You are on page 1of 24

‫ إريــك فــاالرادو‬:‫تأليف‬

‫ حسن المودن‬:‫ترجمة‬

*‫مكونا القراءة األدبية المتكامالن‬


ّ :‫الفهم والتأويل‬

:‫النص األصلي‬ •
• Érick Falardeau :Compréhension et interprétation : deux composantes complémentaires de la
lecture littéraire », Revue des sciences de l'éducation, vol. 29, n° 3, 2003, p. 673-694.

1
‫ملخص‪:‬‬

‫ي الذي يحيط بتعريف الفهم والتأويل أن ينعكس على تعلّـمات التالميذ الذين‬
‫يمكن للغموض المفهوم ّ‬
‫فهم توجيهات القراءة التي يفرضها هذا النمط تارة‪،‬‬‫يسيئون‪ ،‬بسبب خلطهم بين أنماط إدراك النصوص‪َ ،‬‬
‫وذاك النمط تارة أخرى‪ .‬ويقودنا النظر من جديد في الكتابات المتوفرة الى اقتراح تمييزات يمكن أن تُـوجّـه‬
‫إن المعنى الناتج عن الفهم َّ‬
‫وإن الداللة الصادرة عن‬ ‫والمدرسين في تدريس القراءة األدبية‪َّ :‬‬
‫ّ‬ ‫الديداكتيكيين‬
‫رسم قراءة النص‬
‫َ‬ ‫باستمرار‬
‫ٍ‬ ‫التأويل يمكن أن يغذي الواحد منهما اآلخر‪ ،‬بطريقة متالزمة‪ ،‬داخل دينامية تعيد‬
‫األدبي‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ت مهمة‪ ،‬فمن الضروري كذلك أن نعيّـن‬


‫ي يطرح صعوبا ٍ‬
‫نص أدب ّ‬
‫فهم ٍ ّ‬
‫ندرس للتالميذ َ‬
‫إذا كان ضروريا أن ّ‬
‫المدرس يحصر الفهم في تفكيك الكلمات والجمل والحبكة‬
‫ّ‬ ‫بوضوح االنتظارات المرتبطة بهذا الفهم‪ .‬وإذا كان‬
‫الرئيسة‪ ،‬فإنه في إطار هذه المه َّمـات الصغرى ينحصر أغلب التالميذ في قراءاتهم‪ ،‬ألنهم يحتفظون بعمل‬
‫االستنتاج للتأويل الذي ال يأتي‪ ،‬في تصور الكثيرين‪ ،‬إال بعد القراءة الكاملة للنص‪ .‬وإذن‪ ،‬فمن الالزم أن‬
‫قادرا على تعيين ما ينتظره بشك ٍل واضح‪ :‬ما هي‬
‫ً‬ ‫المدرس‪ ،‬وهو يحدد مهمةً من مه َّمـات القراءة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يكون‬
‫عتبات الكفاية التي ينبغي للتالميذ أن يبلغوها بالضبط من أجل " فهم " النص المطروح للقراءة؟ وهل يأتي‬
‫التأويل بالضرورة بعد عملية الفهم؟ ما الذي يقتضيه التأويل أكثر من ذلك؟‬

‫والمدرسون في أذهانهم‪ ،‬وهي التي سنحاول أن نجد لها جوابا‬


‫ّ‬ ‫هذه هي األسئلة التي يستحضرها التالميذ‬
‫طـة من المقاالت والمؤلَّـفات التي قامت بتحليل مجريات‬
‫ي لمختلف األفكار الملتق َ‬
‫ب نقد ّ‬
‫من خالل تقديم تركي ٍ‬
‫أنماط فهم النصوص‪ .‬وسنر ّكـز اهتمامنا بشكل خاص على النصوص األدبية‪ ،‬أو التي اعـت ُ َ‬
‫ـبـرت كذلك من‬
‫طرف المؤسسة المدرسية‪ ،‬إ َّمـا بنا ًء على طريقة معالجتها للغة التي هي حاملة المعنى‪ ،‬وعلى تمثُّـلها الذاتي‬
‫للتجربة االنسانية‪ ،‬وعلى الرابط الذي تقيمه بين الماضي والحاضر‪ ،‬بين هنا وهناك‪ ،‬وعلى انتمائها الى‬
‫بنيات مؤسَّـسية وعلى القيمة الرمزية التي تسندها إليها هذه المؤسسةُ نفسُـها‪ ،‬وإ ّمـا بنا ًء على الدور النشيط‬
‫الذي يلعبه القارئ فيها‪ ،‬باعتباره الفاعل األول في إنتاج المعنى‪.‬‬

‫وقبل إبراز المسالك الديداكتيكية المرتبطة بتعلُّـم الفهم والتأويل‪ ،‬يبدو لنا مفيدًا أن نقوم بغربل ٍة بين الكتابات‬
‫الديداكتيكية التي تٌ ُُ َ‬
‫ـقترح في تعريف هذه المفهومات‪ .‬وهكذا‪ ،‬فمشاريع التعريفات التي نقترحها هي بمثابة‬
‫مدخل في تحليلنا النقدي نستخدمها كمنارات من أجل أن نسائل‪ ،‬في هذه البداية‪ ،‬االفتراضات القابلة للمناقشة‬
‫وخاصة منها ما يتعلق بحدود الفهم والتأويل‪ .‬غير أنه ال يكفي أن نعرف ما ال يحدد هذه المفهومات‪ ،‬بل‬
‫ينبغي لنا أن نحاول تحديد خصائصها‪ ،‬واإلواليات التي تستخدمها‪ ،‬وهو ما سنسعى إلى القيام به من خالل‬

‫‪2‬‬
‫تفحُّـص بعض االقتراحات المتعلقة بالتصنيفات‪ .‬وإذا كانت مواقف بعض المؤلفين بخصوص أسبقية التأويل‬
‫أو الفهم في نشاط القراءة ال تسمح أبدًا بإبراز المسالك الخصبة بالنسبة إلى تدريس ــ تعلم القراءة األدبية‪،‬‬
‫فإننا سنحتفظ في النهاية بتصور تفاعلي لهذين النمطين في إدراك النص األدبي‪ ،‬وهو التصور الذي سنحاول‬
‫ملموس داخل القسم الدراسي‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ي‬
‫توضيحه من خالل عم ٍل قرائ ّ‬

‫محاوالت أولية للتعريف‬

‫ـنظر دو ًما إلى التأويل باعتباره‬ ‫ّ‬


‫إن التراث الهرمينوطيقي‪ ،‬حسب كرستيان فاندردورب(‪ ،)1992‬كان َي ُ‬
‫منظور إليه باعتباره كفاية يصعب التح ُّكـم فيها‪ ،‬فهي تستدعي‬
‫ٌ‬ ‫نشاطا قرائيا يأتي بعد الفهم‪ .‬وإذن‪َّ ،‬‬
‫فإن التأويل‬
‫براعة في القراءة كبيرة جدًّا‪ .‬وردّا على هذه الرؤية ذات النزعة الثنائية‪َّ ،‬‬
‫فإن فاندردورب وديداكتيكيين‬
‫آخرين يضعون التأويل أسفل الفهم‪ .‬لكن هل تح ّل هذه التوزيعة الجديدة هذا المشكل؟ أكيدٌ أن التأويل يغذي‬
‫الفهم‪ ،‬لكن أيمكن لهذا السبب أن يتقدم عليه من الناحية المنهجية؟ ليس بالضرورة‪.‬‬

‫سنرى أن القارئ الخبير يستخدم الفهم والتأويل بطريقة متالزمة‪ ،‬وهذه هي الخالصة األولية التي تنتج‬
‫عن هاتين المحاولتين األوليين للتعريف اللتين اقترحناهما في البداية كمنارتين واليهما نستند في تطوير‬
‫تفكيرنا النقدي‪:‬‬

‫• من أجل أن نفهم‪ ،‬البد لنا من االبتعاد عن البنية المعجمية والتركيبية الصغرى كي نعيد تنظيم المعطيات‬
‫في بنية عامة‪ ،‬تجعل المعطيات األساسية في محتوى النص واضحةً‪ .‬ويسعى هذا التعميم إلى إبراز‬
‫المعنى‪ ،‬هذه الكلمة األخيرة التي تتحدد ايتيمولوجيا باعتبارها " إدرا ًكا حسيّـًا "‪ ،‬وتمثّـال عا ّمـًا يحقّـقه‬
‫المدرك في تحقيق توافق‬
‫َ‬ ‫ي‪ .‬ويسهم المعنى‬
‫القارئ بواسطة معارفه داخل خطاب هو بالضرورة تفسير ّ‬
‫معين‪ ،‬وإذا ما استوفى الشروط من الناحية االجتماعية‪ ،‬فانه ال يتطلب صياغة خطابية ومواجهة‬
‫اجتماعية من أجل االعتراف به‪.‬‬
‫• من أجل التأويل‪ ،‬يصغي القارئ إلى النص بانتباه شديد بقصد استكشاف العناصر المتكررة وإظهار‬
‫أحد الدوال الممكنة‪ .‬وهنا لم يعد المعنى ق ٌّ‬
‫ط هو ما يتعقَّـبه القارئ‪ ،‬بل الداللة‪ ،‬وهذه الكلمة تحيل مباشرة‬
‫في االيتيمولوجيا على " فعل التعيين "‪ .‬وبهذا‪ ،‬تصبح القراءة تفعيال اجتماعيا لعالمة مبتكَـرة‪ ،‬فهي لم‬
‫تمر من المواجهة االجتماعية من أجل أن تحصل‬
‫تعد تمثال شخصيا فقط‪ ،‬بما أنه من الضروري أن َّ‬

‫‪3‬‬
‫نص جدي ٍد ــ المؤولة عند‬
‫على مشروعية ما‪ .‬والنص المتعدد المعنى يتحول بهذه الطريقة إلى مادة ٍ ّ‬
‫بورس ــ ‪ ،‬أي إلى ثمرةٍ من إبداع القارئ الذي تجاوز النص األصلي‪.‬‬

‫ويتقرب منه ( التأويل ) من أجل أن يغير باستمرار‬


‫َّ‬ ‫في حركة متكررة‪ ،‬يبتعد القارئ عن النص ( الفهم )‬
‫منظوره وأن يكيّـفه في الوقت نفسه مع معارفه ومع العالمات المستخرجة من النص‪ .‬وهذه التعريفات‬
‫المختلفة للفهم والتأويل تذ ّكـرنا حتما بهذا التوتر الدينامي والمحتوم بين رؤيتين‪ :‬الرؤية ال ُمـ َعـ ّمـ َمة‪ ،‬من جهة‬
‫أولى‪ ،‬وهي تنطلق من النص من أجل االبتعاد عنه‪ ،‬والرؤية التجزيئية‪ ،‬من جهة ثانية‪ ،‬وهي تنطلق من‬
‫خارج النص من أجل أن تخوض فيه وتستكشف البنيات الصغرى المتواترة ــ البنيات الصغرى التي يمكن‬
‫أن تضيء النص بأكمله‪.‬‬

‫بعض المفترضات القابلة للمناقشة‬

‫استقاللية التالميذ المفترضة ‪:‬‬

‫كيفما كان رأي الخبراء‪َّ ،‬‬


‫فإن تالميذ التعليم الثانوي واإلعدادي ال يكتسبون االستقاللية الذاتية والكفايات‬
‫التي تسمح لهم بإدراك المؤلفات األدبية الصعبة وتأويلها بطريقة إبداعية مع بقائهم أوفياء للنص‪ .‬وبهذا‬
‫الصدد‪ ،‬يشير بيرتراند جيرفي(‪ )1993‬إلى أنه من السذاجة أن نعتقد أن القراءة مرسومة داخل النص وأن‬
‫بإمكان ك ّل قارئ الحصول عليها‪ ،‬وخاصة التالميذ الذين تُـعتَـبَ ُ‬
‫ـر القراءة بالنسبة إليهم عمال مرهقا‪ .‬إننا‬
‫نعرض التعلّـمات للخطر عندما نظن أنهم ينجحون كلهم في استدعاء المعارف الضرورية التي تفرضها‬ ‫ّ‬
‫قراءة مثالية بالمعنى الذي يقصده أمبرتو إكو(‪ ) 1985‬باستحضار قارئها النموذجي‪ .‬ويشاطره بيير‬
‫بيرتيي(‪ ) 1999‬هذا الرأي على نحو ظاهر‪ :‬بما أن العالمة األدبية هي بالتحديد عائمة‪ ،‬فال يمكن الحصول‬
‫على أية ضمانة بخصوص معناها‪ ،‬والشأن هنا هو شأن القارئ نفسه‪ .‬وهذه الحرية التي يثيرها بيرتيي من‬
‫الصعب جدًّا هضمها بالنسبة إلى تلميذ في طور التعلّـم‪ ،‬ذلك ألنه ال يعرف كيف يضع لعمله في الفهم والتأويل‬
‫منارات واضحة‪.‬‬

