You are on page 1of 79

‫جامعه النجاح الوطنية‬

‫كليه الدراســـات العليا‬

‫الخطأ السلبي في المسؤولية المدنية‬

‫إعداد‬
‫مجد محمد سليمان عناب‬

‫إشراف‬
‫د‪ .‬علي السرطاوي‬

‫قدمت هذه الرسالة استكماال لمتطلبات درجه الماجستير في القانون الخاص بكلية الدراسات العليا‬
‫في جامعه النجاح الوطنية في نابلس‪ ،‬فلسطين‪.‬‬
‫‪2102‬‬
‫الخطأ السلبي في المسؤولية المدنية‬

‫إعداد‬
‫مجد محمد سليمان عناب‬

‫نوقشت هذه األطروحة بتاريخ ‪ 2102/0/8‬وأجيزت‪.‬‬

‫التوقيــع‬ ‫أعضاء لجنة المناقشة‬

‫‪.................‬‬ ‫‪ .0‬د‪ .‬علي السرطاوي ‪ /‬مشرفاً ورئيساً‬

‫‪.................‬‬ ‫‪ .2‬د‪ .‬جهاد الكسواني ‪ /‬ممتحناً خارجياً‬

‫‪.................‬‬ ‫‪ /‬ممتحناً داخلياً‬ ‫‪ .3‬د‪ .‬أمجد حسان‬

‫ب‬
‫اإلهداء‬

‫ن انتظار ‪ ..‬إىل من أَمحلُ‬


‫إىل من كلَّلهُ اهللُ باهليبةِوالوقار ‪ ..‬إىل من علَّمين العطاءَ بدو ِ‬
‫امسَهُ بكلِّ افتخار ‪..‬‬
‫" والدي العزيز"‬

‫إىل مالكي يف احلياة ‪ ..‬إىل معنى احلبِّ و احلنانِ والتفاني ‪ ..‬إىل بسمةِاحلياةِ وسرِّ‬
‫الوجود ‪ ..‬إىل من كان دعاؤها سرَّ جناحي وحنا ُنها بلسمَ جراحي إىل أغلى احلبايب‬
‫" أمي احلبيبة "‬

‫إىل توأمِ روحي ورفيقةَدربي ‪ ..‬إىل صاحبةِ القلبِ الطيبِوالنوايا الصادقة‬


‫إىل من رافقتين منذُ أن حَمَلنا حقائبَ صغريةَ ومعك سرتُ الدربَ خطوةًخبطوة وما تزال‬
‫ترافقين حتى اآلن‪.‬‬
‫" أخيت "‬

‫إىل من أرى التفاؤلَ بعينه ‪ ..‬والسعادةَ يف ضحكته‬


‫إىل شعلةِ الذكاء والنور ‪.‬‬
‫" أخي "‬

‫إىل من آنسين يف دراسيت وشاركَين همومي‬


‫تذكار ًا وتقديراً‬

‫" صديقي ياسر "‬

‫إىل املخلصني واملتفانني أينما كانوا ‪.‬‬

‫ج‬
‫شكر وتقدير‬

‫البد لنا ونحن نخطو خطواتنا األخيرة في الحياة الجامعية من وقفة نعود إلى أعوام قضيناها في‬

‫رحاب الجامعة مع أساتذتنا الكرام الذين قدموا لنا الكثير ‪ ،‬أتقدم بالشكر والتقدير والمحبة إلى الذين‬

‫إلى الذين مهدوا لنا طريق العلم والمعرفة إلى جميع أساتذتنا‬ ‫حملوا أقدس رسالة في الحياة‬

‫األفاضل ‪،‬وأخص بالذكر أستاذي الدكتور علي السرطاوي‪ ،‬أستاذ القانون المدني والفقه اإلسالمي‬

‫في جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬الذي لم يأل جهدا في تقديم العون والمساعدة في إظهار هذا العمل في‬

‫أبهى صوره‪.‬‬

‫كما أتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى الدكتور أكرم داود‪ ،‬عميد كلية القانون ‪ ،‬والدكتور أمجد حسان‪،‬‬

‫استاذ القانون الخاص في جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬وال أنسى تقديم وافر الشكر لألستاذ الدكتور جهاد‬

‫الكسواني‪ ،‬أستاذ القانون الخاص في جامعة القدس لقبوله مناقشة هذه الرسالة ‪.‬‬

‫د‬
‫اإلقرار‬

‫أنا الموقع أدناه مقدم الرسالة التي تحمل العنوان‪:‬‬

‫الخطأ السلبي في المسؤولية المدنية‬

‫أقر بأن ما اشتملت عليه هذه الرسالة إنما هي نتاج جهدي الخاص‪ ،‬باستثناء ما تمت اإلشارة إليه‬

‫حيثما ورد‪ ،‬وأن هذه الرسالة ككل‪ ،‬أو أي جزء منها لم يقدم من قبل لنيل أية درجة علمية أو بحثي‬

‫لدى أية مؤسسة تعليمية أو بحثية أخرى‪.‬‬

‫‪Declaration‬‬
‫‪The work provided in thesis, unless otherwise referenced, is the‬‬
‫‪researcher's own work, and has not been submitted elsewhere for any other‬‬
‫‪degree or qualification.‬‬

‫‪Student's name:‬‬ ‫اسم الطالب‪:‬‬

‫‪Signature:‬‬ ‫التوقيع‪:‬‬

‫‪Date:‬‬ ‫التاريخ‪:‬‬

‫ه‬
‫فهرس المحتويات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫ج‬ ‫اإلهداء‬

‫د‬ ‫الشكر والتقدير‬

‫ه‬ ‫اإلقرار‬

‫ح‬ ‫الملخص‬

‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬

‫‪5‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬تحديد الخطأ السلبي‬

‫‪5‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الخطأ السلبي‬

‫‪6‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬تعريف الخطأ السلبي وتمييزه عن الخطأ اإليجابي‬

‫‪6‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬تعريف الخطأ السلبي‬

‫‪11‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬تمييز الخطأ السلبي عن الخطأ اإليجابي‬

‫‪12‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬مدى خضوع الخطأ السلبي للقواعد العامة في الخطأ‬

‫‪12‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬موقف الفقه من خضوع الخطأ السلبي لقواعد الخطأ‬

‫‪12‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬موقف القضاء من خضوع الخطأ السلبي لقواعد الخطأ‬

‫‪28‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬طبيعة الخطأ السلبي‬


‫‪12‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬الخطأ السلبي سلوك عديم األثر‬

‫‪12‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬األساس الفلسفي للخطأ السلبي عديم األثر‬

‫‪11‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬األساس القانوني للخطأ السلبي عديم األثر‬

‫‪13‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الخطأ السلبي سلوك ذو أثر‬

‫‪13‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬األساس الفلسفي للخطأ السلبي ذو األثر‬

‫‪12‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬األساس القانوني للخطأ السلبي ذو أثر‬

‫و‬
‫‪38‬‬ ‫السلبي وتطبيقاته‬
‫ص َور ال َخطأ ّ‬
‫الفصل الثاني ‪ُ :‬‬
‫‪12‬‬ ‫صور الخطأ السلبي‬
‫المبحث األول ‪ُ :‬‬
‫‪12‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬الخطأ السلبي المسبوق بالتزام‬

‫‪12‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬مفهوم الخطأ السلبي المسبوق بالتزام‬

‫‪31‬‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬موقف الفقه اإلسالمي من الخطأ السلبي المسبوق بالت ازم‬

‫‪31‬‬ ‫المجرد‬
‫ّ‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الخطأ السلبي‬

‫‪31‬‬ ‫الفرع األول ‪ :‬مفهوم الخطأ السلبي المجرد‬

‫‪33‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬موقف الفقه اإلسالمي من الخطأ السلبي المجرد‬

‫‪74‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬تطبيقات الخطأ السلبي‬

‫‪34‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مسؤولية الممتنع عن عمل قانوني ومسؤولية الممتنع عن التعاقد‬

‫‪32‬‬ ‫الرد على الموجب‬


‫الفرع األول‪ :‬االمتناع عن ّ‬
‫‪22‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬مسؤولية الطبيب الممتنع‬

‫‪23‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬مسؤولية الممتنع عن عمل مادي ومسؤولية الممتنع عن مساعدة‬
‫اآلخرين‬

‫‪23‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬مسؤولية الممتنع عن إعطاء المعلومات الواجبة في طور التهيئة للعقد‬

‫‪26‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬مسؤولية الممتنع عن مساعدة اآلخرين‬

‫‪22‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪61‬‬ ‫التوصيات‬

‫‪61‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪b‬‬ ‫‪Abstract‬‬

‫ز‬
‫الخطأ السلبي في المسؤولية المدنية‬
‫إعداد‬
‫مجد محمد سليمان عناب‬
‫إشراف‬
‫د‪.‬علي السرطاوي‬
‫الملخص‬

‫بحثتتت فتتي رستتالتي هتتذه الخطتتأ الستتلبي فتتي المستتؤولية المدنيتتة وبينتتت متتن خاللهتتا فيمتتا إذا كتتان هتتذا‬

‫الخطتأ يعتد ستببا لقيتام المستؤولية المدنيتة كمتا فتي الخطتأ االيجتابي‪ ،‬أم أن هتذا الخطتأ أو االمتنتتاع ال‬
‫يع تتد معتبت ت ار ف تتي نظ تتر الفق تته والق تتانون‪ ،‬وم تتن اج تتل ذل تتك أجمل تتت ه تتذه الرس تتالة ف تتي فص تتلين‪ ،‬األول‬
‫خصصته لدراسة القواعد العامة في الخطأ السلبي وفيه مبحثان‪ ،‬األول عرضت فيه لتعريف الخطتأ‬
‫الستتلبي وتميي تزه عتتن الخطتتأ االيجتتابي وبيتتان القاعتتدة األساستتية للتفرقتتة بينهمتتا‪ ،‬كمتتا أوضتتحت متتدى‬
‫خضتتوعه للقواعتتد العامتتة فتتي الخطتتأ متتن ختتالل بيتتان موقتتف الفقتته والقضتتاء متتن ذلتتك‪ ،‬وفتتي المبحتتث‬
‫الثتاني درستت فيتته طبيعتة الخطتتأ الستلبي متتن ختالل بيتتان موقتف الفقتته التذي يتترى فتي هتتذا الخطتأ انتته‬
‫حالتتة عديمتتة األثتتر‪ ،‬ويستتتند فتتي ذلتتك علتتى أستتس فلستتفية وقانونيتتة‪ ،‬وبيتتان موقتتف الجانتتب اآلختتر متتن‬
‫الفقه الذي يرى في االمتناع انه حالة ذات اثر مستندا في ذلك على أسس فلسفية وقانونية أيضا‪.‬‬

‫أمتتا الفصتتل الثتتاني فقتتد خصصتتته لد ارستتة صتتور الخطتتأ الستتلبي وتطبيقاتتته‪ ،‬وذلتتك متتن ختتالل مبحثتتين‬

‫وضحت في األول منهما صور االمتنتاع متن حيتث كونته امتناعتا مجتردا أم امتنتاع مستبوق بتالتزام ‪،‬‬
‫ّ‬
‫وبينت موقف الفقه والقانون من إقامتة المستؤولية عليهمتا‪ ،‬أمتا المبحتث الثتاني فقتد تناولتت فيته ابترز‬
‫تطبيقتتات الخطتتأ الستتلبي وتشتتمل االمتنتتاع عتتن عمتتل متتادي وقتتانوني وامتنتتاع عتتن التعاقتتد ومستتاعدة‬

‫اآلخرين ‪.‬‬

‫ونهايتتة وضتتعت خاتمتتة ستتجلت فيهتتا أهتتم النتتتائت والمالحظتتات التتتي أوصتتلني البحتتث إليهتتا وأظهرتهتتا‬
‫لمعالجة الموضوع في جوانبه كافة ‪.‬‬

‫ح‬
‫مقدمة‬

‫تعد المسؤولية المدنية من أهم موضوعات القانون المدني‪ ،‬ألن المسؤولية المدنية بشقيها‬

‫العقدية والتقصيرية ترتب التزامات على من يتحملها والمسؤولية تقوم على أركان ثالثة هي الخطأ‪،‬‬
‫والضرر ‪ ،‬والعالقة السببية ‪ ،‬التي تربط الضرر بالخطأ الحاصل ‪.‬‬

‫وما يعنينا في هذا البحث هو ركن الخطأ الذي يعرف بأنه انحراف في السلوك الشخصي‪ ،‬مع‬

‫إدراك هذا االنحراف‪ ،1‬وهذا التعريف أثار جدال طويال ألن بعضا من الفقه‪ ،‬وأخص الفقه اإلسالمي‬
‫الذي أقام المسؤولية على الضرر‪ ،‬ولم يكترث بالخطأ‪ ،‬فالمسؤولية‪ ،‬وفق نظرهم‪ ،‬تنهض إذا كان‬
‫هنالك ضرر‪ ،‬سواء أكان الفعل خاطئا أم ال‪ ،‬خالفا للفقه الفرنسي الذي أقام المسؤولية على الخطأ‪،‬‬

‫والضرر والعالقة السببية‪ .‬فالفقه اإلسالمي لم يعط أهمية لعنصر اإلدراك بالخطأ‪ ،‬فعندما يتحقق‬
‫الضرر‪ ،‬يجب جبره وتعويضه‪ ،‬على خالف الفقه الفرنسي الذي أقام المسؤولية على ركن الخطأ‪،‬‬
‫واشترط اإلدراك‪ ،‬حتى يعتد بالخطأ الموجب للمسؤولية‪.2‬‬

‫يكون سلوكا إيجابيا بإتيان فعل‪ ،‬واما سلوكا سلبيا‬ ‫والسلوك الشخصي لإلنسان إما أن‬
‫باالمتناع عن فعل ومن هنا ظهرت مشكلة قيام المسؤولية استنادا إلى خطأ سلبي‪ ،‬وهو االمتناع‪،‬‬
‫ففي بادئ األمر لم يتصور الفقه قيام المسؤولية إال على خطأ ايجابي‪ ،‬فال شك حول مسؤولية‬
‫الشخص الذي يلحق ضر ار بغيره بسبب فعله االيجابي‪ ،‬كالضرب‪ ،‬أو الجرح‪ ،‬ولكن اإلشكالية تثور‬
‫حول مسؤولية الشخص الذي يتخذ موقفا سلبيا‪ ،‬أو يقف موقف المتفرج من حادثة ما‪ ،‬يترتب عليها‬
‫ضرر باآلخرين‪ ،‬نتيجة موقفه السلبي‪ ،‬فهل يمكن مساءلته عن تعويض الضرر الذي لحق‬
‫ُ‬
‫باآلخرين‪. 3‬‬

‫‪ 1‬سلطان‪ ،‬أنور ‪ :‬مصادر االلتزام في القانون المدني األردني ‪.‬ط‪ .1‬عمان ‪ .‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ .‬سنة ‪.1222‬‬
‫مرقس‪ ،‬سليمان الوافي في شرح القانون المدني في االلتزامات في الفعل الضار والمسؤولية المدنية‪ .‬ج ‪ .1‬ط‪ .2‬القاهرة‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫بدون دار نشر‪ .:1221 .‬تنقيح حبيب إبراهيم الخليلي‪ .1221.‬ص‪. 112-116‬‬
‫الذنون ‪ ،‬حسن علي‪ ،‬والرحو‪،‬محمد سعيد ‪ :‬المبسوط في شرح القانون المدني‪ .‬ج‪ ، 1‬ط‪ ،1‬عمان‪ .‬دار وائل للشر‪ .‬سنة‬
‫‪3‬‬

‫‪ .1226‬ص‪. 122-123‬‬
‫‪1‬‬
‫أهمية الدراسة‬

‫تنبع أهمية البحث في موضوع الخطأ السلبي في المسؤولية ‪ ،‬من خالل تحليل مفهوم الخطأ السلبي‬

‫وطبيعته وصورة‪ ،‬وتميزه عن الخطأ االيجابي‪ ،‬كونه موضوع تعارضت وتضاربت فيه اآلراء حتى‬
‫وصلت إلى حد عدم اإلقرار بقيام المسؤولية نتيجة الخطأ السلبي أو االمتناع ‪ ،‬وهذا جعل من‬
‫البحث في مقومات هذه المسؤولية و سماتها العامة و تحديد مالمحها ام أر ليس بالهين‪،‬‬

‫مشكلة الدراسة‪:‬‬

‫ترتكز مشكلة الدراسة في عدم وجود تنظيم تشريعي يحكم المسؤولية المدنية الناتجة عن خطا سلبي‬
‫يبين فيه شروطها وأثارها وحكمها‪ ،‬ينأى بنا عن الخالفات الفقهية المحتدمة بهذا الخصوص‪،‬‬

‫باإلضافة إلى قلة عدد المراجع التي تشير إلى الموضوع والتي إن أشارت‪ ،‬فإنها تتحدث بإيجاز‬
‫غير واف‪ ،‬ال يلبي حاجة الباحث أو المتخصص‪ ،‬وأما المراجع المتخصصة في الموضوع فإنها‬
‫تكاد تكون معدومة‪.‬‬

‫أسباب اختيار الموضوع‬

‫على الرغم من الصعوبات التي واجهت الباحث في هذا الموضوع‪ ،‬فان سبب اختيار الموضوع‬
‫يعود إلى اختالف الفقهاء بخصوص مسائلة الممتنع والزامه بتعويض المضرور أم ال‪ ،‬فمنهم من‬
‫يرى أن الفعل السلبي يعادل الفعل االيجابي‪ ،‬ويبني عليه قيام المسؤولية‪ ،‬مثلما تقوم على الفعل‬
‫االيجابي ومنهم من يتنكر لفكرة الخطأ السلبي " االمتناع "‪ ،‬وال يرى فيها سببا لقيام المسؤولية‪ ،‬ألنه‬
‫في إقامة المسؤولية على الخطأ السلبي مساس بحرية اإلفراد‪ ،‬التي يجب احترامها‪ ،‬واحترام قدسيتها‪،‬‬

‫وسبب ذلك هو تأثر كل جانب منهم إما بالمذهب الفردي أو المذهب الجماعي‪ ،‬هذا من الناحية‬
‫الفلسفية‪ ،‬أما من الناحية القانونية فان سبب الخالف هو الصعوبة في فهم طبيعة االمتناع‪ ،‬فلم‬
‫ير جانب من الفقه أن االمتناع ينهض سببا لقيام المسؤولية كونه عدم‪ ،‬وال يتساوى بالنشاط‬

‫االيجابي‪ ،‬وبعكس ذلك تظهر الخطورة في اتساع نطاق قيام المسؤولية ‪ ،‬بناء على النشاط السلبي‬
‫‪ -‬الذي هو احد أنواع السلوك البشري الذي يقف فيه اإلنسان موقف المتفرج ‪.-‬‬
‫‪1‬‬
‫الدراسات السابقة ‪:‬‬

‫تعرضت كثير من الدراسات لموضوع الخطأ السلبي في المسؤولية المدنية ‪ ،‬ولكن ذلك كان بشكل‬

‫موجز ودونما تعمق‪ ،‬وكان ذلك في أثناء بحثها في ركن الخطأ بصفته احد أركانها ومن هذه‬
‫الدراسات ‪:‬‬

‫‪- 1‬دراسة للدكتور حسن علي الذنون وعنوانه (المبسوط في شرح القانون المدني) الجزء‬

‫الثاني‪ ،‬الخطأ‪،‬وتناولت هذه الدراسة ركن الخطأ بمجمله ‪.‬‬

‫‪- 2‬دراسة مزهر جعفر عبد وعنوانها (جريمة االمتناع) وهذه الدراسة تعلقت بالمسؤولية‬
‫الجزائية‪ ،‬ولكن يمكن القياس عليها إلى حد ما بالنسبة للمسؤولية المدنية‪.‬‬

‫‪- 3‬دراسة للشيخ مصطفى احمد الزرقا وعنوانها (الفعل الضار والضمان فيه)‪.‬‬

‫‪- 4‬دراسة للدكتور حبيب إبراهيم الخليلي وعنوانها (مسؤولية الممتنع المدنية والجزائية في‬
‫المجتمع االشتراكي)‪.‬‬

‫‪- 5‬دراسة للدكتور عاطف النقيب وعنوانها (المسؤولية المدنية عن الفعل الشخصي)‪.‬‬

‫منهج الد ارسة‪:‬‬

‫اتبع الباحث في هذا البحث المنهت التحليلي المقارن من اجل اإلحاطة بالموضوع من جميع‬

‫جوانبه‪ ،‬وابراز أهم سماته ومالمحه‪ ،‬عبر دراسة تحليلية للنصوص المتعلقة بالخطأ السلبي الواردة‬
‫في كل من القانون المدني األردني والمصري والفرنسي ومشروع القانون المدني الفلسطيني وقانون‬
‫المخالفات المدنية‪ ،‬في ضوء الفقه وق اررات المحاكم‪ ،‬وموقف الفقه اإلسالمي منها ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫إشكالية الدراسة‬

‫ضرر بالغير نتيجة فعله أو نشاطه االيجابي‬


‫ا‬ ‫ال يثور أي شك حول مسؤولية الشخص الذي يلحق‬

‫الذي يعد خطأ‪ ،‬ولكن اإلشكالية تثور حول مسؤولية الشخص الذي يتخذ موقفا سلبيا أو يقف موقف‬
‫المتفرج فيكون موقفه السلبي سببا غير مباشر في إلحاق الضرر بالغير فهل يجوز مساءلة الممتنع‬
‫عن تعويض اإلضرار التي لحقت بالمضرور؟‬

‫خطة الدراسة‬

‫تقسم هذه الدراسة إلى فصلين‪ ،‬عالت الباحث في الفصل األول األحكام العامة للخطأ السلبي‬
‫(االمتناع) من حيث ماهية الخطأ السلبي وبيان القواعد التي يخضع لها هذا الخطأ‪ ،‬وعالت في‬

‫الفصل الثاني صور االمتناع وتطبيقاته‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الفصل األول‬

‫تحديد الخطأ السلبي‬

‫الخطتتأ صتتفه تتعلتتق بالموصتتوف‪ ،‬وهتتو الفعتتل التتذي يتتترجم إلتتى ستتلوك‪،‬و الستتلوك الشخصتتي‬
‫لإلنستتان‪ ،‬إمتتا أن يكتتون ستتلوكا إيجابيتتا بإتيتتان فعتتل‪ ،‬وامتتا ستتلوكا ستتلبيا باالمتنتتاع عتتن فعتتل‪ ،‬وهتتذا‬

‫ترر‪ ،‬فإنتته ال ختتالف فتتي قيتتام‬


‫الستتلوك االيجتتابي‪ ،‬غالبتتا‪ ،‬متتا يتتؤثر فتتي اآلخ ترين‪ ،‬فتتإن ألحتتق بهتتم ضت ا‬
‫مس تتؤولية الفاع تتل ‪ ،‬ووج تتوب تع تتويض المض تترور‪ ،1‬إال أن الخ تتالف ث تتار ب تتين الفق تته ف تتي مس تتألة قي تتام‬
‫المسؤولية استنادا إلى السلوك السلبي (االمتناع)‪ ،‬إذ في بادئ األمر لم يتصور الفقه قيام المسؤولية‬

‫إال علتتى الستتلوك اإليجتتابي كالضتترب أو الجتترح‪ ،‬أمتتا مستتؤولية الشتتخص التتذي يتختتذ موقفتتا ستتلبيا‪ ،‬أو‬
‫يقف موقف المتفرج من حادثة وقعت أمامه‪ ،‬ويكون موقفه هذا سببا في إحداث الضرر‪ ،2‬هي متدار‬
‫الخالف الفقهي‪ ،‬فهل يمكن مساءلة الممتنع عن تعويض الضرر الذي لحق باآلخرين ؟‬

‫في هذا الفصل سيتم اإلجابة على السؤال التالي‪ :‬ما هو الخطأ السلبي (االمتنتاع) وكيتف تميتزه عتن‬
‫الخطأ اإليجابي‪ ،‬وما مدى خضوعه للقواعد العامة في الخطأ ؟‬

‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم الخطأ السلبي‬

‫م تتن خ تتالل ه تتذا المبح تتث س تتيتم توض تتيح مفه تتوم الخط تتأ الس تتلبي‪ ،‬وكيفي تتة تمييت تزه ع تتن الخط تتأ‬
‫اإليجتتابي‪ ،‬ومتتا متتدى خضتتوعه للقواعتتد العامتتة فتتي الخطتتأ‪ ،‬وذلتتك متتن ختتالل مطلبتتين‪ :‬األول تنتتاول‬
‫تعريتتف الخطتتأ الستتلبي (االمتنتتاع) وتميتزه عتتن الخطتتأ اإليجتتابي‪ ،‬والثتتاني يبتتين متتدى خضتتوع االمتنتتاع‬
‫للقواعد العامة في الخطأ‪.‬‬

‫‪1‬مرقس‪ ،‬سليمان‪:‬مرجع سابق ‪.‬ص‪.141‬‬


‫‪ 2‬الذنون‪ ،‬حسن علي‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ج ‪( 1‬الخطأ)‪ .‬ط‪ .1‬عمان‪ :‬دار وائل للنشر‪ .1226 .‬ص ‪.123‬‬
‫‪2‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف الخطأ السلبي وتمييزه عن الخطأ اإليجابي‪:‬‬

‫أثار موضوع الخطأ السلبي (االمتناع) الكثير من الجدل بين الفقهاء‪ ،‬فقد صعب على‬

‫الكثير منهم التسليم بفكرة قيام المسؤولية على أساس الخطأ السلبي (االمتناع)‪ ،‬فهم لم يروا في‬
‫االمتناع إال العدم‪ ،‬والعدم ال ُينتت إال عدما‪ ،‬وربما يعود األمر إلى عدم فهم طبيعة االمتناع‪ ،‬لهذا‬
‫بد من تحديد المقصود باالمتناع في فرع أول‪ ،‬وتميزه عن الخطأ اإليجابي في فرع ثان‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف الخطأ السلبي ‪:‬‬

‫تقوم المسؤولية المدنية على أركان ثالثة هي الفعل (الخطأ) والضرر‪ ،‬وعالقة السببية بين‬
‫الخطأ والضرر الحاصل‪ ،‬وما يعنينا في هذه الدراسة هو ركن الخطأ وخاصة الخطأ السلبي‪ ،‬وقبل‬

‫توضيح مفهومه ال بد من توضيح الخطأ بشكل عام‪ ،‬وعلى الرغم من الجدل الكبير الذي ثار في‬
‫تعريف الخطأ‪ ،‬فإنه أمكن تعريفه على أنه االنحراف في السلوك االعتيادي للشخص مع إدراكه لهذا‬
‫االنحراف‪ ،1‬أو اإلخالل في االلتزام القانوني المؤدي إلى مراعاة الشخص في سلوكه اليقظة‬

‫يضر بالغير‪ ،‬فإذا انحرف عن هذا السلوك اعتبر هذا خطأ يستوجب المسؤولية‬
‫ّ‬ ‫والتبصر حتى ال‬
‫التقصيرية‪.2‬‬

‫لهذا يمكن القول‪ :‬أن قوام الخطأ هو االنحراف في السلوك‪ ،‬وهذا السلوك إما أن يكون‬
‫سلوكا إيجابيا متمثال بالقيام بعمل‪ ،‬أو سلوكا سلبيا متمثال في االمتناع عن القيام بعمل‪ ،‬ومن هنا‬
‫يتبين أن صور اإللزامات بشكل عام‪ ،‬إما أن تكون قيام بعمل‪ ،‬واما إعطاء شيء وهي من صور‬
‫السلوك اإليجابي‪ ،‬أو امتناع عن قيام بعمل‪ ،‬وهي من صور السلوك السلبي‪.‬‬

‫‪ -1‬الديناصوري‪ ،‬عز الدين‪ .‬والشواربي‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬المسؤولية المدنية في ضوء الفقه والقضـاء‪ .‬القتاهرة‪ :‬الحديثتة للطباعتة‪.‬‬
‫ص‪.61‬‬

‫‪ -2‬جمعة‪ ،‬عبد المعين لطفي‪ :‬موسوعة القضاء في المسؤولية المدنية‪ .‬ج‪ .1‬القاهرة‪ :‬عالم الكتب‪ .1242 .‬ص ‪.22‬‬
‫‪6‬‬
‫وللخط تتأ الس تتلبي ألف تتاظ مترادف تتة منه تتا االمتن تتاع ‪ ،‬أو الس تتلوك الس تتلبي‪ ،‬أو الت تترك‪ ،‬وجميعه تتا‬
‫تستخدم للداللة علتى معنتى واحتد‪ ،‬إال أن هنتاك متن يترى التمييتز بتين التترك التذي يفتترض نستيانا أو‬

