Professional Documents
Culture Documents
الخطأ المرفقي كأساس للمسؤولية الإدارية
الخطأ المرفقي كأساس للمسؤولية الإدارية
فاطمة
نصرية
مقدمة
مقدمة
مقدمة
لقد ساد منذ القدمي مبدأ عدم مساءلة الدولة فال قانون يقيدها و ال قضاء ختضع له
مهما أحلقت من أضرار باألفراد ،ذلك ألن نشاط الدولة كان يقتصر فقط على اجلانب
األمين الداخلي واخلارجي ،وحفظ التوازن بني املصاحل الفردية املختلفة دون التدخل يف
نشاط األفراد ،ولكن مع التطور الذي شهده العامل يف خمتلف مناحي احلياة ،اتسع مدى
النشاط االداري للدولة ليشمل ميادين عديدة وقد أدى ذلك إىل زيادة احتكاك اإلدارة
باألفراد،وبالتايل زيادة احتمال اعتداء اإلدارة على حقوق بعض املوظفني و األفراد
اآلخرين وحرياهتم ،و من مث أضحت احلاجة املاسة حلماية هؤالء املوظفني و األفراد و
و انطالقا من ذلك عرفت القوانني ما يعرف مبسؤولية اإلدارية جلرب هاته األضرار عن
و تقوم هذه املسؤولية كأصل عام على أساس اخلطأ ،و هذا أمر بديهي ألن من
ارتكب اخلطأ جيب عليه إصالح الضرر الناتج عن هذا اخلطأ .و قد يكون هذا اخلطأ
شخصي يتحمل الشخص مرتكبه تبعاته ،وخيتص به القضاء العادي ،و قد يكون
مرفقي،وهنا تكون اإلدارة أو املرفق العام يف هاته احلالة هي وحدها املسؤولة دون املوظف
مقدمة
وينعقد االختصاص فيه للقضاء االداري ،ومن هنا تربز فكرة اخلطأ املرفقي كأساس
و تكتسي دراسة هذا املوضوع أمهية بالغة باعتبارها تتناول أحد أبرز أسس املسؤولية
اإلدارية و مظهر من مظاهر القضاء اإلداري ،و هو إىل جانب ذلك من املواضيع ذات
االمتداد الزمين املتجدد تزداد دائرة االهتمام به و االرتباط به مع مرور الزمن و تعدد
أنشطة اإلدارة و توسعها و زيادة املنتسبني إليها و املتعاملني معها .
و ألمهية هذا املوضوع ( اخلطأ املرفقي) وحيويته ارتأينا البحث فيه ،إضافة إىل الرغبة يف
محاية املتعاملني مع اإلدارة من األضرار الناشئة عن األخطاء املرفقية الشائعة يف واقع العمل
اإلداري اليوم ،و الذي قد يكون مرجعها نقص خربة املسؤولني ،أضف إىل ذلك كله
حماولة إثراء املكتبة القانونية و عرض املوضوع من أجل أن تتم االستفادة منه من أصحاب
االهتمام.
و إزاء أمهية هذا املوضوع ،ستكون هذه الدراسة حماولة إجابة على اإلشكال الذي
يكمن يف احلاجة إىل التعرف على اخلطأ املرفقي كأساس للمسؤولية اإلدارية؟ و مدى
مسايرة التشريع للقضاء يف هذا الشأن ؟
و من بني أهداف هذه الدراسة حماولة إعطاء مفهوم للخطأ املرفقي ،و تبيان األفعال أو
احلاالت اليت تتحمل فيها اإلدارة املسؤولية على أساس اخلطأ املرفقي ،أضف إىل ذلك
مقدمة
معرفة درجة اخلطأ املرفقي املوجب للمسؤولية اإلدارية ،من خالل ما توفر من اجتهادات
فقهية وتطبيقات قضائية جمللس الدولة الفرنسي باعتباره منبع املسؤولية االدارية بصفة
عامة و اخلطأ املرفقي بصفة خاصة ،وكذا اجتهادات و تطبيقات القضاء اجلزائري.
و لقد تلقينا يف سبيل اجناز هذه الدراسة بعض الصعوبات و املتمثلة يف حتفظ بعض
اإلدارات يف إعطاء معلومات هبذا الشأن ،وامتناع البعض منها بدعوى أن هذا من
خصوصيات املرفق إضافة إىل تشابه أسلوب طرح املعلومات بني أغلبية الكتب كما و
نوعا.
الفرع الثالث :املعايري القضائية املميزة بني اخلطأ املرفقي واخلطأ الشخصي
المطلب األول :تقدير اخلطأ املرفقي يف حالة اإلخالل باألركان الشكلية للقرار
اإلداري.
المطلب الث اني :تق ـ ــدير اخلطـ ــأ املرفقي يف حال ـ ــة اإلخالل باألرك ـ ــان املوضـ ــوعية للقـ ــرار
اإلداري
المطلب الثاني :خصوصية بعض املرافق بتقدير درجة اخلطأ املرفقي .
مقدمة
و لقد مت االعتماد يف دراسة هذا املوضوع على املنهج الوصفي يف التعريف جبزئيات
املوضوع،والتحليلي يف حتليل مضامني تلك اجلزئيات .
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
تعت ــرب املســؤولية اإلداري ــة ن ــوع من أن ــواع املســؤولية القانوني ــة تنعق ــد و تنش ــأ يف نطــاق
القـ ــانون اإلداري ،و هي تتعلـ ــق مبسـ ــؤولية املرفـ ــق العـ ــام أو السـ ــلطات و اإلدارات العامـ ــة عن
أعماهلا الضارة اليت تصيب األفـراد بفعـل األعمـال اإلداريـة الضـارة سـواء كـانت هـذه األعمـال
مشروعة أو غري مشروعة و ذلك على أساس نظرية املخاطر أو على أساس اخلطأ.1
و يعتــرب هــذا األخــري (اخلطــأ) ركن أساســي و رئيســي لقيــام مســؤولية اإلدارة العامــة عن
أعماهلا و أعمــال موظفيهــا الضــارة ،إىل جــانب ركــين الضــرر و العالقــة الســبب ،و قــد يكــون
هذا اخلطأ شخصيا ينسب إىل املوظف العام و قد يكـون خطـأ مرفقيـا ينسـب إىل جهـة اإلدارة
و هــذا هــو ( اخلطــأ املرفقي) املفهــوم األهم يف املســؤولية اإلداريــة ،2و الــذي ســتتمحور حولــه
الدراسة كما سبق الذكر.
ويف إط ــار ه ــذا الفص ــل س ــيتم البحث يف ماهي ــة اخلط ــأ املرفقي من خالل إي ــراد مفهوم ــه
(مبحث أول) ،والوقوف على أهم صوره(مبحث ثاين).
المبحث األول:
1
.ـ د.عوابدي عمار ،نظرية المسؤولية اإلدارية ،ط ،3ديوان المطبوعات الجامعية ،ص 24
2
ـ د.رشيد خلويف ،قانون املسؤولية االدارية ،ط ،4ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر،2011 ،ص18
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
بعد مدة طويلة ساد فيها مبدأ عدم مساءلة الدولة و اإلدارة العامة لعدة أسباب أمهها
االعتقاد بأن الدولة صاحبة سيادة و سلطة ال ميكنها أن ختطيء و حتدث ضرر ،1مت اإلقرار
مببدأ مسؤولية اإلدارة العامة القائمة على نفس أركان املسؤولية املدنية و هي اخلطأ ،الضرر
و العالقة السببية ،غري أن ركن اخلطأ ،الذي تقوم عليه املسؤولية اإلدارية(اخلطأ املرفقي) ،له
مفهومه اخلاص ،وهذا ما سيتبني ،من خالل التعريف باخلطأ املرفقي(مطلب أول) ،ومتييزه
عن اخلطأ الشخصي(مطلب ثاين).
اختلفت التعريفات اليت تطرقت إىل وضع مفهوم للخطأ املرفقي وذلك باختالف
الزاوية اليت عرفه منها كل فقيه فمنهم من عرفه مبدلول املعيار العضوي يف حني هناك من
عرفه مبدلول املعيار املوضوعي أو املادي أي ينسب إىل املرفق مباشرة يف حني ذهب فريق
أخر إىل اجلمع بني املعيارين وهذا ما سيحاول الوقوف عليه وذلك بالتعرض ملوقف الفقه
والقضاء من ذلك بغية التوصل إىل موقف القضاء اجلزائري.
وقبل التطرق إىل تعريف اخلطأ املرفقي ال بد أوال من الوقوف عند تعريف اخلطأ بشكل
عام كركن أساسي يف املسؤولية اإلدارية ،مث ننتقل بعدها إىل أهم تعريفات اخلطأ املرفقي.
1ـ د.جورج سعد ،القانون االداري العام واملنازعات االدارية ،ط ،1منشورات احلليب احلقوقية ،بريوت ،2006،ص.245
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
(اخلطأ) هو األساس القانوين املنطقي األصيل الذي يفسر مسؤولية اإلدارة عن أعماهلا
القانونية و املادية اليت تقوم هبا وتلحق أضرارا بالغري.1
أما عن تعريف اخلطأ املرفقي فتجب اإلشارة أوال إىل أن هذا املصطلح استعمل ألول
(-1895 مرة يف فرنسا من طرف مفوضي الدولة يف مذكراهتم اليت قدموها جمللس الدولة
)1903وتبناه جملس الدولة ابتداء من سنة ،1904وربطه البعض بقضية " بالنكو
،وأرجعته 2
"Blanco
وبذلك ثبت كأساس للمسؤولية اإلدارية ،وهناك من يطلق عليه مصطلح اخلطأ املصلحي أو
خطأ اخلدمة.4
ومل تتطرق معظم التشريعات أمثال املشرع الفرنسي ،املصري ،واجلزائري ،إىل تعريف
اخلطأ املرفقي يف القانون ،وإمنا تركوا املهمة للفقه ،و حىت الفقه و جد صعوبة كبرية يف إجياد
2ـ د.عبد العزيز عبد املنعم خليفة ،املسؤولية االدارية (يف جمال العقود والقرارات ،االدارية) ،دار الفكر اجلامعي ،االسكندرية،
ص.07
1
.ـ د.عوابدي عمار ،المرجع السابق ،ص 121
2ـ تتمثل وقائع هذه القضية يف أن بنت صغرية تدعى اجييرت بالنكو تعرضت حلادث تسببت فيه عربة تابعة لوكالة التبغ اليت
كانت تنقل إنتاج هذه الوكالة من املصنع إىل املستودع ،قام ويل البنت برفع دعوى لتعويض الضرر الذي حصل إلبنته أمام
القضاء العادي على أساس أحكام القانون املدين الفرنسي ،و رفع األمر إىل حمكمة تنازع االختصاص اليت أسندت االختصاص
للقضاء االداري للفصل يف النزاع بتاريخ 08فرباير ( .1973انظر عمار بوضياف ،المرجع في المنازعات اإلدارية،ـ القسم الثاني
( الجوانب التطبيقية للمنازعة اإلدارية) ،ط ،1جسور للنشر و التوزيع ،الجزائر ،2013ص .104
3ـ تتمثل وقائع هذه القضية يف ان السيد PELLETIERصادرت له السلطات العسكرية أول عدد من صحيفته ومنعت
نشرها ،فرفع السيد PELLETIERدعوى أمام القضاء املدين يطالب فيها بالتعويض عما حلقه من ضرر جراء ذالك ،فثار
نزاع يف االختصاص فقضت حمكمة التنازع باختصاص جملس الدولة الن العمل املنسوب الىهما ،أي القائد العسكري ومدير
املقاطعة عمل إداري ( .حمكمة حل اخلالفات 30متوز PELLETIER 1873القرارات الكربى لالجتهاد اإلداري رقم )2
.
4ـ بومحيدة عطاء اهلل ،الوجيز يف القضاء االداري (تنظيم ،عمل ،اختصاص) ،دار هومة ،اجلزائر ،2011 ،ص .269
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
تعريف دقيق للخطأ املرفقي ألنه مصطلح واسع و عام يصعب وضع له حدود و حتديد
5
و لكن بالرغم من هذه الصعوبة قام الفقه ببعض احملاوالت لتعريفه: معامله
فاألستاذ" فيدال "VIDELيعرفه على أنه " اإلخالل بالتزام يف أداء اخلدمة
2
"dans un manquement oux obligation de service la faute de service consiste
أما الفقيه "دوجي "DUGUITيعرفه بأنه" اخلطأ الذي يرتكبه املوظف بقصد حتقيق غرض
إداري".3
كما يعرفه الدكتور سليمان الطماوي" على أنه اخلطأ الذي ينسب إىل املرفق حىت و لو كان
4
الذي قام به ماديا أحد املوظفني".
أما الدكتور عمار بوضياف فيعرفه بأنه" الفعل أو النشاط الذي صدر عن العون العمومي
5
حال أداء وظيفته أو بسببها ،وسبب ضرر للغري ،تتحمل تبعته القانونية اإلدارة اليت يتبعها"
ويعرفه كذلك الدكتور عدو عبد القادر يف مؤلفه " بأنه اخلطأ الذي ينسب إىل املرفق العام
ذاته ،وليس إىل املوظف،وتتحمل اإلدارة عبء التعويض عنه ،ويعود اختصاص الفصل فيه
إىل القضاء اإلداري".6
3ـ عبد اهلل طلبة ،القانون اإلداري ( الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة ،القضاء اإلداري) ،ط ،2منشورات جامعة حلب ،ص
346
4
ـ سليمان الطماوي ،القضاء اإلداري ( قضاء التعويض) ،الكتاب الثاني ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،1996 ،ص 139.
5ـ عمــار بوضــياف،املرجــع يف املنازعــات اإلداريــة ،القســم الثــاين (اجلوانب التطبيقيــة للمنازعــات) ،ط ،01جســور للنشــر والتوزيــع،
اجلزائر،2011 ،ص.114
6ـ عبد القادر عدو ،املنازعات االدارية،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع،اجلزائر،2012،ص.336
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
من خالل هذه التعريفات يالحظ أن الفقهاء مل يتفقوا على تعريف جامع مانع و دقيق
للخطأ املرفقي ،فالبعض منهم عرفه مبدلول خطأ املرفق العام ،و بعضهم يعرفه مبدلول خطأ
املوظف يف أداء التزاماته ،و بعضهم األخر حيدد القضاء املختص ،ومنهم من مجع بني مجيع
تلك املدلوالت ،و عليه ميكن القول بأن اخلطأ املرفقي هو ذلك اخلطأ الذي يرتكبه املرفق أو
املوظف العام أثناء ممارسة مهامه و يتحمل املرفق العام مسؤولية التعويض عنه ،و يعود
اختصاص الفصل فيه إىل القضاء اإلداري طبقا لنص املادة 801قانون اإلجراءات املدنية
و اإلدارية واليت نصت يف فقرهتا الثانية :
و اخلطأ املرفقي ميكن أن يكون خطأ موظف أو موظفين معينين بالذات ،كما ميكن
أن يكون خطأ مغفل مجهول الهوية ،ال ميكن معرفة مصدره أو مرتكبه:
فالحالة األولى (خطأ موظف أو موظفني معينني) تتحقق إذا كان مصدر اخلطأ
معلوم،1وصورة ذلك أن جيري أحد رجال الشرطة وراء جمرم هارب ،من أجل إلقاء القبض
عليه ،وأثناء جريه يصدم أحد املارة ،فيسبب له ضرر،فهذا اخلطأ يعد خطأ مرفقي صادر عن
موظف معلوم وهو خطأ مرفقي ألن الضرر حصل أثناء تأدية اخلدمة .
