Professional Documents
Culture Documents
مناظرة العقيدة الواسطية
مناظرة العقيدة الواسطية
أما بعد :فقد سئلت غري مرة أن أكتب ما حرضين ذكره مما جرى يف املجالس اثلالثة املعقودة للمناظرة يف أمر
االعتقاد بمقتىض ما ورد به كتاب السلطان من ادليار املرصية إىل نائبه أمري ابلالد .ملا سىع إيله قوم
من اجلهمية ;واالحتادية ;والرافضة وغريهم من ذوي األحقاد .فأمر األمري جبمع القضاة األربعة ; قضاة املذاهب
األربعة ; وغريهم من نوابهم ; واملفتني واملشايخ ; ممن هل حرمة وبه اعتداد .وهم ال يدرون ما قصد جبمعهم يف
هذا امليعاد وذلك يوم االثنني ثامن رجب املبارك اعم مخس وسبعمائة.
فقال يل :هذا املجلس عقد لك فقد ورد مرسوم السلطان بأن أسألك عن اعتقادك وعما كتبت به إىل ادليار
املرصية من الكتب اليت تدعو بها انلاس إىل االعتقاد .وأظنه قال :وأن أمجع القضاة والفقهاء وتتباحثون يف
ذلك .فقلت :أما االعتقاد :فال يؤخذ عين وال عمن هو أكرب مين ; بل يؤخذ عن اهلل ورسوهل وما أمجع عليه
سلف األمة ; فما اكن يف القرآن وجب اعتقاده وكذلك ما ثبت يف األحاديث الصحيحة مثل
صحيح ابلخاري ومسلم .
وأما الكتب فما كتب ت إىل أحد كتابا ابتداء أدعوه به إىل يشء من ذلك ولكين كتبت أجوبة أجبت بها من
يسألين :من أهل ادليار املرصية وغريهم واكن قد بلغين أنه زور يلع كتاب إىل األمري ركن ادلين اجلاشنكري أستاذ
دار السلطان يتضمن ذكر عقيدة حمرفة ولم أعلم حبقيقته ; لكن علمت أنه مكذوب .واكن يرد يلع
من مرص وغريها من يسألين عن مسائل يف االعتقاد وغريه فأجيبه بالكتاب والسنة وما اكن عليه سلف األمة
ثم قلت لألمري واحلارضين :أنا أعلم أن أقواما يكذبون يلع ; كما قد كذبوا يلع غري مرة .وإن أمليت االعتقاد
من حفظي :ربما يقولون كتم بعضه أو داهن ودارى ; فأنا أحرض عقيدة مكتوبة ; من حنو سبع سنني قبل
ميجء اتلرت إىل الشام .وقلت قبل حضورها الكما قد بعد عهدي به وغضبت غضبا شديدا ; لكين أذكر أين قلت
:أنا أعلم أن أقواما كذبوا يلع وقالوا للسلطان أشياء وتكلمت بكالم احتجت إيله ; مثل أن قلت :من قام
باإلسالم أوقات احلاجة غريي ؟ ومن اذلي أوضح دالئله وبينه ؟ وجاهد أعداءه وأقامه ملا مال ؟ حني ختىل عنه
لك أحد ; وال أحد ينطق حبجته وال أحد جياهد عنه وقمت مظهرا حلجته جماهدا عنه مرغبا فيه ؟
فإذا اكن هؤالء يطمعون يف الالكم يف فكيف يصنعون بغريي ولو أن يهوديا طلب من السلطان اإلنصاف :لوجب
عليه أن ينصفه ; وأنا قد أعفو عن حيق وقد ال أعفو ; بل قد أطلب اإلنصاف منه وأن حيرض هؤالء اذلين
يكذبون ; يلوافقوا ىلع افرتائهم وقلت الكما أطول من هذا اجلنس ; لكن بعد عهدي به
فأشار األمري إىل اكتب ادلرج حميي ادلين :بأن يكتب ذلك .وقلت أيضا :لك من خالفين يف يشء مما كتبته
فأنا أعلم بمذهبه منه وما أدري هل قلت هذا قبل حضورها أو بعده ; لكنين قلت أيضا بعد حضورها وقراءتها
:ما ذكرت فيها فصال :إال وفيه خمالف من املنتسبني إىل القبلة ولك مجلة فيها خالف لطائفة من الطوائف
ثم أرسلت من أحرضها ومعها كراريس خبطي من املزنل فحرضت " العقيدة الواسطية .
وقلت هلم :هذه اكن سبب كتابتها أنه قدم يلع من أرض واسط بعض قضاة نواحيها -شيخ يقال هل" ريض ادلين
الواسطي "من أصحاب الشافيع -قدم علينا حاجا واكن من أهل اخلري وادلين وشاك ما انلاس فيه بتلك ابلالد
ويف دولة اتلرت من غلبة اجلهل والظلم ودروس ادلين والعلم وسألين أن أكتب هل عقيدة تكون عمدة هل وألهل
بيته فاستعفيت من ذلك وقلت :قد كتب انلاس عقائد متعددة ; فخذ بعض عقائد أئمة السنة.
فألح يف السؤال وقال :ما أحب إال عقيدة تكتبها أنت فكتبت هل هذه العقيدة وأنا قاعد بعد العرص وقد انترشت
بها نسخ كثرية ; يف مرص ;والعراق ;وغريهما .فأشار األمري بأن ال أقرأها أنا لرفع الريبة وأعطاها لاكتبه الشيخ
كمال ادلين فقرأها ىلع احلارضين حرفا حرفا واجلماعة احلارضون يسمعونها ويورد املورد منهم ما شاء ويعارض
فيما شاء.
واألمري أيضا :يسأل عن مواضع فيها وقد علم انلاس ما اكن يف نفوس طائفة من احلارضين من اخلالف واهلوى
ما قد علم انلاس بعضه وبعضه بسبب االعتقاد وبعضه بغري ذلك .وال يمكن ذكر ما جرى من الالكم
واملناظرات :يف هذه املجالس فإنه كثري ال ينضبط ; لكن أكتب ملخص ما حرضين من ذلك مع بعد العهد
بذلك ومع أنه اكن جيري رفع أصوات ولغط ال ينضبط .فاكن مما اعرتض يلع بعضهم -ملا ذكر يف أوهلا ومن
اإليمان باهلل :اإليمان بما وصف به نفسه ووصفه به رسوهل من غري حتريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل
فقال - :ما املراد باتلحريف واتلعطيل ؟ ومقصوده أن هذا ينيف اتلأويل اذلي أثبته أهل اتلأويل اذلي هو رصف
اللفظ عن ظاهره ; إما وجوبا وإما جوازا
فقلت :حتريف اللكم عن مواضعه كما ذمه اهلل تعاىل يف كتابه وهو إزالة اللفظ عما دل عليه من املعىن مثل
تأويل بعض اجلهمية لقوهل تعاىل ( ولكم اهلل موىس تكليما ) أي جرحه بأظافري احلكمة جترحيا ومثل
تأويالت القرامطة وابلاطنية وغريهم :من اجلهمية والرافضة والقدرية وغريهم ،فسكت ويف نفيس ما فيها .