‫ع‬ ‫وفضال عن ذلك‪َّ ،‬‬


‫فإن آن جورو(‪ ) 1999‬تساند تصورات فيجوتسكي التي فيها " يلعب الصرا ُ‬
‫ي كما تُـقدّمه جورو يكشف ً‬
‫دورا‬ ‫المحرك في التعلم "(ص‪ .)85‬غير أن التعلم التشارك ّ‬
‫ّ‬ ‫دور‬
‫السوسيومعرفي َ‬
‫ُدرس‬ ‫للمدرس‪ .‬وهكذا‪ ،‬وبعيدًا عن تأكيد ما تذهب إليه جورو من َّ‬
‫أن " فهم النص ( ‪ ) ...‬ال ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫محتش ًما جدًّا‬
‫ت معرفيةً‬ ‫"(ص‪ ،)86‬فإننا نعتقد أن بإمكان المعلّـم " أن ي ّ‬
‫ُدرس للتالميذ كيف يستخدمون في قراءاتهم عمليا ٍ‬

‫‪4‬‬
‫ت مرتفع تتَّـضح من‬
‫النص بصو ٍ‬
‫َّ‬ ‫يجهلون وجودَها "( جياسون‪ ،1992 ،‬ص‪ ،)21‬وخاصة عند قراءاتهم‬
‫أمر ال يحدُّ من حريته اإلبداعية‪،‬‬
‫خاللها سيروراته المعرفية الخاصة‪ .‬فاقتراح طرائق للقراءة على التلميذ ٌ‬
‫يحس في‬
‫ّ‬ ‫بل على العكس تما ًما‪ ،‬ألن ذلك هو ما يجعل تلك الحرية ممكنة‪ ،‬عندما نحدد له حقال لالشتغال‬
‫داخله بأمان أكبر(تروانيي والفونتين وفانهول‪ .)1999 ،‬ذلك ألنه لن يُظهر حريته التأويلية إال اذا كان يشعر‬
‫المدرس‪ .‬وال‬
‫ّ‬ ‫باستناده إلى أسس صلبة نسبيّـًا‪ .‬وال يمكنه إنشاء هذه األسس بطريقة مستقلة من دون مساعدة‬
‫ي الذي يتدفَّـق ( من ) مجموعات العمل"(ص‪ ،)86‬كما وضحت ذلك آن جورو‬
‫من دون هذا " التباين التأويل ّ‬
‫بدقة‪.‬‬

‫دورا مركزيّـًا في تعلم عمليات الفهم‪ :‬في‬


‫المدرس يلعب ً‬
‫ّ‬ ‫وتوضح مارتين ريموند(‪ )1999‬هي األخرى أن‬
‫المدربين بطريقة ظاهرة على استراتيجيات الفهم يُـ َ‬
‫ط ّـورون آداءاتهم‬ ‫َّ‬ ‫بحث قامت بإنجازه‪ ،‬الحظت أن التالميذ‬
‫كثيرا‬
‫بوضوح يساعد ً‬
‫ٍ‬ ‫المدربين‪ .‬وتضيف أ َّن االشتغال بمشاكل مطروحة‬
‫َّ‬ ‫بطريقة دالَّـ ٍة مقارنةً بالتالميذ غير‬
‫على تعلم استراتيجيات الفهم‪ ،‬وهذه من النتائج التي تتطابق مع تلك التي انتهينا إليها في بحثنا‬
‫ث يطرح ح ّل المشاكل‬
‫للدكتوراه(فاالرادو‪ ،2000 ،‬أ و ب)‪ .‬إال أن ماري توفيرون (‪ ، 1999‬أ)‪ ،‬في بح ٍ‬
‫باعتباره قطبًا مركزيّـًا في تعلم الفهم والتأويل في حصة القراءة بالتعليم االبتدائي‪ ،‬تبدو غير راغبة في أن‬
‫يقدّم المعلم تفسيراته في حصة األدب‪ :‬إنه يملك بالتأكيد تأويله‪ ،‬لكنه لن يقوم بتبليغه‪ .‬وقد يستخدمه من أجل‬
‫أن يحدد جزئيا توجهات الدرس من دون أن يتداخل ذلك مع استيعاب النص من طرف التالميذ‪ .‬وإجماال‪،‬‬
‫فمن الضروري أن تبقى قراءة المعلم مقنّـعة‪ ،‬من أجل أن ال تعيق قراءة التالميذ‪ .‬غير أن فضائل هذه‬
‫المقاربات المقنّـعة تتغيَّـر تبعًا لعُـمر التالميذ‪ :‬إذا كانت دينامية الجماعة وغياب الكوابح‪ ،‬مع أطفال في ّ‬
‫سن‬
‫السابعة إلى الثامنة‪ ،‬يسمحان بتبادالت أكثر انفتا ًحا بخصوص النصوص‪َّ ،‬‬
‫فإن األحكام المسبقة غير المناسبة‬
‫للمراهقين وخوفهم من أحكام اآلخرين يستدعيان مشاركة وتنشيطا أكثر حيوية من قبَـل المعلّـم من أجل أن‬
‫النصوص‪.‬‬
‫َ‬ ‫يستوعب التالميذُ‬
‫َ‬

‫نظر متباينةً بخصوص اإلطار الذي ينبغي لنا اقتراحه على التالميذ‬
‫يُـقَـدّم الباحثون المذكورون وجهات ٍ‬
‫الفهم والتأوي َل بقصد قيادة عملهم نحو هدفٍ محدَّدٍ‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهذا التقييد‬
‫َ‬ ‫من أجل توجيههم خالل تعلمهم‬
‫الظاهر يسمح بإظهار الحرية التأويلية بطريقة أكثر تنظي ًما وخصوبة‪ .‬وفي غياب التجربة‪َّ ،‬‬
‫فإن هذه الحرية‬
‫إبداع ينطلق من القارئ‪ ،‬لكنه‬
‫ٍ‬ ‫التأويلية بحاجة إلى منارات‪ ،‬إذ من دونها ستكون أقرب إلى الفوضى‪ ،‬وإلى‬
‫للوصل بين هذين العالَ َمـين المختلفين أن يت ّم من داخل تدري ٍ‬
‫ب‬ ‫ط بعين االعتبار‪ .‬وينبغي َ‬ ‫لن يأخذ النص ق ّ‬
‫القراء تنمو شيئا فشيئا‪.‬‬‫للمتدربين ــ ّ‬
‫ّ‬ ‫بالتدرج نحو استقاللية ذاتية‬
‫ّ‬ ‫ُمـرا َق ٍ‬
‫ب‪ ،‬يسعى‬

‫‪5‬‬
‫دور األسئلة في الفهم‪:‬‬

‫في القراءة‪ ،‬ينتظم الفهم في أغلب األحيان بواسطة األسئلة‪ .‬في أغلب األحيان‪ ،‬ألن األسئلة تمثّـل ف ّخـًا‬
‫ـصرف التلمي َذ عن الفهم الحقيقي للنص‪ " .‬نأسف‪ ،‬تقول جوسلين جياسون(‪ ،)1990‬على‬ ‫ُ‬ ‫محفوفًا بالمخاطر يَ‬
‫استخدام األسئلة أحيانا من أجل التأكد من قراءة التالميذ للنص‪ .‬ومع األسف‪َّ ،‬‬
‫فإن هذه الطريقة في استعمال‬
‫األسئلة تجعل التالميذ يفهمون أن الغاية من القراءة هي االجابة عن األسئلة وليس السعي وراء هدفٍ‬
‫ي"'ص‪ " .)223‬إنها تٌـبقي القارئ داخل كفاي ٍة سطحية"(نفسه)‪ ،‬ذلك ألنها توجّـهه نحو معلومات‬
‫شخص ّ‬
‫نص ما هو أن يتذ َّكـر ما يفيد في االختبارات‪ ،‬من مثل األسماء‬ ‫ثانوية‪ .‬وباختصار‪ ،‬فهي تعلّـمه َّ‬
‫أن فهم ٍ ّ‬
‫والتواريخ‪ ،‬الخ‪ .‬ويُبدي اروين وباكير(‪ ) 1989‬التحفظات نفسها‪ :‬ان هذه األسئلة تشجع على عادات سيئة في‬
‫القراءة‪ ،‬ذلك ألنها تدفع التلميذ إلى االحتفاظ بهذه العناصر غير المالئمة بالنسبة إلى الفهم العام‪ ،‬بل إنها‬
‫منتج بين األهداف البيداغوجية‬
‫ٍ‬ ‫غير‬
‫ُ‬ ‫تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة الى تقييم قراءاتهم‪ .‬وهكذا‪ ،‬يحدث تفاوتٌ‬
‫طـرون بالعناصر التي يستثمرها‬ ‫للقراءة والممارسة الفعلية التي يخضع لها التالميذ‪ ،‬ذلك ألن هؤالء مؤ ٌّ‬
‫األستاذ في حصة التمرين بأكملها‪.‬‬

‫ي‪ ،‬بحيث يستبعد المعلومات الجزئية من أجل رسم خطاطات عامة‬ ‫بما أن الفهم هو بالضرورة شمول ّ‬
‫للنص‪ ،‬فإنّه البدَّ من دفع التالميذ إلى ممارسة هذا الفهم الكلّـي من خالل األسئلة‪ .‬فالتذكير بالنص مرات‬
‫عديدة هو من الفرص الممتازة بالنسبة إلى التالميذ ليعيدوا تنظيم المعلومة بطريقة عامة‪ .‬ومن الضروري‬
‫كذلك أن يعمل األستاذ دائما على إدراج أسئلة االستنتاج المنطقي في أسئلة الفهم (اروين وباكير‪،)1989 ،‬‬
‫من أجل أن يربط التالميذ بين المعارف السابقة والمعطيات النصية‪ ،‬والغاية هي أن تلعب األسئلةُ َ‬
‫دورها‪ ،‬ال‬
‫ي باألساس‪ .‬ولهذا يكون من الضروري‪ ،‬تبعًا ألقوال‬
‫في التقييم فحسب‪ ،‬بل في التنظيم المعرف ّ‬
‫دومورتيي(‪ ،) 1991‬ربط " جدول األسئلة باألهداف وبالمتعلمين‪ ،‬وليس بالنصوص‪ .‬ألن هذه األخيرة ال‬
‫ي سؤال ‪ ...‬وتسم ُح بجميع األسئلة"(ص‪ .)74‬وإذن‪ ،‬فمن الضروري أن تدفع األسئلة‬
‫َـفرض‪ ،‬في الواقع‪ ،‬أ َّ‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫التلميذَ‪ ،‬ال إلى تقييم قراءته فحسب‪ ،‬بل إلى تنظيمها باألساس‪ .‬والبد أن تسمح له بالعثور بطريق ٍة مستقل ٍة على‬
‫البنيات النصية األساسية‪ :‬السارد‪ ،‬المؤلّف‪ ،‬الشخصيات‪ ،‬األماكن‪ ،‬الزمن‪ ،‬الحبكة‪... ،‬الخ‪.‬‬

‫الحمولة ال ُمـخـت ََـزلة جدًّا التي نمنحها للفهم‪:‬‬

‫من أجل أن يستردّ التأوي ُل المكانةَ التي تعود إليه داخل القراءة األدبية‪ ،‬قام فرانسيس جروسمان(‪)1999‬‬
‫بدور محدو ٍد قليال ما‪ .‬فهو ين ّ‬
‫ظـم كل االستنتاجات داخل‬ ‫ٍ‬ ‫بوضعه في مرتبة أعلى من الفهم الذي يحتفظ له‬
‫ت‬
‫عمل التأويل‪ ،‬سواء كانت استنتاجات أولية ته ّم المعلومات الضرورية في إدراك الحبكة أو كانت استنتاجا ٍ‬
‫إن " النصوص ت ٌ َّ‬
‫ـؤول أوال "(ص‪،)153‬‬ ‫قدرا أكبر من اإلبداع من قبل القارئ‪ .‬وهو يقول ّ‬
‫أكثر تعقيدًا تقتضي ً‬

‫‪6‬‬
‫القراء يقومون باستنتاجات استنادًا إلى النص وإلى معارفهم‪ .‬ومثل جروسمان‪َّ ،‬‬
‫فإن إيزابيل شوالر‬ ‫ألن ّ‬‫ذلك ّ‬
‫ي ٍ داخل التأويل‪ .‬وهكذا‪ ،‬وتبعًا لهؤالء‬ ‫ــ ماندرو وآن ماري توفيرون (‪ )1998‬تن ّ‬
‫ظـمان كل عم ٍل استنتاج ّ‬
‫الفهم‬
‫َ‬ ‫فإن الفهم يمكن " اكتسابه " مرة واحدة ونهائية ومفصوال عن المضمر‪ .‬وبتحديدهم‬ ‫المؤلفين الثالثة‪َّ ،‬‬
‫باعتباره سيرورة ً يمكنها أن تعرف االكتمال‪ ،‬فإنهم يسلّمون بمعنى ال يمكن إطالقا للتأويل أن يُـغنيه‪ .‬ومن‬
‫بمعارف مرجعي ٍة‬
‫َ‬ ‫مضمر أو ربط معلوم ٍة ضمني ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ي من أجل تعويض شيءٍ‬ ‫هذا المنظور‪َّ ،‬‬
‫فإن أق ّل مجهود فكر ّ‬
‫صادرا عن التأويل‪ ،‬وهذا ما يحدّ قليال ما من سيرورة الفهم التي سنحاول تحديدها اآلن بطريقة‬
‫ً‬ ‫سيكون‬
‫أفضل‪ ،‬بعد أن ألقينا نظرة نقدية على هوامشها‪.‬‬

