You are on page 1of 67

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل السميع العليم‪ ،‬والصالة والسالم على الرسول الكرمي ‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن من أعظم الطاعات وأجل القرابت‪ ،‬وأحبها إىل رب األرض والسموات‪ :‬عبادة الدعاء ‪ ...‬كيف‬
‫ال وقد قال عنها صلى هللا عليه وسلم " الدعاء هو العبادة"‪.‬‬
‫وإن هذه العبادة تزداد أمهيتها ويعلو شأهنا يف األزمنة الفاضلة ‪ ،‬وخاصة يف رمضان حيث أن هللا تبارك‬
‫وتعاىل أشار يف كتابه إشارة مهيبة إىل هذا عندما قال يف معرض آايت الصيام وأحكامه‪ ( :‬وإذا‬
‫سألك عبادي عين فإين قريب أجيب الدعوة اذا دعان‪.)....‬‬
‫وكذلك قال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ثالثة ال ترد دعوهتم‪ ...‬وذكر منهم‪" :‬والصائم حىت يفطر"‬
‫فشهر رمضان كما أنه شهر القرآن‪ ،‬هو كذلك شهر الدعاء‪.‬‬
‫وإن تعلُّم الدعاء من أهم أمور الدين‪ ،‬فحوائج املرء ال تُقضى إال بعون من هللا‪ ،‬وعو ُن هللا قريب من‬
‫املتذللني املظهرين الفقر له‪ ،‬كما ورد يف احلديث «أن هللا عند املنكسرة قلوهبم»‪ ،‬ومن ِّ‬
‫أجل مواطن‬
‫انكسار القلوب وتذللها‪ :‬الدعاء‪.‬‬
‫وتعلُّم الدعاء هو دأب الصديقني والصاحلني‪:‬‬
‫فقد قال أبو بكر الصديق رضي هللا عنه للنيب صلى هللا عليه وسلم‪« :‬علِّمين دعاءً أدعُو به يف‬
‫أنتفع به»‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫صاليت»‪ ،‬وجاء إليه أعرايب فقال له‪« :‬علمين دعاءً ُ‬
‫حىت لو كان املرء عاملا حباجته ومسألته‪ ،‬فهو مفتقر إىل ما يتوسل به إليها من ُحسن لفظ وتسديد‬
‫ً‬
‫رسول هللاِّ علِّمين دعاءً ُّ‬
‫يرد هللاُ به بصري»‪.‬‬ ‫معىن‪ ،‬فقد جاء أن أعمى قال‪« :‬اي َ‬
‫ولذلك كان من دعاء النيب صلى هللا عليه وسلم‪« :‬اللهم إين أسألك خري املسألة وخري الدعاء»‪.‬‬
‫وإن خري الدعاء هو الدعاء الوارد عن خري الناس نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم فينبغي على املسلم‬
‫أن يعرف هذه األدعية وحيفظها ويفهم معانيها‪.‬‬
‫ولذا كان هذا املقرر الذي أعد خصيصاً ملسابقة "رمضان شهر الدعاء" إحدى مبادرات مؤسسة‬
‫أئمة اهلدى‪ ،‬نفع هللا هبا‪.‬‬
‫مأثورا عن النيب صلى هللا عليه وسلم مع شرحها وبيان ما احتوت عليه‬
‫احدا وأربعني دعاءً ً‬ ‫مجعنا فيه و ً‬
‫من الفوائد اإلميانية والرتبوية‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ونسأل هللا أن يرزقنا حسن االلتجاء إليه‪ ،‬وحسن االنكسار بني يديه‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫او الَِّن ِ‬‫ِن‬ ‫ِن‬


‫ْ‬ ‫ِت‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ِل‬ ‫ح‬ ‫‪(( -1‬اللَّه َّم أَصلِح ِِل ِديِن ِ الَِّن ِهو هِنو ِعصِنُِْ أَمِن ِروح وأَصِنلِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُ ْ َ ْ‬ ‫ُ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اشيح وأ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫َصل ْح ِِل آخ َرِِت الَِّ ف َها َم َعِنادوح َو ْ‬
‫اج َعِن ِ ا ْحلََِناَِ ِدَة َدِ ِِل ِ‬ ‫ف َها َم َع ِ َ ْ‬
‫احِ ِِل ِم ْن ُك ِ َش ٍر))(‪.)1‬‬
‫ت َر َ‬ ‫ُك ِ َخ ٍْْيح َو ْ‬
‫اج َع ِ ال َْْ ْو َ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫عصِْ أمرو‪ :‬أي ما يعتصم ويستمسك به‪ ،‬أمري‪ :‬األمر‪ :‬الشأن واحلال ‪.‬‬
‫معاشي‪ :‬أي َعيشي ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ِن ‪( :‬اللَّهِنِنم أصِنِنلح ِل دي ِن الِنِنهو هِنِنو عصِنِنِْ أمِنِنرو)‪ :‬دعااا الصااالد الاادين أوالًأ ألنااه أعظاام‬
‫املقاصااد‪ ،‬وأهاام املطالاابأ ألن ماان فسااد دينااه فقااد خاااب وخساار الاادنيا وا خاارة‪ ،‬وس اؤال ا إصااالد‬
‫الدين هو أن يُوفق إىل التمسك ابلكتاب والسنة وفق هدي السلف الصاحل مان الصاحابة والتاابعني يف‬
‫كل األمور‪ ،‬وذلك يقوم على ركنني عظيمني‪:‬‬
‫وحده يف كل عبادة ‪.‬‬ ‫‪ – 1‬اإلخالص‬
‫‪ – 2‬واملتابعة للرسول ‪ ,‬أبن يكون خالصاً صواابً‪.‬‬
‫فااإن التمسااك هبااذين األصاالني عصاامة للعبااد ماان الشاارور كلهااا‪ ،‬أسااباهبا‪ ،‬ونتائجهااا وهناايهتااا‪ ،‬وماان‬
‫مضالت الفنت‪ ،‬واحملن‪ ,‬والضالالت اليت تضيع الدين والدنيا ‪.‬‬
‫فنسأل ا أن يصلح لنا ديننا الذي حيفظ لنا مجيع أموران ‪.‬‬
‫قولِن ِن ‪( :‬و أص ِنِنلح ِل دِت ِنِناو الِن ِن ف ه ِنِنا معاش ِنِني)‪ :‬أي أص االح ي عيش ااي يف ه ااذه ال اادار الفاني ااة‬
‫القص اارية‪ ،‬أبن أ ىُعطَاى الكف اااف والص ااالد‪ ،‬فيم ااا أحت اااال إلي ااه‪ ،‬وأن يك ااون ح ااالالً ُمعين ااً عل ااى طاعت ااك‪،‬‬
‫وعبادتك على الوجه الذي ترضاه عين‪ ،‬وأسألك صالد األهل‪ ،‬من الزوجة الصاحلة‪ ،‬والذرية واملساكن‬
‫احلا ِم ِن ْن أَ َكِنِن ٍر أ َْو أُِتِْنمَ ِن َو ُه ِن َو ُم ِن ْ ِمن‬
‫اهل ااينء‪ ،‬واحلي اااة ا من ااة الطيب ااة‪ ،‬ق ااال ج اال ش ااأنه‪﴿ :‬م ِنن َع ِِْنِن ص ِن ِ‬
‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫َج َرُه ْم ِِب ْ‬
‫َح َس ِن َما َكاِتُوا يَِن ْع َْلُو َن﴾‪.‬‬ ‫فَِنلَنُ ْحَِِننَّ ُ َحَاِ طَِبَِ َولَنَ ْج ِزيَِننِن ُ‬
‫َّه ْم أ ْ‬
‫قول ِن ‪﴿ :‬فَِنلَنُ ْحَِِننَّ ِن ُ َحَ ِناِ طَِبَ ِنِ﴾‪ :‬أي يف ال اادنيا ابلقناع ااة‪ ،‬وراح ااة الب ااال‪ ،‬وال اارز احل ااالل والتوفي ااق‬
‫لصاحل األعمال‪ ،‬فاحلياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت‪.‬‬
‫قول ِن ‪( :‬وأص ِنِنلح ِل آخ ِنِنرِت ال ِن ف ه ِنِنا مع ِنِنادو)‪ :‬أي وفقااين للعماال الص اااحل الااذي يرضاايك ع ااين‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب التعوذ من شر ما عمل‪ ،‬ومن شر ماا لام معمال‪،‬‬
‫برقم ‪.2720‬‬
‫‪3‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ومالزمااة طاعتااك‪ ،‬والتوفيااق إىل حساان اراوااة حااىت رجااوعي إليااك يااوم القيامااة‪ ،‬فااأفوز اب نااان‪ ،‬قااال ا‬
‫ود﴾‪ ،‬مل يقال تعااىل وادود‪ ،‬بال قاال‪﴿ :‬م ْعِن ُد ٍ‬
‫ود﴾ أي يُعاد عاداً إىل‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ومِنا ِتُِن َ ِخرُِ َِّأ ََِجِن ِن ٍ م ْعِن ُد ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫هذا اليوم العظيم‪ ،‬فينبغي لنا أن نعد العُدة إىل هذا اليوم‪.‬‬
‫قول ااه‪( :‬واجعِن ِن احل ِنِناِ دةدِ ِل كِن ِن خ ِنِنْي)‪ :‬أي اجع اال اي ا احلي اااة س اابباً يف زايدة ك اال خ ااري‬
‫يرضيك عين من العبادة والطاعة ‪.‬‬
‫ويُفهم من ذلك أن طول عمر املسلم زايدة يف األعمال الصااحلة الرافعاة للادرجات العالياة يف الادار‬
‫س َن َع َْلُ ُ))‪.‬‬
‫ال عُ ْْ ُرُِح َو َح ُ‬
‫ا خرة‪ ،‬كما ُسئل النيب ‪َ :‬من خري الناس؟ فقال‪َ (( :‬م ْن طَ َ‬
‫قول ِن ‪( :‬واجع ِن املِنِنوت راحِنِنِ ِل مِنِنن ك ِن شِنِنر)‪ :‬أي اجعاال املااوت راحااة ي ماان كاال مهااوم الاادنيا‬
‫وغمومهااا ماان الفاانت واحملاان‪ ،‬واالبااتالءات ابملعصااية والغفلااة‪ ,‬ويُفهاام ماان ذلااك أن املااؤمن يس ارتيح غايااة‬
‫الراحة‪ ،‬ويسلم السالمة الكاملة عناد خروجاه مان هاذه الادار‪ ،‬كماا جااء يف الصاحيحني‪ :‬أن رساول ا ِّ‬
‫اد ِّمىن اهُ؟‬ ‫ال‪(( :‬مس ِن َِِيحح ومس ِن َِاح ِم ْن ِن ))‪ ،‬قَاالُوا‪ :‬اي رس ا َ ِّ‬ ‫ِّ ِِّّ‬
‫ول هللا‪َ ،‬م اا املُ ىس ا َِّرت ُ‬
‫يح َواملُ ىس ا ََرت ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ْ َ‬ ‫ُم ار َعلَىي اه َنَا َازةَ فَا َق ا َ ُ ْ‬
‫اجر يسِن َِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال‪(( :‬الْعبِن ُد الِْْن ْ ِمن يسِن َِِ ِ‬
‫ي الِن ُِّندِتِْنَا َوأَأَا َهِنا ِ َ َر َِْْنِ اح َوال َْع ْبِن ُد الْ َفِن ُ َ ْ ُ‬
‫يح م ْنِن ُ‬ ‫صِن ِ‬ ‫يح مِن ْن ِتَ َ‬
‫قَا َ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ‬
‫اب))‪.‬‬
‫الد َو ُّ‬‫الش َج ُرح َو َّ‬ ‫ال ِْعبَ ُ‬
‫ادح َوالْبِ ََل ُدح َو َّ‬
‫ق ااال احلا اراي‪« :‬ق ااد مج ااع يف ه ااذه ال الث ااة‪ :‬ص ااالد ال اادنيا‪ ،‬وال اادين‪ ،‬واملع اااد‪ ،‬وه ااي أص ااول مك ااارم‬
‫األخال الذي بُعث إلوامها‪ ،‬فاستقى من هذا اللفظ الوجيز صالد هاذه ا واماع الا الل الايت حلات‬
‫يف األولني بداايهتا‪ ،‬ووت غاايته»‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫افح َوال ِْغ َن))(‪.)2‬‬


‫ك ا ْْلَُدىح َوالتُِّن َق ح َوال َْع َف َ‬ ‫‪(( -2‬اللَّ ُه َّم ِِّن أ ْ‬
‫َسأَلُ َ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا الادعاء العظايم‪ ،‬شاامل ألربعاة مطالاب عظيماة‪ ،‬وجليلاة‪ ،‬ال غاىن عنهاا ألي عباد ساائر إىل ا‬
‫‪ ‬ملا فيها من أهم مطالب الدنيا وا خرة‪.‬‬
‫فبدأ بسؤال (اْلدى) وهو أعظم مطلاوب للعبااد‪ ،‬ال غاىن هلام عناه يف هاذه الادارأ ألن اهلادى‪ :‬هاو‬
‫طلب اهلداية‪ ،‬وهي كلمة شاملة تتناول كل ما ينبغي أن يُهتدى إليه من أمر الادنيا وا خارة مان حسان‬
‫االعتقاد‪ ،‬وصالد األعمال‪ ،‬واألقوال‪ ،‬واألخال ‪.‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب التعوذ من شر ما عمل‪ ،‬ومن شر ماا لام معمال‪،‬‬
‫برقم ‪.2721‬‬
‫‪4‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫قول ‪( :‬التُِّن َق )‪ :‬أي التقوى‪ :‬وهو اسم جامع لفعل ما أمر ا به‪ ،‬وترك ما هنى عناه‪ ،‬قاال الطيايب‪:‬‬
‫«أطلق اهلدى والتقىأ ليتناول كل ماا ينبغاي أن يهتادي إلياه مان أمار املعااد واملعااد ومكاارم األخاال ‪،‬‬
‫وكل ما جيب أن يتقي منه من الشرك‪ ،‬واملعاصي‪ ،‬ورذائل األخال ‪ ،‬وطلب العفاف»‪.‬‬
‫وأصا اال الكلما ااة ما اان التا ااوقي‪ ،‬وها ااو أن عا اال بينا ااك وبا ااني عقوبا ااة ا تعا اااىل وقايا ااة‪ ,‬ويكا ااون بفعا اال‬
‫الطاعات‪ ،‬واجتناب احملرمات ‪.‬‬
‫قول ِن ‪( :‬العف ِنِناف)‪ :‬ه ااو التن اُّازه عم ااا ال يُباااد‪ ,‬والص اايانة ع اان مط ااامع ال اادنيا‪ ،‬فيش اامل العف اااف بك اال‬
‫أنواع اه ومن ااه العف اااف ع اان ال ازان كل ااه أبنواع ااه‪ :‬ز النظ اار‪ ،‬وز اللم ا ‪ ،‬وز االس ااتماف‪ ،‬وز الف ارال ‪،‬‬
‫والتعفُّف عن الكسب والرز احلرام‪.‬‬
‫قول ‪( :‬الغن)‪ :‬وهو غىن النف أبن يستغين العبد عن الناس‪ ،‬وعما يف أيديهم‪ ،‬فيستغين العباد ااا‬
‫ي‬‫اَّللَ ُُِيِن ِن ُّ‬
‫أعط اااه ا ‪ ،‬س اواء أُعط ااي قل اايالً أو ك ارياً‪ ،‬وه ااذه الص اافة حيبه ااا ا ‪ ،‬ق ااال الن اايب ‪َّ ِ(( :‬ن َّ‬
‫اْلَِف َّي))‪ ،‬وساؤال ا (العفِنِناف والغِنِنن)‪ ،‬ومهاا داخاالن يف اهلادى والتقاى مان ابب‬ ‫ال َْع ْب َد الت َِّق َّيح الْغَِ َّح ْ‬
‫التخصيص بعد التعميم‪ ،‬وذلك لعظم شأهنما‪ ،‬وشدة احتياال ارالئق هلما‪.‬‬
‫وقد قال بعض شراد هاذا احلاديث‪« :‬هاذا الادعاء مان أمجاع األدعياة وأنفعهاا‪ ،‬وهاو يتضامن ساؤال‬
‫خااري الاادين وخااري الاادنيا‪ ،‬فااإن اهلاادى هااو‪ :‬العلاام النااافع‪ ،‬والتقااى‪ :‬العماال الصاااحل‪ ،‬وتاارك مااا هنااى عنااه ا‬
‫ورسوله‪ ،‬وبذلك يصلح الدين‪ ،‬فإن الدين علوم انفعة ومعارف صادقة فهو (اْلِنُ َدى)‪ ،‬وقياام بطاعاة ا‬
‫ورساوله‪ ،‬فهااو (التقِن )‪ ،‬والعفاااف والغااىن يتضاامن العفاااف عاان ارلااق‪ ،‬وعاادم تعليااق القلااب هباام‪ ،‬والغااىن‬
‫اب وبرزقااه‪ ،‬والقناعااة اااا فيااه‪ ،‬وحصااول مااا يطماائن بااه القلااب ماان الكفايااة‪ ،‬وبااذلك تااتم سااعادة احلياااة‬
‫الدنيا‪ ،‬والراحة القلبية‪ ،‬وهي احلياة الطيبة‪ ،‬فمن ُرِّز َ اهلُدى‪ ،‬والتقى‪ ،‬والعفاف‪ ،‬والغىن انل السعادتني‪،‬‬
‫وحصل على كل مطلوب‪ ،‬وجنا من كل مرهوب»‪.‬‬
‫وهااذا الاادعاء املبااارك ماان جوامااع الكلاام الاايت أوتيهااا الناايب ‪ ‬الاايت مااع فيهااا قلااة األلفااا واملباااين‪،‬‬
‫وك رة املعاين‪ ،‬وسعة مدلوالهتا‪ ،‬ومقاصدها يف الدارين‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫لح َوالْبُ ْم ِن ِ ح َوا ْْلَِن َرِ ح‬ ‫ك ِم ِن َن ال َْع ْج ِن ِزح َوالْ َا َس ِن ِ ح َوا ُِْْن ْ ِ‬ ‫‪(( -3‬اللَّ ُه ِن َّم ِِّن أَعُ ِنوأُ ِِن َ‬
‫ْ َخِن ْْيُ َمِن ْن َدَّكا َهِنا‪ .‬أَِتِْن َ‬
‫ْ‬ ‫آت ِتَِن ْف ِسِني تَِن ْق َوا َهِناح َوَدكِ َهِنا أَِتِْن َ‬
‫اب الْ َقِن ِِْح اللَّ ُهِن َّم ِ‬ ‫َو َع َه ِ‬
‫ْي َأ َ ْ َشِن ُمح‬ ‫ْم َأ يَِن ْنِن َفِن ُمح َوِمِن ْن قَِنلِن ٍ‬ ‫ك ِمِن ْن ِعلِن ٍ‬ ‫َولُِِّن َها َوَم ْوَأ َها‪ .‬اللَّ ُه َّم ِِّن أَعُوأُ ِ َ‬
‫‪5‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫اب َْلَا))(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َوِم ْن ِتَِن ْف ٍ‬


‫س َأ تَ ْشبَ ُمح َوم ْن َد ْع َوِ َأ يُ ْستَ َج ُ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫دَّكاها‪ :‬أي طهرها‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ‪( :‬اللَّهم آت ِتفسي تقواها)‪ :‬فيه طلب من ا تعاىل أن يعطيه تقوى النف أبن حيرزها عن‬
‫متابعة اهلوى‪ ،‬وارتكاب الفجور‪ ،‬والفواحش‪.‬‬
‫طهر نفسي من كل خلق ذمايم‪ ،‬ومان كال عياب وذنابأ‬ ‫قول ‪( :‬ودكِها أِتْ خْي من دَّكاها)‪ :‬أي ِّ‬
‫ألنااك ((أِتِنِنْ خِنِنْي مِنِنن دكاهِنِنا))‪ :‬أي ال ُمزكاي هلااا إال أناات‪ ،‬فإنااك تطهاار النفااوس فتصاابح طاااهرة طيبااة‬
‫اقتضى حكمتك ومشيئتك‪ ،‬وسعة علمك ملن استحق ذلك‪.‬‬
‫قول ِن ‪( :‬أِت ِنِنْ ول ه ِنِنا وموأه ِنِنا)‪ :‬وهااذا اس ااتئناف علااى بيااان املوج ااب‪ ،‬وأن إيتاااء التقااوى‪ ،‬وتص االيح‬
‫التزكية فيها‪ ،‬إمنا كان ألنه هو املتوي ألمرها‪ ،‬ورهبا وسيدها ومالكها ‪.‬‬
‫قول ‪( :‬اللَّهم ّن أعوأ ك مِنِنن علِنِنم أ ينفِنِنم)‪ :‬علام ال أعمال باه‪ ،‬وال أعملاه‪ ،‬وال يبادل أخالقاي‬
‫وأقواي لقلة اإلخالص‪ ،‬أو من رايء ومسعة‪ ،‬أو علم ال حيتاال إليه‪.‬‬
‫قول ِن ‪( :‬ومِنِنن قلِنِني أ شِنِنم)‪ :‬لقساااوتهأ ال يتااأثر ابمل اواعظ‪ ،‬وابلزواجاار‪ ،‬وال ابلنصااائح‪ ،‬ويف قاارن‬
‫االسااتعاذة ماان علاام ال ينفااع ابلقلااب الااذي ال ىلشااع‪ ،‬إشااارة إىل أن العلاام النااافع مااا أورل ارشااوف‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫قول ‪( :‬ومن ِتفس أ تشبم)‪ :‬من مجع حطام الدنيا‪ ،‬وال تقنع اا آتيتها من فضلك‪ ،‬وال تفرت عان‬
‫ا مع‪ ،‬ويدخل يف ذلك النهمة‪ ،‬وهي ك رة األكل‪ ،‬والطعام دون شبع ‪.‬‬
‫قول ِن ‪( :‬ومِنِنن دعِنِنوِ أ يسِنِنتجاب ْلِنِنا)‪ :‬لفقاادها شااروس االسااتجابة‪ ،‬أو لسا َ‬
‫اوء ابلااداعي‪ ,‬أو لعاادم‬
‫حسن ظنه بربه ابإلجاباة‪ ،‬أو دعاوةَ ال حيبهاا ا ملاا فيهاا مان ساوء أو قطيعاة رحامأ فاإن ا تعااىل مسياع‬
‫ارد َمان دعاااه لسااعة كرمااه وجااوده وقربااه ماان سااائليه‪ ،‬فماان ُرد دعااا ه فقااد خاااب‬
‫قريااب بيااب كاارمي‪ ،‬ال يا ُّ‬
‫شق َي‪ .‬ودل هذا الدعاء املبارك على‬ ‫وخسر‪ ،‬والعياذ اب ‪ ،‬ومنع من خري األبواب اليت ال تغلق إال على ِّ‬
‫أمهية التوسل بصفات ا تعاىل‪ ،‬ومنها صفة التزكية الفعلية (ودكها أِتْ خْي من دكاها)‪ .‬فاإن التوسال‬
‫بصفات ا تعاىل وأمسائه أرجى يف قبول الدعاء‪ ،‬ورفعه إىل رب األرض والسماء ‪.‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب التعوذ من شر ما عمل‪ ،‬ومن شر ماا لام معمال‪،‬‬
‫برقم ‪.2722‬‬
‫‪6‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ا ْْلَُدى َو َّ‬
‫الس َد َاد))(‪.)4‬‬ ‫‪(( -4‬اللَّ ُه َّم ْاهدِّنح َو َسد ْدِّنح اللَّ ُه َّم ِِّن أ ْ‬
‫َسأَلُ َ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫(اهدّن)‪ :‬اهلداية هي الداللة واإلرشاد ‪.‬‬
‫(السداد)‪ :‬السداد هو االستقامة‪ ،‬والقصد يف األمور‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا الدعاء املبارك يتضمن أهم املطالب‪ ،‬وأشرف املواهب‪ ،‬وال حيصل الفاالد والساعادة إال هبماا‪،‬‬
‫ومهااا اهلدايااة والسااداد‪ ،‬فس اؤال ا اهلاُ َدى وهااو املعرفااة ابحلااق تفصاايالً وإمجاااالً‪ ,‬والتوفيااق التباعااه ظاااهراً‬
‫وابطناً ‪.‬‬
‫وسؤال ا السداد‪ ،‬وهو التوفيق واالساتقامة يف مجياع األماور ااا يكاون صاواابً علاى احلاق‪ ،‬والطرياق‬
‫اَّلل َوقُولِنُوا قَ ِن ْوأ َسِن ِديدا‬
‫آمنُِنوا اتَِّن ُقِنوا َّ‬ ‫ِ‬
‫املستقيم يف القول والفعل واالعتقاد‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ة أَيُِّن َها الَّه َ‬
‫ين َ‬
‫صِن ِنلِ ْح لَ ُاِن ِن ْم أَ ْع َِْن ِنالَ ُا ْم َويَِنغْ ِفِن ِن ْر لَ ُاِن ِن ْم أُِتُِن ِنوَ ُا ْم﴾ فب ااني ا تع اااىل أن ااه يرتت ااب عل اى حص ااول الس ااداد‬
‫* يُ ْ‬
‫فائداتن‪:‬‬
‫‪ – 1‬صالد األعمال ‪.‬‬
‫‪ – 2‬مغفرة الذنوب‪.‬‬
‫اد ح‬ ‫يب ‪َ (( :‬سِن ِ اَ تَِن َعِنا َ ا ْْلِنُ َدىح َوال َّ‬
‫سِن َد َ‬ ‫ال الناِّ ُّ‬
‫ال‪ :‬قَا َ‬ ‫َعا ىن أَِّيب بُا ىرَدةَ بىا ِّن أَِّيب ُمو َساى‪ ،‬أَن َعلِّياا‪ ،‬قَا َ‬
‫لس َد ِاد تَ ْس ِدي َد َك َّ‬
‫الس ْه َم))‪.‬‬ ‫َواأْ ُك ْر ِِب ْْلَُدى ِه َدايَِنتَ َ‬
‫ك الطَّ ِر َ‬
‫يقح َواأْ ُك ْر ِِب َّ‬
‫وقولِن ‪( :‬واأكِنِنر ِبْلِنِندى هِنِندايتك الطريِنِنق)‪ :‬أن تااذكر يف حااال ُدعائااك اهلدايااة َمان ركااب ما َ‬
‫انت‬
‫الطريق ال يكاد يفار ا اادة‪ ،‬وال يعادل عنهاا ميناة ويسارة خوفااً مان الضاالل‪ ،‬وباذلك يصايب اهلداياة‪،‬‬
‫وين ا ااال الس ا ااالمة‪ ،‬ف ا اااملعىن‪ :‬إذا س ا ااألت ا تع ا اااىل اهل ا اادى‪ ,‬ف ا اااخطر بقلب ا ااك هداي ا ااة الطري ا ااق‪ ،‬وس ا اال ا‬
‫االستقامة‪ ،‬كما تتحراه يف هداية الطريق إذا سلكتها‪.‬‬
‫قول ِن ‪( :‬والس ِنِنداد س ِنِنداد الس ِنِنهم)‪ :‬واخطاار املعااىن يف قلبااك كااذلك حااني تسااأل ا السااداد م اال‬
‫س ااداد الس ااهم ر ااو الغ اارض‪ ،‬ال يع اادل عن ااه ميين ااً وال ت اااالً‪ ،‬فك ااذلك تس ااأل ا تع اااىل أن م ااا تنوي ااه م اان‬

‫(‪ )4‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب التعوذ من شر ما عمل‪ ،‬ومن شر ماا لام معمال‪،‬‬
‫برقم ‪.2725‬‬
‫‪7‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫السداد على شاكلة السهم‪ ،‬وكذلك تسأل ا غاية السداد وأكمله‪.‬‬


‫ففي هذا احلديث أمهياة استحضاار املعااين واملادلوالتأ ألن الاداعي يساأل رب الساموات واألرض‬
‫رب الع اااملنيأ ف ااإن م اان ق ااام يف قلب ااه م اان ذل ااك حص اال ل ااه ارش ااوف وارض ااوف والتض اارف‪ ،‬واس ااتلذاذ ل ااذة‬
‫املناجااة الايت ال ألااذ منهاا‪ ،‬في ماار ذلاك علااى ا اوارد ماان كماال اهلماة وك ارة النشاااس والراحاة والسااكينة‪،‬‬
‫فإن هذا هو لب العبادة‪ ،‬ومقصودها األعظم‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫الدِتِْن ا و ِ‬
‫اآلخ َرِِ))(‪.)5‬‬ ‫ك ال قنيح والعفو والْعافِ‬
‫َ َ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪(( -5‬اللَّ ُه َّم ِّن ْ‬
‫أسألُ َ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫((ال قني))‪ :‬هو األمر ال ابت الذي ال شك ىلا ه‪.‬‬
‫((العفو))‪ :‬التجاوز عن الذنب‪ :‬وترك العقاب عليه ‪.‬‬
‫((العاف ِ))‪ :‬هي كلمة جامعة يف أتمني ا تعاىل للعبد‪ ،‬ودفااف عناه كال نقماة‪ ،‬وحمناة‪ ،‬وش َار وباالء‪،‬‬
‫والسالمة من األسقام‪ ،‬والبالاي‪ ،‬وهي الصحة ضد املرض‪.‬‬
‫هذا الدعاء املبارك ا ليل القادر فياه أجال املطالاب‪ ،‬وأهام املقاصاد الايت يتمناهاا كال عباد يف ديناه‪،‬‬
‫ودنياه‪ ،‬وآخرته‪ ،‬ففيها سؤال ا تبارك وتعاىل السالمة‪ ،‬والوقاية من كل الشرور‪ ،‬بكال أنواعهاا الظااهرة‬
‫والباطنة‪ ،‬ا لية وارفية‪ ،‬فإن السالمة واحلفظ مبتغاى كال ارالئاق‪ ،‬يف هاذه املعماورة‪ ،‬وخاصاة عبااد ا‬
‫تبارك وتعاىل املؤمنني‪.‬‬
‫وهلااذا كاناات هااذه الاادعوة ومااا تتضاامنه ماان مقاصااد عظيمااة عزياازة وجليلااة عنااد الشااارف احلكاايم‪ ،‬يف‬
‫قولااه‪ ،‬وأمااره‪ ،‬وفعلااه‪ ،‬وملااا كاناات ا فااات والاابالاي منهااا ظاااهرة‪ ،‬كااأمراض الباادن‪ ،‬وعللااه احلسااية‪ ،‬ومنهااا‬
‫ابطنااة معنويااة ك فااات القلااب‪ ،‬قُا ِّدم س اؤال السااالمة يف أهاام أنواعااه‪ ،‬وهااو القلااب‪(( :‬اللَّهِنِنم ّن أسِنِنألك‬
‫ال قني))‪ ،‬وهو وام العلم وكماله‪ ،‬وهو املنايف للشك والريب‪ ،‬فهذا سؤ ٌال ِّألَعلى درجات اإلمياان‪ ،‬الاذي‬
‫عليه الفالد يف الدنيا وا خرة‪.‬‬
‫قااال اباان مسااعود ‪« :‬اليقااني اإلميااان كلاه»أ فلااذا كااان ماان دعائااه ‪(( :‬اللهاام زدان إمياااانً ويقين ااً‬
‫وفهماً)) ‪.‬‬

‫بان عمسا ‪ ،‬بارقم ‪ ،3514‬والبخااري ياا ابدب المفارد‪ ،‬بارقم‬ ‫(‪ )5‬الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب حدثنا موسا‬
‫‪.726‬‬
‫‪8‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫فإذا رسخ اليقني يف القلب‪ ،‬انقطع عن الادنيا‪ ،‬وتعلاق اب خارة‪ ،‬قاال سافيان ال اوري رمحاه ا ‪(( :‬لاو‬
‫أن اليقني وقع يف القلاب كماا ينبغاي‪ ،‬لطاار اشاتياقاً إىل ا ناة‪ ،‬وهاروابً مان الناار))‪ ،‬قاال ابان حجار رمحاه‬
‫ا معلقاً‪(( :‬فإذا أيقن القلب‪ ،‬انبع ت ا وارد كلها للقاء ا ‪ ‬ابألعمال الصاحلة))(‪.)6‬‬
‫وال ش ااك أن ه ااذا ه ااو منته ااى اإلرادات وامل ااىن‪ ،‬ف اادل ه ااذا املطل ااب العظ اايم عل ااى أن ااه أه اام مس ااائل‬
‫الا ِّادين‪ ،‬ألنااه يتعلاق يف أهاام منازلااه‪ ،‬وهااو مسااائل اإلميااان والتوحيااد‪ ،‬الااذي هااو حااق ا تعاااىل علااى كاال‬
‫العبيد ‪.‬‬
‫وقولاه‪(( :‬والعفو والعاف ِ الدِت ا واآلخرِ))‪ :‬مجاع باني عاافييت الادين والادنياأ ألناه ال غاىن عنهماا‬
‫للعبد‪ ،‬فإن النجاة والفالد منوطة هبما ‪.‬‬
‫فسؤال ا تعاىل ((العفو))‪ :‬يتضمن سؤال ا السالمة من الذنوب‪ ،‬وتبعاهتا‪ ،‬ونتائجها‪ ،‬وآاثرها‪.‬‬
‫و((العاف ِنِنِ))‪ :‬ه ااو طل ااب الس ااالمة والوقاي ااة م اان ك اال م ااا يض ا ُّار العب ااد يف دين ااه ودني اااه‪ ،‬م اان الس ااقام‬
‫واملصائب واملكاره والفنت واحملن ‪.‬‬
‫وقد دل أمر النيب ‪ ،‬وقوله‪ ،‬وفعله‪ ،‬على أمهية هذه املقاصد ا ليلة‪ ،‬فمان ذلاك ماا جااء عان عام‬
‫ال‪:‬‬ ‫الن اايب ‪ ‬العب اااس ‪ ‬أن ااه ج اااء للن اايب ‪ ‬فق ااال‪(( :‬ايرس ااول ا ِّ‪َ ،‬علِّ ىم اين َش اىيئاً أَ ىس اأَلُهُ ا تَا َع ااىل‪ ،‬قَ ا َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫((سلُوا َّ ِ‬
‫ال‬
‫ااىل‪ ،‬قَا َ‬ ‫َسأَلُهُ ا َ تع َ‬ ‫رسول ا ‪ :‬عل ىمين َشىيئاً أ ى‬ ‫ت‪ :‬اي َ‬ ‫ئت فَا ُق ىل ُ‬‫ت أَايماً‪ُُ ،‬ث ج ُ‬ ‫اَّلل العاف َِ))‪ ،‬فَم َك ى ُ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِ ِ (‪)7‬‬ ‫ِ‬ ‫عم َر ِ‬
‫الدِتْ ا واآلخرِ)) ‪ ،‬ففي تعليم النيب ‪ ‬لعماه‬ ‫ُّ‬ ‫اَّلل العاف َِ‬ ‫اَّللح َسلُوا َّ‬ ‫سول َّ‬ ‫اسح ة َّ‬ ‫ي‪َ (( :‬ة عبَّ ُ‬
‫الذي هو صنو أبيه‪ ،‬هذا الدعاء دون غريه من األدعية بعد تكريره له‪ ،‬وكذلك خطابه أبداة املناداة ((ة‬
‫اَّلل)) الاايت تفيااد التأكيااد والتنبيااه‪ ،‬ياادل داللااة جليلااة علااى أمهيااة هااذه الاادعوة‬ ‫عبِنِناس))‪(( ،‬ة عِنِنم رسِنِنول َّ‬
‫ا ليلة‪.‬‬
‫َي الد ِّ‬ ‫ال اي رس َ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ض ُل؟ قَ َ‬ ‫ُّعاء أَفى َ‬‫ول ا ‪ ،‬أ ُّ َ‬ ‫و من األدلة كذلك‪ ،‬أن رجالً ((جاءَ إ َىل َر ُسول ا ‪ ،‬فَا َق َ َ َ ُ‬
‫ُّع ِّاء‬
‫َي الااد َ‬ ‫ول ا ِّ‪ ،‬أ ُّ‬ ‫ال‪َ :‬اي َر ُس ا َ‬ ‫ك ال َْع ْف ِن َو َوال َْعافَِ ِنَِ ِ الِن ُِّندِتِْنَا َو ْاآل ِخ ِن َرِِ)) ُُث أ ََاتهُ ِّم ا َن الىغَا ِّد فَا َق ا َ‬‫َل َرَِّن َ‬
‫((تَ ْس ِنأ ُ‬
‫ِ‬
‫ك ال َْع ْفِن َو َوال َْعافَِِنَِ ِ الِن ُِّندِتِْنَا َو ْاآلخِن َرِِ))‪ُُ ،‬ث أ ََاتهُ الىيَ ا ىوَم ال الا َ‬
‫ِّ‬ ‫َل َرَّ َ‬ ‫ال‪(( :‬تَ ْسأ ُ‬
‫ول‬
‫ال‪َ :‬اي َر ُسا َ‬ ‫ث فَا َقا َ‬ ‫ض ُل؟ قَا َ‬ ‫أَفى َ‬
‫ك ِ َأا أُ ْع ِط تَِن ُه َِْنا‬ ‫ك ال َْع ْفِن َو َوال َْعافَِِنَِ ِ الِن ُِّندِتِْنَا َو ْاآل ِخِن َرِِح فَِإِتَِّن َ‬ ‫َل َرَِّن َ‬
‫ال‪(( :‬تَ ْسِنأ ُ‬ ‫ض ُل؟ قَ َ‬ ‫ُّعاء أَفى َ‬
‫َي الد ِّ‬
‫ا ‪ ،‬أ ُّ َ‬
‫ِّ‬
‫ْ))(‪.)8‬‬ ‫الدِتِْنَاح ُُثَّ أُ ْع ِط تَِن ُه َْا ِ ْاآل ِخ َرِِ فَِن َق ْد أَفِْنلَ ْح َ‬ ‫ِ ُّ‬

