Professional Documents
Culture Documents
https://www.asjp.cerist.dz/revues/414
agred.hassina@univ-alger3.dz
تاريخ االرسال2022/07/10:
تمثل تنمية السلوك المدني واحدا من األدوار األساسية التي تطلع بها المدرسة في المجتمعات تاريخ القبول2022/07/30:
المعاصرة التي تتجه أكثر فأكثر إلى االهتمام بالفرد وبناء اإلنسان عن طريق ترسيخ القيم األخالقية
وقيم المواطنة لدى المتعلمين. الكلمات المفتاحية:
تعتبر هذه الورقة البحثية د ارس ــة تحليلية نةرية لمو ــوب التربية على الس ــلوك المدني وعلى الس ــلوك
المواطناتي ،نهدف من خالل متنها اإلجابة عن األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لة التالية :ما مفهوم التربية على الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلوك السلوك المدني
المدني؟ وما هي أسـ ـ ــا وأهداف التربية على السـ ـ ــلوك المدني؟ وتيب تسـ ـ ــاهم التربية على المواطنة القيم
وعلى القيم في تكوين وتأهيل الفرد ليصبح مواطنا صالحا؟ المتعلمين
المواطنة
المدرسة
Received :10/07/2022
This research paper is a theoretical analytical study about f civic education
Accepted:30/07/2022
and citizenship behavior. It is an attempt to answer the following questions :
What is the concept of civic behavior education? What are the foundations Keywords:
and objectives of education with regard to civic behavior? How do
citizenship education and values contribute to the formation and Civic behavior
rehabilitation of the student in order for him to be a good citizen. Values
Citizenship
the learner
The school.
126
أقراد حسـينة
تعد المنةومة القيمية واحدة من األطر المنةمة للمجتمع إلى جانب المنةومات االجتماعية مقدمة:
واالقتصادية والسياسية وغيرها ،فالقيم بما تحمله من معايير للسلوك واألخالق العامة لألفراد في حياتهم
االجتماعية ،هي التي تؤسا للنةام العام وتشكل اإلطار المنةم لجميع العالقات اإلنسانية ،ومن هنا ينبغي
تنةيمها وتعزيزها وغرسها لدى الناش ة من أجيال المستقبل.
من إحدى المتطلبات والرهانات يمكن القول أن التربية على القيم والمبادئ األساسية أصبحت اليوم
الجادة بالنسبة لمؤسسات التربية .بهدف تكوين وتأهيل المتعلمين حتى يكونوا قادرين على االندماج مع
المجتمع ،وفاعلين اجتماعيين ،من خالل تبني السلوتيات االيجابية الهادفة لخدمة الصالح العام والمجتمع،
بتأدية مجموعة من الوظائف اإليجابية والسلوتيات المدنية الفعالة .وتشكل هذه األخيرة محور الفلسفة التربوية
الحديثة التي تستهدف بمناهجها وبرامجها ترسيخ قيم المواطنة ،والسلوك المدني ،واحترام اآلخر ،والسلوك
الديمقراطي ،وقيم حقوق اإلنسان وغيرها من القيم االيجابية التي تراهن عليها المجتمعات لبناء منةومة
اجتماعية مت اربطة ومتماسكة ومتطورة.
يمثل مو وب التربية على السلوك المدني أحد الموا يع التي تضطلع بأهمية بالغة داخل المنةومة
التربوية ،بالنةر لعالقته البنيوية بتطور المجتمع ومؤسساته ،حيث تؤدي تنمية السلوك المدني إلى بناء
عالقة ثقة متينة فيما بين أفراد المجتمع وبينهم وبين مؤسسات المجتمع ومؤسسات الدولة ،وذلك برفع درجات
وعي األفراد بأهمية احترام الحقوق والواجبات القانونية واألخالقية ،وممارسة السلوتيات بمسؤولية واحترام
اآلخرين أفرادا ومؤسسات ،وذلك انطالقها من المبادئ العامة التي تنةم الحياة المشترتة بين األفراد ،على
أصول مبدأ قبول اآلخر والتسامح ،والحق في االختالف.
يستمد مو وب التربية على السلوك المدني وعلى المواطنة أهميته في المجتمعات والحضارات اإلنسانية
المعاصرة من الوعي المتزايد باإلنسان تقيمة في حد ذاته؛ ومكانة الفرد تأساس تنمية وتطوير المجتمع،
كما برزت أهمية ترسيخ السلوك المدني مع تطور أهداف ودور مؤسسات التربية والتكوين في المجتمعات
الحديثة ،حيث أ حت شريكا اجتماعيا بامتياز يدعم سياسات الدولة واستراتيجيتها الوطنية لتنمية وتطوير
الحياة االجتماعية ،في أفق بناء اإلنسان المواطن الذي عليه تنمية الوطن وتحقيق نهضته.
من أهمية مكانة القيم هذا ويندرج االهتمام العلمي بمو وب السلوك المدني والتربية على قيم المواطنة
في التغيرات والتحوالت التي تشهدها المجتمعات في مسار تاريخها االجتماعي ،فالسلوك المدني شديد
االرتباط بالمفاهيم األصيلة والمرادفات التي تعكا تطور سلوك الفرد في المجتمع تاريخيا وسياسيا ،وذات
الصلة بحقول واسعة مثل القانون واألخالق وقواعد السلوك وأنماط التربية ،تاألخالق اإلنسانية واإليتيقا
والتحضر؛ فهو مفهوم يستدعي مفاهيم أخرى عامة محورية تالديموقراطية والمواطنة والوطنية واحترام حقوق
127
السلوك المدني والسلوك المواطناتي مطلب التربية الحديثة -قراءة بحثية في رهانات المدرسة حول التربية على القيم-
اإلنسان ،والمدنية ،والمجتمع المدني ،والتربية على القيم ،والتربية على المواطنة .فالسلوك المدني يعبر عن
الفضائل الضرورية لتأهيل السلوك الفردي والجماعي بهدف تنش ة المواطن على الصالح والفعالية والمسؤولية
واالنضباط واإلخالص للمجموعة الوطنية ،وهو مؤشر على الوعي بالحقوق والواجبات.
تشكل هذه الورقة البحثية مقاربة نةرية لمحاولة إبراز دور التربية على المواطنة والسلوك المدني في
تنمية سلوك المتعلمين مع إمكانية ترسيخ مبادئها الحقوقية لديهم ،وبالتالي المساهمة في بناء شخصيتهم
المتوازنة المتشبعة بحب الوطن ،وجعلهم مواطنين صالحين وفاعلين إيجابيين داخل المجتمع.
