Professional Documents
Culture Documents
(*)
د .مصطفى عبد الرؤف راشد أحمد
مقدمة
كثر من األحيان -عى مدى قدرة الفاعل عى حتمل مسئولية تتوقف األحكام األخالقية -يف ٍ
�ال معي ًنا ،ينبغي أن قادرا عى تربيرها؛ فعندما نُ َِّ
قيم س��لوكًا أو فع� ً أفعال��ه وقرارات��ه ،وأن يكون ً
مؤهال من
ً يكون الفاعل مس� ً
�ئوال مس��ئولية تامة عن نتائج أفعاله وترصفاته ،رشيطة أن يكون
الناحية العقلية والنفس��ية ،وهذا يعن أنه من الناحية األخالقية مس��ئول فحس��ب عن األفعال
التي تقع حتت سيطرته.
وع��ى النقي��ض من ذل��ك ،يرى مؤيدو احل��ظ األخالق��ي Moral Luckأن هن��اك عوامل
خارجي��ة تؤثر يف أفعال املرء وقراراته من ناحية ،وتوثر يف تقييمنا األخالقي من ناحية أخرى؛
لذل��ك ينبغي أال نطلق أحكا ًما بالثن��اء أو اللوم من دون مراعاة العوام��ل والظروف اخلارجية
كثرا ما حيدث أن نحكم عى األشخاص بالثناء
التي تؤثر يف فعل معني أو اختاذ قرار حمدد؛ ألن ً
أو اللوم دون أن يكونوا مسئولني عن نتائج أفعاهلم مسئولية تامة.
وبن��اء عى ه��ذا ،تكمن إش��كالية البحث احلايل يف دح��ض احلجة القائل��ة« :ليس للحظ
أي صلة باألخالق» ،وهي احلجة التي أسس��ها الفيلس��وف األمل��اين «إميانويل كانط» E. Kant
(1804-1724م) يف كتاب��ه «تأس��يس ميتافيزيقا األخ��الق» ،حي��ث رأى أن التقييم األخالقي
يتوقف عى مبدأ السيطرة ،واستهجن كل ما يأيت من احلظ ،لذا ميثل احلظ مفارقة Paradoxبني
التقييامت األخالقية ومسئولية األفراد عن أفعاهلم وقراراهتم.
أ َّم��ا ع��ن املنهج املتبع يف البحث ،فس��أعتمد عى املنهج الوصفي التحلي��يل؛ وذلك من أجل
حتليال
وصف القضايا املطروحة من خالل جمموعة من األمثلة؛ لبيان وتوضيح املعى ،ثم حتليله ً
دقي ًقا.
وحتقي ًق��ا أله��داف البحث ،فقد ج��اء البحث يف ثالث��ة حماور وخامتة ج��اءت عى النحو
اآليت :املحور األول يتضمن احلديث عن مبدأ الس��يطرة؛ تعريفه وأنواعه وعالقته باملس��ئولية
األخالقي��ة ومفارقته للحظ .بينام يتن��اول املحور الثاين تعريف احل��ظ األخالقي والفرق بينه
وب��ني احلظ الع��ادي ومفارقة احلظ للمس��ئولية ،ثم عرض ثالثة انتق��ادات ق ّ ُِدمت ملفهوم احلظ
األخالق��ي ،أ َّما املحور الثالث ففيه عرض ألنواع احلظ األخالقي ،خاصة عن «توماس ناجل»
1973( Thomas Nagelم ،)-ممثلة يف:
-1احلظ التأسيي.
-2احلظ املرتبط بالنتائج.
-3احلظ املرتبط بظروف املرء.
-4احلظ املرتبط بأسباب األفعال السابقة وتأثراهتا.
اخلاضعة لس��يطرة الفاعل ،وهذا ما يسمى مبدأ السيطرة ،Control Principleالذي ينص عى:
مون أخالق ًّيا فحسب إىل احلد الذي يعتمد فيه تقييمنا عى عوامل حتت سيطرتنا».
«أننا ُم َق َّي َ
كبرا من احلاالت التي تعتمد فيها التقييامت األخالقية عى عوامل
ثانيهام :أن هناك عد ًدا ً
خارجة عن س��يطرة الفاعلني األخالقيني ،وهو ما يس��مى مببدأ احلظ األخالق��ي Principle of
،Moral Luckوين��ص عى أنه« :حيدث احلظ األخالقي عندما ُي َعا َمل الفاعل بوصفه موضو ًعا
مهام ِملَا يتم تقييمه يعتمد عى عوامل تتجاوز
للحكم األخالقي ،عى الرغم من حقيقة أن جان ًبا ًّ
حدوده»).(1
يف��رض مبدأ الس��يطرة -منذ البداي��ة -أن أي إصدار ألحكام أخالقية ح��ول الفرد يكون
فق��ط يف احلاالت التي يس��يطر فيها عى ترصفات��ه وأفعاله ،ويرتب عى هذا نش��وء مفارقة مع
فكرة احلظ األخالقي؛ ألن هناك عد ًدا من األحكام األخالقية مفارقة ملبدأ الس��يطرة) .(2وتنشأ
هذه املفارقة من أن األخالق ترتبط -عادة -مبفاهيم مثل :السيطرة واالختيار واملسئولية والثناء
Praiseوالل��وم ،Blameأ َّما احلظ فرتبط -ع��ادة -مبفاهيم مثل :الصدفة Chanceوعدم القدرة
عى التنبؤ Unpredictabilityوعدم السيطرة وعدم مالءمة الثناء واللوم).(3
وميكن تسليط الضوء عى مبدأ السيطرة وما يرتب عليه عى النحو اآليت:
ً
أوال :مب��دأ الس��يطرة :نح��ن ُمق َّيم��ون أخالقي��ا فق��ط إىل املدى ال��ذي يعتمد في��ه تقييمنا
عى عوامل خاضعة لسيطرتنا.
ثان ًي��ا :يرت��ب عى ذلك :جي��ب أال يتم تقييم ش��خصني أخالق ًيا بش��كل خمتل��ف؛ طاملا أن
االختالفات األخرى الوحيدة بينهام ترجع إىل عوامل خارجة عن سيطرهتام).(4
ويبدو أن مبدأ الس��يطرة والنتيجة الطبيعية التي تنتج عنه معقولة يف حد ذاهتا ،حيث جيد
)1( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Ph.D. College of Arts & Sciences,
The Florida State University, ProQuest, 2010, p.5.
)2( Woodford, F. Nicole: Moral Luck, Control, Choice, and Virtue, Ph.D. The University of
Hull, England, September 2016, p. 11.
)3( Ibid, p.4.
)4( Nelkin, K. Dana: Moral Luck, Stanford Encyclopedia of Philosophy, Ed by: Edward N. Zalta
and Others, Apr 10, 2013, p. 2. In: https: //plato.stanford.edu/entries/moral-luck/.10-4-
2019.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 282
فمثال إذا اكتش��فنا أن امل��رأة التي ضغطت للتو عى الدع��م يف ردود أفعالن��ا جتاه حاالت معينةً ،
أصاب��ع قدميك تم دفعها ببس��اطة ،فمن املحتم��ل أن حالة امليل إىل إلقاء اللوم س��وف تتالىش،
ويب��دو أن الس��بب يف ذلك هو عدم رغبتنا يف حتميل ش��خص ما مس��ئولية ما ال يس��يطر عليه.
مني بجميع قواع��د الطريق ،وفجأة وباملثل إذا اختذ الس��ائقان مجي��ع االحتياطات ،وكان��ا ُملْ َت ِز ْ ِ
نظرا ألن رك��ض الكلب مل يكن ش��ي ًئا خاض ًعا يرك��ض كلب أمام س��يارة أحدمها؛ و ُيقت��ل ،و ً
لس��يطرة السائق ،فعندئذ يبدو أننا غر مستعدين إللقاء اللوم عى سائق أكرث من اآلخر ،وعى
تقييام أخالق ًّيا
ً الرغم من أننا قد نتوقع ردود فعل خمتلفة من السائقني ،إال أن أحدمها ال يستحق
أسوأ من اآلخر).(1
ينقسم مبدأ السيطرة إىل نوعني ،مها:
ال :مبدأ الس��يطرة التامة ،Complete Controlوصياغته :يكون للفاعل السيطرة التامة
أو ً
عى احلدث ،إذا كان:
( أ ) ميتلك الفاعل السيطرة التامة عى احلدث.
و(ب) ميتلك السيطرة عى مجيع األحداث األخرى التي تسببت يف هذا احلدث).(2
ويب��دو أن ه��ذا النوع من أنواع الس��يطرة يعارض فكرة املس��ئولية األخالقي��ة؛ ألنه هبذا
�ئوال عن أي يشء عى اإلطالق .وهذا ما يشر إليه «مايكل املعى الس��ابق لن يكون الفاعل مس� ً
قائال« :ميتلك املرء س��يطرة تامة عى يشء ما،
زميرمان» 1951( Michael J. Zimmermanمً )-
فق��ط إذا كان حدوث��ه ال يتوقف ع��ى أي يشء خارج حدود س��يطرة الفاع��ل ،ويبدو أن هذا
الرأي غر قابل للتطبيق من قبل أي شخص ويف أي وقت؛ ألن السيطرة التي لدينا هي يف أحسن
األحوال سيطرة جزئية»).(3
ثان ًي��ا :مب��دأ الس��يطرة املعياري��ة ،Standard Controlوصياغت��ه :ميتلك الفاعل س��يطرة
حرا في��ام يتعلق باحل��دث { أ } -2 .إذا
معياري��ة ع��ى احل��دث { أ } ،فق��ط -1 :إذا كان الفاع��ل ًّ
حرا فيام يتعلق بعدم حدوث احلدث { أ } .يش��تق من الس��يطرة املعيارية نوع آخر كان الفاعل ًّ
)1( Ibid, pp.2-3.
)2( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.4.
)3( Zimmerman, J. Michael: Moral Luck, A Partial Map, Canadian Journal of Philosophy, Vol.36,
No.4, Canada, )Dec., 2006(, p.591.
