Professional Documents
Culture Documents
جود عدنان دحيلية
جود عدنان دحيلية
ِإعداد
جود عدنان دحيلية
إشراف
د .فادي شديد
قدمت هذه الرسالة استكماال لمتطلبات الحصول علي درجه الماجستير في القانون الجنائي ،من كلية الدراسات
العليا ،في جامعة النجاح الوطنية ،نابلس -فلسطين.
2021
جريمة اإلبادة الجماعية في القانون الدولي :دراسة تحليلية
ِإعداد
جود عدنان دحيلية
ب
اإلهداء
الحب والعطاء...
إلى والدي اّلذي منحني ّ
جميعا...
ً إلى صديقاتي
ج
الشكر والتقدير
الشكر رّبي ،على هبة العلم ،ولك الحمد كما ينبغي لجالل وجهك ،وعظيم سلطانك ،وبعد؛
ّ
الوطنية
ّ أساتذتي في قسم القانون الجنائي في جامعة ّ
النجاح
أقر بأن ما اشتملت عليه هذه الرسالة هي نتاج جهدي الخاص ،باستثناء ما تمت اإلشارة اليه حيثما
ورد ،وأن هذه الرسالة ككل أو أي جزء منها لم يقدم من قبل لنيل أية درجة أو لقب علمي أو بحثي
التوقيع:
2021/11/17 التاريخ:
ه
قائمة المحتويات
اإلهداء .....................................................................................ب
إقرار ........................................................................................ه
الملخص.....................................................................................ط
ّ
مقدمة1 ........................................................................................
مقدمة9 ........................................................................................
الفرع األول :صفة المجني عليهم في جريمة اإلبادة الجماعية 13 ..............................
الفرع الثالث :الصفة غير السياسية لجريمة اإلبادة الجماعية 15 ...............................
الفرع الرابع :خضوع الجريمة قيد الدراسة لكل من القضاء الدولي والقضاء الوطني 17 ..........
الفرع الثاني :إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير بأفراد الجماعة21 ............................
المبحث الثالث :المسؤولية الجنائية على ارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية30 ......................
الفرع األول :المسؤولية الجنائية للدولة على جريمة اإلبادة الجماعية 31 .......................
الفرع الثاني :المسؤولية الجنائية للفرد على جريمة اإلبادة الجماعية32 .........................
الفرع األول :المسؤولية المدنية للدولة على جريمة اإلبادة الجماعية 37 .........................
الفرع الثاني :المسؤولية المدنية للفرد على جريمة اإلبادة الجماعية39 ..........................
المبحث األول :التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية القضائية على مستوى المحاكم الجنائية السابقة
للمحكمة الجنائية الدولية 44 ....................................................................
المطلب األول :التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة
44 ...........................................................................................
الفرع األول :نشأة المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة45 ..........................
الفرع الثاني :التقاضي أمام المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة48 .................
المطلب الثاني :التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) 48 .....
الفرع الثاني :التقاضي أمام المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) 52 ............................
المبحث الثاني :التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية على مستوى المحكمة الجنائية الدولية 55 .......
الفرع األول :االختصاص المكاني والزماني للمحكمة الجنائية الدولية 56 .......................
الفرع الثاني :االختصاص الموضوعي والشخصي للمحكمة الجنائية الدولية 57 .................
المطلب الثاني :جريمة اإلبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية 61 ........................
ز
الفرع األول :سير العملية القضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية61 ...........................
الفرع الثاني :قضايا اإلبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية63 .........................
التوصيات76 ..................................................................................
ح
جريمة اإلبادة الجماعية في القانون الدولي :دراسة تحليلية
إعداد
جود عدنان دحيلية
إشراف
د .فادي شديد
الملخص
تتناول هذه الدراسة جريمة اإلبادة الجماعية ،وذلك من خالل التركيز على شّقين رئيسين ،األول:
يتمثل في دراسة الهيكلية القانونية في النصوص القانونية ،واالتفاقية التي تعقد على مستوى الدول
التي عمدت إلى تقنينها ،فيما يشمل الشق الثاني :التركيز على الدور الذي ُيؤديه القضاء الجنائي
قضائيا.
ً الدولي في تقنين هذه الجريمة ،وتأطيرها
حيث عمدت الدراسة على تحليل أبرز القوانين واالتفاقيات وأهمها ،والتي درست هذه الجريمة وتحليل
اآل ّليات التي تعاملت بها هذه االتفاقيات مع الجريمة ،ومكوناتها ،وأركانها المادية ،والمعنوية،
والمسؤولية الجنائية المترتبة عليها ،وتم أيضا دراسة أبرز القضايا التي تم من خاللها إرساء مجموعة
من السوابق القضائية في مجال تجريم اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة برواندا،
لقد تم تقسيم الدراسة الى مبحثين رئيسين :تناول األول :الماهية والمفهوم العام للجريمة قيد الدراسة
الجماعية ،من خالل دراسة التعريف القانوني المقدم لها ،وأركانها المادية ،والمعنوية المكونة للجريمة،
إضافة إلى المسؤولية الجنائية المترتبة عليها ،أما المبحث الثاني :فقد تم التطرق إلى التعامل القضائي
من خالل القضاء الجنائي الدولي الخاص ،بواسطة المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) ،والمحكمة
الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) ،والقضاء الجنائي العام من خالل المحكمة الجنائية الدولية.
ط
مقدمة
في عام 1948اعتمدت الجمعية العامة لألمم المتحدة اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة
عليها ،حيث تم االتفاق على تعريفها بأنها" :ارتكاب أي عمل من األعمال المذكورة في المادة األولى
من االتفاقية بهدف اإلبادة الكلية أو الجزئية لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو
الدين" ،وقد تنوعت األعمال التي تشكل إبادة جماعية ما ين القتل ،وإلحاق األذى الجسدي ،أو النفسي
العرقي داخله ،فمحاولة القضاء على جماعة معينة داخل الدولة نفسها ،أو دولة أخرى خالل النزاعات
من األقليات داخل البالد ،وهي المجازر التي دفعت بالعالم ليقف مذهوال أمامها محاوال بواسطة
تحركات متأخرة إلى معاقبة مرتكبي تلك الجرائم ،وإنصاف الضحايا من خالل المحكمة الجنائية
الخاصة بروندا.1
1سؤال وجواب :كيف حدثت اإلبادة الجماعية في (روندا) ،2014/4/7 ،لالطالع على النص كامال
.http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2014/04/140407_rwanda_slaughter
وفي يوغسالفيا السابقة ما تزال مجزرة (سربرينيتسا) ،حتى بعد 20سنة على وقوعها تشكل واحدة
من أبشع عمليات هذه الجريمة في التاريخ ،حيث قتل ما يقارب الثمانية آالف من البوشناق في
(البوسنة) ،و(الهرسك) ،على أيدي القوات الصربية في فترة ال تتجاوز العشرة أيام ،عمد فيها المقاتلون
الصر ّبيون على قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين في (البوسنة) ،و(الهرسك).1
في ارتكاب هذه الجريمة هو دور مركزي ومحوري ،وهو ما يجعل من المسؤولية الجنائية التي تتحملها
الدولة مهمة بدرجة كبيرة ،وخالل هذه الدراسة ،فإننا نسعى في القسم األول منها إلى :بيان التنظيم
القانوني والمسؤولية القانونية العامة للجريمة في االتفاقيات الدولية ،فيما سنسعى في القسم الثاني
إلى :دراسة اآللية التي تعامل بها القضاء الجنائي الدولي مع هذه الجريمة من خالل المحاكم
الجنائية الدولية.
يتمثل السؤال األساسي للدراسة في "كيف تم تنظيم جريمة اإلبادة الجماعية في القوانين واالتفاقيات
الدولية والمحاكم الجنائية الدولية؟" ،وينبثق عن هذا التساؤل مجموعة من األسئلة الفرعية هي:
جنائيا؟
ً -5كيف يتم مساءلة مرتكبي هذه الجريمة
( 1سربرينيتسا) :عشرون عاما بعد اإلبادة الجماعية ،أنس كاريتش ،2015/7/13 ،لالطالع على النص كامال
.http://studies.aljazeera.net/ar/issues/2015/07/201571211355136991.html
2
-6كيف تعامل القضاء الجنائي الدولي مع هذه الجريمة؟
تنبع أهمية هذه الدراسة من إلقائها الضوء على واحدة من أهم الجرائم وأخطرها ،إذ إن ما تتميز به
هذه الحريمة هو ارتكابها بحق نحو عرق ،أو جماعة معينة ،بناء على سياسة مسبقة ،وهو ما يعود
في جذوره إلى التمييز العنصري القائم على اللون ،أو الجنس ،أو العرق ،أو الدين ،وغيرها ،ومن
هذا المنطلق ،فإن سعي العالم إلى محاربة جريمة اإلبادة الجماعية يعكس رغبة العالم والمجتمع
الدولي ،إلى ضرورة إيقاف التمييز العنصري ،وبالتالي إيقاف إبادة البشر بناء على ذلك التمييز،
أو جماعة ما ،ما يجعل من األهمية بمكان الوقوع على األفعال كاّفة والتي يمكن لها أن تشكل جزًءا
من هذه الجريمة ،وكيفية مالحقة مرتكبي هذه الجريمة ومساءلتهم أمام القضاء الجنائي لتحقيق العدالة
للضحايا؟.
-1األهمية النظرية:
قانونيا ،ومنها اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية وميثاق (روما) ،والمواثيق المنشأة
ً محاوالت تنظيمها
للمحاكم الجنائية الخاصة مثل :رواندا ويوغسالفيا السابقة ،فما هي األفعال التي تشكل هذه جريمة،
وماالركن المعنوي المشكل لها ،وكيف يمكن مساءلة مرتكبي هذه الجريمة أمام القضاء؟.
3
كما أن إحدى أبرز النقاط التي تدفع إلى دراسة هذه جريمة ،هو الخصوصية المتميزة التي تتمتع بها
عن غيرها من الجرائم ،خصوصا جرائم الحرب والجرائم ضد اإلنسانية ،إذ إن هذه الجرائم كاّفة
الدولية ،وعلى الرغم من ذلك ،فإن تميزها يكمن بتوجهها نحو التخلص على مجموعة معينة من الناس
بناء على جنسهم ،أو عرقهم ،أو دينهم ،أو لونهم ،أو لغتهم ،...وذلك بتخطيط وتدبير مسبقين يشكل
الجوهر األساسي الذي يجعلها مختلفة عن الجريمة ضد اإلنسانية ،والتي ال تتطلب مهاجمة فئة معينة
من الناس بناء على الجنس ،أو العرق ،أو الدين ،أو اللغة ،أو جرائم الحرب ،والتي ذكرت على سبيل
-2األهمية العملية:
تتمثل أهمية هذه الدراسة العملية في إلقاء الضوء على اآلليات التي اتبعها المجتمع الدولي في
التصدي لجريمة اإلبادة الدولية ،وذلك من خالل دراسة آليات القضاء الدولي وتحليلها في المحاكم
الجنائية الخاصة وهي المحكمة الجنائية الخاصة (بيوغسالفيا) ،والمحكمة الجنائية الخاصة (برواندا)،
والمحكمة الجنائية الدولية .إذ إنه وعلى الرغم من اعتماد اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة
عليها لعام ،1948لم تتواجد آليات قضاء على المستوى الدولي لتنفيذ نصوصها القانونية،
وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى عمل هذا النوع من الجرائم في يوغسالفيا عام ،1991وفي رواندا
عام .1994
لقد قادت فظاعة هذه الج ارئم في (يوغسالفيا) ،و(رواندا) ،بالعالم إلى التحرك للمرة األولى من أجل
تطبيق اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية ،وذلك من خالل إنشاء المحكمة الجنائية الخاصة
(بيوغسفالفيا) ،والمحكمة الجنائية الخاصة (برواندا) ،حيث اعتبرتا أول تطبيق عملي لتجريمها ،وهو
4
ما سنتطرق إليه بصورة أكثر تفصيال من خالل بيان طبيعة هذه المحاكم واختصاصها ،إضافة إلى
أما ما يعطي هذه الجريمة أهمية كبيرة اليوم ،فهو دخولها في االختصاص النوعي للمحكمة الجنائية
الدولية ،والتي لم تنظر وحتى اليوم سوى في قضية واحدة حول هذه الجريمة دون أن تتجاوز القضية
مراحلها األولى؛ ما يجعل من االهمية بمكان النظر إلى اختصاص المحكمة ،وطبيعة عملها،
واختصاصها النوعي والمكاني ،وأبرز القضايا المنظورة أمامها ،وهي قضية الرئيس السوداني السابق
ومن هذا المنطلق ،فإننا ومن خالل هذه الدراسة نسعى إلى تحقيق مجموعة من األهداف هي:
-1الوقوف على التنظيم القانوني لهذه الجريمة ضمن النصوص القانونية في االتفاقيات الدولية،
والتي من أبرزها اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقب عليها وميثاق (روما) المنشأ
-2دراسة األركان العامة المشكلة لها بشكل عام ،واألركان العامة المكونة لألفعال كاّفة ،والتي تندرج
تحت هذا المفهوم ،إضافة إلى المسؤولية الجنائية لمرتكبي هذه الجريمة أمام المحاكم الدولية.
-3دراسة مدى انطباق القوانين الخاصة بجريمة اإلبادة الجماعية على الحاالت العلمية التي وقعت
-4تقديم صورة أكثر وضوحا عن كيفية التعامل القضائي الدولي مع هذه الجرائم من خالل استكشاف
التوجهات التي أخذ بها القضاء الجنائي الدولي في معالجته لهذه الجريمة في مناطق النزاع
المسلح.
5
تقسم محددات الدراسة إلى قمسين:
-1المحددات الزمانية :وهي مجموعة االتفاقيات الدولية المنظمة لهذه الجريمة ،وهي اتفاقية منع
جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام ،1948وميثاق (روما) ،للمحكمة الجنائية الدولية
-2المحددات المكانية :وهي تمتد لتشمل اإلطار الدولي في ظل اتفاقية منع هذه الجريمة والمحاكم
الجنائية الدولية.
تتمحور إشكالية الدراسة حول نقطتين رئيستين :األولى تتمثل في الهيكلية القانونية لهذه الجريمة في
القوانين واالتفاقيات الدولية ،إذ نسعى إلى دراسة النصوص القانونية وتحليلها ،إضافة إلى معالجتها
لهذه الجريمة ،فما النصوص القانونية؟ وكيف تطورت على مدار التاريخ؟ وكيف تم البدء بتنظيم هذه
الجريمة؟ وما األسس التي تم فيها وضع مفهوم لجريمة اإلبادة الجماعية عليها ،وإضافة إلى ذلك
جزًءا منها من جهة أخرى ،وكيف يمكن مساءلة مرتكبي هذه الجريمة ،وما األركان المشكلة لمسؤولتيهم
الجنائية؟.
أما القسم الثاني من اإلشكالية فيتمثل في التطرق إلى اآلليات القانونية والقضائية الدولية التي لجأ
إليها المجتمع الدولي من أجل التصدي ومكافحة هذه الجريمة ،فعلى الرغم من اعتماد اتفاقية منع
جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام ،1948إال أن ذلك لم يمنع من ارتكاب جرائم اإلبادة
الجماعية في يوغسالفيا ورواندا ،في بداية التسعينيات ،وكنتيجة لذلك فقد لجأ العالم إلى تنظيم اآلليات
القضائية ،كالمحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) ،و(رواندا) ،والمحكمة الجنائية الدولية ،وبالتالي
ونوعيا)،
ً ومكانيا،
ً فإننا خالل هذه الدراسة سنتطرق إلى دراسة اختصاص المحاكم الثالثة (ز ً
مانيا،
6
فما اإلجراءات المتبعة أمامها؟ وما أبرز القضايا التي نظرتها هذه المحاكم؟ وكيف تعاملت مع الوضع
إن هناك مجموعة من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع بشكل مباشر ،أو غير مباشر ،وهي تعتبر
مراجع أساسية لدراستنا هذه نذكر منها دراستين أساسيتين ،مع الوقوف عند التشابهات واالختالفات
-1جريمة اإلبادة الجماعية وعقوبتها في القانون الدولي ،محمد بن علي بن ناصر بن هديان،
تناولت هذه الدراسة بصورة أساسية هذه الجريمة ،والعقوبات المفروضة عليها في النظام القاوني
الدولي ،إذ ابتدأ الباحث في دراسته بالتحدث عن هذه جريمة من ناحية المصطلح والنشأة
والتاريخ ،وأبرز المراحل التي مرت بها الجريمة في المجتمع الدولي حتى تم الوصول إلى تعريف
أيضا
جامع وشامل لها في اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليه ،وتناول الباحث ً
أركان الجريمة ،واألفعال المكونة للجريمة بالتفصيل ،أما القسم األخير من الدراسة ،فركز على
التطبيقات القضائية والعقابية الخاصة بمرتكبي هذه جريمة على المستوى الدولي من خالل
الوقوف على أبرز تلك الحاالت ،وعرض اآللية التي تناولت فيها المحاكم الدولية هذه القضايا.
-2جريمة اإلبادة الجماعية في االجتهاد القضائي الدولي ،عوينة سميرة ،جامعة الحاج لخضر،
الجزائر:2013-2012 ،
قبل أن تتطرق إلى التخصص في دور القضاء الجنائي الدولي في تعامله معها في القسم الثاني.
7
حيث تناولت الباحثة مفهوم الجريمة وطبيعته ،والتطور التاريخي للمفهوم الخاص بها ،كما تناولت
اآل ارء الفقهية المختلفة حول الجريمة فيما يتعلق بخصائصها وما يميزها عن غيرها من الجرائم.
