Professional Documents
Culture Documents
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية
إهداء
إﻟﻰ ﻣﻦ رﻛﻊ ﻟﻬﺎ اﻟﻌﻄﺎء أﻣﺎم ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ و أﺳﻘﺘﻨﻲ ﻣﻦ دﻣﻬﺎ وروﺣﻬﺎ
وﻋﻤﺮﻫﺎ ﺣﺒﺎ ودﻓﻌﺎ ﻟﻐﺪ أﺟﻤﻞ إﻟﻰ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ أرى اﻷﻣﻞ إﻻ ﻣﻦ
"إﺧﻮﺗﻲ".
اﻗﻮل ﻟﻬﻢ " وﻫﺒﺘﻤﻮﻧﻲ اﻟﺤﻴﺎة واﻷﻣﻞ واﻟﻨﺸﺄة ﻋﻠﻰ ﺷﻐﻒ اﻹﻃﻼع
واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ".
1
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
إهداء
أﻫﺪي ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ إﻟﻰ أﺳﺮﺗﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮة؛
ﺧﺎﺻﺔ،
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻠﻘﺎﺿﻲ
2
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
ﻣﺤﻜﻢ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ "وَﻓَ ْﻮقَ ﻛُﻞ ذِي ﻋِﻠﻢ ﻋَﻠﻴﻢ" ﺳﻮرة ﻳﻮﺳﻒ آﻳﺔ ...76ﺻﺪق ﷲ
اﻟﻌﻈﻴﻢ .
"ﻣﻦ ﺻﻨﻊ إﻟﻴﻜﻢ ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﻓﻜﺎﻓﺌﻮه ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﺠﺪوا ﻣﺎ ﺗﻜﺎﻓﺌﻮﻧﻪ ﺑﻪ ﻓﺎدﻋﻮا ﻟﻪ
اﻟﺤﻨﻮدي ،اﻟﺬي أﺣﺎﻃﻨﺎ ﺑﻜﻞ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ،و اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ اﻟﻘﻴﻤﺔ ،و اﻟﺘﻮﺟﻴﻬﺎت ﻋﻠﻲ
اﻟﻨﻴﺮة اﻟﺘﻲ أﻧﺎرت ﻃﺮﻳﻘﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺒﺤﺚ و إﻧﺠﺎز ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺘﻮاﺿﻊ .
وﻻ ﻧﻨﺴﻰ ﻛﺬﻟﻚ أن ﻧﺘﻘﺪم ﺑﺠﺰﻳﻞ اﻟﺸﻜﺮ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺘﻤﻴﺰ و اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻨﻴّﺮة
ﺗﺎﺳﻮﻟﻲ ،إﻟﻴﻚ أزﻛﻰ اﻟﺘﺤﻴﺎت ،ﻓﺈن اﻟﺤﺮوف اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ ﺳﻠﻚ اﻟﺪﻛﺘﻮراه وﻟﻴﺪ
ﺗﻌﺠﺰ ﺣﻘﺎ أن ﺗﻜﺘﺐ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻗﻠﺒﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ و اﺣﺘﺮام.
3
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وبما أن الدولة الموحدة المركزية هي أول أشكال الدول ظهورا في المجتمعات البشرية
القديمة ،فإنه وبفعل تضافر عدة عوامل ومتغيرات وتحديات تنموية للدول الحديثة على جميع
اﻷصعدة و المستويات ،فشلت الدولة المركزية في تحقيق أهدافها ،وسياسيا لم تعد قادرة على
إرساء قواعد الديمقراطية التي تقتضي بتقريب المواطن وإشراكه في تسيير شؤونه بنفسه .من
هنا ظهرت الدولة الموحدة الﻼممركزة التي تأخذ بنظام الﻼمركزية اﻹدارية الترابية أو
الﻼتمركز اﻹداري ،أو هما معا ،ثم برزت إلى جانبها الﻼمركزية السياسية أو ما يسمى بالدول
المركبة أو اﻻتحادية التي تأخذ به في الحكم والتدبير والتنظيم.
إن اﻻتجاه العالمي الحديث في إدارة الدولة الحديثة تتجه نحو الحد التدريجي من
المركزية ،والتوسع في تطبيق الﻼمركزية اﻹدارية ،يقتصر دور الحكومات في هذه الحالة
على الدور السيادي ،أما الوحدات الترابية فهي تتولى مهمة تقديم الكثير من الخدمات اﻹدارية
واﻻقتصادية واﻻجتماعية والثقافية...الخ ،في إطار المصلحة العامة.
ومن هنا فالﻼمركزية عند "الفرنسي دي لوبادير" اصطﻼحا هي وحدة محلية إدارية
نفسها وإدارية وقيامها بالتصرفات الخاصة بشؤونها ،في حين عرفها" اﻷستاذ فؤاد العطار"
بأنه توزيع الوظيفة اﻹدارية بين الحكومة المركزية وهيئات منتخبة أو محلية ،تباشر
إختصاصاتها تحت إشراف الحكومة ورقابتها".
ويعتبر المغرب من بين الدول التي سارت في سياستها التنظيمية اﻹدارية على نظام
الﻼممركز اﻹداري تمهيدا لﻼتجاه نحو الﻼمركزية الترابية منذ مدة ليست بالقصيرة ،وقد كان
ذلك في إطار مراجعة نفسها وقصد تكييف ومﻼئمة جهازها اﻹداري مع وظائفها
اﻹستراتيجية.
4
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وقد سار المغرب على نظام الﻼمركزية منذ فجر اﻻستقﻼل وعمل على تطويره عبر
محطات تاريخية قانونية عرفت اصﻼحات متواصلة ،مثلت كل جوانب تسيير وتنظيم المجالس
المنتخبة ،وتحسين مستوى التأطير الترابي ،باﻹضافة إلى تقوية الموارد المالية للجماعات
الترابية.
وأول قانون أقر بنظام الﻼمركزية كأسلوب من أساليب التنظيم اﻹداري هو ظهير 21
يوليو 1960الذي شكل اللبنة اﻷولى للجماعات الترابية بالمغرب ،وفي 30ﺷﺘنﺒر،1976
صدر الظهير المتعلق بالنظام الجماعي الذي شكل منعطفا هاما في تاريخ الﻼمركزية اﻹدارية،
حيث تم إسناد اختصاصات واسعة للمجالس الجماعية ومهام جديدة لرؤسائها ،ثم صدر ظهير2
أبريل 1997المنظم للجهات ،ثم أعقبه قانون رقم 78.00المﺘمم والمعدل لقانون 17.08
المﺘعلق بالميثاق الجماعي ،وكذا صدور ظهير 18فﺒراير 2009القاضي بﺘنفيذ قانون رقم
45.08المﺘعلق بالﺘنظيم المالي للجماعات الﺘرابية وهيئاتها.
ثم جاء دسﺘور 20111قائم على نظام ترابي ﻻ مركزي يقوم على الجهوية المﺘقدمة
حيث خصص الباب التاسع فيه للجماعات الﺘرابية ،مرتكزا على مبادئ التدبير الحر وعلى
التعاون والتضامن ،يؤمن بمشاركة السكان المحليين في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم
في تحقيق التنمية البشرية المندمجة والمستدامة.
وتنزيﻼ ﻷحكام دسﺘور ،2011عاملت الحكومة على إصدار القوانين الﺘنظيمية الثﻼث
3
المتعلقة بالجماعات الﺘرابية :الجهات رقم 2111.14و بالعماﻻت واﻷقاليم رقم 112.14
والجماعات 4113.14التي تسعى إلى تحقيق نقلة نوعية نحو منظومة متكاملة للحكامة
-1ظهير شريف رقم 1.11.91صادر في 27شعبان 29)1432يوليوز (2011بتنفيذ نص الدستور ،منشور بالجريدة الرسمية
عدد 5964مكرر بتاريخ 28شعبان 30)1432يوليوز .(2011
- 2القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق بالجهات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83صادر في رمضان 7) 1436
يوليو ،(2015الجريدة الرسمية عدد 6380الصادرة في 6شوال 23) 1436يوليو ،(2015ص .6585
- 3القانون التنظيمي المتعلق بالعماﻻت واﻷقاليم رقم 112.14الصادر بتنفيذه الظهيرالشريف رقم 1.15.84صادرفي 20من
رمضان 7 ) 1436يوليو ،(2015الجريدة الرسمية عدد 6380بتاريخ 23يوليوز 2015ص 6625
-4القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات 113.14الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.85صادرفي 20من رمضان
7) 1436يوليو ،(2015الجريدة الرسمية عدد 6380بتاريخ 23يوليوز 2015ص .6660
5
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
الترابية ،أساسها تعميق الديمقراطية المحلية وتحقيق التنمية المستدامة والرفع من فعاليتها
ونجاعة عملها .وباعتبار الﻼمركزية هنا إدارية وليست سياسية فبالتالي يبقى الخضوع للرقابة
من قبل السلطات المركزية أو ممثلها المحليين أمرا منطقيا من الناحية النظرية لضمان احترام
القانون أوﻻ ،ثم ضمان تحقيق التنمية المحلية المنسجمة مع البرامج والمخططات الوطنية ثانيا.
هذا باختصار عن المفاهيم اﻷساسية المتداولة في مجال التنظيم اﻹداري القائم على
الﻼمركزية اﻹدارية والتي تشكل اﻹطار العام للموضوع ،أما بخصوص مفهوم الرقابة
باعتباره المفهوم المحوري والجوهري في البحث ،فﻼ بد من تحديده مفهومه لغويا واصطﻼحا
وقانونيا.
فالرقابة في اللغة العربية تعني المحافظة واﻻنتظار والحراسة ،أما بالنسبة للتعريف
العلمي للرقابة في الفقه المعاصر ،فإنه بدوره يتعدد ويختلف ،وتتقاسمه ثﻼث اتجاهات كبرى :
فاﻻتجاه اﻷول يهتم بالجانب الوظيفي الذي يرتكز على اﻷهداف المراد بلوغها ،والثاني
يتمحور حول الجانب اﻹجرائي الذي يتناول اﻹجراءات التي يتعين إتباعها في مجال الرقابة،
والثالث يهتم بالجهة التي تضطلع بالرقابة ،وتتولى المراجعة والفحص والمتابعة.
وفي هذا اﻹطار ،نجد أن مضمون الرقابة في المجال القانوني بدوره متشعب المفاهيم
والمصطلحات ،فالرقابة يعني المراقبة والمراجعة والفحص والتدقيق والمتابعة والتأكد
واﻹشراف والتتبع والتفتيش ،وكذا الحراسة والحفظ والحماية والصيانة والوقاية...الخ ،ودون
الخوض في هذه المسألة ،يمكن القول أن مفهوم الرقابة في المجال القانوني متعدد اﻷوجه
والمعاني والدﻻﻻت وﻻ يمكن فهمها عموما ،إﻻ من خﻼل ربطها بالمجال المراد دراسته.
وكما سبق وأن اشرنا على أن الرقابة على الجماعات الترابية في المغرب متعددة الوجوه
واﻷشكال منها .الرقابة اﻹدارية والسياسية التي تكون في مجموعها وتفاعلها ما يسمى بالرقابة
النظامية ،وكذا الرقابة القضائية التي يتقاسمها القضاء اﻹداري والمالي والذي يعتبر موضوع
بحثنا هذا.
6
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
فإذ كانت الرقابة اﻹدارية تمثل المقابل الموضوعي لﻼستقﻼل التي تتميز بها الﻼمركزية
اﻹدارية الترابية ،فإن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية تكتسي أهمية بالغة باعتبارها
أهم ضمانة لﻼحترام حقوق اﻹنسان وحماية مصالح اﻷفراد والجماعات في الوقت نفسه.
فالسلطة القضائية بصفة عامة هي مفتاح اﻻلتزام بسيادة القانون ،ويترتب عن وجود الرقابة
القضائية على الوحدات المحلية المنتخبة ،الثقة في اﻹقتصاد المحلي وتشجيع اﻹستثمارات
الخاصة الداخلية والخارجية ،ومن ثم إمكانية تحقيق التنمية المحلية المستدامة والمنشودة.
فالقضاء يعتبر إحدى البنيات اﻷساسية لبناء مؤسسات الحق والقانون دولة كانت أو شخصا
أخر من أشخاص القانون العام .وهو يفترض أن يضطلع بمهمة الرقابة والمساءلة القضائية
وفق خصائص ومساطر قانونية تفعيﻼ لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة شكﻼ ومضمونا.
وعلى هذا اﻷساس ،فالرقابة القضائية على الجماعات الترابية بالمغرب ،يتقاسمها كل من
القضاء المالي واﻹداري ،حيث لكل منهما في هذا الصدد مجاله وإطاره الخاص ،وكذا مميزاته
وخصائصه المتعلقة به والتي تميزه عن اﻵخر.
لقد حرص المغرب على اﻻرتقاء بالمجلس اﻷعلى للحسابات إلى مصاف مؤسسة
دستورية قضائية مالية مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية ،تضطلع على ممارسة الرقابة
الفعالة و العقلنة في تدبير اﻷموال العمومية .ومن هذا المنطلق ،فإذ كان المجلس اﻷعلى
للحسابات ذي أهمية بالغة ،باعتباره جهازا قضائيا يمارس مهمة الحفاظ على استقرار المال
العام وعلى سﻼمته وما يرتبط به من الناحية القانونية والتنظيمية واﻹدارية ،فإن إحداث
المجالس الجهوية قد شكل إحدى أهم المستجدات الهامة ،ﻹرساء ﻻمركزية الرقابة القضائية
على المالية المحلية.
إن المجالس الجهوية للحسابات تمارس رقابة ازدواجية ،تستهدف في آن واحد ممارسة
المهام القضائية ،وكذا الوظائف اﻹدارية ،خاصة مراقبة التسيير.
وعليه فالمجالس الجهوية للحسابات أثارت نقاشا فقهيا حول طابعها القضائية ،ومدى
إمكانية اعتبارها هيئة قضائية داخل التنظيم القضائي المغربي ،ودون الخوض في تفاصيل هذا
النقاش ،فإن اﻷرجح في هذا الصدد أقر على إنها محاكم مالية .إذ تم ترجيح الطابع القضائي
7
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
الذي يتجلى على مستوى تنظيمها الثنائي التركيبي ،المكون من قضاء جالس وقضاء واقف،
ومن هيئات تداولية جلها قضائية ،وعلى مستوى المساطر ،وكذا على مستوى تشكيلها في
إطار هيئة خاصة ،هي هيئة قضاة المحاكم المالية ،المنفصلة عن هيئة رجال القضاء.
وهكذا بالنسبة للرقابة التي يمارسها القضاء المالي على الجماعات الترابية بالمغرب،
فهي عبارة عن مراقبة ﻻحقة تتم من طرف المحاكم المالية كأجهزة قضائية ومتخصصة في
المادة المالية والمحاسبية الخاصة باﻷجهزة العمومية ابتدائيا واستئنافيا ،أما النقض في أحكامها
فتتم في محكمة النقض)المجلس اﻷعلى سابقا( ،باعتبارها أعلى سلطة قضائية في البﻼد.
إن الرقابة التي يمارسها القضاء المالي على الجماعات المحلية واﻷجهزة والهيئات
التابعة لها بكيفية ﻻحقة ،ﻻ تهدف إلى إلغاء قرارات إدارية تم إصدارها أو تنفيذها .أو إلى
تقرير مسؤولية الجماعات الترابية عن إضرار تسببت فيها أعمالها وأنشطتها،والحكم
بالتعويض عنها ،بل إلى تحديد مسؤوليات مختلف المتدخلين في تدبير المال العام المحلي عن
أخطائهم وأغﻼطهم .أما بخصوص ما تم ذكره آنفا ،فهو من صميم الرقابة التي يمارسها
القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية .وهذه الرقابة هي رقابة وازنة مقارنة بالمحاكم
المالية ،إذ ﻻ خﻼف حول طبيعتها وامتيازاتها القضائية.
ولعل من هذا المنطلق فالقضاء اﻹداري يلعب دورا بارزا في تحقيق العدالة والمساواة
أمام اﻷعباء العامة ،مختصة بالنظر في المنازعات القضائية التي تكون فيها اﻹدارة طرفا
فيها.
والقضاء اﻹداري باعتباره احد مكوني السلطة القضائية بالمغرب إلى جانب القضاء
العادي ،فهو يمارس رقابة واردة بقوة المبادئ العامة للقانون ،إذ وجد مبدأ المنازعة ،التي ﻻ
تحتاج الى التنصيص عليها في القوانين المنظمة للجماعات الترابية ،وهذا اﻷمر يمثل من
الناحية المبدئية حماية وحصانة لﻼفراد من الجماعات الترابية من كل شطط أو تعسف محتمل،
تكريسا للمشروعية وللحماية للحقوق والحريات التي من شأن الجماعات الترابية اﻹضرار بها.
إن رقابة القاضي اﻹداري على الجماعات الترابية ،هي رقابة تختلف عن اﻷنماط
الرقابية اﻷخر في جوانب كثيرة ،فهي ﻻ تتحرك من تلقاء نفسها .وإنما ﻻ بد من وجود مبدأ
8
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
المنازعة ،حيث ترفع الدعوى من قبل المتضرر أمام المحكمة اﻹدارية المختصة ،التي تمارس
رقابتها على عمل الجماعة الترابية المتنازعة من اجل التأكد من مدى مشروعية ومﻼءمة و
مدى إمكانية التعويض عنها ،كما أن تلك الرقابة ومن خﻼل ما يتوفر عليه القاضي اﻹداري
من ضمانات ،يفترض فيه أن يكون ذا إلمام شامل بالقوانين والمساطر المرتبطة بمجال
تخصصه.
ومن ه نا فالرقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية يمكن ،يمكن تعريفها بكونها
"رقابة يمارسها القاضي اﻹداري على الجماعات الترابية ،قصد حماية القواعد ومبادئ
المشروعية والمﻼءمة في تصرفاتها ،وقصد منع كل شطط أو تعسف أو إضرار بالغير أو
الخروج عن مبادئ الجودة والحكامة المفترضة".
إن اختيارنا لموضوع الرقابة القضائية على الجماعات الترابية راجع إلى عدة عوامل
نركز على أهمها ،الرغبة في تطوير المعارف مجال الرقابة القضائية و اﻹحاطة بأخر
مستجدات القضاء اﻹداري و المحاكم المالية في ما يتعلق بمنظومة الحكامة المالية ،أملين أن
نقدم واضحة من خﻼله تصورا ورؤية واضحة لﻺشكال الرقابة القضائية وموقعه في خضم
التساؤﻻت المطروحة حول تجويد التدبير الترابي ،وفي غمرة البحث عن الحكامة الترابية و
التنمية المحلية المستدامة والمنشودة في آفاق الجهوية المتقدمة بالمغرب.