وذكرت يف غري هذا املجلس :أين عدلت عن لفظ اتلأويل إىل لفظ اتلحريف ; ألن اتلحريف اسم جاء القرآن
بذمه وأنا حتريت يف هذه العقيدة اتباع الكتاب والسنة فنفيت ما ذمه اهلل من اتلحريف ولم أذكر فيها لفظ
اتلأويل بنيف وال إثبات ; ألنه لفظ هل عدة معان كما بينته يف موضعه من القواعد ،فإن معىن لفظ " اتلأويل " يف
كتاب اهلل :غري معىن لفظ اتلأويل يف اصطالح املتأخرين ; من أهل األصول والفقه وغري معىن لفظ اتلأويل يف
اصطالح كثري من أهل اتلفسري والسلف ;ألن من املعاين اليت قد تسىم تأويال ما هو صحيح منقول عن بعض
السلف ; فلم أنف ما تقوم احلجة ىلع صحته فإذا ما قامت احلجة ىلع صحته وهو منقول عن السلف :فليس
من اتلحريف.
وقلت هل أيضا :ذكرت يف انليف اتلمثيل ولم أذكر التشبيه ; ألن اتلمثيل نفاه اهلل بنص كتابه حيث قال ( :ليس
كمثله يشء ) وقال ( :هل تعلم هل سميا )واكن أحب إيل من لفظ ليس يف كتاب اهلل وال يف سنة رسوهل وإن
اكن قد يعىن بنفيه معىن صحيح كما قد يعىن به معىن فاسد .
وملا ذكرت أنهم ال ينفون عنه ما وصف به نفسه وال حيرفون اللكم عن مواضعه وال يلحدون يف أسماء اهلل
وآياته :جعل بعض احلارضين يتمعض من ذلك ; الستشعاره ما يف ذلك من الرد الظاهر عليه ; ولكن لم يتوجه
هل ما يقوهل ; وأراد أن يدور باألسئلة اليت أعلمها :فلم يتمكن لعلمه باجلواب.
وملا ذكرت آية الكريس :أظنه سأل األمري عن قونلا :ال يقربه شيطان حىت يصبح ،فذكرت حديث أيب هريرة يف
اذلي اكن يرسق صدقة الفطر وذكرت أن ابلخاري رواه يف صحيحه وأخذوا يذكرون نيف التشبيه واتلجسيم
ويطنبون يف هذا ويعرضون ملا ينسبه بعض انلاس إيلنا من ذلك.
فقلت :قويل من غري تكييف وال تمثيل :ينيف لك باطل وإنما اخرتت هذين االسمني ; ألن اتلكييف مأثور
نفيه عن السلف كما قال ربيعة ،ومالك وابن عيينة وغريهم -املقالة اليت تلقاها العلماء بالقبول :االستواء
معلوم والكيف جمهول واإليمان به واجب والسؤال عنه بدعة .
فاتفق هؤالء السلف :ىلع أن اتلكييف غري معلوم نلا فنفيت ذلك اتبااع لسلف األمة .وهو أيضا منيف بانلص
فإن تأويل آيات الصفات يدخل فيها حقيقة املوصوف وحقيقة صفاته ،وهذا من اتلأويل اذلي ال يعلمه إال اهلل
كما قد قررت ذلك يف قاعدة مفردة ذكرتها يف اتلأويل واملعىن والفرق بني علمنا بمعىن الالكم وبني علمنا
بتأويله .
وكذلك اتلمثيل :منيف بانلص واإلمجاع القديم مع داللة العقل ىلع نفيه ونيف اتلكييف ،إذ كنه ابلاري غري
معلوم للبرش ،وذكرت يف ضمن ذلك الكم اخلطايب اذلي نقل أنه مذهب السلف وهو إجراء آيات الصفات
وأحاديث الصفات ىلع ظاهرها مع نيف الكيفية والتشبيه عنها ،إذ الالكم يف الصفات فرع ىلع الالكم يف اذلات ،
حيتذى فيه حذوه ويتبع فيه مثاهل فإذا اكن إثبات اذلات :إثبات وجود ال إثبات تكييف فكذلك إثبات الصفات:
إثبات وجود ال إثبات تكييف.
فقال أحد كبار املخالفني :فحينئذ جيوز أن يقال :هو جسم ال اكألجسام فقلت هل أنا وبعض الفضالء احلارضين:
إنما قيل إنه يوصف اهلل بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوهل وليس يف الكتاب والسنة أن اهلل جسم حىت
يلزم هذا السؤال .
وأخذ بعض القضاة احلارضين واملعروفني بادليانة :يريد إظهار أن ينيف عنا ما يقول وينسبه ابلعض إيلنا فجعل
يزيد يف املبالغة يف نيف التشبيه واتلجسيم فقلت :ذكرت فيها يف غري موضع من غري حتريف وال تعطيل ومن
غري تكييف وال تمثيل وقلت يف صدرها :ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف به نفسه يف كتابه وبما وصفه
به رسوهل حممد من غري حتريف وال تعطيل ،ومن غري تكييف وال تمثيل .
ثم قلت :وما وصف الرسول به ربه من األحاديث الصحاح اليت تلقاها أهل املعرفة بالقبول وجب اإليمان بها
كذلك إىل أن قلت :إىل أمثال هذه األحاديث الصحاح اليت خيرب فيها رسول اهلل بما خيرب به فإن الفرقة انلاجية
-أهل السنة واجلماعة : -يؤمنون بذلك كما يؤمنون بما أخرب اهلل يف كتابه من غري حتريف وال تعطيل ومن
غري تكييف وال تمثيل بل هم وسط يف فرق األمة كما أن األمة يه الوسط يف األمم ،فهم وسط يف باب صفات
اهلل بني أهل اتلعطيل اجلهمية وبني أهل اتلمثيل املشبهة.
وملا رأى هذا احلاكم العدل :مماألتهم وتعصبهم ورأى قلة العارف انلارص وخافهم قال :أنت صنفت
اعتقاد اإلمام أمحد فتقول هذا اعتقاد أمحد يعين والرجل يصنف ىلع مذهبه فال يعرتض عليه فإن هذا مذهب
متبوع وغرضه بذلك قطع خماصمة اخلصوم.
