Professional Documents
Culture Documents
المنتقى من فقه الدعاء-1
المنتقى من فقه الدعاء-1
احلمد هلل السميع العليم ،والصالة والسالم على الرسول الكرمي ،أما بعد:
فإن من أعظم الطاعات وأجل القرابت ،وأحبها إىل رب األرض والسموات :عبادة الدعاء ...كيف
ال وقد قال عنها صلى هللا عليه وسلم " الدعاء هو العبادة".
وإن هذه العبادة تزداد أمهيتها ويعلو شأهنا يف األزمنة الفاضلة ،وخاصة يف رمضان حيث أن هللا تبارك
وتعاىل أشار يف كتابه إشارة مهيبة إىل هذا عندما قال يف معرض آايت الصيام وأحكامه ( :وإذا
سألك عبادي عين فإين قريب أجيب الدعوة اذا دعان.)....
وكذلك قال صلى هللا عليه وسلم :ثالثة ال ترد دعوهتم ...وذكر منهم" :والصائم حىت يفطر"
فشهر رمضان كما أنه شهر القرآن ،هو كذلك شهر الدعاء.
وإن تعلُّم الدعاء من أهم أمور الدين ،فحوائج املرء ال تُقضى إال بعون من هللا ،وعو ُن هللا قريب من
املتذللني املظهرين الفقر له ،كما ورد يف احلديث «أن هللا عند املنكسرة قلوهبم» ،ومن ِّ
أجل مواطن
انكسار القلوب وتذللها :الدعاء.
وتعلُّم الدعاء هو دأب الصديقني والصاحلني:
فقد قال أبو بكر الصديق رضي هللا عنه للنيب صلى هللا عليه وسلم« :علِّمين دعاءً أدعُو به يف
أنتفع به». ِّ
صاليت» ،وجاء إليه أعرايب فقال له« :علمين دعاءً ُ
حىت لو كان املرء عاملا حباجته ومسألته ،فهو مفتقر إىل ما يتوسل به إليها من ُحسن لفظ وتسديد
ً
رسول هللاِّ علِّمين دعاءً ُّ
يرد هللاُ به بصري». معىن ،فقد جاء أن أعمى قال« :اي َ
ولذلك كان من دعاء النيب صلى هللا عليه وسلم« :اللهم إين أسألك خري املسألة وخري الدعاء».
وإن خري الدعاء هو الدعاء الوارد عن خري الناس نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم فينبغي على املسلم
أن يعرف هذه األدعية وحيفظها ويفهم معانيها.
ولذا كان هذا املقرر الذي أعد خصيصاً ملسابقة "رمضان شهر الدعاء" إحدى مبادرات مؤسسة
أئمة اهلدى ،نفع هللا هبا.
مأثورا عن النيب صلى هللا عليه وسلم مع شرحها وبيان ما احتوت عليه
احدا وأربعني دعاءً ً مجعنا فيه و ً
من الفوائد اإلميانية والرتبوية.
هذا ،ونسأل هللا أن يرزقنا حسن االلتجاء إليه ،وحسن االنكسار بني يديه.
2 املنتقى من فقه الدعاء
( )1أخرجه مسلم ،كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ،باب التعوذ من شر ما عمل ،ومن شر ماا لام معمال،
برقم .2720
3 املنتقى من فقه الدعاء
ومالزمااة طاعتااك ،والتوفيااق إىل حساان اراوااة حااىت رجااوعي إليااك يااوم القيامااة ،فااأفوز اب نااان ،قااال ا
ود﴾ ،مل يقال تعااىل وادود ،بال قاال﴿ :م ْعِن ُد ٍ
ود﴾ أي يُعاد عاداً إىل تعاىل﴿ :ومِنا ِتُِن َ ِخرُِ َِّأ ََِجِن ِن ٍ م ْعِن ُد ٍ
َ َ َ ُ ََ
هذا اليوم العظيم ،فينبغي لنا أن نعد العُدة إىل هذا اليوم.
قول ااه( :واجعِن ِن احل ِنِناِ دةدِ ِل كِن ِن خ ِنِنْي) :أي اجع اال اي ا احلي اااة س اابباً يف زايدة ك اال خ ااري
يرضيك عين من العبادة والطاعة .
ويُفهم من ذلك أن طول عمر املسلم زايدة يف األعمال الصااحلة الرافعاة للادرجات العالياة يف الادار
س َن َع َْلُ ُ)).
ال عُ ْْ ُرُِح َو َح ُ
ا خرة ،كما ُسئل النيب َ :من خري الناس؟ فقالَ (( :م ْن طَ َ
قول ِن ( :واجع ِن املِنِنوت راحِنِنِ ِل مِنِنن ك ِن شِنِنر) :أي اجعاال املااوت راحااة ي ماان كاال مهااوم الاادنيا
وغمومهااا ماان الفاانت واحملاان ،واالبااتالءات ابملعصااية والغفلااة ,ويُفهاام ماان ذلااك أن املااؤمن يس ارتيح غايااة
الراحة ،ويسلم السالمة الكاملة عناد خروجاه مان هاذه الادار ،كماا جااء يف الصاحيحني :أن رساول ا ِّ
اد ِّمىن اهُ؟ ال(( :مس ِن َِِيحح ومس ِن َِاح ِم ْن ِن )) ،قَاالُوا :اي رس ا َ ِّ ِّ ِِّّ
ول هللاَ ،م اا املُ ىس ا َِّرت ُ
يح َواملُ ىس ا ََرت ُ َ َُ ُ َُ ْ َ ُم ار َعلَىي اه َنَا َازةَ فَا َق ا َ ُ ْ
اجر يسِن َِِ ِ ِ ِ ِ ال(( :الْعبِن ُد الِْْن ْ ِمن يسِن َِِ ِ
ي الِن ُِّندِتِْنَا َوأَأَا َهِنا ِ َ َر َِْْنِ اح َوال َْع ْبِن ُد الْ َفِن ُ َ ْ ُ
يح م ْنِن ُ صِن ِ يح مِن ْن ِتَ َ
قَا َ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ
اب)).
الد َو ُّالش َج ُرح َو َّ ال ِْعبَ ُ
ادح َوالْبِ ََل ُدح َو َّ
ق ااال احلا اراي« :ق ااد مج ااع يف ه ااذه ال الث ااة :ص ااالد ال اادنيا ،وال اادين ،واملع اااد ،وه ااي أص ااول مك ااارم
األخال الذي بُعث إلوامها ،فاستقى من هذا اللفظ الوجيز صالد هاذه ا واماع الا الل الايت حلات
يف األولني بداايهتا ،ووت غاايته».
( )2أخرجه مسلم ،كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ،باب التعوذ من شر ما عمل ،ومن شر ماا لام معمال،
برقم .2721
4 املنتقى من فقه الدعاء
قول ( :التُِّن َق ) :أي التقوى :وهو اسم جامع لفعل ما أمر ا به ،وترك ما هنى عناه ،قاال الطيايب:
«أطلق اهلدى والتقىأ ليتناول كل ماا ينبغاي أن يهتادي إلياه مان أمار املعااد واملعااد ومكاارم األخاال ،
وكل ما جيب أن يتقي منه من الشرك ،واملعاصي ،ورذائل األخال ،وطلب العفاف».
وأصا اال الكلما ااة ما اان التا ااوقي ،وها ااو أن عا اال بينا ااك وبا ااني عقوبا ااة ا تعا اااىل وقايا ااة ,ويكا ااون بفعا اال
الطاعات ،واجتناب احملرمات .
قول ِن ( :العف ِنِناف) :ه ااو التن اُّازه عم ااا ال يُباااد ,والص اايانة ع اان مط ااامع ال اادنيا ،فيش اامل العف اااف بك اال
أنواع اه ومن ااه العف اااف ع اان ال ازان كل ااه أبنواع ااه :ز النظ اار ،وز اللم ا ،وز االس ااتماف ،وز الف ارال ،
والتعفُّف عن الكسب والرز احلرام.
قول ( :الغن) :وهو غىن النف أبن يستغين العبد عن الناس ،وعما يف أيديهم ،فيستغين العباد ااا
ياَّللَ ُُِيِن ِن ُّ
أعط اااه ا ،س اواء أُعط ااي قل اايالً أو ك ارياً ،وه ااذه الص اافة حيبه ااا ا ،ق ااال الن اايب َّ ِ(( :ن َّ
اْلَِف َّي)) ،وساؤال ا (العفِنِناف والغِنِنن) ،ومهاا داخاالن يف اهلادى والتقاى مان ابب ال َْع ْب َد الت َِّق َّيح الْغَِ َّح ْ
التخصيص بعد التعميم ،وذلك لعظم شأهنما ،وشدة احتياال ارالئق هلما.
وقد قال بعض شراد هاذا احلاديث« :هاذا الادعاء مان أمجاع األدعياة وأنفعهاا ،وهاو يتضامن ساؤال
خااري الاادين وخااري الاادنيا ،فااإن اهلاادى هااو :العلاام النااافع ،والتقااى :العماال الصاااحل ،وتاارك مااا هنااى عنااه ا
ورسوله ،وبذلك يصلح الدين ،فإن الدين علوم انفعة ومعارف صادقة فهو (اْلِنُ َدى) ،وقياام بطاعاة ا
ورساوله ،فهااو (التقِن ) ،والعفاااف والغااىن يتضاامن العفاااف عاان ارلااق ،وعاادم تعليااق القلااب هباام ،والغااىن
اب وبرزقااه ،والقناعااة اااا فيااه ،وحصااول مااا يطماائن بااه القلااب ماان الكفايااة ،وبااذلك تااتم سااعادة احلياااة
الدنيا ،والراحة القلبية ،وهي احلياة الطيبة ،فمن ُرِّز َ اهلُدى ،والتقى ،والعفاف ،والغىن انل السعادتني،
وحصل على كل مطلوب ،وجنا من كل مرهوب».
وهااذا الاادعاء املبااارك ماان جوامااع الكلاام الاايت أوتيهااا الناايب الاايت مااع فيهااا قلااة األلفااا واملباااين،
وك رة املعاين ،وسعة مدلوالهتا ،ومقاصدها يف الدارين.
لح َوالْبُ ْم ِن ِ ح َوا ْْلَِن َرِ ح ك ِم ِن َن ال َْع ْج ِن ِزح َوالْ َا َس ِن ِ ح َوا ُِْْن ْ ِ (( -3اللَّ ُه ِن َّم ِِّن أَعُ ِنوأُ ِِن َ
ْ َخِن ْْيُ َمِن ْن َدَّكا َهِنا .أَِتِْن َ
ْ آت ِتَِن ْف ِسِني تَِن ْق َوا َهِناح َوَدكِ َهِنا أَِتِْن َ
اب الْ َقِن ِِْح اللَّ ُهِن َّم ِ َو َع َه ِ
ْي َأ َ ْ َشِن ُمح ْم َأ يَِن ْنِن َفِن ُمح َوِمِن ْن قَِنلِن ٍ ك ِمِن ْن ِعلِن ٍ َولُِِّن َها َوَم ْوَأ َها .اللَّ ُه َّم ِِّن أَعُوأُ ِ َ
5 املنتقى من فقه الدعاء
( )3أخرجه مسلم ،كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ،باب التعوذ من شر ما عمل ،ومن شر ماا لام معمال،
برقم .2722
6 املنتقى من فقه الدعاء
ِ ِ
ك ا ْْلَُدى َو َّ
الس َد َاد))(.)4 (( -4اللَّ ُه َّم ْاهدِّنح َو َسد ْدِّنح اللَّ ُه َّم ِِّن أ ْ
َسأَلُ َ
املفردات:
(اهدّن) :اهلداية هي الداللة واإلرشاد .
(السداد) :السداد هو االستقامة ،والقصد يف األمور.
الشرح:
هذا الدعاء املبارك يتضمن أهم املطالب ،وأشرف املواهب ،وال حيصل الفاالد والساعادة إال هبماا،
ومهااا اهلدايااة والسااداد ،فس اؤال ا اهلاُ َدى وهااو املعرفااة ابحلااق تفصاايالً وإمجاااالً ,والتوفيااق التباعااه ظاااهراً
وابطناً .
وسؤال ا السداد ،وهو التوفيق واالساتقامة يف مجياع األماور ااا يكاون صاواابً علاى احلاق ،والطرياق
اَّلل َوقُولِنُوا قَ ِن ْوأ َسِن ِديدا
آمنُِنوا اتَِّن ُقِنوا َّ ِ
املستقيم يف القول والفعل واالعتقاد ،قال تعاىلَ ﴿ :ة أَيُِّن َها الَّه َ
ين َ
صِن ِنلِ ْح لَ ُاِن ِن ْم أَ ْع َِْن ِنالَ ُا ْم َويَِنغْ ِفِن ِن ْر لَ ُاِن ِن ْم أُِتُِن ِنوَ ُا ْم﴾ فب ااني ا تع اااىل أن ااه يرتت ااب عل اى حص ااول الس ااداد
* يُ ْ
فائداتن:
– 1صالد األعمال .
– 2مغفرة الذنوب.
اد ح يب َ (( :سِن ِ اَ تَِن َعِنا َ ا ْْلِنُ َدىح َوال َّ
سِن َد َ ال الناِّ ُّ
ال :قَا َ َعا ىن أَِّيب بُا ىرَدةَ بىا ِّن أَِّيب ُمو َساى ،أَن َعلِّياا ،قَا َ
لس َد ِاد تَ ْس ِدي َد َك َّ
الس ْه َم)). َواأْ ُك ْر ِِب ْْلَُدى ِه َدايَِنتَ َ
ك الطَّ ِر َ
يقح َواأْ ُك ْر ِِب َّ
وقولِن ( :واأكِنِنر ِبْلِنِندى هِنِندايتك الطريِنِنق) :أن تااذكر يف حااال ُدعائااك اهلدايااة َمان ركااب ما َ
انت
الطريق ال يكاد يفار ا اادة ،وال يعادل عنهاا ميناة ويسارة خوفااً مان الضاالل ،وباذلك يصايب اهلداياة،
وين ا ااال الس ا ااالمة ،ف ا اااملعىن :إذا س ا ااألت ا تع ا اااىل اهل ا اادى ,ف ا اااخطر بقلب ا ااك هداي ا ااة الطري ا ااق ،وس ا اال ا
االستقامة ،كما تتحراه يف هداية الطريق إذا سلكتها.
قول ِن ( :والس ِنِنداد س ِنِنداد الس ِنِنهم) :واخطاار املعااىن يف قلبااك كااذلك حااني تسااأل ا السااداد م اال
س ااداد الس ااهم ر ااو الغ اارض ،ال يع اادل عن ااه ميين ااً وال ت اااالً ،فك ااذلك تس ااأل ا تع اااىل أن م ااا تنوي ااه م اان
( )4أخرجه مسلم ،كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ،باب التعوذ من شر ما عمل ،ومن شر ماا لام معمال،
برقم .2725
7 املنتقى من فقه الدعاء
الدِتِْن ا و ِ
اآلخ َرِِ))(.)5 ك ال قنيح والعفو والْعافِ
َ َ ُّ ِ ِ
َ َ َ (( -5اللَّ ُه َّم ِّن ْ
أسألُ َ
املفردات:
((ال قني)) :هو األمر ال ابت الذي ال شك ىلا ه.
((العفو)) :التجاوز عن الذنب :وترك العقاب عليه .
((العاف ِ)) :هي كلمة جامعة يف أتمني ا تعاىل للعبد ،ودفااف عناه كال نقماة ،وحمناة ،وش َار وباالء،
والسالمة من األسقام ،والبالاي ،وهي الصحة ضد املرض.
هذا الدعاء املبارك ا ليل القادر فياه أجال املطالاب ،وأهام املقاصاد الايت يتمناهاا كال عباد يف ديناه،
ودنياه ،وآخرته ،ففيها سؤال ا تبارك وتعاىل السالمة ،والوقاية من كل الشرور ،بكال أنواعهاا الظااهرة
والباطنة ،ا لية وارفية ،فإن السالمة واحلفظ مبتغاى كال ارالئاق ،يف هاذه املعماورة ،وخاصاة عبااد ا
تبارك وتعاىل املؤمنني.
وهلااذا كاناات هااذه الاادعوة ومااا تتضاامنه ماان مقاصااد عظيمااة عزياازة وجليلااة عنااد الشااارف احلكاايم ،يف
قولااه ،وأمااره ،وفعلااه ،وملااا كاناات ا فااات والاابالاي منهااا ظاااهرة ،كااأمراض الباادن ،وعللااه احلسااية ،ومنهااا
ابطنااة معنويااة ك فااات القلااب ،قُا ِّدم س اؤال السااالمة يف أهاام أنواعااه ،وهااو القلااب(( :اللَّهِنِنم ّن أسِنِنألك
ال قني)) ،وهو وام العلم وكماله ،وهو املنايف للشك والريب ،فهذا سؤ ٌال ِّألَعلى درجات اإلمياان ،الاذي
عليه الفالد يف الدنيا وا خرة.
قااال اباان مسااعود « :اليقااني اإلميااان كلاه»أ فلااذا كااان ماان دعائااه (( :اللهاام زدان إمياااانً ويقين ااً
وفهماً)) .
بان عمسا ،بارقم ،3514والبخااري ياا ابدب المفارد ،بارقم ( )5الترمذي ،كتاب الدعوات ،باب حدثنا موسا
.726
8 املنتقى من فقه الدعاء
فإذا رسخ اليقني يف القلب ،انقطع عن الادنيا ،وتعلاق اب خارة ،قاال سافيان ال اوري رمحاه ا (( :لاو
أن اليقني وقع يف القلاب كماا ينبغاي ،لطاار اشاتياقاً إىل ا ناة ،وهاروابً مان الناار)) ،قاال ابان حجار رمحاه
ا معلقاً(( :فإذا أيقن القلب ،انبع ت ا وارد كلها للقاء ا ابألعمال الصاحلة))(.)6
وال ش ااك أن ه ااذا ه ااو منته ااى اإلرادات وامل ااىن ،ف اادل ه ااذا املطل ااب العظ اايم عل ااى أن ااه أه اام مس ااائل
الا ِّادين ،ألنااه يتعلاق يف أهاام منازلااه ،وهااو مسااائل اإلميااان والتوحيااد ،الااذي هااو حااق ا تعاااىل علااى كاال
العبيد .
وقولاه(( :والعفو والعاف ِ الدِت ا واآلخرِ)) :مجاع باني عاافييت الادين والادنياأ ألناه ال غاىن عنهماا
للعبد ،فإن النجاة والفالد منوطة هبما .
فسؤال ا تعاىل ((العفو)) :يتضمن سؤال ا السالمة من الذنوب ،وتبعاهتا ،ونتائجها ،وآاثرها.
و((العاف ِنِنِ)) :ه ااو طل ااب الس ااالمة والوقاي ااة م اان ك اال م ااا يض ا ُّار العب ااد يف دين ااه ودني اااه ،م اان الس ااقام
واملصائب واملكاره والفنت واحملن .
وقد دل أمر النيب ،وقوله ،وفعله ،على أمهية هذه املقاصد ا ليلة ،فمان ذلاك ماا جااء عان عام
ال: الن اايب العب اااس أن ااه ج اااء للن اايب فق ااال(( :ايرس ااول ا َِّ ،علِّ ىم اين َش اىيئاً أَ ىس اأَلُهُ ا تَا َع ااىل ،قَ ا َ
ِّ ِّ ((سلُوا َّ ِ
ال
ااىل ،قَا َ َسأَلُهُ ا َ تع َ رسول ا :عل ىمين َشىيئاً أ ى ت :اي َ ئت فَا ُق ىل ُت أَايماًُُ ،ث ج ُ اَّلل العاف َِ)) ،فَم َك ى ُ َ
ِّ ِ ِ ()7 ِ عم َر ِ
الدِتْ ا واآلخرِ)) ،ففي تعليم النيب لعماه ُّ اَّلل العاف َِ اَّللح َسلُوا َّ سول َّ اسح ة َّ يَ (( :ة عبَّ ُ
الذي هو صنو أبيه ،هذا الدعاء دون غريه من األدعية بعد تكريره له ،وكذلك خطابه أبداة املناداة ((ة
اَّلل)) الاايت تفيااد التأكيااد والتنبيااه ،ياادل داللااة جليلااة علااى أمهيااة هااذه الاادعوة عبِنِناس))(( ،ة عِنِنم رسِنِنول َّ
ا ليلة.
َي الد ِّ ال اي رس َ ِّ ِّ ِّ ِّ
ال: ض ُل؟ قَ َ ُّعاء أَفى َول ا ،أ ُّ َ و من األدلة كذلك ،أن رجالً ((جاءَ إ َىل َر ُسول ا ،فَا َق َ َ َ ُ
ُّع ِّاء
َي الااد َ ول ا ِّ ،أ ُّ الَ :اي َر ُس ا َ ك ال َْع ْف ِن َو َوال َْعافَِ ِنَِ ِ الِن ُِّندِتِْنَا َو ْاآل ِخ ِن َرِِ)) ُُث أ ََاتهُ ِّم ا َن الىغَا ِّد فَا َق ا ََل َرَِّن َ
((تَ ْس ِنأ ُ
ِ
ك ال َْع ْفِن َو َوال َْعافَِِنَِ ِ الِن ُِّندِتِْنَا َو ْاآلخِن َرِِ))ُُ ،ث أ ََاتهُ الىيَ ا ىوَم ال الا َ
ِّ َل َرَّ َ ال(( :تَ ْسأ ُ
ول
الَ :اي َر ُسا َ ث فَا َقا َ ض ُل؟ قَا َ أَفى َ
ك ِ َأا أُ ْع ِط تَِن ُه َِْنا ك ال َْع ْفِن َو َوال َْعافَِِنَِ ِ الِن ُِّندِتِْنَا َو ْاآل ِخِن َرِِح فَِإِتَِّن َ َل َرَِّن َ
ال(( :تَ ْسِنأ ُ ض ُل؟ قَ َ ُّعاء أَفى َ
َي الد ِّ
ا ،أ ُّ َ
ِّ
ْ))(.)8 الدِتِْنَاح ُُثَّ أُ ْع ِط تَِن ُه َْا ِ ْاآل ِخ َرِِ فَِن َق ْد أَفِْنلَ ْح َ ِ ُّ
دل هذا احلديث على حرص الصحابة على علو اهلمة ،ومن ذلك حرصهم على معرفة أفضال
الدعاء .
و ماان األدلااة الساانية الاايت تاادل علااى أمهيااة هااذين املطلبااني( :العفِنِنوح والعاف ِنِنِ) أنااه كااان يااالزم
سؤاهلما ربه يف صباحه ومسائه .
ني ِّ ات ِّح ِّ ول ا ِّ ي َدف هؤالَِّء الدعو ِّ
ني ميُىسيَ ،وح َ َ ََ َ ُ َُ فعن ابن عمر َر ِّض َي ا ُ َعىنا ُه َما :أنه قالَ (( :ملى يَ ُك ىن َر ُس ُ
ُك ال َْعافَِِنَِ ِ الِن ُِّندِتِْنَا َواآل ِخ ِن َرِِح اللَّ ُه ِن َّم ِِّن أَ ْس ِنأَل َ
ُك ال َْع ْف ِن َو َوال َْعافَِِنَِ ِ ِدي ِن ِ صابِّ ُح(( :اللَّ ُه ِن َّم ِِّن أَ ْس ِنأَل َ يُ ى
وح وِم ِن ْن اح َفَْ ِن ِ ِم ِن ْن َِن ِ
ني يَِن َد َّ ِ
ِنِ َع ِن ْوَراِتح وآم ِن ْن َرْو َع ِناِتح اللَّهِن َِّنم ْ
ِ
او َوأ َْهل ِني َوَم ِن ِاِلح اللَّ ُه ِن َّم اسِن ُْ َو ُدِتِْنَ ِن َ
ال ِم ْن ََت ))(. )9 ك أ ْن أُ ْغتَ َ ومن فَِن ْوقِيح وأعُوأُ ِ َعََ َْتِ َ َخلْفيح وعن ََي ح وعن ِِشاِلح ِ
َ
فساؤاله العافيااة ( الِنِندين) :هااو طلااب الوقايااة والسااالمة ماان كاال أماار يشااني الاادين وىلاال بااه،
وىلدد يف عقيدة املؤمن ،وتوحيده ،من الفنت والضالالت ،والشبهات ،والشهوات من كل أنواعهما .