في القسم الثاني من الرسالة تطرقت الباحثة إلى دراسة النظام القضائي الدولي ،حيث تدرجت في
التعريف بالمحاكم الجنائية الدولية الخاصة ،كالمحكمة الخاصة بـ(روندا) ،والمحكمة الخاصة
بـ(يوغسالفيا) ،السابقة ،وأخي ار المحكمة الجنائية الدولية ،حيث عمدت الباحثة إلى تناول أوجه
االختالف والتشابه بين المحاكم وطبيعتها واختصاصاتها فيما يتعلق بالجريمة ،حيث قامت بتقديم
شرح مفصل حول كيفية تناول كل محكمة لجريمة اإلبادة الجماعية على حدة ،ووقفت على االختالفات
والتشابهات ،من خالل عرض أبرز القضايا التي تناولتها تم تجاوليها في هذه المحاكم.
إن األهمية التي تحتلها دراستنا في هذا المجال هو الجمع بين االتجاهين السابقين بشكل متوازن،
بشكل عام ،وكيفية تناول القضاء الدولي هذه الجريمة دون تفضيل جانب على الجانب اآلخر.
ولغايات إتمام هذه الدراسة ،فإننا سنتبع المنهج الوصفي التحليلي ،وذلك ألجل دراسة صورة أكثر
وضوحا وبيانا وتحليلها وتقديمها عن القوانين الناظمة لهذه الجريمة في االتفاقيات الدولية واالقليمية
ً
والمحلية على حد سواء ،حيث نسعى إلى بيان ماهية األفعال التي تم إدخالها ضمن مفهوم اإلبادة
الجماعية ،وتحليل األركان المشكلة لكل واحد من هذه األفعال ،بما يشمل الركن المادي والركن
المعنوي ،كما نسعى إلى اتباع المنهج التحليلي من أجل ربط النصوص القانونية واألفعال الواقعية
التي شكلت جرائم إبادة جماعية في أماكن مختلفة من مناطق النزاع في العالم ،وبالتالي الوصول إلى
واستنادا لما سبق ،فإننا سنقوم بتقسم دراستنا هذه إلى فصلين ،نناقش في الفصل األول :تجريم
مقدمة
لقد شهد العالم خالل مئات السنين العديد من الحروب التي اشتعلت في العديد من الدول ،أبرزها
ومكافحتها ،وذلك من خالل توقيع االتفاقيات الدولية وإدخالها في اختصاص القضاء الجنائي الدولي،
الماهية العامة لهذه الجريمة ،فإننا سنتحدث في هذا الفصل إلى دراسة التنظيم
ّ وألجل الوقوف على
القانوني العام لها ،حيث سنتناول في المبحث األول :التعريف العام لهذه الجريمة وخصائصها ،وفي
المبحث الثاني :دراسة أركاننها ،أما المبحث الثالث :سنتناول دراسة أسس المسؤولية القانونية
9
المبحث األول
لقد جاءت االتفاقيات الدولية المتعلقة بالجريمة قيد الدراسة إلى تناول األفعال المادية التي تكون
الجريمة ،إال أنها لم تتطرق إلى تعريفها بشكل واضح ،وفي هذا المبحث ،سنتطرق في المطلب األول:
موجه نحو مجتمعات بأكملها ،1وما يميزها عن غيرها من الجرائم ،هي أنها ترتكب وقت
اعتداء ّ
الحرب والسلم ،2وهذا يدفع بالجريمة قيد الدراسة لتشكل جريمة مشتركة ما بين القانون الدولي لحقوق
كبير على
خطر ًا
ًا وبالتالي فإن الوقوف عند مفهوم هذه الجريمة والطبيعة التي دفعت بها لتشكل
يعتبر الفقيه البولوني (رافييل لميكن) ،هو أول من استعمل المصطلح جريمة اإلبادة الجماعية
" ،"Genocideيتكون المصطلح من مقطين يونانيين ،األول :هو ( ،)Genosيعني الجنس ،والثاني:
مرعي ،أحمد لطفي السيد ( .)2016نحو تفعيل اإلنفاذ الجنائي الوطني ألحكام القانون الدولي اإلنساني"دراسة مقارنة" ،دامر 1
أوروبا المحتلة" عام ،1994حيث عرف المصطلح على ّأنه " تدمير جماعة قومية أو جماعة اثنية
بصورة عامة " ،2كما عرفها الفقيه (غرافن) بأنها " إنكار حق الجماعات البشرية في الوجود وهي
لقد تطرق المجتمع الدولي إلى مناقشة هذه الجريمة في االتفاقيات الدولية ،حيث تم اعتبارها جريمة
معاقبة عليها بمقتضى القانون الدولي بموجب المادة 1من اتفاقية منع جريمة االبادة الجماعية
وقد نصت المادة ( )2من االتفاقية على أنها " :تعني أيا من األفعال التالية ،المرتكبة على قصد
التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية ،أو إثنية ،أو عنصرية ،أو دينية ،بصفتها هذه:
د .فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب األطفال داخل الجماعة.
1بوبكر ،زيان ( .)2013/2012جريمة اإلبادة الجماعية في القانون الدولي اإلنساني ،رسالة ماجستير ،جامعة عبد الرحمن ميرة
-بجاية ،الجزائر ،ص.5
2عوينة ،سميرة ( .)2013/2012جريمة اإلبادة الجماعية في االجتهاد القضائي الدولي ،رسالة ماجستير ،جامعة الحاج لخضر-
بتانة ،الجزائر ،ص.24
3عوينة ،سميرة ،مرجع سابق ،ص.25
11
كما تطرق ميثاق (روما) 1المنشأ للمحكمة الجنائية الدولية إلى اعتبارها من اختصاص المحكمة،
ونص على طبيعة الجريمة في المادة ( )6على أن " :لغرض هذا النظام األساسي تعني "اإلبادة
الجماعية" أي فعل من األفعال التالية يرتكب يقصد إهالك جماعة قومية ،أو إثنية ،أو عرقية ،أو
كليا أو جز ًئيا.
عمدا ألحوال معيشية يقصد بها إهالكها الفعلي ً
ج .إخضاع الجماعة ً
ومن التعريفات السابقة يمكننا القول :إن األساس الذي يقوم عليه هذ المفهوم 3هو تقصد مسبق ومبيت
وصريح ،يتوجه نحو إهالك ،أو تدمير ،أو القضاء بصورة كاملة ،أو بصورة جزئية ،على جماعة
محددة ،سواء أكانت تلك الجماعية قائمة على أساس ديني ،أو عرقي ،أو إثني ،أو قومي ،وذلك من
الضرر الجسدي ،أو العقلي الجسيم ،إخضاع أفراد الجماعة لظروف معيشية تستهدف إهالكهم ،قطع
1نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما بتاريخ 17يوليو .1998
2لقد ورد تعريف جريمة اإلبادة الجماعي بصورته هذه في كل من النظام األساسي المنشأ للمحكمة الجائية الخاصة بـ(يوغسالفيا)،
السابقة والنظام األساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(روندا) ،عبيد ،عيسى ( .)2019محكمة العدل الدولية ودورها في تطوير
قواعد القانون الدولي الجنائي ،دار المنهل للنشر والتوزيع ،عمان -األردن ،2019 ،ص.69
3المرجع السابق ،ص.70
4عوينة ،سميرة ،مرجع سابق ،ص.26-25
12
المطلب الثاني :صور جريمة اإلبادة الجماعية
إن الخطورة التي تشكلها هذه الجريمة داخل المجتمع الدولي دفع بها لتتميز بمجموعة من الخصائص
التي تميزها عن غيرها من الجرائم ،وفي هذا المطلب سنتناول أهم تلك الخصائص التي تتميز بها
اإلبادة الجماعية.
لقد أشارت التعريفات الخاصة بالجريمة إلى أربعة أنواع من الجماعات التي تعتبر ضحية محتملة
-1الجماعات القومية :وهي الجماعة التي يكون لها أصل قومي مشترك ،والقومية هنا ال تعني
الجنسية ،إذ من الممكن أن تحمل دول جنسيات عدة صفة قومية مشتركة ،ومن أمثلتها أعمال
اإلبادة التي مورست من قبل (هتلر) ،والقوات األلمانية بحق القومية السالفية في دول أوروبا
-2الجماعات اإلثنية :تقوم الجماعة اإلثنية على أساس العناصر البدنية المتوارثة في جنس معين،
بغض النظر عن مكان تواجد تلك األقليات ،أو الجماعات ،أو مكان سكنها ،ومن أبرز أنصار
هذه النظريات ،القوات األلمانية التي عرفت باتباعها نظريات تفوق الجنس اآلري على غيره من
اإلثنيات واألجناس.3
1السيد ،خالد ( .)2020جريمة اإلبادة الجماعية ،بحث منشور على اإلنترنت ،ص ،5لالطالع على النص الكامل
.https://www.elkanounia.com/2020/08/Exposes19_24.html
رتيب ،معمر وسيد ،حامد ( .)2016تطور مفهوم اإلبادة الجماعية في نطاق المحكمة الجنائية الدولية ،در المنهل للنشر 2
من األفراد.1
-4الجماعات الدينية :تقوم المجموعة الدينية على أساس الدين كرابط يجمع بين أفراد الجماعة،
التاريخ ،كما حدث في (كمبوديا) ،عام 1975بتهجير أقلية شام المسلمة وإبادتها.2
إن الخطورة التي تشكلها هذه الجريمة على المجتمعات واآلثار السلبية التي تتركها على أجيال
المستقبل دفعت بالمجتمع الدولي ليتحرك في مواجهة هذه الجريمة ،وذلك من خالل صياغة عددا
من االتفاقيات الدولية التي باتت تعتبرها جزًءا من القانون الجنائي الدولي ،وبالتالي أكد المجتمع
جريمة محلية.
إذ تعتبر اتفاقية مكافحة جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها هي القاعدة القانونية الدولية ،والتي
نظمت أركان هذه الجريمة وخصائصها وكيفية ارتكابها ،وآليات مكافحتها والمعاقبة عليها ،وتعتبر
المحكمة الجنائية الدولية :صحيفة الوقائع ،3المالحقة القضائية لمرتكبي جريمة االبادة الجماعية ،وثيقة رقم ،40/01/00 1
الدولة ،وعلى الفرد أمام المجتمع الدولي ،وقد تمثل هذا في اعتبار االبادة الجماعية جريمة تدخل في
تعرف الجريمة السياسية :على أنها الجريمة التي ترتكب بهدف سياسي ،أو لتحقيق غايات سياسية
تريدها الدولة ،2وبالتالي يترتب هذه الصفة امتناع الدولة عن تسليم المجرم السياسي إلى القضاء
الجريمة السياسية ،فقد لجأ المجتمع الدولي إلى إخراجها من أسفل غطاء الجرائم السياسية ،ورفض
إصباغ هذه الصفة عليها؛ وذلك بهدف منع تهرب مرتكبي هذه الجريمة من العقاب تحت حصانات
سياسية.4
وقد اعتبرت المادة ( )7من اتفاقية جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها على أنه" :ال تعتبر هذه
الجريمة واألفعال األخرى المذكورة في المادة الثالثة جرائم سياسية على صعيد تسليم المجرمين،
وتعد األطراف المتعاقدة في مثل هذه الحاالت بتلبية طلب التسليم وفقا لقوانينها ومعاهداتها النافذة
المفعول".
العبادي ،زياد احمد محمد ( ).2016دور المحاكم الجنائية الدولية الخاصة في تحديد جريمة االبادة الجماعية المعاقبة عليها، 1
يترتب على عمل هذه الجريمة خضوع مرتكبها للمساءلة القانونية أمام المحاكم المختصة ،على
وبالتالي فالمسؤولية المترتبة على ارتكابها ،هي فردية تفع على عاتق الفرد مرتكب الجريمة ،فالمسؤولية
الدولية قد تترتب على الدولة ،إال أن المساءلة أمام القضاء ال يكون بمواجهة شخص معنوي ،بل إنه
يقع على عاتق الفرد ،وذلك من الناحية الجنائية ،1سواء أكان ذلك الفرد قد ارتكب الجريمة بصفته
وبالتالي فإن المسؤولية القانونية عن ارتكابها تقع على عاتق الفرد الذي ارتكب ،أو ساهم ،أو أمر،
حيث نصت المادة ( )4من اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها على أنه" :يعاقب
مرتكبو اإلبادة الجماعية ،أو أي فعل من األفعال األخرى المذكورة في المادة الثالثة سواء أكانوا
حكاما دستوريين ،أو موظفين عامين ،أو أفرادا" ،وفي ذات السياق نصت المادة ( )6من االتفاقية
على أنه" :يحاكم األشخاص المتهمون بارتكاب اإلبادة الجماعية ،أو أي من األفعال األخرى المذكورة
في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها ،أو أمام
محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من األطراف المتعهدة قد اعترف بواليتها".
16
وبالتالي فإن محاكمة األفراد مرتكبوها يكون أمام القضاء الوطني ،أو قضاء الدولية التي حدثت على
أرضها عملية اإلبادة الجماعية ،أو أمام محكمة دولية ذات اختصاص اعترفت به الدول األطراف،
وال يعتد بالصفة الرسمية للفرد خالل محاكمته الرتكاب هذه الجريمة ،حيث ساوت االتفاقية في
محكمة (نرومبرج) على أنه ":جرائم القانون الدولي ال يرتكبها إال األفراد ال األشخاص المعنويون،
ودون عقاب هؤالء األفراد لن تتحقق الفعالية للقانون الدولي" ،2وقد أشارت المحكمة الجنائية
الدولية ،إلى أن األشخاص الذين يتم محاكمتهم أمامها عن الجرائم الداخلة في اختصاصها ،هم األفراد
" -1يكون للمحكمة اختصاص على األشخاص الطبيعيين عمال بهذا النظام األساسي.
-2الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة ،يكون مسؤوال عنها بصفته الفردية،
الفرع الرابع :خضوع الجريمة قيد الدراسة لكل من القضاء الدولي والقضاء الوطني
لقد أكدت المادة السادسة من اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها أن محاكمة مرتكبي
-3المحاكم الجنائية الدولية ذات االختصاص ،والتي اعترفت الدول األطراف بواليتها.
الجريمة في العادة تتم بعلم السلطات العليا والمسؤولين الكبار في الدولة ،والذي لديهم فرصة أكبر
وبالتالي فقد منح المشرع الوطني أولوية معاقبة مرتكبي هذه الجريمة ومحاكمتهم ،إال أن إمكانية
التل ّكؤ في محاكمتهم ،والتهرب من العملية ،يمنح الحق للدولة المتضررة في المطالبة بمحاكمة مرتكبي
الجريمة ،أو قد يعطي القضاء الدولي الحق في محاكمتهم ،ومنع أي محاولة للتهرب واإلفالت من
المسؤولية والعقاب.2
كغيرها من الجرائم ،فإن جريمة اإلبادة الجماعية تتكون من ركنين رئيسين يكونان الجسد األساسي
حيث يرى هذا التوجه من الفقه أن الركن الدولي في هذه الحالة يتشابه مع الركن الشرعي للجرائم في
القانون الدولي ،1حيث يظهر الجانب الدولي لها في المادة ( )6من نظام (روما) ،للمحكمة الجنائية
الدولية ،والتي تنص على ارتكاب الجاني جريمة اإلبادة الجماعية ضد جماعة قومية ،أو إثنية ،أو
وألجل بيان طبيعة األركان المكونة لهذه الجريمة ،فإننا سنتطرق في هذا المبحث ،وفي المطلب األول
إلى دراسة الركن لها ،فيما سنتطرق في المطلب الثاني إلى دراسة الركن المعنوي لها.
الركن المادي للجريمة :هو السلوك اإلجرامي الذي يقوم به الجاني سواء أكان متمثال بصورة إيجابية
أو سلبية ،وذلك بهدف تحقيق نية الجاني الجرمية ،3وفيما يخص الجريمة قيد الدراسة ،فإن الركن
المادي يتشكل من السلوك اإلجرامي الذي يهدف الجاني من وراء ارتكابه إلى إبادة جماعة معينة
بناء على الخلفية القومية ،أو اإلثنية ،أو العرقية ،أو الدينية.4
.204
4أبو زيد ،ايمان ،مرجع سابق ،ص.99
19
وقد عمدت نص المادة ( )6من ميثاق (روما) ،للمحكمة الجنائية الدولية ،ونص المادة ( )3من اتفاقية
منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها ،إلى تحديد صور السلوك الجرمي المكون لجريمة اإلبادة
عمدا لظروف
حصر في خمس صور هي :قتل أعضاء من الجماعة ،إخضاع الجماعة ً
ًا الجماعية
معيشية ،التسبب باألذى الجسدي أو الروحي ،أو روحي ،تدابير تتخذ للحيلولة دون إنجاب األطفال
يعتبر فعل القتل من أخطر الصور المكونة لجريمة اإلبادة الجماعية ،حيث يلجأ الجاني في هذه
الحال إلى قتل شخصين أو أكثر من أفراد جماعة عرقية ،أو إثنية ،أو قومية ،أو دينية ،وذلك بوجود
قصد مسبق لدى الجاني بإهالك هذه الجماعة ،سواء أكان ذلك بصورة كلية ،أو جزئية ،كما يشمل
شخصا أو أكثر.
ً -1أن يقتل الجاني
-2أن يكون الضحايا منتمين إلى جماعة على أساس الخافية القومية ،أو اإلثنية ،أو العرقية ،أو
الدينية.