‫إهماال بمناسبة عمل معين‪ ،‬فهو مقترن بالعمل‪ ،‬وبين االمتناع الذي يعني عدم العمل بوجه عام‪.1‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإن وضع تعريف دقيتق لالمتنتاع (الخطتأ الستلبي) لتم ُيثتر الجتدل لتدى‬
‫أوساط فقهاء القانون المدني فحسب‪ ،‬بل اختلف فيه أيضا فقهاء القانون الجنائي‪ ،‬فذهب جانب من‬

‫الفقه الجنائي إلى القول‪ :‬إن االمتناع‪ ،‬أو الخطأ السلبي ‪ ،‬هو إحجام شخص عن إتيان فعل إيجابي‬
‫معتتين‪ ،‬يوجتتب القتتانون القيتتام بتته رعايتتة للحقتتوق التتتي يحميهتتا بشتترط أن يكتتون فتتي استتتطاعة الممتنتتع‬
‫القيام به‪.2‬‬

‫ومن التعريف السابق يتبين أن االمتناع ليس عتدما وف ارغتا‪ ،‬بتل هتو كيتان قتانوني لته وجتوده‬
‫وعناص تره التتتي يقتتوم عليهتتا‪ ،‬وان كتتان االمتنتتاع متتن الناحيتتة الماديتتة ظتتاهرة ستتلبية‪ ،‬فهتتو متتن الناحيتتة‬
‫القانونية ظاهرة إيجابية‪.3‬‬

‫يمكتتن القتتول أن متتا ذهتتب إليتته هتتذا الجانتب إلتتى حتتد متتا صتتحيح‪ ،‬إالّ أن القتتول بتتأن االمتنتتاع‬
‫متتن الناحيتتة القانونيتتة ظتتاهرة إيجابيتتة قتتول تعتتوزه الدقتتة‪ ،‬فاالمتنتتاع متتن حيتتث األثتتر أو النتيجتتة هتتو‬
‫أثر على اآلخرين‪ ،‬أما القول أنه ظتاهره إيجابيتة فهتذا قتول غيتر ستديد‪ ،‬فاالمتنتاع‬
‫إيجابي‪ ،‬ألنه يترك ا‬
‫ال يظهر أساسا إالّ في حالة حدوث الضرر‪.‬‬

‫كما ذهب جانب آخر من فقه القانون الجنائي‪ 4‬إلى القول أن االمتناع عبارة عن حركة‬
‫قابضة دفعت لها إرادة مانعة‪ ،‬تنحصر وظيفتها في ربط الحركة أو السكنة بإنسان معين‪ ،‬وبذلك‬

‫‪ -1‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬جريمة االمتناع‪ ،‬ط ‪ .1‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ .1222 .‬ص ‪.66‬‬
‫‪ -2‬نجم‪ ،‬محمد صبحي‪ :‬قانون العقوبات القسم العام‪ .‬ط ‪ .1‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ .1222 .‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -3‬حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ :‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ .‬ط ‪ .6‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪ .1222 .‬ص ‪.126‬‬
‫والحديثي‪ ،‬فخري عبد الرزاق‪ ،‬والزعبي‪ ،‬خالد حميدي‪ :‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ .‬ط ‪ .1‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ .1222 .‬ص ‪.22‬‬

‫‪ -‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر ‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.66‬‬


‫‪4‬‬

‫‪4‬‬
‫يكون هذا السلوك تابعا لذلك اإلنسان‪ ،‬فتكون هذه اإلرادة قابضة لألعضاء للتخلي عن القيام‬
‫بالسلوك المطلوب (وهذه هي الحالة السلبية)‪ ،‬بدال من أن تكون هذه اإلرادة دافعة ألعضاء الجسم‬

‫للحركة والعمل خارجا كما في الفعل اإليجابي‪.‬‬

‫ومما سبق يتبين أن السلوك السلبي هو امتناع إرادي عن القيام بحركة عضوية أو عضلية‬
‫يوجب القانون القيام بها في وقت معين‪ ،‬ولذا فاالمتناع ليس معناه العدم أو الفراغ بل معناه الكف‬

‫عن العمل في مقابل العمل الذي يتمثل به الفعل‪ ،1‬وهذا خالف ما ذهب إليه جانب آخر من الفقه‬
‫إذ رأى أن االمتناع فراغ والفراغ ال ُيولّد إال فراغا‪ ،2‬وهذا ما تتم اإلشارة إليه الحقا‪.‬‬

‫ومن خالل تعريف فقهاء القانون الجنائي لالمتناع‪ُ ،‬يالحظ أنهم اشترطوا وجود ثالثة‬

‫عناصر فيه‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬اإلحجام عن إتيان فعل إيجابي معين‪.‬‬

‫إن االمتناع ليس مجرد موقف سلبي أو إحجاما مجردا‪ ،‬بل هو موقف سلبي بالقياس إلى‬

‫موقف إيجابي معين‪ ،‬ومن هذا الفعل اإليجابي يستمد االمتناع كيانه‪ ،‬وهذا الفعل يحدده القانون‬
‫المشرع أن يقوم شخص بفعل إيجابي معين لحماية حقوق‬
‫ّ‬ ‫بالنظر إلى ظروف معينة‪ ،‬يتوقع فيه‬
‫اآلخرين ‪ ،‬إال أن هذا الشخص لم يقم بما توقع منه الشارع ‪.3‬‬

‫بد من وجوده‪ ،‬إذا تحدثنا عن امتناع أدى لحدوث جريمة‪،‬‬


‫ويمكن القول إن هذا العنصر ال ّ‬
‫بنص)‪ ،‬إالّ أنه ال يشترط ذلك إذا‬
‫مقيد بمبدأ الشرعية (ال جريمة وال عقوبة إال ّ‬
‫فقانون العقوبات ّ‬
‫تحدثنا عن مسؤولية مدنية‪ ،‬إذ أن االمتناع قد يسبب ضر ار للغير دون أن يكون اإلحجام عن إتيان‬

‫‪ -1‬السعيد‪ ،‬كامتل‪ :‬شـرح األحكـام العامـة فـي قـانون العقوبـات‪ .‬ط ‪ .1‬عمتان‪ :‬دار الثقافتة للنشتر والتوزيتع‪ .1221.‬ص ‪-122‬‬
‫‪.126‬‬
‫‪ -2‬السعيد‪ ،‬كامل‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.124‬‬

‫‪ -3‬حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .144‬و نجم‪ ،‬محمد صتبحي‪ :‬مرجـع سـابق‪ .‬ص ‪ .122‬والحتديثي‪ ،‬فختري عبتد‬
‫الرزاق‪ ،‬والزعبي‪ ،‬خالد حميدي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫بد من التعويض دونما حاجة للنص عليه وفقا‬
‫الفعل معينا بذاته‪ ،‬فإذا نتت عن االمتناع ضرر فال ّ‬
‫للقواعد العامة ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الواجب القانوني‪.‬‬

‫قوته القانونية من األهمية التي يسبغها القانون على الفعل اإليجابي‪ ،‬فليس‬
‫إن االمتناع يستمد ّ‬
‫لالمتناع وجود في القانون إال إذا كان الفعل اإليجابي مفروضا على من امتنع عنه‪ ،‬وهذا الواجب‬

‫القانوني‪ ،‬في رأي جانب من الفقه الجزائي‪ ،‬ليس عنص ار يقوم عليه الركن الشرعي لجريمة االمتناع‪،‬‬
‫نص عليه قانون العقوبات‪،‬‬
‫لكنه عنصر في االمتناع ذاته‪ ،‬إذ ليس شرطا أن يكون هذا الواجب قد ّ‬
‫الضار‪ ،‬فإذا صلح هذا‬
‫ّ‬ ‫المادية كالفعل‬
‫ّ‬ ‫بل قد يكون مصدره التصرف القانوني كالعقد‪ ،‬أو الواقعة‬

‫الواجب وفقا لقواعد القانون أن يكون َمصد ار لنشوء الواجب القانوني‪ُ ،1‬ع َّد االمتناع سببا لقيام‬
‫المسؤولية المدنية‪ ،‬أو المسؤولية الجزائية‪ ،‬إذا كان واجبا قد فرضه قانون العقوبات‪.‬‬

‫يالحظ مما سبق أن الواجب الذي تحدث عنه فقهاء القانون الجزائي هو الواجب القانوني‬

‫فقط‪ ،‬رغم أنه سيتضح الحقا أن هناك من صور االمتناع ما هو غير مسبوق بالتزام أو واجب‬
‫عد عنص ار فيه هو الواجب األخالقي‪.‬‬
‫مجرد‪ ،‬والواجب الذي ُي ّ‬
‫قانوني أو إرادي‪ ،‬بل هو امتناع ّ‬

‫ثالثا‪ :‬أن يكون االمتناع إارديا‪.‬‬

‫بد أن يكون مصدره والمسيطر عليه‬


‫فاالمتناع أو السلوك السلبي كالسلوك اإليجابي‪ ،‬ال ّ‬
‫تعرض إلكراه أو‬
‫اإلرادة‪ ،‬فإذا انعدمت اإلرادة‪ ،‬فال يمكن أن ينسب إلى الشخص امتناع‪ ،‬فمن ّ‬
‫أصيب بإغماء لم يمكنه من القيام بالواجب القانوني فال ينسب له امتناع‪.2‬‬

‫ويمكن القول أن الصفة اإلرادية للسلوك سواء أكان إيجابيا أم سلبيا تعني أن تكون اإلرادة‬
‫معتبرة في نظر القانون‪ ،‬واإلرادة المعتبرة في نظر القانون هي اإلرادة المميزة المختارة‪ ،‬الصادرة من‬

‫‪ -1‬حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.142‬‬

‫‪ -2‬نجتتم‪ ،‬محمتتد صتتبحي‪ :‬مرجــع ســابق‪ .‬ص ‪ .122‬وحستتني‪ ،‬محمتتود نجيتتب‪ :‬المرجــع الســابق‪ ،‬ص ‪ .122‬والمجتتالي‪ ،‬نظتتام‬
‫توفيق‪ :‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ .‬ط ‪ .1‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ .1222 .‬ص ‪.141‬‬
‫‪2‬‬
‫شخص أهل في نظر القانون خاليا من عوارض األهلية‪ ،‬إال أن القوانين المدنية المستمدة أحكامها‬
‫من الفقه اإلسالمي كالمدني األردني أقامت المسؤولية على الضرر ال على الخطأ الذي يتطلب‬

‫التمييز‪ ،‬وبهذا وبحسب الفقه اإلسالمي يكون غير المميز ضامنا للضرر‪ ،1‬وهذا ما جاءت به‬
‫نصها "كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير‬
‫المادة (‪ )252‬من القانون المدني األردني والتي ّ‬
‫مميز بضمان الضرر"‪ ،2‬وعلى ذلك نصت أيضا مجلة األحكام العدلية في المادة (‪ )612‬منها‬

‫‪،‬ولكن هذا العنصر الذي اشترطه فقهاء القانون الجنائي وهو أن يكون االمتناع إراديا‪ ،‬يكون في‬
‫محله إذا تحدثنا عن االمتناع بصفته جريمة‪ ،‬فقد عامل قانون العقوبات الطفل الحدث الذي لم يبلغ‬
‫من العمر سبع سنوات معاملة خاصة‪ ،‬إذ اعتبره غير قادر على ارتكاب الجريمة فأعفاه من‬
‫‪3‬‬
‫بد من اإلشارة أن هذا الموضوع يطول شرحه لذا سنرجئ الحديث عنه في المطلب‬
‫العقاب ‪ ،‬وال ّ‬
‫الثاني من هذا المبحث‪.‬‬

‫ميز فقهاء القانون الجنائي بين جريمة االمتناع أو الترك‪ ،‬وبين الجريمة‬
‫وأخي ار‪ ،‬فقد ّ‬
‫اإليجابية التي تقع بطريقة الترك‪ .‬فجريمة االمتناع ال توجد إال إذا كان االمتناع مخالفا لما يأمر به‬
‫القانون‪ ،‬كامتناع الطبيب عن التبليغ عن ظهور وباء معين‪ ،‬وامتناع أم عن إرضاع طفلها‪ ،‬فيكون‬
‫ركنها المادي هو االمتناع مع وجود أمر في القانون يقضي بالقيام بعمل تجاه أمر ما‪ ،‬أما الجريمة‬

‫اإليجابية التي تقع بطريق الترك‪ ،‬فهي الجريمة التي ال يشترط لتوافرها وجود أمر أو فعل يفرضه‬
‫القانون‪ ،‬بل وجود نهي وتحريم‪ ،‬كالنهي عن إلحاق األذى باآلخرين‪ ،‬فالممتنع يتخذ موقفا سلبيا يدع‬
‫األمور تجري في مجراها‪ ،4‬ويكون موقفه هذا سببا في إلحاق األذى باآلخرين‪ ،‬رغم عدم وجود أمر‬

‫يفرضه القانون على هذا الممتنع‪ ،‬وانما أمر القانون مقتصر على النهي عن إلحاق األذى‬
‫باآلخرين‪.‬‬

‫‪ -1‬سلطان‪ ،‬أنور‪ :‬مصادر االلتزام في القانون المدني األردني‪ .‬ط ‪ .1‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ .1222 .‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -2‬القانون المدني األردني رقم (‪ )31‬لسنة ‪.1246‬‬
‫‪ -3‬عسقالن‪ ،‬فضل ماهر محمد‪ :‬المسؤولية التقصيرية لعديم التمييز‪ .‬د ارستة مقارنتة‪ .‬رستالة ماجستتير غيتر منشتورة‪ .‬نتابلس‪-‬‬
‫جامعة النجاح الوطنية‪ .1222 .‬ص ‪ .62‬وفيض اهلل‪ ،‬محمد فوزي‪:‬نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي‪ .‬ص‪.111‬‬
‫‪ -4‬التتذنون‪ ،‬حستتن علتتي‪ :‬مرجــع ســابق‪ .‬ص ‪ .126-122‬و الستتعيد‪ ،‬كامتتل‪ :‬مرجــع ســابق‪ .‬ص ‪ .124‬والحلبتتي‪ ،‬محمتتد علتتي‬
‫عياد‪ :‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ .‬بدون طبعة‪ .‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ .1224 .‬ص ‪.111‬‬
‫السالم ّ‬
‫‪12‬‬
‫ويالحظ أن قانون العقوبات األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪ 1621‬وفي المادة (‪ )343‬قد نص‬
‫على‪" :‬من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين واألنظمة ُعوقب‬

‫بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات"‪ ،‬ويمكن القول أن اإلهمال هو من صور االمتناع أو‬
‫الخطأ السلبي‪ ،‬ذلك أن محكمة النقض السورية في قرارها رقم ‪ 1624‬بتاريخ ‪ 1624/2/21‬قد‬
‫أ ّكدت أن "اإلهمال هو االمتناع عن عمل واجب فعله"‪ ،‬واإلهمال هو حالة الشخص الذي يرتكب‬

‫الخطأ بوقوفه موقفا سلبيا إزاء ما يستوجب الحيطة والحذر‪ ،‬مثال ذلك الحارس الذي يهمل مراقبة‬
‫المارة‪ ،‬ويدخل في مفهوم اإلهمال‬
‫حر فيؤذي أحد ّ‬
‫السجون فيفرون‪ ،‬أو الشخص الذي يترك كلبه ّا‬
‫عدم االنتباه‪ .‬فهذه الصور من الخطأ تتخذ مظه ار سلبيا‪.1‬‬

‫أما فقهاء القانون المدني فكان الخطأ السلبي في نظرهم هو الذي يأخذ صورة ترك أو‬
‫امتناع وهو ال يتحقق إال حيث يدل الترك أو االمتناع عن إهمال أو عدم احتياط والعبرة في معرفة‬
‫هذه الداللة للظروف والعادات والتقاليد المحيطة باإلنسان وقت أن صدر منه الترك أو االمتناع‬

‫المؤاخذ عليه‪ ،2‬فمن يترك غيره في حالة حرجة توجب اإلضرار به دون أن يتدخل إلنقاذه يعتبر‬
‫ممتنعا‪ ،‬لذا يعد مخطئا‪ ،3‬فالضرر الذي يصيب اإلنسان قد ينجم عن فعل إيجابي‪ ،‬وقد ينجم كذلك‬
‫عن امتناع اإلنسان عن القيام بعمل‪ ،‬ومثال ذلك الضرر الذي يسببه الطبيب الذي يمتنع عن‬

‫الذهاب إلى منزل المريض الذي استدعاه لعالجه‪ ،‬فإن هذا الرفض وأن كان يمكن اعتباره من‬
‫ك عمل سالب‪ ،‬فإن كان هذا العمل السالب خاطئا قلنا‬
‫الناحية الفلسفية الجدلية عمال ‪ ،‬فإنه بال ش ّ‬
‫سلبيا‪.4‬‬
‫أن هناك خطأ ّ‬

‫‪ -1‬شمس‪ ،‬محمود زكي‪ :‬المسؤولية التقصيرية لألطباء‪ .‬ص ‪.22‬‬


‫‪ -2‬الديناصوري‪ ،‬عز الدين‪ ،‬والشواربي‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -3‬القاضي‪ ،‬مختار‪ :‬أصول االلتزامات في القانون المدني‪ .‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪ .1264 .‬ص ‪.132‬‬
‫‪ -4‬الذنون‪ ،‬حسن علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122-122‬‬
‫‪11‬‬
‫فالخطأ السلبي يكون بإغفال اتخاذ احتياط معين كان يجب اتخاذه عند ممارسة عمل ما‪،‬‬
‫ويمكن أن يكون باالمتناع عن عمل أو التخاذ موقف سلبي مستقل عن أي عمل إيجابي‪ ،1‬وهو ما‬

‫الشراح الموقف السلبي البحت‪ ،‬وفيما يتعلق بالحالة األولى وهي إغفال اتخاذ احتياط معين‬
‫يسميه ّ‬
‫ّ‬
‫عند ممارسة عمل ما‪ ،‬فقد ذهب جانب من الفقه إلى القول أنها تندرج في العمل اإليجابي وتوصف‬
‫باإلهمال عند ممارسة العمل وتكون أقرب إلى الخطأ اإليجابي منه إلى الخطأ السلبي كما لو أغفل‬

‫شخص إطفاء سيجارته قبل إلقائها في سلّة المهمالت فتسببت في اندالع النار في السلة وما‬
‫جاورها‪.2‬‬

‫ويالحتتظ أن هتتذا القتتول غيتتر دقيتق‪ ،‬ذلتتك أن هتتذا الرجتتل التتذي أهمتتل إطفتتاء ستتيجارته ارتكتتب‬

‫خطأ غير عمدي‪ ،‬فكيف يكون خطؤه هذا أقترب إلتى الخطتأ اإليجتابي منته إلتى الخطتأ الستلبي‪ ،‬وهتل‬
‫يتصتتور أن يكتتون الخطتتأ غيتتر العمتتدي خطتتأ إيجابيتتا‪ ،‬هتتذه التستتاؤالت ستتتتم اإلجابتتة عليهتتا فتتي الفتترع‬
‫الثاني من هذا المطلب‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تمييز الخطأ السلبي عن الخطأ اإليجابي‪:‬‬

‫تعتتود جتتذور التفرقتتة بتتين الخطتتأ الستتلبي والخطتتأ اإليجتتابي إلتتى قتتانون أكيليتتا‪ 3‬الرومتتاني‪ ،‬هتتذا‬
‫القانون الذي لم يقرر مبدأ عامتا للمستؤولية إال أنته أوجتد حتاالت خاصتة تعطتي المضترور الحتق فتي‬
‫رفع دعوى التعويض عن األضرار التي تلحتق بته‪ ،‬وفتق شتروط معينتة‪ ،‬ومتن هتذه الشتروط أن يكتون‬
‫الضترر قتد وقتع متن الجستتم‪ ،‬وعلتى الجستم‪ ،‬أي يجتب أن يكتتون فعتال إيجابيتا ال مج ّترد امتنتتاع أي أن‬
‫الفعتتل الستتلبي فتتي هتتذا القتتانون لتتم يكتتن يرتتتب المستتؤولية‪ ،‬فقتتام البريتتتور‪ 4‬بتعتتديل شتتروط هتتذا القتتانون‬

‫فرتب المسؤولية عن الضرر الحاصتل حتتى لتو كتان نتيجتة خطتأ ستلبي أو امتنتاع‪ ،‬ورغتم ذلتك بقيتت‬

‫‪ -1‬متترقس‪ ،‬ستتليمان‪ :‬ال ـوافي فــي شــرح القــانون المــدني فــي االلتزامــات فــي الفعــل الضــار والمســؤولية المدنيــة‪ .‬ج ‪ .1‬ط‪.2‬‬
‫القاهرة‪ :‬بدون دار نشر‪ .1221 .‬ص ‪.141-142‬‬
‫‪ -2‬مرقس‪ ،‬سليمان‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.141‬‬
‫‪ -3‬قانون أكيليا هو أول تشريع ينبثق عن القانون الروماني يعالت حاالت االعتداء على أحوال الغير‪.‬‬

‫‪ - 4‬البريتور هو الحاكم العام‪ ،‬الذي تشمل صالحياته السلطات القضائية واإلدارية‪ ،‬في عهد القانون الروماني‪ ،‬انظر العبودي‪،‬‬
‫عباس‪ :‬تاريخ القانون‪ .‬ط‪ ،1‬اصدار‪.1‬عمان‪ :‬دار الثقافة‪ ،1222 .‬ص‪.123‬‬
‫‪11‬‬
‫اآلراء متض تتاربة إل تتى عه تتد جس تتتنيان‪ 1‬ال تتذي ق تترر قي تتام المس تتؤولية ف تتي حال تتة ح تتدوث الض تترر نتيج تتة‬
‫امتناع‪.2‬‬

‫وبالنست تتبة للقت تتانون الكنست تتي‪ 3‬فقت تتد اعتبت تتر كت تتال مت تتن الفعت تتل اإليجت تتابي والفعت تتل الست تتلبي ُمرتبت تتا‬
‫للمسؤولية‪ ،‬فقد ذهب فقهاء هذا القانون إلى القول ‪:‬إن من كان في قدرته دفع اعتداء عن غيتره دون‬
‫أن يلحقه ضرر‪ ،‬وامتنع‪ ،‬يكون مسؤوال‪ ،‬كما لو كان هو من قام باالعتداء على الغير‪.4‬‬

‫أما الفقه اإلسالمي‪ ،‬فقد أقتام المستؤولية أو فكترة الضتمان عنتدهم علتى الضترر دون الخطتأ‪،‬‬
‫فتإذا نتتت متن الفعتل ستواء كتان خاطئتا أم ال ضترر وجتب جبتره وتعويضته‪ ،5‬وان الفقته اإلستالمي قتتد‬
‫‪6‬‬
‫حصر أسباب الضمان في ثالث ‪،‬هي إلزام الشارع ‪،‬وااللتزام بالعقد ‪،‬واإلضرار‪.‬‬

‫والضمان في الفقه اإلسالمي ينقسم إلى نوعين أولهما ضمان العقد ويكون سبب نشوء هتذا الضتمان‬
‫هتو مخالفتتة شتتروط العقتتد‪ ،‬وهتتو متتا يستتمى بالمستتؤولية العقديتتة ‪،‬والثتاني ضتتمان العتتدوان ويكتتون ستتبب‬
‫نشتتوئه ارتكتتاب فعتتل محتترم أو تتترك واجتتب يفضتتي إلتتى اإلض ترار بتتالغير ‪،‬وهتتو متتا يستتمى بالمستتؤولية‬

‫التقصيرية أو الفعل الضار ‪. 7‬‬

‫‪ -1‬جستنيان هو احد فقهاء القانون الروماني‪ ،‬وكان له الفضل في تجميع القانون وحفظه‪ ،‬انظر العبودي‪ ،‬عباس‪ :‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.126‬‬
‫‪ -2‬حليلتتو‪ ،‬مصتتطفى عبتتد القتتادر‪ :‬عناصــر المســؤولية عــن الفعــل الضــار فــي القــانون المــدني األردنــي والجزائــري‪ ،‬رستتالة‬
‫ماجستير غير منشورة‪ ،‬عمان‪ :‬الجامعة األردنية‪ ،1221 ،‬ص ‪.44-46‬‬
‫‪-‬هذا القانون ينسب الى الكنيسة وهو مجموعتة القواعتد الملزمتة التتي تحكتم عالقتات االفتراد ومعتامالتهم والتتي تختع للمصتادر‬ ‫‪3‬‬

‫الكنسية المسيحية ونابعة من سلطة البابوات في حل معامالت المخاطبين باحكام القانون الكنسي في حاالت عامتة التطبيتق او‬
‫خاصة ‪.‬راجع في ذلك الموقع االلكتروني ‪ www.egabat.com‬بتاريخ ‪. 1211/12/13‬الساعة العاشرة مساء‪.‬‬
‫‪ -4‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ -5‬السترطاوي‪ ،‬علتي‪ :‬محاضـرات فـي القـانون المـدني المقــارن‪ ،‬جامعتة النجتاح الوطنيتة‪ -‬كليتة الحقتوق‪ ،‬قستم الد ارستات العليتتا‬
‫(القانون الخاص)‪ ،‬نابلس‪.1222 ،‬‬
‫‪ -‬فيض اهلل ‪،‬محمد فوزي ‪:‬نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي العام‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬سراج ‪ ،‬محمد ‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.321‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪11‬‬
‫والفعل الضار أما أن يقع على اإلنسان واما أن يقع على ما سواه من الحيوانات واألشياء ‪ ،‬وضمان‬
‫التتنفس يستتمى عنتتدهم بضتتمان الجنايتتات‪ ،‬كالقتتتل أو الجتترح‪ ،‬ويتحقتتق التتركن المتتادي لهتتذه الجنايتتات‬

‫بإتيتتان الفعتتل المحظتتور إيجابتتا أو ستتلبا ‪ ،‬ومثتتال الفعتتل االيجتتابي إطتتالق الرصتتاص علتتى إنستتان ‪،‬‬
‫ومثتتال الفعتتل الستتلبي منتتع اإلنستتان طعامتته ممتتن هتتو مضتتطر إليتته وهتتو مستتتغن عنتته حتتتى يمتتوت‬
‫‪1‬‬
‫المضطر جوعا‪ ،‬وترك عالج الجريح حتى يهلك أيضا ‪.‬‬

‫وبخصتتوص ضتتمان األم توال فيتختتذ صتتو ار عتتدة منهتتا الغصتتب واإلتتتالف ووضتتع اليتتد وال يتحقتتق إال‬
‫باركتتان ثالثتتة هتتي الضتترر‪ ،‬والتعتتدي‪ ،‬واإلفضتتاء‪ .‬وللتعتتدي أن تواع ‪ ،‬منهتتا متتا يقستتم باعتبتتار الستتلبية‬
‫وعتتدمها إلتتى قستتمين أولهمتتا التعتتدي االيجتتابي كأختتذ متتال الغيتتر دون إذن مالكتته أو إتالفتته‪ ،‬وثانيهمتتا‬

‫التع تتدي الس تتلبي‪ ،‬ويتمث تتل بت تترك الحف تتظ أو االمتن تتاع ع تتن إغاث تتة مله تتوف ونج تتدة الغري تتق ‪ ،‬واطع تتام‬
‫المضطر حتى يهلك ‪.2‬‬

‫وه تتذا الفع تتل أو اإلضت ترار ق تتد يق تتع بالمباشت ترة أو بالتس تتبب‪ ،3‬وذه تتب الفقه تتاء المس تتلمون إل تتى تص تتور‬

‫األضت ترار بالمباشت ترة ع تتن طري تتق االمتن تتاع‪ ،‬فه تتم ال يش تتترطون فت تي المباشت ترة وقوعه تتا بفع تتل إيج تتابي‪،‬‬
‫فالمباشرة يمكن أن تقع باالمتناع‪.4‬‬

‫‪5‬‬
‫وكذلك الحال بالنسبة لإلضرار بالتسبب ‪ ،‬فيمكن أن يتحقق الضرر تسببا بامتناع عن عمل‬

‫‪6‬‬
‫ومن أمثلة ذلك أن امرأة تصرع أحيانا فتحتاج إلى حفظها ‪،‬فان لم يحفظها الزوج وضيعها ضمن‪.‬‬

