You are on page 1of 22

‫علم االجتماع الطبي‬

‫في ميدان الصحة والمرض‬

‫(*)‬
‫أ‪.‬د‪ .‬يونس حمادي علي‬
‫(**)‬
‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬خديجة حسن جاسم‬

‫العوامل االجتامعية يف تفســر املرض‪ ،‬وتأثري‬


‫العالقــات الشــخصية املتبادلــة يف العــاج‬
‫مقدمة‬
‫األمــر الذي أدى إىل حدوث نــزاع بني الفكر‬
‫الطبــي التقليــدي واحلديث‪ُ ،‬حســم باجتاه‬ ‫مل يكــن التقاء علم االجتامع باملعرفة الطبية‬
‫األخذ باالجتاهات العلمية احلديثة التي تؤمن‬ ‫منذ البداية امرا ســهال بــن ميدانني علميني‬
‫بالتكامل بــن العلوم‪ ،‬هذا من جهة ومن جهة‬ ‫خمتلفني النتــاج املعرفــة باملــرض والصحة‬
‫دور‬‫أخرى كان للمختصــن يف علم االجتامع ٌ‬ ‫والرعايــة الصحيــة‪ ،‬بــل مل يكــن التدخل‬
‫بارز يف نشــوء فرع جديد مــن املعرفة يف جمال‬‫ٌ‬ ‫السوسيولوجي يف جمال الطب امرا مقبوال من‬
‫علــم االجتامع يدعــى علم االجتــاع الطبي‬ ‫املختصني يف امليدان الطبي‪.‬‬
‫والذي ُيعني بالقضايــا الطبية يف املجتمع بعد‬ ‫بيــد انه مــع تطــور احليــاة االجتامعية‬
‫دراســتهم للظواهر املتعلقة بالصحة واملرض‬ ‫وتداخل العوامل املتعددة يف نشــوء االمراض‬
‫كوهنا ظواهــر اجتامعية الســيام يف ثالثينيات‬ ‫وتشــخيصها وطرائق عالجها‪ ،‬بــد ْا االنفتاح‬
‫القرن العرشين وحقبة مــا بعد احلرب العاملية‬ ‫التدرجيــي لعلم الطــب عىل علــم االجتامع‬
‫الثانية وذلك النتشار األمراض املزمنة وزيادة‬ ‫وحماولة ادخال بعــض العوامل االجتامعية يف‬
‫نســبة كبار الســن يف املجتمع واملرىض عقلي ًا‬ ‫تفســر االمراض ودور املريض والعالقة بني‬
‫ال عىل تطور‬‫واملضطربني نفســي ًا واملعاقني فض ً‬ ‫الطبيب واملريض وصياغــة بعض املقاربات‬
‫اخلدمــات الصحيــة وازديــاد التخصصات‬ ‫والنظريات العلميــة‪ ،‬فمع ازدهار مهنة الطب‬
‫وبروز جانــب من األمــراض بحاجة ملعاجلة‬ ‫يف أواخر القرن التاســع عــر وبداية القرن‬
‫نفسية اجتامعية قبل أن تعالج طبي ًا‪...‬‬ ‫العرشيــن والذي كان من نتائجه الوعي بأمهية‬

‫‪Yunishammadi@gmail.com‬‬ ‫(*) استاذ متقاعد ‪ /‬جامعة بغداد‬


‫‪Khadija_hassan70@yahoo.com‬‬ ‫(**) وزارة التربية‬

‫‪57‬‬ ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


‫الصحة‪:‬‬ ‫تلك العوامل كلها دفعــت باجتاه التكامل‬
‫هي احلالة املثالية لرتكيب االنسان اجلسامين‬ ‫ليــس بني الطب وعلم االجتــاع فقط بل بني‬
‫والعقــي والنفيس واالجتامعــي بحيث يكون‬ ‫الطب والعلوم االجتامعية األخرى‪ .‬عىل الرغم‬
‫فيها الشخص خاليا من اية اعاقة او مرض‪.‬‬ ‫من ان علم االجتامع الطبي حديث النشأة‪ ،‬اال‬
‫ان العالقة بينه وبني النظرية االجتامعية بد ْات‬
‫الطب‪:‬‬ ‫بالتطور الرسيع ما جعل علم االجتامع الطبي‬
‫يشري اىل املؤسســة االجتامعية التي تسعى‬ ‫متميــزا بني العلــوم االجتامعية والســلوكية‬
‫اىل تشــخيص االعتــال ومعاجلتــه وتعزيز‬ ‫املتعلقــة بالصحة واملرض‪ ،‬فقــد احرز تقدما‬
‫الصحة يف ابعادها املختلفة‪.‬‬ ‫ملموســا فيام يتعلق بتفسري املظاهر االجتامعية‬
‫للصحة العامة واخلدمات الصحية‪ .‬ويف تطوير‬
‫الرعاية الصحية‪:‬‬ ‫تصاميــم ابحــاث متقدمة‪ ،‬بضمنهــا صياغة‬
‫تشــر اىل توافــر اخلدمات الطبيــة ملنع‬ ‫اطر مفاهيمية‪ -‬نســق املفاهيم‪ ،‬االفرتاضات‪،‬‬
‫انتشار االمراض ومعاجلة املشكالت الصحية‪.‬‬ ‫التوقعات‪ ،‬املعتقــدات والنظريات التي تعزز‬
‫(‪)Who,2009‬‬ ‫االبحاث‪ .‬واما العوامل الرئيسة املحددة ملاهية‬
‫علم االجتامع الطبي فقد كانت م ْاسسة الطب‬
‫علم االجتماع الطبي‪:‬‬ ‫والرعايــة الصحية‪ ،‬وتطويــر انامط العالقات‬
‫يعــرف ميكانيك علم االجتامع الطبي بأنه‬ ‫بــن الطبيب واملريــض‪ ،‬وتنــوع املنظورات‬
‫«جمموعة اجلهــود الراميــة إىل تطوير األفكار‬ ‫الصحية وفهــم ت ْاثري العوامــل االجتامعية يف‬
‫السوســيولوجية يف داخل ســياقات األنساق‬ ‫الصحة‪ ،‬ومعرفة االبعاد البيولوجية والنفســية‬
‫الطبية‪ ،‬وإىل دراسة القضايا التطبيقية املهمة يف‬ ‫واالجتامعية والثقافية للسلوك الصحي‪ ،‬فضال‬
‫ما يتصل بعمليات املــرض ورعاية املريض»‪،‬‬ ‫عىل التطورات االساســية يف جمال تكنولوجيا‬
‫فيام يعرفه الدكتور عبداهلل معمر احلكيمي بأنه‬ ‫الصحة‪ ،‬وغري ذلك مــن العوامل االخرى يف‬
‫«ذلك الفرع من علم االجتــاع الذي يدرس‬ ‫علم االجتامع‪ .‬وسنســتعرض أبرز النظريات‬
‫عملية التفاعــل االجتامعي داخل املؤسســة‬ ‫االجتامعيــة مثــل البنائية الوظيفيــة‪ ،‬النظرية‬
‫الطبية سواء كان هذا التفاعل بني العاملني فيها‬ ‫الرصاعية والتفاعلية الرمزية‪ ،‬وما بعد البنيوية‬
‫واملرىض أم بني العاملــن مع بعضهم البعض‬ ‫والنظرية النسوية التي حاولت تفسري التغريات‬
‫وكذلــك العالقة بني كل مــن املريض ومتقن‬ ‫يف املظاهــر االجتامعيــة للصحــة والرعاية‬
‫فن العــاج حتى وإن كان ال ينتمي ملؤسســة‬ ‫الصحية مــن زوايا خمتلفة‪ .‬قبــل عرض هذه‬
‫صحية‪ ،‬كــا أنه الفــرع الذي هيتم بدراســة‬ ‫املنظورات‪ ،‬البد اوال من تعريف أربعة مفاهيم‬
‫اجلوانــب االجتامعية ذات العالقــة بالصحة‬ ‫اساســية الصحة والطب والرعايــة الصحية‬
‫واملرض» (احلكيمي‪.)2017 ،‬‬ ‫وعلم االجتــاع الطبي والتــي تقع يف ضمن‬
‫تفسريات املواضيع‪.‬‬

‫دراسات اجتماعية العدد ‪44 /‬‬ ‫‪58‬‬


‫االفــراد يف املجتمع‪ .‬وهي تشــتق العمليات‬ ‫خالصة‬
‫االجتامعية من خالل عملية التفاعل البرشي‪.‬‬ ‫مــن املعــروف ان النظريــات االجتامعية‬
‫وجيري االتصال بــن االفراد من خالل تبادل‬ ‫الرئيســة املذكورة يف هذا البحث نقدم انواعا‬
‫املعاين بوساطة اللغة والرموز‪ ،‬فيشعرون بالعامل‬ ‫خمتلفة من التفســرات ولكنها سوية توفر لنا‬
‫املحيط هبم‪ .‬يف جمال علم االجتامع الطبي‪ُ ،‬ينظر‬ ‫فهام اشــمل مما يقدمه اي منظــور عىل انفراد‪.‬‬
‫اىل الصحة واملرض عىل اهنام مركبان اجتامعيان‪.‬‬ ‫وفيام يأيت اهم االفرتاضات الرئيسة لكل نظرية‪:‬‬
‫فحقيقــة االحوال البدنيــة والعقلية تنبع من‬
‫تعريف املجتمع هلا كذلك االطباء يســيطرون‬ ‫‪ -‬النظرية البنائية الوظيفية‪:‬‬
‫عــى املرىض بوســاطة مهاراهتــم وخرباهتم‪،‬‬ ‫ْيؤكــد اصحــاب هــذه النظريــة امهية‬
‫فضال عىل مكانتهم االجتامعية العالية‪.‬‬ ‫االســتقرار والتوافق داخل املجتمع احلديث‪.‬‬
‫فاملجتمــع نفســه يتألف من اجــزاء مرتابطة‬
‫‪ -‬النظرية الصراعية‪:‬‬ ‫ومتكاملــة مع بعضها االخــر‪ ،‬وهذا التكامل‬
‫املنظــور الرصاعــي يصور املجتمــع بانه‬ ‫هو نتيجة التوافق العام حــول القيم واملعايري‬
‫مكون من مجاعــات وفئات وطبقات اجتامعية‬ ‫املشــركة ذلــك التوافــق الذي حيــدث من‬
‫خمتلفة هلا مصالح متضاربة‪ ،‬لذلك فهي يف حالة‬ ‫خالل عملية التنشــئة االجتامعيــة التي نتعلم‬
‫تنافس شــديد من اجل احلصــول عىل املوارد‬ ‫بوساطتها قواعد السلوك االجتامعية املناسبة‪،‬‬
‫والسلطة واجلاه‪ .‬التوجه هلذا املنظور يف ضمن‬ ‫والتي تتحول بدورها اىل ادوار تشمل احلقوق‬
‫علــم االجتــاع الطبي‪ ،‬هو نحــو تأكيد امهية‬ ‫والواجبات واملسؤوليات امللقاة عىل عاتق كل‬
‫املحــددات االجتامعية‪-‬االقتصادية يف تكوين‬ ‫عضو يف املجتمــع‪ .‬يف ضمن علــم االجتامع‬
‫اســلوب احلياة وتأثري ذلك يف نوعية الصحة‬ ‫الطبي‪ ،‬هــذا املنظــور ْيوكــد ان الصحة امر‬
‫والرعايــة الصحية‪ .‬كــا ان االحوال الصحية‬ ‫رضوري لبقاء املجتمع وقيامه بوظيفته‪ .‬لذلك‬
‫للسكان تتأثر بوســاطة عملية االنتاج نفسها‪:‬‬ ‫عند اصابة الفرد باملــرض فانه يصبح عاجز ًا‬
‫فالصحة تتأثر اما مبارشة بوســاطة االمراض‬ ‫عــن اداء ادواره االجتامعيــة‪ ،‬وهكذا ينظر اىل‬
‫الصناعية واالصابات واالمراض النفسية من‬ ‫االعتالل الصحــي ب ْانه انحــراف اجتامعي‪،‬‬
‫جراء الضغوط والقلق‪ ،‬واالقصاء واالغرتاب‪،‬‬ ‫ويتم عالج هذا املرض‪ /‬االنحراف من خالل‬
‫او بصورة غــر مبارشة باالســتهالك الضار‬ ‫اليات مفهوم دور املريض‪ ،‬وبوســاطة عملية‬
‫بالصحة بسبب نقص الغذاء او االرساف فيه‪،‬‬ ‫الضبــط االجتامعي التي يقوم هبــا االطباء يف‬
‫وتناول الكحول والتدخني وقلة النشاط البدين‬ ‫معاجلة املريض ومتكينه من الشفاء واعادته اىل‬
‫وما اىل ذلك‪.‬‬ ‫حالته الطبيعية‪.‬‬

