You are on page 1of 11

‫‪ .

‬بحث حول ‪ :‬الدساتير الجزائرية‬


‫خطة البحث‬
‫‪ .‬مقدمة‬
‫‪.‬المبحث األول ‪ :‬ظهور الدساتير‬
‫‪ .‬المطلب األول ‪ :‬تاريخ و مكان ظهور أول دستور •‬
‫‪ .‬المطلب الثاني ‪ :‬أسباب و دوافع وضع الدساتير •‬
‫‪.‬المبحث الثاني ‪ :‬أساليب نشأة الدساتير‬
‫‪ .‬المطلب األول ‪ :‬األساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير •‬
‫‪ .‬الفرع األول ‪ :‬أسلوب المنحة ‪o‬‬
‫‪ .‬الفرع الثاني ‪ :‬أسلوب العقد أو االتفاق ‪o‬‬
‫‪ .‬المطلب الثاني ‪ :‬األساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير •‬
‫‪ .‬الفرع األول ‪ :‬أسلوب الوضع من قبل جمعية تأسيسية ‪o‬‬
‫‪ .‬الفرع الثاني ‪ :‬أسلوب االستفتاء الدستوري ‪o‬‬
‫‪ .‬المبحث الثالث ‪ :‬أساليب نشأة الدساتير الجزائرية‬
‫‪ .‬المطلب األول ‪ :‬أساليب نشأة الدساتير الجزائرية في ظل نظام األحادية الحزبية •‬
‫‪ .‬الفرع األول ‪ :‬دستور ‪ 08‬سبتمبر ‪o 1963‬‬
‫‪ .‬الفرع الثاني ‪ :‬دستور ‪ 22‬نوفمبر ‪o 1976‬‬
‫‪ .‬المطلب الثاني ‪ :‬أساليب نشأة الدساتير الجزائرية في ظل النظام اللبرالي •‬
‫‪ .‬الفرع األول ‪ :‬دستور ‪ 23‬فيفري ‪o 1989‬‬
‫‪ .‬الفرع الثاني ‪ :‬دستور ‪ 28‬فيفري ‪o 1996‬‬

‫‪ .‬الخاتمة‬
‫‪ .‬الهوامش‬
‫‪ .‬المراجع‬
‫‪ .‬الفهرس‬

‫‪ .‬المقدمة‬
‫من خالل ما عرفناه عن مفهوم الدستور‪ ،‬و ماهيته و أنواعه ‪ ،‬و أسباب وجوده ‪ .‬يتبين لنا بأنه تتنوع‬
‫األساليب التي تنشأ بها الدساتير ‪ ،‬بتنوع أنظمة الحكم السائدة ‪ ،‬في كل دولة من الدول ‪ .‬و إن توحدت‬
‫‪ :‬المنطلقات العامة لنشأة الدساتير فيها ‪ ،‬وفق المحاور التالية‬
‫األوضاع و العوامل المحيطة بالمجتمعات و الدول ‪ ،‬سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ‪1-‬‬
‫‪ .‬سياسية بوجه عام‬
‫‪ .‬تطور النظام السياسي ‪ ،‬تبعا للتطور الديمقراطي ‪2-‬‬
‫‪ .‬تطور التقاليد و الخبرات السياسية ‪ ،‬و هي تتطور بتطور األنظمة ‪3-‬‬
‫ففي ظل األنظمة السياسية القائمة على الحكم المطلق ‪ ،‬حيث ال حدود و ال قيود ‪ .‬على سلطات الحكام لم تنشأ‬
‫الدساتير المكتوبة ‪ ،‬ألنها باألساس ما تنشأ إال لتقييد هذه السلطات و الحد منها ‪ .‬و لكن مع انتشار األفكار‬
‫الديمقراطية ‪ ،‬ظهرت الحاجة إلى تدوين الدساتير من أجل تحديد الواجبات و الحقوق لكل من الحكام و‬
‫المحكومين ‪ .‬بإتباع طرق و أساليب تختلف باختالف الدولة ‪ ،‬و درجة النضج السياسي لدى الرأي العام‬
‫فيها ‪ .‬و قد يلعب األسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دورا هاما في كشف المذهب السياسي الذي ينطوي‬
‫عليه ( ‪ . ) 1‬فما هي هذه األساليب المتبعة التي تنشأ بواسطتها الدساتير ؟‬
‫نحاول الوقوف عند هذا اإلشكال من خالل إسقاطه على واقع نشأة الدساتير الجزائرية ‪ ،‬و لإلجابة عليه‬
‫نتطلع من خالل هذا البحث إلى تقديم إجابات محددة ‪ ،‬استنادا لفقهاء القانون الدستوري الجزائري ‪ .‬و بالنسبة‬
‫‪ .‬لعناصر البحث فقد قمنا بتقسيمه إلى ثالثة مباحث موضحة في خطة البحث‬