283 مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه
وهو الس��يطرة املقيدة (املقلصة) ،Curtailedوهي :أنه ميكن للفاعل احلد من الس��يطرة املقيدة
حرا فيام يتعلق
حرا فيام يتعلق باحلدث { أ }؛ ولكنه ليس ً
ع��ى حدث م��ا ،فقط إذا كان الفاعل ًّ
بعدم حدوث احلدث { أ }).(1
نستنتج مما سبق ،أن سيطرة الفاعل عى احلدث رشط رضوري للتقييم األخالقي وللمسئولية
األخالقي��ة ،وترج��ع هذه الرؤية فيام ي��رى «توماس ناجل» إىل الفيلس��وف األملاين «كانط»؛
حي��ث يعتق��د أن احل��ظ اجليد أو الس��يئ ال ينبغي أن يؤث��ر يف احلكم األخالقي عى الش��خص
وأفعاله ،وال عى تقييمه األخالقي لنفسه).(2
وقد بى «كانط» فلس��فته األخالقية عرب البحث يف تص��ور مفهوم اإلرادة اخلرة يف ذاهتا،
فاإلرادة اخلرة ال ترتبط مبيل أو منفعة ،ولكنها مس��تقلة اس� ً
�تقالال تا ًّما عن كل منفعة أو ميل،
فهي كام يقول« :تلمع بذاهتا ملعان اجلوهر ،مثل يشء حيتفظ يف نفسه بكل قيمته»).(3
يتضح هذا من القضيتني :األوىل والثانية من قضايا اإلرادة اخلرة ،ومها:
)1( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, pp.4-5.
)2( Nagel, Thomas: Moral Luck, In: »Mortal Questions«, Cambridge University Press,
Cambridge, 1979, p. 24.
( (3كانت ،إمانويل :تأسيس ميتافيزيقا األخالق ،ترمجه وقدم له وعلق عليه د .عبد الغفار مكاوي ،راجع
الرمجة د .عبد الرمحن بدوي ،اهليئة املرصية العامة للكتاب ،ط ،2القاهرة1980 ،م ،ص .19
)4( Kant, Immanuel: Groundwork for The Metaphysics of Moral, Translated and Edited by; Mary
Gregor and Christine M. Korsgaard, Cambridge University Press, Cambridge, 1998, p.8.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 284
التي ي��ؤدي املرء مبقتضاها واجبه أ ًّيا ك�ان هذا الواجب ،فقيمته اخللقية ال تتوقف عى واقعية
موضوع الفعل ،ب�ل تعتمد عى مبدأ اإلرادة الذى ح�دث الفعل مبقتضاه ،دون أي اعتبار مللكة
الرغبة أو الشهوة .(1)»Faculty of Desire
نس��تنتج من القضيتني السابقتني أن األهداف وامليول واملنافع التي تكون لدينا عند القيام
ببع��ض األفع��ال واآلثار التي تنت��ج عنها ،بوصفها غاي��ات ودوافع حمركة ل��إلرادة ،ال ميكن أن
خلقية عى اإلطالق .وهذا يعن أن األخالق عند «كانط» حمصنة
تعطى هلذه األفعال أ َّية قيمة ُ
ضد احلظ؛ والس��بب يف ذلك أن األخالق ترتكز عى افراض مهم ،وهو أن األشخاص فاعلون
مس��تقلون ذات ًّي��ا وقادرون عى اختاذ ق��رارات عقالنية ،وأن التقييم األخالق��ي يكون عى هذا
األساس وليس عى أساس احلظ).(2
وق��د تأثر معظم فالس��فة الكانطية اجلديدة ب�»كانط» ،فعى س��بيل املث��ال ال يقيم معظم
ه��ؤالء الص��واب واخلطأ األخالقي بناء ع��ى قصد الفاعل ،وال يعطون وزنً��ا إىل آلثار ترصفات
الفاعل ،وال للظروف التي جيدون أنفسهم فيها ،وال ملواهبهم الطبيعية Natural Giftsأو حتى
سامهتم الشخصية؛ وهذا يعن أهنم ال يعطون أي وزن أخالقي ألي نوع من أنواع احلظ).(3
وهك��ذا ،يرى معظم أنصار الكانطية اجلدد أن احل��ظ األخالقي متناقض ،Oxymoronic
وميك��ن النظر يف حديث «كانط» ع��ن اإلرادة ِّ
اخلرة ...وغال ًبا ما يت��م تطاير احلظ األخالقي
يف مواجهة هذا اجلانب من نظرية «كانط» األخالقية؛ ألنه يرى أن اليء الوحيد ِّ
اخلر املؤهل
هو اإلرادة ِّ
اخلرة؛ لذلك فالوضع األخالقي للفاعل ال يعتمد إال عى إرادته ،وبالتايل يعتمد عى
ثوابت مسلمة الفعل Maxims of Actionالتي حترك سلوكه ،واملسلمة هي التعبرات األساسية
إلرادته ،واستبعاد امليول لتحديد القيمة األخالقية للفاعل ،فال هيم كيف حيدد العامل الظروف
التي يترصف هبا ،وال هيم ما إذا كان غر قادر عى حتقيق النتائج التي يستهدفها ،طاملا أنه جيهد
يف حتقيق نيته بكل الوسائل املرشوعة أخالق ًّيا التي ختضع لسيطرته وإرادته).(4
وطب ًق��ا هل��ذا ،فاألخالقية Moralityعن��د «كانط» حمصنة من احلظ؛ بس��بب كيفية فعل
هذه العوامل م ًعا ،فهي حمصنة من الداخل؛ ألن التقييم األخالقي يقترص فحس��ب عى ما ميكن
للفاع��ل التحك��م في��ه ،وحمصنة من اخلارج؛ ألن��ه ال يوجد جمال تقييم آخر يك��ون فيه للحظ
أي تأث��ر ميك��ن أن يتفوق عى التقييم األخالقي ،وبالتايل فالس��امح للح��ظ بالتأثر عى القيمة
األخالقي��ة .وبطريق��ة أخ��رى ،فإن العام��ل األول يعزل األخ��الق عن التأث��ر املبارش للحظ
من خالل جتاهل العوامل السببية يف إجراء التقييامت األخالقية ،والعامل الثاين يعزل األخالق
ع��ن التأثر غر املبارش للحظ من خ��الل عدم إخضاع األخالق مطل ًقا ألي جمال يكون للحظ
فيه تأثر مبارش).(1
ويرتبط مبدأ الس��يطرة بعالقة وثيقة مبفهوم املسئولية األخالقية ،وهذا ما بينه «زميرمان»
يف مقالة «احلظ واملسئولية األخالقية» عام 1987م؛ حيث صاغ هذه العالقة عى النحو اآليت:
-1الش��خص {أ} مس��ئول أخالق ًّيا ع��ن احلدث {ب} ،واحل��دث {ب} حيدث فق��ط إذا كان
حدوثه ليس مسألة حظ.
-2ع��دم ارتباط احلدث مبس��ألة احلظ ،يعن أن الش��خص { أ } مس��ئول مس��ئولية أخالقية
عن حدوثه).(2
وهذا يعن ،إذا كان الش��خص مس� ً
�ئوال عن بع��ض األحداث؛ فإنه يس��تحق الثناء أو اللوم
تقييام إجياب ًّيا أو س��لب ًّيا للفاعل يف ضوء احلدث
ً عى هذه األحداث ،وهذا الثناء أو اللوم ُيش��كل
املعن).(3
وبناء عى ما سبق ،فإنه يتم حتديد املسئولية األخالقية يف ضوء نطاق سيطرة الفاعل ،وهذا
قائال« :نحن ُمق َّيمون
متفق متا ًما مع مبدأ الس��يطرة الذي صاغه «دانا نيلك��ني» ً Dana Nelkin
أخالق ًّيا فقط إىل احلد الذي يعتمد فيه ما يتم تقييمنا عليه عى عوامل خاضعة لسيطرتنا»).(4
وع��ى ه��ذا ،يكون الفاعل { أ } مس� ً
�ئوال م��ن الناحي��ة األخالقية عن بعض أفعال��ه أو نيته
أو س��امته الش��خصية { ب } ،إذا كان { أ } ه��و موض��وع مؤه��ل ملجال من املواق��ف التفاعلية
للمش��اركني ،مث��ل :الثناء والل��وم والغضب والندم واإلث��م ،وما إىل ذلك ،ل���{ ب } ،وهو بذلك
قابال للمساءلة).(1 ً
مسئوال أخالق ًّيا بوصفه ً يكون
ويعتق��د «أرس��طو» يف «األخ��الق النيقوماخي��ة» أن هن��اك رشطني مطلوبني للمس��ئولية
األخالقية؛ مها:
-1أن يكون الفعل أو النية أو سمة الشخصية خاضعة لسيطرة الفاعل) .(2يقول «أرسطو»
يف «األخ��الق النيقوماخية»« :فالفع��ل اإلرادي يظهر أنه هو الفعل الذي أصله يف ذات
الفاعل ،فهو يعرف مجيع الرشوط يف األوضاع التي وقع هبا فعله»).(3
-2أال يترصف الفاعل من نطاق جمال جهالة غر حمسوبة؛ وبالتايل فإذا كانت لدى الفاعل
رقاقة Microchipيف دماغه يتحكم من خالهلا العلامء يف سلوكه ،فإننا نسحب االدعاء
بأنه مس��ئول عن س��لوكه .باإلضاف��ة إىل ذلك إذا ترصف الفاعل بس��بب أن��واع معينة
م��ن اجلهل ،Ignoranceفس��وف نتخى عن املطالبة باملس��ئولية األخالقية ،كام يش��ر
«براي��ن روزي��ربري»» »Brian Roseburyبقول��ه :إن املس��ئولية األخالقية ال تكون
باجلهل باحلقائق ذات الصلة املحيطة بأفعال الشخص أو نتائج أفعاله).(4
جهال
قرسا أو ً
قائال« :قد يظن باألشياء التي ...تكون ًوقد أكد «أرس��طو» عى هذا األمر ً
كرها هو ال��ذي مبدؤه الذي يفعله يكون
م��ن فاعليها أهنا تك��ون كرها ،واليء الذي يكون ً
من خارج وليس للفاعل وللمنفعل معونة عليه ،مثل أن حتمل الريح إنسا ًنا من مكان إىل مكان،
وهو يف ذلك غر ٍ
مالك لنفسه»).(5
جهال كام يرى «أرس��طو» ،وكله��ا أفعال غر إرادية،
وأفعال تتم ً
ُ قرسا
�ال تتم ً
فهن��اك أفع� ُ
ويقول يف هذا« :ميكن أن تعد ال إرادية مجيع األش��ياء التي تقع بقوة قاهرة أو بجهل ،واليء
ال��ذي يقع بالقوة القاهرة هو الذي تكون علته خارجية ومن طبيعة ما كان الكائن الذي يفعل
أو الذي يقبل ليساعده يف يشء»).(1
أ َّم��ا األفعال التي تكون بس��بب اجلهل ،ففي احلق أن كل ما فيها يقع دون أن تش��اطر فيه
إرادتنا ،ولكنه ال يشء يف الواقع ضد إرادتنا إال ما يسبب لنا أملًا وند ًما؛ فاإلنسان الذي فعل شي ًئا
دون أن يعرف ما كان يفعل ،ولكنه مل يشعر بأمل عقب فعله فال شك أنه مل يفعله يف االختيار،
أيضا إنه فع��ل ضد إرادته
طامل��ا أن��ه مل يكن يعرف م��اذا كان عمله ،ولكنه ال ميك��ن أن يقال ً
طامل��ا أن��ه مل ينتج عن فعل��ه أمل له) .(2ويعن «أرس��طو» باجلهل« :هو اجلهل اخلاص باألش��ياء
ويف األشياء التي عليها ينطبق الفعل املراد تقديره»).(3
قائال« :إن معظم الفالس��فة يدع��ون أن املس��ئولية األخالقية حمصنة
ويش��ر «زميرم��ان» ً
ض��د احل��ظ؛ ألنه ال ميكن أن يكون املرء مس� ً
�ئوال عن يشء ما مل يكن حتت س��يطرته بطريقة
ما وإىل ّ ٍ
حد ما») .(4وجلأ «زميرمان» إىل فكرة الظلم Unfairnessمن أجل الدفاع عن املسئولية
�ال« :م��ن الظلم حتميل ش��خص م��ا املس��ئولية األخالقية ع��ن يشء ليس حتت
األخالقي��ة ،قائ� ً
سيطرته»).(5
�خصا ما جدي��ر بالثناء أو اللوم عى األح��داث التي تقع خارج
فم��ن الظلم االعتقاد أن ش� ً
حدود س��يطرته؛ فعى س��بيل املثال ،عاد ًة ما يتم إلقاء اللوم عى الشخص الذي اصطدم بسيارته
بأحد املباين ،وتسبب يف حدوث حادث ،ومع ذلك يتم الراجع عن هذا اللوم إذا ُاكتشف الح ًقا
أن سبب احلادث كان نتيجة لسائق يعاين من قصور يف القلب).(6
يش��ر «باتريك بيتش» إىل أن املسئولية األخالقية تنبع من الفهم التحرري لإلرادة احلرة،
حرا إذا كان ميتلك جمموعة من اخلي��ارات احلية Live Optionsوالقدرة
بحي��ث يكون الفاعل ًّ
( (1أرسطو طاليس :علم األخالق إىل نيقوماخوس ،مصدر سابق ،ص .266
( (2املصدر السابق ،ص .270
( (3املصدر السابق ،ص .271
)4( Zimmerman, J. Michael: Moral Luck, A Partial Map, Op.Cit, p.590.
