Professional Documents
Culture Documents
Type Here
Type Here
[Type here]
❖
[Type here]
[Type here]
[Type here]
5-146
6-146
7-146
بادئ ذي بدء أقول :إن تناول موضوع له ارتباط مباشر بحقل تدريس الفلسفة
بشقيه الجامعي والثانوي ليستدعي منا أولا وقبل كل شيء أن نضعه ضمن سياقه العام
الذي يتموقع فيه .فأين ،إذن ،يمكن موقعة هذا البحث ،ووفق أي أساس ،ومن أجل
أي رهان؟
يندرج هذا البحث كما يتبدى لنا ذلك من خلال عنوانه الرئيس :درس الفلسفة
وهو تدريس الفلسفة في السياق التعليمي المغربي المعاصر ،هذا السياق الذي تعتبر فيه
الفلسفة مكونا أساسيا للتربية والتعليم منذ المرحلة الثانو ية المدرسية ،وإلى المحطة الجامعية
التخصصية؛ وذلك لما تنطوي عليه من فائدة كبرى بالنسبة للمجتمعات الإنسانية ،فهي
الحقل المعرفي الوحيد القادر على بناء شخصية المتعلم بناء عقليا نقديا يساعده على تطوير
ملكاته المعرفية وتجويد علاقاته الاجتماعية بما يتوافق مع المبررات العقلية الضرور ية
واضح ،إذن ،أن الطابع التعليمي المدرسي يشكل بؤرة الاشتغال في هذا البحث،
وهو الأمر الذي يحدونا إلى التنبيه بداية إلى نقطة أساس :ذلك أن هذه الصبغة التعليمية
التي قد تحشر البحث ضمن البحوث التدخلية ،صحيحة إلى حد ما نظرا للزاو ية التي
ينطلق منها البحث ،وهي المتعلقة بسياق التدريس ،ونظرا أيضا إلى نوعية المقاربة التي
تنطلق من واقع الممارسة التعليمية عبر فحص أسسها وغاياتها ،وكذا تحديد بعض
الصعوبات التي تواجهها .بيد أنه وعلى الرغم من هذا المعطى ،فإن للبحث صبغة
9-146
البحوث الأساسية أكثر منها صبغة البحوث التدخلية ،وذلك لعدة اعتبارات ،أهمها
كالآتي:
-أولا :بحكم السياق الأكاديمي الجامعي الذي يندرج فيه البحث ،والذي
النقاط التالية :ضرورة الانخراط في منظومة فكر ية معينة؛ الالتزام بالشروط المنهجية
في الزمان والمكان يحاول من خلالها إ يجاد الحلول والمخرجات الآنية ،وكذا
في مقابل هذا ،فإن البحث الذي أنجزناه يرنو إلى إمداد الفاعلين المباشرين في
حقل تدريس الفلسفة في الثانوي بمعطيات نظر ية أولية قصد تبيئتها والعمل على
تطويرها طبقا للوضعيات الخاصة التي تحكم وضعية كل مدرس للفلسفة على حدة.
وعليه ،تكون السمة العامة المميزة لهذه الدراسة هي سمة البحث العلمي الأكاديمي
بالدرجة الأولى.
لعل من حسنات هذا السياق العام الذي يتأطر فيه البحث هو أنه يقربنا تدر يجيا
من الإشكالية المركز ية التي تشكل الخيط الناظم لهذه الدراسة الأكاديمية ،إلا أنه وقبل
بسط عناصرها وبيان كيفية تناولها والأبعاد النظر ية التي تنفتح عليها ،لا بد أن نمهد
10-146
-يتميز تدريس الفلسفة في السياق المغربي المعاصر بشموليته لأبعاد متعددة،
ما هو معرفي .أما ومن جهة ثانية ،فيعرف هذا المجال تداخلا كبيرا بين
الأخرى .ولعل تداخل هذه العناصر وتشعبها هو ما يعقد مهمة المقبل على
ال كبرى في مساره التار يخي ،تحولات لم تتخذ نمطا واحدا ووحيدا ،فمنها
قيمته وفعاليته .ل كنها تحولات لم تلق في نظر العديد من الدراسين ما يكفي
نستخلص مما سبق أن تناول موضوع تدريس الفلسفة وبالنظر إلى تعدد مداخله
وتشابكها فلا يمكن أن يطرح إلا من زوايا محددة و بخلفيات واضحة تستحضر
خصوصيته وتشعب خيوطه وتراعي وضعيته القلقة ،ولهذا فإننا نأمل من خلال هذه
الدراسة أن نسلط الضوء على بعض الجوانب التي من شأنها إثارة الانتباه إلى ضرورة
مراجعة هذا الأخير وفحص منطلقاته المعرفية وغاياته البيداغوجية في أفق تجديد النظر
سعيا ،إذن ،وراء تحقيق هذه الغاية -قدر الإمكان -ارتأينا أن ننخرط في موضوع
تدريس الفلسفة من إطار أكاديمي عام وهو الجامعة ،ومن موقع تخصصي محدد وهو
11-146
مسلك الفلسفة .فكيف يمكن إذن بسط العناصر الإشكالية التي سنشتغل عليها؟ وكيف
تنطلق الإشكالية المركز ية للبحث من مساءلة أبسط المسلمات والأسس التي يقوم
عليها التكوين الأكاديمي الأساس لمدرس الفلسفة ،هذا المدرس الذي تتسم خلفيته
التي تمكنه من بلورة فهم عميق بالنصوص الفلسفية وبسياقاتها النظر ية
المستهدفة؛
إن هذا التعدد الذي يسم خلفية مدرس الفلسفة هو ما يشكل الإطار الإشكالي
الذي ننطلق منه كمحاولة منا للاقتراب من بعض الصعوبات الأساسية التي تواجه
مدرس الفلسفة اليوم ،هذه الصعوبات التي تنبع أولا من تعدد خلفيته الأكاديمية ،بل
وتنافر منطلقاتها وغاياتها ،والتي تنبع ثانيا من وضعيته كطالب في تخصصات ثلاثة لا
12-146
تربطه أية علاقة مباشرة بعالم التدريس عموما ،وبتدر يس الفلسفة في الثانوي على وجه
الخصوص.
من أجل ملامسة هذه الصعوبات كان لابد أن نستعين بمقاربة توصيفية تحليلية
يتحدد دورها من جهة أولى في توصيف المضامين المقرر تدريسها في السلك الثانوي
التأهيلي ،وذلك عبر الانطلاق من موجه أساس ،وهو وثيقة التوجيهات التربو ية .ومن
جهة ثانية يتحدد دورها في السعي إلى بيان طبيعة العلاقة التي تربط بين عنصرين اثنين،
وهما:
بيد أن رصد طبيعة هذه العلاقة -كما هو معلوم -لا يتعدى موضع البحث في
مدى الملاءمة بين التكوين الجامعي والبيداغوجي من جهة ،ومتطلبات التدريس من
جهة ثانية .فمن خلال بيان طبيعة هذه العلاقة نستطيع أن نجيب عن الإشكال المركزي
الذي يوجهنا في هذه الدراسة ،وهو مدى حصول التوافق والانسجام بين المكون
يعد هذا السؤال الإشكالي الخيط الناظم الذي يوجه مقاربتنا ،بيد أنه وللجواب
عليه والعمل على تفكيك بنيتهكان لابد من تقسيمه إلى عناصر عدة ،تساعدنا على تبين
معالمه ورصد خيوطه بشكل يراعي تداخل عناصره وتشعب خيوطه .ولعل أهم هذه
الأسءلة التي نعتبرها مسالك أساسية للتفاعل معه يمكن تفر يغها كالآتي:
ما هي المقومات المضمونية التي يقوم عليها الدرس الفلسفي في السلك -
الثانوي التأهيلي؟
13-146
-وهل يتلاءم التكوين الأكادي لطالب في شعبة الفلسفة مع متطلبات
ثم ماهي الحلول والمقرحات التي يمكن أن تغطي الهوة بين التكوين -
والتدريس؟
هذه ،وغيرها من الإشكالات الأساسية التي سنسعى إلى التفاعل معها تفاعلا
علميا نقديا؛ لأجل ذلك كان لابد من الاعتماد على خطة منهجية تتضمن جملة من
العناصر المحور ية ،من بينها عوامل اختيار الموضوع وتحديد أهدافه ومساره وحدوده،
وكذا ذكر لبعض معيقاته وصعوباته التي لا يخلو أي بحث منها يعي محدودية رؤ يته
وضعف إمكاناته...
ولنبدأ مع المعطى الأول ،فنقول :إن اصطفاء هذه الموضوعة نابع في نظرنا من
قناعتين أساسيتين تلتحم بينهما لتشكل لحمة واحدة متماسكة ،من جهة ،ولتؤكد على أن
الاقدام على هذا الموضوع لم يكن وليد صدفة اعتباطية ،وإنما عن وعي مسبق وإرادة
حرة للاشتغال بهذا الحقل ،من جهة ثانية .بحيث يمكن بسط حيثياتهما كالآتي:
-العامل الذاتي :يتجلى في معلمين اثنين :الأول يتحدد بالشغف ال كبير بموضوع
وإنما يقفز ليتصل بأفق بحثي نخاله سيمكننا مستقبلا من بلورة أبحاث علمية
14-146
-العامل الموضوعي :يرتبط بخصوصية الدرس الفلسفي الذي لازال يحتاج
في نظر العديد من الباحثين إلى مراجعة وتمحيص وتطوير...إلخ .وإلى جانب
هذه النقطة ،فإن من بين أهم المبررات الموضوعية التي تبرر إقدامنا على
في الثانوي ،إن على مستوى طبيعة المضامين المقررة ،وإن على مستوى
طرق تصر يفها وتوز يعها ،وذلك قصد تعميق المعرف بها وبيان أبعادها.
أما عن الأهداف الأساسية التي يصبو هذا البحث تحقيقها ،فلا تتعدى العناصر
الثلاثة الآتية:
المتعددة ،قصد الوعي بها ،من جهة أولى ،وتبين انعكاساتها على الدرس
-اقتراح بعض الحلول التي من الممكن أن تساعد على تجاوز بين جوانب
الثانوي وتطويره؛
-المساهمة ولو بقدر يسير جدا في بلورة نقاش جاد ومثمر حول الدرس
وفيما يخص المنهج المتبع ،فلا شك في أن طبيعة الموضوع تفرض بشكل أو بآخر
طبيعة المنهج المتبع ،ولأجل هذا السبب و بحكم الطابع الوصفي الذي يطغى على الدراسة
التي نود إنجازها ،فإننا سنسير وفق المنهج الوصفي أولا ،ثم نتبعه بالمنهج المقارن ثانيا،
15-146
على ضوء ِ هذا المنهج المتبع ،فإن هذه الدراسة تنقسم إلى فصلين أساسيين ،ففي
الفصل الأول نعمل على رصد الخطاطة العامة للدرس الفلسفي في السلك الثانوي،
وفي الفصل الثاني نحاول أن نفكك هذه الخطاطة ونرصد معالمها وأبعادها.
إلى جانب هذا و بحكم الضرورة المنهجية التي تؤطر غالبية البحوث الأكاديمية،
فإنه يلزمنا أن نمهد لهذا البحث بالوقوف على بعض الدراسات المنصبة على دراسة واقع
الدرس الفلسفي في السياق التعليمي المغربي المعاصر؛ لأجل هذا خصص القسم الأول
لوضع مقاربة تشخيصية للدراسات السابقة حول الموضوع ،بحيث تكمن فائدة هذه
أولا :القدرة على ضبط عناصر الدراسات السابقة الإشكالية ،وتحديد إطاراتها
ثانيا :القدرة على رصد طبيعة تطورها الأكرونولوجي التار يخي طبقا لتغير
وأخيرا ،لابد أن نشير إلى بعض المعيقات التي واجهتنا ونحن بصدد انجاز هذه
الدراسة الأكاديمية ،وتجدد حضورها باستمرار ونحن في غمار البحث والتنقيب ،وعلى
بقدرِ ما شكلت هذه الصعاب عاملا يحد من قيمة هذه الدراسة ،بقدر ما
شكلت أيضا عامل قوة يدفعنا لمزيد من المثابرة والاجتهاد والعمل ،...رغبة في تجاوزها
والتغلب عليها .ولهذا نقول :إذا كان البحث العلمي الجاد يعلمنا شيئا ،فإنه يعلمنا أولا
16-146
وقبل كل شيء أن طر يقه شاق وأنه محفوف بالمخاطر والصعاب ،وأن عملية التمكن
من آلياته وطرائقه هي في حقيقة الأمر نتاج سيرورة مستمرة من التكون والتطور.
فعسى أن تسعفنا هذه الدراسة -على أقل تقدير -بأن نعي حقيقة البحث العلمي
وقيمته.
17-146
الغرض من هذا القسم هو وضع مقاربة توصيفية للدراسات السابقة المنصبة على
دراسة واقع الدرس الفلسفي -الجامعي والثانوي -في السياق التعليمي المغربي
المعاصر؛ 1هذا الواقع الذي لا يخفى على المتبع لمساراته التار يخية وأوضاعه الحالية بشتى
أصنافها :البيداغوجية والمؤسساتية ،من ناحية ،والمعرفية ،من ناحية ثانية ،حجم
التخبطات -إن لم نقل التناقضات -التي يعيشها والتي تأثر بشكل أو بآخر على مردوديته
كدرس فعال ومنتج لا غنى عنه في كل منظومة تعليمية تربو ية تنحو في اتجاه بناء
الإنسان من مختلف مناحيه ومستو ياته المتعددة ،سواء ارتبط الأمر بتجويد ملكاته العقلية
وقدراته التحليلية والنقدية ،أو تعلق الأمر بعلاقته الاجتماعية والنفسية .ولقد كتب
أحد الدارسين مقدما لأحد الدارسات 2ما يؤكد هذا المعنى ،ذلك أن الفلسفة
من أقدر الحقول المعرفية [ ]...فائدة []...
1
لقد خضع هذا البحث للتدقيق والمراجعة من طرف الأستاذ المشرف :الدكتور يوسف العماري ،ومن طرف
كذلك الأستاذة المناقشة :الدكتورة بشرى عسال .ولقد تم إضافة هذا المعطى ،إلى جانب عدد كبير من الملاحظات
المنهجية والمعرفية (الجانب اللغوي ،الجانب التوثيقي ،الجانب المضموني) ،بناء على هذه التوجيهات القي ِمة .ولهذا
فإنني أنتهز هذه الفرصة لأشكر الأستاذين ال كريمين على عنايتهم بالبحث واحتفائهم بالمجهود المبذول فيه ،وعلى حثهم
لي ولزملائي في الفصل على مزيد من الجهد والمثابرة.
2
الطيب بوعزة و يوسف بن عدي( ،تنسيق)« ،في تدريس الفلسفة» (مؤسسة مؤمنون بلا حدود ،قسم الفلسفة
والعلوم الإنسانية ،سلسلة ملفات بحثية 11 ،ديسمبر .)2015
18-146
العيش المشترك ،لتتلاقى التناقضات المجتمعية
والاقتتال1. وفق آليات التحاور لا التنابذ
إلا أنه وعلى الرغم من هذا الدور ال كبير الذي يضطلع به الدرس الفلسفي ضمن
النظام التعليمي المغربي ،فإن واقع الحال يكشف أنه لا زال لم يرقى بعد إلى هذا الهدف
الأسمى المنوط به ،لأنه وفي نظر العديد من الدارسين يعاني من آفات عدة ،منها ما هو
-المقتضى الداخلي :بالنظر إلى خصوصيته كحقل معرفي يحتاج إلى تطوير
ملحة ،كما يؤكد على ذلك أحد الدارسين ،لأجل تجويد عملية
نقل الخطاب الفلسفي النقدي العقلاني إلى
-المقتضى الخارجي :بالنظر إلى ضعف الاهتمام بهذا الحقل المعرفي داخل
2
المرجع السابق.3 ،
19-146
ولأسسه المنهجية ،أو من حيث تتبع مساراته التار يخية وأوضاعه الآنية.
كتب الباحث الأكاديمي عبد الله بربزي مؤكدا هذا الضعف الذي يعاني
وفي نفس السياق أيضا كتب عز الدين الخطابي في معرض حديثه عن
ولعل هذه الوضعية القلقة والمتبعثرة التي يعاني منها الدرس الفلسفي المغربي يمكن
1عبد الله بربزي« ،تدريس الفلسفة في التعليم الثانوي المغربي :من اكراهات البدايات إلى صياغة المنهاج»
(مؤسسة مؤمنون بلا حدود ،سلسلة ملفات بحثية 11 ،ديسمبر 2015م).14 ،
2عز الدين الخطابي« ،رهانات تدريس الفلسفة في الثانوي :التجربتان الفرنسية والمغربية نموذجا» (مؤسسة
مؤمنون بلا حدود ،سلسلة ملفات بحثية 11 ،ديسمبر 2015م).10-9 ،
20-146
تفسيرها بإرجاعها إلى خصوصية الممارسة الفلسفية ضمن المنظومة الفكر ية العربية عامة،
والمنظومة الفكر ية المغربية خاصة؛ فمن شأن التبصر في هذه الخصوصية والوعي بترسيماتها
وحدودها واكراهاتها -كما يؤكد على ذلك الفيلسوف المغربي عبد السلام بنعبد العالي-
أن يمكننا من معرفة الأسباب العميقة التي تحول بينها وبين التجديد والتطور
والاستقلالية الفلسفية .بحيث تجد هذه الأسباب مرتكزها الأساس حسب زعم
نستنتج ما سبق أن الدرس الفلسفي في المغرب لا زال لم يحظى بذلك الاهتمام الذي
يستحقه ،إلا أنه هذا لا يمنع من وجود دراسات جادة اهتمت ببعض إشكالاته
النظر ية وقضاياه الديداكتيكية .هنا نصل إلى موضع الإشكال الحقيقي؛ إذ أنه ومن
غير المعقول أن نشرع في البحث من دون أن تكون لنا خلفية منهجية واعية عما نشر
وكتب حول واقع الدرس الفلسفي؛ فلابد قبل المضي قدما في سيرورة البحث من
وقفة تشخيصية نتبين من خلالها الأبعاد النظر ية والإشكالية التي تنطوي عليها هذه
1عبد السلام ،بنعبد العالي« ،لماذا أكتب على نحو ما أكتب؟ أو الفلسفة ،كتابة شذر ية» ،ضمن الفلسفة أداة
للحوار .الدار البيضاء :دار توبقال للنشر ،ط.79 ،2011 ،1.
21-146
نصل الآن – كما سبق الإشارة لذلك في الفقرة السابقة – إلى موضع الإشكال
الحقيقي الذي نود أن نفحصه من خلال هذا القسم ،هذا الإشكال المرتبط أساسا
بطبيعة الدراسات المنصبة على دراسة الدرس الفلسفي المغربي ،من حيث بناءها
-فما هي ،إذن ،السمات ال كبرى المميزة للدراسات السابقة حول واقع
-ثم ماذا عن نوعية المقاربات التي تتبناها حول الدرس الفلسفي المغربي
المغربي بشقيه الجامعي والثانوي شكلا واحدا ووحيدا؛ فقد شملت أنواعا متعددة وأنماطا
مختلفة ،من بينها :كتب؛ دراسات أكاديمية؛ مقالات علمية؛ حوارات وورشات ثقافية؛ ندوات
وملتقيات مؤسساتية .كما أنها لم تتطور وفق وتيرة تار يخية موحدة ،فقد عرفت في فترة
تار يخية مخصوصة تطورا ملحوظا ،ل كنها سرعان ما عرفت تراجعا على الصعيدين الكمي
وال كيفي يدعو إلى الريبة والقلق! فكيف يمكن تفسير هذه الوضعية القلقة التي تتسم
يمكن تفسير هذه الوضعية بإرجاعها إلى غياب تقاليد بحثية في الجامعات المغربية
متخصصة في سياق التدريس عموما ،أو في تدريس الفلسفة خصوصا؛ 1ومن النتائج
22-146
المباشرة لهذا المعطى غياب التراكم المعرفي والمنهجي ،إذ تكشف الملاحظة العينية أن
-الأولى :من حيث أن الموضوعات التي ينطلق منها الدارسون متباعدة ،كما
مواقف أصحابها .ومن هنا التشتت الذي يسم توجهات الدارسين ،من
حيث تشخيص واقع الحال الدرس الفلسفي سلبا وإيجابا ،وكذا استشراف
آماله ومستقبله؛
عليها ،ومن الدراسات من تركز فقط على القضايا ذات الطابع الجزئي
والمحلي.
لابد ،إذن ،من حذر منهجي قبل الإقدام على تناول هذه الدراسات ،وذلك
قصد ضبط سياقها ،من جهة ،والقدرة على التحكم في تمفصلاتها ،من جهة ثانية .ولعل
أول ما يجب أن ننطلق منه هو تحديد المنهج الذي سننتهجه ههنا ،بحيث إذا كان
المعول من هذا القسم هو فحص الدراسات السابقة حول الموضوع ،فإننا حتما سنسير
وفق منهج الوصف والعرض ،مع بعض التحليل المشوب بقليل من النقد العلمي البناء،
بحيث سنقوم بعملية تشبه المسح الضوئي الشامل نستقرئ من خلالها مجمل الدراسات
المنصبة على واقع البحث في الموضوع 1،لنبين خصوصية تناولها للموضوع ،من حيث
سياق اندراجها والرهانات التي توجه مقاربتها .وعلى ضوء هذه الدراسات سنحاول
1
سيصعب أن نورد في هذا القسم مجمل الدراسات المنصبة على الموضوع ،لأجل ذلك خصصنا ملحق عام نورد
فيه مجمل ما كتب حول واقع الدرس الفلسفي المغربي ،منذ التسعينات وإلى المرحلة الراهنة.
23-146
أن موقع بحثنا أو لنقل سنشرع له وضعيته الإشكالية وراهنية كموضوع ضمن هذه
البحوث والدراسات.
يتوقف هنا هذا الشق على أن يتم إكمال باقي مراحله في وقت لاحق بإذنه عز وجل.
نتقصد من خلال هذا الفصل الأولي المعنون ’’بالمقومات المضمونية للدرس الفلسفي
في الثانوي التأهيلي‘‘ الوقوف على الدعامات الأساسية المكونة لبنية هذا الأخير؛ هذه
الدعامات التي تتجسد في ثلاث عناصر محور ية ،وهي كالآتي-1 :المكون النظري التوجيهي،
-2المكون الجامعي التخصصي-3 ،المكون التكويني المهني .تشكل هذه الدعامات ،إذن،
الإطار العام الذي سنتحرك فيه ،غير أنه وقبل الشروع في ذلك لا بأس من التنبيه
24-146
إلى نقطتين أساسيتين :الأولى ترتبط بطبيعة الخلفية النظر ية التي نصدر من خلالها،
وهي بلا شك خلفية وصفية تبتغي بالدرجة الأولى رسم خطاطة عامة حول لبنات
الدرس الفلسفي في الثانوي .والثانية تتعلق بضرورة التمييز بين الفلسفة المدرسية
[ ]Scholastic Philosophyالتي نتقصد تتبع ملامحها ههنا ،وبين الفلسفة المنظور
إليها من الزاو ية التخصصية المنفتحة على الفكر الإنساني بشكل عام .فليس المقصود
بالدرس الفلسفي في الثانوي هذا المعنى ،وإنما المقصود على وجه التحديد تلك الفلسفة
المشروطة بمرجعيات ورهانات مؤسساتية تعليمية لها خصوصيتها بطبيعة الحال ،وفي
الآن نفسه تربطها علاقة قو ية بباقي الوحدات الدراسية التي تنتظم وفق إطار موحد،
وهو الميثاق الوطني للتربية والتعليم .ولعل هذا المعنى الذي نود إثباته هنا ،هو ما عبرت
يتبين بجلاء من خلال هذا النص أن نوعية الفلسفة التي تراهن عليها الوثيقة ،وكما
1وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس
مادة الفلسفة بسلك الثانوي التأهيلي (الرباط :مدير ية المناهج ،نونبر .3 ،)2007
25-146
المدرسي -تمكين المتعلم من بعض الخصائص
بعد هذا التمييز المنهجي الذي كان لابد منه ،نمر مباشرة إلى طرح العناصر
الإشكالية .يتعلق الأمر بثلاث أسئلة جوهر ية ،وفيما يلي بسط لهذه الأسئلة:
مما لا ريب فيه أن الحديث عن المرجعية النظر ية التي توجه مدرس(ة) الفلسفة
في الثانوي التأهيلي ،مسألة تحتم على الناظِر فيها العودة بالضرورة إلى مكونين أساسيين،
وهما :وثيقة التوجهات التربو ية ،من ناحية أولى ،والمقررات الدراسية ،من ناحية ثانية.