ولمعاجلة المو وب ارتأينا االنطالق من السؤال البحثي الرئيسي التالي :ما موقع وأهمية السلوك المدني
والتربية على قيم المواطنة في التربية والتعليم؟
وقد تفرعت منه األس لة التالية :ما مفهوم التربية على السلوك المدني؟ وما هي معالم وأسا وأهداف
التربية على السلوك المدني؟ وما هي أهمية التربية على القيم؟ وتيب تساهم التربية على المواطنة وعلى
القيم في تكوين وتأهيل النشئ ليصبح مواطنا صالحا؟
لمعالجة المو وب اعتمدنا المقاربة النةرية التحليلية،وقد قسمنا البحث إلى قسمين رئيسيين :يتعلق األول
بالمؤسسة التربوية وترسيخ السلوك المدني لدى التلميذ ،ويتناول القسم الثاني أهمهم التربية على القيم ودورها
فيفي تكوين األفراد (قيم المواطنة -قيم الديمقراطية وقيم حقوق اإلنسان).
التلميذ:يصدر المشروب التربوي عن المؤسسة التربوية وترسيخ السلوك المدني لدى
توجه سياسي يحدد الغايات المراد الوصول إليها لتكوين إنسان ومجتمع الغد .ويستدعي هذا البعد المعياري
(ما تجسده الغايات المنشودة) بعدا آخر ال يقل عن سابقه أهمية وقيمة ،وهو البعد اإلجرائي الذي يتمثل في
االستراتجيات البيداغوجية والتقنيات العملية الكفيلة بتحقيق الق اررات واالختيارات الكبرى .وهكذا يتضح مما
سبق أن التربية "غير محايدة" ،وتجسد الحقيقة السياسية .تما أنها " تمت بصلة إلى الحياة المدنية والعالئق
االقتصادية واالجتماعية".
عنصر
ا عالوة على انكباب المدرسة على إكساب المتعلم القدرات المنهجية والتواصلية والثقافية حتى يكون
فاعال داخل الفصل الدراسي وخارجه ،فهي أصبحت ،مع مر الزمن ،تؤهله بفضل عنايتها بالجانب القيمي
إلى تدبير الصراعات والتعامل معها بروح المسؤولية والتعاون ،والحرص على صيانة الموارد الطبيعية
والبشرية من االجتثاث واالست صال .وهذا ما يقتضى من المربين الترتيز على التربية األخالقية أو المدنية
لما لها من دور في ترسيخ القيم النبيلة داخل المجتمع ،ودعم تعايش الثقافات وتفاعلها وانفتاح بعضها على
البعض بطريقة إيجابية ،واإلسهام في تشييد حضارة جديدة مبنية ،تما يرى آدام تورل ،Adam Curleعلى
"اإلنسانية البي ية ).(Humanisme écologique
128
أقراد حسـينة
المدني:يندرج مفهوم السلوك المدني حسب المجلا األعلى للتعليم ( )2007في مفهوم السلوك
شبكة مفاهيمية واسعة تتداخل فيها المعاني وتتعدد الداالت ،وإذا تان هذا المفهوم بمكونيه السلوك والمدنية
يحيل في نفا الوقت على األخالق االتيقا ( ، (Ethiqueوإلى التمدن تحالة مجتمعية ترادف التحضر،
فإنه يستدعي في اآلن ذاته مفاهيم أخرى محورية مثل الديمقراطية ،والمواطنة ،والوطنية ،واحترام حقوق
اإلنسان ،والمدنية ،والحا المدني ،والتربية المدنية ،أو التربية على المواطنة ،أو التربية على حقوق اإلنسان.
لذلك تعكا المصطلحات المستعملة في مجاله الواسع و المرادفات التي يحيل عليها في أحيان تثيرة تطو ار
تاريخيا وسياسيا للمجتمع وتذا تحوال في القيم األخالقية و اإلنسانية ،فإذا تان الحا المدني مثال يعبر عن
الفضائل الضرورية للسلوك الفردي والجماعي ،فإن التربية على المواطنة تهدف إلى تحديد وفهم العالقات
القانونية التي تضبطها قوانين وتشريعات الدولة ،بينما تسعى التربية على حقوق اإلنسان إلى التعلق بالقيم
الكونية لإلنسانية جمعاء.و يشكل إذن ،الحا المدني منةومة قيمية أخالقية متكاملة تتراوح بين التشبع بقيم
المواطنة والتمتع بالحقوق األساسية وااللتزام بالواجبات والتصدي الحازم للسلوتيات غير المدنية.
تشير المدنية حسب ما ورد في موقع 'معالم حول المواطنة' ’Repères sur la ‘citoyenneté
)2012(et la ‘formation a la citoyennetéإلى المفاهيم التقليدية للتأدب والحضارة واعتبرت منذ
القدم تشرط من شروط المشارتة في الحياة السياسية .السلوك المدني ال يتعارض مع قوانين المجتمع ،وتعد
المدنية إحدى شروط احترام القوانين ،وتعد المدنية مفهوما وسيطا بين التحضر والمواطنة .يتجلى جانب
االرتباط المفاهيمي بين المدنية والمواطنة في المشارتة النشطة للمواطن في الشأن العام ،وما يتبع ذلك من
129
السلوك المدني والسلوك المواطناتي مطلب التربية الحديثة -قراءة بحثية في رهانات المدرسة حول التربية على القيم-
االهتمام بالشؤون العامة ،وتكوين قناعات معقولة ومستنيرة بخصوصها ،وتشمل أيضا المشارتة في
االستحقاقات االنتخابية.
أن هناك إذن معنيان يعكسان تطور مفهوم :معنى عام يشمليشير المجلا األعلى للتعليم (ّ )2007
واجبات المواطن ومسؤولياته في عالقته بالدولة من جهة ،وبالمواطنين من جهة ثانية؛ ومعنى خاص يحدد
الفضائل الضرورية الواجبة في تنش ة المواطن الصالح ،المتمتع بالحا المدني واالنضباط واإلخالص
للمجموعة الوطنية.إن هذه المعاني التي ارتبطت بتطور المفهوم في الثقافات الغربية اليونانية والالتينية
والمعاصرة ،تةهر بو وح في مفهوم التربية في الثقافة العربية وفي التراث اإلسالمي الديني والفكري .فهي
تعني التأديب من جهة ،والتهذيب من جهة ثانية .فالتأديب هو توجيه الطفل نحو االنضباط واالنتةام ،أي
تلقينه قواعد الضبط األخالقي االجتماعي،أما التهذيب فغايته طبع النفا البشرية بالفضائل الدينية
واألخالقية ،وهي فضائل أخالقية وعقلية في نفا الوقت .فغاية التربية اإلسالمية هي توجيه السلوك الفردي
من جهة ،وتنةيم الحياة االجتماعية من جهة ثانية.
