Professional Documents
Culture Documents
العلاج النفسي التحليلي في المجتمعات العربية الإسلامية مركز المساعدة
العلاج النفسي التحليلي في المجتمعات العربية الإسلامية مركز المساعدة
الكلمات الدالة :العالج النفس ي التحليلي؛ السياقات العاملية؛ املجتمعات العربية اإلسالمية؛ العالقة
العالجية؛ علم النفس العيادي.
Abstract
The long-term observations had proved the efficiency of the psychoanalytic therapy
with treating the psychological suffering of the youth who came to the center.
Therefore, we wanted to expose our therapeutic experience data to discussion, in
the light of psychoanalytical theory. These data represent thirty years of our
personal psychoanalytic clinical practice at the university psychological treatment
center, University of Algiers2. As a matter of fact, the universality of the
psychological contexts and the cultural/religious issues are problematic whether or
not this therapy is valid. Do the cultural/ religious factors have to do with impeding
the therapeutic process and context, or it is mere expressions of resistance that
translate the control of an aspect of a psychological functioning system as it has been
formulated by Freud. Do the cultural/ religious factors have an impact on the
psychological/ sexual history causing mental distress? Hence, this article presents,
first, studies which assumed the invalidity of practicing and applying the
psychoanalytic approach on the Muslim Arabic Societies. Second, we illustrate the
justified negation of this assumption, and third, the explanation of the psychological
phenomena that activate the therapeutic relationship in the clinical methodology
which supports the effectiveness of this treatment.
Keywords: Psychoanalytic therapy; universal contexts; Muslim Arab societies;
therapeutic relationship; clinical methodology.
Résumé
Des observations longitudinales confirment l'efficacité du traitement
psychanalytique de la souffrance psychique des jeunes qui viennent à nos
consultations. A la lumière de la théorie psychanalytique, nous avons donc voulu
soumettre les données empiriques de cette psychothérapie, à une discussion. Pour
l'auteure de l'article, ces données représentent trente années de pratique de terrain
de la psychothérapie psychanalytique au Centre d'Aide Psychologique Universitaire
Samia Benouniche de l'Université d'Alger 2. En effet, l’universalité des processus
psychiques et les différences culturelles et religieuses peuvent poser la
problématique de l’efficacité ou non de ce type d’intervention. Les facteurs
culturels et religieux peuvent-ils entraver ce type de processus thérapeutique ou ne
seraient-ils que l’expression de la résistance traduisant la domination d’une instance
de l’appareil psychique, tel élaboré par Freud ? Les facteurs culturels et religieux,
peuvent-ils agir sur le développement psychosexuel qui détermine la souffrance et
de ce fait compromettre le processus thérapeutique inspiré de la théorie
psychanalytique ? Par conséquent, cet article présente, en premier lieu, des études
qui ont supposé l'invalidité de la pratique et de l'application de l'approche
psychanalytique sur les sociétés arabes musulmanes. Ensuite, il argumentera par des
exemples cliniques la réfutation de cette thèse. Enfin, il expliquera les faits
psychiques qui animent la relation thérapeutique telle que nous la recommande la
psychologie clinique d’inspiration psycho-dynamique.
أ ّما الثانية فتخبرنا عن وجود املارستان لعالج "املجانين" واجتهاد املعتزلة في شرح
"حدثنا عيس ى بن هشام قال :دخلت مارستان البصرة ومعي أبو اضطراباتهم النفسيةّ .
ُّ ْ ّ
داود املتكلم فنظرت إلى مجنون تأخذني عينه وتدعني فقال ) (...تقولون :خالق الظلم
ُ ُْ
الهلك هالك؟ أتعلمون يقينا أنكم أخبث من إبليس دينا؟ قال رب ظالم؛ أفال قلتم خالق
ْ
فليخزكم أن القرآن َبغ ُبما أغويتني فأقر وأنكرتم ،وآمن وكفرتم! ُ
يضكم ،وأن الحديث ِ ِ
ّ ُ
َي ِغيظكم!" )ص .(185 .هذا الحديث الذي دار بين املجنون وبن داود املتكلم لدليل على أن
املعتزلة اجتهدوا في مجال سببية األمراض النفسية بتطبيق املنهج العلمي وعزله عن
الدين .ال يمنعهم هذا في االستماع إلى رأي املريض معتنيين بأخالقيات مناهج املعرفة
ّ
العلميةّ .أما النيسابوري فقد ركز على صعوبة وضع حد يفصل بين العاقل واملجنون مع
ّ
أنه وضع تصنيفا ندرك من خالله مساهمته في التشخيص الفارقي بين السواء والشذوذ.