كم ا أن هذا الموضوع مرتبط بالحياة العملية لﻸفراد في عﻼقتهم باﻹدارة المكلفة بتحقيق
مطالبتهم نهيك على كون أ هذه الرقابة فد أثرت نقاشا فقهيا وفكريا وعلميا بين مختلف الباحثين
و الفاعلين في هذا الميدان .تفعيل مسألة ربط المسؤولية بالمحاسبة على أساس بناء دولة الحق
و القانون ,ضمان ممارسة الحقوق والحريات,ذلك أن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية
خاصة باعتبارها متخصصة بالنظر في النازعات القضائية التي تكون اﻹدارة طرفا فيها،
وإيجاد الحلول الممكنة فيما استعصى من نوازل بالشكل الذي يضمن المساواة و احترام مبدأ
المشروعية.
9
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
أهمية الموضوع:
إن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية بآليته القانون والمادة و العملية و بمجاﻻت
تدخﻼته وكذا بمراحله يعد أحد أهم أوجه التأثير في النشاط اﻹداري الرئيسي واﻷساسية لجودة
وحكامة الجماعات الترابية.
وعلى صعيد أخر تستمد أهمية هذه الدراسة بداية من ناحية المبدئية من المكانة المميزة
التي تحظى بها الرقابة على الجماعات الترابية و خصوصا القضائية في المشهد الديمقراطي
من خﻼل ما تلعبه هذه الممارسة الرقابية في المحافظة على المصالح العامة و الخاصة
للمواطنين بالجماعات الترابية ,كما أن هذه الرقابة تسعى من خﻼل الدور الذي تلعبه إلى
نهوض باﻹدارة الترابية تخطيطا و تدبيرا فذلك للمحافظة على الموارد المالية ورفع جودة
الوظائف اﻹدارية و الخدمات المقدمة بل تعد هذه الرقابة حجز الزاوية في تحقيق الحكامة
الترابية و سير نحو تحقيق التنمية المستدامة.
نهيك على كون هذه الرقابة القضائية تعد مرتكزا ودعامة أساسية الﻼمركزية المتطورة
القائمة على أساس الجهوية المتقدمة.
كما أن أهمية الموضوع الذي نحن قيد معالجته يشكل موضوع الساعة إذ يحضى باهتمام
كبير على مستوى اﻷبحاث اﻷكاديمية و خطابات الهيئات السياسية و المدنية أو على مستوى
وسائل اﻹعﻼم و مختلف مكونات الرأي العام والوطني و المحلي كإشكالية للمظومة الحكامة
المحلية وما يزيد من حدة هذه إشكالية هو صدور دستور 2011الذي حول تكريسها بشكل
جدي و فعلي في أرض الواقع ارتباطا بمبدأ الدستوري القائم على مسألة ربط المسؤولية
بالمحاسبة.
إﺷكاﻻت:
إن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية تطرح العديد من اﻹشكاﻻت اﻷساسية التي
ينبغي الوقوف إليها ولعل أبرزها:
10
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
تشخيص وضعية الرقابة القضائية على الجماعات الترابية من خﻼل الوقوف على
تجليات هذه الرقابة و على اﻹختﻼﻻت التي قد تعترضها و اﻹكراهات التي تحول دون
تطويرها.
على أن يتم الوقوف على آفاقها المستقبلية وبعبارة يمكن طرح اﻹشكال التالي:
ما هي تمظهرات الرقابة القضائية على الجماعات الﺘرابية؟ و إلى أي حد
كرست القوانين الﺘنظيمية رقابة قضائية فعالة تواكب الﺘطورات الﺘي تعرفها الﻼمركزية
اﻹدارية الﺘرابية؟
ولمناقشة هذه اﻹشكالية والتعمق فيها تطرح العديد من التساؤﻻت الفرعية :
ما هي تمظهرات الرقابة القضائية على الجماعات الترابية واﻹكراهات التي
تعترض عملها؟
وهذه اﻹشكالية الجهوية تتفرع إلى عدة إشكاليات فرعية من خﻼل اﻹجابة عنها يمكن
الوصول أو اﻹحاطة باﻹشكالية المحورية.
الفرضيات المطروحة:
11
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
الفرضية اﻷولى :إن ممارسة هذه الرقابة بتجليتها طرحت مجموعة من اﻹكراهات التي
تحول دون فعاليتها و نجاعتها.
الفرضية الثانية :أن تجديد الرقابة القضائية على الجماعات الترابية و تجويد منظومة
الحكامة الترابية وتقويته مبدأ مسؤولية وربطها بالمحاسبة تقتضي أساسا بتفعيل اﻵليات
والمبادئ الدستورية و التنظيمية المرتبطة بالرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
المناهج المعﺘمدة:
إن اﻹجابة على اﻹشكالية الرئيسية و مختلف التساؤﻻت الفرعية و لتأكيد الفرضية التي
انطﻼقنا منها فقد اعتمدنا على:
المنهج الﺒنيوي الوظيفي :من خﻼله يمكن تحديد بنيات اﻷجهزة المختصة بالرقابة
القضائية ورصد تمظهراتها.
المقﺘرب القانوني :لكونه المدخل الصحيح لفهم الواقع ومتطالبته ،و ذلك باستعراض
مختلف النصوص القانونية المؤطرة للرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
12
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
خطة الﺒحث:
لتشخيص ومعالجة الجوانب المتعلقة بالرقابة القضائية على الجماعات الترابية بالمغرب
سنحاول التطرق إلى مظاهر أو تجليات هذه الرقابة في الجزء اﻷول وهو ما سيسعفنا بﻼمحالة
في الجزء الثاني من تعرف على واقع الرقابة واﻹكراهات التي تحد من فعاليتها وكذا آفاق
وآليات تحدثها ،وبناء على هذا ستكون خطة البحث كما يلي :
13
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
لقد كشفت الممارسات بجميع الدول المقارن كيف كانت درجة الﻼمركزية
المعتمدة فيها،وكيف كانت صورة الرقابة النظامية المفروضة على الوحدات الترابية ،سواء
في الشق اﻹداري أو السياسي أنه غير كافي وغير مجدية لضمان سﻼمة ومصداقية تصرفات
الجماعات الترابية في معاملتها .وعﻼقتها المختلفة بالمرتفقين والمتعاملين معه ،5أو بمعنى
أوضح ﻻ يمكن للرقابة النظامية تحقيق اﻷمن القانوني للمواطنين في مواجهة الجماعات
الترابية ،6بل ﻻ بد من وجود الرقابة القضائية ،فتدخل القضاء في هذا الصدد يفضل على باقي
اﻷنواع اﻷخرى من الممارسات الرقابية ،نظرا ﻻستقﻼل المؤسسة القضائية عن الجماعات
الترابية ،ونظرا لتوفر بعض الضمانات الجدية والفعلية فيها أكثر من غيرها.
إن الرقابة النظامية حسب التجربة ،أكدت على عدم قدرتها في ضبط كل التصرفات
الﻼقانونية للهيئات المحلية المنتخبة .وبالتالي كان ﻻبد من إخضاعها لرقابة أكثر فعالية
ونجاعة ومصداقية وحيادية ،وهي الرقابة القضائية .وبالتالي فوجودها على أعمال الهيئات
المحلية والمختلفة ،منها المادية والقانونية أمرا ﻻ بد منه ،تجسيدا لسيادة الحق والقانون ،7من
هنا فوجود الرقابة القضائية على الجماعات الترابية من الناحية المبكل من المحاكم المالية
)المبحث اﻷول( ،وكذا رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية )المبحث الثاني(،
5
Sénat de France ‘’ Le contrôle de la légalité des actesdes collectivités territoriales en
droit comparé ‘’ . Etude de légrlation comparée n° 221- janvier 2012 , publications
REMALD , n° 104 , mai – juin , 2012 , pp247-267 .
6علي الحنودي ,اﻷمن القومي :مفهومه وأبعاده ,منشورات المجلة المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية .العدد 96طبعة 2011
,ص.130:
7إبراهيم زعيم ,القضاء وسيادة القانون :منشورات المجلة المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية ,العدد - , 50ماي –يونيو2003 ,
–ص52
14
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
ستساعد بﻼ شك في تحسين نوعية العمل التنموي على المستوى الترابي ،والتي ستزيد من
فعاليتها ونجاعتها.
15
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وتشكل هذه المحاكم المالية على الجماعات الترابية المتمثلة في المجالس الجهوية
للحسابات باعتبارها محاكم إبتدائية ،والمجلس اﻷعلى للحسابات تمثل محكمة استئنافية مالية
بالنسبة للجماعات الترابية ،ضرورة ملحة لتعزيز السياسات وتقويم البرامج و المخططات
المحلية ،وهي ركيزة أساسية للحفاظ على المال العام المحلي من التبذير ز سوء اﻻستعمال من
خﻼلها يمكن بناء منظومة ديمقراطية وتكريس الحكامة الترابية في تجلياتها الخدماتية التنموية
الشاملة و المستدامة للساكنة المحلية.
إن رقابة المحاكم المالية للجماعات الترابية ،على غرار الرقابة الممارسة على المالية
العامة للدولة ،مستوحة في بعض جوانبها من التجربة الفرنسية .8تنقسم من حيث طبيعتها إلى
صنفين ،منها رقابة المحاكم المالية ذات صبغة قضائية )المطلب اﻷول( ،ورقابة المحاكم
المالية ذات صبغة إدارية )المطلب الثاني(.
8
Mohammed HARAKAT : ‘’ lauctit dans le secteur public au Maroc cas de la cour des
compter’’ , Tome 2 , Edition Bahel, Rabat , 1994 , p14
16
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وهكذا فيمارس المجلس الجهوية للحسابات في حدود دائرة اختصاصاتها ،رقابة على
المحاسبين العموميين بالجماعات الترابية وهيئاتها ،والمؤسسات والمقاوﻻت التي تمتلك
رأسمالها كليا ً ،أو تابعة للجماعات الترابية التي تتوفر على محاسب عمومي وفقا لمقتضيات
المادة 126من مدونة المحاكم المالية ،التي تنص على أنه " يقوم المجلس الجهوي في حدود
9 9حميدوش مدني ":المجلس اﻷعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات ,التشكيل ,واﻻختصاصات أطروحة لنيل الدكتورة
,جامعة ﷴ الخامس ,كلية العلوم القانونية واﻻقتصادية واﻻجتماعية بالرباط ,أكدال ,السنة الجامعية ,2002- 2001ص 127
10
المادة 118من ظهير ﺷريف رقم 1.02.124صادر في فاتح ربيع اﻵخر 13) 1423يونيو (2002بﺘنفيذ القانون رقم 62.99المﺘعلق بمدونة
المحاكم المالية.
17
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
دائرة اختصاصه بالتدقيق والبت في حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكذا حسابات
المؤسسات العمومية والمقاوﻻت التي تمتلك رأسمالها كليا جماعات محلية وهيئاتها
والمؤسسات العمومية لتي تخضع لوصايا الجماعة المحلية " .
ومن أجل تمكين المجالس الجهوية من مباشرة هذا اﻻختصاص على أكمل وجه وبفعاليته
الزمن المشرع المغربي على جميع محاسبي الجماعات الترابية وهيأتها بتقديم حسابات التسيير
السنوي داخل أجل المحدود ووفق شكليات منظمة ،بموجب مقتضيات قانونية وتنظيميه ،كما
يلزم محاسبو باقي الهيئات الخاضعة لرقابة المجانس الجهوية للحسابات بتقديم بيانات محاسبية
سنوية تنظم عمليات المداخل واتفاقات و مختلف عمليات الصندوق. 11
فمن حيث مضمون الحسابات المقدمة من قبل المحاسبين العموميين فهي تشمل على
وثائق عامة محددة بنص تنظيمي ،ووثائق ومستندات مثبته لعمليات المداخل و النفقات
المسطرة في الحسابات المادة ،127و تنص المدونة على قائمة المستندات المثبتة تحدد بقرار
من الوزير المكلف بالمالية طبقا للمادة .12 27
وفي هذا السياق يضع المحاسب عند اختتام عمليات السنة المنصرمة حسب تسييره،
ويتضمن بشكل تفصيلي للميزان النهائي ،تنفذ ميزانية الجماعة أو الهيئة ،كما تشمل على
أعمدة منفصلة على المداخل و أداءات الميزانية المحلية ،والحسابات الخصوصية وعلى
حسابات الخزينة .13
11يجبر محاسبو الجماعات الترابية على تقديم الحسابات كاملة ومشفوعة بالوثائق المثبتة ,في حين يقتصر اﻷمر بالنسبة لمحاسبي
باقي الهيئات على تقديم البيانات محاسبة فقط ,مما خلق نوعا من الغموض حول واعي هذا التمييز:
تقرير لجنة العدل و التشريع وحقوق اﻹنسان .بمجلس المستشارين حول مشروع قانون رقم 62.99مرجع سابق ,ص 26
12
Arrêté du ministre des finances du 19-5-1993 portant ‘’nomenclature des pièces
justificatives des recettes et dépenses des collectivités locales et de leurs groupements
‘’ . In : Note n° 1459 /DCGAC du 19-5-1993
13انظر الفصل 14من المرسوم 2.76.576بتاريخ 30شتنبر 1976بسن نظام محاسبة الجماعات المحلية وهيئاتها ,جريدة
رسمية عدد 3335مكرر ,المعدل بموجب ظهير الشريف رقم 1.09.02المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها
إصدار في 8فبراير , 2009الجريدة الرسمية عدد . 5711
18
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
كما تشمل الرقابة القضائية على التصريح بالتسيير بحكم الواقع ،التي تعتبر من بين
المسؤوليات المترتبة على مراقبة وثائق التسيير والتي من شأنها اﻹناطة بالمسؤولية على
عائق 14اﻷعوان أو على المنتخبين الجماعيين .
وطبق المادة 130هناك طريقتين لتحريك مسطرة التدبير بحكم الواقع فاﻷولى تتمثل في
صﻼحية وكيل الملك الذي يحيل في حدوث اختصاصاته ،وذلك تلقائيا أو بطلب من وزير
الداخلية أو الوالي أو العامل في حدود اﻻختصاصات المخولة له ،أو وزير المالية أو الخازن
الجهوي أو اﻹقليمي أو الممثل القانوني للجهاز العمومي المعني أو المحاسب العمومي .
أي من حيث مسطرة التحقيق و البت فهي نفسها المتبعة أمام المجلس أﻷعلى للحسابات
في إطار ممارسته لنفس اﻻختصاص ووفق المقتضيات القانونية المنصوص عليها في المواد
27إلى 40من مدونة المحاكم المالية ،وذلك من حيث ترتيب المسؤولية على كل من اﻵمر
بالصرف و المراقب و المحاسب عن العمليات التي أنجزوها أو أشاروا عليها خﻼل فترة
ممارسة مهامهم ،وكذا كيفية اﻹدﻻء بالحساب أو الوضعية الحسابية وترتيب العقوبات في حالة
عدم احترام اﻵجال القانونية المقررة لتقديم الحسابات أو الوثائق المثبت والتي تتخذ شكل
غرامة مالية تصل مبلغها اﻷقصى إلى ألف درهم )1000درهم( ،باﻹضافة إلى الغرامة
التهديدية )500درهم( ،عن كل شهر من التأخير .15
كما أن المادة 41من قانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية نصت على
إمكانية تطبيق هاتين العقوبتين في حالة رفض تقديم التبريرات والتوضيحات التي يحتاجها
المستشار المقرر بالمجلس الجهوي للحسابات ،كما تشير إلى أن مسؤولية المحاسب العمومي
أمام المحاكم المالية في الحسابات ،قد تثار أيضا إذ ما ثبت قيامه بعمليات قبض الموارد ودفع
النفقات وحيازة أو استعمال أﻷموال أو القيام أو المشاركة في تلك العمليات بصفته مسيرا بحكم
الواقع تجاوز دائرة اختصاصه ،فيأمر المجلس بتقديم الحسابات وتطبق على اﻹجراءات
14الخشبي عبد العزيز " :بعض مظاهر تقنية التحقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات المحلية " ,المجلة المغربية لﻺدارة
المغربية و التنمية عدد , 50طبعة , 2003ص . 30:
15المادة 29من القانون رقم 62.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية .
19
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
بحيث تخضع لرقابة المجالس الجهوية للحسابات في إطار التأديب المتعلق بالميزانية
الشؤون المالية ،وداخل مجال اﻻختصاص الترابي لكل هيأة ،الجماعات الترابية وهيأتها
ومختلف المؤسسات العمومية الخاضعة لوصيتها ،و المقاوﻻت ذات اﻻمتياز و شركات
اﻻقتصاد المختلط المحلية ،وكذا الوﻻة والعمال باعتبارهم أمرين بالصرف بالنسبة لمجالس
العماﻻت واﻷقاليم ومجالس الجهات. 16
ومن جهة ثانية يعتبر كل من اﻵمرين بالصرف ومراقبي اﻻلتزام بنفقات الجماعات
الترابية وهيأتها والمحاسبين الجماعيين خاضعين لمجال تدخل المجالس الجهوية للحسابات
بخصوص أية مخالفات ترتكب من قبلهم وتندرج ضمن المقتضيات المتعلقة بالتأديب. 17
وﻻ يقتصر اﻷمر هنا على المتدخلين اﻷساسيين في التدبير المالي المحلي ،وإنما تطال
الرقابة أيضا وبخصوص جميع اﻷصناف كل من موظف أو عون يعمل تحت إمرة أحد
الخاضعين الرئيسيين ولحسابه عند ارتكابه المخلفات المعتبرة ضمن مجال التأديب ،18وهذا ما
يثير إشكاﻻت بخصوص التكييف القانوني المرتبط بتحديد المسؤوليات ودرجة التدخل
20
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
المقترضة في المحاسبة ،بل أن اﻷمر يتطلب بصفة خاصة تحديدا دقيقا لنوعية هذه الفئات
الخاضعة لهذا المجال ،وهذا ما ذهب إليه التشريع الفرنسي. 19
وقد نصت المادة 54على إجمالية اﻷعمال التي تعتبر مخالفة مرتبطة بمجال التأديب
وهي كالتالي:
مخالفة قواعد اﻻلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واﻷمر بصرفها .
عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفات العمومية .
مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بالتدبير شؤون الموظفين
واﻷعوان .
مخالفة القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها واﻷمر بصرفها .
مخالفة قواعد تحصيل الديون العمومية الذي قد يعهد به إليهم وفق النصوص
التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل .
إخفاء المستندات أو اﻹدﻻء إلى المحاكم بأوراق مزورة نقدية أو عينية.
