You are on page 1of 2

‫ثان ًيا‪ :‬من السؤال األيديولوج ّي إىل منطق التعلّمات‬ ‫ً‬

‫أول‪ :‬التفاعل البيداغوج ّي والديداكتيك ّي في درس‬


‫سوف نجيب عن التساؤل األخير عىل مستويين‪ :‬يتمثّل‬ ‫الفلسفة‬
‫المستوى األ وّل في أ ّن عالقة الفلسفة بالبيداغوجيا‬ ‫التربية هي نقل القيم األخالقيّة والدينيّة واالجتماعيّة إىل‬
‫ولعل النموذج األمثل في‬ ‫ّ‬ ‫والتدريسيّة عالقة تاريخيّة‪.‬‬ ‫األجيال الالحقة (روبول‪)1994 ،‬؛ بغية تكوين حصان ٍة ض ّد‬

‫رهانات تدريس‬
‫هذا السياق هو سقراط والسفسطائيّون؛ فكالهما كان‬ ‫يكسر بنياتها ونُظمها‪ ،‬وقد تكون التربية بالمعنى‬
‫من أراد أن ّ‬
‫يعمل عىل تطوير اإلشكاليّة أو الفكرة بأسلوبين مختلفين‪،‬‬ ‫األكثر فاعليّة تحرير اإلنسان مما يمنعه من تحقيق ذاته‬
‫وكالهما يفيد المستمع والمخاطَب في تمثّل األفكار‬ ‫(الشرقي‪.)2017 ،‬‬
‫والتصوّرات‪ ،‬رغم أ ّن الخلفيّة الثانويّة وراء هذين األسلوبين‬
‫رؤية مذهبيّ ًة قد تبدو لنا متضا ّد ًة؛ أي‬
‫التدريسيّين تحمل ً‬
‫نسبيّ ًة في الحقائق وثبوتها‪ .‬لك ّن المفارقة هي أن تتّسم‬
‫ومما يفي ُد مد ّرس الفلسفة في التعليم المدرس ّي أنّه يعي‬ ‫الفلسفة في‬
‫التعلّم المدرس ّي‬
‫طبيعة العادات والتقاليد المقيّدة للفرد والمتعلّم‪ ،‬ويحتاج‬
‫الفكرة بالموثوقيّة والمعقوليّة‪ ،‬بينما يفتقد صاحبها‬ ‫نقده لهذه العادات إىل تمكين المتعلّمين من معرف ٍة‬
‫لألسلوب‪ ،‬وهذا ما يشبه الدفاع الفاشل عن قضيّة عادلة‪.‬‬ ‫بانوراميّة بمفهوم ّي الثقافة والطبيعة؛ ما قد يمنعهم من‬
‫إ ّن البيداغوجيا والتلقين ونقل المعارف من المتكلّم إىل‬ ‫تبنّي أحكام جاهزة في المجاالت الثقافيّة واالجتماعيّة‬

‫بحث في المفارقات‬
‫عائقا أمام تصريف األفكار والدفاع‬ ‫المستمع قد ال يكون ً‬ ‫والدينيّة‪ .‬كما يحتاج المد ّرس إىل توعية المتعلّمين بأ ّن‬
‫عنها‪ .‬ومن ث ّم‪ ،‬فتدريس الفلسفة بطرق بيداغوجيّة معينة‬ ‫تاريخ اإلنسانيّة هو تاريخ اختالف المعتقدات واألفكار‬
‫قد ال يفقد روح النقد لدى الفلسفة‪ ،‬بل تكاد تكون المشكلة‬ ‫أيضا؛ وهذا ما يجعله يمارس النقد والتحليل‬ ‫والطبائع ً‬ ‫يوسف بن عدي‬
‫الحقيقيّة هي عمليّة النقل الديداكتيك ّي للمعلومات‬ ‫الطلب‪ .‬لك ّن دوره يكون دو ًرا توجيه ًيّا وإرشاديًّا‬
‫ّ‬ ‫بمعيّة‬
‫وإل سنكون‬ ‫والمكتسبات العلميّة والفكر يّة واإلبداعيّة‪ّ ،‬‬ ‫للنقاش الذي تثيره التساؤالت واإلشكاالت المتعلّقة‬