أما الحالة الثانية ( خطأ موظف جمهول) :و حتقق هذه احلالة إذا استحل معرفة مصدر
الضرر،أي يصعب نسبه إىل موظف معني بالذات ،و ميكن أن يرتكب اخلطأ املرفقي من
شخص واحد جمهول مثلما حدث يف قضية " أوكسري" AUXERREاليت قرر فيها جملس
الدولة الفرنسي أن اإلدارة مسؤولة عن احلادثة اليت أدت إىل قتل جندي إثر مناورات
1
.ـ خلويف رشيد ،املرجع السابق ،ص 19
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
عسكرية كان من املفروض أن يستعمل خالهلا خراطيش خلية أي غري حقيقية ،و طرح بعد
احلادثة سؤال بدون جدوى حول معرفة الشخص الذي أطلق النار على الضحية و قد
استحالت اإلجابة على السؤال ،و بالتايل املوظف الذي استعمل خراطيش حقيقية بقي
جمهوال ،و لكن ذلك الينفي مسؤولية اإلدارة.1
ويف هذا السياق ذهب الدكتور يوسف سعد اهلل اخلوري فريى أن خلطأ اخلدمة
مظهران :حيث اخلطأ يكون مرفقيا إذا مل تعرف هوية مرتكبه فيقال حينئذ بأن املرفق هو
الذي أخطأ وبالتايل هو املسؤول ،أما إذا كان مرتكب الفعل معلوم والفعل بالنتيجة مرتكب
يف دائرة العمل الوظيفي يعد اخلطأ هنا خطأ خدمة يرتب مسؤولية املرفق كذلك.2
كما ميكن أن ينتج الضرر عن أخطاء عدة موظفني جمهولني مثلما حدث يف قضية
السيدة " بواجار" Dame Veuve Boigardاليت تتلخص وقائعها يف :أن السيدة " بواجار"
دخلت مستشفى عمومي يف صباح يوم و مل يتم فحصها إال يف آخر نفس اليوم و رغم
العالج ازداد مرضها ،و توفيت إثر نقلها إىل مستشفى آخر ،و تبني من خالل التحقيق
الذي قام القضاء اإلداري أن سبب الوفاة يعود إىل عدة أخطاء تتمثل يف :عدم وجود رقابة
كافية ،غياب الطبيب املختص يف اإلنعاش ،الرقابة السيئة خالل نقل الضحية ،فإذن هنا تعذر
معرفة مصدري الضرر ،لذا عد هذا اخلطأ مرفقيا نسب للمستشفى .3
و جتد هــذه القضــية نظريهتا يف القضــاء اجلزائــري ،يف قضــية الســيدة "ز.ر" ضــد " القطــاع
الصـحي بـأدرار" ،حيث حكم جملس الدولـة مبسـؤولية القطـاع ،جـراء األخطـاء الطبيـة املرتكبـة
من طرف األطباء ،واليت أودت حبياة وليدة الضحية ،إضافة إىل أهنا تسببت يف إصابة الضــحية
بالعقم.1
و هذا التمييز بني اخلطأ املرفقي الصادر من موظف معلوم و اخلطأ املرفقي الصادر عن
موظف جمهول ،ليست له أية أمهية يف جمال القضاء فمسؤولية اإلدارة تبقى قائمة سواءا كان
مرتكب اخلطأ معلوما أو جمهوال.
ـ ال ميكن وضع تعريف شامل وكامل وموحد للخطأ املرفقي ،ألنه مصطلح عام وواسع
يصعب حتديد كل مظاهره و أشكاله.2
ـ اخلطأ املرفقي هو خطأ ينسب إىل املرفق مباشرة ،حيث تقع مسؤولية اإلدارة على األمــوال
العامة ،و هي مسـؤولية املتبـوع عن أعمـال تابعـه أي تقـع أصـال على التـابع و ال يسـأل املتبـوع
إال تبعا ملسؤولية األول.
ـ اخلط ــأ املرفقي خط ــأ موض ــوعي ،أي ال ينس ــب للمرف ــق إال إذا ك ــان خمالف لقانون ــه و نظ ــام
العمل فيه.3
إن دراسة اخلطأ املرفقي يف املسؤولية اإلدارية تتطلب بالضرورة متييزه عن اخلطأ
الشخصي وما يثار بشأهنما من اشتباك و تداخل ،و لذلك ستتم يف هذا املطلب دراسة
.قرار جملس الدولة اجلزائري يف ،19/04/1999أنظر حلسني بن الشيخ آث ملويا،املنتقى يف قضاء جملس الدولة ،ج،1ط،4دار هومة ،اجلزائر، 1
العالقة بني اخلطأين( الفرع األول) ،و أبرز املعايري الفقهية والقضائية اليت متيز اخلطأ املرفقي
عن اخلطأ الشخصي ( الفرع الثاين و الفرع الثالث).
الفرع األول:
يف السابق كان القضاء الفرنسي يعتمد على قاعدة الفصل املطلق بني اخلطأ املرفقي
و اخلطأ الشخصي ،أي مبعىن أن الضرر الذي يصيب األفراد إما يكون أساسه خطأ شخصيا
خالصا ينسب إىل املوظف وحده دون اإلدارة ،و إما يكون أساسه خطأ مرفقيا و يف هذه
احلالة اإلدارة هي اليت تتحمل املسؤولية دون املوظف ،و يف احلالة األوىل ينعقد االختصاص
801 للقضاء العادي أما يف احلالة الثانية فاحملاكم اإلدارية هي صاحبة االختصاص ( 1املادة
قانون اإلجراءات املدنية و اإلدارية).
إال أنه و بعد تطور القانون اإلداري وردت على هذه القاعدة ( قاعدة الفصل ) استثناءات
حيث أنه ميكن اجلمع بني اخلطأين و ذلك يف حالة اشرتاكهما يف إحداث الضرر .
لقد مت اعتناق هذه القاعدة يف الربع األخري من القرن التاسع عشر و استمر العمل هبا
إىل غاية مطلع القرن العشرين ،حيث كانت تقوم على أساس الفصل التام بني اخلطأين و
كان ال يتصور بتاتا اشرتاك كل من اخلطأ الشخصي و اخلطأ املرفقي يف إحداث الضرر.
و قد تعددت املربرات و حجج الفقهاء الذين نادوا هبذا املبدأ ،فذهب البعض إىل أنه ال
ميكن للفعل اخلاطئ أن يكون له طبيعتان يف نفس الوقت ،فاخلطأ إما يكون شخصي و إما
مرفقي .و قد ذهب البعض اآلخر إىل أن اخلطأ الذي يرتكبه املوظف و الذي حيدث ضررا
1
ـــ عوابدي عمار ،المرجع السابق،ص 168وما بعدها .
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
إما يكون خطأ بسيطا أو جسيما ،فإذا كان بسيطا و ال يتجاوز املخاطر العادية للوظيفة و
اليت ميكن ألي إنسان عادي الوقوع فيه فيعترب خطأ مرفقيا ،أما إذا كان جسيما يتعدى
املخاطر العادية للوظيفة فيعد خطأ شخصيا يسأل عنه املوظف شخصيا.1
و قد مت التأكيد على هذه القاعدة القضاء اإلداري الفرنسي يف حكمه الصادر يف 1951يف
قضية " بورسني" و اليت تتلخص وقائعها يف أن الضابط املدعو بورسني أطلق النار على أحد
املواطنني يف بداية احلرب العاملية األوىل ألنه أشتبه و ظنه يتعاون مع األعداء ،فلما دفعت
وزارة الدفاع التعويض لورثة القتيل و أرادت بعد ذلك أن ترجع على الضابط بورسني،
فقرر جملس الدولة عدم مسؤولية الضابط عن اخلطأ الالحق باملضرور ،فإما أن يسأل
املوظف أو اإلدارة ألن هناك تعارض يف أن يعترب نفس العمل يف نفس الوقت خطأ مرفقيا و
شخصيا.2
إال أن قاعدة عدم اجلمع بني اخلطأ املرفقي و اخلطأ الشخصي مل تالقي استحسانا من
بعض الفقهاء ،بسبب التربيرات و التفسريات املتناقضة و غري املنطقية اليت منحت هلذه
القاعدة ،وقد أشار الدكتور عمار عوابدي يف مؤلفه نظرية املسؤولية اإلدارية "أن قاعدة عدم
اجلمع بني اخلطأين هي قاعدة غري منطقية ألن انعدام مسؤولية املوظف يف اخلطأ املرفقي
يؤدي إىل القضاء على الشعور بعدم املسؤولية لدى املوظفني الذين حيميهم هذا املبدأ من
املسؤولية املدنية ،و أن الضحية يف اخلطأ اجلسيم قد ال جيد تعويضا كافيا عن ذلك ،بينما يف
اخلطأ اليسري ينال التعويض الكايف."3
1ـ سامي حامد سليمان ،نظرية اخلطأ الشخصي يف جمال املسؤولية اإلدارية ( دراسة مقارنة ) ،رسالة دكتوراه ،دار الشباب
للطباعة ،القاهرة ،بدون سنة ص .277/278
2ـ عمار عوابدي ،املرجع السابق ،ص .168
3
.ـ عمار عوابدي ،املرجع السابق ،ص 169
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
و على ضوء هاته االنتقادات اليت وجهت لقاعدة عدم اجلمع بني اخلطأ املرفقي و اخلطأ
الشخصي،ظهرت نظرية أخرى و هي نظرية اجلمع بني اخلطأين.
لقد طبق القضاء الفرنسي هذه القاعدة ألول مرة و سلم باألخذ هبا يف قضية "
ANGUETأوجني" ( جملس الدولة الفرنسي 03فرباير ) 1911و اليت تتلخص وقائعها يف أن
السيد " ANGUETأوجني" دخل مكتب الربيد لقبض حوالة بريدية و عندما أراد اخلروج
وجد أن الباب املخصص للخروج قد أقفل فنصحه أحد املوظفني باخلروج من الباب
املخصص خلروج العمال و املوظفني ،و يف طريقه إىل ذلك مر على قاعة الطرود فظن
بعض املوظفني أنه لص فاعتدوا عليه بالضرب و ألقوه إىل اخلارج فوقع على األرض و
كسرت ساقه ،ففي هذه القضية حكم جملس الدولة الفرنسي بوجود خطأين ،خطأ شخصي
يتمثل يف اعتداء املوظفني على السيد " ،" ANGUETو اخلطأ الثاين هو خطأ مرفقي املتمثل
يف كون أن ساعة املكتب مل تكن مضبوطة مما أدى إىل غلق باب املكتب قبل املوعد
احملدد."1
و بعد هذه القضية اليت أقر فيها جملس الدولة الفرنسي بإمكانية اجتماع اخلطأين ،تطور
األمر حنو القول بإمكان اجتماع املسؤوليتني املرفقية و الشخصية و ذلك بواسطة قرار صدر
عن نفس اجمللس يف 1918 /26/07يف قضية " " Epoux Lemonnierحيث حكم فيه على
إحدى البلديات بالتعويض عن الضرر الذي حصل للزوج Lemonnierنتيجة رصاصة أصابته
خالل عيد حملي من طرف أحد الالعبني الذين كانوا يتبارون باألسلحة النارية ،فرفعا
الزوجان الدعوى أمام جملس الدولة ضد البلدية فحكم هلما بالتعويض معلنا أن تقرير
1ـ جورج فوديل ،بيار دلفولفيه ،القانون االداري،ترمجة منصور القاضي ،ج ،1ط ،1املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر
والتوزيع ،لبنان ،2001 ،ص .459
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
املسؤولية الشخصية للموظف ال حيول دون قيام مسؤولية اإلدارة .1ففي هذا القرار كذلك
نالحظ اجتماع املسؤوليتني ،مسؤولية املوظف و الذي هو رئيس البلدية و مسؤولية املرفق و
املتمثل يف البلدية .
أما بالنسبة للقضاء اجلزائري فتجد هذه القاعدة ( قاعدة اجلمع) تطبيقاهتا يف قضايا
كثرية من بينها قضية ( ،السيد بلقامسي ضد وزير العدل 17أفريل ،)1972و اليت تتلخص
وقائعها فيما يلي " :قامت الشرطة حبجز مبلغ مايل مملوك للسيد بلقامسي ،و أودعته بكتابة
و خالل فرتة احلجز قامت الدولة بإصدار أوراق نقدية جديدة ،و مل يقم كاتب الضبط
الضبط بتبديل املبلغ املودع لديه يف الوقت احملدد قانونا،و عند خروج السيد بلقامسي طالب
باملبلغ فإذا به قد فقد املبلغ بسبب فقده لقيمته املالية ،فرفع دعوى ضد وزارة العدل ،و بعد
دراسة امللف قررت اجمللس األعلى أن هذا الضرر يعود سببه إىل نوعني من األخطاء ،خطأ
شخصي يتمثل يف إمهال كاتب الضبط استبدال املبلغ املايل ،و خطأ مرفقي يتمثل يف سوء
سري املرفق كون املرفق مل يقم جبرد املال الذي مت إيداعه 2أي عدم وجود رقابة من طرف
وزارة العدل.
و من خالل ما متت اإلشارة إليه ميكن استنتاج أن مسؤولية اإلدارة ميكن أن تقوم يف
بعض األحيان نتيجة خطأ شخصي صادر من املوظف يكون مقرتن خبطأ مرفقي ،و
املسؤولية يف هذه احلالة ال تقوم على أساس اخلطأ الشخصي للموظف و إمنا على أساس
خطأ املرفق الذي يقوم إىل جوار خطأ املوظف أي ازدواجية اخلطأين.
و يرتتب على هذه االزدواجية نتائج جد عملية تتجلى يف ختويل الضحية اخليار يف طلب
التعويض ،فإما تلجأ إىل القضاء العادي و تطالب التعويض من املوظف شخصيا ،و إما تلجأ
1
.ـ عوابدي عمار ،المرجع السابق ،ص 171
2
.قرار الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى الجزائري 17أفريل ،1972انظر عمار بوضياف ،المرجع السابق ،ص . 132
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
إىل القضاء اإلداري و تطالب اإلدارة بالتعويض ،و الضحية يف الغالب ما تفضل متابعة املرفق
العام ( اإلدارة ) لكونه أمأل ذمة من املوظف .
و جتب اإلشارة يف هذا الشأن كذلك ،أن املشرع اجلزائري كرس هذا املبدأ يف قانوين
" 144أن البلدية و الوالية و الوظيفة العامة ،حيث جاء يف قانون البلدية 1طبقا لنص املادة
البلدية مسؤولة مدنيا عن األخطاء اليت يرتكبها رئيس اجمللس الشعيب البلدي و منتخبو البلدية
و مستخدموها أثناء ممارسة مهامهم أو مبناسبتها .
و تلزم البلدية برفع دعوى الرجوع أمام اجلهة القضائية املختصة ضد هؤالء يف حالة ارتكاهبم
خطأ شخصيا".