و سؤال ا تعاىل العافية ( الدِت ا) :هو طلب السالمة واألمان من كل ما يضر العبد يف دنيااه،
ماان املصااائب والاابالاي ،والشاادائد ،واملكاااره ،وساؤال ا تعاااىل العافيااة ( اآلخِنِنرِ) :هااو طلااب النجاااة،
والوقاية من أهوال ا خرة ،وشدائدها ،وكرابهتاا ،وماا فيهاا مان العقاوابت ،بادأَ مان االحتضاار ،وعاذاب
القرب ،والفزف األكرب ،والصراس ،والنجاة من أشد األهوال ،والعذاب ابلنار ،والعياذ اب .
وأما سؤاله العافية (لأله ) :فبوقايتهم من الفنت ،ومحايتهم من البالاي واحملن .
وأمااا يف (املِنِنال) :فبحفظااه وااا يتلفااه ماان غاار أو حاار أو ساارقة ،أو رااو ذلااك ،فجمااع يف ذلااك
سؤال ا احلفظ من مجيع العوارض املؤذية ،واألخطار املضرة)).
فاادل ذلااك كلااه علااى أن هااذه الاادعوات الكرميااة ا ليلااة ماان جوامااع الكلاام :وذلااك أنااه لااي شاايء
يعمل لآلخرة يتلقى إال ابليقني ,وهو اإلميان الراسخ الذي ال شك فيه وال ريب ،وهو أعلى الادرجات
كما سبق ،ولي شيء من الدنيا يهنأ لصاحبه إال مع العافية ،وهي األمن والصحة ،وفراغ القلب مان
كل مكروه ،فجمع أمر الدنيا كله يف كلمة ،وا خرة يف كلمة.
فينبغي للعبد الصاحل مالزمة هذه الدعوات املباركات يف الصباد واملساء ،اقتداء واستناانً ابلنايب
يف ليله وهناره :يف سفره وحضره ,ويف سرائه وضرائه ،ويف كل أحواله .
( )9أبو داود ،واللفظ له ،كتاب ابدب ،باب ما مقول إذا أصبح ،برقم ،5076ابن ماجه ،كتااب الادعاء ،بااب ماا
مدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمس ،برقم ،3871أحمد ،408 /3 ،برقم .4785
10 املنتقى من فقه الدعاء
اء ِِ كح وََتَ ِن ِن ُّو ِل َعافِ تِ ك ِم ِن ِنن َدو ِال ِتِ ْعْتِ ِ
ِن
َ َ ِن ج
َ ف
ُ و حكَ ِن ِن َ َ َ ِن ِن َ (( -6اللَّ ُه ِن ِن َّم ِِّن أَعُ ِن ِنوأُ ِن ِن َ ْ َ
ك))(.)10َج ِم َس َم ِط َ
كح و َِ
َ َ ِتِْقْتِ
َ
املفردات:
قول ( :من دوال ِتعْتك) :النعمة :كل مالئم حتمد عاقبته ،أي النعم الظاهرة والباطنةأ ألناه مفارد
مضاف يفيد العموم.
قول َ( :تِنِنول عاف تِنِنك) :أي تبادل العافياة بضادها مان عافياة إىل مارض وباالء ,والفار باني الازوال
والتحول ,أن الزوال :ذهاب الشيء من غري بدل.
والتحول :إبدال الشيء ابلشيء كإبدال الصحة ابملرض ،والغىن ابلفقر.
قول ( :فجاءِ ِتقْتك) :الفجأة :البغتة ،والنقمة :العقوبة.
(وَج م سمطك) :السخط :الكراهية للشيء ،وعدم الرضا به.
الشرح:
قول ِن ( :اللَّهِنِنم ّن أعِنِنوأ ِنِنك مِنِنن دوال ِتعْتِنِنك) :أي اي ا إين ألتجااإ إليااك ماان ذهاااب مجيااع
نعم ااك الظ اااهرة والباطن ااة ،الدنيوي ااة واألخروي ااة م ااا علمته ااا ،وم ااا مل أعلمه اااأ ألن نعم ااك ال ُحتص ااى ،وال
تُعدُ.
وزوال النعم اة ال يكااون إال عنااد عاادم شااكرها ،فتضاامنت هااذه االسااتعاذة املباركااة التوفيااق لشااكر
النعم ،واحلفظ مان الوقاوف يف املعاصايأ ألهناا تزيال الانعم ،قاال ا َ ﴿ :وِ ْأ ََتَأَّ َن َرُّ ُاِن ْم لَِنِ ْن َشِن َا ْرُْ
َََ ِدي َدِتَّ ُا ْم َولَِ ْن َك َف ْرُْ ِ َّن َع َه ِاِب لَ َش ِديد﴾.
ْي َما َِق ْوٍ َح ََّّت يُِنغَِْيُوا َما ِِبَِتِْن ُف ِس ِه ْم﴾. وقال تعاىلَّ ِ﴿ :ن َّ
اَّلل َأ يُِنغَِ ُ
ْ أَيْ ِدي ُا ْم َويَِن ْع ُفو َع ْن َكمِ ٍْي﴾. ص بَ ٍِ فَبِ َْا َك َسبَ ْ وقال جل شأنه﴿ :وما أَصا ُام ِمن م ِ
ََ َ َ ْ ْ ُ
وَتول عاف تك) :أي أعوذ بك اي ا من تبدل العافية اليت أعطيتاين إايهاا ،وهاي الساالمة قول ُّ ( :
ماان األسااقام والاابالء واملصااائب ،إىل األماراض والاابالء ،فتضاامنت أيضااً هااذه االسااتعاذة ساؤال ا دوام
العافية وثباهتا ،واالستعاذة به من حتول العافيةأ ألن بزواهلا تساوء عيشاة العباد ،فاال يساتطيع القياام
أبمور دنياه ودينه ،وما قد يصاحبه من التسخط وعدم الرضا وغري ذلك .
قولِن ِن ( :وفجِن ِناءِ ِتقْت ِنِنك) :أي أع ااوذ ب ااك م اان العقوب ااة ،واالنتق ااام ابلع ااذاب مباغت ااة ،دون توق ااع
( )10أخرجه مسلم ،كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالساتغفار ،بااب أكثار أاال الجناة الفقاراء ،وأكثار أاال الناار
النساء ،وبمان الفتنة بالنساء ،برقم .2739
11 املنتقى من فقه الدعاء
وحتس ااب ،و ُخ اص فج اااءت النقم ااة ابالس ااتعاذةأ ألهن ااا أش ااد و أص ااعب م اان أن أتيت ت اادرجيياً ،حبي ااث ال
تكون فرصة للتوبة.
قولِن ِن ( :وَج ِن ِنِنم سِن ِنِنمطك) :أي ألتجا ااإ وأعتصا اام إليا ااك أن تعيا ااذين ما اان مجيا ااع األسا ااباب املوجبا ااة
لسااخطك جاال شااأنكأ فااإن ماان سااخطت عليااه فقااد خاااب وخساار ،ولااو كااان يف أد شاايء ،وأبيساار
سااببأ وهلااذا قااال الناايب (( :وَج ِنِنم سِنِنمطك)) ،فهااي اسااتعاذة ماان مجيااع أسااباب سااخطه ماان
األقوال واألفعال واألعمال ،وإذا انتفت األسباب املقتضية للسخط حصلت أضدادها وهو الرضى.
( )11مسلم ،كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ،باب التعوذ من شر ما عمل ،ومن شار ماا لام معمال ،بارقم
.2716
12 املنتقى من فقه الدعاء
وأنه ال غىن له عن ربه وسيده طرفة عني ،وأنه ينبغي له دائماً الساري علاى هاذا املناوال ،حاىت يظفار
برضا ربه ،
وال ىلفى عليك اي عبد ا يف أمهية هذه الدعوة الطيبة ملا أخربت به ُّأمنا أم املؤمنني عائشة
ِّ
َرض َي ا ُ
َعىنا ُه َما أن هذه الدعوة كانت أك ر ما كان يدعو هبا ،وهو املغفور له ما تقدم من ذنبه ،وما أتخر.
( )12البخاري يا ابدب المفرد ،برقم ،664و ،665وأبو داود ،كتاب الوتر ،باب ما مقول الرجل إذا سلّم ،بارقم
،1510و.1511
13 املنتقى من فقه الدعاء
ال ااذي يُرض اايك ع ا ِّاين ,وأطل ااب من ااك الع ااون عل ااى مجي ااع األم ااور الديني ااة والدُّنيوي ااة ،واألخروي ااة ،ويف
مقابلة األعداء أمدين اعونتك وتوفيقك .
علي)) :وال ود العاون ملان مينعاين عان طاعتاك :مان الانف األماارة ابلساوء ،ومان
– 2قول (( :وأ تُعن َّ
شياطني اإلن وا ن .
– 3قولِن (( :واِتصِنِنرّن)) ،وهااو طلااب النصاارة ،وهااي الغلبااة ،أي يف كاال أحاواي ،وانصاارين علااى الكفااار
أع اادائي ،وأع ااداء دين ااك ،وقي اال :انص اارين عل ااى نفس ااي األم اارة ابلس ااوءأ فإهن ااا أع اادى أع اادائي ﴿ِ َّن
وء َِّأ م ِنا رِح ِنم رِِب﴾ ،وال مااانع ماان إرادة ا ميااعأ ألنااه مل ُىل ِّ س ِن ِ
ارِ ِِبل ُّ
ص اص نوع ااً َ َ ََ س ََََّم ِن َ
ال ِننَِّن ْف َ
معيناً ،واألصل إبقاء العموم على عمومه .
ادو خارجيااً ،أو
فتضاامن هااذا الاادعاء ساؤال ا تعاااىل النصاار والظفاار علااى كاال األعااداء ،ساواء كااان العا ُّ
داخلياً.
– 4قول (( :وأ تنصِنِنر علِن َِّني)) :وال علاين مغلاوابً ،فتسالط علاي أحاداً مان خلقاك ,وال تنصار الانف
األمارة ابلسوء علي ،فأتبع اهلوى وأترك اهلدى .
– 5قول (( :وام ُار ِل)) :املكر هو اراداف ،وهاو مان ا إيقااف بالئاه أبعدائاه مان حياث ال يشاعرون،
أي أنا اازل مكا اارك اا اان أراد يب شا ااراً وسا ااوءاً ،وارزقا ااين احليلا ااة السا االيمة ،والطريقا ااة امل لا ااى يف دفا ااع كيا ااد
عدوي ،فأسلم من كيدهم وشرهم .
هتد عدوي إىل طريق يُوقِّع الشر علي من خاللاه ،وال تعااملين علي)) :أي و ال ِّ – 6قول (( :وأ ْار َّ
بسوء نييت ،فأغرت وأ اوز احلد من حيث ال أشعر فأهلك.
– 7قول (( :واهدّن)) :اهلداية نوعان:
أ – هداية داللة وإرشاد .
ب – وهداي ااة توفي ااق وت بي اات ،والعب ااد حينم ااا يس ااأل ا تع اااىل اهلداي ااة ينبغ ااي أن يستحض اار ه ااذه
املعاااين ،فيقااول :دل اين ،ووفقااين لطاار اهلدايااة واملعرفااة ،ووفقااين هلااا ،وال أزي ا عنهااا حااىت ألقاااك،
فتضمن هذا السؤال التوفيق إىل فعل ارريات من األعمال الصاحلات ،والعلم الناافع ،واجتنااب
احملرمات .
ِل)) :أي سهل ي اتِّباف اهلداية ،وسالوك طريقهاا ،وهياإ ي أساباب اراري، – 8قول (( :ويسر اْلُدى َّ
حىت ال أست قل الطاعة ،وال أنشغل عن العبادة.
- 9قول (( :واِتصرّن عل مِنِنن غِن علِنِني)) :وانصارين علاى مان ظلماين وتعادى علاي ,وهاذا صايص
علي)) ،وهو يدل علاى أمهياة النصارة ،والظفار علاى
بعد العموم يف قوله أوالً(( :واِتصرّن وأ تنصر َّ
14 املنتقى من فقه الدعاء
من اعتدى وبغى بغري حقأ ملا يف ذلك من سرور القلب ،وطمأنينة النف ،وراحة البال من وقاياة
األعداء ،وال قة بقدرة ا تعاىل ونصره .
شاارا)) بعد :أن توسل إليه تعااىل فيماا ينفعاه يف تعاملاه وساريه ماع لك َّ – 10قول (( :اللَّ ُه َّم اجعل َ
خلقه ،شرف يف التوسل إىل ا تعاىل فيما ينفعه ويقربه ،ويصلح أحواله ماع عبادتاه لرباه تعااىل ،وأن
هذه املطالب هاي األعظام واألهام عناده ،كماا دل علاى ذلاك صاي املبالغاة ،وتقادمي ا اار وا ارور،
فقا ااال(( :اللَّهِن ِنِنم اجعل ِن ِن لِن ِنِنك شِن ِن َِّناارا)) :أي ك ا ااري الشا ااكر ،كما ااا تفيا ااده صا اايغة املبالغا ااة يف قولا ااه:
((شِن َِّناارا)) ،أي اجعلااين ك ااري الشااكر يف السااراء والضااراء يف القااول ،والعماال ،ويف الساار ،ويف العلاان
عل ااى النعم اااء وا الء ،ويف تق اادمي ا ااار وا اارور ((ل ِنِنك)) للدالل ااة عل ااى االختص اااص ،أي أخص اك
ابلشكرأ ألنك خالق النعم ،ومعطيها ،سأل ا التوفيق إىل الشكرأ ألن به تدوم النعم.
– 11قول ِن (( :لِنِنك أ َّك ِنارا)) :أي ك ااري الااذكر لااك يف كاال األوقااات ،واألح اوال قائم ااً ،وقاعااداً ،وعلااى
جنب يف الصباد ،واملسااء ،ويف السار والعلان ،ويف ساؤاله تعااىل التوفياق إىل الاذكرأ ألناه هاو أفضال
األعمال.
– 12قول (( :لك رهاِب)) :أي خائفاً منك يف كل أحواي :يف ليلي وهناري ،يف سافري ويف حضاري،
ويف الغيب والشهادة .
– 13قول (( :لِنِنك مطواعِنِنا)) :أي ك اري الطاوف ،وهاو االنقيااد واالمت اال والطاعاة ألوامارك ،والبعاد عان
نواهيك .
– 14قول (( :لك ُمبتا)) :أي ك ري اإلخباات ،وعالمتاه :أن ياذل القلاب باني يادي ا تعااىل إجاالالً
وتذلالً ،أي لك خاشعاً متواضعاً خاضعاً.
– 15قول ِن (( :ل ِنِنك أواه ِنِنا من ب ِنِنا))(( :واألواه :ه ااو :ك ااري التض اارف والاادعاء والبك اااء ،)13(ك ااري
الرج ا ااوف إلي ا ااك م ا اان ال ا ااذنوب وارط ا ااااي .وتق ا اادمي ا ا ااار وا ا اارور يف ه ا ااذا ،وال ا ااذي قبل ا ااه لالهتم ا ااام
واالختصاص ،وحتقيق اإلخالص ،أي أخصك وأخلص لك وحدك.
سا ااأل ا تعا اااىل التوفيا ااق إىل رود العبا ااادات ،وأزكاها ااا ،وأمساها ااا ،وأمهها ااا ،للقيا ااام هبا ااا علا ااى الوجا ااه
األكماال ،واألم اال ،واألو ،وكمااا دلات الصااي ( شِنِنااراح أكِنِناراح رهِنِناِبح مطواعِنِنا )...علااى كمااال
الا ُّاذل والعبوديااة هلل تعاااىل ،وأنااه ينبغااي للعبااد أن يتوس ال إليااه تعاااىل أبمسائااه احلسااىن ،وصاافاه العااال،
ويسااأله التوفيااق إىل أفضاال األعمااال ماان العبااادات ارالصااة لااه تعاااىل ،فااإن ذلااك يرجااع إليااه بعظاايم
صِن ِروح َوِمِن ْن َشِن ِر لِ َسِن ِاّنح ِ ِ (( -9اللَّه َّم ِِّن أَعوأُ ِ َ ِ
ك م ْن َش ِر ََسْعيح َومِن ْن َشِن ِر َ َ ُ ُ
َوِم ْن َش ِر قَِن ْلِ ح َوِم ْن َش ِر َمنِِي))(.)14
الشرح:
شر َسعي)) :اي ا ،إين أعوذ بك من كل ما حرمت السماف منه قول (( :اللَّهم ّن أعوأ ك من ِ
وال ترض اااه :كالش اارك ،والكف اار ،والغيب ااة ،والنميم ااة ،والك ااذب ،وال اازور ،والبهت ااان ،واملع ااازف ،أو أبن ال
أمسع إال احلق من ذكر ونصح وموعظة .
قولِن ِن (( :وم ِنِنن ش ِنِنر ص ِنِنرو)) :ك ااي ال أرى ش اايئاً ال ترض اااه م اان احملرم ااات م اان النس اااء ،وامل ارد م اان
ُ
الصاابيان ،ومنااه النظاار علااى وجااه االحتقااار ألحااد ماان ارلااق ،أو أمهاال النظاار واالعتبااار يف املخلوقااات
العجيبة يف األرض والسماء.
( )14أبو داود ،أبواب الوتر ،باب يا االستعاذة ،برقم ،1551والترمذي ،كتاب الدعوات ،بااب حادثنا أحماد بان
منمع ،برقم .3492
16 املنتقى من فقه الدعاء
قول ِن (( :وم ِنِنن ش ِن ِِنر لس ِنِناّن)) :أع ااذين م اان ك اال حم اارم أنطق ااه بلس اااين ،كالك ااذب ،والغيب ااة ،والنميم ااة،
والسب ،والقذف ،وغريه من احملرماتأ فإن اللسان أك ر ارطااي واملهالك فيه.
شر اللسان يتضمن نقيضه أبن ال ينطق إال احلاق كالاذكر ،وال نااء علياك ،والشاكر واالستعاذة من ِّ
على نعمتك وآالئك ،واألمر ابملعروف ،والنهي عن املنكر ،وال أتكلم فيماا ال يَعنياين ،والساكوت عماا
يُغنيين ،وحفظ اللسان من اللغو ،واللهو ،والباطل .
قولِن (( :ومِنِنن شِن ِِنر قلِن )) :أعااذين مان كاال شا َار ماان السايئات يف قلاايب ،كالنفااا ،واحلسااد ،واحلقااد،
والرايء ،والكرب ،وسوء الظن ،ومن االعتقادات الفاسدة ،ومن ُحب الدنيا من الشهوات والشبهات.
قول (( :ومن شر من ِن ِِني)) :أي مان ش ِّار فرجاي ،أبن أوقعاة يف غاري حملاه مان الاز ،واللاواس ،واالساتمناء،
وغري ذلك من احملرماات ،أو ياوقعين يف مقادمات الاز مان النظار ،واللما ،واملشاي ،والعازم ،وأم اال ذلاكأ
فااإن شااهوة الفارال ماان أعظاام مااا ابتُلااي بااه اإلنسااان ،فقااد تااؤدي إىل املسااالك الرديئااة ،وإىل املهالااك البعياادة،
وخاصاة يف هااذا الزمااان ،مااع ك اارة دعاااة الفاانت والفساااد ،وك اارة دواعيااه ،وانتشااارها ،وك اارة وسااائلها ،وسااهولة
حصوهلا يف كل مكان إال من رمحه هللا تعاىل .
وال ىلفى احلكمة بتخصيص االستعاذة من هاذه ا اوارد ملاا فيهاا مان منااس الشاهوة ،وم اار اللاذةأ
وألهناا أصاال كاال ش َار وقاعدتااه ومنبعااهأ فااإن ا احلكايم جاال قاادره خلاق هااذه ا الت واحلاواس لالنتفاااف
هبا ااا يف منا ااابع ارا ااري ،كالطاعا ااات ،وسا اابل ارا اريات ،والتأما ال يف ا فا ااا ما اان عجائا ااب قا اادرة ا ،
واستعماهلا يف الوقاية من الشرور واملعاصي املؤدية إىل اهللكات يف الدنيا وا خرة.
( )15الترمذي ،كتاب الدعوات ،باب دعاء أم سلمة ،برقم ،3591وابن حبان ،240 /3 ،برقم .960
17 املنتقى من فقه الدعاء
ينكرها ااا العبا اااد ،كاحلقا ااد ،واحلسا ااد ,والكا اارب ،والبخا اال ,وا ا ااش ,وسا ااوء اللسا ااان ما اان :السا ااب ،والشا ااتم،
ابب لاب كاال شاار، والقاذف ،والتعاادي اب اوارد :ابلضاارب ابليااد ،أو الرجالأ فااإن األخاال املنكاارة سا ٌ
ودفع كل خري .
قول (( :واَعْال)) :أي أعوذ اب من األعمال السايئة :كالقتال ،والاز ،وشارب ارمار ،والسارقة,
والبطش ,والتعدي ,والظلم بغري حق ،وغري ذلك .
قول (( :اَهواء)) :مجع هوى ،وهاو هاوى الانف ,وميلهاا إىل املساتلذات ,واالهنمااك يف الشاهوات
الباطلااة ,واالسااتعاذة كااذلك ماان الزيا والضااالالت الفاساادة يف االعتقااادات ،والشاابهات فااإن الشاار كاال
صري صاحبه ابتباعه كالعابد له ,فال شيء يف الشر أزيد مناهأ ألناه يضايع الادنيا الشر أن يكون اهلوى ي ِّ
ُ
ْ َم ِن َّاَّتَ َه ِ َْلَُ َه َواُِ﴾ ،وهوى الشبهات أشاد و أخطار مان
والدين والعياذ اب ،قال ا ﴿ :أَفَِن َرأَيْ َ
هوى الشهوات .
قول ِن (( :واَدواء)) :مجااع داء وهااو :املاارض ،واملعااىن :أعااوذ بااك ماان منك ارات األسااقام ،واألم اراض
ارطرية ،م ل ا ذام ،والربص ،والسل ،والسرطان واأليدز ،وغاري ذلاك ،فهاذه كلهاا بوائاق الادهر ,وإمناا
استعاذ من هذه األربع املنكراتأ ألن ابن آدم ال ينفك منها يف تقلبه يف ليله وهناره.
( )16الترمذي ،كتاب الدعوات ،باب حدثنا موس بن عمس ،برقم ،3513والنسائا يا الكبار ،،بارقم ،7712
وبنحوه ابن ماجه ،أبواب الدعاء ،باب الدعاء بالعفو والعايمة ،برقم ،3850ومساند أحماد ،236 /42 ،بارقم
.25384
( )17لسان العرب ،3019 /4 ،المفردات ،ص .339
( )18البمان يا أقسام القرآن ،س .286
18 املنتقى من فقه الدعاء
ح ااديث عائش ااة َر ِّض ا َي ا ُ َعىنا َه اا ي اادل دالل ااة واض ااحة عل ااى أمهيت ااه ،ف ااالعفو ه ااو س اؤال ا التج اااوز ع اان
الذنب ،وترك العقاب عليه.