فقلت :ما مجعت إال عقيدة السلف الصالح مجيعهم ليس لإلمام أمحد اختصاص بهذا ،واإلمام أمحد إنما هو
مبلغ العلم اذلي جاء به انليب صىل اهلل عليه وسلم ولو قال أمحد من تلقاء نفسه ما لم جيئ به الرسول لم نقبله
وهذه عقيدة حممد وقلت مرات :قد أمهلت لك من خالفين يف يشء منها ثالث سنني فإن جاء حبرف واحد عن
أحد من القرون اثلالثة -اليت أثىن عليها انليب صىل اهلل عليه وسلم حيث قال " ( :خري القرون القرن اذلي
بعثت فيه ثم اذلين يلونهم ثم اذلين يلونهم ) -خيالف ما ذكرته فأنا أرجع عن ذلك ويلع أن آيت بنقول مجيع
الطوائف -عن القرون اثلالثة توافق ما ذكرته -من احلنفية ،واملالكية ،والشافعية ،واحلنبلية ،واألشعرية ،
وأهل احلديث ،والصوفية ،وغريهم.
وقلت أيضا :يف غري هذا املجلس :اإلمام أمحد -رمحه اهلل -ملا انتىه إيله من السنة ونصوص رسول اهلل صىل
اهلل عليه وسلم أكرث مما انتىه إىل غريه وابتيل باملحنة والرد ىلع أهل ابلدع أكرث من غريه :اكن الكمه وعلمه يف
هذا ابلاب أكرث من غريه فصار إماما يف السنة أظهر من غريه وإال فاألمر كما قاهل بعض شيوخ املغاربة -العلماء
الصلحاء -قال :املذهب ملالك والشافيع والظهور ألمحد بن حنبل ،يعين أن اذلي اكن عليه أمحد عليه مجيع
أئمة اإلسالم وإن اكن بلعضهم من زيادة العلم وابليان وإظهار احلق ودفع ابلاطل ما ليس بلعض .
وملا جاء فيها :وما وصف به انليب ربه يف األحاديث الصحاح :اليت تلقاها أهل العلم بالقبول ،وملا جاء حديث أىب
سعيد -املتفق عليه يف الصحيحني عن انليب يقول اهلل يوم القيامة " ( :يا آدم فيقول :بليك وسعديك .
فينادي بصوت :إن اهلل يأمرك أن تبعث بعثا إىل انلار ) احلديث -سأهلم األمري هل هذا احلديث صحيح ؟
فقلت :نعم .هو يف الصحيحني ولم خيالف يف ذلك أحد واحتاج املنازع إىل اإلقرار به ووافق اجلماعة ىلع ذلك.
[و] مما جرى يف املجالس اثلالثة املعقودة للمناظرة يف أمر االعتقاد وطلب األمري الالكم يف مسألة احلرف
والصوت ،ألن ذلك طلب منه.
فقلت :هذا اذلي حيكيه كثري من انلاس عن اإلمام أمحد وأصحابه أن صوت القارئني ومداد املصاحف قديم
أزيل -كما نقله جمد ادلين بن اخلطيب ،وغريه -كذب مفرتى لم يقل ذلك أمحد وال أحد من علماء املسلمني
،ال من أصحاب أمحد وال غريهم.
وأخرجت كراسا قد أحرضته مع العقيدة فيه ألفاظ أمحد مما ذكره الشيخ أبو بكر اخلالل يف كتاب السنة
عن اإلمام أمحد وما مجعه صاحبه أبو بكر املروذي من الكم اإلمام أمحد والكم أئمة زمانه وسائر أصحابه :
أن من قال لفظي بالقرآن خملوق :فهو جهيم .
ومن قال غري خملوق :فهو مبتدع .قلت :وهذا هو اذلي نقله األشعري يف كتاب املقاالت عن أهل
السنة وأصحاب احلديث .
وقال :إنه يقول به .قلت :فكيف بمن يقول :لفظي قديم ؟ فكيف بمن يقول :صويت غري خملوق ؟ فكيف بمن
يقول :صويت قديم ؟ ونصوص اإلمام أمحد يف الفرق بني تكلم اهلل بصوت وبني صوت العبد كما
نقله ابلخاري صاحب الصحيح يف كتاب خلق أفعال العباد وغريه من أئمة السنة .
وأحرضت جواب مسألة كنت سئلت عنها قديما ،فيمن حلف بالطالق يف مسألة " احلرف والصوت " ومسألة "
الظاهر يف العرش " فذكرت من اجلواب القديم يف هذه املسألة وتفصيل القول فيها وأن إطالق القول أن القرآن
هو احلرف والصوت أو ليس حبرف وال صوت :الكهما بدعة حدثت بعد املائة اثلاثلة .وقلت :هذا جوايب .
واكنت هذه املسألة :قد أرسل بها طائفة من املعاندين املتجهمة ممن اكن بعضهم حارضا يف املجلس فلما وصل
إيلهم اجلواب أسكتهم واكنوا قد ظنوا أين إن أجبت بما يف ظنهم أن أهل السنة تقوهل :حصل مقصودهم من
الشناعة وإن أجبت بما يقولونه هم :حصل مقصودهم من املوافقة ،فلما أجيبوا بالفرقان اذلي عليه أهل
السنة وليس هو ما يقولونه هم وال ما ينقلونه عن أهل السنة ،إذ قد يقوهل بعض اجلهال بهتوا ذللك ،وفيه :
أن القرآن لكه الكم اهلل حروفه ومعانيه ليس القرآن اسما ملجرد احلروف وال ملجرد املعاين .
وقلت يف ضمن الالكم لصدر ادلين بن الوكيل -بليان كرثة تناقضه وأنه ال يستقر ىلع مقالة ; واحدة وإنما يسىع
يف الفنت واتلفريق بني املسلمني -عندي عقيدة للشيخ أيب ابليان فيها أن من قال :إن حرفا من القرآن خملوق
فقد كفر .
وقد كتبت عليها خبطك أن هذا مذهب الشافيع وأئمة أصحابه وأنك تدين اهلل بها فاعرتف بذلك فأنكر
عليه الشيخ كمال ادلين بن الزملاكين ذلك.
فقال ابن الوكيل :هذا نص الشافيع وراجعه يف ذلك مرارا فلما اجتمعنا يف املجلس اثلاين :ذكرالبن
الوكيل أن ابن درباس نقل يف كتاب االنتصار عن الشافيع مثل ما نقلت فلما اكن يف املجلس اثلالث :أاعد ابن
الوكيل الالكم يف ذلك .
فقال الشيخ كمال ادلين لصدر ادلين بن الوكيل :قد قلت يف ذلك املجلس للشيخ تيق ادلين :أنه من قال إن
حرفا من القرآن خملوق فهو اكفر ،فأاعده مرارا فغضب هنا الشيخ كمال ادلين غضبا شديدا ورفع صوته .وقال
:هذا يكفر أصحابنا املتلكمني األشعرية اذلين يقولون :إن حروف القرآن خملوقة مثل إمام احلرمني وغريه
وما نصرب ىلع تكفري أصحابنا .
