You are on page 1of 80

‫احلاسوب‬

‫أويس الشريف‬

‫‪-1-‬‬
‫رئيس جملس اإلدارة‬
‫الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة‬
‫املدير املسؤول ‪ -‬املدير العام‪ :‬حممود عبد الواحد‬
‫رئيــــــــــــــــــس التحريــــــــــر‪ :‬أنطوانيــــــت القـــــــــس‬
‫مستشـــــــــار التحريــــــــــــــــــر‪ :‬الدكتور نوفل نيـوف‬

‫اإلشــــــراف الطبـاعـي‪ :‬ماجــــــــــد الزهــــــــر‬

‫‪-2-‬‬
‫مدخل‬

‫يفضل أغلب البشر استخدام دراجة عند الذهاب‬


‫إىل مكان بعيد بدالً من السري على األقدام‪ .‬ولكنَّ تعلم‬
‫ُضنٍ حبد ذاته‪،‬ألنه يستهلك‬ ‫استخدام الدراجة جهد م ْ‬
‫طاقة ووقتاً و جهداً‪ ،‬مما دفع بعض البشر إىل تفضيل‬
‫املشي أحياناً‪.‬‬
‫فلنتخي ِل املشكلة التالية اليت من املفرتض أن تكون‬
‫قد واجهت أوائل البشر‪ :‬إن أحد أنواع الطعام الذي‬
‫ترغب به موجود يف مكان بعيد‪ ،‬ولديك حيوان ما‪.‬‬
‫هذا احليوان غري مدرب‪ .‬وأنت تعلم أنك لو استطعت‬
‫تسخري هذا احليوان كما تريد‪ ،‬الستطعت إحضار‬
‫الطعام بسرعة أكرب‪ .‬والسؤال هو‪ :‬هل جيب أن تبدأ‬
‫باملشي قاصداً مكان توفر طعامك‪ ،‬أم حتاول أن جتد‬
‫طريق ًة لرتويض هذا الكائن؟‬
‫بالنسبة لالنتقال‪ ،‬تعلم البشر ترويض الكائنات‬
‫كافة خلدمتهم‪ .‬وبالرتافق مع ذلك أصبحنا قادرين‬
‫على الوصول إىل أماكن أكثر بسرعة أكرب‪ .‬ومع تقدم‬
‫العلم ظهرت وسائل أفضل وأسرع للنقل‪ ،‬مثل القطارات‬
‫والسيارات والطائرات‪ ،‬وحتى مركباتُ الفضاء اليت‬
‫‪-3-‬‬
‫هي جمرد وسائل للوصول إىل أماكن أبعد‪ ،‬بوقت أقل‪،‬‬
‫عسى أن نرضي فضولنا وحاجاتنا املتزايدة‪ .‬لكن األمر‬
‫مل يكن بتلك السهولة بالنسبة للحوسبة‪.‬‬
‫لقد حاول البشر منذ قديم الزمان بناء آلة قادرة‬
‫على القيام بالعمليات اليت مت وصفها بأهنا عقلية أكثر‬
‫منها فيزيائية‪ ،‬ومل حي ّققوا أي جناح ميكن االستفادة‬
‫منه يف احلياة اليومية لفرتة طويلة من الزمن‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬مع حلول القرن العشرين بدأت احلواسيب‬
‫بالظهور بشكل غيّر وجه احلساب نفسه‪ ،‬كما غريت‬
‫الطائرات وجه التنقل‪ ،‬فكانت احلواسيب حموراً‬
‫أساسياً يف انتقال البشرية إىل وضعها احلايل‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬حتى ظهور حاسوب أذكى من اإلنسان (إذا ما‬
‫ظهر)‪ ،‬فيجب التأكيد على وجوب النظر إىل احلواسيب ال‬
‫كغايات حبد ذاهتا‪ ،‬وإمنا كوسائل‪ ،‬مثل الدراجات‪ .‬وجيب‬
‫أن نتعلم استخدام احلواسيب لنقوم مبهامنا الرياضية‬
‫بسرعة ودقة‪ ،‬لنكسب الوقت ونغتنِمَهُ يف القيام بأعمال‬
‫أكثر إبداعاً‪ ،‬أعما ٍل ال تقدر احلواسيب وحدها على القيام‬
‫هبا‪ .‬هذا النوع من األعمال هو أحد ميزاتنا الفريدة حنن‬
‫البشر‪ ،‬وهو الذي يصبح شيئاً فشيئاً مقياساً ألمهية‬
‫املنتجات والصناعات واألمم حبد ذاهتا‪.‬‬
‫إننا نستخدم احلاسوب اليوم يف جماالت كثرية‪ ،‬لعل‬
‫‪-4-‬‬
‫أبسطها استعراض الصور والرسم واالستماع للموسيقا‬
‫والكتابة والتحدث وتبادل املعلومات عرب اإلنرتنت‪ ،‬وغري‬
‫ذلك‪ .‬لكن هل نعرف حقاً مراحل اخرتاعه وتطور تقنياته‬
‫وبراجمه وآفاق هذا التطور؟ فلْنحاو ْل إذاً التعرف عن‬
‫كثب على تاريخ احلاسوب‪ ،‬وعلى بنية هذا اجلهاز‬
‫الرائع‪ ،‬ونكتشف معاً قصة تطور هذه اإلمكانية الرائعة‬
‫اليت فتحت لنا آفاقاً غري حمدودةٍ‪...‬‬

‫‪-5-‬‬
‫ملاذا نصنع اآلالت؟‬

‫ملاذا اختار البشر أن يدربوا احليوانات عوضاً عن‬


‫استخدام أقدامهم؟‬
‫اجلواب على هذا السؤال هو‪ :‬الوقت‬
‫مع تطور الفكر اإلنساني‪ ،‬ومع تنافس البشر على‬
‫كثري من املوارد‪ ،‬من السهل أن نتخيل األفضليّة اليت‬
‫ميلكها األسرع‪ ،‬سواء يف حرب أو جتارة‪...‬اخل‪ .‬إن هذه‬
‫الفكرة‪ ،‬على بساطتها‪ ،‬تربر تفوق الدول اليت دخلت‬
‫ثورة املعلومات والثورة الصناعيّة من قب ِل غريها‪.‬‬
‫فبوجود اآلالت بدأ اإلنسان بالصناعة على مستوى‬
‫واسع‪ ،‬فأدَّتْ دوراً كبرياً يف توفري عديد من املنتجات‬
‫للبش ِر كافة‪ .‬مل تصنع اآلالت لدراستها وإمنا لتسريع‬
‫عملية اإلنتاج والتقليل من تكاليفها‪ .‬إن علماء احلوسبة‬
‫األوائل مل خيرتعوا احلواسيب ليدرسوها وإمنا لتسهل‬
‫حل معضالت واجهوها يف جماالت أخرى‪.‬‬ ‫عليهم َّ‬
‫نظرياً‪ ،‬من املمكن ألي آلة حسابية مهما ضعفت‬
‫أن تقوم باملهامِّ نفسها اليت تقوم هبا أقوى اآلالت‬
‫احلسابية‪ .‬والفرق الوحيد الذي جعل البشر يستثمرون‬
‫كثرياً من الوقت واملال يف علم احلوسبة هو الزمن‪،‬‬
‫‪-6-‬‬
‫أي السرعة‪ .‬إن الزمن الذي حيتاجه حاسوب قوي ما‬
‫للقيام مبجموعة من اخلطوات املتكررة والطويلة أقل‬
‫بكثري من الزمن الذي يستهلكه حاسوب أضعف‪.‬‬

‫يف كانون الثاني من عام ‪ 2010‬قام عامل حوسبة‬


‫حبساب الرقم ‪ π‬إىل أكثر من ‪ /2.7/‬تريليون (الرتيليون‬
‫‪ 1‬وجبانبه اثنا عشر صفراً) مرتبة عشرية‪ ،‬حمطماً‬
‫بذلك الرقم السابق الذي وصل إىل حوايل ‪/2.6/‬‬
‫تريليون مرتبة‪ .‬علماً أن العدد ‪ π‬هو من األعداد اليت‬
‫هلا أرقام الهنائية بعد الفاصلة‪.‬‬
‫‪-7-‬‬
‫إذاً فنحن نبين اآلالت لننجز األعمال املضنية فكرياً‪،‬‬
‫ولنسرّع حصولنا على النتائج بدقة أعلى‪.‬‬
‫ولكن التحديات يف هذا العلم ال تقتصر على اجلانب‬
‫الفيزيائي‪ .‬فوجود حاسوب ذي صفات فيزيائية أفضل‬
‫(كمعاجل أسرع وذاكرة أكرب) ال يعين بالضرورة سرع ًة‬
‫أكرب يف حل املسائل اليت تعرض عليه‪ ،‬بل إن هناك‬
‫عدداً من العوامل األخرى اليت تدخل يف هذا املزيج‪،‬‬
‫أحد أمهها هو اخلوارزميات املستخدمة حلل املشكلة‪.‬‬
‫أتتساءل ما هي اخلوارزمية؟ و ملاذا كانَ هلا هذا‬
‫التأثري الكبري على سرعة إجياد حلول للمسائل اليت‬
‫تواجهنا؟‬
‫اخلوارزمية‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬جمموعة من اخلطوات‬
‫اليت يتبعها املرء أو احلاسوب على حد سواء لتحقيق‬
‫هدف معني‪.‬‬
‫مثالً‪ ،‬عندما يطهو املرء طعاماً فهو يتبع خوارزمية‬
‫معينة للطهو (اذهب إىل البائع‪ ،‬اشرت اخلضراوات‪،‬‬
‫اغسلها وقشرها وقطعها وضع بعضها فوق بعض‬
‫برتتيب معني‪ ،‬ضعها يف الفرن‪ ،‬اخل‪ ،)...‬إن من شأن‬
‫هذه اخلطوات‪ ،‬إذا ما وصفت بدقة أكرب‪ ،‬أن حتل‬
‫مشكلة طبخ نوع معني من الطعام‪.‬‬
‫‪-8-‬‬
‫إن العلم واحلياة اليومية مليئان باخلوارزميات‪.‬‬
‫وكثري من تصرفاتنا اليومية يندرج حتت تصرفات‬
‫خوارزمية‪ ،‬كعبور طريق ما‪ ،‬أو إجياد طريق إىل مكان‬
‫معني‪ ،‬أو قيادة مركبة‪...‬اخل‬
‫ينسب اخرتاع اخلوارزميات إىل االسكتلندي جون‬
‫نابيري (‪ 1550‬ـ ‪ .)1617‬ففي عام ‪ 1614‬برهن أن‬
‫عملييت اجلداء والقسمة ميكن أن تتحوَّال إىل سلسلة من‬
‫عمليات اجلمع‪ .‬ومسح ذلك يف عام ‪ 1620‬باستخدام‬
‫مسطرة احلساب اليت ظل استخدامها مستمراً حتى‬
‫منتصف القرن العشرين‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة هنا إىل أن األب احلقيقي لنظرية‬
‫اخلوارزميات هو حممد بن موسى اخلوارزمي‪ .‬وهلذا‬
‫مسيت نظرية اخلوارزميات بامسه‪ ،‬ختليداً له‪.‬‬
‫اخلوارزميات إذاً هي جمموعة من اخلطوات اليت‬
‫يشكل جمموعها حلوالً للمشاكل‪.‬‬
‫ولكن هنا يطرح سؤال نفسه‪« :‬لِمَ هنتم بزمن حل‬
‫مشكلة ما؟ أليست اخلوارزميات املختلفة اليت حتل‬
‫املسائل املتشاهبة متقارب ًة يف السرعة؟‬
‫للجواب على هذا السؤال نقارن بني خوارزميتني‬
‫خمتلفتني‪ ،‬حتالن كالمها مشكلة الضرب اليت واجهتنا‬
‫‪-9-‬‬
‫يف الصف الثالث االبتدائي‪ .‬و لْنأخ ْذ من هذه املشكلة‬
‫مثاالً‪ :‬ما ناتج العملية ‪12×3‬؟‬
‫بكل بساطة‪ ،‬فإن ‪ 12×3‬هي ‪ 3‬مكررة ‪ 12‬مرة‪ .‬ميكننا‬
‫إجياد ناتج هذه العملية بطريقتني‪ :‬بالنسبة جلميع‬
‫طالب الصف الثاني فإن ‪ 3×12‬هي‪....3+3+3+3 :‬‬
‫‪ 12‬مرة‪ ،‬ولكن‪ ،‬لطالب الصف الثالث فإن ‪ 3× 12‬هي‬
‫‪ .36 = 3+3+10×3‬ومن الواضح أن الزمن املستغرق‬
‫للقيام بـ ‪ 11‬عملية مجع أطول من الزمن املستغرق‬
‫للقيام بعملييت مجع وعملية ضرب مع ‪ ،10‬فالزمن‬
‫الثاني أسرع‪ .‬واآلن‪ ،‬ختيل ذات املشكلة على مثال آخر‬
‫وهو ‪ ،10000×42313‬فمن غري املعقول أن نستخدم‬
‫اخلوارزمية األوىل لبطئها الشديد‪ .‬لذلك حياول علماء‬
‫احلوسبة دراسة اخلوارزميات املختلفة املوجودة يف‬
‫احلياة على أمل أن نكتشف طرقاً أسرع حلل املشاكل‬
‫اليت تواجهنا‪.‬‬
‫إن بعض املشاكل الواقعية املوجودة يف الكون تستغرق‬
‫أزمنة عمالقة إلجياد حلول هلا‪ .‬بعض املشاكل حيتاج‬
‫زمناً أطول من عمر الكون حللها‪ ،‬وأخرى حتتاج ذاكرة‬
‫عمالقة ألن من املستحيل تصميمها بالتقنيات احلالية‪.‬‬
‫بعض هذه املشاكل يواجه العلماء واملهندسني‪ ،‬وال يزال‬
‫‪- 10 -‬‬
‫كثري منها عصياً على احلل حتى اللحظة‪.‬‬
‫لذلك فإن البحث عن حلول خوارزمية هلذه املشاكل‬
‫أمر ذو أمهية كبرية لتسهيل حياتنا اليومية‪ ،‬وتكريس‬
‫مزيد من الوقت لتحقيق اإلبداعات يف جماالت‬
‫أخرى‪.‬‬
‫إن كل فعل نفعله يف حياتنا هو بطريقة أو بأخرى‬
‫جزء من خوارزميّة ما‪ .‬وسنرى يف فصل الحق كيف‬
‫يرتبط هذا باحلواسيب من الناحية العلميّة‪.‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫علم احلاسوب‬

