You are on page 1of 97

‫جــــامعــــــــة النجاح الوطنية‬

‫كليـــــة الدراســــــــات العليــــــا‬

‫جريمة اإلبادة الجماعية في القانون الدولي‪ :‬دراسة تحليلية‬

‫ِإعداد‬
‫جود عدنان دحيلية‬

‫إشراف‬
‫د‪ .‬فادي شديد‬

‫قدمت هذه الرسالة استكماال لمتطلبات الحصول علي درجه الماجستير في القانون الجنائي‪ ،‬من كلية الدراسات‬
‫العليا‪ ،‬في جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪ -‬فلسطين‪.‬‬

‫‪2021‬‬
‫جريمة اإلبادة الجماعية في القانون الدولي‪ :‬دراسة تحليلية‬

‫ِإعداد‬
‫جود عدنان دحيلية‬

‫نوقشت هذه الرسالة بتاريخ ‪2021/11/17‬م‪ ،‬وأجيزت‪:‬‬

‫ب‬
‫‌ ‌‬
‫اإلهداء‬

‫الحب والعطاء‪...‬‬
‫إلى والدي اّلذي منحني ّ‬

‫إلى نبع الحنان والصدق في هذه الحياة‪ :‬أمي الحنون‪...‬‬

‫إلى من ّنور طريقي وآزرني‪ .‬رفيق دربي‪ :‬زوجي المخلص (مصعب)‪...‬‬

‫إلى ولدي نور عيني‪ :‬سراج‪...‬‬

‫جميعا‪...‬‬
‫ً‬ ‫إلى صديقاتي‬

‫جميعا أهدي هذا الجهد‪...‬‬


‫ً‬ ‫إليهم‬

‫‌ج‬
‫الشكر والتقدير‬

‫النعم وتزداد‪﴿ ،‬‬


‫الحمد هلل الذي بشكره تدوم ّ‬
‫﴾‪ ،1‬فلك‬

‫الشكر رّبي‪ ،‬على هبة العلم‪ ،‬ولك الحمد كما ينبغي لجالل وجهك‪ ،‬وعظيم سلطانك‪ ،‬وبعد؛‬
‫ّ‬

‫تعليمية رائدة في‬


‫ّ‬ ‫كم يعجز المرء عن تبيان مشاعره تجاه أساتذة عظام في علمهم وانتمائهم لمؤسسة‬
‫لتغدو منارة عالية‪ُ ،‬يشار‬
‫َ‬ ‫الوطنية‪ ،‬فشمخت بهم وكبرت؛‬
‫ّ‬ ‫النجاح‬
‫رسخوا أركان جامعة ّ‬
‫العطاء! رجال ّ‬
‫الشكر وعظيم االمتنان للدكتور فادي‬
‫أتقدم بخالص ّ‬
‫إليها بالبنان‪ ،‬وال يسعني في هذا المقام إالّ أن ّ‬
‫شديد؛ إلشرافه على هذه الدراسة‪ ،‬التي واكبها من اللحظة األولى؛ فقد اقترح موضوعها‪ ،‬وأوالها رعاية‬
‫ووسعت‬
‫علي بالوقت والجهد‪ ،‬وإبداء المالحظات التي أثرت الدراسة‪ّ ،‬‬ ‫اهتماما حتّى أثمرت‪ ،‬ولم يبخل‬
‫و ً‬
‫ّ‬
‫ليظل‬
‫ّ‬ ‫داعيا هللا تعالى أن ُيديم عليه عافيته؛‬
‫فانا‪ً ،‬‬
‫آفاقها‪ ،‬لعلمه‪ ،‬وانتمائه‪ ،‬وعطائه أنحني إجالالً وعر ً‬
‫اسا وموئال‪.‬‬
‫للعلم واألدب نبر ً‬

‫لكل َمن ذّلل عقبة أمامي‬


‫أتقدم بالشكر الجزيل والتّقدير ّ‬
‫و ّ‬

‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫أساتذتي في قسم القانون الجنائي في جامعة ّ‬
‫النجاح‬

‫‪ 1‬االحقاف‪ :‬آية ‪.15‬‬


‫‌د‬
‫اإلقرار‬

‫أنا الموقع أدناه مقدم الرسالة التي تحمل عنوان‪:‬‬

‫جريمة اإلبادة الجماعية في القانون الدولي‪ :‬دراسة تحليلية‬

‫أقر بأن ما اشتملت عليه هذه الرسالة هي نتاج جهدي الخاص‪ ،‬باستثناء ما تمت اإلشارة اليه حيثما‬

‫ورد‪ ،‬وأن هذه الرسالة ككل أو أي جزء منها لم يقدم من قبل لنيل أية درجة أو لقب علمي أو بحثي‬

‫لدى أية مؤسسة تعليمية أو بحثية أخرى‪.‬‬

‫جود عدنان دحيليه‬ ‫اسم الطالب‪:‬‬

‫التوقيع‪:‬‬

‫‪2021/11/17‬‬ ‫التاريخ‪:‬‬

‫‌ه‬
‫قائمة المحتويات‬

‫اإلهداء ‪ .....................................................................................‬ب‬

‫الشكر والتقدير ‪ ...............................................................................‬د‬

‫إقرار‪ ........................................................................................‬ه‬

‫قائمة المحتويات‪ ..............................................................................‬و‬

‫الملخص‪.....................................................................................‬ط‬
‫ّ‬
‫مقدمة‪1 ........................................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬تجريم اإلبادة الجماعية في القانون الدولي‪9 .....................................‬‬

‫مقدمة‪9 ........................................................................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التعريف العام لجريمة اإلبادة الجماعية‪10 .......................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف جريمة اإلبادة الجماعية ‪10 ..............................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صور جريمة اإلبادة الجماعية‪13 ...............................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬صفة المجني عليهم في جريمة اإلبادة الجماعية ‪13 ..............................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الطبيعة الدولية لجريمة اإلبادة الجماعية‪14 ......................................‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الصفة غير السياسية لجريمة اإلبادة الجماعية ‪15 ...............................‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬خضوع الجريمة قيد الدراسة لكل من القضاء الدولي والقضاء الوطني ‪17 ..........‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أركان جريمة اإلبادة الجماعية‪19 ...............................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الركن المادي لجريمة اإلبادة الجماعية ‪19 .......................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬قتل أعضاء من الجماعة‪20 .....................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير بأفراد الجماعة‪21 ............................‬‬

‫عمدا لظروف معيشية صعبة ‪22 ..............................‬‬


‫الفرع الثالث‪ :‬إخضاع الجماعة ً‬
‫الفرع الرابع‪ :‬تدابير تتخذ للحيلولة دون إنجاب األطفال داخل الجماعة ‪23 ......................‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬نقل األطفال ‪25 ..............................................................‬‬


‫‌و‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الركن المعنوي لجريمة اإلبادة الجماعية‪26 ......................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬القصد الجنائي العام في جريمة اإلبادة الجماعية‪26 ..............................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬القصد الجنائي الخاص في جريمة اإلبادة الجماعية‪28 ...........................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المسؤولية الجنائية على ارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية‪30 ......................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المسؤولية الجنائية عن جريمة اإلبادة الجماعية‪30 ...............................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المسؤولية الجنائية للدولة على جريمة اإلبادة الجماعية ‪31 .......................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المسؤولية الجنائية للفرد على جريمة اإلبادة الجماعية‪32 .........................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المسؤولية المدنية عن ارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية‪36 ........................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المسؤولية المدنية للدولة على جريمة اإلبادة الجماعية ‪37 .........................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المسؤولية المدنية للفرد على جريمة اإلبادة الجماعية‪39 ..........................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية ‪42 ...........................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية القضائية على مستوى المحاكم الجنائية السابقة‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية ‪44 ....................................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‬
‫‪44 ...........................................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نشأة المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‪45 ..........................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التقاضي أمام المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‪48 .................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) ‪48 .....‬‬

‫الفرع األول‪ :‬نشأة المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) ‪49 ....................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التقاضي أمام المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) ‪52 ............................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية على مستوى المحكمة الجنائية الدولية ‪55 .......‬‬

‫الفرع األول‪ :‬االختصاص المكاني والزماني للمحكمة الجنائية الدولية ‪56 .......................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االختصاص الموضوعي والشخصي للمحكمة الجنائية الدولية ‪57 .................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬جريمة اإلبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية ‪61 ........................‬‬

‫‌ز‬
‫الفرع األول‪ :‬سير العملية القضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية‪61 ...........................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬قضايا اإلبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية‪63 .........................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬جريمة اإلبادة الجماعية في السياق الفلسطيني ‪65 ...............................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬جريمة اإلبادة الجماعية في فلسطين ‪65 .........................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين ‪70 .............................‬‬

‫الخاتمة والتوصيات‪75 .........................................................................‬‬

‫الخاتمة ‪75 ....................................................................................‬‬

‫التوصيات‪76 ..................................................................................‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪78 ....................................................................‬‬


‫‪b ...................................................................................Abstract‬‬

‫‌ح‬
‫جريمة اإلبادة الجماعية في القانون الدولي‪ :‬دراسة تحليلية‬
‫إعداد‬
‫جود عدنان دحيلية‬
‫إشراف‬
‫د‪ .‬فادي شديد‬

‫الملخص‬

‫تتناول هذه الدراسة جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬وذلك من خالل التركيز على شّقين رئيسين‪ ،‬األول‪:‬‬

‫يتمثل في دراسة الهيكلية القانونية في النصوص القانونية‪ ،‬واالتفاقية التي تعقد على مستوى الدول‬

‫التي عمدت إلى تقنينها‪ ،‬فيما يشمل الشق الثاني‪ :‬التركيز على الدور الذي ُيؤديه القضاء الجنائي‬

‫قضائيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الدولي في تقنين هذه الجريمة‪ ،‬وتأطيرها‬

‫حيث عمدت الدراسة على تحليل أبرز القوانين واالتفاقيات وأهمها‪ ،‬والتي درست هذه الجريمة وتحليل‬

‫اآل ّليات التي تعاملت بها هذه االتفاقيات مع الجريمة‪ ،‬ومكوناتها‪ ،‬وأركانها المادية‪ ،‬والمعنوية‪،‬‬

‫والمسؤولية الجنائية المترتبة عليها‪ ،‬وتم أيضا دراسة أبرز القضايا التي تم من خاللها إرساء مجموعة‬

‫من السوابق القضائية في مجال تجريم اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة برواندا‪،‬‬

‫والمحكمة الجنائية الخاصة بيوغسالفيا السابقة‪ ،‬والمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬

‫لقد تم تقسيم الدراسة الى مبحثين رئيسين‪ :‬تناول األول‪ :‬الماهية والمفهوم العام للجريمة قيد الدراسة‬

‫الجماعية‪ ،‬من خالل دراسة التعريف القانوني المقدم لها‪ ،‬وأركانها المادية‪ ،‬والمعنوية المكونة للجريمة‪،‬‬

‫إضافة إلى المسؤولية الجنائية المترتبة عليها‪ ،‬أما المبحث الثاني‪ :‬فقد تم التطرق إلى التعامل القضائي‬

‫من خالل القضاء الجنائي الدولي الخاص‪ ،‬بواسطة المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪ ،‬والمحكمة‬

‫الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا)‪ ،‬والقضاء الجنائي العام من خالل المحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬
‫ط‬
‫‌‌‬
‫مقدمة‬

‫في عام ‪ 1948‬اعتمدت الجمعية العامة لألمم المتحدة اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة‬

‫عليها‪ ،‬حيث تم االتفاق على تعريفها بأنها‪" :‬ارتكاب أي عمل من األعمال المذكورة في المادة األولى‬

‫من االتفاقية بهدف اإلبادة الكلية أو الجزئية لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو‬

‫الدين"‪ ،‬وقد تنوعت األعمال التي تشكل إبادة جماعية ما ين القتل‪ ،‬وإلحاق األذى الجسدي‪ ،‬أو النفسي‬

‫الخطير‪ ،‬أو نقل األطفال‪ ،‬أو منع اإلنتشار‪.‬‬

‫وخطر من مستويات التمييز العنصري‪ ،‬والتي يتم‬


‫ًا‬ ‫متقدما‬
‫ً‬ ‫مستوى‬
‫ً‬ ‫لذا يمكن اعتبار هذه الجريمة‬

‫بناء على سياسة دولة ممنهجة ومنظمة‪ ،‬بهدف القضاء‬


‫ممارسته ضد جماعة معينة‪ ،‬وتتميز بأنها تقع ً‬

‫بعدا شديد الخطورة على المجتمع البشري والتنوع‬


‫على جماعة محددة‪ ،‬وهو ما يعطي هذه الجريمة ً‬

‫العرقي داخله‪ ،‬فمحاولة القضاء على جماعة معينة داخل الدولة نفسها‪ ،‬أو دولة أخرى خالل النزاعات‬

‫خطر لحقوق اإلنسان وقواعد الحرب المختلفة‪.‬‬


‫انتهاكا ًا‬
‫ً‬ ‫المسلحة‪ ،‬يعتبر‬

‫أقليات محددة‪ ،‬ففي (روندا)‪ ،‬قتل‬


‫وعلى مدار التاريخ تعددت جرائم اإلبادة الجماعية التي وقعت ضد ّ‬

‫أقلية (التوتسي)‪ ،‬وغيرها‬


‫ما يقارب الـ‪ 800‬ألف شخص عام ‪ 1994‬على أيدي قبائل (الهوتو)‪ ،‬من ّ‬

‫من األقليات داخل البالد‪ ،‬وهي المجازر التي دفعت بالعالم ليقف مذهوال أمامها محاوال بواسطة‬

‫تحركات متأخرة إلى معاقبة مرتكبي تلك الجرائم‪ ،‬وإنصاف الضحايا من خالل المحكمة الجنائية‬

‫الخاصة بروندا‪.1‬‬

‫‪ 1‬سؤال وجواب‪ :‬كيف حدثت اإلبادة الجماعية في (روندا)‪ ،2014/4/7 ،‬لالطالع على النص كامال‬
‫‪.http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2014/04/140407_rwanda_slaughter‬‬
‫وفي يوغسالفيا السابقة ما تزال مجزرة (سربرينيتسا)‪ ،‬حتى بعد ‪ 20‬سنة على وقوعها تشكل واحدة‬

‫من أبشع عمليات هذه الجريمة في التاريخ‪ ،‬حيث قتل ما يقارب الثمانية آالف من البوشناق في‬

‫(البوسنة)‪ ،‬و(الهرسك)‪ ،‬على أيدي القوات الصربية في فترة ال تتجاوز العشرة أيام‪ ،‬عمد فيها المقاتلون‬

‫الصر ّبيون على قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين في (البوسنة)‪ ،‬و(الهرسك)‪.1‬‬

‫تؤديه الدولة نفسها‬


‫تعد اإلبادة الجماعية جريمة ال يتوقف ارتكابها على األفراد‪ ،‬بل إن الدور الذي ّ‬

‫في ارتكاب هذه الجريمة هو دور مركزي ومحوري‪ ،‬وهو ما يجعل من المسؤولية الجنائية التي تتحملها‬

‫الدولة مهمة بدرجة كبيرة‪ ،‬وخالل هذه الدراسة‪ ،‬فإننا نسعى في القسم األول منها إلى‪ :‬بيان التنظيم‬

‫القانوني والمسؤولية القانونية العامة للجريمة في االتفاقيات الدولية‪ ،‬فيما سنسعى في القسم الثاني‬

‫إلى‪ :‬دراسة اآللية التي تعامل بها القضاء الجنائي الدولي مع هذه الجريمة من خالل المحاكم‬

‫الجنائية الدولية‪.‬‬

‫يتمثل السؤال األساسي للدراسة في "كيف تم تنظيم جريمة اإلبادة الجماعية في القوانين واالتفاقيات‬

‫الدولية والمحاكم الجنائية الدولية؟"‪ ،‬وينبثق عن هذا التساؤل مجموعة من األسئلة الفرعية هي‪:‬‬

‫‪ -1‬ما جريمة اإلبادة الجماعية؟ وما األسس التي تقوم عليها؟‬

‫‪ -2‬كيف تطورت هذه الجريمة على مدار التاريخ؟‬

‫‪ -3‬كيف تم تنظيم هذه الجريمة في االتفاقيات الدولية؟‬

‫‪ -4‬ما األركان المادية والمعنوية لهذه الجريمة؟‬

‫جنائيا؟‬
‫ً‬ ‫‪ -5‬كيف يتم مساءلة مرتكبي هذه الجريمة‬

‫‪( 1‬سربرينيتسا)‪ :‬عشرون عاما بعد اإلبادة الجماعية‪ ،‬أنس كاريتش‪ ،2015/7/13 ،‬لالطالع على النص كامال‬
‫‪.http://studies.aljazeera.net/ar/issues/2015/07/201571211355136991.html‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -6‬كيف تعامل القضاء الجنائي الدولي مع هذه الجريمة؟‬

‫‪ -7‬كيف تتم المالحقة الجنائية لمرتكبي هذه الجريمة؟‬

‫‪ -8‬ما أبرز قضايا هذه الجريمة في مناطق النزاع المسلح؟‬

‫تنبع أهمية هذه الدراسة من إلقائها الضوء على واحدة من أهم الجرائم وأخطرها‪ ،‬إذ إن ما تتميز به‬

‫هذه الحريمة هو ارتكابها بحق نحو عرق‪ ،‬أو جماعة معينة‪ ،‬بناء على سياسة مسبقة‪ ،‬وهو ما يعود‬

‫في جذوره إلى التمييز العنصري القائم على اللون‪ ،‬أو الجنس‪ ،‬أو العرق‪ ،‬أو الدين‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ومن‬

‫هذا المنطلق‪ ،‬فإن سعي العالم إلى محاربة جريمة اإلبادة الجماعية يعكس رغبة العالم والمجتمع‬

‫الدولي‪ ،‬إلى ضرورة إيقاف التمييز العنصري‪ ،‬وبالتالي إيقاف إبادة البشر بناء على ذلك التمييز‪،‬‬

‫يتم اتباعها من أجل القضاء على عرق‪،‬‬


‫وجرائم اإلبادة تتمتع بوجود تخطيط مسبق وفق سياسة معينة ّ‬

‫أو جماعة ما‪ ،‬ما يجعل من األهمية بمكان الوقوع على األفعال كاّفة والتي يمكن لها أن تشكل جزًءا‬

‫من هذه الجريمة‪ ،‬وكيفية مالحقة مرتكبي هذه الجريمة ومساءلتهم أمام القضاء الجنائي لتحقيق العدالة‬

‫للضحايا؟‪.‬‬

‫ويمكننا تقسيم أهمية الدراسة إلى نقطتين رئيستين‪:‬‬

‫‪ -1‬األهمية النظرية‪:‬‬

‫وضوحا عن طبيعة التنظيم القانوني لهذه الجريمة في النصوص‬


‫ً‬ ‫وتتمثل في تقديم صورة أكثر‬

‫تم التعامل فيها مع هذه الجريمة منذ أولى‬


‫واالتفاقيات الدولية التي تناولتها‪ ،‬وبيان اآلليات التي ّ‬

‫قانونيا‪ ،‬ومنها اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية وميثاق (روما)‪ ،‬والمواثيق المنشأة‬
‫ً‬ ‫محاوالت تنظيمها‬

‫للمحاكم الجنائية الخاصة مثل‪ :‬رواندا ويوغسالفيا السابقة‪ ،‬فما هي األفعال التي تشكل هذه جريمة‪،‬‬

‫وماالركن المعنوي المشكل لها‪ ،‬وكيف يمكن مساءلة مرتكبي هذه الجريمة أمام القضاء؟‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫كما أن إحدى أبرز النقاط التي تدفع إلى دراسة هذه جريمة‪ ،‬هو الخصوصية المتميزة التي تتمتع بها‬

‫عن غيرها من الجرائم‪ ،‬خصوصا جرائم الحرب والجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬إذ إن هذه الجرائم كاّفة‬

‫انتهاكا لألعراف والقوانين‬


‫اعتداء على البشرية و ً‬
‫ً‬ ‫والداخلة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية تشكل‬

‫الدولية‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإن تميزها يكمن بتوجهها نحو التخلص على مجموعة معينة من الناس‬

‫بناء على جنسهم‪ ،‬أو عرقهم‪ ،‬أو دينهم‪ ،‬أو لونهم‪ ،‬أو لغتهم‪ ،...‬وذلك بتخطيط وتدبير مسبقين يشكل‬

‫الجوهر األساسي الذي يجعلها مختلفة عن الجريمة ضد اإلنسانية‪ ،‬والتي ال تتطلب مهاجمة فئة معينة‬

‫من الناس بناء على الجنس‪ ،‬أو العرق‪ ،‬أو الدين‪ ،‬أو اللغة‪ ،‬أو جرائم الحرب‪ ،‬والتي ذكرت على سبيل‬

‫الحصر في ميثاق (روما)‪.‬‬

‫‪ -2‬األهمية العملية‪:‬‬

‫تتمثل أهمية هذه الدراسة العملية في إلقاء الضوء على اآلليات التي اتبعها المجتمع الدولي في‬

‫التصدي لجريمة اإلبادة الدولية‪ ،‬وذلك من خالل دراسة آليات القضاء الدولي وتحليلها في المحاكم‬

‫الجنائية الخاصة وهي المحكمة الجنائية الخاصة (بيوغسالفيا)‪ ،‬والمحكمة الجنائية الخاصة (برواندا)‪،‬‬

‫والمحكمة الجنائية الدولية‪ .‬إذ إنه وعلى الرغم من اعتماد اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة‬

‫عليها لعام ‪ ،1948‬لم تتواجد آليات قضاء على المستوى الدولي لتنفيذ نصوصها القانونية‪،‬‬

‫وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى عمل هذا النوع من الجرائم في يوغسالفيا عام ‪ ،1991‬وفي رواندا‬

‫عام ‪.1994‬‬

‫لقد قادت فظاعة هذه الج ارئم في (يوغسالفيا)‪ ،‬و(رواندا)‪ ،‬بالعالم إلى التحرك للمرة األولى من أجل‬

‫تطبيق اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬وذلك من خالل إنشاء المحكمة الجنائية الخاصة‬

‫(بيوغسفالفيا)‪ ،‬والمحكمة الجنائية الخاصة (برواندا)‪ ،‬حيث اعتبرتا أول تطبيق عملي لتجريمها‪ ،‬وهو‬
‫‪4‬‬
‫ما سنتطرق إليه بصورة أكثر تفصيال من خالل بيان طبيعة هذه المحاكم واختصاصها‪ ،‬إضافة إلى‬

‫أبرز القضايا التي نظرتها‪ ،‬وذلك في الفصل الثاني‪.‬‬

‫أما ما يعطي هذه الجريمة أهمية كبيرة اليوم‪ ،‬فهو دخولها في االختصاص النوعي للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية‪ ،‬والتي لم تنظر وحتى اليوم سوى في قضية واحدة حول هذه الجريمة دون أن تتجاوز القضية‬

‫مراحلها األولى؛ ما يجعل من االهمية بمكان النظر إلى اختصاص المحكمة‪ ،‬وطبيعة عملها‪،‬‬

‫واختصاصها النوعي والمكاني‪ ،‬وأبرز القضايا المنظورة أمامها‪ ،‬وهي قضية الرئيس السوداني السابق‬

‫عمر البشير‪ ،‬وذلك في الفصل الثاني‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬فإننا ومن خالل هذه الدراسة نسعى إلى تحقيق مجموعة من األهداف هي‪:‬‬

‫‪ -1‬الوقوف على التنظيم القانوني لهذه الجريمة ضمن النصوص القانونية في االتفاقيات الدولية‪،‬‬

‫والتي من أبرزها اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقب عليها وميثاق (روما) المنشأ‬

‫للمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬

‫‪ -2‬دراسة األركان العامة المشكلة لها بشكل عام‪ ،‬واألركان العامة المكونة لألفعال كاّفة‪ ،‬والتي تندرج‬

‫تحت هذا المفهوم‪ ،‬إضافة إلى المسؤولية الجنائية لمرتكبي هذه الجريمة أمام المحاكم الدولية‪.‬‬

‫‪ -3‬دراسة مدى انطباق القوانين الخاصة بجريمة اإلبادة الجماعية على الحاالت العلمية التي وقعت‬

‫في مناطق مختلفة من مناطق النزاع في العالم كـ(روندا)‪ ،‬و(يوغسالفيا) السابقة‪.‬‬

‫‪ -4‬تقديم صورة أكثر وضوحا عن كيفية التعامل القضائي الدولي مع هذه الجرائم من خالل استكشاف‬

‫التوجهات التي أخذ بها القضاء الجنائي الدولي في معالجته لهذه الجريمة في مناطق النزاع‬

‫المسلح‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫تقسم محددات الدراسة إلى قمسين‪:‬‬

‫‪ -1‬المحددات الزمانية‪ :‬وهي مجموعة االتفاقيات الدولية المنظمة لهذه الجريمة‪ ،‬وهي اتفاقية منع‬

‫جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام ‪ ،1948‬وميثاق (روما)‪ ،‬للمحكمة الجنائية الدولية‬

‫المعتمد بتاريخ ‪ 17‬تموز‪/‬يوليو ‪.1998‬‬

‫‪ -2‬المحددات المكانية‪ :‬وهي تمتد لتشمل اإلطار الدولي في ظل اتفاقية منع هذه الجريمة والمحاكم‬

‫الجنائية الدولية‪.‬‬

‫تتمحور إشكالية الدراسة حول نقطتين رئيستين‪ :‬األولى تتمثل في الهيكلية القانونية لهذه الجريمة في‬

‫القوانين واالتفاقيات الدولية‪ ،‬إذ نسعى إلى دراسة النصوص القانونية وتحليلها‪ ،‬إضافة إلى معالجتها‬

‫لهذه الجريمة‪ ،‬فما النصوص القانونية؟ وكيف تطورت على مدار التاريخ؟ وكيف تم البدء بتنظيم هذه‬

‫الجريمة؟ وما األسس التي تم فيها وضع مفهوم لجريمة اإلبادة الجماعية عليها‪ ،‬وإضافة إلى ذلك‬

‫عموما‪ ،‬واألفعال الخاصة التي تعتبر‬


‫ً‬ ‫سنتطرق إلى دراسة األركان المادية والمعنوية المكونة للجريمة‬

‫جزًءا منها من جهة أخرى‪ ،‬وكيف يمكن مساءلة مرتكبي هذه الجريمة‪ ،‬وما األركان المشكلة لمسؤولتيهم‬

‫الجنائية؟‪.‬‬

‫أما القسم الثاني من اإلشكالية فيتمثل في التطرق إلى اآلليات القانونية والقضائية الدولية التي لجأ‬

‫إليها المجتمع الدولي من أجل التصدي ومكافحة هذه الجريمة‪ ،‬فعلى الرغم من اعتماد اتفاقية منع‬

‫جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام ‪ ،1948‬إال أن ذلك لم يمنع من ارتكاب جرائم اإلبادة‬

‫الجماعية في يوغسالفيا ورواندا‪ ،‬في بداية التسعينيات‪ ،‬وكنتيجة لذلك فقد لجأ العالم إلى تنظيم اآلليات‬

‫القضائية‪ ،‬كالمحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا)‪ ،‬و(رواندا)‪ ،‬والمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وبالتالي‬

‫ونوعيا)‪،‬‬
‫ً‬ ‫ومكانيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فإننا خالل هذه الدراسة سنتطرق إلى دراسة اختصاص المحاكم الثالثة (ز ً‬
‫مانيا‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫فما اإلجراءات المتبعة أمامها؟ وما أبرز القضايا التي نظرتها هذه المحاكم؟ وكيف تعاملت مع الوضع‬

‫القانوني لهذه الجريمة؟‪.‬‬

‫إن هناك مجموعة من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع بشكل مباشر‪ ،‬أو غير مباشر‪ ،‬وهي تعتبر‬

‫مراجع أساسية لدراستنا هذه نذكر منها دراستين أساسيتين‪ ،‬مع الوقوف عند التشابهات واالختالفات‬

‫ما بينهما وما بين دراستنا‪:‬‬

‫‪ -1‬جريمة اإلبادة الجماعية وعقوبتها في القانون الدولي‪ ،‬محمد بن علي بن ناصر بن هديان‪،‬‬

‫جامعة االمام محمد بن سعود‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪:1428-1427 ،‬‬

‫تناولت هذه الدراسة بصورة أساسية هذه الجريمة‪ ،‬والعقوبات المفروضة عليها في النظام القاوني‬

‫الدولي‪ ،‬إذ ابتدأ الباحث في دراسته بالتحدث عن هذه جريمة من ناحية المصطلح والنشأة‬

‫والتاريخ‪ ،‬وأبرز المراحل التي مرت بها الجريمة في المجتمع الدولي حتى تم الوصول إلى تعريف‬