-3أن تتوجه نية الجاني إلى إهالك تلك الجماعة القومية ،أو اإلثنية ،أو العرقية ،أو الدينية ،بصورة
المجتمع الدولي خالل القرن الماضي ،ولعل من أبزرها مجزرة (سربرنيتشا) ،التي قتل فيها ما يقرب
من ثمانية آالف شخص من البوسنيين المسلمين في (يوليو) 1995 ،على يد القوات الصربية ،وذلك
بقيادة الجنرال الصربي (راتكو مالديتش) ،وتحريض من القيادة السياسية الصربية بقيادة (رادوفان
على مستويين :األول :هو األفعال الجسدية كالتعذيب ،أو االغتصاب ،أو االعتداء بالضرب ،أو
الذهنية أو العقلي ،وتشمل أي نوع من التعذيب ،أو االعتداء النفسي الذي يتم إيقاعه على األفراد؛
1الحلبي ،بشار ( .)2017لم ينته البوسنيون من دفن موتاهم بعد 22عاما من مجزرة (سربرنيتشا) ،مقال إخباري منشور بتاريخ
،2017/7/11لالطالع على النص كامال .https://fc.lc/HSwNyH
2بالدهان ،وليد ( .)2018/2017جريمة اإلبادة الجماعية وآليات متابعتها في ظل القانون الدولي الجنائي ،رسالة ماجستير،
جامعة العربي بن مهيدي ،ام البواقي -الجزائر ،ص.27
21
وبالتالي فإن األركان المكونة لهذه الصورة من صورها:1
-1أن يسفر الفعل الذي يقوم الجاني بارتكابه عن إلحاق األذى البدني ،أو المعنوي الجسيم بشخصين
أو أكثر.
-2أن يكون الضحايا ذوي جماعة قومية ،أو إثنية ،أو عرقية ،أو دينية معينة.
-3أن يكون لدى الجاني نية مسبقة بإهالك الجماعة بصورة كلية ،أو جزئية بصفتها تلك.
-4أن يكون من شأن هذا السلوك أن يتسبب بصورة ذاتية بإهالك الجماعة ،أو أن يصدر ضمن
فعلى سبيل المثال اعتبرت المحكمة الجنائية الخاصة (بروندا) ،أن االغتصاب ،واالعتداء الجنسي
الذي رافق عمليات هذه الجريمة في (روندا) ،ضد التوتسي يدخل ضمن مفهوم الضرر البدني والعقلي
إن المقصود بهذه الصورة :هو قيام الجاني أو الجناة بإخضاع أفراد الجماعة إلى وسائل معيشية
صعبة تستهدف القضاء عليهم وإهالكهم ،سواء أكان ذلك من خالل حصرهم في أماكن قليلة الغذاء،
أو الماء ،أو مناطق ملوثة غير صالحة للحياة البشرية ،أو من خالل منع وصول األغذية ،أو األدوية،
أو غيرها من الوسائل المعيشية الالزمة إلى أفراد تلك الجماعة؛ بهدف إهالكهم.3
1المادة /6ب من أركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية ،اعتمدت من قبل جمعية الدول األطراف في نظام (روما) ،األساسي
للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها األولى المنعقدة في نيويورك من 10-3سبتمبر .2002
2عوينة ،سميرة ،مرجع سابق الذكر ،ص.68
3رتيب ،معمر ،مرجع سابق ،ص.55
22
وقد حددت المحكمة الجنائية الدولية أن األركان المشكلة لهذه الصورة هي:1
-2أن يكون الضحايا منتمين إلى جماعة قومية ،أو إثنية ،أو عرقية ،أو دينية معينة.
-3أن يكون لدى الجاني نية مسبقة بالقضاء على الجماعة بصورة كلية ،أو جزئية بصفتها تلك.
-4أن يكون القصد من وراء تلك األحوال المعيشية اإلهالك المادي للجماعة ً
كليا أو جز ًئيا.
-5أن يكون من شأن هذا العمل أن يتسبب بصورة ذاتية بإهالك الجماعة ،أو أن يصدر ضمن
وهنالك العديد من الحاالت التي تم فيها استخدام هذا األسلوب بهدف اإلبادة الجماعية ،حيث استعمل
الحصار وسياسة التجويع في سوريا بصورة كبيرة عام ،2015فقد أشار تقرير لمنظمة األغذية
أن نصف الشعب السوري وقع فريسة للجوع الذي فرض بسبب حصار البلدات
والزراعة (الفاو)ّ ،
والمدن السورية من قبل القوات السورية ،كما شهد عام ،2016وفاة العشرات من األطفال والنساء
في ريف دمشق بسبب حصار خانق فرض على المدينة منع دخول األدوية ،أو األغذية للمدنيين.2
الفرع الرابع :تدابير تتخذ للحيلولة دون إنجاب األطفال داخل الجماعة
تعتبر التدابير التي يتم اتخاذها لمنع اإلنجاب والتكاثر داخل الجماعة إحدى صور اإلبادة الجماعية،
والتي تهدف إلى تقليل سكان الجماعة ،ومنع تكاثرهم ونموهم ،وبالتالي تستهدف إهالكها بصورة غير
1المادة /6ج من أركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية ،اعتمدت من قبل جمعية الدول االطراف في نظام روما االساسي
للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها االولى المنعقدة في نيويورك من 10-3سبتمبر .2002
2التجويع سالح األسد لتحقيق النصر ،موسوعة الجزيرة ،لالطالع على النص كامال راجع .https://fc.lc/Vajw
23
مباشرة ،وتختلف صور هذه التدابير وأشكالها ،سواء أكانت من خالل تحريم الحمل بداية ،أو السماح
-2أن يكون الضحايا ذوي قومية ،أو إثنية ،أو عرقية ،أو دينية معينة.
-5أن يكون من شأن هذا العمل سببا بصورة ذاتية بإهالك الجماعة ،أو أن يصدر ضمن نمط
حيث اعتبر منع اإلنجاب من خالل العقاقير التي تستعمل إلفقاد النساء والرجال على حد سواء
القدرة على اإلنجاب ،3كما يشكل اغتصاب النساء بهدف تغيير التركيبة الجينية للجيل القادم أحد
تعتبر عملية نقل االطفال من حضن الجماعة إلى مناطق أخرى إحدى صور اإلبادة ،حيث تستهدف
هذه العملية تقليل أعضاء الجماعة المستهدفة وفي المقابل زيادة عدد أعضاء الجماعة المعتدية من
خالل ضم االطفال إليهم؛ بهدف دمجهم معهم ،وتربيتهم ليشكلوا جزًءا من تلك الجماعة.1
وقد بينت المحاكم الجنائية الدولية أن أركان هذا الفعل تتمثل في:2
-2أن يكون الضحايا ذوي جماعة قومية ،أو إثنية ،أو عرقية ،أو دينية معينة.
-3أن يكون لدى الجاني متقصدا بإهالك الجماعة بصورة كلية ،أو جزئية بصفتها تلك.
-6أن يعلم الجاني أو يفترض به العْل َم أن هؤالء األشخاص هم دون سن الثامنة عشرة.
-7أن يكون من شأن هذا السلوك أن يتسبب بصورة ذاتية بإهالك الجماعة ،أو أن يصدر ضمن
ومن أبرز الممارسات الحديثة على عمليات نقل األطفال ما ارتكبه تنظيم داعش ضد األطفال
األزيديين ،حيث قام التنظيم بعمليات اختطاف لألطفال االزيديين ،ونقلهم من مكان سكنهم إلى أماكن
تماما.1
األزيدية وتحويلهم إلى ديانة ،ودمجهم في مجتمع آخر ً
إن األهمية التي يشكلها الركن المعنوي في أي جريمة تنبع من وجود نية جرمية مسبقة لدى الجاني،
قانونا ،وبالتالي فهو يعكس توجه الجاني الواضح إلى ارتكاب الجريمة
تهدف إلى ارتكاب الفعل المجرم ً
وفي هذا المطلب سنتطرق في الفرع األول :إلى دراسة الركن المعنوي في هذه الجريمة من خالل
دراسة القصد العام ،وسنتطرق في الفرع الثاني :إلى دراسة القصد الجنائي الخاص.
عموما إلى توجيه الجاني قصده نحو ارتكاب هذه الجريمة رغم
ً يقوم القصد الجنائي العام في الجرائم
الدولية إلى أن القصد الجنائي العام في المادة 30بقولها" :ما لم ينص على غير ذلك ال يسأل
الشخص جنائيا عن ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة ،وال يكون عرضة للعقاب على
هذه الجريمة ،إال إذا تحققت األركان المادية مع توافر القصد والعلم".
1نداء من أجل المساءلة والحماية :االيزيديون الناجون من األعمال الوحشية التي ارتكبها داعش ،مكتب مفوض األمم المتحدة
لحقوق اإلنسان ومكتب حقوق اإلنسان في بعثة األمم المتحدة-العراق ،آب ،2016ص ،11-10لالطالع على النص كامال
راجع .https://www.ohchr.org/Documents/Countries/IQ/UNAMIReport12Aug2016_ar.pdf
2كامل السعيد ،مرجع سابق الذكر ،ص.279
26
كما تم النص على القصد العام في هذه الجريمة بما يشمل من العلم باألعمال المرتكبة والمكونة لها
وتوجه إرادة الفاعل نحو ارتكاب هذه الجريمة في المادة ( )2من اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية
والمعاقبة عليها.1
-1العلم:
يتواجد العلم في الجريمة عندما يقوم الجاني بارتكاب الجريمة مع علمه أن الفعل الذي يقوم به هو
مجرم في القانون من جهة ،وعلمه بالنتيجة المترتبة على هذا الفعل ومخالفتها للقانون.2
وقد جاءت المادة ( )3/30من ميثاق (روما) لتعرف العلم على أنه" :ألغراض هذه المادة تعني لفظة
العلم أن يكون الشخص مدركا أنه توجد ظروف أو ستحدث نتائج في المسار العادي لألحداث،
-2اإلرادة:
تعرف اإلرادة على أنها" :نشاط نفسي يتجسد في قدرة اإل نسان على توجيه نفسه إلى فعل معين أو
االمتناع عنه" ،3وبالتالي تتجسد اإلرادة لدى الجاني بتوجهها نحو تحقيق العناصر كافة المكونة
في حالتين:
أ .فيما يتعلق بالسلوك فقصد الجاني يتحقق عندما يقصد الجاني بسلوكه ارتكاب هذا السلوك.
ب .فيما يتعلق بالنتيجة ،فإن قصد الجاني يتحقق عندما علم أو أدرك أن النتيجة الحاصلة ستحدث
تتميز جريمة االبادة الجماعية عن غيرها بتطلبها وجود القصد الخاص ضمن القصد الجنائي ،إذ ال
يكفي تواجد العلم واإلرادة لدى الجاني خالل ارتكاب األفعال المكونة لها ،1إذ يتمثل القصد الخاص
لجريمة االبادة الجماعية في وجود غاية محددة وواضح تتمثل في توجه نية الجاني إلى إهالك
وقد بينت المادة ( )6من ميثاق (روما) ضرورة وجود القصد الخاص لغايات اكتمال الركن المعنوي
لهذه الجريمة بقولها" :بأنها أي فعل من األفعال التالية يرتكب بقصد إهالك جماعة قومية ،أو إثنية،
وبالتالي فإن القصد الخاص لهذه الجريمة يتمثل بوجود نية مسبقة ومبيتة وواضحة لدى الجاني من
أجل إهالك أو تدمير أو القضاء على الجماعة بصفتها اإلثنية أو العرقية ،أو الدينية ،أو القومية،
وعلى الرغم من أهمية وجود هذا القصد ضمنها ،إال أن عملية إثباته ليست بسيطة ،حيث أكدت
المحكمة الجنائية الدولية الخاصة (بروندا) أن إثبات القصد الخاص في جريمة اإلبادة يتم بواسطة
وسائل اإلثبات كافة ،2حيث جاء في قرارها بخصوص قضية (جام بول أكايسو) أنه" :إمكانية
االستدالل على نية اإلهالك من مجمل أقوال المتهم وأفعاله ،أو مجمل أفعال أخرى مرتكبة من
مجموعة ينتمي إليها" ،3وبالتالي فإن إثبات وجود نية إهالك الجماعة بصورة كلية ،أو جزئية ،قد يتم
من خالل األفعال المرتكبة وسلوك األفراد ،والق اررات ،واألوامر المرسلة من الجهات العليا ،سواء أكان
ذلك قد يتم إثباتها بشهادات الشهود ،أو المراسالت ،والخطط العسكرية ،وغيرها من اآلليات والوسائل
ص.210
4بالدهان ،وليد ،مرجع سابق ،ص.32
29
المبحث الثالث
إن فكرة المسؤولية بشكل عام تنبع من فكرة الضرر الذي يقع على اآلخر ،نتيجة للقيام بفعل محدد
من قبل الشخص ،وقد انعكست هذه النظرية من القانون الداخلي لتجد لنفسها مكانا في القانون
الدولي ،والحًقا في القانون الجنائي الدولي ،وفي هذا المبحث سنتطرق إلى ماهية وطبيعة المسؤولية
لمرتكبي هذه الجريمة ،حيث سنتناول في المطلب األول :المسؤولية القانونية لمرتكبي جريمة اإلبادة
ترسخت فكرة المسؤولية في القانون الجنائي الدولي كنتيجة للحروب العديدة التي تركت ًا
آثار مدمرة
خاصة في الحربين العالميتين األولى والثانية ،حيث عمدت االتفاقيات الدولية التي
في المجتمعاتّ ،
صيغت ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ،إلى تأكيد فكرة المسؤولية الجنائية ،1وعند التحدث عن
المسؤولية الجنائية الدولية ،فإننا بحاجة إلى التطرق إلى اآلليات الدولية التي تم اتخاذها لضمان
محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ،والتي يعتبر من أهمها تثبيت المسؤولية الجنائية كأساس في كل من
االتفاقيات الدولية ونظام (روما) ،للمحكمة الجنائية الدولية ،وال بد بالتالي من مناقشة المسؤولية
الجنائية لكل من الدولة والفرد على حد سواء ،حيث سنتطرق في الفرع األول في هذا المطلب :إلى
المسؤولية الجنائية للدولة ،في الفرع الثاني :إلى المسؤولية الجنائية للفرد.
1أونيسة ،شوية ( .)2013/2012المسؤولية الجنائية الدولية لألفراد على ضوء المحاكم الجنائية الدولية ،رسالة ماجستير ،جامعة
عبد الرحمن ميرة ،بجاية-الجزائر ،ص.2
30
الفرع األ ول :المسؤولية الجنائية للدولة على جريمة اإلبادة الجماعية
تعرف المسؤولية الجنائية بشكل عام على أنها"" :تحمل الشخص تبعة عمله المجرم بخضوعه للجزاء
المقرر لهذا العمل في القانون" ،1وقد ربطت مختلف التعريفات والقوانين الداخلية ما بين المسؤولية
فما تزال فكرة المسؤولية الجنائية للدولة عن الجرائم المرتكبة محل جدل على المستوى الفقهي ،إذ يرى
قسم من الفقه الدولي أنه ولغايات وجود مسؤولية جنائية ،فإنه ال بد من تواجد قصد وإرادة جرمية لدى
الفاعل ،وهو ما يمكن له أن يتحقق لدى األشخاص الطبيعيين ،إال أن تحققه لدى الدولة باعتبارها
وفي المقابل يرى القسم اآلخر من الفقه ،أن الدولة ممثلة بالقيادات السياسية العليا الخاصة بها،
تمتلك القصد الجرمي في حال ارتكاب الجرائم الدولية ،والتي تتطلب في كثير منها موافقة الجهات
هذا القسم من الفقه ،أن نظرية المسؤولية الجنائية للدولة تتعارض مع فكرة السيادة الخاصة بالدولة،
باعتبارها الجهة المخولة بإدارة شؤون أفرادها دون تدخل خارجي من الدول األخرى ،وبالتالي فإن
1المطيري ،فالح مزيد ( .)2011المسؤولية الجنائية الدولية لألفراد في ضوء تطور القانون الدولي الجنائي ،رسالة ماجستير،
جامعة الشرق األوسط ،عمان-االردن ،ص.12
2أبو الرب ،عماد عمر ( .)2009مسؤولية الدولة الجنائية (إسرائيل نموذجا) ،المجلة العربية للعلوم السياسية ،مجلد ،1عدد ،1
يوليو ،2009ص.3-2
3أبو الرب ،عماد ،المرجع السابق نفسه.
حسين ،عالء هاشم ( .)2014تحديد المسؤولية الجنائية الدولية ودورها في إنشاء المحكم الجنائية الدولية ،رسالة دكتوراة، 4
ومنها نظام (روما) ،للمحكمة الجنائية الدولية إلى استبعاد الدولة ككيان من المساءلة الجنائية ،حيث
جاء في المادة ( )6من اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها "يحاكم األشخاص
المتهمون بارتكاب هذه الجريمة ،"...كما نصت المادة ( )25من نظام (روما) ،للمحكمة الجنائية
الدولية على أنه" :يكون للمحكمة اختصاص على األشخاص الطبيعيين عمال بأحكام هذا النظام".
