You are on page 1of 54

‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫تفريغ شرح‬
‫نظم أصول مذهب اإلمام مالك‬
‫رحمه الله‬

‫شرح فضيلة الشيخ‪/‬‬

‫محمد محمود ولد أحمد الشيخ الشنقيطي حفظه الله‬

‫‪1‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫‪‬‬
‫الدرس األول ‪3 ....................................................................................‬‬

‫الدرس الثان ‪13 ...................................................................................‬‬

‫الدرس الثالث‪23 ..................................................................................‬‬

‫الدرس الرابع ‪34 ..................................................................................‬‬

‫الدرس اخلامس ‪46 ................................................................................‬‬

‫تشجري النظم ‪54 ...................................................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫الدرس األول‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل أفضل املرسلني خاتم النبيني‪ ،‬وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬و َم ْن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك‬
‫أنت العليم احلكيم‪.‬‬

‫نبدأ بعون اهلل وتوفيقه ما تيرس من التعليق عىل منظومة أصول مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل‬
‫الو َاليت الشنقيطي رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫تعاىل للعالمة أمحد بن حممد بن أيب ُق َّفة املحجويب َ‬

‫(ترمجة املؤلف)‬

‫وهنا نضبط اسم هذا العلم رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬فاسمه أمحد بن حممد بن أمحد‪ ،‬وأمحد هذا الذي‬
‫هو جده ُيكنَّى باللهجة احلسان َّية التي هي هلجة أهل موريتانيا‪ُ ،‬يقال له‪ ،‬بو جفة‪ ،‬بو‪ :‬معناه‬
‫أبو‪ ،‬وجفة‪ :‬هي قفة َّ‬
‫الشعر‪ ،‬يعني عندما يطول شعر رأس اإلنسان نقول‪ :‬فالن (عاد‬
‫ابجفته)‪ ،‬فاجلفة باجليم املرصية التي تعرب عندنا بأهنا كاف معقودة معناها‪ :‬الشعر الطويل‪.‬‬

‫قف شعره‪ :‬إذا وقف خلوف‪ ،‬أو نحو‬


‫واشتقاقها قد يكون من القفة بمعنى الشجرة‪ ،‬أو من َّ‬
‫عرهبا بالقاف‪ ،‬فيقول‪ :‬أبو ُق َّفة‪ ،‬ونطقها بالكاف خطأ‪ ،‬بعض‬
‫ذلك‪ ،‬ومن أراد تعريبها فإهنا ُي ِّ‬
‫الناس يقول‪ :‬كَفة‪ ،‬أو كُفة‪ ،‬وهذا خطأ‪.‬‬

‫فهو أمحد بن حممد بن أمحد‪ ،‬وهو أبو ق َّفة‪ ،‬املحجويب ‪-‬نسب ًة إىل قبيلة املحاجيب‪َ -‬‬
‫الواليت ‪-‬‬
‫أيضا يغلط بعض الناس يف ضبطها‪ ،‬فيقول‪َّ :‬‬
‫الواليت‪ ،‬بالتشديد‪،‬‬ ‫نسبة إىل مدينة َ‬
‫والته وهذه ً‬

‫‪3‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫وهذا غري صحيح‪ ،‬فاملدينة ُيقال هلا‪َ :‬‬


‫والته‪ ،‬وهي مدينة يف أقىص الرشق املوريتان‪ ،‬وهي‬
‫مدينة من حوارض العلم القديمة ببالد شنقيط‪ ،‬كانت مليئة بالعلامء‪.‬‬

‫الشنقيطي؛ نسب ًة إىل اإلقليم‪ ،‬وإال فهو ليس من مدينة شنقيط‪ ،‬ولكن كام تعلمون مجي ًعا‬
‫الشنقيطي لقب لكل أهل تلك البالد‪ ،‬وهو عامل جليل رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬ت ِّ‬
‫ُويف سنة مخس‬
‫وسبعني ومائتني وألف‪.‬‬

‫وهذه املنظومة ذكر فيها عىل سبيل اإلمجال أصول اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬وهذه‬
‫األصول ينبغي أن ُيع َلم أن اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل مل يضعها‪ ،‬وإنام استنبطها أصحابه من‬
‫كتبه‪ ،‬وألجل ذلك وقع االختالف يف بعضها‪ ،‬وهو أراد أن يذكرها عىل سبيل اإلمجال ال‬
‫أيضا سنذكرها عىل سبيل اإلمجال‪ ،‬لكننا نعلق عىل كل أصل بام‬
‫عىل سبيل التفصيل‪ ،‬ونحن ً‬
‫نراه مناس ًبا من مسائله‪ ،‬دون أن نُلزم أنفسنا باخلوض يف تفاصيل مسائل كل أصل من هذه‬
‫األصول؛ ألن هذه األصول يمكن أن تكون ألفية لو ُبس َطت مسائلها وتفريعاهتا‪ ،‬لكن هذا‬
‫ليس هو املقصود‪ ،‬املقصود أن يعرف الطالب أصول مالك عىل سبيل ‪،‬اإلمجال بأن يعرف‬
‫كل أصل من هذه األصول‪ ،‬وأن يعرف حج َّية هذا األصل‪ ،‬وأن يعرف مهامت مسائله‪،‬‬
‫وتطبيقاته‪ ،‬وهذا هو الذي نريده‪ ،‬نسأل اهلل اإلعانة والتوفيق‪.‬‬

‫رشحا‬
‫ً‬ ‫الو َاليت رمحه اهلل تعاىل‬ ‫وهذه املنظومة رشحها َّ‬
‫العالمة حممد حييى بن حممد املختار َ‬
‫واف ًيا‪ ،‬وهو متوفر‪.‬‬

‫قال املؤلف رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬

‫َد ََلئِْ ْ ْ ْ ْ ْ َا اد ي‬
‫ِْ ْ ْ ْ ْ ْ ِ اد َ ِ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ِ اد ل َ َمْ ْ ْ ْ ْ ْ‬ ‫‪ .1‬احلم ْ ْ ْ ْ لا ِيِ‬
‫ذ اديْ ْ ْ ْ ِا َ ْ ْ ْ ْا َْ ي َم ْ ْ ْ ْ‬ ‫َ‬

‫ِّ اََْ ْ ْ ْ ْ ْْ ِِ ِأ َ َ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ َاا‬


‫َع َ ْ ْ ْ ْ ْ ْْ ادني ْ ْ ْ ْ ْ ِْْ ِأ‬ ‫َ ْ ْ ْ ْ ْ ْ َا ل ََْ ْ ْ ْ ْ ْ َاا‬
‫ص ْ ْ ْ ْ ْ ْ َاُل ََاد ي‬
‫‪ُ .2‬ثلي اد ي‬
‫‪4‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫ِ‬ ‫م ْ ْ ْ ْ ِ ِ اد ِ ْ ْ ْ ْ َا‬ ‫ِ ِ‬
‫َادتيْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ِ َ‬
‫ى َْلْ ْ ْ ْ ْ ْ ل َع َْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ادْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ يا ََا‬ ‫‪ََ .3‬آد ْ ْ ْ ْ ادصلْ ْ ْ ْ أِ ََ َ‬

‫اداصْ ْ ْ ِ ِز اد ي‬
‫ِْ ْ ْ اد َ ِ ْ ْ ْ‬ ‫ِذكْ ْ ْ ِن ْ ْ ْ ِِ ِ‬
‫ل ََ‬
‫‪ ْ َ .4‬لا َ د َصص ْ لا ِْ َاا اد ْنيَ ِ اد ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬

‫َََسْ ْ ْ ْ ْ ْ ْتَ ِم ْا ِِننْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل َْت َ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل ا لِْ ْ ْ ْ ْ ْ ْى‬ ‫ى َس ْ ْ ْ ْ ْتَ ِى‬ ‫اَي ِ‬


‫اذَ ا ل ْ ْ ْ ْ ْ َ‬ ‫‪ َْ .5‬لص ْ ْ ْ ْ ْ ل َ‬

‫ِن دِ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ة‬
‫َّ ا ِعِن ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ِ ِس ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْتيذَ َع َ‬ ‫‪َِ .6‬دديْ ْ ْذل ا َْ ْ ْا ِ‬
‫ا َِن ْ ْ ْا َ ِ‬
‫ِ ْ ْ ْ ْ ْ ْْ‬ ‫َ‬ ‫ا ا َ َْ ْْأ‬

‫الرش ِع ال َع ِز ِيز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بدأ بحمد اهلل تعاىل؛ اقتدا ًء بكتاب اهلل‪ ،‬فحمد اهلل تعاىل (ا َّلذي َقدْ َف َّه َام َد َالئ َل َّ ْ‬
‫ال ُع َل َام)‪ ،‬أي‪ :‬الذي َّ‬
‫فهم للعلامء دالئل‪ ،‬أي‪ :‬أدلة الرشع‪ ،‬واملراد أصوله اإلمجالية‪ ،‬ويف هذا ما‬
‫يسميه البالغيون براعة االستهالل؛ ألنه سيتكلم عن بعض مسائل األصول‪ ،‬سيذكر أصول‬
‫مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬فذكر يف مقدمة كتابه دالئل الرشع‪ ،‬فأشعر ذلك‬
‫سمى براعة االستهالل‪ ،‬وهو من املحسنات عند أهل البديع‪.‬‬
‫بمقصوده‪ ،‬وهذا ُي َّ‬

‫الص َالةُ)‪ ،‬عطف بـ َّ‬


‫(ثم) املفيدة للرتاخي؛ ألنه انتقل من مقام محد اهلل تعاىل إىل مقام‬ ‫( ُث َّم َّ‬
‫الصالة والثناء عىل أرشف املخلوقني ﷺ‪ ،‬وسأل اهلل تعاىل الصالة‪ ،‬أي‪ :‬الرمحة املقرونة‬
‫بالترشيف والتعظيم‪.‬‬

‫النبي‪ ،‬والنبيئ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الس َال ُم)‪ ،‬أي‪ :‬األمان‪َ ( ،‬أ َبدَ ا)‪ ،‬أي مستمرين‪َ ( ،‬ع َىل النَّبِ ِّي) ﷺ‪ ،‬و ُيقال‪:‬‬
‫( َو َّ‬
‫أيضا أصله باهلمز‪ ،‬وقد يكون من نبا‬
‫والنبي‪ :‬قد يكون ً‬
‫ُّ‬ ‫فالنبيئ اشتقاقه من النبأ‪ ،‬وهو اخلرب‪،‬‬
‫ينبو بمعنى‪ :‬ارتفع‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫اش ِم ِّي)‪ ،‬أي‪ :‬املنتسب إىل هاشم بن عبد مناف‪ ،‬فهو ﷺ‪ ،‬حممد بن عبد اهلل بن عبد‬
‫(اهل ِ‬
‫َ‬
‫املطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قيص بن كالب‪َ ( ،‬أ ْمحَدَ ا) ﷺ‪.‬‬

‫( َوآلِ ِه)‪ ،‬أي‪ :‬وأصيل وأسلم عىل آل النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهم عند املالكية أقارب‬
‫النبي ﷺ املؤمنني من بني هاشم خاصة دون غريهم‪ ،‬وقال الشافعية‪ :‬أقاربه املؤمنون من‬
‫بني هاشم‪ ،‬وبني املطلب بن عبد مناف‪.‬‬

‫والغرة أصلها بياض يكون يف جبهة الفرس‪ُ ،‬يعرف به الفرس فيكون‬


‫َّ‬ ‫(ال ُغ ِّر)‪ ،‬مجع َّ‬
‫أغر‪،‬‬
‫األغر فأطلقوه عىل كل مشهور معلوم‪ ،‬أي‪ :‬الذين‬
‫ِّ‬ ‫مشهورا معلو ًما‪ ،‬ثم توسعوا يف إطالق‬
‫ً‬
‫أيضا أن يكون كنَّى بالبياض عن اإليامن‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬وقد‬ ‫ُعلموا واشتهروا‪ ،‬ويمكن ً‬
‫اع ِمنْك ُْم‬ ‫ِ‬ ‫ُون يوم ا ْل ِقيام ِة ُغرا ُحم َج ِل َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني م ْن َأ َث ِر ا ْل ُو ُضوء‪َ ،‬ف َم ِن ْ‬
‫اس َت َط َ‬ ‫َّ‬ ‫قال النبي ﷺ‪« :‬إِ َّن ُأ َّمتي َي ْأت َ َ ْ َ َ َ ًّ‬
‫َأ ْن ُيطِ َيل ُغ َّر َت ُه َف ْل َي ْف َع ْل»‪.‬‬

‫( َو َص ْحبِ ِه)‪ ،‬أي‪ :‬أصحابه‪ ،‬اسم مجع صاحب وصاحب النبي ﷺ‪ُّ :‬‬
‫كل َم ْن آمن به‪ ،‬واجتمع‬
‫معه‪ ،‬ومات عىل دينه‪ ،‬ولو ختللت ذلك ردة عىل األصح‪.‬‬

‫الك َرا ْم)‪ ،‬أي‪ :‬املتصفني بالكرم مجي ًعا‪( ،‬والتَّابِ ِع َ‬


‫ني َهل ُ ُم)‪ ،‬أي‪ :‬وأصيل وأسلم ً‬
‫أيضا كذلك عىل‬ ‫( ِ‬

‫التابعني للنبي ﷺ‪ ،‬وآله وأصحابه‪َ ( ،‬ع َىل الدَّ َوا ْم)‪ ،‬أي‪ :‬عىل استمرار الزمن‪.‬‬

‫فصل هبا الكالم السابق عن الالحق‪ ،‬فهي ٌ‬


‫فصل للخطاب‪ ،‬أصلها‪ :‬أما بعد‪،‬‬ ‫( َو َبعدُ )‪ ،‬كلمة ُي َ‬
‫فكثر استعامهلا فحذفوا أ َّما‪ ،‬فقالوا‪ :‬وبعد‪ ،‬وك ُثر هذا يف كالم املتأخرين‪ ،‬وإن كان املعروف‬
‫عن العرب أن يقولوا‪ :‬أما بعد‪ ،‬أي‪ :‬بعدما ُذ ِكر من محد اهلل تعاىل‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬والصالة‬
‫والسالم عىل نبيه ﷺ‪ ،‬وعىل آله وأصحابه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫(الو ِج ْيز)‪،‬‬
‫( َفال َق ْصدُ )‪ ،‬أي‪ :‬املقصود‪( ،‬بِ َذا النَّ ْظ ِم)‪ ،‬أي‪ :‬هبذه األبيات املنظومة يف بحر الرجز‪َ ،‬‬
‫أي‪ :‬املخترص الذي هو قليل العبارة‪ ،‬لكنه كثري املعنى‪ِ ،‬‬
‫(ذك ُْر َم َب ِان)‪ ،‬أي‪ :‬املقصود هو أن‬
‫أذكر مبان‪ ،‬أي‪ :‬أصول الفقه‪ ،‬واملبان مجع مبنى‪ ،‬وهو ما ينبني عليه غريه‪ ،‬أي‪ :‬األصل الذي‬
‫ينبني عليه غريه‪ ،‬وقوله‪َ ( :‬م َب ِان ال ِف ْق ِه)‪ ،‬حيتمل‪:‬‬

‫● أن تكون (أل) فيه العهدية‪ ،‬واملقصود‪ :‬الفقه املعهود عندنا‪ ،‬وهو فقه اإلمام مالك‬
‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫● ويمكن أن يكون أراد بالفقه املعنى اللغوي‪ ،‬وهو الفهم‪ ،‬وعليه يتعلق به اجلار‬
‫مصدرا يصح تع ُّلق اجلار‬ ‫علام‪ ،‬بل يكون‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫واملجرور بعده؛ ألنه حينئذ ال يكون ً‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫واملجرور به‪ ،‬فيكون املعنى‪َ ( :‬م َبان الف ْقه يف َّ ْ‬
‫الرشعِ)‪ ،‬أي‪ :‬مبان فهم الرشع‪ ،‬والفقه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫يف الرشع‪ ،‬فيصح تع ُّلق املجرور به‬

‫ٍ‬
‫حينئذ شبه اجلملة‪ ،‬أي‪ :‬املقصود أنني أذكر األصول‬ ‫علام فإنه ال يتعلق به‬
‫أما إذا جعلنا الفقه ً‬
‫التي ينبني عليها فهم الرشع‪ ،‬وهي األصول التي تُستَفاد منها الفروع‪ ،‬أو مبان الفقه املعهود‬
‫عندنا‪ ،‬أي‪ :‬أذكر أصول الفقه املعهود عندنا‪ ،‬وهو فقه اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ني َأ ْست َِع ْ‬


‫ني)‪ ،‬أي‪ :‬وأستعني اهلل تعاىل‪ ،‬وإنام قدَّ م املعمول؛ إلفادة‬ ‫هللَّ املُ ِع َ‬
‫( َف ُق ْل ُت َوا َ‬
‫االختصاص‪ ،‬أي‪ :‬ال أستعني إال اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(و َأ ْست َِمدُّ ِمنْ ُه)‪،‬‬


‫ني)‪ ،‬أي‪ :‬أسأله أن يفتح يل بإجادة يف العلم والفهم‪َ ،‬‬ ‫( َو َأ ْست َِمدُّ ِمنْ ُه َفت َْح ُه املُبِ ْ‬
‫فتحه‪ ،‬أي‪ :‬أن يفتح يل باب العلم والفهم ( َفت َْح ُه املُبِ ْ‬
‫ني)‪.‬‬ ‫أي‪ :‬أطلب منه َ‬

‫ِ‬ ‫ب األَ َغ ْر َمالِ ٍك ِ‬ ‫فقلت‪َ ( : ،‬أ ِد َّل ُة املَ ْذ ِ‬


‫هب َم ْذ َه ِ‬ ‫( َأ ِد َّل ُة املَ ْذ ِ‬
‫اإلما ِم س َّت َة َع َ ْ‬
‫رش)‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هب)‪ ،‬هذا ما أقوله‪،‬‬
‫يعني‪ :‬أن أدلة مذهب اإلمام رمحه اهلل تعاىل هي ستة عرش ً‬
‫دليال‪ ،‬املقصود هنا األدلة‬

‫‪7‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫ُعني مسأل ًة جزئي ًة خاصة‪ ،‬أما األدلة التفصيلية فهي‬


‫اإلمجالية‪ ،‬واألدلة اإلمجالية هي التي ال ت ِّ‬
‫تغايرا‬
‫ً‬ ‫عتباري وليس‬
‫ٌّ‬ ‫تعني حكم جزئية معينة‪ ،‬والتغاير بينهام يف احلقيقة هو تغاير ا‬
‫التي ِّ‬
‫بالذات‪.‬‬

‫األدلة تنقسم إىل قسمني‪:‬‬

‫● إىل أدلة إمجالية‪.‬‬


‫● وأدلة تفصيلية‪.‬‬

‫ِ‬
‫فمثال‪ :‬قول اهلل تعاىل‪َ { :‬أق ِم َّ‬
‫الص َال َة} [اإلرساء‪:‬‬ ‫تغايرا يف الذات‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫لكن التغاير بينهام ليس‬
‫دليال إمجال ًّيا من جهة أن صيغة َأ ِق ْم‪( :‬ا ْف َع ْل)‪ ،‬فهذه الصيغة ُينظر فيها من‬
‫‪ ،]78‬هذا يعترب ً‬
‫جهة إمجالية‪ ،‬هل يقصد هبا الوجوب أو الندب؟ وهل تفيد الفور أم ال؟ وهل يكفي يف‬
‫امتثاهلا املرة أم أنه ال بد من التكرار؟ وهل األمر هبذا اليشء هني عن ضده؟ وهل األمر به‬
‫يقتيض اإلجزاء أو ال يقتيض اإلجزاء؟ وهذا هو حمل نظر األصويل‪ ،‬فهذا دليل إمجايل‪.‬‬

‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫لكن عندما ننصب هذه اآلية ً‬
‫دليال عىل وجوب حكم خاص‪ ،‬وهو الصالة‪ ،‬فإهنا‬
‫تكون ً‬
‫دليال جزئ ًّيا‪ ،‬وهو حمل نظر الفقيه‪ ،‬فالفقهاء هم الذين يستدلون عىل وجوب هذه‬
‫اجلزئية؛ ألن هذا حمل نظرهم‪.‬‬