قول ِن َ(( :تِنِني العفِنِنو)) أي أن ا تعاااىل حيااب أمساااءه وصاافاته ،وحيااب ماان عبيااده أن يتعب ادوه هبااا،
العفو من عباده بعضهم عن بعض فيماا حياب ا العفاو والعمل اقتضاها واضامينها ،وحيب ا تعاىل َ
فيه .وهذا املطلاب يف غاياة األمهياة ،وذلاك أن الاذنوب إذا تُا ِّرَك العقااب عليهاا دمان العباد مان اساتنزال
ا تعاىل عليه املكاره والشادائد ،حياث إن الاذنوب واملعاصاي مان أعظام األساباب يف إنازال املصاائب،
وإزالة النعم يف الدنيا ،أما ا خرة فإن العفو يرتتب عليه حسن ا زاء يف دخول النعيم املقيم.
تعاىل قبال ساؤاله لاه أمهياة جليلاة يف إعطااء املرجاو مناه وال ىلفى يف تقدمي التوسل ابمسني كرميني
تعاىل.
ي ال َْْ َسِناكِ ِ اتح وتَ ِنر َك الْْ ْن َاِنر ِ اْلَ ْ ِ (( -12اللَّه َّم ِِّن أَسأَلُ َ ِ
نيح اتح َو ُحِن َّ ْي َ ْ ُ َ ك ف ْع َ ْ َ ْ ُ
ك ت فِ ْتِننَِنَِ قَ ِنوٍ فَِنتَ ِنوفَِّ غَِن ْْي م ْفتُِن ٍ
ونح َوأَ ْسِنأَلُ َ َوأَ ْن تَِنغْ ِفِن َر ِِلح َوتَ ِن ْر ََِْ ح َوِ َأا أ ََر ْد َ
ََ ْ َ
ك))(.)19 ي َع َْ ٍ يُِن َق ِرُِ ِ َ ُحبِ َ كح َو ُح َّي َم ْن ُُِيبُّ َ كح َو ُح َّ ُحبَّ َ
قال النيب (( :هنا حق ,فادرسوها ُث تعلْوها))(.)20
الشرح:
هااذا الاادعاء املبااارك الااذي بااني يااديك اي عبااد ا ،هااو ماان أمجااع األدعيااة وأكملهااا ،وأجلهااا قاادراً
وشأانًأ لتضمنه سؤال ا تعاىل التوفيق إىل القياام أبفضال األعماال مان الصااحلات ,وساؤاله الوقاياة مان
كاال املنك ارات والساايئات ،والفاانت واحملاان يف الاادين واملعاااد ،واملعاااد ،فينبغااي للعبااد اإلك ااار منااه ,وفهاام
مقاصده ومدلوالته ،والعمل اضامينهأ فإن َمن تعلماه وعمال باه انل الساعادة واهلناا يف الادنيا ،والاربز ،
وا خرة ،فمن جاللة هذا الدعاء ،وعلو مكانته أن ا تبارك وتعاىل أمر حبيباه النايب حينماا رآه يف
املنااام ،ور يااة األنبياااء حااق فقااال لااه(( :ة حمِْنِندح أا صِنِنل ْ فق ِن :اللَّهِنِنم ّن أسِنِنألك فع ِن اْل ِنْياتح
ٍ نيح وأَ ْن تَِنغْ ِف ِنر ِِلح وتَِن ِنر ََِْ ح وِأَا أَر ْد َ ِ ِ وتَِن ِنر َك الْْ ْن َا ِنر ِ
ت فتِْننَِنَِ قَِن ِن ْو فَِنتَِن ِن َوفَِّ غَِن ْ َ
ْي َ َ َ َ ْ ي ال َْْ َس ِناك ِ َ اتح َو ُح ِن َّ َ ْ ُ َ
ول ا ِّ : ال َر ُسا ُ ك))ح َوقَا َ ي َع َِْن ٍ يُِن َقِن ِرُِ ِ َ ُحبِِن َ
كح َو ُحِن َّي َمِن ْن ُُِيبُِّن َ
كح َو ُحِن َّ ُك ُحبَِّن َ م ْفتُِن ٍ
ونح َوأَ ْسِنأَل َ َ
( )19أخرجه أحمد بلفظه ،423 /36 ،برقم ،22109والترماذي ،كتااب تفسامر القارآن ،بااب ومان ساورة ص،
برقم ،3235بنحوه ،وحسنه ،وقال :سألت محمد بن إساماعمل -معناا البخااري -يقاال(( :ااذا حادمح حسان
صحمح)) ،ويا آخر الحادمح قاال (( :إنهاا حا ف يادرساواا ثام تعلّموااا)) ،والموطاأ ،بارقم ،736والحااكم،
،521/1والبزار.121 /2 ،
( )20اذه الزمادة عند أحمد ،والترمذي كما يا التخرمج الساب .
19 املنتقى من فقه الدعاء
( )21أبو داود ،كتاب الوتر ،باب الدعاء ،برقم ،1482والطمالسا ،444 /2 ،وابن أبا شمبة.21 /6 ،
( )22الترمذي ،كتاب الزاد ،باب ما جاء أن يقراء المهاجرمن مدخلون الجنة قبل أغنماائهم ،بارقم ،2352وابان
ماجاااااااااه ،كتااااااااااب الزااااااااااد ،بااااااااااب مجالساااااااااة الفقاااااااااراء ،بااااااااارقم ،4126والحااااااااااكم،
،322 /4والسنن الكبر ،للبمهقا.12 ،7 ،
( )23أبو داود ،كتااب السانة ،بااب الادلمل علا زماادة اممماان ،بارقم ،4683والترماذي ،كتااب صافة القماماة
والرقااااااااائ ،باااااااااب حاااااااادثنا أبااااااااو حفااااااااص ،باااااااارقم 2521بنحااااااااوه ،ومسااااااااند أحمااااااااد،
،383 /24مصن عبد الرزاق ،197 /3 ،وابن أبا شمبة ،47 /11 ،وأباو معلا ،60 /3 ،والطبراناا ياا
الكبمر.134 /8 ،
( )24البخاري ،كتاب امممان ،بااب حاةوة اممماان ،بارقم ،16ومسالم ،واللفاظ لاه ،كتااب اممماان ،بااب بماان
خصال من اتص بهن وجد حةوة امممان ،برقم .43
( )25الترمذي ،كتااب الزااد ،بااب ماا جااء أن يقاراء المهااجرمن مادخلون الجناة قبال أغنماائهم ،بارقم ،2352
والبمهقا يا السنن الكبر ،12 /7 ،،وشعب امممان له.50 /3 ،
20 املنتقى من فقه الدعاء
وقد أشار الطاهر ابن عاشور إىل معىن نفي يف سؤال النيب صلى هللا عليه وسلم حب املسااكني،
فقااال« :سااأل رسااول هللا ﷺ أن ُجيباال علااى حااب املساااكني ،فاسااتُجيب لااه ،لتكااون نفسااه الطاااهرة قااد
بلغت غاية التزكيةأ حىت يصري انعطافها وميلها إىل َمن هو أوىل ابلعطف والرأفة مي َال حمباة ال بارد ميال
اوات
نفع ،ودفع ضر ،فإن مرأى الفقري عناد النااس يوجاب انكساار احلالاة ،فيادعوهم إىل نفعاه دعااءً متفا ً
لقصد إراحة أنفسهم من ذلك االنكسار احلاصل هلم من ر يته ،حىت أن البخيال يكتفاي أبن يادعو لاه
ين يُِّري ُادو َن بتيسري الرز ،ور ية حال الغىن مبهجة قال هللا تعاىل﴿ :فَخارال علَاى قَاوِّما ِّه ِّيف ِّزينَتِّا ِّه قَا َ ِّ
ال الاذ َ َََ َ ى
ُويتَ قَا ُارو ُن إناهُ لَا ُذو َحا َظ َع ِّظاي َم﴾ صالقصاص ،]79 :فساأل رساول هللا ت لَنَا ِّم ىال َماا أ ِّ
َ احلَيَاةَ ُّ
الدنىايَا َاي لَىي َ
ﷺ أن يكون املسكني منه ارتبة احملبة ،حىت يكون اإلحسان إليه إرضاءً لنفسه حملبته ،ولي رد دفع
أمل االنكسار النفساين ،فاإذا بلغات الانف إىل حمباة الفقاري أو إىل القارب مان ذلاك بعادم احتقااره ،فقاد
عظيما يف السبق إىل ارريات ،وزالت عنها فتنة املظاهر ارالبة». شأوا ً بلغت ً
قولِن (( :وأن تغفِنِنر ِلح وتِنِنرْ )) ،سااأل املغفاارة والرمحااة ألهنمااا جيمعااان خااري ا خاارة كلااه ،فباااملغفرة
دمن العبد من العذاب ،وكال ش َار ،وأماا الرمحاة فهاي دخاول ا ناة ،وعلاو درجاهتاا ،فجمياع ماا يف ا ناة
ماان النعاايم ابملخلوقااات فإنااه ماان رمحتااه تعاااىل ،قااال الناايب (( :ن َّ
اَّلل يقِنِنول للجنِنِنِ :أِتِنِنْ رِْن
أرحم ك من أشاء من عبادو))( )26أن تسرت علي ذنويب ،ووحوها ،وأن ترمحين بتواي نعمك علي يف
الدنيا وا خرة ،وأن توفقين إىل التوبة وتقبلها مين.
قول ِن (( :و أا أردت عبِنِنادك فتنِنِنِح فاقبض ِن ل ِنِنك غِنِنْي مفتِنِنون)) :وإذا أردت أن توقااع بقااوم فتنااة
وعقوبة يف الدين ،أو عقوبة دنيوية من البالاي واحملن والعذاب ،فتوفين إليك قبل وقوعها ،وافتتان الناس
هبااأ فااإن املقصااود ماان هااذا الاادعاء العظاايم السااالمة مان الفاانت طااول احلياااة ،والنجاااة ماان الشاار كلااه قباال
ااو قباال حلاول الفاانت ،وهاذا ال شااك مان أهاام األدعيااة حلولاه ،ووقوعااه ،وأبن يتوفااه ا تعاااىل سااملاً معا ً
ااو ساليماً مادة حياتاه مان الفانت واحملانُ ،ث يقبضاه ا تعااىل إلياه ألنه من أعظم املىن أن حيىي املؤمن مع ً
ِبَّلل من الفنت ما هر منها وما طن))(.)27 قبل وقوعهاأ وهلذا أمر النيب أصحابه أن ((يتعوأوا َّ
ان يَ ْا َرُه ُه َِْنا وفيه جواز الدعاء ابملوت خشية الفتنة يف الدين ،كما جاء عان النايب قاال(( :ا ِْننَِنتَِن ِ
ال وقِلَّ ِن ِنُِ الِْْن ِن ِ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ال أَقَ ِن ِن ُّ َ ت َخ ِنِن ْْي ل ْل ُْ ِن ِن ْ م ِن م ِنِن ْن الْف ْتِننَ ِن ِنِح َويَ ْاِن ِن َرُِ قلَّ ِن ِنَِ الْ َِْن ِن َ
تح َوالْ َْ ِن ِن ْو ُ
آد َ :الْ َْ ِنِن ْو ُ
ا ِْن ِن ُن َ
ْح َساب))(.)28 لِل ِ
( )26البخاري ،كتاب التفسمر ،باب قولاه تعاال َ ) :وت وَقاو ول َاا مل ما من َمزماد( ،بارقم ،4850ومسالم ،كتااب الجناة
وصفة نعممها وأالها ،باب النار مدخلها الجبارون والجنة مدخلها الضعفاء ،برقم .2846
( )27مسلم ،كتاب الجنة وصفة نعممها وأالها ،باب عرض مقعد الممت من الجنة أو الناار علماه ،وإثباات عاذاب
القبر ،والتعوذ منه ،برقم .2867
( )28أحمد ،36 /39 ،برقم ،23625وأبو نعمم يا معرية الصحابة ،2525/5 ،برقم .6114
21 املنتقى من فقه الدعاء
قول ِن (( :وأس ِنِنألك ُحب ِنِنك)) ُث ش اارف يف س اؤال أعظاام املطالااب ،وأمس ااى املراتااب ،وأغلااى األماااين ،فق ااال:
((وأس ِنِنألك ُحب ِنِنك)) :أي أسااألك حب اك إايي ،وهااذا أعظاام مطلااوب أن يكااون العبااد حمبااوابً عنااد ا ،
وتضمن سؤاله حبه تعاىل ،سؤال حمبة العبد لربه تعاىل ،أي وأسألك حيب إايك ،فال يكاون شايء أحاب إي
منك ،فدل هاذا الادعاء العظايم مان أج ِّال األدعياة لتضامنه جواماع الكلامأ ألناه جيماع كال خاري ،فاإذا كانات
حمبا اة ا تع اااىل اثبت ااة يف قل ااب العب ااد نش ااأت عنه ااا حرك ااات ا ا اوارد ،فكان اات حبس ااب م ااا حيب ااه ا تع اااىل
ويرتضيه ،فأحب ما حيبه ا تعاىل من األعمال ،واألقوال كلهاا ففعال حينئاذ اراريات كلهاا ،وتارك املنكارات
كلها ،وهذا كمال العبودية تعاىل رب العااملني ،ومان طلاب حمباة ا أعطااه ا تعااىل فاو ماا يرياده
من الدنيا تبعاً.
فماان رز هااذه احملبااة كاناات كاال أعمالااه ،وأقوالااه ،وأفعالااه مسااددة علااى ماراد ا تعاااىل ،فيُجعاال لااه
احلب والقبول يف األرض ،ويف السماء كما يف الصحيح(. )29
قول (( :وحي من ُيبُّك)) ،وأسألك حب من حيبك من األنبياء والعلماء والصاحلني .
حبِنِنك)) أي وأساألك أن تاوفقين إىل أحاب األعماال الصااحلة الايت قول (( :وحِني عِْن يقِنِنر
تقربين إىل حبك ،فمن رز هذه احملاب فاز يف الدنيا و ا خرة.
ويف سؤال هذه احملاب وهي داخلة يف صدر الادعاء ((فع اْلِنْيات)) هاو مان عطاف ارااص علاى
العام اللة شرف وقوة االهتمام هبذه املطالب املهمة من احملاب ،وأهناا هاي أصال فعال اراريات كلهاا،
ومنتهاها ومجاعها إليها .
ُث أمار النايب بفهمهاا و العمال اقتضااها ،وذلاك لعظام شاأهنا ملاا حوتاه مان املطالاب ،واملقاصاد
ا ليلة يف الدنيا وا خرة ،وأنه ينبغي العناية بفهم األلفا ،واستحضار املعااين عناد الساؤال ،فاإن ذلاك
أرجى يف قبول الدعاء ،وأك ر أثراً يف النف ،وتذو حالوة اإلميان ،ولذة مناجاة ا تبارك وتعاىل.
( )29البخاري ،كتاب بدء الخل ،باب ذكر المةئكة ،برقم ،3209مسلم ،كتاب البار والصالة وااداب ،بااب إذا
أحب هللا عبداً حببه إل عباده ،برقم .2637
22 املنتقى من فقه الدعاء
ب ِلَِْن َهِنا
ك ا َْْنَِّنَِح َوَمِنا قَ ِن َّر َ ك .اللَّ ُه َّم ِِّن أَ ْسِنأَلُ َ ك] ِم ْن ُ] َع ْب ُد َك َوِتَبُِّ َ استَِن َعاأَ ِ َ
ْ
ب ِلَِْن َهِنا ِمِن ْن قَ ِن ْو ٍل أ َْو َع َِْن ٍ ح ِمن قَِنو ٍل أَو َعْ ٍ ح وأَعُوأُ ِ َ ِ
ك مِن َن النِنَّا ِر َوَمِنا قَ ِن َّر َ ْ ْ ْ َ َ
ض ِْنتَ ُ ِِل َخ ْْيا))(.)30 ض ٍاء قَ َ ك أَ ْن ََتْ َع َ ُك َّ قَ َ
َسأَلُ َ
َوأ ْ
الشرح:
ه ااذا ال اادعاء العظ اايم ال ااذي ب ااني ي ااديك أطل ااق علي ااه س اايد األول ااني وا خ ارين ،بع ااد أوص اااف كم ا َ
اال
وجالل :أنه من ((الاوام اْوامم))( )31الذي لي بعاده مباىن يفياد يف معاىن الكماال يف ساعة املعاىن، َ
وتوله ،واحتوائه علاى أجال املقاصاد ،وأعلاى املطالاب مناه ،حياث أمار باه إىل أحاب أزواجاه ،وابناة
أحب رجاله ،فما من خري يتمناه العبد ما علمه وما مل يعلمه يف دينه ودنياه وآخرته إال وقد دخل فيه،
شر ىلافه العبد وا علمه ،ووا مل يعلمه يف دنياه وآخرته إال وقد دخل يف االساتعاذة مناه ,وغاري وما من َ
ذلك أنه من دعا به فقد كفاه ما دعا به سيد األولني وا خرين طول حياته يف س ِّاره وعالنيتاه ،فأظناك
اي عبد ا قد علمات ملااذا وصافه أبناه مان الكوامال ا واماع ،فبعاد كال هاذه املازااي ينبغاي للعباد أن
يفاار إليااه يف كاال أحوالااه يف أدعيتااه يف ليلااه وهناااره ،ويف ساافره وحضااره ،مااع قلاة ألفاظااه ،وجزالااة معانيااه،
وعذوبة كلماته ،اليت علك اي عبد ا أن تتشبث به.
قول (( :اللَّهم ّن أسألك من اْلْي كلِن عاجلِن وآجلِن ح مِنِنا علِْنِنْ منِن و مِنِنا َل أعلِنِنم)) :أي :اي
ا أعطااين ماان مجيااع أن اواف ارااري مطلقااً يف الاادنيا وا خاارة مااا علماات منااه ومااا مل أعلاام ،والاايت ال ساابيل
الكتساهبا بنفسي إال منك ,فأنت تعلم أصلح ارري ي يف العاجل وا جل.
قولِن (( :وأعِنِنوأ ِنِنك مِنِنن الشِنِنر كلِن ح عاجلِن وآجلِن ح مِنِنا علِْنِنْ منِن ح ومِنِنا َل أعلِنِنم)) :أي :اللهاام
أجاارين واعصاامين ماان مجيااع الشاارور العاجلااة وا جلااة يف الاادنيا وا خاارة ،الظاااهرة منهااا والباطنااة ،والاايت
أعلم منها ،واليت ال أعلمهاأ فإن الشرور إذا تكالبت على العبد أهلكته.
قول (( :اللَّهم ّن أسألك من خِنِنْي مِنِنا سِنِنألك عبِنِندك وِتب ِنِنك)) :أتكياد ملاا قبلاه ،وتفضايل الختياار
الرسول على اختيار الداعي ،لكمال نصحه ،وحرصه على املؤمنني من أنفساهم ،وهاذا الادعاء ا ليال،
يتضمن كل ما فات اإلنسان من أدعية عان النايب الايت مل تبلغاه أو مل يسامع هباا ،فهاو يساأل كال ماا
( )30اباااان ماجااااه ،أبااااواب الاااادعاء ،باااااب الجوامااااع ماااان الاااادعاء ،باااارقم ،3846بلفظااااه ،وأحمااااد،
،474 /41برقم ،25019ولفظ الزمادة الثانمة له ،والحاكم وصححه ،ووايقه الذابا ،521/1 ،ولفظ الزماادة
ابول له ،وابن أبا شمبة.263 /10 ،
( )31أخرجه الطحاوي يا شرح مشكل ااثاار بلفاظ (( :مال َج َواماع مالك ََوامال)) ،شارح مشاكل ااثاار،290 / 15 ،
وقال موس بن موس جمال الدمن الملطا يا المعتصر مان المختصار مان مشاكل ااثاار(( :239 /2 ،ولاه
طرق كثمرة صحمحة)).
23 املنتقى من فقه الدعاء
( )32ابدب المفرد للبخاري ،ص ،222ومسند الطمالسا ،148 / 3 ،ومسند إسحاق بن رااومه.590 /2 ،
( )33مسلم ،كتاب الزاد والرقائ ،باب المؤمن أمره كله خمر ،برقم .2999
24 املنتقى من فقه الدعاء
الدِتِْنَا أَ ْك ََِ َََِناح َوَأ َمْبِنلَ َغ ِعل َِْْناح َوَأ تُ َسِل ْط َعلَِْنَنا َم ْن َأ يَِن ْر ََُْنا))(. )34
ُّ
املفردات:
اقسم :قسمة ونصيباً .
ُتون :أي سهل وخفف .
خش تك :ارشية اروف مقرتن ابلتعظيم .
ب ابلدِّم ،وقيل الدم نفسه.
المأر :الذحل ...والطلَ ُ
تبلغنا :توصلنا .
ما ُيول :ما حيجب ومينع .
واجعل الوارث منَّا :كناية عن االستمرارية إىل آخر العمر .
ال قني :هو استقرار العلم الذي ال يتقلب ،وال حيول ،وال يتغاري ،وهاو أعلاى درجاات اإلمياان ،فهاو
إميان ال شك فيه.
هااذه الاادعوة جامعاةٌ ألباواب ارااري والسااعادة يف الاادنيا وا خاارة ،فقااد مجعاات ماان مقاصااد ومطالااب
جليلااة فيمااا حيتاجااه العبااد يف دينااه ودنياااه ،ومعااادهأ هلااذا كااان عليااه الصااالة والسااالم اندراً مااا يقااوم ماان
بل إال وقد رطب لسانه من هذه الكلمات ،والدعوات ا ميلة ،فقد ذكر الرتمذي وغريه عن خالاد
ب اان أيب عم اران أن اب اان عم اران ق ااال(( :قلم ااا ك ااان رس ااول هللا يق ااوم م اان بل ا ح ااىت ي اادعو هب ااؤالء
الدعوات ألصاحابه)) احلاديث( .)35فيحسان ابلعباد أن ياتعلم معانيهاا ،ويعمال اقاصادها ويك ار منهاا،
خاصة يف ا ال اتباعاً واقتداءً ابلنيب .
الشرح:
قول (( :اللَّهم اقسم لنِنِنا مِنِنن خشِن تك مِنِنا َتِنِنول ِن ننِنِنا و ِنِنني معاصِن ك)) :اللهام اجعال لناا حظااً
ونصاايباً ماان خوفااك املقاارتن بتعظيمااك وإجاللااك ،مااا يكااون حاااجزاً لنااا ومانعااً ماان الوقااوف يف املعاصااي
والاذنوب وا اثم ،وهااذا فياه داللاةٌ علاى أن خشااية ا هااي أعظام رادف وحاااجز لعنساان عاان الوقااوف يف
ال ااذنوبأ وهل ااذا ك ااان العلم اااء ه اام أك اار خش ااية ج اال وع ااال ملع اارفتهم وعلمه اام اب ج اال وع ااال ،ق ااال
اَّلل ِمِنِنن ِعبِن ِن ِ
ادِِ الْعُلَ َِْنِناءُ﴾ ،فكلم ااا ازدادت معرف ااة العب ااد اب ا ااا ل ااه م اان األمس اااء تع اااىلََّّ ِ﴿ :نِنَِنا َ ْ َشِن ِن َّ ْ َ
( )34الترمااذي ،كتاااب الاادعوات ،باااب حاادثنا علااا باان حجاار ،باارقم ،3502والنسااائا يااا الكباار،106 /6 ،،
والحاكم ،528/1 ،وابن السنا يا عمل الموم واللملة ،برقم .445
( )35سنن الترمذي ،528 / 5 ،برقم .3502
25 املنتقى من فقه الدعاء
احلسااىن والصاافات العُ اال ،امااتخ القلااب خشااية ،وأحجماات األعضاااء ،وا اوارد ،مجيعهااا عاان ارتكاااب
املعاصي .