‫«ليس علم احلاسوب عن احلواسيب‪ ،‬مثلما أن‬


‫علم الفضاء ليس عن التلسكوبات أو املراصد»‪ .‬إدجار‬
‫دايكسرتا‪.‬‬

‫إدجار دايكسرتا‪ :‬علم احلوسبة ليس عن احلواسب‬

‫إن عديداً من جوانب علم احلاسوب ال عالقة له‬


‫بدراسة احلواسيب نفسها‪ ،‬وإمنا بدراسة اخلوارزميات‬
‫وتعقيدها وكلفتها‪ ،‬أو كما يقال‪ ،‬بفاعليَّةِ احلوسبة‬
‫‪- 12 -‬‬
‫(حتويل املهام إىل حاسوب للقيام هبا)‪ .‬فمن الواضح أن‬
‫هلذا العلم ارتباطاً وثيقاً بالرياضيات‪ .‬فهو يف أساسه‬
‫جزء من الرياضيات واملنطق‪ .‬نرى ذلك واضحاً يف‬
‫تاريخ العلماء املؤسسني لعلم احلوسبة الذين كان‬
‫أكثرهم من أفضل رياضيي عصرهم‪ .‬ومن املثري‬
‫لالهتمام أنه بعد تشكل بعض األساس الرياضي لعلم‬
‫احلوسبة اجتذب هذا العلم املولود حديثاً علماء من‬
‫كافة اجملاالت‪ .‬ويعكس ذلك الطبيعة التطبيقية هلذا‬
‫العلم واالجتاهات املتعددة فيه‪ ،‬حيث تنوّعت هذه‬
‫االجتاهات من اجتماعية وإنسانية (كعلم النفس وعلم‬
‫اإلدراك) إىل تقنية ورياضية‪.‬‬
‫وانطالقاً من طبيعته املتعلقة باألمور النظرية أكثر‬
‫منها املادية‪ ،‬قد يكون من األفضل أن نصطلح على‬
‫تسمية هذا العلم بعلم احلوسبة‪ .‬وسنرى من خالل هذا‬
‫الكتاب أن التفكري باستخدام مفاهيم علم احلاسوب‬
‫أمر مستقل عن استخدام احلواسيب نفسها‪.‬‬

‫عرِّفت احلوسبة بأهنا‪:‬‬


‫«الدراسة املنظمة لإلجراءات اخلوارزميّة اليت تصف‬
‫وتعدّل يف املعلومات‪ ،‬بنظرياهتا‪ ،‬وحتليلها‪ ،‬وتصميمها‪،‬‬
‫‪- 13 -‬‬
‫وفاعليَّتِها‪ ،‬وحتقيقها وتطبيقاهتا‪ .‬إن السؤال األوَّل‬
‫الذي يعدّ أساس احلوسبة هو‪ :‬ما الذي ميكن حوسبته‬
‫بفاعليّة‪.‬‬
‫نالحظ من هذا التعريف الشَبَه الواضح بني احلوسبة‬
‫والفروع اهلندسيّة‪ .‬إن تصميم أي بنيان معقد نسبياً‬
‫مير باملراحل السابق ذكرها‪ ،‬سواء أكان هذا البنيان‬
‫معالِجاً حلاسوب‪ ،‬أو خوارزميّ ًة ما‪ ،‬أو حمرك سيارة‪،‬‬
‫أو حتى مشروعاً اجتماعياً‪.‬‬

‫ماذا يوجد داخل احلاسوب السيليكوني؟‬


‫تشبه احلواسيب يف بنياهنا مجيع البنى املعقدة من‬
‫آالت أو بنى عضوية أو فكرية‪...‬اخل‪.‬‬

‫خاليا دموية‬

‫‪- 14 -‬‬
‫ولكن الشبه بني احلواسيب السيليكونية والكائنات‬
‫العضوية الفت للنظر‪ ،‬ألن كليهما يتألفان يف البدء من‬
‫بنية صغرية تتجمع لتشكل بنى أكثر تعقيداً‪ ،‬ثم تتجمع‬
‫هذه البنى اجلديدة لتشكل عضواً‪ ،‬ثم لتشكل اجلسم‬
‫كامالً‪ .‬ولكي نسهل األمر‪ ،‬علينا أن نتخيل نظام الدورة‬
‫الدموية يف اجلسم البشري‪.‬‬
‫يتألف نظام الدوران يف أدنى‬
‫درجاته من خاليا خمتلفة‪ .‬تتجمع‬
‫هذه اخلاليا معاً لتشكل وعاءً‬
‫دموياً‪ ،‬وهلذا الوعاء حبد ذاته‬
‫وظيفة خمتلفة‪ ،‬مل يكن بإمكان‬
‫اخلاليا وحدها القيام هبا‪ ،‬وهي‬
‫نقل الدم بني األعضاء‪ .‬جتتمع‬
‫األوعية الدموية بدورها وتتصل‬
‫باألطراف والدماغ واألعضاء‬
‫الداخلية لتقوم مبهمتها يف نقل‬
‫الطعام واألوكسجني إىل أحناء‬
‫اجلسم املختلفة‪ .‬من هنا نالحظ‬
‫استقاللية جهاز الدوران عن‬
‫اجلسم فيزيائياً‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬
‫نالحظ كونه جزءاً ال يتجزأ من الكائن احلي‪.‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫ماذا عن احلواسب؟ كيف تتشابه يف بنياهنا مع‬
‫هذه الكائنات احلية؟‬

‫يتألف احلاسوب يف أدق مستوياته من أجسام تدعى‬


‫ترانزستورات‪ ،‬وهي عناصر إلكرتونية صغرية ذات‬
‫خواص مميزة‪ .‬تتصل هذه الرتانزستورات ببعضها‬
‫بعضاً لتشكل دارات منطقية بسيطة (عناصر إلكرتونية‬
‫تنقل وتعاجل املعلومات املنطقية)‪ ،‬هذه الدارات املنطقية‬
‫كالوعاء الدموي‪ ،‬قادرة على القيام بأعمال ال تستطيع‬
‫اخلاليا (أي الرتانزستورات هنا) القيام هبا‪.‬‬

‫الرتانزستورات‬

‫‪- 16 -‬‬
‫تتجمع هذه الدارات املنطقية يف دارات متكاملة‬
‫لتقوم مبهام أعقد‪ ،‬فمنها املسؤول عن الدخل واخلرج‬
‫من احلاسوب وإليه‪ ،‬ومنها املسؤول عن التخاطب مع‬
‫الشاشة‪ ،‬ومنها ومنها‪...‬‬

‫دارة منطقية‬

‫تُجمع هذه الدارات املتكاملة بشكل دقيق لتكوّن معاً‬


‫ما نسميه باحلاسوب السيليكوني‪ .1‬وقد اخرتنا تسمية‬
‫هذا احلاسوب بالسيليكوني‪ ،‬ألن مادة السيليكون‬
‫تدخل بكثافة يف تركيب الرتانزستورات‪ .‬سنرى الحقاً‬

‫‪ -1‬السيليكوني‪ :‬مادة ذات خواص متميزة منها‪ :‬ناقل جيد للحرارة‪،‬‬


‫حيافظ على الطاقة‪.‬‬
‫‪- 17 -‬‬
‫كيف أن هناك حواسيب حديثة وقدمية على حد سواء‪،‬‬
‫ال حتتوي ترانزستورات يف بنيتها‪.‬‬

‫جتمع دارات متكاملة املشكلة لبطاقة عرض‬

‫كيف يعمل احلاسوب السيليكوني؟‬


‫تتكلم احلواسيب لغة األرقام‪ ،‬بكل ما حتمله الكلمة من‬
‫معنى‪ .‬إن الرتاسل والتخاطب والعمل الداخلي يف احلاسوب‪،‬‬
‫عمليات تتم باستخدام لغة األرقام‪ .‬ومن بني األرقام كلها‪،‬‬
‫ال تستخدم احلواسيب إال الصفر والواحد‪ .‬وتعرف اخلانة‬
‫اليت حتتوي الصفر أو الواحد بـ‪ :‬بت (‪.)bit‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫كيف ذلك؟ كيف ميكن للصفر والواحد أن يعربا عن‬
‫األحرف‪ ،‬عن الصور‪ ،‬عن األلوان أو عن أشياء جمردة‬
‫كاألوامر اخلاصة باحلاسوب؟‬
‫اجلواب بسيط‪ :‬باستخدام سالسل من األصفار‬
‫والواحدات وجمموعة مفاهيم متفق عليها بني مصممي‬
‫احلواسب‪ .‬مثالً‪ ،‬يُصطلح على تعريف الرقم ‪ 0‬بـ ‪ ،0‬و‪1‬‬
‫بـ ‪ ،1‬و‪ 2‬بـ ‪ ،01‬و‪ 3‬بـ ‪ ،11‬و‪ 4‬بـ ‪ ،100‬وهلم جراً‪ .‬وهكذا‬
‫نستطيع بواسطة تعريف عمليات كاجلمع والطرح‬
‫واجلداء مثالً ترميز عدد كبري جداً من األرقام‪ .‬يسمى‬
‫هذا النظام نظام العد الثنائي‪ ،‬أي إنه مبين على رقمني‬
‫اثنني فقط للتعبري عن األرقام كافة‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬كيف لنا أن نرمِّز التعليمات؟ لقد اصطلح‬
‫مصممو احلواسيب على ترقيم التعليمات بأرقام‬
‫معينة‪ .‬فعندما يتوقع احلاسوب تعليمة ما‪ ،‬إذا أتاه‬
‫الرقم ‪ 1‬فالتعليمة هي تعليمة مجع‪ 2 ،‬التعليمة ضرب‪،‬‬
‫‪ 3‬تعليمة إظهار‪ ،‬وهلم جراً‪.‬‬
‫بتعميم فكرة الرتقيم على كل شيء موجود يف‬
‫احلاسوب‪ ،‬من األلوان إىل التعليمات (الحظ يف الشكل‬
‫كيف مت مقابلة كل لون برقم‪ .‬هذه األرقام يتم حتويلها‬
‫الحقاً إىل أصفار وواحدات)‪ .‬نبدأ بتلمّس آلية التصميم‬
‫‪- 19 -‬‬
‫اليت فكر هبا أول املصممني‪ .‬ولكن يظهر هنا سؤال‬
‫آخر‪ ،‬ملاذا اخرتنا أجبدية ال حتوي إال الصفر أو الواحد‪،‬‬
‫ومل خنرت أجبدية أخرى كالعربية أو األرقام العشرية‪،‬‬
‫مثالً؟‬