فأنكر ابن الوكيل أنه قال ذلك .وقال :ما قلت ذلك ،وإنما قلت أن من أنكر حرفا من القرآن فقد كفر .
فرد ذلك عليه احلارضون وقالوا :ما قلت إال كذا وكذا وقالوا :ما ينبيغ لك أن تقول قوال وترجع عنه .
وقال بعضهم :ما قال هذا .فلما حرفوا :قال ما سمعناه قال هذا ،حىت قال نائب السلطان :واحد يكذب وآخر
يشهد والشيخ كمال ادلين مغضب فاتلفت إىل قايض القضاة جنم ادلين الشافيع يسترصخه لالنتصار ىلع ابن
الوكيل حيث كفر أصحابه .
فقال القايض جنم ادلين :ما سمعت هذا .فغضب الشيخ كمال ادلين وقال الكما لم أضبط لفظه إال أن معناه :
أن هذا غضاضة ىلع الشافيع واعر عليهم أن أئمتهم يكفرون وال ينترص هلم .
ولم أسمع من الشيخ كمال ادلين ما قال يف حق القايض جنم ادلين واستثبت غريي ممن حرض هل سمع منه يف
حقه شيئا ؟ فقالوا :ال .
لكن القايض اعتقد أن اتلعيري ألجله ولكونه قايض املذهب ولم ينترص ألصحابه وأن الشيخ كمال ادلين قصده
ذلك ،فغضب قايض القضاة جنم ادلين .وقال :اشهدوا يلع أين عزلت نفيس وأخذ يذكر ما يستحق به اتلقديم
واالستحقاق وعفته عن اتللكم يف أعراض اجلماعة ويستشهد بنائب السلطان يف ذلك .وقلت هل الكما مضمونه
تعظيمه واستحقاقه ،دلوام املبارشة يف هذه احلال .
وملا جاءت مسألة القرآن " :ومن اإليمان به اإليمان بأن القرآن الكم اهلل .غري خملوق منه بدأ وإيله يعود "
نازع بعضهم يف كونه " منه بدأ وإيله يعود " وطلبوا تفسري ذلك .
فقلت :أما هذا القول :فهو املأثور اثلابت عن السلف مثل ما نقله عمرو بن دينار قال " :أدركت انلاس منذ
سبعني سنة يقولون :اهلل اخلالق وما سواه خملوق ،إال القرآن فإنه الكم اهلل غري خملوق منه بدأ وإيله يعود
وقد مجع غري واحد ما يف ذلك من اآلثار عن انليب والصحابة واتلابعني اكحلافظ أيب الفضل بن نارصواحلافظ أيب
عبد اهلل املقديس وأما معناه :فإن قوهلم :منه بدأ .أي هو املتلكم به وهو اذلي أنزهل من دلنه ليس هو كما
تقول اجلهمية :أنه خل ق يف اهلوى أو غريه أو بدأ من عند غريه .وأما إيله يعود :فإنه يرسي به يف آخر الزمان
من املصاحف والصدور فال ي بىق يف الصدور منه لكمة وال يف املصاحف منه حرف ووافق ىلع ذلك اغلب
احلارضين وسكت املنازعون .
وخاطبت بعضهم يف غري هذا املجلس بأن أريته العقيدة اليت مجعها اإلمام القادري اليت فيها أن القرآن الكم اهلل
خرج منه فتوقف يف هذا اللفظ .فقلت :هكذا قال انليب " ( :ما تقرب العباد إىل اهلل بمثل ما خرج منه )
يعين القرآن وقال خباب بن األرت :يا هنتاه تقرب إىل اهلل بما استطعت فلن يتقرب إيله بيشء أحب إيله مما
خرج منه .
وقال أبو بكر الصديق -ملا قرأ قرآن مسيلمة الكذاب -إن هذا الالكم لم خيرج من إل -يعين رب -وجاء فيها:
ومن اإليمان به :اإليمان بأن القرآن الكم اهلل مزنل غري خملوق منه بدأ وإيله يعود وأن اهلل تكلم به حقيقة
وأن هذا القرآن -اذلي أنزهل اهلل ىلع حممد -هو الكم اهلل حقيقة ال الكم غريه وال جيوز إطالق القول بأنه حاكية
عن الكم اهلل أو عبارة ،بل إذا قرأه انلاس أو كتبوه يف املصاحف :لم خيرج بذلك عن أن يكون الكم اهلل ،فإن
الالكم إنما يضاف حقيقة إىل من قاهل مبتدئا ال إىل من قاهل مبلغا مؤديا فتمعض بعضهم من إثبات كونه الكم
اهلل حقيقة بعد تسليمه أن اهلل تعاىل تكلم به حقيقة.
ثم إنه سلم ذلك ملا بني هل أن املجاز يصح نفيه وهذا ال يصح نفيه وملا بني هل أن أقوال املتقدمني املأثورة عنهم ،
وشعر الشعراء املضاف إيلهم :هو الكمهم حقيقة فال يكون نسبة القرآن إىل اهلل بأقل من ذلك .فوافق اجلماعة
لكهم ىلع ما ذكر يف مسألة القرآن وأن اهلل تكلم حقيقة وأن القرآن الكم اهلل حقيقة ال الكم غريه .
وملا ذكر فيها :أن الالكم إنما يضاف حقيقة إىل من قاهل مبتدئا ال إىل من قاهل مبلغا مؤديا :استحسنوا هذا الالكم
وعظموه وأخذ أكرب اخلصوم يظهر تعظيم هذا الالكم اكبن الوكيل وغريه وأظهر الفرح بهذا اتللخيص وقال :إنك
قد أزلت عنا هذه الشبهة وشفيت الصدور ويذكر أشياء من هذا انلمط .وملا جاء ما ذكر من اإليمان بايلوم
اآلخر وتفصيله ونظمه :استحسنوا ذلك وعظموه .
مما جرى يف املجالس اثلالثة املعقودة للمناظرة يف أمر االعتقاد وكذلك ملا جاء ذكر اإليمان بالقدر وأنه ىلع
درجتني إىل غري ذلك مما فيها من القواعد اجلليلة .وكذا ملا جاء ذكر الالكم يف الفاسق امليل ويف اإليمان ،لكن
اعرتض ىلع ذلك بما سأذكره.