قولِن (( :ومِنِنن طاعتِنِنك مِنِنا تبلغنِنِنا ِن جنتِنِنك)) :ويساار ي ماان طاعتااك مااا يكااون ساابباً لنياال رضاااك،
وبلوغ جنتك العظيمة ،اليت أعددهتا لعبادك املتقني.
قول (( :ومن ال قني ما ُتون عل نِنِنا مصِنِنائي الِندِت ا)) :أي اقسام لناا مان اليقاني الاذي هاو أعلاى
اإلميان ،وأكمله ،كما قال عبد ا بن مسعود « :اليقني :هو اإلميان كله» .
فهاو إمياان ال شاك فياه ،وال تاردد ،فالغائاب عناده كاملشااهد مان قوتاه ،قاال سافيان ال اوري :لاو أن
اليقني وقع يف القلب ،لطار اشتياقاً إىل ا نة وهروابً من النار.
فنسألك من اليقني ما يكون سبباً لتهوين املصائب والنوازل اليت حتال عليناا ،واليقاني كلماا قاوي يف
اإلنسان كان ذلك فيه أدعى إىل الصرب على البالءأ لعلم املوقن أن كل ماا أصاابه إمناا هاو مان عناد ا
احلكيم العليم ،فريضى ويسلم ويكون برداً وسالماً على قلبه.
قول ِن (( :ومتعنِنِنا ِبَساعنِنِنا وأ صِنِنارق)) :أي أدم علااي الساامع والبصاار وسااائر قاواي أوتااع هبااا يف ماادة
حي ااايتأ ألهن ااا ال اادالئل املوص االة إىل معرفت ااك وتوحي اادك ألن الرباه ااني إم ااا م ااأخوذة م اان ا ايت املنزل ااة،
يق ذلك البصر. وطريق ذلك السمع ،أو من ا ايت يف ا فا واألنف ،وطر ُ
وقواتنِنِنا مِنِنا أح تنِنِنا)) :أي متعنااا بسااائر قاواان ماان احلاواس الظاااهرة والباطنااة ،وكاال أعضااائنا
وقولِن َّ (( :
ايب ص االى هللا علي ااه وس االم التمتُّ ا َع بكام اال ق اواه ط ااول حيات ااه إىل موت ااهأ ألن الض ااعف
البدني ااة ،فس األ الن ا ُّ
يضر الدين والدنيا وا ال ىلفى. وسقوس القوة يف الكرب ُّ
قول (( :واجعل الوارث منا)) :اجعل اي ا وتعنا ابحلواس والقوى صحيحة وسليمة إىل أن منوت.
رق عل من لْنا)) :أي وفقنا لخخذ ب أران ون ظلمنا ،دون أن نتعدى فنأخذ قول (( :واجع
ابل أر من غري الظامل.
قول ِن (( :واِتصِنِنرق عل ِن مِنِنن عِنِناداق)) :تعماايم بعااد صاايص أي اكتااب لنااا الظفاار والفااوز علااى ماان
تعدى علينا بغري حق.
قول (( :وأ َتع مص بتنا ديننا)) :أي ال تُصيبنا اا ينقص ديننا وي ُذهباه مان اعتقااد سايإ ،أو
تقص ااري يف الطاع ااات ،أو فع اال احملرم ااات ،أو كتس االيط الكف ااار ،واملن ااافقني ،والظلم ااة عل ااى أه اال ال اادين
واإلميااانأ ألن مصاايبة الاادين هااي أعظاام املصااائب ،الاايت ال تنجاارب وال يُعا ِّاوض عنهااا ،خااالف مص ااائب
الدنيا.
قول (( :وأ َتع الدِت ا أكِ َنا)) :أي ال عل أكرب قصدان وتعلقناا ،وحزنناا ألجال الادنياأ فاإن
26 املنتقى من فقه الدعاء
من كان أكرب مهه الدنيا كان يف معزل عن ا خرة ،بال اجعلاه مصاروفاً يف عمال ا خارة ،ويف هاذا دليال
على أن القليل من اهلم البُد منه يف الدنيا ويُرخص فيه.
قول (( :ومبلغ علْنا)) :أي ال عل أك ر علمنا وتفكريان يف أحوال الدنيا كالكافرين ،قاال تعااىل:
الدنىايَا َوُه ىم َع ِّن ا ى ِّخَرةِّ ُه ىم َغافِّلُو َن.
احلَيَاةِّ ُّ ياعلَمو َن ظَ ِّ
اهًرا ِّم َن ى َى ُ
قولِن (( :وأ تسِنِنلط عل نِنِنا مِنِنن أ يرْنِنِنا)) :أي ال علناا مغلااوبني مان الكفااار ،والظلماة ،والفجاارة،
بتاوليتهم عليناا ،فيكوناوا ساابباً لتعاذيبنا يف دينناا ودنياااان ،وجياوز محلاه علااى مالئكاة العاذاب يف القاارب ،أو
يف النار ،وال مانع من إرادة ا ميع ،وا تعاىل أعلم.
وُيسن ِبلداعي أن يستحضر ك ههِ املعاّن حال دعائ .
ولقد بني ا تعاىل يف عدة آايت سؤال األنبياء واملؤمنني السالمة من الظاملني والكافرين كما ذكر
ني ،وإباراهيم والااذين معااهَ :رَِّننَِنا َأ ََتْ َع ْلنَِنا فِ ْتِننَِنِ ِ ِ ِ
ب َِن ِن ِ م ِن َن الْ َق ِن ْو الََِّنال ِْ َ
ا عاان موسااى َ :ر ِ
ِ ِ َِّ ِ
ني.ب فَ ََل ََتْ َع ْل ِ ِ الْ َق ْو الََّال ِْ َ ين َك َفروا ،ونبينا حممد َ :ر ِ
لله َ ُ
ك أ ْن أ َُرَّد ك ِم َن اُْْ ِ
لح َوأ ُعِنو ُأ ِِن َ ك ِم َن البُ ْم ِ ح َوأَعو ُأ ِ َ أعو ُأ ِ َ
(( -15اللَّ ُه َّم ِّن ُ
ك ِم ْن َع َه ِ
اب ال َق ِِْ)) (.)36 َعو ُأ ِ َ ك ِم ْن ِفْتِنَن ِِ ُّ
الدِتِْنَاح َوأ ُ أعو ُأ ِ َ ِ َ أ َْر َأ ِل ُ
الع ُْ ِرح َو ُ
الشرح:
قول (( :من البم )) :الذي هو ضد الكرمأ ألنه يؤدي إىل عدم الوفاء بك ري من الواجبات املالية،
كالزكاة ،واإلنفا على من يلزم عليه اإلنفا ،كالوالدين ،والزوجة ،والذرية ،وغري ذلك .
قول (( :من اْل)) ،وهو املهابة لخشياء ،والتأخر عن فعلها ،وهو ضد الشاجاعةأ ألناه ياؤدي إىل
عاادم الوفاااء بك ااري ماان الواجبااات كفاارض ا هاااد يف ساابيل ا تعاااىل ،والصا ىدف ابحلااق ،وإنكااار املنكاار،
وكااذلك عاادم ا ارأة يف األماار ابملعااروف والنهااي عاان املنكاار ،وغااري ذلااك ،وبشااجاعة الاانف وقوهتااا تااتم
العبادات على أكمل وجه ،ومن ذلك نصرة املظلوم ،وا هاد يف سبيل ا .
ُرد أرأل العِْنِنر)) :أن يُارد إىل أرذل العماار ،وهااو البلااوغ إىل حا َاد يف حالااة الكاارب، قول ِن (( :أن أ َّ
وه ااو م ااا يس اامى ابر اارف ،يع ااود مع ااه كالطف اال يف س ااخف العق اال ،وقل اة الفه اام ،وض ااعف الق ااوة البدني ااة
( )36البخاري ،كتاب الدعوات ،بااب التعاوذ مان البخال ،بارقم ،6370وانظار ياا صاحمح البخااري :ابرقاام:
،2822و ،6365و ،6374و.6390
27 املنتقى من فقه الدعاء
( )37البخاري ،كتاب الدعوات ،باب قول النبا (( :الله ّم اغفر لا ما قدّمت وما أ ّخرت)) ،برقم .6398
28 املنتقى من فقه الدعاء
السبي المِنِناّن :أن الادعاء ااطباة ،وكلماا بساط اإلنساان ماع ا تعااىل يف املخاطباة ،كاان
ذلك أشو َ وأحب إليه وا دعا على سبيل االختصار.
السبي المالث :أنه كلما ازداد دعاء ،ازداد قربه إىل ا .
السبي الرا م :أنه كلما ازداد دعاء ،كان فيه إظهار الفتقار اإلنسان إىل ربه .
واملعااىن :اي ا اغفاار ي ذنااويب كلهااا :صااغريها وكبريهااا ،مااا صاادر عا ِّاين ماان جهاال نفسااي ،وباااوزيت
كل شيء ،اللهم اغفري ذنويب كلها وا علمتها ،ووا مل أعلمهاا ،يف حاال جادي ،وهازي ،ويف للحد يف ِِّّ
وم ِّقٌّر هبا.
صف بكل هذه الذنوب ُ حال خطئي وتعمدي ،فأان مت ٌ
قول (( :وك ألك عندو)) :إقرار العبد لربه بك رة الاذنوب ،ومتحقاق هلاا ،فهاو كالتاذييل للساابق:
أي أان متصف هبذه األشياء فاغفرها ،فدل على أن إقرار العبد على نفسه ابلتقصاري مان أساباب قباول
توبته ومغفرته لذنوبه ،وا أعلم.
قدمْ)) أي من خطأ وتقصري. قول (( :ما َّ
قول (( :وما أخَّرت)) أي ما سيقع ِّمين من ذلك يف الزمن املستقبل.
الس ِّر أو العالنية. قول (( :وما أسررت وما أعلنْ)) أي ما وقع مين منها يف ِّ
وقولِن ِن (( :أِتِن ِنِنْ املقِن ِن ِِند )) أي ملا اان تشا اااء ابملعونا ااة والتوفيا ااق والسا ااداد(( ،وأِتِن ِنِنْ امل ِنِن ِخر)) أي لِّ َما ان تشا اااء
ابرذالن واحلرمان وعدم املعونة.
()38متف علمه :البخاري ،كتاب ابذان ،باب الدعاء قبل السةم ،برقم ،834مسلم ،كتاب الذكر والدعاء والتوباة
واالستغفار ،باب استحباب خفض الصوت بالذكر ،برقم .2705
29 املنتقى من فقه الدعاء
الغفِنِنور :اساام ماان أمساااء ا احلسااىن العظيمااة ،وهااو ماان أبنيااة املبالغااةأ ألنااه يفعاال ذلااك بعباااده ماارة
بعد مرة إىل ما ال ُحيصى ،واملعىن :الذي يك ر منه سرت الذنوب لعباده املؤمنني ،والتجاوز عنها.
الرح م :اسم من أمساء ا احلسىن الكرمية الدالة على ك رة الرمحاة ،والتعطاف علاى عبااده املاؤمنني،
ويف تعليم النيب أليب بكر هذا الدعاء إشارة إىل إي ار أمر ا خرة على أمر الدنيا الزائلة.
وخ ااص ال اادعاء ابلص ااالةأ ألهن ااا ابإلجاب ااة أح ااق ،فه ااي حم اال املناج اااة ب ااني العب ااد وخالق ااه ،وال ىلف ااى
اختيااار احلبيااب للحبيااب يف مناجاااة السااميع القريااب وداللتااه علااى عظاام شااأن هااذا الاادعاء ،فيجاادر بنااا
العناية به استناانً واقتداءً ابحلبيب .
الشرح:
هااذا احلااديث عظاايم القاادر ،ماان تاادبره ووع ان فيااه ظهاار لااه ماان جاللتااهأ ألن فيااه االع ارتاف بغايااة
التقصري ،واإلقرار بنهاية الكمال هلل تعاىل ،وطلب العفو ،والتجاوز املوصل إىل حصول النعيم األبدي.
قول (( :اللَّهم ّن لْْ ِتفسي لِْنِنا كمِنْيا)) :هاذا اعارتاف مان العباد إىل رباه ابلتقصاري االبساته
ما يستوجب العقوبة أو النقص ،وإن اإلنسان ال يعرى عن التقصري ولو كان صديقاً.
قول (( :لْا كمْيا)) ،أكده ابملصدر ،ووصفه زايدة يف التذلل وارضوف للموىل .
وهاذا تعلاايم للاداعي أنااه ينبغااي حالاة دعائااه أن يظهار غايااة التااذلل وارضاوف لربااهأ فاإن ذلااك أقاارب
لعجابة ،وأك ر ثواابً وجزاء.
((وفيه دليل على أن الواجب على العبد أن يكون على حاذر مان رباه تعااىل يف كال أحوالاه ،وإن كاان مان
أه اال االجتها اااد يف العبا ااادة يف أقصا ااى غاي ااة ،إذ كا ااان الصا ا ِّاديق ما ااع موض ااعه يف الا ا ِّادين مل يسا االم وا ااا حيتا اااال إىل
االستغفار إىل ربه تعاىل منه))( ،)39فمن ابب أوىل من كان دونه.
قول ِن (( :وال يغفِنِنر ال ِنهِتوب أ أِتِنِنْ)) :أي ال أحااد يقاادر علااى ساارت الااذنوب ،والتجاااوز عنهااا إال
أنت وحدك ،ففيه اإلقرار ابلوحدانية تعاىل ،واستجالب املغفرة منه.
قول ِن (( :ف ِنِناغفر ِل مغف ِنِنرِ م ِنِنن عن ِنِندك وارِْن ِن )) :دل تنك ااري ((مغف ِنِنرِ)) عل ااى أن املطل ااوب غف اران
عظيم ،ال يُدرك كنهه ،ووصفه بكونه من عنده بياان لاذلك العظامأ ألن الاذي يكاون مان عناد ا
تعاااىل ال حياايط بااه وصااف ،وفيااه إشااارة إىل طلااب مغفاارة متفض ال هبااا ال يقتضاايها ساابب ماان العبااد ماان
عمل حسن وال غريه.
هب ي مغفرة تفضالً ،وإن مل أكن هلا أهاالً بعملايأ هلاذا أضاافها إلياه ((مِنِنن عنِنِندك)) فإهناا
واملعىن :ى
()42مسلم ،كتاب الاذكر والادعاء والتوباة واالساتغفار ،بارقم ،2719وبنحاوه بارقم ،769 :والبخااري ،أباواب
التهجد ،باب التهجد باللمل ،برقم ،1120وانظر ابرقام ،6317 :و ،7385و ،7442و.7499
32 املنتقى من فقه الدعاء
وطمعاً يف االستجابة.
قوله(( :أن تضل )) أي أعوذ بك أن تغويين وتضلين بعد اهلداية.
وال ىلفا ااى يف تقا اادمي ها ااذه التوسا ااالت ما اان األعما ااال الصا اااحلات ،وإثبا ااات الوحدانيا ااة لا اارب األرض
والس ااموات ،والتوس ال بكم ااال الص اافات يف االس ااتعاذة م اان الض ااالالت أن ذل ااك ي اادل عل ااى أمهي ااة ه ااذا
ضلِّ ِّل ا ُ فَ َما لَهُ ِّم ىن َه َاد ،وقال عز شأنهَ :م ىن يَ َشاِّإ
املطلب ،وأنه مطلب خطري ،قال تعاىلَ :وَم ىن يُ ى
اس ُم ىساتَ ِّقي َم ،فاادل علااى أن اهلدايااة والضااالل بيااد هللا تعاااىل رب ض الِّىله وم ان ي َشاأى َجيع ىلاه علَاى ِّص ار َ
َ ا ُ يُ ى ُ َ َ ى َ ى َ ُ َ
العاملني .فينبغي للعبد أن يسأل هللا تعاىل دائماً أن يعصمه مان الضااللة ،وأن ياُدمي علياه اهلداياة إىل أن
يلقاه يوم القيامة.
وفيه دليل على جواز االستعاذة بصفة من صفات هللا تعاىل ا ليلة.
قولااه(( :أِتِنِنْ احلِنِني الِنِنهو أ َيِنِنوت واِْنِنن واإلِتِنِنس َيوتِنِنون)) أتكيااد النفاراد هللا تعاااىل ابحلياااة :أي
أناات احلااي لااك احلياااة الكاملااة الاايت ال يعرتيهااا أي نقااص املتصاافة بكاال كمااال ،املسااتلزمة لكاال صاافات
الااذات ،فحياتااه تعاااىل ال يعرتيهااا نااوم ،وال نعاااس ،وال تبيااد ،وال تفااىن ،وارلااق كلهاام ،ميتااون ومنتهااون،
وت ،وقال تعاىلُ :ك ُّ َش ْي ٍء َهالِك َِّأ َو ْج َه . قال تعاىلَ :وتَِن َوَّك ْ َعلَ ا ْحلَ ِي الَّ ِهو َأ ََيُ ُ
ففي هذا الادعاء املباارك مجاع يف بداايتاه ،وطياتاه وهناايتاه ،توسالني مان التوساالت العظيماة إىل هللا
تعاااىل :التوسال ابلعماال الصاااحلأ كقولااه(( :اللَّهِنِنم لِنِنك أسِنِنلْْح و ِنِنك آمنِنِنْح وعل ِنِنك توكلِنِنْ،))...
والتوسل أبمسائه احلسىن وصفاته العُالأ كقوله(( :أِتْ احلي الهو أ َيوت.))...
وكاال ذلااك لبيااان أمهيااة االسااتعاذة ماان الضاااللة ،فإهنااا تااورد امل اوارد املهلكااة ،وتضاايع الاادين والاادنيا
وا خرة ،ويف العصمة منها النجاة من كل مرهوب ،وحصول كل مرغوب.
َلم َِ ِمِن ْن ُكِن ِِنس الو حك ِنات ر ْْتِِنكح وعِنزائِم م ْغ ِفرتِ
ِن (( -19اللَّ ُهِن َّم َّق ِتَسِنألُ َ ِ ِ
َ َّ َ ك ُموجبِن َ َ َ َ َ َ َ َ ْ
ٍُثح والغَنِ َْ َِ ِم ْن ُك ِ ِ ٍرح والَف ْوَد ِبَْن َِِّح والنَّجا َِ ِم َن النَّا ِر))(.)43
املفردات:
موجبات :بكسر ا يم ،مجع موجبة ،وهي ما أوجبت لقائلها الرمحة من قربه.
عزائم :مجع عزمية ،والعزمية عقد القلب على إمضاء األمر.
( )43الحاكم ،525/1 ،وصححه ،ووايقه الذابا ،والبمهقا يا الدعوات ،بارقم ،206وانظار :ابذكاار للناووي،
ص.340
33 املنتقى من فقه الدعاء
الشرح:
هذا الدعاء من جواماع الكلام الايت أوتيهاا سايد األولاني وا خارين ،فإناه ساأل أوالً أن يرزقاه ماا
يوجب له رمحته ،من األقوال ،واألفعال ،وارصال ،فقد دخل باذلك حتات رمحتاه الايت وساعت كال
شيء ،واندرال يف سلك أهلها ،ويف عداد مستحقها.
ُث سأل ا تعاىل أن يهب له عزماً على ارري يكون سبباً ملغفرته من األعمال واألقوال كذلك.
َ
وذنوب مستأنفة ،سأل رباه ُخر، وملا كان اإلنسان بعد مغفرة ذنوبه ال دمن من الوقوف يف َ
معاص أ َ
،أن يرزقه السالمة واحلفظ ,من كل الذنوب وا اثم ،كائناَ ما كان ،كما دل عليه ((ك )) اليت تفيد
العموم والشمول يف كل فرد من أفرادها.
ُث ساأل مااا يكماال لااه يف كماال العبوديااة ماان األعمااال الصاااحلات ،ومان ذلااك التوفيااق إىل كاال نااوف
من أنواف الرب ،وهو الطاعة بشىت أنواعها ،وكيفياهتاا ،ويف التعباري ((ِبلغن ِْنِنِ)) ،وهاو الظفار ،ومناه الغناائم
يف احل اارب ،وه ااي م ااا يص اايب املس االمون م اان أم اوال أه اال احل اارب دالل ااة عل ااى ش اادة العناي ااة ،والرج اااء يف
احلصول على هذه الغنيمة ا ليلة.
ُث خاتم الساؤال والطلاب أبغلاى ماراد مطلاوب يف ا خاارة ،وهاي ا ناة ,وساأل الساالمة والنجااة ماان
أشد مرهوب يف دار ا خرة ,وهي النار ،والعياذ ابهلل.
(( -20اللَّ ُه َّم ا ْغ ِف ْر ِِل َأِتِْ ح َوَو ِس ْم ِِل ِ َدا ِروح َوَِب ِر ْك ِِل ِ ِر ْدقِي))(.)44
الشرح:
قولِن ِن (( :الله ِنِنم)) :اي ا أبمسائ ااك احلس ااىن ،وص اافاتك العُ اال ،أس ااألك أن تس اارت عل ااي ك اال ذن ااويب،
فتمحها ،فإن الذنوب إذا تراكمت قَست القلب ،وفَسدت احلال ,وامل ل ،وأوردت دار البوار.
قول ِن (( :وو ِس ِنم ِل دارو)) :ووسااع حماال سااكين يف الاادنيا ،ألسااعد ابلسااكن الواسااع اهلااينءأ ألن
ضيق املرافق والدار يُضيِّق الصدر ،ويشتت األمتعة ،وجيلب اهلم ،ويشغل البال.
وقيل املراد القرب :إذ هو الدار احلقيقية ،أي فوسع قربي ،واجعله روضة من رايض ا نة.
وال مانع من أن ينوي الداعي بذلك هذين األمرين حىت حيصل على السعادتني.
( )44أخرجه أحمد ،144 /27 ،برقم ،16599والترماذي ،كتااب الادعوات ،بااب حادثنا علاا بان حجار ،بارقم
.3500
34 املنتقى من فقه الدعاء
قول ِن (( :وِبرك ِل ردق ِنِني)) :أي اجع اال رزق ااي ح ااالالً طيب ااً ،حمفوظ ااً ابلنم اااء ،وال ازايدة يف ار ااري،
ووفقين ابلرضا اا قسمته ي ،وعدم التفات إىل غريه.
اهن تركنوقد جاء أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال للرجل الذي مسع منه هذا الدعاء(( :فه تر َّ
ش ا؟)) ،وهذا االستفهام منه لبيان أهنن مل يرتكن شيئاً من خاريي الادنيا وا خارة ،وهاذا مان جواماع
الكلم اليت أوتيها النيب ,وذلك أن املغفرة هي تنقية العبد من آاثر الذنوب وا اثم ،وهاذا يوصال إىل
دخاول ا نااان ,وب َسا َعة الاادار ،وبركاة الاارز احلااالل يف احلاال ،حيااىي احليااة الطيبااة اهلنيئاة يف هااذه الاادار،
وهذه كمال السعادة املرجوة يف الدارين.
( )45أخرجه الطبرانا يا الكبمر ،178 /10 ،وابن أبا شمبة ،94 /7 ،ودالئال النباوة للبمهقاا ،128 /6 ،وقاال الهمثماا
يا مجمع الزوائد(( :159/10 ،رجاله رجال الصحمح غمر محمد بن زماد واو ثقة)).