‫النظرية النسوية في الصحة‪:‬‬ ‫‪ -‬النظرية الرمزية‪:‬‬


‫هي جمموعة منوعة من االفكار واحلركات‬ ‫نظرية اجتامعية حول الســلوك االجتامعي‬
‫االجتامعيــة املتعلقــة بطلــب املســاواة بني‬ ‫والتفاعــل‪ ،‬تركــز يف العالقــات املتبادلة بني‬
‫االناث والذكور سياسيا واقتصاديا واجتامعيا‬

‫‪59‬‬ ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


‫االجتــاع الطبي يرون ان املــرض والصحة‬ ‫وثقافيا‪ ،‬وكام ترمي اىل االهتامم بصحة النســاء‬
‫واملؤسســات الصحية يمكــن حتليلها كلها‬ ‫من النواحي كافــة‪ ،‬واىل فهم االختالفات بني‬
‫يف ضمن االطار املرجعي للنســق االجتامعي‬ ‫اجلنسني‪ ،‬فضال عىل االدوار املتشابكة لكل من‬
‫املتغري‪.‬‬ ‫العنرص‪ ،‬والنوع االجتامعي‪ ،‬والرتكيب االثني‪،‬‬
‫والطبقية االجتامعية والتوجه اجلنيس وتاثريها‬
‫ينظر بارسونز اىل املجتمع كنسق اجتامعي‬
‫يف اختالف صحة النساء‪.‬‬
‫حيتــوي عىل انســاق فرعية تربطهــا عالقات‬
‫تبادلية مع االنســاق االخــرى تعمل مجيعها‬ ‫ومــن االفــكار الرائجــة يف النظريــات‬
‫عىل حتقيق تــوازن النســق االجتامعي العام‬ ‫النســوية املتعلقــة بالصحة هي دراســة تاثري‬
‫واملحافظــة عليه‪ .‬ويرى بارســونز ان خروج‬ ‫النظام الراســايل والســلطة االبوية او اهليمنة‬
‫احد االنساق عن املعايري وعدم ادائه لوظيفته‪،‬‬ ‫العليا للذكور و يف حالــة التبعية واالضطهاد‬
‫يقــود اىل االنحراف االجتامعــي‪ ،‬الذي هيدد‬ ‫واالبتزاز التي تتعرض هلا النســاء يف العامل‪ .‬كام‬
‫النســق باالهنيار‪ .‬بيد ان هــذا االنحراف‪ ،‬يف‬ ‫ينصب اهتامم النظرية النســوية بصورة خاصة‬
‫نظره‪،‬يمكن اصالحه بوســاطة اليات تقودها‬ ‫يف عدم املســاواة بني صحة النســاء والذكور‪،‬‬
‫االنســاق الفرعية االخرى من ش ْاهنا مقاومة‬ ‫مع تشــديد املطالبة باحلقــوق االنجابية لكل‬
‫االنحراف‪ ،‬واعادة النســق املنحرف اىل حالته‬ ‫من االمهات واالطفال‪ .‬وتــراوح النظريات‬
‫الطبيعية الْداء وظيفته عىل النحو الذي يضمن‬ ‫النســوية مابــن افــكار ليربالية اىل يســارية‬
‫التوازن واالستقرار االجتامعي للنسق الكيل‪.‬‬ ‫متطرفة‪ ،‬ومابني حركات عاملية اىل حملية ضيقة‬
‫والروى‪.‬‬
‫ْ‬ ‫االهداف‬
‫قدم بارسونز لعلم االجتامع الطبي اسهاما‬
‫متميزا بوساطة صياغة النظرية البنائية الوظيفية‬
‫نظرية ما بعد البنيوية‪:‬‬
‫‪Cockerham,2007 ;29‬‬
‫وهي حركة فكرية جديدة ْيوكد اصحاهبا‬
‫سعى بارســونز اىل حتليل ســلوك االفراد‬ ‫عــدم امكانيــة املعرفــة املبــارشة باحلقيقة‪،‬‬
‫املوثرة يف‬
‫يف ســياق النظم االجتامعية الكربى ْ‬ ‫واعرتافهم تبعا لذلك‪ .‬بتعدد مصادر احلقيقة‪.‬‬
‫التفاعل االجتامعــي‪ .‬انصب اهتاممه االعتالل‬ ‫ويف جمال علــم االجتامع الطبي‪ ،‬اســتندوا اىل‬
‫الصحي فيام بتعلق بتأثريه يف الوظائف االوسع‬ ‫اآليت‪:‬‬
‫للمجتمع‪ ،‬ما يمنع الناس مــن اداء ادوارهم‬
‫* املعرفــة الطبية تتشــكل اجتامعيا‪ ،‬وان‬
‫االجتامعية‪.‬‬
‫الســيطرة الطبية وســيلة للضبط االجتامعي‬
‫عــرف تالكــوت بارســونز املــرض او‬ ‫وتنظيم احلياة االجتامعية‬
‫االعتــال بانه ظاهرة اجتامعيــة قبل ان تكون‬
‫ظاهرة بيولوجية‪ .‬وعرف الصحة باهنا املقدرة‬ ‫اوال ‪ -‬المنظور البنائي الوظيفي‪:‬‬
‫القصوئ لدى الفرد عىل اداء ادواره االجتامعية‬ ‫يمكن تشبيه املجتمع البرشي بالكائن احلي‬
‫االعتيادية‪.)Parsons,1951( .‬‬ ‫من حيث الرتكيب والوظائف التي ْيودهيا كل‬
‫منهام‪ .‬وقد جعــل هذا املنظور بعض ًا من علامء‬

‫دراسات اجتماعية العدد ‪44 /‬‬ ‫‪60‬‬


‫اىل طلب مســاعدة مهنية فعالــة ويتعاون مع‬ ‫وعىل اساس هذا املنظور‪ ،‬يرى بارسونز ان‬
‫الطبيب‪،‬ومع ذلك‪ ،‬ف ْإن االستثناء الذي حيصل‬ ‫املريض له ادوار يؤدهيا قبــل اصابته باملرض‪.‬‬
‫عليه الشــخص املريض من ادواره االجتامعية‬ ‫وعنــد التعــرض للمــرض تتعطــل تلك‬
‫االعتيادية‪ ،‬يتطلب اثبات صحة مرضه بشهادة‬ ‫االدوار‪ .‬وتبعــا لذلك يصبــح من الرضوري‬
‫صادرة من الطبيب املرشف عىل العالج‪.‬‬ ‫اجياد آليــة اجتامعية تقوم باصــاح اي خلل‬
‫يصيب افــراد املجتمع من اجــل اعادهتم اىل‬
‫ونتيجة لذلــك‪ ،‬يرتبط املريض مع الطبيب‬
‫حالتهم االعتيادية‪.‬‬
‫بعالقة ادوار متكاملة ولكنها ليســت متكافئة‪.‬‬
‫فالعالقــة متكاملــة الن كال مــن الطبيــب‬ ‫لتفســر هذه القضية املهمة قام بارســونز‬
‫واملريــض بحاجة اىل االخر لتلبيــة متطلبات‬ ‫بتطوير أنمــوذج بنائي وظيفي يتضمن مفهوم‬
‫ادوارمهــا اخلاصة‪ ،‬وهي ليســت متكافئة الن‬ ‫«دور املريض»‬
‫الطبيب يتمتع بسلطة عليا او قوة توجيهية عىل‬
‫دور املريــض والعالقــة بــن الطبيــب‬
‫سلوك املريض‪.‬‬
‫واملريض‪:‬‬
‫مفهوم بارســون لــدور املريــض مقاربة‬
‫احد التفســرات االكثر اتســاقا لسلوك‬
‫اجتامعية مفيدة لســلوك املــرض ألنه يصور‬
‫االعتالل يف املجتمع الغريب هــو مفهوم دور‬
‫العالقــة بــن الطبيــب واملريــض يف ضمن‬
‫املريض املســتنبط من جانب بارسونز يف عام‬
‫اطار مرجعــي لألدوار االجتامعيــة‪ ،‬املواقف‬
‫‪ ،.1951‬عىل الرغم مــن ان املرض قد يكون‬
‫واالنشــطة التي جتعــل الطرفــن يف مواجهة‬
‫نتيجة االصابة بالعــدوى او احلوادث‪ ،‬يصبح‬
‫مــع البعض االخر يف موقــف االعتالل‪ .‬دور‬
‫من الرضوري عىل املريض عند اصابته باملرض‬
‫املريــض يثري جمموعة من التوقعــات املنتظمة‬
‫ان يســعى اىل احلصــول عىل استشــارة طبية‬
‫التي حتدد املعايري والقيم املناســبة للمريض‪،‬‬
‫والتعاون مع الطبيب املعالج‪.‬‬
‫لكل مــن الفــرد واالخريــن املتفاعلني مع‬
‫الشخص املريض‪ .‬وهكذا‪ ،‬فان سلوك اولئك‬ ‫وتبعا لذلك‪ ،‬يصف بارسونز دور املريض‬
‫املنخرطني يوضع بطريقة تفاعلية يمكن التنبؤ‬ ‫بانه يتألف من اربعة عنارص اساسية‪.:‬‬
‫هبا‪ .‬اىل جانب اســهام بارسونز يف فهم سلوك‬
‫‪-1‬الشــخص املريض معفو مــن ادواره‬
‫االعتــال‪ ،‬ايضا يصف وظيفــة املهن الطبية‬
‫االجتامعية االعتيادية‬
‫كنــوع من الضبط االجتامعي‪ .‬يرى بارســونز‬
‫ان االعتالل يعرقل وظيفة املجتمع النه يمثل‬ ‫مســوول عن‬
‫ْ‬ ‫‪-2‬الشــخص املريض غري‬
‫مسوولياهتم‬
‫حالة متكن الناس من التهرب من ْ‬ ‫حالته املرضية‪.‬‬
‫االجتامعية‪ .‬بعــض الناس حتــى يرغبون يف‬
‫‪-3‬الشــخص املريــض جيــب ان يطلب‬
‫املحافظة عىل دور املريــض عىل نحو دائم من‬
‫املساعدة للتخلص من املرض‪.‬‬
‫اجل تسويغ الفشل‬
‫‪-4‬الشــخص املريــض عليه ان يســعى‬
‫(‪)Cole and Lejeune 1972‬‬