1
يوسف بن عدي« .رهانات تدريس الفلسفة في التعلم المدرسي :بحث في المفارقات»( ،بوابة منهجيات ،الموقع
الإل كتروني.15-02-2022 ،)https://www.manhajiyat.com/ar :
26-146
ذلك أنه من الصعوبة بمكان معرفة طبيعة هذه المضامين ومكوناتها الفلسفية ،بدون
الاطلاع على الوثيقتين السابقتين ،ولما كان الأمر كذلك ،فإننا حتما سنسير وفق هذا
المسار الذي يتطلب أولا وقبل كل شيء التمهيد له بجملة من التساؤلات المحور ية ،والتي
-ما الذي تطلعنا عليه الوثيقة الرسمية للتوجهات التربو ية لمادة الفلسفة؟
-وما العلاقة التي تربطها بالكتاب المدرسي؟ أهي علاقة ترابط واتصال؟ أم علاقة
تقاطع وانفصال؟
-وقبل كل هذا وذاك ماهي السمات المحددة لملمح أستاذ الفلسفة في الثانوي
التأهيلي؟
تمثل هذه الأسئلة الثلاث بؤرة الاشتغال في هذا المحور ،الذي نبتغي من ورائها
تحديد طبيعة المضامين المعرفية التي يدرسها أستاذ(ة) الفلسفة وفقا للإطار المرجعي
الذي يحكمه ،فمن هو أستاذ الفلسفة الذي توكل إليه مهمة التدريس؟ وماذا عن دلالة
يقدم لنا أحد المهتمين بتدريس الفلسفة في المغرب وصفا دقيقا لمدرس الفلسفة،
من خلال رصده لمستو يين أساسيين تتحدد بموجبهما هو ية هذا الأخير ،الأول معياري
والثاني إ بر يقي ،وما يهمنا – نحن -في هذا الصدد هو المستوى الأول ،أي المستوى
المعياري ،هذا المستوى الذي يضفي على هو ية مدرس الفلسفة بعدين أساسيين :الأول
27-146
العمومية...كل هذه التشر يعات والقوانين لا
أما الثاني فله اتصال مباشر بالبعد الوظيفي ،الذي يتجسد في ’’التلقين واعداد
المترشحين للامتحان والحفاظ على قواعد التربية والمواظبة وتمثل القيم التي يحددها الإطار
العام لمناهج التربية والتكوين‘‘ 2.لعل الخلاصة الجوهر ية التي نستقيها من هذا التوصيف
هو أن أستاذ الفلسفة في الثانوي له قواعد مؤسساتية تحكمه ،وغايات بيداغوجية تؤطر
عمله ،وبالتالي لا مبرر للنظر إليه في سياق معزول أو مبتور الأوصال عن المنظومة
التعليمية المغربيةكلل ،وإنما وجب إدراج ملمحه المهني ضمن الإطار العام المحدد لمفهوم
مهنة التدريس بشكل عام ،هذا الإطار الذي نجد أوضح تجلياته الجوهر ية مبثوثة في
1رشيد العلوي« ،عن هو ية مدرس «مول» الفلسفة» (مجلة الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة ،يونيو 2016فرع
الرحامنة).2022.02.01 .
2العلوي« ،عن هو ية مدرس.»...
28-146
وأخيرا المدرس فرد من هيئة التعليم لأنه
يتبدى مما سبق أن الأدوار التي يضطلع بها مدرس الفلسفة ليست بالهينة ولا
بالبسيطة ،فهي أدوار متعدد ومتداخلة ،يختلط فيها الشأن التدبيري مع التعلمي مع ما
هو توجيهي تربوي .فهي ،إذن ،مهمة مركبة ومعقدة يصعب محاصرتها في مهام بعينها،
ولعل هذا ما دفع أحد الدارسين إلى البحث عن الوظائف المستترة للمدرس ،وفعلا
يتبين ،إذن ،أن هنالك مهام متعددة ملقاة على عاتق المدرس ،الشيء الذي
يفرض بالضرورة إعادة النظر في مهنة التدريس عموما ،قصد تحيينها وتدعيم أركانها،
من جهة ،والعمل على تطوير فعاليتها ،من جهة ثانية .ولن يكون ذلك مجديا ما لم ننطلق
منظومة التربية والتعليم .كتب أحد الدارسين مشيرا إلى أنه وفي غياب
مدرس مؤهل أكاديميا ،ومتدرب مهنيا يعي
1أورده عبد الله زروال ضمن «المدرس وأسئلة المهنة» (مجلة علوم التربية ،العدد .57 ،)61
2مصطفى المعاش« ،المدرس والأدوار المستترة» (مجلة دفاتر فلسفية ،العدد ،9-8يناير .18-16 ،)2013
29-146
تعليمي الوصول إلى تحقيق الأهداف والمرامي
المنشودة1.
-القاعدة الثانية :تتمثل في ضرورة الانخراط الآني والمباشر للمراكز الجهو ية
وإذا ما انصرف اهتمامنا الآن إلى الحديث عن دلالة اللفظة المركبة من
’’الفلسفة‘‘ ’’وتدريس‘‘؛ فإن أول معطى وجب الانطلاق منه في معرض تبين دلالة
1عبد اللطيف الفحصي« ،رفع نجاعة أداء المدرس»( ،مجلة البيداغوجي ،العدد ،1أكتوبر.47 ،)2014 ،
2الفحصي« ،أداء المدرس».47 ،
3المعاش« ،المدرس والأدوار المستترة».19 ،
30-146
هذين المفهومين هو الإشادة بذاك التمييز المنهجي الذي حاولنا تثبيت معالمه في مقدمة
هذا الفصل 1،هذا من ناحية ،أما ومن ناحية أخرى ،فلا يمكن الحديث عن تدريس
الفلسفة ما لم نستحضر مفهوم آخر يرتبط أيما ارتباط بمفهوم الفلسفة ،ألا وهو تاريخ
الفلسفة ،ومرد هذا الارتباط كما كشفت ذلك إحدى الدراسات يرجع إلى سبيين
رئيسيين :فأما الأول فيتجلى أساسا في كون درس الفلسفة ينحل في نهاية المطاف إلى
«كل ما يتخذ موضوعا له ما قاله الفلاسفة سواء كانوا محدثين أو قدماء» 2.وأما الثاني
فيكمن أساسا في أن هذه العلاقة التي تخلقها الفلسفة -بوصفها تفكيرا عقلانيا نقديا -
3
مع تار يخها سواء من حيث «النقد أو الرفض أو الإغناء أو التطبيق أو القبول»،
تجعل من درس الفلسفة في السلك الثانوي خصيصا ذاك «المجال الذي يسمح لنا أن
نفكر في القضايا التي تتجسد في تاريخ الفلسفة»؛ 4غير أنه هذا التفكير لا ينظر إلى تاريخ
الفلسفة بوصفه يمثل صيرورة تار يخية من تطور الأنساق الميتافيز يقية
الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل حول تاريخ الفلسفة 5،والتي تجد تطبيقا لها في
31-146
مختلف الأوساط الأكاديمية المتخصصة ،وإنما ينظر إليه انطلاقا من منظار منهاج مادة
الفلسفة ،هذا الأخير الذي يقوم على أساس تصور منهجي يتخذ فيه الشق التربوي حصة
الأسد في مقابل ما هو معرفي تخصصي .ويتؤكد هذا جليا من خلال القاعدة الأساس
التي تنطلق منها وثيقة التوجيهات التربو ية التي تلح على ضرورة الملائمة بين المقررات
الفلسفة إلى تعليم التفلسف ،وذلك من خلال الاشتغال على تمكين المتعلم من
العودة إلى تاريخ الفلسفة ،إذ ليس بمقدورنا تعلم الفلسفة كما مورست عبر التاريخ ،وإنما ما بمقدورنا تعلمه هو طرائق
التفلسف باعتبارها تشكل جوهر الممارسة الفلسفية .في مقابل هذا تقوم الأطروحة الهيكلية على اعتبار تاريخ الأفكار
الفلسفية قاعدة ضرور ية في كل ضرب من ضروب التفلسف ،...فالحوار مع تاريخ الفلسفة حسب التصور الهيكلي
يشكل البذرة الأولى في سبيل خلق إ بداع فلسفي متميز * .هواري وحسن« ،الدرس الفلسفي وتاريخ الفلسفة»،
.73
1وزارة التربية ،التوجيهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة.9 ،
2وزارة التربية ،التوجيهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة.9 ،
3
المرجع السابق.10 ،
32-146
تقوم هذه المقاربة على تنمية فاعلية المتعلم وجعله أساس ومحور العملية التعليمية،
التربو ية خاصة ،أن ينمي لدى التلميذ مل كة الاختيار المسؤول ،وذلك «من
1
المرجع السابق.10 ،
2
المرجع السابق.11 ،
3وزارة التربية ،التوجيهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة.11 ،
33-146
خلال تنمية ميولهم ومواهبهم وتحقيق ذواتهم فيما يحبونه من الأعمال،
1
واشراكهم في توجيه توجهاتهم التربو ية بشكل واعي وهادف».
استنادا على هذه المرجعية المزدوجة (المفهومية والمهنية) ،يبرز أمامنا سؤال أساسي
متعلق بالمرجعية المعرفية ،ول كي نتمكن من الإحاطة بهذا السؤال يتحتم علينا العودة
القهقرى قليلا للوقوف على وثيقة التوجيهات التربو ية ،هذه الوثيقة التي تعد بحق منعطفا
تار يخيا حاسما في تدريس الفلسفة في الثانوي التأهيلي ،بفعل استفادتها واستثمارها
لا شك أن هذا التحول الذي تمثله هذه الوثيقة كان نتاج صيرورة تار يخية من
التطورات التي عرفها تدريس الفلسفة في الفضاء المغربي ،والتقلبات التي مر منها منذ
34-146
عهد الاستعمار ،مرورا ببرنامج سنة 1996م ،ووصولا إلى التدريس بال كفايات سنة
1
2007م.
واضح ٌ أن السياق السوسيوتار يخي الذي تبلورت ضمنه هذه الوثيقة يحمل بين طياته
مستجدات كثيرة تحتاج إلى نقاش موسع ،بيد أنه و بحكم المقاربة التي نبتغي تحقيقها
في هذا المحور سنضطر إلى الذهاب رأسا إلى المضامين المقرر تدريسها بغرض تفكيكها
وبيان مكوناتها ،وتجدر الإشارة إلى أن تدريس الفلسفة في الثانوي يقوم على ثلاثة
مبادئ مفصلية ،وهي-1 :تعليم الفلسفة-2 ،شمولية المنهاج-3 ،مبدأ التدرج .كما أنه يشمل
خمسة مرتكزات أساسية ،وهي-1 :اعتماد المفاهيم-2 ،اعتماد المجزوءة-3 ،الحفاظ على وحدة
2
البرنامج-4 ،الفلسفة والعلوم الدقيقة-5 ،وضعية ال كتب المدرسية.
تتوزع المقومات المضمونية التي يدرسها أستاذ(ة) الفلسفة على ثلاثة مستو يات
دراسية ،وهي :الجذع المشترك ،الأولى بكالور يا ،الثانية بكالور يا .لكل هذه المستو يات
خلفية نظر ية مؤسسة ،وغايات معرفية محددة ،بحيث إذا كانت المرحلة الأولى جعلت
من طموحها التعرف على الفلسفة بوصفها حقلا معرفيا متميزا عن باقي الحقول ،فإن
المرحلة الثانية أعلت من طموح هذا السقف إلى مستوى التمرس بالتفكير الفلسفي ،في
حين أوصل المرحلة الأخيرة هذا الطموح إلى درجاته العليا ،من خلال السعي إلى
3
ممارسة التفكير الفلسفي طبقا لأدواته المنهجية.
35-146
نأت ِي الآن إلى رصد مكونات برنامج الفلسفة حسب المستو يات الدراسية
المتدرجة ،ول كي نقوم بهذه العملية اقترحنا وسيلة الجداول المختصرة 1،التي تساعدنا من
جهة على تحديد بنية الوحدات الدراسية -مفاهيمها ومحاورها – وتمكننا من جهة ثانية
-1الفلسفة اإلسالمية-2 ،الفلسفة الغربية احلديثة-3 ، .2حلظات أساسية يف تطور الفلسفة؛
الفلسفة املعاصرة.
جمزوءة الفلسفة
-1الدهشة-2 ،البحث عن احلقيقة-3 ،الشك-4 ، .3ملاذا التفلسف؟
العقلنة.
لننتقل الآن إلى المستوى الثاني ،وهو الأولى باكالور يا الذي تتمفصل مضامينه المعرفية
1
اعتمدنا في هذه الجداول على التوصيف الحرفي الموجود في وثيقة التوجيهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس
الفلسفة بسك التعليم الثانوي التأهيلي ،من الصفحة 19 :إلى .37
36-146
احملاور املفاهيم اجملزوءات
-1اإلدراك احلسي والشعور-2 ،مظاهر .1الوعي والالوعي؛
الوعي-3 ،األيديولوجيا والوهم
-1ماهية اللغة-2 ،اللغة والفكر-3 ،اللغة .2اللغة؛
والسلطة. جمزوءة اإلنسان
-1أسس االجتماع البشري-2 ،اجملتمع .3اجملتمع؛
والفرد-3 ،اجملتمع والسلطة.
-1الرغبة واحلاجة-2 ،الرغبة والسعادة، .4الرغبة؛
-3الرغبة واإلرادة.
-1التقنية والعلم-2 ،التقنية والطبيعة، .1التقنية؛
-3تطور التقنية.
-1الشغل خاصية إنسانية-2 ،تقسيم العمل، .2الشغل؛
-3الشغل بني احلرية واالستالب. جمزوءة الفاعلية واالبداع
-1ظاهرة التبادل-2 ،تبادل اخلريات، .3التبادل؛
التبادل الرمزي.
-1ماهية الفن-2 ،احلكم اجلمايل ،الفن .4الفن؛
والواقع.
ولنمر مباشرة إلى المستوى الأخير ،وهو الثانية باكالور يا ،ل كن وقبل أن نكشف
عن البنية المضمونية لهذا الأخير ،ننوه إلى مسألة ضرور ية ،وهي أن برنامج الفلسفة
لمستوى الثانية باكالور يا قد حرص على تناول جل الموضوعات الفلسفية وفق رؤ ية
تكاملية شمولية 1تعبر عن مختلف أبعاد الوجود الإنساني .ولنترك الجدول الآتي يكشف
1وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.30 ،
37-146
-1املعرفة التارخيية-2 ،التاريخ وفكرة التقدم، .3التاريخ؛
-3دور اإلنسان يف التاريخ.
-1التجربة والتجريب-2 ،العقالنية العلمية، .1النظرية والتجربة؛
-3معايري علمية النظرايت العلمية.
-1مشكلة موضعة الظاهرة العلمية، .2مسألة العلمية يف العلوم اإلنسانية؛
-2التفسري والفهم يف العلوم اإلنسانية، جمزوءة املعرفة
-3منوذجية العلوم التجريبية.
-1احلقيقة والرأي-2 ،معايري احلقيقة-3 ، .3احلقيقة؛
احلقيقة بوصفها قيمة.
-1مشروعية الدولة وغايتها-2 ،طبيعة .1الدولة؛
السلطة السياسية-3 ،الدولة بني احلق
والقانون.
-1أشكال العنف-2 ،العنف يف التاريخ، .2العنف؛ جمزوءة السياسة
-3العنف واملشروعية.
-1احلق بني الطبيعي والوضعي-2 ،العدالة .3احلق والعدالة؛
كأساس للحق-3 ،العدالة بني املساواة
واإلنصاف.
-1الواجب واإلكراه-2 ،الوعي األخالقي، .1الواجب؛
-3الواجب واجملتمع.
عن -2البحث السعادة، -1متثالت .2السعادة؛
جمزوءة األخالق
السعادة-3 ،السعادة والواجب.
-1احلرية واحلتمية-2 ،احلرية واإلرادة، .3احلرية؛
-3احلرية والقانون.
تعتبر هذه المضامين الخلفية المنهجية النظر ية التي توجه مهمة أستاذ الفلسفة داخل
الفصل الدراسي .وكنتيجة لذلك ،فإنه لا يمكن أن تصور الدرس الفلسفي في الثانوي
غير أنه بعد التمهل قليلا يبرز أمامنا إشكال مهم يتعلق أساسا بمكانة الكتاب
المدرسي ضمن هذه الوثيقة ،ل كي نحاول الاقتراب من هذا الإشكال نشير بداية إلى أن
الوثيقة قد أقامت فصلا منهجيا بين العنصرين ،ذلك أن ’’[ ]...المنهاج هو وحده الإطار
38-146
الملزم وطنيا [ 1.‘‘]...أما الكتاب المدرسي ’’فللأساتذة ولأستاذ المادة حر ية التصرف
فيه ،وفقا لأهداف المادة وال كفايات المراد تنميتها لدى المتعلم‘‘ 2.بين ،إذن ،أن طبيعة
العلاقة التي تربط بين المكونين علاقة تكاملية تواصلية ،ذلك أن الوثيقة تمد المدرس
بالإطار النظري (الموضوعات ،الإشكالات ،ال كفايات) ،في حين يعمل الكتاب المدرسي
ل كي نؤكد على هذه العلاقة الترابطية بين العنصرين ،سنعمل على استحضار
مقومين أساسين :الأول نستمده مما تمدنا به مقدمات ال كتب المدرسية ،والثاني نعتمد
فيه على بعض الخلاصات التي خرجنا بها من خلال المقارنة بين ال كتب المدرسية
والوثيقة التوجيهية.
1وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.7 ،
2وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.7 ،
3
العماري« ،أسئلة أولية حول تقويم الكتاب المدرسي» ،مرجع مذكور.20 ،
39-146
للأستاذ والتلميذ على حد سواء ،خاصة إذا
ذلك أنه -وكما سبقت الإشارة – يشكل الجسر الذي تمر من خلاله المشار يع التربو ية،
ولعل هذا المقصد هو ما تعبر عنه مقدمات ال كتب المدرسية صراحة ،بحيث يكشف
لنا الاضطلاع على كتاب في رحاب الفلسفة ،خاصة منه الجزء المتعلق بمستوى الثانية
باكالور يا ،أنه ’’يشكل [ ]...استمرار ية العمل بمنهاج مادة الفلسفة بالتعليم الثانوي
التأهيلي‘‘ 2.وإلى جانب هذا الإقرار نجد أيضا أن كتاب مباهج الفلسفة ،يسير في هذا
المنحى ،حيث يؤكد مؤلفوه أنهم سيحرصون على ’’تفعيل الاختيارات والتوجهات
الرسمية المنصوص عليها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين‘‘ 3.تدفعنا هذه المعطيات
إلى ضرورة الاعتراف بوجود ترابط تام بين المكون التوجيهي والكتاب المدرسي ،بيد
أنه ول كي نعمق هذا التأكيد نستحضر بعض مخرجات المقارنة بين ال كتب المدرسية
بأصنافها الثلاث 4 ،من جهة أولى ،والوثيقة التوجيهية ،من جهة ثانية .وفيما يلي بسط
1
المرجع السابق.1 ،
2
الممل كة المغربية ،وزارة التربية والتعليم ،في رحاب الفلسفة :السنة الثانية من سلك الباكالور يا (الدار البيضاء،
الدار العالمية للكتاب ،ط.3 ،)2018 ،1.
3
الممل كة المغربية ،وزارة التربية والتعليم ،مباهج الفلسفة :السنة الثانية من سلك الباكالور يا (الدار البيضاء :افر يقيا
الشرق ،ط.3 ،)2007 ،1.
4أقصد المستو يات الدراسية ،وهي :الجذع المشترك ،والأولى باك ،والثانية باك ،وفي الآن نفسه ال كتب المدرسية،
وهي :في رحاب الفلسفة ،وفي منار الفلسفة ،ومباهج الفلسفة.
40-146
أ .على مستوى حر ية التصرف :بحيث تم تفعيل هذا المبدأ في كل ال كتب المدرسية
بدرجات متفاوتة ،ولعل أوضح تجليات هذا التفعيل نجدها في المستوى الأول ،الذي
يت سم بوجود عناصر عدة ،منها :الاختلاف مع الوثيقة في ترتيب بعض العناصر
ب .على مستوى الالتزام الحرفي بالمضامين :بحيث نجد أوضح تجليات هذا
التوجيهية ،لا تدع أي مجال للشك للإقرار بعدم وجود التطابق الحرفي على
إجمالا ،يمكن القول :إن خلفية مدرس الفلسفة في الثانوي التأهيلي تتسم بتماسك
داخلي إلى حد كبير ،كما أنها استطاعت أن توفق بين التشبث بالمبادئ والأسس ،التي
تضعها الوثيقة التوجيهية كلبنات صلبة لبنائها المعرفي ،من جهة أولى ،وبين الانفتاح
والمرونة والتعدية ،المتمثلة في اختلاف مشارب الكتاب المدرسي وتعدد مناحي اشتغاله
وأنماط تصر يفه للتوصيات المنصوص عليها في الوثيقة التوجيهية ،من جهة ثانية .وهذا
1نستحضر هنا على وجه التحديد كتاب «في منار الفلسفة» وغيره من ال كتب الأخرى ،بحيث إذا كانت الوثيقة
على سبيل المثال لا للحصر تتحدث عن أربع مقومات للتفكير الفلسفي ،فإن المقرر الدراسي يحصرها في عنصرين،
وهما :الدهشة والشك.
41-146
غني عن البيان القول بأن تدريس الفلسفة في المحطة الجامعية المغربية
التار يخي الطو يل؛ هذا المسار الذي اتسم في نظر العديد من الدارسين 1بتحولات كبرى،
لا على المستوى الكمي ،ولا على المستوى ال كيفي ،ولعل أهم هذه التحولات يمكن
رصدها كالآتي:
أ .المستوى التأسيسي :هذا المستوى الذي ارتبط بشكل مباشر بتأسيس
الجامعة المغربية منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي ،بحيث يمكن رصد
1
نستحضر هنا على سبيل المثال ما قرره كل من :عز الدين الخطابي ،عبد المجيد انتصار ،محمد الشيخ ،كمال عبد
اللطيف ،رشيد العلوي ،وغيرهم...إلخ.
42-146
الخطوط العر يضة لهذا التأسيس ومراحله ال كبرى بالاعتماد على التصنيف
الذي يمدنا به الأستاذ كمال عبد اللطيف 1،والذي يشمل أربع عقود
أساسية ،وهي:
من القرن ،20ويتميز بعودة الفلسفة إلى فضاءات الكلية المغربية بشكل
تدر يجي.