35 املنتقى من فقه الدعاء
( )46الترمذي ،كتاب الدعوات ،باب حدثنا أبو كرمب ،برقم ،3482وأبو داود ،كتاب الوتر ،باب يا االساتعاذة،
برقم ،1549والنسائا ،كتاب االستعاذة ،االستعاذة من الشقاق والنفاق ،برقم .5470
( )47أخرجه الترمذي ،كتاب صفة الجنة ،باب ما جاء يا صافة أنهاار الجناة ،بارقم ،2572وابان ماجاه ،بارقم
،3340والنسائا ،كتاب االستعاذة ،االستعاذة من حار الناار ،بارقم ،5521والنساائا ياا الكبار،33 /6 ،،
واممااااااااااااااااااااااام أحمااااااااااااااااااااااد ،408 /20 ،باااااااااااااااااااااارقم ،13173والحاااااااااااااااااااااااكم،
. 535 /1
36 املنتقى من فقه الدعاء
الشرح:
ولفظ احلديث(( :من سأل ا اْنِ َلث مرات قالْ اْنِ :اللهم أدخل اْنِح ومن استجار من
النار َلث مرات قالْ النار :اللهم أجرِ من النار))
اَّلل اْنِ)) :أي دخوهلا بصد ،وإميان ،وحسن نية ،وإحلاد. قول (( :من سأل َّ
قول ِن (( :قالِنِنْ اْنِنِنِ :اللَّهِنِنم أدخل ِن اْنِنِنِ)) :فيااه تعظاايم للسااائل ،حيااث إن ا تعاااىل ىللااق هلااذه
الدار احلياة والقدرة على النطاق باذكره ،وهاي مجااد ،وهاذا مان كماال قادرة رب العااملني ،وأناه ال يعجازه
شيء جل وعال ,كما أنطق احلصى ابلتسبيح والطعام يف عهد النايب، كماا يف قاول ابان مساعود
... (( :ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)) أي على عهد النيب .
قوله (( :ومن استجار )) ...احلديث :كسابقه.
وهنااا يف إنطااا النااار علااى الكااالم حقيقتااه ،حيااث تطلااب ماان خالقهااا أن ُِّ ا ىرهُ ماان النااار إذا أتااى
ابلعدد املذكور ،وهو ال الثاةأ فاإن التقياد هباذا العادد مشاروس يف جعال ا هلاذه ا ماادات القادرة علاى
النطق النطا ا تعاىل هلااأ فاإن ذلاك يُعطاي املاؤمن العازم ،وا اد يف الساؤال والطلاب الحلااد ،والتقياد
ابلعدد ثالثة هو أقل درجات اإلحلاد يف الدعاء ،وا أعلم.
ودل هااذا احلااديث ا لياال علااى عظاام فضاال ا لعباااده الااداعني ،وأنااه تعاااىل يسااخر هلاام ا نااة
والنااار علااى عظمهم ااا يف التوس ال إىل ا ،وال اادعاء هلاام ,كم ااا سخا اار هل اام املالئكااة الك ارام العظااام محل ااة
الع اارد يف ال اادعاء هل اام :الَِّن ِن ِهين َُْي ِْلُِن ِنو َن الْعِن ِنر ومِن ِنن حولَِن ِن ُ يسِن ِنبِحو َن َِِْن ِن ِد رِبِِِن ِنم ويِن ْ ِمنُِن ِنو َن ِِن ِن ِ
َ ْ َ ََ ْ َ ْ ُ َ ُ َ ْ َ ْ َُ َ
ِ ِ َّ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ
ك ين َ ُِنوا َواتَِّنبَِنعُِنوا َسِنب لَ َ ْ ُكِن َّ َشِن ْيء َر َِْْنِ َوع ْلِْنا فَِنا ْغف ْر للِنه َ
آمنُِنوا َرَِّننَِنا َوسِن ْع َ
ين ََويَ ْسِنتَِنغْف ُرو َن للَِّنه َ
َّات َع ْد ٍن الَِّ و َعِن ْد َُتُم ومِنن صِنلَح ِمِنن آِبئِ ِهِنم وأَ ْدو ِ
اج ِهِن ْم وقِ ِهم َع َهاب ا ْْ ِح ِم * رَِّننَا وأَ ْد ِخل ُْهم جن ِ
َ ْ ََ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ
ِ
ْ ال َْع ِز ُيز ا ْحلَا ُم. ِ ِِ
َوأُ ِرَّةُت ْم ِتَّ َ
ك أَِتْ َ
كمااا أن الشااارف احلكاايم شاارف لنااا ساؤال ا تعاااىل ا نااة كااذلك ،وح نااا علااى ساؤال أعالهااا ،وهااي
اَّلل فاسألوِ الفردوس اَعل )). الفردوس األعلى ,قال النيب (( :أا سألتم َّ
فينبغي للعبد أن يك ر الدعاء بسؤال ا تعاىل تلكم املنزلة العظيمة اليت فوقها عرد الرمحن ،ولي
فوقها منزلة.
( )48مدل علمه روامة البخاري ومسلم يا دعاء النبا البان عبااس رَضِيَِاللِ ُهِعَنْهُمَِا .البخااري ،كتااب الوضاوء ،بااب
37 املنتقى من فقه الدعاء
عنهما(( :اللهم فقهاه يف الادين)) .ويف لفاظ: رضي ا هذا الدعاء مأخوذ من دعاء النيب البن عباس
((اللَّهم علْ الاتاب واحلاِْ))(.)49
فيسن للداعي أن جيمع بني هذه الرواايت يف الدعاء ،فيقول(( :اللَّهم علْ الاتابح واحلاِْنِنِح
ُّ
الدين)). وفقه
الشرح:
قولِن (( :اللَّهِنِنم علْ ِن الاتِنِناب)) أي كتاااب ا ،القاارآن ،فهااذا الساؤال تضاامن التوفيااق إىل
تعلم أفضل العلوم ،وأمساها ،وهو القرآن الذي جيمع كال العلاوم الشارعية املطلوباة ,الاذي عليهاا الفاالد
يف الدارين.
ْيُك ْم َم ْن تَِن َعلَّ َم الْ ُق ْرآ َن َو َعلَّ َْ ُ)).
قال النيب َ (( :خ ْ ُ
قول (( :احلاِْ)) :أي السنة النبوية.
الدين)) الفقه يف اللغة الفهم ،قال ا تعاىلَ :وِ ْن ِمِن ْن َشِن ْي ٍء َِّأ يُ َسِنبِ ُح قول (( :اللَّهم فقه
ََِ ْْ ِن ِدِِ َولَ ِا ِن ْن َأ تَِن ْف َق ُه ِنو َن تَ ْس ِنبِ َح ُه ْم ِِتَِّن ُ َك ِنا َن َحلِ ْ ِنا غَ ُف ِنورا .أي معرفااة األحكااام الشاارعية ،وكيفيااة
االستنباس منها يف الكتاب و السنة.
الدين ،وأن من رزقه ا تعاىل الفقه يف الدين انل حمبته الايت هاي وبني النيب أمهية الفقه يف ِّ
اَّللُ خْيا يفقه الدين)). أعظم احملاب ،وأعالها ،فقال (( :من يُ ِرِد َّ
وهااذا ياادل علااى أن ماان مل يفقهااه يف دينااه مل ياارد بااه خارياً ،كمااا أن ماان أراد بااه خارياً فقهااه يف دينااه،
وَم ان فقهااه يف دينااه فقااد أراد بااه خ ارياً إذا أريِنِند ِبلفق ِن العلِنِنم املسِنِنتلز للعْ ِن ،وأمااا إن أريااد بااه باارد
العلاام ،فااال ياادل علااى أن ماان فقااه يف الاادين فقااد أريااد بااه خ ارياًأ فااإن الفقااه حينئااذ يكااون شاارطاً إلرادة
ارري ،وعلى األول يكون موجباً.
فتضمنت هذه الدعوات املهمات التوفيق إىل أكمل العلاوم :الكتااب ،والسانة ،والفهام ،واملعرفاة يف
االجتهاد فيهما ،فينبغي للعبد طالب العلم خاصة أن يك ر من هذا الدعاء املبارك.
وضع الماء عند الخةء ،برقم ،143ومسلم ،كتاب يضائل الصحابة ،باب يضائل عبد ّ
ّللا بن عباس
رَضِيَِاللِ ُهِ
عَنْهُمَِا ،برقم ،2477وما بمن المعقويمن ،البخاري ،كتاب العلم ،بااب قاول النباا ^ :اللهام علماه الكتااب ،بارقم
،75ورقم ،3756ورقم .7270
( )49البخاري ،برقم ,75ورقم ،143وتقدم تخرمجه يا الحاشمة السابقة.
38 املنتقى من فقه الدعاء
(( -25اللَّ ُه َّم اِْتِنَف ْعِ ِِبَا َعلَّ َْْتِ ح َو َعِل ِْْ َما يَِنْنِنَف ُعِ ح َوِدْدِّن ِعلْْا))(.)50
)) ِن ِبَّلل مِنِنن حِنِنال أهِن النِنِنار))( ،)51ويف لفا َاظ آخاار(( :واردقِن علِْنِنا تنفعِن
ويف لفا َاظ(( :وأعِنِنوأ َّ
(.)52
الشرح:
هااذا احلااديث اشااتمل علااى دعااوة جامعااة تتعلااق ابلعلاام ،ومااا ينبغااي أن يكااون عليااه شااأن املساالم،
وطالب العلم مع العلم ،وهو يتكون من أربع مجل ،ثالل منهاا يف حتقياق هاذا املطلاب ا ليال واملقصاد
العظيم للعلم.
قول (( :اللَّهم اِتفعِن ِبِنِنا علْتِن )) :أي أساألك اي ا االنتفااف ااا أتعلماه مان العلاوم املفيادة ،وأن
أعمل اقتضاه خالصاً لوجهك الكرمي ،ال لالنتفاف به يف أغراض الدنيا وزخرفها ،ومن رايء ومسعةأ فإن
العلاام النااافع هااو املقصااود ،والوساايلة بااه إىل التعبااد تعاااىل ،فيصاالح األعمااال ،واألق اوال الظاااهر منهااا
والباطن.
قول (( :وعلْ ما ينفع )) :فيه سؤال ا أن مين عليه ابلعلم النافع ،وهو علم الشاريعة الاذي فياه
صالد الدين والدنيا من العبادات واملعامالت ،والعلم اب وأبمسائاه وصافاته الاذي هاو أشارف العلاوم،
وما جيب له من القيام أبمره ،وحتقيق طاعته.
قول (( :وددّن علْا)) :أي زدين علماً إىل ما علمتين ،كماا قاال تعااىل لنبياه َ : وقُِن ْ َر ِ
ب ِد ْدِّن
ِعلْْا ،ومل دمر نبيه بزايدة يف أي أمر إال يف العلمأ فاإن الازايدة فياه ترقاي العباد إىل الازايدة يف املعاارف
والعل ااوم ال اايت تقتض ااي العم االأ ف ااإن العل اام وس اايلة للعم اال ،وه ااو أول املع ااارف ،وأص االها ق ااال ا تع اااىل:
ني والْْ ْ ِمنَ ِ
ات. ك ولِل ِ ِ اَّللُُ ،ث العمل :و ْ ِ ِ ِ فَا ْعلَ ْم أَِتَّ ُ َأ ِلَ َ َِّأ َّ
ْْ ْ من َ َ ُ
استَِنغْف ْر ل َهِتْب َ َ ُ َ
وهنا أمر ال بد من التنبيه إليه ،أن من يدعو ا تعاىل أبن مينحه العلم الناافع ،وأن ينفعاه ااا علماه
كما يف الدعاء السابق ،البد له مع الدعاء من باذل األساباب املشاروعة لتحصايل العلامأ فِنِنإن اَدع ِنِنِ
القرآِت ِ والنبويِ اَمر ِباح والمناء عل الداعني ِباح يستتبم لوادمها ومتْْاُتاح فس ال َّ
اَّلل اْلدايِ
يستدعي فع َج م اَسباب ال تدرك ِبا اْلدايِ العلْ ِ والعْل ِ.
قول (( :وأعِنِنوأ َّ
ِبَّلل مِنِنن حِنِنال أهِن النِنِنار)) :اساتعاذ مان حااهلم ملاا فياه مان األمل الشاديد ،والعاذاب
( )50أخرجه الترمذي ،كتاب الدعوات ،باب حدثنا أبو كرمب ،برقم ،3599وابن ماجاه ،المقدماة ،بااب االنتفاا
بالعلم ،برقم ،251وابن أبا شمبة.281 /10 ،
( )51الترمذي ،كتااب الادعوات ،بااب حادثنا أباو كرماب ،بارقم ،3599ابان ماجاه ،كتااب ابدب ،بااب يضال
الحامدمن ،برقم .،3804
( )52أخرجااه النسااائا يااا الكباار ،444 /4 ،،والحاااكم ،وصااححه ،510 /1 ،والاادعوات الكبماار للبمهقااا/1 ،
.158
39 املنتقى من فقه الدعاء
املديد ،وهذا حال من مل ينتفع بعلمه ،ومل يعمل به ،فكان حاله ومصريه هو عذاب النار والسعري.
ك ِعلْْا َقفِعاح َوِر ْدقا طَِباح َو َع ََْل ُمتَِن َقبََّل))(.)53 (( -26اللَّ ُه َّم ِِّن أ ْ
َسأَلُ َ
الشرح:
هااذا الاادعاء املبااارك الااذي كااان يسااتفتح بعااد صااالة الصاابح بااه كاال يااوم يف غايااة املناساابةأ ألن
الصبح هو بداية اليوم ومفتتحه ،واملسلم لي له مطمع يف يوماه إال حتصايل هاذه األهاداف ،واملقاصاد
العظيم ااة ،واأله ااداف النبيل ااة يف حتدي ااد مهت ااه يف أول النه ااار ،وه ااي ((العل ِنِنم الن ِنِنافمح وال ِنِنردق الط ِنِنيح
والعِْن ِن املتقب ِن ِن )) ،وكأنا ااه يف افتتاحا ااه ليوما ااه با ااذكر ها ااذه املقاصا ااد ال الثا ااة دون غريها ااا ،حيا اادد أهدافا ااه
ومقاصده يف يومه ،وال ريب يف ذلك أناه أمجاع للقلاب ،وأضابط لساري العباد ،ومسالكه يف هاذه احليااة،
وفيااه اسااتعانة وتضاارف لربااه يف صااباحه ،وأول يومااه أن ميااد لااه العااون ،وارااري ،والتوفيااق للسااري علااى هااذه
األهداف كل يومأ فإن هذه املقاصد ال الل عليها الفالد يف الدنيا وا خرة.
وأتمل كياف بادأ النايب هاذا الادعاء بساؤال ا العلام الناافع ،قبال ساؤاله الارز الطياب ،والعمال
املتقبل ،ويف هذا إشارة إىل أن العلم النافع مقادم باه ،وباه يبادأ ،قاال ا تعااىل :فَِنا ْعلَ ْم أَِتَِّن ُ َأ ِلَِن َ َِّأ
ني َوال ُْْ ْ ِمنَات ،فبدأ ابلعلم قبل القول والعملأ ألنه ال ميكن أن يكاون ك ولِل ِ
ْْ ْ منِ َ اَّللُ و ْ ِ ِ ِ
استَِنغْف ْر ل َهِتْب َ َ ُ َّ َ
العمل صحيحاً وموافقاً للكتاب والسنة دون علم ،ويف البدء ابلعلم النافع حكمةٌ ظااهرة ال فاى علاى
املتأمل ،أال وهي أن العلم النافع به يستطيع املرء أن مييز بني العمل الصاحل وغري الصاحل ،ويساتطيع أن
مييز بني الرز الطيب وغري الطيب.
قول (( :علْا قفعا)) فيه داللةٌ على أن العلم نوعان:
َّلل ِم ِن ْن
اَّلل ِع ْلْ ِنا قفِعِنِناح وتَعِن َِّنوأُوا ِِب َِّ
َ علا ٌام انفااع ،وعلاام لااي بنااافع ،كمااا جاااء يف احلاديثَ (( :س ِنلُوا ََّ
ِعِن ِن ِنِنل ٍْم َأ يَِن ْنِن َف ِن ُم)) ،قااال احلساان البصااري رمحااه ا (( :العلاام علمااان ،علاام ابللسااان ،وعلاام ابلقلااب ،فعلاام
القلب هو العلم النافع ،وعلم اللسان هو حجة ا على ابن آدم)) ،فالعلم الناافع هاو ماا ابشار القلاب،
فأوجااب لااه السااكينة وارشااوف ،واإلخبااات تعاااىل ،وإذا مل يباشاار القلااوب ذلااك ماان العلاام ،وإمنااا كااان
على اللسان فهو حجة ا على بين آدم.
قول (( :ردقا ط با)) فيه إشارة كذلك إىل أن الرز نوعان :طيب ،وخبياث ،وا تعااىل ال يقبال إال
الر ُس ِن ُ ُكلُ ِنوا ِم ِن َن
طيب ااً ،وقااد أماار ا تعاااىل املااؤمنني اااا أماار بااه املرساالني ،فقااال جاال وعااالَ :ة أَيُِّن َه ِنا ُّ
( )53أخرجه ابن ماجه ،كتاب الصةة ،باب ما مقال بعاد التسالمم ،بارقم ،925والنساائا ياا السانن الكبار/6 ،،
،31برقم ،9850ويا عمل الموم واللملة له ،برقم .102
40 املنتقى من فقه الدعاء
احلا ,وقال تعااىل :ة أَيُِّن َهِنا الَِّن ِهين آمنُِنوا ُكلُِنوا ِمِنن طَِبِن ِ
ات وا ْعْلُوا ص ِ
ِ
ات َمِنا َرَدقِْننَِنا ُك ْم ،فاإن ْ َ َ َ َ الطَِّبَ َ َ َ
من أعظم األسباب املوجبة إلجابة الدعاء طيب املأكل.
قول (( :عَْل متقبَل)) فيه إشارة إىل أنه لي كل عمل يتقرب به العبد إىل ا متقابالً ،بال املتقبال
مان العمال هاو الصااحل فقاط ،والصااحل هاو مااا كاان تعااىل وحاده ،وعلاى هادي وسانة املصااطفى ،
فال بد أن يكون خالصاً ،وصواابً على هدي النيب .
فهااذا دعاااء عظاايم النفااع ،كب ااري الفائاادة ،حيساان ابملساالم أن حيااافظ علي ااه كاال صااباد ،أتس اياً ابلن اايب
الكارمي ُ ،ث يُتباع الادعاء ابلعمال ،فيجماع باني الاادعاء ،وباذل األساباب ،وهاذا أكمال الادعاءأ لينااال
هذه ارريات العظيمة ،واألفضال الكرمية.
َسَتِن ْغِفُرَك لِ َْا أَ أَ ْعَل ُم))(.)54
الل ُه َّم ِّن أ َُعوُأ ِ َك أَ ْن أ ُْش ِرَك ِ َك َوأََق أَ ْعَل ُمح َوأ ْ
َّ (( -27
الشرح:
اشتمل هذا احلديث على االستعاذة من أعظم شر وأخطره ،وهو الشرك ،فإن الشرك اب العظايم
ال لُْق َِْنا ُن ِأ ْنِِن ِ َو ُهِن َو يَِعَُِن ُ َة أعظام الظلام وا ارم ،قاال ا تعااىل عاان لقماان وهاو يعاظ ابناهَ :وِ ْأ قَِن َ
الش ْر َك لََُلْم َع َِ م ،وقال تعاىلَّ ِ :ن َّ
اَّللَ َأ يَِنغْ ِفِن ُر أَ ْن يُ ْشِن َر َك ِِن ِ َويَِنغْ ِفِن ُر َمِنا َّ َأ تُ ْش ِر ْك ِِب َِّ
َّلل ِ َّن ِ
َُ
ِ
ك ل َْ ْن يَ َشاءُ. ِ
ُدو َن َأل َ
ف ااأخرب الن اايب أن العب ااد غ ااري آم اان م اان الوق ااوف يف الش اارك ،وأن ااه لش اادة خفائ ااه أخف ااى م اان دبي ااب
النمل ،فقد يقع فيه العبد ،ويتسلل إىل نفسه وهو ال يعلم ،وال يدري ،وهاذا اإلخباار مان الرساول راري
البشارية بعااد الرساال ،وهاام الصااحابة رض اوان ا علاايهم ،الااذين عصاارهم هااو خااري العصااور ،فكيااف بنااا
راان ،وال شااك يف أن هااذا بياااانً علااى أن أفضاال الناااس قااد يقااع منااه الشاارك ماان حيااث ال يعلاام ،واملاراد
ابلشرك هنا الارايء والسامعة والعجاب ،وهاذه الاذمائم ال تاذهب عان الرجال ماا مل يعارف نفساه ،وهكاذا
ينبغي للعبد أن يراقب نفسه ،وحياسبها بني احلني وا خر حىت ال يقع فيه.
فعليك اي أخي أن تلتجإ إىل ا أن يُعيذك مان هاذا الشارك ،وأن تباذل كال األساباب يف االبتعااد
عنااه :قااوالً ،وفعاالً ،وأن تك اار ماان هااذا الاادعاء العظاايمأ فااإن ا رب العاااملني ال ىليااب ماان التجااأ إليااه،
وأخلص يف قوله وعمله.
( )54أخرجه البخاري يا ابدب المفرد ،ص ،250برقم ،716والضماء المقدسا ،45 /1 ،واو يا عمل الموم
واللملة البن السنا ،برقم ،258وانااد ياا الزااد ،434/2 ،بارقم ،849والحكامم الترماذي ،142/4 ،وأباو
معل ،60/1برقم .58
41 املنتقى من فقه الدعاء
صِن َْ ُدح الَِّن ِهو ََلْ يَلِِن ْد ك ال َْوا ِحِن ُد ْاََ َحِن ُدح ال َّ ََّللُ ِِبَِتَّ َ
ك َة أ َّ َسأَلُ َ(( -28اللَّ ُه َّم ِِّن أ ْ
ور ك أَِتِْن ِن َ
ْ الْغَ ُفِن ِن ُ َوََلْ يُولَِن ِن ْدح َوََلْ يَ ُاِن ِن ْن لَِن ِن ُ ُك ُفِن ِنوا أَ َحِن ِندح أَ ْن تَِنغْ ِفِن ِن َر ِِل أُِتِنُ ِن ِ
وِبح ِِتَِّن ِن َ
الرِح ُم))(.)55 َّ
املفردات:
اَحد :الكامل يف أحديته ،فال شبيه له ،وال نظري.
الواحد :هو الذي توحد َميع الكماالت ،حبيث ال يشاركه فيها مشارك.
الصْد :املقصود يف احلوائج ،وهو الذي انتهى سؤدده .
كفوا :أي واثالً ،وا تعاىل لي له واثل ،وال نظري يف كماال ذاتاه ،وال يف صافاته ،وال يف أفعالاه
بوجه من الوجوه.
الشرح:
ه ااذا ال اادعاء العظ اايم في ااه توسا ال إىل ا أبمج اال الوس ااائل ،وأعاله ااا ،وه ااو التوسا ال أبمس اااء ا
احلسىن ،وبصفاته العظمى العاال مقدماة قبال ساؤال ا تعااىل املغفارة للاذنوب ,والتجااوز عنهااُ ،ث أكاد
سؤاله وعلله :أبنك اي ريب عظيم املغفرة للذنوب ،مهما تكررت وبلغت ،عظيم الرمحة الايت وساعت كال
شيء ,فناسب يف ختم هذين االمسني ،السؤال والطلب.
