You are on page 1of 33

‫‪279‬‬

‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬


‫«بحث في مفارقة الحكم للمسئولية األخالقية»‬

‫(*)‬
‫د‪ .‬مصطفى عبد الرؤف راشد أحمد‬

‫مقدمة‬

‫كثر من األحيان‪ -‬عى مدى قدرة الفاعل عى حتمل مسئولية‬ ‫تتوقف األحكام األخالقية ‪-‬يف ٍ‬
‫�ال معي ًنا‪ ،‬ينبغي أن‬ ‫قادرا عى تربيرها؛ فعندما نُ َِّ‬
‫قيم س��لوكًا أو فع� ً‬ ‫أفعال��ه وقرارات��ه‪ ،‬وأن يكون ً‬
‫مؤهال من‬
‫ً‬ ‫يكون الفاعل مس� ً‬
‫�ئوال مس��ئولية تامة عن نتائج أفعاله وترصفاته‪ ،‬رشيطة أن يكون‬
‫الناحية العقلية والنفس��ية‪ ،‬وهذا يعن أنه من الناحية األخالقية مس��ئول فحس��ب عن األفعال‬
‫التي تقع حتت سيطرته‪.‬‬
‫وع��ى النقي��ض من ذل��ك‪ ،‬يرى مؤيدو احل��ظ األخالق��ي ‪ Moral Luck‬أن هن��اك عوامل‬
‫خارجي��ة تؤثر يف أفعال املرء وقراراته من ناحية‪ ،‬وتوثر يف تقييمنا األخالقي من ناحية أخرى؛‬
‫لذل��ك ينبغي أال نطلق أحكا ًما بالثن��اء أو اللوم من دون مراعاة العوام��ل والظروف اخلارجية‬
‫كثرا ما حيدث أن نحكم عى األشخاص بالثناء‬
‫التي تؤثر يف فعل معني أو اختاذ قرار حمدد؛ ألن ً‬
‫أو اللوم دون أن يكونوا مسئولني عن نتائج أفعاهلم مسئولية تامة‪.‬‬
‫وبن��اء عى ه��ذا‪ ،‬تكمن إش��كالية البحث احلايل يف دح��ض احلجة القائل��ة‪« :‬ليس للحظ‬
‫أي صلة باألخالق»‪ ،‬وهي احلجة التي أسس��ها الفيلس��وف األمل��اين «إميانويل كانط» ‪E. Kant‬‬
‫(‪1804-1724‬م) يف كتاب��ه «تأس��يس ميتافيزيقا األخ��الق»‪ ،‬حي��ث رأى أن التقييم األخالقي‬
‫يتوقف عى مبدأ السيطرة‪ ،‬واستهجن كل ما يأيت من احلظ‪ ،‬لذا ميثل احلظ مفارقة ‪ Paradox‬بني‬
‫التقييامت األخالقية ومسئولية األفراد عن أفعاهلم وقراراهتم‪.‬‬

‫(*) مدرس القيم وفلسفة األخالق‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة سوهاج‪.‬‬


‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪280‬‬

‫وفيام يتعلق بإشكالية البحث‪ ،‬فإهنا تتمثل يف اإلجابة عن التساؤالت اآلتية‪:‬‬


‫ماذا نقصد مببدأ السيطرة؟‬ ‫ˆ‬

‫هل مثة عالقة بني املسئولية واحلظ؟‬ ‫ˆ‬

‫ماذا نعن باحلظ األخالقي‪ ،‬وما أنواعه؟‬ ‫ˆ‬

‫ما طبيعة التقييامت يف احلظ األخالقي؟‬ ‫ˆ‬

‫هل للحظ دور يف تقييامتنا األخالقية؟‬ ‫ˆ‬

‫أ َّم��ا ع��ن املنهج املتبع يف البحث‪ ،‬فس��أعتمد عى املنهج الوصفي التحلي��يل؛ وذلك من أجل‬
‫حتليال‬
‫وصف القضايا املطروحة من خالل جمموعة من األمثلة؛ لبيان وتوضيح املعى‪ ،‬ثم حتليله ً‬
‫دقي ًقا‪.‬‬
‫وحتقي ًق��ا أله��داف البحث‪ ،‬فقد ج��اء البحث يف ثالث��ة حماور وخامتة ج��اءت عى النحو‬
‫اآليت‪ :‬املحور األول يتضمن احلديث عن مبدأ الس��يطرة؛ تعريفه وأنواعه وعالقته باملس��ئولية‬
‫األخالقي��ة ومفارقته للحظ‪ .‬بينام يتن��اول املحور الثاين تعريف احل��ظ األخالقي والفرق بينه‬
‫وب��ني احلظ الع��ادي ومفارقة احلظ للمس��ئولية‪ ،‬ثم عرض ثالثة انتق��ادات ق ّ ُِدمت ملفهوم احلظ‬
‫األخالق��ي‪ ،‬أ َّما املحور الثالث ففيه عرض ألنواع احلظ األخالقي‪ ،‬خاصة عن «توماس ناجل»‬
‫‪1973( Thomas Nagel‬م‪ ،)-‬ممثلة يف‪:‬‬
‫‪ -1‬احلظ التأسيي‪.‬‬
‫‪ -2‬احلظ املرتبط بالنتائج‪.‬‬
‫‪ -3‬احلظ املرتبط بظروف املرء‪.‬‬
‫‪ -4‬احلظ املرتبط بأسباب األفعال السابقة وتأثراهتا‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬مبدأ السيطرة ومفارقته للحظ‬

‫تنتج مشكلة احلظ األخالقي من حدسني أساسيني متناقضني‪:‬‬


‫أوهلام‪ :‬أن أساس التقييامت األخالقية ‪ Moral Assessment‬ينبغي أن يقترص عى العوامل‬
‫‪281‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫اخلاضعة لس��يطرة الفاعل‪ ،‬وهذا ما يسمى مبدأ السيطرة ‪ ،Control Principle‬الذي ينص عى‪:‬‬
‫مون أخالق ًّيا فحسب إىل احلد الذي يعتمد فيه تقييمنا عى عوامل حتت سيطرتنا»‪.‬‬
‫«أننا ُم َق َّي َ‬
‫كبرا من احلاالت التي تعتمد فيها التقييامت األخالقية عى عوامل‬
‫ثانيهام‪ :‬أن هناك عد ًدا ً‬
‫خارجة عن س��يطرة الفاعلني األخالقيني‪ ،‬وهو ما يس��مى مببدأ احلظ األخالق��ي ‪Principle of‬‬
‫‪ ،Moral Luck‬وين��ص عى أنه‪« :‬حيدث احلظ األخالقي عندما ُي َعا َمل الفاعل بوصفه موضو ًعا‬
‫مهام ِملَا يتم تقييمه يعتمد عى عوامل تتجاوز‬
‫للحكم األخالقي‪ ،‬عى الرغم من حقيقة أن جان ًبا ًّ‬
‫حدوده»)‪.(1‬‬
‫يف��رض مبدأ الس��يطرة ‪-‬منذ البداي��ة‪ -‬أن أي إصدار ألحكام أخالقية ح��ول الفرد يكون‬
‫فق��ط يف احلاالت التي يس��يطر فيها عى ترصفات��ه وأفعاله‪ ،‬ويرتب عى هذا نش��وء مفارقة مع‬
‫فكرة احلظ األخالقي؛ ألن هناك عد ًدا من األحكام األخالقية مفارقة ملبدأ الس��يطرة)‪ .(2‬وتنشأ‬
‫هذه املفارقة من أن األخالق ترتبط ‪-‬عادة‪ -‬مبفاهيم مثل‪ :‬السيطرة واالختيار واملسئولية والثناء‬
‫‪ Praise‬والل��وم ‪ ،Blame‬أ َّما احلظ فرتبط ‪-‬ع��ادة‪ -‬مبفاهيم مثل‪ :‬الصدفة ‪ Chance‬وعدم القدرة‬
‫عى التنبؤ ‪ Unpredictability‬وعدم السيطرة وعدم مالءمة الثناء واللوم)‪.(3‬‬
‫وميكن تسليط الضوء عى مبدأ السيطرة وما يرتب عليه عى النحو اآليت‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬مب��دأ الس��يطرة‪ :‬نح��ن ُمق َّيم��ون أخالقي��ا فق��ط إىل املدى ال��ذي يعتمد في��ه تقييمنا‬
‫عى عوامل خاضعة لسيطرتنا‪.‬‬
‫ثان ًي��ا‪ :‬يرت��ب عى ذلك‪ :‬جي��ب أال يتم تقييم ش��خصني أخالق ًيا بش��كل خمتل��ف؛ طاملا أن‬
‫االختالفات األخرى الوحيدة بينهام ترجع إىل عوامل خارجة عن سيطرهتام)‪.(4‬‬
‫ويبدو أن مبدأ الس��يطرة والنتيجة الطبيعية التي تنتج عنه معقولة يف حد ذاهتا‪ ،‬حيث جيد‬

‫‪)1( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Ph.D. College of Arts & Sciences,‬‬
‫‪The Florida State University, ProQuest, 2010, p.5.‬‬
‫‪)2( Woodford, F. Nicole: Moral Luck, Control, Choice, and Virtue, Ph.D. The University of‬‬
‫‪Hull, England, September 2016, p. 11.‬‬
‫‪)3( Ibid, p.4.‬‬
‫‪)4( Nelkin, K. Dana: Moral Luck, Stanford Encyclopedia of Philosophy, Ed by: Edward N. Zalta‬‬
‫‪and Others, Apr 10, 2013, p. 2. In: https: //plato.stanford.edu/entries/moral-luck/.10-4-‬‬
‫‪2019.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪282‬‬

‫فمثال إذا اكتش��فنا أن امل��رأة التي ضغطت للتو عى‬ ‫الدع��م يف ردود أفعالن��ا جتاه حاالت معينة‪ً ،‬‬
‫أصاب��ع قدميك تم دفعها ببس��اطة‪ ،‬فمن املحتم��ل أن حالة امليل إىل إلقاء اللوم س��وف تتالىش‪،‬‬
‫ويب��دو أن الس��بب يف ذلك هو عدم رغبتنا يف حتميل ش��خص ما مس��ئولية ما ال يس��يطر عليه‪.‬‬
‫مني بجميع قواع��د الطريق‪ ،‬وفجأة‬ ‫وباملثل إذا اختذ الس��ائقان مجي��ع االحتياطات‪ ،‬وكان��ا ُملْ َت ِز ْ ِ‬
‫نظرا ألن رك��ض الكلب مل يكن ش��ي ًئا خاض ًعا‬ ‫يرك��ض كلب أمام س��يارة أحدمها؛ و ُيقت��ل‪ ،‬و ً‬
‫لس��يطرة السائق‪ ،‬فعندئذ يبدو أننا غر مستعدين إللقاء اللوم عى سائق أكرث من اآلخر‪ ،‬وعى‬
‫تقييام أخالق ًّيا‬
‫ً‬ ‫الرغم من أننا قد نتوقع ردود فعل خمتلفة من السائقني‪ ،‬إال أن أحدمها ال يستحق‬
‫أسوأ من اآلخر)‪.(1‬‬
‫ينقسم مبدأ السيطرة إىل نوعني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫ال‪ :‬مبدأ الس��يطرة التامة ‪ ،Complete Control‬وصياغته‪ :‬يكون للفاعل السيطرة التامة‬
‫أو ً‬
‫عى احلدث‪ ،‬إذا كان‪:‬‬
‫( أ ) ميتلك الفاعل السيطرة التامة عى احلدث‪.‬‬
‫و(ب) ميتلك السيطرة عى مجيع األحداث األخرى التي تسببت يف هذا احلدث)‪.(2‬‬
‫ويب��دو أن ه��ذا النوع من أنواع الس��يطرة يعارض فكرة املس��ئولية األخالقي��ة؛ ألنه هبذا‬
‫�ئوال عن أي يشء عى اإلطالق‪ .‬وهذا ما يشر إليه «مايكل‬ ‫املعى الس��ابق لن يكون الفاعل مس� ً‬
‫قائال‪« :‬ميتلك املرء س��يطرة تامة عى يشء ما‪،‬‬
‫زميرمان» ‪1951( Michael J. Zimmerman‬م‪ً )-‬‬
‫فق��ط إذا كان حدوث��ه ال يتوقف ع��ى أي يشء خارج حدود س��يطرة الفاع��ل‪ ،‬ويبدو أن هذا‬
‫الرأي غر قابل للتطبيق من قبل أي شخص ويف أي وقت؛ ألن السيطرة التي لدينا هي يف أحسن‬
‫األحوال سيطرة جزئية»)‪.(3‬‬
‫ثان ًي��ا‪ :‬مب��دأ الس��يطرة املعياري��ة ‪ ،Standard Control‬وصياغت��ه‪ :‬ميتلك الفاعل س��يطرة‬
‫حرا في��ام يتعلق باحل��دث { أ }‪ -2 .‬إذا‬
‫معياري��ة ع��ى احل��دث { أ }‪ ،‬فق��ط‪ -1 :‬إذا كان الفاع��ل ًّ‬
‫حرا فيام يتعلق بعدم حدوث احلدث { أ }‪ .‬يش��تق من الس��يطرة املعيارية نوع آخر‬ ‫كان الفاعل ًّ‬
‫‪)1( Ibid, pp.2-3.‬‬
‫‪)2( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.4.‬‬
‫‪)3( Zimmerman, J. Michael: Moral Luck, A Partial Map, Canadian Journal of Philosophy, Vol.36,‬‬
‫‪No.4, Canada, )Dec., 2006(, p.591.‬‬
‫‪283‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫وهو الس��يطرة املقيدة (املقلصة) ‪ ،Curtailed‬وهي‪ :‬أنه ميكن للفاعل احلد من الس��يطرة املقيدة‬
‫حرا فيام يتعلق‬
‫حرا فيام يتعلق باحلدث { أ }؛ ولكنه ليس ً‬
‫ع��ى حدث م��ا‪ ،‬فقط إذا كان الفاعل ًّ‬
‫بعدم حدوث احلدث { أ })‪.(1‬‬
‫نستنتج مما سبق‪ ،‬أن سيطرة الفاعل عى احلدث رشط رضوري للتقييم األخالقي وللمسئولية‬
‫األخالقي��ة‪ ،‬وترج��ع هذه الرؤية فيام ي��رى «توماس ناجل» إىل الفيلس��وف األملاين «كانط»؛‬
‫حي��ث يعتق��د أن احل��ظ اجليد أو الس��يئ ال ينبغي أن يؤث��ر يف احلكم األخالقي عى الش��خص‬
‫وأفعاله‪ ،‬وال عى تقييمه األخالقي لنفسه)‪.(2‬‬
‫وقد بى «كانط» فلس��فته األخالقية عرب البحث يف تص��ور مفهوم اإلرادة اخلرة يف ذاهتا‪،‬‬
‫فاإلرادة اخلرة ال ترتبط مبيل أو منفعة‪ ،‬ولكنها مس��تقلة اس� ً‬
‫�تقالال تا ًّما عن كل منفعة أو ميل‪،‬‬
‫فهي كام يقول‪« :‬تلمع بذاهتا ملعان اجلوهر‪ ،‬مثل يشء حيتفظ يف نفسه بكل قيمته»)‪.(3‬‬
‫يتضح هذا من القضيتني‪ :‬األوىل والثانية من قضايا اإلرادة اخلرة‪ ،‬ومها‪:‬‬