تعتبر التربية المدنية حسب حمدان ( )2015في "الجوهر تربية سياسية تعد األفراد والجماعات أينما
وجدو للقيام بواجباتهم أح ار ار مواطنين عن طريق صقل الفضائل األخالقية والمعارف والمهارات الضرورية
لمشارتتهم في الق اررات والفعاليات اليومية للمجتمع.
ووفق رستم ( )2001فالتربية على السلوك المدني بمفهومها الواسع ":عملية تهدف إلى توعية الفرد
بحقوقه وواجباته اإلنسانية وتنمية قدراته على المشارتة الفعالة في بناء المجتمع ومؤسساته وتحمل المسؤولية
وتقدير إنسانية اإلنسان ،وتكوين اتجاهات إيجابية نحو الذات ونحو اآلخرين وتمثل مبادئ الديمقراطية
وحقوق اإلنسان واالنفتاح على الثقافات العالمية والمشارتة اإليجابية في الحضارة اإلنسانية".
130
أقراد حسـينة
ومن جهة قاسم ( )2006فالتربية على السلوك المدني تعني ":اإلعداد للمواطنة الواعية والفعالة والمسؤولية
واألخالقية بمستوياتها المحلية والقومية والعالمية في إطار من حقوق ومسؤوليات المواطنة الديمقراطية ،وما
يستلزمه ذلك اإلعداد من اكتساب مبادئ ومعارف ومفاهيم وتنمية لقيم وميول واتجاهات ودعم لمهارات
وقدرات وسلوتيات تصب جميعها في اتجاه تحويل المواطن من حالة المواطنة بالقوة إلى حالة المواطنة
أما من جهة سحبان ( )2007فيعد مفهوم السلوك المدني مفهوما متداخال مع مفهوم المواطنة ،بل
بالفعل"ّ .
يمثل تطبيقا لها باعتباره "ممارسة المواطن لحقوقه في احترام للجماعة التي ينتمي إليها ولقوانينها وأداء ما
يقتضيه ذلك من واجبات ،خدمة للمصلحة العامة وأسلوب للعيش يقوم على احترام اآلخرين والتعايش معهم".
ويرى (ابراهيم )2000،انه قد تبلورت العالقة بين مفهوم السلوك المدني والمواطنة في المفهوم الحديث للدولة
القائمة على مبدأ المواطنة ،و السلوك المدني ما هو إال واجهة عملية للمواطنة ،فالمواطنة تما عرفها
'نيومـان' هي "المواطنة هي القدرة على أن يمارس الفرد تأثيره في الشؤون العامة".
تبرز العالقة الوطيدة بين مفهوم السلوك المدني والمجتمع المدني حسب مفتي ( )2014فيما يتصل
بالبعد التشارتي ،فالمجتمع المدني يمثل تافة األنشطة التطوعية التي تهدف إلى تحقيق مصالح وأهداف
مشترتة لألفراد المنخرطين فيها ،وتشمل العديد من المنةمات غير الحكومية والمنةمات غير الربحية مثل
النقابات المهنية ،والمنةمات الخيرية ،والدينية ،وجمعيات حقوق اإلنسان والجمعيات النسائية وغيرها.
والمجتمع المدني ليا مجموعة مؤسسات جامدة بل هو إطار فكري يمثل قيما اجتماعية موجهة ومؤطرة
للعمل السياسي داخل الدولة مبنية على قواعد العمل الديمقراطي المبني على التعددية الفكرية والسياسية
والتي تعني الحق المشروب في االختالف.
من أهم وظائف المجتمع المدني إشاعة ثقافة مدنية ترسي في المجتمع احترام قيم النزوب للعمل التطوعي
وء قيم والعمل الجماعي ،وقبول االختالف والتنوب بين الذات واآلخر وإدارة الخالف بوسائل سلمية في
االحترام والتسامح والتعاون واالحترام والتنافا والصراب السلمي.
131
السلوك المدني والسلوك المواطناتي مطلب التربية الحديثة -قراءة بحثية في رهانات المدرسة حول التربية على القيم-
يرتبط مفهوم السلوك المدني وفق المجلا األعلى للتعليم ( )2007بأنماط التربية والقانون واألخالق
وقواعد السلوك ،ومن مةاهر ممارسة السلوك المدني بطريقة فعالة احترام اآلخر وتقبل االختالف معه،
والوعي بالحقوق والواجبات و رورة االلتزام بالقوانين والمشارتة في تنمية المجتمع عن طريق التحلي
بالسلوتيات المدنية ،إجماال يتحدد مفهوم السلوك المدني من خالل مستويين يعكسان تطور مفهوم السلوك
المدني" :معنى عام يشمل واجبا المواطن ومسؤولياته في عالقته بالدولة من جهة وبالمواطنين من جهة
ثانية ،ومعنى خاص يحدد الفضائل الضرورية الواجبة في تنش ة المواطن الصالح المتمتع بالحا المدني".
تهدف الت ربة المدنية إلى بناء شخصية المواطن بهدف إقامة عالقة حسنة بين المواطن والدولة خدمة
لتنمية وتطوير المجتمع والحفاظ على المكتسبات الوطنية ،فالمواطن المدني والصالح هو الذي يمتلك المعرفة
والمهارات وقيم المشارتة الواعية والمسؤولة والفعالة في الحياة المدنية االجتماعية والسياسية والمشارتة في
صنع القرار والمساهمة في إدارة الشأن العام ،ما من شانه إرساء مبادئ الديمقراطية ،عبر تعزيز عضوية
الفرد الفعالة في المجتمع.
احترام الفرد لمبادئ ومقومات وثوابت مجتمعه ووطنه وهويته وأر ه وبي ته؛
إدراك الفرد لوجوده تعضو داخل جماعة (الجماعة بمفهومها الواسع الحديث التي تبدأ باألسرة
وتنتهي بالمجتمع اإلنساني)؛
استحضار الوازب األخالقي؛
االلتزام بالواجبات واحترام الحقوق؛
اعتماد مبادئ العدالة والديموقراطية واإلنتاجية والتضامن اجتماعيا وسياسيا وتربويا؛
ممارسة الحرية في إطار المسؤولية؛
احترام األفراد والجماعة لمبادئ وقيم حقوق اإلنسان؛
المشارتة في الحياة العامة ،واالهتمام بالشأن العام.
وبشكل عام تتجلى تنمية السلوك المدني في إكساب أفراد المجتمع بطريقة عملية وفعالة مبادئ السلوك
االجتماعي في البيت والمدرسة والشارب واألماكن العامة وعند ممارسة المهنة ،وتذلك مبادئ احترام الغير
مير اجتماعي لدى تل وتقبل رأيه ومساعدته والتضامن معه وتجنب إلحاق الضرر به ،وذلك بخلق
132
أقراد حسـينة
مواطن يستند إلى قيم التعاون والعدالة والديموقراطية وحب الوطن والغيرة عليه وتوظيب تل الطاقات لبنائه
ورفعته ألداء رسالته الحضارية تجزء من الحضارة اإلنسانية.