المستوى التجديدي :هذا المستوى الذي نجد مكوناته ال كبرى مبثوثة في دراسة
محكمة للباحث المغربي المقتدر محمد الشيخ من خلال مقالة له بعنوان« :تدريس
1
عبد المجيد انتصار ،وصالح هاشم« ،الدرس الفلسفي في المغرب» حوار مع كمال عبد اللطيف (مجلة فكر ونقد،
العدد ،54الرباط يونيو 2003م).1 ،
2لعل أبرز هؤلاء المساهمين هو الفيلسوف المغربي محمد عزيز لحبابي رحمه الله ،الذي ولد سنة ،1922ومات سنة
.1993
43-146
الفلسفة في الكليات المغربية :كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك في الدار
البيضاء نموذجا» 1،فمن خلال هذه الوثيقة نتمكن من رصد الملامح ال كبرى
تطوان ،الجديدة...إلخ)؛
هذه التخصصات شعبة قائمة بذاتها ،مع الاحتفاظ بطبيعة الحال ببعض
لعل هذه الملامح الأربعة تفيدنا في تسجيل ملاحظتين أساسيتين ،الأولى تكمن
في أن تدريس الفلسفة في الجامعة المغربية -وكما سجل ذلك بحق محمد الشيخ -قد
عرف تحولا مفصليا في مساره ،ذلك أن هذه الملامح شكلت -في نظره -وجها بارزا
من
1محمد الشيخ« ،تدريس الفلسفة في الكليات المغربية :كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء نموذجا»
(مجلة تبين ،العدد ،2خر يف .)2012
44-146
وجوه التغيير الهيكلي الذي مس تدريس
أما الثانية فإنها تدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة المضامين المعرفية التي يتلقاها طالب
الفلسفة في الفضاء الجامعي .غير أنه وقبل التطرق إلى هذه المضامين لابد من طرح
-ماهي المكونات المضمونية التي يتلقاها الطالب المنضوي تحت لواء شعبة الفلسفة؟
-ماهي القواسم المشترك بين المسالك الثلاث لطالب في شعبة الفلسفة وعلم النفس
وعلم الاجتماع؟
-ثم ماذا عن الأهداف ال كبرى التي يتأسس عليها الدرس الفلسفي الجامعي؟
جواب على هذه التساؤلات -السالفة الذكر -يتحتم علينا العودة إلى توصيفات
لل ِ
الوحدات المقرر تدرسيها في شعبة الفلسفة ،هذه التوصيفات التي نجدها في المواقع
45-146
الرسمية 1لمختلف كليات الآداب والعلوم الإنسانية بالمغرب ،وسنختار على وجه التحديد
أربعة نماذج أساسية نستنبط منها هذه الوحدات ،وهي على التوالي( :كلية الآداب والعلوم
الإنسانية بتطوان التابعة لجامعة عبد المالك السعدي ،كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس التابعة
لجامعة مولاي إسماعيل ،كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط التابعة لجامعة محمد الخامس ،كلية
الآداب والعلوم الإنسانية القنيطرة التابعة لجامعة ابن طفيل) .فما الذي تطلعنا عليه هذه
الكليات؟
يكشف لنا الاطلاع على المواصفات التنظيمية وجود تباين على مستو يين اثنين:
الأول فيما يخص تسمية الشعب ،فتارة نجد تسمية «شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم
النفس» ،وتارة أخرى نجد تسمية كل مسلك بشعبة قائمة الأركان من قبيل «شعبة
الفلسفة» أو «شعبة علم الاجتماع» .أما الثاني فيرتبط بالحضور المتفاوت للمسالك
الثلاثة ،بحيث باستثناء كلية القنيطرة والرباط اللتين تحضر فيهما جل المسالك ،فإن
باقي الكليات يحضر فيها مسلكا الفلسفة وعلم الاجتماع في غياب تام لمسلك علم النفس!
غير أنه و بخلاف هذا التباين ،فإن هنالك قواسم مشتركة بينهما لا يمكن نكرانها ،وتتجلى
أ .القاعدة المشتركة :وذلك على اعتبار أن الفصل الأول من جميع المسالك أو
الشعب يعتبر بمثابة جذع مشترك على مستوى المواد المقررة .وإلى جانب
هذا هنالك قاعدة أخرى مشتركة ،وهي الوحدات المقررة بدءا من الفصل
الثاني ،وصولا إلى الفصل الرابع بالنسبة لكل مسلك على حدة.
46-146
ب .الأهداف الموحدة :خاصة على المستوى المهني التي تؤهل الطالب للولوج
بعد هذه اللمحة العامة حول مسارات الدرس الفلسفي الجامعي في المغرب ،ننتقل
إلى رصد الأطر العامة لهذا الدرس ،وذلك بالاعتماد على نفس آلية المحور الأول،
وهي الجداول المختصرة ،ولنبدأ مع مسلك أو شعبة الفلسفة التي تتكون مضامينها
1المقرر الدراسي لمسلك الفلسفة كلية الآداب والعلوم الإنسانية -تطوان -جامعة عبد المالك السعدي.
2المقرر الدراسي لمسلك الفلسفة كلية الآداب والعلوم الانسانية -مكناس -جامعة مولاي إسماعيل.
47-146
ولنمر الآن مباشرة إلى مسلك علم الاجتماع ،هذا الأخير الذي تتحدد معالم مضامينه
ولنعرج الآن على المقومات المضمونية لمسلك علم النفس الذي يتشكل برنامجه
1المقرر الدراسي بشعبة علم الاجتماع كلية الآداب والعلوم الإنسانة -قنيطرة -جامعة ابن طفيل.
2المقرر الدراسي بمسلك علم الاجتماع شعبة الفلسفة كلية الآداب والعلوم الإنسانة -مكناس -مولاي اسماعيل.
48-146
-1مبادئ التفكري الفلسفي-2 ،مفاهيم ونصوص فلسفية-3 ،أسس علم االجتماع-4 ،ميادين
وتيارات علم االجتماع-5 ،أسس علم النفس-6 ،ميادين وتيارات علم النفس-7 ،اللغة الفرنسية. الفصل األول
-1طرق التجريب والبحث يف علم النفس-2 ،علم النفس االجتماعي-3 ،علم النفس التنموي ومراحل
احلياة-4 ،علم النفس املعريف-5 ،التيارات الرئيسية يف علم النفس-6 ،علم النفس السريري واملرضي. الفصل الثاين
-1االضطراابت النفسية-2 ،املعريف والوجداين-3 ،علم النفس الفيسيولوجي-4 ،العالقات الفصل الثالث
االجتماعية-5 ،اختيارات االشتغال املعريف-6 ،النمو والتعلم.
-1سيكولوجيا األعصاب والذهن-2 ،التفاعل وبناء اهلوية-3 ،التفاعل وبناء اهلوية-4 ،األنشطة الفصل الرابع
العقلية والوظائف املعرفية-5 ،اإلحصاء ومعاجلة البياانت-6 ،اختبارات تشخيصية.
-1علم النفس العصيب-2 ،علم النفس النمائي املعريف-3 ،املقارابت املعرفية ،تطبيقات إحصائية الفصل اخلامس
1
سيكولوجية ،تداريب وحبوث.
-1االحنراف والسلوك اجلماعي-2 ،األسس النظرية والعملية لطريقة علم النفس اإلكلينيكي-3 ،التقييم
2
النفسي ودراسة احلالة-4 ،األساليب العالجية-5 ،تدريب عملي-6 ،مشروع هناية الدراسة. الفصل السادس
ومما تقدم نخلص إلى القول :بأن المسار الأكاديمي لطالب(ة) في شعبة الفلسفة
لا يتخذ شكلا واحدا ووحيدا ،بل يتعدد ليشمل ثلاثة مكونات أساسية تشترك فيما
بينها في القاعدة الأساس ،ل كنها تختلف من حيث زاو ية التخصص ،وما تقتضيه هذه
الأخيرة من مراعاة المتطلبات المعرفية والمنهجية المتعلقة بكل مسلك على حدة .ويبقى
السؤال المقلق مفتوحا إلى أن يأتي أوانه ،وهو مدى ملاءمة هذه المرجعيات المضمونية
1المقرر الدراسي بشعبة علم النفس كلية الآداب والعلوم الإنسانة -قنيطرة -ابن طفيل.
2المقرر الدراسي بشعبة علم الاجتماع كلية الآداب والعلوم الإنسانة -الرباط -محمد الخامس.
49-146
يحتل التكوين المهني [ ]Professional Formationلمدرس الفلسفة في السلك
الثانوي التأهيلي مكانة متميزة ضمن مساره الدراسي العام؛ ذلك أنه يعمل على إمداده
بمؤهلات مهنية لا غنى عنها في الممارسة التعليمية التعلمية المدرسية ،هذه المؤهلات
التي لا تتخذ – بطبيعة الحال – نمطا واحدا ووحيدا ،بل تشمل جل المكونات المهنية
المضموني ،سنعمل على تسليط الضوء عليها لبيان عناصرها ومكوناتها الداخلية ،ل كن
بعد التمهيد لذلك بجملة من التساؤلات الجوهر ية ،بحيث يمكن تفر يغ أهمها كالآتي:
50-146
-ما هو الرهان المحوري الذي ينطوي عليه تكوين مدرس(ة) الفلسفة في المراكز
1
الجهو ية للتربية والتكوين؟
-وماذا عن الدور المركزي الذي تضطلع به مراكز التربية والتكوين في تأهيل أستاذ
الفلسفة؟
لعل من المفيد جدا ،ونحن نسعى للإجابة على هذه الإشكالات أعلاه ،أن نقدم
تمييزا منهجيا لمفهوم التكوين عن باقي المفاهيم الأخرى من مثل :التربية والتعليم على وجه
التحديد ،ذلك أن مفهوم التكوين ينطوي على معنى محدد في ذاته ،هذا المعنى الذي
يشير إلى ’’ردود الفعل ،وبالتالي فتعر يف التكوين يقتضي إدخال مفاهيم :التغير ،التطوير
أو الاندماج‘‘ 2.وعلى النقيض من هذا ينطوي مفهوم التعليم على ’’نوع من التخزين
هذا التحديد نقر ب أن التكوين لا يدعو إلى نوع من الركود والثبات والاستقرار ،بل
العكس تماما ،إذ المقصد الذي ينبني عليه ينحو في اتجاه التجديد والمواكبة والاستمرار،
ولعل هذا القصد الذي ندافع عنه ههنا يجد تفعيلا له في الوثيقة الإطار ،بحيث يتبين
من خلالها أن هنالك تمفصلا قو يا جدا بين التكوين المهني من جهة ،والتكوين المستمر
1لقد تم إحداث هذه المراكز في إطار «تفعيل المرسوم رقم 2.11.672الصادر في 27محرم 1433ه ( 23ديسمبر
) 2011المتعلق بإحداث المراكز الجهو ية لمهن التربية والتكوين وتنظمها؛ من أجل بناء عدة متكاملة لتأهيل أطر
هيئة التدريس وفق المستجدات التي ترتكز على تمثيل الهندسة التربو ية والبيداغوجية الجديدة لمنظومة التربية والتكوين
وتفعيلها» الوثيقة الإطار» .وزارة التربية ،الوثيقة الإطار :عدة تكوين الأساتذة.5 ،
2
عزيز لزرق« ،الدرس الفلسفي في الثانوي :قراءة في الاحراجات الخفية لتكوين الفلسفي»( ،فكر ونقد ،العدد
،48أبر يل .56 ،)2002
3لزرق« ،قراءة في الاحراجات الخفية للتكوين الفلسفي».56 ،
51-146
والذاتي ،من جهة ثانية ،على اعتبار أن عملية التكوين ليس الغرض منها هو الانغلاق
والانحصار في دوائر ضيقة ،ول كنها عملية تتسم بدينامية مستمرة قصد الوصول إلى
1
الهدف المنشود ،وهو بلا شك تحقيق جودة التعليم وفاعليته.
يقودنا هذا التميز المنهجي إلى التساؤل عن المحددات الأساسية لمفهوم التكوين،
هذا السؤال الذي نجد جوابا شافيا له في العناصر الخمسة التي يقترحها الباحث عزيز
لزرق ،حيث اعتبر أن التكوين يقوم على سلسلة من العلاقات والترابطات التي تحدد
كيانه الداخلي ،هذه العلاقات التي تكمن في العناصر التالية :المدرس ،والبرنامج الدراسي،
والكتاب المدرسي ،والمؤطر التربوي ،ومركز التكوين 2.وما يهمنا من هذه المكونات على وجه
عرض هذه الحيثيات لابد من الإشارة إلى نقطتين أساسيتين :الأولى ترتبط بالأهمية
القصوى التي يكتسيها التكوين المهني ،هذا الأخير الذي أضحى اليوم قاعدة ملحة
وضرور ية لكل
مقبل على تدريس الفلسفة ،نظرا لخطورة
52-146
ومهارات للقيام بهذه المهمة باعتبارها ممارسة
1
مهنية واعية وسليمة.
أما النقطة الثانية ،فتتعلق أساسا بالمكانة المحور ية التي تحتلها مراكز التربية والتكوين،
هذه المكانة التي عبرت عنها بكل وضوح الوثيقة الإطار في الشق المتعلق بالتمفصل بين
التكوين الأساس والتأهيل والتكوين المستمر ،حيث ورد فيها ما نصه كالآتي:
يمر الأستاذ(ة) خلال مساره المهني من خلال
التدريس».
1
وسيمة البقالي ،بحث لنيل شهادة الإجازة :مدى ملاءمة التكوين الجامعي مع الدرس الفلسفي (كلية الآداب
والعلوم الإنسانية -تطوان -التابعة لجامعة عبد المالك السعدي ،شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس :مسلك
الفلسفة.31 ،)2019 ،
53-146
واصطحاب الأستاذ (ة) للتكيف مع
1
تطورات المؤسسة التعليمية ،من جهة ثانية.
أساسية ،والثانية داعمة ،أما الثالثة فهي تكميلية ،وتهدف هذه المجزوءات الثلاث إلى
تمكين الطالب(ة) من خمس كفايات تعليمية ،وهي :كفاية التدبير ،وكفاية التخطيط،
وكفاية التقويم ،وكفاية المعالجة ،وكفاية دعم التخصص 3.هذه هي ال كفايات المهنية
التي يتلقاها الأساتذة المتدربون في مراكز التكوين عموما ،غير أنه يتم احترام الطابع
التخصصي لكل مسلك .وبناء على ما سبق يحق لنا التساؤل عن الوحدات المعرفية التي
للمراكز 4
للإجابة على هذا السؤال يكون لزاما علينا العودة إلى المواقع الرسمية
الجهو ية التي تدرس فيها شعبة الفلسفة ،وفي حدود اطلاعنا البسيط تبين لنا أن تخصص
والتكوين المتواجد في مدينتي :القنيطرة والرباط ومكناس ،وسنقتصر فقط على النموذج
54-146
الأول ،بحيث تكشف لنا الجدولة الزمنية 1للحصص على أن المضامين المقررة تتكون
من العناصر الآتية ،هذه العناصر التي سنعبر عنها بتقنية الجداول المختصرة.
الوحدات املقررة
-1وحدة الدعم (-2 ،)1وحدة التشريع.
يلفت نظرنا هذا الجدول أعلاه إلى تسجيل ملاحظة مركز ية مفادها أن الوحدات
الدراسية المقررة في مراكز التكوين تنقسم إلى نسب مئو ية محددة؛ يحتل فيها دعم
التكوين الأساس نسبة ،20%في حين تتوزع 40%على مواد ديداكتيك التخصص،
و 40%على مواد بيداغوجية .ولا غرابة في أن يحتل دعم التكوين الأساس هذه
النسبة ،إذ أنه -وكما سبقت الإشارة -فإن مراكز التكوين تبني برنامجها الدراسي اعتمادا
على التكوين الأساسي للطالب الذي يفترض أنه قد حصل فيه الحد الأدنى من
المعارف التي تخول له ممارسة التدريس ،لتأتي فيما بعد هذه الأخيرة لا ل كي تنطلق
1
الممل كة المغربية ،وزارة التربية والتعليم ،المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين :جهة الرباط -سلا -فرع قنيطرة،
استعمالات الزمن الأسدوس 1و ،2مسلك تكوين أستاذات وأساتذة التعليم الثانوي للموسم الجامعي-2020 :
2012و.2022-2020
55-146
من الصفر ،ول كن فقط لتعميق هذه المعارف وتشذيبها وتطويرها .وليس هذا فقط،
بل إن الرهان الجوهري الذي يقوم عليه التكوين في هذه المراكز هو الانتقال
بالطالب(ة) من مستوى تلقي المعرفة الأكاديمية العلمية واستوعابها ،إلى مستوى كيفية
إنتاج المعرفة المدرسية بطرق بيداغوجية وديداكتيكية علمية ،وتمريرها إلى المتعلم من
خلال الفصول الدراسية .وعليه ،يمكن القول إن الإطار الجامع بين الوحدات الدراسية
في مراكز التكوين هو أنها ذات صبغة مهنية عملية أكثر منها صبغة تخصصية معرفية.
يجدر بنا ونحن ننهي هذا الفصل الأولي التنبيه إلى مسألة ضرور ية ،تتحدد من جهة
المضمونية للدرس الفلسفي في الثانوي التأهيلي ،وقد استلزم تحقيق هذا المطلب -كما
هو معلوم -السير وفق منهج وصفي نتتبع من خلاله الخطوط العر يضة لهذا الأخير.
أما من جهة ثانية ،فلابد أن ننوه بالقيمة العلمية التي يمنحنا إياها هذا الفصل ،ذلك
أنه على الرغم من كونه يشكل فقط «وصفا سطحيا ،إلا أنه من دون شك سيفتح
أمامنا آفاقا واعدة للتفكر والتحليل نظرا لما يمدنا به من معطيات علمية دقيقة .وبهذا
المعنى إذن لا يحق لنا أن نعتبر المنهج الوصفي ]Descriptive Method[ 1خال من
1يعرفه معجم مصطلحات المناهج وطرق التدريس كالآتي« :منهج بحث علمي ،في العلوم الإنسانية ،يصف الظاهرة
المدروسة ،كما عي في واقعها الراهن ،وصفا دقيقا ،بعد جمع المعطيات الكافية عنها ،عبر واحدة أو أكثر من أدوات
56-146
أي جدوى 1،كما يعتبره البعض ،بل إنه يشكل القاعدة الأساس -بدون مبالغة -في
كل مقاربة تبتغي الاقتراب من الصرامة المنهجية ومن الدقة الموضوعية .فكيف ،إذن،
يمكن استثمار هذه المعطيات الوصفية في استشكال مفارقات الدرس الفلسفي في
الثانوي التأهيلي ،خاصة على مستوى الشروخ الموجودة بين الوثيقة التوجيهية والمقررات
الدراسية الجامعية؟
متعددة( :المقابلة والملاحظة والاستبانة وجمع الروائز) ،يقدم لها وصفا كميا أو نوعيا»* .مؤلف جماعي ،معجم
مصطلحات ومناهج طرق التدريس ،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،ط.95 ،2011 ،1.
1لقد دافع أستاذنا عبد الرحيم تمحري دفاعا مستميتا عن المنهج الوصفي في كتابه« :منهجية البحث الجامعي :لطلبة
الاجازة والماستر والدكتوراه» * ردا على من يعتبره مجرد تقنية خالية من المعنى ،بل العكس تمام ،إذ يعتبر أن
المنهج الوصفي هو القاعدة الأساس التي تبنى عليها المعارف العلمية بشتى أنواعها :فز يائية وطبية وسيكولوجية،...
يقول في هذا الصدد ما نصه كالآتي« :مهما يقال عن البحوث التي تستعمل المنهج الوصفي [ ]...من أنها أولية أو
سطحية؛ إلا أن التاريخ والتجربة أثبتتا أن هذه البحوث هي التي وراء تقدم العلم [ .]...كل واحد في مجاله []...
الواقع الاجتماعي ،الواقع التربوي ،الواقع المهني [ ]...وذلك لهذه الاعتبارات على الأقل- :أن المنطق العلمي أنه
يفترض قبل التصدي لمشكلات أي بحث [ ]...لابد من حصول على معلومات دقيقة وكافية عن المشكلة []...
-أن الوصف لا ينبغي فهمه خطأ ،مجرد معلومات سطحية [ ،]...إنما ينطلق من منهجية واضحة على أساس نظر ية
وتحديد مشكلة البحث بدقة [ * .»]...عبد الرحيم تمحري ،منهجية البحث الجامعي :لطلبة الإجازة والماستر
والدكتوراه (تطوان :مطبعة تطوان ،ط.112-111 ،)2019 ،1.
57-146
يروم هذا الفصل استشكال طبيعة العلاقة التي تربط بين المكون النظري
التوجيهي ،من جهة أولى ،و بين المكون الجامعي التخصصي ،من جهة ثانية .تستمد
هذه العلاقة شرعيتها الإشكالية من وجهين أساسيين ،يتمثل الأول في كون كلا
58-146
ل بأن
ق بين هذين المكونين من عدمه .ولعل غياب هذه الإشارة المرجعية كفي ٌ
التعال ِ ِ
يجعل المرء يطرح أكثر من تساؤل ،...إذ كيف يعقل أن يقبل الأساتذة على تدريس
مقررات فلسفية مدرسية بدون أن تكون لهم خلفية معرفية واعية ومتكاملة عن مدى
ملاءمة تكوينهم الجامعي لطبيعة هذه المقررات .أما بالنسبة للوجه الثاني ،فإنه يتحدد
أساسا في كون المقارنة الموضوعاتية بين ما هو مسطر في الوثيقة التوجيهية ،وما هو
موجود في المقررات الدراسية الجامعية ،تقود الناظر فيها حتما إلى استخلاص جملة
من النتائج المحور ية :منها ضرورة الاعتراف بأن هنالك شروخا بينة أحيانا ،ومضمرة في
أحايين أخرى ،بين المكونين .هذه الشروخ تستدعي من المتأمل فيها وقفة متأنية قصد
1
تبين ملامحها وانعكاساتها على فاعلية الدرس الفلسفي في السلك الثانوي.
استنادا على هاذين المبررين ،إذن ،سنقدم على تقصي ملامح هذه العلاقة
الإشكالية التي تجمع بين العنصرين ،بيد أنه ولتحقيق هذا المطلب ،وجب السير وفق
مسارين متواز يين ومتقاطعين في الآن نفسه ،وهما-1 :المسار المقارن التحليلي :الذي
نعمد فيه إلى وضع مقابلة مباشرة بين طبيعة المضامين المقررة في كلا المكونين ،قصد
الخلوص إلى نتائج محكمة ،ومن ثمة تفكيكها وتحليلها-2 .المسار العملي التشاركي :نعمل
فيه على استحضار بعض مواقف الفاعلين المباشرين في هذا المجال ،وهم بلا شك فئة
مدرسي الفلسفة ،الذين تجمعهم مهنة التدريس ،ل كن ما يفرقهم هو تعدد مشاربهم
التكوينية ،هذه المشارب التي سينصب اهتمامنا الرئيس عليها في هذا الفصل .وذلك
1بحيث سنخصص المحور الأول لطالب(ة) ذي التكوين الفلسفي ،أما المحور الثاني فسنخصصه لطالب ذي التكوين
السوسيولوجي ،في حين يختص المحور الثالث والأخير من هذا الفصل بطالب(ة) ذي التكوين السيكولوجي .وهكذا
نكون قد حاولنا تغطية الخلفيات الثلاث التي يصدر منها أستاذ الفلسفة اليوم .غير أنه وجب التنبيه إلى أن هنالك
خلفيات أخرى يأتي منها أستاذ الفلسفة ،وهي خلفيات ذات طابع مؤسساتي صرف ،وتحتاج إلى دراسة مستقلة
بذاتها.
59-146
عبر الاستناد على موجه أساس ،وهو استطلاع الرأي في موضوع مدى تطابق التكوين
الجامعي مع الوثيقة التوجيهية التربو ية 1.هذا الاستطلاع الذي سيقودنا إلى الاقتراب
ما أمكن من بعض الصعوبات والاحراجات الخفية التي يعاني منها اليوم مدرس
الفلسفية التي تمكنه من نقل معرفته الفلسفية الأكاديمية من كونها معرفة عالمة ،إلى
-وهل هنالك شروخ بينة أو مضمرة فعلا ،بين المكون الجامعي التخصصي،
1
إن المقصد الأساس من تسمية هذه الورقة «باستطلاع الرأي» هو محاولة الابتعاد ما أمكن من الوسيلة العلمية
التي تستخدم عادة في هذه الموضوعات ،والتي تعرف في الأدبيات العلمية المتخصصة «بالاستمارة» و «تقنية تحليل
المضمون» ،هذه الاستمارة التي تحتاج إلى ضبط منهجي على مستو يات عدة- :أولا أن يكون المقبل على توظيفها
مكونا تكوينا أكاديميا دقيقا في علم الاجتماع على وجه التحديد؛ -ثانيا لابد من اختيار عينة المبحوثين بدقة متناهية،
الشيء الذي يعني أن الأسئلة يجب أن تكون مبنية بشكل منهجي دقيق؛ -ثالثا يجب أن توزع على شر يحة كبيرة من
الفئة المستهدفة ،ولعل هذا المطلب يستحيل تحقيقه؛ إذ رغم الجهود التي بذلت لم نستطع أن نحصل إلا على عدد
قليل جدا من الإجابات؛ -رابعا اكراه ضيق الوقت المخصص لبحث الإجازة؛ كل هذه المعطيات تجعلنا نعترف
بأن لا سبيل لتوظيف الاستمارة بمعناها العلمي الدقيق ،وإنما فقط هنالك محاولة بسيطة بدائية إن جاز هذا القول،
بغرض استجلاب بعض آراء السادة الأساتذة في الإشكالية المطروحة لا أقل ولا أكثر.