‫القضي��ة األوىل‪« :‬إن اإلرادة اخل��رة ليس��ت خ� ً‬


‫�را بس��بب م��ا حتدث��ه من آث��ار أو حتققه‬
‫من أهداف‪ ،‬وال بس��بب جدارهتا أو صالحيته��ا لتحقيق بعض األهداف النهائية‪ ،‬ولكن تكون‬
‫كذل��ك من خالل فعل اإلرادة فحس��ب؛ أي هي خر يف ذاهت��ا‪ ،‬وإذا كنا نعدها كذلك‪ ،‬فينبغي‬
‫�ام يرتقى هب��ا عال ًيا عن كل ما ميك��ن أن يكون من ش��أنه أن يتحقق من خالهلا‬‫أن نُقيمه��ا تقيي� ً‬
‫م��ن استحس��ان أو حماب��اة أو عطف أو حتيز ألى ميل م��ن امليول أ ًّيا كان��ت‪ ،‬وال حتى ملصلحة‬
‫امليول كلها جمتمعة»)‪.(4‬‬
‫أ َّم��ا القضي��ة الثانية فمؤداه��ا كام يقول «كان��ط»‪« :‬إن الفعل الذى يتولد عن اإلحس��اس‬
‫بالواجب ال يستمد قيمته اخللقية ‪ Moral Worth‬من الغرض أو اهلدف الذى يسعى إىل حتقيقه‬
‫م��ن وراء ذلك الفعل‪ ،‬ولك��ن باألحرى تتوقف قيمته اخللقية عى القاعدة أو املس �لَّمة ‪Maxim‬‬

‫‪)1( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, pp.4-5.‬‬
‫‪)2( Nagel, Thomas: Moral Luck, In: »Mortal Questions«, Cambridge University Press,‬‬
‫‪Cambridge, 1979, p. 24.‬‬
‫(‪ (3‬كانت‪ ،‬إمانويل‪ :‬تأسيس ميتافيزيقا األخالق‪ ،‬ترمجه وقدم له وعلق عليه د‪ .‬عبد الغفار مكاوي‪ ،‬راجع‬
‫الرمجة د‪ .‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪1980 ،‬م‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪)4( Kant, Immanuel: Groundwork for The Metaphysics of Moral, Translated and Edited by; Mary‬‬
‫‪Gregor and Christine M. Korsgaard, Cambridge University Press, Cambridge, 1998, p.8.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪284‬‬

‫التي ي��ؤدي املرء مبقتضاها واجبه أ ًّيا ك�ان هذا الواجب‪ ،‬فقيمته اخللقية ال تتوقف عى واقعية‬
‫موضوع الفعل‪ ،‬ب�ل تعتمد عى مبدأ اإلرادة الذى ح�دث الفعل مبقتضاه‪ ،‬دون أي اعتبار مللكة‬
‫الرغبة أو الشهوة ‪.(1)»Faculty of Desire‬‬
‫نس��تنتج من القضيتني السابقتني أن األهداف وامليول واملنافع التي تكون لدينا عند القيام‬
‫ببع��ض األفع��ال واآلثار التي تنت��ج عنها‪ ،‬بوصفها غاي��ات ودوافع حمركة ل��إلرادة‪ ،‬ال ميكن أن‬
‫خلقية عى اإلطالق‪ .‬وهذا يعن أن األخالق عند «كانط» حمصنة‬
‫تعطى هلذه األفعال أ َّية قيمة ُ‬
‫ضد احلظ؛ والس��بب يف ذلك أن األخالق ترتكز عى افراض مهم‪ ،‬وهو أن األشخاص فاعلون‬
‫مس��تقلون ذات ًّي��ا وقادرون عى اختاذ ق��رارات عقالنية‪ ،‬وأن التقييم األخالق��ي يكون عى هذا‬
‫األساس وليس عى أساس احلظ)‪.(2‬‬
‫وق��د تأثر معظم فالس��فة الكانطية اجلديدة ب�»كانط»‪ ،‬فعى س��بيل املث��ال ال يقيم معظم‬
‫ه��ؤالء الص��واب واخلطأ األخالقي بناء ع��ى قصد الفاعل‪ ،‬وال يعطون وزنً��ا إىل آلثار ترصفات‬
‫الفاعل‪ ،‬وال للظروف التي جيدون أنفسهم فيها‪ ،‬وال ملواهبهم الطبيعية ‪ Natural Gifts‬أو حتى‬
‫سامهتم الشخصية؛ وهذا يعن أهنم ال يعطون أي وزن أخالقي ألي نوع من أنواع احلظ)‪.(3‬‬
‫وهك��ذا‪ ،‬يرى معظم أنصار الكانطية اجلدد أن احل��ظ األخالقي متناقض ‪،Oxymoronic‬‬
‫وميك��ن النظر يف حديث «كانط» ع��ن اإلرادة ِّ‬
‫اخلرة‪ ...‬وغال ًبا ما يت��م تطاير احلظ األخالقي‬
‫يف مواجهة هذا اجلانب من نظرية «كانط» األخالقية؛ ألنه يرى أن اليء الوحيد ِّ‬
‫اخلر املؤهل‬
‫هو اإلرادة ِّ‬
‫اخلرة؛ لذلك فالوضع األخالقي للفاعل ال يعتمد إال عى إرادته‪ ،‬وبالتايل يعتمد عى‬
‫ثوابت مسلمة الفعل ‪ Maxims of Action‬التي حترك سلوكه‪ ،‬واملسلمة هي التعبرات األساسية‬
‫إلرادته‪ ،‬واستبعاد امليول لتحديد القيمة األخالقية للفاعل‪ ،‬فال هيم كيف حيدد العامل الظروف‬
‫التي يترصف هبا‪ ،‬وال هيم ما إذا كان غر قادر عى حتقيق النتائج التي يستهدفها‪ ،‬طاملا أنه جيهد‬
‫يف حتقيق نيته بكل الوسائل املرشوعة أخالق ًّيا التي ختضع لسيطرته وإرادته)‪.(4‬‬

‫‪)1( Ibid, p.15.‬‬


‫‪)2( Woodford, F. Nicole: Moral Luck, Control, Choice, and Virtue, Op.Cit, p.3.‬‬
‫‪)3( Beach, A. Patrick: Moral Luck, Ph.D., The Graduate School, Syracuse University, United‬‬
‫‪States, ProQuest, )June., 2012(, p.101.‬‬
‫‪)4( Ibid, pp.101-102.‬‬
‫‪285‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫وطب ًق��ا هل��ذا‪ ،‬فاألخالقية ‪ Morality‬عن��د «كانط» حمصنة من احلظ؛ بس��بب كيفية فعل‬
‫هذه العوامل م ًعا‪ ،‬فهي حمصنة من الداخل؛ ألن التقييم األخالقي يقترص فحس��ب عى ما ميكن‬
‫للفاع��ل التحك��م في��ه‪ ،‬وحمصنة من اخلارج؛ ألن��ه ال يوجد جمال تقييم آخر يك��ون فيه للحظ‬
‫أي تأث��ر ميك��ن أن يتفوق عى التقييم األخالقي‪ ،‬وبالتايل فالس��امح للح��ظ بالتأثر عى القيمة‬
‫األخالقي��ة‪ .‬وبطريق��ة أخ��رى‪ ،‬فإن العام��ل األول يعزل األخ��الق عن التأث��ر املبارش للحظ‬
‫من خالل جتاهل العوامل السببية يف إجراء التقييامت األخالقية‪ ،‬والعامل الثاين يعزل األخالق‬
‫ع��ن التأثر غر املبارش للحظ من خ��الل عدم إخضاع األخالق مطل ًقا ألي جمال يكون للحظ‬
‫فيه تأثر مبارش)‪.(1‬‬
‫ويرتبط مبدأ الس��يطرة بعالقة وثيقة مبفهوم املسئولية األخالقية‪ ،‬وهذا ما بينه «زميرمان»‬
‫يف مقالة «احلظ واملسئولية األخالقية» عام ‪1987‬م؛ حيث صاغ هذه العالقة عى النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬الش��خص {أ} مس��ئول أخالق ًّيا ع��ن احلدث {ب}‪ ،‬واحل��دث {ب} حيدث فق��ط إذا كان‬
‫حدوثه ليس مسألة حظ‪.‬‬
‫‪ -2‬ع��دم ارتباط احلدث مبس��ألة احلظ‪ ،‬يعن أن الش��خص { أ } مس��ئول مس��ئولية أخالقية‬
‫عن حدوثه)‪.(2‬‬
‫وهذا يعن‪ ،‬إذا كان الش��خص مس� ً‬
‫�ئوال عن بع��ض األحداث؛ فإنه يس��تحق الثناء أو اللوم‬
‫تقييام إجياب ًّيا أو س��لب ًّيا للفاعل يف ضوء احلدث‬
‫ً‬ ‫عى هذه األحداث‪ ،‬وهذا الثناء أو اللوم ُيش��كل‬
‫املعن)‪.(3‬‬
‫وبناء عى ما سبق‪ ،‬فإنه يتم حتديد املسئولية األخالقية يف ضوء نطاق سيطرة الفاعل‪ ،‬وهذا‬
‫قائال‪« :‬نحن ُمق َّيمون‬
‫متفق متا ًما مع مبدأ الس��يطرة الذي صاغه «دانا نيلك��ني» ‪ً Dana Nelkin‬‬
‫أخالق ًّيا فقط إىل احلد الذي يعتمد فيه ما يتم تقييمنا عليه عى عوامل خاضعة لسيطرتنا»)‪.(4‬‬
‫وع��ى ه��ذا‪ ،‬يكون الفاعل { أ } مس� ً‬
‫�ئوال م��ن الناحي��ة األخالقية عن بعض أفعال��ه أو نيته‬

‫‪)1( Ibid, p.104.‬‬


‫‪)2( Zimmerman, J. Michael: Luck and Moral Responsibility, Ethics, Vol.97, No.2, The University‬‬
‫‪Chicago Press, Chicago, )Jan., 1987(, p.374.‬‬
‫‪)3( Ibid, p.375.‬‬
‫‪)4( Beach, A. Patrick: Moral Luck, Op.Cit, p.106.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪286‬‬

‫أو س��امته الش��خصية { ب }‪ ،‬إذا كان { أ } ه��و موض��وع مؤه��ل ملجال من املواق��ف التفاعلية‬
‫للمش��اركني‪ ،‬مث��ل‪ :‬الثناء والل��وم والغضب والندم واإلث��م‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬ل���{ ب }‪ ،‬وهو بذلك‬
‫قابال للمساءلة)‪.(1‬‬ ‫ً‬
‫مسئوال أخالق ًّيا بوصفه ً‬ ‫يكون‬
‫ويعتق��د «أرس��طو» يف «األخ��الق النيقوماخي��ة» أن هن��اك رشطني مطلوبني للمس��ئولية‬
‫األخالقية؛ مها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون الفعل أو النية أو سمة الشخصية خاضعة لسيطرة الفاعل)‪ .(2‬يقول «أرسطو»‬
‫يف «األخ��الق النيقوماخية»‪« :‬فالفع��ل اإلرادي يظهر أنه هو الفعل الذي أصله يف ذات‬
‫الفاعل‪ ،‬فهو يعرف مجيع الرشوط يف األوضاع التي وقع هبا فعله»)‪.(3‬‬
‫‪ -2‬أال يترصف الفاعل من نطاق جمال جهالة غر حمسوبة؛ وبالتايل فإذا كانت لدى الفاعل‬
‫رقاقة ‪ Microchip‬يف دماغه يتحكم من خالهلا العلامء يف سلوكه‪ ،‬فإننا نسحب االدعاء‬
‫بأنه مس��ئول عن س��لوكه‪ .‬باإلضاف��ة إىل ذلك إذا ترصف الفاعل بس��بب أن��واع معينة‬
‫م��ن اجلهل ‪ ،Ignorance‬فس��وف نتخى عن املطالبة باملس��ئولية األخالقية‪ ،‬كام يش��ر‬
‫«براي��ن روزي��ربري»»‪ »Brian Rosebury‬بقول��ه‪ :‬إن املس��ئولية األخالقية ال تكون‬
‫باجلهل باحلقائق ذات الصلة املحيطة بأفعال الشخص أو نتائج أفعاله)‪.(4‬‬
‫جهال‬
‫قرسا أو ً‬
‫قائال‪« :‬قد يظن باألشياء التي‪ ...‬تكون ً‬‫وقد أكد «أرس��طو» عى هذا األمر ً‬
‫كرها هو ال��ذي مبدؤه الذي يفعله يكون‬
‫م��ن فاعليها أهنا تك��ون كرها‪ ،‬واليء الذي يكون ً‬
‫من خارج وليس للفاعل وللمنفعل معونة عليه‪ ،‬مثل أن حتمل الريح إنسا ًنا من مكان إىل مكان‪،‬‬
‫وهو يف ذلك غر ٍ‬
‫مالك لنفسه»)‪.(5‬‬
‫جهال كام يرى «أرس��طو»‪ ،‬وكله��ا أفعال غر إرادية‪،‬‬
‫وأفعال تتم ً‬
‫ُ‬ ‫قرسا‬
‫�ال تتم ً‬
‫فهن��اك أفع� ُ‬