‫‪ -‬فيض اهلل ‪ ،‬محمد فوزي ‪ :‬نظرية الضمان بالفقه اإلسالمي العام من ص ‪. 41-42‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬فيض اهلل ‪ ،‬محمد فوزي ‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.22‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬اإلضرار بالمباشرة هو ما يكون نتيجة اتصال آلة التلف بمحله‪ ،‬أما اإلضرار بالتسبب فهو كما جاء في المتادة (‪ )222‬متن‬
‫مجلة األحكام العدلية أنه إحداث أمر في شيء يفضي إلى تلتف شتيء آختر فتي جتري العتادة‪ .‬ارجتع فتي ذلتك الزرقتا‪ ،‬مصتطفى‬
‫أحمد‪ :‬الفعل الضار والضمان فيه‪ .‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ .1223 .‬ص ‪.43‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة‪ ،‬محمد عبد اهلل‪ :‬المغني‪ .‬ج ‪ .2‬القاهرة‪ :‬دار المنار‪1164 .‬هت‪ .‬ص ‪.221‬‬
‫‪ -‬دواس ‪،‬رنا ‪ :‬المسؤولية المدنية للمتسبب ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ .‬ص ‪. 14‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬فيض اهلل ‪ ،‬محمد فوزي ‪ :‬نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي العام ‪ .‬ص ‪. 22‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪13‬‬
‫ومتتا يؤيتتد ذلتتك القاعتتدة الفقهيتتة التتتي تقتتول " أداء الواجتتب ال يتقيتتد بوصتتف الستتالمة وفعتتل‬
‫المب تتاح يقي تتد ب تته "‪ ،1‬ومعن تتى ذل تتك أن فع تتل الواج تتب ال يك تتون س تتببا للض تتمان ول تتو أدى إل تتى الض تترر‬

‫فالقاضي يقوم بواجبه في فصل الخصومات وال يجب عليه ضمان ما يترتب على قيامه بعمله ‪ ،‬أما‬
‫فعل المباح يتقيتد بتحتري ستالمة اآلخترين وعتدم القصتد إلتى إضترارهم‪ ،2‬تعقيبتا علتى متا ورد يستتنتت‬
‫أن عتدم فعتل الواجتب يعتد ستببا للضتمان‪ ،‬ومتن هنتتا يمكتن تأصتيل فكترة االمتنتاع بتالرجوع إلتى أقستتام‬

‫الحكم الشرعي ‪.‬‬

‫والحكتتم الشتترعي عنتتد األصتتوليين يقستتم إلتتى قستتمين‪ ،‬األول هتتو الحكتتم التكليفتتي ومتتا يقتضتتي طلتتب‬
‫الفعتتل أو الكتتف عنتته ‪ ،‬أو التخييتتر بتتين الفعتتل والتتترك وستتمي بتتالحكم التكليفتتي ألن فيتته كلفتتة علتتى‬

‫اإلنسان وهذا ظاهر فيما طلب فيه الفعل أو الترك ‪ ،‬والثاني هتو الحكتم الوضتعي‪ ،‬وهتو متا يقتضتي‬
‫‪3‬‬
‫جعل الشيء سببا لشيء آخر أو شرطا‪ ،‬أو مانعا منه‪.‬‬

‫والحكتم التكليفتي يقستم عنتد جمهتور األصتوليين إلتتى أقستام خمستة هتي ‪ :‬الوجتوب ‪،‬والنتدب والتحتريم‪،‬‬

‫والمكتروه‪ ،‬والمبتاح‪ ،4‬والواجتتب هتو متتا طلتب الشتارع فعلتته علتى ستتبيل الحتتم واللتزوم بحيتتث يتذم تاركتته‬
‫ومع الذم العقاب‪ ،‬ويمدح فاعله ومع المدح الثواب ‪.5‬‬

‫والواجتتب يقستتم إلتتى عتتدة أقستتام باعتبتتارات مختلفتتة ومتتا يعنينتتا هتتو أقستتام الواجتتب باعتبتتار المطالبتتة‬
‫بأدائه‪ ،‬فيقسم إلى واجب عيني وهو ما طلب الشارع فعله متن كتل مكلتف بعينته كأركتان اإلستالم أمتا‬
‫الواجتتب الكفتتائي هتتو الواجتتب التتذي يستتقط عتتن المجمتتوع إذا قتتام بتته التتبعض ‪ ،‬فطلتتب الكفايتتة متوجتتب‬

‫‪ -‬سراج محمد ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي ‪.‬ص ‪. 323‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬سراج محمد ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي‪.‬ص ‪. 322 -323‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬زيدان ‪ ،‬عبد الكريم ‪ :‬الوجيز في أصول الفقه اإلسالمي ‪ .‬ط ‪ . 2‬بيروت ‪ :‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر ‪. 1226 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪. 16‬‬
‫‪ -‬سراج محمد ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي ‪.‬ص‪16‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ --‬زيدان ‪ ،‬عبد الكريم ‪ :‬مرجع سابق ‪ .‬ط ‪ . 2‬ص ‪11‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪12‬‬
‫على الجميع لكن إذا قام به البعض سقط عن الباقين ‪.1‬وبهذا يعتبر االمتناع من الواجبات الكفائية‬
‫التي يتوجب على البعض القيام بها حتى تسقط عن اآلخرين‪.‬‬

‫نصت المادة (‪ )252‬على "كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو‬


‫وبالنسبة للقانون المدني األردني فقد ّ‬
‫غير مميز بضمان الضرر" ومن خالل هذا النص يتبين أن موقف القانون المدني األردني مطابق‬
‫لموقف الفقه اإلسالمي حيث أنه أقام المسؤولية على الضرر ال الخطأ لذا يكون اإلضرار ملزما‬

‫للضمان والتعويض‪ ،‬سواء أكان هذا اإلضرار بفعل إيجابي أم سلبي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وان ما عليه العمل في فلسطين‪ ،‬فقد نظم قانون المخالفات المدنية رقم ‪ 32‬لسنة ‪1644‬‬
‫بوضوح أحكام الترك واوجب المسؤولية في حالة االمتناع فقد نص في المادة ‪ 11‬منه الفقرة " أ‪-‬‬

‫كل من اشترك في فعل أو ترك ارتكبه أو سيرتكبه أشخاص آخرون‪ ،‬أو ساعد في ارتكاب ذلك‬
‫الفعل أو الترك أو أجازة‪ ،‬أو أشار به‪ ،‬أو أوعز به‪ ،‬أو دبره‪ ،‬أو أقره‪ ،‬يتحمل تبعة ذلك الفعل أو‬
‫الترك"‪.‬‬

‫وكذلك المادة ‪ 12‬من ذات القانون فقد جاء فيها (‪ " )1‬يتحمل المخدوم تبعة أي فعل يأتيه خادمه‪:‬‬
‫إذا كان المخدوم قد أجاز ذلك الفعل أو أقره‪ ،‬أو إذا كان الفعل قد ارتكبه خادمه في سياق العمل‬
‫الموكول إليه‪:‬‬

‫ويشترط في ذلك ما يلي‪:‬‬

‫أوال ‪:‬ال يتحمل المخدوم تبعة أي فعل يأتيه شخص لم يكن خادمه‪ ،‬فوض إليه خادم من خدمه أمر‬
‫القيام بالعمل الموكول إليه دون تفويض صريح أو ضمني من المخدوم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن الشخص المجبر بحكم القانون على استعمال خدمات شخص آخر ال رأي له في اختياره‪،‬‬
‫ال يتحمل تبعة أية مخالفة يأتيها ذلك الشخص اآلخر في سياق العمل الموكول إليه‪.‬‬

‫‪ -‬الشاطبي ‪ ،‬اإلمام أبي إسحاق ‪ :‬الموافقات في أصول الشريعة ‪ .‬ج ‪ . 1‬ص ‪. 112‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬قانون المخالفات المدنية رقم(‪ )16‬لستة‪ ، 1233‬هو قانون ساري في فلسطين سن في عهد المندوب السامي البريطاني في‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 12‬كانون االول سنة ‪.1233‬‬


‫‪16‬‬
‫يعتبر الخادم أنه ارتكب الفعل في سياق العمل الموكول إليه‪ ،‬إذا كان قد أتى ذلك الفعل‬ ‫)‪(2‬‬
‫بصفته خادما وخالل تأدية واجبات عمله العادي أو الواجبات المقترعة عن عمله‪ ،‬حتى ولو كان‬

‫الفعل عبارة عن قيامه بفعل أجازه المخدوم‪ ،‬على غير وجهه الصحيح‪ ،‬أما إذا كان الخادم قد‬
‫ارتكب الفعل بغية تحقيق مآربه الخاصة‪ ،‬ال بالنيابة عن مخدومه‪ ،‬فال يعتبر أنه أتى ذلك الفعل في‬
‫سياق العمل الموكول إليه‪.‬‬

‫"الترك‪".‬‬ ‫شامال‬ ‫"الفعل"‬ ‫يعتبر‬ ‫المادة‪،‬‬ ‫هذه‬ ‫من‬ ‫المقصودة‬ ‫بالغايات‬ ‫إيفاء‬ ‫)‪(3‬‬
‫ليس في هذه المادة ما يؤثر في التبعة المترتبة على أي خادم لفعل ارتكبه ذلك الشخص‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫بالنسبة لمشروع القانون المدني الفلسطيني فقد نص في المادة (‪ )176‬منه على "كل من ارتكب‬

‫فعال سبب ضر ار للغير يلزم بتعويضه"‪ ،‬فهذه المادة تقرر قاعدة عامة تتمثل في أن كل من ارتكب‬
‫فعال يصيب الغير بضرر يلزم بالتعويض‪ ،‬وهذه القاعدة تستند إلى ما هو مقرر في الفقه اإلسالمي‬
‫وما نصت عليه المادة (‪ )16‬من مجلة األحكام العدلية "ال ضرر وال ضرار"‪ ،‬والمادة (‪)21‬‬

‫"الضرر ُيزال"‪ ،‬والنص يفيد الفعل بوضوح‪ ،‬لذلك ال يشمل عدم الفعل الذي يترتب عليه الضرر‪،‬‬
‫فالنص يتناول الفعل اإليجابي دون الفعل السلبي‪ ،‬في حين تستوجب المسؤولية في حالة الفعل‬
‫اإليجابي والفعل السلبي إذا نتت عنه ضرر‪ ،‬لذلك وجه االنتقاد لهذا النص من قبل جانب من لجنة‬

‫الصياغة وطلبت تعديله ليصبح "كل إضرار بالغير يلزم فاعله بالتعويض"‪.1‬‬

‫ولهذا يمكن القول إن وضع معيار محدد ودقيق للتفرقة بين الخطأ السلبي و الخطأ‬
‫اإليجابي هو أمر بالغ الصعوبة‪ ،‬فإذا كان باإلمكان القول أن الخطأ اإليجابي يقع كلما قام اإلنسان‬

‫بعمل ينبغي عليه أن يتحاشاه‪ ،‬أو هو اإلخالل بااللتزام المفروض على الناس كافة باتخاذ العناية‬
‫الالزمة عند القيام بسلوك معين‪ ،‬أو هو اإلخالل بقاعدة ناهية عن عمل معين‪ ،‬كالقاعدة التي تَْنهي‬
‫عن السرقة‪.2‬‬

‫‪ -1‬المذكرات اإليضاحية لمشروع القانون المدني الفلسطيني‪ .‬ديوان الفتوى والتشريع‪ .1221 .‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -2‬الشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ :‬ركن الخطأ في المسـؤولية المدنيـة (دراسـة مقارنـة) بـين القـانون المـدني المصـري واليمنـي‬
‫والفقه اإلسالمي‪ .‬ط ‪ .1‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪ .1222 .‬ص ‪.124‬‬
‫‪14‬‬
‫فإن الخطأ السلبي كما ورد سابقا هو إغفال اتخاذ احتياط معين كان يجب اتخاذه عند‬
‫ممارسة عمل ما أو دون أن يكون مرتبطا بعمل إيجابي‪ ،1‬فالخطأ إما أن يكون بإتيان فعل وهو‬

‫الخطأ اإليجابي كإتالف مال اآلخرين أو إطالق الرصاص‪ ،‬أو يكون باالمتناع عن القيام بعمل أو‬
‫إغفال احتياط معين كان يجب اتخاذه وهو الخطأ السلبي أو خطأ االمتناع‪ ،‬كامتناع طبيب عن‬
‫عالج مريض أو ترك المقاول حفرة حفرها دون وضع إشارة تنبه إلى وجودها‪ ،2‬لذا يمكن القول أن‬

‫االمتناع يعتبر عمال أو فعال‪ ،‬فعندما يقرر شخص بأنه لن يقوم بأي عمل ولن يتخذ غير موقف‬
‫سلبي بحت‪ ،‬يعتبر امتناعه هذا مساويا للعمل اإليجابي‪ ،‬ومعادال له‪ ،‬فإذا نتت عن هذا الموقف‬
‫السلبي ضرر فإنه ال يمكن أن نفرق بين إحداث الضرر وبين ترك الضرر يحدث‪ ،‬متى كان‬

‫بإمكان الشخص أن يحول دون حدوثه‪ ،‬ويمنع وقوعه‪ ،3‬وهناك أمثلة وصور يصعب فيها التمييز‬
‫بين العمل وبين االمتناع‪ ،‬فسائق السيارة الذي يتسبب في وقوع حادث ألنه لم يضغط على الكابح‬
‫في الوقت المناسب ُيقال أن خطأه سلبي‪ ،‬وسائق السيارة الذي وضع قدمه خطأ على جهاز التسريع‬

‫بدال من جهاز الكابح ُيقال بأنه ارتكب خطأ إيجابيا‪ ،‬وفي الحقيقة أننا في كلتا الحالتين أمام عمل‬
‫أخرق طائش أو حركة رعناء‪ ،‬وما الحركة إال فعل أو عمل‪ ،4‬لهذا ذهب البعض إلى القول‪: 5‬أن‬
‫الفعل السلبي في حقيقته ينطوي على عمل إيجابي‪ ،‬فالممتنع عن عمل كانت إرادته في وقوع‬

‫عد فعال إيجابيا‪ ،‬فالشخص الذي يسحب األداة التي يمكن أن‬
‫الضرر سبب امتناعه‪ ،‬فإن فعله هذا ُي ّ‬
‫يتعلق بها الغريق‪ ،‬يكون فعله مساويا لفعله إن رفض مد هذه األداة إلى هذا الغريق ‪ ،‬وهو العمل‬
‫اإليجابي‪.‬‬

‫‪ -1‬راجع الصفحة ‪ 2‬من هذه الرسالة‪ ،‬كذلك مرقس ‪ ،‬سليمان‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -2‬حرح‪ ،‬زهير بن زكريا‪ :‬الخطأ في المسؤولية المدنية‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظام األنجلوسكسوني والنظام الالتينـي‪ .‬رستالة‬
‫دكتوراه مقدمة إلى جامعة عين شمس‪ .1222 .‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -3‬الذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -4‬الذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -5‬عتتامر‪ ،‬حستتين‪ ،‬عتتامر‪ ،‬عبتتد التترحيم‪ :‬المســـؤولية المدنيـــة التقصـــيرية والعقديــة‪.‬ط‪.1‬القتتاهرة ‪ :‬دار المعتتارف‪ .1242.‬ص‬
‫‪ .121‬و فوده‪ ،‬عبد الحكم‪ :‬الخطأ في نطاق المسؤولية التقصيرية دراسة تحليلية في ضوء الفقه وقضاء النقض‪.‬اإلسكندرية‪:‬‬
‫دار الفكر الجامعي ‪،1226.‬ص ‪.13‬‬
‫‪12‬‬
‫متتؤدى متتا تقتتدم أن المستتؤولية تقتتوم علتتى االمتنتتاع عنتتدما يريتتد المتترء حتتدوث الضتترر التتذي كتتان‬
‫النية وقصد اإلضرار يوجبان المسؤولية‪.1‬‬
‫يجب عليه أن يحول دون وقوعه‪ ،‬فسوء ّ‬

‫إن هذا القول غير دقيق ذلك أن المسؤولية سواء أكانت بناء على خطأ إيجابي أم سلبي ال‬
‫بحد ذاته سواء أكان سلبيا أم إيجابيا إذا سبب ضر ار يرتّب‬
‫تقوم على النوايا والمقاصد‪ ،‬فالفعل ّ‬
‫المسؤولية سواء أقصد الفاعل حدوث النتيجة أم ال‪ ،‬والدليل على ذلك أن القوانين التي استقت‬

‫أحكامها من الفقه اإلسالمي ومنها القانون المدني األردني وفي المادة (‪ )252‬سالفة الذكر أقامت‬
‫المسؤولية على عديم التمييز لتعلق المسؤولية (الضمان) بال ّذ ّمة المالية للشخص‪.‬‬

‫لذا يقول ابلتون‪ 2‬أن الشخص يعتبر مخطئا كلما امتنع عن إتيان عمل كان في إمكانه أن‬

‫يمنع به إحاقة الضرر بالغير دون أن يتعرض هو للخطر‪.3‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فقد وضع الفقه‪ 4‬معيا ار مزدوجا للتفرقة بين الخطأ اإليجابي والخطأ‬
‫السلبي‪ ،‬يعتمد فيه على فكرتين‪ ،‬األولى‪ :‬التالزم بين الخطأ غير العمدي والسلبية‪ ،‬والثانية يستدل‬

‫على سلبية الخطأ من إيجابية االلتزام‪ ،‬وايجابية الخطأ من سلبية االلتزام‪ ،‬فإذا كان الخطأ غير‬
‫عمدي فيكون خطأ سلبيا‪ ،‬أما إذا كان الخطأ عمديا‪ ،‬فيجب البحث في االلتزام الذي أُخل به‪ ،‬فإذا‬
‫كان هذا االلتزام إيجابيا كالقيام بعمل فيكون خرقه بخطأ سلبي‪ ،‬وهو عدم القيام بعمل‪ ،‬واذا كان‬
‫إيجابيا بالقيام بعمل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االلتزام سلبيا كاالمتناع عن القيام بعمل فيكون خطأه‬

‫واذا طبقنا هذا المعيار على االمتناع عند ممارسة عمل ما‪ ،‬كالشخص الذي أهمل في‬
‫إطفاء سيجارته فتسببت في نشوب حريق‪ ،‬فهذا الشخص لم يتعمد حدوث الضرر وانما أهمل في‬

‫‪ -1‬عامر‪ ،‬حسين‪ ،‬عامر‪ ،‬عبد الرحيم‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪ .121‬و فوده‪ ،‬عبد الحكم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -‬ابلتون هو احد فقهاء القانون الفرنسي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬األبراشي‪ ،‬حسن زكي‪ :‬مسؤولية األطباء والجراحين المدنية في التشريع المصـري والقـانون المقـارن‪ .‬القتاهرة‪ :‬دار النشتر‬
‫للجامعات المصرية‪ .‬ص ‪.134‬‬
‫‪ -4‬حرح‪ ،‬زهير بن زكريا‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.112‬‬
‫‪12‬‬
‫إطفاء السيجارة‪ ،‬وأن اإلهمال ال يدخل في مجال التعمد فال يعتبر خطأ هذا الشخص عمديا وبذلك‬
‫يكون خطؤه سلبيا وفقا لهذا المعيار‪.‬‬

‫وبالنسبة لسائق السيارة الذي يرتكب حادثا نتيجة إلغفاله في استعمال الكابح فخطأه غير‬
‫عمدي وبالتالي فهو خطأ امتناع‪ ،1‬واذا التزم شخص بامتناع عن قيام بعمل‪ ،‬كاالمتناع عن‬
‫المنافسة غير المشروعة‪ ،‬فيكون خرق هذا االلتزام بالقيام بالمنافسة غير المشروعة وهو عمل‬

‫إيجابي‪ ،‬أما إذا كان التزام الشخص بالقيام بعمل فيكون مخطأ إذا امتنع عن القيام بهذا العمل‬
‫وبالتالي يكون عمله أو خطؤه سلبيا‪.‬‬

‫أمعنا النظر في المعيار المتقدم للتمييز بين الخطأ اإليجابي والخطأ السلبي‪ ،‬لوجدناه‬
‫واذا ّ‬
‫غاية في الدقة ويمكن تطبيقه على كل ما يتصور في ذهن الشخص من أخطاء قد يقوم بها‪.‬‬

‫تمعنا‬
‫الحد‪ ،‬فهناك أسئلة واشكاليات تثور إذا ّ‬
‫إال أن موضوع الخطأ السلبي ال يقف عند هذا ّ‬
‫في القواعد التي تحكم الخطأ اإليجابي وما مدى انطباقها على الخطأ السلبي‪ ،‬لهذا سيتم اإلجابة في‬

‫المطلب الثاني من هذا المبحث على هذا التساؤل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مدى خضوع الخطأ السلبي للقواعد العامة في الخطأ‪:‬‬

‫فكرة خضتوع االمتنتاع للقواعتد العامتة فتي الخطتأ‪ ،‬ومتا متدى هتذا الخضتوع متن األفكتار التتي‬
‫تستتاعد علتى حتتل بعتتض اإلشتتكاليات المتعلقتتة باالمتنتتاع‪ ،‬ذلتتك أن االمتنتتاع لتته طبيعتتته الخاصتتة التتتي‬
‫تميت تزه ع تتن الخط تتأ اإليج تتابي‪ ،‬فه تتل يمك تتن أن يخض تتع االمتن تتاع لكاف تتة قواع تتد الخط تتأ‪ ،‬ه تتذا م تتا س تتيتم‬
‫توضيحه في هذا المطلب‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬موقف الفقه من خضوع الخطأ السلبي لقواعد الخطأ‪:‬‬

‫تباينت آراء الفقهاء في مدى خضوع االمتناع للقواعد العامة في الخطأ‪ ،‬فذهب جانب من‬
‫الفقه إلى القول بأن االمتناع يخضع لقواعد متميزة عن القواعد العامة في الخطأ‪ ،‬ويستندون في‬

‫‪ -1‬حرح‪ ،‬زهير بن زكريا‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.112‬‬


‫‪12‬‬
‫ذلك إلى دليلين أولهما دليل فلسفي عقلي أساسه ضمان الحرية الشخصية التي تعتبر مظهر‬
‫اآلدمية وروحها‪ ،‬لهذا يرون أن إلزام شخص بالقيام بعمل ليس واجبا عليه القيام به‪ ،‬يعتبر تناقضا‬

‫مع هذه الحرية‪ ،‬فاإلنسان له الحرية في الركون إلى الموقف السلبي والزامه بالخروج من هذه الحالة‬
‫مصادرة لحريته الشخصية‪ ،1‬ولقد تم الرد على هذا الدليل من قبل األستاذ الدكتور علي الذنون‬
‫بالقول أ نه لم يقل أحد على اإلطالق بأن مساءلة اإلنسان عن فعله اإليجابي الخاطئ مصادرة‬

‫لحريته الشخصية أو افتئات عليها‪ ،‬فلماذا يعتبر إلزام الشخص بالعمل اإليجابي أشد خطورة على‬
‫حريته من تحريم هذا العمل اإليجابي عليه؟‪ ،‬ويمكن اعتبار أن إلزام شخص بتقديم مركب عدة‬
‫أمتار أو منعه من التراجع قليال لشخص يصارع األمواج وعلى وشك الغرق‪ ،‬تدخال في حريته‬

‫الشخصية على حد سواء‪ ،‬فما الفارق بين إلزامه بالتقدم ومنعه من التراجع‪ ،‬ففي كلتا الحالتين تكون‬
‫قد تدخلنا في هذه الحرية‪ ،‬لهذا يمكن القول بأن إلزام شخص بالقيام بعمل أو إلقاء المسؤولية عليه‬
‫إذا امتنع عن عمل هو قيد على حريته الشخصية‪ ،‬ولكن إلزام الشخص باالمتناع عن عمل من‬

‫األعمال والقاء المسؤولية عليه إذا هو قام به أو فعله يعتبر كذلك قيدا على حريته ال فرق بينه وبين‬
‫الحالة األولى‪.2‬‬

‫والدليل الثاني الذي يستند عليه أصحاب هذا الرأي هو دليل قانوني فلم يرد في القانون‬

‫المدني الفرنسي وخاصة المادة (‪ )1332‬التي نصت على "كل فعل يحدث ضرر بالغير يلزم فاعله‬
‫بالتعويض"‪ ،‬ما يفيد باعتبار االمتناع مساويا للفعل‪ ،‬إال أنه يمكن الرد على هذا الدليل أنه وان لم‬
‫يرد نص صريح بشأن االمتناع إال أنه ال يوجد نص في القانون المدني الفرنسي يمنع قيام‬

‫المسؤولية على أساس االمتناع‪.3‬‬

‫فإذا نظرنا إلى المسؤولية العقدية فيمكن القول أن هذه المسؤولية ترتب على المدين فيها إما‬
‫القيام بعمل أو االمتناع عن القيام بعمل‪ ،‬فإذا لم يقم المدين بالعمل أو االلتزام المفروض عليه‬

‫بموجب العقد يكون قد امتنع عن تنفيذ التزامه فيكون فعله هذا امتناعا موجبا للمسؤولية‪ ،‬أما إذا كان‬

‫‪ -1‬الذنون‪ ،‬حسن علي ‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.124‬‬


‫‪ -2‬الذنون‪ ،‬حسن علي ‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.124‬‬
‫‪ -3‬الذنون‪ ،‬حسن علي ‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪11‬‬
‫التزامه امتناعا عن قيامه بعمل فيكون مسؤوال إن هو قام بالعمل الممنوع من القيام به ‪ ،‬ويكون‬
‫سبب قيام هذه المسؤولية الفعل اإليجابي‪ ،1‬وذهب الفقه والقضاء إلى أبعد من ذلك في مجال‬

‫المسؤولية العقدية وذلك حين يكون المدين ملتزما باإلفضاء عن الصفة الخطرة للشيء المبيع‪،‬‬
‫فاعتبر سكوته أو تقاعسه عن تقديم البيانات الهامة أو النصح الالزم بشأن الشيء المبيع إخالال‬
‫سلبيا يوجب قيام المسؤولية‪ ،‬فقد قضت محكمة النقض الفرنسية في ُحكمها الصادر في ‪ 13‬من‬

‫مايو سنة ‪ 1632‬بمسؤولية صانع المادة التي يفترض أنها عازلة للح اررة عن كافة األضرار التي‬
‫لحقت بالمشتري‪ ،‬والمتمثلة في انهيار المصنع الذي استخدم هذه المادة في إنشائه بسبب حريق‬
‫نشب فيه‪ ،‬ساعدت هذه المادة على انتشاره بسبب قابليتها لالشتعال‪ ،‬وهو ما لم يشر إليه الصانع‬

‫في نشرة االستخدام المرفقة مع هذه المادة‪ ،‬بل ذكر على العكس أنها عازل جيد للح اررة وقابل‬
‫لإلطفاء‪.2‬‬

‫أما بالنسبة للمسؤولية التقصيرية فإنه يالحظ أن معظم حاالت الضرر في المسؤولية‬

‫التقصيرية تكون نتيجة فعل إيجابي لهذا ال يستغرب من نص المادة (‪ )1332‬من القانون المدني‬
‫الفرنسي سالفة الذكر أن تنص على أن كل فعل‪...‬‬

‫إذا نظرنا نظرة سطحية للنص يتبادر للذهن أن المقصود هو فقط الفعل اإليجابي‪ ،‬إال أن التعمق‬

‫في هذه النظرة يبين أن الفعل قد يتخذ شكال إيجابيا أو سلبيا على حد السواء‪ ،‬وهذا ما أكدته‬
‫األعمال التحضيرية للقانون المدني الفرنسي‪.3‬‬

‫أما بالنسبة للقانون المدني المصري فيرى جانب من الفقه أن األساس القانوني لخطأ‬

‫االمتناع يكمن في نص المادة (‪ )123‬من القانون المدني المصري التي نصت "كل خطأ سبب‬
‫الحكم على الخطأ اإليجابي لنص على أن كل خطأ‬
‫المشرع قصر ُ‬
‫ّ‬ ‫ضرر للغير‪ ....‬الخ"‪ ،‬فلو أراد‬
‫ا‬
‫ضرر للغير وبهذا ينطوي ُحكم الخطأ السلبي كالخطأ اإليجابي على عموم المادة‬
‫ا‬ ‫إيجابي سبب‬

‫‪ -1‬الذنون‪ ،‬حسن ‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪ .122‬وسلطان‪ ،‬أنور‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -2‬ستتعد‪ ،‬حمتتدي أحمتتد‪ :‬االلت ـزام باإلفضــاء بالصــفة الخطــرا للشــيء المبيــع‪ ،‬دراســة مقارنــة بــين القــانون المــدني المصــري‬
‫والفرنسي والفقه اإلسالمي‪ .‬بدون طبعة‪ .‬القاهرة‪ :‬المكتب الفني لإلصدارات القانونية‪ .1222 .‬ص ‪.326‬‬
‫‪ -3‬الدنون‪ ،‬حسن علي‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪11‬‬
‫المذكورة‪ ،‬والدليل على هذا التحليل هو ما جاء في مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني‬
‫المصري التي اعتبرت العمل غير المشروع‪ ،‬أو العمل المخالف للقانون‪ ،‬يتناول الفعل السلبي‬

‫االمتناع ‪،‬والفعل اإليجابي‪ ،‬وتنصرف داللته إلى مجرد اإلهمال‪ ،‬والفعل العمد على حد سواء‪.1‬‬

‫وبالنسبة لموقف الفقه اإلسالمي فال يختلف ُحكم الضمان بالتعدي‪ ،2‬سواء أكان أم ار‬
‫إيجابيا كاإلحراق واإلغراق واإلتالف‪ ،‬أم أم ار سلبيا كترك حفظ الوديعة فإنه موجب للضمان فمن‬