‫يعطينا هذا اجلدول األرقام العشرية مكتوبة وفق النظام الثنائي‬


‫أي بواسطة الصفر والواحد‬

‫‪- 20 -‬‬
‫الفاعليَّة هي اجلواب‪ .‬فبتحليل اللغات وجد العلماء أن‬
‫اللغة اليت حتتوي أجبديّتها صفراً وواحداً فقط هي من‬
‫أشد اللغات فاعليَّ ًة من ناحية عدم ضياع الطاقة عند‬
‫اإلرسال واالستقبال‪ ،‬وأن أجبديّة تتألف من حرفني فقط‬
‫تكون سهلة التصميم باستخدام الدارات الكهربائية‪،‬‬
‫وذلك ألننا نستطيع أن منثل أحد احلرفني بتوتر مرتفع‬
‫واآلخر بتوتر منخفض‪ ،‬وقد كانت املعلومات الرياضية‬
‫اليت حنتاجها لفهم عمل هذه الدارات متوافرة آنذاك‪.‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫هكذا‪ ،‬يصبح أساس احلاسوب هو جمموعة‬
‫من الدارات الكهربائية اليت مترر أو ال مترر التيار‬
‫الكهربائي‪ .‬فمرور التيار هو الرقم واحد‪ ،‬وعدم مروره‬
‫هو الرقم صفر‪ .‬وهكذا‪ ،‬نستطيع هبذه الطريقة حتويل‬
‫املعلومات كافة إىل أرقام مكونة من أصفار وواحدات‪،‬‬
‫وإدخاهلا إىل احلاسوب كسلسلة من مرور أو عدم‬
‫مرور التيار الكهربائي‪ ،‬ومعاجلتها يف احلاسوب على‬
‫هذا النحو أيضاً‪ .‬إن سرعة التيار الكهربائي هي اليت‬
‫تعطي إمكانية املعاجلة السريعة‪ ،‬وتوافق نظام العد‬
‫الثنائي (‪ )0.1‬يتوافق بشكل رائع مع شكلني للتيار‬
‫الكهربائي‪ .‬إنه توافق بنّاء أدى إىل تطوير احلاسوب‬
‫بشكل مذهل‪.‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫تاريخ احلوسبة‬
‫يف البدء كان العقل‬

‫عندما كثرت احملاصيل واحليوانات وأفراد القبائل‬


‫مل يعد العقل قادراً على القيام جبميع العمليات وحده‪.‬‬
‫فاحتاج إىل معونة خارجية إلجراء احلسابات‪ ،‬فبدأ‬
‫البشر باالستعانة مبا طالته أيديهم إلجراء العمليات‬
‫البسيطة نسبياً كاجلمع والطرح والضرب‪ .‬ثم اختُرع‬
‫املعداد حوايل عام ‪ 2400‬قبل امليالد ليليب احلاجة‬
‫املتزايدة للحساب‪ .‬وعلى الرغم من بساطته‪ ،‬فإنه يعد‬
‫أوىل حماوالت البشر لتسريع احلساب‪.‬‬
‫حوايل عام ‪ 500‬قبل امليالد وضع اللغوي اهلندي‬
‫بانيين قواعد اللغة السنسكريتية اليت مشلت ‪3959‬‬
‫قاعدة‪ .‬إن أمهية اللغة كبرية بالنسبة للحوسبة‪.‬‬
‫فاحلواسيب دقيقة جداً بالنسبة للقواعد واملفردات‬
‫اللغوية‪ ،‬فهي ال تؤوِّل أي معنى‪ ،‬وبالتايل فجميع‬
‫التعليمات اليت تُعطى حلاسوب جيب أن تكون واضحة‪،‬‬
‫ال حتتمل معنيني‪ .‬إن كثرة القواعد يف اللغة السنسكريتية‬
‫جعلتها شبيهة بلغات الربجمة احلالية‪ ،‬ذلك أهنا شديدة‬
‫من الناحية القواعدية وال تسمح باألخطاء‪.‬‬
‫‪- 23 -‬‬
‫وجاء بعد ذلك اخرتاع النظام الثنائي الذي حتدثنا‬
‫عنه سابقاً‪ .‬وعلى الرغم من قدم اخرتاع هذا النظام‬
‫فقد استغرق زمناً حتى وصل إىل شكله احلايل‪ ،‬برقميه‬
‫الشهريين‪ ،‬الصفر والواحد‪.‬‬
‫يف عام ‪125‬م اختُ ِرعَ أول احلواسيب التماثلية‪ ،‬وكان‬
‫ذلك يف اليونان‪ ،‬حيث أدى اهتمام اإلغريق بعلم الفلك‬
‫إىل اخرتاع عدة أدوات لتساعدهم يف اختبار نظرياهتم‪.‬‬
‫ومن أهم هذه اآلالت «آلة أنتيكيثريا» وكانت مهمتها‬
‫حساب املواقع النسبية للنجوم‪.‬‬

‫جمسم حديث آللة‬


‫أنتيكيثريا‬

‫‪- 24 -‬‬
‫باإلسراع قليالً إىل عام ‪724‬م نرى اخرتاع أوىل الساعات‬
‫امليكانيكية اليت عملت وحدها بشكل كلي‪ .‬وبعد حوايل ألف‬
‫عام سنرى أن أول احلواسيب احلقيقة استعمل تقنياتٍ‬
‫شبيه ًة هبذه الساعات‪.‬‬
‫ثم قدم الرياضيون العرب والفرس مسامهات مهمة يف‬
‫علم احلوسبة‪ ،‬فوضعوا أسس علم اجلرب (اخلوارزمي)‪،‬‬
‫واخرتعوا أوىل اآلالت املوسيقية اآللية كلياً‪ ،‬حتى إهنم‬
‫درسوا علم التعمية (التشفري) الذي يهتم بإخفاء املعلومات‬
‫يف الرسائل‪ ،‬حيث يعد الكندي صاحب أول تفسري مسجّل‬
‫لتحليل التعمية‪.‬‬
‫وقد قام بعض هؤالء العلماء باخرتاع عديدٍ من اآلالت‬
‫املميزة والسابقة لعصرها على حد سواء‪ .‬وجند يف كتاب‬
‫احليل الذي نشره بنو موسى يف عام (‪)850‬م جمموعة من‬
‫االخرتاعات املختلفة اليت تعدَّت مئ ًة يف عددها‪.‬‬

‫صورة بين موسى على أحد الطوابع‬


‫‪- 25 -‬‬
‫بعضها كان مقتبساً من ثقافات أخرى‪ ،‬وبعضها كان‬
‫مبتكراً من قبل بين موسى أنفسهم‪ .‬وتراوحت هذه‬
‫االخرتاعات بني ناي آيل يعدُّه البعض أول ظهور آللة‬
‫مربجمة‪ ،‬وآالت الضخ والتحكم بضخّ املياه آلياً‪.‬‬

‫ساعة الفيل‬

‫‪- 26 -‬‬
‫الساقية املغذاة بالطاقة املائية‬

‫يف عام ‪1206‬م قام اجلزري‪ ،‬وهو أحد العلماء العرب‬


‫املسلمني‪ ،‬باخرتاع ما يظن أنه أول حماولة واقعية‬
‫‪- 27 -‬‬
‫إلجياد إنسالة (رجل آيل)‪ .‬ومل يكن عمل اجلزري‬
‫مقتصراً على احلوسبة‪ ،‬وإمنا تعداه إىل علوم اهلندسة‬
‫والرياضيّات والفلك وغريها‪ ،‬وكانت معرفته الواسعة‬
‫هذه من أهم العوامل اليت ساعدته على البدء بعمله يف‬
‫جمال اآلليات‪.‬‬

‫آلة لغسل اليدين تعمل آلياً‬

‫‪- 28 -‬‬
‫ساعة القلعة امليكانيكية اليت‬
‫صممها اجلزري‬

‫وجد جزء من اللوحات السابقة يف كتاب للجزري‪،‬‬


‫ووجدت معها أيضاً لوحات أخرى وصفت تصميمه‬
‫آلالت تعزف املوسيقى‪.‬‬
‫‪- 29 -‬‬
‫يف عام ‪1492‬م قام املهندس والفنان اإليطايل‬
‫ليوناردو دافنشي برسم صور ميكن أن تفسر على أهنا‬
‫آالت حاسبة‪ .‬ووجدت أيضاً بني لوحاته صور لرجال‬
‫آليني حماربني ضمن عدة صور آلالت عسكرية رمسها‪.‬‬
‫ومثل كثريٍ من العلماء األوائل‪ ،‬عمل ليوناردو يف جماالت‬
‫متعددة‪ .‬ولعل عمله يف تشريح جسم اإلنسان هو الذي‬
‫ولد فيه الرغبة بتصميم رجل آيل‪.‬‬

‫لوحة ذاتية رمسها ليوناردو دافنشي‬

‫‪- 30 -‬‬
‫بعد ذلك ظهرت عدة حماوالت لصنع آالت قادرة‬
‫على القيام بعمليات كاجلمع والضرب‪ ،‬لكنها كانت‬
‫بطيئة احلركة بسبب طبيعتها امليكانيكة‪ ،‬واستغرقت‬
‫يف بعض احلاالت كثرياً من الوقت للقيام هبذه العمليات‪،‬‬
‫ح َّتى إنه كان من األسرع أن يقوم هبا بشر‪.‬‬

‫جمسم لطائرة صممها ليوناردو دافنشي‬

‫مع حلول عام ‪1642‬م اخرتع الفيلسوف والرياضي‬


‫الفرنسي بليز باسكال اآللة اليت عرفت بامسه‪ ،‬وكانت‬
‫‪- 31 -‬‬
‫تقوم باحلساب بواسطة دوران املسننات‪ .‬ويف عام‬
‫‪ 1673‬طور األملاني اليبنيتز آلة قادرة على إجراء عمليّة‬
‫الضرب‪ ،‬كانت قادرة على إجياد جداء رقمني ناجتهما‬
‫يشغل ستَّ عشرة خانة عشرية يف ‪ 5‬ثوان‪ ،‬وكانت‬
‫تستغرق دقيقة كاملة إلجياد ناتج عملية ضرب‪.‬‬

