Professional Documents
Culture Documents
.الخاتمة
.الهوامش
.المراجع
.الفهرس
.المقدمة
من خالل ما عرفناه عن مفهوم الدستور ،و ماهيته و أنواعه ،و أسباب وجوده .يتبين لنا بأنه تتنوع
األساليب التي تنشأ بها الدساتير ،بتنوع أنظمة الحكم السائدة ،في كل دولة من الدول .و إن توحدت
:المنطلقات العامة لنشأة الدساتير فيها ،وفق المحاور التالية
األوضاع و العوامل المحيطة بالمجتمعات و الدول ،سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو 1-
.سياسية بوجه عام
.تطور النظام السياسي ،تبعا للتطور الديمقراطي 2-
.تطور التقاليد و الخبرات السياسية ،و هي تتطور بتطور األنظمة 3-
ففي ظل األنظمة السياسية القائمة على الحكم المطلق ،حيث ال حدود و ال قيود .على سلطات الحكام لم تنشأ
الدساتير المكتوبة ،ألنها باألساس ما تنشأ إال لتقييد هذه السلطات و الحد منها .و لكن مع انتشار األفكار
الديمقراطية ،ظهرت الحاجة إلى تدوين الدساتير من أجل تحديد الواجبات و الحقوق لكل من الحكام و
المحكومين .بإتباع طرق و أساليب تختلف باختالف الدولة ،و درجة النضج السياسي لدى الرأي العام
فيها .و قد يلعب األسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دورا هاما في كشف المذهب السياسي الذي ينطوي
عليه ( . ) 1فما هي هذه األساليب المتبعة التي تنشأ بواسطتها الدساتير ؟
نحاول الوقوف عند هذا اإلشكال من خالل إسقاطه على واقع نشأة الدساتير الجزائرية ،و لإلجابة عليه
نتطلع من خالل هذا البحث إلى تقديم إجابات محددة ،استنادا لفقهاء القانون الدستوري الجزائري .و بالنسبة
.لعناصر البحث فقد قمنا بتقسيمه إلى ثالثة مباحث موضحة في خطة البحث
.
.الفرع األول :أسلوب المنحة ()5
يصدر الدستور في شكل منحة إذا تنازل الحاكم بإرادته المنفردة عن بعض سلطاته للشعب ،أو أن يحددها
ببعض القيود ،بواسطة قواعد قانونية يمن بها على شعبه في صورة دستور .واألصل في هذه الدساتير أن
الحاكم هو مصدر السلطات ،ومنبع الحقوق والحريات ،يجمع بين يديه الوظائف واالختصاصات ،ومن
بينها االختصاص التأسيسي .غير أن انتشار األفكار الديمقراطية ،ونضج وعي الشعوب بحقوقها ،والدعوة
إلى الحد من السلطان المطلق ،دفع الحكام إلى منح شعوبهم دساتير ،تنازلوا بموجبها عن جزء من
سيادتهم ،ليظهروا بمظهر المتفضلين على شعوبهم ،قبل أن تجبرهم األوضاع على التنازل عن ٌجل سيادتهم
، .وبالتالي يفقدون هيبتهم وكرامتهم
وهكذا ،وعلى الرغم من أن الشكل الخارجي للدستور الصادر بطريق المنحة يظهر على أنه عمل قانوني
صادر باإلرادة المنفردة للحاكم ،فإن الدستور لم يكن ليصدر إال نتيجة لضغط الشعوب على حكامها ،
ووعيها بحقوقها ،وخوف الحاكم من ثورتها وتمردها .ويسجل لنا التاريخ أمثلة كثيرة لدساتير صدرت
بطريق المنحة ،ومنها الدستور الفرنسي لعام 1814الذي أصدره لويس الثامن عشر لألمة الفرنسية ،
وجدير بالذكر إن معظم دساتير الواليات األلمانية في القرن التاسع عشر صدرت بهذه الطريقة .ومن أمثلة