‫‪.‬المبحث األول ‪ :‬ظهور الدساتير‬


‫تختلف نشأة الدساتير و تتعدد ‪ ،‬و قبل التعرض ألساليب نشأتها ‪ ،‬يتوجب علينا معرفة تاريخ و مكان و‬
‫‪ .‬أسباب ظهور الدساتير ‪ ،‬و التطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة‬
‫‪ .‬المطلب األول ‪ :‬تاريخ و مكان ظهور أول دستور •‬
‫بمراجعتنا للتاريخ نجد أول دستور عرف بالمفهوم الفني الحديث كان في عهد الرسول – صلى هللا عليه‬
‫وسلم – و يعرف ( بالصحيفة ) ‪ ،‬تلك الوثيقة التي أعدها رسول اإلسالم لتنظيم أحوال دولة المدينة بعد أن‬
‫‪ .‬تنقل إليها من مكة‬
‫والبعض يرى بأن أوال بداية لظهور الدستور تعود للقرن الثالث عشر سنة ‪ ، 1215‬عندما منح الملك جان‬
‫‪ .‬ستير الميثاق األعظم للنبالء االنجليز الثائرين عليه‬
‫والبعض اآلخر يؤكد بدايتها في القرن التاسع عشر ‪ ،‬عندما وضع الجناح المؤيد لكرومويل في المجلس‬
‫العسكري دستورا ‪ ،‬و إن كان البرلمان و كرومويل ذاته لم يساند ذلك المشروع فبقي كذلك بحيث لم يعرض‬
‫على الشعب ‪ ،‬و إن كانت بعض نصوصه اعتمدت فيما بعد لتنظيم السلطة و عادت فيما بعد مصدرا لتنظيم‬
‫‪ .‬السلطة في الواليات المتحدة األمريكية (‪)2‬‬
‫أما الدساتير المكتوبة ظهرت في المستعمرات البريطانية بأمريكا الشمالية ‪ ،‬كرد فعل لالنفصال عن إنكلترا ‪.‬‬
‫فأول دستور عرفه العالم الغربي هو دستور ‪ 1776‬في فرجينيا ‪ ،‬و قد سبقه اإلعالن للحقوق الذي يعتبر‬
‫القاعدة األساسية ألي حكومة في فرجينيا ‪ ،‬ثم تلي ذلك في عام ‪ 1781‬صدور الدستور االتحادي للواليات‬
‫المتحدة األمريكية ‪ .‬فالمثل األمريكي كان سببا إلقتداء العديد من الدول به ‪ ،‬كفرنسا مثال عرفت أول دستور‬
‫مكتوب سنة ‪ ، 1791‬و قد سبقها قبل ذلك إعالن حقوق اإلنسان و المواطن الذي صدقت عليه الجمعية‬
‫‪ .‬الوطنية في أوت ‪)3 (1789‬‬
‫لقد أصبحت الدساتير المكتوبة من خصائص الدول الحديثة ‪ ،‬نتيجة لرواج األفكار الديمقراطية والحركات‬
‫السياسية التي نادت بمبدأ السيادة الشعبية ‪ ،‬وبلورة فكرة العقد االجتماعي ‪ ،‬ومبدأ الفصل بين السلطات ‪ .‬أمام‬
‫هذه المزايا العديدة انتقلت فكرة الدساتير المكتوبة إلى العديد من الدول األوروبية ‪ ،‬فصدر دستور السويد سنة‬
‫‪ ،1809‬والنرويج وبلجيكا سنة ‪ ،1831‬وعلى إثر الحرب العالمية األولى ‪ ،‬زاد انتشار الدساتير المكتوبة‬
‫كنتيجة منطقية للحد من التعسف في استعمال السلطة فصدر دستور روسيا يوم ‪ 10‬يوليو ‪ ،1918‬فدستور‬
‫‪ .‬تركيا ‪ 1924‬ودستور النمسا ‪ 1‬أكتوبر ‪1920‬‬
‫‪ .‬المطلب الثاني ‪ :‬أسباب و دوافع وضع الدساتير •‬
‫يعتبر انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات األوربية وسيطرة البرجوازية على السلطة إلى جانب ظهور‬
‫فكرة القومية وانحسار االستعمار كانت من األسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم ‪ ،‬وكان‬
‫غرض شعوب تلك األنظمة إثبات سيادتها الداخلية واستقالليتها ‪ ،‬وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع‬
‫دستور يبين السلطات وعالقاتها في الدولة الجديدة وعالقاتها بالمحكومين والدول األخرى ‪ .‬وأن هذه الدول‬
‫بوضع الدستور تؤهل نفسها إلقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة‬
‫النضج السياسي ‪ ،‬ولها الحق في االنضمام للمجتمع الدولي ‪ .‬وكما هو الحال على إثر الحرب العالمية األولى‬
‫‪ ،‬زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية ‪ ،‬بحيث حددت اختصاصات الحكام ومدى السلطات التي تحت‬
‫أيديهم والواجبات المفروضة عليهم حتى ال تتكرر نفس التجربة ( التعسف في استعمال السلطة ) ‪ ،‬كما أن‬
‫حركة التحرر‪ ،‬ساهمت بشكل فعال في انتشار هذه الظاهرة ‪ ،‬باألخص إذا علمنا أن أغلب هذه الدول تفتقر‬
‫إلى رصيد دستوري ‪ ،‬كانعدام حياة دستورية سابقة أو عدم وجود أعراف سابقة ‪ ،‬كل هذا كان سببا مباشرا‬
‫لوضع دستور مكتوب إلى جانب ضرورة اقتناء وتدوين وثيقة دستورية لالنضمام في المجتمع الدولي مثل ‪:‬‬
‫غينيا قد أعلن عن استقاللها يوم ‪ 02‬أكتوبر ‪ ، 1958‬وفي ذلك الوقت كانت الجمعية العامة لألمم المتحدة‬
‫منعقدة ‪ ،‬ولكي يضمن الرئيس سيكوتوري الحصول على الموافقة ‪ ،‬أصدر دستور في ‪ 10‬نوفمبر ‪، 1958‬‬
‫وأعلنت األمم المتحدة عن قبولها كعضو في ‪ 12‬نوفمبر ‪ .1958‬وفي الكويت دستور ‪ 1962‬إذ كانت قد‬
‫قبلت في جامعة الدول العربية في ‪ 30‬يوليو ‪ 1961‬بمجرد إعالن استقاللها في ‪ 19‬يونيو ‪ ،1961‬فإنها لم‬
‫تقبل في المم المتحدة ولم تنظم إلى المجتمع الدولي إال في ‪ 14‬مايو ‪ 1963‬أي بعد صدور دستورها في ‪11‬‬
‫نوفمبر ‪ ، 1962‬وإذا كانت حركة الدساتير المكتوبة قد سادت الدول العربية ‪ ،‬إال أن بعض دول الخليج‬
‫‪.‬تفتقر إلى دستور مكتوب وال يوجد فيها دستور مدون على نسق الدساتير المعاصرة (‪)4‬‬

‫‪.‬المبحث الثاني ‪ :‬أساليب نشأة الدساتير‬


‫‪ .‬المطلب األول ‪ :‬األساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير •‬
‫تعرف األساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير‪ ،‬بأنها األساليب التي ال يستأثر الشعب وحده في وضعها ‪،‬‬
‫وإنما الذي يضعها هو الحاكم وحده و تسمى ( منحة ) ‪ .‬أو باالشتراك مع األمة أو الشعب و يسمى ( عقد ) ‪.‬‬
‫وهما أسلوبان تزامنا مع تطور الملكية من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة‬