‫‪)1( Ibid, p.77.‬‬


‫‪)2( Ibid.‬‬
‫(‪ (3‬أرسطو طاليس‪ :‬علم األخالق إىل نيقوماخوس‪ ،‬ترمجه من اليونانية إىل الفرنسية وقدم له وعلق عليه‪:‬‬
‫بارتلمي سانتهلر‪ ،‬نقله إىل العربية‪ :‬أمحد لطفي السيد‪ ،‬ج� ‪ ،1‬الكتاب الثالث‪ ،‬مطبعة دار الكتب املرصية‪،‬‬
‫القاهرة‪1924 ،‬م‪ ،‬ص ‪.273‬‬
‫‪)4( Beach, A. Patrick: Moral Luck, Op.Cit, p.78.‬‬
‫(‪ (5‬أرسطو طاليس‪ :‬األخالق‪ ،‬ترمجة‪ :‬إسحق بن حنني‪ ،‬حققه ورشحه وقدم له د‪ .‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬سلسلة‬
‫الذخائر (‪ ،)161‬تصدر عن اهليئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬القاهرة‪2007 ،‬م‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪287‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫ويقول يف هذا‪« :‬ميكن أن تعد ال إرادية مجيع األش��ياء التي تقع بقوة قاهرة أو بجهل‪ ،‬واليء‬
‫ال��ذي يقع بالقوة القاهرة هو الذي تكون علته خارجية ومن طبيعة ما كان الكائن الذي يفعل‬
‫أو الذي يقبل ليساعده يف يشء»)‪.(1‬‬
‫أ َّم��ا األفعال التي تكون بس��بب اجلهل‪ ،‬ففي احلق أن كل ما فيها يقع دون أن تش��اطر فيه‬
‫إرادتنا‪ ،‬ولكنه ال يشء يف الواقع ضد إرادتنا إال ما يسبب لنا أملًا وند ًما؛ فاإلنسان الذي فعل شي ًئا‬
‫دون أن يعرف ما كان يفعل‪ ،‬ولكنه مل يشعر بأمل عقب فعله فال شك أنه مل يفعله يف االختيار‪،‬‬
‫أيضا إنه فع��ل ضد إرادته‬
‫طامل��ا أن��ه مل يكن يعرف م��اذا كان عمله‪ ،‬ولكنه ال ميك��ن أن يقال ً‬
‫طامل��ا أن��ه مل ينتج عن فعل��ه أمل له)‪ .(2‬ويعن «أرس��طو» باجلهل‪« :‬هو اجلهل اخلاص باألش��ياء‬
‫ويف األشياء التي عليها ينطبق الفعل املراد تقديره»)‪.(3‬‬
‫قائال‪« :‬إن معظم الفالس��فة يدع��ون أن املس��ئولية األخالقية حمصنة‬
‫ويش��ر «زميرم��ان» ً‬
‫ض��د احل��ظ؛ ألنه ال ميكن أن يكون املرء مس� ً‬
‫�ئوال عن يشء ما مل يكن حتت س��يطرته بطريقة‬
‫ما وإىل ّ ٍ‬
‫حد ما»)‪ .(4‬وجلأ «زميرمان» إىل فكرة الظلم ‪ Unfairness‬من أجل الدفاع عن املسئولية‬
‫�ال‪« :‬م��ن الظلم حتميل ش��خص م��ا املس��ئولية األخالقية ع��ن يشء ليس حتت‬
‫األخالقي��ة‪ ،‬قائ� ً‬
‫سيطرته»)‪.(5‬‬
‫�خصا ما جدي��ر بالثناء أو اللوم عى األح��داث التي تقع خارج‬
‫فم��ن الظلم االعتقاد أن ش� ً‬
‫حدود س��يطرته؛ فعى س��بيل املثال‪ ،‬عاد ًة ما يتم إلقاء اللوم عى الشخص الذي اصطدم بسيارته‬
‫بأحد املباين‪ ،‬وتسبب يف حدوث حادث‪ ،‬ومع ذلك يتم الراجع عن هذا اللوم إذا ُاكتشف الح ًقا‬
‫أن سبب احلادث كان نتيجة لسائق يعاين من قصور يف القلب)‪.(6‬‬
‫يش��ر «باتريك بيتش» إىل أن املسئولية األخالقية تنبع من الفهم التحرري لإلرادة احلرة‪،‬‬
‫حرا إذا كان ميتلك جمموعة من اخلي��ارات احلية ‪ Live Options‬والقدرة‬
‫بحي��ث يكون الفاعل ًّ‬
‫(‪ (1‬أرسطو طاليس‪ :‬علم األخالق إىل نيقوماخوس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.266‬‬
‫(‪ (2‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫(‪ (3‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫‪)4( Zimmerman, J. Michael: Moral Luck, A Partial Map, Op.Cit, p.590.‬‬
‫‪)5( Ibid, p.590.‬‬
‫‪)6( Woodford, F. Nicole: Moral Luck, Control, Choice, and Virtue, Op.Cit, p.4.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪288‬‬

‫ع��ى االختي��ار م��ن بينه��ا‪ ،‬وه��ذه اإلرادة احل��رة التحررية تنبع م��ن امتالك بع��ض اخلصائص‬
‫اجلوهرية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬بعض القدرات املعرفية ‪.Cognitive Capacities‬‬
‫‪ -2‬جمموعة من القدرات العاطفية ‪.Emotional Capacities‬‬
‫‪ -3‬القدرة عى أن حتفزها اعتبارات أخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬بنية اإلرادة تتضمن ترتيبا أول ًّيا ورغبات من الدرجة الثانية عى األقل‪.‬‬
‫‪ -5‬قدرة قوية ‪ Robust Capacity‬لالختيار بني مسارات الفعل املختلفة)‪.(1‬‬
‫فاملس��ئولية األخالقية ‪-‬كام يوض��ح «جويل فاين��ربج» ‪2004-1926( Joel Feinberg‬م)‪-‬‬
‫تقت��رص عى الع��امل الداخيل للعقل‪ ،‬ويف هذا يق��ول‪« :‬إذا كان هناك رجل عقالين وفيلس��وف‪،‬‬
‫فس��وف يدرك أن املس��ئولية األخالقية الناجتة عن الرضر اخلارجي ال معى هلا‪ ،‬وأن املس��ئولية‬
‫األخالقي��ة تقترص فحس��ب عى الع��امل الداخ��يل للعق��ل ‪ ،Inner World of the Mind‬بحيث‬
‫تسيطر قواعد الفاعل العليا ‪ ،Agent Rules Supreme‬وليس للحظ أي مكان أو دور»)‪.(2‬‬
‫فاملبادئ األخالقية ‪-‬عنده‪ -‬تش��كل نو ًعا من القانون الداخ��يل ‪ Internal Law‬الذي حيكم‬
‫ع��ى األف��كار الداخلي��ة وق��وة اإلرادات ‪ Inner Thoughts and Volitions‬الت��ي ختضع متا ًما‬
‫لسيطرة الفاعل‪ ،‬وهي تشكل حمكمة الضمر أو امليدان الداخيل ‪.(3)The Forum Internum‬‬
‫�ال‪« :‬إن حرية القرار أمر حاس��م يف إس��ناد املس��ئولية األخالقية‬
‫يضي��ف «زميرمان» قائ� ً‬
‫للفاعل‪ ،‬وبالتايل إسناد الثناء واللوم‪ ...،‬فأنا مثل «كانط» أعتقد أن مفهومنا للمسئولية األخالقية‬
‫يتطلب منا حتييد دور احلظ‪ ،‬وحتميل الفرد املسئولية األخالقية عن كل األحداث»)‪.(4‬‬
‫ويش��ر «مايكل س��لوت» ‪1941( Michael Slote‬م‪ )-‬أن النظريات املس��تندة إىل الفاعل‬
‫نقاء من غرها؛ ألن تقييم األفعال يعتمد بالكامل عى ما جيب أن نقوله أخالق ًّيا‬
‫أكرث جذرية و ً‬
‫‪)1( Beach, A. Patrick: Moral Luck, Op.Cit, p.172.‬‬
‫‪)2( Feinberg, Joel: Doing and Deserving; Essays in the Theory of Responsibility, Princeton, New‬‬
‫‪Jersey, Princeton University Press, 1970, p.33.‬‬
‫‪)3( Ibid, p.33.‬‬
‫‪)4( Zimmerman, J. Michael: Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, pp.385-386.‬‬
‫‪289‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫ع��ن احلياة الداخلية للفاعلني الذين يؤدون هذه األفع��ال‪ ،‬واألهم من ذلك أن احلالة األخالقية‬
‫لألفع��ال تعتمد كل ًّيا عى احلالة األخالقية لدوافع الفاع��ل ‪ ،Agent’s Motives‬وكل ما جيب أن‬
‫نقوله عن احلياة الداخلية للفاعلني)‪.(1‬‬
‫وقد حاول «سلوت» حل مشكلة احلظ األخالقي وجتنبها من خالل إسقاط أخالق احلس‬
‫املشرك ‪Common-sense Morality‬؛ حيث يرى أنه من املمكن اإلعجاب باألشخاص بسبب‬
‫ما نعتربه خارج عن سيطرهتم‪ ،‬وأهنم خيضعون فيه للحظ‪ ،‬مثل‪ :‬مظهرهم وموهبتهم ومزاجهم‬
‫اهلادئ‪ ،‬وميكن أن نش��جب غباء ش��خص م��ا أو مزاجه احلاد حتى مع اعتبار أن هذه األش��ياء‬
‫خارجة إىل حد ما عن سيطرة األفراد‪ .‬إن فكرة ما يثر اإلعجاب أو شجب األشخاص ‪ -‬الذين‬
‫يتعرضون للحظ‪ -‬ليس��ت فكرة س��يئة بالطريقة نفس��ها التي تكون هبا فكرة احلظ األخالقي‬
‫عى وجه التحديد مس��يئة؛ ألن اإلعجاب والش��جب الذي ذُكر للتو ال ُيلزمنا بأحكام أخالقية‬
‫حمددة‪ ،‬وبالتايل ميكن جتنب مش��كلة احلظ األخالقي إذا أسقطنا أخالق احلس املشرك‪ ،‬وذلك‬
‫بأن تس��تند أحكامن��ا األخالقية بأكملها إىل أفكارنا حول ما ه��و مثر لإلعجاب ‪،Admirable‬‬
‫أو ما يبعث عى األىس حول البرش وأفعاهلم)‪.(2‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬تعريف الحظ األخالقي ومفارقته للمسئولية‬

‫فكثرا ما نصف األخرين‬


‫ً‬ ‫كبرا يف حي��اة كل فرد منا‪ ،‬أكرث مما نتصور؛‬
‫دورا ً‬
‫ي��ؤدي احلظ ً‬
‫بأهنم حمظوظون أو غر حمظوظني‪.‬‬
‫فاحل��ظ هو صدفة جي��دة أو س��يئة ‪ ،Fortune Good and Ill‬والصدفة اجليدة هي عنرص‬
‫إجي��ايب‪ ،‬مثل النجاح والرخ��اء ‪ Prosperity‬واملي��زة ‪ Advantage‬التي تأيت ع��ن طريق الصدفة‬
‫‪ ،Chance‬وليس��ت ناجت��ة عن اجل��دارة ‪ Merit‬أو اجله��د ‪ ،Effort‬والصدفة الس��يئة هي عنرص‬
‫سلبي‪ ،‬مثل الفشل والفقر واملساوئ التي تنجم عن تأثر الصدفة يف حياتنا)‪.(3‬‬

‫‪)1( Athanassoulis, Nafsika: Common-sense Virtue Ethics and Moral Luck, Ethical Theory and‬‬
‫‪Moral Practice, Vol.8, No.3, Springer, )Jun., 2005(, p.267.‬‬
‫‪)2( Slote, Michael: Virtue Ethics, Utilitarianism and Symmetry, In: How Should One Live? Essays‬‬
‫‪on The Virtues, Ed By; Roger Crisp, Oxford University Press, Oxford Scholarship Online,‬‬
‫‪2003, p.78.‬‬
‫‪)3( Beach, A. Patrick: Moral Luck, Op.Cit, p.17.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪290‬‬

‫يتوافق هذا التعريف مع القضايا الفلسفية املركزية حول مفهوم احلظ‪ ،‬وهناك عى األقل‬
‫قضيتان أساسيتان تتعلقان هبذا التعريف وتأثره عى السياقات الفلسفية‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫أوالمه��ا‪ :‬أن ه��ذا التعري��ف ال خيرب ع��ام إذا كانت الصدف��ة املعنية ذاتي��ة أو موضوعية؛‬
‫أي ما إذا كان احلظ هو مقولة معرفية أو مقولة ميتافيزيقية‪.‬‬
‫وثانيتهام‪ :‬هناك تتناقض بني الصدفة التي تأيت عن طريق احلظ والصدفة التي تنتج عن طريق‬
‫اجل��دارة أو اجله��د؛ لذلك فهذا التعريف يس��تبعد إمكانية أن يكون الفاع��ل فيام يتعلق باحلدث‬
‫جديرا بالتقدير‪ ،‬وبالتايل فإن احلظ واجلدارة يستبعد كل منهام اآلخر‪.‬‬
‫ً‬ ‫نفسه حمظوظًا أو‬
‫فمثال س��لوك س��ائق يف حالة سكر يلحق‬
‫يظهر هذا األمر يف مناقش��ات احلظ األخالقي‪ً ،‬‬
‫رضرا بآخر أسوأ من سلوك سائق آخر يقود باحلالة نفسها‪ ،‬ولكنه يفلت من العقاب‪ ،‬وال يرض‬
‫ً‬
‫أحدا؛ فكالمها يس��تحق اللوم ‪ Blameworthy‬عى تعريض حياة اآلخرين للخطر واملجازفة‪،‬‬
‫ً‬
‫ولكن الس��ؤال هو‪ :‬هل الس��ائق س��يئ احلظ يس��تحق اللوم عى يشء آخ��ر أو ال؟ وهل ميكن‬
‫للحظ أن يزيد من احلالة األخالقية للفاعل أو يقللها؟ وهل ترجع حالة السائق يف هذا املوقف‬
‫إىل اجلدارة أو الصدفة؟)‪.(1‬‬
‫قائال‪« :‬لو كان هناك يشء مثل احلظ‪ ،‬ف��إن الصفات األخالقية‪،‬‬
‫يش��ر «مايكل س��لوت» ً‬
‫وال س��يام مدى اس��تحقاق املرء للثناء أو اللوم سواء لذاته أو ألفعاله‪ ،‬تعتمد عى عوامل عرضية‬
‫خارجة عن إرادته أو ال يعرفها ‪.(2)»ken‬‬
‫وتكمن مشكلة احلظ األساسية يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الفاعلون غر مسئولني أخالق ًّيا ‪-‬أحيانًا‪ -‬عن أفعاهلم ونواياهم وسامهتم الشخصية‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم وجود أي فعل أو نية أو سمة شخصية ضمن نطاق سيطرة الفاعلني‪.‬‬
‫‪ -3‬يرتب عى هذا‪ ،‬أن الفاعلني ‪-‬أحيا ًنا‪ -‬مس��ئولون أخالق ًّيا عن األفعال والنوايا والسامت‬
‫الشخصية التي ليست ضمن نطاق سيطرهتم)‪.(3‬‬

