Professional Documents
Culture Documents
غير اهلل.
أنك لم تكن َ
وعرفت َ
َ ارتفعت أنانيتُك،
ْ نفسك
عرفت َ
َ فمتى
– محيي الدين بن عربي
تقديم
والحـلُولـيَّة
التصـوف ُ
ُّ
ال ُّ
نظننا نغالي إن قلنا بأن اإلسالم ككل محتوىـ في عقيدة التوحيد :فإثبات وحدانية اهلل وعدم الشرك به هو من
عامة المؤمنين المحورـ الواضح البسيط الذي تدورـ عليه حياتُهم الدينية .أما الخاصة من أهل الباطن ،فالتوحيد منهم
هو الباب الذي ينفتح على الحقيقة الذاتية :فكلما أمعن عق ُل المتصوف ،على َه ْدي من بصيرته ،في َس ْب ِر ظاهر
األمر ًّ
حدا تعقيدا – إلى أن يبلغ به ُ
ً غورا وأشد
البساطة العقالنية للوحدانية اإللهية ،تبيَّن له أن هذه البساطة أعمق ً
أوجه التوحيد بالعقل الخطابي discursive reason وحده؛ إذ إن ُّ
تفكره في هذه التوفيق بين مختلف ُ
ُ يتعذر بعده
حالَ جمع[ ]1يتعدى َّ
كل حدود استيعابها القصوى ،وبذلك يتاح للعقل أن يختبرـ َ َْ بملَكة التفكير
األوجه بالغٌ ال محالة َ
ُ
تصورـ شكالني .في عبارة أخرى ،فإن للكشف فيما يتعدى الصور وحده أن يرقى إلى الوحدانية.
مذهب الشيخ األكبر محيي الدين بن عربي كلَّه هو وحدة الوجود .ومازالـ الجد ُل
َ المفهوم المركزي الذي يتخلَّل
ُ
دائرا حول ما إذا كان يقصد بهذا المصطلح وصفـ عقيدة توحيدية ال يوجد بمقتضاها إال الواحد وحده .بيد أن
ً
اإلجابة باإليجاب عن هذه المسألة ال تشير إلى نقلة حاسمة في اإللهيات اإلسالمية ،ألن ابن عربي لم يفعل ،في
الواقع ،غير الدفع بمذهب المتكلِّمين األشاعرة حتى أقصىـ مداه؛ إذ إن إصرار األشعري على قدرة اهلل الكلِّية
وهيمنته على الكون ينطوي،ـ منطقيًّا ،على أن اهلل هو خالق األفعال ،وبالتالي ،الفاعل األوحدـ[ .]2لذا ترانا ال نجانب
قياسا على ذلك ،وعلى غرار ابن عربي ،بأن اهلل هو الموجود األوحد.
إن قلناً ،
المنطق ْ
في كتابه األشهر فصوص الحكم ،يتكلم الشيخ األكبر على التحقق الروحي بوصفه "تخلالً" متبادالً بين اهلل
واإلنسان .فاهلل ،إذا جاز القول ،يتخذ الصورة البشرية :فمن منظورـ أول ،يكون الالهوت محتوى الناسوت ،حيث
تماما .في
اإلنسان في الحق الذي يستهلكه ً
ُ حد عبارته[]3؛ ومن منظور آخرُ ،يمتصالثاني "إناء" لألول ،على ِّ
بد منحاضراـ في دخيلة الخلق (اإلنسان) ،ويكون الخلق ممحوقًاـ[ ]4في الحق .إنما ال َّ
ً عبارة أخرى ،يكون الحق
فهم هذا الكالم من منظور مخصوص يتصل بالتحقق الروحي :فابن عربي ،إذ يضع هذين النسقين من تخلُّل اهلل
جنبا إلى جنب على التوازي،ـ يدقِّق في "الفص اإلبراهيمي": ُّ
لإلنسان وتخلل اإلنسان هلل ً
شيء شيًئا إال كان محموالً فيه ]...[ .فإن كان الحق هو الظاهر فالخلق مستور فيه،
ٌ اعلم أنه ما تخلَّل
وجميع نسبه وإ دراكاته .وإ ن كان الخلق هو الظاهر فالحق
َ وبصره
َ سمعه
جميع أسماء الحقَ ،َ الخلق
ُ فيكون
تعرت عن
ويده ورجلُه وجميعُ قواه .]...[ ثم إن الذات لو َّ وبصره ُ
ُ مستور باطن فيه ،فالحق سمعُ الخلق
عرف حتى
إلها ،فال ُي َ
إلها .وهذه النسب أحدثتْها أعيا ُننا :فنحن جعلناه بمألوهيَّتنا ً
هذه النسب لم تكن ً
عرف اهلل من غير نظر في العالم – وهذا نعرف ]...[ .فإن بعض الحكماء وأبا حامد[ الغزالي] ادَّعوا أنه ُي َ
عرف المألوه – فهو الدليل عليه .ثم بعد هذا، عرف أنها إله حتى ُي َ ذات قديمة أزلية ،ال ُي َ
عرف ٌ
غلط .نعم ،تُ َ
َّ
الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه وعلى ألوهيَّته ،وأن العالم ليس إال في ثاني حال ،يعطيك الكشف أن
ويتصور بحسب حقائق هذه
َّ تجلِّيه في صور أعيانهم الثابتة[ ]5التي يستحيل وجودها بدونه ،وأنه َّ
يتنوع
إله لنا .ثم يأتي الكشف اآلخر ،فيظهر لك صورنا فيه ،فيظهر األعيان وأحوالها – وهذا بعد العلم به َّ
منا أنه ٌ
[]6
بعضا ،ويتميَّز بعضنا عن بعض.