‫‪.‬‬
‫‪.‬الفرع األول ‪ :‬أسلوب المنحة (‪)5‬‬
‫يصدر الدستور في شكل منحة إذا تنازل الحاكم بإرادته المنفردة عن بعض سلطاته للشعب ‪ ،‬أو أن يحددها‬
‫ببعض القيود ‪ ،‬بواسطة قواعد قانونية يمن بها على شعبه في صورة دستور‪ .‬واألصل في هذه الدساتير أن‬
‫الحاكم هو مصدر السلطات ‪ ،‬ومنبع الحقوق والحريات ‪ ،‬يجمع بين يديه الوظائف واالختصاصات ‪ ،‬ومن‬
‫بينها االختصاص التأسيسي ‪ .‬غير أن انتشار األفكار الديمقراطية ‪ ،‬ونضج وعي الشعوب بحقوقها ‪ ،‬والدعوة‬
‫إلى الحد من السلطان المطلق ‪ ،‬دفع الحكام إلى منح شعوبهم دساتير‪ ،‬تنازلوا بموجبها عن جزء من‬
‫سيادتهم ‪ ،‬ليظهروا بمظهر المتفضلين على شعوبهم ‪ ،‬قبل أن تجبرهم األوضاع على التنازل عن ٌجل سيادتهم‬
‫‪ ، .‬وبالتالي يفقدون هيبتهم وكرامتهم‬
‫وهكذا ‪ ،‬وعلى الرغم من أن الشكل الخارجي للدستور الصادر بطريق المنحة يظهر على أنه عمل قانوني‬
‫صادر باإلرادة المنفردة للحاكم ‪ ،‬فإن الدستور لم يكن ليصدر إال نتيجة لضغط الشعوب على حكامها ‪،‬‬
‫ووعيها بحقوقها ‪ ،‬وخوف الحاكم من ثورتها وتمردها ‪ .‬ويسجل لنا التاريخ أمثلة كثيرة لدساتير صدرت‬
‫بطريق المنحة ‪ ،‬ومنها الدستور الفرنسي لعام ‪ 1814‬الذي أصدره لويس الثامن عشر لألمة الفرنسية ‪،‬‬
‫وجدير بالذكر إن معظم دساتير الواليات األلمانية في القرن التاسع عشر صدرت بهذه الطريقة ‪ .‬ومن أمثلة‬
‫الدساتير الممنوحة كذلك ‪ :‬الدستور اإليطالي لعام ‪ ، 1848‬والدستور الياباني لعام ‪ ،1889‬ودستور روسيا‬
‫لسنة ‪ ،1906‬وإمارة موناكو لعام ‪ ،1911‬وكذلك الدستور المصري لعام ‪ ،1923‬ودستور إثيوبيا لعام‬
‫‪ ،1931‬والقانون األساسي لشرقي األردن لعام ‪ ،1926‬ودستور اإلمارات العربية المتحدة لسنة ‪1971‬‬
‫وكذلك الدستور القطري لسنة ‪ . 1971‬ونتيجة لصدور الدستور بطريقة المنحة يظهر تساؤل هام ‪ ،‬حول‬
‫قدرة الحاكم الذي منح الدستور هل له الحق في سحبه أو إلغائه ؟ ولإلجابة على هذا السؤال انقسم الفقه إلى‬
‫‪ :‬اتجاهين‬
‫يذهب أولهما إلى قدرة الحاكم على استرداد دستوره طالما كان هذا الدستور قد صدر بإرادته المنفردة ‪1- ،‬‬
‫عل شكل منحة ‪ ،‬ألن من يملك المنح يملك االسترداد ‪ .‬يساند هذا الرأي أمثلة حدثت فعًال ‪ :‬حيث أصدر‬
‫شارل العاشر ملك فرنسا قرارًا ملكيًا عام ‪ 1830‬بإلغاء دستور عام ‪ ،1814‬تحت حجة أن المنحة أو الهبة‬
‫في الحقوق العامة تشبه الهبة في الحقوق الخاصة ‪ ،‬وكما يحق للواهب الرجوع عن الهبة ‪ .‬يحق للملك‬
‫‪ .‬الرجوع عن دستوره ‪ ،‬إذا صدر عن الشعب جحود للمنحة ونكران للجميل‬
‫ويذكر ثانيهما على الحاكم حق استرداد دستوره ‪ ،‬ما دام هذا الدستور قد صدر‪ ،‬حيث تترتب عليه حقوق ‪o‬‬
‫لألمة ‪ ،‬فال يحق للحاكم ‪ -‬عندها ‪ -‬المساس به إال باالستناد إلى الطرق القانونية المقررة بالدستور نفسه ‪،‬‬
‫حتى التسليم بأن صدور الدستور كان وليدًا لإلرادة المنفرد للحاكم ‪ ،‬ألن هذه اإلرادة تصلح أن تكون مصدرًا‬
‫لاللتزامات ‪ ،‬متى ما صادفت قبوًال من ذوي الشأن ‪ .‬وجدير باإلشارة أن الدستور الصادر بطريقة المنحة‬
‫يدرس على اعتبار أنه مرحلة تاريخية ‪ ،‬تمثلت باالنتقال من الملكيات المطلقة إلى الملكيات المقيدة ‪ ،‬وقد‬
‫انقضت وانتهت هذه المرحلة منذ زمن‪ ،‬نتيجة لزوال الحكم الفردي‪ ،‬واستعادة معظم الشعوب لكامل حقوقها‬
‫في السيادة والسلطة ‪ .‬ومع ذلك فما زالت بعض الدساتير تعتمد على اإلرادة المنفردة للحاكم ‪ ،‬في نشأتها وفي‬
‫إصدارها ‪ ،‬منذ تسلمه للسلطة وحتى مماته ‪ ،‬وإن أمكن استبداله بغيره ‪ .‬وقائمة الدساتير التي صدرت بهذه‬
‫الطريقة كبيرة ‪ .‬ولنا بعالمنا العربي أمثلة متعددة ‪ ،‬حتى أن بعضها ال يزال نافذًا إلى يومنا هذا‬