‫‪)1( Ibid, pp.17-18.‬‬


‫‪)2( Slote, Michael: The Problem of Moral Luck, Philosophical Topics, Vol.22, No.1 & 2,‬‬
‫‪University of Arkansas Press, United State, )Spring and Fall., 1994(, p.397.‬‬
‫‪)3( Beach, A. Patrick: Moral Luck, Op.Cit, p.106.‬‬
‫‪291‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫مييز «زميرمان» بني طريقتني فيام يتعلق بسيطرة املرء عى احلدث‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫أوالمه��ا‪ :‬أنه ميكن القول أن املرء يتمتع بس��يطرة حمدودة أو مقي��دة ‪Restricted Control‬‬
‫فيام يتعلق بحدث ما فقط يف حالة ما إذا كان بوسع املرء أن يؤدي إىل حدوثه أو منع حدوثه‪.‬‬
‫وثانيته��ام‪ :‬أنه ميكن القول أن املرء يتمتع بس��يطرة غر حمدودة فيام يتعلق بحدث ما فقط‬
‫يف حالة ما إذا كان املرء يتمتع بسيطرة حمدودة فيام يتعلق باحلدث وبكل األحداث التي يتوقف‬
‫حدوثها عليه‪.‬‬
‫وميكن صياغة احلجة األوىل والثانية عى النحو اآليت‪:‬‬
‫ال‪:‬‬
‫أو ً‬
‫‪ -1‬الشخص { أ } مسئول أخالق ًّيا عن حدوث { ب }‪ ،‬فقط إذا كان { أ } ميتلك سيطرة حمدودة‬
‫عى { ب }‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم وقوع احلدث‪ ،‬يعن أن الشخص خيضع لسيطرة مقيدة عى احلدث‪.‬‬
‫ً‬
‫مسئوال أخالق ًّيا عن حدوثه‪.‬‬ ‫‪ -3‬لذلك ال يوجد احلدث الذي جيعل { أ }‬
‫ثان ًيا‪:‬‬
‫‪ -1‬الش��خص { أ } مس��ئول أخالق ًّي��ا عن ح��دوث { ب }‪ ،‬فق��ط إذا كان { أ } ميتلك س��يطرة‬
‫غر مقيدة عى { ب }‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم وجود حدث يعن أن الشخص ميتلك سيطرة غر حمدودة عى احلدث‪.‬‬
‫ً‬
‫مسئوال أخالق ًّيا عن حدوثه)‪.(1‬‬ ‫‪ -3‬لذلك ال يوجد احلدث الذي جيعل { أ }‬
‫ولكن‪ ،‬متى حيدث احلظ األخالقي؟‬
‫حيدث احلظ األخالقي عند إجراء تقييامت أخالقية بشكل مالئم حول الفاعلني عى أساس‬
‫األفع��ال والغف��الت ‪ ،Omissions‬ونتائجهام التي تقع خارج س��يطرة الفاع��ل‪ ،‬وتنطوي حاالت‬
‫احلظ عى نتائج جيدة أو سيئة فيام يتعلق باملكاسب واخلسائر أو املزايا واملساوئ‪ ...‬إلخ)‪.(2‬‬

‫‪)1( Zimmerman, J. Michael: Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, pp.376-377.‬‬


‫‪)2( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.6.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪292‬‬

‫ولكن جيب أن نيز بني حاالت احلظ العادية وحاالت احلظ األخالقي؛ فحاالت احلظ‬
‫فمثال عندما يدعي أخي أنه من حس��ن حظه‬
‫العادية هي معتقد خرايف وليس مس��ألة حظ‪ً ،‬‬
‫زوجا من اجلوارب القذرة‪ ،‬وهو الزوج نفس��ه الذي ارتداه خالل املباراة األخرة‬
‫أن يرتدي ً‬
‫التي فاز هبا فريقه يف لعبة كرة القدم؛ فهذه اجلوارب ال متتلك أية خصائص حمظوظة بفضل‬
‫ارتدائها يف لعبة قد حتقق الفوز فيها ساب ًقا‪ ،‬ولن حتقق النرص يف املباراة القادمة؛ فعى الرغم‬
‫م��ن أن ه��ذه احلالة تعرب ‪-‬غال ًبا‪ -‬عن حالة حظ‪ ،‬إال أهنا تع��رب عن حالة معتقد خرايف وليس‬
‫مس��ألة حظ‪ ،‬و إذا كانت كذل��ك فهي حالة حظ خاطئة أو س��يئة ‪،Misidentified Luck‬‬
‫ف��إذا فاز أخي باللعبة‪ ،‬فقد يكون ذل��ك ‪-‬بالطبع‪ -‬نتيجة للحظ وليس للموهبة‪ ،‬ولكن احلظ‬
‫ال يقي��م يف اجل��وارب وال ميتلكها‪ .‬إن االدعاء بأن��ه كان حمظوظًا بالف��وز باملباراة قد يكون‬
‫حقيق ًّي��ا‪ ،‬لك��ن االدعاء بأن حظه جيد يف هذه احلالة نتيج��ة الرتدائه اجلوارب‪ ،‬ليس هو ما‬
‫يقصد باحلظ)‪.(1‬‬
‫ف��ام الذي مييز حاالت احلظ األخالقي عن حاالت احل��ظ العادية؟ ليك تكون حالة احلظ‬
‫حال��ة حظ أخالقي‪ ،‬جي��ب أن تنطوي عى بعض احلكم باملس��ئولية األخالقية‪ ،‬أو بعض العزو‬
‫إىل الثن��اء األخالق��ي أو الل��وم ‪ ،Moral Praise or Blame‬فالس��حابة الت��ي تظه��ر أثناء مرور‬
‫امل��ارة ليس��ت ً‬
‫مثاال ع��ى احلظ؛ ألهن��ا صدفة بالفع��ل‪ ،‬وح��دث خمتلف عن احل��ظ األخالقي؛‬
‫تعقيدا)‪.(2‬‬
‫ً‬ ‫لذلك فالفاعلون يقفون يف عالقة حمددة مع حاالت احلظ وهي عالقة أكرث‬
‫ً‬
‫مسئوال عن حدث ما؛ فإنه يستحق‬ ‫قائال‪« :‬إذا كان شخص ما‬
‫وهذا ما يشر إليه «زميرمان» ً‬
‫الثناء أو اللوم عى هذا احلدث‪ ،‬والثناء واللوم مها من نوع حمدد وغر فعال‪ ،‬ويتألف من تقييم‬
‫إجيايب أو س��لبي للفاعل يف ضوء احلدث املعن‪ .‬ويس��تحق الفاعل مثل هذا الثناء أو اللوم فقط‬
‫يف حالة أن يكون تقييمه دقي ًقا وصادقًا مع الوقائع‪ ،‬ولكن من املهم هنا أن نالحظ أن هذا الثناء‬
‫واللوم ليسا ً‬
‫أقواال؛ بل هي جمرد أحكام بشأن املكانة األخالقية للشخص أو جدارته األخالقية‬
‫يف ض��وء احلدث املع��ن‪ ،‬وهذه األحكام غ��ر خاضعة للتربير األخالقي‪ ،‬ب��ل خاضعة للتربير‬
‫املعريف»)‪.(3‬‬

‫‪)1( Ibid, p.6.‬‬


‫‪)2( Ibid.‬‬
‫‪)3( Zimmerman, J. Michael: Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.375.‬‬
‫‪293‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫نس��تنتج من هذا‪ ،‬أن احل��ظ األخالقي حيدث عند إجراء تقيي��امت مالمئة حول الفاعلني‪،‬‬
‫كبرا مما يتم تقييمه يعتمد عى عوامل خارجة عن سيطرة الفاعل)‪.(1‬‬
‫جزءا ً‬
‫عى الرغم من أن ً‬
‫ومعى هذا أنه ال أحد مس��ئول عن أي يشء عى اإلطالق‪ ،‬حيث ختتفي القدرة‪ ،‬واملسئولية‬
‫هي نوع من الوهم املعريف ‪.(2)Cognitive Illusion‬‬
‫قائال‪« :‬تتطور املشكلة من الظروف العادية للحكم‬
‫وقد أوضح «ناجل» هذه اإلشكالية‪ً ،‬‬
‫األخالقي‪ ،‬وقبل أي يشء فمن املعقول حدس � ًّيا أال يتم تقييم األش��خاص بشكل أخالقي بسبب‬
‫م��ا مل خيطئ��وه‪ ،‬أو بس��بب م��ا مل يرتكبوه من ذن��ب أو إث��م ‪ ،Fault‬أو بس��بب عوامل خارجة‬
‫عن سيطرهتم»)‪.(3‬‬
‫ثم فرق «ناجل» بني نوعني من أنواع احلكم‪ ،‬أوهلام احلكم الذي نطلق فيه عى األشخاص‬
‫قائال‪« :‬خيتلف احلكم‬
‫أهنم س��يئون‪ ،‬وثانيهام وصف ما حدث هلم بأنه يشء يسء‪ ،‬ويوضح هذا ً‬
‫جيدا أو سي ًئا أو عند وصف حالة من األمور‪ ،‬ولكن عندما نلقي‬
‫عند تقييم يشء ما بوصفه شي ًئا ً‬
‫اللوم عى شخص ما عى أفعاله؛ فإننا ال نقول فقط بأنه أمر سيئ حدوثه‪ ،‬بل نحكم عليه ونقول‬
‫إنه شخص سيئ‪ ،‬وهذا األمر خمتلف عن كونه شي ًئا سي ًئا ‪.(4)»A bad Thing‬‬
‫وي��رى «ناج��ل» أن فقدان الس��يطرة الناتج ع��ن احلرك��ة الالإرادية أو القوة اجلس��امنية‬
‫‪ Physical Force‬أو اجلهل بالظروف‪ ،‬يعفي ما يتم من احلكم األخالقي؛ ألن ما نقوم به يعتمد‬
‫بعدة طرق عى ما ال يقع حتت س��يطرتنا‪-‬ما ال ينتج عن اإلرادة اخلرة أو الس��يئة بتعبر كانط‪،-‬‬
‫والتأث��رات اخلارجي��ة يف هذا النطاق ليس��ت كذلك‪ ،‬فيعتقد عاد ًة أهنا تعف��ى ما يتم من احلكم‬
‫األخالقي سواء أكان إجياب ًّيا أم سلب ًّيا)‪.(5‬‬
‫مهام مما يفعله األش��خاص يعتمد ‪-‬‬
‫�ال‪« :‬إن جان ًبا ًّ‬
‫ث��م يع��رف «ناجل» احلظ األخالقي قائ� ً‬
‫يف بع��ض األحي��ان‪ -‬عى عوام��ل خارجة عن س��يطرهتم‪ ،‬ومع ذلك نس��تمر يف معاملتهم يف هذا‬

‫‪)1( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.7.‬‬
‫‪)2( Shook, R. John )Ed and Others(: The Dictionary of Modern American Philosophers, Vol.3,‬‬
‫‪Thoemmes Continuum, Bristol, England, 2005, p.1792.‬‬
‫‪)3( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, p.25.‬‬
‫‪)4( Ibid.‬‬
‫‪)5( Ibid.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪294‬‬

‫الصدد بوصفهم موضوعات للحكم األخالقي‪ ،‬وهذا ما نطلق عليه احلظ األخالقي‪ ،‬ومثل هذا‬
‫جيدا أو سي ًئا)‪.(1‬‬
‫احلظ قد يكون ً‬
‫ويش��ر «ناجل» إذا كانت اإلرادة اخل��رة ‪-‬عند كانط‪ -‬مثل اجلوه��رة ‪ُ Jewel-like‬تطلَب‬
‫مهام من الناحية األخالقية بني إنقاذ ش��خص من مبن حمرق‪ ،‬وإس��قاطه‬ ‫لذاهتا‪ ،‬فإن هناك فرقًا ًّ‬
‫من نافذة الطابق الثاين عرش أثناء حماولة إنقاذه‪ ،‬وباملثل هناك فرق كبر من الناحية األخالقية‬
‫ب��ني القي��ادة املتهورة والقتل اخلطأ‪ .‬لكن ماذا لو كان الس��ائق املتهور يده��س أحد املارة أثناء‬
‫وجودهم يف النقطة املرورية التي هبا الضوء األمحر؟)‪.(2‬‬
‫ثم يبني «ناجل» أن تطبيق رشوط الس��يطرة باستمرار هيدد بتأكل معظم التقييامت األخالقية‬
‫التي نجد أنه من الطبيعي القيام هبا؛ ألنه يتم حتديد األشياء التي ُحيكم عى الناس من خالهلا بشكل‬
‫أخالق��ي بطريق��ة أكرث مما ندرك��ه يف البداية من خالل م��ا هو أبعد عن س��يطرهتم‪ .‬وهياجم حالة‬
‫قائال‪« :‬يف هناية املطاف‪ ،‬ال يشء ‪-‬تقري ًبا‪ -‬حتت سيطرة الشخص‪ ،‬فامذا نستنتج؟ إذن‪ ،‬حالة‬
‫السيطرة ً‬
‫السيطرة حالة خاطئة؛ فهي فرضية معقولة يف البداية‪ ،‬ثم تم تفنيدها بأمثلة مضادة وواضحة»)‪.(3‬‬
‫طفال عى الطريق؛ فإذا مل يقم السائق بأي‬‫‪-‬مثال‪ -‬حالة تتعلق بسائق شاحنة يدهس ً‬ ‫ختيل ً‬
‫خطأ‪ ،‬فسيش��عر بالفزع حيال تورطه يف احلادث‪ ،‬ولكن ال ينبغي ‪-‬وال يتوقع منه‪ -‬أن يلوم نفسه‬
‫عى وفاة الطفل‪ ،‬وهذا مثال واضح عى ندم الفاعل ‪ ،A gent-regret‬ولكنه ال يعرب عن حالة من‬
‫س��وء احلظ األخالقي‪ .‬ولكن إذا كان الس��ائق مذن ًبا بدرجة من اإلمهال أو الغفلة‪ ،‬حيث أمهل‬
‫يف فحص مكابح الس��يارة قبل أن يصطدم بالطفل‪ ،‬وأس��هم هذا اإلمهال يف وفاة الطفل؛ فسوف‬
‫يلوم نفس��ه عى وفاة الطفل ً‬
‫بدال من جمرد الش��عور بالس��وء ‪ .Feel Bad‬وما جيعل احلالة األخرة‬
‫قليال عى إمهاله إذا مل تنشأ أي حالة‬
‫من احلاالت األخالقية أنه سيتعني عليه أن يلوم نفسه ولو ً‬
‫مهمال‬
‫ً‬ ‫تطل��ب منه الضغط عى الفرامل بش��كل مفاجئ لتجنب إصابة الطفل‪ ،‬يكون الس��ائق‬
‫بالدرجة نفس��ها يف كلتا احلالتني؛ ففي إحدامها يتسبب يف وفاة الطفل ويف األخرى ال‪ ،‬ويف كل‬
‫من احلالتني يفتقر الس��ائق إىل الس��يطرة عى جانب مهم‪ ،‬فامذا لو كان الطفل هو الذي جيرى‬
‫ويظهر بشكل مفاجئ أمام الشاحنة)‪.(4‬‬