)5( Ibid, p.590.
)6( Woodford, F. Nicole: Moral Luck, Control, Choice, and Virtue, Op.Cit, p.4.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 288
ع��ى االختي��ار م��ن بينه��ا ،وه��ذه اإلرادة احل��رة التحررية تنبع م��ن امتالك بع��ض اخلصائص
اجلوهرية ،وهي:
-1بعض القدرات املعرفية .Cognitive Capacities
-2جمموعة من القدرات العاطفية .Emotional Capacities
-3القدرة عى أن حتفزها اعتبارات أخرى.
-4بنية اإلرادة تتضمن ترتيبا أول ًّيا ورغبات من الدرجة الثانية عى األقل.
-5قدرة قوية Robust Capacityلالختيار بني مسارات الفعل املختلفة).(1
فاملس��ئولية األخالقية -كام يوض��ح «جويل فاين��ربج» 2004-1926( Joel Feinbergم)-
تقت��رص عى الع��امل الداخيل للعقل ،ويف هذا يق��ول« :إذا كان هناك رجل عقالين وفيلس��وف،
فس��وف يدرك أن املس��ئولية األخالقية الناجتة عن الرضر اخلارجي ال معى هلا ،وأن املس��ئولية
األخالقي��ة تقترص فحس��ب عى الع��امل الداخ��يل للعق��ل ،Inner World of the Mindبحيث
تسيطر قواعد الفاعل العليا ،Agent Rules Supremeوليس للحظ أي مكان أو دور»).(2
فاملبادئ األخالقية -عنده -تش��كل نو ًعا من القانون الداخ��يل Internal Lawالذي حيكم
ع��ى األف��كار الداخلي��ة وق��وة اإلرادات Inner Thoughts and Volitionsالت��ي ختضع متا ًما
لسيطرة الفاعل ،وهي تشكل حمكمة الضمر أو امليدان الداخيل .(3)The Forum Internum
�ال« :إن حرية القرار أمر حاس��م يف إس��ناد املس��ئولية األخالقية
يضي��ف «زميرمان» قائ� ً
للفاعل ،وبالتايل إسناد الثناء واللوم ...،فأنا مثل «كانط» أعتقد أن مفهومنا للمسئولية األخالقية
يتطلب منا حتييد دور احلظ ،وحتميل الفرد املسئولية األخالقية عن كل األحداث»).(4
ويش��ر «مايكل س��لوت» 1941( Michael Sloteم )-أن النظريات املس��تندة إىل الفاعل
نقاء من غرها؛ ألن تقييم األفعال يعتمد بالكامل عى ما جيب أن نقوله أخالق ًّيا
أكرث جذرية و ً
)1( Beach, A. Patrick: Moral Luck, Op.Cit, p.172.
)2( Feinberg, Joel: Doing and Deserving; Essays in the Theory of Responsibility, Princeton, New
Jersey, Princeton University Press, 1970, p.33.
)3( Ibid, p.33.
)4( Zimmerman, J. Michael: Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, pp.385-386.
289 مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه
ع��ن احلياة الداخلية للفاعلني الذين يؤدون هذه األفع��ال ،واألهم من ذلك أن احلالة األخالقية
لألفع��ال تعتمد كل ًّيا عى احلالة األخالقية لدوافع الفاع��ل ،Agent’s Motivesوكل ما جيب أن
نقوله عن احلياة الداخلية للفاعلني).(1
وقد حاول «سلوت» حل مشكلة احلظ األخالقي وجتنبها من خالل إسقاط أخالق احلس
املشرك Common-sense Morality؛ حيث يرى أنه من املمكن اإلعجاب باألشخاص بسبب
ما نعتربه خارج عن سيطرهتم ،وأهنم خيضعون فيه للحظ ،مثل :مظهرهم وموهبتهم ومزاجهم
اهلادئ ،وميكن أن نش��جب غباء ش��خص م��ا أو مزاجه احلاد حتى مع اعتبار أن هذه األش��ياء
خارجة إىل حد ما عن سيطرة األفراد .إن فكرة ما يثر اإلعجاب أو شجب األشخاص -الذين
يتعرضون للحظ -ليس��ت فكرة س��يئة بالطريقة نفس��ها التي تكون هبا فكرة احلظ األخالقي
عى وجه التحديد مس��يئة؛ ألن اإلعجاب والش��جب الذي ذُكر للتو ال ُيلزمنا بأحكام أخالقية
حمددة ،وبالتايل ميكن جتنب مش��كلة احلظ األخالقي إذا أسقطنا أخالق احلس املشرك ،وذلك
بأن تس��تند أحكامن��ا األخالقية بأكملها إىل أفكارنا حول ما ه��و مثر لإلعجاب ،Admirable
أو ما يبعث عى األىس حول البرش وأفعاهلم).(2
)1( Athanassoulis, Nafsika: Common-sense Virtue Ethics and Moral Luck, Ethical Theory and
Moral Practice, Vol.8, No.3, Springer, )Jun., 2005(, p.267.
)2( Slote, Michael: Virtue Ethics, Utilitarianism and Symmetry, In: How Should One Live? Essays
on The Virtues, Ed By; Roger Crisp, Oxford University Press, Oxford Scholarship Online,
2003, p.78.
)3( Beach, A. Patrick: Moral Luck, Op.Cit, p.17.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 290
يتوافق هذا التعريف مع القضايا الفلسفية املركزية حول مفهوم احلظ ،وهناك عى األقل
قضيتان أساسيتان تتعلقان هبذا التعريف وتأثره عى السياقات الفلسفية ،ومها:
أوالمه��ا :أن ه��ذا التعري��ف ال خيرب ع��ام إذا كانت الصدف��ة املعنية ذاتي��ة أو موضوعية؛
أي ما إذا كان احلظ هو مقولة معرفية أو مقولة ميتافيزيقية.
وثانيتهام :هناك تتناقض بني الصدفة التي تأيت عن طريق احلظ والصدفة التي تنتج عن طريق
اجل��دارة أو اجله��د؛ لذلك فهذا التعريف يس��تبعد إمكانية أن يكون الفاع��ل فيام يتعلق باحلدث
جديرا بالتقدير ،وبالتايل فإن احلظ واجلدارة يستبعد كل منهام اآلخر.
ً نفسه حمظوظًا أو
فمثال س��لوك س��ائق يف حالة سكر يلحق
يظهر هذا األمر يف مناقش��ات احلظ األخالقيً ،
رضرا بآخر أسوأ من سلوك سائق آخر يقود باحلالة نفسها ،ولكنه يفلت من العقاب ،وال يرض
ً
أحدا؛ فكالمها يس��تحق اللوم Blameworthyعى تعريض حياة اآلخرين للخطر واملجازفة،
ً
ولكن الس��ؤال هو :هل الس��ائق س��يئ احلظ يس��تحق اللوم عى يشء آخ��ر أو ال؟ وهل ميكن
للحظ أن يزيد من احلالة األخالقية للفاعل أو يقللها؟ وهل ترجع حالة السائق يف هذا املوقف
إىل اجلدارة أو الصدفة؟).(1
قائال« :لو كان هناك يشء مثل احلظ ،ف��إن الصفات األخالقية،
يش��ر «مايكل س��لوت» ً
وال س��يام مدى اس��تحقاق املرء للثناء أو اللوم سواء لذاته أو ألفعاله ،تعتمد عى عوامل عرضية
خارجة عن إرادته أو ال يعرفها .(2)»ken
وتكمن مشكلة احلظ األساسية يف النقاط اآلتية:
-1الفاعلون غر مسئولني أخالق ًّيا -أحيانًا -عن أفعاهلم ونواياهم وسامهتم الشخصية.
-2عدم وجود أي فعل أو نية أو سمة شخصية ضمن نطاق سيطرة الفاعلني.
-3يرتب عى هذا ،أن الفاعلني -أحيا ًنا -مس��ئولون أخالق ًّيا عن األفعال والنوايا والسامت
الشخصية التي ليست ضمن نطاق سيطرهتم).(3
مييز «زميرمان» بني طريقتني فيام يتعلق بسيطرة املرء عى احلدث ،ومها:
أوالمه��ا :أنه ميكن القول أن املرء يتمتع بس��يطرة حمدودة أو مقي��دة Restricted Control
فيام يتعلق بحدث ما فقط يف حالة ما إذا كان بوسع املرء أن يؤدي إىل حدوثه أو منع حدوثه.
وثانيته��ام :أنه ميكن القول أن املرء يتمتع بس��يطرة غر حمدودة فيام يتعلق بحدث ما فقط
يف حالة ما إذا كان املرء يتمتع بسيطرة حمدودة فيام يتعلق باحلدث وبكل األحداث التي يتوقف
حدوثها عليه.