عند التحدث عن المسؤولية القانونية ،فإن البوصلة تتجه مباشرة وبصورة مركزية إلى الفرد ،باعتباره
المحرك األساسي للجريمة ،سواء أكان ذلك من ناحية التخطيط ،أو التفكير ،أو التنفيذ ،وعلى الرغم
من أن االتفاقيات والقوانين الدولية تتعامل مع الدولة ،إال أن التوجه الجنائي الدولي قد توجه صوب
اعتماد المسؤولية الجنائية لألفراد عند التحدث عن المساءلة على الجرائم الدولية .حتى لو تم اتهام
الدولة بارتكاب هذه الجريمة ،إال أن األفراد هم األشخاص المنفذون والمرتكبون فعال للجريمة ،وفي
هذا الفرع سنتطرق إلى دراسة تاريخ المسؤولية الجنائية الفردية في القانون الجنائي الدولي وكيفية
تعتبر المسؤولية الجنائية لألفراد في القانون الجنائي الدولي األساس الذي تستند عليه مكافحة الجرائم
الدولية ،بهدف تحقيق العدالة للضحايا ومعاقبة المجرمين ،وذلك انطالقا من حقيقة أن األفراد هم
32
وقد ظهرت نظرية المسؤولية الجنائية لألفراد بعد الحرب العالمية الثانية ،حيث لجأت محاكم
(نورمبورغ) ،و(طوكيو) ،إلى النص على مسؤولية األفراد الجنائية ،حيث بات الفرد بموجب هذه
جنائيا على األفعال التي قام بارتكابها ،وشكلت جرائم حرب ،أو جرائم ضد اإلنسانية.1
ً المحاكم مسؤوال
وقد لجأت المحاكم الالحقة إلى تأكيد المبدأ من خالل النص في أنظمتها الداخلية على مسؤولية
األفراد الجنائية ،حيث نص الميثاق المنشأ للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) ،السابقة إلى أن
المحكمة مسؤولية عن األشخاص الطبيعيين الذين قاموا بارتكاب الجرائم بما فيها اإلبادة في
(يوغسالفيا) ،السابقة ،2كما أكد ميثاق المحكمة أن المسؤولية الفردية هي األساس القانوني للمساءلة
كما سلكت المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) الدرب نفسه ،باعتبارها أن المسؤولية الفردية هي
األرضية التي تقوم عليها المحاكمة عن هذه الجرائم التي تعرض لها التوتسي في (روندا) ،حيث
نصت المادة ( )2من النظام األساسي للمحكمة أن اختصاص المحكمة يقع على مرتكبي هذه
الجريمة ،وبالتالي فهو قائم وفقا للمادة ( 4)5من الميثاق أساس المسؤولية الفردية لألفراد بصفتهم
الشخصية.5
-1يكون للمحكمة اختصاص على االشخاص الطبيعيين عمال بهذا النظام األساسي.
-2الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤوال عنها بصفته الفردية
إن اثبات ارتكاب الجريمة واثبات المسؤولية الجنائية للجاني يتبعه بالضرورة إيقاع عقوبة مالئمة
عليه ،من أجل تحقيق العدالة من جهة ،وتحقيق عملية الردع بحق غيرهم من المجرمين من
جهة أخرى.
وقد تطرقت اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها إلى موضوع العقوبات وذلك في
المادة ( )5منها ،حيث نصت على أنه" :يتعهد األطراف المتعاقدون كل طبقا لدستوره التدابير
التشريعية الالزمة لضمان انفاذ أحكام هذه االتفاقية ،وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات
جنائية ناجعة تنزل بمرتكبي جريمة اإلبادة الجماعية ،أو أي من االفعال األخرى" ،وبالتالي فقد
مفتوحا أمام أطراف االتفاقية من أجل تحديد آلية العقوبة ونوعها ،والتي سيتم
ً تركت االتفاقية الباب
إيقاعها على الجاني بشرط أن تكون قادرة على الردع العام والخاص له.
34
والنظر إلى أن المحاكم هي الجهات المخولة بإيقاع العقوبة على األفراد المثبت ارتكابهم للجرائم ،فقد
تم النص في المادة ( )23من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(روندا) إلى أن أنواع
-1السجن حسب المدة التي تراها المحكمة مالئمة بالقياس مع المدد الزمنية التي تحكم فيها محاكم
-2الرد والتعويض ،حيث يحق للمحكمة أن تأمر الشخص المحكوم عليه ،برّد الممتلكات أو العوائد
وفي النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية تم التطرق إلى أنواع العقوبات في المادة ( ،2)77حيث
مالئما ،وهي:
ً يحق للمحكمة أن تأمر بإحداها أو جميعها ،حسبما تراه
عاما.
أ .لمدة ال تتجاوز ً 30
ب .السجن المؤبد في حال كانت الجريمة المرتكبة ذات خطورة عالية ،وبظروف المحكوم عليه
الخاصة.
-2الغرامة وذلك بموجب القواعد اإلجرائية وقواعد اإلثبات ،وذلك بما يتالءم مع الضرر الحاصل.
-3مصادرة العائدات والممتلكات التي تحصل عليها الجاني بصورة مباشرة ،أو غير مباشرة من
الجريمة المرتكبة.
أساسا للمسؤولية المدنية ،إذ يلزم الشخص المرتكب الفعل بالتعويض عن األضرار
يعتبر التعويض ً
ثابتة ومتأصلة في القانون الدولي ،حيث تلزم الدولة بتقديم التعويض عند مخالفتها اللتزاماتها ،أو
إلحاقها الضرر بدولة أخرى ،ففي قرار لمحكمة العدل الدولية نصت فيه على أن " :من مبادئ
القانون الدولي أن مخالفة التزام دولي يستتبع االلتزام بالتعويض عن ذلك بطريقة كافية ،وأن هذا
االلتزام بالتعويض هو النتجية الحتمية ألي إخالل في تطبيق أي اتفاقية دولية دون حاجة إلى
مستحق األداء بمجرد الحكم بمسؤولية الدولة طبقا لقواعد القانون الدولي العام".2
وقد تم النص على التعويض لضحايا الجرائم في اتفاقيات (جنيف) ،والبروتوكول الملحق بها ،اذ
نصت المادة ( )91من البروتوكول اإلضافي األول على أنه "يسأل طرف النزاع الذي ينتهك أحكام
االتفاقيات ،أو هذا الملحق عن دفع تعويض إذا اقتضت الحال ذلك ،ويكون مسؤوال عن االعمال
أما الفرع
وفي هذا المطلب في الفرع األول :سنتناول المسؤولية المدنية للدولة عن هذه الجريمةّ ،
1عواد ،هاني عادل ( .)2007المسؤولية الجنائية الشخصية لمرتكبي جرائم الحرب (مجزرتا مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس
نموذجا) ،رسالة ماجستير ،جامعة النجاح الوطنية ،نابلس-فلسطين ،ص.10
2المرجع السابق نفسه.
3البروتوكول اإلضافي األول التفاقيات (جنيف) ،المعقودة في (أغسطس) 1949 ،والمتعلقة بحماية ضحايا المنازعات الدولية
المسلحة.
36
الفرع األ ول :المسؤولية المدنية للدولة على جريمة اإلبادة الجماعية
على الرغم من عدم اعتماد المسؤولية القانونية الجنائية للدولة عن هذه الجرائم ،إال أن هذا ال يعني
عدم إمكانية ثبوت المسؤولية المدنية ،فرغم ارتكاب األفراد بذواتهم لألفعال المكونة لجريمة اإلبادة
التي يتبعون لها ،وبالتالي فتصبح الدولة ملزم ًة بتعويض ضحايا اإلبادة الجماعية عن مرتكبي هذه
الجرائم وفي هذا الفرع سنتناول طبيعة المسؤولية المدنية للدولة ،وكيفية تناول اآلليات الدولية لها
وتنظيمها.
تعرف المسؤولية المدنية للدولة على أنها :المسؤولية المترتبة عن األضرار التي نتجت عن الفعل
غير المشروع المرتكب بواسطة الدولة ممثلة بأفرادها ،والقائمين على إدارتها ،1حيث تلزم الدولة بتقديم
تعويض للدولة األخرى ،أو أحد أعضاء المجتمع الدولي ،التي لحقت بها أضرار ّ
جراء الفعل الذي تم
وبالتالي فإن المسؤولية المدنية تترتب على الدولة عند انتهاكها لمسؤولياتها والتزاماتها بموجب
االتفاقيات الدولية المتعلقة بمنع جريمة اإلبادة الجماعية ،وعجزها عن إجراء التحقيقات الالزمة
لمحاسبة القائمين على هذه الجريمة ،أو التقاعس وعدم محاكمة مرتكبي الجريمة أمام القضاء
الوطني.3
يعتبر التعويض هو النتيجة الطبيعية للضرر المترتب على ارتكاب األفعال المشكلة للجريمة بصورة
عامة ،وبالتالي فهو النتيجة الطبيعية التي تترتب على ارتكاب هذه الجرائم ،وألجل فهم طبيعة
التعويض ،فال بد من التعرض ألنواع التعويض الذي يكمن في ثالثة أنواع رئيسة للتعويض يمكن
-1التعويض العيني:
يتمثل التعويض العيني بإعادة األوضاع إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب الجريمة ،وفي حالة اإلبادة
الجريمة قيد الدراسة ،يشكل إعادة األطفال الذين تم إبعادهم عن الجماعة التي تعرضت لإلبادة صورة
من صور التعويض العيني ،كما يشكل إزالة القيود المفروضة كاّفة على الظروف المعيشية ،والحياتية
-2التعويض المالي:
وهو مبلغ من المال يدفع للضحايا المتضررين جراء الجريمة المرتكبة بحقهم ،ويعتبر التعويض المالي
-3التعويض الرضائي:
يتمثل التعويض الرضائي بين الدولة المسؤولة عن ارتكاب الجريمة واألفراد ،أو الجهات التي وقعت
عليها الجريمة ،ويأخذ أكثر صورة التعويضات المعنوية ،حيث تلجأ الدولة المسؤولة إلى تقديم اعتذار
لقد سبق وأشرنا إلى أن المسؤولية الجنائية الدولية على األفراد ،حيث لجأت المحاكم الجنائية الدولية
وفي حال إثبات المسؤولية الجنائية على الفرد بارتكاب الجريمة الموجهة إليه ،فإن المسؤولية المدنية
في هذه الحالة تعتبر مالصقة ،حيث يلزم المحكوم عليه بالتعويض عن األضرار التي لحقت بالضحايا
وقد بينت المحكمة الجنائية الدولية أن التعويض يعتبر جزًءا ال يتج أز من التعويضات ،حيث جاء في
المادة ( )77أن للمحكمة الحق في فرض غرامات على المحكوم عليه ،وألجل ذلك تتبع المحكمة
مجموعة من القواعد اإلجرائية التي تحكم هذه العملية ،وذلك حسب نص المادة 146من القواعد
-1لدى قيام المحكمة الحق بتحديد إذا كانت عقوبة السجن كافية أو غير كافية ،وبالتالي إن كانت
هنالك حاجة إلى فرض غرامة بموجب المادة ( ،)77وعند تحديد الغرامة تأخذ المحكمة بعين
االعتبار القدرة المالية للشخص المحكوم عليه ،بما يشمل أي أوامر بالمصادرة حسب المادة
( ،)77وتأخذ المحكمة في اعتبارها كون الدافع إلى الجريمة ،هو الكسب المالي بصفة شخصية،
المحكمة االعتبار بصورة خاصة لما نجم عن الجريمة من أضرر وإصابات ،إضافة إلى المكاسب
-3لدى فرض الغرامة ،تعطي المحكمة للشخص المدان مهلة معقولة يدفع خاللها الغرامة ،ويجوز
-4لدى فرض الغرامة ،يكون للمحكمة خيار حسابها وفًقا لنظام الغرامات اليومية .وفي هذه الحالة ،ال
يوما كحد أدنى ،وال تتجاوز خمس سنوات كحد أقصى ،وتحدد قيمة الدفعات
تقل المدة عن ً 30
اليومية حسب الظروف الشخصية للشخص المدان ،بما يشمل االحتياجات المالية لمن يعولهم.
عمال
-5في حالة عدم تسديد الشخص المدان الغرامة ،يجوز للمحكمة اتخاذ التدابير المناسبة ً
بالقواعد ( ،)217إلى ( .1)222وفي الحاالت التي يستمر فيها عدم التسديد المتعمد ،يجوز لهيئة
1تنص المادة ( )217من قواعد اإلجرائي وقواعد اإلثبات على أنه " :ألغراض تنفيذ أوامر التغريم والمصادرة والتعويض ،تطلب
نسخا من األوامر ذات الصلة هيئة الرئاسة ،حسب االقتضاء ،التعاون واتخاذ تدابير بشأن التنفيذ ،وفقا للباب ( ،)9كما تحيل ً
إلى أي دولة يبدو أن للشخص المحكوم عليه صلة مباشرة بها ،إما بحكم جنسيته ،أو محل إقامته الدائم ،أو إقامته المعتادة ،أو
بحكم المكان الذي توجد فيه أصول المحكوم عليه وممتلكاته ،أو التي يكون للضحية هذه الصالت بها .وتبلغ هيئة الرئاسة
إخطار بأي إجراءات تمت عمال
ًا الدولة ،حسب االقتضاء ،بأي مطالبات من طرف ثالث ،أو بعدم ورود مطالبة من شخص تلقى
بالمادة (.")75
كما تنص المادة ( ،)2018على أنه -1" :لتمكين الدول من تنفيذ أمر من أوامر المصادرة ،يحدد األمر ما يلي( :أ) هوية
الشخص الذي صدر األمر ضده؛ (ب) والعائدات والممتلكات واألصول التي أمرت المحكمة بمصادرتها؛ (ج) وأنه إذا تعذر
على الدولة الطرف تنفيذ أمر المصادرة فيما يتعلق بالعائدات ،أو الممتلكات ،أو األصول المحددة ،فإنها تتخذ تدابير للحصول
على قيمتها -2 .في طلب التعاون وتدابير التنفيذ ،توفر المحكمة ً
أيضا المعلومات المتاحة بشأن مكان وجود العائدات والممتلكات
واألصول التي يشملها أمر المصادرة -3 .لتمكين الدول من تنفيذ أمر من أوامر التعويض ،يحدد األمر ما يلي( :أ) هوية
الشخص الذي صدر األمر ضده؛ (ب)فيما يتعلق بالتعويضات ذات الطبيعة المالية ،هوية الضحايا الذين تقرر منحهم تعويضات
فردية ،وفي حالة إيداع مبلغ التعويضات المحكوم بها في صندوق استئماني للتفاصيل المتعلقة بالصندوق االستئماني الذي
ستودع فيه التعويضات؛ (ج)ن طاق التعويضات وطبيعتها التي حكمت بها المحكمة ،بما في ذلك الممتلكات واألصول المحكوم
بالتعويض عنها ،حيثما ينطبق ذلك -4 .إذا حكمت المحكمة بتعويضات على أساس فردي ،تُرسل نسخة من أمر التعويض إلى
الضحية المعنية".
40
رئاسة المحكمة ،بناء على طلب منها ،أو بناء على طلب من المدعي العام ،ونتيجة اقتناعها
باستنفاد جميع تدابير اإلنفاذ المتاحة ،وكمالذ أخير ،تمديد مدة السجن لفترة ال تتجاوز ربع تلك
تنبه المحكمة الشخص المدان إلى أن عدم تسديد الغرامة وفًقا للشروط
-6لدى فرض الغرامةّ ،
المحددة أعاله ،قد يؤدي إلى تمديد مدة السجن على النحو المبين في هذه القاعدة.
41
الفصل الثاني
يشكل القضاء األداة األهم في إنفاذ القانون وتطبيق النصوص التجريمية والعقابية على حد سواء،
لمنع الجرائم ،وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع ،وال تختلف أهمية القضاء ما بين القانون الداخلي
والقانون الدولي على حد سواء ،إذ حرص المجتمع الدولي على وضع آليات قضائية دولية بهدف
مر القضاء الجنائي الدولي بتطور ملحوظ منذ أن تم إنشاء المحاكم الجنائية الدولية األولى بعد
لقد ّ
الحرب العالمية األولى ،حيث يعتبر التوجه الدولي نحو محاكمة االمبراطور األلماني عام 1919في
معاهدة (فرساي) ،أولى الخطوات التي تم اتخاذها على المستوى الدولي لمحاكمة كبار القادة عن
الجرائم التي تم ارتكابها ،وشمل محاكم (ليبزج) ،األلمانية التي تم انشاؤها لمحاكمة القادة األلمان عن
الجرائم التي تم ارتكابها في الحرب العالمية األولى صورة إضافية من صور القضاء الجنائي الدولي،
وعلى الرغم من عدم اتمام محاكمة االمبراطور األلماني بسبب الوضع السياسي ،واعتبار محاكم
(ليبزج) ،محاكم صورية لم تعاقب القادة األلمان بشكل حقيقي ،إال أن تلك المحاكم شكلت خطوة أولى
1فريجة ،رامي ( .)2017/2016اآلليات القضائية لمكافحة الجريمة الدولية في ضوء القانون الجنائي الدولي ،رسالة ماجستير،
جامعة محمد بو ضياف ،المسلية-الجزائر ،ص.6
42
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية ش ّكلت كل من محكمة (نورنمبرغ) ،ومحكمة (طوكيو) ،خطوة فعلية
في تاريخ إنشاء القضاء الجنائي الدولي ،حيث تم بموجبها محكماة مجرمي الحرب األلمان واليابانيين
وخالل هذا الفصل سنتطرق في المبحث األول :إلى دراسة دور القضاء الجنائي الدولي في مكافحة
سيتم ق
جريمة اإلبادة الجماعية من خالل التطر إلى المحاكم الجنائية الخاصة ،وفي المبحث الثانيّ :
التطرق إلى دور المحكمة الجنائية الدولية ،وفي المبحث الثالث :سيتم التطرق إلى جريمة اإلبادة
تعتبر جريمة اإلبادة الجماعية واحدة من أخطر الجرائم المرتكبة بحق الشعوب ،وعلى الرغم من
الجهود الدولية المبذولة بهدف تجريمها ،والحرص على منع ارتكابها ،إال أن االتفاقيات بمفردها لم
تتمكن من منع ارتكابها بحق بعض الجماعات ،وهذا ما دفع بالمجتمع الدولي إلى إنشاء مجموعة
من المحاكم الجنائية لمحاكمة مرتكبيها ،وفي هذا المبحث ،وفي المطلب األول :سنعمل على تناول
مكافحة جريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة ،فيما سنتناول
في المطلب الثاني :مكافحة جريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا).