‫أيضا‬
‫جامع وشامل لها في اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليه‪ ،‬وتناول الباحث ً‬

‫أركان الجريمة‪ ،‬واألفعال المكونة للجريمة بالتفصيل‪ ،‬أما القسم األخير من الدراسة‪ ،‬فركز على‬

‫التطبيقات القضائية والعقابية الخاصة بمرتكبي هذه جريمة على المستوى الدولي من خالل‬

‫الوقوف على أبرز تلك الحاالت‪ ،‬وعرض اآللية التي تناولت فيها المحاكم الدولية هذه القضايا‪.‬‬

‫‪ -2‬جريمة اإلبادة الجماعية في االجتهاد القضائي الدولي‪ ،‬عوينة سميرة‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪،‬‬

‫الجزائر‪:2013-2012 ،‬‬

‫ابتداء بالقسم األول‬


‫ً‬ ‫تناولت هذه الدراسة الجريمة التي تركز عليها الدراسة الحالية بشكل عام‪،‬‬

‫قبل أن تتطرق إلى التخصص في دور القضاء الجنائي الدولي في تعامله معها في القسم الثاني‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫حيث تناولت الباحثة مفهوم الجريمة وطبيعته‪ ،‬والتطور التاريخي للمفهوم الخاص بها‪ ،‬كما تناولت‬

‫اآل ارء الفقهية المختلفة حول الجريمة فيما يتعلق بخصائصها وما يميزها عن غيرها من الجرائم‪.‬‬

‫في القسم الثاني من الرسالة تطرقت الباحثة إلى دراسة النظام القضائي الدولي‪ ،‬حيث تدرجت في‬

‫التعريف بالمحاكم الجنائية الدولية الخاصة‪ ،‬كالمحكمة الخاصة بـ(روندا)‪ ،‬والمحكمة الخاصة‬

‫بـ(يوغسالفيا)‪ ،‬السابقة‪ ،‬وأخي ار المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬حيث عمدت الباحثة إلى تناول أوجه‬

‫االختالف والتشابه بين المحاكم وطبيعتها واختصاصاتها فيما يتعلق بالجريمة‪ ،‬حيث قامت بتقديم‬

‫شرح مفصل حول كيفية تناول كل محكمة لجريمة اإلبادة الجماعية على حدة‪ ،‬ووقفت على االختالفات‬

‫والتشابهات‪ ،‬من خالل عرض أبرز القضايا التي تناولتها تم تجاوليها في هذه المحاكم‪.‬‬

‫إن األهمية التي تحتلها دراستنا في هذا المجال هو الجمع بين االتجاهين السابقين بشكل متوازن‪،‬‬

‫ووضوحا حول جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬من خالل دراسة الجريمة‬


‫ً‬ ‫يضمن تقديم صورة أكثر شمولية‬

‫بشكل عام‪ ،‬وكيفية تناول القضاء الدولي هذه الجريمة دون تفضيل جانب على الجانب اآلخر‪.‬‬

‫ولغايات إتمام هذه الدراسة‪ ،‬فإننا سنتبع المنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬وذلك ألجل دراسة صورة أكثر‬

‫وضوحا وبيانا وتحليلها وتقديمها عن القوانين الناظمة لهذه الجريمة في االتفاقيات الدولية واالقليمية‬
‫ً‬
‫والمحلية على حد سواء‪ ،‬حيث نسعى إلى بيان ماهية األفعال التي تم إدخالها ضمن مفهوم اإلبادة‬

‫الجماعية‪ ،‬وتحليل األركان المشكلة لكل واحد من هذه األفعال‪ ،‬بما يشمل الركن المادي والركن‬

‫المعنوي‪ ،‬كما نسعى إلى اتباع المنهج التحليلي من أجل ربط النصوص القانونية واألفعال الواقعية‬

‫التي شكلت جرائم إبادة جماعية في أماكن مختلفة من مناطق النزاع في العالم‪ ،‬وبالتالي الوصول إلى‬

‫صورة أكثر شمولية حول مفهومها‪.‬‬

‫واستنادا لما سبق‪ ،‬فإننا سنقوم بتقسم دراستنا هذه إلى فصلين‪ ،‬نناقش في الفصل األول‪ :‬تجريم‬

‫الجريمة قيد الدراسة في القانون الدولي ّ‬


‫أما الفصل الثاني فسنتناول‪ :‬آليات مكافحتها‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫الفصل األول‬

‫تجريم اإلبادة الجماعية في القانون الدولي‬

‫مقدمة‬

‫لقد شهد العالم خالل مئات السنين العديد من الحروب التي اشتعلت في العديد من الدول‪ ،‬أبرزها‬

‫آثار مدمرة على الحضارة‪ ،‬وذهب ضحيتها الماليين من البشر‬


‫الحربان العالميتان‪ ،‬وهي حروب تركت ًا‬

‫على مدار التاريخ‪.‬‬

‫مباشر للحقوق والمواثيق الدولية في العالم كاّفة‪ ،‬حيث تعتبر‬


‫ًا‬ ‫انتهاكا‬
‫تعتبر الجريمة قد الدراسة خط ار و ً‬

‫إضافيا دفع بالعالم إلى العمل على حظرها‬


‫ً‬ ‫سببا‬
‫اآلثار السلبية والخطرة التي تمس مجتمعات كاملة ً‬

‫ومكافحتها‪ ،‬وذلك من خالل توقيع االتفاقيات الدولية وإدخالها في اختصاص القضاء الجنائي الدولي‪،‬‬

‫ومعاقبة مرتكبيها ومالحقتهم على المستويين الدولي واإلقليمي‪.‬‬

‫الماهية العامة لهذه الجريمة‪ ،‬فإننا سنتحدث في هذا الفصل إلى دراسة التنظيم‬
‫ّ‬ ‫وألجل الوقوف على‬

‫القانوني العام لها‪ ،‬حيث سنتناول في المبحث األول‪ :‬التعريف العام لهذه الجريمة وخصائصها‪ ،‬وفي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬دراسة أركاننها‪ ،‬أما المبحث الثالث‪ :‬سنتناول دراسة أسس المسؤولية القانونية‬

‫الجنائية والمدنية عنها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫المبحث األول‬

‫التعريف العام لجريمة اإلبادة الجماعية‬

‫لقد جاءت االتفاقيات الدولية المتعلقة بالجريمة قيد الدراسة إلى تناول األفعال المادية التي تكون‬

‫الجريمة‪ ،‬إال أنها لم تتطرق إلى تعريفها بشكل واضح‪ ،‬وفي هذا المبحث‪ ،‬سنتطرق في المطلب األول‪:‬‬

‫إلى دراسة تعريفها‪ ،‬وفي المطلب الثاني‪ :‬دراسة خصائصها‪.‬‬

‫المطلب األ ول‪ :‬تعريف جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫اعتداء على فرد واحد‪ ،‬بل هي‬


‫ً‬ ‫إن الخطورة التي تحملها هذه الجريمة تنطلق من كونها ال تشكل‬

‫موجه نحو مجتمعات بأكملها‪ ،1‬وما يميزها عن غيرها من الجرائم‪ ،‬هي أنها ترتكب وقت‬
‫اعتداء ّ‬

‫الحرب والسلم‪ ،2‬وهذا يدفع بالجريمة قيد الدراسة لتشكل جريمة مشتركة ما بين القانون الدولي لحقوق‬

‫االنسان والقانون الجنائي الدولي في أوقات السلم والحرب‪.3‬‬

‫كبير على‬
‫خطر ًا‬
‫ًا‬ ‫وبالتالي فإن الوقوف عند مفهوم هذه الجريمة والطبيعة التي دفعت بها لتشكل‬

‫أساسا للدراسة الحالية‪ ،‬وألجل الوقوف عند مفهوم هذه الجريمة‪،‬‬


‫المجتمعات في األوقات كاّفة‪ ،‬يشكل ً‬

‫سنتطرق أوال‪ :‬إلى التعريف الفقهي‪ ،‬وثانيا‪ :‬التعريف القانوني‪.‬‬

‫يعتبر الفقيه البولوني (رافييل لميكن)‪ ،‬هو أول من استعمل المصطلح جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫"‪ ،"Genocide‬يتكون المصطلح من مقطين يونانيين‪ ،‬األول‪ :‬هو (‪ ،)Genos‬يعني الجنس‪ ،‬والثاني‪:‬‬

‫مرعي‪ ،‬أحمد لطفي السيد (‪ .)2016‬نحو تفعيل اإلنفاذ الجنائي الوطني ألحكام القانون الدولي اإلنساني"دراسة مقارنة"‪ ،‬دامر‬ ‫‪1‬‬

‫المنهل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪-‬االردن‪ ،2016 ،‬ص‪.277‬‬


‫‪ 2‬المادة ‪ 1‬من اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها‪ ،‬اعتمدت وعرضت للتوقيع بقرار االمم المتحدة ‪ 260‬ألف‬
‫(د‪ )3-‬في ‪ 9‬ديسمبر ‪.1948‬‬
‫‪ 3‬مرعي‪ ،‬أحمد لطفي السيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.276‬‬
‫‪10‬‬
‫(‪ ،)Ceadre‬ويعني القتل‪ ،1‬حيث تطرق (لميكن)‪ ،‬إلى استعمال المفهوم في كتابه "حكم المحور في‬

‫أوروبا المحتلة" عام ‪ ،1994‬حيث عرف المصطلح على ّأنه " تدمير جماعة قومية أو جماعة اثنية‬

‫بصورة عامة "‪ ،2‬كما عرفها الفقيه (غرافن) بأنها " إنكار حق الجماعات البشرية في الوجود وهي‬

‫تقابل القتل الذي هو حق إنكار حق الفرد في البقاء"‪.3‬‬

‫لقد تطرق المجتمع الدولي إلى مناقشة هذه الجريمة في االتفاقيات الدولية‪ ،‬حيث تم اعتبارها جريمة‬

‫معاقبة عليها بمقتضى القانون الدولي بموجب المادة ‪ 1‬من اتفاقية منع جريمة االبادة الجماعية‬

‫والمعاقبة عليها لعام ‪.1951‬‬

‫وقد نصت المادة (‪ )2‬من االتفاقية على أنها‪ " :‬تعني أيا من األفعال التالية‪ ،‬المرتكبة على قصد‬

‫التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية‪ ،‬أو إثنية‪ ،‬أو عنصرية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬بصفتها هذه‪:‬‬

‫أ‪" .‬قتل أعضاء من الجماعية‪.‬‬

‫ب‪ .‬إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء الجماعة‪.‬‬

‫عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا‪.‬‬


‫ج‪ .‬إخضاع الجماعة ً‬

‫د‪ .‬فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب األطفال داخل الجماعة‪.‬‬

‫ه‪ .‬نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى"‪.‬‬

‫‪ 1‬بوبكر‪ ،‬زيان (‪ .)2013/2012‬جريمة اإلبادة الجماعية في القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة‬
‫‪ -‬بجاية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ 2‬عوينة‪ ،‬سميرة (‪ .)2013/2012‬جريمة اإلبادة الجماعية في االجتهاد القضائي الدولي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪-‬‬
‫بتانة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ 3‬عوينة‪ ،‬سميرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪11‬‬
‫كما تطرق ميثاق (روما)‪ 1‬المنشأ للمحكمة الجنائية الدولية إلى اعتبارها من اختصاص المحكمة‪،‬‬

‫ونص على طبيعة الجريمة في المادة (‪ )6‬على أن‪ " :‬لغرض هذا النظام األساسي تعني "اإلبادة‬

‫الجماعية" أي فعل من األفعال التالية يرتكب يقصد إهالك جماعة قومية‪ ،‬أو إثنية‪ ،‬أو عرقية‪ ،‬أو‬

‫دينية بصفتها هذه‪ ،‬إهالكا كليا أو جزئيا‪:‬‬

‫أ‪ .‬قتل أعضاء من الجماعية‪.‬‬

‫ب‪ .‬إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأعضاء الجماعة‪.‬‬

‫كليا أو جز ًئيا‪.‬‬
‫عمدا ألحوال معيشية يقصد بها إهالكها الفعلي ً‬
‫ج‪ .‬إخضاع الجماعة ً‬

‫د‪ .‬فرض تدابير تستهدف منع اإلنجاب داخل الجماعة‪.‬‬

‫ه‪ .‬نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى‪.2‬‬

‫ومن التعريفات السابقة يمكننا القول‪ :‬إن األساس الذي يقوم عليه هذ المفهوم‪ 3‬هو تقصد مسبق ومبيت‬

‫وصريح‪ ،‬يتوجه نحو إهالك‪ ،‬أو تدمير‪ ،‬أو القضاء بصورة كاملة‪ ،‬أو بصورة جزئية‪ ،‬على جماعة‬

‫محددة‪ ،‬سواء أكانت تلك الجماعية قائمة على أساس ديني‪ ،‬أو عرقي‪ ،‬أو إثني‪ ،‬أو قومي‪ ،‬وذلك من‬

‫حصر في االتفاقيات الدولية وهي القتل‪ ،‬إلحاق‬


‫ًا‬ ‫خالل مجموعة من األفعال التي يكون تحديدها‬

‫الضرر الجسدي‪ ،‬أو العقلي الجسيم‪ ،‬إخضاع أفراد الجماعة لظروف معيشية تستهدف إهالكهم‪ ،‬قطع‬

‫نسل الجماعة ونقل أطفال الجماعة عنوة‪.4‬‬

‫‪ 1‬نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما بتاريخ ‪ 17‬يوليو ‪.1998‬‬
‫‪ 2‬لقد ورد تعريف جريمة اإلبادة الجماعي بصورته هذه في كل من النظام األساسي المنشأ للمحكمة الجائية الخاصة بـ(يوغسالفيا)‪،‬‬
‫السابقة والنظام األساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(روندا)‪ ،‬عبيد‪ ،‬عيسى (‪ .)2019‬محكمة العدل الدولية ودورها في تطوير‬
‫قواعد القانون الدولي الجنائي‪ ،‬دار المنهل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪ ،2019 ،‬ص‪.69‬‬
‫‪ 3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫‪ 4‬عوينة‪ ،‬سميرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.26-25‬‬
‫‪12‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬صور جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫إن الخطورة التي تشكلها هذه الجريمة داخل المجتمع الدولي دفع بها لتتميز بمجموعة من الخصائص‬

‫التي تميزها عن غيرها من الجرائم‪ ،‬وفي هذا المطلب سنتناول أهم تلك الخصائص التي تتميز بها‬

‫اإلبادة الجماعية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬صفة المجني عليهم في جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫لقد أشارت التعريفات الخاصة بالجريمة إلى أربعة أنواع من الجماعات التي تعتبر ضحية محتملة‬

‫للجريمة قيد الدراسة‪:1‬‬

‫‪ -1‬الجماعات القومية‪ :‬وهي الجماعة التي يكون لها أصل قومي مشترك‪ ،‬والقومية هنا ال تعني‬

‫الجنسية‪ ،‬إذ من الممكن أن تحمل دول جنسيات عدة صفة قومية مشتركة‪ ،‬ومن أمثلتها أعمال‬

‫اإلبادة التي مورست من قبل (هتلر)‪ ،‬والقوات األلمانية بحق القومية السالفية في دول أوروبا‬

‫الشرقية خالل الحرب العالمية الثانية‪.2‬‬

‫‪ -2‬الجماعات اإلثنية‪ :‬تقوم الجماعة اإلثنية على أساس العناصر البدنية المتوارثة في جنس معين‪،‬‬

‫بغض النظر عن مكان تواجد تلك األقليات‪ ،‬أو الجماعات‪ ،‬أو مكان سكنها‪ ،‬ومن أبرز أنصار‬

‫هذه النظريات‪ ،‬القوات األلمانية التي عرفت باتباعها نظريات تفوق الجنس اآلري على غيره من‬

‫اإلثنيات واألجناس‪.3‬‬

‫‪ 1‬السيد‪ ،‬خالد (‪ .)2020‬جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬بحث منشور على اإلنترنت‪ ،‬ص‪ ،5‬لالطالع على النص الكامل‬
‫‪.https://www.elkanounia.com/2020/08/Exposes19_24.html‬‬
‫رتيب‪ ،‬معمر وسيد‪ ،‬حامد (‪ .)2016‬تطور مفهوم اإلبادة الجماعية في نطاق المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬در المنهل للنشر‬ ‫‪2‬‬

‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪-‬االردن‪ ،‬ص‪.45-44‬‬


‫‪ 3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ -3‬الجماعات العرقية‪ :‬تبنى الجماعات العرقية على أساس وجود لغة‪ ،‬أو ثقافة مشتركة بين مجموعة‬

‫من األفراد‪.1‬‬

‫‪ -4‬الجماعات الدينية‪ :‬تقوم المجموعة الدينية على أساس الدين كرابط يجمع بين أفراد الجماعة‪،‬‬

‫شيوعا في هذه الجريمة عبر‬


‫ً‬ ‫بغض النظر عن عرقهم‪ ،‬أو جنسهم‪ ،‬واألساس الديني يعتبر األكثر‬

‫التاريخ‪ ،‬كما حدث في (كمبوديا)‪ ،‬عام ‪ 1975‬بتهجير أقلية شام المسلمة وإبادتها‪.2‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الطبيعة الدولية لجريمة اإلبادة الجماعية‬

‫إن الخطورة التي تشكلها هذه الجريمة على المجتمعات واآلثار السلبية التي تتركها على أجيال‬

‫المستقبل دفعت بالمجتمع الدولي ليتحرك في مواجهة هذه الجريمة‪ ،‬وذلك من خالل صياغة عددا‬

‫من االتفاقيات الدولية التي باتت تعتبرها جزًءا من القانون الجنائي الدولي‪ ،‬وبالتالي أكد المجتمع‬

‫اعتداء على المجتمع الدولي ككل‪ ،‬وال تنحصر في كونها‬


‫ً‬ ‫الدولي أن هذه الجريمة تشكل في خطورتها‬

‫جريمة محلية‪.‬‬

‫إذ تعتبر اتفاقية مكافحة جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها هي القاعدة القانونية الدولية‪ ،‬والتي‬

‫نظمت أركان هذه الجريمة وخصائصها وكيفية ارتكابها‪ ،‬وآليات مكافحتها والمعاقبة عليها‪ ،‬وتعتبر‬

‫االتفاقية ملزمة للدول كاّفة‪ ،‬سواء أكانت طرًفا فيها أو ال‪.3‬‬

‫المحكمة الجنائية الدولية‪ :‬صحيفة الوقائع ‪ ،3‬المالحقة القضائية لمرتكبي جريمة االبادة الجماعية‪ ،‬وثيقة رقم ‪،40/01/00‬‬ ‫‪1‬‬

‫بتاريخ ‪ 1‬آغسطس ‪ ،2000‬ص‪.3‬‬


‫‪ 2‬رتيب‪ ،‬معمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50-49‬‬
‫‪ 3‬الوريكات‪ ،‬خليل عبد الفتاح (‪ .)2016‬جرائم القتل أمام المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬دار الخليج للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪-‬االردن‪،‬‬
‫ص‪.32-31‬‬
‫‪14‬‬
‫داخليا يدخل في اختصاص الدولة الداخلي‬
‫ً‬ ‫شأنا‬
‫وارتكاب هذه الجريمة‪ ،‬لم يعد من الممكن اعتباره ً‬
‫فقط‪ ،‬حيث سعى المجتمع الدولي إلى تدويل ارتكاب هذه الجريمة من خالل إيقاع المسؤولية على‬

‫الدولة‪ ،‬وعلى الفرد أمام المجتمع الدولي‪ ،‬وقد تمثل هذا في اعتبار االبادة الجماعية جريمة تدخل في‬

‫اختصاص المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وذلك بموجب المادة (‪ )5‬منها‪.1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الصفة غير السياسية لجريمة اإلبادة الجماعية‬

‫تعرف الجريمة السياسية‪ :‬على أنها الجريمة التي ترتكب بهدف سياسي‪ ،‬أو لتحقيق غايات سياسية‬

‫تريدها الدولة‪ ،2‬وبالتالي يترتب هذه الصفة امتناع الدولة عن تسليم المجرم السياسي إلى القضاء‬

‫الدولي‪ ،‬أو غير الوطني؛ ألجل محاكمته عن الجرائم التي ارتكبها‪.3‬‬

‫لذا وحتّى يكون هناك ّ‬


‫تجنب من التهرب والمساءلة القضائية عن ارتكاب هذه الجريمة تحت مسمى‬

‫الجريمة السياسية‪ ،‬فقد لجأ المجتمع الدولي إلى إخراجها من أسفل غطاء الجرائم السياسية‪ ،‬ورفض‬

‫إصباغ هذه الصفة عليها؛ وذلك بهدف منع تهرب مرتكبي هذه الجريمة من العقاب تحت حصانات‬

‫سياسية‪.4‬‬

‫وقد اعتبرت المادة (‪ )7‬من اتفاقية جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها على أنه‪" :‬ال تعتبر هذه‬

‫الجريمة واألفعال األخرى المذكورة في المادة الثالثة جرائم سياسية على صعيد تسليم المجرمين‪،‬‬

‫وتعد األطراف المتعاقدة في مثل هذه الحاالت بتلبية طلب التسليم وفقا لقوانينها ومعاهداتها النافذة‬

‫المفعول"‪.‬‬

‫العبادي‪ ،‬زياد احمد محمد (‪ ).2016‬دور المحاكم الجنائية الدولية الخاصة في تحديد جريمة االبادة الجماعية المعاقبة عليها‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪ ،‬ص‪.44-43‬‬


‫‪ 2‬الوريكات‪ ،‬خليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ 3‬بيع‪ ،‬زياد (‪ .)2015‬جرائم االبادة الجماعية‪ ،‬مجلة دراسات دولية‪ ،‬العدد ‪ ،59‬ص‪.100‬‬
‫‪ 4‬بويكر‪ ،‬زيان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪15‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬المسؤولية عن ارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫يترتب على عمل هذه الجريمة خضوع مرتكبها للمساءلة القانونية أمام المحاكم المختصة‪ ،‬على‬

‫المستوى الوطني أو المستوى الدولي‪.‬‬

‫وبالتالي فالمسؤولية المترتبة على ارتكابها‪ ،‬هي فردية تفع على عاتق الفرد مرتكب الجريمة‪ ،‬فالمسؤولية‬

‫الدولية قد تترتب على الدولة‪ ،‬إال أن المساءلة أمام القضاء ال يكون بمواجهة شخص معنوي‪ ،‬بل إنه‬

‫يقع على عاتق الفرد‪ ،‬وذلك من الناحية الجنائية‪ ،1‬سواء أكان ذلك الفرد قد ارتكب الجريمة بصفته‬

‫الشخصية‪ ،‬أو الرسمية‪ ،‬ممثال عن دولته ولمصلحتها‪.‬‬

‫وبالتالي فإن المسؤولية القانونية عن ارتكابها تقع على عاتق الفرد الذي ارتكب‪ ،‬أو ساهم‪ ،‬أو أمر‪،‬‬

‫أو حرض على ارتكابها‪.2‬‬

‫حيث نصت المادة (‪ )4‬من اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها على أنه‪" :‬يعاقب‬

‫مرتكبو اإلبادة الجماعية‪ ،‬أو أي فعل من األفعال األخرى المذكورة في المادة الثالثة سواء أكانوا‬

‫حكاما دستوريين‪ ،‬أو موظفين عامين‪ ،‬أو أفرادا"‪ ،‬وفي ذات السياق نصت المادة (‪ )6‬من االتفاقية‬

‫على أنه‪" :‬يحاكم األشخاص المتهمون بارتكاب اإلبادة الجماعية‪ ،‬أو أي من األفعال األخرى المذكورة‬

‫في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها‪ ،‬أو أمام‬

‫محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من األطراف المتعهدة قد اعترف بواليتها"‪.‬‬

‫‪ 1‬الوريكات‪ ،‬خليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32‬‬


‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪16‬‬
‫وبالتالي فإن محاكمة األفراد مرتكبوها يكون أمام القضاء الوطني‪ ،‬أو قضاء الدولية التي حدثت على‬

‫أرضها عملية اإلبادة الجماعية‪ ،‬أو أمام محكمة دولية ذات اختصاص اعترفت به الدول األطراف‪،‬‬

‫وال يعتد بالصفة الرسمية للفرد خالل محاكمته الرتكاب هذه الجريمة‪ ،‬حيث ساوت االتفاقية في‬

‫المسؤولية بين المشاركين كاّفة في ارتكاب الجريمة ًأيا كانت صفتهم‪.1‬‬

‫جنائيا عن األفعال المرتكبة‪ ،‬حيث أقرت‬


‫ً‬ ‫وقد أخذت المحاكم الجنائية الدولية بمبدأ مسؤولية الفرد‬

‫محكمة (نرومبرج) على أنه ‪":‬جرائم القانون الدولي ال يرتكبها إال األفراد ال األشخاص المعنويون‪،‬‬

‫ودون عقاب هؤالء األفراد لن تتحقق الفعالية للقانون الدولي"‪ ،2‬وقد أشارت المحكمة الجنائية‬

‫الدولية‪ ،‬إلى أن األشخاص الذين يتم محاكمتهم أمامها عن الجرائم الداخلة في اختصاصها‪ ،‬هم األفراد‬

‫الطبيعيون‪ ،‬وذلك في المادة (‪ )25‬والتي نصت على أنه‪:‬‬

‫‪" -1‬يكون للمحكمة اختصاص على األشخاص الطبيعيين عمال بهذا النظام األساسي‪.‬‬

‫‪ -2‬الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة‪ ،‬يكون مسؤوال عنها بصفته الفردية‪،‬‬

‫وعرضة للعقاب وفًقا لهذا النظام األساسي"‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬خضوع الجريمة قيد الدراسة لكل من القضاء الدولي والقضاء الوطني‬

‫لقد أكدت المادة السادسة من اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها أن محاكمة مرتكبي‬

‫هذه الجريمة يكون على ثالثة مستويات‪:‬‬

‫‪ -1‬محاكم الدولة الوطنية نفسها التي يحمل األفراد جنسيتها‪.‬‬

‫‪ -2‬محاكم الدولة الوطنية التي ارتكب األفراد الجريمة على أرضها‪.‬‬

‫‪ -3‬المحاكم الجنائية الدولية ذات االختصاص‪ ،‬والتي اعترفت الدول األطراف بواليتها‪.‬‬

‫‪ 1‬العبادي‪ ،‬زياد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.46‬‬


‫‪ 2‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫والغاية من وراء هذا التدرج في القضاء‪ ،‬يهدف من و ارئه إلى منع تهرب مرتكبيها من الخضوع‬

‫خصوصا وأن هذه‬


‫ً‬ ‫ولتجنب العقاب المالئم على الجرائم التي قاموا بارتكابها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للمساءلة القضائية‪،‬‬

‫الجريمة في العادة تتم بعلم السلطات العليا والمسؤولين الكبار في الدولة‪ ،‬والذي لديهم فرصة أكبر‬

‫للتهرب من المساءلة القضائية‪.1‬‬

‫وبالتالي فقد منح المشرع الوطني أولوية معاقبة مرتكبي هذه الجريمة ومحاكمتهم‪ ،‬إال أن إمكانية‬

‫التل ّكؤ في محاكمتهم‪ ،‬والتهرب من العملية‪ ،‬يمنح الحق للدولة المتضررة في المطالبة بمحاكمة مرتكبي‬

‫الجريمة‪ ،‬أو قد يعطي القضاء الدولي الحق في محاكمتهم‪ ،‬ومنع أي محاولة للتهرب واإلفالت من‬

‫المسؤولية والعقاب‪.2‬‬

‫‪ 1‬بويكر‪ ،‬زيوان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16‬‬


‫‪ 2‬عوينة‪ ،‬سميرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪18‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫أركان جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫كغيرها من الجرائم‪ ،‬فإن جريمة اإلبادة الجماعية تتكون من ركنين رئيسين يكونان الجسد األساسي‬

‫لها‪ ،‬وهما الركن المادي والركن المعنوي‪ ،‬وهناك من الفقهاء من يضيف ً‬


‫ركنا آخر هو الركن الدولي‪،‬‬

‫حيث يرى هذا التوجه من الفقه أن الركن الدولي في هذه الحالة يتشابه مع الركن الشرعي للجرائم في‬

‫القانون الدولي‪ ،1‬حيث يظهر الجانب الدولي لها في المادة (‪ )6‬من نظام (روما)‪ ،‬للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية‪ ،‬والتي تنص على ارتكاب الجاني جريمة اإلبادة الجماعية ضد جماعة قومية‪ ،‬أو إثنية‪ ،‬أو‬

‫عرقية‪ ،‬أو دينية‪.2‬‬

‫وألجل بيان طبيعة األركان المكونة لهذه الجريمة‪ ،‬فإننا سنتطرق في هذا المبحث‪ ،‬وفي المطلب األول‬