بعضنا لبعض في الحق ،فيعرف بعضنا ً
في "التخلل" األول ،يكشف اهلل عن نفسه بوصفه الذات التي تعرف من خالل ملَكات اإلنسان اإلدراكية وتفعل عبر
ملَكاته العملية؛ أما في "التخلل" الثاني ،المعاكس لألول ،فيتحرك اإلنسان ،إذا جاز القول ،في أبعاد الوجود اإللهي
طب بحيث تُقابِ ُل َّ
كل ملَكة أو صفة بشرية صفةٌ من الصفات اإللهية .وهذا معبَّر عنه في التي ،فيما يخصه ،تُستق َ
الحديث القدسي المشهور:
جميعا (كما وبعض مذاهب الغرب) على الباحثين الغربيين "البرانيين"،ً مذاهب المشرق الباطنية
ُ كثيرا ما التبست
ً
تصادف في الواقع إال
َ أيضا ،بمذهب الحلولية .pantheism غير أن الحلولية ال
"المتغربين" من أبناء الشرق ً
ِّ وعلى
ممن تأثرواـ بالفكر الغربي في القرن التاسع عشر.
في حالة عدد من الفالسفة األوروبيين وبعض الشرقيينـ َّ
فالحلولية قد نشأت عن النزعة الفكرية عينها التي تفتَّقت ،أوالً ،عن المذهب الطبيعي ،naturalism ومن ُ
بعد ،عن
المذهب المادي الحديث .يقول سيد حسين نصر:
فالحلولية ،كما يتبين ،ال تتصورـ العالقةَ بين المبدأ اإللهي والعالمـ إال من منظور االستمرارية الجوهرية أو
كل مذهب باطني نقلي بما ال لبس فيه وال إبهام[.]8 الوجودية – وهذا غلط ينبذه ُّ
بعَرض فيحتاج إلى حامل يقوم[ ]...الحق ال ضد له ،وال ند له ،وال ينتسب إلى أين ]...[ ،ليس َ
[]9
وجوده< عليه> ،وال بجوهر فيشارك الجواهر في حقيقة الجوهرية.
ُ
لكن دون إمكان وجودـ شيء "خارجه" أو "سواه" ،كما يؤكد صاحب الرسالة ٍّ
متجلْ ، منزه عن ِّ
كل شيء وهو َّ
الوجودية[:]10
[ ]...كان وال َب ْعد معه وال قبل ،وال فوق وال تحت ،وال قُْرب وال ُب ْعد ،وال كيف ،وال أين وال حين ،وال أوان
وال وقت وال زمان ،وال كون وال مكان ،وهو اآلن كما كان.
والمسمى :هو األول بال أولية وهو
َّ هو الواحد بال وحدانية ،وهو الفرد بال فردانية .ليس َّ
مرك ًبا من االسم
آخرية ،وهو الظاهر بال ظاهرية وهو الباطن بال باطنية .]...[ فال أول وال ِ
آخر وال ظاهر وال اآلخر بال ِ
ِ
باطن إال وهو بال صيران – ]...[ .فافهم هذا لئال تقع في غلط الحلولية.
خارجا ]...[ .ال يراه إال هو ،وال يدركه إال هو ،وال يعلمه إال
ً ال هو في شيء ،وال شيء فيه ،ال داخالً وال
أحد غيره.
هو بنفسه ،وبنفسه يعرف نفسه؛ يرى نفسه ،ال يراه ٌ
حجابه وحدانيته ،فال يحجبه شيء غير حجابه .وجوده وحدانيته ،تستَّر بوحدانيته بال كيفية.
مسوغها يتأسس
أي شيء أكثر من إشارة أو رمز .أما فيما يخص اإلشارة نفسها ،فإن ِّ المتمثل في قراءة القوم في ِّ
على التناظُر المعكوس القائم بين الوحدة الجوهرية لألشياء – وكلها "مصنوعـ من العلم" – وبين وحدتها "المادية"
عتبر الحق العلة األولى أو "السبب
التي ال تمت بصلة إلى أية نظرية "سببية" (بالمعنى الكونيـ للكلمة) ،اللهم إال أن ُي َ
كل شيء.األول" ،فيكون بذلك "مسبِّب" ِّ
إن األحدية ،التي تغيب فيها الكثرةُ الوجودية أو تنعدم ،ال تتناقض البتة وفكرةَ عدد غير محدود من مراتب
ظرـ في الكمال اإللهي
الوجود :فهاتان الحقيقتان ،على العكس ،وثيقتا الصلة إحداهما باألخرى.ـ وهذا ينجلي حالما ُين َ
ظر إليه إما في تعيُّنه إن َّ
صح التمثيل" ،يضيق"ـ أو "يتسع" بحسب ما ُين َ "من خالل" ٍّ
كل منهما :إذ ذاك فإن الكاملْ ،
المبدئي ،أي األحدية ،وإ ما في انعكاسه الكوني ،أي طبيعة الوجودـ الذي ال تنضب تجلياتُه وال تني تتعيَّن .يدل على
ذلك قول الشيخ األكبر:
أيضا ،ألن
مناسبا[ بوحدة الوجود]ً
ً إن اصطالح "الوحدانية الوجودية" monisme existentiel ليس تعريفًا
نظاما فلسفيًّا فكريًّا يقابل مثالً الثنوية ،ولفظة "وجودية" تخلط بين االستمرار
ً "الوحدانية" ]...[ تفترض
الذاتي بين األشياء ومبدئها وبين االستمرار الجوهري ،أو بين النظرة األفقية والنظرة العمودية.