‫نعرف الفهم؟‬
‫كيف ّ‬

‫ـكـوناته‪:‬‬
‫ُم ّ‬

‫ّ‬
‫إن معنى النص هو أول ما يسعى الفهم إلى استخراجه‪ ،‬والمقصود بــ " معنى ‪ " sens‬فكرة أو مجموعة‬
‫من األفكار الواضحة التي يدركها القارئ داخل النص ــ الجذر الالتيني ‪ sensus‬يحيل مباشرة على فكرة "‬
‫اإلدراك الحسّـي "‪ .‬واإلدراك الحسّـي هو نشاط ذاتي يستلزم نوعا من العقلنة‪ .‬وهو ال يُتر َجـم بالضرورة‬
‫إلى خطاب أو إلى شيء ذي طابع اجتماعي‪ ،‬ومن هنا المفهوم الفرداني جدًّا لكلمة " معنى " التي تحيل على‬
‫ي ٍ ما سيكون‬ ‫اإلدراك الحسي الشخصي للعالم الخارجي بواسطة النظر والسمع والش ّم ‪ ...‬وهكذا‪ّ ،‬‬
‫فإن فهم محك ّ‬
‫القراء‪ ،‬أي أنه بناء ال‬
‫هو إعادة تنظيم المعنى من خالل تفعي ٍل ذاتي يستجيب لما توافقت عليه جماعة من ّ‬
‫ق ما‪.‬‬
‫صادر عن تواف ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ُـبر َر بالضرورة اجتماعيّـًا‪ ،‬بالضبط ألنه‬
‫ينبغي له أن ي َّ‬

‫من الضروري أن يتفادى الفهم أو يتغلّـب على الحواجز الموضوعة من طرف الشكل والبنية واألفكار‪،‬‬
‫وأن " يعيّن وضع الشخصيات ودورها‪ ،‬ويستخرج الخطوط العريضة للحبكة"(توفيرن‪ 1999 ،‬ب‪ ،‬ص‬
‫‪ .)17‬فالفهم يستدعي معارف القارئ‪ ،‬والمقصود بهذه األخيرة ك َّل المعارف النمطية‪ ،‬المعجمية‪ ،‬والتركيبية‪،‬‬
‫مجردَ‬
‫َّ‬ ‫والتاريخية‪ ،‬والسوسيوثقافية‪ ،‬والعملية‪ ،‬الخ‪ .‬التي يستعين بها القارئ من أجل دعم فهمه‪ " :‬ليس الفهم‬
‫نق ٍل للنص إلى داخل رأس القارئ‪ ،‬بل إنه بنا ٌء يقوم هذا األخير بإنجازه" (جياسون‪ ،1990 ،‬ص‪ .)18‬وإذا‬
‫ّ‬
‫للتوقُّ ـع هي بدورها موضوعة‬ ‫عدنا إلى المنظور الهرمينوطيقي‪َّ ،‬‬
‫فإن ك ّل ٍ‬
‫فهم يتض ّمـن فه ًما قبليّـًا‪ ،‬أي بنية‬
‫المؤول بداخله"(جادامر‪.)1996 ،‬‬
‫ّ‬ ‫مسبـقـًا من طرف التراث الذي يعيش‬

‫‪7‬‬
‫نص كتوم‪:‬‬

‫إذا كنّا نستهدف تطوير كفايات الفهم‪ ،‬فالبد للنص األدبي المقدَّم للتالميذ أن ي َ‬
‫ُـبدي نوعًا من المقاومة‪ ،‬أي‬
‫حاجزا أمام امتالك القارئ للنص‪ ،‬بحيث ال يهتدي إلى اآلليات التي تش ّكـل‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أن العالمات التي يستدعيها تخلق‬
‫عالمه الفكري‪ .‬وتستخدم توفيرون(‪1999‬ب) عبارة " نص كتوم " من أجل تعيين النصوص التي تعرقل‬
‫ب صعبين بالنسبة إلى القارئ‪ ،‬أو بعالَ ٍـم مش ّخ ٍ‬
‫ص غير مألوف‪ ،‬أو بأفكار جديدة‬ ‫بمعجم أو تركي ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الفهم‪ ،‬سواء‬
‫ت غامضة ‪...‬الخ‪ .‬وإذن‪ ،‬من أجل‬
‫ق متناقض‪ ،‬أو باستعارا ٍ‬
‫أو مخلخلة‪ ،‬أو ببني ٍة سردي ٍة متفجّرة‪ ،‬أو بمنط ٍ‬
‫اإلحاطة بالمعنى‪ ،‬الب د للقارئ من االلتفاف على الحواجز المتعددة األشكال التي توضع بين النص وبين‬
‫معارفه المرجعية الخاصة‪ .‬وبالطبع‪ ،‬فإن تفكيك المعلومات غير الظاهرة يدخل في إطار عملية إعادة التنظيم‪،‬‬
‫ذلك ألنه البد لكل عنصر ضروري في إدراك معنى النص أن يندرج في إطار عام‪ ،‬هو الذي يُـترجم فكرة ً‬
‫عامةً معينة‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن مفهوم الصور النمطية التي وصفتها جياسون(‪ )1990‬تسمح بتوضيح أفضل للعمل الذي ينبغي للقارئ‬
‫نص كتوم‪ :‬أن يعمل على تكييف صوره النمطية الخاصة من أجل أن يعثر داخل‬
‫أن ينجزه من أجل فهم ّ‬
‫صور النص النمطية على عالمات مألوفة تسمح له بتحويل المعنى إلى مستوى إدراكه‪ .‬فالضرورة تفرض‬
‫أن يتكيّف الفهم مع ما تس ّمـيه جورو " بيوغرافية القارئ "‪ ،‬التي تُـعتبر ّ‬
‫ممرا ضروريا لصور النص‬
‫النمطية‪ :‬من دون تطابق بين عالم القارئ وعالم النص‪ ،‬لن يكون هناك فه ٌم‪.‬‬

‫ي في عملية الفهم‪ ،‬ذلك ألنه " كلّـما كان المؤلَّـف " صعبًا "‪ ،‬كلّـما كان من الضروري‬
‫وعم ُل األستاذ أساس ّ‬
‫أن يَـطو َل التمهيدُ للقراءة "(كالفيز‪ ،1999 ،‬ص‪ ،) 48‬وبالضبط من أجل إعداد هذه المطابقة في كفايات‬
‫عالم ال‬ ‫بنص صعب‪ ،‬تبعا لبيير برتيي(‪ ،)1999‬هو ك ُّل ٍ ّ‬
‫نص يتموضع داخل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫القارئ أثناء التعلم‪ .‬والمقصود‬
‫غير‬
‫التعرف إلى الكلمة " ضروريا بالطبع‪ ،‬لكنه ُ‬ ‫ّ‬ ‫يتعرف فيه القارئ إلى ذاته‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يكون "‬
‫ّ‬
‫كافٍ ‪ .‬فمن أجل أن يحصل تعلّم الفهم‪ ،‬البد للنصوص األدبية المقترحة على التالميذ أن تدفع إلى االشتغال‬
‫ببناء معنًى مه ّم نسبيًا‪ ،‬يستتبع حتما مجموعةً من االستنتاجات‪ .‬ويطالب إيف روتير(‪ )1992‬من جهته‬
‫باستعمال النصوص الصعبة‪ ،‬بغاية توليد " كوارث القراءة "(ص‪ )61‬التي ّ‬
‫تعزز عملية التوضيع‪ ،‬وتسمح‬
‫إذًا باكتساب عمليات القراءة األكثر خصوبة‪.‬‬

‫ُبـع ٌد اجتماعي‪:‬‬

‫ينتمي ك ُّل قارئ إلى جماعة من ّ‬


‫القراء وبداخلها يكون محكو ًما إلى ح ٍدّ ما بإيديولوجيات عشيرته‪،‬‬
‫وبالصور النمطية المقبولة اجتماعيّـًا التي تساهم في تشكيل خلفيته الثقافية‪ .‬وهكذا‪ ،‬وبما أن الفهم يكون إلى‬
‫المكون‬
‫ّ‬ ‫ح ٍدّ ما مشرو ً‬
‫طا من الناحية االجتماعية‪ ،‬فهو لذلك لن يكون مجرد عملية مكتفية بذاتها ــ فهذا‬

‫‪8‬‬
‫االجتماعي يؤثر ُمـسبقًا في الفهم‪ ،‬بما أنه يش ّكـله ولو جزئيا‪ .‬ويتجسد هذا البعد االجتماعي للفهم في كل‬
‫مكونات الحقل التي شرحها إيف روتير وسوسيولوجيو األدب اآلخرون بغزارة‪ .‬ينبغي للتلميذ‪ ،‬مثال‪ ،‬أن‬
‫يعمل على التفكير في أن " الوضع االعتباري للنصوص يتغيّـر تاريخيا و(أن) موقعها داخل المؤسسات‬
‫ت مهم ٍة في المعنى"(روتير‪ ،1981 ،‬ص‪ .)11‬وإذا تبنّـينا وجهةَ ٍ‬
‫نظر قريبة من هذه األخيرة‪،‬‬ ‫يحدد متغيرا ٍ‬
‫فإن السوسيولوجيا ــ االثنولوجيا كما مارسها بريفا(‪ ) 1985‬تضع في المقدمة عوامل أخرى للفهم ال تتعلق‬
‫بتاتا بالنص الموضوع للقراءة‪ :‬وعلى س بيل التمثيل‪ ،‬فإن " الفتيات الشابات من األوساط الشعبية وأبناء‬
‫الطبقات الميسورة ال يستثمرون ال االنتظارات نفسها‪ ،‬وال الكفايات ذاتها"(ص‪ )137‬في ممارساتهم الثقافية‪.‬‬
‫ـردَ لحظ ٍة فيها تتحقق هذه األخيرة‪ ،‬وإنما هو ك ٌّل‬
‫ذلك ألن الفهم‪ ،‬والقراءة بشكل أكثر شموال‪ " ،‬ليس ُمـ َج ّ‬
‫ظمة والمتمايزة اجتماعيا وثقافيا"(نفسه‪ ،‬ص‪ )142‬هي التي تحكم الى‬ ‫أساس من الممارسات المن َّ‬
‫ٍ‬ ‫ينبني على‬
‫حدّ كبير أنماطنا في إدراك النصوص‪.‬‬

‫ي‪ ،‬أي من خالل مكونات‬


‫ي عمل ّ‬
‫ي وما هو اختبار ّ‬ ‫وإذن‪ّ ،‬‬
‫فإن الفهم يتحقق من خالل اندماج ما هو اجتماع ّ‬
‫متحركة متعددة بالضرورة‪ :‬لسانية‪ ،‬تاريخية‪ ،‬سوسيوثقافية‪ ،‬سيكولوجية‪ ،‬جيوسياسية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فالمعنى‬
‫َـرح باعتباره بنا ًء دالليا وفيًا‬
‫القراء أن تعترف بالمعنى المقت َ‬
‫ق ما‪ :‬ينبغي لجماعة ّ‬
‫المستخرج يتعلق بتواف ٍ‬
‫َ‬
‫للنص‪ .‬ومن خالل عملية التوضيع هاته‪ ،‬يسعى القارئ الى بناء معنى مقبول اجتماعيا ال تُخفيه الكلمات‬
‫والجمل إال جزئيا‪.‬‬

‫شرح واستذكار‪:‬‬

‫يتحقق الفهم بإهمال المعطيات اللسانية‪ ،‬وبتعميق المحتويات وتوسيعها‪ :‬ينزاح القارئ عن الكلمة‪،‬‬
‫والجملة(التي يهملها بسرعة كبيرة أيضا)‪ ،‬من أجل استذكار المعنى العام‪ " :‬وهكذا‪ ،‬فتطوير الفهم أثناء‬
‫القراءة يعود إلى تدريب التالميذ على القيام بمعالجة معرفية للمعطيات النصية تكون موسَّـعة ومع َّمقةً ما‬
‫أمكن ذلك"(فاندردورب‪ ،1992 ،‬ص‪ .)171‬ويستلزم مثل هذا العمل التصوري قوة نابذة تُبعد القارئ عن‬
‫جزئيات النص من أجل حمله على إعادة صياغة النص بتبنّـي رؤية شمولية للمعنى‪.‬‬