واكن جمموع ما اعرتض به املنازعون املعاندون بعد انقضاء قراءة مجيعها وابلحث فيها عن أربعة أسئلة - :
األول :قونلا ومن أصول الفرقة انلاجية :أن اإليمان وادلين قول وعمل يزيد وينقص قول القلب واللسان وعمل
القلب واللسان واجلوارح .قالوا :فإذا قيل إن هذا من أصول الفرقة انلاجية خرج عن الفرقة انلاجية من لم يقل
بذلك :مثل أصحابنا املتلكمني اذلين يقولون إن اإليمان هو اتلصديق ومن يقول اإليمان هو اتلصديق واإلقرار
وإذا لم يكونوا من انلاجني :لزم أن يكونوا هالكني .
وأما األسئلة اثلالثة :ويه اليت اكنت عمدتهم فأوردوها ىلع قونلا وقد دخل فيما ذكرناه من اإليمان باهلل :
اإليمان بما أخرب اهلل يف كتابه وتواتر عن رسول اهلل وأمجع عليه سلف األمة ،من أنه سبحانه فوق سمواته ىلع
عرشه يلع ىلع خلقه وهو معهم أينما اكنوا يعلم ما هم اعملون كما مجع بني ذلك يف قوهل تعاىل (هو اذلي خلق
السماوات واألرض يف ستة أيام ثم استوى ىلع العرش يعلم ما يلج يف األرض وما خيرج منها وما يزنل من السماء
وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم واهلل بما تعملون بصري ) .
وليس معىن قوهل ( :وهو معكم ) أنه خمتلط باخللق فإن هذا ال توجبه اللغة وهو خالف ما أمجع عليه سلف
األمة وخالف ما فطر اهلل عليه اخللق بل القمر آية من آيات اهلل من أصغر خملوقاته وهو موضوع يف السماء
وهو مع املسافر أينما اكن وغري املسافر ،وهو سبحانه فوق العرش رقيب ىلع خلقه مهيمن عليهم مطلع إيلهم
إىل غري ذلك من معاين ربوبيته .ولك هذا الالكم اذلي ذكره اهلل تعاىل من أنه فوق العرش وأنه معنا حق ىلع
حقيقته ال حيتاج إىل حتريف ،ولكن يصان ىلع الظنون الاكذبة .
السؤال اثلاين :قال بعضهم :نقر باللفظ الوارد مثل حديث العباس حديث األواعل واهلل فوق العرش ،وال نقول
فوق السموات وال نقول ىلع العرش .
وقالوا أيضا :نقول ( :الرمحن ىلع العرش استوى ) وال نقول اهلل ىلع العرش استوى وال نقول مستو وأاعدوا هذا
املعىن مرارا ،أي أن اللفظ اذلي ورد يقال اللفظ بعينه وال يبدل بلفظ يرادفه وال يفهم هل معىن أصال.
وال يقال :إنه يدل ىلع صفة هلل أصال ،ونبسط الالكم يف هذا يف املجلس اثلاين كما سنذكره إن شاء اهلل تعاىل.
السؤال اثلالث :قالوا :التشبيه بالقمر فيه تشبيه كون اهلل يف السماء بكون القمر يف السماء.
السؤال الرابع :قالوا :قولك حق ىلع حقيقته احلقيقة يه املعىن اللغوي وال يفهم من احلقيقة اللغوية إال استواء
األجسام وفوقيتها ،ولم تضع العرب ذلك إال هلا ،فإثبات احلقيقة هو حمض اتلجسيم ونيف اتلجسيم مع هذا
تناقض أو مصانعة فأجبتهم عن األسئلة بأن قويل اعتقاد الفرقة انلاجيةيه الفرقة اليت وصفها انليب بانلجاة
حيث قال " ( :تفرتق أميت ىلع ثالث وسبعني فرقة اثنتان وسبعون يف انلار وواحدة يف اجلنة ويه من اكن ىلع
مثل ما أنا عليه ايلوم وأصحايب ).
فهذا االعتقاد :هو املأثور عن انليب وأصحابه ريض اهلل عنهم وهم ومن اتبعهم الفرقة انلاجية فإنه قد ثبت عن
غري واحد من الصحابة أنه قال :اإليمان يزيد وينقص ولك ما ذكرته يف ذلك فإنه مأثور عن الصحابة باألسانيد
اثلابتة لفظه ومعناه وإذا خالفهم من بعدهم ملا يرض يف ذلك .
ثم قلت هلم :وليس لك من خالف يف يشء من هذا االعتقاد جيب أن يكون هالاك فإن املنازع قد يكون جمتهدا
خمطئا يغفر اهلل خطأه وقد ال يكون بلغه يف ذلك من العلم ما تقوم به عليه احلجة وقد يكون هل من احلسنات
ما يمحو اهلل به سيئاته ،وإذا اكنت ألفاظ الوعيد املتناولة هل ال جيب أن يدخل فيها املتأول والقانت وذو احلسنات
املاحية واملغفور هل وغري ذلك :فهذا أوىل ،بل موجب هذا الالكم أن من اعتقد ذلك جنا يف هذا االعتقاد ومن
اعتقد ضده فقد يكون ناجيا وقد ال يكون ناجيا كما يقال من صمت جنا.
وأما السؤال اثلاين :فأجبتهم أوال بأن لك لفظ قلته فهو مأثور عن انليب مثل لفظ فوق السموات ولفظ ىلع
العرش وفوق العرش وقلت :اكتبوا اجلواب فأخذ الاكتب يف كتابته ،ثم قال بعض اجلماعة :قد طال املجلس
ايلوم فيؤخر هذا إىل جملس آخر وتكتبون أنتم اجلواب وحترضونه يف ذلك املجلس .
فأشار بعض املوافقني بأن يتمم الالكم بكتابة اجلواب ،ئلال تنترش أسئلتهم واعرتاضهم واكن اخلصوم هلم غرض
يف تأخري كتابة اجلواب ليستعدوا ألنفسهم ويطالعوا وحيرضوا من اغب من أصحابهم ويتأملوا العقيدة فيما
بينهم ،يلتمكنوا من الطعن واالعرتاض ،فحصل االتفاق ىلع أن يكون تمام الالكم يوم اجلمعة وقمنا ىلع ذلك
وقد أظهر اهلل من قيام احلجة وبيان املحجة :ما أعز اهلل به السنة واجلماعة وأرغم به أهل ابلدعة والضاللة
ويف نفوس كثري من انلاس أمور ملا حيدث يف املجلس اثلاين وأخذوا يف تلك األيام يتأملونها ويتأملون ما أجبت
به يف مسائل تتعلق باالعتقاد مثل املسألة احلموية يف االستواء والصفات اخلربية وغريها .
فلما اجتمعنا :وقد أحرضت ما كتبته من اجلواب عن أسئلتهم املتقدمة اذلي طلبوا تأخريه إىل ايلوم :محدت
اهلل خبطبة احلاجة ،خطبة ابن مسعود ريض اهلل عنه ثم قلت :إن اهلل تعاىل أمرنا باجلماعة واالئتالف ونهانا
عن الفرقة واالختالف .