المطلب األول :التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا)
السابقة
لقد شكلت (يوغسالفيا) السابقة إحدى الدول التي احتضنت مجموعة متنوعة وعديدة من الدول
والقوميات المختلفة ،حيث ضمت بين ثناياها مجموعة متنوعة من األقليات والقومية ،كـ(الصرب)،
و(الكروات) ،و(البوسنيين) ،كما احتوت على مجموعة عديدة من األقاليم والجمهوريات ومنها:
(كرواتيا) ،و(مقدونيا) ،و(البوسنة) ،و(الهرسك) و(الجبل األسود) ،و(صربيا) ،والتي توحدت أسفل
زعامة (جوزيف تيتو) ،عام 1980منشئا جمهورية كبرى ،إال أن (الصرب) ،تحديدا سعوا إلى عملية
السيطرة على الجمهورية ساكنيها كاّفة؛ ما أدى إلى اندالع العديد من الحروب ،والتي نتج عنها
بـ(الصرب) الساكنين داخلها غلى إعالن االستقالل عن (البوسنة) ،وأدى ذلك إلى اندالع نزاع مسلح
بين كل من (الصرب) ،و(الكروات) ،و(البوسنيين) ،داخل (البوسنة) و(الهرسك) ،وقد امتد هذا النزاع
الداخلي إلى مستوى إقليمي ،حيث وقفت (صربيا) ،والجبل األسود بدعم روسي إلى جوار (صرب
البوسنة) ،وأدى ذلك إلى ازدياد حدة النزاع المسلح وارتكاب مجازر عدة من قبل (الصرب) ،ضد
المسلمين ومن أبرزها جرائم اإلبادة الجماعية التي تشكل مجزرة (سربرينيستا) إحدى أبرز صورها.1
تم ارتكابها في (يوغسالفيا) السابقة ،حيث قام مجلس األمن بتاريخ ( 6اكتوبر) 1992 ،بإنشاء لجنة
خب ارء لتقصي الحقائق حول الجرائم المرتكبة في (يوغسالفيا) ،حيث جاء في التقرير الذي قدمته
اللجنة لمجلس األمن وجود مسؤولية جنائية فردية عن الجرائم المرتكبة في (يوغسالفيا) ،وجاءت
توصياتها بإنشاء محكمة خاصة من أجل محاكمة هؤالء األشخاص ،2وكنتيجة لذلك فقد قام مجلس
األمن الدولي بموجب القرار رقم ( ،)808الصادر بتاريخ ( 22شباط) 1993 ،بإنشاء المحكمة الجنائية
الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة تحت إطار الفصل السابق من ميثاق هيئة األمم المتحدة ،وذلك ألجل
أبو الرب ،صالح الدين محمد ( .)2018السياسة اإلسالمية واإلسالم السياسي ،دار الخليج للنشر والتوزيع ،اإلمارات، 1
ص.348
النظام األساسي للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة (بيوغسالفيا) السابقة( ،فاوستو بوكار) ،رئيس المحكمة الدولية الجنائية 2
لقد بينت المادة ( )8من ميثاق المحكمة أن اختصاصها المكاني يمتد ليشمل الجرائم المرتكبة كاّفة
على إقليم جمهورية (يوغسالفيا) السابقة ،سواء أكان ذلك هو اإلقليم البري أو البحري ،أو الجوي.1
أما االختصاص الزماني ،فقد بينته المادة ( )1من الميثاق على أنه يمتد ليشمل الجرائم المرتكبة
لقد نصت المادة ( )6من الميثاق على أن اختصاص المحكمة الشخصي يمتد إلى األشخاص
الطبيعيين فقط ،كما أكدت المادة ( )7المسؤولية الشخصية كأساس للمالحقة القضائية أمام المحكمة.3
لقد بين الميثاق المنشأ للمحكمة االختصاص الموضوعي ،4حيث يدخل ضمن اختصاص المحكمة
-1المادة ( )2منحت المحكمة صالحية النظر في االنتهاكات الخطرة التي تدخل ضمن اتفاقيات
-2المادة ( )3منحت المحكمة صالحية النظر في االنتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب وأعرافها.
غانية ،زيدون ( .)2017/2016الجرائم ضد اإلنسانية ضمن اجتهادات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بـ(يوغسالفيا) 1
ص.113
4بوكار ،فاوستو ،مرجع سابق ،ص.2-1
5الميثاق المنشأ للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة ،وثيقة صادر عن األمم المتحدة بتاريخ سبتمبر ،2009لالطالع
على النص كامال .http://www.icty.org/x/file/Legal%20Library/Statute/statute_sept09_en.pdf
46
-3المادة ( )4منحت المحكمة صالحية النظر في جريمة اإلبادة الجماعية.
لقد بينت المادة ( )11من الميثاق تشكل المحكمة من ثالثة أجهزة أساسية ،هي:1
-1دوائر المحكمة :تتكون دوائر المحكمة على مستويين ،الدوائر االبتدائية ،ودائرة االستئناف،
الدوائر االبتدائية على ثالثة قضاة ،فيما تشمل دائرة االستئناف على خمسة قضاة.2
-2مكتب المدعي العام :نصت المادة ( )16من ميثاق المحكمة على أن وظيفة االدعاء العام تبدأ
عملية التحقيق مع األشخاص المتهمين بارتكاب الجرائم حسب اختصاص المحكمة ،حيث
من ّ
يتم تعيين المدعي العام من قبل مجلس األمن بناء على اقتراح األمين العام ،وحسب نص المادة
( )18من الميثاق ،فإن االدعاء العام يباشر بالتحقيق ،إما من تلقاء نفسه ،أو بناء على معلومات
تم إيصالها إليه من قبل مجلس األمن ،أو المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ،وله صالحيات
االستجواب ،وسماع الشهود ،وجمع األدلة ،واتخاذ االجراءات الالزمة للتحقيق كاّفة.3
-3قلم المحكمة :يعمل قلم المحكمة على توفير الدعم اللوجستي للمحكمة واالدعاء العام على حد
سواء ،وذلك من خالل إدارة المحكمة ،وتوفير الخدمات التي تساعد في سير العملية التحقيقية
وإجراءات المحكمة.4
عام ،1993حيث تقدر أيام العمل اإلجمالي للمحكمة بـ 10800يوم محاكمة ،تم االستماع خاللها
على 19منهم ،وأدين 90منهم ،حيث حكم عليهم بقضاء فترة عقوبتهم في 14دولة مختلفة من دول
االتحاد األوروبي.1
وآخر القضايا التي تم النظر فيها أمام المحكمة ،هي قضية الجنرال الصربي (رادوفان كارادريتش)،
والملقب بسفاح البوسنة ،حيث تم القبض عليه في (أيار) 2011 ،ويعتبر أحد أبرز الشخصيات
العسكرية التي قادت حمالت التطهير ضد كل من المسلمين و(الكروات) ،وقد تم الحكم عليه بالسجن
وكتتويج لجهود المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة ،فقد أقيم حفل االختتام الرسمي لعمل
المحكمة في البرلمان الهولندي في (الهاي) ،وتم تكريم أعضاء المحكمة الجنائية من قبل الملك
الهولندي واألمين العام لألمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس) ،وأعلن في الحفل اختتام عمل المحكمة
المطلب الثاني :التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)
1
Infographic: ICTY Facts & Figures, see: http://www.icty.org/en/content/infographic-icty-facts-
figures.
2راتكون مالديتش) :سفاح البوسنة ،مقال إخباري منشور بتاريخ 22تشرين الثاني ،2017لالطالع على النص راجع
http://www.bbc.com/arabic/world-42081979
3
ICTY marks official closure with moving Ceremony in The Hague Tribunal | Press release | The
Hague | 27 December 2017, see: http://www.icty.org/en/press/icty-marks-official-closure-with-
moving-ceremony-in-the-hague .
48
توصف (روندا) ،بأنها بلد األلف تل ،وهي دولة في إفريقيا تقع في منطقة البحيرات الكبرى اإلفريقية،
وينطوي سكان (رواندا) أسفل قبيلتين رئيسيتن( ،التوتسي) ،و(الهوتو) ،حيث سيطرت (الهوتو) ،على
مجريات الحكمومقاليده في (رواندا) ،أبان الجريمة المروعة التي تعرض لها (التوتسي) ،في (رواندا).1
بدأ النزاع المسلح في (رواندا) ،بين القوات الحكومية المتكونة من قبيلة (الهوتو) ،وقوات المعارضة
المسلحة المتمثلة في الجبهة الوطنية الرواندية المتكونة من (التوتسي) ،ورغم المحاوالت الدولية العديدة
خصوصا
ً إلى احتواء النزاع المسلح الداخلي في (رواندا) ،إال أن المحاوالت المختلفة باءت بالفشل
بعد سقوط طائرة الرئيس الرواندي في ( 6نيسان) 1994 ،ومقتله ،2وهو ما أدى إلى اشتعال المعارك
بين الطرفين بصورة أكثر حدة ،ونتج عنه وقوع مذابح والقضاء على قبيلة (التوتسي) ذهب ضحيتها
ما يزيد عن المليون ضحية ،وهو ما استمر حتى عام 1994حين سيطرت الجبهة الوطنية الرواندية
لقد جاء تشكيل المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) كردة فعل دولية من قبل المجتمع الدولي ممثال
بمجلس األمن على أعمال اإلبادة الجماعية التي تم ارتكابها في (رواندا) ،من قبل القوات الروندية
الحكومية ،حيث سعى المجتمع الدولي بهذه الخطوة إلى وضع آليات قضائية دولية لمحاكمة كبار
المسؤولين في (رواندا) ،جراء الجرائم المرتكبة ،حيث أقر مجلس األمن بموجب القرار رقم (،)955
1عادل ،مستاري .المحكمة الجنائية الخاصة بـ (رواندا) ،مجلة المفكر ،عدد ،3ص.251
2شارف ،مايكل .النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بـ(رواندا) ،ص ،1لالطالع على النص كامال
http://legal.un.org/avl/pdf/ha/ictr/ictr_a.pdf.
3عادل ،مستاري ،مرجع سابق ،ص.251
49
عام 1994إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة األشخاص المسؤولين عن ارتكاب جرائم اإلبادة
الجماعية في (رواندا).1
-1االختصاص المكاني والزماني :نصت المادة ( )1من النظام األساسي على أن االختصاص
المكاني لها يشمل الجرائم المرتكبة على إقليم دولة (رواندا) كاّفة ،وهو ما يشمل اإلقليم البري،
والبحري ،والجوي ،وأقاليم الدول المجاورة التي تم ارتكاب تلك الجرائم عليها ،إذ شهدت العديد
من الدول المجاورة لـ(روندا) عمليات نزوح من قبل أفراد جماعة (التوتسي) ،وقد تعرض هؤالء
الالجئون إلى عمليات إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الجنائي؛ ما دفع بالمحكمة
أما االختصاص الزماني للمحكمة ،فيشمل الجرائم المرتكبة من تاريخ ( 1كانون الثاني)1994 ،
وحتى تاريخ ( 31كانون األول) ،1994 ،وذلك حسب المادة ( )1من النظام.
-2االختصاص الموضوعي والشخصي :نص النظام األساسي على االختصاص الشخصي للمحكمة
في المادة ( ،)5والتي جاء فيها " يكون للمحكمة الدولية لرواندا اختصاص على األشخاص
الطبيعيين بموجب أحكام هذا النظام " ،كما أكدت المادة ( )6منها المسؤولية الجنائية الفردية
-1نصت المادة ( )2من النظام على اختصاص المحكمة بنظر جريمة إبادة األجناس ،أو اإلبادة
الجماعية.
-2نصت المادة ( )3من النظام على اختصاص المحكمة بنظر الجرائم ضد اإلنسانية.
(جنيف).
تتكون المحكمة من ثالثة أجهزة رئيسة نصت عليها المادة ( )10من النظام األساسي وهي:
أ .دائرتا المحاكمة :تحتوي كل من الدوائر على 3قضاة ،3يتم انتخابهم من قبل الجمعية
الميثاق على أن قضاة االستئناف في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة هم
-2مكتب المدعي العام :تتمثل مهام االدعاء العام في المحكمة بعملية التحقيق مع األشخاص
المسؤولين عن االنتهاكات الداخلة في اختصاص المحكمة ،حيث يشمل ذلك التحقيق مع
المتهمين ،وسماع الشهود ،وجمع األدلة والبينات ،واصدار مذكرات االعتقال للمتهمين ،وغيرها
من األعمال التحقيقية الالزمة لتجهيز ملفات االدعاء العام ،من أجل النظر فيها أمام دوائر
المحكمة ،3ويعمل المدعي العام بصورة مستقلة عن باقي أجهزة المحكمة ،أو أي دولة أو جهة
أخرى.4
-3قلم المحكمة :تتمثل مهام قلم المحكمة بتقديم الخدمات اإلدارية والتنظيمية لكل من دوائر
منذ إنشاء المحكمة عام ،1994وحتى اليوم تتميز المحكمة باعتبارها أول محكمة دولية أصدرت
بالبراءة ،فيما تم إحالة 10من المتهمين إلى القضايا الوطنية الرواندية للنظر في قضاياهم أمامها.1
إن ما تتميز به المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) ،ومن قبلها المحكمة الجنائية الخاصة
بـ(يوغسالفيا) ،هو استمرار المحكمتين بالسير على خطى محاكم (نورمبرغ) ،و(طوكيو) في ثتبيت
العديد من المبادئ الدولية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي الدولي ،ولعل أبرزها المسؤولية الجنائية
لقد نظرت المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) ،في مجموعة عديدة من قضايا اإلبادة الجماعية ومن
أوال :قضية (جان بول أكاييسو) :وجهت المحكمة إلى (جان بول أكاييسو) ،الذي احتل منصب رئيس
بلدية مدينة (تابا) ،التي شهدت مجموعة كبيرة من العمليات الجماعية لهذه الجريمة ،واالغتصاب،
إليه بتاريخ ( 9كانون الثاني) ،1997 ،حيث استمرت محاكمة (جان بول أكايسو) ،حتى (أيلول)،
1998وتم إدانته بارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية ،والتحريض المباشر والعلني عليها ،حيث عمدت
المحكمة في هذه القضية إلى اعتماد التفسير الوارد في اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة
1
UN tribunal on Rwandan genocide formally closes – major role in fight against impunity, 31
December (2015). see: https://news.un.org/en/story/2015/12/519212-un-tribunal-rwandan-
genocide-formally-closes-major-role-fight-against-impunity.
2شارف ،مايكل ،مرجع سابق ،ص.3-2
53
ثانيا :قضية (جين كامباندا) :وجهت المحمكة إلى (جين كامباندا) ،الذي شغل منصب رئيس الوزراء
تهما بارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية ،وقد أقر المتهم بكونه رئيس الوزراء
المؤقت للحكومة الرواندية ً
باعتماد حكومته آلية ممنهجة وسياسية عسكرية محددة ،تتوجه نحو القضاء على أفراد جماعة
(التوتسي) ،من خالل شن الهجمات الممنهجة والمتتالية حسب السياسة العامة للحكومة ،وأنه حرص
على تنفيذها وتوفير الوسائل المساعدة والداعمة لها كاّفة ،سواء أكان ذلك من خالل التحريض المباشر
وقد أدانت المحكمة (جين كامباندا) ،بارتكاب جرائم ضد اإلنسانية واإلبادة الجماعية ،وحكم عليه
بالسجن مدى الحياة ،وأكدت دائرة االستئناف هذا الحكم بتاريخ ( 19اكتوبر) .22000
األول) ،2015 ،بحفل حضره األمين العام لألمم المتحدة وأعضاء المحكمة كاّفة.3
لقد شكلت المحكمة الجنائية الدولية نقطة تحول في القضاء الجنائي الدولي ،إذ شكل إنشاءها انتقاال
من مرحلة المحاكم الجنائية الخاصة بكل حالة على حدة ،وهو النهج الذي تم اتباعه منذ الحرب
العالمية األولى ،كمحكمة (نورنمبرغ) ،ومحمكة (طوكيو) ،والمحكمة الجنائية الخاص بـ(سيراليون)
وغيرها ،إذ مع دخول ميثاق (روما) ،حيز النفاذ بتاريخ ( 1حزيران) ،2001باتت المحكمة الجنائية
الدولية هي الجسد القضائي الدولي المختص بمالحقة الجرائم المرتكبة كاّفة من جرائم الحرب ،والجرائم
وألجل الوقوف على أبرز آليات عمل المحكمة ،فسنتطرق في المطلب األول في هذا المبحث :إلى دراسة
إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ودورها في مكافحة جريمة االبادة الجماعية ،فيما سنتطرق في المطلب
الثاني :إلى اآلليات الدولية المساعدة للمحكمة الجنائية الدولية في مكافحة جريمة اإلبادة الجماعية.
أنشئت المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام (روما) ،األساسي الذي تم اعتماده بتاريخ ( 17تموز)
،1998فيما بدأ نفاذ الميثاق بتاريخ ( 1حزيران) 2001 ،حسب نص المادة ( )126من الميثاق،1
وقد جاء إنشاء المحكمة استجابة للمطالبات الدولية التي حرصت على ضمان عدم تهرب المتهمين
بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية من العقاب من جهة ،وللمساعدة في أن تكون أداة فعالة
في إنهاء النزاعات المسلحة من خالل محاكمة المجرمين وتحقيق العدالة للضحايا ،كما تساعد
نظام (روما) األساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد من قبل مؤتمر االمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء 1
لقد بين ميثاق (روما) االختصاص الذي يدخل ضمن صالحيات المحكمة ،وسنتطرق أوال :إلى
االختصاص المكاني والزماني ،فيما سنتطرق ثانيا :إلى االختصاص الموضوعي والشخصي.