‫آلة اليبنيتــز‬

‫ويف عام ‪ 1804‬استخدم جاكار‪ 2‬للمرة األوىل بطاقات‬


‫مثقبة يف صناعة النسيج اآللية‪ ،‬وقامت هذه البطاقات‬
‫بدو ٍر ها ٍّم يف تطور األحباث حول اآلالت احلاسبة‪ ،‬كما‬
‫كانت تسمى آنذاك‪.‬‬
‫يف عام ‪ 1815‬ولدت الربيطانية آدا لوفالس‪ ،‬اليت ُقدِّرَ‬

‫‪ -2‬فرنسي ولد يف مدينة ليون‪.‬‬


‫‪- 32 -‬‬
‫هلا أن تكون أول مربجمة يف العامل أمجع‪ .3‬وقد اهتمت‬
‫آدا مبحرك الفروق الذي كان آنذاك جمرد مشروع نظري‬
‫وضعه العامل الربيطاني تشارلز باباج‪.‬‬
‫كان حمرك الفروق واعداً جداً بالنسبة آلدا اليت‬
‫رأت فيه زيادة قدرة احلواسيب على اخلروج عن القيام‬
‫باحلسابات فقط بل والتوسع أيضاً إىل جماالت أخرى‬
‫ميكن للحوسبة أن حتقق فيها فرقاً ملحوظاً‪ .‬هبذه الرؤية‬
‫سبقت آدا عصرها‪ ،‬ومل يكن حتى تشارلز باباج مشاركاً‬
‫هلا بتلك الرؤية‪ ،‬بل فضل الرتكيز على القدرات احلسابية‬
‫للحواسيب‪.‬‬

‫تشارلز باباج وآلته الرائعة ذات البطاقات املثقبة‬


‫‪ -3‬انتخبت آدا لوفالل يف ‪ 2010/3/24‬كأكثر البطالت شعبية يف‬
‫عامل التكنولوجيا‪.‬‬
‫‪- 33 -‬‬
‫استمرت التطويرات على اجلانب الفيزيائي‪ ،‬وأصبح‬
‫حمرك الفروق واحملرك التحليلي حقيقة‪ ،‬ومها آلتان‬
‫ميكانيكيتان قابلتان للربجمة‪ ،‬وكان ذلك يف عام‬
‫‪.1847‬‬

‫حمرك الفروق‬

‫‪- 34 -‬‬
‫ح ّتى هذه املرحلة‪ ،‬كان فضول العلماء هو احملرك‬
‫لعجلة علم احلوسبة‪ ،‬وكانت احلاجات الفعليّة آلالت‬
‫احلوسبة قليلة آنذاك‪ .‬ولكن يف الفرتة الالحقة كان َّ‬
‫مث َة‬
‫العديدُ من العوامل اليت دفعت البحث العلمي يف جمال‬
‫احلوسبة إىل األمام‪ ،‬فأصبح مبقدور األمم واملؤسسات‬
‫تقويم الفائدة اليت تعود هبا احلوسبة عليهم‪ ،‬واألفضلية‬
‫اليت تكسبهم إياها على غريهم‪.‬‬
‫إن إحدى القصص اليت تذكر يف هذا السياق قص ُة‬
‫هريمان هولريث الذي كان مهندساً يف مكتب تعداد‬
‫السكان يف الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ويف عام ‪1880‬م‬
‫استغرق إحصاء عدد السكان يف الواليات املتحدة‬
‫األمريكية مثاني سنوات‪ ،‬وكانت العملية آنذاك تتم‬
‫باستخدام الورقيات‪ .‬وبازدياد عدد السكان‪ ،‬كان من‬
‫املتوقع أن يستغرق اإلحصاء يف ‪ 1890‬عشر سنوات‪.‬‬
‫و ّلما كان الدستور يف الواليات املتحدة يقضي بإعادة عد‬
‫السكان كل ‪ 10‬سنوات‪ ،‬كان ذلك يعين أن يبدأ إحصاء‬
‫جديد قبل أن ينتهي القديم‪ .‬وحلل هذه املشكلة أقيمت‬
‫مسابقة إلجياد طريقة أسرع لعد السكان‪ ،‬ففاز هبذه‬
‫املسابقة هريمان هولريث‪ ،‬وانتهى عد السكان بسرعة‬
‫كبرية وتكلفة أقل بكثري مما كان خمططاً له‪ .‬وبلغ عدد‬
‫‪- 35 -‬‬
‫السكان يومها (‪ .)62.947.714‬هبذا وضع هريمان‬
‫خمطط ما سيصبح يف زمننا هذا شركة (‪.)IBM‬‬

‫آلة هرمان‬

‫يف القرن العشرين بدأت األمور تتسارع‪ ،‬فاكتشفت‬


‫األنابيب املفرغة (وهي أسالف الرتانزستورات)‪ ،‬وبدأت‬
‫الدارات املنطقية بالظهور‪ ،‬ومت اخرتاع دارة الضرب‬
‫املنطقي يف ‪1924‬م (دارة تقوم بعملية الضرب على‬
‫‪- 36 -‬‬
‫أعداد من النظام الثنائي)‪ .‬ويف عام ‪1936‬م كتب العامل‬
‫الربيطاني الشهري آالن تورينغ حبثه الشهري عن «األرقام‬
‫القابلة للحوسبة» الذي كان من أهم األساسات النظرية‬
‫لعلم احلوسبة‪.‬‬

‫أجداد الرتانزستورات‪ :‬األنابيب املفرغة‬

‫‪- 37 -‬‬
‫دعمت احلرب العاملية الثانية صناعة احلوسبة (كما‬
‫دعمت العديد من الصناعات)‪ .‬فقد احتاج الطرفان‬
‫املتحاربان (احملور بقيادة األملان‪ ،‬واحللفاء بقيادة‬
‫الربيطانيني واألمريكيني) إىل بناء حواسيب عمالقة‬
‫حلل العديد من املشاكل الرياضية‪ ،‬ككشف شِفرات‬
‫اخلصم‪ ،‬على سبيل املثال‪ .‬فعلى اجلانب األملاني بدأت‬
‫احلكومة األملانية بدعم صناعة التكنولوجيا بشكل‬
‫كبري‪ .‬فكانت أملانيا مكان والدة أول شركة صغرية تعمل‬
‫يف جمال احلواسيب‪ .‬ثم اخرتع األملان يف عام ‪1941‬م‬
‫أول حاسوب قابل للربجمة‪ ،‬ومسي ‪.Z3‬‬

‫صورة احلاسوب ‪Z3‬‬


‫‪- 38 -‬‬
‫وقد استخدم هذا احلاسوب نظاماً ثنائياً‪ .‬وعى الرغم‬
‫من كون ذلك طبيعياً يف زمننا هذا‪ ،‬ولكن الصورة مل‬
‫تكن هبذا الوضوح يف أربعينيات القرن املاضي‪ ،‬حتى‬
‫أن بعض أفضل حواسيب تلك الفرتة اعتمد النظام‬
‫العشري‪ .‬كانت هذه اآللة قادرة على القيام بثالث أو‬
‫أربع عمليات مجع يف الثانية‪ .‬وكانت عملية الضرب‬
‫الواحدة تستغرق من ثالث إىل مخس ثوان‪ .‬إن بنيان هذا‬
‫احلاسوب‪ ،‬بقابليته للربجمة واستخدامه النظام الثنائي‪،‬‬
‫جعله سابقاً وسلفاً للبنيان احلايل للحواسيب‪.‬‬
‫واستمر األملان بعد ذلك بتطوير احلواسيب خلدمة‬
‫أهدافهم العسكرية‪ ،‬فطوّروا العديد من احلواسيب‬
‫اليت محلت أفكاراً خالقة مثل أول حاسوب اعتمد‬
‫على فكرة اإلجرائية وهي فكرة ختزين الربنامج يف‬
‫الذاكرة ومن ثم تنفيذه منها‪ .‬وتبع ذلك يف عام ‪1945‬م‬
‫تطوير األملان ألول لغة برجمة عالية املستوى مسيت بـ‪:‬‬
‫‪.plankalkul‬‬
‫بعد خسارة األملان احلرب العاملية الثانية‪ ،‬توقفت‬
‫عمليات التطوير على اجلانب األملاني لفرتة‪ ،‬واستثمر‬
‫احللفاء مزيداً يف هذه الصناعة اليت كان ي َ‬
‫ُنظر إليها‬
‫كإحدى صناعات املستقبل‪.‬‬
‫‪- 39 -‬‬
‫كانت الواليات املتحدة األمريكية أحد أهم مراكز‬
‫تطوير صناعة احلوسبة آنذاك‪ ،‬وفيها طورت أول‬
‫آلة حاسبة متخصصة حبل مجل املعادالت اخلطيّة‪.‬‬
‫وقد استخدمت هذه اآللة مكثفات لتخزين املعطيات‪،‬‬
‫فكانت حتتاج إىل تنشيط كل فرتة (كانت األوىل من‬
‫نوعها)‪ .‬عمل هذا احلاسوب برتدد ‪ 60‬هرتز ‪60hz‬‬
‫وكانت تقرأ الدخل من بطاقات مثقبة‪.‬‬
‫يف نيسان عام ‪1943‬م طور الربيطانيون آلة ‪heath‬‬
‫‪ robinson‬وهي آلة عدّ متخصصة يف فك الشفرات‪،‬‬
‫مل تكن حاسباً متعدد املهام‪.‬‬

‫إحدى رسوم‬
‫‪heath‬‬
‫‪robinson‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫وإمنا كانت آلة منطقية استخدمت اإللكرتونيات‬
‫والدارات املنطقية لتحقيق أهداف معينة‪ .‬واستطاعت‬
‫هذه اآللة قراءة ‪ 2000‬حمرف (رقم أو حرف) يف‬
‫الثانية‪ ،‬ومسيت باسم رسام قصص مصورة بريطاني‪،‬‬
‫عرف برمسه آلالت كرتونية مضحكة‪.‬‬
‫بعد ذلك بثمانية أشهر بين احلاسوب ‪colossus‬‬
‫يف بريطانيا لكسر شفرة األملان‪ ،‬وكان حيتوي على‬
‫‪ 2400‬صمام مفرغ‪.‬‬