[]18
جهلك لم تكن أنت .فبعلمه أوجدك ،وبعجزك عبدتَه .فهو هو ِل ُه َو ،ال لك ،وأنت
َ لو علمتَه لم يكن هو ،ولو
ألنت ولَ ُه .فأنت مرتبط به ،ما هو مرتبط بك .الدائرة ،مطلقةً ،مرتبطة بالنقطة؛ النقطة ،مطلقةً ،ليست
أنت ََ
مرتبطة بالدائرة؛ نقطة الدائرة مرتبطة بالدائرة .كذلك الذات ،مطلقةً ،ليست مرتبطة بك .ألوهية الذات
مرتبطة بالمألوه[ أنت] كنقطة الدائرة[ في ارتباطها بالدائرة].
[]21
ديمتري أڤييرينوس
***
مراجع
-ابن عربي (محيي الدين) ،اصطالح الصوفية ،بتحقيق گوستاڤ فلوگل (نسخة باألوفست ضمن كتاب
التعريفات للشريف الجرجاني) ،بيروت.1985 ،
-ابن عربي (محيي الدين) ،الفتوحات المكية ،بتحقيق وتقديم عثمان يحيى ،السفر األول ،الهيئة المصرية العامة
للكتاب.1972 ،
-ابن عربي (محيي الدين) ،فصوص الحكم ،بتحقيق وشرح أبو العال عفيفي ،بيروت ،ب.ت.
-اإلسكندري (ابن عطاء اهلل) ،الحكم العطائية ،بضبط وتقديم إبراهيم اليعقوبي،ـ دمشق/بيروت.1985 ،
-السهروردي اإلشراقي ،هياكل النور ،بتقديم وتحقيق وتعليق محمد علي أبو ريان ،القاهرة.1957 ،
-الكاشاني (عبد الرزاق) ،اصطالحات الصوفية ،بتحقيق وتقديم وتعليق عبد الخالق محمود ،القاهرة ،طب :2
.1984
-الكالباذي (أبو بكر محمد) ،التعرف لمذهب أهل التصوف ،بتحرير عبد الحليم محمود ،بيروت1980 ،
(نسخة باألوفست عن طب القاهرة.)1960 ،
-نصر (سيد حسين) ،ثالثة حكماء مسلمين ،بترجمة صالح الصاوي ومراجعة وتنقيح ماجد فخري ،بيروت،
.1986
Schuon, Frithjof, Islam and the Perennial Philosophy, tr. J. Peter Hobson, Preface by Seyyed Hossein Nasr, -
.World of Islam Festival Publishing Company Ltd, 1976
***
الرسالة الوجودية
في معنى قوله صلَّى اهلل عليه وسلَّم
ربه"
ف َّ
نفسه فقد َع َر َ
ف َ "من َع َر َ
َ
للسيد اإلمام العالم المحقِّق صاحب الشريعة والحقيقةـ
محيي الدين أبي عبد اهلل محمد بن العربي
الطائي الحاتمي األندلسي
ف ربَّه"
نفسه فقد َع َر َ
ف َ "من َعَر َ َّ َّ
في معنى قول النبي – صلى اهلل عليه وسلم –َ :
شيء غير حجابه .وجوده وحدانيته ،تستَّرـ بوحدانيته بال كيفية .ال يراه ٌ
أحد غيره :ال ٌ حجابه وحدانيته ،فال يحجبه
نفسه
مقرب يعرفه .نبيُّه هو ،ورسوله هو ،ورسالته هو ،وكالمه هو :أرس َل َ نبي مرسل ،وال ولي كامل ،وال َملَك َّ
والمرسلـ إليه .وجود والمرسلـ به ِ
المرسل تفاوت بين
َ َ بنفسه من نفسه إلى نفسه ،ال واسطة وال سبب غيره ،وال ُ
سماه.
حروفـ الثناء وجوده ال غير ،ال ثناؤه وال اسمه وال ُم َّ
الع َّراف أضافوا معرفة اهلل – تعالى – إلى فناء الوجودـ وفناء الفناء[ – ]23وذلك غلط وسهوـ واضح :فإن
وأكثرـ ُ
معرفة اهلل – تعالى – ال تحتاج إلى فناء الوجود وال إلى فناء فنائه ،ألن الشيء ال وجودـ له ،وما ال وجود له ال
عرفت اهلل – .وإ ال فال.