‫‪.‬‬
‫‪ .‬الفرع الثاني ‪ :‬أسلوب العقد أو االتفاق (‪)6‬‬
‫ينشأ الدستور وفق طريقة العقد بناء على اتفاق بين الحاكم من جهة والشعب من جهة أخرى ‪ .‬أي ال تنفرد‬
‫إرادة الحاكم بوضع الدستور‪ ،‬كما هو الحال في صدور الدستور على شكل منحة ‪ ،‬وإنما يصدر الدستور تبعًا‬
‫لهذه الطريقة بتوافق إرادتي كل من الحاكم والشعب ‪ .‬ويترتب على ذلك أال يكون بمقدور أي من طرفي العقد‬
‫االنفراد بإلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله ‪ .‬وعلى هذا النحو ٌت مثل طريقة العقد أسلوبًا متقدمًا على طريقة‬
‫المنحة ‪ ،‬ألن الشعب يشترك مع الحاكم في وضع الدستور في طريقة العقد ‪ ،‬بينما ينفرد الحاكم بوضع‬
‫الدستور في طريقة المنحة ‪ .‬وبناء على ذلك ‪ ،‬يعد أسلوب العقد مرحلة انتقال باتجاه األساليب الديمقراطية ‪.‬‬
‫خاصة وأن ظهور هذا األسلوب ‪ -‬ألول مرة ‪ -‬كان نتيجة لنشوب ثورات ‪ ،‬في كل من انجلترا وفرنسا‪ .‬ففي‬
‫إنجلترا ثار األشراف ضد الملك جون ‪ ،‬فأجبروه على توقيع العهد األعظم في عام ‪ ، 1215‬الذي يعتبر‬
‫مصدرًا أساسيُا للحقوق والحريات ‪ .‬وبنفس الطريقة ‪ ،‬تم وضع وثيقة الحقوق لعام ‪ 1689‬بعد اندالع ثورة‬
‫ضد الملك جيمس الثاني ‪ ،‬حيث اجتمع ممثلون عن الشعب ‪ ،‬ووضعوا هذه الوثيقة ‪ ،‬التي قيدت سلطات الملك‬
‫‪ ،‬وكفلت الحقوق والحريات األساسية لألفراد ‪ .‬وتمت دعوة األمير وليم األورنجي لتولي العرش ‪ ،‬على‬
‫أساس االلتزام بالقيود الواردة بالوثيقة ‪ .‬وتشكل هاتان الوثيقتان جزءًا هامًا من الدستور اإلنجليزي الذي‬
‫‪ .‬يتكون معظمه من القواعد العرفية‬
‫أما في فرنسا فقدر صدر أول دستور فيها بطريقة العقد إثر ثورة سنة ‪ 1830‬ضد الملك شارل العاشر‪،‬‬
‫ووضع مشروع دستور جديد من قبل جمعية منتخبة من قبل الشعب ‪ ،‬ومن ثم دعوة األمير لويس فيليب‬
‫لتولي العرش ‪ ،‬إذا قبل بالشروط الواردة بالدستور الجديد ‪ .‬وبعد قبول األمير بهذه الشروط نودي به ملكًا‬
‫على فرنسا ‪ .‬يشار كذلك ‪ ،‬إلى أن جميع الدساتير التي صدرت بطريقة العقد كانت من عمل جمعيات‬
‫منتخبة ‪ ،‬واألمثلة على هذا النوع من الدساتير عديدة نذكر منها الميثاق األعظم في انجلترا سنة ‪ 1215‬الذي‬
‫هو جزء من دستور انجلترا ‪ ،‬وكذلك قانون الحقوق الصادر سنة ‪ 1688‬في نفس البلد ‪ ،‬ودساتير كل من‬
‫اليونان لسنة ‪ ، 1844‬ورومانيا لسنة ‪ ،1864‬وبلغاريا لسنة ‪ ، 1979‬والقانون األساسي العراقي لعام‬
‫‪ ،1925‬والدستورين الكويتي لسنة ‪ 1962‬والبحريني لسنة ‪ .1973‬حيث وضعت المجالس التشريعية في‬
‫هذه الدول الدساتير المذكورة ‪ ،‬ثم دعت أمراء أجانب لتولي العرش على أساس االلتزام بأحكامها ‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من أن أسلوب العقد يعد أسلوبا تقدميًا أكثر من أسلوب المنحة ‪ ،‬فإنه ال يعد أسلوبا ديمقراطيا خالصًا ‪،‬‬
‫ألنه يضع إرادة الحاكم على قدم المساواة مع إرادة الشعب ‪ ،‬بينما تفترض الديمقراطية أن يكون الشعب هو‬
‫صاحب السيادة ‪ ،‬ال يشاركه فيها ملك وال أمير‬

‫‪.‬‬
‫‪ .‬المطلب الثاني ‪ :‬األساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير •‬
‫تعرف األساليب الديمقراطية في وضع الدساتير‪ ،‬بأنها األساليب التي تستأثر األمة وحدها في وضعها دون‬
‫مشاركة الحاكم ملكا كان أو أميرا أو رئيسا للجمهورية ‪ .‬وبغض النظر عن التفصيالت واإلجراءات المتبعة‬
‫في وضع الدساتير داخل إطار هذا المفهوم الديمقراطي في وضع الدساتير‪ ،‬يمكن جمع هذه األساليب في‬
‫‪ .‬أسلوبين رئيسيين هما الجمعية التأسيسية وأسلوب االستفتاء الشعبي‬

‫‪ .‬الفرع األول ‪ :‬أسلوب الوضع من قبل جمعية تأسيسية (‪o )7‬‬


‫تعد نشأة الدساتير وفقًا لهذا األسلوب منطلقة من مبدأ السيادة الشعبية ‪ ،‬كما ينظر إليه أيضًا على أنه من‬
‫األساليب الديمقراطية لخلق الدساتير حيث يمثل مرحلة أكثر تقدمًا في نضال الشعوب ضد الحاكم المطلق ‪.‬‬
‫ويصدر الدستور وفقًا ألسلوب الجمعية التأسيسية من مجلس أو جمعية تنتخب بصفة خاصة من الشعب‬
‫ونيابة عنه ‪ ،‬يعهد إليها بمهام وضع وإصدار دستور جديد يصبح واجب النفاذ ‪ .‬ولذا فإن هذه الجمعية‬
‫التأسيسية أو كما يطلق عليها البعض اسم الجمعية النيابية التأسيسية هي في الواقع تجمع كل السلطات في‬
‫الدولة فهي سلطة تأسيسية تشريعية وتنفيذية ‪ .‬وهذا األسلوب في وضع الدساتير هو الذي تم إتباعه في وضع‬
‫معظم الدساتير التي ظهرت عقب الحرب العالمية األولى والحرب العالمية الثانية ‪ .‬وكأمثلة تاريخية على‬
‫أسلوب الجمعية التأسيسية نذكر دساتير الواليات المتحدة األمريكية عقب استقاللها من إنجلترا عام ‪1776‬م‬
‫كما اتخذته أمريكا أسلوبًا في وضع وإقرار دستورها االتحادي لعام ‪1787‬م وقد انتشرت هذه الطريقة فيما‬
‫بعد فاعتمد رجال الثورة الفرنسية هذا األسلوب من ذلك دستور فرنسا لعام ‪1791‬م ‪ ،‬وعام ‪1848‬م ‪ ،‬وعام‬
‫‪1875‬م ‪ ،‬وقد انتهج هذه الطريقة كل من اليابان عام ‪1947‬م ‪ ،‬والدستور اإليطالي عام ‪1947‬م ‪،‬‬
‫والدستور التشيكوسلوفاكي عام ‪1948‬م ‪ ،‬والدستور الروماني عام ‪1948‬م ‪ ،‬والدستور الهندي ‪1949‬م ‪،‬‬
‫والدستور السوري عام ‪ . 1950‬وتعد هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من الطريقتين السابقتين ‪ ،‬إذ أن الدستور‬
‫يقوم بوضعه في هذه الحالة جمعية منتخبة من الشعب ‪ .‬كما أن هذه الطريقة تحتوي على العديد من المخاطر‬
‫‪ :‬يمكن تلخيصها كاآلتي‬
‫احتمال انحراف الجمعية التأسيسية عن غرضها المنشود ‪ ،‬بتفوق السلطة التشريعية على باقي السلطات ‪1-‬‬
‫‪ .‬األخرى ‪ ،‬لكون أغلب األعضاء فيها تراودهم فكرة الترشح للمرة الثانية‬
‫االعتماد على فكرة الجمعية التأسيسية يحتمل فيها استحواذ هذه األخيرة على جميع االختصاصات مما قد ‪2-‬‬
‫‪ .‬يخلق عجزا وانسدادا أثناء معالجة المشاكل الشائكة وقت األزمات‬
‫احتمال رفض الشعب للجمعية التأسيسية بعد إقرارها للدستور‪ ،‬وهذا فعال ما حدث في دستور الجمعية ‪3-‬‬
‫‪ .‬الفرنسية الرابعة سنة ‪1946‬م ‪ ،‬مما بدد الطاقات والمجهودات‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬أسلوب االستفتاء الدستوري‬