كما جاء يف قانون الوالية 2طبقا لنص املادة "140الوالية مسؤولة مدنيا عن االخطاء اليت
يرتكبها مدنيا رئيس اجمللس الشعيب الوالئي واملنتخبون.
وتتوىل ممارسة دعوى الرجوع امام اجلهة القضائية املختصة ،ضد هؤالء يف حالة خطا
شخصي من جانبهم".
أما يف قانون الوظيفة العامة 3فقد جاء يف نص املادة 31منه " إذا تعرض املوظف ملتابعة
قضائية من الغري بسبب خطأ يف اخلدمة ،جيب على املؤسسة أو اإلدارة العمومية اليت ينتمي
إليها أن حتميه من العقوبات املدنية اليت تسلط عليه ما مل ينسب إىل هذا املوظف خطأ
شخصي يعترب منفصال عن املهام املوكولة له".
الفرع الثاني:
1
.ـ القانون رقم 11ـ ،10املؤرخ يف 22جوان 2011املتعلق بالبلدية ،اجلريدة الرمسية رقم 37
2ـ القانون رقم12ـ ،07املؤرخ يف ،21/02/2007املتعلق بالوالية.
3ـ أمر رقم 06ـ ،03املؤرخ 15يوليو ،2006يتضمن القانون األساسي للوظيفة العامة ،جريدة رمسية،عدد 2006 ،46
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
لقد بذل الفقه القانوين حماوالت عديدة لتقدمي أفكار بغية الوصول إىل معيار دقيق
و واضح ،مييز بني اخلطأ الشخصي و اخلطأ املرفقي ،و لذلك تعددت احملاوالت الفقهية يف
هذا الشأن و من أهم تلك األفكار أو املعايري:
LAFERRIERE أوالـ ـ معيار األهواء الشخصية :و من رواد هذا املعيار العالمة "الفرييري
ومؤدى هذا املعيار أنه إذا كان اخلطأ الذي ارتكبه املوظف و أحدث ضررا يكشف عن
ضعفه و سوء نيته و عدم تبصره و رعونته ،فإن ذلك الفعل يعد خطأ شخصيا و يسأل
املوظف وحده و يتحمل نتائج اخلطأ ،أما إذا كان اخلطأ الذي أحدث ضررا غري مطبوع
بطابع الشخصي ،و ينم على أن املوظف مثله مثل أي إنسان معرض للخطأ و الصواب فإن
اخلطأ يف هذه احلالة يكون مرفقيا ،تسأل عنه اإلدارة.1
و أهم ما يأخذ على هـذا املعيـار بـالرغم من أنـه يتسـم بالبسـاطة و الوضـوح ،اهتمامـه باجلانب
الشخصي فسوء النية و حسنها تعد من األمور الباطنية لإلنسان اليت يصعب الكشف عنها.2
ثانيا ـ ـ معيار الغاية أو الهدف :قال هبذا املعيار الفقيه " دوجي ،"DUGUITحيث يقوم هذا
املعيار على أساس الغاية أو الغرض الذي يسعى املوظف لتحقيقه من جراء قيامه بعمله ،فإذا
كان قد قصد بتصرفه حتقيق أحد األهداف اإلدارية فإن اخلطأ يعد خطأ مرفقي ،أما إذا كان
يسعى بتصرفه إىل حتقيق أغراض شخصية ال عالقة هلا بوظيفته فإن اخلطأ يف هذه احلالة يعد
خطأ شخصيا.3
و قد أخذ جملس الدولة الفرنسي هبذا املعيار يف حكمه الصادر يف 27فرباير 1903يف
قضية " "zimmermannو اليت تتلخص وقائعها يف :قيام عمال الطرق و اجلسور باستخراج
1
.ـ حميي الدين القيسي ،مبادئ القانون اإلداري العام ،منشورات احلليب احلقوقية ،بريوت ،1999 ،ص 124
2ـ قيدار عبد القادر صاحل ،فكرة اخلطأ املرفقي ،مقال منشور مبجلة الرافدين للحقوق ،جملد ،10العدد ،38جامعة املوصل،
،2008ص .316
3
.ـ عوابدي عمار ،المرجع السابق ،ص138
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
الرمال و األحجار الالزمة ألعمال الصيانة من أرض خاصة مملوكة لعائلة ""
،zimmermannمث أصدر مدير اإلقليم قرارا بضم تلك األرض إىل الدومني العام و رفع
األسوار عنها لضمان استمرار عملية استخراج الرمال و األحجار منها ،و محاية املوظفني من
وقوع أية مسؤولية عليهم ،ذلك أنه مىت عدت هذه األرض من األموال العامة فإن االستيالء
على األحجار و الرمال يعد فعال مشروعا ،و قد اعترب جملس الدولة الفرنسي أن خطأ املدير
خطأ مرفقيا ،استنادا إىل أنه مل يهدف بقرار سوى حتقيق مصلحة مالية للدولة و محاية
املوظفني.1
إن ما يؤخذ على هذا املعيـار على الـرغم من وضـوحه ،أنـه ال يتفـق مـع العدالـة ألنـه يـؤدي
إىل إعف ــاء املوظ ــف من املس ــؤولية يف احلال ــة ال ــيت ال يك ــون فيه ــا خط ــؤه مش ــوبا بس ــوء الني ــة ،
بالرغم من إحلاقه ضرر بـاألفراد ،و بالتـايل يـؤدي إىل تفشـي روح االسـتهتار و عـدم الشـعور
باملسؤولية.2
ثالثا ـ معيار جسامة الخطأ :نادى هبذا املعيار الفقيه " جيز ،"jezeحيث يقول بأن اخلطأ
يعترب شخصيا إذا كان جسيما ،و ال ميكن اعتباره من األخطاء العادية اليت يقع فيه املوظف
أثناء ممارسة وظيفته ،و يعد اخلطأ جسيما يف نظر " جيز" إذا أساء املوظف تقدير الوقائع أو
تفسري القانون كأن يأمر رئيس بلدية بالبناء على أرض دون وجود سند قانوين ،كما يعترب
كذلك خطأ جسيما إذا وصل املوظف خبطئه إىل حد ارتكاب جرمية تقع حتت طائلة قانون
العقوبات ،أما إذا كان خطأ املوظف من األخطاء العادية اليت ميكن الوقوع فيها أثناء أداء
مهامه فإن هذا اخلطأ يعترب خطأ مرفقيا.3
1
ـ حسني فرجية ،شرح املنازعات اإلدارية(دراسة مقارنة)،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ، 2009،ص 302ـ 303
2
.ـ قيدار عبد القادر صاحل ،املرجع السابق ،ص 318
3
.ـ سليمان الطماوي ،القضاء اإلداري ( قضاء التعويض) ،الكتاب الثاين ،دار الفكر العريب ،القاهرة ، 1996 ،ص 110
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
مما يعاب على هذا املعيار أن جملس الدولة عد يف بعض أحكامه األخطاء شخصية رغم عدم
جسامة اخلطأ ،و يف بعضها األخر أخطاء مرفقية رغم جسامة اخلطأ فيها.1
رابعا ـ معيار الخطأ المنفصل عن الوظيفة :و من رواده الفقيه " هوريو "HORIOحيث
قال يف متييزه للخطأ املرفقي عن اخلطأ الشخصي أنه إذا كان باإلمكان فصل اخلطأ عن
الوظيفة عد خطأ شخصيا أي يف حالة إتيان املوظف خطأ ال عالقة له بوظيفته مثل :تلفظ
أستاذ ا يف القسم بكلمات فاحشة ضد الدين ،أما اخلطأ املرفقي فهو اخلطأ الذي ال ميكن
la فصله عن الوظيفة و يكون متصال هبا .2و من األمثلة العملية عن هذا املعيار قضية "
"langeيف 04ديسمرب ،1997حيث بعد أن قام عمدة بشطب اسم تاجر حكم القضاء
بإفالسه من جدول الناخبني ،و هذا ما يندرج ضمن وظيفة العمدة قام بنشر إعالن لذلك و
أطلق مناد يف القرية إلبالغ املواطنني هبذه الواقعة ،حىت يسيء بسمعة التاجر ،و هذا العمل
األخري ال يندرج ضمن أعمال وظيفة العمدة. 3
و يف اجلزائر قضى جملس الدولة يف مبسؤولية دركي ( قرار جملس الدولة اجلزائري الغرفة
الرابعة ،رقم القرار 159719بتاريخ 31ماي ،)1999حيث أن ب.ع قتل عن سبق
إصرار زميلني ،4حيث اعترب اجمللس أن هذه اجلرمية ال عالقة هلا بوظيفة الدركي.
خامسا ـ معيار طبيعة االلتزام الذي تم اإلخالل به :جاء هبذا املعيار األستاذ " دوك راسي
" RASSIو قد اعتمد يف متييزه بني اخلطأين على معيار طبيعة االلتزام الذي مت اإلخالل
به،فإذا كان االلتزام الذي أخل به املوظف من االلتزامات العامة اليت يقع عبؤها على اجلميع
1
.ـ عبد هللا طلبة ،المرجع السابق ،ص342
2
.ـ عمار عوابدي ،املرجع السابق ،ص 137
.ـ أنظر كذلك حممد الصغري بعلي ،الوسيط يف املنازعات اإلدارية ،دار العلوم للنشر و التوزيع ،اجلزائر ،2009،ص 226
3
.ـ عوابدي عمار ،المرجع السابق ،ص 137
4ـ مجلة مجلس الدولة ،العدد األول ،2002 ،ص .97
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
كان اخلطأ املرتكب خطأ شخصيا ،أما إذا كان من االلتزامات املتصلة بالعمل الوظيفي
للموظف،فإن اخلطأ يعد خطأ مرفقيا يسأل عنه املرفق العام.1
يالحظ من خالل هذه املعايري أن مجيعها هلا مدلوالت متقاربة و متشاهبة ،و السيما
املعايري األربعة األوىل ،و لكن و ال واحد من هاته املعايري يعترب معيارا جامعا مانعا على الرغم
من أهنا تبدو بسيطة يف طرحها إال أهنا صعبة التطبيق .و لذلك ارتأى القضاء أن يتطور يف
هذا الشأن و هذا ما سيتم توضيحه يف الفرع الثالث.
الفرع الثالث:
رغم تنوع و تعدد املعايري اليت تبناها الفقه يف متييزه بني اخلطأ املرفقي و اخلطأ الشخصي
و لكن هذه املعايري مل يرقى أي واحد منها لدرجة املعيار اجلامع املانع ،و هلذا مل جيد القضاء
الفرنسي معيار معني يتقيد به من بني هذه املعايري ،فسلك مسلكا أخر مؤداه أن يفحص
القضاء كل حالة على حدى آخذا بعني االعتبار الظروف اليت أحاطت بالواقعة ،و من مث
يكيف طبيعة و نوع اخلطأ .و قد اجته القضاء الفرنسي يف هذه احلالة إىل أن اخلطأ
الشخصي يتجسد يف احلاالت التالية:
أوال ـ ـ الخطأ المنبت الصلة بالمرفق العام :و هي احلالــة الــيت يــرتكب فيهــا املوظــف خطــأ ال
عالقـة لـه بوظيفتـه بتاتـا ،كمـا يف قضـية " pothierبوتييـه" ،حيث قضـى جملس الدولـة الفرنسـي
مبس ــؤولية دركي ،ارتكب جرمية قت ــل بقص ــد انتق ــام من س ــبب ع ــاطفي ،2فهن ــا يعت ــرب اخلط ــأ يف
نظر جملس الدولة الفرنسي خطأ شخصيا للموظف العام و ال عالقة له بالوظيفة.
1ـ هشام عبد املنعم عكاشة ،مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة ( دراسة مقارنة) ،رسالة دكتوراه ،كلية احلقوق بين سويف،
جامعة القاهرة ،بدون سنة ص .185
2
.ـ حكم مجلس الدولة الفرنسي في 12مارس 1971
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
ثانيا ـ الخطأ العمدي المستهدف لغير المصلحة العامة :و تطبق هــذه احلالــة يف حالــة مــا إذا
ارتكب املوظ ــف خطــأ أثن ــاء تأدي ــة و وظيفت ــه و قص ــد من ورائ ــه حتقي ــق أغ ــراض شخص ــية غ ــري
أغـراض املصـلحة العامـة ،كـأن يصـدر املدير قـرارا بفصـل موظــف انتقامـا منـه ،ففي هـذه احلالـة
يعد اخلطأ خطأ شخصيا.1
ثالثاـ ـ بلوغ الخطأ درجة خاصة من الجسامة :و تظهر جسامة اخلطأ يف هذه احلالة يف ثالث
صور و هي :أن يرتكب املوظف خطأ جسيما ،أو أن خيطئ خطأ قانونيا جسيما كأن
يتجاوز املوظف اختصاصاته بشكل فادح جدا ،و تظهر اجلسامة كذلك يف صورة الفعل
الصادر من املوظف الذي يشكل جرمية جنائية كجرمية التزوير أو إفشاء األسرار. 2
بعد استعراض للمعايري القضائية يالحظ أن القضاء اعتمد يف متييزه بني اخلطأين ،نفس
املعايري اليت اعتمدها الفقه ،و قد جعل القضاء من هذه املعايري يف جمموعها معيارا واحدا
يطبقه على احلاالت الفردية ،بعد أن ينظر يف وقائع كل دعوى على حدى ،آخذا بعني
و االعتبار ليستطيع يف األخري استخالص طبيعة اخلطأ 3 .فكانت بذلك هذه املعايري
االجتاهات الفقهية بالنسبة للقضاء جمرد توجيهات و إرشادات يسرتشد هبا عند احلاجة.
و من خالل م ـ ــا س ـ ــبق تتجلى أو تتض ـ ــح لن ـ ــا أمهي ـ ــة التمي ـ ــيز بني اخلط ـ ــأ املرفقي و اخلطـ ــأ
الشخصـ ــي ،من حيث توزيـ ــع االختصـ ــاص بني القضـ ــاء العـ ــادي و اإلداري ،4فكلم ــا ثبت أن
اخلطـ ــأ مرفقيـ ــا انعقـ ــدت مسـ ــؤولية اإلدارة و عـ ــاد االختصـ ــاص للقضـ ــاء اإلداري ،و العكس
1ـ لقد طبق القضاء اجلزائري هذا املعيار يف قضية طيان مكي ضد بلدية أوالد فايت ،حيث قرر بإلغاء القرار الصادر عن بلدية
أوالد فايت ،والقاضي مبنح القطعة األرضية اليت كانت ملك للسيد طيان لشخص أخر،ألنه تبني أن الغرض من القرار شخصي
ذالك أن رئيس البلدية مل ينزع إال ارض السيد طيان رغم أن هناك آخرون يف نفس وضعيته(.جملس الدولة اجلزائري
)19/04/1991أنظر حلسني بن الشيخ اث ملويا،املرجع السابق ص109وما بعدها.
