You are on page 1of 16

‫املـنـاظـرة يف الـعـقـيدة الـواسـطـيـة‬

‫شيخ اإلسالم بن تيمية‬


‫قال رمحه اهلل تعاىل‪ " :‬قال ‪ -‬رمحه اهلل تعاىل ‪ - : -‬بسم اهلل الرمحن الرحيم ( احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬الرمحن‬
‫الرحيم‪ ،‬مالك يوم ادلين ) وأشهد أن ال هلإ إال اهلل وحده ال رشيك هل وال ظهري هل وال معني ‪ .‬وأشهد أنمحمدا عبده‬
‫ورسوهل ; اذلي أرسله إىل اخللق أمجعني صىل اهلل عليه وىلع آهل وصحبه وسلم تسليما كثريا وىلع سائر عباد اهلل‬
‫الصاحلني ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ :‬فقد سئلت غري مرة أن أكتب ما حرضين ذكره مما جرى يف املجالس اثلالثة املعقودة للمناظرة يف أمر‬
‫االعتقاد بمقتىض ما ورد به كتاب السلطان من ادليار املرصية إىل نائبه أمري ابلالد ‪ .‬ملا سىع إيله قوم‬
‫من اجلهمية ;واالحتادية ;والرافضة وغريهم من ذوي األحقاد ‪ .‬فأمر األمري جبمع القضاة األربعة ; قضاة املذاهب‬
‫األربعة ; وغريهم من نوابهم ; واملفتني واملشايخ ; ممن هل حرمة وبه اعتداد ‪ .‬وهم ال يدرون ما قصد جبمعهم يف‬
‫هذا امليعاد وذلك يوم االثنني ثامن رجب املبارك اعم مخس وسبعمائة‪.‬‬

‫فقال يل ‪ :‬هذا املجلس عقد لك فقد ورد مرسوم السلطان بأن أسألك عن اعتقادك وعما كتبت به إىل ادليار‬
‫املرصية من الكتب اليت تدعو بها انلاس إىل االعتقاد ‪ .‬وأظنه قال ‪ :‬وأن أمجع القضاة والفقهاء وتتباحثون يف‬
‫ذلك ‪ .‬فقلت ‪ :‬أما االعتقاد ‪ :‬فال يؤخذ عين وال عمن هو أكرب مين ; بل يؤخذ عن اهلل ورسوهل وما أمجع عليه‬
‫سلف األمة ; فما اكن يف القرآن وجب اعتقاده وكذلك ما ثبت يف األحاديث الصحيحة مثل‬
‫صحيح ابلخاري ومسلم ‪.‬‬

‫وأما الكتب فما كتب ت إىل أحد كتابا ابتداء أدعوه به إىل يشء من ذلك ولكين كتبت أجوبة أجبت بها من‬
‫يسألين ‪ :‬من أهل ادليار املرصية وغريهم واكن قد بلغين أنه زور يلع كتاب إىل األمري ركن ادلين اجلاشنكري أستاذ‬
‫دار السلطان يتضمن ذكر عقيدة حمرفة ولم أعلم حبقيقته ; لكن علمت أنه مكذوب ‪ .‬واكن يرد يلع‬
‫من مرص وغريها من يسألين عن مسائل يف االعتقاد وغريه فأجيبه بالكتاب والسنة وما اكن عليه سلف األمة‬

‫فقال ‪ :‬نريد أن تكتب نلا عقيدتك ‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬اكتبوا ‪.‬‬


‫فأمر الشيخ كمال ادلين ‪ :‬أن يكتب ; فكتب هل مجل االعتقاد يف أبواب الصفات والقدر ومسائل اإليمان‬
‫والوعيد واإلمامة واتلفضيل ‪ .‬وهو أن اعتقادأهل السنة واجلماعة ‪:‬اإليمان بما وصف اهلل به نفسه وبما وصفه‬
‫به رسوهل من غري حتريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل وأن القرآن الكم اهلل غري خملوق منه بدأ وإيله‬
‫يعود‪ ،‬واإليمان بأن اهلل خالق لك يشء من أفعال العباد وغريها وأنه ما شاء اهلل اكن وما لم يشأ لم يكن وأنه‬
‫أمر بالطاعة وأحبها ورضيها ; ونىه عن املعصية وكرهها ‪ .‬والعبد فاعل حقيقة واهلل خالق فعله وأن اإليمان‬
‫وادلين قول وعمل يزيد وينقص وأن ال نكفر أحدا من أهل القبلة باذلنوب وال خندل يف انلار من أهل اإليمان‬
‫أحدا وأن اخللفاء بعد رسول اهلل أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم يلع وأن مرتبتهم يف الفضل كرتتيبهم يف اخلالفة‬
‫ومن قدم عليا ىلع عثمان ‪:‬فقد أزرى باملهاجرين واألنصار وذكرت هذا أو حنوه ; فإين اآلن قد بعد عهدي ولم‬
‫أحفظ لفظ ما أمليته ; لكنه كتب إذ ذاك‪.‬‬

‫ثم قلت لألمري واحلارضين ‪ :‬أنا أعلم أن أقواما يكذبون يلع ; كما قد كذبوا يلع غري مرة ‪ .‬وإن أمليت االعتقاد‬
‫من حفظي ‪ :‬ربما يقولون كتم بعضه أو داهن ودارى ; فأنا أحرض عقيدة مكتوبة ; من حنو سبع سنني قبل‬
‫ميجء اتلرت إىل الشام ‪.‬وقلت قبل حضورها الكما قد بعد عهدي به وغضبت غضبا شديدا ; لكين أذكر أين قلت‬
‫‪ :‬أنا أعلم أن أقواما كذبوا يلع وقالوا للسلطان أشياء وتكلمت بكالم احتجت إيله ; مثل أن قلت ‪ :‬من قام‬
‫باإلسالم أوقات احلاجة غريي ؟ ومن اذلي أوضح دالئله وبينه ؟ وجاهد أعداءه وأقامه ملا مال ؟ حني ختىل عنه‬
‫لك أحد ; وال أحد ينطق حبجته وال أحد جياهد عنه وقمت مظهرا حلجته جماهدا عنه مرغبا فيه ؟‬

‫فإذا اكن هؤالء يطمعون يف الالكم يف فكيف يصنعون بغريي ولو أن يهوديا طلب من السلطان اإلنصاف ‪ :‬لوجب‬
‫عليه أن ينصفه ; وأنا قد أعفو عن حيق وقد ال أعفو ; بل قد أطلب اإلنصاف منه وأن حيرض هؤالء اذلين‬
‫يكذبون ; يلوافقوا ىلع افرتائهم وقلت الكما أطول من هذا اجلنس ; لكن بعد عهدي به‬

‫فأشار األمري إىل اكتب ادلرج حميي ادلين ‪:‬بأن يكتب ذلك ‪ .‬وقلت أيضا ‪ :‬لك من خالفين يف يشء مما كتبته‬
‫فأنا أعلم بمذهبه منه وما أدري هل قلت هذا قبل حضورها أو بعده ; لكنين قلت أيضا بعد حضورها وقراءتها‬
‫‪ :‬ما ذكرت فيها فصال ‪ :‬إال وفيه خمالف من املنتسبني إىل القبلة ولك مجلة فيها خالف لطائفة من الطوائف‬
‫ثم أرسلت من أحرضها ومعها كراريس خبطي من املزنل فحرضت " العقيدة الواسطية ‪.‬‬

‫وقلت هلم ‪ :‬هذه اكن سبب كتابتها أنه قدم يلع من أرض واسط بعض قضاة نواحيها ‪ -‬شيخ يقال هل" ريض ادلين‬
‫الواسطي "من أصحاب الشافيع ‪-‬قدم علينا حاجا واكن من أهل اخلري وادلين وشاك ما انلاس فيه بتلك ابلالد‬
‫ويف دولة اتلرت من غلبة اجلهل والظلم ودروس ادلين والعلم وسألين أن أكتب هل عقيدة تكون عمدة هل وألهل‬
‫بيته فاستعفيت من ذلك وقلت ‪ :‬قد كتب انلاس عقائد متعددة ; فخذ بعض عقائد أئمة السنة‪.‬‬
‫فألح يف السؤال وقال ‪ :‬ما أحب إال عقيدة تكتبها أنت فكتبت هل هذه العقيدة وأنا قاعد بعد العرص وقد انترشت‬
‫بها نسخ كثرية ; يف مرص ;والعراق ;وغريهما ‪ .‬فأشار األمري بأن ال أقرأها أنا لرفع الريبة وأعطاها لاكتبه الشيخ‬
‫كمال ادلين فقرأها ىلع احلارضين حرفا حرفا واجلماعة احلارضون يسمعونها ويورد املورد منهم ما شاء ويعارض‬
‫فيما شاء‪.‬‬