في نفس العهد ،كان ابن سينا ) (1988يعالج املصابين باضطرابات نفسية بتقنية
التداعيات ّ
الحرة ،املستعملة في العالج النفس ي التحليلي.
اعتمد ابن سينا في عالجه بالتداعيات الحرة على التنظير امللخص في كتاب الشفاء:
"والقوة املبصرة غير الحس املشترك ،وإن كانت فائضة منه ّ
مدبرا لها .ألن القوة الباصرة
تبصر وال تسمع وال تشم وال تلمس وال تذوق ،والقوة التى هى الحاسة املشتركة تبصر
وتسمع وتشم وتلمس وتذوق على ماستعلم .ثم إن القوة التى هى الحاس املشترك تؤدى
الصورة إلى جزء من الروح يتصل بجزء من الروح الحامل لها فتنطبع فيها تلك الصورة
وتخزنها هناك عند القوة املصورة وهى الخيالية ـ كما ستعلمها ،فتقبل تلك الصورة
وتحفظها .فإن الحس املشترك قابل للصورة ال حافظ ،والقوة الخيالية حافظة ملا قبلت
عما قدمه فرويد ) (1938في آخر تصميم له للجهازتلك" )ص .(210 .ال يختلف هذا التنظير ّ
ٌ
النفس ي فيما يتعلق بالتتمييز بين اإلدراك والشعور ،ماقبل الشعور والالشعور ،حيث
اعتبرهما كخزانين للذاكرة التي يربط اإلدراك معها اتصال عن طريق الخيال.
بقيت وتيرة التنظير حول النفس متواصلة حتى بداية القرن الخامس عشر .نذكر
مساهمة ابن رشد ّ
ثم ابن خلدون كمرجعين يمثالن مرحلة ما بين القرن الثاني والخامس
عشرّ .
يعد ابن رشد بانتمائه ملدرسة أثينا مع ارسطو وافالطون وآخرون ،الوحيد من
ُْ َ
اعت ِرف بعاملية أفكاره .يشير ابن رشد في كتاب النفس العلماء املسلمين العرب الذي
تعد هذه الحقبة من الزمن ،في القرون الوسطى ،مرحلة ساهم بها العلماء املسلمون في ّ
ّ
وضع الفروض حول السببية النفسية والسياقات التي تنشطها .في نفس املرحلة ،امتازت
ّ
القرون الوسطى في أوروبا بمحاولة التخلص من باملصابين بأمراض عقلية وقصة باخرة
املجانين 2تشهد على ذلك حسب ميشال فوكولت ) .(1976بعد هذا االزدهار الفكري
ّ الذي ّ
مس جميع املجاالت آنذاك ،حدث نوع من الركود ينسبه بعض املفكرين العرب،
ّ
بصفة عامة ،إلى أسباب ثقافية ال تخلو من تدخل عامل السلطة في تقليص حرية
ّ
التفكير الذي ترتب عنه خمول أعاق االكتشاف العلمي بقدر ما ضمن ديمومة السيطرة
على الشعوب لدرجة توليد ثقافة ال تسمح استغالل فرص االستبصار للخطر الذي
ّ ّ
يمثله التفكير .ملا نقول ثقافة ،نعني بذلك ،خاصة ،الطرق التربوية في األسرة ،املدرسة
ّ ّ
وحتى الجامعة املتأثرة باإليديولوجية واألرثوذكسية الدينية ،خاصة فيما يتعلق بتقديس
الديانات التوحدية كما أشارت إليه كاترين با ا سنة ) (1988في كتابها "دينامية ّ
املقدس" ر
ومنها إذن اإلسالم.
بعد هذا االنحطاط ،حاولت النهضة العربية أن تستدرك التأخر الفكري ،لكن كما يقول
عبد الرحمان الكواكبي ) ،(1991في كتابه طبائع االستبداد ومصارع االستعباد" :ويرى انه
أن طالب الحق فاجر ،وتارك قد قبل الناس من االستبداد ما ساقهم إليه من اعتقاد ّ
حقه مطيع ،واملشتكي املتظلم مفسد ،والنبيه املدقق ملحد ،والخامل املسكين صالح
أمين" )ص.(94 .