‫إن كتابات برتراند دوناي(‪ )1997‬عن استعادة الشرح باعتباره أداة ً في تعلم التفسير األدبي تش ّكل مثاال‬
‫ّ‬
‫يمر تقييم الفهم بالضرورة من‬
‫التخرج االعدادي بفرنسا‪ّ " ،‬‬
‫ّ‬ ‫واضحا في إعادة صياغة المحتوى النصي‪ .‬فعند‬
‫ألن الشرح هو ُمـؤلّف الفهم النصي‪ .‬وهكذا يُـقدّم دوناي الشرح‬
‫خالل إعادة صياغ ٍة شارحة"(ص‪ ،)100‬ذلك ّ‬
‫فإن الشرح يُـش ّكـل "‬ ‫باعتباره شكال خطابيا ماوراء نصيا يُـشيّد عالقةَ ٍ‬
‫فهم مع النص؛ وبعبارات أخرى‪ّ ،‬‬
‫خطابا حول المحتوى منفصال عن تحليل الشكل"(ص‪ ،) 109‬هذا األخير الذي يتعلق أكثر من ذلك بالتأويل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫فالبعد الشرحي للفهم يتوافق تماما مع الحركة النابذة التي وصفناها‪ ،‬يعني أنه إعادة ُ صياغ ٍة للنص ذات طابع‬
‫شمولي تبتعد عن المكونات اللسانية‪.‬‬

‫َّ‬
‫وألن االستذكار والفهم مترابطان‬ ‫ووحده هذا االبتعاد هو ما يسمح باستذكار طويل للمعطيات النصية‪.‬‬
‫خاص بتخزين المعلومات المعرفية‪ .‬فك ّل المعارف‬ ‫ّ‬ ‫بشكل وثيق(لوبران‪ ،)1987 ،‬فالبدّ من اهتمام‬
‫المستحضرة أثناء الفهم صادرة عن الذاكرة‪ ،‬ولذلك سيكون مه ًّما توجيه معارف التلميذ بطريقة من َّ‬
‫ظـمة‪ ،‬من‬
‫ع معارف‬ ‫أجل مساعدته في عملية الفهم‪ .‬وبهذا المعنى‪ّ ،‬‬
‫فإن إروين وباكير(‪ )1989‬يطالبان بأن يكون مجمو ُ‬
‫ي في الفهم‪ .‬وفي مثل هذا السياق التعلُّـمي‪ ،‬يتصور القارئ المحتوى المقروء‪ ،‬ويتنبَّـأ‬
‫القارئ العام َل المركز َّ‬
‫بما سيأتي منه‪ ،‬ويقارن ذلك بما كان يعرفه‪ ،‬ويسائل المضمون‪ ،‬ويقيّـمه‪ ،‬ويعلّـق عليه‪ ،‬وير ّكـبه‪ .‬إنَّه يبحث‬
‫فهم أفضل‪ ،‬عن إضاءة المسالك التي يبدو فيها المعنى أو المنطق غامضا‪ .‬ومن أجل ذلك‪ ،‬يبتعد عن‬
‫عن ٍ‬
‫النص‪ ،‬ويخرج منه‪ .‬وإجماال‪ ،‬ينبغي له أن يبقى نشيطا على الدوام من أجل تحسين فهمه‪ ،‬وبالتالي استذكاره‪.‬‬

‫أهمية المضمر في الفهم‪:‬‬

‫عنصرا " ينطبق على ك ّل ما هو ضمن ٌّ‬


‫ي‬ ‫ً‬ ‫عرف فوروتيير المضمر باعتباره‬‫منذ القرن السابع عشر‪َّ ،‬‬
‫بالتقدير‪ ،‬من دون أن يُـعب ََّر عنه صراحةً"‪ .‬ومن الناحية االيتيمولوجية‪ ،‬فإن عبارة ‪ implicite‬مشتقة من‬
‫ي‪ ،‬البدّ للقارئ‬
‫‪ .emmeler ،enchevêtrer ،impliquer‬ومن أجل الوصول الى المحتوى المقدَّر الخف ّ‬
‫من أن يستنتج‪ ،‬والمعنى األول لهذا الفعل يحيل على " فعل االستيالد‪ ،‬واإلضافة "‪ ،‬ومن هنا استخالص‬
‫النتائج وخلق الروابط‪ .‬وإذن‪ ،‬فالقارئ يُـعَ ّوض المعطيات الناقصة أو الصامتة‪ ،‬لكنها المعطيات التي تتض َّمنها‬
‫الجملة والكلمات‪ .‬وهكذا‪ ،‬فعملية االستنتاج التي يفرضها المضمر هي موجودة بشكل من األشكال داخل‬
‫ـرضـًا المعطيات المضمرة وأن ينحصر في قراءة خ ّ‬
‫طية تنقله‬ ‫ع َ‬‫النص‪ .‬وال يمكن لتعريف الفهم أن يستبعد َ‬
‫من كلمة إلى كلمة أخرى‪.‬‬

‫القراء الجيّـدون دومـًا بصدد استنتاج معطيات مضمرة في النص‪ ،‬أي ما يسكت عنه‬ ‫في الفهم‪ ،‬يكون ّ‬
‫المؤ ّلف وينبغي للقارئ أن يمأله بنفسه‪ .‬وهذه االستنتاجات هي التي تعيد الربط بين الكلمات والجمل والوقائع‪:‬‬
‫" ليست االستنتاجات مجرد كماليات يستخدمها التالميذ الممتازون كلَّـما فهموا النص‪ .‬فهي أساسية في فهم‬
‫النص واستذكاره"(إروين وباكير‪.) 1989 ،‬وإذن‪ ،‬فال يمكن أن نحصر الفهم في الدرجات الدنيا وأن نستبعد‬
‫منه العمليات االستنتاجية‪ .‬وينبغي للقارئ‪ ،‬من أجل فهم دقيق‪ ،‬أن يكون على وعي " بضرورة الذهاب الى‬
‫ما هو أبعد من المعلومة الظاهرة للنص كي يفهمه فه ًما حقيقيا"(ديروزيي ـ س َبات‪ ،1992 ،‬ص‪ .)92‬ويعني‬
‫هذا إذًا أننا أمام عمل حقيقي في بناء المعنى يتدخل من خالل استراتيجيات القراءة من أجل ملء البياضات‬
‫وإظهار المسكوت عنه‪ .‬فاالنحصار في المعنى الظاهر يعني أن ال يفهم القارئ‪ ،‬مثال‪ ،‬الرسالة المزدوجة في‬

‫‪10‬‬
‫السخرية؛ فالبد له إذًا من االستنتاج‪ ،‬ومن خلق رابط بين النص وبين معارفه السوسيوثقافية الخاصة التي‬
‫تسمح له بتفكيك السخرية‪.‬‬

‫فهم أفض َل للعمليات التي يستحضرها أثناء‬ ‫ومن أجل أن يكون التلميذ أثناء تعلّم القراءة األدبية ً‬
‫قادرا على ٍ‬
‫عملية االستنتاج‪ ،‬فالبد لألستاذ أن يدفعه الى أن يتحقَّـق من اللحظة التي يقوم فيها بذلك‪ " :‬ما هي المؤشرات‬
‫النصية التي تقودك إلى هذا االستنتاج؟ وهل هذه المعلومة التي ت َّم استنتاجها مهمة بالنسبة إلى الفهم الشامل‬
‫ي؟"‪ .‬وبهذه الطريقة‪ ،‬سيكون التلميذ فضال عن ذلك في المستوى الذي يسمح له بأن يُـميّـز ما يتعلَّـق‬
‫للمحك ّ‬
‫َـرا‪ ،‬ذلك ألن األمر المه ّم هو أن ال يقوم بإبعاد العمل االستنتاجي كلّـه إلى‬
‫بالفهم عن ما يُـش ّكـل تأويال ُمـبـتَـك ً‬
‫داخل عمليات التأويل التي غالبا ما يُـنظر إليها باعتبارها ترفًا في القراءة‪.‬‬

‫اقتراحاتٌ في التصنيف‪:‬‬

‫بالتدرج " و " القراءة بالفهم "‪.‬‬


‫ّ‬ ‫يصف برتراند جيرفي(‪ )1993‬الفهم على محور ثنائي القطب‪ " :‬القراءة‬
‫ويستحضر التوتر الضروري بين هذين القطبين‪ ،‬ألن القراءة الف َّعالة ال يمكنها أن تستبعد أحد هذين األخيرين‪.‬‬
‫فعند القراءة بالتدرج‪ ،‬يسعى القارئ إلى القيام بأق َّل ما يمكن من االستنتاجات‪ُ ،‬مـر ّك ًزا انتباهه على المه َّمـات‬
‫تدر َجـه‪ .‬والقراءة بالفهم هي فوق ذلك عم ٌل في العمق‪ ،‬أي أنها فه ٌم لل ُمـضمر‪.‬‬
‫التي تَـضمن ُّ‬

‫ويحدد جيرفي(‪ ) 1993‬بوضوح شديد كيف أنه ال يمكننا أن ننصرف إلى أحد هذين التدبيرين مع إبعا ٍد‬
‫نفهم‪ ،‬واألهمية الممنوحة لهذا التدبير أو ذاك تتعلق بأهداف‬
‫َ‬ ‫نتدر َج وأن‬
‫َّ‬ ‫ي لآلخر‪ " :‬أن نقرأ معناه أن‬
‫كل ّ‬
‫القارئ وصالحياته"(ص‪ .)43‬وفضال عن ذلك‪ ،‬فهو يذهب الى أن القراءة األدبية " تظهر في الوقت الذي‬
‫بالتعرف الى النص‪ ،‬لصالح‬
‫ُّ‬ ‫بالتدرج‪ ،‬الذي سمح له في المرحلة األولى‬
‫ّ‬ ‫ينصرف فيه القارئ عن التدبير‬
‫تدبير الفهم الذي يقوده إلى تعميق معرفته بالنص"(نفسه‪ ،‬ص‪ )97‬وعلى األرجح‪ ،‬فهو يضع التدبيرين داخل‬
‫لحظات متتالية ويرتّبهما في الوقت نفسه داخل التعلُّـم‪.‬‬

‫ويقترح بيير بيرتيي(‪ )1999‬تعلُّـ ًما ثانيًا يجعله متمي ًّزا عن " القراءة اإلخبارية " القريبة من القراءة‬
‫بالتدرج عند جيرفي‪َّ " :‬‬
‫إن تجميع المعلومات في الذاكرة(االحتفاظ)‪ ،‬وتعيين العالمات المعيَّنة فعال بالتخزين‬
‫البصري(االستكشاف)‪ ،‬وتصور البقية المحتملة للنص(التوقّع)‪ ،‬هو ما يش ّكل خطاطة سيرورة " القراءة‬
‫األولى "(ص‪ .)25‬ويوضح أن تفكيك العالمات المكتوبة الذي يتعلق بالقراءة البسيطة قد اتَّض َح أنه غير‬
‫كافٍ لقراءة مؤلَّف صعب‪ .‬وإذن البد من اللجوء الى قراءة ثانية ــ ليست بالضرورة الحقة باألولى ــ تأتي‬
‫فه ًما للغة بعيدًا عن ما تحيل عليه مباشرة‪ .‬ويفرض هذا العمل إعادة بناء المعنى الذي ال يبدو على الفور‬
‫واضحا ومفيدًا‪ " :‬القراءة الثانية ذات مفعول رجعي وال تعرف االكتمال أبدًا"(ص‪َّ ،)25‬‬
‫ألن االستكشاف‬
‫والتعيين هما على الدوام خائبان‪ .‬ويتبنَّـى كَـانفا(‪ )1999‬هو اآلخر تعريفا للفهم ثنائي القطب‪ُ ،‬مـتحدّثًا عن "‬

‫‪11‬‬
‫الفهم الوظيفي " و " الفهم األدبي "‪ُ ،‬مـتقاطعًا في ذلك مع أفكار جيرفي وبيرتيي‪ ،‬مع وجود بعض الفروق‬
‫بينهم‪.‬‬

‫َـرفي إلى الفهم االستـنتاجي‪:‬‬


‫من الفهم الح ّ‬

‫َّ‬
‫إن التصنيف األكثر صوابا هو الذي تقترحه جوسلين جياسون(‪ ،)1990‬ألنها ال تقوم بحبس الفهم داخل‬
‫توتر بين شيئين‪ ،‬بل هي تضعه على محور هو ثنائي القطب لكنه متَّـص ٌل زيادة على ذلك‪ ،‬وهذا هو التمثُّل‬
‫كثيرا‪ .‬فهي تميّز بين نمطين من الفهم‪ ،‬الحرفي واالستنتاجي‪ ،‬تقريبا على‬
‫ً‬ ‫الدقيق الذي يناسب نشاط الفهم‬
‫تدبير آخر أثناء التعلُّم‪ .‬وهي ال تميّز‬
‫ٍ‬ ‫تدبير على‬
‫ٍ‬ ‫طريقة جيرفي‪ ،‬إال أنها ال تقوم وال في لحظة واحدة بتقديم‬
‫بينهما إال في درجة التعقيد‪ .‬فالفهم الحرفي يهتم بما هو موجود على سطح النص‪ ،‬بطريقة ظاهرة‪ ،‬ومن دون‬
‫ي استنتاج‪ .‬أما الفهم االستنتاجي‪ ،‬وهو األكثر تعقيدًا‪ ،‬فإنه ينظر باألحرى في الروابط التي تُـن َ‬
‫سـج في‬ ‫أ ّ‬
‫األعماق؛ وهو بذلك يقود القارئ إلى سدّ الثغرات والفراغات الخالية أو المضمرة معطياتها‪.‬‬