وميكن صياغة احلجة األوىل والثانية عى النحو اآليت:
ال:
أو ً
-1الشخص { أ } مسئول أخالق ًّيا عن حدوث { ب } ،فقط إذا كان { أ } ميتلك سيطرة حمدودة
عى { ب }.
-2عدم وقوع احلدث ،يعن أن الشخص خيضع لسيطرة مقيدة عى احلدث.
ً
مسئوال أخالق ًّيا عن حدوثه. -3لذلك ال يوجد احلدث الذي جيعل { أ }
ثان ًيا:
-1الش��خص { أ } مس��ئول أخالق ًّي��ا عن ح��دوث { ب } ،فق��ط إذا كان { أ } ميتلك س��يطرة
غر مقيدة عى { ب }.
-2عدم وجود حدث يعن أن الشخص ميتلك سيطرة غر حمدودة عى احلدث.
ً
مسئوال أخالق ًّيا عن حدوثه).(1 -3لذلك ال يوجد احلدث الذي جيعل { أ }
ولكن ،متى حيدث احلظ األخالقي؟
حيدث احلظ األخالقي عند إجراء تقييامت أخالقية بشكل مالئم حول الفاعلني عى أساس
األفع��ال والغف��الت ،Omissionsونتائجهام التي تقع خارج س��يطرة الفاع��ل ،وتنطوي حاالت
احلظ عى نتائج جيدة أو سيئة فيام يتعلق باملكاسب واخلسائر أو املزايا واملساوئ ...إلخ).(2
ولكن جيب أن نيز بني حاالت احلظ العادية وحاالت احلظ األخالقي؛ فحاالت احلظ
فمثال عندما يدعي أخي أنه من حس��ن حظه
العادية هي معتقد خرايف وليس مس��ألة حظً ،
زوجا من اجلوارب القذرة ،وهو الزوج نفس��ه الذي ارتداه خالل املباراة األخرة
أن يرتدي ً
التي فاز هبا فريقه يف لعبة كرة القدم؛ فهذه اجلوارب ال متتلك أية خصائص حمظوظة بفضل
ارتدائها يف لعبة قد حتقق الفوز فيها ساب ًقا ،ولن حتقق النرص يف املباراة القادمة؛ فعى الرغم
م��ن أن ه��ذه احلالة تعرب -غال ًبا -عن حالة حظ ،إال أهنا تع��رب عن حالة معتقد خرايف وليس
مس��ألة حظ ،و إذا كانت كذل��ك فهي حالة حظ خاطئة أو س��يئة ،Misidentified Luck
ف��إذا فاز أخي باللعبة ،فقد يكون ذل��ك -بالطبع -نتيجة للحظ وليس للموهبة ،ولكن احلظ
ال يقي��م يف اجل��وارب وال ميتلكها .إن االدعاء بأن��ه كان حمظوظًا بالف��وز باملباراة قد يكون
حقيق ًّي��ا ،لك��ن االدعاء بأن حظه جيد يف هذه احلالة نتيج��ة الرتدائه اجلوارب ،ليس هو ما
يقصد باحلظ).(1
ف��ام الذي مييز حاالت احلظ األخالقي عن حاالت احل��ظ العادية؟ ليك تكون حالة احلظ
حال��ة حظ أخالقي ،جي��ب أن تنطوي عى بعض احلكم باملس��ئولية األخالقية ،أو بعض العزو
إىل الثن��اء األخالق��ي أو الل��وم ،Moral Praise or Blameفالس��حابة الت��ي تظه��ر أثناء مرور
امل��ارة ليس��ت ً
مثاال ع��ى احلظ؛ ألهن��ا صدفة بالفع��ل ،وح��دث خمتلف عن احل��ظ األخالقي؛
تعقيدا).(2
ً لذلك فالفاعلون يقفون يف عالقة حمددة مع حاالت احلظ وهي عالقة أكرث
ً
مسئوال عن حدث ما؛ فإنه يستحق قائال« :إذا كان شخص ما
وهذا ما يشر إليه «زميرمان» ً
الثناء أو اللوم عى هذا احلدث ،والثناء واللوم مها من نوع حمدد وغر فعال ،ويتألف من تقييم
إجيايب أو س��لبي للفاعل يف ضوء احلدث املعن .ويس��تحق الفاعل مثل هذا الثناء أو اللوم فقط
يف حالة أن يكون تقييمه دقي ًقا وصادقًا مع الوقائع ،ولكن من املهم هنا أن نالحظ أن هذا الثناء
واللوم ليسا ً
أقواال؛ بل هي جمرد أحكام بشأن املكانة األخالقية للشخص أو جدارته األخالقية
يف ض��وء احلدث املع��ن ،وهذه األحكام غ��ر خاضعة للتربير األخالقي ،ب��ل خاضعة للتربير
املعريف»).(3
نس��تنتج من هذا ،أن احل��ظ األخالقي حيدث عند إجراء تقيي��امت مالمئة حول الفاعلني،
كبرا مما يتم تقييمه يعتمد عى عوامل خارجة عن سيطرة الفاعل).(1
جزءا ً
عى الرغم من أن ً
ومعى هذا أنه ال أحد مس��ئول عن أي يشء عى اإلطالق ،حيث ختتفي القدرة ،واملسئولية
هي نوع من الوهم املعريف .(2)Cognitive Illusion
قائال« :تتطور املشكلة من الظروف العادية للحكم
وقد أوضح «ناجل» هذه اإلشكاليةً ،
األخالقي ،وقبل أي يشء فمن املعقول حدس � ًّيا أال يتم تقييم األش��خاص بشكل أخالقي بسبب
م��ا مل خيطئ��وه ،أو بس��بب م��ا مل يرتكبوه من ذن��ب أو إث��م ،Faultأو بس��بب عوامل خارجة
عن سيطرهتم»).(3
ثم فرق «ناجل» بني نوعني من أنواع احلكم ،أوهلام احلكم الذي نطلق فيه عى األشخاص
قائال« :خيتلف احلكم
أهنم س��يئون ،وثانيهام وصف ما حدث هلم بأنه يشء يسء ،ويوضح هذا ً
جيدا أو سي ًئا أو عند وصف حالة من األمور ،ولكن عندما نلقي
عند تقييم يشء ما بوصفه شي ًئا ً
اللوم عى شخص ما عى أفعاله؛ فإننا ال نقول فقط بأنه أمر سيئ حدوثه ،بل نحكم عليه ونقول
إنه شخص سيئ ،وهذا األمر خمتلف عن كونه شي ًئا سي ًئا .(4)»A bad Thing
وي��رى «ناج��ل» أن فقدان الس��يطرة الناتج ع��ن احلرك��ة الالإرادية أو القوة اجلس��امنية
Physical Forceأو اجلهل بالظروف ،يعفي ما يتم من احلكم األخالقي؛ ألن ما نقوم به يعتمد
بعدة طرق عى ما ال يقع حتت س��يطرتنا-ما ال ينتج عن اإلرادة اخلرة أو الس��يئة بتعبر كانط،-
والتأث��رات اخلارجي��ة يف هذا النطاق ليس��ت كذلك ،فيعتقد عاد ًة أهنا تعف��ى ما يتم من احلكم
األخالقي سواء أكان إجياب ًّيا أم سلب ًّيا).(5
مهام مما يفعله األش��خاص يعتمد -
�ال« :إن جان ًبا ًّ
ث��م يع��رف «ناجل» احلظ األخالقي قائ� ً
يف بع��ض األحي��ان -عى عوام��ل خارجة عن س��يطرهتم ،ومع ذلك نس��تمر يف معاملتهم يف هذا
)1( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.7.
)2( Shook, R. John )Ed and Others(: The Dictionary of Modern American Philosophers, Vol.3,
Thoemmes Continuum, Bristol, England, 2005, p.1792.
)3( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, p.25.
)4( Ibid.