‫ينشأ الدستور وفقًا لهذا األسلوب من خالل اإلرادة الشعبية الحرة ‪ ،‬إذ يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك‬
‫بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية ‪ ،‬في هذه الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب الذي يوكل األمر إلى‬
‫جمعية منتخبة تكون مهمتها وضع مشروع الدستور أو إلى لجنة معينة من قبل الحكومة أو البرلمان إن‬
‫وجد ‪ ،‬ومن أجل أن يكون استفتاء دستوري يجب أن تكّو ن أوال هيئة أو لجنة تقوم بتحضير مشروع الدستور‬
‫وعرضه على الشعب الستفتائه فيه ‪ ،‬ألخذ رأي الشعب في مشروع الدستور ‪ ،‬ولكن هذا المشروع ال تصبح‬
‫له قيمة قانونية إال بعد عرضه على الشعب واستفتائه فيه وموافقته عليه ‪ .‬علمًا بأنه ال يشترط أن تقوم بوضع‬
‫الدستور ‪ -‬المراد االستفتاء عليه ‪ -‬جمعية تأسيسية نيابية ‪ ،‬وإنما يفترض أن تكون هناك هيئة أو جمعية أو‬
‫لجنة أو شخصية ‪ ،‬قد أسند إليها وقامت بالفعل بإعداد مشروع الدستور‪ ،‬كما حدث بالنسبة لبعض دساتير‬
‫العالم ‪ .‬وال يختلف األمر إذا كانت هذه الجمعية أو اللجنة التحضيرية للدستور منتخبة أو معينة ‪ ،‬إذ تقتصر‬
‫مهمتها على مجرد تحضير الدستور فحسب تمهيدًا لعرضه على الشعب لالستفتاء عليه بالموافقة أو‬
‫‪ .‬بالرفض ‪ ،‬ويعتبر تاريخ إعالن نتيجة االستفتاء هو الفصل في بدء سريان الدستور والعمل بأحكامه‬
‫وإذا كان بعض الفقهاء قد ذهب إلى عدم اعتبار أسلوب االستفتاء الشعبي أسلوبا متميزا عن أسلوب الجمعية‬
‫التأسيسية أي عدم التفرقة بين الجمعية التأسيسية واالستفتاء السياسي على أساس طريقة واحدة ‪ ،‬بل يعتبرون‬
‫االستفتاء مكمال للجمعية التأسيسية ‪ ،‬فهو حلقة له ويستدلون بالعديد من القرائن التاريخية ‪ ،‬فقد يوضع‬
‫المشروع الدستوري بواسطة جمعية تأسيسية ‪ ،‬مثال ذلك دستور ‪ 1946‬الفرنسي ‪ ،‬وقد يوضع عن طريق‬
‫‪.‬لجنة حكومية ‪ ،‬ومثال ذلك الدستور المصري الصادر سنة ‪ ، 1956‬أو دستور الجمهورية الخامسة ‪1958‬‬
‫وأخيرا ما يمكن قوله في هذه المسألة هو وجود اختالف بين الجمعية التأسيسية واالستفتاء الدستوري ‪،‬‬
‫فاألول يتخذ قوته اإللزامية بمجرد صدوره عن الجمعية ‪ ،‬فال يشترط فيه عرضه على الشعب ‪ ،‬وهذا فعال ما‬
‫حدث سنة ‪ 1946‬في فرنسا‪ ،‬بحيث الجمعية التأسيسية أقرها الدستور في مايو ‪ ،1946‬وعرضه على‬
‫الشعب ‪ ،‬فرفض الموافقة عليه مما أدى إلى إنشاء جمعية تأسيسية أخرى لصياغة المشروع من جديد‬
‫وعرضه على الشعب في أكتوبر ‪ 1946‬الذي وافق عليه ‪ .‬كما يجب التفرقة بين االستفتاء الدستوري‬
‫واالستفتاء السياسي‪ ،‬فقد تنتهج هذه الطريقة لترويض الشعب لقبول األوضاع السائدة ‪ ،‬فهو إقراري (بمعنى‬
‫إقرار مشروع دستوري تضعه جمعية تأسيسية رغم اختالف في تكوينها ‪ ،‬كما حدث للدساتير الفرنسية (‬
‫‪ ، )1946-1795-1793‬أو دستور ايرلندا الحرة سنة ‪ . 1973‬وليس كاشفا لإلرادة الشعبية ‪ ،‬فالشعب في‬
‫هذا الموطن له دور سلبي ‪ ،‬بحيث يستشار شكليا لتبييض وجه النظام الحاكم ‪ ،‬كاالستفتاء بشأن إبقاء نابليون‬
‫قنصال عاما مدى الحياة ‪ 1802‬أو استفتاء سنة ‪ 1804‬بشأن توارث اإلمبراطورية في ساللة نابليون ‪ .‬وقد‬
‫أتبع هذا الدستور في وضع دستورنا لسنة ‪ 1976‬ودستور ايطاليا لسنة ‪ 1948‬والعديد من الدساتير‬
‫الحديثة ‪.‬كما تعتبر هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من غيرها ‪ ،‬إال أنها لكي تحقق تلك الميزة أهدافها يجب أن‬
‫يكون الشعب واعيا ومدركا للعمل العظيم الذي يقوم به ‪ ،‬ونظرا لصعوبة تحقيق هذه األمنية فان على السلطة‬
‫التي تريد مشاركة الشعب فعال في اتخاذ القرارات الحاسمة أن تتجنب تقديم النصوص المعقدة له بل تقدمها‬
‫فقط للبرلمان بشرط أن يكون برلمانا وليس هيئة فنية استشارية وتقتصر على تقديم المسائل البسيطة‬
‫الواضحة على أن تسبقها حملة إعالمية وتنظم مناقشات حول الموضوع حتى يشعر الشعب بأنه شارك فعال‬
‫في وضع النص ولم يقتصر على تقديم استشارة ‪ .‬طريقة المعاهدات الدولية ‪ :‬بعض الدساتير يمكن أن ترجع‬
‫في نشأتها إلى معاهدات دولية مثل الدستور البولندي لعام ‪ 1815‬والدستور األلماني لعام ‪ ،1871‬حيث‬
‫يكون الدستور مستمدا من معاهدة دولية‬