ّ سنتطرق فيما يلي ّ
ألهم ّ ّ
املبررات التي حالت دون االعتماد على العالج النفس ي التحليلي
في املجتمعات العربية اإلسالمية.
.2مقاومة العرب واملسلمين للتحليل النفس ي
ّ تعرض ّ
ّ
عدة محللين نفسيين في العالم العربي اإلسالمي إلى اضطهاد جعلهم يغتربون
ّ
للقيام بالعمل الذي قضوا من أجل ممارسته سنوات عديدة في التكوين .يكفي أن نذكر
أسماء مصطفى زيور ،سامي علي ،مصطفى صفوان ،فتحي بن سالمة وما ّ
تعرضت إليه
كل من رجى بن سالمة ،في تونس ،ورفاح ناشد )بنت مصطفى زيور( في سوريا من ّ
تدل على ّ
تخوف النظامين من التحليل النفس ي. ممارسات ّ
أن التحليل النفس ي ولد في اإلمبراطورية املجرية-النمساوية يقول علي أوطاحّ (2007) 3
ّ
ويجد صعوبات في االنتشار عبر العالم .مع أنه يعتمد على كونية السياقات النفسية في
تنظيره للجهاز النفس ي ،بقي التحليل النفس ي أوروبيا ،غير معروف في إفريقيا ،منعدما في
ّ
الصين ،حاضرا بقوة في أمريكا الجنوبية ومتقهقرا في الواليات املتحدة لتسلط العلوم
العصبية والعالجات السلوكية املعرفيةّ .أما في البلدان العربية اإلسالمية ،فال يفوق عدد
ّ
املحللين النفسيين األربعين في هذا القطر الواسع من العالم وعشرون منهم لبنانيون
لتواجد الحكم الليبيرالي ،التفتح على الغرب وحضور املسيحية في هذا البلد.
كل هذه االعتبارات جعلت علي أوطاح ينسب مقاومة العرب واملسلمين للتحليل النفس ي، ّ
أساسا ،إلى أسباب دينية مرتبطة باستسالم الفرد املسلم إلى كلمة هللا ،الش يء الذي
ّ يقلص حرية التعبير التي ّ ّ
تعد األداة األساسية الستقصاء الالشعور .في نفس املوضوع،
عالج بلقاسم بن اسماعيل ) ،(1990سبعة عشر سنة قبل علي وطاح ،القضاء والقدر
أن املمارسة الثقافة تسمو فوق الدين مع أن هذا والسنة واستنتج ّّ على ضوء القرآن
األخير داال على الحتمية اإللهية دون إقصاء الحرية الفردية في تحديد مصير الشخص،
وتقلص ّ ّ
حرية الفرد في هذا السياق عكس الثقافة التي تعمل بمبدأ القضاء والقدر
الثقافي الذي ،يتناقض إذن ،مع القيم الذي يحملها اإلسالم.
يعزز بن إسماعيل قوله باستشهاده لنصوص فرويد حول استعمال األضداد ليشرح ّ
أن الدين ينفي الحرية الفردية .يعطي بن إسماعيل في هذا الصدد، االعتقاد الخاطئ ّ
كل من الثقافة والدين حيث تعني في مثال املعنى املزدوج ّالذي تحمله كلمة "املكتوب" في ّ
أي إسقاط في املستقبل؛ ّأما في الدين الثقافة فكرة الجبرية السلبية بدون القدرة على ّ
تصور إيجابي لتوقعات مستقبلية" .إ َّن َّ َ
َّللا اإلسالمي فهي تشير إلى عكس ذلك أي إمكانية ّ
ِ
َْ َ َ َ َ
ال ُيغ ِّي ُر َما ِبق ْو ٍم َح َّتى ُيغ ِّي ُروا َما ِبأن ُف ِس ِه ْم" 4لدليل قاطع على حرية الفرد في تسيير حياته
ّ
في الدين اإلسالمي ،يؤكد بن اسماعيل .يضيف مصطفى صفوان ) (2013 ،2008اللغة
ألن اللغة النحوية تعمل على عزل الشعب من والكتابة كعائق لحرية االنسان العربي ّ
التراث الثقافي ،وتوظيف اللغة النحوية في الكتابة لصالح الحاكم املستبد .يعمل
ّ
3مشيرا إلى مجلة Le Mondeللثالثاء 6جوان .2000
4سورة الرعد ،آية . 11
15 أفكار وآفاق ،املجلد ،10العدد ،4السنة 2022
د .دليلة سامعي-حدادي العالج النفس ي التحليلي في املجتمعات العربية اإلسالمية :مركز املساعدة...