‫اعتباري‪ ،‬وليس‬
‫ٌّ‬ ‫لكن كام ب َّينَّا التغاير بني الدليل اإلمجايل‪ ،‬وبني الدليل التفصييل‪ ،‬هو تغاير‬
‫تغايرا ذات ًّيا؛ ألن املثال واحد‪ ،‬لكن له جهتان‪:‬‬
‫ً‬

‫● جهة هي حمل نظر األصويل‪.‬‬


‫● وجهة هي حمل نظر الفقيه‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫ونحن هنا نتكلم عن األدلة اإلمجالية‪ ،‬هنا ال نريد تعيني حكم بمفرده‪ ،‬وإنام نريد تعيني ٍ‬
‫دليل‬
‫إمجا ٍّيل يمكن أن تُستنبط منه أحكام كثرية‪ ،‬فهو جمرد عن اجلزئيات‪.‬‬

‫وهذه األدلة اخت ُِلف يف عددها‪:‬‬

‫● فمنهم َم ْن جعلها ثامنية فقط‪.‬‬


‫● ومنهم َم ْن جعلها تسعة‪.‬‬
‫● ومنهم َم ْن جعلها عرشة‪.‬‬
‫● ومنهم َم ْن جعلها سبعة عرش أو ستة عرش‪.‬‬
‫● ومنهم َم ْن زادها عىل العرشين‪.‬‬

‫واملؤلف رمحه اهلل تعاىل اختار منها ست َة َ‬


‫عرش قد اتفقوا عىل معظمها‪ ،‬وما فيها من اخلالف‬
‫سنذكره إن شاء اهلل‪ ،‬واختياره من أحسن االختيارات يف هذا الباب‪.‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫ب األَ َغ ْر)‪ ،‬أي‪ :‬املشهور املعروف‪ ،‬وهو اإلمام مالك بن أنس بن مالك‬ ‫( َأ ِد َّل ُة املَ ْذ ِ‬
‫هب َم ْذ َه ِ‬

‫األص َبحي التيمي موالهم املدن رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬إمام دار اهلجرة‪ ،‬نجم العلامء‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬
‫احلمريي ْ‬
‫ٌ‬
‫فاملك النجم‪.‬‬ ‫اإلمام الشافعي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬إذا ُذكر العلامء‬

‫أدلة مذهبه ستة عرش‪ ،‬ثم رشع يف تفصيل هذه األدلة‪ ،‬وكام ب َّينَّا من قبل فإننا لن نخوض يف‬
‫تفاصيل مسائل هذه األدلة إال ما نرى أنه رضوري لتوضيح القاعدة‪ ،‬وتبيني األصل‪ ،‬فنحن‬
‫ال نريد دراسة علم أصول الفقه من خالل هذا الكتاب‪ ،‬فذلك علم آخر‪ ،‬له كتبه التي‬
‫درس فيها‪.‬‬
‫ُي َ‬

‫لسْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْن ِيذ َِنْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ دَْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل َ َي ا ِنيْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ‬ ‫َ ْ ْ ْني‬


‫ِ اد ْ‬ ‫ِ اد ِتَ ْ ْ ْ ِ‬
‫ا ُثلي نَْ ْ ْ ْ‬ ‫‪ .7‬نَْ ْ ْ ْ‬
‫‪9‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫(سن َِّة َم ْن َل ُه‬


‫قلت‪ُ :‬‬
‫شئت َ‬
‫أتم اهلل املنَّة‪ ،‬وإن َ‬ ‫ِ‬
‫(سنَّة َم ْن َل ُه َأت ََّم)‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫أو‪َ ( :‬أت َُّم املِنَّ ْه)‪ ،‬إن َ‬
‫قلت‪ُ :‬‬
‫َأت َُّم املِنَّه)‪ ،‬أي‪َ :‬م ْن له عىل األمة منَّ ٌة عظيم ٌة تام ٌة‪ ،‬له نعمة عىل أمته ﷺ‪.‬‬

‫(النص) من الكتاب أو السنة‪،‬‬


‫ُّ‬ ‫هذا هو الدليل األول‪ ،‬فالدليل األول من هذه األدلة هو‬
‫والنص املراد به اللفظ الذي ال حيتمل إال معنى واحدً ا‪ ،‬فهذا ال خالف يف أنه دليل‪ ،‬سواء‬
‫ُّ‬
‫كان ذلك من الكتاب‪ ،‬أو من السنة‪ ،‬وذلك كاألعداد‪ ،‬واألعالم‪ً ،‬‬
‫فمثال‪ :‬قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ُفرس بيشء غري‬‫نص‪ ،‬فثامنني هذه ال ُيمكن أن ت َّ‬ ‫وه ْم َث َامنِ َ‬
‫ني َج ْلدَ ًة} [النور‪ ،]4 :‬هذا ٌّ‬ ‫اج ِلدُ ُ‬
‫{ َف ْ‬
‫نازع شخص يف‬ ‫هذا املعنى املتبادر الواضح‪ ،‬وهو هذا العدد املخصوص‪ ،‬ال يمكن أن ُي ِ‬

‫داللته ويقول‪ :‬أنا أرى أن ثامنني هذه معناها ثالثون‪ ،‬أو أربعون‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫ِ‬
‫ب ِيف إِنَاء َأ َح ِدك ُْم َف ْل َي ْغ ِس ْل ُه َس ْب ًعا»‪ ،‬فقوله سبعا ً‬
‫أيضا عدد نص‪،‬‬ ‫وكقوله ﷺ‪« :‬إِ َذا َ ِ‬
‫رش َب ال َك ْل ُ‬
‫ال حيتمل معنى آخر‪.‬‬

‫اجل ُم َع ِة} [اجلمعة‪ ،]9 :‬اجلمعة علم عىل يوم من أيام‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫وكاألعالم‪{ :‬إِ َذا نُود َي ل َّ‬
‫لص َالة م ْن َي ْو ِم ْ ُ‬
‫األسبوع معروف‪ ،‬ال حيتمل يو ًما آخر‪ ،‬ال يمكن أن يقول قائل‪ :‬أنا أرى أن يوم اجلمعة هذا‬
‫معناه يوم الثالثاء ً‬
‫مثال‪ ،‬أو يوم اخلميس؛ ألن األعالم نصوص‪ ،‬فهذا نص‪ ،‬يوم اجلمعة نص‪،‬‬
‫ال حيتمل أن يكون يو ًما آخر‪.‬‬

‫فالنص سوا ًء كان من الكتاب أو من السنة فهو حجة عند اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وطب ًعا هو حجة عند مجاهري العلامء‪.‬‬

‫مع عليه‪ ،‬ومنها ما هو خم َت َلف فيه بني أهل العلم‪ ،‬وهذا‬


‫وهذه األصول منها ما هو ُجم ٌ‬
‫اإلطالق هو املراد هنا بالنص‪ ،‬وإال فإن النص له إطالقات أخرى‪ ،‬قال يف املراقي‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫َلَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ا‬ ‫َويُطْلََ َ َ َ َ َ َ َ َُ دََ َ َ َ َ َ َ َا‬ ‫‪................................‬‬

‫‪.................................‬‬ ‫َوي ِْف َكَمَي دََْ َي ْ ي ‪...................‬‬

‫يعني أن النص قد ُيطلق عىل الدليل مطل ًقا سواء كان وح ًيا‪ ،‬أو غري وحي‪ ،‬وقد ُيطلق عىل‬
‫الدليل من الكتاب أو السنة مطل ًقا‪ ،‬ف ُيقال ً‬
‫مثال‪ :‬ال قياس مع النص‪ ،‬والنص معناه وجود‬
‫كتاب أو سنة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فالنص له إطالقات أخرى‪.‬‬

‫لكن املقصود بالنص هنا اللفظ الذي ال حيتمل إال معنى واحدً ا‪ ،‬ومن أشهر أمثلته‪ :‬األعالم‪،‬‬

‫مثال‪ُ { :‬ح ِّر َم ْت َع َل ْيك ُُم املَْ ْي َت ُة} [املائدة‪ُ ،]3 :‬ح ِّر َم ْت‪ٌّ :‬‬
‫نص يف‬ ‫واألعداد‪ ،‬ويكون يف غريها‪ً ،‬‬
‫املنع‪ ،‬ال حتتمل معنى آخر‪.‬‬

‫لس ْ ْ ْ ْن ِيذ َِن ْ ْ ْ ْ ِِبد َاض ْ ْ ْ ْ ِا لك ِأ ْ ْ ْ ْ ِ َ ِم ْ ْ ْ ْ‬ ‫ا ََادَيْ ْ ْ ِ ل ِِنْ ْ ْ‬


‫‪ََ .8‬ظَْ ْ ْ ِ اد ِتَْ ْ ْ ِ‬
‫ل‬

‫ُيقال‪َ :‬ق ِم ٌن بكرس امليم‪ ،‬و َق َم ٌن بفتحها‪ ،‬أي‪ :‬جدير وحقيق‪ ،‬ولكن األنسب هنا كرس امليم؛‬
‫ملناسبة الشطر األول‪.‬‬

‫األصل الثان من أصول اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪ :‬هو الظاهر من الكتاب والسنة‪،‬‬
‫ً‬
‫احتامال‬ ‫والظاهر هو االحتامل الراجح فاللفظ الذي َّ‬
‫دل عىل معنى ظاهر حيتمل غريه‬
‫أيضا حجة عند اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪،‬‬
‫مرجوحا‪ ،‬يسمى معناه املتبادر ظاهرا ‪ ،‬وهو ً‬
‫ً‬
‫وعند مجاهري أهل العلم كام هو معلوم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫َاح َها َباطِ ٌل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫َح ْت ‪-‬أو‪ُ :‬أنْك َح ْت‪ -‬بِ َغ ْ ِري إِ ْذن َول ِّي َها َفنك ُ‬
‫ٍ‬
‫فمثال‪ :‬قول النبي ﷺ‪َ « :‬أ ُّي َام ا ْم َر َأة َنك َ‬
‫ً‬
‫َباطِ ٌل َباطِ ٌل»‪ ،‬هذا ظاهر يف كل امرأة صغري ًة كانت أو كبريةً‪ ،‬حر ًة كانت أو أ َم ًة‪ ،‬سفيه ًة أو‬
‫رشيدةً‪ ،‬ظاهر‪.‬‬

‫فمثال‪ :‬من التأويل أن ُيقال‪ :‬هذا خيتص بالصغرية‪ ،‬أو خيتص بالسفيهة‪ ،‬أو خيتص باألَ َمة؛‬ ‫ً‬
‫ألن قوله‪« :‬ا ْم َر َأ ٍة»‪ ،‬ظاهر يف العموم‪ ،‬فهذا دليل عند مالك رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫الص َيا َم ِم َن ال َّل ْي ِل»‪ ،‬هذا ً‬


‫أيضا ظاهره‬ ‫ِ‬ ‫وكقوله صىل اهلل عليه وسلم‪ِ َ :‬‬
‫«ال ص َيا َم ملن مل ُي َب ِّيت ِّ‬
‫اشرتاط تبييت النية يف كل صيام‪.‬‬

‫فالظاهر حجة عند اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬وينبغي أن ُيعلم أن األدلة الرشعية النطقية‬
‫من الكتاب والسنة يف داللتها تنقسم إىل أربعة أقسام؛ ألن اللفظ الرشعي من الكتاب‬
‫والسنة‪:‬‬

‫إما أن ال حيتمل إال معنى واحدً ا‪ ،‬فهذا هو النص‪ .‬وإما أن حيتمل معنيني وأكثر مع التساوي‬
‫سمى باملجمل‪.‬‬
‫ترجح معنى من املعان‪ ،‬فهذا ُي َّ‬
‫دون ُّ‬

‫مرجوحا يف بعضها‪،‬‬
‫ً‬ ‫ظاهرا يف بعض تلك املعان‪،‬‬
‫ً‬ ‫وإما أن حيتمل معنيني فأكثر‪ ،‬ويكون‬
‫سمى بالظاهر‪ ،‬ويقابله املؤول‪ ،‬واملؤول قد يكون‬
‫فذلك املعنى الراجح املتبادر هو الذي ُي َّ‬
‫ً‬
‫تأويال بعيدً ا؛ كالتأويل‬ ‫صحيحا إذا كان بأدلة قوية‪ ،‬وقد يكون مردو ًدا إذا كان‬
‫ً‬ ‫تأويله قري ًبا‬
‫الذي ذكرنا اآلن‪ ،‬تأويل املرأة بقرصها عىل الصغرية‪ ،‬أو عىل السفيهة‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬

‫ونقترص عىل هذا القدر إن شاء اهلل‪ ،‬سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪،‬‬
‫نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫الدرس الثان‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل أفضل املرسلني خاتم النبيني‪ ،‬وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬و َم ْن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬

‫نبدأ بعون اهلل تعاىل وتوفيقه الدرس الثان من التعليق عىل منظومة (أصول مذهب اإلمام‬
‫مالك رمحه اهلل تعاىل)‪ ،‬وقد وصلنا إىل قول املؤلف‪:‬‬

‫ُثلي َددِ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْْا س ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْن ِيذ ا يَا ِ‬


‫ل ل‬ ‫اذ‬ ‫‪ُ .9‬ثلي اد ْ ْ ْ ْ ْ ْ يادِ ا ِِن ْ ْ ْ ْ ْ ْ كِتَ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ِ‬
‫ا يِ‬
‫ل‬

‫تَْنِ ْ ْ ْ ْ ْ ل لْ ْ ْ ْ ْ ْ آ ة ََ لس ْ ْ ْ ْ ْن ِيذ اد ي لس ْ ْ ْ ْ ْ‬ ‫مْ ْ ْ دِ ِ اديْ ْ ْ ِ َِْ ْ ْ َْ لصْ ْ ْ‬ ‫ِ‬


‫‪ََِ .10‬نْ ْ ْ ل ل‬

‫ََ لس ْ ْ ْن ِيذ اََْ ْ ْ ِد لِ ََّ َا ْ ْ ْ ِ اد ي‬


‫ص ْ ْ ْ َ اا‬ ‫‪ ََ .11‬لح يجْ ْ ْذَ دَ َا ْ ْ ْ ِ َِنا ل ْ ْ ْ ل اد ِتَْ ْ ْ ا‬

‫َ ْ ْ ْ ْ َعَلْ ْ ْ ْ‬ ‫تَْنِ ْ ْ ْ ْ ل لسْ ْ ْ ْن ِيذ اديْ ْ ْ ْ ِا‬ ‫ا ِ لُثأ‬


‫ا تَْنِ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل كِتَ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ِ‬
‫‪ .12‬لُثيْ ْ ْ ْ ْ ْ َ‬

‫عرب عنه بدليل اخلطاب‪ ،‬وهو‬


‫األصل الثالث من أصول اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل الذي َّ‬
‫سمى مفهوم‬
‫مفهوم املخالفة‪ ،‬وهو إعطاء املسكوت عنه نقيض حكم املنطوق به‪ ،‬و ُي َّ‬
‫املخالفة‪ ،‬وأنواعه كثرية‪ ،‬مجعها ابن غازي رمحه اهلل تعاىل يف بيت واحد‪:‬‬

‫َو َُ َ َ َ َ َ َ َ َ اْ َََِْْ َ َ َ َ َ َ َ َ ي َو َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َِ ي ْ ََ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ر َود َْ َ َ َ َ َيق ْب َلي َ َ َ َ ْ َوَي َ َ َ َ ْ َََُْ َ َ َ َ‬


‫يص َ َ َ َ ْ‬

‫‪13‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫ف)‪ ،‬أي‪ :‬من املفاهيم مفهوم الصفة؛ كقوله تعاىل‪َ { :‬و َم ْن َمل ْ َي ْستَطِ ْع ِمنْك ُْم َط ْو ًال َأ ْن َين ِْك َح‬ ‫(ص ْ‬‫ِ‬

‫َات} [النساء‪َ { ،]25 :‬ف َت َياتِك ُُم‬ ‫َت َأيام ُنكُم ِمن َف َتياتِكُم املُْ ْؤ ِمن ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫املُْ ْح َصنَات املُْ ْؤمنَات َفم ْن َما َم َلك ْ ْ َ ْ ْ َ ُ‬
‫َات}‪ ،‬هذا مفهوم صفة‪ ،‬كقوله تعاىل يف كفارة القتل‪َ { :‬فت َْح ِر ُير َر َق َب ٍة ُم ْؤ ِمن ٍَة} [النساء‪:‬‬ ‫املُْ ْؤ ِمن ِ‬

‫‪ ،]92‬معناه أن غري املؤمنة ال جتزئ‪.‬‬

‫مح ٍل َف َأن ِْف ُقوا َع َل ْي ِه َّن َحتَّى َي َض ْع َن‬ ‫وال ِ‬


‫ت َْ‬ ‫(و ْاش َ ِرت ْط)‪ ،‬مفهوم الرشط؛ كقوله تعاىل‪َ { :‬وإِ ْن ُك َّن ُأ َ‬
‫َ‬
‫مح َل ُه َّن} [الطالق‪ ،]6 :‬وكحديث‪ُ « :‬ت ْقت َُل املَْ ْر َأ ُة إن قاتلت»‪ ،‬فهذا ُي َّ‬
‫سمى مفهوم الرشط‪.‬‬ ‫َْ‬

‫( َع ِّل ْل)‪ ،‬مفهوم العلة؛ كقوله صىل اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َقات ََل لِ َتك َ‬
‫ُون ك َِل َم ُة اهللِ ِه َي ا ْل ُع ْل َيا َف ُه َو‬
‫يل اهللِ»‪ ،‬هذا مفهوم العلة‪ ،‬مفهومه أنه إن قاتل لغري ذلك مل يكن يف سبيل اهلل‪.‬‬ ‫ِيف َسبِ ِ‬

‫( َل ِّق ْ‬
‫ب)‪ ،‬هذا مفهوم اللقب‪ ،‬ومفهوم اللقب هو تعليق احلكم عىل اسم جامد؛ كاألعالم‪،‬‬
‫وأسامء األجناس‪ ،‬وهو غري معترب عند مجاهري أهل العلم؛ ألن األسامء اجلامدة ال تُشعر‬
‫ِ‬
‫بالع ِل َّية‪ ،‬ومل يقل به إال قليل من أهل العلم‪ ،‬و ُيعزى القول به لإلمام أمحد رمحه اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وقال به من الشافعية الدقاق والصرييف‪ ،‬ومن املالكية ُيعزى القول به إىل ابن خويز منداد‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ً‬

‫ولكن مجاهري املحققني من األصوليني عىل أنه غري معترب؛ ألن األسامء اجلامدة ال ت ِ‬
‫ُشعر‬
‫بالع ِل َّية‪ ،‬بل إن األستاذ أبا إسحاق اإلسفراييني قال‪ :‬إن الدقاق نُوظِر فيه‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن قولك‬
‫ِ‬

‫هذا يلزم منه إذا قلنا‪ :‬الصالة واجبة؛ عد ُم وجوب الزكاة؛ ألننا إذا اعتربنا مفهوم الصالة‬
‫حكمنا لغريها بعدم الوجوب‪ ،‬فلام قيل له ذلك بدا له ضعف مذهبه فتوقف‪.‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬إن القول بمفهوم اللقب قد ينشأ عنه الكفر‪ ،‬كام إذا اعتربنا مفهوم حممد‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فإذا اعتربنا مفهوم حممد فمعناه أنه ال رسول إال حممد ﷺ‪ ،‬وهذا كفر؛ ألنه‬

‫‪14‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫ال بد من اإليامن بكل األنبياء‪ ،‬فالتصديق بالنبي ﷺ وحده ال يكفي إذ من رشوط اإليامن أن‬
‫تؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬بجميع الرسل‪ ،‬ال بد من اإليامن هبم مجي ًعا‪.‬‬

‫فمفهوم اللقب ضعيف غري معترب‪.‬‬

‫وقوله‪ُ ( :‬ثنْ َيا)‪ ،‬أشار به إىل النفي واالستثناء‪ ،‬وهو يف احلقيقة داخل يف مفهوم احلرص الذي‬
‫ذكره بعد ذلك‪.‬‬