‫(‪ )6‬الفتح‪.68\1 :‬‬


‫(‪ )7‬الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب حدثنا موس بان عمسا ‪ ،‬بارقم ‪ ،3514‬مساند امماام أحماد‪ ،303 /3 ،‬بارقم‬
‫‪ ،1783‬مسند البزار‪ ،139 /4 ،‬والبخاري يا ابدب المفرد‪ ،‬برقم ‪.726‬‬
‫(‪ )8‬أحمد‪ ،304 /19 ،‬برقم ‪ ،12291‬واللفظ له‪ ،‬والترماذي‪ ،‬كتااب الادعوات‪ ،‬بااب حادثنا موسا بان عمسا ‪،‬‬
‫برقم ‪ ،3512‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الدعاء‪ ،‬باب الدعاء بالعفو والعايمة‪ ،‬برقم ‪ ،3848‬وابدب المفرد للبخااري‪،‬‬
‫ص ‪ ،222‬ومسند البزار‪.274 /2 ،‬‬
‫‪9‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫دل هذا احلديث على حرص الصحابة ‪ ‬على علو اهلمة‪ ،‬ومن ذلك حرصهم على معرفة أفضال‬
‫الدعاء ‪.‬‬
‫و ماان األدلااة الساانية الاايت تاادل علااى أمهيااة هااذين املطلبااني‪( :‬العفِنِنوح والعاف ِنِنِ) أنااه كااان ‪ ‬يااالزم‬
‫سؤاهلما ربه ‪ ‬يف صباحه ومسائه ‪.‬‬
‫ني‬ ‫ِّ‬ ‫ات ِّح ِّ‬ ‫ول ا ِّ ‪ ‬ي َدف هؤالَِّء الدعو ِّ‬
‫ني ميُىسي‪َ ،‬وح َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫فعن ابن عمر َر ِّض َي ا ُ َعىنا ُه َما‪ :‬أنه قال‪َ (( :‬ملى يَ ُك ىن َر ُس ُ‬
‫ُك ال َْعافَِِنَِ ِ الِن ُِّندِتِْنَا َواآل ِخ ِن َرِِح اللَّ ُه ِن َّم ِِّن أَ ْس ِنأَل َ‬
‫ُك ال َْع ْف ِن َو َوال َْعافَِِنَِ ِ ِدي ِن ِ‬ ‫صابِّ ُح‪(( :‬اللَّ ُه ِن َّم ِِّن أَ ْس ِنأَل َ‬ ‫يُ ى‬
‫وح وِم ِن ْن‬ ‫اح َفَْ ِن ِ ِم ِن ْن َِن ِ‬
‫ني يَِن َد َّ‬ ‫ِ‬
‫ِنِ َع ِن ْوَراِتح وآم ِن ْن َرْو َع ِناِتح اللَّهِن َِّنم ْ‬
‫ِ‬
‫او َوأ َْهل ِني َوَم ِن ِاِلح اللَّ ُه ِن َّم اسِن ُْ‬ ‫َو ُدِتِْنَ ِن َ‬
‫ال ِم ْن ََت ))(‪. )9‬‬ ‫ك أ ْن أُ ْغتَ َ‬ ‫ومن فَِن ْوقِيح وأعُوأُ ِ َعََ َْتِ َ‬ ‫َخلْفيح وعن ََي ح وعن ِِشاِلح ِ‬
‫َ‬
‫فساؤاله ‪ ‬العافيااة ( الِنِندين)‪ :‬هااو طلااب الوقايااة والسااالمة ماان كاال أماار يشااني الاادين وىلاال بااه‪،‬‬
‫وىلدد يف عقيدة املؤمن‪ ،‬وتوحيده‪ ،‬من الفنت والضالالت‪ ،‬والشبهات‪ ،‬والشهوات من كل أنواعهما ‪.‬‬
‫و سؤال ا تعاىل العافية ( الدِت ا)‪ :‬هو طلب السالمة واألمان من كل ما يضر العبد يف دنيااه‪،‬‬
‫ماان املصااائب والاابالاي‪ ،‬والشاادائد‪ ،‬واملكاااره‪ ،‬وساؤال ا تعاااىل العافيااة ( اآلخِنِنرِ)‪ :‬هااو طلااب النجاااة‪،‬‬
‫والوقاية من أهوال ا خرة‪ ،‬وشدائدها‪ ،‬وكرابهتاا‪ ،‬وماا فيهاا مان العقاوابت‪ ،‬بادأَ مان االحتضاار‪ ،‬وعاذاب‬
‫القرب‪ ،‬والفزف األكرب‪ ،‬والصراس‪ ،‬والنجاة من أشد األهوال‪ ،‬والعذاب ابلنار‪ ،‬والعياذ اب ‪.‬‬
‫وأما سؤاله ‪ ‬العافية (لأله )‪ :‬فبوقايتهم من الفنت‪ ،‬ومحايتهم من البالاي واحملن ‪.‬‬
‫وأمااا يف (املِنِنال)‪ :‬فبحفظااه وااا يتلفااه ماان غاار أو حاار أو ساارقة‪ ،‬أو رااو ذلااك‪ ،‬فجمااع يف ذلااك‬
‫سؤال ا احلفظ من مجيع العوارض املؤذية‪ ،‬واألخطار املضرة))‪.‬‬
‫فاادل ذلااك كلااه علااى أن هااذه الاادعوات الكرميااة ا ليلااة ماان جوامااع الكلاام‪ :‬وذلااك أنااه لااي شاايء‬
‫يعمل لآلخرة يتلقى إال ابليقني‪ ,‬وهو اإلميان الراسخ الذي ال شك فيه وال ريب‪ ،‬وهو أعلى الادرجات‬
‫كما سبق‪ ،‬ولي شيء من الدنيا يهنأ لصاحبه إال مع العافية‪ ،‬وهي األمن والصحة‪ ،‬وفراغ القلب مان‬
‫كل مكروه‪ ،‬فجمع أمر الدنيا كله يف كلمة‪ ،‬وا خرة يف كلمة‪.‬‬
‫فينبغي للعبد الصاحل مالزمة هذه الدعوات املباركات يف الصباد واملساء‪ ،‬اقتداء واستناانً ابلنايب ‪‬‬
‫يف ليله وهناره‪ :‬يف سفره وحضره‪ ,‬ويف سرائه وضرائه‪ ،‬ويف كل أحواله ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )9‬أبو داود‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬كتاب ابدب‪ ،‬باب ما مقول إذا أصبح‪ ،‬برقم ‪ ،5076‬ابن ماجه‪ ،‬كتااب الادعاء‪ ،‬بااب ماا‬
‫مدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمس ‪ ،‬برقم ‪ ،3871‬أحمد‪ ،408 /3 ،‬برقم ‪.4785‬‬
‫‪10‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫اء ِِ‬ ‫كح وََتَ ِن ِن ُّو ِل َعافِ تِ‬ ‫ك ِم ِن ِنن َدو ِال ِتِ ْعْتِ‬ ‫ِ‬
‫ِن‬
‫َ َ‬ ‫ِن‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫ح‬‫ك‬‫َ‬ ‫ِن‬ ‫ِن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِن‬ ‫ِن‬ ‫َ‬ ‫‪(( -6‬اللَّ ُه ِن ِن َّم ِِّن أَعُ ِن ِنوأُ ِن ِن َ ْ َ‬
‫ك))(‪.)10‬‬‫َج ِم َس َم ِط َ‬
‫كح و َِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِتِْقْتِ‬
‫َ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫قول ‪( :‬من دوال ِتعْتك)‪ :‬النعمة‪ :‬كل مالئم حتمد عاقبته‪ ،‬أي النعم الظاهرة والباطنةأ ألناه مفارد‬
‫مضاف يفيد العموم‪.‬‬
‫قول ‪َ( :‬تِنِنول عاف تِنِنك)‪ :‬أي تبادل العافياة بضادها مان عافياة إىل مارض وباالء‪ ,‬والفار باني الازوال‬
‫والتحول‪ ,‬أن الزوال‪ :‬ذهاب الشيء من غري بدل‪.‬‬
‫والتحول‪ :‬إبدال الشيء ابلشيء كإبدال الصحة ابملرض‪ ،‬والغىن ابلفقر‪.‬‬
‫قول ‪( :‬فجاءِ ِتقْتك)‪ :‬الفجأة‪ :‬البغتة‪ ،‬والنقمة‪ :‬العقوبة‪.‬‬
‫(وَج م سمطك)‪ :‬السخط‪ :‬الكراهية للشيء‪ ،‬وعدم الرضا به‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ِن ‪( :‬اللَّهِنِنم ّن أعِنِنوأ ِنِنك مِنِنن دوال ِتعْتِنِنك)‪ :‬أي اي ا إين ألتجااإ إليااك ماان ذهاااب مجيااع‬
‫نعم ااك الظ اااهرة والباطن ااة‪ ،‬الدنيوي ااة واألخروي ااة م ااا علمته ااا‪ ،‬وم ااا مل أعلمه اااأ ألن نعم ااك ال ُحتص ااى‪ ،‬وال‬
‫تُعدُ‪.‬‬
‫وزوال النعم اة ال يكااون إال عنااد عاادم شااكرها‪ ،‬فتضاامنت هااذه االسااتعاذة املباركااة التوفيااق لشااكر‬
‫النعم‪ ،‬واحلفظ مان الوقاوف يف املعاصايأ ألهناا تزيال الانعم‪ ،‬قاال ا ‪َ ﴿ :‬وِ ْأ ََتَأَّ َن َرُّ ُاِن ْم لَِنِ ْن َشِن َا ْرُْ‬
‫َََ ِدي َدِتَّ ُا ْم َولَِ ْن َك َف ْرُْ ِ َّن َع َه ِاِب لَ َش ِديد﴾‪.‬‬
‫ْي َما َِق ْوٍ َح ََّّت يُِنغَِْيُوا َما ِِبَِتِْن ُف ِس ِه ْم﴾‪.‬‬ ‫وقال تعاىل‪َّ ِ﴿ :‬ن َّ‬
‫اَّلل َأ يُِنغَِ ُ‬
‫ْ أَيْ ِدي ُا ْم َويَِن ْع ُفو َع ْن َكمِ ٍْي﴾‪.‬‬ ‫ص بَ ٍِ فَبِ َْا َك َسبَ ْ‬ ‫وقال جل شأنه‪﴿ :‬وما أَصا ُام ِمن م ِ‬
‫ََ َ َ ْ ْ ُ‬
‫وَتول عاف تك)‪ :‬أي أعوذ بك اي ا من تبدل العافية اليت أعطيتاين إايهاا‪ ،‬وهاي الساالمة‬ ‫قول ‪ُّ ( :‬‬
‫ماان األسااقام والاابالء واملصااائب‪ ،‬إىل األماراض والاابالء‪ ،‬فتضاامنت أيضااً هااذه االسااتعاذة ساؤال ا دوام‬
‫العافية وثباهتا‪ ،‬واالستعاذة به ‪ ‬من حتول العافيةأ ألن بزواهلا تساوء عيشاة العباد‪ ،‬فاال يساتطيع القياام‬
‫أبمور دنياه ودينه‪ ،‬وما قد يصاحبه من التسخط وعدم الرضا وغري ذلك ‪.‬‬
‫قولِن ِن ‪( :‬وفجِن ِناءِ ِتقْت ِنِنك)‪ :‬أي أع ااوذ ب ااك م اان العقوب ااة‪ ،‬واالنتق ااام ابلع ااذاب مباغت ااة‪ ،‬دون توق ااع‬

‫(‪ )10‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالساتغفار‪ ،‬بااب أكثار أاال الجناة الفقاراء‪ ،‬وأكثار أاال الناار‬
‫النساء‪ ،‬وبمان الفتنة بالنساء‪ ،‬برقم ‪.2739‬‬
‫‪11‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫وحتس ااب‪ ،‬و ُخ اص فج اااءت النقم ااة ابالس ااتعاذةأ ألهن ااا أش ااد و أص ااعب م اان أن أتيت ت اادرجيياً‪ ،‬حبي ااث ال‬
‫تكون فرصة للتوبة‪.‬‬
‫قولِن ِن ‪( :‬وَج ِن ِنِنم سِن ِنِنمطك)‪ :‬أي ألتجا ااإ وأعتصا اام إليا ااك أن تعيا ااذين ما اان مجيا ااع األسا ااباب املوجبا ااة‬
‫لسااخطك جاال شااأنكأ فااإن ماان سااخطت عليااه فقااد خاااب وخساار‪ ،‬ولااو كااان يف أد شاايء‪ ،‬وأبيساار‬
‫سااببأ وهلااذا قااال الناايب ‪(( :‬وَج ِنِنم سِنِنمطك))‪ ،‬فهااي اسااتعاذة ماان مجيااع أسااباب سااخطه ‪ ‬ماان‬
‫األقوال واألفعال واألعمال‪ ،‬وإذا انتفت األسباب املقتضية للسخط حصلت أضدادها وهو الرضى‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ْْح َوِم ْن َش ِر َما ََلْ أَ ْع َْ ْ ))(‪.)11‬‬


‫ك ِم ْن َش ِر َما َع ِْل ُ‬
‫َعو ُأ ِ َ‬
‫‪(( -7‬اللَّ ُه َّم ِِّن أ ُ‬
‫هذا الدعاء املبارك فيه من االستعاذات ا امعة اليت تعم كل َ‬
‫شر وا عمله العبد‪ ،‬وواا مل يعملاه‪ ،‬يف‬
‫املاضي واحلاضر واملستقبل ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ‪( :‬اللَّهم ّن أعوأ ك من شر مِنِنا عْلِنِنْ)‪ :‬أي مان السايئات‪ ،‬أو مان شار ماا اكتسابته‪ ،‬واا‬
‫ق ااد يقتض ااي عقوب ااة يف ال اادنيا‪ ،‬أو يقتض ااي يف ا خ اارة‪ ،‬أو عم ا َال ُحيت اااال في ااه إىل العف ااو‪ ،‬فتض اامنت ه ااذه‬
‫االستعاذة‪ :‬االستعاذة من كل الشرور‪ ،‬والذنوب املاضية ‪.‬‬
‫اس ااتعاذ الن اايب ‪ ،‬وه ااو املعص ااوم‪ ،‬ليلت اازم خ ااوف ا ‪ ،‬وإعظام ااه‪ ،‬وإجالل ااه‪ ،‬واالفتق ااار إلي ااه يف ك اال‬
‫قتدى به‪ ،‬فهو ‪ ‬أعماله‪ :‬سابقها‪ ،‬والحقها‪ ،‬كلها خري ال شر فيها‪.‬‬ ‫أحواله‪ ،‬وليبني صفة الدعاء‪ ،‬ليُ َ‬
‫شر تركي العمل هبا‪ ،‬أو املاراد مان ش ِّار ماا مل‬ ‫قول ‪( :‬ومن شر ما َل أعْ )‪ :‬من احلسنات‪ ،‬أي من ِّ‬
‫ُ‬
‫أعملااه بعا ُاد ماان الس اايئات وا اثم‪ ،‬أبن حتفظااين منااه يف املسااتقبل‪ ،‬وم اان كاال عماال ال يرضاايك‪ ،‬وجيل ااب‬
‫غضبك‪ ،‬وتضمنت هذه االستعاذة‪ :‬االستعاذة من كل الشرور‪ ،‬والذنوب احلالية واملستقبلية ‪.‬‬
‫الشر إمناا هاو بسابب ماا عملتاه ياداه‪،‬‬ ‫ففي هذه االستعاذة بيان وداللة إىل أن ما يصيب العبد من ِّ‬
‫صِنا َ ُا ْم ِمِن ْن‬
‫أو بسبب ما عملته أيدي الناس‪ ،‬وإن مل يكن هو العامل املباشر‪ ،‬كما قال تعااىل‪َ ﴿ :‬وَمِنا أَ َ‬
‫صِن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ب ٍِ فَبِْا َكسب ْ ِ‬
‫ين َلَ ُِْنوا‬ ‫ل الَِّنه َ‬ ‫ْ أَيْدي ُا ْم َويَِن ْع ُفو َع ْن َكمِ ٍْي﴾‪ ،‬وقولاه تعااىل‪َ ﴿ :‬واتَِّن ُقِنوا ف ْتِننَِنِ َأ تُ ِ َ‬ ‫ُم َ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫اب﴾‪ ،‬ويف هاذا داللاة علاى ضاعف اإلنساان‪ ،‬وشادة افتقااره‬ ‫اَّلل َشِن ِدي ُد ال ِْع َقِن ِ‬
‫َن َّ‬ ‫ِم ْن ُا ْم َخ َّ‬
‫اصِ َوا ْعلَ ُِْنوا أ َّ‬
‫إىل مواله وخالقه ‪ ،‬يف إصالد شؤونه‪ ،‬واستقامة أموره‪ ،‬والوقاية من شرور نفسه‪ ،‬وسيئات أعماله‪،‬‬

‫(‪ )11‬مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب التعوذ من شر ما عمل‪ ،‬ومن شار ماا لام معمال‪ ،‬بارقم‬
‫‪.2716‬‬
‫‪12‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫وأنه ال غىن له عن ربه ‪ ‬وسيده طرفة عني‪ ،‬وأنه ينبغي له دائماً الساري علاى هاذا املناوال‪ ،‬حاىت يظفار‬
‫برضا ربه ‪،‬‬
‫وال ىلفى عليك اي عبد ا يف أمهية هذه الدعوة الطيبة ملا أخربت به ُّأمنا أم املؤمنني عائشة‬
‫ِّ‬
‫َرض َي ا ُ‬
‫َعىنا ُه َما أن هذه الدعوة كانت أك ر ما كان يدعو هبا ‪ ،‬وهو املغفور له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬وما أتخر‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ِ‬ ‫‪(( -8‬ر ِ ِ‬


‫ص ْرِّن َوَأ تَِن ْن ُ‬
‫صِن ْر َعلَِن َّيح َو ْام ُاِن ْر ِِل َوَأ َْْ ُاِن ْر‬ ‫ب أَع ِ َوَأ تُع ْن َعلَ َّيح َواِتْ ُ‬ ‫َ‬
‫اج َع ْلِن ِ‬
‫ب ْ‬ ‫صِن ْرِّن َعلَِن َمِن ْن َِنغَِن َعلَِن َّيح َر ِ‬ ‫ِلح َواِتْ ُ‬ ‫َعلَِن َّيح َوا ْهِن ِدِّن َويَ ِسِن ِر اْلِنُ َدى ِ ََّ‬
‫ب‬‫ك ُُمْبِتا أ ََّواهِنِنا ُمنِ بِناح َر ِ‬ ‫ك ِمط َْواعاح ِلَْ َ‬ ‫ك َرهَّاِبح لَ َ‬ ‫ك أَ َّكاراح لَ َ‬ ‫ك َش َّااراح لَ َ‬ ‫لَ َ‬
‫ْ ُح َّج ِن ِ ح َوا ْه ِن ِد قَِن ْل ِنِ ح‬
‫ي َد ْع ِن َوِِتح َوَِنبِ ِن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَِن َقبَِّن ْ تَِن ِن ْوَِ ح َوا ْغس ِن ْ َح ِن ْوَِ ح َوأَج ِن ْ‬
‫اسلُ ْ َس ِم ََِْ قَِن ْلِ ))(‪.)12‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َسد ْد ل َس ِاّنح َو ْ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫((رهَّاِب))‪ :‬الرهبة‪ ،‬اروف‪ ،‬والفزف ‪.‬‬
‫((ُمبتا))‪ :‬اراشع‪ ،‬واملخلص يف خشوعه‪.‬‬
‫((أواها))‪:‬املتضرف‪ ،‬والبكاء‪ ،‬وقيل ك ري الدعاء ‪.‬‬
‫((من با))‪:‬التائب‪ ،‬والراجع إىل ا يف أموره ‪.‬‬
‫احلوب‪ :‬اإلُث‪ ،‬والذنب‪.‬‬ ‫((حو )) ى‬
‫‪:‬احلوبةُ‪ ،‬و ُ‬
‫((حج ))‪ :‬احلجة‪ :‬الدليل‪ ،‬والبيِّنة‪.‬‬
‫((سم ِْ قل ))‪ :‬غل القلب‪ ،‬وحقده ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هااذا الاادعاء العظاايم اشااتمل علااى اثنااني وعشارين س اؤاالً‪ ،‬ومطلبااً هااي ماان أهاام مطالااب العبااد‪ ،‬وأسااباب‬
‫صالحه‪ ،‬وسعادته يف الدنيا وا خرة‪:‬‬
‫‪ – 1‬قول ‪(( :‬رب أع ))‪ :‬أي أطلب منك العاون‪ ،‬والتوفياق لطاعتاك‪ ،‬وعبادتاك علاى الوجاه األكمال‬

‫(‪ )12‬البخاري يا ابدب المفرد‪ ،‬برقم ‪ ،664‬و‪ ،665‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الوتر‪ ،‬باب ما مقول الرجل إذا سلّم‪ ،‬بارقم‬
‫‪ ،1510‬و‪.1511‬‬
‫‪13‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ال ااذي يُرض اايك ع ا ِّاين‪ ,‬وأطل ااب من ااك الع ااون عل ااى مجي ااع األم ااور الديني ااة والدُّنيوي ااة‪ ،‬واألخروي ااة‪ ،‬ويف‬
‫مقابلة األعداء أمدين اعونتك وتوفيقك ‪.‬‬
‫علي))‪ :‬وال ود العاون ملان مينعاين عان طاعتاك‪ :‬مان الانف األماارة ابلساوء‪ ،‬ومان‬
‫‪ – 2‬قول ‪(( :‬وأ تُعن َّ‬
‫شياطني اإلن وا ن ‪.‬‬
‫‪ – 3‬قولِن ‪(( :‬واِتصِنِنرّن))‪ ،‬وهااو طلااب النصاارة‪ ،‬وهااي الغلبااة‪ ،‬أي يف كاال أحاواي‪ ،‬وانصاارين علااى الكفااار‬
‫أع اادائي‪ ،‬وأع ااداء دين ااك‪ ،‬وقي اال‪ :‬انص اارين عل ااى نفس ااي األم اارة ابلس ااوءأ فإهن ااا أع اادى أع اادائي ﴿ِ َّن‬
‫وء َِّأ م ِنا رِح ِنم رِِب﴾‪ ،‬وال مااانع ماان إرادة ا ميااعأ ألنااه ‪ ‬مل ُىل ِّ‬ ‫س ِن ِ‬
‫ارِ ِِبل ُّ‬
‫ص اص نوع ااً‬ ‫َ َ ََ‬ ‫س ََََّم ِن َ‬
‫ال ِننَِّن ْف َ‬
‫معيناً‪ ،‬واألصل إبقاء العموم على عمومه ‪.‬‬
‫ادو خارجيااً‪ ،‬أو‬
‫فتضاامن هااذا الاادعاء ساؤال ا تعاااىل النصاار والظفاار علااى كاال األعااداء‪ ،‬ساواء كااان العا ُّ‬
‫داخلياً‪.‬‬
‫‪ – 4‬قول ‪(( :‬وأ تنصِنِنر علِن َِّني))‪ :‬وال علاين مغلاوابً‪ ،‬فتسالط علاي أحاداً مان خلقاك‪ ,‬وال تنصار الانف‬
‫األمارة ابلسوء علي‪ ،‬فأتبع اهلوى وأترك اهلدى ‪.‬‬
‫‪ – 5‬قول ‪(( :‬وام ُار ِل))‪ :‬املكر هو اراداف‪ ،‬وهاو مان ا إيقااف بالئاه أبعدائاه مان حياث ال يشاعرون‪،‬‬
‫أي أنا اازل مكا اارك اا اان أراد يب شا ااراً وسا ااوءاً‪ ،‬وارزقا ااين احليلا ااة السا االيمة‪ ،‬والطريقا ااة امل لا ااى يف دفا ااع كيا ااد‬
‫عدوي‪ ،‬فأسلم من كيدهم وشرهم ‪.‬‬
‫هتد عدوي إىل طريق يُوقِّع الشر علي من خاللاه‪ ،‬وال تعااملين‬ ‫علي))‪ :‬أي و ال ِّ‬ ‫‪ – 6‬قول ‪(( :‬وأ ْار َّ‬
‫بسوء نييت‪ ،‬فأغرت وأ اوز احلد من حيث ال أشعر فأهلك‪.‬‬
‫‪ – 7‬قول ‪(( :‬واهدّن))‪ :‬اهلداية نوعان‪:‬‬
‫أ – هداية داللة وإرشاد ‪.‬‬
‫ب – وهداي ااة توفي ااق وت بي اات‪ ،‬والعب ااد حينم ااا يس ااأل ا تع اااىل اهلداي ااة ينبغ ااي أن يستحض اار ه ااذه‬
‫املعاااين‪ ،‬فيقااول‪ :‬دل اين‪ ،‬ووفقااين لطاار اهلدايااة واملعرفااة‪ ،‬ووفقااين هلااا‪ ،‬وال أزي ا عنهااا حااىت ألقاااك‪،‬‬
‫فتضمن هذا السؤال التوفيق إىل فعل ارريات من األعمال الصاحلات‪ ،‬والعلم الناافع‪ ،‬واجتنااب‬
‫احملرمات ‪.‬‬
‫ِل))‪ :‬أي سهل ي اتِّباف اهلداية‪ ،‬وسالوك طريقهاا‪ ،‬وهياإ ي أساباب اراري‪،‬‬ ‫‪ – 8‬قول ‪(( :‬ويسر اْلُدى َّ‬
‫حىت ال أست قل الطاعة‪ ،‬وال أنشغل عن العبادة‪.‬‬
‫‪ - 9‬قول ‪(( :‬واِتصرّن عل مِنِنن غِن علِنِني))‪ :‬وانصارين علاى مان ظلماين وتعادى علاي‪ ,‬وهاذا صايص‬
‫علي))‪ ،‬وهو يدل علاى أمهياة النصارة‪ ،‬والظفار علاى‬
‫بعد العموم يف قوله أوالً‪(( :‬واِتصرّن وأ تنصر َّ‬
‫‪14‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫من اعتدى وبغى بغري حقأ ملا يف ذلك من سرور القلب‪ ،‬وطمأنينة النف ‪ ،‬وراحة البال من وقاياة‬
‫األعداء‪ ،‬وال قة بقدرة ا تعاىل ونصره ‪.‬‬
‫شاارا)) بعد‪ :‬أن توسل إليه تعااىل فيماا ينفعاه يف تعاملاه وساريه ماع‬ ‫لك َّ‬ ‫‪ – 10‬قول ‪(( :‬اللَّ ُه َّم اجعل َ‬
‫خلقه‪ ،‬شرف يف التوسل إىل ا تعاىل فيما ينفعه ويقربه‪ ،‬ويصلح أحواله ماع عبادتاه لرباه تعااىل‪ ،‬وأن‬
‫هذه املطالب هاي األعظام واألهام عناده‪ ،‬كماا دل علاى ذلاك صاي املبالغاة‪ ،‬وتقادمي ا اار وا ارور‪،‬‬
‫فقا ااال‪(( :‬اللَّهِن ِنِنم اجعل ِن ِن لِن ِنِنك شِن ِن َِّناارا))‪ :‬أي ك ا ااري الشا ااكر‪ ،‬كما ااا تفيا ااده صا اايغة املبالغا ااة يف قولا ااه‪:‬‬
‫((شِن َِّناارا))‪ ،‬أي اجعلااين ك ااري الشااكر يف السااراء والضااراء يف القااول‪ ،‬والعماال‪ ،‬ويف الساار‪ ،‬ويف العلاان‬
‫عل ااى النعم اااء وا الء‪ ،‬ويف تق اادمي ا ااار وا اارور ((ل ِنِنك)) للدالل ااة عل ااى االختص اااص‪ ،‬أي أخص اك‬
‫ابلشكرأ ألنك خالق النعم‪ ،‬ومعطيها‪ ،‬سأل ا التوفيق إىل الشكرأ ألن به تدوم النعم‪.‬‬
‫‪ – 11‬قول ِن ‪(( :‬لِنِنك أ َّك ِنارا))‪ :‬أي ك ااري الااذكر لااك يف كاال األوقااات‪ ،‬واألح اوال قائم ااً‪ ،‬وقاعااداً‪ ،‬وعلااى‬
‫جنب يف الصباد‪ ،‬واملسااء‪ ،‬ويف السار والعلان‪ ،‬ويف ساؤاله تعااىل التوفياق إىل الاذكرأ ألناه هاو أفضال‬
‫األعمال‪.‬‬
‫‪ – 12‬قول ‪(( :‬لك رهاِب))‪ :‬أي خائفاً منك يف كل أحواي‪ :‬يف ليلي وهناري‪ ،‬يف سافري ويف حضاري‪،‬‬
‫ويف الغيب والشهادة ‪.‬‬
‫‪ – 13‬قول ‪(( :‬لِنِنك مطواعِنِنا))‪ :‬أي ك اري الطاوف‪ ،‬وهاو االنقيااد واالمت اال والطاعاة ألوامارك‪ ،‬والبعاد عان‬
‫نواهيك ‪.‬‬
‫‪ – 14‬قول ‪(( :‬لك ُمبتا))‪ :‬أي ك ري اإلخباات‪ ،‬وعالمتاه‪ :‬أن ياذل القلاب باني يادي ا تعااىل إجاالالً‬
‫وتذلالً‪ ،‬أي لك خاشعاً متواضعاً خاضعاً‪.‬‬
‫‪ – 15‬قول ِن ‪ (( :‬ل ِنِنك أواه ِنِنا من ب ِنِنا))‪(( :‬واألواه‪ :‬ه ااو‪ :‬ك ااري التض اارف والاادعاء والبك اااء ‪ ،)13(‬ك ااري‬
‫الرج ا ااوف إلي ا ااك م ا اان ال ا ااذنوب وارط ا ااااي‪ .‬وتق ا اادمي ا ا ااار وا ا اارور يف ه ا ااذا‪ ،‬وال ا ااذي قبل ا ااه لالهتم ا ااام‬
‫واالختصاص‪ ،‬وحتقيق اإلخالص‪ ،‬أي أخصك وأخلص لك وحدك‪.‬‬
‫سا ااأل ا تعا اااىل التوفيا ااق إىل رود العبا ااادات‪ ،‬وأزكاها ااا‪ ،‬وأمساها ااا‪ ،‬وأمهها ااا‪ ،‬للقيا ااام هبا ااا علا ااى الوجا ااه‬
‫األكماال‪ ،‬واألم اال‪ ،‬واألو‪ ،‬وكمااا دلات الصااي ( شِنِنااراح أكِنِناراح رهِنِناِبح مطواعِنِنا ‪ )...‬علااى كمااال‬
‫الا ُّاذل والعبوديااة هلل تعاااىل‪ ،‬وأنااه ينبغااي للعبااد أن يتوس ال إليااه تعاااىل أبمسائااه احلسااىن‪ ،‬وصاافاه العااال‪،‬‬
‫ويسااأله التوفيااق إىل أفضاال األعمااال ماان العبااادات ارالصااة لااه تعاااىل‪ ،‬فااإن ذلااك يرجااع إليااه بعظاايم‬

‫(‪ )13‬تحفة الذاكرمن‪ ،‬ص ‪.427‬‬


‫‪15‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ال واب‪ ،‬ورفع الدرجات ‪.‬‬


‫‪ – 16‬قول ‪(( :‬رب تقب تو ))‪ :‬أي اجعلها صحيحة بشرائطها‪ ،‬واستجماف آداهبا‪ ،‬وتقبلها مين ‪.‬‬
‫‪ – 17‬قول ‪(( :‬واغس َح ْو ))‪ :‬أي امسح ذنيب وإمثي‪ ،‬وذكر الغسل ليفيد إزالته ابلكلية ‪.‬‬
‫‪ – 18‬قول ‪(( :‬وأجي دعوِت))‪ :‬أي أجب كل دعوايت‪ ،‬واجعلها مقبولة عندك مستجابة انفعة ي‪.‬‬
‫‪ – 19‬قول ِن ‪(( :‬و ب ِنْ حج ِن ))‪ :‬كسااابقه يفيااد العمااوم‪ ،‬أي ثباات ُحججااي‪ ،‬يف الاادنيا علااى أعاادائك‬
‫ابحلجااة الدامغااة‪ ،‬والاادعوة واألماار ابملعااروف‪ ،‬والنهااي عاان املنكاار ابألدلااة البينااات الساااطعة‪ ،‬وثب ات‬
‫قوي يف ا خرة عند سؤال امللكني يف القرب‪ ،‬واحلجج هي البيِّنات والدالئل‪.‬‬
‫‪ – 20‬قول ِن ‪(( :‬واه ِن ِِند قل ِن ))‪ :‬إىل معرفت ااك‪ ،‬ومعرف ااة احل ااق واهل اادى والص اراس املس ااتقيم‪ ،‬وإىل ك اال خ ااري‬
‫ترضاه‪ ،‬فبهدايته هتتدي كل ا وارد واألركان يف البدن‪.‬‬
‫‪ – 21‬قول ‪(( :‬وسدد لساّن))‪ :‬أي صوب لساين حىت ال ينطق إال ابحلق‪ ،‬وال يقول إال الصد ‪.‬‬
‫‪(( – 22‬واسِن ِنلُ ْ س ِنِنم ِْ قلِن ِن ))‪ :‬أي أخ ارال م اان قل اايب‪ :‬احلق ااد‪ ،‬والغ اال‪ ،‬واحلس ااد‪ ،‬والغ ااش‪ ،‬والبغض اااء‬
‫للمؤمنني‪ ،‬وغري ذلك من ظلمات القلب‪.‬‬
‫فالزم هذا الدعاء املبارك الذي فيه مجيع املنافع اليت حيتاجها العبد يف دينه‪ ،‬ومعاشه‪،‬ومعاده‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫صِن ِروح َوِمِن ْن َشِن ِر لِ َسِن ِاّنح‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪(( -9‬اللَّه َّم ِِّن أَعوأُ ِ َ ِ‬
‫ك م ْن َش ِر ََسْعيح َومِن ْن َشِن ِر َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َوِم ْن َش ِر قَِن ْلِ ح َوِم ْن َش ِر َمنِِي))(‪.)14‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫شر َسعي))‪ :‬اي ا ‪ ،‬إين أعوذ بك من كل ما حرمت السماف منه‬ ‫قول ‪(( :‬اللَّهم ّن أعوأ ك من ِ‬
‫وال ترض اااه ‪ :‬كالش اارك‪ ،‬والكف اار‪ ،‬والغيب ااة‪ ،‬والنميم ااة‪ ،‬والك ااذب‪ ،‬وال اازور‪ ،‬والبهت ااان‪ ،‬واملع ااازف‪ ،‬أو أبن ال‬
‫أمسع إال احلق من ذكر ونصح وموعظة ‪.‬‬
‫قولِن ِن ‪(( :‬وم ِنِنن ش ِنِنر ص ِنِنرو))‪ :‬ك ااي ال أرى ش اايئاً ال ترض اااه م اان احملرم ااات م اان النس اااء‪ ،‬وامل ارد م اان‬
‫ُ‬
‫الصاابيان‪ ،‬ومنااه النظاار علااى وجااه االحتقااار ألحااد ماان ارلااق‪ ،‬أو أمهاال النظاار واالعتبااار يف املخلوقااات‬
‫العجيبة يف األرض والسماء‪.‬‬

‫(‪ )14‬أبو داود‪ ،‬أبواب الوتر‪ ،‬باب يا االستعاذة‪ ،‬برقم ‪ ،1551‬والترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬بااب حادثنا أحماد بان‬
‫منمع‪ ،‬برقم ‪.3492‬‬
‫‪16‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫قول ِن ‪(( :‬وم ِنِنن ش ِن ِِنر لس ِنِناّن))‪ :‬أع ااذين م اان ك اال حم اارم أنطق ااه بلس اااين‪ ،‬كالك ااذب‪ ،‬والغيب ااة‪ ،‬والنميم ااة‪،‬‬
‫والسب‪ ،‬والقذف‪ ،‬وغريه من احملرماتأ فإن اللسان أك ر ارطااي واملهالك فيه‪.‬‬
‫شر اللسان يتضمن نقيضه أبن ال ينطق إال احلاق كالاذكر‪ ،‬وال نااء علياك‪ ،‬والشاكر‬ ‫واالستعاذة من ِّ‬
‫على نعمتك وآالئك‪ ،‬واألمر ابملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ ،‬وال أتكلم فيماا ال يَعنياين‪ ،‬والساكوت عماا‬
‫يُغنيين‪ ،‬وحفظ اللسان من اللغو‪ ،‬واللهو‪ ،‬والباطل ‪.‬‬
‫قولِن ‪(( :‬ومِنِنن شِن ِِنر قلِن ))‪ :‬أعااذين مان كاال شا َار ماان السايئات يف قلاايب‪ ،‬كالنفااا ‪ ،‬واحلسااد‪ ،‬واحلقااد‪،‬‬
‫والرايء‪ ،‬والكرب‪ ،‬وسوء الظن‪ ،‬ومن االعتقادات الفاسدة‪ ،‬ومن ُحب الدنيا من الشهوات والشبهات‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬ومن شر من ِن ِِني))‪ :‬أي مان ش ِّار فرجاي‪ ،‬أبن أوقعاة يف غاري حملاه مان الاز ‪ ،‬واللاواس‪ ،‬واالساتمناء‪،‬‬
‫وغري ذلك من احملرماات‪ ،‬أو ياوقعين يف مقادمات الاز مان النظار‪ ،‬واللما ‪ ،‬واملشاي‪ ،‬والعازم‪ ،‬وأم اال ذلاكأ‬
‫فااإن شااهوة الفارال ماان أعظاام مااا ابتُلااي بااه اإلنسااان‪ ،‬فقااد تااؤدي إىل املسااالك الرديئااة‪ ،‬وإىل املهالااك البعياادة‪،‬‬
‫وخاصاة يف هااذا الزمااان‪ ،‬مااع ك اارة دعاااة الفاانت والفساااد‪ ،‬وك اارة دواعيااه‪ ،‬وانتشااارها‪ ،‬وك اارة وسااائلها‪ ،‬وسااهولة‬
‫حصوهلا يف كل مكان إال من رمحه هللا تعاىل ‪.‬‬
‫وال ىلفى احلكمة بتخصيص االستعاذة من هاذه ا اوارد ملاا فيهاا مان منااس الشاهوة‪ ،‬وم اار اللاذةأ‬
‫وألهناا أصاال كاال ش َار وقاعدتااه ومنبعااهأ فااإن ا احلكايم جاال قاادره خلاق هااذه ا الت واحلاواس لالنتفاااف‬
‫هبا ااا يف منا ااابع ارا ااري‪ ،‬كالطاعا ااات‪ ،‬وسا اابل ارا اريات‪ ،‬والتأما ال يف ا فا ااا ما اان عجائا ااب قا اادرة ا ‪،‬‬
‫واستعماهلا يف الوقاية من الشرور واملعاصي املؤدية إىل اهللكات يف الدنيا وا خرة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ات ْاََ ْخََل ِقح َو ْاََ ْع َْ ِالح َو ْاََ ْهَو ِاء))(‪.)15‬‬


‫ك ِمن مْن َار ِ‬‫الل ُه َّم ِِّن أ ُ ِ‬
‫َعو ُأ َ ْ ُ َ‬
‫‪َّ (( -10‬‬
‫املفردات‪:‬‬
‫كل َ‬
‫فعل تتفق يف استقباحه العقول‪ ،‬وحتكم بقبحه الشريعة‪.‬‬ ‫منارات‪ :‬املنكر‪ُّ :‬‬
‫اَهواء‪ :‬هي الزي واالهنماك يف الشبهات والشهوات ‪.‬‬
‫اَدواء‪ :‬مجع داء‪ ،‬وهو السقم واملرض‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ‪(( :‬اللَّهم ّن أعوأ ك من منارات اَخِنِنَلق))‪ :‬أي اي ا أجارين مان األخاال السايئة الايت‬

‫(‪ )15‬الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب دعاء أم سلمة‪ ،‬برقم ‪ ،3591‬وابن حبان‪ ،240 /3 ،‬برقم ‪.960‬‬
‫‪17‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ينكرها ااا العبا اااد‪ ،‬كاحلقا ااد‪ ،‬واحلسا ااد‪ ,‬والكا اارب‪ ،‬والبخا اال‪ ,‬وا ا ااش‪ ,‬وسا ااوء اللسا ااان ما اان‪ :‬السا ااب‪ ،‬والشا ااتم‪،‬‬
‫ابب لاب كاال شاار‪،‬‬ ‫والقاذف‪ ،‬والتعاادي اب اوارد‪ :‬ابلضاارب ابليااد‪ ،‬أو الرجالأ فااإن األخاال املنكاارة سا ٌ‬
‫ودفع كل خري ‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬واَعْال))‪ :‬أي أعوذ اب من األعمال السايئة‪ :‬كالقتال‪ ،‬والاز ‪ ،‬وشارب ارمار‪ ،‬والسارقة‪,‬‬
‫والبطش‪ ,‬والتعدي‪ ,‬والظلم بغري حق‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬اَهواء))‪ :‬مجع هوى‪ ،‬وهاو هاوى الانف ‪ ,‬وميلهاا إىل املساتلذات‪ ,‬واالهنمااك يف الشاهوات‬
‫الباطلااة‪ ,‬واالسااتعاذة كااذلك ماان الزيا والضااالالت الفاساادة يف االعتقااادات‪ ،‬والشاابهات فااإن الشاار كاال‬
‫صري صاحبه ابتباعه كالعابد له‪ ,‬فال شيء يف الشر أزيد مناهأ ألناه يضايع الادنيا‬ ‫الشر أن يكون اهلوى ي ِّ‬
‫ُ‬
‫ْ َم ِن َّاَّتَ َه ِ َْلَُ َه َواُِ﴾‪ ،‬وهوى الشبهات أشاد و أخطار مان‬
‫والدين والعياذ اب ‪ ،‬قال ا ‪﴿ :‬أَفَِن َرأَيْ َ‬
‫هوى الشهوات ‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬واَدواء))‪ :‬مجااع داء وهااو‪ :‬املاارض‪ ،‬واملعااىن‪ :‬أعااوذ بااك ماان منك ارات األسااقام‪ ،‬واألم اراض‬
‫ارطرية‪ ،‬م ل ا ذام‪ ،‬والربص‪ ،‬والسل‪ ،‬والسرطان واأليدز‪ ،‬وغاري ذلاك‪ ،‬فهاذه كلهاا بوائاق الادهر‪ ,‬وإمناا‬
‫استعاذ ‪ ‬من هذه األربع املنكراتأ ألن ابن آدم ال ينفك منها يف تقلبه يف ليله وهناره‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ف َع ِ ))(‪.)16‬‬ ‫ك عُ ُف ٌّو َك ِرمي َُِت ُّ‬


‫ي ال َْع ْف َو فَا ْع ُ‬ ‫‪(( -11‬اللَّ ُه َّم ِِتَّ َ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫العفو‪ :‬أصله احملاو والطما ‪ :‬ماأخوذ مان عفات الارايد ا اثر إذا أخفتهاا ومساحتها(‪ ،)17‬وهاو مان‬ ‫ُّ‬
‫صااي املبالغااة علااى وزن ((فعااول)) وهااو اساام ماان أمساااء ا احلسااىن ياادل علااى سااعة صاافحه عاان ذنااوب‬
‫عباده مهما كان شأهنا إذا اتبوا وأانبوا ‪.‬‬
‫الارمي‪ :‬هو البهي الك ري ارري‪ ،‬العظيم النفع(‪.)18‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫يف تعلاايم الناايب ‪ ‬هلااذا الاادعاء‪ ،‬دون غااريه يف هااذه الليلااة املباركااة ليلااة القاادر‪ ،‬كمااا دل علااى ذلااك‬