‫أرى إنسانا يسرق الوديعة وهو قادر على منعة ضمن المال لترك الحفظ الملتزم بالعقد ومن امتنع‬
‫عن إطعام المضطر إليه أو عن تقديمه لسجين حتى مات كان ذلك إعانة على القتل ومسببا‬
‫للهالك المستوجب للضمان‪.3‬‬

‫وموقف القانون المدني األردني ال يختلف عن موقف الفقه اإلسالمي‪ ،‬فقد نصت المادة‬
‫(‪ )252‬مدني أردني "كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر"‪ ،‬فيالحظ من‬
‫المشرع األردني أقام المسؤولية على الضرر ال الخطأ‪ ،‬واإلضرار يكون إما مباش ار أو‬
‫ّ‬ ‫النص أن‬

‫تسببا وقد الحظنا سابقا في المطلب األول أن المباشرة والتسبب يتصور فيها حالة االمتناع لهذا‬
‫المشرع األردني جعل االمتناع موجبا للمسؤولية والضمان كما في الفعل اإليجابي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يمكن القول أن‬

‫أما بالنسبة لموقف مشروع القانون المدني الفلسطيني ومن خالل نص المادة (‪ )176‬والمذكرات‬
‫اإليضاحية له‪ ،4‬يالحظ أنه يفيد قيام المسؤولية على الفعل وال يشمل عدم الفعل الذي يترتب عليه‬
‫الضرر‪ ،‬فالنص يتناول الفعل اإليجابي دون السلبي‪ ،‬وهذا مأخذ على هذه المادة من المشروع ذلك‬
‫أن مثل هذا النص يؤدي إلى ضياع الحقوق وعدم تعويض المضرور نتيجة خطأ سلبي‪ ،‬أو‬

‫فالمشرع بذلك يعتبر‬


‫ّ‬ ‫امتناع‪ ،‬فهو ولهذا ال يقيم المسؤولية على أساس االمتناع أو الخطأ السلبي‪،‬‬
‫منك ار لفكرة االمتناع‪ ،‬وهذا مخالف ألبسط القواعد القانونية وال يتماشى مع الفقه الحديث‪.‬‬

‫‪ -1‬الشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.126‬‬


‫‪ -2‬التعتدي هتتو الظلتم والعتتدوان ومجتتاوزة الحتق وضتتابطه انحتراف عتن الستتلوك المتألوف للرجتتل المعتتتاد ‪ .‬ارجتع الزحيلتتي‪ ،‬وهبتتة‪:‬‬
‫نظرية الضمان وأحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه اإلسالمي‪ .‬دراسة مقارنة‪ .‬دار الفكر‪ .‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -‬الزحيلي‪ ،‬وهبة‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.11‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -4‬المذكرات اإليضاحية لمشروع القانون المدني الفلسطيني‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪11‬‬
‫ويالحظ الباحث أنه يمكن تأييد الجانب األكبر من الفقه الذي يرى أن االمتناع يخضع‬
‫للقواعد العامة في الخطأ‪ ،‬هذا إذا نظرنا إلى الركن األول من أركان الخطأ‪ ،‬وهو التعدي‪ ،‬فال فارق‬

‫بين التعدي الذي يتخذ انحراف الشخص فيه مظه ار إيجابيا‪ ،‬أو مظه ار سلبيا‪ ،1‬إال أنه إذا نظرنا إلى‬
‫الركن الثاني في الخطأ وهو اإلدراك فإنه ال مشكلة بالنسبة إلى القوانين‪ 2‬التي اشترطت اإلدراك‪ ،‬أو‬
‫التمييز‪ ،‬لقيام المسؤولية‪ ،‬فعديم التمييز سواء أكان خطؤه إيجابيا أم سلبيا لن تنهض المسؤولية في‬

‫مواجهته‪ ،‬أما بالنسبة للقوانين التي أقامت المسؤولية على عديم التمييز كالقانون المدني األردني‬
‫الذي استقى أحكامه في الفقه اإلسالمي‪ ،‬فيالحظ أن المادة (‪ )252‬من المدني األردني سالفة الذكر‬
‫والمادة (‪ )612‬من مجلة األحكام العدلية‪ 3‬أقامت المسؤولية على عديم التمييز‪ ،‬وأساس ذلك أن‬

‫الضمان يتعلق بالذمة المالية لعديم التمييز‪ ،‬فهو خطاب وضع‪ ،‬وليس خطاب تكليف‪ ،‬أي أن‬
‫الضمانات مسببات ترتبت على أسبابه‪ ،‬فالتضمين ليس جزاء فعل وانما هو بدل مال‪ ،4‬وهذا ما‬
‫يعرف عند فقهاء الشرع الحنيف بضمان العدوان‪ ،5‬والعدوان من التعدي ‪،‬والتعدي له أشكال‬

‫متنوعة‪ ،‬تشمل الغضب ‪،‬واإلتالف بالمباشرة أو التسبب‪ ،‬كما يشمل الكف أو الترك‪ ،‬واإلهمال في‬
‫رعاية من تجب رعايته‪ ،‬لهذا يمكن القول أن الخطأ في ضمان العدوان هو السلوك مسلكا مخالفا‬
‫لما أمر به الشارع وأوجبه على الكافة‪ ،6‬فهل يتصور قيام مسؤولية عديم التمييز في حالة االمتناع‬

‫عن القيام بعمل؟ إنه ووفقا للقواعد العامة لمسؤولية عديم التمييز والمرتكزة على الفقه اإلسالمي‪،‬‬
‫فإن عديم التمييز يمكن تضمينه في حالة االمتناع طالما أن الغاية من الضمان هي جبر الضرر‪،‬‬

‫‪ -1‬سلطان‪ ،‬أنور‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬


‫‪ -2‬انظتتر المتتادة (‪ )136‬متتن القتتانون المتتدني المصتتري التتتي نصتتت علتتى أنتته "‪ -1‬يكتتون الشتتخص مستتؤوال عتتن أعمالتته غيتتر‬
‫المشروعة متى صدرت منه وهو مميز‪.".....-1 .‬‬
‫‪ -3‬تتتنص المتتادة (‪ )216‬متتن مجلتتة األحكتتام العدليتتة علتتى "تلتتف صتتبي متتال غي تره يلتتزم الضتتمان متتن مالتته وان لتتم يكتتن لتته متتال‬
‫ينتظر إلى حال يسر وال يضمن وليه"‪.‬‬
‫‪ -4‬الفكهتتاني‪ ،‬حستتن‪ ،‬جميعتتي‪ ،‬عبتتد الباستتط‪ ،‬حستتني‪ ،‬عبتتد المتتنعم‪ ،‬متتدكور‪ ،‬محمتتد ستتالم‪ ،‬حتحتتوت‪ ،‬عتتادل‪ :‬الوســيط فــي شــرح‬
‫القانون المدني األردني‪ .‬ج ‪ .3‬القاهرة‪ :‬إصدار الدار العربية للموسوعات‪ .1221 .‬ص ‪.1142‬‬
‫‪ -5‬ضمان العدوان‪ :‬هو شغل الذمة بحق مالي للغير جب ار للضرر الناشئ عن التعدي لمخالفة القواعد الشرعية العامة القاضتية‬
‫بحرمة مال المسلم ودمه وعرضه وسائر حقوقه مما ال يرجتع إلتى واجتب الوفتاء بتالعقود‪ .‬ارجتع عستقالن‪ ،‬متاهر‪ :‬مرجـع سـابق‪.‬‬
‫ص ‪.116‬‬
‫‪ -6‬عسقالن‪ ،‬ماهر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.116‬‬
‫‪13‬‬
‫إال أن الباحث يرى عدم إمكانية تضمين عديم التمييز في حالة االمتناع‪ ،‬ذلك أن مسؤولية الممتنع‬
‫باألساس تقوم على تبني فكرة التضامن االجتماعي‪ ،1‬التي تسعى إلى تحقيق التكافل‪ ،‬والتعاضد بين‬

‫مد يد العون إلى شخص في‬


‫أفراد المجتمع الواحد‪ ،‬فهل يتصور أن عديم التميز في امتناعه عن ّ‬
‫حالة حرجة سعى إلى اإلخالل في هذا التضامن‪ ،‬وهل يتصور قدرة عديم التمييز على مساعدة أحد‬
‫في حالة حرجة حتى يتصور مساءلته عن امتناعه عن تقديم المساعدة‪.‬‬

‫وخالصة القول أن االمتناع يخضع للقواعد العامة في الخطأ وليس بحاجة لقواعد خاصة‬
‫مختلفة عن القواعد العامة في الخطأ‪ ،‬وهذا ما أيده غالبية الفقه‪ ،‬وخاصة أن القواعد العامة للخطأ‬
‫تتميز بالمرونة‪ ،‬مما يسهل على القضاء حسم المنازعات المتعلقة باالمتناع وتقرير ما إذا كان‬

‫االمتناع خاطئا أم ال‪.‬‬

‫وبعد أن عرضت موقف الفقه من فكرة خضوع االمتناع للقواعد العامة في الخطأ أرى لزاما‬
‫التعرض لموقف القضاء من ذلك في الفرع الثاني‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬موقف القضاء من خضوع الخطأ السلبي لقواعد الخطأ‪:‬‬

‫تباينت اجتهادات المحاكم‪ ،‬في بادئ األمر‪ ،‬من مسألة خضوع االمتناع للقواعد العامة في‬
‫الخطأ‪ ،‬وقد امتنعت بعض المحاكم الفرنسية من التصدي لهذا الموضوع بطريقة مباشرة‪ ،‬إذ كانت‬
‫الحكم على الممتنع بالتعويض‪،‬‬
‫تستعين بفكرة التعسف في استعمال الحق للوصول من خاللها إلى ُ‬
‫فذهبت إلى اعتبار االمتناع إساءة استعمال الحق في اتخاذ موقف إيجابي‪ ،‬فهي بذلك كانت تعترف‬
‫بأن االمتناع من قبيل الخطأ‪ ،‬ألن التعسف في استعمال الحق ليس إال من صور الخطأ‪.2‬‬

‫ويالحظ الباحث أن تأسيس االمتناع على فكرة التعسف في استعمال الحق هو قول غير‬
‫صحيح‪ ،‬كما استعانت بعض المحاكم لتبرير مسؤولية الطبيب في حالة رفضه للعالج بفكرة‬
‫المسؤولية العقدية‪ ،‬إال أن ذلك يصطدم باالعتبارات الواقعية التي تخرج هذه الحالة من نطاق العقد‪،‬‬

‫‪ -1‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.24-26‬‬


‫‪ -2‬الذنون‪ ،‬حسن علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.124‬‬
‫‪12‬‬
‫لذلك ذهب األخوان مازو‪ 1‬إلى بحث هذه المسألة ضمن قواعد المسؤولية التقصيرية وقاال إن فكرة‬
‫بد من التوسع في تفسيرها لتشمل الخطأ باالمتناع والخطأ اإليجابي‪.2‬‬
‫الخطأ ال ّ‬

‫وبقي هذا التردد والخالف حول مسألة خضوع االمتناع لقواعد الخطأ في أروقة المحاكم‬
‫الفرنسية إلى أن قررت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 1624/12/24‬أن االمتناع ال يوجب‬
‫مساءلة مدنية إال إذا كان يوجد على عاتق الممتنع التزام بالقيام بالعمل الذي امتنع عنه‪ ،‬ولوحظ‬

‫على محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬من خالل هذا القرار‪ ،‬أنها اكتفت بوجود االلتزام بالقيام بعمل‪ ،‬ولم‬
‫تصف هذا االلتزام بأنه قانوني‪ ،‬مما يسمح التوسع في خطأ االمتناع حتى يشمل االمتناع عما‬
‫تقضي به قواعد األخالق‪.3‬‬

‫ويرى الباحث أن هذا التعليق غير دقيق‪ ،‬فإذا تحدثنا عن االمتناع المجرد غير المسبوق‬
‫بأي التزام‪ ،‬وهو أحد صور االمتناع التي سيأتي الباحث على شرحها‪ ،‬فإنه يالحظ أن هذا االمتناع‬
‫ال يقوم على خرق التزام قانوني‪ ،‬وانما يمكن قيام مسؤولية هذا الممتنع بناء على قواعد األخالق‬

‫وما تمليه الطبيعة اإلنسانية لكل إنسان يعيش في مجتمع ما‪.‬‬

‫إال أن النقد الموجه لقرار محكمة النقض الفرنسية السابق دفعها إلى أن تصرح في ُحكم لها‬
‫أصدرته عام ‪ 1635‬أن االمتناع ال يعتبر خطأ‪ ،‬وال يكون سببا للتعويض إال إذا كان العمل الذي‬
‫حصل االمتناع عنه موضوع التزام مدني‪ ،‬أي أن يكون العمل الذي حصل االمتناع عنه محل‬
‫واجب قانوني سواء أكان هذا االلتزام منصوصا عليه أم كان من الواجبات العامة التي تقابل‬
‫الحقوق المقررة لألفراد والتي يعين القاضي مداها بحسب ظروف كل قضية على ِح َده‪.4‬‬

‫ويالحظ أن القضاء الفرنسي يخضع االمتناع للقواعد العامة في الخطأ‪ ،‬إذ يعتبر االمتناع‬
‫خطأ يلزم فاعله بالتعويض متى كان انحرافا عن سلوك الشخص المعتاد السوي‪ ،‬وهذه القواعد‬

‫‪ -‬األخوان مازو هما من فقهاء القانون المدني الفرنسي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬األبراش‪ ،‬حسن زكي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.134‬‬


‫‪ -3‬مرقس‪ ،‬سليمان‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .146‬والذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -4‬مرقس‪ ،‬سليمان‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .144‬والذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪16‬‬
‫العامة قواعد مرنة تتيح للقاضي مراعاة قواعد العدالة والمصلحة العامة‪ ،‬فأخذ القضاء الفرنسي‬
‫يقضي بمسؤولية الشخص الذي يمتنع عن اتخاذ ما يلزم من احتياطات لمنع ضرر قد ينتت عن‬

‫حالة خطرة خلقها اإلنسان والتي قد تكون مصدر ضرر باآلخرين‪ ،‬وبهذا قضت إحدى المحاكم‬
‫الفرنسية بمسؤولية منظم سباق السيارات عن األضرار التي تحدث للمتفرجين بمقولة‪ :‬إن هناك‬
‫التزاما قانونيا ُيلقى على عاتق هذا المنظم للسباق يقضي باتخاذ االحتياطات الضرورية لمنع وقوع‬

‫مثل هذه األضرار‪ ،‬فإذا حدثت قامت عليه المسؤولية واعتبر خطأه مقترضا ال حاجة بالمضرور‬
‫إلثباته‪.1‬‬

‫أما بالنسبة لموقف القضاء األردني‪ ،‬فقد قررت محكمة التمييز في القرار الحقوقي رقم‬

‫‪ 61/625‬صفحة ‪ 1121‬سنة ‪ 1662‬بأنه "يستفاد من المادة (‪ )252‬مدني التي تنص على أن‬
‫كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر بمعنى أن كل فعل يصيب الغير‬
‫بضرر فإنه يستوجب التعويض والفعل إما أن يكون إيجابيا أو سلبيا‪....‬الخ"‪.2‬‬

‫ويالحظ أن هذا القرار ساوى بين الفعل اإليجابي والفعل السلبي‪ ،‬بمعنى أن المسؤولية‬
‫التقصيرية إذا توافر باقي أركانها‪ ،‬فإنه ال فرق بالنسبة للركن األول وهو اإلضرار أو الفعل أن يكون‬
‫إيجابيا أو سلبيا فهو بذلك أخضعهما لألحكام نفسها‪.‬‬

‫كما قضت محكمة التمييز األردنية في قرارها رقم ‪ 63/422‬صفحة ‪ 311‬سنة ‪ 1665‬بأن‬
‫"عدم اتخاذ شركة الكهرباء تدابير خاصة ألسالك الضغط العالي المارة فوق أسطح المنازل لمنع‬
‫ويرتّب‬
‫حدوث الضرر للغير يعتبر تعديا بالمعنى المقصود في المادة (‪ )257‬مدني المشار إليها ُ‬
‫مسؤولية شركة الكهرباء من األضرار الالحقة بالمضرور‪.3"....‬‬

‫ويالحظ أن هذا القرار اعتبر أن عدم اتخاذ شركة الكهرباء للتدابير الوقائية من قبيل‬
‫اإلهمال وما اإلهمال إال صورة من صور االمتناع الذي اعتبره تعديا‪ ،‬أي أن محكمة التمييز‬

‫‪ -1‬الذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬


‫‪ -2‬مدغمش‪ ،‬جمال‪ :‬شرح القانون المدني الفعل الضار المسؤولية التقصيرية‪ .‬عمان‪ .1221 .‬ص ‪.31‬‬
‫‪ -3‬مدغمش‪ ،‬جمال‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.16‬‬
‫‪14‬‬
‫اعتبرت عدم اتخاذ احتياطات معينة مساوية لمن يرتكب فعال ممنوعا من القيام به‪ ،‬وهي بذلك قد‬
‫أخضعت االمتناع للقواعد العامة بالخطأ‪.‬‬

‫وقد اتفق القضاء المصري واألردني‪ ،‬إذ أخضعا االمتناع للقواعد العامة في الخطأ‪ ،‬فقد‬
‫الحكم المطعون فيه قد اعتبر عدم وجود أحد رجال‬
‫قضت محكمة النقض المصرية بأنه "متى كان ُ‬
‫الشرطة في المنطقة التي وقع فيها الحادث وفي الظروف غير العادية التي حدثت فيها‪ ،‬سواء أكان‬

‫ذلك راجعا إلى عدم صدور أمر إليهم بالتواجد في هذه المنطقة أم مخالفتهم لما أصدر إليهم من‬
‫أوامر‪ ،‬واعتبر ذلك خطأ من جانب الحكومة يستوجب مسؤوليتها‪ ،‬فإنه ال يكون مخطئا في‬
‫استخالص توفر ركن الخطأ‪.1‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬طبيعة الخطأ السلبي‬

‫فعاال‬
‫عد البحث في طبيعة الخطأ السلبي أو االمتناع‪ ،‬ومعرفة ما إذا كان الخطأ السلبي ّ‬
‫ُي ّ‬
‫في ترتيب األثر عليه‪ ،‬أم ال‪ .‬وفهم طبيعة الخطأ السلبي من المواضيع التي تدخل في األساس‬

‫القانوني لهذا الخطأ‪ ،‬ذلك أن جانبا من الفقه لم ُيسلّم بفكرة مساءلة الممتنع بل رفضوا أن يكون‬
‫لالمتناع أي أثر يمكن أن يتولد عنه‪ ،2‬لهذا تم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين‪ ،‬تناولت في المطلب‬
‫األول موقف الفقه الذي ينكر قيام المسؤولية على أساس االمتناع‪ ،‬وفي المطلب الثاني موقف الفقه‬
‫المؤيد لقيام المسؤولية على الممتنع‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الخطأ السلبي سلوك عديم األثر‬

‫أنكر جانب من الفقه أن يكون لالمتناع (الخطأ السلبي) أي أثر في قيام المسؤولية المدنية‬

‫وكذلك الجزائية‪ ،‬واستندوا في ذلك على مبادئ المذهب الفردي التي سادت في القرن الثامن عشر‪،3‬‬

‫‪ -1‬الذنون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.111‬‬


‫‪ -2‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -3‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪ .62-62‬و مرقس‪ ،‬سليمان‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.141‬‬
‫‪12‬‬
‫وهو ما سيوضحه ال باحث في الفرع األول‪ ،‬كما استند هذا الجانب من الفقه على أسس قانونية‪،‬‬
‫وهو ما سيوضح في الفرع الثاني‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬األساس الفلسفي للخطأ السلبي عديم األثر‬

‫إن الخلفية الفكرية التي استند عليها أصحاب االتجاه الذي يرى أن االمتناع عديم األثر‪،‬‬
‫وجدت أساسها في مبادئ المذهب الفردي‪ ،1‬الذي يعتبر أن الحقوق والحريات الفردية هي امتيازات‬

‫طبيعية للفرد وأن شخصية الفرد‪ ،‬هي محور القانون وغايته‪ ،‬وبذلك أنكروا وجود أي تعارض بين‬
‫مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة‪ ،‬ألن السعادة المتحصلة للفرد هي في حقيقتها سعادة للم ُجموع‪.2‬‬

‫وقد أظهر أنصار المذهب الفردي تحي از كبي ار لهذه الحرية‪ ،‬حرية الشخص في أن يمتنع‬

‫عن القيام بعمل‪ ،‬و أروا فيها أدنى مراتب الحرية بمقابل القيود المتزايدة التي تفرضها المذاهب‬
‫عد مخطئا‪.3‬‬
‫االشتراكية عليها‪ ،‬ورفضوا فكرة أن من يمتنع عن عمل ُي ّ‬

‫فالحقوق والحريات الفردية سابقة في وجودها على القانون‪ ،‬بل سابقة على وجود الجماعة‬

‫الحد من حرية ذلك الفرد فهذا قيد جزئي‪ ،‬وهو‬


‫ذاتها‪ ،‬إال أنه إذا كانت هناك ضرورة ما تتطلب ّ‬
‫استثناء من المبدأ العام وهو اإلباحة‪ ،4‬لهذا فان إلزام الشخص أو إرغامه على العمل والحركة إذا‬
‫أراد الخلود إلى السكون يتنافى مع الحرية الفردية‪.5‬‬

‫وال يمكن ألحد إجبار من يريد البقاء في الحالة السلبية على الخروج منها‪ ،‬ذلك أن من‬
‫أبسط مظاهر الحرية‪ ،‬هو الحق في عدم القيام بعمل‪ ،‬وهو األساس الذي يحول دون مساءلة الفرد‪،‬‬
‫ألنه لم يفعل شيئا‪ ،‬والقول بخالف ذلك يؤدي إلى الحد من حرية الفرد التي هي مظهر آدميته‪ ،‬هذا‬

‫‪ -1‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬


‫‪ -2‬الدريني‪ ،‬فتحي‪ :‬الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده ونظرية التعسف في استعمال الحق‪ .‬ط ‪ .1‬دمشق‪ :‬مطبعة جامعة‬
‫دمشق‪ .1264 .‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -3‬مرقس‪ ،‬سليمان‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.141‬‬
‫‪ -4‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -5‬الشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.123‬‬
‫‪12‬‬
‫من جهة ومن جهة أخرى يؤدي لتوسيع دائرة المسؤولية ومؤاخذة كل فرد يتخذ موقفا سلبيا‪ ،‬لذلك‬
‫قضت المحكمة الفدرالية السويسرية بعدم وجود واجب قانوني عام بحماية اآلخر من الضرر‪.1‬‬

‫ويالحظ‪ ،‬مما تقدم‪ ،‬أن المذهب الفردي ارتكز في الحرية على الجانب السلبي فيها وهو‬
‫عدم القيام بعمل‪ ،‬وتجاهل الجانب اإليجابي في الحرية وهو القيام بعمل‪ ،2‬فلم يقل أحد‪ :‬إن مساءلة‬
‫الشخص عن فعله اإليجابي الخاطئ مصادرة لحريته الشخصية‪ ،‬فلماذا يعتبر إلزام الشخص بالفعل‬

‫اإليجابي أشد خطورة على حريته من تحريم هذا العمل اإليجابي عليه‪ ،3‬أي أن ارتكاب شخص‬
‫ضرر بالغير يلزمه بالتعويض ال يعتبر مصادرة لحريته الشخصية‪ ،‬أما إلزام‬
‫ا‬ ‫لفعل إيجابي ما سبب‬
‫شخص بفعل إيجابي معين في حالة معينة يعتبر مصادرة لحريته والتفافا عليها‪ ،‬فكيف ذلك؟‬

‫فعال لترتيب المسؤولية يؤدي لتوسيع مفهومها‪ ،‬فهو‬


‫أما القول‪ :‬إن اعتبار االمتناع ذو أثر ّ‬
‫قول غير سديد‪ ،‬الن إيصال الحقوق إلى أهلها واشاعة العدالة والطمأنينة أسمى من الحديث عن‬
‫التوسع في نطاق المسؤولية‪.4‬‬

‫وأخي ار يمكن القول‪ :‬إن تأثر التشريعات في الدولة بمبادئ المذهب الفردي أو المذهب‬
‫الجماعي‪ ،‬سينعكس بالنتيجة على إقرار قيام المسؤولية على أساس االمتناع‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.41‬‬


‫‪ -2‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -3‬راجع الصفحة ‪ 13‬من هذه الرسالة‪ ،‬والذنون‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.124‬‬
‫‪ -4‬في نفس المعنى‪ :‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.46‬‬
‫‪12‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬األساس القانوني للخطأ السلبي عديم األثر‪:‬‬

‫في بادئ األمر تأثر االتجاه القائل بعدم اعتبار االمتناع خطأ تقصيريا‪ ،‬بمبدأ الشرعية الذي يحكم‬

‫بنص‪ ،1‬وعليه فإن كل امتناع لم يرد بشأنه‬


‫قانون العقوبات والقاضي بأن ال جريمة وال عقوبة إال ّ‬
‫يجرمه‪ ،‬ال يضع صاحبه تحت طائلة قانون العقوبات‪.2‬‬
‫نص في قانون العقوبات ّ‬

‫وبتطبيق ذلك على فقه القانون المدني فإنه يالحظ أن االمتناع إذا لم يكن مخالفا اللتزام‬

‫عد خطأ‪ ،‬ذلك أنه ومن وجهة نظر هذا االتجاه‪ ،‬ال‬
‫قانوني أو لم يكن في أثناء الفعل فإنه ال ُي ّ‬
‫يخضع االمتناع لألحكام العامة للمسؤولية التقصيرية وال يرتّب المسؤولية إال في حاالت استثنائية‪،‬‬
‫وان القول بخالف ذلك يؤدي إلى المساس بحرية األفراد‪ ،‬فالفرد يعيش داخل المجتمع مستقال‬

‫يحد‬
‫بذرات الكثبان من الرمل‪ ،‬فال يضمنهم قدر مشترك وال تربطهم ّأية صلة‪ ،‬وما ّ‬
‫استقالال أشبه ّ‬
‫من هذه الحرية هو مساءلة الفرد عن االمتناع المحض‪ ،‬ذلك أن الواجب على أفراد المجتمع هو‬
‫عدم اإلضرار بالغير‪ ،‬وليس حماية الغير من الضرر‪.3‬‬

‫ومن تطبيقات ذلك ما قضت به المحاكم الفرنسية في قضية (مونييه ‪ )Monnnier‬بعدم‬


‫مسؤولية األخ الذي ترك أخته المعتوهة وأهمل أمرها والعناية بها وتوقف عن تقديم الطعام لها حتى‬
‫ماتت في حجرتها‪ ،‬وكانت حجتهم في ذلك أن قانون العقوبات الفرنسي ال ي ِ‬
‫عاقب إالّ على منع‬ ‫ُ‬
‫تقديم العناية أو الغذاء‪ ،‬والفارق بين المنع واالمتناع كبير‪ ،‬فالمنع هو عمل إيجابي يعاقب عليه‬
‫قانون العقوبات‪ ،‬أما االمتناع هو عمل سلبي ال يعاقب عليه القانون‪.4‬‬

‫تدس له‬
‫وكذلك قضية البارون (س) الذي كان على خالف مع زوجته‪ ،‬فأخذت هذه الزوجة ّ‬
‫السم في الطعام بمعاونة ابنها‪ ،‬وعلى علم خادمته ومعرفتها‪ ،‬وعند موت الزوج وتقديم زوجته وابنها‬
‫ّ‬

‫‪ -1‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.42‬‬


‫‪ -2‬الذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .121‬وفي نفس المعنى عامر‪ ،‬حستين‪ ،‬وعتامر‪ ،‬عبتد الترحيم‪ :‬المسـؤولية المدنيـة‬
‫التقصيرية والعقدية‪.‬ط ‪ .1‬اإلسكندرية ‪ :‬دار المعارف‪ .1242 .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -3‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -4‬التتذنون‪ :‬مرجــع ســباق‪ .‬ص ‪ .121‬و فتتوده‪ ،‬عبتتد الحكتتم‪ :‬مرجــع ســابق‪ .‬ص ‪ .11‬و عتتامر‪ ،‬حستتين‪ ،‬عتتامر‪ ،‬عبتتد التترحيم‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪11‬‬
‫وخادمته للمحاكمة‪ ،‬رفضت هذه األخيرة كل إجراء يتخذ ضد هذه الخادمة‪ ،‬كذلك رفضت المحاكم‬
‫رب العمل‪.1‬‬
‫الفرنسية إدانة العامل لعدم تدخله في منع جريمة على ّ‬