فإن هناك العديد من األبحاث حول البي ة المدرسية والتي تشير إلى أن التربية
حسب ّ )2005(Alberta
على السلوك المدني وعلى قيم المواطنة تحمل الكثير من االيجابيات غاية في األهمية تنمي قدرات التلميذ
و تعزز الثقافة المدرسية والمجتمعية فيجملها.
التعليمية:تزداد أهمية تلقين القيم وغرسها حسب أهمية التربية على القيم في المناهج
العماري ( )2020في عالم اليوم المتغير والمتقلب ،الذي بدأ ينسلخ عن القيم األصيلة ،لعدة أسباب أهمها
اتسام المجتمعات عامة منها تطور أساليب الحياة ،وتغير العادات االجتماعية ،وظهور اهتمامات جديدة
لدى األفراد ،وتراجع في ادوار أهم مؤسسات الضبط االجتماعي الدينية والعرفية والقانونية منها.وغيرها من
العوامل التي ساهمت بشكل أو بآخر في تراجع االهتمام بالقيم في حياة األفراد والمجتمعات السيما العربية
منها التي تانت خالل المراحل السابقة تمجد القيم اإلسالمية وتعتز بها ،إال أنها أصبحت اليوم عر ة
للتهديدات األخالقية واالجتماعية التي تما سالمة األمن المجتمعي واألمن الثقافي ،خاصة مع التدفق
الراسي للمعلومات والمضامين االتصالية عبر مختلف وسائل التواصل الحديثة التي أحدثت ثورة في مجال
تلقي واستخدام هذه الوسائط التي تنجر عنها تأثيرات عميقة على السلوك والفكر أكثرها سلبية لألسف السيما
على الف ات الشبانية األكثر تعر ا واألقل إدراكا لمخاطر هذه المضامين المبهرة .من هذا المنطلق وجب
التأكيد على دور المدرسة والمؤسسات التعليمية في تقوية البنية القيمية لدى التلميذ.
133
السلوك المدني والسلوك المواطناتي مطلب التربية الحديثة -قراءة بحثية في رهانات المدرسة حول التربية على القيم-
يعمل النةام التربوي على نقل القيم والمعتقدات الخاصة بالمجتمع بصرف النةر عن طبيعة النةام
السياسي المتبع في تلك الدولة ،سواء تان المجتمع ديمقراطيا أو تسلطيا ،إذ يؤثر نوب الحكم فقط في التغذية
الراجعة التي يمكن من خاالها التأثير في النةام السياسي والقيمي للمجتمع .فاإلرادة السياسية لتحقيق التربية
الرشيدة أمر جد مهم وأساسي بل يعتبر من أولى األولويات .فالق اررات السياسية الحاسمة في تهيئ الفضاء
الالئق بالتربية والتعليم والتكوين قد تكون أولى من و ع البرامج والمناهج ،وقد يقول البعض أن تثي ار من
األفراد تعلموا على الحصير وبالعصي ،نعم ،لكن الو ع يختلف بين اليوم واألما ،واالختالف يتضح من
خالل رغبات وميوالت األفراد وحاجاتهم.
إن القيم تقوم في نفا اإلنسان بالدور الذي يقوم به ربان السفينة يجريها ويرسيها تما يشاء ،ففهم اإلنسان
على حقيقته يتوقف على معرفة القيم التي تمسك بزمامه وتوجهه ،واقع أنه إذا تان ثمة شيء أصبح اإلنسان
المعاصر في أشد الحاجة إليه ،فما ذلك الشيء سوى الوعي األخالقي الذي يوقظ إحساسه بالقيم .من أجل
رورية لتحقيق السعادة للفرد والمجتمع ،وتنةيم سلوك الناس ،مما ييسر العيش الهادئ ذلك ،تعد القيم
الكريم ويحفظ الحقوق ،ويمنع الطغيان واالعتداء ،فهي تعمل على تحقيق المجتمع المتعاون على الخير،
وتجعل المسؤولية بين الفرد والمجتمع تبادلية وتضامنية ومتوازية ،تحفظ للجماعة مصلحتها وقوة تماسكها،
وللفرد حريته ،و بدون القيم تنحط الجماعة البشرية إلى مرتبة الحيوانية ،وللتدليل على ذلك يمكن أن نتصور
مجتمعا خاليا من الصدق واألمانة واإلخالص والعطف على العاجز والفقير وحب الخير ،الشك أن هذا
المجتمع ال يمكن أن يستقيم له أمر من دون وجود تربية على قيم وأخالق.
والديمقراطية:أشار المجلا األعلى للتربية المدرسة ومطلب التربية على قيم المواطنة
أن القيم هي مجموب المعايير والمحددات التي تعمل على توجيه رغبات
والتكوين والبحث العلمي (ّ )2017
واتجاهات وسلوتيات الفرد ،وتوجه اختياراته وتفضيالته بشان ما سينتهجه من سلوك ومواقف المقبولة منها
والمرفو ة ،الصائبة منها والخاط ة ،الخيرة منها والشريرة في مرجعية ثقافية وحضارية ودينية معينة.
التربية على القيم هي في األساس تنش ة األفراد وفق معايير و وابط تأهلهم ليكونوا مواطنين صالحين،
فاعلين في المجتمع ،وايجابيين بما تزودهم منةومة القيم من قيم العدل والسلم والمساواة واحترام اآلخر
والتعايش معه .تعد التربية على القيم أحد المداخل األساسية للمدرسة الحديثة.
ومنه فان ،مفهوم القيم في التربية والتعليم يشمل العملية التي يتم من خاللها نقل القيم األخالقية
واالجتماعية إلى المتعلمين بهدف تنمية جميع جوانب شخصيهم المعرفية والوجدانية ،من أجل ترسيخ القيم
االجتماعية واإلنسانية،وبغية تكوين وتأهيل الطفل ليتحلى بالسلوك الصالح والمستقيم ،بما يخدم مجتمعه
عن طريق التشارتية وتحمل المسؤولية واإلنتاج واإلبداب.
134
أقراد حسـينة
من هنا ،ال يمكن للمدرسة أن تؤدي وظيفتها الحديثة إذا لم تتكفل بوظيفتها األسمى في تكوين الفرد
وتأهيله للمواطنة التشارتية .من خالل تهي ة المتعلم للقيام بأدوار وتحمل مسؤوليات في الحياة االجتماعية
العامة تعنصر فعال وايجابي ومؤثر ،بإمكانه المشارتة في تدبير شؤون الجماعة ،والقيام ببعض المبادرات
من برنامج التي تنصب في إطار المصلحة العام للمجتمع ،يستدعي هذا األمر إشراك التلميذ وإدماجه
تربوي تكويني يتيح له فرصة النهوض بمسؤوليات داخل القسم الدراسي وخارجه ،وأيضا تمكينه من إبداء
الرأي بكل حرية في االجتماعات والمجالا اإلدارية التعليمية تمجلا القسم مثال.