‫وه ْم َث َامنِ َ‬
‫ني َج ْلدَ ًة} [النور‪ ،]4 :‬أي‪ :‬ال أقل وال أكثر من‬ ‫اج ِلدُ ُ‬
‫(عُدَّ )‪ ،‬مفهوم العدد كقوله‪َ { :‬ف ْ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫( َظر َف ِ‬
‫ان)‪ ،‬أي‪ :‬من املفاهيم الظروف املكانية والزمانية‪ ،‬وبعضهم يدخلها يف مفهوم الصفة‪،‬‬ ‫ْ‬
‫احل ُّج َأ ْش ُه ٌر َم ْع ُلو َم ٌ‬
‫ات}‬ ‫داخال يف الصفة‪ ،‬فمثال الزمانية قوله تعاىل‪َ ْ { :‬‬ ‫ً‬ ‫فيجعل الظرف‬
‫اج ِد} [البقرة‪.]187 :‬‬ ‫ون ِيف املَْس ِ‬
‫َ‬
‫[البقرة‪ ،]197 :‬ومثال املكانية قوله تعاىل‪{ :‬و َأ ْنتُم َع ِ‬
‫اك ُف َ‬ ‫َ ْ‬

‫أعم‪،‬‬
‫والصفة عندما يطلقها األصوليون يف هذا املوضع فإهنم ال يعنون النعت النحوي فهي ُّ‬
‫الص َال َة َو َأ ْنت ُْم ُسك َ‬
‫َارى} [النساء‪ ،]43 :‬فهذه‬ ‫فيدخل فيها‪ :‬احلال؛ كقوله تعاىل‪َ { :‬ال َت ْق َر ُبوا َّ‬
‫مجلة حالية‪ ،‬ومفهومها مفهوم صفة؛ ألن الصفة عند األصوليني أعم من النعت النحوي‪.‬‬

‫رص)‪ ،‬أي‪ :‬ومن مفاهيم املخالفة احلرص‪ ،‬واحلرص له طرق كثرية أقواها النفي واالستثناء؛‬
‫(ح ْ ٌ‬
‫َ‬
‫نحو‪ :‬ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فإذا وقع النفي‪ ،‬ثم وقع االستثناء بعده فهذا من‬
‫«ال َص َال َة إِ َّال‬
‫أيضا أقوى أنواع مفهوم املخالفة‪َ ،‬‬
‫أقوى‪ ،‬بل هو أقوى أنواع احلرص‪ ،‬وهو ً‬
‫بِ ُط ُه ٍ‬
‫ور»‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫أيضا (أنام)‪ ،‬بالفتح؛ كقوله صىل اهلل‬


‫ومن أنواع احلرص (إنام)‪ ،‬بكرس اهلمزة‪ ،‬وزاد الزخمرشي ً‬
‫عليه وسلم‪« :‬إِن ََّام ا ْل َو َال ُء َملِ ْن َأ ْعت ََق»‪ ،‬أي‪ :‬و َم ْن مل ُيعتِق فال والء له‪.‬‬

‫أيضا الفصل بني املبتدأ واخلرب بضمري الفصل‪ ،‬وذلك يف قوله تعاىل‪َ { :‬فاهللَُّ‬ ‫ومن أنواع احلرص ً‬
‫ُه َو ا ْل َو ِ ُّيل} [الشورى‪ُ ،]9 :‬ف ِصل هنا بني املبتدأ واخلرب بضمري الفصل‪.‬‬

‫وكذلك تقديم املعمول‪ ،‬وهذا مبحث بالغي مشهور‪.‬‬

‫املهم أن احلرص من أنواع مفاهيم املخالفة وهو معترب كام ب َّينَّا‪.‬‬

‫حت ُّل َل ُه ِم ْن َب ْعدُ َحتَّى َتن ِْك َح‬


‫أيضا مفهوم الغاية‪ ،‬وذلك يف قول اهلل تعاىل‪َ { :‬ف َال َ ِ‬
‫وقوله‪( :‬إِ ْغ َيا)‪ً ،‬‬
‫زوجا غريه‪ ،‬ثم طلقها وح َّلت منه‪،‬‬
‫َز ْو ًجا َغ ْ َري ُه} [البقرة‪ ،]230 :‬مفهومه أهنا إذا نكحت ً‬
‫بت طالقها قبل أن تتزوج الثان‪.‬‬
‫فإهنا يمكن أن تراجع ذلك الزوج األول الذي كان قد َّ‬

‫ُسمى مفاهيم املخالفة‪ ،‬وهي حجة عند مجاهري أهل العلم من غري احلنفية إال‬
‫وهذه املفاهيم ت َّ‬
‫مفهوم اللقب‪ ،‬وقد ب َّينَّا أنه ال يقول به إال قليل من العلامء‪ ،‬واملحققون من أئمة األصول عىل‬
‫عدم اعتباره‪.‬‬

‫إذن هذا معنى قوله‪:‬‬

‫ُثُا َي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َا ي د اود ي‬ ‫ُثُا دَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َْاَي ي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ كي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي اي‬


‫دّ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬

‫أي‪ :‬من أصول مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل مفهوم املخالفة يف الكتاب والسنة عىل‬
‫حدِّ سواء‪.‬‬

‫تََْبي َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َُ َ َ َ َ َ َ َ َ ِْ َو ُ َ َ َ َ َ َ َ َا ي دَاِ ُ َ َ َ َ َ َ َ َي ْ‬ ‫ص َ َ َ َ َ َيَيي دَاَ َ َ َ َ َ ي يََ َ َ َ َ َ يََ ُ َ َ َ َ َ َي ْ‬ ‫ي‬


‫َو َ َ َ َ َ َ ْ ِتُ ُ‬
‫‪16‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫من أصول مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل التنبيه‪ ،‬وأراد به مفهوم املوافقة‪ ،‬وهو إعطاء‬
‫ٍ‬
‫مساو‪ ،‬وأوىل‪،‬‬ ‫املسكوت عنه حكم املنطوق به؛ ملساواته له‪ ،‬أو أولويته باحلكم‪ ،‬فهو درجتان‪:‬‬
‫األحروي‬
‫َّ‬ ‫وسمى‬
‫َّ‬ ‫املساوي حلن اخلطاب‪،‬‬
‫َ‬ ‫فسمى‬
‫ومنهم من جعل هلاتني الدرجتني لقبني‪َّ ،‬‬
‫فحوى اخلطاب‪.‬‬
‫َ‬

‫ومثال املساوي من القرآن قول اهلل تعاىل‪{ :‬إِ َّن ا َّل ِذي َن َي ْأ ُك ُل َ‬
‫ون َأ ْم َو َال ا ْل َيتَا َمى ُظ ْل ًام إِن ََّام َي ْأ ُك ُل َ‬
‫ون‬
‫َارا} [النساء‪ ،]10 :‬فاآلية دليل عىل حتريم أكل أموال اليتامى‪ ،‬فهل جيوز أن‬ ‫ِيف ُب ُط ِ ِ‬
‫وهن ْم ن ً‬
‫مساو ألكلها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُتلف بإحراق دون أكل؟ ال جيوز ذلك؛ ألن هذا‬ ‫ت َ‬

‫رشكًا َل ُه ِيف َع ْب ٍد فك َ‬
‫َان َل ُه َم ٌال َي ْب ُل ُغ َث َم َن‬ ‫ِ‬
‫ومثال املساوي من السنة قول النبي ﷺ‪َ « :‬م ْن َأ ْعت ََق ْ‬
‫عتق َع َل ْي ِه ا ْل َع ْبدُ »‪ ،‬فهذا‬ ‫َاؤ ُه ِح َص َص ُه ْم‪َ ،‬و َ‬
‫رشك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يم َة عَدْ ل‪َ ،‬و ُأ ْعط َي ُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َع ْبد ُق ِّو َم ا ْل َع ْبدُ َع َل ْيه ق َ‬
‫سمى برساية العتق‪ ،‬ومعناه أن اإلنسان إذا كان رشيكًا يف عبد فأعتق حصته من ذلك العبد‪،‬‬
‫ُي َّ‬
‫قوم عليه بقية العبد‪ ،‬ويعطي رشيكه‬ ‫وكان له مال يستطيع أن َّ‬
‫يفك به بقية العبد‪ ،‬فإنه ُي َّ‬
‫وجيرب الرشيك عىل بيع ذلك العبد الذي قد ُأعتِق جزؤه‪ ،‬فهل األَ َمة كذلك؟ هذا‬ ‫حصته‪ُ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مساو‪ ،‬ال فرق بني األمة والعبد يف‬ ‫نص يف العبد‪ ،‬لكن هل األَ َمة كذلك؟ نعم‪ ،‬ال فرق‪ ،‬هذا‬
‫ٌّ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫حرو ِّي قوله تعاىل‪َ { :‬و َق ََض َر ُّب َك َأ َّال َت ْع ُبدُ وا إِ َّال إِ َّيا ُه َوبِا ْل َوالِدَ ْي ِن إِ ْح َسانًا إِ َّما َي ْب ُل َغ َّن‬ ‫ومثال األَ ِ‬

‫ُها َف َال َت ُق ْل َهل ُ َام ُأ ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ُها} [اإلرساء‪ ،]23 :‬قوله‪َ { :‬ف َال‬ ‫ف َو َال َتن َْه ْر ُ َ‬ ‫ُها َأ ْو ك َال ُ َ‬
‫رب َأ َحدُ ُ َ‬
‫عنْدَ َك ا ْلك َ َ‬
‫نص يف النهي عن التأفيف بقول أف‪ ،‬وهي كلمة تُقال عند السآمة‪،‬‬ ‫َت ُق ْل َهل ُ َام ُأ ٍّ‬
‫ف}‪ ،‬هذا ٌّ‬
‫والضجر‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬إذن فهل جيوز للرجل أن يرضب أباه‪ ،‬أو يصفع وجهه ً‬
‫مثال‪ ،‬ال جيوز‬
‫ذلك؛ ألنه إذا ُ ِهني عام هو دون ذلك كان منه ًّيا عن ذلك من باب األحرى واألوىل‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫ِ‬ ‫ومن أمثلته من السنة قوله ﷺ‪َ « :‬ل ْو ُد ِع ُ‬


‫يت إِ َىل ك َُرا ٍع َألَ َج ْب ُت‪َ ،‬و َل ْو ُأ ْهد َي إِ َ َّيل ك َُر ٌ‬
‫اع َل َقبِ ْل ُت»‪،‬‬
‫هدي له ذراع‪ ،‬أو كتف‪ ،‬أو‬ ‫الكُراع ليس من أجود اللحم‪ ،‬وال من أطيبه‪ ،‬فمفهوم هذا أنه لو ُأ ِ‬
‫َ‬
‫كبد‪ ،‬أو نحو ذلك من جيد اللحم؛ لقبله من باب أحرى وأوىل؛ ألنه يقبل ما كان ليس من‬
‫جيد اللحم‪.‬‬

‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫َو ُ َ َ َ َ َا د ََ َ َ َ َ ي َ ََْ َ َ َ َ ي دَ ا َ َ َ َ َ َيد ْ‬ ‫َو ُ اجَ َ َ َ َ َ َ َ َْيَْ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َيُ دَ ََ َ َ َ َ َ َ ْ‬

‫تََْبي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َا ي دَاَ َ َ َ َ ي‬ ‫ُُثَاَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ تََْبي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ كيََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي ي ُُثْ‬


‫َ َ َ َ َ َ َ َُ َ َ َ َ ْ‬ ‫ُ ُ‬

‫هذان البيتان ذكر فيهام الدليل اخلامس‪ ،‬والدليل السادس‪ ،‬وأراد هبام ما يسميه األصوليون‬
‫باملنطوق غري الرصيح‪ ،‬وهو ثالثة أقسام‪:‬‬

‫● داللة اقتضاء‪.‬‬
‫● وداللة إشارة‪.‬‬
‫ُسمى داللة اإليامء‪.‬‬
‫● وداللة تنبيه‪ ،‬وت َّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(و ُح َّج ٌة َلدَ ْيه َم ْف ُهو ُم الكت ْ‬
‫َاب)‪ ،‬أراد باملفهوم هنا داللة االقتضاء‪ ،‬ومثلها كذلك داللة‬ ‫فقال‪َ :‬‬
‫اإلشارة‪ ،‬فداللة االقتضاء هي حمذوف يتوقف عليه صدق الكالم‪ ،‬أو صحته ً‬
‫عقال أو رش ًعا‪،‬‬
‫وهي كثرية يف النصوص الرشعية من كتاب اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وسنة رسوله ﷺ‪.‬‬

‫ان»‪ ،‬وإن كانت‬ ‫«رفِ َع َع ْن ُأ َّمتِي ْ‬


‫اخلَ َط ُأ َوالن ِّْس َي ُ‬ ‫ومثال ما يتوقف عليه الصدق رواية حديث‪ُ :‬‬
‫او َز ِيل َع ْن ُأ َّمتِي ْ‬
‫اخلَ َط َأ َوالن ِّْس َي َ‬
‫ان َو َما‬ ‫هذه الرواية ليست هي املشهورة‪ ،‬واملشهور‪« :‬إِ َّن اهللََّ َ َجت َ‬
‫اخلَ َط ُأ»‪ ،‬نحن نشاهد‬ ‫«رفِ َع َع ْن ُأ َّمتِي ْ‬ ‫ِ‬
‫اس ُتك ِْر ُهوا َع َل ْيه»‪ ،‬لكن هذا مثال‪ ،‬واملثال ال ُيعرتض‪ُ ،‬‬
‫ْ‬

‫‪18‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫الناس خيطئون فهذا الكالم صدقة يتوقف عىل حمذوف‪ ،‬أي‪ُ :‬رفع عن أمتي املؤاخذة باخلطأ‬
‫أونحو ذلك‪.‬‬

‫ومثله‪« :‬إِنَّام ْاألَ ْعام ُل بِا ْلنِي ِ‬


‫ات»‪ ،‬معناه‪ :‬إنام صحة األعامل بالنيات‪ ،‬وإال فإننا نشاهد العمل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يقع من غري نية‪ ،‬قد نشاهد الرجل يفعل شي ًئا ال يقصده‪ ،‬فالعمل يقع بدون نية‪ ،‬ولكن هل‬
‫ُيعترب بدون نية؟ ال ُيعترب بدون نية‪.‬‬

‫ومثال ما تتوقف صحته ً‬


‫عقال أو رش ًعا عىل حمذوف‪ ،‬ما تتوقف صحته رش ًعا؛ كقول رجل‬
‫أعتق عني عبدَ ك‪ ،‬هذا الكالم ال بد فيه من تقدير؛ ألنه ما دام عبد فالن‬
‫لز َمتْه كفارة آلخر‪ْ :‬‬
‫عت ُقه ال جيزئ عنك أنت‪ ،‬فأنت ُك ِّلفت بأن تعتق شي ًئا من مالك‪ ،‬فال بد أن يتقرر يف ملكك‬
‫يصح كونه كفارة‪ ،‬فاملعنى إما‪ :‬ملكني عبدك ثم أعتقه عني‪ ،‬أو‪ :‬بعه يل‪ ،‬أو نحو ذلك‪،‬‬
‫َّ‬ ‫حتى‬
‫ال بد أن يتقرر يف ملك املُ َك ِّفر حتى يكون جمزئًا عنه‪ ،‬ألنك ال يصح أن ُت َك ِّفر بامل شخص‬
‫آخر‪.‬‬

‫اس َأ ِل ا ْل َق ْر َي َة} [يوسف‪ ،]82 :‬أي‪ :‬اسأل‬ ‫ومثال ما تتوقف صحته ً‬


‫عقال قول اهلل تعاىل‪َ { :‬و ْ‬
‫أهل القرية؛ ألن القرية هي األبنية‪ ،‬واألبنية ُحتيل العاد ُة كالمها االستحالة هنا ليست عقلية‪،‬‬
‫َ‬
‫وإنام استحالة عادية‪ ،‬فهذا مستحيل يف العادة‪ ،‬ولكن هذا الكالم ال بد فيه من تقدير كام ب َّينَّا‪.‬‬

‫مثال قول اهلل تعاىل‬ ‫وداللة االقتضاء كثرية يف كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬ويف سنة رسوله ﷺ‪ ،‬فمن ذلك ً‬
‫ب َع َىل ا َّل ِذي َن ِم ْن َق ْب ِلك ُْم َل َع َّلك ُْم‬ ‫ِ‬
‫ب َع َل ْيك ُُم ِّ‬
‫الص َيا ُم ك ََام كُت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف آية الصيام‪َ { :‬يا َأ ُّ َُّيا ا َّلذي َن آ َمنُوا كُت َ‬
‫يضا َأ ْو َع َىل َس َف ٍر َف ِعدَّ ٌة ِم ْن َأ َّيا ٍم ُأ َخ َر}‬ ‫َان ِمنْك ُْم َم ِر ً‬ ‫ون (‪َ )183‬أياما معدُ ود ٍ‬
‫ات َف َم ْن ك َ‬ ‫َّ ً َ ْ َ‬ ‫َت َّت ُق َ‬
‫مريضا أو عىل سفر فأفطر‪ ،‬ألن هذا الكالم‬
‫ً‬ ‫فم ْن كان منكم‬
‫[البقرة‪ ،]184 ،183 :‬املعنى‪َ :‬‬
‫ال بد فيه من حذف؛ ألن املريض إذا صام ال ُيطا َلب بالقضاء‪ ،‬واملسافر إذا صام ال ُيطالب‬

‫‪19‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫بالقضاء‪ ،‬وهذا مذهب مجاهري أهل العلم‪ ،‬طب ًعا خال ًفا للظاهرية فهم يرون أن املرض ُيفسد‬
‫الصوم‪ ،‬وأن السفر ُيفسد الصوم‬

‫وكقوله تعاىل‪ُ { :‬ح ِّر َم ْت َع َل ْيك ُُم املَْ ْي َت ُة} [املائدة‪ ،]3 :‬هذا الكالم ال بد فيه من حذف ملاذا؟‬
‫ألن امليتة عني‪ ،‬والتحريم حكم‪ ،‬واألحكام ال تتعلق باألعيان‪ ،‬فالذي ُيوصف بالتحريم هو‬
‫ترصفات املُك َّلف‪ ،‬هذا الترصف الذي ستفعله أنت هو الذي ُيقال فيه‪ :‬هذا حرام‪ ،‬هذا‬
‫جائز‪ ،‬هذا مندوب‪ ،‬فاملعنى‪ُ :‬ح ِّرم عليكم أكل امليتة‪ ،‬أو االنتفاع بامليتة‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬هناك‬
‫حمذوف ال بد من تقديره‪ ،‬هذا ُيسمى بداللة االقتضاء‪.‬‬

‫أما داللة اإلشارة‪ ،‬فهي أن يدل اللفظ عىل معنى ليس مقصو ًدا منه باألصالة بل بالتبع‪،‬‬
‫دل عليه ألنه من لوازمه‪،‬‬ ‫سق هلذا املعنى‪ ،‬وإنام َّ‬ ‫أصال مل ُي ْ‬‫ولكن هو مفهوم منه‪ ،‬فالكالم ً‬
‫ِ‬
‫وه َّن َوا ْب َت ُغوا َما َكت َ‬
‫َب‬ ‫ارش ُ‬ ‫وذلك كفهم جواز إصباح الصائم جن ًبا من قول اهلل تعاىل‪َ { :‬ف ْاآل َن َب ُ‬
‫ط ْاألَ ْس َو ِد ِم َن ا ْل َف ْج ِر ُث َّم َأ ِِتُّوا‬
‫اخلي ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلَ ْي ُط ْاألَ ْب َي ُض م َن ْ َ ْ‬
‫ني َلك ُُم ْ‬ ‫اهللَُّ َلك ُْم َو ُك ُلوا َو ْ َ‬
‫ارش ُبوا َحتَّى َي َت َب َّ َ‬
‫الص َيا َم إِ َىل ال َّل ْي ِل} [البقرة‪.]187 :‬‬ ‫ِّ‬