‫‪ .‬المبحث الثالث ‪ :‬أساليب نشأة الدساتير الجزائرية‬


‫بعد أن تناولنا في هذا البحث أساليب نشأة الدساتير بصفة عامة ‪ ،‬نقدم قراءة في أساليب نشأة الدساتير‬
‫الجزائرية التي بدأت مراحل نشأة الدساتير فيها عقب انتهاء االستعمار الفرنسي للجزائر سنة ‪، 1962‬‬
‫وجالء قواته عن أراضيها ‪ .‬فخالل تسعة و أربعون سنة من االستقالل عرفت الجزائر حياة دستورية‬
‫مضطربة بين المشروعية والشرعية ازدادت تأزما بعد الثمانينات ‪ ،‬فقد عرفت دستورين برامج مشحونين‬
‫باإليديولوجية االشتراكية سنة (‪ . )1976 – 1963‬ودستور قانون سنة (‪ )1989‬وتعديل لهذا األخير سنة (‬
‫‪ ،)1996‬ثم تعديله سنة ‪ 2002‬و ‪ . 2008‬ويرجع ذلك إلى تباين األوضاع السياسية واالقتصادية والقانونية‬
‫لكل مرحلة من مراحل التجربة الدستورية الجزائرية ‪ ،‬وخاصة في الفترة الممتدة بعد أحداث أكتوبر‪. 1988‬‬
‫سنحاول التعرض لكل مرحلة‬

‫‪.‬‬
‫‪ .‬المطلب األول ‪ :‬أساليب نشأة الدساتير الجزائرية في ظل نظام األحادية الحزبية‬
‫‪ .‬الفرع األول ‪ :‬دستور ‪ 08‬سبتمبر ‪o )9(1963‬‬
‫دستور ‪ 1963‬كان دستور برنامج ‪ ،‬بمعنى أنه يغلب عليه الطابع اإليديولوجي على الجانب القانوني ‪،‬‬
‫ويعرف في األنظمة االشتراكية ‪ ،‬فالدستور في هذه الحالة يكرس االشتراكية ويحددها هدفا ينبغي تحقيقه ‪،‬‬
‫كما يحدد وسائل تحقيقها ويكرس أيضا هيمنة الحزب الحاكم ‪ ،‬ومع ذلك كله فإنه يتناول الجوانب القانونية‬
‫‪.‬المتعلقة بتنظيم السلطة كما يبين حقوق وحريات األفراد ومجاالتها‬
‫وضع دستور ‪ 1963‬كان من اختصاصات المجلس التأسيسي المنشئ بحكم اتفاقية افيان ‪ ،‬وهي الحالة‬
‫الوحيدة التي عرفتها الجزائر منذ حصولها على االستقالل ‪ .‬ولإلشارة فإنه عندما بدأ المجلس التأسيسي عملية‬
‫إعداد أول دستور في الجزائر سنة ‪ ، 1963‬أستحوذ المكتب السياسي للحزب على هذه المهمة بحجة أن‬
‫المجلس غير قادر على إستعاب الموضوع الحقيقي للثورة ‪ ،‬و االستجابة لطموحات الشعب في العدالة‬
‫االجتماعية ‪ ،‬و كلف لجنة إلعداد المشروع ثم عرضه على ندوة وطنية لإلطارات الحزبية ‪ ،‬فصادقت عليه‬
‫يوم ‪ 31‬جويلية ‪ ، 1963‬وقد أدى هذا األمر إلى خالف مع رئيس المجلس التأسيسي فرحات عباس الذي‬
‫قدم استقالته ‪ ،‬و رغم ذلك قدم المشروع للمجلس التأسيسي في ‪ 10‬سبتمبر ‪ ، 1963‬وعرض على االستفتاء‬
‫الشعبي ‪ 08‬سبتمبر ‪ 1963‬و نشر بتاريخ ‪ 10‬سبتمبر ‪ 1963‬في الجريدة الرسمية ‪ .‬عمر هذا الدستور هو‬
‫‪ 23‬يوم فقط حيث جمده رئيس الجهورية أحمد بن بلة ‪ 09‬أكتوبر ‪ 1963‬تطبيقا للمادة ‪ 59‬من الدستور التي‬
‫نصت على أنه في حالة الخطر الوشيك الوقوع يمكن لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير االستثنائية لحماية‬
‫استقالل األمة و المؤسسات الجمهورية و يجتمع المجلس الوطني وجوبا ‪ ،‬و لقد عرفت الجزائر أوسع‬
‫عمليات مراجعة للدساتير فقد تم وقف العمل بدستور ‪ 1963‬األول للجزائر المستقلة بموجب األمر‬
‫‪ 65/182‬الصادر في ‪ 10‬جويلية ‪ 1965‬إثر انقالب ‪ 19‬جوان ‪ 1965‬تحت قيادة الرئيس هواري بومدين‬
‫و الذي أدى إلى إلغاء هذا الدستور و سمي تصحيحا ثوريا مقبوال من الناحية السياسية و التاريخية حتى و إن‬
‫كان مرفوضا دستوريا ‪ .‬فرغم أن المشرع الجزائري أخذ بالطريقة الديمقراطية ( الجمعية التأسيسية‬
‫واالستفتاء ) إال أن هذه الطريقة يشوبها العديد من المخالفات ‪ ،‬كمناقشة الدستور على المستوى الحزبي ‪ ،‬مما‬
‫‪ .‬تبعه سلسلة من االستقاالت على مستوى المجلس التأسيسي ( فرحات عباس ‪ ،‬حسين آيت أحمد‪)...‬‬
‫‪ .‬الفرع الثاني ‪ :‬دستور ‪ 22‬نوفمبر ‪o )10( 1976‬‬
‫حاولت جماعة ‪ 19‬جوان ‪ 1965‬تأسيس نظام سياسي مدستر‪ ،‬فأصدرت نصين ‪ ،‬إحداهما ذو طابع سياسي‬
‫إيديولوجي هو " الميثاق الوطني " أعتبر بمثابة عقد بين الحاكم والمحكومين ‪ ،‬إذ تضمن المحاور الكبرى‬
‫لبناء المجتمع االشتراكي وحدد الحزب الواحد ‪ ،‬ووحدة القيادة السياسية للحزب والدولة ‪ ،‬والثاني يعتبر‬
‫‪" .‬تكريسا قانونيا لألول وهو " الدستور‬
‫وضع دستور ‪ 1976‬جاء بعد إصدار القيادة في الجريدة الرسمية رقم ‪ 58‬والمؤرخة في ‪ 13‬جويلية ‪1965‬‬
‫‪ ،‬عزمها على استصدار دستور فتشكلت لجنة حكومية لصياغة نص الدستور وتقديمه لالستفتاء الدستوري‬
‫يوم ‪ 19‬نوفمبر ‪ ، 1976‬وتمت الموافقة عليه و أصدر بالجريدة الرسمية رقم ‪ 94‬في ‪ 24‬نوفمبر ‪.1976‬‬
‫وكان إقرار الميثاق الوطني سابق له ‪ ،‬فقد تم إعداد المشروع التمهيدي على مستوى مجلس الثورة والحكومة‬
‫‪ ،‬وفتحت المناقشة العامة خالل شهري ماي وجوان‪ .‬و منه نلحظ كذلك أن دستور ‪ 1976‬نشأ بأسلوب األخذ‬
‫بالطريقة الديمقراطية ( لجنة حكومية لصياغة واالستفتاء‬