‫مثل من يتّهم المرآة‪ ،‬ويتغافل عن اتّهام نفسه!‬ ‫حقق ماهيّة الفلسفة التي‬ ‫بالنقد‪ .‬بهذا‪ ،‬يكون المد ّرس قد ّ‬
‫هي المساءلة واإلحراج اإلشكال ّي ‪ Aporétique‬من دون‬ ‫تدريس الفلسفة هي تهيئة المتعلّم ليكون مواطنًا ناق ًدا‬ ‫غن ٌّي عن البيان أ ّن تدريس الفلسفة في التعليم المدرس ّي‬
‫أما المستوى الثاني فيتعلق بأ ّن تدريس الفلسفة في‬ ‫أن يفقده ذلك خبرته البيداغوجيّة والتربويّة في تحيين‬ ‫ً‬
‫مسؤول؟ إىل أي ّ ح ّد يمكننا القول إ ّن تدريس الفلسفة‬ ‫هو تدريس لما ّدة َ‬
‫مثل بقيّة الموا ّد األخرى التي يُختبر‬
‫الكتاب المدرس ّي يحصرها في بعض المفاهيم والتفاصيل‬ ‫القضايا وتذليلها للمتعلّمين‪.‬‬ ‫مؤشرات تدريس الفلسفة‬ ‫هو تدريس للمهارات؟ ما هي ّ‬ ‫المتعلّمون في مدى تملّكهم بعض المهارات والكفايات‬
‫ً‬
‫مالئمة لتطوّر المجتمع العرب ّي وآفاقه‪،‬‬ ‫التي قد ال تكون‬ ‫ومستنداته؟ هل هذا يجعلنا‪ ،‬م ّرة أخرى‪ ،‬أمام وضع مقلق‬ ‫فيها طيلة السنوات الثالث في المرحلة الثانويّة التأهيليّة‪.‬‬
‫ً‬
‫غارقة في‬ ‫بل قد تكون الفلسفة في بعض الدول العربيّة‬ ‫ّ‬
‫المؤسسة‪،‬‬ ‫ليس من المفيد أن تبقى الفلسفة خارج‬ ‫بين دور المتفلسف ودور البيداغوج ّي؟‬ ‫لذلك‪ ،‬فالفلسفة التي نراهن عليها ليست بالمعنى‬
‫األيديولوجيا‪ ،‬كأنها تحوّلت إىل خدمة أجندات معيّنة‪ ،‬مع‬ ‫المؤسسة التربويّة والسياسيّة فرصة‬
‫ّ‬ ‫بل يتعيّن أن تتيح‬ ‫األكاديم ّي والعلم ّي الخالص؛ أي التيّارات والمدارس‬
‫فضل عن‬‫أ ّن منطق الفلسفة هو غير منطق األيديولوجيا‪ً .‬‬ ‫ممارسة الفهم والتأويل والقراءة لنصوص فلسفيّة‬ ‫يبدو أ َّن التفكير في تدريس الفلسفة ال يمكن بصورة ح ّرة‬ ‫الفكر يّة في تاريخ الفلسفة وتفاصيلها‪ ،‬بقدر ما أنّها‬
‫ذلك‪ ،‬فإ ّن بعض الممارسات المهنيّة تكون وفيّ ًة لرؤيتها‬ ‫من مختلف الحضارات العربيّة واإلسالميّة والوسيطة‬ ‫منظّمة؛ يتعيّن عىل‬ ‫أو مطلقة دون شروط أو نصوص ِ‬ ‫تروم – في التعليم المدرس ّي ‪ -‬تمكين المتعلّم من بعض‬
‫السياسيّة واأليديولوجيّة في عمليّة بناء الدرس الفلسف ّي‬ ‫فرصة لمحاولة مواجهة‬ ‫ٌ‬ ‫والحديثة والمعاصرة‪ .‬إنّها‬ ‫مد ّرس هذه الما ّدة أن يطّل َع عىل هذه النصوص سوا ًء تعلّق‬ ‫العامة للفكر الفلسف ّي (النقد‪ ،‬والتحليل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الخصائص‬
‫ّ‬