‫فهذه اآلية أذن اهلل تعاىل فيها للصائم يف أن يتناول مجيع املفطرات يف مجيع أجزاء الليل‪،‬‬
‫ويدخل يف املفطرات مبارشة زوجه ‪ ،‬فلو أنه فعل ذلك يف آخر جزء من الليل‪ ،‬هل جيوز‬
‫ِ‬
‫َب اهللَُّ َلك ُْم َو ُك ُلوا َو ْ َ‬
‫ارش ُبوا}‪،‬‬ ‫وه َّن َوا ْب َت ُغوا َما َكت َ‬ ‫ذلك؟ نعم‪ ،‬ألن اهلل تعاىل قال‪َ { :‬ف ْاآل َن َب ُ‬
‫ارش ُ‬
‫أذن اهلل تبارك وتعاىل يف هذه املفطرات إىل الفجر‪ ،‬فإذا فعل ذلك يف آخر جزء من الليل وقد‬
‫جاز له ذلك؛ لزم ً‬
‫عقال من ذلك أال يبقى وقت لالغتسال‪ ،‬ف ُعلم أن الصائم له أن يصبح‬
‫جن ًبا‪ ،‬وأن ذلك ال يفسد صيامه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫مح ُل ُه‬
‫ني} [لقامن‪ ،]14 :‬وقوله‪َ { :‬و َ ْ‬ ‫وكفهم أقل َأ َم ِد احلمل من قول اهلل تعاىل‪َ { :‬وفِ َصا ُل ُه ِيف َعا َم ْ ِ‬

‫شهرا‪ ،‬وحذفت منها‬ ‫أخذت ثالثني ً‬


‫َ‬ ‫ون َش ْه ًرا} [األحقاف‪ ،]15 :‬ألنك إذا‬ ‫َوفِ َصا ُل ُه َث َال ُث َ‬
‫أمد احلمل‪ ،‬فهذا ُيسمى بداللة اإلشارة‪.‬‬ ‫عامني‪ ،‬كم سيبقى؟ تبقى ستة أشهر‪ ،‬فهي أقل ِ‬

‫عرب‬
‫أيضا داللة اإليامء‪ ،‬وهي التي َّ‬
‫والدليل السادس هو ما ُيسمى بداللة التنبيه‪ ،‬وتُسمى ً‬
‫عنها بقوله‪:‬‬

‫تََْبي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َا ي دَاَ َ َ َ َ ي‬ ‫ُُثَاَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ تََْبي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ كيََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي ي ُُثْ‬


‫َ َ َ َ َ َ َ َُ َ َ َ َ ْ‬ ‫ُ ُ‬

‫وداللة التنبيه‪ ،‬وتُسمى داللة اإليامء هي أن يقرتن احلكم بوصف لو مل يكن علة له لعابه‬
‫البصري بمقاصد الكالم‪ ،‬أن يقرتن احلكم بوصف لو مل يكن ذلك الوصف عل ًة لذلك احلكم‬
‫لعابه البصري بمقاصد الكالم‪ ،‬لكان الكالم غري بليغ‪.‬‬

‫ار َق ُة َفا ْق َط ُعوا َأ ْي ِد َ ُُّي َام} [املائدة‪ ،]38 :‬ملاذا تُق َطع‬
‫الس ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ار ُق َو َّ‬ ‫وذلك مثل قول اهلل تعاىل‪َ { :‬و َّ‬
‫أيدُّيام؟ ألهنام سارقان‪ ،‬عندنا وصف وهو السارق والسارقة‪ ،‬وعندنا حكم وهو َفا ْق َط ُعوا‪،‬‬
‫إذن اقرتن حكم وهو َفا ْق َط ُعوا بوصف وهو السارق والسارقة‪ ،‬لو مل يكن هذا الوصف عل ًة‬
‫هلذا احلكم لكان هذا ِخم ًّال ببالغة الكالم‪ ،‬إذن هنا تنبيه‪ ،‬وهو بيان العلة‪ ،‬أن علة القطع هي‬
‫الرسقة‪.‬‬

‫اح ٍد ِمن ُْه َام ِما َئ َة َج ْلدَ ٍة} [النور‪ ،]2 :‬نفس اليشء‪ ،‬ملاذا‬
‫الز ِان َفاج ِلدُ وا ك َُّل و ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الزانِ َي ُة َو َّ‬
‫{ َّ‬
‫نجلدهم؟ ألهنم زناة‪.‬‬

‫وكقوله ﷺ‪َ « :‬م ْن َبدَّ َل ِدينَ ُه َفا ْق ُت ُلو ُه»‪ ،‬ملاذا تقتلوه؟ ألنه بدَّ ل دينه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫أيضا كذلك داللة اإليامء‪ ،‬وهذه الدالالت الثالث‪،‬‬


‫سمى ً‬
‫سمى بداللة التنبيه‪ ،‬و ُي َّ‬
‫إذن هذا ُي َّ‬
‫وهي داللة االقتضاء‪ ،‬وداللة اإلشارة‪ ،‬وداللة التنبيه هي قسم من املنطوق ُيسمى املنطوق‬
‫غري الرصيح‪ ،‬وقد اختلف األصوليون يف تقسيم الكالم‪:‬‬

‫قسمونه إىل منطوق ومفهوم‪ ،‬أن اللفظ ُّ‬


‫يدل بمنطوقه‪ ،‬ويدل بمفهومه‪ ،‬واملنطوق‬ ‫اجلمهور ُي ِّ‬
‫قسامن‪ :‬منطوق رصيح‪ ،‬ومنطوق غري رصيح‪.‬‬

‫ومنهم َم ْن جيعل هذه الدالالت واسطة‪.‬‬

‫ونقترص عىل هذا القدر‪ ،‬سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك‬
‫ونتوب إليك‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫الدرس الثالث‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل أفضل املرسلني خاتم النبيني‪ ،‬وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬و َم ْن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك‬
‫أنت العليم احلكيم‪.‬‬

‫نبدأ بعون اهلل تعاىل وتوفيقه الدرس الثالث من التعليق عىل منظومة (أصول مذهب اإلمام‬
‫مالك رمحه اهلل تعاىل)‪ ،‬وقد وصلنا إىل قول املؤلف‪:‬‬

‫َِن ِا نَْ ْ ْ ِذ اد ي لسْ ْ ْ ِ َسْ ْ ْ َ َِنْ ْ ْ َْ ْ ْ َا‬ ‫‪ .13‬لُثيْ ْ َ‬


‫ا لٌَِ ْ ْ َ ََ َْ ْ ْ َ ََ َع َمْ ْْا‬

‫ََ ْ ْ ْ ْ ْ ْ َ ا تِ َاْ ْ ْ ْ ْ ْ ل َِن دَْ ْ ْ ْ ْ ْ ل ل َ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل‬ ‫َْ ْ ل‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬


‫مْ ْ ََاَلست َ‬
‫‪ ْ ْ َ ََ .14‬ل َ‬

‫ِز نَْا ْ ْ ْ ِ ِن ْ ْ ْ ِبَل تِ َ ْ ْ ْ ِد ِنتي ِ‬


‫صْْْ‬ ‫ْا َْنْ َص ْ ِا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ْا َْا ل ْ َ َدد ْ َ‬
‫‪َ ْ ََ .15‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعن ْ ْ ْ ْ ْ ل َ ْ ْ ْ ْ ْا َْ َ ْ ْ ْ ْ ْ ل َك ْ ْ ْ ْ ْ َ ل ْ ْ ْ ْ ِْ ل‬ ‫‪ََ .16‬دَ ْ ْ ْ ِ ادتيْ ِْ ْ َْل ِننْ ْ ْ ل َْص ل‬
‫صْ ْ ْ ل‬

‫اع)‪ ،‬هذا الدليل السابع‪ ،‬الدليل السابع من هذه األدلة هو اإلمجاع‪ ،‬واإلمجاع‬ ‫قوله‪ُ ( :‬ث َّم َت إِ ْ َ‬
‫مج ٌ‬
‫هو اتفاق املجتهدين من أمة حممد ﷺ يف عرص من العصور بعد وفاته ﷺ عىل حكم رشعي‪،‬‬
‫فهذه القيود معتربة‪ ،‬فاملعترب يف اإلمجاع هو إمجاع (املجتهدين)‪ ،‬وال عربة بالعوام‪( ،‬من أمة‬
‫أيضا‪ ،‬فاإلمجاع ال ينعقد يف حياة النبيﷺ؛ ألنه ما دام‬
‫حممد ﷺ)‪ ،‬وال بد أن يكون بعد وفاته ً‬
‫أيضا ال بد أن يكون يف حكم رشعي‪.‬‬
‫ح ًّيا فاحلجة يف قوله وفعله صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ثم ً‬

‫‪23‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫وإذا انعقد اإلمجاع واستكمل رشوطه كان حجة متف ًقا عليها عند أهل العلم‪.‬‬

‫ول ِم ْن َب ْع ِد َما َت َب َّ َ‬
‫ني َل ُه ْاهلُدَ ى‬ ‫ِ‬
‫ومن دليل حجية اإلمجاع قول اهلل تعاىل‪َ { :‬و َم ْن ُي َشاق ِق َّ‬
‫الر ُس َ‬
‫ني ن َُو ِّل ِه َما ت ََو َّىل َون ُْص ِل ِه َج َهن ََّم َو َسا َء ْت َم ِص ًريا} [النساء‪ ،]115 :‬قوله‪:‬‬
‫يل املُْ ْؤ ِمنِ َ‬
‫َو َيتَّبِ ْع َغ ْ َري َسبِ ِ‬

‫ني}‪ ،‬يدل عىل أن سبيل املؤمنني حق‪ ،‬أن املؤمنني إذا سلكوا طري ًقا‬ ‫يل املُْ ْؤ ِمنِ َ‬
‫{ َو َيتَّبِ ْع َغ ْ َري َسبِ ِ‬
‫كان ذلك الطريق ح ًّقا‪.‬‬

‫«ال ت ََز ُال َط ِائ َف ٌة‬ ‫وكذلك يدل حلج َّيته قوله ﷺ‪« :‬إِ َّن ُأ َّمتِي َال َ ْجتت َِم ُع َع َىل َض َال َل ٍة»‪ ،‬وقوله ﷺ‪َ :‬‬
‫ِمن ُأمتِي َظ ِ‬
‫يت َأ ْم ُر‬ ‫رض ُه ُم َم ْن َخ َذ َهل ُ ْم ‪-‬ويف رواية‪َ :‬م ْن خالفهم‪َ -‬حتَّى َي ْأ ِ َ‬ ‫اه ِري َن َع َىل ْ‬
‫احلَ ِّق َال َي ُ ُّ‬ ‫ْ َّ‬
‫«ال ت ََز ُال َط ِائ َف ٌة ِم ْن ُأ َّمتِي‬
‫اهللَِّ‪َ ،‬و ُه ْم ك ََذلِ َك»‪ ،‬ووجه االستدالل هبذا احلديث أن قوله‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫َظاه ِري َن َع َىل ْ َ‬
‫احل ِّق»‪ ،‬أنه حكم لطائفة من أمته أهنا ستبقى عىل احلق من هذه األمة‪ ،‬فإذا‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ستكون من ضمنها الطائفة التي هي عىل احلق‪ ،‬إذا اتفقت األمة‬ ‫أمجعت األمة فإهنا‬
‫ستكون من بينها طائفة شهد هلا رسول اهلل ﷺ أهنا عىل احلق‪.‬‬

‫وتقسيامت اإلمجاع كثرية‪ ،‬وال نريد أن نخوض فيها‪ ،‬وهو عىل كل حال ينقسم إىل‪:‬‬

‫نطقي‪ ،‬وهو حجة إذا نُقل بطريق صحيح وتكلم املجتهدون فأفصحوا‬‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫رصيح‬ ‫●‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫واتفقوا فإنه يكون حجة اتفا ًقا‬
‫● ومنه السكويت‪ ،‬وهو أن يتكلم بعض املجتهدين‪ ،‬ويشتهر كالمهم‪ ،‬فتميض مدة‬
‫سمى إمجا ًعا سكوت ًّيا وهو حجة‪ ،‬ولكنه‬
‫يمكن لغريهم أن يرد عليهم فال يرد‪ ،‬فهذا ُي َّ‬
‫ليس كاإلمجاع النطقي يف االحتجاج به‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫(و َق ْي ٌس)‪ ،‬وهو القياس‪ ،‬والقياس كذلك من األدلة املُ َّت َف ِق‬
‫عرب عنه بـ َ‬
‫الدليل الثامن الذي َّ‬
‫عليها‪ ،‬وهو يف اللغة‪ :‬التقدير‪ ،‬ويف االصطالح‪ :‬محل معلوم عىل معلوم ملساواته له يف علة‬
‫احلكم‪.‬‬

‫ت َل ْو ك َ‬
‫َان‬ ‫أيضا أحاديث النبي ﷺ الكثرية‪َ « :‬أر َأي ِ‬ ‫وحجيته يشهد هلا األمر باالعتبار‪ ،‬وكذلك ً‬
‫َ ْ‬
‫اض َي َت ُه؟»‪ ،‬وقوله ﷺ للرجل الذي أنكر ابنه؛ ألن لونَه خيالف لونه‪،‬‬ ‫ْت َق ِ‬ ‫َع َىل ُأم ِك دين‪َ ،‬أ ُكن ِ‬
‫ِّ َ ْ ٌ‬
‫يها ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫«ه ْل ف َ‬ ‫مح ٌر‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫«ه ْل َل َك ِم ْن إِبِ ٍل؟»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َام َأ ْل َو ُاهنَا؟» َق َال‪ْ ُ :‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاها َذل َك؟» َق َال‪َ :‬ع َسى ع ْر ٌق ن ََز َع َها َق َال‪َ :‬‬
‫«و َه َذا‬ ‫َأ ْو َر َق؟» َق َال‪ :‬إِ َّن ف َ‬
‫يها َل ُو ْر ًقا‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َأنَّى َأت َ‬
‫َل َع َّل ِع ْر ًقا ن ََز َع ُه»‪.‬‬

‫يها ِو ْز ٌر؟»‪ ،‬إىل غري‬‫ِ ِ‬ ‫وقياس العكس كام يف قوله ﷺ‪َ « :‬أ َر َأ ْيت ُْم َل ْو َو َض َع َها ِيف َح َرا ٍم َأك َ‬
‫َان َع َل ْيه ف َ‬
‫ذلك من أقيسة النبي ﷺ الكثرية التي تدل عىل مرشوعية االعتبار‪ ،‬وقياس بعض األمور‬
‫ببعض‪.‬‬

‫وأركانه أربعة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫● األصل املَ ِقيس عليه‪.‬‬


‫● احلكم الثابت لألصل‪ ،‬والذي ُيراد إثباته يف الفرع‪.‬‬
‫● الفرع‪ ،‬وهو املقيس‪.‬‬
‫● العلة اجلامعة بني الفرع واألصل‪.‬‬

‫فمثال‪ :‬يقاس النبيذ املُ ِ‬


‫سكر عىل اخلمر‪ ،‬فاألصل هو اخلمر‪ ،‬واحلكم هو التحريم‪ ،‬والفرع هو‬ ‫ً ُ‬
‫النبيذ‪ ،‬والعلة هي إذهاب العقل والسكر‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫وهو دليل معترب عند املالكية وعند غريهم‪ ،‬عند مجاهري أهل العلم‪ ،‬خالف فيه طب ًعا‬
‫الظاهرية‪ ،‬ولكن األئمة األربعة‪ ،‬ومجاهري الفقهاء واألصوليني يعتربونه حج ًة ال خالف فيه‬
‫عند اجلمهور‪ ،‬وإنام وقع خالف داخل املذهب يف تقديمه عىل خرب اآلحاد‪ ،‬أوتقديم خرب‬
‫اآلحاد عليه‪ ،‬وقد اختلف املالكية يف ذلك‪:‬‬

‫● منهم َم ْن قال‪ :‬إن مذهب مالك تقديم خرب اآلحاد عىل القياس‪ ،‬كام يراه القايض‬
‫عياض‪ ،‬وغريه‪.‬‬
‫● ومنهم ‪-‬وهو مذهب كثري من املتأخرين‪َ -‬م ْن يرى تقديم القياس عىل خرب اآلحاد‪.‬‬

‫واخلالف يف املذهب مشهور‪ ،‬وقال القايض عياض‪ :‬إن أصول مذهب اإلمام مالك تشهد‬
‫بتقديم خرب اآلحاد عىل القياس‪ ،‬واستدل هؤالء بأن مالكًا رمحه اهلل يدل كثري من فروع‬
‫مثال يف مسألة املُرصاة‪ ،‬وهي الدابة‬
‫مذهبه تدل عىل تقديمه خرب اآلحاد عىل القياس‪ ،‬كقوله ً‬
‫وحيفل باللبن‪ ،‬ثم تُباع ل ُيظ َّن أهنا َحلوب‪ ،‬وقد قال‬
‫التي ُيرتك حل ُبها حتى يعظم رض ُعها‪ْ َ ،‬‬
‫النبي ﷺ إن َم ْن وجد الشاة أو الناقة مرصا ًة أنه يردها ويرد معها صا ًعا من ِتر‪.‬‬

‫فهذا احلديث خمالف للقياس كام هو معلوم؛ ألن األصل أن َم ْن أتلف شي ًئا أن يرد مثله‪،‬‬
‫ِترا‪ ،‬والنبي ﷺ أخرب أنه‬
‫األصل أن َم ْن أتلف لبنًا يرد لبنًا‪ ،‬من أتلف ثو ًبا يرد ثو ًبا‪ ،‬ال يرد ً‬
‫يردها‪ ،‬ويرد معها صا ًعا من ِتر‪ ،‬واحلديث كام قلنا خمالف للقياس‪ ،‬ومع ذلك فاملالكية‬
‫يقولون به‪ ،‬فهذا يشهد ملَ ْن يرى تقديم املالكية خرب اآلحاد عىل القياس‪ ،‬واخلالف يف معلوم‪.‬‬

‫َ يْيَ َ َ َ َ ي دَاِ ُ َ َ َ َيي ِتَ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ََ َ َ َ َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ا‬


‫ُُث َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْوََ َ َ َ َ َ َ َ َوََ َ َ َ َ َ َ َ َْ َو َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬

‫يعني أن من أصول مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬وهو األصل التاسع‪ :‬عمل أهل‬
‫املدينة‪ ،‬وهذا أصل اشتهر به املالكية‪ ،‬واختصوا به‪ ،‬واملراد بأهل املدينة الذين يعتربهم اإلمام‬
‫‪26‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫فم ْن جاء بعد‬


‫مالك‪ ،‬ويعترب مذهبهم حجة الصحابة والتابعون دون َم ْن جاء بعد ذلك‪َ ،‬‬
‫ذلك من أهل املدينة ال يعترب حجة‪.‬‬

‫واملراد بعملهم العمل املستمر فيام طريقه التوقيف‪ ،‬وذلك كأذان أهل املدينة‪ ،‬فإنه مل يزل عىل‬
‫فاستمر العمل به‪ ،‬فهو‬
‫َّ‬ ‫ما هو عليه من عهد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬تنقله األجيال عن األجيال‪،‬‬
‫عمل مستمر طريقه التوقيف‪ ،‬ال يدخله االجتهاد‪ ،‬فمثل هذا حجة‪.‬‬

‫وقد ناظر اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل اإلمام أبا يوسف صاحب أيب حنيفة‪ ،‬وجاءه اإلمام‬
‫بصيع ِ‬
‫ان أهل املدينة وأمدادهم التي توارثوها عن آبائهم‪ ،‬فأثبت له املدَّ الذي تُقدَّ م به‬ ‫ِ‬
‫مالك ْ َ‬
‫وأقر له أبو يوسف بذلك‪ ،‬ألن أبا حنيفة يقول باملد األكرب‪ ،‬وهو مدُّ هشام‪.‬‬
‫الكفارات‪َّ ،‬‬

‫فام كان طريقه التوقيف؛ كألفاظ األذان‪ ،‬واإلقامة‪ ،‬وكاملدِّ والصاع اللذان تُقاس هبام‬
‫َرت ِك الزكاة يف‬ ‫َرت ِك اجلهر بالبسملة ً‬
‫مثال‪ ،‬وك َ ْ‬ ‫الكفارات‪ ،‬وزكاة الفطر‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وك َ ْ‬
‫استمر عليه عمل أهل املدينة‪ ،‬هذا حجة اتفا ًقا عند املالكية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اخلرضاوات‪ ،‬ونحو ذلك مما‬