‫ويالحظ في هذا الشأن أن هذا األمر غير دقيق إذا طبق في نطاق المسؤولية المدنية‪ ،‬ذلك‬
‫يقرر وجود خطأ بغير أن‬
‫أن للقاضي المدني حرية أوسع في تعيين الواجبات القانونية‪ ،‬فله أن ّ‬
‫بنص قانوني‪ ،2‬كما في القانون الجنائي‪ ،‬فإذا توافرت أركان المسؤولية المدنية استطاع‬
‫يكون مقيدا ّ‬
‫نص خاص بالحالة محل‬
‫القاضي المدني أن يلزم الممتنع بالتعويض حتى إن لم يكن هناك ّ‬
‫البحث‪.3‬‬

‫التذرع بأن مساءلة الممتنع فيه مساس لحريته في أقدس نواحيها‪ ،‬فيه إنكار للتطور‬
‫كما أن ّ‬
‫ط له إال ألنه يعيش في‬
‫العام نحو اشتراكية القانون‪ ،‬فالحقوق التي يتمتع بها كل إنسان لم تُ ْع َ‬
‫المجتمع‪ ،‬ومن أجل تنظيم الحياة في المجتمع‪ ،‬فيجب عليه أال يستعملها إال في حدود الغرض‬
‫االجتماعي منها‪.4‬‬

‫وبسبب تأثير القانون الجنائي على آراء فقهاء القانون المدني‪ ،‬ذهب هؤالء في بادئ األمر‬
‫عد خطأ مدنيا إال إذا كان مخالفا لنص قانوني يفرض على الممتنع القيام‬
‫إلى أن االمتناع ال ُي ّ‬
‫بالعمل الذي امتنع عن القيام به‪ ،‬أو كان العقد الذي أبرمه يفرضه عليه القيام بعمل لم يقم به‪ ،‬وقد‬
‫يعد‬
‫أخذت محكمة النقض الفرنسية بهذا االتجاه ردحا من الزمن إال أنها فيما بعد تخلت عنه‪ ،‬ولم ُ‬
‫تنص على ِعقاب من امتنع عن‬
‫له أي سند يدعمه‪ ،‬وخاصة أن التشريعات الجزائية نفسها أصبحت ّ‬
‫عمل معين في بعض الحاالت‪ ،‬وبهذا ال يقبل بعد ذلك أن يكون موقف القانون المدني أكثر تحفظا‬

‫أو ترددا‪.5‬‬

‫‪ -1‬الذنون‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .121‬وعامر‪ ،‬حسين‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .121‬و فوده‪ ،‬عبد الحكيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -2‬فودة‪ ،‬عبد الحكيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -3‬في نفس المعنى‪ :‬الذنون‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -4‬األبراشي‪ ،‬حسن زكي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -5‬الذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.123-121‬‬
‫‪11‬‬
‫بعد سقوط حجة الفقهاء الذين تذرعوا بمبدأ ال جريمة وال عقوبة إال بنص‪ ،‬لعدم قيام‬
‫مسؤولية الممتنع‪ ،‬ذهب جانب من الفقه إلى التذرع بفكرة انعدام رابطة السببية بين الضرر الحاصل‬

‫واالمتناع متى يتسنى الحديث عن مسؤولية الممتنع‪ ،‬فال مسؤولية على المار الذي امتنع عن إطفاء‬
‫عود من الثقاب‪ ،‬ألقاه آخر قرب كومة من الحطب‪.1‬‬

‫ولقد أخذت محكمة النقض المصرية بهذا االتجاه في قرارها الصادر بتاريخ‬

‫‪ ،1664/12/24‬الذي جاء فيه "إذا كان كل إنسان مسؤوال عن إهماله‪ ،‬فإن االمتناع ال يرتّب‬
‫المسؤولية إال إذا وجد نص قانوني‪ ،‬يلزم القيام بالعمل الذي امتنع عنه"‪.2‬‬

‫فاالستناد لهذه الفكرة يعني أنه ال توجد عالقة بين الضرر الذي أصاب أحدا وامتناع آخر‬

‫عن دفع هذا الضرر عنه‪ ،‬فالضرر ما كان ليحصل لو أن اإلضرار لم يوقعه أحد األشخاص على‬
‫اآلخر‪ ،‬وال عالقة للممتنع عن حدوث هذه النتيجة‪ ،‬إذا لم يخرج من حالة السكون إلى الحركة‪ ،‬فال‬
‫يعتبر االمتناع بحد ذاته مسببا للضرر‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك يسلم أصحاب هذا االتجاه بأن االمتناع‪ ،‬وفي حاالت قليلة نادرة‪ ،‬قد‬
‫يكون هو السبب في وقوع الضرر‪ ،‬كسائق السيارة الذي ال يستعمل جهاز التنبيه‪ ،‬فيتسبب امتناعه‬
‫هذا في وقوع حادث إال أنه في أغلب الحاالت ال يكون االمتناع هو السبب المباشر في وقوع‬
‫الضرر‪ ،‬فالشخص الذي يشاهد جريمة على وشك الوقوع‪ ،‬ويلتزم الصمت‪ ،‬ولو تحرك أو أظهر‬
‫نفسه للجناة‪ ،‬لمنع وقوع الجريمة‪ ،‬ال يعتبر امتناعه هذا السبب في وقوع الجريمة‪ ،‬فالضرر حصل‬
‫الجناة‪ ،‬ورابطة السببية منعدمة بين هذا االمتناع‪ ،‬والضرر الذي أصاب الضحية‪.3‬‬
‫نتيجة فعل ُ‬

‫إال أن غالبية الفقه لم يسلم بفكرة انعدام رابطة السببية بصفتها أساسا للقول أن االمتناع ال‬
‫يقوى على حمل المسؤولية‪ ،‬فالضرر ينشأ من عدة أسباب من بينها االمتناع‪ ،‬فإذا قامت رابطة‬
‫السببية بين هذا االمتناع والضرر‪ ،‬فإن ذلك يكفي لقيام المسؤولية‪ ،‬حتى لو كان هناك أسباب أخرى‬

‫‪ -1‬فودة‪ ،‬عبد الحكيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .11‬وعامر‪ ،‬حسين‪ ،‬عامر‪ ،‬عبد الرحيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -2‬أشار إليه حليلو‪ ،‬عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -3‬الذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪11‬‬
‫كحدوث الضرر‪ ،‬ففي المثال السابق لم يكن ليتحقق الضرر لو أن القاتل لم يضرب القتيل‪ ،‬لكن‬
‫هذا الضرر لم يكن ليتحقق‪ ،‬لو أن ذلك الذي شاهده الجناة أظهر نفسه في الوقت المناسب‪،‬‬

‫فللضرر أسباب متعددة من بينها االمتناع‪ ،‬أو الموقف السلبي‪ ،‬الذي يتخذه الشخص إزاء موقف‬
‫معين‪ .1‬وهذا االتجاه ّأيدته محكمة النقض الفرنسية بقرارها الصادر بتاريخ ‪ 1655/5/13‬والذي‬
‫جاء فيه "إن االمتناع قد يكون خطأ تنهض معه المسؤولية متى كان إخالال بواجب يلزم صاحبه‬

‫بعمل من األعمال‪ ،‬وأن هذا الخطأ ال يمكن اعتباره منبت الصلة أو مقطوع االرتباط بالضرر‬
‫الحادث‪ ،‬إذا كان من شأن االحتياطات التي لم تتخذ أن تمنع وقوع الضرر لو قام الممتنع باتخاذها‬
‫في الوقت المناسب"‪.2‬‬

‫وبهذا يالحظ أن الحجت التي ساقها الفقه الذي اعتبر أن االمتناع ال يصلح لقيام‬
‫المسؤولية‪ ،‬هي حجت تم تفنيدها‪ ،‬وال تقوى على دعم وجهة النظر هذه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الخطأ السلبي سلوك ذو أثر‪.‬‬

‫فعال لقيام المسؤولية‪ ،‬في‬


‫رأى الفقه الذي دحض أسانيد من اعتبر االمتناع سلوكا غير ّ‬
‫االمتناع أنه سلوك يؤثر في مراكز األشخاص ويؤدي لقيام المسؤولية المدنية‪ ،‬وقد استند على أسس‬
‫فلسفية وقانونية‪ ،‬وهي ما سيتم طرحها في الفرع األول و الثاني من هذا المطلب‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬األساس الفلسفي للخطأ السلبي ذو األثر‪.‬‬

‫إن هذا األساس مشبع بمبادئ المذهب الجماعي‪ ،‬الذي يقوم على التضامن بين أفراد‬
‫المجتمع باعتبارهم أعضاء فيه‪ ،‬يجب عليهم التدخل لمنع الضرر عن الغير ولو لم يكن ما يلزمهم‬

‫بذلك قانونا‪.3‬‬

‫‪ -1‬الذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .126‬و فودة‪ ،‬عبد الحكم‪ :‬مرجع سـابق‪ .‬ص ‪ .11‬وعتامر‪ ،‬حستين‪ ،‬وعتامر‪ ،‬عبتد‬
‫الرحيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.123‬‬
‫‪ -2‬الذنون‪ ،‬علي حسن‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.126‬‬
‫‪ -3‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.22‬‬
‫‪13‬‬
‫فالتضامن االجتماعي ال ينهض إال من خالل إيمان الفرد بأن الواجب القانوني الملقى‬
‫عليه و ليس فقط االمتناع عن اإلضرار بهم‪ ،‬وانما يمتد إلى مساعدة اآلخرين وتقدم المعونة لهم‪،1‬‬

‫فالمذهب الجماعي ينظر لمصلحة الجماعة أوال‪ ،‬والتي من خاللها تتحقق مصلحة الفرد‪.‬‬

‫وال يمكن اعتبار واجب الفرد في مساعدة اآلخرين انتقاصا من حريته‪ ،‬بقدر ما هو ثمن‬
‫يجب أن يدفعه كل فرد‪ ،‬مقابل كونه عضوا في المجتمع‪ ،‬والقول بعكس ذلك أي أن الواجب الملقى‬

‫على الفرد تجاه الجماعة فيه انتقاص من حريته‪ ،‬فإن ترتيب المسؤولية على الفرد عند قيامه بفعل‬
‫إيجابي هو انتقاص من حريته أيضا‪.2‬‬

‫ويمكن اعتبار واجب الفرد في مساعدة اآلخرين من ضمن الواجبات التي هي من‬

‫مستلزمات العيش داخل المتجمع‪ ،3‬وقد ذهب الخطيب الروماني الشهير شيشرون إلى القول‪" :‬إن‬
‫هناك نوعين من الظلم أو اإلجحاف‪ ،‬أولهما ذلك الذي توقعه باآلخرين‪ ،‬وثانيهما ذلك الظلم الذي‬
‫تتركه يحل بهم"‪.4‬‬

‫لذا فالمسؤولية‪ ،‬كما تنهض بالفعل اإليجابي‪ ،‬وما يوقعه ذلك الشخص على غيره‪ ،‬فإن‬
‫المسؤولية تقوم كذلك بالفعل السلبي‪ ،‬أو ما يتركه الشخص يحل بغيره من ضرر‪ ،‬وال يمنعه رغم‬
‫مقدرته‪ ،‬فيعتبر آثما ومسؤوال عن هذا الضرر‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬األساس القانوني للخطأ السلبي ذو أثر‪.‬‬

‫إن الفقه الذي يرى في االمتناع الفاعلية والقدرة لقيام المسؤولية لم ينقد األسس القانونية‬
‫التي استند عليها الفقه الذي اعتبر أن االمتناع غير فعال لقيام المسؤولية‪ ،‬وغير ذي أثر فقط‪ ،‬كما‬

‫الحظنا سابقا‪ ،‬ولكنهم ساقوا الحجت التي تؤيد وجهة نظرهم في قدرة االمتناع على ترتيب‬
‫المسؤولية‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.24‬‬


‫‪ -2‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -3‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -4‬الذنون‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪12‬‬
‫فذهب جانب من الفقه إلى القول‪ :‬إن مسؤولية الممتنع تنهض إذا كان امتناعه بسوء نية‪،‬‬
‫أي أن الممتنع يريد حدوث الضرر بالمضرور‪ ،‬فسوء النية‪ ،‬وقصد اإلضرار‪ ،‬يوجبان المسؤولية‪،‬‬

‫وكان سندهم في ذلك نظرية إساءة استعمال الحق‪ ،‬فمن يمتنع عن إنقاذ غريق‪ ،‬ألنه يريد موته‬
‫عد ممتنعا سيئ النية‪ ،‬ومتعمدا تقوم مسؤوليته تجاه المضرور‪ ،‬ويالحظ على هذا‬
‫وعدم إغاثته ُي ّ‬
‫االتجاه أن سوء النية وقصد اإلضرار مسألتان يصعب إثباتهما‪ ،‬كما أن مسألة قيام المسؤولية على‬

‫الممتنع ال فرق فيها بين االمتناع المتعمد‪ ،‬أو غير المتعمد‪.1‬‬

‫وذهب جانب آخر من الفقه إلى قيام مسؤولية الممتنع إذا كان امتناعه مخالفا لما تقضي‬
‫به قواعد األخالق وما يجب أن يكون عليه الشخص المخلص‪ ،2‬ويالحظ بهذا الشأن أن االلتزامات‬

‫تخرج من منطقة األخالق‪ ،‬لتدخل في منطقة القانون‪ ،‬فال يتصور قيام المسؤولية المدنية بناء على‬
‫مخالفة قاعدة أخالقية‪ ،‬وانما يلزم لقيام المسؤولية مخالفة قاعدة قانونية‪ ،‬وهنا يجب أالَ نقصر النظر‬
‫على أن مخالفة القاعدة القانونية هي مخالفة نص قانوني‪ ،‬فالقاعدة القانونية ليست فقط المكتوبة‬

‫على شكل تشريع‪ ،‬وانما قد يكون مصدر القاعدة القانونية العرف‪ ،‬أو مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أو‬
‫قواعد العدل واإلنصاف‪ ،‬ولهذا‪ ،‬فإنه إذا حصل ضرر ما لشخص‪ ،‬وكان سبب الضرر امتناع آخر‬
‫عن قيام بعمل معين‪ ،‬إذ لو قام به الممتنع لما وقع الضرر‪ ،‬أمكن قيام المسؤولية‪ ،‬إذا طبقنا‬

‫مبادئها‪ ،‬دون وجود نص صريح على الواقعة التي امتنع عن القيام بها الممتنع‪.‬‬

‫واتجه فريق آخر من الفقه في تأسيس مسؤولية الممتنع على معيار الخطأ ذاته‪ ،‬ذلك أنه ال‬
‫بد من قياس سلوك الممتنع بسلوك الرجل العادي‪ ،‬و بالظروف نفسها التي أحيط بها الممتنع‪ ،‬فإذا‬
‫ّ‬
‫تنافى سلوك الممتنع مع سلوك الرجل العادي ُع َّد امتناعه فعاال لقيام المسؤولية ومرتبا لها‪.3‬‬

‫‪ -1‬فتودة‪ ،‬عبتد الحكتيم‪ :‬مرجـع سـابق‪ .‬ص ‪ .13‬و حليلتو‪ ،‬مصتطفى عبتد القتادر‪ :‬مرجـع سـابق‪ .‬ص ‪ .21‬و مترقس‪ ،‬ستليمان‪:‬‬
‫المسؤولية المدنية في تقنيات البالد العربية‪ .1241 .‬ص ‪.166‬‬
‫‪ -2‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -3‬حم تزة‪ ،‬محمتتود جتتالل‪ :‬العمــل ريــر المشــروع باعتبــاره مصــد ارً لاللت ـزام‪ .1222 .‬ص ‪ .62‬والشتتامي‪ ،‬محمتتد حستتين علتتي‪:‬‬
‫مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .122‬وحليلو‪ ،‬مصطفى‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫‪16‬‬
‫وبما أن الخطأ له صورتان‪ ،‬هما الخطأ اإليجابي والخطأ السلبي فإنه يالحظ أن هذا‬
‫االتجاه الفقهي قد أخضع صورتي الخطأ لذات المعيار‪ ،‬فطالما أن الخطأ اإليجابي ال ينحصر في‬

‫مخالفة النصوص القانونية‪ ،‬فقد يتحقق عند مخالفة واجب قانوني غير منصوص عليه‪ ،‬ما دام‬
‫يمكن تعيين هذا الواجب ومداه بالرجوع إلى معيار الرجل العادي‪ ،‬فإنه ال مجال للتفرقة في ذلك بين‬
‫الخطأ اإليجابي والخطأ السلبي‪ ،‬ويمكن اعتبار االمتناع خطأ مدنيا عند مخالفة واجب قانوني‪ ،‬ولو‬

‫لم يكن منصوصا عليه‪ ،‬بل يمكن تعيينه بموجب معيار الرجل العادي‪.1‬‬

‫ويرى الدكتور حبيب إبراهيم الخليلي أن المسؤولية تتحقق في حالة االمتناع المحض‪ ،‬ألنه يقع على‬
‫الشخص واجب إضافي‪ ،‬وهو واجب المساعدة‪ ،‬وهذا الواجب هو الذي يربط الممتنع بمسرح‬

‫الحادث‪ ،‬ويعين له دو ار محددا‪ ،‬وبغيره ال يعدو الممتنع أن يكون مجرد متفرج‪.2‬‬

‫أمتتا بالنستتبة لفقهتتاء القتتانون الج ازئتتي فلتتم يستتلموا بفك ترة أن االمتنتتاع عتتدم‪ ،‬والعتتدم ال ينتتتت إال‬
‫العتدم‪ ،‬ذلتتك أن ضتتابط العتدم هتتو استتتحالة ترتيتتب حتدث متتا‪ ،‬وبمتتا أن االمتنتتاع قتد ينتتتت ويترتتتب عنتته‬

‫حتتدث أو أثتتر‪ ،‬فتتإن مقولتتة أن االمتنتتاع عتتدم‪ ،‬والعتتدم ال ينتتتت عنتته شتتيء تصتتبح غيتتر صتتحيحة‪ ،3‬وال‬
‫يجوز التمسك بها للتذرع بأن االمتناع ليس ذا أثر‪.‬‬

‫‪ -1‬مرقس‪ ،‬سليمان‪ :‬المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية‪ .1241 .‬ص ‪.162‬‬
‫‪ -2‬الخليلت ت تتي‪،‬حبيت ت تتب إب ت ت تراهيم‪ :‬مســــــؤولية الممتنـــــــع المدنيــــــة والجنائيـــــــة فـــــــي المجتمــــــع االشـــــــتراكي‪.‬القت ت تتاهرة‪:‬المطبعت ت تتة‬
‫العالمية‪.1264.‬ص‪.112‬‬
‫‪ -3‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫‪14‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫السلبي وتطبيقاته‬
‫ص َور ال َخطأ ّ‬
‫ُ‬

‫صور‪ ،‬فقد يأخذ‬


‫المؤدي إلى قيام المسؤولية المدنية يمكن أن يحدث في عدة ُ‬
‫ّ‬ ‫إن االمتناع‬
‫صورة امتناع مسبوق بالتزام‪ ،‬أو صورة امتناع مجرد غير مسبوق في التزام‪ ،‬هذا إذا نظرنا إلى‬

‫العمد‪ ،‬فيمكن أن يكون االمتناع‬


‫االمتناع من حيث السلوك‪ ،‬أما إذا نظرنا لالمتناع من حيث ْ‬
‫عمديا‪ ،‬أو غير عمدي‪ .‬إال أن التساؤل الذي يطرح نفسه‪ :‬هل يمكن مساءلة الممتنع في كل صور‬
‫الممتَنع؟‬
‫االمتناع أم أن هناك حاالت ال يساءل فيها ُ‬
‫بد من الحديث عن أبرز تطبيقات فكرة‬
‫حتى تكتمل الصورة في فهم الخطأ السلبي (االمتناع) ال ّ‬
‫االمتناع‪ ،‬وهي مسؤولية الممتنع عن عمل قانوني‪ ،‬وعمل مادي‪ ،‬ومسؤولية الممتنع عن التعاقد‪،‬‬
‫والممتنع عن مساعدة اآلخرين‪.‬‬

‫في هذا الفصل سيتم اإلجابة على السؤال التالي‪ :‬ما هي صور الخطأ السلبي (االمتناع) وهل‬
‫عد سببا للضمان‪ ،‬وما هي أبرز تطبيقاته؟‬
‫جميع صور االمتناع تُ ّ‬

‫صور الخطأ السلبي‬


‫المبحث األول ‪ُ :‬‬

‫صور االمتناع من حيث كون االمتناع مسبوقا بالتزام‬


‫من خالل هذا المبحث سيتم توضيح ُ‬
‫قانوني‪ ،‬أو إرادي‪ ،‬أو غير مسبوق بالتزام‪ ،‬وموقف الفقه اإلسالمي من كل صورة على حدى‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل مطلبين‪ :‬األول أتناول فيه االمتناع المسبوق بالتزام وموقف الفقه اإلسالمي منه‪ ،‬والثاني‬

‫أوضح فيه االمتناع المجرد وموقف الفقه اإلسالمي منه‪.‬‬


‫ّ‬

‫المطلب األول‪ :‬الخطأ السلبي المسبوق في التزام‪:‬‬

‫إن الخطأ السلبي (االمتناع) قد يأخذ صورة امتناع ُمخالف لواجب قانوني‪ ،‬أو واجب‬

‫فرضته اإلاردة‪ ،‬وقد يأخذ صورة امتناع غير مسبوق بالتزام (مجرد)‪ ،‬وقد اختلف الفقه في مسألة‬

‫‪12‬‬
‫تضمين الممتنع باختالف الصورة التي وقع فيها االمتناع‪ ،‬لهذا ال ُب ّد من شرح صورة االمتناع‬
‫المسبوق بالتزام في الفرع األول‪ ،‬وبيان موقف الفقه اإلسالمي منها في الفرع الثاني‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم الخطأ السلبي المسبوق بالتزام‪:‬‬

‫االمتناع المسبوق بالتزام هو االمتناع المخالف لواجب قد يفرضه القانون أو اإلرادة‪ ،‬وهذا‬
‫الواجب‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬سابق على وقوع االمتناع‪ .‬والسؤال الذي ُيثار ُهنا هو هل يمكن اعتبار مخالفة‬

‫أصول المهنة من قبيل مخالفة الواجب القانوني السابق لالمتناع؟ لقد ذهب القضاء الفرنسي إلى‬
‫أبعد من ذلك‪ ،‬واعتبر مخالفة نص الئحي‪ ،‬أو واجب تفرضه أصول المهنة من قبيل مخالفة‬
‫الواجب القانوني‪ ،‬فيتوافر الخطأ باالمتناع عند كتابة مؤرخ لتاريخ الالسلكي وال يذكر اسم مكتشفه‪،‬‬

‫عما يدور في جلسة هو طرف فيها‪،1‬‬ ‫ٍ‬


‫كذلك الجريدة التي تمتنع عن ذكر اسم محام عند كتابة تقرير ّ‬
‫كذلك يمكن اعتبار الكاتب الذي يتجاهل اإلشارة إلى مرجع معين استخدمه في كتابة بحثه من قبيل‬
‫االمتناع المستوجب قيام المسؤولية‪.‬‬

‫ومهما يكن األمر‪ ،‬فإنه ال خالف بين الفقه‪ 2‬على مساءلة الشخص الذي يمتنع‪ ،‬ويكون‬
‫امتناعه مسبوقا بالتزام قانوني أو اتفاقي‪ ،‬ومن أمثلة االمتناع المسبوق بااللتزام القانوني‪ ،‬العسكري‬
‫الذي يمتنع عن قبض أحد المجرمين فيقتل شخصا آخر‪ ،‬والطبيب الذي يعمل في مشفى حكومي‬
‫ويمتنع عن عالج أحد المرضى الذي دخل المشفى‪ ،‬ومن أمثلة االمتناع المسبوق بالتزام اتفاقي‪،‬‬
‫الزوار يغرق ويمتنع عن إنقاذه‪ ،‬والمرأة التي تعهدت لمشفى‬
‫المنقذ الذي يعمل في مسبح‪ ،‬ويرى أحد ّ‬
‫بأن تُ ِ‬
‫رضع طفال لقاء أجر معين‪ ،‬ثم تترك الطفل يموت جوعا‪ ،‬وتدخل صورة االمتناع المسبوق‬

‫بواجب اتفاقي في نطاق المسؤولية العقدية‪ ،‬وهذا أمر بدهي لوجود العقد‪.‬‬

‫‪ -1‬األهاواني‪ ،‬حاسم الدين كامل‪ :‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ .‬ط ‪ .1222 .1‬ص ‪.234‬‬
‫‪ -2‬القاضي‪ ،‬مختار‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.132‬والشامي‪ ،‬محمتد حستين علتي‪ :‬مرجـع سـابق‪ .‬ص ‪ .1211‬و الجبتوري‪ ،‬ياستين‪:‬‬
‫النظرية العامة لاللتزامات‪ .‬ص ‪ .211‬ومرسي‪ ،‬محمد كامل‪ :‬شرح القانون المدني الجديـد االلتزامـات‪.‬ج ‪ .1‬القتاهرة‪.1222 .‬‬
‫ص ‪ .22‬وحمزة‪ ،‬محمود جالل‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬
‫‪12‬‬
‫وهناك صورة أخرى لالمتناع‪ ،‬يتفق الفقهاء على أنها ترتب المسؤولية كما في االمتناع‬
‫‪1‬‬
‫يسميها بعض الفقهاء االمتناع‬
‫المسبوق بالتزام‪ ،‬وهي صورة االمتناع في أثناء الفعل ‪ ،‬أو كما ّ‬
‫المالبس‪ ،2‬كالشخص الذي يحفر حفرة في الطريق العام‪ ،‬وقصَّر في وضع إشارات تنبه للحفرة‬
‫فسقط فيها آخر‪ ،‬وسائق السيارة الذي يمتنع عن تهدئة السرعة في األماكن المزدحمة‪ ،‬أو يمتنع عن‬
‫معين‪،‬‬
‫البس قيامه بنشاط إيجابي ّ‬
‫إضاءة مصابيح السيارة في الليل‪ ،‬فيكون امتناع الشخص قد َ‬
‫فيدخل االمتناع ضمن نشاط مرتبط بالفعل‪.3‬‬

‫وهذا االمتناع من قبيل اإلهمال والتقصير في اتخاذ االحتياطات الالزمة لمنع وقوع‬
‫الضرر‪ ،‬وهذه االحتياطات يجب القيام بها قبل القيام بالنشاط اإليجابي‪ ،‬أو في أثنائه أو بعد القيام‬
‫ّ‬
‫به‪ .4‬فهو موقف سلبي مرتبط بنشاط الممتنع‪.‬‬

‫ومن تطبيقات القضاء على هذه الصورة من صور االمتناع‪ ،‬أن محكمة النقض الفرنسية‬
‫أقرت ُحكم محكمة استئناف أميان بتاريخ ‪ 1637/5/26‬الذي رتّب مسؤولية الطبيب عن األضرار‬

‫أضر بتجارة‬ ‫حدث تشويشا‪،‬‬‫التي لحقت بتاجر أدوات إلكترونية جراء استعمال الطبيب ألجهزة تُ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن الطبيب امتنع عن اتخاذ االحتياطات الالزمة لمنع‬
‫التاجر‪ ،‬و ّأدى لتوقف أحد فروعه عن العمل‪ّ ،‬‬
‫األضرار بالتاجر‪ ،‬وكان ذلك ُم ْمكنا بتركيب جهاز ال يكلّف الطبيب كثي ار حتى يتفادى الضرر‪،‬‬

‫فاعتبرت المحكمة هذا االمتناع موجبا للمسؤولية‪ ،‬لكونه ُمساويا للفعل اإليجابي‪ ،‬كما قررت محكمة‬
‫النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 1623/1/13‬اعتبار مالك المبنى الذي يهمل في اتخاذ االحتياطات‬
‫المارة إلى خطرها‪،‬‬
‫المارة أو التّقليل من قوتها‪ ،‬أو تنبيه ّ‬
‫الالزمة لمنع سقوط الثلوج من مبناه على ّ‬
‫مسؤوال عن األضرار التي تلحق باآلخرين‪.5‬‬

‫‪ -1‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.44‬والشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -2‬العدوي‪ ،‬جالل علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -3‬العدوي ‪،‬جالل علي ‪:‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -4‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.44‬و العدوي‪ ،‬جالل علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -5‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.42‬‬
‫‪32‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬موقف الفقه اإلسالمي من الخطأ السلبي المسبوق بالتزام ‪.‬‬

‫بالنسبة لموقف الفقه اإلسالمي من الممتنع عن القيام بواجب يفرضه ال ّشارع أو اإلرادة‪،‬‬