60-146
لئن كان الطالب(ة) في شعبة الفلسفة العامة أكثر اقترابا واتصالا من حيث
طبيعة تكوينه ،ومساراته التخصصية ،من المعرفة الفلسفية الأكاديمية؛ هذه المعرفة التي
تخول له من جهة أولى الاحتكاك المباشر والعميق بنصوص وأعلام وأنساق الفكر
الفلسفي على امتداد تاريخ الفلسفة الطو يل ،والتي تؤهله من جهة ثانية لممارسة مهنة
تدريس الفلسفة في السلك الثانوي مبدئيا ،فإن واقع الحال يكشف عن شروخ لا
يستهان بها في طبيعة تكوينه الجامعي ،خاصة إذا نظرنا إليه من زاو ية العلاقة
البيداغوجية التي تربطه بالوثيقة الرسمية والبرامج الخاصة بمادة الفلسفة ،فما الذي تكشفه
61-146
ل كي نتمكن من الإجابة على هذا السؤال ،يتحتم علينا أولا وقبل كل شيء ،وضع
أرضية صلبة للانطلاق ،هذه الأرضية التي تتحد في جانبين اثنين :الجانب الأول :يتجلى
أساسا في العمل على توظيف المكتسبات الوصفية للفصل الأول بشكل مباشر ،بدون
الحاجة إلى استحضار حيثياتها المتمفصلة والمتشعبة .أما الجانب الثاني :فإنه يرتبط
بضرورة التنبيه إلى أن هذا المحور ينقسم إلى شقين أساسين ،بحيث نستعرض في الأول
نتائج المقارنة الموضوعاتية بين المكونين السابقين ،ثم نحاول تفكيكها وتحليلها .في حين
نقوم بتدعيم معطيات هذا الأخير بشهادات ومواقف السادة أساتذة مادة الفلسفة في
و بالعودة ِ إلى السؤال المحوري نجد أنفسنا أمام إشكال حقيقي ،هذا الإشكال
الذي لم يلق -في حدود اطلاعنا -العناية الكافية به 1،لا من حيث تعميق النظر فيه،
ولا من حيث البحث عن مخارج نظر ية له وسبل عملية لتجاوزه؛ غير أنه ومن باب
مهمة لهذا الإشكال العو يص في مقالة للباحث المغربي جليل طليمات ،ففي هذا المقال
يمكن أن نتلمس من صاحبه إشارة دقيقة تدعو إلى ضرورة النظر في وضعية تدريس
1
لقد حاولنا جهد المستطاع البحث عن دراسات علمية أو بحوث أكاديمية تناولت هذه الإشكالية أو أومئت إليها
بشكل أو بآخر ،ل كن رغم التقصي الشديد الذي بدلناه لم نعثر على شيء يذكر ،اللهم إشارة هنا وهنالك ،من بينها
إشارة للباحث جليل طليمات سنذكرها ،وإشارة أخرى وردت في دراسة للباحث يوسف العماري حول الكتاب
المدرسي مفادها كالآتي’’ :في ظل تعدد المسالك الجامعية التي ينحدر منها الأستاذ المغربي الحالي [ ]...لمن شأن
الكتاب المدرسي أن يخفف من نقص تكوين الأساتذة [* .‘‘]...العماري« ،أسءلة أولية حول الكتاب المدرسي»،
مرجع مذكور .22 ،فرغم كونها إشارة عامة ،إلا أنها تكشف عن وجود إشكالية حقيقية لا ترتبط بمدرس
الفلسفة فقط ،وإنما تشمل خر يجي الجامعات كلل! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنها إشكالية تحتاج إلى
نظرة كلية جامعة ،وإلى رؤ ية إصلاحية شاملة.
62-146
الفلسفة ،ل كن من منطلق ’’[ ]...العلاقة بين تدريس الفلسفة في الثانوي التأهيلي،
لقد أجاد حقا صاحب هذا النص طرح العناصر الإشكالية لهذا المحور بشكل
دقيق ومحكم ،غير أنه وضع أمامنا مهمة ليست بالهينة ،إذ يتبين من كلامه أن مهمة
تشخيص العلاقة بين الدرس الفلسفي في الثانوي ونظيره الجامعي لا زالت لم تنجز بعد،
هذا إلى جانب كون هذه العلاقة يجب أن ينظر فيها بمستو يات اشكالية متفاوتة
ومتفاضلة ،لا يمكن أن يناقشها جميعا إلا من كانت له الأهلية العلمية التي تمكنه من
ذلك 3،وما بمقدور المرء -أمام ضخامة هذه الإشكالية -إلا أن يناقش المستوى الأدنى
منها ،هذا المستوى الذي ينسجم والخلفية المرجعية التي نصدر من خلالها في مقاربة
1
جليل طليمات« ،عناصر للتفكير في وضعية تدريس الفلسفة» ،موقع ل كم ،الجمعة 19نوفمبر .08:43 | 2021
عبر الرابط الإل كتروني التالي.2022-02-16 ،/https://lakome2.com/opinion/252193 :
2
طليمات« ،عناصر للتفكير في وضعية تدريس الفلسفة» ،موقع ل كم ،الجمعة 19نوفمبر .08:43 | 2021
3ذلك أن مناقشة المستو يات الثلاث التي أشار إليها الباحث جليل طليمات ،وهي :البرامج والمضامين والتخصصات،
تتطلب من صاحبها معرفة عميقة وتكوينا رزينا في هذا المجال ،بل أكثر من ذلك تتطلب تفكيرا جماعيا تشاركيا بين
جل الفاعلين في هذا الحقل ،من باحثين أكاديميين ،وأساتذة جامعيين ،ومفتشين تربو يين ،ومدرسين في السلك
الثانوي مبرزين.
63-146
موضوع ’’تدريس الفلسفة في الثانوي التأهيلي‘‘ ،وهي المقاربة التي عنوانها العر يض
تتخذ المقاربة التي ننهجها في الشق الأول مسارين متواز يين ومتقاطعين ،فهما
متواز يان لأنهما يطمحان إلى تحقيق نفس الهدف ،وهو وضع مقارنة موضوعاتية
[]Thematic Comparison؛ وهما متقاطعان لأن لكل منهما غاية محددة ،ذلك أنه
إذا كان المسار الأول سيكشف لنا عن مواطن التوافق بين طبيعة المقررات الدراسية
الجامعية ونظيرتها المدرسية الثانو ية ،فإن المسار الثاني يبتغي تحقيق عكس ذلك تماما،
إذ الغرض منه هو وضع الأصبع على بعض مواطن الخلل والقصور التي تعتري طبيعة
التكوين الأكاديمي للطالب في شعبة الفلسفة العامة ،من حيث مضامينه وعلاقته
بالوثيقة التوجيهية ،هذا الأخير الذي سبق لنا حصر خلفيته الأكاديمية في أربع كليات
متخصصة ،وهي على التوالي( :كلية عبد المالك السعدي بتطوان ،وكلية طفيل
بالقنيطرة ،وكلية مولاي اسماعيل مكناس ،وكلية محمد الخامس الرباط ،وكلية مولاي
عبد الله بمراكش ،وكلية الحسن الثاني الدار البيضاء ،وكلية محمد الأول بالناظور،
وكلية.)...
يسهل على الدراس أن يجد تشابهات كبيرة بين طبيعة المقررات الدراسية في
السلك الثانوي لمادة الفلسفة ،من جهة أولى ،و بين طبيعة المقررات الجامعية للطالب
في شعبة الفلسفة العامة ،من جهة ثانية ،ولعل هذا التشابه يبرز أساسا في مستوى
الجذع المشترك في السلك الثانوي ،كما أنه يبرز كذلك وبشكل ملفت للنظر في الفصول
الأولى الأربعة في شعبة الفلسفة العامة ،و يمكن تلمس ذلك من خلال العناصر المجدولة
التالية:
64-146
الوحدات الدراسية يف شعبة الفلسفة الوحدات الدراسية يف السلك الثانوي التأهيلي
العامة
-1جمزوءة الفلسفة :حبيث كل احملاور اليت تدرس فيها مبا -1وحدة مبادئ التفكري الفلسفي:
فيها سياق النشأة والتطور التارخيي ،ومبا فيها كذلك أيضا تتضمن هذه الوحدة ضمن وحدات أخرى
متقاطعة معها عموداي أو أفقيا من مثل: آلياهتا ومنط اشتغاهلا من« :بناء املفهوم» و«األشكلة»
...إخل .ميكن إدراجها يف غري ما وحدة يف شعبة الفلسفة (مفاهيم ونصوص ،أو الفلسفة وأمناط
يكفي من املعارف التعبري) ،ما العامة؛
واملكتسبات النظرية واملنهجية لكي أتهل
الطالب(ة) ليدرس جمزوءة الفلسفة مبدئيا؛
65-146
-جمزوءة اإلنسان :ميكن إدراج ضمن هذه الوحدة «مفهوم -3وحدة أسس علم االجتماع :تتصل
هذه الوحدة إىل جانب وحدات أخرى من اجملتمع» على وجه التحديد؛
-2جمزوءة الفاعلية واإلبداع :ميكن إدراج مفهومي «التقنية مثل( :اجلماليات ،أو نشأة العلم
والفن» ،هذه املفاهيم اليت ترتبط بشكل مباشر ابلوحدات احلديث) ،بشكل أو آبخر ابلوحدات
إن الغرض من هذه العناصر الموضوعاتية أعلاه هو تبين بعض أوجه التوافق
بين الوحدات والمفاهيم والمحاور الدراسية في السلك الثانوي التأهيلي لمادة الفلسفة،
و بين ما هو مقرر في المستو يات الأربعة الأولى في شعبة الفلسفة العامة .وفعلا هنالك
تقارب كبير بين الجانبين ،خاصة على مستوى المنظور [ ،]Perspectiveالذي يتخذ
أ .على المستوى المنهجي :ذلك أن الآليات المنهجية التي من الضروري أن
الأربعة من شعبة الفلسفة العامة؛ فإذا كانت الوثيقة التوجيهية تولي عناية
الاحتكاك المباشر بها والمعرفة الدقيقة بعناصرها ،ومن حيث سبل أجرأتها
66-146
وبالتالي لا وجود لتضارب على مستوى زاو ية النظر ،بل العكس ،إذ
هنالك تطابق تام على المستوى المنظوري ،أو لنقل الخلفية المرجعية الموجهة
التي تصدر منها الوثيقة التوجيهية ،تلتقي إلى حد كبير مع المقررات الجامعية
في شعبة الفلسفة العامة ،خاصة إذا علمنا أن هذه المقررات المتعلقة
الوطني ،الشيء الذي يدفعنا للإقرار بأن تلك الوحدات تخول للطالب(ة)
أن يدرس تلك المجزوءات ل كونه قد راكم خبرة وتجربة لا يستهان بها في
التعامل مع تاريخ الفلسفة ،منذ مطلعه ،ومرورا بمحطاته التار يخية ال كبرى،
فلسفية يتصل بعضها بما هو مقرر في السلك الثانوي ،وينفتح الباقي منها
وفضلا عن هذا التوافق المنظوري الذي يتخذ صورتين متكاملتين ،فإن هنالك
توافق آخر لا يقل أهمية عن هذين المستو يين السابقين ،يتعلق الأمر بالنظرة المشتركة
للفلسفة من كلا الجانبين على أنها تمثل حقلا معرفيا متمايزا عن باقي الحقول الأخرى،
ومن حيث كذلك طبيعة العلاقة التي تربطها بباقي الحقول المعرفية المتقاطعة والمتكاملة
67-146
معها ،ذلك أن العودة إلى الوثيقة التوجيهية تكشف أن تمثلها للمعارف الإنسانية جمعاء
وبالمثل نجد أن الأهداف المعرفية المسطرة في شعبة الفلسفة العامة تطمح إلى اكساب
الطالب(ة) عدد منهجية ومعرفية تصب في نفس المنحى الذي تجترحه الوثيقة
التوجيهية ،هذا المنحى الذي يتميز من جهة ،بتمكين الطالب من المعرفة العلمية الدقيقة
والدينية...إلخ) ،ولقد سخرت لذلك غير ما وحدة دراسية من مثل( :الفلسفة وأنماط
التعبير؛ ومفاهيم ونصوص فلسفية؛ مبادى التفكير؛ المنطق؛ ...إلخ) .أما ومن جهة
ثانية ،فإن المعرفة بخصوصية التفكير الفلسفي تستلزم بالضرورة وعي الطالب بكون
1وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.4 ،
68-146
المعرفة الفلسفية هي بالدرجة الأولى معرفة مفاهيمية نقدية هدفها إثارة التساؤلات
والإشكالات ،ومساءلة المسلمات والبداهات ،بما يرتبط والقضايا ال كبرى التي حددت
وفيما يتعلق بالعلاقة مع باقي الحقول الأخرى ،فلقد حرصت الوثيقة على
إحداث فصل منهجي بين الفلسفة ،من ناحية ،والعلوم الدقيقة والإنسانية ،من ناحية
ثانية ،وذلك ’’[ ]...من خلال إعطاء الأولو ية للفلسفة ،وجعل العلوم الدقيقة
ولهذا ،فإن العلوم الإنسانية والدقيقة تحضر في مقرر السلك الثانوي التأهيلي لمادة
س الاتجاه أيضا تسير شعبة الفلسفة العامة ،إذ لا يعقل إطلاقا أن
وفي نف ِ
تتعامل هذه الشعبة مع الوحدات المدرسة فيها على اعتبار أنها تنضوي ضمن تخصصات
1
وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.6 ،
2المرجع السابق.6 ،
3وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.6 ،
69-146
أخرى كالفيز ياء ،أو اللسانيات ،أو الأنثروبولوجيا ،أو السوسيولوجيا ،أو غيرها من
الحقول المعرفية الأخرى ،ذلك أننا نستشف من البرامج المقررة فيها – وكما سبق عرضها
سابقا – حضورا بارزا للباحث الفلسفية وللحقبة التار يخية وللقضايا والإشكالات ذات
الطابع الفلسفي الصرف 1.كتب الفيلسوف المغربي محمد عبد الجابري موضحا هذا التمايز
لا مجال ،إذن ،للخلط بين موضوعات العلوم بدون أدنى اعتبار لخصوصية المقام
التداولي للحقل المعرفي الذي نتحدث عنه ،وكذلك الشأن بالنسبة لشعبة الفلسفة التي
1
قد يعترض على هذا الطرح بالقول إن هنالك وحدات توجد «خارج الحقل الفلسفي» من قبيل« :التصوف»،
«علم الكلام»« ،تيارات وميادين علم النفس» ...إلخ ،بيد أنه من السهولة بمكان الجواب على هذا التعارض ،إذ أنه
ومن جهة أولى ،فإن هاته المواد تعتبر تكميلية وليست رئيسية ،ومن جهة ثانية ،فإن انفتاح شعبة الفلسفة على هذه
المعارف يكون من وجهة نظر فلسفية محضة ،بمعنى مقاربة هذه المعارف من وجهة نظر تبين تقاطعاتها مع الفلسفة
من حيث الاهتمامات والآليات ،أو من حيث التباينات والتشابهات.
2
الجابري ،محمد عابد .مدخل إلى فلسفة العلوم :العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي (بيروت :مركز دراسات
الوحدة العربية ،ط ،8.فبراير .19 ،)2014
70-146
يبدو من خلال المعطيات السابقة ألا وجود لأي تعارض بين الوثيقة التوجيهية
والمقررات الجامعية لشعبة الفلسفة العامة ،فهل فعلا ألا وجود لأي تعارض بين
الوثيقة التوجيهية والمقررات الجامعية في شعبة الفلسفة؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار هذا
الطرح صائبا؟ أولا يحمل هذا الحكم في ذاته نوعا من المبالغة والتعسف؟ وإذا كان
الأمر كذلك ،فكيف يمكن تلمس أوجه التعارض بين الجانبين وتجلياته؟ وأخيرا وليس
آخرا ماهي المقدمات التي نستند عليها في تبرير هذا التعارض وتجلياته؟
أساسيتين ،يمكن اعتبارهما المهاد الأول لاستشكال أوجه التعارض بين المكونين؛
بحيث تتعلق الأولى بكون الكليات الأربعة التي حصرنا فيها خلفية الطالب(ة) في
شعبة الفلسفة العامة تنعدم فيها أي وحدة معرفية لها صلة بشكل أو بآخر بعالم التدريس،
سواء تعلق الأمر بديداكتيك المادة ،أو بما له صلة مباشرة بالمضامين المقررة في الوثيقة
التوجيهية .أما الملاحظة الثانية ،فإنها ترتبط بوجود تباينات وتفاوتات بين الكليات
المتخصصة ،من حيث حضور أو غياب بعض المواد الأساسية ،من مثل :فلسفة التاريخ؛
فلسفة اللغة؛ فلسفة الأخلاق؛ فلسفة العلوم؛ الإبستمولوجيا...إلخ .هذه الوحدات التي تربطها
علاقة وطيدة بما هو مقرر في السلك الثانوي التأهيلي ،و بخاصة في مستوى الأولى
بناء على هاتين الملاحظتين يمكن القول :إن أوجه التعارض بين الجانبين تبرز
بشكل ملفت للنظر في الفصلين الخامس والسادس بين الكليات المتخصصة في شعبة
الفلسفة العامة ،كما أنه بالنسبة لسلك الثانوي تبدأ من مستوى الأولى والثانية باكالور يا،
71-146
الوحدات الدراسية يف شعبة الفلسفة الوحدات الدراسية يف السلك الثانوي التأهيلي
العامة
.1جمزوءة اإلنسان :تقارب هذه اجملزوءة مفهوم اإلنسان .1فيما يتعلق مبفهوم «الوعي
من زوااي متعددة ،وهي( :الفردي السيكولوجي؛ اجملتمعي والالوعي» ،فال وجود ألي وحدة يف شعبة
السوسيولوجي؛ اللغوي التواصلي؛) .وما يهمنا منها على الفلسفة العامة؛ خاصة يف الفصلني
وجه التحديد املفاهيم الثالث الرئيسية ،وهي« :الوعي اخلامس والسادس ،وبتوافق اتم بني مجيع
الكليات املتخصصة ،أي وحدة تقارب والالوعي» و«اللغة» ،و«الرغبة»؛
هذا املفهوم ،هذا إىل جانب الطابع
السيكولوجي الذي يتميز هذا املفهوم ،وما
حيمل من خصوصية على مستوى املنظور،
الشيء الذي يتعارض واخللفية املنظورية يف
شعبة الفلسفة العامة؛
72-146
.2جمزوءة الوضع البشري :خاصة منها مفهوم «التاريخ» .2فيما يرتبط مبفهوم التاريخ ،فال نكاد
نعثر على مادة تقابل هذا املفهوم يف شعبة و «الغري» وما يرتبط هبذين املفهومني من حماور تفصيلية؛
.3جمزوءة املعرفة :وخباصة منها مفهوم «النظرية والتجربة» ،الفلسفة العامة ابلنسبة لكلية تطوان ،بل
وما يتمفصل عنه من حماور ذات طابع ابستملوجي خالص ،من الغرابة مبكان أن تتكرر فيها بعض
من مثل( :العقالنية العلمية ،معايري النظرية العلمية...إخل)؛ الوحدات على حنو غري مستساغ ،من
.3جمزوءة األخالق :وما يندرج حتتها من مفاهيم وحماور مثل« :العدالة السياسية» «فلسفة احلق»
هلا ارتباط مبفهوم «الواجب» أو «اإلكراه» أو «السعادة»؛ «الفلسفة السياسية» ،حبيث كلها تنضوي
ضمن إطار واحد ،وكان من األوىل الرتكيز
على وحدات أخرى؛
تكشف هذه العناصر المجدولة أعلاه بذاتها عن تباينات لا يستهان بها بين
المكونين -قيد الدراسة والتحليل -ل كنها تباينات وكما ثمت الإشارة لذلك آنفا متفاوتة،
بحيث تتصدر كلية الآداب بتطوان المرتبة الأولى من حيث غياب وحدات أساسية
من صلب التفكير الفلسفي ،في حين تأتي الكليات الأخرى في نفس المرتبة ،بل يمكن
73-146
القول إن فصولها الدراسية قد غطت إلى حد كبير جل المباحث الفلسفية ال كبرى.
إلا أنه ورغم من وجود هذه التباينات يظل الطالب(ة) في شعبة الفلسفة العامة المرشح
الأول لتدريس الفلسفة في السلك الثانوي التأهيلي نظرا لحجم التعالق ال كبير الذي يربط
تخصصه الجامعي بالدرس الفلسفي في الثانوي ،لا من حيث الخلفية النظر ية ،ولا من
حيث طبيعة الموضوعات المقررة فيه ،ولعل هذه النتيجة ليست مجرد إسقاط تعسفي
أو موقف ذاتي ،كما قد يتبادر إلى الذهن ،وإنما هي خلاصة مقابلة موضوعاتية محايدة.
وإذا كانت هذه المقارنة الموضوعاتية قد أسفرت على هذه النتيجة ’’الإ يجابية‘‘
إلى حد ما ،فهل تتفق هذه النتيجة مع مواقف وآراء السادة أساتذة مادة الفلسفة في
السلك الثانوي ،أم أنها تتضارب معها وتناقضها؟ وهل فعلا يتحصل وعي كاف لدى
مدرسي الفلسفة بأهمية هذه الإشكالية وانعكاسها السلبي على الدرس الفلسفي ،أم أنهم
لقد اقتضت طبيعة المقاربة التي نصدر من خلالها في هذه الدراسة المتواضعة
إشراك الفاعلين المباشرين في حقل تدريس الفلسفة في الثانوي ،وذلك بغية الاقتراب
بشكل واضح وملموس من بعض الصعوبات والتحديات التي يعاني منها اليوم مدرس(ة)
الفلسفة ،و بخاصة من زاو ية طبيعة تخصصه الجامعي ،وما هو مطالب بتدريسه في
السلك الثانوي التأهيلي .ولقد وجهت هذه العملية التشاركية ضرورتان معرفيتان
أساسيتان :فأما الضرورة الأولى فهي ضرورة منهجية تتجلى أساسا في كون مثل هذه
الموضوعات تتطلب تفكيرا جماعيا واعيا بين جل الفاعلين فيها ،بغرض خلق جسور
للحوار والتفاعل والمشاركة بين الباحث من جهة ،والمبحوثين من جهة ثانية ،و بهدف
أيضا التمكن من استيعاب الظاهرة المدروسة من مختلف جوانبها ،وكذا خلق إمكانات
74-146
لتجاوزها ،ولعل هذا الفكر الجماعي/المركب ]Collective] Though 1هو ما نحتاجه
اليوم في أوساطنا المغربية المتعالمة ،و بخاصة في الفضاء التربوي التعليمي؛ فبفعل تعقد
ظواهر هذا الأخير وتشعبها وتداخلها مع حقول عدة ،فإنه لا سبيل لحلها سوى التفكير
الجماعي التراكمي .وأما الضرورة الثانية فهي ضرورة علمية موضوعية ،ليس الغرض منها
هو التنقيص من شأن الأساتذة ولا من قدراتهم المعرفية والعلمية ،وإنما رهانها الأساسي
هو محاولة الاقتراب من الظاهرة المدروسة في حد ذاتها هي ،بما هي ظاهرة حية ملموسة
يعاني منها الدرس الفلسفي في السلك الثانوي ال تأهيلي ،وفي استبعاد تام لأي هاجس
شخصي أو منطلق ذاتوي .ولهذا فإن الأسئلة لا تمس الشخص في ذاته ،وإنما تنظر إليه
سنركز في هذا السياق على المستوى الثاني بالتحديد ،وفي نفس الوقت سنركز على
إجابات السادة أساتذة الفلسفة ذوي خلفية أكاديمية فلسفية .أما عن نوعية الأسئلة
المطروحة فيمكن تلمس ملامحها من خلال الوثيقة التالية( :أنظر الملحق رقم ،1
الصفحة .)57
ل أحد عشر سؤالا نجد أن ستة أسئلة فقط لها صلة مباشرة بالمستوى
من أص ِ
التشخيصي ،وسنورد الإجابات التي أدلى بها السادة الأساتذة كما هي ،والذين لا يتجاوز
1
يعتبر الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغارد موران ( )Edgar Morinأحد الأعلام البارزين في الساحة
الفكر ية المعاصرة الذين يلحون على ضرورة تغيير النظرة إلى العالم ،من نظرة أساسها التجزيء والتقسيم والتشتت،
إلى نظرة أساسها التركيب والنسقية والتنظيم .وله في هذا الباب مؤلفات هامة ،نذكر من بينها مؤلفه الشهير:
،Edgar, Moran. La Méthode, Paris: Seuil, 1977-2004.وقد صدر هذا المتن في أربع أجزاء متتالية.