‫واختلف املالكية فيام كان طريقه االجتهاد مما اتفق عليه علامء املدينة هل يكون حجة أم ال؟‬
‫واملحققون ال يرون ذلك حجة‪ ،‬وإنام يقولون‪ :‬إن عمل أهل املدينة الذي هو حجة عند‬
‫استمر عليه عملهم‪ ،‬وكان‬
‫َّ‬ ‫اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل هو عمل الصحابة والتابعني الذي‬
‫طريقه التوقيف كاألمثلة التي م َّثلنا؛ كألفاظ األذان واإلقامة‪ ،‬واملُدِّ ‪ ،‬وترك اجلهر بالبسملة‪،‬‬
‫وترك الزكاة يف اخلرضاوات‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫(و َعم ْل م ِدين َِة الرس ِ‬


‫ول َأ ْس َخى َم ْن َب َذ ْل) (ﷺ)‪.‬‬ ‫َّ ُ‬ ‫فهذا معنى قوله‪َ َ َ :‬‬

‫‪27‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫( َو َق ْو ُل َص ْحبِ ِه) الدليل العارش‪ :‬هو قول الصحايب‪ ،‬واملراد بقول الصحايب رأيه الصادر عن‬
‫يتعني رفعه‪ ،‬كام إذا كان فيام ال جمال لالجتهاد فيه‪ ،‬إذا قال‬
‫اجتهاد منه؛ ألن قول الصحايب قد َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ كام هو معلوم‪.‬‬ ‫شي ًئا ال جمال لالجتهاد فيه فإنه له حكم الرفع‬

‫غريه من الصحابة فإذا‬


‫وأيضا كذلك ُيشرتط يف االحتجاج بقول الصحايب أال خيالف َ‬
‫ً‬
‫اختلف الصحابة مل يكن قول بعضهم حج ًة عىل بعض‪ ،‬أما إذا جاءنا قول عن صحايب ومل‬
‫بعضا من الصحابة خالفه‪ ،‬وكان فيه جمال للرأي‪ ،‬فيام ُيقال باالجتهاد‪ ،‬فهل يكون‬
‫يأتنا أن ً‬
‫حج ًة عىل َم ْن بعد الصحابة من التابعني‪ ،‬و َم ْن جاء بعدهم؟‬

‫هذا حمل اخلالف بني أهل العلم‪ ،‬وهو من األدلة املُختَلف فيها‪ ،‬ويف املذهب فيها ثالثة‬
‫أقوال‪:‬‬

‫● أشهر هذه األقوال يف املذهب أنه حجة عند اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬ولذلك َم ْن‬
‫تأ َّمل كتاب املوطأ وجد اإلمام مالكًا رمحه اهلل تعاىل ُيكثر من اآلثار الواردة عن‬
‫اخللفاء الراشدين‪ ،‬وعن ابن عمر‪ ،‬وعن غريهم من الصحابة رضوان اهلل تعاىل‬
‫عليهم‪ ،‬وما ذلك إال ألنه يرى أن أقواهلم التي اشتهرت عنهم حجة عىل َم ْن جاء‬
‫بعدهم إذا مل يظهر هلا خمالف من أصحاب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬هذا القول األول‪.‬‬
‫● القول الثان‪ :‬أنه حجة إن انترش ومل يظهر له خمالف‪ ،‬وهذا القول قد يظن بعض‬
‫الناس أنه موافق لإلمجاع السكويت‪ ،‬ولكن ال ُيشرتط فيه استيفاء رشوط اإلمجاع‬
‫عم مجيع املجتهدين‪ ،‬أنه بلغ‬
‫السكويت‪ ،‬ألن اإلمجاع السكويت من رشطه أن نتأكد أنه َّ‬
‫أيضا لنظرهم ور ِّدهم‪ ،‬وأنه مل تظهر عالمة منهم‬
‫مجيع املجتهدين‪ ،‬وأنه مضت مدة ً‬
‫تدل عىل الرضا‪ ،‬أو عىل الر ِّد‪ ،‬فسكتوا‪ ،‬املهم أن القول الثان أنه إن انترش‪ ،‬ومل يلزم‬

‫‪28‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫من هذا االنتشار أن يبلغ درجة اإلمجاع السكويت؛ ألنه إذا بلغ اإلمجاع السكويت‬
‫أصبح ً‬
‫دليال آخر داخل يف اإلمجاع‪ ،‬كام هو واضح‪.‬‬
‫● القول الثالث‪ :‬أنه غري معترب‪.‬‬

‫يب‬
‫ولكن املشهور يف املذهب أن قول الصحايب حجة برشوط كام ب َّينَّا‪ ،‬منها‪ :‬أال خيالفه صحا ٌّ‬
‫يب آخر‪ ،‬وطب ًعا نحن قلنا‪ :‬هذا فيام ليس له حكم الرفع‪ ،‬فإن‬ ‫آخر‪ُ ،‬يشرتط فيه أال خيالفه صحا ٌّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يكون من السنة‪ ،‬والسنة دليل ُم َّت َفق عليه ال خالف فيه كام هو‬ ‫كان له حكم الرفع فإنه‬
‫معلوم‪.‬‬

‫والدليل عىل اعتباره يف املذهب كام ب َّينَّا أن َم ْن تأ َّمل كتب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‬
‫كاملوطأ‪ ،‬وكفتاوى اإلمام مالك املبثوثة يف املدونة‪ ،‬ويف غريها‪ ،‬فإنه جيد أن اإلمام مالكًا رمحه‬
‫كثريا َ‬
‫أقوال الصحابة وآثارهم؛ ألهنا حجة عنده‪.‬‬ ‫اهلل تعاىل ُيورد ً‬

‫(و َق ْو ُل َص ْحبِ ِه)‪.‬‬


‫إذن هذا معنى قوله‪َ :‬‬

‫َو ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َي د ْي َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ََ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ْ َح َ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫‪َ .................‬ود ْ ي ْح َس َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬

‫ي‬
‫يِف نََ ْ َ َ َ َ ي َ َ َ َ َ ْ ف ْ ي َ َ َ َ َ ُا ي َ َ َ َ ْ‬
‫ر‬ ‫َوي َ َ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َي ََي َ َ َ َ َ َ يَََْ َ َ َ َ َ َ َ ي ْ‬

‫ي‬
‫ر ُْ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬
‫َْ َ َ َ َ َ َ َ ُ ََْ َ َ َ َ َ َم يََ ْْلَ َ َ َ َ َ َ َ ُ َكْ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫اْبيَ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ي َْ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ يََ ْ َُ َ َ َ َ َ َ َ َ ُِ‬ ‫ي‬
‫َوَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي دَ َ ْ‬

‫َْ َيَ َ َ َ َ َ َ َه ََ َ َ َ َ َ َ َ لََ َ َ َ َ َ َ َ ي ي‬


‫د ْي َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َو َ َ َ َ َ َ َ َ َْ ِتََْ َ َ َ َ َ َ َ َيد ي َ َد َي َ َ َ َ َ َ َ ي دَ َ َسَ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬

‫‪29‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫من أدلة املالكية االستحسان‪ ،‬واالستحسان اختُلف يف تعريفه‪ ،‬وقد ذكر له تعريفني ارتَض‬
‫أيضا إن شاء اهلل‪.‬‬
‫واحدً ا منهام‪ ،‬لكن سنذكر هذه التعريفات‪ ،‬ونذكر غريها ً‬

‫االستحسان اشتهر عن اإلمام أيب حنيفة رمحه اهلل‪ ،‬وأنكره اإلمام الشافعي رمحه اهلل تعاىل‬

‫إنكارا شديدً ا‪ ،‬وقال‪َ :‬م ِن استحسن فقد َّ‬


‫رشع‪ ،‬وهو من أصول املالكية‪ ،‬لكن ما هو‬ ‫ً‬
‫االستحسان؟‬

‫(و ْه َو ا ْقتِ َفا ُء َما َل ُه ُر ْج َح ُ‬


‫ان)‪ ،‬االستحسان له تعريفات‪:‬‬ ‫قال‪َ :‬‬

‫فرسناه هبذا التفسري فإنه ال‬


‫● التعريف األول‪ :‬أنه العمل بالراجح من األدلة‪ ،‬فإذا َّ‬
‫ينبغي أن ُخيت َلف فيه؛ ألن العمل بالراجح واجب‪ ،‬وهو مذهب مجاهري أهل العلم‬
‫فرسناه هبذا التفسري‪،‬‬
‫من املالكية‪ ،‬وغريهم‪ ،‬وال خيتص باملالكية إذا َّ‬
‫عرب عنه بقوله‪:‬‬
‫● التعريف الثان‪ :‬هو الذي َّ‬

‫ي‬
‫يِف نََ ْ َ َ َ َ ي َ َ َ َ َ ْ ف ْ ي َ َ َ َ َ ُا ي َ َ َ َ ْ‬
‫ر‬ ‫َوي َ َ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َي ََي َ َ َ َ َ َ يَََْ َ َ َ َ َ َ َ ي ْ‬

‫ي‬
‫ر ُْ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬
‫َْ َ َ َ َ َ َ َ ُ ََْ َ َ َ َ َ َم يََ ْْلَ َ َ َ َ َ َ َ ُ َكْ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫اْبيَ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ي َْ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ يََ ْ َُ َ َ َ َ َ َ َ َ ُِ‬ ‫ي‬
‫َوَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي دَ َ ْ‬

‫ف)‪ ،‬أي‪ :‬يف نفس املجتهد‪َ ( ،‬ل ِك ِن‬ ‫س من باالجتِه ِ‬


‫اد ُمت َِّص ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫أي‪ :‬قيل هو دليل ينقدح ِ(يف َن ْف ِ َ ْ‬
‫ِ‬
‫عرب عنه‪ ،‬أي‪ :‬قيل يف تعريف االستحسان إنه‬ ‫ال َّت ْعبِ ُري منْ ُه َي ْق ُ ُ‬
‫رص َعنْ ُه)‪ ،‬أي‪ :‬وال يستطيع أن ُي ِّ‬
‫دليل ينقدح يف ذهن املجتهد َت ْق ُرص عبارتُه عنه‪.‬‬

‫وهذا تعريف مردود‪ ،‬فر َّده ابن احلاجب وغريه‪ ،‬قال ابن احلاجب‪ :‬هذا مردود؛ ألنه إن َّ‬
‫شك‬
‫تصوره عندي كاملمتنع؛ ألن املجتهد‬ ‫فيه فمردود اتفا ًقا‪ ،‬وإن حتقق فمعمول به‪ ،‬وقال ً‬
‫أيضا‪ُّ :‬‬

‫‪30‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫من رشوطه أن يكون ذا رتبة وسطى يف اللغة العربية‪ ،‬فإذا كان ذا رتبة وسطى يف اللغة‬
‫فتصور هذا كاملمتنع‪ ،‬فهو قول‬
‫العربية فكيف يعجز عن التعبري عن يشء انقدح يف ذهنه؟! ُّ‬
‫مردود‪.‬‬

‫● التعريف الثالث‪ :‬أن االستحسان هو ختصيص العا ِّم بالعادة ملصلحة اقتضت ذلك‪.‬‬

‫وذلك كاستحسان جواز دخول احلامم من غري تعيني زمن املكث‪ ،‬وقدر املاء‪ ،‬احلامم‪ :‬املكان‬
‫احلار الذي يستعمل اإلنسان فيه احلميم‪ ،‬أي‪ :‬املاء الساخن؛ إلزالة األوساخ عنه‪ ،‬جرت‬
‫ُّ‬
‫حيدَّ ُد له القدر الذي يستعمله من املاء‪ ،‬وال ُحيدَّ د له‬
‫العادة أنه يدخله اإلنسان بأجر‪ ،‬لكن ال ُ َ‬
‫أيضا الذي يمكث‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬أو يف زمنهم هم‪ ،‬عىل كل حال ال حتديد للوقت‪ ،‬وال‬
‫الوقت ً‬
‫لقدر املاء‪.‬‬

‫أيضا له‬
‫ؤجر‪ ،‬والوقت ُحيسب وسيأيت زبون آخر‪ ،‬وهذا ماء ً‬
‫وهذا فيه غرر؛ ألن هذا مكان ُي َّ‬
‫ثمن‪ ،‬لكن جرت العادة هبذا‪ ،‬وق َّبحت العاد ُة املشاحة يف مثل هذا‪ ،‬فليس من املروءة أن‬
‫رخيصا‪ ،‬واملشاحة يف‬
‫ً‬ ‫تقول‪ :‬استعمل هذا القدر من املاء وال تزد عليه؛ ألن املاء غال ًبا يكون‬
‫مثل هذا منافية للمروءة‪ ،‬فالنصوص الرشعية العامة الناهية عن الغرر ُخ ِّصصت بالعرف‪،‬‬
‫ُخ ِّصصت هنا بالعرف ملصلحة‪ ،‬فهذا استحسان‪ ،‬ف ُف ِّرس االستحسان هبذا‪.‬‬

‫ِ‬
‫األبيار ُّي‪ ،‬و اإلمام الشاطبي يف املوافقات‪ ،‬قالوا‪ :‬هو األخذ‬ ‫● التعريف الرابع‪ :‬قاله‬
‫باملصلحة اجلزئية فيام يقابل ً‬
‫دليال كل ًّيا‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬إن االستحسان عند مالك هو األخذ بمصلحة جزئية فيام يقابل ً‬
‫دليال كل ًّيا‪ ،‬وقال ذلك‬
‫الشاطبي يف املوافقات‪ ،‬وتبعه تلميذه ابن عاصم‪ ،‬فقال يف املُ ْر َت َقى‪:‬‬

‫ت نََ َ َ َي د ي يحسَ َ َ َ ي‬ ‫ضَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ يَْ يسَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َيل َْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي‬


‫دُِ َُ َ َ َ ْي ي ْ َ ْ ْ َ‬
‫َلََ َ َ َ ْ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َوََ ْْ ُ ُ ْ َ‬
‫‪31‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫خاص بأيب حنيفة‪ ،‬وليس األمر كذلك‪.‬‬


‫ٌّ‬ ‫يعني أن بعضهم يقول‪ :‬إن هذا األصل‬

‫وََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْْ وود ينْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َيل ا َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْيْي‬ ‫َوَ َيَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َه ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َْ َ ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ي َََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ني ي‬


‫َُ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ‬

‫الشافعي ينكره‪ ،‬ويقول‪ :‬إن َم ِن استحسن فقد َّ‬


‫رشع‪.‬‬

‫ُ َْْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ََد‬ ‫ي ُْ ض َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ تََ ْ يس َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ يي‬


‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َوياَّنَََ َ َ َ َ َ َ َ دَ اَ َ َ َ َ َ َ َ َ ي ُِ ْيَْ َ َ َ َ َ َ َ َ ي ِتَ ْ يَُ َ َ َ َ َ َ َ ََِ‬

‫يعني أن الظاهر أن االستحسان ينبغي أن ُيعترب بحسب ما ُي َف َّرس به؛ ألهنم َّ‬
‫فرسوه بتفسريات‬
‫خمتلفة‪ ،‬ثم اختار تفسري شيخه الشاطبي‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫ي ي‬ ‫يي‬
‫دَ َ ْخ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ يفَْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َلَ َح د ُْْ اَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫ضَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُْ ْو دَْ َ ِْيوياَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬
‫َوُ ِْتَ َ‬

‫َناَ َ َ َ َ َ ُ ي َ َ َ َ َ َ ْ ُ ْسَ ْح َس َ َ َ َ َ ََ ي دَْ َْ ْ َ َ َ َ َ َ ي‬ ‫ْيْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ يَُ َ يَ َ َ َ َ َ َ َ ُ دَْ ي ََ َ َ َ َ َ َ َ َ دَْ ُ ليَ َ َ َ َ َ َ َ‬

‫املرتَض‪ ،‬أي‪ :‬املُ ْختَار‪ ،‬من حدوده‪ ،‬أي‪ :‬تعريفاته املروية هو األخذ باملصلحة اجلزئية‬
‫َ‬ ‫يعني أن‬
‫فيام يقابل القياس الكيل؛ ألنه من مستحسنات العقل‪.‬‬

‫وعبارة الشاطبي يف املوافقات‪ :‬االستحسان يف مذهب مالك عبارة عن األخذ بمصلحة‬

‫الر َخ ُ‬
‫ص الواقعة يف الرشيعة‪ .‬فالرخص‬ ‫كيل‪ ،‬قال‪ :‬ويشهد له يف الرشع ُّ‬
‫جزئية يف مقابلة دليل ٍّ‬
‫الواقعة يف الرشعية كلها مستثناة من أصل ممنوع‪ُ ،‬فأخذ بمصلحة جزئية يف مقابل دليل ٍّ‬
‫كيل‪،‬‬
‫فأكل امليتة للمضطر هذا استثناء من أصل ممنوع‪ُ { :‬ح ِّر َم ْت َع َل ْيك ُُم املَْ ْي َت ُة} [املائدة‪.]3 :‬‬

‫‪32‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫الس َلم استثناء من أصل ممنوع؛ ألنه ال جيوز أن يبيع اإلنسان ما ليس عنده‪.‬‬
‫َّ‬

‫القراض مستثنى من أصل ممنوع؛ ألن األجرة بمجهول ال جتوز‪ ،‬و ِ‬


‫الق َراض أجرة بمجهول‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ماال لشخص وتقول له‪َّ :‬اجتر به ولك نسبة كذا‪ ،‬هل ستعرف أنت كم سيحصل‬
‫أنت تدفع ً‬
‫عليه؟ هذا جمهول‪ ،‬لكن هذه رخص‪ ،‬ومسائل استثناها الشارع من أصول‪ ،‬فهذا يشهد‬
‫كيل‪.‬‬
‫ألصل االستحسان‪ ،‬وهو العمل بمصلحة جزئية يف مقابل دليل ٍّ‬

‫ويمثلون له بام إذا ورث بعض الناس سلع ًة َمبِي َعة باخليار مل َي ُب َّت ُ‬
‫امليت يف إمضائها وعدمه‪،‬‬
‫مات زيد وترك مخسة أوالد‪ ،‬وكانت عنده سلعة بِي َع ْت له باخليار مل َي ُب َّت يف إمضائها‪ ،‬وال يف‬
‫ر ِّدها‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬أنا أرى إمضاءها‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬أنا أرى ر َّدها‪ ،‬وهم ورثوا اخليار‪،‬‬
‫واألصل أن اخليار ال يتجزأ‪ ،‬فالقياس يقتيض أهنا ت َُر ُّد مجي ًعا؛ ألن امليت ً‬
‫أصال عندما أخذ‬
‫السلعة إما أن ير َّدها مجي ًعا‪ ،‬أو يأخذها مجي ًعا‪ ،‬لكن االستحسان يقتيض أن املُ َ‬
‫جيز يأخذها‬
‫مجي ًعا‪ ،‬أن أولئك الذين َقبِلوها يأخذون السلعة مجي ًعا‪ ،‬فتكون من جزئهم من الرتكة‪.‬‬

‫ونقترص عىل هذا القدر إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫الدرس الرابع‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل أفضل املرسلني خاتم النبيني‪ ،‬وعىل آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪ ،‬و َم ْن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬

‫نبدأ بعون اهلل وتوفيقه الدرس الرابع من التعليق عىل منظومة أصول مذهب اإلمام مالك‬
‫رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬وقد وصلنا إىل قول املؤلف‪:‬‬

‫َ َم دِ ْ ْ ْ ْ ْ ْ َ‬
‫َّ دَ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل َع َ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ِذ ِ اعتِ َم ْ ْ ْ ْ ْ ْ د‬ ‫ِ ِ‬
‫‪َ ََ .17‬س ْْ ْا َ ْ ْْ َ اا َذ َائْ ْ ِ اد َا َ‬
‫َ ْْ د‬

‫ا‬ ‫ِ ِ‬
‫َََ لْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل ز َذا َ ََل لْ َ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل‬ ‫ا‬
‫‪ ََ .18‬لح يجْ ْ ْذَ دَ َا ْ ْ ْ اَلستصْ ْ ْ َ ل‬

‫اداصْ ْ ْ ِ َْ ْ ْا َْ ْ ْ َ َع َ ْ ْ ْ‬
‫ْ ْ ْر لْ ْ ْ َ ِ ِ‬
‫َ ل‬ ‫‪َ ََ .19‬خ ْ ْْ َ ل اد َ ا ِح ْ ْ ْ ِا لح يج ْ ْْذَ دَ َا ْ ْ ْ‬