‫وتُـميّز جياسون بين ثالثة أنماط من االستنتاجات‪ :‬االستنتاجات المنطقية‪ ،‬ومكوناتها واردة داخل النص؛‬
‫واالستنتاجات التداولية‪ ،‬وهي تقوم على أساس المعارف والصور النمطية للقارئ؛ واالستنتاجات المبتكرة‪،‬‬
‫وهي األكثر تعقيدًا‪ ،‬ألنها تتطلَّـب الكثير من المعارف المسبقة والصور النمطية المناسبة‪ .‬وهذا النمط من‬
‫صـة المواد المستحضرة من خارج النص‬
‫الخاص بالتأويل‪ ،‬ذلك ألن ح َّ‬
‫ّ‬ ‫العمل االستنتاجي قريب من اإلبداع‬
‫حضورا هنا‪ .‬لكن هذا النمط من العمل يتميَّـز عن التأويل باعتبار أنه يسعى دائما إلى إعادة بناء‬
‫ً‬ ‫هي األكثر‬
‫المعنى الشامل للن ص من أجل الزيادة في وضوحه من خالل ملء البياضات‪.‬‬

‫اليمكن أن نضع مستويات الفهم هذه على سُـلَّ ٍم تراتب ّ‬


‫ي إال تبعًا لتعقيداتها المقدَّرة‪ ،‬فالفهم االستنتاجي‬
‫يتطلَّـب مستوى من التجريد أكثر عُـ ُل ًـوا‪ .‬وعلى عكس الخطابات السائدة‪ ،‬فإن مستويات الفهم هذه ال تظهر‬
‫بطريقة دياكرونية عند التلميذ المفروض فيه أن يتعلم قراءة كل أنماط النصوص باللجوء في الوقت ذاته إلى‬
‫ي واالستنتاجي‪ .‬وال يمكن أن نُـلزم التلميذ بفهم المواد الظاهرة في النص فقط بحجة أنه‬
‫عمليات الفهم الحرف ّ‬
‫ال يزال صغيرا جدًّا(توفيرون‪1999 ،‬ب)‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫نعــرف التأويل؟‬
‫ِّ ّ‬ ‫كيف‬

‫مكوناته‪:‬‬

‫إذا كان الفه ُم بنا ًء للمعنى انطالقًا من العناصر الظاهرة وال ُمـض َمـرة للنص‪ ،‬فإن التأويل سيكون تأ ُّمـال في‬
‫" ُمـتَـعدّد النص "(كَـانفَـا‪ ،1999 ،‬ص ‪ ،)103‬واستكشافًا هيرمينوطيقيًا‪ .‬وبما أن التأمل واالستكشاف لم‬
‫تفسير ما الذي يرمي إليه الفه ُم‪ ،‬فإن التأويل سيسعى باألحرى‬
‫ٍ‬ ‫يعودا ينتميان إلى مجال التوافق الجماعي على‬
‫وراء " داللة "‪ ،‬وهي تحيل ايتيمولوجيا على فعل " التعيين "‪ ،‬أي القيام باختيار بين الدوا ّل الممكنة‪ .‬وإذا‬
‫ـؤول يبحث عن إنتاج‬
‫كان المعنى في جزء منه بداخل النص‪ ،‬فإن الداللة توجد بخارجه‪ ،‬يبتكرها قارئ ُم ّ‬
‫عالمات جديدة انطالقا من تلك التي يالحظها داخل النص‪ .‬وتسمي توفيرون(‪1999‬ب) " نصوصا ُمـتَـوالدة‬
‫" هذه البنيات المتعددة المعنى التي تثير في الغالب عملية التأويل‪.‬‬

‫متكررةٍ‪ ،‬يقترح تأويله الذي‬


‫ّ‬ ‫ـدرس النص عن قرب‪ ،‬ويدرس مختلف تواردات عالم ٍة‬ ‫ّ‬
‫إن القارئ‪ ،‬وهو َي ُ‬
‫نص ما أن ال أحد يعرف ما يد ُّل عليه‪ ،‬بل األحرى أننا ُّ‬
‫نظن أنه قد يعني هذا‬ ‫يقوم بابتكاره‪ " :‬يقتضي تأويل ٍ ّ‬
‫ـر إليه باعتباره وجهةَ نظر ذا ٍ‬
‫ت ما(القارئ) حول شيءٍ ما(النص)‪ ،‬حتَّـى‬ ‫ظ ُ‬‫الشيء أو ذاك‪ .‬وإذن‪ ،‬فالتأويل يُـن َ‬
‫عندما تقتنع الذاتُ ّ‬
‫بأن وجهة نظرها هي الوحيدة الممكنة "(أولسون‪ ،‬في‪ :‬جروسمان‪ ،1999 ،‬ص ‪.)152‬‬
‫ت‬
‫ـمكن من ُمـمكنا ٍ‬
‫إال أن وجهة نظره هذه لن تكون أبدًا هي الوحيدة الممكنة‪ :‬ستكون دائ ًما عبارة عن ُم ٍ‬
‫أخرى‪.‬‬

‫ـؤول لم يعد شُـ ُمـوليّـًا كما هو الحال بالنسبة إلى نظر القارئ في عملية الفهم‪ .‬فال يمكننا أن‬‫ـر ال ُم ّ‬
‫ظ َ‬‫إن نَـ َ‬
‫ّ‬
‫وباألخص‬
‫ّ‬ ‫فالمؤول يُـر ّكز على العناصر التي تَـشُـدُّ اهتمامه‬
‫ّ‬ ‫ـؤو َل في الوقت ذاته ك َّل مكونات ٍ ّ‬
‫نص ما‪ .‬وإذن‪،‬‬ ‫نُ ّ‬
‫من أجل أن يستخرج منها داللةً ال تظهر في النص لكنَّـها التي البدَّ أن تُـستوحى منه بطريقة ظاهرة‪ .‬وإذن‪،‬‬
‫ي‪ ،‬ينجذب إلى الداخل‪ ،‬ويعود الى النص ــ يسمح المعنى االيتيمولوجي لعبارة " داللة‬
‫فإن هذا العمل تجزيئ ّ‬
‫"‪ ،‬الذي يحيل على " التعيين "‪ ،‬بهذا النوع من التقارب ــ‪ ،‬بينما نجد الفهم يؤدي الى التراجع‪ ،‬والى الصوغ‬
‫ي للبنيات المعجمية والتركيبية ــ كأنه قوة تُـبعدنا نحو الخارج‪ .‬ففي التأويل‪ ،‬يت ّم تكبير قرائن من النص‬
‫الشمول ّ‬
‫يعرف التقطيع‪ ،‬ونجعله‬‫ُ‬ ‫ممكن من الممكنات‪ .‬وإذن‪ ،‬فإن المعنى المفهوم هو الذي‬
‫ٍ‬ ‫داخل عملية استكشاف‬
‫المؤ َّولة تُـغني المعنى‬
‫َ‬ ‫ت أخرى من خارج النص‪ .‬وعند العودة‪ ،‬فإن هذه العالمة الجديدة‬‫يواجه عالما ٍ‬
‫ي ٍ ما‪.‬‬
‫ي ٍ توافق ّ‬
‫وضع اعتبار ّ‬
‫ٍ‬ ‫عناصر النص عندما تحصل على‬
‫َ‬ ‫ال ُمـشَـيَّد‪ ،‬ألنها ستُـغذي‬

‫إن التراث البيداغوجي يضع التأويل دائما في مرتبة أعلى من الفهم‪ :‬وال ينبغي األخذ بهذه التراتبية لحظة‬
‫ظهورهما في المنهاج الدراسي‪ ،‬بل هي تُ ُُ ـؤخَـذ بعين االعتبار في الكفايات المكتسبة بواسطة التأويل الذي‬
‫مجرد اختيار معنًى ما‪ .‬ذلك‬
‫ّ‬ ‫ت أكثر دقّةً من‬
‫يفرض تجريدًا أكثر تعقيدًا‪ .‬فاالبتكار يفرض‪ ،‬في الواقع‪ ،‬كفايا ٍ‬

‫‪13‬‬
‫ألنه يستعين‪ ،‬من بين أشياء أخرى‪ ،‬بثقافة القارئ‪ ،‬ومعارفه‪ ،‬واستعداداته‪ ،‬وبعض مفهومات التاريخ‪ ،‬أو‬
‫األكثر من ذلك‪ ،‬أنه يستعين‪ ،‬من داخل األدب‪ ،‬بالنظريات األدبية‪ .‬وينبغي للتلميذ أن يتعلم في وقت مب ّك ٍـر ّ‬
‫أن‬
‫عملية التأويل ال ترمي الى استخدام النص لصالح فرضيات تأويلية ال تبقى وفيّـةً لمضمونه‪ ،‬بل األولى أن‬
‫صـ ٍة بالتأويل يثير مسألة‬ ‫ت تُـستو َحـى مباشرة ً من النص‪ .‬ذلك أن ابتكار عالما ٍ‬
‫ت خا ّ‬ ‫يعم َل على إبراز دالال ٍ‬
‫الحدود الهرمينوطيقية أيضًا‪ ،‬هذه الحدود التي بتجاوزها تتحول المغامرة إلى مخاطرة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬من‬
‫الضروري أن ندَ ّرس أن التأويل هو أوال وقبل ك ّل شيء صو ٌ‬
‫غ اجتماعي‪ ،‬وصوغ خطابي يستتبع بالضرورة‬
‫مسؤوليةً‪ .‬ومن أجل منع هذه التجاوزات التأويلية‪ ،‬البد لألستاذ من أن يؤسّـس " التأويالت على ح ٍدّ أدنى‬
‫ب جام ٍد من‬
‫من القواعد"(كَـانفَـا‪ ،1999 ،‬ص‪ .)103‬ومع ذلك‪ ،‬ال ينبغي لهذه القواعد أن تبقى سجينة قال ٍ‬
‫ت مستمدّةٍ من النظريات األدبية‪ :‬قد تؤدي اللغة الواصفة لهذه األدوات في بعض األحيان إلى ارتباك‬
‫أدوا ٍ‬
‫كبير بسبب طابع خطابها الغريب الذي غالبا ما يُستخدَم في القسم كمفهومات جامدة(جورو‪.)1999 ،‬‬

‫الخاص بالفهم‪ .‬فمن واجب المعلّم أن يبحث‬


‫ّ‬ ‫البدَّ للدالالت المقدَّمة أن تسعى نحو التفسير‪ ،‬ونحو التوافق‬
‫ـر ّكزة على عوالمهم الذاتية‪ .‬ومن أجل بلوغ‬
‫نوع من التوضيع مع التالميذ بإخراجهم من تأويالتهم ال ُم َ‬
‫ٍ‬ ‫عن‬
‫وافر من المرجعيات السوسيوثقافية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ذلك داخل القسم‪ ،‬البد أن نُـبيّن للتالميذ أنه بإمكانهم استدعاء عد ٍد‬
‫مدرسيّةً كانت أو غير مدرسيّة‪ :‬تلفزيون‪ ،‬سينما‪ ،‬تناص‪ ،‬مرجعيات تاريخية أو معاصرة‪ ،‬صور نمطية‬
‫وأخيرا‪ ،‬من أجل أن‬
‫ً‬ ‫مرتبطة بالمحكيات والشخصيات واألفكار واألحداث والموضوعات والرموز‪ ،‬الخ‪.‬‬
‫أكبر من العالمات‬
‫قدر َ‬‫النص‪ ،‬ومع ٍ‬
‫ّ‬ ‫أكبر من تشاكالت‬
‫قدر َ‬‫يكون التأويل متماس ًكا‪ ،‬البد من أن يتجاوب مع ٍ‬
‫األدبية‪.‬‬

‫تُـميّـز توفيرون(‪1999‬ب) بين نمطين في العمل التأويلي‪ ،‬ينتمي األول ربَّما إلى الفهم‪ " :‬ما نس ّمـيه "‬
‫تأويل ‪" 1‬‬