2
.ـ عوابدي عمار ،المرجع السابق ،ص 141
3ـ ـ حلسني بن شيخ آث ملويا ،دروس يف املسؤولية اإلدارية ،الكتاب األول (املسؤولية على أساس اخلطأ) ،ط ،1دار اخللدونية،
اجلزائر ،2007 ،ص -175ـ176
4
.ـ يوسف سعد هللا الخوري ،المرجع السابق ،ص 346
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
صحيح يف حالة اخلطأ الشخصي ،إذ يكون املوظف مسئول شخصيا و خيتص القضاء العــادي
بالفصل يف الدعوى.
و تتجلى أمهية التمييز كذلك يف حتديد املسؤول عن التعويض ،فاألعمال اليت يؤديها موظفو
اإلدارة و تسبب ضررا للغري ويتبني أهنا أخطاء مرفقية ،توجب مسؤولية اإلدارة و حتملها
عبء التعويض ،أما األخطاء اليت يرتكبها املوظفون وتنسب إليهم ،توجب
مسؤوليتهم،وحتملهم عبء التعويض.1
و كذلك تظهر األمهية يف كيفية تقدير املسؤولية ،فإذا كان اخلطأ الذي ارتكبه املوظف خطأ
شخصيا فإن احملاكم العادية تقدر املسؤولية و تبين حكمها وفق أحكام و قواعد القانون
املدين .أما إذا كان خطأ مرفقي فإن املسؤولية تقدر وفق أحكام و قواعد خاصة مستقلة عن
أحكام القانون املدين ،و هذه األحكام متكن القاضي من أن يأخذ بعني اإلعتبار مصاحل
األفراد
المبحث الثاني:
يقسم أغلبية الفقه ومن بينهم الفقيه "دويز" األفعال املكونة للخطأ املرفقي إىل ثالث
صور ،و قد حذا حذوه سائر فقهاء القانون العام ،و هذا ما توصل إليه أيضا جملس قضاء
الدولة الفرنسي ،ومن خالل هذا املبحث سيتم الوقوف عند كل صورة من هاته
1
.ـ هشام عبد المنعم عكاشة ،المرجع السابق ،ص 182
2
.ـ يوسف سعد هللا الخوري ،المرجع السابق ،ص 347
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
الصور،واملتمثلة يف :صورة التنظيم السيئ للمرفق العام(مطلب أول) ،صورة تباطؤ املرفق
العام يف أداء اخلدمة(مطلب ثاين) ،و صورة عدم أداء املرفق العام للخدمة(مطلب ثالث).
المطلب األول:
و تظهر هذه الصورة يف احلالة اليت يؤدي فيها املرفق العام اخلدمة املطلوبة منه ،أي
قيامه بأعمال إجيابية و لكنها أعمال إجيابية خاطئة تلحق ضررا بالغري ،نتيجة أداء اجلهة
اإلدارية خدماهتا على الوجه السيئ ،و يف هذه احلالة تسأل اإلدارة عن التعويض بسبب أهنا
مل تؤدي اخلدمة املنوطة هبا على أكمل وجه.1
و حاالت هذه الصورة متعددة ،فقد ينشأ الضرر عن فعل صادر عن أحد املوظفني و
توماس جريكو" اليت تتلخص وقائعها يف أن ثورا "TOMASO GRECCO مثال ذلك قضية
هائجا هرب ،فاندفع وراءه الناس حماولني اإلمساك ،و يف أثناء تلك اللحظات انطلق عيار
ناري أصاب السيد " توماس جريكو" جبراح و هو داخل منزله ،فرفع دعوى مطالبا اإلدارة
تعويضه عما أصابه ،مدعيا أن العيار الذي أصابه أطلقه أحد رجال الشرطة الذين كانوا
يطاردون الثور اهلائج ،فقضى جملس الدولة الفرنسي مبسؤولية املرفق لعدم اختاذه االحتياطات
الالزمة ملنع حدوث مثل هذه احلوادث.2
و ميكن أن يكون مصدر الضرر أشياء أو حيوانات متلكها اإلدارة ،كإمهال اإلدارة خيل
أو ماشية مملوكة هلا و أحلقت أضرارا باألفراد.
كما ميكن أن ينتج الضرر كذلك عن سوء تنظيم املرفق العام كأن يصاب أحد املوظفني
باختناق نتيجة سوء هتوية أماكن العمل.
1ـ حميي الدين القيسي ،املرجع السابق ،ص .131
2ـ (حكم جملس الدولة الفرنسي الصادر يف 10فرباير ،)1905انظر عوابدي عمار ،املرجع السابق،ص . .152
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
و اخلطأ املرفقي يف هذه الصورة ال يكون مصدره دائما عمال ماديا ،فقد يكون مصدره
أيضا يف بعض األحيان عمل قانوين معيب ،كما لو ضمنت اإلدارة قراراهتا معلومات غري
حقيقية ،أو تعجلت يف تنفيذ حكم قضائي قبل أن يصري قابل للنفاذ ،أو استولت على بعض
األموال يف غري احلاالت اليت خيوهلا القانون فيها ذالك احلق،أو تطبق القانون أو اللوائح تطبيق
خاطئ.1
و بالرجوع إىل القانون اجلزائري ،جند أن قانون البلدية القدمي الصادر سنة 1967كان قد
نص على ضرورة إلزام البلديات بتنظيم مرفق مكافحة احلريق و أن سوء تنظيمه ينشأ
مسؤولية اإلدارة ( البلدية) ،و هو ما سار عليه القضاء يف قضية ((بن مشيش)) ضد بلدية
اخلروب اليت تتلخص وقائعها يف أنه بتاريخ 28ماي 1969شب حريقا يف مصنع للنجارة
تابع للسيد ))بن مشيش(( ،سببه رمي األطفال للمفرقعات مبناسبة االحتفال باملولد النبوي
الشريف ،فحكم اجمللس األعلى مبسؤولية اإلدارة ،حيث تبني من أوراق امللف أن الظروف
اليت متت فيها مكافحة احلريق تبني نقص يف وسائل مكافحة احلريق ،2فمن خالل وقائع
هذه القضية يتبني أن سوء تنظيم و سري مرفق مكافحة احلرائق كان السبب يف احرتاق مصنع
النجارة بأكمله،وبالتايل يعد خطأ مرفقيا يولد املسؤولية اإلدارية.
من هذه الصورة يتضح أن القضاء جعل من التنظيم السيئ ،أو اإلمهال يف تسيري املرفق
خطأ مرفقي ،حفاظا على حقوق املضرور إزاء ذالك هذا من جانب ،و حثا لإلدارة على
ضرورة االنتباه والتبصر وحسن التسيري من جانب أخر.
المطلب الثاني:
و يظهر اخلطأ يف هذه الصورة ،يف أنه إذا تباطأت اإلدارة يف القيام خبدماهتا أكثر من
الوقت املعقول ألداء تلك اخلدمات ،و كان من شأن هذا اإلبطاء إحلاق ضرر باألفراد ،فإن
ذلك يعد خطأ مرفقيا يرتب مسؤولية اإلدارة و يستوجب التعويض.1
و هذه الصورة ال تعين أنه إذا كان القانون قد حدد لإلدارة ميعاد معني للقيام خبدماهتا و مل
تقم اإلدارة بذلك فيعترب ذلك امتناعا عن القيام بأداء اخلدمة ،و إمنا املقصود هنا أن اإلدارة
غري مقيدة مبيعاد معني و مع ذلك أبطأت يف أداء اخلدمة أكثر من الالزم و بغري مربر ،مما
أدى إىل إصابة األفراد بالضرر نتيجة هذا اإلبطاء و بالتايل قيام مسؤولية اإلدارة و مثال
ذلك قرار جملس الدولة الفرنسي يف 18يوليو 1919يف قضية " بريىن ،BRUNETحيث
تطوع أحد الشبان و الذي مل يستويف السن القانونية يف الفرقة األمنية و اليت يشرتط لصحة
التطوع فيها يف مثل هذه احلالة موافقة الوالد ،فعارض الوالد هذا التطوع و رفع تظلما يثبت
بطالن تطوع ولده ،و كان الواجب يبحث التظلم و ينفذ فورا إذا ثبتت صحته و لكن
الذي حدث أن الطلب قدم للوزير يف 01فرباير و مل يصدر أمر اإلفراج إال يف 03ماي من
ذات العام ،حيث كان الشاب قد قتل يف إحدى املعارك ،فحكم جملس الدولة الفرنسي
بالتعويض ألن تأخر اإلدارة مل يكن له مربر.2
أما تطبيقات هذه الصورة يف القضاء اجلزائري ،تتجسد يف قضية "محيدوش" يف
08/04/1966حيث وظفت اإلدارة املعين بصفة غري قانونية ،و مل تنتبه هلذه الوضعية إال بعد
مرور 08سنوات ،فأرادت إلغاء قرار التوظيف ،فرفع املعين دعوى تعويض ضد الدولة و قد
1
.ـ .حممد بكر حسني ،املرجع السابق ،ص 127-126
2
.ـ سليمان الطماوي ،املرجع السابق ،ص 132-130
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
اعترب القاضي بأن هذا التأخري يشكل خطأ مرفقيا.1ويف هذا الصدد جند كذلك (قرار جملس
الدولة اجلزائري ،الغرفة الثالثة ،ملف رقم ،011184فهرس رقم ،200قرار .2)09/03/2004
ومن خالل هذه الصورة يتضح ان القضاء اعترب جمرد اإلبطاء أو التأخر يف قيام اإلدارة
بالعمل الذي كان جيب عليها القيام به ،يعد خطأ مرفقي يوجب مسؤوليتها ،و حسن ما
فعل و ذلك منعا من التهاون واالستهتار و تعطيل شؤون و مصاحل األفراد.
المطلب الثالث:
Le service n'a pas fonctionne امتناع المرفق العام عن أداء الخدمة
يعرب عنه كذلك باجلمود اإلداري ،و يتمثل اخلطأ املرفقي يف هذه الصورة يف امتناع
اإلدارة عن القيام بفعل أو تصرف معني أوجب القانون عليها القيام به ،و كان من شأن هذا
االمتناع إحلاق ضرر باألفراد،3و يف هذه احلالة تقوم املسؤولية على أساس فعل سليب صادر
عن املرفق العام ،و تعد هذه الصورة مرحلة يف تطور نظام املسؤولية اإلدارية.
و قد بدأ جملس الدولة الفرنسي أوىل تطبيقات هذه احلالة،مبناسبة األضرار النامجة عن
األشغال العامة فلم يكتفي مبسؤولية اإلدارة يف حالة األداء السيئ لألشغال ،بل مّد ها إىل
حالة امتناع اإلدارة عن القيام ببعض األشغال العامة ،كما لو مل تقم اإلدارة باألعمال الالزمة
1ـ قرار الغرفة اإلدارية باجمللس األعلى يف 19أفريل ،1972أنظرأمحد حميو ,املنازعات اإلدارية ,ط ،5ديوان املطبوعات
اجلامعية ,اجلزائر ,سنة ,2004ص .216
" - 2يف هذا القرار ألزم جملس دولة القطاع الصحي بدفع مبلغ التعويض ،عن األضرار الالحقة بالضحية،جراء عدم تقدمي
اإلسعافات األولية ،وحتويلها املتأخر إىل العيادة اخلاصة،مما كلفها ضياع جنينها ،وكاد يودي حبياهتا "انظر عمار بوضياف،
املرجع السابق،ص.155
3
.ـ حممد بكر حسني ،املرجع السابق ،ص 125
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
حلماية األهايل من الفيضان ،أو عدم قياها بصيانة منشآت عامة على الوجه الالزم واجنر عن
ذلك إصابة األفراد بالضرر ،كما لو تسربت مياه الفيضان إىل كهوف بعض األفراد اجملاورة
للطريق العام نتيجة إلمهال اإلدارة يف اختاذ الالزم لتصريف هذه املياه يف القنوات املعدة
لذلك..1اخل من قضايا جملس الدولة الفرنسي املختلفة و املتنوعة.
ومن أمثلة هذه الصورة يف القضاء اجلزائري ،قضية السيد سوايبية عبد اجمليد ،ضد بلدية
الذرعان (جملس الدولة اجلزائري يف ،)31/01ّ/2000اليت تتلخص وقائعها يف ان السيد عبد
اجمليد طالب باسرتجاع سيارته من بلدية الدرعان ،حيث كانت حمجوزة هناك بسبب متابعته
جبنحة التزوير،اال ان السيد عبد اجمليد تفاجأ بأن سيارته قد فقدت من حظرية البلدية ،فرفع
دعوى للمطالبة بالتعويض عن سيارته ،فقضى له جملس قضاء عنابة بذلك أي بالتعويض،
فهنا اخلطأ مرفقي ينسب إىل البلدية بسبب امتناعها عن أداء واجبها واملتمثل يف احملافظة
على السيارة اليت كانت يف احلظرية التابعة هلا ،2وكذلك تتجسد هذه الصورة يف يف (قرار
جملس الدولة،الغرفة الثالثة،امللف،007733بتاريخ .3)11/03/2003
خالصة الفصل:
أن اخلطأ املرفقي من بني املوضوعات اليت مل يوفق الفقهاء يف إعطاء مفهوم ثابت -
وحمدد هلا ،ومع ذلك ميكن القول أهنم وقفوا على انه يكون مرتبط باملرفق
العام،ويتحمل هذا األخري مسؤولية التعويض عنه .
أن الفقه مل يثبت على معيار معني و حمدد يف التمييز بني اخلطأين ( املرفقي -
والشخصي) ،و هذا ما جعل القضاء هو األخر ،ال يتقيد مبعيار معني يف جمال
التفرقة بني اخلطأين ،واختذ سبيله يف ذلك ،بأن يفحص كل حالة على حدى مراعيا
الظروف واملالبسات اليت أحاطت بالواقعة ،وعلى أساس ذلك يكيف طبيعة
اخلطأ،كما جتدر اإلشارة يف هذا الصدد إىل أنه ميكن أن ينتج النشاط الضار الواحد
من خطأين معا يف وقت واحد ،خطأ مرفقي وشخصي ،وبالتايل اجتماع
املسؤوليتني ،وللمضرور هنا مع مراعاة مبدأ عدم اجلمع بني تعويضني ،املطالبة حبقه
ماهية الخطأ المرفقي الفصل األول:
1ـ عبد اهلل طلبة ،القانون اإلداري ( الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة ،القضاء اإلداري) ،ط ،2منشورات جامعة حلب ،ص
.350
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
الفصل الثاني:
إن املقصود بدرجة اخلطأ يف جمال القانون اإلداري هو معرفة طبيعة اخلطأ الذي تقوم على
أساسه مسؤولية اإلدارة إذا ما سببت ضرر للغري يف إطار ممارسة نشاطاهتا ،اليت ترتاوح ما
بني أعمال قانونية و أعمال مادية ،إذ ال يكفي أن يكون الفعل أو النشاط الصادر عن
اإلدارة خاطئا حىت تقوم مسؤوليتها و حيكم عليها بالتعويض ،بل جيب أن يكون اخلطأ على
قدر من اجلسامة ألن التعويض ال يتم إال عن اخلطأ الذي ميثل خطورة معينة.
و ينقسم اخلطأ املرفقي يف نظام املسؤولية اإلدارية إىل خطأ بسيط و خطأ جسيم ،ففي
احلاالت العادية و طبقا للقواعد العامة يكون اخلطأ البسيط كافيا لقيام املسؤولية ،غري أن
القضاء اإلداري يتطلب حدوث اخلطأ اجلسيم يف حاالت معينة لدى مرافق معينة حىت تقوم
مسؤوليتها.