‫فإنه ال خالف بين أئمة الفقه اإلسالمي ‪ ،‬على اختالف مذاهبهم‪ ،‬بأن صورة االمتناع هذه موجبة‬
‫للضمان‪ ،1‬فمالك الحمار الذي يرى حماره يأكل زرع جاره‪ ،‬ولم يمنعه يلزم بالضمان‪ ،‬ألن ال ّشرع أو‬
‫شد ُحمولة دابة‬
‫كف أذى حيوانه على اآلخرين‪ ،‬كذلك اإلهمال في ّ‬
‫القانون يلزمه بالعمل على ّ‬
‫ألنه‬
‫واحكامها‪ ،‬وهذا اإلهمال سبب وقوع شيء من حمولتها على إنسان فقتله‪ ،‬يوجب عليه الضمان ّ‬
‫التسبب‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫متعد في هذا‬

‫المجرد‪:‬‬
‫ّ‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الخطأ السلبي‬

‫في هذا المطلب سأبين ماهية االمتناع المجرد في الفرع األول ‪ ،‬وموقف الفقه اإلسالمي من‬
‫تضمين الممتنع في االمتناع المجرد‪ ،‬في الفرع الثاني‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬مفهوم الخطأ السلبي المجرد‪.‬‬

‫المجرد هو االمتناع عن القيام بفعل‪ ،‬أو عمل إيجابي‪ ،‬ال يأمر الشارع القيام به‬
‫ّ‬ ‫االمتناع‬
‫ولم تفرضه اإلرادة‪ ،3‬ولم يقع أثناء القيام بفعل‪ ،‬أي أن االمتناع مستقل عن العمل اإليجابي‪.4‬‬

‫ويالحظ أن هذه الصورة من صور االمتناع ال يكون فيها الممتنع مْل َزما سابقا بالقيام بفعل‪،‬‬
‫وبالعودة إلى تعريف األستاذ بالنيول للخطأ‪ ،‬فقد عرفه على ّأنه إخالل بالتزام سابق‪ ،‬وعليه فإذا ما‬
‫المجرد خطأ؟‬
‫ّ‬ ‫سلّمنا بتعريف األستاذ بالنيول للخطأ فإنه ال يمكن اعتبار االمتناع‬

‫‪ -1‬الذنون‪ ،‬حسن علي‪ :‬مرجـع سـابق‪ .‬ص ‪ .126‬والشتامي‪ ،‬محمتد حستين علتي‪ :‬مرجـع سـابق‪ .‬ص ‪ .122‬و ستراج‪ ،‬محمتد‪:‬‬
‫أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬اإلسكندرية ‪ :‬منشأة المعارف ‪ .1222 .‬ص ‪.26-22‬‬
‫‪ -2‬الذنون‪ ،‬كذلك الشامي‪ :‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -3‬الذنون‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.124‬‬
‫‪ -4‬مرقس‪ ،‬سليمان‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.141‬‬
‫‪31‬‬
‫المجرد مرتبا للمسؤولية أم ال‪ .1‬فذهب‬
‫ّ‬ ‫وقد تضاربت آراء الفقهاء حول اعتبار االمتناع‬
‫جانب من الفقه إلى نفي مسؤولية هذا الممتنع‪ ،2‬ذلك أنه حيث ال يوجد التزام قانوني أو اتفاقي‬
‫‪3‬‬
‫نشئة لاللتزام هي‬
‫الم َ‬
‫المجرد ‪ ،‬فالنصوص القانونية ُ‬
‫ّ‬ ‫فرضته اإلرادة ال توجد مسؤولية عن االمتناع‬
‫مصدرها الوحيد‪ ،‬فعندما ال يتدخل القانون لغرض التزام على الشخص يقضي بمساعدة الغير‪ ،‬فال‬
‫مسؤولية‪ ،‬ألن اإلنسان ُملزم باالمتناع عن إيقاع األذى بالناس وليس ملزما بمنع وقوع األذى‬

‫عليهم‪.4‬‬

‫نشئة لاللتزامات‪ ،‬أنها مقولة‬


‫الم َ‬
‫ويالحظ على مقولة‪ :‬إن النصوص القانونية هي وحدها ُ‬
‫كالعرف‪ ،‬ومبادئ الفقه‪،‬‬
‫غير دقيقة‪ ،‬ذلك أنه لو كان صحيحا لما كان للقانون مصادر احتياطية ُ‬
‫وقواعد العدالة واإلنصاف‪.5‬‬

‫حدا يفضل معه‬


‫فالواجب اإليجابي بالتدخل قد يفرضه النص أو العقل‪ ،‬عندما يبلغ األمر ّ‬
‫أن يقرر القاضي واجبا قانونيا بالتّدخل لمنع الضرر عن اآلخرين‪ ،‬وهذه الفلسفة هي ذاتها التي‬

‫نعتد بالضرورة للتخفيف أو اإلعفاء من المسؤولية‪ ،‬ويمكن االعتداد بها لغرض واجب‬
‫تجعلنا ّ‬
‫التدخل لدفع الضرر عن الغير‪ ،‬فإذا ما امتنع الشخص عن التدخل‪ ،‬إذا توافرت شروط حالة‬
‫ّ‬
‫تدخله خطر عليه‪ ،‬قامت مسؤولية هذا الممتنع‪.6‬‬
‫الضرورة ولم يكن في ّ‬

‫يتدخل‪ ،‬أو ي ِ‬
‫بادر‬ ‫السم‪ ،‬ولم ّ‬
‫ُ‬ ‫فالزوج الذي يرى زوجته‪ ،‬أو الشقيق الذي يرى شقيقته تتناول ّ‬
‫إلسعافها وعالجها‪ ،‬يكون مسئوال عن سكوته‪ ،‬ألن الزوج‪ ،‬أو الشقيق مكلف قانونا بحماية من ُهم‬
‫نص يأمر بذلك‪ ،‬وقد قضت محكمة االستئناف األهلية بأنه إذا‬
‫تحت رعايته‪ ،‬رغم أنه ال يوجد ّ‬

‫‪ -1‬العدوي‪ ،‬جالل علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .121‬و الشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .123‬وحليلو‪ ،‬مصطفى‬
‫عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.44‬‬
‫‪ -2‬القاضتتي‪ ،‬مختتتار‪ :‬مرجــع ســابق‪ .‬ص ‪ .132‬والشتتامي‪ ،‬محمتتد حستتين علتتي‪ :‬مرجــع ســابق‪ .‬ص ‪ .123‬و العتتدوي‪ ،‬جتتالل‬
‫علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .121‬و حمزة‪ ،‬محمود جالل‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -3‬القاضي‪ ،‬مختار‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .132‬والجبوري‪ ،‬ياسين‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.213‬‬
‫‪ -4‬الشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.123‬‬
‫‪ -5‬في نفس المعنى‪ :‬العدوي‪ ،‬جالل‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -6‬العدوي‪ ،‬جالل علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪31‬‬
‫السيد بعالجها كان السيد‬
‫أصيبت خادمة صغيرة بحروق أثناء إقامتهما في خدمة‪ ،‬سيدها ولم يقُم ّ‬
‫مسؤوال عن ذلك‪.1‬‬

‫المجرد ُمرتبا للمسؤولية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫تذرع أصحاب االتجاه القائل بعدم اعتبار االمتناع المحض أو‬
‫وقد ّ‬
‫بنص‪ ،‬وكذلك‬
‫بقاعدة الشرعية الموجودة في قانون العقوبات‪ ،‬والقاضية بأن ال جريمة وال عقوبة إال ّ‬
‫المجرد والضرر الحاصل‪ ،‬وقد تمت اإلشارة إلى هذه‬
‫ّ‬ ‫تذرعوا بانعدام رابطة السببية بين االمتناع‬
‫ّ‬
‫األول من هذه الرسالة‪.‬‬
‫األسانيد في الفصل ّ‬

‫المجرد‪ ،‬ذلك أنه عندما‬


‫ّ‬ ‫وذهب جانب آخر من الفقه إلى ترتيب المسؤولية على االمتناع‬
‫يكون االمتناع مخالفا لقواعد الحياة األساسية داخل المجتمع‪ ،2‬فإنه يكون مخطئا‪ ،‬فمن يرى شخصا‬

‫األساسية‬
‫ّ‬ ‫سع ِه أن ينقذه‪ ،‬ولم يفعل‪ ،‬يكون قد خالف‪ ،‬ليس فقط قواعد الحياة‬
‫آخر يغرق‪ ،‬وكان في و ِ‬
‫ُ‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وانما خالف قواعد‬

‫والقول بخالف ذلك يجعل من اإلنسان أشبه بالشيء‪ ،3‬واألشياء تتخذ السكون حالة لها‪،‬‬

‫فإذا قلنا‪ :‬إن وقوف الشخص موقف المتفرج‪ ،‬أو خلوده إلى السكون‪ ،‬ال يمكن اعتباره خطأ‪ ،‬فإنه ال‬
‫فرق بين اإلنسان والجمادات‪.‬‬

‫وقد ذهب الفقه )‪ (Paul Appleton‬إلى القول أنه إذا لم ي ُكن باإلمكان اعتبار الشجاعة‬
‫الالمباالة‪ ،‬وعدم االكتراث‪ ،‬ال يمكن اعتبارها حقّا‪.4‬‬
‫الجبن‪ ،‬و ُ‬
‫التزاما‪ ،‬فإن ُ‬

‫وذهب اإلخوة مازو وأيدهم غالبية الفقه‪ ،‬إلى ُوجوب قياس سلوك الممتنع بسلوك الرجل‬
‫العادي ُمحاطا بنفس الظروف الخارجية التي ُوجد فيها الممتنع‪ ،‬فإذا توافق سلوك الممتنع مع سلوك‬
‫ٍ‬
‫عندئذ ال يعتبر هذا االمتناع خطأ موجبا للمسؤولية‪ ،‬أما إذا تنافى سلوك الممتنع مع‬ ‫الرجل العادي‪،‬‬

‫‪ -1‬القاضي‪ ،‬مختار‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.132‬‬


‫‪ -2‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -3‬حليلو‪ ،‬مصطفى عبد القادر‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -4‬حليلو‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫‪31‬‬
‫وجد نص يأمر بذلك‪،‬‬
‫سلوك الرجل العادي‪ ،‬فثم خطأ في امتناعه‪ ،‬يوجب المسؤولية‪ ،‬حتى إن لم ُي َ‬
‫وطالما أن تدخل الممتنع ال يعرضه للخطر‪.1‬‬

‫فمن يمتنع عن إنقاذ غريق‪ ،‬كان في إمكانه إنقاذه دون أن ُيعرض نفسه للخطر‪ ،‬يعتبر‬
‫مسؤوال عن امتناعه هذا‪ ،‬وال يستطيع دفع هذه المسؤولية إال إذا أثبت عدم إمكانية إنقاذ الفريق‪ ،‬أو‬
‫أن إنقاذه سيعرضه لخطر محقق‪ ،‬وهذان َّ‬
‫الش ْرطان لدفع هذه المسؤولية يستخلصهما القاضي من‬

‫واقع الحال‪ ،‬بناء على معيار الرجل العادي‪.2‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬موقف الفقه اإلسالمي من الخطأ السلبي المجرد‪.‬‬

‫بالنسبة لموقف الفقه اإلسالمي من تضمين الممتنع في االمتناع المجرد‪ ،‬فقد ذهب في‬

‫اتجاهين‪ ،‬األول‪ ،‬ويتزعمه األحناف‪ ،‬يرى أن ال سبيل لتضمين الممتنع‪ ،‬وسندهم في ذلك أن مناط‬
‫التضمين عندهم هو اإلتالف ال التلف‪ ،‬واإلتالف ال يتحقق إال بفعل إيجابي‪ ،‬والممتنع في االمتناع‬
‫المجرد لم يتخذ سوى موقف سلبي محض وموقفه هذا من قبيل العدم والعدم ال يكون سببا لإلتالف‪،‬‬

‫الضرب‪.3‬‬
‫وانما سبب اإلتالف عمال أو واقعة كالغرق أو الحريق أو ّ‬

‫واالتجاه الثاني الذي يتزعمه فقهاء المذهب المالكي الذين يذهبون إلى تضمين الممتنع في‬
‫االمتناع المجرد‪ ،‬فمن وجد في شبكة صيد صيدا يمكنه تخليصه وحوزه لصاحبه‪ ،‬ولم يفعل بل تركه‬
‫حتى مات‪ ،‬أو أكله حيوان مفترس‪ ،‬فإنه يضمن‪ ،‬ويكون مسؤوال عن امتناعه عن حيازة الصيد‪،‬‬
‫وتسليمه لصاحب الشبكة‪ ،‬كذلك الذي يمتنع عن ْإنقاذ شخص من الغرق‪ ،‬أو الحريق‪ ،‬وكان في‬
‫وسعه ِ‬
‫إنقاذه‪ ،‬ولم يفعل‪ ،‬يكون أيضا ضامنا‪.4‬‬

‫‪ -1‬مرسي‪ ،‬محمد كامل‪ :‬شرح القانون المدني الجديد اال لتزامات‪ .‬ج ‪.1‬القاهرة‪ :‬المطبعة العالمية‪ .1222 .‬ص ‪.22‬‬
‫وحمتزة‪ ،‬محمتتود جتالل‪ :‬مرجــع ســابق‪ .‬ص ‪ .62‬و الشتامي‪ ،‬محمتتد حستين علتتي‪ :‬مرجــع سـابق‪ .‬ص ‪ .122‬و حليلتتو‪ :‬المرجتتع‬
‫السابق‪ .‬ص ‪ .21‬و العدوي‪ ،‬جالل علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -2‬الشامي‪ ،‬محمد حسين‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.126‬‬
‫‪ -3‬التتذنون‪ ،‬حستتن علتتي‪ :‬مرجــع ســابق‪ .‬ص ‪ .124‬و منصتتور‪ ،‬أمجتتد محمتتد‪ :‬النظريــة العامــة لاللتزامــات‪ ،‬مصــادر االلت ـزام‪.‬‬
‫عمان‪ :‬دار الثقافة‪ .1221 ،‬ص ‪ .122‬والكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ .‬ج ‪ .1‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -4‬الذنون‪ ،‬حسن علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .122‬والشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪33‬‬
‫المسلم واجب‪ ،‬وأن من ترك‬
‫واستد ّل فقهاء‪ ،‬هذا االتجاه على رأيهم المتقدم‪ ،‬بأن صون مال ُ‬
‫وجابا مفروضا عليه فقد ضمن‪ ،‬كما أن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬قضى‬

‫ديته‪.1‬‬
‫على أهل بيت‪ ،‬استسقاهم رجل‪ ،‬فلم يسقوه حتى مات عطشا‪ ،‬بضمان ّ‬

‫عاوُنوا َعلَى البِر‬


‫ومن أدلّة هذا الجانب أيضا‪ ،‬أن اهلل تعالى أمر بالتعاون فقال‪َ { :‬وتَ َ‬
‫والتَّ ْق َوى}‪ ،2‬ومن أسمى حاالت التعاون إنقاذ نفس أو مال الغير من الخطر الذي يتهدده‪ ،‬كما أن‬

‫حب لنفسه"‪ ،3‬وبذلك‬


‫حب ألخيه ما ُي ّ‬
‫الرسول‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال‪" :‬ال ُيؤمن أحدكم حتّى ُي ّ‬
‫يحب ألخيه ما يحب لنفسه‪ ،‬فاإلنسان ال يتردد في دفع األذى‬
‫عمن ال ّ‬
‫يكون قد نفى اكتمال اإليمان ّ‬
‫عن نفسه وماله بكافة الوسائل والطرق‪ ،‬فكذلك يجب أال يتردد عن دفع األذى والضرر عن نفس‬

‫اآلخرين ومالهم ما دام يستطيع ذلك؛ ألن هذا من اإليمان المأمور به شرعا‪.4‬‬

‫وجاء في معين الح ّكام‪ :‬أن صبيا ابن ثالث سنين كان في حضانة أمه التي خرجت وتركته‬
‫امرأة كانت تُصاب أحيانا‪ ،‬بحاالت صرع‪ ،‬وهي‬
‫حتى وقع في النار فهي تضمنه‪ ،‬وجاء فيه أيضا ْ‬
‫في بيت زوجها‪ ،‬وكانت بحاجة لمن يحفظها ويرعاها كي ال تقع في النار أو تؤذي نفسها‪ ،‬ولكن‬
‫زوجها لم يحفظها حتى ألقت نفسها في النار عند الصرع‪ ،‬فعليه ضمانها‪.5‬‬

‫وقال اإلمام الدرديري في كتابه (الشرح الكبير على متن خليل)‪ :‬يضمن من ترك تخليص‬
‫مستهلك من نفس أو مال قدر على تخليصه بقدرته أو جاهه أو ماله‪ ،‬فيضمن في النفس الدية وفي‬
‫المال القيمة‪ ،‬وقال‪ :‬وتخليصه واجب على َمن قَِدر عليه‪ ،‬ولو بدفع مال من عنده ويرجع به على‬
‫ربه‪ ،‬حيث توقف الخالص على دفع المال لخالصه‪.6‬‬

‫‪ -1‬الذنون‪ ،‬حسن علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .122‬والشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.124‬‬
‫‪ -2‬سورة المائدة ‪ ،‬االية رقم (‪. )1‬‬
‫‪ -3‬صحيح البخاري‪ :‬ج ‪ ،1‬حيث رقم ‪ .11‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -4‬الشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121-121‬‬
‫‪ -5‬الذنون‪ ،‬حسن علي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -6‬شلتوت ‪ ،‬محمد ‪ :‬اإلسالم عقيدا وشريعة‪ .‬ص ‪.312-314‬‬
‫‪32‬‬
‫ويقول اإلمام الشيخ محمود شلتوت‪" :‬ويدخل في هذا األصل مسؤوليات أجير النقل والرعي‬
‫والحارس إذا قصروا في حفظ ما بأيديهم حتى تحقق التلف ويتجلى في تقرير هذه المسؤولية مقدار‬

‫عناية الفقه اإلسالمي بحق اإلنسان على اإلنسان‪ ،‬وان لم ي ُكن بينهما التزام خاص‪ ،‬وانه يوجب‬
‫الحفظ والمسؤولية‪.1‬‬

‫تقدم أن فقهاء القانون الجنائي فرقوا في االمتناع بين صورة االمتناع‬


‫ويضاف إلى ما ّ‬
‫العمدي واالمتناع غير العمدي‪ ،‬ويعود سبب هذه التفرقة إلى أن جريمة االمتناع‪ ،‬كأي جريمة‬
‫أخرى‪ ،‬بحاجة لقصد جنائي (الركن المعنوي) حتى تكتمل أركانها‪ ،‬وهذا ما عبروا عنه بالعنصر‬
‫ماديات الجريمة وشخص مرتكبها‪.2‬‬
‫النفسي الذي يربط بين ّ‬

‫فطبيعة خطأ الفاعل تش ّكل صفة الجريمة المرتكبة‪ ،‬فإذا كان الخطأ عمديا كانت الجريمة‬
‫عد غير عمديه‪ ،3‬وما يحدد طبيعة خطأ‬
‫عمدي فإن الجريمة تُ ّ‬
‫ّ‬ ‫عمديه‪ ،‬أما إذا كان الخطأ غير‬
‫الفاعل هو اإلرادة‪ ،‬فإذا اتجهت اإلرادة الممتنعة إلى اإلضرار بالغير‪َّ ،‬‬
‫عد االمتناع عمديا‪ ،‬أما إذا لم‬

‫عمدي‪.4‬‬
‫ّ‬ ‫عد االمتناع غير‬
‫تتجه اإلرادة إلى اإلضرار بهم‪ّ ،‬‬

‫ُيالحظ أن هذه التفرقة بين االمتناع العمدي وغير العمدي ذات جدوى في نطاق المسؤولية‬
‫الجزائية‪ ،‬ذلك أن الركن المعنوي في الجريمة ال ُب ّد من توافره حتى ُيصار لتطبيق العقوبة‪ ،‬أما إذا‬
‫تحدثنا عن االمتناع العمدي وغير العمدي‪ ،‬في نِطاق المسؤولية المدنية‪ ،‬فإنه يالحظ أنه ال جدوى‬ ‫ّ‬
‫عمدي يستوجب التعويض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من التفرقة بينهما‪ ،‬إذا كان اإلضرار بالغير سواء أكان عمديا أو غير‬

‫‪ -1‬شلتوت‪ ،‬محمود‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.312‬‬


‫‪ -2‬حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ :‬القصد الجنائي‪ .‬ص ‪.2‬‬
‫‪ -3‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -4‬عبد‪ ،‬مزهر جعفر ‪:‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪36‬‬
‫ومتتا يؤكتتد ذلتتك أن بعتتض القتوانين المدنيتتة‪ ،‬كالقتتانون المتتدني األردنتتي التتذي استتتقى أحكامتته‬
‫متتن الفقتته اإلستتالمي‪ ،‬قتتد أق تام المستتؤولية علتتى عتتديم التّمييتتز‪ ،1‬ذلتتك أن التعتتويض أو جبتتر الضتترر‬

‫مرتبط بالذمة المالية‪ ،‬وهو ليس بعقاب‪.‬‬

‫لك تن المالحتتظ فتتي هتتذا الصتتدد أنتته إذا بتترئ شتتخص متتن جريمتتة امتنتتاع لعتتدم ت توافر القصتتد‬
‫الجنتتائي أو التعمتتد لديتته‪ ،‬فهتتل هتتذا يعنتتي أن المضتترور لتتن يستتتطيع المطالبتتة بتتالتعويض متتن هتتذا‬

‫الممتنع الذي برئ بسبب عدم تعمده االمتناع؟؟‬

‫فالصتتحيح ووفقتتا لخضتتوع االمتنتتاع للقواعتتد العامتتة فتتي الخطتتأ فتتإن هتتذا المضتترور يستتتطيع‬
‫الرجوع علتى الممتنتع بتدعوى مدنيتة لمطالبتته بتالتعويض عتن الضترر التذي لحتق بته ج ّتراء االمتنتاع‪،‬‬

‫حتى لو برأت المحكمة الجزائية الممتنع من جريمة االمتناع لعدم توافر الركن المعنوي‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬تطبيقات الخطأ السلبي‬

‫إن عرض أهم التّطبيقات وأحوال االمتناع يساعد في إكمال فهم موضوع االمتناع‪ ،‬ذلك أن‬

‫يت ّّضح بها المقال‪ ،‬لذلك من خالل هذا المبحث سيتم توضيح مسؤولية‬
‫التطبيقات واألمثلة ّ‬
‫ويخصص المطلب الثاني لبحث‬
‫الممتنع عن عمل قانوني‪ ،‬والممتنع عن التعاقد في المطلب األول‪ُ ،‬‬
‫مسؤولية الممتنع عن عمل مادي‪ ،‬والممتنع عن مساعدة اآلخرين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مسؤولية الممتنع عن عمل قانوني ومسؤولية الممتنع عن التعاقد‪:‬‬

‫الرد على الموجب من أهم صور االمتناع عن عمل قانوني‪ ،‬وهو التزام‬
‫عد االمتناع عن ّ‬
‫ُي ّ‬
‫الرد يش ّكل إخالال بالتزام قانوني رتّب عليه‬
‫الموجب إليه بالرد على الموجب‪ ،‬إذ إن امتناعه عن ّ‬
‫األول‪ ،‬أما بالنسبة لالمتناع عن التّعاقد فمن أبرز صوره هو‬
‫الفرع ّ‬
‫سيوضح في ْ‬
‫ّ‬ ‫القانون أث ار‪ ،‬وهو ما‬
‫الدراسة في الفرع الثاني من هذا المطلب‪.‬‬
‫امتناع الطبيب عن التعاقد مع المريض‪ ،‬وهذا مح ّل ّ‬

‫‪ -‬المادة (‪ )126‬من القانون المدني االردني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪34‬‬
‫الرد على الموجب‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬االمتناع عن ّ‬

‫عندما يتلقي الموجب له اإليجاب‪ ،‬وقد يمتنع عن الرد ويسكت‪ ،‬فإما أن يكون سكوته هذا‬

‫تعبي ار ضمنيا عن القبول‪ ،‬ويكون االمتناع في هذه الحالة قد ّأدى دور التعبير عن اإلرادة‪ ،‬وال‬
‫يتصور قيام خطأ سلبي متمثل في االمتناع‪ ،‬واما أن يكون سكوته نوعا من اإلهمال أو عدم‬
‫الرد على الموجب‪.1‬‬
‫االحتياط‪ ،‬عندها يثور خطأ االمتناع عن ّ‬

‫بأي حال تعبي ار عن‬


‫والسكوت إذا كان مجردا من أي ظرف مالبس له‪ ،‬ال يمكن اعتباره ّ‬
‫ألن اإلرادة عمل إيجابي‪ ،‬والسكوت شيء سلبي يتمثل بالعدم‪ ،‬واألجدر أن يد ّل العدم على‬
‫اإلرادة‪ّ ،‬‬
‫الرفض ال على القبول‪.2‬‬

‫نصت مجلة األحكام العدلية في المادة (‪ )27‬على أنه (ال ينسب لساكت قول‪)....،‬‬
‫وقد ّ‬
‫أي أنه ال يقال لساكت‪ :‬أنه قال‪ :‬كذا‪.3‬‬

‫كما اتجه الفقه الفرنسي إلى عدم اعتبار السكوت المجرد قبوال‪ ،‬ألن القول بخالف ذلك‬

‫يؤدي إلى إصدار حرية األفراد‪ ،‬وارغامهم على رفض كل إيجاب يوجه إليهم‪ ،‬واال ُع ّد سكوتهم قبوال‬
‫ينعقد به العقد‪ ،‬وهذا يؤدي إلى اإلجحاف بحقهم‪ ،‬ويكون الموجب وبإرادته المنفردة قد فرض عليهم‬
‫القبول أو الرفض‪.4‬‬

‫وقد ّأيد القضاء الفرنسي موقف الفقه‪ ،‬ووضع مبدأ حاصله أن سكوت الشخص مجردا عن‬
‫أي ظرف آخر ال يلزم صاحبه‪ ،‬فسكوت التاجر عن الرد على ِخطاب أرسله مصرف إليه يعتبره‬
‫مساهما في شركة معينة وبأنه قيد في حسابه قيمة األسهم التي احتسبها عليه‪ ،‬ال يعتبر قبوال‬

‫عد قبوال سكوت شخص تلقى مجلة دورية من دار نشر ولو ذكر‬
‫باالكتتاب في هذه األسهم‪ ،‬كما ال ُي ّ‬
‫عد قبوال لالشتراك في المجلة‪ ،‬ورفض القضاء الفرنسي اعتبار من يتلقى من‬
‫الرد ُي ّ‬
‫فيها أن عدم ّ‬

‫‪ -1‬الخليلي‪ ،‬حبيب إبراهيم‪ :‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪.164‬‬


‫‪ -2‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق أحمد‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .111‬وسلطان‪ ،‬أنور‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.32‬‬
‫‪ -3‬باز‪ ،‬سليم رستم‪ :‬شرح المجلة‪ .‬ط ‪ .1‬بيروت‪ :‬دار العلم للجميع‪ .1222 .‬ص ‪.32‬‬
‫‪ -4‬الخليلي‪ ،‬حبيب إبراهيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.141-142‬‬
‫‪32‬‬
‫تاجر عينه في مبيعاته ويمنع عن ردها من دالالت القبول‪ ،‬حتى لو ذكر أن عدم ردها ُيعتبر‬
‫قبوال‪.1‬‬

‫كما ذهبت محكمة التمييز األردنية إلى أن مجرد سكوت باقي الشركاء في األرض عن‬
‫اإلجارة ال يكفي العتبارهم موافقين عليها إذ ال ينسب إلى ساكت قول‪.2‬‬

‫الرد على‬
‫وفي مصر ذهبت محكمة االستئناف المختلطة إلى أن سكوت المحكمة عن ّ‬
‫عد قبوال أو ترخيصا‪.3‬‬
‫ميكانيكية في مصنعه ال ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫صاحب مصنع يطلب ترخيصا إلقامة آلة‬

‫أما بالنسبة للسكوت الموصوف وهو السكوت الذي يحصل عندما يفرض القانون التزاما‬
‫بالكالم‪ ،‬وهذه الصورة يعتبر فيها السكوت قبوال بال نقاش‪ ،4‬ومن أمثلة ذلك اتّفاق المؤجر مع‬

‫المستأجر على أن يجدد العقد تلقائيا كل سنة‪ ،‬إال إذا اعترض‪ ،‬أو أبدى المؤجر رغبته في عدم‬
‫االستمرار في تجديد العقد‪ ،‬وبهذا يكون من الواجب على المؤجر الكالم وابداء اعتراضه على‬
‫استمرار المستأجر في االنتفاع بالعقار المؤجر بعد انتهاء مدة اإليجار‪ ،‬فإذا امتنع المؤجر عن‬