‫( تأ‪ )1‬هو سلسلة من االختيارات المحلية للمعنى فيها يوجد تعدد االختيارات التي تساهم في بناء تمثّـ ٍل(من‬
‫بين تمثالت أخرى) شام ٍل ومتماسكٍ للحبكة"(ص‪ .)20‬وبما أنها تستبعد قراءة ال ُمـض َمـر من الفهم‪ ،‬فال‬
‫صـةً بالفهم‪ :‬انتقاء معنًى‪ .‬أ ّما النمط الثاني الذي تقوم‬
‫ت خا ّ‬
‫نستغرب إال قليال أن نجد في تعريفها للتأويل كفايا ٍ‬
‫خالص‪ ،‬فهو ينتمي كليةً إلى تعريفنا للتأويل‪ " :‬إننا نطرح أيضا ّ‬
‫أن ك ّل ّ‬
‫نص‬ ‫ٍ‬ ‫ي بشكل‬
‫بتعريفه‪ ،‬وهو إبداع ّ‬
‫يستدعي تأويال من النمط ‪(2‬تأ‪ )2‬بالمعنى الهرمينوطيقي للعبارة‪ ،‬وهو يأتي بعد الفهم‪ ،‬لكنه يستطيع أن يُـعَدّله‬
‫النص لي؟‬
‫ّ‬ ‫بالعودة‪ ،‬ليس إلى " ما الذي يقوله النص؟"‪ ،‬بل الى " أبعد م ّمـا يقوله النص‪ ،‬الى ما الذي يقوله‬
‫ما العبرة أو الدرس أو الحمولة الرمزية ‪ ...‬التي يمكنني استخراجها منه؟"(ص‪ .)21‬فالتأويل الثاني (تأ‪)2‬‬
‫ي َُـولّد حركةً معاكسةً للتأويل األول(تأ‪ )1‬بما أنه تأ ّم ٌل في المعنى المتعدد‪ .‬وإذن‪ ،‬فالتأويل يفرض حركةَ ذهاب‬

‫‪14‬‬
‫وإياب بداخلها يحتفظ القارئ بعناصر متعددة المعنى يقوم ببسطها على النص مان ًحا إيَّاه داللةً خارجيةً‪ :‬إنّهما‬
‫ــ أي التأويالن ــ يشتغالن معًا في وئام‪ ،‬بحيث يغذي الواحد منهما اآلخر بطريقة ال تعرف االكتمال أبدًا‪.‬‬

‫ٌ‬
‫ممتاز من أجل أن نوضّح هذا التكامل في‬ ‫َّ‬
‫إن إدراج الخطاب اإليديولوجي داخل النصوص هو مثا ٌل‬
‫نص ما‪ ،‬لكن فقط عندما يكون ذلك موض َع‬
‫تدريس التأويل‪ .‬فمن المؤكد أننا قادرون على فهم ايديولوجية ٍ ّ‬
‫مساءل ٍة بطريق ٍة واضحةٍ‪ .‬والحالة هي كذلك في المقال االفتتاحي(لجريدة ما) أيضا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ففي حالة‬
‫الرواية‪ ،‬ال يمكن أن نتحدث عن فهم اإليديولوجية التي تَـسندُ تشخيصا معيَّنًا للواقع؛ واألجدر أن ّ‬
‫نؤولها‪،‬‬
‫لنص ما تتطلّـب ابتكار عالمات ُمـ َبـنـ َيـنَـ ٍة بواسطة معارف تقع خارج النص‪.‬‬
‫ذلك ألن القراءة االيديولوجية ٍ ّ‬
‫ص إلى قراءةٍ تتغذّى من معايير خارجية‪ ،‬بالنظر الى النماذج اإليديولوجية التي َيـن ُ‬
‫سـبها‬ ‫فهي نق ٌل لمعطيات الن ّ‬
‫ـؤول إلى النص‪ .‬فال وجود لهذه النماذج في داخل النص ولو حتى بطريقة مضمرة؛ فهي ال توجد بالضبط‬
‫ال ُم ّ‬
‫انتثارا ال يسمح بإسنادها إلى الفهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫في موضع محدد في داخل النص‪ ،‬وحضورها هو بشك ٍل عا ٍ ّم أكثر‬
‫ـر إلى النقد النفسي الذي يستعين بمعارف ليست ُمـ َد َّون ًة داخل النص بأ ّ‬
‫ي شك ٍل‬ ‫وبالطريقة نفسها يمكن أن ننظُ َ‬
‫من األشكال‪.‬‬

‫نحترس من حصر التأويل في مجال األدب وحده(جورو‪ .)1999 ،‬فهناك أنماطٌ أخرى‬
‫َ‬ ‫من الضروري أن‬
‫من النصوص الالتخييلية‪ ،‬كالمقاالت االفتتاحية(للجرائد) واألفالم الوثائقية والكاريكاتورات والخطابات‬
‫ي يمكن أن‬
‫االشهارية والسياسية‪ ،‬الخ‪ ،.‬هي قابلة للتأويل أيضا‪ :‬خلف الرسالة التي تبلغنا من مقا ٍل افتتاح ّ‬
‫مناهض للعقالنية‪ ،‬الخ‪ .‬ذلك‬
‫ٍ‬ ‫ي أو‬
‫ي أو اشتراك ّ‬
‫ي أو نيوليبرال ّ‬
‫ي أو جمهور ّ‬
‫ب استبداد ّ‬
‫موقف ذو مذه ٍ‬
‫ٌ‬ ‫يرتسم‬
‫ي إال ويكون حامال للقيم واإليديولوجيات والمقاصد غير ال ُمـدَ ّونة داخل النص لكن من‬ ‫ألن ك ّل خطا ٍ‬
‫ب عموم ّ‬
‫الممكن أن نَـتَـعـقَّـبها بواسطة المعارف واألدوات التي نمتلكها‪ .‬وبنا ُء الدالالت ليس خا ّ‬
‫صـًا بالقراءة األدبية‪،‬‬
‫خاص بالبنيات المتوالدة التي تتحدَّد بتعدّدية معناها‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫بل هو باألحرى‬

‫ومث ُل أهل األدب‪ ،‬فالصحافيون ينصرفون غالبًا إلى العمل بالتأويل مع نتائج االنتخابات أو استطالعات‬
‫نعرف ما هي النسبة المئوية‬
‫َ‬ ‫أمر يعود إلى قراءتها من أجل أن‬
‫نفهم أرقام استطالع رأي ٍ ٍُ ما ٌ‬
‫َ‬ ‫الرأي‪ .‬فأن‬
‫لهذا الجزء من الساكنة الذي يدعم حزبًا ما‪ ،‬وما هو أحد الجنسين الذي يدعم الجنس اآلخر‪ ،‬الخ‪ .‬أ ّما التأويل‬
‫بوضوح داخل المعطيات ال ُمـ َجـ َّمـعة‪ ،‬لكنّـها تصد ُُر عن تلك‬
‫ٍ‬ ‫فإنّه يقود باألولى الى دالل ٍة جديدةٍ ال تظهر‬
‫نؤول انخفاض نسب ٍة ما بعد استطالعات‬ ‫القراءة التي يقوم بها ال ُمـ َحـلّـلون لهذه المعطيات‪ .‬وهكذا‪ ،‬يمكن أن ّ‬
‫ابتكار‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ب ما من سياس ٍة ما‪ .‬والداللة المسنودة إلى هذه األرقام هي‬
‫تعبيرا عن استياء ناخ ٍ‬
‫ً‬ ‫رأي ٍ عديدةٍ باعتباره‬
‫لممكن من الممكنات‬
‫ٍ‬ ‫استكشاف‬
‫ٌ‬ ‫فهي ال تظهر ق ُّ‬
‫ط من خالل المعطيات‪ ،‬وال حتّى بطريقة ضمنية؛ إ ّنها‬
‫المحتواة في أرقام استطالعات الرأي‪ .‬ومن أجل بلوغ هذه الداللة‪ ،‬يستخدم المحلّـلون معارفهم المتعلقة‬
‫بالوضعية السياسية‪ ،‬أو بالتاريخ السابق‪ ،‬أو بالناخب‪ ،‬الخ‪ .‬وهكذا‪ ،‬تصبح األرقام مادَّة ً من أجل ٍ ّ‬
‫نص جديد‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫ي للمعنى المقبول من طرف الجميع إال‬
‫وال يمكن لهذا التأويل أن يطمح إلى الحصول على الوضع االعتبار ّ‬
‫تفسيرا معقوال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُـدرك باعتباره‬
‫ي‪ ،‬ويعني ذلك أن ي َ‬
‫إجماع نسب ّ‬
‫ٍ‬ ‫إذا استطاع أن يحصل على‬

‫السيميوزيس عند بورس‪:‬‬

‫ّ‬
‫إن التأويل‪ ،‬مثل الفهم‪ُ ،‬مـستَـو ًحى بالضرورة من بيوغرافية القارئ‪ :‬من تجاربه االجتماعية والثقافية‪ ،‬من‬
‫المؤوالت " عند شارل سندرس بورس (في‪ :‬فرانكور‪،1993 ،‬‬
‫ّ‬ ‫معارفه‪ ،‬من أحاسيسه‪ ،‬من أذواقه‪ ،‬الخ‪ .‬و"‬
‫ص‪ )43‬هي هذه العالمات ال ُمـستر َجــعـة بواسطة عملية التأويل‪ .‬غير أنه من الضروري أن نحترس من‬
‫ألن معارفه كلّـها هي نوع من الصوغ االجتماعي النشيط‬
‫ي للقارئ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫َحصر التأويل في العالم الحميم ّ‬
‫سا في عملية التأويل‪ ،‬ذلك ألنها‬ ‫الذي يُـشَـ ّكـ ُل قراءاته بشكل ُمـعـتَـبَ ٍـر‪ .‬وإذن‪ ،‬فاإليديولوجية تلعب ً‬
‫دورا أسا ً‬
‫ـرفُـها باعتبارها‬
‫إن اإليديولوجيات‪ ،‬التي نُـعَ ّ‬ ‫تَـحكُـ ُم القارئ بطريق ٍة ماكرةٍ‪ ،‬من دون أن تكون ُمـ َ‬
‫سـ َّماة‪ّ " :‬‬
‫أنساقًا إلنتاج المعنى وإلسناد الدالالت‪ ،‬هي‪ ،‬من منظور بورس‪ ،‬مجموعاتٌ من العالمات ال ُم ّ‬
‫ـؤولة التي‬
‫ظم الواقع وتسعى إلى تنظيمه في كُـلّـيته"(فرانكور‪ ،1993 ،‬ص‪ .)59‬وحت ًما‪ ،‬فهذه العالمات الفردية‬
‫تُـنَـ ّ‬
‫والجماعية هي التي تساهم في تشييد دالل ٍة ما‪.‬‬

‫المؤولة‪ ،‬بالنسبة إلى بورس(في‪ :‬فرانكور‪ ،1993 ،‬ص‪ ،)43‬وضعين مختلفين‪ :‬من جهة‪ ،‬هناك‬
‫ّ‬ ‫تحت ّل‬
‫العالمات الفردية والجماعية التي يُـعيدُ القارئ تنشي َ‬
‫طـها داخل تأويله؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك الداللة التي‬
‫ت جديدةٍ باعتبار أنها عالمةٌ جديدة ٌ مطروحةٌ للتأويل‪.‬‬
‫تخضع لها العالمة والمدعوة إلى المساهمة في تأويال ٍ‬
‫ت جديدةٍ‬ ‫وفي هذا العمل‪ ،‬فاألنا المبتكرة تقوم إذًا بإبالغ ك ّل تأويل من خالل َرمي العالمة ن َ‬
‫َـحو دالال ٍ‬
‫سـتُـستَـعادُ‪ ،‬هي األخرى‪ ،‬من طرف ُم ّ‬
‫ـؤولين جدُدٍ‪.‬‬ ‫َ‬

‫ـؤول‪،‬‬ ‫ـف تعالُـقًا مع مجموع التجارب التي عاشها ال ُم ّ‬ ‫الفن تؤلّ ُ‬


‫ومث ُل هذه الطريقة في تأويل عالمات ّ‬
‫المؤوالت الجماعية التي تتغذَّى منها ثقافته الحيَّـة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سواء كانت أو لم تكن ذات طبيعة فنية‪ ،‬وهي أشبه بك ّل‬
‫ؤوله‬
‫المؤ َّول و ُم ّ‬
‫ب تنشأ بين العمل َ‬
‫ب وإيا ٍ‬ ‫وهذه التجربة‪ ،‬تَـنظُ ُ‬
‫ـر إليها سيميوطيقا األدب كأنها حركة ذها ٍ‬
‫والموضوع الذي يتـحـ ّمـل هذا األخير مسؤوليتَـه(‪ .)...‬ولهذا البدَّ من اعتبار التجربة الفنية سيميوزيس‪،‬‬
‫ويعني ذلك أنها عالمة دينامية‪ ،‬وفع ٌل للتدالل‪ ،‬وإذن فهي فع ٌل للتأويل(ص‪.)66‬‬

‫وإذن‪ ،‬فالسيميوزيس يستلزم أن نُـعيد مرة ً ثانيةً وضروريةَ تداو َل الدالالت‪ ،‬فإنه بذلك نجعل السلسلة‬
‫تعميم‬
‫ٍ‬ ‫ـؤولة وتُـغذّي تأويال جديدًا بما أنها تندرج ضمن عملية‬
‫تبتكر ال ُم ّ‬
‫ُ‬ ‫التأويلية النهائية‪ :‬بال انقطاع‪،‬‬
‫ضروري ٍة للقراءات‪.‬‬