أوال :االختصاص المكاني للمحكمة الجنائية الدولية :إن ما يميز المحكمة في جزئية االختصاص
المكاني ،هو أن اختصاصها دولي ،فللمحكمة صالحية النظر في الجرائم الواقعة في مختلف دول
العالم ،إال أن هنالك مجموعة من القواعد التي تحكم هذا االختصاص وهي:2
-1تختص المحكمة مكانيا بنظر الجرائم التي تقع على أقاليم الدول األعضاء في ميثاق (روما).3
-2تختص المحكمة مكانيا بنظر الجرائم التي تقع على أقاليم الدول غير األعضاء في ميثاق
(روما) ،إن قبلت تلك الدولة اختصاص المحكمة بنظر هذه الجرائم.4
-3تختص المحكمة بنظر الجرائم التي يحيلها إليها مجلس األمن وفًقا للفصل السابع من ميثاق
األمم المتحدة ،سواء أكانت الدولة الواقع على أرضها الجريمة طرًفا في ميثاق (روما) ،أو ال.5
1اإلحاطة اإلعالمية األسبوعية الصادرة عن مكتب المدعي العام 29 ،حزيران 5-يوليو ،2010ع ،44ص ،1لالطالع على
https://www.icc-cpi.int/NR/rdonlyres/A89CA531-CC0E-4D3A-9701- النص
09FD2D99042A/282457/29June5JulyARB.pdf
2جريمة اإلبادة الجماعية وآليات متابعتها في ظل القانون الدولي الجنائي ،وليد بالدهان ،رسالة ماجستير ،جامعة العربي بن
مهيدي ،ام البواقي-الجزائر ،2018-2017 ،ص.71
3المادة ( )2/4من ميثاق روما.
4الرمجع السابق نفسه.
بن الطيب ،مهيدي ( .)2014/2013اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على ضوء القانون والممارسة ،رسالة ماجستير، 5
ميثاق (روما) ،بمبدأ عدم رجعية القوانين ،أي أن المحكمة ال تختص بنظر الجرائم الداخلة في
اختصاصها والمرتكبة قبل تاريخ نفاذ ميثاق (روما) ،وذلك حسب نص المادة ( )11من الميثاق وهو
( 1حزيران) ،2002أما بالنسبة للدول التي انضمت إلى الميثاق بعد تاريخ النفاذ ،فإن اختصاص
المحكمة يقع على الجرائم التي تقع بعد تاريخ نفاذ الميثاق بالنسبة لتلك الدول.1
نظم ميثاق (روما) االختصاص الموضوعي للمحكمة في الباب الثاني ،حيث نصت المادة ( )5على
أن " يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره
ب-الجرائم ضد اإلنسانية.2
1فريحة ،محمد هشام ( .)2014/2013دور القضاء الدولي الجنائي في مكافحة الجريمة الدولية ،رسالة دكتوراة ،جامعة محمد
خيضر ،بسكرة-الجزائر ،ص.266
2نظمت الجرائم ضد اإلنسانية في المادة ( )7من ميثاق (روما) ،حيث اعتبر ميثاق (روما) أي جريمة من الجرائم اآلتية داخلة
تحت مفهوم الجرائم ضد اإلنسانية في حال ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق ،أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان
المدنيين " (أ) القتل العمد؛ (ب) اإلبادة؛ (ج) االسترقاق؛ (د) إبعاد السكان أو النقل القسرى للسكان؛ (هـ) السجن أو الحرمان
الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية ،بما يخالف القواعد األساسية للقانون الدولي؛ (و) التعذيب؛ (ز) االغتصاب ،أو
االستعباد الجنسي ،أو اإلكراه على البغاء ،أو الحمل القسري ،أو التعقيم القسري ،أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي
على مثل هذه الدرجة من الخطورة( ،ح) اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان ألسباب سياسية ،أو عرقية،
أو قومية ،أو إثنية ،أو ثقافية ،أو دينية ،أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعروف في الفقرة ،3أو ألسباب أخرى من المسلم
عالميا بأن القانون الدولي ال يجيزها ،وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص
المحكمة؛ (ط) االختفاء القسري لألشخاص؛ (ي) جريمة الفصل العنصري؛ (ك) األفعال الالإنسانية األخرى ذات الطابع المماثل
التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة ،أو في أذى خطير يلحق بالجسم ،أو بالصحة العقلية أو البدنية".
57
ت-جرائم الحرب.1
1نظمت جرائم الحرب في المادة 8من ميثاق روما حيث اعتبر ميثاق روما اي جريمة من الجرائم التالية داخلة تحت مفهوم
جرائم الحرب في حال ارتكابها في اطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم " (أ)
االنتهاكات الجسيمة التفاقيات جنيف المؤرخة 12آب/أغسطس ،1949أي أي فعل من األفعال التالية ضد األشخاص أو
الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة ”1“ :القتل العمد؛ “ ”2التعذيب أو المعاملة الالإنسانية ،بما فى ذلك
إجراء تجارب بيولوجية؛ “ ”3تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة؛ " "4إلحاق تدمير واسع النطاق
بالممتلكات واالستيالء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة؛ “ ”5إرغام أي
أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية؛ " "6تعمد حرمان أي أسير حرب
أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية؛ " "7اإلبعاد أو النقل غير المشروعين أو
الحبس غير المشروع؛ " "8أخذ رهائن( .ب) االنتهاكات الخطيرة األخرى للقوانين واألعراف السارية على المنازعات الدولية
المسلحة ،في النطاق الثابت للقانون الدولي ،أي أي فعل من األفعال التالية ”1“ :تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين
بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين ال يشاركون مباشرة في األعمال الحربية؛" ”2تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية ،أي المواقع
التي ال تشكل أهدافا عسكرية؛ “ ”3تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين ،أو منشآت ،أو مواد ،أو وحدات ،أو مركبات
مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة اإلنسانية ،أو حفظ السالم عمال بميثاق األمم المتحدة ماداموا يستحقون الحماية التي
توفر للمدنيين ،أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة؛ “ ”4تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن
خسائر تبعية في األرواح ،أو عن إصابات بين المدنيين ،أو عن إلحاق أضرار مدنية ،أو عن إحداث ضرر واسع النطاق،
وطويل األجل ،وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة؛
“ ”5مهاجمة أو قصف المدن ،أو القرى ،أو المساكن ،أو المباني المعزولة التي ال تكون أهدافا عسكرية ،بأية وسيلة كانت؛ “”6
قتل أو جرح مقاتل استسلم مختا ار ،يكون قد ألقى سالحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع؛ " "7إساءة استعمال علم الهدنة ،أو علم
العدو ،أو شارته العسكرية ،وزيه العسكري ،أو علم األمم المتحدة ،أو شاراتها وأزيائها العسكرية ،وكذلك الشعارات المميزة
التفاقيات (جنيف) ،مما يسفر عن موت األفراد ،أو إلحاق إصابات بالغة بهم؛ “ ”8قيام دولة االحتالل ،على نحو مباشر أو
غير مباشر ،بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى األرض التي تحتلها ،أو إبعاد أو نقل كل سكان األرض المحتلة ،أو أجزاء
منهم داخل هذه األرض أو خارجها؛ “ ”9تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة لألغراض الدينية ،أو التعليمية ،أو الفنية،
أو العلمية ،أو الخيرية ،واآلثار التاريخية ،والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى ،شريطة أال تكون أهدافا عسكرية؛ ""10
إخضاع األشخاص الموجودين تحت سلطة طرف معاد للتشويه البدنى أو ألي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي ال تبررها
المعالجة الطبية ،أو معالجة األسنان ،أو المعالجة في المستشفى للشخص المعنى ،والتي ال تجرى لصالحه وتتسبب في وفاة
ذلك الشخص أو أولئك األشخاص ،أو في تعريض صحتهم لخطر شديد؛ “ ”11قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو جيش
معاد أو إصابتهم غدرا؛ " "12إعالن أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة؛ “ ”13تدمير ممتلكات العدو أو االستيالء عليها ما لم
يكن هذا التدمير أو االستيالء مما تحتمه ضرورات الحرب؛ " "14إعالن أن حقوق ودعاوى رعايا الطرف المعادى ملغاة أو
معلقة ،أو لن تكون مقبولة في أية محكمة؛ “ ”15إجبار رعايا الطرف المعادى على االشتراك في عمليات حربية موجهة ضد
بلدهم ،حتى وإن كانوا قبل نشوب الحرب في خدمة الدولة المحاربة؛“ ”16نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم االستيالء عليه
عنوة؛ " "17استخدام السموم أو األسلحة المسممة؛ " "18استخدام الغازات الخانقة ،أو السامة ،أو غيرها من الغازات ،وجميع ما
في حكمها من السوائل ،أو المواد أو األجهزة؛ " "19استخدام الرصاصات التي تتمدد أو تتسطح بسهولة في الجسم البشرى ،مثل
الرصاصات ذات األغلفة الصلبة التي ال تغطى كامل جسم الرصاصة أو الرصاصات المحززة الغالف؛ " "20استخدام أسلحة
أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية تسبب== ==بطبيعتها أض ار ار زائدة ،أو آالما ال لزوم لها ،أو أن تكون عشوائية بطبيعتها
بالمخالفة للقانون الدولي للمنازعات المسلحة ،بشرط أن تكون هذه األسلحة والقذائف والمواد ،واألساليب الحربية موضع حظر
58
د-جريمة العدوان".
وكما أشرنا سابقا فقد اعتبرت المادة 5والمادة 6من الميثاق أنجريمة االبادة الجماعية تدخل ضمن
االختصاص الموضوعي للمحكمة ،وبالتالي يحق للمحكمة أن تنظر في كافة القضايا التي قد تضم
فعال أو أكثر من األفعال التي تعتبر جزء من جريمة االبادة الجماعية ،وهي األفعال التي أشرنا إليها
ثانيا :االختصاص الشخصي للمحكمة الجنائية الدولية :أما االختصاص الشخصي للمحكمة الجنائية
-1ال تنظر المحكمة إال في قضايا األشخاص الطبيعيين ما يعني أن الدول ال تحاكم أمامها.1
-2ال اختصاص للمحكمة لجنائية على أي فرد اقل من ثمانية عشرة سنة.2
شامل ،وأن تدرج في مرفق لهذا النظام األساسي ،عن طريق تعديل يتفق واألحكام ذات الصلة الواردة في المادتين 123 ،121؛
" "21االعتداء على كرامة الشخص ،وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة؛ " "22االغتصاب أو االستعباد الجنسي أو
اإلكراه على البغاء ،أو الحمل القسري على النحو المعرف في الفقرة ( 2و) من المادة ،7أو التعقيم القسري ،أو أي شكل آخر
من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضا انتهاكا خطي ار التفاقيات (جنيف)؛ " "23استغالل وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين
متمتعين بحماية إلضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نقاط ،أو مناطق ،أو قوات عسكرية معينة؛ " "24تعمد توجيه
هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل واألفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات (جنيف)
طبقا للقانون الدولي؛ " "25تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي ال غنى عنها لبقائهم ،بما
في ذلك تعمد عرقلة اإلمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات (جنيف)؛ " "26تجنيد األطفال دون الخامسة
عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية ،أو استخدامهم للمشاركة فعليا في األعمال الحربية؛ (ج) في حالة
وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي ،االنتهاكات الجسيمة للمادة 3المشتركة بين اتفاقيات (جنيف) األربع المؤرخة 12
آب/أغسطس ،1949وهى أي من األفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكا فعليا في األعمال الحربية ،بما
في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا سالحهم وأولئك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو اإلصابة أو
االحتجاز أو ألي سبب آخر".
1فريحة ،هشام ،مرجع سابق ،ص.262
2المرجع السابق ،ص.262
59
-3تتبع المحكمة نظرية المسؤولية الجنائية الفردية ،وبالتالي فإن الشخص المرتكب للجريمة يكون
أ .ارتكب الجريمة ،أكان ذلك بصفته الفردية أو باالشتراك مع الغير ،أو عن طريق استعمال
ب .األمر أو اإلغراء بارتكاب أو الحث على ارتكاب الجريمة أو الشروع في ارتكابها.3
ج .تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب الجريمة أو
الشروع في ارتكابها.4
د .المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من األشخاص يعملون بقصد مشترك ،بارتكاب
هذه الجريمة ،أو الشروع في ارتكابها ،على أن تكون هذه المساهمة متعمدة.5
-4فيما يخص ارتكاب هذه الجريمة ال بد من اإلشارة إلى أن عملية الحث المباشر والعلني على
بخصوصها.6
مشروع العدالة الدولية التابع للمحكمة الجنائية الدولية ،صادرة بتاريخ 1آب ،2000ص.2
60
-5فيما يخص اختصاص المحكمة في حاالت الشروع في ارتكاب الجريمة ،فإن هنالك مجموعة
من األفعال التي تدخل ضمن عملية الشروع التي يتم محاكمة األفراد عليها أمام المحكمة الجنائية
الدولية وهي:1
أ .عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذ الجريمة بخطوة ملموسة ،ولكن لم تقع الجريمة لظروف
ب .الشخص الذي يكف عن بذل أي جهد الرتكاب الجريمة ،أو يحول بوسيلة أخرى دون إتمام
الجريمة ،ال يكون عرضه للعقاب بموجب هذا النظام األساسي على الشروع في ارتكاب
تعتبر العملية القضائية أمام المحكمة عملية طويلة ومتتابعة ،وذلك بالنظر إلى حساسية القضايا
المنظورة أمامها ،وفي هذا الفرع في الفرع األول :سنتطرق إلى سير العملية القضائية ،أما في الفرع
إن الخطوة األولى التي يلجأ المدعي العام للمحكمة إلى القيام به قبل التوجه إلى دوائرها ورفع القضايا
أمامها للنظر فيها ،هو البحث والتحري حول وجود أدلة قادرة على إثبات ارتكاب الجرائم أوال ،وأدلة
كافية على أن هذه الجرائم المرتكبة هي في األصل ضمن اختصاص المحكمة ،كما ال بد من التأكد
إلى أن القضاء الجنائي الدولي ،هو قضاء مكمل للقضاء الجنائي الوطني باالستناد إلى مبدأ التكامل،
وفي حالة تخلف أحد العناصر والمتطلبات السابقة ،فإن القضية ال يتم رفعها أمام المحكمة الدولية.1
إن الخطوة الثانية التي يقوم بها المدعي العام المحكمة الجنائية الدولية بعد جمع كافة األدلة االتية
يحتاجها لبدأ التحقيقات ،هو فتح تحقيق رسمي في الجرائم ،وفي هذه المرحلة يحق للمدعي العام أن
يقوم باتخاذ الوسائل واألدوات كاّفة والتي تساعده في التحقيق سواء أكان ذلك من خالل طلب مساعدة
الدولة التي وقعت فيها الجرائم ،أو طلب المساعدة من المحكمة الجنئاية نفسها باستصدار أوامر
التفتيش واالعتقال وغيرها من األدوات المساعدة في التحقيق ،حيث يهدف المدعي العام من وراء
هذا التحقيق إلى بناء ملف تحقيقي يشكل كافة األدلة التي تثبت ارتكاب الجريمة بصورة مفصلة ،ال
وشخصيا ،وبالتالي
ً موضوعا
ً تترك مجاال للشك بأن هذه الجرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة
رفع الملف أمام المحكمة الجنائية من أجل النظر فيه حسب األصول والقانون.2
إن الخطوة الثالثة تشمل رفع الملف التحقيق الذي جمعه المدعي العام إلى قضاة المرحلة التمهيدية،
وهم ثالثة قضاة يعملون على دراسة الملف التحقيقي ،والتثبت من هويات المتهمين وشخصياتهم،
ويعملون خاللها على االستماع إلى أدلة االتهام والدفاع على حد سواء ،وذلك في فترة تمتد حتى 60
يوما ،يتوجب عليهم في نهايتها تقرير ما إن كانت األدلة المقدمة من المدعي العام كافية لتوجيه تهم
ً
1المادة 35من ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية ،الباب الخامس "التحقيق والمقاضاة".
2المادة 54من ميثاق روما.
3
How the Court works, see https://www.icc-cpi.int/about/how-the-court-works.
62
تشمل الخطوة الرابعة رفع ملف الدعوى مباشرة أمام المحكمة التي تتكون من ثالثة قضاة ينظرون
في األدلة المقدمة ،حيث يستمعون للدفاع واالدعاء على حد سواء ،وتنتهي بالحكم إما بالبراءة ،أو
اإلدانة للمتهمين ،وذلك استناد إلى أدلة وبينات كل من الطرفين ،وال يمكن القول :إن هنالك فترة
زمنية محددة لنظر القضايا أمام المحكمة الجنائية ،إذ تختلف كل قضية حسب مقتضياتها
ومتطلباتها.1
وتتمثل العقوبات التي تقوم المحكمة بالنص عليها إما بالسجن لفترة أقصاها 30سنة ،أو السجن
المؤبد حسب خطورة الجريمة المرتكبة ،كما تأمر المحكمة بالتعويضات على المتهم.2
تتمثل الخطوة الخامسة عملية الطعن واستئناف األحكام الصادرة عن المحكمة ،إذ يحق لكل من
االدعاء العام والمتهم استئناف األحكام الصادرة ،حيث تنظر في االستئناف هيئة مكونة من خمسة
قضاة غير القضاة الذين نظروا الدعوى للمرة األولى ،ويحكمون إما باإلبقاء على الحكم كما هو ،أو
على الرغم من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية منذ عام ،2001إال أنها وحتى اليوم لم توجه تهم
اإلبادة الجماعية الداخلة في اختصاصها سوى في حالة واحدة ،وهي حالة الرئيس السوداني السابق
عمر البشير.