‫(‪ )16‬الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب حدثنا موس بن عمس ‪ ،‬برقم ‪ ،3513‬والنسائا يا الكبار‪ ،،‬بارقم ‪،7712‬‬
‫وبنحوه ابن ماجه‪ ،‬أبواب الدعاء‪ ،‬باب الدعاء بالعفو والعايمة‪ ،‬برقم ‪ ،3850‬ومساند أحماد‪ ،236 /42 ،‬بارقم‬
‫‪.25384‬‬
‫(‪ )17‬لسان العرب‪ ،3019 /4 ،‬المفردات‪ ،‬ص ‪.339‬‬
‫(‪ )18‬البمان يا أقسام القرآن‪ ،‬س ‪.286‬‬
‫‪18‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ح ااديث عائش ااة َر ِّض ا َي ا ُ َعىنا َه اا ي اادل دالل ااة واض ااحة عل ااى أمهيت ااه‪ ،‬ف ااالعفو ه ااو س اؤال ا ‪ ‬التج اااوز ع اان‬
‫الذنب‪ ،‬وترك العقاب عليه‪.‬‬
‫قول ِن ‪َ(( :‬تِنِني العفِنِنو)) أي أن ا تعاااىل حيااب أمساااءه وصاافاته‪ ،‬وحيااب ماان عبيااده أن يتعب ادوه هبااا‪،‬‬
‫العفو من عباده بعضهم عن بعض فيماا حياب ا العفاو‬ ‫والعمل اقتضاها واضامينها‪ ،‬وحيب ا تعاىل َ‬
‫فيه‪ .‬وهذا املطلاب يف غاياة األمهياة‪ ،‬وذلاك أن الاذنوب إذا تُا ِّرَك العقااب عليهاا دمان العباد مان اساتنزال‬
‫ا تعاىل عليه املكاره والشادائد‪ ،‬حياث إن الاذنوب واملعاصاي مان أعظام األساباب يف إنازال املصاائب‪،‬‬
‫وإزالة النعم يف الدنيا‪ ،‬أما ا خرة فإن العفو يرتتب عليه حسن ا زاء يف دخول النعيم املقيم‪.‬‬
‫تعاىل قبال ساؤاله لاه أمهياة جليلاة يف إعطااء املرجاو مناه‬ ‫وال ىلفى يف تقدمي التوسل ابمسني كرميني‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫ي ال َْْ َسِناكِ ِ‬ ‫اتح وتَ ِنر َك الْْ ْن َاِنر ِ‬ ‫اْلَ ْ ِ‬ ‫‪(( -12‬اللَّه َّم ِِّن أَسأَلُ َ ِ‬
‫نيح‬ ‫اتح َو ُحِن َّ‬ ‫ْي َ ْ ُ َ‬ ‫ك ف ْع َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ت فِ ْتِننَِنَِ قَ ِنوٍ فَِنتَ ِنوفَِّ غَِن ْْي م ْفتُِن ٍ‬
‫ونح َوأَ ْسِنأَلُ َ‬ ‫َوأَ ْن تَِنغْ ِفِن َر ِِلح َوتَ ِن ْر ََِْ ح َوِ َأا أ ََر ْد َ‬
‫ََ‬ ‫ْ َ‬
‫ك))(‪.)19‬‬ ‫ي َع َْ ٍ يُِن َق ِرُِ ِ َ ُحبِ َ‬ ‫كح َو ُح َّ‬‫ي َم ْن ُُِيبُّ َ‬ ‫كح َو ُح َّ‬ ‫ُحبَّ َ‬
‫قال النيب ‪ (( :‬هنا حق ‪ ,‬فادرسوها ُث تعلْوها))(‪.)20‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هااذا الاادعاء املبااارك الااذي بااني يااديك اي عبااد ا ‪ ،‬هااو ماان أمجااع األدعيااة وأكملهااا‪ ،‬وأجلهااا قاادراً‬
‫وشأانًأ لتضمنه سؤال ا تعاىل التوفيق إىل القياام أبفضال األعماال مان الصااحلات‪ ,‬وساؤاله الوقاياة مان‬
‫كاال املنك ارات والساايئات‪ ،‬والفاانت واحملاان يف الاادين واملعاااد‪ ،‬واملعاااد‪ ،‬فينبغااي للعبااد اإلك ااار منااه‪ ,‬وفهاام‬
‫مقاصده ومدلوالته‪ ،‬والعمل اضامينهأ فإن َمن تعلماه وعمال باه انل الساعادة واهلناا يف الادنيا‪ ،‬والاربز ‪،‬‬
‫وا خرة‪ ،‬فمن جاللة هذا الدعاء‪ ،‬وعلو مكانته أن ا تبارك وتعاىل أمر حبيباه النايب ‪ ‬حينماا رآه يف‬
‫املنااام‪ ،‬ور يااة األنبياااء حااق فقااال لااه‪(( :‬ة حمِْنِندح أا صِنِنل ْ فق ِن ‪ :‬اللَّهِنِنم ّن أسِنِنألك فع ِن اْل ِنْياتح‬
‫ٍ‬ ‫نيح وأَ ْن تَِنغْ ِف ِنر ِِلح وتَِن ِنر ََِْ ح وِأَا أَر ْد َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتَِن ِنر َك الْْ ْن َا ِنر ِ‬
‫ت فتِْننَِنَِ قَِن ِن ْو فَِنتَِن ِن َوفَِّ غَِن ْ َ‬
‫ْي‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ي ال َْْ َس ِناك ِ َ‬ ‫اتح َو ُح ِن َّ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫ول ا ِّ ‪:‬‬ ‫ال َر ُسا ُ‬ ‫ك))ح َوقَا َ‬ ‫ي َع َِْن ٍ يُِن َقِن ِرُِ ِ َ ُحبِِن َ‬
‫كح َو ُحِن َّ‬‫ي َمِن ْن ُُِيبُِّن َ‬
‫كح َو ُحِن َّ‬ ‫ُك ُحبَِّن َ‬ ‫م ْفتُِن ٍ‬
‫ونح َوأَ ْسِنأَل َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )19‬أخرجه أحمد بلفظه‪ ،423 /36 ،‬برقم ‪ ،22109‬والترماذي‪ ،‬كتااب تفسامر القارآن‪ ،‬بااب ومان ساورة ص‪،‬‬
‫برقم ‪ ،3235‬بنحوه‪ ،‬وحسنه‪ ،‬وقال‪ :‬سألت محمد بن إساماعمل ‪ -‬معناا البخااري ‪ -‬يقاال‪(( :‬ااذا حادمح حسان‬
‫صحمح))‪ ،‬ويا آخر الحادمح قاال ‪(( :‬إنهاا حا ف يادرساواا ثام تعلّموااا))‪ ،‬والموطاأ‪ ،‬بارقم ‪ ،736‬والحااكم‪،‬‬
‫‪ ،521/1‬والبزار‪.121 /2 ،‬‬
‫(‪ )20‬اذه الزمادة عند أحمد‪ ،‬والترمذي كما يا التخرمج الساب ‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫((ِ َّهنَِنا َح ِن ٌّق فَا ْد ُر ُس ِن َ‬


‫وها َوتَِن َعلَّ ُْو َه ِنا))‪ ،‬فااأمر ‪ ‬ادارسااته وتعلام معانيااه ومقاصااده‪ ،‬فاادل علااى خصوصااية‬
‫هذا الدعاء على غريه هلذه األمور كما ترى‪.‬‬
‫قولِن ‪(( :‬اللَّهِنِنم ّن أسِنِنألك فعِن اْلِنْيات وتِنِنرك املناِنرات)) تضاامن هااذا الساؤال طلااب كاال خااري‪،‬‬
‫وتاارك كاال شاارأ فااإن ار اريات‪ :‬مااع كاال مااا حيبااه ا ‪ ،‬ويُقاارب إليااه ماان األعمااال واألق اوال‪ ،‬وماان‬
‫الواجبات واملستحبات‪ .‬واملنكرات‪ :‬تشمل كل ما يكرهه ا تعاىل‪ ،‬ويباعد عنه من األقوال واألعمال‪،‬‬
‫فمن حتصل له هذا املطلاوب‪ ،‬حصال لاه خاري الادنيا وا خارة ‪ ,‬وهاذا مان ا واماع الايت أوتيهاا النايب ‪‬أ‬
‫فإنه كان حيب م ل هاذه األدعياة ا امعاة‪ ،‬كماا يف حاديث عائشاة َر ِّضا َي ا ُ َعىنا َهاا أهناا قالات‪(( :‬كِنِنان النِن‬
‫‪ ‬يستحي اْوامم من الدعاء ويدع ما سوى ألك))(‪. )21‬‬
‫ي املساكني))‪ :‬حب املساكني يدخل من مجلة فعل ارريات‪ ،‬وإمناا أفارده ابلاذكر‪ ،‬وهاو‬ ‫وح َّ‬
‫قول ‪ُ (( :‬‬
‫ما يُسمى بعطف اراص على العام لشرفه وقوة العناية واالهتمام باه‪ ،‬فقاد ساأل النايب ‪ ‬ا أن جيعلاه‬
‫م اانهم‪ ،‬ويرزق ااه احلش اار والوف اااة معه اام ((اللَّه ِنِنم أح ِن ِن مس ِنِنا ناح وأمتِن ِن مس ِنِنا ناح واحش ِنِنرّن دم ِنِنرِ‬
‫املساكني))(‪. )22‬‬
‫وح ااب املس اااكني ه ااو أص اال احل ااب يف ا تع اااىلأ ألن ااه ل ااي عن اادهم م اان ال اادنيا م ااا يوج ااب حمب ااتهم‬
‫ألجلااه‪ ،‬فااال حيبااون إال ‪ ،‬واحلااب يف ا ماان أوثااق عُارى اإلميااان‪ ،‬وهااو أفضاال اإلميااان‪ ،‬قااال الناايب‬
‫‪(( :‬من أحي ََّّللح وأ غض ََّّللح وأعط ََّّللح ومنم ََّّللح فقِنِند اسِنِنتاْ اإلَيِنِنان))(‪ ،)23‬وتاذو حاالوة‬
‫ي ِلَْ ِ ِِمَّا‬‫َح َّ‬ ‫اَّللُ َوَر ُسولُ ُ أ َ‬ ‫ان‪ :‬أَ ْن يَ ُاو َن َّ‬ ‫اإلَيَ ِ‬ ‫اإلميان‪ ,‬قال النيب ‪َََ (( :‬لث َم ْن ُك َّن فِ ِ َو َج َد َح ََل َوَِ ِْ‬
‫فِ‬ ‫ود ِ الْ ُا ْف ِن ِر َك َْ ِنا يَ ْا ِن َرُِ أَ ْن يُِن ْق ِن َه َ‬ ‫ي الْْ ِنرء َأ ُُِيبُّ ِن َِّأ َِِّ‬
‫َّللح َوأَ ْن يَ ْا ِن َرَِ أَ ْن يَِنعُ ِن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِس ِن َو ُ‬
‫ُ‬ ‫اََاح َوأَ ْن ُُي ِن َّ َ ْ َ‬
‫النِنَّا ِر))(‪ ،)24‬ووصاى أمنااا أم املااؤمنني الصا ِّاديقة بناات الصا ِّاديق عائشااة َر ِّضا َي ا ُ َعىنا ُه َماا فقااال هلااا‪(( :‬ة عائشِنِنِ‬
‫اَّلل يقر ك يو الق امِ))(‪. )25‬‬ ‫أحِ املساكنيح وقر همح فإن َّ‬

‫(‪ )21‬أبو داود‪ ،‬كتاب الوتر‪ ،‬باب الدعاء‪ ،‬برقم ‪ ،1482‬والطمالسا‪ ،444 /2 ،‬وابن أبا شمبة‪.21 /6 ،‬‬
‫(‪ )22‬الترمذي‪ ،‬كتاب الزاد‪ ،‬باب ما جاء أن يقراء المهاجرمن مدخلون الجنة قبل أغنماائهم‪ ،‬بارقم ‪ ،2352‬وابان‬
‫ماجاااااااااه‪ ،‬كتااااااااااب الزااااااااااد‪ ،‬بااااااااااب مجالساااااااااة الفقاااااااااراء‪ ،‬بااااااااارقم ‪ ،4126‬والحااااااااااكم‪،‬‬
‫‪ ،322 /4‬والسنن الكبر‪ ،‬للبمهقا‪.12 ،7 ،‬‬
‫(‪ )23‬أبو داود‪ ،‬كتااب السانة‪ ،‬بااب الادلمل علا زماادة اممماان‪ ،‬بارقم ‪ ،4683‬والترماذي‪ ،‬كتااب صافة القماماة‬
‫والرقااااااااائ ‪ ،‬باااااااااب حاااااااادثنا أبااااااااو حفااااااااص‪ ،‬باااااااارقم ‪ 2521‬بنحااااااااوه‪ ،‬ومسااااااااند أحمااااااااد‪،‬‬
‫‪ ،383 /24‬مصن عبد الرزاق‪ ،197 /3 ،‬وابن أبا شمبة‪ ،47 /11 ،‬وأباو معلا ‪ ،60 /3 ،‬والطبراناا ياا‬
‫الكبمر‪.134 /8 ،‬‬
‫(‪ )24‬البخاري‪ ،‬كتاب امممان‪ ،‬بااب حاةوة اممماان‪ ،‬بارقم ‪ ،16‬ومسالم‪ ،‬واللفاظ لاه‪ ،‬كتااب اممماان‪ ،‬بااب بماان‬
‫خصال من اتص بهن وجد حةوة امممان‪ ،‬برقم ‪.43‬‬
‫(‪ )25‬الترمذي‪ ،‬كتااب الزااد‪ ،‬بااب ماا جااء أن يقاراء المهااجرمن مادخلون الجناة قبال أغنماائهم‪ ،‬بارقم ‪،2352‬‬
‫والبمهقا يا السنن الكبر‪ ،12 /7 ،،‬وشعب امممان له‪.50 /3 ،‬‬
‫‪20‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫وقد أشار الطاهر ابن عاشور إىل معىن نفي يف سؤال النيب صلى هللا عليه وسلم حب املسااكني‪،‬‬
‫فقااال‪« :‬سااأل رسااول هللا ﷺ أن ُجيباال علااى حااب املساااكني‪ ،‬فاسااتُجيب لااه‪ ،‬لتكااون نفسااه الطاااهرة قااد‬
‫بلغت غاية التزكيةأ حىت يصري انعطافها وميلها إىل َمن هو أوىل ابلعطف والرأفة مي َال حمباة ال بارد ميال‬
‫اوات‬
‫نفع‪ ،‬ودفع ضر‪ ،‬فإن مرأى الفقري عناد النااس يوجاب انكساار احلالاة‪ ،‬فيادعوهم إىل نفعاه دعااءً متفا ً‬
‫لقصد إراحة أنفسهم من ذلك االنكسار احلاصل هلم من ر يته‪ ،‬حىت أن البخيال يكتفاي أبن يادعو لاه‬
‫ين يُِّري ُادو َن‬ ‫بتيسري الرز ‪ ،‬ور ية حال الغىن مبهجة قال هللا تعاىل‪﴿ :‬فَخارال علَاى قَاوِّما ِّه ِّيف ِّزينَتِّا ِّه قَا َ ِّ‬
‫ال الاذ َ‬ ‫َََ َ ى‬
‫ُويتَ قَا ُارو ُن إناهُ لَا ُذو َحا َظ َع ِّظاي َم﴾ صالقصاص‪ ،]79 :‬فساأل رساول هللا‬ ‫ت لَنَا ِّم ىال َماا أ ِّ‬
‫َ‬ ‫احلَيَاةَ ُّ‬
‫الدنىايَا َاي لَىي َ‬
‫ﷺ أن يكون املسكني منه ارتبة احملبة‪ ،‬حىت يكون اإلحسان إليه إرضاءً لنفسه حملبته‪ ،‬ولي رد دفع‬
‫أمل االنكسار النفساين‪ ،‬فاإذا بلغات الانف إىل حمباة الفقاري أو إىل القارب مان ذلاك بعادم احتقااره‪ ،‬فقاد‬
‫عظيما يف السبق إىل ارريات‪ ،‬وزالت عنها فتنة املظاهر ارالبة»‪.‬‬ ‫شأوا ً‬ ‫بلغت ً‬
‫قولِن ‪(( :‬وأن تغفِنِنر ِلح وتِنِنرْ ))‪ ،‬سااأل املغفاارة والرمحااة ألهنمااا جيمعااان خااري ا خاارة كلااه‪ ،‬فباااملغفرة‬
‫دمن العبد من العذاب‪ ،‬وكال ش َار‪ ،‬وأماا الرمحاة فهاي دخاول ا ناة‪ ،‬وعلاو درجاهتاا‪ ،‬فجمياع ماا يف ا ناة‬
‫ماان النعاايم ابملخلوقااات فإنااه ماان رمحتااه تعاااىل‪ ،‬قااال الناايب ‪ (( :‬ن َّ‬
‫اَّلل ‪ ‬يقِنِنول للجنِنِنِ‪ :‬أِتِنِنْ رِْن‬
‫أرحم ك من أشاء من عبادو))(‪ )26‬أن تسرت علي ذنويب‪ ،‬ووحوها‪ ،‬وأن ترمحين بتواي نعمك علي يف‬
‫الدنيا وا خرة‪ ،‬وأن توفقين إىل التوبة وتقبلها مين‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬و أا أردت عبِنِنادك فتنِنِنِح فاقبض ِن ل ِنِنك غِنِنْي مفتِنِنون))‪ :‬وإذا أردت أن توقااع بقااوم فتنااة‬
‫وعقوبة يف الدين‪ ،‬أو عقوبة دنيوية من البالاي واحملن والعذاب‪ ،‬فتوفين إليك قبل وقوعها‪ ،‬وافتتان الناس‬
‫هبااأ فااإن املقصااود ماان هااذا الاادعاء العظاايم السااالمة مان الفاانت طااول احلياااة‪ ،‬والنجاااة ماان الشاار كلااه قباال‬
‫ااو قباال حلاول الفاانت‪ ،‬وهاذا ال شااك مان أهاام األدعيااة‬ ‫حلولاه‪ ،‬ووقوعااه‪ ،‬وأبن يتوفااه ا تعاااىل سااملاً معا ً‬
‫ااو ساليماً مادة حياتاه مان الفانت واحملان‪ُ ،‬ث يقبضاه ا تعااىل إلياه‬ ‫ألنه من أعظم املىن أن حيىي املؤمن مع ً‬
‫ِبَّلل من الفنت ما هر منها وما طن))(‪.)27‬‬ ‫قبل وقوعهاأ وهلذا أمر النيب ‪ ‬أصحابه أن ((يتعوأوا َّ‬
‫ان يَ ْا َرُه ُه َِْنا‬ ‫وفيه جواز الدعاء ابملوت خشية الفتنة يف الدين‪ ،‬كما جاء عان النايب ‪ ‬قاال‪(( :‬ا ِْننَِنتَِن ِ‬
‫ال وقِلَّ ِن ِنُِ الِْْن ِن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ال أَقَ ِن ِن ُّ‬ ‫َ‬ ‫ت َخ ِنِن ْْي ل ْل ُْ ِن ِن ْ م ِن م ِنِن ْن الْف ْتِننَ ِن ِنِح َويَ ْاِن ِن َرُِ قلَّ ِن ِنَِ الْ َِْن ِن َ‬
‫تح َوالْ َْ ِن ِن ْو ُ‬
‫آد َ‪ :‬الْ َْ ِنِن ْو ُ‬
‫ا ِْن ِن ُن َ‬
‫ْح َساب))(‪.)28‬‬ ‫لِل ِ‬

‫(‪ )26‬البخاري‪ ،‬كتاب التفسمر‪ ،‬باب قولاه تعاال ‪َ ) :‬وت وَقاو ول َاا مل ما من َمزماد(‪ ،‬بارقم ‪ ،4850‬ومسالم‪ ،‬كتااب الجناة‬
‫وصفة نعممها وأالها‪ ،‬باب النار مدخلها الجبارون والجنة مدخلها الضعفاء‪ ،‬برقم ‪.2846‬‬
‫(‪ )27‬مسلم‪ ،‬كتاب الجنة وصفة نعممها وأالها‪ ،‬باب عرض مقعد الممت من الجنة أو الناار علماه‪ ،‬وإثباات عاذاب‬
‫القبر‪ ،‬والتعوذ منه‪ ،‬برقم ‪.2867‬‬
‫(‪ )28‬أحمد‪ ،36 /39 ،‬برقم ‪ ،23625‬وأبو نعمم يا معرية الصحابة‪ ،2525/5 ،‬برقم ‪.6114‬‬
‫‪21‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫قول ِن ‪(( :‬وأس ِنِنألك ُحب ِنِنك)) ُث ش اارف يف س اؤال أعظاام املطالااب‪ ،‬وأمس ااى املراتااب‪ ،‬وأغلااى األماااين‪ ،‬فق ااال‪:‬‬
‫((وأس ِنِنألك ُحب ِنِنك))‪ :‬أي أسااألك حب اك إايي‪ ،‬وهااذا أعظاام مطلااوب أن يكااون العبااد حمبااوابً عنااد ا ‪،‬‬
‫وتضمن سؤاله حبه تعاىل‪ ،‬سؤال حمبة العبد لربه تعاىل‪ ،‬أي وأسألك حيب إايك‪ ،‬فال يكاون شايء أحاب إي‬
‫منك‪ ،‬فدل هاذا الادعاء العظايم مان أج ِّال األدعياة لتضامنه جواماع الكلامأ ألناه جيماع كال خاري‪ ،‬فاإذا كانات‬
‫حمبا اة ا تع اااىل اثبت ااة يف قل ااب العب ااد نش ااأت عنه ااا حرك ااات ا ا اوارد‪ ،‬فكان اات حبس ااب م ااا حيب ااه ا تع اااىل‬
‫ويرتضيه‪ ،‬فأحب ما حيبه ا تعاىل من األعمال‪ ،‬واألقوال كلهاا ففعال حينئاذ اراريات كلهاا‪ ،‬وتارك املنكارات‬
‫كلها‪ ،‬وهذا كمال العبودية تعاىل رب العااملني‪ ،‬ومان طلاب حمباة ا ‪ ‬أعطااه ا تعااىل فاو ماا يرياده‬
‫من الدنيا تبعاً‪.‬‬
‫فماان رز هااذه احملبااة كاناات كاال أعمالااه‪ ،‬وأقوالااه‪ ،‬وأفعالااه مسااددة علااى ماراد ا تعاااىل‪ ،‬فيُجعاال لااه‬
‫احلب والقبول يف األرض‪ ،‬ويف السماء كما يف الصحيح(‪. )29‬‬
‫قول ‪(( :‬وحي من ُيبُّك))‪ ،‬وأسألك حب من حيبك من األنبياء والعلماء والصاحلني ‪.‬‬
‫حبِنِنك)) أي وأساألك أن تاوفقين إىل أحاب األعماال الصااحلة الايت‬ ‫قول ‪(( :‬وحِني عِْن يقِنِنر‬
‫تقربين إىل حبك‪ ،‬فمن رز هذه احملاب فاز يف الدنيا و ا خرة‪.‬‬
‫ويف سؤال هذه احملاب وهي داخلة يف صدر الادعاء ((فع اْلِنْيات)) هاو مان عطاف ارااص علاى‬
‫العام اللة شرف وقوة االهتمام هبذه املطالب املهمة من احملاب‪ ،‬وأهناا هاي أصال فعال اراريات كلهاا‪،‬‬
‫ومنتهاها ومجاعها إليها ‪.‬‬
‫ُث أمار النايب ‪ ‬بفهمهاا و العمال اقتضااها‪ ،‬وذلاك لعظام شاأهنا ملاا حوتاه مان املطالاب‪ ،‬واملقاصاد‬
‫ا ليلة يف الدنيا وا خرة‪ ،‬وأنه ينبغي العناية بفهم األلفا ‪ ،‬واستحضار املعااين عناد الساؤال‪ ،‬فاإن ذلاك‬
‫أرجى يف قبول الدعاء‪ ،‬وأك ر أثراً يف النف ‪ ،‬وتذو حالوة اإلميان‪ ،‬ولذة مناجاة ا تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫آجلِ ِح مِنا َعلِِْن ُ ِ‬ ‫اجلِ ِ و ِ‬ ‫اْلَ ِْْي ُكلِ ِ‪َ :‬ع ِ‬ ‫ك ِم َن ْ‬


‫ْ م ْنِن ُ َوَمِنا ََلْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫‪(( -13‬اللَّ ُه َّم ِِّن أ ْ‬
‫َسأَلُ َ‬
‫ْ ِم ْنِن ُ َوَمِنا ََلْ أَ ْعلَِن ْم‪.‬‬
‫آجلِِن ِح َمِنا َعلِ ِْْن ُ‬ ‫اجلِِن ِ و ِ‬
‫َ‬ ‫ك ِم َن َّ‬
‫الش ِر ُكلِِن ِ َع ِ‬ ‫أَ ْعلَ ْمح َوأَعُوأُ ِ َ‬
‫ك ِمِن ْن َشِن ِر َمِنا‬ ‫كح َوأَعُِنوأُ ِِن َ‬ ‫ك َع ْبِن ُد َك َوِتَبُِِّن َ‬‫ك ِم ْن َخ ِْْي َما َسِنأَلَ َ‬ ‫اللَّ ُه َّم ِِّن أ ْ‬
‫َسأَلُ َ‬

‫(‪ )29‬البخاري‪ ،‬كتاب بدء الخل ‪ ،‬باب ذكر المةئكة‪ ،‬برقم ‪ ،3209‬مسلم‪ ،‬كتاب البار والصالة وااداب‪ ،‬بااب إذا‬
‫أحب هللا عبداً حببه إل عباده‪ ،‬برقم ‪.2637‬‬
‫‪22‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ب ِلَِْن َهِنا‬
‫ك ا َْْنَِّنَِح َوَمِنا قَ ِن َّر َ‬ ‫ك‪ .‬اللَّ ُه َّم ِِّن أَ ْسِنأَلُ َ‬ ‫ك] ِم ْن ُ] َع ْب ُد َك َوِتَبُِّ َ‬ ‫استَِن َعاأَ ِ َ‬
‫ْ‬
‫ب ِلَِْن َهِنا ِمِن ْن قَ ِن ْو ٍل أ َْو َع َِْن ٍ ح‬ ‫ِمن قَِنو ٍل أَو َعْ ٍ ح وأَعُوأُ ِ َ ِ‬
‫ك مِن َن النِنَّا ِر َوَمِنا قَ ِن َّر َ‬ ‫ْ ْ ْ َ َ‬
‫ض ِْنتَ ُ ِِل َخ ْْيا))(‪.)30‬‬ ‫ض ٍاء قَ َ‬ ‫ك أَ ْن ََتْ َع َ ُك َّ قَ َ‬
‫َسأَلُ َ‬
‫َوأ ْ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ااذا ال اادعاء العظ اايم ال ااذي ب ااني ي ااديك أطل ااق علي ااه س اايد األول ااني وا خ ارين‪ ،‬بع ااد أوص اااف كم ا َ‬
‫اال‬
‫وجالل‪ :‬أنه من ((الاوام اْوامم))(‪ )31‬الذي لي بعاده مباىن يفياد يف معاىن الكماال يف ساعة املعاىن‪،‬‬ ‫َ‬
‫وتوله‪ ،‬واحتوائه علاى أجال املقاصاد‪ ،‬وأعلاى املطالاب مناه‪ ،‬حياث أمار باه ‪ ‬إىل أحاب أزواجاه‪ ،‬وابناة‬
‫أحب رجاله‪ ،‬فما من خري يتمناه العبد ما علمه وما مل يعلمه يف دينه ودنياه وآخرته إال وقد دخل فيه‪،‬‬
‫شر ىلافه العبد وا علمه‪ ،‬ووا مل يعلمه يف دنياه وآخرته إال وقد دخل يف االساتعاذة مناه‪ ,‬وغاري‬ ‫وما من َ‬
‫ذلك أنه من دعا به فقد كفاه ما دعا به سيد األولني وا خرين طول حياته يف س ِّاره وعالنيتاه‪ ،‬فأظناك‬
‫اي عبد ا قد علمات ملااذا وصافه ‪ ‬أبناه مان الكوامال ا واماع‪ ،‬فبعاد كال هاذه املازااي ينبغاي للعباد أن‬
‫يفاار إليااه يف كاال أحوالااه يف أدعيتااه يف ليلااه وهناااره‪ ،‬ويف ساافره وحضااره‪ ،‬مااع قلاة ألفاظااه‪ ،‬وجزالااة معانيااه‪،‬‬
‫وعذوبة كلماته‪ ،‬اليت علك اي عبد ا أن تتشبث به‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬اللَّهم ّن أسألك من اْلْي كلِن عاجلِن وآجلِن ح مِنِنا علِْنِنْ منِن و مِنِنا َل أعلِنِنم))‪ :‬أي‪ :‬اي‬
‫ا أعطااين ماان مجيااع أن اواف ارااري مطلقااً يف الاادنيا وا خاارة مااا علماات منااه ومااا مل أعلاام‪ ،‬والاايت ال ساابيل‬
‫الكتساهبا بنفسي إال منك‪ ,‬فأنت تعلم أصلح ارري ي يف العاجل وا جل‪.‬‬
‫قولِن ‪(( :‬وأعِنِنوأ ِنِنك مِنِنن الشِنِنر كلِن ح عاجلِن وآجلِن ح مِنِنا علِْنِنْ منِن ح ومِنِنا َل أعلِنِنم))‪ :‬أي‪ :‬اللهاام‬
‫أجاارين واعصاامين ماان مجيااع الشاارور العاجلااة وا جلااة يف الاادنيا وا خاارة‪ ،‬الظاااهرة منهااا والباطنااة‪ ،‬والاايت‬
‫أعلم منها‪ ،‬واليت ال أعلمهاأ فإن الشرور إذا تكالبت على العبد أهلكته‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬اللَّهم ّن أسألك من خِنِنْي مِنِنا سِنِنألك عبِنِندك وِتب ِنِنك))‪ :‬أتكياد ملاا قبلاه‪ ،‬وتفضايل الختياار‬
‫الرسول على اختيار الداعي‪ ،‬لكمال نصحه‪ ،‬وحرصه على املؤمنني من أنفساهم‪ ،‬وهاذا الادعاء ا ليال‪،‬‬
‫يتضمن كل ما فات اإلنسان من أدعية عان النايب ‪ ‬الايت مل تبلغاه أو مل يسامع هباا‪ ،‬فهاو يساأل كال ماا‬

‫(‪ )30‬اباااان ماجااااه‪ ،‬أبااااواب الاااادعاء‪ ،‬باااااب الجوامااااع ماااان الاااادعاء‪ ،‬باااارقم ‪ ،3846‬بلفظااااه‪ ،‬وأحمااااد‪،‬‬
‫‪ ،474 /41‬برقم ‪ ،25019‬ولفظ الزمادة الثانمة له‪ ،‬والحاكم وصححه‪ ،‬ووايقه الذابا‪ ،521/1 ،‬ولفظ الزماادة‬
‫ابول له‪ ،‬وابن أبا شمبة‪.263 /10 ،‬‬
‫(‪ )31‬أخرجه الطحاوي يا شرح مشكل ااثاار بلفاظ‪ (( :‬مال َج َواماع مالك ََوامال))‪ ،‬شارح مشاكل ااثاار‪،290 / 15 ،‬‬
‫وقال موس بن موس جمال الدمن الملطا يا المعتصر مان المختصار مان مشاكل ااثاار‪(( :239 /2 ،‬ولاه‬
‫طرق كثمرة صحمحة))‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫سأله النيب ‪ ‬أبوجز لفظ‪ ،‬وأبتل معىن ‪.‬‬


‫قول ‪(( :‬وأعوأ ك من شر ما استعاأ ِن عبِن ُدك وِتبُِّنك))‪ :‬وهاذا كساابقه‪ ،‬فاذاك يف ساؤال اراري‪،‬‬
‫وهذا يف االستعاذة من الشر‪ ،‬ويدخل كذلك كل شر استعاذ منه الرسول ‪. ‬‬
‫قولِن ِن ‪(( :‬اللَّه ِنِنم ّن أس ِنِنألك اْن ِنِنِ وم ِنِنا ق ِنِنرب ل ه ِنِنا م ِنِنن ق ِنِنول أو عِْن ِن ))‪ :‬أي وفق ااين اي ا إىل‬
‫األسباب القولية والفعلية املوصلة إىل ا نة‪ ،‬وهذا الدعاء فياه صايص اراري الاذي ساأله مان قبالأ ألن‬
‫هذا ارري هو أعظمه‪ ،‬وأكمله‪ ،‬وهو ا نة‪ ،‬فال خري أعظم منها‪ ،‬وأعظم ما فيها رضى هللا ور ياة وجهاه‬
‫الكرمي‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأعوأ ك من النار ومِنِنا قِنِنرب ل هِنِنا مِنِنن قِنِنول أو عِْن ))‪ :‬أي قاين واعصامين مان الوقاوف‬
‫يف األسباب املوجبة لدخول النار‪ ،‬سواء كانت اعتقادية‪ ،‬أو قولية أو فعلية‪ ،‬وهذا الدعاء فياه صايص‬
‫من الشر املستعاذ منه من قبل‪ ،‬والعياذ اب ‪ ،‬فهي أشد الشر وأخطره‪ ،‬فما من شر أشد منها‪.‬‬
‫قولااه‪(( :‬وأسِنِنألك أن َتعِن ك ِن قضِنِناء قضِن ت ِل خ ِنْيا))‪ ،‬ويف روايااة وهااي مفساارة للروايااة األخاارى‪:‬‬
‫اج َع ْ َعاقِبَِنتَ ُ ِِل َر َشدا))(‪:)32‬‬ ‫ْ ِِل ِمن قَ َ ٍ‬
‫ضاء ح فَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ضْ َ‬
‫(( َوَما قَ َ‬
‫أي أسااألك اي ا أن تكااون عواقااب كاال قضاااء تقضاايه ي خارياً‪ ،‬ساواء كااان يف الساراء أو الضاراء‪،‬‬
‫واف ااق ال اانف أو خالفه اااأ ألن ك اال الف ااوز و الغنيم ااة يف الرض ااا بقض ااائكأ فإن ااك ال تقض ااي للم ااؤمن إال‬
‫خارياً‪ ،‬قااال الناايب ‪(( :‬عجبِنِنا َمِنِنر املِن منح ن أمِنِنرِ كلِن خِنِنْيح ولِن س ألِنِنك َحِنِند أ للِْن منح ن‬
‫أصا ت سراء شارح فاان خْيا ل ح و ن أصا ت ضراء صِ فاان خْيا ل ))(‪.)33‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫كح َوِم ِن ْن‬ ‫ص ِن َ‬ ‫ني معا ِ‬ ‫ك م ِنا ََتُِن ُ ِ‬


‫ول ِ ِن َِنِْنَنِنَن ِنا َوَِن ْ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪(( -14‬اللَّ ُه ِن َّم اقْس ِن ْم لََن ِنا م ِن ْن َخ ْش ِنَت َ َ‬
‫ي الِن ُِّندِتِْنَاح اللَّ ُهِن َّم‬ ‫ني ما ُُتَ ِو ُن ِِ َعلَِْنَنا م ِ‬ ‫ك ما تُِنبِنِلغَُنا ِِ جنِنََّت َ ِ ِ‬ ‫طَ َِ‬
‫صِنائ َ‬
‫ََ‬ ‫كح َوم َن الَْق ِ َ‬ ‫َ‬ ‫اعت َ َ َ‬
‫اج َعِن ْ َ َْرَق‬ ‫اعنِناح وأَ صِنا ِرَقح وقُِن َّواتِنِنا مِنا أَح ِن ِنتِننِناح واجع ْلِن الِنْوا ِر َ ِ‬ ‫متِعنِنا ِِب ْ ِ‬
‫ث منِنَّاح َو ْ‬ ‫ََسَ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ َْ‬
‫صِن َبِنَتِنَنا ِ ِدينَِنِناح َوَأ َ َْت َعِن ِ‬ ‫اد َاقح وَأ َ َْتعِن م ِ‬
‫ص ْرَق َع َل َم ْن َع َ َ َ ْ ُ‬ ‫َع َل َم ْن ََل ََْناح َواِتْ ُ‬

‫(‪ )32‬ابدب المفرد للبخاري‪ ،‬ص ‪ ،222‬ومسند الطمالسا‪ ،148 / 3 ،‬ومسند إسحاق بن رااومه‪.590 /2 ،‬‬
‫(‪ )33‬مسلم‪ ،‬كتاب الزاد والرقائ ‪ ،‬باب المؤمن أمره كله خمر‪ ،‬برقم ‪.2999‬‬
‫‪24‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫الدِتِْنَا أَ ْك ََِ َََِناح َوَأ َمْبِنلَ َغ ِعل َِْْناح َوَأ تُ َسِل ْط َعلَِْنَنا َم ْن َأ يَِن ْر ََُْنا))(‪. )34‬‬
‫ُّ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫اقسم‪ :‬قسمة ونصيباً ‪.‬‬
‫ُتون‪ :‬أي سهل وخفف ‪.‬‬
‫خش تك‪ :‬ارشية اروف مقرتن ابلتعظيم ‪.‬‬
‫ب ابلدِّم‪ ،‬وقيل الدم نفسه‪.‬‬
‫المأر‪ :‬الذحل‪ ...‬والطلَ ُ‬
‫تبلغنا‪ :‬توصلنا ‪.‬‬
‫ما ُيول‪ :‬ما حيجب ومينع ‪.‬‬
‫واجعل الوارث منَّا‪ :‬كناية عن االستمرارية إىل آخر العمر ‪.‬‬
‫ال قني‪ :‬هو استقرار العلم الذي ال يتقلب‪ ،‬وال حيول‪ ،‬وال يتغاري‪ ،‬وهاو أعلاى درجاات اإلمياان‪ ،‬فهاو‬
‫إميان ال شك فيه‪.‬‬
‫هااذه الاادعوة جامعاةٌ ألباواب ارااري والسااعادة يف الاادنيا وا خاارة‪ ،‬فقااد مجعاات ماان مقاصااد ومطالااب‬
‫جليلااة فيمااا حيتاجااه العبااد يف دينااه ودنياااه‪ ،‬ومعااادهأ هلااذا كااان عليااه الصااالة والسااالم اندراً مااا يقااوم ماان‬
‫بل إال وقد رطب لسانه من هذه الكلمات‪ ،‬والدعوات ا ميلة‪ ،‬فقد ذكر الرتمذي وغريه عن خالاد‬
‫ب اان أيب عم اران أن اب اان عم اران ق ااال‪(( :‬قلم ااا ك ااان رس ااول هللا ‪ ‬يق ااوم م اان بل ا ح ااىت ي اادعو هب ااؤالء‬
‫الدعوات ألصاحابه)) احلاديث(‪ .)35‬فيحسان ابلعباد أن ياتعلم معانيهاا‪ ،‬ويعمال اقاصادها ويك ار منهاا‪،‬‬
‫خاصة يف ا ال اتباعاً واقتداءً ابلنيب ‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ‪(( :‬اللَّهم اقسم لنِنِنا مِنِنن خشِن تك مِنِنا َتِنِنول ِن ننِنِنا و ِنِنني معاصِن ك))‪ :‬اللهام اجعال لناا حظااً‬
‫ونصاايباً ماان خوفااك املقاارتن بتعظيمااك وإجاللااك‪ ،‬مااا يكااون حاااجزاً لنااا ومانعااً ماان الوقااوف يف املعاصااي‬
‫والاذنوب وا اثم‪ ،‬وهااذا فياه داللاةٌ علاى أن خشااية ا هااي أعظام رادف وحاااجز لعنساان عاان الوقااوف يف‬
‫ال ااذنوبأ وهل ااذا ك ااان العلم اااء ه اام أك اار خش ااية ج اال وع ااال ملع اارفتهم وعلمه اام اب ج اال وع ااال‪ ،‬ق ااال‬
‫اَّلل ِمِنِنن ِعبِن ِن ِ‬
‫ادِِ الْعُلَ َِْنِناءُ﴾‪ ،‬فكلم ااا ازدادت معرف ااة العب ااد اب ا ااا ل ااه م اان األمس اااء‬ ‫تع اااىل‪ََّّ ِ﴿ :‬نِنَِنا َ ْ َشِن ِن َّ ْ َ‬