مخالفة قواعد تدبير ممتلكات اﻷجهزة الخاضعة لرقابة المجلس .
التقييد غير القانوني لنفقة بهدف التمكن من تجاوز اﻻعتمادات .
إلحاق الضرر بجهاز عمومي يتحملون داخله مسؤوليات ،وذلك يسبب اﻹخﻼل
الخطير في المراقبة التي هم ملزمون بممارستها أو من خﻼل اﻹغفال أو التقصير المتكرر في
القيام بمهامهم اﻹشرافية .
كما أنه من جهة أخرى نجد بأن المادة 55تنص على أنه » يخضع للعقوبات كل مراقب
لﻼلتزام بالنفقات ،أو المراقب المالي ،أو يعمل لحسابها ،إذا لم يقوموا بالمرقبات التي هم
ملزمون بالقيام بها طبقا لنصوص التشريعية والتنظيمية « .
إلى جانب هذا نجد في المادة 56من مدونة المحاكم تنص على أنه يخضع لعقوبات
المجلس الجهوي للحسابات كل محاسب عمومي وكذا كل موظف أو عون يوجد تحت إمرته
19
Les juridictions financières, op, Cit,p.214
21
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
أي عمل لحسابه إذا لم يمارسوا أثناء مزاولة مهامهم المرقبات التي هم ملزمون بالقيام بها طبقا
لنصوص المطبقة عليهم والتي تهم وتتعلق ب :
من هنا نستنتج بأن كل من اﻵمر بالصرف وكذا المحاسب العمومي الذي يعمل في
المناصب السالفة الذكر يخضع للتأديب في حالة إذ ما أخل بالتزامه أو تجاوزها باستثناء الحالة
التي وردت في المادة 137من المدونة ،وهي الحالة التي فيها المخالفة اﻷمر كتابي صادر
عن رئيسه التسلسلي أو عن آخر مؤهل ﻹصدار هذا اﻷمر قبل ارتكاب المخالفة .
وهنا تنتقل المسؤولية أمام المجلس الجهوي إلى صاحب اﻷمر وهو الرئيس التسلسلي
للموظف أو العون.20
أما عن المسطرة المتعلقة بمجال التأديب المتعلق بالميزانية فيتوﻻها وكيل الملك الذي
يعتبر المدخل اﻷساسي لهذه القضية حيث يقوم بإحالة القضية على المجلس من تلقاء نفسه أو
بناء على طلب من رئيس المجلس الجهوي بناء على تقرير أجهزة المراقبة والتفتيش اﻹداري
المقدمة من طرف وزير الداخلية أو وزير المالية .21
أما من حيث طبيعة العقوبات واﻷحكام ،فإنه يحكم » على اﻷشخاص الذين ارتكبوا
مخالفة أو أكثر« من المخالفات الواردة أعﻼه بغرامة يحدد مبلغا طبقا لدرجة المخالفة
وخطورته ،على أﻻ يقل مبلغ كل مخالفة على حدة عن 1000درهم وﻻ يتجاوز اﻷجرة
22
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
السنوية الصافية لم رتكبها وأﻻ يتجاوز مجموع الغرامات أربع مرات هذه اﻷجرة السنوية
)المادة ،(66أو ما يعادل اﻷجرة السنوية لموظف في أعلى رتبة من سلم اﻷجور رقم . 2211
وإذ تبين للمجلس أن مخالفة المرتكبة قد سببت خسائر للهيأة الخاضعة لرقابته ،أو إذ تم
اكتشاف أفعال تستوجب إجراء تأديبا جناحيا أو جنائيا فإن أو جنائيا فإن اﻷمر يحال إلى وزارة
العدل وفق مسطرة خاصة.23
23
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
إﻻ أنها في جوهرها تبقى رقابة إدارية نظرا لتعلقها بالتنفيذ اﻹداري للعمليات المالية
العمومية واﻻعتماد على مسطرة إدارية على اﻹجراءات القضائية ،وتتمثل هذه اﻻختصاصات
في مراقبة اﻹجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية )الفرع اﻷول( ،وكذا مراقبة التسيير و استخدام
اﻷموال العمومية )الفرع الثاني(.
ويعد ممارسة هذا النوع من الرقابة في التجربة الفرنسية التي تتميز باﻷصالة والتجديد
كبديل للوصاية اﻹدارية التي كانت تمارسه السلطات المركزية على الجماعات والمؤسسات
العمومية المحلية وبعد إحداث الغرف الجهوية للحسابات أوحى اﻷمر بإلغاء أي دور لممثل
الدولة في إطار رقابة اﻷموال العمومية المحلية ،ويعتبر اختصاص القرارات المتعلقة
بالميزانية اختصاصا إداريا. 24
وهو ما سار عليه المشرع المغربي من خﻼل إسناد بمقتضى القانون رقم 62.99
المتعلق بمدونة المحاكم المالية للمجالس الجهوية للحسابات اختصاص مراقبة القرارات
المتعلقة بميزانية الجماعات الترابية هيئاتها.
24حميدوش مدني ":المجلس اﻷعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات ,التشكيل ,واﻻختصاصات أطروحة لنيل الدكتورة ,
جامعة ﷴ الخامس ,كلية العلوم القانونية واﻻقتصادية واﻻجتماعية بالرباط ,أكدال ,السنة الجامعية , 2002- 2001ص . 99 :
24
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وتعد ميزانية الجماعات الترابية ،بمثابة وثيقة مالية تشخيص النشاط المالي للجماعات
الترابية ،التي تبتدئ من وثيقة مالية تشخص النشاط حيث تنفيذها و المصادقة على الحسابات
اﻹدارية الجماعية.
والحساب اﻹداري عبارة عن تقرير مفصل باﻷرقام تتعلق بشأن التصرف في الميزانية
السنة المالية تؤطر فصﻼ بفصل كل العمليات المالية المتعلقة بالمداخيل والنفقات المسجلة
بالميزانية ،والتي تعتمد بها لﻶمرين بالصرف من الناحية القانونية باعتباره المسؤول اﻷول
عن التدبير المالي لميزانية الجماعة خﻼل كل سنة مالية. 25
وفي حالة عدم المصادقة على الحساب اﻹداري من طرف المجلس التداولي المختص،
نصت مدونة المحاكم المالية على أنه بصرف النظر من مقتضيات المتعلقة بطلب دراسة
جديدة ،يقوم وزير الداخلية أو الوالي أو العامل بعرض هذه الوثيقة على المجلس الجهوي
للحسابات ،ويكون ذلك إما بطريقة تلقائية أو بناء على طلب من اﻵمر بالصرف المعني ،من
طرف الحساب اﻹداري المرفوض والمداوﻻت المتعلقة بهذا الرفض والمستندات المقدمة برأيه
حول شروط تنفيذ الميزانية أو الهيئة المعنية داخل أجل 60يوما ،وذلك استنادا على هذا الرأي
بقرار من وزير الداخلية أو الوالي أو عامل العمالة أو اﻹقليم.26
25سيدي الشريف ":رقابة المجالس الجهوية للحسابات على مالية الجماعات الترابية " بحث لنيل دبلوم الماستر للقانون العام ,
جامعة عبد المالك السعدي ,كلية المتعددة التخصصات تطوان ,سنة الجامعية 2015 -2016
26المادة 143من مدونة المحاكم المالية .
27المادة 142من مدونة المحاكم المالية.
25
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
مدونة المحاكم المالية ،القاضي بالبت في النزاع المتعلق برفض المجلس التداولي للحساب
اﻹداري ،والمصادقة عليها ليتم إحالته من قبل سلطات الوصاية على المجلس الجماعي .
وقد نصت المادة 147من مدونة المحاكم المالية على أن المجالس الجهوية للحسابات
تراقب تسيير اﻷجهزة المشار إليها في المادة ،148وذلك ﻷجل تقدير هذا التسيير من حيث
الكيف واﻹدﻻء عند اﻻقتضاء باقتراحات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في
فعاليته ،وتشمل هذه المراقبة جميع أوجه التسيير بما في ذلك تقييم مدى تحقيق اﻷهداف
المحددة والنتائج المحققة وكذا تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المعتمدة ميما يحيل
على المعايير المرتبطة بالفعالية والنجاعة.
ونظرا لﻸهمية مراقبة التسيير باعتبارها مراقبة شاملة ومندمجة المختلف مظاهر
ومجاﻻت التدبير العمومي المحلي ،فقد حولت مدونة المحاكم المالية للمجالس الجهوية
للحسابات مهمة ممارسة اختصاص رقابة التسيير بمختلف مظاهرها ،وفضﻼ عن ذلك منحت
للمجالس الجهوية صﻼحية القيام بمهمة تقييم اﻷهداف المحددة لكل مشروع انطﻼقا مما تم
انجازه مقارنة مع الوسائل المستعملة كما نظمت ذلك المادة 148من مدونة المحاكم المالية
حيث وسع المشرع المغربي من نطاق تدخل المجالس الجهوية للحسابات في مجال مراقبة
التسيير ،بحيث تمتد هذه المراقبة إلى مختلف اﻷجهزة العمومية الخاضعة لوصايتها وبالتالي
تتوخى هذه الرقابة تقييم مدى تحقيق اﻷهداف المقررة والوسائل المستعملة وتكاليف اﻷشياء
والخدمات المقدمة واﻵثمات المطبقة والنتائج المالية ،بمعنى آخر ﻻ تكتفي مراقبة التسيير
28ناصر الدين القبلي »:الرقابة البعدية على مالية الجماعات الترابية بين المحدودية ومتطلبات المﻼئمة « بحث لنبيل دبلوم
الماستر ,جامعة عبد المالك السعدي ,كلية العلوم القانونية واﻻقتصادية واﻻجتماعية بتطوان ,السنة الجامعية ,2017- 2016
ص. 17:
26
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
بالتأكيد من مشروعية المشاريع المحلية والبرامج المنفذة فقط ،بل تسع لتقييم أدائها وكذا
فعاليتها.29
أما بخصوص مراقبة المجالس الجهوية للحسابات على استخدام اﻷموال العمومية فهي
تعتبر من المستجدات الجديدة التي جاء بها القانون رقم ، 62.99ويندرج هذا اﻻختصاص في
مجال مراقبة استعمال المال العام المحلي المقدم من مختلف أصناف الجماعات الترابية
للجمعيات أو المقاوﻻت.
وهكذا فمدونة المحاكم المالية جعلت اختصاص مراقبة المجالس الجهوية للحسابات في
استخدام اﻷموال العمومية اختصاصا عاما ،إذ لم تحدد المدونة سقفا ماليا أو مساعدة التي
تتلقاها اﻷجهزة المعنية للجماعات الترابية والتي على أساسها تخضع لمراقبة هذه الوحدات
الرقابية ،هذا باﻹضافة إلى عدم تحديد شكل المساعدات أو المساهمات بحيث تملك المجالس
الجهوية للحسابات صﻼحيات التأكد من مطابقة استعمال اﻷموال العمومية ،وهو ما يتنافى مع
أحكام مقتضيات المادة 148من القانون رقم 62.99من مدونة المحاكم المالية ،بحيث
تشترط في تقديم الحساب من طرف الجمعيات لﻸجهزة المقدمة للمساعدات أن يتجاوز مبلغ
تلك المساعدة أو اﻹعﻼنات المقدمة عشرة ألف درهم ) 10000درهم(.
29سيدي الشريف ":رقابة المجالس الجهوبية على مالية الجماعات الترابية" ,مرجع سابق :ص. 57 :
30المادة 148من مدونة المحاكم المالية.
31المادة 154من مدونة المحاكم المالية .
27
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
28
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وتأسيسا على ذلك ،تنصرف رقابة القضاة اﻹداري على اﻷعمال القانونية للجماعات
الترابية إلى تلك اﻷعمال التي تمارسها وتقصد بها التأثير في المراكز القانونية ،وهي تشمل
الرقابة المتعلقة بالقرارات الصادرة عن الجماعات الترابية بإرادتها المنفردة )الفرع اﻷول (،
وكذا الرقابة المتعلقة بالعقود اﻹدارية وصفقات الجماعات الترابية )الفرع الثاني(.
29
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
الجماعات الترابية أثناء تسييرها الداخلي لشؤونها اﻹداري ،وكذا القرارات المتعلقة بسير
مختلف القضايا التي تهم تدبير الشأن المحلي.32
إن قرارات تدبير مجالس وإدارات الجماعات الترابية تعتبر من اﻷعمال القانونية التي
بمقتضاه يتدخل بمقتضاه يتدخل المسؤول المحلي على أساس تنظيم اﻷعمال اﻹدارية الداخلية
مستهدفا المصلحة العامة .وﻻ يتطلب حتى تكون حيز التنفيذ أن يتوفر فيها رضا اﻷطراف
المعنيين بها.33
تنص المادة 20من قانون المحدث للمحاكم اﻹدارية ".أن كل قرار إداري صدر من
جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو ﻻنحراف في السلطة أو ﻻنعدام التعليل أو لمخالفة
القانون ،يشكل تجاوزا في استعمال السلطة ،يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية
اﻹدارية المختصة ،"34فمنذ إحداث المحاكم اﻹدارية شكلت المنازعات المشارة إليه والمتعلقة
بتدبير الموارد البشرية بالجماعات الترابية )خصوصا الجماعات الحضرية والقروية ،دون
غيرها من الجماعات الترابية( من بين أكثر القضايا المعروضة أمام القضاء اﻹداري ،ومن
خﻼل اختصاصها في ممارسة الرقابة على أعمال اﻹدارة وتعمل على التوفيق بين المصلحة
35
العامة والخاصة مع الحفاظ على حقوق كل منهما .
كما أن لرئيس مجالس الجماعية في إطار المصلحة العامة ،وضمان سير المرافق
العمومية المحلية ،له سلطة تقديرية لﻼتخاذ مجموعة من القرارات المرتبطة بتدبير وتسيير
المجالس ،وتدبير الموارد البشرية ،ويعرف القضاء اﻹداري المغربي عدة قضايا متعلقة بهذا
المستوى ،إذ يبقى للقاضي اﻹداري فيها مفتاح بعض النوازل لﻼلتزام بسيادة الحق والقانون.
32لطيفة اﻷندلوسي " .الرقابة على القرارات اﻹدارية للجماعات الترابية بالمغرب" بحيث لنيل دبلوم الماستر ,شعبة الحكامة
وسياسة الجماعات الترابية ,جامعة عبد المالك السعدي ,كلية العلوم القانونية واﻻقتصادية واﻻجتماعية .ص17 :
33 Andre de laubaderé. Jean-clud venezia. Yves gaudement : « traité de droit
administratif » 15 éme étition 1999 , P 545-546-547
34انظر المادة 20من ظهير شريف رقم 1.91.225صادر في 22من ربيع اﻷول 10) 1414سبتمبر (1993بتنفيذ القانون رقم
41.90المحدث بموجبه محاكم إدارية.
35عماد أبركان " نظام الرقابة على الجماعات الترابية ومتطلبات المﻼئمة " منشرورات مجلة العلوم القانونية ,الطابعة اﻷولى
, 2016ص.198:
30
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وقد شكلت هذه الرقابة التي تم تكريسها في جميع القوانين التنظيمية اﻷخيرة رقابة
أساسية لحماية القانون وضمان تطبيقه من جهتين :
الثانية :تتمثل في توفير الظروف المناسبة لها من حماية تلك الجماعات من الشطط
والغلو والصرامة وتعسف اﻷجهزة الوصائية بسلطتها.36
وقد تطرق القانون المنظم للجهة إلى نوع منها بخصوص القرارات التي تتخذ وتكون
مستوجبة اﻹحالة على المحكمة المختصة ،37ولعل نفس الرقابة قد تم تكريسها في القوانين
التنظيمية الجديدة بالنسبة للجميع الجماعات الترابية ،حيث أصبحت عديدة هي القرارات
والمقررات الخاضعة للرقابة الوصائية ،تحت إشراف القضاء اﻹداري ،38وهذا اﻷخير
يمارس رقابة خاصة على القرارات المعروضة عليه والصادرة عن جميع الجماعات الترابية
خﻼل تدبير لشؤونها المحلية.
فالقرار اﻹداري يجب أن يحترم بعض الشكليات و اﻹجراءات ،إلى جانب ذلك يجب أن
ينبني على سبب ﻻتخاذه ،والسبب يتمثل في الوقائع المادية التي تبرر صدوره وعلى اﻹدارة
إثبات ذلك ،وإﻻ اعتبر القرار تجاوزا للسلطة يترتب عنه اﻹلغاء ،فتسبيب وتبين المبررات
والدواعي الصحيحة التي تقف وراء القرار ،يعتبر من الضمانات اﻷساسية لحقوق المتنازعين
مع الجماعات الترابية ،فالقضاء في بعض اﻷحيان قد يلجئ إلى اﻻستعانة "بالخبرة بغية التأكد
من صحة اﻷسباب المقدمة ﻻتخاذ القرار" ،إضافة إلى ذلك فاﻻمتثال للقواعد القانونية من
مرتكزات مشروعية اتخاذ القرار اﻹداري.
36أنظر المادة 112من القانون التنظيمي الرقم 111.14المتعلق بالجهات والمادة 106من القانون التنظيمي الرقم 113.14
المتعلق بالجماعات.
37
Mhamed Antari : « la censure de l’astreinte a titre personnel par ma chambre
administrative serait – ce la fin d’un espoir ? » note sous C .S.A. , 11 Mars 1999 .
commune rurale de tou nfit c/Med. Attaoui , publications Remald , n°31 , Mars – avril,
2000 p.169
38عماد أبركان ,مرجع سابقا ,ص148 :
31
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وطبقا للمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 145من الدسﺘور ،يمارس الوﻻة والعمال
قرارات رؤساء المجالس ومقررات مجالس الجماعات المراقبة اﻹدارية على شرعية
الترابية ،وكل نزاع في هذا الشأن تبت فيه المحاكم اﻹدارية .وبمعنى آخر أن القرارات المتخذة
من قبل رؤساء المجالس والجماعات الترابية يجب أن ﻻ تخرج حيز اﻻختصاص ،وخﻼف
39
فهي باطلة بمقتضى القانون .وعليه فرقابة القضاء اﻹداري تشمل مشروعية المهام ذلك
الموكلة للجماعات الترابية ،فمبدأ اﻻختصاص من أهم العناصر التي تكفل الحماية للمواطنين
من تعسف الجماعات الترابية واﻹدارة بصفة عامة ،وهذا العنصر يتأكد من سﻼمته القاضي
اﻹداري.
وقد تتجاوز الرقابة القضائية على القرارات اﻹدارية للجماعات الترابية من قرارات
معيبة إلى قرارات سليمة من حيث إجراءتها الشكلية والجوهرية ،في إلغائها لعدم مﻼئمتها
لحاﻻت معينة وعدم مراعاة المصلحة العامة وحالة اﻻستقرار.