قولِن ََ :لْ يَلِِن ْد َوََلْ يُولَِن ْد َوََلْ يَ ُاِن ْن لَِن ُ ُك ُفِنوا أَ َحِند :فيااه جاواز التوسال بصافات ا تعاااىل املنفيااة يف
الدعاء ,وأن من معاين ((الصْد)) هذه املنفيات عنه تعاىل.
وهذا الدعاء ا ليل فيه مظنة اسم ا األعظمأ لتضمنه أعظام األمسااء احلساىن ا ,فينبغاي اإلك اار
من االعتناء به يف حال الدعوات.
( )55أخرجه النسائا ،كتاب السهو ،باب الدعاء بعد الذكر ،برقم ،1301واللفظ له ،والنسائا يا الكبار ،،بارقم
،7665وأبو داود ،كتاب الصةة ،باب ما مقول بعد التشهد ،برقم .985
42 املنتقى من فقه الدعاء
ك ِم َن النَّا ِر]))(.)56
َعوأُ ِ َ
ك ا َْْنَّ َِ َوأ ُ
َسأَلُ َ
أْ
املفردات]:
املنان :اسم من أمساء ا تعاىل احلسىن ,أي ك ري العطاء ،من املنة اعىن النعمة ،أو النعمة ال قيلة,
أي صاحب النعم املتتالية دون طلب عوض ,وغرض.
ديم السْوات واَر :أي مبدعهما اعىن ارتعهما ومنشئهما على غري م ال سابق.
أا اَْلل واإلكرا :ذو ا الل :صاحب العظمة والكمال واإلكرام :هو سعة الفضل ،وا اود ااا
لي له حدود.
احلي :اسم من أمسائه تعاىل ،وهو الذي له احلياة الدائمة الكاملة املستلزمة ميع صفات الذات.
الق ِنِنو :اس اام م اان أمسائ ااه تع اااىل :و ه ااو الق ااائم بنفس ااه ،فل اام حي ااتج إىل أح ااد ،واملق اايم لغ ااريه ابلت اادبري
واإلصالد.
الشرح:
باادأ اقدمااة ماان ال ناااء علااى ا تعاااىل ،واسااتحقاقه احلمااد بكاال أنواعااه ،وإثبااات وحدانيتااه وألوهيتااه
ابلعب ااادة دون غ ااريهُ ,ث ذك اار مج االً م اان أمسائ ااه احلس ااىن ،مقدم ااة ب ااني ي اادي دعائ ااه ,فجم ااع ب ااني التوس اال
ابلعمل الصاحل تعاىل ،توسالً اا له من الكماالت اليت ال ُحتصى ,رجاء عظيمااً يف قباول دعوتاهأ ملاا
تلتااه ماان أمسااى مطلااب يف الاادنيا وا خاارة ,وهااو مغفاارة الااذنوب ,واسااتعاذة ماان أعظاام مرهااوب ،وهااو
النار.
قول (( :ة ديم السْوات واَر )) :اي خالق ومنشإ السموات واألرض على غري م ال سابق.
قول (( :ة أا اَْلل واإلكِنرا )) :اي صااحب العظماة ،والكاربايء ،وا اد ،واي واساع الفضال وا اود
والكرم ,تُكرم أولياءك ،وخواص خلقك ،أبنواف الكرم وا ود ،اا لي له حدود ،وال ُمقيد بقيود.
قول ِن (( :ة حِنِني ة ق ِنِنو )) :اي دائاام احلياااة الااذي لااي لااك ابتااداء ،ولااي لااك فناااء ،وال انتهاااء ،اي
وحمتاال لك.
ٌ مفتقر إليك،
قائم بتدبري ارلق ,والغين عن كل ارلق ،الكل ٌ
قول ِن ّ (( :ن أس ِنِنألك اْن ِنِنِ وأع ِنِنوأ ِنِنك م ِنِنن الن ِنِنار)) :بع ااد ثنائااه علااى ا تع اااىل أبمسائااه احلس ااىن،
وصفاته العُال ،شارف يف ساؤال أعظام مطلاب ،وهاو ا ناة ،واساتعاذ مان أشاد مرهاب ،وهاو الناار والعيااذ
اب .
قول (( :لقد دعا َّ
اَّلل تعا ِبَس اَعَم)) :وذلك جاء يف األثر أن النيب صلى هللا عليه وسلم
أحدا يدعو هبذا الدعاء قال« :لقد دعا هللا ابمسه األعظم» ،واالس ُام األعظام مان مثارات الادعاء ملا مسع ً
باه أناه يفياد أصاال التعجيال ،أو زايدتاه ،وكماااالً يف املساتجاب ،أو يف بادل املادعو بااه ،فهاو ال شاك لااه
فحري االعتناء به أشد العناية ،حىت يتكارم ربناا العطائناا ماا نرجاوه
أكرب األثر يف قبول وإجابة الدعاءٌ ،
يف العاجل وا جل.
( )57أبو داود ،كتاب الصةة ،باب ما مقول بعد التشهد ،برقم ،985والترمذي ،كتاب الدعوات ،باب ما جااء ياا
ّللا ^ ،برقم .3475جامع الدعوات عن رسول ا
( )58الفتوحات الربانمة.636 / 3 ،
44 املنتقى من فقه الدعاء
صفاتك ،وال يف أفعالك بوجه من الوجوه ,وهذا النفي متضمن لكماله تعااىل مان كال الوجاوه يف ذاتاه،
وأمسائه ،وصفاته ،وأفعاله .
اَّلل ِبَس اَعَم)) :وقد جاء ً
أيضا أن النيب صلى هللا علياه وسالم ملاا مساع قول (( :لقد سألْ َّ
أحدا يدعو هبذا الدعاء قال« :لقد دعا هللا ابمسه األعظم».
ً
وه ااذا في ااه دالل ااة أن امس ااً أعظ اام ،إذا دع ااي ب ااه أج اااب ،وإذا ُس ائل ب ااه أعط ااى ,وفي ااه دالل ااة عل ااى
تفاضل بني أمساء ا تعاىل ،فهنااك اسام أعظام ،وهنااك اسام عظايم ،فأمسااء ا وصافاته كلهاا عظيماة،
ال نقااص فيهااا البتااة ،لكاان بااني الناايب أن هناااك امس ااً ،هااو أعظاام األمساااء ،مااذكور يف هااذا احلااديث،
والذي قبله ،وا تعاىل أعلم.
وق ااد اختل ااف العلم اااء يف حتدي ااد اس اام ا األعظ اام ،وال ااذي علي ااه األك اار ه ااو اس اام ا الل ااة (( َّ
اَّلل))،
وذلك ألمور:
-1أنه االسم الذي ورد يف كل األحاديث اليت أخرب هبا املصطفى أن فيها اسم ا األعظم.
-2أنه أك ر اسم ورد يف كتاب ا تعاىل ،حيث ورد ( )724مرة.
- 3ه ااو االس اام ج ااامع مي ااع مع اااين أمس اااء ا تع اااىل احلس ااىن ،متض اامن لس ااائر ص اافاته الع ااالأ وهل ااذا
يضا اايف تعا اااىل سا ااائر األمسا اااء إليا ااه ،قا ااال تعا اااىل :وَِِّ
َّلل ْاََ َْسَ ِنِناءُ ا ْحلُ ْس ِنِن َن فَِن ِنا ْدعُوُِ ِِبَِنِنا .فيقا ااال: َ
((الرمحن))(( ،الرحيم)) من أمساء ا ,وال يقال ((ا من أمساء الرمحن)).
(( -31اللَّه َّم ِ ِعل ِْْك الْغ يح وقُ ْدرتِ
ْ ا ْحلََِنا َِ َحِ ِ َمِنا َعلِ ِْْن َ ْ أ حْقِ ل َ ْ
اْل ل
َ ع
َ ك َ َ َْ َ َ َ ُ
كِ ك َخ ْش ِنَِنتَ َ ْ ال َْوفَِنا َِ َخ ِن ْْيا ِِلح اللَّ ُهِن َّم ِِّن أَ ْس ِنأَلُ َ َخِن ْْيا ِِلح َوتَِن ِن َوفَِّ ِ َأا َعلِ ِْْن َ
صِن َد ك الْ َق ْ يح َوأَ ْسِنأَلُ َ ضِن ِ ضِنا َوالْغَ َ ك َكلِ ََِْ ا ْحلَِن ِق ِ ِ
الر َ َسأَلُ َ الشه َ ِ
ادِح َوأ ْ ي َو َّ َ الْغَْ ِ
ني أَ تَِن ْنِن َق ِطِن ِن ْمح ك قُِن ِن َّرَِ َعِن ِن ْ ٍ ك ِتَ ِع َِْن ِنا أَ يَِن ْنِن َفِن ِن ُدح وأَ ْسِن ِنأَلُ َِ الْ ِغِن ِن َن َوالْ َف ْقِن ِن ِرح َوأَ ْسِن ِنأَلُ َ
ك لَِن َّهَِ َسأْلُ َ ش ِن ْع َد الْْو ِ ِ ضِ ك ِ
تح َوأ ْ َْ َ ْ ْع
َ ل ا د
َ رْ ِن
َ كَ ل
ُ أ
َ َس
ْ أوضا َِن َع َد الْ َق َ َ
ح اء الر َ َسأَلُ َ َوأ ْ
ضِن ِن َّرٍِح َوأَ فِ ْتِننَِن ِن ٍِضِن ِن َّراء م ِ
كح ِ غَِن ِن ِْْي َ َ ُ شِن ِن ْو َق ِ َ لَِقائِِن ِن َ كح َوال َّ النَََِّن ِن ِر َ َو ْج ِهِن ِن َ
ين))(.)59 دانح واجعلْنَا ه َداِ م ْهتَ ِ ضلَّ ٍِح اللَّ ُه َّم َديِنَّا ِ ِزينَ ِِ ا ِإلَيَ ِ مِ
َ ُ ُ َ ْ َ ُ
هذا الدعاء كبري النفع ،عظايم الشاأن ،وغزيار الفوائادأ ملاا فياه مان مع َ
اان ومقاصاد جليلاة ,ومطالاب
عالية يف العقيدة واألخال والعبادات الظاهرة والباطنة ،ففيه:
( )59النسائا ،كتاب السهو ،ناو آخار ،بارقم ،1305والسانن الكبار ،لاه ،387 /1 ،وأحماد ،265/30 ،بارقم
،18325وابن حبان ،304 /5 ،وأبو معل .195 /3 ،
45 املنتقى من فقه الدعاء
أعانااه ا عليااه ،ويَس اره لااه ،وفيااه كااذلك حساان الظاان اب جاال وعااال بكمااال أفعالااه ،وصاافاته املقرتنااة
بكمال احلكمة والعلم والعدل.
قول (( :وتوف أا علْْ الوفاِ خِنْيا ِل)) :أبن تغلاب سايئايت علاى حسانايت ،أو أبن تقاع الفانت
والفساد والشر يف الدين ،ففي هذه احلال يكون املاوت خارياً ملاا فياه مان الراحاة للماؤمن ،والساالمة مان
ض ار ناازل ابلعبااد هلااه ابلعواقااب ،ففااي صااحيح الاابالايأ وهلااذا جاااء النهااي يف الساانة عاان وااين املااوت ل ُ
اد َوِ َّما ُم ِسِن ا فَِنلَ َعلَِّن ُ
ت ِ َّما ُْحم ِسنا فَِنلَ َعلَّ ُ يَِن ْز َد ُ
َح ُد ُك ُم ال َْْ ْو َ
البخاري عن النيب أنه قاالَ (( :أ يَِنتَ َْ َّن أ َ
ي)) ،أي عل اة النه ااي ع اان و ااين امل ااوت أبن العب ااد إن ك ااان حمس ااناً يف حيات ااه يُرج ااى أن ي اازداد هب ااا ِ
يَ ْسِن ِنتَِن ْعت ُ
إحساانً ،وإن كان مسيئاً فإنه يسرتضي ا ابإلقالف عن الذنوب ،وطلب املغفرة.
تنبيه :ينبغي أن يعلم أن احلاجات اليت يطلبها العبد من ا تعاىل نوعان:
النِنِنوع اَول :مااا عُلِّام أنااه خااريٌ حمااض ،كساؤال خشاايته ماان ا تعاااىل ,وطاعتااه وتقاواه ،وساؤال
ا نة ،واالستعاذة من النار ,فهذا يُطلب من ا تعاىل بغري تردد ،وال تعليم ابلعلم ابملصلحةأ ألنه خري
حمض.
النوع الماّن :ما ال يُعلم هل هو خري للعبد أم ال ،كااملوت واحليااة ،والغاىن والفقار ،والولاد واألهال،
وكسااائر ح اوائج الاادنيا الاايت ُجيهاال عواقبهااا ،فهااذه ال ينبغااي أن يُسااأل ا منهااا إال مااا يعلاام فيااه ار اارية
للعبدأ ألن العبد جاهل بعواقب األمور.
وقد تضمن الدعاء يف هذا احلديث النوعني معاًأ فإنه ملا سأل املوت واحلياة قيد ذلك اا يعلام ا
تعاىل أن فيه اررية لعبده ,وملا سأل ارشية وما بعدها وا هو خري صرف جزم به ،ومل يقيده بشيء.
وهل ااذا ينبغ ااي للعب ااد أن يفق ااه يف ابب ال اادعاء ،م ااا ي اادعو ب ااهأ ألن ااه ي اادعو رب األرض والس ااموات،
فينبغي أن يتخري ملواله أمجل األلفا ،وأحسن املعاين ،وأنبل األماين.
حُث شرف يف سؤال املنجياات الا الل كماا جااء يف احلاديث عان النايب َِ (( :ن ََلث ُم ْهلِ َاِناتُ :شِن ٌّ
اَّلل ِ ال ِسِن ِرح َوال َْع ََلِتَِِن ِِح مطَِناعح وهِنوى متَِّنبِنمح وِ ْعجِناب الِْْنرِء ِنَِن ْف ِسِن ِح وَِن ََلث م ْن ِج ِناتَ :خ ْشِن ُِ َِّ
َ ُ َ َ ََ ُ َ َ َ ُ َ ْ ُ
ِ ()60
ضي)) . ضا َوالْغَ َ ِ ِ
ص َد ِ الْغ َن َوالْ َف ْق ِرح َوَكل َُِْ ا ْحلَِق ِ ِ
الر َ َوالْ َق ْ
قول (( :وأسألك خش تك الغ ي والشهادِ)) :أي أسألك اي إهلاي دوام ارشاية ماع اراوف يف
السر والعلن ،والظاهر والباطن يف حال كوين مع النااس ،أو غائبااً عانهم ،فاإن خشايتك رأس ُكال خاري،
ِ
فق ااد م اادد ا ج اال وع ااال يف ع اادة آايت م اان ىلش اااه ابلغي ااب ،ق ااال تع اااىلَّ ِ :ن الَِّن ِنه َ
ين َ ْ َشِن ِن ْو َن َرَِّبِنُِن ْم
ي. ْي ُمنِ ٍ ي َو َجاءَ َِقل ٍ َجر َكبِْي ،وقالَ :م ْن َخ ِش َي َّ
الر َْْ َن ِِبلْغَْ ِ ِ ِِبلْغَْ ِ
ي َْلُ ْم َمغْف َرِ َوأ ْ
وقد فُسر الغيب يف هذه ا ايت ابلدنياأ ألن أهلها يف غيب عما وعدوا به من أمر ا خرة.
ضوا َع ْن ُ.
اَّلل َع ْنِن ُه ْم َوَر ُ فقد رضي ا عنه ،فإن ا زاء من جن العمل ،قال ا تعاىل :ر ِ
ض َي َّ َ
قال عبد الواحد بن زيد :الرضا ابب ا األعظم ،وجنة الدنيا ،ومسرتاد العابدين .
قول ِن (( :وأسِنِنألك َِن ِن ْر َد الع ِن ش عِنِند املِنِنوت)) :أي أسااألك الراحااة بعااد املااوت ،ويكااون ذلااك برفااع
الاارود إىل ا نااان يف عليااني ،وهااذا ياادل علااى أن العاايش وطيبااه ،وباارده ،إمنااا يكااون بعااد املااوت للمااؤمن،
ص ملا فيه من اهلموم والغموم. فإن العيش قبل املوت منغ ٌ
قول ِن (( :وأسِنِنألك لِنِنهِ النَِنِنر وجهِنِنك والشِنِنوق لقائِنِنك)) :مجااع هااذا الاادعاء أطيااب وأهنااأ
شيء يف الادنيا ،وهاو الشاو إىل لقااء ا ،وأنعام وأطياب شايء يف ا خارة هاو النظار إىل وجاه ا
الكرمي ،الذي ال شيء أمجل ،وال أنعم ،وال أهنأ مان ر يتاه ،فعان صاهيب ،أن رساول ا قاال:
ضار َك َوتَِن َعِنا َ :تُريِن ُدو َن َشِن ا أَديِن ُد ُك ْم؟ فَ ُقولِنُو َن :أ ََلْ تُِنبَ ِنِ ْ (( أا َد َخِن أ ْهِن اْنِن ِ
ول اُ تَِنبَِن َ
َِّ اَْنَِّنَِح يَِن ُقِن ُ َ ُ َ
ي لَِن ْ ِه ْم
َح َّ ابح فَ َْا أُ ْعطُوا َش ْ ا أ َ
ِ
ف احل َج َ وهنَا؟ أ ََلْ تُ ْد ِخلْنَا اَْنََِّ َوتُِننَجنَا م َن النَّا ِر؟ قال :فَِنَ ْاش ُ
ِ ِ ِ ُو ُج َ
ِم َن النَََّ ِر َ َرِبِِ ْم ،)61( ))فهو أعظم من كل نعيم يف ا نة وما فيها.
قول ِن (( :غِنِنْي ض ِنراء مض ِنِنرِح وأ فتنِنِنِ ُمضِنِنلِ)) :أي أسااألك شااوقاً ال يوجااد فيااه مااا يُضاارين يف
ديااين ،وال يف دنياااي أبن أحيااا حياااةً خاليااة ماان الضاار والاابالء الااذي ال صاارب عليااه ،وخالي اةً ماان الف اانت
املضلة ،املوقعة يف احلرية ،ومفضية إىل اهلالك.
قول (( :اللَّهم َدينِنِنا زينِنِنِ اإلَيِنِنان)) :اي ا زيان بواطنناا وظاواهران بزيناة اإلمياان ،فتشامل زيناة البااطن
ابالعتقاااد الصااحيح ،واليقااني ال اباات ،وزينااة اللسااان ابلااذكر والقاارآن ،وزينااة الظاااهر ابألعمااال الصاااحلة،
والطاعة الدائمة ،فإن الزينة الكاملة النافعة الدائمة ،هي زينة اإلميان والتقوى إذا تلت القلب والبادن.
ك َخ ْْي. اس التَِّن ْق َوى أَلِ َ ِ
فقد مسى ا تعاىل التقوى لباساً ،وأخرب أهنا خري من لباس األبدان َ ولبَ ُ
قول (( :واجعلنِنِنا هِنِنداِ مهتِنِندين)) :أبن هنادي أنفسانا ،وهنادي غاريان ،وهاذا أفضال الادرجات ،قاال
اه ْم أَئِ َِّْنِ يَِن ْهِن ُدو َن ِِبَ ْمِن ِرَق ،وكماا يف دعااء النايب ملعاوياة (( :اللَّهِنِنم اجعلِن هِنِنادة تعااىلَ :و َج َع ْلنَِن ُ
مهدةح واهدِح واهد )) .
()62
ووصااف اهلااداة ابملهتاادين ،وذلااك أن يكااون العبااد عامل ااً ابحلااق متبع ااً لااه ،معلم ااً لغااريه ومرشااداً لااه،
وياادخل فاايمن دعااا إىل اهلاادى ،وماان دعااا إىل التوحيااد ماان الشاارك ،وإىل الساانة ماان البدعااة ،ف ُحاق علااى
الداعي أن يعتين هبذا الدعاء العظيم ا امع والشامل لكل خريات الدنيا وا خرة.
( )61مسلم ،كتاب امممان ،باب إثبات رؤمة المؤمنمن يا ااخرة ربهم ،برقم . 180
( )62أخرجه أحمد،426 /29،برقم ،17895والترمذي،كتاب المناقب ،باب مناقب معاوماة بان أباا سافمان ،
برقم .3842
49 املنتقى من فقه الدعاء
( )63أخرجه مسلم ،كتاب الصةة ،باب ما مقول إذا ريع رأسه من الركو ،برقم ،476والنسائا ،كتاب الغسال
والتممم ،باب االغتسال بالثلج والبرد ،برقم ،400واللفظ له.
( )64رواه أحمد ،197 /33 ،برقم ،19992والترمذي ،كتاب الادعوات ،بااب حادثنا أحماد بان معاوماة ،بارقم
،3483واللفظ له ،والبزار ،53 /9 ،وابسماء والصفات للبمهقا ،430 /2 ،وإسناده عند أحمد صحمح عل
شرط مسلم ،كما قال محققو المسند.197 /33 ،
50 املنتقى من فقه الدعاء
الشرح:
هذا الدعاء جليل القدر ،عظيم الشأنأ لشرف متعلقه ،وذلك أن أنفع الدعاء :طلب العاون علاى
مرضاته ،وأفضل املواهب :إسعافه هبذا املطلاوب ،ومجياع األدعياة املاأثورة مادارها علاى هاذا ،وعلاى دفاع
ما يضاده ،وعلى تكميله ،وتيسري أسبابه فتأملها.
هلذا وصى املصطفى حبيبه معاذاً أن ال يدف هذا الدعاء ا ليل بعد كل صالة.
قول ِن (( :اللَّهِنِنم أع ِن عل ِن أكِنِنرك)) :فيااه الطلااب ماان ا ،والعااون علااى القيااام بااذكرهأ ألنااه أفضاال
األعمال ،قال النيب (( :أ ََأ أُِتَِنبُِ ُا ْم ِِبَ ِْْي أَ ْع َِْنالِ ُا ْمح َوأَ ْدَكا َهِنا ِع ْنِن َد َملِِن ِا ُا ْمح َوأ َْرفَ ِع َهِنا ِ َد َر َجِناتِ ُا ْمح
ضِن ِرُوا ي َوال َْوِر ِقح َو َخ ٍْْي لَ ُا ْم ِم ْن أَ ْن تَِن ْل َقِن ْوا َعِن ُد َّوُك ْم فَِنتَ ْ
ضِن ِرُوا أَ ْعنَِناقَِن ُه ْم َويَ ْ اله َه ِفاق َّ و َخ ٍْْي لَ ُام ِمن ِتْ ِ
ْ ْ َ
اَّلل تعا )). ِ ِ
ال :أ ْك ُر َّ ِول َّ
اَّللح قَ َ أَ ْعنَاقَ ُا ْم؟> قَالُواَِ :نلَ َة َر ُس َ
والا ااذكر يشا اامل القا اارآن ،وها ااو أفضا اال الا ااذكر ،ويشا اامل كا اال أنا اواف الا ااذكر ما اان التهليا اال ،والتسا اابيح،
واالستغفار ،والصالة على النيب والدعاء.