‫احلاسوب ‪colossus‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫واستطاع أن يقرأ من شريط مثقب بسرعة ‪5000‬‬
‫حمرف يف الثانية‪ .‬وقد بين هذا احلاسوب ليخلف‬
‫حاسوب ‪ robinson heath‬الذي كان ال يعتمد عليه‬
‫يف بعض األحيان‪ .‬كما بنى احللفاء عشرة حواسيب‬
‫مماثلة له‪ ،‬دمرت كلها بعد احلرب حلفظ أسرار‬
‫تصميمها‪.‬‬
‫انتهت احلرب يف عام ‪1945‬م ‪ ،‬واستمر احللفاء‬
‫بتطوير احلواسيب والنظريات اليت وضعوها لتصميمها‪.‬‬
‫ويف ذلك العام كتب العامل والرياضي جون فون نوميان‬
‫حبثاً وصّف فيه بشكل معمق أول حاسوب يعتمد فكرة‬
‫الربنامج املخزن‪ .‬وتعرف هذه البنية إىل اآلن ببنية‬
‫فون نوميان‪ .‬وأغلب حواسيب العامل اليوم تعتمد على‬
‫هذا البنيان‪ .‬يتألف احلاسوب يف هذه البنية من وحدة‬
‫معاجلة مركزية هي اليت تقوم بعمليات التحكم واجلمع‬
‫والضرب‪...‬اخل‪ ،.‬وبنية أخرى منفصلة هي الذاكرة تقوم‬
‫بالتخزين‪ .‬وحتتوي هذه البنية على التعليمات واملعلومات‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك‪ ،‬لنأخذ تعليمة الضرب‪:‬‬
‫‪( z y x Multiply‬أي جداء س ‪ ،‬ع ‪ ،‬ص)‬
‫هذه التعليمة حبد ذاهتا تكون خمزنة يف ذاكرة املعاجل‪،‬‬
‫ويكون املعاجل مربجماً ليفهمها بشكل ‪:‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫«خذ حمتوى الصندوق ‪ y‬وحمتوى الصندوق ‪ z‬وإج ِر‬
‫بينهما عملية ضرب‪ ،‬ثم خزن الناتج يف ‪.»x‬‬
‫ولكن كيف للمعاجل أن يعرف حمتوى هذه الصناديق؟‬
‫إنه ال يعلم‪ ،‬إال عناوينها فقط‪ .‬وهو يرسل هذه العناوين‬
‫إىل الذاكرة اليت ترد قيمتها‪ .‬وهكذا نرى كيف حتتوي‬
‫الذاكرة على التعليمات واملعطيات معاً‪.‬‬
‫وض����ع ف����ون ن���ومي���ان أي���ض���اً ق��ان��ون�ين لتصميم‬
‫احلاسوب‪:‬‬
‫‪ -1‬جيب أال تنفذ التعليمات بشكل تتابعي على أي‬
‫حاسوب‪.‬‬
‫‪ -2‬جيب أن يكون هناك فصل بني الذاكرة ووحدة‬
‫املعاجلة‪.‬‬
‫سنرى الحقاً كيف مت خرق القانون األول باستخدام‬
‫املعاجلة التفرعية‪ ،‬أما القانون الثاني فما زال معتمداً‬
‫حتى اليوم‪ .‬ولكن هذا القانون نفسه الذي ساهم بتسهيل‬
‫تصميم حواسيب اليوم أدى إىل ما يعرف بنقطة اختناق‬
‫ف��ون ن��ومي��ان‪ .‬وسبب ه��ذا االختناق هو عمليّة الفصل‬
‫نفسها‪ ،‬فبفصلنا ال��ذاك��رة عن وح��دة املعاجلة املركزيّة‬
‫وضعنا سقفاً لكمية املعطيات املمكن نقلها بني االثنني‪.‬‬
‫لقد اقتُ ِرحت حلول كثرية للتخفيف من هذا االختناق‪،‬‬
‫وأغلب هذه التقنيات موجود يف حواسيب اليوم‪.‬‬
‫‪- 43 -‬‬
‫بعد أن نشر فون نوميان حبثه الشهري بعام واحد(أي‬
‫يف عام ‪1946‬م)‪.‬‬

‫جون فون نوميان‪ :‬مصمم بنية فون نوميان الشهرية‬

‫أُعلن يف الرابع عشر من شباط عن إمتام احلاسوب‬


‫الشهري ‪ ENIAC‬وهو أحد أوائل احلواسيب اإللكرتونية‬
‫اليت استخدمت الصمامات‪ .‬كان وزن هذا احلاسوب‬
‫‪- 44 -‬‬
‫‪ 30‬طناً‪ ،‬واحتوى ‪ 18000‬صمام إلكرتوني‪ ،‬واستهلك‬
‫حوايل ‪ 160‬كيلواط من الطاقة الكهربائيّة‪ .‬وقد صمم‬
‫هذا احلاسوب حلساب مساقط القذائف البالستية‬
‫اليت كانت األساس لتصميم القنبلة اهليدروجينية‪.‬‬

‫احلاسوب ‪ENIAC‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫يف العام ذاته قدم آالن تورينغ حبثاً مفصالً إىل خمرب‬
‫الفيزياء القومي الربيطاني أعطى فيه أول توصيف منطقي‬
‫مكتمل حلاسوب يعتمد بنيان فون نوميان‪ .‬ولكن‪ ،‬وبسبب‬
‫سريّة األعمال اليت قام هبا وقت احلرب‪ ،‬منع تورينغ من‬
‫أن يشرح كيف أن أعماله ميكن أن تستخدم يف جهاز‬
‫إلكرتوني‪.‬‬

‫آالن تورينغ‪ :‬األب الروحي للذكاء االصطناعي‬

‫تأسست يف عام ‪ 1947‬رابطة آالت احلوسبة‬


‫وحافظت على بقائها إىل يومنا هذا بعدد أعضاء‬
‫يتجاوز ‪78000‬عضو‪ ،‬وهي ترعى العديد من النشاطات‬
‫التعليمية واملعلوماتية‪.‬‬
‫‪- 46 -‬‬
‫يف ذلك العام‪ ،‬اكتشف الرتانزستور الذي شكل ثورةً‬
‫حبد ذاته‪ ،‬واستبدل بتقنيات األنابيب املفرغة تقنيات‬
‫أخرى أفضل منها بكثري‪ .‬كان من شأن هذا االكتشاف‬
‫تسريع احلواسيب وتصغري حجمها بشكل كبري جداً‪.‬‬
‫ظهرت بعد ذلك نظرية املعلومات اليت بدأت تناقش‬
‫فاعِليَّ َة اللغات‪ ،‬وأي لغات تستهلك طاقة أقل للكالم‬
‫هبا‪ .‬ويف السادس من أيار عام ‪1949‬م مت تنفيذ أول‬
‫برنامج خمزن على حاسوب‪ .‬ويعد هذا التاريخ يوم‬
‫ميالد احلوسبة املتقدمة‪ ،‬ألن أغلب حواسيب اليوم‬
‫تعتمد هذا البنيان‪ .‬وهبذا تنتهي املرحلة األوىل من‬
‫تاريخ احلوسبة‪.‬‬
‫يف عام ‪1950‬م نشر آالن تورينغ حبثاً وصف فيه‬
‫تطور ذكاء البشر واآلالت‪ .‬وقد سُمِّي فيما بعد باختبار‬
‫تورينغ‪ ،‬وبه بدأت احلقبة اجلديدة يف احلوسبة‪ .‬ويف‬
‫الوقت نفسه حافظت احلواسيب املبنية باستخدام‬
‫الصمامات على بقائها‪ ،‬وبدأ االستثمار التجاري‬
‫للحواسيب بالظهور‪ .‬ويف هذه األثناء طرحت جملة‬
‫‪ TIME‬أحد أهم األسئلة يف احلوسبة‪ :‬هل بإمكان‬
‫البشر تصميم آلة «أذكى» من البشر؟‬
‫ما يزال هذا السؤال بال جواب إىل يومنا هذا‪ ،‬ولكن‬
‫‪- 47 -‬‬
‫من املتوقع‪ ،‬أنه إذا ما صُمِّم حاسوب بذكاء اإلنسان‬
‫فلن يبقى هذا احلاسوب بذكائه اجلديد وقتاً طويالً‪،‬‬
‫وإمنا سيصبح أذكى من اإلنسان نفسه‪.‬‬
‫بدأت احلواسيب باالنتشار يف جوانب أخرى‪،‬‬
‫فظهر احلاسوب ‪ whirlwind‬الذي صمم يف معهد‬
‫ماستشوستس للتكنولوجيا‪ .‬ومتيّز هذا احلاسوب‬
‫بعمله يف الزمن احلقيقي‪ ،‬أي إن معاجلته للمعطيات‬
‫املدخلة كانت شبه آنية‪ .‬وكان تطوير هذه امليزة فيه‬
‫لتحقيق هدف عسكري‪ ،‬حيث استخدم هذا احلاسوب‬
‫يف التحذير من اهلجمات اجلوية على الواليات املتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫بعد ذلك ظهرت تطبيقات للحواسيب العامة‪ ،‬فظهر‬
‫أول برنامج دفع رواتب مؤمتتة‪ ،‬كما ظهرت املوسيقى‬
‫املولدة من قبل احلاسوب يف العام ذاته‪.‬‬
‫يف عام ‪1951‬م‪ ،‬وبسبب صعوبة الربجمة باللغات‬
‫املنخفضة املستوى‪ ،‬بدأت املرتمجات (‪)compilers‬‬
‫بالظهور‪ ،‬وظهر يف الواليات املتحدة األمريكية أول‬
‫مرتجم عايل املستوى‪ .‬تستخدم املرتمجات لبناء الربامج‪،‬‬
‫وهي تقوم بتحليل الصالت بني تعليمات الربنامج‬
‫املختلفة لتسريع عمل الربنامج‪.‬‬
‫‪- 48 -‬‬
‫يف بريطانيا وعلى اجلانب الفيزيائي من احلواسيب‪،‬‬
‫استمر العلماء الربيطانيون بتجربة طرق جديدة‬
‫لنمذجة الدارات املنطقية‪ .‬وأدى ذلك إىل اخرتاع أول‬
‫حاسوب يعمل باستخدام الرتانزستورات‪ .‬وجر هذا‬
‫االخرتاع سلسلة من االخرتاعات األخرى‪ ،‬وصوالً يف‬
‫‪1958‬م إىل اخرتاع الداراة املدجمة (جمموعة كبرية من‬
‫الدارات املنطقية املرتبطة مع بعضها البعض)‪ .‬تشكل‬
‫هذه التطورات يف جمموعها ما يعرف باجليل الثاني‬
‫من احلواسيب‪ .‬فباستخدامها للرتانزستورات عوضاً‬
‫عن األنابيب املفرغة أصبح حجم احلواسيب أصغر‬
‫مبراحل‪ ،‬وازدادت يف الوقت نفسه قدرهتا على معاجلة‬
‫املعلومات‪ ،‬هذا باإلضافة إىل قدراهتا الربجميّة‪ .‬فاللغات‬
‫اليت ظهرت يف تلك الفرتة كانت عالية املستوى‪ ،‬شبيهة‬
‫باللغة اإلنكليزية‪ ،‬مما جعلها أكثر مرونة بكثري من‬
‫اللغات السابقة‪.‬‬
‫مل تكن الدارات املدجمة قد استخدمت يف تصميم‬
‫احلواسيب بعد‪ ،‬ومع إدخاهلا يف التصميم‪ ،‬بدأ اجليل‬
‫الثالث من احلواسيب يأخذ شكله‪ .‬وظهرت يف هذا‬
‫اجليل أوىل ألعاب احلاسوب من معهد ماستشوستس‬
‫للتكنولوجيا‪ ،‬وكانت تدعى‪.)spacewar( :‬‬
‫‪- 49 -‬‬
‫يف هذا اجليل بدأت احلواسيب الشخصية بالظهور‪،‬‬
‫كان سعرها آنذاك حوايل ‪.$16000‬‬
‫لعل أحد أهم أحداث هذه الفرتة هو قيام أحد‬
‫مؤسسي شركة (‪ ،)intel‬غوردون مور املعروف بقانونه‬
‫الشهري‪ ،‬بتقديم حبث حتدث فيه عن مفهوم أصبح‬
‫يعرف بامسه‪.‬‬
‫وصف قانون مور ظاهرة طويلة األمد يف تاريخ تطور‬
‫عتاد احلواسيب‪ ،‬فأشار إىل أن عدد الرتانزستورات املمكن‬
‫وضعها بشكل غري مكلف على دارة مدجمة قد تضاعف‬
‫كل عامني تقريباً‪.‬‬
‫إن العديد من قدرات األجهزة اإللكرتونية مرتبط بشكل‬
‫وثيق بقانون مور‪ ،‬كسرعة املعاجلة‪ ،‬وسعة الذاكرة‪ ،‬وحتى‬
‫دقة آالت التصوير الرقمية حتى اليوم‪ .‬لقد ثبت قانون‬
‫مور ألكثر من مخسني عاماً ويتوقع أن يستمر على األقل‬
‫إىل عام ‪2015‬م‪.‬‬
‫سنتكلم عن قانون مور الحقاً لنفهم العديد من املفاهيم‬
‫املغلوطة حوله‪.‬‬
‫مع بدء عام ‪1969‬م ازداد االهتمام بالشبكات‬
‫احلاسوبية‪ ،‬فأنشأت وزارة الدفاع األمريكية قسماً‬
‫إلجراء البحث يف جمال الشبكات احلاسوبية‪ .‬وشكلت‬
‫هذه املؤسسة نواة ما يعرف اآلن باإلنرتنت‪ ،‬وكانت يف‬
‫‪- 50 -‬‬
‫البدء حمصورة باالتصاالت العسكرية‪ ،‬ثم فتحت بعد ذلك‬
‫للمستخدمني العاديني‪ ،‬فانضم إليها العديد من اجلامعات‬
‫والشركات‪.‬‬
‫و يف السبعينيات بدأت خمتربات بيل بتطوير نظام‬
‫التشغيل ‪ UNIX‬الذي يعد أحد أهم األنظمة احلالية‪.‬‬
‫وقد حافظ هذا النظام على وجوده‪ ،‬إال أنه مع مرور‬
‫الزمن مت نسخه واالقتباس منه كثرياً‪ ،‬مما سبب العديد‬
‫من الدعاوى القانونية املتبادلة بني الشركات‪.‬‬
‫مع حلول عام ‪1971‬م ظهر املعاجل الصغري‪ ،‬الذي‬
‫طوَّره آنذلك فريق يف شركة ‪ intel‬ومسي ‪ ،4004‬وكان‬
‫حيتوى هذا املعاجل الصغري على ‪ 2300‬ترانزستور‪ ،‬ويقوم‬
‫بالعمليّات على ‪ 4‬بتات (خانات حتمل قيمة إما صفر أو‬
‫واحد)‪.‬‬