جنة تحقيق دولية خاصة ب(دارفور) ،من أجل التحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد
اإلنسانية في اإلقليم السوداني ،وقد أوصت اللجنة في تقريرها المرفوع لمجلس األمن بإحالة الحالة
إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق ،وبناء على هذا أحال مجلس األمن بموجب المادة ( )13من
ميثاق (روما) ،والتي تخوله إحالة القضايا للمحكمة من أجل النظر فيها ،1قضية (دارفور) إلى
المحكمة الدولية من أجل التحقيق بموجب القرار رقم ( )1593بتاريخ ( 31آذار) .22005
وبناء على أمر اإلحالة فقد بدأ المدعي العام العام للمحكمة بالتحقيق في شبهات وادعاءات ارتكاب
جرائم في إقليم (دارفور) ،حيث رأت الدائرة التمهيدية بعد التحقيقات واالطالع على األدلة والبينات
المقدمة لها أن عمر البشير قد تصرف بنية جرمية خاصة موجهة نحو إهالك جماعات (الفور)،
وبالتالي فقد رأت أن هنالك أسبابا معقولة لالعتقاد بأن عمر البشير مسؤول جنائيا عن هذه الجريمة
بحق الجماعات اإلثنية المذكورة في إقليم (دارفور) ،3وقد تم إصدار ق اررين بالقبض على عمر البشير،
األول بتاريخ ( 4آذار) ،2009 ،والثاني بتاريخ ( 12تموز) ،2010ولم يتم تنفيذ أي من هذين
الق اررين وما تزال الدعوى معلقة بانتظار تنفيذ األمرين .4
صالح سعود الرقاد ( .)2015جريمة اإلبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية-إقليم دارفور نموذجا ،مجلة المنارة 1
تعتبر الجريمة قيد الدراسة واحدة من الجرائم الخطرة ،وإلى جوار ذلك فهي جريمة بحاجة إلى مجموعة
من الشروط والظروف الخاصة التي ال بد من تواجدها قبل أن يتم الحكم بوقوعها أم ال .في هذا
السياق ،فالعديد من الدراسات حاولت أن تربط ما يدحث في فلسطين بالجريمة قيد الدراسة ،إال أن
هذه المحاوالت ما تزال حتى اليوم تواجه العديد من العقبات .وفي هذا المبحث ،فإننا سنتطرق إلى
دراسة اإلبادة الجماعية في السياق الفلسطيني ،وفي المطلب األول :سنعمل على تناول جريمة اإلبادة
في فلسطين ،فيما سنتناول في المطلب الثاني :اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين.
لقد ارتكبت قوات االحتالل اإلسرائيلي العديد من الجرائم والمذابح منذ عام 1984ضد الفلسطينيين
وهي جرائم ترتقي في العديد منها إلى مستوى جرائم الحرب أو الجرائم ضد اإلنسانية ،ولكن عندما
يتعلق األمر بالجريمة قيد الدراسة فليس هنالك اتفاق قانوني حول انطباق جريمة اإلبادة الجماعية
من عدمها.1
إذ يرى بعض الفقهاء أن السياسات والممارسات التي تتبعها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني يمكنها
أن ترتقي إلى مستوى اإلبادة الجماعية بدءا من عملية التهجير القسري والجماعي في 1948مرو ار
1
Center for Constitutional Rights.2016. The Genocide of the Palestinian People: An International
Law and Human Rights Perspective. P1. https://ccrjustice.org/genocide-palestinian-people-
international-law-and-human-rights-perspective.
Beckerman, G. 2011. Top Genocide Scholars Battle Over How To Characterize Israel’s Actions.
To see the whole article, https://forward.com/news/135484/top-genocide-scholars-battle-over-
how-to-character/
65
بالعمليات العسكرية والحروب التي تم نشها على غزة تصريحات المسؤولين االسرائيليين التي تدعو
فبالنظر إلى مصطلح اإلبادة الجماعية يتوجه الباحثون إلى فهمه ضمن سياق تاريخي واجتماعي
وسياسي قائم على كونه نوع من العنف الجماعي الذي يطغى عليه صبغة سياسية ضمن النزاعات
والحروب المسلحة ،2إضافة إلى ذلك فهي جريمة تختلف عن غيرها بكونها ال تتوقف عند حدود
احتواء السكان أو السيطرة عليهم أو التحكم بهم ،بل أيضا تسعى إلى تدمير والقضاء على وجودهم
وتفكيكه بالكامل.3
في هذا السياق ،ينظر إلى ممارسات اسرائيل ضد الفلسطينيين على أنها سياسات تهدف وتسعى
بصورة أساسية إلى القضاء على الشعب الفلسطيني وتدميره بصورة كاملة ،ما يجعلها ترتقي إلى
إحدى أبرز النقاشات التي دارت حول انطباق الجريمة قيد الدراسة في فلسطين هو التهجير الجماعي
للفلسطينيين عام 1948والتي ترتب عليها تهجيز أكثر من 70000ألف شخص ومنعهم من لعودة
إلى ديارهم التي تم االستيالء عليها ما شكل حتى اليوم واحدة من أبرز موجات اللجوء المستدامة في
العالم.4
الجماعية تجاه المجتمع العربي ،1وعلى الرغم من عدم وجود سياسات واضحة منذ البادية إال أنها
تطورت بصورة مستمرة في سياق الحرب ،2وبالتالي يرى شو أن سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين
يمكن اعتبارها امتدادا لسياسات اإلبادة الجماعية التي بدأت في عام .31948حيث يرى شو في هذا
اإلطار أن النية اإلسرائيلية في عام 1948كانت متواجدة ومتوجهة بصورة مباشرة نحو القضاء على
الشعب الفلسطيني من منطلقي تطهير عرقي وعقلية اإلبادة الجماعية التي تقوم على القومية
في ذات السياق يرى فرانسيس بول أن "الفلسطينيين كانوا ضحايا اإلبادة الجماعية على النحو المحدد
في اتفاقية عام 1948بشأن منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها".5
في مقابل رؤية مارتن شو حول وجود عملية إبادة جماعية في ،1948يرى عمر بارتوف أن ما
حدث يمكن وصفه بشكل من أشكال التطهير العرقي ،ولكنه ال يمكن أن يرتقي إلى مستوى اإلبادة
الجماعية .6فيما يعتبر إسرائيل شارني أن اتهام إسرائيل بارتكاب اإلبادة الجماعية ضد الفلسطينيين
بعد عام 1948على أنها ممارسات مندرجة تحت إطار الجريمة قيد الدراسة.
فمن صور الجريمة "قتل أعضاء من الجماعة" ،وهو ما يمكن النظر إليه في العديد من المجازر
والمذابح التي تم ارتكابها من قبل القوات اإلسرائيلية مثل مجزرة دير ياسين عام ،1948ومجزرة
مخيم جنين 2002وغيرها .1فيما صدر قرار من الجمعية العامة لألمم المتحدة عام 1982اعتبر
بموجبه أن ما قامت به إسرائيل في ومجزرة صب ار وشاتيال عام 1982هو جريمة إبادة جماعية.2
كما يندرج تحت صور اإلبادة الجماعية اخضاع أفراد الجماعة عمدا لظروف معيشية بقصد إهالكها
الفعلي كليا أو جزئيا ،وهو ما يمكن اسقاطه على الحصار اإلسرائيلي على قطاع غزة والمستمر منذ
عام ،32006والذي قاد إلى حرمان السكان في غزة من التنمية ودفعها نحو حافة الفقر وانعدام االمن
الغذائي .4فخالل الحروب الثالث التي شنتها إسرائيل على القطاع تم قتل 900شخص في حرب
،2008وألف شخص في حرب ،2014وهي أرقام ال يمكن غض النظر عنها ال سيما في ظل عدم
وجود خلفية عسكرية أو دفاعية قائمة ال سيما عند التدث عن مبدأ التناسب ما بين الفعل ورد الفعل
في حزيران ،2012تم تقديم بيان خطي مشترك من قبل المنظمة الدولية للقضاء على جميع أشكال
1ربيع ،زياد ( .)2014جرائم اإلبادة الجماعية .مجلة دراسات دولية .ع .59ص.114-113
عبد العظيم أحمد عبد العظيم .2014 .اإلبادة الجماعية في فلسطين :دراسة في جغرافية الجريمة .بحث مقدم إلى ندورة 2
المركز االستشاري الخاص ،منظمة التنمية التعليمية الدولية ،مجلس السالم العالمي ،المنظمات غير
الحكومية المدرجة في القائمة لألمين العام لألمم المتحدة أشاروا فيه إلى إمكانية وقوع جرائم ضد
الغنسانية وجرائم الفصل العنصري وجريمة اإلبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في االحداث التي بدأت
حيث أظهرت الصور ووسائل االعالم شن القوات اإلسرائيلية لغارات جوية مميت على المدنيين في
قطاع غزة في انتهاك واضح للقانون اإلنساني ،ما ترتب عليه مقتل وجرح المئات من المدنيين من
بينهم 67طفال ،ونزوح أكثر من سبعين ألف مدني من مناطق سكنهم وتدمير آالف المنازل.1
حيث ترى هذه المنظمات أن السياسات التي تتبعها إسرائيل تقوم على عقود من التمييز ضد
الفلسطينيين والتهريب والمعاملة الال إنسانية والعنف المفرط ،حيث تسعى هذه الممارسات إلى إخالء
آاللف الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية ،فيما ما ما يزال مليوني فلسطيني موجودين ضمن
وبالنظر إلى طبيعة جريمة اإلبادة الجماعية ،وهي جريمة عمدية ،تقوم على وجود نية مسبقة وتخطيط
واضح من قبل الجناة على التخلص من الضحايا بإحدى الصور التي سبق وأن تطرقنا إليها ،فال
1
Joint written statement submitted to The Secretary-General by the International Organization
for the Elimination of All Forms of Racial Discrimination, Association Ma'onah for Human
Rights and Immigration, International-Lawyers.Org, Union of Arab Jurists, United Towns
Agency for North-South Cooperation, non-governmental organizations in special consultative
status, International Educational Development, Inc., World Peace Council, non-governmental
organizations on the roster. 25 June 2021. Presented to the Human Rights Council, p 2.
2
Joint written statement submitted to The Secretary-General by the International Organization for
the Elimination of All Forms of Racial Discrimination, Association Ma'onah for Human Rights
and Immigration, International-Lawyers.Org, Union of Arab Jurists, United Towns Agency for
North-South Cooperation, non-governmental organizations in special consultative status,
International Educational Development, Inc., World Peace Council, non-governmental
organizations on the roster. 25 June 2021. Presented to the Human Rights Council, p 3.
69
يمكن تجاهل حقيقة أن ما قامت به إسرائيل منذ عام 1948من تهجيز وقتل وإخضاع السكان
الفلسطينيين لظروف معيشية قاسية بقصد تهجيرهم أو القضاء عليها قد تمت بتخطيط مسبق ،1ال
سيما في ظل الظروف التاريخية التي قادت إلى إنشاء دولة إسرائيل بدءا من وعد بلفور.
إلى جوار ذلك ،فإن العديد من المذابح والمجازر التي قامت بها إسرائيل كانت تتم بصورة مخطط
لها مسبقا بهدف قتل وتجهيز الفلسطينيين من خالل جماعات ومنظمات إسرائيلية منظمة أكانت هذه
إن الغاية األساس من وراء إنشاء المحكمة الجنائية الدولية هو مالحقة الجرائم الدولية المرتكبة في
وقد دفع الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني منذ عام 1948والجرائم العديدة التي تم ارتكابها
ضده من قبل القوات اإلسرائيلية طوال سنوات من االحتالل العسكري به ليوجه نظره صوب المحكمة
الجنائية الدولية باعتبارها أداة محاسبة قادرة على تحقيق العدالة للضحايا ومساءلة مرتكبي هذه الجرائم.
لم يكن انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية مهمة سهلة المنال ،إذ مرت هذه العملية بمراحل
عديدة.
1أحمد أبو زهري ونضال خضرة .2019 .جرائم أسرائيل وإشكالية المحاكمة أمام الجنائية الدولية .المركز الديموقراطي العربي.
برلين .لالطالع على النص كامال. https://democraticac.de/?p=61674 :
2عبد العظيم عبد العظيم ( ،)2014مرجع سابق الذكر ،ص.5-4
70
حيث أودعت فلسطين إعالنها االول االنضمام للمحكمة الجنائية بتاريخ 12009\1\22استنادا إلى
المادة 3/12من نظام روما األساسي التي ينص على أن قبول الدولة غير طرف الختصاص
إال أن المدعي العام للمحكمة في حينها أعلن في 2012فتح دراسة أولية حول الحالة في فلسطين،
إال أنه أكد أيضا عدم فتح أي تحقيق أولي نظ ار إلى أن عدم وضوح شرط كون فلسطين دولة بموجب
القانون الدولي ،2وهو ما أخرج إشكالية مهمة تتعلق بمدى امتالك فلسطين لصفة دولة حسب القوانين
الدولية.
مع ظهور هذه القضية إلى العلن ،تم إيقاف عمل المحكمة الجنائية الدولية ،وتوجهت فلسطين إلى
الجمعية العامة لألمم المتحدة من أجل معالجة هذه القضية .حيث ترتب عليه منح الجمعية العامة
لألمم المتحدة في قرارها رقم 19\67لعام 2012فلسطين صفة دولة مراقب في األمم المتحدة وحثت
في ذات الوقت مجلس األمن على التوجه نحو االعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية.3
الحقا لهذا االعتراف فقد تقدمت فلسطين باعالنها الثاني للمحكمة الجنائية الدولية عام ،2015والذي
ينص على قبولها لصالحية المحكمة الجنائية الدولية على الجرائم الدولية التي تم ارتكابها في فلسطين
منذ تاريخ .2014/6/13وقد تبع ذلك تقديم فلسطين طلب االنضمام للمحكمة الجنائية وترتب عليه
1مؤسسة الحق ( .)2020الوالية اإلقليمية للمحكمة الجنائية الدولية في فلسطين .فلسطين .ص.8
2المرجع السابق نفسه.
3المرجع السابق ،ص.9
4مالرجع السابق نفسه.
71
بعد انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية ،تم فتح تحقيق أولي من قبل المدعية العامة فاتو
بنسودا في عام 20115وحتى 2019حول ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية في األراضي
الفلسطينية المحتلة .حيث خلصت الدراسة األولية إلى وقوع جرائم حرب في اإلقليم الفلسطيني ،إال
أن المدعية العامة قد عمدت إلى إغالق الدراسة األولية وعمدت إلى رفع طلب للدارئرة التمهيدية في
المحكمة استنادا إلى المادة 3/19من نظام روما مطالبة الدائرة بتقديم تأكيد حول كون اإلقليم الذي
تمارس عليه المحكمة الجنائية اختصاصها يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.1
وقد توصت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية بتاريخ 2021\2\5إلى قرار يؤكد على أن
"االختصاص االقليمي للمحكمة بالنسبة للحالة في فلسطين ،التي هي دولة طرف في نظام روما
األساسي ،هو اختصاص يشمل األراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام ،1967ال سيما غزة والضفة
وتبعا لهذا القرار ،فقد باتت المحكمة الجنائية الدولية صاحبة اختصاص في النظر بالجرائم التي
وقعت على اإلقليم الفلسطيني منذ عام .2014وعلى الرغم من عدم وجود تحقيق رسمي مفتوح حتى
هذه اللحظة أمام المحكمة الجنائية الدولية ،إال أن األهمية التي يحتلها هذا القرار تتمثل في وجود
سبيل قانوني قادر على مساءلة مجرمي الحرب اإلسرائيليين عن الج ارئم التي تم ارتكابها في فلسطين
منذ عام 2014على اإلقليم الفلسطيني المحدد بموجب قرار الدائرة التمهيدية.