يعبر هذا المتن في نظر العديد من الدارسين عن الأطروحة العامة التي يتبناها موران ،هذه الأطروحة التي تقوم
أساسا على نفي النظرة التجزيئية إلى العالم؛ ذلك أنه و بحكم التطور الذي عرفته مختلف الأنساق النظر ية ما عاد
بمقدور الفكر البشري اليوم أن يقدم تصورا نسقيا وشاملا عن ظواهر الوجود إلا من خلال الصدور عن نظرة
تركيبية تنصهر فيها مختلف المعارف الإنسانية ضمن نسق معرفي يتميز بتراكب العلوم وتكاملها* .
75-146
عددهم الثلاث مشاركين ،ومن ثمة نقوم بالتعليق عليها وتفكيك بنيتها طبقا لمنظورنا
الخاص ،والذي ينبني أساسا على المعطيات الوصفية والموضوعية التي تمكنا من الحصول
من جملة ِ الملاحظات الأولية التي بمقدور المرء أن يسجلها من خلال التأمل الشديد
في الأجوبة المعطاة -أعلاه -والفحص الدقيق لعناصرها الداخلية ،هي كالآتي:
-على الصعيد البعد الموضوعي :بحث يصعب على الناظر في هذه الأجوبة
-على صعيد العمق التحليلي :ذلك أن النظر المتبص ِر في طبيعة الأجوبة المعطاة
يكشف لصاحبه أنها حبكت بطر يقة دقيقة تنم عن مدى وعي أصحابها
-على الصعيد المنطلق المنظوري :ليس يصعب على المرء أن يتبين من خلال
الأجوبة المعطاة بعض أوجه الاختلاف بينها؛ إلا أنه اختلاف وإن كان
يعكس على المستوى العام تمثل متباين لتجليات نقص التكوين الأكاديمي
كليا على وجود خلل تكويني يعتري هذا الأخير في خلفيته الأكاديمية
المعرفية.
ال كشف عن بعض ملامحها ،وتبين مدى توافقها أو اختلافها مع المعطيات التحليلية
76-146
إن أول معطى وجب التنبيه إليه هو أن منطق المقاربة التي ننهجها في هذا
السياق لا ينظر إلى الأجوبة المعطاة بصفتها تمثل مخرجات علمية دقيقة يمكن تعميمها
بشكل مطلق ،وإنما بوصفها مواقف وآراء تعبر عن محاولة بسيطة للتفكير الجماعي في
إشكال لا يمكن حله – حسب منظورنا – إلا بتقاسم الخبرة والتجارب ،من جهة،
يفرض علينا التعامل الهرمي التسلسلي مع الأجوبة المعطاة البدء مع أولها ،هذا
السؤال الذي تعددت حوله الإجابات بين تحفظ يطبع جواب المشاركين الأول
والثالث اللذان وإن أقر بوجود تقاطعات بين الوثيقة التوجيهية والمقررات الجامعية ،إلا
أنها تقاطعات تظل محدودة الأفق ،بفعل عوامل عدة ،منها :اختلاف طرق التدريس،
اختلاف الرهانات والغايات .وبين جواب موسوم بإطلاقيه كلية ،يقر فيه صاحبه بوجود
اتصال كلي بين الجانبين ،إلا أنه ومن منطلق التحليلات السابقة يمكن القول إن
صاحبه لا يصدر فيه عن وعي نقدي بالخطوط المفصلية للإشكال المطروح ،بحيث
حتى لو اتفق معه على المستوى العام ،فإننا لا محالة سنختلف معه على المستوى الخاص،
ذلك أن السبر الدقيق لمضامين المكونين – قيد الدراسة والتحليل – يكشف على وجود
شروخ عديدة تمت الإشارة إليها سابقا .وإذا ما عبرنا إلى السؤال الثاني فإننا واجدون
أن إجابة كل من المشاركين الأول والثالث تلتقي إلى حد كبير مع ما أومئنا إليه آنفا،
بل و يضيفان نقطتان أساسيتان ،وهما :عدم أصالة التكوين الجامعي ،عدم كفايته نظرا
لانفتاحه على قضايا متعددة ،ولعل هاتين النقطتين كفيلتان بأن تعضد من ناحية ما ذهبنا
إليه ،وأن تفتح من ناحية أخرى آفاقا مهمة لتفكير في سبل حل الإشكال.
77-146
بخلاف هذا ،يذهب المشارك الثالث في مسار ’’التقزيم من دور التكوين
الجامعي‘‘ ،حينما يعتبر أن دوره يقتصر فقط على امداد الطالب(ة) بالمصادر والمراجع،
في حين يبقى التكوين الذاتي حسب زعمه هو المعول عليه لتأهيل مدرس(ة) الفلسفة
متمكن من مادته وقادر على تفعيل الآليات البيداغوجية .غير أنه يمكن أن نرد على
هذا الطرح من وجهين أساسيين :فمن جهة يمكن أن نطرح سؤالا استنكار يا فنقول،
هل من السهولة واليسر أن نسلم بهذا الدور الاختزالي للتكوين الجامعي ،علما أنه يشكل
وعلى حد قول جليل طليمات «قاعدة التكوين المرجعي»؟ صحيح أن التكوين الذاتي لا
مفر منه ،بيد أن هذا لا يعني أن لا دور يلعبه هذا الأخير ،وإنما يعني أن التكوين
الجامعي ضرورة لا مفر منها بحكم طابعه الأكاديمي الذي يمكن المدرس من آليات
منهجية منضبطة يندر أن تتوفر في التكوين الذاتي غير المنضبط بشروط علمية واضحة
متفق حولها .ومن جهة ثانية ،فلابد من إحداث فصل منهجي بين المعرفة الأكاديمية
بوصفها تندرج ضمن سياق مؤسسي منضبط ،وبين المعرفة الذاتية التي بمقدار الجميع
الانخراط فيها .فهذا الفصل حقيقة يشكل مدخلا مناسبا لاستشكال طبيعة العلاقة
ننتقل بعد هذا مباشرة إلى السؤال الثالث ،الذي توزعت الإجابات عنه إلى
صنفين رئيسيين :صنف أول صريح ومباشر خاصة جواب المشارك الأول الذي اتسم
بدقة عالية وبإشارة واضحة إلى بعض الموضوعات التي يجد فيها صعوبة بالغة بحكم خلفيته
الفلسفية .أما الصنف الثاني فهو غير مباشر ،بحيث لا نجد في جواب المتدخل الثاني
والثالث إشارة واضحة لبعض الصعوبات التي تواجههما في تدريس موضوعات تنهل
من حقول عدة؛ إلا أن جوابهما يفتح أعيننا أمام إشكالات أخرى أكثر تعقيدا
78-146
وتشعبا ،ليس مقدورنا الخوض فيها ههنا ،يتعلق الأمر بآفتين خطيرتين ،وهي :صعوبة
هضم التلاميذ لبعض المعارف الفلسفية إما بسبب استغلاقها أو بسبب عدم ملاءمتها لمستواهم
المعرفي؛ الخلل الذي يعتري بعض موضوعات ال كتب المدرسية من سوء ترجمة أو خلط معرفي .لن
نخوض في هذه الإشكالات لأنها تستحق فعلا أن يفرد لها دراسات علمية مستقلة
نظرا لأهميتها وراهنتيها ،ل كن يكفي أن نشير إلى أن هنالك العديد من الباحثين حاولوا
ال كشف عن بعض المطبات التي وقعت فيها ال كتب المدرسية لمادة الفلسفة ،هذا إلى
جانب بعض البحوث التي اهتمت بموضوع الرؤ ية البيداغوجية القائمة على أساس تنمية
1
ال كفايات وبين ما هو موجود في الممارسة الفصلية.
أما إذا عرجنا الآن على السؤال الرابع ،وهو السؤال الذي يبتغي رصد بعض
انعكاسات الشروخ الموجودة بين المقررات الجامعية والوثيقة التوجيهية على الدرس
الفلسفي في الثانوي ،فإننا نتبين من خلال الأجوبة المعطاة أنها تسلط الضوء على ثلاث
آفات رئيسية ،وهي :صعوبة إدراك أصل الإشكال ،طغيان التأو يلات الشخصية ،استحالة نقل
إن هذه الآفات كفيلة بأن تدعونا لندق ناقوس الخطر وأن نسرع في إ يجاد
حلول آنية ومباشرة ،ولعل في جواب المتدخل الثالث إشارة إلى مثل هذا حينما يؤكد
على ضرورة خلق تكوين مواز للمدرس في مساره المهني .وما يجعلنا نلح على ضرورة
1
نذكر هنا على سبيل المثال لا للحصر مساهمة كل من :الدكتور يوسف العماري في مقال له تحت عنوان« :أسئلة
أولية حول الكتاب المدرسي» ،إضافة إلى مقالتين له في جريدة الإتحاد الاشتراكي بعوان« :آفات التحرير السائب
لتأليف الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة :تناول مفهوم القابلية للتكذيب والعقلانية العلمية نموذجا» .ومساهمة الدكتور
مصطفى العارف بمقال له تحت عنوان« :الدرس الفلسفي في ظل ال كتب المدرسية» .إلى جانب هذا هنالك مساهمة
أساتذةكثر ،منهم الأستاذ كمال صدقي في مدونته الإل كترونية ،ومساهمة الباحث الأكاديمي عبد الله بربزي بدراسة
له تحت عنوان« :تدريس الفلسفة بال كفايات وآثارها على التفكير النقدي :الثانية باكالور يا نموذجا» .إضافة
79-146
هذا التكوين الموازي هو حينما نستحضر السؤال الخامس الذي يزيد من تعميق الهوة
بفعل استحضاره للخلفيات الثلاث التي يصدر منها مدرس الفلسفة اليوم ،هذه
الخلفيات التي تعددت حولها آراء المشاركين بين معول بشكل أساس على التكوين
الذاتي في نفي تام لهذه التعددية ،إلا أنه لا يخفى على المتأمل في هذا الجواب أن
يتلمس بعض جوانب الإطلاقية ل كونه لا يسعف الدارس في تبين مكامن الخلل بشكل
دقيق .ثم إن الحديث عن التكوين الذاتي مسألة مفروغ منها ،ل كن يبقى التكوين
الأكاديمي هو الحجر الأساس الذي يبنى عليه كل شيء ،فإذا أصيب بخلل فلا يمكن
حله إلا في ضوء رؤ ية شاملة متكاملة .وعلى النقيض من هذا نجد أن ما يطبع أجوبة
المتدخل الأول والثالث كونها توطن مكامن الخلل بشكل دقيق ،بحيث إذا اقتصرنا
على طالب الفلسفة فإن المشارك الأول يرسم لنا إمكانات وحدود هذا الأخير حينما
يحدد المسائل التي هو ضليع فيها والمسائل التي يحتاج إلى تكوين فيها من جديد .أما
المشارك الثالث فبدوره ينخرط في هذا المسار حينما يؤكد على أهلية هذا الأخير على
القيام بمهمة التدريس ،ل كن هذا لا يمنع في نظره من مواصلة التكوين وتطويره بشكل
مستمر .وأخيرا نجد أن الإجابات كلها تتفق على عدم كفاية المعارف الديداكتيكية
والبيداغوجية التي يتلقاها الطالب(ة) في مراكز التكوين ،إذ يبقى دور هذه الأخيرة
محدودا في الجهود التي تبذلها ،وبالتالي لا مفر من الاعتراف بأن مراكز التكوين لا
يمكن أن تغطي النقص التكويني في صفوف مدرسي الفلسفة على مستوى المعارف
يتحصل مما سبق أنه بالرغم من الإمكانات المعرفية التخصصية التي يتميز بها
الطالب(ة) في شعبة الفلسفة العامة ،إلا أن هذا لا يمنع من تسجيل شروخ وتباينات
80-146
عديدة في طبيعة تكوينه؛ ولعل هذه النتيجة ليست فقط مجرد محصلة مقابلة مباشرة
بين طبيعة تكوينه والمطلوب في السلك الثانوي ،وإنما هي خلاصة تعضد طرحها من
خلال آراء وشهادات حية ملموسة من واقع الممارسة الفصلية لمدرسي الفلسفة في
81-146
تبدأ مشكلة الطالب(ة) في شعبة علم الاجتماع بمجرد استحضار نوعية خلفيته
الأكاديمية ،هذه الخلفية التي تكاد تختلف «جذر يا» عن خلفية الطالب(ة) في مسلك
الفلسفة ،كما أنها تفترض أن لها مسارا أكاديميا له مقوماته المميزة لنطاقه وآلياته التي
تحدد بشكل أو بآخر طبيعة العلاقة المعرفية التي تربطه بباقي التخصصات ،وعلى رأسها
تخصص الفلسفة الذي يهمنا في هذا السياق .صحيح أن حقلي الفلسفة والسوسيولوجيا
تربطهما علاقة متينة بحكم اهتمامهما الشديد بقضايا الإنسان في ذاته هو ،وفي إطار
التفاعل مع غيره ومحيطه ،غير أن ما يميز هذا الاهتمام هو كونه متباينا؛ لا من حيث
طرق الاشتغال ،ولا من حيث الرهانات الموجهة لطبيعة المقاربة ،ولعل هذا التباين
هو الذي أدى في زمن مضى إلى استقلالية علم الاجتماع بذاته كعلم قائم الذات –
من بين علوم إنسانية أخرى في منتصف القرن التاسع عشر– عما سمي وقت ذاك فلسفة
1
اجتماعية تأملية ميتافيز يقية.
تجدر الإشارة ههنا إلى أن الغرض من تبين هذه الفروق ليس هو الخوض في
الشروخ الموجودة بين وثيقة التوجهات التربو ية لمادة الفلسفة و بين المقررات الجامعية
1وديع الجعواني ،دروس وحدة :أسس علم الاجتماع ،جامعة عبد المالك السعدي( ،كلية الآداب والعلوم
الإنسانية -تطوان ،الموسم الدراسي .2 ،)2021-2020
82-146
فعلا ،لا يخطئ الناظر في طبيعة العلاقة بين المكونين – قيد الدراسة والتحليل
– من تلمس عدة مستو يات الاختلاف بينهما؛ سواء أتعلق الأمر بمرجعيات الانطلاق
أو تعلق الأمر بالأدوات العملية التي يستند إليها مدرس(ة) الفلسفة في مقاربة
التربو ية ،والتي تتجسد في تمكين التلميذ من أربع كفايات أساسية ،وهي( :ثقافية،
1
ومنهجية ،وتواصلية ،واستراتيجية).
يعمل السؤال الإشكالي في هذا المحور على ضوء ما سبق ذكره من خلال بيان
الإمكانات المعرفية التي يتميز بها الطالب(ة) في شعبة علم الاجتماع ،وكذا النواقص
التي تعتري طبيعة تكوينه الجامعي في إطار العلاقة البيداغوجية التي تربطها بالوثيقة
ق تخصصه الجامعي
التوجيهية ،فهل يمتلك هذا طالب في مسلك علم النفس من منطل ِ
ما يكفي من المعارف الفلسفية التي تؤهله لتدريس الفلسفة في الثانوي؟ أم أن هنالك
يعد هذا السؤال مسلكا أساسيا لبيان مستو يات الاختلاف التي أشرنا إليها آنفا،
غير أن هذا لا يعني اطلاقا أننا سنركز فقط على هذه الأخيرة حصرا؛ إذ لا يعقل أن
نغض الطرف عن جانب مهم من الموضوعات التي يلتقي فيها التكوين الجامعي
التلاقي بين الجانبين سيؤدي إلى فهم مغلوط ،والذي نحاول ما أمكن الابتعاد عنه من
خلال الصدور عن مقاربة موضوعية نراهن على تحقيقها – ولو بقدر يسير جدا – في
1وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.16 ،
83-146
ق هذا الهدف ،إذن ،يكون لزاما علينا أن ننتهج مسارين متواز يين ،الأول
لتحقي ِ
يبتغي ال كشف عن مواطن التوافق بين المكونين ،أما الثاني فيراد منه أن يوطن بشكل
دقيق معالم الاختلاف وتجلياته فيما يخص البنية المضمونية لكل من المكون النظري
التوجيهي لمادة الفلسفة في السلك الثانوي ،والمكون الجامعي التخصصي لشعبة علم
الاجتماع.
وجب التنبيه بداية إلى مسألة أساس ،وهي أن الخلفية الموجهة لهذا المحور تسير
على قدم وساق مع ما رسمنا معالمه في المحور الأول ،ل كن مع الإشارة إلى أننا لن نكرر
المعطيات المنهجية التي سبق التعرض إليها سابقا ،وإنما سنحاول استثمار مكتسباتها
بشكل مباشر.
إن أول معطى وجب الانطلاق منه ،في معرض تبين بعض ملامح التوافق بين
المكونين هو الإشارة إلى أن القاعدة المشتركة التي توحد جميع التخصصات الموسومة
إما بالفلسفة أو علم الاجتماع أو علم النفس أن لها قاسما مشتركا يتمثل في الجذع
المشترك ،ففي هذا المرحلة يتلقى الطلبة نفس الدروس والوحدات الشاملة لهذه الفروع
الثلاث على المستوى الوطني ،وفي هذه القاعدة بالذات يمكن أن نرصد جملة من
التوافقات التي تربط بين التخصص الجامعي ،وبالضبط شعبة علم الاجتماع مع الوثيقة
التوجيهية لمادة الفلسفة ،فكيف السبيل لاستنباط هذه التوافقات وتبين ملامحها بشكل
دقيق ومحكم؟
لمحاولة ِ الإجابة على السؤال يلزمنا الرجوع القهقرى قليلا للوقوف على نقطة
84-146
التي سرنا على نهجها في المحور الأول ،والتي سنعمل على وحي منها هنا بغرض رصد
ليس يصعب على الدراس أن يتبين ملامح التوافق بجلاء بين الوثيقة التوجيهية
والمقررات الدراسية لشعبة علم الاجتماع ،هذه التوافقات التي تبتدئ كما سبقت
الإشارة من الجذع المشترك ،لتنتقل بعد ذلك إلى مستوى الأولى باكالور يا ،ل كن
بحدة أقل ،ولتصل في الثانية باكالور يا إلى نهايتها ،ل كن بشكل جزئي فقط .ول كي نتبين
1
وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.22 ،
85-146
بعض أوجه التفاعالت اليت ينتجها اإلنسان مع الطبيعة .3أسس علم االجتماع :تتضمن هذه
الوحدة إىل جانب وحدات أخرى متقاطعة والثقافة؛
معها عموداي من مثل :مبادئ التفكري
الفلسفي ومفاهيم ونصوص ما يكفي من
املعارف الفلسفية اليت تعطي األحقية
لطالب يف شعبة علم االجتماع لتدريس
هذه اجملزوءة .هذا إىل أن جانب كون
مسارات ختصصه تتيح له بشكل أو آبخر
االحتكاك بقضااي هلا صلة مبفهومي الثقافة
والطبيعة .ويتعزز أيضا هذا الطرح
ابستحضار اهلاجس البيداغوجي الذي
يؤطر عمل هذه اجملزوءة لكونه خيضع
«لبساطة يف التناول واحنصاره يف حدود
التجريب األويل للممارسة التفكري
1
الفلسفي»؛
.1جمزوءة اإلنسان :وخباصة منها مفهوم اجملتمع أو البعد .3أسس علم االجتماع :تتضمن هذه
االجتماعي على حد تعبري الوثيقة التوجيهية ،فهذا املفهوم الوحدة إىل جانب وحدات أخرى متقاطعة
األول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ابكالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوري ـ ــا
وما يتضمنه من حماور وهي« :أساس االجتماع البشري» ،معها عموداي وأفقيا من قبيل( :ميادين
و«الفرد واجملتمع» و«اجملتمع والسلطة» ،يعد حبق من صلب وتيارات علم االجتماع؛ املؤسسات
االجتماعية؛ علم النفس االجتماعي؛ التخصص األكادميي لطالب يف شعبة علم االجتماع؛
-2جمزوءة الفاعلية واالبداع :ميكن أن ندرج يف هذه اجملزوءة سوسيولوجيا الثقافة؛) .تشمل هذه
ابلضبط مفهومي :الشغل والتبادل على وجه التحديد نظرا الوحدات إىل جانب وحدات أخرى مجلة
من املعارف اليت تساعد الطالب(ة) يف التصاهلما بشكل مباشر بقضااي ختص علم االجتماع؛
شعبة علم االجتماع على مقاربة هذه
1وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.22 ،
86-146
املفاهيم وفقا للصياغة اليت تنشدها الوثيقة
التوجيهية؛
.2جمزوءة املعرفة :خاصة منها مفهوم «العلوم اإلنسانية» .3 ،النظرايت السوسيولوجيا املعاصرة:
حتتوي هذه الوحدة إىل جانب وحدات وما يندرج حتت هذا املفهوم من حماور؛
أخرى متقاطعة معها عموداي وأفقيا من
قبيل( :املناهج الكمية والكفية ،أسس
ابستملوجيا االجتماع، علم
وقبل كل شيء ضرورة التأكيد على أن حجم التعالق بين الجانبين – وكما سبق التلميح
لذلك آنفا – لا يسير وفق وتيرة واحدة ووحيدة ،منسجمة ومتكاملة ،بل العكس
تماما؛ إذ أن السبر الدقيق والعميق للعناصر المجدولة لا يدع أدنى مجال للشك للإقرار
بأن هذه التوافقات ليست بتلك الصورة المتوقعة ،لا من حيث مواطن الحضور
87-146
-الأولى تتمركز في كون هذا الحضور يتخذ صورة واحدة ونمطا وحيدا ،ألا
ذات خلفية سوسيولوجية بامتياز ،في حين أن الوثيقة التوجيهيةكما سبق أن
رأينا تنظر إلى المعارف في صورة تركيبية شمولية؛ صحيح أنها تشمل قضايا
ذات طابع سوسيولوجي ،ل كن هذ لا يعني البتة أنها المكون الأساس لها
أو العنصر الغالب فيها ،وإنما يعني فقط أنها رافد من بين روافد أخرى
أهمها الروافد الفلسفية ،هذا إذا لم نعتبر أن هذه الإشكالات بشكل أو
-أما المسلمة الثانية فتتجلى أساسا في كون طبيعة الحضور يق ِل كلما انتقلنا
من مستوى إلى آخر ،بحيث إذا كان بالإمكان الإقرار بأن الجذع المشترك
تكاد تتصل فيه الموضوعات بدرجةكبيرة ،فإنه سرعان ما ينقطع حبل هذا
الاتصال بدءا من المستوى الثاني الذي يكشف ومن منطلق لغة الجبر
والحساب أنه ومن أصل مجزورتان نجد أن ثلاثة مفاهيم فقط لها صلة
المشتركة حضورا ذا سمة تكميلية هامشية ضمن مجزوءة المعرفة التي مرتكزها
السقوط في وضعية تناقضية تقر الشيء ونقيضه ،وإنما ينبغي أن توضع في سياقها
88-146
الموضوعي المخصوص ،هذا السياق الذي لا ينظر إليها في حدودها الضيقة والسطحية،
المجدولة التي تكشف بذاتها أن طبيعة القواسم المشتركة بين العنصرين لا تخرج عن
الإطار العام الذي حددت معالمه المسلمتان السابقيتان ،وبالتالي لا مناص من الإقرار
بأن الحضور التوافقي ،إن صح هذا التعبير ،الذي يسم علاقة المكونين ببعضهما من سماته
الأساسية أنه حضور متواضع في حجمه ،جزئي في تمفصلاته ،وفوق هذا لا وجه
ليس يخفى أن هذه الملاحظات السابقة ،وإن بدت من الوهلة الأولى أنها أولية
وغير كافية لاستشكال طبيعة العلاقة بين المكون النظري التوجيهي والتخصص
الأكاديمي لشعبة علم الاجتماع ،فإن التوقف عندها بنظرة نقدية فاحصة لمضمونها،
من جهة ،ولأبعادها ،من جهة ثانية ،يقودنا حتما إلى اعتبارها تشكل مدخلا أساسيا
لاستشكال طبيعة العلاقة بين المكونين ،خاصة على الصعيد المضموني الذي يهمنا في
هذا السياق ،هذا الجانب الذي يتطلب الدخول في حيثياته المفصلية التحضير له على
الصعيدين المنهجي والإشكالي ،فأيهما أكثر عمقا وأصالة؟ نعم ،إن الصعيد المنهجي له
المكانة الأساسية في هذا المعترك ،إلا أن هذا لا يعني ألا قيمة للصعيد الإشكالي ،ذلك
أن كلا الجانبين ومن موقعهما المختلفين يشكلان منطلقين ضرور يين للدخول في معمعان
العلاقة التي نحن بصدد توطين معالمها المختلفة والمتباينة .ولنبدأ مع الصعيد المنهجي،
هذا الأخير الذي يحتم علينا العودة إلى بداية المحور ،و بخاصة النقطة المتعلقة بالفروق
البينة بين الفلسفة وعلم الاجتماع ،على اعتبار أن خلفية الطالب(ة) في شعبة علم
الاجتماع لا تتوافق مع الوثيقة التوجيهية ،لا من حيث المنطلقات والأسس ،ولا من
89-146
حيث الرهانات والغايات ،من ذلك أن من بين القواعد المؤسسة للوثيقة التوجيهية
-المقاربة الفلسفية :تهدف هذه المقاربة كما هو مسطر في الوثيقة التوجيهية إلى
-اعتماد المفاهيم :هذا الاعتماد الذي يأتي في سياق ما عرفه و يعرفه واقع
تدريس الفلسفة في الفضاء ال كوني ،من تجديد وتطوير ،...و يأتي أيضا في
فيصعب ،إذن ،أن نعتبر شعبة علم الاجتماع تهدف في مقرراتها الدراسية إلى
تمكين الطالب(ة) من تعلم الفلسفة بما هي ممارسة فكر ية لها شروطها ومحدداتها ،وإنما
وحدات من صميم التفكير الفلسفي ،ل كنها ليست بتلك الأصالة التي تلزم الإقرار بكونها
تبتغي تعليم الفلسفة ،فضلا عن الإقرار بأنها تمكن الطالب(ة) من تدريسها! تظهر هذه
النقطة ،إذن ،مدى التعارض بين المكونين ،هذا التعارض الذي تزداد شعلته في
الوهجان باستحضار عامل دعامة المفاهيم الفلسفية ،بحيث نكاد نجزم أن شعبة علم
الاجتماع بكونها تشكل حقلا معرفيا منتجا لمفاهيم ذات طابع فلسفي اشكالي صرف،
1
وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.9 ،
2
المرجع السابق.5 ،
90-146
أمر يصعب تقبله ،وإلا سنقع في الخلط بين التخصصات ،ذلك أن الملاحظة العينية
للبنية المعمار ية المضمونية لشعبة علم الاجتماع تكشف عن أنها تبتغي رسم معالم الظاهرة
وال كيفية ،وعبر وسائل علميةكالاستمارة والمقابلة والاحصاء وغيرها ،وذلك من خلال
ملامسة تجليات هذه الظاهرة في مختلف تمظهراتها المتعددة ،السياسية منها والدينية
ل ِنأت الآن إلى الصعيد الإشكالي الذي ينطلق مما هو منهجي ،على اعتبار أن
الحيثيات التي يقدمها هذا الأخير تقود حتما إلى استشكال طبيعة العلاقة بين المكونين
بخلفية منهجية واعية بذاتها و بتمظهراتها ،ومسترشدة بمعطيات موضوعية متينة ،لا عن
خلفية متوهمة أو مصطنعة كما قد يتبادر إلى الذهن .ومنه ،فإن الأسءلة الشائكة التي
تتبادر إلى ذهننا في هذا المضمار يمكن تفر يغها كالآتي :كيف يمكن رصد تمظهرات
هذا الشرخ المنهجي بين الوثيقة التوجيهية والمقررات الجامعية لشعبة علم الاجتماع؟ ما
هو حجم الانفصال المضموني بين المكونين؟ ثم ماذا عن أبعاد هذا الانفصال
وانعكاساته؟ وأخيرا ما هو موقف أساتذة المادة ،خاصة منهم أصحاب خلفية أكاديمية
لمسارها ،هذا المسار الذي يتخذ صورة المقارنة الموضوعاتية تفيدنا في رصد تجليات
الشرخ المضموني بين الجانبين ،ومن ثمة تفكيك هذه الشروخ وتحليلها طبقا للمعطيات
الوصفية وما تحصلنا عليه من إجابات طرف أساتذة المادة في السلك الثانوي.