‫إلى دراسة الركن لها‪ ،‬فيما سنتطرق في المطلب الثاني إلى دراسة الركن المعنوي لها‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الركن المادي لجريمة اإلبادة الجماعية‬

‫الركن المادي للجريمة‪ :‬هو السلوك اإلجرامي الذي يقوم به الجاني سواء أكان متمثال بصورة إيجابية‬

‫أو سلبية‪ ،‬وذلك بهدف تحقيق نية الجاني الجرمية‪ ،3‬وفيما يخص الجريمة قيد الدراسة‪ ،‬فإن الركن‬

‫المادي يتشكل من السلوك اإلجرامي الذي يهدف الجاني من وراء ارتكابه إلى إبادة جماعة معينة‬

‫بناء على الخلفية القومية‪ ،‬أو اإلثنية‪ ،‬أو العرقية‪ ،‬أو الدينية‪.4‬‬

‫‪ 1‬رتيب‪ ،‬معمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50‬‬


‫‪ 2‬أبو زيد‪ ،‬إيمان عبد الستار محمد (‪ .)2015‬ضمانات المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬دار المنهل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪-‬‬
‫االردن‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫السعيد‪ ،‬كامل (‪ .)2002‬شرح األحكام العامة في قانون العقوبات‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ -‬االردن‪ ،‬ص‪-203‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.204‬‬
‫‪ 4‬أبو زيد‪ ،‬ايمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪19‬‬
‫وقد عمدت نص المادة (‪ )6‬من ميثاق (روما)‪ ،‬للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬ونص المادة (‪ )3‬من اتفاقية‬

‫منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها‪ ،‬إلى تحديد صور السلوك الجرمي المكون لجريمة اإلبادة‬

‫عمدا لظروف‬
‫حصر في خمس صور هي‪ :‬قتل أعضاء من الجماعة‪ ،‬إخضاع الجماعة ً‬
‫ًا‬ ‫الجماعية‬

‫معيشية‪ ،‬التسبب باألذى الجسدي أو الروحي‪ ،‬أو روحي‪ ،‬تدابير تتخذ للحيلولة دون إنجاب األطفال‬

‫داخل الجماعة‪ ،‬نقل األطفال‪ ،‬وهي ما سنتطرق إلى دراسته الحًقا‪.‬‬

‫الفرع األ ول‪ :‬قتل أعضاء من الجماعة‬

‫يعتبر فعل القتل من أخطر الصور المكونة لجريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬حيث يلجأ الجاني في هذه‬

‫الحال إلى قتل شخصين أو أكثر من أفراد جماعة عرقية‪ ،‬أو إثنية‪ ،‬أو قومية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬وذلك بوجود‬

‫قصد مسبق لدى الجاني بإهالك هذه الجماعة‪ ،‬سواء أكان ذلك بصورة كلية‪ ،‬أو جزئية‪ ،‬كما يشمل‬

‫أيضا صور التسبب في الموت‪.1‬‬


‫مفهوم القتل ً‬

‫وقد بينت الجنائية الدولية أركان القتل على أنها‪:2‬‬

‫شخصا أو أكثر‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬أن يقتل الجاني‬

‫‪ -2‬أن يكون الضحايا منتمين إلى جماعة على أساس الخافية القومية‪ ،‬أو اإلثنية‪ ،‬أو العرقية‪ ،‬أو‬

‫الدينية‪.‬‬

‫‪ -3‬أن تتوجه نية الجاني إلى إهالك تلك الجماعة القومية‪ ،‬أو اإلثنية‪ ،‬أو العرقية‪ ،‬أو الدينية‪ ،‬بصورة‬

‫جزئية‪ ،‬أو كلية بصفتها تلك‪.‬‬

‫‪ 1‬العبادة‪ ،‬زياد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50-49‬‬


‫‪ 2‬المادة ‪/6‬أ من أركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬اعتمدت من قبل جمعية الدول األطراف في نظام (روما)‪ ،‬األساسي‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها األولى المنعقدة في نيويورك من ‪ 10-3‬سبتمبر ‪ ،2002‬لالطالع على النص كامال‬
‫‪.http://hrlibrary.umn.edu/arab/iccelements.html‬‬
‫‪20‬‬
‫‪ -4‬أن يكون من شأنه بأنه يتسبب بصورة ذاتية بإهالك الجماعة‪ ،‬أو أن يصدر ضمن نمط سلوك‬

‫مماثل موجه نحو تلك الجماعة بصورة خاصة‪.‬‬

‫شيوعا عند ارتكابه‪ ،‬وقد هزت العديد من المذابح والمجازر‬


‫ً‬ ‫ويعد القتل هو الصورة األبرز واألكثر‬

‫المجتمع الدولي خالل القرن الماضي‪ ،‬ولعل من أبزرها مجزرة (سربرنيتشا)‪ ،‬التي قتل فيها ما يقرب‬

‫من ثمانية آالف شخص من البوسنيين المسلمين في (يوليو)‪ 1995 ،‬على يد القوات الصربية‪ ،‬وذلك‬

‫بقيادة الجنرال الصربي (راتكو مالديتش)‪ ،‬وتحريض من القيادة السياسية الصربية بقيادة (رادوفان‬

‫عاما أمام المحكمة الجنائية الدولية‬


‫كراديتش)‪ ،‬الذي حكم عليه في (مارس)‪ 2016 ،‬بالسجن ‪ً 40‬‬

‫الخاصة بيوغسالفيا السابقة‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير بأفراد الجماعة‬

‫اعتداء على أفراد الجماعة وذلك‬


‫خطر و ً‬‫تتضمن هذه الصورة مجموعة مختلفة من األفعال التي تشكل ًا‬

‫على مستويين‪ :‬األول‪ :‬هو األفعال الجسدية كالتعذيب‪ ،‬أو االغتصاب‪ ،‬أو االعتداء بالضرب‪ ،‬أو‬

‫جسيما بأفراد الجماعة‪ ،‬والثاني‪ :‬هو األفعال‬


‫ً‬ ‫غيرها من األفعال التي تقع على الجسد ملحقة أذى‬

‫الذهنية أو العقلي‪ ،‬وتشمل أي نوع من التعذيب‪ ،‬أو االعتداء النفسي الذي يتم إيقاعه على األفراد؛‬

‫بهدف إلحاق األذى بالقوى العقلية والنفسية لألفراد‪.2‬‬

‫‪ 1‬الحلبي‪ ،‬بشار (‪ .)2017‬لم ينته البوسنيون من دفن موتاهم بعد ‪ 22‬عاما من مجزرة (سربرنيتشا)‪ ،‬مقال إخباري منشور بتاريخ‬
‫‪ ،2017/7/11‬لالطالع على النص كامال ‪.https://fc.lc/HSwNyH‬‬
‫‪ 2‬بالدهان‪ ،‬وليد (‪ .)2018/2017‬جريمة اإلبادة الجماعية وآليات متابعتها في ظل القانون الدولي الجنائي‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬
‫جامعة العربي بن مهيدي‪ ،‬ام البواقي‪ -‬الجزائر‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪21‬‬
‫وبالتالي فإن األركان المكونة لهذه الصورة من صورها‪:1‬‬

‫‪ -1‬أن يسفر الفعل الذي يقوم الجاني بارتكابه عن إلحاق األذى البدني‪ ،‬أو المعنوي الجسيم بشخصين‬

‫أو أكثر‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون الضحايا ذوي جماعة قومية‪ ،‬أو إثنية‪ ،‬أو عرقية‪ ،‬أو دينية معينة‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يكون لدى الجاني نية مسبقة بإهالك الجماعة بصورة كلية‪ ،‬أو جزئية بصفتها تلك‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يكون من شأن هذا السلوك أن يتسبب بصورة ذاتية بإهالك الجماعة‪ ،‬أو أن يصدر ضمن‬

‫نمط سلوك مماثل موجه نحو تلك الجماعة بصورة خاصة‪.‬‬

‫فعلى سبيل المثال اعتبرت المحكمة الجنائية الخاصة (بروندا)‪ ،‬أن االغتصاب‪ ،‬واالعتداء الجنسي‬

‫الذي رافق عمليات هذه الجريمة في (روندا)‪ ،‬ضد التوتسي يدخل ضمن مفهوم الضرر البدني والعقلي‬

‫انتهاكا للكرامة اإلنسانية‪.2‬‬


‫ً‬ ‫الجسيم‪ ،‬باعتبارهما يشكالن اعتداء على الجسد والعقل وتشكالن‬

‫الفرع الثالث‪ :‬إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية صعبة‬

‫إن المقصود بهذه الصورة‪ :‬هو قيام الجاني أو الجناة بإخضاع أفراد الجماعة إلى وسائل معيشية‬

‫صعبة تستهدف القضاء عليهم وإهالكهم‪ ،‬سواء أكان ذلك من خالل حصرهم في أماكن قليلة الغذاء‪،‬‬

‫أو الماء‪ ،‬أو مناطق ملوثة غير صالحة للحياة البشرية‪ ،‬أو من خالل منع وصول األغذية‪ ،‬أو األدوية‪،‬‬

‫أو غيرها من الوسائل المعيشية الالزمة إلى أفراد تلك الجماعة؛ بهدف إهالكهم‪.3‬‬

‫‪ 1‬المادة ‪/6‬ب من أركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬اعتمدت من قبل جمعية الدول األطراف في نظام (روما)‪ ،‬األساسي‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها األولى المنعقدة في نيويورك من ‪ 10-3‬سبتمبر ‪.2002‬‬
‫‪ 2‬عوينة‪ ،‬سميرة‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫‪ 3‬رتيب‪ ،‬معمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪22‬‬
‫وقد حددت المحكمة الجنائية الدولية أن األركان المشكلة لهذه الصورة هي‪:1‬‬

‫‪ -1‬أن يفرض الجاني ظروفا معيشية معينة على شخصين أو أكثر‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون الضحايا منتمين إلى جماعة قومية‪ ،‬أو إثنية‪ ،‬أو عرقية‪ ،‬أو دينية معينة‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يكون لدى الجاني نية مسبقة بالقضاء على الجماعة بصورة كلية‪ ،‬أو جزئية بصفتها تلك‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يكون القصد من وراء تلك األحوال المعيشية اإلهالك المادي للجماعة ً‬
‫كليا أو جز ًئيا‪.‬‬

‫‪ -5‬أن يكون من شأن هذا العمل أن يتسبب بصورة ذاتية بإهالك الجماعة‪ ،‬أو أن يصدر ضمن‬

‫نمط سلوك مماثل موجه نحو تلك الجماعة بصورة خاصة‪.‬‬

‫وهنالك العديد من الحاالت التي تم فيها استخدام هذا األسلوب بهدف اإلبادة الجماعية‪ ،‬حيث استعمل‬

‫الحصار وسياسة التجويع في سوريا بصورة كبيرة عام ‪ ،2015‬فقد أشار تقرير لمنظمة األغذية‬

‫أن نصف الشعب السوري وقع فريسة للجوع الذي فرض بسبب حصار البلدات‬
‫والزراعة (الفاو)‪ّ ،‬‬

‫والمدن السورية من قبل القوات السورية‪ ،‬كما شهد عام ‪ ،2016‬وفاة العشرات من األطفال والنساء‬

‫في ريف دمشق بسبب حصار خانق فرض على المدينة منع دخول األدوية‪ ،‬أو األغذية للمدنيين‪.2‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬تدابير تتخذ للحيلولة دون إنجاب األطفال داخل الجماعة‬

‫تعتبر التدابير التي يتم اتخاذها لمنع اإلنجاب والتكاثر داخل الجماعة إحدى صور اإلبادة الجماعية‪،‬‬

‫والتي تهدف إلى تقليل سكان الجماعة‪ ،‬ومنع تكاثرهم ونموهم‪ ،‬وبالتالي تستهدف إهالكها بصورة غير‬

‫‪ 1‬المادة ‪/6‬ج من أركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬اعتمدت من قبل جمعية الدول االطراف في نظام روما االساسي‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها االولى المنعقدة في نيويورك من ‪ 10-3‬سبتمبر ‪.2002‬‬
‫‪ 2‬التجويع سالح األسد لتحقيق النصر‪ ،‬موسوعة الجزيرة‪ ،‬لالطالع على النص كامال راجع ‪.https://fc.lc/Vajw‬‬
‫‪23‬‬
‫مباشرة‪ ،‬وتختلف صور هذه التدابير وأشكالها‪ ،‬سواء أكانت من خالل تحريم الحمل بداية‪ ،‬أو السماح‬

‫بإجهاض النساء‪ ،‬أو إخصاء الرجال‪ ،‬أو غيرها من الوسائل والطرق‪.1‬‬

‫وقد حددت المحكمة الجنئاية الدولية أركان هذا السلوك باآلتي‪:2‬‬

‫‪ -1‬أن يفرض الجاني اجراءات معينة على شخصين أو أكثر‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون الضحايا ذوي قومية‪ ،‬أو إثنية‪ ،‬أو عرقية‪ ،‬أو دينية معينة‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يكون الجاني قاصدا اهالك الجماعة بشكل كامل أو جزئي‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يقصد بالتدابير المفروضة افقاد القدرة اإلنجاب داخل الجماعة‪.‬‬

‫‪ -5‬أن يكون من شأن هذا العمل سببا بصورة ذاتية بإهالك الجماعة‪ ،‬أو أن يصدر ضمن نمط‬

‫سلوك مماثل مقصود نحو تلك الجماعة بصورة خاصة‪.‬‬

‫حيث اعتبر منع اإلنجاب من خالل العقاقير التي تستعمل إلفقاد النساء والرجال على حد سواء‬

‫القدرة على اإلنجاب‪ ،3‬كما يشكل اغتصاب النساء بهدف تغيير التركيبة الجينية للجيل القادم أحد‬

‫أبرز األساليب التي تم اتباعها في عمليات اإلبادة الجماعية في (روندا)‪.4‬‬

‫‪ 1‬الوريكات‪ ،‬خليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24-23‬‬


‫‪ 2‬المادة ‪/6‬د من أركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬اعتمدت من قبل جمعية الدول األطراف في نظام (روما) األساسي‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها األولى المنعقدة في (نيويورك) من ‪ 10-3‬سبتمبر ‪.2002‬‬
‫‪ 3‬العالم يحيي غدا الذكرى الـ‪ 25‬لليوم الدولي للتفكر في اإلبادة الجماعي التي وقعت عام ‪ ،1994‬ضد التوتسي في (روندا)‪،‬‬
‫مجدي أحمد‪ ،‬مقال إخباري منشور في ‪ ،2019/4/6‬لالطالع على النص كامال‪:‬‬
‫‪https://www.mena.org.eg/news/dbcall/table/webnews/id/7884119‬‬
‫‪ 4‬شعبان‪ ،‬نادية وشعالل‪ ،‬فتحية (‪ .)2013/2012‬جريمة إبادة الجنس البشري في إطار المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬جامعة عبد‬
‫الرحمن مير‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪24‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬نقل األطفال‬

‫تعتبر عملية نقل االطفال من حضن الجماعة إلى مناطق أخرى إحدى صور اإلبادة‪ ،‬حيث تستهدف‬

‫هذه العملية تقليل أعضاء الجماعة المستهدفة وفي المقابل زيادة عدد أعضاء الجماعة المعتدية من‬

‫خالل ضم االطفال إليهم؛ بهدف دمجهم معهم‪ ،‬وتربيتهم ليشكلوا جزًءا من تلك الجماعة‪.1‬‬

‫وقد بينت المحاكم الجنائية الدولية أن أركان هذا الفعل تتمثل في‪:2‬‬

‫‪ -1‬أن ينقل الجاني باإلجبار شخصين أو أكثر‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون الضحايا ذوي جماعة قومية‪ ،‬أو إثنية‪ ،‬أو عرقية‪ ،‬أو دينية معينة‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يكون لدى الجاني متقصدا بإهالك الجماعة بصورة كلية‪ ،‬أو جزئية بصفتها تلك‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يتم النقل من تلك الجماعة إلى جماعة أخرى‪.‬‬

‫‪ -5‬أن يكون الشخص أو األشخاص المنقولين دون سن الثامنة عشرة‪.‬‬

‫‪ -6‬أن يعلم الجاني أو يفترض به العْل َم أن هؤالء األشخاص هم دون سن الثامنة عشرة‪.‬‬

‫‪ -7‬أن يكون من شأن هذا السلوك أن يتسبب بصورة ذاتية بإهالك الجماعة‪ ،‬أو أن يصدر ضمن‬

‫نمط سلوك مماثل موجه نحو تلك الجماعة بصورة خاصة‪.‬‬

‫ومن أبرز الممارسات الحديثة على عمليات نقل األطفال ما ارتكبه تنظيم داعش ضد األطفال‬

‫األزيديين‪ ،‬حيث قام التنظيم بعمليات اختطاف لألطفال االزيديين‪ ،‬ونقلهم من مكان سكنهم إلى أماكن‬

‫‪ 1‬العبادي‪ ،‬زياد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.62‬‬


‫‪ 2‬المادة ‪/6‬هـ من أركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬اعتمدت من قبل جمعية الدول األطراف في نظام (روما) األساسي‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها األولى المنعقدة في (نيويورك) من ‪ 10-3‬سبتمبر ‪.2002‬‬
‫‪25‬‬
‫أخرى تابعة له؛ بهدف تغيير هويتهم‪ ،‬وتغيير دينهم بصورة قسرية‪ ،‬تستهدف إزالتهم من جذورهم‬

‫تماما‪.1‬‬
‫األزيدية وتحويلهم إلى ديانة‪ ،‬ودمجهم في مجتمع آخر ً‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الركن المعنوي لجريمة اإلبادة الجماعية‬

‫إن األهمية التي يشكلها الركن المعنوي في أي جريمة تنبع من وجود نية جرمية مسبقة لدى الجاني‪،‬‬

‫قانونا‪ ،‬وبالتالي فهو يعكس توجه الجاني الواضح إلى ارتكاب الجريمة‬
‫تهدف إلى ارتكاب الفعل المجرم ً‬

‫رغم علمه بمخالفتها القانون‪.‬‬

‫وفي هذا المطلب سنتطرق في الفرع األول‪ :‬إلى دراسة الركن المعنوي في هذه الجريمة من خالل‬

‫دراسة القصد العام‪ ،‬وسنتطرق في الفرع الثاني‪ :‬إلى دراسة القصد الجنائي الخاص‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬القصد الجنائي العام في جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫عموما إلى توجيه الجاني قصده نحو ارتكاب هذه الجريمة رغم‬
‫ً‬ ‫يقوم القصد الجنائي العام في الجرائم‬

‫تطرق ميثاق (روما)‪ ،‬للمحكمة الجنائية‬


‫علمه بمخالفتها للقانون وقبوله بالنتائج المترتبة عليها ‪ ،‬وقد ّ‬
‫‪2‬‬

‫الدولية إلى أن القصد الجنائي العام في المادة ‪ 30‬بقولها‪" :‬ما لم ينص على غير ذلك ال يسأل‬

‫الشخص جنائيا عن ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة‪ ،‬وال يكون عرضة للعقاب على‬

‫هذه الجريمة‪ ،‬إال إذا تحققت األركان المادية مع توافر القصد والعلم"‪.‬‬

‫‪ 1‬نداء من أجل المساءلة والحماية‪ :‬االيزيديون الناجون من األعمال الوحشية التي ارتكبها داعش‪ ،‬مكتب مفوض األمم المتحدة‬
‫لحقوق اإلنسان ومكتب حقوق اإلنسان في بعثة األمم المتحدة‪-‬العراق‪ ،‬آب ‪ ،2016‬ص ‪ ،11-10‬لالطالع على النص كامال‬
‫راجع ‪.https://www.ohchr.org/Documents/Countries/IQ/UNAMIReport12Aug2016_ar.pdf‬‬
‫‪ 2‬كامل السعيد‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.279‬‬
‫‪26‬‬
‫كما تم النص على القصد العام في هذه الجريمة بما يشمل من العلم باألعمال المرتكبة والمكونة لها‬

‫وتوجه إرادة الفاعل نحو ارتكاب هذه الجريمة في المادة (‪ )2‬من اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫والمعاقبة عليها‪.1‬‬

‫وبالتالي ويتكون القصد العام من عنصرين رئيسين هما العلم واإلرادة‪:‬‬

‫‪ -1‬العلم‪:‬‬

‫يتواجد العلم في الجريمة عندما يقوم الجاني بارتكاب الجريمة مع علمه أن الفعل الذي يقوم به هو‬

‫مجرم في القانون من جهة‪ ،‬وعلمه بالنتيجة المترتبة على هذا الفعل ومخالفتها للقانون‪.2‬‬

‫وقد جاءت المادة (‪ )3/30‬من ميثاق (روما) لتعرف العلم على أنه‪" :‬ألغراض هذه المادة تعني لفظة‬

‫العلم أن يكون الشخص مدركا أنه توجد ظروف أو ستحدث نتائج في المسار العادي لألحداث‪،‬‬

‫وتفسر لفظتا يعلم أو عن علم تبعا لذلك"‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلرادة‪:‬‬

‫تعرف اإلرادة على أنها‪" :‬نشاط نفسي يتجسد في قدرة اإل نسان على توجيه نفسه إلى فعل معين أو‬

‫االمتناع عنه"‪ ،3‬وبالتالي تتجسد اإلرادة لدى الجاني بتوجهها نحو تحقيق العناصر كافة المكونة‬

‫للجريمة وقبول المخرجات التي قد تترتب عليها‪.4‬‬

‫‪ 1‬شعبنا‪ ،‬نادية‪ ،‬مرعج سابق‪ ،‬ص‪.43‬‬


‫‪ 2‬بالدهان‪ ،‬وليد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫الجابرة‪ ،‬هند حمودي وابو اصبع‪ ،‬عبد الرسول كريم (‪ .)2017‬جريمة االبادة الجماعية ومبدأ الشرعية في القانون الدولي‬ ‫‪3‬‬

‫الجنائي‪ ،‬مجلة آداب الكوفة‪ ،‬م‪ ،1‬ع ‪ ،30‬الكوفة‪ -‬العراق‪ ،‬ص‪.352‬‬


‫‪ 4‬السعيد‪ ،‬كامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.280‬‬
‫‪27‬‬
‫وقد أكدت المادة (‪ )30‬من ميثاق (روما)‪ ،‬للمحكمة الجنائية فيما يتلعق باإلرادة أنها تتحقق‬

‫في حالتين‪:‬‬

‫أ‪‌ .‬فيما يتعلق بالسلوك فقصد الجاني يتحقق عندما يقصد الجاني بسلوكه ارتكاب هذا السلوك‪.‬‬

‫ب‪‌ .‬فيما يتعلق بالنتيجة‪ ،‬فإن قصد الجاني يتحقق عندما علم أو أدرك أن النتيجة الحاصلة ستحدث‬

‫في اإلطار الطبيعي للفعل الذي قام بها‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬القصد الجنائي الخاص في جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫تتميز جريمة االبادة الجماعية عن غيرها بتطلبها وجود القصد الخاص ضمن القصد الجنائي‪ ،‬إذ ال‬

‫يكفي تواجد العلم واإلرادة لدى الجاني خالل ارتكاب األفعال المكونة لها‪ ،1‬إذ يتمثل القصد الخاص‬

‫لجريمة االبادة الجماعية في وجود غاية محددة وواضح تتمثل في توجه نية الجاني إلى إهالك‬

‫الجماعة المستهدفة وإبادتها بصورة كلية‪ ،‬أو جزئية‪.2‬‬

‫وقد بينت المادة (‪ )6‬من ميثاق (روما) ضرورة وجود القصد الخاص لغايات اكتمال الركن المعنوي‬

‫لهذه الجريمة بقولها‪" :‬بأنها أي فعل من األفعال التالية يرتكب بقصد إهالك جماعة قومية‪ ،‬أو إثنية‪،‬‬

‫أو عرقية‪ ،‬أو دينية بصفتها هذه كليا أو جزئيا"‪.‬‬

‫وبالتالي فإن القصد الخاص لهذه الجريمة يتمثل بوجود نية مسبقة ومبيتة وواضحة لدى الجاني من‬

‫أجل إهالك أو تدمير أو القضاء على الجماعة بصفتها اإلثنية أو العرقية‪ ،‬أو الدينية‪ ،‬أو القومية‪،‬‬

‫‪ 1‬عبيد‪ ،‬عيسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.74‬‬


‫‪ 2‬مرعي‪ ،‬أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.284‬‬
‫‪28‬‬
‫وفي حال انتفاء هذا القصد‪ ،‬فإن الفعل يخرج من نطاق اإلبادة الجماعية‪ ،‬وال يمكن اعتبار األفعال‬

‫المرتكبة أفعال جريمة إبادة‪.1‬‬

‫وعلى الرغم من أهمية وجود هذا القصد ضمنها‪ ،‬إال أن عملية إثباته ليست بسيطة‪ ،‬حيث أكدت‬

‫المحكمة الجنائية الدولية الخاصة (بروندا) أن إثبات القصد الخاص في جريمة اإلبادة يتم بواسطة‬

‫وسائل اإلثبات كافة‪ ،2‬حيث جاء في قرارها بخصوص قضية (جام بول أكايسو) أنه‪" :‬إمكانية‬

‫االستدالل على نية اإلهالك من مجمل أقوال المتهم وأفعاله‪ ،‬أو مجمل أفعال أخرى مرتكبة من‬

‫مجموعة ينتمي إليها"‪ ،3‬وبالتالي فإن إثبات وجود نية إهالك الجماعة بصورة كلية‪ ،‬أو جزئية‪ ،‬قد يتم‬

‫من خالل األفعال المرتكبة وسلوك األفراد‪ ،‬والق اررات‪ ،‬واألوامر المرسلة من الجهات العليا‪ ،‬سواء أكان‬

‫ذلك قد يتم إثباتها بشهادات الشهود‪ ،‬أو المراسالت‪ ،‬والخطط العسكرية‪ ،‬وغيرها من اآلليات والوسائل‬

‫والسياسيات التي أحاطت بالجرائم المرتكبة‪.4‬‬

‫‪ 1‬شعبان‪ ،‬نادية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.46-45‬‬


‫‪ 2‬مرعي‪ ،‬أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.284‬‬
‫الصغير‪ ،‬سويسي محمد (‪ .)2012‬جريمة اإلبادة الجماعية‪ :‬دوافعها وأشكالها‪ ،‬مجلة دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬العدد ‪،6‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص‪.210‬‬
‫‪ 4‬بالدهان‪ ،‬وليد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪29‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫المسؤولية الجنائية على ارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫إن فكرة المسؤولية بشكل عام تنبع من فكرة الضرر الذي يقع على اآلخر‪ ،‬نتيجة للقيام بفعل محدد‬

‫من قبل الشخص‪ ،‬وقد انعكست هذه النظرية من القانون الداخلي لتجد لنفسها مكانا في القانون‬

‫الدولي‪ ،‬والحًقا في القانون الجنائي الدولي‪ ،‬وفي هذا المبحث سنتطرق إلى ماهية وطبيعة المسؤولية‬

‫لمرتكبي هذه الجريمة‪ ،‬حيث سنتناول في المطلب األول‪ :‬المسؤولية القانونية لمرتكبي جريمة اإلبادة‬

‫أما المطلب الثاني‪ :‬المسؤولية المدنية لمرتكبي جريمة اإلبادة الجماعية‪.‬‬


‫الجماعية‪ّ ،‬‬

‫المطلب األ ول‪ :‬المسؤولية الجنائية عن جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫ترسخت فكرة المسؤولية في القانون الجنائي الدولي كنتيجة للحروب العديدة التي تركت ًا‬
‫آثار مدمرة‬

‫خاصة في الحربين العالميتين األولى والثانية‪ ،‬حيث عمدت االتفاقيات الدولية التي‬
‫في المجتمعات‪ّ ،‬‬

‫صيغت ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬إلى تأكيد فكرة المسؤولية الجنائية‪ ،1‬وعند التحدث عن‬

‫المسؤولية الجنائية الدولية‪ ،‬فإننا بحاجة إلى التطرق إلى اآلليات الدولية التي تم اتخاذها لضمان‬

‫محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية‪ ،‬والتي يعتبر من أهمها تثبيت المسؤولية الجنائية كأساس في كل من‬

‫االتفاقيات الدولية ونظام (روما)‪ ،‬للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وال بد بالتالي من مناقشة المسؤولية‬

‫الجنائية لكل من الدولة والفرد على حد سواء‪ ،‬حيث سنتطرق في الفرع األول في هذا المطلب‪ :‬إلى‬

‫المسؤولية الجنائية للدولة‪ ،‬في الفرع الثاني‪ :‬إلى المسؤولية الجنائية للفرد‪.‬‬