ولهذا فالرقابة القضائية المفروضة على مختلف القرارات اﻹدارية للجماعات الترابية
هي رقابة وازنة من خﻼل قيمتها القانونية والعملية في التوفيق بين حماية حقوق وحريات
المواطنين أفرادا وجماعات وبين ما تقتضيه المصلحة العامة في تسير الشؤون المحلية.
39قرار عدد 522بتاريخ 2007/12/19الصادرة عن المحكمة اﻹدارية بمكناس »يمنع استخدام مقبرة طريقا عموميا « ,صيانة
حرمة مقابر المسلمين .
40عماد أبركان " نظام الرقابة على الجماعات الترابية ومتطلبات المﻼئمة " منشورات مجلة العلوم القانونية ,الطبعة اﻷولى 2016
-ص.208:
32
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
فالجماعات الترابية أثناء إبرامها للعقود اﻹدارية فهي تتمتع بامتيازات وحقوق تجعل
العقد متﻼئما مع متطلباتها وظروفها .عﻼوة على ذلك فالمشرع قد منح لها الصﻼحية بفرض
بعض القيود والشروط على الطرف أو اﻷطراف المتعاقدة معها ،مع احترام حقوقها ،خاصة
ما يتعلق بالجانب المادي .بيد أن القواعد القانونية والتنظيمية المتعلقة بذلك وحدها غير كافية
بتوفير الحماية لحقوق المتعاقدين مع اﻹدارات الجماعية ،بل ﻻبد من وجود متدخل فاصل
بينهما في حالة نشوب نزاع على مستوى تنفيذ شروط العقد اﻹداري ،ويتمثل هذا المتدخل في
القاضي اﻹداري في إطار السلطة القضائية المخولة له في مثل هذه النوازل لحماية حقوق
المتعاقدين مع الجماعات الترابية من أي شطط في استعمال السلطة أو التعسف واﻹضرار
بمصالحهم.
إن رقابة القاضي اﻹداري فيما يتعلق بالصفقات والعقود اﻹدارية للجماعات الترابية ﻻ
تقصر فقط على النزاعات والمشاكل المتأتية عن اﻹخﻼل بإحدى الحقوق أو الواجبات
المنصوص عليها في العقد فقط بل تتجاوز ذلك لتشمل البت في قضايا التعويض عن اﻷضرار
الناتجة عنها _ كالﺘأخير عن أداء المسﺘحقات المالية داخل اﻷجل المحدد _ عﻼوة على ذلك
يمكن للقاضي اﻹداري بناء على ماله من سلطة ،في تقرير وتحديد حجم الضرر ومبلغ
التعويض لفائدة الطرف المتضرر في العقد.
إلى جانب فقد خولت الرقابة القضائية على العقود والصفقات المبرمة من قبل الجماعات
الترابية للطرف المتعاقد معها من وضع تعديل على مستوى العقد .أو في حالة الصعوبات
المادية الطارئة أو إخﻼل اﻹداري بمقتضيات العقد ، ...الحق في المطالبة بالتعويض عن
اﻷضرار التي قد ترتبت على الطرف المتعاقد مع الجماعات الترابية التي تدرج في اختصاص
القضاء الشامل كمبدأ عام ،يتدخل القاضي اﻹداري .بناء ما يعرف "بقضاء اﻹلغاء" في مجال
العقود اﻹدارية تدريجيا ﻹلغاء القرارات المنفصلة أو القابلة لﻼنفصال بغية توفير الحماية
33
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
للمتعاقد أو المحتمل التعاقد معه من بعض القرارات التعسفية للجماعات الترابية ذات
المضامين المختلفة.41
بيد أن دور الرقابة القضائية ﻻزالت متأخرة ﻹلزام اﻹدارة أو الجماعات الترابية باحترام
التزاماتها التعاقدية ،وذلك راجع إلى غياب اﻵليات و الوسائل الكفيلة بتنفيذ اﻷحكام القضائية
ضد الجماعات الترابية.
وبما أن المتعاقدين مع الجماعات الترابية على أساس تقديم الخدمات أو القيام ببعض
اﻷنشطة قد يخلون بما على عاتقهم من التزام أو قد يترتب عن هذه اﻷعمال مجموعة من
اﻵثار و اﻻنعكاسات على المنتفعين أو على اﻷغيار وتضر بمصالحهم أو تنقص من حقوقهم
أو غير ذلك ،فالرقابة القضائية في إطار القضايا المطعون فيها أمام المحاكم اﻹدارية حول
التعسفات واﻷضرار المترتبة عنها تأخذ بعين اﻻعتبار اﻵثار الناجمة عن تلك العقود اﻹدارية
المبرمة وهذه اﻵثار ناتجة عن تدبير الشؤون الترابية والمرافق العامة المحلية ،والتي تمس
بحقوق الغير ،ويكون الغرض منها التعاون والتشارك أو النيابة في اﻷعمال ،وذلك لتخفيف من
عبئ المسؤولية الملقاة على كاهل الجماعات .من غير التخلي عن اﻻختصاصات المخولة لها.
والصﻼحيات المتنوعة و الواسعة في مدلولها ،42على سبيل المثال »القضية التي عرضت
على القضاء اﻹداري فيما يخص شركة مستودع السيارات ،وتداخل اختصاصاتها مع مجال
ممارسة الشرطة اﻹدارية ،حيث ذهبت المحكمة اﻹدارية بالرباط على أن آثار العقود اﻹدارية
تمتد لتشمل كذلك اﻻغيار اﻷجانب عن العقد ،وأن من حق المدعي الطعن في العقد .ذلك
لممارسة صﻼحيات الشرطة اﻹدارية الغير القابلة للتفويض بطبيعتها بناء على الشروط
التنظيمية لعقد امتياز مرفق عمومي ،والتي قضت فيه بعدم شرعيته ،وقضت لصالح الطاعن
بأحقية في نيل التعويض ،لقاء الضرر الذي أصابه ،فأصبح من حق الغير الخارج عن الرابطة
التعاقدية ،أن يكون مدعيا أو طاعنا في اﻵثار المترتبة عن عقود الجماعات الترابية.43
34
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وعليه فالرقابة القضائية الممارسة على اﻵثار المترتبة عن عقود الجماعات الترابية ذات
أهمية كبرى وذلك راجع إلى عدة اعتبارات ،ومن خﻼلها يتم حماية المنتفعين من تعسف
المتعاقد مع الجماعة من جهة ،ومن جهة أخرى فإن المتعاقد مع اﻹدارة حرصه على جانب
الربح الخاص به أكثر من جانب تقديم الخدمات بشكل منتظم ومطرود ومعقول ،حتى وإن كان
على ذلك على حساب المرتفقين غير مباشرين .ﻻسيما إذا كانت الجماعة المتعاقدة معهم .غير
قادرة على تفعيل الرقابة الﻼزمة بتنفيذ العقود من طرف الخواص ،وهو ما يجعل مصالح
المواطنين معرضة لتﻼعبات من قبل الشركات والمقوﻻت الخاصة المتعاقدة.
وإلى جانب الجماعات الترابية ،يبقى في هذا الصدد للمواطن الواعي المدافع عن حقوقه
ومصالحه أمام القضاء اﻹداري ،هو صمام اﻷمان للشرعية والمشروعية القانونية ،والضامن
لجودة الرقابة القضائية الممارسة على اﻵثار المترتبة عن العقود اﻹدارية عموما.
35
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وهي تلك اﻷعمال التي تباشرها الجماعات الترابية من غير أن تقصد منها إحداث آثار
قانوني معين .من حيث إنشاء مراكز قانونية جديدة أو تعديل في المراكز واﻷوضاع القانونية
القائمة من قبل ،وإنما هي أعمال فقط تستهدف من خﻼله تنفيذ القواعد القانونية أو القرارات أو
العقود فقط… ويتعلق اﻷمر كذلك تلك اﻷخطاء التي تصدر من اﻹدارات وكذا اﻹهمال من
دون توفر نية إحداثه ،وكذلك باﻷعمال الصادرة منها في ضوء اﻷعمال القانونية وتبلغ من
خﻼله جسامة عدم مشروعيتها ،درجة تحولها إلى أعمال مادية.
وعليه فاﻷعمال المادية للجماعات الترابية تتعلق بكل اﻷعمال التي تخلق أضرارا تمس
بصفة مباشرة حقوق اﻷشخاص ،ويمكن التميز بين صنفين من الرقابة عليها "الرقابة على
اﻻعتداء المادي للجماعات الترابية )الفرع اﻷول( ،والرقابة المتعلقة بالمسؤولية اﻹدارية
للجماعات الترابية )الفرع الثاني(.
الفرع اﻷول :رقابة القضاء اﻻداري على اﻻعﺘداء المادي للجماعات الﺘرابية.
تمارس الجماعات الترابية أنشطتها عبر مجموعة من المؤسسات اﻹدارية وتعمل على
مباشرة مختلف اختصاصاتها ،وتشكل بهياكلها اﻹدارية إلى جانب الفاعلين والشركاء
والمتدخلين في تدبير الشأن المحلي المحرك الرئيسي للتحقيق التنمية اﻻقتصادية واﻻجتماعية
والثقافية ...إلخ.
غير أنه في بعض اﻷحيان قد تخرج هذه اﻷنشطة المختلفة عن مبدأ المشروعية كما هو
اﻷمر في حالة اﻻعتداء المادي على حقوق الغير ،وأول اعتداء مادي سقطت فيه الجماعات
الترابية ،هو اﻻعتداء على »حق الملكية « الخاصة منها العقارية .وهو ما استوجب اﻷمر
36
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
تدخل الرقابة القضائية في هذا المجال سواء على مستوى اﻹجراءات أو القرارات المتخذة أو
المساطر المتبعة في ذلك.
وبرجوعنا إلى الفصل الثالث من القانون المﺘعلق بنزع الملكية ﻷجل المنفعة العامة
وﻻحﺘﻼل المؤقت »يخول حق نزع الملكية إلى الدولة والجماعات المحلية ،وإلى اﻷشخاص
المعنويين اﻵخرين الجارية عليهم أحكام القانون العام أو الخاص أو اﻷشخاص الطبيعيين الذين
تفوض إليهم السلطة العامة حقوقها للقيام بأشغال أو عمليات معلن عنها ذات منفعة عامة .وبناء
على ذلك فقد خول المشرع المغربي للجماعات الترابية حق نزع الملكية من أجل المصلحة
العامة ،والتي يعلن بواسطة مقرر يصدر على شكل مرسوم من طرف رئيس الحكومة ،وقد
حدد القانون الكيفية و المساطر المتبع في نزع الملكية ﻷجل المنفعة العامة.
لكن في بعض اﻷحيان قد ﻻ تسلك الجماعات الترابية المسطرة القانونية في نزع الملكية
أو قد ﻻ تلتزم بجميع المواد المتعلقة بها ،وهو ما يعتبر اعتداءا ماديا على حق الغير وعلى
ملكيته الخاصة.
وبالتالي قد عملت رقابة القضاء اﻹداري على التصدي لهذه اﻹشكاﻻت باعتبارها حامية
للمشروعية القانونية والملكية الخاصة بأفراد من أي مساس أو اعتداء.
وقد عمل القضاء اﻹداري بشقيه قضاء الموضوع وقضاء اﻻستعجال مراقبة مدى سﻼمة
اﻹجراءات والمساطر المتعلقة بممارسة حق نزع الملكية .فرغم أن القانون قد منح لها هذه
الصﻼحية في ظل القواعد والمساطر المنظم لها ،إﻻ أنها ﻻ تمارسه بعيدا أو خارجا عن رقابة
القضاء اﻹداري ،بل أن رقابة القضاء اﻹداري هو صمام اﻷمان وهي واسعة تشمل كل ما من
شأنه أن يسبب أضرارا على حقوق الغير .وقد عمل القضاء اﻹداري في جميع القضايا
المعروضة عليه حول نزع الملكية من معالجته بمختلف جوانبه ،وبصفة خاصة من الناحية
الواقعية والقانونية ،بغية الوقوف على عيب من عيوب المشروعية ،التي من شأنها أن تشوب
في واقعة نزع الملكية.44
37
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
إلى جانب ذلك ،يبقى القضاء اﻹداري صاحب اﻻختصاص البت في اﻷضرار الناجمة
عن فعل نزع الملكية ويستوجب تقدير التعويض المناسب وجبر الضرر الحاصل لصاحب
الملكية ،أو يستوجب المنع أو اﻹيقاف أو الحد من الضرر ،اﻷمر الذي ﻻ يتيحه القضاء
الموضوع لطول وتعقد المسطرة.
كما أن اﻻعتداء المادي للجماعات الترابية على حقوق الغير يترتب عليه جبر الضرر
الناشئ عنه ،ﻻسيما إذا تعلق اﻷمر بالحقوق القابلة لتعويض ،المتمركزة في أغلب اﻷحيان
على حقوق الملكية العقارية لﻸشخاص وحتى يكون مقدار التعويض على قدر الحرمان الذي
يصيب المتضرر إلى اللجوء لمنازعة الجماعات الترابية ،واعتماد على القضاء كوسيلة
للحصول على التعويض المستحق طبقا لما تراه الرقابة القضائية مناسبا.
إن جل الدعوى المرفوعة إلى القضاء اﻹداري بخصوص جبر الضرر الناشئ عن
اﻻعتداء المادي للجماعات الترابية ،انصبت مجمل اﻷحكام والقرارات القضائية على موضوع
النزع الملكية العقارية ،من خﻼل رقابتها على التعويض عن الضرر لذوي الحقوق وملزمة في
ذات الحال على خلق التوازن الحقيقي بين مصالح إدارات الجماعات الترابية وبين مصالح
الخواص ،حماية للمال العام المحلي من الضياع واﻹهدار.
وبناء على واقع اﻻجتهادات القضائية المغربية على وجه الخصوص موضوع جبر
الضرر الناشئ عن اﻻعتداء المادي للجماعات الترابية ﻻزالت تقتصر على حق نزع ملكية
38
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
فقط ،وذلك راجع إلى قلة الوعي لدى اﻷفراد بحقوقهم وحرياتهم المكفولة بموجب القانون
والقضاء اﻹداري ،وذلك كون المواطن ﻻزال يتوجس من منازعة اﻹدارة بأنواعها وعلى
واجه الخصوص الجماعات الترابية ،لخوفهم من مقاضاة سلطة اﻹدارة لما لها من هيبة،
إضافة إلى جهله بمساطر تقديم الدعوى وتعقدها ،اﻷمر الذي يدفعه إلى التخلي عن المطالبة
بحقوقه وعدم مقاضاة اﻹدارة الجماعاتية.
الفرع الثاني :الرقابة القضاء اﻻداري على المسؤولية اﻹدارية للجماعات الﺘرابية.
إن المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية تكتسي مصداقيتها بناء على مبررات أبرزها ،
اعتبارات تتعلق بمبدأ مساواة المواطنين في تحمل اﻷعباء العامة والتكاليف العمومية ،وأخرى
تتمثل في مبدأ التضامن والضمان اﻻجتماعي ،والتأمين اﻹجباري إذ يتعين في هذا اﻷمر نيل
المتضرر لتعويض يناسب حجم الضرر الذي لحقه والمغرب يعتبر من بين أوائل الدول الذي
استفاد من التجربة الفرنسية ﻷخذه بمبدأ المسؤولية اﻹدارية ،ووضع له أساس قانوني بناء على
الفصلين 79و 80من قانون اﻻلﺘزامات والعقود المصاغ في سنة 1913لﻺثارة مسؤولية
الدولة والجماعات الترابية .كما أنه تم اﻹقرار بالمسؤولية خارج القواعد العامة المنصوص
عليها في قانون اﻻلتزامات والعقود .حتى يتم توسيع نطاق المسؤولية اﻹدارية طبقا لنصوص
القانون العام.46
وعليه فالرقابة على المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية عن اﻷضرار التي تحدثها
للغير بفعل أخطائها وتصرفاتها ذات أهمية بالغة ،فهي ملزمة بالتعويض لجبر الضرر
الحاصل لﻸشخاص المحليين ،والتي تدخل ضمن اختصاص القاضي اﻹداري في إطار الرقابة
على أعمال الجماعات الترابية.
46ﷴ اﻷعراج" .مسؤولية الدولة والجماعات الترابية في تطبيقات القضاء اﻹداري المغربي" .الطبعة الثانية ,2015ص.30-26:
39
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
فالمسؤولية اﻹدارية هي أداة تقنية تلزم اﻷشخاص العمومية على تحمل المسؤولية عن
أعمالهم وتصرفاتهم الني تحدث ضررا على الغير وينبغي تعويضه ،طبقا لقواعد قانونية
متميزة عن تلك المطبقة في المسؤولية المدنية.47
وإن كان القاضي في بعض اﻷحيان يسترشد بالقانون القانون الخاص في بعض النوازل،
ومن المتعارف فقها وقضاءا على أن المسؤولية الموضوعية هي أول مسؤولية استندت عليه
المحاكم اﻹدارية المغربية بالبت فيها ونظرا أنه في بعض اﻷحيان قد يحدث خطأ ويولد ضررا
على اﻷفراد سواء أتم ارتكابه من قبل اﻷشخاص العمومية )السلطات اﻹدارية( ،أو الموظفين
فيها يترتب عليهم المسؤولية .فالخطأ الصادر من الموظف يسمى بالخطأ الشخصي ،أما إذ
صدر الخطأ من الجماعات الترابية مثﻼ يسمى بالخطأ المرفقي أو المصلحي ،أو قد يصدر
معا ويسمى بالخطأ الشخصي والمرفقي.