‫‪61‬‬ ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


‫رشعية غــر مرشوطــة‪ ،‬اعفاء املــرىض من‬ ‫فضــا عــى االعفــاء مــن االلتزامات‬
‫واجباهتم بصورة دائمية ويسمح هلم باحلصول‬ ‫االعتيادية واحلصول عىل امتيازات اخرى متنح‬
‫عىل امتيازات اضافية الهنم مصابون بامراض‬ ‫عادة للمريض‪ .‬وهلذا السبب يصبح الطب الية‬
‫غري قابلة للشــفاء العاجل‪ .‬عدم رشعية اعفاء‬ ‫يتمكن النظام االجتامعي بوساطتها من اعادة‬
‫املنحرفني من بعــض التزاماهتــم االعتيادية‪،‬‬ ‫املرىض اىل حاهتم الطبيعية‪.‬‬
‫(‪.)Morgan,1993‬‬
‫اما دور الطبيــب فينصب يف تقديم افضل‬
‫اكــد فريدســون بــان ردود االفعال نحو‬ ‫اخلدمات املمكنة للمرىض من اجل شــفائهم‬
‫املرض‪ ،‬وتوقعات الشخص املريض قد ختتلف‬ ‫وحتقيق احليــاة الســليمة هلم مجيعــا‪ ،.‬وهذا‬
‫من مجاعة اىل اخرى بحسب اختالف االنساق‬ ‫يتطلــب منه مســتوى عالي ًا مــن التخصص‬
‫الثقافية لــكل منهام حيث ينتمــي الطبيب اىل‬ ‫واملامرســة العلمية واخلربة فضال عىل مراعاة‬
‫النســق املرجعي العلمي الكوين‪ ،‬واما املريض‬ ‫اجلوانب االنسانية عند التعامل مع املرىض‪.‬‬
‫فينتمي اىل النسق املرجعي املحيل‬
‫حفز مفهوم بارســون لدور املريض عددا‬
‫‪Freidson ,Eliot 1970‬‬ ‫من الباحثني عىل متابعته واختاذ مواقف خمتلفة‬
‫منهــا االجيابية ومنها الســلبية‪ ،‬عىل الرغم من‬
‫سلوك طلب الخدمات الطبية المهنية‪:‬‬ ‫ذلك ال يزال املفهوم مهام كنمط مثايل جترى يف‬
‫ســلوك طلب العــاج قضيــة قائمة عىل‬ ‫ضوئه الدراسات االخرى‪.‬‬
‫حقيقــة ان بعض املرىض يســعون حاال‪ ،‬عند‬
‫ظهــور االعــراض‪ ،‬اىل طلب املســاعدة من‬ ‫النماذج المتعددة النماط التفاعل االجتماعي‬
‫االطباء يف حني ان اخرين يرتددون او يمتنعون‬ ‫بين المريض والطبيب‪:‬‬
‫عن ذلك‪ ،‬مع اهنم يف احلالة املرضية نفســها‪،‬‬ ‫حاول كل من هولندر و زاز‬
‫ورغم ذلــك‪ ،‬ف ْاهنم يكونون اكثــر ميال نحو‬
‫اداوهم‬ ‫(‪ )Hollander and Szasz) (1965‬تطويــر‬
‫طلب املساعدة الطبية عندما يضطرب ْ‬
‫العضوي الوظيفي االعتيادي اكثر من تأثرهم‬ ‫أنموذج بارســونز االحــادي البعد اىل حتديد‬
‫بطبيعة االعراض املرضية اجلانبية‪.‬‬ ‫ثالثــة اشــكال مــن العالقــة العالجية بني‬
‫املريض والطبيب‪ :‬االوىل هي العالقة الســلبية‬
‫ْيوكد ميكانيك ان اخلربة املرضية تتشــكل‬ ‫ـ االجيابيــة‪ ،‬والثانية التعــاون املوجه والثالثة‬
‫من خالل عوامل اجتامعية‪-‬ثقافية‪ ،‬واجتامعية‬ ‫املشاركة املتبادلة‪.‬‬
‫نفســية‪ ،‬بغض النظر عن ابعادها الفسيولوجية‬
‫او الوراثية او اية عوامل عضوية اخرى‬ ‫ان العالقة بــن الطبيب واملريض ال تكون‬
‫قائمــة عىل التعاون فقط بل يســودها الرصاع‬
‫(‪) Mechanic, 1986‬‬ ‫والعــداء احيانا كذلك‪ .‬كام حدد فريدســون‬
‫لغرض تســليط الضوء يف هــذه القضايا‪،‬‬ ‫ثالثة انواع من الرشعية للشخص املريض‪.‬‬
‫نقوم بعرض سلوك املرض لدى ميكانيك‪.‬‬ ‫رشعيــة مرشوطة اعفــاء املــرىض متاما‪،‬‬

‫دراسات اجتماعية العدد ‪44 /‬‬ ‫‪62‬‬


‫عن ذلك اال يف حالة ظهور اعراض خطرية‪.‬‬ ‫تحليل سلوك المرض‪:‬‬
‫يعرف ميكانيك ســلوك املرض بانه حالة‬
‫‪ .6‬معايري التقييم‪:‬‬
‫مرضية تقلق صاحبها وتثري رغبته يف معرفة‬
‫تعتمــد االســتجابة للمــرض (بخاصة‬ ‫اعراضها وتقييم مضموهنا والتعرف حياهلا‬
‫النفيس) عىل املعلومات واالفرتاضات الثقافية‬ ‫باللجوء اىل طبيب لغرض العالج الرسمي او‬
‫للقائم بعملية التقييم‪ .‬ويؤثر مدى وعي الفرد‬ ‫الشعبي (‪.)Mechanic1970‬‬
‫وثقافته وســعة اطالعه عىل االمــور الطبية يف‬
‫درجة احلافز نحو طلب العالج‪.‬‬ ‫وحيدد ميكانيك عــرة عوامل مؤثرة يف‬
‫سلوك املرض‪.‬‬
‫‪ .7‬دوافع االخفاء‪:‬‬
‫‪ .1‬ظهور االعراض‪:‬‬
‫هناك انواع من االمراض التي جتعل بعض‬
‫اظهرت عدة ابحاث وجود عالقة قوية بني‬
‫االفراد خيفوهنا عن االخرين منها االضطرابات‬
‫حدة اعراض املرض ورسعة طلب املســاعدة‬
‫النفسية‪ .‬فالزوجة او الزوج مثال خيفي او ختفي‬ ‫الطبيبة‪.‬‬
‫هذه االعراض عــن الطرف االخر خوفا من‬
‫تأثــر الرابطــة الزوجية‪ ،‬او حتــايش العار من‬ ‫‪ .2‬ادراك خطورة االعراض‪:‬‬
‫الطرف االخر‪.‬‬ ‫االمراض االكثر خطورة تدفع صاحبها اىل‬
‫‪ -8‬احلاجات املتناقضة‪:‬‬ ‫طلب العالج اكثر من غريها‪.‬‬

‫يف بعــض االحيان قــد يلج ْا الفــرد اىل‬ ‫‪ .3‬مــدى تعطيــل املــرض لألنشــطة‬
‫االجتامعية‪:‬‬
‫املوازنة بني احلاجات التي قد تبدو متناقضة او‬
‫متضاربة‪ ،‬كتفضيــل رئيس االرسة االنرصاف‬ ‫كلــا ازداد تأثــر املــرض يف االنشــطة‬
‫اىل مواصلة اعامله املعاشية عىل طلب الرعاية‬ ‫االجتامعيــة‪ ،‬ازداد املريــض رسعــة يف طلب‬
‫الصحيــة عىل الرغم مما يعانيه من حالة مرضية‬ ‫العالج الــازم‪ ،‬خوفا من االصابــة بالعجز‬
‫حرجة وذلــك حرصا منه عــى اعالة افراد‬ ‫الدائم‪.‬‬
‫ارسته‪.‬‬ ‫‪ .4‬تكرار االعراض واستمرارها‪:‬‬
‫‪ -9‬التفسريات البديلة‪:‬‬ ‫عندما يشــعر املريض باستمرار االعراض‬
‫يلجا االفراد املحيطــون باملريض‪ ،‬خاصة‬ ‫املرضية هيرع اىل طلب املساعدة الطبية‪.‬‬
‫يف حالــة االمراض النفســية‪ ،‬اىل جمموعة من‬ ‫‪ .5‬درجة التساهل أجتاه املرض‪:‬‬
‫التفسريات املختلفة للمرض‪ ،‬وكثريا ما خيفف‬
‫خيتلف االفــراد من حيــث قدراهتم عىل‬
‫الناس من خطورة االعراض عىل حياة املريض‬
‫حتمل آالم املرض فالبعض منهم عندما يالحظ‬
‫وقد تســتمر هذه التأويالت مدة طويلة حتى‬
‫ايــة مؤرشات حقيقية عىل املرض يســارع يف‬
‫تشــتد حالته الصحية تدهورا فيســارعون‪،‬‬
‫البحث عن عالج يف حني ان اخرين يمتنعون‬