الدساتير الممنوحة كذلك :الدستور اإليطالي لعام ، 1848والدستور الياباني لعام ،1889ودستور روسيا
لسنة ،1906وإمارة موناكو لعام ،1911وكذلك الدستور المصري لعام ،1923ودستور إثيوبيا لعام
،1931والقانون األساسي لشرقي األردن لعام ،1926ودستور اإلمارات العربية المتحدة لسنة 1971
وكذلك الدستور القطري لسنة . 1971ونتيجة لصدور الدستور بطريقة المنحة يظهر تساؤل هام ،حول
قدرة الحاكم الذي منح الدستور هل له الحق في سحبه أو إلغائه ؟ ولإلجابة على هذا السؤال انقسم الفقه إلى
:اتجاهين
يذهب أولهما إلى قدرة الحاكم على استرداد دستوره طالما كان هذا الدستور قد صدر بإرادته المنفردة 1- ،
عل شكل منحة ،ألن من يملك المنح يملك االسترداد .يساند هذا الرأي أمثلة حدثت فعًال :حيث أصدر
شارل العاشر ملك فرنسا قرارًا ملكيًا عام 1830بإلغاء دستور عام ،1814تحت حجة أن المنحة أو الهبة
في الحقوق العامة تشبه الهبة في الحقوق الخاصة ،وكما يحق للواهب الرجوع عن الهبة .يحق للملك
.الرجوع عن دستوره ،إذا صدر عن الشعب جحود للمنحة ونكران للجميل
ويذكر ثانيهما على الحاكم حق استرداد دستوره ،ما دام هذا الدستور قد صدر ،حيث تترتب عليه حقوق o
لألمة ،فال يحق للحاكم -عندها -المساس به إال باالستناد إلى الطرق القانونية المقررة بالدستور نفسه ،
حتى التسليم بأن صدور الدستور كان وليدًا لإلرادة المنفرد للحاكم ،ألن هذه اإلرادة تصلح أن تكون مصدرًا
لاللتزامات ،متى ما صادفت قبوًال من ذوي الشأن .وجدير باإلشارة أن الدستور الصادر بطريقة المنحة
يدرس على اعتبار أنه مرحلة تاريخية ،تمثلت باالنتقال من الملكيات المطلقة إلى الملكيات المقيدة ،وقد
انقضت وانتهت هذه المرحلة منذ زمن ،نتيجة لزوال الحكم الفردي ،واستعادة معظم الشعوب لكامل حقوقها
في السيادة والسلطة .ومع ذلك فما زالت بعض الدساتير تعتمد على اإلرادة المنفردة للحاكم ،في نشأتها وفي
إصدارها ،منذ تسلمه للسلطة وحتى مماته ،وإن أمكن استبداله بغيره .وقائمة الدساتير التي صدرت بهذه
الطريقة كبيرة .ولنا بعالمنا العربي أمثلة متعددة ،حتى أن بعضها ال يزال نافذًا إلى يومنا هذا
.
.الفرع الثاني :أسلوب العقد أو االتفاق ()6
ينشأ الدستور وفق طريقة العقد بناء على اتفاق بين الحاكم من جهة والشعب من جهة أخرى .أي ال تنفرد
إرادة الحاكم بوضع الدستور ،كما هو الحال في صدور الدستور على شكل منحة ،وإنما يصدر الدستور تبعًا
لهذه الطريقة بتوافق إرادتي كل من الحاكم والشعب .ويترتب على ذلك أال يكون بمقدور أي من طرفي العقد
االنفراد بإلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله .وعلى هذا النحو ٌت مثل طريقة العقد أسلوبًا متقدمًا على طريقة
المنحة ،ألن الشعب يشترك مع الحاكم في وضع الدستور في طريقة العقد ،بينما ينفرد الحاكم بوضع
الدستور في طريقة المنحة .وبناء على ذلك ،يعد أسلوب العقد مرحلة انتقال باتجاه األساليب الديمقراطية .