)5( Ibid.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 294
الصدد بوصفهم موضوعات للحكم األخالقي ،وهذا ما نطلق عليه احلظ األخالقي ،ومثل هذا
جيدا أو سي ًئا).(1
احلظ قد يكون ً
ويش��ر «ناجل» إذا كانت اإلرادة اخل��رة -عند كانط -مثل اجلوه��رة ُ Jewel-likeتطلَب
مهام من الناحية األخالقية بني إنقاذ ش��خص من مبن حمرق ،وإس��قاطه لذاهتا ،فإن هناك فرقًا ًّ
من نافذة الطابق الثاين عرش أثناء حماولة إنقاذه ،وباملثل هناك فرق كبر من الناحية األخالقية
ب��ني القي��ادة املتهورة والقتل اخلطأ .لكن ماذا لو كان الس��ائق املتهور يده��س أحد املارة أثناء
وجودهم يف النقطة املرورية التي هبا الضوء األمحر؟).(2
ثم يبني «ناجل» أن تطبيق رشوط الس��يطرة باستمرار هيدد بتأكل معظم التقييامت األخالقية
التي نجد أنه من الطبيعي القيام هبا؛ ألنه يتم حتديد األشياء التي ُحيكم عى الناس من خالهلا بشكل
أخالق��ي بطريق��ة أكرث مما ندرك��ه يف البداية من خالل م��ا هو أبعد عن س��يطرهتم .وهياجم حالة
قائال« :يف هناية املطاف ،ال يشء -تقري ًبا -حتت سيطرة الشخص ،فامذا نستنتج؟ إذن ،حالة
السيطرة ً
السيطرة حالة خاطئة؛ فهي فرضية معقولة يف البداية ،ثم تم تفنيدها بأمثلة مضادة وواضحة»).(3
طفال عى الطريق؛ فإذا مل يقم السائق بأي-مثال -حالة تتعلق بسائق شاحنة يدهس ً ختيل ً
خطأ ،فسيش��عر بالفزع حيال تورطه يف احلادث ،ولكن ال ينبغي -وال يتوقع منه -أن يلوم نفسه
عى وفاة الطفل ،وهذا مثال واضح عى ندم الفاعل ،A gent-regretولكنه ال يعرب عن حالة من
س��وء احلظ األخالقي .ولكن إذا كان الس��ائق مذن ًبا بدرجة من اإلمهال أو الغفلة ،حيث أمهل
يف فحص مكابح الس��يارة قبل أن يصطدم بالطفل ،وأس��هم هذا اإلمهال يف وفاة الطفل؛ فسوف
يلوم نفس��ه عى وفاة الطفل ً
بدال من جمرد الش��عور بالس��وء .Feel Badوما جيعل احلالة األخرة
قليال عى إمهاله إذا مل تنشأ أي حالة
من احلاالت األخالقية أنه سيتعني عليه أن يلوم نفسه ولو ً
مهمال
ً تطل��ب منه الضغط عى الفرامل بش��كل مفاجئ لتجنب إصابة الطفل ،يكون الس��ائق
بالدرجة نفس��ها يف كلتا احلالتني؛ ففي إحدامها يتسبب يف وفاة الطفل ويف األخرى ال ،ويف كل
من احلالتني يفتقر الس��ائق إىل الس��يطرة عى جانب مهم ،فامذا لو كان الطفل هو الذي جيرى
ويظهر بشكل مفاجئ أمام الشاحنة).(4
ي��رى «برنارد ويليام��ز» 2003-1929( Bernard Williamsم) أن هن��اك اختالفًا بني ندم
الفاعل والش��عور بالندم الذي يشعر به املشاهد ،وال يكمن هذا االختالف فحسب يف األفكار
والصور التي تدخل للمش��اعر ،ولكن هو اختالف يف التعبر ،Expressionفقد يترصف سائق
الش��احنة بطريقة يأمل أن تشكل أو عى األقل ترمز إىل نوع من اإلصالحات أو التعويضات،
�را عى ندم الفاع��ل ،أ َّما رغبة الس��ائق يف إعطاء تعويض��ات أو االعراف
وس��يكون هذا تعب� ً
ال��ذي جيب أن يقدمه فال يعرب دامئًا عن ن��دم الفاعل؛ ألن الرغبة يف تقديم تعويضات ميكن أن
جدا من األمهية يف هذه العالقات ،فقد يدرك املرء احلاجة لدفع
تقدم نفسها مبستويات خمتلفة ًّ
تعويضات عن األرضار التي تسبب فيها بشكل ال إرادي ،ومع ذلك فقد يكون هذا االعراف
من النوع اخلارجي املصحوب فقط بند ٍم من النوع العام).(1
يوض��ح املثال س��ابق الذكر ،أن احلظ ال يؤثر فحس��ب عى التقيي��امت األخالقية املتعلقة
أيضا إىل املعاملة التفضيلية بني الفاعلني يف املواقف املامثلة Similar
بالل��وم والذنب ،بل يؤدي ً
تفصيال ،وهو القضية التي تنطوي عى
ً ،Situationsوميك��ن توضيح ذلك من خالل مثال أكرث
اثن��ني من الرم��اة املحرفني اللذي��ن خيطط كل منهام الغتي��ال حمافظ بلد م��اُ ،ينظف القاتالن
رصاص��ا مثال ًيا ،ويدون��ان توقعات الطقس من أج��ل التصويب
ً جيدا ،ويش��ريان
أس��لحتهام ً
ٍ
صاف برؤية عالية ورياح قليلة ،ويبحثان يف املباين القريبة من مكتب املحافظ؛ الختيار يف يوم
نقط��ة مترك��ز مثالية عى س��طح مبى ذي موقع مث��ايل ،وحيصل القاتالن عى قس��ط من الراحة
يف الليلة السابقة عى يوم االغتيال ،ويتناول كل منهام وجبة إفطار جيدة يف صباح اليوم السابق
لليل��ة االغتيال ،ويصالن إىل موقعيهام عى الس��طح بوق��ت كاف لإلعداد والتجهيز قبل ظهور
املحافظ يف زاوية الش��ارع .وهذا يعن أن كال القاتلني خطط بشكل جيد وعى قدم املساواة،
وحاوال بالقدر نفس��ه اغتيال املحافظ ،ويف هناية األمر يفشل أحد القتلة يف مهمته ،بينام ينجح
اآلخ��ر يف تنفيذ خمططه ،والف��رق الوحيد بني القاتلني ه��و أن األول واجه بعض احلظ اليء،
مم��ا أدى إىل فش��ل حماولته ،أ َّم��ا القاتل الثاين فقد واج��ه بعض احلظ اجليد ال��ذي أدى إىل نجاح
حماولته).(2
)1( Williams, Bernard: Moral Luck; Philosophical Papers 1973-1980, Cambridge University
Press, Cambridge, 1981, p.28.
)2( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.7.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 296
قدم «ناجل» جمموعة من األمثلة -عى ما يعتقد أنه -حظ أخالقي ،وهي:
-1إمهال سائق شاحنة يف فحص املكابح بانتظام؛ مما يرتب عليه دهس طفل عى الطريق
(غر حمظوظ).
-2الس��ائق املخم��ور الذي يصل إىل منزل��ه بأمان ،عندما ال يكون هناك مش��اة يف طريقه
(حمظوظ).
-3القات��ل املحرف الذي يفش��ل يف قتل ش��خص ما بس��بب م��رور طائر يع��رض طريق
الرصاصة.
-4األمل��اين ال��ذي كان س��يصبح ضابطً��ا ناز ًّيا ينته��ي به املط��اف إىل حياة هادئ��ة عندما
هياج��ر إىل األرجنتني ،ألس��باب جتارية قبل اندالع احل��رب) ،(1ويف مجيع هذا احلاالت
يدع��ي «ناجل» أن التقيي��امت األخالقية للفاعلني س��تتوقف عى عوام��ل خارجة عن
سيطرهتم).(2
وهن��اك أمثلة وح��االت ال حرص هلا تش��ر إىل االلت��زام باحلظ األخالق��ي ،وهي احلاالت
الت��ي تعتمد فيها األح��كام األخالقية ح��ول الفاعلني عى عوامل خارجة عن س��يطرهتم ،فقد
نلق��ي اللوم عى فاعل ما بس��بب بعض املواقف الت��ي ميلكها ،عى الرغم من ع��دم إدراكه هلا،
وأن��ه مل يفع��ل ش��ي ًئا بش��أهنا ،ومل يفعل ش��ي ًئا لإلبق��اء عليها ،وقد يك��ون لدى الفاع��ل القدرة
ع��ى التخلص من ه��ذه املواقف ،إذا كان عى دراية ووعي هبا ،وهب��ذا املعى األخر إذا امتلك
الفاعل القدرة والوعي؛ فإنه ميتلك السيطرة عى تلك املواقف ،ولكن إذا مل ميتلك القدرة والوعي
فوجود مثل هذه املواقف يعد مسألة حظ).(3
ق��دم «ويليام��ز» ملفه��وم احل��ظ األخالق��ي ع��ام 1976م من أج��ل إيصال فك��رة معينة،
رشيرا، فمثال يكرب «بوب» ويصبح
كبر مس��ألة ح��ظً ،حد ٍ وهي أن احلالة األخالقية هي إىل ّ ٍ
ً
حد ٍ
كبر عى ظروف األرسة واخللفية التعليمية. فاضال؛ فهذا يعتمد إىل ّ ٍ
ً ويكرب «توم» ويصبح
ثم وس��ع «ناج��ل» نطاق احلظ األخالق��ي ،وموقفهام يتناقض بش��كل صارم مع الرأي الس��ائد
)1( Anderson, B. Mark: Moral Luck and Libertarianism, Ph.D., University of Wisconsin-Madison,
ProQuest, 2012, p.1.
)2( Ibid, p.2.
)3( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.3.
297 مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه
يف الفلسفة األخالقية عى نطاق واسع ،والذي يتأثر ب�رأي «كانط» ،وهو أن الشخص مسئول
أخالق ًّيا فقط عام هو حتت س��يطرته؛ وبالتايل فإن املس��ئولية األخالقية ليس��ت مس��ألة حظ،
فه��ذه الفك��رة متأصلة بعمق يف املفهوم األخالقي احلديث لدرجة أن رفضها س��وف يس��تدعي
إعادة التفكر وإعادة صياغة معظم املفاهيم األخالقية األساسية).(1
يكمن اهتامم «ويليامز» الرئيس يف كيفية تأثر احلظ يف التقييم التأميل للفاعلني Agent’s
Reflective Assessmentألفعاهلم؛ أي يف قدرهتم عى تربير أفعاهلم وقراراهتم بأنفسهم بشكل
عقالين ،ويس��تخدم «ويليامز» مثال الرسام «غوغان») ،Gauguin (2وهو الشخص الذي ختى
ع��ن أرسته ملتابع��ة طموحاته الفني��ة والس��فر إىل مدينة «تاهيت��ي» ،حيث ي��رى «ويليامز»
أن تربير اختيار «غوغان» يعتمد عى نجاح خمططه ،ونجاح خمططه ال خيضع بالكامل لسيطرته،
وبالتايل فهو جزئ ًّيا مسألة حظ .وهناك عائقان يعوقان قدرة الفاعل عى ضامن التربير الرجعي
Retroactive Justificationيف مثل هذه القرارات؛ أوهلام يف وقت اختاذ القرار ،ال ميكن للفاعل
أبدا كيف س��تنتهي هذه األمور ،وثانيه��ام يف خمططات مثل ق��رار «غوغان» ،غال ًباأن يع��رف ً
ما يغر املرشوع شخصية الفاعل ومواقفه متا ًما).(3
تشر الفيلسوفة الربيطانية «سوزان هريل» 2007-1954( Susan Hurlerم) إىل أن قبول
مصطلح احلظ بكل بس��اطة يعن «العالقة العكسية للمس��ئولية» The Inverse Correlate of
،Responsibilityبحي��ث تك��ون { س } مس��ألة حظ بالنس��بة للش��خص { ص } ،فقط يف حالة
عدم وجود مس��ئولية أخالقية فيام يتعلق ب��{ س }) .(4وهذا يعن أن عالقة عكس��ية بني وجود
املس��ئولية واحلظ؛ فوجود املس��ئولية ينفي حضور احلظ ،ووجود احلظ ينفي وجود املسئولية،
فكل منهام ينفي وجود اآلخر.
)1( Statman, Daniel: Moral Luck, In: »Routledge Encyclopedia of Philosophy«, General Editor:
Edward Craig, Routledge, New York, 1998, p.390.
جيدا مسئولياته األخالقية ،ومع ذلك قرر( (2يصف «ويليامز» حالة «غوغان» ،وهو فنان مبدع ،ويدرك ً
مشهورا ،فإذا حدث ذلك وأصبح
ً التخيل عن عائلته والذهاب إىل مدينة «تاهيتي»؛ من أجل أن يصبح فنانًا
عظيام ،فلن يندم عى قراره ،ولكن إذا فشل ،فيجب عليه أن يندم عى ما فعله ،لكن من حظه اجليد ً رسا ًما
ً
عظيام. أن أصبح فنانًا
)3( Statman, Daniel: Moral Luck, Op.Cit, p.390.
)4( Hurley, Susan: Luck, Responsibility and Natural Lottery, Journal of Political Philosophy,
Vol.10, No.1, Wiley Online Library, 2002, pp.84-85.