َ فناء له؛ فإن الفناء بعد إثبات الوجود .فإذا عرفت نفسك بال وجود وال فناء فقد
فإن قال قائل" :كيف السبيل إلى معرفة النفس وإ لى معرفة اهلل؟" ،فالجواب :سبيل معرفتها أن تعلم وتتحقق أن اهلل
ْ
فإن قال قائل" :أنا أرى نفسي غير اهلل ،وال أرى اهلل
عز وجل – كان ولم يكن معه شيء ،وهو اآلن كما كانْ . – َّ
ـ"األمارة"
المسماة ب َّ
َّ وجودك وحقيقتك ،ال النفس
َ نفسي" ،فالجواب :أراد النبي – صلى اهلل عليه وسلم – بـ"النفس"
جميعا ،كما قال
ً و"اللوامة" و"المطمئنة" [يوسف ،53القيامة ،2الفجر ]27؛ بل أشار بـ"النفس" إلى ما سوى[ ]24اهلل
َّ
– صلى اهلل عليه وسلمـ –" :اللهم ِأرني األشياء كما هي" :عبَّر باألشياء عما سوىـ اهلل – سبحانه وتعالى – ،أي
ق أم حادث ٍ
فان؟ فأراه اهلل أي شيء هي :أهي أنت أم غيرك ،أهي قديم با ٍ عر ْفني ما سواك ألعلم وأعرف األشياء َّ
ِّ
نفسه بال وجود ما سواه ،فرأى األشياء "كما هي"؛ أعني األشياء ذات اهلل – تعالى – بال كيف
– تعالى – ما سواه َ
وال أين.
واسم األشياء يقع على النفس وغيرها من األشياء .فإن وجود النفس ووجودـ األشياء سيَّان في الشيئية :فمتىـ عرف
الرب ،ألن الذي يظن َّأنـ<ـه> سوى اهلل ليس هو سوى اهلل.
َّ النفس فقد عرف
َ األشياء عرف النفس ،ومتى عرف
َ
علمت أنك لست ما سوى اهلل ،وعلمت
َ ولكنك ال تعرف وأنت تراه ،وال تعلم أنك تراه .ومتى يكشف لك هذا السر،
مقصود ا ،وأنك ال تحتاج إلى الفناء ،وأنك لم تزل وال تزال ،بال حين وال أوان ،كما ذكرنا قبل .جميع
ً أنك كنت
وآخركـ ِ
آخ َره ،بال شك وال ريب؛ وترىـ باطنه ،وأولكـ أولَه ِ
وباطنكـ َ
َ ظاهره ظاهركـ صفاته صفاتك ،وترى
َ َ َ
صفاتِك صفاتِه وذاتَك ذاتَه ،بال صيرورتك إيَّاه وصيرورته إيَّاك ،وال بقليل وال بكثير.
وجهه" [القصص ،]88بالظاهر والباطن ،يعني :ال موجودـ إال هو؛ وال وجودـ لغيره فيحتاج ك إال َ ُّ
"كل شيء هال ٌ
إلى الهالك .و"يبقى وجهُه" [الرحمن ]27يعني :ال شيء إال وجهه .فكما أن َمن لم يعرف شيًئا ،ثم َع َرفَه ،ما فني
تداخل باألثر< .هنا> يقع الجهل :فال تظن أنك نكر بوجودـ العارف ،وال َوجود الم ِ وجوده بوجود آخر ،وال َّ
ُـ ُ تركب ُ
تحتاج إلى الفناء؛ فإن احتجت إلى الفناء فأنت إ ًذا حجابه – والحجاب غير اهلل؛ فليزمـ غلبةُ غيره عليه بالدفع عن
رؤيته له – .وهذا غلط وسهو.
قد ذكرناـ قبل أن حجابه وحدانيته وفردانيَّته ال غير .ولهذا أجاز للواصل إلى الحقيقة أن يقول" :أنا الحق" وأن
ذات اهلل ،بال كون صفاتُه وال ذاتُه ِ
صفات اهلل ،وذاتَه َ يقول" :سبحاني" .وما وصل واص ٌل إليه إال ورأى صفاتِه
أن لم يكن له <وجود> قطق في اهلل< ،أو> يرى نفسه ْ فان من اهلل أو با ٍ
خارجا منه قط ،وال أنه ٍ
ً داخالً في اهلل أو
ألنه كان ثم فني؛ فإنه ال نفس إال نفسه ،وال وجود إال وجوده .وإ لى هذا أشار النبي – صلى اهلل عليه وسلم –
بقوله" :ال تسبُّوا الدهر ،فإن اهلل هو الدهر"َّ ،
ونزه اهلل – تبارك وتعالىـ – عن الشريك والند والكفؤ.
شأن" [الرحمن ]29من إظهار وجوده وإ خفائه وال ترى أنه – تعالى – خلق شيًئا قط ،بل ترى َّ
"كل يوم هو <في> ٍ
وبطُ َن ِ
واآلخر والظاهر والباطن وهو ِّ
بكل شيء عليم" [الحديد :]3ظهر بوحدانيته َ بال كيفية ،ألنه "هو األول
ِ
"اآلخر"ـ هو، بفردانيَّته ،وهو األول بذاته وقيوميَّته وهو ِ
اآلخر بديموميَّته .وجود حروف "األول" هو ووجودـ حروفـ
مسماه.
ووجود حروف "الظاهر" هو ووجود حروف "الباطن" هو؛ هو اسمه وهو َّ
عدم ما سوى :فإن الذي تظن أنه سواه ليس سواه – ،تََن َّزه أن يكون غيره – ،بل ُ
غيره وجوده يجب ُ
ُ وكما يجب
وباطنا.