‫دَ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل احتِ َج ْ ْ ْ ْ ْ ْ َ َح ِاََت ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل ادنيْ َص َ ْ ْ ْ ْ ْ ْ‬ ‫صْ ْ ْ دِ ِن َعنَْ ْ ْ ْ ل‬


‫ا ا ل َسْ ْ ْ َ‬ ‫‪ََِِ .20‬بد َم َ‬

‫ِْ ْ ْ ْ ْ ْ ِ ََ َعنْ ْ ْ ْ ْ ْ ل َكْ ْ ْ ْ ْ ْ َ اَْ ْ ْ ْ ْ ْ ا َ ِْ ْ ْ ْ ْ ْ ِا ل‬ ‫‪َََ .21‬عْ ل لخ ْ ة َكْ َ اَْ ا َْ َمْ لا‬

‫ا َ ََلد َْ ْا َ ْ ْ َِ ِ ْ ْ ِ اخْ ْتِا‬ ‫ِ‬


‫ََيْ ْ ل‬ ‫‪ْ َ ََ .22‬ا َع َْ لَتَ ِ ْ ةا َعْ ل ا ِْا‬

‫قال رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬

‫َْ َيَ َ َ َ َ َ َ َه ََ َ َ َ َ َ َ َ لََ َ َ َ َ َ َ َ ي ي‬


‫د ْي َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َو َ َ َ َ َ َ َ َ َْ ِتََْ َ َ َ َ َ َ َ َيد ي َ َد َي َ َ َ َ َ َ َ ي دَ َ َسَ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬

‫‪34‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫الدليل الثان عرش من أدلة اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل هو سدُّ الذرائع‪ ،‬والذرائع مجع ذريعة‪،‬‬
‫وهي الوسيلة‪ ،‬والوسائل يف الرشع عىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫● القسم األول‪ :‬ذرائع مسدودة إمجا ًعا‪.‬‬

‫النص بسدِّ هذه‬ ‫كسب األصنام بحرضة ُع َّبادها؛ خشية أن يسبوا اهلل تعاىل‪ ،‬فقد ورد ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫وذلك‬
‫ون اهللَِّ َف َي ُس ُّبوا اهللََّ عَدْ ًوا بِ َغ ْ ِري ِع ْل ٍم}‬
‫ون ِمن د ِ‬ ‫ِ‬
‫الذريعة‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و َال ت َُس ُّبوا ا َّلذي َن َيدْ ُع َ ْ ُ‬
‫[األنعام‪ ،]108 :‬ال جيوز لإلنسان أن يسب الصنم بحرضة عابده إذا كان ذلك سيؤدي إىل‬
‫نص الشارع عىل سدِّ ها فهي مسدودة‬
‫يسب عابدُ الصنم اهلل‪ ،‬فهذه ذريعة َّ‬
‫َّ‬ ‫سب اهلل‪ ،‬إىل أن‬
‫ِّ‬
‫إمجا ًعا‪ ،‬وكذا ما جرى جمراها مما مفاسده راجحة عىل مصاحله؛ كحفر اآلبار يف طرقات‬
‫املسلمني‪ ،‬فهذه ذريعة مسدودة إمجا ًعا‪.‬‬

‫● القسم الثان‪ :‬عىل العكس‪ ،‬وهي الذرائع املفتوحة إمجا ًعا‪ ،‬الذرائع التي أمجعت األمة‬
‫عىل فتحها‪.‬‬

‫مخرا‪ ،‬وهذه الذريعة‬


‫عرص ً‬
‫وذلك كجواز غراسة العنب‪ ،‬فإن غرس العنب ذريعة إىل أن ُي َ‬
‫مفتوحة‪ ،‬فغراسة العنب جائزة‪ ،‬ألن املصالح املرتتبة عىل ال َّت َفكُّه به‪ ،‬واالنتفاع به‪ ،‬وبيعه‪،‬‬
‫مخرا‪ ،‬والتي قد‬
‫وهي مصالح حمققة وواضحة؛ أعظم وأكثر من املفاسد املرتتبة عىل عرصه ً‬
‫تقع‪ ،‬وقد ال تقع فهي مظنونة‪ ،‬أو مشكوكة‪ ،‬وليست ُحم َّققة‪ ،‬فهذه ذريعة مفتوحة‪ ،‬وكتجاور‬
‫البيوت فإنه قد يكون ذريعة إىل االطالع عىل العورات‪ ،‬هذه ذريعة مفتوحة اتفا ًقا‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫● القسم الثالث‪ :‬وهو حمل اخلالف‪ ،‬وهو الذرائع التي مل ُي َّت َفق عىل سدِّ ها‪ ،‬وال فتحها‪،‬‬
‫وهذه من أصول اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل سدُّ ها‪ ،‬فذرائع الفساد التي مل ُي َّت َفق عىل‬
‫سدِّ ها‪ ،‬وال عىل فتحها‪ ،‬من مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل سدُّ ها‪.‬‬

‫وذلك كبيوع اآلجال‪ ،‬وبيوع اآلجال كثرية‪ ،‬وصورها متعددة‪ ،‬ومن أشهر صورها أن يبيع‬
‫الرجل سلعة بعرشة دراهم ً‬
‫مثال لشهر‪ ،‬ثم يشرتُّيا اآلن بخمسة‪ ،‬فهذا ال جيوز عند املالكية؛‬
‫ألنه ذريعة إىل اشرتاء عرشة آجلة بخمسة حالة‪ ،‬فالسلعة اخلارجة من اليد العائدة إليها‬
‫ُملغاة‪ ،‬فأنت بعت بعرشة ألجل‪ ،‬واشرتيت نفس السلعة فرجعت إليك‪ ،‬فهي خرجت ثم‬
‫بعت مخسة دراهم حالة بعرشة بأجل‪ ،‬وهذا ربا‪ ،‬إذن هذا‬
‫عادت فهي ُملغاة‪ ،‬فأنت يف النهاية َ‬
‫ُحم َّرم عند اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬فهو من الذرائع املسدودة‪.‬‬

‫وإعامل املالكية لسدِّ الذرائع مشهور‪ ،‬من ذلك ً‬


‫مثال‪ :‬كراهيتهم لوصل صوم ستة شوال‬
‫للعيد؛ ألهنم سدوا بذلك ذريعة أن يتوهم اجلهالء أهنا من رمضان‪ ،‬فهذا من سدِّ الذرائع‬
‫عند املالكية‪ ،‬وإعامهلم له مشهور وكثري‪.‬‬

‫قال ابن عاصم رمحه اهلل تعاىل يف املُ ْر َت َقى‪:‬‬

‫ي‬ ‫يي ي‬ ‫ي‬ ‫َو يَْ َ َ َ َ َ َ َ َْ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َْ دَ ا ييَْ ََْ َ َ َ َ َ َ َ ي دحنَ َ َ َ َ َ َ َ‬


‫ِف ثْ َ َ َ ي د ْ َ َ َ َ ي َ َ َ ْ َ َ َ َ دَ ا َ َ ََ ْ‬

‫فهذا ُم َّت َفق عىل سدِّ ه‪.‬‬

‫ي‬ ‫يي ي‬ ‫ي‬ ‫َو يَْ َ َ َ َ َ َ َ َْ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َْ دَ ا ييَْ ََْ َ َ َ َ َ َ َ ي دحنَ َ َ َ َ َ َ َ‬


‫ِف ثْ َ َ َ ي د ْ َ َ َ َ ي َ َ َ ْ َ َ َ َ دَ ا َ َ ََ ْ‬

‫ي َ َ َ َ ي د َْ َ َ َي َقد ي دَْ َ َ َ َ َ ِْي َخَ َ َ َ ْي َ ْ‬


‫دَِ ْ َ َ َ َ يِ‬ ‫ض َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َْ يَُ َْْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َك َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َْ َج يِ‬
‫َوََ ْْ ُ‬

‫‪36‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ا ْلك َْر ِم)‪ ،‬أي‪ :‬شجر العنب‪،‬‬ ‫َاحل َج ِر)‪ ،‬أي‪ :‬املنع‪( ،‬م ِن ا ْغ َ‬
‫رت ِ‬ ‫بعض الذرائع غري معترب؛ (ك ْ َ‬
‫اخلَ ْم ِر)‪.‬‬
‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫(خ ْو َ‬

‫ََْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َْيَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي ِف دَْ سَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َي ي‬


‫ه‬ ‫ويس َ َ َ َ َ َ َ دَثا َيَ َ َ َ َ َ َ ُ يْ َ َ َ َ َ َ َ َْ َيَ َ َ َ َ َ َ ي‬
‫ه‬
‫ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َُ‬

‫ِف ِتْيَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي ودَْبَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي َيآل َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي‬ ‫َك ي ثْ َ َ َ َ َ ي َ ْ َ َ َ َ َي دَ َ َ َ َ َ اْي ُو َ دَْ َ َ َ َ َ ي‬


‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬

‫( َع َىل ِذ ِه)‪ ،‬أي‪ :‬عىل هذه املسألة‪ ،‬وهي سد الذرائع‪ ،‬جعلها ً‬


‫أصال من أصوله‪.‬‬

‫ي ي‬
‫َوَِتْيَُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ِف َد َ َ يَُ َْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫و ُ اج َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َْيَْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ د ْ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َح ُ‬

‫يعني‪ :‬أن اإلمام مالكا رمحه اهلل تعاىل من أصوله االستصحاب‪ ،‬واالستصحاب املعترب عند‬
‫مالك‪ ،‬املُعترب نوعان‪:‬‬

‫استصحاب العدم األصيل حتى يرد الناقل رش ًعا‪ ،‬وهذا هو الذي ُيسمى بالرباءة األصلية؛‬
‫كاستصحابنا أنه ال جيب علينا أن نصوم شهر صفر‪ ،‬وأنه ال جتب علينا صالة سادسة حتى‬

‫َي ِرد الناقل عن ذلك‪ ،‬فهذا نوع من االستصحاب ُي َّ‬


‫سمى الرباءة األصلية‪ ،‬فالرباءة األصلية‬
‫أعم منها‪.‬‬
‫جزء من االستصحاب‪ ،‬واالستصحاب ُّ‬

‫أيضا‪ :‬استصحاب ما َّ‬


‫دل الرشع عىل ثبوته؛ لوجود سببه‪ ،‬كاستصحاب‬ ‫القسم الثان املعترب ً‬
‫امللك؛ لوجود البيع‪ ،‬يعني‪ :‬ثبت عندنا أن هذا الشخص اشرتى هذه السلعة‪ ،‬إذن ُوجد‬
‫سبب ملكه هلا‪ ،‬فنستصحب ملكه إياها حتى يثبت عندنا أنه باعها‪ ،‬أو وهبها‪ ،‬أو غري ذلك‪،‬‬
‫أيضا صحيح‪.‬‬
‫وكاستصحاب النكاح؛ لوجود سببه‪ ،‬وهو العقد‪ ،‬فهذا استصحاب ً‬

‫‪37‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫فهذان القسامن معتربان عند املالكية‪ ،‬وعند مجاهري أهل العلم‪.‬‬

‫ومن االستصحاب ما هو ضعيف‪ ،‬وذلك كالذي يسمونه باستصحاب حال اإلمجاع‪ ،‬كأن‬
‫نقول ً‬
‫مثال فيمن مل جيد املاء فتيمم‪ ،‬ثم وجد املاء أثناء الصالة‪ ،‬هل تبطل صالته أم ال؟ إذا‬
‫استصحبنا حال اإلمجاع نقول‪ :‬أمجعنا عىل أنه حني أحرم صالته صحيحة؛ ألنه فعل ما هو‬
‫حكمه‪ ،‬وهو التيمم عند عدم وجود املاء‪ ،‬فنستصحب هذا اإلمجاع أثناء الصالة‪ ،‬فنقول‪ :‬إن‬
‫صالته صحيحة؛ استصحا ًبا لذلك اإلمجاع الذي كان عندنا‪ .‬وهذا ضعيف‪ ،‬وهو غري ُمعترب‬
‫عند املالكية‪ ،‬ولذلك مما ُيبطل الصالة عندهم وجو ُد املاء أثناء الصالة إن كان قد نسيه ‪.‬‬

‫وخالف يف الرباءة األصلية من املالكية اثنان من أصحابنا العراقيني‪ ،‬أحدُها قال‪ :‬إن األصل‬
‫يف األشياء التحريم‪ ،‬وهو األهبري رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬والثان‪ :‬هو أبو الفرج البغدادي عراقي‬
‫أيضا‪ ،‬قال‪ :‬إن األصل يف األشياء اإلباحة الرشعية‪ ،‬ومذهب اجلمهور يف اإلباحة األصلية‬
‫ً‬
‫تمسك هبا كدليل عقيل‪ ،‬لكن ليست إباحة‬
‫حكام رشع ًّيا‪ ،‬ولكن ُي َّ‬
‫أهنا إباحة عقلية‪ ،‬وليست ً‬
‫رشعية‪ ،‬والقايض أبو الفرج جعلها إباحة رشعية؛ ألن األصل يف األشياء عنده اإلباحة‪،‬‬
‫وعكس األهبري ذلك‪.‬‬

‫ي ي‬ ‫ي ي‬
‫و َُْ َ َ َ ُِوي دَ ْ َ َ َ َ ََ َ َ َ ْْ ََ َ َ َ َ َلَ َ َ َ َ ْ‬
‫َْْ َ َ َ َ‬ ‫دَيد َ َ َ َ َ َ َ َ َْ ُ اجَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َْيَ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬
‫َو َخَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬

‫يعني أن األصل الرابع عرش من أصول اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل هو حجية خرب اآلحاد‪،‬‬
‫سمى بخرب اآلحاد‪،‬‬
‫متواترا فهو ُي َّ‬
‫ً‬ ‫واملراد ما ليس بمتواتر من األحاديث‪ ،‬كل حديث ليس‬
‫وهو حجة عند اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ودليل حجيته من القرآن قول اهلل تعاىل‪{ :‬يا َأُّيا ا َّل ِذين آمنُوا إِ ْن جاءكُم َف ِ‬
‫اس ٌق بِنَ َبإٍ َف َت َب َّينُوا}‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬ ‫َّ‬
‫[احلجرات‪ ،]6 :‬و ُق ِرئ‪َ { :‬ف َت َث َّبتُوا}‪ ،‬وُها قراءتان متواترتان‪ ،‬مفهوم املخالفة يف قوله‪:‬‬
‫‪38‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫ُعرف‬ ‫{جاءكُم َف ِ‬
‫والرت ِّوي فيه حتى ت َ‬
‫اس ٌق}‪ ،‬هذه اآلية تدل بمنطوقها عىل ر ِّد خرب الفاسق‪َّ ،‬‬ ‫َ َ ْ‬
‫حقيقة األمر‪ ،‬لكن دليل اخلطاب أن خرب العدل مقبول‪ ،‬وال ُحيتاج فيه إىل ٍ‬
‫ترو‪{ ،‬إِ ْن َجا َءك ُْم‬
‫اس ٌق}‪ ،‬مفهومه إن جاءكم غري الفاسق فاقبلوا كالمه‪ ،‬فهذا دليل من الكتاب عىل قبول خرب‬ ‫َف ِ‬

‫الواحد‪.‬‬

‫أيضا إمجاع الصحابة‪ ،‬فالصحابة كانوا يعملون بأخبار اآلحاد‪ ،‬يأيت واحد من الصحابة عنده‬
‫ً‬
‫نص يف مسألة‪ ،‬فيعملون بخربه‪.‬‬

‫أيضا األحاديث الكثرية الواردة عن النبي ﷺ بأنه كان يرسل الرسول الواحد إىل‬
‫كذلك ً‬
‫األمة‪ ،‬فلو مل يكن خرب الواحد حجة ملا قامت به احلجة عىل األمم وامللوك التي راسلها النبي‬
‫عيل فتقول‪ :‬هذا يلزم منه الدَّ ْو ُر؛ ألن‬
‫ﷺ‪ ،‬وبعث إليها رسله‪ ،‬وال َد ْو َر هنا‪ ،‬ال تعرتض َّ‬
‫إرسال هذا الرسول إىل هذه األمة هو خرب آحاد‪ ،‬فكيف تثبت خرب اآلحاد بخرب آحاد هذا‬
‫َد ْو ٌر؟‬

‫أقول لك‪ :‬ال َد ْو َر؛ ألن الوقائع التي ُفع َلت من هذا كثرية جدًّ ا ينشأ عنها تواتر معنوي تثبت‬
‫به أصل املسألة فلو مجعنا الوقائع التي أرسل فيها النبي ﷺ واحدً ا؛ لوجدنا طرقها متعددة‬
‫منترشة تؤدي إىل العلم‪ ،‬واليقني‪ ،‬فاحتجاجي بتواتر‪ ،‬فال َد ْو َر‪ ،‬ال يلزمني الدَّ ْو ُر هنا يف هذه‬
‫املسألة‪.‬‬

‫إذن خرب اآلحاد حجة عند اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل فهو من أصوله‪.‬‬

‫ي‬ ‫ََ َ َ َ َ َ َ َ ُ د ْ ي َجَ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ي‬


‫َ ََْ َ َ َ َ َ َ َ ُ دَاَ َ لََ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫َويفَْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ يَ َََْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ د ُِْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َلَ ْ‬

‫‪39‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫األصل اخلامس عرش‪ ،‬وهو األصل قبل األخري هو املصلحة املرسلة‪ ،‬واملصلحة املرسلة هي‬
‫الوصف املناسب الذي مل َّ‬
‫يدل الشارع عىل اعتباره‪ ،‬وال عىل إلغائه‪ ،‬وصف مناسب ألن ُيناط‬
‫يضا‬
‫احلكم به‪ ،‬ومل يثبت يف الرشع اعتباره‪ ،‬وال إلغاؤه؛ ألن املصالح عىل ثالثة أقسام أ ً‬
‫ُ‬
‫كالذرائع‪:‬‬

‫● القسم األول‪ :‬مصالح ثبت يف الرشع اعتبارها؛ كحفظ العقل‪ ،‬فحفظ العقل‬
‫مصلحة ثبت يف الرشع اعتبارها؛ لقوله ﷺ‪« :‬ك ُُّل ُم ْس ِك ٍر َح َرا ٌم»‪ ،‬إذن هذه مصلحة‬
‫ال خالف فيها؛ ألنه ثبت يف الرشع اعتبارها‪.‬‬
‫● القسم الثان‪ :‬ما ثبت عدم اعتباره يف الرشع‪ ،‬مصالح ع َّطلها الشارع‪ ،‬ومل يعتربها‪،‬‬
‫ف يف السفر مصلحته أن يصوم؛ ألنه ال جيد مشقة‪،‬‬ ‫مثال‪ :‬املُ ْ َ‬
‫رت ُ‬ ‫وذلك كأن ُيقال ً‬
‫طول الصالة؛ ملا يف ذلك من اخلضوع‪ ،‬واخلشوع‪ ،‬وفيه مصلحة‬
‫ومصلحته أن ُي ِّ‬
‫رتف أن ُيفطر يف السفر‪ ،‬ولو‬
‫للم ْ َ‬
‫أخروية‪ ،‬لكن الشارع مل يعترب هذه مصلحة‪ ،‬وأباح ُ‬
‫كان سفره سفر نزهة وتَرف‪ ،‬وأن يقرص الصالة‪.‬‬

‫وأيضا كأن ُيقال‪ :‬صاحب األعامل الشاقة حيصل له من املشقة مثل ما حيصل للمسافر‪،‬‬
‫ً‬
‫كاحلاملة‪ ،‬وبعض البنائني‪ ،‬ونحو ذلك حيصل هلم يف‬
‫َّ‬ ‫فبعض أصحاب األعامل الشاقة؛‬
‫عملهم من املشقة مثل ما حيصل للمسافر أو أكثر‪ ،‬ف ْلنَ ُق ْل هلم‪ :‬اقرصوا الصالة‪ ،‬وأفطروا يف‬
‫رمضان‪ ،‬لكن هذا ُملغى‪ ،‬فالشارع ع َّطل هذا‪ ،‬الشارع مل يأذن ألصحاب األعامل الشاقة يف‬
‫خص ذلك بالسفر‪.‬‬
‫الفطر‪ ،‬ومل يأذن هلم يف قرص الصالة‪ ،‬وإنام َّ‬