خاصة وأن ظهور هذا األسلوب -ألول مرة -كان نتيجة لنشوب ثورات ،في كل من انجلترا وفرنسا .ففي
إنجلترا ثار األشراف ضد الملك جون ،فأجبروه على توقيع العهد األعظم في عام ، 1215الذي يعتبر
مصدرًا أساسيُا للحقوق والحريات .وبنفس الطريقة ،تم وضع وثيقة الحقوق لعام 1689بعد اندالع ثورة
ضد الملك جيمس الثاني ،حيث اجتمع ممثلون عن الشعب ،ووضعوا هذه الوثيقة ،التي قيدت سلطات الملك
،وكفلت الحقوق والحريات األساسية لألفراد .وتمت دعوة األمير وليم األورنجي لتولي العرش ،على
أساس االلتزام بالقيود الواردة بالوثيقة .وتشكل هاتان الوثيقتان جزءًا هامًا من الدستور اإلنجليزي الذي
.يتكون معظمه من القواعد العرفية
أما في فرنسا فقدر صدر أول دستور فيها بطريقة العقد إثر ثورة سنة 1830ضد الملك شارل العاشر،
ووضع مشروع دستور جديد من قبل جمعية منتخبة من قبل الشعب ،ومن ثم دعوة األمير لويس فيليب
لتولي العرش ،إذا قبل بالشروط الواردة بالدستور الجديد .وبعد قبول األمير بهذه الشروط نودي به ملكًا
على فرنسا .يشار كذلك ،إلى أن جميع الدساتير التي صدرت بطريقة العقد كانت من عمل جمعيات
منتخبة ،واألمثلة على هذا النوع من الدساتير عديدة نذكر منها الميثاق األعظم في انجلترا سنة 1215الذي
هو جزء من دستور انجلترا ،وكذلك قانون الحقوق الصادر سنة 1688في نفس البلد ،ودساتير كل من
اليونان لسنة ، 1844ورومانيا لسنة ،1864وبلغاريا لسنة ، 1979والقانون األساسي العراقي لعام
،1925والدستورين الكويتي لسنة 1962والبحريني لسنة .1973حيث وضعت المجالس التشريعية في
هذه الدول الدساتير المذكورة ،ثم دعت أمراء أجانب لتولي العرش على أساس االلتزام بأحكامها .وعلى
الرغم من أن أسلوب العقد يعد أسلوبا تقدميًا أكثر من أسلوب المنحة ،فإنه ال يعد أسلوبا ديمقراطيا خالصًا ،
ألنه يضع إرادة الحاكم على قدم المساواة مع إرادة الشعب ،بينما تفترض الديمقراطية أن يكون الشعب هو
صاحب السيادة ،ال يشاركه فيها ملك وال أمير
.