‫واألمري أيضا ‪ :‬يسأل عن مواضع فيها وقد علم انلاس ما اكن يف نفوس طائفة من احلارضين من اخلالف واهلوى‬
‫ما قد علم انلاس بعضه وبعضه بسبب االعتقاد وبعضه بغري ذلك ‪ .‬وال يمكن ذكر ما جرى من الالكم‬
‫واملناظرات ‪ :‬يف هذه املجالس فإنه كثري ال ينضبط ; لكن أكتب ملخص ما حرضين من ذلك مع بعد العهد‬
‫بذلك ومع أنه اكن جيري رفع أصوات ولغط ال ينضبط ‪ .‬فاكن مما اعرتض يلع بعضهم ‪ -‬ملا ذكر يف أوهلا ومن‬
‫اإليمان باهلل ‪ :‬اإليمان بما وصف به نفسه ووصفه به رسوهل من غري حتريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل‬
‫فقال ‪ - :‬ما املراد باتلحريف واتلعطيل ؟ ومقصوده أن هذا ينيف اتلأويل اذلي أثبته أهل اتلأويل اذلي هو رصف‬
‫اللفظ عن ظاهره ; إما وجوبا وإما جوازا‬

‫فقلت ‪ :‬حتريف اللكم عن مواضعه كما ذمه اهلل تعاىل يف كتابه وهو إزالة اللفظ عما دل عليه من املعىن مثل‬
‫تأويل بعض اجلهمية لقوهل تعاىل ( ولكم اهلل موىس تكليما ) أي جرحه بأظافري احلكمة جترحيا ومثل‬
‫تأويالت القرامطة وابلاطنية وغريهم ‪ :‬من اجلهمية والرافضة والقدرية وغريهم‪ ،‬فسكت ويف نفيس ما فيها ‪.‬‬

‫وذكرت يف غري هذا املجلس ‪ :‬أين عدلت عن لفظ اتلأويل إىل لفظ اتلحريف ; ألن اتلحريف اسم جاء القرآن‬
‫بذمه وأنا حتريت يف هذه العقيدة اتباع الكتاب والسنة فنفيت ما ذمه اهلل من اتلحريف ولم أذكر فيها لفظ‬
‫اتلأويل بنيف وال إثبات ; ألنه لفظ هل عدة معان كما بينته يف موضعه من القواعد‪ ،‬فإن معىن لفظ " اتلأويل " يف‬
‫كتاب اهلل ‪ :‬غري معىن لفظ اتلأويل يف اصطالح املتأخرين ; من أهل األصول والفقه وغري معىن لفظ اتلأويل يف‬
‫اصطالح كثري من أهل اتلفسري والسلف ;ألن من املعاين اليت قد تسىم تأويال ما هو صحيح منقول عن بعض‬
‫السلف ; فلم أنف ما تقوم احلجة ىلع صحته فإذا ما قامت احلجة ىلع صحته وهو منقول عن السلف ‪:‬فليس‬
‫من اتلحريف‪.‬‬

‫وقلت هل أيضا ‪ :‬ذكرت يف انليف اتلمثيل ولم أذكر التشبيه ; ألن اتلمثيل نفاه اهلل بنص كتابه حيث قال ‪ ( :‬ليس‬
‫كمثله يشء ) وقال ‪ ( :‬هل تعلم هل سميا )واكن أحب إيل من لفظ ليس يف كتاب اهلل وال يف سنة رسوهل وإن‬
‫اكن قد يعىن بنفيه معىن صحيح كما قد يعىن به معىن فاسد ‪.‬‬
‫وملا ذكرت أنهم ال ينفون عنه ما وصف به نفسه وال حيرفون اللكم عن مواضعه وال يلحدون يف أسماء اهلل‬
‫وآياته‪ :‬جعل بعض احلارضين يتمعض من ذلك ; الستشعاره ما يف ذلك من الرد الظاهر عليه ; ولكن لم يتوجه‬
‫هل ما يقوهل ; وأراد أن يدور باألسئلة اليت أعلمها ‪ :‬فلم يتمكن لعلمه باجلواب‪.‬‬

‫وملا ذكرت آية الكريس ‪ :‬أظنه سأل األمري عن قونلا ‪ :‬ال يقربه شيطان حىت يصبح‪ ،‬فذكرت حديث أيب هريرة يف‬
‫اذلي اكن يرسق صدقة الفطر وذكرت أن ابلخاري رواه يف صحيحه وأخذوا يذكرون نيف التشبيه واتلجسيم‬
‫ويطنبون يف هذا ويعرضون ملا ينسبه بعض انلاس إيلنا من ذلك‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬قويل من غري تكييف وال تمثيل ‪ :‬ينيف لك باطل وإنما اخرتت هذين االسمني ; ألن اتلكييف مأثور‬
‫نفيه عن السلف كما قال ربيعة ‪ ،‬ومالك وابن عيينة وغريهم ‪ -‬املقالة اليت تلقاها العلماء بالقبول‪ :‬االستواء‬
‫معلوم والكيف جمهول واإليمان به واجب والسؤال عنه بدعة ‪.‬‬

‫فاتفق هؤالء السلف ‪:‬ىلع أن اتلكييف غري معلوم نلا فنفيت ذلك اتبااع لسلف األمة ‪ .‬وهو أيضا منيف بانلص‬
‫فإن تأويل آيات الصفات يدخل فيها حقيقة املوصوف وحقيقة صفاته‪ ،‬وهذا من اتلأويل اذلي ال يعلمه إال اهلل‬
‫كما قد قررت ذلك يف قاعدة مفردة ذكرتها يف اتلأويل واملعىن والفرق بني علمنا بمعىن الالكم وبني علمنا‬
‫بتأويله ‪.‬‬

‫وكذلك اتلمثيل ‪ :‬منيف بانلص واإلمجاع القديم مع داللة العقل ىلع نفيه ونيف اتلكييف ‪ ،‬إذ كنه ابلاري غري‬
‫معلوم للبرش ‪ ،‬وذكرت يف ضمن ذلك الكم اخلطايب اذلي نقل أنه مذهب السلف وهو إجراء آيات الصفات‬
‫وأحاديث الصفات ىلع ظاهرها مع نيف الكيفية والتشبيه عنها ‪ ،‬إذ الالكم يف الصفات فرع ىلع الالكم يف اذلات ‪،‬‬
‫حيتذى فيه حذوه ويتبع فيه مثاهل فإذا اكن إثبات اذلات ‪ :‬إثبات وجود ال إثبات تكييف فكذلك إثبات الصفات‪:‬‬
‫إثبات وجود ال إثبات تكييف‪.‬‬

‫فقال أحد كبار املخالفني ‪ :‬فحينئذ جيوز أن يقال ‪ :‬هو جسم ال اكألجسام فقلت هل أنا وبعض الفضالء احلارضين‪:‬‬
‫إنما قيل إنه يوصف اهلل بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوهل وليس يف الكتاب والسنة أن اهلل جسم حىت‬
‫يلزم هذا السؤال ‪.‬‬

‫وأخذ بعض القضاة احلارضين واملعروفني بادليانة ‪ :‬يريد إظهار أن ينيف عنا ما يقول وينسبه ابلعض إيلنا فجعل‬
‫يزيد يف املبالغة يف نيف التشبيه واتلجسيم فقلت ‪ :‬ذكرت فيها يف غري موضع من غري حتريف وال تعطيل ومن‬
‫غري تكييف وال تمثيل وقلت يف صدرها ‪ :‬ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف به نفسه يف كتابه وبما وصفه‬
‫به رسوهل حممد من غري حتريف وال تعطيل ‪ ،‬ومن غري تكييف وال تمثيل ‪.‬‬
‫ثم قلت ‪ :‬وما وصف الرسول به ربه من األحاديث الصحاح اليت تلقاها أهل املعرفة بالقبول وجب اإليمان بها‬
‫كذلك إىل أن قلت ‪ :‬إىل أمثال هذه األحاديث الصحاح اليت خيرب فيها رسول اهلل بما خيرب به فإن الفرقة انلاجية‬
‫‪-‬أهل السنة واجلماعة ‪ : -‬يؤمنون بذلك كما يؤمنون بما أخرب اهلل يف كتابه من غري حتريف وال تعطيل ومن‬
‫غري تكييف وال تمثيل بل هم وسط يف فرق األمة كما أن األمة يه الوسط يف األمم‪ ،‬فهم وسط يف باب صفات‬
‫اهلل بني أهل اتلعطيل اجلهمية وبني أهل اتلمثيل املشبهة‪.‬‬