91-146
لعل أول معطى يستوقفنا ونحن بصدد انجاز مقارنة موضوعاتية يتجسد أساسا في
كون المقابلة الأولية بين تخصص الفلسفة العامة ،من ناحية ،وتخصص علم الاجتماع،
من ناحية أخرى ،من حيث غياب وحدات أساسية من صميم الممارسة الفلسفية،
تبين بوضوح تام أن شعبة علم الاجتماع لا يتعلق فيا الأمر بغياب جزءي أو تباين
لبعض المواد الأساسية ،من قبيل( :فلسفة الأخلاق؛ فلسفة اللغة؛ فلسفة العلوم؛
المنطق ،)...كما هو الحال مع شعبة الفلسفة العامة؛ وإنما يتعلق الأمر بغياب شبه كلي
لهذه الوحدات بدءا من الفصل الثاني إلى السادس بالنسبة للتخصص الأكاديمي لشعبة
علم الاجتماع ،هذا الغياب الذي لا يرتبط فقط بكلية دون أخرى ،بل يكتسح جل
الكليات المتخصصة على المستوى الوطني ،خاصة منها الجامعات الأربع التي ينحدر منها
ل كي نوطِد هذه الفكرة بشكل واضح وملموس ما علينا إلا أن نسترشد بالعناصر
المجدولة التالية التي تظهر مدى الانفصال بين المكون النظري التوجيهي ،والمكون
اللغة» و«الرغبة» .هذه املفاهيم اليت تنهل من حقلني الكليات على وحدة هلا صلة من قريب أو
خمتلفني ،ومها :السيكولوجية ،من جهة ،وفلسفة اللغة من بعيد مبفهومي« :الوعي والالوعي»
و«الرغبة» ابعتبارمها ينتميان إىل حقل جهة اثنية؛
السيكولوجيا ،صحيح أنه تدرس وحدة
92-146
علم النفس االجتماعي ،إال أن السياق
حضور مباين متاما .أما عن ماهية اللغة
.2جمزوءة الفاعلية واإلبداع :يتعلق األمر يف هذه اجملزوءة فإهنا تغيب كلية يف شعبة علم االجتماع،
ابملفهومني األساسني ،ومها« :ماهية الفن» و«التقنية» ،على اعتبار الوثيقة التوجيهية تناقش هذه
اللذان يستمدان مرجعيتهما من حقلي فلسفة اجلمال و/أو القضية من منظور فلسفة اللغة؛
.2يكاد ال خيتلف األمر ابلنسبة ملفهوم فلسفة الفن ،ومن فلسفة العلم أو االبستمولوجيا؛
ماهية الفن ،فعلما أن هذا املفهوم ينتمي
إىل فلسفة اجلمال ،وهي مبحث أصيل يف
التفكري الفلسفي ،فال مناص من اإلقرار،
إذن ،أن التكوين اجلامعي لطالب(ة) يف
شعبة علم االجتماع ال تربطه أدىن صلة
هبذا املبحث .وابملثل فإن على هذا املفهوم
1
ميكن إحلاقه مبفهوم التقنية؛
.1جمزوءة الوضع البشري :يتعلق األمر يف هذه بثالث .1ال نعثر يف الوحدات املقررة يف شعبة
مفاهيم أساسية مكونة للوضع البشري ،وهي( :الوجود علم االجتماع أية وحدة تقارب مفهوم
الوضع البشري كما تطرحه الوثيقة الذايت؛ الغريي التفاعلي؛ التارخيي اجلماعي)؛
الثانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنية ابكالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوري ـ ــا
.2جمزوءة املعرفة :خنص ابلذكر يف هذه اجملزوءة اليت هتدف التوجيهية أببعاده الفلسفية املتعددة
إىل مساءلة املعرفة اإلنسانية (شروطها وحدودها وغاايهتا) ،واملتكاملة؛
.2تغيب يف شعبة علم االجتماع أية مفهومي« :النظرية والتجربة» و«احلقيقة»؛
وحدة مرتبطة بنظرية املعرفة مبعناها
.3جمزوءة السياسية :تقارب هذه اجملزوءة املفاهيم السياسية الفلسفي سواء التقليدي أو املعاصر كما
من مثل« :الدولة» و«السلطة» و«احلق» و«العدالة» ،من
1يورد عز الدين الخطابي في مقالة له تحت عنوان« :الحضور المؤجل للقضايا الجمالية ببرنامج الفلسفة بالثانوي» *
نصا للفيلسوف الألماني هوركهايمر يبرز فيه الترابط الشديد بين أهداف الفلسفة كممارسة فكر ية نقدية وأهداف
الفن كتجربة إنسانية جمالية ،وذلك عبر قوله’’ :تتوحد مع الفن حينما تعبر عن فورة الشغف في اللغة وتحوله إلى
مجال للتجربة والذاكرة‘‘ * عز الدين الخطابي« ،الحضور المؤجل للقضايا الجمالية ببرنامج الفلسفة بالثانوي» (المجلة
التر بو ية ،العدد المزدوج ،10-9ماي .107 ،)2004
93-146
زاوية فلسفية تبحث عن إمكاانت أتسيسها داخل العالقات تطرحا الوثيقة التوجيهية ابعتبارها تريد
التأسيس للمعرفة ولسبل إدراك احلقيقة؛ اإلنسانية االجتماعية؛
.4جمزوءة األخالق :تتناول هذه اجملزوءة مفهوم أخالق يف .3ال جند أي وحدة يف شعبة علم
أبعاده املركزية ،وهي« :الواجب» «احلرية» و«السعادة» ،االجتماع تقابل هذه املفاهيم السياسية
وذلك يف إطار التأسيس له فلسفيا من خالل البحث عن اليت تطرحها الوثيقة التوجيهية من زاوية
التمفصل القائم بني اإلكراه والواجب ،من جهة ،والتساؤل فلسفية أتسيسية جمردة؛
عن إمكانية احلرية الذاتية يف أفق بلوغ السعادة اإلنسانية؛
.4ال وجه للمقارنة بني الكيفية اليت تطرح
هبا الوثيقة التوجيهية مفهوم األخالق ،على
اعتبار أنه ينضوي ضمن حقل التفكري
الفلسفي ،وبني الوحدات املقررة يف شعبة
علم االجتماع؛
إن التأمل الشديد في هذه المعطيات التي يقدمها الجدول أعلاه لمن شأنه أن يعزز
بشكل واضح وملموس ما أقررناه آنفا ،من ناحية أولى ،وأن يفتح أنظارنا على إشكالات
أكثر تعقيدا وأهمية ،من ناحية ثانية ،تمس بشكل أو بآخر طبيعة التكوين الجامعي
للطالب في شعبة علم الاجتماع في إطار علاقته بالمقررات الدراسية لمادة الفلسفة كما
أساسيين ،المعطى الأول له صلة مباشرة بالشرخ المنظوري بين المكونين ،أما الثاني فله
علاقة مباشرة بالمعرفة الفلسفية الأكاديمية التي تكاد تنعدم الصلة بينها وبين ما يتلقاه
الطالب في شعبة علم الاجتماع .ومن أجل تعميق النظر بما يكفي في هذين العنصر ين
94-146
كان لابد من تخصيص فسحة محددة لكل واحد منها ،ولنبدأ مع الأول الذي تتحدد
-تباي ٌن المنظور :لا يتخذ الشرخ المنظوري بين الوثيقة التوجيهية والمقررات
الدراسية في شعبة علم الاجتماع صورة واحدة ووحدة؛ فعلاوة على أنه شرخ
في طبيعة المقاربة والمنطلقات المؤطرة ،فهو كذلك شرخ في الرهانات والغايات
الموجهة؛ ذلك أن الاطلاع على الوثيقة التوجيهية يظهر أنها تروم تعليم
السؤال الذي يفرض نفسه بقو ية ههنا أين هو التكوين الأكاديمي في شعبة علم
واضح أن الجواب لن إلا نفيا لهذه الصلة ومكرسا للهوة بين الجانبين ،ولعل
أ .كون طبيعة المقاربة التي تعتمدها الوثيقة التوجيهية في طرح القضايا
والآليات التي يشتغل بها الدرس الفلسفي في الثانوي ،من بناء المفهوم
والأشكلة والحجاج.
1وزارة التربية ،التوجهات التربو ية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة ،مرجع مذكور.7 ،
95-146
جزئية متفرقة عكس ما هو حاصل في شعبة الفلسفة العامة؛ بحيث اتصال
جدا الشيء الذي سينعكس سلبا على كيفية تمثله للدرس الفلسفي في الثانوي
من حيث طبيعة تكوينه الأكاديمي أنه تتخلله جملة من المزالق والاشكالات التي لا
يستهان بها ،خاصة على المستوى المؤهلات المعرفية الفلسفية الأكاديمية التي من
تدفعنا هذه الخلاصة -السالفة الذكر -إلى ضرورة الانفتاح على مواقف السادة
أساتذة المادة النابعة من صميم الممارسة الفصلية ،هذا الانفتاح الذي يقتصر في هذا
السياق على فئة محددة تحديدا دقيقا ،ألا وهي الفئة التي تنحدر من شعبة علم الاجتماع
على وجه التحديد ،ولقد تقاسمت مع عدد من الأساتذة المحترمين ينحدرون من هذه
الشعبة ورقة استطلاع الرأي وكانت الأجوبة المعطاة كالآتي :أنظر الملحق
يتبدى لنا من خلال التبصر الشديد في هذه الأجوبة المعطاة أنها تتصل إلى حد
كبير مع الأجوبة التي أدلى بها أساتذة الفلسفة ذوي خلفية أكاديمية فلسفية؛ إلا أن
هذا الاتصال لا يعني المطابقة الحرفية لنوعية الأجوبة حصرا ،بقدر ما يعني أنه اتصال
من حيث عمق إدراك أصل الإشكال المطروح ،ومن حيث كذلك التمثل الواعي
96-146
ل هذا التوافق الذي يسم نوعية أجوبة هاتين الفئتين ببعضها البعض ،كان
لأج ِ
لابد أن ننطلق من فرضية مسبقة محددة مفادها أن الأجوبة المعطاة -ههنا -لا تخرج
عن الإطار العام الذي رسمت ملامحه المقابلة الموضوعاتية بين المكون النظري
التوجيهي ،والمكون الجامعي السوسيولوجي .فكيف يمكن ،إذن ،التحقق من صحة هاته
الفرضية؟ وهل يساعدنا التفاعل مع الأجوبة المعطاة اثبات صحتها أم نفي مصداقيتها؟
إن أول ملاحظة وجب تسجيلها في معرض محاولة التحقق من صحة الفرضية -
الآنفة الذكر -تتحدد أساسا في كون التفاعل النقدي الذي نود إنجازه مع الأجوبة
المعطاة يسير وفق منطق الإرشادات التي سجلناها آنفا ،والمتعلقة بالملاحظ الثلاث،
وهي( :البعد الموضوعي ،والعمق التحليلي ،والمنطلق المنظوري) .وفي الآن نفسه ينحو
في اتجاه التعامل مع الأجوبة المعطاة لا بوصفها حقائق نهائية ومطلقة ،وإنما باعتبارها
فقط مواقف تعبر عن محاولة بسيطة للتفكير الجماعي المشترك ،ل كنها مواقف وآراء -
بطبيعة الحال -تعي محدودية رأيتها وإمكاناتها ،من جهة ،كما أنها تحتاج من دون شك
نستهل هذا التفاعل النقدي مع الأجوبة المعطاة بالوقوف على أولها ،هذا الأخير
الذي اتسمت إجابة المشاركين الثلاث عنه بتعدد في مواقفهم ،بين تحفظ يطبع جواب
المشارك الأول ،الذي وإن أقر بوجود اتصال ،إلا أنه اتصال حسب زعمه يبقى محدود
الأفق .و بين إطلاقية تسم جواب المشارك الثالث الذي لا يخفى على المتأمل فيه أن
صاحبه لا يعين الدارس بشيء في معرفة وتوطين مكامن الخلل وتجلياته على الصعيد
المضموني .أما المشارك الثالث فعلى ما يبدو من خلال تفاعله أنه يركز على البعد
الإداري ،بيد أنه وعلى الرغم من أهمية هذا البعد ،فإنه لا يتصل مباشرة بما نناقشه؛
97-146
ذل كم أننا نناقش المستوى المضموني ،أما الجاب التربوي الإداري الذي عبر عنه
المتدخل بالعلاقة الإلزامية ،فلا جدال في كون علاقة الجانبين لا تخرج اطلاقا عن
هذا المنحى .وما يمكن أن نسجله كملاحظة نقدية في هذا المضمار تكمن أساسا في
كون الأجوبة كلها لم تستطع في نظرنا أن توطن بشكل دقيق ملامح هذا الاتصال ولا
رسمت لنا حدوده ،ينضاف إلى هذا بقاءها في حدود السطحية والعمومية.
هذه الأخيرة ،وليس هذا وفقط ،بل إن بعضها -خاصة المشارك الثاني -يفتح أعيننا
على آفاق مهمة منها ضرورة التكوين الذاتي والمستمر باعتبارهما دعامتين أساسيتين
للتكوين الأكاديمي الأساس .وبالنظر إلى اتصال هذا السؤال بما يتبعه ،فإننا واجدون
أن إجابة المشاركين الثلاث تجمع كلها على وجود صعوبة في تدريس ’’مجزوءة المعرفة‘‘
إن السؤال الذي يمكن أن نطرحه منذ الوهلة الأولى يتعلق أساسا لماذا هذه المجزوءة
بالضبط؟ باختصار شديد يمكن القول ومن منطلق التحليلات التي أدلينا بها سابقا أن
السبب في ذلك إنما يرجع أساسا إلى طبيعة هذه الوحدة باعتبارها تنتمي إلى حقل
الفلسفة أو الابستمولوجية ،وما دام الطالب(ة) في شعبة علم الاجتماع لا يدرس هذه
الوحدة ،فإنه حتما سيجد صعوبة بالغة في تدريسها ،وما دامت هذه المجزوءة فيها قدر
تحلينا هذه الصعوبة المتأتية من عدم كفاية المعارف التخصصية مباشرة على ما
يممكن أن نسميه انعكاسا سلبيا على الدرس الفلسفي في الثانوي ،وفعلا يسجل
المشاركون الثلاث جملة من الانعكاسات السلبية التي يكن حصرها كالآتي( :غياب
98-146
الدقة والوضوح؛ تحو يل الدرس إلى نوع من التخزين وشحذ الذاكرة؛ صعوبة تحقيق
الرهان من الدرس الفلسفي؛) .ينجم عن هذه المزالق فقدان الدرس الفلسفي فاعليته،
لا من حيث الأهداف التي رام تحقيقها ،ولا من حيث القواعد التي يتأسس عليها،
ومن هنا يمكن أن نلمس أهمية وخطورة هذا الشرخ المضموني على الدرس الفلسفي
في الثانوي ،وبالتالي لا مفر من التفكير في حلول ممكنة لتجاوزه أو على الأقل التنقيص
من حدته.
وإذا ما عرجنا الآن على السؤال الخامس ،فإننا سرعان ما نكتشف أن السمة
الغالبة على الإجابات كونها تحتفي بالتعددية على مستوى الخلفيات الأكاديمية لمدرس
الفلسفة لأنها تنسجم – حسب زعمهم -مع مرونة الدرس الفلسفي في الثانوي
وانفتاحه على معارف متنوعة ،...بيد أنه لابد أن نسجل ملاحظة نقدية في هذا الصدد
مفادها أننا لا نقصد البتة معارضة هذه التعددية ولا نفيها ،وإنما التساؤل عن مدى
توافقها مع الدرس الفلسفي من عدمه ،بمعنى آخر ،هل تمكن هذه التعددية الحد الأدنى
من المكتسبات المعرفية التي تأهل المدرس من مزاولة مهنة التدريس؟ ونحسب أننا قد
أدلينا بما يكفي من الشواهد والمعطيات الوصفية والموضوعية التي تكشف بذاتها عن
وجود شروخ عديدة ،أحيانا طفيفة ،وفي أحايين أخرى صارخة ،بل قل مضمرة،
ولهذا ،فإن النظر في هذه الإشكالية لمن شأنه أن يميط اللثام على جملة من الملابسات،
إلا أنها ملابسات وإن بدت من الوهلة الأولى أنها بسيطة ،فهي بلا شك ستساعد على
إعادة النظر في الدرس الفلسفي في الثانوي قصد إغناءه وتطويره .وأخيرا لابد أن
99-146
الأساسية أنه يقر بشكل واضح بعدم كفاية الدعامات البيداغوجية والديداكتيكية ،وأنه
غير أنه شرخ يجب التعامل معه بشكل محكم لتبين ملامحه بشكل دقيق،
المستمر.
100-146
إن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد في مقدمة هذا المحور الأخير
تتحدد عناصره كالآتي :لماذا تم جعل هذا المحور في آخر السلم الهرمي؟ هل لضرورة
قصدية واعية ،أم لحيثية اعتباطية عادية؟ لن يكون التفاعل مع هذا السؤال المركزي
مثمرا ما لم نستحضر جملة من الحيثيات الضرور ية ،الأولى ذات منحى معرفي ،بحيث
التوجيهي ،لا يدع أدنى مجال للشك في كونها الخلفية المعرفية الأبعد ضمن الخلفيتين
الأكاديميتين السابقتين ،فكيف ذلك؟ مرد ذلك باختصار إلى أن حجم التباعد بين
الجانبين لا يمكن رتقه البتة؛ ذلك أن ما يدرسه الطالب في شعبة علم النفس من
وحدات -من حيث طبيعتها المضومنية وخلفيتها النظر ية -تبتعد كثيرا عما يدرسه
الطالب(ة) في شعبة الفلسفة العامة ،وإذا كان هذا الأخير لا يخل تكوينه من هفوات
رغم قربه الشديد من الدرس الفلسفي في الثانوي ،فكيف بالأحرى ما لا تربطه صلة
بالدرس الفلسفي إلا النذر اليسير؟! أما الثانية فتتصل بما هو منهجي ،ذلك أن الداعي
إلى وضع الطالب ذي المنزع السيكولوجي في آخر السلم الهرمي نابع بالأساس من المحاذير
المنهجية التي تواجهنا في دراسة تكوينه الجامعي في إطار علاقته مع الوثيقة التوجيهية،
هذه المحاذير المتمثلة من جهة أولى في انحصار شعبة علم النفس في كليتين
متخصصتين 1،الشيء الذي يعني قلة الطلبة في مقابل شعب أخرى .ومن جهة ثانية
1وهما :كلية محمد الخامس بالدار البيضاء ،وكلية ابن طفيل بالقنيطرة.
101-146
في ضعف اقبال طلبة هذه الشعبة على تدريس الفلسفة بحكم سعة الآفاق المهنية التي
تفرض علينا هذه الحيثيات بشكل أو بآخر وضع خطة محددة ودقيقة تنسجم
وخصوصية هذا المحور من حيث طبيعة مضمونه ومراحله .فأما المضمون فسيكون
خلوا من أية مشاركة أو تفاعل من طرف أساتذة الفلسفة من شعبة علم النفس 1،وفي
المقابل سنكتفي فقط بما تمدنا به المقارنة الموضوعاتية المباشرة بين الوثيقة التوجيهية
والمقررات الدراسية لشعبة علم النفس .وأما المراحل فلن تخرج عن النهج الذي سرنا
فيه منذ بداية الفصل ،والذي مبعثه الأساس هاجسين اثنين ،الأول توفيقي ،نوطن
فيه بشكل دقيق مجمل التوافقات بين المكونين وحدودها .والثاني انفصالي ،نرصد فيه
مجمل الشروخ المضومنية بين الجانبين ،ومن ثمة نعمل على تفكيك بنيتها ،وتحليل
بعد هذا التأطير العام لهذا المحور الأخير يكون لزاما علينا أن نتقدم خطوة إلى
أمام ،هذه الخطوة التي تستدعي بالضرورة وضع أرضية إشكالية متينة ،ولعل أول ما
يستوقفنا في هذا الإطار هو الخصوصية التي يزخر بها تخصص علم النفس في مقابل
تخصصات أخرى ،على رأسها الفلسفة التي تهمنا في هذا السياق؛ فصحيح أن علم
النفس يندرج ضمن لائحة العلوم الإنسانية ،وصحيح أيضا أن الفلسفة تعتبر الحاضن
الأكبر لهذه العلوم ،لا من حيث استثمار مكتسباتها ولا من حيث نقد وتوجيه
أدواتها؛ إلا أن هذا لا يعني البتة المطابقة الحرفية بين التخصصين ،بقدر ما يعني أن
هنالك مواطن اتصال وحدود الانفصال وجب الوعي بها مسبقا .وفعلا ،إذ بمجرد
1
رغم الجهود التي بذلت لم نستطع التواصل مع فئة مدرسي الفلسفة لهم خلفية أكاديمية سيكولوجية.