.المطلب الثاني :األساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير •
تعرف األساليب الديمقراطية في وضع الدساتير ،بأنها األساليب التي تستأثر األمة وحدها في وضعها دون
مشاركة الحاكم ملكا كان أو أميرا أو رئيسا للجمهورية .وبغض النظر عن التفصيالت واإلجراءات المتبعة
في وضع الدساتير داخل إطار هذا المفهوم الديمقراطي في وضع الدساتير ،يمكن جمع هذه األساليب في
.أسلوبين رئيسيين هما الجمعية التأسيسية وأسلوب االستفتاء الشعبي
ينشأ الدستور وفقًا لهذا األسلوب من خالل اإلرادة الشعبية الحرة ،إذ يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك
بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية ،في هذه الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب الذي يوكل األمر إلى
جمعية منتخبة تكون مهمتها وضع مشروع الدستور أو إلى لجنة معينة من قبل الحكومة أو البرلمان إن
وجد ،ومن أجل أن يكون استفتاء دستوري يجب أن تكّو ن أوال هيئة أو لجنة تقوم بتحضير مشروع الدستور
وعرضه على الشعب الستفتائه فيه ،ألخذ رأي الشعب في مشروع الدستور ،ولكن هذا المشروع ال تصبح
له قيمة قانونية إال بعد عرضه على الشعب واستفتائه فيه وموافقته عليه .علمًا بأنه ال يشترط أن تقوم بوضع
الدستور -المراد االستفتاء عليه -جمعية تأسيسية نيابية ،وإنما يفترض أن تكون هناك هيئة أو جمعية أو
لجنة أو شخصية ،قد أسند إليها وقامت بالفعل بإعداد مشروع الدستور ،كما حدث بالنسبة لبعض دساتير
العالم .وال يختلف األمر إذا كانت هذه الجمعية أو اللجنة التحضيرية للدستور منتخبة أو معينة ،إذ تقتصر
مهمتها على مجرد تحضير الدستور فحسب تمهيدًا لعرضه على الشعب لالستفتاء عليه بالموافقة أو
.بالرفض ،ويعتبر تاريخ إعالن نتيجة االستفتاء هو الفصل في بدء سريان الدستور والعمل بأحكامه
وإذا كان بعض الفقهاء قد ذهب إلى عدم اعتبار أسلوب االستفتاء الشعبي أسلوبا متميزا عن أسلوب الجمعية
التأسيسية أي عدم التفرقة بين الجمعية التأسيسية واالستفتاء السياسي على أساس طريقة واحدة ،بل يعتبرون
االستفتاء مكمال للجمعية التأسيسية ،فهو حلقة له ويستدلون بالعديد من القرائن التاريخية ،فقد يوضع
المشروع الدستوري بواسطة جمعية تأسيسية ،مثال ذلك دستور 1946الفرنسي ،وقد يوضع عن طريق
.لجنة حكومية ،ومثال ذلك الدستور المصري الصادر سنة ، 1956أو دستور الجمهورية الخامسة 1958
وأخيرا ما يمكن قوله في هذه المسألة هو وجود اختالف بين الجمعية التأسيسية واالستفتاء الدستوري ،
فاألول يتخذ قوته اإللزامية بمجرد صدوره عن الجمعية ،فال يشترط فيه عرضه على الشعب ،وهذا فعال ما
حدث سنة 1946في فرنسا ،بحيث الجمعية التأسيسية أقرها الدستور في مايو ،1946وعرضه على
الشعب ،فرفض الموافقة عليه مما أدى إلى إنشاء جمعية تأسيسية أخرى لصياغة المشروع من جديد
وعرضه على الشعب في أكتوبر 1946الذي وافق عليه .كما يجب التفرقة بين االستفتاء الدستوري
واالستفتاء السياسي ،فقد تنتهج هذه الطريقة لترويض الشعب لقبول األوضاع السائدة ،فهو إقراري (بمعنى
إقرار مشروع دستوري تضعه جمعية تأسيسية رغم اختالف في تكوينها ،كما حدث للدساتير الفرنسية (
، )1946-1795-1793أو دستور ايرلندا الحرة سنة . 1973وليس كاشفا لإلرادة الشعبية ،فالشعب في
هذا الموطن له دور سلبي ،بحيث يستشار شكليا لتبييض وجه النظام الحاكم ،كاالستفتاء بشأن إبقاء نابليون
قنصال عاما مدى الحياة 1802أو استفتاء سنة 1804بشأن توارث اإلمبراطورية في ساللة نابليون .وقد
أتبع هذا الدستور في وضع دستورنا لسنة 1976ودستور ايطاليا لسنة 1948والعديد من الدساتير
الحديثة .كما تعتبر هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من غيرها ،إال أنها لكي تحقق تلك الميزة أهدافها يجب أن
يكون الشعب واعيا ومدركا للعمل العظيم الذي يقوم به ،ونظرا لصعوبة تحقيق هذه األمنية فان على السلطة
التي تريد مشاركة الشعب فعال في اتخاذ القرارات الحاسمة أن تتجنب تقديم النصوص المعقدة له بل تقدمها
فقط للبرلمان بشرط أن يكون برلمانا وليس هيئة فنية استشارية وتقتصر على تقديم المسائل البسيطة
الواضحة على أن تسبقها حملة إعالمية وتنظم مناقشات حول الموضوع حتى يشعر الشعب بأنه شارك فعال
في وضع النص ولم يقتصر على تقديم استشارة .طريقة المعاهدات الدولية :بعض الدساتير يمكن أن ترجع
في نشأتها إلى معاهدات دولية مثل الدستور البولندي لعام 1815والدستور األلماني لعام ،1871حيث
يكون الدستور مستمدا من معاهدة دولية
.