قول (( :وشارك)) :أي شكر نعمتك الظاهرة والباطنة اليت ال ميكن إحصاءهاَ :وِ ْن تَِنعُ ُّدوا ِتِ ْع ََِْ
ود ُش ِن ْارا آل َد ُاو َ وها ،والقيااام ابلشااكر يك ااون ابلعماال ،كمااا قااال ا تع اااىل :ا ْع َْلُ ِنوا َ َِّ
ص ِن َ
اَّلل َأ َُتْ ُ
ور ،ويك ااون ابللس ااان ،ابحلم ااد ،وال ن اااء ،والتح اادل هب ااا ،ق ااال ا تع اااىل: و ال َّ ِ ِ ِ ِ
شِن ِن ُا ُ َوقَل ِن م ِن ْن عبَ ِناد َ
اب َوا ْحلِ ْا َْ ِِ يَِعَُ ُا ْم ِ ِ. ْاتَ ِ اَّلل َعلَ ُام وما أَِتِْنز َل َعلَ ُام ِمن ال ِ واأْ ُكروا ِتِعْ َ ِ
ْ َّ ْ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ َْ
اَّللَ ل ََعلَّ ُا ْم تَ ْش ُا ُرو َن ،وال شاك أن التوفياق إىل الشاكر وأعظم الشكر تقوى ا تعاىل :فَاتَِّن ُقوا َّ
الصةة والخطبة ،برقم . 870 ( )65مسلم ،كتاب الجمعة ،باب تخفم
( )66أخرجه أحمد ،360 /13 ،برقم .7982
51 املنتقى من فقه الدعاء
حيتاال إىل شكر آخر ،إىل ما ال هناية ،قاال ابان رجاب رمحاه ا « :كال نعماة علاى العباد مان ا تعااىل
يف دين أو دنيا ،حتتاال إىل شكر عليهااُ ،ث التوفياق للشاكر عليهاا نعماة أخارى ،حتتااال إىل شاكر َ
اثن،
ُث التوفياق للشااكر ال ااين نعمااة أخاارى حيتااال إىل شااكر آخار ،وهكااذا أبااداً ،فاال يقاادر العباد علااى القيااام
بشكر النعم ،وحقيقة الشكر :االعرتاف ابلعجز يف الشكر))(.)67
قولِن (( :وحسِنِنن عبادتِنِنك)) :علااى القيااام هبااا علااى الوجااه األكماال واألو ،ويكااون ذلااك ماان صااد
اإلخالص فيها ،واتباف ما جاء عن النيب ،وعدم االبتداف فيها.
فلذلك كانت العزمية على الرشاد مبادأ اراريأ فاإن اإلنساان قاد يعلام الرشاد ،ولاي لاه علياه عزمياة ،فاإذا
عزم على فعله أفلح ,والعزمية :هي القصد ا ازم املتصل ابلفعل ,وهو عقاد القلاب علاى إمضااء الفعال,
وال ق اادرة للعب ااد عل ااى ذل ااك إال اب تع اااىلأ فله ااذا ك ااان م اان أه اام األم ااور س اؤال ا تع اااىل العزمي ااة عل ااى
الرشدأ وهلذا علم النيب أحد الصحابة أن يقول(( :ق اللَّهم ق شر ِتفسيح واعز ِل عل أرشد
أمرو))(. )69
فالعب ااد حيت اااال إىل االس ااتعانة اب ,والتوك اال علي ااه يف حتص اايل الع اازم ,ويف العم اال اقتض ااى الع اازم بع ااد
ني. ِِ اَّللَ ُُِي ُّ ْ فَِنتِنوَّك َعلَ َِّ
اَّلل ِ َّن َّ ِ
ي ال ُْْتَِن َوكل َ حصول العزم ,قال ا تعاىل :فَإأَا َع َزْم َ َ َ ْ
وهنا نكتة لطيفة :النقص إمنا يصيب العبد من أحد أمرين :
-1إما من عدم عزمه على الرشد.
-2وإما من عدم ثباته واستمراره على عزمه.
وهلذا كان دعااء النايب صالى هللا علياه وسالم" :اللهام إين أساألك ال باات يف األمار ،والعزمياة علاى
الرشااد" ماان أنفااع األدعيااة وأمجعهااا للخ اريات ،فماان أعانااه هللا علااى نيااة الرشااد والعزميااة عليهااا وال بااات
واالستمرار أ فقد حصل له أكرب أسباب السعادة.
ي ِلَِن ِن ْ ُا ُم ِْ
اإلَيَِن ِنا َن َوَديَِّننَِن ِن ُ ِ والرش ِنِند :ه ااو طاع ااة ا ورس اوله ،كم ااا ق ااال ا تع اااىلَ :ولَ ِا ِن َّن َّ
اَّللَ َحبَِّن ِن َ
اش ُدو َن. الر ِ
ك ُه ُم َّ وق َوال ِْع ْ
صَا َن أُولَِ َ س َ ِ ِ
قُِنلُو ُا ْم َوَك َّرَِ لَْ ُا ُم الْ ُا ْف َر َوالْ ُف ُ
اَّلل ورسول فقد رشدح ومِنِنن يعصِنِني َّ
اَّلل ورسِنِنول فقِنِند وكان النيب يقول يف خطبته(( :من يطم َّ
غوى)).
الر ْش ُد ِم َن الْغَي ،فمن مل يكن رشيداً ,فهاو :إماا
ني ُّ
و الرشد ضد الغي ,قال ا تعاىل :قَ ْد تَِنبَ َّ َ
غافل ,أو ضال.
والعز ِتوعان:
أحدَا :عزم املريد على الدخول يف الطريق ,وهو من البداايت.
والماّن :العزم على االستمرار علاى الطاعاات بعاد الادخول فيهاا ,وعلاى االنتقاال مان حاال كامال,
إىل حال أكمل مناه ,وهاو مان النهااايت ,وهلاذا مساى ا تعااىل خاواص الرسال أوي العازم ,وهام ساة،
وهم أفضل الرسل.
فااالعزم األول حيصاال للعبااد بااه الاادخول يف كاال خااري ,والتباعااد ماان كاال شاار ,إذ بااه حيصاال للكااافر
ار ااروال م اان الكف اار ،وال اادخول يف اإلس ااالم ,وب ااه حيص اال للعاص ااي ار ااروال م اان املعص ااية ,وال اادخول يف
الطاعااة ,فااإن كاناات العزميااة صااادقة ,وصاامم عليهااا صاااحبها ,ومحاال علااى هااوى نفسااه ,وعلااى الشاايطان
محلة صادقة ,ودخل فيما أ ُِّمَر به من الطاعات فقد فاز.
وعون ا للعبد على قدر قوة عزميته ،وضعفها ,فمن صمم على إرادة ارري أعانه ،وثبته.
ص َد َق العزمية يئ منه الشيطان ,ومىت كان العبد مرتدداً طمع فيه الشيطان ,وسوفه ،ومناه.
ومن َ
ُسئل بعض السلف مىت ترحتل الدنيا من القلب؟ قال :إذا وقعت العزمية ترحلت الدنيا من القلب,
ودرال القلب يف ملكوت السماء ,وإذا مل تقع العزمية اضطرب القلب ,ورجع إىل الدنيا.
قول (( :وأسألك موجبات رْتك)) :موجبات -بكسر ا يم :-مجع موجبة ،وهي ما أوجبات
لقائلها الرمحة ،من قربة ,أي قر َبة كانت ,أي :نساألك مان األفعاال ,واألقاوال ،والصافات الايت تتحصال
ِ
َّْ بسببها رمحتك ,واليت توجب هبا ا نة اليت هي أعظم رمحاتك ،كما قال تعاىلَ :وأَ َّمِنا الَِّنه َ
ين ا ِْنَضِن ْ
اَّلل ُه ْم فِ َها َخالِ ُدو َن.
وه ُه ْم فَِفي َر َْْ ِِ َّ
ُو ُج ُ
قول (( :وعزائم مغفرتك)) :العزائم :مجع عزمية :وهاي عقاد القلاب علاى إمضااء األمار كماا مار ,أي
أسااألك أن ترزقنااا ماان األعمااال واألق اوال واألفعااال الاايت تعاازم ،وتتأكااد هبااا مغفرتااك ,وهااذا الاادعاء ماان
جوامااع الكلاام النبويااة ,فإنااه سااأله أوالً أن يرزقااه مااا يوجااب لااه رمحااة ا ,وماان فعاال مااا يوجااب لااه
الرمح ااة ,فق ااد دخ اال ب ااذلك حت اات رمحت ااه ال اايت وس ااعت ك اال ش اايء ,وان اادرال يف س االك أهله ااا ,ويف ع ااداد
مستحقهاُ ,ث سأله أن يهب له عزماً على ارري يكون به مغفوراً لهأ فإن مان غفار ا تعااىل لاه ذنوباه،
وتفضل عليه برمحته ،فقد ظفر خبريي الدنيا وا خارة ,واساتحق العناياة الرابنياة يف حميااه وواتاهأ ألناه قاد
صفا من كدورات الذنوب.
وهااذان املطلبااان قااد تقاادما ك ارياً يف أدعيااة القاارآن ،وكااذلك الساانةأ ألن يف املغفاارة التخليااة ماان كاال
الااذنوب وتبعاهتااا ,وهااي التصاافية ،والتنقيااة ماان آاثره ااا وشااؤمها يف الاادنيا وا خاارة ,والرمحااة حتليااة ،ال اايت
تتحصل اقتضاها النعم ,وا الء ,ومن أجلها النعيم املقيم ،يف جنات النعيم.
قول ِن (( :وأسِنِنألك شِنِنار ِتعْتِنِنك)) :أي أسااألك التوفيااق لشااكر نعمااك الاايت ال ُحتصااىأ ألن شااكر
النعماة يوجااب مزياادها ،وحفظهااا ،واساتمرارها علااى العبااد ،كمااا قااال ا تعااىلَ :وِ ْأ ََتَأَّ َن َرُّ ُاِن ْم لَِنِ ْن
َش َا ْرُْ َََ ِدي َدِتَّ ُا ْم َولَِ ْن َك َف ْرُْ ِ َّن َع َه ِاِب لَ َش ِديد ،والشكر يكون :ابلقلب ,واللسان ,واألركان.
فالشكر ابلقلب :ذكرها ،وعدم نسياهنا.
والشكر ابللسان :ال ناء ،واحلمد ابلنعم ،وذكرها ,وتعدادها ,والتحدل هبا.
والشااكر ابألركااان ,أن يسااتعان باانعم ا تعاااىل علااى طاعتااه ,وأن جينااب يف اسااتعماهلا يف شاايء ماان
معاصيه.
قول ِن (( :وحس ِنِنن عبادت ِنِنك)) :يك ااون التقاهنااا ،واإلتي ااان هبااا علااى أكم اال وجااه ،ويك ااون ذلااك عل ااى
ركنني:
55 املنتقى من فقه الدعاء
( )70البخاري ،كتاب امممان ،باب سؤال جبرمل النبا ^ عن امممان ،بارقم ،50ومسالم ،كتااب اممماان ،بااب
بمان امممان وامسةم وامحسان ،ووجوب امممان بإثبات قدر هللا ،برقم .9
( )71مجمو رسائل ابن رجب. 380 / 1 ،
56 املنتقى من فقه الدعاء
الظ اااهر منه ااا ،والب اااطن ,حي ااث قي ااد االس ااتعاذة م اان الش اارور ال ااذي يعلمه ااا س اابحانهأ ألن ال اارب تب ااارك
وتعاىل يعلم كل شيء ,وهذا يف غاية التلطف ،واألدب ،والتعظيم للرب حال الدعاء.
قول ِن (( :وأسِنِنتغفرك ملِنِنا تعلِنِنم)) :خااتم الاادعاء بطلااب االسااتغفار الااذي عليااه املعااول ،واملاادارأ فإنااه
خاوة األعمال الصاحلة ,كما يف ك ري من العبادات.
وه ااذا االس ااتغفار يع اام ك اال ال ااذنوب ال اايت عمله ااا العب ااد يف املاض ااي ,واحلاض اار ,واملس ااتقبل ,ف ااإن م اان
ال ااذنوب م ااا ال يش ااعر العب ااد أبن ااه ذن ااب ابلكلي ااة ،كم ااا ق ااال الن اايب أليب بك اار(( :ة أِب ا ِنِنر لَلش ِنِنرك
ف ِن امح أخف ِن مِنِنن د ِنِني النْ ِن ))...احلااديث( ,)72وماان الااذنوب مااا ينساااه العبااد ،وال يااذكره وقاات
االستغفار ,فيحتاال العبد إىل استغفار عام من مجيع ذنوبه ،ما علم منها ،وما مل يعلم ,والكل قد علمه
ا ،وأحصاه)).
ُث ختم دعااءه ,أبحسان ختاام ,مان صافات ا تعااىل العظاام (( ِتِنِنك أِتِنِنْ عِنِنَل الغ ِنِنوب)) :ابسام
ماان أمسائااه املضااافة ,الاايت تاادل علااى سااعة العلاام ,فااإن (عااالم) صاايغة مبالغااة لك اارة العلاام وتولااه ,فهااذا
توس ال جلياال ,هلااذا املقااام العظاايم ,فيااه غايااة األدب والتعظاايم ,للاارب ا لياال ,وذلااك أنااه أك اده ب اا(إن)
وضمري الفصل (أنت) الذي يفيد التأكيد ,واحلصر والقصر ,يف اختصاص رب العاملني ابلعلم الواسع,
ومن ضمنه ذلك الداعي السائل هلذه املطالب العلية ,يف الدين ,والدنيا ,وا خرة.
وأن اات ت اارى رع اااك ا ,إىل جالل ااة ه ااذه الكلم ااات يف ه ااذه ال اادعوات ,م اان املقاص ااد ,واملطال ااب,
واملضاامني املهماةأ لااذا أماار ابكتنازهااأ ألهنااا هااي الكنااز احلقيقاي الااذي ينمااو يف ازدايد ماان ارااري يف
الدار الدنيا ,واالدخار يف الدار ا خرة.
ك ال ِ
)). س أَ ْعلَ ا َْْنَِّ
َسأَلُ َ ْ ْ َ
و د
َ ر ْف (( -36اللَّ ُه َّم ِّن أ ْ
املفردات:
الفردوس :الفردوس اسم من أمساء ا نة ,وأصله البستان الواسع الذي جيماع كال ماا يف البسااتني,
من أصناف ال مر ,واملراد هنا أفضل مكان يف ا نة.
الشرح:
ِّ ِّ
وهذا الدعاء مأخوذ من قول النيب صلى هللا عليه وسلم ...(( :فَإذا َسأَلىتُ ُم هللاَ فَا ىساأَلُوهُ الىفا ىرَد ىو َ
سأ
د الر ىمحَ ِّنَ ،وِّمىنهُ تُا َفج ُر أ ىَهنَ ُار ا ىَن ِّة)) .رواه البخاري. ِّ فَِّإنه أَوس ُ ِّ
ط ا ىَنةَ ،وأ ىَعلَى ا ىَنةَ ،وفَا ىوقَهُ َع ىر ُ ُ ىَ
هااذا الاادعاء املبااارك فيااه أعظاام مطلااب ,وأمسااى مقصااد ,وأجاال مأماال يف الاادار ا خاارةأ فااإن الاارب
احلكايم العلاايم ,جعاال ا نااة جنااان عاليااة ,علياة مكااانً ,ومكاناةً ,بعضااها فااو بعااض ،علااى قاادر أعمااال
س العبا ا اااد ,حا ا ااىت تتسا ا ااابق اهلما ا اام علا ا ااى نيا ا اال أعالها ا ااا ,كما ا ااا قا ا ااال ا تعا ا اااىلَ :وِ أَلِِن ِن ِن َ
ك فَِن ْلَِنتَِننَِن ِن ِنافَ ِ
ِبَّللح و رسول ح وأقا الصِنِنَلِح وصِنِنا رمضِنِنانح كِنِنان حقِنِنا سو َن ،وقال النايب (( :من آمن َّ ِ
ال ُْْتَِننَاف ُ
اَّلل أو جلس أرضِن أو جلِنِنس تِن فقِنِنالوا:ة اَّلل تعا أن يدخل اْنِ ,جاهد سب َّ عل َّ
اَّلل,اَّلل للْجاهدين سِنِنب َّ ِتبش ُر الناس؟ قال (( :ن اْنِ مائِ درجِ أعدها َّ اَّلل ,أفَل ِ رسول َّ
اَّلل فاسألوِ الفردوسح فإِت أوسط اْنِ, ما ني ك درجتني كْا ني السْاء واَر ,فإأا سألتم َّ
وأعل اْنِ ,وفوق عر الرْن ,ومن تفجر أهنار اْنِ))(.)73
و يف لفظ(( :أأ أخِ الناس؟ فقال(( :أر الناس يعْلون؛ فإن اْنِ مائِ درجِ ,مِنِنا ِنِنني كِن
درجتِنِنني كِْنِنا ِنِنني السِنِنْاء واَر ,والفِنِنردوس أعل ِن اْنِنِنِ ,وأوسِنِنطها)) ( )74فقولااه (( :اْنِنِنِ
مائِ درجِ)) :تعليل لرتك البشارة املذكورة.
قااال الطياايب رمحااه ا (( :هااذا ا اواب ماان أساالوب احلكاايم ،أي بشاارهم باادخوهلم ا نااة اااا ذكاار ماان
األعمال ,وال تكتف بذلك ,بل بشرهم ابلدرجات ,وال تقتنع باذلك ,بال بشارهم ابلفاردوس الاذي هاو
أعالها)).
قول (( :أر الناس يعْلون))(( :أي ال تطمعهم يف ترك العمل ,واالعتماد على برد الرجاء)).
قول ِن (( :أوسِنِنط اْنِنِنِ وأعل ِن اْنِنِنِ)) :وهااذا ياادل علااى أن ا نااة شااكلها كالقبااة ،وذلااك ألن
الشيء ال يكون أوسط الشيء وأعاله إال يف القبة.
وسااقف هااذه القبااة هااو عاارد الاارمحن الااذي هااو أناازه املخلوقااات ،وأظهرهااا ،وأنورهااا ،وأعالهااا ذااتً
وقدراً ،وكلما قرب إىل العرد كان أنور ،وأزهر ،فلذا كان الفردوس أعلى ا نان وأفضلها .
ففي بيان النيب يف تفصايل لادرجات ا ناة ،وإن الفاردوس هاي أعالهاا ،وح اه لناا يف ساؤاهلا
يدل داللاة واضاحة علاى حرصاه ،وعنايتاه للخاري ألمتاه يف أحسان أسالوب مان الرتغياب والتشاويق ،ويف
أمر النيب ا ميع ابلدعاء ابلفردوس ،بل ابلفردوس األعلى.
فقد بني لك اي عبد ا نايب الرمحاة حمماد منزلاة الفاردوس عان ابقاي ا ناان ،وأرشادك إىل أعظام
األسباب واألبواب إىل نيلها ،وهو دعاء ا تبارك وتعاىل وسؤاله.
وهااو أعظاام األسااباب ،وأيساار األباواب ،فشااد ساااعد ا ااد والعماال ماان هااذه اللحظااة ،وال تسا ِّاوف،
وال تتااأخر أبااداً ماان ا ن يف اإلحلاااد ،وطاار الباااب آانء اللياال وأطاراف النهااارأ فإنااه سااوف يفااتح لااك
( )73البخاري ،كتاب الجهاد والسمر ،باب درجات المجاادمن يا سابمل هللا ،بارقم ،2790وماا بامن المعقاويمن
ذكر القاري أنها يا بعض نسخ البخاري .انظر :عمدة القاري.90 /14 ،
( )74الترمذي ،كتاب صفة الجنة ،باب ما جاء يا صفة درجات الجنة ،برقم .2530
58 املنتقى من فقه الدعاء
اعتِ َ
ك))(.)75 ص ِر ْ
ف قُِنلُوَِننَا َعلَ طَ َ ف ال ُقلُ ِ
وب َ (( -37اللَّ ُه َّم ُم َ
ص ِر َ
الشرح:
اأن خط ا َري وكب ا َري ،وهااو أن ا جاال قاادره هااو الااذي يتااوىل يف هااذا احلااديث بيااان ألم ا َر عظااي َم ،وشا َ
اب واح َاد كياف يشااء ،ابقتادار اتم ،ال يشاغله قلاب عان قلاب، قلوب العباد بنفسه ،فيصارفها كلهاا كقل َ
وأنااه هااو جاال وعااال يتااوىل األماار بنفسااه ،ال يكلااه ألحا َاد ماان املالئكااة ،ومل يُطلِّا ىع أحااداً علااى سارائره ماان
خلقااه حملااض رمحتااه وفضااله ،وكمااال حكمتااه جاال وعااال ،وفيااه بيااان أن العبااد لااي إليااه شاايء ماان أماار
سااعادته ،أو شااقاوته ،باال إن األماار كل اه ،فااإن اهتاادى فبهدايااة ا تعاااىل إايه ،وإن ضاال فبص ارفه لااه
حبكمتااه وعدلااه ،وعلمااه السااابق ،فلعظاام هااذا األماار كااان ساايد األولااني وا خ ارين ،املزك اى ماان رب
العاااملني ،مفتق اراً إىل ا يف كاال حااني ابلاادعاءأ لت بياات قلبااه علااى دينااه وطاعتااه ،فكيااف بنااا راان؟
فهذا التعليم املهم منه ألمته أن يكونوا مالزمني ملقام اروف ،مشفقني غري آمناني مان سالب الادين
واليقني واإلميان ،ولكن مع ذلاك ال ييأساون مان رمحاة ا تعااىل ،بال جيماع العباد باني اراوف والرجااء،
والرغبة والرهبة.
صرف قلو نا عل طاعتك)) :أي ثبِّت قلوبنا ،واصرفها إىل طاعتك ومرضاتك يف كال ماا قول ِ (( :
حتبه من األقوال ،واألعمال واألخال .
وقوله(( :عل طاعتك)) أي أن ينقلب القلب من طاعة إىل طاعة أخرى ،من صالة إىل صيام إىل
زك اااة)) ،فس ااأل ا تع اااىل ال ب ااات عل ااى ال اادين مجل ااة وتفص اايالً.ودل احل ااديث وال ااذي بع ااده عل ااى أمهي ااة
قلو نِنِنا)) ،وغاري ذلاك مقلي القلوب بْ قلِن علِن دينِنِنك))ح ((اللَّهِنِنم حبِِني ل نِنِنا اإلَيِنِنانح ودينِن
الك ري من األدعية.
قول ِن (( :ن اإلَي ِنِنان ل مل ِنِنق)) :أك ااد األم اار ب اا(إن)) أي اإلمي ااان ليتل ااف ويبل ااى ويتغ ااريُ ،ث ش اابهه
ابألمر احملسوس املشاهد ابل اوب الاذي يبلاى وال يبقاى ،وهاذا يف غاياة األمهياة يف ت بيات األمار املهام يف
الذهن ،وأتكيد احلقائق املهمة ا ليله ،ابألمور احملسوسة ،الذي يقتضي املراقبه ،وحسن ا اهدة ((شبه
اإلميان ابلشيء الذي ال يستمر على هيئته أ فاإن ال اوب يبلاى لرداءتاه ،أو ك ارة اساتعماله ،وكاذلك
اإلميااان ،ال يبقااى علااى حااال ،فهااو يضااعف ،ويفاارت بساابب ك اارة املعاصااي وا اثم ،والبعااد عاان ذكاار ا
،وقلة األعمال الصاحلات والطاعات ،وعدم ديد التوبة بعد الذنوب والسيئات.
ُث أمر النيب فقال(( :فاسألوا َّ
اَّلل أن جيدد اإلَيان قلِنِنو ام)) ،وقاد قارر بعاض أهال العلام أن
يف أمره ابلدعاء ،أفضل من غريه من األدعية اليت مل دمر هبا.