‫وملا رأى هذا احلاكم العدل ‪ :‬مماألتهم وتعصبهم ورأى قلة العارف انلارص وخافهم قال ‪ :‬أنت صنفت‬
‫اعتقاد اإلمام أمحد فتقول هذا اعتقاد أمحد يعين والرجل يصنف ىلع مذهبه فال يعرتض عليه فإن هذا مذهب‬
‫متبوع وغرضه بذلك قطع خماصمة اخلصوم‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬ما مجعت إال عقيدة السلف الصالح مجيعهم ليس لإلمام أمحد اختصاص بهذا ‪ ،‬واإلمام أمحد إنما هو‬
‫مبلغ العلم اذلي جاء به انليب صىل اهلل عليه وسلم ولو قال أمحد من تلقاء نفسه ما لم جيئ به الرسول لم نقبله‬
‫وهذه عقيدة حممد وقلت مرات ‪ :‬قد أمهلت لك من خالفين يف يشء منها ثالث سنني فإن جاء حبرف واحد عن‬
‫أحد من القرون اثلالثة ‪ -‬اليت أثىن عليها انليب صىل اهلل عليه وسلم حيث قال " ‪ ( :‬خري القرون القرن اذلي‬
‫بعثت فيه ثم اذلين يلونهم ثم اذلين يلونهم ) ‪ -‬خيالف ما ذكرته فأنا أرجع عن ذلك ويلع أن آيت بنقول مجيع‬
‫الطوائف ‪ -‬عن القرون اثلالثة توافق ما ذكرته ‪ -‬من احلنفية ‪ ،‬واملالكية ‪،‬والشافعية ‪ ،‬واحلنبلية ‪ ،‬واألشعرية ‪،‬‬
‫وأهل احلديث ‪ ،‬والصوفية ‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫وقلت أيضا ‪ :‬يف غري هذا املجلس ‪ :‬اإلمام أمحد ‪-‬رمحه اهلل ‪ -‬ملا انتىه إيله من السنة ونصوص رسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وسلم أكرث مما انتىه إىل غريه وابتيل باملحنة والرد ىلع أهل ابلدع أكرث من غريه ‪ :‬اكن الكمه وعلمه يف‬
‫هذا ابلاب أكرث من غريه فصار إماما يف السنة أظهر من غريه وإال فاألمر كما قاهل بعض شيوخ املغاربة ‪ -‬العلماء‬
‫الصلحاء ‪ -‬قال ‪ :‬املذهب ملالك والشافيع والظهور ألمحد بن حنبل‪ ،‬يعين أن اذلي اكن عليه أمحد عليه مجيع‬
‫أئمة اإلسالم وإن اكن بلعضهم من زيادة العلم وابليان وإظهار احلق ودفع ابلاطل ما ليس بلعض ‪.‬‬

‫وملا جاء فيها ‪ :‬وما وصف به انليب ربه يف األحاديث الصحاح ‪ :‬اليت تلقاها أهل العلم بالقبول‪ ،‬وملا جاء حديث أىب‬
‫سعيد ‪-‬املتفق عليه يف الصحيحني عن انليب يقول اهلل يوم القيامة " ‪ ( :‬يا آدم فيقول ‪ :‬بليك وسعديك ‪.‬‬
‫فينادي بصوت ‪ :‬إن اهلل يأمرك أن تبعث بعثا إىل انلار ) احلديث ‪ -‬سأهلم األمري هل هذا احلديث صحيح ؟‬

‫فقلت ‪ :‬نعم ‪ .‬هو يف الصحيحني ولم خيالف يف ذلك أحد واحتاج املنازع إىل اإلقرار به ووافق اجلماعة ىلع ذلك‪.‬‬
‫[و] مما جرى يف املجالس اثلالثة املعقودة للمناظرة يف أمر االعتقاد وطلب األمري الالكم يف مسألة احلرف‬
‫والصوت ‪ ،‬ألن ذلك طلب منه‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬هذا اذلي حيكيه كثري من انلاس عن اإلمام أمحد وأصحابه أن صوت القارئني ومداد املصاحف قديم‬
‫أزيل ‪ -‬كما نقله جمد ادلين بن اخلطيب‪ ،‬وغريه ‪ -‬كذب مفرتى لم يقل ذلك أمحد وال أحد من علماء املسلمني‬
‫‪ ،‬ال من أصحاب أمحد وال غريهم‪.‬‬

‫وأخرجت كراسا قد أحرضته مع العقيدة فيه ألفاظ أمحد مما ذكره الشيخ أبو بكر اخلالل يف كتاب السنة‬
‫عن اإلمام أمحد وما مجعه صاحبه أبو بكر املروذي من الكم اإلمام أمحد والكم أئمة زمانه وسائر أصحابه ‪:‬‬
‫أن من قال لفظي بالقرآن خملوق ‪:‬فهو جهيم ‪.‬‬

‫ومن قال غري خملوق ‪ :‬فهو مبتدع ‪ .‬قلت ‪ :‬وهذا هو اذلي نقله األشعري يف كتاب املقاالت عن أهل‬
‫السنة وأصحاب احلديث ‪.‬‬

‫وقال ‪ :‬إنه يقول به ‪ .‬قلت ‪ :‬فكيف بمن يقول ‪ :‬لفظي قديم ؟ فكيف بمن يقول ‪ :‬صويت غري خملوق ؟ فكيف بمن‬
‫يقول ‪ :‬صويت قديم ؟ ونصوص اإلمام أمحد يف الفرق بني تكلم اهلل بصوت وبني صوت العبد كما‬
‫نقله ابلخاري صاحب الصحيح يف كتاب خلق أفعال العباد وغريه من أئمة السنة ‪.‬‬

‫وأحرضت جواب مسألة كنت سئلت عنها قديما ‪ ،‬فيمن حلف بالطالق يف مسألة " احلرف والصوت " ومسألة "‬
‫الظاهر يف العرش " فذكرت من اجلواب القديم يف هذه املسألة وتفصيل القول فيها وأن إطالق القول أن القرآن‬
‫هو احلرف والصوت أو ليس حبرف وال صوت ‪:‬الكهما بدعة حدثت بعد املائة اثلاثلة‪ .‬وقلت ‪ :‬هذا جوايب ‪.‬‬

‫واكنت هذه املسألة ‪ :‬قد أرسل بها طائفة من املعاندين املتجهمة ممن اكن بعضهم حارضا يف املجلس فلما وصل‬
‫إيلهم اجلواب أسكتهم واكنوا قد ظنوا أين إن أجبت بما يف ظنهم أن أهل السنة تقوهل ‪ :‬حصل مقصودهم من‬
‫الشناعة وإن أجبت بما يقولونه هم ‪ :‬حصل مقصودهم من املوافقة ‪ ،‬فلما أجيبوا بالفرقان اذلي عليه أهل‬
‫السنة وليس هو ما يقولونه هم وال ما ينقلونه عن أهل السنة ‪ ،‬إذ قد يقوهل بعض اجلهال بهتوا ذللك ‪ ،‬وفيه ‪:‬‬
‫أن القرآن لكه الكم اهلل حروفه ومعانيه ليس القرآن اسما ملجرد احلروف وال ملجرد املعاين ‪.‬‬

‫وقلت يف ضمن الالكم لصدر ادلين بن الوكيل ‪-‬بليان كرثة تناقضه وأنه ال يستقر ىلع مقالة ; واحدة وإنما يسىع‬
‫يف الفنت واتلفريق بني املسلمني ‪ -‬عندي عقيدة للشيخ أيب ابليان فيها أن من قال ‪ :‬إن حرفا من القرآن خملوق‬
‫فقد كفر ‪.‬‬
‫وقد كتبت عليها خبطك أن هذا مذهب الشافيع وأئمة أصحابه وأنك تدين اهلل بها فاعرتف بذلك فأنكر‬
‫عليه الشيخ كمال ادلين بن الزملاكين ذلك‪.‬‬