‫ُسمى باالستصالح‪ ،‬وهي التي نتكلم عنها‬


‫● القسم الثالث‪ :‬هو املصلحة املرسلة‪ ،‬وت َّ‬
‫اآلن‪ ،‬وهي وصف مناسب مل يشهد الشارع باعتباره‪ ،‬وال بإلغائه‪ ،‬وهو حمل اخلالف‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫لكن مشهور مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل وأصوله أنه أصل عنده‪ ،‬قال الشيخ‬
‫سيدي عبد اهلل رمحه اهلل تعاىل يف املراقي‪:‬‬

‫َ َ َ َ َ ََم ُ َُ َ َ َ َ َ ْ ود ِ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ََي د‬ ‫بَََََ ُ ُ َ َََََ ُ‬ ‫َر َ َ َ َ َ ُ د‬


‫ودَيص َ َ َ َ َ ُ‬

‫حيث االعتبار ُجيهل)‪ ،‬أي‪ :‬مل ِ‬


‫يأت من الشارع دليل عىل اعتباره‪ ،‬وال عىل إلغائه‪،‬‬ ‫(والوصف ُ‬
‫ُ‬
‫ُ َ‬
‫أيضا املصلحة املرسلة‪ ،‬ثم‬
‫سمى ً‬ ‫واملرس ُل)‪ُ ،‬ي َّ‬
‫سمى االستصالح‪ ،‬و ُي َّ‬ ‫َ‬ ‫االستصالح ُق ْل‬
‫ُ‬ ‫(فهو‬
‫قال‪:‬‬

‫( َن ْق َب َل ُه)‪ ،‬نحن املالكية‪ ،‬نقبله ملاذا؟ (لعمل الصحابة كالنقط للمصحف)‪ ،‬تنقيط املصحف‬
‫أيضا مصلحة مرسلة‬
‫مصلحة مرسلة عمل هبا الصحابة‪( ،‬والكتابة)‪ ،‬حتى كتابة املصحف ً‬
‫عمل هبا الصحابة‪.‬‬

‫ِ‬
‫للفاروق)‪ ،‬تولية أيب بكر الصديق لعمر ريض اهلل تعاىل عنه‪ ،‬هذه مصلحة‬ ‫(تولية الصدِّ يق‬
‫مرسلة؛ ألنه أراد هبا حسم باب اخلالف والنزاع‪ ،‬وقد ُو ِّفق يف ذلك ريض اهلل تعاىل عنه‪،‬‬
‫فهذه مصلحة مرسلة فعلها الصديق ريض اهلل تعاىل عنه‪ ،‬وما هي بأول بركاته‪.‬‬

‫ِ‬
‫للضيق)‪ ،‬من املصالح املرسلة التي عمل هبا الصحابة التوسعة التي‬ ‫ٍ‬
‫مسجد‬ ‫(وهدم ِ‬
‫جار‬
‫وض ِ‬
‫وع َفت يف عهد عثامن بن عفان ريض اهلل تعاىل عنه‪ ،‬هدموا بعض‬ ‫ُفع َلت يف عهد عمر‪ُ ،‬‬
‫عوضوا ألصحاهبا‪ ،‬وأدخلوها يف املسجد‪ ،‬فهدم جار املسجد؛‬
‫املنازل املجاورة للمساجد‪ ،‬و َّ‬
‫لتوسعة املسجد مصلحة مرسلة عمل هبا الصحابة‪.‬‬

‫أيضا فنحن نعمل باملصالح املرسلة‪ ،‬فعمر بن اخلطاب ريض اهلل تعاىل عنه محل املقا َم من‬
‫ً‬
‫مكانه‪َّ ،‬‬
‫وأخره ووضعه يف املوضع الذي ُيوضع فيه اآلن‪ ،‬فمقام إبراهيم كان يف جنب البيت‬

‫‪41‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫يف عهد النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ويف عهد أيب بكر كان مالص ًقا للبيت‪ ،‬فأمر عمر بتنحيته‬
‫وتأخريا له؛ ألن الناس يصلون خلفه‪ ،‬فإذا كانوا سيصلون خلفه‪ ،‬وهو‬
‫ً‬ ‫توسع ًة للمطاف‪،‬‬

‫ُمالصق للبيت‪ ،‬سيكون هذا مان ًعا للطواف‪ ،‬فعندما ك ُثر الناس أمر عمر بتنحية املقام؛ ل ُي َ‬
‫رتك‬
‫حينئذ‪ ،‬فهذه مصلحة مرسلة مل يشهد الشارع‬ ‫ٍ‬ ‫جمال للطواف‪ ،‬ثم الناس يصلون خلف املقام‬
‫بإلغائها‪ ،‬وال باعتبارها‪ ،‬وقد عمل هبا عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه‪ ،‬فهي من أصول‬
‫املصالح املرسلة‪.‬‬

‫أيضا‪( :‬جتديد النداء)‪ ،‬نداء عثامن بن عفان‬ ‫ِ‬


‫(وعمل السكة) أي رضب الدراهم وكذلك ً‬
‫وأيضا كذلك‪:‬‬
‫ً‬ ‫ريض اهلل تعاىل عنه‪ ،‬وأذانه يوم اجلمعة األول‪ ،‬هذا مصلحة مرسلة‪،‬‬
‫أيضا من املصالح املرسلة التي تعامل هبا الصحابة‪،‬‬ ‫(والس ِ‬
‫جن)‪ ،‬اختاذ السجون هذا ً‬ ‫َ‬
‫أيضا كذلك وقعت حتى بعد الصحابة؛ ألن اآلمر‬
‫و(تدوين الدواوين)‪ ،‬أي‪ :‬تدوين السنة‪ً ،‬‬
‫هبا هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن احلكم‪ ،‬هو الذي أمر بتدوين السنة‪.‬‬

‫فاملالكية يقولون باملصالح املرسلة؛ لعمل الصحابة هبا‪ ،‬والتحقيق يف احلقيقة ‪-‬كام قال‬
‫القرايف‪ -‬أن مجيع املذاهب تعمل باملصالح املرسلة‪ ،‬لكن عىل تفاوت‪ ،‬وللاملكية ُّ‬
‫احلظ األوفر‬
‫من ذلك‪ ،‬وحجتهم عمل الصحابة باملصالح املرسلة‪ ،‬ولذلك أجاز اإلمام مالك رمحه اهلل‬
‫رضب املتهم بالرسقة إن كان معرو ًفا هبا؛ حتى ُي ِق َّر‪ ،‬هذه مصلحة مرسلة‪.،‬‬
‫َ‬ ‫تعاىل‬

‫وملا كان هذا األصل اشتهر به املالكية‪ ،‬حتى إن بعض الناس ظن أن املصالح املرسلة‪ ،‬و سدَّ‬
‫الذرائع‪ ،‬والعرف خمتصة باملالكية‪ ،‬قال ابن عاصم رمحه اهلل تعاىل يف املَ ْهيع بعد ذكره هلذه‬
‫األصول‪:‬‬

‫َ ََََََََََ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ دن َ َ َ َ َ َ َ َ َ َِد ف ب َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َََََََ َ‬ ‫و َ َ َ َ َ َ َ ََي َ َ َ َ َ َ َ َ ي َ َ َ َ َ َ َ ََي‬

‫‪42‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫َ َ َ َ َ َ َيد د ْ ََ َ َ َ َ َ َ ِ‬ ‫ِتكثَ َ َ َ َ َ ََِ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ََي د َ َ َ‬ ‫لَ َ َ دَ ح َ َ َََ َ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬

‫اختص هبذه األصول‪ ،‬ولكنه أعملها أكثر من غريه‪.‬‬


‫َّ‬ ‫صحيحا أن مالكًا‬
‫ً‬ ‫أي‪ :‬ليس‬

‫يَ َ َ َ َ َ َ ي َو ََْ َ َ َ َ َ َ ُ َك َ َ َ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ َ ْي د يَْي َ َ َ َ َ َ َ يْ ُ‬ ‫َوَ َْ َ َ َ َ ُ ُخ ْلَ َ َ َ َر َكَ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ ْي د يََ ْْ َ َ َ َ َ َ ُ‬

‫يعني‪ :‬أن مراعاة اخلالف هي األصل السادس عرش‪ ،‬وهي آخر هذه األصول‪ ،‬وأخرب أنه‬
‫طورا‪ ،‬يعني‪ :‬أنه مل يعملها يف مجيع الفروع‪ ،‬بل أعملها يف‬
‫طورا‪ ،‬ويعدل عنها ً‬
‫كان يعمل هبا ً‬
‫بعض الفروع‪ ،‬وتركها يف بعض‪ ،‬ولذلك نشأ اخلالف داخل املذهب هل هي ً‬
‫فعال أصل أم‬
‫ليست بأصل؟‬

‫مراعاة اخلالف‪ :‬هي إعامل املجتهد َ‬


‫دليل خصمه يف الزم مدلوله الذي أعمل يف عكسه ً‬
‫دليال‬
‫آخر‪ ،‬تعريفها أهنا إعامل املجتهد دليل خصمه يف الزم مدلوله الذي أعمل يف عكسه ً‬
‫دليال‬
‫سمى بنكاح ِّ‬
‫الشغار‪ ،‬واملالكية‬ ‫آخر‪ ،‬مثال ذلك ‪ :‬أن احلنفية يقولون بثبوت وصحة ما ُي َّ‬
‫زوجني أختك عىل‬ ‫الشغار‪ :‬هو أن يقول الرجل آلخر‪ِّ :‬‬ ‫يقولون‪ :‬إنه فاسد مفسوخ‪ ،‬ونكاح ِّ‬
‫فسخ‪ ،‬واحلنفية ُي ِق ُّرونه‪ ،‬فاإلمام مالك رمحه‬
‫أن أزوجك أختي‪ ،‬فهذا ال جيوز عند املالكية‪ ،‬و ُي َ‬
‫اهلل تعاىل عمل فيه بمذهبه‪ ،‬فقال‪ :‬هو مفسوخ‪ ،‬لكنه راعى خالف أيب حنيفة فأعمل الزم‬
‫مذهب أيب حنيفة‪ ،‬وهو التوارث يف احلكم الذي عمل هو بضده‪.‬‬

‫فمثال‪ :‬عندنا هنا حكامن‪ :‬حكم بفسخ النكاح‪ ،‬هذا ٍ‬


‫جار عىل أصل اإلمام مالك رمحه اهلل‬ ‫ً‬
‫تعاىل يف فساد هذا النكاح‪ ،‬وحكم بالتوارث بني الزوجني اللذين وقع بينهام نكاح ِّ‬
‫الشغار‪،‬‬
‫جار عىل أصل خصمه‪ٍ ،‬‬
‫جار عىل أصل‬ ‫وهذا التوارث ليس جار ًيا عىل أصل مالك‪ ،‬وإنام هو ٍ‬

‫أيب حنيفة؛ ألن التوارث الزم عن صحة العقد ال عن فساده‪ ،‬فاملك هنا أعمل دليل خصمه‬

‫‪43‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫يف الزم مدلوله‪ ،‬ما يلزم من مذهب اخلصم‪ ،‬وهو التوارث‪ ،‬وأعمل الدليل نفسه يف املسألة‬
‫نفسها فمذهبه هو يف فساد هذا النكاح‪.‬‬

‫وهذا الدليل أنكره القايض عياض‪ ،‬وهو مراعاة اخلالف‪ ،‬وقال‪ :‬إنه خمالف للقياس‪ ،‬إذ‬
‫أيضا‪:‬‬
‫القياس يقتيض أن جيري املجتهد عىل مقتَض دليله‪ ،‬ال أن خيالف مقتَض دليله‪ ،‬وقال ً‬
‫رجح‪.‬‬
‫إنه غري مطرد يف كل مسألة فتخصيصه ببعض املسائل حتكم وترجيح بال ُم ِّ‬

‫لكن أجابه ابن عرفة رمحه اهلل تعاىل عن هذا االعرتاض فقال‪ :‬إنه حجة يف بعض املسائل‬
‫دون بعض‪ ،‬ولذلك ضابط‪ ،‬وضابط ذلك رجحان دليل املخالف‪ ،‬ضابط ذلك أنه إذا كان‬
‫أيضا اخلالف؛ لقوة‬
‫دليل املخالف قو ًّيا مل نُعمل دليلنا فقط‪ ،‬وإنام نُعمل دليلنا‪ ،‬ولكن نراعي ً‬
‫دليل خمالفنا‪.‬‬

‫ودليل مراعاة اخلالف هو احلديث املُ َّ‬


‫خرج يف الصحيح يف شأن وليدة زمعة بن قيس بن عبد‬
‫شمس‪ ،‬وهو والد أمنا سودة بنت زمعة ريض اهلل تعاىل عنها‪ ،‬كانت عنده أمة يتخذها ً‬
‫فراشا‬
‫كافرا‪ ،‬فقال عتبة بن أيب وقاص‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬
‫له‪ ،‬أي‪ :‬يطأها بملك اليمني‪ ،‬وهو كافر يومئذ‪ ،‬ومات ً‬
‫أخو سيدنا سعد بن أيب وقاص ريض اهلل تعاىل عنه‪ : ،‬إنه وطئها‪ ،‬ومحلت منه‪ ،‬وأن ذلك‬
‫الولد منه‪ ،‬وأوىص أخاه سعد بن أيب وقاص أن يأخذ ذلك الولد‪ ،‬وأن يعتربه ابن أخيه‪.‬‬

‫فلام وقع فتح مكة جاء سعد بن أيب وقاص ريض اهلل تعاىل عنه إىل النبي ﷺ‪ ،‬وقال‪ :‬إن أخي‬
‫أوصان بابنه‪ ،‬فقال عبد بن زمعة‪ ،‬وهو أخو سودة‪ :‬إنه أخي ولد عىل فراش أيب فقال النبي‬
‫ﷺ‪« :‬ا ْلو َلدُ لِ ْل ِفر ِ ِ ِ‬
‫اش َول ْل َعاه ِر ْ َ‬
‫احل َج ُر»‪ ،‬فقَض به لزمعة‪ ،‬ولكن أمر سودة أن حتتجب منه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫احت َِجبِي ِمنْ ُه َيا َس ْو َدةُ»‪ ،‬إذن هو هنا أعمل دليلني‪ ،‬أعمل ظاهر الرشع يف أن الولد‬
‫«و ْ‬ ‫فقال‪َ :‬‬
‫أيضا أمر سودة أن حتتجب منه قال‬
‫للفراش‪ ،‬وأنه ابن زمعة‪ ،‬ولكن ملا رآه يشبه آل وقاص ً‬
‫البدوي رمحه اهلل تعىل يف أنساب العرب‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫بَ َ َ َ َ َ َ َ ُ ِتخَ َ َ َ َ َ َ ََي دَ صَ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ِتوصَ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َْْ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ِت و َ َ َ َ َ َ َ َ ي‬


‫ت‬ ‫و َََََََ َ ََََََََ ُ‬

‫ودَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ يَْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ََي َ و د َ َْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ِت أيخ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ د َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ِتََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬

‫ح َ َ َ َ َ ََي ُ َ َ َ َ َ َ د ج َ َ َ َ َ ََي‬ ‫ْ َََََ َ‬ ‫بَ َ َ َ َ َ َُْ َ َ َ َ َ َ ُ َْ َ َ َ َ َ َ و ا َ َ َ َ َ َ دَ َ َ َ َ َ ََي‬

‫و َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُِ دَ َ َ َ َ َ َ َ َ ََِي َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّن َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ جبََ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ دَ َ َ َ َ َ َ ََب ي ِت‬

‫‪45‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫الدرس اخلامس‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل أفضل املرسلني‪ ،‬وعىل آله وأصحابه أمجعني‪،‬‬
‫و َم ْن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬رب يرس برمحتك يا أرحم الرامحني‪.‬‬

‫نبدأ بعون اهلل وتوفيقه الدرس اخلامس من التعليق عىل منظومة أصول مذهب اإلمام مالك‬
‫رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬وقد كنا قرأنا قوله‪:‬‬

‫يَ َ َ َ َ َ َ َ يَ ََْ َ َ َ َ َ َ َ ُ َكَ َ َ َ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ َ َ ْي د يَْيَ َ َ َ َ َ َ َ يْ ُ‬ ‫َوَ َْ َ َ َ َ ُ ُخ ْلَ َ َ َ َر َكَ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ ْي د يََ ْْ َ َ َ َ َ َ ُ‬

‫ب َّينَّا فيام قبل معنى مراعاة اخلالف‪ ،‬ووجه إعامل املالكية لذلك‪ ،‬ودليلهم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫َي َ َ ُ ِتَ ْ َ ْ ََ َ ْْ َ َ ََِ ْي َ َ ي د ْخ َ َيم ْ‬ ‫َوَ َ َ َ َ ْ َلَ َ َ َ َ ُْخلَ ي َ َ َ َْ َ ْ َ َ َ َ ُ دِيَ َ َ َم ْ‬

‫يعني‪ :‬أن العلامء اختلفوا هل جيب عىل املجتهد مراعاة اخلالف أم ال؟ وعىل القول بوجـوب‬
‫مراعاة اخلالف؛ هل جيب مراعاة كل دليل أم أن ما جيب مراعاته اخلالف الذي قوي دليله؟‬
‫ْض‬ ‫َ‪ ،‬و ْ‬ ‫و د يد‬

‫ن ي َ َ َ َ َ َ دَا ََ َ َ َ َ يِ‬
‫ي يخَ َ َ َ َم ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ََُْ َ َ َ َ َ د‬ ‫َوََ َ َ َ َْ َ كَ َ َ َ َ يخَ َ َ َ َم‬

‫ثم ختم املؤلف رمحه اهلل تعاىل هذه املنظومة بذكر القواعد اخلمس الكربى التي هي أعظم‬
‫القواعد‪ ،‬وعليها مبنى الفقه يف الرشع‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫اداص ْ ْ ْ ْ ِ ِ َ ْ ْ ْ ْ تَْن ِ‬
‫صْْْ ْ‬ ‫َ‬
‫َ ي لْ ْ ْ ْ ْ َ َ ِ‬
‫ل‬ ‫‪ِ ْ ْ ْ ْ َ ََ .23‬ا ِ َ ْ ْ ْ ْ ل َْ َ ا ِعْ ْ ْ ْ َا ذكِْ ْ ْ ْ‬

‫ِ ْ ْ ْ ِأ‬
‫َّ َْ ْ ْا لح ْ ْ ْ ل ادَص ْ ْ ْ ِ‬ ‫ِِبد ي‬ ‫ِ‬
‫ى لْتَْ ْ ْ ْ ل‬ ‫ى لح لم ْ ْ ل َل لْ َ ْ ْ ل‬
‫‪ َ ْ ْ ََ .24‬ادَص ْ ْ ل‬

‫ِْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ يص ةذ َْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ لاَل َح ْ ل َمْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ تَْ َصْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ‬


‫َِن َ‬ ‫ض ْ ْ ْ َ َ لْ ْ ْ ْ َا ل ََادتيْ َِ ْ ْ َْل َِن ْ ْ ْ‬
‫‪َ ََ .25‬‬

‫ِِن ْ ْ ْ ْ َ ا لِن ْ ْ ْ ْ ِ َْ ْ ْ ْ ْ َ ِ ْ ْ ْ ْ ِ تلْ َم ْ ْ ْ ْ لا‬ ‫‪ََ .26‬لكْ ْ ْ ْا َِنْ ْ ْ اد َْ ْ ْ َدُل ِ ْ ْ ْ ِ تَْ ْ ْا لخ لا‬

‫َِ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْْا ِذ لِ ََّ اد ص ْ ْ ْ ْ ْ ْْ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫ى تَْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ََ .27‬د َم َص م ْ ْ ْ ْ ْا ا للِن ْ ْ ْ ْ ْ ل تَْتَْ ْ ْ ْ ْ ْ ل‬

‫َ ْ ْ ْ ْ ْ ْتلْ َ ََل لخ ْ ْ ْ ْ ْ ْ َ ِ َ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ََا ِ لد‬