.المطلب األول :أساليب نشأة الدساتير الجزائرية في ظل نظام األحادية الحزبية
.الفرع األول :دستور 08سبتمبر o )9(1963
دستور 1963كان دستور برنامج ،بمعنى أنه يغلب عليه الطابع اإليديولوجي على الجانب القانوني ،
ويعرف في األنظمة االشتراكية ،فالدستور في هذه الحالة يكرس االشتراكية ويحددها هدفا ينبغي تحقيقه ،
كما يحدد وسائل تحقيقها ويكرس أيضا هيمنة الحزب الحاكم ،ومع ذلك كله فإنه يتناول الجوانب القانونية
.المتعلقة بتنظيم السلطة كما يبين حقوق وحريات األفراد ومجاالتها
وضع دستور 1963كان من اختصاصات المجلس التأسيسي المنشئ بحكم اتفاقية افيان ،وهي الحالة
الوحيدة التي عرفتها الجزائر منذ حصولها على االستقالل .ولإلشارة فإنه عندما بدأ المجلس التأسيسي عملية
إعداد أول دستور في الجزائر سنة ، 1963أستحوذ المكتب السياسي للحزب على هذه المهمة بحجة أن
المجلس غير قادر على إستعاب الموضوع الحقيقي للثورة ،و االستجابة لطموحات الشعب في العدالة
االجتماعية ،و كلف لجنة إلعداد المشروع ثم عرضه على ندوة وطنية لإلطارات الحزبية ،فصادقت عليه
يوم 31جويلية ، 1963وقد أدى هذا األمر إلى خالف مع رئيس المجلس التأسيسي فرحات عباس الذي
قدم استقالته ،و رغم ذلك قدم المشروع للمجلس التأسيسي في 10سبتمبر ، 1963وعرض على االستفتاء
الشعبي 08سبتمبر 1963و نشر بتاريخ 10سبتمبر 1963في الجريدة الرسمية .عمر هذا الدستور هو
23يوم فقط حيث جمده رئيس الجهورية أحمد بن بلة 09أكتوبر 1963تطبيقا للمادة 59من الدستور التي
نصت على أنه في حالة الخطر الوشيك الوقوع يمكن لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير االستثنائية لحماية
استقالل األمة و المؤسسات الجمهورية و يجتمع المجلس الوطني وجوبا ،و لقد عرفت الجزائر أوسع
عمليات مراجعة للدساتير فقد تم وقف العمل بدستور 1963األول للجزائر المستقلة بموجب األمر
65/182الصادر في 10جويلية 1965إثر انقالب 19جوان 1965تحت قيادة الرئيس هواري بومدين
و الذي أدى إلى إلغاء هذا الدستور و سمي تصحيحا ثوريا مقبوال من الناحية السياسية و التاريخية حتى و إن
كان مرفوضا دستوريا .فرغم أن المشرع الجزائري أخذ بالطريقة الديمقراطية ( الجمعية التأسيسية
واالستفتاء ) إال أن هذه الطريقة يشوبها العديد من المخالفات ،كمناقشة الدستور على المستوى الحزبي ،مما
.تبعه سلسلة من االستقاالت على مستوى المجلس التأسيسي ( فرحات عباس ،حسين آيت أحمد)...