ً ظاهرا
ً هو ،بال غيرية الغير ،مع وجوده وفي وجوده،
يوجد ٌّ
رب سواه. فتكون ربًّا سواه .فتباركـ اهلل – تعالى – أن َ
ضد أو ٍّ
ند أو كفؤ أو شريك إلى اهلل – تعالى – فقد عرفتَها نفسك بهذه الصفة ،من غير إضافة ٍّومتى عرفت َ
نفسه فقد
"من أفنى َ
نفسه فقد عرف ربَّه" ،ولم يقلَ :
"من عرف َ بالحقيقة .ولذلك قال – صلى اهلل عليه وسلمـ –َ :
عرف ربَّه ".فإنه – صلى اهلل عليه وسلمـ – علم ورأى أن ال شيء سواه ،ثم أشار إلى أن معرفة النفس هي معرفة
اهلل – تعالى – ،أي اعرف نفسك ،أي وجودك أنك لست أنت ،ولكنك ال تعرف؛ أي اعرف أن وجودكـ ليس
وجوده
ُ وعدمك
ُ وجودك
ُ بوجودك وال غير وجودك :فلست بموجودـ وال بمعدوم ،وال غير موجود وال غير معدوم.
وعدمك.
ُ وجودك
ُ عين وجوده
وجوده ،وألن َ
ُ عين وجودكـ وعدمك
بال وجود وال عدم ،ألن َ
الع َّراف الذين ظنوا أنهم عرفوا نفوسهم وعرفواـ ربَّهم ،وأنهم خلصوا من غفلة الوجود ،قالوا إن الطريقـ ال وأكثرـ ُ
ولظنهم أنهم – بمحض ِّ تتيسرـ إال بالفناء وبفناء الفناء ،وذلك لعدم فهمهمـ قو َل النبي – صلى اهلل عليه وسلم –
َّ
وطوراـ إلى
ً وطوراـ إلى فناء الفناء،
ً وطوراـ إلى الفناء،
ً طورا إلى نفي الوجود ،أي فناء الوجود،
الشرك – أشارواـ ً
شيء سواه ويفنى ٌ جوز أن يكون وطورا إلى االصطالمـ[ – ]27وهذه اإلشارات كلها ِش ْرك محض :فإن َمن َّ ً المحو،
ومن أثبت شيًئ ا سواه فقد أشرك به – تعالى – – .أرشدهمـ اهلل وإ يَّانا فناء فنائه ،فقد أثبت شيًئا سواه؛ َ
وجوز َ بعدهَّ ،
إلى سواء السبيل.
شعر
كنـت
تكـون وال قـط َ
َ أنـت * ومـا أن ظنـنت ظـنـو ًنـا َّ
بأنـك َ َ
ظننت
َ ع ما
رب * وثـانـي اثنـيـنَ ،د ْ أنـت َّ
فـإنــك ٌّ فـإن أنـت َ ْ
بـان عنك وال عنـه ِب ْن َ
ـت فـال فـرق بيـن وجـوديـكمـا * فمـا َ
نـت
ت ،وإ ْن زال جـهـلُك ُك َ س ْن َ
غيـره * َح ُ َّ
قلت – جهالً – بأنـك َ فإن َ
تـسـ ْن َ
عدك قُ ْـرب – بهـذا َح ُ وب ُ
صـ ٌل * ُ
وهجـرك َو ْ
ُ فوصـلُك َه ْج ٌـر
وصفت
َ تفوق ما عنهُ العقـل وافهم بنـور انكـشـ * ٍ
ـاف – ليلى َ َد ِع
ْ
ت
تهـون – فالشـرك ُهـ ْن َ
َ ش ِـر ْك مــع اهلل شـيـًئا * لئـالَّ
وال تُـ ْ
نفسك هو عرفان اهلل – تعالى – ،والعارفـ بنفسه غير اهلل ،وغير اهلل
فإن قال قائل" :أنت تشيرـ إلى أن عرفانك َ
ْ
نفسه علم أن وجوده ليس بوجوده وال غير وجوده ،بل كيف يعرفـ اهلل وكيف يصل إليه؟" ،فالجوابَ :من عرف َ
وجوده معه
ُ وجوده في اهلل وال خروج منه .وال يكون
ُ وجوده وجود اهلل بال دخول،
ُ وجوده وجود اهلل بال صيرورة،
ُ
وجوده بحاله :ما كان قبل أن يكون ،بال فناء ،وال محو ،وال ِ
فناء فناء .فإن فناء الشيء بقدرة اهلل – َ وفيه ،بل يرى
نفسه،
تعالى –؛ وهذا محا ٌل واضح صريح .فتبيَّن أن عرفان العارف بنفسه هو عرفان اهلل – سبحانه وتعالى – ُ
فمن وصل إلى هذا المقام ،لمألن نفسه ليس إال هو .وعنى رسولـ اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – بـ"النفس" الوجودَ .
وكالمه كالم اهلل ،وفعلُه فعل اهلل ،ودعواه معرفة اهلل
ُ وجوده وجود اهلل،
ُ وجوده ،بل
َ وجوده في الظاهر والباطن
ُ يكن
نفسك غير
نفسه بنفسه .ولكنك تسمع الدعوى منه ،وترى الفعل منه ،وترى غير اهلل كما ترى َ
هو دعواه معرفة اهلل َ
نظر اهلل
ونظره ُ
َ عين اهلل،
عينه ُ
اهلل ،بجهلك بمعرفة نفسك .فإن "المؤمن مرآة المؤمن" :فهوـ بعينه ،أي ينظره؛ فإن َ
فإن
بال كيفية :ال هو هو بعينك أو علمك أو فهمك أو وهمك أو ظنك أو رؤيتك ،بل هو هو بعينه وعلمه ورؤيتهْ .