استعمال هذه اللغة على تلقين الحقيقة الوحيدة املنسوبة لألمير في تقديسه كشرعية
ينجر عن هذه الكتابة تكوين الشعور ثقافي جمعي ال يقبل دينية ال جدال وال نقاش فيهاّ .
ّ
إال حقيقة الحاكم .يربط مصطفى صفوان هذا الواقع بتراث اإلمبراطورية الساسانية
التي حكمت إيران قبل الفتح اإلسالمي بين 224و 651ميالدي.
ّ
يركز علي أوطاح كذلك على انعدام الشعور بالذنب في الشخصية العربية اإلسالمية
ُ
الناتج عن إنكار اإلسالم لتوريث الخطيئة األصلية املعترف بها في املسيحية والتي ت ْبنى
ّ
الحكام ّ ّ
للدين، عليها الشخصية النفسية في املنظور التحليلي .ترتب عن استغالل
ّ ّ ّ
تقمصهم لوحدانية الرأي اإللهي ،الش يء الذي ساهم في االستجابة بعاطفة العار التي
تعبر عن شعور جمعي يؤدي إلى هيمنة التماثل االجتماعي في حالة اختراق ما هو معمول ّ
به في املجتمعات العربية اإلسالميةّ .
تطرقنا لهذه اإلشكالية سابقا )سامعي-حدادي(2018 ،2009 ،
واملثل الجزائري "نحن تابعين غير بادعين" ،قد يصف ما يقصد به علي وطاح الشعور
بالعار.
هذا األخير غير مرتبط -كما هو معروف في التحليل النفس ي -بصياغة إشكالية الصراع
ّ
الداخلي بين الرغبة والدفاع املتعلق بكبت الحياة الجنسية الطفلية .هذا الكبت يساهم
في استدخال القيم األخالقية على نحو الشعور بالذنب عوض الشعور بالعار ويمنح
يتحول الشعور بالعار ،في بعض للكبت وظيفة هامة في بناء الشخصية السوية .قد ّ
ّ
الحاالت ،إلى االضطهاد لعدم توفر سياقات الدفاع النفس ي ضد القلق الناتج عن
الشعور بالذنب .معتمدا على مفكرين غربيين.
ينسب علي أوطاح التحليل النفس ي إلى الفكر اإلغريقي-الالتينيُ ،م ْقص ي منه الفكر
العربي اإلسالمي التصاله بالتراث الفكري األشوري-البابليّ .
يحل التفكير الديني في
املجتمعات العربية-اإلسالمية ّ
محل التفكير العلمي في الثقافات الالتينية-اإلغريقية .بما
يفسر الظواهر النفسية بصفة علمية ،فالعرب املسلمون ،إذن، أن التحليل النفس ي ّّ
غير مستعدين نفسيا ومعرفيا إلدراك هذه املعرفة ،يفترض علي وطاح .وفيما يلي نعرض
مميزات العقل العربي كما صاغها الجابري ،الطرابش ي وأركون كتصميمات نماذج من ّ
ّ
معاصرة ،تفيد إشكالية كونية العقل البشري أو محليته في تأثره املحتمل بالثقافة.
في شمولية فكره ) (1972أثناء إلقائه محاضرة أمام الجمعية العاملية للتحليل النفس ي
ّ
قصد التفكير مع املحللين النفسانيين في وضع الصلة بين النمو النفس ي والنمو املعرفي،
فال يحتوي هذا املصطلح على البعد الجمعي الذي أعطاه إياه الجابري.
يخص "املديونية الكاذبة لفوكو" فيقول الطرابش ي ما يلي ":وإذا كان من املمكن ّ ّأما فيما
معاّ ،
فإن بأنها أداة منهجية لتمييز الحقب الثقافية ولتوحيدها ً حد اإلبستمية الفوكية ّ ّ
إال باسمها ،تجهل مبدئي التوحيد والتمييز ً ّ
معا" اإلبستمية الجابرية ،التي ال تدين لألولى
)ص.(281 .