‫‪)1( Ibid, p.26.‬‬


‫‪)2( Ibid, p.25.‬‬
‫‪)3( Ibid, p.26.‬‬
‫‪)4( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.7.‬‬
‫‪295‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫ي��رى «برنارد ويليام��ز» ‪2003-1929( Bernard Williams‬م) أن هن��اك اختالفًا بني ندم‬
‫الفاعل والش��عور بالندم الذي يشعر به املشاهد‪ ،‬وال يكمن هذا االختالف فحسب يف األفكار‬
‫والصور التي تدخل للمش��اعر‪ ،‬ولكن هو اختالف يف التعبر ‪ ،Expression‬فقد يترصف سائق‬
‫الش��احنة بطريقة يأمل أن تشكل أو عى األقل ترمز إىل نوع من اإلصالحات أو التعويضات‪،‬‬
‫�را عى ندم الفاع��ل‪ ،‬أ َّما رغبة الس��ائق يف إعطاء تعويض��ات أو االعراف‬
‫وس��يكون هذا تعب� ً‬
‫ال��ذي جيب أن يقدمه فال يعرب دامئًا عن ن��دم الفاعل؛ ألن الرغبة يف تقديم تعويضات ميكن أن‬
‫جدا من األمهية يف هذه العالقات‪ ،‬فقد يدرك املرء احلاجة لدفع‬
‫تقدم نفسها مبستويات خمتلفة ًّ‬
‫تعويضات عن األرضار التي تسبب فيها بشكل ال إرادي‪ ،‬ومع ذلك فقد يكون هذا االعراف‬
‫من النوع اخلارجي املصحوب فقط بند ٍم من النوع العام)‪.(1‬‬
‫يوض��ح املثال س��ابق الذكر‪ ،‬أن احلظ ال يؤثر فحس��ب عى التقيي��امت األخالقية املتعلقة‬
‫أيضا إىل املعاملة التفضيلية بني الفاعلني يف املواقف املامثلة ‪Similar‬‬
‫بالل��وم والذنب‪ ،‬بل يؤدي ً‬
‫تفصيال‪ ،‬وهو القضية التي تنطوي عى‬
‫ً‬ ‫‪ ،Situations‬وميك��ن توضيح ذلك من خالل مثال أكرث‬
‫اثن��ني من الرم��اة املحرفني اللذي��ن خيطط كل منهام الغتي��ال حمافظ بلد م��ا‪ُ ،‬ينظف القاتالن‬
‫رصاص��ا مثال ًيا‪ ،‬ويدون��ان توقعات الطقس من أج��ل التصويب‬
‫ً‬ ‫جيدا‪ ،‬ويش��ريان‬
‫أس��لحتهام ً‬
‫ٍ‬
‫صاف برؤية عالية ورياح قليلة‪ ،‬ويبحثان يف املباين القريبة من مكتب املحافظ؛ الختيار‬ ‫يف يوم‬
‫نقط��ة مترك��ز مثالية عى س��طح مبى ذي موقع مث��ايل‪ ،‬وحيصل القاتالن عى قس��ط من الراحة‬
‫يف الليلة السابقة عى يوم االغتيال‪ ،‬ويتناول كل منهام وجبة إفطار جيدة يف صباح اليوم السابق‬
‫لليل��ة االغتيال‪ ،‬ويصالن إىل موقعيهام عى الس��طح بوق��ت كاف لإلعداد والتجهيز قبل ظهور‬
‫املحافظ يف زاوية الش��ارع‪ .‬وهذا يعن أن كال القاتلني خطط بشكل جيد وعى قدم املساواة‪،‬‬
‫وحاوال بالقدر نفس��ه اغتيال املحافظ‪ ،‬ويف هناية األمر يفشل أحد القتلة يف مهمته‪ ،‬بينام ينجح‬
‫اآلخ��ر يف تنفيذ خمططه‪ ،‬والف��رق الوحيد بني القاتلني ه��و أن األول واجه بعض احلظ اليء‪،‬‬
‫مم��ا أدى إىل فش��ل حماولته‪ ،‬أ َّم��ا القاتل الثاين فقد واج��ه بعض احلظ اجليد ال��ذي أدى إىل نجاح‬
‫حماولته)‪.(2‬‬

‫‪)1( Williams, Bernard: Moral Luck; Philosophical Papers 1973-1980, Cambridge University‬‬
‫‪Press, Cambridge, 1981, p.28.‬‬
‫‪)2( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.7.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪296‬‬

‫قدم «ناجل» جمموعة من األمثلة ‪-‬عى ما يعتقد أنه‪ -‬حظ أخالقي‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬إمهال سائق شاحنة يف فحص املكابح بانتظام؛ مما يرتب عليه دهس طفل عى الطريق‬
‫(غر حمظوظ)‪.‬‬
‫‪ -2‬الس��ائق املخم��ور الذي يصل إىل منزل��ه بأمان‪ ،‬عندما ال يكون هناك مش��اة يف طريقه‬
‫(حمظوظ)‪.‬‬
‫‪ -3‬القات��ل املحرف الذي يفش��ل يف قتل ش��خص ما بس��بب م��رور طائر يع��رض طريق‬
‫الرصاصة‪.‬‬
‫‪ -4‬األمل��اين ال��ذي كان س��يصبح ضابطً��ا ناز ًّيا ينته��ي به املط��اف إىل حياة هادئ��ة عندما‬
‫هياج��ر إىل األرجنتني‪ ،‬ألس��باب جتارية قبل اندالع احل��رب)‪ ،(1‬ويف مجيع هذا احلاالت‬
‫يدع��ي «ناجل» أن التقيي��امت األخالقية للفاعلني س��تتوقف عى عوام��ل خارجة عن‬
‫سيطرهتم)‪.(2‬‬
‫وهن��اك أمثلة وح��االت ال حرص هلا تش��ر إىل االلت��زام باحلظ األخالق��ي‪ ،‬وهي احلاالت‬
‫الت��ي تعتمد فيها األح��كام األخالقية ح��ول الفاعلني عى عوامل خارجة عن س��يطرهتم‪ ،‬فقد‬
‫نلق��ي اللوم عى فاعل ما بس��بب بعض املواقف الت��ي ميلكها‪ ،‬عى الرغم من ع��دم إدراكه هلا‪،‬‬
‫وأن��ه مل يفع��ل ش��ي ًئا بش��أهنا‪ ،‬ومل يفعل ش��ي ًئا لإلبق��اء عليها‪ ،‬وقد يك��ون لدى الفاع��ل القدرة‬
‫ع��ى التخلص من ه��ذه املواقف‪ ،‬إذا كان عى دراية ووعي هبا‪ ،‬وهب��ذا املعى األخر إذا امتلك‬
‫الفاعل القدرة والوعي؛ فإنه ميتلك السيطرة عى تلك املواقف‪ ،‬ولكن إذا مل ميتلك القدرة والوعي‬
‫فوجود مثل هذه املواقف يعد مسألة حظ)‪.(3‬‬
‫ق��دم «ويليام��ز» ملفه��وم احل��ظ األخالق��ي ع��ام ‪1976‬م من أج��ل إيصال فك��رة معينة‪،‬‬
‫رشيرا‪،‬‬ ‫فمثال يكرب «بوب» ويصبح‬
‫كبر مس��ألة ح��ظ‪ً ،‬‬‫حد ٍ‬ ‫وهي أن احلالة األخالقية هي إىل ّ ٍ‬
‫ً‬
‫حد ٍ‬
‫كبر عى ظروف األرسة واخللفية التعليمية‪.‬‬ ‫فاضال؛ فهذا يعتمد إىل ّ ٍ‬
‫ً‬ ‫ويكرب «توم» ويصبح‬
‫ثم وس��ع «ناج��ل» نطاق احلظ األخالق��ي‪ ،‬وموقفهام يتناقض بش��كل صارم مع الرأي الس��ائد‬

‫‪)1( Anderson, B. Mark: Moral Luck and Libertarianism, Ph.D., University of Wisconsin-Madison,‬‬
‫‪ProQuest, 2012, p.1.‬‬
‫‪)2( Ibid, p.2.‬‬
‫‪)3( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.3.‬‬
‫‪297‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫يف الفلسفة األخالقية عى نطاق واسع‪ ،‬والذي يتأثر ب�رأي «كانط»‪ ،‬وهو أن الشخص مسئول‬
‫أخالق ًّيا فقط عام هو حتت س��يطرته؛ وبالتايل فإن املس��ئولية األخالقية ليس��ت مس��ألة حظ‪،‬‬
‫فه��ذه الفك��رة متأصلة بعمق يف املفهوم األخالقي احلديث لدرجة أن رفضها س��وف يس��تدعي‬
‫إعادة التفكر وإعادة صياغة معظم املفاهيم األخالقية األساسية)‪.(1‬‬
‫يكمن اهتامم «ويليامز» الرئيس يف كيفية تأثر احلظ يف التقييم التأميل للفاعلني ‪Agent’s‬‬
‫‪ Reflective Assessment‬ألفعاهلم؛ أي يف قدرهتم عى تربير أفعاهلم وقراراهتم بأنفسهم بشكل‬
‫عقالين‪ ،‬ويس��تخدم «ويليامز» مثال الرسام «غوغان»)‪ ،Gauguin (2‬وهو الشخص الذي ختى‬
‫ع��ن أرسته ملتابع��ة طموحاته الفني��ة والس��فر إىل مدينة «تاهيت��ي»‪ ،‬حيث ي��رى «ويليامز»‬
‫أن تربير اختيار «غوغان» يعتمد عى نجاح خمططه‪ ،‬ونجاح خمططه ال خيضع بالكامل لسيطرته‪،‬‬
‫وبالتايل فهو جزئ ًّيا مسألة حظ‪ .‬وهناك عائقان يعوقان قدرة الفاعل عى ضامن التربير الرجعي‬
‫‪ Retroactive Justification‬يف مثل هذه القرارات؛ أوهلام يف وقت اختاذ القرار‪ ،‬ال ميكن للفاعل‬
‫أبدا كيف س��تنتهي هذه األمور‪ ،‬وثانيه��ام يف خمططات مثل ق��رار «غوغان»‪ ،‬غال ًبا‬‫أن يع��رف ً‬
‫ما يغر املرشوع شخصية الفاعل ومواقفه متا ًما)‪.(3‬‬
‫تشر الفيلسوفة الربيطانية «سوزان هريل» ‪2007-1954( Susan Hurler‬م) إىل أن قبول‬
‫مصطلح احلظ بكل بس��اطة يعن «العالقة العكسية للمس��ئولية» ‪The Inverse Correlate of‬‬
‫‪ ،Responsibility‬بحي��ث تك��ون { س } مس��ألة حظ بالنس��بة للش��خص { ص }‪ ،‬فقط يف حالة‬
‫عدم وجود مس��ئولية أخالقية فيام يتعلق ب��{ س })‪ .(4‬وهذا يعن أن عالقة عكس��ية بني وجود‬
‫املس��ئولية واحلظ؛ فوجود املس��ئولية ينفي حضور احلظ‪ ،‬ووجود احلظ ينفي وجود املسئولية‪،‬‬
‫فكل منهام ينفي وجود اآلخر‪.‬‬

‫‪)1( Statman, Daniel: Moral Luck, In: »Routledge Encyclopedia of Philosophy«, General Editor:‬‬
‫‪Edward Craig, Routledge, New York, 1998, p.390.‬‬
‫جيدا مسئولياته األخالقية‪ ،‬ومع ذلك قرر‬‫(‪ (2‬يصف «ويليامز» حالة «غوغان»‪ ،‬وهو فنان مبدع‪ ،‬ويدرك ً‬
‫مشهورا‪ ،‬فإذا حدث ذلك وأصبح‬
‫ً‬ ‫التخيل عن عائلته والذهاب إىل مدينة «تاهيتي»؛ من أجل أن يصبح فنانًا‬
‫عظيام‪ ،‬فلن يندم عى قراره‪ ،‬ولكن إذا فشل‪ ،‬فيجب عليه أن يندم عى ما فعله‪ ،‬لكن من حظه اجليد‬ ‫ً‬ ‫رسا ًما‬
‫ً‬
‫عظيام‪.‬‬ ‫أن أصبح فنانًا‬
‫‪)3( Statman, Daniel: Moral Luck, Op.Cit, p.390.‬‬
‫‪)4( Hurley, Susan: Luck, Responsibility and Natural Lottery, Journal of Political Philosophy,‬‬
‫‪Vol.10, No.1, Wiley Online Library, 2002, pp.84-85.‬‬
‫‪And See Also: Anderson, B. Mark: Moral Luck and Libertarianism, Op.Cit, p.5.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪298‬‬

‫يبدو مما س��بق‪ ،‬أن هناك مفارقة بني احلظ واملس��ئولية األخالقية‪ ،‬وحلل هذه املفارقة ميكن‬
‫أن نالح��ظ أن تقييمنا األخالقي لألمثلة التي قدمه��ا كل من «ويليامز» و«ناجل»‪ ،‬فيام يتعلق‬
‫بالسائقني املخمورين‪ ،‬أحدمها حمظوظ ينجح يف الوصول إىل املنزل بسالم‪ ،‬واآلخر سيئ احلظ‬
‫طفال عى الطريق‪ ،‬ال يتم عن طريق الرجوع إىل الوضع األخالقي املختلف للسائقني‪،‬‬
‫يدهس ً‬
‫ولكن إىل أوجه قصورنا املعرفية؛ ألننا يف معظم احلاالت ال نعرف شي ًئا عن شخصيات اآلخرين‬
‫ونواياهم إال من خالل سلوكهم الفعيل)‪.(1‬‬
‫ك��ام أن هناك مفارقة واضحة بني املس��ئولية واحلظ‪ ،‬فإذا كانت طبيعة املس��ئولية تقتي‬
‫التعميم واإلطالق‪ ،‬فإن طبيعة احلظ تقتي النس��بية والتغر‪ ،‬فاحلظ خيتلف من شخص آلخر‪،‬‬
‫لسببني‪:‬‬
‫أوهلام‪ :‬ليك حيدث يشء ما عى سبيل احلظ فالبد أن حيدث خارج نطاق سيطرة شخص ما‪،‬‬
‫وما هو خارج نطاق سيطرة هذا الشخص قد يكون خارج نطاق شخص آخر‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫جيدا أو س��ي ًئا‪ ،‬وما هو حظ جيد لشخص ما قد يكون حظًّا سيئا‬
‫ثانيهام‪ :‬قد يكون احلظ ً‬
‫لشخص آخر‪ ...‬وهكذا)‪.(2‬‬
‫فأحيانً��ا نكون حمظوظني‪ ،‬وأحيانً��ا أخرى ال نكون كذلك‪ ،‬ويف بع��ض األحيان قد نفعل‬
‫شي ًئا بحسن نية‪ ،‬ولكن يتضح أن ما فعلته كان له نتائج سيئة للغاية‪ ،‬ثم تشعر بأنه ينبغي عليك‬
‫أن تفعل ش��ي ًئا آخر‪ ،‬ويف بعض األوقات قد متتنع عن الفعل بش��كل ما؛ ألن فيه ش �كًّا أخالق ًّيا‪،‬‬
‫ولكن يتضح فيام بعد أن ما مل تفعله ليس له أي نتائج سيئة)‪.(3‬‬
‫ويش��ر «ناجل» إىل أنه حتى معتقداتنا تكون دامئًا بس��بب عوامل خارجة عن س��يطرتنا‪،‬‬
‫واس��تحالة تكوين هذه املعتقدات دون أن نكون حتت رمحة اآلخرين‪ ،‬وهذا يقودنا إىل الشك‬
‫في��ام إذا كنا نع��رف أي يشء عى اإلط��الق‪ ،‬فحتى لو كان��ت هذه املعتق��دات صحيحة‪ ،‬فهي‬
‫ختضع إىل احلظ البيولوجي املجرد ‪ Pure Biological Luck‬وليس إىل املعرفة‪ .‬فاحلظ األخالقي‬
‫هو مثل هذا؛ ألن هناك العديد من العوامل التي تكون فيها األشياء الطبيعية للتقييم األخالقي‬