إن المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية يفترض فيها توفر ثﻼثة أركان متعارف عليها
بصفة عامة وهي :الخطأ والضرر والعﻼقة السﺒﺒية بين الخطأ والضرر ،فمتى توفرت هذه
اﻷركان قامت المسؤولية اﻹدارية على الجماعات الترابية بتعويض المتضرر بحجم الضرر
الذي لحقه ،سواء أكان الضرر ماديا أو معنويا ،تتحمل الجماعات الترابية مسؤولية التعويض،
وفي هذا الصدد ،فقد أصدرت المحكمة اﻹدارية بالرباط حكما في قضيته" ،زبيدة الشرقاوي"
ضد المجلس البلدي لسوق أربعاء الغرب ،جاء فيه أن "ارتباط خطأ الجماعة المحلية المدعى
عليها المتجلي في كسر قنوات الصرف الصحي وعدم صيانته ،بالضرر الذي أصاب المدعية
،والمتمثل في جعل أرضها مغمورة بالمياه وحرمانها من اﻻنتفاع منها .يعطي الحق للمدعية
في الحصول على التعويض.48
ويضاف إلى نفس المحكمة قضية أخرى متعلقة بالمسؤولية المشتركة لجماعة ترابية
على أساس الخطأ ،لكونها لم تؤدي الخدمة منها ،أنه » وحيث لئن كانت مسؤولية الجماعة في
إحداث الحفرة قائمة لعدم قيامها بإحاطتها بسياج ،أو وضع عﻼمات تنبيه أمامها ،لتﻼفي وقوع
40
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
الحارة بها ،خصوصا وأنها توجد بمكان عمومي ،فإن المدعي يبقى بدوره يتحمل جزء من
المسؤولية ،لعدم أخذه الحيطة والحذر«. 49
ومن خﻼل القضية السالفة نجد أن هناك مسؤوليتين مشتركتين في إحداث الضرر منها
مسؤولية المتضرر أو ما يسمى )خطأ المضرور( الذي لم يؤخذه بدوره الحيطة والحذر ،
ومسؤولية الجماعات الترابية التي هي مسؤولية عن عدم وضع إشارة لتنبيه المارة ،وقضت
المحكمة بتقسيم المسؤولية بين كل من الجماعة والمﺘضرر نفسه .بيد أنه في بعض ما لم نقل
في أغلب اﻷحيان ﻻ يلتفت القاضي اﻹداري إطﻼقا إلى خطأ الضحية ،ومن ثم يحمل للجماعة
كامل المسؤولية .وهكذا ،فقد جاء في قضية » ﷴ بن أمبارك « ضد مجلس البلدي لمدينة
القصر الكبير "أن تقصير الجماعة المحلية في مراقبة التجهيزات والمرافق التابعة لها يشكل
خطأ مرفقيا ،يستوجب إقرار مسؤولياتها الكاملة ،استنادا على مقتضيات الفصل 79من قانون
اﻻلﺘزامات والعقود ... 50.وعلى المحكمة أن تستعين بالخبرة لتحديد مدى اﻷضرار التي لحقت
بالضحية.51
ولقد تطور مفهوم المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية على غرار باقي اﻷشخاص
العامة اﻷخرى ،وانتقال من مسؤولية الخطيئة إلى مسؤولية عن غير الخطيئة أو على أساس
المخاطر ،وذلك من أجل توفير حماية أكبر لضحايا اﻷضرار المختلفة المترتبة عن اﻷنشطة
اﻹدارية للجماعات الترابية ،ولعل أساس هذا النوع من المسؤولية القائمة بدون خطأ ،هو مبدأ
"الﺘضامن اﻻجﺘماعي" ،الذي يلزم الجماعات الترابية بتحمل المسؤولية عن مخاطر النشاط
الممارس في إدارتها ،إذ وأنه مادام النشاط يعتبر في صالح الجماعة الترابية ،فﻼ يعقل أن
يتحمله الشخص الذي وقع عليه الضرر ،من غير أن يستحق تعويضا على أساس جبر ذلك
الضرر ،وهذا قد يمس بمبدأ المساواة أمام اﻷعباء العامة بمظاهرها المختلفة ،حيث يستوجب
49المحكمة اﻹدارية بوجدة ,حكم عدد 60صادر بتاريخ 2006 /03/21قضية الكمواشي يحيى بن يونس ضد الجماعة الحضرية
لمدينة وجدة حكم غير منشور.
50ينص الفصل 79من قانون اﻻلتزامات والعقود على ما يلي "الدولة و البلديات مسؤولية عن اﻷضرار الناتجة مباشرة عن تسيير
إدارتها وعن اﻷخطاء المصلحية لمستخدميها.
51المحكمة اﻹدارية بالرباط ,حكم عدد 1199بتاريخ , 2006/10/02قضية ﷴ بن مبارك ضد المجلس البلدي ,منشورات المجلة
المغربية لﻼدارة المحلية والتنمية ,عدد مزدوج , 72-73يناير –أبريل ,2007ص.24,22,43:
41
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
ذلك استحقاق الشخص الذي تعرض لضرر تعويضا مناسبا ،وذلك تحت منطلق
مبدأ » المساواة أمام اﻷعﺒاء العامة. «52
وعلى مستوى الواقع والناحية العملية لهذه الممارسة نجد على أن اﻷحكام والقرارات
القضائية الصادرة بهذه الخصوص هي نادرة وغير منتشرة عكس تلك الصادرة بخصوص
المسؤولية القائمة على الخطأ ،وذلك راجع إلى قلة المنازعات في هذا المجال من جهة ،وأن
القاضي اﻹداري من جهة أخرى ﻻ يحبذ اﻷخذ كثيرا على مستوى الجماعات الترابية بالمفهوم
الدقيق لنظرية المسؤولية اﻹدارية القائمة بدون خطأ.
وهذه النظرية من ابتكار القضاء اﻹداري نظرا للصعوبة التي تعترض في بعض اﻷحيان
مسألة إثبات خطأ اﻹدارة ،ﻻسيما إذا كان ذلك الخطأ تقنيا ،بحيث يجعل المبرر مستعصيا على
إثباته رغم كونه موجودا ﻻ حسبان فيه.
وعليه فعند اﻹقرار بمسؤولية الجماعات الترابية سواءا بوجود الخطأ أو عدمه ،يستوجب
أوﻻ البحث عن كيفية التعويض وثانيا عن المسطرة الﻼزمة لذلك ،وبما أن المسؤولية هي
وسيلة لجبر الضرر الواقع فبالتالي ليست نظاما جزائيا أو انتقاميا أو غرامة ،وإنما هي مسألة
مرتبطة بالتعويض عن الضرر الحاصل مباشرة عن نشاط اﻹداري ،53اﻷمر الذي يتشرط مع
الضرر ،وجود عﻼقة سببية بين الفعل المتمثل في الخطأ وبين الضرر.
فﻼ يمكن منح أي تعويض إذ لم يثبت أي عﻼقة سببية بين النشاط المرفق والضرر
الحاصل ،سواء كانت المسؤولية ناجمة أساسا عن الخطأ أو على المخاطر فإن العﻼقة السببية
ضرورية لجبر الضرر ،وعادة ﻻ يثير اكتشاف هذه العﻼقة أي صعوبة ،إﻻ في حالة تعدد
اﻷفعال المساهمة في ضرر بحيث ينبغي توزيع المسؤولية على العوامل المساهمة في إحداثه
بقدر نصيبه ،كما يتعين على المتضرر إثبات الضرر الحاصل له بكافة الوسائل المشروعة،
وباستطاعته اﻻستعانة بتقارير الخبراء في هذا المجال ،ويتشرط في ضرر أن يكون ناتجا
52مشيل روسي »,المنازعات اﻹدارية بالمغرب « ,ترجمة ﷴ هيري ,الجيﻼلي أمزيد ,مطبعة المعارف الجديدة بالرباط ,طبعة
,1995ص.195:
53حميد ابوﻻس "،محاضرات في مادة المنازعات اﻹدارية" ،جامعة عبد المالك السعدي ،الكلية المتعددة التخصصات بتطوان،
الموسم الجامعي 2014ـ ،2015ص.114:
42
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
مباشرة عن فعل اﻹدارة ،أقد يكون ماديا يصيب المتضرر في أمواله أو وظيفته أو في جسمه
يولد له عجزا دائما أو مؤقت .وللقاضي اﻹداري الصﻼحية في اﻻستعانة بالخبراء لتقدير حجم
الضرر المستحق عنه التعويض ،كما أنه قد يكون الضرر معنويا يصيب الفرد في شرفه أو
سمعته أو كرامته ،ويتم تقديره بشكل جزافي وهو مقرر لجبر اﻵﻻم النفسي ويقدم على شكل
تعويضات إجمالية أو على شكل إيراد حصري وتقدير التعويض موكول إلى السلطة التقديرية
التي تتمتع بها المحكمة الذي يسترشد بتقرير الخبرة وبعناصر ومعطيات النازلة.
أما فيما يخص بالمسطرة المتبعة في هذا المجال ،فإن دعوى التعويض إذا كانت سترفع
ضد جماعة ترابية يتعين على المتضرر إخﺒار أوﻻ الوزير الداخلية وذلك بمذكرة يعرض فيها
موضوع وأسباب احتجاجه وﻻ يمكنه رفع الدعوى إﻻ بعد مرور ﺷهرين من تاريخ وضع
مذكرته ،كما أن طلب التعويض عن اﻷضرار الﻼحقة للمدعي يجب أن يكون مطابقا لما ورد
في الفصل 32من القانون المسطرة المدنية ،وأن يكون الطلب ﻻ يشوبه إبهام ومقدم إلى
الجهة المختصة.
خﻼصة مما سبق القول ،يكمن استخﻼص أن تدخل القاضي اﻹداري عن طريق الرقابة
حول المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية عن الخطأ ،هي من الناحية المبدئية تشكل ضامن
من الضمانات اﻷساسية لحماية حقوق اﻷفراد المحليين ،بيد أنه من الناحية الواقعية وعلى
مستوى القانوني ﻻزال اﻷمر بدون تطلعات ودون المستوى المطلوب .54ذلك أن إجراءات
ومساطر التقاضي في مخاصمة الجماعات الترابية أمام القضاء اﻹداري حول اﻷعمال
الصادرة منها وتولد أضرارا على الغير ،يشوبها تعقيدا وصعوبة في إجراءاتها .اﻷمر الذي ﻻ
يخدم مصلحة المتضرر بالسهولة والسرعة المتطلبة.
وهو ما يؤطره الواقع على أن أغلب المواطنين الذي يغلب عليهم الفقر و التهميش وقلة
الوعي يشكل عارضا أمامهم لمنازعة الجماعات الترابية خصوصا القاطنين بالمناطق القروية
وذلك عندما يطرح مشكل التنقل ومصاريف التقاضي أمام المحاكم اﻹدارية.
54عماد أبركان "نظام الرقابة على الجماعات الترابية ومتطلبات المﻼئمة" ,الطبعة اﻷولى – 2016ص232:
43
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
44
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
كما أن الرقابة القضائية تشمل إلى جانب رقابة المحاكم المالية رقابة القضاء اﻹداري
على اﻷعمال القانونية والمادية للجماعات الترابية ،والتي تمثل ضمانة أساسية لحماية حقوق
وحريات المتعاملين معها من المرتفقين والهيئات واﻹدارات المختلفة ،ورغم كل هذه المزايا
التي تميز بها إﻻ أن الرقابة القضائية شأنها شأن الرقابة النظامية ،تعاني من إختﻼﻻت التي
تجعلها دون المستوى المطلوب ،ويحول دون أداء وظيفتها اﻷساسية كدعامة الﻼمركزية ومن
دعامات التنمية المحلية ،وهو ما سنتطرق إليه في الفصل الثاني ،من خﻼل الحديث عن
اﻹكراهات التي تعاني منها كل من رقابة المحاكم المالية و مثبطات رقابة القضاء اﻹداري
على الجماعات الترابية ،والسبل التي من شأنها تجويد الرقابة القضائية على الجماعات
الترابية ،ﻷنها مسألة جد ضرورية ،ذلك أن الجهوية المتقدمة والﻼمركزية المتطورة ﻻ يمكن
تكريسها كمقاربة جديدة وجدية لتدبير الشأن العام المحلي في النموذج المغربي إﻻ بتجاوز هذه
اﻹكراهات التي تعترض الرقابة القضائية.
45
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
ومن هنا فان مسألة تشخيص اﻻختﻼﻻت التي تعترض نظام الرقابة القضائية على
الجماعات الترابية أو الخطوات التي يجب القيام بها من أجل حرصها والعمل على إيجاد
الحلول لها وبالتالي خلق مناخ مﻼئم يساعد على تحسين جودة المنظومة الرقابة ،و يمنح لكل
المعنيين الفرصة لﻺسهام إلى جانب اﻷجهزة التابعة للدولة في مراقبة الجماعات الترابية ،وﻻ
غرور أن هناك مجموعة من اﻹختﻼﻻت التي تحد من أداء الرقابة على الجماعات الترابية
)المبحث اﻷول( .كما تبقى حتمية تطوير الرقابة الممارسة على الجماعات الترابية بالغرب
أمر ﻻ غنى عنه ،ولعلها كثيرة ومتنوعة هي الدراسات والتقارير و البحوث التي استشرفت
لمستقبل لﻼمركزية اﻹدارية في آفاق تطبيق الجهوية المتقدمة ،والتي أكدت على مدى أهمية
تطوير وتحديث نظام الرقابة القضائية على الجماعات الترابية ،قصد تحويل منظومة الحكامة
الترابية وتقوية وربط المسؤولية بالمحاسبة )المبحث الثاني(.
46
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
رغم أن المغرب يتوفر على منظومة قضائية حديثة من حيث مكونتها وهيكلتها،
وصحيح أن وجود الرقابة القضائية على الجماعات الترابية من الناحية المبدئية ،تمثل ضمانة
مهمة من الضمانات اﻷساسية لحماية حقوق اﻷفراد وحرياتهم على المستوى المحلي ،بل هي
أفضل نوع رقابي في هذا الصدد من الناحية المبدئية .55لكن في المقابل فهذه الرقابة تعترضها
الكثير من العوائق واﻻكراهات والصعوبات ،حيث تتعدد معوقات رقابة المحاكم المالية على
الجماعات الترابية من جهة)المطلب اﻷول( ،ومن جهة أخرى ،هناك مثبطات نظام رقابة
القضاء اﻹداري)المطلب الثاني(.
55
Mohammed el yaagoubi:”les tribunaux administratifs et le développement local aux
maroc”,op,cit,p11.
47
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
المطلب اﻷول :معوقات نظام رقابة المحاكم المالية على الجماعات الﺘرابية.
لقد اسند دستور 2011للمحاكم المالية مهمة السهر على حماية قيم الحكامة الجيدة
واﻹدﻻء بحسابات الدولة والمؤسسات والمقاوﻻت والجماعات الترابية .56كما ان اﻷهداف
المنتظرة تتعلق أساسا بالرفع من مستوى اﻷداء في التدبير العمومي وتحسين الحكامة العمومية
من خﻼل جعل متخذي القرار الذين يتولون تصور وتنفيذ البرامج العمومية ،مسؤولين أمام
المواطنين ،وبالتالي تهدف المحاكم المالية الى التعريف ببنية ووظائف وأجهزة اﻹدارة
والمدبرين المتدخلين في تدبير اﻷموال العمومية.57
كما يهدف المجلس اﻷعلى للحسابات إلى المساهمة بخبراته في تقييم البرامج
والمؤشرات المالية ،فإن يصبح اﻹدﻻء بالحسابات فعاﻻ .58غير ان تحقيق هذه اﻻهداف
المحاسبية في مجال حماية المال العام المحلي ليس بمسألة سهلة ،بل تشوبها مجموعة من
المعوقات ،ولعلها كثيرة ومتعددة هي تلك اﻻكراهات منها اﻻكراهات الذاتية المعترضة لعمل
المحاكم المالية )الفرع اﻷول( ،وكذا ما يسمى بالعوائق الموضوعية لنظام رقابة المحاكم
المالية)الفرع الثاني(.