يتعلق بمديونية الجابري الكاذبة لليفي ستراوس إلىّ ": ّ
أن ناقد وأخيرا ،ينسب الطرابش ي ما
العقل العربي لو كان قرأ النص في مرجعه األصلي ملا كان وقع في الخطأ الشنيع الذي أوقع
معا عندما خلط بين مفهوم "الثقافة" كما يتداولها اختصاص ي في فيه نفسه وقارئه ً
إثنولوجيا الشعوب املسماة البدائية مثل كلود ليفي ستراوس وبين مفهومها كما تمثلها
ثقافة عاملة كبرى مثل الثقافة العربية اإلسالمية" )ص.(288 .
ّ
قد نجد عند مفكرين الحداثة العرب تناول شامل للفكر العربي اإلسالمي الذي ال يقص ي
موروث ما قبل التدوين وال يعمل باستقالته عن الفكر الكوني .وفي هذا االتجاه
محمد أركون ) ،(1998أزمة وبمنهجية دينامية تاريخية ،أنتروبولوجية وفلسفية يربط ّ
العقل العربي بعقبات إبستمولوجية ساهم في ترسيخها عدم التواصل بين الثقافات
ّ
والتحيز في األقطار الراجع أساسا إلى هيمنة السلطة في األقطار العربية اإلسالمية
الغربية ،حيث يقول " :وهناك ثالثا املراقبة الدائمة املفروضة على الكتب سواء من جهة
السلطات القائمة ،أم من جهة ذلك القطاع من الجمهور املعادي ّ
لكل قراءة
"استشراقية" أو "غربية" للتراث االسالمي )(...
ّ
ّأما املؤلفات املكتوبة بلغات املسلمين كالعربية والفارسية والتركية واألوردية ..إلخ،
ّ
املشددة أكثر فتشهد ذلك الرفض القاطع نفسه إذا ما انتهكت الحدود الصارمة ،بل
فأكثر في الظروف الحالية ،للفكر الرسمي الوحيد أو لألرثوذكسية الدينية ) .(...هذا فيما
يخص الجمهور اإلسالمي .واآلن ماذا يمكن أن نقول عن الجمهور األوروبي أو الغربي؟ ّ
نالحظ أنه أصبح مضطرا لالستعالم عن اإلسالم بعد أن أصبحت الحركات األصولية
وتجيش وسائل اإلعالم الدولية ضمن الظروف التي نعرفها تهيمن على نشرات األخبار ّ
حاليا .لم يعد هذا الجمهور قاد ا على تجاهل قضايا اإلسالم واملسلمين .بالطبع ّ
فإن ر
الدراسات العلمية املكتوبة عن اإلسالم وتراثه هي أكثر انتشارا وأسهل منال في البلدان
األوروبية :فال رقيب عليها وال حسيب .وحرية التأليف والنشر والتعبير عن الرأي مضمونة
فإن الكتب ذات الطابع الصحفي السريع تهيمن على هنا .ولكن على الرغم من ذلك ّ
ّ ّ
ألنها تركز اهتمامها على املوضوعات املثيرة كالعنف السياس ي والخطابات السوق .ملاذا؟
األصوليةّ .أما املنشأ التاريخي للمآس ي الحاصلة حاليا في البلدان العربية اإلسالمية ،فال
أحد يتحدث عنه أو ّ
يهتم به" )ص.(19-18 .
لكل من األسباب الفكرية املحتملة في مقاومة العرب واملسلمين بعد هذا العرض الوجيز ّ
للتحليل النفس ي لعلي وطاح ،لنقد العقل العربي للجابري ونقد نقد العقل العربي
للطرابش ي ،مساهمة أركون جعلتنا ندرك الحلقة املفقودة في ّ
تصورنا للعقل العربي.
ّ فعال ،تحتوي مالحظاتنا العيادية النفسية للشباب الجزائري على بعض ّ
املميزات التي قد
ّ
تؤثر على تعقيد العالقة العالجية املستوحاة من النظرية التحليلية ،دون أن تلغي ،على
العموم ،فعاليتها في عالج معاناتهم النفسية .نعرض فيما يلي مقاربتنا.