‫‪ 1‬أونيسة‪ ،‬شوية (‪ .)2013/2012‬المسؤولية الجنائية الدولية لألفراد على ضوء المحاكم الجنائية الدولية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة‬
‫عبد الرحمن ميرة‪ ،‬بجاية‪-‬الجزائر‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫‪30‬‬
‫الفرع األ ول‪ :‬المسؤولية الجنائية للدولة على جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫تعرف المسؤولية الجنائية بشكل عام على أنها‪"" :‬تحمل الشخص تبعة عمله المجرم بخضوعه للجزاء‬

‫المقرر لهذا العمل في القانون"‪ ،1‬وقد ربطت مختلف التعريفات والقوانين الداخلية ما بين المسؤولية‬

‫الجنائية واألفراد‪ ،‬وهو النهج الذي سلكته القوانين واالتفاقيات الدولية‪.‬‬

‫فما تزال فكرة المسؤولية الجنائية للدولة عن الجرائم المرتكبة محل جدل على المستوى الفقهي‪ ،‬إذ يرى‬

‫قسم من الفقه الدولي أنه ولغايات وجود مسؤولية جنائية‪ ،‬فإنه ال بد من تواجد قصد وإرادة جرمية لدى‬

‫الفاعل‪ ،‬وهو ما يمكن له أن يتحقق لدى األشخاص الطبيعيين‪ ،‬إال أن تحققه لدى الدولة باعتبارها‬

‫معنويا يقوده األشخاص الطبيعيون‪ ،‬هو أمر غير ممكن الحدوث‪.2‬‬


‫ً‬ ‫شخصا‬
‫ً‬

‫وفي المقابل يرى القسم اآلخر من الفقه‪ ،‬أن الدولة ممثلة بالقيادات السياسية العليا الخاصة بها‪،‬‬

‫تمتلك القصد الجرمي في حال ارتكاب الجرائم الدولية‪ ،‬والتي تتطلب في كثير منها موافقة الجهات‬

‫جنائيا على الجرائم المرتكبة‪ ،3‬كما يرى‬


‫ً‬ ‫السياسية العليا‪ ،‬وبالتالي يغدو من المنطقي مساءلة الدولة‬

‫هذا القسم من الفقه‪ ،‬أن نظرية المسؤولية الجنائية للدولة تتعارض مع فكرة السيادة الخاصة بالدولة‪،‬‬

‫باعتبارها الجهة المخولة بإدارة شؤون أفرادها دون تدخل خارجي من الدول األخرى‪ ،‬وبالتالي فإن‬

‫انتهاكا لهذه السيادة وتدخال فيها‪.4‬‬


‫ً‬ ‫وجود مساءلة جنائية للدولة من قبل دول أخرى يشكل‬

‫‪ 1‬المطيري‪ ،‬فالح مزيد (‪ .)2011‬المسؤولية الجنائية الدولية لألفراد في ضوء تطور القانون الدولي الجنائي‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬
‫جامعة الشرق األوسط‪ ،‬عمان‪-‬االردن‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ 2‬أبو الرب‪ ،‬عماد عمر (‪ .)2009‬مسؤولية الدولة الجنائية (إسرائيل نموذجا)‪ ،‬المجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬مجلد ‪ ،1‬عدد ‪،1‬‬
‫يوليو ‪ ،2009‬ص‪.3-2‬‬
‫‪ 3‬أبو الرب‪ ،‬عماد‪ ،‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫حسين‪ ،‬عالء هاشم (‪ .)2014‬تحديد المسؤولية الجنائية الدولية ودورها في إنشاء المحكم الجنائية الدولية‪ ،‬رسالة دكتوراة‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫جامعة سانت كليمنتس العالمية‪ ،‬بغداد‪-‬العراق‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫‪31‬‬
‫جنائيا‪ ،‬ذهبت االتفاقيات الدولية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ومع االختالف واالنشقاق الكبير في اآلراء حول مساءلة الدولة‬

‫ومنها نظام (روما)‪ ،‬للمحكمة الجنائية الدولية إلى استبعاد الدولة ككيان من المساءلة الجنائية‪ ،‬حيث‬

‫جاء في المادة (‪ )6‬من اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها "يحاكم األشخاص‬

‫المتهمون بارتكاب هذه الجريمة‪ ،"...‬كما نصت المادة (‪ )25‬من نظام (روما)‪ ،‬للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية على أنه‪" :‬يكون للمحكمة اختصاص على األشخاص الطبيعيين عمال بأحكام هذا النظام"‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المسؤولية الجنائية للفرد على جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫عند التحدث عن المسؤولية القانونية‪ ،‬فإن البوصلة تتجه مباشرة وبصورة مركزية إلى الفرد‪ ،‬باعتباره‬

‫المحرك األساسي للجريمة‪ ،‬سواء أكان ذلك من ناحية التخطيط‪ ،‬أو التفكير‪ ،‬أو التنفيذ‪ ،‬وعلى الرغم‬

‫من أن االتفاقيات والقوانين الدولية تتعامل مع الدولة‪ ،‬إال أن التوجه الجنائي الدولي قد توجه صوب‬

‫اعتماد المسؤولية الجنائية لألفراد عند التحدث عن المساءلة على الجرائم الدولية‪ .‬حتى لو تم اتهام‬

‫الدولة بارتكاب هذه الجريمة‪ ،‬إال أن األفراد هم األشخاص المنفذون والمرتكبون فعال للجريمة‪ ،‬وفي‬

‫هذا الفرع سنتطرق إلى دراسة تاريخ المسؤولية الجنائية الفردية في القانون الجنائي الدولي وكيفية‬

‫تعاملها مع المسؤولية الجنائية لألفراد مرتكبي هذه الجريمة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الماهية العامة للمسؤولية الجنائية الفردية‪:‬‬

‫تعتبر المسؤولية الجنائية لألفراد في القانون الجنائي الدولي األساس الذي تستند عليه مكافحة الجرائم‬

‫الدولية‪ ،‬بهدف تحقيق العدالة للضحايا ومعاقبة المجرمين‪ ،‬وذلك انطالقا من حقيقة أن األفراد هم‬

‫الجهات التي ترتكب الجرائم‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وقد ظهرت نظرية المسؤولية الجنائية لألفراد بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬حيث لجأت محاكم‬

‫(نورمبورغ)‪ ،‬و(طوكيو)‪ ،‬إلى النص على مسؤولية األفراد الجنائية‪ ،‬حيث بات الفرد بموجب هذه‬

‫جنائيا على األفعال التي قام بارتكابها‪ ،‬وشكلت جرائم حرب‪ ،‬أو جرائم ضد اإلنسانية‪.1‬‬
‫ً‬ ‫المحاكم مسؤوال‬

‫وقد لجأت المحاكم الالحقة إلى تأكيد المبدأ من خالل النص في أنظمتها الداخلية على مسؤولية‬

‫األفراد الجنائية‪ ،‬حيث نص الميثاق المنشأ للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا)‪ ،‬السابقة إلى أن‬

‫المحكمة مسؤولية عن األشخاص الطبيعيين الذين قاموا بارتكاب الجرائم بما فيها اإلبادة في‬

‫(يوغسالفيا)‪ ،‬السابقة‪ ،2‬كما أكد ميثاق المحكمة أن المسؤولية الفردية هي األساس القانوني للمساءلة‬

‫الجنائية أمام المحكمة‪.3‬‬

‫كما سلكت المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) الدرب نفسه‪ ،‬باعتبارها أن المسؤولية الفردية هي‬

‫األرضية التي تقوم عليها المحاكمة عن هذه الجرائم التي تعرض لها التوتسي في (روندا)‪ ،‬حيث‬

‫نصت المادة (‪ )2‬من النظام األساسي للمحكمة أن اختصاص المحكمة يقع على مرتكبي هذه‬

‫الجريمة‪ ،‬وبالتالي فهو قائم وفقا للمادة (‪ 4)5‬من الميثاق أساس المسؤولية الفردية لألفراد بصفتهم‬

‫الشخصية‪.5‬‬

‫‪ 1‬أونيسة‪ ،‬شوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.7‬‬


‫النظام األساسي للمحكمة الدولية الجنائية لـ(يوغسالفيا) السابقة‪( ،‬فاوستو بوكار)‪ ،‬منشورات األمم المتحدة‪ ،2010 ،‬ص‪،2‬‬ ‫‪2‬‬

‫لالطالع على النص كامال ‪.http://legal.un.org/avl/pdf/ha/icty/icty_a.pdf‬‬


‫‪ 3‬منصور‪ ،‬أمجد والقطري‪ ،‬محمد (‪ .)2017‬المسؤولية الجنائية والمدنية والدولية لمرتكبي جرائم االبادة أمام القضاء‪ ،‬مجلة كلية‬
‫األزهر‪ ،‬العدد ‪ ،32‬الجزء ‪ ،3‬ص‪.838‬‬
‫‪ 4‬النظام األساسي المنشأ للمحكمة الجنائية الخاص بـ(روندا) ‪ ،1994‬لالطالع على النص كامال‬
‫‪.https://www.un.org/arabic/documents/basic/rwanda.pdf‬‬
‫‪ 5‬منصور‪ ،‬أمجد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.848-838‬‬
‫‪33‬‬
‫وقد تجسدت فكرة المسؤولية الجنائية للفرد بشكل نهائي في النظام الجنائي الدولي عندما تبنته المحكمة‬

‫الجنائية الدولية وذلك في ميثاق (روما)‪.‬‬

‫حيث نصت المادة (‪ )25‬من ميثاق روما على أنه "‬

‫‪ -1‬يكون للمحكمة اختصاص على االشخاص الطبيعيين عمال بهذا النظام األساسي‪.‬‬

‫‪ -2‬الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤوال عنها بصفته الفردية‬

‫وعرضة للعقاب وفًقا للنظام األساسي"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العقوبات الواقعة على األفراد‪:‬‬

‫إن اثبات ارتكاب الجريمة واثبات المسؤولية الجنائية للجاني يتبعه بالضرورة إيقاع عقوبة مالئمة‬

‫عليه‪ ،‬من أجل تحقيق العدالة من جهة‪ ،‬وتحقيق عملية الردع بحق غيرهم من المجرمين من‬

‫جهة أخرى‪.‬‬

‫وقد تطرقت اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها إلى موضوع العقوبات وذلك في‬

‫المادة (‪ )5‬منها‪ ،‬حيث نصت على أنه‪" :‬يتعهد األطراف المتعاقدون كل طبقا لدستوره التدابير‬

‫التشريعية الالزمة لضمان انفاذ أحكام هذه االتفاقية‪ ،‬وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات‬

‫جنائية ناجعة تنزل بمرتكبي جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬أو أي من االفعال األخرى"‪ ،‬وبالتالي فقد‬

‫مفتوحا أمام أطراف االتفاقية من أجل تحديد آلية العقوبة ونوعها‪ ،‬والتي سيتم‬
‫ً‬ ‫تركت االتفاقية الباب‬

‫إيقاعها على الجاني بشرط أن تكون قادرة على الردع العام والخاص له‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫والنظر إلى أن المحاكم هي الجهات المخولة بإيقاع العقوبة على األفراد المثبت ارتكابهم للجرائم‪ ،‬فقد‬

‫تم النص في المادة (‪ )23‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(روندا) إلى أن أنواع‬

‫العقوبات الداخلة اختصاص المحكمة‪:1‬‬

‫‪ -1‬السجن حسب المدة التي تراها المحكمة مالئمة بالقياس مع المدد الزمنية التي تحكم فيها محاكم‬

‫(روندا) المحلية‪ ،‬وذلك بما يتناسب مع ظروف الشخص المحكوم عليه‪.‬‬

‫‪ -2‬الرد والتعويض‪ ،‬حيث يحق للمحكمة أن تأمر الشخص المحكوم عليه‪ ،‬برّد الممتلكات أو العوائد‬

‫كاّفة‪ ،‬والتي تم االستيالء عليها‪ ،‬والتعويض عن األضرار الناجمة عن الفعل المرتكب‪.‬‬

‫وفي النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية تم التطرق إلى أنواع العقوبات في المادة (‪ ،2)77‬حيث‬

‫مالئما‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ً‬ ‫يحق للمحكمة أن تأمر بإحداها أو جميعها‪ ،‬حسبما تراه‬

‫‪ -1‬السجن وهو على نوعين‪:‬‬

‫عاما‪.‬‬
‫أ‪‌ .‬لمدة ال تتجاوز ‪ً 30‬‬

‫ب‪‌ .‬السجن المؤبد في حال كانت الجريمة المرتكبة ذات خطورة عالية‪ ،‬وبظروف المحكوم عليه‬

‫الخاصة‪.‬‬

‫‪ -2‬الغرامة وذلك بموجب القواعد اإلجرائية وقواعد اإلثبات‪ ،‬وذلك بما يتالءم مع الضرر الحاصل‪.‬‬

‫‪ -3‬مصادرة العائدات والممتلكات التي تحصل عليها الجاني بصورة مباشرة‪ ،‬أو غير مباشرة من‬

‫الجريمة المرتكبة‪.‬‬

‫‪ 1‬النظام األساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بروندا‪.‬‬


‫‪ 2‬النظام األساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المسؤولية المدنية عن ارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫أساسا للمسؤولية المدنية‪ ،‬إذ يلزم الشخص المرتكب الفعل بالتعويض عن األضرار‬
‫يعتبر التعويض ً‬

‫مشروعا أو ال‪ ،‬وتعتبر المسؤولية المدنية‬


‫ً‬ ‫التي نتجت عن الفعل الذي قام به‪ ،‬سواء أكان ذلك الفعل‬

‫ثابتة ومتأصلة في القانون الدولي‪ ،‬حيث تلزم الدولة بتقديم التعويض عند مخالفتها اللتزاماتها‪ ،‬أو‬

‫إلحاقها الضرر بدولة أخرى‪ ،‬ففي قرار لمحكمة العدل الدولية نصت فيه على أن‪ " :‬من مبادئ‬

‫القانون الدولي أن مخالفة التزام دولي يستتبع االلتزام بالتعويض عن ذلك بطريقة كافية‪ ،‬وأن هذا‬

‫االلتزام بالتعويض هو النتجية الحتمية ألي إخالل في تطبيق أي اتفاقية دولية دون حاجة إلى‬

‫أن "التعويض يكون‬ ‫‪1‬‬


‫النص على ذلك في نفس االتفاقية" ‪ ،‬وفي قرار آخر لها أكدت المحكمة ّ‬

‫مستحق األداء بمجرد الحكم بمسؤولية الدولة طبقا لقواعد القانون الدولي العام"‪.2‬‬

‫وقد تم النص على التعويض لضحايا الجرائم في اتفاقيات (جنيف)‪ ،‬والبروتوكول الملحق بها‪ ،‬اذ‬

‫نصت المادة (‪ )91‬من البروتوكول اإلضافي األول على أنه "يسأل طرف النزاع الذي ينتهك أحكام‬

‫االتفاقيات‪ ،‬أو هذا الملحق عن دفع تعويض إذا اقتضت الحال ذلك‪ ،‬ويكون مسؤوال عن االعمال‬

‫كافة التي يقترفها األشخاص الذين يشكلون جزءا من قواته المسلحة"‪.3‬‬

‫أما الفرع‬
‫وفي هذا المطلب في الفرع األول‪ :‬سنتناول المسؤولية المدنية للدولة عن هذه الجريمة‪ّ ،‬‬

‫الثاني‪ :‬فسيكون الحديث عن المسؤولية المدنية للفرد عن جريمة اإلبادة الجماعية‪.‬‬

‫‪ 1‬عواد‪ ،‬هاني عادل (‪ .)2007‬المسؤولية الجنائية الشخصية لمرتكبي جرائم الحرب (مجزرتا مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس‬
‫نموذجا)‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪-‬فلسطين‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ 2‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪ 3‬البروتوكول اإلضافي األول التفاقيات (جنيف)‪ ،‬المعقودة في (أغسطس)‪ 1949 ،‬والمتعلقة بحماية ضحايا المنازعات الدولية‬
‫المسلحة‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫الفرع األ ول‪ :‬المسؤولية المدنية للدولة على جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫على الرغم من عدم اعتماد المسؤولية القانونية الجنائية للدولة عن هذه الجرائم‪ ،‬إال أن هذا ال يعني‬

‫عدم إمكانية ثبوت المسؤولية المدنية‪ ،‬فرغم ارتكاب األفراد بذواتهم لألفعال المكونة لجريمة اإلبادة‬

‫بعيدا عن المراقبة‪ ،‬وإشراف الدولة‪ ،‬أو الحكومة‪ ،‬أو الجهة‬


‫الجماعية‪ ،‬إال أن هذا ال يعني ارتكابهم لها ً‬

‫التي يتبعون لها‪ ،‬وبالتالي فتصبح الدولة ملزم ًة بتعويض ضحايا اإلبادة الجماعية عن مرتكبي هذه‬

‫الجرائم وفي هذا الفرع سنتناول طبيعة المسؤولية المدنية للدولة‪ ،‬وكيفية تناول اآلليات الدولية لها‬

‫وتنظيمها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف المسؤولية المدنية‪:‬‬

‫تعرف المسؤولية المدنية للدولة على أنها‪ :‬المسؤولية المترتبة عن األضرار التي نتجت عن الفعل‬

‫غير المشروع المرتكب بواسطة الدولة ممثلة بأفرادها‪ ،‬والقائمين على إدارتها‪ ،1‬حيث تلزم الدولة بتقديم‬

‫تعويض للدولة األخرى‪ ،‬أو أحد أعضاء المجتمع الدولي‪ ،‬التي لحقت بها أضرار ّ‬
‫جراء الفعل الذي تم‬

‫القيام به من خالل أفرادها‪ ،‬سواء أكانوا قادتها السياسيين أو جنودها‪.2‬‬

‫وبالتالي فإن المسؤولية المدنية تترتب على الدولة عند انتهاكها لمسؤولياتها والتزاماتها بموجب‬

‫االتفاقيات الدولية المتعلقة بمنع جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬وعجزها عن إجراء التحقيقات الالزمة‬

‫لمحاسبة القائمين على هذه الجريمة‪ ،‬أو التقاعس وعدم محاكمة مرتكبي الجريمة أمام القضاء‬

‫الوطني‪.3‬‬

‫‪ 1‬بوكبر‪ ،‬زيان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.49‬‬


‫‪ 2‬بو بكر‪ ،‬زيان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ 3‬منصور‪ ،‬أمجد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.835‬‬
‫‪37‬‬
‫ثانيا‪ :‬التعويض الناجم عن جرائم اإلبادة الجماعية‪:‬‬

‫يعتبر التعويض هو النتيجة الطبيعية للضرر المترتب على ارتكاب األفعال المشكلة للجريمة بصورة‬

‫عامة‪ ،‬وبالتالي فهو النتيجة الطبيعية التي تترتب على ارتكاب هذه الجرائم‪ ،‬وألجل فهم طبيعة‬

‫التعويض‪ ،‬فال بد من التعرض ألنواع التعويض الذي يكمن في ثالثة أنواع رئيسة للتعويض يمكن‬

‫اللجوء إلى أي منها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬التعويض العيني‪:‬‬

‫يتمثل التعويض العيني بإعادة األوضاع إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب الجريمة‪ ،‬وفي حالة اإلبادة‬

‫الجريمة قيد الدراسة‪ ،‬يشكل إعادة األطفال الذين تم إبعادهم عن الجماعة التي تعرضت لإلبادة صورة‬

‫من صور التعويض العيني‪ ،‬كما يشكل إزالة القيود المفروضة كاّفة على الظروف المعيشية‪ ،‬والحياتية‬

‫للجماعة صورة من صورة التعويض العيني‪.1‬‬

‫‪ -2‬التعويض المالي‪:‬‬

‫وهو مبلغ من المال يدفع للضحايا المتضررين جراء الجريمة المرتكبة بحقهم‪ ،‬ويعتبر التعويض المالي‬

‫شيوعا في عملية التعويضات‪.2‬‬


‫ً‬ ‫هو النوع األكثر‬

‫‪ -3‬التعويض الرضائي‪:‬‬

‫يتمثل التعويض الرضائي بين الدولة المسؤولة عن ارتكاب الجريمة واألفراد‪ ،‬أو الجهات التي وقعت‬

‫عليها الجريمة‪ ،‬ويأخذ أكثر صورة التعويضات المعنوية‪ ،‬حيث تلجأ الدولة المسؤولة إلى تقديم اعتذار‬

‫‪ 1‬عواد‪ ،‬هاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29‬‬


‫‪ 2‬بو بكر‪ ،‬زيان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.52-51‬‬
‫‪38‬‬
‫أيضا‬
‫رسمي عن األفعال المرتكبة‪ ،‬وتأكيدها أن تلك األفعال ال تشكل وجهة نظر للدولة‪ ،‬كما يشمل ً‬

‫قيامها بمحاكمة األفراد مرتكبي الجرائم ومحاسبتهم‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المسؤولية المدنية للفرد على جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫لقد سبق وأشرنا إلى أن المسؤولية الجنائية الدولية على األفراد‪ ،‬حيث لجأت المحاكم الجنائية الدولية‬

‫إلى النص على المسؤولية الفردية كأساس للمحاكمة‪ ،‬وإثبات الجريمة‪.‬‬

‫وفي حال إثبات المسؤولية الجنائية على الفرد بارتكاب الجريمة الموجهة إليه‪ ،‬فإن المسؤولية المدنية‬

‫في هذه الحالة تعتبر مالصقة‪ ،‬حيث يلزم المحكوم عليه بالتعويض عن األضرار التي لحقت بالضحايا‬

‫جراء الجرائم التي قام بارتكابها‪.‬‬

‫وقد بينت المحكمة الجنائية الدولية أن التعويض يعتبر جزًءا ال يتج أز من التعويضات‪ ،‬حيث جاء في‬

‫المادة (‪ )77‬أن للمحكمة الحق في فرض غرامات على المحكوم عليه‪ ،‬وألجل ذلك تتبع المحكمة‬

‫مجموعة من القواعد اإلجرائية التي تحكم هذه العملية‪ ،‬وذلك حسب نص المادة ‪ 146‬من القواعد‬

‫اإلجرائية وقواعد اإلثبات للمحكمة الجنائية الدولية‪:2‬‬

‫‪ -1‬لدى قيام المحكمة الحق بتحديد إذا كانت عقوبة السجن كافية أو غير كافية‪ ،‬وبالتالي إن كانت‬

‫هنالك حاجة إلى فرض غرامة بموجب المادة (‪ ،)77‬وعند تحديد الغرامة تأخذ المحكمة بعين‬

‫االعتبار القدرة المالية للشخص المحكوم عليه‪ ،‬بما يشمل أي أوامر بالمصادرة حسب المادة‬

‫(‪ ،)77‬وتأخذ المحكمة في اعتبارها كون الدافع إلى الجريمة‪ ،‬هو الكسب المالي بصفة شخصية‪،‬‬

‫وإلى أي مدى كان ارتكابها بهذا الدافع‪.‬‬

‫‪ 1‬عواد‪ ،‬هاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30‬‬


‫‪ 2‬القواعد اإلجرائية وقواعد اإلثبات المعتمدة من جمعية الدول األطراف في نظام (روما)‪ ،‬للمحكمة الجنائية الدولية في (نيويورك)‪،‬‬
‫ما بين ‪( 10-3‬سبتمبر) ‪.2002‬‬
‫‪39‬‬
‫‪ -2‬تحدد المحكمة قيمة مناسبة للغرامة الموقعة بموجب المادة (‪ ،)77‬وألجل تحقيق ذلك‪ ،‬تولي‬

‫المحكمة االعتبار بصورة خاصة لما نجم عن الجريمة من أضرر وإصابات‪ ،‬إضافة إلى المكاسب‬

‫النسبية التي عادت على الجاني جراء ارتكابه للجريمة‪.‬‬


‫ّ‬

‫‪ -3‬لدى فرض الغرامة‪ ،‬تعطي المحكمة للشخص المدان مهلة معقولة يدفع خاللها الغرامة‪ ،‬ويجوز‬

‫تسدديها على دفعة أو دفعات خالل هذه الفترة‪.‬‬

‫‪ -4‬لدى فرض الغرامة‪ ،‬يكون للمحكمة خيار حسابها وفًقا لنظام الغرامات اليومية‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬ال‬

‫يوما كحد أدنى‪ ،‬وال تتجاوز خمس سنوات كحد أقصى‪ ،‬وتحدد قيمة الدفعات‬
‫تقل المدة عن ‪ً 30‬‬

‫اليومية حسب الظروف الشخصية للشخص المدان‪ ،‬بما يشمل االحتياجات المالية لمن يعولهم‪.‬‬

‫عمال‬
‫‪ -5‬في حالة عدم تسديد الشخص المدان الغرامة‪ ،‬يجوز للمحكمة اتخاذ التدابير المناسبة ً‬

‫بالقواعد (‪ ،)217‬إلى (‪ .1)222‬وفي الحاالت التي يستمر فيها عدم التسديد المتعمد‪ ،‬يجوز لهيئة‬

‫‪ 1‬تنص المادة (‪ )217‬من قواعد اإلجرائي وقواعد اإلثبات على أنه ‪ " :‬ألغراض تنفيذ أوامر التغريم والمصادرة والتعويض‪ ،‬تطلب‬
‫نسخا من األوامر ذات الصلة‬ ‫هيئة الرئاسة‪ ،‬حسب االقتضاء‪ ،‬التعاون واتخاذ تدابير بشأن التنفيذ‪ ،‬وفقا للباب (‪ ،)9‬كما تحيل ً‬
‫إلى أي دولة يبدو أن للشخص المحكوم عليه صلة مباشرة بها‪ ،‬إما بحكم جنسيته‪ ،‬أو محل إقامته الدائم‪ ،‬أو إقامته المعتادة‪ ،‬أو‬
‫بحكم المكان الذي توجد فيه أصول المحكوم عليه وممتلكاته‪ ،‬أو التي يكون للضحية هذه الصالت بها‪ .‬وتبلغ هيئة الرئاسة‬
‫إخطار بأي إجراءات تمت عمال‬
‫ًا‬ ‫الدولة‪ ،‬حسب االقتضاء‪ ،‬بأي مطالبات من طرف ثالث‪ ،‬أو بعدم ورود مطالبة من شخص تلقى‬
‫بالمادة (‪.")75‬‬
‫كما تنص المادة (‪ ،)2018‬على أنه‪ -1" :‬لتمكين الدول من تنفيذ أمر من أوامر المصادرة‪ ،‬يحدد األمر ما يلي‪( :‬أ) هوية‬
‫الشخص الذي صدر األمر ضده؛ (ب) والعائدات والممتلكات واألصول التي أمرت المحكمة بمصادرتها؛ (ج) وأنه إذا تعذر‬
‫على الدولة الطرف تنفيذ أمر المصادرة فيما يتعلق بالعائدات‪ ،‬أو الممتلكات‪ ،‬أو األصول المحددة‪ ،‬فإنها تتخذ تدابير للحصول‬
‫على قيمتها‪ -2 .‬في طلب التعاون وتدابير التنفيذ‪ ،‬توفر المحكمة ً‬
‫أيضا المعلومات المتاحة بشأن مكان وجود العائدات والممتلكات‬
‫واألصول التي يشملها أمر المصادرة‪ -3 .‬لتمكين الدول من تنفيذ أمر من أوامر التعويض‪ ،‬يحدد األمر ما يلي‪( :‬أ) هوية‬
‫الشخص الذي صدر األمر ضده؛ (ب)فيما يتعلق بالتعويضات ذات الطبيعة المالية‪ ،‬هوية الضحايا الذين تقرر منحهم تعويضات‬
‫فردية‪ ،‬وفي حالة إيداع مبلغ التعويضات المحكوم بها في صندوق استئماني للتفاصيل المتعلقة بالصندوق االستئماني الذي‬
‫ستودع فيه التعويضات؛ (ج)ن طاق التعويضات وطبيعتها التي حكمت بها المحكمة‪ ،‬بما في ذلك الممتلكات واألصول المحكوم‬
‫بالتعويض عنها‪ ،‬حيثما ينطبق ذلك‪ -4 .‬إذا حكمت المحكمة بتعويضات على أساس فردي‪ ،‬تُرسل نسخة من أمر التعويض إلى‬
‫الضحية المعنية"‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫رئاسة المحكمة‪ ،‬بناء على طلب منها‪ ،‬أو بناء على طلب من المدعي العام‪ ،‬ونتيجة اقتناعها‬

‫باستنفاد جميع تدابير اإلنفاذ المتاحة‪ ،‬وكمالذ أخير‪ ،‬تمديد مدة السجن لفترة ال تتجاوز ربع تلك‬

‫المدة‪ ،‬أو خمس سنوات‪ ،‬أيهما أقل‪.‬‬

‫تنبه المحكمة الشخص المدان إلى أن عدم تسديد الغرامة وفًقا للشروط‬
‫‪ -6‬لدى فرض الغرامة‪ّ ،‬‬

‫المحددة أعاله‪ ،‬قد يؤدي إلى تمديد مدة السجن على النحو المبين في هذه القاعدة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية‬