‫صوغ اجتماعي ضروري للتأويل‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫ـر التأويل بالضرورة من المواجهة االجتماعية التي تمنحه المشروعية‪ .‬فهو تحيي ٌن لدالل ٍة من طرف‬
‫يَـ ُم ُّ‬
‫ت في قلب عشيرةٍ ما‪ ،‬بالقدر الذي تساهم به في السيميوزيس الذي ال ينقطع‪ّ " :‬‬
‫إن تأويل النصوص يقوم‬ ‫ذا ٍ‬
‫بإبراز سيرورات الفهم عند القاريء"(جورو‪ ،1999 ،‬ص‪ .)99‬وأ ّمـا المعنى فإنّه مقبو ٌل ــ ألنه يحصل في‬
‫إجماع ولو كان معنًى وحيدًا ومحددًا ــ؛ وهو ال يحتاج إلى النشر والذيوع من أجل أن‬
‫ٍ‬ ‫األحوال كلّها على‬
‫يحصل على مشروعيته‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬فالتأويل يستمدّ مشروعيته من هذا الصوغ االجتماعي‪ .‬ومن دون صوغ‬
‫ابتكارا شخصيـًا‪ .‬ولهذا ينبغي‬
‫ً‬ ‫ي‪ ،‬ومن دون مواجهة مع اآلخر‪ ،‬ال يمكن االعتراف بالتأويل وسيبقى‬
‫خطاب ّ‬
‫للمؤول أن يسهر على أن يتجاوز تأويلُـه الوض َع االعتباري للعالمة الفردية من أجل أن يصبح عالمةً‬
‫ّ‬
‫اجتماعيةً‪ ،‬ومن أجل أن يكون ً‬
‫قادرا على المساهمة في تداول العالمات‪ ،‬أي في السيميوزيس‪.‬‬

‫ـؤول وعمل ال ُمـحـلّل‪ ،‬هذا الذي ينبغي له أن يذهب بعيدًا في‬


‫يُـمـيّز جان مولينو(‪ )1989‬بين عمل ال ُم ّ‬
‫تفسيرا قابال للفحص‪ :‬و " الحدود‬
‫ً‬ ‫تشييد تفسيره‪ ،‬ذلك ألنه ال يقوم باالبتكار فحسب‪ ،‬بل إنه يقترح‬
‫مختلف‪ " :‬إنه يرمي ال الى تأويل النص‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ع للداللة‪ .‬أ ّمـا عم ُل المح ّلـل فهو‬
‫للتأويل"(ص‪ ،)45‬ذلك ألنه إبدا ٌ‬
‫تقرير عنه‪ .‬وبذلك يحصل إذًا انفكاكٌ بين التأويل والتحليل"(نفسه)‪ .‬فالمحلّـل َي ُ‬
‫ـدرس " ك ّل واح ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫بل الى تقديم‬
‫باستمرار مواجهة بين هذه‬
‫ٍ‬ ‫من األبعاد الثالثة( عالمات النص‪ ،‬وعالمات ال ُمـؤلّف والقاريء)‪ ،‬ويخلق‬
‫المؤول‪ ،‬بما أنه سيجعل عاجال أو آجال‬
‫ّ‬ ‫وتلك"(نفسه)‪ .‬فالمفروض فيه هو الرؤية الشمولية التي ال يملكها‬
‫المؤول ــ المحلّـل صالحية‬
‫ّ‬ ‫قراءته تواجه عشيرة ً من َّ‬
‫القراء‪ ،‬وإذا كان األمر هكذا‪ ،‬فمن أين يمكن أن يستمدّ‬
‫ـر َّكبٌ ومتعدّدُ المعنى‪ ،‬وذلك بأن يقتر َح‬
‫ُـعرف تحديدًا بأنه ُم َ‬
‫عمله؟ يمكنه أن يستمدَّها من تعقيد النص الذي ي َّ‬
‫المؤول ــ المحلّـ ُل األسئلة على النص؛ وعليه‬ ‫ّ‬ ‫ح‬‫مسلكـًا سيميوطيقيـًا من أجل النفاذ الى هذا النص‪ " :‬يَـطر ُ‬
‫أن يؤسس ويقترح النماذج المحدّدة والصالحة من أجل الردّ من داخل النص"(ص‪ .)50‬وهكذا‪ ،‬يمكن أن‬
‫ـم خاصية المحـلّـل على أنه يؤدي واجبا علميّــًا ‪.‬‬
‫تُـتَـر َج َ‬

‫تكاملية الفهم والتأويل‬

‫ال ينبغي إلعادة تنظيم المعنى المالزمة للفهم أن تكون مختزلةً في رسال ٍة وحيدةٍ يكون المؤلّف هو من‬
‫يسعى الى إبالغها‪ ،‬بل األولى أن يسمح الفه ُم بالنفاذ إلى تمث ُّ ٍل للعالم‪ " .‬ما ينبغي لنا فهمه ليس هو الحياة‬
‫النفسية لمن يتحدث من وراء النص‪ ،‬بل هو هذا الشيء الذي يتحدث عنه النص(‪ ،)...‬هو هذا النوع من العالم‬
‫ـؤلَّف إلى إظهاره"(بيرتيي‪ ،1999 ،‬ص‪ .)95‬وسيكون التأويل هو بالضبط هذه المحاولة في‬
‫الذي يسعى ال ُم َ‬
‫تفسير تعددية العوالم‪ .‬فهو يسعى الى أن " يستخرج عوالم األدب الممكنة من عالم الواقع الفردي والمابين ـ‬
‫فردي"(نفسه)‪ .‬وإجماال‪ ،‬فإن القراءة تُـؤسس عوالم؛ وإذا كانت تبحث عن فهم معنى النصوص بالتحايل على‬

‫‪17‬‬
‫ت جديدةٍ‪ ،‬فإن هدف القاريء ال يتغيّر‬
‫الحواجز الموضوعة في الطريق‪ ،‬أو بتأويلها من خالل منحها دالال ٍ‬
‫آخر من أجل أن يَـتـبـيَّـن من خالله صورة ً عن ذاته‪ ،‬وأن يشعر بالقليل‬
‫عالم َ‬
‫سـه داخل ٍ‬
‫أبدًا‪ :‬أن يَـعرض نف َ‬
‫من األلفة من خالل صوره النمطية‪.‬‬

‫وداخل هذا البناء للعوالم الممكنة‪ ،‬يـتَّـضح كم هو صعبٌ أن نُـعيّن من بين المحطتين تلك التي لها‬
‫ب يُـؤ ّكده العديد من‬ ‫األسبقية‪ .‬هل ينبغي لنا أن نفهم كي نُ ّ‬
‫ـؤول في ما بعد؟ لقد أتينا في هذه المقالة بجوا ٍ‬
‫ي بعي ٍد عن الكلمة‬ ‫الباحثين‪ :‬إن عالمة الفهم خاضعة لمقاييس القارئ ومعارفه‪ ،‬من خالل صوغ مفهوم ّ‬
‫المؤوالت المست َمـدَّة من‬
‫ّ‬ ‫والجملة؛ أ ّمـا عالمة التأويل فهي مقذوفةُ نحو دالال ٍ‬
‫ت جديدةٍ‪ .‬وينت ُج عن ذلك أن هذه‬
‫مجردًا منها قبل التحليل ال ُمـ َعـ َّمق‪ .‬وكي ال‬
‫َّ‬ ‫النص‬
‫ّ‬ ‫عمل التأويل تعود لتُـغَـذّ َ‬
‫ي فه َمـنا لتعددية المعنى التي كان‬
‫نذهب‪ ،‬مثل فاندردورب(‪ ) 19992‬إلى أن الفهم يأتي بعد التأويل ــ ألن هذا السجال حول األسبقية‬
‫تالزم‪ ،‬ويغترف ك ُّل واح ٍد من العالمات‬
‫ٍ‬ ‫كثيرا ــ‪ ،‬فإننا نؤكد أنهما يشتغالن في‬
‫الكرونولوجية ال يسمح بالتقدم ً‬
‫مدعوة ٌ إلى التأويل‪ ،‬ويكون‬
‫َّ‬ ‫التي أنتجها اآلخر‪ .‬وهنا سيتحقَّـق تحديد قراءةٍ غنيّـ ٍة ومنتجةٍ‪ :‬المعطيات المفهومة‬
‫ي أن يُـقَـدَّم السجالن م ًعا في تالزمهما منذ التعلمات األولى للقراءة‪ .‬وهكذا‪ ،‬يستكشف القارئ‬
‫من الضرور ّ‬
‫ت جديدةٍ هو نفسه من ابتكرها ومنحها‬
‫ممكنات عالمات النص من أجل أن يعودَ إلى إغناء فهمه بواسطة دالال ٍ‬
‫الصالحية من داخل النص‪.‬‬

‫نظر حول "‪ ،‬بل سيعود‬


‫مجرد " وجهة ٍ‬
‫َّ‬ ‫استقرارا للتأويل‪ :‬فلن يعود ق ُّ‬
‫ط‬ ‫ً‬ ‫والحاص ُل أن " الفهم قد يُـ َمـثّل‬
‫استقرار‬
‫َ‬ ‫ومشترك(أولسون‪ ،‬في‪ :‬جروسمان‪ ،1999 ،‬ص ‪ .)152‬وقد س َّمـيـنَا‬
‫َ‬ ‫تأويال يُـفتَرض أنه مقبول‬
‫ي‪ " ،‬معنًى "‪ ،‬ألنه يساهم في ٍ‬
‫فهم جديدٍ‪ .‬ويضاف إلى‬ ‫التأويل هذا‪ ،‬الذي ينتمي تحديدًا إلى مجال االجتماع ّ‬
‫باستمرار الى التحول‪ ،‬في ضوء المؤوالت الجديدة التي تُـغَـذّيه‪ .‬فطابعه التوافقي هو‬
‫ٍ‬ ‫ذلك أن المعنى مدع ٌُـو‬
‫ت‬
‫ي للتأويالت المتالحقة التي ترمي‪ ،‬بعد أن يت َّم إثباتها‪ ،‬إلى أن تتحصَّـنَ حول دالال ٍ‬
‫وليدُ الصوغ الخطاب ّ‬
‫تلتزم الصمت بخصوص تفسير النص‪.‬‬
‫َ‬ ‫معيَّـنة‪ ،‬وأن‬

‫امتدادات ديداكتيكية‬

‫يسيرا وم َبـسَّطـًا‪ ،‬وضعنا‪ ،‬في الجدول‬


‫ً‬ ‫من أجل أن يكون تع ّلـ ُم هذه الحركة الدينامية في القراءة األدبية‬
‫رقم ‪ ،1‬األقطاب الخمسة ال ُمـستخ َلـصة من مقالتنا ذات الطبيعة التركيبية النقدية‪ .‬والبدَّ من قراءة هذا الجدول‬
‫ضـ َّمـنة في نشاط القراءة األدبية‪ ،‬في الفهم كما في التأويل‪،‬‬
‫متقن أحيانـًا‪ ،‬لألنشطة ال ُمـتـ َ‬
‫ٍ‬ ‫غير‬
‫باعتباره تفكيكـًا‪َ ،‬‬
‫تبلور في هذه المقالة بقصد التدقيق في النشاط الذي‬
‫َ‬ ‫أي باعتباره خطاطةً البدّ من ربطها طبعـًا بمجموع ما‬
‫عنصر من عناصر الثنائيات‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يستتبعه ك ّل‬

‫مثال‪ :‬رواية " زبد األيام " للكاتب بوريس فيان‬

‫‪18‬‬
‫موجزا جدًّأ من أجل تعلّـم ــ تدريس الفهم والتأويل في النصوص األدبية من‬
‫ً‬ ‫وفي سبيل الختم‪ ،‬نقترح مثاال‬
‫خالل استحضار متوالي ٍة ديداكتيكي ٍة موضوع ٍة من أجل تالمذة اإلعدادي بالكبيك(‪ 18‬ــ ‪ 19‬سنة)‪ .‬ومن أجل‬
‫تحريف شفرات‬
‫ُ‬ ‫إطار للتعلّـم‪ ،‬تصورنا مع التالميذ قبل القراءة وضعيةً ــ مشكلةً نواتُـها التأويلية هي‬
‫ٍ‬ ‫بناء‬
‫بوضوح ال باعتباره‬
‫ٍ‬ ‫ح‬
‫الحكاية الخرافية من طرف الكاتب بوريس فيان في روايته‪ :‬زبد األيام‪ :‬فالزواج مطرو ٌ‬
‫خاتمةً سعيدة ً متوقّعة‪ ،‬بل باعتباره الحدث الذي سيؤدي الى انطالق مصائب كوالن وعصابته‪ .‬وما أن نتقدّم‬
‫مرتفع‬
‫ٍ‬ ‫ت‬
‫س بصو ٍ‬ ‫بهذا المسلك التأويلي حتى تنطلق فعليّــًا عمليةُ الفهم والتأويل‪ :‬قبل القراءة‪ ،‬يقرأ ال ُمـدَ ّر ُ‬
‫صة محلّــال‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫مقاط َع مستهدفة من داخل النص يُـبرز من خاللها عملياته االستنتاجية الخا ّ‬
‫المرض ألول مرة‪ .‬والتالميذ مدعوون على الفور إلى تأويل مقطع‬
‫ُ‬ ‫مشهد الزواج الغريب الذي سيظهر به‬
‫وبالتدرج‪ ،‬سيتعلّـمون كيف يربطون‪ ،‬بمساعدةٍ‬
‫ّ‬ ‫ثان يُـوضّح العالم العدائي الذي نشأ فيه كوالن بعد زواجه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واضح داخل الرواية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عناصر النص بالمسلك التأويلي الذي ال يَـظهر بشكل‬
‫َ‬ ‫ـدرسهم ورفاقهم‪،‬‬
‫من ُم ّ‬

