‪.‬‬
‫واإلمام الغزالي ‪ -‬رحمه هللا ‪-‬‬
‫لم يكن محِّد ًثا‪ ،‬ومن هنا ُأتي‪ ،‬وقد صرح هو بذلك‪ ،‬فقال ‪ -‬على ما نقله العماُد في "البداية" (‪(( :-)12/174‬أنا‬
‫مزجى البضاعة في الحديث))‪.‬‬
‫َبْيد أن اإلمام ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬مال في آخر عمره إلى سماع الحديث وحفظه‪ ،‬ومات و"صحيح البخاري" على‬
‫صدره‪ .‬قال بعضهم‪(( :‬لو عاش لسبق الكل في ذلك الفن بيسير من األيام))‪.‬‬
‫فليت الذين يقبلون على "اإلحياء" ثم يصعدون المنابر فيبثون الكذب على الرسول يسمعون‪ ،‬وقد علموا ما في‬
‫التحديث بالكذب من اآلثام‪ ،‬والغزالي معذور‪ ،‬لكن ال عذر لمن علم ولم ينزع‪ .‬اللهم قد بلغت‪ .‬اللهم فاشهد‪.‬‬
‫وقال الذهبُّي في "السير" (‪:)340-19/339‬‬
‫((في "اإلحياء" من األحاديث الباطلة جملة‪ ،‬وفيه خيٌر كثيٌر ‪ ،‬لوال ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق‬
‫الحكماء ومنحرفي الصوفية‪ .‬نسأل هللا علًم ا نافًعا‪ .‬تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن‪ ،‬وفسره الرسول‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قوًال وفعًال‪ ،‬ولم يأِت نهٌي عنه‪ ،‬قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪َ(( :-‬م ن رغب عن سنتي‬
‫فليس مني))‪.‬‬
‫فعليك يا أخي‪ ،‬بتدبر كتاب هللا‪ ،‬وبإدمان النظر في "الصحيحين"‪ ،‬و"سنن النسائي"‪ ،‬و"رياض النواوي"‬
‫و"أذكاره"؛ تفلح وتنجح‪ ،‬وإياك وآراَء ُعَّباد الفالسفة‪ ،‬ووظائَف أهل الرياضات‪ ،‬وجوَع الرهبان‪ ،‬وخطاَب‬
‫َطْيِش رؤوِس أصحاِب الخلوات‪ ،‬فُك ُّل الخير في متابعة الحنيفية السمحة‪ .‬فواغوثاه باهلل‪ .‬اللهم اهدنا إلى‬
‫صراطك المستقيم)) انتهى‪.‬‬
‫وقال اإلماُم ابن تيمية ‪ -‬كما في‬
‫"المجموع" (‪ - )552-10/551‬حين ُسئل عن "قوت القلوب" ألبي طالب المكي‪ ،‬و"اإلحياء" ألبي حامد‬
‫الغزالي‪:‬‬
‫َت‬
‫((أما كتاب "قوت القلوب" وكتاب "اإلحياء" َبٌع له فيما يذكره من أعمال القلوب‪ ،‬مثل الصبر والشكر والحب‬
‫والتوكل والتوحيد ونحو ذلك‪ .‬وأبو طالب أعلُم بالحديث واألثر وكالم أهل علوم القلوب من الصوفية وغيرهم‬
‫من أبي حامد الغزالي‪ ،‬وكالمه َأَس ُّد وأجوُد تحقيًقا‪ ،‬وأبعُد عن البدعة‪ ،‬مع أن في "قوت القلوب" أحاديَث‬
‫ضعيفًة وموضوعًة وأشياَء كثيرًة مردودًة‪.‬‬
‫وأما ما في "اإلحياء" من الكالم في المهلكات‪ ،‬مثل الكالم على الكبر والعجب والرياء والحسد ونحو ذلك‪،‬‬
‫فغالُبه منقوٌل من كالم الحارث المحاسبي في "الرعاية"‪ ،‬ومنه ما هو مقبول‪ ،‬ومنه ما هو مردود‪ ،‬ومنه ما هو‬
‫متنازع فيه‪.‬‬
‫ٌة‬ ‫ٌة‬ ‫ٌة‬
‫و"اإلحياء" فيه فوائُد كثير ؛ لكْن فيه مواُّد مذموم ؛ فإنه فيه مواُّد فاسد من كالم الفالسفة تتعلق بالتوحيد‬
‫والنبوة والمعاد‪ ،‬فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدًّو ا للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين!‬