-مقاربتنا :وحدة الفكرالعربي واإلسالمي والفكرالكوني
يعيش الشباب ّالذي نستقبله في استشاراتنا في الوسط الذي ّ
يتميز بهذا النوع من
أن الحلول بحوزته شرط الثقافة .العالج النفس ي التحليلي يجعله يدرك في غالب األحيان ّ
متعلقة أساسا ّ ّ ألن ّ أن يراعي منهجية العالقة التي تربطه باملعالج ّ
بفك ألغاز املهمة ِ
تكيفه في الوسط الجامعي .حقيقة ،ال تساعد هذه الثقافة التركيز األعراض التي تعيق ّ
يتحمل املجتمع الخروج من على الحياة النفسية إلسرارها على وضع الفرد في قالب ال ّ
ّ ّ
نتمسك باملبدأ التحليلي للتسيير قبضته .مع ذلك ،فالعمل العالجي يبقى ممكنا ملا
ّ ّ
كمحرك للحياة النفسية الذي يضمن الحفاظ على اإلطار التحليلي للعالج النزوي
النفس ي.
يبدو من غير املعقول أن ُي ْع َزل العقل العربي عن العقل الكوني ملا يحمله هذا االفتراض
ّ من تناقض وذلك ّ
الن تراكم املعارف ناتج عن العقل البشري كله بدون استثناء ،لذا
ّ
التخصص للعقل لعل هذا لتطور العقل البشريّ ، ارتأينا أن نرجع لألسس التاريخية ّ
العربي الذي يدافع عنه بعض املفكرين تخمين ال أساس له من الوجود الفعلي.
محمد أركون ،مثال ،دراسة الفكر العربي اإلسالمي فيفعال ،وفي هذا السياق ال يقص ي ّ
وتكونه ،من الفكر اإلنساني والدليل على ذلك ،في رأينا ،هيمنة الدين في مراحلتاريخه ّ
تطور اإلنسانية ،مثال ،ما أصاب جليلو وكبرنيك من نبذ جعلهم يخافان من الكنيسة التي ّ
أن األرض تدور حول الشمس .وكما هددتهما بالحرق إذا ما أعلنا عن اكتشافهما العلمي ّ ّ
أشار إليه ابن رشد ،فالديانات السماوية الثالثة تتكامل في وضع شرائع الحكماء "ولذلك
ّ ّ
أسلم الحكماء الذين كانوا يعلمون الناس باإلسكندرية ،ملا وصلتهم شريعة اإلسالم.
ّ ّ
وتنصر الحكماء الذين كانوا ببالد الروم ،ملا وصلتهم شريعة عيس ى عليه السالم .وال يشك
ّ
أحد أنه كان في بني إسرائيل حكماء كثيرون" )ص(395 .
إذا كانت الخطيئة األصلية غير معترف بها في اإلسالم ،ففي التراث القديم لإلنسانية،
تشهد ،على سبيل املثال ،شرائع حمورابي 1728سنة قبل امليالد على الشعور بالذنب
أن التراث البابلي يحتوي على تدل على ّ
قبل الديانات السماوية الثالثة وفي نفس الوقت ّ
ً
مفهومي "الحالل" و"الحرام" حيثُ ،ي ْحكم ،مثال ،بالقتل على مرتكب زنى املحارم.
مرجعية العرب ال تنحصر إذن على عصر التدوين وقد ترجع لظهور الكتابة املسمارية
ّ
على الشكل الذي كتبت بها شرائع حمورابي في األقراص الذي عثر عليها بإيران سنة
1902-1901واملوجودة حاليا في متحف اللوفر بباريس.
ّ ّ
في مقاربة املفكرين املذكورين أعاله ،فيما يتعلق بمشاريعهم املشهورة لنقد العقل العربي
لكل من ابن رشد ،ابن خلدون ،فرويد اإلسالمي ،نستنتج غياب استشهادهم الصادق ّ
ألن ابن رشد من األوائل ،في تاريخ الفكر العربي وبياجيه .ملاذا وقع اختيارنا على هؤالء؟ ّ
اإلسالمي ،الذي عزل التفكير امليتافيزيقي عن التفكير الديني في "تهافت التهافت" ردا على
اتهام ابي حامد الغزالي الفالسفة بالكفر في "تهافت الفالسفة" .أعاد ابن الرشد االعتبار
ّ ّ للعقل والشرع حيث ال وجود ّ
فيفسر ،على سبيل ألي علم بدون فضيلة تقنن شرائعه.