‫‪63‬‬ ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


‫‪ -3‬مرحلة طلب الرعاية الطبية‬ ‫عندئذ‪ ،‬اىل طلب العالج يف هناية املطاف‪.‬‬
‫يف هــذه املرحلة يقرر املريض‪ ،‬بعد فشــل‬ ‫‪ .10‬امكانية احلصول عىل العالج‪:‬‬
‫جهوده كافة‪ ،‬البحث بجدية عن الرعاية الطبية‬
‫تعتمد امكانية احلصــول عىل العالج عىل‬
‫العلميــة وليســت الرعاية الطبيــة االعتيادية‬
‫مدى توافره النســبي وامكانية احلصول عليه‬
‫(الطب الشــعبي) فيعرض نفسه عىل الطبيب‬
‫واالستفادة منه‪ .‬فكلام زادت الصعوبات امام‬
‫املعالج لغرض اجراء الالزم‪.‬‬
‫احلصول عــى اخلدمة الطبية قل االعتامد عليها‬
‫‪ -4‬مرحلة دور املريض الفعيل‬ ‫والبحث عن مصادر اخرى للعالج‪ .‬وتتضمن‬
‫العراقيل التي حتول دون احلصول عىل العالج‬
‫يف هذه املرحلة يتوىل الطبيب املعالج تقديم‬
‫التكاليــف املالية‪ ،‬الوقت‪ ،‬اجلهــد والبعد عن‬
‫الرعايــة الصحية واختاذ االجــراءات املتعلقة‬
‫مكان العالج وغري ذلك‪.‬‬
‫بالعــاج واالرشــادات الصحيــة للمريض‬
‫يدخــل يف عمليــة تفاعــل اجتامعــي معقدة‬ ‫وحياول سوشامن حتليل سلوك املرض من‬
‫مــع املريض قد تســتمر عن وقــوع خالفات‬ ‫خــال االنامط االجتامعيــة املصاحبة للبحث‬
‫بينههــا بخصوص التشــخيص والعالج‪ .‬اما‬ ‫عن الرعاية الطبية‪ ،‬واالسـ�تفادة منه ا (�‪Such‬‬
‫بخصوص املتغريات الديمغرافية‪ ،‬فقد وجد ان‬ ‫‪.)man 1965‬‬
‫الناس الكبار والنساء كانوا اكثر احتامال لزيارة‬
‫ويقســم سوشــان مراحل االســتجابة‬
‫اطباء‪ .‬ومتغــرات أخرى مثل الرتكيب االثني‬
‫للمرض اىل مخس مراحل وهي‪:‬‬
‫والطبقــة االجتامعية كانت مهمة ايضا‪ .‬وهناك‬
‫دراســتان مؤثرتان يف هذا املجال مها دراســة‬ ‫‪ -1‬مرحلة ادراك املرض‬
‫(‪ )Schuman 1965‬ودراسة كوز(‪)Koos,1954‬‬
‫يالحظ املريــض يف هــذه املرحلة وجود‬
‫درس سوشــان مدى امهية املعتقد الديني‬ ‫امل عضــوي او عدم ارتيــاح ووجود تغري يف‬
‫وقبول الطب احلديث بــن عدة مجاعات اثنية‬ ‫بعض املظاهر اجلسدية كاإلحساس بالضعف‬
‫يف مدينــة نيويــورك‪ ،‬فوجد ان االشــخاص‬ ‫ووجود صعوبة يف فهم االعراض وتفسريها‪،‬‬
‫املنحدرين من اصول حرضية رفيعة املستوى‬ ‫فضال عىل الشعور باخلوف والقلق‪.‬‬
‫لدهيم مواقف علمية حول الطب احلديث‪ ،‬اما‬
‫‪ -2‬بدء الدخول يف دور املرض‬
‫االشخاص املنتمون اىل مجاعات حملية فلدهيم‬
‫معتقدات شعبية او غري علمية‪.‬‬ ‫يف هــذه احلالة يبــدأ املريــض يف البحث‬
‫عن وســائل للتخفيف مــن مرضه من خالل‬
‫مقاربــة اخــرى لدراســة ســلوك طلب‬
‫الرعاية الشخصية واالستفادة من أفراد ارسته‬
‫املســاعدة الطبيــة‪ ،‬هــو ارتباطهــا بالطبقــة‬
‫واالصدقــاء واملعــارف وكلــا زادت درجة‬
‫االجتامعية‪ .‬الدراســة املهمة هنا هي دراســة‬
‫الثقة املتبادلــة معهم جلأ اىل األخذ بنصائحهم‬
‫كوس صحة رجينفيل (‪)Koos،1954‬‬
‫وارشاداهتم والعكس صحيح‪.‬‬

‫دراسات اجتماعية العدد ‪44 /‬‬ ‫‪64‬‬


‫وحتقيق الذات وتقرير املصري لدرجة كبرية‪.‬‬ ‫إذ وجد ان االشــخاص من الطبقة العليا‬
‫والوســطى كانــوا اكثــر احتــاال يف ادراك‬
‫طورجارلس كويل (‪) Cooley,ch.1902‬‬
‫االعراض املرضية التي تثــر اهتامم الطبيب‪.‬‬
‫نظرية املراة العاكســة للذات لالشارة اىل‬ ‫ويبدو ان افراد الطبقــة الدنيا غري قادرين عىل‬
‫ان الناس هلم القدرة عىل معرفة انفســهم من‬ ‫طلب املســاعدة الطبية بسبب الكلفة‪ ،‬اخلوف‬
‫خالل ردود افعال االخرين‪.‬‬ ‫من االطباء‪ ،‬واحلاجة النسبية املحددة بوساطة‬
‫العمر ودور الشخص املريض‪ .‬الصغار والكبار‬
‫هذا املنظــور االجتامعي اثــر يف اثنني من‬
‫والكاســبون كانوا اكثر احتــاال يف احلصول‬
‫مشــاهري علامء التفاعل الرمزي مها‪ :‬انســلم‬
‫عىل عــاج طبي‪ ،‬اىل جانــب العمر‪ ،‬اجلنس‪،‬‬
‫شرتاوس وارفنج جوفامن‪.‬‬
‫واالثنية‪ ،‬والطبقة االجتامعية‪ ،‬متغريات اخرى‬
‫تتجىل اسهامات شرتاوس يف عمله املشرتك‬ ‫كالتعليم‪ ،‬احلالة الزواجية‪ ،‬القدرة عىل الدفع‪،‬‬
‫مع جوفامن و هورد بيكر واخرين يف دراستهم‬ ‫والوقت‪ ،‬والطاقة‪ ،‬واجلهد املطلوب للوصول‬
‫االعداد يف املدرســة الطبيــة‪Becker،et al. (،‬‬ ‫اىل الطبيب‪ ،‬وجد اهنــا مجيعها مهمة يف بعض‬
‫‪)1961‬حقــق شــراوس انجــازه يف النظرية‬ ‫الدراسات‪) McKinley،1972 ( .‬‬
‫وطــرق البحث يف عدد مــن امليادين بضمنها‬
‫عمله املشرتك مع كليزرعن العملية االجتامعية‬ ‫ثانيا‪ :‬نظرية التفاعل الرمزي‬
‫للوفاة واملوت صــورا فيها معاناة املرىض قبل‬ ‫ابتكــر اصحاب نظريــة التفاعل الرمزي‬
‫وفاهتــم‪ ،‬ومــا يالقونه من امهــال من جانب‬ ‫لعلــم االجتامع الطبــي منظــورا جديدا مهام‬
‫القائمني عىل رعايتهم من اطباء وممرضات‪.‬‬ ‫عن الصحة واالعتالل‪ .‬يف ســبيل املثال‪ ،‬يميز‬
‫اصحاب التفاعل الرمزي بني مفهومي املرض‬
‫)‪(Glaser and Straus ,1965،1968‬‬
‫{ ‪ } disease‬واالعتــال { ‪} illness‬‬
‫كام اشرتك مع هورد بيكر يف كتاب الدخالء‬ ‫فاالول يشــر اىل امراض معينة تصيب جسم‬
‫(‪)Becker،et al. Outsiders,1963‬‬
‫االنســان‪ ،‬يف حني ان الثاين يدل عىل املضامني‬
‫ويعد املفكر الرئيس وراء نظرية النعت او‬ ‫االجتامعية املنســوبة لذلك املــرض‪ ،‬بام فيها‬
‫الوصمة التي تشــر اىل ان الســلوك املنحرف‬ ‫اخلــرات املكتســبة والعالقــات االجتامعية‬
‫ال يمثل الفعــل احلقيقي وانام هــو باالحرى‬ ‫وانامط السلوك املتعلقة باملريض‪.‬‬
‫نتيجــة تعريــف االخرين باالنحــراف‪ .‬هذا‬
‫يف جوهــره‪ ،‬ينبــع منظــور التفاعــل‬
‫املفهوم مفيــد عىل وجه اخلصــوص يف علم‬
‫الرمــزي اىل حــد كبري مــن اعــال جورج‬
‫االجتامع الطبي فقد اســتخدمه توماس شيف‬
‫هربــرت ميــد (‪ )Mead،J,H 1934‬وهربرت‬
‫(‪ )Thamas Scheff,1966‬يف دراسته (املصاب‬
‫بلومــر(‪ Blumer,(h،1969‬القضيــة الرئيســة‬
‫باملرض العقــي) فوصف االعــراض الطبية‬
‫الصحاب التفاعــل الرمزي هــي ان النفس‬
‫النفسية للمريض باهنا ســلوك مغاير للمعايري‬
‫البرشيــة هي نتيجة التفاعل القائم بني اعضاء‬
‫االجتامعية املعرتف هبا ثقافيا‪.‬‬
‫املجتمع‪ .‬الناس هلم الدرة عىل التفكري واالبداع‬

‫‪65‬‬ ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


‫ويمكــن مالحظة ت ْاثــر جوفامن يف علم‬ ‫اما جوفــان‪ ،‬الذي اصبح منظرا رئيســا‬
‫االجتامع الطبي يف البحث عن املواجهة الطبية‪،‬‬ ‫يف علم االجتــاع عموما‪ ،‬فقد بــدا عمله يف‬
‫وهي احلالة التي يتقابل فيها شخصان او اكثر‬ ‫البحث يف علم االجتامع الطبي بمتابعة احوال‬
‫وجها لوجــه (‪ )Goffman ،1963‬فقد اكد عىل‬ ‫املرىض عــن كثــب يف مستشــفى االمراض‬
‫ان هذا جيــب ان يكون ميدانا رئيســ ًا للبحث‬ ‫العقليــة‪ .‬يف دراســته االوىل هبــذا املجــال‪،‬‬
‫االجتامعي‪ .‬كام شدد عىل ان علم االجتامع جيب‬ ‫)املوسسات‬‫املارستانات(‪ )1961‬قدم مفهوم ْ‬
‫ان ينصــب عىل حتديد وفهم القواعد واملعايري‬ ‫الكليــة) الذي عرب فيه عــن احلالة االجتامعية‬
‫التي حتكم اية عملية تفاعل اجتامعي مهام كان‬ ‫موسسات متارس‬ ‫الْناس حمتجزين بوســاطة ْ‬
‫نوعهــا‪ ،‬بضمنها عمليــة التفاعل بني االطباء‬ ‫عليهم ضغطا شــديدا‪ ،‬كام ابتكر فكرة املنظور‬
‫واملرىض‪ ،‬اىل جانب شــرواس وجوفامن‪ ،‬تعدَّ‬ ‫املرسحي يف علم االجتامع الذي يصور (احلياة‬
‫كتب فريدسون ‪ Freidson‬اآلتية‪:‬‬ ‫كمــرح والناس ممثلني عىل خشــبة املرسح)‬
‫وقد استخدم هذا املنظور يف جمال علم االجتامع‬
‫مهنــة الطــب (‪ )1970a‬واهليمنة املهنية‬
‫الطبي‪.‬‬
‫(‪ ،)1970b‬التطبيب ســوية (‪ )1975‬اعامل‬
‫اساســية يف ميدان علم االجتامع الطبي تناول‬ ‫ومتيــز جوفــان باســتعامل مفهــوم‬
‫فيها حتليل الســيطرة املهنية لالطباء‪ ،‬وعالقة‬ ‫الوصمــة(‪) Goffman،Stigma, 1963‬وهي يف‬
‫الطبيــب باملريــض‪ .‬ويف كتابــه االخري‪ ،‬اكد‬ ‫ســياق الطب النفيس‪ ،‬تعني وصمة العار التي‬
‫الضبط االجتامعي املهني الذي يامرسه االطباء‬ ‫تلصق بالناس املصابني باالمراض العقلية عادة‬
‫بعضهم عىل بعضهــم االخر وعىل كيفية تأثري‬ ‫او الناس غــر الطبيعيني يف ترصفاهتم عموما‪.‬‬
‫هذه الســيطرة يف حتســن نوعية االداء املهني‬ ‫والناس املوصومون بالعــار ال يملكون قبوال‬
‫لألطباء‪.‬‬ ‫اجتامعيا كامال‪ ،‬ويسعون دائام اىل تكييف انامط‬
‫هوياهتــم االجتامعية مع املحيــط االجتامعي‬
‫ثالثا‪ :‬النظرية الصراعية‪:‬‬ ‫العام‪.‬‬
‫النظريــة الرصاعية تقوم عــى االفرتاض‬
‫حيدد جوفــان ثالثة انواع مــن الوصمة‪:‬‬
‫ب ْان املجتمع متكون من مجاعات متنافســة من‬
‫الســلوكية‪ ،‬والبدنيــة‪ ،‬واجلامعيــة‪ .‬يمثــل‬
‫اجل احلصول عىل املوارد والســلطة واجلاه‪،‬‬
‫االول انحرافــات يف ســات الشــخصية‬
‫وان الوصول اىل املوارد غري متكافئ بطبيعته‪،‬‬
‫مثل االضطرابــات النفســية او االدمان عىل‬
‫وان اصحاب السلطة يسعون اىل املحافظة عىل‬
‫املخدرات والكحول‪ .‬اما النوع الثاين فيشــمل‬
‫امتيازاهتــم‪ ،‬وهكذا فــ ْان املنظرين الرصاعيني‬
‫التشــوهيات اخلارجية للجســم او اجلذام او‬
‫يتوقعون ان حيدث التغري االجتامعي عن طريق‬
‫البدانة او النحافة املرضية‪ .‬واما النوع الثالث‪،‬‬
‫الثورة بدال من التغري االجتامعي املتدرج‪.‬‬
‫فيصيب املرء بسبب انتامئه اىل مجاعة عنرصية او‬
‫موســس الفكــر‬
‫ي ّعــدُ كارل ماركــس ْ‬ ‫ديانة او شعب معني‪ ،‬كام يلحق باخلارجني عىل‬
‫الرصاعي‪ ،‬وعىل الرغم من انه مل يكتب رصاحة‬ ‫العادات والتقاليد القبلية‪.‬‬