‫(‪ )34‬الترمااذي‪ ،‬كتاااب الاادعوات‪ ،‬باااب حاادثنا علااا باان حجاار‪ ،‬باارقم ‪ ،3502‬والنسااائا يااا الكباار‪،106 /6 ،،‬‬
‫والحاكم‪ ،528/1 ،‬وابن السنا يا عمل الموم واللملة‪ ،‬برقم ‪.445‬‬
‫(‪ )35‬سنن الترمذي‪ ،528 / 5 ،‬برقم ‪.3502‬‬
‫‪25‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫احلسااىن والصاافات العُ اال‪ ،‬امااتخ القلااب خشااية‪ ،‬وأحجماات األعضاااء‪ ،‬وا اوارد‪ ،‬مجيعهااا عاان ارتكاااب‬
‫املعاصي ‪.‬‬
‫قولِن ‪(( :‬ومِنِنن طاعتِنِنك مِنِنا تبلغنِنِنا ِن جنتِنِنك))‪ :‬ويساار ي ماان طاعتااك مااا يكااون ساابباً لنياال رضاااك‪،‬‬
‫وبلوغ جنتك العظيمة‪ ،‬اليت أعددهتا لعبادك املتقني‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬ومن ال قني ما ُتون عل نِنِنا مصِنِنائي الِندِت ا))‪ :‬أي اقسام لناا مان اليقاني الاذي هاو أعلاى‬
‫اإلميان‪ ،‬وأكمله‪ ،‬كما قال عبد ا بن مسعود ‪« :‬اليقني‪ :‬هو اإلميان كله» ‪.‬‬
‫فهاو إمياان ال شاك فياه‪ ،‬وال تاردد‪ ،‬فالغائاب عناده كاملشااهد مان قوتاه‪ ،‬قاال سافيان ال اوري‪ :‬لاو أن‬
‫اليقني وقع يف القلب‪ ،‬لطار اشتياقاً إىل ا نة وهروابً من النار‪.‬‬
‫فنسألك من اليقني ما يكون سبباً لتهوين املصائب والنوازل اليت حتال عليناا‪ ،‬واليقاني كلماا قاوي يف‬
‫اإلنسان كان ذلك فيه أدعى إىل الصرب على البالءأ لعلم املوقن أن كل ماا أصاابه إمناا هاو مان عناد ا‬
‫احلكيم العليم‪ ،‬فريضى ويسلم ويكون برداً وسالماً على قلبه‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬ومتعنِنِنا ِبَساعنِنِنا وأ صِنِنارق))‪ :‬أي أدم علااي الساامع والبصاار وسااائر قاواي أوتااع هبااا يف ماادة‬
‫حي ااايتأ ألهن ااا ال اادالئل املوص االة إىل معرفت ااك وتوحي اادك ألن الرباه ااني إم ااا م ااأخوذة م اان ا ايت املنزل ااة‪،‬‬
‫يق ذلك البصر‪.‬‬ ‫وطريق ذلك السمع‪ ،‬أو من ا ايت يف ا فا واألنف ‪ ،‬وطر ُ‬
‫وقواتنِنِنا مِنِنا أح تنِنِنا))‪ :‬أي متعنااا بسااائر قاواان ماان احلاواس الظاااهرة والباطنااة‪ ،‬وكاال أعضااائنا‬
‫وقولِن ‪َّ (( :‬‬
‫ايب ص االى هللا علي ااه وس االم التمتُّ ا َع بكام اال ق اواه ط ااول حيات ااه إىل موت ااهأ ألن الض ااعف‬
‫البدني ااة‪ ،‬فس األ الن ا ُّ‬
‫يضر الدين والدنيا وا ال ىلفى‪.‬‬ ‫وسقوس القوة يف الكرب ُّ‬
‫قول ‪(( :‬واجعل الوارث منا))‪ :‬اجعل اي ا وتعنا ابحلواس والقوى صحيحة وسليمة إىل أن منوت‪.‬‬
‫رق عل من لْنا))‪ :‬أي وفقنا لخخذ ب أران ون ظلمنا‪ ،‬دون أن نتعدى فنأخذ‬ ‫قول ‪(( :‬واجع‬
‫ابل أر من غري الظامل‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬واِتصِنِنرق عل ِن مِنِنن عِنِناداق))‪ :‬تعماايم بعااد صاايص أي اكتااب لنااا الظفاار والفااوز علااى ماان‬
‫تعدى علينا بغري حق‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأ َتع مص بتنا ديننا))‪ :‬أي ال تُصيبنا اا ينقص ديننا وي ُذهباه مان اعتقااد سايإ‪ ،‬أو‬
‫تقص ااري يف الطاع ااات‪ ،‬أو فع اال احملرم ااات‪ ،‬أو كتس االيط الكف ااار‪ ،‬واملن ااافقني‪ ،‬والظلم ااة عل ااى أه اال ال اادين‬
‫واإلميااانأ ألن مصاايبة الاادين هااي أعظاام املصااائب‪ ،‬الاايت ال تنجاارب وال يُعا ِّاوض عنهااا‪ ،‬خااالف مص ااائب‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأ َتع الدِت ا أكِ َنا))‪ :‬أي ال عل أكرب قصدان وتعلقناا‪ ،‬وحزنناا ألجال الادنياأ فاإن‬
‫‪26‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫من كان أكرب مهه الدنيا كان يف معزل عن ا خرة‪ ،‬بال اجعلاه مصاروفاً يف عمال ا خارة‪ ،‬ويف هاذا دليال‬
‫على أن القليل من اهلم البُد منه يف الدنيا ويُرخص فيه‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬ومبلغ علْنا))‪ :‬أي ال عل أك ر علمنا وتفكريان يف أحوال الدنيا كالكافرين‪ ،‬قاال تعااىل‪:‬‬
‫الدنىايَا َوُه ىم َع ِّن ا ى ِّخَرةِّ ُه ىم َغافِّلُو َن‪.‬‬
‫احلَيَاةِّ ُّ‬ ‫‪‬ياعلَمو َن ظَ ِّ‬
‫اهًرا ِّم َن ى‬ ‫َى ُ‬
‫قولِن ‪(( :‬وأ تسِنِنلط عل نِنِنا مِنِنن أ يرْنِنِنا))‪ :‬أي ال علناا مغلااوبني مان الكفااار‪ ،‬والظلماة‪ ،‬والفجاارة‪،‬‬
‫بتاوليتهم عليناا‪ ،‬فيكوناوا ساابباً لتعاذيبنا يف دينناا ودنياااان‪ ،‬وجياوز محلاه علااى مالئكاة العاذاب يف القاارب‪ ،‬أو‬
‫يف النار‪ ،‬وال مانع من إرادة ا ميع‪ ،‬وا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫وُيسن ِبلداعي أن يستحضر ك ههِ املعاّن حال دعائ ‪.‬‬
‫ولقد بني ا تعاىل يف عدة آايت سؤال األنبياء واملؤمنني السالمة من الظاملني والكافرين كما ذكر‬
‫ني‪ ،‬وإباراهيم والااذين معااه‪َ  :‬رَِّننَِنا َأ ََتْ َع ْلنَِنا فِ ْتِننَِنِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َِن ِن ِ م ِن َن الْ َق ِن ْو الََِّنال ِْ َ‬
‫ا عاان موسااى ‪َ :‬ر ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫َِّ ِ‬
‫ني‪.‬‬‫ب فَ ََل ََتْ َع ْل ِ ِ الْ َق ْو الََّال ِْ َ‬ ‫ين َك َفروا‪ ،‬ونبينا حممد ‪َ  :‬ر ِ‬
‫لله َ ُ‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ك أ ْن أ َُرَّد‬ ‫ك ِم َن اُْْ ِ‬
‫لح َوأ ُعِنو ُأ ِِن َ‬ ‫ك ِم َن البُ ْم ِ ح َوأَعو ُأ ِ َ‬ ‫أعو ُأ ِ َ‬
‫‪(( -15‬اللَّ ُه َّم ِّن ُ‬
‫ك ِم ْن َع َه ِ‬
‫اب ال َق ِِْ)) (‪.)36‬‬ ‫َعو ُأ ِ َ‬ ‫ك ِم ْن ِفْتِنَن ِِ ُّ‬
‫الدِتِْنَاح َوأ ُ‬ ‫أعو ُأ ِ َ‬ ‫ِ َ أ َْر َأ ِل ُ‬
‫الع ُْ ِرح َو ُ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ‪(( :‬من البم ))‪ :‬الذي هو ضد الكرمأ ألنه يؤدي إىل عدم الوفاء بك ري من الواجبات املالية‪،‬‬
‫كالزكاة‪ ،‬واإلنفا على من يلزم عليه اإلنفا ‪ ،‬كالوالدين‪ ،‬والزوجة‪ ،‬والذرية‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬

‫قول ‪(( :‬من اْل))‪ ،‬وهو املهابة لخشياء‪ ،‬والتأخر عن فعلها‪ ،‬وهو ضد الشاجاعةأ ألناه ياؤدي إىل‬
‫عاادم الوفاااء بك ااري ماان الواجبااات كفاارض ا هاااد يف ساابيل ا تعاااىل‪ ،‬والصا ىدف ابحلااق‪ ،‬وإنكااار املنكاار‪،‬‬
‫وكااذلك عاادم ا ارأة يف األماار ابملعااروف والنهااي عاان املنكاار‪ ،‬وغااري ذلااك‪ ،‬وبشااجاعة الاانف وقوهتااا تااتم‬
‫العبادات على أكمل وجه‪ ،‬ومن ذلك نصرة املظلوم‪ ،‬وا هاد يف سبيل ا ‪.‬‬
‫ُرد أرأل العِْنِنر))‪ :‬أن يُارد إىل أرذل العماار‪ ،‬وهااو البلااوغ إىل حا َاد يف حالااة الكاارب‪،‬‬ ‫قول ِن ‪(( :‬أن أ َّ‬
‫وه ااو م ااا يس اامى ابر اارف‪ ،‬يع ااود مع ااه كالطف اال يف س ااخف العق اال‪ ،‬وقل اة الفه اام‪ ،‬وض ااعف الق ااوة البدني ااة‬

‫(‪ )36‬البخاري‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬بااب التعاوذ مان البخال‪ ،‬بارقم ‪ ،6370‬وانظار ياا صاحمح البخااري‪ :‬ابرقاام‪:‬‬
‫‪ ،2822‬و‪ ،6365‬و‪ ،6374‬و‪.6390‬‬
‫‪27‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫والعقلية‪ ،‬فيصبح عالة على غريه ‪.‬‬


‫قول ‪(( :‬من فتنِ الدِت ا))‪ :‬أي االفتتان ابلدنيا يف شهواهتا وغرورها‪ ،‬فإهنا تنسي ا خرة‪ ،‬وتدخل يف‬
‫هذه االستعاذة املهمة كل الفنت حال احلياة يف هذه الدار‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬من عهاب القِ)) وا يعارض لاه عناد مسااءلة امللكاني‪ ،‬وماا ينشاأ عنهماا مان فتناة عظيماة‪،‬‬
‫ومش اااهدة أعمال ااه الس اايئة يف أق اابح ص ااورة كم ااا ثب اات‪ ،‬وض اايقه‪ ،‬وض اامته‪ ،‬فع ااذاب الق اارب ينش ااأ بع ااد فتن ااة‬
‫امللكني‪ ،‬فتضمن السؤال سؤال ا تعاىل العصمة منه ابلتوفيق إىل صاحل األعمال املانعة من عذابه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ْ أَ ْع َلِنم ِِن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫‪(( -16‬الل ُهِن َّم ا ْغفِن ْر ِِل َخط َِن ِ ح َو َج ْهلِنيح َو ْسِن َراِ ِ أَ ْمِن ِروح َوَمِنا أَِتِْن َ ُ‬
‫ك ِعْنِن ِدوح اللَّ ُهِن َّم‬ ‫ِمِ ح اللَّ ُه َّم ا ْغ ِف ْر ِِل َه ْزِِل َوِجِن ِدوح َو َخطَ ِنِنيح َو َع ِْْن ِدوح َوُكِن ُّ َألِِن َ‬
‫ْ‬ ‫ْ ال ُْْ َقِن ِد ُ َوأَِتِْن َ‬
‫ْح أَِتِْن َ‬
‫ت َوَمِنا أَ ْعلَْنِن ُ‬
‫تح َوَمِنا أَ ْسِن َرْر ُ‬ ‫ا ْغ ِفِن ْر ِِل َمِنا قَِن َّد ْم ُ‬
‫ْ َوَمِنا أَ َّخِن ْر ُ‬
‫ْ َعلَ ُك ِ َش ْي ٍء قَ ِدير))(‪.)37‬‬ ‫ال ُْْ َ ِخ ُرح َوأَِتْ َ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫اإلسراف‪ :‬باوزة ِّ‬
‫احلد يف كل شيء‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هااذا الاادعاء ماان أمجااع األدعيااة يف االسااتغفارأ ألنااه دعاااء أبلفااا التعماايم‪ ،‬والشاامول‪ ،‬مااع البسااط‬
‫والتفصيل بذكر كل معىن بصريح لفظه‪ ،‬دون االكتفاء بداللة اللفظ ا خر عليهأ ليأيت االساتغفار علاى‬
‫مااا علمااه العبااد ماان ذنوبااه‪ ،‬ومااا مل يعلمااه‪ ،‬ومعلااوم أنااه لااو قياال‪ :‬اغفاار ي كاال مااا صاانعتأ لكااان أوجااز‪،‬‬
‫ولكان ألفااا احلااديث يف مقااام الادعاء والتضاارف‪ ،‬وإظهااار العبوديااة واالفتقاار لاارب العاااملني‪ ،‬واستحضااار‬
‫األنواف اليت يتوب العبد منها تفصيالً أحسن وأبل من اإلجياز واالختصارأ وهلذا حيسن العناية والتدبري‬
‫واستحضااار املع اااين عنااد ال اادعاء هباااأ ألن ذل ااك يااورل أث اراً عظيم ااً طيب ااً يف الاانف ‪ ،‬وي ااورل ارش ااوف‪،‬‬
‫وارضوف‪ ،‬والتذلل بني يدي ا تعاىل‪ ،‬وهذا من كمال العبودية هلل رب العاملني‪ ،‬ولذا ذكار بعاض أهال‬
‫العلم أنه يف ابب الدعاء ينبغي البسط ألربعة أسباب‪:‬‬
‫السبي اَول‪ :‬أن يستحضر اإلنسان مجيع ما يدعو به أبنواعه‪.‬‬

‫(‪ )37‬البخاري‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب قول النبا ‪(( :‬الله ّم اغفر لا ما قدّمت وما أ ّخرت))‪ ،‬برقم ‪.6398‬‬
‫‪28‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫السبي المِنِناّن‪ :‬أن الادعاء ااطباة ‪ ،‬وكلماا بساط اإلنساان ماع ا تعااىل يف املخاطباة‪ ،‬كاان‬
‫ذلك أشو َ وأحب إليه وا دعا على سبيل االختصار‪.‬‬
‫السبي المالث‪ :‬أنه كلما ازداد دعاء‪ ،‬ازداد قربه إىل ا ‪.‬‬
‫السبي الرا م‪ :‬أنه كلما ازداد دعاء‪ ،‬كان فيه إظهار الفتقار اإلنسان إىل ربه ‪.‬‬
‫واملعااىن‪ :‬اي ا اغفاار ي ذنااويب كلهااا‪ :‬صااغريها وكبريهااا‪ ،‬مااا صاادر عا ِّاين ماان جهاال نفسااي‪ ،‬وباااوزيت‬
‫كل شيء‪ ،‬اللهم اغفري ذنويب كلها وا علمتها‪ ،‬ووا مل أعلمهاا‪ ،‬يف حاال جادي‪ ،‬وهازي‪ ،‬ويف‬ ‫للحد يف ِّ‬‫ِّ‬
‫وم ِّقٌّر هبا‪.‬‬
‫صف بكل هذه الذنوب ُ‬ ‫حال خطئي وتعمدي‪ ،‬فأان مت ٌ‬
‫قول ‪(( :‬وك ألك عندو))‪ :‬إقرار العبد لربه بك رة الاذنوب‪ ،‬ومتحقاق هلاا‪ ،‬فهاو كالتاذييل للساابق‪:‬‬
‫أي أان متصف هبذه األشياء فاغفرها‪ ،‬فدل على أن إقرار العبد على نفسه ابلتقصاري مان أساباب قباول‬
‫توبته ومغفرته لذنوبه‪ ،‬وا أعلم‪.‬‬
‫قدمْ)) أي من خطأ وتقصري‪.‬‬ ‫قول ‪(( :‬ما َّ‬
‫قول ‪(( :‬وما أخَّرت)) أي ما سيقع ِّمين من ذلك يف الزمن املستقبل‪.‬‬
‫الس ِّر أو العالنية‪.‬‬ ‫قول ‪(( :‬وما أسررت وما أعلنْ)) أي ما وقع مين منها يف ِّ‬
‫وقولِن ِن ‪(( :‬أِتِن ِنِنْ املقِن ِن ِِند )) أي ملا اان تشا اااء ابملعونا ااة والتوفيا ااق والسا ااداد‪(( ،‬وأِتِن ِنِنْ امل ِنِن ِخر)) أي لِّ َما ان تشا اااء‬
‫ابرذالن واحلرمان وعدم املعونة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ْ‪ .‬فَِنا ْغ ِف ْر‬


‫وب َِّأ أَِتِْن َ‬
‫َ‬ ‫ِت‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِنه‬ ‫ِن‬‫ل‬‫ا‬ ‫ر‬‫ِن‬‫ف‬‫ْ ِتَِن ْف ِسِني ُْلِْنا َكمِِنْياح وَأ يِن ْغ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫‪(( -17‬اللَّ ُه َّم ِِّن َلَ ْْ ُ‬
‫الرِح ُم)) (‪.)38‬‬ ‫ور َّ‬
‫ُ‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ِت‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ار‬
‫َْ‬‫و‬ ‫ح‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِِل م ْغ ِفرِ ِمن ِعْن ِ‬
‫د‬ ‫َ َ ْ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫لْْ ِتفسي‪ :‬الظلم‪ :‬وضع الشيء يف غري حمله‪ ،‬وهو على مراتب‪ :‬أعالهاا الشارك‪ ،‬وينادرال حتتاه‬
‫الذنوب الكبرية والصغرية‪.‬‬
‫ف ِنِناغفر ِل‪ :‬الغف اار‪ :‬الس اارت والتغطي ااة‪ ،‬م ااأخوذة م اان املغف اار‪ ،‬وه ااو ال ااذي يوض ااع عل ااى رأس احمل ااارب‬
‫حلمايته من الضرب‪ ،‬فهو وقاية ومحاية‪.‬‬

‫(‪)38‬متف علمه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب ابذان‪ ،‬باب الدعاء قبل السةم‪ ،‬برقم ‪ ،834‬مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوباة‬
‫واالستغفار‪ ،‬باب استحباب خفض الصوت بالذكر‪ ،‬برقم ‪.2705‬‬
‫‪29‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫الغفِنِنور‪ :‬اساام ماان أمساااء ا احلسااىن العظيمااة‪ ،‬وهااو ماان أبنيااة املبالغااةأ ألنااه يفعاال ذلااك بعباااده ماارة‬
‫بعد مرة إىل ما ال ُحيصى‪ ،‬واملعىن‪ :‬الذي يك ر منه سرت الذنوب لعباده املؤمنني‪ ،‬والتجاوز عنها‪.‬‬
‫الرح م‪ :‬اسم من أمساء ا احلسىن الكرمية الدالة على ك رة الرمحاة‪ ،‬والتعطاف علاى عبااده املاؤمنني‪،‬‬
‫ويف تعليم النيب ‪ ‬أليب بكر هذا الدعاء إشارة إىل إي ار أمر ا خرة على أمر الدنيا الزائلة‪.‬‬
‫وخ ااص ال اادعاء ابلص ااالةأ ألهن ااا ابإلجاب ااة أح ااق‪ ،‬فه ااي حم اال املناج اااة ب ااني العب ااد وخالق ااه‪ ،‬وال ىلف ااى‬
‫اختيااار احلبيااب للحبيااب يف مناجاااة السااميع القريااب وداللتااه علااى عظاام شااأن هااذا الاادعاء‪ ،‬فيجاادر بنااا‬
‫العناية به استناانً واقتداءً ابحلبيب ‪. ‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هااذا احلااديث عظاايم القاادر‪ ،‬ماان تاادبره ووع ان فيااه ظهاار لااه ماان جاللتااهأ ألن فيااه االع ارتاف بغايااة‬
‫التقصري‪ ،‬واإلقرار بنهاية الكمال هلل تعاىل‪ ،‬وطلب العفو‪ ،‬والتجاوز املوصل إىل حصول النعيم األبدي‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬اللَّهم ّن لْْ ِتفسي لِْنِنا كمِنْيا))‪ :‬هاذا اعارتاف مان العباد إىل رباه ابلتقصاري االبساته‬
‫ما يستوجب العقوبة أو النقص‪ ،‬وإن اإلنسان ال يعرى عن التقصري ولو كان صديقاً‪.‬‬
‫قول ‪ (( :‬لْا كمْيا))‪ ،‬أكده ابملصدر‪ ،‬ووصفه زايدة يف التذلل وارضوف للموىل ‪.‬‬
‫وهاذا تعلاايم للاداعي أنااه ينبغااي حالاة دعائااه أن يظهار غايااة التااذلل وارضاوف لربااهأ فاإن ذلااك أقاارب‬
‫لعجابة‪ ،‬وأك ر ثواابً وجزاء‪.‬‬
‫((وفيه دليل على أن الواجب على العبد أن يكون على حاذر مان رباه تعااىل يف كال أحوالاه‪ ،‬وإن كاان مان‬
‫أه اال االجتها اااد يف العبا ااادة يف أقصا ااى غاي ااة‪ ،‬إذ كا ااان الصا ا ِّاديق ما ااع موض ااعه يف الا ا ِّادين مل يسا االم وا ااا حيتا اااال إىل‬
‫االستغفار إىل ربه تعاىل منه))(‪ ،)39‬فمن ابب أوىل من كان دونه‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬وال يغفِنِنر ال ِنهِتوب أ أِتِنِنْ))‪ :‬أي ال أحااد يقاادر علااى ساارت الااذنوب‪ ،‬والتجاااوز عنهااا إال‬
‫أنت وحدك‪ ،‬ففيه اإلقرار ابلوحدانية تعاىل‪ ،‬واستجالب املغفرة منه‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬ف ِنِناغفر ِل مغف ِنِنرِ م ِنِنن عن ِنِندك وارِْن ِن ))‪ :‬دل تنك ااري ((مغف ِنِنرِ)) عل ااى أن املطل ااوب غف اران‬
‫عظيم‪ ،‬ال يُدرك كنهه‪ ،‬ووصفه بكونه من عنده ‪ ‬بياان لاذلك العظامأ ألن الاذي يكاون مان عناد ا‬
‫تعاااىل ال حياايط بااه وصااف‪ ،‬وفيااه إشااارة إىل طلااب مغفاارة متفض ال هبااا ال يقتضاايها ساابب ماان العبااد ماان‬
‫عمل حسن وال غريه‪.‬‬
‫هب ي مغفرة تفضالً‪ ،‬وإن مل أكن هلا أهاالً بعملايأ هلاذا أضاافها إلياه ((مِنِنن عنِنِندك)) فإهناا‬
‫واملعىن‪ :‬ى‬

‫(‪ )39‬الفتوحات الربانمة‪.609 /1 ،‬‬


‫‪30‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫تكون أعظم وأبل ‪ ،‬فإن عظم العطاء من عظم املعطي‪.‬‬


‫ُ‬
‫وق اادم (( لْ ِنِنْ ِتفس ِنِني))‪ :‬وه ااو االع ارتاف ابلتقص ااري وال ااذنب عل ااى س اؤال املغف اارة‪ ،‬ف اااغفر ي أد ًاب‬
‫مجيالً‪ ،‬كما قال ذلاك أباواان‪ :‬آدم وحاواء‪َ  :‬رَِّننَِنا َلَ ْْنَِنا أَِتِْن ُف َسِننَا َوِ ْن ََلْ تَِنغْ ِفِن ْر لَنَِنا َوتَِن ْر َْْنَِنا لَنَ ُاِنوِتَ َّن ِمِن َن‬
‫ْ ِ‬
‫ين‪ ،)40(‬وال ىلفى حسن ترتيب هذا احلديث‪ ،‬حيث قدم االعارتاف ابلاذنب‪ُ ،‬ث الوحدانياة‪ُ ،‬ث‬ ‫اْلَاس ِر َ‬
‫س اؤال املغفاارةأ فااإن االع ارتاف بااذلك أقاارب إىل العفااو وال ناااء علااى الساايد اااا هااو أهلااه‪ ،‬وأرجااى لقبااول‬
‫سؤاله‪.‬‬
‫قولااه‪ِ (( :‬ت ِنِنك أِت ِنِنْ الغف ِنِنور ال ِنِنرح م))‪ :‬أي اغفاار ي‪ ،‬وارمح ااين ألن ماان دعاااك اي ربن ااا‪ ،‬و ااأ إلي ااك‪،‬‬
‫وس ااألك املغف اارة والرمح ااة‪ ،‬تغف اار ل ااه وترمح ااهأ ألن ااك ك ااري املغف اارة‪ ،‬وك ااري الرمح ااة بن ااا اي ربن ااا‪ ،‬فتض اامن ه ااذا‬
‫الدعاء ا ليل توسلني عظيمني‪:‬‬
‫‪ – 1‬توسل بظلم النف بتقصريها وضعفها‪ ،‬وهو من التوسالت ا ليلة اليت حيبها ا ‪.‬‬
‫‪ – 2‬توسال أبمساااء ا تعاااىل احلسااىن‪ ،‬وال ىلفااى حبساان ارتااام مقابلاةً يف الساؤال والطلااب فاا(اغفِنِنر‬
‫ِل) مناسب (للغفور)‪ ،‬و(الرح م) مناساب لاا(وارِْن )‪ ،‬وهاو مناساب ماا أمار ا تعااىل باه يف الادعاء‬
‫ََسَاءُ ا ْحلُ ْس َن فَا ْدعُوُِ ِِبَا‪.‬‬ ‫أبمسائه احلسىن‪ :‬وَِِّ‬
‫َّلل ْاَ ْ‬ ‫َ‬
‫قااال الكرماااين‪ :‬هااذا الاادعاء ماان ا وامااعأ ألن فيااه االعارتاف بغايااة التقصااري‪ ،‬وطلااب غايااة اإلنعااام‪،‬‬
‫فاملغفرة بسرت الذنوب وحموها‪ ،‬والرمحة إيصال ارريات‪ ،‬وال شك وال ريب أن رمحة ا صفة من صافاته‬
‫العظيم ااة‪ ،‬تلي ااق َالل ااه‪ ،‬وم اان مقتض اااها وآاثره ااا إيص ااال ار اريات‪ ،‬ودف ااع النقم ااات‪ ،‬فف ااي األول طل ااب‬
‫الزحزحة عن النار‪ ،‬ويف ال اين طلب إدخال ا نة‪ ،‬وهذا هو الفوز العظيم‪ ،‬وهذا الدعاء ا ليل قاد جااء‬
‫الر ُج ِن ُ‪:‬‬
‫ول َّ‬ ‫ا يلااه يف تضاامنه هلااذه املطالااب واملقاصااد‪ ،‬ماان قااول الناايب ‪َّ ِ(( :‬ن أ َْوفَ ِن َق ال ِن ُِّند َع ِاء أَ ْن يَِن ُق ِن َ‬
‫ْ َرِِبح‬ ‫ك أَِتْ َ‬‫ب فَا ْغ ِف ْر ِِل َأِتِْ ح ِِتَّ َ‬ ‫ْ ِ َهِتِْ ح َة َر ِ‬
‫ِفْ ُ‬ ‫ْ رِِب وأ ََق َعب ُد َكح َلَْ ُ ِ‬
‫ْ ِتَِن ْفسي َوا ْع ََ‬ ‫ْ‬ ‫اللَّ ُه َّم أَِتْ َ َ َ ْ‬
‫ي َِّأ أَِتْ َ‬
‫ْ))(‪.)41‬‬ ‫ِِتَّ ُ َأ يَِنغْ ِف ُر َّ‬
‫الهِتْ َ‬
‫وقولااه‪( :‬أوفِنِنق) أي‪(( :‬أك اار موافقتااه للااداعي)) ‪ ،‬وال ىلفااى يف قولااه‪(( :‬أوفااق)) علااى وزن أفعاال ياادل علااى‬
‫تفضيله‪ ،‬وأمهيته يف ابب األدعية‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )40‬سورة ابعرا ‪ ،‬اامة‪.23 :‬‬


‫(‪ )41‬أحمد‪ ،401 /16 ،‬برقم ‪.،10681‬‬
‫‪31‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ك‬‫ْح َوِِن َ‬ ‫ْْح َوِلَِْن َ‬


‫ك أَِتَِنْبِن ُ‬ ‫ك تَِن َوَّكلِن ُ‬
‫ْح َو َعلَِْن َ‬
‫آمْنِن ُ‬
‫ك َ‬ ‫ْح َوِِن َ‬ ‫ك أَ ْسِنلَ ْْ ُ‬ ‫‪(( -18‬اللَّ ُه َّم لَ َ‬
‫ْ ا ْحلَ ُّي الَِّن ِهو َأ‬ ‫ِ‬
‫ْ أَ ْن تُ ِ‬
‫ضلَِّ ح أَِتْ َ‬ ‫ك َأ ِلَ َ َِّأ أَِتْ َ‬‫َعوأُ ِ ِعَّزت َ‬
‫ْح اللَّ ُه َّم ِِّن أ ُ‬ ‫اص ْْ ُ‬
‫َخ َ‬
‫س ََيُوتُو َن))(‪.)42‬‬ ‫ْ‬‫ِت‬ ‫وتح َوا ِْْ ُّن َو ِْ‬
‫اإل‬ ‫ََيُ ُ‬
‫ُ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫قولااه ‪(( :‬لِنِنك أسِنِنلْْ و ِنِنك آمنِنِنْ))‪ :‬أي لااك انقاادت‪ ،‬واستساالمت‪ ،‬حلكمااك وأماارك‪ ،‬وماان‬
‫ذلااك نطقااي ابلشااهادتني‪ ،‬وبااك صاادقت بااذاتك‪ ،‬ومااا يليااق هبااا ماان كمااال الصاافات‪ ،‬وفيااه إشااارة إىل‬
‫الفاار بااني اإلميااان واإلسااالم‪ ،‬ويف تقاادمي ا ااار وا اارور ((لِنِنك)) داللااة علااى االختصاااص‪ ،‬أي أخص اك‬
‫ابالنقياد واالستسالم دون أحد غريك‪.‬‬
‫((وعل ك توكلْ))‪ :‬فوضت أموري كلها إليك‪.‬‬
‫((و ل ك أِتبْ))‪ :‬أي أقبلت بعبادايت وطاعيت لك‪ ،‬وأعرضت عما سواك‪.‬‬
‫((و ك خاصْْ))‪ :‬أي بك أحاال وأدافع‪ ،‬وأقاتل أعداءك ابحلجة والبيان والسيف والسنان‪.‬‬
‫((اللَّهم ّن أعوأ عزتك))‪ :‬اساتعاذ بعزتاه‪ ،‬وهاي صافة مان صافات ا تعااىل ا ليلاة‪ ،‬وهاي مشاتقة‬
‫من امسه تعاىل العزيز‪ ،‬والعزة يراد هبا ثالثة َ‬
‫معان‪ :‬عزة القوة والقدرة‪ ،‬وعزة االمتناف‪ ،‬وعزة القهر والغلبة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والرب تبارك وتعاىل له العزة التامة ابالعتبارات ال الثة‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قاادم الناايب ‪ ‬يف دعائااه‪ ،‬مجلااة ماان أجاال العبااادات‪ ،‬واملقامااات العبوديااة تعاااىل بااني ياادي دعائااه‬
‫توسالً عظيماً‪ ،‬من صيص العبودياة لاه تعااىل مان أعماال القلاوب‪ ،‬واألركاان‪ ،‬فبادأ ابإلقارار الكامال لاه‬
‫تعاىل ابإلسالم‪ ،‬واإلميان‪ ،‬والتوكل‪ ،‬والرجوف إليه يف كل مهامه وشاؤونه الدنيوياة‪ ،‬والدينياة‪ ،‬والادفاف عناه‬
‫وا اه اادة لدين ااه ابحلج ااة والق ااوة‪ ،‬مقدم ااة قب اال س اؤالهأ ليك ااون أرج ااى يف القب ااول‪ ،‬فالوس اايلة مقدم ااة عل ااى‬
‫الوسيلة‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬اللهم ّن أعوأ عزتك))‪ :‬استعاذ بصفة من صفاته العظيماة وهاي العازة الكاملاة‪ ،‬فمان‬
‫أراد العزة فليطلبها منه تعاىل‪ ،‬قال ‪ :‬من َكا َن ي ِري ُد ال ِْع َّزَِ فَلِلَّ ِ ال ِْع َّزُِ َِ‬
‫َج عا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫وال تنال العزة إال ابإلميان ابهلل تعاىل‪ ،‬وارضوف لاه والتوكال علياه يف كال األماور‪ ،‬قاال تعااىل‪ :‬وَِِّ‬
‫َّلل‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِْع َّزُِ ولِرسولِ ِ ولِل ِ‬
‫ني َأ يَِن ْعلَ ُْو َن‪.‬‬ ‫ْْ ْ منِ َ‬
‫ني َولَا َّن ال ُْْنَافق َ‬ ‫ََُ َ ُ‬
‫وقاارن هااذه االسااتعاذة ب اا(أ ل ِن أ أِت ِنِنْ) أي ال معبااود حبااق إال أناات مبالغ اةً يف حتقيااق العبوديااة‪،‬‬

‫(‪)42‬مسلم‪ ،‬كتاب الاذكر والادعاء والتوباة واالساتغفار‪ ،‬بارقم ‪ ،2719‬وبنحاوه بارقم‪ ،769 :‬والبخااري‪ ،‬أباواب‬
‫التهجد‪ ،‬باب التهجد باللمل‪ ،‬برقم ‪ ،1120‬وانظر ابرقام‪ ،6317 :‬و‪ ،7385‬و‪ ،7442‬و‪.7499‬‬
‫‪32‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫وطمعاً يف االستجابة‪.‬‬
‫قوله‪(( :‬أن تضل )) أي أعوذ بك أن تغويين وتضلين بعد اهلداية‪.‬‬
‫وال ىلفا ااى يف تقا اادمي ها ااذه التوسا ااالت ما اان األعما ااال الصا اااحلات‪ ،‬وإثبا ااات الوحدانيا ااة لا اارب األرض‬
‫والس ااموات‪ ،‬والتوس ال بكم ااال الص اافات يف االس ااتعاذة م اان الض ااالالت أن ذل ااك ي اادل عل ااى أمهي ااة ه ااذا‬
‫ضلِّ ِّل ا ُ فَ َما لَهُ ِّم ىن َه َاد‪ ،‬وقال عز شأنه‪َ  :‬م ىن يَ َشاِّإ‬
‫املطلب‪ ،‬وأنه مطلب خطري‪ ،‬قال تعاىل‪َ  :‬وَم ىن يُ ى‬
‫اس ُم ىساتَ ِّقي َم‪ ،‬فاادل علااى أن اهلدايااة والضااالل بيااد هللا تعاااىل رب‬ ‫ض الِّىله وم ان ي َشاأى َجيع ىلاه علَاى ِّص ار َ‬
‫َ‬ ‫ا ُ يُ ى ُ َ َ ى َ ى َ ُ َ‬
‫العاملني‪ .‬فينبغي للعبد أن يسأل هللا تعاىل دائماً أن يعصمه مان الضااللة‪ ،‬وأن ياُدمي علياه اهلداياة إىل أن‬
‫يلقاه يوم القيامة‪.‬‬
‫وفيه دليل على جواز االستعاذة بصفة من صفات هللا تعاىل ا ليلة‪.‬‬
‫قولااه‪(( :‬أِتِنِنْ احلِنِني الِنِنهو أ َيِنِنوت واِْنِنن واإلِتِنِنس َيوتِنِنون)) أتكيااد النفاراد هللا تعاااىل ابحلياااة‪ :‬أي‬
‫أناات احلااي لااك احلياااة الكاملااة الاايت ال يعرتيهااا أي نقااص املتصاافة بكاال كمااال‪ ،‬املسااتلزمة لكاال صاافات‬
‫الااذات‪ ،‬فحياتااه تعاااىل ال يعرتيهااا نااوم‪ ،‬وال نعاااس‪ ،‬وال تبيااد‪ ،‬وال تفااىن‪ ،‬وارلااق كلهاام‪ ،‬ميتااون ومنتهااون‪،‬‬
‫وت‪ ،‬وقال تعاىل‪ُ  :‬ك ُّ َش ْي ٍء َهالِك َِّأ َو ْج َه ‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪َ  :‬وتَِن َوَّك ْ َعلَ ا ْحلَ ِي الَّ ِهو َأ ََيُ ُ‬
‫ففي هذا الادعاء املباارك مجاع يف بداايتاه‪ ،‬وطياتاه وهناايتاه‪ ،‬توسالني مان التوساالت العظيماة إىل هللا‬
‫تعاااىل‪ :‬التوسال ابلعماال الصاااحلأ كقولااه‪(( :‬اللَّهِنِنم لِنِنك أسِنِنلْْح و ِنِنك آمنِنِنْح وعل ِنِنك توكلِنِنْ‪،))...‬‬
‫والتوسل أبمسائه احلسىن وصفاته العُالأ كقوله‪(( :‬أِتْ احلي الهو أ َيوت‪.))...‬‬
‫وكاال ذلااك لبيااان أمهيااة االسااتعاذة ماان الضاااللة‪ ،‬فإهنااا تااورد امل اوارد املهلكااة‪ ،‬وتضاايع الاادين والاادنيا‬
‫وا خرة‪ ،‬ويف العصمة منها النجاة من كل مرهوب‪ ،‬وحصول كل مرغوب‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫َلم َِ ِمِن ْن ُكِن ِ‬‫ِن‬‫س‬ ‫ال‬‫و‬ ‫ح‬‫ك‬ ‫ِنات ر ْْتِِنكح وعِنزائِم م ْغ ِفرتِ‬
‫ِن‬ ‫‪(( -19‬اللَّ ُهِن َّم َّق ِتَسِنألُ َ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ك ُموجبِن َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ٍُثح والغَنِ َْ َِ ِم ْن ُك ِ ِ ٍرح والَف ْوَد ِبَْن َِِّح والنَّجا َِ ِم َن النَّا ِر))(‪.)43‬‬
‫املفردات‪:‬‬
‫موجبات‪ :‬بكسر ا يم‪ ،‬مجع موجبة‪ ،‬وهي ما أوجبت لقائلها الرمحة من قربه‪.‬‬
‫عزائم‪ :‬مجع عزمية‪ ،‬والعزمية عقد القلب على إمضاء األمر‪.‬‬

‫(‪ )43‬الحاكم‪ ،525/1 ،‬وصححه‪ ،‬ووايقه الذابا‪ ،‬والبمهقا يا الدعوات‪ ،‬بارقم ‪ ،206‬وانظار‪ :‬ابذكاار للناووي‪،‬‬
‫ص‪.340‬‬
‫‪33‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫الشرح‪:‬‬
‫هذا الدعاء من جواماع الكلام الايت أوتيهاا سايد األولاني وا خارين ‪ ،‬فإناه ساأل أوالً أن يرزقاه ماا‬
‫يوجب له رمحته ‪ ،‬من األقوال‪ ،‬واألفعال‪ ،‬وارصال‪ ،‬فقد دخل باذلك حتات رمحتاه الايت وساعت كال‬
‫شيء‪ ،‬واندرال يف سلك أهلها‪ ،‬ويف عداد مستحقها‪.‬‬
‫ُث سأل ا تعاىل أن يهب له عزماً على ارري يكون سبباً ملغفرته من األعمال واألقوال كذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫وذنوب مستأنفة‪ ،‬سأل رباه‬ ‫ُخر‪،‬‬ ‫وملا كان اإلنسان بعد مغفرة ذنوبه ال دمن من الوقوف يف َ‬
‫معاص أ َ‬
‫‪ ،‬أن يرزقه السالمة واحلفظ‪ ,‬من كل الذنوب وا اثم‪ ،‬كائناَ ما كان‪ ،‬كما دل عليه ((ك )) اليت تفيد‬
‫العموم والشمول يف كل فرد من أفرادها‪.‬‬
‫ُث ساأل مااا يكماال لااه يف كماال العبوديااة ماان األعمااال الصاااحلات‪ ،‬ومان ذلااك التوفيااق إىل كاال نااوف‬
‫من أنواف الرب‪ ،‬وهو الطاعة بشىت أنواعها‪ ،‬وكيفياهتاا‪ ،‬ويف التعباري ((ِبلغن ِْنِنِ))‪ ،‬وهاو الظفار‪ ،‬ومناه الغناائم‬
‫يف احل اارب‪ ،‬وه ااي م ااا يص اايب املس االمون م اان أم اوال أه اال احل اارب دالل ااة عل ااى ش اادة العناي ااة‪ ،‬والرج اااء يف‬
‫احلصول على هذه الغنيمة ا ليلة‪.‬‬
‫ُث خاتم الساؤال والطلاب أبغلاى ماراد مطلاوب يف ا خاارة‪ ،‬وهاي ا ناة‪ ,‬وساأل الساالمة والنجااة ماان‬
‫أشد مرهوب يف دار ا خرة‪ ,‬وهي النار‪ ،‬والعياذ ابهلل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪(( -20‬اللَّ ُه َّم ا ْغ ِف ْر ِِل َأِتِْ ح َوَو ِس ْم ِِل ِ َدا ِروح َوَِب ِر ْك ِِل ِ ِر ْدقِي))(‪.)44‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قولِن ِن ‪(( :‬الله ِنِنم))‪ :‬اي ا أبمسائ ااك احلس ااىن‪ ،‬وص اافاتك العُ اال‪ ،‬أس ااألك أن تس اارت عل ااي ك اال ذن ااويب‪،‬‬
‫فتمحها‪ ،‬فإن الذنوب إذا تراكمت قَست القلب‪ ،‬وفَسدت احلال‪ ,‬وامل ل‪ ،‬وأوردت دار البوار‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬وو ِس ِنم ِل دارو))‪ :‬ووسااع حماال سااكين يف الاادنيا‪ ،‬ألسااعد ابلسااكن الواسااع اهلااينءأ ألن‬
‫ضيق املرافق والدار يُضيِّق الصدر‪ ،‬ويشتت األمتعة‪ ،‬وجيلب اهلم‪ ،‬ويشغل البال‪.‬‬
‫وقيل املراد القرب‪ :‬إذ هو الدار احلقيقية‪ ،‬أي فوسع قربي‪ ،‬واجعله روضة من رايض ا نة‪.‬‬
‫وال مانع من أن ينوي الداعي بذلك هذين األمرين حىت حيصل على السعادتني‪.‬‬

‫(‪ )44‬أخرجه أحمد‪ ،144 /27 ،‬برقم ‪ ،16599‬والترماذي‪ ،‬كتااب الادعوات‪ ،‬بااب حادثنا علاا بان حجار‪ ،‬بارقم‬
‫‪.3500‬‬
‫‪34‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫قول ِن ‪(( :‬وِبرك ِل ردق ِنِني))‪ :‬أي اجع اال رزق ااي ح ااالالً طيب ااً‪ ،‬حمفوظ ااً ابلنم اااء‪ ،‬وال ازايدة يف ار ااري‪،‬‬
‫ووفقين ابلرضا اا قسمته ي‪ ،‬وعدم التفات إىل غريه‪.‬‬
‫اهن تركن‬‫وقد جاء أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال للرجل الذي مسع منه هذا الدعاء‪(( :‬فه تر َّ‬
‫ش ا؟))‪ ،‬وهذا االستفهام منه ‪ ‬لبيان أهنن مل يرتكن شيئاً من خاريي الادنيا وا خارة‪ ،‬وهاذا مان جواماع‬
‫الكلم اليت أوتيها النيب ‪ ,‬وذلك أن املغفرة هي تنقية العبد من آاثر الذنوب وا اثم‪ ،‬وهاذا يوصال إىل‬
‫دخاول ا نااان‪ ,‬وب َسا َعة الاادار‪ ،‬وبركاة الاارز احلااالل يف احلاال‪ ،‬حيااىي احليااة الطيبااة اهلنيئاة يف هااذه الاادار‪،‬‬
‫وهذه كمال السعادة املرجوة يف الدارين‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫كح فَِإِتَّ ُ أَ َيَِْل ُا َها ِأَّ أَِتْ َ‬