وحول أهمية ومكانة منةومة القيم في التربية ،ووفق ما ورد في تقرير المجا األعلى للتربية والتكوين
والبحث العلمي للمغرب على سبيل المثال ،حول "التربية على القيم بالمنةومة الوطنية للتربية والتكوين
والبحث العلمي" ،تكتسي منةومة القيم والتربية عليها أهمية خاصة ما جعلها في صميم انشغاالت الدولة
وفي صلب النقاش العمومي حول المدرسة وأدوارها االجتماعية والثقافية والتأهيلية ،تونها تمثل أحد مداخل
تكوين وتأهيل الرأسمال البشري وتنميته بشكل مستدام وفرصة موصولة لمساءلة وتعميق النةر في قدرة
المنةومة التربوية على التنش ة واإلدماج القيمي ،وتون تعزيز التربية على القيم يعد رافعة لال طالب
األمثل بمختلف وظائف المنةومة التربوية ،واالرتقاء بجودتها على المستويات التنةيمية والمؤسساتية
والبشرية والتربوية والمادي ،إ افة إلى تون التربية على القيم ال تهم ميادين التعليم والتكوين والتأهيل
والبحث فقط ،بل تمتد أيضا إلى عمق التنمية البشرية والبي ية .وهو ما تؤتده التقارير الوطنية والدولية حول
التنمية البشرية حينما تعتبر أن تعزيز المنةومة القيمية ،بكامل أبعادها األخالقية والسياسية والحقوقية
والبي ية ،لدى األفراد والجماعات والمؤسسات االجتماعية ،يشكل أحد المسا ارت القوية والوازنة في الرفع من
مؤشرات النمو االقتصادي ،وتحسين أو اب األفراد ،واالرتقاء المستمر بمؤشرات التنمية البشرية والبي ية
فيفي عالقتها لإلنصاف والمساواة ،وتحقيق الديمقراطية ،ومحاربة التهميش والهشاشة.
ووفق الكواري وآخرون ( )2004تمثل المواطنة من الناحية السياسية العضوية في جماعة سياسية ما،
فالمواطنة هي "عضوية تاملة في دولة أو في بعض وحدات الحكم تؤتد حقوق المواطنين تحق االنتخاب
وتولي الوظائف والمناصب العامة ،وعليهم بعض الواجبات تدفع الضرائب والدفاب عن بلدهم".
تأسيسا على ما سبق ،التربية على المواطنة هي ترسيخ القيم وقواعد السلوتيات العامة تمثل المشترك
الجامع بين المواطنين المتصلة بقيم المجتمع وثوابته وفلسفته في الحياة ،وهي تشمل حب الوطن والتعلق
به ،وممارسة الحقوق والواجبات في إطار منةم قانونا وسياسيا يضمن هذه الممارسة والمشارتة الفعالة
للمواطن في اختيار الحكم وصنع القرار وبناء الدولة وتطوير المجتمع.والمواطنة بالمفهوم القانوني متصلة
بفكرة المواطنة الحقوقية المرتبطة بالسيادة الوطنية وبالدولة القومية الحديثة بعد القرن العشرين ،تتأسا على
االنتماء لجنسية معينة وسلطة وطنية تحكم باسم الشعب وبالتالي ال وجود للمواطنة إال بانتماء الفرد إلى
135
السلوك المدني والسلوك المواطناتي مطلب التربية الحديثة -قراءة بحثية في رهانات المدرسة حول التربية على القيم-
امة أو مجموعة بشرية ما في بقعة جغرافية معينة ،يستوجب عليه القيام بمجموعة من الواجبات تاحترام
النةام العام والحفاظ على امن الوطن والمحافةة على الممتلكات العامة.والمواطنة بهذا المعنى تتضمن
التزامات أخالقية واجتماعية تجاه المجتمع واألمة ،وللمواطنة بعدا آخر يتعلق بالتمتع بالحقوق تحق األمن
والسالمة والتعليم والصحة والخدمة العم ــومية وحرية التعبير والمشارتة السياسية.
تمثل اإلدارة المدرسية محو ار مهما غير حيادي في تحقيق أهداف التخطيط التربوي حول التربية على
المواطنة ،ويتحدد دور المدرسة في ترسيخ قيم المواطنة من خالل وعي اإلدارة تربوية بأهمية مفهوم التربية
الحديثة ،وممارسة األساليب الديمقراطية في قيادة المدرسة نحو الفعالية ،وخلق بي ة تعليمية فاعلة من خالل
نسج عالقات تواصل إنسانية وتربوية مع المعلمين والمتعلمين على حد سواء .فالتربية على المواطنة تتأسا
على وجود إدارة تربوية واعية ومسؤولة مدرتة لوظيفتها .تما أن تكريا المواطنة في المؤسسة التربوية
يحتاج إلى رؤية وا حة متبصرة واسعة اآلفاق وتخطيط استراتيجي وتفاءات في التنفيذ من قبل القائمين
على إدارة المدرسة.
ثانيا -أهداف التربية على المواطنة:حسب العماري ( )2020تسعى التربية على المواطنة إلى
تحقيق أهداف وغايات نبيلة تنعكا على الفرد والمجتمع ،باعتبارها عمال قيما تقوم به المؤسسة التعليمية
من أجل بناء وتكوين وتأهيل شخصية المتعلمين ليكونوا قادرين على االندماج في المجتمع .وعلى سبيل
المثال يمكن ان تتلخص التربية على المواطنة وفق الكتاب األبيض لو ازرة التربية الوطنية للمغرب لعام
،2000تتلخص في ʺالمجهود الذي تساهم به المدرسة لتكوين اإلنسان/المواطن الواعي والممارس لحقوقه
136
أقراد حسـينة
وواجباته تجاه ذاته وتجاه الجماعة التي ينتمي إليها .والتربية على المواطنة هي باألساس تربية على
المبادرة والمسؤولية واالستقاللية ،وهي ال تعد فقط الجيل الصاعد لممارسة مواطنة نشيطة متى بلغ سن
الرشد ،بل تنمي لديه،إذا ما عب ت الوسائل المناسبة (طبيعة البرنامج ،نوعية األنشطة ،نوعية االستراتيجيات
التعليمية )...القدرة على أن يكون في تل سن ،وفي تل لحةة مواطنا بكل المقاييا.