.الفرع الثاني :دستور 22نوفمبر o )10( 1976
حاولت جماعة 19جوان 1965تأسيس نظام سياسي مدستر ،فأصدرت نصين ،إحداهما ذو طابع سياسي
إيديولوجي هو " الميثاق الوطني " أعتبر بمثابة عقد بين الحاكم والمحكومين ،إذ تضمن المحاور الكبرى
لبناء المجتمع االشتراكي وحدد الحزب الواحد ،ووحدة القيادة السياسية للحزب والدولة ،والثاني يعتبر
" .تكريسا قانونيا لألول وهو " الدستور
وضع دستور 1976جاء بعد إصدار القيادة في الجريدة الرسمية رقم 58والمؤرخة في 13جويلية 1965
،عزمها على استصدار دستور فتشكلت لجنة حكومية لصياغة نص الدستور وتقديمه لالستفتاء الدستوري
يوم 19نوفمبر ، 1976وتمت الموافقة عليه و أصدر بالجريدة الرسمية رقم 94في 24نوفمبر .1976
وكان إقرار الميثاق الوطني سابق له ،فقد تم إعداد المشروع التمهيدي على مستوى مجلس الثورة والحكومة
،وفتحت المناقشة العامة خالل شهري ماي وجوان .و منه نلحظ كذلك أن دستور 1976نشأ بأسلوب األخذ
بالطريقة الديمقراطية ( لجنة حكومية لصياغة واالستفتاء
).
.المطلب الثاني :أساليب نشأة الدساتير الجزائرية في ظل النظام اللبرالي
.الفرع األول :دستور 23فيفري o )11( 1989
بالنسبة لهذا الدستور فإنه لم يكن وليد ظروف عادية ،وإنما لتلبية مطالب عديدة جسدتها أحداث أكتوبر
1988التي جاءت كرد فعل ألوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مزرية ،أدت فقدان أغلبية الشعب الثقة
في السلطة وألجل ذلك وحفاظا على مؤسسات الدولة فقام رئيس الجمهورية الشادلي بن جديد بفتح باب
الحوار وطرح القضايا األساسية على الشعب للفصل بكل ديمقراطية كما وعد بالقيام بإصالحات سياسية
ودستورية ،ومنها دستور 23فيفري 1989الذي كرس مبدأ التعددية الحزبية ،واقتصر على ذكر الجوانب
القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة وتحديد صالحياتها وتكريس نظام الحريات وحقوق األفراد ،هذا الدستور
.الذي تبنى فكرة الرقابة بعد أن أهملها الدستور السابق أي 1976وهو بذلك يتفق مع دستور 1963
تم اإلعالن عن المشروع الدستوري ،مما تبعته مناقشات على مستوى اإلعالم المكتوب والمرئي ،وتحضير
العديد من الموائد المستديرة بمشاركة مختلف االتجاهات ( اإلسالميين ،األحرار ،الديمقراطيين ،أعضاء
جبهة التحرير الوطني ) ،وقد تم إقرار الدستور من خالل استفتاء دستوري يوم 23فيفري 1989وكانت
.النتائج نعم ، %78.98وهكذا فإن الدستور أقر عن طريق االستفتاء
.الفرع الثاني :دستور 28فيفري o )12(1996
إن هذا الدستور األخير ما هو إال نتيجة للظروف االستثنائية التي تعيشها البالد و األوضاع المزرية على كل
األصعدة ،خاصة منذ استقالة رئيس الجمهورية الشادلي بن جديد وتعطيل المسار االنتخابي وما ترتب عن
ذلك من أعمال هددت األمن العام واالستقرار السياسي والمؤسساتي للبالد ،وهذا مما دفع إلى إنشاء بعض
المؤسسات وصفت بالمؤسسات االنتقالية منها المجلس األعلى للدولة انتهت مهامه بتنظيم ندوة الوفاق
الوطني في جانفي .1994ثم أول انتخابات رئاسية تعددية شهدتها الجزائر ،وذلك في 16أفريل ،1995
كما تم إنشاء المجلس الوطني االنتقالي والذي تولى مهام السلطة التشريعية منذ 18ماي 1994إلى غاية
تنظيم االنتخابات التشريعية في جوان ،1997حيث ضم هذا المجلس ممثلي بعض األحزاب باإلضافة إلى
أغلبية ممثلي الحركة الجمعوية ،وبعض المنظمات الوطنية والنقابات التي لها ثقل على المستوى الوطني .