2014أمام المحكمة الجنائية الدولية ،وهو ما يعطي بالتالي فلسطين أمال في مالحقة مجرمي الحرب
إال أن هنالك العديد من العقبات التي تم وضعها في طريق المحكمة الجنائية الدولية من قبل إسرائيل
بصورة أساسية ومن قبل الواليات المتحدة االمريكية على حد سواء وذلك بهدف قطع أي سبيل
لفتح تحقيق رسمي من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية ،حيث تم توقيع مرسوم عقوبات من قبل
اإلدارة االمريكية في 2020/9ضد المحكمة الجنائية الدولية ومسؤوليها بهدف تقويض قدرتها
على القيام بأي تحقيقات في دول مثل أفغانستان وفلسطين ضد األمريكيين واإلسرائيليين على حد
سواء .2إضافة إلى كونها مؤسسة غير بعيدة عن التجاذات السياسية مع رفض العديد من الدول
قرارها المتعلق بفلسطين نظ ار لعدم اعترافهم بدولة فلسطين في المقام األول كما فعلت أستراليا 3والمجر
وألمانيا وكندا.4
إلى جوار ذلك ،فإن العملية أمام المحكمة الجنائية الدولية هي عملية طويلة األمد ومكلفة ،ما يتطلب
من فلسطين جهودا مضاعفة من أجل متابعة هذه التحقيقات وتقديم ما يمكنه أن يساعد المحكمة في
1حكيم العمري .2019 .أثر انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة إسرائيل عن جرائمها بحق الشعب
الفلسطيني .مجلة العلوم القانونية والسياسية .م .10ع .1ص.1079
2إسرائيل/فلسطين :قضاة "الجنائية الدولية" يفتحون الباب أمام تحقيق رسمي :أمل جديد لضحايا الجرائم الجسيم .مقال إخباري
منشور بتاريخ .2021\2\8لالطالع على النص كامال راجع https://www.hrw.org/ar/news/2021/02/08/377805
3لوري آلن .2021 .الجنائية الدولية في فلسطين :أسباب لكبح األمل .مقال منشور بتاريخ .2021\3\5لالطالع على النص
كامال راجع https://carnegieendowment.org/sada/84013
4فرانسوا دوبويسون .فلسطين :هل ستكون خطوة المحكمة الجنائية الدولية حاسمة؟ .2021\3\4 .لالطالع على النص كامال
راجع https://orientxxi.info/magazine/article4575
73
في عملها .ومن ناحية أخرى ،فإن العقبات اإلسرائيلية التي يمكن وضعها أمام أي تحقيق مستقبلي
قد يهدد أيضا فعالية عمل المحكمة في فلسطين من خالل منع المحققين من الدخول إلى فلسطين
أو ترهيبهم وتهديدهم ،إضافة إلى ذلك تلعب توجهات العاملين في المحكمة الجنائية ومكتب المدعي
العام دو ار مهما في التوجه نحو فتح أو إعاقة فتح أي تحقيق من هذا النوع.1
من ناحية أخرى ،فاختصاص المحكمة هو اختصاص مكمل للقضاء الوطني ،وبالتالي فإن قيام قوات
االحتالل اإلسرائيلي بفتح تحقيقات داخلية في الجرائم التي تم ارتكابها من قبل القوات االسرائليية في
فلسطين يعتبر عائقا يمكنه أن يقود إلى إيقاف أي تحقيق مستقبلي .2تماما كما حدث عندما بعد
ارتكاب مجزرة صب ار وشاتيال ،حيث سارعت قوات االحلتال اإلسرائيلي إلى تشكيل لجان تحقيق
وحدة الدراسات السياسية .2021 .تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاصها على فلسطين .المركز العربي 1
الخاتمة
لقد اعتبرت الجريمة قيد الدراسة واحدة من أكثر الجرائم خطورة التي يمكن ارتكابها ،وتنطلق هذه
الخطورة إلى من كون هذه الجريمة بنيت على أساس عنصري يستهدف بصورة أساسية العرق ،أو
الجنس ،أو اللون ،أو الدين .كما أن الدور المهم الذي تؤديه الدولة في توجيه هذه الجرائم وتشجيعها
الدولي خاصة القوانين الداعية إلى القضاء على التمييز ضد األفراد ،كما في االعالن العالمي لحقوق
وقد قاد العالم محاوالت مستمرة للقضاء على العنصرية والتمييز ضد البشر على تنوعهم ،إذ جاء
تبني اتفاقية جريمة منع االبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948كخطوة مهمة وضرورية في
منع هذا الفعل وتجريمه على مستوى العالم .إال أنه وعلى الرغم من ذلك فالعديد من جرائم اإلبادة
الجماعية قد وقعت في القرن العشرين فهزت ضمير العالم ،حيث قتل ما يقارب 800ألف شخص
وماهيتها
ّ مهما في عملية بيان أركان هذه الجريمة لقد ّأدى كل من القانون والقضاء الدوليين ًا
دور ً
وتحديدها وذلك من خالل النص عليها في اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية .ومن ثم النص عليها
ضمن االختصاص الموضوعي لكل من المحكمة الجنائية الخاصة ب(يوغسالفيا) ،والمحكمة الجنائية
الخاصة ب(رواندا) ،وأخي ار دمجها ضمن االختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها
محكمة دائمة.
75
التوصيات
درستنا اللجريمة قيد الدراسة من ناحية األركان والمسؤولية ،وكيفية تناولها ضمن القضاء
انطالقا من ا
الجنائي الدولي المؤقت والدائم على حد سواء ،فإننا نقدم مجموعة من التوصيات تتمثل في:
-ليس من الكافي أن يتم تناول هذه الجريمة على المستوى الدولي (االتفاقيات والمحكمة الجنائية
الدولية) ،إذ ال بد أن تلجأ مختلف دول العالم إلى تضمينها في قوانينها الداخلية ،وبالتالي منح
القانون والقضاء الوطني صالحيات مالحقة مرتكبي هذه الجريمة ،وذلك من أجل الحرص على
منع ارتكاب أي أفعال تشكل إبادة جماعية في المستقبل من جهة ،ومحاكمة مرتكبي هذه الجريمة
-إن الدور األساسي لألمم المتحدة في الحفاظ على األمن والسالم يتطلب منها بالضرورة تفعيل
آليات أكثر قدرة وفعالية في عمليات الرقابة والمساءلة على أي أعمال يشتبه في كونها تشكل
في مضمونها أفعال إبادة جماعية ترتكب ضد جماعات ،أو افراد حول العالم في مناطق الحروب
والنزاعات األهلية .وذلك من أجل العمل على منع ارتكاب الجريمة وإيقافها بدال من االنتظار
-ال بد للمحكمة الجنائية الدولية أن تعمل على تقليل الوقت المستغرق في عمليات التحقيق
والمحاكمة ،وذلك من أجل إ حقاق العدالة بوقت مناسب وعدم استغراق سنوات طويلة للوصول
إلى قرارت بحق مرتكبيها ،وذلك في فترة زمنية تتالءم مع مطالب الضحايا وذويهم ،إذ إن العدالة
يعتبر التاريخ الفلسطيني حافال بالعديد من الممارسات والسياسات العدائية التي تم ارتكابها من -
قبل قوات االحتالل اإلسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني والتي يمكنها أن ترتقي إلى مستوى
76
الجريمة قيد الدراسة ،وهو ما يتطلب بالضرورة العمل على توثيق كافة هذه االنتهاكات والجرائم
من قبل دولة فلسطين بما يشمل المؤسسة الرسمية والحكومية ومؤسسات المجتمع المدني
والمؤسسات الحقوقية والقانونية ،وذلك بهدف العمل على الحفاظ على كافة األدلة والبيانات
والشهادات التي تؤكد ارتكاب الجريمة قيد الدراسة في فلسطين ألجل مساعدة أي تحقيق مستقبلي
قد تقوده المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين من أجل الكشف عن الممارسات التي تم ارتكابها.
-من ناحية ثانية ،فاختصاص المحكمة الجنائية الدولية ال يتوقف عند حدود التحقيق في
الممارسات اإلسرائيلية بل يمتد ليشمل ممارسات فصائل المقاومة الفلسطينية ،وفي هذا السياق
ال بد أن يكون هنالك فهم فلسطيني واضح حول كيفية توثيق األحداث بصورة دقيقة مدعمة
بالشهادات واألدلة والبينات التي تسعى لحماية فصائل المقاومة من جهة ودحض ادعاءات
-على الرغم من انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية إال أن الطريق ما زال طويال جدا
أمام الفلسطينيين من أجل مسائلة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب االسرائليين ،وهو ما يتطلب
بالضرورة وجود خطة عمل وأجندة فلسطينية واضحة حول كيفية التعامل مع المحكمة الجنائية
الدولية وذلك ألجل االستفادة منها إلى أقصى درجة ممكنة من ناحية ،وعدم إضاعة المزيد من
77
قائمة المصادر والمراجع
المراجع العربية
االتفاقيات الدولية:
اتفاقية منع جريمة االبادة الجماعية والمعاقبة عليها ،اعتمدت وعرضت للتوقيع بقرار االمم -1
نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما بتاريخ 17يوليو .1998 -2
-3اركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية ،اعتمدت من قبل جمعية الدول االطراف في نظام
روما االساسي للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها االولى المنعقدة في نيويورك من 10-3
سبتمبر .2002
النظام األساسي للمحكمة الجنائية الخاصة برواندا والمتخذ بموجب قرار مجلس األمن رقم -4
البروتوكول االضافي األول التفاقيات حنيف المعقودة في أغسطس 1949والمتعلقة بحماية -5
القواعد االجرائية وقواعد االثبات المعتمدة من جمعية الدول االطراف في نظام روما للمحكمة -6
78
الكتب:
-1ابو الرب ،صالح الدين محمد ( .)2018السياسة االسالمية واالسالم السياسي ،دار الخليج
-2أبو زيد ،ايمان عبد الستار محمد ( .)2015ضمانات المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية،
-3رتيب ،معمر ( .)2016تطور مفهوم االبادة الجماعية في نطاق المحكمة الجنائية الدولية ،در
السعيد ،كامل ( .)2002شرح األحكام العامة في قانون العقوبات ،دار الثقافة للنشر والتوزيع، -4
عمان -االردن.
عبيد ،عيسى ( .)2019محكمة العدل الدولية ودورها في تطوير قواعد القانون الدولي الجنائي، -5
-6مرعي ،احمد لطفي السيد ( .)2016نحو تفعيل االنفاذ الجنائي الوطني ألحكام القانون الدولي
-7الوريكات ،خليل عبد الفتاح ( .)2016جرائم القتل أمام المحكمة الجنائية الدولية ،دار الخليج
رسائل الماجستير:
79
-2أونيسة ،شوية ( .)2013/2012المسؤولية الجنائية الدولية لألفراد على ضوء المحاكم الجنائية
الدولي الجنائي ،رسالة ماجستير ،جامعة العربي بن مهيدي ،ام البواقي – الجزائر.
الدولي الجنائي ،رسالة ماجستير ،جامعة العربي بن مهيدي ،ام البواقي -الجزائر.
-5بن الطيب ،مهيدي ( .)2014/2013اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على ضوء القانون
-7شعبان ،نادية وشعالل ،فتحية ( .)2013/2012جريمة ابادة الجنس البشري في اطار المحكمة
-8العبادي ،زياد احمد محمد ( .)2016دور المحاكم الجنائية الدولية الخاصة في تحديد جريمة
االبادة الجماعية المعاقبة عليها ،رسالة ماجستير ،جامعة الشرق األوسط ،عمان -األردن.
-9عواد ،هاني عادل ( .)2007المسؤولية الجنائية الشخصية لمرتكبي جرائم الحرب (مجزرتا
مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس نموذجا) ،رسالة ماجستير ،جامعة النجاح الوطنية ،نابلس
-فلسطين.
80
-10عوينة ،سميرة ( .)2013/2012جريمة االبادة الجماعية في االجتهاد القضائي الدولي ،رسالة
الدولية الخاصة بيوغسالفيا السابقة ،رسالة ماجستير ،جامعة عبد الرحمن ميرة ،بجاية -
الحزائر.
-13المطيري ،فالح مزيد ( .)2011المسؤولية الجنائية الدولية لألفراد في ضوء تطور القانون
-14الوليد ،زوينة ( .)2013/2012جريمة االبادة الجماعية على ضوء االجتهاد القضائي للمحكمة
رسائل الدكتوراة:
-1حسين ،عالء هاشم ( .)2014تحديد المسؤولية الجنائية الدولية ودورها في إنشاء المحكم
الجنائية الدولية ،رسالة دكتوراة ،جامعة سانت كليمنتس العالمية ،بغداد -العراق.
-2فريحة ،هشام محمد ( .)2014/2013دور القضاء الدولي الجنائي في مكافحة الجريمة الدولية،
81
المقاالت:
-1أبو الرب ،عماد عمر ( .)2009مسؤولية الدولة الجنائية (اسرائيل نموذجا) ،المجلة العربية
االحاطة االعالمية االسبوعية الصادرة عن مكتب المدعي العام 29 ،حزيران 5-يوليو ،2010 -2
ع .44
-3أحمدم أبو زهري ونضال خضرة ( .)2019جرائم أسرائيل وإشكالية المحاكمة أمام الجنائية
إسرائيل/فلسطين :قضاة "الجنائية الدولية" يفتحون الباب أمام تحقيق رسمي :أمل جديد -4
لضحايا الجرائم الجسيم .مقال إخباري منشور بتاريخ .2021/2/8لالطالع على النص كامال
-5الجابرة ،هند حمودي وابو اصبع ،عبد الرسول كريم ( .)2017جريمة االبادة الجماعية ومبدأ
الشرعية في القانون الدولي الجنائي ،مجلة آداب الكوفة ،م ،1ع ،30الكوفة -العراق.
-6حكيم العمري ( .)2019أثر انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة
إسرائيل عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني .مجلة العلوم القانونية والسياسية .م .10ع.1
حكيم العمري .2019 .أثر انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة -7
إسرائيل عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني .مجلة العلوم القانونية والسياسية .م .10ع.1
ص.1079
-8الرقاد ،صالح سعود ( .)2015جريمة االبادة الجماعية امام المحكمة الجنائية الدولية -اقليم
دارفور نموذجا ،مجلة المنارة للبحوث والدراسات ،م ،21ع ،4يناير .2015
82
-9الصغير ،سويسي محمد ( .)2012جريمة االبادة الجماعية :دوافعها واشكالها ،مجلة دفاتر
-10عادل ،مستاري .المحكمة الجنائية الخاصة برواندا ،مجلة المفكر ،عدد .3
لوري آلن ( .)2021الجنائية الدولية في فلسطين :أسباب لكبح األمل .مقال منشور بتاريخ -11
-12مارك ليفاين وإيريل شيفيتس .2019 .فلسطين وإسرائيل وسردية اإلبادة الجماعية .المستقبل
-13المحكمة الجنائية الدولية .الدائرة التمهيدية األولى في المحكمة الجنائية الدولية تصدر قرارها
بشأن طلب المدعية العامة المتعلق باالختصاص االقليمي على فلسطين .مقال منشور بتاريخ
-14منصور ،امجد والقطري ،محمد ( .)2017المسؤولية الجنائية والمدنية والدولية لمرتكبي جرائم
التقارير:
عبد العظيم أحمد عبد العظيم ( .)2014اإلبادة الجماعية في فلسطين :دراسة في جغرافية -1
الجريمة .بحث مقدم إلى ندورة جغرافية الجريمة .كلية اآلداب-جامعة المينا .مصر.
المحكمة الجنائية الدولية :صحيفة الوقائع ،3المالحقة القضائية لمرتكبي جريمة االبادة -2
الجماعية ،وثيقة رقم ،40/01/00مشروع العدالة الدولية التابع للمحكمة الجنائية الدولية،
83
-4نداء من أجل المساءلة والحماية :االيزيديون الناجون من االعمال الوحشية التي ارتكبها داعش،
مكتب مفوض االمم المتحدة لحقوق االنسان ومكتب حقوق االنسان في بعثة االمم المتحدة -
النظام األساسي للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسالفيا السابقة ،فاوستو بوكار ،رئيس -6
النظام األساسي للمحكمة الدولية الجنائية ليوغسالفيا السابقة ،فاوستو بوكار ،منشورات األمم -7
المتحدة.2010 ،
وحدة الدراسات السياسية ( .)2021تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاصها -8
ورقة معلومات أساسية ،الحالة في دارفور بالسودان ،المدعي العام ضد عمر حسن احمد -9
البشير.
التقارير االخبارية:
-3الحلبي ،بشار :لم ينته البوسنيون من دفن موتاهم بعد 22عاما من مجزرة سربرنيتشا ،مقال
-4أحمد ،مجدي :العالم يحيي غدا الذكرى ال 25لليوم الدولي للتفكر في االبادة الجماعي التي
84
.2021\3\4 . هل ستكون خطوة المحكمة الجنائية الدولية حاسمة؟: فلسطين. فرانسوا دوبويسون-5
.2017 تشرين الثاني22 مقال اخباري منشور بتاريخ، سفاح البوسنة: راتكون، مالديتش-6
:مواقع االنترنت
1- http://www.bbc.com
2- www.icc-cpi.int
3- http://studies.aljazeera.net
4- http://hrlibrary.umn.edu
5- https://www.france24.com
6- https://www.mena.org.eg
7- https://www.ohchr.org
8- http://legal.un.org
9- https://www.un.org
10- http://www.icty.org
11- https://www.icc-cpi.int
12- https://news.un.org
13- https://www.hrw.org
14- https://unictr.irmct.org
15- http://www.icty.org
16- https://carnegieendowment.org
17- https://ccrjustice.org
85
:المراجع األجنبية
86
An-Najah National University
Faculty of Graduate Studies
By
Jood Adnan Dhelia
Supervisor
Dr. Fadi Shadid
Submitted in Partial Fulfillment of the Requirement for the Degree of Master of Criminal
Law, Faculty of Graduate Studies, AN-Najah National University, Nablus, Palestine.
2021
a
The Crime of Genocide in International Criminal Law:
Analytical Study
By
Jood Adnan Dhelia
Supervisor
Dr. Fadi Shadid
Abstract
This study tackles the crime of genocide based on two main dimensions. The first is
represented the legal organization of this crime in the legal articles and the international
agreements which passed laws concerning it. The other focuses on the role of the
international criminal law in passing their laws in the court of law.
This study is an attempt to highlight the key legal provisions which deal with this crime
and the analysis of the mechanisms of dealing with it according to the international
agreements in terms of its material and moral pillars as well as the criminal responsibility
based on it.
Also, it analyzed the most prominent cases through which the criminalization of genocide
is proven in the criminal courts of Rwanda and Yugoslavia as well as the role of the
international criminal court in preventing such as crime.
This study is divided into two main chapters. To begin with, the first tackles the definition
of genocide by presenting the legal definition of the terms, its moral and material pillars
as well as the criminal responsibility of genocide by law. In addition, the second chapter
deals with the judicial procedures through the special international criminal jurisdiction
led by the criminal court of Rwanda and Yugoslavia as well as the general criminal
jurisdiction through the international court.