وقال نلا يف القرآن ( :واعتصموا حببل اهلل مجيعا وال تفرقوا ) وقال ( :إن اذلين فرقوا دينهم واكنوا شيعا لست
منهم يف يشء ) وقال ( :وال تكونوا اكذلين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم ابلينات ) .وربنا واحد وكتابنا
واحد ونبينا واحد ،وأصول ادلين ال حتتمل اتلفرق واالختالف ،وأنا أقول ما يوجب اجلماعة بني املسلمني وهو
متفق عليه بني السلف ،فإن وافق اجلماعة فاحلمد هلل ،وإال فمن خالفين بعد ذلك :كشفت هل األرسار وهتكت
األستار وبينت املذاهب الفاسدة اليت أفسدت امللل وادلول ،وأنا أذهب إىل سلطان الوقت ىلع الربيد وأعرفه من
األمور ما ال أقوهل يف هذا املجلس فإن للسلم الكما وللحرب الكما .
وقل ت :ال شك أن انلاس يتنازعون ،يقول هذا أنا حنبيل ويقول هذا أنا أشعري وجيري بينهم تفرق وفنت
واختالف ىلع أمور ال يعرفون حقيقتها .وأنا قد أحرضت ما يبني اتفاق املذاهب فيما ذكرته وأحرضت ( كتاب
تبيني كذب املفرتي فيما ينسب إىل الشيخ أيب احلسن األشعري -رمحه اهلل -تأيلف احلافظ أيب القاسم بن
عساكر -رمحه اهلل .-
وقلت :لم يصنف يف أخبار األشعري املحمودة كتاب مثل هذا ،وقد ذكر فيه لفظه اذلي ذكره يف كتابه " اإلبانة".
فلما انتهيت إىل ذكر املعزتلة :سأل األمري عن معىن املعزتلة فقلت :اكن انلاس يف قديم الزمان قد اختلفوا
يف الفاسق امليل وهو أول اختالف حدث يف امللة هل هو اكفر أو مؤمن ؟ فقالت اخلوارج :إنه اكفر ،وقالت
اجلماعة :إنه مؤمن ،وقالت طائفة :نقول هو فاسق ال مؤمن وال اكفر نزنهل مزنلة بني املزنتلني ،وخدلوه يف
انلار واعزتلوا حلقة احلسن ابلرصي وأصحابه -رمحه اهلل تعاىل -فسموا معزتلة .
وقال الشيخ الكبري جببته وردائه :ليس كما قلت ،ولكن أول مسألة اختلف فيها املسلمون مسألة الالكم
وسيم املتلكمون متلكمني ألجل تكلمهم يف ذلك واكن أول من قاهلا عمرو بن عبيد ثم خلفه بعد موتهعطاء بن
واصل هكذا قال وذكر حنوا من هذا .فغضبت عليه وقلت :أخطأت ،وهذا كذب خمالف لإلمجاع .
وقلت هل :ال أدب وال فضيلة ،ال تأدبت ميع يف اخلطاب ،وال أصبت يف اجلواب ثم قلت :انلاس اختلفوا يف
مسألة الالكم يف خالفة املأمون وبعدها يف أواخر املائة اثلانية وأما املعزتلة فقد اكنوا قبل ذلك بكثري يف
زمن عمرو بن عبيد بعد موت احلسن ابلرصي يف أوائل املائة اثلانية ولم يكن أوئلك قد تكلموا يف مسألة
الالكم وال تنازعوا فيها وإنما أول بدعتهم تكلمهم يف مسائل األسماء واألحاكم والوعيد .
فقال :هذا ذكره الشهرستاين يف كتاب امللل وانلحل .فقلت :الشهرستاين ذكر ذلك يف اسماملتلكمني لم سموا
متلكمني ؟ لم يذكره يف اسم املعزتلة واألمري إنما سأل عن اسماملعزتلة وأنكر احلارضون عليه وقالوا :غلطت.
وقلت :يف ضمن الكيم أنا أعلم لك بدعة حدثت يف اإلسالم وأول من ابتدعها وما اكن سبب ابتداعها .وأيضا
فما ذكره الشهرستاين ليس بصحيح يف اسم املتلكمني فإن املتلكمني اكنوا يسمون بهذا االسم قبل منازعتهم يف
مسألة الالكم واكنوا يقولون عن واصل بن عطاء :إنه متلكم ويصفونه بالالكم ولم يكن انلاس اختلفوا يف مسألة
الالكم .
وقلت أنا وغريي :إنما هو واصل بن عطاء ،أي :ال عطاء بن واصل كما ذكره املعرتض قلت :وواصل لم يكن
بعد موت عمرو بن عبيد وإنما اكن قرينه .وقد روي أن واصال تكلم مرة بكالم فقال عمرو بن عبيد :لو
بعث نيب ما اكن يتلكم بأحسن من هذا ،وفصاحته مشهورة حىت قيل إنه اكن أثلغ واكن حيرتز عن الراء حىت قيل
هل :أمر األمري أن حيفر برئ .
فقال :أوعز القائد أن يقلب قليب يف اجلادة .وملا انتىه الالكم إىل ما قاهل األشعري :قال الشيخ املقدم فيهم ال
ريب أن اإلمام أمحد إمام عظيم القدر ومن أكرب أئمة اإلسالم لكن قد انتسب إيله أناس ابتدعوا أشياء .
قلت :أما هذا فحق وليس هذا من خصائص أمحد بل ما من إمام إال وقد انتسب إيله أقوام هو منهم بريء قد
انتسب إىل مالك أناس مالك بريء منهم وانتسب إىل الشافيع أناس هو بريء منهم وانتسب إىل أيب حنيفة أناس
هو بريء منهم ،وقد انتسب إىل موىس عليه السالم أناس هو منهم بريء ،وانتسب إىل عيىس عليه السالم
أناس هو منهم بريء ،وقد انتسب إىل يلع بن أيب طالب أناس هو بريء منهم ،ونبينا قد انتسب إيله
من القرامطة وابلاطنية وغريهم من أصناف املالحدة واملنافقني من هو بريء منهم .
وذكر يف الكمه ،أنه انتسب إىل أمحد ناس من احلشوية واملشبهة وحنو هذا الالكم.
فقلت :املشبهة واملجسمة يف غري أصحاب اإلمام أمحد أكرث منهم فيهم ،هؤالء أصناف األكراد لكهم شافعية
وفيهم من التشبيه واتلجسيم ما ال يوجد يف صنف آخر وأهل جيالن فيهم شافعية وحنبلية .