‫تدهوف وأول‬
‫املعاجلات الصغرية‬

‫‪- 51 -‬‬
‫مع قدوم عام ‪ 1972‬بدأ فجر اجليل الرابع للحواسيب‬
‫اليت متيّزت عن سابقاهتا باعتمادها على الدمج املرتفع‬
‫املستوى (‪ )LSI‬حيث وجدت حوايل ‪ 500‬قطعة من‬
‫أنواع متعددة على الدارة‪ .‬وبعد حوايل مخس سنوات‬
‫ظهرت دارات اعتمدت الدمج الشديد ارتفاع املستوى‬
‫(‪ ،)VLSI‬واحتوت الدارات املصممة هبذه الطريقة‬
‫حوايل ‪ 10000‬مكوّن‪ .‬إن حواسيب اليوم نفسها جزء‬
‫من اجليل الرابع‪ .‬وعلى الرغم من ازدياد قوة احلوسبة‪،‬‬
‫فإن التكنولوجيا بقيت نفسها‪.‬‬
‫مع تطور العتاد احتاج العلماء واملربجمون إىل لغات‬
‫برجمة جديدة لتسهيل عمليّة التطوير‪ ،‬فطورت‬
‫خمتربات بل (‪ )laboratories bell‬يف الواليات‬
‫املتحدة األمريكية لغة ‪ ،C‬و من ثم لغة ‪.++C‬‬
‫كلتا اللغتني (‪ C‬و‪ )++C‬أحدثتا تغيرياً كبرياً يف جمال‬
‫لغات الربجمة‪ ،‬حيث أدخلتا تغيريات كبرية يف مفاهيم‬
‫برجمية أساسية وزادتا إنتاجية املربمج‪.‬‬
‫استمرت الشبكات احلاسوبيّة بالتطور‪ ،‬فوضعت‬
‫جمموعة من القواعد إلرسال املعطيات‪ .‬ومشلت هذه‬
‫القواعد مجيع املستويات من العتادية إىل الربجمية‪.‬‬
‫ويعود الفضل إىل هذه القواعد يف عمومية التوصيالت‬
‫‪- 52 -‬‬
‫املوجودة اليوم‪ ،‬حيث ميكننا وصل أي حاسبني معاًوالثقة‬
‫بدقة عمليّة نقل املعلومات‪.‬‬

‫‪ rj46‬الوصلة الفيزيائية‪ ،‬وهي جزء من أحد التعميمات‬


‫الشهرية لالتصال بالشبكة‬

‫بعد ذلك بدأ العديد من شركات احلوسبة بالظهور‬


‫على كافة مستويات الصناعة احلاسوبية‪ ،‬كشركة‬
‫‪ .apple ،cray ،zilog ،Microsoft‬يف هذه‬
‫املرحلة انتقل تطوير الصناعة احلاسوبية من أيدي‬
‫احلكومات إىل الشركات اخلاصة‪ ،‬وتنوعت جماالت‬
‫هذه الشركات‪ ،‬فمنها ما اختص بالربجميات وحدها‪،‬‬
‫‪- 53 -‬‬
‫أو أنظمة التشغيل‪ ،‬ومنها ما صنع احلواسيب الفائقة‬
‫(‪ ،)computers super‬حيث كان احلاسوب الفائق‬
‫الواحد يف عام ‪ 1976‬يكلف ‪ 5‬ماليني دوالر أمريكي‪.‬‬
‫مع هناية السبعينيات بدأت احلواسيب الشخصية‬
‫تأخذ شكلها احلايل‪ ،‬حيث قامت ‪ IBM‬يف عام‬
‫‪1981‬م بتسويق حاسبها الشخصي اجلديد‪ ،‬وجنح‬
‫هذا التصميم بشكل مل يكن مسبوقاً‪.‬‬

‫احلاسوب الشهري‪cray1 :‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫مع ظهور احلواسيب الشخصية بأسعار وأحجام‬
‫معقولة‪ ،‬بدأت احلكومات واملنظمات باالنتباه إىل فعاليّة‬
‫احلواسيب وأمهيتها يف مساعدة الطالب يف استيعاب‬
‫مفاهيم قدمية وترسيخ مفاهيم جديدة‪ ،‬وكان الربيطانيون‬
‫من السباقني يف هذا اجملال‪ .‬ففي عام ‪ 1982‬أدخلت‬
‫احلكومة الربيطانيّة احلواسب يف نظام التعليم الثانوي‪،‬‬
‫مما يدل على تركيز احلكومات على صناعة احلواسيب‬
‫آنذاك ورغبتها جبعل هذه الصناعة شعبيّة‪.‬‬
‫بعد ذلك بعام‪ ،‬أطلقت ‪ IBM‬حاسبها ‪IBMXT‬‬
‫بقرص صلب وصلت سعته إىل ‪ 128kB، 10MB‬من‬
‫الذاكرة‪ ،‬وسواقة أقراص مرنة‪ ،‬وشاشة‪ ،‬وطابعة‪ ،‬ووصل‬
‫سعر هذا احلاسوب إىل ‪ 5000$‬دوالر آنذاك‪.‬‬

‫احلاسوب‬
‫‪IBMXT‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫يف عام ‪1985‬م قامت شركة مايكروسوفت بإصدار‬
‫أول نسخة من نظام التشغيل (‪ ،)windows‬ومل يتم‬
‫تقبل هذا النظام بصورة جيدة حتى صدور اإلصدار‬
‫الثالث‪ .‬وحتى ذلك الوقت مل يكن هذا النظام كامالً‪،‬‬
‫إىل أن مت إصدار نظام (‪ .)windows95‬كان هذا‬
‫النظام حيوي واجهات شبيهة بتلك اليت استعملتها‬
‫شركة (‪ ،)apple‬مما جعل األخرية ترفع دعوى قضائية‬
‫على األوىل بتهمة نسخ شكل النظام‪.‬‬

‫تصور للروابط بني‬


‫عقد الشبكة العنكبوتية العاملية‬
‫‪- 56 -‬‬
‫يف آخــــر الثمانينيـــات من القـــرن املـــاضي ولـــدت‬
‫الشبكة العنكبوتيّة العامليّــة اليت ربطت بني النصوص‬
‫والشبكات‪،‬فأصبح باإلمكان الــوصول إلـى املعــــــلومــــات‬
‫النصــــيـــة بشكـــل شفـــاف‪ .‬وتفاعلت هــذه الشبكـــة مــع‬
‫أطراف اإلنتـــــرنت األخــــرى‪ ،‬كنقـــــــل امللفات وغريه‪.‬‬
‫يف التسعينيات‪ ،‬بدأت التطبيقات احلاسوبية‬
‫بالتوسع إىل العديد من اجملاالت‪ ،‬فظهرت األلعاب‬
‫الثالثية األبعاد‪ ،‬ونظم الزمن احلقيقي‪ ،‬وانتشرت‬
‫تطبيقات اإلنرتنت‪ .‬ولعل من أشهر االنتصارات اليت‬
‫حصلت آنذاك هزمية احلاسوب (‪ )blue deep‬الذي‬
‫بنته (‪ )IBM‬لبطل الشطرنج العاملي غاري كاسباروف‬
‫يف سلسلة مباريات اجتذبت كثرياً من االهتمام‪.‬‬
‫مع هناية التسعينات بدأت الشركات العاملة يف‬
‫قطاع اإلنرتنت تتزايد‪ .‬وعلى الرغم من خفوت هذه‬
‫النزعة مع بداية األلفية اجلديدة فقد عادت اآلن إىل‬
‫الوجود مع جناح العديد من الشركات‪ ،‬مثل‪google :‬‬
‫و‪ yahoo‬وغريمها‪.‬‬

‫‪- 57 -‬‬
‫األزرق العميق‪:‬‬
‫احلاسوب الذي هزم بطل العامل يف الشطرنج‬

‫‪- 58 -‬‬
‫تبعات قانون مور‬
‫لقد ذكرنا قانون مور وحمتواه بشكل سريع سابقاً‪.‬‬
‫هذا القانون‪ ،‬على الرغم من بساطته‪ ،‬فإنه حيمل كثرياً‬
‫من الدالئل والنتائج املستقبليّة‪.‬‬

‫قانون مور‪ :‬نالحظ التضاعف لعدد‬


‫الرتانزستورات كل عام ونصف‬

‫‪- 59 -‬‬
‫يف ‪ 13‬نيسان من عام ‪1995‬م صرح مور أن القانون‬
‫ال ميكن أن يستمر إىل األبد‪ ،‬ذلك ألنه مع زيادة عدد‬
‫الرتانزستورات على الشرائح‪ ،‬ومع ثبات مساحة هذه‬
‫الشرائح فإن أبعاد الرتانزستورات تقرتب من حجوم‬
‫الذرات‪ ،‬مما سيعيق زيادة عدد الرتانزستورات يف‬
‫الدارات فوق حد معني‪.‬‬
‫على الرغم من قدمه‪ ،‬فقد ارتبط قانون مور بكثري‬
‫من املفاهيم املغلوطة‪ .‬ومن هذه املفاهيم ربط قانون‬
‫مور بسرعة احلوسبة دائماً‪ .‬ويطرح قانون مور بوضوح‬
‫رؤية لزيادة عدد الرتانزستورات‪ .‬أما العالقة بني زيادة‬
‫عدد الرتانزستورات وسرعة احلوسبة فهي عالقة‬
‫ترتبط بالتصميم اهلندسي للمعاجلات‪ ،‬وبالتايل ليست‬
‫واضحة أو رياضية يف صلبها‪ ،‬بشكل أبسط الزيادة‬
‫يف عدد الرتانزستورات ال تؤدي إىل زيادة مباشرة يف‬
‫سرعة احلوسبة أو حجم الذاكرة أو أو‪...‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫احلوسبة اليوم‬