‫يشكل القضاء األداة األهم في إنفاذ القانون وتطبيق النصوص التجريمية والعقابية على حد سواء‪،‬‬

‫لمنع الجرائم‪ ،‬وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع‪ ،‬وال تختلف أهمية القضاء ما بين القانون الداخلي‬

‫والقانون الدولي على حد سواء‪ ،‬إذ حرص المجتمع الدولي على وضع آليات قضائية دولية بهدف‬

‫تطبيق االتفاقيات الدولية ومحاكمة مرتكبي الجرائم وتحقيق العدالة للضحايا‪.‬‬

‫مر القضاء الجنائي الدولي بتطور ملحوظ منذ أن تم إنشاء المحاكم الجنائية الدولية األولى بعد‬
‫لقد ّ‬

‫الحرب العالمية األولى‪ ،‬حيث يعتبر التوجه الدولي نحو محاكمة االمبراطور األلماني عام ‪ 1919‬في‬

‫معاهدة (فرساي)‪ ،‬أولى الخطوات التي تم اتخاذها على المستوى الدولي لمحاكمة كبار القادة عن‬

‫الجرائم التي تم ارتكابها‪ ،‬وشمل محاكم (ليبزج)‪ ،‬األلمانية التي تم انشاؤها لمحاكمة القادة األلمان عن‬

‫الجرائم التي تم ارتكابها في الحرب العالمية األولى صورة إضافية من صور القضاء الجنائي الدولي‪،‬‬

‫وعلى الرغم من عدم اتمام محاكمة االمبراطور األلماني بسبب الوضع السياسي‪ ،‬واعتبار محاكم‬

‫(ليبزج)‪ ،‬محاكم صورية لم تعاقب القادة األلمان بشكل حقيقي‪ ،‬إال أن تلك المحاكم شكلت خطوة أولى‬

‫في مجال القضاء الجنائي الدولي‪.1‬‬

‫‪ 1‬فريجة‪ ،‬رامي (‪ .)2017/2016‬اآلليات القضائية لمكافحة الجريمة الدولية في ضوء القانون الجنائي الدولي‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬
‫جامعة محمد بو ضياف‪ ،‬المسلية‪-‬الجزائر‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪42‬‬
‫ومع نهاية الحرب العالمية الثانية ش ّكلت كل من محكمة (نورنمبرغ)‪ ،‬ومحكمة (طوكيو)‪ ،‬خطوة فعلية‬

‫في تاريخ إنشاء القضاء الجنائي الدولي‪ ،‬حيث تم بموجبها محكماة مجرمي الحرب األلمان واليابانيين‬

‫جراء الجرائم التي تم ارتكابها خالل الحرب‪.1‬‬

‫وخالل هذا الفصل سنتطرق في المبحث األول‪ :‬إلى دراسة دور القضاء الجنائي الدولي في مكافحة‬

‫سيتم‬ ‫ق‬
‫جريمة اإلبادة الجماعية من خالل التطر إلى المحاكم الجنائية الخاصة‪ ،‬وفي المبحث الثاني‪ّ :‬‬

‫التطرق إلى دور المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وفي المبحث الثالث‪ :‬سيتم التطرق إلى جريمة اإلبادة‬

‫الجماعية في السياق الفلسطيني‪.‬‬

‫‪ 1‬فريجة‪ ،‬رامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫‪43‬‬
‫المبحث األول‬

‫التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية القضائية على‬


‫مستوى المحاكم الجنائية السابقة للمحكمة الجنائية الدولية‬

‫تعتبر جريمة اإلبادة الجماعية واحدة من أخطر الجرائم المرتكبة بحق الشعوب‪ ،‬وعلى الرغم من‬

‫الجهود الدولية المبذولة بهدف تجريمها‪ ،‬والحرص على منع ارتكابها‪ ،‬إال أن االتفاقيات بمفردها لم‬

‫تتمكن من منع ارتكابها بحق بعض الجماعات‪ ،‬وهذا ما دفع بالمجتمع الدولي إلى إنشاء مجموعة‬

‫من المحاكم الجنائية لمحاكمة مرتكبيها‪ ،‬وفي هذا المبحث‪ ،‬وفي المطلب األول‪ :‬سنعمل على تناول‬

‫مكافحة جريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‪ ،‬فيما سنتناول‬

‫في المطلب الثاني‪ :‬مكافحة جريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا)‬
‫السابقة‬

‫لقد شكلت (يوغسالفيا) السابقة إحدى الدول التي احتضنت مجموعة متنوعة وعديدة من الدول‬

‫والقوميات المختلفة‪ ،‬حيث ضمت بين ثناياها مجموعة متنوعة من األقليات والقومية‪ ،‬كـ(الصرب)‪،‬‬

‫و(الكروات)‪ ،‬و(البوسنيين)‪ ،‬كما احتوت على مجموعة عديدة من األقاليم والجمهوريات ومنها‪:‬‬

‫(كرواتيا)‪ ،‬و(مقدونيا)‪ ،‬و(البوسنة)‪ ،‬و(الهرسك) و(الجبل األسود)‪ ،‬و(صربيا)‪ ،‬والتي توحدت أسفل‬

‫زعامة (جوزيف تيتو)‪ ،‬عام ‪ 1980‬منشئا جمهورية كبرى‪ ،‬إال أن (الصرب)‪ ،‬تحديدا سعوا إلى عملية‬

‫السيطرة على الجمهورية ساكنيها كاّفة؛ ما أدى إلى اندالع العديد من الحروب‪ ،‬والتي نتج عنها‬

‫مجازر وجرائم حرب عديدة‪.1‬‬

‫‪ 1‬العبادي‪ ،‬زياد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.59‬‬


‫‪44‬‬
‫وفي عام ‪ 1991‬قامت جمهورية (البوسة)‪ ،‬و(الهرسك)‪ ،‬بإعالن االستقالل عن (يوغسالفيا)‪ ،‬ما دفع‬

‫بـ(الصرب) الساكنين داخلها غلى إعالن االستقالل عن (البوسنة)‪ ،‬وأدى ذلك إلى اندالع نزاع مسلح‬

‫بين كل من (الصرب)‪ ،‬و(الكروات)‪ ،‬و(البوسنيين)‪ ،‬داخل (البوسنة) و(الهرسك)‪ ،‬وقد امتد هذا النزاع‬

‫الداخلي إلى مستوى إقليمي‪ ،‬حيث وقفت (صربيا)‪ ،‬والجبل األسود بدعم روسي إلى جوار (صرب‬

‫البوسنة)‪ ،‬وأدى ذلك إلى ازدياد حدة النزاع المسلح وارتكاب مجازر عدة من قبل (الصرب)‪ ،‬ضد‬

‫المسلمين ومن أبرزها جرائم اإلبادة الجماعية التي تشكل مجزرة (سربرينيستا) إحدى أبرز صورها‪.1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬نشأة المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‬

‫كرد فعلي دولي على الجرائم التي‬


‫لقد أنشئت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة ّ‬

‫تم ارتكابها في (يوغسالفيا) السابقة‪ ،‬حيث قام مجلس األمن بتاريخ ‪( 6‬اكتوبر)‪ 1992 ،‬بإنشاء لجنة‬

‫خب ارء لتقصي الحقائق حول الجرائم المرتكبة في (يوغسالفيا)‪ ،‬حيث جاء في التقرير الذي قدمته‬

‫اللجنة لمجلس األمن وجود مسؤولية جنائية فردية عن الجرائم المرتكبة في (يوغسالفيا)‪ ،‬وجاءت‬

‫توصياتها بإنشاء محكمة خاصة من أجل محاكمة هؤالء األشخاص‪ ،2‬وكنتيجة لذلك فقد قام مجلس‬

‫األمن الدولي بموجب القرار رقم (‪ ،)808‬الصادر بتاريخ ‪( 22‬شباط)‪ 1993 ،‬بإنشاء المحكمة الجنائية‬

‫الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة تحت إطار الفصل السابق من ميثاق هيئة األمم المتحدة‪ ،‬وذلك ألجل‬

‫محاكمة مرتكبي جرائم الحرب في (يوغسالفيا) منذ عام ‪.31991‬‬

‫أبو الرب ‪ ،‬صالح الدين محمد (‪ .)2018‬السياسة اإلسالمية واإلسالم السياسي‪ ،‬دار الخليج للنشر والتوزيع‪ ،‬اإلمارات‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.348‬‬
‫النظام األساسي للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة (بيوغسالفيا) السابقة‪( ،‬فاوستو بوكار)‪ ،‬رئيس المحكمة الدولية الجنائية‬ ‫‪2‬‬

‫الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‪ ،‬ص‪ ،1‬لالطالع على النص كامال راجع‬


‫‪http://legal.un.org/avl/pdf/ha/icty/icty_a.pdf.‬‬
‫‪ 3‬زياد العبادي‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪45‬‬
‫أوال‪ :‬اختصاص المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‪:‬‬

‫‪ -1‬االختصاص المكاني والزماني‪:‬‬

‫لقد بينت المادة (‪ )8‬من ميثاق المحكمة أن اختصاصها المكاني يمتد ليشمل الجرائم المرتكبة كاّفة‬

‫على إقليم جمهورية (يوغسالفيا) السابقة‪ ،‬سواء أكان ذلك هو اإلقليم البري أو البحري‪ ،‬أو الجوي‪.1‬‬

‫أما االختصاص الزماني‪ ،‬فقد بينته المادة (‪ )1‬من الميثاق على أنه يمتد ليشمل الجرائم المرتكبة‬

‫كاّفة منذ تاريخ ‪.21991/1/1‬‬

‫‪ -2‬االختصاص الموضوعي والشخصي‪:‬‬

‫لقد نصت المادة (‪ )6‬من الميثاق على أن اختصاص المحكمة الشخصي يمتد إلى األشخاص‬

‫الطبيعيين فقط‪ ،‬كما أكدت المادة (‪ )7‬المسؤولية الشخصية كأساس للمالحقة القضائية أمام المحكمة‪.3‬‬

‫لقد بين الميثاق المنشأ للمحكمة االختصاص الموضوعي‪ ،4‬حيث يدخل ضمن اختصاص المحكمة‬

‫الموضوعي الجرائم اآلتية‪:5‬‬

‫‪ -1‬المادة (‪ )2‬منحت المحكمة صالحية النظر في االنتهاكات الخطرة التي تدخل ضمن اتفاقيات‬

‫(جنيف) األربعة خالل النزاعات المسلحة‪ ،‬وهي تشمل القتل العمد‪.‬‬

‫‪ -2‬المادة (‪ )3‬منحت المحكمة صالحية النظر في االنتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب وأعرافها‪.‬‬

‫غانية‪ ،‬زيدون (‪ .)2017/2016‬الجرائم ضد اإلنسانية ضمن اجتهادات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بـ(يوغسالفيا)‬ ‫‪1‬‬

‫السابقة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة‪ ،‬بجاية‪-‬الحزائر‪ ،‬ص‪.20-19‬‬


‫‪ 2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫أحد‪ ،‬مناد (‪ .)2012‬جرائم النزاعات المسلحة في حق المدنيين وآليات الحماية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة يوسف بن خدة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص‪.113‬‬
‫‪ 4‬بوكار‪ ،‬فاوستو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.2-1‬‬
‫‪ 5‬الميثاق المنشأ للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‪ ،‬وثيقة صادر عن األمم المتحدة بتاريخ سبتمبر ‪ ،2009‬لالطالع‬
‫على النص كامال ‪.http://www.icty.org/x/file/Legal%20Library/Statute/statute_sept09_en.pdf‬‬
‫‪46‬‬
‫‪ -3‬المادة (‪ )4‬منحت المحكمة صالحية النظر في جريمة اإلبادة الجماعية‪.‬‬

‫‪ -4‬المادة (‪ )5‬منحت المحكمة صالحية النظر في الجرائم المرتكبة ضد اإلنسانية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أجهزة المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‪:‬‬

‫لقد بينت المادة (‪ )11‬من الميثاق تشكل المحكمة من ثالثة أجهزة أساسية‪ ،‬هي‪:1‬‬

‫‪ -1‬دوائر المحكمة‪ :‬تتكون دوائر المحكمة على مستويين‪ ،‬الدوائر االبتدائية‪ ،‬ودائرة االستئناف‪،‬‬

‫مستقال على أن يكون كل قاض من دولة مختلفة‪ ،‬حيث تشمل‬


‫ً‬ ‫قاضيا‬
‫ً‬ ‫وتتكون كل دائرة من ‪11‬‬

‫الدوائر االبتدائية على ثالثة قضاة‪ ،‬فيما تشمل دائرة االستئناف على خمسة قضاة‪.2‬‬

‫‪ -2‬مكتب المدعي العام‪ :‬نصت المادة (‪ )16‬من ميثاق المحكمة على أن وظيفة االدعاء العام تبدأ‬

‫عملية التحقيق مع األشخاص المتهمين بارتكاب الجرائم حسب اختصاص المحكمة‪ ،‬حيث‬
‫من ّ‬

‫يتم تعيين المدعي العام من قبل مجلس األمن بناء على اقتراح األمين العام‪ ،‬وحسب نص المادة‬

‫(‪ )18‬من الميثاق‪ ،‬فإن االدعاء العام يباشر بالتحقيق‪ ،‬إما من تلقاء نفسه‪ ،‬أو بناء على معلومات‬

‫تم إيصالها إليه من قبل مجلس األمن‪ ،‬أو المؤسسات الحكومية وغير الحكومية‪ ،‬وله صالحيات‬

‫االستجواب‪ ،‬وسماع الشهود‪ ،‬وجمع األدلة‪ ،‬واتخاذ االجراءات الالزمة للتحقيق كاّفة‪.3‬‬

‫‪ -3‬قلم المحكمة‪ :‬يعمل قلم المحكمة على توفير الدعم اللوجستي للمحكمة واالدعاء العام على حد‬

‫سواء‪ ،‬وذلك من خالل إدارة المحكمة‪ ،‬وتوفير الخدمات التي تساعد في سير العملية التحقيقية‬

‫وإجراءات المحكمة‪.4‬‬

‫‪ 1‬الميثاق المنشأ للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‪.‬‬


‫‪ 2‬غانية‪ ،‬زيدون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11-10‬‬
‫‪ 3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.16-15‬‬
‫‪ 4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪47‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التقاضي أمام المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‬

‫عاما منذ إنشائها‬


‫لقد استمر عمل المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة مدة أربعة وعشرين ً‬

‫عام ‪ ،1993‬حيث تقدر أيام العمل اإلجمالي للمحكمة بـ‪ 10800‬يوم محاكمة‪ ،‬تم االستماع خاللها‬

‫متهما للمحكمة أمامها‪ ،‬تم الحكم بالبراءة‬


‫ً‬ ‫شاهدا‪ ،‬وقد خضع ‪161‬‬
‫ً‬ ‫إلى ما يقارب الى ‪4650‬‬

‫على ‪ 19‬منهم‪ ،‬وأدين ‪ 90‬منهم‪ ،‬حيث حكم عليهم بقضاء فترة عقوبتهم في ‪ 14‬دولة مختلفة من دول‬

‫االتحاد األوروبي‪.1‬‬

‫وآخر القضايا التي تم النظر فيها أمام المحكمة‪ ،‬هي قضية الجنرال الصربي (رادوفان كارادريتش)‪،‬‬

‫والملقب بسفاح البوسنة‪ ،‬حيث تم القبض عليه في (أيار)‪ 2011 ،‬ويعتبر أحد أبرز الشخصيات‬

‫العسكرية التي قادت حمالت التطهير ضد كل من المسلمين و(الكروات)‪ ،‬وقد تم الحكم عليه بالسجن‬

‫مدى الحياة في (تشرين الثاني)‪.22018 ،‬‬

‫وكتتويج لجهود المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة‪ ،‬فقد أقيم حفل االختتام الرسمي لعمل‬

‫المحكمة في البرلمان الهولندي في (الهاي)‪ ،‬وتم تكريم أعضاء المحكمة الجنائية من قبل الملك‬

‫الهولندي واألمين العام لألمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس)‪ ،‬وأعلن في الحفل اختتام عمل المحكمة‬

‫رسميا بتاريخ ‪( 31‬ديسمبر)‪.32017 ،‬‬


‫ً‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‬

‫‪1‬‬
‫‪Infographic: ICTY Facts & Figures, see: http://www.icty.org/en/content/infographic-icty-facts-‬‬
‫‪figures.‬‬
‫‪ 2‬راتكون مالديتش)‪ :‬سفاح البوسنة‪ ،‬مقال إخباري منشور بتاريخ ‪ 22‬تشرين الثاني ‪ ،2017‬لالطالع على النص راجع‬
‫‪http://www.bbc.com/arabic/world-42081979‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ICTY marks official closure with moving Ceremony in The Hague Tribunal | Press release | The‬‬
‫‪Hague | 27 December 2017, see: http://www.icty.org/en/press/icty-marks-official-closure-with-‬‬
‫‪moving-ceremony-in-the-hague .‬‬
‫‪48‬‬
‫توصف (روندا)‪ ،‬بأنها بلد األلف تل‪ ،‬وهي دولة في إفريقيا تقع في منطقة البحيرات الكبرى اإلفريقية‪،‬‬

‫وينطوي سكان (رواندا) أسفل قبيلتين رئيسيتن‪( ،‬التوتسي)‪ ،‬و(الهوتو)‪ ،‬حيث سيطرت (الهوتو)‪ ،‬على‬

‫مجريات الحكمومقاليده في (رواندا)‪ ،‬أبان الجريمة المروعة التي تعرض لها (التوتسي)‪ ،‬في (رواندا)‪.1‬‬

‫بدأ النزاع المسلح في (رواندا)‪ ،‬بين القوات الحكومية المتكونة من قبيلة (الهوتو)‪ ،‬وقوات المعارضة‬

‫المسلحة المتمثلة في الجبهة الوطنية الرواندية المتكونة من (التوتسي)‪ ،‬ورغم المحاوالت الدولية العديدة‬

‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫إلى احتواء النزاع المسلح الداخلي في (رواندا)‪ ،‬إال أن المحاوالت المختلفة باءت بالفشل‬

‫بعد سقوط طائرة الرئيس الرواندي في ‪( 6‬نيسان)‪ 1994 ،‬ومقتله‪ ،2‬وهو ما أدى إلى اشتعال المعارك‬

‫بين الطرفين بصورة أكثر حدة‪ ،‬ونتج عنه وقوع مذابح والقضاء على قبيلة (التوتسي) ذهب ضحيتها‬

‫ما يزيد عن المليون ضحية‪ ،‬وهو ما استمر حتى عام ‪ 1994‬حين سيطرت الجبهة الوطنية الرواندية‬

‫على العاصمة (كيغالي) بالكامل‪.3‬‬

‫الفرع األول‪ :‬نشأة المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‬

‫لقد جاء تشكيل المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) كردة فعل دولية من قبل المجتمع الدولي ممثال‬

‫بمجلس األمن على أعمال اإلبادة الجماعية التي تم ارتكابها في (رواندا)‪ ،‬من قبل القوات الروندية‬

‫الحكومية‪ ،‬حيث سعى المجتمع الدولي بهذه الخطوة إلى وضع آليات قضائية دولية لمحاكمة كبار‬

‫المسؤولين في (رواندا)‪ ،‬جراء الجرائم المرتكبة‪ ،‬حيث أقر مجلس األمن بموجب القرار رقم (‪،)955‬‬

‫‪ 1‬عادل‪ ،‬مستاري‪ .‬المحكمة الجنائية الخاصة بـ (رواندا)‪ ،‬مجلة المفكر‪ ،‬عدد ‪ ،3‬ص‪.251‬‬
‫‪ 2‬شارف‪ ،‬مايكل‪ .‬النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بـ(رواندا)‪ ،‬ص‪ ،1‬لالطالع على النص كامال‬
‫‪http://legal.un.org/avl/pdf/ha/ictr/ictr_a.pdf.‬‬
‫‪ 3‬عادل‪ ،‬مستاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.251‬‬
‫‪49‬‬
‫عام ‪ 1994‬إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة األشخاص المسؤولين عن ارتكاب جرائم اإلبادة‬

‫الجماعية في (رواندا)‪.1‬‬

‫أوال‪ :‬اختصاص المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪:‬‬

‫‪ -1‬االختصاص المكاني والزماني‪ :‬نصت المادة (‪ )1‬من النظام األساسي على أن االختصاص‬

‫المكاني لها يشمل الجرائم المرتكبة على إقليم دولة (رواندا) كاّفة‪ ،‬وهو ما يشمل اإلقليم البري‪،‬‬

‫والبحري‪ ،‬والجوي‪ ،‬وأقاليم الدول المجاورة التي تم ارتكاب تلك الجرائم عليها‪ ،‬إذ شهدت العديد‬

‫من الدول المجاورة لـ(روندا) عمليات نزوح من قبل أفراد جماعة (التوتسي)‪ ،‬وقد تعرض هؤالء‬

‫الالجئون إلى عمليات إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الجنائي؛ ما دفع بالمحكمة‬

‫لتمد اختصاصها المكاني إليهم‪.2‬‬


‫ّ‬

‫أما االختصاص الزماني للمحكمة‪ ،‬فيشمل الجرائم المرتكبة من تاريخ ‪( 1‬كانون الثاني)‪1994 ،‬‬

‫وحتى تاريخ ‪( 31‬كانون األول)‪ ،1994 ،‬وذلك حسب المادة (‪ )1‬من النظام‪.‬‬

‫‪ -2‬االختصاص الموضوعي والشخصي‪ :‬نص النظام األساسي على االختصاص الشخصي للمحكمة‬

‫في المادة (‪ ،)5‬والتي جاء فيها " يكون للمحكمة الدولية لرواندا اختصاص على األشخاص‬

‫الطبيعيين بموجب أحكام هذا النظام "‪ ،‬كما أكدت المادة (‪ )6‬منها المسؤولية الجنائية الفردية‬

‫لمحاكمة األشخاص أمام المحكمة‪.3‬‬

‫‪ 1‬شارف‪ ،‬مايكل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1‬‬


‫‪ 2‬العبادي‪ ،‬زياد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪ 3‬النظام األساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا) والمتخذ بموجب قرار مجلس األمن رقم ‪ 955‬لسنة ‪ 1994‬في جلسته رقم‬
‫‪ 3453‬المنعقدة بتاريخ ‪ 8‬تشرين الثاني ‪.1994‬‬
‫‪50‬‬
‫أما االختصاص الموضوعي‪ ،‬فقد امتد ليشمل مجموعة من الجرائم هي‪:1‬‬

‫‪ -1‬نصت المادة (‪ )2‬من النظام على اختصاص المحكمة بنظر جريمة إبادة األجناس‪ ،‬أو اإلبادة‬

‫الجماعية‪.‬‬

‫‪ -2‬نصت المادة (‪ )3‬من النظام على اختصاص المحكمة بنظر الجرائم ضد اإلنسانية‪.‬‬

‫انتهاكا للمادة (‪)3‬‬


‫ً‬ ‫‪ -3‬نصت المادة (‪ )4‬من النظام على اختصاص المحكمة بنظر الجرائم المرتكبة‬

‫المشتركة من اتفاقيات (جنيف)‪ ،‬واالنتهاكات الخاصة بالبروتوكول اإلضافي الثاني التفاقيات‬

‫(جنيف)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أجهزة المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪:‬‬

‫تتكون المحكمة من ثالثة أجهزة رئيسة نصت عليها المادة (‪ )10‬من النظام األساسي وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬دوائر المحكمة‪ :‬تتكون دوائر المحكمة من دائرتين رئيستين هما‪:2‬‬

‫أ‪ .‬دائرتا المحاكمة‪ :‬تحتوي كل من الدوائر على ‪ 3‬قضاة‪ ،3‬يتم انتخابهم من قبل الجمعية‬

‫العامة لألمم المتحدة‪.4‬‬

‫‪ 1‬المواد من (‪ ،) 2‬وحتى (‪ ) 5‬من النظام االساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪.‬‬


‫‪ 2‬الوليد‪ ،‬زوينة (‪ .)2013/2012‬جريمة اإلبادة الجماعية على ضوء االجتهاد القضائي للمحكمة الجنائية الدولية لـ(رواندا)‪ ،‬رساة‬
‫ماجستير‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ 3‬المادة (‪ )11‬من النظام االساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪.‬‬
‫‪ 4‬المادة (‪ )3/12‬من النظام االساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫ب‪ .‬دائرة االستئناف‪ :‬تحتوي دائرة االستئناف على خمسة قضاة‪ ،1‬نصت المادة (‪ )12‬من‬

‫الميثاق على أن قضاة االستئناف في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(يوغسالفيا) السابقة هم‬

‫أيضا جزء من قضاة دائرة االستئناف في المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪.2‬‬

‫‪ -2‬مكتب المدعي العام‪ :‬تتمثل مهام االدعاء العام في المحكمة بعملية التحقيق مع األشخاص‬

‫المسؤولين عن االنتهاكات الداخلة في اختصاص المحكمة‪ ،‬حيث يشمل ذلك التحقيق مع‬

‫المتهمين‪ ،‬وسماع الشهود‪ ،‬وجمع األدلة والبينات‪ ،‬واصدار مذكرات االعتقال للمتهمين‪ ،‬وغيرها‬

‫من األعمال التحقيقية الالزمة لتجهيز ملفات االدعاء العام‪ ،‬من أجل النظر فيها أمام دوائر‬

‫المحكمة‪ ،3‬ويعمل المدعي العام بصورة مستقلة عن باقي أجهزة المحكمة‪ ،‬أو أي دولة أو جهة‬

‫أخرى‪.4‬‬

‫‪ -3‬قلم المحكمة ‪ :‬تتمثل مهام قلم المحكمة بتقديم الخدمات اإلدارية والتنظيمية لكل من دوائر‬

‫المحكمة واالدعاء العام على حد سواء‪.5‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التقاضي أمام المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‬

‫منذ إنشاء المحكمة عام ‪ ،1994‬وحتى اليوم تتميز المحكمة باعتبارها أول محكمة دولية أصدرت‬

‫عاما عملت المحكمة طوال ‪5800‬‬


‫أحكاما بحق متهمين باإلبادة الجماعية في (رواندا)‪ ،‬فخالل ‪ً 20‬‬
‫ً‬

‫متهما‪ ،‬حكم على ‪ 61‬منهم بالسجن مدى‬


‫يوم عمل‪ ،‬واستمعت إلى ‪ 3000‬شاهد‪ ،‬وحوكم أمامهما ‪ً 93‬‬

‫‪ 1‬المادة (‪ )11‬من النظام االساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪.‬‬


‫‪ 2‬المادة (‪ )2/12‬من النظام االساسي للمحكمة الجنائية الخاصة بـ (رواندا)‪.‬‬
‫‪ 3‬الوليد‪ ،‬زوينة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫‪ 4‬المادة (‪ )15‬من النظام االساسي للمحكمة الجنائية الخاصة برواندا‪.‬‬
‫‪ 5‬المادة (‪ )16‬من النظام االساسي للمحكمة الجنائية الخاصة برواندا‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫الحياة لدورهم في القيام بأعمال اإلبادة الجماعية التي تم ارتكابها في (رواندا)‪ ،‬وحكم على ‪ 14‬منهم‬

‫بالبراءة‪ ،‬فيما تم إحالة ‪ 10‬من المتهمين إلى القضايا الوطنية الرواندية للنظر في قضاياهم أمامها‪.1‬‬

‫إن ما تتميز به المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪ ،‬ومن قبلها المحكمة الجنائية الخاصة‬

‫بـ(يوغسالفيا)‪ ،‬هو استمرار المحكمتين بالسير على خطى محاكم (نورمبرغ)‪ ،‬و(طوكيو) في ثتبيت‬

‫العديد من المبادئ الدولية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي الدولي‪ ،‬ولعل أبرزها المسؤولية الجنائية‬

‫الفردية‪ ،‬ومسؤولية كبار القادة والشخصيات‪.‬‬

‫لقد نظرت المحكمة الجنائية الخاصة بـ(رواندا)‪ ،‬في مجموعة عديدة من قضايا اإلبادة الجماعية ومن‬

‫أبرز تلك القضايا‪:‬‬

‫أوال‪ :‬قضية (جان بول أكاييسو)‪ :‬وجهت المحكمة إلى (جان بول أكاييسو)‪ ،‬الذي احتل منصب رئيس‬

‫بلدية مدينة (تابا)‪ ،‬التي شهدت مجموعة كبيرة من العمليات الجماعية لهذه الجريمة‪ ،‬واالغتصاب‪،‬‬

‫تهما باالبادة الجماعية والجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬حيث وجه االتهام‬


‫والقتل ألفراد جماعة (التوتسي)‪ً ،‬‬

‫إليه بتاريخ ‪( 9‬كانون الثاني)‪ ،1997 ،‬حيث استمرت محاكمة (جان بول أكايسو)‪ ،‬حتى (أيلول)‪،‬‬