‫الصف‪.‬‬ ‫داخل‬ ‫النص وتدارسه مع المتعلّم‪ ،‬وكذلك تجريب قدرة‬ ‫ّ‬ ‫الحجاج‪،‬‬‫األمر بمنهجيّة تدريسها (المفهمة – األشكلة – ِ‬ ‫والحجاج‪ ...‬إلخ) في قراءة بعض النصوص الفلسفيّة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المد ّرس عىل نقل المعرفة العالمة ‪ le savoir savant‬إىل‬ ‫الحقا) أو تقويمها وفق مستويات مرحلة‬ ‫ً‬ ‫كما سنوضح‬ ‫والثقافيّة‪ ،‬والسوسيو‪-‬ثقافيّة‪ ،‬المالئمة للنم ّو العقل ّي‬
‫تدريس الفلسفة مدرس ّيًا في المغرب‬ ‫المعرفة المدرسيّة ‪le savoir scolaire‬؛ وهذا ما يس ّمى‬ ‫البكالوريا‪ .‬من ث ّم‪ ،‬فدرس الفلسفة في التعليم الثانوي ّ هو‬ ‫الوجدان ّي للمتعلّم‪.‬‬
‫ال ب ّد من التنبيه إىل أ ّن تدريس الفلسفة في التعليم المدرس ّي‬ ‫النقل الديداكتيك ّي ‪( transposition didactique‬جونايير‬ ‫أيضا‪ ،‬بخالف المستوى الجامع ّي‬ ‫درس في البيداغوجيا ً‬
‫قد م ّر بتحوّالت كبيرة‪ ،‬كان فيما سبق لأليديولوج ّي‬ ‫وبورخت‪ .)2011 .‬فهل تفقد الفلسفة في هذا الوضع‬ ‫ّ‬
‫فلكل‬ ‫حيث يكون في األفكار والنظر يّات والتيّارات؛‬ ‫يبحث هذا المقال في تساؤالت‪ :‬لماذا ال ننتبه إىل أ ّن‬
‫الدور األساس ّي في قراءة النصوص الفلسفيّة والتراث‬ ‫ّ‬
‫(بشقيه البيداغوج ّي والتربويّ) روحها‬ ‫التعليم ّي التعلّم ّي‬ ‫مستوًى غاياته وأهدافه‪.‬‬ ‫تدريس الفلسفة في التعليم المدرس ّي هو ما ّدة تعليميّة‬
‫درس الفلسفة ً‬
‫درسا‬ ‫العرب ّي بصورة مباشرة‪ ،‬حتى صار ُ‬ ‫النقديّة؟‬ ‫نفسر أ ّن مه ّمة‬
‫مدرسيّة مثل بقيّة المواد األخرى؟ كيف ّ‬

‫خريف ‪2020‬‬ ‫‪59‬‬ ‫خريف ‪2020‬‬ ‫‪58‬‬


‫يتفاعل فيها مع المد ّرس وزمالئه بالسؤال واالستفسار‬ ‫ّ‬
‫كالشك والمراجعة‬ ‫بنا ًء عليه‪ ،‬فإ ّن ّ‬
‫مؤشرات النقد‪ ،‬ولواحقه‬
‫ً‬ ‫إ ّن االطّالع عىل بنية الكتب المدرسيّة لما ّدة الفلسفة في‬ ‫في األيديولوجيا‪ .‬من جهة الهندسة البيداغوجيّة‪ ،‬يمكن‬
‫وإبداء الرأي‪ ،‬بيد أ ّن المفارقات تظهر حينما يصطدم‬ ‫غائبة عن المق ّررات الدراسيّة بصورة‬ ‫والتشريح‪ ،‬لم تكن‬
‫المغرب‪ ،‬عىل سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬يجعلنا نستنتج أ ّن‬ ‫القول إ ّن البرنامج السائد حينها هو التدريس بالمضامين‬
‫هذا المتعلّم مع واقع العقالنّي‪ ،‬حيث الكلمة العليا فيه‬ ‫حل المشكالت والفارقيّة من‬ ‫مطلقة‪ ،‬بل إ ّن بيداغوجيا ّ‬
‫ّ‬
‫للفردانيّة المنحطّة والمنفعة ّ‬ ‫مؤشرات وجود الفكر الناقد بارزة ضمنها‪ ،‬وتظهر في‬ ‫والمحتويات‪ ،‬واالستناد إىل آليّات التحفيز وشحذ الهمم‬