‫ْ))(‪.)45‬‬ ‫ك َوَر َْْتِ َ‬ ‫َسأَلُك ِم ْن فَ ْ‬
‫ضِل َ‬ ‫‪(( -21‬اللَّ ُه َّم ِّن أ ْ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫((فضلك))‪ :‬الفضل هو الزايدة عن االقتصار‪.‬‬
‫واإلفضال‪ :‬اإلحسان‪ ،‬والفواض ‪ :‬األايدي ا ميلة‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ضِنلِ ِ‪ ‬أي اساألوا ا‬ ‫اَّللَ ِمِن ْن فَ ْ‬
‫سأل املصطفى ‪ ‬مان فضال ا كماا أمار ‪ ‬باذلك‪َ  :‬وا ْسِنأَلُوا َّ‬
‫ضِن َ َِِن ِد‬
‫تعاىل مان مزياد إحساانه و إنعاماه مان أماور الادنيا وا خارة كماا قاال جال وعاال‪ :‬قُِن ْ ِ َّن الْ َف ْ‬
‫َِّ‬
‫اَّلل يُِن ْ تِ ِن ِ َمِن ْن يَ َشِناء‪ ،‬حيااث إن الفضال بيااده جاال وعاال يتصاارف فياه كيااف شاااء‪ ،‬ويعطياه ماان شاااء‪,‬‬
‫بكمال احلكمة والقدرة‪ ,‬فال يُسأل إال منه‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬اللَّهم ّن أسِنِنألك مِنِنن فضِنِنلك ورْتِنِنك))‪ :‬أي أساألك اي ا الازايدة مان خاريك وعطائاك‬
‫وآالئااك الاايت ال غااىن ي عنهااا‪ ,‬وأسااألك رمحتااك الاايت وسااعت كاال شاايء‪ ,‬أن تسااب علااي ماان رمحاتااك‪،‬‬
‫وتعطفك الدائم عليأ ألنه اي ريب ال غىن ي عن فضائلك ورمحاتك طرفة عني‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ومرساالها‪،‬‬ ‫قولِن ‪(( :‬فإِتِن أ َيلاهِنِنا أ أِتِنِنْ))‪ :‬أي ال ميلاك الفضاال و الرمحاة غاريك‪ ،‬فإنااك ُمقادرها ُ‬
‫فال يطلبان إال منكأ ألنه ‪ ‬هو مالك كل شيء‪ ,‬وله كل شيء‪ ،‬ومقدر لكل شيء‪ ،‬فاال يساأل إال‬
‫منه جل وعال‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )45‬أخرجه الطبرانا يا الكبمر‪ ،178 /10 ،‬وابن أبا شمبة‪ ،94 /7 ،‬ودالئال النباوة للبمهقاا‪ ،128 /6 ،‬وقاال الهمثماا‬
‫يا مجمع الزوائد‪(( :159/10 ،‬رجاله رجال الصحمح غمر محمد بن زماد واو ثقة))‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫وم ْن ُد َع ٍاء أَ يُ ْس َْ ُمح َوِم ْن ِتَِن ْفِن ٍ‬


‫س‬ ‫ْي أَ َ ْ َشمح ِ‬
‫ُ‬ ‫ك ِم ْن قَِنل ٍ‬‫َعوأُ ِ َ‬ ‫‪(( -22‬اللَّ ُه َّم ِِّن أ ُ‬
‫ك ِم ْن َه ُأَِء اََ ْرَ ِم))(‪.)46‬‬
‫َعوأُ ِ َ‬‫أَ تَ ْشَب ُمح َوِم ْن ِعل ٍْم أَ يَِنْنِنَف ُمح أ ُ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬اللَّهِنِنم ّن أعِنِنوأ ِنِنك مِنِنن قلِنِني أ شِنِنم))‪ :‬اي ا الااذي لااه األمساااء احلسااىن‪ ،‬والصاافات‬
‫العُال‪ ,‬أعذين من قلب ال ىلشع لذكرك وموعظتك‪ ,‬وال تؤثر فيه النصيحة‪ ،‬وذلك القلب القاسي‪ ,‬قال‬
‫ض ََل ٍل ُمبِ ٍ‬
‫ني‪.‬‬ ‫كِ َ‬ ‫وِبم ِمن ِأ ْك ِر َِّ‬
‫اَّلل أُولَِ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫تعاىل‪ :‬فَِن َويْ ل ْل َقاسَِ قُِنلُ ُُ ْ ْ‬
‫ِناء أ يُس ِنِنْم))‪ :‬أع ااوذ ب ااك م اان دع اااء ال يُس ااتجاب‪ ،‬وال يُعت ااد ب ااه‪ ,‬فكأن ااه غ ااري‬ ‫قولِن ِن ‪(( :‬وم ِنِنن دع ِن ٍ‬
‫مسااموف‪ ,‬وذلااك أبن يكااون الاادعاء يكرهااه ا أ ملااا فيااه ماان إُث أو قطيعااة رحاام‪ ،‬وكااون الااداعي مل دت‬
‫بشروس الدعاء‪ ,‬مان اإلخاالص‪ ,‬واملأكال احلاالل‪ ,‬وغاري ذلاك‪ ,‬ومان مل يساتجب ا دعااءه فقاد خااب‬
‫وخساارأ ألن ااه طُارد م اان الب اااب ال ااذي ال يُس ااتجلب ار ااري إال من ااه‪ ،‬وال يُس ااتدفَع الض اُّار إال من ااهأ ألن ا‬
‫بيب للدعاء‪ ،‬فمن ُحرم ذلك فقد ُحرم ارري كله‪ ،‬والعياذ اب ‪.‬‬ ‫تعاىل كرمي مسيع قريب‪ٌ ،‬‬
‫قولِن ‪(( :‬ومِنِنن ِتفِنِنس أ تشِنِنبم))‪ :‬وأعااوذ بااك ماان نفا ال تقنااع اااا أتيتهااا ماان خااريك وعطائااك‪ ,‬وال‬
‫تشبع من مجع احلطام‪ ،‬واحلرام‪ ،‬وال تشبع من ك رة الطعام‪ ،‬واإلنعام الذي يؤدي إىل النهمة‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأعوأ ك من علم أ ينفم))‪ :‬أعذين من علم ال أعمل به‪ ،‬وال أنتفاع باه‪ ،‬وال أُعلِّماه‪ ،‬وال‬
‫يُهذب األخال واألعمال واألقوالأ ألن العلم النافع هو الاذي يزياد يف اراوف مان ا تباارك وتعااىل‪،‬‬
‫ويزيد يف بصرية العبد بعيوب نفسه‪ ,‬وآفات عمله‪ ,‬ويزهد يف الدنيا‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬أعوأ ك من ه أء اَر م))‪ :‬زايدة يف أتكيد أمهية االستعاذة من هؤالء األربع‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ل مر َ‬ ‫ك ا ْْنََِّ وأَست ِجْي ِ َ ِ‬


‫ات)‪.‬‬ ‫ك م َن النَّا ِر)) (ثَالَ َ َ‬ ‫َسأَلُ َ َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫‪(( -23‬اللَّ ُه َّم ِّن أ ْ‬
‫(‪)47‬‬

‫(‪ )46‬الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب حدثنا أبو كرمب‪ ،‬برقم ‪ ،3482‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الوتر‪ ،‬باب يا االساتعاذة‪،‬‬
‫برقم ‪ ،1549‬والنسائا‪ ،‬كتاب االستعاذة‪ ،‬االستعاذة من الشقاق والنفاق‪ ،‬برقم ‪.5470‬‬
‫(‪ )47‬أخرجه الترمذي‪ ،‬كتاب صفة الجنة‪ ،‬باب ما جاء يا صافة أنهاار الجناة‪ ،‬بارقم ‪ ،2572‬وابان ماجاه‪ ،‬بارقم‬
‫‪ ،3340‬والنسائا‪ ،‬كتاب االستعاذة‪ ،‬االستعاذة من حار الناار‪ ،‬بارقم ‪ ،5521‬والنساائا ياا الكبار‪،33 /6 ،،‬‬
‫واممااااااااااااااااااااااام أحمااااااااااااااااااااااد‪ ،408 /20 ،‬باااااااااااااااااااااارقم ‪ ،13173‬والحاااااااااااااااااااااااكم‪،‬‬
‫‪. 535 /1‬‬
‫‪36‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫الشرح‪:‬‬
‫ولفظ احلديث‪(( :‬من سأل ا اْنِ َلث مرات قالْ اْنِ‪ :‬اللهم أدخل اْنِح ومن استجار من‬
‫النار َلث مرات قالْ النار‪ :‬اللهم أجرِ من النار))‬
‫اَّلل اْنِ))‪ :‬أي دخوهلا بصد ‪ ،‬وإميان‪ ،‬وحسن نية‪ ،‬وإحلاد‪.‬‬ ‫قول ‪(( :‬من سأل َّ‬
‫قول ِن ‪(( :‬قالِنِنْ اْنِنِنِ‪ :‬اللَّهِنِنم أدخل ِن اْنِنِنِ))‪ :‬فيااه تعظاايم للسااائل‪ ،‬حيااث إن ا تعاااىل ىللااق هلااذه‬
‫الدار احلياة والقدرة على النطاق باذكره‪ ،‬وهاي مجااد‪ ،‬وهاذا مان كماال قادرة رب العااملني‪ ،‬وأناه ال يعجازه‬
‫شيء جل وعال‪ ,‬كما أنطق احلصى ابلتسبيح والطعام يف عهد النايب‪، ‬كماا يف قاول ابان مساعود ‪‬‬
‫‪... (( :‬ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)) أي على عهد النيب ‪.‬‬
‫قوله ‪ (( :‬ومن استجار ‪ )) ...‬احلديث‪ :‬كسابقه‪.‬‬
‫وهنااا يف إنطااا النااار علااى الكااالم حقيقتااه‪ ،‬حيااث تطلااب ماان خالقهااا أن ُِّ ا ىرهُ ماان النااار إذا أتااى‬
‫ابلعدد املذكور‪ ،‬وهو ال الثاةأ فاإن التقياد هباذا العادد مشاروس يف جعال ا هلاذه ا ماادات القادرة علاى‬
‫النطق النطا ا تعاىل هلااأ فاإن ذلاك يُعطاي املاؤمن العازم‪ ،‬وا اد يف الساؤال والطلاب الحلااد‪ ،‬والتقياد‬
‫ابلعدد ثالثة هو أقل درجات اإلحلاد يف الدعاء‪ ،‬وا أعلم‪.‬‬
‫ودل هااذا احلااديث ا لياال علااى عظاام فضاال ا ‪ ‬لعباااده الااداعني‪ ،‬وأنااه تعاااىل يسااخر هلاام ا نااة‬
‫والنااار علااى عظمهم ااا يف التوس ال إىل ا ‪ ،‬وال اادعاء هلاام‪ ,‬كم ااا سخا اار هل اام املالئكااة الك ارام العظااام محل ااة‬
‫الع اارد يف ال اادعاء هل اام‪ :‬الَِّن ِن ِهين َُْي ِْلُِن ِنو َن الْعِن ِنر ومِن ِنن حولَِن ِن ُ يسِن ِنبِحو َن َِِْن ِن ِد رِبِِِن ِنم ويِن ْ ِمنُِن ِنو َن ِِن ِن ِ‬
‫َ ْ َ ََ ْ َ ْ ُ َ ُ َ ْ َ ْ َُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ك‬ ‫ين َ ُِنوا َواتَِّنبَِنعُِنوا َسِنب لَ َ‬ ‫ْ ُكِن َّ َشِن ْيء َر َِْْنِ َوع ْلِْنا فَِنا ْغف ْر للِنه َ‬
‫آمنُِنوا َرَِّننَِنا َوسِن ْع َ‬
‫ين َ‬‫َويَ ْسِنتَِنغْف ُرو َن للَِّنه َ‬
‫َّات َع ْد ٍن الَِّ و َعِن ْد َُتُم ومِنن صِنلَح ِمِنن آِبئِ ِهِنم وأَ ْدو ِ‬
‫اج ِهِن ْم‬ ‫وقِ ِهم َع َهاب ا ْْ ِح ِم * رَِّننَا وأَ ْد ِخل ُْهم جن ِ‬
‫َ ْ ََ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫ْ ال َْع ِز ُيز ا ْحلَا ُم‪. ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َوأُ ِرَّةُت ْم ِتَّ َ‬
‫ك أَِتْ َ‬
‫كمااا أن الشااارف احلكاايم شاارف لنااا ساؤال ا تعاااىل ا نااة كااذلك‪ ،‬وح نااا علااى ساؤال أعالهااا‪ ،‬وهااي‬
‫اَّلل فاسألوِ الفردوس اَعل ))‪.‬‬ ‫الفردوس األعلى‪ ,‬قال النيب ‪ (( :‬أا سألتم َّ‬
‫فينبغي للعبد أن يك ر الدعاء بسؤال ا تعاىل تلكم املنزلة العظيمة اليت فوقها عرد الرمحن‪ ،‬ولي‬
‫فوقها منزلة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫اب َواحلِ ْا َْ ِِ]))(‪.)48‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫‪(( -24‬اللَّ ُه َّم فَِنق ْه ِ ِ الدي ِن اللَّ ُه َّم َعل ْْ ِ الاتَ َ‬

‫(‪ )48‬مدل علمه روامة البخاري ومسلم يا دعاء النبا ‪ ‬البان عبااس رَضِيَِاللِ ُهِعَنْهُمَِا‪ .‬البخااري‪ ،‬كتااب الوضاوء‪ ،‬بااب‬
‫‪37‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫عنهما‪(( :‬اللهم فقهاه يف الادين))‪ .‬ويف لفاظ‪:‬‬ ‫رضي ا‬ ‫هذا الدعاء مأخوذ من دعاء النيب ‪ ‬البن عباس‬
‫((اللَّهم علْ الاتاب واحلاِْ))(‪.)49‬‬
‫فيسن للداعي أن جيمع بني هذه الرواايت يف الدعاء‪ ،‬فيقول‪(( :‬اللَّهم علْ الاتابح واحلاِْنِنِح‬
‫ُّ‬
‫الدين))‪.‬‬ ‫وفقه‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قولِن ‪(( :‬اللَّهِنِنم علْ ِن الاتِنِناب)) أي كتاااب ا ‪ ،‬القاارآن‪ ،‬فهااذا الساؤال تضاامن التوفيااق إىل‬
‫تعلم أفضل العلوم‪ ،‬وأمساها‪ ،‬وهو القرآن الذي جيمع كال العلاوم الشارعية املطلوباة‪ ,‬الاذي عليهاا الفاالد‬
‫يف الدارين‪.‬‬
‫ْيُك ْم َم ْن تَِن َعلَّ َم الْ ُق ْرآ َن َو َعلَّ َْ ُ))‪.‬‬
‫قال النيب ‪َ (( :‬خ ْ ُ‬
‫قول ‪(( :‬احلاِْ))‪ :‬أي السنة النبوية‪.‬‬
‫الدين)) الفقه يف اللغة الفهم‪ ،‬قال ا تعاىل‪َ  :‬وِ ْن ِمِن ْن َشِن ْي ٍء َِّأ يُ َسِنبِ ُح‬ ‫قول ‪(( :‬اللَّهم فقه‬
‫ََِ ْْ ِن ِدِِ َولَ ِا ِن ْن َأ تَِن ْف َق ُه ِنو َن تَ ْس ِنبِ َح ُه ْم ِِتَِّن ُ َك ِنا َن َحلِ ْ ِنا غَ ُف ِنورا‪ .‬أي معرفااة األحكااام الشاارعية‪ ،‬وكيفيااة‬
‫االستنباس منها يف الكتاب و السنة‪.‬‬
‫الدين‪ ،‬وأن من رزقه ا تعاىل الفقه يف الدين انل حمبته ‪ ‬الايت هاي‬ ‫وبني النيب ‪ ‬أمهية الفقه يف ِّ‬
‫اَّللُ خْيا يفقه الدين))‪.‬‬ ‫أعظم احملاب‪ ،‬وأعالها‪ ،‬فقال ‪(( :‬من يُ ِرِد َّ‬
‫وهااذا ياادل علااى أن ماان مل يفقهااه يف دينااه مل ياارد بااه خارياً‪ ،‬كمااا أن ماان أراد بااه خارياً فقهااه يف دينااه‪،‬‬
‫وَم ان فقهااه يف دينااه فقااد أراد بااه خ ارياً إذا أريِنِند ِبلفق ِن العلِنِنم املسِنِنتلز للعْ ِن ‪ ،‬وأمااا إن أريااد بااه باارد‬
‫العلاام‪ ،‬فااال ياادل علااى أن ماان فقااه يف الاادين فقااد أريااد بااه خ ارياًأ فااإن الفقااه حينئااذ يكااون شاارطاً إلرادة‬
‫ارري‪ ،‬وعلى األول يكون موجباً‪.‬‬
‫فتضمنت هذه الدعوات املهمات التوفيق إىل أكمل العلاوم‪ :‬الكتااب‪ ،‬والسانة‪ ،‬والفهام‪ ،‬واملعرفاة يف‬
‫االجتهاد فيهما‪ ،‬فينبغي للعبد طالب العلم خاصة أن يك ر من هذا الدعاء املبارك‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫وضع الماء عند الخةء‪ ،‬برقم ‪ ،143‬ومسلم‪ ،‬كتاب يضائل الصحابة ‪ ،‬باب يضائل عبد ّ‬
‫ّللا بن عباس‬
‫رَضِيَِاللِ ُهِ‬
‫عَنْهُمَِا‪ ،‬برقم ‪ ،2477‬وما بمن المعقويمن‪ ،‬البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬بااب قاول النباا ^‪ :‬اللهام علماه الكتااب‪ ،‬بارقم‬
‫‪ ،75‬ورقم ‪ ،3756‬ورقم ‪.7270‬‬
‫(‪ )49‬البخاري‪ ،‬برقم ‪ ,75‬ورقم ‪ ،143‬وتقدم تخرمجه يا الحاشمة السابقة‪.‬‬
‫‪38‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫‪(( -25‬اللَّ ُه َّم اِْتِنَف ْعِ ِِبَا َعلَّ َْْتِ ح َو َعِل ِْْ َما يَِنْنِنَف ُعِ ح َوِدْدِّن ِعلْْا))(‪.)50‬‬
‫))‬ ‫ِن‬ ‫ِبَّلل مِنِنن حِنِنال أهِن النِنِنار))(‪ ،)51‬ويف لفا َاظ آخاار‪(( :‬واردقِن علِْنِنا تنفعِن‬
‫ويف لفا َاظ‪(( :‬وأعِنِنوأ َّ‬
‫(‪.)52‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هااذا احلااديث اشااتمل علااى دعااوة جامعااة تتعلااق ابلعلاام‪ ،‬ومااا ينبغااي أن يكااون عليااه شااأن املساالم‪،‬‬
‫وطالب العلم مع العلم‪ ،‬وهو يتكون من أربع مجل‪ ،‬ثالل منهاا يف حتقياق هاذا املطلاب ا ليال واملقصاد‬
‫العظيم للعلم‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬اللَّهم اِتفعِن ِبِنِنا علْتِن ))‪ :‬أي أساألك اي ا االنتفااف ااا أتعلماه مان العلاوم املفيادة‪ ،‬وأن‬
‫أعمل اقتضاه خالصاً لوجهك الكرمي‪ ،‬ال لالنتفاف به يف أغراض الدنيا وزخرفها‪ ،‬ومن رايء ومسعةأ فإن‬
‫العلاام النااافع هااو املقصااود‪ ،‬والوساايلة بااه إىل التعبااد تعاااىل‪ ،‬فيصاالح األعمااال‪ ،‬واألق اوال الظاااهر منهااا‬
‫والباطن‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وعلْ ما ينفع ))‪ :‬فيه سؤال ا أن مين عليه ابلعلم النافع‪ ،‬وهو علم الشاريعة الاذي فياه‬
‫صالد الدين والدنيا من العبادات واملعامالت‪ ،‬والعلم اب وأبمسائاه وصافاته الاذي هاو أشارف العلاوم‪،‬‬
‫وما جيب له من القيام أبمره‪ ،‬وحتقيق طاعته‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وددّن علْا))‪ :‬أي زدين علماً إىل ما علمتين‪ ،‬كماا قاال تعااىل لنبياه ‪َ  : ‬وقُِن ْ َر ِ‬
‫ب ِد ْدِّن‬
‫ِعلْْا‪ ،‬ومل دمر نبيه بزايدة يف أي أمر إال يف العلمأ فاإن الازايدة فياه ترقاي العباد إىل الازايدة يف املعاارف‬
‫والعل ااوم ال اايت تقتض ااي العم االأ ف ااإن العل اام وس اايلة للعم اال‪ ،‬وه ااو أول املع ااارف‪ ،‬وأص االها ق ااال ا تع اااىل‪:‬‬
‫ني والْْ ْ ِمنَ ِ‬
‫ات‪.‬‬ ‫ك ولِل ِ ِ‬ ‫اَّللُ‪ُ ،‬ث العمل‪ :‬و ْ ِ ِ ِ‬ ‫‪‬فَا ْعلَ ْم أَِتَّ ُ َأ ِلَ َ َِّأ َّ‬
‫ْْ ْ من َ َ ُ‬
‫استَِنغْف ْر ل َهِتْب َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫وهنا أمر ال بد من التنبيه إليه‪ ،‬أن من يدعو ا تعاىل أبن مينحه العلم الناافع‪ ،‬وأن ينفعاه ااا علماه‬
‫كما يف الدعاء السابق‪ ،‬البد له مع الدعاء من باذل األساباب املشاروعة لتحصايل العلامأ فِنِنإن اَدع ِنِنِ‬
‫القرآِت ِ والنبويِ اَمر ِباح والمناء عل الداعني ِباح يستتبم لوادمها ومتْْاُتاح فس ال َّ‬
‫اَّلل اْلدايِ‬
‫يستدعي فع َج م اَسباب ال تدرك ِبا اْلدايِ العلْ ِ والعْل ِ‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأعِنِنوأ َّ‬
‫ِبَّلل مِنِنن حِنِنال أهِن النِنِنار))‪ :‬اساتعاذ مان حااهلم ملاا فياه مان األمل الشاديد‪ ،‬والعاذاب‬

‫(‪ )50‬أخرجه الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب حدثنا أبو كرمب‪ ،‬برقم ‪ ،3599‬وابن ماجاه‪ ،‬المقدماة‪ ،‬بااب االنتفاا‬
‫بالعلم‪ ،‬برقم ‪ ،251‬وابن أبا شمبة‪.281 /10 ،‬‬
‫(‪ )51‬الترمذي‪ ،‬كتااب الادعوات‪ ،‬بااب حادثنا أباو كرماب‪ ،‬بارقم ‪ ،3599‬ابان ماجاه‪ ،‬كتااب ابدب‪ ،‬بااب يضال‬
‫الحامدمن‪ ،‬برقم ‪.،3804‬‬
‫(‪ )52‬أخرجااه النسااائا يااا الكباار‪ ،444 /4 ،،‬والحاااكم‪ ،‬وصااححه‪ ،510 /1 ،‬والاادعوات الكبماار للبمهقااا‪/1 ،‬‬
‫‪.158‬‬
‫‪39‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫املديد‪ ،‬وهذا حال من مل ينتفع بعلمه‪ ،‬ومل يعمل به‪ ،‬فكان حاله ومصريه هو عذاب النار والسعري‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ك ِعلْْا َقفِعاح َوِر ْدقا طَِباح َو َع ََْل ُمتَِن َقبََّل))(‪.)53‬‬ ‫‪(( -26‬اللَّ ُه َّم ِِّن أ ْ‬
‫َسأَلُ َ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هااذا الاادعاء املبااارك الااذي كااان ‪ ‬يسااتفتح بعااد صااالة الصاابح بااه كاال يااوم يف غايااة املناساابةأ ألن‬
‫الصبح هو بداية اليوم ومفتتحه‪ ،‬واملسلم لي له مطمع يف يوماه إال حتصايل هاذه األهاداف‪ ،‬واملقاصاد‬
‫العظيم ااة‪ ،‬واأله ااداف النبيل ااة يف حتدي ااد مهت ااه يف أول النه ااار‪ ،‬وه ااي ((العل ِنِنم الن ِنِنافمح وال ِنِنردق الط ِنِنيح‬
‫والعِْن ِن املتقب ِن ِن ))‪ ،‬وكأنا ااه يف افتتاحا ااه ليوما ااه با ااذكر ها ااذه املقاصا ااد ال الثا ااة دون غريها ااا‪ ،‬حيا اادد أهدافا ااه‬
‫ومقاصده يف يومه‪ ،‬وال ريب يف ذلك أناه أمجاع للقلاب‪ ،‬وأضابط لساري العباد‪ ،‬ومسالكه يف هاذه احليااة‪،‬‬
‫وفيااه اسااتعانة وتضاارف لربااه يف صااباحه‪ ،‬وأول يومااه أن ميااد لااه العااون‪ ،‬وارااري‪ ،‬والتوفيااق للسااري علااى هااذه‬
‫األهداف كل يومأ فإن هذه املقاصد ال الل عليها الفالد يف الدنيا وا خرة‪.‬‬
‫وأتمل كياف بادأ النايب ‪ ‬هاذا الادعاء بساؤال ا العلام الناافع‪ ،‬قبال ساؤاله الارز الطياب‪ ،‬والعمال‬
‫املتقبل‪ ،‬ويف هذا إشارة إىل أن العلم النافع مقادم باه‪ ،‬وباه يبادأ‪ ،‬قاال ا تعااىل‪ :‬فَِنا ْعلَ ْم أَِتَِّن ُ َأ ِلَِن َ َِّأ‬
‫ني َوال ُْْ ْ ِمنَات‪ ،‬فبدأ ابلعلم قبل القول والعملأ ألنه ال ميكن أن يكاون‬ ‫ك ولِل ِ‬
‫ْْ ْ منِ َ‬ ‫اَّللُ و ْ ِ ِ ِ‬
‫استَِنغْف ْر ل َهِتْب َ َ ُ‬ ‫َّ َ‬
‫العمل صحيحاً وموافقاً للكتاب والسنة دون علم‪ ،‬ويف البدء ابلعلم النافع حكمةٌ ظااهرة ال فاى علاى‬
‫املتأمل‪ ،‬أال وهي أن العلم النافع به يستطيع املرء أن مييز بني العمل الصاحل وغري الصاحل‪ ،‬ويساتطيع أن‬
‫مييز بني الرز الطيب وغري الطيب‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬علْا قفعا)) فيه داللةٌ على أن العلم نوعان‪:‬‬
‫َّلل ِم ِن ْن‬
‫اَّلل ِع ْلْ ِنا قفِعِنِناح وتَعِن َِّنوأُوا ِِب َِّ‬
‫َ‬ ‫علا ٌام انفااع‪ ،‬وعلاام لااي بنااافع‪ ،‬كمااا جاااء يف احلاديث‪َ (( :‬س ِنلُوا ََّ‬
‫ِعِن ِن ِنِنل ٍْم َأ يَِن ْنِن َف ِن ُم))‪ ،‬قااال احلساان البصااري رمحااه ا ‪(( :‬العلاام علمااان‪ ،‬علاام ابللسااان‪ ،‬وعلاام ابلقلااب‪ ،‬فعلاام‬
‫القلب هو العلم النافع‪ ،‬وعلم اللسان هو حجة ا على ابن آدم))‪ ،‬فالعلم الناافع هاو ماا ابشار القلاب‪،‬‬
‫فأوجااب لااه السااكينة وارشااوف‪ ،‬واإلخبااات تعاااىل‪ ،‬وإذا مل يباشاار القلااوب ذلااك ماان العلاام‪ ،‬وإمنااا كااان‬
‫على اللسان فهو حجة ا على بين آدم‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬ردقا ط با)) فيه إشارة كذلك إىل أن الرز نوعان‪ :‬طيب‪ ،‬وخبياث‪ ،‬وا تعااىل ال يقبال إال‬
‫الر ُس ِن ُ ُكلُ ِنوا ِم ِن َن‬
‫طيب ااً‪ ،‬وقااد أماار ا تعاااىل املااؤمنني اااا أماار بااه املرساالني‪ ،‬فقااال جاال وعااال‪َ  :‬ة أَيُِّن َه ِنا ُّ‬

‫(‪ )53‬أخرجه ابن ماجه‪ ،‬كتاب الصةة‪ ،‬باب ما مقال بعاد التسالمم‪ ،‬بارقم ‪ ،925‬والنساائا ياا السانن الكبار‪/6 ،،‬‬
‫‪ ،31‬برقم ‪ ،9850‬ويا عمل الموم واللملة له‪ ،‬برقم ‪.102‬‬
‫‪40‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫احلا‪ ,‬وقال تعااىل‪ :‬ة أَيُِّن َهِنا الَِّن ِهين آمنُِنوا ُكلُِنوا ِمِنن طَِبِن ِ‬
‫ات وا ْعْلُوا ص ِ‬
‫ِ‬
‫ات َمِنا َرَدقِْننَِنا ُك ْم‪ ،‬فاإن‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫الطَِّبَ َ َ َ‬
‫من أعظم األسباب املوجبة إلجابة الدعاء طيب املأكل‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬عَْل متقبَل)) فيه إشارة إىل أنه لي كل عمل يتقرب به العبد إىل ا متقابالً‪ ،‬بال املتقبال‬
‫مان العمال هاو الصااحل فقاط‪ ،‬والصااحل هاو مااا كاان تعااىل وحاده‪ ،‬وعلاى هادي وسانة املصااطفى ‪،‬‬
‫فال بد أن يكون خالصاً ‪ ،‬وصواابً على هدي النيب ‪. ‬‬
‫فهااذا دعاااء عظاايم النفااع‪ ،‬كب ااري الفائاادة‪ ،‬حيساان ابملساالم أن حيااافظ علي ااه كاال صااباد‪ ،‬أتس اياً ابلن اايب‬
‫الكارمي ‪ُ ،‬ث يُتباع الادعاء ابلعمال‪ ،‬فيجماع باني الاادعاء‪ ،‬وباذل األساباب‪ ،‬وهاذا أكمال الادعاءأ لينااال‬
‫هذه ارريات العظيمة‪ ،‬واألفضال الكرمية‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫َسَتِن ْغِفُرَك لِ َْا أَ أَ ْعَل ُم))(‪.)54‬‬
‫الل ُه َّم ِّن أ َُعوُأ ِ َك أَ ْن أ ُْش ِرَك ِ َك َوأََق أَ ْعَل ُمح َوأ ْ‬
‫‪َّ (( -27‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫اشتمل هذا احلديث على االستعاذة من أعظم شر وأخطره ‪ ،‬وهو الشرك‪ ،‬فإن الشرك اب العظايم‬
‫ال لُْق َِْنا ُن ِأ ْنِِن ِ َو ُهِن َو يَِعَُِن ُ َة‬ ‫أعظام الظلام وا ارم‪ ،‬قاال ا تعااىل عاان لقماان وهاو يعاظ ابناه‪َ  :‬وِ ْأ قَِن َ‬
‫الش ْر َك لََُلْم َع َِ م‪ ،‬وقال تعاىل‪َّ ِ :‬ن َّ‬
‫اَّللَ َأ يَِنغْ ِفِن ُر أَ ْن يُ ْشِن َر َك ِِن ِ َويَِنغْ ِفِن ُر َمِنا‬ ‫َّ َأ تُ ْش ِر ْك ِِب َِّ‬
‫َّلل ِ َّن ِ‬
‫َُ‬
‫ِ‬
‫ك ل َْ ْن يَ َشاءُ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُدو َن َأل َ‬
‫ف ااأخرب الن اايب ‪ ‬أن العب ااد غ ااري آم اان م اان الوق ااوف يف الش اارك‪ ،‬وأن ااه لش اادة خفائ ااه أخف ااى م اان دبي ااب‬
‫النمل‪ ،‬فقد يقع فيه العبد‪ ،‬ويتسلل إىل نفسه وهو ال يعلم‪ ،‬وال يدري‪ ،‬وهاذا اإلخباار مان الرساول راري‬
‫البشارية بعااد الرساال‪ ،‬وهاام الصااحابة رض اوان ا علاايهم‪ ،‬الااذين عصاارهم هااو خااري العصااور‪ ،‬فكيااف بنااا‬
‫راان‪ ،‬وال شااك يف أن هااذا بياااانً علااى أن أفضاال الناااس قااد يقااع منااه الشاارك ماان حيااث ال يعلاام‪ ،‬واملاراد‬
‫ابلشرك هنا الارايء والسامعة والعجاب‪ ،‬وهاذه الاذمائم ال تاذهب عان الرجال ماا مل يعارف نفساه‪ ،‬وهكاذا‬
‫ينبغي للعبد أن يراقب نفسه‪ ،‬وحياسبها بني احلني وا خر حىت ال يقع فيه‪.‬‬
‫فعليك اي أخي أن تلتجإ إىل ا أن يُعيذك مان هاذا الشارك‪ ،‬وأن تباذل كال األساباب يف االبتعااد‬
‫عنااه‪ :‬قااوالً‪ ،‬وفعاالً‪ ،‬وأن تك اار ماان هااذا الاادعاء العظاايمأ فااإن ا رب العاااملني ال ىليااب ماان التجااأ إليااه‪،‬‬
‫وأخلص يف قوله وعمله‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )54‬أخرجه البخاري يا ابدب المفرد‪ ،‬ص ‪ ،250‬برقم ‪ ،716‬والضماء المقدسا‪ ،45 /1 ،‬واو يا عمل الموم‬
‫واللملة البن السنا‪ ،‬برقم ‪ ،258‬وانااد ياا الزااد‪ ،434/2 ،‬بارقم ‪ ،849‬والحكامم الترماذي‪ ،142/4 ،‬وأباو‬
‫معل ‪ ،60/1‬برقم ‪.58‬‬
‫‪41‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫صِن َْ ُدح الَِّن ِهو ََلْ يَلِِن ْد‬ ‫ك ال َْوا ِحِن ُد ْاََ َحِن ُدح ال َّ‬ ‫ََّللُ ِِبَِتَّ َ‬
‫ك َة أ َّ‬ ‫َسأَلُ َ‬‫‪(( -28‬اللَّ ُه َّم ِِّن أ ْ‬
‫ور‬ ‫ك أَِتِْن ِن َ‬
‫ْ الْغَ ُفِن ِن ُ‬ ‫َوََلْ يُولَِن ِن ْدح َوََلْ يَ ُاِن ِن ْن لَِن ِن ُ ُك ُفِن ِنوا أَ َحِن ِندح أَ ْن تَِنغْ ِفِن ِن َر ِِل أُِتِنُ ِن ِ‬
‫وِبح ِِتَِّن ِن َ‬
‫الرِح ُم))(‪.)55‬‬ ‫َّ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫اَحد‪ :‬الكامل يف أحديته‪ ،‬فال شبيه له‪ ،‬وال نظري‪.‬‬
‫الواحد‪ :‬هو الذي توحد َميع الكماالت‪ ،‬حبيث ال يشاركه فيها مشارك‪.‬‬
‫الصْد‪ :‬املقصود يف احلوائج‪ ،‬وهو الذي انتهى سؤدده ‪.‬‬
‫كفوا‪ :‬أي واثالً‪ ،‬وا تعاىل لي له واثل‪ ،‬وال نظري يف كماال ذاتاه‪ ،‬وال يف صافاته‪ ،‬وال يف أفعالاه‬
‫بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ه ااذا ال اادعاء العظ اايم في ااه توسا ال إىل ا ‪ ‬أبمج اال الوس ااائل‪ ،‬وأعاله ااا‪ ،‬وه ااو التوسا ال أبمس اااء ا‬
‫احلسىن‪ ،‬وبصفاته العظمى العاال مقدماة قبال ساؤال ا تعااىل املغفارة للاذنوب‪ ,‬والتجااوز عنهاا‪ُ ،‬ث أكاد‬
‫سؤاله وعلله‪ :‬أبنك اي ريب عظيم املغفرة للذنوب‪ ،‬مهما تكررت وبلغت‪ ،‬عظيم الرمحة الايت وساعت كال‬
‫شيء‪ ,‬فناسب يف ختم هذين االمسني‪ ،‬السؤال والطلب‪.‬‬
‫قولِن ‪ََ  :‬لْ يَلِِن ْد َوََلْ يُولَِن ْد َوََلْ يَ ُاِن ْن لَِن ُ ُك ُفِنوا أَ َحِند‪ :‬فيااه جاواز التوسال بصافات ا تعاااىل املنفيااة يف‬
‫الدعاء‪ ,‬وأن من معاين ((الصْد)) هذه املنفيات عنه تعاىل‪.‬‬
‫وهذا الدعاء ا ليل فيه مظنة اسم ا األعظمأ لتضمنه أعظام األمسااء احلساىن ا ‪ ,‬فينبغاي اإلك اار‬
‫من االعتناء به يف حال الدعوات‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ك‬ ‫ْ َو ْحِن َد َك أَ َشِن ِر َ‬


‫يك لَِن َ‬ ‫ك ا ْحلَ ِْْن َدح أَ ِلَِن َ ِأَّ أَِتِْن َ‬ ‫ك ِِب َّ‬
‫َن لَِن َ‬ ‫‪(( -29‬اللَّ ُهِن َّم ِِّن أَ ْسِنأَلُ َ‬
‫ات واََ ْر ِ ح َة َأا ا َِْْن ِ‬
‫َلل َوا ِإل ْكِن َراِ ح َة َحِن ُّي َة قَِنُِّنوُح ِِّن‬ ‫الْْنِنَّا ُن ة ِن ِديم ال َّسِنْو ِ‬
‫َ َ َ َ ََ َ‬

‫(‪ )55‬أخرجه النسائا‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬باب الدعاء بعد الذكر‪ ،‬برقم ‪ ،1301‬واللفظ له‪ ،‬والنسائا يا الكبار‪ ،،‬بارقم‬
‫‪ ،7665‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الصةة‪ ،‬باب ما مقول بعد التشهد‪ ،‬برقم ‪.985‬‬
‫‪42‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ك ِم َن النَّا ِر]))(‪.)56‬‬
‫َعوأُ ِ َ‬
‫ك ا َْْنَّ َِ َوأ ُ‬
‫َسأَلُ َ‬
‫أْ‬
‫املفردات]‪:‬‬
‫املنان‪ :‬اسم من أمساء ا تعاىل احلسىن‪ ,‬أي ك ري العطاء‪ ،‬من املنة اعىن النعمة‪ ،‬أو النعمة ال قيلة‪,‬‬
‫أي صاحب النعم املتتالية دون طلب عوض‪ ,‬وغرض‪.‬‬
‫ديم السْوات واَر ‪ :‬أي مبدعهما اعىن ارتعهما ومنشئهما على غري م ال سابق‪.‬‬
‫أا اَْلل واإلكرا ‪ :‬ذو ا الل‪ :‬صاحب العظمة والكمال واإلكرام‪ :‬هو سعة الفضل‪ ،‬وا اود ااا‬
‫لي له حدود‪.‬‬
‫احلي‪ :‬اسم من أمسائه تعاىل‪ ،‬وهو الذي له احلياة الدائمة الكاملة املستلزمة ميع صفات الذات‪.‬‬
‫الق ِنِنو ‪ :‬اس اام م اان أمسائ ااه تع اااىل‪ :‬و ه ااو الق ااائم بنفس ااه‪ ،‬فل اام حي ااتج إىل أح ااد‪ ،‬واملق اايم لغ ااريه ابلت اادبري‬
‫واإلصالد‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫باادأ اقدمااة ماان ال ناااء علااى ا تعاااىل‪ ،‬واسااتحقاقه احلمااد بكاال أنواعااه‪ ،‬وإثبااات وحدانيتااه وألوهيتااه‬
‫ابلعب ااادة دون غ ااريه‪ُ ,‬ث ذك اار مج االً م اان أمسائ ااه احلس ااىن‪ ،‬مقدم ااة ب ااني ي اادي دعائ ااه‪ ,‬فجم ااع ب ااني التوس اال‬
‫ابلعمل الصاحل تعاىل‪ ،‬توسالً اا له من الكماالت اليت ال ُحتصى‪ ,‬رجاء عظيمااً يف قباول دعوتاهأ ملاا‬
‫تلتااه ماان أمسااى مطلااب يف الاادنيا وا خاارة‪ ,‬وهااو مغفاارة الااذنوب‪ ,‬واسااتعاذة ماان أعظاام مرهااوب‪ ،‬وهااو‬
‫النار‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬ة ديم السْوات واَر ))‪ :‬اي خالق ومنشإ السموات واألرض على غري م ال سابق‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬ة أا اَْلل واإلكِنرا ))‪ :‬اي صااحب العظماة‪ ،‬والكاربايء‪ ،‬وا اد‪ ،‬واي واساع الفضال وا اود‬
‫والكرم‪ ,‬تُكرم أولياءك‪ ،‬وخواص خلقك‪ ،‬أبنواف الكرم وا ود‪ ،‬اا لي له حدود‪ ،‬وال ُمقيد بقيود‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬ة حِنِني ة ق ِنِنو ))‪ :‬اي دائاام احلياااة الااذي لااي لااك ابتااداء‪ ،‬ولااي لااك فناااء‪ ،‬وال انتهاااء‪ ،‬اي‬
‫وحمتاال لك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مفتقر إليك‪،‬‬
‫قائم بتدبري ارلق‪ ,‬والغين عن كل ارلق‪ ،‬الكل ٌ‬
‫قول ِن ‪ّ (( :‬ن أس ِنِنألك اْن ِنِنِ وأع ِنِنوأ ِنِنك م ِنِنن الن ِنِنار))‪ :‬بع ااد ثنائااه علااى ا تع اااىل أبمسائااه احلس ااىن‪،‬‬
‫وصفاته العُال‪ ،‬شارف يف ساؤال أعظام مطلاب‪ ،‬وهاو ا ناة‪ ،‬واساتعاذ مان أشاد مرهاب‪ ،‬وهاو الناار والعيااذ‬
‫اب ‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬لقد دعا َّ‬
‫اَّلل تعا ِبَس اَعَم))‪ :‬وذلك جاء يف األثر أن النيب صلى هللا عليه وسلم‬