‫االعتراض اعتبر امتناعه قبوال إليجاب ضمني يتجدد به عقد اإليجار‪.5‬‬

‫وأما السكوت المالبس أو المقترن بظروف معينة فإنه يعتبر قبوال‪ .‬ومن صور هذه‬
‫الظروف التي يقترن بها السكون وجود تعامل سابق بين المتعاقدين‪ ،‬كالتاجر الذي اعتاد إرسال‬
‫عد قبوال من العميل‪،‬‬
‫ردها‪ ،‬فإن هذا ُي ّ‬
‫بضاعة في فترات معينة لعميله الذي اعتاد بدوره على عدم ّ‬
‫كما أنه من الظروف التي يقترن بها السكون أيضا‪ ،‬أن يتمخض اإليجاب عن منفعة لمن وجه إليه‪،‬‬
‫عد سكوته قبوال لعقد عارية االستعمال‪.6‬‬
‫في ّ‬
‫كعارية االستعمال التي تعرض على المستعير فيسكت‪ُ ،‬‬

‫‪ -1‬سلطان‪ ،‬أنور‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ .32‬والخليلي‪ ،‬حبيب إبراهيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.141‬‬
‫‪ -2‬تمييز حقوق رقم (‪ )44/261‬منشور في مجلة نقابة المحامين األُردنيين‪ .‬ص ‪ .1224‬سنة ‪.1244‬‬
‫‪ -3‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق أحمد‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -4‬الخليلي‪ ،‬حبيب إبراهيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.142‬‬
‫‪ -5‬العبيدي‪ ،‬علي هتادي‪ :‬شرح أحكام قانون المالكين والمستأجرين في ضوء قضاء محكمـة التمييـز‪ .‬ط‪ .1‬اإلصتدار األول‪.‬‬
‫عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ .1222 .‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -6‬سلطان‪ ،‬أنور‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.32‬‬
‫‪32‬‬
‫نصت عليه مجلة األحكام العدلية في المادة (‪ )27‬سالفة الذكر بأن (‪ ....‬السكوت‬
‫وهذا ما ّ‬
‫المقر له‬
‫ّ‬ ‫في معرض الحاجة بيان)‪ ،‬أي أن السكوت فيما يلزم المتكلم به إقرار وبيان‪ ،‬فسكوت‬
‫ٍ‬
‫عندئذ ال عبرة للداللة في مقابل‬ ‫عد قبوال‪ ،‬ما لم يردوا ذلك صراحة؛ ألنه‬
‫المبر والوكيل والوديع ُي ّ‬
‫و أ‬
‫التصريح‪.1‬‬

‫مما تقدم يتضح أن حالة السكوت المجرد هي الوحيدة من بين حاالت السكوت التي ال‬

‫يعد فيه السكوت قبوال‪.‬‬


‫المالبس الذي ّ‬
‫السكوت قُبوال‪ ،‬خالفا للسكوت الموصوف و ُ‬
‫يعتبر فيها ّ‬

‫وتظهر أهمية بيان متى يعد السكوت قبوال أو ال‪ ،‬إذا نظرنا إلى الضرر الذي يلحق‬
‫بالموجب بسبب االمتناع عن الرد عليه نجده متمثال في عدم انعقاد العقد الذي أوجب له‪ ،‬لهذا‬

‫العقد على خالف إرادة الموجب له فهذا القبول ال‬


‫اتجهت القوانين إلى اعتبار السكوت قبوال النعقاد َ‬
‫عما لحقه من عدم انعقاد العقد‪ ،‬فيكون انعقاده‬
‫يعتبر تعبي ار عن اإلرادة‪ ،‬وانما هو تعويض للموجب ّ‬
‫أفضل وسيلة للتعويض‪.2‬‬

‫ويمكن القول أنه متى يعتبر السكوت قبوال يكون خطأ االمتناع متواف ار‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مسؤولية الطبيب الممتنع‪:‬‬

‫التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية‪ ،‬وليس تحقيق نتيجة‪ ،‬فالطبيب عندما ُيمارس مهنته‬
‫يجب أن يبذل قصارى ُجهده لعالج المريض‪ ،‬لكن واجب الطبيب هذا يبقى واجبا بعناية‪ ،‬وليس‬
‫بغاية‪ ،‬فهو غير ملتزم بتحقيق النتيجة المرجوة بشفاء المريض‪ ،‬أو عدم موته‪.‬‬

‫فالعالج بين الطبيب والمريض يبدأ بذهاب المريض إلى الطبيب‪ ،‬أو بدعوته لزيارته‪ ،‬أو‬

‫ألن العقد الذي يلزم فيه رضا كل‬


‫ُمعالجته‪ ،‬وفي هذه األثناء‪ ،‬ال توجد رابطة بين الطبيب والمريض‪ّ ،‬‬
‫من الطرفين‪ ،‬لم ينشأ بعد‪ ،‬فهل يلزم الطبيب بتلبية دعوة المريض؟ وفي حال رفضه عالج‬
‫المريض هل يترتب عليه مسؤولية؟‬

‫‪ -1‬باز‪ ،‬سليم رستم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.32‬‬


‫‪ -2‬الخليلي‪ ،‬حبيب إبراهيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.162‬‬
‫‪22‬‬
‫نسيان قديما في ظ ّل انتشار مبادئ المذهب الفردي إلى القول‪ :‬إن‬
‫اتّجه الفقه والقضاء الفر ّ‬
‫للطبيب كامل الحرية في ممارسة مهنته‪ ،‬بالطريقة التي يرتئيها‪ ،‬إذ له الحق في رفض دعوى‬

‫الحق في قبولها‪ ،‬والقول بخالف ذلك من شأنه أن يضع الطبيب في حالة‬


‫ّ‬ ‫مريض للعالج‪ ،‬كما له‬
‫العبودية التي تنافي مبادئ الحرية التي كانت سائدة في تلك الفترة‪ ،‬وبما أن عالقة الطبيب‬
‫دية تقوم على التراضي‪ ،‬فالطبيب ال يعتبر ملزما بالعالج‪ ،‬إال بعد قبوله التعاقد‬
‫بالمريض عالقة تعاقُ ّ‬
‫عد امتناع الطبيب قبل التعاقد سببا لقيام مسؤوليته‪.1‬‬
‫مع المريض‪ ،‬وبناء عليه ال ُي ّ‬

‫ويعقب الفقيه الفرنسي سافتيه على ذلك بالقول‪" :‬إن حق اإلنسان في أن يتعاقد أو ال يتعاقد‬
‫هو حق مطلق‪ ،‬فالعقد وليد تفاعالت وارادات ُح ّرة‪ ،‬فكيف يكون الطبيب مسؤوال إن هو رفض أن‬

‫يتعاقد؟ كيف يكون رفضه سببا للمسؤولية؟ كيف يجبر الشخص على الخروج من الحالة السلبية‬
‫ليقوم بدور إيجابي؟ أليس في ذلك مساس بحريته في أقَدس نواحيها واجباره على إبرام عقد ال‬
‫يرضاه"‪.2‬‬

‫وتطبيقا لذلك قضت محكمة شاتور الفرنسية بتاريخ ‪( 1613/3/1‬بأن من حق الطبيب أن يمتنع‬
‫ألي جزاء جنائي أو مدني؛ ألن مهنة الطبيب هي مهنة‬
‫يتعرض ّ‬
‫عن إجابة دعوة المريض دون أن ّ‬
‫ُح ّرة‪ ،‬وللطبيب ُمطلق الحرية في اختيار عمالئه)‪.3‬‬

‫‪ -1‬منصور‪ ،‬محمد حسين‪ :‬المسؤولية الطبيـة‪ .‬اإلستكندرية‪ :‬دار الجامعتة الجديتدة للنشتر‪ .‬ص ‪ .13‬و عابتدين‪ ،‬عصتام منيتر‪:‬‬
‫الطبية بين الشريعة والقانون‪ .‬رسالة دكتوراه غير منشورة مقدمة إلى معهد البحتوث والد ارستات العربيتة التتابع لجامعتة‬
‫ّ‬ ‫األخطاء‬
‫ْ‬
‫الدول العربية‪ .1222 .‬ص ‪.32-32‬‬ ‫ّ‬
‫‪ -2‬عابدين‪ ،‬عصام منير‪ :‬المرجع سابق‪ .‬ص ‪.32‬‬
‫‪ -3‬األبراشي‪ ،‬حسن زكي‪ :‬مسؤولية األطباء والجراحين المدنية في التشريع المصري والقـانون المقـارن‪ .‬القتاهرة‪ :‬دار النشتر‬
‫للجامعات المصرية‪ .‬ص ‪.131‬‬
‫‪21‬‬
‫والمالحظ أن هذا االتجاه في الفقه كان متأث ار بالقانون الجنائي‪ ،‬وبخاصة قاعدة الشرعية‬
‫بنص‪ ،‬فاالمتناع المجرد في نظرهم ال يوجب المسؤولية إال إذا‬
‫التي تفيد انه ال جريمة وال عقوبة إال ّ‬
‫نص‪ ،‬أو اتفاق يوجب العمل‪.1‬‬
‫ُوجد ّ‬

‫التوجه بعد أن أظهر نتائجه السلبية‪ ،‬خاصة في‬


‫ّ‬ ‫وقد تراجع الفقه والقضاء عن هذا‬
‫األرياف‪ ،‬حيث ال يوجد أكثر من طبيب واحد في القرية‪ ،‬فإذا رفض هذا األخير معالجة المريض‪،‬‬

‫ساءلة الطبيب في‬


‫فإن ذلك يحرمه من عناية طبية تنقذه من الموت‪ ،‬لذلك دعا الفقه والقضاء إلى ُم َ‬
‫هذه الحالة متى كان سبب امتناعه مجرد إساءة لآلخرين‪ .‬وذلك بتطبيق نظرية التعسف في‬
‫الحق‪ ،‬ونية اإلساءة يمكن أن تستنتت من ظروف الحال‪ ،‬كوجود المريض في منطقة نائية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫استعمال‬

‫أو كان المريض في حالة خطر ال يحتمل تأجيل العالج والطبيب يعلم ذلك‪ ،‬ويعود سبب التحول‬
‫تقيد حرية‬
‫هذا إلى ظهور االتجاهات الحديثة في نسبية الحقوق ووظيفتها االجتماعية التي أدت إلى ّ‬
‫الطبيب التي كانت مطلقة‪.2‬‬

‫ويضاف إلى ما تق ّدم أن التذرع بعدم وجود اتفاق سابق على امتناع الطبيب وعدم وجود ما‬
‫ُ‬
‫يلزمه قانونا بالعالج‪ ،‬حتّى نلقي بالمسؤولية عليه‪ ،‬هو قول غير سديد‪ ،‬ذلك أن مجرد قصر مهنة‬
‫األطباء على وجه االحتكار يجعل االلتزام قائما‪ ،3‬حتى لو لم ينشأ العقد بعد بين‬
‫ّ‬ ‫العالج على‬

‫األخوان مازر إلى بحث هذه المسألة على أساس قواعد المسؤولية‬
‫الطبيب والمريض وهو ما دعا َ‬
‫التقصيرية‪ ،‬فقاال‪ :‬إن فكرة الخطأ تشمل الخطأ باالمتناع إلى جانب الخطأ اإليجابي‪ ،‬فالطبيب الذي‬
‫يرفض زيارة مريض في منطقة منعزلة‪ ،‬وهو يعلم بأن تدخله الفوري ال َبد منه يقع تحت طائلة‬

‫‪ -1‬ارتيمتتة‪ ،‬وجتتدان ستتليمان عبتتد التترحمن‪ :‬الخطــأ الطبــي فــي القــانون المــدني األردنــي‪ ،‬د ارستتة مقارنتتة‪ ،‬رستتالة ماجستتتير غيتتر‬
‫منشورة مقدمة إلى الجامعة األردنية‪ .1223 .‬ص ‪ .112‬وعابدين‪ ،‬عصام منيتر‪ :‬مرجـع سـابق‪ .‬ص ‪ .32‬وحنتا‪ ،‬منيتر ريتاض‪:‬‬
‫المسؤولية المدنية لألطباء والجراحين في ضوء القضاء والفقه الفرنسـي والمصـري‪ .‬ط ‪ .1‬اإلستكندرية‪ :‬دار الفكتر الجتامعي‪.‬‬
‫‪ .1222‬ص ‪.122-124‬‬
‫‪ -2‬حنا‪ ،‬منير ريتاض‪ :‬مرجـع سـابق‪ .‬ص ‪.122‬و ارتيمتة‪ ،‬وجتدان ستليمان عبتد الترحمن‪ :‬مرجـع سـابق‪ .‬ص ‪.112‬و عابتدين‪،‬‬
‫عصام منير‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.32‬‬
‫‪ -3‬حنا‪ ،‬منير رياض‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪21‬‬
‫الي ِقظ ما كان ليسلك هذا المسلك إذا وجد في نفس الظروف‬
‫المسؤولية التقصيرية؛ ألن الطبيب َ‬
‫الخارجية التي أحاطَت بالطبيب المسؤول‪.1‬‬

‫وبالنسبة للطّبيب الذي يعمل في مصلحة حكومية‪ ،‬أو لدى جهة حكومية كالمشفى العام‪،‬‬
‫ليس له أن يرفض عالج أحد من المرضى الذين يجب عليه عالجهم‪ ،‬أو من يدخلون إلى الجهة‬
‫رب عمل‬
‫الحكم على الطبيب الذي يعمل في مشفى خاص تعاقد مع ّ‬
‫التي يعمل فيها‪ ،‬وينطبق هذا ُ‬
‫معين لمعالجة العاملين لديه‪ ،‬فرفض الطبيب عالجهم‪ ،‬فتقوم مسؤوليته العقدية‪2‬؛ ألنه في هذه‬
‫رب العمل‬
‫الحالة األخيرة يكون العقد قد نشأ بين المشفى الخاص الذي يعمل فيه الطبيب‪ ،‬وبين ّ‬
‫المسؤول عن عماله‪.‬‬

‫فإذا قبل الطبيب دعوة المريض لعالجه يكون العقد قد نشأ بينهما‪ ،‬ويتوجب على الطبيب‬
‫تنفيذ التزامه بعالج المريض‪ ،‬واال كان مسؤوال عن عدم تنفيذ التزامه العقدي الذي أوجبه على نفسه‪،‬‬
‫وال يستطيع دفع هذه المسؤولية إال بإثبات القوة القاهرة أو الحادث الفجائي‪ ،‬كاستحالة زيارة المريض‬

‫بسبب انقطاع المواصالت مثال‪.3‬‬

‫والسؤال الذي ُيثار في هذا الصدد‪ ،‬ماذا لو تعاقد طبيب مع مريض على إجراء عملية‬
‫تبين للطبيب أن المريض يعاني آالما أُخرى‪ ،‬غير اآلالم المتفق على‬
‫معينة‪ ،‬وفي أثناء إجرائها ّ‬
‫إجراء العملية لها‪ ،‬فهل يلزم الطبيب بمعالجتها على الرغم من أنها تخرج عن حدود اتفاقه مع‬
‫فأدت إلى موت المريض؟‬
‫المريض؟ وماذا لو قام بعالجها فأدى إلى نتائت سلبية؟ وماذا لو تركها ّ‬

‫بد من القول‪ :‬إن التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية‪ ،‬وليس بتحقيق نتيجة‪،‬‬
‫بداية ال ّ‬
‫فالطبيب ملزم بموجب االتفاق الذي عقده مع المريض بعالج المريض‪ ،‬وبذل العناية الالزمة من‬
‫أجل شفائه‪ ،‬وهذا يدخل في إطار المسؤولية العقدية‪ ،‬أما بالنسبة لألمراض التي اكتشفها في جسم‬
‫المريض ولم ت ُكن داخله ضمن االتفاق على تطبيبها‪ ،‬فإنه يكون ملزما بعالجها‪ ،‬وفق اتجاه الفقه‬

‫‪ -1‬األبراشي‪ ،‬حسن زكي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.132-134‬‬


‫‪ -2‬منصور‪ ،‬محمد حسين‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.12‬و ارتيمة‪ ،‬وجدان سليمان عبد الرحمن‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -3‬األبراشي‪ ،‬حسن زكي‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.121‬‬
‫‪21‬‬
‫الحديث‪ ،‬الذي يقيم المسؤولية على الطبيب الممتنع عن عالج مريض قبل وجود أي اتفاق بينهما‪،‬‬
‫وتخضع مسؤوليته هذه لقواعد المسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مسؤولية الممتنع عن عمل مادي ومسؤولية الممتنع عن مساعدا اآلخرين‪:‬‬

‫من أبرز صور االمتناع عن عمل مادي االمتناع الذي ال يرتبط فيه الممتنع مع المضرور‬
‫بأي عالقة قانونية‪ ،‬ومن أبرز حاالته الممتنع عن إعطاء معلومات واجب إعطاؤها في مرحلة‬

‫المفاوضات السابقة على انعقاد العقد‪ ،‬وهو محل دراسة الفرع األول من هذا المطلب‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫الصور‪ ،‬وقد اخترت بحث مسؤولية الممتنع عن‬
‫للممتنع عن مساعدة اآلخرين‪ ،‬فله العديد من ّ‬
‫سيعرض في الفرع الثاني من هذا المطلب‪.‬‬
‫مساعدة أحد الخصوم بأدلة اإلثبات‪ ،‬وهو ما ُ‬

‫الفرع األول‪ :‬مسؤولية الممتنع عن إعطاء المعلومات الواجبة في طور التهيئة للعقد‪:‬‬

‫ينعقد العقد بارتباط اإليجاب الصادر من أحد المتعاقدين‪ ،‬بقبول اآلخر‪ ،‬على وجه يثبت‬
‫أثر في المعقود عليه‪ ،1‬إال أن هذا العقد وقبل أن ترتبط إرادة أطرافه‪ ،‬قد يمر بمرحلة تهيئة للتعاقد‬
‫ا‬

‫في طور اإلنشاء تقتضي على أحد المتعاقدين إعطاء معلومات يعرفها حتى يكون الطرف اآلخر‬
‫على بينة مما يتعاقد عليه‪ ،2‬فإن كتم أحدهما معلومات من شأن العلم بها‪ ،‬صرف نظر المتعاقد‬
‫اآلخر عن التعاقد‪ُ ،‬ع َّد ذلك خداعا يرتب المسؤولية التقصيرية بحق المتعاقد الذي امتنع عن إعطاء‬
‫المعلومات الواجبة في طور التهيئة للعقد‪.3‬‬

‫وفد استند الفقه‪ 4‬في رأيهم المتقدم على نظرية الغلط‪ ،5‬فالمتعاقد الذي كان يعلم بالغلط الذي‬
‫وقع فيه المتعاقد اآلخر وتركه مستم ار في غلطه دون أن ينبهه إلى ذلك‪ ،‬يكون قد وقف موقفا سلبيا‬

‫‪ -1‬المادة (‪ )24‬من القانون المدني األردني ‪.‬‬


‫‪ -2‬النقيتتب‪ ،‬عتتاطف‪ :‬النظريـــة العامـــة للمســـؤولية الناشـــئة عـــن الفعـــل الشخصـــي‪ .‬ط ‪ .1‬بيتتروت‪ :‬دار منشتتورات عويتتدات‪.‬‬
‫‪ .1223‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -3‬النقيب‪ ،‬عاطف‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -4‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ .‬ج ‪ ،1‬بيتروت‪ :‬دار إحيتاء التتراث العربتي‪ .‬ص ‪ .112‬والنقيتب‪،‬‬
‫عاطف‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -5‬الغلط‪ :‬هو حالة تقوم في النفس تحمل على توهم غير الواقع‪ .‬راجع في ذلك السنهوري‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.122‬‬
‫‪23‬‬
‫محضا يش ّكل خطأ ُيسأل عنه‪ ،‬وخطؤه هذا يعتبر إخالال بواجب إخبار المتعاقد اآلخر بما يجب أن‬
‫يعلمه قبل التعاقُد‪.‬‬

‫المتقدم ال يخرج عن تطبيق للمادة (‪ )27‬من مجلة األحكام العدلية‬


‫ّ‬ ‫الحكم‬
‫المالحظ أن هذا ُ‬
‫و َ‬
‫التي نصت على أنه "ال ينسب لساكت قول‪ ،‬ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان"‪ ،1‬فمن يسكت‬
‫فيما يلزم التكلم به إقرار وبيان‪ ،‬فإذا اشترى أحد شريكي العنان‪ 2‬أمة لنفسه وسكت الشريك اآلخر‪،‬‬

‫بد من النطق‪ ،3‬وعدم النطق فيما يلزم‬


‫فتكون األمة للمشتري وليس للشريكين‪ ،‬أما في المفاوضة فال ّ‬
‫التكلم‪ ،‬يعتبر خطأ امتناع عن إعطاء معلومات واجبة في طور التهيئة للعقد‪.‬‬

‫ويلزم لقيام مسؤولية الممتنع عن إعطاء المعلومات الواجبة في طور التهيئة للعقد‪ ،‬إثبات‬

‫قيام موجب اإلعالم عما كان يجب بيانه للطرف اآلخر‪ ،‬ويشترط لتحققه أال يكون بين طرفي العقد‬
‫تكافؤا في المعلومات‪ ،‬أي أن أحدهما يملك معلومات لم ينقلها إلى المتعاقد اآلخر‪ ،‬ومن شأن نقلها‬
‫التأثير على رضا األخير‪.4‬‬

‫ويشترط أيضا أن تكون المعلومات التي تم كتمانها جوهرية ومؤثرة في التعاقد‪ ،‬بحيث لو‬
‫عرف بها من خفي عنه لما أبرم العقد‪ ،‬ويجب أيضا أال تستدعي ظروف العقد أو طبيعته من أحد‬
‫الطرفين بأن يتنبه أو يستعلم بنفسه عن أمور جوهرية قبل انعقاد العقد‪ ،5‬ذلك أنه لو كانت ظروف‬
‫التعاقد تستلزم التأكد من معلومات جوهرية و ِ‬
‫العلم بها‪ ،‬وقصر العاقد في معرفتها و ّادعى بأنه لم‬
‫المقصر أولى بالخسارة‪.‬‬
‫قصر بحق نفسه‪ ،‬و ُ‬
‫يعلمها‪ ،‬يكون قد ّ‬

‫تقدم االمتناع عن اإلفضاء بالصفة الخطرة للشيء المبيع وذلك بسكوت‬


‫ومن أمثلة ما ّ‬
‫البائع عن تقديم معلومات هامة متعلقة بالشيء المبيع قد تتعلق باختيار الشيء المالئم للمشتري أو‬

‫‪ -1‬المادة (‪ )64‬من مجلة األحكام العدلية‪.‬‬


‫‪ -6‬شركة العنان هي الشركة التي يقدم فيها احد الشركاء المال ويقدم الشريك األخر العمل‪.‬‬
‫‪ -3‬باز‪ ،‬سليم رستم‪ :‬شرح المجلة‪ .‬ط ‪ .1‬بيروت‪ :‬دار العلم للجميع‪ .1222 .‬ص ‪.31-32‬‬
‫‪ -4‬النقيب‪ ،‬عاطف‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -5‬النقيب‪ ،‬عاطف‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.112‬‬
‫‪22‬‬
‫تتعلق بكيفية استخدامه‪ ،‬أو بالتحذير من مخاطره‪ ،‬وقد يقتصر أثر السكوت على تعيب إرادة‬
‫المشتري‪ ،‬مما يجعل له الحق بالمطالبة‪ ،‬بإبطال العقد سندا للتدليس‪ ،‬أو الغلط الذي وقع فيه‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مسؤولية الممتنع عن مساعدا اآلخرين‪:‬‬

‫ساءلة شخص امتنع عن مساعدة غيره‪ ،‬سواء أكان هناك عالقة تربطه به أم ال‪،‬‬
‫عد فكرة ُم َ‬
‫تُ ّ‬
‫الصور تعبي ار عن فكرة التضامن والتظافر االجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد‪ ،‬وهي‬
‫من أصدق ّ‬
‫األنانية‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫بنتيجتها ضمان حقيقي ضد مخاطر‬

‫صور امتناع الفرد عن مساعدة اآلخرين‪ ،‬صورة االمتناع عن مساعدة أحد خصوم‬
‫ومن ُ‬
‫يدعيه‪ ،‬أو االمتناع عن تقديم مستند تحت يده‪ ،‬من شأن إظهاره تغير مركز‬
‫الدعوى في إثبات ما ّ‬
‫أحد طرفي الخصومة‪.‬‬

‫نصت المادة (‪ )23‬من قانون البينات في المواد المدنية والتجارية الفلسطينية على أنه‬
‫وقد ّ‬
‫" يجوز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم سندات أو أوراق منتجة في الدعوى تكون تحت يده‬

‫وذلك في إحدى الحاالت التالية‪ -1 :‬إذا كان القانون ال يحظر مطالبته بتقديمها أو تسليمها‪-2 .‬‬
‫محر ار‬
‫األخص إذا كان ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا كان السند مشتركا بينه وبين خصمه‪ ،‬ويعتبر السند مشتركا على‬
‫لمصلحة الخصمين أو كان مثبتا اللتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة‪ -3 .‬إذا استند إليه خصمه في أية‬
‫مرحلة من مراحل الدعوى"‪.3‬‬

‫والمال َحظ أنه بحسب األصل ال يجوز للشخص أن يصطنع دليال لنفسه بنفسه‪ ،‬وبالمقابل‬
‫عد استثناء على األصل‪،‬‬
‫ال يجبر على تقديم دليل ضد نفسه‪ ،‬إال أن المادة (‪ )23‬سالفة الذ ْكر تُ ّ‬

‫‪ -1‬سعد‪ ،‬حمدي أحمد‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.324-326‬‬


‫‪ -2‬الخليلي‪ ،‬حبيب إبراهيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.141‬‬
‫‪ -3‬المادة ‪ 12‬من قانون البينات الفلسطيني رقم (‪ )3‬لسنة ‪1221‬م‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫وتقرر جواز إلزام الخصم بتقديم سندات أو أوراق منتجة في الدعوى تحت يده‪ ،‬ولكن ضمن‬
‫الحاالت الواردة في المادة المشار إليها على سبيل الحصر‪.1‬‬

‫البينات الفلسطيني األثر المترتّب على امتناع الخصم عن تقديم السند الذي‬
‫وقد ّبين قانون ّ‬
‫أقر الخصم بأن الورقة أو‬
‫نصت المادة (‪ )31‬منه على "‪ -1‬إذا أثبت الطالب طلبه‪ ،‬و ّ‬
‫بحوزته‪ ،‬فقد ّ‬
‫تحدده‪ -2 .‬إذا‬
‫السند في حيازته‪ ،‬أو سكت‪ ،‬أمرت المحكمة بتقديمه في الحال أو في أقرب موعد ّ‬
‫أنكر الخصم‪ ،‬ولم يقدم الطالب إثباتا كافيا لصحة الطلب‪ ،‬وجب أن يحلف المنكر يمينا بأن الورقة‪،‬‬
‫أو السند ال وجود له‪ ،‬أو أنه ال يعلم وجوده وال مكانه‪ ،‬وأنه لم يخفه أو لم يهمل البحث عنه ليحرم‬
‫خصمه من االستشهاد به"‪.‬‬

‫نصت المادة (‪ )32‬من ذات القانون على أنه "إذا لم يقُم الخصم بتقديم الورقة أو السند‬
‫كما ّ‬
‫حددته المحكمة وامتنع عن حلف اليمين المذكورة‪ ،‬اعتبرت الصورة التي قدمها‬
‫في الموعد الذي ّ‬
‫قدم صورة من الورقة أو السند جاز‬
‫خصمه صحيحة مطابقة ألصلها فإن لم يكن خصمه قد ّ‬
‫تممة فيما يتعلق بشكله وموضوعه"‪.‬‬
‫للقاضي األخذ بقوله بعد تحليفه اليمين الم ّ‬

‫وقد قضت محكمة النقض المصرية بتاريخ ‪ 11‬مارس ‪ 1643‬بأن االمتناع عن تقديم‬
‫الورقة في األحوال المتقدمة يكون محل اعتبار المحكمة بحسب داللته المحتملة وبغير إلزام من‬
‫عد حتما تسليم بقبول الطلب‪.2‬‬
‫القانون ُي ّ‬

‫ويستنتت من المادتين (‪ )31‬و(‪ )32‬سالفتي الذ ْكر أنهما أوجبتا على الخصم إثبات أن‬
‫السند الذي يطلب إلزام خصمه بتقديمه موجود تحت يد خصمه‪ ،‬وفي حال تعذر إثبات ذلك‪ ،‬فقد‬

‫المنكر لوجود السند تحت يده أن يحلف يمينا بعدم وجود السند‬
‫ألزمت النصوص المتقدمة الخصم ُ‬
‫وأنه ال يعلم وجوده وال مكانه وأنه لم ِ‬
‫يخفه أو لم يهمل البحث عنه ليحرم خصمه من االستشهاد به‪،‬‬
‫فإذا امتنع عن حلف اليمين اعتبر ممتنعا عن تقديم السند‪ ،‬ويجوز للقاضي اعتبار الصورة التي‬