‫الجدول رقم ‪1‬‬

‫‪19‬‬
‫تركيب خصائص الفهم والتأويل‬

‫الـــتـــاويـــل‬ ‫الـــفـــهــــم‬

‫* اشتغا ٌل بــالداللة‪ ،‬بــالتدالل الذي يحيل على فعل " التعيين "‪،‬‬ ‫* اشتغا ٌل بــالـمـعـنـى‪ ،‬المحدد باعتباره "إدراكــًاكــًا حسيّـــًا "‬

‫عنصر مح َّد ٍد للتأويل‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫وإذن بانتقاء‬ ‫القراء‪.‬‬
‫ذاتيــًا تقتس ُمـه على العموم جماعة من َّ‬

‫ت‬
‫* تأم ٌل في متعدد النص يقود الى ابتكار عالما ٍ‬ ‫* اشتغا ٌل على الحواجز التي يَـنصبها النص وتمنع الفه َم‪.‬‬

‫جديدةٍ(مؤوالت)‪.‬‬

‫* في التأويل‪ ،‬يضيف القارئ داللةً جديدةً إلى النص المتعدد‬ ‫* في الفهم‪ُ ،‬يـحـيّـ ُن القارئ المعنى‪ ،‬يشيّده أوال انطالقا من‬

‫المعنى‪ ،‬غير أنه من الضروري أن يستوحي العالمات من‬ ‫عناصر النص‪ ،‬مستعينــًا بمعارفه وتمثالته‪.‬‬

‫النص‪ ،‬وأن يبقى وفيّــًا له‪.‬‬

‫أقرب من التفسير األدبي‪ ،‬ومن التحليل‪.‬‬


‫ُ‬ ‫خطاب‬
‫ٌ‬ ‫*‬ ‫ح يعيد صياغة المحتوى‪.‬‬
‫خطاب شار ٌ‬
‫ٌ‬ ‫*‬

‫* الفه ُم مشروطٌ ببيوغرافية القارئ وبالخطاب االجتماعي‪.‬‬ ‫* الفه ُم مشروطٌ ببيوغرافية القاريء وبالخطاب االجتماعي‪.‬‬

‫* يستلزم التأويل بالضرورة صو ً‬


‫غا اجتماعيـً للخطاب‪ ،‬فمواجهة‬ ‫الشخصي لمعنى يستجيب لتوافق‬
‫ّ‬ ‫* الفهم هو التحيين الداخلي‬

‫فردي ٍ ليس بالضرورة ُمـصاغــًأ اجتماعيا‪ .‬اآلخر ضرورية لتحصل العالمة التي بناها القاريء على‬
‫ّ‬ ‫ما؛ فهو يتعلق بنهجٍ‬
‫مشروعيتها‪.‬‬

‫ـمكن من ممكنات النص من‬


‫ق ل ُم ٍ‬
‫استكشاف دقي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫تجزيئي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫* نشاطٌ‬ ‫تعميمي‪ :‬ابتعا ٌد عن البنيات المعجمية والتركيبية من‬
‫ّ‬ ‫* نشاطٌ‬

‫أجل بناء دالل ٍة جديدة تساهم في الفهم عند الرجوع إليه إذا ما‬ ‫فهم شام ٍل‪ ،‬و ُمـصاغٌ صوغـًا مفهوميـًا‪ ،‬وال يقتضي‬
‫أجل بناء ٍ‬

‫ُــرف بها اجتماعيــًا‪.‬‬


‫اعت َ‬ ‫أكثر من قراءة واحدة خطية‪.‬‬

‫ت‬
‫* يستخدم التأويل عالمات النص من أجل ابتكار عالما ٍ‬ ‫* بواسطة عملية االستنتاج‪ ،‬يرمي الفهم الى ملء بياضات‬

‫َــرة من تأليف‬
‫ت ُـستَـوحَـى منه‪ ،‬لكنها غير ظاهرة‪ ،‬بل هي ُمـبـتَــك َ‬ ‫النص من خالل تفكيك العناصر المضمرة‪ :‬المضمرات‪،‬‬

‫المؤول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المسكوت عنه‪ ،‬االستعارات‪ ،‬الخ‪.‬‬

‫عناصر‬
‫َ‬ ‫* يَـصد ُُر التأوي ُل عن خارج النص‪ ،‬فهو يقتطع من النص‬ ‫التعرف الى‬
‫ّ‬ ‫* يَـصد ُُر الفه ُم أوال عن النصّ ‪ ،‬وهو يرمي الى‬

‫بدعم من العالمات الخارجية‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫من أجل استكشاف دالل ٍة جديدة‬ ‫المعنى المستتر وتنظيمه بطريقة واضح ٍة انطالقـًا من تمثالت‬

‫القارئ‪.‬‬

‫أثناء القراءة الفردية‪ ،‬تتحدد مه ّمـةُ التالميذ في تعميق التأويل الذي بدأت ترتسم معالمه‪ ،‬مع ّ‬
‫مدرسهم‪،‬‬
‫المدرس قراءة ً‬
‫ّ‬ ‫بقدر أكبر من التشاكالت‪ .‬وفي مثل هذا اإلطار الديداكتيكي‪ ،‬ال يفرض‬
‫ساعين الى ربطه ٍ‬
‫وحيدةً‪ ،‬بل يسمح للتالميذ ببناء كفاياتهم التأويلية في عالق ٍة بمسأل ٍة مطروح ٍة منذ بداية االشتغال‪ ،‬ألن المتعلم‬

‫‪20‬‬
‫ــ القارئ ال يمكنه‪ ،‬بمفرده‪ ،‬أن ينخرط في مه ّمـة التأويل‪ :‬لن يتمـ َّكــن من عزل مسأل ٍة مالئم ٍة تستجيب‬
‫ع‪ .‬وهكذا‪ ،‬فأثناء القراءة الفردية‪ ،‬يُـؤلّف التلميذ لنفسه فهمــًا يقوم‬
‫لخصائص النص من دون انحراف ُمـبـتَـدَ ٍ‬
‫في جزءٍ منه على تأوي ٍل يُـغذيه شيئا فشيئا كلَّـما تقدّم في النص‪ .‬وبارتباطه بالمسألة المطروحة‪ ،‬سـيتعلّم كيف‬
‫مستمرا داخل القسم‪ ،‬بواسطة‬
‫ّ‬ ‫قدر من تشاكالت النص‪ .‬وعند االنتهاء من القراءة‪ ،‬يبقى التعلّـم‬
‫أكبر ٍ‬
‫يستشعر َ‬
‫العمل التشاركي‪ ،‬لفحص فرضيات القراءة‪ ،‬واختبار التوافق الجماعي حيث ينبغي لكل واح ٍد أن يدافع عن‬
‫استبصاراته التي تكون مترددة أحيانا‪ .‬وهكذا تتنقَّـل األسئلة الفردية للقارئ ــ الخبير داخل القسم‪ ،‬من أجل‬
‫باستمرار على النص‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫المؤول أن يثبت صالحية مسالكه التأويلية باإلحالة‬
‫ّ‬ ‫أن يفهم التالميذ كيف ينبغي للقارئ‬
‫ـدرس أن يوضحها ما أمكن ذل ك بإلقاء الضوء على آليات التفاوض التي تجري‬
‫وهي العملية التي ينبغي لل ُم ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫داخل العمل التشارك ّ‬

‫وانطالقُ القراءة األدبية بهذا الشكل‪ ،‬في استهاللها‪ ،‬أال يضع التأويل قبل الفهم؟ الشك في ّ‬
‫أن هذا ما تؤكده‬
‫ت تعلميةٍ‪ .‬لكن ال يمكننا أن نجزم بذلك في نشاط القراءة‬
‫المتوالية الديداكتيكية المقدَّمة هنا‪ ،‬ومن أجل غايا ٍ‬
‫أمر يجعل يسيرة ً عمليةَ التأويل التي تُـغَــذّي الفهم‪،‬‬
‫نص ما ٌ‬
‫فهم محتوى ٍ ّ‬
‫أن َ‬‫كما تمارسه الذات‪ .‬وما نعتقده هو ّ‬
‫أكثر دقّةً هو الذي ‪ ...‬يبدو شرطـًا ضروريــًا من‬
‫فهم َ‬‫هذا الذي يقوم‪ ،‬بدوره‪ ،‬بإغناء التأويل الذي يَـنـفُــذ إلى ٍ‬
‫أجل انكشاف لذّةٍ دائم ٍة ومتجدّدةٍ للقراءة األدبية‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫‪Berthier, P. (1999). Le second apprentissage de la lecture. Paris: Anthropos.‬‬

‫‪21‬‬
Calvez, V. (1999). Lire (et comprendre) Zadig de Voltaire ou comment y entrer?… et

Comment (s’) en sortir ? Enjeux, 46, 47-56.

Canvat, K. (1999). Comprendre, interpréter, expliquer, décrire les textes littéraires.

Postures de lecture et opérations métacognitives. Enjeux, 46, 93-115.

Chelard-Mandroux, I. et Tauveron, A.-M. (1998). Enseigner la lecture de l’oeuvre

littéraire au lycée. Paris: Armand Colin.

Daunay, B. (1997). La paraphrase dans le commentaire de texte littéraire. Pratiques, 95,

97-124.

Desrosiers-Sabbath, R. (1992). L’inférence en lecture et le profil d’apprenants. In M.

Lebrun et

M.-C. Paret (dir.), L’hétérogénéité des apprenants (p. 91-96). Paris: Delachaux et Niestlé.

Dumortier, J.-L. (1991). Questionnaires en question. Enjeux, 23, 71-87.

Eco, U. (1985). Lector in fabula. Paris: Grasset.

Falardeau, É. (2002a). Pistes d’entrée pour la lecture de textes littéraires au collégial.

Thèse de doctorat, Université Laval.

Falardeau, É. (2002b). La préparation à la lecture pour améliorer les compétences des

élèves en littérature. Pédagogie collégiale, 16(1), 6-11.

Francoeur, L. (1993). Grimoire de l’art, grammaire de l’être. Québec/Paris: Les Presses

de l’Université Laval/Klincksieck.

Gadamer, H.-G. (1996). Vérité et méthode. Les grandes lignes d’une herméneutique

Philosophique (trad. P. Fruchon, J. Grondin et G. Merlio). Paris : Éditions du

Seuil.

Gervais, B. (1993). À l’écoute de la lecture. Montréal : VLB Éditeur.

22
Giasson, J. (dir.) (1990). La compréhension en lecture. Boucherville: Gaëtan Morin.

Giasson, J. (1992). Stratégies d’intervention en lecture: quatre modèles récents. In C.

Préfontaine et M. Lebrun (dir.), La lecture littéraire (p.219-239). Montréal :

Les Éditions Logiques.

Grossmann, F. (1999). Littératie, compréhension et interprétation des textes. Repères,

19, 139-166.

Irwin, J. et Baker, I. (1989). Promoting active reading comprehension strategies.

Englewood Cliff,NJ: Prentice-Hall.

Jorro, A. (1999). Le lecteur interprète. Paris : Presses universitaires de France.

Lebrun, M. (1987). Vers un modèle intégré des critères de compréhension en lecture au

collégial, Université Laval, Thèse de doctorat.

Molino, J. (1989). Interpréter. In C. Reichler (dir.), L’interprétation des textes (p. 9-52).

Paris : Éditions de Minuit.

Privat, J.-M. (1995). Sociologiques des didactiques de la lecture. In J.-L. Chiss, J. David

et Y. Reuter (dir.), Didactiques du français. État d’une discipline (p.133-153).

Paris: Nathan.

Rémond, M. (1999). Apprendre à comprendre l’écriture. Psycholinguistique et

métacognition :l’exemple de CM2. Repères, 19, 203-224.

Reuter, Y. (1981). Le champ littéraire : textes et institutions. Pratiques, 32, 5-29.

Reuter, Y. (1992). Enseigner la littérature. Recherches, 16, 55-70.

Tauveron, C. (1999a). Des enfants de 6 à 10 ans en quête de sens. Enjeux, 46, 5-25.

Tauveron, C. (1999b). Comprendre et interpréter le littéraire à l’école : du texte réticent

au texte proliférant. Repères, 19, 9-38.

23
Terwagne, S., Lafontaine, A. et Vanhulle, S. (1999). Lectures interactives d’Amos et

Boris. Pour un apprentissage par étayage de l’interprétation d’oeuvres

littéraires. Enjeux, 46, 27-46.

Vanderdorpe, C. (1992). Comprendre et interpréter. In C. Préfontaine et M. Lebrun

(dir.), La lecture et l’écriture. Enseignement et apprentissage (p.159-182).

Montréal: Les Éditions Logiques.

24

You might also like