‫لقد رأينا كيف انتقلت احلواسيب من عمالقةٍ‬


‫ميكانيكية‪ ،‬تَ ِزنُ بضعة أطنان تك ِّلف بضعة ماليني من‬
‫الدوالرات إىل شكلها احلايل‪ .‬ولكن هذا التطور مل يكن‬
‫تقنياً فحسب‪ ،‬وإمنا كان تطوراً يف طريقة التفكري أيضاً‪.‬‬
‫لقد أدت ثورة املعلومات واملكننة إىل تغيري حياتنا‪ .‬فنحن‬
‫مع الزمن‪ ،‬ننعزل قليالً قليالً‪ ،‬وأبعد فأبعد‪ ،‬عن األعمال‬
‫الروتينية والتكرارية‪ ،‬ونرتك هذه األعمال لآلالت اليت ال‬
‫تعرف للملل معنى‪ ،‬بينما نركز حنن البشر‪ ،‬على العمليات‬
‫اإلبداعية والتصميمية‪.‬‬
‫لقد المس هاتان الثورتان العديد من جوانب احلياة‬
‫البشرية‪ ،‬كاهلاتف النقال‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬والسيارات‬
‫احلديثة‪ ،‬ونظام إدارة إشارات املرور‪ ،‬والطريان اآليل‪ .‬وحتى‬
‫الثالجة املوجودة يف منزلك فإهنا حتمل معاجلاً صغرياً‪.‬‬
‫أمل تالحظ كيف أهنا تتوقف عن التربيد بعد الوصول‬
‫إىل درجة حرارة معينة؟ لقد أصبح باإلمكان اليوم نقل‬
‫املعلومات بسرعة عمالقة عرب األلياف الضوئيّة‪ ،‬وهذا‬
‫ما جعل التكلم عن طريق اإلنرتنت إىل صديق أو قريب‬
‫أرخص مبراحل مما كان عليه يف فرتة اهلاتف العادي‪،‬‬
‫وحتى اخلليوي‪.‬‬
‫‪- 61 -‬‬
‫وحتى التقنيات احلديثة‪ ،‬أصبحت تشهد تطوراً‬
‫متسارعاً‪ .‬فاهلواتف اخلليوية أصبحت تعمل باستخدام‬
‫اللمس‪ ،‬وبعضها اليوم مييز وجه أو بصمة صاحبه‪ ،‬بل‬
‫وهنالك برامج تتعرف على أصوات املستخدمني لتنفذ‬
‫أوامرهم الصوتية‪.‬‬
‫كانت هناك عدة ثورات ضمن الثورة احلاسوبية‬
‫نفسها‪ ،‬كل ثورة دمرت ما سبقها أو أمتته وخلقت‬
‫شكالً جديداً أفضل منه لتقديم اخلدمة‪ .‬أحد أهم هذه‬
‫الثورات هو ثورة االتصاالت‪ .‬كانت هذه الثورة عامالً‬
‫أساسياً يف حتقيق العوملة‪ ،‬وإمكانيّة االتصال إىل كل‬
‫مكان يف العامل (تقريباً) بسعر متدن جداً‪ .‬والسرعة‬
‫والوثوقية يف إرسال املعلومات عرب الشبكة‪ .‬فبإمكانك‬
‫اليوم أن تالحق طرداً أرسلته بالربيد عرب البلدان اليت مر‬
‫هبا‪ ،‬وميكنك رؤية بلدان أخرى كأنك زرهتا‪ ،‬باستخدام‬
‫اخلدمات املتعددة املتوفرة على اإلنرتنت‪ ،‬بل وأصبح‬
‫بإمكانك التجوال يف الفضاء اخلارجي افرتاضياً‪.‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫اإلنرتنت‬

‫كما رأينا‪ ،‬نشأت شبكة اإلنرتنت بعد توسيع شبكة‬


‫أنشأهتا وزارة الدفاع األمريكية‪ .‬ومع الزمن اشرتك‬
‫عديد من الشركات واملؤسسات فيها‪ ،‬واإلنرتنت شبكة‬
‫تربط بني مليارات األجهزة اإللكرتونيّة على الكرة‬
‫األرضيّة‪.‬‬
‫مع بداية ظهورها‪ ،‬كان االتصال باإلنرتنت عن‬
‫طريق استخدام خطوط اهلاتف املعتادة‪ ،‬ومازالت هذه‬
‫الطريقة مستخدمة حتى يومنا هذا‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫بطئها‪ ،‬فإهنا تكفي لرؤية صفحات الشبكة‪ ،‬إ ْذ ال تتطلب‬
‫عملية حتميل الصفحات كثرياً من املعلومات املنقولة‪.‬‬
‫مع تطور الشبكة وتطور احلواسيب والتجهيزات‬
‫املستخدمة اليت تربط املستخدمني هبذِه الشبكة ظهرت‬
‫حماوالت لزيادة فاعليتها‪ ،‬حيث بدأت التطبيقات‬
‫احلاسوبيّة بالظهور على الشبكة عوضاً عن ظهورها‬
‫املعتاد على احلواسيب املكتبيّة‪ .‬ويف أواسط التسعينات‬
‫وأواخرها ظهر حقبة ما يسمى بـ‪.web1.0:‬‬
‫كانت هذه احلقبة تتعلق باالستثمار أكثر منها‬
‫بالتقنية‪،‬إذ كان هدف الشركات يف هذه املرحلة هو‬
‫‪- 63 -‬‬
‫صناعة احملتوى‪ ،‬أي إن املواقع اإللكرتونية آنذاك اهتمت‬
‫بتوفري األخبار أو التطبيق بعيداً عن بقية الشبكة‪ .‬وقد‬
‫انتهت هذه الفرتة عندما تراجع اهتمام املستثمرين‬
‫باإلنرتنت يف عام ‪2001‬م‪.‬‬
‫مل يطل الزمن بعد ذلك حتى بدأت الـ‪web :‬‬
‫‪ 2.0‬بالظهور‪ ،‬واعتمدت هذه الفرتة على التفاعل‬
‫بني املستخدمني واملواقع‪ ،‬فظهرت مواقع الفيديو‪،‬‬
‫وتطبيقات اإلنرتنت‪ ،‬واملدونات‪ ،‬وحمركات البحث‪،‬‬
‫والشبكات االجتماعيّة‪ ،‬وأصبحت جزءاً من احلياة‬
‫اليومية لكثريين‪.‬‬

‫رحبت شركة ‪Google‬‬


‫مليارات الدوالرات من حمرك حبثها الشهري‬

‫‪- 64 -‬‬
‫احلوسبة التفرعيّة‬

‫مع بداية األلفيّة اجلديدة أصبحت عمليّة زيادة‬


‫تردد املعاجل أصعب فأصعب ألسباب تقنية‪ ،‬فاجته‬
‫املصممون إىل احلوسبة التفرعيّة‪.‬‬
‫تقوم احلوسبة التفرعية على فكرة توزيع العمل‬
‫على عدة حمطات عمل‪ ،‬فمثالً‪ ،‬إذا أردنا نقل جمموعة‬
‫من األشياء من مكان إىل آخر‪ ،‬بإمكاننا تعيني شخص‬
‫واحد لينقل هذه األشياء‪ ،‬أو ميكننا تعيني عدة‬
‫أشخاص ليقوموا بعملية النقل‪ .‬ومن الواضح أنه إذا‬
‫كانت قدرة كل من األشخاص اجلدد على النقل مماثلة‬
‫لقدرة الشخص األول‪ ،‬فإن التسريع يكون مرتبطاً‬
‫بعددهم‪ .‬فإذا نقل شخص وحده األشياء يف زمن قدره‬
‫ساعتان‪ ،‬فإن شخصني يعمالن معاً يستطيعان نقلها‬
‫يف ساعة واحدة‪ ،‬وأربعة أشخاص يقومون بذلك يف‬
‫نصف ساعة يف أحسن األحوال (يعرف هذا القانون‬
‫بقانون أمدال)‪.‬‬
‫ويف عامل احلواسيب توظف احلوسبة التفرعيّة‬
‫للقيام باملهام الشديدة احلاجة إىل احلسابات املنفصلة‬
‫عن بعضها‪ .‬فبدالً من وضع معاجل ذي نواة واحدة يف‬
‫‪- 65 -‬‬
‫احلاسوب أصبحنا نضع معاجلاً حيوي اثنتني أو أربعاً‬
‫أو مثانياً أو حتى املئات منها‪.‬‬

‫معاجل من شركة ‪ intel‬بنواتني داخليتني‬

‫نقل البعض هذه الفكرة إىل مستوى آخر‪ .‬فبعض‬


‫املهام حتتاج إىل عدد أكرب بكثري من املعاجلات املتوفرة‬
‫يف احلواسيب املكتبيّة اليوميّة‪ .‬ونظراً لتوافر العديد من‬
‫احلواسيب اليت تظل عاطلة عن أي عمل أغلب الوقت‪،‬‬
‫واملتصلة بشبكة اإلنرتنت‪ ،‬ونظراً للحاجة إىل قدرات‬
‫هذه احلواسيب‪ ،‬فقد ظهرت احلوسبة التفرعيّة على‬

‫‪- 66 -‬‬
‫مستوى احلاسوب نفسه‪ ،‬فأصبحنا نصل احلواسيب‬
‫ّ‬
‫ونسخر هذه‬ ‫فيما بينها باستخدام برجميات خاصة‪،‬‬
‫احلواسيب للقيام باألعمال اليت نريدها‪.‬‬
‫لقد ازداد حجم الشبكات اليت تضم هذه احلواسيب‪،‬‬
‫فمنها ما أصبح يعمل على مستوى الدول ‪،‬وبعضها تعدى‬
‫مستوى الدول وأصبح يصل بني حواسيب يف خمتلف‬
‫القارات‪.‬‬

‫صورة لربوتني منمذج بوساطة شبكة مشروع‬


‫(‪)Folding@Home‬‬
‫‪- 67 -‬‬
‫يقوم مشروع (‪ )Folding@Home‬بنمذجة‬
‫بروتينات (مركبات كيميائية معقدة) خمتلفة‪ ،‬ويضم أكثر‬
‫من ‪ 350000‬حاسوب فعال مشارك‪ .‬و ميكنك أنت أيضاً‬
‫املشاركة يف مشاريع من هذا النوع دون أن تكلفك شيئاً‪.‬‬

‫‪- 68 -‬‬
‫احلواسيب اخلارقة‬

‫تقف احلواسيب اخلارقة عند ختوم التكنولوجيا‬


‫والقدرات احلسابيّة واملزايا التصميمية‪ .‬وكما رأينا‪،‬‬
‫فقد نشأت هذه الفصيلة من احلواسيب لتلبية‬
‫حاجات اجملتمع العلمي املتزايدة‪ ،‬وكان ذلك يف أواسط‬
‫الستينيات‪.‬‬

‫احلاسوب ‪RoadRunner‬‬
‫أسرع احلواسيب اخلارقة احلالية‬
‫‪- 69 -‬‬
‫تنزع احلواسيب اخلارقة إىل أن تصبح عادي ًة بعد‬
‫مرور بعض الزمن عليها‪ ،‬حتى إن بعض احلواسب‬
‫اخلارقة كانت يف املاضي أضعف من احلاسوب الذي‬
‫نستعمله اليوم يف بيوتنا‪.‬‬
‫تستخدم احلواسيب اخلارقة اليوم العديد من‬
‫املكونات غري املتخصصة‪ ،‬كاملعاجلات املوجودة يف‬
‫األسواق‪ .‬ولكن ما مييز هذه احلواسيب ليس فقط‬
‫مكوناهتا‪ ،‬بل أيضاً تصميمها الذي حيمل عادة بنىً غري‬
‫تقليدية‪ ،‬وذلك لتوفري املزيد من السرعة‪ ،‬أو للتوفري يف‬
‫الطاقة‪...‬اخل‬
‫استفادت أوائل هذه احلواسيب من العديد من‬
‫أشكال املعاجلة التفرعيّة‪ ،‬وتسربت هذه النزعة إىل‬
‫احلواسيب املكتبية‪ ،‬فأصبحنا نرى حواسيب حتمل‬
‫نواتَيْن أو أكثر‪ ،‬واملستقبل يعد باملزيد‪.‬‬