‫دراسات اجتماعية العدد ‪44 /‬‬ ‫‪66‬‬


‫والتفــكك االجتامعــي والتغــر االجتامعي‬ ‫حول الصحة واملرض‪ ،‬اال ان افكاره اثرت يف‬
‫الرسيع املكانــة اهلامشــية يف املجتمع بضمنه‬ ‫االبحاث املعارصة املتعلقة باالقتصاد السيايس‬
‫االستبعاد االجتامعي والعزلة االجتامعية‪ .‬يرى‬ ‫للصحة‪ .‬كــا ان الكتابات املبكــرة لفردريك‬
‫كاســل ان هذه العوامل النفســية االجتامعية‬ ‫انجلز عن االحوال الصحية املتدهورة للطبقة‬
‫جمتمعة تفرس السبب يف اصابة مجاعات معينة‬ ‫العاملة يف انكلرتا خالل القرن التاســع عرش‪،‬‬
‫بصورة غري متكافئة ببعض االمراض من دون‬ ‫وعمله املشــرك مــع كارل مركــس‪ ،‬يمثل‬
‫غريها (‪)Cassel,J.1976‬‬ ‫نقدا للصحــة والطب خالل هذه الفرتة‪ ،‬ممثال‬
‫احدى النظريات االجتامعية احلقيقية لالعتالل‬
‫وهكــذا فــان االطــار املرجعــي النفيس‬
‫واملرض (‪ )Engels 1971‬ويف الوقت احلارض‪،‬‬
‫االجتامعي يوجه االهتامم نحو االســتجابات‬
‫وضعــت منظمة الصحة العامليــة منظورا عن‬
‫البيولوجية الداخليــة للتفاعالت االجتامعية‪.‬‬
‫الصحة حددت فيه دور العوامل االجتامعية يف‬
‫فهو منصب يف االســتجابات للضغوط وعىل‬
‫الصحة واملرض‪ .)who 2009( ،‬يف تطبيق هذه‬
‫النــاس اخلاضعــن للضغــوط املحتاجني اىل‬
‫املقاربة عىل علــم االجتامع الطبي‪ ،‬فاهنا تقودنا‬
‫املوارد النفســية االجتامعية (‪Krieger ,Nancy‬‬
‫اىل ما يسمى «باملحددات االجتامعية للصحة‪،‬‬
‫‪) 2001‬‬
‫حيــث ينظــر اىل االحوال الصحية للســكان‬
‫الفقر وامراضه‪:‬‬ ‫باهنا ختضع لتاثري جمموعة العوامل االجتامعية‬
‫ان احلالــة الصحيــة لألفــراد و لفئــات‬ ‫واالقتصادية والنفسية والبيئية والثقافية‪.‬‬
‫املجتمع وطبقاته املختلفة تتناسب مع الوضع‬ ‫ويف اآلونة االخرية‪ ،‬انصب اهتامم الباحثني‬
‫االجتامعي االقتصادي هلــذه اجلامعات اي ان‬ ‫يف هذا الســياق يف صياغة نظريات متوســطة‬
‫احلالة الصحية تكــون اكثر تدهورا كلام كانت‬ ‫املدى لتفسري توزيع االمراض وتشمل االطر‬
‫هــذه الفئات يف وضــع اجتامعــي اقتصادي‬ ‫النظرية االربع الرئيسة‪:‬‬
‫منخفض والعكس صحيح‪.‬‬
‫‪ -1‬النظرية النفسية االجتامعية‬
‫تشري الدراســات احلديثة اىل ان الضغوط‬
‫النفســية واالجتامعية التي يتعرض هلا الفقراء‬ ‫‪ -2‬نظرية املحددات االجتامعية للصحة‬
‫قــد تزيد مــن خماطــر االصابــة بالعديد من‬ ‫‪ -3‬نظرية االقتصاد السيايس للصحة‬
‫االمراض ففي ســبيل املثال ان الضغط النفيس‬
‫املزمــن الناجــم عن العيــش يف حميط يتصف‬ ‫‪ -4‬ت ْاثري الثقافة يف الصحة واملرض‬
‫بالفقر والعوز يزيد من استعداد الفرد لإلصابة‬
‫بانســداد الرشايني التاجية‪ ،‬واالكتئاب والداء‬ ‫‪-1‬النظرية النفسية االجتماعية‪:‬‬
‫السكري‪.) Who،2010 ( .‬‬
‫االطار النفيس االجتامعــي يوجه االهتامم‬
‫نحــو‪ ،‬البيئــة االجتامعية املكونــة من عوامل‬
‫ويرى لبتون ان املرض يعود اىل احلرمان‬ ‫نفســية اجتامعية نامجة عــن التفاعل البرشي‪،‬‬
‫والفقر (‪ )Lupton ,2003‬ومها سببان رئيسان‬ ‫ويدخــل يف ضمــن ذلــك اهليمنــة الطبقية‪،‬‬

‫‪67‬‬ ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


‫و يف تفسريهم للفروق الصحية يشددون‪،‬‬ ‫يف انتشــار االمــراض واالعتــال الصحي‬
‫عىل الدور االساس ألصحاب السلطة والنفوذ‬ ‫وعائقان عن احلصول عــى الرعاية الصحية‬
‫يف توزيع املــوارد النادرة التي تشــكل نوعية‬ ‫الرضوريــة‪ ،.‬كام ان العالقة تعــود اىل ارتباط‬
‫املحددات االجتامعية للصحة وآلية توزيعها‪.‬‬ ‫الصحة بعوامل اخرى ذات صلة وثيقة بالفقر‬
‫مثل قلة املعلومات والثقافــة الصحية املتعلقة‬
‫الفرضية االساســية هلــذه املقاربة هي ان‬
‫باملامرســات املناســبة للمحافظة عىل الصحة‬
‫املؤسسات االقتصادية والسياسية والقرارات‬
‫كالتدخني وتعاطي الكحوليات وقلة احلركة‪.‬‬
‫التي تنجم عنها تفــرض امتيازات‪ ،‬اقتصادية‬
‫واجتامعية لدى مجاعــات معينة وحترم فئات‬
‫‪ -2‬المحددات االجتماعية لالمرض‬
‫اخرى منها‪ ،‬وهي تشــكل االسباب الرئيسة‬
‫تتمثــل املحــددات االجتامعيــة للصحة‬
‫للفــروق االجتامعيــة يف االحــوال الصحية‬
‫يف الظــروف االقتصاديــة واالجتامعيــة التي‬
‫(‪ )Link،BG 1996‬امــا هارولــد ويتزكن فقد‬
‫يعيش الناس يف ظلهــا والتي حتدد صحتهم‪،‬‬
‫عدَّ املؤسســة الطبية بمثابة احد مصادر القوة‬
‫واخلدمات االجتامعية والصحية التي يتمكنون‬
‫االجتامعية لدى الرأسامليني‪ .‬وملا كان املجتمع‬
‫من احلصول عليها‪.‬‬
‫الرأساميل قائام عىل املنافســة االقتصادية احلرة‬
‫فان الســباق نحو السيطرة عىل النظام الصحي‬ ‫العوامل االولية التي حتــدد صحة الناس‬
‫تدر عــى اصحاب رؤوس االمــوال ثروات‬ ‫ليســت معاجلات طبية او خيارات طراز احلياة‬
‫هائلــة‪ ،‬ما حــدا بقــادة النظــام الصحي اىل‬ ‫بل باالحرى ظروف معيشتهم املختلفة وهذه‬
‫االنخراط بالعملية الرأســالية‪ .‬وهكذا‪ ،‬فان‬ ‫الظــروف تعــرف « باملحــددات االجتامعية‬
‫النظام الصحي‪ ،‬بكل مــا يتضمنه من خربات‬ ‫للصحة»‪.‬‬
‫عملية وتقنيــة وعملية‪ .‬ســيصبح حتام حتت‬
‫تتحدد صحة الناس بوساطة توزيع الدخل‬
‫سيطرة الرأسامليني (‪) Waitzkin،H. 1986‬‬
‫والثــروة واحلالــة العملية وظــروف العمل‬
‫وهناك حتليالت اخرى انصبت يف معاجلة‬ ‫واخلدمات الصحيــة واالجتامعية التي حتصل‬
‫الفروق االجتامعية النامجة عن التمييز العنرصي‬ ‫عليها وبقدرهتــم يف احلصول عىل تعليم جيد‪،‬‬
‫واجلنســاين والرتكيــب االثني للســكان‪ ،‬اىل‬ ‫غذاء وســكن‪ ،‬شــبكة امان اجتامعية‪ ،‬من بني‬
‫جانب اهليمنة الذكورية‪ ،‬وانعكاســاهتا السلبية‬ ‫االمور االخرى‪.)Tuha Mikkonen et at( ..‬‬
‫عىل الصحة‪.‬‬
‫‪ -3‬نظرية االقتصاد السياسي للصحة‬
‫وقــد انطلقت مؤخرا حــركات اجتامعية‬ ‫ْيوكد اصحاب منظور االقتصاد الســيايس‬
‫انســانية ذات طابع عاملي متصدية للمخاطر‬ ‫للصحة عــى انه يف ظــل الرأســالية تكون‬
‫التي هتــدد عدالــة البيئــة وســامة اجلنس‬ ‫عالقات االفراد بوسائل االنتاج امرا مهام لفهم‬
‫البرشي مثرية اهتامما كبريا بالقرارات املشرتكة‬ ‫مراكزهم االجتامعية يف سلم اهلرم االجتامعي‬
‫للحكومــات الغربية يف نقــل التلوث والفقر‬ ‫فضال عــى امكانياهتم يف احلصول عىل الثروة‬
‫اىل البلــدان الفقــرة واىل مناطــق متدهورة‬ ‫والتمتع بالصحة السليمة‪.‬‬