قلت :وأما احلنبلية املحضة فليس فيهم من ذلك ما يف غريهم .واكن من تمام اجلواب أن الكراميةاملجسمة لكهم
حنفية وتكلمت ىلع لفظ احلشوية -ما أدري جوابا عن سؤال األمري أو غريه أو عن غري جواب -فقلت :هذا
اللفظ أول من ابتدعه املعزتلة ،فإنهم يسمون اجلماعة والسواد األعظم احلشو ،كما تسميهم الرافضة اجلمهور،
وحشو انلاس :هم عموم انلاس ومجهورهم وهم غري األعيان املتمزيين يقولون هذا من حشو انلاس كما يقال
هذا من مجهورهم .
وأول من تكلم بهذا عمرو بن عبيد ،وقال :اكن عبد اهلل بن عمر ريض اهلل عنه حشويا :فاملعزتلة سموا
اجلماعة حشوا كما تسميهم الرافضة اجلمهور .
وقلت -ال أدري يف املجلس األول أو اثلاين -أول من قال إن اهلل جسم هشام بن احلكم الرافيض .
وقلت هلذا الشيخ :من يف أصحاب اإلمام أمحد -رمحه اهلل -حشوي باملعىن اذلي تريده ؟ األثرم أبو داود
املروذي اخلالل ،أبو بكر عبد العزيز ،أبو احلسن اتلمييم بن حامد ،القايض أبو يعىل ،أبو اخلطاب بن عقيل ؟
ورفعت صويت وقلت :سمهم قل يل منهم ؟ من هم ؟ .أبكذب ابن اخلطيب وافرتائه ىلع انلاس يف مذاهبهم
تبطل الرشيعة وتندرس معالم ادلين ؟ كما نقل هو وغريه عنهم أنهم يقولون :إن القرآن القديم هو أصوات
القارئني ومداد الاكتبني وأن الصوت واملداد قديم أزيل من قال هذا ؟ ويف أي كتاب وجد هذا عنهم ؟ قل يل .
وكما نقل عنهم أن اهلل ال يرى يف اآلخرة باللزوم اذلي اداعه واملقدمة اليت نقلها عنهم ،وأخذت أذكر ما يستحقه
هذا الشيخ من أنه كبري اجلماعة وشيخهم وأن فيه من العقل وادلين ما يستحق أن يعامل بموجبه ; وأمرت بقراءة
العقيدة مجيعها عليه ; فإنه لم يكن حارضا يف املجلس األول إنما أحرضوه يف اثلاين انتصارا به .
وحدثين اثلقة عنه بعد خروجه من املجلس أنه اجتمع به وقال هل :أخربين عن هذا املجلس فقال :ما لفالن
ذنب وال يل فإن األمري سأل عن يشء فأجابه عنه فظننته سأل عن يشء آخر.
وقال :قلت هلم أنتم ما لكم ىلع الرجل اعرتاض فإنه نرص ترك اتلأويل ،وأنتم تنرصون قول اتلأويل وهما
قوالن لألشعري .وقال :أنا أختار قول ترك اتلأويل ،وأخرج وصيته اليت أوىص بها وفيها قول ترك اتلأويل .قال
احلايك يل :فقلت هل :بلغين عنك أنك قلت يف آخر املجلس -ملا أشهد اجلماعة ىلع أنفسهم باملوافقة -ال تكتبوا
عين نفيا وال إثباتا فلم ذاك ؟ فقال :لوجهني
واثلاين :ألن أصحايب طلبوين يلنترصوا يب فما اكن يليق أن أظهر خمالفتهم فسكت عن الطائفتني .
وأمرت غري مرة أن يعاد قراءة العقيدة مجيعها ىلع هذا الشيخ فرأى بعض اجلماعة أن ذلك تطويل وأنه ال يقرأ
عليه إال املوضع اذلي هلم عليه سؤال وأعظمه لفظ احلقيقة فقرءوه عليه ; فذكر هو حبثا حسنا يتعلق بداللة
اللفظ فحسنته ومدحته عليه وقلت :ال ريب أن اهلل يح حقيقة عليم حقيقة سميع حقيقة بصري حقيقة وهذا
متفق عليه بني أهل السنة والصفاتية من مجيع الطوائف ; ولو نازع بعض أهل ابلدع يف بعض ذلك :فال ريب
أن اهلل موجود واملخلوق موجود ولفظ الوجود سواء اكن مقوال عليهما بطريق االشرتاك اللفظي فقط أو بطريق
اتلواطؤ املتضمن لالشرتاك لفظا ومعىن أو بالتشكيك اذلي هو نوع من اتلواطؤ .
فعىل لك ق ول :فاهلل موجود حقيقة واملخلوق موجود حقيقة ،وال يلزم من إطالق االسم ىلع اخلالق واملخلوق
بطريق احلقيقة حمذور ،ولم أرجح يف ذلك املقام قوال من هذه اثلالثة ىلع اآلخر ; ألن غريض حتصل ىلع لك
مقصودي .واكن مقصودي تقرير ما ذكرته ىلع قول مجيع الطوائف وأن أبني اتفاق السلف ومن تبعهم ىلع ما
ذكرت وأن أعيان املذاهب األربعة واألشعري وأكابر أصحابه ىلع ما ذكرته ; فإنه قبل املجلس اثلاين :اجتمع يب
من أكابر علماء الشافعية واملنتسبني إىل األشعريةواحلنفية وغريهم ممن عظم خوفهم من هذا املجلس وخافوا
انتصار اخلصوم فيه وخافوا ىلع نفوسهم أيضا من تفرق اللكمة فلو أظهرت احلجة اليت ينترص بها ما ذكرته أو لم
يكن من أئمة أصحابهم من يوافقها لصارت فرقة ولصعب عليهم أن يظهروا يف املجالس العامة اخلروج عن
أقوال طوائفهم بما يف ذلك من تمكن أعدائهم من أغراضهم .
فإذا اكن من أئمة مذاهبهم من يقول ذلك وقامت عليه احلجة وبان أنه مذهب السلف :أمكنهم إظهار القول
به مع ما يعتقدونه يف ابلاطن .من أنه احلق حىت قال يل بعض األكابر من احلنفية -وقد اجتمع يب -لو قلت
هذا مذهب أمحد وثبت ىلع ذلك النقطع الزناع .
ومقصوده أنه حيصل دفع اخلصوم عنك بأنه مذهب متبوع ويسرتيح املنترص واملنازع من إظهار املوافقة .