48
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
كونها تمثل من الناحية المبدئية وبالنظر للمقتضيات الواردة في القانون المنظم لها "قضاء
مالي مخﺘص" تناط به اختصاصات رقابية قضائية وإدارية حسب مجاﻻت تدخله ،وحسب
اﻻمكانات البشرية والمالية والضمانات الممنوحة له ،قصد حماية المال العام المحلي ،وضبط
آليات التدبير المالي على المستوى الترابي.59
ان نظام رقابة المحاكم المالية على الجماعات الترابية الذي يوجد بالمغرب حاليا ،يعيش
العديد من الصعوبات واﻻكراهات والعوائق الذاتية التي تحول دون فعاليته وتطوره ،ويتسم
باختﻼﻻت متعددة ،ميما أدى الى محدوديته وعدم قدرته على مواكبة مستجدات قضايا التنمية
المحلية ومستجدات التدبير العمومي والحكامة الترابية عموما ،فالمحاكم المالية ورغم كل
الجهود المبذولة لتحديثها واﻻرتقاء بوظيفتها ،فهي كما تزال غير قابلة على ممارسة الرقابة
المالية الفعالة المفترضة على جميع اﻻوراش ومشاريع التنمية الترابية كما أنها ما زالت غير
قادرة على المراقبة الميدانية الناجعة للشؤون المالية المحلية ،وعلى حماية المواطنين من
أخطار وأخطاء الجماعات الترابية ،ومن ثم اﻻستجابة لتطلعاتهم في إطار ﻻمركزية الرقابة
العليا على اﻷموال العمومية المحلية التي تمثلها المجالس الجهوية للحسابات كمحاكم مالية
ابتدائية ﻻمركزية.60
ولعل السند القانوني المؤطر لمنظومة المحاكم المالية بالمغرب كما تم التأكيد سابقا ،هو
الذي يأتي في مقدمة الصعوبات والعراقيل ويعتبر من أبرز عوائق وإكراهات قدرتها
ونجاعتها الرقابية ،على المستوى الدستوري او على مستوى القانون اﻷساسي ،الذي كان قد
جاء بمثابة مدونة المحاكم المالية ،61بل وحتى بالنسبة للدسﺘور المغربي لسنة 2011هو
الذي كان منتظرا أن يأتي برؤية جديدة في مجال الرقابة المالية العليا ،تفعيﻼ للمسألة المالية،
وتقوية مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ،جاء بمقتضيات عامة ومختصرة اقل ما يقال عنها انها
دون المستوى المطلوب في مسألة النهوض بالمحاكم المالية لتعزيز قدراها الرقابية ،حيث
49
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
بقيت توجهاتها ﻻ في عمومها غامضة ومحدودة جدا ،ولم تحسم حتى في الطابع القضائي
الفعلي لملك المجالس العليا للرقابة.62
إلى جانب الصعوبات والعراقيل التنظيمية والمسطرية لمنظومة المحاكم المالية بالمغرب
نجد تحديات ذاتية أخرى التي من شأنها أن تؤثر سلبا على اﻷداء العام لتلك الوحدات الرقابية،
حيث أن الموارد البشرية التي تتوفر عليها المحاكم المالية خصوصا المجالس الجهوية
للحسابات ﻻ تزال ضعيفة سواء من الناحية العددية أو من الناحية المؤهﻼت والكفاءات ،وهو
أمر يؤثر سلبا على عمل تلك المحاكم وعلى مردوديتها ،ويعتبر ذلك نتيجة منطقية ومتوقعة
لﻺمكانات الضعيفة الممنوحة للمحاكم المالية ،وكذا ﻻعتبار طرق التعيين وشروط التوظيف
التي يتم نهجها لﻺسناد المناصب لتلك المحاكم.63
واذ كانت سلطات الوصاية هي ثاني جهة معنية بالرقابة التي تمارسها المجالس الجهوية
للحسابات على الجماعات الترابية باعتبارها الجهة المشرفة على أعمال المراقبة بعد اﻷجهزة
المنتخبة لهذه اﻷخيرة ،فان أولى العوائق الموضوعية التي تعترض رقابة المحاكم المالية على
الوحدات الترابية في التجربة المغربية ،هي تلك التي تشكلها بعض تصرفات سلطات الوصاية
في حد ذاتها ،ولنأخذ على سبيل المثال هنا مراقبة اﻻجراءات المتعلقة بتنفيذ ميزانيات
50
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
الجماعات الترابية ،والتي تتم بمناسبة بذل المساعدة لتلك السلطات على المستوى المحلي،65
فتلك الرقابة التي تعود صﻼحية تحريك مسطرتها الى سلطة الوصاية بشكل أحادي ﻻ شك أنها
تخضع لتقديرات هذه اﻷخيرة وﻻعتباراتها المختلفة والتي تكون أحيانا بعيدة كل البعد عن
المصلحة العامة.66
أما بالنسبة للرأي الذي يصدره المجالس الجهوية للحسابات وكونه غير ملزم لسلطة
الوصاية ،حيث يمكن لها مخالفته إذ رأت ذلك ،فهي أيضا مسألة ﻻشك أنها عائق ،تعترض
الرقابة الممارسة على الجماعات الترابية ،تخل بها من حيث الفعالية والنابعة ،بل حتى مسألة
إلزام سلطات الوصاية بتعليل قرارتها المخالفة ﻷراء المجالس الجهوية للحسابات قد ﻻ تفي
بالغرض في هذا المجال حيث قد يكون التعليل بالمصلحة العامة او بالحفاظ على النظام العام
في شقه اﻷمني وهو ما يصعب نفي ذلك وتقديم الدليل المخالف ،وهكذا قد تتم عرقلة المهان
الرقابية للمجالس الجهوية للحسابات من طرف سلطات الوصاية ﻻعتبارات معينة او ﻷخرى،
بل قد ﻻ يوجد ما يمنع تلك ﻻعتبارات من أن تكون بعيدة عن المصلحة العامة.67
وعلى صعيد آخر اذا كان ﻻ يختلف احد أو يجادل في ما يكتسيه تقارير المجلس اﻻعلى
للحسابات من أهمية بالغة لدى الباحثين والدارسين ومختلف المهتمين بشأن العام المحلي،
وذلك بما تتضمنه تلك التقارير من معلومات ومعطيات تكشف حجم اﻻختﻼﻻت التي تعرفها
بعض الجماعات الترابية المنشودة .فان سؤال النجاعة والفاعلية في إنشاء تلك الرقابة على
تدبير المال العام المحلي يظل دائما مطروحا لديهم فما هي التقارير التي تصدر واحدة تلوا
اﻻخرى؟ ،التي تشير الى الفساد المالي المتفشي باﻷرقام والمؤسسات واﻷفراد بل وحتى
اﻷسماء ،ولكنها تظل دون جدوى او فعالية في التدبير المالي وتزداد سنة بعد اخرى ،بل
أضحى الفساد اﻹداري المالي السمة الغالبة في العديد من الجماعات الترابية ،اﻷمر الذي
يطرح سؤال حول الهدف والنجاعة او بمعنى اخر ما الجدوى من تلك التقارير الصادرة كل
65ﷴ براو"الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية'"،الكتب الثﻼث،منشورات مراكز الدراسات واﻻبحاث حول الرقابة والمحاسبة
ومكافحة الفساد ،مطبعة دار السﻼم للطباعة والنشر الرباط،الطبعة اﻻولى ،2012ص.387:
66عماد أبركان،مرجع سابق،ص.252:
67عماد أبركان،مرجع سابق،ص.252:
51
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
سنة مالية ان كانت ﻻ ترمي الى المساءلة والمحاسبة وتطبيق القانون على المتورطين في
قضايا الفساد المالي ونهب المال العام؟.68
ولعل كل هذا يعتبر من اﻷسباب الرئيسية لعدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في
العديد من القضايا والملفات ،التي من الواجب أو من المفترض ان تعرض على القضاء ليقول
فيها كلمة الفصل ،فمن الغير المنطقي أن يتم رصد مجموعة من اﻻختﻼﻻت واﻻنحرافات في
بعض الجماعات الترابية ،دون أن يتم تحريك مسطرة المتابعة القضائية كل هذا ﻻشك به من
فعالية ومردودية نظام الرقابة القضائية وتعكس سلبا على تطوير نظام الﻼمركزية وتحقيق
التنمية المنشودة.
52
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وان كانت رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية بالمغرب تتميز بخصائص
ومميزات متعددة ،فإن اﻻحكام القضائية الصادرة بخصوص الجماعات الترابية ﻻ تزال
ضعيفة من الناحية الكمية والعددية مقارنة مع عدد الدعوى المرفوعة ضدها ،وﻻ غرو ان
السبب في ذلك ﻻ يرجع الى سﻼمة السبب اﻷساسي في ذلك هو مسألة تعقد مساطر واجراءات
مقاضاة الجماعات الترابية بالمغرب في ظل ضعف الوعي وجهل العديد من المواطنين بحقهم
في الطعن والمنازعة أو نتيجة كون المواطن البسيط ما زال يتوجس خيفة من السلطة اﻹدارية
بصفة عامة ،مما يدفعه إلى عدم مقاضاتها ،أو أن يكون في الغالب نتيجة التردد والتسويف إلى
حين تفويت اﻵجل المحدد لرفع الدعوى.
إن إشكالية تعقد مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية بالمغرب وما لها من
انعكاسات وتدعيات سلبية على نظام رقابة القضاء اﻹداري ﻻ ريبة فيها ،هي ظاهرة أو
إشكالية سلبية مرتبطة أساسا بالنصوص القانونية ،وبعوامل أخرى أبرزها مستوى الوعي
القانوني لدى معظم المواطنين من الساكنة المحلية ،فالصعوبة والتعقد في مساطر وإجراءات
التقاضي وضعف اﻹلمام بها من قبل المواطنين ،جعلت القضايا والمنازعات التي يبت في
53
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
صلبها القاضي اﻹداري قليلة جدا مقارنة مع عدد القضايا والمرافعات المعروضة عليه .حيث
ترفض العديد من القضايا إثر البت في الشكل قبل الموضوع ،وذلك نظرا لﻺهمال او اﻹخﻼل
بقاعدة مسطرية أو إجراء شكلي يشترط توفره لقبول الدعوى ،والبت في طلب المنازعة.72
ولعل مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية شأنها شأن باقي المنازعات اﻹدارية
هي كثيرة ومتنوعة ،حيث منها ما يجد سندها في قانون المحاكم اﻹدارية ،ومنها في قانون
المسطرة المدنية ومنها ما يجد مصدرها في بعض النصوص القانونية الخاصة والعامة أو غير
ذلك ،ومنها ما يعتبر من النظام العام ﻻ يحتاج إلى التنصيص عليه في قانون معين ،كما هو
اﻷمر بالنسبة لقواعد اﻻختصاص أو الصفة التي يثيرها القاضي اﻹداري تلقائيا دون الحاجة
للدفع بها من قبل المدعى عليه ،فالمشرع المغربي عند تنظيمه لمسطرة المتابعة أمام المحاكم
اﻹدارية قد أحال على قانون المسطرة المدنية بالخصوص.73
إضافة إلى ذلك ،فإن مقاضاة الجماعات الترابية فيما يخص رفع دعوى التعويض أو
الشطط في استعمال السلطة ﻻ تصح إﻻ بتطبيق مقتضى اﻷخبار واﻹشعار الذي تم اشتراطه
لرفع بعض الدعوى على الجماعة الترابية المعنية وتوجيه مذكرة لها من قبل المدعي تتضمن
موضوع وأسباب شكايته إلى سلطات الوصاية حسب كل جماعة على حده ،والتي تسلم
للمدعي فور توصلها بالموضوع وصﻼ بذلك ،كما يشترط في ذلك آجال يجب احترامه
ويترتب عن تقديم هذه المذكرة وقف كل تقادم أو سقوط حق ،إذا رفعت بعده دعوى في اجل
ثﻼثة أشهر وهذا ما نصت عليه المادة 23من القانون المحدث بموجبه المحاكم اﻹدارية،
"...إذا كان نظام من اﻷنظمة ينص على إجراء خاص في شأن بعض الطعون اﻹدارية ،فإن
طلب اﻹلغاء القضائي ﻻ يكون مقبوﻻ إﻻ إذا رفع إلى المحكمة بعد استنفاذ هذا اﻹجراء.74"...
وإن كانت القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية قد جاءت بمقتضياتها بالعديد من
اﻹصﻼحات فيما يخص اﻷنماط الترابية اﻷخرى ،خاصة ما يتعلق بالوصاية والرقابة اﻹدارية
54
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
كما تسمى في النصوص التنظيمية الحديدة ،فإن ما يتعلق بهذا الشرط الشكلي لمقاضاة
الجماعات الترابية لم يعرف أي تغيير.75
ولعل ما يمكن تسجيله أيضا على أن المشرع عمد إحداث مساعد قضائي للجماعات
الترابية بمقتضى القانون المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها ،كجهة إدارية
يجب إدخالها تحت طائلة عدم القبول كلما أقيمت دعوى قضائية بغرض التصريح باستحقاق
ديون على جماعة محلية معنية ،76وذلك بهدف التدخل لمعالجة إشكالية تزايد منازعات
الجماعات الترابية التي ستنزف ماليتها ،وتؤثر سليا على وضعيتها ،77فإن ذلك المقتضى قد
تكرس أكثر من خﻼل القوانين التنظيمية الثﻼث.78
وكخﻼصة ميما سبق؛ يمكن القول أن القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية لم
تساهم في تخفيف مساطر التقاضي وإجراءاته أمام القضاء اﻹداري فيما يتعلق بمقاضاة
الجماعات الترابية بل جاءت بمقتضيات تكرس عكس ذلك ،من خﻼل إدخال المساعد القضائي
تحت طائلة عدم القبول في جميع الدعوى التي تستهدف مطالبة الجماعات بأداء دين أو
تعويض ،ميما سيزيد تعقيدا في حل العديد من القضايا المرفوعة دون أن تجد طريقا
لﻺنصاف.
55
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
أن اشكالية عدم تنفيذ اﻷشخاص العامة لﻸحكام القضائية الصادرة في حقها ،مستفلحة
بشكل كبي ،وأكثر انتشارا وتفاقما بالنسبة للجماعات الترابية ،ولعلها كثيرة ومتعددة هي
الدوافع واﻷسباب لذلك .فمن اﻷسباب ما يرتبط بالمقتضيات القانونية المؤطرة لمسألة تنفيذ
اﻷحكام القضائية ،أو ما يتعلق بتضخم وتعقد المساطر وإجراءات المتبعة في ذلك .وما
يستلزمه ذلك المبدأ من عدم القيام بكل ما من شأنه إيقاف أو عرقلة السير العادي للجماعات
الترابية.
ومنها كذلك والتي هي اﻷهم في هذا الصدد ،تلك اﻹشكاﻻت المرتبطة بالجانب المالي،
حيث اﻹمكانات المتواضعة لمعظم الجماعات الترابية ،بل وهناك ما يرتبط ببعض اﻷمور
اﻷخرى ،كأن تتذرع الجماعة الترابية أحيانا او اﻹدارة عموما بكون تنفيذ الحكم سيولد
اضطرابا في النظام العام بمفهومه الواسع ،بحيث ﻻ يبقى أمام المحكوم له سوى اللجوء إلى
طلب التعويض إذ أمكن دون إمكانية إرغام الجماعة الترابية أو إكراهها على التنفيذ.80
الى جانب ذلك ،هناك عامل أخر ﻻ يقل عنها في عرقلة مسألة التنفيذ ،ويتعلق اﻷمر
باعتقاد بعض المخاطبين بالتنفيذ أن ذلك يستهدفهم كأشخاص من جهة ،81ومن جهة أخرى
بإحجام بعض المسؤولين عن تنفيذ اﻷحكام القضائية ضدهم نتيجة تعارضها مع أهوائهم أو
مصالحهم الشخصية أو لغيرها من اﻹعتبارات.
فالمشرع المغربي في القانون رقم 41.90ومن خﻼل المادة 49منه اكتفى بالقول على
أنه"يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة اﻹدارية التي أصدرت الحكم .ويمكن للمجلس أن
يعهد بتنفيذ قرارته الى محكمة إدارية"،كما ان المادة 7منه نصت على أن "تطبق أمام
المحاكم اﻹدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خﻼف
56
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
ذلك ،وإذ كانت اﻷحكام القضائية الصادرة ضد اﻷفراد الحائزة لقوة الشيء المقضي به تتضمن
في مواجهتهم إمكانية التنفيذ الجبري المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون المسطرة
المدنية ،فإن القواعد الجبرية المحال عليها بموجب الفصل 7من قانون 41-90ﻻ نجد لها
تطبيقا في مواجهة أشخاص القانون العام ﻹعتبارات خاصة تحذر التنفيذ الجبري ضد اﻹدارة
في مواجهة القاضي وامتياز التنفيذ المباشر واختﻼف الصيغة التنفيذية لﻸحكام العادية القابلة
للتنفيذ الجبري وحسن سير المرفق العام بانتظام وعدم تعطيل وظيفة النفع العمومي ،ومن ثم
تنفيذ اﻷحكام اﻹدارية مرتبطة بأخﻼقيات اﻹدارة وامتثالها الطوعي للتنفيذ.
ومن صور امتناع الجماعات الترابية عن تنفيذ اﻷحكام اﻹدارية نجد على أن الجماعات
الترابية تلجأ أحيانا إلى التراخي في تنفيذ اﻷحكام بهدف إدخال اليأس في نفسية المنفذ له
كأسلوب للضغط عليه من اجل التنازل عن التعويضات أو على اﻷقل جزء منها .يكون
التراخي له ما يبرره ناتجا عن ظروف طارئة أو من شأن ذلك المساس بأوضاع إدارية.
أ /الﺘنفيذ الناقص :لقد اعتبر القضاء المغربي أن عدم استجابة اﻹدارية لتنفيذ قرار
قضائي نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به بصورة كلي شططا في استعمال السلطة معرضا
لﻺلغاء.
ب /الرفض الصريح للﺘنفيذ :هذه الصورة اﻷكثر تطرفا في رفض التنفيذ قليلة الحدوث
لكون الجماعة غالبا ما تتجنبه ﻻعتبارات سياسية أو غيرها وتظهر بمظهر المتسلط الرافض
للديمقراطية والمساواة واحترام القانون.
ومن اﻷسباب التي تتذرع الجماعة الممتنعة عن تنفيذ اﻷحكام اﻹدارية الصادرة في
مواجهتها ،هو عدم توفير الميزانية الجماعاتية على اﻹعتمادات المالية الكافية للتنفيذ.
كل ما سبق ذكره يتنوع بين صعوبات قانونية في تنفيذ اﻷحكام اﻹدارية على الجماعات
الترابية ،ما هي إﻻ صعوبات واقعية تتمثل في الغالب في كون عدم التنفيذ ناتج عن موقف
سلبي من قبل اﻹدارة ،بحيث تقوم هذه اﻷخيرة بالمناورة تفاديا لﻶثار الشيء المقضي به
ضدها ،وذلك من خﻼل خلق صعوبات قانونية ومادية لتخلص من تنفيذ اﻷحكام الصادرة
ضدها ،ويعتبر التنفيذ الناقص مظهرا من مظاهر هذه المناورة.
57
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
ومن العوامل الموضوعية التي تحول دون تنفيذ أحكام القضاء اﻹداري في مواجهة
اﻹدارة الجماعاتية نشير إلى تعنت المسؤولين في بعض اﻷحيان عن تنفيذ اﻷحكام الصادرة
ضدهم بسبب مصالحهم الشخصية وﻻعتبارات أخرى ،كما أن اﻻعتقاد الخاطئ لدى بعضهم
على أن التنفيذ يستهدفهم ميما يجعل عملية التنفيذ أشبه بحرب معلنة تضيع خﻼلها مصالح
اﻹدارة وحقوق اﻷفراد.82
إضافة لما سبق ،فإن الجانب المالي للجماعات الترابية وعدم توفرها على موارد كافية
وبإمكاناتها المادية المتواضعة يكون من الصعب على الجماعات تنفيذ الحكم المتعلق
بالتعويض لما قد يخلق لها من اضطراب في النظام العام.وإن كان التعويض سيؤدى من مالية
الجماعة ،فإن المساطر واﻹجراءات تأخذ وقتا طويﻼ بحيث يجب احترام قواعد المحاسبة
العمومية وذلك بأن يمر التنفيذ عبر محطات عدة ويشرك عدة أجهزة كاﻵمر بالصرف
والمحاسب العمومي وسلطات الوصاية ...وهي مراحل ومساطر معقدة وطويلة ،ميما يجعل
تنفيذ الحكم القضائي بدوره ليس باﻷمر الهين.
خﻼصة مما سبق ذكره ،فإن ظاهرة عدم تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة
الجماعات الترابية تظهر بجﻼء اختﻼل العﻼقة الجدلية بين القانون المفروض ممارسته
وتحقيق أهدافه على أرض الواقع بصفة عامة ،وعلى المستوى المحلي بصفة خاصة.مع العلم
ان السلطة التنفيذية حاولت جاهدة احتواء هذه اﻹشكاﻻت من خﻼل إصدار منشورات
ودوريات ،تحث فيها اﻹدارة على تنفيذ اﻷحكام الصادرة ضدها ،لكن المحاولة باتت بالفشل
ولم تحقق النتائج المنتظرة بسبب غياب الطابع اﻹلزامي لها.
58
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
يشكل نظام الﻼمركزية اﻹدارية اختيارا ثابتا ﻹيجاد جماعات ترابية قائمة الذات ،وقد
كان هذا اﻻختيار من حيث أبعاده وفلسفته إلى إرساء قواعد الديمقراطية المحلية ،من خﻼل
تقسيم جيد ومحكوم ﻻختصاصات والوظائف بينها وبين الدولة وفق معايير عقﻼنية وواقعية،
وكذا إشراك المواطنين في تحقيق التنمية الترابية في إطار الجهوية المتقدمة والﻼمركزية
المتطورة كورش للحكامة الترابية بالمغرب .وقد تم التأكيد و اﻹقرار من اجل ذلك ،بأن تجويد
النظام الرقابي الممارس على .الجماعات الترابية ﻻزمة لقيام الﻼمركزية الترابية المتقدمة .من
هنا كان ﻻبد من إعادة النظر في بعض المكونات البنياوية للرقابة القضائية ومﻼئمتها
للحاجيات والمتطلبات المستجدة ،وذلك من خﻼ تقوية قدرات المحاكم المالية في الرقابة على
الجماعات الترابية) المطلب اﻷول( ،إلى جانب تقوية اختﻼﻻت رقابة القضاء اﻹداري على
الجماعات الترابية )المطلب الثاني(.