‫فقال ابن الوكيل ‪:‬هذا نص الشافيع وراجعه يف ذلك مرارا فلما اجتمعنا يف املجلس اثلاين ‪ :‬ذكرالبن‬
‫الوكيل أن ابن درباس نقل يف كتاب االنتصار عن الشافيع مثل ما نقلت فلما اكن يف املجلس اثلالث ‪ :‬أاعد ابن‬
‫الوكيل الالكم يف ذلك ‪.‬‬

‫فقال الشيخ كمال ادلين لصدر ادلين بن الوكيل ‪:‬قد قلت يف ذلك املجلس للشيخ تيق ادلين ‪:‬أنه من قال إن‬
‫حرفا من القرآن خملوق فهو اكفر ‪ ،‬فأاعده مرارا فغضب هنا الشيخ كمال ادلين غضبا شديدا ورفع صوته ‪ .‬وقال‬
‫‪ :‬هذا يكفر أصحابنا املتلكمني األشعرية اذلين يقولون ‪ :‬إن حروف القرآن خملوقة مثل إمام احلرمني وغريه‬
‫وما نصرب ىلع تكفري أصحابنا ‪.‬‬

‫فأنكر ابن الوكيل أنه قال ذلك ‪ .‬وقال ‪ :‬ما قلت ذلك ‪ ،‬وإنما قلت أن من أنكر حرفا من القرآن فقد كفر ‪.‬‬
‫فرد ذلك عليه احلارضون وقالوا ‪ :‬ما قلت إال كذا وكذا وقالوا ‪ :‬ما ينبيغ لك أن تقول قوال وترجع عنه ‪.‬‬

‫وقال بعضهم ‪ :‬ما قال هذا ‪ .‬فلما حرفوا ‪ :‬قال ما سمعناه قال هذا ‪ ،‬حىت قال نائب السلطان ‪ :‬واحد يكذب وآخر‬
‫يشهد والشيخ كمال ادلين مغضب فاتلفت إىل قايض القضاة جنم ادلين الشافيع يسترصخه لالنتصار ىلع ابن‬
‫الوكيل حيث كفر أصحابه ‪.‬‬

‫فقال القايض جنم ادلين ‪:‬ما سمعت هذا ‪ .‬فغضب الشيخ كمال ادلين وقال الكما لم أضبط لفظه إال أن معناه ‪:‬‬
‫أن هذا غضاضة ىلع الشافيع واعر عليهم أن أئمتهم يكفرون وال ينترص هلم ‪.‬‬

‫ولم أسمع من الشيخ كمال ادلين ما قال يف حق القايض جنم ادلين واستثبت غريي ممن حرض هل سمع منه يف‬
‫حقه شيئا ؟ فقالوا ‪ :‬ال ‪.‬‬

‫لكن القايض اعتقد أن اتلعيري ألجله ولكونه قايض املذهب ولم ينترص ألصحابه وأن الشيخ كمال ادلين قصده‬
‫ذلك ‪،‬فغضب قايض القضاة جنم ادلين ‪.‬وقال ‪ :‬اشهدوا يلع أين عزلت نفيس وأخذ يذكر ما يستحق به اتلقديم‬
‫واالستحقاق وعفته عن اتللكم يف أعراض اجلماعة ويستشهد بنائب السلطان يف ذلك ‪ .‬وقلت هل الكما مضمونه‬
‫تعظيمه واستحقاقه ‪ ،‬دلوام املبارشة يف هذه احلال ‪.‬‬

‫وملا جاءت مسألة القرآن ‪ " :‬ومن اإليمان به اإليمان بأن القرآن الكم اهلل ‪ .‬غري خملوق منه بدأ وإيله يعود "‬
‫نازع بعضهم يف كونه " منه بدأ وإيله يعود " وطلبوا تفسري ذلك ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬أما هذا القول ‪ :‬فهو املأثور اثلابت عن السلف مثل ما نقله عمرو بن دينار قال ‪ " :‬أدركت انلاس منذ‬
‫سبعني سنة يقولون ‪ :‬اهلل اخلالق وما سواه خملوق ‪ ،‬إال القرآن فإنه الكم اهلل غري خملوق منه بدأ وإيله يعود‬

‫وقد مجع غري واحد ما يف ذلك من اآلثار عن انليب والصحابة واتلابعني اكحلافظ أيب الفضل بن نارصواحلافظ أيب‬
‫عبد اهلل املقديس وأما معناه ‪ :‬فإن قوهلم ‪ :‬منه بدأ ‪ .‬أي هو املتلكم به وهو اذلي أنزهل من دلنه ليس هو كما‬
‫تقول اجلهمية ‪:‬أنه خل ق يف اهلوى أو غريه أو بدأ من عند غريه ‪ .‬وأما إيله يعود ‪ :‬فإنه يرسي به يف آخر الزمان‬
‫من املصاحف والصدور فال ي بىق يف الصدور منه لكمة وال يف املصاحف منه حرف ووافق ىلع ذلك اغلب‬
‫احلارضين وسكت املنازعون ‪.‬‬

‫وخاطبت بعضهم يف غري هذا املجلس بأن أريته العقيدة اليت مجعها اإلمام القادري اليت فيها أن القرآن الكم اهلل‬
‫خرج منه فتوقف يف هذا اللفظ ‪ .‬فقلت ‪ :‬هكذا قال انليب " ‪ ( :‬ما تقرب العباد إىل اهلل بمثل ما خرج منه )‬
‫يعين القرآن وقال خباب بن األرت ‪ :‬يا هنتاه تقرب إىل اهلل بما استطعت فلن يتقرب إيله بيشء أحب إيله مما‬
‫خرج منه ‪.‬‬

‫وقال أبو بكر الصديق ‪-‬ملا قرأ قرآن مسيلمة الكذاب ‪-‬إن هذا الالكم لم خيرج من إل ‪ -‬يعين رب ‪ -‬وجاء فيها‪:‬‬
‫ومن اإليمان به ‪ :‬اإليمان بأن القرآن الكم اهلل مزنل غري خملوق منه بدأ وإيله يعود وأن اهلل تكلم به حقيقة‬
‫وأن هذا القرآن ‪ -‬اذلي أنزهل اهلل ىلع حممد ‪-‬هو الكم اهلل حقيقة ال الكم غريه وال جيوز إطالق القول بأنه حاكية‬
‫عن الكم اهلل أو عبارة ‪ ،‬بل إذا قرأه انلاس أو كتبوه يف املصاحف ‪ :‬لم خيرج بذلك عن أن يكون الكم اهلل ‪ ،‬فإن‬
‫الالكم إنما يضاف حقيقة إىل من قاهل مبتدئا ال إىل من قاهل مبلغا مؤديا فتمعض بعضهم من إثبات كونه الكم‬
‫اهلل حقيقة بعد تسليمه أن اهلل تعاىل تكلم به حقيقة‪.‬‬

‫ثم إنه سلم ذلك ملا بني هل أن املجاز يصح نفيه وهذا ال يصح نفيه وملا بني هل أن أقوال املتقدمني املأثورة عنهم ‪،‬‬
‫وشعر الشعراء املضاف إيلهم ‪ :‬هو الكمهم حقيقة فال يكون نسبة القرآن إىل اهلل بأقل من ذلك ‪ .‬فوافق اجلماعة‬
‫لكهم ىلع ما ذكر يف مسألة القرآن وأن اهلل تكلم حقيقة وأن القرآن الكم اهلل حقيقة ال الكم غريه ‪.‬‬

‫وملا ذكر فيها ‪ :‬أن الالكم إنما يضاف حقيقة إىل من قاهل مبتدئا ال إىل من قاهل مبلغا مؤديا ‪ :‬استحسنوا هذا الالكم‬
‫وعظموه وأخذ أكرب اخلصوم يظهر تعظيم هذا الالكم اكبن الوكيل وغريه وأظهر الفرح بهذا اتللخيص وقال ‪ :‬إنك‬
‫قد أزلت عنا هذه الشبهة وشفيت الصدور ويذكر أشياء من هذا انلمط ‪ .‬وملا جاء ما ذكر من اإليمان بايلوم‬
‫اآلخر وتفصيله ونظمه ‪ :‬استحسنوا ذلك وعظموه ‪.‬‬
‫مما جرى يف املجالس اثلالثة املعقودة للمناظرة يف أمر االعتقاد وكذلك ملا جاء ذكر اإليمان بالقدر وأنه ىلع‬
‫درجتني إىل غري ذلك مما فيها من القواعد اجلليلة ‪ .‬وكذا ملا جاء ذكر الالكم يف الفاسق امليل ويف اإليمان ‪ ،‬لكن‬
‫اعرتض ىلع ذلك بما سأذكره‪.‬‬