‫دراسات اجتماعية العدد ‪44 /‬‬ ‫‪68‬‬


‫للرجــال مــن حيــث املكانــة االجتامعيــة‬ ‫داخل البلــدان الغنية وبخاصة اجلامعات ذات‬
‫واالقتصادية والثقافية‪ ،‬كام اهنن مســتبعدات‬ ‫االقليــات الســكانية‪ ،‬ومن اهــم مصادرها‪:‬‬
‫من اختاذ القــرارات‪ ،‬ولدهين قدرة حمدودة يف‬ ‫التلوث البيئي‪ ،‬العوملة‪ ،‬اهلجرة القرسية العاملية‬
‫الوصــول اىل املوارد والســيطرة عليها‪ ،‬فضال‬ ‫واحلروب واعامل العنف وغري ذلك‪.‬‬
‫عىل ان قدرهتن عىل احلركة حمدودة‪ ،‬وخيضعن‬
‫كثريا اىل التهديد واســتعامل العنف من جانب‬ ‫تاْثير الحروب والنزاعات على الصحة‪:‬‬
‫الذكور‪.‬‬ ‫اهتم الرصاعيون بدراســة تأثري احلروب‬
‫و الــراع العنيــف عــى الصحــة‪ .‬وتظهر‬
‫عــى الرغم مــن التقدم املحــرز‪ ،‬ال تزال‬
‫االثار املدمــرة للرصاع عــى الصحة البرشية‬
‫املجتمعــات يف انحــاء العامل كلها‪ ،‬وال ســيام‬
‫يف االصابــات املبارشة واالعتــال الصحي‬
‫املجتمعــات النامية واملتخلفــة‪ ،‬مقرصة كثريا‬
‫والوفيات‪ ،‬النامجة عن تدهور الصحة العامة‪.،،‬‬
‫بحق املــر ْاة يف املراحل االساســية من حياهتا‬
‫كام تشــمل العواقب الصحية للرصاع العنيف‬
‫وال ســيام يف مرحلتي املراهقة والكرب(منظمة‬
‫املدنيني والعســكريني‪ ،‬كام متتد اثار للحروب‬
‫الصحة العاملية‪)2017 ،‬‬
‫ايضا اىل الصحة البيئية بضمنها التلوث البيئي‪،‬‬
‫املبيدات‪ ،‬االشعاع الذري فضال عن التعرض‬
‫العوامل المحددة للصحة‬
‫ملخاطر االمراض املعدية‪ .،‬ويف تدمري االنظمة‬
‫يف جمرى ت ْارخيهــا‪ ،‬تركزت جهود الصحة‬
‫االيكولوجية للمناطق املجاورة‪.‬‬
‫العامــة يف ما كان يعتقد ب ْانــه مصدر الوفيات‬
‫االكثر امهيــة‪ ،‬املرض‪ ،‬االصابــة والعجز‪ .‬يف‬
‫‪ -4‬تاْثير الثقافة في الصحة والمرض‬
‫اواخر القــرن التاســع عرش ومطلــع القرن‬
‫ْيوكد علــاء االنثروبولوجيا ان اســباب‬
‫العرشيــن‪ ،‬تركزت الصحــة العامة عىل نحو‬
‫االمراض‪ ،‬وســبل ادراكها وطرائق معاجلتها‬
‫اخلصوص يف البيئة الطبيعية‪ ،‬التحســينات يف‬
‫ختتلــف باختالف البيئة االجتامعيــة والثقافية‬
‫املاء النقي‪ ،‬الســكن الصحــي‪ ،‬تعزيز الصحة‬
‫للجامعة‪ .‬ففي كثري من الشعوب البدائية ُيعتقد‬
‫العامة‪ ،‬ت ْامني مــكان العمل والتغذية الصحية‬
‫بان املــوت والصحة واملرض تعــود اىل فعل‬
‫وقد اســهمت مجيعهــا يف حتســن االحوال‬
‫السحر‪ ،‬واحلسد واجلن والشعوذة وغريها‪.‬‬
‫الصحية ومن ثم اىل زيادة رسيعة يف متوســط‬
‫احلياة املتوقعة‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬النظرية النسوية في الصحة‪:‬‬
‫يف العقد االخري من القرن العرشين‪ ،‬انصب‬ ‫النظرية النســوية هي جمموعــة خمتلفة من‬
‫االهتــام يف رضورة توفري خدمــات الرعاية‬ ‫االفكار واحلركات االجتامعية النسوية املتعلقة‬
‫الصحيــة‪ ،‬من اجل اطالة املزيد من ســنوات‬ ‫باملســاواة بني اجلنســن سياســيا‪ ،‬واقتصاديا‬
‫احليــاة‪ ،‬بخاصة احليــاة املتوقعــة‪ .‬يف العقود‬ ‫واجتامعيــا وثقافيــا وصحيــا ويف النواحي‬
‫احلاليــة‪ ،‬اظهرت االبحاث عــى نحو متزايد‬ ‫االخرى مجيعها‪.‬‬
‫امهية تأثري العوامــل االجتامعية واالقتصادية‬ ‫يف املجتمعــات التقليدية‪ ،‬النســاء تابعات‬

‫‪69‬‬ ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


‫اطــول‪ ،‬وال يعانني من ضعــف صحتهن اال‬ ‫يف حتسني الوضع الصحي لدى خمتلف شعوب‬
‫قليال‪ ،‬باملقارنة بالنساء يف البلدان الفقرية‪ .‬ففي‬ ‫العامل‪.‬‬
‫البلدان الغنية تنخفض بشدة معدالت الوفيات‬
‫بني الفتيات والنســاء‪ ،‬وحتدث معظم الوفيات‬ ‫الحالة الصحية للناس في العالم‪:‬‬
‫يعد ســن الســتني‪ .‬اما يف البلدان الفقرية فان‬ ‫عىل الرغم من التقدم املحرز يف جمال صحة‬
‫الصورة خمتلفة متاما‪ :‬فمتوســط االعامر اقرص‬ ‫النســاء‪ ،‬يف املجتمعات البرشية كلها ما زالت‬
‫يف املتوســط ومعدالت الوفيات بني االطفال‬ ‫النســاء يعانني من مشــاكل صحية يف خمتلف‬
‫اعىل‪ ،‬ومعظم وفيات االنــاث حتدث يف اثناء‬ ‫مراحل حياهتن وال ســيام يف مرحلتي املراهقة‬
‫املراهقة ويف الوالدات‪.‬‬ ‫والكرب‪ .‬تلك هي النتائــج التي توصلت اليها‬
‫تقارير منظمة الصحة العاملية‪)Who,2009( .‬‬
‫الجندر (النوع االجتماعي) والصحة‪:‬‬
‫تشــر منظمة الصحة العاملية اىل ان اجلنس‬ ‫التباين بين النساء والرجال‪:‬‬
‫(‪ )sex‬يشــر اىل اخلصائــص البيولوجيــة‬ ‫تتقاسم النســاء والرجال حتديات صحية‬
‫كالرتكيب البنيوي والفسيولوجية‪ ،‬اي وظائف‬ ‫متشــاهبة كثرية‪ ،‬ولكن هناك اختالفات مهمة‬
‫االعضاء‪ ،‬التي متيز الرجال والنساء‪.‬‬ ‫ايضا‪ .‬فأعامر النســاء اطــول عموما من اعامر‬
‫الرجال بحوايل ‪ 5‬ســنوات بام لدهين من مزايا‬
‫اما النوع االجتامعي ( ‪ ) gender‬فتشري‬
‫بيولوجية وســلوكية‪ .‬غري ان هذه املزايا تكاد‬
‫اىل الفروق من حيث األدوار املناطقة بكل منهام‬
‫تزول يف بعض املناطــق وخصوصا يف بعض‬
‫تبع ًا لثقافة املجتمع‪.‬‬
‫انحاء من اســيا‪ ،‬بســبب التمييز ضد النســاء‬
‫عالقات اجلندر تصــف املعايري‪ ،‬االدوار‪،‬‬ ‫اىل درجة جتعــل حياهتا املتوقعــة عند الوالدة‬
‫القيم‪ ،‬واملواقف‪ ،‬والتوقعات التي ترشد الناس‬ ‫اقرص من العمر املتوقع للرجال او يكاد يكون‬
‫اىل كيفية الترصف‪ ،‬وحتدد سبل التعامل معهم‬ ‫متساويا عىل العكس من بقية دول العامل‪ .‬ثم ان‬
‫يف جمتمع معني‪.‬عالقات اجلنوســة ليست ثابتة‬ ‫عمر النســاء االطول ال يعني بالرضورة اهنن‬
‫وانام هي خمتلفة مــن جمتمع الخر ومن مكان‬ ‫بوضع صحــي افضل‪ ،‬حيث اهنــن يواجهن‬
‫وزمان اىل اخر‪ ،‬الهنا متثــل افكارا ومعتقدات‬ ‫صعوبــات اكرب من الرجــال يف احلصول عىل‬
‫اجتامعية بدال من حقائق بيولوجية‪.‬‬ ‫ال عىل حرمان‬ ‫الرعاية الصحية الرضورية‪ ،‬فض ً‬
‫النساء من التعليم وانخفاض مستوى الدخل‬
‫ادوار الجندر (النوع االجتماعي)‬ ‫وفرص التوظيف التــي حتد من قدرهتن عىل‬
‫ادوار اجلندر هي الواجبات واملسؤوليات‬ ‫االعتناء بالصحة الشخصية‪.‬‬
‫املحــددة التي يقــوم هبا الرجال والنســاء يف‬
‫املجتمع‪ .‬وهلا وظائــف مهمة ْتودهيا يف حتديد‬ ‫الفروق بين البلدان في العالم‪:‬‬
‫عالقات اجلندر‪.‬‬ ‫توجــد فروق صحية واضحة بني النســاء‬
‫بسبب اختالف ظروف املعيشة يف خمتلف دول‬
‫العامل‪ .‬فالنســاء يف البلدان الغنية يعشن حياة‬