ويعرف اخلطأ اجلسيم يف القضاء اإلداري بأنه كل تصرف ال يقع من شخص عادي أي
ليس بقليل الذكاء و الفطنة و يكون جدير بالعقاب ،1إضافة إىل أن جسامة هذا اخلطأ
ختتلف بني ما إذا كان عمل اإلدارة عمال قانونيا ،أو عمال ماديا ،و بناءا على ذلك ستكون
دراسة درجة اخلطأ املرفقي يف مبحثني ،خيصص املبحث األول للتعرف على درجة اخلطأ
املرفقي يف القرارات اإلدارية ،و املبحث الثاين يتعرف فيه على درجة اخلطأ املرفقي يف أعمال
اإلدارة املادية.
1
.ـ رشيد خلويف ،املرجع السابق ،ص 25/26
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
المبحث األول:
يعرف القرار االداري بأنه كل عمل قانوين انفرادي ،يصدر بإرادة إحدى اجلهات
االدارية املختصة ،وحيدث أثار قانونية ،إما بإنشاء مركز قانوين جديد ،أو تعديل ،أو إلغاء
مركز قانوين قائم .1و لكي يكون القرار اإلداري سليما و منتجا ألثاره ،وجب توافر
أركانه و املتمثلة يف ( الشكل و اإلجراء ،االختصاص ،احملل ،السبب ،الغاية) ،و أن تكون
هذه األركان سليمة من العيوب اليت جتعل من القرار اإلداري قرارا غري مشروع و هذا ما
يؤدي إىل مسؤولية اإلدارة عن األضرار اليت تنجر من جراء عدم مشروعية هذا القرار ،ألن
عدم مشروعية القرار كما يقول األستاذ حميو أمحد أهنا تشكل مبدئيا املثال احلقيقي للخطأ
املرفقي ،فهل جيب إذن القول أن كل ال مشروعية تولد املسؤولية اإلدارية؟.2
المطلب األول:
يف هذا املطلب سيتم التطرق إىل درجة اخلطأ املرفقي، ،إذا ما مت اإلخالل بأحد األركان
الشكلية للقرار،أو ما يطلق عليه عيوب مشروعية القرار الشكلية ،و اليت تتمثل يف ثالث
عيوب :عيب الشكل ،و عيب اإلجراءات ،عيب االختصاص ،ونظرا ألن أغلبية الفقه ال
يفرقون بني عييب الشكل واإلجراءات و لذلك ستكون الدراسة كاأليت:
يقصد بالشكل اإلطار أو القالب الذي تظهر فيه إرادة اإلدارة أي املظهر اخلارجي
الذي يتخذه القرار فقد يكون كتابيا أو شفويا ،صرحيا أو ضمنيا و يقتضي أحيانا أن
يتضمن توقيعا أو تسبيبا أو حتييثا...اخل ،أما اإلجراءات فهي جمموعة من اإلجراءات
واملراحل السابقة على عملية اختاذ القرارات اإلدارية مثل عرض ملف املوظف على
اجمللس التأدييب قبل إصدار اإلدارة قرار بفصله .وهي إجراءات تؤثر يف مدى الشرعية
اإلدارية يف مجيع احلاالت ألهنا تعترب جزءا من القرارات اإلدارية املتخذة فإذا ما ختلفت
هذه اإلجراءات املنصوص عليها قانونيا الختاذ قرار إداري فإن القرار يقع باطال وجيوز
1
الطعن فيه إداريا أو قضائيا.
و يف املقابل فإن عيب الشكل واإلجراء هو عدم االحرتام الكلي أو اجلزئي لتلك
الشكليات أو اإلجراءات أو البيانات الواجبة قانونا .
و لقد عمد الفقه إىل التمييز بني الشكليات واإلجراءات تبعا الختالف تأثري كل
منهما على مشروعية القرار مسرتشدا يف ذلك مبعايري عدة قسم مبوجبها شكليات
وإجراءات القرار إىل جوهرية وأخرى ثانوية.
فالعميد "دوزي "Duzeقسم عيب الشكل إىل عيب ثانوي ال يؤدي إىل اإللغاء وال
إىل التعويض ،و عيب جوهري يؤدي حتما إىل إلغاء القرار،وال يؤدي بالضرورة إىل
التعويض.
وهذا ما يتبني من خالل حكم جملس الدولة اجلزائري يف قضية "ع م" اليت تتلخص
وقائعها يف أنه مت عزل "ع م"من منصبه،بقرار من وايل والية البيض ،ولدى الطعن ضد
- 1بوعمران عادل،النظرية العامة للقرارات والعقود اإلدارية ،دار اهلدى للطباعة والنشر والتوزيع،اجلزائر .2010 ،ص .40
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
هذا القرار ضد الغرفة االدارية احمللية مت رفض الطعن،ولدى استئناف هذا القرار أصدر
جملس الدولة قراره بإلغاء قرار جملس قضاء سعيدة املؤرخ يف ،17/03/1996معلال رأيه
أن ملف املستأنف مل يعرض على جلنة التأديب،1فاملالحظ هنا أن عدم عرض ملف
العزل على جلنة التأديب ميثل خمالفة إلجراء،ومع ذلك فهو مل يوجب مسؤولية الدولة
بالتعويض .يف حني جنده يف حكم آخر يقر باإللغاء و التعويض معا كما يف قضية
األنسة " بن عزي" و اليت تنحصر وقائعها يف أن رئيس بلدية سكيكدة أصدر قرار
عقابيا بإيقاف األنسة " بن عزي " عن عملها ملدة مخسة عشر يوما بدون
أجر،فحكمت الغرفة اإلدارية جمللس قضاء قسنطينة بإلغاء قرار رئيس البلدية و تعويض
املتضررة من هذا القرار معللة رأيها بأن القرار جاء خمالف للمادة 33من قانون عمال
البلديات الصادر يف 18أفريل 1952و اليت تقضي بأن العقوبة التأديبية لعمال
البلديات جيب أن يبت فيها أوال اجمللس التأدييب للبلدية.2
أما جملس الدولة الفرنسي،فلم يأخذ مبعيار عام لقيام املسؤولية هنا ،فهو يدخل
يف تقدير درجة اجلسامة اعتبارات متعددة ،منها امكانية تصحيح القرار وفق الشكل
الصحيح .وعموما فإن جملس الدولة الفرنسي يقرر التعويض على أساس درجة اخلطأ
الذي يقدره يف كل حالة على حدى ،و قد متت اإلشارة إىل ذلك يف حكم "
"GUIDICELLEسنة 1934حيث فصل أحد املوظفني من الوظيفة دون أن يعرض
أمره على اجمللس التأدييب ،فقضى جملس الدولة بتعويض املدعي لعدم مشروعية قرار
فصله لكونه مليء باألخطاء اجلسيمة عالوة على ذلك إبطال قرار الفصل.3
1ـ قرار صادر عن جملس الدولة اجلزائري يف 31جانفي ،2000الغرفة الرايعة ،قرار غري منشور ،أنظر طاهري حسني ،شرح
.
وجيز لإلجراءات املتبعة امام املواد االدارية ،دار اخللدونية ،اجلزائر،2005،ص93
2
.ـ حكم الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى ،انظر عوابدي عمار ،المرجع السابق ،ص 159
3ـ قيدار عبد القادر صاحل ،املرجع السابق ،ص334ـ .336
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
الفرع الثاني:
تقوم اإلدارة على مبدأ تقسيم و توزيع االختصاص بني خمتلف اهليئات
واألشخاص العاملني هبا هبدف حتسني األداء اإلداري وحتديد املسؤوليات،حيث يسند
إصدار أي قرار إداري إىل شخص أو موظف معني ،وعليه فإن اخلروج عن هذا
املبدأ يشكل عيب عدم اختصاص .ويقصد هبذا األخري هو قيام اإلدارة أو سلطة أو
موظف بعمل جعله القانون من اختصاص هيئة أو سلطة أو موظف آخر .و هذا
العيب هو العيب الوحيد من عيوب مشروعية القرار الذي يتصل بالنظام العام.1
1ـ عيب عدم االختصاص الجسيم :وجتد هذه الصورة جماهلا يف حالة ما إذا صدر
القرار من شخص عادي ال ميت بصلة لإلدارة وال ميلك أي صفة للقيام بالعمل
اإلداري،إضافة إىل احلالة اليت تعتدي فيها السلطة على اختصاصات السلطة أخرى،
مثل اعتداء السلطة التنفيذية على اختصاصات السلطة التشريعية أو السلطة القضائية.
2ـ عيب عدم االختصاص البسيط :يقع هذا العيب مثال داخل السلطة التنفيذية
نفسها أي بني إداراهتا ،هيئاهتا وموظفيها وجتد هذه الصورة جماهلا يف حالة عدم
االختصاص املكاين أو الزماين أو املوضوعي.2
وعليه فان عدم املشروعية يف احلالة األوىل ( عدم االختصاص اجلسيم) تكون
جسيمة لذلك تقوم مسؤولية اإلدارة ،عكس احلالة الثانية ( عدم االختصاص البسيط)
فهي ال تبيح دائما مسؤولية اإلدارة ،ذلك أن عدم املشروعية يكون اقل جسامة.
و قد تطرق جملس الدولة اجلزائري ملسألة عدم االختصاص يف قراره صادر يف
قضية شركة املنتوجات الغذائية ،حيث حكم جملس الدولة اجلزائري 03ديسمرب1958
باإللغاء لكن دون تعويض عندما اصدر مدير التموين قرار مينع فيه منتوج غذائي غري
صحي ،يف حني أن االختصاص يعود للوزارة". 1
كما جنده يف حالة أخرى يقر باإللغاء مع التعويض ،ومن ذلك قضية "السيد
كباش سليم" حيث حكم جملس الدولة للسيد كباش بإلغاء القرار مع التعويض عن ما
حلقه من ضرر جراء هدم الكشك من طرف البلدية ،معلال رأيه ان قرار رئيس البلدية
هبدم الكشك باطل ألنه مل حيرتم قاعدة توازي األشكال ،حيث ان قرار االستفادة منح
للسيد كباش من طرف الوايل وبالتايل فهو املختص بإبطاله وليس رئيس البلدية ،الذي
هدم الكشك ،بعد رفض السيد كباش اإلخالء". 2
وهذا ما ذهب إليه كذلك جملس الدولة الفرنسي ،إذ جنده يف حاالت يقرر
اإلبطال دون التعويض ومن ذلك "احلكم الصادر يف قضية" "Bourبتاريخ أول أيلول
سنة 1944حني رفض أحد العمد منح إعالة بطالة للمدعي ظنا منه باختصاص هيئة
أخرى ،لذا قضى اجمللس بإلغاء قرار االمتناع ،كون أن اخلطأ الذي ارتكبه العمدة ال
يشكل خطأ يوجب مسؤولية اإلدارة بالتعويض ،ويف حاالت يقررمها معا ،حسب ما
تبدى له من ظروف القضية املعروضة أمامه ،ومن ذلك أيضا حكمه الصادر بتاريخ
1ـ قرار جملس الدولة اجلزائري يف 03ديسمرب ،1958انظر حميو امحد ،املنازعات االدارية،ط،7ديوان املطبوعات اجلامعية،
اجلزائر ،2008،ص.217
2ـ ( قرار جملس الدولة اجلزائري يف ،)19/07/1999انظر حلسني بن الشيخ اث ملويا ،املنتقى يف قضاء جملس الدولة ،املرجع
السابق،ص 153وما بعدها.
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
20نيسان 1934يف قضية "Verdierحني قام أحد العمد بتكليف احد املهندسني ببناء
دار العمودية ،وإزاء عدم اختصاص األول رفض اجمللس القروي تقدير أتعاب الثاين،
الذي أقام الدعوى أمام اجمللس الذي قضى بأن عدم اختصاص العمدة ميثل خطأ من
طبيعته قيام مسؤولية الدولة"1بالتعويض.
ويستخلص مما سبق إن إصابة القرار بأحد عيوب عدم املشروعية الشكلية
(اخلارجية)كمخالفته للشكل أو إجراءات إصداره أو صدوره من شخص غري
خمتص وإن كان كافيا إللغاء هذا القرار ،إال أن ذلك ال يرتتب عنه يف كل األحوال
مسئولية اإلدارة بالتعويض ،إذا ما ترتب على تنفيذ القرار ضرر أصاب املخاطب
به .فبالنسبة لعيب خمالفة الشكل فان إلغاء القرار اإلداري املشوب به ال يكون سببا
للحكم بالتعويض ،ما دام أن القرار من حيث املوضوع ومن حيث الوقائع اليت قام
عليها تربر صدوره.
كما أن عدم مشروعية القرار اإلداري من حيث االختصاص وإن أدت إىل إلغائه
فان مسؤولية اإلدارة بالتعويض ال تقوم معها مىت كان القرار سليما يف مضمونه
حمموال على أسبابه املربرة رغم خمالفته قاعدة االختصاص ،فال يكون مثة حمل ملساءلة
اجلهة اإلدارية عنه والقضاء عليها بالتعويض.ألن القرار كان سيصدر على أية حال
2
بذات املضمون لو أن تلك القاعدة قد روعيت.
المطلب الثاني:
ـ جمموعة أحكام السنة العاشرة ،أنظر قيدار عبد القادر صاحل ،املرجع السابق ،ص.337 1
-عبد العزيز عبد املنعم خليفة املسؤولية اإلدارية يف جمال العقود والقرارات،دار الفكر اجلامعي،اإلسكندرية ،2007ص-175 2
.176
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
تتمثل األركان املوضوعية للقرار ،يف ركن احملل أو خمالفة القانون ،ركن الغاية
أواالحنراف بالسلطة ،و أخريا ركن السبب ،ومن خالل هذا املطلب سنتعرف على
كيفية تقدير اخلطأ يف حالة ما إذا ما مت اإلخالل بأحد هذه األركان و ذلك على
النحو األيت:
الفرع األول:
احملل يف القــرار اإلداري هــو األثــر الــذي قصــدت اإلدارة حتقيقــه بإصــدارها للقــرار
وخيتل ــف ه ــذا األث ــر حبس ــب م ــا إذا ك ــان الق ــرار تنظمي أو ف ــردي ،وملش ــروعية الق ــرار
اإلداري فإنــه يتعني أال يتعــارض مــع أي قاعــدة قانونيــة ســواء كــانت مكتوبــة أو غــري
مكتوبــة ،إىل جــانب ذلــك عــدم تعــارض القــرار مــع املنشــورات الداخليــة ذات الطــابع
الالئحي ،لكوهنا تأخذ حكم القانون .1
1ـ المخالفة المباشرة للقانون :وتتحقــق املخالفــة املباشــرة للقــانون حني تنتهــك اإلدارة
القواعد القانونية اليت جيب عليها التقيد هبا سواء باالمتنـاع عن عمـل يفرضـه القـانون أو
القيام بعمل خيالف ما ينص عليه القانون وهذا العيب أكثر أسباب اإلبطال إثارة .2
2ـ المخالفة غير المباشرة للقانون أو الخطأ في تفسير القانون :ويتحقق هذا
الفرض من خالل تفسري اإلدارة لنصوص القانون مبا خيالف إرادة املشرع وخترج هبا
عن مقصوده ،والسبب الغالب للتفسري اخلاطئ هو الغموض الذي يشوب النصوص
القانونية أحيانا ،ولكن قد يرجع التفسري اخلاطئ إىل سوء نية اإلدارة ويندرج حتت
اخلطأ يف تفسري القانون التوسع يف مدلول بعض القواعد حىت ميكن تطبيقها على
1
حاالت مل تتجه إرادة املشرع إىل تطبيق هذه النصوص عليها.