‫‪- 70 -‬‬
‫احلاسوب السيليكوني‬

‫يعرّف احلاسوب بكونه آلة قابلة للربجمة (فهو‬


‫خيتلف بذلك عن اآلالت احلاسبة)‪ ،‬ختزن وتعدل يف‬
‫معطيات ما وتظهرها بشكل مفيد‪.‬‬
‫لقد تغريت حمتويات احلاسوب الداخليّة على مر‬
‫السنني‪ ،‬واليوم تعتمد احلواسيب على الدارات املدجمة‬
‫يف عملها‪ .‬هذه احلواسيب أقدر من أسالفها مباليني‬
‫املرَّات‪ ،‬إذا مل يكن مبليارات املرات‪ ،‬وهي أقل منها‬
‫حجماً بكثري‪.‬‬
‫بعض احلواسيب البسيطة تعتمد على البطاريات يف‬
‫تشغيلها‪ .‬لقد محلت احلواسيب الشخصية رمز ثورة‬
‫املعلومات‪ ،‬وأصبحت متثل معنى كلمة حاسوب‪ ،‬على‬
‫الرغم من أن احلواسيب املدجمة (كاملوجودة يف الطائرات‪،‬‬
‫والثالجات أو اإلنساالت الصناعيّة) هي أكثر انتشاراً‬
‫واستعماالً‪.‬‬
‫حيتوي احلاسوب بشكله احلايل عدة أقسام‪ ،‬وهي‬
‫ختتلف من حاسوب إىل حاسوب‪ ،‬ولكنها حتمل املبدأ‬
‫نفسه أينما وجدت‪.‬‬
‫ولكل حاسوب جمموعة من املكونات العتادية والربجمية‪،‬‬
‫واملكونات الفيزيائية للحاسوب‪:‬‬
‫‪- 71 -‬‬
‫وحدة املعاجلة املركزية‪ :‬وهي عقل احلاسوب‪ ،‬تقوم‬
‫بالعمليات املختلفة وتناقش األوامر املنطقية‪ .‬تقسم‬
‫هذه الوحدة كما يف كل مؤسسة إىل قسمني‪ ،‬قسم‬
‫إداري‪ ،‬هو وحدة التحكم‪ ،‬وهو الذي يصدر األوامر وال‬
‫يقوم بأي شيء آخر‪ ،‬ووحدة تنفيذ‪ ،‬وهي اليت تقوم‬
‫بتنفيذ التعليمات كاجلمع‪ ،‬والضرب‪ ،‬والقسمة‪...‬اخل‬
‫وتتلقى هذه الوحدة أوامرها من وحدة التحكم‪.‬‬

‫وحدة معاجلة مركزية من‬


‫شركة ‪ intel‬حتتوي على أربع نوى‬

‫‪- 72 -‬‬
‫الذاكرة‪ :‬وهي مكان حفظ األوامر واملعطيات‪ .‬عندما‬
‫يبدأ تشغيل احلاسوب يذهب إىل الذاكرة ليقرأ‬
‫التعليمات وينفذها برتتيبها‪ .‬وقد أخذت الذاكرة عرب‬
‫الزمن عدة أشكال ميكانيكية‪ ،‬وورقية‪ ،‬وكهربائية‪،‬‬
‫وإلكرتونية‪.‬‬
‫ ‬

‫ذاكرة الكرتونية‬

‫الدخل واخلرج‪ :‬هو كل شيء يف احلاسوب‪ ،‬ما عدا‬


‫وحدة املعاجلة املركزية والذاكرة‪ ،‬كالقرص الصلب‬
‫الذي هو وحدة ختزين خارجيّة‪ ،‬أو الشاشة اليت هي‬
‫وحدة إظهار‪ .‬أو الفأرة‪ ،‬أو لوحة املفاتيح ومها وحدتا‬
‫إدخال‪.‬‬
‫أما برجمياً‪ ،‬فنحن حباجة إىل برجميات حبسب‬
‫املهام اليت نريد القيام هبا‪.‬‬
‫حنن حباجة دائماً إىل نظام تشغيل‪ .‬يعمل هذا النظام‬
‫‪- 73 -‬‬
‫بشكل وثيق مع عتاد احلاسوب‪ ،‬فهو يقوم بالتخاطب‬
‫مع الذاكرة ووحدة املعاجلة املركزية وينظم ختاطبها‬
‫مع بعضها بعضاً‪.‬‬
‫مع نظام التشغيل‪ ،‬حنن حباجة إىل برجميات‬
‫متخصصة للقيام مبهام معينة‪ .‬فلالتصال باإلنرتنت‬
‫حنن حباجة إىل متصفح‪ ،‬ولتشغيل املوسيقى حنن‬
‫حباجة إىل مشغل ملفات من نوع معني‪ ،‬هذا املشغل‬
‫يقرأ ملفات املعطيات وحيوهلا إىل ترددات هي املوسيقى‬
‫املكتوبة‪.‬‬
‫مستقبل احلوسبة‬

‫علم احلوسبة مازال حتى اليوم يف طفولته‪ ،‬فأحالم‬


‫البشر حبوسبة عمليات مل تكن سابقاً قابلة للحوسبة‬
‫تولد كل يوم‪ ،‬أحالم بصنع آالت عاقلة‪ ،‬يبحث يف هذه‬
‫األحالم كل يوم‪ ،‬حتى إن بعض البشر حيلمون بآالت‬
‫تشعر وتفكر وتتخذ قرارات‪.‬‬
‫إن كمية املعطيات اليت نولدها خالل حياتنا اليومية‬
‫يف تصاعد مستمر‪ ،‬ولعل من أهم التحديات أمام‬
‫علماء ومهندسي املستقبل إجياد قيمة هلذه الكمية‬
‫املرتفعة من املعطيات‪ .‬إن تصاعد كمية املعطيات يعين‬
‫‪- 74 -‬‬
‫امتالكنا سلطة أكرب على البيئة احمليطة بنا‪ ،‬واملستقبل‬
‫سيكون من نصيب من يستطيع اغتنام املعطيات اخلام‬
‫املوجودة بني يديه‪ ،‬ليوجد منها بنى ومعلومات ذات‬
‫معنى‪.‬‬
‫لقد صورت الطائرات األمريكية بال طيار يف عام ‪2009‬م‬
‫مشاهد بالفيديو حتتاج حوايل ستني عاماً ملشاهدهتا‪ ،‬إن‬
‫احلل القديم بتكليف بعض األشخاص للعمل على حتليل‬
‫هذه املشاهد أصبح غري فعَّال‪ ،‬وهذه املشكلة هي واحدة‬
‫فقط من مشاكل كثرية تواجه مهندسي املستقبل‪.‬‬
‫و مع تغري األهداف حاول بعضهم النظر إىل عتاد‬
‫احلاسوب نظرة خمتلفة‪ ،‬فظهرت أشكال أخرى من‬
‫احلواسيب‪ ،‬خمتلفة يف بنياهنا‪ .‬بعضها اعتمد على‬
‫مفاهيم فيزيائيّة خمتلفة‪ ،‬مع احلفاظ على البنية‬
‫السيليكونية‪ ،‬وبعضها اآلخر اعتمد بنياناً بيولوجياً‪،‬‬
‫وبعض ثالث اعتمد نظريات خمتلفة متاماً‪ .‬ويبقى‬
‫البنيان السيليكوني التقليدي هو األسرع حتى اليوم‬
‫ولكن بعض البنى يبدي قدرة غري اعتيادية يف إجياد‬
‫حلول لبعض املشاكل‪.‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫احلوسبة باستخدام الـ ‪DNA‬‬

‫وهي نوع من احلوسبة تستخدم احلمض الرييب‬


‫النووي ‪( DNA‬وهو جمموعة من الرموز فريدة لدى‬
‫كل كائن حي‪ ،‬وتوجد واحدة منها يف كل من خالياه)‪،‬‬
‫الكيمياء احليويّة والبيولوجيا اجلزيئية عوضاً عن‬
‫السيليكون املعتمد يف احلواسيب التقليدية‪.‬‬
‫ولد هذا اجملال يف عام ‪ ،1994‬ومنذ ذلك العام ظهر‬
‫العديد من التطبيقات اليت مت تنفيذها باستخدام هذا‬
‫املفهوم‪.‬‬

‫صورة لشريط ‪DNA‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫تشابه احلوسبة باستخدام الـ ‪ DNA‬يف أساسها‬
‫احلوسبة التفرعية‪ ،‬فهي تستغل وجود عدة جزيئات‬
‫من الـ ‪ DNA‬لتحقيق عدة احتماالت يف آن واحد‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فاحلوسبة باستخدام الـ ‪DNA‬‬
‫تستهلك طاقة أقل بكثري من احلواسيب التقليدية‪.‬‬
‫لبعض املشاكل املتخصصة حواسب الـ ‪ DNA‬أسرع‬
‫وأصغر من أي حاسوب موجود حتى اآلن‪ ،‬ولكن على‬
‫الرغم من قدراهتا‪ ،‬فإن احلوسبة باستخدام الـ ‪DNA‬‬
‫ال تقدم أي أفكار جديدة من الناحية اخلوارزمية‬
‫للمعضالت املراد حلها‪ ،‬وإمنا تقدم إمكانات جديدة‬
‫للحل‪.‬‬

‫‪- 77 -‬‬
‫احلاسوب الكمومي‬

‫احلواسيب الكمومية هي أحد أحالم مهندسي‬


‫احلواسيب احلاليني‪ .‬تستفيدُ هذه احلواسيب من‬
‫بعض مفاهيم الفيزياء الكمومية (اليت تدرس القوانني‬
‫الفيزيائية يف األبعاد الضئيلة جداً وبني اجلسيمات‬
‫الدقيقة مثل الفوتونات والربوتونات واإللكرتونات‬
‫وغريها) للوصول إىل سرعات معاجلة مرتفعة جداً‬
‫بالنسبة حلواسيب اليوم‪.‬‬
‫عوضاً عن متثيل املعطيات بشكلها التقليدي‬
‫باستخدام البتات‪ ،‬يستخدم احلاسوب الكوانيت ما‬
‫يسمى بـ‪ :‬بت كمي‪ .‬وحيمل كل من هذه البتات الكمية‬
‫قيمة ترتاوح بني الصفر والواحد عوضاً عن إحدى‬
‫قيمتني (الصفر أو الواحد يف البتات التقليدية)‪.‬‬
‫على الرغم من أن احلوسبة الكمومية مازالت يف‬
‫مرحلة الطفولة‪ ،‬فإن بعض التجارب أُجريت على عدد‬
‫صغري من البتات الكمية‪ ،‬والعمل النظري والتطبيقي‬
‫ما زال مستمراً لتطوير حواسيب كمومية ألغراض‬
‫تتعلق بأهداف مدنية وأهداف متعلقة باألمن القومي‬
‫للدول (كتحليل التشفري)‪.‬‬
‫‪- 78 -‬‬
‫العقل ثم العقل‬

‫احلواسيب حتى اليوم هي آالت غري مفكرة و غري‬


‫واعية‪ ،‬تفعل بالضبط ما تؤمر به‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن أغلب‬
‫البشر اليوم ال يعهدون بكثري من القضايا إىل حاسوب‪،‬‬
‫لكن السؤال هو‪ :‬ماذا لو استطعنا تسخري احلواسيب‬
‫لننجز أكثر‪ ،‬لنبدع أكثر‪ ،‬لنعاجل أمراضاً أكثر تعقيداً‬
‫بشكل أبسط و دقة أكرب‪ ،‬لنبين منشآت أمنت وأدق‬
‫وأرخص وأكثر أماناً للبيئة‪ ،‬ألن نعهد هبذا إىل آالت‬
‫لتقوم به؟‬
‫نضع هذه األحالم املستقبلية بني أيدي األطفال‪،‬‬
‫اجليل اجلديد الذي مبقدوره بناء هذه اإلبداعات‬
‫اهلندسية‪ ،‬ونقل البشرية إىل مستوى جديد مل تشهد‬
‫له مثيالً من قبل‪ ،‬وأحد هؤالء األطفال قد يكون أنت‪.‬‬

‫‪- 79 -‬‬
- 80 -

You might also like