‫‪)1( Statman, Daniel: Moral Luck, Op.Cit, p.391.‬‬


‫‪)2( Zimmerman, J. Michael: Moral Luck, A Partial Map, Op.Cit, p.585.‬‬
‫‪)3( Nida-Rumelin, Julian: There is no Moral Luck, Archives for Philosophy of Law and Social‬‬
‫‪Philosophy, Vol.93, No.2, Franz Steiner Verlag, Germany, 2007, p.167.‬‬
‫‪299‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫خارجة عن س��يطرتنا أو متأثرة مبا هو خارج عن س��يطرتنا‪ ،‬ال ميكن أن نفكر يف هذه احلقائق‬
‫دون أن نفقد قبضتنا عى األحكام)‪.(1‬‬
‫إن قبول فكرة احلظ األخالقي له آثار كبرة عى النظرية األخالقية؛ حيث توفر لنا س��ب ًبا‬
‫قو ًّي��ا للتخيل عن أخالق الواجب واعت��امد نوع من أخالقيات الفضيلة؛ حيث يتم الركيز عى‬
‫السامت اخلرة والسيئة ‪ Good and Bad Traits‬للشخصية‪ً ،‬‬
‫بدال من الركيز عى فكرة املسئولية‬
‫واللوم)‪.(2‬‬
‫وقد ُرفضت فكرة احلظ األخالقي من خالل ثالث طرق‪ ،‬وهي عى النحو اآليت‪:‬‬
‫حكام أخالق ًّيا نفشل ‪-‬‬
‫ً‬ ‫ال‪ :‬احلظ األخالقي هو مش��كلة صياغة فلس��فية؛ فعندما نصدر‬
‫أو ً‬
‫كثر من األحيان‪ -‬يف فصل ما هو خارج عن سيطرة الفاعل األخالقي عام هو عليه‪.‬‬ ‫يف ٍ‬

‫ثان ًيا‪ :‬احلظ األخالقي هو مش��كلة صياغة نفس��ية؛ أي لدينا حتيز نفي وحماباة مشاهبة‬
‫لتأث��ر هالة القداس��ة األخالقية «‪ ،Moral »Halo‬ب��أن إمهالنا اخلاص لن ي��ؤدي إىل النتائج‬
‫الس��يئة نفس��ها مثل إمه��ال األخرين‪ ،‬ف��ال ينبغ��ي أن ندع��ي أن «غوغان» خائ��ن أخالق ًّيا‪،‬‬
‫و«فاجيلوس» ‪ Vagelos‬بطل أخالق ًّيا‪ ،‬ما مل نطبق باس��تمرار املعاير املصاغة نفس��ها يف كل‬
‫حالة عى سلوكنا)‪.(3‬‬
‫ثال ًث��ا‪ :‬احل��ظ األخالق��ي مقولة خاطئ��ة؛ ألن اهلوية الش��خصية بوصفه��ا موضو ًعا للحظ‬
‫جدا؛ وبذل��ك تعفي األفراد من املس��ئولية عن ش��خصياهتم اخلاصة‪،‬‬
‫بعيدا ًّ‬
‫األخالق��ي تذه��ب ً‬
‫وهي خطوة جتعل املبادئ األخالقية غر مرابطة)‪.(4‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬أنواع الحظ األخالقي‬

‫هناك أربع طرق ‪-‬تقري ًبا‪ -‬خيضع فيها التقييم األخالقي للحظ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الطريق��ة األوىل‪ :‬احل��ظ التأس��يي ‪ ،Constitutive Luck‬وهو نوع الش��خص الذي أنت‬

‫‪)1( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, pp.27-28.‬‬


‫‪)2( Statman, Daniel: Moral Luck, Op.Cit,p.391.‬‬
‫‪)3( Michaelson, Christopher: Moral Luck and Business Ethics, Journal of Business Ethics, Vol.83,‬‬
‫‪No.4, Springer, )Dec., 2008(, p.782.‬‬
‫‪)4( Ibid, p.782.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪300‬‬

‫عليه؛ حيث ال يتعلق األمر فقط مبا تفعله بشكل قصدي‪ ،‬بل عى ميولك ‪ ،Inclination‬وقدراتك‬
‫‪ ،Capacities‬ومزاجك ‪.(1)Temperament‬‬
‫فاحلظ التأس��يي يؤثر ع��ى هوية املرء وميول��ه أو املواد اخلام التي يولد هب��ا‪...‬؛ فأمزجة‬
‫جزءا أساس ًّيا من شخصية‬
‫الفرد من مواهب ‪ Talents‬وقدرات ونزعات ‪ Propensities‬تش��كل ً‬
‫حد ٍ‬
‫كبر‪ ،‬فهكذا يولد بعض األش��خاص بنزوع نحو‬ ‫الش��خص‪ ،‬وال ميكن الس��يطرة عليها إىل ّ ٍ‬
‫الصداقة واملودة واحلساس��ية‪ ،‬يف ح��ني مييل اآلخرون إىل قلة الصرب واحل��ذر واخلبث‪ ،‬ومع أن‬
‫جزءا من احلظ األخالقي‪ ،‬وعى الرغم من ذلك‬
‫هذه سامت وراثية ‪ ،Inborn Traits‬إال أهنا متثل ً‬
‫فهناك العديد من العوامل األخرى التي تؤثر عى تكوين األفراد أثناء نوهم)‪.(2‬‬
‫يؤكد احلظ التأسيي عى العوامل الداخلية للفاعل‪ ،‬وكذلك فإن هناك جمموعة من العوامل‬
‫اخلارجية التي تس��هم يف تش��كيل سامت الشخصية‪ ،‬تس��مى احلظ التطوري ‪Developmental‬‬
‫‪Luck‬؛ وه��ي جمموع��ة العوام��ل التي تؤثر عى الس��امت األخالقي��ة للمرء؛ فاآلب��اء واألقرباء‬
‫واملعلم��ون والع��ادات واملواق��ف املختلف��ة والعوامل البيئي��ة كلها جوانب مهم��ة يف تكوين‬
‫الشخصية‪ ،‬ومع ذلك فإن توافرها خارج نطاق سيطرة الفرد)‪.(3‬‬
‫أ َّم��ا الطريق��ة الثاني��ة فه��ي احل��ظ يف ظ��روف امل��رء ‪،Luck in One’s Circumstances‬‬
‫وهو نوع املشاكل واملواقف التي يواجهها املرء)‪.(4‬‬
‫يقدم «ناجل» ً‬
‫مثاال عى بعض الشباب األملان الذين كانوا حمظوظني أخالق ًّيا بعد مغادرهتم‬
‫�ارا أخالق ًّيا فظي ًعا‬
‫أملاني��ا يف أوائل الثالثينيات‪ ،‬فلو اس��تمروا بالبقاء لكانوا س��يواجهون اختب� ً‬
‫قاتال ناز ًّيا‬
‫وبش ًعا‪ ،‬ورمبا يفشل الكثرون منهم يف هذا االختبار؛ وبالتايل إذا ما أصبح الشخص ً‬
‫حد ٍ‬
‫كبر‪ -‬مسألة حظ يف الظروف)‪.(5‬‬ ‫أو ال هي ‪-‬إىل ّ ٍ‬

‫فاحل��ظ املرتب��ط بظروف امل��رء يؤثر عى أن��واع املواقف التي نجد أنفس��نا فيه��ا‪ ،‬وغال ًبا‬

‫‪)1( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, p.28.‬‬


‫‪)2( Hwang, Kyung-Sig: Moral Luck, Self-Cultivation, and Responsibility; The Confucian‬‬
‫‪Conception of Free Will and Determinism, Philosophy East and West, Vol.63, No.1, University‬‬
‫‪of Hawai'i Press, United State, )January., 2013(, p.5.‬‬
‫‪)3( Ibid.‬‬
‫‪)4( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, p.28.‬‬
‫‪)5( Statman, Daniel: Moral Luck, Op.Cit, p.390.‬‬
‫‪301‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫فمثال إذا كنت‬


‫م��ا يكون أثن��اء مواجهة اختبارات أخالقي��ة معينة أو نواجه مواقف صعب��ة؛ ً‬
‫جدا من أس��امك القرش القريبة؛ لذا‬
‫يف موقف يس��مح يل بإنقاذ طفل من الغرق‪ ،‬وكنت خائ ًفا ًّ‬
‫منزعجا من احتامل ابتالل مالبي اجلديدة وجعلها‬
‫ً‬ ‫ترصف��ت بجنب‪ ،‬ومل أنقذ الطفل‪ ،‬أو كنت‬
‫ق��ذرة ورطبة‪ ،‬فقد أك��ون قد ترصفت بأنانية ومل أنق��ذ الطفل‪ .‬ورمبا مل أت��ردد يف إنقاذ الطفل‬
‫الغارق‪ ،‬وواجهت خطر هجوم أس��امك القرش‪ ،‬وتلوث مالبي اجلديدة من أجل إنقاذ الطفل‪،‬‬
‫ويف هذه احلالة أظهرت شجاعتي‪ ،‬وأنكرت نفي؛ لذلك إذا مل أتعرض هلذا املوقف فلن تتاح يل‬
‫الفرصة يف إظهار جبن أو شجاعتي‪ ،‬ولن يتم تقييم سجيل األخالقي بشكل إجيايب أو سلبي)‪.(1‬‬
‫قائال‪« :‬إن احلظ يف ظ��روف املرء واألش��ياء التي نقوم هب��ا واالختبارات‬
‫يش��ر «ناج��ل» ً‬
‫صحيحا‬
‫ً‬ ‫األخالقية التي نواجهها‪ ،‬يتم حتديده عن طريق عوامل خارجة عن إرادتنا‪ ،‬فقد يكون‬
‫‪-‬بالنس��بة لش��خص يف وض��ع خطر‪ -‬أن يت��رصف بطريقة جبان��ة أو بطريقة ش��جاعة‪ ،‬ولكن‬
‫إذا مل حيدث هذا الوضع أو احلالة فلن حيصل عى فرصة للتمييز بني جبنه وشجاعته‪ ،‬وسيكون‬
‫سجله األخالقي خمتل ًفا»)‪.(2‬‬
‫والطريقة الثالثة هي احلظ املرتبط بأس��باب الفعل وتأثراته ‪The Causes and Effects‬؛‬
‫أي احلظ يف كيفية تقييد املرء بظروف من خالل ظروف سابقة)‪.(3‬‬
‫ً‬
‫مسئوال عن أفعاله؛‬ ‫فأفعال املرء حمددة باألحداث التي س��بقتها؛ لذلك ال ميكن اعتبار املرء‬
‫ألن ما يفعله سيكون نتيجة لظروف سابقة‪ ،‬وهي تقع خارج نطاق سيطرته)‪.(4‬‬
‫أ َّما الطريقة الرابعة فهي احلظ املرتبط بالنتائج؛ أي احلظ يف نتيجة أفعال الفرد وخمططاته‪.‬‬
‫اختذت مع عدم اليقني ‪ ،Uncertainty‬كام هو احلال عندما‬ ‫وهذا يشمل حاالت القرارات التي ُّ‬
‫يقرر زعيم سيايس الدخول يف حرب مع علمه بفشل خمططاته يف أثناء اختاذ القرار‪ ،‬فلن يكون‬
‫مربرا بأثر رجع��ي‪ ،‬وحاالت الغفالت واإلمهال‪ ،‬مثل حالة س��ائقني متهورين؛ أحدمها‬
‫الق��رار ً‬
‫طفال يعرب الطريق)‪.(5‬‬
‫حمظوظ‪ ،‬ال يسبب أي رضر‪ ،‬واآلخر سيئ احلظ‪ ،‬يصيب ً‬
‫‪)1( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, pp.10-11.‬‬
‫‪)2( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, p.33.‬‬
‫‪)3( Ibid, p.28.‬‬
‫‪)4( Woodford, F. Nicole: Moral Luck, Control, Choice, and Virtue, Op.Cit, p.7.‬‬
‫‪)5( Statman, Daniel: Moral Luck, Op.Cit, p.390.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪302‬‬