فقلت :ال واهلل ; ليس ألمحد بن حنبل يف هذا اختصاص وإنما هذا اعتقاد سلف األمة وأئمة أهل احلديث ;
وقلت أيضا هذا اعتقاد رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ولك لفظ ذكرته فأنا أذكر به آية أو حديثا أو إمجااع
سلفيا وأذكر من ينقل اإلمجاع عن السلف من مجيع طوائف املسلمني والفقهاء األربعة واملتلكمني وأهل
احلديث والصوفية .وقلت ملن خاطبين من أكابر الشافعية -ألبني أن ما ذكرته هو قواللسلف وقول أئمة
أصحاب الشافيع وأذكر قول األشعري وأئمة أصحابه اليت ترد ىلع هؤالء اخلصوم ويلنترصن لك شافيع ولك من
قال بقول األشعري املوافق ملذهب السلف وأبني أن القول املحيك عنه يف تأويل الصفات اخلربية قول ال أصل هل
يف الكمه وإنما هو قول طائفة من أصحابهفلألشعرية قوالن ليس لألشعري قوالن .
فلما ذكرت يف املجلس أن مجيع أسماء اهلل اليت سيم بها املخلوق لكفظ الوجود اذلي هو مقول باحلقيقة ىلع
الواجب واملمكن ىلع األقوال اثلالثة :تنازع كبريان هل هو مقول باالشرتاك أو باتلواطؤ ؟ فقال أحدهما :هو
متواطئ وقال اآلخر هو مشرتك ; ئلال يلزم الرتكيب .وقال هذا :قد ذكر فخر ادلين أن هذا الزناع مبين ىلع أن
وجوده هل هو عني ماهيته أم ال ؟
فمن قال إن وجود لك يشء عني ماهيته قال :إنه مقول باالشرتاك ومن قال إن وجوده قدر زائد ىلع ماهيته قال:
إنه مقول باتلواطؤ .
فأخذ األول يرجح قول من يقول :إن الوجود زائد ىلع املاهية ; يلنرص أنه مقول باتلواطؤ .فقال اثلاين :ليس
مذهب األشعري وأهل السنة أن وجوده عني ماهيته فأنكر األول ذلك.
فقلت :أما متلكمو أهل السنة فعندهم أن وجود لك يشء عني ماهيته وأما القول اآلخر فهو قول املعزتلة إن
وجود لك يشء قدر زائد ىلع ماهيته ولك منهما أصاب من وجه فإن الصواب أن هذه األسماء مقولة باتلواطؤ كما
قد قررته يف غري هذا املوضع وأجبت عن شبهة الرتكيب باجلوابني املعروفني.
وأما بناء ذلك ىلع كون وجود اليشء عني ماهيته أو ليس عينه :فهو من الغلط املضاف إىل ابن اخلطيب فإنا
وإن قلنا إن وجود اليشء عني ماهيته :ال جيب أن يكون االسم مقوال عليه وىلع نظريه باالشرتاك اللفظي فقط
كما يف مجيع أسماء األجناس .
فإن اسم السواد مقول ىلع هذا السواد وهذا السواد باتلواطؤ وليس عني هذا السواد هو عني هذا السواد إذ االسم
دال ىلع القدر املشرتك بينهما وهو املطلق اليلك ; لكنه ال يوجد مطلقا برشط اإلطالق إال يف اذلهن وال يلزم من
ذلك نيف القدر املشرتك بني األعيان املوجودة يف اخلارج فإنه ىلع ذلك تنتيف األسماء املتواطئة ويه مجهور األسماء
املوجودة يف الغالب ( ويه أسماء األجناس اللغوية وهو االسم املطلق ىلع اليشء وىلع لك ما أشبهه سواء اكن اسم
عني أو اسم صفة جامدا أو مشتقا وسواء اكن جنسا منطقيا أو فقهيا أو لم يكن .بل اسم اجلنس يف اللغة
يدخل فيه األجناس واألصناف واألنواع وحنو ذلك .ولكها أسماء متواطئة وأعيان مسمياتها يف اخلارج متمزية.
وطلب بعضهم إاعدة قراءة األحاديث املذكورة يف العقيدة ; يلطعن يف بعضها فعرفت مقصوده .
فقلت :كأنك قد استعددت للطعن يف حديث األواعل :حديث العباس بن عبد املطلب -واكنوا قد تعنتوا حىت
ظفروا بما تكلم به زيك ادلين عبد العظيم من قول ابلخاري يف تأرخيه :عبد اهلل بن عمرية ال يعرف هل سماع
من األحنف -فقلت :هذا احلديث مع أنه رواه أهل السنن كأيب داود وابن ماجه والرتمذيوغريهم :فهو مروي
من طريقني مشهورين فالقدح يف أحدهما ال يقدح يف اآلخر.
فقال :أليس مداره ىلع ابن عمرية وقد قال ابلخاري :ال يعرف هل سماع من األحنف ؟
فقلت :قد رواه إمام األئمة ابن خزيمة يف كتاب اتلوحيد اذلي اشرتط فيه أنه ال حيتج فيه إال بما نقله العدل
عن العدل موصوال إىل انليب صىل اهلل عليه وسلم قلت واإلثبات مقدم ىلع انليف ،وابلخاري إنما نىف معرفة
سماعه من األحنف لم ينف معرفة انلاس بهذا فإذا عرف غريه -كإمام األئمة ابن خزيمة -ما ثبت به اإلسناد:
اكنت معرفته وإثباته مقدما ىلع نيف غريه وعدم معرفته .
ووافق اجلماعة ىلع ذلك وأخذ بعض اجلماعة يذكر من املدح ما ال يليق أن أحكيه وأخذوا يناظرون يف أشياء
لم تكن يف العقيدة ولكن هلا تعلق بما أجبت به يف مسائل وهلا تعلق بما قد يفهمونه من العقيدة .
فأحرض بعض أكابرهم " كتاب األسماء والصفات " للبيهيق -رمحه اهلل تعاىل -فقال :هذا فيه تأويل الوجه
عن السلف فقلت :لعلك تعين قوهل تعاىل ( وهلل املرشق واملغرب فأينما تولوا فثم وجه اهلل ) فقال :نعم .قد
قال جماهد والشافيع يعين قبلة اهلل.
فقلت :نعم :هذا صحيح عن جماهد والشافيع وغريهما وهذا حق وليست هذه اآلية من آيات الصفات .ومن
عدها يف الصفات فقد غلط كما فعل طائفة ; فإن سياق الالكم يدل ىلع املراد حيث قال ( :وهلل املرشق واملغرب
فأينما تولوا فثم وجه اهلل ) واملرشق واملغرب اجلهات.
والوجه هو اجلهة ; يقال أي وجه تريده ؟ أي أي جهة وأنا أريد هذا الوجه أي هذه اجلهة كما قال تعاىل ( :وللك
وجهة هو مويلها ) وهلذا قال ( :فأينما تولوا فثم وجه اهلل ) أي تستقبلوا وتتوجهوا واهلل أعلم .وصىل اهلل
ىلع حممد .