يتمثل الهدف العام من التربية على المواطنة في إعداد المواطن الصالح الذي يعرف حقوقه ويؤدي
واجباته تجاه مجتمعه والقادر على مواكبة متطلبات الحياة المستقبلية ،ويمكن تلخيص مجمل األهداف
الفرعية في ما يلي:
التعليمي:تعبر الديموقراطية عن مفهوم تاريخي عرف تطورات قيم الديمقراطية في المنهاج
عدة في سياق تطور المجتمعات عبر العصور ،والمعلوم أن فكرتها األساسية تقوم على حكم الشعب واختيار
الشعب وممارسة الرقابة على الحكومة والمشارتة في صنع القرار السياسي.يتطلب التحول الديمقراطي في
أي مجتمع وجود نسق ثقافي ينعكا في أنماط السلوك والعالقات والتفاعالت بين الدولة وأفراد المجتمع،
137
السلوك المدني والسلوك المواطناتي مطلب التربية الحديثة -قراءة بحثية في رهانات المدرسة حول التربية على القيم-
وبين األفراد والقوى السياسية واالجتماعية ومختلف الهي ات والتنةيمات المجتمعية ،فالبناء الديمقراطية
رورية مؤسساتيا وثقافيا وسلوتيا .ويعد التحول الديمقراطي في المجتمعات المعاصرة يتطلب توفر أسا
خصوصا العربية منها مطلبا شعبيا وجماهيريا أساسيا في ظل التطورات التي يشهدها العالم سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا ،ال شك أن الدعوة للتحديث السياسي تعبر عن أهداف وتطلعات غالبية أفراد المجتمع في بناء
د ولة وطنية حديثة عمادها المواطنة المتساوية وحرية التعبير والتداول والديمقراطية التشارتية والتعددية ،تما
أن التحول الديمقراطي يرتبط بوجود قيم اجتماعية سامية أساسها المشارتة والتسامح والحوار واالختالف
ونبذ العنف.
نرى انه من المهم إذن ،إبراز الدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات التربية والتعليم في عملية التحول
الديموقراطي والتأكيد على توظيب العلم بما يخدم المجتمع واإلنسانية وتمكين المؤسسات التربوية من
المساهمة في الرقي بالمجتمع وخدمة الفرد والمجتمع.
حسب محمد الداهي ،يرى أوليفييروبول أن الديمقراطية ال تعلم إال في الوسط الديمقراطي .وهذا يتطلب
دمقرطة الدولة والمؤسسات .وال يعنى بالدمقرطة ا طالب المواطنين بالتصويت إبان االستحقاقات االنتخابية
فحسب ،وإنما إشراكهم في التسيير والحكم والمراقبة ،وتمتيعهم بحقوقهم الفردية وفي مقدمتها حرية التعبير.
وفي إطار سيرورة هذه الدمقرطة الشاملة التي تما القطاعات جميعها ،تؤدي المدرسة ،فضال عن وظيفتها
ويتوخى من خاللها تعويد المتعلم على " التعايش مع غيره في
التكوينية ،دو ار تبي ار في التنش ة االجتماعيةُ .
إطار احترام القوانين االجتماعية المشترتة واإلسهام في ترسيخ قيم العدالة والحرية والمسؤولية" .تما يعنى
بالتنش ة ،أيضا ،إعداد المتعلمين إلى تحمل أدوارهم االجتماعية في المستقبل .وهذا ما يحتم على المدرسة
تطوير قدراتهم على اإلبداعية والمشارتة والنقد واحترام رأي اآلخر وثقافته ،وحفزهم على اتخاذ الق اررات وتبني
المبادرات والتعبير عن مواقفهم دون قيد وتحفظ .ينبغي تعزيز أواصر التواصل والتعاون بين المدرسة
ومحيطها االجتماعي والثقافي والبشري والطبيعي .وال ُيتوقع من هذا االنفتاح تحقيق الجودة البيداغوجية
وإنما ،أيضا ،جعل المؤسسة التعليمية تسهم في التنش ة الديمقراطية واالندماج في الحياة العامة .وهذا ما
يقتضي منها فتح أبوابها " أمام الفاعلين التربويين واألكاديميين وهيآت المجتمع المدني ،مع التزام صريح
بانخراطها في الدينامية الدولية الداعية إلى جعل المتعلم مدخال لترسيخ قيم الديمقراطية وثقافة حقوق
اإلنسان".
يرى أرسطو أن الفضيلة ليست معرفة أو ملكة طبيعية ،وإنما هي عادة تُكتسب من خالل ما يماثلها من
أعمال .ومن ثمة تبدو أهمية التربية األصيلة التي ال تسعى إلى تطويع اإلنسان وتدجينه وشحنه وإنما إلى
تكوين إنسان راشد مثقف ومستقل .وبالترتيز على التكوين عوض التلقين نتأكد من مصداق القول الشهير
" التعلم بالعمل( .")doing by learningفمن خاللها يتضح أن " الفضيلة ال تلقن وإنما تكتسب"بواسطة
138
أقراد حسـينة
األنشطة واألعمال والتجارب التي يضطلع بها اإلنسان .ومن مهمات المدرسة أسوة بباقي األوساط التربوية
توعية المتعلم بالقيم النبيلة وحفزه على التحلي بها في سلوته وممارسته .وبالمقابل ،فهو يكتسب المناعة
لتفادي الرذيلة بما لها من خطورة على تكوينه وحياته ومحيطه العائلي واالجتماعي .وهناك من يشكك في
وظيفة المدرسة لعجزها عن تكوين إنسان ديمقراطي أو مواطن صالح .فعلى الرغم من استهدافها القيم النبيلة
فهي تجد مصاعب لتحقيقها على الوجه األحسن ،وذلك نتيجة تدخل عوامل تثيرة تحول دون الوصول إلى
ربا من المثالية لكونه يعاين في حياته وتجاربه ما يناقضه النتائج المنشودة .وهذا يجعل ما يتلقاه المتعلم
ويناوئه.