‫دراسات اجتماعية العدد ‪44 /‬‬ ‫‪70‬‬


‫احدى الدراسات اىل ان التأثري املحتمل لدور‬ ‫المحددات االجتماعية لالختالفات الصحية‬
‫الرعايــة املنزلية يف الصحــة العقلية يمكن ان‬ ‫بين الذكور واالناث‬
‫يفرس املعــدالت العالية لإلصابــة بداء الكأبة‬ ‫يف املجتمعــات التقليديــة تقــوم ابســط‬
‫لدى النســاء يف ســن االنجــاب‪Doyal،j.( .‬‬ ‫اشــكال التاميز االجتامعي عىل اساس اجلنس‬
‫‪ .)1996‬وممــا هو جدير بالذكر ان املراة يف العامل‬ ‫من حيــث توزيع الواجبات واملســؤوليات‪،.‬‬
‫بدأت تدخل اىل القوى العاملة بأعداد متزايدة‬ ‫فالنساء يتولني بصورة رئيسة مسؤولية شؤون‬
‫بعد احلرب العاملية الثانيــة‪ ،‬ورغم ذلك‪ ،‬فان‬ ‫االرسة والعمل املنزيل رعاية املســنني واملرىض‬
‫نسبة مشاركتها يف القوى العاملة لدى البلدان‬ ‫والعاجزين‪ .‬وباملقابــل‪ ،‬الرجال يتولون القيام‬
‫الناميــة ال تزال منخفضة ففــي العامل العريب‪،‬‬ ‫بالعمل الكاســب خارج املنزل وادارة حقوق‬
‫ال تزال النســبة ال تزيد عــن ‪ %25‬من جمموع‬ ‫وواجبات املواطنة‪.‬‬
‫القوى العاملــة اال قليال‪ .‬عــاوة عىل ذلك‪،‬‬
‫املجتمعات متنح قيــا ومكانة خمتلفة هلذه‬
‫فان معظم هــذه الزيادة حمصــورة يف االعامل‬
‫االدوار‪ .‬يف معظم املجتمعات‪ ،‬انواع االنشطة‬
‫املوقتــة‪ .‬يف الوقت احلارض االعامل الرئيســة‬
‫التي يقوم هبا الرجال تعطى قيمة اعىل من تلك‬
‫للنســاء يف البلدان الناميــة مركزة يف قطاعات‬
‫التي ْتودهيا النســاء‪ .‬رغم ان اعامل النســاء ال‬
‫التعليم والصحــة واخلدمات العامة‪ .‬والتمييز‬
‫تقل امهية عن اعامل الرجــال ولكنها نادرا ما‬
‫بــن الذكور واالناث داخل ســوق العمل ال‬
‫تقيم بصورة دقيقة وعادلة ومنصفة‪.‬‬
‫يزال واسع النطاق‪ ،‬وال يوجد تكافؤ يف فرص‬
‫العمل مع الرجــال‪ ،‬ال يف التعيــن والرتقية‪،‬‬ ‫يف معظــم املجتمعــات ال توجــد فروق‬
‫والدخل وضــان العمل‪ ،‬فضال عىل الوظائف‬ ‫فقط بني اجلنســن بل ال مســاواة منطوية يف‬
‫االدارية والتنفيذية العليا واالكاديمية‪.‬‬ ‫صلب هذه التعريفــات االجتامعية الذكورية‬
‫‪، maleness‬واالنثويــة ‪.femaleness‬‬
‫الهيمنة الذكورية والتميز ضد النساء‪:‬‬ ‫فالذكور حيظــون باألفضلية عــى االناث يف‬
‫النســاء يواجهــن خماطر كثــرة من جراء‬ ‫كل يشء تقريبــا وتبعا لذلــك‪ ،‬العمل الذي‬
‫تعرضهن اىل معاملة دونية ال انســانية يف توفري‬ ‫تقوم به النساء يف البيت‪ ،‬يف سبيل املثال‪ ،‬بدون‬
‫الرعايــة الصحيــة بخاصة يف اثنــاء احلمل‪.‬‬ ‫اجر‪ ،‬ألنه ي َّعد اقل امهية من العمل الكاســب‪.‬‬
‫والوالدة وما بعد الوالدة ويف ســائر االوقات‬ ‫هذه االختالفــات هلا ان ْتوثر يف صحة كل من‬
‫االخرى‪ .‬عالوة عىل ذلك النســاء معرضات‬ ‫الذكــور واالناث‪ .‬عدم املســاواة االقتصادية‬
‫ايضا اىل معاملة ســيئة يف حــاالت حرماهنن‬ ‫تعني ان كثريا من النســاء يواجهن صعوبات‬
‫يف احلصول عىل املتطلبات االساســية للحياة‬
‫من احلرية وحتى يف ضمن تسهيالت احتجاز‬
‫الصحيــة‪ .‬يف الوقت نفســه الطبيعة اخلاصة‬
‫املهاجرين او املؤسســات الصحية بسبب من‬
‫لعمل النســاء قد ْيوثر يف صحة النساء كذلك‬
‫هويتهــن اجلنائيــة والتوجه اجلنــي‪ .‬كام ان‬
‫(‪ )Doyal،j. 1996‬العمــل املنزيل ورعاية افراد‬
‫اجسام النساء تستغل ألغراض ثقافية سياسية‬ ‫بــودي اىل تقليل ســاعات النوم‬ ‫االرسة قــد ْ‬
‫واقتصادية‪.‬‬ ‫واالرهــاق مما ْتوثر ســلبيا يف الصحة البدنية‬
‫والعقلية وحتى العاطفية للنساء‪ .‬فقد اشارت‬

‫‪71‬‬ ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


‫‪ ،Foucault Michel‬دور رئيس يف تطوير‬ ‫ومن امثلة املامرســات التميزية املؤثرة يف‬
‫علــم االجتامع الطبــي‪ ،‬وقد انصــب اهتاممه‬ ‫صحة النساء والفتيات ما يأيت‪:‬‬
‫يف دراســة العالقة بني املعرفة ‪,‬والســلطة‪ ،‬وما‬
‫* ختان االناث وزواج القارصات ومحل‬
‫تنطوي عليه من اختالل يف توازن القوى‪.‬‬
‫املراهقات‪.‬‬
‫ففي كتابه الشهري ميالد الطب الرسيري‬
‫• التميز يف احلصول عىل الرعاية الصحية‬
‫(‪ )1973 ،1994‬ميــز فوكــو بــن اجتاهني‬
‫يف تقصيه للمامرســة الطبيــة‪ :‬الطب البرشي‬ ‫• العنف ضد النساء يف االرسة ويف املدرسة‬
‫و طــب الفضــاءات االجتامعيــة‪1973( .‬و‬ ‫ومكان العمل‬
‫‪ .)1994‬االول يصنف‪ ،‬ويشــخص ويعالج‬
‫احلاالت املرضية‪ ،‬والثاين يسعى اىل منع وقوع‬ ‫• احلصــول عــى معلومــات وخدمات‬
‫االمراض‪ .‬الطب البرشي عدَّ اجلســم البرشي‬ ‫للتخطيط العائيل وايقاف احلمل‬
‫موضوعا للدراسة والتدخل الطبي يف حني ان‬ ‫• التمييــز وســوء املعاملة خــال والدة‬
‫طب الفضاء االجتامعي اختذ من الصحة العامة‬ ‫االطفال يف املؤسسات الصحية‬
‫وســيلة للرقابة والتنظيم بوســاطة السلطات‬
‫املدنيــة والطبية‪ ،‬وهكذا اصبحت االجســاد‬ ‫• امهال وســوء معاملة الكبــار بضمنها‬
‫نفســها نحت نطاق ســلطة اخلــراء ملصلحة‬ ‫مؤسسات الرعاية الصحية ودور رعاية الكبار‪.‬‬
‫املجتمــع (‪)Armstrong 1987 ,Turner ,1952‬‬
‫كــا ان حتليل فوكــو للجســم ادى اىل ظهور‬ ‫دور المؤسســة الطبية فــي االختالف بين‬
‫اختصاص جديد‪ ،‬علم اجتامع اجلســم‪ ،‬حيث‬ ‫الجنسين‪:‬‬
‫ترافق مع ظهور كتاب ترينر املوســوم اجلسم‬ ‫يؤكد اصحــاب النظرية النســوية الثورية‬
‫واملجتمع (‪.) Turner ,1996‬‬ ‫عىل ان املكانة املتدنية للنســاء يف املجتمع تعود‬
‫اىل عاملني مها اهليمنة الذكورية وتلبية حاجات‬
‫ميــدان اخر للبحــث يتمثــل يف التكوين‬ ‫النظام الراســايل املتمثلة يف ســيطرة االطباء‬
‫االجتامعي لألجسام‪ ،‬االعتالل‪ ،‬والعواطف‪.‬‬ ‫واملؤسسة الطبية عىل النساء إذ ان معظم مراكز‬
‫يف علم االجتامع الطبــي‪ ،‬املقاربة البنيوية‬ ‫القوة حمصورة بيد االطباء الذين يســتخدمون‬
‫االجتامعيــة االقرب اىل حتليل فوكو للجســم‬ ‫املعرفة العلمية كوســيلة للسيطرة عىل اجسام‬
‫نتيجة للقــوة واملعرفة‪ .‬هي حتــري الطريقة‬ ‫النساء والتحكم فيها‪ .‬كام ان االطباء يسيطرون‬
‫التي يقــوم الناس هبا يف تشــكيل مظاهرهم‪،‬‬ ‫ايضا عــى العملية االنتاجيــة‪ ،‬بضمنها موانع‬
‫من تزيني‪ ،‬عرض وتدبري اجســامهم وتقييمها‬ ‫احلمــل وتكنولوجيــا االنجــاب ناهيك عن‬
‫اجتامعيــا‪ .‬ويذكــر ان الطبقــة االجتامعية هلا‬ ‫االسواق التجارية للعقاقري الطبية فالطبيب عىل‬
‫ت ْاثري كبرييف كيفية ترصف الناس ب ْاجســامهم‬ ‫حد قوله فريدســون حتول اىل تاجر واملؤسسة‬
‫الطبية اىل اداة قمع ( ‪)friedson 1975‬‬
‫واالعتناء هبا‪.‬‬
‫امــا العــامل االخر الذي اســهم يف تطوير‬ ‫خامسا‪ :‬نظرية ما بعد البنيوية‬
‫علم االجتــاع الطبي فهو بيري بورديو‪ .‬من بني‬ ‫للفيلســوف الفرنــي ميشــيل فوكــو‬

‫دراسات اجتماعية العدد ‪44 /‬‬ ‫‪72‬‬


‫رأس املــال االجتامعــي يؤثــر يف الصحة‬ ‫كتــاب التمييز ( ‪Bourdieu‬‬ ‫اعامله الكثرية يعدّ‬
‫بطرائــق متعــددة من خــال تبــادل املنافع‬ ‫‪ )1984‬االقرب صلــة اىل علم االجتامع الطبي‬
‫واملساعدات وتقديم اخلدمات الطبية والرعاية‬ ‫فقد تناول فيه تفسري اختالف انامط املامرسات‬
‫االجتامعية للمحتاجني اليها‪.‬‬ ‫الثقافيــة بــن الطبقات االجتامعية الفرنســية‬
‫وتأثريها يف الصحة‪ ،‬حيث‬
‫كام انه يؤثر يف العوامــل املتعلقة باملخاطر‬
‫الصحية مثل جتنب التدخني وتعاطي املسكرات‬ ‫يربــط املامرســات االجتامعيــة بالثقافــة‬
‫او االدمان وتشجيع ممارسة االنشطة الرياضية‪.‬‬ ‫والتنظيم االجتامعي والقوة (‪) Swartz،1997‬‬