وقـ ــد جعـ ــل جملس الدولـ ــة من عيب احملل أو خمالفـ ــة القـ ــانون ،يف أغلب األحـ ــوال
خطــأ موجبــا ملســؤولية اإلدارة ،إذا جنم عنــه ضــرر مس بــاألفراد ،فضــال على أنــه ميكن
أن تثــار مســؤولية اإلدارة يف حالــة تنفيــذ القــانون أو األحكــام القضــائية ،وهــذا يعــود إىل
أن عيب احملل ه ــو عيب موض ــوعي ،يغ ــري من مض ــمون الق ــرار االداري ،حبيث خيتل ــف
املضــمون لــو أن اإلدارة طبقت القــانون تطبيقــا ســليما .فــإذا ثبت أن القــرار اإلداري قــام
مثال على واقعة مادية ال وجـود هلا أو غـري صـحيحة أي خمالفـة للقـانون كـان القـرار غـري
مشروع وجب فيه اإللغاء.2
و قد طبق جملس الدولة اجلزائري هذه القاعدة يف قضية"م ع ن"و وايل والية
البويرة ،حيث حكم باإللغاء دون التعويض للضحية ،الذي استفاد من مستثمرة
فالحية،وشرع يف استغالهلا،ولكن مبوجب قرار والئي أبطل هذا املنح،حيث ان جملس
يف 1990 /06/02 الدولة علل قراره،بان الوايل مل حيرتم املرسوم 90/51املؤرخ
والقانون 87/19املؤرخ يف 08/12/1987املتعلق باملستثمرات الفالحية ،حيث أن مل
يعاين املخالفات املرتكبة من املستفيدين"أي مل حيرتم املرسوم .3 90/51
ويف قضية أخرى ،قضية وايل والية اجلزائر حكم جملس الدولة اجلزائري باإللغاء
مع التعويض"،حيث ان الوايل قام بإغالق حمل الدعي بوضعه بصورة غري مشروعة
حتت محاية الدولة ليعيده إليه فيما بعد،لذالك حكم اجمللس للضحية بالتعويض ،معلال
1ـ عدو عبد القادر،املرجع السابق ،ص .158-157
2
.ـ طاهري حسني ،املرجع السابق ،ص 95
3ـ قرار جملس الدولة اجلزائري يف 23أفريل ، 2001الغرفة الثالثة ،قرار غري منشور ،أنظر طاهري حسني،املرجع السابق،ص
.96
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
1
رأيه أن الالمشروعية يف حد ذاهتا جسيمة وتكفي للنطق باإللغاء وترتيب التعويض"
.
أمــا بالنســبة قضــاء جملس الدولــة الفرنســي يف هــذا الصــدد فنجـد حكمـه الصــادر يف
10ش ـ ــباط ،1950إذ قض ـ ــى مبس ـ ــؤولية اإلدارة ملخالفته ـ ــا مب ـ ــدأ املس ـ ــاواة أم ـ ــام األعب ـ ــاء
،Dameحني ق ــامت اإلدارة باالس ــتيالء على Sornin de Leysat العام ــة،وذل ــك يف قض ــية
كمي ــة خش ــب مملوك ــة إلح ــدى الس ــيدات ،أك ــثر من الكمي ــات ال ــيت اس ــتولت عليه ــا من
املالك اآلخرين.2
الفرع الثاني:
ركن الغاية هو اهلدف الذي تبتغيه اإلدارة من وراء إصدار قرارها ،واملتمثل دائما
يف حتقي ــق الص ــاحل الع ــام ،ف ــإذا م ــا ح ــادت اإلدارة عن ــه ع ــد قراره ــا معيب ــا بعيب الغاي ــة أو
اهلدف ويعرب عنه أيضا بعيب االحنراف بالسلطة.
1ـ مجانبة المصلحة العامة :تتحقق هذه احلالة عندما يسعى رجل اإلدارة إىل حتقيق
أغراض جتانب املصلحة العامة كتحقيق نفع شخصي أو انتقام أو حماباة أو حتقيق
أغراض سياسية أو حتايل على تنفيذ األحكام القضائية ففي هذه األحوال كلها يكون
القرار مشوبا بعيب االحنراف بالسلطة وهو أمر خطري ينم على سوء النية ألن رجل
3
اإلدارة يستغل سلطاته ويستعملها ألغراض ال تتعلق بالصاحل العام.
ـ ( قرار اجمللس االعلى اجلزائري9،افريل ،)1971انظر حميو امحد ،2008 ،املرجع السابق،ص.217 1
2ـ قاعدة تخصيص األهداف:ملا كانت حدود املصلحة العامة واسعة وفضفاضة
وليس من صاحل اإلدارة ترك عضو اإلدارة حرا طليقا يف نطاقها فإن املشرع قد حيدد له
دوما يف نطاق املصلحة العامة هدفا حمدد وخمصصا ال جيوز لرجل اإلدارة أن يسعى إىل
حتقيقه متعلقا بالصاحل العام ويتعرف رجل اإلدارة على وجود هذا القيد من عدمه
بالرجوع إىل النصوص أو باستخالصه له من روح التشريع.1
ويالحظ أن جمال إعمال عيب االحنراف بالسلطة ،يقوم حينما تكون لإلدارة سلطة
تقديرية أي يف األحوال اليت يرتك فيها املشرع هلذه األخرية جانبا من احلرية يف التدخل
وعدمه ،ويف اختيار الوقت املالئم لذلك وتقدير أمهية بعض الوقائع وما يناسبها من
بني الوسائل املشروعة .
و قد صدرت عدة أحكام عن جملس الدولة الفرنسي يف هذا اجملال إذ جنده يف
إحدى القضايا ألغى قرار صادر من أحد العمد بتحرمي خلع املستحمني على الشواطئ
ملالبسهم إال يف داخل قاعات وحدات خلع املالبس التابعة للبلدية مبقابل أجر
معني،وذلك ألن اهلدف الرئيسي للعمدة مل يكن احملافظة على اآلداب العامة و إمنا
لتحقيق مصلحة مالية بتحصيل رسوم إلستعمال رواد الشواطئ لوحدات خلع
املالبس.2
وجند يف حكم آخ ــر قض ــى في ــه جملس الدول ــة الفرنس ــي ب ــالتعويض لعيب االحنراف
بالســلطة ،قضــية "إحــدى القــرى كــانت تعتمــد يف شــرهبا على بعض الينــابيع القريبــة،وقــد
رأت البلدية رفعا ملستوى املعيشة بالقرية ،أن تنشــأ باالشــرتاك مــع بعض األفــراد ،شــركة
متنح الـ ــتزام توريـ ــد امليـ ــاه ،ولكن القـ ــرويني وفقـ ــا لعـ ــاداهتم ،انصـ ــرفوا عن هـ ــذه الش ــركة
واســتمروا يف احلصــول على مــا يلــزمهم من ميــاه الشــرب من الينــابيع القريبــة ،وتشــجيعا
هلذه الشركة ،اليت سامهت فيها البلديـة بنصـيب كبـري ،أصـدر العمـدة قـرار حيرم فيـه كـل
من يدفع قيمة اجياريـة تزيـد على 500فرنـك ،ان حيصــل على امليـاه من الينـابيع ،وقصـده
ال خفاء فيه :فهو يريــد إلــزامهم باحلصــول على امليــاه من الشــركة ،وبالتــايل زيــادة أربــاح
1
الشركة والبلدية "
و م ـ ــا ميكن استخالص ـ ــه أن ه ـ ــذا العيب ق ـ ــد جعل ـ ــه القض ـ ــاء اإلداري مص ـ ــدرا دائم ـ ــا
للمسؤولية اإلدارية ألن هذا اخلطأ بطبيعته يستوجب املسؤولية.
الفرع الثالث:
سبب القرار اإلداري هو مجلة الدوافع املادية والقانونية اليت تدفع رجل اإلدارة
وتلزمه باختاذ قرار إداري ،ويشرتط لسالمة سبب القرار أن تكون الواقعة اليت يستند
إليها مصدر القرار مشروعة ،وأن يكون السبب مؤسس على وقائع مادية صحيحة ال
2
جمرد شكليات أو شائعات وإال عد القرار باطال.
ويأخذ عيب السبب الذي يشكل وجها إللغاء القرار اإلداري عدة صور من بينها:
1ـ انعدام الوجود المادي للوقائع :وتتحقق هذه احلالة عند صدور القرار على غري
أساس من الواقع املادي ،والقاضي هنا يفحص ركن السبب للتأكد من صحة الوجود
املادي للوقائع اليت بين عليها القرار فإذا وجدها قائمة يرفض الطعن لعدم التأسيس ،أما
3
إذا ما توصل إىل أهنا غري موجودة يصدر حكمه بإلغاء القرار املطعون فيه.
2ـ الغلط في تكييف الوقائع المادية :حبيث تعطي اإلدارة للوقائع املادية اليت
1
اعتمدهتا مفهوما خاطئا مما يرتتب عليه إسناد خاطئ للقواعد القانونية اليت حتكمها.
وعيب السبب وإن كان يؤدي إىل بطالن القرار وإلغائه ،إال أنه ال يستوجب حتمــا
قيام مسؤولية اإلدارة بالتعويض.
و يعتربه القضاء اإلداري اجلزائري من العيوب املالزمة للقرار اإلداري ،و أغلب
الفقهاء ال يرون قيام هذا العيب بذاته بل إن حاالته تدخل يف عيب االحنراف بالسلطة
أو عيب الشكل أو عيب خمالفة القانون.
و من تطبيقــات القضــاء اجلزائــري يف هــذا الشــأن جند حكم جملس الدولــة اجلزائــري
يف قضــية " وايل واليــة تلمســان ضــد بوســالح ميلــود" ،و الــيت تتلخص وقائعهــا يف"أن
املســتأنف عليــه حتصــل على اســتفادة من قطعــة أرض فالحيــة،إال أنــه بعــد التحــري الــذي
قــامت بــه مؤسســات الدولــة اتضــح ،أنــه كــان لــه ســلوك معــادي للثــورة التحريريــة ،فاختذ
الوايل ضده هو وآخرون أمثاله،قرارات تلغي استفادهتم من القطع األرضية الــيت حتصــلوا
عليهــا،إال أن جملس الدولــة أصــدر قــراره بإلغــاء قــرار الــوايل ،معلال رأيــه أن قــرار الــوايل
ج ــاء غ ــري م ــدعما بأدل ــة كافي ــة مما جيعل ــه منع ــدم األس ــاس" 2واملالح ــظ هن ــا أن ــه مل حيكم
بالتعويض إىل جانب اإللغاء.
أم ــا بالنس ــبة جمللس الدول ــة الفرنس ــي فإن ــه ال يعتم ــد على معي ــار ث ــابت لقي ــام مس ــؤولية
اإلدارة ،حيث يفحص كـ ـ ــل حالـ ـ ــة على حـ ـ ــدى ،فتـ ـ ــارة جتده يقـ ـ ــر مبسـ ـ ــؤولية اإلدارة
Jeunesse independante بـ ـ ــالتعويض عن اإلخالل بعيب السـ ـ ــبب ،ومن ذلـ ـ ــك قضـ ـ ــية
chretienneبتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ 01ديسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمرب 1948وتتلخص وقائعهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يف ان feminine
ص.98 2ـ قرار جملس الدولة اجلزائري يف ،01/02/1999قرار غري منشور ،انظر طاهري حسني ،املرجع السابق،
أنظر كذلك حلسني بن الشيخ آث ملويا ،املنتقى يف قضاء جملس الدولة ،املرجع السابق ،ص 25و ما بعدها.
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
اإلدارة ،سحبت الرتخيص يف إقامة احتفال ديــين يف إحــدى احلدائق العامــة ملا قــد حيدث
من إتالف لآلث ـ ــار املوج ـ ــودة هبذه احلديق ـ ــة ،فأص ـ ــدر اجمللس حكم ـ ــا بإلغ ـ ــاء الس ـ ــحب،
وحكم ب ــالتعويض وذل ــك لس ــبق ح ــدوث هات ــه الص ــالة باحلديق ــة قب ــل 03س ــنوات دون
حدوث تلف. 1
وتارة جتده ال يقر بذلك ،فعلى سبيل املثـال حـدث و أن رفضـت اإلدارة منح أحـد
األفراد ترخيصا بالبناء ،و وجد اجمللس أن قـرار اإلدارة مشـوبا بعيب السـبب،ومـع ذلـك
فق ـ ــد قض ـ ــى ب ـ ــأن مس ـ ــلك يف ظـ ـ ــروف ال ـ ــدعوى ال يك ـ ــون خط ـ ــأ من طبيعت ـ ــه حتري ـ ــك
مسؤوليتها.2
ومعـ ــىن ذلـ ــك أن اجمللس يعتمـ ــد يف تقـ ــديره للخطـ ــأ ،على طبيعـ ــة اخلطـ ــأ الصـ ــادر من
اإلدارة ،فضال عن الظروف و املالبسات احمليطة بالقضية .
وخالصــة ملا ســبق فــإن القــرار اإلداري املشــوب بأحــد عيــوب املشــروعية املوضــوعية
(الداخلية ) يشكل خطأ مرفقي كأصل عام وخطـأ شخصـي اسـتثناءا يف حالـة مـا إذا مـا
اقرتن ارتكاب اخلطأ بتعمد مرتكبه إتيانه وذلك على عكس أوجه املشروعية الشكلية .
و قد جعل القضاء من خمالفة القرار اإلداري للقانون أيا كانت درجة تلك املخالفة
يف أغلب األحيان مصدرا ملسؤولية اإلدارة ،وهو موقف حممود لتوافقه مع املنطق
والعدالة ،اليت يتناىف معها حرمان املضرور من القرار اإلداري من التعويض عما أحدثه
به هذا القرار الذي صدر خمالفا للقانون من ضرر ،بدعوى أن املخالفة يسرية،كما
رتب القضاء اإلداري كذلك مسؤولية اإلدارة عن عيب االحنراف بالسلطة ،وأستقر
ـ حكم جملس الدولة الفرنسي الصادر يف 01ديسمرب ،1948انظر قيدار عبد القادر صاحل ،املرجع السابق ،ص .332 1
كذلك على جعله باستمرار مصدرا للمسؤولية ألن هذا اخلطأ بطبيعته يستوجب
التعويض إذا ترتب عليه ضرر ثابت.1
المبحث الثاني:
تضم األعمال املادية لإلدارة مجيع األعمال املادية من غري القرارات ،و يعرف الفقه
واالجتهاد القضائي يف كل من فرنسا واغلب الدول العربية األعمال املادية لإلدارة بأهنا تلك
األعمال اليت تقوم به اإلدارة دون قصد إحداث نتائج قانونية جديدة أو تعديل أوضاع
قائمة وذلك تنفيذ ملقررات و أوامر إدارية مثل إلقاء القبض على األفراد واالستيالء على
أمالكهم أو إنشاء أعمدة كهربائية أو هاتفية يف أراضيهم أو نزع ملكياهتم لغرض
املصلحة العامة...اخل ويف حقيقة األمر فإن جملس الدولة مل يتقيد بقاعدة معينة عند تقديره
للخطأ ،فيما خيص أعمال اإلدارة املادية ،حيث يقدر كل حالة على حدى،وال حيكم
بالتعويض إال إذا كان العمل على قدر من اجلسامة ،ويف إطار تقديره جلسامة اخلطأ يتأثر
بعدة عوامل ،على أساسها تقوم مسؤولية اإلدارة عن أعماهلا املادية(مطلب أول) ،مع
اإلشارة أنه يف هذا الشأن افرد لبعض املرافق بعناية خاصة عند تقديره للخطأ املوجب
ملسؤوليتها(مطلب ثاين).