ويف صاايغة املضااارف ((أن جيِنِندد)) :الااذي ياادل علااى االسااتمرارية والتجاادد ،فيااه حااث علااى االعتناااء
هبذا الدعاء ،ومالزمتاه ،واالعتنااء باه علاى الادوام ،وتضامن هاذا الادعاء املباارك ساؤال ا تباارك وتعااىل
التوفيااق إىل صاااحل األعمااال ،والاايت ماان أجلهااا :مسااائل اإلميااان ماان حساان االعتقاااد ،املنااايف للشاابهات،
والبدف ،والضالالت ،وكذلك تضمن سالمته من الشارك ،والارايء ،والسامعة ،والنفاا ،وابقاي الاذنوب،
والشرور ،والسيئات.
فخذ بوصية املصطفى تكن من الفائزين.
( )79أحمد يا المسند ،249 /3 ،برقم ،1723والبزار ،175 /4 ،وابن حبان ،225 /3 ،وقاال محققاو المساند،
(( :249 /3إسناده صحمح)) ،واذه روامة مطلقة غمر مقمدة بالوتر كماا جااء ياا الرواماة ابخار ،،يفاا ااذه
الروامة قال أنس (( :وكان معلمنا اذا الدعاء ،))...ومقمدة بالوتر عند أبا داود ،أباواب الاوتر ،بااب القناوت
يا الوتر ،برقم ،1427والنسائا ،كتاب قمام اللمل وتطو النهار ،باب الدعاء يا الاوتر ،بارقم ،1745ولاه
يااا الكباار ،،كتاااب الطهااارة ،صاافة الغساال ماان الجنابااة ،باارقم ،1446والحاااكم ،172 /3 ،واباان خزممااة،
،151 /2وأبو معل ،132 /12 ،وابن أبا شمبة ،300 /2 ،وعبد الرزاق.108 /3 ،
61 املنتقى من فقه الدعاء
وتوسل آبالئه وإنعامه ,وكذلك إثبات وإقرار بصفاته تعاىل امل بتاة واملنفياة ,وإمياان ٌ وصفاته ,وأفعاله,
ابلقضاء والقدر ,واملشيئة ,أبمجل املباين ،وأوسع املعاين ,وقاد ثبات هاذا الادعاء املباارك يف حاالتني:
يف دعاااء قنااوت الااوتر الااذي علمااه الناايب للحساان باان علااي ,وثباات عاان أنا يف قولااه:
((كان يعلْنا هها الِنِندعاء)) كماا يف التخاريج يف احلاشاية ,فادل علاى أمهياة هاذا الادعاء املباارك مان
((وكِنِنان يعلْنِنِنا )).. أمرين :تعليمه البن ابنته احلسان كماا سابق ,وكاذلك للصاحابة ،كماا قاال أنا
ومن املتقرر أن فعل املضارف بعد كان ,يدل على املداومة على الفعل ،واالستمرارية عليه.
فباادأ أبوىل املطالااب وأجلهااا ,الااذي عليهااا الفااالد يف الاادارين اهلدايااة(( :اللَّهِنِنم اهِنِندّن)) :سااأل ا
تبارك وتعاىل اهلداية التامة النافعاة ,ا امعاة لعلام العباد ابحلاق ,والساري علياه ,فاإن أصال اهلداياة كماا
ساابق :الداللااة ,و هااي نوعااان :هدايااة داللااة وإرشاااد ،وهااي معرفااة احلااق ،والعلاام بااه ,وهدايااة توفيااق
وسداد وثبات ,وهاذه اهلداياة ال ميلكهاا إال هاو ,فينبغاي للعباد حاني يساأل ا اهلداياة أن
يستحضر هاتني الداللتني اليت مع بني :العلم ,والعمل.
قول (( :ف ْن هديْ)) :فيه فوائد:
ِ أوأ :أن يدخله يف مجلة املهديني وزمرهتم ،وهم كما قال ا تعاىل :فَأُولَِ َ
ك َم َم الَّه َ
ين أَِتِْن َع َم َّ
اَّلل
ك َرفِ قا.
س َن أُولَِ َ
ني َو َح ُ الش َه َد ِاء َو َّ
الصاحلِِ َ ني َو ُّ َعلَ ِهم ِمن النَّبِِني و ِ ِ ِ
الصديق َ ََ ْ ْ َ
اثِت ا :أن فيه توسالً إليه الحسانه وإنعامه ,وهو من التوسالت ا ليلة املقتضاية لعجاباة كماا سابق
ب َشِن ِق ا أي :اي رب قاد هاديت مان عباادك بشاراً ك ارياً يف توسل زكراي َ :وََلْ أَ ُك ْن ِ ُد َعائِ َ
ك َر ِ
فضالً منك وإحساانً ,فأنعم علي ابهلداية كما أنعمت عليهم.
اثلما :أن ما حصل ألولئك من اهلدى مل يكن مانهم ،وال أبنفساهم ,وإمناا كاان مناك ،فأنات الاذي
هديتهم.
را عِنِنا :أن اهلدايااة الاايت نطلبهااا ال حتصاال هكااذا غالبااً ,باال البااد هلااا ماان أسااباب نبااذهلا ,وأهاام هااذه
األسباب ،وأجلها الدعاء ,وصد التوجه إليك ،وا اهدة يف حتصيلها.
قول (( :وعاف ف ْن عاف ْ)) :فيه ساؤال ا تباارك وتعااىل العافياة املطلقاة الظااهرة ,والباطناة ,يف
الاادين ,والاادنيا ,وا خ اارةأ ألن مفاارد املض اااف يفيااد العم ااوم ,فلاام ىلااص نوع ااً معين ااً م اان أن اواف العافي ااة,
والعافية كما تقدم مراراً هي السالمة ,والوقاياة مان أماراض القلاوب ,وأماراض األبادان ,فيادخل يف ذلاك
العافيااة عاان الكفاار ,والشاارك ,والفسااو ,والغفلااة ,واألسااقام ,وكاال ار ازااي ,والاابالاي ,وفعاال مااا ال حيبااه,
وتاارك مااا حيبااه ,فهااذه هااي حقيقااة العافيااةأ وهلااذا مااا ُسائل الاارب شاايئاً أحااب إليااه ماان العافيااةأ ألهنااا
كلمةٌ جامعة للتخلص من الشر كله ،وأسبابه ،ونتائجه ،وتبعاته.وقد تقدم الكالم عن سؤال العافية.
قول ِن (( :وتِنِنول ف ِن ْن تول ِنِنْ)) :فيااه توساال إىل ا تبااارك وتعاااىل بفعاال الواليااة ,وهااو مشااتق ماان
امسااني تعاااىل ماان األمساااء احلسااىن( :الااوي ،واملااوىل) :اللااذين ياادالن علااى معااىن الواليااة العامااة :وهااي
62 املنتقى من فقه الدعاء
اَّلل َمِن ْوَأ ُه ُم ا ْحلَِنق ،ووالياة خاصاة :وهاي والياة ا تعااىل لكل ارالئق ,قال ا تعاىلُُ :ثَّ ردُّوا ِ َ َِّ
ُ
ِ ِ ِ
آمنُ ِنوا ُ ْ ِن ِر ُج ُه ْم م ِن َن الَُّلُ َْ ِنات ِ َ النُّ ِنوِر ,وهااذه هااي
ين َِل الَِّنه َ
اَّللُ َوِ ُّ
للمااؤمنني ،كمااا قااال تعاااىلَّ :
الواليااة املقصااودة يف هااذا الاادعاء املبااارك الاايت تقتضااي :التوفيااق ,والنصاارة ,والعنايااة ,والصاارب عاان كاال مااا
يغضب ا تبارك وتعاىل ،ويف هذا تنبيه على أن من حصل له ذل يف الناس ،فهو بنقصان ما فاته مان
توي ا تعاىل ,وإال فمع الوالية الكاملة ينتفي الذل كله ،ولو سلط عليه من يف أقطار األرض.
قول (( :ف ْن تول ْ)) كسابقه توس ُل ا من أنعم عليهم ابلوالية اراصة.
قولِن ِن (( :وِبرك ِل ف ْ ِنِنا أعط ِنِنْ)) :الربك ااة ه ااي النم اااء وار ااري الك ااري ال اب اات ,وتك ااون حس ااية أو
معنويااة ,فف ااي ه ااذا س اؤال ا الربك ااة يف ك اال مااا أعط اااه ال اارب :م اان عل اام أو م ااال ,ويف العم اار،
واألهل ,والذرية ,واملسكن ،وغري ذلك ,أبن ينميه ,وي بته ,وحيفظه و يسلمه من كل ا فات.
قول (( :وق شر ما قض ْ)) :أي شر الذي قضيته ,فاإن ا يقضاي ابراري ,ويقضاي ابلشار
حلكمته البالغة ,اليت ال حتيط هبا كل ارالئق ,أما قضا ه ابرري ,فهو خري حماض يف القضااء واملقضاي,
أي يف الفعل ،واملفعول ،م ل القضاء للناس ابلرز الواسع ,وا من واهلداية والنصر ورو ذلك.
أما قضا ه ابلشر فهو خري يف القضاءأ ألنه فعله فهو خري حمض من كل الوجوه ,وشر يف املقضاي
وهو املفعول أي :املخلو ,م ل ((القحط)) فهو خري من انحية تذكري النااس بارهبم ،و اوئهم إلياه ,كماا
ض الَِّن ِهو َع ِْلُِنوا ْ أَي ِن ِدو الن ِن ِ ِ ِ
َّاس ل ُِنهي َق ُه ْم َِن ْع ِن َ ِْ َوالْبَ ْحِن ِر ِِبَِنا َك َسِنبَ ْ ْ
اد ِ ال ِن َِ
قااال تعاااىلَ َ :ه ِن َر الْ َف َسِن ُ
ل ََعلَّ ُه ِن ْم يَِن ْرِجعُ ِنو َن ،فظاااهر هااذه األمااور ,ماان املصااائب شاار ,ولكنهااا يف حقيقااة األماار خااري ماان وجااه
آخر ,وينبغي أن يعلم أن ا تبارك وتعااىل ال ىللاق شاراً حمضااً ال خاري فياه البتاة ,فكال شار مهماا عظام
وكاارب ،فالبااد فيااه ماان ارااري ،فالشاار واقااع يف بعااض الوقاتااه ,ال يف خلقااه ,وال يف فعلااه ,وال يف صاافاته,
وهذا من كمال الرب عز شأنه.
وهااذا الاادعاء يتضاامن س اؤال ا تعاااىل الوقايااة ،ماان الشاارور ,والسااالمة ماان ا فااات ,واحلفااظ ماان
البالاي والفنت)).
قولِن ِن ِ (( :ت ِنِنك تقض ِنِني)) :في ااه التوس اال إىل ا أبن ااه يقض ااي عل ااى ش اايءأ ألن ل ااه احلك اام الت ااام،
واملشاايئة النافااذة ،والقاادرة الشاااملة ،فهااو يقضااي يف عباااده اااا يشاااء ،وحيكاام فاايهم اااا يريااد ،ال راد
حلكم ااه ،وال مع ِّق اب لقض ااائه ،والقض اااء هن ااا يع ا ُّام القض اااء الش اارعي ،وه ااي أحكام ااه الش اارعية ،وقض ااا ه
الكوين :وهي أقداره اليت قدرها ملن يف السموات واألرض من الوقاته.
قول (( :وأ يقض عل ك)) :أي :ال يقضي علياك أحاد كائنااً مان كاان ،فالعبااد ال حيكماون علاى
ا بشيء ،بل هو الذي حيكم عليهم ااا شااء ،ويقضاي فايهم فيماا يرياد ،ويادخل يف هاذا حكماه
الشرعي ،والقدري.
قول ِ (( :ت أ يهل من وال ْ)) :هذا كالتعليل ملاا سابق يف قولاه(( :وتِنِنول فِن ْن تول ِنِنْ)) ،ياَ ِّذل:
بفتح فكسر ،وكذا يَعِّز ،أي :ال يصري ذليالً حقيقة من واليته ،فاإن ا إذا تاوىل العباد ،فاال ياذل،
63 املنتقى من فقه الدعاء
ْ َعلَ ِِْنَر ِاه َمح َو َعلَ صلَّْ َ (( -41اللَّه َّم ص ِ َعلَ ُحمَ َّْ ٍدح و َعلَ ِ ٍ
آل ُحمَ َّْدح َك َْا َ َ ُ َ
آل ُحمَ َّْ ِن ٍدح َك َْ ِنا
ْ ِنِند َِد ِنِندح وَِب ِر ْك َع َل ِن ُحمَ َّْ ِن ٍدح و َع َل ِن ِ
ك َِ
َ ِنَّ
ِتِ حم آل ِ ِن ِنر ِ
اه ِ
َ َ َْ َ
ك َِ ِ ْ َع َل ِن ِن ِِْن ِن ِنر ِاه مح و َع َل ِن ِن ِ
ْ ِن ِنِند آل ِِْن ِن ِن َراه َمح ِ الْ َع ِن ِنالَ ِْ َ
ني] ِِتَِّن ِن َ َ َ َ َِب َرْك ِن ِن َ
د د))(.)80 َِ
املفردات:
الص ِنِنَلِ :أص اال الص ااالة ال اادعاء ,و الت ااربك و التمجي ااد ,يق ااال ص االيت علي ااه ,أي :دع ااوت ل ااه و
ك َس َان َْلُ ْم. ص ِ َعلَْ ِه ْم ِ َّن َ
ص ََلتَ َ زكيت ,ومنه قوله تعاىل َ :و َ
أخا اارب ربنا ااا تبا ااارك وتعا اااىل أنا ااه ها ااو ومالئكتا ااه يصا االون علا ااى النا اايب ,قا ااال جا اال شا ااأنهَّ ِ :ن َّ
اَّللَ
صلُّو َن َعلَ النَِّ . ِ
َوَم ََلئ َاتَ ُ يُ َ
فاادلت هااذه ا يااة الكرميااة علااى علااو منزلااة ،ورفعااة درجتااه ,وذلااك أبن الاارب يُصاالي عليااه،
الرب . عددهم إال ُّ ومالئكته الذين ال ُحيصي َ
وقااد اختلااف أهاال العلاام يف معااىن الصااالة ماان ا تعاااىل ،بعااد إمجاااعهم أبن أصاال الصااالة يف اللغااة
كما سبق هي الدعاء ,وشواهد ذلك ك رية ،فأصح ما قيل يف معىن صالة ا تعاىل ،ما ذكره البخاري
( )80البخاري ،كتاب أحادمح ابنبماء ،باب حادثنا موسا بان إساماعمل ،بارقم ،3370وماا بامن المعقاويمن مان
حدمح أبا ارمرة عند مسلم ،كتاب الصةة ،باب الصةة عل النبا ^ بعد التشهد ،برقم .405
64 املنتقى من فقه الدعاء
رمح ااه ا تع اااىل يف ص ااحيحه ع اان كب ااري الت ااابعني أيب العالي ااة رمح ااه ا تع اااىل أن ااه ق ااال(( :ص ااالة ا عل ااى
رسوله ثنا ه عليه عند املخ األعلى))(.)81
وصالة ا تبارك وتعاىل على عباده نوعاان :عاماة ،وخاصاة ,أمِنِنا العامِنِنِ :فهاي صاالته علاى عبااده
املؤمنني ,قال تعاىلُ :هو الَّ ِهو يصلِي َعلَْ ُام وم ََلئِ َاتُ ُ لِ ْم ِرج ُام ِمن الَُّلُْ ِ
ات ِ َ النُّور. َ ُ َ ْ َ ْ ََ َُ َ
ومنه دعاء النيب ابلصالة على آحاد املؤمنني ,كقوله(( :اللَّهم ص عل آل أِب أوف))(.)82
النوع الماّن :صالته اراصة على أنبيائه ورسله ,خصوصاً على خاوهم ،وخريهم حممد .
وقااد أماار نبينااا بعااد أماار ا تعاااىل لنااا أن نصاالي عليااه ,وأن جنتهااد يف اإلك ااار منهااا ,قااال :
عليح واجتهدوا الدعاءح وقولوا :اللَّهم ص ِ عل حمْد و عل آل حمْد))(.)83 ((صلوا َّ
فهذا األمر من الشارف احلكيم ابلصالة عليه فيه:
أوالً :اقتداء اب تعاىل و مالئكته.
واثنياً(( :جزاءً له بعض حقوقه علينا)).
واثل اً :تكميالً إلمياننا.
وقد بشر :أن مان صالى علياه ,انل األجار املضااعف مان خاريي الادنيا و ا خارة ,فقاال ((:مِنِنن
علي صَلِ واحدِ ,صل َّ
اَّلل عل ِبا عشرا ))(.)84 َّ صل
اَّلل عل ِبا عشر صِنِنلوات, علي من أم صَلِ ُملصا من قلب ح صل َّ َّ ويف رواية(( :من صل
ورفع ِبا عشر درجات ,وكتي ل ِبا عشر حسنات ,وحما عن عشر س ات))(.)85
و أخرب أن أوىل الناس به يوم القيامة ,و أقرهبم مناه أك ارهم علياه صاالة عان إمياان ,و عان حمباة
له و اتباف لشريعتهَّ (( :ن أو الناس ِب يو الق امِ أكمرهم َّ
علي صَلِ ))(.)86
( )81رواه البخاري تعلمقاً ,كتاب التفسمر ،باب قوله( :إن هللا ومةئكته مصلون عل النبا ،)...قبال الحادمح رقام
.4797
( )82البخاري ،كتاب الزكاة ،باب صةة اممام ودعائه لصاحب الصادقة ،برقا ،1497ومسالم ،كتااب الزكااة،
باب الدعاء لمن أت بالصدقة ،برقم .1078
( )83أخرجه النسائا ،كتاب السهو ،نو آخر ،برقم ،1292ويا الكبار ،لاه أمضااً ،كتااب الطهاارة ،وجاوب
الغسل إذا التق الختانان ،برقم ،1216والطبرانا يا الكبمر ،218/5 ،برقم .5143
( )84مسلم ،كتاب امممان ،باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ،ثم مصلا علا النباا ^ ،ثام مساأل
هللا له الوسملة ،برقم .384
( )85النسائا ،كتاب السهو ،باب الفضل يا الصةة عل النبا ^ ،برقم ،1299وله يا الكبر ،،كتااب ابذان،
الدعاء عند ابذان ،برقم ،9809والبزار ،برقم .3160
( )86الترمذي ،كتاب الوتر ،باب ما جاء يا يضل الصةة علا النباا ^ ،بارقم ،484وابان أباا شامبة/11 ،
،505بااااااااااارقم ،32474وابااااااااااان حباااااااااااان ،192 /3 ،والبمهقاااااااااااا ياااااااااااا الكبااااااااااار،،
.249 /3
65 املنتقى من فقه الدعاء
و قولا ااه تعا اااىل َ و َس ِن ِنلِ ُْوا تَ ْس ِن ِنلِ ْا :أي ادعا اوا ا أن يسا االمه تسا االيماً اتما ااً ,أي اسا ااألوا ا لا ااه
الر ُسِن ِ يَِن ْوَمِِن ٍه
السالمة من كال آفاة يف حياتاه ,ومان كال باالء يف حشاره علياه الصاالة والساالمأ َوَكِن ََل ُ ُّ
اللَّ ُه َّم َسلِ ْم َسلِ ْم)).
فقول املسلم :اللهام صال وسالم علاى حمماد ،يعاين سالمه مان ا فاات ا سادية حيااً وميتااً ،وكاذلك
يتضاامن الاادعاء ابلسااالمة لدينااه وش اريعته أن يساالمها ا تعاااىل ماان األعااداء ،فااال يسااطو عليهااا أحااد
بتحريف أو تغيري ،إال سلط ا عليه من ياُبَِّني ذلك ,وهذا هو الواقع و احلمد واملنة.
فصااالة العبااد علااى الرسااول هااي ثناااء علااى الرسااول ,وإرادة ماان ا أن يُعلا َاي ذكااره ،ويزيااده تعظيمااً
وتشاريفاً ,وا ازاء ماان جاان العماال ,فماان أثااىن علااى رساوله جازاه ا ماان جاان عملااه أبن ي ااين عليااه،
ويزيد تشريفه وتكرميه)).
و قوله (( :وعل آل حمْد)) :فالصحيح أن معىن ا ل:
-1من حترم عليهم الصدقة.
-2أهنم ذريته وأزواجه خاصة.
و قوله(( :وِبرك عل حمْد)) الربكة هي:
-1ال بوت واللزوم ,ومنه قول :برك البعري يربك بروكاً.
-2النماء والزايدة.
والتِيِنِنك :الاادعاء بااذلك ،فهااذا الاادعاء يتضاامن إعطاااء ماان ارااري مااا أعطاااه ل إباراهيم ,وإدامتااه
وثبوته له ,ومضاعفته له وزايدته ,هذا حقيقة الربكة.
وقول ااهِ (( :ت ِنِنك ْ ِنِند د ِنِند)) :خ ااتم ال اادعاء أبحس اان ارت ااام ,ابمس ااني م اان أمس اااء ا تب ااارك وتع اااىل
احلساىن ,وأكاده ب ا(( َّن)) زايدة يف التأكياد و((احلْ ِنِند)) :صايغة مبالغاة علاى وزن (فعيال) ,واحلماد نقاايض
أعم وأصد يف ال ناء على احملمود من املدد والشكر. الذم ,وهو ُّ
فا تبارك وتعااىل هاو احملماود يف ذاتاه ,وأمسائاه ,وصافاته ,وأفعالاه ,فلاه مان األمسااء أحسانها ،ومان
الصفات أكملها ,ومن األفعال أوها وأحسنها ,فإهنا دائرة بني الفضل واحلكمة والعدل.
و((اجمل د)) :من صي املبالغة علاى وزن ((فعيال)) :وأصال ا اد :الساعة ,والك ارة ,يقاال :رجال ماجا ٌد
إذا كان سخياً ،واسع العطاء ،ويدل كذلك على الشرف ,والرفعة ,وعظم القدر ,والشأن ,وا الل.
ويف اقارتان هااذين االمسااني الكارميني ياادل علااى معااىن زائااد يف الكمااال :ألن الواحااد قااد يكااون منيعااً
غااري حممااود ،كاااللص املتحصاان وقااد يكااون حممااوداً غااري منيااع ,أمااا ا يااد ,فهااو ماان مجااع بينهمااا ,وكااان
منيعا ااً ال يا ارام ،وكا ااان يف منعت ااه محيا ااد ارصا ااال ,مجي اال األفعا ااال ،فاسا ااتحق تع اااىل احلما ااد علا ااى با ااده,
لكماله ،وسعة جاللة صفاته اليت ال منتهى هلا من الكمال وا د.
66 املنتقى من فقه الدعاء
وملا كانت الصالة على النيب وهي ثناء ا تعاىل ،وتكرميه ،والتنويه به ،ورفع ذكره ,وزايدة ُحبِّه
وتقريبااه كمااا تقاادم ,كاناات مشااتملة علااى احلمااد وا ااد ,فكااأن املصاالي طلااب ماان ا تعاااىل أن يزيااد يف
محده وبده ,فإن الصالة عليه هي نوف محد له ووجيد ,هذا حقيقتها ,فذكر يف هذا املطلوب االمساني
املناساابني لااه ,وهااذا كمااا تقاادم أن الااداعي يُشاارف لااه أن ىلااتم دعاااءه ابساام ماان األمساااء احلسااىن مناسااب
ََسَاءُ ا ْحلُ ْس َن فَا ْدعُوُِ ِِبَا. ملطلوبه ،أو يفتتح دعاءه به ،وتقدم أن هذا من قوله تعاىل :وَِِّ
َّلل ْاَ ْ َ