وصلت
َ فإن
وصلت إلى ما وصل إليه؛ ْ
َ "إني اهلل ،فإن اهلل يقولِّ :إني اهلل" ،فالجواب :ال هو ،ولكنك ما
قال قائلِّ :
ورأيت ما يرى.
َ وقلت ما يقول،
َ فهمت ما يقول،
َ إلى ما وصل إليه،
َّ
تتوهمن بهذه اإلشارات أن اهلل ِ
تقض في ُشبهة ،وال وجوده بك ،بال وجودهم .فال
ُ وجود األشياء
ُ وعلى الجملة،
مخلوق .فإن بعض العارفين قال" :الصوفيـ غير مخلوق" ،وذلك بعد الكشف التام وزوالـ الشكوك واألوهام .وهذه
ق أوسع من الكونين؛ فأما َمن كان َخلقُه كالكونين فال تواف ْقه ،فإنها أعظم من الكونين.
لمن له َخْل ٌ
اللقم َ
ِ
والمدرك ِ
والواجدـ والموجود ،والعارف والمعروف ،والموحِّد <والموحَّد>، وعلى الجملة أن الرائي والمرئي،
وجوده بوجوده ،بال كيفية إدراك ورؤية
َ وجوده بوجوده ،ويدرك
َ وجوده بوجوده ،ويعرفـ
َ والمدركـ واحد :هو يرى
َ
ومعرفة ،وبال وجود حروف صورة اإلدراك والرؤية والمعرفة .فكما أن وجوده بال كيفية ،فرؤية نفسه بال كيفية،
وإ دراكه نفسه بال كيفية ،ومعرفة نفسه بال كيفية.
"بأي نظر تنظر إلى جميع المكروهات والمحبوبات؟ فإذا رأينا ،مثالً ،روثًاـ أو جيفة أنقول هو
فإن سأل سائل وقالِّ :
ْ
اهلل؟" ،فالجواب :تعالى َّ
وتقدس حاشا ثم حاشا أن يكون شيًئا من هذه األشياء! وكالمنا مع َمن ال يرى الجيفةَ جيفةً
فمن لم يعرف نفسه فهو أ ْك َمه وأعمى؛ وقبل ذهاب كالمنا مع َمن له بصيرة وليس بأ ْك َمهَ .
والروث روثًا ،بل ُ
َـ
والعمى ،ال يصل إلى هذه المعاني وال هذه المخاطبة مع اهلل – ال مع غير اهلل وال مع األ ْك َمه .فإن
األ ْك َمهية َ
وهمة في طلب العرفان وفي طلب معرفةالواصل إلى هذا المقام يعلم أنه ليس غير اهلل .وخطابنا مع َمن له عزم َّ
ويطرؤ في قلبه صورة في الطلب واشتياقـ إلى الوصول إلى اهلل – تعالى – ،ال مع َمن ال قصد وال مقصدُ النفس،
له.
فإن سأل سائل وقال" :قال اهلل تعالى" :ال تدركه األبصار وهو يدرك األبصارـ وهو اللطيف الخبير" [األنعام ،]103
ْ
األبصار وهو يدرك
ُـ وأنت تقول بخالفه ،فما حقيقة ما تقول؟" ،فالجواب :جميع ما قلنا هو معنى قوله" :ال تدركه
غيره .وقد
غيره ،لجاز أن يدركه ُ
أحد في الوجود،ـ وال بصر مع أحد يدركه .فلو جاز أن يكون ُاألبصار"،ـ أي ليس ٌ
َ
غيره ،بل يدركه
نبَّه اهلل – سبحانه وتعالى – بقوله" :ال تدركه األبصار" على أن ليس غيره سواه ،يعني ال يدركه ُ
ومن قال إنها ِ
المدرك لذاته ال غير؛ فال تدركه األبصار ،إذ <ما> األبصارـ إال وجودهَ . هو .فال غيره إال هو :فهو
بعد لم يعرف نفسه .إذ ال شيء وال األبصار إال هو. حدث ال ِ
يدرك القديم الباقي ،فهو ُ والم َ
حدثةُ ،ال تدركه ألنها ُم َ
وجوده بال وجودـ اإلدراك وبال كيفية ال غير.
َ فهو يدرك
شعر
ِ
عـيـب بالـرب * بال َنـ ْق ٍ
ـص وال ِّ الـرب
َّ عـرفـت
ُ
شــك وال ِ
ريــب فـذاتــي ذاتُـه حــقًّا * بـال ٍّ
ِ
الغيب مظـهـر وال صـيران بينـهـمـا * فنفسـي
ُ
ش ْــو ِبومنـذ عـرفتُـه نفسـي * بـال َم ْـز ٍج وال َ
ص َل محبـوبـي * بـال ُب ْـع ٍـد وال قُ ْــر ِب
وصـلت َو ْ
ُ
ســ ْل ِـب
مـن وال َ ٍ
فيـض * بـال ٍّ عطـاء ذي
َ ونلـت
ُ
فـنـيـت له نفـسي * وال يـبـقــى لـه ذوب
ْ وال
كل شيء قديرـ وباإلجابة وفَّقنا اهلل لما يحب ويرضىـ من القول والفعل والعلم والعمل والنورـ والهدى ،إنه على ِّ
كثيرا.