‫فاحلظ يف النتائج يش��ر إىل العوامل واملتغرات األساس��ية املرتبطة مبارشة بنتيجة فعل ما‪،‬‬
‫فاحل��ظ األخالقي ق��د يؤثر عى نتائ��ج الفعل‪ ،‬فقد ال ت��أيت النتائج عى النحو املُعد له؛ بس��بب‬
‫عوامل خارجة عن سيطرة املرء)‪.(1‬‬
‫تتض��ح ه��ذه األنواع أك��رث من خالل حدي��ث «ناجل» ع��ن احلظ اجليد واحلظ الس��يئ‬
‫طفال ع��ن طريق اخلطأ‪،‬‬
‫فمثال س��ائق الش��احنة الذي يصدم ً‬
‫يف الط��رق التي تتغر هبا األمور‪ً :‬‬
‫والفن��ان ال��ذي يتخى عن زوجته وأطفاله لتكريس نفس��ه للرس��م‪ ،‬وغرها م��ن احلاالت التي‬
‫تكون فيها احتامالت النجاح والفشل أكرب‪.‬‬
‫فإذا كان السائق دون خطأ متا ًما‪ ،‬فسيشعر بيء من الفزع بسبب دوره يف احلدث‪ ،‬ولكنه‬
‫لن يضطر إىل لوم نفس��ه وتأنيبها؛ لذلك فإن املثال عى ندم الفاعل يف هذه احلالة ليس حالة من‬
‫حاالت احلظ السيئ أخالق ًّيا ‪ ،Moral Bad Luck‬ومع ذلك‪ ،‬فإذا كان السائق مذن ًبا ‪-‬ولو بدرجة‬
‫مثال أمهل يف فحص فرامل الس��يارة يف اآلونة األخرة‪ ،‬وأسهم هذا اإلمهال‬
‫بس��يطة من اإلمهال‪ً -‬‬
‫يف وفاة الطفل‪ ،‬فلن يش��عر الس��ائق بالفزع فحسب‪ ،‬بل سيلوم نفسه عى وفاة الطفل‪ .‬وما جيعل‬
‫قليال‪ -‬عى اإلمهال‪،‬‬
‫واضحا عى احلظ األخالقي أنه عى الس��ائق أن يلوم نفس��ه ‪-‬ولو ً‬
‫ً‬ ‫هذا ً‬
‫مثاال‬
‫إذا مل يك��ن هن��اك أي حالة تتطلب منه أن ُيغر مس��اره فجأة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ف��إن اإلمهال يف كلتا‬
‫احلالتني‪ ،‬ليس لدى السائق أي سيطرة عى ما إذا كان الطفل سيمر مبساره أو ال)‪.(2‬‬
‫فرجع االختالف بني نتائج أفعال اإلمهال التي قام هبا السائقان إىل وجود الطفل من عدمه‪،‬‬
‫ً‬
‫مسئوال عن وفاة الطفل‪ ،‬والسائق‬ ‫وهو أمر خارج عن س��يطرة السائق متا ًما‪ ،‬إال أن سائ ًقا أصبح‬
‫اآلخر ليس كذلك)‪.(3‬‬
‫اليء نفس��ه ينطبق عى مس��تويات أخرى من اإلمهال؛ فإذا كان هناك س��ائق س��كران‪،‬‬
‫ثم انحرفت س��يارته إىل الرصيف؛ فس��نعده حمظوظً��ا من الناحية األخالقي��ة إذا مل يكن هناك‬
‫ً‬
‫مسئوال عن وفاهتم‪ ،‬وقد ُحياكم بتهمة القتل اخلطأ‪،‬‬ ‫مارة يف طريقه‪ ،‬ولكن إذا ُوجدوا فس��يكون‬
‫أحدا رغم طيش��ه وهتوره‪ ،‬فهو مذنب يف ه��ذه احلالة بارتكابه جرمية قانونية‬
‫ولك��ن إذا مل يؤذ ً‬
‫‪)1( Hwang, Kyung-Sig: Moral Luck, Self-Cultivation, and Responsibility; The Confucian‬‬
‫‪Conception of Free Will and Determinism, Op.Cit, p.5‬‬
‫‪)2( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, pp.28-29.‬‬
‫‪)3( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.8.‬‬
‫‪303‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫أق��ل خط��ورة بكثر من القتل اخلطأ‪ ،‬والرضر الناش��ئ س��واء لنفس��ه أو اآلخري��ن أقل بكثر‬
‫من القتل اخلطأ)‪.(1‬‬
‫ويتض��ح ذلك م��ن املثال القانوين التايل‪ :‬إن عقوبة ال��رشوع يف القتل أقل من عقوبة القتل‬
‫العم��د‪ ،‬رغ��م أن دواف��ع القات��ل ونواياه واح��دة يف احلالت��ني‪ ،‬إال أن درجة العقوب��ة تعتمد عى‬
‫طائرا يطر يف طريق‬
‫ما إذا كانت الضحية ترتدى سرة واقية من الرصاص أو ال‪ ،‬أو ما إذا كان ً‬
‫الرصاصة أثناء إطالقها‪ ،‬فكل هذه أمور خارجة عن سيطرة الفاعل)‪.(2‬‬
‫�ال ذهبت «آنا كارين»‬
‫وهن��اك حاالت م��ن القرارات قد تنتج من خالل عدم اليقني؛ فمث� ً‬
‫مع «فروتسيك»‪ ،‬وترك «غوغان» عائلته‪ ،‬ووقع «تشامربلني» اتفاق «ميونيخ»‪ ...،‬إلخ‪ ،‬واملغزى‬
‫من مجيع هذه احلاالت أن نعرف أن بعض القرارات تكون ممكنة يف ضوء ما هو معروف يف ذلك‬
‫الوقت؛ األمر الذي سيجعل اللوم غر مناسب دون النظر إىل كيفية ظهور هذه األمور)‪.(3‬‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬تقييم هذه القرارات من وجهة نظر ما ميكن معرفته يف ذلك الوقت‪،‬‬
‫وم��ن املمكن ً‬
‫فمثال إذا نجح الديسمربيون ‪ Decembrists‬الروس يف إسقاط‬ ‫ولكن هذه ليست هناية القصة؛ ً‬
‫ً‬
‫أبطاال‪ ،‬وإذا فش��لوا؛‬ ‫نيق��وال األول ع��ام ‪1825‬م م��ن أجل إقامة نظام دس��توري؛ فس��يكونون‬
‫فسيدفعون مث ًنا باهظًا‪ ،‬وبالفعل تم إقرار عقوبات رهيبة للجنود الذين اتبعوه)‪.(4‬‬
‫ٍ‬
‫عديد من االختيارات الصعبة؛ لذلك جيب أن ننظر إىل‬ ‫فال ميكن التنبؤ بالنتائج املحققة يف‬
‫ن��وع النتيجة أو احلصيلة ‪ Outcome‬النهائية؛ ألهنا حتدد ما تم القيام به‪ ،‬فالنتائج الفعلية ميكن‬
‫أن تؤثر عى درجة اللوم أو الثناء يف فئة كبرة من القضايا األخالقية التي ال ميكن املس��اس هبا‪،‬‬
‫والتي تراوح بني اإلمهال إىل االختيار السيايس‪.‬‬
‫يب��دو أن هذه أحكام أخالقية أصيلة ‪ ،Genuine‬وليس��ت تعب��رات عن املوقف املؤقت‪،‬‬
‫ويتض��ح هذا من حقيق��ة أنه ميكن للمرء أن يقول مقد ًما كيف س��يعتمد احلكم األخالقي عى‬
‫مفتوحا يف احلامم مع وجود طفل صغر‪ ،‬فإن‬
‫ً‬ ‫فمثال إذا أمهل املرء‪ ،‬وترك صنبور امل��اء‬
‫النتائ��ج؟ ً‬
‫فعال مرو ًع��ا؛ أ َّما إذا مل يكن هناك طفل يف املنزل‪ ،‬فهذا يعد جمرد‬
‫فع��ل املرء يف هذه احلالة ُيعد ً‬
‫‪)1( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, p.29.‬‬
‫‪)2( Ibid.‬‬
‫‪)3( Ibid.‬‬
‫‪)4( Ibid, p.30.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪304‬‬

‫إمهال‪ ،‬وكذلك الشخص الذي يشن ثورة عنيفة ضد نظام استبدادي‪ ،‬فإنه يعرف منذ البداية أنه‬
‫ً‬
‫مسئوال عن الكثر من املعاناة التي ستذهب سدى‪ ،‬ولكن إذا نجح يف ذلك‪،‬‬ ‫إذا فشل؛ فسيكون‬
‫مرب ًرا من خالل املحصلة الكلية)‪.(1‬‬
‫فسيكون َّ‬
‫ي��رى «ناج��ل» أنه إذا كن��ا نحكم عى الناس بس��بب ما يقوم��ون به بالفعل أو ما فش��لوا‬
‫يف القي��ام بفعل��ه‪ ،‬واس��تبعدنا ما كان��وا س��يفعلونه إذا كانت الظ��روف خمتلفة‪ ،‬فهذا الش��كل‬
‫أيضا؛ فقد يكون‬
‫من التحدي��د األخالقي بطريقة فعلية هو مفارق‪ ،‬ومفهوم املس��ئولية مفارق ً‬
‫كبر‬ ‫مسئوال من الناحية األخالقية فحسب عام يفعله‪ ،‬ولكن ما يفعله ناتج عن ٍ‬
‫قدر ٍ‬ ‫ً‬ ‫الش��خص‬
‫تناقضا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مسئوال عنه‪ ،‬فهذا ليس‬ ‫مما ال يفعله؛ لذلك فهو غر مسئول أخالق ًّيا عام هو عليه‪ ،‬وليس‬
‫‪ ،Contradiction‬ولكنه مفارقة)‪.(2‬‬
‫وللتأكي��د عى أنواع احلظ الس��ابقة علينا أن ننظر يف األمثلة الث��الث اآلتية لثالثة أزواج‬
‫من األشقاء‪:‬‬
‫املثال األول‪ :‬تريب «مايك» و«جيم» من قبل أب وأم غرس��وا يف نفوس��هم تقديس وطاعة‬
‫مطلقة للسلطة؛ فقد نشأ يف أرسة منظمة بإحكام‪ ،‬وكالمها ُجيند للخدمة العسكرية‪ .‬يتم توزيع‬
‫«ماي��ك» يف منطق��ة نائية‪ ،‬وال يوج��د هبا أي قتال‪ ،‬بين��ام يتم توزيع «جي��م» يف منطقة حرب‪،‬‬
‫ويأم��ره قائ��ده بقتل عائلة أح��د املقاتلني األرسى من أجل كرس عزميته‪ ،‬ومحله عى الكش��ف‬
‫عن معلومات حساس��ة وخطرة‪ ،‬وبالفعل يقوم «جيم» بإطالق النار عى زوجة األس��ر واثنني‬
‫م��ن أبنائ��ه الصغار قبل أن تكرس عزميت��ه‪ُ .‬أدين «جيم» يف وقت الحق يف حمكمة عس��كرية‪،‬‬
‫وحكم عليه بالسجن مدى احلياة الرتكابه جرائم قتل؛ فلو حصل «مايكل» عى األوامر نفسها‬
‫يف الظروف نفسها‪ ،‬ألظهر الوحشية نفسها التي ارتكبها «جيم»‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن سجل «جيم»‬
‫األخالقي أس��وأ من س��جل «مايك»‪ ،‬والفرق األخالقي الوحيد بينهام‪ ،‬أن «جيم» تعرض حلظ‬
‫شخصا سي ًئا‪،‬‬
‫ً‬ ‫سيئ وضعه يف ظروف أدت إىل نتائج كارثية ومشئومه‪ ،‬عى الرغم من كونه ليس‬
‫إال أن سجله األخالقي أصبح أسوأ من سجل أخيه بسبب سوء احلظ)‪.(3‬‬
‫املث��ال الثاين‪ :‬يعيش اثنان من األش��قاء «س��ارة» و«ج��ني» عى جانبي البل��دة‪ ،‬وجيتمعان‬

‫‪)1( Ibid, pp.30-31.‬‬


‫‪)2( Ibid, p.34.‬‬
‫‪)3( Beach, Patrick: Moral Luck, Op.Cit, p.99.‬‬
‫‪305‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫بعد الظهر يوم األربعاء يف وس��ط املدينة لتناول طعام الغداء الذي يش��تمل عادة عى استهالك‬
‫الكوكتي��الت عالية األوكتان؛ فأصبح كالمها يف حالة س��كر خفيف‪ ،‬وبعد الغداء قررا العودة‬
‫طفال عى الطري��ق وتقتله؛‬
‫للمن��زل‪ ،‬تصل س��يارة «س��ارة» بأمان‪ ،‬بينام تصدم س��يارة «ج��ني» ً‬
‫فلو مل ترشب «جني» الكوكتيالت عالية األوكتان‪ ،‬لكانت ردود أفعاهلا أكرث فطنة ومس��ئولية‪،‬‬
‫كال من «س��ارة» و«جني» قد ترصفتا بش��كل س��يئ‬
‫وما أصابت الطفل بأذى؛ فمن الواضح أن ً‬
‫وهو القيادة يف حالة الس��كر‪ ،‬ولكن سجل «جني» األخالقي أصبح أسوأ من أختها؛ ألن حظها‬
‫السيئ أدى إىل وفاة الطفل)‪.(1‬‬
‫املث��ال الثال��ث‪ :‬ينفص��ل «كارول» و«دون» ع��ن بعضه��ام يف س��ن مبكر للغاي��ة نتيجة‬
‫ط��الق والدهي��ام‪« ،‬كارول» تذهب مع والدها وه��و رجل قايس‪ ،‬ويربيها ليك تكون قاس��ية‬
‫القلب‪ ،‬ومن ناحية أخرى يذهب «دون» مع والدته وهي س��يدة تتحى بروح الصرب واملحبة‪،‬‬
‫ف��كل منهام ينش��أ عى ما ت��رىب عليه؛ أي ع��ى قيم والدي��ه؛ لذلك ميكن التنبؤ بس��جل «دون»‬
‫األخالقي بشكل معقول؛ ألن صفاته األخالقية أصبحت متأصلة بعمق‪ ،‬وهو عى عكس سجل‬
‫«كارول» األخالقي الذي يظهر أن طبائعها وميوهلا أصبحت قاسية‪ ،‬ولو ُب ّ ِدلت أدوار األطفال‬
‫بني الوالدين‪ ،‬ألصبحت «كارول» صبورة وحمبة و«دون» قاس ًيا)‪.(2‬‬
‫املالحظة املهمة يف هذا املثال‪ ،‬أن ليس لدى «كارول» أو «دون» أي س��يطرة عى الوالد أو‬
‫الوالدة التي كان يعيش معه أو معها‪ ،‬وبالتايل ليس لديه أي سيطرة حقيقية عى سجله األخالقي‪،‬‬
‫ف� «دون» حالفه حظ جيد يف احلصول عى شخصية فاضلة ‪ ،Virtuous‬و«كارول» حالفها حظ‬
‫س��يئ يف احلصول عى شخصية رشيرة ‪Vicious‬؛ لذلك س��جل «دون» األخالقي أفضل من سجل‬
‫جيدا‪ ،‬حيث قدمت له والدته إرشادات أخالقية أفضل من أخته)‪.(3‬‬
‫أخته؛ ألن حظه كان ً‬
‫قائال‪« :‬قد يرغب امل��رء يف أن يتمتع بروح كرمية وس��خية‬
‫وه��ذا ما يش��ر إليه «ناج��ل» ً‬
‫أو يأس��ف لع��دم امتالكه��ا‪ ،‬ولك��ن ال معى إلدانة أو لوم نفس��ه أو أي ش��خص آخ��ر خلاصية‬
‫ال ختضع لسيطرته»)‪.(4‬‬

‫‪)1( Ibid, pp.99-100.‬‬


‫‪)2( Ibid, p.100.‬‬
‫‪)3( Ibid.‬‬
‫‪)4( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.10.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪306‬‬