‫واكن جمموع ما اعرتض به املنازعون املعاندون بعد انقضاء قراءة مجيعها وابلحث فيها عن أربعة أسئلة ‪- :‬‬

‫األول‪ :‬قونلا ومن أصول الفرقة انلاجية ‪ :‬أن اإليمان وادلين قول وعمل يزيد وينقص قول القلب واللسان وعمل‬
‫القلب واللسان واجلوارح ‪ .‬قالوا ‪ :‬فإذا قيل إن هذا من أصول الفرقة انلاجية خرج عن الفرقة انلاجية من لم يقل‬
‫بذلك ‪ :‬مثل أصحابنا املتلكمني اذلين يقولون إن اإليمان هو اتلصديق ومن يقول اإليمان هو اتلصديق واإلقرار‬
‫وإذا لم يكونوا من انلاجني ‪ :‬لزم أن يكونوا هالكني ‪.‬‬

‫وأما األسئلة اثلالثة ‪ :‬ويه اليت اكنت عمدتهم فأوردوها ىلع قونلا وقد دخل فيما ذكرناه من اإليمان باهلل ‪:‬‬
‫اإليمان بما أخرب اهلل يف كتابه وتواتر عن رسول اهلل وأمجع عليه سلف األمة ‪ ،‬من أنه سبحانه فوق سمواته ىلع‬
‫عرشه يلع ىلع خلقه وهو معهم أينما اكنوا يعلم ما هم اعملون كما مجع بني ذلك يف قوهل تعاىل (هو اذلي خلق‬
‫السماوات واألرض يف ستة أيام ثم استوى ىلع العرش يعلم ما يلج يف األرض وما خيرج منها وما يزنل من السماء‬
‫وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم واهلل بما تعملون بصري ) ‪.‬‬

‫وليس معىن قوهل ‪ ( :‬وهو معكم ) أنه خمتلط باخللق فإن هذا ال توجبه اللغة وهو خالف ما أمجع عليه سلف‬
‫األمة وخالف ما فطر اهلل عليه اخللق بل القمر آية من آيات اهلل من أصغر خملوقاته وهو موضوع يف السماء‬
‫وهو مع املسافر أينما اكن وغري املسافر ‪ ،‬وهو سبحانه فوق العرش رقيب ىلع خلقه مهيمن عليهم مطلع إيلهم‬
‫إىل غري ذلك من معاين ربوبيته ‪ .‬ولك هذا الالكم اذلي ذكره اهلل تعاىل من أنه فوق العرش وأنه معنا حق ىلع‬
‫حقيقته ال حيتاج إىل حتريف ‪ ،‬ولكن يصان ىلع الظنون الاكذبة ‪.‬‬

‫السؤال اثلاين ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬نقر باللفظ الوارد مثل حديث العباس حديث األواعل واهلل فوق العرش ‪ ،‬وال نقول‬
‫فوق السموات وال نقول ىلع العرش ‪.‬‬

‫وقالوا أيضا ‪ :‬نقول ‪ ( :‬الرمحن ىلع العرش استوى ) وال نقول اهلل ىلع العرش استوى وال نقول مستو وأاعدوا هذا‬
‫املعىن مرارا ‪ ،‬أي أن اللفظ اذلي ورد يقال اللفظ بعينه وال يبدل بلفظ يرادفه وال يفهم هل معىن أصال‪.‬‬

‫وال يقال ‪ :‬إنه يدل ىلع صفة هلل أصال ‪ ،‬ونبسط الالكم يف هذا يف املجلس اثلاين كما سنذكره إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫السؤال اثلالث ‪ :‬قالوا ‪ :‬التشبيه بالقمر فيه تشبيه كون اهلل يف السماء بكون القمر يف السماء‪.‬‬
‫السؤال الرابع ‪ :‬قالوا ‪ :‬قولك حق ىلع حقيقته احلقيقة يه املعىن اللغوي وال يفهم من احلقيقة اللغوية إال استواء‬
‫األجسام وفوقيتها ‪ ،‬ولم تضع العرب ذلك إال هلا ‪ ،‬فإثبات احلقيقة هو حمض اتلجسيم ونيف اتلجسيم مع هذا‬
‫تناقض أو مصانعة فأجبتهم عن األسئلة بأن قويل اعتقاد الفرقة انلاجيةيه الفرقة اليت وصفها انليب بانلجاة‬
‫حيث قال " ‪ ( :‬تفرتق أميت ىلع ثالث وسبعني فرقة اثنتان وسبعون يف انلار وواحدة يف اجلنة ويه من اكن ىلع‬
‫مثل ما أنا عليه ايلوم وأصحايب )‪.‬‬

‫فهذا االعتقاد ‪ :‬هو املأثور عن انليب وأصحابه ريض اهلل عنهم وهم ومن اتبعهم الفرقة انلاجية فإنه قد ثبت عن‬
‫غري واحد من الصحابة أنه قال ‪ :‬اإليمان يزيد وينقص ولك ما ذكرته يف ذلك فإنه مأثور عن الصحابة باألسانيد‬
‫اثلابتة لفظه ومعناه وإذا خالفهم من بعدهم ملا يرض يف ذلك ‪.‬‬

‫ثم قلت هلم ‪ :‬وليس لك من خالف يف يشء من هذا االعتقاد جيب أن يكون هالاك فإن املنازع قد يكون جمتهدا‬
‫خمطئا يغفر اهلل خطأه وقد ال يكون بلغه يف ذلك من العلم ما تقوم به عليه احلجة وقد يكون هل من احلسنات‬
‫ما يمحو اهلل به سيئاته ‪ ،‬وإذا اكنت ألفاظ الوعيد املتناولة هل ال جيب أن يدخل فيها املتأول والقانت وذو احلسنات‬
‫املاحية واملغفور هل وغري ذلك ‪ :‬فهذا أوىل ‪ ،‬بل موجب هذا الالكم أن من اعتقد ذلك جنا يف هذا االعتقاد ومن‬
‫اعتقد ضده فقد يكون ناجيا وقد ال يكون ناجيا كما يقال من صمت جنا‪.‬‬

‫وأما السؤال اثلاين ‪ :‬فأجبتهم أوال بأن لك لفظ قلته فهو مأثور عن انليب مثل لفظ فوق السموات ولفظ ىلع‬
‫العرش وفوق العرش وقلت ‪ :‬اكتبوا اجلواب فأخذ الاكتب يف كتابته ‪ ،‬ثم قال بعض اجلماعة ‪ :‬قد طال املجلس‬
‫ايلوم فيؤخر هذا إىل جملس آخر وتكتبون أنتم اجلواب وحترضونه يف ذلك املجلس ‪.‬‬

‫فأشار بعض املوافقني بأن يتمم الالكم بكتابة اجلواب ‪ ،‬ئلال تنترش أسئلتهم واعرتاضهم واكن اخلصوم هلم غرض‬
‫يف تأخري كتابة اجلواب ليستعدوا ألنفسهم ويطالعوا وحيرضوا من اغب من أصحابهم ويتأملوا العقيدة فيما‬
‫بينهم ‪ ،‬يلتمكنوا من الطعن واالعرتاض ‪ ،‬فحصل االتفاق ىلع أن يكون تمام الالكم يوم اجلمعة وقمنا ىلع ذلك‬

‫وقد أظهر اهلل من قيام احلجة وبيان املحجة ‪ :‬ما أعز اهلل به السنة واجلماعة وأرغم به أهل ابلدعة والضاللة‬
‫ويف نفوس كثري من انلاس أمور ملا حيدث يف املجلس اثلاين وأخذوا يف تلك األيام يتأملونها ويتأملون ما أجبت‬
‫به يف مسائل تتعلق باالعتقاد مثل املسألة احلموية يف االستواء والصفات اخلربية وغريها ‪.‬‬