تسليما ً
ً جدير ،وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم ،وصلَّى على سيدنا محمد وآله وصحبه المحبِّين وسلَّم
شممت رائحة
َ ابتداؤهاـ السلوك ،وانتهاؤهاـ األول في انتهاء السلوك وابتدائها اآلخر .فإن لم تفهم هذه اإلشارة ما
المدورة ،ال خارجها وال داخلها .ابتداء الدائرة انتهاؤها ،وانتهاؤهاـ
َّ التوحيد .وأصل المقصود وجود الدائرة
الوجود هو المنزل سعةً .تبتدئ الطريق ،ولكنه ال
ُـ ابتداؤها .والدائرة طريق السير في الوجود .في معرفة النفس،
يعرف وال يعلم ،ويرى وجوده غير اهلل .فمتى وصل نفسه ،أي وجوده ،بال شك وال ارتياب ،تبيَّن له سعةً أنه كان
"من عرف واصالً في االبتداء أو موصوالً ،ولكنه ال يعرف الوصول .ولذلك قال النبي – صلى اهلل عليه وسلم –َ :
نفسه فقد عرف ربَّه ".والنبي – صلى اهلل عليه وسلم – عرف في االبتداء ،وسلك الطريقـ بالمعرفة .ولهذا ابتداؤه
َ
الصديقين ابتداؤه ،ألنهم عرفوا األسرار في االنتهاء – .وشتَّان بين َمن َّ
تقدم في االبتداء ِّ وانتهاء
ُ ِّ
الصديقين، انتهاء
ُ
ابتداء
ُ ومن َّ
تقدم في االنتهاء .فابتداء العشق وجود المقصودـ وشوقـ إرادة المقصود .العشق هو والشوقـ أنت. َ
العشق الشوق ،وانتهاء <الشوق> العشق – .فافهم ذلك.
ليس في المقام مقام أعلى وأجل في االبتداء من العشق ،ألن جميع ما ذكرناه – وجود العشق ،واسم العشق،
وصورة العشق ومعناه – <هو> العشق ومقصود العشق .والدائرة ،وجميع ما داخلها وخارجها< ،هي> العشق:
المعرى من العشق واسمه – .فافهم.ـ
َّ أعني العشق
حدث وال بقديم ،بل هو هو ،بال َح َدثان .و ِق َد ُـم الشوقـ يصير في االبتداء عشقًا.
بم َ
واسمه ليس ُ
ُ وجوده،
ُ الشوقـ
وصاحب الشوق ،متى وصل إلى االنتهاء ،يرى شوقه عشقًا ،ويعرف أن شوقه كان وجودـ العشق ،ولكنه لم
تفاوتًا،
وجود العشق والمعشوقـ والعاشق ،وال يرى بينه وبين جميع المخلوقاتـ ُ
َـ المكونات
َّ يعرفه ،ويرىـ جميع
صل على َمن لم يشم رائحة الوصول قط .وال فرق بينه وبين بالو ْ وجوده ،وال ِّ
يرجح نفسه َ َ ويرىـ جميع المخلوقات
الحيوانات والجمادات ،وبين الشيء وضده؛ وهذه صفة َمن يكون وجوده الموصول ،ال صفة الواصل والوصالـ
صل ،وال صفة العاشق والعشق ،بل صفة المعشوق ،ألن التفاوت بين هذه األشياء يكون في نظر َمن ليس له
والو ْ
َ
تفاوت بينها ،بل الجميع سواء عند اهلل – .واهلل أعلم بالصواب.
بعد .وأما َمن له نظر فال ُ
نظر ُ
ٌ
[ ]3ابن عربي ،فصوص الحكم" ،فص حكمة مهيَّمية في كلمة إبراهيمية" ،ص .84بالمثل ،يقول الحالج (الديوان ،ص :)26
ِ
الثاقـب سنا الهـو ِته
سر َ
أظهر ناسـوتُه * َّ سبحان من
َ
َ
ِ
والشـارب ظـاهرا * في صورة اآلكل
ً ثم َبدا في َخ ْل ِقـه
بالحـاجب
ِ ِ
الحاجب ِ
كلحظة حتى لقد عـاي َنـه َخ ْلقُـه *
األشياء
َ اإلنسان بالروح اإللهي ،يعرف العق ُل اإلنساني
ُ [ ]6فصوص الحكم" ،فص حكمة مهيَّمية في كلمة إبراهيمية" ،ص .2-81بمقدار ما ُيتخلَّل
نور العقل على األشياء المفردة. َّ
كل ها في أعيانها؛ لكن هذه المعرفة الذاتية على اإلجمال تتمايز على التفصيل بمقدار ما ينخلع ُ
لمصطلحي "الحلول"( panentheism ر. أيضا مناقشةـ نصر (ص )9-138 سيد حسين نصر ،ثالثة حكماء مسلمين ،ص .138راجع ً
[]7
َ
نيكلسون) والتصوف "الطبيعي" mystique naturelle الذي أطلقه جاك ماريتان على التصوف اإلسالمي وغيره من المذاهب الباطنية المشرقية
التصوف المسيحي "الفائق للطبيعة" .) surnaturelle وجلي بالطبع أن موقف ماريتان وأشياعه من المفكرين الكاثوليك هو خير وسيلة
ُ (ويقابله عنده
ظا في بنى نقلية ثابتة قد تبلغ َّ
حد ك محفو ً