59
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
فالرقابة القضائية على مالية الجماعات الترابية تعتبر من أهم أصناف الرقابة وأكثرها
قبوﻻ حيث تشكل المجالس الجهوية للحسابات أجهزة قضائية ﻻمركزية تمارس رقابتها على
المالية المحلية ،هدفها حماية وصيانة المال العام المحلي وإرساء قواعد الشفافية في التدبير
المالي المحلي.85
بيد أنه من أجل الحفاظ على السير العادي والطبيعي ﻷنشطتها وأعمالها ومن أجل
ممارسة مهامها الرقابية فﻼ بد من توفرها على إطار نسقي متميز يستند على مبدأ الجماعية
عوض الفردنية في اتخاذ القرار.86
وبهذا ،فإن تدعيم اﻹمكانات والوسائل والضمانات الممنوحة للمحاكم المالية قصد تأدية
وظائفها الرقابية بفعالية ونجاعة بات من الضروريات المستعجلة التي ﻻ تحتمل التأخير
والتأجيل فقد حان الوقت بعد سنوات من الممارسة ونضج التجربة ،لنهوض والرقي بمستوى
المحاكم المحاكم المالية في الرقابة ﻻسيما بالنسبة للجماعات الترابية ،حيث أن المغرب مقبل
على ورش الجهوية المتقدمة ،وﻻ شك هنا أن حماية المال العام المحلي تعتبر رهانا أساسيا في
60
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
الوقت الراهن وفي سياق الحديث عن تنزيل اﻹصﻼحات السياسية والدستورية بالطريقة
المنشودة ،87فما لم يتم تعزيز الرقابة القضائية على المالية العمومية المحلية بالنصوص ،ﻻ
يمكن الحديث عن إعتماد مبادئ الحكامة المالية المنصوص عليها دستوريا .88وما لم يتم
التنصيص في القانون اﻷساسي بمثابة مدونة المحاكم المالية الجديدة المنتظر إصدارها على
الشروط والضمانات الكفيلة بالممارسات الرقابية الحقيقية ،فلن نكون أمام ترسيخ وتجويد رقابة
القضاء المالي على التدبير العمومي الترابي كشرط ﻻزم للجهوية المتقدمة والﻼمركزية
المتطورة.
ولعل أولى هذه الشروط هو اﻻهتمام بالعنصر البشري والمادي للمجالس الجهوية
للحسابات هذه اﻷخيرة ﻻ يمكنها النهوض بالمهام الرقابية المسندة إليها ما لم تتوفر على
الوسائل البشرية واﻹمكانات المادية الﻼزمة ،وهذه الضمانات تعتبر أساسية.89
فاختيار الكفاءات وتكوينها وإعادة التكوين يجب أن ينظر إليه من خﻼل شموليته ،ويجب
أن ﻻ يقتصر على التكوين العام الذي يتلقاه القاضي قبل ولوجه للمحاكم المالية الجهوية ،وإنما
يجب أن يمتد إلى التكوين المستمر ،لما لهذا اﻷخير من مزايا وفوائد عدة تتجلى في كونه يربط
العمل الرقابي بالمحيط اﻻقتصادي واﻻجتماعي ،90وان أوجه الرقابة الجيدة ﻻ تكتمل إﻻ بدعم
القدرات المادية و البشرية للجهاز المشرف عليها حتى يستطيع مواجهة كل الصﻼحيات
المسندة إليه فﻼ ينبغي أن ننسى أن فعالية المؤسسات وكفاءتها في تدبير شؤونها تقاس أوﻻ
بعدد أعضائها وبمدى أهليتهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية ،وبدرجة اﻻستقﻼل المالي
واﻹداري الذي تنعم به الهيئة التي ينتمون إليها.
كما أن فعالية رقابة القاضي المالي رهينة بوضوح وبساطة بالتحقيق واﻹفتحاص التي
تخول له سلطة الوصول إلى المعلومات واﻹطﻼع على الوثائق دون قيد أو شرط في إطار
يحمي ويضمن حقوق اﻷطراف الخاضعة لرقابته .91كما أنه أصبح من الضروري تزويد
61
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
المحاكم المالية بإمكانيات التدبير الحديثة والتي تستوجب اللجوء واﻻستعانة بتقنيات
المعلوميات كأسلوب حديث لموجهة متطلبات اﻹفتحاص والرقابة ،92حتى تستجيب لتوصيات
المنظمات الدولية و اﻹقليمية المتخصصة في الرقابة المالية والمحاسبية التي دعت الى
93
ضرورة إعتماد أسلوب المعلوميات وحسن التحكم في التقنية المعلوماتية
إن فعالية دور القاضي المالي ونجاحه في أداء مهامه الرقابية كذلك يرتبط إلى حد بعيد
بمدى قدرته على اﻻندماج مع محيطه السياسي واﻻجتماعي وبطبيعة الدور الذي يؤديه هذا
المحيط في مراقبة المال العمومي.94
خﻼصة مم ا سبق ،يجب توفير الشروط الكافية والعمل على إدماج المجالس الجهوية
للحسابات بمحيط سليم وذلك بإرساء أشكال التعاون والمساعدة قصد قياس مردودية الجماعات
الترابية لتضع ميزان التقييم حتى تتمكن هذه المجالس من مباشرة مهامها الرقابية في أحسن
الظروف.
بل يجب أن تكون الرقابة رادعة وزاجرة لتخفيف من وطأة ومظاهر الفساد المالي التي
ترصدها وتقف عليها اﻹفتحاصات والتدقيقات والمحاسبات السنوية ،من هنا فالرقابة التي
62
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
تمارسها المحاكم المالية ﻻ ولن تستطيع القضاء بشكل تام على الفساد اﻹداري و المالي
المستثري بشكل مهول في الجماعات الترابية ما لم تكن رادعة.95
من هنا يصح التساؤل بداية عن كيفية التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس
اﻷعلى للحسابات في ظل بيئة ومحيط اجتماعي ومؤسساتي انتشر فيه الفساد اﻹداري
والسياسي بشكل أصبح فيه التمييز بين اﻷسباب و النتائج أمرا في غاية الصعوبة .وﻻشك هنا
أن تعدد وتسلسل المتدخلين في تنفيذ القرار داخل النسق السياسي واﻹداري المغربي ،يدفع
بمسألة ضرورة التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات أمام إشكالية
صعبة ،والتي هي نتاج لتضافر مجموعة من العوامل اﻻقتصادية و اﻻجتماعية والسياسية
تحركها وتشترطها ،بحيث تمثل أحد عناصر النظام اﻻجتماعي و العﻼقات السياسية السائدة
والمسيطرة ،بل وهي أحد مداخﻼته ومخرجاته .ومن ثم فإن محاولة تفعيل تقارير وتوصيات
وتنفيذ اقتراحات المجلس اﻷنف الذكر .بمعزل عن إصﻼح اﻷوضاع اﻻقتصادية و اﻻجتماعية
و السياسية التي تتحكم في منظومة الرقابة المالية عموما ،هي محاولة يائسة محدودة الفعالية
والنتائج وقد تكون فاشلة منذ البداية .حيث يمكن إجراء بعض اﻹصﻼحات و التغيرات من
خﻼلها هنا وهناك ،غير أنها ستبقى في نهاية المطاف وبﻼ شك محكومة في حدودها بإمكانات
المنظومة التي تتحقق فيها .ومن هنا فإن التعامل الجدي بتقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى
للحسابات ،تتوقف على تحديد الجهات المسؤولة بالمحاسبة ،والوصول الى غاية تكريس
الفعالية و النجاعة في رقابة المحاكم المالية على الجماعات الترابية عموما.
لقد ظلت النخب السياسية المتعاقبة بالمغرب في ممارستها اليومية للسلطة ،متشبثة
بالعديد من السلوكيات والمظاهر التي تصب في مرمى التقليد واﻻنغﻼق والمركزية المتشددة
المفرطة ،سواء في عﻼقتها الداخلية)عﻼقة المركز بالمحيط( ،او في عﻼقتها مع المرتفقين،
وقلما يجتاز مسؤول سياسي معين وﻻيته النيابية بجماعة ترابية معينة دون أن يكون له
ولحزبه أو لعضو في الحزب الذي ينتمي إليه ،أو للحزب المتحالف معه ،يد أو مسؤولية أو
مشاركة أو عﻼقة في قضية فساد معينة بطريقة أو بأخرى ،وعليه كان ﻻ يزال هذا اﻷمر
63
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
يجعل التدبير العمومي بالمغرب يحقق منجزات هزيلة ،متسمة بضعف المردودية والعشوائية
وهو اﻷمر نفسه الذي جعل المسؤولين السياسيين دائما يتوجسون خيفة من التفعيل والتكريس
الحقيقي ﻷي رقابة كيفما كانت وباﻷحرى لرقابة المحاكم المالية ،مخافة أن يأتي الدور عليهم
يوما ليكونوا هم المعنيون و المجردون في قفص اﻹتهام.96
ومن هنا فإن الحل وقبل التعامل مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات ،يكمن
في تكريس بعض المفاهيم التدبيرية الحديثة كالمسؤولية والشفافية واﻻستحقاق والتناسبية
وغيرها ،ولو بشكل جزئي وتدريجي ولعل في مقدمة تلك المفاهيم ذات أهمية نجد المفهوم
الجديد للسلطة ،الذي سبق وأن أعلنه الملك ﷴ السادس في الخطاب الملكي بمدينة الدار
البيضاء.97
حيث جاء في الخطاب هذا المفهوم لتجاوز جميع اﻷنماط السلوكية التي كانت سائدة في
السابق ،وكذا يسعى إلى انفتاح السياسة واﻹدارة على محيطها ،ونبذ المركزية المفرطة،
والعمل في إطار الشفافية لتدبير الشأن العام خاصة المحلي ،والسعي إلى تقريب اﻹدارة من
المواطن ،98من خﻼل دعم مفهوم الﻼتركيز والﻼمركزية ،وتحقيق التنمية اﻻقتصادية
واﻻجتماعية والثقافية ،وبالتالي تلبية حاجيات المواطنين في مختلف المجاﻻت.99
وإذ كان المفهوم الجديد للسلطة كما ورد في الخطب الملكية هو مفهوم يسعى نحو ترسيخ
دولة الحق والقانون ،وتعزيز الديمقراطية وضمان نجاح اﻻنفتاح اﻻقتصادي ،وتكريس سلطة
القضاء للنهوض بالشأن العام المحلي ،وهو عبارة عن ثقافة جديدة للمرافق العامة ،ينبغي أن
تسود جميع الهياكل والعقليات ،وذلك بهدف تجاوز كل مظاهر المفهوم القديم للسلطة ،100فإن
ذلك هو الشرط اﻷساسي الذي ينبغي توفره بداية ،والذي من شأنه أن يمهد الطريق نحو
64
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات عموما وبالنسبة للجماعات
الترابية ،على الخصوص.
وبناء على ما سبق ذكره ،أصبحت مسألة التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس
اﻷعلى للحسابات ،من قبل السلطات والمؤسسات المسؤولية ،مطلبا ملحا من مطالب القوى
الحية والمكونات الفاعلة في المجتمع .101وهي تعتبر في سياق اﻹعداد واﻻستعداد للجهوية
المتقدمة و الﻼمركزية المتطورة من متطلبات الحكامة الترابية ،ومن مستلزمات التنمية
المحلية المستدامة التي ﻻ بد منها لتكريس دولة الحق والقانون والحداثة .102بل إن اﻷصوات
قد تعالت وصدحت مؤخرا بضرورة منح المحاكم المالية وسائل وآليات جديدة لفرض رقابتها
على الجماعات الترابية ،وترسيخها أكثر حتى تصبح في المستوى المطلوب.
إن التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات يستوجب إلى جانب
ما سبق بعض المسائل اﻹقتراحية الدقيقة والمحددة التي يجب على السياسي أن يسعى
لتكريسها ،103وهي كالتالي:
أ /الحرص على تنفيذ قرارات وتوصيات المحاكم المالية وتعميم بيانات ذلك للرأي العام
بجميع الوسائل ،مع ضرورة إجراء جرد حسابي لما تم تنفيذه منها و ما لم ينفذ بعد وأسباب
ذلك التأخير.
ب /ترتيب اﻵثار القانونية بحزم وصرامة على اﻵمرين بالصرف والمحاسبين
العموميين ،ومختلف المتدخلين في تدبير المال العام ،خاصة عندما يتعلق اﻷمر بتفعيل
مقتضيات مشاريع القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية ،بعد دخولها حيز التنفيذ.
ت /يجب حرمان المدانين بعقوبات مالية أمام المحاكم المالية ،والمحالين على القضاء
الجنائي العام طبقا لمقتضيات مدونة المحاكم المالية ،ومنعهم من تولي تلك المناصب مجددا
كآلية من آليات تخليق الحياة العامة.
65
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
د /ضرورة إقرار قاعدة منع الترشيح في اﻻنتخابات الجماعاتية على اﻷشخاص المدنين
من طرف المحاكم المالية في مجال التأديب المالي.
وﻷن اﻷمر يتعلق بالمال العام المحلي ومساهمة المحاكم المالية في حمايته ،فإن ذلك
يستوجب إقرار جزاءات إلزامية وجبرية عن عدم التنفيذ بالجماعات الترابية ،وتعميم ذلك
للرأي العام الوطني والمحلي .ومهما كانت التداعيات والنتائج ،فإن اﻹلزام واﻹجبار في هذا
الصدد أولى ويستمد شرعيته من واجب تفعيل دور هذه المؤسسة الدستورية أي المجلس
اﻷعلى للحسابات ،وترسيخا لهيبتها وإستقﻼلها.
ويتجسد هذا اﻻهتمام في الدوريات والمنشورات التي ما فتئت هذه الوزارة تصدرها من
أجل تنوير وإرشاد الجماعات الترابية ،وتحسيسها بأهمية تدبير هذا الميدان على الشكل
المطلوب ،وبما أن المغرب قد دخل في غمار الجهوية المتقدمة والﻼمركزية المتطورة ،فإن
هناك الكثير من اﻹشكاﻻت التي ينبغي حلها وطنيا ومحليا ،ويتطلب إصﻼحا بنيويا عميقا،
خصوصا في المجال الرقابي ،وتحديدا في مسألة تقويم اﻹختﻼﻻت التي تعاني منها رقابة
القضاء اﻹداري ،من حيث تسهيل وتبسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية
)الفرع اﻷول( ،الى جانب تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة الجماعات
الترابية)الفرع الثاني(.
66
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
إن مسألة مخاصمة الجماعات الترابية ظلت دائما مسألة صعبة ومعقدة ومكلفة ،بل هي
في غير متناول بعض اﻷشخاص المتضررين ولعل من هذا المنطلق ،كان من الﻼزم العمل
بكل الوسائل المتاحة ،على تسهيل وتبسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية ،مع
تقريبها ما أمكن وجعلها في متناول المتضرر ،مهما كانت ثقافته وقدرته المادية.
وإذ كان المشرع هو المطالب والمعني اﻷول بهذا التبسيط ،من خﻼل واجب إصدار
قوانين ومساطر جديدة أقل تعقيدا وتضخما من سابقتها ،فإنه ليس المسؤول المعني الوحيد في
هذا الصدد .بل ﻻبد من تضافر الجهود وتعاونها وتكاملها ،فللدولة مسؤولية ،وللمشرع
مسؤولية ،وللقاضي اﻹداري مسؤولية ،وللجماعات الترابية مسؤولية ،وللمواطن والمتضرر
أيضا كيفما كان قدرا من المسؤولية ،التي ينبغي اﻻعتراف بها.
ومن هنا ولما كانت المسؤولية مشتركة ومتقاسمة بين اﻷطراف مع تفاوت قدرها بالنسبة
لكل طرف فإنه يجب أيضا تقاسم مسؤولية العمل على تجاوزها قصد تفعيل وتجويد رقابة
القضاء اﻹداري على الوحدات المنتخبة .وكذا العمل على تكريس ثقافة المقاضاة والمطالبة
67
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
بالحقوق قضائيا لدى المواطن والمرتفق العادي ،أو المتعامل مع الجماعات الترابية بصفة
عامة.
إن تسهيل وتبسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية ليست مسألة تقنية
قانونية كما قد يعتقد ذلك البعض ،بل هي منظومة متفاعلة ومتكاملة تستلزم مبادرات
ومجهودات متناسقة على مستويات عدة.
ولعل من اولى هذه المتطلبات واﻹصﻼحات التي ينبغي مباشرتها بداية ،هي إعادة النظر
في المقتضيات القانونية المنظمة والمؤطرة لمساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية
بالخصوص .خاصة ما يتعلق منها بذلك المقتضى الذي تم تكريسه بجميع النصوص القانونية
المؤطرة لﻼمركزية الترابية بمستوياتها الثﻼث ،والذي من خﻼله ﻻ يمكن رفع دعوى
التعويض أو الشطط في إستعمال السلطة-غير دعاوى الحيازة أو الدعوى المرفوعة لدى
القضاء المستعجل ضد جماعة ترابية معينة ،إﻻ إذا كان المدعي قد أخبر من قبل الجماعة أو
المجلس ،ووجه مذكرة بذلك تتضمن موضوع وأسباب شكايته إلى سلطة الوصاية ،وأن يتسلم
وصﻼ بذلك.
وﻻ ريبة في هذا اﻹطار ،أن هذا المقتضى المكرس قانونيا ،ليس له أي داع وﻻ هدف
يرجى من وراءه ،سوى أنه يشكل حاجزا أمام المتقاضين ،ويزيد من تعقيد مساطر
واﻹجراءات القضائية إثر البت في المنازعات المتعلقة بالجماعات الترابية .ومن هنا فقد كان
من المنتظر أن ﻻ يتم تضمين ذلك المقتضى في القوانين التنظيمية الجديدة ،وﻻ في غيرها من
النصوص القانونية والتنظيمية اﻷخرى .إﻻ أنه ولﻸسف تلك القوانين عوض أن تتجاهل ذلك
الشرط المسطري المعرقل بالمرة .لعدم جدواه ولعرقلة حق التقاضي ثم لتنافيه مع مسألة
النهوض بالﻼمركزية الترابية بالمغرب ،قامت بالتنصيص عليها مرة أخرى .بل اﻷكثر من
ذلك فقد كرس أكثر من خﻼل الصيغ الجديدة والمفصلة التي جاءت بها القوانين التنظيمية.106
وهو اﻷمر الذي يتنافى جملة وتفصيﻼ مع التوجه الجديد نحو مزيد من رفع الحضر عن
106انظر المواد 239و240و 241من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات،و209و210و 211من القانون التنظيمي المتعلق
بالعماﻻت واﻷقاليم،و282و283و 284من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.