‫‪).‬‬
‫‪ .‬المطلب الثاني ‪ :‬أساليب نشأة الدساتير الجزائرية في ظل النظام اللبرالي‬
‫‪ .‬الفرع األول ‪ :‬دستور ‪ 23‬فيفري ‪o )11( 1989‬‬
‫بالنسبة لهذا الدستور فإنه لم يكن وليد ظروف عادية ‪ ،‬وإنما لتلبية مطالب عديدة جسدتها أحداث أكتوبر‬
‫‪ 1988‬التي جاءت كرد فعل ألوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مزرية ‪ ،‬أدت فقدان أغلبية الشعب الثقة‬
‫في السلطة وألجل ذلك وحفاظا على مؤسسات الدولة فقام رئيس الجمهورية الشادلي بن جديد بفتح باب‬
‫الحوار وطرح القضايا األساسية على الشعب للفصل بكل ديمقراطية كما وعد بالقيام بإصالحات سياسية‬
‫ودستورية ‪ ،‬ومنها دستور‪ 23‬فيفري ‪ 1989‬الذي كرس مبدأ التعددية الحزبية ‪ ،‬واقتصر على ذكر الجوانب‬
‫القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة وتحديد صالحياتها وتكريس نظام الحريات وحقوق األفراد ‪ ،‬هذا الدستور‬
‫‪.‬الذي تبنى فكرة الرقابة بعد أن أهملها الدستور السابق أي ‪ 1976‬وهو بذلك يتفق مع دستور ‪1963‬‬
‫تم اإلعالن عن المشروع الدستوري ‪ ،‬مما تبعته مناقشات على مستوى اإلعالم المكتوب والمرئي ‪ ،‬وتحضير‬
‫العديد من الموائد المستديرة بمشاركة مختلف االتجاهات ( اإلسالميين ‪ ،‬األحرار‪ ،‬الديمقراطيين ‪ ،‬أعضاء‬
‫جبهة التحرير الوطني ) ‪ ،‬وقد تم إقرار الدستور من خالل استفتاء دستوري يوم ‪ 23‬فيفري ‪ 1989‬وكانت‬
‫‪ .‬النتائج نعم ‪ ، %78.98‬وهكذا فإن الدستور أقر عن طريق االستفتاء‬
‫‪ .‬الفرع الثاني ‪ :‬دستور ‪ 28‬فيفري ‪o )12(1996‬‬
‫إن هذا الدستور األخير ما هو إال نتيجة للظروف االستثنائية التي تعيشها البالد و األوضاع المزرية على كل‬
‫األصعدة ‪ ،‬خاصة منذ استقالة رئيس الجمهورية الشادلي بن جديد وتعطيل المسار االنتخابي وما ترتب عن‬
‫ذلك من أعمال هددت األمن العام واالستقرار السياسي والمؤسساتي للبالد ‪ ،‬وهذا مما دفع إلى إنشاء بعض‬
‫المؤسسات وصفت بالمؤسسات االنتقالية منها المجلس األعلى للدولة انتهت مهامه بتنظيم ندوة الوفاق‬
‫الوطني في جانفي ‪ .1994‬ثم أول انتخابات رئاسية تعددية شهدتها الجزائر‪ ،‬وذلك في ‪ 16‬أفريل ‪،1995‬‬
‫كما تم إنشاء المجلس الوطني االنتقالي والذي تولى مهام السلطة التشريعية منذ ‪ 18‬ماي ‪ 1994‬إلى غاية‬
‫تنظيم االنتخابات التشريعية في جوان ‪ ،1997‬حيث ضم هذا المجلس ممثلي بعض األحزاب باإلضافة إلى‬
‫أغلبية ممثلي الحركة الجمعوية ‪ ،‬وبعض المنظمات الوطنية والنقابات التي لها ثقل على المستوى الوطني ‪.‬‬
‫كما كان الهدف من هذا الدستور سد مجموعة من الثغرات التي تضمنها دستور ‪ 1989‬وخاصة فيما يخص‬
‫حالة تزامن شغور منصب رئيس الجمهورية مع حل المجلس الشعبي الوطني كما كان الحال في جانفي‬
‫‪ . 1992‬ونظرا لألسباب السالفة الذكر تم اقتراح تعديل الدستور بمشاركة مجموع الطبقة السياسية بمختلف‬
‫تياراتها وخاصة في مرحلة إعداد الوثيقة المعدلة للدستور التي تمت المصادقة عليها من طرف األمة في‬
‫استفتاء ‪ 28‬نوفمبر ‪ .1996‬وقد جاء هذا الدستور بعدة تعديالت كإنشاء مجموعة من المؤسسات الدستورية‬
‫منها مجلس األمة والمحكمة العليا للدولة ‪ ،‬ومجلس الدولة ‪ ،‬كما كرس الرقابة الدستورية وذلك من خالل‬
‫الدور الفعال للمجلس الدستوري ‪ ،‬هذا األخير الذي ارتفع عدد أعضائه إلى تسعة كما جاء في نص المادة‬
‫‪ 164‬من دستور ‪ ، 1996‬أما مدة العضوية فلم تتغير أي ست سنوات غير قابلة للتجديد وال يمكن ألي‬
‫عضو أن يمارس أية وظيفة أو تكليف آخر‬
‫‪1.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪ .‬الخاتمة‬
‫نخلص للقول بأن أساليب نشأة الدساتير تتباين وفقًا للظروف التي يوجد فيها كل دستور‪ ،‬و يعتمد‬
‫على النظام السياسي القائم ونوع الحكم السائد في البالد ‪ .‬ومن ثم فقد مرت عملية نشأة الدساتير بعدة‬
‫‪ :‬مراحل‬
‫المرحلة األولى ‪ :‬كان الملوك ينفردون بالسلطة التأسيسية من الناحية القانونية وهو ما أطلقنا عليه‬
‫‪ .‬أسلوب المنحة‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬وهى المرحلة التي تبرز فيها جهود الشعب عن طريق هيئات تعمل باسمه لحمل‬
‫الملوك على االعتراف بحق الشعب في المشاركة في السلطة التأسيسية ‪ ،‬وهو ما يعرف بأسلوب‬
‫‪ ،‬التعاقد‬
‫المرحلة الثالثة ‪ :‬وهى مرحلة إنفراد الشعب بالسلطة التأسيسية وهو أسلوب الجمعية التأسيسية ‪،‬‬
‫والذي قد أدى إلى ظهور أسلوب االستفتاء الدستوري ‪ .‬في الحاالت التي ال يباشر فيها الشعب بنفسه‬
‫السلطة التأسيسية ويوكلها إلى هيئة أو لجنة مختصة ‪ ،‬تضع مشروع الدستور الذي ال يتحول إلى‬