‫ّللا ابعظام‪ ،‬بارقم‬


‫(‪ )56‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصةة‪ ،‬باب الدعاء‪ ،‬برقم ‪ ،1495‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الدعاء‪ ،‬بااب اسام ا‬
‫‪ ،3858‬والنسائا‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬بااب الادعاء بعاد الاذكر‪ ،‬بارقم ‪ ،1299‬وياا السانن الكبار‪ ،‬لاه‪،386 /1 ،‬‬
‫‪ ،1224‬والترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب حدثنا قتمبة‪ ،‬برقم ‪.3544‬‬
‫‪43‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫أحدا يدعو هبذا الدعاء قال‪« :‬لقد دعا هللا ابمسه األعظم»‪ ،‬واالس ُام األعظام مان مثارات الادعاء‬ ‫ملا مسع ً‬
‫باه أناه يفياد أصاال التعجيال‪ ،‬أو زايدتاه‪ ،‬وكماااالً يف املساتجاب‪ ،‬أو يف بادل املادعو بااه‪ ،‬فهاو ال شاك لااه‬
‫فحري االعتناء به أشد العناية‪ ،‬حىت يتكارم ربناا العطائناا ماا نرجاوه‬
‫أكرب األثر يف قبول وإجابة الدعاء‪ٌ ،‬‬
‫يف العاجل وا جل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫اَّلل أَ ِلَِن ِن َ ِأَّ أَِتِْن ِن َ‬


‫ْح اََ َحِن ِن ُدح‬ ‫ْ َّ‬ ‫ك أَِتِْن ِن َ‬‫ك ِِبَِّن أَ ْشِن ِن َه ُد أَِتَِّن ِن َ‬‫‪(( -30‬اللَّ ُهِن ِن َّم ِِّن أَ ْسِن ِنأَلُ َ‬
‫َحد))(‪.)57‬‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫َل‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ح‬‫د‬ ‫ل‬
‫َ‬‫و‬ ‫ي‬ ‫َل‬
‫َ‬‫و‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫الصْ ُدح الَّ ِهو ََل يِ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َْ َ ُ َ َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫اَحِنِند‪ :‬اساام ماان أمساااء ا تعاااىل احلسااىن‪ ،‬ومعناااه الفاارد الااذي ال نظااري لااه‪ ،‬وال شاابيه لااه يف ذاتااه‪ ،‬وال يف‬
‫أمسائه‪ ،‬وال يف صفاته‪ ،‬وال يف أفعاله‪ ،‬وال يطلق هذا اللفظ على أحد يف اإلثبات إال على ا تعاىل‪.‬‬
‫الصْد‪ :‬يف اللغة ((القصد))‪ ،‬وهاو اسام مان أمسائاه تعااىل‪ ،‬واملعاىن هاو السايد الاذي يُقصاد ابلساؤال‬
‫والرغبة والرهبة واحلوائج‪ ،‬وهو الذي انتهى سؤدده‪ ،‬فال أحد فوقه جل وعال‪.‬‬
‫كفوا أحد‪ :‬أي ال م يالً‪ ،‬وال نظرياً لكماله تعاىل على اإلطال من كل الوجوه‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬اللَّهِنِنم ّن أسِنِنألك ِبّن أشِنِنهد أِتِنِنك أِتِنِنْ َّ‬
‫اَّلل))‪ :‬أي أسااألك اي ا أبين أقاار وأشااهد أنااك‬
‫أناات املعبااود حبااق‪ ،‬ال أحااد س اواك‪ ,‬وه ااذا قساام اسااتعطايف‪ ،‬أي‪ :‬أسااألك ابسااتحقاقك لتلااك الص اافات‬
‫ال بوتية‪ ،‬والسلبية(‪.)58‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬اَح ِنِند الص ِنِنْد))‪ :‬أي أس ااألك ابمس ااك األح ااد ال ااذي ال نظ ااري ل ااه‪ ،‬وال ش اابيه‪ ،‬وال ع ااديل‪،‬‬
‫املنفرد ابلربوبية‪ ،‬واأللوهية‪ ,‬لكماال أمسائاك وصافاتك وأفعالاك‪ ،‬وأنات السايد الاذي لاي فوقاك أحاد‪,‬‬
‫وأنت الذي تصمد القلوب لك ابلسؤال واحلاجة‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬الِنِنهو َل يلِنِند وَل يولِنِند))‪ :‬الاذي لاي لاه ولاد‪ ،‬وال والاد‪ ،‬وال صااحبة‪ ,‬وهاذا النفاي متضامن‬
‫لكمال غناه‪ ،‬وعدم حاجته جل وعال ألحد من خلقه‪.‬‬
‫قولِن ِن ‪(( :‬وَل يا ِنِنن لِن ِن كف ِنِنوا أح ِنِند))‪ :‬أي ل ااي ل ااك واث اال‪ ،‬وال ش اابيه‪ ،‬وال نظ ااري يف ذات ااك‪ ،‬وال يف‬

‫(‪ )57‬أبو داود‪ ،‬كتاب الصةة‪ ،‬باب ما مقول بعد التشهد‪ ،‬برقم ‪ ،985‬والترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب ما جااء ياا‬
‫ّللا ^‪ ،‬برقم ‪.3475‬‬‫جامع الدعوات عن رسول ا‬
‫(‪ )58‬الفتوحات الربانمة‪.636 / 3 ،‬‬
‫‪44‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫صفاتك‪ ،‬وال يف أفعالك بوجه من الوجوه‪ ,‬وهذا النفي متضمن لكماله تعااىل مان كال الوجاوه يف ذاتاه‪،‬‬
‫وأمسائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله ‪.‬‬
‫اَّلل ِبَس اَعَم))‪ :‬وقد جاء ً‬
‫أيضا أن النيب صلى هللا علياه وسالم ملاا مساع‬ ‫قول ‪(( :‬لقد سألْ َّ‬
‫أحدا يدعو هبذا الدعاء قال‪« :‬لقد دعا هللا ابمسه األعظم»‪.‬‬
‫ً‬
‫وه ااذا في ااه دالل ااة أن امس ااً أعظ اام‪ ،‬إذا دع ااي ب ااه أج اااب‪ ،‬وإذا ُس ائل ب ااه أعط ااى‪ ,‬وفي ااه دالل ااة عل ااى‬
‫تفاضل بني أمساء ا تعاىل‪ ،‬فهنااك اسام أعظام‪ ،‬وهنااك اسام عظايم‪ ،‬فأمسااء ا وصافاته كلهاا عظيماة‪،‬‬
‫ال نقااص فيهااا البتااة‪ ،‬لكاان بااني الناايب ‪ ‬أن هناااك امس ااً‪ ،‬هااو أعظاام األمساااء‪ ،‬مااذكور يف هااذا احلااديث‪،‬‬
‫والذي قبله‪ ،‬وا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫وق ااد اختل ااف العلم اااء يف حتدي ااد اس اام ا األعظ اام‪ ،‬وال ااذي علي ااه األك اار ه ااو اس اام ا الل ااة (( َّ‬
‫اَّلل))‪،‬‬
‫وذلك ألمور‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه االسم الذي ورد يف كل األحاديث اليت أخرب هبا املصطفى ‪ ‬أن فيها اسم ا األعظم‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه أك ر اسم ورد يف كتاب ا تعاىل‪ ،‬حيث ورد (‪ )724‬مرة‪.‬‬
‫‪ - 3‬ه ااو االس اام ج ااامع مي ااع مع اااين أمس اااء ا تع اااىل احلس ااىن‪ ،‬متض اامن لس ااائر ص اافاته الع ااالأ وهل ااذا‬
‫يضا اايف تعا اااىل سا ااائر األمسا اااء إليا ااه‪ ،‬قا ااال تعا اااىل‪ :‬وَِِّ‬
‫َّلل ْاََ َْسَ ِنِناءُ ا ْحلُ ْس ِنِن َن فَِن ِنا ْدعُوُِ ِِبَِنِنا‪ .‬فيقا ااال‪:‬‬ ‫َ‬
‫((الرمحن))‪(( ،‬الرحيم)) من أمساء ا ‪ ,‬وال يقال ((ا من أمساء الرمحن))‪.‬‬
‫‪(( -31‬اللَّه َّم ِ ِعل ِْْك الْغ يح وقُ ْدرتِ‬
‫ْ ا ْحلََِنا َِ‬ ‫َحِ ِ َمِنا َعلِ ِْْن َ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ح‬‫ْق‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اْل‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫كِ‬ ‫ك َخ ْش ِنَِنتَ َ‬ ‫ْ ال َْوفَِنا َِ َخ ِن ْْيا ِِلح اللَّ ُهِن َّم ِِّن أَ ْس ِنأَلُ َ‬ ‫َخِن ْْيا ِِلح َوتَِن ِن َوفَِّ ِ َأا َعلِ ِْْن َ‬
‫صِن َد‬ ‫ك الْ َق ْ‬ ‫يح َوأَ ْسِنأَلُ َ‬ ‫ضِن ِ‬ ‫ضِنا َوالْغَ َ‬ ‫ك َكلِ ََِْ ا ْحلَِن ِق ِ ِ‬
‫الر َ‬ ‫َسأَلُ َ‬ ‫الشه َ ِ‬
‫ادِح َوأ ْ‬ ‫ي َو َّ َ‬ ‫الْغَْ ِ‬
‫ني أَ تَِن ْنِن َق ِطِن ِن ْمح‬ ‫ك قُِن ِن َّرَِ َعِن ِن ْ ٍ‬ ‫ك ِتَ ِع َِْن ِنا أَ يَِن ْنِن َفِن ِن ُدح وأَ ْسِن ِنأَلُ َ‬‫ِ الْ ِغِن ِن َن َوالْ َف ْقِن ِن ِرح َوأَ ْسِن ِنأَلُ َ‬
‫ك لَِن َّهَِ‬ ‫َسأْلُ َ‬ ‫ش ِن ْع َد الْْو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضِ‬ ‫ك ِ‬
‫تح َوأ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْع‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ِن‬
‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫أ‬
‫َ‬ ‫َس‬
‫ْ‬ ‫أ‬‫و‬‫ضا َِن َع َد الْ َق َ َ‬
‫ح‬ ‫اء‬ ‫الر َ‬ ‫َسأَلُ َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫ضِن ِن َّرٍِح َوأَ فِ ْتِننَِن ِن ٍِ‬‫ضِن ِن َّراء م ِ‬
‫كح ِ غَِن ِن ِْْي َ َ ُ‬ ‫شِن ِن ْو َق ِ َ لَِقائِِن ِن َ‬ ‫كح َوال َّ‬ ‫النَََِّن ِن ِر َ َو ْج ِهِن ِن َ‬
‫ين))(‪.)59‬‬ ‫د‬‫انح واجعلْنَا ه َداِ م ْهتَ ِ‬ ‫ضلَّ ٍِح اللَّ ُه َّم َديِنَّا ِ ِزينَ ِِ ا ِإلَيَ ِ‬ ‫مِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هذا الدعاء كبري النفع‪ ،‬عظايم الشاأن‪ ،‬وغزيار الفوائادأ ملاا فياه مان مع َ‬
‫اان ومقاصاد جليلاة‪ ,‬ومطالاب‬
‫عالية يف العقيدة واألخال والعبادات الظاهرة والباطنة‪ ،‬ففيه‪:‬‬

‫(‪ )59‬النسائا‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬ناو آخار‪ ،‬بارقم ‪ ،1305‬والسانن الكبار‪ ،‬لاه‪ ،387 /1 ،‬وأحماد‪ ،265/30 ،‬بارقم‬
‫‪ ،18325‬وابن حبان‪ ،304 /5 ،‬وأبو معل ‪.195 /3 ،‬‬
‫‪45‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫‪ -1‬توسل إىل ا تعاىل أبمسائه احلسىن‪ ،‬وصفاته العُال‪.‬‬


‫‪ -2‬وتفويض األمور إىل ا تعاىل‪.‬‬
‫‪ -3‬والتوكل عليه جل وعال‪.‬‬
‫‪ -4‬وسؤاله التوفيق إىل كمال العبودية من العبادات‪.‬‬
‫‪ - 5‬وفيه سؤال أعلى نعيم ا خرة‪ ,‬وأعلى نعيم الدنيا‪ ,‬وغري ذلك من املطالب املهمة‪.‬‬
‫وإمن ا ااا تعظ ا اام فائ ا اادة ه ا ااذا ال ا اادعاء‪ ،‬وغ ا ااريه م ا اان األدعي ا ااة‪ ،‬يف فه ا اام معانيه ا ااا‪ ،‬والت ا اادبر يف دالالهت ا ااا‪,‬‬
‫ومقاصدها النفيسة‪ ،‬وا اهدة يف حتصيل حتقيقها‪ :‬قوالً‪ ،‬وفعالً‪ ،‬واإلك ار منها يف السؤال والطلب‪.‬‬
‫املفردات‪:‬‬
‫قول ‪(( :‬القصد))‪ :‬التوسط واالعتدال ‪.‬‬
‫قول ‪ِ(( :‬تع ْا أ ينفد))‪ :‬أي ال ينقطع وال ينتهي‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬قرِ عني أ تنقطم))‪ :‬ما تقر به العني من لذة وسرور‪.‬‬
‫قول ‪ (( :‬رد الع ش))‪ :‬أصل الربد يف الكالم‪ :‬السهولة‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬خش تك))‪ :‬خوف مقرتن مع تعظيم‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬ضراء))‪ :‬عك السراء‪ ,‬وهي احلال املضرة‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬فتنِ))‪ :‬االختبار واالمتحان‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬اللَّهِنِنم علِْنِنك الغ ِنِني))‪ :‬الباااء لالسااتعطاف والتااذلل‪ ،‬أي أنشاادك حبااق علمااك مااا خفااي‬
‫اف عليااك وااا اسااتأثرت بااه‪ ،‬وفيااه تفااويض العبااد أمااوره إىل ا جاال شااأنه‪ ,‬وطلااب‬ ‫علااى خلقااك‪ ،‬ومل ىلا َ‬
‫اراارية يف أحوالااه‪ ،‬وشااأنه منااه جاال وعااال‪ ,‬وتوس االً إليااه ساابحانه وتعاااىل بعلمااه الااذي وسااع كاال شاايء‪,‬‬
‫وأحاس بكل شيء‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬و ق ِنِندرتك عل ِن اْلل ِنِنق))‪ :‬توس ا ٌال لكم ااال قدرت ااه الناف ااذة عل ااى مجي ااع املخلوق ااات‪ :‬إنس ااها‪،‬‬
‫أرجى يف قبول الادعاء واساتجابتهأ‬ ‫وجنها‪ ،‬ومالئكتها‪ ،‬وهذا توسل بصفة القدرة بعد صفة العلم‪ ،‬وهو َ‬
‫ألن التوسل أبمساء ا وصفاته كما سبق مراراً هو أكرب الوسائل اليت يرجى معها استجابة الدعاء‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬أح ما علْْ احل اِ خِنْيا ِل))‪ :‬أساألك أبن حتياين حيااةً طيباة‪ ،‬أبن يغلاب خاريي علاى‬
‫شري‪ ,‬أبن أوسك بشريعتك‪ ،‬متبعاً لسنة نبيك ‪.‬‬
‫«إذا كاناات احلياااة خارياً ي» ويف هااذا تفااويض كاماال تعاااىل‪ ,‬وتقاادمي اختياااره تعاااىل علااى اختيااار‬
‫نفسااه‪ ,‬لعجاازه‪ ،‬وضااعف اختيااار العبااد لنفسااه‪ ،‬فهااو عاااجز عاان حتصاايل مصاااحله‪ ،‬ودفااع مضاااره إال اااا‬
‫‪46‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫أعانااه ا عليااه‪ ،‬ويَس اره لااه‪ ،‬وفيااه كااذلك حساان الظاان اب جاال وعااال بكمااال أفعالااه‪ ،‬وصاافاته املقرتنااة‬
‫بكمال احلكمة والعلم والعدل‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وتوف أا علْْ الوفاِ خِنْيا ِل))‪ :‬أبن تغلاب سايئايت علاى حسانايت‪ ،‬أو أبن تقاع الفانت‬
‫والفساد والشر يف الدين‪ ،‬ففي هذه احلال يكون املاوت خارياً ملاا فياه مان الراحاة للماؤمن‪ ،‬والساالمة مان‬
‫ض ار ناازل ابلعبااد هلااه ابلعواقااب‪ ،‬ففااي صااحيح‬ ‫الاابالايأ وهلااذا جاااء النهااي يف الساانة عاان وااين املااوت ل ُ‬
‫اد َوِ َّما ُم ِسِن ا فَِنلَ َعلَِّن ُ‬
‫ت ِ َّما ُْحم ِسنا فَِنلَ َعلَّ ُ يَِن ْز َد ُ‬
‫َح ُد ُك ُم ال َْْ ْو َ‬
‫البخاري عن النيب ‪ ‬أنه قاال‪َ (( :‬أ يَِنتَ َْ َّن أ َ‬
‫ي))‪ ،‬أي عل اة النه ااي ع اان و ااين امل ااوت أبن العب ااد إن ك ااان حمس ااناً يف حيات ااه يُرج ااى أن ي اازداد هب ااا‬ ‫ِ‬
‫يَ ْسِن ِنتَِن ْعت ُ‬
‫إحساانً‪ ،‬وإن كان مسيئاً فإنه يسرتضي ا ابإلقالف عن الذنوب‪ ،‬وطلب املغفرة‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬ينبغي أن يعلم أن احلاجات اليت يطلبها العبد من ا تعاىل نوعان‪:‬‬
‫النِنِنوع اَول‪ :‬مااا عُلِّام أنااه خااريٌ حمااض‪ ،‬كساؤال خشاايته ماان ا تعاااىل‪ ,‬وطاعتااه وتقاواه‪ ،‬وساؤال‬
‫ا نة‪ ،‬واالستعاذة من النار‪ ,‬فهذا يُطلب من ا تعاىل بغري تردد‪ ،‬وال تعليم ابلعلم ابملصلحةأ ألنه خري‬
‫حمض‪.‬‬
‫النوع الماّن‪ :‬ما ال يُعلم هل هو خري للعبد أم ال‪ ،‬كااملوت واحليااة‪ ،‬والغاىن والفقار‪ ،‬والولاد واألهال‪،‬‬
‫وكسااائر ح اوائج الاادنيا الاايت ُجيهاال عواقبهااا‪ ،‬فهااذه ال ينبغااي أن يُسااأل ا منهااا إال مااا يعلاام فيااه ار اارية‬
‫للعبدأ ألن العبد جاهل بعواقب األمور‪.‬‬
‫وقد تضمن الدعاء يف هذا احلديث النوعني معاًأ فإنه ملا سأل املوت واحلياة قيد ذلك اا يعلام ا‬
‫تعاىل أن فيه اررية لعبده‪ ,‬وملا سأل ارشية وما بعدها وا هو خري صرف جزم به‪ ،‬ومل يقيده بشيء‪.‬‬
‫وهل ااذا ينبغ ااي للعب ااد أن يفق ااه يف ابب ال اادعاء‪ ،‬م ااا ي اادعو ب ااهأ ألن ااه ي اادعو رب األرض والس ااموات‪،‬‬
‫فينبغي أن يتخري ملواله أمجل األلفا ‪ ،‬وأحسن املعاين‪ ،‬وأنبل األماين‪.‬‬
‫ح‬‫ُث شرف يف سؤال املنجياات الا الل كماا جااء يف احلاديث عان النايب ‪َِ (( :‬ن ََلث ُم ْهلِ َاِنات‪ُ :‬شِن ٌّ‬
‫اَّلل ِ ال ِسِن ِرح َوال َْع ََلِتَِِن ِِح‬ ‫مطَِناعح وهِنوى متَِّنبِنمح وِ ْعجِناب الِْْنرِء ِنَِن ْف ِسِن ِح وَِن ََلث م ْن ِج ِنات‪َ :‬خ ْشِن ُِ َِّ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ َ َ َ ُ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ (‪)60‬‬
‫ضي)) ‪.‬‬ ‫ضا َوالْغَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َد ِ الْغ َن َوالْ َف ْق ِرح َوَكل َُِْ ا ْحلَِق ِ ِ‬
‫الر َ‬ ‫َوالْ َق ْ‬
‫قول ‪(( :‬وأسألك خش تك الغ ي والشهادِ))‪ :‬أي أسألك اي إهلاي دوام ارشاية ماع اراوف يف‬
‫السر والعلن‪ ،‬والظاهر والباطن يف حال كوين مع النااس‪ ،‬أو غائبااً عانهم‪ ،‬فاإن خشايتك رأس ُكال خاري‪،‬‬
‫ِ‬
‫فق ااد م اادد ا ج اال وع ااال يف ع اادة آايت م اان ىلش اااه ابلغي ااب‪ ،‬ق ااال تع اااىل‪َّ ِ :‬ن الَِّن ِنه َ‬
‫ين َ ْ َشِن ِن ْو َن َرَِّبِنُِن ْم‬
‫ي‪.‬‬ ‫ْي ُمنِ ٍ‬ ‫ي َو َجاءَ َِقل ٍ‬ ‫َجر َكبِْي‪ ،‬وقال‪َ  :‬م ْن َخ ِش َي َّ‬
‫الر َْْ َن ِِبلْغَْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِبلْغَْ ِ‬
‫ي َْلُ ْم َمغْف َرِ َوأ ْ‬
‫وقد فُسر الغيب يف هذه ا ايت ابلدنياأ ألن أهلها يف غيب عما وعدوا به من أمر ا خرة‪.‬‬

‫(‪ )60‬الطبرانا يا ابوسط‪ ،328 /5 ،‬برقم ‪ ،5452‬والبمهقا يا شعب امممان‪.‬‬


‫‪47‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ب رشية ا تعاىل يف السر والعالنية‪ ،‬أمور منها‪:‬‬ ‫ِّ‬


‫واملوج ُ‬
‫‪-1‬قوة اإلميان بوعده ووعيده على املعاصي‪.‬‬
‫‪-2‬النظر يف شدة بطشه وانتقامه وقوته وقهره‪.‬‬
‫‪-3‬قاوة املراقبااة ‪ ،‬والعلاام أبناه شاااهد ورقيااب علااى قلاوب عباااده وأعماااهلم‪ ،‬وأناه مااع عباااده‪ ،‬حيااث‬
‫كانوا‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأسألك كلِْ احلق الرض والغضي))‪ :‬وهاذا املطلاب عزياز جاداً يقال يف واقاع العباد‪،‬‬
‫ل ااذلك س ااأله رب اه تع اااىل‪ ،‬وأس ااألك اي ا النط ااق ابحل ااق يف مجي ااع أح اواي‪ ،‬يف ح ااال غض اايب‪ ،‬ويف ح ااال‬
‫رضاي‪ ،‬فال أداهن يف حال رضى الناس وغضبهم علي‪ ،‬ويكون احلق مقصدي يف مجيع األحوال‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأسألك القصد الغِنِنن والفقِنِنر))‪ :‬وأبن أكاون مقتصاداً معتادالً يف حاال غنااي وفقاري‪،‬‬
‫فال أنفاق يف الغاىن بسارف‪ ،‬وال طغياان‪ ،‬وال أضايق يف حاال فقاري خاوف نفااد الارز ‪ ،‬كماا قاال تعااىل‪:‬‬
‫ك قَا َو ًاما‪.‬‬ ‫‪‬وال ِّذين إِّ َذا أَنىا َف ُقوا َمل يس ِّرفُوا وَمل يا ىقرتوا وَكا َن ب ِّ‬
‫ني َذل َ‬
‫ى ُ ى َ ى َ ُُ َ َى َ‬ ‫َ َ‬
‫وال َقوام هو القصد والتوسط يف كل األمور‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأسألك ِتع ْا أ ينفِنِند))‪ :‬أي أساألك نعيمااً ال ينقضاي‪ ،‬وال ينتهاي‪ ،‬ولاي ذلاك إال نعايم‬
‫ا خرة‪ ،‬قال تعااىل‪ :‬مِنا ِع ْنِن َد ُكم يِن ْنِن َفِن ُد ومِنا ِع ْنِن َد َِّ‬
‫اَّلل َِب ٍق‪ ،‬وقاال جال شاأنه‪َّ ِ :‬ن َهِن َها لَ ِر ْدقُِننَِنا َمِنا لَِن ُ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫َ‬
‫اد‪ ‬أي يف ا نة‪ ،‬فهو دائم ال ينتهي وال ينقص‪.‬‬ ‫ِمن ِتَِن َف ٍ‬
‫ْ‬
‫أما نعيم الدنيا فهاو انفاد‪ ،‬كماا أن الادنيا كلهاا انفادة‪ ،‬وكأناه حاني ينازل باه املاوت وساكراته مل ياذ‬
‫نعيماً من نعيم الدنيا ‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬وأس ِنِنألك ق ِنِنرِ ع ِنِنني أ تنقط ِنِنم))‪ :‬وقاارة العااني هااي ماان مجلااة النعاايم الااذي أسااأله يف الاادنيا‬
‫وا خرةأ ألن النعيم منه ما هو منقطع‪ ،‬ومنه ما ال ينقطع‪ ،‬فمن قارت عيناه ابلادنيا ف ُقارة عيناه منقطعاة‪،‬‬
‫سروره فيها زائلأ ألن لذاهتا مشوبة ابلفجائع واملنغصات‪ ،‬فاال تق ُّار عاني املاؤمن يف الادنيا إال اب ‪،‬‬
‫وذك ااره وحمبت ااه واألن ا ب ااه‪ ،‬واحملافظ ااة عل ااى طاعت ااه يف اللي اال والنه ااار‪ ،‬وم اان أعظمه ااا الص ااالة‪ ،‬كم ااا ق ااال‬
‫صِن ََلِِ))‪ ،‬وقاارة العااني يف ا خاارة تشاامل النعاايم يف الااربز ‪ ،‬ويف‬ ‫املصااطفى ‪َ ((: ‬و ُج ِعلَِن ْ‬
‫ْ قُِنِن َّرُِ َع ْ ِن ِ ِ ال َّ‬
‫ا نة‪ ،‬وقرة العني اليت التنقطع هي اليت ال تنتهي‪ ،‬فاإن مان قارت عيناه اب جال وعاال فقاد حصالت لاه‬
‫قرة عني ال تنقطع يف الدنيا‪ ،‬وال يف الربز ‪ ،‬وال يف ا خرة‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأسألك الرض عد القضاء))‪ :‬سأل الرضى بعد حلول القضاءأ ألنه حينئذ تتبني حقيقة‬
‫الرضا‪ ،‬وأما الرضاى قبال القضااء‪ ،‬فهاو عازم ودعاوى مان العباد‪ ،‬فاإذا وقاع القضااء‪ ،‬فقاد تنفساخ العازائم‪،‬‬
‫وسؤال ا الرضى بعد القضااء يتضامن الرضاا ااا فياه مان خاري أو شار‪ ،‬فأماا يف اراري فريضاى ويقناع باه‬
‫وال يتكلااف يف طلااب الازايدة‪ ،‬ويشااكر علااى مااا أويت بااه‪ ،‬وأمااا يف الشاار فيصاارب وال يناازعج وال يتسااخط‪،‬‬
‫اام عظاايم‪َ ،‬مان حصاال لااه‬ ‫ويتلقاااه بوجا َاه منبسا َاط‪ ،‬وخاااط َر منشاارَد‪ ،‬وشااك َر مسا َ‬
‫اتمر‪ ،‬والرضااى ابلقضاااء مقا ٌ‬
‫‪48‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ضوا َع ْن ُ‪.‬‬
‫اَّلل َع ْنِن ُه ْم َوَر ُ‬ ‫فقد رضي ا عنه‪ ،‬فإن ا زاء من جن العمل‪ ،‬قال ا تعاىل‪ :‬ر ِ‬
‫ض َي َّ‬ ‫َ‬
‫قال عبد الواحد بن زيد‪ :‬الرضا ابب ا األعظم‪ ،‬وجنة الدنيا‪ ،‬ومسرتاد العابدين ‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬وأسِنِنألك َِن ِن ْر َد الع ِن ش عِنِند املِنِنوت))‪ :‬أي أسااألك الراحااة بعااد املااوت‪ ،‬ويكااون ذلااك برفااع‬
‫الاارود إىل ا نااان يف عليااني‪ ،‬وهااذا ياادل علااى أن العاايش وطيبااه‪ ،‬وباارده‪ ،‬إمنااا يكااون بعااد املااوت للمااؤمن‪،‬‬
‫ص ملا فيه من اهلموم والغموم‪.‬‬ ‫فإن العيش قبل املوت منغ ٌ‬
‫قول ِن ‪(( :‬وأسِنِنألك لِنِنهِ النَِنِنر وجهِنِنك والشِنِنوق لقائِنِنك))‪ :‬مجااع هااذا الاادعاء أطيااب وأهنااأ‬
‫شيء يف الادنيا‪ ،‬وهاو الشاو إىل لقااء ا ‪ ،‬وأنعام وأطياب شايء يف ا خارة هاو النظار إىل وجاه ا‬
‫الكرمي‪ ،‬الذي ال شيء أمجل‪ ،‬وال أنعم‪ ،‬وال أهنأ مان ر يتاه‪ ،‬فعان صاهيب ‪ ،‬أن رساول ا ‪ ‬قاال‪:‬‬
‫ض‬‫ار َك َوتَِن َعِنا َ ‪ :‬تُريِن ُدو َن َشِن ا أَديِن ُد ُك ْم؟ فَ ُقولِنُو َن‪ :‬أ ََلْ تُِنبَ ِنِ ْ‬ ‫(( أا َد َخِن أ ْهِن اْنِن ِ‬
‫ول اُ تَِنبَِن َ‬
‫َِّ اَْنَِّنَِح يَِن ُقِن ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ي لَِن ْ ِه ْم‬
‫َح َّ‬ ‫ابح فَ َْا أُ ْعطُوا َش ْ ا أ َ‬
‫ِ‬
‫ف احل َج َ‬ ‫وهنَا؟ أ ََلْ تُ ْد ِخلْنَا اَْنََِّ َوتُِننَجنَا م َن النَّا ِر؟ قال‪ :‬فَِنَ ْاش ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُو ُج َ‬
‫ِم َن النَََّ ِر َ َرِبِِ ْم ‪ ،)61( ))‬فهو أعظم من كل نعيم يف ا نة وما فيها‪.‬‬
‫قول ِن ‪ (( :‬غِنِنْي ض ِنراء مض ِنِنرِح وأ فتنِنِنِ ُمضِنِنلِ))‪ :‬أي أسااألك شااوقاً ال يوجااد فيااه مااا يُضاارين يف‬
‫ديااين‪ ،‬وال يف دنياااي أبن أحيااا حياااةً خاليااة ماان الضاار والاابالء الااذي ال صاارب عليااه‪ ،‬وخالي اةً ماان الف اانت‬
‫املضلة‪ ،‬املوقعة يف احلرية‪ ،‬ومفضية إىل اهلالك‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬اللَّهم َدينِنِنا زينِنِنِ اإلَيِنِنان))‪ :‬اي ا زيان بواطنناا وظاواهران بزيناة اإلمياان‪ ،‬فتشامل زيناة البااطن‬
‫ابالعتقاااد الصااحيح‪ ،‬واليقااني ال اباات‪ ،‬وزينااة اللسااان ابلااذكر والقاارآن‪ ،‬وزينااة الظاااهر ابألعمااال الصاااحلة‪،‬‬
‫والطاعة الدائمة‪ ،‬فإن الزينة الكاملة النافعة الدائمة‪ ،‬هي زينة اإلميان والتقوى إذا تلت القلب والبادن‪.‬‬
‫ك َخ ْْي‪.‬‬ ‫اس التَِّن ْق َوى أَلِ َ‬ ‫ِ‬
‫فقد مسى ا تعاىل التقوى لباساً‪ ،‬وأخرب أهنا خري من لباس األبدان ‪َ ‬ولبَ ُ‬
‫قول ‪(( :‬واجعلنِنِنا هِنِنداِ مهتِنِندين))‪ :‬أبن هنادي أنفسانا‪ ،‬وهنادي غاريان‪ ،‬وهاذا أفضال الادرجات‪ ،‬قاال‬
‫اه ْم أَئِ َِّْنِ يَِن ْهِن ُدو َن ِِبَ ْمِن ِرَق‪ ،‬وكماا يف دعااء النايب ‪ ‬ملعاوياة ‪(( :‬اللَّهِنِنم اجعلِن هِنِنادة‬ ‫تعااىل‪َ  :‬و َج َع ْلنَِن ُ‬
‫مهدةح واهدِح واهد )) ‪.‬‬
‫(‪)62‬‬

‫ووصااف اهلااداة ابملهتاادين‪ ،‬وذلااك أن يكااون العبااد عامل ااً ابحلااق متبع ااً لااه‪ ،‬معلم ااً لغااريه ومرشااداً لااه‪،‬‬
‫وياادخل فاايمن دعااا إىل اهلاادى‪ ،‬وماان دعااا إىل التوحيااد ماان الشاارك‪ ،‬وإىل الساانة ماان البدعااة‪ ،‬ف ُحاق علااى‬
‫الداعي أن يعتين هبذا الدعاء العظيم ا امع والشامل لكل خريات الدنيا وا خرة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )61‬مسلم‪ ،‬كتاب امممان‪ ،‬باب إثبات رؤمة المؤمنمن يا ااخرة ربهم ‪ ،‬برقم ‪. 180‬‬
‫(‪ )62‬أخرجه أحمد‪،426 /29،‬برقم ‪،17895‬والترمذي‪،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب مناقب معاوماة بان أباا سافمان ‪،‬‬
‫برقم ‪.3842‬‬
‫‪49‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫ِ ِ‬ ‫‪(( -32‬اللَّ ُه َّم طَ ِه ْرِّن ِم َن ُّ‬


‫اْلَطَ َاةح اللَّ ُه َّم ِتَِنق ِ م ْنِن َها َك َْا يُِننَِن َّق المِن َّْو ُ‬
‫ب‬ ‫الهِتُ ِ‬
‫وب َو ْ‬
‫اء الْبَا ِرِد))(‪.)63‬‬ ‫ْج والِِْد والْْ ِ‬ ‫ض ِم ْن َّ‬
‫سح اللَّ ُه َّم طَ ِه ْرِّن ِِبلمَِّنل ِ َ ََ َ َ‬‫الدِتَ ِ‬ ‫ْاََِْنَ ُ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬اللَّهِنِنم طه ِنرّن مِنِنن ال ِنهِتوب واْلطِنِناةح اللَّهِنِنم ِتق ِن منهِنِنا كِْنِنا ينق ِن المِنِنوب اَ ِن ض مِنِنن‬
‫ال ِندِتس))‪ :‬مجااع بااني طهااارة الااذنوب ونقائهااا‪ ،‬مبالغااة يف ساؤال ا السااالمة ماان الااذنوب‪ ،‬وحمااو أثرهااا‪،‬‬
‫كنقاء وصفاء ال وب األبيض من الوسخ‪ ،‬ألن التطهري فيه أظهر من أي لون آخر‪.‬‬
‫ُث سأل ا تعاىل التطهري أبنواف املغفرة اليت وحق الذنوب‪ ،‬وذكر التطهري أبنواعه ال الثاة‪(( :‬الا لج‪،‬‬
‫والربد‪ ،‬واملاء البارد))‪ ،‬تعبري عن غاية احملو‪ ،‬فاإن ال اوب الاذي يتكارر علياه ثالثاة أشاياء منقياة‪ ،‬يكاون يف‬
‫غايااة النقاااء‪ ،‬فااذكر أن اواف التطهااري مبالغااة يف توكيااد التطهااري‪ ،‬وخااص هااذه ال الثااة ابلااذكر كااذلكأ ألهنااا‬
‫منزلة من السماء‪ ،‬وال ميكن حصول الطهاارة الكاملاة إال بواحادة منهاا‪ ،‬فكاان تبيااانً ألناواف املغفارة الايت‬
‫ال ىللاص ماان الااذنوب إال هبااا‪ ،‬أي‪ :‬طهارين ماان ارطااااي أبناواف مغفرتااك الاايت هااي يف وحاايص الااذنوب‪،‬‬
‫فكان انزلة هذه األنواف ال الثة يف إزالة األرجاس‪ ،‬ورفع األحدال واألجناس‪.‬‬
‫ويف س اؤال ا تع اااىل املغف اارة يتض اامن س اؤال ا تع اااىل العص اامة م اان اق ارتاف ال ااذنوب بك اال أنواعه ااا‬
‫وأشكاهلا‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫َع ْهِّن ِم ْن َش ِر ِتَِن ْف ِسي))(‪.)64‬‬


‫‪(( -33‬اللَّه َّم أَ ْْلِْ ِ ر ْش ِدوح وأ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫الرشد‪ :‬خالف الغي‪ ،‬يستعمل استعمال اهلداية‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫سااأل ا تعاااىل أن يوقااع يف نفسااه الرشااد‪ ،‬وهااو طاعااة ا ورساوله‪ ،‬كمااا أرشااد الناايب ‪ ‬خطيبااً يف‬

‫(‪ )63‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الصةة‪ ،‬باب ما مقول إذا ريع رأسه من الركو ‪ ،‬برقم ‪ ،476‬والنسائا‪ ،‬كتاب الغسال‬
‫والتممم‪ ،‬باب االغتسال بالثلج والبرد‪ ،‬برقم ‪ ،400‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪ )64‬رواه أحمد‪ ،197 /33 ،‬برقم ‪ ،19992‬والترمذي‪ ،‬كتاب الادعوات‪ ،‬بااب حادثنا أحماد بان معاوماة ‪ ،‬بارقم‬
‫‪ ،3483‬واللفظ له‪ ،‬والبزار‪ ،53 /9 ،‬وابسماء والصفات للبمهقا‪ ،430 /2 ،‬وإسناده عند أحمد صحمح عل‬
‫شرط مسلم‪ ،‬كما قال محققو المسند‪.197 /33 ،‬‬
‫‪50‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫اَّلل ورسول فقد رشدح ومن يعص َّ‬


‫اَّلل ورسول فقد غوى))(‪. )65‬‬ ‫خطبته‪(( :‬من يطم َّ‬
‫أي‪ :‬اي ا ‪ ،‬اي ذا األمساااء احلس ااىن‪ ،‬والصاافات العُ اال‪ ,‬ألا ِّاق يف نفس ااي اهلدايااة‪ ,‬والص ااالد‪ ,‬والرش اااد‪،‬‬
‫شر نفسيأ ألهنا أمارة ابلساوء‪ ,‬فشار الانف أحاد مناابع الشار وأصاوله‪ ،‬وطرقاه‬ ‫والسداد‪ ,‬واعصمين من ِّ‬
‫سِن ِ‬
‫وء َِّأ‬ ‫ارِ ِِبل ُّ‬ ‫ِ‬
‫املؤدية إىل اهلالك‪ ،‬إذا مل يعصم ا تعااىل العباد منهاا‪ ,‬قاال ا تعااىل‪َّ  :‬ن الِننَِّن ْف َ‬
‫س ََََّمِن َ‬
‫َما َرِح َم َرِِب ِ َّن َرِِب غَ ُفور َرِح م‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫أعنَّا َعلَ ِأ ْك ِر َكح َو ُش ْا ِر َكح َو ُح ْس ِن ِعبَ َ‬


‫ادتِ َ‬
‫ك))(‪.)66‬‬ ‫‪(( -34‬اللَّه َّم ِ‬
‫ُ‬

‫الشرح‪:‬‬
‫هذا الدعاء جليل القدر‪ ،‬عظيم الشأنأ لشرف متعلقه‪ ،‬وذلك أن أنفع الدعاء‪ :‬طلب العاون علاى‬
‫مرضاته‪ ،‬وأفضل املواهب‪ :‬إسعافه هبذا املطلاوب‪ ،‬ومجياع األدعياة املاأثورة مادارها علاى هاذا‪ ،‬وعلاى دفاع‬
‫ما يضاده‪ ،‬وعلى تكميله‪ ،‬وتيسري أسبابه فتأملها‪.‬‬
‫هلذا وصى املصطفى ‪ ‬حبيبه معاذاً أن ال يدف هذا الدعاء ا ليل بعد كل صالة‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬اللَّهِنِنم أع ِن عل ِن أكِنِنرك))‪ :‬فيااه الطلااب ماان ا ‪ ،‬والعااون علااى القيااام بااذكرهأ ألنااه أفضاال‬
‫األعمال‪ ،‬قال النيب ‪(( :‬أ ََأ أُِتَِنبُِ ُا ْم ِِبَ ِْْي أَ ْع َِْنالِ ُا ْمح َوأَ ْدَكا َهِنا ِع ْنِن َد َملِِن ِا ُا ْمح َوأ َْرفَ ِع َهِنا ِ َد َر َجِناتِ ُا ْمح‬
‫ضِن ِرُوا‬ ‫ي َوال َْوِر ِقح َو َخ ٍْْي لَ ُا ْم ِم ْن أَ ْن تَِن ْل َقِن ْوا َعِن ُد َّوُك ْم فَِنتَ ْ‬
‫ضِن ِرُوا أَ ْعنَِناقَِن ُه ْم َويَ ْ‬ ‫اله َه ِ‬‫فاق َّ‬ ‫و َخ ٍْْي لَ ُام ِمن ِتْ ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫اَّلل تعا ))‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬أ ْك ُر َّ‬ ‫ِ‬‫ول َّ‬
‫اَّللح قَ َ‬ ‫أَ ْعنَاقَ ُا ْم؟> قَالُوا‪َِ :‬نلَ َة َر ُس َ‬
‫والا ااذكر يشا اامل القا اارآن‪ ،‬وها ااو أفضا اال الا ااذكر‪ ،‬ويشا اامل كا اال أنا اواف الا ااذكر ما اان التهليا اال‪ ،‬والتسا اابيح‪،‬‬
‫واالستغفار‪ ،‬والصالة على النيب ‪ ‬والدعاء‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وشارك))‪ :‬أي شكر نعمتك الظاهرة والباطنة اليت ال ميكن إحصاءها‪َ  :‬وِ ْن تَِنعُ ُّدوا ِتِ ْع ََِْ‬
‫ود ُش ِن ْارا‬ ‫آل َد ُاو َ‬ ‫وها‪ ،‬والقيااام ابلشااكر يك ااون ابلعماال‪ ،‬كمااا قااال ا تع اااىل‪ :‬ا ْع َْلُ ِنوا َ‬ ‫َِّ‬
‫ص ِن َ‬
‫اَّلل َأ َُتْ ُ‬
‫ور‪ ،‬ويك ااون ابللس ااان‪ ،‬ابحلم ااد‪ ،‬وال ن اااء‪ ،‬والتح اادل هب ااا‪ ،‬ق ااال ا تع اااىل‪:‬‬ ‫و ال َّ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫شِن ِن ُا ُ‬ ‫َوقَل ِن م ِن ْن عبَ ِناد َ‬
‫اب َوا ْحلِ ْا َْ ِِ يَِعَُ ُا ْم ِ ِ‪.‬‬ ‫ْاتَ ِ‬ ‫اَّلل َعلَ ُام وما أَِتِْنز َل َعلَ ُام ِمن ال ِ‬ ‫‪‬واأْ ُكروا ِتِعْ َ ِ‬
‫ْ َّ ْ ْ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫اَّللَ ل ََعلَّ ُا ْم تَ ْش ُا ُرو َن‪ ،‬وال شاك أن التوفياق إىل الشاكر‬ ‫وأعظم الشكر تقوى ا تعاىل‪ :‬فَاتَِّن ُقوا َّ‬