‫‪ 1998‬وتم إدانته بارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬والتحريض المباشر والعلني عليها‪ ،‬حيث عمدت‬

‫المحكمة في هذه القضية إلى اعتماد التفسير الوارد في اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة‬

‫عليها لتفسير مفهوم جريمة اإلبادة الجماعية‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪UN tribunal on Rwandan genocide formally closes – major role in fight against impunity, 31‬‬
‫‪December (2015). see: https://news.un.org/en/story/2015/12/519212-un-tribunal-rwandan-‬‬
‫‪genocide-formally-closes-major-role-fight-against-impunity.‬‬
‫‪ 2‬شارف‪ ،‬مايكل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3-2‬‬
‫‪53‬‬
‫ثانيا‪ :‬قضية (جين كامباندا)‪ :‬وجهت المحمكة إلى (جين كامباندا)‪ ،‬الذي شغل منصب رئيس الوزراء‬

‫تهما بارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬وقد أقر المتهم بكونه رئيس الوزراء‬
‫المؤقت للحكومة الرواندية ً‬

‫باعتماد حكومته آلية ممنهجة وسياسية عسكرية محددة‪ ،‬تتوجه نحو القضاء على أفراد جماعة‬

‫(التوتسي)‪ ،‬من خالل شن الهجمات الممنهجة والمتتالية حسب السياسة العامة للحكومة‪ ،‬وأنه حرص‬

‫على تنفيذها وتوفير الوسائل المساعدة والداعمة لها كاّفة‪ ،‬سواء أكان ذلك من خالل التحريض المباشر‬

‫على وسائل االعالم‪ ،‬أو الزيارات الميدانية الشخصية‪.1‬‬

‫وقد أدانت المحكمة (جين كامباندا)‪ ،‬بارتكاب جرائم ضد اإلنسانية واإلبادة الجماعية‪ ،‬وحكم عليه‬

‫بالسجن مدى الحياة‪ ،‬وأكدت دائرة االستئناف هذا الحكم بتاريخ ‪( 19‬اكتوبر) ‪.22000‬‬

‫رسميا إغالقها في حفل بمقر عملها في (تنزانيا)‪( - ،‬أروشا)‪ ،‬بتاريخ ‪( 31‬كانون‬


‫ً‬ ‫وقد أعلنت المحكمة‬

‫األول)‪ ،2015 ،‬بحفل حضره األمين العام لألمم المتحدة وأعضاء المحكمة كاّفة‪.3‬‬

‫‪ 1‬العبادي‪ ،‬زياد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.125-122‬‬


‫‪2‬‬
‫‪KAMBANDA, Jean (ICTR-97-23), see https://unictr.irmct.org/en/cases/ictr-97-23.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Rwanda: International Tribunal Closing Its Doors Governments Should Bring Remaining‬‬
‫‪Genocide Suspects to Justice, December 23, 2015, see: https://www.hrw.org/news/2015/12/23/‬‬
‫‪rwanda-international-tribunal-closing-its-doors .‬‬
‫‪54‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫التصدي لجريمة اإلبادة الجماعية على مستوى المحكمة الجنائية الدولية‬

‫لقد شكلت المحكمة الجنائية الدولية نقطة تحول في القضاء الجنائي الدولي‪ ،‬إذ شكل إنشاءها انتقاال‬

‫من مرحلة المحاكم الجنائية الخاصة بكل حالة على حدة‪ ،‬وهو النهج الذي تم اتباعه منذ الحرب‬

‫العالمية األولى‪ ،‬كمحكمة (نورنمبرغ)‪ ،‬ومحمكة (طوكيو)‪ ،‬والمحكمة الجنائية الخاص بـ(سيراليون)‬

‫وغيرها‪ ،‬إذ مع دخول ميثاق (روما)‪ ،‬حيز النفاذ بتاريخ ‪( 1‬حزيران) ‪ ،2001‬باتت المحكمة الجنائية‬

‫الدولية هي الجسد القضائي الدولي المختص بمالحقة الجرائم المرتكبة كاّفة من جرائم الحرب‪ ،‬والجرائم‬

‫ضد اإلنسانية‪ ،‬واإلبادة الجماعية‪.‬‬

‫وألجل الوقوف على أبرز آليات عمل المحكمة‪ ،‬فسنتطرق في المطلب األول في هذا المبحث‪ :‬إلى دراسة‬

‫إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ودورها في مكافحة جريمة االبادة الجماعية‪ ،‬فيما سنتطرق في المطلب‬

‫الثاني‪ :‬إلى اآلليات الدولية المساعدة للمحكمة الجنائية الدولية في مكافحة جريمة اإلبادة الجماعية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إنشاء المحكمة الجنائية الدولية واختصاصها‬

‫أنشئت المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام (روما)‪ ،‬األساسي الذي تم اعتماده بتاريخ ‪( 17‬تموز)‬

‫‪ ،1998‬فيما بدأ نفاذ الميثاق بتاريخ ‪( 1‬حزيران)‪ 2001 ،‬حسب نص المادة (‪ )126‬من الميثاق‪،1‬‬

‫وقد جاء إنشاء المحكمة استجابة للمطالبات الدولية التي حرصت على ضمان عدم تهرب المتهمين‬

‫بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية من العقاب من جهة‪ ،‬وللمساعدة في أن تكون أداة فعالة‬

‫في إنهاء النزاعات المسلحة من خالل محاكمة المجرمين وتحقيق العدالة للضحايا‪ ،‬كما تساعد‬

‫نظام (روما) األساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد من قبل مؤتمر االمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء‬ ‫‪1‬‬

‫محكمة جنائية دولية‪ ،‬لالطالع ‪. http://hrlibrary.umn.edu/arab/icc.html‬‬


‫‪55‬‬
‫المحكمة الجنائية الدولية من جهة ثالثة على ترسيخ قي ٍم وأحكا ٍم رادعة لمنع تكرار ارتكاب الجرائم في‬

‫المستقبل خالل النزاعات المسلحة والحروب‪.1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬االختصاص المكاني والزماني للمحكمة الجنائية الدولية‬

‫لقد بين ميثاق (روما) االختصاص الذي يدخل ضمن صالحيات المحكمة‪ ،‬وسنتطرق أوال‪ :‬إلى‬

‫االختصاص المكاني والزماني‪ ،‬فيما سنتطرق ثانيا‪ :‬إلى االختصاص الموضوعي والشخصي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬االختصاص المكاني للمحكمة الجنائية الدولية‪ :‬إن ما يميز المحكمة في جزئية االختصاص‬

‫المكاني‪ ،‬هو أن اختصاصها دولي‪ ،‬فللمحكمة صالحية النظر في الجرائم الواقعة في مختلف دول‬

‫العالم‪ ،‬إال أن هنالك مجموعة من القواعد التي تحكم هذا االختصاص وهي‪:2‬‬

‫‪ -1‬تختص المحكمة مكانيا بنظر الجرائم التي تقع على أقاليم الدول األعضاء في ميثاق (روما)‪.3‬‬

‫‪ -2‬تختص المحكمة مكانيا بنظر الجرائم التي تقع على أقاليم الدول غير األعضاء في ميثاق‬

‫(روما)‪ ،‬إن قبلت تلك الدولة اختصاص المحكمة بنظر هذه الجرائم‪.4‬‬

‫‪ -3‬تختص المحكمة بنظر الجرائم التي يحيلها إليها مجلس األمن وفًقا للفصل السابع من ميثاق‬

‫األمم المتحدة‪ ،‬سواء أكانت الدولة الواقع على أرضها الجريمة طرًفا في ميثاق (روما)‪ ،‬أو ال‪.5‬‬

‫‪ 1‬اإلحاطة اإلعالمية األسبوعية الصادرة عن مكتب المدعي العام‪ 29 ،‬حزيران‪ 5-‬يوليو ‪ ،2010‬ع ‪ ،44‬ص‪ ،1‬لالطالع على‬
‫‪https://www.icc-cpi.int/NR/rdonlyres/A89CA531-CC0E-4D3A-9701-‬‬ ‫النص‬
‫‪09FD2D99042A/282457/29June5JulyARB.pdf‬‬
‫‪ 2‬جريمة اإلبادة الجماعية وآليات متابعتها في ظل القانون الدولي الجنائي‪ ،‬وليد بالدهان‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة العربي بن‬
‫مهيدي‪ ،‬ام البواقي‪-‬الجزائر‪ ،2018-2017 ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ 3‬المادة (‪ )2/4‬من ميثاق روما‪.‬‬
‫‪ 4‬الرمجع السابق نفسه‪.‬‬
‫بن الطيب‪ ،‬مهيدي (‪ .)2014/2013‬اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على ضوء القانون والممارسة‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫جامعة الجزائر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.141-140‬‬


‫‪56‬‬
‫ثانيا‪ :‬االختصاص الزماني للمحكمة الجنائية الدولية‪ :‬فيما يتعلق باالختصاص الزماني‪ ،‬فقد أخذ‬

‫ميثاق (روما)‪ ،‬بمبدأ عدم رجعية القوانين‪ ،‬أي أن المحكمة ال تختص بنظر الجرائم الداخلة في‬

‫اختصاصها والمرتكبة قبل تاريخ نفاذ ميثاق (روما)‪ ،‬وذلك حسب نص المادة (‪ )11‬من الميثاق وهو‬

‫‪( 1‬حزيران) ‪ ،2002‬أما بالنسبة للدول التي انضمت إلى الميثاق بعد تاريخ النفاذ‪ ،‬فإن اختصاص‬

‫المحكمة يقع على الجرائم التي تقع بعد تاريخ نفاذ الميثاق بالنسبة لتلك الدول‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االختصاص الموضوعي والشخصي للمحكمة الجنائية الدولية‬

‫أوال‪ :‬االختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية‪:‬‬

‫نظم ميثاق (روما) االختصاص الموضوعي للمحكمة في الباب الثاني‪ ،‬حيث نصت المادة (‪ )5‬على‬

‫أن " يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره‬

‫وللمحكمة بموجب هذا النظام األساسي النظر في الجرائم اآلتية‪:‬‬

‫أ‪‌ -‬جريمة اإلبادة الجماعية‪.‬‬

‫ب‪‌-‬الجرائم ضد اإلنسانية‪.2‬‬

‫‪ 1‬فريحة‪ ،‬محمد هشام (‪ .)2014/2013‬دور القضاء الدولي الجنائي في مكافحة الجريمة الدولية‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬جامعة محمد‬
‫خيضر‪ ،‬بسكرة‪-‬الجزائر‪ ،‬ص‪.266‬‬
‫‪ 2‬نظمت الجرائم ضد اإلنسانية في المادة (‪ )7‬من ميثاق (روما)‪ ،‬حيث اعتبر ميثاق (روما) أي جريمة من الجرائم اآلتية داخلة‬
‫تحت مفهوم الجرائم ضد اإلنسانية في حال ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق‪ ،‬أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان‬
‫المدنيين " (أ) القتل العمد؛ (ب) اإلبادة؛ (ج) االسترقاق؛ (د) إبعاد السكان أو النقل القسرى للسكان؛ (هـ) السجن أو الحرمان‬
‫الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية‪ ،‬بما يخالف القواعد األساسية للقانون الدولي؛ (و) التعذيب؛ (ز) االغتصاب‪ ،‬أو‬
‫االستعباد الجنسي‪ ،‬أو اإلكراه على البغاء‪ ،‬أو الحمل القسري‪ ،‬أو التعقيم القسري‪ ،‬أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي‬
‫على مثل هذه الدرجة من الخطورة‪( ،‬ح) اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان ألسباب سياسية‪ ،‬أو عرقية‪،‬‬
‫أو قومية‪ ،‬أو إثنية‪ ،‬أو ثقافية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعروف في الفقرة ‪ ،3‬أو ألسباب أخرى من المسلم‬
‫عالميا بأن القانون الدولي ال يجيزها‪ ،‬وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص‬
‫المحكمة؛ (ط) االختفاء القسري لألشخاص؛ (ي) جريمة الفصل العنصري؛ (ك) األفعال الالإنسانية األخرى ذات الطابع المماثل‬
‫التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة‪ ،‬أو في أذى خطير يلحق بالجسم‪ ،‬أو بالصحة العقلية أو البدنية"‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫ت‪‌-‬جرائم الحرب‪.1‬‬

‫‪ 1‬نظمت جرائم الحرب في المادة ‪ 8‬من ميثاق روما حيث اعتبر ميثاق روما اي جريمة من الجرائم التالية داخلة تحت مفهوم‬
‫جرائم الحرب في حال ارتكابها في اطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم " (أ)‬
‫االنتهاكات الجسيمة التفاقيات جنيف المؤرخة ‪ 12‬آب‪/‬أغسطس ‪ ،1949‬أي أي فعل من األفعال التالية ضد األشخاص أو‬
‫الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة‪ ”1“ :‬القتل العمد؛ “‪ ”2‬التعذيب أو المعاملة الالإنسانية‪ ،‬بما فى ذلك‬
‫إجراء تجارب بيولوجية؛ “‪ ”3‬تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة؛ "‪ "4‬إلحاق تدمير واسع النطاق‬
‫بالممتلكات واالستيالء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة؛ “‪ ”5‬إرغام أي‬
‫أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية؛ "‪ "6‬تعمد حرمان أي أسير حرب‬
‫أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية؛ "‪ "7‬اإلبعاد أو النقل غير المشروعين أو‬
‫الحبس غير المشروع؛ "‪ "8‬أخذ رهائن‪( .‬ب) االنتهاكات الخطيرة األخرى للقوانين واألعراف السارية على المنازعات الدولية‬
‫المسلحة‪ ،‬في النطاق الثابت للقانون الدولي‪ ،‬أي أي فعل من األفعال التالية‪ ”1“ :‬تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين‬
‫بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين ال يشاركون مباشرة في األعمال الحربية؛"‪ ”2‬تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية‪ ،‬أي المواقع‬
‫التي ال تشكل أهدافا عسكرية؛ “‪ ”3‬تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين‪ ،‬أو منشآت‪ ،‬أو مواد‪ ،‬أو وحدات‪ ،‬أو مركبات‬
‫مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة اإلنسانية‪ ،‬أو حفظ السالم عمال بميثاق األمم المتحدة ماداموا يستحقون الحماية التي‬
‫توفر للمدنيين‪ ،‬أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة؛ “‪ ”4‬تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن‬
‫خسائر تبعية في األرواح‪ ،‬أو عن إصابات بين المدنيين‪ ،‬أو عن إلحاق أضرار مدنية‪ ،‬أو عن إحداث ضرر واسع النطاق‪،‬‬
‫وطويل األجل‪ ،‬وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة؛‬
‫“‪ ”5‬مهاجمة أو قصف المدن‪ ،‬أو القرى‪ ،‬أو المساكن‪ ،‬أو المباني المعزولة التي ال تكون أهدافا عسكرية‪ ،‬بأية وسيلة كانت؛ “‪”6‬‬
‫قتل أو جرح مقاتل استسلم مختا ار‪ ،‬يكون قد ألقى سالحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع؛ "‪ "7‬إساءة استعمال علم الهدنة‪ ،‬أو علم‬
‫العدو‪ ،‬أو شارته العسكرية‪ ،‬وزيه العسكري‪ ،‬أو علم األمم المتحدة‪ ،‬أو شاراتها وأزيائها العسكرية‪ ،‬وكذلك الشعارات المميزة‬
‫التفاقيات (جنيف)‪ ،‬مما يسفر عن موت األفراد‪ ،‬أو إلحاق إصابات بالغة بهم؛ “‪ ”8‬قيام دولة االحتالل‪ ،‬على نحو مباشر أو‬
‫غير مباشر‪ ،‬بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى األرض التي تحتلها‪ ،‬أو إبعاد أو نقل كل سكان األرض المحتلة‪ ،‬أو أجزاء‬
‫منهم داخل هذه األرض أو خارجها؛ “‪ ”9‬تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة لألغراض الدينية‪ ،‬أو التعليمية‪ ،‬أو الفنية‪،‬‬
‫أو العلمية‪ ،‬أو الخيرية‪ ،‬واآلثار التاريخية‪ ،‬والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى‪ ،‬شريطة أال تكون أهدافا عسكرية؛ "‪"10‬‬
‫إخضاع األشخاص الموجودين تحت سلطة طرف معاد للتشويه البدنى أو ألي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي ال تبررها‬
‫المعالجة الطبية‪ ،‬أو معالجة األسنان‪ ،‬أو المعالجة في المستشفى للشخص المعنى‪ ،‬والتي ال تجرى لصالحه وتتسبب في وفاة‬
‫ذلك الشخص أو أولئك األشخاص‪ ،‬أو في تعريض صحتهم لخطر شديد؛ “‪ ”11‬قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو جيش‬
‫معاد أو إصابتهم غدرا؛ "‪ "12‬إعالن أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة؛ “‪ ”13‬تدمير ممتلكات العدو أو االستيالء عليها ما لم‬
‫يكن هذا التدمير أو االستيالء مما تحتمه ضرورات الحرب؛ "‪ "14‬إعالن أن حقوق ودعاوى رعايا الطرف المعادى ملغاة أو‬
‫معلقة‪ ،‬أو لن تكون مقبولة في أية محكمة؛ “‪ ”15‬إجبار رعايا الطرف المعادى على االشتراك في عمليات حربية موجهة ضد‬
‫بلدهم‪ ،‬حتى وإن كانوا قبل نشوب الحرب في خدمة الدولة المحاربة؛“‪ ”16‬نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم االستيالء عليه‬
‫عنوة؛ "‪ "17‬استخدام السموم أو األسلحة المسممة؛ "‪ "18‬استخدام الغازات الخانقة‪ ،‬أو السامة‪ ،‬أو غيرها من الغازات‪ ،‬وجميع ما‬
‫في حكمها من السوائل‪ ،‬أو المواد أو األجهزة؛ "‪ "19‬استخدام الرصاصات التي تتمدد أو تتسطح بسهولة في الجسم البشرى‪ ،‬مثل‬
‫الرصاصات ذات األغلفة الصلبة التي ال تغطى كامل جسم الرصاصة أو الرصاصات المحززة الغالف؛ "‪ "20‬استخدام أسلحة‬
‫أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية تسبب== ==بطبيعتها أض ار ار زائدة‪ ،‬أو آالما ال لزوم لها‪ ،‬أو أن تكون عشوائية بطبيعتها‬
‫بالمخالفة للقانون الدولي للمنازعات المسلحة‪ ،‬بشرط أن تكون هذه األسلحة والقذائف والمواد‪ ،‬واألساليب الحربية موضع حظر‬
‫‪58‬‬
‫د‪-‬جريمة العدوان"‪.‬‬

‫وكما أشرنا سابقا فقد اعتبرت المادة ‪ 5‬والمادة ‪ 6‬من الميثاق أنجريمة االبادة الجماعية تدخل ضمن‬

‫االختصاص الموضوعي للمحكمة‪ ،‬وبالتالي يحق للمحكمة أن تنظر في كافة القضايا التي قد تضم‬

‫فعال أو أكثر من األفعال التي تعتبر جزء من جريمة االبادة الجماعية‪ ،‬وهي األفعال التي أشرنا إليها‬

‫في الفصل االول من هذه الدراسة وإليها نشير‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االختصاص الشخصي للمحكمة الجنائية الدولية‪ :‬أما االختصاص الشخصي للمحكمة الجنائية‬

‫الدولية فقد تمت اإلشارة إليه في المادة ‪ 25‬و‪ 26‬وفقا لآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬ال تنظر المحكمة إال في قضايا األشخاص الطبيعيين ما يعني أن الدول ال تحاكم أمامها‪.1‬‬

‫‪ -2‬ال اختصاص للمحكمة لجنائية على أي فرد اقل من ثمانية عشرة سنة‪.2‬‬

‫شامل‪ ،‬وأن تدرج في مرفق لهذا النظام األساسي‪ ،‬عن طريق تعديل يتفق واألحكام ذات الصلة الواردة في المادتين ‪123 ،121‬؛‬
‫"‪ "21‬االعتداء على كرامة الشخص‪ ،‬وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة؛ "‪ "22‬االغتصاب أو االستعباد الجنسي أو‬
‫اإلكراه على البغاء‪ ،‬أو الحمل القسري على النحو المعرف في الفقرة ‪( 2‬و) من المادة ‪ ،7‬أو التعقيم القسري‪ ،‬أو أي شكل آخر‬
‫من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضا انتهاكا خطي ار التفاقيات (جنيف)؛ "‪ "23‬استغالل وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين‬
‫متمتعين بحماية إلضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نقاط‪ ،‬أو مناطق‪ ،‬أو قوات عسكرية معينة؛ "‪ "24‬تعمد توجيه‬
‫هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل واألفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات (جنيف)‬
‫طبقا للقانون الدولي؛ "‪ "25‬تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي ال غنى عنها لبقائهم‪ ،‬بما‬
‫في ذلك تعمد عرقلة اإلمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات (جنيف)؛ "‪ "26‬تجنيد األطفال دون الخامسة‬
‫عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية‪ ،‬أو استخدامهم للمشاركة فعليا في األعمال الحربية؛ (ج) في حالة‬
‫وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي‪ ،‬االنتهاكات الجسيمة للمادة ‪ 3‬المشتركة بين اتفاقيات (جنيف) األربع المؤرخة ‪12‬‬
‫آب‪/‬أغسطس ‪ ،1949‬وهى أي من األفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكا فعليا في األعمال الحربية‪ ،‬بما‬
‫في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا سالحهم وأولئك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو اإلصابة أو‬
‫االحتجاز أو ألي سبب آخر"‪.‬‬
‫‪ 1‬فريحة‪ ،‬هشام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.262‬‬
‫‪ 2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.262‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ -3‬تتبع المحكمة نظرية المسؤولية الجنائية الفردية‪ ،‬وبالتالي فإن الشخص المرتكب للجريمة يكون‬

‫مسؤوال عنها جنائيا بصورة فردية وذلك في الحاالت التالية‪:1‬‬

‫أ‪ .‬ارتكب الجريمة‪ ،‬أكان ذلك بصفته الفردية أو باالشتراك مع الغير‪ ،‬أو عن طريق استعمال‬

‫شخص آخر أكان ذلك الشخص اآلخر مسؤوال جنائيا‪.2‬‬

‫ب‪ .‬األمر أو اإلغراء بارتكاب أو الحث على ارتكاب الجريمة أو الشروع في ارتكابها‪.3‬‬

‫ج‪ .‬تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب الجريمة أو‬

‫الشروع في ارتكابها‪.4‬‬

‫د‪ .‬المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من األشخاص يعملون بقصد مشترك‪ ،‬بارتكاب‬

‫هذه الجريمة‪ ،‬أو الشروع في ارتكابها‪ ،‬على أن تكون هذه المساهمة متعمدة‪.5‬‬

‫‪ -4‬فيما يخص ارتكاب هذه الجريمة ال بد من اإلشارة إلى أن عملية الحث المباشر والعلني على‬

‫جنائيا أمام المحكمة الجنائية الدولية‬


‫ً‬ ‫ارتكابها تعتبر ضمن األفعال التي يتم مساءلة الفرد‬

‫بخصوصها‪.6‬‬

‫‪ 1‬طيب بن مهيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89‬‬


‫‪ 2‬المادة ‪/3/25‬أ من ميثاق روما‪.‬‬
‫‪ 3‬المادة ‪/3/25‬ب من ميثاق روما‪.‬‬
‫‪ 4‬المادة ‪/3/25‬ج من ميثاق روما‪.‬‬
‫‪ 5‬المادة ‪/3/25‬د من ميثاق روما‪.‬‬
‫المحكمة الجنائية الدولية‪ :‬صحيفة الوقائع ‪ ،3‬المالحقة القضائية لمرتكبي جرائم االبادة الجماعية‪ ،‬وثيقة رقم ‪،40/04/00‬‬ ‫‪6‬‬

‫مشروع العدالة الدولية التابع للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬صادرة بتاريخ ‪ 1‬آب ‪ ،2000‬ص‪.2‬‬
‫‪60‬‬
‫‪ -5‬فيما يخص اختصاص المحكمة في حاالت الشروع في ارتكاب الجريمة‪ ،‬فإن هنالك مجموعة‬

‫من األفعال التي تدخل ضمن عملية الشروع التي يتم محاكمة األفراد عليها أمام المحكمة الجنائية‬

‫الدولية وهي‪:1‬‬

‫أ‪ .‬عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذ الجريمة بخطوة ملموسة‪ ،‬ولكن لم تقع الجريمة لظروف‬

‫غير ذات صلة بنوايا الشخص‪.2‬‬

‫ب‪ .‬الشخص الذي يكف عن بذل أي جهد الرتكاب الجريمة‪ ،‬أو يحول بوسيلة أخرى دون إتمام‬

‫الجريمة‪ ،‬ال يكون عرضه للعقاب بموجب هذا النظام األساسي على الشروع في ارتكاب‬

‫الجريمة‪ ،‬إذا هو تخلى تماما وبمحض إرادته عن الغرض اإلجرامي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬جريمة اإلبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية‬

‫تعتبر العملية القضائية أمام المحكمة عملية طويلة ومتتابعة‪ ،‬وذلك بالنظر إلى حساسية القضايا‬

‫المنظورة أمامها‪ ،‬وفي هذا الفرع في الفرع األول‪ :‬سنتطرق إلى سير العملية القضائية‪ ،‬أما في الفرع‬

‫الثاني‪ :‬سنتطرق إلى قضاياها أمام المحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬سير العملية القضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية‬

‫إن الخطوة األولى التي يلجأ المدعي العام للمحكمة إلى القيام به قبل التوجه إلى دوائرها ورفع القضايا‬

‫أمامها للنظر فيها‪ ،‬هو البحث والتحري حول وجود أدلة قادرة على إثبات ارتكاب الجرائم أوال‪ ،‬وأدلة‬

‫كافية على أن هذه الجرائم المرتكبة هي في األصل ضمن اختصاص المحكمة‪ ،‬كما ال بد من التأكد‬

‫‪ 1‬المادة ‪/3/25‬و من ميثاق روما‪.‬‬


‫المحكمة الجنائية الدولية‪ :‬صحيفة الوقائع ‪ ،3‬المالحقة القضائية لمرتكبي جرائم االبادة الجماعية‪ ،‬وثيقة رقم ‪،40/04/00‬‬ ‫‪2‬‬

‫مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.3‬‬


‫‪61‬‬
‫أن المحاكم الوطنية لم تقم باتخاذ أي نوع من اإلجراءات القانونية بحق المتهمين بهذه الجرائم بالنظر‬

‫إلى أن القضاء الجنائي الدولي‪ ،‬هو قضاء مكمل للقضاء الجنائي الوطني باالستناد إلى مبدأ التكامل‪،‬‬

‫وفي حالة تخلف أحد العناصر والمتطلبات السابقة‪ ،‬فإن القضية ال يتم رفعها أمام المحكمة الدولية‪.1‬‬

‫إن الخطوة الثانية التي يقوم بها المدعي العام المحكمة الجنائية الدولية بعد جمع كافة األدلة االتية‬

‫يحتاجها لبدأ التحقيقات‪ ،‬هو فتح تحقيق رسمي في الجرائم‪ ،‬وفي هذه المرحلة يحق للمدعي العام أن‬

‫يقوم باتخاذ الوسائل واألدوات كاّفة والتي تساعده في التحقيق سواء أكان ذلك من خالل طلب مساعدة‬

‫الدولة التي وقعت فيها الجرائم‪ ،‬أو طلب المساعدة من المحكمة الجنئاية نفسها باستصدار أوامر‬

‫التفتيش واالعتقال وغيرها من األدوات المساعدة في التحقيق‪ ،‬حيث يهدف المدعي العام من وراء‬

‫هذا التحقيق إلى بناء ملف تحقيقي يشكل كافة األدلة التي تثبت ارتكاب الجريمة بصورة مفصلة‪ ،‬ال‬

‫وشخصيا‪ ،‬وبالتالي‬
‫ً‬ ‫موضوعا‬
‫ً‬ ‫تترك مجاال للشك بأن هذه الجرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة‬

‫رفع الملف أمام المحكمة الجنائية من أجل النظر فيه حسب األصول والقانون‪.2‬‬

‫إن الخطوة الثالثة تشمل رفع الملف التحقيق الذي جمعه المدعي العام إلى قضاة المرحلة التمهيدية‪،‬‬

‫وهم ثالثة قضاة يعملون على دراسة الملف التحقيقي‪ ،‬والتثبت من هويات المتهمين وشخصياتهم‪،‬‬

‫ويعملون خاللها على االستماع إلى أدلة االتهام والدفاع على حد سواء‪ ،‬وذلك في فترة تمتد حتى ‪60‬‬