‫وقد أنكر أئمُة الدين على أبي حامد هذا في كتبه‪ ،‬وقالوا‪(( :‬مرضه "الشفاء"!))‪ ،‬يعني‪ :‬شفاء ابن سينا في‬
‫الفلسفة‪.‬‬
‫ُت‬ ‫ٌة‬ ‫ٌة‬ ‫ٌة‬
‫وفيه أحادي وآثاٌر ضعيف ؛ بل موضوع كثير ‪ .‬وفيه أشياُء من أغاليط الصوفية و َّرَهاتهم‪.‬‬ ‫ُث‬
‫وفيه مع ذلك من كالم المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة‪ ،‬ومن‬
‫غير ذلك من العبادات واألدب ما هو موافق للكتاب والسنة ما هو أكثر مما ُيَر ُّد منه؛ فلهذا اختلف فيه اجتهاد‬
‫الناس وتنازعوا فيه)) انتهى‪.‬‬
‫وأنت ‪ -‬حفظك هللا ‪ -‬فاعلم أن ليس الزم ذكر ما في كتب اإلمام من اآلفات هضم حقه‪ ،‬ونسيان أفضاله‬
‫وحسناته‪ ،‬كال ثم كال؛ فالغزالي هو الغزالي‪ ،‬وكفى الغزالَّي فخًر ا أنه الغزالي‪ ،‬ذلك اإلمام العالمة الجهبذ‬
‫النحرير الِح بل الزاهد العابد العارف الورع‪ ،‬الذي تشهد الدنيا بورعه وزهده وعلمه‪ ...‬قال عنه الذهبي‪:‬‬
‫((اإلمام‪ ،‬البحر‪ ،‬حجة اإلسالم‪ ،‬أعجوبة الزمان‪ ...‬صاحب التصانيف‪ ،‬والذكاء المفرط))‪ ،‬وقال ابن كثير‪:‬‬
‫((كان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه))‪.‬‬
‫وَم ن أنكر ذلك فكأنما أنكر ضوء الشمس في رائعة النهار‪.‬‬
‫وليس يصح في األذهان شيء‬
‫إذا احتاج النهار إلى دليل‪.‬‬
‫وإنما ذكرنا ما ذكرنا من باب النصيحة كما أسلفنا‪ ،‬وإال فقد قال نبينا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪(( :-‬إذا بلغ الماء‬
‫قلتين لم يحمل الخبث))‪.‬‬
‫وهلل در َم ن قال‪:‬‬
‫وإذا الحبيب أتى بذنب واحد‬
‫جاءت محاسنه بألف شفيع‪.‬‬
‫وَأْج ِم ل بقول القائل‪:‬‬
‫فإن يكن الفعل الذي ساء واحًدا‬
‫فأفعاله الالئي سررن ألوُف ‪.‬‬
‫وقد قال صاحب "السير" في آخر ترجمة الغزالي‪:‬‬
‫((فرحم هللا اإلماَم أبا حامد‪ ،‬فأين مثُله في علومه وفضائله؟! ولكن ال ندعي عصمته من الغلط والخطِإ‪ .‬وال‬
‫تقليَد في األصول))‪.‬‬
‫وخل عنك َم ن أخذت عليه العاطفة الجهات األربع فحمى لذلك أنُفه فَع َّب ُعبابه! فلن يكون أكثر تعظيًم ا للغزالي‬
‫من كل أولئك‪ ،‬وإنني ال أكاد أخلي صالة لي من دعوة لإلمام‪ ،‬لكن األمر ِد يٌن ‪ .‬ثم إن كان ذلك الغاضب من أهل‬
‫العلم فهو على يقين من أنه محجوج‪ .‬فتبصر‪،،،‬‬
‫درجة أحاديث االحياء‬
‫وال يذهب عنك أن الحديث الموضوع قسم من أقسام الحديث الضعيف‪ ،‬وكذا المنكر والشاذ والمطروح‪ ...‬كما‬
‫تراه في كتب المصطلح‪ ،‬وبهذا ُيرد على َم ن قال‪ُ(( :‬يتساهل في الضعيف في غير األحكام‪ ،‬وإن كثيًرا من‬
‫األحاديث التي في "اإلحياء" قد حكم عليها العراقي بالضعف فقط وليس بالوضع‪ ،‬وعليه فليس في "اإلحياء"‬
‫من األحاديث الموضوعة إال قليل))!‪ ،‬فيقال‪ :‬إن كثيًر ا من األحاديث التي حكم الحافظ العراقي بضعفها تشمل‬
‫موضوعات ومناكير وغيَر ذلك‪ ،‬ولقد سلف عليك أن هذه تنتظم تحت مسمى الضعيف‪ ..‬فتنبه‪.‬‬

You might also like