‫دستور إال بعد موافقة الشعب عليه في االستفتاء العام ويجب األخذ بعين االعتبار عند البدء في‬
‫وضع مسودة الدستور تجنب االعتماد على أسلوب أو اصطالحات معينة ومحددة مثل أساليب العقد‬
‫أو التعاقد أو المنحة ‪ ،‬وينبغي أن ينصب جهد اللجنة التأسيسية على دراسة حقائق نشأة الدستور في‬
‫ضوء الظروف السياسية التي صاحبت نشأته في المجتمع ‪ .‬والثابت فقهًا أن أسلوب االستفتاء‬
‫الشعبي ال يكون إال بشأن موضوع محدد إلقراره ‪ ،‬ومثاله االستفتاء بشأن تغيير شكل نظام الحكم أو‬
‫االستفتاء على مشروع الدستور‪ .‬إذ ينبغي قانونًا أن يكون االنتخاب المباشر من الشعب هو األداة‬
‫‪ .‬الشرعية الختياره واستفتائه فيه بالموافقة أو الرفض‬
‫و بالنظر ألساليب نشأة الدساتير الجزائرية نجد األتي‬
‫‪ .‬دستور ‪ : 1963‬نشأ بأسلوب الجمعية التأسيسية واالستفتاء الشعبي ‪ ،‬عرف مشروع برنامج ‪-‬‬
‫دستور ‪ : 1976‬نشأ بأسلوب تشكيل لجنة حكومية لصياغة نص الدستور ‪ ،‬وتقديمه لالستفتاء ‪-‬‬
‫‪ .‬الشعبي ‪ ،‬حيث كان إقرار الميثاق الوطني سابق له‬
‫دستور ‪ : 1989‬قام رئيس الجمهورية بفتح باب الحوار في القضايا األساسية على الشعب للفصل ‪-‬‬
‫بكل ديمقراطية ‪ ،‬و بعد المناقشة بكافة الوسائل المتاحة ‪ ،‬نتج ما عبر عنه بمشروع قانون ‪ ،‬أال و هو‬
‫دستور ‪ ، 1989‬جسد من خالله مطالب الشعب السياسية و الدستورية و دخول النظام السياسي‬
‫مرحلة التعددية ‪ ،‬باإلقرار عن طريق االستفتاء‬
‫دستور ‪ : 1996‬نتيجة الثغرات الدستورية ‪ ،‬و أبرزها حالة حل البرلمان بالتزامن مع شغور ‪-‬‬
‫منصب رئيس الجمهورية في دستور ‪ ، 89‬و تعطل مؤسسات الدولة ‪ ،‬تم اقتراح تعديل الدستور‬
‫بمشاركة مجموع الطبقة السياسية بمختلف تياراتها وخاصة في مرحلة إعداد الوثيقة المعدلة للدستور‬
‫التي تمت المصادقة عليها من طرف األمة في استفتاء ‪ 28‬نوفمبر ‪ .1996‬وقد جاء هذا الدستور‬
‫‪.‬بعدة تعديالت ‪ ،‬و أقر باالستفتاء‬
‫‪ .‬المالحق‬
‫‪.‬مدونة دستور ‪1- 1963‬‬
‫‪.‬مدونة دستور ‪2- 1976‬‬
‫‪.‬مدونة دستور ‪3- 1989‬‬
‫‪.‬مدونة دستور ‪4- 1996‬‬
‫‪ .‬الهوامش‬
‫سعيد بوالشعير ‪ ،‬القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬د‪.‬م‪.‬ج ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪(1) :‬‬
‫‪ ، 2007 ، 8 .‬ص ‪170،171،172‬‬
‫‪ .‬سعيد بوالشعير ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪(2) : 164‬‬
‫‪ .‬سعيد بوالشعير ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪(3) : 164‬‬
‫فوزي أوصديق ‪ ،‬الوافي في شرح القانون الدستوري ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬ج ‪ ، 2‬د ‪ .‬م ‪ .‬ج ‪ ،‬الجزائر ‪(4) : ،‬‬
‫‪ ( ،1994 .‬بتصرف )‬
‫‪ .‬سعيد بوالشعير ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪ ( ، 173‬بتصرف ) ‪(5) :‬‬
‫‪ .‬سعيد بوالشعير ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪ ( ، 174‬بتصرف ) ‪(6) :‬‬
‫‪ .‬سعيد بوالشعير ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪ ( ، 175‬بتصرف ) ‪(7) :‬‬
‫‪ .‬سعيد بوالشعير ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪ ( ،177 / 176‬بتصرف ) ‪(8) :‬‬
‫محفوظ لعشب ‪ ،‬التجربة الدستورية في الجزائر ‪ ،‬المطبعة الحديثة للفنون المطبعية ‪(9) : ،‬‬
‫‪ ، 2001 .‬ص ‪ ( ، 70‬بتصرف )‬
‫‪ .‬محفوظ لعشب ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ( ،‬بتصرف ) ‪(10) :‬‬
‫‪ .‬محفوظ لعشب ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ( ،‬بتصرف ) ‪(11) :‬‬
‫‪ .‬محفوظ لعشب ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ( ،‬بتصرف ) ‪(12) :‬‬
‫‪ .‬المراجع‬
‫‪ .‬التجربة الدستورية في الجزائر ‪1-‬‬
‫‪ .‬د ‪ .‬محفوظ لعشب ‪ ،‬المطبعة الحديثة للفنون المطبعية ‪ ،‬الجزائر ‪2001 ،‬‬
‫‪ .‬النظام الدستوري الجزائري و وسائل التعبير المؤسساتي ‪2-‬‬
‫‪ .‬د ‪ .‬فوزي أوصديق ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2008 ،‬‬
‫‪ .‬الوافي في شرح القانون الدستوري ‪3-‬‬
‫د ‪ .‬فوزي أوصديق ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬الجزء الثاني ‪،‬‬
‫‪2008 .‬‬
‫‪ .‬القانون الدستوري و النظم السياسة المقارنة ‪4-‬‬
‫د ‪ .‬سعيد بوالشعير ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪،‬‬
‫‪2007 .‬‬
‫‪ .‬الوجيز في القانون الدستوري ‪5-‬‬
‫‪ .‬د ‪ .‬حسني بوديار ‪ ،‬دار العلوم للنشر و التوزيع ‪ ،‬الجزائر ‪2003 ،‬‬

You might also like