‫يوما‪ ،‬يتوجب عليهم في نهايتها تقرير ما إن كانت األدلة المقدمة من المدعي العام كافية لتوجيه تهم‬
‫ً‬

‫رسمية إلى المتهمين‪.3‬‬

‫‪ 1‬المادة ‪ 35‬من ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬الباب الخامس "التحقيق والمقاضاة"‪.‬‬
‫‪ 2‬المادة ‪ 54‬من ميثاق روما‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪How the Court works, see https://www.icc-cpi.int/about/how-the-court-works.‬‬
‫‪62‬‬
‫تشمل الخطوة الرابعة رفع ملف الدعوى مباشرة أمام المحكمة التي تتكون من ثالثة قضاة ينظرون‬

‫في األدلة المقدمة‪ ،‬حيث يستمعون للدفاع واالدعاء على حد سواء‪ ،‬وتنتهي بالحكم إما بالبراءة‪ ،‬أو‬

‫اإلدانة للمتهمين‪ ،‬وذلك استناد إلى أدلة وبينات كل من الطرفين‪ ،‬وال يمكن القول‪ :‬إن هنالك فترة‬

‫زمنية محددة لنظر القضايا أمام المحكمة الجنائية‪ ،‬إذ تختلف كل قضية حسب مقتضياتها‬

‫ومتطلباتها‪.1‬‬

‫وتتمثل العقوبات التي تقوم المحكمة بالنص عليها إما بالسجن لفترة أقصاها ‪ 30‬سنة‪ ،‬أو السجن‬

‫المؤبد حسب خطورة الجريمة المرتكبة‪ ،‬كما تأمر المحكمة بالتعويضات على المتهم‪.2‬‬

‫تتمثل الخطوة الخامسة عملية الطعن واستئناف األحكام الصادرة عن المحكمة‪ ،‬إذ يحق لكل من‬

‫االدعاء العام والمتهم استئناف األحكام الصادرة‪ ،‬حيث تنظر في االستئناف هيئة مكونة من خمسة‬

‫قضاة غير القضاة الذين نظروا الدعوى للمرة األولى‪ ،‬ويحكمون إما باإلبقاء على الحكم كما هو‪ ،‬أو‬

‫بتعديله أو عكسه‪ ،‬ويكون حكمهم في هذه المرحلة باتا ونهائيا‪.3‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬قضايا اإلبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية‬

‫على الرغم من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية منذ عام ‪ ،2001‬إال أنها وحتى اليوم لم توجه تهم‬

‫اإلبادة الجماعية الداخلة في اختصاصها سوى في حالة واحدة‪ ،‬وهي حالة الرئيس السوداني السابق‬

‫عمر البشير‪.‬‬

‫‪ 1‬المادة ‪ 75‬و‪ 76‬من ميثاق روما‪.‬‬


‫‪ 2‬المادة ‪ 77‬من ميثاق روما‬
‫‪ 3‬المادة ‪ 80‬و‪ 81‬من ميثاق روما‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫إذ قام األمين العام السابق لألمم المتحدة (كوفي عنان)‪ ،‬بتاريخ ‪( 5‬كانون الثاني) ‪ ،2005‬بتشكيل‬

‫جنة تحقيق دولية خاصة ب(دارفور)‪ ،‬من أجل التحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد‬

‫اإلنسانية في اإلقليم السوداني‪ ،‬وقد أوصت اللجنة في تقريرها المرفوع لمجلس األمن بإحالة الحالة‬

‫إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق‪ ،‬وبناء على هذا أحال مجلس األمن بموجب المادة (‪ )13‬من‬

‫ميثاق (روما)‪ ،‬والتي تخوله إحالة القضايا للمحكمة من أجل النظر فيها‪ ،1‬قضية (دارفور) إلى‬

‫المحكمة الدولية من أجل التحقيق بموجب القرار رقم (‪ )1593‬بتاريخ ‪( 31‬آذار) ‪.22005‬‬

‫وبناء على أمر اإلحالة فقد بدأ المدعي العام العام للمحكمة بالتحقيق في شبهات وادعاءات ارتكاب‬

‫جرائم في إقليم (دارفور)‪ ،‬حيث رأت الدائرة التمهيدية بعد التحقيقات واالطالع على األدلة والبينات‬

‫المقدمة لها أن عمر البشير قد تصرف بنية جرمية خاصة موجهة نحو إهالك جماعات (الفور)‪،‬‬

‫و(المساليت)‪ ،‬و(الزغاوة) إهالكا جز ًئيا‪.‬‬

‫وبالتالي فقد رأت أن هنالك أسبابا معقولة لالعتقاد بأن عمر البشير مسؤول جنائيا عن هذه الجريمة‬

‫بحق الجماعات اإلثنية المذكورة في إقليم (دارفور)‪ ،3‬وقد تم إصدار ق اررين بالقبض على عمر البشير‪،‬‬

‫األول بتاريخ ‪( 4‬آذار)‪ ،2009 ،‬والثاني بتاريخ ‪( 12‬تموز) ‪ ،2010‬ولم يتم تنفيذ أي من هذين‬

‫الق اررين وما تزال الدعوى معلقة بانتظار تنفيذ األمرين ‪.4‬‬

‫صالح سعود الرقاد (‪ .)2015‬جريمة اإلبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية‪-‬إقليم دارفور نموذجا‪ ،‬مجلة المنارة‬ ‫‪1‬‬

‫للبحوث والدراسات‪ ،‬م ‪ ،21‬ع ‪ ،4‬يناير‪ ،‬ص‪.373‬‬


‫‪ 2‬ورقة معلومات أساسية‪ ،‬الحالة في دارفور بالسودان‪ ،‬المدعي العام ضد عمر حسن احمد البشير‪ ،‬ص ‪ ،2‬لالطالع على النص‬
‫الكالمل ‪. https://www.icc-cpi.int/CaseInformationSheets/AlBashirAra.pdf‬‬
‫‪ 3‬ورقة معلومات أساسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ 4‬ورقة معلومات أساسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪64‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫جريمة اإلبادة الجماعية في السياق الفلسطيني‬

‫تعتبر الجريمة قيد الدراسة واحدة من الجرائم الخطرة‪ ،‬وإلى جوار ذلك فهي جريمة بحاجة إلى مجموعة‬

‫من الشروط والظروف الخاصة التي ال بد من تواجدها قبل أن يتم الحكم بوقوعها أم ال‪ .‬في هذا‬

‫السياق‪ ،‬فالعديد من الدراسات حاولت أن تربط ما يدحث في فلسطين بالجريمة قيد الدراسة‪ ،‬إال أن‬

‫هذه المحاوالت ما تزال حتى اليوم تواجه العديد من العقبات‪ .‬وفي هذا المبحث‪ ،‬فإننا سنتطرق إلى‬

‫دراسة اإلبادة الجماعية في السياق الفلسطيني‪ ،‬وفي المطلب األول‪ :‬سنعمل على تناول جريمة اإلبادة‬

‫في فلسطين‪ ،‬فيما سنتناول في المطلب الثاني‪ :‬اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬جريمة اإلبادة الجماعية في فلسطين‬

‫لقد ارتكبت قوات االحتالل اإلسرائيلي العديد من الجرائم والمذابح منذ عام ‪ 1984‬ضد الفلسطينيين‬

‫وهي جرائم ترتقي في العديد منها إلى مستوى جرائم الحرب أو الجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬ولكن عندما‬

‫يتعلق األمر بالجريمة قيد الدراسة فليس هنالك اتفاق قانوني حول انطباق جريمة اإلبادة الجماعية‬

‫من عدمها‪.1‬‬

‫إذ يرى بعض الفقهاء أن السياسات والممارسات التي تتبعها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني يمكنها‬

‫أن ترتقي إلى مستوى اإلبادة الجماعية بدءا من عملية التهجير القسري والجماعي في ‪ 1948‬مرو ار‬

‫‪1‬‬
‫‪Center for Constitutional Rights.2016. The Genocide of the Palestinian People: An International‬‬
‫‪Law and Human Rights Perspective. P1. https://ccrjustice.org/genocide-palestinian-people-‬‬
‫‪international-law-and-human-rights-perspective.‬‬
‫‪Beckerman, G. 2011. Top Genocide Scholars Battle Over How To Characterize Israel’s Actions.‬‬
‫‪To see the whole article, https://forward.com/news/135484/top-genocide-scholars-battle-over-‬‬
‫‪how-to-character/‬‬
‫‪65‬‬
‫بالعمليات العسكرية والحروب التي تم نشها على غزة تصريحات المسؤولين االسرائيليين التي تدعو‬

‫إلى القضاء بشكل صريح على الفلسطينيين‪.1‬‬

‫فبالنظر إلى مصطلح اإلبادة الجماعية يتوجه الباحثون إلى فهمه ضمن سياق تاريخي واجتماعي‬

‫وسياسي قائم على كونه نوع من العنف الجماعي الذي يطغى عليه صبغة سياسية ضمن النزاعات‬

‫والحروب المسلحة‪ ،2‬إضافة إلى ذلك فهي جريمة تختلف عن غيرها بكونها ال تتوقف عند حدود‬

‫احتواء السكان أو السيطرة عليهم أو التحكم بهم‪ ،‬بل أيضا تسعى إلى تدمير والقضاء على وجودهم‬

‫وتفكيكه بالكامل‪.3‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬ينظر إلى ممارسات اسرائيل ضد الفلسطينيين على أنها سياسات تهدف وتسعى‬

‫بصورة أساسية إلى القضاء على الشعب الفلسطيني وتدميره بصورة كاملة‪ ،‬ما يجعلها ترتقي إلى‬

‫مستوى الجريمة قيد الدراسة‪.‬‬

‫إحدى أبرز النقاشات التي دارت حول انطباق الجريمة قيد الدراسة في فلسطين هو التهجير الجماعي‬

‫للفلسطينيين عام ‪ 1948‬والتي ترتب عليها تهجيز أكثر من ‪ 70000‬ألف شخص ومنعهم من لعودة‬

‫إلى ديارهم التي تم االستيالء عليها ما شكل حتى اليوم واحدة من أبرز موجات اللجوء المستدامة في‬

‫العالم‪.4‬‬

‫‪Center for Constitutional Rights.2016, p1 1‬‬


‫‪ 2‬مارك ليفاين وإيريل شيفيتس‪ .2019 .‬فلسطين وإسرائيل وسردية اإلبادة الجماعية‪ .‬المستقبل العربي‪ .‬ع ‪ .473‬ص ‪21-20‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Center for Constitutional Rights. 2016, p2.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Beckerman, 2011, see https://forward.com/news/135484/top-genocide-scholars-battle-over-‬‬
‫‪how-to-character/‬‬
‫‪66‬‬
‫إذ يرى عالم االجتماع مارتن شو أن الصهيونية تضمنت في قيامها سياسة قائمة على اإلبادة‬

‫الجماعية تجاه المجتمع العربي‪ ،1‬وعلى الرغم من عدم وجود سياسات واضحة منذ البادية إال أنها‬

‫تطورت بصورة مستمرة في سياق الحرب‪ ،2‬وبالتالي يرى شو أن سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين‬

‫يمكن اعتبارها امتدادا لسياسات اإلبادة الجماعية التي بدأت في عام ‪ .31948‬حيث يرى شو في هذا‬

‫اإلطار أن النية اإلسرائيلية في عام ‪ 1948‬كانت متواجدة ومتوجهة بصورة مباشرة نحو القضاء على‬

‫الشعب الفلسطيني من منطلقي تطهير عرقي وعقلية اإلبادة الجماعية التي تقوم على القومية‬

‫الصهيونية بصورة مركزية‪.4‬‬

‫في ذات السياق يرى فرانسيس بول أن "الفلسطينيين كانوا ضحايا اإلبادة الجماعية على النحو المحدد‬

‫في اتفاقية عام ‪ 1948‬بشأن منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها"‪.5‬‬

‫في مقابل رؤية مارتن شو حول وجود عملية إبادة جماعية في ‪ ،1948‬يرى عمر بارتوف أن ما‬

‫حدث يمكن وصفه بشكل من أشكال التطهير العرقي‪ ،‬ولكنه ال يمكن أن يرتقي إلى مستوى اإلبادة‬

‫الجماعية‪ .6‬فيما يعتبر إسرائيل شارني أن اتهام إسرائيل بارتكاب اإلبادة الجماعية ضد الفلسطينيين‬

‫يندرج في سياق معادات السامية والتعدي على إسرائيل‪.7‬‬

‫‪ 1‬ليفاين وشفيتس‪ ,2019 .‬مرجع سابق الذكر‪ .‬ص ‪.29-28‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Center for Constitutional Rights.2016, p4, Beckerman, 2011, see https://forward.com/news/‬‬
‫‪135484/top-genocide-scholars-battle-over-how-to-character/ .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Beckerman, 2011, see https://forward.com/news/135484/top-genocide-scholars-battle-over-‬‬
‫‪how-to-character/‬‬
‫‪ 4‬ليفاين وشفيتس‪ ,2019 .‬مرجع سابق الذكر‪ .‬ص‪.29-28‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Center for Constitutional Rights.2016, p 4.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Beckerman, 2011, see https://forward.com/news/135484/top-genocide-scholars-battle-over-‬‬
‫‪how-to-character/.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Beckerman, 2011, see https://forward.com/news/135484/top-genocide-scholars-battle-over-‬‬
‫‪how-to-character/.‬‬
‫‪67‬‬
‫في إطار آخر‪ ،‬يمكن النظر إلى العديد من السياسات التي تم اتباعها من قبل إسرائيل في مرحلة ما‬

‫بعد عام ‪ 1948‬على أنها ممارسات مندرجة تحت إطار الجريمة قيد الدراسة‪.‬‬

‫فمن صور الجريمة "قتل أعضاء من الجماعة"‪ ،‬وهو ما يمكن النظر إليه في العديد من المجازر‬

‫والمذابح التي تم ارتكابها من قبل القوات اإلسرائيلية مثل مجزرة دير ياسين عام ‪ ،1948‬ومجزرة‬

‫مخيم جنين ‪ 2002‬وغيرها‪ .1‬فيما صدر قرار من الجمعية العامة لألمم المتحدة عام ‪ 1982‬اعتبر‬

‫بموجبه أن ما قامت به إسرائيل في ومجزرة صب ار وشاتيال عام ‪ 1982‬هو جريمة إبادة جماعية‪.2‬‬

‫كما يندرج تحت صور اإلبادة الجماعية اخضاع أفراد الجماعة عمدا لظروف معيشية بقصد إهالكها‬

‫الفعلي كليا أو جزئيا‪ ،‬وهو ما يمكن اسقاطه على الحصار اإلسرائيلي على قطاع غزة والمستمر منذ‬

‫عام ‪ ،32006‬والذي قاد إلى حرمان السكان في غزة من التنمية ودفعها نحو حافة الفقر وانعدام االمن‬

‫الغذائي‪ .4‬فخالل الحروب الثالث التي شنتها إسرائيل على القطاع تم قتل ‪ 900‬شخص في حرب‬

‫‪ ،2008‬وألف شخص في حرب ‪ ،2014‬وهي أرقام ال يمكن غض النظر عنها ال سيما في ظل عدم‬

‫وجود خلفية عسكرية أو دفاعية قائمة ال سيما عند التدث عن مبدأ التناسب ما بين الفعل ورد الفعل‬

‫الدفاعي عليه في القانون الدولي‪.5‬‬

‫في حزيران ‪ ،2012‬تم تقديم بيان خطي مشترك من قبل المنظمة الدولية للقضاء على جميع أشكال‬

‫التمييز العنصري‪ ،‬جمعية "معونة لحقوق اإلنسان والهجرة"‪،International- Lawyers.Org ،‬‬

‫‪ 1‬ربيع‪ ،‬زياد (‪ .)2014‬جرائم اإلبادة الجماعية‪ .‬مجلة دراسات دولية‪ .‬ع ‪ .59‬ص‪.114-113‬‬
‫عبد العظيم أحمد عبد العظيم‪ .2014 .‬اإلبادة الجماعية في فلسطين‪ :‬دراسة في جغرافية الجريمة‪ .‬بحث مقدم إلى ندورة‬ ‫‪2‬‬

‫جغرافية الجريمة‪ .‬كلية اآلداب‪-‬جامعة المينا‪ .‬مصر‪ .‬ص‪.4‬‬


‫‪ 3‬ربيع (‪ .)2014‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪ 4‬ليفاين وشفيتس (‪ ،)2019‬مرجع سابق الذكر‪ .‬ص‪.31‬‬
‫‪ 5‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫اتحاد الحقوقيين العرب‪ ،‬وكالة المدن المتحدة للتعاون بين الشمال والجنوب‪ ،‬المنظمات الحكومية ذات‬

‫المركز االستشاري الخاص‪ ،‬منظمة التنمية التعليمية الدولية‪ ،‬مجلس السالم العالمي‪ ،‬المنظمات غير‬

‫الحكومية المدرجة في القائمة لألمين العام لألمم المتحدة أشاروا فيه إلى إمكانية وقوع جرائم ضد‬

‫الغنسانية وجرائم الفصل العنصري وجريمة اإلبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في االحداث التي بدأت‬

‫من ‪ 10‬أيار ‪.2021‬‬

‫حيث أظهرت الصور ووسائل االعالم شن القوات اإلسرائيلية لغارات جوية مميت على المدنيين في‬

‫قطاع غزة في انتهاك واضح للقانون اإلنساني‪ ،‬ما ترتب عليه مقتل وجرح المئات من المدنيين من‬

‫بينهم ‪ 67‬طفال‪ ،‬ونزوح أكثر من سبعين ألف مدني من مناطق سكنهم وتدمير آالف المنازل‪.1‬‬

‫حيث ترى هذه المنظمات أن السياسات التي تتبعها إسرائيل تقوم على عقود من التمييز ضد‬

‫الفلسطينيين والتهريب والمعاملة الال إنسانية والعنف المفرط‪ ،‬حيث تسعى هذه الممارسات إلى إخالء‬

‫آاللف الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية‪ ،‬فيما ما ما يزال مليوني فلسطيني موجودين ضمن‬

‫حصار خانق في قطاع غزة مع حرمانهم من أبسط ضروريات الحياة‪.2‬‬

‫وبالنظر إلى طبيعة جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬وهي جريمة عمدية‪ ،‬تقوم على وجود نية مسبقة وتخطيط‬

‫واضح من قبل الجناة على التخلص من الضحايا بإحدى الصور التي سبق وأن تطرقنا إليها‪ ،‬فال‬

‫‪1‬‬
‫‪Joint written statement submitted to The Secretary-General by the International Organization‬‬
‫‪for the Elimination of All Forms of Racial Discrimination, Association Ma'onah for Human‬‬
‫‪Rights and Immigration, International-Lawyers.Org, Union of Arab Jurists, United Towns‬‬
‫‪Agency for North-South Cooperation, non-governmental organizations in special consultative‬‬
‫‪status, International Educational Development, Inc., World Peace Council, non-governmental‬‬
‫‪organizations on the roster. 25 June 2021. Presented to the Human Rights Council, p 2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Joint written statement submitted to The Secretary-General by the International Organization for‬‬
‫‪the Elimination of All Forms of Racial Discrimination, Association Ma'onah for Human Rights‬‬
‫‪and Immigration, International-Lawyers.Org, Union of Arab Jurists, United Towns Agency for‬‬
‫‪North-South Cooperation, non-governmental organizations in special consultative status,‬‬
‫‪International Educational Development, Inc., World Peace Council, non-governmental‬‬
‫‪organizations on the roster. 25 June 2021. Presented to the Human Rights Council, p 3.‬‬
‫‪69‬‬
‫يمكن تجاهل حقيقة أن ما قامت به إسرائيل منذ عام ‪ 1948‬من تهجيز وقتل وإخضاع السكان‬

‫الفلسطينيين لظروف معيشية قاسية بقصد تهجيرهم أو القضاء عليها قد تمت بتخطيط مسبق‪ ،1‬ال‬

‫سيما في ظل الظروف التاريخية التي قادت إلى إنشاء دولة إسرائيل بدءا من وعد بلفور‪.‬‬

‫إلى جوار ذلك‪ ،‬فإن العديد من المذابح والمجازر التي قامت بها إسرائيل كانت تتم بصورة مخطط‬

‫لها مسبقا بهدف قتل وتجهيز الفلسطينيين من خالل جماعات ومنظمات إسرائيلية منظمة أكانت هذه‬

‫المنظمات مندرجة تحت إطار النظام في إسرائيل أو مستقلة عنه‪.2‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين‬

‫إن الغاية األساس من وراء إنشاء المحكمة الجنائية الدولية هو مالحقة الجرائم الدولية المرتكبة في‬

‫مناطق النزاع‪ ،‬ومحاسبة المسؤولين عن ارتكابها بهدف تحقيق العدالة للضحايا‪.‬‬

‫وقد دفع الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني منذ عام ‪ 1948‬والجرائم العديدة التي تم ارتكابها‬

‫ضده من قبل القوات اإلسرائيلية طوال سنوات من االحتالل العسكري به ليوجه نظره صوب المحكمة‬

‫الجنائية الدولية باعتبارها أداة محاسبة قادرة على تحقيق العدالة للضحايا ومساءلة مرتكبي هذه الجرائم‪.‬‬

‫لم يكن انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية مهمة سهلة المنال‪ ،‬إذ مرت هذه العملية بمراحل‬

‫عديدة‪.‬‬

‫‪ 1‬أحمد أبو زهري ونضال خضرة‪ .2019 .‬جرائم أسرائيل وإشكالية المحاكمة أمام الجنائية الدولية‪ .‬المركز الديموقراطي العربي‪.‬‬
‫برلين‪ .‬لالطالع على النص كامال‪. https://democraticac.de/?p=61674 :‬‬
‫‪ 2‬عبد العظيم عبد العظيم (‪ ،)2014‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.5-4‬‬
‫‪70‬‬
‫حيث أودعت فلسطين إعالنها االول االنضمام للمحكمة الجنائية بتاريخ ‪ 12009\1\22‬استنادا إلى‬

‫المادة ‪ 3/12‬من نظام روما األساسي التي ينص على أن قبول الدولة غير طرف الختصاص‬

‫المحكمة يتطلب أن تقود بإيداع اعالن لدى مسجل المحكمة‪.‬‬

‫إال أن المدعي العام للمحكمة في حينها أعلن في ‪ 2012‬فتح دراسة أولية حول الحالة في فلسطين‪،‬‬

‫إال أنه أكد أيضا عدم فتح أي تحقيق أولي نظ ار إلى أن عدم وضوح شرط كون فلسطين دولة بموجب‬

‫القانون الدولي‪ ،2‬وهو ما أخرج إشكالية مهمة تتعلق بمدى امتالك فلسطين لصفة دولة حسب القوانين‬

‫الدولية‪.‬‬

‫مع ظهور هذه القضية إلى العلن‪ ،‬تم إيقاف عمل المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وتوجهت فلسطين إلى‬

‫الجمعية العامة لألمم المتحدة من أجل معالجة هذه القضية‪ .‬حيث ترتب عليه منح الجمعية العامة‬

‫لألمم المتحدة في قرارها رقم ‪ 19\67‬لعام ‪ 2012‬فلسطين صفة دولة مراقب في األمم المتحدة وحثت‬

‫في ذات الوقت مجلس األمن على التوجه نحو االعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية‪.3‬‬

‫الحقا لهذا االعتراف فقد تقدمت فلسطين باعالنها الثاني للمحكمة الجنائية الدولية عام ‪ ،2015‬والذي‬

‫ينص على قبولها لصالحية المحكمة الجنائية الدولية على الجرائم الدولية التي تم ارتكابها في فلسطين‬

‫منذ تاريخ ‪ .2014/6/13‬وقد تبع ذلك تقديم فلسطين طلب االنضمام للمحكمة الجنائية وترتب عليه‬

‫فتح المدعية العام لدراسة أولية ثانية في فلسطين في ‪.42015/1/16‬‬

‫‪ 1‬مؤسسة الحق (‪ .)2020‬الوالية اإلقليمية للمحكمة الجنائية الدولية في فلسطين‪ .‬فلسطين‪ .‬ص‪.8‬‬
‫‪ 2‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪ 3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ 4‬مالرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫بعد انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬تم فتح تحقيق أولي من قبل المدعية العامة فاتو‬

‫بنسودا في عام ‪ 20115‬وحتى ‪ 2019‬حول ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية في األراضي‬

‫الفلسطينية المحتلة‪ .‬حيث خلصت الدراسة األولية إلى وقوع جرائم حرب في اإلقليم الفلسطيني‪ ،‬إال‬

‫أن المدعية العامة قد عمدت إلى إغالق الدراسة األولية وعمدت إلى رفع طلب للدارئرة التمهيدية في‬

‫المحكمة استنادا إلى المادة ‪ 3/19‬من نظام روما مطالبة الدائرة بتقديم تأكيد حول كون اإلقليم الذي‬

‫تمارس عليه المحكمة الجنائية اختصاصها يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة‪.1‬‬

‫وقد توصت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية بتاريخ ‪ 2021\2\5‬إلى قرار يؤكد على أن‬

‫"االختصاص االقليمي للمحكمة بالنسبة للحالة في فلسطين‪ ،‬التي هي دولة طرف في نظام روما‬

‫األساسي‪ ،‬هو اختصاص يشمل األراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام ‪ ،1967‬ال سيما غزة والضفة‬

‫الغربية‪ ،‬بما في ذلك القدس الشرقية"‪.2‬‬

‫وتبعا لهذا القرار‪ ،‬فقد باتت المحكمة الجنائية الدولية صاحبة اختصاص في النظر بالجرائم التي‬

‫وقعت على اإلقليم الفلسطيني منذ عام ‪ .2014‬وعلى الرغم من عدم وجود تحقيق رسمي مفتوح حتى‬

‫هذه اللحظة أمام المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬إال أن األهمية التي يحتلها هذا القرار تتمثل في وجود‬

‫سبيل قانوني قادر على مساءلة مجرمي الحرب اإلسرائيليين عن الج ارئم التي تم ارتكابها في فلسطين‬

‫منذ عام ‪ 2014‬على اإلقليم الفلسطيني المحدد بموجب قرار الدائرة التمهيدية‪.‬‬

‫‪ 1‬مؤسسة الحق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫‪ 2‬المحكمة الجنائية الدولية‪ .‬الدائرة التمهيدية األولى في المحكمة الجنائية الدولية تصدر قرارها بشأن طلب المدعية العامة المتعلق‬
‫باالختصاص االقليمي على فلسطين‪ .‬مقال منشور بتاريخ ‪ .2021\2\5‬لالطالع على النص كامال‪:‬‬
‫‪https://www.icc-cpi.int/Pages/item.aspx?name=pr1566&ln=Arabic‬‬
‫‪72‬‬
‫ومع صدور مثل هذا الق ار ار‪ ،‬وانضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية كعضو كامل‪ ،‬فإن‬

‫فلسطين وهذه الحالة تمتلك صالحية تقديم ٍ‬


‫شكاو ضد إسرائيل على الجرائم التي تم ارتكابا منذ ‪\6\13‬‬

‫‪ 2014‬أمام المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وهو ما يعطي بالتالي فلسطين أمال في مالحقة مجرمي الحرب‬

‫ومسائلتهم عن كافة الجرائم التي تم ارتكابها ضد الفلسطينيين‪.1‬‬

‫إال أن هنالك العديد من العقبات التي تم وضعها في طريق المحكمة الجنائية الدولية من قبل إسرائيل‬

‫بصورة أساسية ومن قبل الواليات المتحدة االمريكية على حد سواء وذلك بهدف قطع أي سبيل‬

‫لفتح تحقيق رسمي من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية‪ ،‬حيث تم توقيع مرسوم عقوبات من قبل‬

‫اإلدارة االمريكية في ‪ 2020/9‬ضد المحكمة الجنائية الدولية ومسؤوليها بهدف تقويض قدرتها‬

‫على القيام بأي تحقيقات في دول مثل أفغانستان وفلسطين ضد األمريكيين واإلسرائيليين على حد‬

‫سواء‪ .2‬إضافة إلى كونها مؤسسة غير بعيدة عن التجاذات السياسية مع رفض العديد من الدول‬

‫قرارها المتعلق بفلسطين نظ ار لعدم اعترافهم بدولة فلسطين في المقام األول كما فعلت أستراليا‪ 3‬والمجر‬

‫وألمانيا وكندا‪.4‬‬

‫إلى جوار ذلك‪ ،‬فإن العملية أمام المحكمة الجنائية الدولية هي عملية طويلة األمد ومكلفة‪ ،‬ما يتطلب‬

‫من فلسطين جهودا مضاعفة من أجل متابعة هذه التحقيقات وتقديم ما يمكنه أن يساعد المحكمة في‬