‫توض��ح ه��ذه األمثل��ة ثالث طرق ميك��ن من خالهل��ا أن حيدث احل��ظ فيها فار ًق��ا أخالق ًّيا‬
‫�ام‪ ،‬ففي حالة «مايك» و«جيم» تنتج االختالف��ات األخالقية عن الظروف التي جيدان فيها‬
‫مه� ًّ‬
‫نفس��يهام‪ ،‬بحيث مييزمها احل��ظ األخالقي املرتبط بالظروف‪ ،‬أ َّما «س��ارة» و«جني» فيختلفان‬
‫أخالق ًّيا بس��بب نتائج س��لوكهام‪ ،‬وهذه حال��ة احلظ املرتبط بالنتائج‪ ،‬أ َّم��ا «كارول» و«دون»‬
‫فيقعان فريسة للحظ التأسيي أو احلظ يف تكوين شخصية املرء)‪.(1‬‬
‫يقس��م «ويليام��ز» احلظ إىل نوعني؛ مه��ا‪ :‬احلظ اخلارج��ي ‪ Extrinsic‬واحل��ظ اجلوهري‬
‫‪ ،Intrinsic‬فيق��ول‪« :‬بع��ض احلظ يف قرار من نوع غوغان‪ ،‬هو أمر خارجي ملرشوعه‪ ،‬وبعضه‬
‫جوهري‪ ،‬وكالمها رضوري للنجاح‪ ،‬وبالتايل من أجل التربير الفعيل»)‪.(2‬‬
‫يتضح هذا من خالل مثال الرسام «غوغان» الذي ترك عائلته من أجل البحث عن النجاح‬
‫والش��هرة يف مدين��ة «تاهيتي»‪ ،‬فهناك عام��الن رضوريان لنجاح مرشوعه أو فش��له‪ ،‬أحدمها‬
‫داخيل واألخر خارجي؛ احلظ الداخيل هو فش��ل «غوغان» بوصفه رسا ًما موهو ًبا‪ ،‬حيث أساء‬
‫تقدير موهبته وميله إىل الرس��م‪ ،‬وهذا الفش��ل يكش��ف عن خطأ يف الطريق��ة التي يفكر هبا؛‬
‫إ َّما عن موهبته الفنية اخلام‪ ،‬أو عن قدرته عى االس��تفادة من االنغامس يف ثقافة األعامل الفنية‬
‫العالية)‪.(3‬‬
‫فاحلظ اجلوهري كام يش��ر «ويليامز» يركز يف قضية «غوغان» عى مس��ألة واحدة‬
‫تقري ًب��ا‪ ،‬وه��ي إذا كان رس��ا ًما موهو ًبا ح ًّق��ا‪ ،‬فيمكن��ه أن ينجح يف القيام بعم��ل ذي قيمة‬
‫حقيقية)‪.(4‬‬
‫أ َّم��ا احلظ اخلارجي فمن ش��أنه أن جيعل الفاعل يندم عى األفع��ال التي مل يفعلها طواعية‪،‬‬
‫فمثال يقود سائق شاحنة بيقظة واهتامم مع اتباع مجيع قواعد املرور‪ ،‬ولكن بشكل غر متوقع‬
‫ً‬
‫وحذرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫مير طفل عرب الطريق‪ ،‬ويصطدم بالس��يارة‪ ،‬فالسائق يعرف أنه قاد بعناية‪ ،‬وكان يقظًا‬
‫ولكنه ما زال غر قادر عى فصل نفس��ه عن وفاة الطفل‪ ،‬وس��وف يش��عر بالندم عى ما حدث؛‬
‫بسبب تورطه فيام حدث‪ ،‬بالرغم من أن احلادث كان غر متوقع وغر مقصود‪ ،‬إال أنه ال ميكن‬

‫‪)1( Beach, Patrick: Moral Luck, Op.Cit, pp.100-101.‬‬


‫‪)2( Williams, Bernard: Moral Luck; Philosophical Papers 1973-1980, Op.Cit, p.26.‬‬
‫‪)3( Beach, Patrick: Moral Luck, Op.Cit, p.110.‬‬
‫‪)4( Williams, Bernard: Moral Luck; Philosophical Papers 1973-1980, Op.Cit, p.26.‬‬
‫‪307‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫القضاء عى ندمه‪ ،‬وهذا ما يسمى بندم الفاعل‪ ،‬والذي خيتلف عن الندم الذي يشعر به املشاهد‬
‫بسبب وقوع هذا احلادث)‪.(1‬‬
‫خيتل��ف ن��دم الفاع��ل عن ما يش��عر به املش��اهد؛ ألن س��ائق الس��يارة ش��ارك يف احلادث‪،‬‬
‫أ َّما الش��اهد فلم يش��ارك يف احل��دث‪ ،‬والنقطة التي جي��ب مالحظتها هنا هي أن ش��عور الفاعل‬
‫بالندم بس��بب األفعال غر اإلرادية اخلارجية‪ ،‬ويدل ه��ذا عى أن ندم الفاعل مرشوطًا باحلظ؛‬
‫ألنه يعتمد عى ظروف خارجة عن س��يطرة الفاعلني‪ ،‬بعبارة أخرى قد يعتمد الوضع األخالقي‬
‫لس��لوكنا عى احلظ؛ أي يتم احلكم علينا بسبب األش��ياء التي لسنا مسئولني عنها‪ ،‬وهي خارجة‬
‫عن سيطرتنا)‪.(2‬‬

‫خاتمة‬

‫تأسيسا عى ما سبق‪ ،‬ميكن استخالص جمموعة من النتائج؛ أمهها‪:‬‬


‫ً‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬مب��دأ الس��يطرة هو ذلك املبدأ ال��ذي ينص عى أن تقييم األفع��ال األخالقية أو تقييم‬
‫الفاعل��ني األخالقي��ني يعتم��د اعت��ام ًدا كل ًي��ا ع��ى األفعال الت��ي تقع حت��ت س��يطرة الفاعلني‪،‬‬
‫أي أن التقييم يتوقف عى العوامل الداخلية للفاعلني‪.‬‬
‫ثان ًي��ا‪ :‬يقصد باحل��ظ األخالقي أن معظم التقييامت األخالقية الت��ي نقوم هبا بناء عى مبدأ‬
‫السيطرة متناقضة مع نفسها؛ ألن هناك العديد من العوامل األخرى التي تتدخل يف أفعال املرء‬
‫وقراراته‪ ،‬وهي عوامل ال تقع حتت سيطرته‪ ،‬لذلك ينبغي مراعاة تلك العوامل يف أثناء تقييامتنا‬
‫األخالقية‪.‬‬
‫ثال ًث��ا‪ :‬املس��ئولية األخالقي��ة مفارقة ملفهوم احل��ظ األخالقي‪ ،‬فكل منهام يس��تبعد اآلخر؛‬
‫ألنه إذا كان الفاعل مس� ً‬
‫�ئوال فحس��ب عن األفعال التي تقع حتت سيطرته‪ ،‬فإن معظم ما يفعله‬
‫ال يق��ع حت��ت س��يطرته؛ بس��بب العوام��ل اخلارجي��ة التي تتحك��م يف أفع��ال امل��رء وقراراته‪،‬‬
‫وبالتايل فهو غر مسئول أخالق ًّيا عن األفعال التي تقع حتت سيطرته‪.‬‬
‫راب ًع��ا‪ :‬تتع��دد أنواع احل��ظ األخالقي بتع��دد املواقف األخالقية التي ينش��أ فيه��ا التقييم‬

‫‪)1( Makkuni, Santosh: Moral Luck and Practical Judgment, Op.Cit, pp.201-202.‬‬
‫‪)2( Ibid, p.202.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪308‬‬

‫األخالق��ي‪ ،‬فهناك احلظ التأس��يي وهو احل��ظ املرتبط بامليول والق��درات واألمزجة‪ ،‬واحلظ‬
‫املرتبط بظروف املرء ومالبس��اته‪ ،‬أي املواقف التي نجد أنفس��نا فيها وينبغي علينا مواجهتها‪،‬‬
‫وهناك احلظ املرتبط باألس��باب الس��ابقة للفعل وتأثراته‪ ،‬ألن معظم أفعال املرء حمددة بأفعال‬
‫س��بقتها‪ ،‬واحل��ظ املرتبط بنتائ��ج األفعال أو املحصل��ة الكلية للفعل‪ ،‬فاألفع��ال قد ال تأيت عى‬
‫النحو املعد له؛ ألن هناك عوامل خارجية قد تتدخل يف تغير مسار الفعل‪ ،‬لذا ينبغي النظر إىل‬
‫املحصلة الكلية للفعل قبل إصدار أي تقييامت أخالقية‪.‬‬
‫خامس��ا‪ :‬التقييم يف احلظ األخالقي يعتمد عى مفاهيم ختتلف عن املفاهيم التقليدية التي‬
‫ً‬
‫اعتدنا عليها يف فلس��فة األخالق‪ ،‬فبينام تعتمد فلسفة األخالق عى مفاهيم‪ ،‬مثل‪ :‬اخلر والرش‪،‬‬
‫الص��واب واخلطأ‪ ،‬الصدق والكذب‪ ،‬يعتمد التقييم يف احلظ األخالقي عى مفاهيم‪ ،‬مثل‪ :‬الثناء‬
‫والل��وم‪ ،‬املدح والذم‪ ،‬الذنب والطاعة‪ ،‬اجليد والس��يئ‪ ،‬الثواب والعقاب‪ ،‬أفضل وأس��وأ‪ ،‬وهي‬
‫مفاهيم نسبية ترتبط بطبيعة احلالة أو املوقف‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬تضعنا ظاهرة احلظ األخالقي أمام معضلة مهمة‪ ،‬وهي إ َّما أن نلتزم برشط السيطرة‬
‫ً‬
‫يف أثناء تقييمنا لألفعال األخالقية‪ ،‬ويف هذه احلالة سوف نتخى عن العديد من املواقف واحلاالت‬
‫الت��ي يتعرض هلا الفاعل‪ ،‬م��ع التأكيد عى أنه ليس للحظ أي دور يف تقييامتنا األخالقية‪ ،‬أو أن‬
‫نعرف بدور احلظ يف تقييامتنا األخالقية‪ ،‬ومن ثم ينبغي أن نتخى عن رشط السيطرة‪ ،‬ويف هذه‬
‫احلال��ة ينبغي علينا أن نُعيد النظر يف معظم املفاهي��م واملصطلحات األخالقية التي تؤكد عليها‬
‫النظريات التقليدية واملعارصة أو نعيد منهجية البحث يف النظريات األخالقية املعارصة‪.‬‬
309 ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫مصادر البحث ومراجعه‬

ً‫ا‬
‫ مصادر ومراجع باللغة األجنبية‬:‫أول‬
1- Anderson, B. Mark: Moral Luck and Libertarianism, Ph.D., University of
Wisconsin-Madison, ProQuest, 2012.
2- Athanassoulis, Nafsika: Common-sense Virtue Ethics and Moral Luck, Ethical
Theory and Moral Practice, Vol.8, No.3, Springer, )Jun., 2005(.
3- Beach, A. Patrick: Moral Luck, Ph.D., The Graduate School, Syracuse University,
United States, ProQuest, June 2012.
4- Brown, Marie. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Ph.D. College of
Arts & Sciences, The Florida State University , ProQuest, 2010.
5- Feinberg, Joel: Doing and Deserving; Essays in the Theory of Responsibility,
Princeton University Press, Princeton, 1970.
6- Hurley, Susan: Luck, Responsibility and ‘Natural Lottery, Journal of Political
Philosophy, Vol.10, No.1, Wiley Online Library, 2002.
7- Hwang, Kyung-Sig: Moral Luck, Self-Cultivation, and Responsibility; The
Confucian Conception of Free Will and Determinism, Philosophy
East and West, Vol.63, Ni.1, University of Hawai’i Press, United
State, )January., 2013(.
8- Kant, Immanuel: Groundwork for The Metaphysics of Moral, Translated and
Edited by; Mary Gregor and Christine M. Korsgaard, Cambridge
University Press, Cambridge, 1998.
9- Michaelson, Christopher: Moral Luck and Business Ethics, Journal of Business
Ethics, Vol.83, No.4, Springer, )Dec., 2008(.
10- Nagel, Thomas: Moral Luck, In: »Mortal Questions«, Cambridge University
Press, Cambridge, 1979.
11- Nelkin, K. Dana: Moral Luck, Stanford Encyclopedia of Philosophy, Ed by:
Edward N. Zalta and Others, Apr 10, 2013. In: https: //plato.stanford.
edu/entries/moral-luck/.10-4-2019.
)‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون‬ 310

12- Nida-Rumelin, Julian: There is no Moral Luck, Archives for Philosophy of Law
and Social Philosophy, Vol.93, No.2, Franz Steiner Verlag, Germany,
2007.
13- Shook, R. John )Ed and Others(: The Dictionary of Modern American
Philosophers, Vol.3, Thoemmes Continuum, Bristol, England, 2005.
14- Slote, Michael: The Problem of Moral Luck, Philosophical Topics, Vol.22,
No.1&2, University of Arkansas Press, United State, )Spring and
Fall., 1994(.
15- ……………..: Virtue Ethics, Utilitarianism and Symmetry, In: How Should
One Live? Essays on The Virtues, Ed By; Roger Crisp, Oxford
University Press, Oxford Scholarship Online, 2003.
16- Statman, Daniel: Moral Luck, In: »Routledge Encyclopedia of Philosophy«,
General Editor: Edward Craig, Routledge, New York, 1998.
17- Williams, Bernard: Moral Luck; Philosophical Papers 1973-1980, Cambridge
University Press, Cambridge, 1981.
18- Woodford, Frances. Nicole: Moral Luck, Control, Choice, and Virtue, Ph.D.
The University of Hull, England, September 2016.
19- Zimmerman, J. Michael: Luck and Moral Responsibility, Ethics, Vol.97, No.2,
The University Chicago Press, Chicago, )Jan., 1987(.
20- ……………………….: Moral Luck, A Partial Map, Canadian Journal of
Philosophy, Vol.36, No.4, Canada, )Dec., 2006(.

‫ مصادر مترجمة إلى اللغة العربية‬:‫ثانيا‬

‫ عبد الرمحن‬.‫ حققه ورشحه وقدم له د‬،‫ إس��حق بن حنني‬:‫ ترمجة‬،‫ األخالق‬:‫ أرس��طو طاليس‬-1
،‫ القاهرة‬،‫ تصدر عن اهليئة العامة لقصور الثقافة‬،)161( ‫ سلسلة الذخائر‬،‫بدوي‬
.‫م‬2007
‫ ترمجه من اليونانية إىل الفرنس��ية وقدم له وعلق‬،‫ عل��م األخ��الق إىل نيقوماخوس‬:............. -2
‫ الكتاب‬،1 �‫ ج‬،‫ أمحد لطفي الس��يد‬:‫ نقل��ه إىل العربية‬،‫ بارتلمي س��انتهلر‬:‫علي��ه‬
.‫م‬1924 ،‫ القاهرة‬،‫ مطبعة دار الكتب املرصية‬،‫الثالث‬
‫‪311‬‬ ‫مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه‬

‫‪ -3‬كان��ت‪ ،‬إمانويل‪ :‬تأس��يس ميتافيزيق��ا األخالق‪ ،‬ترمجه وقدم له وعلق علي��ه د‪ .‬عبد الغفار‬
‫م��كاوي‪ ،‬راجع الرمجة د‪ .‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬اهليئ��ة املرصية العامة للكتاب‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬القاهرة‪1980 ،‬م‪.‬‬

You might also like