‫[هذا] مما جرى يف املجالس اثلالثة املعقودة للمناظرة يف أمر االعتقاد‪.‬‬


‫( فصل) ‪ :‬فلما اكن املجلس اثلاين يوم اجلمعة يف اثين عرش رجب وقد أحرضوا أكرث شيوخهم ممن لم يكن حارضا‬
‫ذلك املجلس وأحرضوا معهم زيادة " صيف ادلين اهلندي "وقالوا ‪ :‬هذا أفضل اجلماعة وشيخهم يف علم الالكم‬
‫وحبثوا فيما بينهم واتفقوا وتواطئوا وحرضوا بقوة واستعداد غري ما اكنوا عليه ‪ ،‬ألن املجلس األول أتاهم بغتة‬
‫وإن اكن أيضا بغتة للمخاطب اذلي هو املسئول واملجيب واملناظر‪.‬‬

‫فلما اجتمعنا ‪ :‬وقد أحرضت ما كتبته من اجلواب عن أسئلتهم املتقدمة اذلي طلبوا تأخريه إىل ايلوم ‪ :‬محدت‬
‫اهلل خبطبة احلاجة ‪ ،‬خطبة ابن مسعود ريض اهلل عنه ثم قلت ‪ :‬إن اهلل تعاىل أمرنا باجلماعة واالئتالف ونهانا‬
‫عن الفرقة واالختالف ‪.‬‬

‫وقال نلا يف القرآن ‪ ( :‬واعتصموا حببل اهلل مجيعا وال تفرقوا ) وقال ‪ ( :‬إن اذلين فرقوا دينهم واكنوا شيعا لست‬
‫منهم يف يشء ) وقال ‪ ( :‬وال تكونوا اكذلين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم ابلينات ) ‪ .‬وربنا واحد وكتابنا‬
‫واحد ونبينا واحد ‪ ،‬وأصول ادلين ال حتتمل اتلفرق واالختالف ‪ ،‬وأنا أقول ما يوجب اجلماعة بني املسلمني وهو‬
‫متفق عليه بني السلف ‪ ،‬فإن وافق اجلماعة فاحلمد هلل ‪ ،‬وإال فمن خالفين بعد ذلك ‪ :‬كشفت هل األرسار وهتكت‬
‫األستار وبينت املذاهب الفاسدة اليت أفسدت امللل وادلول ‪ ،‬وأنا أذهب إىل سلطان الوقت ىلع الربيد وأعرفه من‬
‫األمور ما ال أقوهل يف هذا املجلس فإن للسلم الكما وللحرب الكما ‪.‬‬

‫وقل ت ‪ :‬ال شك أن انلاس يتنازعون ‪ ،‬يقول هذا أنا حنبيل ويقول هذا أنا أشعري وجيري بينهم تفرق وفنت‬
‫واختالف ىلع أمور ال يعرفون حقيقتها ‪ .‬وأنا قد أحرضت ما يبني اتفاق املذاهب فيما ذكرته وأحرضت ( كتاب‬
‫تبيني كذب املفرتي فيما ينسب إىل الشيخ أيب احلسن األشعري ‪-‬رمحه اهلل ‪ -‬تأيلف احلافظ أيب القاسم بن‬
‫عساكر ‪-‬رمحه اهلل ‪.-‬‬

‫وقلت ‪ :‬لم يصنف يف أخبار األشعري املحمودة كتاب مثل هذا ‪ ،‬وقد ذكر فيه لفظه اذلي ذكره يف كتابه " اإلبانة"‪.‬‬

‫فلما انتهيت إىل ذكر املعزتلة ‪:‬سأل األمري عن معىن املعزتلة فقلت ‪ :‬اكن انلاس يف قديم الزمان قد اختلفوا‬
‫يف الفاسق امليل وهو أول اختالف حدث يف امللة هل هو اكفر أو مؤمن ؟ فقالت اخلوارج ‪:‬إنه اكفر‪ ،‬وقالت‬
‫اجلماعة ‪ :‬إنه مؤمن‪ ،‬وقالت طائفة ‪ :‬نقول هو فاسق ال مؤمن وال اكفر نزنهل مزنلة بني املزنتلني ‪ ،‬وخدلوه يف‬
‫انلار واعزتلوا حلقة احلسن ابلرصي وأصحابه ‪ -‬رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬فسموا معزتلة ‪.‬‬

‫وقال الشيخ الكبري جببته وردائه ‪ :‬ليس كما قلت ‪ ،‬ولكن أول مسألة اختلف فيها املسلمون مسألة الالكم‬
‫وسيم املتلكمون متلكمني ألجل تكلمهم يف ذلك واكن أول من قاهلا عمرو بن عبيد ثم خلفه بعد موتهعطاء بن‬
‫واصل هكذا قال وذكر حنوا من هذا ‪ .‬فغضبت عليه وقلت ‪ :‬أخطأت ‪ ،‬وهذا كذب خمالف لإلمجاع ‪.‬‬
‫وقلت هل ‪ :‬ال أدب وال فضيلة ‪ ،‬ال تأدبت ميع يف اخلطاب ‪ ،‬وال أصبت يف اجلواب ثم قلت ‪ :‬انلاس اختلفوا يف‬
‫مسألة الالكم يف خالفة املأمون وبعدها يف أواخر املائة اثلانية وأما املعزتلة فقد اكنوا قبل ذلك بكثري يف‬
‫زمن عمرو بن عبيد بعد موت احلسن ابلرصي يف أوائل املائة اثلانية ولم يكن أوئلك قد تكلموا يف مسألة‬
‫الالكم وال تنازعوا فيها وإنما أول بدعتهم تكلمهم يف مسائل األسماء واألحاكم والوعيد ‪.‬‬

‫فقال ‪ :‬هذا ذكره الشهرستاين يف كتاب امللل وانلحل ‪ .‬فقلت ‪ :‬الشهرستاين ذكر ذلك يف اسماملتلكمني لم سموا‬
‫متلكمني ؟ لم يذكره يف اسم املعزتلة واألمري إنما سأل عن اسماملعزتلة وأنكر احلارضون عليه وقالوا ‪ :‬غلطت‪.‬‬

‫وقلت ‪ :‬يف ضمن الكيم أنا أعلم لك بدعة حدثت يف اإلسالم وأول من ابتدعها وما اكن سبب ابتداعها ‪ .‬وأيضا‬
‫فما ذكره الشهرستاين ليس بصحيح يف اسم املتلكمني فإن املتلكمني اكنوا يسمون بهذا االسم قبل منازعتهم يف‬
‫مسألة الالكم واكنوا يقولون عن واصل بن عطاء ‪:‬إنه متلكم ويصفونه بالالكم ولم يكن انلاس اختلفوا يف مسألة‬
‫الالكم ‪.‬‬

‫وقلت أنا وغريي ‪ :‬إنما هو واصل بن عطاء ‪ ،‬أي ‪ :‬ال عطاء بن واصل كما ذكره املعرتض قلت ‪ :‬وواصل لم يكن‬
‫بعد موت عمرو بن عبيد وإنما اكن قرينه ‪ .‬وقد روي أن واصال تكلم مرة بكالم فقال عمرو بن عبيد ‪:‬لو‬
‫بعث نيب ما اكن يتلكم بأحسن من هذا ‪ ،‬وفصاحته مشهورة حىت قيل إنه اكن أثلغ واكن حيرتز عن الراء حىت قيل‬
‫هل ‪ :‬أمر األمري أن حيفر برئ ‪.‬‬

‫فقال ‪ :‬أوعز القائد أن يقلب قليب يف اجلادة ‪ .‬وملا انتىه الالكم إىل ما قاهل األشعري ‪:‬قال الشيخ املقدم فيهم ال‬
‫ريب أن اإلمام أمحد إمام عظيم القدر ومن أكرب أئمة اإلسالم لكن قد انتسب إيله أناس ابتدعوا أشياء ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬أما هذا فحق وليس هذا من خصائص أمحد بل ما من إمام إال وقد انتسب إيله أقوام هو منهم بريء قد‬
‫انتسب إىل مالك أناس مالك بريء منهم وانتسب إىل الشافيع أناس هو بريء منهم وانتسب إىل أيب حنيفة أناس‬
‫هو بريء منهم ‪ ،‬وقد انتسب إىل موىس عليه السالم أناس هو منهم بريء ‪ ،‬وانتسب إىل عيىس عليه السالم‬
‫أناس هو منهم بريء ‪ ،‬وقد انتسب إىل يلع بن أيب طالب أناس هو بريء منهم ‪ ،‬ونبينا قد انتسب إيله‬
‫من القرامطة وابلاطنية وغريهم من أصناف املالحدة واملنافقني من هو بريء منهم ‪.‬‬

