‫العالم والمتعلم‬

‫إن نفس العالم والمتعلم شيء واحد وجوهر واحد ‪ ،‬إال أن نفس العالم‬
‫متحد بها غير ما هو في نفس المتعلم ‪ ،‬كالخميرة التي هي من الدقيق إال‬
‫أن فيها خلطا غير الدقيق بذلك الخلط تميزت ‪ ،‬فمتى خلطت بالدقيق‬
‫وعجنت صبغته وصيرته أعني الدقيق خميرة مثلها كذلك إذا قبلت نفس‬
‫المتعلم فوائد المعلم صارت هي وهو شيئا واحدا ‪ ،‬وجوهرة واحدة قابال‬
‫للصور مثل السراج الذي يسرج منه مائة سراج وال ينقص ضوؤه ‪،‬‬
‫كذلك المعلم يعلم ألف متعلم وال ينقص عن علمه شيء قال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وآله‪( :‬ال ينقص مال من صدقة) إشارة إلى العلم والعمل‬
‫به ‪ ،‬وهي أعني نفس المتعلم على قدر الخلوص والصفاء وربما سبقت‬
‫نفس المتعلم نفس المعلم وعلت عليها كاألنبياء عليهم السالم فإنهم في‬
‫بدء وجودهم متعلمين ثم تفيض عليهم البركات اإللهية والمواد الملكوتية‬
‫كإبراهيم عليه وآله السالم في قصة الكواكب والقمر والشمس ‪ ،‬ومحمد‬
‫صلى هللا عليه وآله في قصة أبي بن كعب و زيد و بحيرا وخديجة ‪ ،‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآله لجابر بن عبدهللا األنصاري وقد سأله عن‬
‫بالغه فقال‪( :‬يا جابر أنا ابن کرات وممتحن أوقات ولدني عبدهللا بن عبد‬
‫المطلب و أرضعني زيد بلغني أبي ‪ ،‬فغمرني فضل من ربي فلحقت من‬
‫سبقني وطرت على من تقدم علي حين أرضع أبو طالب حمزه وساو بي‬
‫فاطمة ولطف حليمة وكان ألبي طالب صلوات هللا عليه وآله من الصفا ما‬
‫لم يطل معه مقامه وال دامت في الحكمة أيامه فعرج نورانيا وتلطف‬
‫جوهريا وأسبغ النعمة على من أناب إليه وأكمل التربية لمن أتكل عليه)‬
‫في كالم طويل ال يحتمل الموضع ذكره فنفوسهم صلوات هللا عليهم ‪،‬‬
‫ومن قام مقامهم ‪ ،‬مالكة نفوس هذا العالم بأسره يحكمون فيه ألنهم من‬
‫روح القدس قد صارت نفوسهم الزكية وروح القدس الذي هو عالم‬
‫االبداع شيئا واحدا ال تمايز إال بالرتبة والسبق فمن بلغ إلى معرفة‬
‫نفوسهم بلغ الغاية‪.‬‬