المطلب األول:
يتخذ اخلطأ املرفقي يف حالة األفعال املادية الصادرة عن اإلدارة صورا متعددة ،كاإلمهال
أو التأخري أو عدم التبصر أو الرتك أو التخلف عن القيام بفعل ما و غريها ،و جملس
الدولة الفرنسي يف هذه احلالة مل يتقيد مبعيار معني لتحديد اخلطأ الذي ترتكبه اإلدارة يف
األفعال املادية اليت تقدم عليها ،و لكنه يقدر اخلطأ وفقا لكل حالة على حدى ،و ال يرتب
مسؤولية
اإلدارة إال إذا كان اخلطأ على قدر من اجلسامة 1يتم حتديده وفقا العتبارات معينة سنتعرف
عليها يف الفروع التالية:
الفرع األول:
إذ أن جملس الدولة يف تقديره للخطأ يف األعمال املادية لإلدارة ،يراعي كل من الظروف
الزمانية واملكانية ،فضال عن ذلك األعباء اليت يتكبدها املرفق يف سبيل القيام بواجباته ،وهذا
ما سيتم توضيحه يف اآليت:
إن اخلطأ املرفقي الذي يقع يف حاالت العادية خيتلف عن اخلطأ الذي يقع يف احلاالت
االستثنائية كاحلروب و الكوارث و األزمات ،فإذا وقع اخلطأ أثناء ظرف استثنائي فإنه و
كي تقوم مسؤولية اإلدارة جيب أن يكون اخلطأ املرفقي على درجة كبرية من اجلسامة ،كون
أن الظرف االستثنائي يؤدي إىل ختفيف مسؤولية اإلدارة بل و قد يؤدي يف بعض األحيان
إىل إعفائها من املسؤولية هنائيا ،بل و قد تعدى جملس الدولة الفرنسي يف هذه احلالة إىل
ظروف أخرى أخف من ذلك ،مثال الساعة اليت وقع فيها الفعل الضار ،هل كان ذلك هنارا
1
.ـ عبد اهلل طلبة ،املرجع السابق ،ص 354
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
أم ليال؟ وإذا كان بالليل فهل كان يف ساعة مبكرة من الليل أم يف ساعة متأخرة منه؟ ، 1و
مثال ذلك قضية " ( "champagneحكم جملس الدولة الفرنسي الصادر يف ، )1917فقد
حدث أن كانت اإلدارة تقوم اإلدارة ببعض اإلصالحات يف طريق عام ،و تركت يف وسط
الطريق كومة من احلصى ،و مل تكن اإلضاءة عندها جيدة مما أدى إىل اصطدام طبيب بكومة
احلصى،استدعي حلالة مستعجلة يف منتصف الساعة الثالثة صباحا .فرفض اجمللس التعويض
بالنظر إىل أن احلادث وقع يف ساعة متأخرة من الليل.ففي هذا الصدد يالحظ ،أن مثل هذا
التشدد من جملس الدولة مبالغ فيه ،ألن اإلضاءة الكافية و اجليدة سواء أكانت يف أول الليل
أو يف أخره هي واجبة على اإلدارة و يتحتم عليها القيام هبا لسالمة املارة(،و هذا ما ذهب
إليه الدكتور سليمان الطماوي ،)2أو مبعىن أخر أن مثل هذا التشدد و التجاوز عن اخلطأ
من طرف جملس الدولة لصاحل اإلدارة قد جيعل من هذه األخرية تتمادى يف أخطائها.
و بالتــايل فاخلطــأ الــذي يعقــد مســؤولية اإلدارة يف الظــروف االســتثنائية ،هــو ذلــك اخلطــأ الــذي
ينج ــر عن ع ــدم قي ــام اإلدارة باختاذ االحتياط ــات و اإلج ــراءات الالزم ــة ال ــيت ك ــانت بإمكاهنا
مراعاهتا لتفادي حدوث أضرار للغري.3
لقد أخذ القضاء اإلداري الفرنسي كذلك بعني االعتبار عند تقديره جلسامة اخلطأ
املرفقي يف األعمال املادية لإلدارة ،املكان الذي ميارس فيه املرفق خدماته ،فكلما كان املرفق
يؤدي خدماته يف منطقة نائية أو يف منطقة مستعمرة فإن القضاء يتشدد يف درجة اخلطأ
الذي يؤدي إىل مسؤولية اإلدارة ،أكثر مما إذا كان يؤدي املرفق العام خدماته يف منطقة
متحضرة و ليست مبستعمرة ،ألن الصعوبات اليت ستواجهه يف احلالة األوىل أشد منها يف
1
.ـ قيدار عبد القادر صاحل ،املرجع السابق ،ص 338
2
.ـ سليمان الطماوي ،املرجع السابق ،ص 144
3ـ قيدار عبد القادر صاحل ،املرجع السابق ،ص .339
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
احلالة الثانية، 1ولذلك فان جملس الدولة الفرنسي يتشدد يف جسامة اخلطأ الذي يؤدي إىل قيام
مسؤولية اإلدارة يف إشرافها مثال على السجون املوجودة يف املناطق املستعمرة ،يف حني
يسامح إذا ما تعلقت املسؤولية بالسجون املوجودة يف أرض الوطن.2
املقصود هنا أنه كلما كانت موارد املرفق قليلة و أعباؤه كبرية فإن القضاء يف هذه احلالة
يتشدد يف درجة جسامة اخلطأ املرفقي ،أما يف احلالة العكسية أي أعباؤه قليلة و موارده
كبرية فهنا يتساهل يف درجة اخلطأ املرفقي. 3
و ق ــد طب ــق جملس الدول ــة الفرنس ــي ه ــذا املعي ــار فيم ــا يتعل ــق مبس ــؤولية اإلدارة عن ص ــيانة
املنشآت العامة ،حيث جند حكم جملس الدولة الفرنسـي الصـادر يف 02يونيـو 1913يف قضـية
" ،"Rostحيث رفض اجمللس احلكم مبس ــؤولية اإلدارة عن ح ــادث غ ــرق س ــفينة نتيج ــة إلق ــاء
شخص جمهول جلسم صلب يف إحدى القنوات ،إذ يرى اجمللس "أن حادث الغرق وقع عقب
إلقـ ــاء هـ ــذا اجلسـ ــم بفـ ــرتة وجـ ــيزة ،حبيث مل يكن لـ ــدى املشـ ــرفني على القنـ ــاة الـ ــوقت الكـ ــايف
الكتشـ ــاف احلادث ،كمـ ــا أنـ ــه مل يكن يف ذلـ ــك مـ ــا يسـ ــرتعي انتبـ ــاههم ،و ليس من املعقـ ــول
إلزامهم بالكشف على قاع القناة باستمرار."4
و بنــاءا على ذلــك فقــد خــرج اجمللس بفكــرة مفادهــا أن اإلدارة تكــون مســؤولة عن كــل
خطـأ ميكن جتنبــه بــاحلرص العــادي ،و غــري مسـؤولة إذا كــان ال ميكن جتنبــه إال باختاذ إجـراءات
غ ــري عادي ــة ،و ألج ــل ه ــذا حكم مبس ــؤولية اإلدارة إذا ق ــامت بإح ــداث حف ــر يف الطري ــق و مل
تتخ ــذ أي إج ــراءات لتنبي ــه املارة لكي تتجنبه ــا مما أدى إىل س ــقوط بعض األف ــراد و إص ــابتهم
جبراح.1
الفرع الثاني:
وهنــا القضــاء اإلداري يفــرق بني مــا إذا كــان املضــرور يســتفيد من املرفــق أو ال يســتفيد
منه،وكـذلك يفـرق بني مـا إذا كـان جلوؤه إىل املرفـق اختيـاري أو اضـطراري ،وسـيتم تفصـيل
ذلك على النحو األيت:
عموما جند أن جملس الدولة الفرنسي يف قضائه،يتساهل يف تقــدير اخلطـأ(أي يتطلب خطـأ
يســري فقــط) فيمــا إذا كــان املضــرور ال عالقــة لــه بــاملرفق،ألنــه مل يســتفد أي شــيء من نشــاط
املرف ــق مقاب ــل الض ــرر ال ــذي أص ــابه ،يف حني جنده يتش ــدد يف تق ــدير اخلط ــأ (أي يتطلب خط ــأ
جس ــيم) فيم ــا إذا ك ــان املض ــرور يس ــتفيد من خ ــدمات املرف ــق ،ملا ينال ــه من خ ــري ج ــراء نش ــاط
املرفق الذي سبب له ضرر ،وجتب اإلشارة كــذلك إىل ان اجمللس يف بعض أحكامــه يفــرق يف
درج ــة اخلط ــأ بني م ــا إذا ك ــان املس ــتفيد حيص ــل على خدم ــة املرف ــق جمان ــا أو مبقاب ــل ،كم ــا ان
1
.ـ سليمان الطماوي ،املرجع السابق ،ص 147
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
جملس الدولــة يضــع يف اعتبــاره مــدى إلــزام اإلدارة بإنشــاء املرفــق ،فــإذا قــامت اإلدارة متطوعــة
بإنشاء املرفق ،فإهنا ال تسأل عن األخطاء املنسوبة إىل خدماته إال إذا كانت جسيمة.1
تأسيسا على هذا املعيـار فـإن جملس الدولـة ال يسـوي بني املنتفعني من املرفـق ،لكنـه يفـرق
بني ما إذا كان املستفيد يلجأ خمتار لالستفادة من خدمات املرفــق ،أو كــان مضــطرا لاللتجــاء
إىل املرف ــق ،وبالت ــايل ان ــه إذا ك ــان جلوء املتض ــرر إىل املرف ــق اختياري ــا ،ف ــإن القض ــاء اش ــرتط أن
يكــون اخلطــأ جســيما حــىت يقــرر املســؤولية ،خبالف مــا إذا كــان جلوئــه إىل املرفــق اضــطراريا إذ
اكتفى باخلطأ اليسري. 2
ومن خالل ما سبق :يتبني أن جملس الدولة ال يتقيد بقاعدة واحدة معينـة يف جمال تقـدير
اخلطــأ يف األعمــال املادي ــة ،ب ــل يق ــدر ك ــل حال ــة على حــدى ،مراعي ــا يف ذل ــك ظ ــروف الزم ــان
واملكان ،واملصاعب اليت يواجهها املرفق يف سبيل القيام خبدماته،أضف إىل ذلـك مـدى ارتبـاط
املض ــرور ب ــاملرفق،وال يقض ــي مبس ــؤولية املرف ــق يف هات ــه احلاالت إال يف إذا ك ــان اخلط ــأ على
درجة معينة من اجلسامة.
زيــادة على االعتبــارات الســابقة ،الــيت يراعيهــا جملس الدولــة عنــد تقــديره للخطــأ املرفقي يف
األعمال املادية لإلدارة ،فإنه يراعي كذلك طبيعــة املرفــق وأمهيتــه االجتماعيــة ،ألن ذلــك يعتــرب
مظهر لقضاء جملس الدولة.
إذ أن هنــاك بعض املرافــق اإلداريــة الــيت تكتســي صــعوبة خاصــة وأمهيــة اجتماعيــة كــربى،
خصــها جملس الدولــة بشــيء من الرعايــة ،إذ جنده يتشــدد يف درجــة اخلطــأ املنســوب إليهــا ،وال
يقــرر مســؤوليتها ســوى عن األخطــاء اجلســيمة أو اخلطــرة ،أو الــيت تكــون جســامتها اســتثنائية
دون البسيطة ومن تلك املرافق :
أوال :مرفق الشرطة.
وذلك نظرا لصعوبة الدور الذي يقوم به هذا املرفق،يف سبيل محاية النظام العام مبدلوالته
الثالث(األمن العام ـ الصحة العامة ـ السكينة العامة) ،ويستتبع ذلك تقدير األخطاء املنسوبة
له
حبذر وعناية فائقة،فال يسأل إال عن خطأ على درجة كبرية من اجلسامة.1
وقد كان املبدأ السائد إىل غاية القرن املاضي هو عدم مسؤولية الدولة عن نشاط مرفق
الشرطة،وابتداء من قرار ( ،2) Tomaso Greccoاعرتف جملس الدولة مبسؤولية الدولة عن
األضرار اليت يسببها مرفق الشرطة ،وأسسها على أساس اخلطأ اجلسيم.3
ومنذ ذلك احلني تعددت تطبيقات القضاء يف هذا الشأن ( أي مسؤولية مرفق الشرطة)
فقد اقر مبسؤولية املرفق يف حالة:
وقد أقر القضاء اجلزائري هو اآلخر هذه املسؤولية وهذا ما يتبني من خالل قضية وزير
الداخلية ضد مسايت ( قرار جملس األعلى للقضاء يف ،)1976حيث قبل جملس األعلى حق
التعويض لشخص أوقف و تعرض لضرر يف خمفر الشرطة ،و لكن دون التأكد من جسامة
اخلطأ.2
و قد أشار األستاذ لعشب حمفوظ يف مؤلفه ( املسؤولية يف القانون اإلداري) إىل أن
القاضي اعترب اهتام مرفق الشرطة خيضع لوجود خطأ جسيم ،إال أنه بعد تطور القضاء أصبح
مييز بني األنشطة القانونية اليت توجب مسؤولية اإلدارة يف حالة الخطأ البسيط و األنشطة
املادية اليت ال توجب مسؤولية اإلدارة إال إذا كان الخطأ جسيما.3
ولفرتة طويلة كان جملس الدولة الفرنسي يشرتط خطأ جسيما إلمكانية مساءلة اإلدارة
عن األضرار النامجة عن العمل الطيب ،غري انه حتول منذ عام 1992إىل االكتفاء باخلطأ
اليسري.1
كما أن اجتاه جملس الدولة يف تقديره جلسامة اخلطأ املتطلبة يف النشاط الطيب ،خيتلف
حبسب نوع املرفق الصحي الذي ينسب إليه التقصري و اإلمهال ،فتجده:
بالنســبة ملستشــفيات األمــراض العقليــة :يتطلب جســامة شــديدة حــىت يقيم عليهــا املســؤولية
ب ــالتعويض ،وذل ــك ب ــالنظر إىل أهنا تتعام ــل م ــع فئ ــة اجملانني م ــا يعرض ــها ألعب ــاء وأخط ــار
جســيمة ،مــع العلم أنــه إذا كــان الضــرر نــاتج عن خطــأ متمثــل يف إمهال رقابــة مرضــى فــإن
القضاء يف تقديره للمسؤولية ال يتطلب تلك النوعية من اجلسامة(أي خطأ يسري فقط).