‫نفكر أحيانًا‬
‫اللمشروعة‪ّ .‬‬ ‫البيداغوجيّات الحديثة التي تمنح المتعلّم فرصة التعبير‬
‫صورة المتعلّم‪ ،‬الذي أضحى الفاعل الحقيق ّي في بناء‬ ‫أما اليوم‪ ،‬فقد أضحى‬ ‫والتأثير المباشر في المخاطَب‪ّ .‬‬
‫بمنطق االنقالب عىل القيم واألخالق والعقل في سياق‬ ‫عن رأيه ووجهة نظره‪ ،‬واإلحساس باالستقالل الذات ّي‪،‬‬
‫الدرس‪ .‬فالمد ّرس لم يعد كما كان في سياق بيداغوجيا‬ ‫برنامج تدريس الفلسفة في التعليم المدرس ّي المغرب ّي‬
‫تعامله مع اآلخرين وأسرنا وأصدقائنا‪ .‬إنّه منطق أضحى‬ ‫وبناء مشاريعه الشخصيّة‪ .‬ومن المؤكد أ ّن فرصة مواجهة‬
‫تهدف إىل تفكيك سلوكاته التعلّميّة إىل أجزاء‪ ،‬وتقييمها‬ ‫هو التدريس بالمفاهيم والتفاصيل‪ ،‬ليكون الغرض هو‬
‫هو القاعدة‪ ،‬بينما االلتزام بحقوق األفراد والجماعات‬ ‫المتعلّم بمعيّة مد ّرسه لنصوص فالسفة مثل ‪،Descartes‬‬
‫والدفاع عن إنسانيّة اإلنسان صار هو الطارئ‪ّ .‬‬ ‫و‪ ، Kant‬و ‪ ،Husserl‬وابن رشد‪ ،‬تمنحه ً‬ ‫بصورة آليّة ميكانيكيّة‪ ،‬بل صار المتعلّم الهدف األساس ّي‬ ‫تمكين المتعلّم من قدرات وكفايات ومهارات يعمل‬
‫لعل ما‬ ‫أيضا قدرات عىل‬
‫في العمليّة التعليميّة – التعلّميّة‪ ،‬بوساطة عمليّات التفاعل‬ ‫عىل استرجاعها‪ .‬في المجمل‪ ،‬هل تعود الفرادة في إنتاج‬
‫ند ّرسه في الفلسفة في حجرات الدرس بتقنيّات تدريسيّة‬ ‫التحليل والتركيب والتأويل والتقييم وفق المنطق الثالث ّي‪:‬‬ ‫البيداغوج ّي والتعلّم ّي مع المد ّرس‪ً ،‬‬
‫فضل عن التركيز عىل‬ ‫النصوص الفلسفيّة التأسيسيّة إىل الطرق البيداغوجيّة‬
‫رفيعة‪ ،‬وبيداغوجيا مثاليّة قد يسهم في خلق هذا النوع‬ ‫والحجاج‪.‬‬
‫األشكلة والمفهمة ِ‬
‫المهارات والكفايات النوعيّة‪ :‬االستراتيجيّة والثقافيّة‬ ‫والتعلّميّة؟‬
‫من المفارقات في وجدان المتعلّم‪ ،‬وقد يكون المد ّرس‬
‫والتواصليّة والمنهجيّة‪ ،‬التي تدفع المتعلّم إىل التحلّي‬
‫السبب الرئيس في عرقلة ممارسة النقد وآليّاته‪ ،‬بفعله‬ ‫خالصة‬
‫بالوعي النقديّ‪ ،‬والقيام بالواجب‪ ،‬وتح ّمل المسؤوليّة‪،‬‬ ‫تأم ٍل آخ َر لإلجابة عنه وفق‬ ‫يحتاج هذا السؤال إىل ّ‬
‫المعرف ّي وطريقة إدارته للدرس وتخطيطه وتعامله مع‬ ‫خاصة‬‫أعتقد أ ّن الصراع بين المدافعين عن بيداغوجيا ّ‬
‫والتخل ّي عن السلبيّة واالتّباع والتفكير الخراف ّي‪.‬‬ ‫المقارنات الدقيقة بين الكتب المدرسيّة والمق ّررات‬