And See Also: Anderson, B. Mark: Moral Luck and Libertarianism, Op.Cit, p.5.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 298
يبدو مما س��بق ،أن هناك مفارقة بني احلظ واملس��ئولية األخالقية ،وحلل هذه املفارقة ميكن
أن نالح��ظ أن تقييمنا األخالقي لألمثلة التي قدمه��ا كل من «ويليامز» و«ناجل» ،فيام يتعلق
بالسائقني املخمورين ،أحدمها حمظوظ ينجح يف الوصول إىل املنزل بسالم ،واآلخر سيئ احلظ
طفال عى الطريق ،ال يتم عن طريق الرجوع إىل الوضع األخالقي املختلف للسائقني،
يدهس ً
ولكن إىل أوجه قصورنا املعرفية؛ ألننا يف معظم احلاالت ال نعرف شي ًئا عن شخصيات اآلخرين
ونواياهم إال من خالل سلوكهم الفعيل).(1
ك��ام أن هناك مفارقة واضحة بني املس��ئولية واحلظ ،فإذا كانت طبيعة املس��ئولية تقتي
التعميم واإلطالق ،فإن طبيعة احلظ تقتي النس��بية والتغر ،فاحلظ خيتلف من شخص آلخر،
لسببني:
أوهلام :ليك حيدث يشء ما عى سبيل احلظ فالبد أن حيدث خارج نطاق سيطرة شخص ما،
وما هو خارج نطاق سيطرة هذا الشخص قد يكون خارج نطاق شخص آخر ...وهكذا.
جيدا أو س��ي ًئا ،وما هو حظ جيد لشخص ما قد يكون حظًّا سيئا
ثانيهام :قد يكون احلظ ً
لشخص آخر ...وهكذا).(2
فأحيانً��ا نكون حمظوظني ،وأحيانً��ا أخرى ال نكون كذلك ،ويف بع��ض األحيان قد نفعل
شي ًئا بحسن نية ،ولكن يتضح أن ما فعلته كان له نتائج سيئة للغاية ،ثم تشعر بأنه ينبغي عليك
أن تفعل ش��ي ًئا آخر ،ويف بعض األوقات قد متتنع عن الفعل بش��كل ما؛ ألن فيه ش �كًّا أخالق ًّيا،
ولكن يتضح فيام بعد أن ما مل تفعله ليس له أي نتائج سيئة).(3
ويش��ر «ناجل» إىل أنه حتى معتقداتنا تكون دامئًا بس��بب عوامل خارجة عن س��يطرتنا،
واس��تحالة تكوين هذه املعتقدات دون أن نكون حتت رمحة اآلخرين ،وهذا يقودنا إىل الشك
في��ام إذا كنا نع��رف أي يشء عى اإلط��الق ،فحتى لو كان��ت هذه املعتق��دات صحيحة ،فهي
ختضع إىل احلظ البيولوجي املجرد Pure Biological Luckوليس إىل املعرفة .فاحلظ األخالقي
هو مثل هذا؛ ألن هناك العديد من العوامل التي تكون فيها األشياء الطبيعية للتقييم األخالقي
خارجة عن س��يطرتنا أو متأثرة مبا هو خارج عن س��يطرتنا ،ال ميكن أن نفكر يف هذه احلقائق
دون أن نفقد قبضتنا عى األحكام).(1
إن قبول فكرة احلظ األخالقي له آثار كبرة عى النظرية األخالقية؛ حيث توفر لنا س��ب ًبا
قو ًّي��ا للتخيل عن أخالق الواجب واعت��امد نوع من أخالقيات الفضيلة؛ حيث يتم الركيز عى
السامت اخلرة والسيئة Good and Bad Traitsللشخصيةً ،
بدال من الركيز عى فكرة املسئولية
واللوم).(2
وقد ُرفضت فكرة احلظ األخالقي من خالل ثالث طرق ،وهي عى النحو اآليت:
حكام أخالق ًّيا نفشل -
ً ال :احلظ األخالقي هو مش��كلة صياغة فلس��فية؛ فعندما نصدر
أو ً
كثر من األحيان -يف فصل ما هو خارج عن سيطرة الفاعل األخالقي عام هو عليه. يف ٍ
ثان ًيا :احلظ األخالقي هو مش��كلة صياغة نفس��ية؛ أي لدينا حتيز نفي وحماباة مشاهبة
لتأث��ر هالة القداس��ة األخالقية « ،Moral »Haloب��أن إمهالنا اخلاص لن ي��ؤدي إىل النتائج
الس��يئة نفس��ها مثل إمه��ال األخرين ،ف��ال ينبغ��ي أن ندع��ي أن «غوغان» خائ��ن أخالق ًّيا،
و«فاجيلوس» Vagelosبطل أخالق ًّيا ،ما مل نطبق باس��تمرار املعاير املصاغة نفس��ها يف كل
حالة عى سلوكنا).(3
ثال ًث��ا :احل��ظ األخالق��ي مقولة خاطئ��ة؛ ألن اهلوية الش��خصية بوصفه��ا موضو ًعا للحظ
جدا؛ وبذل��ك تعفي األفراد من املس��ئولية عن ش��خصياهتم اخلاصة،
بعيدا ًّ
األخالق��ي تذه��ب ً
وهي خطوة جتعل املبادئ األخالقية غر مرابطة).(4
هناك أربع طرق -تقري ًبا -خيضع فيها التقييم األخالقي للحظ ،وهي:
الطريق��ة األوىل :احل��ظ التأس��يي ،Constitutive Luckوهو نوع الش��خص الذي أنت
عليه؛ حيث ال يتعلق األمر فقط مبا تفعله بشكل قصدي ،بل عى ميولك ،Inclinationوقدراتك
،Capacitiesومزاجك .(1)Temperament
فاحلظ التأس��يي يؤثر ع��ى هوية املرء وميول��ه أو املواد اخلام التي يولد هب��ا...؛ فأمزجة
جزءا أساس ًّيا من شخصية
الفرد من مواهب Talentsوقدرات ونزعات Propensitiesتش��كل ً
حد ٍ
كبر ،فهكذا يولد بعض األش��خاص بنزوع نحو الش��خص ،وال ميكن الس��يطرة عليها إىل ّ ٍ
الصداقة واملودة واحلساس��ية ،يف ح��ني مييل اآلخرون إىل قلة الصرب واحل��ذر واخلبث ،ومع أن
جزءا من احلظ األخالقي ،وعى الرغم من ذلك
هذه سامت وراثية ،Inborn Traitsإال أهنا متثل ً
فهناك العديد من العوامل األخرى التي تؤثر عى تكوين األفراد أثناء نوهم).(2
يؤكد احلظ التأسيي عى العوامل الداخلية للفاعل ،وكذلك فإن هناك جمموعة من العوامل
اخلارجية التي تس��هم يف تش��كيل سامت الشخصية ،تس��مى احلظ التطوري Developmental
Luck؛ وه��ي جمموع��ة العوام��ل التي تؤثر عى الس��امت األخالقي��ة للمرء؛ فاآلب��اء واألقرباء
واملعلم��ون والع��ادات واملواق��ف املختلف��ة والعوامل البيئي��ة كلها جوانب مهم��ة يف تكوين
الشخصية ،ومع ذلك فإن توافرها خارج نطاق سيطرة الفرد).(3
أ َّم��ا الطريق��ة الثاني��ة فه��ي احل��ظ يف ظ��روف امل��رء ،Luck in One’s Circumstances
وهو نوع املشاكل واملواقف التي يواجهها املرء).(4
يقدم «ناجل» ً
مثاال عى بعض الشباب األملان الذين كانوا حمظوظني أخالق ًّيا بعد مغادرهتم
�ارا أخالق ًّيا فظي ًعا
أملاني��ا يف أوائل الثالثينيات ،فلو اس��تمروا بالبقاء لكانوا س��يواجهون اختب� ً
قاتال ناز ًّيا
وبش ًعا ،ورمبا يفشل الكثرون منهم يف هذا االختبار؛ وبالتايل إذا ما أصبح الشخص ً
حد ٍ
كبر -مسألة حظ يف الظروف).(5 أو ال هي -إىل ّ ٍ
فاحل��ظ املرتب��ط بظروف امل��رء يؤثر عى أن��واع املواقف التي نجد أنفس��نا فيه��ا ،وغال ًبا
فاحلظ يف النتائج يش��ر إىل العوامل واملتغرات األساس��ية املرتبطة مبارشة بنتيجة فعل ما،
فاحل��ظ األخالقي ق��د يؤثر عى نتائ��ج الفعل ،فقد ال ت��أيت النتائج عى النحو املُعد له؛ بس��بب
عوامل خارجة عن سيطرة املرء).(1
تتض��ح ه��ذه األنواع أك��رث من خالل حدي��ث «ناجل» ع��ن احلظ اجليد واحلظ الس��يئ
طفال ع��ن طريق اخلطأ،
فمثال س��ائق الش��احنة الذي يصدم ً
يف الط��رق التي تتغر هبا األمورً :
والفن��ان ال��ذي يتخى عن زوجته وأطفاله لتكريس نفس��ه للرس��م ،وغرها م��ن احلاالت التي
تكون فيها احتامالت النجاح والفشل أكرب.
فإذا كان السائق دون خطأ متا ًما ،فسيشعر بيء من الفزع بسبب دوره يف احلدث ،ولكنه
لن يضطر إىل لوم نفس��ه وتأنيبها؛ لذلك فإن املثال عى ندم الفاعل يف هذه احلالة ليس حالة من
حاالت احلظ السيئ أخالق ًّيا ،Moral Bad Luckومع ذلك ،فإذا كان السائق مذن ًبا -ولو بدرجة
مثال أمهل يف فحص فرامل الس��يارة يف اآلونة األخرة ،وأسهم هذا اإلمهال
بس��يطة من اإلمهالً -
يف وفاة الطفل ،فلن يش��عر الس��ائق بالفزع فحسب ،بل سيلوم نفسه عى وفاة الطفل .وما جيعل
قليال -عى اإلمهال،
واضحا عى احلظ األخالقي أنه عى الس��ائق أن يلوم نفس��ه -ولو ً
ً هذا ً
مثاال
إذا مل يك��ن هن��اك أي حالة تتطلب منه أن ُيغر مس��اره فجأة .ومع ذلك ،ف��إن اإلمهال يف كلتا
احلالتني ،ليس لدى السائق أي سيطرة عى ما إذا كان الطفل سيمر مبساره أو ال).(2
فرجع االختالف بني نتائج أفعال اإلمهال التي قام هبا السائقان إىل وجود الطفل من عدمه،
ً
مسئوال عن وفاة الطفل ،والسائق وهو أمر خارج عن س��يطرة السائق متا ًما ،إال أن سائ ًقا أصبح
اآلخر ليس كذلك).(3
اليء نفس��ه ينطبق عى مس��تويات أخرى من اإلمهال؛ فإذا كان هناك س��ائق س��كران،
ثم انحرفت س��يارته إىل الرصيف؛ فس��نعده حمظوظً��ا من الناحية األخالقي��ة إذا مل يكن هناك
ً
مسئوال عن وفاهتم ،وقد ُحياكم بتهمة القتل اخلطأ، مارة يف طريقه ،ولكن إذا ُوجدوا فس��يكون
أحدا رغم طيش��ه وهتوره ،فهو مذنب يف ه��ذه احلالة بارتكابه جرمية قانونية
ولك��ن إذا مل يؤذ ً
)1( Hwang, Kyung-Sig: Moral Luck, Self-Cultivation, and Responsibility; The Confucian
Conception of Free Will and Determinism, Op.Cit, p.5
)2( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, pp.28-29.