بيداغوجيا ،ال يمكن للتربية على القيم أن تؤدي وظيفتها على الوجه األحسن إال في وسط يتبنى
الديمقراطية سلوتا وممارسة .ولذا ينبغي للمدرسة تفادي أساليب العقاب واإلهانة والوصم ،وإعطاء الكلمة
للمتعلم للتعبير عن آرائه بحرية ،و مان مشارتته في بناء الدرس وإعداد األنشطة الموازية .فبفضل مشارتته
في أداء أدوار داخل المدرسة وخارجها يصبح للديمقراطية معنى .وفي السياق نفسه ،يجب على المجتمع
أن يعطي للمتعلمين أمثلة مشجعة تحفز على ممارسة الديمقراطية واإلسهام في تجسيدها وتكريسها .لكن
عندما تصبح وسيلة لترقي النخب وتحقيق أغ ار ها الشخصية ،وتنافسها على شغل مواقع متقدمة في التراتبية
االجتماعية ،فهي تؤدي إلى نتائج سلبية مناقضة ألهدافها النبيلة .وهذا ما ينعكا سلبا على تكوين المتعلم
والمراهنة على إعداده ليكون مواطنا صالحا ومسهما في تنمية بالده .إنه ـ في هذه الحالة ـ سيعتبر القيم
المنشودة مجرد شعارات جوفاء لتحقيق المصالح الشخصية .وهو ما يحفزه على إ فاء الشرعية على تل
األعمال المذمومة ( على نحو الغش في االمتحانات) سعيا إلى تحقيق مآربه ولو بالطرق غير المشروعة
والمستحبة ( العمل بمدأ المثل الشهير :الغاية تبرر الوسيلة).
رورة تطبيق نموذج بالمثلث التفاعلي ،فقد تان فدريكو مايور" ، "Federico Mayor باإل افة إلى
خالل سنوات عديدة ،يلح على أهمية ومالءمة المثلث التفاعلي (( )triangle interactifالسلم والديمقراطية
والتنمية) في تقدم الشعوب وتعايشها في وئام وطمأنينة " .ال وجود لسلم مستدام دون ديمقراطية وتنمية .وال
وجود لديمقراطية مبنية على حقوق اإلنسان دون سلم وتنمية .وال تنمية ذات بعد إنساني دون سلم وديمقراطية".
وعوض أن يسير العالم في هذا االتجاه ،فهو ينحو أكثر إلى التفرقة والتمزق والتناحر ،مما يغذي النزاعات
والصراعات بين الشعوب واألمم ،وينمي مشاعر الحقد والكراهية بين األفراد .وهذا ما يحتم بناء السلم بوصفه
شأنا ثقافيا للتخلي إلى األبد عن التسلح ،وزب قيم نبيلة في أذهان الناس ،واست صال الةلم والحيب " .إن
عدو السلم ليست الحرب ،وإنما الةلم .وال يمكن تحقيق سلم حقيقي ومستدام إال بإقامة العدل" .أورد في:
الداهي.)2019( ،
139
السلوك المدني والسلوك المواطناتي مطلب التربية الحديثة -قراءة بحثية في رهانات المدرسة حول التربية على القيم-
والتسامح:أشار التربية وتشكيل المنظومة القيمية لألفراد قيم حقوق اإلنسان
بأنه شهدت المجتمعات البشرية تطورات عديدة عبر العصور السيما بعد الحربين الداهي (ّ )2019
العالميتين ،حيث شهد العالم تأسيا نةام دولي جديد تنتةم فيه الدول وتنسج عالقات دولية موسعة،
توسعت معها دائرة الممارسات السياسية ومنها القيم العالمية السامية المعترف بها في المواثيق والمعاهدات
الدولية في مقدمتها اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،فتعولمت عديد المفاهيم والقيم تمفهوم المواطنة
العالمية ،والتسامح واحترام االختالف والتنوب الثقافي بين مختلف األجناس واللغات والثقافات ،ويعد مبدأ
المساواة واحترام حقوق اإلنسان أساس المواطنة العالمية العابرة لألوطان التي تشمل جميع المجتمعات
اإلنسانية ،وهي مواطنة تونية تتجاوز حدود الدولة والوطن وتتسع فيها دائرة الحقوق والواجبات إلى خارج
الدولة الوطنية .تما ترتبط المواطنة العالمية بجملة من القيم منها الوعي البي ي ومسؤولية الحفاظ على البي ة
عالميا ،وقيم الديمقراطية الكونية ،والتعددية الثقافية ،وحماية حقوق األقليات وحق االختالف العرقي واالثني
واللغوي ،ومناهضة التطرف واإلرهاب.
لعل ما يلفت النةر في العقد األخير هو تراكم األدبيات التربوية والبيداغوجية التي تعنى بثقافة حقوق
اإلنسان ،ويشير محمد الداهي إلى أن ما حفز الفاعلين التربويين على االهتمام بنشر الثقافة الحقوقية وقيمها
هو تزايد موجات اإلرهاب والتعصب واالنغالق بما تحمله من أخطار تهدد استقرار البالد وتزعزب أمنها
وطمأنينتها .وإثر وقوب بعض األحداث اإلرهابية المؤسفة ،تداول الفاعلون التربيون والمثقفون ،من خالل
نقاشات عمومية ومفتوحة ،في أمر مراجعة المناهج التعليمية والتربوية تفاديا لكل ما يمكن أن ينمي مةاهر
التطرف والتعصب ،وتعزي از لكل ما يمكن أن يدعم ويرسخ قيم التسامح والمشارتة اإليجابية والصالح
واالنفتاح .وتتخذ ثقافة حقوق اإلنسان صبغة احتفالية وموسمية .فهي تصبح ،بين الفينة واألخرى ،ملحة
لبواعث سياسية ،ولتخليد أيام ذات داللة عالمية (على نحو االحتفاء باليوم العالمي للمرأة أو باليوم العالمي
لحقوق اإلنسان) ،أو للتنديد بأحداث مؤسفة (األحداث اإلرهابية في المغرب أو القتل الجماعي للمدنيين في
فلسطين والعراق) .ورغم موسمية هذه األنشطة ،فهي ،في مجلها ،تراهن على توعية المتعلم باألخالق
الفا لة ،والتشبث بالمواطنة ،وقيم التسامح والتضامن ،وحفزه على المشارتة في تةاهرات ثقافية ومعارض
فنية ووقفات تضامنية سعيا إلى تربيته على قيم الكرامة والحرية والمساواة ،وتعزيز ممارسته للمواطنة
الكاملة ،واإلسهام في نهضة الوطن ورقيه.في تساوق مع النقطة السابقة ،نالحظ مدى تعثر تعميم تطبيق
منهاج التربية على حقوق اإلنسان على جميع المؤسسات التعليمية في المغرب .فرغم صدور مذترة في هذا
الصدد (تحدد األهداف والمواصفات والمبادئ العامة إلنجاز درس حول أحد المفاهيم الجوهرية لحقوق
اإلنسان) ،فهي لم تخضع للتجريب إال في نطاق محدود وفي فترة زمنية قصيرة ،ولم تصبح مو ع مساءلة
ومناقشة لتبين نتائجها ،والتدخل لتصحيح مكامن قصورها ،وتجاوز المعيقات التي تسبب تباطؤها وتعثرها.