‫الصةة والخطبة‪ ،‬برقم ‪. 870‬‬ ‫(‪ )65‬مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفم‬
‫(‪ )66‬أخرجه أحمد‪ ،360 /13 ،‬برقم ‪.7982‬‬
‫‪51‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫حيتاال إىل شكر آخر‪ ،‬إىل ما ال هناية‪ ،‬قاال ابان رجاب رمحاه ا ‪« :‬كال نعماة علاى العباد مان ا تعااىل‬
‫يف دين أو دنيا‪ ،‬حتتاال إىل شكر عليهاا‪ُ ،‬ث التوفياق للشاكر عليهاا نعماة أخارى‪ ،‬حتتااال إىل شاكر َ‬
‫اثن‪،‬‬
‫ُث التوفياق للشااكر ال ااين نعمااة أخاارى حيتااال إىل شااكر آخار‪ ،‬وهكااذا أبااداً‪ ،‬فاال يقاادر العباد علااى القيااام‬
‫بشكر النعم‪ ،‬وحقيقة الشكر‪ :‬االعرتاف ابلعجز يف الشكر))(‪.)67‬‬
‫قولِن ‪(( :‬وحسِنِنن عبادتِنِنك))‪ :‬علااى القيااام هبااا علااى الوجااه األكماال واألو‪ ،‬ويكااون ذلااك ماان صااد‬
‫اإلخالص فيها‪ ،‬واتباف ما جاء عن النيب ‪ ،‬وعدم االبتداف فيها‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ك‬‫الر ْش ِن ِدح َوأَ ْس ِنأَلُ َ‬


‫ات ِ ْاََ ْم ِن ِرح َوال َْع ِزَيَِنَِ َعلَ ِن ُّ‬ ‫‪(( -35‬اللَّ ُه ِن َّم ِِّن أَ ْس ِنأَلُ َ‬
‫ك المَِّنبَ ِن َ‬
‫ات ر ْْتِكح وعزائِم مغْ ِفرتِ‬
‫كح‬‫ادتِ َ‬ ‫كح َو ُح ْس َن ِعبَ َ‬ ‫ك ُش ْا َر ِتِ ْع َْتِ َ‬ ‫َسأَلُ َ‬ ‫وجبَ ِ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬
‫أ‬‫و‬ ‫ح‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬
‫ُ‬
‫ك‬‫ك ِم ْن َخ ِْْي َمِنا تَِن ْعلَِن ُمح َوأَعُِنوأُ ِِن َ‬ ‫َسأَلُ َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ح‬‫ا‬ ‫ق‬ ‫ك قَِنلْبا سلِ ْاح ولِس َاق ص ِ‬
‫اد‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َسأَلُ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫وب))(‪.)68‬‬ ‫ْ َعَلَّ ُ الْغُُ ِ‬ ‫ك أِتْ َ‬‫َستَِنغْ ِف ُر َك لِ َْا تَِن ْعلَ ُمح ِِتَّ َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ح‬‫م‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِن‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬
‫ْ َ ُ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ااذا ال اادعاء العظ اايم املب ااارك‪ ,‬يف غاي ااة األمهي ااة‪ ,‬فق ااد اش ااتمل عل ااى أعظ اام مطال ااب ال اادين‪ ,‬وال اادنيا‪,‬‬
‫وا خرة‪ ,‬و فيه من جوامع الكلم اليت ال تستقصيها هذه الوريقات اللة قدرها‪.‬‬
‫وقد أفرد شرحه ابن رجب يف رسالة مستقلة ‪ ،‬وهي من نفائ الرسائل‪.‬‬
‫وهلذا أمر النيب ‪ ‬شداد بن أوس‪ ,‬والصحابة ‪‬ابإلك ار مان هاذا الادعاء أبمجال األلفاا ‪ ،‬وأجال‬
‫املعاااين فق ااال‪ (( :‬ة ش ِنِنداد ِنِنن أوسح أا رأي ِنِنْ الن ِنِناس ق ِنِند اكتن ِنِنزوا ال ِنِنههي والفض ِنِنِ‪ ,‬ف ِنِناكنز ه ِن أء‬
‫الالْات))‪.‬‬
‫ويف لفظ (( أا اكتنز الناس الدقِتْي والدراهم‪ ,‬فاكتنزوا الالْات ‪.))...‬‬
‫و وا يدل على أمهياة هاذه الادعوات الطيباات أن النايب ‪ ‬كاان يقوهلاا يف صاالته‪ ،‬ففاي رواياة عناد‬
‫ابا اان حبا ااان‪ ،‬والطا ارباين‪ ،‬ولفا ااظ احلا ااديث عنا ااد النسا ااائي عا اان شا ااداد ‪ ‬أن النا اايب ‪ ‬كِن ِنِنان يقِن ِنِنول‬
‫صَلت ]‪ :‬اللهم ّن أسألك المبات‪ )) ...‬احلديث‪.‬‬
‫أي أنااه كااان يك اار ماان هااذه الاادعوات يف أعظاام األعمااال‪ ،‬وهااي الصااالة‪ ,‬فقولااه ‪(( :‬فِنِنأكمروا))‪،‬‬
‫ال‬
‫وأم اار ‪ ‬ابكتنازه اااأ ألن نفعه ااا دائ اام ال ينقط ااع يف ال اادنيا ويف ا خ اارة‪ ,‬كم ااا ق ااال ا تع اااىل‪ :‬الْ َِْن ِن ُ‬
‫ات َخ ْْي ِع ْن َد َرِِن َ‬
‫ك َِن َواِب َو َخِن ْْي أَ َمِنَل‪ ،‬وهاذا هاو الكناز‬ ‫الص ِ‬
‫احلَ ُ‬ ‫ات َّ‬ ‫َوالْبَِننُو َن ِدينَُِ ا ْحلََاِِ ُّ‬
‫الدِتِْنَا َوالْبَاقَِ ُ‬

‫المعار ‪ ،‬ص ‪. 301‬‬ ‫(‪ )67‬لطائ‬


‫(‪ )68‬أحمد‪ ،338 /28 ،‬برقم ‪ ،17114‬و‪ ،356 /28‬برقم ‪ ،17133‬والترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب منه‪ ،‬بارقم‬
‫‪.3407‬‬
‫‪52‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫احلقيقي الذي ال يفىن‪.‬‬


‫فتضمن هذا الدعاء املبارك على عدة مقاصاد ومطالاب جليلاة يف أعظام مهماات الادين‪ ،‬واملعااد‪،‬‬
‫واملعاد‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬سؤال ا تعاىل ال بات على اهلدى يف كل األحوال‪.‬‬
‫‪ -2‬التوفيق إىل صاحل األعمال على التمام ‪.‬‬
‫‪ -3‬الشكر على النعم وا الء يف الليل والنهار‪.‬‬
‫‪ -4‬إصالد أعمال القلب‪ ,‬واألركان‪.‬‬
‫‪ -5‬الفوز بكل خري ومنوال على الدوام‪.‬‬
‫‪ -6‬السالمة من كل شر يف كل األحوال واألزمان‪.‬‬
‫‪ -7‬مغفرة الذنوب يف املاضي‪ ,‬واحلال‪ ,‬وامل ل‪.‬‬
‫املفردات‪:‬‬
‫الانز‪ :‬أصل الكنز املال املدفون حتت األرضأ فإذا أخرال منه الواجب عليه مل يبق كنازاً‪ ,‬وإن كاان‬
‫مكنوزاً ‪ ،‬والكنز‪ :‬هو الشيء النفي املدخر‪ ,‬ومنه قول النايب ‪(( :‬أ حول وأ قوِ أ َّ‬
‫ِبَّلل كنز مِنِنن‬
‫كنود اْنِ)) أي‪ :‬املدخر لقائلها‪ ،‬واملتصف هبا‪ ،‬كما يُدخر الكنز‪.‬‬
‫العزَي ِنِنِ‪ :‬العاازم والعزميااة‪ :‬عقااد القلااب علااى إمض اااء األماار‪ ,‬يقااال ‪ :‬عزما ُ‬
‫ات األماار‪ ,‬و عزماات علي ااه‪,‬‬
‫ْ فَِنتِنوَّك َعلَ َِّ‬
‫اَّلل‪‬‬ ‫ِ‬
‫واعتزمت‪ ,‬قال ا تعاىل‪ :‬فَإ َأا َع َزْم َ َ َ ْ‬
‫الر ىش ُد‪ :‬خالف الغي‪ ،‬وهو الصالد والفالد‪ ،‬وإصابة عني احلق‪.‬‬ ‫الرشد‪ :‬الر َش ُد و ُّ‬
‫القلي السل م‪ :‬هو اراي من الشرك والكفر‪ ,‬والنفا واإلُث وكل وصف ذميم‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫قول ‪(( :‬اللَّهم ّن أسألك المبات اَمِنِنر))‪ :‬ساأل ا تعااىل ال باات يف األمار‪ ,‬وهاي صايغة عاماة‬
‫ين اادرال حتته ااا ك اال أم اار م اان أم ااور ال اادنيا‪ ,‬وال اادين‪ ,‬وا خ اارةأ ف ااإن ال ب ااات عليه ااا يك ااون ابلتوفي ااق إليه ااا‬
‫ابالسااتقامة‪ ،‬والسااداد‪ ،‬وأعظاام ذلااك ال بااات علااى الاادين والطاعااة‪ ،‬واالسااتقامة علااى اهلاادى‪ ،‬وأحااوال مااا‬
‫يكون العبد هلذه االستقامة‪ ,‬عند االحتضار من نزغاات الشايطان وإغوائاه‪ ,‬وال باات يف ساؤال امللكاني‪,‬‬
‫ْ َّ ِ‬ ‫وعنااد املاارور علااى الص اراس وقااد مجااع ا تبااارك وتعاااىل كاال هااذه األمااور‪ ,‬يف قولااه‪ :‬يُِنمَِنبِِن ُ‬
‫اَّللُ الَِّنه َ‬
‫ين‬
‫ْ ِ ا ْحلََِناِِ الِن ُِّندِتِْنَا َوِ ْاآل ِخ ِن َرِِ‪ ،‬فتضاامنت هااذه الاادعوة ا ليلااة ال بااات يف كاال‬
‫آمنُِنوا ِِبلْ َق ِنو ِل المَّاِِن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫األحوال واألوقات واألماكن‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬والعزَيِ عل الرشد))‪ :‬سأل ا تعاىل عزمية الرشد‪ ،‬وهي ا د يف األمر‪ ,‬حبيث ينجز كال‬
‫ماا هااو رشاد ماان أماوره يف أمااور معاشاه وآخرتااه‪ ,‬والرشاد كمااا تقادم هااو الصاالد‪ ،‬والفااالد‪ ,‬والصاواب‪،‬‬
‫‪53‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫فلذلك كانت العزمية على الرشاد مبادأ اراريأ فاإن اإلنساان قاد يعلام الرشاد‪ ،‬ولاي لاه علياه عزمياة‪ ،‬فاإذا‬
‫عزم على فعله أفلح‪ ,‬والعزمية‪ :‬هي القصد ا ازم املتصل ابلفعل‪ ,‬وهو عقاد القلاب علاى إمضااء الفعال‪,‬‬
‫وال ق اادرة للعب ااد عل ااى ذل ااك إال اب تع اااىلأ فله ااذا ك ااان م اان أه اام األم ااور س اؤال ا تع اااىل العزمي ااة عل ااى‬
‫الرشدأ وهلذا علم النيب ‪ ‬أحد الصحابة أن يقول‪(( :‬ق اللَّهم ق شر ِتفسيح واعز ِل عل أرشد‬
‫أمرو))(‪. )69‬‬
‫فالعب ااد حيت اااال إىل االس ااتعانة اب ‪ ,‬والتوك اال علي ااه يف حتص اايل الع اازم‪ ,‬ويف العم اال اقتض ااى الع اازم بع ااد‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫اَّللَ ُُِي ُّ‬ ‫ْ فَِنتِنوَّك َعلَ َِّ‬
‫اَّلل ِ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫ي ال ُْْتَِن َوكل َ‬ ‫حصول العزم‪ ,‬قال ا تعاىل‪ :‬فَإأَا َع َزْم َ َ َ ْ‬
‫وهنا نكتة لطيفة‪ :‬النقص إمنا يصيب العبد من أحد أمرين ‪:‬‬
‫‪ -1‬إما من عدم عزمه على الرشد‪.‬‬
‫‪-2‬وإما من عدم ثباته واستمراره على عزمه‪.‬‬
‫وهلذا كان دعااء النايب صالى هللا علياه وسالم‪" :‬اللهام إين أساألك ال باات يف األمار ‪ ،‬والعزمياة علاى‬
‫الرشااد" ماان أنفااع األدعيااة وأمجعهااا للخ اريات ‪ ،‬فماان أعانااه هللا علااى نيااة الرشااد والعزميااة عليهااا وال بااات‬
‫واالستمرار أ فقد حصل له أكرب أسباب السعادة‪.‬‬
‫ي ِلَِن ِن ْ ُا ُم ِْ‬
‫اإلَيَِن ِنا َن َوَديَِّننَِن ِن ُ ِ‬ ‫والرش ِنِند‪ :‬ه ااو طاع ااة ا ورس اوله‪ ،‬كم ااا ق ااال ا تع اااىل‪َ  :‬ولَ ِا ِن َّن َّ‬
‫اَّللَ َحبَِّن ِن َ‬
‫اش ُدو َن‪.‬‬ ‫الر ِ‬
‫ك ُه ُم َّ‬ ‫وق َوال ِْع ْ‬
‫صَا َن أُولَِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قُِنلُو ُا ْم َوَك َّرَِ لَْ ُا ُم الْ ُا ْف َر َوالْ ُف ُ‬
‫اَّلل ورسول فقد رشدح ومِنِنن يعصِنِني َّ‬
‫اَّلل ورسِنِنول فقِنِند‬ ‫وكان النيب ‪ ‬يقول يف خطبته‪(( :‬من يطم َّ‬
‫غوى))‪.‬‬
‫الر ْش ُد ِم َن الْغَي‪ ،‬فمن مل يكن رشيداً‪ ,‬فهاو‪ :‬إماا‬
‫ني ُّ‬
‫و الرشد ضد الغي‪ ,‬قال ا تعاىل‪ :‬قَ ْد تَِنبَ َّ َ‬
‫غافل‪ ,‬أو ضال‪.‬‬
‫والعز ِتوعان‪:‬‬
‫أحدَا‪ :‬عزم املريد على الدخول يف الطريق‪ ,‬وهو من البداايت‪.‬‬
‫والماّن‪ :‬العزم على االستمرار علاى الطاعاات بعاد الادخول فيهاا‪ ,‬وعلاى االنتقاال مان حاال كامال‪,‬‬
‫إىل حال أكمل مناه‪ ,‬وهاو مان النهااايت‪ ,‬وهلاذا مساى ا تعااىل خاواص الرسال أوي العازم‪ ,‬وهام ساة‪،‬‬
‫وهم أفضل الرسل‪.‬‬
‫فااالعزم األول حيصاال للعبااد بااه الاادخول يف كاال خااري‪ ,‬والتباعااد ماان كاال شاار‪ ,‬إذ بااه حيصاال للكااافر‬
‫ار ااروال م اان الكف اار‪ ،‬وال اادخول يف اإلس ااالم‪ ,‬وب ااه حيص اال للعاص ااي ار ااروال م اان املعص ااية‪ ,‬وال اادخول يف‬

‫(‪ )69‬أخرجه أحمد‪ ،197 /33 ،‬برقم ‪.19992‬‬


‫‪54‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫الطاعااة‪ ,‬فااإن كاناات العزميااة صااادقة‪ ,‬وصاامم عليهااا صاااحبها‪ ,‬ومحاال علااى هااوى نفسااه‪ ,‬وعلااى الشاايطان‬
‫محلة صادقة‪ ,‬ودخل فيما أ ُِّمَر به من الطاعات فقد فاز‪.‬‬
‫وعون ا للعبد على قدر قوة عزميته‪ ،‬وضعفها‪ ,‬فمن صمم على إرادة ارري أعانه‪ ،‬وثبته‪.‬‬
‫ص َد َق العزمية يئ منه الشيطان‪ ,‬ومىت كان العبد مرتدداً طمع فيه الشيطان‪ ,‬وسوفه‪ ،‬ومناه‪.‬‬
‫ومن َ‬
‫ُسئل بعض السلف مىت ترحتل الدنيا من القلب؟ قال‪ :‬إذا وقعت العزمية ترحلت الدنيا من القلب‪,‬‬
‫ودرال القلب يف ملكوت السماء‪ ,‬وإذا مل تقع العزمية اضطرب القلب‪ ,‬ورجع إىل الدنيا‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأسألك موجبات رْتك))‪ :‬موجبات‪ -‬بكسر ا يم‪ :-‬مجع موجبة‪ ،‬وهي ما أوجبات‬
‫لقائلها الرمحة‪ ،‬من قربة‪ ,‬أي قر َبة كانت‪ ,‬أي‪ :‬نساألك مان األفعاال‪ ,‬واألقاوال‪ ،‬والصافات الايت تتحصال‬
‫ِ‬
‫َّْ‬ ‫بسببها رمحتك‪ ,‬واليت توجب هبا ا نة اليت هي أعظم رمحاتك‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ  :‬وأَ َّمِنا الَِّنه َ‬
‫ين ا ِْنَضِن ْ‬
‫اَّلل ُه ْم فِ َها َخالِ ُدو َن‪. ‬‬
‫وه ُه ْم فَِفي َر َْْ ِِ َّ‬
‫ُو ُج ُ‬
‫قول ‪(( :‬وعزائم مغفرتك))‪ :‬العزائم‪ :‬مجع عزمية‪ :‬وهاي عقاد القلاب علاى إمضااء األمار كماا مار‪ ,‬أي‬
‫أسااألك أن ترزقنااا ماان األعمااال واألق اوال واألفعااال الاايت تعاازم‪ ،‬وتتأكااد هبااا مغفرتااك‪ ,‬وهااذا الاادعاء ماان‬
‫جوامااع الكلاام النبويااة‪ ,‬فإنااه سااأله أوالً أن يرزقااه مااا يوجااب لااه رمحااة ا ‪ ,‬وماان فعاال مااا يوجااب لااه‬
‫الرمح ااة‪ ,‬فق ااد دخ اال ب ااذلك حت اات رمحت ااه ال اايت وس ااعت ك اال ش اايء‪ ,‬وان اادرال يف س االك أهله ااا‪ ,‬ويف ع ااداد‬
‫مستحقها‪ُ ,‬ث سأله أن يهب له عزماً على ارري يكون به مغفوراً لهأ فإن مان غفار ا تعااىل لاه ذنوباه‪،‬‬
‫وتفضل عليه برمحته‪ ،‬فقد ظفر خبريي الدنيا وا خارة‪ ,‬واساتحق العناياة الرابنياة يف حميااه وواتاهأ ألناه قاد‬
‫صفا من كدورات الذنوب‪.‬‬
‫وهااذان املطلبااان قااد تقاادما ك ارياً يف أدعيااة القاارآن‪ ،‬وكااذلك الساانةأ ألن يف املغفاارة التخليااة ماان كاال‬
‫الااذنوب وتبعاهتااا‪ ,‬وهااي التصاافية‪ ،‬والتنقيااة ماان آاثره ااا وشااؤمها يف الاادنيا وا خاارة‪ ,‬والرمحااة حتليااة‪ ،‬ال اايت‬
‫تتحصل اقتضاها النعم‪ ,‬وا الء‪ ,‬ومن أجلها النعيم املقيم‪ ،‬يف جنات النعيم‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬وأسِنِنألك شِنِنار ِتعْتِنِنك))‪ :‬أي أسااألك التوفيااق لشااكر نعمااك الاايت ال ُحتصااىأ ألن شااكر‬
‫النعماة يوجااب مزياادها‪ ،‬وحفظهااا‪ ،‬واساتمرارها علااى العبااد‪ ،‬كمااا قااال ا تعااىل‪َ  :‬وِ ْأ ََتَأَّ َن َرُّ ُاِن ْم لَِنِ ْن‬
‫َش َا ْرُْ َََ ِدي َدِتَّ ُا ْم َولَِ ْن َك َف ْرُْ ِ َّن َع َه ِاِب لَ َش ِديد‪ ،‬والشكر يكون‪ :‬ابلقلب‪ ,‬واللسان‪ ,‬واألركان‪.‬‬
‫فالشكر ابلقلب‪ :‬ذكرها‪ ،‬وعدم نسياهنا‪.‬‬
‫والشكر ابللسان ‪:‬ال ناء‪ ،‬واحلمد ابلنعم‪ ،‬وذكرها‪ ,‬وتعدادها‪ ,‬والتحدل هبا‪.‬‬
‫والشااكر ابألركااان‪ ,‬أن يسااتعان باانعم ا تعاااىل علااى طاعتااه‪ ,‬وأن جينااب يف اسااتعماهلا يف شاايء ماان‬
‫معاصيه‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬وحس ِنِنن عبادت ِنِنك))‪ :‬يك ااون التقاهنااا‪ ،‬واإلتي ااان هبااا علااى أكم اال وجااه‪ ،‬ويك ااون ذلااك عل ااى‬
‫ركنني‪:‬‬
‫‪55‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫‪ -1‬اإلخالص تعاىل فيها‪.‬‬


‫‪ -2‬املتابعة فيما جاء يف الكتاب احلكيم‪ ,‬وسنة املصطفى ‪ ‬الر وف الرحيم‪ ،‬وأعظم اإلحسان يف‬
‫العبادة مقام (اإلحسان)‪ :‬قال النيب ‪ ‬حينما سأله جربيل عن اإلحسان‪ ،‬فقال‪(( :‬اإلحسان‬
‫أن تعبد َّ‬
‫اَّلل كأِتك تراِح فإن َل تان تراِ‪ ,‬فإِت يراك))(‪.)70‬‬
‫«فأشار مقامني‪:‬‬
‫أحِنِندَا‪ :‬أن يعبااد ا تعاااىل مستحضاراً لر يااة ا تعاااىل إايه‪ ،‬ويستحضاار قاارب ا منااه‪ ،‬واطالعااه‬
‫عليه‪ ,‬فيخلص له العمل‪ ،‬وجيتهد يف إتقانه‪ ،‬وحتسينه‪.‬‬
‫والماّن‪ :‬أن يعبده على مشاهدته إايه بقلبه‪ ,‬فيعامله معاملة حاضر ال معاملة غائب»(‪.)71‬‬
‫فينبغي للداعي حينما يدعو ربه تعاىل ا يب أن يستحضر هذه املعاين‪.‬‬
‫وقول ‪(( :‬وأسألك قلبا سل ْا))‪ :‬هو القلب النقي من الذنوب‪ ،‬والعيوب الذي لي فيه شيء مان‬
‫حمبة ا ماا يكرهاه ا تباارك وتعااىل‪ ,‬فادخل يف ذلاك ساالمته مان الشارك ا لاي وارفاي‪ ,‬ومان األهاواء‬
‫والباادف‪ ،‬وماان الفسااو واملعاصااي‪ :‬كبائرهااا‪ ،‬وصااغائرها‪ ،‬الظاااهرة‪ ،‬والباطنااة‪ ،‬كااالرايء‪ ،‬والعجااب‪ ,‬والغِّا ِّل‪,‬‬
‫والغاش‪ ,‬واحلقاد‪ ,‬واحلسااد‪ ،‬وغاري ذلااك‪ ,‬وهاذا القلاب السااليم هاو الااذي ال ينفاع ياوم القيامااة ساواه‪ ,‬قااال‬
‫ْي َسلِ ٍم‪ ,‬فإذا سلم القلب مل يسكن‬ ‫اَّللَ َِقل ٍ‬
‫ا تعاىل‪ :‬يَِن ْو َ َأ يَِن ْنِن َف ُم َمال َوَأ َِننُو َن * َِّأ َم ْن أَتَ َّ‬
‫فيه إال الرب تبارك وتعاىل))‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬ولس ِنِناق ص ِنِنادقا))‪ :‬أي حمفوظ ااً م اان الك ااذب‪ ,‬واإلخ ااالف ابلوع ااد‪ ,‬س ااأل ا تع اااىل لس اااانً‬
‫صادقاًأ ألنه من أعظم املواهب‪ ,‬وأجل املنح والرغائبأ فإناه أول الطرياق إىل درجاة الص ِّاديقية الايت هاي‬
‫أعلاى الاادرجات بعااد األنبياااء‪ ,‬قااال الناايب ‪(( :‬علِن ام ِبلصِنِندق‪ ,‬فِنِنإن الصِنِندق يهِنِندو الِنِنِح و ن‬
‫الر ُج ِن ِن يصِن ِنِندق‪ ,‬ويتحِن ِنِنرى الصِن ِنِندق‪ ,‬حِن ِنِنَّت ياتِن ِنِني عنِن ِنِند َّ‬
‫اَّلل‬ ‫الِن ِنِنِ يهِن ِنِندو اْنِن ِنِنِ‪ ,‬ومِن ِنِنا ي ِن ِنزال َّ‬
‫صديقا‪.))...‬‬
‫قول ‪(( :‬وأسألك مِنِنن خِنِنْي مِنِنا تعلِنِنم))‪ :‬هاذا ساؤال جاامع لكال خاري ماا علماه العباد‪ ،‬وماا مل يعلماه‪،‬‬
‫فما من خري إال وقد دخل فيهأ هلذا أسنده إىل ربه تعاىل العليم‪ ,‬الذي وسع علمه كل شايء‪ ,‬يف العاامل‬
‫السفلي والعلوي‪ ,‬وهذا السؤال العام بعد سؤال تلك األمور اراصة من ارري‪ ,‬هو مان ابب ذكار العاام‬
‫بعد اراص‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأعوأ ك من شر ما تعلم))‪ :‬وهذه االستعاذة شاملة من كل الشارور‪ :‬صاغريها‪ ،‬وكبريهاا‪,‬‬

‫(‪ )70‬البخاري‪ ،‬كتاب امممان‪ ،‬باب سؤال جبرمل النبا ^ عن امممان‪ ،‬بارقم ‪ ،50‬ومسالم‪ ،‬كتااب اممماان‪ ،‬بااب‬
‫بمان امممان وامسةم وامحسان‪ ،‬ووجوب امممان بإثبات قدر هللا ‪ ،‬برقم ‪.9‬‬
‫(‪ )71‬مجمو رسائل ابن رجب‪. 380 / 1 ،‬‬
‫‪56‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫الظ اااهر منه ااا‪ ،‬والب اااطن‪ ,‬حي ااث قي ااد االس ااتعاذة م اان الش اارور ال ااذي يعلمه ااا س اابحانهأ ألن ال اارب تب ااارك‬
‫وتعاىل يعلم كل شيء‪ ,‬وهذا يف غاية التلطف‪ ،‬واألدب‪ ،‬والتعظيم للرب حال الدعاء‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬وأسِنِنتغفرك ملِنِنا تعلِنِنم))‪ :‬خااتم الاادعاء بطلااب االسااتغفار الااذي عليااه املعااول‪ ،‬واملاادارأ فإنااه‬
‫خاوة األعمال الصاحلة‪ ,‬كما يف ك ري من العبادات‪.‬‬
‫وه ااذا االس ااتغفار يع اام ك اال ال ااذنوب ال اايت عمله ااا العب ااد يف املاض ااي‪ ,‬واحلاض اار‪ ,‬واملس ااتقبل‪ ,‬ف ااإن م اان‬
‫ال ااذنوب م ااا ال يش ااعر العب ااد أبن ااه ذن ااب ابلكلي ااة‪ ،‬كم ااا ق ااال الن اايب ‪ ‬أليب بك اار‪(( :‬ة أِب ا ِنِنر لَلش ِنِنرك‬
‫ف ِن امح أخف ِن مِنِنن د ِنِني النْ ِن ‪ ))...‬احلااديث(‪ ,)72‬وماان الااذنوب مااا ينساااه العبااد‪ ،‬وال يااذكره وقاات‬
‫االستغفار‪ ,‬فيحتاال العبد إىل استغفار عام من مجيع ذنوبه‪ ،‬ما علم منها‪ ،‬وما مل يعلم‪ ,‬والكل قد علمه‬
‫ا ‪ ،‬وأحصاه))‪.‬‬
‫ُث ختم دعااءه‪ ,‬أبحسان ختاام‪ ,‬مان صافات ا تعااىل العظاام (( ِتِنِنك أِتِنِنْ عِنِنَل الغ ِنِنوب))‪ :‬ابسام‬
‫ماان أمسائااه املضااافة‪ ,‬الاايت تاادل علااى سااعة العلاام‪ ,‬فااإن (عااالم) صاايغة مبالغااة لك اارة العلاام وتولااه‪ ,‬فهااذا‬
‫توس ال جلياال‪ ,‬هلااذا املقااام العظاايم‪ ,‬فيااه غايااة األدب والتعظاايم‪ ,‬للاارب ا لياال‪ ,‬وذلااك أنااه أك اده ب اا(إن)‬
‫وضمري الفصل (أنت) الذي يفيد التأكيد‪ ,‬واحلصر والقصر‪ ,‬يف اختصاص رب العاملني ابلعلم الواسع‪,‬‬
‫ومن ضمنه ذلك الداعي السائل هلذه املطالب العلية‪ ,‬يف الدين‪ ,‬والدنيا‪ ,‬وا خرة‪.‬‬
‫وأن اات ت اارى رع اااك ا ‪ ,‬إىل جالل ااة ه ااذه الكلم ااات يف ه ااذه ال اادعوات‪ ,‬م اان املقاص ااد‪ ,‬واملطال ااب‪,‬‬
‫واملضاامني املهماةأ لااذا أماار ‪ ‬ابكتنازهااأ ألهنااا هااي الكنااز احلقيقاي الااذي ينمااو يف ازدايد ماان ارااري يف‬
‫الدار الدنيا‪ ,‬واالدخار يف الدار ا خرة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ك ال ِ‬
‫))‪.‬‬ ‫س أَ ْعلَ ا َْْنَِّ‬
‫َسأَلُ َ ْ ْ َ‬
‫و‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْف‬ ‫‪(( -36‬اللَّ ُه َّم ِّن أ ْ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫الفردوس‪ :‬الفردوس اسم من أمساء ا نة‪ ,‬وأصله البستان الواسع الذي جيماع كال ماا يف البسااتني‪,‬‬
‫من أصناف ال مر‪ ,‬واملراد هنا أفضل مكان يف ا نة‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وهذا الدعاء مأخوذ من قول النيب صلى هللا عليه وسلم ‪ ...(( :‬فَإذا َسأَلىتُ ُم هللاَ فَا ىساأَلُوهُ الىفا ىرَد ىو َ‬
‫سأ‬
‫د الر ىمحَ ِّن‪َ ،‬وِّمىنهُ تُا َفج ُر أ ىَهنَ ُار ا ىَن ِّة))‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫فَِّإنه أَوس ُ ِّ‬
‫ط ا ىَنة‪َ ،‬وأ ىَعلَى ا ىَنة‪َ ،‬وفَا ىوقَهُ َع ىر ُ‬ ‫ُ ىَ‬

‫(‪ )72‬ابدب المفرد‪ ،‬برقم ‪ ،716‬وأحمد‪ ،384 /23 ،‬برقم ‪.19606‬‬


‫‪57‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫هااذا الاادعاء املبااارك فيااه أعظاام مطلااب‪ ,‬وأمسااى مقصااد‪ ,‬وأجاال مأماال يف الاادار ا خاارةأ فااإن الاارب‬
‫احلكايم العلاايم‪ ,‬جعاال ا نااة جنااان عاليااة‪ ,‬علياة مكااانً‪ ,‬ومكاناةً‪ ,‬بعضااها فااو بعااض‪ ،‬علااى قاادر أعمااال‬
‫س‬ ‫العبا ا اااد‪ ,‬حا ا ااىت تتسا ا ااابق اهلما ا اام علا ا ااى نيا ا اال أعالها ا ااا‪ ,‬كما ا ااا قا ا ااال ا تعا ا اااىل‪َ  :‬وِ أَلِِن ِن ِن َ‬
‫ك فَِن ْلَِنتَِننَِن ِن ِنافَ ِ‬
‫ِبَّللح و رسول ح وأقا الصِنِنَلِح وصِنِنا رمضِنِنانح كِنِنان حقِنِنا‬ ‫سو َن‪ ،‬وقال النايب ‪(( :‬من آمن َّ‬ ‫ِ‬
‫ال ُْْتَِننَاف ُ‬
‫اَّلل أو جلس أرضِن أو جلِنِنس تِن فقِنِنالوا‪:‬ة‬ ‫اَّلل تعا أن يدخل اْنِ‪ ,‬جاهد سب َّ‬ ‫عل َّ‬
‫اَّلل‪,‬‬‫اَّلل للْجاهدين سِنِنب َّ‬ ‫ِتبش ُر الناس؟ قال‪ (( :‬ن اْنِ مائِ درجِ أعدها َّ‬ ‫اَّلل‪ ,‬أفَل ِ‬ ‫رسول َّ‬
‫اَّلل فاسألوِ الفردوسح فإِت أوسط اْنِ‪,‬‬ ‫ما ني ك درجتني كْا ني السْاء واَر ‪ ,‬فإأا سألتم َّ‬
‫وأعل اْنِ‪ ,‬وفوق عر الرْن‪ ,‬ومن تفجر أهنار اْنِ))(‪.)73‬‬
‫و يف لفظ‪(( :‬أأ أخِ الناس؟ فقال‪(( :‬أر الناس يعْلون؛ فإن اْنِ مائِ درجِ‪ ,‬مِنِنا ِنِنني كِن‬
‫درجتِنِنني كِْنِنا ِنِنني السِنِنْاء واَر ‪ ,‬والفِنِنردوس أعل ِن اْنِنِنِ‪ ,‬وأوسِنِنطها)) (‪ )74‬فقولااه ‪ (( :‬اْنِنِنِ‬
‫مائِ درجِ))‪ :‬تعليل لرتك البشارة املذكورة‪.‬‬
‫قااال الطياايب رمحااه ا ‪(( :‬هااذا ا اواب ماان أساالوب احلكاايم‪ ،‬أي بشاارهم باادخوهلم ا نااة اااا ذكاار ماان‬
‫األعمال‪ ,‬وال تكتف بذلك‪ ,‬بل بشرهم ابلدرجات‪ ,‬وال تقتنع باذلك‪ ,‬بال بشارهم ابلفاردوس الاذي هاو‬
‫أعالها))‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬أر الناس يعْلون))‪(( :‬أي ال تطمعهم يف ترك العمل‪ ,‬واالعتماد على برد الرجاء))‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬أوسِنِنط اْنِنِنِ وأعل ِن اْنِنِنِ))‪ :‬وهااذا ياادل علااى أن ا نااة شااكلها كالقبااة‪ ،‬وذلااك ألن‬
‫الشيء ال يكون أوسط الشيء وأعاله إال يف القبة‪.‬‬
‫وسااقف هااذه القبااة هااو عاارد الاارمحن الااذي هااو أناازه املخلوقااات‪ ،‬وأظهرهااا‪ ،‬وأنورهااا‪ ،‬وأعالهااا ذااتً‬
‫وقدراً ‪ ،‬وكلما قرب إىل العرد كان أنور‪ ،‬وأزهر‪ ،‬فلذا كان الفردوس أعلى ا نان وأفضلها ‪.‬‬
‫ففي بيان النيب ‪ ‬يف تفصايل لادرجات ا ناة‪ ،‬وإن الفاردوس هاي أعالهاا‪ ،‬وح اه ‪ ‬لناا يف ساؤاهلا‬
‫يدل داللاة واضاحة علاى حرصاه‪ ،‬وعنايتاه للخاري ألمتاه يف أحسان أسالوب مان الرتغياب والتشاويق‪ ،‬ويف‬
‫أمر النيب ‪ ‬ا ميع ابلدعاء ابلفردوس‪ ،‬بل ابلفردوس األعلى‪.‬‬
‫فقد بني لك اي عبد ا نايب الرمحاة حمماد ‪ ‬منزلاة الفاردوس عان ابقاي ا ناان‪ ،‬وأرشادك إىل أعظام‬
‫األسباب واألبواب إىل نيلها‪ ،‬وهو دعاء ا تبارك وتعاىل وسؤاله‪.‬‬
‫وهااو أعظاام األسااباب‪ ،‬وأيساار األباواب‪ ،‬فشااد ساااعد ا ااد والعماال ماان هااذه اللحظااة‪ ،‬وال تسا ِّاوف‪،‬‬
‫وال تتااأخر أبااداً ماان ا ن يف اإلحلاااد‪ ،‬وطاار الباااب آانء اللياال وأطاراف النهااارأ فإنااه سااوف يفااتح لااك‬

‫(‪ )73‬البخاري‪ ،‬كتاب الجهاد والسمر‪ ،‬باب درجات المجاادمن يا سابمل هللا‪ ،‬بارقم ‪ ،2790‬وماا بامن المعقاويمن‬
‫ذكر القاري أنها يا بعض نسخ البخاري‪ .‬انظر‪ :‬عمدة القاري‪.90 /14 ،‬‬
‫(‪ )74‬الترمذي‪ ،‬كتاب صفة الجنة‪ ،‬باب ما جاء يا صفة درجات الجنة‪ ،‬برقم ‪.2530‬‬
‫‪58‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫الباب إن شاء ا ‪.‬‬


‫قال أبو الدرداء ‪(( :‬جدوا يف الدعاء‪ ،‬فإنه من يُك ر قرف الباب يوشك أن يُفتح له))‪.‬‬
‫وتَ َذكر قول املصطفى ‪(( :‬من خاف أدجلح ومن أدجل لغ املنِنِنزلح أأ ن سِنِنلعِ َّ‬
‫اَّلل غال ِنِنِح أأ‬
‫اَّلل اْنِ))أ فإن هذه السلعة غالية‪ ،‬نفيسة‪ ،‬التنال ابألماين‪ ،‬والتسويف‪ ،‬والقعود‪ ،‬وإمنا تناال‬ ‫ن سلعِ َّ‬
‫ابهلمة‪ ،‬والعزمية يف القول والفعل‪ ،‬فكن كيِّساً‪ ،‬وال تكن عاجزاً‪.‬‬
‫جعلاين ا وإايك ماان أهلهااا ((اللهاام آمااني))‪ ،‬اللهاام اي خااري الارازقني‪ ،‬ارزقنااا مرافقااة نبينااا حممااد ‪ ‬يف‬
‫أعلى الفردوس‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫اعتِ َ‬
‫ك))(‪.)75‬‬ ‫ص ِر ْ‬
‫ف قُِنلُوَِننَا َعلَ طَ َ‬ ‫ف ال ُقلُ ِ‬
‫وب َ‬ ‫‪(( -37‬اللَّ ُه َّم ُم َ‬
‫ص ِر َ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫اأن خط ا َري وكب ا َري‪ ،‬وهااو أن ا جاال قاادره هااو الااذي يتااوىل‬ ‫يف هااذا احلااديث بيااان ألم ا َر عظااي َم‪ ،‬وشا َ‬
‫اب واح َاد كياف يشااء‪ ،‬ابقتادار اتم‪ ،‬ال يشاغله قلاب عان قلاب‪،‬‬ ‫قلوب العباد بنفسه‪ ،‬فيصارفها كلهاا كقل َ‬
‫وأنااه هااو جاال وعااال يتااوىل األماار بنفسااه‪ ،‬ال يكلااه ألحا َاد ماان املالئكااة‪ ،‬ومل يُطلِّا ىع أحااداً علااى سارائره ماان‬
‫خلقااه حملااض رمحتااه وفضااله‪ ،‬وكمااال حكمتااه جاال وعااال‪ ،‬وفيااه بيااان أن العبااد لااي إليااه شاايء ماان أماار‬
‫سااعادته‪ ،‬أو شااقاوته‪ ،‬باال إن األماار كل اه ‪ ،‬فااإن اهتاادى فبهدايااة ا تعاااىل إايه‪ ،‬وإن ضاال فبص ارفه لااه‬
‫حبكمتااه وعدلااه‪ ،‬وعلمااه السااابق ‪ ،‬فلعظاام هااذا األماار كااان ساايد األولااني وا خ ارين‪ ،‬املزك اى ماان رب‬
‫العاااملني‪ ،‬مفتق اراً إىل ا ‪ ‬يف كاال حااني ابلاادعاءأ لت بياات قلبااه علااى دينااه وطاعتااه‪ ،‬فكيااف بنااا راان؟‬
‫فهذا التعليم املهم منه ‪ ‬ألمته أن يكونوا مالزمني ملقام اروف‪ ،‬مشفقني غري آمناني مان سالب الادين‬
‫واليقني واإلميان‪ ،‬ولكن مع ذلاك ال ييأساون مان رمحاة ا تعااىل‪ ،‬بال جيماع العباد باني اراوف والرجااء‪،‬‬
‫والرغبة والرهبة‪.‬‬
‫صرف قلو نا عل طاعتك))‪ :‬أي ثبِّت قلوبنا‪ ،‬واصرفها إىل طاعتك ومرضاتك يف كال ماا‬ ‫قول ‪ِ (( :‬‬
‫حتبه من األقوال‪ ،‬واألعمال واألخال ‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬عل طاعتك)) أي أن ينقلب القلب من طاعة إىل طاعة أخرى‪ ،‬من صالة إىل صيام إىل‬
‫زك اااة)) ‪ ،‬فس ااأل ا تع اااىل ال ب ااات عل ااى ال اادين مجل ااة وتفص اايالً‪.‬ودل احل ااديث وال ااذي بع ااده عل ااى أمهي ااة‬