بالنسبة للمستشفيات العادية :يتطلب اخلطأ اجلسيم إذا كان التقصري منسوب إىل -
هيئة األطباء ،يف حني يكتفي بأي درجة من درجات اخلطأ يف غري هاته احلالة .
إض ــافة إىل ذل ــك كل ــه جنده يتطلب اخلط ــأ اجلس ــيم أيض ــا ،إذا م ــا تعل ــق األم ــر بتقص ــري -
منسوب إىل اإلدارات الصحية املوجودة بالدولة.2
أم ــا عن القض ــاء اجلزائ ــري فموقف ــه غ ــري مع ــروف يف ه ــذا املي ــدان ،و لكن من خالل قض ــية
زعــاف رقيــة ضــد القطــاع الصــحي بــأدرار 3ميكن اســتنتاج أن القضــاء اجلزائــري أشــار إىل
اخلطأ الطيب فقط دون اإلشارة إىل وجوب اشرتاط اخلطـأ اجلسـيم ،و بالتـايل فـإن مسـؤولية
املستشفى قائمة بغض النظر عن نوعية اخلطأ املرتكب.4
ثالثا :مرفق تحصيل الضرائب:
نظرا ملا يتوجب على هذا املرفق من بذل عناية كبرية وحرص شديد ،يف سبيل
احلفاظ على مستحقات اإلدارة ،ومنع هترب املمولني ،وخوفا من تثبيط عزمية العاملني
1عدو عبد القادر ،املرجع السابق ،ص..342
2ـ سليمان الطماوي،املرجع السابق ،ص.156
3ـ مجلس الدولة الجزائري في ( 19/04/1999قضية زعاف الرقية ضد القطاع الصحي بأدرار ) التي سبق اإلشارة إليها في المبحث
األول من الفصل األول.
4
.ـ لحسين بن الشيخ أث ملويا ،المنتقى في قضاء مجلس الدولة ،المرجع السابق ،ص 108
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
هبذا املرفق نتيجة هتديدهم باستمرار بقضايا املسؤولية،فإن جملس الدولة حيتاط كثريا عند
احلكم بقيام مسؤولية مثل هاته املرافق ،إذ يتطلب درجة كبرية من جسامة اخلطأ
املرتكب.1
وتكون مصاحل الضرائب مسؤولة على أساس اخلطأ اجلسيم عندما يتعلق األمر بنشاط
إقرار أساس الضرائب،والتحصيل عنها ،وتبقى النشاطات اليت ليست هلا عالقة مبوضوع
الضرائب ،أو صحة املتابعة ،تؤدي إىل مسؤولية مصاحل الضرائب على أساس اخلطأ
البسيط.2
تدابري الضبط) ،و رفضــها يف احلالــة الثانيــة ( التنظيم الغــري الكــايف ملكافحـة احلريــق) ألهنا ال
تشكل خطأ جسيما.1
خامسا :المرافق العقابية:
بسبب أن نشاط حراسة املساجني ،يعد نشاط من الصعب تأمينه،2فقد استقر القضاء
على أن مسؤولية اإلدارة عن هذه املرافق ال تقرر إال إذا ثبت قبلها خطأ فادح وعلى درجة
بالغة من اجلسامة ،3و من قبيل األخطاء اجلسيمة اليت تؤدي إىل مساءلة إدارة املرافق العقابية:
_ اإلمهال يف حراسة أحد املقبوض عليهم مما مكن أعداءه من خطفه و قتله.
_ عدم القيام بإعداد حمضر مبا حيمله أحد املقبوض عليهم قبل إيداعه السجن مما أدى إىل
فقد مبلغ كان معه.
_استخدام أحد املقبوض عليهم للقيام بأعمال خارجية خاصة.
و يستوي أن يكون الضرر قد وقع على السجني أو على الغري.
وما ميكن استخالصه من خالل ما تقدم:
أن مــا ذهب إليــه القضــاء يف االعــرتاف ملثــل هــذه املرافــق بشــيء من احلصــانة موقــف حممـود ،إذ
ال تقـ ــوم مسـ ــؤوليتها بـ ــالتعويض إال إذا كـ ــان اخلط ــأ املرتكب من جانبهـ ــا على قـ ــدر كب ــري من
اجلســامة،نظــرا ملا تتكبــده مثــل هــذه املرافــق من مشــاق ،وخماطر يف ســبيل القيــام مبا أوكــل إليهــا
من مهــام ،إال أنــه ومــع ذلــك نــرى أن تضــييق جمال مســؤولية هــذه املرافــق كثــريا مــا يكــون على
حساب املضرور من خطأ أو تقصري تلك املرافق فال يستويف حقه ،بدعوى أن اخلطأ املســبب
للضرر ليس على قدر من اجلسامة.
1
.ـ محيو أحمد ،المنازعات اإلدارية ،2008 ،المرجع السابق ،ص 219
ـ عبد القادر عدو ،املرجع السابق ،ص.343 2
خالصة الفصل:
ومن خالل دراسة درجة اخلطأ املرفقي املوجب للمسؤولية ،يستنتج أن القضاء :
يف جمال تقديره للخطأ بالنسبة للقرارات االدارية جيعل عيب الشكل واإلجراء ال
يستوجب مسؤولية اإلدارة بالتعويض إال إذا كان الشكل املتطلب أو اإلجراء
جوهري،وعيب االختصاص كذلك ال يرتب مسؤولية اإلدارة اال يف حالة العيب
جسيما،أما عيب خمالفة القانون ( احملل) فهو يستوجب مسؤولية اإلدارة بالتعويض يف
حالة غلطها يف القانون ،أما فيما خيص الغلط املادي فتارة يستوجب املسؤولية ،وتارة
درجة الخطأ المرفقي الموجب لمسؤولية اإلدارة الفصل الثاني:
ال يستوجبها ،وكذلك الشأن بالنسبة لعيب السبب ،أما عيب االحنراف بالسلطة
(الغاية) فقد عده اجمللس مصدر دائم للمسؤولية.
أمــا يف جمال تقــديره للخطــأ يف األعمــال املاديــة فــريى الــدكتور ســليمان الطمــاوي وحنن
من رأيه "ان املسلك الذي يتبعه جملس الدولــة الفرنســي يف تقــدير اخلطـأ املرفقي املوجب
ملســؤولية اإلدارة ،يكشــف بوضــوح عن روح اجمللس العمليــة ،والــيت تــرمي إىل مواجهــة
كل حالـة وفقـا لظروفهـا،وعـدم احلكم على اإلدارة إال وفقـا للظـروف الـيت ارتكب فيهـا
اخلط ــأ ،ولكن جبانب هات ــه احلس ــنة ف ــان ه ــذا القض ــاء يعيب ــه ع ــدم الوض ــوح ،وحيل ــق علي ــه
الش ــك ،إذ ال ميكن ان نع ــرف مق ــدما وبالنس ــبة حلال ــة معين ــة ،على س ــبيل اليقني ،موق ــف
اجمللس منهــا ،كمــا إن تطلب اجمللس مــرة خطــأ جســيم ،ومــرة أخــرى خطــأ على درجــة
استثنائية من اجلسامة واكتفاؤه يف غريها بأي درجـة من اخلطـأ ،هـو مسـلك حتكمي وال
ميكن تفسريه يف كثري من احلاالت".1
وتأصـ ـ ــيل خمتلـ ـ ــف قواعـ ـ ــد املسـ ـ ــؤولية االداريـ ـ ــة ،ويكـ ـ ــاد يتفـ ـ ــق اجلميـ ـ ــع على انـ ـ ــه (أي
القضاء)،هو حلم القانون االداري.
التوصيات:
ض ــرورة ت ــدخل املش ــرع لتنظيم أحك ــام ه ــذا الن ــوع من اخلط ــأ عن طري ــق نص ــوص -
قانونية وتنظيمية ،ختفيفا لكاهل القضـاء ،و متاشـيا مـع روح العدالـة ،من خالل بوضـع
ضوابط يسري عليها القضاء.
حتديد طبيعة كل صورة للجسامة على حدى منعا للغموض وااللتباس. -
و ج ــوب أن يك ــون اخلط ــأ املرفقي البس ــيط أو اليس ــري الص ــادر من بعض املراف ــق العام ــة -
اليت ال يشرتط لقيام مسؤوليتها إال اخلطأ جسـيما،مـوجب للمسـؤولية اإلداريـة ،وذلـك
حىت ال يكون هناك استهتار و تالعب من جانب املرفــق يف تكــرار مثــل هــذه األخطــاء
البسيطة.
تعزيـز التوعيـة يف هـذا اجملال من خالل خلـق نـدوات ،أيـام الدراسـية ، ،حبوث ،وحـىت -
ملتقيـ ــات ،...ألنـ ــه وكمـ ــا سـ ــبقت اإلشـ ــارة موضـ ــوع متطـ ــور وممتـ ــد عـ ــرب الـ ــزمن ،مما
يستوجب دائما البحث ،ملواكبة تلك التطورات.
قـــــائمة المراجع
أوال :الكتب:
الكتب العامة
اء اهلل ،الوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيز يف القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء اإلداري دة عط بوحمي .1
.2ب وعمران ع ادل،النظري ـ ــة العام ـ ــة للق ـ ــرارات والعق ـ ــود اإلداري ـ ــة ،دار اهلدى
للطباعة والنشر والتوزيع،اجلزائر .2010 ،
.3ج ورج سعد ،القــانون اإلداري العــام واملنازعــات اإلداريــة ،ط ،1منشــورات
احلليب احلقوقية ،بريوت.2006،
القاضــي،ج1 جورج فوديل ،بيار دلفولفيه ،القــانون اإلداري،ترمجة منصــور .4
ط،1املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،لبنان. 2001،
.7يوس ف س عد اهلل الخ وري ،الق ــانون اإلداري الع ــام (،القض ــاء اإلداري)،
نشر.1999، مسؤولية السلطة ) ،ج ،2ط ،2بدون دار نشر ،بدون بلد
قـــــائمة المراجع
.8محي ال دين القيس ي ،مب ــادئ الق ــانون اإلداري الع ــام ،منش ــورات احلل ــيب
احلقوقية،بريوت.1999،
.9محيو أحمد:
.12عب د اهلل طلب ة ،الق ــانون اإلداري ( الرقاب ــة القض ــائية على أعم ــال اإلدارة،
القضاء اإلداري) ،ط ،2منشورات جامعة حلب ،بدون سنة.
.13عبد القادر عدو ،املنازعات اإلدارية،دار هومة للطباعـة والنشـر و التوزيـع،
اجلزائر. 2012 ،
.14عب د الغ ني بس يوني عب د اهلل ،النظريـ ــة العامـ ــة للقـ ــانون اإلداري،منش ــأة
. 2003 املعارف اإلسكندرية،
.15عم ار بوض ياف،املرجـ ــع يف املنازعـ ــات اإلداريـ ــة،القسـ ــم الثـ ــاين (اجلوانب
التطبيقية للمنازعة اإلدارية )،جسور للنشر والتوزيع ،اجلزائر.2013 ،
الكتب المتخصصة:
63
قـــــائمة المراجع
.3محم د بك ر حس ين ،مسـ ــؤولية اإلدارة عن أعمـ ــال موظفيهـ ــا ( ،دراسـ ــة
مقارنة) ط،1دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية.2007،
محم د ف ؤاد عب د الباس ط ،تراج ــع فك ــرة اخلط ــأ أساس ــا ملس ــؤولية املرف ــق .4
الطيب ،منشأة املعارف للتوزيع ،اإلسكندرية ،بدون سنة ـ
عب د العزي ز عب د المنعم خليف ة ،املسـ ـ ــؤولية االداريـ ـ ــة (يف جمال العقـ ـ ــود .5
والقرارات االدارية) ،دار الفكر اجلامعي ،اإلسكندرية ،بدون سنة.
عم ار عواب دي ،نظريـ ـ ــة املسـ ـ ــؤولية اإلداريـ ـ ــة ،ط ،2ديـ ـ ــوان املطبوعـ ـ ــات .6
.2004 اجلامعية ،اجلزائر
رشيد خلوفي ،قانون املســؤولية االداريــة ،ط ،4ديــوان املطبوعــات اجلامعيــة، .7
اجلزائر .2011
ثانيا :الرسائل الجامعية:
رسائل دكتوراه:
هشام عبد المنعم عكاشة ،مسؤولية اإلدارة عن أعمال الضرورة ( دراسة مقارنــة) .1
رسالة دكتوراه ،كلية احلقوق بين سويف ،جامعة القاهرة ،بدون سنة.
سامي حامد سليمان ،نظريــة اخلطــأ الشخصــي يف جمال املســؤولية اإلداريــة ( دراســة .2
مقارنة ) ،رسالة دكتوراه ،دار الشباب للطباعة ،القاهرة ،بدون سنة.
ثالثا :المقاالت:
63
قـــــائمة المراجع
.1قي دار عب د الق ادر ص الح ،فك ــرة اخلط ــأ املرفقي ،مق ــال منش ــور مبجل ــة الراف ــدين
للحقوق ،جملد ،10العدد ،38جامعة املوصل. 2008 ،
.3لحس ين بن الش يخ أث ملوي ا،املنتقى يف قضـ ـ ـ ــاء جملس الدولـ ـ ـ ــة ،ج ،1ط،4دار
هومة،اجلزائر.2006،
خامسا:النصوص القانونية:
األمر رقم 75ـ 58املؤرخ يف 26سبتمرب 1975املتضمن القانون املدين .1
املعدل و املتمم.
القانون رقم 08ـ 09املؤرخ يف 25فرباير 2008املتضمن قانون .2
اإلجراءات املدنية و اإلدارية ،الصادر باجلريدة الرمسية رقم 21املؤرخة يف
.2008 أفريل 23
63
اإلهداء
شكر وعرفان
14 الفرع الثاني :املعايري الفقهية املميزة بني اخلطأ املرفقي و الشخصي................
18 الفرع الثالث :املعايري القضائية املميزة بني اخلطأ املرفقي و اخلطأ الشخصي........
30 الفصل الثاني :درجة اخلطأ املرفقي املوجب ملسؤولية اإلدارة ...............
تقدير اخلطأ املرفقي يف حالة اإلخالل باألركان الشكلية للقرار اإلداري31 ...... المطلب األول:
الفرع األول :تقدير اخلطأ املرفقي يف حالة اإلخالل بركين الشكل و اإلجراءات 32 ................
الفرع الثاني :تقدير اخلطأ املرفقي يف حالة اإلخالل بركن االختصاص34 .........................
37 المطلب الثاني تقدير اخلطأ املرفقي يف حالة اإلخالل باألركان املوضوعية للقرار اإلداري.....
44 المطلب األول :األسس التقديرية لدرجة اخلطأ املرفقي يف األعمال املادية....
49 المطلب الثاني :خصوصية بعض املرافق بتقدير درجة اخلطأ املرفقي.......
65 الفهرسة..........................................................