‫المتعلّمين‪.‬‬ ‫بالدرس الفلسف ّي وبين المناصرين لفكرة استفادة ما ّدة‬
‫المعتمدة في التعليم المدرس ّي‪ ،‬وكذلك رصد النظر يّات‬
‫الفلسفة ‪ -‬كما ّدة مدرسيّة ‪ -‬من علوم التربية‪ ،‬لم يعد يثير‬
‫يوسف بن عدي‬ ‫االهتمام اليوم؛ أل ّن الفكر أضحى ّ‬ ‫مثلّث الروح النقديّة‪ :‬األشكلة والمفهمة ِ‬
‫والحجاج‬ ‫البيداغوجيّة التي كانت تعين عىل تصريف الدرس‬
‫مرك ًبا ومتع ّدد األبعاد‬ ‫الفلسف ّي‪ .‬لقد أسهمت الثقافة المغربيّة‪ً ،‬‬
‫ال يخفى دور الجانب الديدياكيتك ّي في شحذ تلك الروح‬ ‫مثل‪ ،‬في‬
‫أستاذ الفلسفة بالمركز الجهوي ّ‬ ‫والوظائف‪ .‬ومن ث ّم‪ ،‬هل الفلسفة تحتاج إىل بيداغوجيا‬
‫ٌ‬ ‫النقديّة المتمثلّة في مثلث ميشيل طوزي (‪:)2018‬‬ ‫إنتاج نصوص فلسفيّة تأسيسيّة مع محمد عزيز لحبابي‬
‫لمهن التربية والتكوين‬ ‫سؤال أيديولوج ّي‬ ‫خاص بمنهجيّة التدريس؟ إنه‬‫وخطاب ّ‬
‫األشكلة ‪ Problématisation‬التي تسعى إىل وضع المتعلّم‬ ‫أيضا نقف‬ ‫ومحمد عابد الجابري وعبد هللا العروي‪ .‬هنا ً‬
‫المغرب‬ ‫في جوهره‪ .‬تتعلّق المسألة برصد أسباب تراجع التفكير‬
‫ّ‬ ‫في وضع محرج ومفارق يحفزّه عىل استدعاء موارده‬ ‫عند مفارقة نعبّر عنها بالسؤالين التاليين‪ :‬لماذا أنتجت لنا‬
‫ومؤشراته في التعليم المدرس ّي؛ ذلك التفكير‬ ‫الناقد‬ ‫المعرفيّة المكتسبة ّ‬
‫الذي ّ‬ ‫لحل هذه الوضعيّة سوا ًء أكانت عمليّة‬ ‫الفلسفة في السبعينيّات والثمانينيّات من القرن الماضي‬
‫يغذيه تدريس الفلسفة بالدرجة األوىل‪ .‬حينما يقرأ‬
‫أم نظر يّة‪ .‬والمفهمة ‪ Conceptualisation‬التي يُطلب من‬ ‫فك ًرا فلسف ًيّا وتنظي ًرا أيديولوج ًيّا كبي ًرا في غياب الهواجس‬
‫المتعلّم نصوص رينيه ديكارت‪ ،‬وابن رشد‪ ،‬و”شذرات”‬
‫المتعلّم أن يرصد تحوّالت المفاهيم في ّ‬
‫النص الفلسف ّي‬ ‫البيداغوجيّة والتدريسيّة؟ ولماذا يكاد يغيب ذلك النوع‬
‫فريدريك نيتشه‪ ،‬ورسالة في التسامح لجون لوك في‬ ‫ودورها في ّ‬
‫ّ‬ ‫تشكل ما يس ّمى السند ‪ .Support‬ومن ث ّم‪،‬‬ ‫من اإلنتاج الفلسف ّي في ظل الع ّدة البيداغوجيّة الضخمة؟‬
‫الصف الدراس ّي‪ ،‬فإنّه يعيش لحظات تنوير يّة وعقالنيّة‬
‫ّ‬
‫الترصد‬ ‫الحل ّإل عن طريق‬
‫ّ‬ ‫فاألشكلة لم يكن لها طريق‬ ‫كأنّنا هنا ال نكاد نخرج من مفارقة‪ّ ،‬إل ونقع في أخرى‪ .‬ال‬
‫المفاهيم ّي‪ ،‬ودوره في السياقات المختلفة في إنشاء‬ ‫ب ّد من االعتراف أ ّن لغة التعميم األيديولوج ّي والتقسيمات‬
‫ّ‬
‫والتعقل والنقد‬ ‫ّ‬