‫وذكر يف الكمه ‪ ،‬أنه انتسب إىل أمحد ناس من احلشوية واملشبهة وحنو هذا الالكم‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬املشبهة واملجسمة يف غري أصحاب اإلمام أمحد أكرث منهم فيهم ‪ ،‬هؤالء أصناف األكراد لكهم شافعية‬
‫وفيهم من التشبيه واتلجسيم ما ال يوجد يف صنف آخر وأهل جيالن فيهم شافعية وحنبلية ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأما احلنبلية املحضة فليس فيهم من ذلك ما يف غريهم ‪ .‬واكن من تمام اجلواب أن الكراميةاملجسمة لكهم‬
‫حنفية وتكلمت ىلع لفظ احلشوية ‪-‬ما أدري جوابا عن سؤال األمري أو غريه أو عن غري جواب ‪ -‬فقلت ‪ :‬هذا‬
‫اللفظ أول من ابتدعه املعزتلة ‪ ،‬فإنهم يسمون اجلماعة والسواد األعظم احلشو ‪ ،‬كما تسميهم الرافضة اجلمهور‪،‬‬
‫وحشو انلاس ‪ :‬هم عموم انلاس ومجهورهم وهم غري األعيان املتمزيين يقولون هذا من حشو انلاس كما يقال‬
‫هذا من مجهورهم ‪.‬‬

‫وأول من تكلم بهذا عمرو بن عبيد ‪ ،‬وقال ‪ :‬اكن عبد اهلل بن عمر ريض اهلل عنه حشويا ‪ :‬فاملعزتلة سموا‬
‫اجلماعة حشوا كما تسميهم الرافضة اجلمهور ‪.‬‬

‫وقلت ‪ -‬ال أدري يف املجلس األول أو اثلاين ‪ -‬أول من قال إن اهلل جسم هشام بن احلكم الرافيض ‪.‬‬

‫وقلت هلذا الشيخ ‪ :‬من يف أصحاب اإلمام أمحد ‪-‬رمحه اهلل ‪ -‬حشوي باملعىن اذلي تريده ؟ األثرم أبو داود‬
‫املروذي اخلالل ‪ ،‬أبو بكر عبد العزيز ‪ ،‬أبو احلسن اتلمييم بن حامد ‪ ،‬القايض أبو يعىل ‪ ،‬أبو اخلطاب بن عقيل ؟‬
‫ورفعت صويت وقلت ‪ :‬سمهم قل يل منهم ؟ من هم ؟ ‪ .‬أبكذب ابن اخلطيب وافرتائه ىلع انلاس يف مذاهبهم‬
‫تبطل الرشيعة وتندرس معالم ادلين ؟ كما نقل هو وغريه عنهم أنهم يقولون ‪ :‬إن القرآن القديم هو أصوات‬
‫القارئني ومداد الاكتبني وأن الصوت واملداد قديم أزيل من قال هذا ؟ ويف أي كتاب وجد هذا عنهم ؟ قل يل ‪.‬‬

‫وكما نقل عنهم أن اهلل ال يرى يف اآلخرة باللزوم اذلي اداعه واملقدمة اليت نقلها عنهم ‪ ،‬وأخذت أذكر ما يستحقه‬
‫هذا الشيخ من أنه كبري اجلماعة وشيخهم وأن فيه من العقل وادلين ما يستحق أن يعامل بموجبه ; وأمرت بقراءة‬
‫العقيدة مجيعها عليه ; فإنه لم يكن حارضا يف املجلس األول إنما أحرضوه يف اثلاين انتصارا به ‪.‬‬
‫وحدثين اثلقة عنه بعد خروجه من املجلس أنه اجتمع به وقال هل ‪ :‬أخربين عن هذا املجلس فقال ‪ :‬ما لفالن‬
‫ذنب وال يل فإن األمري سأل عن يشء فأجابه عنه فظننته سأل عن يشء آخر‪.‬‬

‫وقال ‪ :‬قلت هلم أنتم ما لكم ىلع الرجل اعرتاض فإنه نرص ترك اتلأويل ‪ ،‬وأنتم تنرصون قول اتلأويل وهما‬
‫قوالن لألشعري ‪.‬وقال ‪ :‬أنا أختار قول ترك اتلأويل ‪ ،‬وأخرج وصيته اليت أوىص بها وفيها قول ترك اتلأويل ‪ .‬قال‬
‫احلايك يل ‪ :‬فقلت هل ‪ :‬بلغين عنك أنك قلت يف آخر املجلس ‪ -‬ملا أشهد اجلماعة ىلع أنفسهم باملوافقة ‪ -‬ال تكتبوا‬
‫عين نفيا وال إثباتا فلم ذاك ؟ فقال ‪ :‬لوجهني‬

‫أحدهما ‪ :‬أين لم أحرض قراءة مجيع العقيدة يف املجلس األول ‪.‬‬

‫واثلاين ‪ :‬ألن أصحايب طلبوين يلنترصوا يب فما اكن يليق أن أظهر خمالفتهم فسكت عن الطائفتني ‪.‬‬
‫وأمرت غري مرة أن يعاد قراءة العقيدة مجيعها ىلع هذا الشيخ فرأى بعض اجلماعة أن ذلك تطويل وأنه ال يقرأ‬
‫عليه إال املوضع اذلي هلم عليه سؤال وأعظمه لفظ احلقيقة فقرءوه عليه ; فذكر هو حبثا حسنا يتعلق بداللة‬
‫اللفظ فحسنته ومدحته عليه وقلت ‪ :‬ال ريب أن اهلل يح حقيقة عليم حقيقة سميع حقيقة بصري حقيقة وهذا‬
‫متفق عليه بني أهل السنة والصفاتية من مجيع الطوائف ; ولو نازع بعض أهل ابلدع يف بعض ذلك ‪ :‬فال ريب‬
‫أن اهلل موجود واملخلوق موجود ولفظ الوجود سواء اكن مقوال عليهما بطريق االشرتاك اللفظي فقط أو بطريق‬
‫اتلواطؤ املتضمن لالشرتاك لفظا ومعىن أو بالتشكيك اذلي هو نوع من اتلواطؤ ‪.‬‬

‫فعىل لك ق ول ‪ :‬فاهلل موجود حقيقة واملخلوق موجود حقيقة ‪ ،‬وال يلزم من إطالق االسم ىلع اخلالق واملخلوق‬
‫بطريق احلقيقة حمذور ‪ ،‬ولم أرجح يف ذلك املقام قوال من هذه اثلالثة ىلع اآلخر ; ألن غريض حتصل ىلع لك‬
‫مقصودي ‪ .‬واكن مقصودي تقرير ما ذكرته ىلع قول مجيع الطوائف وأن أبني اتفاق السلف ومن تبعهم ىلع ما‬
‫ذكرت وأن أعيان املذاهب األربعة واألشعري وأكابر أصحابه ىلع ما ذكرته ; فإنه قبل املجلس اثلاين ‪ :‬اجتمع يب‬
‫من أكابر علماء الشافعية واملنتسبني إىل األشعريةواحلنفية وغريهم ممن عظم خوفهم من هذا املجلس وخافوا‬
‫انتصار اخلصوم فيه وخافوا ىلع نفوسهم أيضا من تفرق اللكمة فلو أظهرت احلجة اليت ينترص بها ما ذكرته أو لم‬
‫يكن من أئمة أصحابهم من يوافقها لصارت فرقة ولصعب عليهم أن يظهروا يف املجالس العامة اخلروج عن‬
‫أقوال طوائفهم بما يف ذلك من تمكن أعدائهم من أغراضهم ‪.‬‬

‫فإذا اكن من أئمة مذاهبهم من يقول ذلك وقامت عليه احلجة وبان أنه مذهب السلف ‪:‬أمكنهم إظهار القول‬
‫به مع ما يعتقدونه يف ابلاطن ‪ .‬من أنه احلق حىت قال يل بعض األكابر من احلنفية ‪-‬وقد اجتمع يب ‪ -‬لو قلت‬
‫هذا مذهب أمحد وثبت ىلع ذلك النقطع الزناع ‪.‬‬