جميعا على شيء من بقاياه مازال حيًّا ،وإ ْن ي ُ
ً الثقافات
ُ الستبعاد مذهب ذي خاصية عالمية ،تنطوي
منهاجهاـ وشكلُها مالزمان ِّ
لكل طريقة باطنية نقلية ،أيًّا ُ تفتحه النهائي عبر سيرورة تحقُّق
أحيانا كثيرة .إن هذا المذهب يجد في اإلنسان َ
ً الجمود
اطالع جميع السالكين في الطريقة على المضمون العميق للمذهب .وهذه السيرورة الخاضعة لقوانين دقيقة َ كانت ،دون أن يقتضي هذا بالضرورة
ساررة.initiation
الم َ
للغاية ومتشابهة (مهما يكن الصعيد الذي تختص به) هي سيرورة ُ
[ ]8من األسباب التي أوقعت المستشرقين في التباس وحدة الوجود بالحلولية ،على ما يبدو لنا ،اشتما ُل كلمة "وجود" العربية على
معنيي األيس"( esse الكينونة") والوجود ،existentia حيث إن كلمة "وجود" تتضمن معنى الكينونةً
أيضا .من ذلك أن "الكينونة المطلقة"Absolute َ
وجود منفصل عن الكينونة أو األيس .والفعل
ٌ تصور في اإللهيات المشرقية Beingهي الوجود المحض في مذهب الصوفية .من هنا ال ُي َّ
الثالثي وجد يتضمن كذلك معنى "اإليجاد" ،كما يتضمن بصيغة المبني للمجهول ( ُو ِج َد) معنى الوجدان ،وبذلك يشير إلى تكافؤ َ
معنيي الكينونة
عين وجوده" ،ويقول ابن عربي عن الوجود إنه
والمعرفة (الوجدان) في "عينهما" ،أي مبدئهما .يقول السهروردي القتيل في ذلك" :معرفةُ الشيء ُ
الحق [أي معرفته] في الوجد" (اصطالح الصوفية ،ص )287 ِّ "وجدان
الذات في ِّ
كل شيء َ [ ]12يقول الحكيم الهندي شنكراتشاريا" :الذات [آتما] هو حقًّا هذا الكون كله ،وما من شيء آخر سوى الذات .يدرك اليوگي
كحال الصلصال من ال ِجرار ،إلخ( ".معرفة الذات ،ف ،48ص )67
واآلخ ر والظاهر والباطن .فهو عين ما ظهر ،وهو عين ما بطن في حال ظهوره( ".فصوص الحكم، ِ األضداد في الحكم عليه بها :فهو األول
"فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية" ،ص )77-76بالمثل ،فإن الكاشاني (اصطالحات الصوفية ،ص ِّ )94
يسمي "الهوية المطلقة التي هي
تعانق األطراف" بـ"مجمع األضداد".
حضرة ُ
يعول على
كثيرا إلسناد الحديث ،بل ِّ
نس ب إلى يحيى بن معاذ الرازي .لكن ابن عربي ال يأبه ً أغلب الظن أنه ليس بحديث ،بل هو كالم ُي َ
[]22
أيضاَ ،من "يغيِّبه [اهلل] عن رؤية صفته [ ،]...فال يبقى فيه إال ما ِم َن اهلل إليه ،ويفنى عنه ما منه إلى اهلل ،فيكون كما
و"الفاني" ،بحسب الكالباذي ً
كل مرسوم ،فيبقى في وقته بال بقاءكل رسم كان له وعن ِّ العبد من ِّ كان :إذ كان في علم اهلل قبل أن ِ
يوج َده [ ".]...وفناء الفناء هو أن "يؤخذ ُ
عالما ببقائه وفنائه ووقته [( ".]...التعرف لمذهب أهل التصوف ،ص )7-125
يعلمه ،وال فناء يشعر به ،وال وقت يقف عليه ،بل يكون خالقُه ً
[" ]24السوى :هو الغير ،وهو األعيان من حيث تعيُّناتها( ".الجرجاني ،التعريفات ،ص )128
[" ]25الموت :باصطالح القوم ،قمع هوى النفس؛ فإن حياتها به ،وال تميل إلى لذاتها وشهواتها ومقتضيات الطبيعة البدنية إال به .وإ ذا مالت إلى
الجهة السفلية جذبت القلب ،الذي هو النفس الناطقة ،إلى مركزها ،فيموت عن الحياة الحقيقية العلمية التي له بالجهل .فإذا ماتت النفس عن هواها
القلب بالطبع والمحبة األصلية إلى عالمه :عالم القدس والنور والحياة الذاتية التي ال تقبل الموت أصالً( ".الكاشاني ،اصطالحات
ُ بقمعه ،انصرف
الصوفية ،ص )105
حتم ا على نحو ما؛ لكنها ال "تبقى" إال بمعنى أن هذا الكائن الذي مازال يحمل اسم "إنسان"
مع ذلك ،فإن الذات الفردية لإلنسان المتحقق تبقى ً
[]26
[" ]27االصطالم :نعت َولَ ٍه َي ِر ُد على القلب ،فيسكن تحت سلطانه( ".ابن عربي ،اصطالح الصوفية ،ص )292