102-146
استحضار خصوصية علم النفس باعتباره شعبة قائمة الذات ،تتبادر إلى ذهننا جملة من
التساؤلات الأولية ،فما داعي إلى فصل هذه الشعبة عن باقي الشعب التي تتقاطع
معها؟ وما الحاجة إلى اعتبارها تخصص بعينه إذا كانت تطابق حرفيا ما يدرسه الطالب
في شعبة الفلسفة العامة؟ لا نجد جوابا شافيا عن هذه الأسءلة غير القول :إن الداعي
إلى ذلك إنما يرجع أساسا إلى نوعية التحولات الإبستمولوجية التي شهدها هذا العلم
منذ مطلع القرن التاسع عشر ،والتي أدت في نظر أحد الدارسين المغاربة إلى تضافر
جملة من
الشروط المعرفية التي استوفاها هذا العلم
الإنساني ل كي يتأسس كعلم و يجد مكانه ضمن
جداول تصنيف العلوم ،ويتمتع بوضع اعترافي
من جهة الموضوع ومن جهة المنهج (سواء
بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع :موضوعات
ومناهج)1.
هكذا ،إذن ،يمكن أن نفهم لماذا تعد شعبة علم النفس تخصصا بعينه له محدداته
الإبستمولوجية وأدواته المنهجية التي تميزه عن غيره من الحقول المعرفية ،ولعل هذه
المحددات الإبستمولوجية هي التي أدت – كما يؤكد على ذلك الدكتور عبد الرحيم
1تمحري ،عبد الرحيم .علم النفس :مدخل إبستمولوجي( ،تطوان ،مطبعة الر يف التهامي الوزاني ،ط،)2015 1
.46
103-146
التأملية والانطباعات الذاتية والسرديات
الإ يديولوجية1.
لابد أن ننوه ههنا إلى نقطة أساس ،وهي أن الإقرار بخصوصية علم النفس عن
غيره من الحقول مسألة لا تتصل مباشرة والإشكال المطروح ،وإنما الذي يهمنا من
هذه الخصوصية بالدرجة الأولى أبعادها الإشكالية بما يتصل بالدرس الفلسفي في
الثانوي ،وبالتبعية كذلك وثيقة التوجيهات التربو ية ،فاستحضار هذه العلاقة المضومنية
بين الجانبين ،على اعتبار أن الشرعية الإدار ية تتيح للطالب في شعبة علم النفس الترشح
لتدريس الفلسفة في الثانوي ،يجعلنا أمام وضعية إشكالية حقيقية ،هذه الوضعية التي
تقودنا إلى طرح جملة من التساؤلات ،لعل أبرزها كالآتي :فهل تنسجم البنية المضمونية
كل هذا وذاك ،هل يدخل ضمن الرهان العام الذي تتأسس عليه شعبة علم النفس
مسألة تأهيل مدرس للفلسفة متمكن من العدد المنهجية والمعارف الفلسفية الضرور ية؟
ليس يخفى أن محاولة الإجابة على هذه التساؤلات مسألة لا يمكن أن ندعيها
باطلاقية كلية ،ولا أن ننفيها بقطعية كاملة؛ ذلك أن من طبيعة الأسءلة الإشكالية أنها
أسئلة متداخلة متشعبة ،إضافة إلى أن التعامل معها لا يخلو من صعوبات في الفهم
وتشعب واستغلاق ،...لأجل ذلك فإننا نسير في هذا المضمار بمنطق المحاولة ،هذا
المنطق الذي يستدعي بالضرورة مفاهيم النسبية والإمكان ،باعتبارهما آليتين أساسيتين
104-146
نأتي الآن إلى محاولة الاقتراب من الإشكالات أعلاه ،بيد أن هذه المحاولة تتخذ
-كما هو معلوم -شكلين اثنين ،يتفقان من حيث الأدوات التي يجترحانها ،و يختلفان
من حيث الرهان الذي يوجههما؛ فأما الأدوات فتستدعي المحورين السابقين لتأخذ
منهما من جهة أولى ،آلية الجداول المختصرة ،وتقنية المقارنة الموضوعاتية .ومن جهة
ثانية ،تستفيد من نفس عددهم المنهجية المتمثلة في المقارنة والتحليل والوصف والنقد.
وأما الرهان فمن سماته الجوهر ية أنه متباين؛ يبتغي توطين مجمل التوافقات في الحالة
الأولى ،في حين يسعى إلى رصد الشروخ المضومنية في الحالة الثانية.
انسجاما مع هذه الأرضية الإشكالية ،إذن ،ننطلق مع المحطة الأولى التي يراد
منها معرفة إمكانات وحدود التوافقات بين البنية المضومنية للدرس الفلسفي في السلك
الثانوي ،والبنية المضمونية للدرس الجامعي السيكولوجي ،فأين بالضبط تتجلى هذه
التوافقات؟ يقودنا هذا السؤال إلى استحضار الفكرة الأساسية التي سبق أن أشرنا إليها
في المحور الثاني ،والمتعلقة أساسا بكون القاعدة المشتركة بين تخصص علم النفس والعلم
الاجتماع ،من جهة ،والفلسفة العامة ،من جهة ثانية ،إنما تكمن في الفصل الأول
باعتبار جذعا مشتركا موحدا على الصعيد الوطني ،ففي هذه القاعدة الموحدة يمكن أن
نتلمس أوجه التوافق وحدودها بين المكونين .ول كي نستطيع تحقيق ذلك كان لابد أن
التوافقات كونها جزءية وليست كلية ،علاوة على أنها محصورة في قضايا ذات بعد
سيكولوجي ،هذا إلى جانب كون تدرجها ينحدر من مرحلة إلى أخرى بشكل تنازِلي.
وبغرض التحقق من صحة هذه الملاحظات لابد أن ننصت إلى العناصر المجدولة
105-146
الوحدات الدراسية يف شعبة علم النفس الوحدات الدراسية يف السلك الثانوي التأهيلي
.1جمزوءة الفلسفة :مبا يندرج حتتها من مفاهيم وحماور .1مبادئ التفكري الفلسفي :حتتوي هذه
الوحدة إىل جانب وحدات أخرى متقاطعة حمددة ،وهي« :سؤال النشأة»« ،التطور التارخيي»،
يتضح من خلال هذه العناصر المجدولة أن ما يميز التوافق المضموني بين المقررات
الدراسية لشعبة علم النفس والمضامين المعرفية للدرس الفلسفي في الثانوي كونه محصور
106-146
في قضايا سيكولوجية لا تتفق تمام الموافقة مع الوثيقة التوجيهية ،إذ بالعودة إلى ما
تنص عليه هذه الأخيرة نستشف أن رهانها البيداغوجي يسعى إلى بلورة نسقا معرفيا
مترابطا ومتداخلا ،توجهه على الصعيد المنهجي المقاربة الفلسفية ،من جهة ،والنظرة
الشمولية إلى المعرفة الإنسانية الفلسفية بشتى ألوانها وفروعها ،من جهة ثانية ،بحيث
تحتل فيها -بطبيعة الحال -القضايا السيكولوجية قسطا مهما ،ل كنها تشمل أيضا ما هو
وجودي وأخلاقي وابستمولوجي وتار يخي وسوسيولوجي...إلخ ،ولعل هذه النقطة تجرنا
إلى طرح سؤال مشروع ووجيه ،فما هو حظ الطالب في شعبة علم النفس من منطلق
تخصصه الجامعي من هذه المعارف التي تنهل من حقول عدة؟ يجرنا هذا السؤال بدوره
إلى السمة الثانية التي تميز التوافق المضموني بين العنصرين ،هذه السمة التي تتمظهر في
كون البينة المضومنية التي يزخر بها الدرس الفلسفي في الثانوي ،والتي تجد ركائزها في
الوثيقة التوجيهية ،لا نجد ل كثير من عناصرها ما يقابلها في شعبة علم النفس؛ ذلك أن
المعاينة المباشرة للمسار التخصصي السيكولوجي تظهر أنه خلو من أية نفحة لها صلة من
قريب أو بعيد بالتفكير الفلسفي سواء ارتبط الأمر بمحطاته التار يخية (القديمة،
والوسيطة ،والحديثة) ،أو تعلق الأمر بمباحثه الفلسفية الأصيلة (الميتافيز يقا ،والمنطق،
فكيف يمكن تفسير هذا التوافق المضموني الضيق ،لا من حيث كمه ولا من
حيث كيفه؟ لعل التفسير الموضوعي السليم لهذا المسألة يستدعي بالضرورة العودة إلى
القاعدة الإشكالية التي انطلقنا منها في هذا المحور ،ألا وهي :رغم الإقرار بوجود
تقاطعات واتصالات بين علم النفس والفلسفة ،غير أن ذلك لا يعطي لنا الصلاحية
اطلاقا لعدهما تخصصين مندمجين ومتطابقين ،إلا من الباب التعسف والمغالاة .من
107-146
خلال هذه القاعدة ،إذن ،يمكن أن نموضع السمتين السابقتين في سياقهما ،كما يمكن
أن تساعدنا بشكل أساس على مساءلة الرهان المزدوج الذي يتأسس عليه الدرس
السيكولوجي الجامعي ،من جهة ،والدرس الفلسفي في الثانوي ،من جهة ثانية .فهل
بطرحنا لهذا السؤال الإشكالي نكون قد فتحنا الباب على مشراعيه للدخول في
الشق الثاني من هذا المحور ،والمتعلق أساسا بالهاجس الانفصالي الذي نود ترسيخ
الاقتراب ما أمكن من حيثيات هذا الهاجس سنحاول التركيز على بعض الملامح
الأساسية التي ينفصل فيها الرهان المعرفي الذي يتأسس عليه الجانبين ،ومن ثمة نقوم
منهاجها ،أدواتها) ،بحيث سخرت لذلك -كما يبدو من خلال المعاينة المباشرة -جل
الوحدات الدراسية بدءا من الفصل الثاني إلى الفصل السادس ،والتي ترتبط ،من
ناحية أولى بمختلف نطاقات المعرفة السيكولوجية ،وهي( :المرضي ،العصبي ،النمائي،
الأكاديمية من هذا كله؟! لنترك هذا السؤال جانبا الآن ،ولننتقل إلى المسلمة الثانية،
بحيث أن ما يطبع هذه الوحدات كونها تبتعد كثيرا عن الفكر الفلسفي النقدي المجرد
-كما هو الحال مع شعبة الفلسفة العامة -الذي تقر الوثيقة التوجيهية أنها تسعى إلى
108-146
تعليمه .وبالمقابل نجدها تعمق النظر في قضايا سيكولوجية دقيقة ،مع الغياب الكلي
لأي وحدة ذات بعد فلسفي صرف ،ومن هنا مكمن الخلل وموضع الاحراج الحقيقي
الذي يقع فيه التخصص السيكولوجي ،فهل يعقل من ليس له تكوين أكاديمي رصين
بخصوص نطاق الفلسفة أن تعطى له الشرعية لتدريسها؟ من دون جدال ،والحالة هذه
أن الجواب لن يكون إلا بالنفي ،ويمكن تعزيز هذا النفي بعدة اعتبارات ،أبرزها
كالآتي:
التلميذ معرفة فلسفية عميقة ،لا من حيث نمط اشتغالها ،ولا من حيث
النفس ،نظرا لأن المناهج والمعارف الأكاديمية التي يتلقاها لا تتصل من
النفس ،خاصة منها من الفصل الثاني إلى الأخير ،لا تشمل أي وحدة
التي نكاد نجزم أن علاقة الطالب في شعبة علم النفس علاقة بها جد هز يلة،
يبدو من الأفضل ،والحالة هذه الحديث عن تنافر مضموني ،إن صح هذا التعبير،
وليس توافق مضموني؛ ذلك أن البون الشاسع بين التخصص السيكولوجي والمكون
التوجيهي ،لا يمكن بأي وجه تغافله أو نكرانه ،من ناحية ،ولابد أن يؤثر سلبا على
الدرس الفلسفي في الثانوي ،من ناحية أخرى .ول كي نعزز هذا الطرح بشكل موضوعي
109-146
كان لابد أن نمر من المستوى النظري إلى العملي ،فإذا كنا قد ركزنا فيما سبق على
المستوى النظري تحديدا ،فلابد أن نعرج الآن على المستوى العملي ،هذا المستوى الذي
تشكل المقارنة الموضوعاتية بالنسبة له اللبنة الأساس ،فمن خلال هذه المقارنة سنقف
بشكل ملموس على معالم التنافر المضموني الذي تحدثنا عنه آنفا ،بحيث نستعرض من
شعبة علم النفس ال تربطهما صلة .3جمزوءة السياسية :مبا يندرج حتتها من مفاهيم وحماور؛
مبفهومي :الوضع البشري واملعرفة؛ .4جمزوءة األخالق :مبا يندرج حتتها من مفاهيم وحماور؛
.2ليس هنالك أدىن مسوغ يربر احلديث
عن حضور مفهومي :األخالق والسياسة
ضمن الوحدات املقررة يف شعبة علم
النفس؛
110-146
يؤكد الجدول أعلاه معطيات عدة ،أولا :أن من تجليات الرهان المعرفي الذي
تتأسس عليه شعبة علم النفس كونه يركز على المعرفة السيكولوجية الأكاديمية ،وفي
المقابل لا تربطه صلة عميقة بالمعرفة الفلسفية الأكاديمية؛ فلا غرابة ،إذن ،أن تنعدم
الصلة بين الوحدات المقررة في شعبة علم النفس والوحدات المقررة في السلك الثانوي.
ثانيا :أنه ومن منطلق لغة الجبر والحساب ،فإن شعبة علم النفس تغيب فيها -كما يبدو
من خلال الجدول أعلاه -بشكل كبير وملفت للنظر الوحدات المنبثقة من صلب
التفكير الفلسفي ،ذلك أن من أصل مجزوءتين في مستوى الأولى باك اللتين يتفرع
عنهما ستة مفاهيم أساسية ،لا نجد إلا مفهومين فقط ضمن مجزوءة الإنسان لهما علاقة
مباشرة بشعبة علم النفس .أما في مستوى الثانية باك فالحالة أفظع وأشنع ،إذ أنه ومن
أصل أربع مجزوءات يتفرع عنهما ثلاثة مفاهيم لكل مفهوم ثلاثة محاور ،فلا نجد إلا
مفهومين أو ثلاثة ضمن مجزوءة أو أخرى لهما علاقة مباشرة بالمضامين المقررة في شعبة
علم النفس.
بهذا المعنى ،إذن ،يصبح الرهان المعرفي والمنطق الحسابي مقومين داعمين
لأطروحة الانفصال التام بين البنية المضومنية للدرس الفلسفي في الثانوي ونظيره
السيكولوجي الجامعي ،ذلك أن التمعن الدقيق في خيوطهما يكشف أن عمق الهوة بين
المكونين لا يمكن ردمها بجرة قلم أو تجاوزها بكبسة زر ،وإنما يستدعي الأمر وقوفا
جادا ومتمعنا معها ،قصد تمحيص عناصرها وتبين أبعادها في أفق التفكير في حلول لها
تخرج من التنظير العام والشمولي لترتبط بما هو واقعي عملي ،ولعل هذا المطلب الأساس
هو ما سنسعى إلى تحقيقه في الفصل الثالث والأخير من هذا الدراسة المتواضعة.
111-146
ل الآن بعد هذا الطواف العميق إلى خاتمة هذا الفصل ،الذي حاولنا من
نص ٌ
خلاله تشخيص وضعية الدرس الفلسفي في الثانوي ،ل كن من مدخل أساس تجسد
-كما هو معلوم -في علاقة هذا الأخير بنظيره الجامعي الأكاديمي بتلويناته الرئيسية؛ هذه
العلاقة التي تطلب البحث في تلابيبها ضرورة الاستناد على عدة منهجية متكاملة تجتمع
غرضه محاولة الاقتراب ما أمكن من حيثيات الاشكال المطروح .ولقد أصفر عن
هذا الاقتراب تسجيل جملة من الشروخ المضمونية ،بيد أنه وقبل الإشادة بها لابد من
التنو يه إلى مسألة أساس ،ذل كم أن غرضنا لم يكن هاجسه هو الانتصار لفئة محددة
من مدرسي الفلسفة ،وإنما هو محاولة وضع مقاربة تدعي لنفسها الحياد والانصاف،
لم تتخذ هذه الشروخ شكلا واحدا ووحيدا ،وإنما تعددت بتعدد المشارب
التخصصية لمدرسي الفلسفة واختلاف درجات الحضور والغياب فيها للمعرفة الفلسفية
الأكاديمية؛ إلا أن السمة المميزة لها كونها جاءت على نحو متفاوت ،من حيث
المنطلقات والموضوعات ،فما نجده في شعبة الفلسفة لا وجه لمقارنته مع شعبتي علم
النفس والاجتماع .وعلاوة على هذا فإنه حتى لو سلمنا جدلا بكفاية المعارف
التخصصية ،فإن شهادات الأساتذة تقول عكس ذلك ،ولهذه العلة بذات يكون لزاما
علينا أن نحاول التفكير في مخارج عملية تمكننا من محاصرة هذا الإشكال أو على الأقل
112-146
التقليل من حدته .فما هي ،إذن ،المداخل الممكنة لتجاوز الإحراجات التي يضعنا فيها
هذا الاشكال؟
113-146
ليس بمقدورنا الآن إلا أن نسجل بعض الخلاصات العامة التي استقيناها من
خلال هذا المغامرة البحثية في تلابيب الإشكال المطروح ،والمتعلق أساسا بحقل
تدريس الفلسفة في السلك الثانوي التأهيلي ،والذي حاولنا مقاربته من مدخل إشكالي
أساس ،ألا وهو مدى ملاءمة التكوين الأكاديمي الجامعي لمتطلبات الدرس الفلسفي
لقد تطلب منا هذا السؤال الإشكالي – كما هو معلوم -الإعتماد على ثلاثة
مداخل أساسية ،وهي :الوصف ،والتشخيص ،والتقويم ،بيد أنه وبالنظر إلى جملة من
الإكراهات الإدار ية المتعلقة بزمن تدبير بحث الإجازة ،لم نستطع الوصول إلى مرحلة
التقويم؛ هذه المرحلة التي كان من المفترض أن تحدد فيها بعض المداخل النظر ية
والعملية التي يمكن أن تساعدنا على مجاوزة بعض الاحراجات الخفية التي يضعنا فيها
هذا الإشكال .ل كن ورغم هذا الحدود التي تشوب هذه الدراسة ،فإننا نأمل من
خلال هذه الخاتمة العامة أن نطرح بعض الرؤى والأفكار والتصورات التي من شأنها
-على أقل تقدير -أن تمكننا من وعي منهجي بأهمية وراهنية حقل تدريس الفلسفة
في السياق التعليمي المغربي المعاصر ،باعتباره يمثل الوسيلة الوحيدة لتمرير الخطاب
الفلسفي إلى الجيل الصاعد ،وتمكينهم من بعض معالمه وآلياته في أفق بناء مجتمع أساسه
ل كي نطرح هذه التصورات ،إذن ،يلزمنا أن نحدد خلفيتها النظر ية المنهجية ،هذه
114-146
أ .الحلول المقترحة في وثيقة استطلاع الرأي التي شارك فيها عدد من مدرسي
التأمل الشديد الذي مارسناه على إشكالية البحث ،وما نتج عن هذا من ب.
أخيرا ،ما تمدنا به مسودة الفصل الثالث الذي لم يكتب له الخروج ت.
إليها عدد من الدارسين ،إلى جانب التوصيات الوزار ية ،التي سعت إلى
هذه ،إذن ،هي الخلفيات العامة التي نستلهمها في هذا السياق ،بيد أنه وقبل
-الأولى أننا لا ندعي تقديم حلول ذات دلالات نهائية وقطعية ،وإنما حلول
تتسم بالنسبية والمرونة وتنفتح على المستجدات ،وفي الآن نفسه تعي
محدوديتها وقصورها؛
-الثانية ،ذلك أنه بقدر ما تدعونا هذه الخاتمة إلى استنباط عدد من
الخلاصات ،فهي كذلك تضطرنا إلى طرح جملة من التساؤلات ،من بينها
ما يلي :كيف يمكن مقاربة إشكالية عدم ملاءمة التكوين الأكاديمي
المقاربة التقليدية تكفي ،أم لابد من التفكير في حلول أكثر فاعلية تراعي
والتعليم؟ ولهذا نقول :إن الأهمية التي تكتسيها هذه الدراسة عموما ،وخاتمتها
115-146
خصوصا ،إنما تكمن في كونها تعبر عن مسار بحثي لا زال في طور البناء
المتجدد ،أما إدعاء الوصول إلى نتائج قطعية ،فذاك أمر لا تطيقه هذه
الدراسة.
نأتي الآن إلى بسط هذه الخلاصات العامة التي نحاول أن نلتزم فيها بمبدأ الدقة
والاختزال ،من ناحية أولى ،والتي نسعى من خلالها إلى تثبيت الأطروحة العامة التي
نود ترسيخ معالمها ،من ناحية ثانية .وتتجلى هذه الخلاصات في العناصر الأربعة الآتية:
الفلسفة .لقد تبين لنا من خلال استقراء عميق لبعض الدراسات الجادة
المستقبل؛
116-146
أنه لا مجال لتطو ير وإغناء فعالية المدرس وتجويد أدائه داخل الفصل
وإمكاناتها وأهدافها؛
وبالنظر كذلك إلى حجم التطورات التي لحقت مهنة التدريس .وبالجملة
عن الدرس الفلسفي في الثانوي يقودنا أيضا إلى مساءلة نظيره الجامعي،
ومن هنا العلاقة الوطيدة التي تربط بينهما ،بمعنى لا وجود لدرس للفلسفة
117-146
ومنخرط بوعي في سيرورة إعادة تطوير هذا الأخير؛ إذ لا يمكن مجاوزة
هذا الإشكال إلا في ظل بحث أكاديمي فعال يعمل على مراجعة التكوين
بينها:
يختلف فيها اثنان ،ل كن مواضع هذا النقص وتجلياته ،تطرح غالبا على نحو
إشكالي .ولهذا فإن الاسهام الحقيقي الذي ندعي تحقيقه في هذه الدراسة
يكمن هنا ،أي في تتبع مظاهر هذا النقص تبعا لوضعية مدرس الفلسفة
مواطن القصور بدقة ،فيكون العمل على تطويرها وإعادة بنائها ينسجم مع
.4ضرورة فتح المسار الأكاديمي على آفاق جديدة :لم يعد مستساغا اليوم
وبالنظر إلى حجم التحولات العميقة التي طالت منظومة التربية والتعليم
والرهانات الجديدة التي دعت إلى الانخراط فيها الوزارة الوصية في عدد
118-146
عند مهنة التدريس ،هذه المهنة التي تتحول في غياب أدنى شروط الممارسة
المهنية الواعية والمقصودة إلى مجال ل كسب القوة والعيش ،ولعل هذا من
النتائج المباشرة لتضييق الخناق على هذه الفئة ،فلو أنه فتحت مسارات
متعددة أكثر سعة وشمولية أمام هذه الفئة ،خاصة منهم طلبة علم الاجتماع
العمل على تقنين مهنة التدريس؛ لتصبح عملية واعية بذاتها ومسارها
هذه ،المتسمة بوجود تعددية غير مبررة لا إدار يا ولا معرفيا فيصعب أن
نجد حلا مباشرا لهذا الخلل .يتبين مما سبق أن فتح المسار الأكاديمي
للطالب في شعبة الفلسفة على آفاق جديدة ضرورة لا مفر منها ،ويمكن
.5المعرفة الأكاديمية كقاعدة ضرور ية :نصل الآن موضع الأطروحة العامة
والمستمر مسألة يصعب تحققها على أرض الواقع ما لم ننطلق بشكل أساس
من قاعدة للتكوين الأكاديمي الأساس تكون بمثابة نقطة مرجعية .يستفاد
من هذا ،إذن ،أن جل الحلول ذات الصبغة الإدار ية والمحلية ،وفي بعض
119-146
الأحيان الترقيعية والذاتية لن توتي أكلها ما لم يتم اعتبار المدخل الأساس
القادرة على تمكين المدرس من الآليات المنهجية ،ومن المعارف النظر ية
120-146
يتضمن هذا الملحق عنصرين أساسين ،الأول له علاقة بوثيقة استطلاع الرأي
وإجابة الأساتذة عنها .والثاني له علاقة بلائحة المصادر والمراجعة التي تناولت بالدرس
والتحليل واقع الدرس الفلسفي بشقيه الجامعي والثانوي في السياق التعليمي المغربي.