‫‪ 1‬حكيم العمري‪ .2019 .‬أثر انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة إسرائيل عن جرائمها بحق الشعب‬
‫الفلسطيني‪ .‬مجلة العلوم القانونية والسياسية‪ .‬م ‪ .10‬ع‪ .1‬ص‪.1079‬‬
‫‪ 2‬إسرائيل‪/‬فلسطين‪ :‬قضاة "الجنائية الدولية" يفتحون الباب أمام تحقيق رسمي‪ :‬أمل جديد لضحايا الجرائم الجسيم‪ .‬مقال إخباري‬
‫منشور بتاريخ ‪ .2021\2\8‬لالطالع على النص كامال راجع ‪https://www.hrw.org/ar/news/2021/02/08/377805‬‬
‫‪ 3‬لوري آلن‪ .2021 .‬الجنائية الدولية في فلسطين‪ :‬أسباب لكبح األمل‪ .‬مقال منشور بتاريخ ‪ .2021\3\5‬لالطالع على النص‬
‫كامال راجع ‪https://carnegieendowment.org/sada/84013‬‬
‫‪ 4‬فرانسوا دوبويسون‪ .‬فلسطين‪ :‬هل ستكون خطوة المحكمة الجنائية الدولية حاسمة؟‪ .2021\3\4 .‬لالطالع على النص كامال‬
‫راجع ‪https://orientxxi.info/magazine/article4575‬‬
‫‪73‬‬
‫في عملها‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن العقبات اإلسرائيلية التي يمكن وضعها أمام أي تحقيق مستقبلي‬

‫قد يهدد أيضا فعالية عمل المحكمة في فلسطين من خالل منع المحققين من الدخول إلى فلسطين‬

‫أو ترهيبهم وتهديدهم‪ ،‬إضافة إلى ذلك تلعب توجهات العاملين في المحكمة الجنائية ومكتب المدعي‬

‫العام دو ار مهما في التوجه نحو فتح أو إعاقة فتح أي تحقيق من هذا النوع‪.1‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬فاختصاص المحكمة هو اختصاص مكمل للقضاء الوطني‪ ،‬وبالتالي فإن قيام قوات‬

‫االحتالل اإلسرائيلي بفتح تحقيقات داخلية في الجرائم التي تم ارتكابها من قبل القوات االسرائليية في‬

‫فلسطين يعتبر عائقا يمكنه أن يقود إلى إيقاف أي تحقيق مستقبلي‪ .2‬تماما كما حدث عندما بعد‬

‫ارتكاب مجزرة صب ار وشاتيال‪ ،‬حيث سارعت قوات االحلتال اإلسرائيلي إلى تشكيل لجان تحقيق‬

‫ومحاكمات محلية صورية بهدف تقويض االختصاص الدولي‪.3‬‬

‫وحدة الدراسات السياسية‪ .2021 .‬تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاصها على فلسطين‪ .‬المركز العربي‬ ‫‪1‬‬

‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ .‬قطر‪ .‬ص‪.2‬‬


‫‪ 2‬وحدة الدراسات السياسية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.3‬‬
‫‪ 3‬أحمد أبو زهري ونضال خضرة‪ ,2019 ,‬مرجع سابق ‪. https://democraticac.de/?p=61674‬‬
‫‪74‬‬
‫الخاتمة والتوصيات‬

‫الخاتمة‬

‫لقد اعتبرت الجريمة قيد الدراسة واحدة من أكثر الجرائم خطورة التي يمكن ارتكابها‪ ،‬وتنطلق هذه‬

‫الخطورة إلى من كون هذه الجريمة بنيت على أساس عنصري يستهدف بصورة أساسية العرق‪ ،‬أو‬

‫الجنس‪ ،‬أو اللون‪ ،‬أو الدين‪ .‬كما أن الدور المهم الذي تؤديه الدولة في توجيه هذه الجرائم وتشجيعها‬

‫حقيقيا أمام المجتمع الدولي من أجل إلزام الدول باحترام القانون‬


‫ً‬ ‫تحديا‬
‫ً‬ ‫وتنظيمها‪ ،‬دفع بها لتشكل‬

‫الدولي خاصة القوانين الداعية إلى القضاء على التمييز ضد األفراد‪ ،‬كما في االعالن العالمي لحقوق‬

‫اإلنسان والعهدين الدوليين‪.‬‬

‫وقد قاد العالم محاوالت مستمرة للقضاء على العنصرية والتمييز ضد البشر على تنوعهم‪ ،‬إذ جاء‬

‫تبني اتفاقية جريمة منع االبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام ‪ 1948‬كخطوة مهمة وضرورية في‬

‫منع هذا الفعل وتجريمه على مستوى العالم‪ .‬إال أنه وعلى الرغم من ذلك فالعديد من جرائم اإلبادة‬

‫الجماعية قد وقعت في القرن العشرين فهزت ضمير العالم‪ ،‬حيث قتل ما يقارب ‪ 800‬ألف شخص‬

‫في رواندا عام ‪ ،1994‬و‪ 8000‬شخص في مجزرة (سربرينتسا)‪.‬‬

‫وماهيتها‬
‫ّ‬ ‫مهما في عملية بيان أركان هذه الجريمة‬ ‫لقد ّأدى كل من القانون والقضاء الدوليين ًا‬
‫دور ً‬

‫وتحديدها وذلك من خالل النص عليها في اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية‪ .‬ومن ثم النص عليها‬

‫ضمن االختصاص الموضوعي لكل من المحكمة الجنائية الخاصة ب(يوغسالفيا)‪ ،‬والمحكمة الجنائية‬

‫الخاصة ب(رواندا)‪ ،‬وأخي ار دمجها ضمن االختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها‬

‫محكمة دائمة‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫التوصيات‬

‫درستنا اللجريمة قيد الدراسة من ناحية األركان والمسؤولية‪ ،‬وكيفية تناولها ضمن القضاء‬
‫انطالقا من ا‬

‫الجنائي الدولي المؤقت والدائم على حد سواء‪ ،‬فإننا نقدم مجموعة من التوصيات تتمثل في‪:‬‬

‫‪ -‬ليس من الكافي أن يتم تناول هذه الجريمة على المستوى الدولي (االتفاقيات والمحكمة الجنائية‬

‫الدولية)‪ ،‬إذ ال بد أن تلجأ مختلف دول العالم إلى تضمينها في قوانينها الداخلية‪ ،‬وبالتالي منح‬

‫القانون والقضاء الوطني صالحيات مالحقة مرتكبي هذه الجريمة‪ ،‬وذلك من أجل الحرص على‬

‫منع ارتكاب أي أفعال تشكل إبادة جماعية في المستقبل من جهة‪ ،‬ومحاكمة مرتكبي هذه الجريمة‬

‫كاّفة‪ ،‬وعدم االقتصار على القيادات وكبار مرتكبي الجريمة‪.‬‬

‫‪ -‬إن الدور األساسي لألمم المتحدة في الحفاظ على األمن والسالم يتطلب منها بالضرورة تفعيل‬

‫آليات أكثر قدرة وفعالية في عمليات الرقابة والمساءلة على أي أعمال يشتبه في كونها تشكل‬

‫في مضمونها أفعال إبادة جماعية ترتكب ضد جماعات‪ ،‬أو افراد حول العالم في مناطق الحروب‬

‫والنزاعات األهلية‪ .‬وذلك من أجل العمل على منع ارتكاب الجريمة وإيقافها بدال من االنتظار‬

‫إلى وقوعها وانتهائها كما حدث في (رواندا)‪ ،‬و(يوغسالفيا)‪.‬‬

‫‪ -‬ال بد للمحكمة الجنائية الدولية أن تعمل على تقليل الوقت المستغرق في عمليات التحقيق‬

‫والمحاكمة‪ ،‬وذلك من أجل إ حقاق العدالة بوقت مناسب وعدم استغراق سنوات طويلة للوصول‬

‫إلى قرارت بحق مرتكبيها‪ ،‬وذلك في فترة زمنية تتالءم مع مطالب الضحايا وذويهم‪ ،‬إذ إن العدالة‬

‫المتأخرة تساوي في قيمتها أحيانا العدالة المعدومة‪.‬‬

‫يعتبر التاريخ الفلسطيني حافال بالعديد من الممارسات والسياسات العدائية التي تم ارتكابها من‬ ‫‪-‬‬

‫قبل قوات االحتالل اإلسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني والتي يمكنها أن ترتقي إلى مستوى‬

‫‪76‬‬
‫الجريمة قيد الدراسة‪ ،‬وهو ما يتطلب بالضرورة العمل على توثيق كافة هذه االنتهاكات والجرائم‬

‫من قبل دولة فلسطين بما يشمل المؤسسة الرسمية والحكومية ومؤسسات المجتمع المدني‬

‫والمؤسسات الحقوقية والقانونية‪ ،‬وذلك بهدف العمل على الحفاظ على كافة األدلة والبيانات‬

‫والشهادات التي تؤكد ارتكاب الجريمة قيد الدراسة في فلسطين ألجل مساعدة أي تحقيق مستقبلي‬

‫قد تقوده المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين من أجل الكشف عن الممارسات التي تم ارتكابها‪.‬‬

‫‪ -‬من ناحية ثانية‪ ،‬فاختصاص المحكمة الجنائية الدولية ال يتوقف عند حدود التحقيق في‬

‫الممارسات اإلسرائيلية بل يمتد ليشمل ممارسات فصائل المقاومة الفلسطينية‪ ،‬وفي هذا السياق‬

‫ال بد أن يكون هنالك فهم فلسطيني واضح حول كيفية توثيق األحداث بصورة دقيقة مدعمة‬

‫بالشهادات واألدلة والبينات التي تسعى لحماية فصائل المقاومة من جهة ودحض ادعاءات‬

‫الجانب اإلسرائيلي من جهة ثانية‪.‬‬

‫‪ -‬على الرغم من انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية إال أن الطريق ما زال طويال جدا‬

‫أمام الفلسطينيين من أجل مسائلة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب االسرائليين‪ ،‬وهو ما يتطلب‬

‫بالضرورة وجود خطة عمل وأجندة فلسطينية واضحة حول كيفية التعامل مع المحكمة الجنائية‬

‫الدولية وذلك ألجل االستفادة منها إلى أقصى درجة ممكنة من ناحية‪ ،‬وعدم إضاعة المزيد من‬

‫الوقت بسياسات قد تكون غير ذات جدوى أمام المحكمة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫المراجع العربية‬

‫االتفاقيات الدولية‪:‬‬

‫اتفاقية منع جريمة االبادة الجماعية والمعاقبة عليها‪ ،‬اعتمدت وعرضت للتوقيع بقرار االمم‬ ‫‪-1‬‬

‫المتحدة ‪ 260‬ألف (د‪ )3-‬في ‪ 9‬ديسمبر ‪.1948‬‬

‫نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما بتاريخ ‪ 17‬يوليو ‪.1998‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ -3‬اركان الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬اعتمدت من قبل جمعية الدول االطراف في نظام‬

‫روما االساسي للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها االولى المنعقدة في نيويورك من ‪10-3‬‬

‫سبتمبر ‪.2002‬‬

‫النظام األساسي للمحكمة الجنائية الخاصة برواندا والمتخذ بموجب قرار مجلس األمن رقم‬ ‫‪-4‬‬

‫‪ 955‬لسنة ‪ 1994‬في جلسته رقم ‪ 3453‬المنعقدة بتاريخ ‪ 8‬تشرين الثاني ‪.1994‬‬

‫البروتوكول االضافي األول التفاقيات حنيف المعقودة في أغسطس ‪ 1949‬والمتعلقة بحماية‬ ‫‪-5‬‬

‫ضحايا المنازعات الدولية المسلحة‪.‬‬

‫القواعد االجرائية وقواعد االثبات المعتمدة من جمعية الدول االطراف في نظام روما للمحكمة‬ ‫‪-6‬‬

‫الجنائية الدولية في نيويورك ما بين ‪ 10-3‬سبتمبر ‪.2002‬‬

‫‪ -7‬الميثاق المنشئء للمحكمة الجنائية الخاصة بيوغسالفيا السابقة‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الكتب‪:‬‬

‫‪ -1‬ابو الرب‪ ،‬صالح الدين محمد (‪ .)2018‬السياسة االسالمية واالسالم السياسي‪ ،‬دار الخليج‬

‫للنشر والتوزيع‪ ،‬االمارات‪.‬‬

‫‪ -2‬أبو زيد‪ ،‬ايمان عبد الستار محمد (‪ .)2015‬ضمانات المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية‪،‬‬

‫دار المنهل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ -‬االردن‪.‬‬

‫‪ -3‬رتيب‪ ،‬معمر (‪ .)2016‬تطور مفهوم االبادة الجماعية في نطاق المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬در‬

‫المنهل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ -‬االردن‪.‬‬

‫السعيد‪ ،‬كامل (‪ .)2002‬شرح األحكام العامة في قانون العقوبات‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪-4‬‬

‫عمان‪ -‬االردن‪.‬‬

‫عبيد‪ ،‬عيسى (‪ .)2019‬محكمة العدل الدولية ودورها في تطوير قواعد القانون الدولي الجنائي‪،‬‬ ‫‪-5‬‬

‫دار المنهل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪ -6‬مرعي‪ ،‬احمد لطفي السيد (‪ .)2016‬نحو تفعيل االنفاذ الجنائي الوطني ألحكام القانون الدولي‬

‫االنساني "دراسة مقارنة"‪ ،‬دامر المنهل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪-‬االردن‪.‬‬

‫‪ -7‬الوريكات‪ ،‬خليل عبد الفتاح (‪ .)2016‬جرائم القتل أمام المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬دار الخليج‬

‫للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ -‬االردن‪.‬‬

‫رسائل الماجستير‪:‬‬

‫‪ -1‬أحد‪ ،‬مناد (‪ .)2012‬جرائم النزاعات المسلحة في حق المدنيين وآليات الحماية‪ ،‬رسالة‬

‫ماجستير‪ ،‬جامعة يوسف بن خدة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ -2‬أونيسة‪ ،‬شوية (‪ .)2013/2012‬المسؤولية الجنائية الدولية لألفراد على ضوء المحاكم الجنائية‬

‫الدولية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة‪ ،‬بجاية ‪ -‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -3‬بالدهان‪ ،‬وليد (‪ .)2018/2017‬جريمة االبادة الجماعية وآليات متابعتها في ظل القانون‬

‫الدولي الجنائي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة العربي بن مهيدي‪ ،‬ام البواقي – الجزائر‪.‬‬

‫‪ -4‬بالدهان‪ ،‬وليد (‪ .)2018/2017‬جريمة االبادة الجماعية وآليات متابعتها في ظل القانون‬

‫الدولي الجنائي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة العربي بن مهيدي‪ ،‬ام البواقي ‪ -‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -5‬بن الطيب‪ ،‬مهيدي (‪ .)2014/2013‬اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على ضوء القانون‬

‫والممارسة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -6‬بوبكر‪ ،‬زيان (‪ .)2013/2012‬جريمة االبادة الجماعية في القانون الدولي االنساني‪ ،‬رسالة‬

‫ماجستير‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة ‪ -‬بجاية‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -7‬شعبان‪ ،‬نادية وشعالل‪ ،‬فتحية (‪ .)2013/2012‬جريمة ابادة الجنس البشري في اطار المحكمة‬

‫الجنائية الدولية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة عبد الرحمن مير‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -8‬العبادي‪ ،‬زياد احمد محمد (‪ .)2016‬دور المحاكم الجنائية الدولية الخاصة في تحديد جريمة‬

‫االبادة الجماعية المعاقبة عليها‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬عمان ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪ -9‬عواد‪ ،‬هاني عادل (‪ .)2007‬المسؤولية الجنائية الشخصية لمرتكبي جرائم الحرب (مجزرتا‬

‫مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس نموذجا)‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‬

‫‪ -‬فلسطين‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -10‬عوينة‪ ،‬سميرة (‪ .)2013/2012‬جريمة االبادة الجماعية في االجتهاد القضائي الدولي‪ ،‬رسالة‬

‫ماجستير‪ ،‬جامعة الحاج لخضر ‪ -‬بتانة‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -11‬غانية‪ ،‬زيدون (‪ .)2017/2016‬الجرائم ضد االنسانية ضمن اجتهادات المحكمة الجنائية‬

‫الدولية الخاصة بيوغسالفيا السابقة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة‪ ،‬بجاية ‪-‬‬

‫الحزائر‪.‬‬

‫‪ -12‬فريجة‪ ،‬رامي (‪ .)2017/2016‬اآلليات القضائية لمكافحة الجريمة الدولية في ضوء القانون‬

‫الجنائي الدولي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة محمد بو ضياف‪ ،‬المسلية ‪ -‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -13‬المطيري‪ ،‬فالح مزيد (‪ .)2011‬المسؤولية الجنائية الدولية لألفراد في ضوء تطور القانون‬

‫الدولي الجنائي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬عمان ‪ -‬االردن‪.‬‬

‫‪ -14‬الوليد‪ ،‬زوينة (‪ .)2013/2012‬جريمة االبادة الجماعية على ضوء االجتهاد القضائي للمحكمة‬

‫الجنائية الدولية لرواندا‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة الجزائر‪.‬‬

‫رسائل الدكتوراة‪:‬‬

‫‪ -1‬حسين‪ ،‬عالء هاشم (‪ .)2014‬تحديد المسؤولية الجنائية الدولية ودورها في إنشاء المحكم‬

‫الجنائية الدولية‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬جامعة سانت كليمنتس العالمية‪ ،‬بغداد ‪ -‬العراق‪.‬‬

‫‪ -2‬فريحة‪ ،‬هشام محمد (‪ .)2014/2013‬دور القضاء الدولي الجنائي في مكافحة الجريمة الدولية‪،‬‬

‫رسالة دكتوراة‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة ‪ -‬الجزائر‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫المقاالت‪:‬‬

‫‪ -1‬أبو الرب‪ ،‬عماد عمر (‪ .)2009‬مسؤولية الدولة الجنائية (اسرائيل نموذجا)‪ ،‬المجلة العربية‬

‫للعلوم السياسية‪ ،‬مجلد ‪ ،1‬عدد ‪ ،1‬يوليو ‪.2009‬‬

‫االحاطة االعالمية االسبوعية الصادرة عن مكتب المدعي العام‪ 29 ،‬حزيران‪ 5-‬يوليو ‪،2010‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ع ‪.44‬‬

‫‪ -3‬أحمدم أبو زهري ونضال خضرة (‪ .)2019‬جرائم أسرائيل وإشكالية المحاكمة أمام الجنائية‬

‫الدولية‪ .‬المركز الديموقراطي العربي‪ .‬برلين‪.‬‬

‫إسرائيل‪/‬فلسطين‪ :‬قضاة "الجنائية الدولية" يفتحون الباب أمام تحقيق رسمي‪ :‬أمل جديد‬ ‫‪-4‬‬

‫لضحايا الجرائم الجسيم‪ .‬مقال إخباري منشور بتاريخ ‪ .2021/2/8‬لالطالع على النص كامال‬

‫‪ -5‬الجابرة‪ ،‬هند حمودي وابو اصبع‪ ،‬عبد الرسول كريم (‪ .)2017‬جريمة االبادة الجماعية ومبدأ‬

‫الشرعية في القانون الدولي الجنائي‪ ،‬مجلة آداب الكوفة‪ ،‬م‪ ،1‬ع ‪ ،30‬الكوفة ‪ -‬العراق‪.‬‬

‫‪ -6‬حكيم العمري (‪ .)2019‬أثر انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة‬

‫إسرائيل عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني‪ .‬مجلة العلوم القانونية والسياسية‪ .‬م‪ .10‬ع‪.1‬‬

‫حكيم العمري‪ .2019 .‬أثر انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة‬ ‫‪-7‬‬

‫إسرائيل عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني‪ .‬مجلة العلوم القانونية والسياسية‪ .‬م‪ .10‬ع‪.1‬‬

‫ص‪.1079‬‬

‫‪ -8‬الرقاد‪ ،‬صالح سعود (‪ .)2015‬جريمة االبادة الجماعية امام المحكمة الجنائية الدولية ‪ -‬اقليم‬

‫دارفور نموذجا‪ ،‬مجلة المنارة للبحوث والدراسات‪ ،‬م ‪ ،21‬ع ‪ ،4‬يناير ‪.2015‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -9‬الصغير‪ ،‬سويسي محمد (‪ .)2012‬جريمة االبادة الجماعية‪ :‬دوافعها واشكالها‪ ،‬مجلة دفاتر‬

‫السياسة والقانون‪ ،‬العدد ‪.6‬‬

‫‪ -10‬عادل‪ ،‬مستاري‪ .‬المحكمة الجنائية الخاصة برواندا‪ ،‬مجلة المفكر‪ ،‬عدد ‪.3‬‬

‫لوري آلن (‪ .)2021‬الجنائية الدولية في فلسطين‪ :‬أسباب لكبح األمل‪ .‬مقال منشور بتاريخ‬ ‫‪-11‬‬

‫‪ .2021/3/5‬لالطالع على النص كامال راجع‪.‬‬

‫‪ -12‬مارك ليفاين وإيريل شيفيتس‪ .2019 .‬فلسطين وإسرائيل وسردية اإلبادة الجماعية‪ .‬المستقبل‬

‫العربي‪ .‬ع ‪.473‬‬

‫‪ -13‬المحكمة الجنائية الدولية‪ .‬الدائرة التمهيدية األولى في المحكمة الجنائية الدولية تصدر قرارها‬

‫بشأن طلب المدعية العامة المتعلق باالختصاص االقليمي على فلسطين‪ .‬مقال منشور بتاريخ‬

‫‪ .2021/2/5‬لالطالع على النص كامال‪:‬‬

‫‪ -14‬منصور‪ ،‬امجد والقطري‪ ،‬محمد (‪ .)2017‬المسؤولية الجنائية والمدنية والدولية لمرتكبي جرائم‬

‫االبادة أمام القضاء‪ ،‬مجلة كلية األزهر‪ ،‬العدد ‪ ،32‬الجزء ‪.3‬‬

‫التقارير‪:‬‬

‫عبد العظيم أحمد عبد العظيم (‪ .)2014‬اإلبادة الجماعية في فلسطين‪ :‬دراسة في جغرافية‬ ‫‪-1‬‬

‫الجريمة‪ .‬بحث مقدم إلى ندورة جغرافية الجريمة‪ .‬كلية اآلداب‪-‬جامعة المينا‪ .‬مصر‪.‬‬

‫المحكمة الجنائية الدولية‪ :‬صحيفة الوقائع ‪ ،3‬المالحقة القضائية لمرتكبي جريمة االبادة‬ ‫‪-2‬‬

‫الجماعية‪ ،‬وثيقة رقم ‪ ،40/01/00‬مشروع العدالة الدولية التابع للمحكمة الجنائية الدولية‪،‬‬

‫صادرة بتاريخ ‪ 1‬آب ‪ ،2000‬بتاريخ ‪ 1‬آغسطس ‪.2000‬‬

‫‪ -3‬مؤسسة الحق (‪ .)2020‬الوالية اإلقليمية للمحكمة الجنائية الدولية في فلسطين‪ .‬فلسطين‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -4‬نداء من أجل المساءلة والحماية‪ :‬االيزيديون الناجون من االعمال الوحشية التي ارتكبها داعش‪،‬‬

‫مكتب مفوض االمم المتحدة لحقوق االنسان ومكتب حقوق االنسان في بعثة االمم المتحدة ‪-‬‬

‫العراق‪ ،‬آب ‪.2016‬‬

‫‪ -5‬النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا‪ ،‬مايكل شارف‪.‬‬

‫النظام األساسي للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسالفيا السابقة‪ ،‬فاوستو بوكار‪ ،‬رئيس‬ ‫‪-6‬‬

‫المحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسالفيا السابقة‪.‬‬

‫النظام األساسي للمحكمة الدولية الجنائية ليوغسالفيا السابقة‪ ،‬فاوستو بوكار‪ ،‬منشورات األمم‬ ‫‪-7‬‬

‫المتحدة‪.2010 ،‬‬

‫وحدة الدراسات السياسية (‪ .)2021‬تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاصها‬ ‫‪-8‬‬

‫على فلسطين‪ .‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ .‬قطر‪.‬‬

‫ورقة معلومات أساسية‪ ،‬الحالة في دارفور بالسودان‪ ،‬المدعي العام ضد عمر حسن احمد‬ ‫‪-9‬‬

‫البشير‪.‬‬

‫التقارير االخبارية‪:‬‬

‫سؤال وجواب‪ :‬كيف حدثت االبادة الجماعية في روندا‪2014/4/7 ،‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ -2‬كاريتش‪ ،‬أنس‪ :‬سربرينيتسا‪ :‬عشرون عاما بعد االبادة الجماعية‪.2015/7/13 ،‬‬

‫‪ -3‬الحلبي‪ ،‬بشار‪ :‬لم ينته البوسنيون من دفن موتاهم بعد ‪ 22‬عاما من مجزرة سربرنيتشا‪ ،‬مقال‬

‫اخباري منشور بتاريخ ‪.2017/7/11‬‬

‫‪ -4‬أحمد‪ ،‬مجدي‪ :‬العالم يحيي غدا الذكرى ال‪ 25‬لليوم الدولي للتفكر في االبادة الجماعي التي‬

‫وقعت عام ‪ 1994‬ضد التوتسي في روندا‪ ،‬مقال اخباري منشور في ‪.2019/4/6‬‬

‫‪84‬‬
.2021\3\4 .‫ هل ستكون خطوة المحكمة الجنائية الدولية حاسمة؟‬:‫ فلسطين‬.‫ فرانسوا دوبويسون‬-5

.2017 ‫ تشرين الثاني‬22 ‫ مقال اخباري منشور بتاريخ‬،‫ سفاح البوسنة‬:‫ راتكون‬،‫ مالديتش‬-6

:‫مواقع االنترنت‬

1- http://www.bbc.com
2- www.icc-cpi.int
3- http://studies.aljazeera.net
4- http://hrlibrary.umn.edu
5- https://www.france24.com
6- https://www.mena.org.eg
7- https://www.ohchr.org
8- http://legal.un.org
9- https://www.un.org
10- http://www.icty.org
11- https://www.icc-cpi.int
12- https://news.un.org
13- https://www.hrw.org
14- https://unictr.irmct.org
15- http://www.icty.org
16- https://carnegieendowment.org
17- https://ccrjustice.org

85
:‫المراجع األجنبية‬

1- Beckerman, G. (2011). Top Genocide Scholars Battle Over How To


Characterize Israel’s Actions. To see the whole article

2- Center for Constitutional Rights (2016). The Genocide of the


Palestinian People: An International Law and Human Rights
Perspective.

3- ICTY marks official closure with moving Ceremony in The Hague


Tribunal | Press release | The Hague | 27 December 2017.

4- Info graphic: ICTY Facts & Figures.

5- Joint written statement submitted to The Secretary-General by the


International Organization for the Elimination of All Forms of Racial
Discrimination, Association Ma'onah for Human Rights and
Immigration, International-Lawyers.Org, Union of Arab Jurists,
United Towns Agency for North-South Cooperation, non-
governmental organizations in special consultative status, International
Educational Development, Inc., World Peace Council, non-
governmental organizations on the roster. 25 June 2021. Presented to
the Human Rights Council.

6- KAMBANDA, Jean (ICTR-97-23).

7- Rwanda: International Tribunal Closing Its Doors Governments Should


Bring Remaining Genocide Suspects to Justice, December 23, 2015.

8- UN tribunal on Rwandan genocide formally closes – major role in fight


against impunity, 31 December 2015.

86
An-Najah National University
Faculty of Graduate Studies

The Crime of Genocide in International


Criminal Law: Analytical Study

By
Jood Adnan Dhelia

Supervisor
Dr. Fadi Shadid

Submitted in Partial Fulfillment of the Requirement for the Degree of Master of Criminal
Law, Faculty of Graduate Studies, AN-Najah National University, Nablus, Palestine.

2021
a
The Crime of Genocide in International Criminal Law:
Analytical Study
By
Jood Adnan Dhelia
Supervisor
Dr. Fadi Shadid
Abstract
This study tackles the crime of genocide based on two main dimensions. The first is
represented the legal organization of this crime in the legal articles and the international
agreements which passed laws concerning it. The other focuses on the role of the
international criminal law in passing their laws in the court of law.

This study is an attempt to highlight the key legal provisions which deal with this crime
and the analysis of the mechanisms of dealing with it according to the international
agreements in terms of its material and moral pillars as well as the criminal responsibility
based on it.

Also, it analyzed the most prominent cases through which the criminalization of genocide
is proven in the criminal courts of Rwanda and Yugoslavia as well as the role of the
international criminal court in preventing such as crime.

This study is divided into two main chapters. To begin with, the first tackles the definition
of genocide by presenting the legal definition of the terms, its moral and material pillars
as well as the criminal responsibility of genocide by law. In addition, the second chapter
deals with the judicial procedures through the special international criminal jurisdiction
led by the criminal court of Rwanda and Yugoslavia as well as the general criminal
jurisdiction through the international court.

You might also like