)3( Brown, M. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Op.Cit, p.8.
303 مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه
أق��ل خط��ورة بكثر من القتل اخلطأ ،والرضر الناش��ئ س��واء لنفس��ه أو اآلخري��ن أقل بكثر
من القتل اخلطأ).(1
ويتض��ح ذلك م��ن املثال القانوين التايل :إن عقوبة ال��رشوع يف القتل أقل من عقوبة القتل
العم��د ،رغ��م أن دواف��ع القات��ل ونواياه واح��دة يف احلالت��ني ،إال أن درجة العقوب��ة تعتمد عى
طائرا يطر يف طريق
ما إذا كانت الضحية ترتدى سرة واقية من الرصاص أو ال ،أو ما إذا كان ً
الرصاصة أثناء إطالقها ،فكل هذه أمور خارجة عن سيطرة الفاعل).(2
�ال ذهبت «آنا كارين»
وهن��اك حاالت م��ن القرارات قد تنتج من خالل عدم اليقني؛ فمث� ً
مع «فروتسيك» ،وترك «غوغان» عائلته ،ووقع «تشامربلني» اتفاق «ميونيخ» ...،إلخ ،واملغزى
من مجيع هذه احلاالت أن نعرف أن بعض القرارات تكون ممكنة يف ضوء ما هو معروف يف ذلك
الوقت؛ األمر الذي سيجعل اللوم غر مناسب دون النظر إىل كيفية ظهور هذه األمور).(3
-أيضا -تقييم هذه القرارات من وجهة نظر ما ميكن معرفته يف ذلك الوقت،
وم��ن املمكن ً
فمثال إذا نجح الديسمربيون Decembristsالروس يف إسقاط ولكن هذه ليست هناية القصة؛ ً
ً
أبطاال ،وإذا فش��لوا؛ نيق��وال األول ع��ام 1825م م��ن أجل إقامة نظام دس��توري؛ فس��يكونون
فسيدفعون مث ًنا باهظًا ،وبالفعل تم إقرار عقوبات رهيبة للجنود الذين اتبعوه).(4
ٍ
عديد من االختيارات الصعبة؛ لذلك جيب أن ننظر إىل فال ميكن التنبؤ بالنتائج املحققة يف
ن��وع النتيجة أو احلصيلة Outcomeالنهائية؛ ألهنا حتدد ما تم القيام به ،فالنتائج الفعلية ميكن
أن تؤثر عى درجة اللوم أو الثناء يف فئة كبرة من القضايا األخالقية التي ال ميكن املس��اس هبا،
والتي تراوح بني اإلمهال إىل االختيار السيايس.
يب��دو أن هذه أحكام أخالقية أصيلة ،Genuineوليس��ت تعب��رات عن املوقف املؤقت،
ويتض��ح هذا من حقيق��ة أنه ميكن للمرء أن يقول مقد ًما كيف س��يعتمد احلكم األخالقي عى
مفتوحا يف احلامم مع وجود طفل صغر ،فإن
ً فمثال إذا أمهل املرء ،وترك صنبور امل��اء
النتائ��ج؟ ً
فعال مرو ًع��ا؛ أ َّما إذا مل يكن هناك طفل يف املنزل ،فهذا يعد جمرد
فع��ل املرء يف هذه احلالة ُيعد ً
)1( Nagel, Thomas: Moral Luck, Op.Cit, p.29.
)2( Ibid.
)3( Ibid.
)4( Ibid, p.30.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 304
إمهال ،وكذلك الشخص الذي يشن ثورة عنيفة ضد نظام استبدادي ،فإنه يعرف منذ البداية أنه
ً
مسئوال عن الكثر من املعاناة التي ستذهب سدى ،ولكن إذا نجح يف ذلك، إذا فشل؛ فسيكون
مرب ًرا من خالل املحصلة الكلية).(1
فسيكون َّ
ي��رى «ناج��ل» أنه إذا كن��ا نحكم عى الناس بس��بب ما يقوم��ون به بالفعل أو ما فش��لوا
يف القي��ام بفعل��ه ،واس��تبعدنا ما كان��وا س��يفعلونه إذا كانت الظ��روف خمتلفة ،فهذا الش��كل
أيضا؛ فقد يكون
من التحدي��د األخالقي بطريقة فعلية هو مفارق ،ومفهوم املس��ئولية مفارق ً
كبر مسئوال من الناحية األخالقية فحسب عام يفعله ،ولكن ما يفعله ناتج عن ٍ
قدر ٍ ً الش��خص
تناقضا
ً ً
مسئوال عنه ،فهذا ليس مما ال يفعله؛ لذلك فهو غر مسئول أخالق ًّيا عام هو عليه ،وليس
،Contradictionولكنه مفارقة).(2
وللتأكي��د عى أنواع احلظ الس��ابقة علينا أن ننظر يف األمثلة الث��الث اآلتية لثالثة أزواج
من األشقاء:
املثال األول :تريب «مايك» و«جيم» من قبل أب وأم غرس��وا يف نفوس��هم تقديس وطاعة
مطلقة للسلطة؛ فقد نشأ يف أرسة منظمة بإحكام ،وكالمها ُجيند للخدمة العسكرية .يتم توزيع
«ماي��ك» يف منطق��ة نائية ،وال يوج��د هبا أي قتال ،بين��ام يتم توزيع «جي��م» يف منطقة حرب،
ويأم��ره قائ��ده بقتل عائلة أح��د املقاتلني األرسى من أجل كرس عزميته ،ومحله عى الكش��ف
عن معلومات حساس��ة وخطرة ،وبالفعل يقوم «جيم» بإطالق النار عى زوجة األس��ر واثنني
م��ن أبنائ��ه الصغار قبل أن تكرس عزميت��هُ .أدين «جيم» يف وقت الحق يف حمكمة عس��كرية،
وحكم عليه بالسجن مدى احلياة الرتكابه جرائم قتل؛ فلو حصل «مايكل» عى األوامر نفسها
يف الظروف نفسها ،ألظهر الوحشية نفسها التي ارتكبها «جيم» .ومع ذلك ،فإن سجل «جيم»
األخالقي أس��وأ من س��جل «مايك» ،والفرق األخالقي الوحيد بينهام ،أن «جيم» تعرض حلظ
شخصا سي ًئا،
ً سيئ وضعه يف ظروف أدت إىل نتائج كارثية ومشئومه ،عى الرغم من كونه ليس
إال أن سجله األخالقي أصبح أسوأ من سجل أخيه بسبب سوء احلظ).(3
املث��ال الثاين :يعيش اثنان من األش��قاء «س��ارة» و«ج��ني» عى جانبي البل��دة ،وجيتمعان
بعد الظهر يوم األربعاء يف وس��ط املدينة لتناول طعام الغداء الذي يش��تمل عادة عى استهالك
الكوكتي��الت عالية األوكتان؛ فأصبح كالمها يف حالة س��كر خفيف ،وبعد الغداء قررا العودة
طفال عى الطري��ق وتقتله؛
للمن��زل ،تصل س��يارة «س��ارة» بأمان ،بينام تصدم س��يارة «ج��ني» ً
فلو مل ترشب «جني» الكوكتيالت عالية األوكتان ،لكانت ردود أفعاهلا أكرث فطنة ومس��ئولية،
كال من «س��ارة» و«جني» قد ترصفتا بش��كل س��يئ
وما أصابت الطفل بأذى؛ فمن الواضح أن ً
وهو القيادة يف حالة الس��كر ،ولكن سجل «جني» األخالقي أصبح أسوأ من أختها؛ ألن حظها
السيئ أدى إىل وفاة الطفل).(1
املث��ال الثال��ث :ينفص��ل «كارول» و«دون» ع��ن بعضه��ام يف س��ن مبكر للغاي��ة نتيجة
ط��الق والدهي��ام« ،كارول» تذهب مع والدها وه��و رجل قايس ،ويربيها ليك تكون قاس��ية
القلب ،ومن ناحية أخرى يذهب «دون» مع والدته وهي س��يدة تتحى بروح الصرب واملحبة،
ف��كل منهام ينش��أ عى ما ت��رىب عليه؛ أي ع��ى قيم والدي��ه؛ لذلك ميكن التنبؤ بس��جل «دون»
األخالقي بشكل معقول؛ ألن صفاته األخالقية أصبحت متأصلة بعمق ،وهو عى عكس سجل
«كارول» األخالقي الذي يظهر أن طبائعها وميوهلا أصبحت قاسية ،ولو ُب ّ ِدلت أدوار األطفال
بني الوالدين ،ألصبحت «كارول» صبورة وحمبة و«دون» قاس ًيا).(2
املالحظة املهمة يف هذا املثال ،أن ليس لدى «كارول» أو «دون» أي س��يطرة عى الوالد أو
الوالدة التي كان يعيش معه أو معها ،وبالتايل ليس لديه أي سيطرة حقيقية عى سجله األخالقي،
ف� «دون» حالفه حظ جيد يف احلصول عى شخصية فاضلة ،Virtuousو«كارول» حالفها حظ
س��يئ يف احلصول عى شخصية رشيرة Vicious؛ لذلك س��جل «دون» األخالقي أفضل من سجل
جيدا ،حيث قدمت له والدته إرشادات أخالقية أفضل من أخته).(3
أخته؛ ألن حظه كان ً
قائال« :قد يرغب امل��رء يف أن يتمتع بروح كرمية وس��خية
وه��ذا ما يش��ر إليه «ناج��ل» ً
أو يأس��ف لع��دم امتالكه��ا ،ولك��ن ال معى إلدانة أو لوم نفس��ه أو أي ش��خص آخ��ر خلاصية
ال ختضع لسيطرته»).(4
توض��ح ه��ذه األمثل��ة ثالث طرق ميك��ن من خالهل��ا أن حيدث احل��ظ فيها فار ًق��ا أخالق ًّيا
�ام ،ففي حالة «مايك» و«جيم» تنتج االختالف��ات األخالقية عن الظروف التي جيدان فيها
مه� ًّ
نفس��يهام ،بحيث مييزمها احل��ظ األخالقي املرتبط بالظروف ،أ َّما «س��ارة» و«جني» فيختلفان
أخالق ًّيا بس��بب نتائج س��لوكهام ،وهذه حال��ة احلظ املرتبط بالنتائج ،أ َّم��ا «كارول» و«دون»
فيقعان فريسة للحظ التأسيي أو احلظ يف تكوين شخصية املرء).(1
يقس��م «ويليام��ز» احلظ إىل نوعني؛ مه��ا :احلظ اخلارج��ي Extrinsicواحل��ظ اجلوهري
،Intrinsicفيق��ول« :بع��ض احلظ يف قرار من نوع غوغان ،هو أمر خارجي ملرشوعه ،وبعضه
جوهري ،وكالمها رضوري للنجاح ،وبالتايل من أجل التربير الفعيل»).(2
يتضح هذا من خالل مثال الرسام «غوغان» الذي ترك عائلته من أجل البحث عن النجاح
والش��هرة يف مدين��ة «تاهيتي» ،فهناك عام��الن رضوريان لنجاح مرشوعه أو فش��له ،أحدمها
داخيل واألخر خارجي؛ احلظ الداخيل هو فش��ل «غوغان» بوصفه رسا ًما موهو ًبا ،حيث أساء
تقدير موهبته وميله إىل الرس��م ،وهذا الفش��ل يكش��ف عن خطأ يف الطريق��ة التي يفكر هبا؛