‫شاء‪ ،‬برقم ‪.2654‬‬ ‫ّللا تعال القلوب كم‬


‫ا‬ ‫(‪ )75‬مسلم‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬باب تصرم‬
‫‪59‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫التوسل إىل ا تبارك وتعاىل أبفعاله‪.‬‬

‫وب َِنبِْ قَِن ْلِ َعلَ ِدينِ َ‬


‫ك))(‪.)76‬‬ ‫ي ال ُقلُ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ (( -38‬ة ُم َقل َ‬
‫وب ثاَبِّا ى‬
‫ت قَا ىل اِّيب َعلَاى‬ ‫ول‪(( :‬اي م َقلِّاب الى ُقلُا ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ال‪َ (( :‬ك اا َن رس ا ُ ِّ‬ ‫عاان أَنَا َ ‪ ‬قَا َ‬
‫ول ا ‪ ‬يُ ىك ا ُر أَ ىن ياَ ُق ا َ َ ُ َ‬ ‫َُ‬
‫ت بِّا ِّه‪ ،‬فَا َها ىل ََا ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّدينِّك))‪ ،‬فَا ُق ىلت‪ :‬اي رس َ ِّ‬
‫ال‪ِ(( :‬تَِن َعِن ْمح ِ َّن الْ ُقلُِن َ‬
‫وب‬ ‫اف َعلَىيانَاا؟ قَا َ‬ ‫ك‪َ ،‬وِّاَا جىئا َ‬‫ول ا ‪َ ،‬آمنا بِّ َ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫َ‬
‫ني ِمن أَصاِ ِم َِّ‬
‫اَّللح يُِن َقلِبُِن َها َك ْ َ‬
‫ف يَ َشاءُ))(‪.)77‬‬ ‫ُصبُِن َع ْ ِ ْ َ‬
‫ني أ ْ‬
‫َْ َ‬
‫ويف حديث عائشة َر ِّض َي ا ُ َعىنا َها أهنا قالت‪ :‬اي رسول ا ‪ ،‬إنك تُك ر أن تدعو هبذا الدعاء؟‬
‫ني ِم ِنن أَص ِناِ ِم َِّ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ‪‬ح فَِنِإأَا َش ِناءَ أ ََداغَ ِن ُح َوِأَا َش ِناءَ‬ ‫ص ِنبُِن َع ْ ِ ْ َ‬ ‫ني أُ ْ‬‫ي ْاآل َدم ِن ِي َِن ْ َ‬ ‫فقااال ‪َّ ِ(( :‬ن قَِن ْل ِن َ‬
‫أَقَ َام ُ))(‪. )78‬‬
‫وقوله‪ (( :‬ن قلوب)) تعليالً لسبب دعوته ‪ ،‬وهي أن قلوب العباد بني إصبعني مان أصاابعه‪ ،‬مان‬
‫يش ااأ يض االىله‪ ،‬وم اان يش ااأ يهدي ااه‪ ،‬فينبغ ااي للعب ااد اإلك ااار م اان ه ااذه ال اادعوات املهم ااة ال اايت تتعل ااق أبج اال‬
‫مقامات العبودية ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫))‪.‬‬ ‫‪(( -39‬اللَّ ُه َّم َج ِد ِد ْ‬


‫اإلَيَا َن ِ قَِن ْلِ‬
‫جِنِنوف أحِنِندكمح‬ ‫ن اإلَيِنِنان ل ملِنِنق‬ ‫((‬ ‫قال عبد ا بن عمرو بن العاص قال‪ :‬رساول ا ‪: ‬‬
‫كْا لق الموبح فاسألوا َّ‬
‫اَّلل أن جيدد اإلَيان قلو ام)) ‪.‬‬
‫املفردات‪:‬‬
‫ل ملق‪ :‬أي يكاد أن يبلى‪.‬‬
‫الشرح‪:‬‬
‫هذا الدعاء فيه من عظيم املقصد‪ ،‬وأجل مطلب‪ ،‬يف إصالد أهم مضغة يف ا سد‪ ،‬اليت هي حمال‬
‫نظاار الاارب تبااارك وتعاااىل‪ ،‬الاايت إن صاالحت صاالح سااائر ا سااد كلااه‪ ،‬وإن فساادت فسااد ا سااد كلااهأ‬
‫فلهذا اهتم الشارف احلكيم إىل سؤال ا تبارك وتعاىل يف إصالد هذه املضغة‪.‬‬
‫وقد تقدم من أدعية املصاطفى ‪(( :‬اللَّهم مصرف القلوب صِنِنرف قلو نِنِنا علِن طاعتِنِنك))‪ (( ،‬ة‬

‫(‪ )76‬الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪.‬‬


‫(‪ )77‬الترمذي‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬باب ما جاء أن القلوب بمن أصبعا الرحمن‪ ،‬برقم ‪.2140‬‬
‫(‪ )78‬مسااند أحمااد‪ ،151 /41 ،‬باارقم ‪ ،24604‬وساانن النسااائا الكباار‪ ،،‬كتاااب صاافة الصااةة‪ ،‬االسااتغفار بعااد‬
‫التسلمم‪ ،414 /4 ،‬برقم ‪ 7690‬من حدمح النواس بن سمعان‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫قلو نِنِنا))‪ ،‬وغاري ذلاك‬ ‫مقلي القلوب بْ قلِن علِن دينِنِنك))ح ((اللَّهِنِنم حبِِني ل نِنِنا اإلَيِنِنانح ودينِن‬
‫الك ري من األدعية‪.‬‬
‫قول ِن ‪ (( :‬ن اإلَي ِنِنان ل مل ِنِنق))‪ :‬أك ااد األم اار ب اا(إن)) أي اإلمي ااان ليتل ااف ويبل ااى ويتغ ااري‪ُ ،‬ث ش اابهه‬
‫ابألمر احملسوس املشاهد ابل اوب الاذي يبلاى وال يبقاى‪ ،‬وهاذا يف غاياة األمهياة يف ت بيات األمار املهام يف‬
‫الذهن‪ ،‬وأتكيد احلقائق املهمة ا ليله‪ ،‬ابألمور احملسوسة‪ ،‬الذي يقتضي املراقبه‪ ،‬وحسن ا اهدة ((شبه‬
‫‪ ‬اإلميان ابلشيء الذي ال يستمر على هيئته أ فاإن ال اوب يبلاى لرداءتاه‪ ،‬أو ك ارة اساتعماله‪ ،‬وكاذلك‬
‫اإلميااان‪ ،‬ال يبقااى علااى حااال‪ ،‬فهااو يضااعف‪ ،‬ويفاارت بساابب ك اارة املعاصااي وا اثم‪ ،‬والبعااد عاان ذكاار ا‬
‫‪ ،‬وقلة األعمال الصاحلات والطاعات‪ ،‬وعدم ديد التوبة بعد الذنوب والسيئات‪.‬‬
‫ُث أمر النيب ‪ ‬فقال‪(( :‬فاسألوا َّ‬
‫اَّلل أن جيدد اإلَيان قلِنِنو ام))‪ ،‬وقاد قارر بعاض أهال العلام أن‬
‫يف أمره ‪ ‬ابلدعاء‪ ،‬أفضل من غريه من األدعية اليت مل دمر هبا‪.‬‬
‫ويف صاايغة املضااارف ((أن جيِنِندد))‪ :‬الااذي ياادل علااى االسااتمرارية والتجاادد‪ ،‬فيااه حااث علااى االعتناااء‬
‫هبذا الدعاء‪ ،‬ومالزمتاه‪ ،‬واالعتنااء باه علاى الادوام‪ ،‬وتضامن هاذا الادعاء املباارك ساؤال ا تباارك وتعااىل‬
‫التوفيااق إىل صاااحل األعمااال‪ ،‬والاايت ماان أجلهااا‪ :‬مسااائل اإلميااان ماان حساان االعتقاااد‪ ،‬املنااايف للشاابهات‪،‬‬
‫والبدف‪ ،‬والضالالت‪ ،‬وكذلك تضمن سالمته من الشارك‪ ،‬والارايء‪ ،‬والسامعة‪ ،‬والنفاا ‪ ،‬وابقاي الاذنوب‪،‬‬
‫والشرور‪ ،‬والسيئات‪.‬‬
‫فخذ بوصية املصطفى ‪ ‬تكن من الفائزين‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ْح َوتَ ِن ِن َولَِّ فِِن ِن َْ ْن‬


‫فِِن ِن َْ ْن َعافَِن ِْن ِن َ‬ ‫ْح َو َعِن ِنافِ ِ‬‫‪(( -40‬اللَّ ُهِن ِن َّم ا ْهِن ِن ِدِّن فِِن ِن َْ ْن َهِن ِن َديْ َ‬
‫ْح ِِتَِّن ُ أ يَِن ِه ُّل َمِن ْن‬‫ضِن ْ َ‬ ‫َشِن َّرَما قْ َ‬ ‫ْح َوقِِن ِ‬ ‫ْح َوَِب ِر ْك ِِل فِ َِْنا أَ ْعطَِْن َ‬ ‫تَِن َولَِّْن َ‬
‫ْ))(‪.)79‬‬ ‫ْ َرَِّننَا َوتَِن َعالَْ َ‬ ‫ْح تَِنبَ َارْك َ‬ ‫َوالَْ َ‬
‫الشرح]‪:‬‬
‫ه ااذا ال اادعاء ا لي اال‪ ،‬عظ اايم الق اادر والش ااأن‪ ,‬مش ااتمل عل ااى مقاص ااد ومطال ااب عظيم ااة‪ ,‬يف ال اادين‪,‬‬
‫والدنيا‪ ,‬وا خرة‪ ،‬وفيه معان جالل‪ ,‬يف مسائل العقيدة والتوحيد‪ ,‬من التوسالت‪ :‬أبمسااء ا تعااىل‬

‫(‪ )79‬أحمد يا المسند‪ ،249 /3 ،‬برقم ‪ ،1723‬والبزار‪ ،175 /4 ،‬وابن حبان‪ ،225 /3 ،‬وقاال محققاو المساند‪،‬‬
‫‪(( :249 /3‬إسناده صحمح))‪ ،‬واذه روامة مطلقة غمر مقمدة بالوتر كماا جااء ياا الرواماة ابخار‪ ،،‬يفاا ااذه‬
‫الروامة قال أنس ‪(( :‬وكان معلمنا اذا الدعاء‪ ،))...‬ومقمدة بالوتر عند أبا داود‪ ،‬أباواب الاوتر‪ ،‬بااب القناوت‬
‫يا الوتر‪ ،‬برقم ‪ ،1427‬والنسائا‪ ،‬كتاب قمام اللمل وتطو النهار‪ ،‬باب الدعاء يا الاوتر‪ ،‬بارقم ‪ ،1745‬ولاه‬
‫يااا الكباار‪ ،،‬كتاااب الطهااارة‪ ،‬صاافة الغساال ماان الجنابااة‪ ،‬باارقم ‪ ،1446‬والحاااكم‪ ،172 /3 ،‬واباان خزممااة‪،‬‬
‫‪ ،151 /2‬وأبو معل ‪ ،132 /12 ،‬وابن أبا شمبة‪ ،300 /2 ،‬وعبد الرزاق‪.108 /3 ،‬‬
‫‪61‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫وتوسل آبالئه وإنعامه‪ ,‬وكذلك إثبات وإقرار بصفاته تعاىل امل بتاة واملنفياة‪ ,‬وإمياان‬ ‫ٌ‬ ‫وصفاته‪ ,‬وأفعاله‪,‬‬
‫ابلقضاء والقدر‪ ,‬واملشيئة‪ ,‬أبمجل املباين‪ ،‬وأوسع املعاين‪ ,‬وقاد ثبات هاذا الادعاء املباارك يف حاالتني‪:‬‬
‫يف دعاااء قنااوت الااوتر الااذي علمااه الناايب ‪ ‬للحساان باان علااي ‪ ,‬وثباات عاان أنا ‪ ‬يف قولااه‪:‬‬
‫((كان يعلْنا هها الِنِندعاء)) كماا يف التخاريج يف احلاشاية‪ ,‬فادل علاى أمهياة هاذا الادعاء املباارك مان‬
‫((وكِنِنان يعلْنِنِنا ‪))..‬‬ ‫أمرين‪ :‬تعليمه البن ابنته احلسان كماا سابق‪ ,‬وكاذلك للصاحابة‪ ،‬كماا قاال أنا‬
‫ومن املتقرر أن فعل املضارف بعد كان‪ ,‬يدل على املداومة على الفعل‪ ،‬واالستمرارية عليه‪.‬‬
‫فباادأ أبوىل املطالااب وأجلهااا‪ ,‬الااذي عليهااا الفااالد يف الاادارين اهلدايااة‪(( :‬اللَّهِنِنم اهِنِندّن))‪ :‬سااأل ا‬
‫تبارك وتعاىل اهلداية التامة النافعاة‪ ,‬ا امعاة لعلام العباد ابحلاق‪ ,‬والساري علياه‪ ,‬فاإن أصال اهلداياة كماا‬
‫ساابق‪ :‬الداللااة‪ ,‬و هااي نوعااان‪ :‬هدايااة داللااة وإرشاااد‪ ،‬وهااي معرفااة احلااق‪ ،‬والعلاام بااه‪ ,‬وهدايااة توفيااق‬
‫وسداد وثبات‪ ,‬وهاذه اهلداياة ال ميلكهاا إال هاو ‪ ,‬فينبغاي للعباد حاني يساأل ا ‪ ‬اهلداياة أن‬
‫يستحضر هاتني الداللتني اليت مع بني‪ :‬العلم‪ ,‬والعمل‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬ف ْن هديْ))‪ :‬فيه فوائد‪:‬‬
‫ِ‬ ‫أوأ‪ :‬أن يدخله يف مجلة املهديني وزمرهتم‪ ،‬وهم كما قال ا تعاىل‪ :‬فَأُولَِ َ‬
‫ك َم َم الَّه َ‬
‫ين أَِتِْن َع َم َّ‬
‫اَّلل‬
‫ك َرفِ قا‪.‬‬
‫س َن أُولَِ َ‬
‫ني َو َح ُ‬ ‫الش َه َد ِاء َو َّ‬
‫الصاحلِِ َ‬ ‫ني َو ُّ‬ ‫َعلَ ِهم ِمن النَّبِِني و ِ ِ ِ‬
‫الصديق َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫اثِت ا‪ :‬أن فيه توسالً إليه الحسانه وإنعامه‪ ,‬وهو من التوسالت ا ليلة املقتضاية لعجاباة كماا سابق‬
‫ب َشِن ِق ا‪ ‬أي ‪ :‬اي رب قاد هاديت مان عباادك بشاراً ك ارياً‬ ‫يف توسل زكراي ‪َ  :‬وََلْ أَ ُك ْن ِ ُد َعائِ َ‬
‫ك َر ِ‬
‫فضالً منك وإحساانً‪ ,‬فأنعم علي ابهلداية كما أنعمت عليهم‪.‬‬
‫اثلما‪ :‬أن ما حصل ألولئك من اهلدى مل يكن مانهم‪ ،‬وال أبنفساهم‪ ,‬وإمناا كاان مناك‪ ،‬فأنات الاذي‬
‫هديتهم‪.‬‬
‫را عِنِنا‪ :‬أن اهلدايااة الاايت نطلبهااا ال حتصاال هكااذا غالبااً‪ ,‬باال البااد هلااا ماان أسااباب نبااذهلا‪ ,‬وأهاام هااذه‬
‫األسباب‪ ،‬وأجلها الدعاء‪ ,‬وصد التوجه إليك‪ ،‬وا اهدة يف حتصيلها‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وعاف ف ْن عاف ْ))‪ :‬فيه ساؤال ا تباارك وتعااىل العافياة املطلقاة الظااهرة‪ ,‬والباطناة‪ ,‬يف‬
‫الاادين‪ ,‬والاادنيا‪ ,‬وا خ اارةأ ألن مفاارد املض اااف يفيااد العم ااوم‪ ,‬فلاام ىلااص نوع ااً معين ااً م اان أن اواف العافي ااة‪,‬‬
‫والعافية كما تقدم مراراً هي السالمة‪ ,‬والوقاياة مان أماراض القلاوب‪ ,‬وأماراض األبادان‪ ,‬فيادخل يف ذلاك‬
‫العافيااة عاان الكفاار‪ ,‬والشاارك‪ ,‬والفسااو ‪ ,‬والغفلااة‪ ,‬واألسااقام‪ ,‬وكاال ار ازااي‪ ,‬والاابالاي‪ ,‬وفعاال مااا ال حيبااه‪,‬‬
‫وتاارك مااا حيبااه‪ ,‬فهااذه هااي حقيقااة العافيااةأ وهلااذا مااا ُسائل الاارب ‪ ‬شاايئاً أحااب إليااه ماان العافيااةأ ألهنااا‬
‫كلمةٌ جامعة للتخلص من الشر كله‪ ،‬وأسبابه‪ ،‬ونتائجه‪ ،‬وتبعاته‪.‬وقد تقدم الكالم عن سؤال العافية‪.‬‬
‫قول ِن ‪(( :‬وتِنِنول ف ِن ْن تول ِنِنْ))‪ :‬فيااه توساال إىل ا تبااارك وتعاااىل بفعاال الواليااة‪ ,‬وهااو مشااتق ماان‬
‫امسااني تعاااىل ماان األمساااء احلسااىن‪( :‬الااوي‪ ،‬واملااوىل)‪ :‬اللااذين ياادالن علااى معااىن الواليااة العامااة‪ :‬وهااي‬
‫‪62‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫اَّلل َمِن ْوَأ ُه ُم ا ْحلَِنق‪ ،‬ووالياة خاصاة‪ :‬وهاي والياة ا تعااىل‬ ‫لكل ارالئق‪ ,‬قال ا تعاىل‪ُُ  :‬ثَّ ردُّوا ِ َ َِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُ ِنوا ُ ْ ِن ِر ُج ُه ْم م ِن َن الَُّلُ َْ ِنات ِ َ النُّ ِنوِر‪ ,‬وهااذه هااي‬
‫ين َ‬‫ِل الَِّنه َ‬
‫اَّللُ َوِ ُّ‬
‫للمااؤمنني‪ ،‬كمااا قااال تعاااىل‪َّ  :‬‬
‫الواليااة املقصااودة يف هااذا الاادعاء املبااارك الاايت تقتضااي‪ :‬التوفيااق‪ ,‬والنصاارة‪ ,‬والعنايااة‪ ,‬والصاارب عاان كاال مااا‬
‫يغضب ا تبارك وتعاىل‪ ،‬ويف هذا تنبيه على أن من حصل له ذل يف الناس‪ ،‬فهو بنقصان ما فاته مان‬
‫توي ا تعاىل‪ ,‬وإال فمع الوالية الكاملة ينتفي الذل كله‪ ،‬ولو سلط عليه من يف أقطار األرض‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬ف ْن تول ْ)) كسابقه توس ُل ا من أنعم عليهم ابلوالية اراصة‪.‬‬
‫قولِن ِن ‪(( :‬وِبرك ِل ف ْ ِنِنا أعط ِنِنْ))‪ :‬الربك ااة ه ااي النم اااء وار ااري الك ااري ال اب اات‪ ,‬وتك ااون حس ااية أو‬
‫معنويااة‪ ,‬فف ااي ه ااذا س اؤال ا ‪ ‬الربك ااة يف ك اال مااا أعط اااه ال اارب ‪ :‬م اان عل اام أو م ااال‪ ,‬ويف العم اار‪،‬‬
‫واألهل‪ ,‬والذرية‪ ,‬واملسكن‪ ،‬وغري ذلك‪ ,‬أبن ينميه‪ ,‬وي بته‪ ,‬وحيفظه و يسلمه من كل ا فات‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وق شر ما قض ْ))‪ :‬أي شر الذي قضيته‪ ,‬فاإن ا ‪ ‬يقضاي ابراري‪ ,‬ويقضاي ابلشار‬
‫حلكمته البالغة‪ ,‬اليت ال حتيط هبا كل ارالئق‪ ,‬أما قضا ه ابرري‪ ,‬فهو خري حماض يف القضااء واملقضاي‪,‬‬
‫أي يف الفعل‪ ،‬واملفعول‪ ،‬م ل القضاء للناس ابلرز الواسع‪ ,‬وا من واهلداية والنصر ورو ذلك‪.‬‬
‫أما قضا ه ابلشر فهو خري يف القضاءأ ألنه فعله فهو خري حمض من كل الوجوه‪ ,‬وشر يف املقضاي‬
‫وهو املفعول أي‪ :‬املخلو ‪ ,‬م ل ((القحط)) فهو خري من انحية تذكري النااس بارهبم‪ ،‬و اوئهم إلياه‪ ,‬كماا‬
‫ض الَِّن ِهو َع ِْلُِنوا‬ ‫ْ أَي ِن ِدو الن ِن ِ ِ ِ‬
‫َّاس ل ُِنهي َق ُه ْم َِن ْع ِن َ‬ ‫ِْ َوالْبَ ْحِن ِر ِِبَِنا َك َسِنبَ ْ ْ‬
‫اد ِ ال ِن َِ‬
‫قااال تعاااىل‪َ َ  :‬ه ِن َر الْ َف َسِن ُ‬
‫ل ََعلَّ ُه ِن ْم يَِن ْرِجعُ ِنو َن‪ ،‬فظاااهر هااذه األمااور‪ ,‬ماان املصااائب شاار‪ ,‬ولكنهااا يف حقيقااة األماار خااري ماان وجااه‬
‫آخر‪ ,‬وينبغي أن يعلم أن ا تبارك وتعااىل ال ىللاق شاراً حمضااً ال خاري فياه البتاة‪ ,‬فكال شار مهماا عظام‬
‫وكاارب‪ ،‬فالبااد فيااه ماان ارااري‪ ،‬فالشاار واقااع يف بعااض الوقاتااه‪ ,‬ال يف خلقااه‪ ,‬وال يف فعلااه‪ ,‬وال يف صاافاته‪,‬‬
‫وهذا من كمال الرب عز شأنه‪.‬‬
‫وهااذا الاادعاء يتضاامن س اؤال ا تعاااىل الوقايااة‪ ،‬ماان الشاارور‪ ,‬والسااالمة ماان ا فااات‪ ,‬واحلفااظ ماان‬
‫البالاي والفنت))‪.‬‬
‫قولِن ِن ‪ِ (( :‬ت ِنِنك تقض ِنِني))‪ :‬في ااه التوس اال إىل ا ‪ ‬أبن ااه يقض ااي عل ااى ش اايءأ ألن ل ااه احلك اام الت ااام‪،‬‬
‫واملشاايئة النافااذة‪ ،‬والقاادرة الشاااملة‪ ،‬فهااو ‪ ‬يقضااي يف عباااده اااا يشاااء‪ ،‬وحيكاام فاايهم اااا يريااد‪ ،‬ال راد‬
‫حلكم ااه‪ ،‬وال مع ِّق اب لقض ااائه‪ ،‬والقض اااء هن ااا يع ا ُّام القض اااء الش اارعي‪ ،‬وه ااي أحكام ااه الش اارعية‪ ،‬وقض ااا ه‬
‫الكوين‪ :‬وهي أقداره اليت قدرها ملن يف السموات واألرض من الوقاته‪.‬‬
‫قول ‪(( :‬وأ يقض عل ك))‪ :‬أي‪ :‬ال يقضي علياك أحاد كائنااً مان كاان‪ ،‬فالعبااد ال حيكماون علاى‬
‫ا ‪ ‬بشيء‪ ،‬بل هو الذي حيكم عليهم ااا شااء‪ ،‬ويقضاي فايهم فيماا يرياد‪ ،‬ويادخل يف هاذا حكماه‬
‫الشرعي‪ ،‬والقدري‪.‬‬
‫قول ‪ِ (( :‬ت أ يهل من وال ْ))‪ :‬هذا كالتعليل ملاا سابق يف قولاه‪(( :‬وتِنِنول فِن ْن تول ِنِنْ))‪ ،‬ياَ ِّذل‪:‬‬
‫بفتح فكسر‪ ،‬وكذا يَعِّز‪ ،‬أي‪ :‬ال يصري ذليالً حقيقة من واليته‪ ،‬فاإن ا ‪ ‬إذا تاوىل العباد‪ ،‬فاال ياذل‪،‬‬
‫‪63‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫وال يلحقه هوان يف الدنيا‪ ،‬وال يف ا خرة‪.‬‬


‫قول ِن ‪(( :‬أ يعِنِنز مِنِنن عاديِنِنْ)) يعااين‪ :‬إذا عااادى ا تبااارك وتعاااىل العبااد‪ ،‬فإنااه ال يعااز‪ ،‬ولااو اجتمااع‬
‫أهل األرض والسموات معاه‪ ،‬بال حالاه الاذل وارساران‪ ،‬فمان أراد العاز فليطلباه مان ا ‪ ،‬ومان أراد‬
‫أن يتقي الذل فليكن مع ا جل وعال‪ ،‬قال ا جل ثنا ه‪ :‬من َكا َن ي ِري ُد ال ِْع َّزَِ فَلِلَّ ِ ال ِْع َّزُِ َِ‬
‫َج عا‪‬‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫قول ‪((:‬تباركْ ر نا وتعال ْ))‪ :‬قوله‪ :‬تباركت أي‪ :‬تعاظمت اي ا ‪ ،‬فلك العظمة الكاملة مان كال‬
‫الوجوه واالعتبارات‪ ،‬ومن ذلك ك رة بركاتك‪ ،‬وعمت خرياتك اليت يتقلب هبا أهل السموات واألرض‪.‬‬
‫فقد تضمن هاذا الادعاء العظايم أعظام مساائل اإلمياان‪ ،‬وأصاول الساعادة واألماان يف الادارين‪ ،‬فمان‬
‫أعظم مسائل اإلميان تضمنه يف إثبات صفات وأفعال الكمال وا الل تعاىل وكذلك تضمن أصاول‬
‫السا ااعادة يف سا اؤال‪ :‬اهلدايا ااة‪ ،‬والعافيا ااة‪ ،‬والتا ااوي‪ ،‬والربكا ااة‪ ،‬والوقايا ااة‪ ،‬فا ااإن ها ااذه املطالا ااب ا ليلا ااة عليها ااا‬
‫السعادة‪ ،‬واهلناء يف الدنيا‪ ،‬وا خرة‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ْ َعلَ ِِْنَر ِاه َمح َو َعلَ‬ ‫صلَّْ َ‬ ‫‪(( -41‬اللَّه َّم ص ِ َعلَ ُحمَ َّْ ٍدح و َعلَ ِ ٍ‬
‫آل ُحمَ َّْدح َك َْا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫آل ُحمَ َّْ ِن ٍدح َك َْ ِنا‬
‫ْ ِنِند َِد ِنِندح وَِب ِر ْك َع َل ِن ُحمَ َّْ ِن ٍدح و َع َل ِن ِ‬
‫ك َِ‬
‫َ‬ ‫ِن‬‫َّ‬
‫ِت‬‫ِ‬ ‫ح‬‫م‬ ‫آل ِ ِن ِنر ِ‬
‫اه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫ك َِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َع َل ِن ِن ِِْن ِن ِنر ِاه مح و َع َل ِن ِن ِ‬
‫ْ ِن ِنِند‬ ‫آل ِِْن ِن ِن َراه َمح ِ الْ َع ِن ِنالَ ِْ َ‬
‫ني] ِِتَِّن ِن َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َِب َرْك ِن ِن َ‬
‫د د))(‪.)80‬‬ ‫َِ‬
‫املفردات‪:‬‬
‫الص ِنِنَلِ ‪:‬أص اال الص ااالة ال اادعاء‪ ,‬و الت ااربك و التمجي ااد‪ ,‬يق ااال ص االيت علي ااه‪ ,‬أي ‪ :‬دع ااوت ل ااه و‬
‫ك َس َان َْلُ ْم‪.‬‬ ‫ص ِ َعلَْ ِه ْم ِ َّن َ‬
‫ص ََلتَ َ‬ ‫زكيت‪ ,‬ومنه قوله تعاىل ‪َ  :‬و َ‬
‫أخا اارب ربنا ااا تبا ااارك وتعا اااىل أنا ااه ها ااو ومالئكتا ااه يصا االون علا ااى النا اايب ‪ ,‬قا ااال جا اال شا ااأنه‪َّ ِ :‬ن َّ‬
‫اَّللَ‬
‫صلُّو َن َعلَ النَِّ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوَم ََلئ َاتَ ُ يُ َ‬
‫فاادلت هااذه ا يااة الكرميااة علااى علااو منزلااة‪ ،‬ورفعااة درجتااه ‪ ,‬وذلااك أبن الاارب ‪ ‬يُصاالي عليااه‪،‬‬
‫الرب ‪.‬‬ ‫عددهم إال ُّ‬ ‫ومالئكته الذين ال ُحيصي َ‬
‫وقااد اختلااف أهاال العلاام يف معااىن الصااالة ماان ا تعاااىل‪ ،‬بعااد إمجاااعهم أبن أصاال الصااالة يف اللغااة‬
‫كما سبق هي الدعاء‪ ,‬وشواهد ذلك ك رية‪ ،‬فأصح ما قيل يف معىن صالة ا تعاىل‪ ،‬ما ذكره البخاري‬

‫(‪ )80‬البخاري‪ ،‬كتاب أحادمح ابنبماء‪ ،‬باب حادثنا موسا بان إساماعمل‪ ،‬بارقم ‪ ،3370‬وماا بامن المعقاويمن مان‬
‫حدمح أبا ارمرة ‪ ‬عند مسلم‪ ،‬كتاب الصةة‪ ،‬باب الصةة عل النبا ^ بعد التشهد‪ ،‬برقم ‪.405‬‬
‫‪64‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫رمح ااه ا تع اااىل يف ص ااحيحه ع اان كب ااري الت ااابعني أيب العالي ااة رمح ااه ا تع اااىل أن ااه ق ااال‪(( :‬ص ااالة ا عل ااى‬
‫رسوله ثنا ه عليه عند املخ األعلى))(‪.)81‬‬
‫وصالة ا تبارك وتعاىل على عباده نوعاان‪ :‬عاماة‪ ،‬وخاصاة‪ ,‬أمِنِنا العامِنِنِ‪ :‬فهاي صاالته علاى عبااده‬
‫املؤمنني‪ ,‬قال تعاىل‪ُ  :‬هو الَّ ِهو يصلِي َعلَْ ُام وم ََلئِ َاتُ ُ لِ ْم ِرج ُام ِمن الَُّلُْ ِ‬
‫ات ِ َ النُّور‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫ومنه دعاء النيب ‪ ‬ابلصالة على آحاد املؤمنني‪ ,‬كقوله‪(( :‬اللَّهم ص عل آل أِب أوف))(‪.)82‬‬
‫النوع الماّن‪ :‬صالته اراصة على أنبيائه ورسله‪ ,‬خصوصاً على خاوهم‪ ،‬وخريهم حممد ‪.‬‬
‫وقااد أماار نبينااا ‪ ‬بعااد أماار ا تعاااىل لنااا أن نصاالي عليااه‪ ,‬وأن جنتهااد يف اإلك ااار منهااا‪ ,‬قااال ‪: ‬‬
‫عليح واجتهدوا الدعاءح وقولوا‪ :‬اللَّهم ص ِ عل حمْد و عل آل حمْد))(‪.)83‬‬ ‫((صلوا َّ‬
‫فهذا األمر من الشارف احلكيم ابلصالة عليه فيه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اقتداء اب تعاىل و مالئكته‪.‬‬
‫واثنياً‪(( :‬جزاءً له بعض حقوقه علينا))‪.‬‬
‫واثل اً‪ :‬تكميالً إلمياننا‪.‬‬
‫وقد بشر ‪ :‬أن مان صالى علياه‪ ,‬انل األجار املضااعف مان خاريي الادنيا و ا خارة‪ ,‬فقاال ‪((:‬مِنِنن‬
‫علي صَلِ واحدِ‪ ,‬صل َّ‬
‫اَّلل عل ِبا عشرا ))(‪.)84‬‬ ‫َّ‬ ‫صل‬
‫اَّلل عل ِبا عشر صِنِنلوات‪,‬‬ ‫علي من أم صَلِ ُملصا من قلب ح صل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ويف رواية‪(( :‬من صل‬
‫ورفع ِبا عشر درجات‪ ,‬وكتي ل ِبا عشر حسنات‪ ,‬وحما عن عشر س ات))(‪.)85‬‬
‫و أخرب ‪ ‬أن أوىل الناس به يوم القيامة‪ ,‬و أقرهبم مناه أك ارهم علياه صاالة عان إمياان‪ ,‬و عان حمباة‬
‫له و اتباف لشريعته‪َّ (( :‬ن أو الناس ِب يو الق امِ أكمرهم َّ‬
‫علي صَلِ ))(‪.)86‬‬

‫(‪ )81‬رواه البخاري تعلمقاً‪ ,‬كتاب التفسمر‪ ،‬باب قوله‪( :‬إن هللا ومةئكته مصلون عل النبا‪ ،)...‬قبال الحادمح رقام‬
‫‪.4797‬‬
‫(‪ )82‬البخاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب صةة اممام ودعائه لصاحب الصادقة‪ ،‬برقا ‪ ،1497‬ومسالم‪ ،‬كتااب الزكااة‪،‬‬
‫باب الدعاء لمن أت بالصدقة‪ ،‬برقم ‪.1078‬‬
‫(‪ )83‬أخرجه النسائا‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬نو آخر‪ ،‬برقم ‪ ،1292‬ويا الكبار‪ ،‬لاه أمضااً‪ ،‬كتااب الطهاارة‪ ،‬وجاوب‬
‫الغسل إذا التق الختانان‪ ،‬برقم ‪ ،1216‬والطبرانا يا الكبمر‪ ،218/5 ،‬برقم ‪.5143‬‬
‫(‪ )84‬مسلم‪ ،‬كتاب امممان‪ ،‬باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه‪ ،‬ثم مصلا علا النباا ^‪ ،‬ثام مساأل‬
‫هللا له الوسملة‪ ،‬برقم ‪.384‬‬
‫(‪ )85‬النسائا‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬باب الفضل يا الصةة عل النبا ^‪ ،‬برقم ‪ ،1299‬وله يا الكبر‪ ،،‬كتااب ابذان‪،‬‬
‫الدعاء عند ابذان‪ ،‬برقم ‪ ،9809‬والبزار‪ ،‬برقم ‪.3160‬‬
‫(‪ )86‬الترمذي‪ ،‬كتاب الوتر‪ ،‬باب ما جاء يا يضل الصةة علا النباا ^‪ ،‬بارقم ‪ ،484‬وابان أباا شامبة‪/11 ،‬‬
‫‪ ،505‬بااااااااااارقم ‪ ،32474‬وابااااااااااان حباااااااااااان‪ ،192 /3 ،‬والبمهقاااااااااااا ياااااااااااا الكبااااااااااار‪،،‬‬
‫‪.249 /3‬‬
‫‪65‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫و قولا ااه تعا اااىل ‪َ ‬و َس ِن ِنلِ ُْوا تَ ْس ِن ِنلِ ْا‪ :‬أي ادعا اوا ا أن يسا االمه تسا االيماً اتما ااً‪ ,‬أي اسا ااألوا ا لا ااه‬
‫الر ُسِن ِ يَِن ْوَمِِن ٍه‬
‫السالمة من كال آفاة يف حياتاه‪ ,‬ومان كال باالء يف حشاره علياه الصاالة والساالمأ َوَكِن ََل ُ ُّ‬
‫اللَّ ُه َّم َسلِ ْم َسلِ ْم))‪.‬‬
‫فقول املسلم‪ :‬اللهام صال وسالم علاى حمماد‪ ،‬يعاين سالمه مان ا فاات ا سادية حيااً وميتااً‪ ،‬وكاذلك‬
‫يتضاامن الاادعاء ابلسااالمة لدينااه وش اريعته أن يساالمها ا تعاااىل ماان األعااداء‪ ،‬فااال يسااطو عليهااا أحااد‬
‫بتحريف أو تغيري‪ ،‬إال سلط ا عليه من ياُبَِّني ذلك‪ ,‬وهذا هو الواقع و احلمد واملنة‪.‬‬
‫فصااالة العبااد علااى الرسااول هااي ثناااء علااى الرسااول‪ ,‬وإرادة ماان ا أن يُعلا َاي ذكااره‪ ،‬ويزيااده تعظيمااً‬
‫وتشاريفاً‪ ,‬وا ازاء ماان جاان العماال‪ ,‬فماان أثااىن علااى رساوله جازاه ا ماان جاان عملااه أبن ي ااين عليااه‪،‬‬
‫ويزيد تشريفه وتكرميه))‪.‬‬
‫و قوله ‪(( :‬وعل آل حمْد))‪ :‬فالصحيح أن معىن ا ل‪:‬‬
‫‪ -1‬من حترم عليهم الصدقة‪.‬‬
‫‪ -2‬أهنم ذريته وأزواجه خاصة‪.‬‬
‫و قوله‪(( :‬وِبرك عل حمْد)) الربكة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬ال بوت واللزوم‪ ,‬ومنه قول‪ :‬برك البعري يربك بروكاً‪.‬‬
‫‪ -2‬النماء والزايدة‪.‬‬
‫والتِيِنِنك‪ :‬الاادعاء بااذلك‪ ،‬فهااذا الاادعاء يتضاامن إعطاااء ماان ارااري مااا أعطاااه ل إباراهيم‪ ,‬وإدامتااه‬
‫وثبوته له‪ ,‬ومضاعفته له وزايدته‪ ,‬هذا حقيقة الربكة‪.‬‬
‫وقول ااه‪ِ (( :‬ت ِنِنك ْ ِنِند د ِنِند))‪ :‬خ ااتم ال اادعاء أبحس اان ارت ااام‪ ,‬ابمس ااني م اان أمس اااء ا تب ااارك وتع اااىل‬
‫احلساىن‪ ,‬وأكاده ب ا(( َّن)) زايدة يف التأكياد و((احلْ ِنِند))‪ :‬صايغة مبالغاة علاى وزن (فعيال)‪ ,‬واحلماد نقاايض‬
‫أعم وأصد يف ال ناء على احملمود من املدد والشكر‪.‬‬ ‫الذم‪ ,‬وهو ُّ‬
‫فا تبارك وتعااىل هاو احملماود يف ذاتاه‪ ,‬وأمسائاه‪ ,‬وصافاته‪ ,‬وأفعالاه‪ ,‬فلاه مان األمسااء أحسانها‪ ،‬ومان‬
‫الصفات أكملها‪ ,‬ومن األفعال أوها وأحسنها‪ ,‬فإهنا دائرة بني الفضل واحلكمة والعدل‪.‬‬
‫و((اجمل د))‪ :‬من صي املبالغة علاى وزن ((فعيال))‪ :‬وأصال ا اد‪ :‬الساعة‪ ,‬والك ارة‪ ,‬يقاال‪ :‬رجال ماجا ٌد‬
‫إذا كان سخياً‪ ،‬واسع العطاء‪ ،‬ويدل كذلك على الشرف‪ ,‬والرفعة‪ ,‬وعظم القدر‪ ,‬والشأن‪ ,‬وا الل‪.‬‬
‫ويف اقارتان هااذين االمسااني الكارميني ياادل علااى معااىن زائااد يف الكمااال‪ :‬ألن الواحااد قااد يكااون منيعااً‬
‫غااري حممااود‪ ،‬كاااللص املتحصاان وقااد يكااون حممااوداً غااري منيااع‪ ,‬أمااا ا يااد‪ ,‬فهااو ماان مجااع بينهمااا‪ ,‬وكااان‬
‫منيعا ااً ال يا ارام‪ ،‬وكا ااان يف منعت ااه محيا ااد ارصا ااال‪ ,‬مجي اال األفعا ااال ‪ ،‬فاسا ااتحق تع اااىل احلما ااد علا ااى با ااده‪,‬‬
‫لكماله‪ ،‬وسعة جاللة صفاته اليت ال منتهى هلا من الكمال وا د‪.‬‬
‫‪66‬‬ ‫املنتقى من فقه الدعاء‬

‫وملا كانت الصالة على النيب ‪ ‬وهي ثناء ا تعاىل‪ ،‬وتكرميه‪ ،‬والتنويه به‪ ،‬ورفع ذكره‪ ,‬وزايدة ُحبِّه‬
‫وتقريبااه كمااا تقاادم‪ ,‬كاناات مشااتملة علااى احلمااد وا ااد‪ ,‬فكااأن املصاالي طلااب ماان ا تعاااىل أن يزيااد يف‬
‫محده وبده‪ ,‬فإن الصالة عليه هي نوف محد له ووجيد‪ ,‬هذا حقيقتها‪ ,‬فذكر يف هذا املطلوب االمساني‬
‫املناساابني لااه‪ ,‬وهااذا كمااا تقاادم أن الااداعي يُشاارف لااه أن ىلااتم دعاااءه ابساام ماان األمساااء احلسااىن مناسااب‬
‫ََسَاءُ ا ْحلُ ْس َن فَا ْدعُوُِ ِِبَا‪.‬‬ ‫ملطلوبه‪ ،‬أو يفتتح دعاءه به‪ ،‬وتقدم أن هذا من قوله تعاىل‪ :‬وَِِّ‬
‫َّلل ْاَ ْ‬ ‫َ‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‬

You might also like