كما كان الهدف من هذا الدستور سد مجموعة من الثغرات التي تضمنها دستور 1989وخاصة فيما يخص
حالة تزامن شغور منصب رئيس الجمهورية مع حل المجلس الشعبي الوطني كما كان الحال في جانفي
. 1992ونظرا لألسباب السالفة الذكر تم اقتراح تعديل الدستور بمشاركة مجموع الطبقة السياسية بمختلف
تياراتها وخاصة في مرحلة إعداد الوثيقة المعدلة للدستور التي تمت المصادقة عليها من طرف األمة في
استفتاء 28نوفمبر .1996وقد جاء هذا الدستور بعدة تعديالت كإنشاء مجموعة من المؤسسات الدستورية
منها مجلس األمة والمحكمة العليا للدولة ،ومجلس الدولة ،كما كرس الرقابة الدستورية وذلك من خالل
الدور الفعال للمجلس الدستوري ،هذا األخير الذي ارتفع عدد أعضائه إلى تسعة كما جاء في نص المادة
164من دستور ، 1996أما مدة العضوية فلم تتغير أي ست سنوات غير قابلة للتجديد وال يمكن ألي
عضو أن يمارس أية وظيفة أو تكليف آخر
1. .
.الخاتمة
نخلص للقول بأن أساليب نشأة الدساتير تتباين وفقًا للظروف التي يوجد فيها كل دستور ،و يعتمد
على النظام السياسي القائم ونوع الحكم السائد في البالد .ومن ثم فقد مرت عملية نشأة الدساتير بعدة
:مراحل
المرحلة األولى :كان الملوك ينفردون بالسلطة التأسيسية من الناحية القانونية وهو ما أطلقنا عليه
.أسلوب المنحة
المرحلة الثانية :وهى المرحلة التي تبرز فيها جهود الشعب عن طريق هيئات تعمل باسمه لحمل
الملوك على االعتراف بحق الشعب في المشاركة في السلطة التأسيسية ،وهو ما يعرف بأسلوب
،التعاقد
المرحلة الثالثة :وهى مرحلة إنفراد الشعب بالسلطة التأسيسية وهو أسلوب الجمعية التأسيسية ،
والذي قد أدى إلى ظهور أسلوب االستفتاء الدستوري .في الحاالت التي ال يباشر فيها الشعب بنفسه
السلطة التأسيسية ويوكلها إلى هيئة أو لجنة مختصة ،تضع مشروع الدستور الذي ال يتحول إلى
دستور إال بعد موافقة الشعب عليه في االستفتاء العام ويجب األخذ بعين االعتبار عند البدء في
وضع مسودة الدستور تجنب االعتماد على أسلوب أو اصطالحات معينة ومحددة مثل أساليب العقد
أو التعاقد أو المنحة ،وينبغي أن ينصب جهد اللجنة التأسيسية على دراسة حقائق نشأة الدستور في
ضوء الظروف السياسية التي صاحبت نشأته في المجتمع .والثابت فقهًا أن أسلوب االستفتاء
الشعبي ال يكون إال بشأن موضوع محدد إلقراره ،ومثاله االستفتاء بشأن تغيير شكل نظام الحكم أو
االستفتاء على مشروع الدستور .إذ ينبغي قانونًا أن يكون االنتخاب المباشر من الشعب هو األداة
.الشرعية الختياره واستفتائه فيه بالموافقة أو الرفض
و بالنظر ألساليب نشأة الدساتير الجزائرية نجد األتي
.دستور : 1963نشأ بأسلوب الجمعية التأسيسية واالستفتاء الشعبي ،عرف مشروع برنامج -