وقد تم الترتيز أساسا على ما يعزز لدى المتعلم االنتماء إلى الوطن ،والمشارتة اإليجابية في مؤسساته،
140
أقراد حسـينة
والعيش في وئام وعزة وترامة ،وقبول االختالف والتسامح .ومما استبعد من القيم نذتر أساسا العدل والسلم
وإن تانا مضمنين في تثير من التصرفات واألعمال المستحضرة .فهما على خالف قيم أخرى ،ال يتمتعان
بمنزلة خاصة على نحو يجعل المتعلم يستوعب معانيهما ،ويستحضر أبعادهما في أنشطته المدرسية ،ويتعود
على تمثلهما وتبنيهما في ممارسته اليومية(الداهي.)2019،
تأسيسا على ما سبق يمكن القول ،أن المؤسسات التربوية تحمل أهدافا وغايات سامية وفق خاتمة:
استراتيجيات محددة ،وهي تؤدي وظيفة في غاية األهمية في نشر قيم المواطنة وترسيخها في وجدان الطلبة،
باعتبارها مؤسسات تهدف بالدرجة األولى إلى التنش ة االجتماعية وتحقيق االندماج .والى جانب المدرسة
ال بد من اإلشارة إلى الدور األساسي الذي تطلع بع األسرة تاعتبارها النواة األساسية للمجتمع تحتضن الفرد
منذ والدته وتصقل مواهبه وخبراته وتكون شخصيته منذ المراحل األولى من حياته إلى أن يصبح فردا بالغا
في المجتمع ،لذا فتأدية المؤسسة التربوية لوظيفتها في ترسيخ القيم لدى الناش ة ال تتم بمعزل عن مؤسسة
من نفا أهداف المدرسة ،من هنا يمكن القول انه أصبح األسرة ال تي يجب آن تنصب أهدافها التربوية
لزاما على األسرة أن تكون في تفاعل دائم مع المدرسة ،وذلك بمساهمة مختلف مؤسسات وتنةيمات المجتمع
األخرى بغية تجاوز الوقوب في العشوائية وعدم التوافق بين مضمون وهدف البرنامج التعليمي ومكونات
من سياسة وطنية السياق االجتماعي في العمل والدخول في شراكات حقيقية مع المؤسسة التعليمية
مؤطرة تشريعيا وإداريا.
يعد مطلب التربية على قيم المواطنة والديمقراطية في الحقل التعليمي واحدا من الرهانات التي ترتكز
عليها السياسات التربوية الحديثة ،التي تسعى إلى إدماج قيم الديمقراطية وثقافة المواطنة بيداغوجيا عبر
التربية الشاملة ،باإل افة إلى توفير بي ة اجتماعية وثقافية مجتمعية متناسبة مع األهداف التربوية الشاملة،
حتى يتحقق االنسجام البيداغوجي بين السياسة والتربية والثقافة مع الواقع المعاش للفرد ومدى تمكينه الفعلي
والعملي من حقوقه ومن ممارسة واجباته ديمقراطيا.
رورية لبناء شخصية الفرد ختاما ،نستخلص أن التربية على السلوك المدني وقيم المواطنة والديمقراطية
الصالح الذي يخدم مصلحة وطنه ومجتمعه ويحافظ على المقومات وعلى الممتلكات وستحلى بالمسؤولية
تجاه تلك الممتلكات والمؤسسات واألفراد .في خضم هذه السياسة التربوية يقع جزء من العبء أيضا على
المعلم الذي يشكل حلقة مهمة في نقل ونشر القيم وترسيخها في أذهان الطالب ،ويتم ذلك من خالل التأكيد
على نشر محاسن القيم واألخالق وتلقينها ،بهدف تعديل مواقف الطالب وتصحيح أفكاره وتقويم سلوتياته
وتنمية قدراته الذهنية؛ وتشجيع الطالب على المشارتة في األعمال واألنشطة الخيرية في المدرسة واألحياء.
141
السلوك المدني والسلوك المواطناتي مطلب التربية الحديثة -قراءة بحثية في رهانات المدرسة حول التربية على القيم-
رورة إعداد بي ة تعليمية مساعدة ومالئمة تساعد على صقل الشخصية القيادية للمتعلم، إ افة إلى
فمن أهم أساليب التربية على القيم دمج القيم مع اهتمامات الطفل وعالمه المفضل ،وتقديمها في طابع عملي
تطبيقي يساهم المتعلم فيه بفعل أو نشاط ملموس معين بعيدا عن التنةير واإللقاء الجاف بغية تنمية روح
المبادرة بأنشطة فعلية لترسيخ القيم ،تالتطوب ،والتبرب ،والمساعدة ،والتحفيز على تبني القيم ومواصلة
استحضارها .وذلك من خالل تنمية مهارات الوعي الذاتي لديه لمواجهة االتجاهات السلبية للسلوتيات
واألفكار التي يمكن أن تجر تفكيره إلى أمور سلبية ،من جهة ثاني العمل على تنمية روح التعاون بين
المتعلمين وتشجيع العمل الجماعي وغرس الشعور بالمسؤولية وااللتزام األخالقي ،ومن ثم غرس مفهوم
المواطنة الحية لتعزيز الشعور باالنتماء الوطني لديهم .ومنه تعزيز القيم اإلنسانية ومكارم األخالق في
نفوس التالميذ ابتداء من حسن المعاملة وصوال إلى حماية المكتسبات المجتمعية والثروات الوطنية وتحمل
المسؤولية تجاه تلك الممتلكات واألشخاص.
منهجيا ،تتعدد أساليب تلقين القيم األخالقية والسلوتيات المدنية االيجابية ،تبقى هذه التدابير مرهونة
من بالسياسات العامة للدولة في مجال التربية والتعليم ،فاإلرادة السياسية مطلب أساسي إلدراج القيم
من المنهاج التربوي وذلك في إطار عصرنة هذا القطاب الحيوي ،ونشير في هذا الصدد إلى موقع األسرة
هذه المعادلة تونها النواة األساسية لبناء المجتمع و مان صالحه وفالحه ،والتربية األسرية لها دور تبير
في ترسيخ وتنمية القيم االجتماعية لدى األبناء ،ومن هنا ال بد من التنسيق والشراكة الفعالة بين المدرسة
من مقاربة تشارتية تعاقدية يكون لألسرة فيها واألسرة لتحقيق أهداف التربية على القيم والسلوك المدني
مسؤولية في ترسيخ القيم لدى الطالب ،وذلك عبر تحسيا األولياء بدورهم في هذا المجال .فمن المهم أن
يعّلم اآلباء أبناءهم القيم ،ما يساعد في تقدير األطفال لهذه القيم والعمل بها ،حيث تساعد عملية التلقين
على جعل القيم أكثر بساطة وو وحا لألطفال وتنعكا على تصرفاتهم واتخاذهم للق اررات ،وسيكون من
مقبول أو غير مقبول.
ٌ السهل عليهم تحديد توجهاتهم وما هو
142
أقراد حسـينة
143