التأهيلي
في موضوع:
«مدى تطابق المقررات الدراسية مع الوثيقة الرسمية للتوجهات التربو ية وللتكوين الجامعي والبيداغوجي
للمدرسين»
فقرات الاستطلاع
.1ما هو حكمك على طبيعة العلاقة بين الوثيقة التوجيهية وتخصصك الجامعي ،أهي علاقة اتصال أم انفصال؟
.3علما أن المقرر الدراسي في السلك الثانوي قد شمل مختلف أبعاد الفكر الفلسفي ،فهل تعتقد أن التكوين
.5ما موقفك من طبيعة المقررات الدراسية في السلك الثانوي التأهيلي لمادة الفلسفة؟
.6ما هي الموضوعات التي تجد فيها صعوبة بالغة في تدريسها من منطلق تخصصك الجامعي ،ولماذا؟
.7في نظرك كيف يمكن تجاوز الهوة بين الوثيقة التوجيهية لمادة الفلسفة والمقررات الفلسفية والسوسيلوجية
والسيكولوجية الجامعية؟
.8في نظرك ما هي انعكاسات الشروخ الموجودة بين الوثيقة التوجيهية والمقررات الجامعية على الدرس
121-146
.9ما رأيك في التعددية التي تشمل أستاذ الفلسفة ،هل تخول له التمكن من الحد الأدنى من المعارف
الفلسفية ،وبالتالي قدرته على نقل المعرفة الفلسفية العالمة إلى معرفة مدرسية قابلة لتدريس؟
.10في نظرك هل المعارف (البيداغوجية والديداكتيكية) التي يتلقاها الأساتذة المتدربون في مراكز التكوين،
.11ما هي في نظرك الحلول الممكنة لهذه الإشكالية المعرفية ،من جهة ،والبيداغوجية ،من جهة ثانية ،والتي
تعد بحق من الإشكالات الأساسية التي يعاني منها الدرس الفلسفي في السلك الثانوي التأهيلي بالمغرب؟
.12إلى أي حد يمكن القول إن معالجة هذه الإشكالية تقترب من العوائق الأساسية التي تعاني منها اليوم في
تخصص الفلسفة
-ج’’ :1/لا يوجد إلا اتصال بسيط بين الطرفين ،لأن التكوين الجامعي غرضه بناء المعارف،
وغرض الدرس الفلسفي في الثانوي بناء ال كفايات عبر الاشتغال على المضامين‘‘.
-ج’’ :3/بعض المعارف لم يسبق أن تكونا فيها في الجامعة ،وبعضها الآخر حتى وإن كنا قد
تكونا فيها ،فإن ذلك التكوين ليس بالأصالة التي تأهلك بأن تدرسها لغرك‘‘.
رقم ()1
-ج’’ :6/الموضوعات التي تشمل عليها مجزوء الإنسان ،و بخاصة مفهوم الوعي‘‘.
-ج’’ :9/إن دروس الفلسفة في السلك الثانوي ،خاصة من دروس الدورة الثانية ،هي عبارة
عن إشكاليات فلسفية تبنى ،ولئن كان بناء الإشكال يحتاج إلى عدة أدوات ،فإن الخلفية
المعرفية لهذا الإشكال لها حصة الأسد ،وبالتالي فإن الدراس للفلسفة سيجد صعوبة في بناء
الإشكال خاصة بقضايا علم الاجتماع (مفهوم المجتمع في الأولى باك والعلوم الإنسانية في
الثانية باك) ،إضافة إلى صعوبة في إشكال آخر له ارتباط بعلم النفس ،ألا وهو الوعي
واللاوعي ،وبالمقابل فإن الدارسون لعلم الاجتماع وعلم النفس سيجدون صعوبة بالغة في
تدريس قضايا فلسفية .وإلى جانب هذا فإن هنالك بعض الدروس تحتاج إلى تكوين في جميع
122-146
الروافد المذكورة ،من مثل مجزوءة الوضع البشري ،وبالتالي فإن التكوين المعرفي الجامعي
-ج’’ :3/طبعا لا ،التكوين الجامعي بالكاد يدلك على مصادر ومراجع للمعرفة الفلسفية ،أما
اكتشافها وقراءتها وتحليلها وفهمها وتحو يلها ديداكتيكيا فهو رهان المدرس.‘‘...
-ج’’ :6/هناك موضوعات عديدة فيها مشكل إبستمولوجي وديداكتيكي في ذاتها؛ الوعي رقم ()2
واللاوعي ،اللغة ،النظر ية والتجربة ،الحق والعدالة ...هذه المفاهيم مطروحة في الغالب على
-ج’’ :8/الارتجال ،وطغيان التأو يلات الخاصة ،ولا قابلية المعرفة للنقل الديداكتيكي».
-ج’’ :10/مراكز التكوين مؤسسات تم تقزيم دورها ،لذلك يظل تأثيرها جد محدود.‘‘...
-ج’’ :1/أعتقد أن هناك تقاطعات بين التخصص الجامعي (الفلسفة) ،وبين تدريس مادة
-ج’’ :3/نوعا ما ،ما ينقص التكوين الجامعي أنه غير كاف ما دامت الفلسفة تنفتح على
-ج’’ :6/ليس من جهة تكويني الشخصي ،ول كن من جهة مستوى المتعلمين الذي يجعل
تعاملهم مع بعض الموضوعات (كمواضيع مجزوءة المعرفة بشكل خاص) على أنها مجزوءة
-ج’’ :8/بعد الجامعة ،يحتاج الأستاذ إلى تكوين آخر مغاير تماما من أجل ممارسة التدريس،
ولا يفيده الدرس الجامعي إلا في مكتسباته الشخصية التي يعزز بها درسه في الفصل .بينما رقم ()3
يبقى في حاجة لتكوين مواز يشتغل فيه على آليات وطرق التدريس‘‘.
123-146
-ج’’ :9/تدريس الفلسفة يحتاج إلى طلاب شعبة الفلسفة العامة بشكل أساس ،ل كن
مدرسي الفلسفة الذين جاءوا من شعبتي :علم الاجتماع وعلم النفس لا بأس في أن يجتازوا
تكوينا مكثفا في الفلسفة ،ويشتغل ذاتيا على التصورات الفلسفية ،لأن البعد الفلسفي للمواضيع
-ج’’ :10/أبدا ،يبقى الأستاذ دائما في حاجة إلى الممارسة التطبيقية ،أما الاكتفاء بالنظري
مع حصص تطبيقية قليلة تجعل السنوات الأولى للأستاذ داخل الفصل الدراسي سنوات
تكوين ذاتي ،يعمل فيها على تكوين نفسه أكثر مما يعمل على تدريس الفلسفة‘‘.
-ج’’ :3/لا ،لأن تكويني الجامعي لم يمكنني من الإحاطة بجميع الموضوعات التي نحن بصدد
الدرس)‘‘.
-ج’’ :9/نعم ،لأن الموضوعات التي يتم تناولها في السلك الثانوي في مادة الفلسفة ليس
موضوعات فلسفة خالصة بل موضوعات تشمل ما هو فلسفي وما هو سوسيولوجي ،وما هو
سيكولوجي ...الخ‘‘.
-ج’’ :إن طبيعة العلاقة القائمة بين الوثيقة التوجيهية والتخصص الجامعي هي علاقة إلزامية
تتوخى تأطير وتنظيم واحترام السير العام للبرامج التعليمية الرسمية الخاصة بالمادة‘‘.
124-146
-ج’’ :3/إن التكوين الجامعي بالنسبة لي يبقى غير كاف في جعل الطالب الجامعي ملما
ومتمكنا ومتحكما في المادة؛ إذ لابد من التكوين المستمر ،وأخص بالذكر هنا التكوين الذاتي: رقم ()2
(القراءة المستمرة ،الكتابة ،البحث ،الانفتاح على تجارب الآخرين.‘‘)...
-ج’’ :8/انعكاسات سلبية تتمثل في عدم تحقق ال كفايات الأساسية المرتبطة بالمادة لدى
المتعلمين .جعل الغاية من المادة هي تلقين وشحن المتعلمين بالمضامين واستظهارها فقط ،تغليب
هاجس الامتحان والنقطة المحصلة على حساب تنمية القدرات المتعلقة بالنقد والتحليل
والتركيب.‘‘...
-ج’’ :9/إلى حد ما نعم ،ويبقى بذل الجهد المتواصل شرط أساسي وضروري لتطوير أداء
-ج’’ :10/لا يمكن اعتبار هذه التكوينات لوحدها كافية في جعل المدرسين مؤهلين بالشكل
المطلوب للتدريس‘‘.
-ج’’ :8/تأثيره بطبيعة الحال لن يكون إلا سلبيا ،بحيث الرهان الذي يأسس عليه الدرس
125-146
تربوي لتدريس مادة الفلسفة :موجهات تكييف درس الفلسفة وصيغ تفعيله،
مراكش :أكتوبر .2020
.الممل كة المغربية ،وزارة التربية الوطنية والتعليم
العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي .التكوين المستمر :ديداكتيك مادة الفلسفة
وتقويم التعلمات ،الرباط :يونيو .2009
.المفتشية العامة للتربية والتكوين :أعمال الماىءدة
المستديرة حول :تدريس الفلسفة في الثانوي :البعد التار يخي ورهانات الإصلاح.
الرباط :مطبعة التربية الوطنية.2008 ،
.الدليل البيداغوجي لإدماج تكنولوجيا المعلومات
والاتصال في تدريس مادة الفلسفة بالسلك الثانوي التأهيلي .الرباط :المختبر الوطني
للموارد الرقمية ،ماي .2013
ط.2009 ،1.
من أجل ديداكتيك مطابق .الدار البيضاء :دار الثقافة ،ط.1997 ،1.
ميشيل طوزي ،ومن معه ،بناء القدرات وال كفايات في الفلسفة ،ترجمة:
حسا أحجيج .الرباط :منشورات عالم التربية ،مطبعة النجاح ،ط.2005 ،1.
كر يكر ،شفيق ،تنسيق .منهجية الإنشاء الفلسفي :دليل إلى قواعد:
لاختبارات امتحانات الباكالور يا ،لمبار يات المدارس العليا ،للمدرسين الباحثين عن
.1999
126-146
الكلاعي ،محيي الدين .طر يقة المقال :قواعد منهجية في تحليل النص
والمقالة الفلسفية تونس :دار محمد علي للنشر ،ط.2005 ،2.
الشية ،محمد .قضايا في تدريس الفلسفة وفي الإنشاء الفلسفي .الرباط:
عالم ال كتب ،ط.2015 ،1.
.من وحي الدرس الفلسفي :إشكالات وحدوس
ديداكتيكية .الدار البيضاء ،افر يقيا الشرق ،ط.2015 ،1.
.المحاورة الفصلية الفلسفية :تجارب مدرس فلسفة.
الرباط :منشورات ضفاف-اختلاف ،ط.2017 ،1.
السهلي ،إبراهيم .تدريس الفلسفة :من أجل مقاربة ديداكتيكية
للاشتغال على النص في درس الفلسفة .الرباط :الراصد الوطني للنشر والقراءة،
ط.2022 ،1.
بلجراف ،علي .تدريس الفلسفة في الثانوي :قضايا وإشكالات.
المغرب :دار النشر التطوانية ،ط.2015 ،1.
عبد الرحمان بدوي وآخرون .تدريس الفلسفة والبحث الفلسفي في
الوطن العربي :اجتماع خبراء مراكش الممل كة المغربية 9-6يوليو .1978بيروت:
دار الغرب الإسلامي ،ط .1990 ،1.خاصة منه المشاركة التي قدمها الأستاذين
الجليلين رحمهما الله تعالى ،وهما:
-محمد وقيدي« ،وضعية تدريس الفلسفة في المغرب» ،بيروت :دار
الغرب الإسلامي ،ط.1990 ،1.
-جمال الدين العلوي« ،ورقات حول تدريس الفلسفة والبحث
الفلسفي في المغرب» ،بيروت :دار الغرب الإسلامي ،ط.1990 ،1.
بن الحسن الزهراوي ،محمد .بنية الدرس في مادة الفلسفة :استقصاء
تركيبي .الدار البيضاء:
إفر يقيا الشرق ،ط.2011 ،1.
نموذجا ،بحث نهاية التكوين بمركز تكوين مفتشي التعليم .الرباط :كلية علوم التربية -
127-146
ث .ملحق المقالات العلمية:
حنان الغوات« ،تدريسية الفلسفة في الوطن العربي بين الواقع والمأمول
-المغرب نموذجا» ،باحثون ،العدد ،5يناير-مارس.2019 ،
128-146
عبد الغني التازي« ،الترسيخ الوجودي الدرس الفلسفي» ،فكر ونقد ،العدد
،48أبر يل .2002
سميرة الشمعاوي ،درس الفلسفة« :مجال للإثراء والإحباط» ،فكر ونقد،
العدد ،48أبر يل .2002
يتوقف هنا هذا الشق على أن يتم إكمال باقي مراحله في وقت لاحق بإذنه عز وجل.
129-146
تتضمن هذه الدراسة جملة من المفاهيم العلمية ذات الدلالات المحددة
والاستعمالات المخصوصة؛ ولما كان الأمر كذلك ،فلابد ،إذن ،من وضع معجم
دلالي يقف على بعض منها ويرصد معانيها طبقا للمرامي التي من أجلها سيقت.
سنركز في هذا السياق على المفاهيم الأساسية حصرا ،وذلك من خلال عرضها
إلى
130-146
وحدات ومقاطع وفضاءات وحلقات قصد
تخرج في غالب الأحيان على ثلاث أبعاد أساسية ،وهي :البعد القيمي،
131-146
.5كفايات أساسية " :"Basic Competenciesيشير هذا المفهوم إلى
مجموع المهارات الذهنية والسلوكية الضرور ية التي يجب على المتعلم أن
يكتسبها ل كونها تشكل ’’البناء القاعدي الذي ينهض عليه الصرح التعليمي
132-146
هي هذا كله ،منظم وفق تمفصلات منطقية.
والملاحظ أن هذه التعار يف ،وكثير غيرها،
تقيم دليلا قو يا على تعقد "البيداغوجيا"
وصعوبة ضبط مفهومها ،مما يدفع دائما إلى
الاعتقاد أن تلك التعار يف وغيرها ،ليست في
واقع الأمر سوى وجهات نظر في تحديد
مفهوم " البيداغوجيا " .وإجمالا يمكن تحديد
دلالة هذا المفهوم في وجهين أساسين:
-إنها حقل معرفي ،قوامه التفكير الفلسفي
والسيكولوجي ،في غايات وتوجهات الأفعال
والأنشطة المطلوب ممارستها في وضعية التربية
والتعليم ،على الطفل والراشد؛
-إنها نشاط عملي ،يتكون من مجموع
الممارسات والأفعال التي ينجزها كل من
الفصل1. المدرس والمتعلمين داخل
.7الديداكتيك" "Didacticلقد عرفه الخبير المغربي في شؤون التربية الأستاذ
1موسوعة علوم التربية« ،ما هو الديداكتيك؟» ،عبر الرابط الإل كتروني التالي:
.23/07/2022 .https://m3olomtarbya.blogspot.com/2018/02/blog-post_28.html
133-146
أي خاصة بتعليم المواد الدراسية (الديداكتيك
الخاص أو ديداكتيك المواد) أو " منهجية
التدريس "(المطبقة في مراكز تكوين المعلمين
العامة التربية مقابل في والمعلمات)،
(الديداكتيك العام) ،التي تهتم بمختلف القضايا
التربو ية ،بل وبالنظام التربوي برمته مهما
1 كانت المادة الملقنة.
.8المقاربة " "Approachتعني المقاربة في معناه العام إلى معنيين أساسين،
وهما:
134-146
من أجل تحقيق غاية تعليمية وفق استراتيجية
واضحة1. تربو ية
1مراد الرايس ،تنسيق .عرض حول :البيداغوجيا والمقاربة :الفرق بينهما .تطوان :جامعة عبد المالك السعدي-
المدرسة العليا للأساتذة.12-10 ،2021 ،
2
الممل كة المغربية ،وزارة التربية والتعليم ،الوثيقة الإطار :عدة تكوين الأساتذة بالمراكز الجهو ية للتربية
135-146
يحتاج إلى الدقة في التخطيط والضبط ،وفي
والتقويم1. التنفيذ
.11الكتاب المدرسي " "School Bookيعرفه كل من:
بأنه
1الوثيقي ،طرق تدريس الفلسفة في السلك الثانوي التأهيلي ،مرجع مذكور.13 ،
2العماري« ،أسئلة أولية حول تقويم الكتاب المدرسي»( ،مجلة دفاتر مغربية ،العدد ،3يونيو
.19 ،)2010
136-146
يعتبر التكوين المستمر آلية تعليمية ضرور ية
فرضتها التحولات المعاصرة على الفءات
المتعلمة بشتى أصنافها :طلاب ،معلمين،
أساتذة ،مربون ،عمال...إلخ .يتميز التكوين
المستمر بصبغته الأكاديمية ،إذ لابد له ل كي
ينعت بأنه مستمر من إطار أكاديمي ينخرط
فيه ،هذا الإطار قد يكون عن عبارة عن
جلسات مستمرة وورشات تأطير ية...إلخ.
يرى المختصون في حقل التدريس عموما أن
التكوين المستمر قد أضحى يشكل وجها بارزا
من وجوه التربية المستدامة في الزمن المعاصر،
إذ في غيابه يفقد المتعلم فاعليته وتتراجع قدراته
وتضعف إمكاناته بفعل تطور المعارف
وتراكمها.
. 14التكوين الأكاديمي ""Academic composition
137-146
شهادات عليا ...تضمن له شغل منصب
المستخدمة‘‘1. عامل متخصص في المؤسسات
الأبعاد التالية:
.3البعد الابستمولوجي؛
.4البعد الاستطيقي.
النقاط التالية:
1رباب ،أقطي ،التكوين الجامعي وعلاقته بكفاءة الإطار في المؤسسة الاقتصادية ،رسالة الدكتوراه ،جامعة
الحاج خضر-كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية.35 ،2008 ،
138-146
-الرؤ ية النسقية :باعتباره يشكل منظومة فكر ية نسقية متمايزة
والغايات والرهانات؛
والسؤال،
.5المنظور : perspective
يتوقف هنا هذا الشق على أن يتم إكمال باقي مراحله في وقت لاحق بإذنه عز وجل.
139-146
تتوزع لائحة المصادر والمراجع العلمية المعتمدة في هذا البحث على أربعة أصناف
أساسية ،بحيث يمكن عرضهما حسب أهميتها وترتيبها الهرمي وفق الصياغة الآتية:
الفكر العلمي .بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ،ط ،8.فبراير .2014
140-146
.علم النفس :مدخل إبستمولوجي .تطوان :مطبعة
141-146
عزيز لزرق« ،الدرس الفلسفي في الثانوي :قراءة في الاحراجات الخفية
لتكوين الفلسفي» ،مجلة فكر ونقد ،العدد ،48أبر يل .50-41 ،2000
عز الدين الخطابي« ،الحضور المؤجل للقضايا الجمالية ببرنامج الفلسفة
بالثانوي» ،المجلة التربو ية ،العدد المزدوج ،10-9 :ماي .116-107 ،2004
عز الدين الخطابي« ،وظائف التكوين المستمر من خلال توجيهات
الميثاق الوطني للتربية والتكوين» ،مجلة علامات تربو ية ،العدد .27-9 ،2006 ،20
عز الدين الخطابي« ،رهانات تدريس الفلسفة في الثانوي :التجربتان
الفرنسية والمغربية نموذجا» (مؤسسة مؤمنون بلا حدود ،سلسلة ملفات بحثية11 ،
ديسمبر 2015م).12-5 ،
عبد الله الخياري« ،مهام المدرس وكفايته» ،مجلة دفاتر فلسفية ،العدد
المزدوج ،9-8يناير .28-21 ،2013
عبد العزيز سنهجي« ،ملامح مستقبلية حول جانبيات مدرس
المستقبل» ،مجلة دفاتر فلسفية :شهادات ،العدد المزدوج ،9-8يناير .134 ،2013
مصطفى حسني« ،تحولات المهنة» ،مجلة دفاتر فلسفية :شهادات،
العدد المزدوج ،9-8يناير .135 ،2013
تمحري عبد الرحيم« ،تدريس الفلسفة ومسألة التكوين المستمر» ،مجلة
فكر ونقد ،العدد ،62فبراير.70-61 ،
محمد الشيخ« ،تدريس الفلسفة في الكليات المغربية :كلية الآداب
والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء» ،مجلة تبين ،العدد ،2خر يف -242 ،2012
.257
محمد فاوبار« ،التكوين المستمر ومفهوم الحاجيات» ،المجلة التربو ية،
العدد المزدوج ،10-9 :ماي .45-29 ،2004
مصطفى المعاش« ،المدرس والأدوار المستترة» ،مجلة دفاتر فلسفية،
العدد المزدوج ،9-8يناير .20-13 ،2013
يوسف العماري« ،أسئلة أولية حول تقويم الكتاب المدرسي» ،مجلة
دفاتر مغربية ،العدد ،3شتنبر .22-19 ،2010
.3المقررات الدراسية:
142-146
.في رحاب الفلسفة :السنة الأولى من سلك
الباكالور يا الدار البيضاء :الدار العالمية للكتاب ،ط.2009 1
في رحاب الفلسفة :السنة الثانية من سلك .
الباكالور يا .الدار البيضاء :الدار العالمية للكتاب ،ط.2009 ،1.
محمد سبيلا (تنسيق) .مباهج الفلسفة :الجذع المشترك من سلك
الباكالور يا .أفر يقيا الشرق ،الدار البيضاء :ط.2007 ،1
.مباهج الفلسفة :السنة الأولى من سلك الباكالور يا.
الدار البيضاء :أفر يقيا الشرق ،ط.2007 ،1.
.مباهج الفلسفة :السنة الثانية من سلك الباكالور يا.
افر يقيا الشرق ،الدار البيضاء :أفر يقيا ،ط.2007 ،1.
محمد (أمزيان) منار الفلسفة :الجذع المشترك باكالور يا .الدار
البيضاء :أفر يقيا الشرق ،ط.2007 ،1.
.منار الفلسفة :السنة الأولى باكالور يا .أفر يقيا
الشرق ،الدار البيضاء :ط.2007 ،1.
.منار الفلسفة :السنة الثانية باكالور يا .الدار
البيضاء :أفر يقيا الشرق ،ط.2007 ،.1
143-146
.كلية الآداب والعلوم الإنسانية -تطوان -عبد
المالك السعدي.
المقرر الدراسي بشعبة علم النفس كلية الآداب والعلوم الإنسانة -
الرباط -محمد الخامس.
.كلية الآداب والعلوم الإنسانة -قنيطرة-
جامعة ابن طفيل.
وديع الجعواني ،دروس وحدة :أسس علم الاجتماع ،جامعة عبد
المالك السعدي ،كلية الآداب والعلوم الإنسانية -تطوان ،الموسم الدراسي -2020
.2021
144-146
145-146