املثال ،في ّرده على "إنكار الفالسفة لبعث األجساد مع التلذذ التام" على ّأنها سفسطة
لكنها واقع ينسبه ابن رشد للزنادقة ،فقال" :وما قاله هذا الرجل 5في ارتكبها الغزالي ّ
ّ معاندتهم هو ّ
جيد .والبد في معاندتهم أن توضع النفس غير مائتة كما دلت عليه الدالئل
أن التي تعود هي أمثال هذه األجسام التي كانت في هذه العقلية والشرعية .وأن يوضع ّ
6 Ontogenèse
7 Phylogenèse
8 Psychologie génétique
9 Epistémologie génétique
املجرد معتمدا على سياقات نفسيةالجهاز النفس ي والجهاز املعرفي من املحسوس إلى ّ
تسلط الفكر السحري .تصدر ّ ّ
كل هذه يغلب عليها التفكير املنطقي تدريجيا بعد
العمليات النفسية واملعرفية من جهاز نفس ي يعمل بطاقة يحتاط من فيضانها بواسطة
تفريغها في مجاالت الفكر املتعددة لخدمة العقل البشري بصفة عامة .ال يقبل هذا
ّ
الفكر الخروج من نطاقه أي من شرائعه التي ورثها من البرهان باألدلة امللموسة ،بعد
يسميه بالتفكير االفتراض ي-االستنتاجي الذيّ التخمين .هذا ما يؤكد عليه بياجيه فيما
يعكس نضج العقل اإلنساني الذي يجعلنا ،من بين غيرها من األمور ،ننشر أعمالنا
العلمية في مجالت عاملية التي تخضع أساسا لشروط مضبوطة بواسطة كونية الفكر
ّ
اإلنساني الذي ال وجود فيه لنظرية محلية.
أن الجهاز النفس ي حاوي للجهاز املعرفي فعال ،ندرك في العيادة النفسية التي نمارسها ّ
والدليل على ذلك ارتباط االختالالت النفسية باالختالالت املعرفية .ما عاد في حاالت
نادرة ،أين يعمل سياق االنشطار بحماية العمليات العقلية ،فنتائج اختبارات
ّ
الشخصية تبرز ذلك .بتعبير آخر ،إذا شخصنا إشكالية في الهوية في اختبارات الشخصية
فال نجد تفكيرا منسجما في االختبارات املعرفية .يرجع تصميم الجهازين ،كما هو
معروف ،على التوالي ،لفرويد وبياجيه.
كونية السياقات التي تعمل بها النظريتان يضعنا أمام واقع السير النفس ي ،مرضيا كان
حد بعيد مع ما تقترحه هتان أم سويا ،كما يمليه علينا امليدان العيادي ّالذي يتطابق إلى ّ
يخص اآلثار و/أو األسباب .نميل إلى طرح هذه الفرضية ملدى ّ النظريتان سواء فيما
تفهم املوضوع ّ
تطابقها مع مالحظاتنا العيادية املتحصل عليها بوسائل الرورشاخ ،اختبار ّ
مدعمة بمعطيات املقابالت العيادية للشباب الجزائري. واختبارات الكفاءات املعرفيةّ ،
غالبا ما نجد على مئات بروتوكوالت اختباري الرورشاخ ّ
وتفهم املوضوع ،حاالت نادرة التي
تخضع للنموذج الفرويدي للعصاب؛ هجاسيا كان أم هستيريا أو خوافيا )سامعي-حدادي،
.(2019 ،1999طالبة واحدة في اللغات األجنبية وحالة واحدة من أصل فرنس ي ،مثلتا على
التوالي العصاب الهجاس ي واالنحراف ،كما وصفتهما السيكوباتولوجية التحليلية.