68
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
الجماعات الترابية ،بإعتبارها أشخاصا معنوية عامة تتمتع باﻹستقﻼل اﻹداري والمالي وحرية
المبادرة ،وليست من اﻷشخاص"السفيهة والمحجورة عليها قانونيا".107
كما أنه أيضا ،تلك المشاريع القانونية بخصوص المساطر واﻹجراءات المتعلقة بمقاضاة
الجماعات الترابية ،هو أنها كرست أكثر حضور المساعد القضائي كجهة إدارية يجب إدخالها
تحت طائلة عظم القبول كلما أقيمت دعوى قضائية بغرض التصريح باستحقاق ديون على
جماعة ترابية معينة.108
وعلى هذا اﻷساس ،يمكن القول ان القوانين التنظيمية تعتبر بمثابة انتكاسة لرقابة القضاء
اﻹداري على الجماعات الترابية بالمغرب ،المبنية على مبدأ المنازعة ،وإن كانت قد كرست
تدخله في إطار مشاركة رقابة الوصاية و هذا اﻷمر الذي يستدعي التدخل العاجل ﻹلغاء هذه
المقتضيات المسطرية ،والتي ﻻ يمكن إعتبارها هنا إﻻ من باب التعقيد وتكريس رقابة سلطات
الوصاية .بل ينبغي على الدولة في هذا اﻹطار ،أن تعمل على إحداث وسن مقتضيات وقواعد
قانونية مرنة أو مكملة يجوز للقاضي اﻹداري التغاضي عنها في بعض القضايا المعينة،
خاصة بالنسبة لتلك القضايا التي تستدعي الكثير من اﻻستعجال ،كي ﻻ تضيع الحقوق و تنتهك
الحريات.
إن معالجة إشكالية تعقد مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية بالمغرب إلى
جانب ما سبق ،وفي حقيقة أمرها ،تعتبر مسؤولية الجميع وﻻ تقع على عاتق المشرع
والقاضي اﻹداري فقط .بل على الدولة وعلى المحامي وعلى المواطن أيضا مسؤولية ،فالدولة
ينبغي أن تعمل مثﻼ على إحداث المزيد من المحاكم اﻹدارية تخفيفا للضغط الموجود وتقريبها
الى المتعاقد والمواطن مثل ،تقع عليه مسؤولية الوعي بحقوقه وواجباته ،والذود عنها بكل
وعي وجه د ومسؤولية أمام القضاء اﻹداري أو غيرها .أما المحامي ،فإنه يجب أن يكون ملما
بجميع المساطر واﻹجراءات وأن يكون حريصا على استكمالها واحترام جميع متطلباتها .وإﻻ
ما الفائدة من تنصيب المحامي أصﻼ.
69
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
70
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
لهذه المعضلة من منطلق واجبه ومسؤوليته ،فإن الفقه بدوره حاول إيجاد وابتكار بعض
الحلول اﻷخرى لنفس اﻹشكال والغرض.
إن حل إشكالية تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة ضد الجماعات الترابية ،يعتبر إصﻼحا
بنيويا عميقا ،يطرح مشاكل جمة وهي من الصعوبة بمكان .110فﻼ يمكن بتلك المقاربات
اﻹصﻼحية القاصرة والترميمات المألوفة لدينا ،والتي كانت تقتضي دائما ،بأنه كلما اختل
جانب من جوانب الحياة العمومية يتم اللجوء الى ترقيعات بسيطة ﻹكمال المسيرة ولو إلى حين
أن يتم معالجة إشكالية تنفيذ اﻷحكام القضائية .بل ﻻ بد من إستراتيجية إصﻼحية شاملة
ومتكاملة أو ما يمكن أن نسميه ثورة إصﻼحية حقيقية .بحيث ينبغي مراجعة وإعادة النظر في
كل ما من شأنه أن يحول دون تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة الجماعات الترابية.
كما يجب العمل وفي نفس اﻹطار على تجاوز جميع اﻹكراهات والصعوبات التي تم تسجيلها
في السابق ،ﻻسيما وأنها في معظمها ترتبط باﻹدارة السياسية وبالممارسة الفعلية ،وبالعنصر
البشري أساسا ،والذي ينبغي أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في هذا اﻹطار.111
لقد تمكنت بعض التجارب المقارنة من سن قواعد قانونية ومساطر إجرائية مبسطة،
وإعمال لفرض احترام اﻹدارة لﻸحكام القضائية الصادرة في مواجهتها ،وما على المغرب في
هذا الصدد إﻻ أن يستفيد منها ويحذو حذوها .إلى جانب ابتكار حلول واستراتيجيات إصﻼحية
تتناسب والبيئة المغربية المعق دة والمستعصية دائما عن اﻹصﻼح والتحديث وتكريس الحكامة،
حيث النفاق السياسي ولغة الخشب واﻷنانية واﻹستغﻼل والوصولية السائدة لدى معظم
المسؤولين ،سائدة ومنتشرة بكثرة.
إن الخﻼصة التي يمكن الخروج بها مما سبق هي أن ظاهرة امتناع الجماعات الترابية
عن التنفيذ ،ﻻ ينبغي معالجتها من الزاوية الفقهية والقضائية ،وضرورة حماية حقوق اﻷفراد
المحكوم لهم فحسب ،بل ﻻ بد من دراسة معمقة لجذور المشكلة وأسبابها.
110انظر ما طرح من إشكال على المحكمة اﻹدارية بفاس،أمر إستعجالي عدد ،2002/210صادر بتاريخ ،2002-07-05قضية
جماعة سيدي حرازم ضد المجلس بلقاضي ،منشورات م م إ ت،عدد مزدوج 52-51يوليوز-اكتوبر،2003،ص.206:
111
Michel Rousset ”Le Prononcé De L’astreinte à Titre Personnel”, Un Moyen Dissuasif
Propre à Obtenir Le Respect Des Décisions De Justice Rendues Contre
L’administration ,Publications Remald,N27,Avril-Juin,1999,P105.
71
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
وعلى هذا اﻷساس ،فإنه ﻻ يجب على القضاء المبالغة في اﻹندفاع وراء حماس الفقه
والمبالغة في إبتكار وسائل غير منصوص عليها قانونيا ،ﻹجبار الجماعات الترابية على التنفيذ
دون مراعاة إمكاناتها ،112كما يجب من جهة أخرى ،التحري والتروي والتأني الدقيق من
طرف القاضي اﻹداري في مسألة إلزام الجماعات الترابية بتنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة
ضدها ،من دراسة كل حالة على حدة بعيدا عن التعميم والنمطية وأحكام القيمية.
كما انه وبدون محاولة تبرير امتناع الجماعات الترابية عن التنفيذ ،الذي يبقى تصرفا
غير مقبول ،فإن اعتماد مقاربة جافة تعتمد على عنصر اﻹكراه ،يمكن أن يؤدي إلى آثار
جانبية سلبية قد ﻻ تقل خطورتها عن سلبيات عدم التنفيذ نفسه .ومن هنا ﻻ بد من مقاربة
شمولية بمساهمة مختلف الجهات المعنية ،قصد معالجة اﻹشكال بنوع من الدقة والشمولية
والجودة والنجاعة المفترضة.
112
عصام بنجلون "التنفيذ الجبري ضد اﻹدارة"،منشورات م م إ ت،العدد،59نونبر-دجنبر 2004،ص،.80-79:
72
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
فبخصوص رقابة المحاكم المالية على الجماعات الترابية ﻻ زالت جد ضعيفة من حيث
اﻵثار والنتائج المترتبة عنها إذ وبتتبع واقع عملها وما يصدر عنها من تقارير ﻻ زالت ﻻ
تتمتع فيه هذه اﻷخيرة باستقﻼلية تامة وإنما نسبية فقط عن باقي السلطات ،وتخضع
لﻼعتبارات سياسية تكبح عملها.
أما رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية هي بذاتها تعاني من نواقص نجزم
منها غياب الجرأة المسجلة في اﻻجتهاد القضائي في المنازعات المتعلقة باﻹدارات الجماعاتية
وكذا التقاعس عن تطبيق اﻷحكام الصادرة في حق الجماعات الترابية ﻻسيما الصادرة من
محاكم اﻻستئناف و النقض
73
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
ﺧاتمة:
وفي النهاية ،يمكن القول على أن الرقابة القضائية الممارسة على الجماعات الترابية
بتجليتها اﻹدارية والمالية أي التي يمارسها القضاء اﻹداري والمجالس الجهوية للحسابات،
تجسيدا لدولة الحق والقانون وركيزة أساسية تقوم عليها الدول الديمقراطية ،...إذ من خﻼلها
تضمن سﻼمة ومصداقية تصرفات الجماعات الترابية في معاملتها ،علما وأنه بفعل التطورات
التي لحقت على النظام الﻼمركزية والتحوﻻت العميقة التي طرأت عليها ﻻ سيما من الجانب
البنيوي منذ سنة 1960الى غاية دسﺘور ،2011أصبحت فيه الجماعات الترابية عامﻼ
رئيسيا وشريكا أساسيا في العمليات التنموية الجهوية و المحلية .مما حذا بالمشرع الى التوسع
من اختصاصاتها لتمكين هذه اﻻخيرة بالمهام المنوطة بها .لذا كان ﻻبد على المشرع ان يقر
بالضمانات الكافية لحماية حقوق وحريات اﻻفراد من النشاط و العمل اﻻداري المحلي.
من هنا تعتبر الرقابة القضائية احدى الضمانات اﻻساسية لحماية الحقوق و الحريات
ومبدأ المشروعية بشكلها المتمثل في رقابة القضاء اﻻداري على اﻻعمال القانونية و المادية
للجماعات الترابية ،كما ان الرقابة التي تمارسها المجالس الجهوية للحسابات بوصفها الرقابة
قضائية اﻷكثر قبوﻻ على اﻻطﻼق ،ذلك من خﻼل رقابتها تضمن وتحرص على تطبيق
القانون وعلى احترام القواعد والمبادئ المنظمة لنشاط المالي المحلي ،وبالتالي يعد من أهم
الضمانات المعززة لﻼستقﻼل المالي واﻹداري للجماعات الترابية.
غير ان الرقابة الفضائية بشكل عام ﻻ تخلو من إشكاﻻت شأنها شأن الرقابة النظامية
تناط بها مجموعة من النواقص التي تحد من فعاليتها وتحول بها دون القيام بوظيفتها الرئيسية
كدعامة أساسية لتعزيز الحكامة وتحقيق التنمية المحلية.
فرقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية تعاني من اختﻼﻻت من حيث الجانب
القانوني والمتمثلة في تعقد مساطر وإجراءات التقاضي أمام المحاكم اﻹدارية ،وكذا المعيقات
المنطوية على تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة الجماعات الترابية وهو ما يمس
74
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
بكيان دولة الحق والقانون الساهرة على اعطاء كل ذي حق حقه .إضافة الى اﻹشكال المرتبط
باﻻجتهاد القضائي إذ يطرح إشكال للقضايا المطروحة من حيث حيثياتها وطلب الطعن في
قرارات الصادرة من الجماعات الترابية ،وكذا اختﻼف الرؤى والتعليﻼت القاضي اﻻداري.
والمحاكم المالي ﻻ تخلو عن نظيرتها اﻹدارية ،إذ تنطوي عليها نواقص واختﻼﻻت،
تجعل من مهامها الرقابية تفتقد للحكامة وتجعل متسمة بالمحدودية في آلياتها ،وأمام تعدد
وتنوع اﻻكراهات المنطوية عليها كما سبق التطرق إليها ،خصوصا ما يتعلق بالجانب البشري
وبالجانب القانوني .
اﻷمر الذي يقتضي بتجويد الرقابة القضائية ،ﻷنها تعتبر مسآلة جد ضرورية تقتضيها
الجهوية المتقدمة والﻼمركزية المتطورة باعتبارها مقاربة جديدة وجدية لتدبير الشأن العام
المحلي المغربي ولتحقق كل هذا ﻻبد من تجاوز هذه اﻻكراهات المعترضة للرقابة القضائية.
وهو ما يدفعنا الى اقتراح بعض التوصيات التي ينبغي اتخذها بعين اﻻعتبار من اجل
ضمان رقابة قضائية مﻼئمة ،وتعزيز وتكريس دولة الحق والقانون وللحكامة المحلية اهمها ;
-تعزيز استقﻼلية سلطة القضاء اﻹداري قانونا في ممارسة وظائفها الرقابية ،وذلك
بتدعيم مبدأ فصل السلط دون اﻹغفال عن الفصل العضوي بينها وبين السلطة التنفيذية و
التشريعية.
-ضرورة تحيين قانون المسطرة اﻹدارية وذلك لتسهيل مهمة التقاضي أمام القضاء
اﻻداري
-تقريب القضاء اﻹداري من المتقاضين ،من خﻼل أعادة النظر في الخريطة القضائية
وإنشاء المحاكم اﻹدارية في جميع بقع المملكة .
75
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
-تعزيز مبدأ المحاسبة من خﻼل إصدار قوانين تحدد غرامات يومية عن كل تأخير في
التنفيذ.
-اعطاء للعنصر البشري ما يستحقه من أهمية وذلك من خﻼل تزويد المجالس الجهوية
بأطر ذات كفاءات علمية متمرسة للحقل العلمي ومنع اي تسرب للعناصر المشبوهة والمنحلة
الى هذه الوظيفة.
-التعامل الجدي بتقارير المجلس اﻷعلى للحسابات بتنزيل المبدأ الدستوري قاضي على
ربط المسؤولية وتفعيل المحاسبة عن أي فساد واختﻼل مالي او اداري ثبت في حق الجهة
المعنية.
76
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
عماد أبركان " نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات
المﻼئمة " منشرورات مجلة العلوم القانونية ,الطابعة اﻷولى 2016
ﷴ اﻷعرج " :مسؤولية الدولة و الجماعات الترابية في تطبيقات القضاء
اﻹداري المغربي " ،الطبعة الثانية .2015
براو ﷴ :الوسيط ﻓﻲ شرح مدونة المحاكم المالية ،الكتب الثﻼثة ،منسورات
مراكز الدراسات و اﻷبحاث حول الرقابة و المحاسبة و مكاﻓحة الفساد ،مطبعة دار السﻼم
للطباعة و النشر و التوزيع ،الرباط ،الطبعة اﻷولى .2012
حميد ابوﻻس "،محاضرات ﻓﻲ مادة المنازعات اﻹدارية" ،جامعة عبد المالك
السعدي ،الكلية المتعددة التخصصات بتطوان ،الموسم الجامعﻲ 2014ـ.2015
أحميدوش مدني " :المحاكم المالية في المغرب دراسة نظرية و تطبيقية مقارنة
" ،مطبعة فضالة المحمدية ،الطبعة اﻷولى ،سنة .2003
مشيل روسي " :المنازعات اﻹدارية بالمغرب " ترجمة ﷴ هيري الجيﻼلي
أمزيد ،مطبعة المعاريف الجديدة بالرباط ،طبعة .1995
77
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
أحميدوش مدني " :المجلس اﻷعلى للحسابات و المجالس الجهوية للحسابات،
التشكيل ،و اﻻختصاصات " ،أطروحة لنيل الدكتوراه ،جامعة ﷴ الخامس كلية العلوم
القانونية و اﻻقتصادية و اﻻجتماعية الرباط ،أكدال ،السنة الجامعية .2002/2001
عماد أبركان " :نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب و متطلبات
المﻼئمة " ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة ﷴ اﻷول ،كلية العلوم القانونية
و اﻻقتصادية و اﻻجتماعية ،وجدة ،السنة الجامعية .2015/2014
سيدي الشريف " :رقابة المجالس الجهوية للحسابات على مالية الجماعات
الترابية " ،بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،جامعة عبد المالك السعدي ،الكلية
متعددة التخصصات تطوان ،السنة الجامعية .2016/2015
الرسائل
ناصر الدين القبلي " :الرقابة البعدية على مالية الجماعات الترابية بين
المحدودية ومتطلبات المﻼئمة " بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،تطوان ،جامعة عبد
المالك السعدي ،السنة الجامعية .2017/2016
سيدي الشريف " :رقابة المجالس الجهوية للحسابات على مالية الجماعات
الترابية " ،بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،جامعة عبد المالك السعدي ،الكلية
متعددة التخصصات تطوان ،السنة الجامعية .2016/2015
لطيفة اﻷندلوسي " :الرقابة القضائية على القررات اﻻدارية للجماعات الترابية
بالمغرب" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر قانون العام تطوان ،جامعة عبد المالك السعدي ،السنة
الجامعية .2016/2015
78
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
ﷴ زكياء البريكي " :مؤسسة العاهل بين المركزية و الوظيفة التنموية "
رسالة نيل دبلوم الدراست العليا المعمقة في القانون العام ،كلية العلوم القانونية و اﻻقتصادية
واﻻجتماعية ،جامعة عبد المالك السعدي ،طنجة .2008/2007
79
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
80
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
81
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
82
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
تقارير:
تقرير لجنة العدل و التشريع و حقوق اﻹنسان بمجلس المستشارين حول
مشروع قانون رقم .62.99
التقرير السنوي للمجلس اﻷعلى للحسابات سنة .2011
83
.الرقابة القضائية على الجماعات الترابية
84
.الرقابة القضائية على الجماعات الترابية
85
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
الفهرس :
86
الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
المبحث الثانﻲ :السبل الكفيلة بتجويد الرقابة القضائية على الجماعات الترابية.
59 ......................................................................................
المطلب اﻻول :تقوية قدرات المحاكم المالية ﻓﻲ الرقابة على الترابية59 ................. .
الفرع اﻷول :تدعيم اﻹمكانات والوسائل والضمانات الممنوحة للمحاكم المالية60 ...... .
الفرع الثانﻲ :التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات62 ....... .
المطلب الثانﻲ :تقوية اختﻼﻻت رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية66 ...... .
الفرع اﻷول :تسهيل وتبسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية67 ......... .
الفرع الثانﻲ :تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة ﻓﻲ مواجهة الجماعات الترابية70 ........ .
خاتمة الفصل الثانﻲ73 ........................................................................ .
خاتمة74 ........................................................................................ :
ﻻئــــــــــــــــحة المراجع 77 ................................................................. :
الفهرس86 ...................................................................................... :
87