‫َ َ‬ ‫ْا دِ ل ْ ْ ْ ِ ََ ِذ اد َص َ ا ِع ْ ْ ْ لا‬
‫‪َ ْ ْ ْ ََ .28‬‬

‫ِِن ْ ْ ْ ْ ْ ِأَ َ ْ ْ ْ ْ ْ َا َدائِْ ْ ْ ْ ْ َ دَ ْ ْ ْ ْ ْ َ َِ ْ ْ ْ ْ ْْا‬ ‫ا ََِيذ احلَ ِم ْ ْْا‬


‫‪ْ ْ َْ .29‬ا َي َِنْ ْ ْ لِنْ ْ ْ ل‬

‫َع َْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ لَِ يمْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ةا ََآدِْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ِ اد ِْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ َا‬ ‫ص َا ُِ َِنْ َسْ َ اد ي‬


‫َْا‬ ‫ا اد ي‬
‫‪َََ .30‬اَ ل‬

‫مخس َقو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اعدَ )‪ ،‬ذكر هنا القواعد اخلمس الكربى بعد فراغه من‬ ‫(و َهذه َ ْ ُ َ‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪َ ،‬‬
‫ذكر أصول مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل عىل سبيل اجلملة‪ ،‬وهذه قواعد متفق عليها‬
‫كام سيأيت‪ ،‬ال خالف فيها بني املالكية وغريهم‪ ،‬وقد ذكر بعض أهل العلم ‪-‬وهو القايض‬
‫حسني من الشافعية‪ -‬أهنا تنبني عليها مجيع فروع الرشيعة إما مبارشة‪ ،‬أو بواسطة‪ ،‬أو‬
‫بوسائط‪ ،‬وإن كان ذلك يف احلقيقة إطالقه ال خيلو من تكلف‪ ،‬ولكن يف اجلملة هي قواعد‬
‫كربى ينبني عليها كثري من األحكام الرشعية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫عرب عنها بقوله‪:‬‬


‫أوالها‪َّ :‬‬

‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫يفَ ا َ َ َ َ َه ََ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ دََ َ َ َ َ َ ي يََُْبََ َ َ َ َ ُ‬ ‫َو َ َ َ َ َ َ َ َ دََ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ يَََُِْْ َ َ َ َ َ َ ُ‬

‫القاعدة األوىل‪ :‬قاعدة اليقني ال ُيرفع بالشك‪ ،‬أن األصل استصحاب اليقني‪ ،‬وهذه القاعدة‬
‫تشمل العمل بأصل االستصحاب؛ ألن االستصحاب هو التمسك بدليل ُمتي َّقن حتى يأيت‬
‫صارف عنه‪ ،‬فهذا تقديم لليقن عىل الشك‪ ،‬فاليقني ال يزول بالشك‪ ،‬قال أبو عبد اهلل املقري‪:‬‬

‫قاعدة‪ :‬املعترب يف األسباب والرباءة وكل ما يرتتب عليه األحكام العلم‪ ،‬وملا َّ‬
‫تعذر يف أكثر‬
‫الصور ُأ ِقيم الظن مقامه؛ لقربه منه‪،‬‬

‫ربا يف معظم مسائل الرشع إال‬


‫فجعل الظن معت ً‬ ‫تعذر اليقني ُأ ِقيم الظن ً‬
‫أيضا مقامه ُ‬ ‫يعني أنه ملا َّ‬
‫دل الدليل عىل عدم اعتبار الظن فيه؛ كالشهادة بخرب الواحد العدل‪ ،‬فهذه ُملغاة‪َّ ،‬‬
‫دل‬ ‫ما فيام َّ‬
‫الشارع عىل عدم اعتبارها؛ لالحتياط يف الشهادة ألهنا ترتتب عليها حقوق الناس‪ ،‬وهذا من‬
‫لغي فيها الظن‪ ،‬وهي احلكم بشهادة الواحد العدل‪.‬‬‫احلكم بالنادر؛ ألنه مسألة ُأ ِ‬

‫تعذر يف أكثر الصور ُأ ِقيم الظن مقامه؛ لقربه منه‪ ،‬وبقي الشك ُملغى عىل األصل‪،‬‬
‫قال‪ :‬وملا َّ‬
‫خاص من الرشع عىل اعتباره؛ كالنضح‪ً ،‬‬
‫مثال عند املالكية يف طهارة‬ ‫ٌّ‬ ‫إال أن َّ‬
‫يدل دليل‬
‫املشكوك فيه ينضحونه‪ ،‬وكالوضوء من الشك يف احلدث عند مالك‪.‬‬

‫الوضوء من الشك يف احلدث هو مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬خال ًفا للجمهور؛ ألنه‬

‫بمح َّقق‪َ ،‬‬


‫فم ْن شك هل هو متوضئ ال بد أن يتوضأ؛ ألنه إذا صىل‬ ‫يرى أن الذمة ال تربأ إال ُ‬
‫أيضا‬
‫يكون قد صىل بطهارة مشكوك فيها‪ ،‬ولو صىل بطهارة مشكوك فيها كانت صالته ً‬
‫مشكوكا فيها‪ ،‬والذمة ال تربأ إال بمحقق‪ ،‬وهذا مذهب املالكية خال ًفا جلامهري أهل العلم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫قال العالمة حممد مولود رمحه اهلل تعاىل يف (الكفاف)‪:‬‬

‫و َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ََي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ك َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ت ا ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ه ِف دَ َ َ َ ي‬
‫و َ َ َ ََْ د ْون َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ ََ َ َ َ ا‬

‫َْيَ َ َ َ َ َ َ ثَ َ َ َ َ َ َ ُ دَ َ َ َ َ َ َ َ ْْ ود َ ْ ََ َ َ َ َ َ َ يِ‬ ‫و ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ِت َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي دَْلَ َ َ َ َ َ َ َ َ ي َ يَُ ََْْ َ َ َ َ َ َ َ َ َي‬

‫ُج ُّل أهل العلم مل ُيعترب الشك يف احلدث عندهم‪.‬‬

‫مثال إذا َّ‬


‫شك هل‬ ‫ومن فروع هذه القاعدة‪ :‬بنا ُء َم ْن شك يف الصالة عىل ِّ‬
‫األقل‪ ،‬ألن اإلنسان ً‬
‫صىل ثالث ركعات‪ ،‬أو أربعا يف الظهر فإنه ينبي عىل القدر املُح َّقق وهو ثالثة؛ ألن اليقني ال‬
‫َّ‬
‫يزول بالشك‪ ،‬والقدر املُح َّقق هو تلك الثالثة‪.‬‬

‫وكذلك لزوم البينة عىل املُدَّ ِعي؛ ألن األصل براءة الذمة‪ ،‬واملُدَّ َعى عليه األصل براءة ذمته‪،‬‬
‫فال بد أن يأيت املُدَّ ِعي بالبينة؛ ألن اليقني ال يزول بالشك‪،‬‬

‫ي‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ا يََ َ َ َ َ َ َ َ َ ُْوُ َ َْثُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ تََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫ضَ َ َ َ َ َ َ َ ََِ يَُ َ َ َ َ َ َ َ ََد ُ َودَاَْسَ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬
‫َو َ‬

‫رض ٌر ُي َز ُال)‪ ،‬والقاعدة الثانية‪ :‬هي قاعدة وجوب إزالة الرضر‪ ،‬واألصل فيها قوله ﷺ‪:‬‬
‫(و َ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أيضا مبني عىل جلب املصالح‪ ،‬ودرء املفاسد‪ ،‬وتندرج‬ ‫رض َر َو َال َ‬
‫رض َار»‪ ،‬وألن الرشع ً‬ ‫«ال َ َ‬ ‫َ‬
‫حتت هذه القاعدة فروع كثرية ال حرص هلا‪ ،‬تندرج حتتها قاعدة ارتكاب أخف الرضرين‪.‬‬

‫وتندرج حتتها فروع كثرية‪ :‬كرشع الزواجر من احلدود والتعازير‪ ،‬فإهنا ُ ِ‬


‫رشعت دف ًعا للرضر‪،‬‬
‫أيضا ُ ِ‬
‫رشع حدُّ اخلمر صيان ًة للعقل‪،‬‬ ‫فمثال ُ ِ‬
‫رشع حدُّ القذف دف ًعا لرضر القذف‪ ،‬وكذلك ً‬ ‫ً‬
‫أيضا ُ ِ‬
‫رشع ضامن‬ ‫ودف ًعا للرضر عنه‪ ،‬وحد القصاص دف ًعا لرضر التهارج والقتل‪ ،‬وكذلك ً‬

‫‪49‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫املتلفات يف الرشع‪ ،‬وتطليق املرأة بالرضر‪ ،‬وباإلعسار من باب أنه ال رضر وال رضار‪،‬‬
‫والفروع املبنية عليها يف الرشع كثرية‪.‬‬

‫ور َح ْي ُث َام َت َق ْع) القاعدة الثالثة‪ :‬هي قاعدة املشقة جتلب التيسري‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫(وال َّت ْيس ُري َم ْع َم َش َّقة َيدُ ُ‬
‫َ‬
‫ين ِم ْن َح َر ٍج} [احلج‪ ،]78 :‬وينبغي أن ُيع َلم أن‬
‫ودليلها قوله تعاىل‪َ { :‬و َما َج َع َل َع َل ْيك ُْم ِيف الدِّ ِ‬

‫املشقة املرفوعة رش ًعا‪ ،‬والتي هي احلرج؛ هي املشقة الزائدة عىل ما يقتضيه التكليف من‬
‫املشقة‪ ،‬أما ما تقتضيه حكمة التكليف من املشقة فإن املشقة فيه غري معتربة‪ ،‬فالتكليف ُيراد‬
‫به اختبار املُك َّلف‪ ،‬وهذا يلزم منه أن حيصل بعض املشقة؛ ألن أصل التكليف هو إلزام ما فيه‬
‫كُلفة‪ ،‬أو طلب ما فيه كُلفة‪.‬‬

‫احلار مشقة‪ ،‬لكن هل هي مشقة معتربة؟ ليست معتربة؛ ألن هذه‬


‫ِّ‬ ‫ً‬
‫فمثال‪ :‬الصوم يف اليوم‬
‫مشقة تقتضيها حكمة التكليف وكالوضوء باملاء البارد‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫أما إذا وصلت املشقة إىل درجة احلرج فإهنا تكون ملغاة ح ٍ‬
‫ينئذ‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ومن فروع هذه القاعدة‪ :‬قرص الصالة والفطر يف السفر‪ ،‬هذا من فروع قاعدة املشقة جتلب‬
‫التيسري‪ ،‬وكذلك الفطر يف املرض‪ ،‬ومجع الصالتني للمطر واملرض والسفر‪ ،‬والتيمم‬
‫الرخص كلها تدخل يف قاعدة املشقة جتلب‬
‫للمرض‪ ،‬واملسح عىل اجلبرية‪ ،‬وأكل امليتة‪ ،‬ف ُّ‬
‫التيسري‪.‬‬

‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬
‫َ َ َ َ َ َ َ د ُ َ َ َ َ َ ََي ََْ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ تَُ ْْ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َوُكَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ دَ ََْ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ تََ َ َ َ َ َ َ ْْ ُخ ُ‬

‫القاعدة الرابعة‪ :‬هي قاعدة العادة ُحمك ََّمة‪ ،‬والعادة هي غلبة معنى من املعان عىل الناس‪ ،‬أن‬
‫يغلب معنى من املعان عىل الناس سواء كان ً‬
‫قوال أو ً‬
‫فعال‪ ،‬تنقسم إىل‪ :‬لفظية‪ ،‬وفعلية‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫اللفظية؛ كألفاظ األَيامن‪ ،‬وألفاظ الطالق‪ ،‬هذا خيتلف من جمتمع ملجتمع‪ ،‬ومن مكان ملكان‪،‬‬
‫اللفظ الذي حيصل به‪.‬‬

‫والفعلية؛ كتقدير النفقات‪ ،‬وما الشأن فيه من البيوع النقد‪ ،‬وما الشأن فيه غري ذلك‪ ،‬وهذه‬
‫القاعدة دليلها إحالة الرشع عىل العرف يف نصوص كثرية‪ ،‬وذلك مثل قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫{وللمطلقات متاع باملعروف}‪ ،‬أي‪ :‬املُتعارف عليه بني الناس‪ ،‬وكقوله ﷺ هلندَ ِ‬
‫بنت عتب َة‬ ‫َ‬
‫يك وو َلدَ ِك بِاملَْعر ِ‬
‫وف»‪ ،‬فالشارع أحال عىل املعروف أي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ريض اهلل تعاىل عنها‪ِ ُ :‬‬
‫ُْ‬ ‫«خذي َما َيكْف َ َ‬
‫كثريا‪ ،‬فإحالة الشارع عىل العرف دليل عىل اعتباره‪.،‬‬ ‫املُت َ‬
‫َعارف عند الناس ً‬

‫خيص‬
‫خيص الرجل من متاع البيت؛ كالسيف‪ ،‬أو ُّ‬
‫وفروعها كثرية؛ كتقدير النفقات‪ ،‬وما ُّ‬
‫حل ِّيل ً‬
‫مثال يف العادة‪ ،‬إذا جاء زوجان إىل القايض يتنازعان يف ُح ٍّيل عندُها‪ ،‬العرف‬ ‫املرأة؛ كا ُ‬
‫حل َّيل من مملوك املرأة‪ ،‬فإذا تنازعا يف السيف فإن العرف ً‬
‫مثال يقتيض أن السيف‬ ‫يقتيض أن ا ُ‬
‫من مملوك الرجال‪ ،‬وليس من مملوك النساء‪ ،‬فهذا مما ُيرجع فيه إىل العادة ‪.‬‬

‫وكذلك ما العادة فيه النقد من البيوع إذا ا ُّد ِعي فيه النقد أو عدمه‪ ،‬وكصيغ األيامن‪ ،‬والعقود‪،‬‬
‫والفسوخ‪ ،‬وألفاظ الطالق‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫وهذه القواعد األربعة التي ُذ َ‬


‫كرت اآلن ذكرها القايض حسني من أئمة الشافعية‪ ،‬وقال‪ :‬إن‬
‫فروع الرشع تنبني عليها‪ ،‬وقد نُوقش بأن ر َّد بعض هذه الفروع إليها ال خيلو من تعسف‪،‬‬
‫وزاد بعضهم قاعدة خامسة‪ ،‬وهي قاعدة األمور بمقاصدها‪ ،‬وسيذكر اخلالف فيها‪.‬‬

‫قال السيوطي يف الكوكب‪:‬‬

‫ِتَ ا ِتُُ َ َ َ َ َ َ َ َيَ دَ ا َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ي يفَْ َ َ يص َ َ َ َ َ َ َ َْ‬ ‫َوَد َ ََ َْْ َ َ َ َ َ َ َ َ َو َخَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي َ دَْ َ َيد يَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ يْ‬

‫‪51‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫يعني‪ :‬أهنا غري متفق عىل أهنا من القواعد الكربى‪.‬‬

‫قال‪:‬‬

‫ي‬ ‫وي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬


‫َ دََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي تََ ِْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوَ ْل َ َ صَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َْ د َُُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َيُ تَََْبََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫( َول ْل َم َقاصد األُ ُم ُ‬
‫ور َت ْت َب ُع)‪ ،‬القاعدة اخلامسة هي قاعدة األمور بمقاصدها‪ ،‬دليلها قوله ﷺ‪:‬‬
‫ات»‪ ،‬وفروعها كثرية؛ كتمييز العبادات بعضها عن بعض‪ ،‬وِتييز العبادات‬ ‫«إِنَّام ْاألَ ْعام ُل بِا ْلنِي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من العادات‪ ،‬ورشط حصول الثواب يف األعامل‪ ،‬فإن ذلك إنام يكون بنية‪ ،‬وكتخصيص‬
‫اليمني بنية احلالف‪ ،‬وتندرج يف قاعدة األمور بمقاصدها سدُّ ذرائع الفساد؛ ألهنا ناشئة عن‬
‫ن َّيات فاسدة‪.‬‬

‫( َو ِق َيل ِذي إِ َىل ال َي ِ‬


‫قني ت َْر ِج ُع)‪ ،‬يعني‪ :‬أن بعضهم مل ُيعدَّ هذه من القواعد الكربى‪ ،‬وقال‪ :‬إهنا‬
‫داخلة حتت قاعدة اليقني ال يزول بالشك؛ ألن اليشء إذا مل ُيقصد‪ ،‬فنحن عىل يقني من عدم‬
‫حصوله‪ ،‬وقيل‪ :‬إهنا داخلة يف قاعدة العرف؛ ألن العادة تقتيض أن غري املنوي من غسل‪ ،‬أو‬
‫صالة‪ ،‬ونحو ذلك؛ ال يسميه الناس عاد ًة ُغ ً‬
‫سال‪ ،‬وال صالة‪ ،‬فهي داخلة يف قاعدة العرف‪،‬‬
‫وعليه تكون القواعد الكربى أربع فقط‪.‬‬

‫يها َوا ِر ُد)‪ ،‬يعني‪ :‬أن هذه القواعد اخلمسة ال‬‫مخستُها َال ُخ ْل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم قال‪ِ :‬‬
‫فف َ‬ ‫(وذي ال َق َواعدُ َ ْ َ َ‬
‫َ‬
‫خالف فيها بني أهل العلم‪ ،‬فهي مما اتفق عليه أهل العلم وإنام وقع اخلالف يف استقالل‬
‫األخرية أو دخوهلا حتت غريها أو يف بعض تفاصيل الفروع املبنية عليها‪ ،‬ور َّد اإلمام سلطان‬
‫عز الدين بن عبد السالم رمحه اهلل تعاىل أحكام الرشع وفروعه مجي ًعا إىل أصل واحد‪،‬‬
‫العلامء ُّ‬
‫وهو جلب املصالح‪ ،‬ودرء املفاسد‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫قال‪:‬‬

‫َخَْس َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ خ ْل َ َ َ َ َ َ َ َ َ ي‬ ‫َو َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َيْلُْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ِْ ي َوي دَ َ َيد ي َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُْ‬


‫ر ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َود يُ‬
‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬

‫ِ ََْ َ َ َ َ َ َ َْ َد يَ َ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ َْ َ يَبي َ َ َ َ َ َ َ ْْ‬‫ي ي‬


‫َََََََ َ‬ ‫ََ َ َ َ َ َ َ ْْ َوا َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُ َوياّ د َ ي َ َ َ َ َ َ َ ْْ‬

‫حل ِميدْ ِمن َِّي َمحْدٌ )‪ ،‬أي‪:‬‬


‫(وهللَِّ ا َ‬
‫قصدت من بيان أصول اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫تم ما‬
‫أي‪َّ :‬‬
‫أمحد اهلل تعاىل يف اخلتام كام محدتُه يف االبتداء‪ ،‬فهو محد دائم مستمر‪َ ( ،‬ل ْي َس َيبِيدْ )‪ ،‬ال يفنَى‪.‬‬

‫ي ي ي‬ ‫ي‬
‫َلََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُُمَ ا َ َ َ َ َ َ َ َ َ َْ َو ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ دَ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ََِد ْ‬ ‫َوِتَ َْ َ َ َ ُ دَ ا َ َ َ َم َ َ َ َ ْ ِتَ ْ َ َ َ َ دَ اس َ َ َم ْ‬

‫الص َال ِة)‪ ،‬أي‪ :‬أسأل اهلل تعاىل أن يصيل أطيب الصالة‪ ،‬وأسنى السالم ( َع َىل ُحم َ َّم ٍد)‬
‫ب َّ‬‫( َو َأ ْط َي ُ‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪( ،‬وآلِ ِه ِ‬
‫الك َرا ْم)‪.‬‬ ‫َ‬

‫تتم الصاحلات‪،‬‬
‫وهبذا نكون قد أهنينا هذه املنظومة املباركة‪ ،‬واحلمد هلل الذي بنعمته وجالله ُّ‬
‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬بارك اهلل فيكم‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫أكاديمية الشنقيطي للدراسات الرشعية واللغوية‬ ‫منظومة أصول اإلمام مالك‬

‫تشجري النظم‬

‫‪54‬‬

You might also like