‫يزاد عىل ذلك انه يؤثر يف حمددات اجتامعية‬ ‫يتضمن حتليله عادات الطعــام والرياضة‬
‫اخرى كالتعليم والتشغيل اىل جانب التخفيض‬ ‫البدنية التي تكشف عن تأثري السجايا الطبقية‬
‫من تأثري بعــض الظروف املولــدة للضغوط‬ ‫يف املظاهر املختلفة للحياة الصحي ة (�‪Cocker‬‬
‫النفسية واالجتامعية‪.‬‬ ‫‪ .)ham,1999‬ويــرح بورديو كيف ان انامط‬
‫احلياة الصحية السلبية كانت بمثابة املحددات‬
‫وهنالــك الية مهمــة اخــرى يؤثر راس‬
‫االجتامعية االولية يف انخفــاض امد احلياة يف‬
‫املــال االجتامعي من خالهلــا يف الصحة وهي‬
‫كل مقولة عن هذه احلالة‪ ،‬واحلالة هم الرجال‬
‫قــدرة وكفاية اعضاء اجلامعــة االولية يف اختاذ‬
‫متوسطو االعامر املنتســبون اىل الطبقة العاملة‬
‫االجراءات املشرتكة املعززة للصحة او غرس‬
‫اذ ان ظروف املعيشة هلؤالء الرجال ومكانتهم‬
‫املعايري االجتامعيــة االجيابية ومنع الســلوك‬
‫االجتامعيــة الواطئــة ولدت لدهيم ســجايا‬
‫املنحرف املــر بالصحة ويتم ذلك من خالل‬
‫ســيئة دفعتهم اىل مزاولة ممارسات غري صحية‬
‫االعــال اخلريية واالنشــطة التطوعية واخريا‬
‫مثل قلة االهتامم بالطعــام و تعاطي الكحول‬
‫يؤثر راس املال االجتامعي ْيوثر يف الصحة من‬
‫والتدخني وعدم ممارســة النشاط البدين‪ .‬وقد‬
‫خالل معلومات مفيدة للصحة وتعزيز الثقافة‬
‫ادت هذه العوامل جمتمعة اىل خلق طراز حياة‬
‫الصحيــة والنظافة الذاتية وتعزيــز امن البيئة‬
‫مفيض اىل االصابة بمــرض القلب وما ترتب‬
‫املحلية واملجتمعية (‪.)Bourdieue,1964‬‬
‫عىل ذلك مــن ارتفاع معدالت الوفيات‪ ،‬ومن‬
‫وقد اظهرت دراســات متعددة تاثري راس‬ ‫ثم‪ ،‬تقصري امد احلياة لــدى هذه البلدان‪ .‬هذه‬
‫املال االجتامعي يف صحة االفراد واجلامعات ويف‬ ‫االنامط الســلوكية التي عرضت حياة الناس‬
‫مقدمتها منظمة الصحة العاملية (‪.)Who,2010‬‬ ‫للخطر انام هــي معايري ترســخت من خالل‬
‫أما انطوين جيدنــز‪ ،‬فيحدد االطار النظري اىل‬ ‫التفاعل االجتامعي للجامعة وحتددت بوساطة‬
‫علم اجتــاع الصحة واالعتــال يف امليادين‬ ‫الفــرص املتاحة لدهيا فأســفرت عن ظروف‬
‫الرئيســة الثالثــة للبحث التطبيقــي‪ :‬النصح‬ ‫احلياة غـير الصحية والوفيات املبكرة ‪Bour�( .‬‬
‫ب ْاستخدام العقار‪ ،‬خيارات الطعام‪ ،‬ممارسات‬ ‫‪ )dieu,1984‬فرأس املال يؤثر ويشــدد بورديو‬
‫االكل واالعتالل طويل االمد‪.‬‬ ‫يف امهية راس املال االجتامعي يف التأثري بصحة‬
‫الناس من خالل التامســك االجتامعي وزرع‬
‫(‪)Gabe j. And Almeida j. Eds. 2015‬‬
‫الثقة يف النفــوس ويف اندفاعهــم نحو خدمة‬
‫اعضاء اجلامعة الواحدة‪.‬‬

‫‪73‬‬ ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


cal Sociology and Sociological References
Theory،Published Online.
12: --------- (2013) Sociological Theory in
،2017،‫ عبــد اهلل معمر احلكيمي‬.‫د‬.‫ أ‬:1
Medical Sociology in the early Twenty ‫ مركز‬،1‫يف علم االجتامع واالنثربولوجيا – ج‬
First century. .‫منار للدراسات االجتامعية‬
13:Cooley،Charles (1902). Human nature 2: Annandale،Ellen. (1998) The Sociology
and Social Order،New York،Scribner. of Health and Medicine،Cambridge
14: Dahrendorf،Ralf. (1959) Class and Polity Pres
Conflict in Industrial Society – Stan- 3: Annandale،Ellen and J. Clark (1996).
ford University Press. What is gender? The feminist Theory
15: Doyal،Lesley (1996) Sex،Gender and and the Sociology of Human Repro-
Health،A Preliminary Conceptualiza- duction. “Sociology of Health and Ill-
tion Framework. ness” 18 (1):17-44
16: Durkheim،Emile. (1951(1897)) Sui- 4: Armstrong،David. (1987) Bodies of
cide A Study in Sociology،Glenda Free Knowledge
Press. 5: Armstrong،David. (2015) An outline of
17: Engels,F. (1971،1845) the Conditions Sociology As applied to medicine. El
of the Working Class in England Ox- Sevier
ford Blackwell publishing 6: Becker،Howard. (1973). Outsiders:
18: Foucault،Michel. (1973) The birth of Studies in the Sociology of Deviance.
Clinic،London: Tavistock New York،Free Press.
19: Frierson،Eliot (1970) Profession of 7: Blumer،H. (1969) Symbolic Interaction-
Medicine،New York. Dodd and Mead ism Perspective and Methods،ISBN
20: ------------(1970) Profession of Domi- 8: Bourdieu،Pierre. (1984) Distinction
nance. Chicago Aldine (Translated by Wice،Richard
21: _________ (1975) Doctoring Togeth- Harvard University Press)
er. New York Elsevier. 9: Cassel,j. (1976). the contribu-
22: Gabe،j. and Almeida j. (2015) in; Col- tion of social environment in host
lyer F. (eds. ) Handbook of social The- resistance،American journal of epide-
ory in health and Illness and Medicine. miology 104 p,107- 23-
Palgrave Macmillan London., 10: Cockerham،William. Medical Soci-
23: Glaser. Barney and Anselm Strauss ology (1981) International Review
(1965). Awareness of Dying،Chicago of Modern Sociology،Vo.11. No.
Aldine 112،pp.231-250.
24: Goffman،Erving،(1961) Asylums. An- 11: Cockerham،William. (2007) Medi-

44 / ‫دراسات اجتماعية العدد‬ 74


New York. chor. Stigma،Notes on the Manage-
37: Schuman،Edward. (1965) Stages of ment of Spoiled Identity،Englewood
Illness and Medical Care،Journal of cliffs Prentice-Hall
Health and Human Behavior 25: Jaime Lumpias Wolff (2017). Health
38: Steve et al (2001). Sick Behavior as a and development in the third world
New Target for drug deviant. 26: Kasl،s.v. (1966). health behavior،Illness
39: Szasz T. and Hollander،M (1956). Behavior and sick role Behavior
A contribution to the Philosophy of 27: Koos،Earl. (1954). The health of Re-
Medicine،basic Models of the doctor gions Ville. New York Columbia Uni-
_Patient Relationship. Journal of the versity press.
American Association، 28: Lorber،Judith (1997). Gen-
40: Thomas J. Schiff ,1966). Being mental- der and the social construction of
ly Ill،A sociological theory،Chicago، Illness،London،Sage
Aldine 29: Krieger Nancy. (2001). Theo-
41: Turner B. (1996). The body and Soci- ries for social epidemiology
ety of London Sage. in the 21st century،Eco social
42: Twaddle A. (1969). Health Deci- Perspective،International Epidemio-
sion and Sick Role Variations: An logical Association،great Britain.
Exploration،Journal of Health and so- 30: McKinley،John. (1984). Issues in the
cial Behavior ,10:105-14. Political Economy of Health and care.
43: Waitzkin Howard. (1971) Latent London Sage.
Functions of the Sick Role in Various 31: Mechanic،d. (1995). The Sociological
Settings،Social Sciences and Medicine Dimensions of Illness Behavior،Social
5:45-75. Sciences and Medicine 41 9 1207-16
44: World Health Organization،(2009،2010 32: Metzner,c. (1965). Choice of health
Young،J. t. (2004). Illness Behavior a care plans،University of Michigan
Selective Review and Synthesis School of Public Health
45: Zola Irving،(1966). Culture and 33: Morgan,M. (1993). The doctor -Patient
Symptom،an analysis of Patient Pre- relationship
sentation of Complaints،American So- 34: Navarro،Vicente (1986). Crisis،Health
ciological Review 31:615-630 and Medicine: A social critique. Lon-
don Tailstock.
35: Parsons،Talcott. 91951). The Social
System،New York free Press.
36: Roemer،M،(1960) editor on the soci-
ology of medicine. m. d. publication

75 ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


Medical sociology in the field of health and illness
Prof. dr. youns.H.ِِAli/ Baghdad University
Asst.Prof.dr.khadija-H.Jasim/ Ministry of education
Theory Summary
Major Assumptions:
Functional perspective:
According to the functionalist perspective،health is vital to the stability of the
society،and therefore sickness is a sanctioned form of deviance. Talcott
Parsons(1951) was the first to discuss this in terms of expectations that
define appropriate behavior for the sick and for those who take care of
them. according to Parsons،the sick person has a specific role with both
rights and responsibilities. To start with،The patient has not chosen to be
sick and should not be treated as responsible for their condition (sickness).
The sick person also has the right of being excempted from normal social
roles. The patient is not required to fulfill the obligations of a well person
and can avoid their normal responsibilities and duties without censure.
However،this excemption is temporary and relative to the severity of the
illness. The excemption also requires legitimation by a physician،that is،a
physician must certify that the illnes is genuine and that it must be taken
seriously. The resposibility of the sick person is two fold،to try to get well
and to seek technically competent help from a physician. If the sick person
stays ill longer then it is appropriate (malinges) they may be stigmatized.
Parsons agrees that since the sick are unable to fulfill the normal social
roles،their sickness weakens the society. Therefore،it is sometimes neces-
sary for various forms of social control to bring the behavior of a sick per-
son back in line with normal expectations. In this model of health،doctors
serve as gatekeepers،deciding who is healthy and who is sick- a relation-

44 / ‫دراسات اجتماعية العدد‬ 76


ship in which the doctor has all the power.Symbolic Interaction perspec-
tive:
The cental principle of the interactionist perspective is that the meaning we
derive from and attribute to the world around us is a social construction
produced by everyday social interaction. This perspective is focused on
how we interpret the symbols to communicate with each other،how we
create and maintain the reality that we believe to be true. Health and ill-
ness are socially constructed،physical and mental conditions have little
to no objective reality but instead are considered healthy or ill conditions
only if they are defined as such by a society. Physicians manage the situ-
ation to display their authority and medical knowledge.
Conflict Perspective
Theorists using conflict perspective suggest that issues with the health care
systems،as most other social problems are rooted in the capitalist soci-
ety. According to conflict theorists،capitalism and the pursue of profit
lead to the commodification of health،the changing of something not is
generally thought of as a commodity into something can be bought and
sold in a market place. In this view،people with money and power-the
dominant group -are the ones who make decisions about how the health
care system will be run. They therefore ensure that they will have health
coverage،while simultaneously insuring that subordinate groups stay sub-
ordinate through lack of access. This creates significant health care and
health disparities between the dominant and subordinate group. Alongside
the health disparities created by class inequalities،there are several health
disparities created by racism،gender،sexism،and ageism. When health is a
commodity،the poor are more likely to experience illness caused by poor
diet،to live and work in an unhealthy environment،and one is less likely
to challenge the system in which they live.

77 ‫يبطلا عامتجالا ملع‬


Feminist Perspective:
Feminist perspective concentrates primarily on gender quality. It focuses
on the exploitation of women by men in the society. The feminist theory
analyzes the status of women and men in the society with having the po-
tential to better the women’s life and allow women to gain equal rights
as men. The feminist theory also concentrates on women within their
race،class،ethnicity،and age. However،they mostly focus on giving wom-
en the right to speak out their opinion in public and allow them to contrib-
ute in the society equally with the other genders.
Feminism is divided into different groups،those are: Radical،liberal،and
Marxist feminist. Each group analyzes and explains the differences be-
tween women and men within society.
Post-structural perspective:
Medical knowledge no less than medical practice is socially constructed. In
turn،it is argued،medical knowledge contributes to the shaping of social
relations. Furthermore،the objects of medical science are not what they
appear to be،the stable realities of the human body and disease are in fact
fabricated. Medical dominance is a form of social control.

44 / ‫دراسات اجتماعية العدد‬ 78

You might also like