دستور : 1976نشأ بأسلوب تشكيل لجنة حكومية لصياغة نص الدستور ،وتقديمه لالستفتاء -
.الشعبي ،حيث كان إقرار الميثاق الوطني سابق له
دستور : 1989قام رئيس الجمهورية بفتح باب الحوار في القضايا األساسية على الشعب للفصل -
بكل ديمقراطية ،و بعد المناقشة بكافة الوسائل المتاحة ،نتج ما عبر عنه بمشروع قانون ،أال و هو
دستور ، 1989جسد من خالله مطالب الشعب السياسية و الدستورية و دخول النظام السياسي
مرحلة التعددية ،باإلقرار عن طريق االستفتاء
دستور : 1996نتيجة الثغرات الدستورية ،و أبرزها حالة حل البرلمان بالتزامن مع شغور -
منصب رئيس الجمهورية في دستور ، 89و تعطل مؤسسات الدولة ،تم اقتراح تعديل الدستور
بمشاركة مجموع الطبقة السياسية بمختلف تياراتها وخاصة في مرحلة إعداد الوثيقة المعدلة للدستور
التي تمت المصادقة عليها من طرف األمة في استفتاء 28نوفمبر .1996وقد جاء هذا الدستور
.بعدة تعديالت ،و أقر باالستفتاء
.المالحق
.مدونة دستور 1- 1963
.مدونة دستور 2- 1976
.مدونة دستور 3- 1989
.مدونة دستور 4- 1996
.الهوامش
سعيد بوالشعير ،القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة ،ج ، 1د.م.ج ،الجزائر ،ط (1) :
، 2007 ، 8 .ص 170،171،172
.سعيد بوالشعير ،نفس المرجع ،ص (2) : 164
.سعيد بوالشعير ،نفس المرجع ،ص (3) : 164
فوزي أوصديق ،الوافي في شرح القانون الدستوري ،ط ، 1ج ، 2د .م .ج ،الجزائر (4) : ،
( ،1994 .بتصرف )
.سعيد بوالشعير ،نفس المرجع ،ص ( ، 173بتصرف ) (5) :
.سعيد بوالشعير ،نفس المرجع ،ص ( ، 174بتصرف ) (6) :
.سعيد بوالشعير ،نفس المرجع ،ص ( ، 175بتصرف ) (7) :
.سعيد بوالشعير ،نفس المرجع ،ص ( ،177 / 176بتصرف ) (8) :
محفوظ لعشب ،التجربة الدستورية في الجزائر ،المطبعة الحديثة للفنون المطبعية (9) : ،
، 2001 .ص ( ، 70بتصرف )
.محفوظ لعشب ،نفس المرجع ( ،بتصرف ) (10) :
.محفوظ لعشب ،نفس المرجع ( ،بتصرف ) (11) :
.محفوظ لعشب ،نفس المرجع ( ،بتصرف ) (12) :
.المراجع
.التجربة الدستورية في الجزائر 1-
.د .محفوظ لعشب ،المطبعة الحديثة للفنون المطبعية ،الجزائر 2001 ،
.النظام الدستوري الجزائري و وسائل التعبير المؤسساتي 2-
.د .فوزي أوصديق ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،الطبعة الثانية 2008 ،
.الوافي في شرح القانون الدستوري 3-
د .فوزي أوصديق ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،الطبعة األولى ،الجزء الثاني ،
2008 .
.القانون الدستوري و النظم السياسة المقارنة 4-
د .سعيد بوالشعير ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،الجزء األول ،الطبعة الثامنة ،
2007 .
.الوجيز في القانون الدستوري 5-
.د .حسني بوديار ،دار العلوم للنشر و التوزيع ،الجزائر 2003 ،