كذلك ،يبدو في الدراسة املعيارية التي قمنا بها على الرورشاخ أن معطيات بروتوكوالت
الرورشاخ باللغة الفرنسية تختلف كثيرا عن البروتكوالت باللغة الفرنسية في إدراك
ّ
الواقع الخارجي وفي االمتثال إلى ما هو مرتبط بالشكل أكثر مما هو متعلق بعوامل أخرى
تعزز ،مثال ،أطروحة مصطفى كالحركة ،اللون ،التظليل ،االنعكاس الخ ...هذه املعطيات ّ
مدة 30سنة منصفوان التي عالجناه في الفقرة الثانية .هذا ما توصلنا إليه خالل ّ
ممارستنا امليدانية للفحص وللعالج النفسيين ،بينما ينتمي معظم مستشيري املركز
الجامعي للطلبة بجامعة الجزائر 2غير الذهانين ،إلى الحاالت البينية.
في انتظار الدراسات املعيارية الجزائرية لالختبارات التشخيصية ،يبقى اإللحاح على
ْ
تفسير هذه املعطيات مسألة ضروريةُ .يط َر ُح التساؤل هذا ضمن ما هو معروف حاليا
بالدراسات حول تدخل الثقافة في تحديد السببية النفسية للسواء وكذا الشذوذ .وفي
هذا السياق ال تخلو الدراسات بين الثقافات من تأويالت عرقية تحتاج إلى معطيات
ميدانية مضبوطة باملنهج العلمي ،غائبة ّ
لحد اآلن من هذه الدراسات ،الش يء الذي
يجعلها غير صالحة لكي نعتمد عليها.
لذا ال نجد خيارا غير ّالذي نعتمد فيه على نظرية ّ
تفسر لنا املعطيات العيادية للعالج
النفس ي التحليلي الذي نمارسه منذ سنة 1990في مركز املساعدة النفسية الجامعي
سامية بن ونيش والتي ،في نفس الوقت ،تقود الحصص العالجية .تشير املعطيات التي
أن هذا النوع من العالج يجدي نفعا في غالب الحاالت وذلك بفاصل من تحصلنا عليها ّ
ّ
يقدر بعشرين سنة في بعض املالحظات الطولية التي تؤكد استقرار االتزان الزمن ّ
النفس ي الناتج عن العالج التحليلي.
ُ
املعالج أكثر
تبقى املقاومة للتحليل النفس ي ،إذن ،محصورة في إشكالية تطرح على صعيد ِ
َ ُ
من ّأنها تطرح على صعيد املعالج .كيف ذلك؟ فعال ،يأتي طالبو املساعدة النفسية من
الشباب الجزائري باعتقادات ،بإيمان ،بثقافة نادرا أن تكون في مستوى الثقافة العاملية
واملحلية األصيلة والعالج النفس ي يجعلهم يتصالحون معها شرط أن يعي ِ
املعالج احترام
هذا االنتماء االصطناعي للثقافة الذي يعمل عمل الجراحة الترميمية في جهاز نفس ي غير
ّ
مستقل بفردانيته أي بالسياقات النفسية الكونية كما نظرها لنا التحليل النفس ي .في
هذه الحالة ،عوض أن نحكم على الشاب العربي بمقاومته للتحليل النفس ي ،نحاول أن
ننشط حياته النفسية الحميمية وندرك ّ ّ
أن محاوالتنا قد تجعله ّإما يربط الصلة بحياته
يتلذذ باالستبصار ليكشف إمكانية تسيير طاقته النزوية دون أن ّ ّ ّ
يضيعها في النزوية ،إما
ّ الجابري.6
دار الطليعة للطباعة، تكوين العقل العربي،1 نقد العقل العربي.1984 ،محمد عابد
. بيروت،والنشر
، بيروت، دار الساقي، إشكاليات العقل العربي. نقد نقد العقل العربي.1998 ، الطرابيش ي جورج.7
ّ أركون.8
. بيروت، كيف نفهم اإلسالم ال: قضايا في نقد العقل الديني،محمد
. الجزائر، األنيس، املقامات آثار أدبية.1988 ، بديع الزمان، الهمذاني.9
. الجزائر، األنيس،طبائع االستبداد ومصارع االستعباد1991 ،الكواكبي عبد الرحمان .10
. بيروت، ملاذا العرب ليسوا أحرارا؟ دار الساقي.2013 ،صفوان مصطفى .11
دار،( )ترجمة جورج يوم( )ترجمة وتعليق هاشم صالح، الطوطم والحرام.1998 ،فرويد سيقموند .12
.الطليعة للطباعة والنشر
. بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر،الطرابش ي .13