‫‪ -1‬أبو الوفا‪ ،‬أحمد‪ :‬التعليق على نصوص قانون اإلثبات‪ .‬ط ‪ .1‬اإلسكندرية‪ :‬منشأة المعارف‪ .1242 .‬ص ‪.114‬‬
‫‪ -2‬أبو الوفا‪ ،‬أحمد‪ :‬المرافعات المدنية والتجارية‪ .‬ط ‪ .11‬اإلسكندرية‪ :‬منشأة المعارف‪ .1244 .‬ص ‪.612‬‬
‫‪24‬‬
‫قدمها الخصم صحيحة مطابقة ألصلها‪ ،‬واذا لم يقدم صورة عن السند جاز للقاضي بعد تحليفه‬
‫ّ‬
‫المتممة األخذ بأقواله على اعتبارها صحيحة وهذا بالنسبة للخصم الذي يمتنع عن تقديم دليل‬
‫اليمين ّ‬
‫تحت يده‪.‬‬

‫أما بالنسبة للغير الذي يعتبر أجنبيا عن الخصومة‪ ،‬فقد يمتنع عن تقديم ورقة أو سند تحت‬
‫البينات الفلسطيني النافذ للمحكمة أن تكلفه بتقديم‬
‫يده أيضا‪ ،‬وقد أجازت المادة (‪ )34‬من قانون ّ‬
‫نصت على أنه "يجوز للمحكمة أثناء سير‬
‫هذا السند أو الورقة التي بحوزته أو تحت يده‪ ،‬وقد ّ‬
‫الدعوى أن تكلّف الغير بتقديم ورقة أو سند تحت يده وذلك في األحوال واألوضاع المنصوص‬
‫عليها في المواد السابقة من هذا الفصل"‪.‬‬

‫وأخي ار يمكن القول‪ :‬إن للمحكمة أن تعتبر امتناع الخصم عن تقديم ما تحت يده من‬
‫مستندات أو امتناعه عن حلف اليمين بعدم وجود السند تحت يده‪ ،‬تسليما منه بأقوال خصمه فيما‬
‫يدعيه‪.‬‬
‫يتعلق بالسند الذي ّ‬

‫‪22‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫قدمت في ما سبق دارسه تحليليه مقارنته لموضتوع الخطتأ الستلبي (االمتنتاع) فتي المستؤولية المدنيتة‪،‬‬

‫وضحت فيها مفهومه وكيفيه تميزه عن الخطأ االيجابي‪ ،‬ومدى خضوعه للقواعتد العامتة فتي الخطتأ‪،‬‬
‫كمتتا بحثتتت طبيعتتته وصتتوره واكمتتاال لفهتتم هتتذا الموضتتوع شتترحت ابتترز تطبيقاتتته ‪ ،‬وهتتذا ستاعدني فتتي‬
‫الوقوف على أصغر جزئياتته‪ ،‬وابتراز الخالفتات علتى أدق مستائله‪ ،‬وهتو متا أوصتلني إلتى عتده نتتائت‬

‫أجملها باالتي‪:‬‬

‫‪ _1‬مستتؤولية الممتنتتع جنائيتتا تختلتتف عتتن مستتؤوليته المدنيتتة؛ ألنتته ال يمكتتن التحتتدث عتتن مستتؤوليته‬
‫جنائية للممتنع إذا لم ينص قانون العقوبات على تجريم حالته امتنتاع عتن قيتام بعمتل يتأمر بهتا؛ الن‬

‫ق تتانون العقوب تتات مقي تتد بمب تتدأ الش تترعية القاض تتي ب تتأن ال جريم تتة وال عقوب تتة إال ب تتنص‪ ،‬عل تتى خ تتالف‬
‫مستتؤولية الممتنتتع المدنيتتة التتتي يمكتتن تحققهتتا طالمتتا أن الواجبتتات القانونيتتة يمكتتن أن يعينهتتا القاضتتي‬
‫دون وجتتود قيتتد كمتتا فتتي المستتؤولية الجنائيتتة ‪،‬وهتتذا يجعتتل نطتتاق مستتؤولية الممتنتتع المدنيتتة أوستتع متتن‬

‫مسؤوليته الجزائية‪.‬‬

‫‪ _2‬الخطأ السلبي أو االمتناع قد يأخذ صورة ترك أو إهمال أو عدم احتياط‪ ،‬وهذا ما قد يكتون عنتد‬
‫ممارسه عمل ما‪ ،‬أو مجردا عن أي عمل أي موقفا سلبيا بحتا‪.‬‬

‫‪ _3‬وضع الفقه معيا ار للتميز بين الخطأ االيجابي والخطأ السلبي يستند على فكترتين‪ ،‬األولتى تنظتر‬
‫إلى كل خطا غير عمدي أنه خطا سلبي والثانية يستدل بها على سلبيه الخطتأ متن ايجابيته االلتتزام‪،‬‬
‫وايجابيه الخطأ من سلبيه االلتزام‪ ،‬فإذا كان االلتزام الذي أخل بته ِايجابيتا فيكتون خرقته بخطتأ ستلبي‪،‬‬

‫واذا كان االلتزام المخل به سلبيا فيكون خرقه بخطأ ايجابي‪.‬‬

‫‪ _4‬اختلفت اآلراء الفقهية في اعتبار االمتناع سلوكا فعاال لقيام المسؤولية أو ال ‪ ،‬ويعود السبب في‬
‫ذلك لالختالف فتي المتذهب أو النزعتة التتي يتبناهتا كتل اتجتاه‪ .‬فالفقهتاء التذين ينطلقتون متن المتذهب‬

‫الفردي يقتدمون مصتلحه الممتنتع علتى مصتلحه المجتمتع؛ ألنهتم يقدستون الحريتة‪ ،‬ويعتبرونهتا مظهتر‬
‫اآلدمية فال يرون في االمتناع سببا للمسؤولية‪ ،‬على عكس الفقه الذي ينطلق من المذهب الجمتاعي‬
‫‪22‬‬
‫الذي يقتدم مصتلحه الجماعتة فتي اشتاعه روح التضتامن علتى مصتلحه الممتنتع وحريتته لتذلك يتذهبون‬
‫إلى اعتبار االمتناع سببا لقيام المسؤولية‬

‫‪ _5‬اختلفت اآلراء الفقهية في مدى خضوع االمتناع للقواعد العامة في الخطأ إال أن االتجاه الغالتب‬
‫والمستند لعتدة أدلته يؤيتد خضتوع االمتنتاع لقواعتد الخطتأ االيجتابي باستتثناء حتاالت معينته منهتا عتدم‬
‫مسائله عديم التمييز الممتنع؛ لكونه ال يقتدر علتى مستاعده اآلخترين هتذا متن جهتة ومتن جهتة أخترى‬

‫ال يتص تتور فيه تتا أن ع تتديم التمييت تز الممتن تتع يس تتعى لإلخ تتالل بفكت تره التض تتامن االجتم تتاعي ومص تتلحه‬
‫الجماعة‪.‬‬

‫‪ _2‬الفقتته اإلستتالمي ال يعتتتد بتتركن الخطتتأ لترتيتتب المستتؤولية ( الضتتمان) كمتتا فتتي الفقتته الغربتتي‪ ،‬بتتل‬

‫اء أكتان الفعتل خاطئتا أم ال‪ ،‬والفعتل أو اإلضترار بتحقتق عنتدهم‬


‫يعتد بركن الضترر بغتض النظتر ستو َ‬
‫بالمباشترة أو التستتبب ويمكتتن تصتتور وقتتوع المباشتتر والتستتبب باالمتنتتاع‪ ،‬أي أن الفقتته اإلستتالمي اقتتر‬
‫وجود المسؤولية أو التضمين على أساس االمتناع‪.‬‬

‫‪ _7‬مش تتروع الق تتانون الم تتدني الفلس تتطيني ومذك ارت تته االيض تتاحيه ل تتم يتن تتاول أحك تتام الخط تتأ الس تتلبي أو‬
‫االمتناع‪ ،‬يضاف إلى ذلك أن المذكرة االيضاحيه عند شترحها للمتادة ‪ 176‬متن المشتروع أشتارت أن‬
‫المقصود من عبارة (كل متن ارتكتب فعتال‪ )......‬التواردة فتي المتادة ستالفة التذكر تفيتد الفعتل بوضتوح‬
‫وال تشتتمل عتتدم الفعتتل التتذي يترتتتب عليتته الضتترر‪،‬أي ان التتنص يتنتتاول الفعتتل االيجتتابي دون الفعتتل‬
‫السلبي‪.‬‬

‫‪ _3‬إن المعيار الذي يقاس فيته ستلوك الممتنتع هتو معيتار الرجتل العتادي وهتو ذات المعيتار المطبتق‬

‫على الخطأ االيجابي‪.‬‬

‫‪ _6‬القتتول إن االمتنتتاع عتتدم والعتتدم ال يولتتد إال عتتدما‪ ،‬مقولتته أصتتبحت فتتي ذمتته التتتاريخ‪ ،‬طالمتتا أن‬
‫ضابط العدم هو استحالة ترتيب اثر أو حدث ما‪ ،‬وهذا ال يصدق عن االمتناع‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ _11‬ال خالف بين الفقهاء على تحقق مسؤولية الممتنع إذا كان االمتنتاع مستبوقا بتالتزام قتانوني أو‬
‫إ اردي‪ ،‬إال أنهم اختلفوا في تحقق مسؤولية الممتنع إذا كان امتناعه مجردا غير مسبوق بالتزام ويعود‬

‫سبب االختالف إلى تبني النزعة الفردي أو النزعة الجماعية لدى كل اتجتاه ‪ ،‬والباحتث يؤيتد االتجتاه‬
‫الذي يرى قي االمتناع المجرد سببا لقيام المسؤولية وذلك الشتاعه روح التضتامن بتين أفتراد المجتمتع‬
‫من جهة ومن جهة أخرى أن تذرع الممتنع بأن له الحرية في الركون إلى موقف سلبي قد يجعله في‬

‫حاله أخرى ضحية امتناع غيره عن مساعدته‪.‬‬

‫‪ _11‬إن التفرقة بين االمتناع العمدي وغير العمدي ليست ذات جدوى في نطاق المسؤولية المدنية‪،‬‬
‫الن ه تتدفها جب تتر الض تترر بتع تتويض المض تترور‪ ،‬ول تتيس ردع الممتن تتع‪ ،‬كم تتا ف تتي المس تتؤولية الجزائي تتة‪،‬‬

‫فاالمتناع غير العمدي يؤدي إلى نفي مسؤولية الممتنع الجزائية بسبب انعدام القصد الجنائي‪.‬‬

‫‪ _12‬بخصوص امتنتاع الموجتب لته عتن الترد عتن الموجتب الحظنتا أن الستكوت عتن الترد يمكتن أن‬
‫يعد قبتوال النعقتاد العقتد علتى ستبيل التعتويض للموجتب بستبب إهمتال الموجتب لته عتن الترد‪ ،‬وحتاالت‬

‫اعتبار السكوت قبوال هما السكوت الموصوف والمالبس‪.‬‬

‫‪ _13‬متتن ختتالل البحتتث فتتي مستتؤولية الطبيتتب الممتنتتع عتتن التعاقتتد متتع الم تريض ‪ ،‬يالحتتظ أن هتتذا‬
‫الموض تتوع ق تتد خ تتال م تتن وج تتود نص تتوص تشت تريعيه ت تتنظم أحكام تته‪ ،‬أو تقض تتي ب تتإلزام الطبي تتب بتق تتديم‬
‫المساعدة والعالج للمريض‪ ،‬وما تزال قواعدها فقهية مختلفا فيها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫التوصيات ‪:‬‬

‫يعد موضوع الخطأ السلبي في المسؤولية المدنية من المواضيع الفقهية الجدلية البحتة التي لم تنل‬

‫حظها من التشريع والتنظيم‪ ،‬كما أن غالبية التشريعات تكاد تخلو من تنظيم أحكام مسؤولية‬
‫الممتنع‪ ،‬لذا فإنني أوصي باالتي ‪:‬‬

‫‪- 1‬تعديل نص المادة (‪ )176‬من مشروع القانون المدني الفلسطيني التي تنص على أن" كل‬

‫من ارتكب فعال سبب ضرر للغير يلزم بالتعويض"‪ ،‬والتي تستثني عدم الفعل أي االمتناع من‬
‫الخضوع إلحكامها‪ ،‬ليصبح النص " كل إضرار بالغير يلزم فاعله بالتعويض"‪ ،‬وبهذا التعديل يدخل‬
‫االمتناع أو الخطأ السلبي في مفهوم اإلضرار ويتساوى بالخطأ االيجابي‪.‬‬

‫‪- 2‬استحداث نصوص قانونية‪ ،‬في مشروع قانون العقوبات الفلسطيني تجرم االمتناع‪ ،‬لكي يتسنى‬
‫مسائلة الممتنع جزائيا‪ ،‬والزامه بعمل تجاه اآلخرين‪ ،‬وانزال عقاب عليه في حالة امتناعه‪ ،‬وهذا‬
‫يحقق قاعدة الشرعية القاضية" بأن ال جريمة وال عقوبة إال بنص"‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫أوال ‪ :‬المصادر‬

‫القران الكريم‬

‫كتب الحديث النبوي الشريف‬

‫البخاري ‪ :‬صحيح البخاري‬

‫ثانياً ‪ :‬كتب الفقه اإلسالمي‬

‫ابن قدامة‪ ،‬محمد عبد اهلل‪ :‬المغني‪ ،‬ج ‪ .5‬ط‪ .3‬القاهرة‪ :‬دار المنار‪1327 ،‬هت‪.‬‬

‫الزحيلي‪ ،‬وهبة‪ :‬نظرية الضمان وأحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه اإلسالمي‪ .‬دراسة‬

‫مقارنة‪.‬ط‪ .1‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪.1671.‬‬

‫الزرقا‪ ،‬مصطفى أحمد‪ :‬الفعل الضار والضمان فيه‪ ،‬دراسة وصيارة قانونية مؤصلة على نصوص‬
‫الشـريعة اإلسـالمية وفقههــا انطالقـا مــن القـانون المـدني األردنــي‪.‬ط‪ .1‬دمشتق‪ :‬دار القلتم للطباعتتة‬

‫والنشر والتوزيع‪.1634 .‬‬

‫الكاست تتاني‪ ،‬اإلمت تتام عت تتالء الت تتدين أبت تتي بكت تتر بت تتن مست تتعود‪ :‬بــــدائع الصــــنائع فــــي ترتيــــب الشــــرائع‪.‬‬
‫ج‪.2‬ط‪.2‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪.1674.‬‬

‫اإلمام األكبر الشيخ محمد شلتوت‪ :‬اإلسالم عقيدا وشريعة‪.‬‬

‫فتتيض اهلل ‪ ،‬محمتتد فتتوزي ‪ :‬نظريــة الضــمان فــي الفقــه اإلســالمي العــام‪ .‬ط‪.1‬الكويتتت‪ :‬دار الت تراث‪.‬‬
‫‪.1633‬‬

‫سراج‪ ،‬محمد‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬منشأة المعارف باإلسكندرية‪،1663 ،‬‬

‫‪61‬‬
‫شروحات مجلة األحكام العدلية‬

‫باز‪ ،‬سليم رستم‪ :‬شرح المجلة‪.‬ط‪ . 3‬بيروت‪ :‬دار العلم للجميع‪.1663.‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬القوانين‬

‫القتتانون الم تتدني األردن تتي رق تتم(‪ )43‬لس تتنة ‪ . 1672‬نش تتر ه تتذا الق تتانون ف تتي الص تتفحة (‪ )2‬م تتن الع تتدد‬
‫(‪ )2245‬في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ ‪.1672/3/1‬‬

‫القانون المدني المصري رقم (‪ )131‬لسنة ‪ .1643‬صدر بقصر القبة في ‪ 6‬رمضان سنة ‪1327‬ه‬
‫(‪ 12‬يوليو سنة ‪.)1643‬‬

‫القانون المدني الفرنسي‪ ،‬صدر في ‪ 21‬آذار سنة ‪1314‬م‪.‬‬

‫قانون البينات الفلسطيني رقم (‪ )4‬لسنة ‪2111‬م‪.‬‬

‫مجل تتة األحك تتام العدلي تتة‪ .‬ص تتدرت ع تتن مجل تتس ش تتورى الدول تتة العثماني تتة ورس تتمت بمرس تتوم الس تتلطان‬
‫العثمتاني عبتتد العزيتز بتتن محمتود الثتتاني فتي عتتام ‪1232‬ه الموافتق ‪1326‬م وتوطتتد نفاذهتا فتتي عتتام‬

‫‪1263‬ه الموافق ‪1372‬م‪.‬‬

‫قانون المخالفات المدنية رقم (‪ )32‬لسنة‪.1644‬‬

‫المذكرات اإليضاحية لمشروع القانون المدني الفلسطيني‪ .‬ديوان الفتوى والتشريع ‪.2113.‬‬

‫مشاريع القوانين‬

‫مشروع القانون المدني الفلسطيني‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫رابعاً ‪ :‬المراجع‬

‫الكتب القانونية ‪:‬‬

‫األب ارشتتي‪ ،‬حستتن زكتتي‪ :‬مســـؤولية األطبـــاء والجـــراحين المدنيـــة فـــي التشـــريع المصـــري والقـــانون‬
‫المقارن‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النشر للجامعات المصرية‪.‬‬

‫أب تتو الوف تتا‪ ،‬أحم تتد‪ :‬التعليـــق علـــى نصـــوص قـــانون اإلثبـــات‪ ،‬ط ‪ ،1‬اإلس تتكندرية‪ :‬منش تتأة المع تتارف‪،‬‬

‫‪.1673‬‬

‫أبو الوفا‪ ،‬أحمد‪ :‬المرافعات المدنية والتجارية‪ ،‬ط ‪ ،12‬اإلسكندرية‪ :‬منشأة المعارف‪. 1677 ،‬‬

‫األهاواني‪ ،‬حاسم الدين كامل‪ :‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ .‬ط ‪.1665 .2‬‬

‫جمعة‪ ،‬عبد المعتين لطفتي‪ :‬موسـوعة القضـاء فـي المسـؤولية المدنيـة‪ ،‬ج‪ ،1‬القتاهرة‪ :‬عتالم الكتتب‪.‬‬

‫‪.1676‬‬

‫الحتتديثي‪ ،‬فختتري عبتتد التترزاق‪ ،‬والزعبتتي‪ ،‬خالتتد حميتتدي‪ :‬شــرح قــانون العقوبــات القســم العــام‪ ،‬ط ‪،1‬‬

‫عمان‪ :‬دار الثقافة‪.2116 ،‬‬

‫حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ :‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪.1636‬‬

‫عياد‪ :‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬عمان‪ :‬دار‬
‫الحلبي‪ ،‬محمد علي السالم ّ‬
‫الثقافة للنشر والتوزيع‪.1667 .‬‬

‫حمزة‪ ،‬محمود جالل‪ :‬العمل رير المشروع باعتباره مصد ارً لاللتزام‪.1635 .‬‬

‫حنتتا‪ ،‬منيتتر ريتتاض‪ :‬المســؤولية المدنيــة لألطبــاء والج ـراحين فــي ضــوء القضــاء والفقــه الفرنســي‬
‫والمصري‪ ،‬ط ‪ ،1‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪.2113 ،‬‬

‫‪62‬‬
‫الخليلتتي‪ ،‬حبيتتب إب تراهيم‪ :‬مســؤولية الممتنــع المدنيــة والجنائيــة فــي المجتمــع االشــتراكي‪ .‬القتتاهرة‪،‬‬

‫المطبعة العالمية‪.1627 .‬‬

‫الدريني‪ ،‬فتحي‪ .‬الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده ونظرية التعسف في استعمال الحق‪ .‬ط ‪.1‬‬

‫دمشق‪ :‬مطبعة جامعة دمشق‪.1627 .‬‬

‫الديناصوري‪ ،‬عز الدين‪ ،‬الشواربي‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬المسؤولية المدنية في ضوء الفقه والقضاء‪.‬‬

‫القاهرة‪ :‬الحديثة للطباعة‪.‬‬

‫الذنون‪ ،‬حسن علي‪ ،‬والرحو‪ ،‬محمد سعيد‪ :‬المبسوط في شرح القانون المدني‪ .‬ج ‪( 2‬الخطأ)‪.‬‬
‫ط‪ .1‬عمان‪ :‬دار وائل للنشر‪.2112 .‬‬

‫سعد‪ ،‬حمدي أحمد‪ :‬االلتزام باإلفضاء بالصفة الخطرا للشـيء المبيـع‪ ،‬دراسـة مقارنـة بـين القـانون‬
‫المـــدني المصـــري والفرنســـي والفقـــه اإلســـالمي‪ ،‬بتتدون طبعتتة‪ ،‬القتتاهرة‪ ،‬المكتتتب الفن تي لإلصتتدارات‬

‫القانونية‪.1666 ،‬‬

‫السعيد‪ ،‬كامل‪ :‬شرح األحكام العامة في قانون العقوبات‪ .‬ط ‪ .1‬عمان‪ :‬دار الثقافة‪.2111.‬‬

‫سلطان‪ ،‬أنور ‪ :‬مصادر االلتزام في القانون المدني األردني ‪،‬ط‪ ،1‬عمان ‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬سنة ‪.2115‬‬

‫الس تتنهوري‪ ،‬عب تتد ال تترزاق‪ :‬الوســـيط فـــي شـــرح القـــانون المـــدني‪ ،‬ج ‪ ،1‬بي تتروت‪ :‬دار إحي تتاء التت تراث‬

‫العربي‪.‬‬

‫الشامي‪ ،‬محمد حسين علي‪ :‬ركن الخطأ في المسؤولية المدنية (دراسة مقارنة) بين القانون‬

‫المدني المصري واليمني والفقه اإلسالمي‪ .‬ط ‪ .1‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪.1666 .‬‬

‫شمس‪ ،‬محمود زكي‪ :‬المسؤولية التقصيرية لألطباء‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫عامر‪ ،‬حسين‪ ،‬عامر عبد الرحيم‪ :‬المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية‪.‬ط‪.2‬القاهرة ‪ :‬دار‬

‫المعارف‪.1676.‬‬

‫عبد‪ ،‬مزهر جعفر‪ :‬جريمة االمتناع‪ ،‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪.1666 ،‬‬

‫العبيدي‪ ،‬علي هتادي‪ .‬شرح أحكام قانون المالكين والمستأجرين في ضوء قضـاء محكمـة التمييـز‪.‬‬

‫ط‪. 1‬اإلصدار األول‪ .‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪.2115 .‬‬

‫الفكهاني‪ ،‬حسن‪ ،‬جميعي‪ ،‬عبد الباسط‪ ،‬حسني‪ ،‬عبد المنعم‪ ،‬مدكور‪ ،‬محمد سالم‪ ،‬حتحوت‪ ،‬عتادل‪:‬‬
‫الوســـيط فـــي شـــرح القـــانون المـــدني األردنـــي‪ .‬ج ‪ .4‬القتتاهرة‪ :‬إصتتدار التتدار العربيتتة للموستتوعات‪.‬‬
‫‪.2111‬‬

‫فوده‪ ،‬عبد الحكم‪ :‬الخطأ في نطاق المسؤولية التقصـيرية دراسـة تحليليـة فـي ضـوء الفقـه وقضـاء‬
‫النقض‪.‬اإلسكندرية‪ :‬دار الفكر الجامعي ‪.1662.‬‬

‫القاضي‪ ،‬مختار‪ :‬أصول االلتزامات في القانون المدني‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪.1627 ،‬‬

‫المجالي‪ ،‬نظام توفيق‪ :‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ .‬ط ‪ .1‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪.1663 .‬‬

‫مدغمش‪ ،‬جمال‪ :‬شرح القانون المدني الفعل الضار المسؤولية التقصيرية‪ .‬عمان‪.2112 .‬‬

‫مرستتي‪ ،‬محمتتد كامتتل‪ .‬شــرح القــانون المــدني الجديــد االلتزامــات‪ .‬ج ‪ .2‬القتتاهرة‪ :‬المطبعتتة العالميتتة‪.‬‬
‫‪. 1665‬‬

‫مرقس‪ ،‬سليمان‪ :‬المسؤولية المدنية في تقنيات البالد العربية‪.1671 .‬‬

‫مترقس‪ ،‬ستتليمان‪ :‬ال ـوافي فــي شــرح القــانون المــدني فــي االلتزامــات فــي الفعــل الضــار والمســؤولية‬
‫المدنية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ط‪ ،5‬القاهرة‪ :‬بدون دار نشر‪.1662.‬‬

‫‪64‬‬
‫منصور‪ ،‬أمجد محمد‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات مصادر االلتزام‪ .‬عمان‪ :‬دار الثقافة‪.2111 .‬‬

‫نجم‪ ،‬محمد صبحي‪ :‬قانون العقوبات القسم العام‪ ،‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬

‫‪.2111‬‬

‫النقيتتب‪ ،‬عتتاطف‪ :‬النظريــة العامــة للمســؤولية الناشــئة عــن الفعــل الشخصــي‪ ،‬ط ‪ ،3‬بيتتروت‪ :‬دار‬

‫منشورات عويدات‪.1634 ،‬‬

‫الرسائل الجامعية ‪:‬‬

‫ارتيمتتة‪ ،‬وجتتدان ستتليمان عبتتد التترحمن‪ :‬الخطــأ الطبــي فــي القــانون المــدني األردنــي‪ ،‬دراســة مقارنــة‪،‬‬
‫رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى الجامعة األردنية‪.1664 ،‬‬

‫حرح‪ ،‬زهير بن زكريتا‪ :‬الخطأ في المسـؤولية المدنيـة‪ ،‬دراسـة مقارنـة بـين النظـام األنجلوسكسـوني‬
‫والنظام الالتيني‪ ،‬رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة عين شمس‪،1666 ،‬‬

‫حليلتو‪ ،‬مصتطفى عبتد القتادر‪ :‬عناصـر المســؤولية عـن الفعـل الضـار فــي القـانون المـدني األردنــي‬
‫والجزائري‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬عمان‪ :‬الجامعة األردنية‪،1661 ،‬‬

‫الشتتامي‪ ،‬محمتتد حستتين علتتي‪ :‬ركــن الخطــأ فــي المســؤولية المدنيــة (دراســة مقارنــة) بــين القــانون‬
‫المدني المصري واليمني والفقه اإلسالمي‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪،1666 ،‬‬

‫الطبيـة بـين الشـريعة والقـانون‪ ،‬رستالة دكتتوراه غيتر منشتورة‪ ،‬مقدمتة‬


‫ّ‬ ‫األخطاء‬
‫عابدين‪،‬عصام منير‪ْ :‬‬
‫الدول العربية‪.2115 ،‬‬
‫إلى معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة ّ‬

‫عسقالن‪ ،‬فضل ماهر محمد‪ :‬المسؤولية التقصيرية لعديم التمييـز‪ ،‬د ارستة مقارنتة‪ ،‬رستالة ماجستتير‬

‫غير منشورة‪ ،‬نابلس‪-‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،2113 ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪62‬‬
An- Najah National University
Facility of Graduate Studies

Negative Tort in The Civil Liability

By
Majd mohamad sliman enab

Supervised
Dr.Ali Sartawi

The Thesis is Submitted in Partial Fulfillment of the Requirements for


the Degree of Master of Privet Law, Faculty of Graduate Studies, An-
Najah National University, Nablus Palestine.
2012
Negative tort in the civil liability
By
Majd M. S. Enab
Supervised
Dr. Ali Sartawi

Abstract

In this study, I examined the negative tort in the civil liability, and

explained through it whether this tort or abstention is considered to be as a


cause of civil liability as well as in the positive tort, or that the tort or
abstention is not considered in the law and jurisprudence. For this reason, I

outlined the study into two chapters: the first is specified to study the
general rules in the negative tort and involves two issues: the first offered it
to define the negative tort, and distinguish it from the positive tort, and

demonstrating the fundamental basis of the distinction between them. Also,


I explained the extent of submission to the general rules in the tort by
indicating the position of jurisprudence and judiciary. In the second part, I
examined the nature of the negative tort through the statement of the
position of jurisprudence which sees this tort as a state of no effect, and is
based on the philosophical and legal foundations, and the statement of the
position of the other side of jurisprudence which sees the abstention as a
case of an effect based on the philosophical and legal foundations as well.

The second chapter is dedicated to study images of negative tort and its
applications through two issues. I explained in the first issue images of
abstention in terms of being a mere abstention or failure of an
unprecedented commitment and stated the position of jurists and law to

b
establish liability on them .The second topic dealt with the most prominent
applications of the negative tort which includes refraining from physical
and legal work, and refraining from contracting and helps others.

At the end, I put a conclusion which recorded the most important


findings and observations that drove me to it, and revealed by research to

address the subject in all its aspects.

You might also like