إ َّما عن موهبته الفنية اخلام ،أو عن قدرته عى االس��تفادة من االنغامس يف ثقافة األعامل الفنية
العالية).(3
فاحلظ اجلوهري كام يش��ر «ويليامز» يركز يف قضية «غوغان» عى مس��ألة واحدة
تقري ًب��ا ،وه��ي إذا كان رس��ا ًما موهو ًبا ح ًّق��ا ،فيمكن��ه أن ينجح يف القيام بعم��ل ذي قيمة
حقيقية).(4
أ َّم��ا احلظ اخلارجي فمن ش��أنه أن جيعل الفاعل يندم عى األفع��ال التي مل يفعلها طواعية،
فمثال يقود سائق شاحنة بيقظة واهتامم مع اتباع مجيع قواعد املرور ،ولكن بشكل غر متوقع
ً
وحذرا،
ً مير طفل عرب الطريق ،ويصطدم بالس��يارة ،فالسائق يعرف أنه قاد بعناية ،وكان يقظًا
ولكنه ما زال غر قادر عى فصل نفس��ه عن وفاة الطفل ،وس��وف يش��عر بالندم عى ما حدث؛
بسبب تورطه فيام حدث ،بالرغم من أن احلادث كان غر متوقع وغر مقصود ،إال أنه ال ميكن
القضاء عى ندمه ،وهذا ما يسمى بندم الفاعل ،والذي خيتلف عن الندم الذي يشعر به املشاهد
بسبب وقوع هذا احلادث).(1
خيتل��ف ن��دم الفاع��ل عن ما يش��عر به املش��اهد؛ ألن س��ائق الس��يارة ش��ارك يف احلادث،
أ َّما الش��اهد فلم يش��ارك يف احل��دث ،والنقطة التي جي��ب مالحظتها هنا هي أن ش��عور الفاعل
بالندم بس��بب األفعال غر اإلرادية اخلارجية ،ويدل ه��ذا عى أن ندم الفاعل مرشوطًا باحلظ؛
ألنه يعتمد عى ظروف خارجة عن س��يطرة الفاعلني ،بعبارة أخرى قد يعتمد الوضع األخالقي
لس��لوكنا عى احلظ؛ أي يتم احلكم علينا بسبب األش��ياء التي لسنا مسئولني عنها ،وهي خارجة
عن سيطرتنا).(2
خاتمة
)1( Makkuni, Santosh: Moral Luck and Practical Judgment, Op.Cit, pp.201-202.
)2( Ibid, p.202.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 308
األخالق��ي ،فهناك احلظ التأس��يي وهو احل��ظ املرتبط بامليول والق��درات واألمزجة ،واحلظ
املرتبط بظروف املرء ومالبس��اته ،أي املواقف التي نجد أنفس��نا فيها وينبغي علينا مواجهتها،
وهناك احلظ املرتبط باألس��باب الس��ابقة للفعل وتأثراته ،ألن معظم أفعال املرء حمددة بأفعال
س��بقتها ،واحل��ظ املرتبط بنتائ��ج األفعال أو املحصل��ة الكلية للفعل ،فاألفع��ال قد ال تأيت عى
النحو املعد له؛ ألن هناك عوامل خارجية قد تتدخل يف تغير مسار الفعل ،لذا ينبغي النظر إىل
املحصلة الكلية للفعل قبل إصدار أي تقييامت أخالقية.
خامس��ا :التقييم يف احلظ األخالقي يعتمد عى مفاهيم ختتلف عن املفاهيم التقليدية التي
ً
اعتدنا عليها يف فلس��فة األخالق ،فبينام تعتمد فلسفة األخالق عى مفاهيم ،مثل :اخلر والرش،
الص��واب واخلطأ ،الصدق والكذب ،يعتمد التقييم يف احلظ األخالقي عى مفاهيم ،مثل :الثناء
والل��وم ،املدح والذم ،الذنب والطاعة ،اجليد والس��يئ ،الثواب والعقاب ،أفضل وأس��وأ ،وهي
مفاهيم نسبية ترتبط بطبيعة احلالة أو املوقف.
سادسا :تضعنا ظاهرة احلظ األخالقي أمام معضلة مهمة ،وهي إ َّما أن نلتزم برشط السيطرة
ً
يف أثناء تقييمنا لألفعال األخالقية ،ويف هذه احلالة سوف نتخى عن العديد من املواقف واحلاالت
الت��ي يتعرض هلا الفاعل ،م��ع التأكيد عى أنه ليس للحظ أي دور يف تقييامتنا األخالقية ،أو أن
نعرف بدور احلظ يف تقييامتنا األخالقية ،ومن ثم ينبغي أن نتخى عن رشط السيطرة ،ويف هذه
احلال��ة ينبغي علينا أن نُعيد النظر يف معظم املفاهي��م واملصطلحات األخالقية التي تؤكد عليها
النظريات التقليدية واملعارصة أو نعيد منهجية البحث يف النظريات األخالقية املعارصة.
309 مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه
ًا
مصادر ومراجع باللغة األجنبية:أول
1- Anderson, B. Mark: Moral Luck and Libertarianism, Ph.D., University of
Wisconsin-Madison, ProQuest, 2012.
2- Athanassoulis, Nafsika: Common-sense Virtue Ethics and Moral Luck, Ethical
Theory and Moral Practice, Vol.8, No.3, Springer, )Jun., 2005(.
3- Beach, A. Patrick: Moral Luck, Ph.D., The Graduate School, Syracuse University,
United States, ProQuest, June 2012.
4- Brown, Marie. Alison: Moral Luck and Moral Responsibility, Ph.D. College of
Arts & Sciences, The Florida State University , ProQuest, 2010.
5- Feinberg, Joel: Doing and Deserving; Essays in the Theory of Responsibility,
Princeton University Press, Princeton, 1970.
6- Hurley, Susan: Luck, Responsibility and ‘Natural Lottery, Journal of Political
Philosophy, Vol.10, No.1, Wiley Online Library, 2002.
7- Hwang, Kyung-Sig: Moral Luck, Self-Cultivation, and Responsibility; The
Confucian Conception of Free Will and Determinism, Philosophy
East and West, Vol.63, Ni.1, University of Hawai’i Press, United
State, )January., 2013(.
8- Kant, Immanuel: Groundwork for The Metaphysics of Moral, Translated and
Edited by; Mary Gregor and Christine M. Korsgaard, Cambridge
University Press, Cambridge, 1998.
9- Michaelson, Christopher: Moral Luck and Business Ethics, Journal of Business
Ethics, Vol.83, No.4, Springer, )Dec., 2008(.
10- Nagel, Thomas: Moral Luck, In: »Mortal Questions«, Cambridge University
Press, Cambridge, 1979.
11- Nelkin, K. Dana: Moral Luck, Stanford Encyclopedia of Philosophy, Ed by:
Edward N. Zalta and Others, Apr 10, 2013. In: https: //plato.stanford.
edu/entries/moral-luck/.10-4-2019.
)مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون 310
12- Nida-Rumelin, Julian: There is no Moral Luck, Archives for Philosophy of Law
and Social Philosophy, Vol.93, No.2, Franz Steiner Verlag, Germany,
2007.
13- Shook, R. John )Ed and Others(: The Dictionary of Modern American
Philosophers, Vol.3, Thoemmes Continuum, Bristol, England, 2005.
14- Slote, Michael: The Problem of Moral Luck, Philosophical Topics, Vol.22,
No.1&2, University of Arkansas Press, United State, )Spring and
Fall., 1994(.
15- ……………..: Virtue Ethics, Utilitarianism and Symmetry, In: How Should
One Live? Essays on The Virtues, Ed By; Roger Crisp, Oxford
University Press, Oxford Scholarship Online, 2003.
16- Statman, Daniel: Moral Luck, In: »Routledge Encyclopedia of Philosophy«,
General Editor: Edward Craig, Routledge, New York, 1998.
17- Williams, Bernard: Moral Luck; Philosophical Papers 1973-1980, Cambridge
University Press, Cambridge, 1981.
18- Woodford, Frances. Nicole: Moral Luck, Control, Choice, and Virtue, Ph.D.
The University of Hull, England, September 2016.
19- Zimmerman, J. Michael: Luck and Moral Responsibility, Ethics, Vol.97, No.2,
The University Chicago Press, Chicago, )Jan., 1987(.
20- ……………………….: Moral Luck, A Partial Map, Canadian Journal of
Philosophy, Vol.36, No.4, Canada, )Dec., 2006(.
عبد الرمحن. حققه ورشحه وقدم له د، إس��حق بن حنني: ترمجة، األخالق: أرس��طو طاليس-1
، القاهرة، تصدر عن اهليئة العامة لقصور الثقافة،)161( سلسلة الذخائر،بدوي
.م2007
ترمجه من اليونانية إىل الفرنس��ية وقدم له وعلق، عل��م األخ��الق إىل نيقوماخوس:............. -2
الكتاب،1 � ج، أمحد لطفي الس��يد: نقل��ه إىل العربية، بارتلمي س��انتهلر:علي��ه
.م1924 ، القاهرة، مطبعة دار الكتب املرصية،الثالث
311 مفهوم الحظ األخالقي وأنواعه
-3كان��ت ،إمانويل :تأس��يس ميتافيزيق��ا األخالق ،ترمجه وقدم له وعلق علي��ه د .عبد الغفار
م��كاوي ،راجع الرمجة د .عبد الرمحن بدوي ،اهليئ��ة املرصية العامة للكتاب،
ط ،2القاهرة1980 ،م.