‫ومقصوده أنه حيصل دفع اخلصوم عنك بأنه مذهب متبوع ويسرتيح املنترص واملنازع من إظهار املوافقة ‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬ال واهلل ; ليس ألمحد بن حنبل يف هذا اختصاص وإنما هذا اعتقاد سلف األمة وأئمة أهل احلديث ;‬
‫وقلت أيضا هذا اعتقاد رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ولك لفظ ذكرته فأنا أذكر به آية أو حديثا أو إمجااع‬
‫سلفيا وأذكر من ينقل اإلمجاع عن السلف من مجيع طوائف املسلمني والفقهاء األربعة واملتلكمني وأهل‬
‫احلديث والصوفية ‪.‬وقلت ملن خاطبين من أكابر الشافعية ‪-‬ألبني أن ما ذكرته هو قواللسلف وقول أئمة‬
‫أصحاب الشافيع وأذكر قول األشعري وأئمة أصحابه اليت ترد ىلع هؤالء اخلصوم ويلنترصن لك شافيع ولك من‬
‫قال بقول األشعري املوافق ملذهب السلف وأبني أن القول املحيك عنه يف تأويل الصفات اخلربية قول ال أصل هل‬
‫يف الكمه وإنما هو قول طائفة من أصحابهفلألشعرية قوالن ليس لألشعري قوالن ‪.‬‬
‫فلما ذكرت يف املجلس أن مجيع أسماء اهلل اليت سيم بها املخلوق لكفظ الوجود اذلي هو مقول باحلقيقة ىلع‬
‫الواجب واملمكن ىلع األقوال اثلالثة ‪ :‬تنازع كبريان هل هو مقول باالشرتاك أو باتلواطؤ ؟ فقال أحدهما ‪ :‬هو‬
‫متواطئ وقال اآلخر هو مشرتك ; ئلال يلزم الرتكيب ‪ .‬وقال هذا ‪ :‬قد ذكر فخر ادلين أن هذا الزناع مبين ىلع أن‬
‫وجوده هل هو عني ماهيته أم ال ؟‬

‫فمن قال إن وجود لك يشء عني ماهيته قال ‪ :‬إنه مقول باالشرتاك ومن قال إن وجوده قدر زائد ىلع ماهيته قال‪:‬‬
‫إنه مقول باتلواطؤ ‪.‬‬

‫فأخذ األول يرجح قول من يقول ‪ :‬إن الوجود زائد ىلع املاهية ; يلنرص أنه مقول باتلواطؤ ‪ .‬فقال اثلاين ‪ :‬ليس‬
‫مذهب األشعري وأهل السنة أن وجوده عني ماهيته فأنكر األول ذلك‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬أما متلكمو أهل السنة فعندهم أن وجود لك يشء عني ماهيته وأما القول اآلخر فهو قول املعزتلة إن‬
‫وجود لك يشء قدر زائد ىلع ماهيته ولك منهما أصاب من وجه فإن الصواب أن هذه األسماء مقولة باتلواطؤ كما‬
‫قد قررته يف غري هذا املوضع وأجبت عن شبهة الرتكيب باجلوابني املعروفني‪.‬‬

‫وأما بناء ذلك ىلع كون وجود اليشء عني ماهيته أو ليس عينه ‪ :‬فهو من الغلط املضاف إىل ابن اخلطيب فإنا‬
‫وإن قلنا إن وجود اليشء عني ماهيته ‪ :‬ال جيب أن يكون االسم مقوال عليه وىلع نظريه باالشرتاك اللفظي فقط‬
‫كما يف مجيع أسماء األجناس ‪.‬‬

‫فإن اسم السواد مقول ىلع هذا السواد وهذا السواد باتلواطؤ وليس عني هذا السواد هو عني هذا السواد إذ االسم‬
‫دال ىلع القدر املشرتك بينهما وهو املطلق اليلك ; لكنه ال يوجد مطلقا برشط اإلطالق إال يف اذلهن وال يلزم من‬
‫ذلك نيف القدر املشرتك بني األعيان املوجودة يف اخلارج فإنه ىلع ذلك تنتيف األسماء املتواطئة ويه مجهور األسماء‬
‫املوجودة يف الغالب ( ويه أسماء األجناس اللغوية وهو االسم املطلق ىلع اليشء وىلع لك ما أشبهه سواء اكن اسم‬
‫عني أو اسم صفة جامدا أو مشتقا وسواء اكن جنسا منطقيا أو فقهيا أو لم يكن ‪ .‬بل اسم اجلنس يف اللغة‬
‫يدخل فيه األجناس واألصناف واألنواع وحنو ذلك ‪ .‬ولكها أسماء متواطئة وأعيان مسمياتها يف اخلارج متمزية‪.‬‬
‫وطلب بعضهم إاعدة قراءة األحاديث املذكورة يف العقيدة ; يلطعن يف بعضها فعرفت مقصوده ‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬كأنك قد استعددت للطعن يف حديث األواعل ‪ :‬حديث العباس بن عبد املطلب ‪-‬واكنوا قد تعنتوا حىت‬
‫ظفروا بما تكلم به زيك ادلين عبد العظيم من قول ابلخاري يف تأرخيه ‪ :‬عبد اهلل بن عمرية ال يعرف هل سماع‬
‫من األحنف ‪ -‬فقلت ‪ :‬هذا احلديث مع أنه رواه أهل السنن كأيب داود وابن ماجه والرتمذيوغريهم ‪ :‬فهو مروي‬
‫من طريقني مشهورين فالقدح يف أحدهما ال يقدح يف اآلخر‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أليس مداره ىلع ابن عمرية وقد قال ابلخاري ‪:‬ال يعرف هل سماع من األحنف ؟‬

‫فقلت ‪ :‬قد رواه إمام األئمة ابن خزيمة يف كتاب اتلوحيد اذلي اشرتط فيه أنه ال حيتج فيه إال بما نقله العدل‬
‫عن العدل موصوال إىل انليب صىل اهلل عليه وسلم قلت واإلثبات مقدم ىلع انليف ‪ ،‬وابلخاري إنما نىف معرفة‬
‫سماعه من األحنف لم ينف معرفة انلاس بهذا فإذا عرف غريه ‪ -‬كإمام األئمة ابن خزيمة ‪-‬ما ثبت به اإلسناد‪:‬‬
‫اكنت معرفته وإثباته مقدما ىلع نيف غريه وعدم معرفته ‪.‬‬

‫ووافق اجلماعة ىلع ذلك وأخذ بعض اجلماعة يذكر من املدح ما ال يليق أن أحكيه وأخذوا يناظرون يف أشياء‬
‫لم تكن يف العقيدة ولكن هلا تعلق بما أجبت به يف مسائل وهلا تعلق بما قد يفهمونه من العقيدة ‪.‬‬

‫فأحرض بعض أكابرهم " كتاب األسماء والصفات " للبيهيق ‪-‬رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬فقال ‪ :‬هذا فيه تأويل الوجه‬
‫عن السلف فقلت ‪ :‬لعلك تعين قوهل تعاىل ( وهلل املرشق واملغرب فأينما تولوا فثم وجه اهلل ) فقال ‪ :‬نعم ‪ .‬قد‬
‫قال جماهد والشافيع يعين قبلة اهلل‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬نعم ‪ :‬هذا صحيح عن جماهد والشافيع وغريهما وهذا حق وليست هذه اآلية من آيات الصفات ‪ .‬ومن‬
‫عدها يف الصفات فقد غلط كما فعل طائفة ; فإن سياق الالكم يدل ىلع املراد حيث قال ‪ ( :‬وهلل املرشق واملغرب‬
‫فأينما تولوا فثم وجه اهلل ) واملرشق واملغرب اجلهات‪.‬‬

‫والوجه هو اجلهة ; يقال أي وجه تريده ؟ أي أي جهة وأنا أريد هذا الوجه أي هذه اجلهة كما قال تعاىل ‪ ( :‬وللك‬
‫وجهة هو مويلها ) وهلذا قال ‪ ( :‬فأينما تولوا فثم وجه اهلل ) أي تستقبلوا وتتوجهوا واهلل أعلم ‪ .‬وصىل اهلل‬
‫ىلع حممد ‪.‬‬

‫من تنسيق منتديات شبكة اإلمام اآلجري‬


‫‪www.ajurry.com‬‬

You might also like