‫محل القراءة‬ ‫هذه الفلسفة التي هي‬ ‫البسيطة لألفكار والتصوّرات لم تعد لها مكانة في ثقافتنا‬
‫الحجاج‬ ‫للفلسفات األخرى بصورة ظاهرة أو خفيّة‪ .‬أما ِ‬ ‫ً‬
‫سابقا‪،‬‬ ‫اليوم‪ ،‬وال سيّما أ ّن الفكر الفلسف ّي لم يعد كما كان‬
‫المراجع‪:‬‬ ‫ً‬
‫مرحلة أساسيّة في عمليّة قراءة‬ ‫‪ Argumentation‬فيع ّد‬ ‫مركب‬
‫ٌ‬ ‫بل صار فك ًرا متداخل األبعاد والوظائف؛ إنّه فك ٌر‬
‫قراءة منظّمة‪ ،‬تدفع المتعلّم إىل كشف‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫النص الفلسف ّي‬ ‫أيضا يساوقه طبيعته في إنتاج فكر‬ ‫ما يجعل البيداغوجيا ً‬
‫‪ -‬جونايير‪ ،‬فيليب؛ وبورخت‪ ،‬سيسيل (‪ .)2011‬التكوين الديداكتيكي للمدرسين‪ :‬التدريس بالكفايات من خالل خلق شروط التعلّم‪ .‬ترجمة عبد الكريم غريب وعز‬
‫الدين الخطابي‪ .‬مطبعة النجاح الجديدة‪.‬‬ ‫االستراتيجيّات اللغويّة والبالغيّة والمنطقيّة التي كانت‬ ‫مركب متع ّدد األبعاد‪ ،‬كما يقول إدغار موران (‪ .)2014‬إذا‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬روبول‪ ،‬أوليفييه (‪ .)1994‬فلسفة التربية‪ .‬ترجمة عبد الكبير معروفي‪ .‬دار توبقال‪.‬‬
‫‪ -‬الشرقي‪ ،‬محمد (‪ .)2017‬البيداغوجيا‪ :‬مفهوم‪ ،‬تاريخ ومقاربات (دراسة تركيبية)‪ .‬فضاء آدم‪.‬‬ ‫وراء تمرير هذا الموقف أو ذاك‪ ،‬وهذه األطروحة أو تلك‪.‬‬ ‫كان لأليديولوجيا منطق حفظ الهويّة والتماسك خشية‬
‫‪ -‬طوزي‪ ،‬ميشيل (‪ .)2018‬المقاربة بالكفايات في تدؤيس الفلسفة‪ .‬ترجمة عزالدين الخطابي‪ .‬مؤمنون بال حدود‪.‬‬
‫فأي ّ دعوى بالمعنى المنطق ّي ال ب ّد لها من براهين وحجج‬ ‫التناقض والتص ّدع‪ ،‬أل َّن ذلك يفضي إىل موتها وانهيارها‪،‬‬
‫‪- Morin, E. (2014). Introduction à la pensée complexe. Essais.‬‬ ‫لترسيخها في نفس المستمع‪ .‬لذلك‪ ،‬عىل المد ّرس أن يدفع‬ ‫فإ ّن منطق الفلسفة اليوم ال يهاب التناقض أو وجود‬
‫المتعلّم إىل التفطّن إىل هذه المهارة في إنشاء التصوّرات‬ ‫المتضا ّدات فيها‪ ،‬بل إ ّن حملها هذه السمات هو المح ّرك‬
‫والمعارف‪ .‬واأله ّم في هذا السياق أ ّن الحجاج الفلسف ّي‬ ‫كل‬ ‫الرئيس إلبداعيّتها واستمرار يّتها‪ .‬وبهذا‪ ،‬فالخوف ّ‬
‫محل الضرورة والمطلق‪.‬‬‫محل الممكن واالحتمال‪ ،‬ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخوف من أن تتحوّل الفلسفة إىل أيديولوجيا‪.‬‬

‫خريف ‪2020‬‬ ‫‪61‬‬ ‫خريف ‪2020‬‬ ‫‪60‬‬

You might also like